الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ) المجلد 4

هوية الکتاب

الكتاب:... الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ (عَلَیهِ السَّلَامُ) وَ الحُسَینِ (عَلَیهِ السَّلَامُ)(الجزءالرابع)

المؤلف:... الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد

الناشر:... المكتبة الحيدرية

عدد المطبوع:... 500 دوره

ليتوغرافي:... آل البيت (عَلَیهِمُ السَّلَامُ) 09121532077

المطبعة:... شریعت

الطبعة:... الأولى - 1432-1390

السعر الدورة:... 15000 تومان

ردمک: 6- 155- 497- 964- 978

ص: 1

اشارة

الأَلفَینُ

فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)

الجزء الرابع

الْخَطِيبُ

الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد

ص: 2

بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين

و الصلاة و السلام على سيدنا محمّد و آله الطاهرين

و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

من الآن إلى قيام يوم الدين

ص: 4

تقریظ

کتابٌ فیه قُرّة كلِّ عينِ***وفيه النور مِلْءَ الخافِقَينِ

به دُررٌ مِن الأقوال فاقت***على الذهب المُصفّى و اللُجَين

حوى ألفين مِن كلمات قُدْسٍ***و من الحسن المُزکّی والحُسینِ

بها بذل المؤيّد خير جهدٍ***فكان مؤيّداً في النشأتينِ

رعاه اللّه من شيخ جليلٍ***يفيض بعلمه كالرافدينِ

بأربعةٍ مِن الأسفار تجلو ال*** قلوبَ إذا اعتراها مَسُّ رَیْنِ

و رابعها ختامُ المسك منها*** فهاك المسكَ نقداً غیرَ دیَنٍ(1)

ص: 5


1- لفضيلة الشيخ قيس العطار.

الخطب

اشارة

ص: 6

ص: 7

برکات شهر رمضان

{1}

[541] لمّا حضرت شهر رمضان قام رسول اللّه به فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال : أيّها الناس كفاكم اللّه عدوّكم من الجنّ، وقال : «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(1) ووعدكم الإجابة ألا وقد وكلّ اللّه بكلّ شيطان مريد سبعة من الملائكة، فليس بمحلول حتّى ينقضي شهركم هذا، ألا وأبواب السماء مفتّحة من أوّل ليلة منه ، ألا والدعاء فيه مقبول.(2)

أقبل إليكم شهر اللّه

{2}

[542] إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَ نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ وَ دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَ قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَ تِلَاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، وَ اذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَ عَطَشِكُمْ فِيهِ جُوع

ص: 8


1- سورة المؤمن : الآية 60.
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : ص 65 «باب فضل شهر رمضان وثواب صیامه »؛ بحار الأنوار: ج93 ص 371 - 372 ح 65 «باب 46 وجوب صوم شهر رمضان وفضله» بهذا الإسناد : أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن الأهوازي، عن ابن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :

يومِ القيامة وعطشَه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساکِینکم، ووقِّروا كبارَکم، وارحموا صغارَكم وصِلوا أرحامَكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلّ النظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلّ الإستماعُ إليه أسماعَكم، وتحنّوا على أيتامِ الناس يُتَحَنَّن على أيتامِكم، وتوبوا إلى اللّه مِن ذنوبِكم، وارفعوا إليه أيديَكم بالدعاء في أوقاتِ صلاتكم، فإنّها أفضلُ الساعات ينظر اللّه عزّوجلّ فيها بالرحمةِ إلى عباده، يجيبهم إذا ناجَوْه ويلبّيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه ، ويستجيب لهم إذا دعوه.

أيّها الناس! إنّ أنفسكم مرهونةٌ بأعمالكم ففكّوها باستغفارکم، وظهوركم ثقيلةٌ من أوزاركم فخَفِّفوا عنها بطول سجودِكم، واعلموا أنّ اللّه تعالى ذكره أقسم بعزّته أن لا يعذبَ المصلّين والساجدين، وأن لا يروّعهم بالنار يوم يقوم الناسُ لربِّ العالَمين.

أيّها الناسُ من فطّر منکم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند اللّه عتقُ نَسَمة ومغفرةٌ لمّا مَضى مِن ذنوبه ، فقيل : یا رسول اللّه وليس كلُّنا يقدر على ذلك، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اتّقوا النار ولو بشقِّ تمرة، اتّقوا النارَ ولو بشربةٍ من ماء.

أيّها الناس! مَن حسّن منكم في هذا الشهر خُلُقَه کان له جوازٌ على الصراط يوم تزّل فيه الأقدام، ومَن خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينُه خفّفِ اللّه عليه حسابَه، ومَن كفّ فيه شرِّه كفّ اللّه عنه غضبَه يوم يلقاه، ومَن أكرم فيه يتيماً أكرمه اللّه يوم يلقاه، ومَن وصل فيه رحمَه وصله اللّه برحمته يوم يلقاه ، ومَن قطع فيه رحمَه قطع اللّه عنه رحمه يوم يلقاه، ومَن تطوّع فيه بصلاة كتب اللّه له براءة مِن النار، ومَن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب مَن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومَن أكثر فيه مِن الصلاة عليّ ثقّل اللّه میزانه يوم تخفّ الموازين، ومَن تلا فيه آيةً مِن القرآن كان له مثل أجر مَن ختم القرآن في غيره من الشهور.

ص: 9

أيّها الناس! إنّ أبوابَ الجِنان في هذا الشهر مفتّحة فاسألوا ربّكم أن لا يُغْلِقَها عليكم وأبوابَ النيران مغلقةٌ فاسألوا ربَّكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولةٌ فاسألوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم.

قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فقمتُ فقلت : يا رسول اللّه ما أفضلٌ الأعمال في هذا الشهر ؟

فقال : يا أبا الحسن أفضلُ الأعمال في هذا الشهر الورعُ عن محارم اللّه عزّوجلّ، ثمّ بكى فقلتُ: يا رسول اللّه ما يُبكيك؟

فقال : يا علي أبكي لمّا يستحلّ منك في هذا الشهر، كأنّي بك وأنتَ تصلّي لربّك، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمود فضربك ضربةٌ على قَرْنِك فخضّب منها لحيتك.

قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قلت: يا رسول اللّه وذلك في سلامة مِن ديني؟

فقال : في سلامة من دينك.

ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا علي مَن قتلك فقد قتلني، ومَن أبغضك فقد أبغضني، ومَن سبّك فقد سبّني، لإنّك منّي کنفسي، روحُك مِن روحي، وطينتك مِن طينتي، إنّ اللّه تبارك وتعالى خلقني وإيّاك، واصطفاني وإيّاك، واختارني للنبوّة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي، يا علي أنتَ وصيّي وأبو ولدي، وزوجُ ابنتي وخليفتي على أُمّتي في حياتي وبعد موتي، أمرُك أمري ونهيك نهيي، أُقسم بالّذي بعثني بالنبوّة وجعلني خير البرية إنّك لحُجّة اللّه على خلقِه وأمينُه على سرّه، وخليفته على عباده.(1)

ص: 10


1- أمالي الصدوق: ص 84 - 86 «المجلس 20» بهذا الإسناد : حدّثنا محمّد بن إبراهيم (ره)، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أبيه ، عن أبي الحسن علیّ بن موسی الرضا، عن أبيه موسی بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر محمّد بن علي، عن أبيه زین العابدين علي بن الحسين، عن أبيه سيّد الشهداء الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، عن أبيه سيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج1 ص295.

سلوني عن القرآن

{3}

[543] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : خطبنا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : سلوني عن القرآن أخبركم عن آياته فيمن نزلت وأين نزلت.(1)

يأتي زمان

{4}

[544] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنه قال : خطبنا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : سيأتي على الناس زمانٌ عَضوضٌ يعضّ المؤمن على ما في يده ولم يؤمن بذلك قال اللّه تعالى : «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»(2) ويأتي زمان يُقَدّم فيه الأشرارُ ويُن سى فيه الأخيار، ويبايع المضطر وقد نهى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن بيع المضطرّ، وعن بيع الغرر، فاتّقوا اللّه يا أيّها الناس ، وأصلِحُوا ذاتَ بينكم واحفظوني في أهلي.(3)

ص: 11


1- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج 2 ص 67 ح 310: حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ قال : حدّثنا الحسن بن عبداللّه التميمي قال : حدّثني أبي قال : حدّثني سيّدي عليّ بن موسی الرضا (عَلَيهِما السَّلَامُ) عن أبيه موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسین.
2- سورة البقرة: الآية 237.
3- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج2 ص 45 - 46 ح186.

في مدح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

{5}

[545] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : خطب أمير المؤمنین خطبة بليغة في مدح

رسول اللّه ، فقال بعد حمد اللّه والصلاة على نبيّه :

لمّا أراد اللّه أن ينشىء المخلوقات ويبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة واحدة قبل دحو الأرض ورفع السماوات، ثمّ أفاض نوراً من نور عزّه ، فلمع قبساً من ضيائه وسطع، ثمّ اجتمع في تلك الصورة، وفيها صورة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال له تعالى : أنت المرتضى المختار، وفيك مستودع الأنوار، من أجلك أضع البطحاء وأرفع السماء، وأجري الماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنّة والنار، وأنصب أهل بيتك علماً للهداية ، وأودع فيهم أسراري بحيث لا يغيب عنهم دقیق ولا جليل، ولا يخفى عنهم خفيّ، اجعلهم حجّتي على خلیقتي، وأسكن قلوبهم أنوار عزّتي، وأطلعهم على معادن جواهر خزائني.

ثمّ أخذ اللّه تعالى عليهم الشهادة بالربوبيّة والإقرار بالوحدانيّة، وأنّ الإمامة فيهم، والنور معهم، ثمّ إنّ اللّه سبحانه أخفى الخليقة في غيبه ، وغيّبها في مكنون علمه، ونصب العوالم، وموّج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدُخان فطفا عرشه على الماء، ثمّ أنشأ الملائكة من أنواره أبدعها وأنواع اخترعها، ثمّ خلق المخلوقات فأكملها، ثمّ قرن بتوحيده نبوّة نبيّه، فشهدت له السماوات والأرض والملائكة والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم وما في الأرض بالنبوّة والفضيلة، ثمّ خلق آدم وأبان للملائكة فضله وأراهم ما خصّه به من سابق العلم فجعله محراباً و قبلة لهم فسجدوا له عرفوا حقّه.

ثمّ إنّ اللّه تعالى بيّن لآدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حقيقة ذلك النور و مکنون ذلك السرّ فأودعه شيئاً وأوصاه وأعلمه أنّه السرّ في المخلوقات ، ثمّ لم يزل ينتقل من الأصلاب

ص: 12

الطاهرة إلى الأرحام الزكيّة إلى أن وصل إلى عبد المطلّب فألقاه على عبداللّه ثمّ صانه اللّه عن الخثعمية حتّى وصل إلى آمنة ، فلمّا أظهره اللّه بواسطة نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) استدعى الفُهوم إلى القيام بحقوق ذلك السرّ اللطيف، وندب العقول إلى الإجابة لذلك المعنى المودع في الذرّ قبل النسل، فمن واقفه قبس من نمحات ذلك النور اهتدى إلى السرّ وانتهى إلى العهد المودع في باطن الأمر وغامض العلم، ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة عشی بصر قلبه عن إدراکه فلا يزال ذلك النور ينتقل فينا أهل البيت ويتشعشع في غرایزنا إلى أن يبلغ الكتاب أجله، فنحن أنوار الأرض والسماوات ومحض خالص الوجودات، وسفن النجاة، وفينا مکنون العلم، وإلينا مصير الأُمور، وبمهديّنا تنقطع الحجج، فهو خاتم الأئمّة، ومنقذ الأُمّة، ومنتهى النور، وغامض السرّ، فليهنّا مَن استمسك بعُروتنا، وحشر على محبّتنا.(1)

أنا الصديق الأكبر

{6}

[546 ] لمّا أتی أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) وخاطباه في البيعة وخرجا من عنده خرج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المسجد، فحمد اللّه وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت إذ بعث فیهم رسولاً منهم وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

ثمّ قال : إنّ فلاناً وفلاناً أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا

ص: 13


1- بحار الأنوار : ج 74 ص 298 - 300ح 6 «باب 14 خطبه صلوات اللّه عليه المعروفة في کتاب الروضة» بهذا الإسناد : أحمد بن عبداللّه الهاشمي، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن موسی بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الخبر.

ابن عم النبي وأبو ابنيه والصدّيق الأكبر وأخو رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا يقولها أحد غيري إلّا كاذب، وأسلمت وصلّيت، وأنا وصيّه وزوج ابنته سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد وأبو حسن و حسین سبطي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم اللّه وبنا استنقذكم من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح، وفيّ نزلت سورة من القرآن، وأنا الوصيّ على الأموات من أهل بيته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنا بقيّة على الأحياء من أُمّته، فاتّقوا اللّه يثبّت أقدامكم ويُتمّ نعمته عليكم، ثمّ رجع (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى بيته. (1)

في يوم الغدير

{7}

[547] إنّ الحسينَ قال : اتَّفَقَ فِي بَعْضِ سِنِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الْجُمُعَةُ وَ الْغَدِيرُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ عَلَى خَمْسِ سَاعَاتٍ مِنْ نَهَارِ ذَلِكَ الْيَوْم،ِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ حَمْداً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثَنَاءً لَم يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ غَيْرُهُ، فَكَانَ مَا حُفِظَ مِنْ ذَلِكَ :

الْحَمْدُ للّه الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى حَامِدِيهِ، طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الِاعْتِرَافِ بِلَاهُوتِيَّتِهِ وَ صَمَدَانِيَّتِهِ وَ رَبَّانِيَّتِهِ وَ فَرْدَانِيَّتِهِ، وَ سَبَباً إِلَى

ص: 14


1- أمالي الطوسي : ص 579 بهذا الإسناد : حدّثنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (قدّس اللّه روحه) قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال : حدّثني أبو علي أحمد بن علي بن مهدي صدقة البرقي أملاه عليّ إملاءاً من كتابه قال : حدّثنا الرضا أبو الحسن عليّ بن موسى قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : الخبر. مجلس يوم الجمعة السابع عشر من صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة 17 من صفر سنة 457 .

الْمَزِيدِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ مَحَجَّةً لِلطَّالِبِ مِنْ فَضْلِهِ، وَ كَمَّنَ فِي إِبْطَانِ اللَّفْظِ حَقِيقَةَ الِاعْتِرَافِ لَهُ بِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَى كُلِّ حَمْد بِاللَّفْظِ، وَ إِنْ عَظُمَ.

وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نُزِعَتْ عَنْ إِخْلَاصِ المطوِي، وَ نُطْقَ اللِّسَانِ بِهَا عِبَارَةً عَنْ صِدْقٍ خَفِيٍّ أَنَّه الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ إِذْ كَانَ الشَّيْ ءُ مِنْ مَشِيَّتِهِ، وكَانَ لَا يُشْبِهُهُ مُكَوَّنُهُ.

وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اسْتَخْلَصَهُ فِي الْقِدَمِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ به، انْفَرَدَ عَنِ التَّشَاكُلِ وَ التَّمَاثُلِ مِنْ أَبْنَاءِ الْجِنْسِ، وَ ائْتَمَنَهُ آمِراً وَ نَاهِياً عَنْهُ، أَقَامَهُ فِي سَائِرِ عَالَمِهِ فِي الْأَدَاءِ مَقَامَهُ، إِذْ كَانَ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وَ لَا تَحْوِيهِ خَوَاطِرُ الْأَفْكَارِ، وَ لَا تُمَثِّلُهُ غَوَامِضُ الظِّنَن فِي الْأَسْرَارِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْجَبَّارُ،قَرَنَ الِاعْتِرَافَ بِنُبُوَّتِهِ بِالاعْتِرَافِ بِلَاهُوتِيَّتِهِ، وَ اخْتَصَّهُ مِنْ تَكْرِمَتِهِ بِمَا لَمْ يَلْحَقْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَرِيَّتِهِ، فَهُوَ أَهْلُ ذَلِكَ بِخَاصَّتِهِ وَ خَلَّتِهِ، إِذْ لَا يَخْتَصُّ مَنْ يَشُوبُهُ التَّغْيِيرُ وَ لَا يُخَالِلُ(1) مَنْ يَلْحَقُهُ التَّظْنِينُ، وَ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَزِيداً فِي تَكْرِمَتِهِ، وَ تطرِيقاً لِلدَّاعِي إِلَى إِجَابَتِهِ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ كَرَّمَ وَ شَرَّفَ وَ عَظَّمَ مَزِيداً لَا يَلْحَقُهُ التَّنْفِيد، وَ لَا يَنْقَطِعُ عَلَى التَّأْبِيدِ.

وَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَصَّ لِنَفْسِهِ بَعْدَ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )مِنْ بَرِيَّتِهِ خَاصَّةً عَلَّاهُمْ بِتَعْلِيَتِهِ وَ سَمَا بِهِمْ إِلَى رُتْبَتِهِ، وَ جَعَلَهُمُ الدُّعَاةَ بِالْحَقِّ إِلَيْهِ وَ الْأَدِلَّاءَ بِالْإِرْشَادِ عَلَيْهِ، لِقَرْنٍ قَرْنٍ وَ زَمَنٍ زَمَنٍ، أَنْشَأَهُمْ فِي الْقِدَمِ قَبْلَ كُلِّ مَذْرُوٍّ وَ مَبْرُوٍّ، أَنْوَاراً أَنْطَقَهَا بِتَحْمِيدِهِ، وَ أَلْهَمَهَا شُكْرَهُ وَ تَمْجِيدَهُ، وَ جَعَلَهَا الْحُجَجَ عَلَى كُلِّ مُعْتَرِفٍ لَهُ بِمَلَكَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَ سُلْطَانِ الْعُبُودِيَّةِ، وَ اسْتَنْطَقَ بِهَا الْخَرَسَاتِ بِأَنْوَاعِ اللُّغَاتِ(2)، لَهُ

ص: 15


1- يخالله : أي يصادقه ويتخذه خليلاً.
2- بخع له: أي خضع له وأقرّ له إقرار مُذِعن.

بأنّه فاطرُ الأرضين والسماوات، وأشهَدَهم خلقَه، وولّاهم ماشاء مِن أمره جعلهم تَراجمةَ مشيّته ، وألسنَ إرادته عبيداً لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يشفعون إلّا لمن ارتضى وهم مِن خشيته مُشفِقون.

يَحْكُمُونَ بِأَحْكَامِهِ، وَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، وَ يَعْتَمِدُونَ حُدُودَهُ، وَ يُؤَدُّونَ فَرْضَهُ، وَ لَمْ يَدَعِ الْخَلْقَ فِي بُهَمٍ صمّاء، وَ لَا فِي عَمْي بَكْماء، بَلْ جَعَلَ لَهُمْ عُقُولًا مَازَجَتْ شَوَاهِدَهُمْ، وَ تَفَرَّقَتْ فِي هَيَاكِلِهِمْ، وَ حَقَّقَهَا فِي نُفُوسِهِمْ وَ اسْتَعْبَدَ لَهَا حَوَاسَّهُمْ، فَقَرَّرت بِهَا عَلَى أَسْمَاعٍ وَ نَوَاظِرَ، وَ أَفْكَارٍ وَ خَوَاطِرَ أَلْزَمَهُمْ بِهَا حُجَّتَهُ، وَ أَرَاهُمْ بِهَا مَحَجَّتَهُ، وَ أَنْطَقَهُمْ عَمَّا تشهد بها بِأَلْسُنة ذَرِبَةٍ بِمَا قَامَ فِيهَا مِنْ قُدْرَتِهِ وَ حِكْمَتِهِ، وَ بَيَّنَ عِنْدَهُمْ بِهَا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ بَصِيرٌ شَاهِدٌ خَبِيرٌ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ لَكُمْ مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عِيدَيْنِ عَظِيمَيْنِ كَبِيرَيْنِ لَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِصَاحِبِهِ لِيُكْمِلَ أَحَدُكُمْ صُنْعَهُ، وَ يَقِفَكُمْ عَلَى طَرِيقِ رُشْدِهِ، وَ يَقْفُوَ بِكُمْ آثَارَ الْمُسْتَضِيئِينَ بِنُورِ هِدَايَتِهِ، وَ يُشْمِلَكُمْ صَوْلَه وَ يَسْلُكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ قَصْدِهِ وَ يُوَفِّرَ عَلَيْكُمْ هَنِي ءَ رِفْدِهِ.

فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ مَجْمَعاً نَدَبَ إِلَيْهِ لِتَطْهِيرِ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَ غَسْلِ مَا أَوْقَعَتْهُ مَكَاسِبُ السَّوْءِ مِنْ مِثْلِهِ إِلَى مِثْلِهِ، وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ،وَ تِبْيَانَ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ، وَ وَهَبَ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ فِي الْأَيَّامِ قَبْلَهُ، وَ جَعَلَهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالايْتِمَارِ لِمَا أَمَرَ بِهِ، وَ الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ، وَ الْبُخُوعِ بِطَاعَتِهِ فِيمَا حَثَّ عَلَيْهِ وَ نَدَبَ إِلَيْهِ، وَ لَا يَقْبَلُ تَوْحِيدَهُ إِلَّا بِالاعْتِرَافِ لِنَبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بِنُبُوَّتِهِ وَ لَا يَقْبَلُ دِيناً إِلَّا بِوَلَايَةِ، مَنْ أَمَرَ بِوَلَايَتِهِ وَ لَا يَنْتَظِمُ أَسْبَابُ طَاعَتِهِ إِلَّا بِالتَّمَسُّكِ بِعِصَمِهِ وَ عِصَمِ أَهْلِ وَلَايَتِه .

فأنزل اللّه على نبيِّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في يوم الدوح ما بيّن به عن إرادته في خُلَصائه وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وتركِ الحفل بأهل الزيغ والنفاق، وضَمِن له عصمتَه

ص: 16

منهم، وكَشَف من خبايا أهل الريب، وضمائر أهل الإرتداد مارمز فيه ، فعقله المؤمن والمنافق فأعنّ معنّ وثبت على الحقّ ثابت، وازدادت جهالةُ المنافق وحميّهُ المارق، ووقع العضُّ على النواجذ والغمر على السواعد، ونطق ناطق ، و نعق ناعق، ونشق ناشق، واستمرّ على مارقيّته مارق، ووقع الإذعان من طائفة باللسان دون حقائق الإيمان، ومن طائفة باللسان وصدق الإيمان.

فكمل اللّه دينه ، وأقرّ عين نبيّه والمؤمنين والمتابعين، وكان ماقد شهده بعضكم وبلغ بعضكم، وتمّت كلمةُ اللّه الحُسنى على الصابرين، ودمّر اللّه ما صنع فرعون وهامان و قارون وجنوده وما كانوا يعرشون.

وبقيت حُثالة من الضلّال لا يألون الناس خبالاً يقصدهم اللّه في ديارهم، ويمحو آثارهم ويُبيد معالمَهم، ويعقّبهم عن قرب الحسرات، ويلحقهم بمن بسط أكفّهم، ومدّ أعناقَهم، ومکّنهم من دين اللّه حتّى بدّلوه، ومن حكمه حتّى غیّروه، وسيأتي نصر اللّه على عدوّه لحينه، واللّه لطيف خبير، وفي دون ما سمعتم كفاية وبلاغ، فتأمّلوا رحمكم اللّه ما ندبكم اللّه إليه وحثّكم عليه ، واقصدوا شرعه، واسلكوا نهجَه، ولا تتّبعوا السُبُلَ فتفرّق بکم عن سبيله.

إنّ هذا يومٌ عظيمُ الشأن، فيه وقع الفرج، ورفعت الدرج، ووضحت الحجج، وهو يوم الإيضاح والإفصاح من المقام الصراح، ويوم كمال الدين، ويوم العهد المعهود، ويوم الشاهد والمشهود، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق الإيمان، ويوم دحر الشيطان، ويوم البرهان، هذا يوم الفصل الّذي كنتم به تكذّبون، هذا يوم الملأ الأعلى الّذي أنتم عنه مُعرِضون، هذا يوم الإرشاد ویوم محنة العباد، ويوم الدليل على الروّاد، هذا يوم إبداءِ خفايا الصدور، ومضمرات الأُمور، هذا يوم النصوص على أهل الخصوص.

ص: 17

هذا يوم شيث، هذا يوم إدريس، هذا يوم يوشع، هذا يوم شمعون، هذا يوم الأمن والمأمون، هذا يوم إظهار المصون من المكنون، هذا يوم بلوی السرائر.

فلم يزل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولّ هذا يوم هذا يوم.

فراقبوا اللّه واتّقوه، واسمعوا له وأطيعوه، واحذروا المكر، ولا تخادعوه ، وفتّشوا ضمائركم ولا تواربوه(1)، وتقربوا إلى اللّه بتوحيده، وطاعة من أمركم أن تطيعوه، لا تمسكوا بعصم الكوافر، ولا يجنح بكم الغيّ فتضلّوا عن سبيل اللّه باتّباع أُولئك الّذين ضلّوا وأضلّوا قال اللّه عزّ من قائل في طائفة ذكرهم بالذمّ في كتابه : «إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا»(2) وقال تعالى : «وَبَرَزُوا للّه جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ»(3) أفتدرون الإستکبار ماهو؟ هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته، والترقُّع على من ندبوا إلى متابعته ، والقرآن ينطق من هذا عن کثير، إن تدبّره متدبّر زجره ووعظه واعلموا أيّها المؤمنون أنّ اللّه عزّوجلّ قال :« إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»(4) أتدرون ماسبيل اللّه؟ ومن سبيله؟ ومن صراط اللّه؟ ومن طريقه؟ أنا صراط اللّه الّذي من لم يسلکه بطاعة اللّه فيه هوی به

ص: 18


1- واربه : خاتله و خادعه.
2- سورة الأحزاب : الآية 67 - 68.
3- سورة إبراهيم : الآية 21
4- سورة الصف : الآية 4.

إلى النار، وأنا سبيله الّذي نصبني للإتّباع بعد نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنا قسيم النار أنا حجّته على الفجّار، أنا نور الأنوار.

فانتبهوا من رقدة الغفلة، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل، وسابقوا إلى مغفرة من ربّكم قبل أن يضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب، فتنادون فلا يسمع نداؤكم، وتضجّون فلا يحفل بضجيجكم، وقبل أن تستغيثوا فلا تغاثوا.

سارعوا إلى الطاعات قبل فوات الأوقات، فكأن قد جاءكم هادمُ اللذّات ، فلا مناص نجاء، ولا محيص تخليص عودوا رحمكم اللّه بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، والبرّ بإخوانكم والشكر للّه عزّوجلّ على ما منحكم، واجتمعوا يجمع اللّه شملكم، وتبارّوا يصل اللّه أُلفتكم، وتهانؤا نعمة اللّه كما هنّاكم اللّه بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده، إلّا في مثله، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة اللّه وعطفه، وهبوا الإخوانكم وعيالكم من فضله بالجهد من جودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، وأظهروا البشر فيما بينكم، والسرور في ملاقاتكم، والحمد للّه على ما منحكم، وعودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم وساووا بكم ضعفاءكم في مآكلكم، وما تناله القدرة من استطاعتكم، على حسب إمكانکم، فالدرهم فيه بمائتي ألف درهم، والمزيد من اللّه عزّوجلّ.

وصومُ هذا اليوم ممّا ندب اللّه إليه، وجعل الجزاء العظيم كفالة عنه، حتّى لو تعبّد له عبد من العبيد في الشيبة من ابتداء الدنيا إلى انقضائها، صائماً نهارها قائماً ليلها، إذا أخلص المخلص في صومه، لقصرت إليه أيّام الدنيا عن كفايته ، ومن أسعف أخاه مبتدءاً، وبرّه راغباً، فله كأجر من صام هذا اليوم، وقام ليلته ، ومن فطر مؤمناً في ليلته، فكأنّما فطّر فئاماً وفئاماً بعدها عشرة.

ص: 19

فنهض ناهض فقال : يا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما الفئام؟ قال : مائة ألف نبيّ وصدّيق وشهيد، فكيف بمن تكفّل عدداً من المؤمنين والمؤمنات؟ فإنّه ضمینه على اللّه تعالى الأمان من الكفر والفقر، ومن مات في يومه أو ليلته أو بعده إلى مثله من غير ارتکاب كبيرة فأجره على اللّه، ومن استدان لإخوانه وأعانهم فأنا الضامن على اللّه إن بقّاه قضاه، وإن قبضه حمله عنه.

وإذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم، وتهانؤوا النعمة في هذا اليوم وليبلّغ الحاضر الغائب، والشاهد البائن، وليعد الغنيّ على الفقير، والقويّ على الضعيف أمرني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بذلك.(1)

عهد لا أحيد عنه

{8}

[548] عن جابر الجعفي، عن محمّد الباقر، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ)قال :

ص: 20


1- بحار الأنوار : ج 94 ص 112 - 118 - ح 8 «باب 60 فضل يوم الغدير وصومه في كتاب الصوم». قال السيّد ابن طاووس في كتاب مصباح الزائر : وممّا رويناه و حذفنا إسناده اختصاراً أنّ الفياض بن محمّد الطوسي حدّث بطوس سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين أنّه شهد أبا الحسن عليّ بن موسي الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصّته، قد احتبسهم للإفطار، وقد قدّم إلى منازلهم الطعام والبرّ والصلات والكسوة حتّى الخواتيم والنعال، وقد غيّر من أحوالهم وأحوال حاشيته، وحدّدت له آلة غير الآلة الّتي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه ، وهو يذكر فضل اليوم وقديمه ، فكان من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حدّثني الهادي أبي قال: حدّثني جدّي الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني الباقر قال: حدّثني سيد العابدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الخبر. وفي ذيله : ثمّ أخذ صلوات اللّه عليه في خطبة الجمعة، وجعل صلاته جمعة صلاة عيده ، وانصرف بولده وشیعته إلى منزل أبي محمّد الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) و بما أعدّ له من طعامه وانصرف غنيّهم و فقيرهم يرفده إلى عياله.

خطب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصفّين وبعد الحمد والتصلية قال : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ترك فيكم كتاب اللّه يأمركم بطاعته وينهاكم عن معصيته، وقد عهد إليّ عهداً فلست أحيد عنه، وقد حضرتم عدوّکم، وعلمتم أنّ رئيسهم طليق يدعوهم إلى النار، وابن عمّ نبيّكم وصيّه ووارثه بين أظهركم، يدعوكم إلى الجنّة وإلى طاعة ربّكم والعمل بسنّة نبيّكم، واللّه أنا على الحقّ وإنّهم على الباطل، قاتلوهم. فقال أصحابه : يا أمير المؤمنين انهض بنا إلى عدوّنا فواللّه ما نريد بك بدلاً، بل نموت معك ونحيا معك.

فقال لهم : والّذي نفسي بيده نظر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليّ بسيفي هذا فقال : لا سيف إلّا ذوالفقار ولا فتى إلّا علي. وقال : يا علي أنت منّي بمنزلة هارون مّن موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وموتك وحياتك يا علي معي.

ثمّ قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ماكذبت ولا ضللت ولا ضلّ بي أحد، وما نسيت ما عهد إليّ، وإنّي على بيّنة من ربّي وعلى الطريق الواضح.(1)

ثمّ نهضوا فقاتلوا يوم الخميس من طلوع الشمس حتّى غاب الشفق ، وما كانت صلاة القوم في مواقيتها إلّا تكبيراً، فقتل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومئذ بيده خمسمائة وستّة نفر من أهل الشام، فأصبحوا ورفعوا المصاحف على الرماح. (1)

حرب صفّين

{9}

[549] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأمّا في حرب صفّين، فلمّا خطب

ص: 21


1- المناقب للخوارزمي : ص 112 ح 122 والمناقب لابن المغازلي : ص 101 ح 144 وعنهما ينابيع المودّة : ج 1 ص 139.

أمير المؤمنين بالكوفة وحرّض الناس على حرب معاوية وأتباعه، أمر الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأن يخطب الناس، فخطب ، ثمّ أمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحَمِدَ اللّهَ وأثنى عليه بما هو أهلُه وقال :

يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَنْتُمُ الْأَحِبَّةُ الْكُرَمَاءُ، وَ الشِّعَارُ دُونَ الدِّثَارِ، فَجِدُّوا فِي إِحْيَاءِ مَا دَثَرَ بَيْنَكُمْ، وَ تَسْهِيلِ مَا تَوَعَّرَ(1) عَلَيْكُمْ.

أَلَا إِنَّ الْحَرْبَ شَرُّهَا ذَرِيعٌ(2)،وَ طَعْمُهَا فَظِيعٌ، وَ هِيَ جُرَعٌ مستحساة،ذفَمَنْ أَخَذَ لَهَا أُهْبَتَهَا وَ اسْتَعَدَّ لَهَا عُدَّتَهَا وَ لَمْ يَأْلَمْ كُلُومَهَا عِنْدَ حُلُولِهَا فَذَاكَ صَاحِبُهَا، وَ مَنْ عَاجَلَهَا قَبْلَ أَوَانِ فُرْصَتِهَا وَ اسْتِبْصَارِ سَعْيِهِ فِيهَا فَذَاكَ قَمَنٌ(3) أَنْ لَا يَنْفَعَ قَوْمَه وَ أَنْ يُهْلِكَ نَفْسَهُ، نَسْأَلُ اللَّهَ بِقُوَّتِهِ أَنْ يَدْعَمَكُمْ بِالْفِئَة» ثمّ نزل.(4)

من مقامات الصدّيقة الزهراء (عَلَيها السَّلَامُ)

{10}

[550 ] إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرُسل منابر من نور فیکون منبري أعلا منابرهم يوم القيامة، ثمّ يقول اللّه : يا محمّد اخطب فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء و الرُسل بمثلها، ثمّ ينصب للأوصياء منابر من نور و ينصب لوصيّي عليّ بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور فیکون منبره أعلى منابرهم، ثمّ يقول اللّه له : يا علي اخطب فيخطب بخطبة لم يسمع

ص: 22


1- توعّر : تعصّر وصعب.
2- الذريع: أي الفضيع أو السريع.
3- قَمِن: أي الجدير.
4- بحار الأنوار : ج32 ص 405 ح 369 وعنه كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 111.

أحدٌ من الأوصياء بمثلها، ثمّ ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لإبنيّ وسبطيّ وريحانتيّ أيّام حياتي منبران من نور، ثمّ يقال لهما: اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحدٌ من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.

ثمّ ينادي المنادي وهو جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أين فاطمة بنت محمّد؟ أين خديجة بنت خویلد؟ أين مریم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم یحیی بن زکريّا؟ فيمن يقول اللّه تبارك وتعالى : يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة : للّه الواحد القهّار.

فيقول اللّه جلّ جلاله تعالى : يا أهل الجمع إنّي قد جعلت الكرم لمحمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة! يا أهل الجمع طأطؤوا الرؤوس وغضّوا الأبصار فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة، فيأتيها جبرئیل بناقة من نوق الجنّة مدبجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب، عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها فتركبها فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا على يمينها ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتّى يصيروها عند باب الجنّة، فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت فيقول اللّه : يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى الجنّة، فتقول: ياربّ أحببتُ أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم. فيقول اللّه تعالى: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحدٍ من ذريّتك خذي بيده فأدخليه الجنّة.

قال أبو جعفر : واللّه يا جابر! إنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيّها كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحبّ الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي اللّه في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول اللّه يا أحبّائي ما التفاتكم وقد شفعت فیکم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: ياربّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول اللّه : يا أحبّائي ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة ،

ص: 23

انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة ، انظروا مَن ردّ عنكم غيبة في حبّ فاطمة خذوا بيده وأدخلوه الجنّة.

قال أبو جعفر : واللّه لا يبقى في الناس إلّا شاك أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال اللّه تعالى : «فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ»(1) فيقولون : «فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(2) قال أبو جعفر : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»(3).(4)

علي مدينة هدى

{11}

[551] عن الأصبغ بن نباتة قال : لمّا جلس أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعممّاً بعمامة رسول اللّه ، لابساً بردة رسول اللّه، متنعّلاً نعل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، متقلّداً سيف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فصعد المنبر فجلس عليه متّكئاً ثمّ شبّك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه، ثمّ قال : يا معشر الناس ! سلوني قبل أن تفقدوني.

... فسأله بعض الناس عن مسائل أجاب اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنها.

ص: 24


1- سورة الشعراء : الآية 100 - 101.
2- سورة الشعراء : الآية 102.
3- سورة الأنعام : الآية 28.
4- تفسیر فرات الكوفي: ج1 ص 298 - 299 ح 13 بهذا الإسناد : حدّثنا سهل بن أحمد الدينوري معنعناً: عن أبي عبداللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال جابر لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك يابن رسول اللّه حدّثني بحديث في فضل جدّتك فاطمة (عَلَيهِا السَّلَامُ) إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك. قال أبو جعفر : حدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال :

ثمّ قال للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا حسن ! قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قریش من بعدي فيقولون : إنّ الحسن لا يحسن شيئاً، قال : يا أبة كيف أصعد وأتكلّم وأنت في الناس تسمع وترى؟

فقال : بأبي أنت وأُمّي أُواري نفسي منك وأسمع وأرى ولا تراني.

فصعد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبر فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة وصلّى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صلاة موجزة ثمّ قال : أيّها الناس سمعت جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : أنا مدينة العلم وعليّ بابها، وهل يدخل المدينة إلّا من الباب ، ثمّ نزل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوثب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فتحمّله وضمّه إلى صدره.

ثمّ قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي فيقولون: إنّ الحسين لا يبصر شيئاً، وليكن كلامك تبعاً لكلام أخيك.

فصعد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صلاة موجزة، ثمّ قال : يا معاشر الناس ! سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو يقول: إنّ عليّاً هو مدينة هدى، فمن دخلها نجئ، ومن تخلّف عنها هلك. فوثب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضمّه إلى صدره فقبّله. ثمّ قال : معاشر الناس ! إنّهما فرخا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووديعته الّتي استودعنيها، وأنا أستودعكموها معاشر الناس ورسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سائلكم عنها.(1)

ص: 25


1- التوحيد: ص 307 ح 1 «باب 43 حديث دعلب في کتاب التوحید» : علي بن محمّد الشعراني، عن الحسن بن علي بن شعيب، عن عیسی بن محمّد العلوي، عن محمّد بن العباس بن بسّام، عن محمّد بن أبي المسري، عن أحمد بن أبي عبداللّه، عن يونس، عن سعد الكناني، عن الأصبغ بن نباتة قال : لمّا جلس أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).... أمالي الصدوق: ص 283 ح 1 «المجلس الخامس والخمسون يوم الجمعة لأربع خلون من ربيع الآخر من سنة ثمان وستيّن وثلاثمائة». غاية المرام : ص 521 ح 1 ب 30. ينابيع المودّة : ج 1 ص 220 ح 39.

اسمعوا مقالتي

{12}

[552] خطبة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في احتجاجاً على معاوية : أمّا بعد: فإنّ الطاغية قد صَنَع بنا و بشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أُريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدقّوني، وإن كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتموا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصار کم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب ، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون.

فما ترك الحسين شيئاً أنزل اللّه فيهم من القرآن إلا قاله وفسرّه، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأُمّه وأهل بيته إلّا رواه، وكلّ ذلك يقول الصحابة : «اللّهمّ نعم، قد سمعناه وشهدناه» ويقول التابعون : «اللّهمّ قد حدّثنا من نصدّقه ونأتمنه» حتّى لم يترك شيئاً إلّا قاله ثمّ قال :

أُنشدكم باللّه إلّا رجعتم وحدّثتم به من تثقون به ، ثمّ نزل وتفرّق الناس على ذلك.(1)

ص: 26


1- الإحتجاج : ج 2 ص 18 - 19 وفيه : فلمّا مات الحسن بن علي (عَلَيهِنا السَّلَامُ) ازداد البلاء والفتنة فلم يبق للّه وليّ إلّا خائف على نفسه، أو مقتول، أو طريد، أو شريد، فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين حجّ الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، وعبداللّه بن جعفر، وعبداللّه بن عبّاس معه، وقد جمع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم... ومن الأنصار ممّن يعرفونه وأهل بيته.... فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل.... فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيهم خطيبة. فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد.... ورواه کتاب سلیم بن قیس.

من مكارم الأخلاق

{13}

[253] خطب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أيّها الناس نافِسوا في المكارم، وسارِعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجِّلوا، واكسِبوا الحمدَ بالنُجح، ولا تكتسبوا بالمَطَل ذمّاً، فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأي أنّه لا يقومُ بشكرها فاللّه له بمكافاته ، فإنّه أجزلُ عطاءً و أعظمُ أجراً.

وَ اعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَم اللَّهِ عَلَيْكُمْ، فَلَا تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَحُورَ نِقَما.

وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمَعْرُوفَ مُكْسِبٌ حَمْداً، وَ مُعَقِّبٌ أَجْراً، فَلَوْ رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ رَجُلًا رَأَيْتُمُوهُ حَسَناً جَمِيلًا يَسُرُّ النَّاظِرِينَ، وَ لَوْ رَأَيْتُمُ اللُّؤْمَ رَأَيْتُمُوهُ سَمِجا مُشَوَّهاً تَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ، وَ تُغَضُّ دُونَهُ الْأَبْصَارُ.

أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ جَادَ سَادَ، وَ مَنْ بَخِلَ رَذُلَ، وَ إِنَّ أَجْوَدَ النَّاسِ مَنْ أَعْطَى مَنْ لَا يَرْجُو، وَ إِنْ أَعْفَى النَّاسِ مَنْ عَفَى عَنْ قُدْرَةٍ، وَ إِنَّ أَوْصَلَ النَّاسِ مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ، وَ الْأُصُولُ عَلَى مَغَارِسِهَا بِفُرُوعِهَا تَسْمُوا، فَمَنْ تَعَجَّلَ لِأَخِيهِ خَيْراً وَجَدَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ غَداً، وَ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِالصَّنِيعَةِ إِلَى أَخِيهِ كَافَأَهُ بِهَا فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ، وَ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَ مَنْ نَفَّسَ كُرْبَةَ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرَبَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ،وَ مَنْ أَحْسَنَ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .(1)

ص: 27


1- نزهة الناظر وتنبيّه الخاطر : ص 81 - 82 ح 6 (من كلام الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ))، کشف الغمّة : ج2 ص 241 - 242 وعنه بحار الأنوار: ج 78 ص 121 ح4.

بادروا بصحة الأجسام

{14}

[554] عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَ أُحَذِّرُكُمْ أَيَّامَهُ، وَ أَرْفَعُ لَكُمْ أَعْلَامَهُ، فَكَأَنَّ الْمَخُوفَ قَدْ أَفِدَ بِمَهُولِ وُرُودِهِ وَ نَكِيرِ حُلُولِهِ وَ بَشِعِ مَذَاقِهِ، فَاعْتَلَقَ مُهَجَكُم، وَ حَالَ بَيْنَ الْعَمَلِ وَ بَيْنَكُمْ، فَبَادِرُوا بِصِحَّةِ الْأَجْسَامِ فِي مُدَّةِ الْأَعْمَارِ، كَأَنَّكُمْ بِبَغَتَاتِ طَوَارِقِه فَتَنْقُلُكُمْ مِنْ ظَهْرِ الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، وَ مِنْ عُلْوِهَا إِلَى سُفْلِهَا وَ مِنْ أُنْسِهَا إِلَى وَحْشَتِهَا، وَ مِنْ رَوْحِهَا وَ ضَوْئِهَا إِلَى ظُلْمَتِهَا، وَ مِنْ سَعَتِهَا إِلَى ضِيقِهَا، حَيْثُ لَا يُزَارُ حَمِيمٌ، وَ لَا يُعَادُ سَقِيمٌ، وَ لَا يُجَابُ صَرِيخٌ. أَعَانَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ عَلَى أَهْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَ نَجَّانَا وَ إِيَّاكُمْ مِنْ عِقَابِهِ، وَ أَوْجَبَ لَنَا وَ لَكُم الْجَزِيلَ مِنْ ثَوَابِهِ.

عِبَادَ اللَّهِ! فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَصْرَ مَرْمَاكُمْ، وَ مَدَى مَظْعَنِكُم كَانَ حَسْبُ الْعَامِلِ شُغُلًا يَسْتَفْرِغُ عَلَيْهِ أَحْزَانَهُ وَ يَذْهَلُهُ عَنْ دُنْيَاهُ وَ يُكْثِرُ نَصَبَهُ لِطَلَبِ الْخَلَاصِ مِنْهُ، فَكَيْفَ وَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ مُرْتَهَنٌ بِاكْتِسَابِهِ، مُسْتَوْقَفٌ عَلَى حِسَابِهِ، لَا وَزِيرَ لَهُ يَمْنَعُهُ، وَ لَا ظَهِيرَ عَنْهُ يَدْفَعُهُ ،وَ يَوْمَئِذٍ «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ» (1)أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقَاهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَمَّا يَكْرَهُ إِلَى مَا يُحِبُ «وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخَافُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَ يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَا يُخْدَعُ عَنْ جَنَّتِهِ وَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.(2)

ص: 28


1- سورة الأنعام: الآية 158.
2- تحف العقول : ص 173.

في بعض صفات الأخلاق

{15}

[555] خطب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : إنّ الحلمَ زينة، والوفاء مروّة، والصلة نعمة، والإستكبار صلف(1) والعجلة سَفه، والسفه ضعف، والغلوّ ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شرّ، ومجالسة أهل الفسق ريبة.(2)

لنتعظ بموعظة الأولياء

{16}

[556] من كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويُروى عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إعتبروا أيّها الناس بما وعظ اللّهُ به أولياءَه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول: «لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ»(3) وقال :« لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إلى قوله : لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»(4) وإنّما عاب اللّه ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الّذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة ممّا يحذرون واللّه يقول :« فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ»(5) وقال :« وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

ص: 29


1- الصلف : مجاوزة القدر في الظرف والبراعة والإدّعاء فوق ذلك تكبرّاً.
2- کشف الغمّة : ج2 ص 242 وعن بحار الأنوار : ج 78 ص 122.
3- سورة المائدة : الآية 63.
4- سورة المائدة : الآية 78 - 79.
5- سورة المائدة : الآية 44.

وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ».(1)

فبدأ للّه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه، لعلمه بأنها إذا أُدِّيت وأُقيمَتْ استقامت الفرائض كلّها هيّنها وصعبها، وذلك أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاءٌ إلى الإسلام مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفيء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها.

ثمّ أنتم أيّتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة معروفة، وباللّه في أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف ، ويؤثر كم من لا فضل لكم عليه ولابدّ لكم عنده ، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر، أليس كلّ ذلك إنما نلتموه بما يُرجى عندكم من القيام بحقّ اللّه وإن کنتم عن أكثر حقّه تقصرون فاستخففتم بحقّ الأئمّة، فأما حقّ الضعفاء فضيّعتم وأمّا حقّكم بزعمكم فطلبتم، فلا مالاً بذلتموه ولا نفساً خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات اللّه أنتم تتمنّون على اللّه جنته ومجاورةَ رُسلِه وأماناً من عذابه. لقد خشيتُ عليكم أيّها المتمنّون على اللّه أن تحلّ بكم نقمة من نقماته لأنّكم بلغتم من كرامة اللّه منزلة فضلتم بها ومن يعرف باللّه لا تكرمون و أنتم باللّه في عباده تكرمون وقد ترون عهود اللّه منقوصة فلا تفزعون وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون وذمّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) محقورة، والعمى والبكم والزمن في المدائن مهملة، لا ترحمون ولا في منزلتكم تعملون ولا من عمل فيها تعنون وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون.

كلّ ذلك ممّا أمركم اللّه به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون، وأنتم أعظم الناس مصيبة لمّا غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك بأنّ

ص: 30


1- سورة التوبة : الآية 71.

مجاري الأُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه الأمناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلّا بتفرّقكم عن الحقّ واختلافكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحمّلتم المؤونة في ذات اللّه كانت أُمور اللّه عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع ولكنّكم مكّتم الظلمة من منزلتكم واستسلمتم أُمور اللّه في أيديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات ، سلّطهم على ذلك فرارکم من الموت و إعجابكم بالحياة الّتي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلّبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداء بالأشرار وجرأة على الجبّار، في كلّ بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لا يدفعون يد الأمس، فمن بين جبّار عنيد وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدىء المعيد، فيا عجباً ومالي لا أعجب والأرض من غاش غشوم ومتصدّق ظلوم وعامل على المؤمنين بهم غير رحیم، فاللّه الحاكم فيما فيه تنازعا والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.

اللّهمّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ مِنَّا تَنَافُساً فِي سُلْطَانٍ؛ وَ لَا الْتِمَاساً مِن فُضُولِ الْحُطَامِ، وَ لَكِنْ لِنُرِيَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَ نُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ وَ يَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَ يُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَ سُنَّتِكَ وَ أَحْكَامِكَ.

فَإِنَّكُمْ إِلَّا تَنْصُرُونَا وَ تُنْصِفُونَا قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ، وَ عَمِلُوا فِي إِطْفَاءِ نُورِ نَبِيِّكُمْ، وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا، وَ إِلَيْهِ أَنَبْنَا، وَ إِلَيْهِ الْمَصِير.(1)

ص: 31


1- تحف العقول : ص 171 - 172؛ بحار الأنوار: ج 100 ص 79 ح37.

أين موضع الغدر ؟

{17}

[557] خطب الحسن عائشةَ بنتَ عثمان ، فقال مروان : أُزوّجها عبداللّه بن الزبير ، ثمّ إنّ معاوية كتب إلى مروان وهو عاملُه على الحجاز يأمره أن يخطبَ أُمّ كلثوم بنتَ عبداللّه بن جعفر لابنه يزيد، فأبی عبداللّه بن جعفر فأخبره بذلك فقال عبداللّه : إنّ أمرَها ليس إليّ إنّما هو إلى سيّدنا الحسين وهو خالُها، فأخبر الحسينَ بذلك فقال : أستخيرُ اللّه تعالى، اللّهمّ وفّق لهذه الجارية رضاك مِن آل محمّد.

فلمّا اجتمع الناسُ في مسجد رسول اللّه أقبل مروانُ حتّى جلس إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعنده من الجلّة وقال : إنّ أمير المؤمنين أمرني بذلك وأن أجعل مهرَها حكم أبيها بالغاً مابلغ، مع صلح ما بين هذين الحيَّين مع قضاء دَيْنه ، واعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثرُ ممّن يغبط بكم، والعجب كيف يُستَمهر یزید وهو كفوُ َمن لا كفو له، وبوجهه يُستسقى الغمام! فردّ خيراً يا أبا عبداللّه.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحمدُ للّه الّذي اختارنا لنفسِه وارتضانا لدينه واصطفانا على خلقِه، إلى آخر كلامه ثمّ قال : يا مروان ! قد قلتَ فسمعنا، أما قولُك : مهرُها حكم أبيها بالغاً مابلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّةَ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهماً، وأمّا قولك : مع قضاء دَیْن أبيها، فمتی کنّ نساؤنا يقضين عنّا ديونَنا، وأمّا صلح ما بين هذين الحيّين فإنّا قوم عاديناكم في اللّه، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري فلقد أعيى النسب فكيف السبب، وأمّا قولك : العجب لیزید کیف يستمهر فقد استمر مَن هو خير مِن يزيد و من أب يزيد ومن جدّ یزید. وأمّا قولك : إنّ يزيد کفوُ من لا كفوَ له، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم،

ص: 32

ما زادته إمارته في الكفاءة شيئاً، وأمّا قولك : بوجهه يُستَسْقَى الغمام فإنّما كان ذلك بوجه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأمّا قولك : مَن يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا، فإنّما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل.

ثمّ قال بعد کلام: فاشهدوا جميعاً أنّي قد زوّجتُ أمّ كلثوم بنت عبداللّه بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمّد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهماً وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة، أو قال أرضي بالعقيق، وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دینار، ففيهما لهما غنى إن شاء اللّه.

قال : فتغيّر وجه مروان وقال : أغدراً يا بني هاشم تأبون إلّا العداوة، فذكّره الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطبة الحسن عائشة وفعله ثمّ قال : فأين موضع الغدر یا مروان؟ فقال مروان :

أردنا صِهْركم لِنُجِدَّ ودّاً*** قد أخلقه به حدثُ الزمان

فلمّا جئتكم فجبهتموني*** وبُحْتم بالضمير من الشنان

فأجابه ذکوان مولى بني هاشم :

أماط اللّه منهم كلّ رجسٍ***وطهّرهم بذلك في المثاني

فمالهم سواهم من نظير*** ولا كفو هناك ولا مداني

أيجعل كلُّ جبّار عنيد*** إلى الأخبار من أهلِ الجنان (1)

عترة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

{18}

[558 ] من فصاحته وعلمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مارواه موسی بن عقبة أنّه أمر معاوية

ص: 33


1- مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 44 - 45 وفيه : عبدالملك بن عمير، والحاكم، والعباس قالوا: الخبر.

الحسين أن يخطب فصعد المنبرَ فحَمدِ اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي، فسمع رجل يقول : مَن هذا الّذي يخطب؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ):

نحن حزب اللّه الغالبون، وعترةُ رسولِ اللّه الأقربون، وأهلُ بيته الطيّبون، وأحد الثقلين، الّذين جعلنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثاني كتاب اللّه تعالى فيه تفصيل كلّ شيء، لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره لا يبطينا تأويله، بل نتّبع حقائقه، فأطیعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة اللّه مقرونة، قال اللّه تعالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1) قال :« وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ»(2) و أُحذّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان، فإنّه لكم عدوّ مبين ، فتكونوا كأوليائه الّذين قال لهم : «لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ»(3) فتلقون للسيوف ضرباً، وللرماح ورداً، وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً، ثمّ لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنَتْ مِن قبل.(4)

خطّ الموت على ولد آدم

{19}

[559] من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً فقال :

ص: 34


1- سورة النساء : الآية 59.
2- سورة النساء : الآية 83.
3- سورة الأنفال : الآية 48.
4- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص 74. ورواه في الإحتجاج : ج 2 ص 22 - 23 مع تفاوت يسير. وفي وسائل الشيعة : ج 18 ص 144 ح 45 بتفاوت يسير.

الحمد للّه وماشاء اللّه ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه صلّى اللّه على رسوله و سلّم.

خُطّ الموتُ على ولدِ آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أو لهني إلى أسلافي اشتیاقَ يعقوبَ إلى يوسف، وخُيِّر لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عُسْلانُ الفَلَوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سُغباً.

لا محيصَ عن يومٍ خُطّ بالقلم، رِضَى اللّه رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين، لن يشذّ عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لحمته ، وهي مجموعةٌ له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه، ويتنجزّ لهم وعده ، من كان فينا باذلاّ مهجتَه ومُوطِّناً على لقاء اللّه نفسه فليرحَلْ فإنّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء اللّه.(1)

موت السُعَداء

{20}

[590] قال عقبة بن أبي العيز از : قام حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذي حسم فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنکّرت وأدبر معروفها واستمرّت جدا فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة (2) الإناء و خسیس عیش کالمرعى الوبيل، ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه اليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّاً فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً.

ص: 35


1- نزهة الناظر وتنبيّه الخاطر : ص 86 ح23؛ بحار الأنوار: ج 44 ص 366 عن اللهوف: ص 52؛ کشف الغمّة : ج 2 ص 241. مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمقرّم: ص166 وفيه : خطبته في مكّة.
2- الصبابة بالضمّ: البقيّة من الماء في الإناء، و«الوابلة» بالتحريك الثقل والوخامة، وقد وبل المرتع بالضمّ وبلا ووبالاً فهو وبيل أي وخیم.

(إلى أن قال):

فترقرقت عينا حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولم يملك دمعه ثمّ قال : منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، اللّهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة نزلا واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.(1)

ص: 36


1- رواه الحافظ محمّد بن جرير الطبري في تاريخ الأمم والملوك» (ج 4 ص 305 ط الإستقامة بمصر). ورواه الحافظ ابن عبد ربّه الأندلسي في «عقد الفريد» (ج 2 ص 218 ط الشرقيّة بمصر) قال : (عليّ بن عبدالعزيز ) قال : حدّثني الزبير قال : حدّثني محمّد بن الحسين قال : لمّا نزل عمر بن سعد بالحسين وأيقن أنّهم قاتلوه قام في أصحابه خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل بي ماترون من الأمر، وإن الدنيا قد تغيّرت وتنکّرت وأدبر معروفها واشمأزّت فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء أو خسیس عیش کالمرعي الوبيل، ألا ترون الحقّ لا يعمل به والباطل لا ينهى عنه لیرغب المؤمن في لقاء اللّه، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إّلا ذلاّ وندماّ. ورواه الحافظ الطبراني في «المعجم الكبير» (ص 146 مخطوط) قال : حدّثنا عليّ بن عبدالعزيز، نا الزبير بن بکّار، نا محمّد بن الحسن قال : لمّا نزل عمر بن سعد بحسين وأيقن أنّهم قاتلوه وقام في أصحابه خطيباً فحمد اللّه عزّوجلّ وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل ما ترون من الأمر وأنّ الدنيا تغيّرت وتنکّرت وأدبر معروفها وانشمرت حتّى لم يبق منها إلّا كصبابة الإناء أو خسیس عیش کالمرعي الوبيل، ألا تَرون الحقّ لا يعمل به والباطل لا يُتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه وأني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً. ورواه العلامة أبو نعيم الأصبهاني في «حلية الأولياء» (ج2 ص 39 ط السعادة بمصر ) قال : حدّثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عليّ بن عبد العزيز ، فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير» إلّا أّنه ذكر بدل قوله ما ترون من الأمر: من الأمر ما ترون، وبدل كلمة برماً: جرماً. ورواه العلامة الخوارزمي في «مقتله» (ج2 ص 4 ط الغري) قال : أخبرنا الإمام الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني إجازة، أخبرنا أبو علي الحداد ، حدَّثنا أبو نعيم الحافظ ، حدَّثنا سليمان بن أحمد، حدَّثنا عليّ بن عبدالعزيز، فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير » سنداً و متناً لكنّه ذکر بدل قوله ما ترون من الأمر: من الأمر ما ترون، وبدل قوله لقاء اللّه : لقاء ربّه، وبدل كلمة الحياة : العيش. ورواه ابن عساكر الدمشقي في «تاريخ دمشق» على مافي منتخبه (ج 4 ص 333 ط روضة الشام) بعين ما تقدّم عن (المعجم الكبير ) لكنّه أسقط كلمة من الأمر، وذكر بدل كلمة وانشمرت، واستمرّت، وبدل كلمة برماً: شؤماً. ورواه العلامة الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج2 ص345 ط مصر) بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير » سنداً و متناً، لكنّه ذکر بدل قوله قد نزل ما ترون من الأمر: قد نزل بنا ما ترون، وبدل قوله وانشمرت : واستمرّت.

الصبر على حد السيوف

{21}

[591] ثمّ سار حتّى أتى موضعاً يقال له «زبالة» فنزل وخطب وقال :

أيّها الناس فمن كان منكم يصبر على حدّ السيف وطعن الأسنّة فليقم معنا وإلّا فلينصرف عنّا.

فجعل القوم يتفرّقون، فلم يبق إلّا أهل بيته ومواليه، وهم نيف وسبعون رجلاً، وهم الّذين خرجوا معه من مكّة.

فسار بهم إلى الثعلبية، فاعترضهم الحرّ بن يزيد الرياحي، وهو قادم من القادسيّة رسولاً إليه من الحصين بن نمير، وكان الحصين بالقادسيّة في أربعة آلاف فارس، فلم يزل الحرّ يطلب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى لقيه عند صلاة الظهر.

قال الحر له : لا نفارقك حتّى أدخلناك عند ابن زیاد.

فأبى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال الحر: إذا أبيت ذلك فخذ طريقاً آخر.(1)

ص: 37


1- ينابيع المودّة : ج 3 ص 62 - 63.

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) تجاه أصحابه وأصحاب الحرّ

{22}

[562] إنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطب أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس! إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «مَنْ رأى سلطاناً جائراً مُستَحِلاً لحُرَم اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول اللّه، يَعملُ في عباد اللّه بالإثمّ والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على اللّه أنْ يدخله مُدخَله».

ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعةَ الشيطان، وتركوا طاعةَ الرحمن، وأظهروا الفسادَ، وعطّلوا الحدودَ، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرامَ اللّه، وحرّموا حلالَه، وأنا أحقُّ مَن غَيّر، قد أتَتْني كتبكم، وقَدِمتْ علىّ رُسُلكم ببيعتكم، أنّكم لا تُسلموني ولا تَخذُلوني، فإنْ وفيتم على بيعتكم تصيبُوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أُسوة، وإن لم تفعلوا ونقضْتم عهدكم، وخلعتُم بيعتي من أعناقكم، فلَعَمْري ما هي لكم بنُكْر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، والمغرور من اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومَن نكث فإنّماینکثُ على نفسه، وسيُغني اللّه عنكم، والسلام عليكم ورحمةُ اللّه وبركاته.(1)

ص: 38


1- تاريخ الطبري: ج5 ص 204 ط بيروت مؤسسة عزّالدين. الكامل لابن الأثير : ج2 ص 552. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 609.

مع الحر بن يزيد الرياحي

{23}

[563] الشيخ المفيد في الإرشاد، وغيره في غيره : في سياق قصّة مسیر أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى العراق، قالوا: فلم يزل الحرّ موافقاً للحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، حتّى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن ، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في إزار ورداء ونعلين ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أيّها الناس! إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتُبكم، وقدِمَتْ على رسلُكم: أن أقدِم علينا فإنه ليس لنا إمامٌ، لعلّ اللّه أن يجمعنا وإيّاكم(1)لهدى، والحقّ، فإن کنتم على ذلك فقد جئتُكم فاعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي کارهين، إنصرفت عنكم إلى المكان الّذي جئت عنه إليكم. (2)

ص: 39


1- الإرشاد : ص 226 وفيه : لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الهدى. بحار الأنوار : ج 44 ص 376. مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 104. أعيان الشيعة : ج1 ص599.
2- مستدرك الوسائل : ج 4 ص 29 ح 6 «باب 9 جواز الكلام في الأذان من أبواب الأذان والإقامة من كتاب الصلاة». وفي ذيله : فسكتوا عنه ولم يتكلّموا كلمة فقال للمؤذّن : «أقم الصلاة»، فأقام الصلاة ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) للحرّ: تريد أن تصلّي بأصحابك، فقال الحرّ: لا بل تصلّي أنت، ونصلّي بصلاتك، فصلّى بهم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، الخبر.

نحن أولى بولاية الأمور

{24}

[564] قال ابن الأعثم: ودنت صلاة العصر فأمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مؤذّنه فأذّن وأقام الصلاة، وتقدّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلّى بالعسکرين. فلمّا انصرف من صلاته وثب قائماً على قدميه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أيّها الناس ! أنا ابنُ بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونحن أولى بولاية هذه الأُمور علیکم من هؤلاء المُدَّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالظلم والعدوان، فإن تَثقوا باللّه وتعرِفوا الحقّ لأهله فيكونُ ذلك للّه رضى، وإن كرُهتُمونا وجهِلتم حقَّنا وكان رأيُكم على خلاف ما جاءت به کتُبکم و قدِمَتْ به رُسُلُكم إنصَرَفْتُ عنكم.

قال : فتكلّم الحر بن یزید بينه وبين أصحابه فقال : أباعبداللّه ! مانعرف هذه الكتب ولا مَن هؤلاء الرسل.

قال : فالتفت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى غلام له يقال له عقبة بن سمعان فقال : یا عُقبَة! هات الخُرْجَين الّذَيْن فيهما الكتب، فجاء عقبة بكتب أهل الشام والكوفة فنثرها بين أيديهم ثمّ تنحّى، فتقدّموا و نظروا إلى عنوانها ثمّ تنحّوا.

فقال الحرّبن یزید : أباعبداللّه ! لسنا من القوم الّذين كتبوا إليك هذه الكتب، وقد أُمرنا إن لقيناك لا نفارقك حتّى نأتي بك على الأمير.

فتبسّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال : الموتُ أدنى إليك مِن ذلك.(1)

ص: 40


1- الفتوح لابن الأعثمّ : ج 5 ص 87؛ تاريخ الطبري: ج 3 ص306؛ العوالم : ج 17 ص 227.

أشباح في ظهر آدم

{25}

[565] روي أنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لعسكره في خطبته :

أوَ لا أحدّثكم بأوّل أمرنا وأمرکم معاشر أوليائنا ومحبّينا والمتعصّبين لنا ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له مقرّون؟ قالوا: بلى يابن رسول اللّه.

قال : إنّ اللّه تعالى لمّا خلق آدم وسوّاه وعلّمه أسماء كلّ شيء وعرضهم على الملائكة جعل محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين أشباحاً خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات والحُجُب والجنان والكرسيّ والعرش، فأمر اللّه الملائكة بالسجدة لآدم تعظيماً له أنّه قد فضّله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح الّتي قد عمّ أنوارها الآفاق.

فسجدوا إلّا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة اللّه وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت، وقد تواضعت لها الملائكة كلّها فاستكبر وترفّع فكان بإبائه ذلك وتكبّره من الكافرين.(1)

اتخذوا الليل جملا

{26}

[566] جمع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحابه ليلة عاشوراء فقال : أثني على اللّه أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللّهمّ إنّي أحمدك على أن کرّمتنا بالنبوّة وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين

ص: 41


1- بحار الأنوار : ج 26 ص 326 - 328 ح 10 «باب 7 أنّ دعاء الأنبياء استجیب بالتوسّل والإستشفاع بالإستشفاع بهم صلوات اللّه عليهم أجمعين ، كتاب الإمامة» وتأويل الآيات : ج 1 ص 44 ح 18 عن تفسير الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) ص219.

فاجعلنا لك من الشاکرین. أمّا بعد فإنّي لا أعلم أصحاباً أو في ولا أخير من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم اللّه جميعاً عتي خيراً. ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإنّي قد أذنت لكم جميعاً فانطلقوا في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشیکم فاتّخذوه جملاً وليأخذ كلّ رجل منکم بید رجل من أهل بيتي فجزاكم اللّه جميعاً خيراً، ثمّ تفرّقوا في البلاد في سوادکم و مدائنکم حتّى يفرّج اللّه فإنّ القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري.(1)

ص: 42


1- رواها في «الكامل» (ج 2 ص 284 ط المنيريّة بمصر) قال : جمع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحابه ليلة العاشوراء فقالها. ورواها الحافظ الطبري في «تاريخ الأُمم والملوك» (ج 4 ص 317 ط الإستقامة بمصر ). عن أبي مخنف، عن عبداللّه بن الفائشي، عن الضحاك بن عبداللّه المشرقي بطن من همدان أيضاً عن الحارث بن حصيرة، عن عبداللّه بن شريك العامري، عن علي بن الحسين قالا : جمع الحسين أصحابه بعد مارجع عمر بن سعد وذلك عند قرب المسا قال عليّ بن الحسين : فدنوت منه لاسمع وأنا مريض فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه فذكره بعين ما تقدّم عن «الكامل» لكنّه أسقط قوله : فاجعلنا من الشاکرین، وزاد : ولم تجعلنا من المشركين، وذكر بدل كلمة أو في: أولى، وبدل كلمة أذنت : رأيت. ورواها العلامة الخوارزمي في «مقتل الحسين» (ج1 ص246 ط الغري) قال : قال (أبو مخنف) : وجمع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحابه بين يديه ثمّ حمد اللّه وأثنى عليه وقال : اللّهمّ لك الحمد على ما علّمتنا من القرآن وفقّهتنا في الدين وأكرمتنا به من قرابة رسولك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً فاجعلنا من الشاکرین. أمّا بعد فإنّي لا أعلم أصحاباً أصلح منكم ولا أعلم أهل بيت أبرّ ولا أوصل ولا أفضل من أهل بيتي فجزاكم اللّه جميعاً عنّي خيراً إنّ هؤلاء القوم مايطلبون أحداً غيري ولو قد أصابوني وقدروا على قتلي لمّا طلبوكم أبداً، وهذا الليل قد غشیکم فقوموا واتّخذوه جملاً وليأخذ كّل رجل منکم بید رجل من إخوتي و تفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم. ورواها العلامة القندوزي في «ینابيع المودّة» (ص 339 ط اسلامبول) لكنّه قال : فقال لهم : إنّي لا أعلم أصحاباً أوفى بالعهد ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل بالرحم من أهل بيتي فجزاكم اللّه عنّي خيراً، ألا وإنّي قد أذنت لکم فانطلقوا فأنتم في حلّ منّي، وهذه الليلة سيروا بسوادها فاتّخذوها ستراً جميلاً، فقال له إخوته وأهل بيته وأصحابه : لا نفارقك لحظة ولا يبقى اللّه إيّانا بعدك أبداً. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص611 - 612.

لست أعلم أصحاباً أصبر منكم

{27}

[567 ] معاشر المؤمنین، لست أعلم أصحاباً أصبر منكم ولا أهل بيت أوفى وأفضل من أهل بيتي، فجزاكم اللّه عنّي أحسن الجزاء. وإنّي أظنّ أنّ آخر أيّامي هذه مع هؤلاء القوم الظالمين، وقد أبحتكم فمافي رقابكم منّي ذمام وحرج. وهذا الليل قد انسدل عليكم فليأخذ كلّ رجل منکم بید رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في البيداء يميناً وشمالاً، عسى أن يفرّج اللّه عنّا وعنكم، فإنّ القوم يطلبوني دونكم.(1)

في فضل أهل بيت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{28}

[568] فأقبل عبيداللّه بن زياد بعسكره حتّى عسكر بالنخيلة وبعث إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجلاً يقال له : عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس، وأقبل عبداللّه بن الحصين التميمي في ألف فارس يتبعه شَبَثُ بنُ ربعي في ألف فارس و محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي أيضاً في ألف فارس وكتب لعمر بن سعد على الناس

ص: 43


1- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص 98 - 99؛ خطب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 185 - 186 ح128

وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه، فبلغ عبيداللّه بن زياد أن عمر بن سعد یُسامر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحدّثه ويكره قتالَه فوجّه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس وكتب إلى عمر بن سعد: إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلنّ الحسين بن علي وخذ بكظمه وحلْ بينَ الماء وبينَه كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار ، فلمّا وصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه اللّه أمر منادیه فنادى : إنّا قد أجّلنا حسيناً وأصحابَه يومَهم وليلَتهم فشقّ ذلك على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعلى أصحابه فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أصحابه خطيباً فقال : اللّهمّ إني لا أعرِفُ أهلَ بيت أبرّ ولا أز کی ولا أطهر مِن أهل بيتي ولا أصحاباً هم خير من أصحابي، وقد نَزَل بي ماقد تَرون وأنتم في حلّ من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعةٌ ولا لي عليكم ذمّة، وهذا الليلُ قد غَشِیکم فاتّخذوه جَمَلاً وتفرّقوا في سواده، فإنّ القوم إنّما يطلبوني ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري، فقام عبداللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، فقال : يابن رسول اللّه ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخَنا وكبيرَنا وسيّدَنا وابنَ سيّد الأعمام وابنَ نبيّنا سيّدِ الأنبياء لم نَضْرِب معه بسيفٍ ولم نقاتِل معه برمح، لا واللّه، أو نرد موردك ونجعل أنفسنا دون نفسك ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا وخرجنا ممّا لزمنا، وقام إليه رجلٌ يقال له : زهير بن القين البجلي فقال : يابنَ رسول اللّه ودِدتُ إنّي قُتِلتُ ثمّ نُشرت ثمّ قُتِلتُ ثمّ نُشِرتُ ثمّ قُتِلتُ ثمّ نُشِرتُ فيك وفي الّذين معك مائة قتلة وأن اللّه دفع بي عنكم أهل البيت، فقال له ولأصحابه : جُزيتُم خيراً.(1)

ص: 44


1- أمالي الصدوق : ص 129.

رجال لا يجدون مس الحديد

{29}

[599] عن أبي جعفر(عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحابه قبل أن يُقتل : إنّ رسول اللّه قال لي : يا بُنيّ إنّك ستُساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرض تدعى عمورا، وإنّك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ» (1) الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم، فأبشِروا، فواللّه لئن قتلونا فإنّا نرِدُ على نبيّنا، قال :

ثمّ أمكُثُ ماشاء اللّه فأكون أوّلَ مَن ينشقُّ الأرضُ عنه ، فأخرجُ خرجةً يُوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمِنا، ثمّ لينزِلنّ على وفدٌ مِن السماء من عند اللّه، لم ينزِلوا إلى الأرض قط ، ولينزِلنّ إلي جبرئیل و میکائیل وإسرافيل، وجنودٌ مِن الملائكة ، ولينزِلنّ محمّد وعليّ وأنا وأخي وجميع مَن منّ اللّه عليه، في حمولات مِن حمولات الربّ خيل بلق مِن نور لم يركبها مخلوق، ثمّ ليهِزّنّ محمّد لوءَه وليدفعنّه إلى قائمنا مع سيفه، ثمّ إنّا نمکث من بعد ذلك ماشاء اللّه ، ثمّ إنّ اللّه يُخرِج مِن مسجد الكوفة عيناً مِن دُهن وعيناً من ماء وعيناً مِن لبن.

ثمّ إنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدفع إليّ سيف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ويبعثُني إلى المشرق والمغرب ، فلا آتي على عدوّ للّه إلّا أهرقتُ دمَه، ولا أدعُ صَنَماً إلّا أحرقتُه حتّى أقَعَ إلى الهند فأفتحُها.

وإنّ دانيال ويوشع يخرجان إلى أمير المؤمنين يقولان: صدق اللّه ورسولُه ويبعثُ اللّه معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتُلون مُقاتليهم، ويبعث بعثاً إلى

ص: 45


1- سورة الأنبياء : الآية 69.

الروم فيفتحُ اللّه لهم.

ثمّ لأقتلنّ كلّ دابّة حرّم اللّه لحمها، حتّى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيّب، وأعرضُ على اليهود والنصارى وسائر الملل، ولأُخيّرنّهم بين الإسلام والسيف، فمَن أسلم مننتُ عليه، ومن كرِه الإسلامَ أهرق اللّه دمَه، ولا يبقى رجلٌ مِن شيعتنا إلّا أنزل اللّه إليه ملكاً يمسح عن وجهه التُراب ويعرّفُه أزواجَه ومنزِلتَه في الجنّة، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مُقْعَد ولا مُبتلى إلّا کشف اللّه عنه بلاءَه بنا أهل البيت.

ولينزِلنّ البركة مِن السماء إلى الأرض، حتّى أنّ الشجرة لتقصِفُ بما یریدُ اللّه فيها من الثمرة، ولتأكلنّ ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرةَ الصيف في الشتاء ، وذلك قولُه تعالى : «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1) ثمّ إنّ اللّهَ يهبُ لشيعتِنا کرامَةً، لا يخفى عليهم شيءً في الأرض وما كان فيها، حتّى أنّ الرجلَ منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته ويُخبِرَهم بعلم ما يعملون.(2)

اسمعوا قولي و لا تعجلوا

{30}

[570] دعا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) براحلتِه فركبها ونادى بأعلى صوته: يا أهلَ العراق ! - وجُلّهم يسمعون - فقال : أيّها الناس! إسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى

ص: 46


1- سورة الأعراف : الآية 96.
2- الخرائج : ج2 ص 848 ح 63 : وعن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن فضیل، عن سعد الجلّاب ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :.... بحار الأنوار : ج 45 ص 80 ح6.

أعظَكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتي أعذر إليكم فإن أعطيتموني النَصَف کنتم بذلك أسْعَدَ، وإن لم تُعطوني النصف مِن أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثمّ لا يكن أمرکم علیکم غمّةً ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون إنّ ولیّي اللّه الّذي نزّل الكتابَ وهو يتولّى الصالحين.(1)

على مَ تقاتلوني؟

{31}

[571] ثمّ وثب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) متوكّئاً على قائم سيفه ونادى بأعلى صوته فقال : أُنشدكم اللّهَ هل تعرِفونَني؟

قالوا: نعم، أنت ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وسبطه.

قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ أُمّي فاطمة الزهراء بنت محمّد المصطفى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد أوّلُ نساءِ هذه الأُمّة إسلاماً؟

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟

ص: 47


1- الإرشاد للمفيد: ص 261 ط النجف الأشرف المطبعة الحيدريّة.

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ هذا سيفُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنا متقلِّده ؟

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللّه أنا لابسها؟

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ عليّاً كان أوّل القومِ إسلاماً؟ وأعلمُهم عِلْماً، وأعظمُهم حِلماً، وأنّه وليُّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنة؟

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال : فبِمَ تَسْتَحِلّونَ دمي وأبي صلوات اللّه عليه الذائدُ عن الحوض، يذودُ عنه رجالاً كما یُذاذُ البعير الصادرُ عن الماء، ولواءُ الحمد في يدِ أبي يومَ القيامة؟!

قالوا: قد علمنا ذلك كلّه، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً.

فلمّا خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأُخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن وارتفعت أصواتهنّ، فوجّه إليهنّ أخاه العبّاس وعليّاً ابنه وقال لهما: أُسكتاهُنّ فلعَمْري ليكثُرَنّ بکاؤهنّ.(1)

ص: 48


1- أمالي الصدوق : ص 135؛ اللهوف : ص 37؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 599؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 318؛ العوالم : ج 17 ص167. تاريخ الطبري : ج 3 ص 320؛ واقعة الطف : ص 213. وعنها موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 428 - 429 ح6 40.

تبّاً لكم أيتها الجماعة

{32 }

سینا [572] وعن مصعب(1) بن عبداللّه : لمّا استكف الناس بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رَكِبَ فَرَسَهُ وَ اسْتَنْصَتَ النَّاسَ ، حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : تَبّاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ وَ تَرَحاً وَ بُؤْساً لَكُمْ! حِينَ اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَلِهِينَ، فَأَصْرَخْنَاكُمْ مُوجِفِينَ، فَشَحَذْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً كَانَ فِي أَيْدِينَا، وَ حَمَشْتُمْ عَلَيْنَا نَاراً أَضْرَمنَاهَا عَلَى عَدُوِّكُمْ وَ عَدُوِّنَا، فَأَصْبَحْتُمْ إِلْباً عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ، وَ يَداً عَلَى أَعْدَائِكُمْ مِنْ غَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ، وَ لَا أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ، وَ لَا ذَنْبٍ كَانَ مِنَّا إِلَيْكُمْ، فَهَلَّا لَكُمُ الْوَيْلَاتُ إِذْ كَرِهْتُمُونَا وَ السَّيْفُ مَشِيمٌ، وَ الْجَأْشُ طَامِنٌ، وَ الرَّأْيُ لِمَا يُسْتَحْصَفُ وَ لَكِنَّكُمْ أَسْرَعْتُمْ إِلَى بَيْعَتِنَا كَطَيْرَةِ الدَّبَا، وَ تَهَافَتُّمْ إِلَيْهَا كَتَهَافُتِ الْفِرَاشِ، ثُمَّ نَقَضْتُمُوهَا سَفَهاً وَ ضَلَّةً، فَبُعْداً وَ سُحْقاً لِطَوَاغِيتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ! وَ بَقِيَّةِ الْأَحْزَابِ وَ نَبَذَةِ الْكِتَابِ، وَ مُطْفِئِي السُّنَنِ، وَ مُؤَاخِي الْمُسْتَهْزِءِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ، وَ عُصَاةِ الْإِمَامِ، وَ مُلْحِقِي الْعَهْرَةِ بِالنَّسَبِ، وَ لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ .

أَ فَهَؤُلَاءِ تَعْضِدُونَ، وَ عَنَّا تَتَخَاذَلُونَ! أَجَلْ وَ اللَّهِ، خُذِلَ فِيكُمْ مَعْرُوفٌ نَبَتَتْ عَلَيْهِ أُصُولُكُمْ، وَ اتَّزَرَتْ عَلَيْهِ عُرُوقُكُمْ، فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ ثَمَرِ شَجَرٍ لِلنَّاظِرِ، وَ أَكْلَةٍ لِلْغَاصِبِ، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ النَّاكِثِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلُوا اللَّهَ عَلَيْهِمْ كَفِيلًا.

أَلَا وَ إِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ قَدْ تَرَكَنِي بَيْنَ السَّلَّةِ وَ الذِّلَّةِ، وَ هَيْهَاتَ لَهُ ذَلِكَ

ص: 49


1- هو مصعب بن عبداللّه من آل الزبير المؤرّخ ولد بالمدينة سنة (156) وتوفي ببغداد سنة (232) تاریخ بغداد : ج13 ص 112.

مِنِّي! هَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ! أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ لَنَا وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ، وَ حُجُورٌ طَهُرَتْ وَ جُدُودٌ طَابَتْ، أَنْ يُؤْثَرَ طَاعَةُ اللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَامِ، أَلَا وَ إِنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الْأُسْرَةِ عَلَى قِلَّةِ الْعَدَدِ، وَ كَثْرَةِ الْعَدُوِّ، وَ خَذْلَةِ النَّاصِرِ، ثُمَّ تَمَثَّلَ فَقَال :

فَإِنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً***وَ إِنْ نُهْزَمْ فَغَيْرُ مُهَزَّمِينَا

وَ مَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَ لَكِنْ***مَنَايَانَا وَ دَوْلَةُ آخَرِينَا

فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إِذاً خَلَدْنَا***وَ لَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إِذاً بَقِينَا(1)

بس العبد أنتم

{33}

[573] تقدّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى وقف بإزاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة، فقال : الحمد للّه الّذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرورُ مَن غرّته والشقيّ من فتنته، فلا تغرّنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاءَ مَن ركن إليها، وتخيِّبُ طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمرٍ قد أسخطتُم اللّه فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نِقمتَه، وجنّبكم رحمتَه، فنِعم الربُّ ربُّنا، وبئس العبد أنتم، أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذريّته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكرَ اللّه العظيم، فتبّاً لكم ولمّا تريدون، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، هؤلاء قومٌ کفروا بعدَ إيمانِهِم فبُعْداً للقومِ الظالمين.

ص: 50


1- الإحتجاج : ج 2 ص 24؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 53 وليس فيه البيتان الأخيران.

فقال عمر: ويلكم كلّموه فإنّه ابن أبيه، واللّه لو وقف فیکم هكذا يوماً جديداً لمّا انقطع ولمّا حصر فكلّموه، فتقدّم شمر لعنه اللّه فقال : يا حسين ما هذا الّذي تقول؟ أفهمنا حتّى نفهم

فقال : اتّقوا اللّهَ ربّكم ولاتقتُلوني، فإنّه لا يحلُّ لكم قتلي ولا إنتهاك حرمتي، فإنّي إبنُ بنتِ نبيّكم وجدّتي خديجة زوجة نبيّكم، ولعله قد بلغكم قول نبیّکم: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.(1)

كونوا من الدنيا على حذر

{34)

[574] عباد اللّه اتّقوا اللّه وكونوا من الدينا على حذر، فإنّ الدنيا لو بقيت الأحد أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحقّ بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء، غير أنّ اللّه تعالى خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بال ونعيمها مضمحلّ، وسرورها مكفهر والمنزل بلغة والدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتّقوا اللّه لعلکم تفلحون.(2)

ص: 51


1- مقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 252؛ المناقب : لابن شهر آشوب : ج4 ص 100 ذکر بعض الخطبة ؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 5؛ العوالم : ج 17 ص 249.
2- رواها ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج 4 ص 333 طروضة الشام) قال : خطب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في اليوم الّذي استشهد فيه فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قالها. ورواه في «كفاية الطالب» (ص 282 ط الغري) قال : أخبرنا فرج بن عبداللّه الحبشي فتی أبي جعفر القرطبي، أخبرنا الحافظ أبو محمّد القاسم بن الحافظ أبي القاسم، أخبرنا القاضي أبو المعالي محمّد بن يحيى القرشي، أخبرنا سهل بن بشر الاسفرایني ، أخبرنا محمّد بن الحسين بن أحمد السري، أخبرنا الحسن بن رشيق، حدّثنا يموت بن المزرع، حدّثنا محمّد بن الصباح السماك ، حدّثنا بشر بن طامحة، عن رجل من همذان. فذكرها بعينها. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 614. وفي ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق : ص 215 ح 272 بهذا الإسناد : أخبرنا خالي أبو المعالي محمّد بن يحيى القاضي، أنبأنا سهل بن بشر الاسفرایني، أنبأنا محمّد بن الحسين بن أحمد بن السري ، أنبأنا الحسين بن رشيق ، أنبأنا يموت بن المزرع، أنبأنا محمّد بن الصباح السمّاك، أنبأنا بشر بن طلحة. الخبر. وأورده أبو الحسن الحصري علي بن عبدالغني الفهري المقرىء الضرير القيرواني المتوفّى (488) في زهرة الأدب : ج1 ص 57 بتفاوت يسير.

ما لكم تناصرون

{35}

[575] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال لأصحاب ابن زیاد يوم الطفّ :

مالكم تناصرون علىّ أم واللّه لئن قتلتموني حجّة اللّه عليكم لا واللّه مابین جابلقا و جابر سا ابن نبي احتجّ اللّه به عليكم غيري.(1)

لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل

{36}

[976] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد بلغكم قول نبیّکم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنّة، ما خلا النبيّين والمرسلين، فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ فواللّه ما تعمّدت كذباً منذ علمت أنّ اللّه يمقت عليه أهله ، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من الصحابة مثل جابر بن عبداللّه و سهل بن سعد، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك فاسألوهم عن هذا فإنّهم يخبرونكم أنّهم سمعوه من رسول اللّه ، فإن کنتم في شكّ من أمري، أفتشکّون أي ابن بنت نبيّكم، فواللّه مابین

ص: 52


1- الإرشاد للمفيد : ص 219 ط النجف الأشرف.

المشرقين والمغربين ابن بنت نبيّ غيري، ويلكم أتطلبوني بدم أحد منكم قتلته ، أو بمال استملكته أو بقصاص من جراحات استهلكته فسكتوا عنه لا يجيبونه، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه لا أُعطيهم يدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد، عباد اللّه إنّي عذتُ بربّي وربّكم أن ترجعون وأعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.

فقال له شمر بن ذي الجوشن : یا حسین بن علي أنا أعبد اللّه على حرف إن كنت أدري ما تقول.

فسكت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال حبیب بن مظاهر للشمر : يا عدوّ اللّه وعدوّ رسول اللّه إنّي لأظنّك تعبد اللّه على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك لا تدري ما يقول، فإنّ اللّه تبارك وتعالى قد طبع على قلبك.

فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حسبك يا أخا بني أسد فقد قضى القضاء و جفّ القلم واللّه بالغ أمره، واللّه إنّي لأشوق إلى جدّي وأبي وأُمّي وأخي وأسلافي من يعقوب إلى يوسف وأخيه ولي مصرع أنا لاقيه.(1)

ص: 53


1- رواه في مقتل الخوارزمي : ج 1 ص 252 قال : قاله (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين تقدّم حتّى وقف قبالة القوم وجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّها السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفة في صناديد الكوفة. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 619 - 620. بحار الأنوار : ج 45 ص 5- 6.

ص: 54

الکُتُب

اشارة

ص: 55

خير الدنيا والآخرة

{1}

[577 ]عن الصادق ، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : کتب رجل إلى الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا سيّدي أخبرني بخير الدنيا والآخرة.

فكتب إليه : بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد فإنّه مَن طلب رِضى اللّه بسخط الناس كفاه اللّه أُمورَ الناس، ومن طلب رِضى الناس بسخط اللّه وكله اللّه إلى الناس، والسلام.(1)

في ترك جهادك

{2}

[578] و کتب مروان بن الحكم إلى معاوية : إنّي لست آمن أن يكون حسین مرصداً للفتنة وأظنّ يومكم من حسين طويلاً.

فكتب معاوية إلى الحسين : إنّ من أعطى اللّه صفقة يمينه وعهده لجديرٌ بالوفاء، وقد أُنبِئْتُ أنّ قوماً من أهلُ الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهلُ العراق مَن قد جرّبت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتّقِ اللّه واذكر الميثاق وإنّك متى تكِدْني أكِدْك.

ص: 56


1- أمالي الصدوق : ص 167 - 168 ح 11 «المجلس 26» ؛ الإختصاص : ص 225 «خير الدنيا والآخرة» ؛ بحار الأنوار: ج 68 ص 208 ح 17 «باب 65 أداء الفرائض واجتناب المحارم في كتاب الإيمان والكفر»؛ بحار الأنوار : ج 68 ص 371 ح 2 «باب 91 الذكر الجميل ومايلقي اللّه في قلوب العباد من محبّة الصالحين» ؛ وذكره المجلسي في بحاره أيضاً : ج75 ص 126 ح 8 «باب 20 مواعظ الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) » بهذا الإسناد : عن محمّد بن موسی بن المتوكّل، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن ابن البطائني، عن أبيه.

فكتب إليه الحسين : أتاني كتابُك، وأنا بغير الّذي بَلَغَك عنّي جدير ، والحسناتُ لا يهدي لها إلّا اللّه، وما أردتُ لك محاربةً ولا عليك خلافِاً وما أظُنُّ لي عند اللّه عُذراً في ترك جهادك، وما أعلمُ فتنةً أعظم من ولايتك أمرَ هذه الأُمّة.(1)

إلى رؤساء الأخماس بالبصرة

{3}

[579] في مكّة كتب الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) نسخةً واحدة إلى رؤساء الأخماس بالبصرة وهم مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، و مسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد بن معمر ، وأرسله مع مولی له يقال له سليمان و فيه :

أمّا بعد فإنّ اللّه اصطفى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من خَلقِه، وأكرمه بنبوّته، واختاره الرسالته، ثمّ قبضه إليه وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أرسل به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وكنّا أهلَه وأولياءَه وورثتَه وأحقَّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومُنا بذلك فرضينا، وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافيةَ، ونحن نعلم أنّا أحقُّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولّاه، وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أُميتَ، والبدعةُ قد أُحييت، فإن تسمعوا قولي أهدِكم إلى سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.(2)

ص: 57


1- تهذيب الكمال : ج6 ص416 ط بيروت مؤسّسة الرسالة.
2- تاريخ الطبري: ج5 ص356؛ خطب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص89 ح 39. مثير الأحزان : ص 27؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 340.

سنة بني هاشم

{4}

[580] کان لمعاوية بن أبي سفيان عين بالمدينة يكتب إليه بما یکون من أُمور الناس و قریش، فكتب إليه : إنّ الحسين بن علي أعتق جارية له وتزوّجها ، فكتب معاوية إلى الحسين : من أمير المؤمنین معاوية إلى الحسين بن عليّ، أمّا بعد فإنّه بلغني أنّك تزوّجت جاريتُك، وتركتَ أكفاءَك من قریش، ممّن تستحسنه للولد، وتمجد به في الصهر ، فلا لنفسك نظرتَ، ولا لولدك انتقيتَ!

فكتب إليه الحسينُ بنُ عليّ: أمّا بعد فقد بلغني كتابُك و تعبيرُك إيّاي بأنّي تزوّجتُ مولاتي وتركتُ أكفائي من قريش، فليس فوق رسول اللّه منتهي في شرف، ولا غاية في نسب وإنّما كانت ملك يميني خَرَجتْ عن يدي بأمر إلتمستُ فيه ثوابَ اللّه تعالى، ثمّ ارتجعتها على سنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وقد رفع اللّه بالإسلام الخسيسةَ، ووضع عنّا به النقيصة، فلا لوم على امرىء مسلم إلّا في أمرِ مأثم، وإنّما اللَومُ لومُ الجاهليّة.

فلمّا قرأ معاوية كتابَه نبذه إلى يزيد فقرأه وقال : لشدَّ مافخر عليك الحسين ! قال : لا ولكنّها ألسنة بني هاشم الحِداد الّتي تفلق الصخر، وتغرف من البحر ! (1)

بلغني كتابك

{5}

[581] وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في جواب کتاب کتب إليه معاوية على طريق الإحتجاج : أمّا بعد: فقد بلغني كتابُك أنه بلغك عنّي أُمورٌ إنّ بي عنها غني، وزعمتَ

ص: 58


1- زهرة الأدب لأبي الحسن الحُصَري القيرواني المتوفّى (488): ج1 ص57.

أنّی راغب فيها، وأنا بغيرها عنك جدير، أمّا مارقي إليك عنّي فإنه رقاه إليك الملّاقون المشّاؤن بالنمائم المفرّقون بين الجمع، كذب الساعون الواشون، ما أردتُ حربَك ولا خلافاً عليك، وأيم اللّه إنّي لأخاف اللّه عزّ ذكرُه في ترك ذلك، وما أظنّ اللّه تبارك وتعالی براض عنّي بترکه، ولا عاذري بدون الإعتذار إليه فيك، وفي أُولئك القاسطين الملبين حزب الظالمين، بل أولياء الشيطان الرجيم، ألستَ قاتلَ حجر بن عدي أخي کندة ، وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين، كانوا ينكرون الظلمَ، ويَسْتعظمون المنكرَ والبدعَ، ويؤثرون حکمَ الكتاب ، ولا يخافون في اللّه لومةَ لائم، فقتلتهم ظلماً وعُدواناً، بعد ما كنتَ أعطيتَهم الأيمان المغلّظة، والمواثيق المؤكّدة، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولاباحنة تجدّها في صدرك عليهم، أو لستَ قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه ، العبد الصالح الّذي أبلَتْه العبادةُ فصفرت لونه، ونحلت جسمه، بعد أن أمنتَه وأعطيتَه مِن عهود اللّه عزّوجلّ و میثاقه مالو أعطيته العصم ففهمته لنزلت إليك من شعف الجبال، ثمّ قتلته جرأة على اللّه عزّوجلّ، واستخفافاً بذلك العهد؟ أولستَ المدّعي زيادَ بن سميّة، المولود على فراش عبيد عبد ثقيف، فزعمتَ أنّه إبن أبيك، وقد قال رسول اللّه : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فتركتَ سنّة رسول اللّه واتّبعتَ هواك بغير هُدى مِن اللّه، ثمّ سلّطتَه على أهلِ العراق فقطع أيدي المسلمين وأرجلَهم وسَمَل أعينَهم، وصلبَهم على جُذوعِ النخيل كأنّك لستَ مِن هذه الأُمّة، وليسوا منك؟ أولستَ صاحب الحضرميّين الّذين كتب إليك فيهم ابن سميّة أنّهم : علىّ دين على ورأيه، فكتبتَ له أُقتل كلّ من كان على دين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ورأيه فقتلهم، ومثل بهم بأمرك، ودينُ عليّ واللّه وابن علي الّذي كان يضرب عليه أباك، وهو أجلسك بمجلسك الّذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان أفضل شرفك وشرف أبيك

ص: 59

تجشم الرحلتين اللتين بنا منّ اللّه عليكم فوضعهما عنكم؟

وقلتَ فيما تقول أُنظر نفسك ولدينك ولأُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، واتّق شقّ عصا هذه الأُمّة، وأن تردهم في فتنةً، فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي وولدي وأُمّة جدّي أفضلَ مِن جهادك فإن فعلته فهو قربةً إلى اللّه عزّوجلّ، وإن تركنُه فأستغفر اللّه لذنبي وأسأله توفيقي لإرشاد أُموري ، وقلتَ فيما تقول إن أنكرك تنكرني، وإن أكدك تكدني، وهل رأيك إلّا كيد الصالحين منذ خلقت؟

فكِدني ما بدا لك إن شئت، فإنّي أرجو أن لايضرّني کيدك، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك، على أنّك تكيد فتوقظ عدوّك، وتويق نفسك ، کفعلك بهؤلاء الّذين قتلتَهم ومثّلت بهم بعد الصلح والإيمان والعهد والميثاق ، فقتلتَهم من غير أن يكونوا قَتَلوا إلّا لذكرهم فضلَنا، وتعظيمهم حقّنا، بما به شرفت وعرفت، مخافة أمر لعلّك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا، أبشر يا معاوية بقصاص، واستعدّ للحساب، واعلم أنّ للّه عزّوجلّ كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها وليس اللّه تبارك وتعالى بناس أخذك بالظنة، وقتلك أولياءه بالتهمة، ونفيك إيّاهم من دار الهجرة إلى دار الغربة والوحشة، وأخذك الناس ببيعة ابنك، غلام من الغلمان، يشرب الشراب ، ويلعب بالكعاب، لا أعلمك إلّا قد خسرت نفسك، وشريت دينك، وغششت رعيّتك، وأخزيت أمانتك ، سمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت التقي الورع الحليم.(1)

ص: 60


1- الإحتجاج : ج2 ص 19 - 21 «احتجاجه (عَلَيهِ السَّلَامُ)على معاوية توبیخاً له على قتل من قتله من شيعة أمير المؤمنين وترحّمه علیهم» وفيه : عن صالح بن کیسان قال : لمّا قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حجّ ذلك العام فلقي الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أبا عبد اللّه هل بلغك ماصنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وماصنعت بهم؟ قال : قتلناهم وكفنّاهم ولا صلّينا عليهم، ولا قبر ناهم، ولقد بلغني وقبعتك في علي وقيامك ببعضنا، واعتراضك بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك ثمّ سلها الحقّ عليها ولها، فإن لم تجدّها أعظم عیباً فما أصغر عيبك فيك، وقد ظلمناك یا معاوية فلا توتّرنّ غير قوسك، ولا ترمینّ غیر غرضك، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب، فإنّك واللّه لقد أطعت فينا رجلاً ما قدم إسلامه، ولا حدث نفاقه، ولا نظر لك فانظر لنفسك أو دع: الخبر.

ثمرة المعصية

{6}

[582] عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرّة، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : کتب رجل إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عظني بحرفين، فكتب إليه : مَن حاول أمراً بمعصية اللّه تعالى كان أفوت لمّا يرجو، وأسرع لمجيء ما يحذر.(1)

إنّي لم أخرج أشراً

{7}

[583 ] بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمّد بن علي المعروف بابن الحنفيّة: إنّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّهَ يبعثُ مَن في القبور، إنّي لم أخرج أشِراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً،

ص: 61


1- الكافي : ج 2 ص 372 ح 3؛ تحف العقول : ص177؛ بحار الأنوار: ج 78 ص 120 ح 19 وفيهما «أسرع لمّا يحذر» وج 73 ص 392 ح 3؛ معادن الحكمة : ج2 ص 45 ح 101؛ وسائل الشيعة : ج 11 ص 421 ح 3.

وإنّما خرجتُ أطلب الإصلاح في أُمّة جدّي محمّد أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وسيرة أبي عليّ بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحقّ فاللّه أولى بالحقّ، ومن ردّ علىّ هذا صبرت حتّى يقضي اللّه بيني وبين القوم بالحقّ ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاکمین، هذه وصيّتي إليك يا أخي وما توفيقي إلّا باللّه عليه توكّلت وإليه أُنيب، والسلام عليك وعلى من اتّبع الهدى ولا قوة إلّا باللّه العليّ العظيم.(1)

إلى بني هاشم

{8}

[584 ] بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم :

أمّا بعد فإنّه من لحق بي منكم استشهد معي ومن تخلّف لم يبلغ الفتح، والسلام.(2)

ص: 62


1- رواه العلامة الخوارزمي في «مقتل الحسين» (ج1 ص 188 ط الغري) قال : ثمّ دعا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بدواة وبياض وكتب فيها هذه الوصيّة لأخيه محمّد. فذكرها. قال : ثمّ طوى الحسين كتابه هذا وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمّد ثمّ ودعه وخرج في جوف الليل يريد مكّة في جميع أهل بيته وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ستّين فلزم الطريق الأعظم فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ». ملحقات الإحقاق : ج11 ص 603 عن مقتل الخوارزمي.
2- بحار الأنوار : ج 42 ص 81 ح 12 «باب 120 أحوال أولاده وأزواجه و أُمّهات أولاده صلوات اللّه عليه» بهذا الإسناد : أيّوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان بن إسماعيل، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذكرنا خروج الحسین و تخلّف ابن الحنفيّة عنه ، قال : قال أبوعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا حمزة إنّي سأُحدّثك في هذا الحديث ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا، إنّ الحسين لمّا فصل متوجّهاً دعا بقرطاس وكتب.

وفي رواية أُخرى : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومن قبله من بني هاشم أما بعد: فإنّ من لحق بي أُستشهد، ومن لم يلحق لم يدرك الفتح، والسلام.(1)

المودّة الثابتة

{9}

[585 ] كتب أخ للحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الحسين کتاباً يستبطئه في مکاتبته. قال : فكتب إليه الحسين : يا أخي ليس تأكيد المودّة بكثرة المزاورة، ولا بمواترة المكاتبة، ولكنّها في القلب ثابتة وعند النوازل موجودة، وقد قال في ذلك أوس بن حجر :

وليس أخوك الدائمُ الوصل بالّذي***يذمك إن ولّی ويُرضيك مقبلاً

ولكنّه النائي إذا کنتَ آمناً***وصاحبُك الأدنى إذا الأمر أعضلا(2)

ص: 63


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 87 ح 23 «باب 37 ماجرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد إلى شهادته» ؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 155 ح 3 «باب 4 إخباره بشهادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أبواب ما أخبر به الرسول وأمير المؤمنين والحسن (عَلَيهِم السَّلَامُ) بشهادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في کتاب الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)» بهذا الإسناد : أبي وجماعة مشايخي، عن سعد، عن عليّ بن إسماعيل وابن أبي الخطّاب معاً، عن محمّد بن عمرو بن سعيد، عن ابن بكير ، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : کتب الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) من مكّة إلى محمّد بن علي.
2- رواه جماعة من القوم : فمنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد ابن أبي جرادة في «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ج6 ص2589) قال : قال أبو عبداللّه : وفيه - یعنی کتاب والده - حدّثنا أبو بكر يوسف بن يعقوب الواسطي، قال : حدّثني أحمد بن أبي القاسم، عن أبيه قال : كتب أخ للحسين.... ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 194.

امض لوجهك

{10}

[589] دعا الحسين مسلم بن عقيل، فسيَّره إلى الكوفة، وأمره بتقوى اللّه وكتمان أمره والتلطُّف ؛ فإن رأى الناس مجتمعين عجّل إليه بذلك.

فسار مسلم نحوَ المدينة، ولمّا دخلها صلّى في مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وودّع أهلَه، واستأجر دلیلیْن من قَيسْ، فأقبلا به ، فضلّا الطريقَ، وعطشوا فمات الدليلان.

فكتب مسلم إلى الحسين : إنّي أقبلتُ إلى المدينة، واستأجرتُ دلیلین ، فضلّا الطريقَ، واشتدّ عليهما العطشُ، فماتا، وأقبلنا حتّى انتهينا إلى الماء، فلم ننج إلّا بحشاشة أنفسنا، وقد تطّيرتُ، فإن رأيتَ أعفيتَني وبعثتَ غيري.

فكتب إليه الحسين : أمّا بعد؛ فقد خشيتُ ألا يكون حَمَلك على الكتاب إلّا الجبْن، فامض لوجهك، والسلام.(1)

ص: 64


1- تاريخ الطبري : ج 7 ص 237؛ إرشاد المفيد: ص 204؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 335؛ أيّام العرب في الإسلام : ص 401 - 402. وفي ذيله : فسار مسلم حتّى أتى الكوفة ، وأميرها يومئذ النعمان بن بشير، فأقبلت إليه الشيعة تختلف إليه، فكلمّا اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم کتابَ الحسين ، فيبكون، ويعدونه القتال والنُصرة. ولمّا بلغ ذلك النُعمَانَ بن بشير صعد المنبر وقال : أمّا بعد، فلا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فإنّ فيهما تهلِك الرجال، وتُسْفَك الدماء، وتُغْصَب الأموال. وكان النعمان حليماً ناسكاً يحبُّ العافية. ثمّ قال : إنّي لا أُقاتل إلّا مَن يُقاتلني، ولا أثبُ على مَن لا يثب عَليّ، ولا أُنبّه نائمَكم، ولا أتحرشُ بكم، ولا آخذ بالقَرْف والظنّةَ والتُهمة، ولكنّكم إن أبديتم صفحتَكم، ونكثتُم بيعتَكم، وخالفتم إمامكم، فواللّه الّذي لا إله إلّا هو ؛ لأضربنّكم بسيفي ماثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن لي منكم ناصرٌ ولا مُعين. أما إنّي أرجو أن يكون مَن يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يُرْديه الباطل. فقام إليه عبداللّه بن مسلم الحضرمي، من شيعة بني أُميّة، وقال له : إنه لا يُصلح ما ترى إلّا الغَشْم، إنّ هذا الّذي أنتَ عليه رأي المستضعفين، فقال : أكون من المستضعفين في طاعة اللّه أحبُّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصية اللّه.

أمان اللّه

{11}

[587] قام عبداللّه بن جعفر إلى عمرو بن سعید بن العاص(1) فكلمه وقال : اكتب إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنّيه فيه البرّ والصلة، وتوثّق له في كتابك، وتسأله الرجوع، لعلّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع، وابعث به مع أخيك یحیی بن سعید، فإنّه أحرى أن تطمئن نفسه إليه ويعلم أنّه الجدّ منك.

فقال عمرو بن سعيد: أُكتب ماشئت وائتني به حتّى أختمه، فكتب عبداللّه بن جعفر الكتاب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي، أمّا بعد، فإنّي أسأل اللّه أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لمّا يرشدك، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق، وإنّي أُعيذك مِن الشاق، فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبداللّه بن جعفر و یحیی بن سعد، فأقبل إليّ معهما ، فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار، لك اللّه بذلك شهید و کفیل ، ومراع ووكيل، والسلام عليك.

ثمّ أتی به عمرو بن سعيد فقال له : إختمه، ففعل، فلحقه عبداللّه بن جعفر ويحیی بن سعید، فأقرأه يحيى الكتاب ، وكتب إليه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

أمّا بعد؛ فإنّه لم يُشاقِق اللّهَ ورسولَه مَن دعا إلى اللّه عزّوجلّ وعَمِلَ صالحاً وقال : إنّني مِن المسلمين، وقد دعوتَ إلى الأمان والبرّ والصلة، فخيرُ

ص: 65


1- هو عمرو بن سعید بن العاص بن أُميّة، أمير، كان والي مكّة والمدينة لمعاوية ويزيد، فلمّا طلب مروان بن الحكم الخلافة عاضده عمرو فجعل له ولاية العهد بعد ابنه عبدالملك، ولمّا ولی عبدالملك أراد خلعه من ولاية العهد وفي النهاية قتله سنة (70) وكان ملقّباً بالأشدق لفصاحته. الأعلام : ج ص 246.

الأمان أمانُ اللّه، ولن يؤمِنَ اللّهُ يومَ القيامة مَن لم يخفه في الدنيا، فنسأل اللّهَ مخافةً في الدنيا توجبُ لنا أمانَه يومَ القيامة، فإن کنتَ نويتَ بالكتاب صِلَتي وبِرّي فجُزيتَ خيراً في الدُنيا والآخرة، والسلام.(1)

لاستخرجوني و يقتلوني

{12}

[588] وانتقل الخبر بأهل المدينة أنّ الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) لا يريد الخروج إلى العراق، فكتب إليه عبداللّه بن جعفر : بسم اللّه الرحمن الرحيم، للحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) من عبداللّه بن جعفر، أمّا بعد! أُنشدك اللّه أن لا تخرج عن مكّة، فإنّي خائف عليك من هذا الأمر الّذي قد أزمعت عليه أن يكون فيه هلاكك وأهل بيتك، فإنّك إن قتلت أخاف أن يطفيء نور الأرض، وأنت روح الهدى وأمير المؤمنين، فلا تعجل بالمسير إلى العراق فإنّي أخذ لك الأمان من یزید، وجميع بني أُميّة على نفسك ومالك وولدك وأهل بيتك، والسلام.

قال : فكتب إليه الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : أمّا بعد! فإنّ كتابَك ورد عليّ فقرأتُه وفهِمتُ ما ذكرت، وأُعلِمُك أنّي رأيتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مَنامي فخبّرني بأمرٍ وأنا ماضٍ له، لي كان أو عليّ، واللّه يابنَ عمّي لو كنتُ في جُحرِ هامّة من هوّام الأرض لاستخرجوني ويقتلوني، واللّه يابن عمّي ليعتدنّ عليّ كما إعتدت اليهودُ على السبت، والسلام.(2)

ص: 66


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 387؛ الكامل : ج3 ص 277؛ بحار الأنوار : ج44 ص366.
2- الفتوح: ج 5 ص 74؛ مقتل الحسين للخوارزمي: ج1 ص 218.

بعثتُ إليكم أخي

{13}

[589] بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين؛ أمّا بعد فإنّ هانئاً وسعيداً قَدِما عليّ بكتبكم، وكانا أخرَ مَن قَدِمَ عليّ من رسلكم، وقد فهمتُ كلَّ الّذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالهُ جُلّكم: أنّه ليس علينا إمامٌ، فأقبل لعلّ اللّهَ أن يجمَعَنا بك على الهدى والحقّ. وقد بعثتُ إليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي من أهل بيتي، وأمرتُه أن يكتب إلىّ بحالكم وأمرکم ورأيكم، فإن كتبَ إلىّ أنّه قد أجمع رأيُ مَلئکم وذوي الفضل والحِجى منكم على مثل ماقَدِمَتْ علىّ به رُسُلكم، وقرأتُ في كتُبكم، أقدِمُ علیکم وشَيكاً إن شاء اللّه ؛ فلَعَمري ما الإمام إلّا العاملُ بالكتاب ، والأخذُ بالقسط، والدائنُ بالحقّ، والحابسُ نفسَه على ذات اللّه، والسلام.(1)

ص: 67


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص352 - 353 «أحداث سنة 60ه» بهذا الإسناد : قال أبو مخنف : فحدّثني الحجّاج بن عليّ، عن محمّد بن بشر الهَمْداني ، قال : اجتمعت الشيعة في منزل سلیمانَ بن صُرَد، فذكرْنا هلاك معاوية ، فحمدنا اللّه عليه، فقال لنا سليمان بن صرد: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد تقبّضَ على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكّة، وأنتم شیعته وشيعة أبيه، فإنْ کنتم تعلمون أنّكم ناصروه و مجادو عدوّه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوهَل والفَشَل فلا تغرّوا الرجلَ مِن نفسه، قالوا: لا، بل نقاتل عدوِه ونقتل أنفسنا دونه ؛ قال : فاكَتَبوا إليه، فكتبوا إليه. وتلاقت الرُسُل كلّها عنده، فقرأ الكتب، وسأل الرسل عن أمر الناس، ثمّ كتب مع هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبداللّه الحنفي، وكانا آخر الرسل : الخبر. وفي المناقب : ج4 ص 90 والكامل لابن الأثير : ج4 ص 21 مثله بتفاوت يسير.

أعظم الأجر

{14}

[590] بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمین سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم اللّه الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّ كتاب مسلم بن عقیل جاءني يخبرني فيه بحسن رأیکم واجتمع ملاكم على نصرنا والطلب بحقّنا فسألت اللّه أن يحسن لنا الصنع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية ، فإذا قدم علیکم رسولي فاکمشوا أمركم وجدّوا فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه إن شاء اللّه ، والسلام علیکم ورحمة اللّه وبركاته.(1)

كان الدنيا لم تكن

{15}

[591] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كتب الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ من كربلاء: «بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومن قبله من بني هاشم أمّا بعد فكأنّ الدُنيا لم تكن، وكأنّ الآخرة لم تزل، والسلام». (2)

ص: 68


1- رواه محمّد بن جرير الطبري في تاريخ الأمم والملوك» (ج 4 ص 297 ط الاستقامة بمصر) عن أبي مخنف، عن محمّد بن قيس إنّ الحسين أقبل حتّى إذا بلغ الحاجر من بطن الرمّة بعث قيس بن مسهّر الصيداوي إلى أهل الكوفة وكتب معه إليهم. فذكر الكتاب. ورواه العلامة ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج 8 ص 167 ط السعادة بمصر) عن أبي مخنف بعين ما تقدّم عن «تاريخ الأُمم» لكنّه ذکر بدل كلمة فالمشوا: فاکتموا، وبدل كلمة فسألت : فنسأل. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 604
2- بحار الأنوار : ج5، ص87 ح 23 وعنه العوالم الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص155.

قوم لزموا طاعة الشيطان

{16}

[592] بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجية ورفاعة بن شدّاد وعبداللّه بن وال وجماعة المؤمنين : أمّا بعد، فقد علمتم أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد قال في حياته : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم اللّه ناكثاً لعهد اللّه مخالفاً لسنّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، يعمل في عباد اللّه بالإثمّ والعدوان ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل كان حقيقاً على اللّه أن يدخله مدخله وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولّوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا في الأرض الفساد وعطّلوا الحدود والأحكام واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام اللّه، وحرّموا حلاله ، وإنّي أحقّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد أتتني كتبكم وقدمت علىّ رسلكم ببيعتكم إنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظّكم ورشدكم ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهليكم وأولادكم فلكم بي أُسوة وإن لم تفوا [ خ = لم تفعلوا ] ونقضتم عهودكم ونكثتم بيعتكم، فلعمري ماهي منکم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي والمغرور من اغترّ بكم فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم و من نکث فإنّما ینکث على نفسه وسيغني اللّه عنكم، والسلام.(1)

ص: 69


1- رواه الخوارزمي في «مقتل الحسین» (ج1 ص 234 ط مطبعة الزهراء) قال : ودعا الحسين «حين النزول بکربلا» بدواة وبياض وكتب إلى أشراف الكوفة ممن يظنّ أنّه على رأيه. ورواه المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار : ج 44 ص 382. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص603.

ص: 70

الإحتجاجات

اشارة

ص: 71

أنا و أنت أبوا المؤمنين

{1}

[593] روی فرات عن عبيد بن کثیر معنعناً عن عطاء بن أبي ریاح، قال : قلت لفاطمة بنت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلتُ فداك أخبريني بحديث أحتجُّ به على الناس.

قالت : نعم، أخبرني أبي أنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بَعَثَ إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن أصعد المنبر وادعُ الناس إليك، ثمّ قل: أيّها الناس مَن انتقص أجيراً أجره فليتبوّأ مقعده مِن النار، ومَن ادّعى إلى غير مواليه فليتبوّأ مقعده مِن النار، ومَن عقّ والديه فليتبوّأ مقعده مِن النار.

قال : فقال رجل : يا أبا الحسن ما لهنّ من تأويل؟

فقال : اللّه و رسوله أعلم ، ثمّ أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأخبره ، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ويل لقريش من تأويلهنّ ثلاث مرّات، ثمّ قال : يا عليّ انطلق فأخبرهم أنّي أنا الأجير الّذي أثبت اللّه مودّته من السماء، وأنا وأنت موليا المؤمنين ، وأنا وأنت أبوا المؤمنین.

ثمّ خرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا معشر قريش والمهاجرين، فلمّا اجتمعوا قال : يا أيّها الناس إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أوّلكم إيماناً باللّه ، وأقومكم باللّه، وأوفاکم بعهد اللّه، وأعلمكم بالقضيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأرحمكم بالرعيّة، وأفضلكم عند اللّه مزيّة.

ثمّ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ اللّه مثّل لي أُمّتي في الطين وأعلمني بأسمائهم كما علّم آدم الأسماء كلّها، فمرّ بي أصحاب الرايات ، فاستغفرتُ لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و شیعته، وسألتُ ربّي أن يستقيم أُمّتي على عليّ بن أبي طالب مِن بعدي، فابی ربّي إلا أن يضلّ مَن يشاء.

ص: 72

ثمّ ابتدأني ربّي في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بسبع :

أمّا أولهنّ: فإنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض معي ولا فخر.

وأمّا الثانية : فإنّه يذود عن حوضي كما تذود الرعاة غريبة الإبل.

وأمّا الثالثة : فإنّ من فقراء شيعة عليّ ليشفع في مثل ربيعة ومضر.

وأمّا الرابعة : فإنّه أوّل من يقرع باب الجنّة معي ولا فخر.

وأمّا الخامسة : فإنّه يزوّج من حور العين ولا فخر.

وأمّا السادسة : فإنّه أوّل من يسكن معي في علّيّين ولا فخر.

وأمّا السابعة : فإنه أوّل من يسقى مِن رحیق «خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ»(1).(2)

هل يكون بعدك نبي ؟

{2}

[594 ] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : دخل أعرابيّ على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يريد الإسلام ومعه ضبّ قد اصطاده في البريّة وجعله في كمّه، فجعل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعرض عليه الإسلام، فقال : لا أُؤمن بك يا محمّد أو يؤمن بك هذا الضبّ ورمی الضبّ عن كمّه، فخرج الضبّ من المسجد يهرب، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا ضبّ من أنا؟

ص: 73


1- سورة المطففين : الآية 26.
2- تفسیر فرات : ص 544 ح 699. بحار الأنوار: ج 40 ص 59 ح93. وعنهما موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): ص65 - 66.

قال : أنت محمّد بن عبداللّه بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف.

قال : يا ضبّ من تعبد؟

قال : أعبد اللّه الّذي فلق الحبّة و بریء النسمة واتّخذ إبراهيم خليلاً وناجى موسی کلیماً واصطفاك يا محمّد!

فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّك رسول اللّه حقّاً؛ فأخبرني یارسول اللّه هل يكون بعدك نبيّ؟

قال : لا أنا خاتم النبيّين ، ولكن يكون بعدي أئمّة من ذرّيتي قوّامون بالقسط کعدد نقباء بني إسرائيل، أوّلهم عليّ بن أبي طالب هو الإمام والخليفة بعدي، وتسعة من الأئمّة من صلب هذا - ووضع يده على صدري - والقائم تاسعهم، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أوّله.

قال : فأنشأ الأعرابي يقول:

ألا يا رسول اللّه إنّك صادق***فبوركت مهدیّاً وبورکت هادیا

شرعت لنا الدين الحنيفيّ بعدما***غدونا كأمثال الحمير الطواغيا(1)

فيا خير مبعوث ويا خير مرسل***إلى الإنس ثمّ الجنّ لبّيك داعيا

فبوركت في الأقوام حياً وميّتاً***وبوركت مولوداً وبوركت ناشئا

قال : فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا أخا بني سليم هل لك مال؟

قال : والّذي أكرمك بالنبوّة وخصّك بالرسالة إنّ أربعة آلاف بيت من بني سليم ما فيهم أفقر منيّ، فحمله النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على ناقة(2)، فرجع إلى قومه فأخبرهم بذلك. قالوا: فأسلم الأعرابي طمعاً في الناقة، فبقي يومه في الصفّة لم يأكل

ص: 74


1- في المصدر : عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا.
2- في المصدر : على ناقته.

شيئاً، فلمّا كان من الغد تقدّم(1) إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال :

يا أيّها المرء الّذي لانعدمه***أنت رسول اللّه حقّاً نعلمه

ودينك الإسلام ديناً نعظمه***نبغي من الإسلام شيئاً نقضمه(2)

قد جئت بالحقّ وشيئاً تطعمه(3)

فتبسّم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا عليّ أعط الأعرابي حاجته، فحمله علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزل فاطمة وأشبعه وأعطاه ناقة وجلّة تمر.(4)

ما رأينا مثل حجتك

{3}

[595] في تفسير الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ضمن حديث عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبي الباقر، عن جدّي عليّ بن الحسین زین العابدین ، عن أبيه الحسین سیّد الشهداء، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين أنّه اجتمع يوماً عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أهل خمسة أديان : اليهود، والنصارى، والدهريّة، والثنويّة، ومشركو العرب، فقالت اليهود : نحن نقول : عزيرٌ ابن اللّه، وقد جئناك يا محمّد لننظر ما تقول، فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب

ص: 75


1- في المصدر : فقدم.
2- في المصدر : نبغي مع الإسلام شيئاً نقضمه، قضم الشيء: کسره بأطراف أسنانه وأكله
3- في المصدر : نطعمه.
4- كفاية الأثر : ص 23. وعنه بحار الأنوار: ج36 ص 342 - 343 ح 208 : عليّ بن الحسين بن محمّد، عن الحسن بن علي بن عبداللّه الموسوي القاضي، عن محمّد بن الحسين بن حفص، عن علي بن المثنّى، عن جرير بن عبدالحميد الضبّي، عن الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد السمّان، عن أبيه، عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)قال :....

منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت النصارى : نحن نقول : المسيح ابن اللّه اتّحد به، وقد جئناك لننظر ماتقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت الثنويّة : نحن نقول : إنّ النور والظلمة هما المدبّران، وقد جئناك لننظر ماتقول، فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفض، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت مشركو العرب: نحن نقول : إنّ أوثاننا آلهة وقد جئناك لنظر ماتقول، فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك

فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : آمنت باللّه وحده لا شريك له، وكفرت بالجبت وبكلّ معبود سواه؛ ثمّ قال لهم : إنّ اللّه تعالى قد بعثني کافة للناس بشيراً ونذيراً حجّة على العالمين، وسيردّ کید من یکید دينه في نحره؛ ثمّ قال لليهود : أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة؟ قالوا: لا، قال : فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ عزير ابن اللّه؟

قالوا: لأنّه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهب، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنّه ابنه.

فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فكيف صار عزیزٌ ابن اللّه دون موسى وهو الّذي جاءهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ماقد علمتم؟ فإن كان عزيرٌ ابن اللّه لمّا أظهر من الكرامة بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالنبوّة أحقّ وأولی، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنّه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسی تو جب

ص: 76

له منزلة أجلّ من النبوّة، وإن کنتم إنّما تريدون(1) بالنبوّة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأُمّهات الأولاد بوطي آبائهم لهنّ فقد كفرتم باللّه وشبّهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين، ووجب عندكم أن يكون محدثاً مخلوقاً، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.

قالوا : لسنا نعني هذا، فإنّ هذا كفر كما ذكرت، ولكنّا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة ، وإن لم يكن هناك ولادة ، كما يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة (2) عن غيره : يابنيّ، وإنّه ابني ؛ لا على إثبات ولادته منه، لأّنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ لانسب بينه و بينه ، وكذلك لمّا فعل اللّه بعزير مافعل كان قد اتّخذه ابناً على الكرامة لا على الولادة.

فقال رسول اللّه : فهذا ما قلته لكم: إنّه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى، وإن اللّه يفضح كلّ مبطل بإقراره ويقلّب عليه حجّته.

وأمّا ما احتجتم به(3) يؤدّيكم إلى ما هو أكبر ممّا ذكرته لكم، لاتکم قلتم: إنّ عظيماً من عظمائكم قد يقول لأجنبيّ لانسب بينه و بينه : يا بنيّ، وهذا ابني، لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضاً هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر : هذا أخي، ولآخر : هذا شيخي وأبي ،(4) ولآخر: هذا سيّدي وياسيّدي على سبيل الإكرام، وإنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذاً يجوز

ص: 77


1- في المصدر : لانّكم إن كنتم إنّما تريدون.
2- في نسخة : بمنزلته.
3- في نسخة وفي الإحتجاج: وإنّ ما احتجتم به.
4- في المصدر : ولآخر هذا أبي.

عندكم أن يكون موسى أخاً للّه أو شيخاً له أو أباً أو سيدّاً لأنّه قد زاده في الإكرام ممّا لعزير، كما أنّ من زاد رجلاً في الإكرام قال له : يا سيّدي ويا شيخي ويا عمّي ويا رئيسي على طريق الإكرام، وإنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخاً للّه، أو شيخاً، أو عمّاً أو رئيساً، أو سيداً أو أميراً؟ لأنّه قد زاده في الإكرام على من قال له: يا شيخي أو يا سيّدي، أو یا عمّي، أو يا أميري، أو یا رئيسي.

قال : فبهت القوم وتحیّروا وقالوا: يا محمّد أجّلنا(1) نتفكر فيما قلته لنا.

فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم اللّه.

ثمّ أقبل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على النصارى فقال : وأنتم قلتم : إنّ القديم عزّوجلّ اتّحد بالمسيح ابنه ، فما الّذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أنّ القديم صار محدثاً لوجود هذا المحدث الّذي هو عیسی ؟ أو المحدث الّذي هو عيسى صار قديماً لوجود القديم الّذي هو اللّه؟ أو معنى قولكم: إنه اتّحد به أنّه اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحداً سواه؟ فإن أردتم أنّ القديم تعالى صار محدثاً فقد أبطلتم ، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثاً، وإن أردتم أنّ المحدث صار قديماً فقد أحلتم، لأنّ المحدث أيضاً محال أن يصير قديماً، وإن أردتم أنّه اتّحد به بأن اختصّه واصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الّذي اتّحد به من أجله، لأنه إذا كان عيسى محدثاً وكان اللّه اتّحد به بأن أحدث به معني صار به أكرم الخلق عنده فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.

قال : فقالت النصارى : يا محمّد إنّ اللّه تعالى لمّا أظهر على يد عيسى من

ص: 78


1- في النسخة المقروءة على المصنف : خلنا.

الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتّخذه ولداً على جهة الكرامة.

فقال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الّذي ذكرتموه، ثمّ أعادر(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذلك كله ، فسكتوا إلّا رجلاً واحداً منهم قال له : يا محمّد أو لستم تقولون: إنّ إبراهيم خليل اللّه؟

قال : قد قلنا ذلك.

فقال : إذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول : إنّ عیسی ابن اللّه؟

فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّهما لم يشتبها، لأنّ قولنا: إنّ إبراهيم خليل اللّه فإنّما هو مشتقٌ من الخَلّة أو الخُلّة، فأمّا الخَلّة فإنّما معناها الفقر والفاقة، وقد كان خليلاً إلى ربّه فقيراً، وإليه منقطعاً، وعن غيره متعفّفاً معرضاً مستغنياً، وذلك لمّا أُريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث اللّه تعالی جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال له : أدرك عبدي، فجاءه فلقيه في الهواء فقال : كلّفني ما بدا لك فقد بعثني اللّه النصر تك. فقال : بل حسبي اللّه ونعم الوكيل، إنّي لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلّا إليه، فسمّاه خليله، أي: فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّن سواه، وإذا جعل معنى ذلك من الخُلّة (الخلل : خ ل) وهو أنّه قد تخلّل معانيه(1)، ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وبأُموره، ولا يوجب ذلك تشبيه اللّه بخلقه، ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وأنّ من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده؟ لأنّ معنى الولادة قائم؛ ثمّ إنّ وجب لأنّه قال : إبراهيم خليلي أن تقيسوا(2) أنتم فقولوا: إنّ عیسی ابنه وجب أيضاً أن تقولوا له ولموسى : إن ابنه ، فإنّ الّذي معه

ص: 79


1- في المصدر : وهو أنه قد تخلّل به معانيه.
2- في نسخة : ثمّ إن من أوجب أن يقول على قول إبراهيم خليله أن تقيسوا.

من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى، فقولوا: إنّ موسى أيضاً ابنه ، وإنّه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى : إنّه شيخه وسيّده وعمّه ورئيسه وأميره كما ذكرته لليهود.

فقال بعضهم لبعض: وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال : أذهب إلى أبي.

فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فإن کنتم بذلك الكتاب تعملون(1) فإنّ فيه : أذهب إلى أبي و أبيكم، فقولوا: إنّ جميع الّذين خاطبهم عیسی كانوا أبناء اللّه كما كان عیسی ابنه من الوجه الّذي كان عیسی ابنه، ثمّ إنّ ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الّذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابناً له، لأنّكم قلتم : إنّما قلنا : إنّه ابنه لأنّه اختصّه بما لم يختصّ به غيره، وأنتم تعلمون أنّ الّذي خصّ به عيسى لم يخصّ به هؤلاء القوم الّذين قال لهم عيسى: أذهب إلى أبي و أبيكم، فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم یکن له مثل اختصاص عيسى وأنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى وتأوّلتموها على غير وجهها، لأنّه إذا قال : أبي و أبيكم فقد أراد غیر ماذهبتم إليه ونحلتموه(2) وما یدریکم لعلّه عنى: أذهب إلى آدم أو إلى نوح إن اللّه يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي و أبیکم وكذلك نوح، بل ما أراد غير هذا؟!

فسكت النصارى وقالوا: ما رأينا اليوم مجادلاً ولا مخاصماً وسننظر في أُمورنا.

ثمّ أقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الدهريّة فقال : وأنتم فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ الأشياء لا بدء لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟

ص: 80


1- في نسخة: تعلمون.
2- في هامش المصدر : تأوّلتموه (خ ل).

فقالوا: لأنّا لانحكم إلّا بمانشاهد ولم نجد للأشياء محدثاً(1) فحكمنا بأنّها لم تزل، ولم نجد لها انقضاءاً وفناءاً فحكمنا بأنّها لا تزال، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أفوجدتم لها قدماً أم وجدتم لها بقاءاً أبد الأبد؟(2) فإن قلتم: إنّكم وجدتم ذلك أثبتتم(3) لأنفسكم أنّكم لم تزالوا على هيئتكم(4) وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذّبكم العالمون الّذين يشاهدونكم.

قالوا: بل لم نشاهد لها قدماً ولا بقاءاً أبد الأبد.(5)

قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فلِمَ صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائماً؟ لأنّكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضاءها أولی من تارك التميّز لها مثلکم، فيحكم لها بالحدوث والإنقضاء والإنقطاع، لانّه لم يشاهد لها قدماً ولا بقاءاً أبد الابد.(6) أوَ لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الأخر؟

فقالوا: نعم.

فقال : أفترونهما لم يزالا ولا يزالان؟

فقالوا: نعم.

قال : أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟

فقالوا: لا.

ص: 81


1- في نسخة وفي الإحتجاج : حدثاً.
2- في المصدر : أبد الآباد.
3- في نسخة: وفي الاحتجاج : أنهضتم لأنفسكم.
4- في نسخة: لم تزالوا على ذهنكم وعقولكم.
5- في المصدر : أبد الآباد.
6- في المصدر : أبد الآباد.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإذاً ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جارياً بعده ؟(1)

فقالوا: كذلك هو.

فقال : قد حكمتم بحدوث ما تقدّم من ليل ونهار ولم تشاهدوهما فلا تنكروا للّه قدرة (قدرته : خل) ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتقولون ما قبلكم(2) من الليل والنهار متناه أم غير متناه؟ فإن قلتم: غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوّله ، وإن قلتم: إنّه متناه فقد كان ولا شيء منهما.(3)

قالوا: نعم.

قال لهم : أقلتم: إنّ العالم قدیم غیر محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه؟

قالوا: نعم.

قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فهذا الّذي نشاهده من الأشياء بعضها إلى بعض مفتقر، لأنّه لا قوام للبعض إلّا بما يتّصل به، كما ترى البناء محتاجاً بعض أجزائه إلى بعض وإلّا لم يتّسق ولم يستحکم، وكذلك سائر ما نرى.(4)

قال : فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوّته وتمامه(5) هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثاً كيف كان يكون؟ وماذا كانت تكون صفته ؟

ص: 82


1- في المصدر : ويكونالثاني حادثاً بعده.
2- في هامش المصدر : ما تقدم (خل).
3- في المصدر : فقد كان حادثاً ولا شيء منها بقدیم.
4- في المصدر : وكذلك سائر ما ترون.
5- في المصدر : القوامه وتمامه.

قال : فصمتوا وعلموا(1) أنّهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلّا وهي موجودة في هذا الّذي زعموا أنّه قدیم، فرجموا(2) وقالوا : سننظر في أمرنا.

ثمّ أقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الثنويّة الّذين قالوا: النور والظلمة هما المدبّران، فقال : وأنتم فما الّذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟

فقالوا: لأنّا قد وجدنا العالم صنفين : خیراً وشرّاً، ووجدنا الخير ضدّاً للشر، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشيء وضدّه(3) بل لكلّ واحد منهما فاعل، ألا ترى أنّ الثلج محال أن يسخن كما أنّ النار محالٌ أن تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قدیمین : ظلمة ونوراً.

فقال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أفلستم قد وجدتم سواداً وبياضاً وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة؟ وكلّ واحد ضدّ لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منها في محلّ واحد، كما كان الحرّ والبرد ضدّین لاستحالة اجتماعهما في محلّ واحد؟

قالوا: نعم.

قال : فهلّا أثبتم بعدد كلّ لون صانعاً قديماً ليكون فاعل كلّ ضدّ من هذه الألوان غير فاعل الضدّ الآخر؟!

قال : فسكتوا.

ص: 83


1- في نسخة وفي الإحتجاج: فبهتوا وعلموا، وفي المصدر : فبهتوا (وتحيّروا: خل) وعلموا.
2- وجم: سكت وعجز عن التكلّم من شدّة الغيظ أو الخوف. عبس وجهه وأطرق لشدّة الحزن. وجم من الأمر: أمسك عنه وهو كاره.
3- في هامش المصدر : فأنكرنا أن يكون فاعل الشيء وضدّه واحد (خ ل).

ثمّ قال : وكيف اختلط هذا النور والظلمة وهذا من طبعه الصعود وهذا من طبعه النزول؟ أرأيتم لو أنّ رجلاً أخذ شرقاً يمشي إليه والآخر غرباً يمشي إليه أكان يجوز أن يلتقيا ماداما سائرين على وجوههما؟

قالوا: لا.

فقال : وجب أن لا يختلط النور والظلمة، لذهاب كلّ واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما محال أن يمتزج؟ بل هما مدبّران جميعاً مخلوقان؟

فقالوا: سننظر في أُمورنا.

ثمّ أقبل على مشركي العرب وقال : وأنتم فلمَ عبدتم الأصنام من دون اللّه؟

فقالوا: نتقرّب بذلك إلى اللّه تعالى.

فقال : أوَ هي سامعة مطيعة لربّها، عابدة له ، حتّى تتقرّبوا بتعظيمها إلى اللّه؟

فقالوا: لا.

قال : فأنتم الّذين نحتموها(1) بأيديكم فلأنّ تعبّدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم و عواقبكم والحكيم فيما يكلفّكم.

قال : فلمّا قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هذا اختلفوا، فقال بعضهم : إنّ اللّه قد حلّ في هياكل رجل كانوا على هذه الصوَر(2)، فصوّرنا هذه الصور نعظّمها لعظيمنا تلك الصور الّتي حلّ فيها ربّنا.

ص: 84


1- هكذا في النسخ وفي المصدر : فأنتم الّذين تنحتونها.
2- في المصدر : كانوا على هذه الصور الّتي صوّرناها فصوّرنا هذه نعظمها.

وقال آخرون منهم : إنّ هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين للّه قبلنا، فمثّلنا صورهم وعبدناها تعظيماً للّه.

وقال آخرون منهم : إنّ اللّه لمّا خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له كنّا نحن أحقّ بالسجود لآدم من الملائكة، ففاتنا ذلك فصوّرنا صورته فسجدنا له تقربّاً إلى اللّه تعالى كماتقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى اللّه تعالى، وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكّة (كعبة : خ ل) ففعلتم ، ثمّ نصبتم في ذلك البلد بأیدیکم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لامحاریبکم، وقصدكم بالكعبة إلى اللّه عزّوجلّ لا إليها.

فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أخطأتم الطريق وضللتم ، أمّا أنتم - وهو يخاطب الّذين قالوا : إنّ اللّه يحلّ في هياكل رجال كانوا على هذه الصور الّتي صوّرناها ، فصوّرنا هذه نعظّمها لتعظيمنا لتلك الصور الّتي حلّ فيها ربّنا ۔ فقد وصفتم ربّکم بصفة المخلوقات ، أو يحلّ ربّكم في شيء حتّى يحيط به ذلك الشيء؟

فأيّ فرق بينه إذاً وبين سائر مايحلّ فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفّته؟ ولِمَ صار هذا المحلول فيه(1) محدثاً وذلك قديماً دون أن يكون ذلك محدثاً وهذا قديماً؟ وكيف يحتاج إلى المحالّ من لم يزل قبل المحالّ وهو عزّوجلّ كمالم يزل؟(2) وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد الزمكم أن تصفوه بالزوال،(3) أمّا ما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء ،(4) لأنّ ذلك أجمع من صفات الحالّ والمحلول فيه، وجميع ذلك يغيّر

ص: 85


1- في هامش المصدر : هذا الحال فيه محدثاً (خل).
2- في المصدر : وهو عزّوجلّ لا يزال كما لم يزل.
3- في المصدر : بالزوال والحدوث.
4- في نسخة: وما وصفتموه بالزوال والحدوث وصفتموه بالفناء. وفي الإحتجاج مثل ذلك إلّا أنّ فيه : فصفوه بالفناء.

الذات، فإن كان لم يتغيّر(1) ذات الباري عزّو جلّ بحلوله في شيء جاز أن لا يتغيّر(2) بأن يتحرّك ويسكن ويسوّد ويبيضّ ويحمرّ ويصفرّ وتحله الصفات الّتي تتعاقب على الموصوف بها حتّى يكون فيه جميع صفات المحدثين، ويكون محدثاً - عز اللّه تعالى عن ذلك. ثمّ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فإذا بطل ما ظننتموه من أنّ اللّه يحل في شيء فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم.

قال : فسكت القوم وقالوا : سننظر في أُمورنا.

ثمّ أقبل على الفريق الثاني فقال : أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد اللّه فسجدتم له وصلّيتم فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الّذي أبقيتم لربّ العالمين؟ أما علمتم أنّ من حقّ من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده؟ أرأتم ملكاً أو عظيماً إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟

فقالوا: نعم.

قال : أفلا تعلمون أنّكم من حيث تعظّمون اللّه بتعظیم صور عباده المطيعين له تزرون على ربّ العالمين ؟(3) قال : فسكت القوم بعد أن قالوا : سننظر في أمورنا.

ثمّ قال رسول اللّه(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للفريق الثالث : لقد ضربتم لنا مثلاً وشبّهتمونا بأنفسكم ولا سواء، وذلك لأنّا عباد اللّه(4) مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا،

ص: 86


1- في المصدر : فإن جاز أن يتغيّر.
2- في المصدر : جاز أن يتغيّر.
3- أي : تعيبون عليه وتضعون من حقّه.
4- في نسخة وكذا وفي الإحتجاج: وذلك أنا عباد اللّه.

وننزجر عمّا زجرنا، ونعبده من حيث يريده منّا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعدّ إلى غيره ممّا لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لانّا لاندري لعلّه أراد منّا الأوّل وهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدّم بين يديه ، فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة أطعنا ثمّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان الّتي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شيء من ذلك عن اتّباع أمره، واللّه عزّوجلّ حيث أمرنا بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته الّتي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ماتفعلون إذ لم يأمركم به ؛ ثمّ قال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أرأيتم لو أذن لكم رجل في دخول داره يوماً بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ أو لكم أن تدخلوا داراً له أُخرى مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجلٌ ثوباً من ثيابه أو عبداً من عبيده أو دابةً من دوابّه ألكم أن تأخذوا ذلك؟ فإن لم تأخذوه(1) أخذتم آخر مثله قالوا: لا، لأنّه لم يأذن لنا في الثاني، كما أذن لنا في الأوّل.

قال : فأخبروني : اللّه أولى بأن لا يتقدّم على ملکه بغير أمره أو بعض المملوكين؟

قالوا: بل اللّه أولى بأن لا يتصرّف في ملکه بغير إذنه.

قال : فلِمَ فعلتم، ومتى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور؟

قال : فقال القوم: سننظر في أُمورنا وسكتوا.

وقال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فوالّذي بعثه بالحقّ نبيّاً ما أتت على جماعتهم إلّا ثلاثة أيّام حتّى أتوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلاً من كلّ فرقة خمسة، وقالوا : ما رأينا مثل حجّتك يا محمّد، نشهد أنّك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

ص: 87


1- في الإحتجاج هنا زيادة وهي: قالوا: نعم. قال : فإن لم تأخذوه.

وقال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأنزل اللّه تعالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ»(1) فكان في هذه الآية رداً على ثلاثة أصناف منهم، لمّا قال : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» فكان ردّ على الدهريّة الّذين قالوا: الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، ثمّ قال : «وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ» فكان رداً على الثنويّة الّذين قالوا : إنّ النور والظلمة هما المدبّران، ثمّ قال : «ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» فكان رداً على مشركي العرب الّذين قالوا: إنّ أوثاننا آلهة، ثمّ أنزل اللّه تعالى «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» إلى آخرها، فكان رداً على من ادّعى من دون اللّه ضدّاً أو ندّاً.

قال : فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأصحابه : قولوا: «وإيّاكَ نَعبُدُ» أي نعبد واحداً لا نقول كما قالت الدهريّة : إنّ الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، ولا كما قالت الثنويّة الّذين قالوا : إن النور والظلمة هما المدبّران، ولا كما قال مشركو العرب : إنّ أوثاننا آلهة، فلا نشرك بك شيئاً، ولا ندّعي من دونك إلهاً(2)، كما يقول هؤلاء الكفّار، ولانقول كما قالت اليهود والنصارى : إنّ لك ولداً، تعاليتَ عن ذلك.

قال : فذلك قوله : «وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى»(3) سورة البقرة: الآية 111. وقال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا قال اللّه : يا محمّد «تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ» الّتي يتمنونها بلا حجّة «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ» وحجّتكم على دعواكم «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» كما أتى محمّد ببراهينه الّتي سمعتموها ، ثمّ قال :

ص: 88


1- سورة الأنعام: الآية 1.
2- في المصدر والإحتجاج: ولا ندعو من دونك إلهاً.
3-

«بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ» يعني كما فعل هؤلاء الّذين آمنوا برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا سمعوا براهينه وحججه «وَهُوَ مُحْسِنٌ» في عمله للّه «فَلَهُ أَجْرُهُ» ثوابه «عِنْدَ رَبِّهِ» يوم فصل القضاء «وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» حين يخاف الكافرون ما (ممّا خ ل) يشاهدونه من العذاب «وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» عند الموت، لأنّ البشارة بالجنان تأتيهم عند ذلك.(1)

من فضائل الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

{4}

[596] روي عن موسی بن جعفر ، عن أبيه، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، عن الحسين بن علي (عَلَيهِا السَّلَامُ) قال : إنّ يهوديّاً من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصُحُف الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) ولا وعرف دلائلهم، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفيهم علي بن أبي طالب، وابن عبّاس وابن مسعود، وأبو سعید الجُهَني.

فقال : يا أُمّة محمّد ماتركتم لنبيّ درجة، ولا لمرسل فضيلة، إلّا أنحلتموها نبيّكم، فهل تجيبوني عمّا أسألكم عنه؟ فكاع القوم عنه.

فقال عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم ما أعطى اللّه نبيّاً درجة، ولا مرسلاً فضيلة، إلّا وقد جمعها لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وزاد محمّداً على الأنبياء أضعافاً مضاعفة.

فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبي؟

قال له: نعم، سأذكر لك اليوم من فضائل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مايقرّ اللّه به عین المؤمنين، ويكون فيه إزالة لشكّ الشاكّين في فضائله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه كان إذا ذكر لنفسه

ص: 89


1- بحار الأنوار: ج 9 ص 257 - 267 عن تفسير الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 218-226؛ الإحتجاج : ج 1 ص 22.

فضيلة قال : «ولا فخر»، وأنا أذكر لك فضائله غیر مزر بالأنبياء، ولا منتقص لهم، ولكن شكراً للّه على ما أعطى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مثل ما أعطاهم، ومازاده اللّه وما فضّله عليه.

قال له اليهودي : إنّي أسألك فأعد له جواباً.

قال له على (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هات!

قال اليهودي : هذا آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسجد اللّه له ملائكته، فهل فعل لمحمّد شيئاً من هذا؟

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، أسجد اللّه لآدم ملائكته، فإنّ سجودهم له لم يكن سجود طاعة، وإنّهم عبدوا آدم من دون اللّه عزّوجلّ، ولكن اعترافاً بالفضيلة، ورحمة من اللّه له، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا، إنّ اللّه عزّوجلّ صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه، فهذه زيادة یا یهودي.(1)

قال له اليهودي : فإنّ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) تاب اللّه عليه بعد خطيئته؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى، قال اللّه عزّوجلّ : «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» (2) إنّ محمّداً غير مواف يوم القيامة بوزر، ولا و مطلوب فيها بذنب.

قال اليهودي : فإنّ هذا إدريس رفعه اللّه عزّوجلّ مكانة عليا، وأطعمه من تحف الجنّة بعد وفاته؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعطي ما هو أفضل من هذا،

ص: 90


1- الإحتجاج للطبرسي : ج 1 ص 210؛ بحار الأنوار : ج16 ص 341.
2- سورة الفتح : الآية 2.

إنّ اللّه جلّ ثناؤه قال فيه:« وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ» (1) فكفى بهذا من اللّه رفعة ، ولئن أطعم إدريس من تحف الجنّة بعد وفاته، فإنّ محمّداً أطعم في الدنيا في حياته : بينما يتضور جوعاً فأتاه جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بجام من الجنّة فيه تحفة، فهلّل الجام وهلّلت التحفة في يده، وسبّحا، وكبرا، وحمدا، فناولها أهل بيته ، ففعلت لجام مثل ذلك، فهمّ أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال له: كلها فإنّها تحفة من الجنّة أتحفك اللّه بها، وإنّها لا تصلح إلّا لنبيّ أو وصيّ نبيّ، فأكل منها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأكلنا معه، وإنّي لأجد حلاوتها ساعتي هذه.

و قال اليهودي : فهذا نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) صبر في ذات اللّه تعالى، وأعذر قومه إذ كذّب.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صبر في ذات اللّه عزّوجلّ فأعذر قومه إذ كذّب وشرد، وحصب بالحصا ، و علاوه أبو لهب بسلاناقة و شاة ، فأوحى اللّه تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال : أن شقّ الجبال وانته إلى أمر محمّد! فأتاه فقال : إنّي أُمرت لك بالطاعة، فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها. قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إنّما بعثت رحمة ، ربّ اهد أُمّتي فإنّهم لا يعلمون». ويحك يا يهودي! إنّ نوحاً لمّا شاهد غرق قومه رقّ عليهم رقّة القربة، وأظهر عليهم شفقة، فقال : «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي»(2) فقال اللّه تعالى : «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»(3) أراد جلّ ذكره أن يسلبه بذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ،

ص: 91


1- سورة الإنشراح : الآية 4.
2- سورة هود : الآية 45.
3- سورة هود: الآية 46

ولم تدركه فيهم رقّة القرابة ، ولم ينظر إليهم بعين رحمة.

فقال اليهودي : فإنّ نوحاً دعا ربّه ، فمطلت السماء بماء منهمر؟

قال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، وكانت دعوته دعوة غضب، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هطلت لهالسماء بماء منهمر رحمة، وذلك أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له : يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) احتبس القطر، واصفرّ العود، وتهافت الورق، فرفع يده المباركة حتّى رؤي بیاض إبطه ، وما ترى في السماء سحابة ، فما برح حتّى سقاهم اللّه، حتّى أنّ الشاب المعجب بشبابه لهمّته نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر على ذلك من شدّة السيل، فدام أُسبوعاً، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يا رسول اللّه تهدّمت الجدار، واحتبس الركب والسفر ، فضحك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقال : هذه سرعة ملالة ابن آدم، ثمّ قال : اللّهمّ حوالينا ولا علينا ، اللّهمّ في أُصول الشيح ومراتع البقع » فرؤي حوالي المدينة المطر يقطر قطراً ، وما يقع بالمدينة قطرة لكرامته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على اللّه عزّوجلّ.

قال له اليهودي : فإنّ هذا هود قد انتصر اللّه له من أعدائه بالريح، فهل فعل لمحمّد شيئاً من هذا؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعطي ما هو أفضل من هذا إن اللّه عزّوجلّ قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق، إذ أرسل عليهم ريحاً تذرو الحصى، وجنوداً لم يروها ، فزاد اللّه تعالی محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بثمانية ألف ملك ، وفضّله على هود: بأن ريح عاد ريح سخط، وريح محمّد ریح رحمة، قال اللّه تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا»(1)

ص: 92


1- سورة الأحزاب : الآية 9.

قال له اليهودي : فهذا صالح أخرج اللّه له ناقة جعلها لقومه عبرة؟

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعطي ما هو أفضل من ذلك، إنّ ناقة صالح لم تکلّم صالحاً، ولم تناطقه، ولم تشهد له بالنبوّة، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بينما نحن معه في بعض غزواته إذ هو ببعير قد دنا، ثمّ رغا فأنطقه اللّه عزّوجلّ فقال : «یا رسول اللّه فلان استعملني حتّى كبرت ، ویرید نحري، فأنا أستعيذ بك منه» فأرسل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى صاحبه فاستوهبه منه، فوهبه له وخلاه، ولقد كنّا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها، وقد استسلم للقطع لمازور عليه من الشهود فنطقت الناقة فقالت : «يا رسول اللّه إنّ فلاناً منّي بريء، وإنّ الشهود يشهدون عليه بالزور، وإنّ ساقي فلان اليهودي».

قال له اليهودي : فإنّ هذا إبراهيم قد تيقّظ بالإعتبار على معرفة اللّه تعالى وأحاطت دلالته بعلم الإيمان؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، وأُعطي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفضل منه، وتيقّظ إبراهيم وهو ابن خمسة عشر سنة ومحمّد ابن سبع سنين، قدم تجّار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ورفعته ، وخبر مبعثه وآياته ، فقالوا: يا غلام ما اسمك؟

قال : محمّد.

قالوا: ما اسم أبيك ؟

قال : عبداللّه.

قالوا: ما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى الأرض.

قال : الأرض.

قالوا: وما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى السماء.

ص: 93

قال : السماء.

قالوا: فمن ربّهما؟

قال : اللّه، ثمّ انتهرهم وقال : أتشککوني في اللّه عزّوجلّ ؟!

ويحك يا يهودي ! لقد تيقّظ بالإعتبار على معرفة اللّه عزّوجلّ مع كفر قومه إذ هو بينهم، يستقسمون بالأزلام، ويعبدون الأوثان، وهو يقول : لا إله إلّا اللّه.

قال له اليهودي : فإنّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حجب عن نمرود بحجب ثلاث؟

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حجب عمّن أراد قتله بحجب خمس، فثلاثة بثلاثة واثنان فضل، قال اللّه عزّوجلّ - وهو يصف أمر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا» فهذا الحجاب الأوّل «وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا» فهذا الحجاب الثاني، «فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»(1)فهذا الحجاب الثالث، ثمّ قال : «وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا» (2) فهذا الحجاب الرابع ثمّ قال : «فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ»(3) فهذه حجب خمس.

قال له اليهودي : فإنّ هذا إبراهيم قد بهت الّذي كفر ببرهان نبوّته؟

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أتاه مكذّب بالبعث بعد الموت وهو : أُبيّ بن خلف الجمحي معه عظم نخر ففرکه ثمّ قال : يا محمّد «مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ»(4)؟ فأنطق محمّدا بمحکم آیاته ، وبهته ببرهان نبوته، فقال :

ص: 94


1- سورة يس : الآية 9.
2- سورة الإسراء : الآية 45.
3- سورة يس : الآية 8.
4- سورة يس : الآية 78.

«قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ».(1) فانصرف مبهوتا.

قال له اليهودي : فهذا إبراهيم جذّ أصنام قومه غضباً للّه عزّوجلّ؟

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد نكس عن الكعبة ثلاثمائة وستّين صنما، ونفاها عن جزيرة العرب، وأذلّ من عبدها بالسيف.

قال له اليهودي : فإنّ إبراهيم قد أضجع ولده وتلّه للجبين؟

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ولقد أُعطي إبراهيم بعد الإضطجاع الفداء، ومحمّد أُصيب بأفجع منه فجيعة، إنّه وقف على عمّه حمزة أسد اللّه ، وأسد رسوله وناصر دينه، وقد فرّق بين روحه وجسده، فلم يبن عليه حرقة، ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي اللّه عزّوجلّ بصبره، ويستسلم لأمره في جميع الفعال، وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لولا أن تحزن صفّية لتركته حتّى يحشر من بطون السباع، وحواصل الطير ، ولولا أن يكون سنّة بعدي لفعلت ذلك.

قال له اليهودي : فإنّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قد أسلمه قومه إلى الحريق، فصبر ، فجعل اللّه عزّ وجلّ عليه برداً وسلاماً فهل فعل بمحمّد شيئاً من ذلك؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا نزل بخيبر سمته الخيبريّة، فصيّر اللّه السمّ في جوفه برداً وسلاماً إلى منتهى أجله ، فالسم يحرق إذا استقرّ في الجوف كما أنّ النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنكره.

قال له اليهودي : فإنّ هذا يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعظم في الخير نصيباً إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه، ومریم بنت عمران من بناته؟

زمان قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعظم في الخير نصيباً إذ جعل

ص: 95


1- سورة يس : الآية 79.

فاطمة سيّدة نساء العالمين من بناته، والحسن والحسين من حفدته.

قال له اليهودي : فإنّ يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد صبر على فراق ولده حتّى كان يحرض من الحزن.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، حزن يعقوب حزناً بعده تلاق، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبض ولده إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قرّة عينه في حياته منه ، فخصّه بالإختيار ، ليعلم له الإدخار، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يحزن النفس، ويجزع القلب، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون، ولانقول ما يسخط الربّ في كلّ ذلك يؤثر الرضا عن اللّه عزّوجلّ والإستسلام له في جميع الفعال.

قال له اليهودي : فإنّ هذا يوسف قاسي مرارة الفرقة، وحبس في السجن توقّياً للمعصية، وألُقي في الجبّ وحيداً؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، و محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قاسى مرارة الغربة ، وفراق الأهل والأولاد والمال، مهاجراً من حرم اللّه تعالى وأمنه، فلمّا رأى اللّه عزّ وجلّ كآبته واستشعاره والحزن، أراه تبارك اسمه رؤياً توازي رؤيا يوسف في تأويلها ، وأبان للعالمین صدق تحقيقها ، فقال : «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ»(1) ولئن كان يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) حبس في السجن، فلقد حبس رسول اللّه نفسه في الشعب ثلاث سنين، وقطع منه أقاربه وذوو الرحم وألجأوه إلى أضيق المضيق، ولقد کادهم اللّه عزّ ذكره له کیداً مستبيناً، إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الّذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه، ولئن كان يوسف ألقي في الجبّ، فلقد حبس محمّد نفسه مخافة عدوّه في الغار حتّى قال لصاحبه: لا تحزن إنّ اللّه معنا، ومدحه إليه بذلك في كتابه.

ص: 96


1- سورة الفتح : الآية 27.

فقال له اليهودي : فهذا موسی بن عمران آتاه اللّه عزّوجلّ التوراة الّتي فيها

حكمه؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل منه أُعطي محمّد البقرة وسورة المائدة بالإنجيل، وطواسين وطه ونصف المفصل والحواميم بالتوراة، وأُعطي نصف المفصل والتسابيح بالزبور، وأُعطي سورة بني إسرائيل وبراءة بصحف إبراهيم وموسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وزاد اللّه عزّوجلّ محمّداً السبع الطوال (1) وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وأُعطي الكتاب والحكمة.

قال له اليهودي : فإنّ موسی ناجاه اللّه على طور سيناء؟

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ولقد أوحى اللّه إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عند سدرة المنتهى، فمقامه في السماء محمود، وعند منتهى العرش مذکور.

قال اليهودي : فلقد ألقى اللّه على موسی بن عمران محبّة منه؟

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، وقد أعطي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما هو أفضل من هذا، لقد ألقى اللّه محبّة منه فمن هذا الّذي يشرکه في هذا الإسم إذ تمّ من اللّه به الشهادة، فلا تتمّ الشهادة إلّا أن يقال : «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمّد رسول اللّه» ينادی به على المنابر، فلا يرفع صوت بذكر اللّه إلّا رفع بذکر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) معه.

قال له اليهودي : فلقد أوحى اللّه إلى أُمّ موسى لفضل منزلة موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند اللّه.

ص: 97


1- السبع الطوال من البقرة إلى الأعراف، والسابعة سورة يونس، أو «الأنفال وبراءة » لأنّهما سورة واحدة عند بعض.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ولقد لطف اللّه جلّ ثناؤه لأُمّ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأن أوصل إليها اسمه، حتّى قالت : أشهد والعالمون أنّ محمّدا رسول اللّه منتظر، وشهد الملائكة على الأنبياء أنّهم أثبتوه في الأسفار، وبلطف من اللّه ساقه إليها، وأوصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده ، حتّى رأت في المنام أنّه قيل لها: إنّ ما في بطنك سيّد فإذا ولدته فسمّيه محمّداً، فاشتق اللّه له اسماً من أسمائه ، فاللّه المحمود وهذا محمّد.

قال له اليهودي : فإنّ هذا موسی بن عمران قد أرسله اللّه إلى فرعون و أراه الآية الكبرى؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد أُرسل إلى فراعنة شتّى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة ابن ربيعة، وشيبة، وأبي البختري، والنضر بن الحرث، وأُبّي بن خلف، ومنبه ونبيّه ابني الحجاج، وإلى الخمسة المستهزئين : الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري ، والأسود بن المطلب، والحرث بن أبي الطلالة، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنه الحقّ.

قال له اليهودي : لقد انتقم اللّه عزّوجلّ لموسى من فرعون؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، ولقد انتقم اللّه جلّ اسمه لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الفراعنة، فأمّا المستهزؤن فقال اللّه : «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ »(1) فقتل اللّه خمستهم، كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد.

فأمّا الوليد بن المغيرة فمرّ بنبل لرجل من خزاعة قد راشه و و ضعه في الطريق فأصابه شظية منه، فانقطع أكحله حتّى أدماه، فمات وهو يقول : «قتلني ربّ محمّد».

ص: 98


1- سورة الحجر : الآية 95.

وأمّا العاص بن وائل السهمي : فإنّه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر، فسقط فتقطّع قطعة قطعة، وهو يقول: «قتلني ربّ محمّد».

وأمّا الأسود بن عبد يغوث : فإنّه خرج يستبقل ابنه زمعة ، فاستظلّ بشجرة، فأتاه جبرئیل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال الغلامه : امنع هذا عنّي! فقال : ما أری أحداً يصنع شيئاً إلّا نفسك، فقتله وهو يقول: «قتلني ربّ محمّد».

وأمّا الأسود بن الحرث : فإنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دعا عليه أن يعمي اللّه بصره، وأن يثكله ولده ، فلمّا كان في ذلك اليوم خرج حتّى صار إلى موضع أتاه جبرئیل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، فبقي حتّى أثكله اللّه ولده.

وأمّا الحرث بن أبي الطلالة : فإنّه خرج من بيته في السموم فتحوّل حبشياً ، فرجع إلى أهله فقال : أنا الحرث، فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: «قتلني ربّ محمّد».

وروي أنّ الأسود بن الحرث أكل حوتاً مالحاً فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتّى انشقّ بطنه ، فمات وهو يقول: «قتلني ربّ محمّد».

كلّ ذلك في ساعة واحدة، وذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقالوا له: يا محمّد ننتظر بك إلى الظهر، فإن رجعت عن قولك وإلّا قتلناك، فدخل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منزله فأغلق عليه بابه مغتمّاً لقولهم، فأتاه جبرئیل عن اللّه من ساعته فقال :

یا محمّد! السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول لك : «إصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ» (1)، يعني أظهر أمرك لأهل مكّة، وادعهم إلى الإيمان، قال : يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أو عدوني؟ قال له : «إِنَّا

ص: 99


1- سورة الحجر، الآية 94.

كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ»(1) قال : يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي ، قال : كفيتهم، وأظهر أمره عند ذلك.

وأمّا بقيّة الفراعنة : قتلوا يوم بدر بالسيف ، فهزم اللّه الجميع وولوا الدبر.

قال له اليهودي : فإنّ هذا موسی بن عمران قد أُعطي العصا فكان تحوّل ثعباناً؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا ، إنّ رجلاً كان يطالب أبا جهل بدَین ثمن جزور قد اشتراه، فاشتغل عنه وجلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه ، فقال له بعض المستهزئين : مَن تطلب؟

فقال : عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - لي عليه دَين.

قال : فأدلّك على مَن يستخرج منه الحقوق؟

قال : نعم.

فدلّه على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكان أبو جهل يقول : ليت لمحمّد إليّ حاجة فأسخر به وأردّه، فأتى الرجل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا محمّد بلغني أنّ بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة، وأنا أستشفع بك إليه ، فقام معه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأتی بابه ، فقال له : قم يا أبا جهل فأدّ إلى الرجل حقّه، وإنّما كنّاه بأبي جهل ذلك اليوم، فقام مسرعاً حتّى أدّى إليه حقّه، فلمّا رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه : فعلت ذلك فرقاً من محمّد؟

قال : ويحكم! اعذروني، إنّه لمّا أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم حراب تتلألأ، وعن يساره ثعابين تصطك أسنانهما، وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني وتقضمني الثعبانان.

ص: 100


1- سورة الحجر ، الآية 95.

و هذا أكبر ممّا أُعطي موسى، وزاد اللّه محمّداً ثعباناً وثمانية أملاك معهم الحراب، ولقد كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يؤذي قريشاً بالدعاء، فقام يوماً فسفّه أحلامهم، وعاب دينهم، وشتم أصنامهم، وضلّل آباءهم، فاغتمّوا من ذلك غمّاً شديداً ، فقال أبو جهل : واللّه للموت خير لنا من الحياة، فليس فیکم معاشر قريش أحد يقتل محمّداً فيقتل به.

قالوا: لا.

قال : فأنا أقتله، فإن شاءت بنو عبدالمطلّب قتلوني به، وإلّا تركوني، قال : إنّك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفاً لا تزال تذکر به.

قال : إنّه كثير السجود حول الكعبة، فإذا جاء وسجد أخذت حجراً فشد خته به.

فجاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فطاف بالبيت أُسبوعاً، ثمّ صلّى وأطال السجود، فأخذ أبوجهل حجراً فأتاه من قبل رأسه، فلمّا أن قرب منه أقبل فحل من قبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فاغراً فاه نحوه، فلمّا أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده، وطرح الحجر فشدخ رجله، فرجع مدمی، متغيّر اللون، يفيض عرقاً.

فقال له أصحابه : ما رأيناك كاليوم؟!

قال : ويحكم اعذروني! فإنّه أقبل من عنده فحل فاغراً فاه فكاد يبتلعني، فرمیت بالحجر فشدخت رجلي.

قال اليهودي : فإنّ موسى قد أُعطي اليد البيضاء، فهل فعل بمحمّد شيئاً من ذلك؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا ، إنّ نوراً كان يضيء عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره حيثما جلس، وكان يراه الناس كلّهم.

ص: 101

قال له اليهودي : فإنّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد ضرب له طريق في البحر، فهل فعل بمحمّد شيء من هذا؟

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد أُعطي ماهو أفضل من هذا ، خرجنا معه إلى حنين، فإذا نحن بواد يشخب، فقدرناه فإذا هو أربعة عشر قامة ، فقالوا: يا رسول اللّه العدوّ وراءنا والوادي أمامنا، كما قال أصحاب موسى : «إِنَّا لَمُدْرَكُونَ»(1)، فنزل رسول اللّه ثمّ قال : اللّهمّ إنّك جعلت لكلّ مرسل دلالة، فأرني قدرتك» وركب صلوات اللّه عليه فعبرت الخيل لا تندی حوافرها، والإبل لاتند أخفافها، فرجعنا فكان فتحنا.

قال له اليهودي : فإن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أُعطي الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً.

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا نزل الحديبية وحاصره أهل مكّة، قد أُعطي ما هو أفضل من ذلك، وذلك أنّ أصحابه شكوا إليه الظمأ وأصابهم ذلك حتّى التقت خواصر الخيل، فذكروا له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فدعا بركوة يمانيّة ثمّ نصب يده المباركة فيها، فتفجّرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كلّ مزادة وسقاء.

ولقد كنّا معه بالحديبيّة فإذا ثمّ قليب جافة، فأخرج (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سهماً من كنانته ، فناوله البراء بن عازب وقال له: اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها، ففعل ذلك فتفجّرت اثنتا عشرة عيناً من تحت السهم.

ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنکرین لنبوّته، كحجر موسى حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها ففاضت الماء وارتفع، حتّى توضّأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا.

ص: 102


1- سورة الشعراء: الآية 61.

قال اليهودي : فإنّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُعطي المنَّ والسلوى فهل أُعطي لمحمّد نظير هذا؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل هذا، إنّ اللّه عزّوجلّ أحل له الغنائم ولأُمّته، ولم تحلّ الغنائم لأحد غيره قبله، فهذا أفضل من المنّ والسلوى، ثمّ زاده أن جعل نيّة له ولُأّمته بلا عمل عملاً صالحاً ولم يجعل لأحد من الأُمم ذلك قبله، فإذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتب له عشرة.

قال له اليهودي: إنّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد ظلّل عليه الغمام؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك وقد فعل ذلك بموسى في التيه وأُعطي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفضل من هذه إنّ الغمامة كانت تظلّه من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره و أسفاره، فهذا أفضل ممّا أُعطي موسى.

قال له اليهودي : فهذا داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد ليّن اللّه له الحديد، فعمل منه الدروع؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد أُعطي ما هو أفضل من هذا، إنّه ليّن اللّه له الصمّ الصخور الصلاب و جعلها غاراً، ولقد غارت الصخرة تحت يده ببیت المقدس لينة حتّى صارت کهيئة العجين، وقد رأينا ذلك والتمسناه تحت رايته.

قال له اليهودي : هذا داود بكى على خطيئته حتّى سارت الجبل معه لخوفه.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما أفضل من هذا، إنّه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه أريز كاريز المرجل على الأثافي من شدّة البكاء، وقد آمنه اللّه عزّوجلّ من عقابه ، فأراد أن يتخشّع لربّه ببكائه فيكون إماماً لمن اقتدى به، ولقد قام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت

ص: 103

قدماه واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع، حتّى عوتب في ذلك فقال اللّه عزّوجلّ : «طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى» (1) بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتّى يغشى عليه، فقيل له : يا رسول اللّه أليس اللّه غفر لك ماتقدّم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : بلى، أفلا أكون عبداً شكورا؟!

ولئن سارت الجبال وسبّحت معه لقد عمل بمحمّد ما هو أفضل من هذا ، إذ كنّا معه على جبل حراء إذ تحرّك الجبل فقال له : «قرّ فإنّه ليس عليك إلّا نبيّ أو صدّيق شهيد»، فقرّ الجبل مطيعاً لأمره ومنتهياً إلى طاعته، ولقد مررنا معه بجبل وإذ الدموع تخرج من بعضه، فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ما يبكيك يا جبل؟» فقال : یا رسول اللّه كان المسيح مرّ بي وهو يخوّف الناس من نار وقودها الناس والحجارة، وأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة، قال له : «لا تخف تلك الحجارة الكبريت»، فقرّ الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

قال له اليهودي : فإنّ هذا سليمان أُعطي مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده؟

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا، إنّه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله، وهو میکائیل ، فقال له: يا محمّد عش ملكاً منعماً وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك، ويسير معك جبالها ذهباً وفضّة، ولا ينقص لك ممّا ادّخر لك في الآخرة شيء، فأومئ إلى جبرئیل - وكان خليله من الملائكة - فأشار عليه : أن تواضع فقال له : بل أعيش نبيّاً عبداً آكل يوماً ولا أكل يومين، وألحق بإخواني من الأنبياء، فزاده اللّه تبارك وتعالی الكوثر وأعطاه الشفاعة، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أوّلها إلى آخرها سبعين مرّة، ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيامة أقعده اللّه عزّوجلّ على العرش، فهذا أفضل ممّا أُعطي سليمان.

ص: 104


1- سورة طه : الآية 1 و 2.

قال له اليهودي : فإنّ هذا سليمان قد سخّرت له الرياح، فسارت به في بلاده غدوّها شهر ورواحها شهر؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا : إنّه أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام، في أقلّ من ثُلث ليلة ، حتّى انتهى إلى ساق العرش، فدنی بالعلم فتدلّى من الجنّة رفرف أخضر، وغشى النور بصره، فرأى عظمة ربّه عزّوجلّ بقؤاده، ولم يرها بعينه، فكان كقاب قوسین بینه وبينها أو أدنى، فأوحى اللّه إلى عبده ما أوحى، وكان فيما أوحى إليه : الآية الّتي في سورة البقرة قوله : «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».(1)

وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أن بعث اللّه تبارك و تعالی محمّداً، وعرضت على الأُمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول اللّه، وعرضها على أُمّته فقبلوها، فما رأى اللّه تبارك وتعالى منهم القبول علم أنّهم لا يطيقونها، فلمّا أن سار إلى ساق العرش كرّر عليه الكلام ليفهمه، فقال : «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ »فأجاب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مجيباً عنه وعن أُمّته - «وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ»(2) فقال جلّ ذكره: لهم الجنّة والمغفرة على أن فعلوا ذلك، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أمّا إذا فعلت ذلك بنا، ف «غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، يعني المرجع في الآخرة.

ص: 105


1- سورة البقرة: الآية 284.
2- سورة البقرة: الآية 285.

قال : فأجابه اللّه عزّوجلّ قد فعلت ذلك بك وبأمتك، ثمّ قال عزّوجلّ: أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأُمم فأبوا أن يقبلوها قبلتها أُمّتك، حقّ عليّ أن أرفعها عن أُمّتك، وقال : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ» (1) من شرّ. فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : - لمّا سمع ذلك -: أما إذا فعلت ذلك بي وبأُمّتي فزدني، قال : سل، قال : «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» (2)، قال اللّه عزّوجلّ: لست أُواخذ أُمّتك بالنسيان والخطأ لكرامتك عليّ، وكانت الأُمم السالفة إذا نسوا ماذكِّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد دفعت ذلك عن أُمّتك، وكانت الأُمم السالفة إذا أخطأوا أُخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك الكرامتك علي.

فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «اللّهمّ إذا أعطيتني ذلك فزدني»، قال اللّه تبارك وتعالى له : سل، قال : «وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا»(3)، يعني بالإصر: الشدائد الّتي كانت على من كان من قبلنا، فأجابه اللّه عزّوجلّ إلى ذلك، وقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أُمّتك الآصار الّتي كانت على الأُمم السالفة كنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت، وقد جعلت الأرض كلّها لأُمّتك مسجداً وطهوراً، فهذه من الآصار الّتي كانت على الأُمم قبلك فرفعتها عن أُمّتك، وكان الأُمم السالفة إذا أصابهم أذىّ من نجاسة قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت الماء لأُمّتك طهوراً ،

ص: 106


1- سورة البقرة: الآية 286.
2- سورة البقرة: الآية 286.
3- سورة البقرة: الآية 286.

فهذا من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك، وكان الأُمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته فرجع مسروراً، ومن لم أقبل منه ذلك رجع مثبوراً، وقد جعلت قربان أُمّتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافاً مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك، وهي من الإصار الّتي كانت على الأُمم من كان من قبلك، وكانت الأُمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار، وهي من الشدائد الّتي كانت عليهم، فرفعتها عن أُمّتك وفرضت صلاتهم في أطراف الليل والنهار ، وفي أوقات نشاطهم.

وكانت الأُمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتاً، وهي من الإصار الّتي كانت عليهم، فرفعتها عن أُمّتك، وجعلتها خمساً في خمسة أوقات، وهي إحدى وخمسون ركعة، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة ، وكانت الأُمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيّتهم بسيّئة، وهي من الآصار الّتي كانت عليهم، فرفعتها عن أُمّتك وجعلت الحسنة بعشرة والسيّئة بواحدة، وكانت الأُمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم يكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة، وإن أُمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشرة، وهي من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك، وكانت الأُمم السالفة إذا همّ أحدهم بسيّئة فلم يعملها لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيئة، وإنّ أُمّتك إذا همّ أحدهم بسيّئة ثمّ لم يعملها كتبت له حسنة، وهذه من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك.

وكانت الأُمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم، وجعلت توبتهم من الذنوب : أن حرمت عليهم بعد التوبة أحبّ الطعام إليهم، وقد رفعت

ص: 107

ذلك عن أُمّتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم وجعلت عليهم ستوراً كثيفة ، وقبلت توبتهم بلا عقوبة، ولا أعاقبهم بأن أُحرمّ عليهم أحبّ الطعام إليهم ، وكانت الأُمم السالفة يتوب أحدهم إلى اللّه من الذنب الواحد مائة سنة ، أو ثمانين سنة، أو خمسين سنة ، ثمّ لا أقبل توبته دون أن أُعاقبه في الدنيا بعقوبة ، وهي من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك، وإنّ الرجل من أُمّتك ليذنب عشرين سنة ، أو ثلاثين سنة، أو أربعين سنة ، أو مائة سنة ثمّ يتوب ويندم طرفة عين فأغفر ذلك كلّه.

فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا أعطيتني ذلك كلّه فزدني، قال : سل ، قال : «رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا»(1) قال تباك اسمه : قد فعلت ذلك بأُمّتك، وقد رفعت عنهم عظم بلايا الأُمم، وذلك حكمي في جميع الأُمم: أن لا أُكلّف خلفاً فوق طاقتهم، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا» (2) قال اللّه عزّوجلّ: قد فعلت ذلك بتائبي أُمّتك، ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

: «فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»(3) قال اللّه جلّ اسمه : إنّ أُمّتك في الأرض کالشامة البيضاء في الثور الأسود، هم القادرون، وهم القاهرون، يستخدمون ولا يُستخدمون، لكرامتك عليّ، وحقّ عليّ أن أُظهر دينك على الأديان، حتّى لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين إلّا دينك، ويؤدّون إلى أهل دينك الجزية.

قال اليهودي : فإنّ هذا سلیمان سخّرت له الشياطين، يعملون له ما يشاء : من محاريب ، وتماثيل؟

ص: 108


1- سورة البقرة: الآية 286.
2- سورة البقرة: الآية 286.
3- سورة البقرة: الآية 286.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ولقد أُعطي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفضل من هذا ، إنّ الشياطين سخّرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها، ولقد سخّرت لنبوّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الشياطين بالإيمان، فأقبل إليه من الجنّة التسعة من أشرافهم، واحد من جنّ نصيبين، والثمان من بني عمرو بن عامر من الأحجة منهم شضاه ، ومضاه والهملکان، والمرزبان، والمازمان، و نضاه ، وهاضب، وهضب وعمرو، وهم الّذين يقول اللّه تبارك اسمه فيهم: «وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ»(1) وهم التسعة، فأقبل إليه الجنّ والنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ببطن النخل فاعتذروا بأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحداً، ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفاَ منهم فبايعوه على : الصوم، والصلاة، والزكاة، والحجّ، والجهاد، ونصح المسلمين، واعتذروا بأنّهم قالوا على اللّه شطَطَاً، وهذا أفضل مما أُعطي سلیمان، فسبحان من سخّرها لنبوّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعد أن كانت تتمرّد، وتزعم أنّ اللّه ولداً، ولقد شمل مبعثه من الجنّ والإنس ما لا يحصى.

قال له اليهودي : هذا يحیی بن زکریّا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقال : إنّه أُوتي الحكم صبيّاً والحلم، والفهم، وأنّه كان يبكي من غير ذنب ، وكان يواصل الصوم؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا ، إنّ يحیی بن زکریّا کان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهليّة، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُوتي الحكم والفهم صبيّاً بين عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، فلم يرغب لهم في صنم قطّ ولم ينشط لأعيادهم، ولم ير منه کذب قطّ، وكان أميناً، صدوقاً، حليماً، كان يواصل الصوم الأُسبوع والأقلّ والأكثر، فيقال له في ذلك، فيقول : إنّي لست كأحدهم إني أظل ّعند ربّي، فيطعمني، ويسقيني، وكان يبكي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى

ص: 109


1- سورة الأحقاف : الآية 29.

تبتلّ مصلاه خشية من اللّه عزّوجلّ من غير جرم.

قال له اليهودي : فإنّ هذا عیسی بن مریم یزعمون أنّه تكلّم في المهد صبيّاً؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سقط من بطن أمُّه واضعاً يده اليسرى على الأرض، ورافعاً يده اليمنى إلى السماء ، يحرّك شفتيه بالتوحيد ، وبدأ من فيه نور رأى أهل مكّة منه قصور بصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها والقصور البيض من اسطخر وما يليها ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى فزعت الجنّ والإنس والشياطين، وقالوا حدث في الأرض حدث، ولقد رأى الملائكة ليلة ولد تصعد و تنزل، وتسبّح وتقدّس، وتضطرب النجوم وتتساقط ، علامة لميلاده.

ولقد همّ إبليس بالظعن في السماء لمّا رأى من الأعاجيب في تلك الليلة ، وكان له مقعد في السماء الثالثة والشياطين يسترقون السمع، فلمّا رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع، فإذا هم قد حجبوا من السماوات كلّها، ورموا بالشهب ، دلالة لنبوّته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

قال له اليهودي : فإنّ عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يزعمون أنّه قد أبرأ الأكمه والأبرص بإذن اللّه؟

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعطي ما هو أفضل من ذلك، أبرأ ذا العاهة من عاهته، وبينما هو جالس إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا: يا رسول اللّه إنّه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ الّذي لا ريش عليه ، فأتاه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بيده فإذا هو کهيئة الفرخ من شدّة البلاء، فقال له : قد كنت تدعو في صحّتك دعاءاً ؟ قال : نعم كنت أقول: «یا ربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة

ص: 110

فاجعلها لي في الدنيا» فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ألا قلت: «اللّهمّ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» فقالها الرجل فكأنّما نشط من عقال، وقام صحيحا ًوخرج معنا.

ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطّع من الجذام، فشكا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليه ، فأخذ قدحاً من ماء فتفل عليه، ثمّ قال : امسح جسدك ففعل فبريء حتّى لم يوجد عليه شيء، ولقد أُتي النبي بأعرابي أبرص فتفل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من فيه عليه فما قام من عنده إلّا صحيحاً.

ولئن زعمت أنّ عيسى أبرأ ذاالعاهات من عاهاتهم، فإنّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بينما هو في أصحابه إذ هو بامرأة فقالت : يارسول اللّه! إنّ ابني قد أشرف على حياض الموت، كلّما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب ، فقام النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقمنا معه فلمّا أتيناه قال له : جانب یا عدوّ اللّه وليّ اللّه ، فأنا رسول اللّه، فجانبه الشيطان، فقام صحيحاً وهو معنا في عسکرنا.

ولئن زعمت أن عيسى أبرأ العميان، فإنّ محمّداً قد فعل ما هو أكبر من ذلك : إنّ قتادة بن ربیع كان رجلاً صحيحاً، فلمّا أن كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته، فأخذها بيده ثمّ أتى بها إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا رسول اللّه إنّ امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول اللّه من يده ثمّ وضعها مکانها، فلم تكن تعرف إلّا بفضل حسنها و فضل ضوئها على العين الأُخرى، ولقد جرح عبداللّه بن عبيد وبانت يده يوم حنين، فجاء إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فمسح عليه يده فلم تكن تعرف من اليد الأُخرى، ولقد أصاب محمّد بن مسلم يوم كعب بن أشرف مثل ذلك في عينه ويده ، فمسحه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلم تستبينا، ولقد أصاب عبداللّه بن أنيس مثل ذلك في عينيه ، فمسحها فما عرفت من الأُخرى، فهذه كلّها دلالة لنبوّته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

قال له اليهودي : فإنّ عيسى يزعمون أنّه أحيي الموتى بإذن اللّه؟

ص: 111

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد سبّحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها ولا روح فيها لتمام حجّة نبوّته، ولقد كلّمه الموتى من بعد موتهم، واستغاثوه ممّا خافوا تبعته، ولقد صلّى بأصحابه ذات يوم فقال : ماهاهنا من بني النجّار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنّة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي - وكان شهیداً ؟!

ولئن زعمت : أنّ عیسی کلّم الموتى فلقد كان لمحمّد ما هو أعجب من هذا: إنّ النبي لمّا نزل بالطائف وحاصر أهلها، بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية بسم، فنطق الذراع منها فقالت : يا رسول اللّه لا تأكلني فإنّي مسمومة، فلو كلّمته البهيمة وهي حيّة لكانت من أعظم حجج اللّه على المنکرین لنبوّته، فكيف وقد كلّمته من بعد ذبح وسلخ وشي!

ولقد كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يدعو بالشجرة فتجيبه، وتكلّمه البهيمة ، وتكلّمه السباع، وتشهد له بالنبوّة، وتحذرهم عصيانه، فهذا أكثر ممّا أُعطي عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ).

قال له اليهودي : إنّ عيسى يزعمون أنّه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد كان له أكثر من هذا: إنّ عیسی أنبأ قومه بما كان من وراء الحائط، ومحمّد أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب ، ووصف حربهم ومن استشهد منهم، وبينه و بينهم مسيرة شهر، وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شيء فيقول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : تقول أو أقول؟ فيقول : بل قل يا رسول اللّه ، فيقول : جئتني في كذا وكذا حتّى يفرغ من حاجته ، ولقد كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يخبر أهل مكّة بأسرارهم بمكّة حتّى لا يترك من أسرارهم شيئاً.

منها : ما كان بين صفوان بن أُمية وبين عمیر بن وهب، إذ أتاه عمیر فقال : جئت في فكاك ابني، فقال له : كذبت بل قلت لصفوان بن أُمّية وقد اجتمعتم في

ص: 112

الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم: واللّه للموت أهون علينا من البقاء مع ماصنع محمّدبنا، وهل حياة بعد أهل القليب ، فقلت : أنت: لولا عيالي، ودَين عليَّ لأرحتك من محمّد، فقال صفوان : عليّ أن أقضي دينَك، وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهنّ مايصيبهنّ من خير أو شرّ، فقلت أنت : فاكتمها علىَّ وجهِّزني حتّى أذهب فأقتله، فجئت لقتلى، فقال : صدقت يا رسول اللّه، فأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّك رسول اللّه، وأشباه هذا ممّا لا يحصى.

قال له اليهودي : فإنّ عيسى يزعمون: أنّه خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طيراً بإذن اللّه؟

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد فعل ما هو شبيه لهذا، إذ أخذ يوم حنين حجراً فسمعنا للحجر تسبیحاً و تقدیساً ، ثمّ قال للحجر : انفلق فانفلق ثلاث فلق، يسمع لكلّ فلقة منها تسبيحاً لا يسمع للأُخرى، ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته ، ولكلّ غصن منها تسبيح وتهليل وتقدیس، ثمّ قال لها: انشقّي، فانشقّت نصفين ، ثمّ قال لها: الترقي فالتزقت، ثمّ قال لها: اشهدي بالنبوّة، فشهدت ثمّ قال لها: ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت، وكان موضعها حيث الجزّارين بمكّة.

قال له اليهودي : فإنّ عيسى يزعمون أنّه كان سيّاحاً؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد كانت سیاحته في الجهاد، واستنفر في عشر سنين ما لا يحصى من حاضر وباد، وأفني فئاماً من العرب من منعوت بالسيف لا يداري بالكلام ولا ينام إلّا عن دم، ولا يسافر إلّا وهو متجهّز لقتال عدوّه.

قال له اليهودي : فإنّ عیسی يزعمون أنّه كان زاهدا؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، ومحمّد أزهد الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ): كان له

ص: 113

ثلاثة عشر زوجة سوى مَن يطيف به من الإماء، مارفعت له مائدة قط وعليها عام، ولا أكل خبز برّ قطّ، ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متوالياً قط، توفّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم، ما ترك صفراء ولا بيضاء مع ما وطّيء له من البلاد، ومکّن له من غنائم العباد، ولقد كان يقسم في اليوم الواحد الثلاثمائة ألف وأربعمائة ألف، ويأتيه السائل بالعشي فيقول : والّذي بعث محمّدا بالحقّ ما أمسي في آل محمّد صاع من شعير، ولا صاع من برّ، ولا درهم، ولا دینار.

قال له اليهودي : فإني أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه، وأشهد أنّه ما أعطى اللّه نبيّاً درجة ولا مرسلاً فضيلة إلّا وقد جمعها لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وزاد محمّداً على الأنبياء أضعاف ذلك درجات.

فقال ابن عبّاس لعليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أشهد يا أبا الحسن أنّك من الراسخين في العلم

فقال : ويحك! ومالي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه اللّه عزّوجلّ في عظمته فقال :« وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (1).(2)

الأشرف و الأفضل

{5}

[597] دخل الحسنُ والحسينُ على معاويةَ فأمر لهما في وقته بمائتي ألف

ص: 114


1- سورة القلم: الآية 4.
2- الإحتجاج للطبرسي : ج 1 ص 210؛ إرشاد القلوب : ص 406؛ بحار الأنوار : ج 16 ص 341؛ تفسیر البرهان : ج 2 ص 356. وعنها موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 162 ح138.

درهم، وقال : خذاها و أنا ابنُ هند، ما أعطاها أحدٌ قبلي ولا يعطيها أحد بعدي !!! قال : فأما الحسن فكان رجلاً سکّیتاً، وأما الحسين فقال : واللّه ما أعطى أحد قبلك ولا أحد بعدك لرجلين أشرف ولا أفضل منّا.(1)

اجلس لنتناظر في الدين

{6}

[598] روي أن ّرجلاً قال للحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) : اجلس حتّى نتناظر في الدين.

قال : يا هذا أنا بصير بديني، مكشوف علىّ هداي، فإن كنت جاهلاً بدينك فاذهب فاطلبه، مالي وللمماراة وإنّ الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه، ويقول : ناظر الناس في الدين، لئلّا يظّنوا بك العجز والجهل، ثمّ المراء لا يخلو من أربعة أوجه : إمّا أن تتماري أنت وصاحبك في ما تعلمان، فقد تركتما بذلك النصيحة ، وطلبتما الفضيحة، وأضعتهماذلك العلم، أو تجهلانه فأظهر تماجهلاً، وخاصمتما جهلاً، وإمّا تعلمه أنت فظلمت صاحبك بطلب عثرته، أو يعلمه صاحبك فتركت حرمته، ولم تنزل منزلته، وهذا كلّه محال، فمن أنصف وقِبلَ الحقّ، وترك المماراة فقد أوثق إيمانه وأحسن صحبة دينه ، وصان عقله.(2)

ص: 115


1- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر : ص 7-8 ح 5 بهذا الإسناد : أخبرنا أبو القاسم عليّ بن إبراهيم، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي، أخبرنا عبدالوهاب بن جعفر الميداني، حدّثني أبو عبداللّه محمّد بن إبراهيم القرشي، أخبرنا عمرو بن دحيم، أخبرنا محمّد بن إبراهيم البغدادي، أخبرنا الحسن بن الربيع، أخبرنا إسحاق بن عيسى البلخي الحافظ : عن الحسين بن واقد عن عبداللّه بن بريدة قال : الخبر.
2- بحار الأنوار : ج 2 ص 135 ح 32 «باب 17 ما جاء في تجويز المجاملة والمخاصمة في الدين».

للسلام أهلاً

{7}

[599] عن عليّ بن الحسين ، عن أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ) : أنّ ابن الكوا سأل عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال : يا أمير المؤمنين ، تسلّم على مذنب هذه الأُمّة ؟!

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يراه اللّه عزّوجلّ للتوحيد أهلاً، ولا تراه للسلام عليه أهلاً! (1)

لولا علي

{8}

[600] روی موفق بن أحمد بسنده عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : أُوتي عند عمر بن الخطّاب بامرأة حاملة ، فسألها فاعترفت بالفجور فأمر بها بالرجم، فقال عليّ لعمر : سلطإنّك عليها فما سلطإنّك على الّذي في بطنها، فخلّا سبيلها وقال : عجزتّ النساء أن يلدن علیّاً ولولا علي لهلك عمر ، وقال : اللّهمّ لاتبقني المعضلة ليس لها على حيّاً.(2)

الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صباوته

[601] عن سليمان أبي شدّاد قال : كنتُ ألاعب الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) بالمداحي، فكنت إذا أصبت مدحاته فكان يقول لي : أيحلّ لك أن تركب بضعة من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ وإذا أصاب مدحاتي قال لي : أما تحمد ربّك أن تركبك بضعة

ص: 116


1- مستدرك الوسائل : ج 8 ص 359 ح 9663. وعنه موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 751ح 914.
2- ينابيع المودّة : ص 85.

من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)

عضو من أعضائي

{10}

[602] روي في كتاب منتخب آثار أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان جالساً ذات يوم وعنده الإمام عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فأخذه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجعله في حجره و قبّل بين عينيه وقبّل شفتيه و كان للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ستّ سنين، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتحب یا رسول اللّه ولدي الحسين؟

قال : وكيف لا أُحبّه وهو عضو من أعضائي.

فقال : يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أيّنا أحبّ إليك أنا أم حسین؟

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبت من كان أعلى شرفاً كان أحبّ إلى النبيّ وأقرب إليه منزلة.

قال علي بطلة : أتفاخِرُني يا حسين؟

قال : نعم يا أبتاه إن شئت.

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفی حتى عدّ من مناقبه نيّفاً وسبعين منقبة ثمّ سكت.

فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للحسين : أسمعت يا أبا عبداللّه هو عشر عشیر معشار ما قاله من فضائله ومن ألف ألف فضيلة وهو فوق ذلك و أعلى.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحمد للّه فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين وعلى جميع المخلوقين، ثمّ قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين وأنت فيه صادق أمين.

ص: 117


1- أمالي الطوسي : ج 2 ص 604 ح 2؛ بحار الأنوار : ج 37 ص 77 ح 44 ؛ تاریخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين) ص 115 قال ابن عساکر : و أنبأنا ابن سعد، أنبأنا الفضل بن دكين ، أنبأنا عبيد أبو الوسيم الجمال.

فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أذكر أنت يا ولدي فضائلك.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا الحسين بن عليّ بن أبي طالب وأُمّي فاطمة الزهراء وسيّدة نساء العالمين وجدّي محمّد المصطفى سيّد بني آدم أجمعين لا ريب فيه يا عليّ أُمّي أفضل من أُمّك عند اللّه وعند الناس أجمعين وجدّي خيرٌ من جدّك وأفضل عند اللّه وعند الناس أجمعين، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل، يا عليّ أنت عند اللّه أفضل منّي وأنا أفخر منك بالآباء والأُمّهات والأجداد.

ثمّ انّه اعتنق إيّاه يقبّله وعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقبّله ويقول : زادك اللّه شرفاً وتعظيماً وفخراً وعلماً وحلماً ولعن اللّه ظالميك يا أبا عبداللّه.(1)

منبر أبي لا أبيك

{11}

[603] جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لمّا استخلف أبو بکر صعد المنبر في يوم الجمعة ، وقد تهيأ الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) للجمعة، فسبق الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فانتهى إلى أبي بكر وهو على المنبر ، فقال : هذا منبر أبي لا منبر أبيك!

فبكى أبوبكر وقال : صدقت هذا منبر أبيك لا منبر أبي.

فدخل عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في تلك الحال.

فقال : ما يبكيك يا أبا بكر ؟

فقال له القوم : قال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذا وكذا.

ص: 118


1- تظلم الزهراء (عَلَيهِا السَّلَامُ) : ص 9 وعنه موسوعة كلمات الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبابکر ! إنّ الغلام إنّمایثغر في سبع سنين، ويحتلم في أربع عشرة سنة، ويستكمل طوله في أربع وعشرين، ويستكمل عقله في ثمان وعشرين سنة، فما كان بعد ذلك فإنما هو بالتجارب.(1)

أتركب ظهراً حمله الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟

{12}

[604] عن أبي رافع قال : كنتُ ألاعب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وهو صبي - بالمداحي(2)، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته ، قلت : احملني، فيقول : أتركب ظهراً حمله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ فأتركه، فإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت : لا أحملك كما لم تحملني، فيقول : أما ترضى أن تحمل بدناً حمله رسول اللّه؟ فأحمله. (3)

ص: 119


1- مستدرك الوسائل : ج 15 ص 165 ح: روى النوري عن الجعفريات : أخبرنا عبداللّه بن محمّد، قال : حدّثنا محمّد بن محمّد، قال : حدّثني موسى، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه.... وعنه موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفيه : لم نجدّه في الجعفريّات.
2- المداحة : جمع المداحي أحجار أمثال القرصة كانوا يحفرون حفيرة ويدحون فيها بتلك الحجارة فإن وقع فيها الحجر فقد غلب صاحبها، النهاية.
3- المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 72 : روي عن الخوارزمي أنّه قال : ذكر السيّد أبو طالب بإسنادي إليه، عن محمّد بن محمّد بن العباس، عن علي بن شاكر، عن عبداللّه بن محمّد الضبي، عن يحيى بن سعيد، عن عبداللّه بن إبراهيم، عن أبي رافع قال :.... بحار الأنوار: ج 3 ص 297 ح 58 ، العوالم : ج 17 ص 40؛ إحقاق الحقّ : ح 11 ص306.

إنزل عن منبر أبي

{13}

[605] إنّ الحسين بن علي و أتى عمرَ بنَ الخطاب وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال له : إنزل عن منبر أبي، فبكى عمر ، ثمّ قال : صدقتَ يا بُنيّ، منبر أبيك لا منبر أبي.

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما هو واللّه عن رأيي.

قال : صدقت واللّه ما إتهمتك يا أبا الحسن، ثمّ نزل عن المنبر فأخذه فأجلسه على جانبه على المنبر فخطب الناس وهو جالس معه على المنبر ، ثمّ قال : أيّها الناس سمعت نبيّكم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : إحفظوني في عترتي وذريّتي، فمن حفظني فيهم حفظه اللّه، ألا لعنة اللّه على من آذاني فيهم ثلاثاً.(1)

من علمك هذا؟

{14}

[606] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : صعدتُ إلى عمر بن الخطّاب ، فقلت له : إنزل عن منبر أبي واصعد منبر أبيك !

قال : فقال : إنّ أبي لم يكن له منبر.

قال : فأقعدني معه فلمّا نزل ذهب بي إلى منزله فقال لي: أي بني من علّمك هذا؟

قال : قلت : ما علّمنيه أحد؟

قال : أي بني لو جعلت تأتينا وتغشانا؟

ص: 120


1- أمالي الطوسي: ص 711 - 712 بهذا الإسناد : عن زيد بن علي عن أبيه : الخبر.

قال : فجئتُ يوماً وهو خال بمعاوية، وابن عمر بالباب ولم يأذن له، فرجعتُ فلقيني بعدُ فقال لي: يا بنيّ لم أرك أتيتنا؟

فقلت : قد جئتُ وأنت خال بمعاوية فرأيت ابن عمر رجع فرجعت.

فقال : أنت أحقّ بالإذن من عبداللّه بن عمر، إنّما أنبت في رؤوسنا ما نری اللّه ثمّ أنتم !

قال : ووضع يده على رأسه.(1)

قبح اللّه وجهك

{15}

[607] روى الطبرسي: أنّ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) احتجّ في مجلس معاوية وقال :

وأُنشدكم باللّه أتعلمون أنّ أبا سفيان أخذ بيد الحسین حین بویع عثمان وقال : يابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد، فخرج حتّى إذا توسّط القبور إجتره فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور ! الّذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم.

فقال الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : قبّح اللّه شيبتك، وقبّح وجهك ، ثمّ نتر يده و ترکه، فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده وردّه إلى المدينة لهلك.(2)

ص: 121


1- تاریخ دمشق ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): ص 161 ح179 قال ابن عساکر : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبدالباقي، أنبأنا أبو محمّد الحسن بن علي، أنبأنا محمّد بن العباس، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن الفهم، أنبأنا محمّد بن سعد، أنبأنا سليمان بن حرب، أنبأنا حماد بن زید، أنبأنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيد بن حنين، عن حسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال :....
2- الاحتجاج للطبرسي : ج 1 ص 275.

ويلك من شیطان مارد

{16}

[608] كلّا واللّه، لا أكفر باللّه وبرسوله وبوصيّ رسول اللّه، إخسأ ويلك من شیطان مارد، فلقد زين لك الشيطان سوء عملك فخدعك حتّى أخرجك من دينك باتباع القاسطين نصرة هذا المارق من الدين ، لم يزل هو وأبوه حربيّين وعدوّين للّه ولرسوله وللمؤمنين، فواللّه ما أسلّما ولكنّهما إستسلما خوفاً وطمعاً ، فأنت اليومَ تقاتل عن غير متذمّم.

رواه في «الفتوح» (ج3 ص 56 ط حیدر آباد).

ثمّ قال : فضحك عبیداللّه بن عمر ثمّ رجع إلى معاوية فقال : إنّي أردت خديعة الحسين، وقلتُ له كذا وكذا فلم أطمع في خديعته.

فقال معاوية : إنّ الحسينَ بن علي لا يُخدَع وهو إبنُ أبيه.(1)

آذيتنا منذ اليوم

{17}

[609] عن مولى لحذيفة ، قال : كان حسین بن علي أخذاً بذراعي في أيّام الموسم - قال : ورجل خلفَنا يقول : اللّهمّ اغفر له ولأُمّه.

قال : فأطال ذلك فترك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذراعي، وأقبل عليه فقال له : قد آذيتَنا منذ اليوم؟!! تستغفر لي ولأُمّي وتترك أبي؟ وأبي خير منّي ومن أُمّي؟!!(2)

ص: 122


1- ملحقات الإحقاق : ج 19 ص 418 - 419.
2- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ مدنية دمشق لابن عساكر : ص 156 ح 202 بهذا الإسناد: أخبرنا أبو محمّد عبدان بن رزين، أنبأنا نصر بن إبراهيم، أنبأنا عبدالوهّاب بن الحسن، أنبأنا الحسين بن محمّد بن عبيد الدقاق، أنبأنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، أنبأنا عمي أبو بكر، أنبأنا زید بن الحباب، أنبأنا الربيع بن المنذر الثوري، أنبأنا أبي : عن سعد بن حذيفة بن اليمان: الخبر.

أُنظر لنفسك

{18}

[610] عن عكرمة بن خالد قال : قدم معاوية المدينة يريد الحجّ، فلقيه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له: يا معاوية قد بلغني ذكرك وذكر ابن النابغة بني هاشم بالعيوب، فارجع إلى نفسك وسلط الحقّ عليها، فإنّك تجد أعظم عيوبها أصغر عيب فيك، لقد تناولتَنا بالعداوة وأطعت فينا عمراً، فواللّه ماقَدُم إيمانه ولا حدَث نفاقه، واللّه ما ينظر لك ولا يُبقي عليك، فانظر لنفسك أو دع.(1)

أحق برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

[611] فلمّا استشهد الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ابن عبّاس دعاني الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعبداللّه بن جعفر وعلي بن عبداللّه بن العباس، فقال : اغسلوا ابن عمّكم، فغسّلناه و حتطناه وألبسناه أكفانه.

ثمّ خرجنا به حتّى صلينا عليه في المسجد، وإنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمر أن يفتح البيت ، فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفّان، وقالوا : أيدفن أمير المؤمنین عثمان الشهيد القتيل ظلمة بالبقيع بشر مكان ويدفن الحسن مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟! واللّه لا يكون ذلك أبداً حتّى تكسر

ص: 123


1- أنساب الأشراف للبلاذري : ج 2 ص 96: المدائني، عن أبي زكرياء العجلاني.

السيوف بيننا وتنقصف الرماح بیننا وينفذ النبل.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما واللّه الّذي حرّم مكّة، للحسن بن عليّ [وا] بنُ فاطمة أحقّ برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وببيته ممّن أُدخل بيته بغير إذنه ، وهو واللّه أحقُّ به من حمّال الخطايا ، مُسَيِّر أبي ذر رحمه اللّه، الفاعل بعمّار ما فعل، وبعبد اللّه ماصنع، الحامي الحمى، المُؤوي لطريد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، لكنّكم صرتم بعده الأُمراء، وتابعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء.(1)

نحوا ابنكم عن بيتي

{20}

[612] وروي أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوصى بأن يدفن في البقيع لافي حرم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، بل إنهم حملوا جنازته إلى حرم رسول اللّه كي يجدّد عهداً بقبره ثمّ يدفنوه في البقيع.

روى ذلك الكليني، عن محمّد بن الحسن، وعلي بن محمّد، عن سهل بن زیاد، عن محمّد بن سليمان، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم، قال : سمعتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لمّا احتضر الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال للحسين : يا أخي أوصيك بوصيّة فاحفظها، فإذا أنا متّ فهیّئني، ثمّ وجهني إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأُحدث به عهداً، ثمّ أصرفني إلى أُمّي فاطمة سلام اللّه عليها، ثمّ ردّني فادفني في البقيع، واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها و عداوتها اللّه ولرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعداوتها لنا أهل البيت.

فلمّا قبض الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وضع على سريره وانطلقوا به إلى مصلّی

ص: 124


1- أمالي الطوسي: ج 1 ص 161؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 152ح 22؛ العوالم : ج 16 ص 288 ح 2؛ تفسير نور الثقلين : ج 4 ص 296 ح 199.

رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذي كان يصلّي فيه على الجنائز، فصُلّي على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فلمّا أن صُلّي عليه حمل فأُدخل المسجد، فلمّا أوقف على قبر رسول اللّه بلغ عائشة الخبر وقیل لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ليدفن مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج، فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً فوقفت فقالت : نحّوا ابنكم عن بيتي، فإنّه لا يدفن فيه شيء، ولا يهتك على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حجابه.

فقال لها الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما : قديماً هتكت أنت وأُولئك حجاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قربه، وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة، إنّ أخي أمرني أن أُقرّبه من أبيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليحدث به عهداً.

واعلمي أنّ أخي أعلم الناس باللّه ورسوله، وأعلم بتأویل کتابه من أن يهتك على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ستره، لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» (1) وقد أدخلت أنت بیت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الرجال بغير إذنه.

وقد قال اللّه عزّوجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ »(2) ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك و فاروقه عند أذن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المعاول.

وقال اللّه عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى» (3)، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على (1) (2) (3)

ص: 125


1- سورة الأحزاب ، الآية 53.
2- سورة الحجرات ، الآية 2.
3- سورة الحجرات ، الآية 3.

رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بقربهما منه الأذى، ومارعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إنّ اللّه حرّم على المؤمنين أمواتاً ماحرّم منهم أحياءً، وتاللّه ياعائشة لو كان هذا الّذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه صلوات اللّه عليهما جائزاً فيما بيننا وبين اللّه، لعلمت أنّه سيدفن وإن رغم معطسك.

قال : ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة وقال يا عائشة : يوماً على بغل، ويوماً على جمل، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم.

قال : فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟

فقال لها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأنّی تبعدين محمّداً من الفواطم؟ فواللّه لقد ولّدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد معیص بن عامر.

قال : فقالت عائشة للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نحّوا ابنكم واذهبوا به فإنّكم قوم خصمون.

قال : فمضى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى قبر أُمّه ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع.(1)

ص: 126


1- الكافي: ج 1 ص 302 ح 3؛ مقاتل الطالبيّين : ص 76؛ نور الثقلين : ج 4 ص 295 ح198؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 174 ح 1 و ج17 ص 31ح 13 وج 100 ص 125 ح 1 إلى قوله معطسك ؛ العوالم : ج 16 ص 289 ح 5 و ج 17 ص 77 ح 1؛ كنز الدقائق : ج 9 ص 189 اختصاراً.

حلم يوازن الجبال

{21}

[613] حمل مروان سريره، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتحمل سريره؟ أما واللّه لقد كنت تجرّعه الغيظ.

فقال مروان : إنّي كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال ! (1)

وأخبرنا أبو محمّد الحسن بن أبي بكر بن أبي الرضا، أنبأنا الفضيل بن يحيی الفضيلي، أنبأنا أبو محمّد بن أبي شريح، أنبأنا محمّد بن عقيل بن الأزهر، أنبأنا محمّد بن فضيل ، أنبأنا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء، قال : لمّا مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته.

فقال له حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتبكيه وقد كنت تجرّعه ما تجرّعه؟

فقال : إنّي كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا، وأشار بيده إلى الجبل.(2)

أنت الواقع في على

{22}

[614] حدّث علي بن حمدون معنعناً: عن أبي الجارية ! والأصبغ بن نباتة الحنظلي قالا :

لمّا كان مروان على المدينة خطب الناس فوقع في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : فلمّا نزل من المنبر أتى الحسينُ بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) المسجد.

ص: 127


1- مقاتل الطالبيين : ص 76؛ البداية والنهاية : ج 8 ص 43؛ بحار الأنوار: ج 44 ص 145 ح13؛ ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 141.
2- ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ص 156 ح 267؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 203 ح 118.

فقيل له : إنّ مروان قد وقع في عليّ.

قال : فما كان في المسجد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟

قالوا: بلی.

قال : فما قال له شيئاً؟

قالوا: لا.

قال : فقام الحسين مغضباً حتّى دخل على مروان فقال له :

يا ابن الزرقاء و يا ابن آكلة القمّل أنت الواقع في عليّ؟!

قال له مروان : إنّك صبيّ لا عقل لك.

قال : فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألا أُخبرك بمافيك وفي أصحابك وفي علي قال : إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا»(1) فذلك لعلي وشيعته «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ»(2) فبشر بذلك النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (3)لعلي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (4) «وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا» فذلك لك ولأصحابك.(5)

ص: 128


1- سورة مريم، الآية 96.
2- سورة مريم، الآية 97.
3- في العوالم : «النبي العربي».
4- في بحار الأنوار والعوالم إلى هنا ينتهي الحديث.
5- تفسیر فرات الكوفي : ج 1 ص 253 ح 10 «تفسير سورة مريم» ؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 210 - 221 ح 7 «باب 27 احتجاجه صلوات اللّه عليه على معاوية» وأوليائه لعنهم اللّه وما جرى بينه و بينهم» ؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ص 89 ح «باب 3 ما جرى بينه و بين مروان بن الحكم ».

لولا فخركم بفاطمة

{23}

[615] عن محمّد بن السائب أنّه قال : قال مروان بن الحكم يوماً للحسين ابن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : لولا فخركم بفاطمةَ بم کنتم تفتخرون علينا؟

فوثب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) – وكان (عَلَيهِ السَّلَامُ) شديد القبضة - فقبض على حلقه فعصره، ولوی عمامتَه على عنقه حتّى غشي عليه، ثمّ تركه، وأقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)على جماعة من قريش فقال :

أُنشدكم باللّه إلّا صدقتموني إن صدقتُ، أتعلمون أنّ في الأرض حبيبين کانا أحبّ إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منّي ومن أخي؟ أو على ظهر الأرض إبن بنت نبيّ غيري وغير أخي؟

قالوا: اللّهمّ لا.

قال : وإنّي لا أعلم أنّ في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا و أبيه ، طريدَي رسول اللّه، واللّه مابین جابرس وجابلق أحدهما باب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممّن ينتحل الإسلام أعدى للّه ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذا كان وعلامة قولي فيك إنّك : إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك.(1)

الملعون في الأصلاب ؟

{24}

[616] عن أبي يحيى قال : كنت بين الحسن والحسين و مروان يتسابّان ، فجعل الحسن يسكت الحسين.

ص: 129


1- تاريخ الطبري : ج 5 ص 385؛ الاحتجاج : ج 2 ص 23.

فقال مروان : أهل بیت ملعونون؟

فغضب الحسن، وقال : قلت أهل بیت ملعونون، فواللّه لقد لعنك اللّه على لسان نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنت في صلب أبيك.(1)

وزاد في مجمع الزوائد : وفي رواية : فقال الحسين والحسن (عَلَيهِما السَّلَامُ) : واللّه ثمّ واللّه لقد لعنك اللّه.(2)

جهاد الظالمين

{25}

[617] قال : وقدم المسيّب(3) بن نجبة الفزاري وعدّة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية، وقالوا : قد علمنا رأيك ورأي أخيك.

فقال : إنّي لأرجو أن يعطي اللّه أخي على نيّته في حُبّه الكفّ وأن يعطيني على نيّتي في حبّي جهاد الظالمين.(4)

ص: 130


1- المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ص 85 ح 2740.
2- مجمع الزوائد: ج 5 ص 240: حدّثنا عبداللّه بن أحمد بن حنبل، حدّثنا إبراهيم بن الحجاج السامي قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عطاء السائب ،... وعنهما كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 653 - 654 ح 680.
3- المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رباح الفزاري : تابعي، كان رأس قومه. شهد القادسية وفتوح العراق، وكان مع علي مشاهده. وسكن الكوفة، وثار مع «التوّابين» من أهلها، في طلب دم الحسين، فسيّر إليهم «مروان» جيشاً بقيادة عبيد اللّه بن زیاد فقاتلوه. وقُتِل المسيّب مع سلیمان بن صرد في إحدى هذه الوقائع بالعراق سنة (65) وكان شجاعا بطَلاً، قال زفربن الحارث الكلابي في وصفه : فارس مضر الحمراء كلّها، إذا عدّ من أشرافها عشرة كان أحدهم، وكان متعبّدا ناسكاً. تاريخ بغداد: ج 13 ص 137.
4- تهذيب الكمال : ج 6 ص 413.

أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الجنّة

{26}

[618] عن داود بن فرقد، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخل مروان بن الحكم المدينة ، قال : فاستقلى على السرير، وثمّ مولى للحسين ، فقال : «رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ».(1)

قال : فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمولاه: ماذا قال هذا حين دخل؟

قال : استلقى على السرير، فقرأ ردّوا إلى اللّه مولاهم - إلى قوله - الحاسبين.

قال : فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم واللّه رددت أنا وأصحابي إلى الجنّة، وردّ هو وأصحابه إلى النار.(2)

فضل من اللّه تعالى

{27}

[619] قدم الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) على معاوية ، فقام خطيباً بين السماطين ، والحسين جالس. فتكلّم الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكلام عجيب فحدّ معاوية لمّا سمع من فصاحته وبلاغته، ولمّا سمع أهل الشام منه. فقام إليه مروان فأخذه بيده، وقال له: اقعد فإنّك صبي أحمق تعلّمتَ الكلام بالعراق ثمّ جئتنا به.

فغضب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال لمروان : كذبتَ ولا أُمّ لك ، هو فضل آتانا اللّه وإنّ بالمشرق مدينة يقال لها: بلسا، وبالمغرب مدينة يقال لها: بلقاء، وما بينهما ولد نبيّ غيره وغيري.

ص: 131


1- سورة الأنعام، الآية 62.
2- تفسير العيّاشي: ج 1 ص 362 ح 30؛ تفسير البرهان : ج 2 ص 529؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 206ح3؛ كلمات الإمام الحسين ع : ص 651 ح 675.

وكان رأس الجالوت حاضراً عند معاوية، صدق واللّه، إنّهما لمدينتان وما عرفهما قطّ إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ، أو ولد نبيّ. (1)

انظر لنفسك

{28}

[620] لمّا قتل معاوية حُجرَ بن عدي وأصحابه ، حجّ ذلك العام فلقي الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أبا عبداللّه هل بلغك ماصنعت بحجر وأصحابه وأشياعه، وشيعة أبيك؟

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): وما صنعتَ بهم؟

قال : قتلناهم، وكفّناهم، وصلّينا عليهم.

فضحك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال : خصمك القوم یا معاوية، لكنّنا لو قتلها شيعتَك ما كفناهم، ولا صلّينا عليهم، ولا قبر ناهم، ولقد بلغني وقيعتك في علي وقيامك ببعضنا، واعتراضك بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلتَ ذلك فارجع إلى نفسك، ثمّ سلها الحقّ عليها ولها، فإن لم تجدّها أعظم عيباً فما أصغر عيبك فيك، وقد ظلمناك يا معاوية فلاتوترن غیر قوسك، ولا ترمين غير غرضك ، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب ، فإنّك واللّه لقد أطعت فينا رجلاً ما قدم إسلامه، ولاحدث نفاقه، ولا نظر لك فانظر لنفسك أو دع يعني: عمرو بن العاص.(2)

ص: 132


1- شرح الأخبار : ج 3 ص 104 - 105 وفيه : الربيع بن سليمان البصري بإسناده عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :... الخبر.
2- الاحتجاج : ج 2 ص 19- 20 «احتجاج الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على معاوية توبیخاً على قتل من قتله من شيعة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وترحمّه عليهم»، وفيه : عن صالح بن کیسان قال : الخبر. وأورده في نزهة الناظر : ص 82 باختصار.

لم يكن ليخطئه

{29}

[621] عن جعفر بن محمّد، قال : حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ)قال :

دخل الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)على معاوية فقال له : ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ثمّ دار عشيا في طرقهم في ثوبین؟

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حمله على ذلك علمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه.

قال : صدقت.

قال : وقيل لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا أراد قتال الخوارج : لو احترزت يا أمير المؤمنین.

فقال (عَلَيهِمالسَّلَامُ) :

اَي يومي من الموت أفر***يوم لم يقدر أم يوم قدر

يوم ما قدّر لا أخشى الردى***وإذا قدّر لم يغنِ الحذر(1)

ص: 133


1- التوحيد للصدوق: ص 274 ح 19 : روى الصدوق عن حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زید بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، وأحمد بن الحسن القطّن، ومحمّد بن إبراهيم بن أحمد المعاذي، قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال : حدّثنا يحيى بن إسماعيل الجريري قراءةً ، قال : حدّثنا الحسين بن إسماعيل، قال : حدّثنا عمرو بن جميع ،.... نور الثقلين : ج 2 ص 28 ح 104 إلى قوله : صدقت. وعنهما كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ح 110.

نطق معاوية وسكوته

{30}

[722] بلغ الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما كلام نافع(1) بن جبير في معاوية وقوله : إنّه كان يُسكته الحلم وينطقه العلم.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بل كان ينطقه البطر ويسكنه الحصر.(2)

بنو أُمّية في المحشر

{31}

[23] كان الحسين جالساً في مسجد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فسمع رجلاً يحدّث أصحابه ، ويرفع صوته ليسمع الحسين وهو يقول : إنّا شاركنا آل أبي طالب في النبوّة حتّى نلنا منها مثل ما نالوا منها من السبب والنسب، ونلنا من الخلافة مالم ينالوا، فبم يفخرون علينا؟ وكرّر هذا القول ثلاثاً.

فأقبل عليه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : إنّي كففتُ عن جوابك في قولك الأوّل حلماً، وفي الثاني عفواً، وأمّا في الثالث فإنّي مجيبُك، إنّي سمعتُ أبي يقول : إنّ في الوحي الّذي أنزله اللّه على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا قامت القيامة الكبرى حشر اللّه بني أُميّة في صور الذرّ يطأهم الناس حتّى يفرغ من الحساب، ثمّ يؤتى بهم فيحاسبوا، ويصار بهم إلى النار.

فلم يطق الأموي جواباً وانصرف وهو يتميّز من الغيظ.(3)

ص: 134


1- هو نافع بن جبیر بن مطعم بن عدي الفقيه توفّي سنة (99ه) سير أعلام النبلاء : ج 6 ص 543.
2- کنز الفوائد: ج 2 ص 32؛ بحار الأنوار: ج 33 ص 219 ح 508 و ج 75 ص 127 ح10.
3- كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 652 ح 676 عن حياة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج 2 ص 235 .

الحقّ أبلج

{32}

[624] أنا ابن ماء السماء وعروق الثرى، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالحسب الناقب والشرف الفائق والقديم السابق، أنا ابن من رضاه رضی الرحمن، وسخطه سخط الرحمن، ثمّ ردّ وجهه للخصم فقال : هل لك أب كأبي أو قدیم کقديمي؟ فإن قلت لا، تغلب ، وإن قلت : نعم تكذب.

فقال الخصم : لاتصديقاً لقولك..

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحقّ أبلج لا يزيغ سبيله، والحقّ يعرفه ذوو الألباب.

قاله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مجلس معاوية.(1)

أنا أقر له بالحقّ

{33}

[625] عبداللّه بن مصعب، عن أبيه ، قال :

خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عند معاوية، فلقي عبداللّه بن الزبير، والحسين مغضَب، فذكر الحسين أنّ معاوية ظلمه في حقّ له، فقال الحسين : أُخيّره في ثلاث خصال، والرابعة الصيلم: أن يجعلك أو ابن عمر بيني وبينه، أو يقرّ بحقي، ثمّ يسألني فأهبه له، أو يشتريه منّي، فإن لم يفعل فوالّذي نفسي بيده لأهتفنّ بحلف الفضول.

قال ابن الزبير : والّذي نفسي بيده لئن هتفتَ به وأنا قاعد لأقومنّ أو قائم

ص: 135


1- رواه في محاضرات الأُدباء : (ج 1 ص 231 ط مصر). ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 595.

لأمشينّ، أو ماش لأشتدنّ، حتّى تفني روحي مع روحك أو ينصفك.

قال : ثمّ ذهب ابن الزبير إلى معاوية ، فقال : لقيني الحسین فخيّرك في ثلاث خصال، والرابعة الصيلم.

قال معاوية : لا حاجة لنا بالصيلم؛ إنّك لقيته مغضباً، فهات الثلاث ، قال : تجعلني أو ابن عمر بينك وبينَه.

قال : فقد جعلتُك بيني وبينه أو ابن عمر أو جعلتكما.

قال : أو تقرّ له بحقّه وتسأله إيّاه.

قال : أنا أقرّ له بحقّه وأسأله إيّاه.

قال : أو تشتريه منه.

قال : وأنا أشتريه منه.

قال : فلمّا انتهى إلى الرابعة قال لمعاوية كما قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنْ دعاني إلى حلف الفضول لأجبتُه.

فقال معاوية : لا حاجة لنا بهذا.(1)

من حكم سید الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{34}

[626] حدث محمّد بن سعد، عن الواقدي، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن أم بکر بنت المِسْوَر، عن أبيها قال : كتب معاوية إلى مروان وهو على المدينة أن يخطب أُمّ كلثوم بنت عبداللّه بن جعفر، وأُمّها زينب بن عليّ، وأُمّها فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، على ابنه يزيد ويقضي عن عبداللّه دَيْنه، وكان خمسين ألف

ص: 136


1- الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني : ج 17 ص 296 قال : وحدّثني علىّ بن صالح، عن جدّي...

دینار، ويُعطيه عشرة آلاف دينار، ويُصدقها أربعمائة ويكرمها بعشرة آلاف دينار.

فبعث مروان إلى ابن جعفر فأخبره.

فقال : نعم واستثنی رضاءَ الحسين بن علي.

فأتى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : إنّ الخال والد وأمرُ هذه الجارية بيدك، فأشهد عليه الحسين بذلك، ثمّ قال للجارية : يا بنيّة إنّا لم نخرج منّا غريبة قطّ، أفأمركِ بیدی؟

قالت : نعم؛ فأخذ بيد القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب فأدخله المسجد، وبنو هاشم وبنو أُميّة وغيرهم مجتمعون، فحمد مروان اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ أمير المؤمنين قد أحبّ أن يزيد القرابة لُطْفاً والحقّ عظماً، وأن يتلافى ما كان بين هذَيْن الحَيّيْن بصِهْرهما، وعائدة فضله وإحسانه على بني عمّه من بني هاشم، وقد كان من عبداللّه في ابنته مايحسن فيه رأيه، وولّي أمرها الحسين خالها، وليس عند الحسین خلاف أمير المؤمنین.

فتكلّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ الإسلام دفع الخسيسةَ وتمّم النقيصة وأذهب اللائمة، فلا لومَ على مسلم إلّا في أمر مأثم، وإنّ القرابة الّتي عظم اللّه حقها وأمر برعايتها، وأن يسأل نبيّه الأجر له بالمودّة لأهلها قرابتنا أهل البيت، وقد بدا لي أن أُزوّج هذه الجارية من هو أقرب نسباً وألطف سبباً ، وهو هذا الغلام، وقد جعلتُ مهرُها عنه البُغَيْبِغة.

فغضب مروان وقال : غَدْراً يا بني هاشم؟!

ثمّ قال لعبد اللّه بن جعفر : ما هذا بمُشبه أيادي أمير المؤمنين عندك.

فقال عبداللّه : قد أخبرتك أنّي جعلتُ أمرها إلى خالها.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رويدك، ألا تعلم يا مسور بن مخرمة أنّ الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطب عائشة بنت عثمان، حتّى إذا كنّا في مثل هذا المجلس، وقد أشفينا على

ص: 137

الفراغ، وقد ولّوك يا مروان أمرها قلت : قد رأيتُ أن أُزوّجها عبداللّه بن الزبير؟

قال مروان: قد كان ذلك.

قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأنتم أوّل الغَدْر موضعه، ثمّ نهض فقال مروان للمسور : يا أبا عبد الرحمن واللّه لغيظي على عبداللّه بن جعفر أشدّ من غيظي على الحسين ، لرأي أمير المؤمنين فيه وأياديه عنده، ولانّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَغْرُ الصدر علينا و عبداللّه سليم الصدر لأمير المؤمنين لصنائعه عنده.

فقال المسور: لا تحملْ على القوم، فالّذي صنعوا أفضل، وصلوا رحماً ووضعوا کریمتهم حيث أرادوا، فأمسك مروان.(1)

محبوب أهل السماء

{35}

[627] روى ابن شهر آشوب عن الإمام الرضا عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ورواه الطبريان في الولاية والمناقب، والسمعاني في الفضائل، بأسانيدهم عن إسماعيل بن رجاء وعمرو بن شعيب، أنّه مرّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على عبداللّه بن عمرو بن العاص، فقال عبداللّه : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز، وما كلّمته منذ ليالي صفّين، فأتی به أبو سعيد الخدري إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 138


1- أنساب الأشراف : ج 2 ص 144 - 145 رقم 407؛ الكامل : ج 3 ص 208 - 209؛ یاقوت : ج 1 ص 697؛ البكري : ص 659؛ السمهودي : ج2 ص 262 - 263؛ مناقب ابن شهر آشوب : ج 3 ص 199

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وأبي يوم صفّين ، واللّه إنّ أبي لخيرٌ منّي.

فاستعذر، وقال : إنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لي: أطع أباك.

فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما سمعت قول اللّه تعالى «وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا»(1) وقول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّما الطاعة في المعروف، وقوله : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.(2)

لتنصفني في حقّي

{36}

[628] كان بين الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) و بين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان کلام، والوليد يومئذ أميرُ المدينة في زمن معاوية بن أبي سفيان في مال كان بينهما بذي المروة(3).

فقال الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : استطال عليّ الوليد بن عُتبة في حقّي بسلطانه.

فقلت : أُقسم باللّه لتنصفنّي في حقّي أو لآخذنّ سيفي، ثمّ لاقومنّ في مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ثمّ لأدعونّ بحلف الفضول.

قال : فقال عبداللّه بن الزبير - وكان عند الوليد لمّا قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ماقال -: وأنا أحلف باللّه لئن دعا به لآخذنّ سيفي ثمّ لأقومنّ معه حتّى يُنصَفَ من حقّه أو

ص: 139


1- سورة لقمان، الآية 15.
2- المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 73؛ نور الثقلين : ج 4 ص 203؛ العوالم : ج17 ص35 ح 1؛ بحار الأنوار: ج 43 ص 297 ح 59؛ مجمع الزوائد : ج 9 ص 186 مع اختلاف. الميزان : ج16 ص 220؛ كنز الدقائق : ج 8 ص 27.
3- ذو المروة: قرية بوادي القرى وقيل : بين خشب ووادي القرى.

نموت جميعاً. فبلغت المِسْور بن مخرمة بن نوفل الزهري، فقال مثل ذلك ، فبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيد اللّه التيمي، فقال مثل ذلك. فلمّا بلغ الوليد بن عتبة أنصف الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من حقه حتّى رضي.(1)

قل واللّه ثلاثاً

{37}

[629] إنّ رجلا ادعى عليه (الحسین) مالاً، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليحلف على ما ادّعاه ويأخذه فتهيّأ الرجل لليمين وقال : واللّه الّذي لا إله إلّا هو، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قل : واللّه واللّه واللّه ثلاثاً، إنّ هذا الّذي يدّعيه عندي، وفي قبلي ، ففعل الرجل ذلك وقام فاختلفت رجلاه وسقط ميتاً، فقيل للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لِمَ فعلت ذلك؟ أي عدلت عن قوله : واللّه الّذي لا إله إلّا هو، إلى قوله «واللّه واللّه واللّه » فقال : کرهت أن يثني على اللّه فيحلم عنه.(2)

سلوني عمّا دون العرش

{38}

[630] سمع الحسين بن عليّ (رضي اللّه عنهما) رجلاً على كرسيّ يقول : «سلوني عمّا دون العرش» فقال : قد ادّعى دعوى عريضة، ثمّ قال له : أيّها

ص: 140


1- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني : ج 17 ص 295.
2- ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 457. رواه القوم : منهم العلامة الشيخ شمس الدين أبو عبداللّه محمّد بن قيم الجوزية الحنبلي المتوفّي سنة 751 في «الطرق الحكمة في السياسة الشرعيّة» (ص 38 ط المحمّدية في القاهرة) قال :....

المدّعي أخبرني عن شعر لحيتك ، أشفع هو أم وتر؟ فسكت وقال : علِّمني يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، قال : شفع، فإن اللّه تعالى قال : وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ (1) فالمخلوقات زوج والوتر هو اللّه تعالى.(2)

ليس لنا فيه شيء

{39}

[631] دخل قوم على الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرأوا في منزله بساط ونمارق وغير ذلك من الفروش، فقالوا: يابن رسول اللّه! نرى في منزلك أشياء لم تكن في منزل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، قال : إنّا نتزوّج النساء فتعطيهنّ مهورهنّ فيشترين بها ماشئن، ليس لنا فيه شيء.(3)

بغاث الطير

{40}

[132] قال عمرو بن العاص للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابن عليّ ما بال أولادنا أكثر من أولادكم؟

ص: 141


1- سورة الذاريات، الآية 49.
2- ملحقات الإحقاق : ج 11ص 632. رواه القوم، منهم: العلامة الصفوري في «نزهة المجالس» (ج2 ص 75 ط القاهرة) قال : رأيت في «عيون المجالس :... .
3- دعائم الإسلام : ج 2 ص 122- 123 ص 569 وفيه : عن بعض أصحاب أبي جعفر محمّد بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : دخلتُ، يعني على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منزله، فوجدته في بيت مُنجَّد قد نُضّد بوسائد وأنماط ومرافق وأفرشة، ثمّ دخلتُ عليه بعد ذلك فوجدته في بیت مفروش بحصير فقلت : ما هذا البيت جعلتُ فداك ؟ قال : هذا بيتي، والّذي رأيت قبله بیت المرأة، وسأحدّثك بحديث حدّثني أبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، قال : الخبر.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

بغاث الطير أكثرها فراخا***و أُم الصقر مقلاة نزور

فقال : ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه في شواربكم؟

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ نساءكم نساء بخرة فإذا دنا أحدکم من امرأته نکهت في وجهه فیشاب منه شاربه، فقال : ما بال لحاكم أوفر من لحانا؟

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا».(1)

فقال معاوية : بحقّي عليك إلّا سکتَّ فإنّه إبنُ عليّ بن أبي طالب ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

إن عادت العقرب عدنا لها***وكانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب واستيقنت***أن لالها دنيا ولا آخرة(2)

ألست ابن بنت نبیکم ؟

{41}

[633 ] ألست أنا ابن بنت نبيّكم وابن أوّل المؤمنين إيماناً والمصدّق للّه ورسوله؟ أليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أليس جعفر الطيّار في الجنان عمّي؟ أليس قال جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ هذين ولداي سيّدا شباب أهل الجنّة من الخلق

ص: 142


1- سورة الأعراف، الآية 58.
2- مناقب آل أبي طالب : ج ص 74 - 75 «في مكارم أخلاقه»؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 209 ح 5 «باب 27 احتجاجه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على معاوية» ؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 85 - 86 ح 1 «باب 2 ماجرى بينه و بين عمرو بن العاص عليه اللعنة والعذاب من أبواب احتجاجه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على معاوية في كتاب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). وفيه : باختلاف يسير.

أجمعين؟ أليس قال : إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ؟ فإن صدّقتموني فيما أقول فنعمّا هو وإلّا فاسألوا جابر بن عبداللّه وسعد وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك فإنّهم سمعوا ذلك من جدي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). ثمّ نادى : يا شبث بن ربعي ویا کثیر بن شهاب ألم تكتبوا إليّ أن أقدم لك مالنا وعليك ما علينا؟

فقالوا: ما نعرف ما تقول فانزل على حكم الأمير وبيعة يزيد.

فقال : واللّه لا أُعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد، وإنّي أعوذ باللّه أن أنزل تحت حكم كل متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.

ثمّ قال لأعدائه : يا قوم الكوفة إنّ الدنيا قد تغيّرت وتكدّرت وهذه دار فناء وزوال تتصرّف بأهلها من حال إلى حال، فالمغرور من اغترّ بها وركن إليها وطمع فيها معاشر الناس أما قرأتم القرآن أما عرفتم شرائع الإسلام؟ وثبتم على ابن نبيّكم تقتلوه ظلماً وعدواناً، معاشر الناس، هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والخنازير والمجوس و آل نبیّکم يموتون عطاشاً، فقالوا : واللّه لا تذوق الماء بل تذوق الموت غصّة بعد غصة وجرعة بعد جرعة.

فلمّا سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه وقال لهم : إنّ القوم قد استحوذ عليهم الشيطان، ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون.(1)

جزاء قاتل سید الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{42}

[634 ] إنّ الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا أرهقه السلاح أو أخذله السلاح، قال :

ص: 143


1- ينابيع المودّة : ج 2 ص 67 – 68 ، الباب 61.

ألا تقبلون منّي ما كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقبل من المشركين؟

قالوا: وما كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقبل من المشركين ؟

قال : إذا جنح أحدهم قبل منه ؟

قالوا: لا!!!

قال : فدعوني أرجع.

قالوا : لا!!

فأخذ له رجل السلاح فقال له : أبشر بالنار !!

فقال : بل أُبشر إن شاء اللّه برحمة ربّي عزّوجلّ وشفاعة نبيّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

فقتل وجيء برأسه حتّى وضع في طست بين يدي ابن زیاد فنکته بقضيبه وقال : لقد كان غلاماً صبيحاً. ثمّ قال : أيّكم قاتله؟ فقام الرجل كذا فقال : أنا قتلته. فقال : ما قال لك؟ فأعاد الحديث فاسودّ وجهه لعنه اللّه.(1)

مولى القوم من أنفسهم

{43}

[635] مرّ الحسين على (عَلَيهِ السَّلَامُ) حلقة من بني أُميّة وهم جلوس في مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : أما واللّه لأذهب الدنيا حتّى يبعث اللّه منّي رجلاً يقتل منكم ألفاً ومع الألف ألفاً ومع الألف ألفاً، فقلت : جُعِلتُ فداك إنّ هؤلاء أولاد كذا وكذا لا يبلغون هذا، فقال : ويحك إنّ في ذلك الزمان يكون للرجل من صلبه كذا وكذا

ص: 144


1- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر : ص 219 ح 274 بهذا الإسناد : أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن ، أنبأنا عبد الصمد بن علي أنبأنا عبیداللّه بن محمّد بن إسحاق ، أنبأنا عبداللّه بن محمّد بن عبدالعزيز ، حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، أنبأنا عمرو بن عون، أنبأنا خالد، عن الجريري، عن عبد ربّه - أو غيره - : الخبر.

رجلاً وإنّ مولى القوم من أنفسهم.(1)

إني أُريكم اليوم آية

{44}

[636 ] إنّ الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : كنّا قعوداً ذات يوم عند أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهناك شجرة رمان يابسة، إذ دخل عليه نفر من مبغضيه وعنده قوم من محبيه فسلموا، فأمرهم بالجلوس، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي أُريكم اليوم آية ، تكون فيكم كمثل المائدة في بني إسرائيل، إذ يقول اللّه : «إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ» (2) ، ثمّ قال : انظروا إلى الشجرة وكانت يابسة، فإذا هي قد جرى الماء في عودها، ثمّ اخضرّت وأورقت وعقدت وتدلّی حملها على رؤوسنا، ثمّ التفت إلينا فقال الّذين هم محبّوه(3) : مدّوا أيديكم وتناولوا وكلوا، فقلنا : بسم اللّه الرحمن الرحيم وتناولنا وأكلنا رمّاناً لم نأكل قطّ شيئاً أعذب منه وأطيب.

ثمّ قال للنفر الّذي هم يبغضونه (4): مدّوا أيديكم وتناولوا فمدّوا أيديهم

ص: 145


1- غيبة الطوسي: ص 190 - 191 ح 153 «فصل 1 الأخبار الدالّة على أنّ المهدي ) عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) من ولد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) » ؛ بحار الأنوار : ج 1 ص 134 ح 7 «باب 3 ماروي في ذلك عن الحسين صلوات اللّه عليهما من كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، بهذا الإسناد : جماعة، عن التلعکبري، عن أحمد بن علي، عن أحمد بن إدريس ، عن ابن قتيبة، عن الفضل، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر، عن عقبة بن يونس، عن عبداللّه بن شريك في حديث له اختصرناه قال : الخبر.
2- سورة المائدة، الآية 115.
3- في الخرائج «فقال للقوم الّذين هم محبّوه».
4- في الخرائج «مبغضوه».

فارتفعت، فكلمّا مدّ رجل منهم يده إلى رمّانة ارتفعت، فلم يتناولوا شيئاً، فقالوا: يا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما بال إخواننا مدّوا أيديهم وتناولوا وأكلوا ومددنا أيدينا فلم ننل ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وكذلك الجنّة لا ينالها إلّا أولياؤنا ومحبّونا، ولا يبعد منها إلّا أعداؤنا ومبغضونا، فلمّا خرجوا قالوا: هذا من سحر عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ! قال سلمان : ماذا تقولون أفسحر هذا أم أنتم تبصرون.(1)

ذهب هذا بشرف الدنيا

{45}

[637] عن علي بن الحسين عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ينادي : من كان له عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أو دين فليأتني، فكان كل من أتاه يطلب دینا، أو عدة يرفع مصلاه، فيجد ذلك كذلك تحته فيدفعه إليه.

فقال الثاني للأوّل : ذهب هذا بشرف الدنيا في هذا دوننا، فما الحيلة؟

فقال : لعلّك لو ناديت كما نادى هو كنت تجد ذلك كما يجد هو، إذ كان، إنّما يقضي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

فنادى أبوبكر كذلك ، فعرف أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحال فقال :

أما إنه سيندم على ما فعل.

فلمّا كان من الغداة أتاه أعرابيّ وهو جالس في جماعة من المهاجرين والأنصار فقال : أيّكم وصيّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟ فأُشير إلى أبي بكر.

ص: 146


1- الخرائج والجرائح : ج 1 ص 219 - 220 ح 64 «باب 2» معجزات الإمام أمير المؤمنین علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، بحار الأنوار : ج41 ص 249 - 250 ح 4 أبواب معجزاته صلوات اللّه عليه، الباب 112 ماظهر من معجزاته عليه الصلاة والسلام في الجمادات والنباتات ، کتاب تاريخ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذا الإسناد : روي عن أبي جعفر عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) : الخبر.

فقال : أنت وصي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟ وخليفته؟

قال: نعم، فما تشاء؟

قال : فهلمّ الثمانين الناقة الّتي ضمن لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

قال : وما هذه النوق؟

قال : ضمن لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثمانين ناقة حمراء، كحل العيون.

فقال لعمر : كيف نصنع الآن؟

قال : إنّ الأعراب جهّال، فاسأله : ألك شهود بما تقوله فتطلبهم منه.

فقال أبو بكر للأعرابي : ألك شهود بما تقول؟

قال : ومثلي يطلب منه الشهود على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بما يضمن لي؟ واللّه ما أنت بوصيّ رسول اللّه ولا خليفته.

فقام إليه سلمان فقال : يا أعرابي اتّبعني حتّى أدلّك على وصيّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فتبعه الأعرابي حتّى انتهى إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال : أنت وصي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟

قال : نعم فما تشاء؟

قال : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ضمن لي ثمانين ناقة حمراء، كحل العيون فهلمّها.

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أسلمت أنت وأهل بيتك؟

فانكبّ الأعرابي على يديه يقبّلها وهو يقول: أشهد أنّك وصيّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وخليفته، فبهذا وقع الشرط بيني وبينه وقد أسلمنا جميعاً.

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یاحسن انطلق أنت و سلمان مع هذا الأعرابي إلى وادي فلان فناد: «یا صالح، یاصالح» فإذا أجابك فقل : إنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقرأ عليك السلام ويقول لك : هلمّ الثمانين الناقة الّتي ضمنها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لهذا الأعرابي.

ص: 147

قال سلمان: فمضينا إلى الوادي فنادى الحسن فأجابه : لبّيك يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

فأدى إليه رسالة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال : السمع والطاعة.

فلم يلبث أن خرج إلينا زمام ناقة من الأرض، فأخذ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الزمام فناوله الأعرابي وقال : خذ، فجعلت النوق تخرج حتّى كملت الثمانون على الصفة.(1)

ص: 148


1- الخرئج والجرائح : ج 1 ص 175 - 176 ح 18 « الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) » بهذا الإسناد: ما روي عن علي بن أبي حمزة.

الأحكام الشرعيّة

اشارة

ص: 149

إن للماء ساكناً

{1}

[638] عن أبي جعفر محمّد بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّ حسناً و حسیناً دخلا الفرات وعلى كلّ واحد منهما إزار، ثمّ قالا (عَلَيهِما السَّلَامُ) : إنّ الماء، أو إنّ للماء ساكناً.(1)

الطهارة الدائمة

{2}

[639] إنّ أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كانوا إذا بالواتوضّؤوا، أو تیمّموا مخافة أن تدركهم الساعة.(2)

الوحي يتنزل علی نبیکم

{3}

[640] عن عليّ (صلوات اللّه عليه وعلى الأئمّة من ولده) : أنّه سئل عن قول الناس في الأذان : إنّ السبب كان فيه رؤیا رآها عبداللّه بن زيد، فأخبر بها النبي ، فأمر بالأذان.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الوحي يتنزّل على نبيّكم، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبداللّه بن زيد، والآذان وجه دینکم، وغضب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وقال : بل سمعت أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يقول: أهبط اللّه عزّوجلّ ملكاً، حتّى عرج برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وساق

ص: 150


1- کنز العمّال : ج 9 ص 547 ح 27355 وعنه كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 679.
2- مستدرك الوسائل : ج 1 ص 298 ح 2 «باب 11 استحباب الوضوء لنوم الجنب من أبواب الوضوء في كتاب الطهارة» بهذا الإسناد : أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن علي - أي علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - قال : أخبرني أبي : الخبر.

حديث المعراج بطوله إلى أن قال : فبعث اللّه ملكاً لم يُر في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده، فأذّن مثنى وأقام مثنی، وذكر كيفيّة الأذان ثمّ قال : قال جبرئیل للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يا محمّد هكذا أذّن للصلاة.(1)

جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن الحسین بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) : أنّه سُئل عن الأذان وما يقول الناس، قال : الوحي ينزل على نبيّك، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبداللّه بن زيد، بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، يقول : أهبط اللّه عزّوجلّ ملكاً حين عرج برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فأذّن مثنی مثنی، وأقام مثنی مثنی، ثمّ قال له جبرئیل : يا محمّد هكذا أذان الصلاة.(2)

كثرة الأذان تكسر البرد

{4}

[641] أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا عبداللّه بن إسحاق بن إبراهيم البغوي، حدّثنا عبداللّهبن الحسن - هو الهاشمي - حدّثنا أبو سليمان(3)

ص: 151


1- دعائم الإسلام : ج 1 ص 143: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن عليّ، عن عليّ صلوات اللّه عليه وعلى الأئمّة من ولده :.... مستدرك الوسائل : ج 4 ص 17 ح4062؛ جامع الاحادیث : ج 4 ص 123 ح1914.
2- مستدرك الوسائل : ج 4 ص 17 ح 4062 : وفي الجعفريات : أخبرنا محمّد، حدّثني موسی، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه ؛ جامع الاحادیث : ج 4 ص 623 ح1913؛ كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 683 ح 735 - 736.
3- هو موسی بن سليمان، أبو سليمان الجوزجاني، سمع عبداللّه بن المبارك، وعمرو بن جميع، وأبا يوسف، ومحمّد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة، وكان فقيهاً بصير بالرأي، يذهب مذهب أهل السنّة في القرآن، وسكن بغداد وحدّث بها فروى عنه عبداللّه بن الحسن الهاشمي، وأحمد بن محمّد بن عيسى البرقي، وبشر بن موسى الأسدي. وقال ابن حاتم : کتب عنه أبي وسئل عنه فقال : كان صدوقاً.

الجوزجاني ، حدّثنا عمرو بن جميع حدّثنا الأعمش، عن بشر بن غالب الأسدي ، قال : قدم على الحسين بن علي أُناس من انطاكية، فسألهم عن حال بلادهم، وعن سيرة أميرهم فيهم، فذكروا خيراً إلّا أنّهم شكوا البرد، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حدّثني أبي، عن جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : إيّما بلدة كثر أذانها بالصلاة إنكسر بردها - أو قال قلّ بردها-.(1)

استحباب افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات

{5}

[642] کتاب درست(2) بن أبي منصور عن عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الصلاة، ومعه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : فكبّر ولحظه الحسين فلم ينطق لسانه بالتكبير ، فكبّر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الثانية، ولحظه فلم ينطق لسانه بالتكبير ، قال : فكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يكّبر ويلحظه، حتّى كبّر السابعة، فلمّا كبر السابعة، أطلق اللّه لسان الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالتكبير ، واستحضر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في القراءة فصارت سنّة.(3)

التكبير على شهداء أُحُد

{6}

[643] عن علي بن موسى الرضا (عَلَيهِما السَّلَامُ) بما قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال : حدّثني أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثني

ص: 152


1- تاریخ بغداد : ج 13 ص 36 رقم 6993.
2- دُرُست بن أبي منصور محمّد كان حيّاً بعد سنة (183) أخذ العلم عن الإمامين الهمامين الصادق والكاظم (عَلَيهِما السَّلَامُ) وروى عنهما وعن طائفة من أصحابهما وقد وقع في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) تبلغ (138) مورداً في الكتب الأربعة، وله کتاب یرویه عنه جماعة منهم محمّد بن أبي عمير. طبقات الفقهاء : ج 2 ص 195.
3- مستدرك الوسائل : ج 4 ص 140ح 4331 عن کتاب دُرُست بن أبي منصور : ص 158.

أبي علي بن الحسين، قال : حدّثني أبي الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :

رأيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه كبر على حمزة خمس تكبيرات، وكبّر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات، فلحق حمزة سبعون تكبيرة.(1)

أين تذهب یا فلان ؟

{7}

[644] أنّ رجلاً من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) يمشي معه فلقيه مولى له، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أين تذهب یا فلان، قال : فقال له مولاه : أفرُّ من جنازة هذا المنافق أن أُصلّي عليها، فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أُنظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله.

فلمّا أن كبر عليه وليّه ، قال الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه أكبر، اللّهمّ العن فلاناً عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة ، اللّهمّ أخز عبدك في عبادك وبلادك، واصله حّر نارك، وأذقه أشدّ عذابك، فإنّه كان يتولّى أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بیت نبيّك.(2)

ص: 153


1- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج 2 ص 49 ح 67. جامع الاحادیث : ج 3 ص 311؛ بحار الأنوار : ج 81 ص 395.
2- الكافي : ج 3 ص 188 - 189ح 2 «باب الصلاة على الناصب»؛ بحار الأنوار : ج44 ص202 - 203 ح 20 «باب 26 مکارم أخلاقه، وجملة أحواله، وتاريخه وأحوال أصحابه صلوات اللّه عليه» ؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 71 ح 6 «باب 9 سيرة وبعض أحواله (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أبواب مکارم أخلاقه ومحاسن أوصافه وسيرته في كتاب الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)» بهذا الإسناد : العدّة ، عن سهل وعليّ، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن زياد بن عیسی، عن عامر بن السمط، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الخبر.

الصلاة في ثوب واحد

{8}

[645] محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبي بصير، أنّه قال لأبي عبداللّه : ما يجزىء الرجل من الثياب أن يصلّي فيه؟ فقال : «صلّي الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) في ثوب قد قلص(1) عن نصف ساقه، و قارب ركبتيه، ليس على منكبه منه إلّا قدر جناحي الخطّاف(2)، وكان إذا ركع سقط عن منكبيه، وكلما سجد یُناله عُنقه فردّه على منكبيه بيده، فلم يزل ذلك دأبه ودأبه مشتغلا ًبه حتّى انصرف».(3)

وعن أبي جعفر محمّد بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنه قال : «حدّثني من رأى الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) وهو يصلّي في ثوب واحد وحدّثه أنّه رأى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يصلّي في ثوب واحد».(4)

فرض اللّه الصوم

{9}

[646] سئل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم افترض اللّه عزّوجلّ على عبده الصوم؟

ص: 154


1- قلص: ارتفع. لسان العرب 280:11 «قلص».
2- الخُطّاف : العصفور الأسود، وهو الّذي تدعوه العامّة عصفور الجنّة، لسان العرب 4 : 143 «خطف» نقلاً عن ابن سيده.
3- من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 257 ح 788؛ وسائل الشيعة ج 3 ص 284 ح 10.
4- دعائم الإسلام : ج 1 ص 175؛ بحار الأنوار ج 83 ص 210ح 2؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رقم 733 - 734.

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فرض اللّه الصوم ليجد الغنيّ مسّ الجوع، فيعود بالفضل على المساكين.(1)

صوم عرفة

{10}

[647] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوصى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحده، وأوصى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) جميعاً فكان الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إمامه، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يتغدّى والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صائم، ثمّ جاء بعد ما قبض الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم عرفة وهو يتغدّى وعليّ بن الحسین (عَلَيهِما السَّلَامُ) صائم، فقال له الرجل : إنّي دخلت على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يتغدّى وأنت صائم، ثمّ دخلت عليك وأنت مفطر، فقال : إنّ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان إماماً فأفطر لئلّا يتّخذ صومه سنّة، وليتأسّی به الناس، فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام فأردتُ أن لا يتّخذ صومي سنّة فتأسى الناس بي.(2)

زكاة الفطرة

{11}

[648] زكاة الفطرة على كلّ حاضرٍ و باد.(3) (2)

ص: 155


1- مناقب ابن شهر آشوب : ج 4 ص 68 «في مكارم أخلاقه (عَلَيهِ السَّلَامُ)» ؛ بحار الأنوار: ج 93 ص 375 ح 62 «باب 34 وجوب صوم شهر رمضان وفضله من أبواب صوم شهر رمضان وما يتعلق بذلك».
2- من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 130 : الفقيه بإسناده عن عبداللّه بن المغيرة، عن سالم، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :... . علل الشرائع : ص 135. وعنهما وسائل الشيعة : ج 4 ص 345 رقم 13870
3- دعائم الإسلام : ج 1 ص 326.

قضاء حاجة المؤمن

{12}

[649] عن ابن عبّاس قال : كنت مع الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المسجد الحرام وهو معتكف وهو يطوف بالكعبة، فعرض له رجل من شيعته فقال : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إنّ علىّ ديناً لفلان، فإن رأيت أن تقضيه عنّي، فقال : وربّ هذه البنية ما أصبح عندي شيء، فقال : إن رأيت أن تستمهله عنّي فقد تهدّدني بالحبس.

قال ابن عبّاس : فقطع الطواف، وسعى معه، فقلت : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنسيت أنّك معتكف؟ فقال : لا، ولكن سمعتُ أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : سمعتُ رسول اللّه يقول : مَن قضى أخاه المؤمن حاجة كان كمن عبد اللّه تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله. فاجتاز على دار أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال للرجل : هلّا أتيت أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حاجتك؟ قال : أتيته فقال : «إنّي معتکف» فقال : أما إنّه لو سعى في حاجتك كان خيراً له من اعتکاف ثلاثين سنة.(1)

ص: 156


1- بحار الأنوار : ج 97 ص 129 ح 5؛ وأورده في ج 74 ص 335 وذيّله بقوله : فإن قيل : كيف لم يختر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع كونها أفضل؟ قلت : يمكن أن يجاب عن ذلك بوجوه. الأوّل : أنّه يمكن أن يكون (عَلَيهِ السَّلَامُ) عذر آخر لم يظهره للسائل، ولذا لم يذهب معه، فافاد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك لئلّا يتوهّم السائل أنّ الاعتكاف في نفسه عذر في ترك هذا، فالمعنی : لو أعانك مع عدم عذر آخر كان خيراً. الثاني : أنّه لا استبعاد في نقص علم إمام قبل إمامته عن إمام آخر في حال إمامته، أو اختیار الإمام ما هو أقلّ ثواباً لاسّيما قبل الإمامة. الثالث : ما قيل : إنّه لم يفعل ذلك لا يثار أخيه على نفسه صلوات اللّه عليهما في إدراك ذلك الفضل.

الصدقة للرحم

{13}

[650] عن ابن أبي نجران(1)، عن هشام بن سالم(2)، عن حسن بن علي الجلال(3) قال: أخبرني جدّي قال : سمعت الحسين بن علي صلوات اللّه عليه يقول : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : لا صدقة وذو رحم محتاج.(4)

الحجّ جهاد

{14}

[651] قال الطبراني : حدّثنا عبداللّه بن أحمد بن حنبل(5) ، حدّثني إبراهيم بن الحجاج السامي(6)، ثنا أبو عوانة ، عن معاوية بن إسحاق، عن عَباية بن

ص: 157


1- هو عبدالرحمن بن أبي نجران عمرو بن مسلم التمیمی کان من أصحاب الرضا والجواد (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، ثقة، ثقة، روي عنه في كتب الأحاديث (220) رواية. المفيد : ص 654.
2- هو هشام بن سالم الجواليقي، من أصحاب الصادق والكاظم (عَلَيهِما السَّلَامُ)، ثقة، ثقة، روي عنه بعنوان هشام بن سالم (663) رواية. المفيد: ص 654.
3- في البحار : حسن بن علي الحلال (بالحاء المهملة) وعلى أيّ حال لم أعثر على ترجمته.
4- الإختصاص المنسوب للمفيد: ص 219؛ وعنه بحار الأنوار : ج 96 ص 147 ح 24؛ جامع الاحادیث : ج 8 ص 394 ح 11.
5- هو عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن حنبل أبو عبدالرحمن البغدادي ولد سنة (213 ه) وتوفّي سنة (290 ه)، نَبُل بأبيه وله في نفسه محلّ من العلم، فأحيي علم أبيه من مسنده الّذي قرأه عليه أبوه قبل أن يقرأه على غيره. تهذيب الكمال : ج14 ص 285 رقم 3157.
6- هو إبراهيم بن الحجّاج بن زید السامي - بالسين المهملة - أبو إسحاق البصري، ترجمه المزّي في التهذيب : ج 2 ص 69 رقم 161 وقال : مات بالبصرة سنة (233 ه) وذكره ابن حِبّان في كتاب الثقات وقال : مات سنة (231 ه).

رفاعة(1)، عن الحسين بن علي رضي اللّه عنه قال : جاء رجل إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : إنّي جبان، وإنّي ضعيف، قال : هلّم إلى جهاد لا شوكة فيه الحجّ.(2)

فضل الطواف

{15}

[652] حدّثنا أبو الطرماح قال : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) يقول : كنّا مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الطواف فأصابتنا السماء فالتفت إلينا فقال : استأنفوا العمل فقد غُفر لكم ما مضى.(3)

لماذا الطواف سبعة ؟

{16}

[653] عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : قلت لأبي : لِمَ صار الطواف سبعة أشواط ؟ قال : لأنّ اللّه تبارك وتعالى قال للملائكة : «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فرّدوا على اللّه تبارك وتعالى و «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ»قال اللّه : «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(4)وكان لا يحجبُهم عن نوره، فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام، فلاذوا بالعرش سبعة آلاف سنة ،

ص: 158


1- هو عَباية بن رِفاعة بن رافع بن خَديج الأنصاري المدني، وثّقه ابن معين والنسائي ، وقال ابن حجر في التقريب : ج 1 ص 400: ثقة.
2- المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ص 135 ح 2910.
3- کنز العمّال : ج 5 ص 171 ح 12498: عن أبي العطّاف طارق بن مطر بن طارق الطائي الحمّصي، حدّثني أبي، حدّثنا صمصامة وضنينة ابنا الطرماح قالا: حدّثنا أبو الطرماح قال :... . وعنه كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 704 ح 793.
4- سورة البقرة، الآية 30.

فرحمهم وتاب عليهم، وجعل لهم البيت المعمور الّذي في السماء الرابعة فجعله مثاباً وأمناً، ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور فجعله مثابةً للناس وأمناً، فصار الطواف سبعة أشواط واجباً على العباد لكلّ ألف سنة شوطاً واحداً.(1)

وظيفة النساء

{17}

[654] في المصنّف : حدّثنا أبوبكر(2) قال : حدّثنا وكيع(3)، عن سفيان(4)، عن أبي إسحاق(5)، عن يزيد بن هاني، عن حسين بن علي قال : تقضي الحائض المناسك كلّها، إلّا الطواف بالبيت ،(6)

مقام إبراهيم

{18}

[655] عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عَلَيهِ السَّلَامُ): قد أدركت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟

ص: 159


1- بحار الأنوار: ج 11 ص 110 ح 25 ولم ترد فيه: قلت لأبي؛ علل الشرائع : ص 406 ح1 ؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 704 ح791.
2- هو أبو بكر عبداللّه بن محمّد بن أبي شيبة صاحب کتاب المصنّف، الّذي نقلنا الحديث عنه ، توفّي سنة (235 ه).
3- هو وکیع بن الجرّاح بن مليح الرواسي الكوفي، ولد سنة (128) ومات سنة (196 ه). تهذيب الكمال : ج 30 ص 462.
4- هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي، ولد سنة (107) وتوفّي سنة (198). التهذيب : ج 1 ص 196.
5- هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبداللّه الحافظ الكوفي، توفّي سنة (127).
6- المصنّف : ج 3 ص 284 ح14366.

قال : نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج يقول : قد ذهب به السيل ويخرج منه الخارج فيقول : هو مكانه قال : فقال لي : يا فلان ماصنع هؤلاء؟ فقلت : أصلحك اللّه يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام، فقال : ناد أن اللّه تعالى قد جعله علماً لم یکن ليذهب به فاستقرّوا وكان موضع المقام الّذي وضعه إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند جدار البيت فلم يزل هناك حتّى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الّذي هو فيه اليوم، فلمّا فتح النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )مكّة ردّه إلى الموضع الّذي وضعه إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم يزل هناك إلى أن ولى عمر بن الخطّاب فسأل النا من منكم يعرف المكان الّذي كان فيه المقام؟ فقال رجل : أنا قد كنت أخذت مقداره بِنسع(1) فهو عندي فقال : ائتني به فأتاه به فقاسه ثمّ ردّه إلى ذلك المكان.(2)

الإحرام للحج

{19}

[656] روى الشيخ عن يونس بن يعقوب قال : سألت أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : احرم يوم التروية؟ فقال : من أيّ المسجد شئت، وأفضل المسجد تحتَ الميزاب و مقامُ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ).(3)

ص: 160


1- النِسع (بكسر النون وسكون السين المهملة) : سير أو حبل عريض طويل تشدّ به الرحال.
2- الكافي: ج 4 ص 223 ح 2: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير ، عن زرارة قال :... .
3- منتهى المطلب : ج 2 ص 113، وعنه كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 702 ح 785.

مقام الركن اليماني

{20}

[657] في بعض نسخ الرضوي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عن أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّه قال : الركن اليماني باب من أبواب الجنّة، لم يمنعه منذ فتحه، وأنّ ما بين هذي الركنين - الأسود و اليماني - ملك يدعى هجير ، يؤمَّن على دعاء المؤمنين.(1)

يا أعرابی سل هذا الغلام

{21}

[658] روى المجلسي عن أبي سلمة، قال : حججتُ مع عمر بن الخطّاب ، فلمّا صرنا بالأبطح فإذا بأعرابيّ قد أقبل علينا فقال : يا أمير المؤمنین إنّي خرجت وأنا حاجّ محرم فأصبت بيض النعام، فاجتنبت وشربت و أكلت فما يجب عليّ؟

قال : مايحضرني في ذلك شيء، فاجلس لعلّ اللّه يفرّج عنك ببعض أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فإذا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أقبل والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتلوه.

فقال عمر: يا أعرابي هذا عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدونك و مسألتك، فقام الأعرابي وسأله ، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أعرابي سل هذا الغلام عندك، يعني الحسين.

فقال الأعرابي : إنّما يحيلني كلّ واحد منكم على الآخر! فأشار الناس إليه ويحك هذا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فاسأله ، فقال الأعرابي : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إنّي خرجت من بيتي حاجّاً محرماً، قصّ عليه القصّة.

ص: 161


1- مستدرك الوسائل : ج 9 ص 391 ح 11151؛ بحار الأنوار : ج 99 ص 354 ح 11 وعنهما كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 704 ح 792 و فيه: لم نعثر عليه في الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألك إبل؟

قال : نعم.

قال : خذ بعدد البيض الّذي أصبت نوقاً فاضربها بالفحولة فما فصلت فاهدها إلى بيت اللّه الحرام.

قال عمر : يا حسين النوق يزلقن.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا عمر إنّ البيض يمرقن.

فقال : صدقت َوبررتَ، فقام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وضمّه إلى صدره وقال : «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(1). (2)

اشتكي رأسي

{22}

[659] عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه سُئل عن رجل أُحصر فبعث بالهدي؟ قال : يواعد أصحابه میعاداً إن كان في الحجّ، فمحل الهدي يوم النحر، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكّة، والساعة الّتي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصّر وأحلّ، وإن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم، فأراد الرجوع إلى أهله رجع، ونحر بدنة، فإن كان في حجّ فعليه الحجّ من قابل، أو في عمرة فعليه العمرة، فإنّ الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) خرج معتمراً فمرض في الطريق، فبلغ ذلك عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في المدينة فخرج في طلبه فأدركه في السُقْيا، وهو مريض، فقال : يا بنيّ ما تشتكي؟ فقال : أشتكي رأسي، فدعا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا ببدنة فنحرها و حلق

ص: 162


1- سورة آل عمران، الآية 34.
2- بحار الأنوار : ج 44 ص 197 ح 12 والعوالم الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ص 60 ح2. ولكن أورده النوري في المستدرك : ج 1 ص 266 بالتفصيل عن الإمام المجتبى (عَلَيهِ السَّلَامُ) واللّه تعالى هو العالم.

رأسه وردّه إلى المدينة، فلمّا بريء من وجعه اعتمر ، قيل له : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، أرأيت حین بريء من وجعه أيحلّ له النساء؟ قال : لاتحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت والصفا والمروة، قيل له: فما بالُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين رجع من الحديبيّة حلّ له النساء، ولم يطف بالبيت؟ قال : ليسا سواء، كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مصدوداً والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) محصوراً.(1)

كان في كتاب علي

{23}

{660] عن عبدالرحمن بن أبي عبداللّه قال : سألت أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن المحرم يموت كيف يُصنع به؟ قال : «إنّ عبدالرحمن بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) مات بالأبواء مع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو محرم، ومع الحسين عبداللّه بن العباس وعبداللّه بن جعفر ، وصنع به كما يصنع بالميت، وغطّى وجهه ولم يمسه طيباً قال: «وذلك كان في کتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)».(2)

ص: 163


1- وأمّا الإحصار فهو المرض، وفيه قال اللّه (تعالی): «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» (سورة البقرة، الآية 199). دعائم الإسلام : ج 1 ص 335 في ذكر الصدّ والإحصار. الكافي: ج 4 ص 369 - 370 ح 3 «باب المحصور والمصدود وما عليهما من الكفّارة» ؛ عوالم العلوم والمعارف والأحوال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 71 ح 5 «باب 9 سيره وبعض أحواله (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أبواب مکارم أخلاقه و محاسن أوصافه وسيرته في كتاب الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) » بهذا الإسناد : علي عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل جميعاً، عن ابن أبي عمير وصفوان، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الخبر.
2- التهذيب : ج1 ص 329 ح 963: سعد بن عبداللّه، عن العباس، عن حماد بن عیسی و عبداللّه ابن المغيرة، عن ابن سنان،...؛ وسائل الشيعة ج 2 ص 697 ح 1 و 3 وعنهما كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ص 703 ح 788.

إستلام الركنين

{24}

[661] قال محي الدين ابن شرف النووي الركنان الشاميان وهما اللذان يليان الحجر فلا يقبلان و لا يستلمان عندنا وبه قال جمهور العلماء وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد، قال القاضي عياض هو إجماع أئمّة الأمصار والفقهاء قال : وإنّما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين وانقرض الخلاف وأجمعوا على أنّهما لا يستلمان وممّن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين إبنا على (عَلَيهِم السَّلَامُ) وابن الزبير وجابر بن عبداللّه و أنس بن مالك و عروة بن الزبير وأبو الشعثاء.(1)

طوافين و سعيين

{25}

[662] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : إذا قرنت بين الحجّ والعمرة فطُف طوافين واسعَ سعيَين.(2)

صوم رجب وشعبان

{26}

[663] عن الحسين بن علي رضي اللّه عنه قال : صوم رجب وشعبان توبة من اللّه عزّوجلّ.(3)

ص: 164


1- المجموع : ج 8 ص 58، وعنه كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ص 703 ح 790.
2- المحلى : ج 7 ص 175 وعنه كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ص 705 - 709 ح 797.
3- ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 174. ورواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم: العلامة أبو الحسن أسلم بن سهل بن أسلم بن زياد بن حبیب الرزاز الواسطي المشتهر ببحشل في «تاريخ واسط» (ص 196 ط عالم الكتب - بیروت) قال : حدّثنا أسلم، قال : ثنا محمّد بن عبداللّه بن سعيد، قال : ثنا أبي، عن الحسن بن عمارة ، عن زياد الحارثي، عن الحسين بن علي رضي اللّه عنه، قال :... .

شيء لست أملکه

{27}

[664] وعن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه أخذ رجلاً من بني أسد في حدّ وجب عليه ليقيمه عليه، فذهب بنو أسد إلى الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) يستشفعون به، فأبى عليهم، فانطلقوا إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسألوه ، فقال : لا تسألوني شيئاً أملكه إلّا أعطيتُكموه ، فخرجوا مسرورين. فمرّوا بالحسين فأخبروه بما قال، فقال : إن كان لكم بصاحبكم حاجة فانصرفوا فلعلّ أمره قد قضى. فانصرفوا إليه، فوجدوه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أقام عليه الحدّ. قالوا: ألم تعدنا يا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ قال : لقد وعدتكم بما أملکه ، وهذا شيء لله، لستُ أملکه.(1)

رجل منع شهوته

{28}

[665] عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهم قال : أُدخل على أُختي سكينة بنت علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) خادم فغطّت رأسها منه فقيل لها: إنه خادم، فقالت : هو رجل منع شهوته.(2)

ص: 165


1- دعائم الإسلام : ج 2 ص 443 ح 1547.
2- أمالي الطوسي : ص 366 - 367 ح 31 «مجلس 13» الحسن بن محمّد الطوسي، عن أبيه، عن الحفّار، عن إسماعيل بن علي، عن عليّ بن عليّ أخي دعبل؛ بحار الأنوار: ج 101 ص 45 ح 7 «باب 36 حكم الإماء والعبيد والخصيان و أهل الذمّة وأشباههنّ في النظر وحكم النظر إلى الغلام وما يحلّ من النظر لمن يريد شراء الجارية وفيه ذمّ الخصي في كتاب العقود والإيقاعات» بإسناد أخي دعبل، عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه : الخبر. وسائل الشيعة : ج 14 ص 167 ح 7. وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 714.

اجتنبوا الغشيان ليلة السفر

{29}

[666] عن الباقر محمّد بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال : قال الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) لأصحابه : اجتنبوا الغشيان في الليلة الّتي تريدون فيها السفر، فإن ّمن فعل ذلك ثمّ رزق ولداً كان أحولاً.(1)

سهم المولود

{30}

[997] عن بشر بن غالب قال : سئل الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : متى يجب سهم المولود؟ قال: إذا استهل. قيل : فعلی من فداء الأسير؟ قال : على الأرض الّتي يقاتل عنها.(2)

ص: 166


1- طبّ الأئمّة: ص 132 «في الجماع ليلة السفر» ؛ بحار الأنوار : ج 100 ص 292 - 293 ح 39 «باب 8 آداب الجماع وفضله والنهي عن امتناع كلّ من الزوجين منه ومايحلّ من الانتفاعات والحدّ الّذي يجوز فيه الجماع و سایر أحكامه، في كتاب العقود والإيقاعات » وفيه : عن الباقر بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال : الخبر. وسائل الشيعة : ج 14 ص 189 ح 3. وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 715 ح 819.
2- رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفّي سنة 224 في «الأموال» ص 249 طبع دار الكتب العلمية - بيروت قال : وحدّثنا عبدالرحمن، عن سفيان، عن عبداللّه بن شريك ،... ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 177.

حلة بخمس حلل

[668] عن المعلّی بن خنیس عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أُتي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

بحلل فيها حلّة جيّدة، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أعطني هذه فأبى. قال : أُعطيك مکانها حلّتين فأبى وقال : هي خير من ذلك، فقال : أُعطيك مكانهما ثلاث حُلَل، قال : هي خير من ذلك، فقال : أربعاً، حتّى بلغ خمساً فأعطاه إيّاها، ثمّ قال : أمّا انّك تلبسها فيقال : ابن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ تلبسها فتوسخ فتفسدها ، وأكسو بهذه الخَمس خمسةً من المسلمين.(1)

بيع أم ولد

{32}

[669] جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم صلوات اللّه أنّه قال : إنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) باع أُمّ ولد في الدين وكان سيّدُها إشتراها بنسيئة فمات ولم يُقبَض ثمنُها.(2)

ص: 167


1- مکارم الاخلاق: ص 109؛ وفي التهذيب ج 7 ص 119 ح520 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص 280 ح 11 مثلها مع تفاوت يسير.
2- مستدرك الوسائل : ج13 ص 377 ح 15649: الجعفريات ، عبداللّه بن محمّد، عن أبيه ، عن موسى بن إسماعيل، عن أبيه، عن جدّه ،.... وعنه موسوعة كلمات الإمام ص 717ح 824 وفيه: لم نعثر عليه في الجعفريات.

وجوه الجهاد

(33}

[670] سئل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الجهاد سنّة أو فريضة؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الجهاد على أربعة أوجه: فجهادان فرض، وجهاد سنّة لا يقام إلّا مع فرض، وجهاد سنّة :

فأمّا أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه عن معاصي اللّه، وهو من أعظم الجهاد ومجاهدة الّذين يلونکم من الكفّار فرض.

وأمّا الجهاد الّذي هو سنّة لا يقام إلّا مع فرض، فإنّ مجاهدة العدوّ فرض على جميع الأُمّة، لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب ، وهذا هو من عذاب الأُمّة وهو سنّة على الإمام، وحدّه أن يأتي العدو مع الأُمّة فيجاهدهم.

وأمّا الجهاد الّذي هو سنّة فكلّ سنّة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها، فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال ؛ لأنّها إحياء سنّة ، وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أُجورهم شيئاً.(1)

فكاك الأسير

{34}

[671] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال : فكاك الأسير المسلم على أهل الأرض الّتي قاتل عليها.

قال : فإذا آمن أحد من المسلمين أحداً من المشر کین ، لم يجب أن تخفر ذمّتهم، وتعرض عليهم شرائط الإسلام، فإن قبلوا أن يسلّموا أو يكونوا ذمّة.

ص: 168


1- تحف العقول : ص 173؛ الخصال : ج 1 ص 240؛ بحار الأنوار : ج 100 ص 23ح 5 وفي المصدرين الأخيرين : عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)؛ موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ح 806.

وإلّا ردّوا إلى مأمنهم وقوتلوا، وإن قتل أحد منهم دون ذلك، فعلى من قتله ما قال اللّه عزّوجلّ : «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ»(1)روينا ذلك عن رسول اللّه(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)

واركض برجلك

{35}

[672] عن عقبة مولى اذلم بن ناعمة الحضرمي، أنه دفع مع الحسين بن علي من جمع، فلم يزد على السير، فما أتى وادي محسرّ قال : ارجز بصوتك واركض برجلك، واضرب بسوطك، ودفع في الوادي، حتّى استوت به الأرض، وخرج من الوادي.(3)

في تقصير القميص

{36}

[673] عن ليث حدّثني الخيّاط الّذي قطع الحسين بن علي (رضي اللّه عنه) قمیصاً قال : قلت : أجعله على ظهر القدم؟

قال : لا.

قلت : فأجعله أسفل من الكعبين؟

فقال : ما أسفلُ من الكعبين في النار.(4)

ص: 169


1- سورة النساء : الآية 92.
2- دعائم الإسلام : ج 1 ص 377 و عنه مستدرك الوسائل کتاب الجهاد، ح12622.
3- ملحقات إحقاق الحق، ج 27 ص 202.
4- المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ص100 ح 2793: قال الطبراني : حدّثنا محمّد بن عبداللّه الحضرمي، ثنا محمّد بن عبداللّه بن نمير ، ثنا حفص بن غیاث، ثنا ليث قال : حدّثني الخياط الّذي قطع الحسين... .

ص: 170

الطب

اشارة

ص: 171

لا يلومن امرؤ إلّا نفسه

{1}

[674] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ألا لا يلومن أمرؤ إلّا نفسه من يبيت وفي يده ریح غمر.(1)

السواك

{2}

[675] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): أفواهكم طرق من طرق ربّکم فنظّفوها بالسواك.(2)

الشفاء في شيئين

{3}

[676] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إن تكن في شيء شفاء ففي شرطة حجام أو

ص: 172


1- سنن ابن ماجة القزويني : ج 2 ص 1096 ح 3296 ط بيروت : قال الترمذي : حدّثنا جبارة بن المغلس، ثنا عبيد بن وسيم الجمال ، ثنى الحسن ابن الحسن عن أُمّه فاطمة بنت الحسين، عن الحسين بن علي، عن أُمّه فاطمة ابنة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قالت : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :... . وفي «الذرية الطاهرة»: ص 138 : ألا لا يلومنّ إلّا نفسه من بات وفي يده غمر. والغمر بالتحريك : الدسم والزحومة من اللحم کالوضر من السمن.
2- أخبرنا أبو الحسن، أحمد بن محمّد بن هارون الزوزني بها، قال : أخبرنا أبو بكر ، محمّد بن عبداللّه بن محمّد حفدة العباس بن حمزة النيشابوري، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة قال : حدّثنا أبو القاسم، عبداللّه بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة قال : حدّثني أبي سنة ستين ومائتين قال : حدّثني علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال: حدّثني أبي الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر.

شربة عسل.(1)

الإكتحال وتراً

{4}

[677] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): اكتحِل وتراً، يُضيء لك بصرك.(2)

كراهة الاشتراك في أكل الرُمّان

{5}

[678] إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )كان إذا أكل الرُمّان لم يشرك أحداً فيها ويقول : في كلّ رُمّانة حبّة من حبّات الجنّة.(3)

ص: 173


1- عيون الأخبار : ج 2 ص 34 ح 83 بإسناده عن أبي الحسن محمّد بن علي بن الشاه الفقيه المروزي قال: أخبرنا أبو بكر، محمّد بن عبداللّه بن محمّد حفدة العباس بن حمزة النيشابوري، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة قال : حدّثنا أبو القاسم، عبداللّه بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة قال : حدّثني أبي سنة ستيّن ومائتين قال : حدّثني عليّ بن موسی الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر. وأخرجه الزمخشري في ربيع الأبرار : ج4 ص 128.
2- دعائم الإسلام : ج 2 ص 126 ح591 «الفصل 3» ؛ مستدرك الوسائل : ج 1 ص397 ح 3 «باب 31 من أبواب آداب الحمّام في كتاب الطهارة»، عن الدعائم.
3- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج 2 ص 43 ح 151 «في خاصية دهن البنفسج والغبيراء»؛ بحار الأنوار: ج63 ص 154 ح 1 «باب 87 فضل الرُمّان وأنواعه» وفيه : الرُمّان؛ مستدرك الوسائل : ج16 ص314 ح «باب 87 استحباب الإنفراد في أكل الرمّانة و كراهة الاشتراك في أكل الرمّانة الواحدة. واستحباب الاشتراك فيما سواها من أبواب آداب المائدة في کتاب الأطعمة والأشربة» وفيه : يشركه أحد فيه. وفيه : عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو عبداللّه الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ عبد اللّه بن عبّاس كان يقول : الحبر.

العسل والشونيز

{6}

[679] إنّ رجلاً شك إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجعاً في جوفه ، فقال :

خذ شربة عسل وألق فيها ثلاث حبّات شونیز، أو خمساً أو سبعاً، واشربه تبرأ بإذن اللّه، ففعل ذلك الرجل فبريء، فخذ أنت ذلك.(1)

أطيب آنيتكم

{7}

[680] إن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مرّ على رجل وهو يكرع الماء بفمه فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : تكرع ککرع البهيمة اشرب بيدَيك فإنّهما من أطيب آنيتكم.(2)

ص: 174


1- بحار الأنوار : ج 59 ص 72 - 73 ح 28 «الباب 50 أنّه لم سمّي الطبيب طبيباً وما ورد في عمل الطب والرجوع إلى الطبيب من كتاب السماء والعالم». وفيه : قد روينا عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه حضر يوماً عند محمّد بن خالد أمير المدينة ، فشکی محمّد إليه وجعاً يجدّه في جوفه ، فقال : حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) : الخبر. وفي ذيله : فاعترض عليه رجل من أهل المدينة كان حاضراً فقال : يا أبا عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد بلغنا هذا وفعلناه فلم ينفعنا، فغضب أبو عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : إنّما ينفع اللّه بهذا أهل الإيمان به والتصديق لرسوله، ولا ينتفع به أهل النفاق ومن أخذه على غير تصدیق منه للرسول، فأطرق الرجل.
2- الجعفريّات لأبي علي الكوفي : ص 162 : أخبرنا محمّد حدّثني موسى قال : حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين ، عن أبيه علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) : إنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مر على رجل... .

إذا أكلتم الثريد

{8}

[681] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): إذا أكلتم الثريد فكلوه من جوانبه، فإنّ الذروة فيها البركة.(1)

ساعة من الجمعة

{9}

[682] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ في يوم الجمعة الساعة لا يحتجم فيها أحد إلّا مات.(2)

في العسل بركة

{10}

[683] أبو أحمد الغازي داود بن سليمان بن يوسف، روى عن عليّ بن

ص: 175


1- عيون الأخبار : ج 2 ص 34 ح 71 بإسناده عن أبي الحسن محمّد بن علي بن الشاه فقیه المروزي بن محمّد حفدة العباس بن حمزة النيشابوري، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة قال : حدّثنا أبو القاسم عبداللّه بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة قال : حدّثني أبي سنة ستّين ومائتين قال : حدّثني علي بن موسی الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة أربع وتسعين ومائة قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر.
2- رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم الحافظ الشيخ أبو الفضل جلال الدين السيوطي القاهري المصري الشافعي المتوفّى سنة 911 في «اللمعة في خصائص الجمعة» (ص 115 ط بيروت سنة 1406) قال : أخرج أبو يعلى ، عن الحسين بن علي قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):... . ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 181 عن اللمعة. ورواه المجلس في بحار الأنوار : ج59 ص135 باب 54 من السماء والعالم.

موسى الرضا، عن آبائه الطاهرين، عن الحسين بن علي، عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : جعلت البركة في العسل وفيه شفاء من الأوجاع وقد بارك عليه سبعون نبيّاً.(1)

وصايا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{11}

[684] وعن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا بني ! نَم على قَفاك ، يخمص بطنُك، واشرب الماء مصّاً، يُمرءك أكلُك، واكتحل وتراً، يُضيءُ لك بصرك، وادّهِن غِبّاً، تتشبّه بسنّة نبيّك، واستجد النعال، فإنّها خلاخيلُ الرجال، والعمائمَ فإنّها تيجانُ العرب، وإذا طبختَ قدراً فأكثر مرقها ، وإن لم يصب جيرانك من لحمها، أصابوا من مرقها، لأنّ المرق أحد اللحمين ، وتختّم بالياقوت والعقيق، فإنّه میمونٌ مبارك، فكلّما نظر الرجل فيه إلى وجهه یزید نوراً، والصلاة فيه سبعون صلاة، وتختّم في يمينك فإنّها من سنّتي وسُننَ المرسلين، ومَن رغب عن سنّتي فليس منّي، ولاتختّم في الشمال ولا بغير الياقوت والعقيق.(2)

فضل الهليلج

{12}

[685] المسیبّ بن واضح - وكان يخدم العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) - عن أبيه، عن جدّه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن علي بن

ص: 176


1- مسند الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 122 ح23. وأورد الحديث العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج66 ص 94.
2- دعائم الإسلام: ج 2 ص 165 ح 591.

أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو علم الناس ما في الهلي (1) الأصفر لاشتروها بوزنها ذهباً.

وقال لرجل من أصحابه : خذ هليلجةً صفراء وسبع حبّات فلفل واسحقها وانخلها واكتحل بها.(2)

كراهة إدمان الدهن

{13}

[686 ] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ادهن غبا تشبه بسنّة نبيّك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(3)

التمر البرني شفاء

{14}

[187] قال الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : التمرُ البرني فيه شفاءٌ من سبعين داء.(4)

ص: 177


1- قال ابن بیطار نقلاً عن البصري : الهليلج على أربعة أصناف : فصنف أصفر، وصنف أسود هنديّ صغار، وصنف أسود کابليّ كبار، وصنف حشف دقاق يعرف بالصيني. وقال الرازي : الأصفر منه يسهل الصفراء، والأسود الهنديّ يسهل السوداء، فأمّا الّذي فيه عفوصة فلا يصلح للإسهال بل يدفع المعدة ولا ينبغي أن يّتخذ للإسهال. وقال إبن سينا في القانون: الهليلج معروف، منه الأصفر الفج، ومنه الأسود الهندي وهو البالغ النضيج وهو أسخن، ومنه كابليّ، وهو أكبر الجميع، ومنه صينيّ وهو دقيق خفيف، وأجوده الأصفر الشديد الصفرة الضارب إلى الخضرة الرزين الممتلىء الصلب ، وأجود الكابلي ماهو أسمن وأثقل يرسب في الماء وإلى الحمرة، وأجود الصيني ذو المنقار ، وقيل : إنّ الأصفر أسخن من الأسود، بحار الأنوار.
2- طبّ الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص86؛ بحار الأنوار : ج 62 ص 237 ح 1.
3- دعائم الإسلام : ج 2 ص 126 ح 591، «فصل 3 ذکر لباس الحليّ، من كتاب اللباس والطب » ؛ مستدرك الوسائل : ج 1 ص 428ح 2 «باب 70 كراهة إدمان الرجل الدهن وإكثاره».
4- فردوس الأخبار : ج 2 ص 127 ح 2262.

أكل السفرجلة

{15}

[688] دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوماً وفي يده سفرجلة، فجعل يأكل ويطعمني ويقول : كل يا علي، فإنّها هديّة الجبّار إليّ وإليك ، قال : فوجدت فيها كلّ لذة، فقال : يا عليّ من أكل السفرجلة ثلاثة أيّام على الريق، صفا ذهنه، وامتلاء جوفاً حلماً وعلماً، ووقي من كيد إبليس وجنوده.(1)

أكل الغبيراء للمحموم

{16}

[689] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو محموم فأمره بأكل الغبيراء.(2)

في الشرب قائماً

{17}

[690] عن بشير بن غالب، عن حسين بن علي قال : رأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

ص: 178


1- عیون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج 2 ص 73 : قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي، قال : حدّثنا علي بن محمّد بن عيينة ، قال : حدّثنا دارم بن قبيصة قال : حدّثني علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )... . وعنه مسند الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج 2 ص 346 ح88.
2- عیون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج 2 ص43 ح 152 «خاصية دهن البنفسج والغبيراء» : صحيفة الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 252 ح1705؛ بحار الأنوار: ج 63 ص 188 ح 1 «باب 12 الغبيراء من کتاب السماء والعالم».

يشرب قائماً.(1)

تذكية القرع

{18}

[691] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : سمعت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسئل عن القرع(2) ايُذبح؟ فقال: ليس شيء يذکّا، فكلوا القرع ولا تذبحوه، ولا يستفزّنّكم(3) الشيطان.(4)

ص: 179


1- رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة في «بغية الطلب في تاريخ حلب » (ج 6 ص 2572 ط دمشق) قال : أخبرنا عمر بن طبرزد، قال: أخبرنا أبو القاسم بن الحسين، قال : أخبرنا أبو طالب بن غيلان، قال: أخبرنا أبو بكر الشافعي، قال : حدّثنا يونس بن بکیر بن زیاد بن المنذر ، عن بشیر بن غالب، عن حسين بن علي قال :... . ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 196. وأورده الطبراني في معجمه الكبير : ج 3 ص 133 ح 2904. وفيه : رأيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يشرب وهو قائم.
2- القرع : حمل اليقطن. لسان العرب : ج11 ص 124 «قرع».
3- استفزّه: استخفه وأفزعه. مجمع البحرین : ص 398 «فزز».
4- أمالي الطوسي: ج1 ص 372؛ بحار الأنوار: ج66 ص 226 ح 5. توضیح: نقل ابن شهرآشوب في المناقب : أنّ معاوية لمّاعزم على مخالفة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أراد أن يختبر أهل الشام، فأشار إليه ابن العاص أن يأمرهم بذبح القرع وتذكيته، فإن أطاعوه صاحَبَهم، وإلّا فلا فأمرهم بذلك فأطاعوه، وصارت بدعة أمويّة.

جواز اکتحال المعتدة

{19}

[692] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : قالت أسماء بنت عمیس : لمّا جاء نعي جعفر بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) نظر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى ما بعيني من أثر البكاء ، فخاف على بصري أن يذهب ، ونظر إلى ذراعيّ قد تشقّقتا فعزّاني عن جعفر ، وقال : عزمت عليك يا أسماء إلا اكتحلت و صفَّرت ذراعيك.(1)

فضل البنفسج

{20}

[693] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فضل البنفسج على سائر الأدهان، كفضل الإسلام على سائر الأديان.(2)

الشرب والأكل والخلال

{21}

[694] روى الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : حدّثني

ص: 180


1- دعائم الإسلام : ج 2 ص212 ح 779. وعنه موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص716 ح 821.
2- صحيفة الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 251 ح 171؛ مستدرك الوسائل : ج 1 ص 429 ح «باب 71 استحباب الادهان بدهن البنفسج من أبواب آداب الحمّام في كتاب الطهارة» بهذا الإسناد : بإسناده ، عن الرضا، عن أبيه ، قال : قال جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دعاني أبي بدهن فأدهن وقال لي: ادهن. فقلت : أدهنت ، قال : أته البنفسج، قلت : وما فضل البنفسج؟ قال : حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه الحسين ، عن أبيه علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر.

أبي الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يأمرنا إذا تخلّلنا أن لا نشرب الماء حتّى تمضمض ثلاثاً.(1)

وفي مسند زيد بإسناده قال : حدّثني أبي الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يأمرنا إذا أكلنا أن لا نشرب الماء حتّى نتمضمض ثلاثاً.(2)

کلوا التمر على الريق

{22}

[695] قال رسول اللّه : كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الديدان في البطن.(3)

ص: 181


1- صحيفة الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): ص 271 ح 4؛ مکارم الأخلاق : ص157؛ بحار الأنوار : ج66 ص 438 ح 5.
2- مسند زيد: ص 482.
3- صحيفة الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 51 - 52 ح49 بهذا الإسناد : أخبرنا أمين الدين أبو علي الفضل الطبرسي سنة (529) قال: أخبرنا أبو الفتح عبیداللّه بن عبدالكريم القشيري سنة (501)، حدّثني أبو الحسن علي بن محمّد بن علي الحاتمي الزوزني قراءة عليه سنة (652) قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن هارون الزوزني بها قال: أخبرنا أبو بكر ، محمّد بن عبداللّه بن محمّد حفدة العباس بن حمزة النيشابوري، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة قال : حدّثنا أبو القاسم عبداللّه بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة قال : حدّثني أبي سنة ستين ومائتين قل : حدّثني علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر.

أكل الرمّان

{23}

[696] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): كلوا الرمّان فليست فيه حبّة تقع في المعدة إلّا أنارت القلب وأخرست الشيطان أربعين يوماً.(1)

أكل الكرفس

{24}

[697] قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أشياء وصاه بها: كل الكرفس، فإنّها يقلة إلياس ويوشع بن نون (عَلَيهِما السَّلَامُ).(2)

ص: 182


1- صحيفة الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): ص 53 ح56 بهذا الإسناد : أخبرنا أمين الدين أبو علي الطبرسي، عن أبي الفتح عبيداللّه القشيري، عن محمّد بن علي الحاتمي الزوزني سنة (452) قال: أخبرنا أبو الحسن، أحمد بن محمّد بن هارون الزوزني بها قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبداللّه بن محمّد حفدة العباس بن حمزة النيشابوري، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة قال : حدّثنا أبو القاسم عبداللّه بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة قال : حدّثني أبي سنة ستّين ومائتين قال : حدّثني علي بن موسی الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة أربع وتسعون ومائة قال: حدّثني أبي موسی بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر.
2- مکارم الاخلاق : ص 180 فصل 11 «في الكرفس»؛ مستدرك الوسائل : ج 16 ص 420 ح2 «باب 86 الكرفس من أبواب الأطعمة المباحة في كتاب الأطعمة والأشربة» وفيه : عن الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر.

من فوائد اليقطين

{25}

[698] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : كلوا اليقطين، فلو علم اللّه أنّ شجرة أخفّ من هذه لأنبتها على أخي يونس (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، إذا اتّخذ أحدكم مرقاً فليكثر فيه من الدباء، فإنّه يزيد في الدماغ وفي العقل.(1)

الكمأة والعجوة

{26}

[699] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الكمأة من المنّ، والمنّ من الجنّة، وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنّة، وفيها شفاء من السم.(2)

في الفالوذج

{27}

[700] رُوي أن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)رأى رجلاً يعيب الفالوذج(3) ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لعاب البرّ بلعاب النحل بخالص السمن، ماعاب هذا مسلم.(4)

ص: 183


1- مکارم الاخلاق : ص 177 وفيه : عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)قال : الخبر.
2- طبّ الأئمّة : ص 82 «في الكمأة والمنّ والعجوة»؛ بحار الأنوار : ج59، ص208 ح3 «باب 74 علاج السموم ولدغ المؤذيات، من كتاب السماء والعالم» بهذا الإسناد : عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن ابن ظبيان، عن جابر الجعفي، عن الباقر، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهمِ السَّلَامُ) قال : الخبر.
3- الفالوذج : طعام يعمل من السمن والعسل. انظر مجمع البحرین : ص426 ؛ «فلج».
4- مكارم الأخلاق : ص 175. وعنه موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 724 ح 837.

هلم إلى الغداء

{28}

[701] دخلت على محمّد بن علي بن حسين وعنده ابنه ، فقال : هلمّ إلى الغداء.

فقتل : قد تغدّیت یابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

فقال لي: إنّه هندباء.

قلت : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وما في الهندباء؟

قال : حدّثني أبي، عن جدّي أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : ما من ورقة من ورق الهندباء إلّا وعليها قطرة من ماء اللّه، قال : إنّه بنفسج.

قلت : وما البنفسج؟

قال : حدّثني أبي، عن جدّي قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ فضلَ البنفسج على سائر الأدهان کفضل وُلد عبدالمطّلب على سائر قریش.(1)

إشرب الماء قائماً

{29}

[702] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا علي إشرب الماء قائماً فإنه أقوى لك وأصحّ.(2)

ص: 184


1- المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ص 130 ح 2892: قال الطبراني : حدّثنا أحمد بن داود المكي، ثنا حفص بن عمر المازني، ثنا أرطاة بن الأشعث العدوي، ثنا بشر بن عبداللّه بن عمرو بن سعيد الخثعمي قال : دخلت على محمّد بن علي بن حسین... .
2- الأشعثیّات لأبي علي الكوفي : ص 162 : أبو علي الكوفي محمّد بن محمّد بن الأشعث روى بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :... .

القرع يسرّ القلب الحزين

{30}

[703] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا طبختم الطعام فأكثروا القرع فإنّه يُسِرّ القلبَ الحزين.(1)

ص: 185


1- عيون الأخبار للشيخ الصدوق : ج 2 ص 35 ح 84 بإسناده عن أبي الحسن محمّد بن علي بن الشاه الفقيه المروزي قال: أخبرنا أبو بكر، محمّدبن عبداللّه بن محمّد حفدة العباس بن حمزة النيشابوري، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة قال : حدّثنا أبو القاسم عبداللّه بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة قال : حدّثني أبي سنة ستين ومائتين قال : حدّثني علي بن موسى الرضا سنة أربع وتسعين ومائة قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر قال حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن عليّ قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر

ص: 186

الشِعْر

اشارة

ص: 187

تبارك ذو العلا

{1}

[704]

تبارك ذو العُلا والكبرياء*** تفرّد بالجلال وبالبقاء

وسوّى الموتَ بينَ الخلق طُرّاً***وكلّهم رهائنُ للفناء

ودنيانا - وإن مِلنا إليها***وطال بها المتاع - إلى انقضاء

ألا إنّ الركون على غرور***إلى دار الفناء من الفناء

وقاطنُها سريعُ الظعن عنها***وإنْ كان الحريصَ على الثواء(1)

إذا انتصر المرء

{2}

[705]

إذا استنصر المرء امرءاً لايدّي له***فناصره والخاذلون سواء(2)

أنا ابنُ الّذي قد تعلمون مكانه***وليس على الحقّ المبين طخاء(3)

أليس رسول اللّه جدّي ووالدي***أنا البدر إن خلا النجوم خفاء (4)

ألم ينزل القرآن خلف بيوتنا***صباحاً ومن بعد الصباح مساء (5)

ص: 188


1- ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 15، عن جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه ، النوادر : ج 3 ص 9.
2- استنصر : استغاث. الناصر : المعاون على النصر. الخاذل : خذل : ترك نصرته و تخلی عن عونه.
3- طخاء: السحاب المرتفع. وما في السماء طخية؛ أي : شيء من السحاب، والطخياء : الليلة المظلمة ، يقال : ظلام طاخ.
4- خلا النجوم: ذهبت النجوم. خفاء : الستر.
5- ينازعني : يخاصمني ويجادلني. يزيد: ابن معاوية.

ينازعني واللّه بيني وبينه***يزيد وليس الأمر حيث يشاء(1)

فيانصحاء اللّه أنتم ولاته***وأنتم على أديانه أُمناء(2)

بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة***تناولها عن أهلها البُعَداء(3)

ما ورّث الرجال

{3}

[706]

خیر ماورّث الرجال بنيهم***أدب صالح وحسنُ ثناء

ذاك خير من الدنانير والأوراق***في يوم شدّة ورخاء(4)

سكان القبور

{4}

[707]

نادیت سکان القبور فأسكتوا***وأجابني عن صمتهم ندب الجثا

قالت : أتدري ماصنعت بساکني*** مزّقت لحمهم وخرّقت الکسا

ص: 189


1- نصحاء : المرشدون إلى ما فيه الصلاح.
2- کتاب : هنا بمعنى هل نزلت في القرآن الكريم. السُنّة: السيرة حميدة كانت أو ذميمة ، والطريقة، والشريعة، وأحکام اللّه في خلقه.
3- مصدر هذه الأبيات من كتاب: کشف الغمّة : ج 2 ص 245؛ بحار الأنوار : ج 75 ص 123 - 126؛ ديوان الإمام الحسين(عَلَيهِ السَّلَامُ): ص 111.
4- ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 224. رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم الفاضل المعاصر أحمد قبّش مدرس اللغة العربية في ثانويات دمشق في «مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي» (ص 10 ط دار العروبة) قال :... .

وحشوت أعينهم تراباً بعدما***كانت تأذّى باليسير من القذى

أمّا العظام فإنّني فرّقتها***حتّى تباينت المفاصل والشوا(1)

قطّعت ذا من ذا ومن هذاك ذا***فتركتها رمماً يطول بها البلا (2)(3)

دار يحبها سيد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{5}

[708] وممّا أنشده الزبير بن بكار للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زوجته الرباب بنت امریء القيس :

لعمري انّني لأُحبّ داراً***تحلّ بهاسکينة و الرباب

أُحبّهما و أُبذل جلّ مالي***وليس للائمي فيها عتاب

ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً***حياتي أو يغيّبني التراب (4)

ص: 190


1- الشوى : اليدان والرجلان والرأس من الإنسان.
2- کانوا في الجاهليّة يقصرون عند القبر بقرة أو ناقة أو شاة ويسمّون العقيبرة البليّة.
3- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر : ص 163 ح 210 بهذا الإسناد : أخبرنا أبو الفتوح الأنصاري عبدالخلّاق بن عبدالواسع بن عبدالهادي بن عبداللّه الهروي ببغداد، أنبأنا أبو عبداللّه محمّد بن علي بن محمّد بن علي بن عمير العميري أنبأنا أبو زکریّا یحیی بن عمّار بن يحيى بن عمّار الشيباني إملاءاً ، قال : سمعت أبابکر هبة اللّه بن الحسن القاضي بفارس، قال: قرأت على الحارث بن عبیداللّه، عن إسحاق بن إبراهيم، قال : بلغني أنّ الحسين بن علي أتى على مقابر الشهداء بالبقيع فطاف بها وقال : الخبر.
4- ورواه أبو هلال الحسن بن عبداللّه بن سهل العسكري المتوفّى سنة 382 في «تصحيفات المحدّثين (ص 174 ط بیروت) قال : لعمرك إنّني لأُحبّ أرضاً***تضمّنها سكينة والرباب أُحبّهما وأبذلُ بعدُ مالي***وليس للائم فيها عتاب ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 233 - 234.

هول الحشر

{6}

[709]

يُحوّلُ عن قريب من قُصور***مزخرفة إلى بيت التراب

فيُسلم فيه مهجوراً فريداً***أحاط به شجوب الإغتراب

وهول الحشر أفظعُ كلّ أمر***إذا دُعي ابنُ آدم للحساب

وألفي كل صالحة أتاها**وسيئة جَناها في الكتاب

لقد آن التزوّدُ إن عَقِلنا***وأخذُ الحظّ من باقي الشبا (1)

أعجب العجب ؟

{7}

[710]

أنا الحسين بن عليّ بن أبي***طالب البدر بأرض العرب

ألم تروا وتعلموا أنّ أبي***قاتل عمرو ومبير مرحب

ولم يزل قبل کشوف الكرب***مجلّياً ذلك عن وجه النبيّ

أليس من أعجب عجب العجب***أن يطلب الأبعد میراث النبي

واللّه قد أوصى بحفظ الأقرب (2)

ص: 191


1- ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 120 ، عن جمال الخواطر: ج 3 ص 9.
2- کشف الغمّة : ج 2 ص 248؛ بحار الأنوار : ج 75 ص 124 ح 6.

أدهن رأسي ؟

{8}

[711] لمّا وضع الحسين أخاه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في لحده قال :

أأدهُنُ رأسي أم أطيبُ محاسني***ورأسُك معفورٌ وأنت سليب

أو استمتع الدنيا بشيء أُحبّه***إلى كلّ ما أدني إليك حبیب

فلازلت أبكي ماتغنّتْ حمامة***عليك، وما هبّت صبا و جنوب

وماهملت عيني من الدمع قطرة***وما اخضرّ في دوح الحجاز قضيب

بُكائي طويل والدموع غزيرة***وأنت بعيد والمزارقریب

غريب وأطراف البيوت تحوطه***ألاكلّ من تحت التراب غریب

ولا يفرح الباقي خلاف الّذي مضى***ولكلّ فتى للموت فيه نصيب

فليس حريباً من أُصيب بماله***ولكنّ من وارئ أخاه حريب

نسيبُك مَن أمسى يُناجيك طيفه***وليس لمن تحت التراب نسيب(1)

على دين النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟

{9}

[712] حمل على الميسرة وقال :

أنا الحسين بن علي***أحمي عيالات أبي

آليتُ أن لا أنثَني***أمضي على دين النبي(2)

ص: 192


1- شرح الأخبار : ج 3 ص 132 «حاشية 1 » وفيه : قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في رثاء أخيه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ). وأورد المسعودي في مروج الذهب : ج 2 ص 715 بعض الأبيات ونسبها إلى ابن الحنفيّة.
2- مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 119 - 120 «فصل في مقتله (عَلَيهِ السَّلَامُ)».

عقبى كل شيء

{10}

[713]

فعقبى كلّ شيء نحن فيه***من الجمع الكثيف إلى شِتات

وماحزناه من حلّ وحرم***يوزّعُ في البنين وفي البنات

وفيمن لم نؤهّلهم بفلس***وقيمة حبّة قبلَ الممات

وتنسانا الأحبّة بعد عشر***وقد صرنا عظاماً بالیات

کانّا لم نُعاشِرهم بودّ***ولم يكُ فيهم خِلّ مُؤات(1)

إذا جادت الدنيا

{11}

[714] وأنشد الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

إذا جادت الدنيا عليك فجُد بها***على الناس طُرّاً قبلَ أن تَتَفلَت

فلا الجودُ يُفنيها إذا هي أقبلت***ولا البُخلُ يُبقيها إذا ما توّلت(2)

ص: 193


1- ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 123، عن جمال الخواطر : ج 3 ص 9.
2- مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 73 - 76 «في مکارم أخلاقه»: إنّ عبدالرحمان السُلمي علّم ولد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) «الحمد» فلمّا قرأها على أبيه، أعطاه ألف دينار، وألف حلّة، وحشا فاه دُرّاً، فقيل له في ذلك فقال : وأين يقع هذا من عطائه؟ - يعني تعليمه - ؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 191 ح 3 «باب 26 مکارم أخلاقه وجمل أحواله (عَلَيهِ السَّلَامُ) » ؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) «باب 4 سخاوته (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أبواب مکارم أخلاقه و محاسن أوصافه وسيرته ».

إن لم أمت أسفاً

{12}

[715]

إن لم أمت أسفاً عليك فقد***أصبحتُ مشتاقاً إلى الموت(1)

حرز التقوى

{13}

[716]

لمن يا أيّها المغرورُ تَحْوي***من المال الموقَّر والأثاث

ستمضي غيرَ محمود فريداً***ويخلو بعلُ عِرْسِك بالتُراث

ويخذلُك الوصيُّ بلا وفاء***ولا إصلاح أمر ذي التياث

لقد وفَّرْتَ وزراً مرّحيناً***يسدُّ عليك سُبل الانبعاث

فمالك غيرُ تقوى اللّه حِرزٌ***ولا وزرٌ ومالك من غیاث(2)

معالج كل الداء

{14}

[717]

تعالج بالتطيّب كلّ داء***وليس لداء ذنبك من علاج

سِوی ضَرَع إلى الرحمن محض***بنيّة خائف و يقين راج

ص: 194


1- مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 45؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 161 ح 30 «باب 22 جمل تواريخه وأحواله (عَلَيهِ السَّلَامُ)» وفيه : قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الخبر.
2- ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 124، عن جمال الخواطر : ج 3 ص 10.

وطول تهجّد بطلاب عفو***بليل مُدلَهِم الستر داج

وإظهار الندامة كلّ وقت***على ما كنتَ فيه من اعوجاج

لعلّك أن تكون غداً عظيماً***یُبلغَة فائزٍ مسرور ناج(1)

عليك بظلف نفسك

{15}

[718]

عليك بظِلف نفسك عن هواها***فماشيء ألذّ من الصلاح

تأهّب للمنيّة حين تغدو***كإنّك لا تعيش إلى الرَواح

فكم من رائح فينا صحیح***نَعَتْه نُعانُه قبلَ الصباح

وبادر بالإنابة قبلَ موت***على مافيك من عِظَم الجُناح

وليس أخو الرزانة مَن تجافي*** ولكن مَن تشمّر للفلاح(2)

المؤاخاة في اللّه

{16}

[719]

وإن صافيتَ أو خالَلتَ خِلاً***ففي الرحمن فاجعل مَن تُؤاخي

ولا تعدل بتقوى اللّه شيئاً***ودع عنك الضلالةَ والتراخي

فكيف تنالُ في الدنيا سُروراً***وأيّام الحياة إلى انسلاخ

وإن سرورَها فيما عهِدنا***مشوبٌ بالبُكاء و بالصُراخ

ص: 195


1- ديوان الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ): ص 125 - 126، عن جمال الخواطر : ج 3 ص 10.
2- ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 127 ، عن جمال الخواطر : ج3 ص10.

فقد عمِيَ ابنُ آدم لا يراها***عمى أفضى إلى صَمَم الصِماخ(1)

نذير المنية

{17}

[720] قال الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) :

أخي قد طال لُبُؤك في الفساد***وبئس الزاد زادك للمعاد(2)

صبا فيك الفؤاد فلم تزعه***وحِدتَ إلى متابعة الفؤاد(3)

وقادتك المعاصي حيث شاءت***والفتك امرءاً سلس القياد(4)

لقد نوديت للترحال فاسمع***ولاتتصاممنّ عن المنادي(5)

كفاك مشيب رأسك من نذير***وغالب لونه لون السواد(6)(7)

ص: 196


1- ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 128، عن جمال الخواطر : ج 3 ص 10. 11.
2- لبؤك : مكوثك. الفساد: نقيض الصلاح والتلف والعطب والاضطراب و الخلل ، والجدث والقحط قال تعالى في سورة الروم الآية 41 : «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»المعاد المرجع والمصير ، والحياة الآخرة يوم القيامة.
3- صبا: مال إلى اللهو، وجهلة الفتوة، وصبا إليه صبواً وصبوة : حنّ وتشوق. قال تعالى في سورة يوسف الآية 33 : «وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ». الفؤاد : العقل، الجمع أفئدة. قال تعالى في سورة الإسراء الآية 36: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا». وعند الفقهاء : القلب. (معجم المصطلحات الفقهيّة).
4- سلس: كان ليناً منقاداً.
5- الترحال : ترك المكان. تتصاممن : تبطل سمعك.
6- المشيب : الشيب ، بياض الشعر أو الشعر الأبيض نفسه.
7- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون و غرائبه النوادر : ج 3 ص 11، دیوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 131.

خالفوا قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

{18}

[721] لمّا رأى الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخاه العبّاس صريعاً توجّه إلى القوم وأنشأ يقول :

تعدّيتم یا شرّ قوم بفعلكم***و خالفتُم قولَ النبيّ محمّد

أماكان خيرُ الرسل وصّاکم بنا***أما نحن من نسل النبيّ المسدّد

أما كانت الزهراءُ أُمّي دونكم***أما كان من خير البريّة أحمد

لُعِنْتُم وأُخزيتُم بما قد جَنيتم***فسوف تلاقوا حرّ نار توقد(1)

لا ترج فعل الخير

{19}

[722]

مضى أمسك الماض شهيداً معدلا***وخلفت في يوم عليك شهید

فإن أنتَ بالأمس اقترفتَ إساءةً***فقيد بإحسان وأنت حمید

ولاتَزْجُ فعلَ الخير يوماً إلى غد***لعلّ غداً يأتي وأنت فقيد(2)

ص: 197


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 42 عن المناقب وغيره.
2- بحار الأنوار : ج 86 ص 265 تفسير (باب 2) وفيه : وينشد للحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)

عجبت لمعجب بالدنيا

{20}

[723] قال الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) :

ودنياك الّتي غرّتك منها***زخارفها تصير إلى انجذاذ(1)

تزحزح عن مهالكها بجُهد***فما أصغي إليها ذو نفاذ(2)

لقد مُزجت حلاوتُها بسُمّ***فما كالحذر منها من ملاذ(3)

عجبتُ لمُعجَب بنعیم دنیا***و مغبون بأيّام لذاذ(4)

و مؤثر المقام بأرض قفر***على بلد خصيب ذي رذاذ(5)(6)

ص: 198


1- الزخارف : الزينة. قال تعالى في سورة يونس الآية 24 : «حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا». انجذاذ: انقطاع.
2- تزحزح : تنحّى وتباعد. النفاذ: جواز الشيء عن الشيء والخلوص منه.
3- مزجت : خلطت. الملاذ: الحصن والملجأ.
4- مغبون: غبن : غلب وخدع فهو مغبون. والغبن : الظلم، والخديعة في البيع والشراء. لذاذ : من اللذّة ، صار شهيباً، فهو لذيذ وهي لذيذة. قال تعالى في سورة محمّد الآية 15: «وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ».
5- مؤثر : مفضل. القفر : الخلاء من الأرض. الخصيب : خصبت الأرض : نمانښتها و کثر عشبها. الرذاذ : المطر الضعيف، أو الساكن الدائم القطر كأنّه الغبار.
6- مصدر هذه الأبيات من كتاب: مال الخواطر في عجائب الكون و غرائبه النوارد: ج3 ص11 وعنه ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 132.

ظل يزول

[726] قال الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) :

هل الدنيا ومافيها جميعاً***سوى ظلّ يزول مع النهار(1)

تفكّر أين أصحاب السرايا***و أربابُ الصوافن والعشار(2)

و أين الأعظمون يداً وبأساً***و أين السابقون لذي الفخار(3)

و أين القرن بعد القرن منهم***من الخلفاء والشُمّ الكبار(4)

كأن لم يخلقوا أو لم يكونوا***وهل أحد يُصان مِن البوار(5)(6)

ص: 199


1- الظلّ: الفيء الحاصل من حاجز بينك وبين الشمس، والظلّ يكون غدوة، والفيء يكون بعد الزوال، الجمع: ظلال.
2- السرايا : المفرد: السرية: قطعة من الجيش. أرباب : المفرد: الربّ: أي المالك. والمصلح، والمدبر، والمنعم، والمربي، والقيم. الصوافن : الصافن من الخيل. القانم على ثلاث قوائم و طرف حافر الرابعة، قال تعالى في سورة ص الآية 31: «إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ».
3- الفخار : منالفخر، وفخر الرجل : تمدح بالخصال و تباهی بماله وما لقومه من محاسن و مکارم و مناقب.
4- القرن : مائة عام. الشُمّ: العالي والمرتفع والمتكّبر.
5- البوار : الهلاك، والكساد.
6- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 11. وديوان الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : ص 136.

الموت خير من ركوب العار

{22}

[725] أنشد الجاحظ للإمام الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)

: الموت خيرٌ من ركوب العار***والعار خيرٌ من دخول النار(1)

واللّه من هذا وهذا جاري(2)

كفاني بهذا مفخراً

{23}

[726]

أنا ابن عليّ الطهرِ من آل هاشم***كفاني بهذا مفخراً حين أفخَر

وجدّي رسولُ اللّه أكرم من مشى***ونحن سراجُ اللّه في الخلق نزهر

وفاطمُ أُمّي مِن سُلالة أحمدَ***وعمّي يُدعى ذو الجناحين جعفر

و فينا کتابُ اللّه أُنزِلَ صادقاً***وفينا الهُدى والوحي بالخير تذكر

و نحن أمان اللّه للناس كلّهم***نطول بهذا في الأنام ونجهر

ونحن حُماةُ الحوض نسقي وُلاتَنا***بكأس رسولِ اللّه مالیس ینکر

ص: 200


1- العار: كلّ ما يلزم منه سبة أو عيب ، الجمع : أعیار. جاري : منقذي. مصدر هذا البيت من : الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 187، والبيان والتبيين.
2- کشف الغمّة : ج 2 ص 242؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 68ح 2 «باب 6 شجاعته (عَلَيهِ السَّلَامُ)» وفيه : كان يرتجز يوم قتل ويقول : الخبر. نزهة الناظر وتنبيّه الخاطر : ص 88 ح 27؛ مناقب آل أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج 4 ص 117؛ أعلام الدين : ص 298؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 192 ح 4«باب 26 مکارم أخلاقه وجمل أحواله (عَلَيهِ السَّلَامُ) ». فيه : العار أولى من دخول النار.

و شیعتنا في الحشر أكرمُ شيعة***و مبغضنا يوم القيامة يخسر(1)

الاعتزاز بالدنيا

{24}

[727] قال الحسين بن على (عَلَيهِما السَّلَامُ)

أيعتزُّ الفتى بالمال زهواً***ومافيها يفوت عن اعتزاز(2)

و يطلُبُ دولة الدنيا جُنوناً***ودولتُها مخالفة المخازي(3)

ونحن وكلّ من فيها كسفر***دنا منّا الرحيل على الوفاز(4)

جهلناها كأن لم نختبرها***على طول التهاني و التعازي(5)

ولم نعلم بأن لالبث فيها*** ولا تعریج غير الاجتياز(6)(7)

ص: 201


1- الاحتجاج : ج 2 ص 26 احتجاج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أهل الكوفة بكربلاء وفيه : تقدّم الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى وقف قبالة القوم وسيفه مصلت في يده آیساً من نفسه، عازماً على الموت، وهو يقول: الخبر.
2- الزهو: الكبر والفخر والتيه.
3- المخازي : من الخزي ؛ أي : الذُلّ والهوان والفضيحة.
4- الوفاز : المفرد: الوفز؛ أي: العجلة ، يقال : نحن على أوفاز ؛ أي : على عجلة أو على سفر، وتوفز للشر : تهيّأ ل. واستوفر : نهض على ركبتيه و تهيّأ للوثوب أو المضي فهو مستوفز، واستوفز في قعدته : انتصب فيها غير مطمئن.
5- نختبرها: نعرفها ونجربها ونمتحنها. التعازي : من العزاء، يقال : أحسن اللّه عزاءك : رزقك الصبر الحسن.
6- تعريج : اعوجاج و انعطاف.
7- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 2 ص 11-12. وديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 137.

البناء في السبخات

{25}

[728] قال أبو عبداللّه الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ):

أفي السبحات يامغبون تبني***وما أبقى السباخ على الأساس(1)

ذنوبك جمّة تترى عظاماً***ودمعك جامدٌ والقلبُ قاسي(2)

و أيّاماً عصيت اللّه فيها***وقد حُفِظَتْ عليك وأنت ناسي(3)

فكيف تُطيق يوم الدين حملاً***لأوزار الكبائر كالرواسي(4)

هو اليوم الّذي لا ودّ فيه*** ولانسب ولا أحد مُواسي(5)(6)

عظیم الهول

{26}

[729] قال الإمام أبو عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

عظیم هولُه و الناس فيه***حيارى مثل مبثوث الفراش(7)

ص: 202


1- السبخات : المفرد: السبخة : أرض ذات نزّ وملح لا تكاد تنبت. وجمعها أيضاً : سباخ.
2- جمّة: كثيرة. تتري: متتابعة.
3- تيمنّاً بالآية رقم 82 من سورة الأنبياء والتي نصّها: «وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ».
4- يوم الدين : يوم القيامة. الأوزار : المفرد: الإثمّ والذنب.
5- الودّ: الحب. والبيت هنا عملاً بمضمون الآية 101 من سورة المؤمنون: «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ».
6- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 12. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 138.
7- الهول: الأمر الشنيع والفظيع : حار بصره: غشي ولم يستطع متابعة النظر، فهو حائر وحران، وهي حائرة و حيرى، الجع: حیاری. مبثوث : انبث: تفرق وانتشر ، فهو منبث. قال تعالى في سورة الواقعة الآية : «فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا».

به تتغيّر الألوانُ خوفاً***وت صطكُّ الفرائصُ بارتعاش(1)

هنالك كلُّ ماقدّمت يبدو***فعيبك ظاهرٌ و السرُّ فاش(2)

تفقّدْ نقص نفسك كلّ يوم***فقد أودى بها طلبُ المعاش(3)

الالِمْ تبتغي الشهوات طَوْراً***وطَوْراً تكتسي لين الرياش؟ (4) (5)

لننال عفو اللّه

{27}

[730] قال الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) :

عليك من الأُمور بما يؤدّي***إلى سنن السلامة و الخلاص(6)

وما ترجو النجاة به وشيكاً***وفوزاً يوم يؤخَذُ بالنواصي(7)

فليس تنال عفو اللّه إلّا***بتطهير النُفوس من المعاصي(8)

ص: 203


1- تصطك : تضطرب. الفرائص: المفرد: الفريصة : العضلة الصدرية، يقال : ارتعدت فرائصه : فزع. ارتعاش : الارتعاد والارتجاف، وارتعش: ارتعد.
2- فاشي: أذيع ونشر.
3- أودى : هلك.
4- الطور : المرة والتارة، يقال : أتيته طوراً بعد طور، أي : تارة بعد تارة، الجمع : أطوار. قال تعالى في سورة نوح الآية 14 : «وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا».
5- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه والنوادر : ج3 ص 12. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 139.
6- السُنن : الطرق، المفرد: الطريقة.
7- الوشيك : السريع القريب، يقال : خرج و شیكاً؛ أي : سريعة. النواصي : المفرد : الناصية، مقدم الرأس.
8- النفوس: الذات.

و برّ المؤمنين بكلّ رفق***ونُصح للاداني و الأقاصي(1)

وإن تشدد يداً بالخير تُفلِح***وإنْ تعدل فمالك من مناص(2)(3)

أصل الحزم

{28}

[731] قال الإمام أبو عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

و أصل الحزم أن تُضحي***و ربُّك عنك في الحالات راض(4)

وأن تعتاض بالتخليط رُشداً***فإنّ الرُشد من خیر اعتیاض(5)

ودع عنك الّذي يُغْوي ویُردي***و يورثُ طول حُزن و ارتماص(6)

وخذ بالليل حظّ النفس واطرْد***عن العينين محبوب العماص(7)

ص: 204


1- بر المؤمنين : التوسّع في الإحسان إليهما عن حبّ. الرفق : لين الجانب، واللطف وخلاف العنف. الداني : القريب. القاصي : البعيد.
2- مناص : بد.
3- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون و غرائبه النوادر : ج 3 ص 12. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ): ص 140.
4- الحزم : ضبط الرجل أمره وزخذه بالثقة.
5- تعتاض : تأخذ البدل والخلف. الرشد: نقيض الغي والضلال، والاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه، وكمال العقل، وسداد الفعل، وحسن التصرّف.
6- يغوي : يضل ويقود للهوى. يردي : يهلك، والردي : الهلاك. الارتماض : شدّة الحرّ ، وشدّة وقع الشمس على الرمل والحجارة. والفساد، وارتمض فلان من الأمر : اشتدّ عليه فأقلقه.
7- الغماض : النوم.

فإنّ الغافلين ذوي التواني***نظائر للبهائم في الغياض(1)(2)

كفى بالمرء عاراً

{29}

[732] قال سيدي الحسين بن على (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

كفى بالمرء عاراً أن تراه***من الشأن الرفيع إلى انحطاط(3)

على المذموم من فعل حريصاً***على الخيرات منقطع النشاط(4)

یُشیر بکفّه أمراً ونهیاً*** إلى الخُدّام من صدر البِساط(5)

يرى أنّ المعازف و الملاهي*** مسبّبة الجواز على الصراط(6)

ص: 205


1- التواني: التقصير والفتور. نظائر : المثل والمساوي. البهائم : المفرد: البهيمة : كلّ ذات أربع قوائم من دواب البرّ والبحر، ما عدا السباع. وكلّ حيّ لا يميز. الغياض : المفرد: الغيضة : الشجر الكثير الملتف.
2- مصدر هذه الأبيات من كتاب : جمال الخواطر في عجائب الكون و غرائبه النوادر : ج 3 ص 13. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 141.
3- العار : كلّ ما يلزم منه سُبّة أو عيب، الجمع : أعیار. الشأن : الحال والأمر، والمنزلة والقدر. الرفيع : الشريف، والرفعة : ارتفاع القدر والمنزلة. الانحطاط : نقصان المنزلة.
4- المذموم : مصدر : ذمم : والذم : نقيض المدح والعيب. الحريص : حرص على الشيء : اشتدّت رغبته فيه وعظم تملُّکه به. قال تعالى في سورة التوبة الآية 128 : «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ».
5- الخُدّام : خدم : قام بحجّته وامتهن العمل له فهو خادم، الجمع : خدم، وخدام، وهي : خادمة وخادم، وهو خدام.
6- المعازف : مكان الضرب على الآلات الموسيقية. الملاهي : المفرد: الملهى : مکان اللهو. الجواز : سلوك الطريق. الصراط : الطريق.

لقد خاب الشقيُّ وضلّ عجزاً***وزال القلبُ منه عن النياط(1)(2)

الزهد الحقيقي

{30}

[733] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

إذا الإنسان خان النفس منه***فما يرجوه راج للحفاظ(3)

ولا ورع لديه و لا وفاءٌ***ولا الإصغاء نحو الاتّعاظ(4)

ومازُهدُ الفتى بحلق رأس***ولابلباس أثواب غلاظ(5)

و لكن بالهدئ قولاً وفعلاً***وإدمان التجشُّع في اللحاظ(6)

وإعمال الّذي ينجي و ينمي***بوسع و الفرارُ مِن الشُواظ(7)(8)

ص: 206


1- خاب : فشل. النياط : ما علق بالقلب إلى الرئتين، والفؤاد، الجمع: أنوطة، ونوط.
2- مصدر هذه الأبيات من كتاب : جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 13. ديوان الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ): ص 142.
3- خان النفس: لم ينصح ذاته.
4- الورع: التقوى، واجتناب المعاصي والشبهات. الاتّعاظ : من العظة.
5- أي ليس زهد الرجل أن يلبس الثياب الخشنة.
6- التجشّع : اشتداد الحرص على الأكل وغيره. اللحاظ : واللحاظ : مؤخّر العين ممّا يلي الصدغ، الجمع : لُحظ.
7- الشواظ : اللهب لا دخان فيه. قال اللّه تعالى في سورة الرحمن الآية 35: «يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ». والشواظ أيضاً : حرّ الشمس. قال ابن عبّاس : الشواظ. اللهب الّذي لا دخان له، وقال أُمّية بن أبي الصلت : (الاتقان في علوم القرآن : ج 2 ص 122). و يظلّ يشب کیراً بعد کیر***وينفخ دائباً لهب الشوط
8- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون و غرائبه النوادر : ج 3 ص 13. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 143.

الدنيا تفرق الاجتماع

{31}

[734] قال الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

لكلّ تفرّق الدنيا اجتماع***فمابعد المَنون من اجتماع(1)

فِراقٌ فاصلٌ ونوى شطون*** و شغلٌ لا يلبّث للوداع(2)

و كلُّ أخوّة لابُدَّ يوماً*** و إن طالَ الوصالُ إلى انقطاع(3)

وإنّ متاع ذي الدُنيا قليلٌ*** فما یُجدي القليلُ مِن المَتاع(4)

وصار قليلُها حرجاً عسيراً*** تشبّث بين أنياب السباع(5)(6)

لا يبغين الملك باغ

32}

[735] قال الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ص: 207


1- المنون: الدهر. وريب المنون: حوادث الدهر وأوجاعه، والموت.
2- شطون: المفرد: الشطن : الحبل، أو الطويل الشديد الفتل من الحبال. قال عنترة بن شداد : (الديوان : ص207). يدعون عنتر والرماح كأنّها***شطان بئر في لبان الأدهم
3- الوصال : المفرد: الوصل : ضدّ الهجران.
4- المتاع : كلّ مايُنتفع به، ويُرغَبُ في اقتنائه ، ومايُنتفع به انتفاعاً قليلاً غير باق، بل ينقضي عن قريب، قال تعالى في سورة غافر الآية 39 : «إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ».
5- الحرج : الضيّق الّذي لم ينشرح لخير. السباع : المفرد: السبع : كلّ ماله ناب ويغزو على الناس والذواب فيفترسها، كالذئب والنمر والفهد وغيرها.
6- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 13 - 14. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 146.

ولم يطلب علوّ القدر فيها***وعزّ النفس إلّا كلّ طاغ(1)

وإن نال النُفوس من المعالي*** فليس لنيلها طيبُ المساغ(2)

إذا بلغ المراد عُلاً وعزّاً*** تولّی واضمحلّ مع البلاغ(3)

كقصر قد تهدّم حافتاه*** إذا صار البناءُ إلى الفراغ(4)

أقول وقد رأيتُ ملوك عصري*** الالايبغينّ الملك باغ(5)(6)

مواعظ من الحياة

{33}

[736] قال سيدي الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

أأقصُدُ بالملامة قصد غيري***وأمري كلُّه بادي الخلاف(7)

ص: 208


1- علوّ القدر : الارتفاع والعظمة والتجبّر. قال تعالى في سورة القصص الآية 83: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ». الطاغ: الطاغية : الجبار والمتكبّر، والعظيم الظُلم، الجمع : طغاة، وطاغوت.
2- المساغ : مصدر : سوغ: هنا وسهل مدخله في الحلق، السائغ، السهل المدخل من الطعام أو الشراب، وشراب سائغ : عذب يسوغ شربه.
3- المراد: الشيء الّذي يراد. اضمحلّ: ضعف، انحلّ شيئاً فشيئاً حتّى تلاشي وانقشع. البلاغ : التبليغ
4- حافتاه : جانباه.
5- يبغين : مصدر : بغي: تجوز حدّه وظلم، وبغى فلان على فلان : اعتدی و ظلم فهو باع. قال تعالى في سورة الحجرات الآية 9: «فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي»
6- مصدر هذه الزبيات من كتاب : جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 14. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 147.
7- الملامة : اللوم، والملهم: الّذي أتى بما يلام عليه.

إذا عاش امرؤٌ خمسين عاماً***ولم يُر فيه آثارُ العَفاف(1)

فلايرجی له أبداً رشادٌ*** فقد أردى بنيّته التجافي(2)

ولِمْ لا أبذُلُ الإنصافَ منّي*** وأبلُغُ طاقَتي في الإنتصاف(3)

لي الويلات إن نفعت عظاتي*** سواي وليس لي إلّا القوافي(4)(5)

سباق الزهد

{34}

[737] قال سيّد الشهداء الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

: ألا إنّ السباق سباق زهد*** ومافي غير ذلك من سباق(6)

و يفنى ما حواه الملكُ أصلاً***وفعلُ الخير عند اللّه باق(7)

ستالفُك الندامةُ عن قريب***وتشهَقُ حسرةً يومَ المَساق(8)

ص: 209


1- العفاف : الامتناع عمّا لا يحلّ بدافع الطُهر، وصون النفس عمّا لا يليق بمكارم الأخلاق.
2- الرشاد: نقيض الغيّ والضلال، والاستقامة على طريق الحقّ مع تصلّب فيه. أردى : أهلك، التجافي: التباعد.
3- الإنصاف : العدل.
4- الويلات : المفرد: الويلة ؛ أي : الفضيحة والبليّة.
5- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 14. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : ص 148.
6- ) الزهد: ترك ما في الدنيا ابتغاء ما عند اللّه منالثواب، وأن يكون المرء بما عند اللّه أرجی منه ممّا هو في يده
7- . عملاً بمضمون الآية 96 من سورة النحل : «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ».
8- ستألفك : تأنس إليك وتحبّك. الندامة : مصدر نادم: آسف ، أو فعل فعلاً ثمّ كرهه و نالته من جرائه حسرة فهو نادم وندمان. تشهق : شهق : تردّد النفس في حلقه و سمع والشهيق : إدخال النفس إلى الرئتين. الحسرة : شدّة التلهّف والحزن، وأشدّ الندم، الجمع : حسرات. ومنه : يا حسرتا ويا حسرتاه. قال تعالى في سورة الزمر، الآية 56: «يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ». المساق : مصدر ميمي بمعنى السَوْق.

أتدري أيّ ذاك اليوم فکّر***و أيقِن أنّه يومُ الفِراق(1)

فراقٌ ليس يُشبِهُه فِراقٌ***قد انقطع الرجاءُ عن التلاقي(2)(3)

اللجوء إلى اللّه

| 305}

[738] روی ابن الصبّاغ(4)، وعلي بن عيسى الإربلي عن ابن الخشاب : قال الإمام الحسین ابن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) :

إذا ماعضّك الدهر***فلا تجنح إلى خلق(5)

ص: 210


1- الفراق : الفصل. والفرقة : الافتراق.
2- الرجاء : الأمل، نقيض اليأس.
3- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون و غرائبه النوادر : ج 3 ص 14.
4- ابن الصبّاغ : هو علي بن محمّد بن أحمد، نور الدين بن الصبّاغ، فقيه، ولد في مكّة سنة 784ه الموافق 1383 م، وتوفّي فيها سنة 855 ه الموافق 1451م، أصله من سفاقس، له کتب منها : الفصول المهمّة لمعرفة الأئمّة، والعبر فيمن شفه النظر ، قال السخاوي : أجاز لي. (أُنظر : الضوء اللامع : ج 5 ص 283، والأعلام : ج 5 ص 8). ابن الخشاب هو محمّد بن عبدالرحمن التغلبي المتوفّى (540).
5- عضك : اشتدّ عليك. الدهر : الزمان. والأبد، ومدّة العالم من بدء وجوده إلى انقضائه ، الجمع : أدهر ودهور. قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «لا تسبّوا الدهر، فإن الدهر هو اللّه» أخرجه مسلم في صحيحه. والبيهقي في شعب الإيمان : ج 3 ص 365، والخطيب في تاريخ بغداد: ج3 ص 308، وابن عدي في الضعفاء : ج 6 ص 2066. تجنح : تميل، قال تعالى في سورة الأنفال الآية 61: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ». الخلق : الناس.

ولا تسأل سوى اللّه***تعالى قاسم الرزق(1)

فلو عشت وطوّفت***من الغرب إلى الشرق(2)

لماصادفت من يقد***ر أن يُسعِدَ أو يُشقي(3)(4)

مهلاً بني عمّنا

{36}

[739] تمثّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأشعار ضرار بن الخطاب الفهري، قالها يوم الخندق وتمثل بها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم صفّين ، والحسين يوم قُتل:

مهلاً بني عمِّنا ظلامتَنا***إنّ بنا سَورة من القلق

لمثلكم نحمل السيوف ولا***تُغمَزُ أحسابُنا من الدقق

إنّي لأنمي إذا انتميتُ إلى*** عزّ عزیزٍ ومعشرٍ صُدُق

بيض سباط كأنّ أعيُنَهم***تَكحَلُ يومَ الهِياج بالعُلُق(5)

ص: 211


1- قاسم: قسم الشيء: جزأه، وقسم بين القوم: أعطی کلاً نصيبه. الرزق : الشيء المرزوق، وكلّ ما ينتفع به ممّا يؤكل ويلبس، والعطاء.
2- طوّفت : سرت وجلت. الغرب : جهة غروب الشمس. الشرق : جهة شروق الشمس.
3- صادفت : وجدت أو لقيت أوقابلت أحداً على غير قصد، أو منغير موعد ولا توقّع، يقال : لقيناه مصادفة (الوسيط). يسعد: يجعلك سعيداً مسروراً. يشقي: يجعلك شقیاً تعساً.
4- مصدر هذه الأبيات أعيان الشيعة : ج 1 ص 621 ، والفصول المهمّة وكشف الغمّة : ج 2 ص 34، وأئمّتنا : ج 1 ص 223. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ).
5- الأغاني : ج 19 ص 191 وعنه موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 500 ح 488 .

الاستغناء باللّه تعالى

{37}

[740] أنشد أبو بكر بن کامل(1)، عن عبداللّه بن إبراهيم، وذکّر انّه للحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِما السَّلَامُ) :

إغنَ عن المخلوق بالخالق***تَسُدّ على الكاذب والصادق(2)

واسترزق الرحمن من فضله***فليس غيرَ اللّه من رازق(3)

من ظنّ أنّ الناس يغنونه***فليس بالرحمن بالرائق(4)

ص: 212


1- أبو بكر بن کامل : محدّث وراو، ثقة، مأمون. عبداللّه بن إبراهيم : ابن أبي عمرو الغفاري، أبو محمّد المدين، يقال : إنّه من ولد أبي ذر الغفاري. (تهذيب الكمال في أسماء الرجال : ج2 ص 663).
2- اغن: غنی به عن غيره : اكتفى. المخلوق : الناس. الخالق : من أسماء اللّه تعالى، المبدع للشيء المخترع له على غير مثال سبق. قال محمّد القولي (63): شَهِدَ الخلائق أنّ ربّي خالقُ***یا مُبدَعَ الأشياء أنت السابق هذي السماء من العظيم صنيعه***والأرض تلهَجْ أنت ربّي الخالق ورد هذا البيت في تهذیب تاریخ دمشق الكبير : ج4 ص 327، وأعيان الشيعة : ج 1 ص 621 بهذا النصّ: اغن عن المخلوق بالخالق***تغن عن الكاذب والصادق
3- الرحمن : من أسماء اللّه تعالى ولا يجوز أن يُسمّى به غيره ولا يوصف به أحد سواه عزّ شأنه ، قال محمّد القولي 23: إن تُحدق الكرُبات أنت رحمنُ***يا راحِمَ الخَلق والأقدار طوفان عناية اللّه عمّت كلّ من درجوا***على البسيطة إنّ اللّه رحمن الرازق : والرزّاق من أسماء اللّه تعالى. قال محمّد القولی 87: یا مُبدع الأحياء خالق رزقهم***أنت الإله المطعم الرزّاق یا خالق الأحياء كافل رزقهم*** لم تنسهم يا ربّ يا رزّاق
4- الرائق : الصافي. ورد هذا البيت في تاريخ دمشق الكبير : ج4 ص 327، وأعيان الشيعة : ج 1 ص 621 بهذا: من ظنّ أنّ الناس يغنونه***فليس بالرحمن بالوائق

أو ظنّ أنّ المال من کسبه***زلت به النَعْلان من حالق(1)

ذمّ لذّة الدنيا

{38}

[741]

يا أهل لذّة دنياً لابقاء لها***إنّ اغتراراً بظلّ زائل حُمق(2)

عجبت لذي التجارب

{39}

[742]

عجبتُ لذي التجارب كيف يسهو***ويتلو اللهو بعد الحتباك(3)

ومرتهن الفضائح و الخطايا***يقصّرُ باجتهاد للفكاك(4)

ص: 213


1- الكسب : طلب الرزق، ما اكتسب. قال المتنبّي : ولست أُبالي بعد إدراكي العُلا***أكان تراثاً ما تناولت أم كسبا زلت : انحرفت عن الصواب. النعلان : المفرد: النعل، ماوقيت به القدم من الأرض. الحالق : الجبل المرتفع، وهو من حالق : هلك. ورد هذا البيت في تهذیب تاریخ دمشق الكبير : ج 4 ص 327. وأعيان الشيعة : ج 1 ص 621 بهذا النصّ: أو ظنّ أنّ الناس من کسبه***زلت به النعلان من حالق مصدر هذه الأبيات من : البداية والنهاية : ج 8 ص 209، وتهذیب تاریخ دمشق الكبير : ج 4 ص 327، وأعيان الشيعة : ج 1 ص 621، وجواهر المطالب، والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 185، وأئمّتنا : ج1 ص 222 ديوان الحسين بن علي(عَلَيهِما السَّلَامُ).
2- المناقب : ج 4 ص 69 ؛ بحار الأنوار : ج 4 ص 199؛ العوالم : ج 17 ص 69.
3- الاحتباك : الحبك : الشدّ والإحكام.
4- المرتهن : المسلّم. الفضائح : المفرد: الفضيحة ؛ أي : مایعاب، والشهرة بما يعاب. الخطايا : المفرد: الخطيئة ؛ أي : الذنب.

وموبقُ نفسه كسلاً وجهلاً***وموردُها مَخوفات الهلاك(1)

بتجديد المآثمّ كلّ يوم***وقصد للمحرّم بانتهاك(2)

سيعلم حين تفجوّه المَنايا***و يكثُفُ حولَه جمعُ البواكي(3)

لا تغتر بالدنيا

{39}

[743] قال ريحانة الرسول الأعظم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

یُبَدِّرُ ما أصاب ولا يُبالي***أسُحتاً كان ذلك أم حلالا(4)

فلا تغترّ بالدنيا وذرها*** فما تُسوى لك الدنيا خِلالا(5)

أتبخلُ تائهاً شَرِهاً بمال*** يَكونُ عليك بعد غد وبالا(6)

ص: 214


1- موبق: وبق: هلك. والموبق: مكان الهلاك. قال تعالى في سورة الكهف الآية 52: «وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا» ؛ أي : مكان هلاك وهو النار.
2- المآثمّ : الذنوب الّذي يستحقّ العقوبة عليها. انتهاك : نهك : أضنى، وأجهد، و بالغ.
3- تفجؤه: جاءته بغتة، والفجاءة : ما فاجأك ، وموت الفجاءة والفجأة : ما يأخذ الإنسان بغتة. المنايا : المفرد: المنية ؛ أي : الموت. مصدر هذه الأبيات من كتاب : جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 14 - 15. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): ص 153.
4- السُحت: والسُحت : الحرام، وماخبث من المكاسب کالرشوة ونحوها، والقليل. واكتسب في تجاربه : واسحت السحت : قال تعالى في سورة طه الآية : 61: «فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ».
5- ذرها: دعها واتركها. الخلال: من الخلّ.
6- تائه : ضال. الشره: أسوأ الحرص. الوبال : الفساد، وسوء العاقبة، والضرر والمكروه يلحق بالمرء.

فما كان الّذي عُقْباه شَرّ***وما كان الخسيسُ لديك مالا(1)

فبِتَّ من الأُمور بكُلّ خير***و أشرفها وأكملها خِصالا(2)

السير إلى الموت

{41}

[744 ]

أذلّ الحياة و ذلّ الممات***و کلا أراه طعاماً وبيلا

فإن كان لابدّ من إحداهما***فسيري إلى الموت سيراً جميلا(3)

زياد المال

{42}

[745] عن الأعمش (4)أنّ الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال :

ص: 215


1- الخسيس: الدنيّ، والتافه، والقليل.
2- مصدر هذه الأبيات من كتاب : جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 16. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ).
3- الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)ملتقى الكرامات : ص 153 عن محاضرات الأُدباء للراغب الأصفهاني: ج 3 ص 142 ط بيروت فيه :... .
4- الأعمش : هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء، أبو محمّد، الملقّب بالاعمش، تابعي مشهور، أصله من بلاد الريّ ولد سنة 11ه الموافق 681، ومنشأه ووفاته في الكوفة سنة 148ه الموافق 765م. كان عالماً بالقرآن والحديث والفرائض، يروي نحو 1300 حديث. قال الذهبي: كان رأساً في العلم النافع والعمل الصالح. وقال السخاوي : قيل : لم نر السلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش مع شدّة حاجته وفقره. (انظر : طبقات ابن سعد: ج 6ص 238، وتاريخ بغداد: ج 9 ص 3، والإعلان والتوبيخ : ص 66، وفوات الوفيات : ج 1 ص 213، والاعلام : ج3 ص135).

کلّمازيد صاحب المال مالاً***زيد في همّه وفي الاشتغال(1)

قد عرفناك يا منغصة العَيْ ***ش ويادار کلّ فان وبالي(2)

ليس يصفو لزاهد طلب الزُه***د إذا كان مثقَلاً بالعيال(3)(4)

مكتوب على راية الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{43}

[746] عن ابن عبداللّه الطرسوسي (5) أنّه كان مكتوبة على راية الحسين بن

ص: 216


1- الهم: الحزن، الجمع: هموم.
2- منغصة : نَغص : كدر، وتنغص العيش : تكدّر. فان : باد وانتهى وجوده، والغناء : ضدّ البقاء. قال اللّه تعالى في سورة الرحمن الآية 26: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ». ورد هذا البيت في تهذیب تاریخ دمشق الكبير : ج 4 ص 327 بهذا النص : و قد عرفناك يا منغص العي*** ش ويا دار کلّ فناء وبال
3- يصفو : يروق، والصفاء : الخلاص فن الكدرة، وصفو الشيء : خیاره و خالصه. الزاهد : العابد. الزُهد: الإعراض عن الشيء وتركه. وعند الفقهاء : ترك ما في الدنيا ابتغاء ما عند اللّه من الثواب، وأن يكون المرء بما عند اللّه أرجى منه ممّا هو في يده (معجم لغة الفقهاء : ص 234). مثقلاً : أثقل الشيء: صار ذا ثقل. العيال : أهل بيت الرجل الّذين يكفلهم ويمونهم.
4- مصدر هذه الأبيات من البداية والنهاية : ج 8 ص 209، وتهذیب تاریخ دمشق الكبير : ج4 ص 327، وأعيان الشيعة : ج 1 ص 621، والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 185، وأئمّتنا : ج1 ص 222. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ).
5- ابن عبداللّه الطرسوسي : راو ، وثّقه ابن كثير في البداية والنهاية ، وابن عساكر في تاريخه في كتاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 187 : ونقلت هنا عن مؤلّف مجهول على غير عادتي لتكملة الأبيات لا تصديقاً لروايته أنّها كانت مكتوبة على راية الحسين. وفيه أيضاً قال محمّد بن أبي طلحة في مطالب السؤول: إنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا بغله خبر مقتل مسلم بن عقیل، ترحم عليه و قال : صار إلى روح اللّه تعالى ورضوانه. أما أنه قد مضى ما عليه، وبقي ما علينا وأنشد: لئن كانت... الخ.

علي يوم قتل :

لئن كانت الدنيا تُعَدّنفيسة***فدار ثواب اللّه أعلى وأنبل(1)

وإن كانت الأبدان للموت أُنشئَت***فقتل امرىء بالسيف في اللّه أفضل(2)

وإن كانت الأرزاق شيئاً مقدرّاً***فقلة سعي المرء في الرزق أجمل(3)

وإن كانت الأموال للترك جمعها***فما بال متروك به المرءُ يبخل(4)(5)

ص: 217


1- النفيسة : عظيمة القيمة. الجمع: نفائس. الثواب : الجزاء بالخير والشر وهو في الخير أكثر استعمالاً، والعطاء، قال تعالى في سورة آل عمران الآية 195 : «وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» أعلى: نقيض الأسفل. أنبل : أعظم وأشرف.
2- الأبدان : المفرد: بدن : ماسوى الرأس والأطراف من الجسم. ورد هذا البيت في تهذیب تاریخ دمشق الكبير : ج 4 ص 328: وإن كانت الأبدان للموت أُنشئتْ***فقتل سبيل اللّه بالسيف أفضل وورد أيضاً في : الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): ص 187 بهذا النص : وإن تكن الأموال للترك جمعها***فما بال متروك به المرء يبخل
3- الأرزاق : المفرد: الرزق : كلّ ما ينتفع به ممّا يؤكل ويلبس. ورد هذا البيت في تهذیب تاریخ دمشق الكبير : ج 4 ص 328 بهذا النص. وإن كان الأرزاق شيئاً مقدرّاً***فقلّة سعي المرء في الكسب أجمل
4- ورد هذا البيت في تهذیب تاریخ دمشق الكبير : ج 4 ص 328 بهذا النص : وإن كانت الأموال للترك جمعت***فما بال متروك به المرء يبخل وورد أيضاً في : الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 187 بهذا النص : وإن تكن الأموال للترك جمعها***فما بال متروك به المرء يبخل
5- مصدر هذه الأبيات من البداية والنهاية : ج 8 ص 209، وتهذیب تاریخ دمشق الكبير. ج4 ص 328، والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 187، و أئمّتنا : ج 1 ص 223، ديوان الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). وأورده ابن شهر آشوب في المناقب : ج4 ص 103 - 104 وفيه : فلمّا نزل شقوق أتاه رجل، فسأله عن العراق فأخبره بحاله، فقال : إنّ الأمر للّه يفعل ما يشاء وربّنا تبارك كلّ يوم هو في شأن، وإن نزل القضاء فالحمد للّه على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من الحقّ نفيه ثمّ أنشد: فإن تكن الدنيا تعدّنفيسة*** فدار ثواب اللّه أعلى وأنبل وإن تكن الأموال للترك جمعها***فمابال متروك به الحر يبخل وإن تكن الأرزاق قسماً مقدراً***فقلّة حرص المرء في الكسب أجمل وإن تكن الأبدان للموت أُنشئت***فقتل امرىء بالسيف في اللّه أفضل علیکم سلام اللّه يا آل أحمد*** فإنّي أراني عنكم سوف أرحل وأورد الخوارزمي كلام الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشعره وصرّح بأن الّذي لقي الإمام بالشقوق هو أبو فراس الفرزدق، قال في مقتله : وذكر الإمام أحمد بن اعثمّ الكوفي: إنّ الفرزدق إنّما لقيه «بالشقوق» فسلمّ عليه الفرزدق، ثمّ دنا منه فقبّل يده ، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من این أقبلت يا أبا فراس؟ فقال : من الكوفة يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قال : فكيف خلفت أهل الكوفة؟ قال : خلفتُ قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أُميّة، والقضاء ينزلُ من السماء، واللّه يفعل في خلقه ما يشاء ، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صدقت و بررت، إنّ الأمر للّه تبارك و تعالی کلّ يوم هو في شأن، فإن نزل القضاء بما نُحبّ فنحمد اللّه على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلن يبعد من الحقّ بغيته. فقال الفرزدق : جعلت فداك يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ كيف تركن إلى أهل الكوفة، وهم الّذين قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل وشيعته؟ فاستعبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) باكياً، ثمّ قال : رحم اللّه مسلماً فلقد صار إلى روح اللّه وريحانه ، وتحيّته وغفرانه ورضوانه، أمّا إنّه قضى ما عليه، وبقي ماعلينا. ثمّ أنشأ في ذلك يقول : فإن تكن الدنيا تعدُّ نفيسة***فإنّ ثواب اللّه أعلى وأنبل وإن تكن الأبدان للموت أُنشئت***فقتل امرىء في اللّه بالسيف أفضل وإن تكن الأبدان للموت أُنشئت***فقتل امرىء في اللّه بالسيف أفضل وإن تكن الأرزاق قسماً مقدرّاً***فقلّة حرص المرء في الرزق أجمل وإن تكن الأموال للترك جمعها***فما بال متروك به المرء يبخل؟ ثمّ ودّعه الفرزدق في نفر من أصحابه ، ومضى يريد مكّة، فأقبل عليه ابن عمّ له من - بني مجاشع ، فقال له: يا أبا فراس أهذا الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ فقال له الفرزق : هذا الحسين بن فاطمة الزهراء بنت محمّد المصطفى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، هذا واللّه، خيرة اللّه وأفضل من مشى على وجه الأرض من خلق اللّه، وقد كنتُ قلت فيه أبياتا قبل اليوم، فلا عليك أن تسمعها، فقال له ابن عمّه : أنشدنیها یا أبا فراس! فأنشده : هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته***والبيت يعرفه والحلُّ والحرم هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم***هذا التقيّ النقيّ الطاهر العَلَم هذا ابن فاطمة إن كانت جاهله***بجدّه أنبياء اللّه قد خُتموا مشتقّة من رسول اللّه نبعته***طابت عناصره والخيم والشيم إذا رأته قريش قال قائلها***إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ينمي إلى ذروة العزّ الّتي قصرت***عن نيلهاعرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته*** ركن الحطيم إذا ماجاء يستلم يُغضي حياء ويغضي من مهابته***فلا يكلّم إلّا حين يبتسم ينشقّ ثوب الدجى عن نور غرّته***كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم اللّه شرَّفه قدماً وعظّمه***جرى بذاك له في لوحه القلم فليس قولك من هذا بضائره***العرب تعرف مَن أنكرت والعجم كلتا يديه غياث عمّ نفعهما***تستوكفان ولا يعروها العدم من جدّه دان فضل الأنبياء له***وفضل أُمّته دانت له الأُمم سهل الخليقة لاتخشى بوادره***يزينه اثنان حسن الخلق والشيم حمال أثقال أقوام إذا فدحوا***حلو الشمائل تحلو عنده نعم لا يخلف الوعد میمون نقيبته***رحب الفناء أريب حين يعتزم عمَّ البريّة بالإحسان فانقشعت***عنها الغيابة والإملاق والعدم من معشر حبّهم دين وبغضهم***کفّر وقربهم منجی ومعتصم يستدفع السوء والبلوى بحبّهم***ويستزاد به الإحسان والنعم إن عُدّ أهل التُقى كانوا أئمّتهم***أو قيل مَن خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم***ولا يدانيهم قوم وإن کرموا هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت***والأُسد أُسد الشرى والبأس محتدم یابی له أن يحلّ الذمّ ساحتهم***خيم کريم وأيد بالندى هضم لايقبض العسر بسطاً من أكفهم***سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم***في كلّ بدء ومختوم به الكلم أيّ الخلائق ليست في رقابهم***لأولية هذا أو له نعم ؟ مَن يعرف اللّه يعرف أولية ذا***فالدين مِن بيت هذا ناله الأُمم قال : ثمّ قال الفرزدق لابن عمّه : قد قلت فيه هذه الأبيات غير متعرّض لمعروفه ، ولكن أردت اللّه تبارك وتعالى والدار الآخرة والفوز والنعيم. (قال الاربلي : الّذي أظنّ أنّها قالها في مدح الحسين ثمّ أنشدها في إبنه عليّ بمكّة حين سال هشام عنه كما هي مشهورة). وذكر غيره: إنّ الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخل المسجد الحرام وقت ما كان بمكّة، وهو يخطر في مشيته ، فقال الفرزدق : مَن هذا؟ فقيل : الحسين بن علي، فقال : حقّ له، ثمّ وقف عليه فأنشده الأبيات. مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 321 - 323.

ص: 218

ص: 219

أثواب الانتقال

{44}

[747]

فإنّ سُدوره أمسى غروراً***وحلّ به ملمّات الزَوال(1)

وعُرّي عن ثياب كان فيها***وأُلبس بعد أثواب انتقال(2)

و بعد ركوبه الأفراس تيهاً***يُهادى بين أعناق الرجال(3)

إلى قبري يُغادرُ فيه فرداً***نأى منه الأقارب و الموالي(4)

تخلّى عن مورِّثه وولّي*** ولم تحجبه مأثرة المعالي(5)(6)

ص: 220


1- سدوره: تحيّره، والسادر : المتحيّر واللاهي والّذي لا يهتمّ ولا يبالي بما صنع. الملمّات : المفرد: الملمّة ؛ أي : النازلة الشديدة من شدائد الدهر.
2- العرّي: التجرّد من الثياب.
3- التيه : الصلف والكبر، والضلال
4- نأى : بعد. الموالي: المفرد: المولى؛ أي: المالك، وكلّ من ولي أمراً وقام به. والمنعم عليه المعتق، والقريب کابن العم، والسيّد، والمحب.
5- مورثه : الّذي يورثه.
6- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 15. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

مواعظ خالدة

{45}

[768]

أبي عليّ وجدّي خاتم الرسل***والمرتضون لدين اللّه من قبلي(1)

و اللّه يعلم و القرآن ينطقه***إنّ الّذي بيدي من ليس يملك لي(2)

مایُرتجی بامرء لاقائل عذلا***ولا يزيغ إلى قول ولاعمل(3)

ولايرى خائفاً في سرّه وجلاً***ولا يُحاذِرُ من هفو ولا زلل(4)

يا ويح نفسي ممّن ليس يرحمها*** أماله في كتاب اللّه من مثل(5)

أماله في حديث الناس معتبر***من العمالقة العادية الأُول(6)

يا أيّها الرجل المغبون شيمته***أنّى ورِثْتَ رسولَ اللّه عن رسُل(7)

أ أنت أولى به من إله فيما***ترى اعتللت وما في الدين من علل(8)

ص: 221


1- أبي علي : ابن أبي طالب كرّم اللّه وجهه. خاتم الرسل : محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
2- إنّه منتهى الكرم.
3- العذل : الملامة. يزيغ : يعدل عن الطريق وينحرف
4- الوجل: الخوف والفزع، الجمع: أوجال. يحاذر : يخاف ويتّعظ ويستعد. الهفو : المفرد: الهفوة: السقطة والزلّة. يقال : فلان كثير الهفوات. الزلل : ارتكاب الذنوب ، وزلّ عن الصواب : انحرف.
5- ويح: كلمة ترحّم وتوجّع. يقال : ويحٌ لفلان، وویحاً له، وويحه، وقد تأتي بمعنی المدح والتعجّب.
6- العمالقة: قوم من ولد عملیق بن لاوذبن إرم بن سام بن نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، تفرّوا في البلاد وانقرض أكثرهم.
7- المغبون: المظلوم. الشيمة : الخلق والطبيعة، الجمع: شیم.
8- اعتللت : مصدر : علل : شغل و الهی. العلل : المفرد: العلّة ؛ أي : المرض الشاغل ، والعلّة من كلّ شيء : سیبه ، والعذر : والعلّات : الحالات المختلفة والشؤون المتنوّعة. يوجد هذه الأبيات في کتاب کشف الغمّة : ج 2 ص 247 و بحار الأنوار : ج 75 ص 125 ح 6، ديوان الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

یا نكبات الدهر

{46}

[749]

يانكبات الدهر دولي دولي***واقصري إن شئتِ أو أطيلي(1)

رميتني رميةً لا مقیل***بکلّ خطب فادح جليل(2)

وكلّ عبء أيّد البتول***و الوالد البَرّ بنا الوَصو (3)

و بالشقيق الحسن الجميل***والبيت ذي التأويل والتنزيل(4)

و زورنا المعروف من جبريل***فماله في الرزء من عدیل(5)

مالك عنّي اليوم من عَدول***وحسبِيَ الرحمنُ مِن منيل(6)(7)

ص: 222


1- نكبات : المفرد: نكبة؛ أي : المصيبة. الدهر : الأبد، ومدّة العالم من بدء وجوده إلى انقضائه ، والزمان قلّ أو كثر، والدهر : ألف سنة، ومائة ألف سنة، الجمع : أدهر ، ودهور. أخرج مسلم في صحيحه في دولي: أمر من دال يدول : دار يدور. يقال : أدال اللّه الشيء أي : جعله متداولا. أي : جعله تارة لقوم وطوراً لآخرين.. أدالنا اللّه من عدوّنا : جعل الكره لنا عليه فغلبناه. ودال الزمان : أنقلب من حال إلى حال، ودال الأيّام : دارت. اقصري من قصر. أطلي : خلاف اقصري.
2- مقيل : صفح وتجاوز الخطب : الشأن، يقال : ما خطبك؟ والخطب : الأمر صغر أو عظم، ومنه : هذا أمر يسير وهذا خطب جليل. والخطب أيضاً : النازلة الشديدة، الجمع : خطوب. فادح : الفاجع والنازل. الجمع : فوادح. الجليل : العظيم.
3- الطاهرة البتول : السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (سلامُ اللّه عَلَيهَا). الوالد : الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- الشقيق الحسن : الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ).
5- جبریل : (عَلَيهِ السَّلَامُ)، من رؤساء الملائكة وأحد الملائكة المقرّبين إلى اللّه عزّوجلّ منه تلقّى (رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رسالته ووحيه، ورد ذكره في القرآن الكريم في سبعة مواقع). الرزو : المصيبة، الجمع : رزايا.
6- العدول : من سوء به غيره وشارکه. منیل : عاطي ومانح.
7- کشف الغمّة : ج 2 ص 38؛ بحار الأنوار : ج 78 ص 126، ديوان الإمام الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ).

أُف لك يا دهر

{47}

[750] عن عبداللّه بن زیدان البجلي(1) قال : حدّثنا محمّد بن زید التميمي(2) قال : حدّثنا نصر بن مزاحم(3)، عن أبي مخنف(4)، عن الحرث بن کعب(5)، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : إنّي واللّه لجالس مع أبي في تلك الليلة وأنا عليل، وهو يعالج سهاماً له، وبين يديه جون مولى أبي ذر الغفاري، إذ ارتجز الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

يادهر أُفّ لك من خليل***كم لك في الإشراق والأصيل(6)

من صاحب و ماجد قتيل***و الدهرُ لايقنعُ بالبديل(7)

ص: 223


1- عبداللّه بن زیدان البجلي : محدّث ثقة، حدّث عن عباد بن یعقوب، وحدّث عنه أبو إسحاق بن حمزة. (سير أعلام النبلاء: ج 16 ص 86).
2- محمّد بن زيد التميمي: وثّقه أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيّين : ص 113. والطبري في تاريخ الأُمم والملوك : ج5 ص 420.
3- نصر بن مزاحم: هكذا أورده أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيّين : ص 113، والطبري في تاريخه : ج 5 ص 420.
4- أبو مخنف : أورده الطبري في تاريخ : ج 5 ص 420، و أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيّين : ص 113.
5- الحرث بن کعب : ثقة، مأمون، محدّث، ذكره أبو الفرج الأصفهاني، والطبري.
6- خليل: الصديق الصافي المودّة، الجمع : أخلاء، وخلّان. الإشراق : انبعاث نور من العالم غير المحسوس إلى الذهن تتمّ به المعرفة (مجمع اللغة العربيّة). الأصيل : الوقت حين تصفر الشمس لمغربها، الجمع : أصال، وأصائل، وأصل، وأصلان.
7- الصاحب: المرافق، المعاشر لغيره. الماجد: الشريف الخيّر، والحسن الخلق والسمح ، الجمع : أمجاد، وماجدون، ومجدة. يقنع : يرضى بما أُعطي، أو باليسير الّذي يسدّ حاجته، فهو قانع، الجمع: قنع. قال تعالى في سورة الحج الآية 36: «وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ». البديل : الخلف والعوض. الجمع: بدلاء، يقال : هذا بديل من ذاك.

و الأمر في ذاك إلى الجليل***وكلَّ حيّ سالك السبيل(1)(2)

عيش الأبرار

{48}

[751]

سأمضي وما في الموت عار على الفتى***إذا مانوی خیراً وجاهد مسلمّا

وآسى الرجال الصالحين بنفسه***وفارق مثبوراً وخالف مجرما

فإن عشت لم أذمم وإن مت لم ألم***كفى بك ذلاً أن تعيش فترغما(3)

ص: 224


1- الجليل: من أسماء اللّه الحُسنى، قال سيّدي الدردير : وأنت غياثي يا حسيب من الردى***وأنت ملاذي يا جليل وحسبنا كلّ حيّ سالك السبيل : أي كلّ نفس ذائقة الموت.
2- مصدر هذه الأبيات من: مقاتل الطالبيّين : ص 113، وتاريخ الطبري (تاريخ الأُمم والملوك) : ج 5 ص 420. وعنها ديوان الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): ص 157.
3- ما رواه جماعة من الفريقين في غير واحد من مصنّفاتهم. فمنهم : أحمد بن محمّد الحافي [الخوافي ] الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص 74) قال : ولمّا بلغ محمّد بن الحنفيّة سيره و كان يتوضّأ وبين يديه طشت، بكى حتّى ملأه من دموعه، ثمّ نادى واحسيناه وا خليفة الماضين وثمال الباقين ، ثمّ وافاه هو وعبداللّه بن عبّاس وعبداللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير وعبداللّه بن جعفر، وألحّوا عليه بالتخلّف والإقامة وقالوا: واللّه يابن رسول اللّه لأن خرجت وأصابوك بسوء لم يهابوا بنو أُميّة بعدك أحداً، فأنشدهم يقول :...... . ثمّ تلا قوله تعالى : «وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا». سورة الأحزاب، الآية 38. فخرجوا من عنده وهم يقولون : اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم. ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 222.

عفو اللّه

{49}

[752]

ولم يمرُر به يومٌ فظيع***أشدهُ علیه من يوم الحِمام(1)

ويومُ الحشر أفظعُ منه هولاً*** إذا وقف الخلائقُ بالمقام(2)

فكم من ظالم يبقى ذليلاً***ومظلوم تشمّر للخصام(3)

وشخص كان في الدُنيا فقيراً*** تبوّأ منزلَ النُجْب الكِرام(4)

وعفو اللّه أوسع كلّ شيء***تعالى اللّه خلّاقُ الأنام(5)(6)

لو خلد الملوك

{50}

[753]

إذا ما الموت رفع عن أُناس***كلاكلة أناخ بآخرينا

فأفني ذلكم سروات قومي***كما أفنى القُرُن الأولينا

فلو خُلِدَ الملُوكُ إذاً خُلِدْنا***ولو بَقِيَ الكِرامُ إذاً بقينا

ص: 225


1- فظيع : الشديد الشنيع الّذي جاوز المقدار. الحمام : الموت. وقضاء الموت و قدره.
2- الحشر : يوم القيامة. الهول : الفزع. وقف الخلائق بالمقام : وقوفهم يوم القيامة.
3- ذلیل : منکسر وخاضع.
4- تبوّأ : اتّخذ، ونزل وأقام. النُجب: المفرد: النجيب، أي: الكريم الحسيب ، والفاضل على مثله، النفيس في نوعه.
5- خلّاق: خالق : الأنام : الإنس والجنّ، وما ظهر على الأرض من جميع الخلق.
6- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 15.

فقل للشأمتين بنا أفيقوا***سيُلقي الشامتون كما لقينا(1)

إله ما لنا سواه

{51}

[754] قال أبو عبداللّه الإمام الحسين رضي اللّه عنه :

إله لا إله لنا سواهُ***رؤوف بالبريّة ذو امتنان(2)

أوحِّده بإخلاص وحمد***وشُکر بالضمير وباللسان(3)

وأفنيتُ الحياة ولم أصُنْها***وزُغْتُ إلى البطالة والتواني(4)

وأسألُه الرضا عنّي فإنّي***ظلمتُ النفسَ في طلب الأماني(5)

إليه أتوبُ مِن ذنبي وجهلي***وإسرافي وخَلْعي للعنان(6)(7)

ص: 226


1- مثير الأحزان لابن نما : ص 55. فاغتاظ عمر من كلامه، ثمّ صرف بوجهه عنه و نادی بأصحابه : ما ننظرون به؟ احملوا بأجمعكم، إنّما هي أكلة واحدة
2- البريّة: الخَلْق، الجمع : برایا.
3- الإخلاص : التوحيد وهي كلمة : «لا إله إلّا اللّه». الضمير : السرّ.
4- أصنها: أحفظها. زغت : عدلت عن. ومالت وانحرفت. البطالة : العطلة عن العمل. التواني: التقصير والفتور. وتوانى عن العمل : قصر فيه ولم يهتم به.
5- الأماني : المفرد: الأمنية؛ أي : البُغية وما يَتَمَنّى ويُقَدّر. قال تعالى في سوره النساء الآية 123 : «لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ».
6- إسرافي : أسرف : جاوز الحدّ فيه وأفرط، فهو مُسرف، والإسراف : التبذير ، وما أُنفق في غير طاعة. العنان : السحاب.
7- مصدر هذه الأبيات من كتاب : جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج 3 ص 15. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

صفات الطاغية

{52}

[755]

عن علي بن عيسى الإربلي(1) ، عن ابن الخشاب(2): قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

اللّه يعلم أنّ ما***يبدي يزيد لغيره

وبأنّه لم يكتُب*** ه بخيره و بمیره(3)

لو أنصف النفس الخؤو*** ن لقصرت من سيره(4)

ولكان ذلك منه أد***نی شرّه مِن خیره(5)(6)

ص: 227


1- علي بن عيسى: ابن أبي الإربلي، منشیء مترسل، من الشعراء، كتب لمتولي إربل، ثمّ قدم ببغداد في ديوان الإنشاء، له کتب عديدة منها : المقامات الأربع، ورسالة الطيف ، وكشف الغمّة بمعرفة الأئمة، وحياة الإمامین زین العابدين ومحمّد الباقر، كان أبوه والياً بإربل، توفّي سنة 692ه الموافق 1193 م. (أُنظر فوات الوفيات: ج 2 ص 66، ومجلّة الكتاب : ج 10 ص 361، والأعلام : ج319 4).
2- ابن الخشاب : هو محمّد بن عبدالرحمن بن الحسين التغلبي، أبوالفتح، ابن الخشاب ، كاتب مترسل حسن العبارة، قدم بغداد مراراً، ويظهر من أبيات قيلت فيه أنّ أباه کان نجاراً، توفّي سنة 540ه الموافق 1145م. (أُنظر : الوافي بالوفيات : ج 1 ص 159، وشذرات الذهب : ج4 ص 79، والّذيل على طبقات الحنابلة : ج 1 ص 212، والأعلام : ج 7 ص 23).
3- الميرة : مار أهله : جلب إليهم الميرة، وهي الطعام من الحبّ والقوت فهو مائر، الجمع : مُيّار. وامتار لأهله. تطلب لهم الميرة، أتاهم بالميرة.
4- الخؤون: خانه خوناً وخيانة ومخانة : لم ينصحه حين ائتمنه. وخانه العهد: لم يدع عهده، فهو خائن، وهي خائنة : الجمع : خُوّان، وخَونَة، وهو خوّان، وهو وهي : خؤون.
5- أدنى : أقرب، وأقل، وأذل.
6- مصدر هذه الأبيات : من أعيان الشيعة : ج 1 ص 621 وکشف الغمّة : ج 2 ص 35. ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ).

سيطول بعدي يا سكينة

{53}

[756]

سيطول بعدي يا سكينةُ فاعلمي***منك البكاء إذا الحمام دهاني

لاتحْرقي قلبي بدمعك حسرةٌ***مادام منّي الروحُ في جثماني

وإذا قتلتُ فأنتِ أولى بالّذي***تأتينَه يا خِيَرَة النسوان(1)

هد ركني أبو شبر

{54}

[757] روی زید بن علي : عن الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ): لمّا قتل أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) سمعتُ جنّية ترثيه بهذه الأبيات :

لقد هدّ ركني أبوشبّر***فماذاقت العين طيب الوسن

ولا ذاقت العین طیب الكرى*** وألقيت دهري رهين الحزن

و أقلقني طول تذكاره***حرارة ثكل الرقوب الشسن(2)

أخي اعتبر و لا تغترر

{55}

[758] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ما يحفظ اللّه يُصَن***ما يصنع اللّه يَهُن(3)

ص: 228


1- مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 119 «فصل في مقتله (عَلَيهِ السَّلَامُ)».
2- بحار الأنوار : ج 42 ص 241 وعنه كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 155 ح 132.
3- يَصَن: مضارع: صان؛ أي : حفظ في مكان أمين فهو مصون وهي مصونة. يهن : يسهل بلا عناء. قال تعالى في سورة مريم الآية 9: «هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ».

من یُسعِد اللّه یَلن****له الزمانُ إن خشن(1)

أخي اعتبر لاتغترِر***كيف ترى صرف الزمن(2)

يُجزى بما أُوتي مَن***فعل قبيح أو حسن(3)

أفلح عبد کُشِف***الغطاء عنه ففَطن(4)

وقرّ عيناً من رأى***أنّ البلاء في اللسن(5)

فماز من ألفاظه***في كلّ وقت ووزن(6)

و خاف من لسانه***عزباً حديداً فحزن(7)

ومن يكن معتصماً***باللّه ذي العرش فلن(8)

يضُرُّه شيءٌ ومَن***يعدي على اللّه ومَن(9)

من يأمن اللّه يخف***وخائف اللّه أمن(10)

ص: 229


1- خشن : صعب، وضدّ اللين.
2- تغترر : تنخدع وتطمع بالباطل. قال امرؤ القيس : أغرّك مني أنّ حبّكِ قاتلي***وأنّك مهما تأمري القلب يفعل صرف الزمن : نوائبه وحدثانه، الجمع : صروف. قال الشاعر : فلم أر کالأيّام للمرء واعظاً***ولا كصروف الدهر للمرء هادياً
3- القبيح : ضدّ الحسن، وهو ما نفر منه الذوق السليم، وما كره الشرع اقترافه، وما أباه العرف العام، الجمع: قباح.
4- کشف الغطاءك بان ووضح، وظهر على حقيقته. فطن : تنبّه.
5- قرّ عيناً : سر ورضي. البلاء : المصيبة والمحنة تنزل بالمرء.
6- ماز : عزل و فرز.
7- العزب: البعد والغياب قال النابغة الذبياني : وصدر أراح الليلُ عازب همّه***تضاعف فيه الحزن من كلّ جانب
8- العرش : الملك.
9- يعدي : يتجرّأ.
10- خائف اللّه : الّذي يخشع ويخضع لأوامر اللّه.

و مالمايثمره ال***خوفُ مِن اللّه ثمن(1)

ياعالمَ السرّ كما***يَعْلَم حقّاً ماعلن(2)

صلّ على جدّي أبي*** القاسم ذي النور المُبَن(3)

أكرم من حيّ ومن***لُفِّفَ ميتاً في الكفن(4)

وامنُن علينا بالرضا***فأنت أهلٌ للمنَن(5)

واعفنا في ديننا***من كلّ حُسْر وغُبُن(6)

ماخاب من خاب کمن***يوماً إلى الدنيا ركن(7)

طوبى لعبد كشفت***عنه غيابات الوَسَن(8)

ومَوْعِد اللّه وما*** يقضي به اللّه مكن(9)(10)

ص: 230


1- يثمره: ينضجه ویکیه.
2- السرّ: مایکتمه المرء في نفسه من الأُمور. وهو هنا إشارة إلى الآية 7 من سورة طه : «يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى».
3- أبو القاسم: كنية الحبيب المصطفى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). أخرج البخاري في صحيحه: (ج3 ص86) و(ج4 ص 103 و 226)، (ج5 ص 52 و53 و45) وأحمد في المسند: ج 3 ص 170 و 369، والهيثمي في مجمع الزوائد : ج 8 ص 48)، والبيهقي في السنّة الكبرى : (ج 9 ص 308)، والهندي في كنز العمال : (45216) و (45217) و (45249): «سموا بإسمي ولا تكنوا بکنیتی».
4- الكفن : ثياب يلف فيها الميّت، الجمع : أكفان.
5- المنن : المفرد: المنّة؛ أي : الإحسان والإنعام.
6- الحسر : الضلال و الهلاك والخسارة. الغبن : الظلم، والخديعة في البيع والشراء.
7- خاب : حرم وخسر ولم يظفر بما طلب. رکن : مال وسكن واطمأن : قال تعالى في سورة هود الآية 113: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا».
8- الطوبی: الحسنى، والخير، وكل مستطاب في الجنّة من بقاء بلا فناء، وعزّ بلا زوال، وغني بلا فقر. الوسن : النعاس، وأوّل النوم أو ثقله.
9- موعد اللّه : أي اللقاء بين يدي اللّه جلّ جلاله.
10- مصدر هذه الأبيات من کتاب کشف الغمّة : ج 2 ص 36 - 37. ديوان الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

غدر القوم

{56}

[759] قال سيد الشهداء الحسين بن (عَلَيهِما السَّلَامُ)يوم عاشوراء(1):

غدر القوم وقِدْماً رغبوا***عن ثواب اللّه ربّ الثقلين(2)

قتلوا قِدْماعليّاً وابنه*** حسن الخير كريمَ الأبوين(3)

حنقاً منهم وقالوا أجمعوا*** نفتكُ الآن جميعاً بالحسين(4)

یالقوم لأُناس رُذّل***جَمَعوا الجمع لأهل الحرمین(5)

ثمّ ساروا وتواصَوا كلُّهم***باجتياحي للرضا بالمُلحَدين(6)

ص: 231


1- یوم عاشوراء : اليوم العاشر من محرّم. وفيه كان استشهاد الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصحبه وبعض أهل بيته دفاعًا عن الحقّ أمام الطغمة الكافرة.
2- غدر: نقض عهده وترك الوفاء به فهو غادر، الجمع: غدرة، وغادرون، وغدار. والغدر : ترك الوفاء، ونقض الذمام والعهد. الثواب : الجزاء بالخير والشرّ، وهو في الخير أكثر استعمالاً، والعطاء، قال تعالى في سورة آل عمران، الآية 190: «وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ».
3- علي : هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ). الحسن : هو الامام الحسن بن علي المجتبى (عَلَيهِما السَّلَامُ).
4- الحنق : الغيظ أو شدّته ، أجمعوا: أجمع القوم على كذا : اتفقوا عليه. نفتك : فتك فتكاً : ركب ما تدعو إليه نفسه غير مبال بالعواقب، وفتك فلان بفلان : بطش به، أو انتهز منه غفلة فقتله أو جرحه، وقيل : قتله مجاهرة ! فهو فاتك، الجمع : فتاك.
5- الرَذَل : الرّديء من كلّ شيء والخسيس. الجمع: القوم المجتمعون. الحرمان : حرم مكّة وحرم المدينة. وتبعد حدود الحرم عن مكّة: من جهة المدينة المنوّرة ثلاثة أميال ، ومن جهة العراق سبعة أميال، ومن جهة الطائف عشرة أميال، ومن جهة جدّة عشرة أميال، ومن جهة الجعرانة تسعة أميال، ومن جهة اليمن سبعة أميال، وحدود حرم المدينة : ما بين جبليها طولاً، ومابين لابتيها عرضاً.
6- تواصَوا: أوصى بعضهم بعضا. قال تعالى في سورة العصر الآية 3: «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ». اجتياحي: جاح: أهلك، واجتاحه الدهر : أهلكه، وأهلك ماله. الملحدان : المفرد: الملحد؛ أي : الطاعن في الدين والمائل عنه، الجمع: ملحدون، وملاحدة.

لم يخافوا اللّه في سفك دمي*** لعبید اللّه نسل الفاجرين(1)

وابنُ سعد قد رماني عِنْوة***بجنود کوکوف الهاطلين(2)

لالشيء كان منّي قبل ذا***غي فخري بضياء الفرقَدين(3)

بعليّ الخير من بعد النبيّ***والنبيّ القرشيّ الوالدين(4)

خيرةُ اللّه من الخلق أبي***ثمّ أُمّي فأنا ابن الخيرتين(5)

فضّة قد خَلُصَت من ذهب***فأنا الفضّة وابن الذهبين(6)

من له جدّ كجدّي في الورى***أو کشيخي فأنا ابنُ القمرين(7)

فاطمُ الزهراءُ أُمّي، وأبي***قاصمُ الكُفر ببدر وحُنَين(8)

ص: 232


1- سفك الدم : صبّه وأراقه فهو مسفوك، وسفي، وسفك الدم : قتله فهو سافك وسفّاك.
2- ابن سعد: هو عمر بن سعد بن أبي وقّاص الزهري المدني، أمير من القادة، سيّره عبيد اللّه بن زیاد على أربعة آلاف لقتال الديلم، وكتب له عهده على الريّ، ثمّ لمّا علم ابن زیاد بمسير الحسين بن علي رضي اللّه عنه من مكّة متّجهاً إلى الكوفة، كتب إليه أن يعود بمن معه، فعاد، فولّاه قتال الحسین، فاستعفاه ، فهدّده، فأطاع، وتوجّه إلى لقاء الحسين، فكانت الفاجعة بمقتله، وعاش عمر إلى أن خرج المختار الثقفي يتتبع قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فبعث إليه من قتله بالكوفة سنة 66ه الموافق 686م. (أُنظر : طبقات ابن سعد: ج 5 ص 125، والمسعودي طبعة باريس : ج 5 ص 143 و 147 و174 و196، والکامل لابن الأثير : ج 4 ص 21 وما بعدها. والأعلام : ج5 ص 47). العنة : القهر والقسر. الوكوف: وكف الدمع ونحوه : سال وقطر قليلاً قليلاً. الهاطل : هطل المطر هطلاً وهطلاناً وتهطالاً : نزل متتابعاً متفرّقعاً عظیم القطر، فهو هاطل.
3- الفرقدان : المفرد: الفرقد : اسم النجمين من نجوم الدبّ الأصغر، وهما فرقدان.
4- علي : هو علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه.
5- خيرة اللّه : الفاضلة من كلّ شيء. الخلق : الناس.
6- خلصت : صنعت وزالت عنه ما يشوبه.
7- من له جدّ کجدّي : نعم الجدّ جدّك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). الورى : الخلق.
8- فاطم الزهراء : السيّدة فاطمة الزهراء ابنة الحبيب المصطفی (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قاصم : قصم الشی کسره کسراً فيه انفصال، وأهلکه. بدر : قرية إلى الجنوب الغربي من المدينة حدثت فيها الموقعة بين المسلمين، من المهاجرين والأنصار، وبين المشركين من قريش. انتصر فيها المسلمون وتوطد سلطان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والإسلام سنة 624م. حنين : واد بين مكّة والطائف جمع عنده مالك بن عوف الغفري قبائل هوازن لحرب المسلمين بعد أن فتح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مكّة، فسار رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليهم بجيش الفتح والمكّيين وانتصر عليهم وحاز المسلمون غنائم عظيمة سنة 8 ه سنة 630م

وله في يوم أُحدٍ وقعة***شفت الغُلّ بفضّ العسكرين(1)

ثمّ بالأحزاب و الفتح معاً***كان فيها حتفُ أهل القبلتين(2)

في سبيل اللّه ماذا صنعت***أُمّة السوء معاً بالعترتین(3)

عترة البِرّ النبيّ المصطفى***وعلى الورد بين الجحفلين(4)(5)

ص: 233


1- أحد: جبل يقع شمال المدينة ، عنده جرت المعركة بين المسلمين و مشركي قريش بقيادة أبي سفيان، فجرح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). وقتل عمّه حمزة (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفريق من المسلمين سنة 3 ها الموافق 625م. الغلّ: الحقد الكامن والعداوة.
2- الأحزاب : هي المعركة الّتي حاصر بها القريشيون المدينة بعد أن تحزّب المشركون من قریش وغطفان وبني مرة وأشجع بقيادة أبي سفيان بتحريض من يهود قريظة والنضير، فأشار سلمان الفارسي رضي اللّه عنه بحفر الخندق. فامتنع به المسلمون، ولم يكن قتال إلّا مع نفر اقتحموا الخندق وقتل بعضهم، وعاد المحاصرون إلى مكّة سنة 5ه الموافق 627م. الفتح : أي : فتح مكّة حيث سار رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بجيش من المسلمین تعداده 10 آلاف مقاتل، ودخل مكّة من أبوابها وفتحها وكسر الأصنام الّتي كان يعبدها المشرکون وطهّر الكعبة المشرّفة منها. الحتف : الموت.
3- أُمّة السوء: أهل الكفر. العترة : نسل الرجل ورهطه و عشيرته الأدنون ممّن مضى.
4- الجحفلان : المفرد: الجحفل ؛ أي : الجيش الكثير فيه خيل، الجمع: جحافل.
5- مصدر هذه الأبيات من كتاب: مطالب السؤول : ص 72، وأئمّتنا : ج 1 ص 224 و225. وأورده الطبرسي في الإحتجاج : ج 2 ص 25 و 26 هكذا:. أنّه لمّا قُتل أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأقاربه، وبقي فريداً ليس معه إلّا ابنه عليّ زينُ العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وابنُ آخر في الرضاع اسمه عبداللّه، فتقدّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى باب الخيمة فقال : ناولوني ذلك الطفل حتّى أُودّعه ! فناولوه الصبي جعل يقبّله وهو يقول : یا بني ويل لهؤلاء إذا كان خصمهم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، قيل : فإذا بسهم قد أقبل حتّى وقع في لبّة الصبي فقتله ، فنزل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن فرسه و حفر للصبي بجفن سيفه و رمله بدمه ودفنه ، ثمّ وثب قائماً وهو يقول : كفر القوم وقِدْما رغبوا***عن ثواب اللّه ربّ الثقلين إلى آخره وزاد فيه : عبداللّه غلاماً يافعا***وقريش يعبدون الوثنين وقلى الأوثان لم يسجد لها***مع قريش لا ولا طرفة عين طعن الأبطال لمّا برزو***يوم بدر وتبوك وحنين

الوقوع في البلايا

{57}

[760] قال الإمام الشهيد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

وقعنا في الخطايا والبلايا***وفي زمن انتقاض واشتباه(1)

تفاني الخير، والصُلَحاء ذلّوا***وعَزّ بذلّهم أهلُ السَفاه(2)

وباء الآمرون بكلّ عُرْف*** فماعن منکر في الناس ناه(3)

فصار الحُرّ للمملوك عبداً***فما للحُرّ من قدر وجاه(4)

ص: 234


1- البلايا : المفرد: البلوة، أي : الاختيار والمصيبة. الفساد.
2- تفاني : أفنى بعضهم بعضاً. قال زهير بن أبي سلمى : تدار کتما عبيساً و ذُبيان بعد ما*** تفانوا، ودقوا بينهم عطر منشم السافه : المفرد: السفيه ؛ أي : من يسوء تصرّفه في ماله، والجاهل. قال المعرّي : ولا تجلِس إلى أهل الدنايا***فإنّ خلائق السفهاء تُعْدي
3- العُرف: ضدّ النكر.
4- الحرّ: الكريم، الجمع : أحرار. نقيض المملوك. المملوك : كلّ مامُلك، الرقيق من البشر. القدر: الحرمة والوقار والمنزلة المعنوية. الجاه: القدر والمنزلة.

فهذا شُغلُه طمَع وجمْع***وهذا غافلٌ سکران لاه(1)(2)

مناجاة العارفین

{58}

[761}

ياربّ ياربّ أنت مولاه***فارحم عُبَيداً إليك ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمَدي***طوبى لمن كنتَ أنت مولاه

طوبى لمن كان خائفاً أرقاً***يشكو إلى ذي الجلال بلواه

ومابه علّةٌ ولاسَقَم***أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكی بثَّه وغصّتَه***أجابه اللّه ثمّ لبّاه

إذا ابتُلِي بالظلام مبتهلاً***أكرمه اللّه ثمّ أدناه(3)

ص: 235


1- الطمع : الرغبة في الشيء واشتهاؤه.
2- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج3 ص 16. وعنه ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
3- مناقب آل أب طالب : ج 4 ص 76 - 77 «في مكارم أخلاقه (عَلَيهِ السَّلَامُ)» وفيه : أنّه سایر أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى، ثمّ قال: اذهب عنّي قال أنس: فاستخفيت عنه، فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلاً : الخبر. فنودي : لبّيك عبدي وأنت في كنفي***وكلّما قلت قد علمناه صوتك تشتاقه ملائكتي***فحسبك الصوت قد سمعناه دعاك عندي يجول في حُجَب***فحسبك الستر قد سفرناه لو هَبّت الريح من جوانبه***خرّ صريعاً لماتغشّاه سلني بلا رغبة ولا رهب***ولا حساب إنّي أنا اللّه

أبدأ بذلك الشاب

{59}

[762] روی محمّد بن أبي طلحة قال : إنّ أعرابيّاً دخل المسجد الحرام فوقف على الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، وحوله حلقة، فقال له بعض جلسائه :

أحدهم : هذا الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِما السَّلَامُ).

الأعرابي : إيّاه أردت.. بلغني أنّهم يتكلّمون فيعربون في كلامهم، وإنّي قطعت بوادي وقفاراً و أودية وجبالاً وجئت لأُطارحه الكلام، وأسأله عن عويص(1) العربيّة.

[فقال له جلیس الحسن ]:

الجليس : إن كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب.

[وأومأ إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فوقف عليه وقال له] :

الأعرابي : السلام عليك.

الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته... ما حاجتك؟

الأعرابي : إنّي جئتك من الهِرَقْل(2) والجَعْلل(3) والأينم(4) و الهمهم (5)

[فتبسّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال ]:

الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قل ما شئت، فإنّي مجيبك عنه.

الأعرابي : إنّي بَدَويّ، وأكثر مقالي الشعر ، وهو ديوان العرب.

الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قل ما شئت فإنّي مجيبك.

ص: 236


1- عويص : التوي وخفي وصعب، وخفي معناه و صعب فهمه.
2- الهرقل : ملك الروم.
3- الجعلل : النخل القصار.
4- الأينم : ضرب من النبات.
5- الهمهم : الكلام الخفي، يسمع ولا يفهم مضمونه. وهنا بمعنی : القليب الكثير الماء.

الأعرابي :

هفا قلبي إلى اللهو***وقد ودّع شرخيه(1)

وقد كان أنيقاً عصر***رُ تجراري ذيليه(2)

عيالات ولذّات***فیا سُقيا لعصريه(3)

فلمّا عمّم الشيبُ***من الرأس نطاقيه(4)

وأمسى قد عناني من***ه تجديدُ خِضابَيْه(5)

تسلّيت عن اللهو*** وألقيتُ قناعَیْه(6)

وفي الدهر أعاجيبُ***لمن يلبس حاليه(7)

فلو يعمل ذو رأي*** أصيلٌ فيه رأيي(8)

لألفى عِبرةً منه*** له في کر عصریه(9)

ص: 237


1- هفا: أسرع وخف إليه، وهنا القلب : خفق، قال أحمد شوقي :: وإذا مثّلنُه في خاطِري*** صفّق القلب إليه وهفا شرخيه : انشقاق في العظم أو الحائط ونحوهما لا يبلغ الفصل، وشرخ الأمر أو الشباب : أوّله نضارته وقوته.
2- تجراري : جري.
3- عيالات : أهل بيت الرجل الّذي يكفلهم ويعيلهم.
4- عمم : جعله عاماً ضد خصّص، وهنا بمعنى ألبسه العمامة. الشيب : بياض الشعر أو الشعر الأبيض نفسه.
5- عَناني : كلّفني مايشقّ علي. الخضاب : ما يخضب به من حَناء وغيره، وخضب شیبه بالحناء : غير لونه.
6- قناعية : القناع: ما يستر به الوجه، الجمع: أقنعة.
7- رأيه : الرأي : الاعتقاد، والنظر والتأمّل.
8- الأعاجيب : مصدر : عجب : أنكره لقلّة اعتياده إيّاه
9- أفي : الِف : أنس وأحب. العِبرة: العظة يتّعظ بها. قال تعالى في سورة آل عمران، الآية 13 : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ».

الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد قلت فاسمع منّي

[وأنشد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ارتجالاً لوقته ]:

فما رسم شجاني قد***محت آیات رسميه(1)

سَفورٌ درّجت ذیلین***في بوغاء قاعیه(2)

هَتوفٌ حَرجَفٌ تترى***على تلبید ثوبيه(3)

وولاجٌ مِن المُزْن***دنا نَوْءُ سماکیه(4)

أتى مُثْعَنْجِرَ الودق***بجود في خلالَيه(5)

وقد أحمد برقاه***فلاذمّ لبرقَيه(6)

وقد جلّل رعداه***فلاذمّ لرعدَيه(7)

ثَجيجُ الرعد ثَجّاج***إذا أرخى نطاقَيه(8)

ص: 238


1- شجاني : أحزنني.
2- سفور: سفرت المرأة سفوراً: كشفت عن وجهها فهي سافر وسافرة، وهنّ سوافر. بوغاء: التربة الرخوة كأنّها ذريرة. القاموس المحيط (1007).
3- هتوف : الهتاف : الصوت العالي الّذي يرفع تمجيداً أو استنكاراً أو احتفاء بعظيم. حرجف : الريح الباردة الشديدة الهبوب مع جفاف، وليلة حرجف: باردة الريح. تترى : جاؤوا تترى. متتابعين أو فرادى أي واحدة بعد واحد. تلبید ثوبيه : تداخل ولزق بعضه ببعض.
4- الولاج: الكثير الولوج، يقال : فلان خَراج وولاج، أي : واسع الحيلة. المزن: السحاب أو أبيضه أو ذو الماء منه، وحب المزن : البرد. قال تعالى في سورة الواقعة، الآية 69: «أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ».
5- المعنجر: السائل من ماء أو دمع. الودق : المطر الشديد وضعيفه.
6- برقاه : البرق: شرارات كهربائيّة بين الغيوم، ويتولد من احتكاك الغيوم المشحونة بالكهرباء.
7- رعداه : الرعد: الصوت الّذي يسمع من السحاب عقب ومیض البرق، الجمع: رعود
8- ثجيج: ثجيج الماء : أساله، فهو مثجوج، وثجّ الماء ثجوجاً : انصبّ فهو ثاج، وثجاج. قال تعالى في سورة النبأ الآية 14 : «وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا».

فأضحى دارساً قفراً***لِبَيْنونَةَ أهلَيه(1)

[فقال الأعرابي لمّا سمعها]::

الأعرابي : مارأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام کلاماص، وأذرب لساناً، ولا أفصح منه منطقاً.

[فقال له الإمام الحسن رضي اللّه عنه ]:

الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أعرابي..

غلام کرّم الرحمنُ***بالتطهير جدّيْه(2)

کساه القمر القَمْقا***مُ مِن نور سَنائَيه(3)

وقد أرصنتُ مِن شِعْري***وقوّمتُ عُروضَيه(4)(5)

[فلمّا سمع الأعرابي قول الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال] :

الأعرابي : بارك اللّه عليكما... مثلكما تُجلّه الرجال، فجزاكم اللّه خيراً. [وانصرف].

ص: 239


1- دارس: عفا وذهب أثره وتقادم عهده. القفر : الخلاء من الأرض، وأرض قفر أو قفرة : خالية، الجمع: قفار (أقول) : أجاب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الأعرابي على البديهة بما هو أغرب من سؤاله، وبتسعة أبيات بقدر أبياته التسعة.
2- جدّيه : رسول اللّه الحبيب المصطفى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والسيّدة خديجة بنت خويلد (عَلَيهَا السَلّام).
3- القمقام: كلمة معربة و أصلها القمقم : إناء من نحاس أو فضّة أو خزف صيني، يُجعل فيه ماء الزهر أو الورد. سنائیه: الضوء أو ضوء البرق، وسنا في حسنه : ارتفع فهو سني الحسب.
4- أرصنت : ثبّتّ. عروضية: العروض علم موازين الشعر، والعروض من البيت : الجزء الأخير من الشطر الأوّل، الجمع : أعاري.
5- مصدر هذه الأبيات من مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 181 - 183، وعنه ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

ذهب الّذين أحبهم

{60}

[763] قال أبو عبداللّه الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلّب بن هاشم بن عبد مناف بن قصّي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ذهب الّذين أُحبّهم***و بقيت فيمن لا أُحبّه

في من أراه يسبّني***ظهر المغيب ولا أسبّه

يبغي فسادي ما استطاع***و أمره ممّا أربّه

ويرى ذُباب الشرّمن***حولي يطن ولا يذبّه

وإذا خبا(1) وغر الصدور(2)***فلايزال به يشبّه(3)

أفلایعيج(4) بعقله***أفلايثوب(5) إليه لبّه(6)

أفلايرى أنّ فعله***ممّا يسور إليه غبّه

حسبي بربّي كافياً***ما أختشي والبغي حسبة

ولقلّ من يبغى عليه***فما كفاه اللّه ربّه(7)

ص: 240


1- خبا : سكن.
2- و غر الصدور : حرّها.
3- يشبّه : يشمله ويوقده.
4- يعيج: يقيم ويرجع.
5- يثوب : يرجع
6- اللبّ: العقل.
7- کشف الغمّة : ج 2 ص 245 : قال الإربلي: وأمّا شعر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقد ذكر الرواة له شعراً ووقع إليّ شعره (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخطّ الشيخ عبداللّه بن أحمد بن الخشاب النحوي (ره) وفيه قال أبو مخنف لوط بن يحيى: أكثر ما يرويه الناس من شعر سيّدنا أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّما هو ما تمثّل به وقد أخذت شعره من مواضعه واستخرجته من مظانّه و أماكنه، ورويته عن ثقات الرجال منهم عبدالرحمن بن نجبة الخزاعي، وكان عارفاً بأمر أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) ومنهم : المسيّب بن رافع المخزومي و غيره رجال كثير ولقد أنشدني يوماً رجل من ساکني سلع (بفتح السين : موضع بقرب المدينة) هذه الأبيات فقلت له اكتبنيها فقال لي : ما أحسن رداءك هذا، وكنت قد اشتريته يومي ذاك بعشرة دنانير فطرحته عليه فأكتبنيها وهي: وعنه بحار الأنوار : ج 78 ص 122 وأعيان الشيعة : ج 1 ص 621.

السبت إلى المعالي

{61}

[764]

سبقتُ العالمين إلى المعالي***بحسنٍ خليقة و علوّ همّة

ولاح بحكمتي نورُ الهدى في***ليالٍ في الضلالة مدلهمّة

يريد الجاحدون ليطفؤُه***ويأبى اللّه إلّا أن يتمّه(1)

شيعتي اذكروني

{62}

[765]

شيعتي ماإن شربتم***ريَّ عذبٍ فاذكروني

أو سمعتم بغريبٍ***أو شهیدٍ فاندبوني(2)

ص: 241


1- مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 72 - 73 «في محبة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إيّاه (عَلَيهِ السَّلَامُ) » ؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 193 - 194 «باب 26 مکارم أخلاقه - تاريخ الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)» ؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 69 ح 2 «باب 7 زهده (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أبواب مکارم أخلاقه ومحاسن أوصافه وسيرته - في الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ).
2- مستدرك الوسائل : ج 17 ص 26 ح 1 (باب 22 استحباب ذكر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولعن قاتله عند شرب الماء) وفيه : عن سكينة بنت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قالت : لمّا قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، اعتنقته فأُغمي عليّ فسمعته يقول : الخبر. وفي ذيله : فقامت مرعوبة قد قرحت مآقيها، وهي تلطم على خدّيها.

التوبة إلى اللّه

{63}

[766] قال الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ):

فإنّ اللّه توّابٌ رحیم***وليّ قبول توبة كلّ غاوي

أُؤمّلُ أنْ يُعافيني بعفو***و يُسِخنَ عینَ إبليسَ المُناوي

وينفعني بموعظتي وقولي***وينفع كلّ مستمع وراوي

ذنوبي قد کوت جنبي کيّاً***ألا إنّ الذنوب هي المَكاوي

فليس لمن كواه الذنبُ عمداً***سوى عفو المهيمن من مُداوي (1)

ص: 242


1- جمال الخواطر في عجائب الكون و غرائبه النوادر : ج 3 ص 15 و 16.

کن بشاٌ كريماً

{64}

[767] قال أبو عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ):

وكن بشّاً کریماً ذا انبساط****وفيمن يرتجيك جميل رأي(1)

بعيداً عن سماع الشرّ سمحاً***نقيّ الكفّ عن عیب وثأي(2)

مُعيناً للأرامل واليتامى***أمين الجيب عن قرب ونأي(3)

وَصولاً غير محتشم زكيّاً***حميدَ السعي في إنجاز وأي(4)

تلقّ مواعظي بقبول صدقٍ***تَفُزْ بالأمن عند حلول لأي(5)(6)

ص: 243


1- البش: لقاء الآخرين بوجه طلق فرحاً، والبشاشة : طلاقة الوجه.
2- السمح : سمح فلان : جاد وأعطى عن كرم وسخاء. نقي الكفّ: طاهر اليد. الثأي : الخرم والفساد، والضعف.
3- الأرامل : المفرد: الأرمل : الّذي ماتت زوجته، والفقير لا زاد عنده. النأي : البُعد.
4- محتشم: من حشم والحشمة : الحياء والانقباض.
5- اللأي : الإبطاء والشدّة، واللأواء : ضيق المعيشة، والشدّة. يقال : هم في لأواء العيش ؛ أي : في شدّته.
6- مصدر هذه الأبيات من كتاب: جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر : ج3 ص 17. ديوان الإمام الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

ص: 244

من كراماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)

اشارة

ص: 245

والد الأئمة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ)

{1}

[798] قالت لي أُمّي فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) لمّا ولدتك دخل إلىّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فناولتك إيّاه في خرقة صفراء، فرمى بها وأخذ خرقة بيضاء لفّك بك، وأذّن في أُذنك الأيمن وأقام في الأيسر، ثمّ قال : يا فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) خذيه فإنه أبو الأئمّة، تسعة من ولده أئمّة أبرار والتاسع مهديّهم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).(1)

زین السماوات والأرض

{2}

[769] دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعنده أُبيّ بن كعب.

فقال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مرحبا بك يا أبا عبد اللّه يا زينَ السماوات والأرض.

فقال له أُبيّ: وكيف يكونُ يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) زينَ السماوات والأرض أحدٌ غيرك؟

فقال له: يا أُبيّ والّذي بعثني بالحقّ نبياً إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، فإنّه لمكتوب عن يمين العرش مصباحُ هدى وسفينةُ نجاة ، وإمامُ خير ويُمن، وعزّ وفخر وبحرُ علم وذخر [فلِمَ لا يكون كذلك] وانّ اللّه عزّ وجلّ ركّب في صلبه نطفةً طيبةً مباركة زكيّة خُلِقَت من قبل أن يكون مخلوقٌ في

ص: 246


1- بحار الأنوار: ج 3 ص 352 ح 222 «الباب 41 في نصوص الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) » بهذا الإسناد : علي بن الحسن، عن محمّد، عن أبيه، عن علي بن قابوس القمي بقم، عن محمّد بن الحسن ، عن يونس بن ظبيان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر.

الأرحام أو يجري ماءاً في الأصلاب، أو يكون ليل ونهار.(1)

إخبار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) بعده

{3}

[770] دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو متفکّر مغموم، فقلت : يا رسول اللّه مالي أراك متفكّراً؟ فقال : يا بنيّ إنّ الروح الأمين قد أتاني فقال : يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )العلّي الأعلى يقرؤك السلام ويقول لك : إنّك قد قضيت نبوّتك واستكملت أيّامك، فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة عند علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فإني لا أترك الأرض إلّا وفيها عالم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي، فإنّي لم أقطع علم النبوّة من الغيب من ذريّتك ، كما لم أقطعها من ذريّات الأنبياء الّذين كانوا بينك وبين أبيك آدم، قلت : يا رسول اللّه فمن يمنك هذا الأمر بعدك ؟ قال : أبوك عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخي وخليفتي، ويملك بعد علي الحسن ثمّ تملكه أنت وتسعة من صلبك، يملکه اثناعشر إماماً ، ثمّ يقوم قائمنا يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً يشفي صدور قوم مؤمنين من شیعته.(2)

ص: 247


1- كمال الدين : ج 1 ص 264 - 269 ح 11ب 24؛ وعيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): ج 1 ص 59 - 64 ح 29 ب6؛ واعلام الوری : ص 400 - 404 : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليبي، عن محمّد بن الفضل النحوي، عن محمّد بن علي بن عبدالصمد الكوفي، عن عليّ بن عاصم ، عن محمّد بن علي بن موسى، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال :... .
2- بحار الأنوار: ج 36 ص 345 - 346 ح 212 «باب 41 نصوص الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) - تاريخ أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)» بهذا الإسناد : علي بن الحسن بن محمّد، عن محمّد بن الحسين بن الحكم الكوفي ببغداد، عن الحسين بن حمدان الحصيبي، عن عثمان بن سعيد العمري، عن أبي عبداللّه محمّد بن مهران، عن محمّد بن إسماعيل الحسني، عن خلف بن المفلس، عن نعیم بن جعفر ، عن الشمالي، عن الكابلي، عن علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر.

والد السادة الكرام

{4}

[771] كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )يقول فيما بشّرني به : يا حسين أنت السيّد ابن السيد أبو السادة، تسعة من ولدك أئمّة أبرار والتاسع قائمهم، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمّة تسعة من صلبك أئمّة أبرار والتاسع مهديّهم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، يقوم في آخر الزمان كما قمت في أوّله.(1)

ماذا عن أولي الأمر ؟

{5}

[772] روي عن سلیم بن قیس الهلالي أنه قال : قلت لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي سمعت من سلمان ومقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) غير ما في أيدي الناس، ثمّ سمعت منك تصديق ماسمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك كلّه باطل، أفترى الناس يكذبون على

ص: 248


1- بحار الأنوار: ج 3 ص 344 ح 210 «باب 41 في نصوص الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)» بهذا الإسناد : عليّ بن الحسين بن محمّد، عن محمّد بن الحسين بن الحكم الكوفي، عن عليّ بن العبّاس بن الوليد البجلي، عن جعفر بن محمّد المحمّدي، عن نصر بن مزاحم، عن عبداللّه بن إبراهيم، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر.

رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) متعمدين ويفسّرون القرآن بآرائهم؟

قال : فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد سألت فافهم الجواب : إنّ ما في أيدي الناس : حقّ و باطل، وصدق و کذب، وناسخ و منسوخ، وخاص وعام، ومحکم و متشابه ، وحفظ ووهم.

وقد کُذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على عهده حتّى قام خطيبة فقال : أيّها الناس، قد كثرت الكذابة عليّ (1) فمن كذب عليّ متعمداً فلیتبّوأ مقعده من النار، ثمّ كذب عليه من بعد.

وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :

رجل منافق مظهر للإيمان ، متصنّع بالإسلام، لا يتأثمّ ولا يتحرّج أن يكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) متعمداً. فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا صحب(2) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ورآه وسمع منه، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبر اللّه تعالى عن المنافقين بما أخبر، ووصفهم بما وصفهم، فقال : «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» (3) ثمّ تفرّقوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فولّوهم الأعمال، وأكلوا بهم الدنيا، وحملوهم على رقاب الناس ، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم(4) اللّه، فهذا أحد الأربعة.

ورجل آخر سمع من رسول اللّه شيئاً لم يحفظه على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمّد كذباً، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول : أنا سمعته من

ص: 249


1- في المصدر : قد كثر الكذب عليّ.
2- في المصدر : صاحب.
3- سورة المنافقون، الآية 4.
4- في المصدر : عصمه اللّه.

رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شيئا أمر به، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء، ثمّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه أنه منسوخ الرفضوه.

ورجل رابع لم يكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، مبغض للكذب خوفاً من اللّه وتعظيماً لرسول اللّه، لم يسمعه بل حفظ ماسمع على وجهه، فجاء به کما سمع، لم يزد ولم ينقص، وعلم الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.

وإنّ أمر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مثل القرآن(1)، ناسخ و منسوخ، وخاص و عام، و محکم و متشابه. وقد كان يكون من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الكلام له وجهان : كلام عام و کلام خاص، مثل القرآن، قال اللّه تعالى : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(2) فاشتبه على من لم يعرف ماعنى اللّه ورسوله، وليس كلّ أصحاب رسول اللّه يسألونه ويستفهمونه، لأنّ فيهم قوماً كانوا يسألونه ولا يستفهمونه، لأنّ اللّه تعالى نهاهم عن السؤال، حيث يقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ* قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ».(3)

فامتنعوا من السؤال حتّى إن كانوا يحبّون أن يجيء الأعرابي والبدوي فيسأل وهم يسمعون.

ص: 250


1- في المصدر : مثل القرآن كذلك.
2- سورة الحشر، الآية 7.
3- سورة المائدة، الآية 101 - 102.

وكنت أدخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في كلّ ليلة دخلة، وأخلو به في كلّ يوم خلوة، يجيبني عمّا أسأل، وأدور به حيثما دار، وقد علم أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد غيري، وربما كان ذلك في بيتي.

وكنت إذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه ، فلم يبق غيري وغيره، وإذا أتاني هو للخلوة وأقام من في بيتي لم يقم عنّا فاطمة ولا أحد ابناي.(1)

وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكتّ ونفدت مسائلي ابتدأني.

فما نزلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) آية من القرآن، ولا شيء علّمه اللّه تعالى من حلال أو حرام، أو أمر أو نهي، أو طاعة أو معصية ، أو شيء كان أو يكون، إلّا وقد علّمنيه وأقرأنيه، وأملاه عليّ وكتبته بخطّي، وأخبرني بتأويل ذلك وظهره وبطنه، فحفظته ثمّ لم أنس منه حرفاً.

وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا أخبرني بذلك كلّه يضع يده على صدري، ثمّ يقول: اللّهمّ املأ قلبه علماً، وفهماً، ونوراً، وحلماً، وحكماً وإيماناً وعلّمه ولا تجهّله، واحفظه ولا تنسه.

فقلت له ذات يوم : بأبي أنت وأُمّي يارسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، هل تتخوف علىّ النسيان؟

فقال : يا أخي، لست أتخوّف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني اللّه تعالى أنه قد استجاب لي فيك ولشركائك الّذين يكونون بعدك.

قلت : يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ومن شر كائي؟

قال : الّذين قرن اللّه طاعتهم بطاعته وبطاعتي.

قلت : من هم یا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟

قال : الّذين قال اللّه تعالى فيهم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا

ص: 251


1- في بعض النسخ : ولا أحداً من أبنائي.

الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ».(1)

قلت : يانبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، من هم؟

قال : هم الأوصياء بعدي، ولا يتفرّقون حتّى يردوا علىّ الحوض، هادين مهديّين، لا يضرّم کید من کادهم، ولا خذلان من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم، بهم تنتصر أُمّتي وبهم يُمطرون، وبهم يدفع البلاء، وبهم يستجاب لهم الدعاء.

قلت : يا رسول اللّه ، سمهم لي.

قال : أنت يا علي، ثمّ ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثمّ ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسين، ثمّ ابنه سميّك يا أخي سيد العابدین ، ثمّ ابنه يسمّى محمّداً، باقر علمي وخازن وحي اللّه، وسيولد في زمإنك يا أخي فاقرأه منّي السلام، ثمّ(2) تكملة اثني عشر إماماً من ولدك إلى مهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت قبله ظلماً و جوراً.

واللّه إنّي لأعرفه - يا سليم - حيث يبايع بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وقبائلهم.

قال سليم بن قيس : ثمّ لقيت الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بالمدينة بعد ما ملك معاوية، فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما، قالا: صدقت، قد حدثك أمير المؤمنين بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا ذلك عن رسول اللّه كما حدثك، فلم يزد فيه حرفة ولم ينقص منه حرفاً.

ص: 252


1- سورة النساء، الآية 59.
2- في ر، ج زيادة : «ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسی بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي الزكي، ثمّ من اسمه اسمي، ولونه الوني، القائم بأمر اللّه في آخر الزمان، مهدي أُمّة محمّد جدّه ، الّذي يملا...».

قال سليم بن قيس : ثمّ لقيت عليّ بن الحسين وعنده ابنه محمّد بن علي الباقر أبو جعفر ، فحدّثته بما سمعت من أبيه وماسمعته من أمير المؤمنين، فقال علي بن الحسين (عَلَيهِمَ السَّلَامُ) : قد أقرأني أمير المؤمنين من رسول اللّه وهو مريض وأنا صبي ، ثمّ قال أبو جعفر (عَلَيهِمَ السَّلَامُ): واقرأني جدّي من رسول اللّه وأنا صبي.(1)

عبيدك ببابك

{6}

[773] رؤى الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يطوف بالبيت، ثمّ صار إلى المقام فصلّی ثمّ وضع خدّه على المقام فجعل يبكي ويقول : عُبيدك ببابك، خُويدمُك ببابك، مسکینك ببابك ، يردّد ذلك مراراً، ثمّ انصرف فمرّ بمساكين معهم فلق خبزٍ يأكلون فسلّم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لولا أنّه صدقة لأكلتُ معكم ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قوموا إلى منزلي فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.(2)

و الكاظمين الغيظ

{7}

[774] جني له غلام جناية توجب العقاب ، فأمر به أن يضرب.

فقال : يا مولاي والكاظمين الغيظ.

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : خلّوا عنه.

فقال : يا مولاي والعافين عن الناس.

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد عفوتُ عنك.

ص: 253


1- الاعتقادات للصدوق (قدّس سرّه): ص 117 - 123.
2- إحقاق الحقّ : ص 423.

قال : يا مولاي واللّه يحبُّ المحسنين.

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت حرّ لوجه اللّه ولك ضِعف ما كنتُ أعطيك.(1)

من کرم سید الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{8}

[775 ]ممّا يدلّ على فتوّته و جوده وكرمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما رواه غير واحد من أعلام الفريقين.

فمنهم : العلامة المورخ محمّد بن مكرم المشتهر بان منظور الافريقي المتوفّى سنة 711 في «مختصر تاریخ دمشق لابن عساکر» : (ج 7 ص 31 ط دار الفكر) قال :

لم يخب اليوم من رجاك و من***حرك من خلف بابك الحلقة

فأنت جواد و أنت معتمد***أبوك قد كان قاتل الفسقة

قال : وكان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقفاً يصلّي، فخفّف من صلاته وخرج إلى الأعرابي، فرأى عليه أثر ضرّ وفاقة، فرجع فنادى بقنبر، فأجابه : لبّيك يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : ما تبقى معك من نفقتنا؟ قال : مائتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك. قال : فهاتها فقد أتى من هو أحقّ بها منهم، فأخذها من قنبر وخرج فرفعها إلى الأعرابي وأنشأ يقول:

خذها فإنّي إليك معتذر***واعلم بأنّي عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا للغداة عصا***کانت سمانا عليك مندفقة

لكنّ ريب المنون ذو نكد***والكفّ منّا قليلة النفقة

ص: 254


1- کشف الغمة : ج 2 ص 31؛ الفصول المهمّة: ص 168؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 195 قطعة من حديث 9.

فأخذها الأعرابي وولّي وهو يقول :

مطهّرون نقيّات جيوبهم***تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

فأنتم أنتم الأعلون عندكم***علم الكتاب وما جاءت به السور

من لم یکن علويّاً حين تنسبه***فماله في جميع الناس مفتخر(1)

اجعلهم أضيافاً لك

{9}

[776] وممّا روى في ذلك ما رواه القوم :

منهم العلامة أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد في مقتل الحسین» (ص 153 ط الغري) قال :

قال الحسن البصري:

كان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سيّداً زاهداً ورعاً صالحاً ناصحاً حسن الخلق ، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستانه، وكان في ذلك البستان غلام له اسمه صافي، فلمّا قرب من البستان رأى الغلام قاعداً يأكل خبزاً، فنظر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه وجلس عند نخلة مستتراً لا يراه ، فكان يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلى الكلب، ويأكل نصفه الآخر، فتعجّب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من فعل الغلام، فلمّا فرغ من أكله قال : الحمد اللّه رب العالمين، اللّهمّ اغفر لي، واغفر لسيّدي وابرك له كما باركت على أبويه برحمتك يا أرحم الراحمين.

فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا صافي.

ص: 255


1- ورواه أيضا الشريف علي فكري القاهري في «أحسن القصص»: ص 226. ورواه کمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة المولود 588 و المتوفّي 660 في «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ج6 ص2596 ط دمشق) قال :... .

فقام الغلام فزعاً وقال : يا سيّدي وسيّد المؤمنين إنّي ما رأيتك فاعف عنّي. فقال الحسين : اجعلني في حلّ یا صافي لأنّي دخلت بستانك بغير إذنك.

فقال الصافي : بفضلك يا سيّدي وكرمك وسؤددك تقول هذا.

فقال الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رأيتك ترمي بنصف الرغيف للكلب وتأكل النصف الآخر فما معنى ذلك؟

فقال الغلام : إنّ هذا الكلب ينظر إلىّ حين آكل، فأستحي منه يا سيّدي النظره إليّ، وهذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء فأنا عبدك، وهذا كلبك ، فأكلنا رزقك معاً.

فبكى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : أنت عتيق للّه وقد وهبتُ لك ألفي دينار بطيبة من قلبي.

فقال الغلام: إن اعتقتني فأنا أُريد القيام بیستانك.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ الرجل إذا تكلّم بكلام فينبغي أن يصدّقه بالفعل، فأنا قد قلت دخلت بستانك بغير إذنك، فصدّقت قولي، ووهبت البستان و ما فيه لك غير أنّ أصحابي هؤلاء جاءوا لأكل الثمار والرطب فاجعلهم أضيافاً لك وأكرمهم من أجلي أكرمك اللّه يوم القيامة ، وبارك لك في حسن خلقك و أدبك.

فقال الغلام: إن وهبت لي بستانك فأنا قد سبلته لأصحابك و شيعتك.

قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فينبغي للمؤمن أن يكون كنافلة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)

ص: 256


1- ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 446.

ما غمك يا أخي؟

{10}

[777] عمرو بن دینار قال : دخل الحسينُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أُسامة بن زيد وهو مريض، وهو يقول : واغمّاه، فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وما غمّك يا أخي؟

قال : دَيْني وهو ستون ألف درهم.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هو عليّ.

قال : إنّي أخشى أن أموت.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لن تموت حتّى أقضيَها عنك، قال : فقضاها قبل موته.(1)

إذا حيّتتم بتحيّة

{11}

[778] قال أنس : كنت عند الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فدخلتُ عليه جارية بطاقة ریحان، فقال لها : أنتِ حرّة لوجه اللّه، فقلت : تجيئك بطاقة ريحان لا حصر لها فتعتقها؟

قال : كذا أدّبنا اللّه، قال اللّه «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا»(2) وكان أحسن منها عتقها. (3)

ص: 257


1- مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 72 - 73 «فصل في مکارم أخلاقه».
2- سورة النساء، الآية 86.
3- کشف الغمّة : ج 2 ص 240 - 241؛ بحار الأنوار : ج 44، ص 195 ح 8 «باب 26 مکارم أخلاقه - تاريخ الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) » ؛ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي المتوفّي (855) ص 159 ط الغري.

نعم المحلّل کنت لكما

{12}

[779] عن عليّ بن خشرم سمعت يحيى بن عبداللّه بن بشير الباهلي، حدّثنا المبارك أو غيره، شكّ الباهلي، قال : بلغني أنّ معاوية قال ليزيد: هل بقيت لذّة من الدنيا لم تنلها؟ قال : نعم أم أبيها هند بنت سهيل بن عمر و خطبتها، وخطبها عبداللّه بن عامر بن کریز فتزوّجته وتركتني.

فأرسل معاوية إلى عبداللّه بن عامر وهو عامله على البصرة، فلمّا قدم عليه قال : إنزل عن أُمّ أبيها لوليّ عهد المسلمين يزيد.

قال : ما كنت لأفعل.

قال : أقطعك البصرة فإن لم تفعل عزلتك عنها.

قال : وإن. فلمّا خرج من عنده قال له مولاه: امرأة بامرأة أتترك البصرة بطلاق امرأة؟ فرجع إلى معاوية فقال : هي طلاق، فردّه إلى البصرة.

فلمّا دخل تلقّته أُمّ أبيها، فقال : استتري.

فقالت : فعلها اللعين واستترت..

قال : فعدّ معاوية الأيّام حتّى إذا انقضت العدّة وجّه أبا هريرة يخطبها ليزيد وقال له أمهرها بألف ألف، فخرج أبو هريرة فقدم المدينة، فمرّ بالحسين بن على (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ما أقدمك المدينة يا أبا هريرة؟

قال : أُريد البصرة أخطب أٌمّ أبيها لوليّ عهد المسلمین یزید.

قال : فترى أن تذكرني لها.

قال : إن شئت.

قال : قد شئت.

ص: 258

فقدم أبو هريرة البصرة فقال لها: یا أُمّ أبيها إنّ أمير المؤمنين يخطبك لوليّ عهد المسلمين يزيد، وقد بذل لك في الصداق ألف ألف، ومررت بالحسين بن علي فذكرك.

قالت: فما ترى يا أبا هريرة؟

قال : ذلك إليك.

قالت : فشفة قبلها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أحبّ إليّ.

قال : فتزوجت الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ورجع أبو هريرة، فأخبر معاوية.

قال : فقال له: يا حمار ليس لهذا وجّهناك.

قال : فلمّا كان بعد ذلك حجّ عبداللّه بن عامر فمرّ بالمدينة، فلقي الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تأذن لي في كلام أم أبيها؟

فقال : إذا شئت، فدخل معه البيت واستأذن على أُمّ أبيها فأذنت له، ودخل معه الحسین.

فقال لها عبداللّه بن عامر : یا أُمّ أبيها ما فعلت الوديعة الّتي استودعتك؟

قالت : عندي يا جارية هاتي سفط كذا، فجاءت به ففتحته وإذا هو مملوّ الليالي و جوهر يتلألأ، فبكى ابن عامر.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما يبكيك؟

فقال : يابن رسول اللّه أتلومني على أن أبكي على مثلها في ورعها، وكمالها، ووفائها.

قال : يابن عامر نعم المحلّل كنت لكما، هي طلاق فحجّ فلمّا رجع تزوّج بها.(1)

ص: 259


1- رواه القوم، منهم: العلامة أبو المؤيّد موقق بن أحمد في «مقتل الحسین» (ج1 ص 149 ط الغري) قال : أخبرني الإمام الأجلّ مجد الدين قوام السنّة أبو الفتوح محمّد بن أبي جعفر الطائي فيما كتب إليّ من همدان، أخبرنا شیخ القضاة أبو علي إسماعيل بن أحمد البيهقي سنة اثنتين وخمسمائة باب المدينة بمرو في الجامع ، أخبرنا الإمام حقاً وشیخ الاسلام صدقاً أبو عثمان إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن محمّد بهرات، أخبرنا أبو علي أحمد بن محمّد بن عليّ، حدّثنا عليّ بن خشرم سمعت يحيى بن عبداللّه بن بشير الباهلي،... . ومنهم: تقي الدين أبو بكر بن علي الحنفي في «ثمرات الأوراق » (ج7 ص 174 ط القاهرة): أورد الواقعة لكنّه ذكر اسم المرأة ارينب بنت إسحاق، واسم زوجها عبد اللّه بن سلام. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 438، رواه عن مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي.

صاحب الدابة أحق بها

{13}

[780] عن محمّد بن علي بن حسين، قال : خرج حسين وأنا معه وهو يريد أرضه الّتي بظاهر الحرة ونحن نمشي، فأدركنا النعمان بن بشير وهو على بغلة له، فنزل فقر بها إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال للحسين : يا أبا عبداللّه اركب.

فقال : بل اركب أنت، أنت أحق بصدر دابتك، فإن فاطمة حدثتني أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : ذلك.

فقال النعمان : صدقت فاطمة، ولكن أخبرني أبي بشير عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه قال : إلّا من أذن له، فركب الحسين وأردفه النعمان (أبو نعیم، کر) وفيه الحكم بن عبداللّه الايلى، وهو متروك.(1)

ص: 260


1- رواه جماعة من الأعلام في مؤلفاتهم : فمنهم الحافظ جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمّد الخضري السيوطي المصري المتوفّى سنة 911 في كتابه «مسند فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)» (ص 39 ط المطبعة العزيزية بحیدر آباد - الهند سنة 1406) قال:... ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 197.

إطعامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عند اللّه

(14)

[781] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) : يا فاطمة قومي فأخرجي تلك الصحفة، فقامت فأخرجت صحفة فيها ثرید وعراق يفور، فأكل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم ثلاثة عشر يوماً.

ثمّ إنّ أُمّ أيمن رأت الحسين معه شيء فقالت له: من أين لك هذا؟

قال : إنّا لنأكله منذ أيّام، فأتت أُمّ أيمن فاطمة (عَلَيها السَّلَامُ) فقالت : يا فاطمة إذا كان عند أُمّ أيمن شيء فإنّما هو لفاطمة وولدها، وإذ كان عند فاطمة شيء فليس لأُمّ أيمن منه شيء؟! فأخرجت لها منه، فأكلت منه أُمّ أيمن و نفدت الصحفة.

فقال لها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أما لولا إنّك أطعمتها لأكلت منها أنت وذريّتك إلى أن تقوم الساعة.

ثمّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «والصحفة عندنا يخرج بها قائمنا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زمانه».(1)

بين يدي اللّه عزّ و جل

{15}

[782] كان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)إذا توضّأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله.

فقيل له في ذلك.

فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الملك الجبّار أن يصفرّ لونه ویر تعد

ص: 261


1- الكافي : ج 1 ص 46 ح 7، روى الكليني عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ،... وعنه بحار الأنوار ج 43، ص63 ح 55 والعوالم ج 6 ص 96 ح 19.

مفاصله.(1)

صلاة في المهمات

{16}

[783] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : تصلّي أربع ركعات تحسن قنوتهنّ وأركانهنّ تقرأ في الأولى الحمد مرّة، و «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»(2) سبع مرات، وفي الثانية الحمد مرّة وقوله : «مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا» (3) سبع مرات، وفي الثالثة الحمد مرة وقوله : «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»(4) سبع مرات، وفي الرابعة الحمد مرّة و «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ»(5) سبع مرّات، ثمّ يسأل حاجته. (6)

لو دعوا اللّه بأهل البيت (عَلَيهِمُ السَّلَامُ)

{17}

[786] أما إنّهم لو كانوا دعوا اللّه بمحمّد وآله الطيّبين بصدق من نيّاتهم، وصحّة اعتقادهم من قلوبهم أن يعصمَهم اللّه حتّى لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات لفعل ذلك بجوده وكرمه، ولكنّهم قصّروا فآثروا الهُوَينا

ص: 262


1- جامع الأخبار : ص 76؛ العوالم ج 17 ص 61ح 1.
2- سورة آل عمران : الآية 173.
3- سورة الكهف : الآية 39.
4- سورة الأنبياء : الآية 87.
5- سورة غافر : الآية 44.
6- مکارم الأخلاق : ص 349 و عنه بحار الأنوار ج 91 ص 358 والوسائل ج 5 ص 245 ح1.

ومَضوا مع الهوى في طلب لذّاتهم.(1)

لم يهتدوا بغيرنا

{18}

[785] مرّ المنذر بن الجارود بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : كيف أصبحت جعلني اللّه فداك يابن رسول اللّه؟

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أصبحنا وأصبحت العرب تعتدّ على العجم بأن محمّدا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منها، وأصبحت العجم مقرة لها بذلك، وأصبحنا وأصبحت قريش يعرفون فضلنا ولا يرون ذلك لنا، ومن البلاء على هذه الأُمّة أنّا إذا دعوناهم لم يجيبونا، وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرنا.(2)

ص: 263


1- بحار الأنوار : ج 29 ص 288 - 290 ح 48 «باب 6 تفضيلهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)على الأنبياء على جميع الخلق وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق» وفيه : قال اللّه عزّوجلّ: «ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ» (سورة البقرة: الآية 64) يعني تولّى أسلافكم عن القيام به والوفاء بماعوهدوا عليه «لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» (سورة البقرة: الآية 64) يعني على أسلافكم، لولا فضل اللّه عليهم بإمهاله إيّاهم للتوبة وإنظارهم لمحو الخطيئة بالإنابة «لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (سورة البقرة: الآية 64) المغبونين قد خسرتم الآخرة والدنيا، لأن الآخرة فسدت عليكم بكفركم، والدنيا كان لا يحصل لكم نعيمها لاحترامنا لكم، وتبقى عليكم حسرات نفوسكم و أمانيّكم الّتي قد اقتطعتم دونها. ولكنّا أمهلناكم وأنظرناكم للإنابة ، أي فعلنا ذلك بأسلافكم فتاب من تاب منهم فسعد وخرج من صلبه من قدَر أن يخرج منه الذريّة الطيّبة الّتي تطيب في الدنيا باللّه تعالى معيشتها وتشرّف في الآخرة بطاعة اللّه مرتبتها. وقال الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : الخبر. تفسير الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 266 ح 134 - 135.
2- نزهة الناظر وتنبيّه الخاطر : ص 85 ح 20.

الحجّ ماشياً

{19}

[786] أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خرج الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) إلى مكۀة سنة ماشياً فورمت قدماه ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم، فقال : كلا، إذا أتينا أهل المنزل فإنّه يستقبلك أسود ومعه دهن ، فاشتره منه ولا تماکسه» الخبر.(1)

أجب الرجل

{20}

[787] عن سعيد بن المسيّب قال : سمعت عليّ بن الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) ؛ يقول : إنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أخبرني إن كنت عالماً عن الناس وعن أشباه الناس وعن النسناس؟

فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا حسين أجب الرجل.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا قولك : أخبرني عن الناس، فنحن الناس ولذلك قال اللّه تعالى ذكره في كتابه : «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ»(2) فرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذي أفاض بالناس.

وأمّا قولك : أشباه الناس، فهم شیعتنا وهم موالينا وهم منّا ولذلك قال إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ».(3).

وأمّا قولك : النسناس، فهم السواد الأعظم وأشار بيده إلى جماعة الناس

ص: 264


1- فرج المهموم للسيد ابن طاوس : ص 226 عن كتاب الدلائل العبداللّه بن جعفر الحميري بإسناده إلى... وعنه مستدرك الوسائل ج 8 ص 31 ح 9.
2- سورة البقرة، الآية 199.
3- سورة إبراهيم ، الآية 36.

ثمّ قال : «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا»(1) .(2)

إبيضّ رأس الرجل

{21}

[788] أتى رجل الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) فقال : حدّثني بفضلكم الّذي جعل اللّه لكم، فقال : إنّك لن تطيق حمله ، قال : بلى حدّثني يابن رسول اللّه إنّي أحتمله.

فحدّثه بحديث فما فرغ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من حديثه حتّى ابيض رأس الرجل ولحيته وأنسي الحديث، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أدركته رحمة اللّه حيث أنسي

ص: 265


1- سورة الفرقان، الآية 44.
2- روضة الكافي : ص 244 ح 339 ابن محبوب ، عن عبداللّه بن غالب، عن أبيه ،... وعنه بحار الأنوار : ج 24 ص 95. وقال : توضیح: قال الجزري : النسناس قيل : هم يأجوج ومأجوج، وقيل : خلق على صورة الناس أشبهوهم في شيء وخالفوهم في شيء وليسوا من بني آدم ، وقيل : هم من بني آدم، ومنه الحديث : «إنّ حيّاً من عاد عصوا رسولهم فمسخهم اللّه نسناساً، لكلّ رجل منهم يد ورجل من شقّ واحد، ينقرون كما ينقر الطائر، ويرعون كما ترعى البهائم، ونونها مكسورة، وقد تفتح، انتهى. وأمّا قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فرسول اللّه الّذي أفاض بالناس، الظاهر أنّ المراد بالناس هنا غير ماهو المراد في الآية على هذا التفسير ، والمراد بالناس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ) كما مرّ، لأنّ اللّه تعالى قال في تلك الآية مخاطباً لعامّة الخلق : «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» وهم إنّما أطاعوا هذا الأمر بأن أفاضوا مع الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فهم الناس حقيقة، ويحتمل على بعد أن يكون المراد بالناس هنا وفي الآية أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، بأن يكون الرسول أمر بالافاضة مع أهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ). وقال الفيروزآبادي : السواد من الناس عامّتهم.

الحديث.(1)

فضائل لا تتحمّل

{22}

[789] أتى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُناس فقالوا له : يا أباعبداللّه حدّثنا بفضلكم الّذي جعل اللّه لكم فقال : إنّكم لا تتحمّلونه ولا تطيقونه.

قالوا: بلی نحتمل.

قال : إن كنتم صادقين فليتنحّ اثنان وأُحدثّ واحداً فإن احتمله حدّثتكم فتنحّى اثنان وحدّث واحداً فقام طائر العقل ومرّ على وجهه وكلّمه صاحباه فلم يردّ عليهما شيئاً وانصرفوا. (2)

سواد لحيته (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{23}

[790] سفيان بن عيينة قال : سألت عبيداللّه بن أبي يزيد : رأيت الحسين

ص: 266


1- الخرائج والجرائح : ج 2 ص 795 ح 5 (باب 16 في نوادر المعجزات) ؛ بحار الأنوار : ج 25 ص 379 ح 27 (باب 13 غرائب أفعالهم وأحوالهم في كتاب الإمامة). وسيأتي مثله أيضاً عن الخرائج مع تفاوت بالإسناد عن الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- الخرائج والجرائح : ج 2 ص 795ح 4 «باب 16» في نوادر المعجزات؛ بحار الأنوار : ج 25 ص 378 - 379 ح 26 «باب 13» غرائب أفعالهم وأحوالهم ووجوب التسليم في جميع ذلك من كتاب الإمامة، بهذا الإسناد : أخبرنا جماعة منهم محمّد بن علي النيشابوري و محمّد بن علي بن عبدالصمد، عن أبي الحسن بن عبدالصمد، عن أحمد بن محمّد المعمري، عن محمّد بن عليّ بن الحسين ، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن الحكم، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الخبر. ورواه ابن شهر آشوب في المناقب : ج 4 ص 51 باختلاف يسير في الألفاظ وعنه بحار الأنوار: ج 44 ص 183.

ابن علي؟ قال : نعم رأيته جالساً في حوض زمزم، قلت : هل رأيته صبغ ؟ قال : لا إلّا أّني رأيته ولحيته سوداء إلى هذا الموضع ، يعني عنفقته(1)، وأسفل من ذلك بياض، وذكر أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شاب ذلك الموضع منه وكان يتشبّه به. (2)

بئس الخلفاء

{246}

[791] الأصبغ بن نباتة قال : سألتُ الحسينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : سيّدي أسألك عن شيء أنا به موقن وإنّه من سرّ اللّه وأنت المسرور إليه ذلك السرّ، فقال : يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه لأبي دون يوم مسجد قبا؟ قال : هذا الّذي أردت ، قال : قم فإذا أنا وهو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إليّ بصري، فتبسّم في وجهي فقال : يا أصبغ إن سليمان بن داود أُعطي الريح غدوّها شهر ورواحها شهر وأنا قد أُعطيتُ أكثر مما أُعطي سليمان، فقلت : صدقتَ واللّه يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال : نحن الّذين عندنا علمُ الكتاب و بیانُ ما فيه ، وليس لأحد من خلقه ما عندنا لأنا أهل سر اللّه فتبسّم في وجهي ثمّ قال : نحن آل اللّه وورثة رسوله، فقلت : الحمد للّه على ذلك، ثمّ قال لي: ادخل فدخلت فإذا أنا برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) محتب في المحراب بردائه فنظرت فإذا أنا بأمير المؤمنين قابض على تلابيب الأعسر، فرأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعضّ على الأنامل وهو يقول : بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك عليكم لعنة اللّه ولعنتي.(3)

ص: 267


1- العنفقة : (بالعين المهملة المفتوحة والفاء والقاف المفتوحتين) : شُعَيرات بين الشفة السفلى والذقن.
2- المعجم الكبير : ج 2 ص 132 ح 2900 مجمع الزوائد: ج 5 ص 162.
3- مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 52 «في معجزاته (عَلَيهِ السَّلَامُ)» وعنه بحار الأنوار ج 44 ص 184 والعوالم ص 50 - 51 وفيه في توضيح (الأعسر ) : الأعسر : الشديد، الشؤم.

رجم الزانية

{25}

[792] رجلان اختصما في زمن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في امرأة وولدها ؛ فقال هذا : لي، وقال هذا : لي، فمر بهما الحسينُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لهما: فيما ذا تمر جان؟ قال أحدُهما: إن الامرأة لي، فقال للمدّعي الأوّل : أقعد فقعد، وكان الغلام رضيعاً فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

يا هذا إصدقي من قبل أن يهتِك اللّه سترَكِ، فقالت : هذا زوجي والولد له ولا أعرف هذا، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا غلام ما تقول هذه؟ أنطق بإذن اللّه تعالى، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا، وما أبي إلّا راع لآل فلان، فأمر (عَلَيهِ السَّلَامُ) برجمها.

قال جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلم يسمع أحدٌ نطق ذلك الغلام بعدها.(1)

لا أحبّ لك

{26}

[793] الراوندي والحصيبي واللفظ له بإسناده عن سفيان بن عميرة التمار عن أبي عبداللّه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء رجل من موالي أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) یشاوره في امرأة يتزوجها فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا أُحبّ لك أن تتزوّج بها فإنّها مشؤومة وكان محباً لها وكان كثير المال، فخالف الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتزوجها فلم يلبث معها إلّا يسيراً حتّى ذهب اللّه بماله وركبه دَین ومات والده وأخ له و كان أحب الناس إليه ، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما لقد أشرتُ عليك ولو كنت أطعتني ما أصابك مما أصابك فخلّ سبيلها فإن اللّه يخلف عليك ما هو خير لك منها فخلّى سبيلها،

ص: 268


1- مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 51 ح 25 «في معجزاته (عَلَيهِ السَّلَامُ)» وفيه: صفوان بن مهران قال : سمعت الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الخبر.

فقال : عليك بفلانة فتزوجها فما خرجت سنة حتّى خلف اللّه عليه ماله وحاله وولدت له غلاما ورأى منها ما فقد في تلك السنة.(1)

من كراماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{27}

[794] إنّ مريضاً شديد الحمّى عاده الحسين فلمّا دخل من باب الدار طار الحمّى عن الرجل فقال له : رضيتُ بما أُوتيتم به حقاً حقاً والحمّى يهرب عنکم، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه ما خلق اللّه شيئاً إلّا وقد أمره بالطاعة لنا، قال : فإذا نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك ، قال : أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلّا عدواً أو مذنباً لكي تكوني كفّارةً لذنوبه فما بالُ هذا وكان المريض عبداللّه بن شداد الهادي الليثي.(2)

أما تستحي ؟

{28}

[795] روي عن جابر الجعفي، عن زين العابدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أقبل أعرابيّ إلى المدينة ليختبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا ذكر له من دلائله ، فلمّا صار بقرب المدينة خضخض ودخل المدينة ، فدخل على الحسين وهو جنب.

ص: 269


1- الخرائج والجرائح : ج 1 ص 248 ح 4 «الباب 3 في معجزات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)». ورواه في البحار ج 44 ص 182 ح 6 والوسائل ج 14 ص 33 ح 10 باختلاف يسير في الألفاظ.
2- المناقب : ج 4 ص 51 «باب معجزاته (عَلَيهِ السَّلَامُ)»، بحار الأنوار ج 44 ص 193 ح 9 «باب 25 معجزاته (عَلَيهِ السَّلَامُ) » بهذا الإسناد : زرارة بن أعين سمعت أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحدث عن آبائه : الخبر.

فقال له أبو عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما تستحيي يا أعرابيّ أن تدخل إلى إمامك وأنت جنب؟ وقال : أنتم معاشر العرب إذا خلوتم خضخضتم.(1)

انظروا في البيت

{29}

[796] الراوندي عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه أنه قال : صار جماعة من الناس بعد الحسن إلى الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) فقالوا: يا ابن رسول اللّه ما عندك من عجائب أبيك (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّتي كان يريناها؟ فقال : هل تعرفون أبي ؟ قلنا : كلنا نعرفه، فرفع ستراً كان على باب بيت ثمّ قال : انظروا في البيت فنظرنا فإذا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلنا : نشهد أنه خليفة اللّه حقاً وإنّك ولده.(2)

حذرتهم فلم يقبلوا

{30}

[797] قال : إذا أراد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن ينفذ غلمانه في بعض أُموره قال الهم : لا تخرجوا يوم كذا وأخرجوا يوم كذا فإنّکم إن خالفتموني قطع علیکم، فخالفوه مرّة وخرجوا فقتلهم اللصوص، وأخذوا ما معهم، واتصل الخبر بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : لقد حذّرتُهم فلم يقبلوا منّي ثمّ قام من ساعته ودخل على الوالي، فقال الوالي : يا أبا عبداللّه بلغني قتل غلمانك فآجرك اللّه فيهم، فقال

ص: 270


1- الخرائج والجرائح : ج 1 ص 246 ح 2 «باب 4 معجزات الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) » وفي ذيله : فقال الأعرابي : يا مولاي قد بلغت حاجتي ممّا جئت فيه. فخرج من عنده فاغتسل ورجع إليه فسأله عما كان في قبله.
2- الخرائج للقطب الراوندي، عنه مدينة المعاجز : ج 3 ص 512ح 67.

الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإنّي أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم.

قال : أو تعرفهم يابن رسول اللّه؟ قال : نعم كما أعرفك وهذا منهم، وأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي، فقال الرجل : ومن أين قصدتني بهذا؟ ومن أين تعرف أني منهم؟ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن أنا صدقتك تصدّقني، فقال الرجل : نعم واللّه لأصدّقنك، فقال : خرجت ومعك فلان وفلان وذكرهم كلّهم فمنهم أربعة من موالي المدينة والباقون من حبشان المدينة.

فقال الوالي : ورب القبر والمنبر لتصدقني أو لاهر أنّ لحمك بالسياط ، فقال الرجل : واللّه ما كذب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويصدق(1) وكأنّه كان معنا، فجمعهم الوالي جميعاً فأقرّوا جميعاً، فضرب أعناقهم.(2)

ابرائه علي البرصاء

{31}

[798] عن صالح بن میثم، قال : دخلتُ أنا وعباية بن ربعي على امرأة من بني والبة يقال لها : حبابة الوالبية قد احتزّ(3) وجهها من السجود، فقال عباية : یا حبابة، هذا ابنُ أخيك.

قالت : أيّ أخ؟

قال : صالح بن میثم.

ص: 271


1- في الخرائج «و قد صدق».
2- الخرائج والجرائح : ج 1 ص 246 - 248 ح 3 «باب 4 في معجزات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)» عوالم العلوم والمعارف والأحوال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)» ص 55 - 56 ح ع «باب 9 اخباره بالمغيبات من أبواب معجزاته صلوات اللّه عليه في كتاب الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)» بهذا الإسناد : روی مندل، عن هارون بن خارجة عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- احتز: غلظ وصلب. «لسان العرب - حزز - 5» : ولي المصادر : احترق.

قالت : ابنُ أخي واللّه حقاً، يابن أخي، ألا أُحدّثك حديثاً سمعته من الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ؟

قلت : بلى ياعمّة.

قالت : كنتُ زوّارةً للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحدث بين عيني وضح(1)، فشقّ ذلك عليّ، واحتبستُ عنه أيّاما، فسأل عنّي : ما فعلت حبابة الوالبية؟ فقالوا: إنّها حَدَث بها وضح بين عينيها. فقال لأصحابه : قوموا بنا، فقام حتّى دخل عليّ وأنا

في مسجدي هذا.

فقال : يا حبابة، ما الّذي أبطأ بك عليّ؟

فقلت : يابن رسول اللّه، ماذاك الّذي منعني إلّا وضح حدث بين عيني، فكرهُت اتيانَك. فنظر إليّ فكشفتُ القناع، وتفل عليه ، فقال : يا حبابة أُسجدي للّه شكراً، فإنّ اللّه قد در أه عنك ، قالت : فخررتُ ساجدةً للّه تعالی.

وقال : يا حبابة، إرفعي رأسك وانظري في مرآتك.

قالت : فرفعت رأسي ونظرت في المرآة، فلم أحسّ منه شيئاً، فحمدت اللّه تعالى، فنظر إلي وقال : يا حبابة ، نحن وشیعتنا على الفطرة، وسائر الناس منه براء.(2)

أنت ابن أبي تراب ؟

{32}

[799] قال عصام بن المصطلق : دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) فأعجبني سمته ورواؤه وأثار من الحسد ما كان يخفيه صدري لأبيه من

ص: 272


1- الوضح: هو بالتحريك البرص. «مجمع البحرين - وضح -: ج 2 ص 424».
2- ثاقب المناقب : ص 324 - 325 ح 267 وعنه بحار الأنوار : ج4 ص 180 ح 2 باب 25.

البغض، فقلت له : أنت ابن أبي تراب؟

فقال : نعم. فبالغت في شتمه و شتم أبيه! فنظر إليّ نظرة عاطف رؤوف ثمّ قال : أعوذ باللّه من الشيطان الرجیم بسم اللّه الرحمن الرحيم «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ»(1).

ثمّ قال لي: خفض عليك أستغفر اللّه لي ولك، إنّك لو استعنتنا لأعنّاك ولو استرفدتنا لرفدناك ولو استرشدتنا لأرشدناك.

قال عصام : فتوسّم منّي الندم على ما فرط(2)منّي.

فقال: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (3)، أمن أهل الشام أنت؟

قلت : نعم.

این فقال : شنشنة أعرفها من أخزم، حيانا اللّه وإيّاك انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك تجدني عند أفضل ظنّك إن شاء اللّه تعالى.

قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رحبت ووددتُ لو ساخت بي ثمّ سللت منه لواذاً وما على الأرض أحبّ إلي منه ومن أبيه.

أقول: لا تثريب أي لا تأنيب عليكم ولا عتب.

روی صاحب الكشاف في ذكر عفو يوسف الصدّيق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن إخوته وقوله لهم : «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ» رواية يعجبني نقلها هاهنا وهي: أنّ إخوة يوسف

ص: 273


1- سورة الأعراف، الآية 199 - 202.
2- فرط عليه في القول.
3- سورة يوسف، الآية 92.

لمّا عرفوه أرسلوا إليه إنّك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيّاً ونحن نستحيي منك لمّا فرط منا قبل. فقال يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنّهم ينظرون إليّ بالعين الأُولى ويقولون سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهماً ما بلغ، ولقد شرفت الآن بكم وعظمت في العيون حيث علم الناس أنّكم إخوتي وإنّي من حفدة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)

أُنظر إلى هذه الشيمة الكريمة من يوسف الصدّيق (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع إخوته، وكأنّ الشاعر نظم لسان حالهم بقوله:

قلت ثقلت إذ أتيت مراراً***قال ثقلت كاهلي بالأيادي

قلت طولت قال لا بل تطولت***وأبرمت قال حبل ودادي

«شنشنة أعرفها من أخزم»، هذا عجز بیت وصدره: «إن بني ضر جوني بالدم» والشعر لجد أبي حاتم، وكان له ابن يقال له أخزم قيل : كان عاقاً فمات وترك بنين فوثبوا يوماً على جدّهم أبي أخزم فأدموه ، فقال : إن بني- الخ. يعني : إنّ هؤلاء أشبهوا أباهم في العقوق.

والشنشنة : الطبيعة والعادة، ولعلّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أراد من ذكر هذا المثل أنّ هذا الشتم والسب شنشنة أعرفها من أهل الشام لأنّ معاوية سنّ فيهم هذه السنّة القبيحة فكانوا يعلنون بسب أمير المومنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المنابر.(2)

ص: 274


1- الكشاف : ج 2 ص 503 طبع قم.
2- نفثة المصدور للمحدّث القمي رضوان اللّه عليه ، المطبوع مع نفس المهوم في لبنان : ص 557 - 559.

نقش خاتم الحسين

{33}

[800] قال أبو علي : وعلى خاتم أبي جعفر السمان رضي اللّه عنه لا إله إلّا اللّه الملك الحقّ المبين، فسألته عنه فقال : حدّثني أبو محمّد يعني صاحب العسكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) أنّهم قالوا: كان لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) خاتم فضّة عقيق ، فلمّا حضرتها الوفاة دفعته إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فلمّا حضرته الوفاة دفعه إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فاشتهيتُ أن أنقش عليه شيئاً، فرأيتُ في النوم المسيح عیسی بن مریم على نبيّنا وآله وعليه السلام، فقلت له : يا روح اللّه ما أنقش على خاتمي هذا؟ قال : انقش عليه : لا إله إلّا اللّه الملك الحقّ المبين، فإنّه أوّل التوراة وآخر الإنجيل.(1)

عليَّ بالعجوزة

{34}

[801] في حديث مقاتل عن زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّ امرأة ملك بني إسرائيل كبرت وأرادت أن تزوّج بنتها منه للملك فاستشار الملك يحیی بن زکریا فنهاه عن ذلك، فعرفت المرأة ذلك وزيّنت بنتَها وبعثتها إلى الملك فذهبت ولعبت بين يديه ، فقال لها الملك : ما حاجتك؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا، فقال الملك : يا بنيّة حاجة غير هذه، قالت : ما أريد غيرَه، وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملکه فخیر بین ملکه وبين قتل یحیی فقتله، ثمّ بعث برأسه إليها في

ص: 275


1- الغيبة للطوسي: ص 297 ح 252 : أخبرني جماعة، عن أبي محمّد هارون، عن أبي علي محمّد هارون، عن أبي علي محمّد بن همام؛ وعنه كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 655 ح 683.

طشت من ذهب فأمرت الأرض فأخذتها، وسلّط اللّه عليهم بخت نّصر فجعل يرمي عليهم بالمناجيق ولا تعمل شيئاً، فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت : أيّها الملك إنه هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلّا بما أدلك عليه ، قال : لك ما سألت ، قالت : ارمها بالخبث والعذرة ففعل فتقطعت فدخلها فقال : عليّ بالعجوز، فقال لها: ما حاجتك؟ قالت : في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتّى يسكن، فقتل عليه سبعين ألفا حتّى سكن.

يا ولدي يا عليّ واللّه لا يسكن دمي حتّى يبعث اللّه المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفاً.(1)

هدية الملوك

{35}

[802] مرّ الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) براع فأهدى الراعي إليه شاة فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حرّ أنت أم مملوك؟ فقال : مملوك، فردّها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليه فقال له المملوك: انّها لي، فقبلها منه ثمّ اشتراه واشترى الغنم فأعتقه و جعل الغنم له.(2)

کرمه وفتوتّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{36}

[803] خرج الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سفر فأضلّ طريقه ليلاً فمرّ براعي غنم فنزل عنده فألطفه وبات عنده، فلمّا أصبح دله على الطريق فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي ماض إلى ضيعتي، ثمّ أعود إلى المدينة ووقّت له وقتاً وقال له : تأتيني به، فلمّا جاء

ص: 276


1- مناقب إلى أبي طالب : ج 4 ص 85.
2- المحلی: ج 8 ص 514.

الوقت شغل الحسن بشيء من أموره عن قدوم المدينة ، فجاء الراعي وكان عبداً الرجل من أهل المدينة فصار إلى الحسين وهو يظنّه الحسن فقال : أنا العبد الّذي بتّ عندي ليلة كذا، ووعدتني أن أصير إليك في هذا الوقت وأراه علامات عرف الحسين أنّه الحسن، فقال الحسين له: لمن أنت يا غلام؟ فقال : لفلان، فقال : کم غنمك؟ قال : ثلاثمائة فأرسل إلى الرجل فرغّبه حتّى باعه الغنم والعبد فأعتقه، ووهب له الغنم مکافاة لمّا صنع مع أخيه وقال : إنّ الّذي بات عندك أخي وقد كافأتك بفعلك معه.(1)

بأيّ شيء تحكمون ؟

{37}

[806] عن جعيد الهمداني، وكان جعيد ممن خرج مع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بکربلا قال : فقلت للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك بأيّ شيء تحكمون؟ قال : يا جعید نحكم بحكم آل داود، فإذا عيبنا(2) عن شيء تلقّانا به روح القدس. (3)

النصير إلى هذه الحرة

{38}

[805] عن يحيى بن أُمّ الطويل قال : كنّا عند الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)شابّ يبكي، فقال له الحسين : ما يبكيك؟

ص: 277


1- وممّا روى في ذلك أيضاً، مارواه القوم منهم: أبو المؤيّد الموقق الخطيب الخوارزمي في «مقتل الحسین» (ج1 ص153 ط الغري) قال :... . ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 445.
2- غيبنا : خ ل.
3- مختصر بصائر الدرجات : ص 1؛ بصائر الدرجات : ص 134.

قال : إنّ والدتي توفّيت في هذه الساعة ولم توص، ولها مال و كانت قد أمرتني أن لا أُحدّث في أمرها شيئاً حتّى أعلمك خبرَها.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قوموا بنا حتّى نصير إلى هذا الحرّة.

فقمنا معه حتّى انتهينا إلى باب البيت الّذي فيه المرأة وهي مُسَجّاة فأشرف على البيت، ودعا اللّه ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها وأحياها اللّه ، وإذا المرأة جلست وهي تتشهد، ثمّ نظرت إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالت : أُدخل البيت یا مولاي ومرني بأمرك.

فدخل وجلس على مخدّة ثمّ قال لها : وصي، يرحمكِ اللّه.

فقالت : يابن رسول اللّه إنّ لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك، والثلثان لابني هذا إن علمت أنه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفاً فخذه إليكن فلا حقّ للمخالفين في أموال المؤمنين.

ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولّى أمرها، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت. (1)

ص: 278


1- الخرائج : ج 1 ص 245 - 246 ح 1؛ وعنه بحار الأنوار : ج 44، ص 180 ح 3؛ والعوالم الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 49- 50.

في خروجه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى كربلاء

اشارة

ص: 279

في ثواب البكاء عليهم

{1}

[806] الربيع بن منذر الثوري، عن أبيه قال : سمعت الحسين بن علي يقول : من دمعت عينه فينا دمعة أو قطرت عينه فينا قطرة أثواه اللّه بها في الجنّة حِقَباً، وإن دخل النار أخرجته منها.

قال جعفر بن محمّد: قال أحمد بن يحيی: فرأيت الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما يرى النائم فقلت : يابن رسول اللّه حدّثني مخول بن إبراهيم، عن محمّد بن بكر ، عن الربيع بن منذر الثوري، عن أبيه، أنه سمعك تقول - فذكر الحديث مثل ما تقدم.

ثمّ قال : أفحدثته بهذا؟ فقال : نعم أنا قلته. قال : قلت : أفأرويه عنك؟ قال : اروه. قلت : سقط الاسناد بيني وبينك ؟ قال : قد سقط. فكان أحمد بن يحيى يقول : حدّثني الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما.. .(1)

عبرة كلّ مؤمن

{2}

[807] نظر أمير المؤمنين إلى الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) فقال : يا عبرة كلّ مؤمن، فقال :

ص: 280


1- رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي في «تلخيص المتشابه في الرسم» (ج1 ص 564 ط دار طلاس - دمشق) قال : أنا الحسن ابن أبي طالب، نا أحمد بن محمّد بن عمران، نا أبو الحسن بن شقير ، نا جعفر بن محمّد ابن عبید، نا أحمد بن يحيى الأودي ، نا مخول بن إبراهيم، نا محمّد بن بکر ، نا... . ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 178 و في أمالي الطوسي ص 116: كان الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من دمعت عيناه فينا دمعة أو قطرت عيناه فينا قطرة آتاه اللّه عزّ و جل الجنّة.

أنا يا أبتاه ؟ قال : نعم، يا بنيّ..(1)

الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)قتیل العبرة

{3}

[808] أنا قتيل العبرة قتلت مكروباً، وحقیق على اللّه أن لا يأتيَني مكروبٌ إلّا ردّه وأقلبه إلى أهله مسروراً. (2)

ص: 281


1- بحار الأنوار : ج 44 ص 280 ح 10 «باب 34 ثواب البكاء على مصیبته» بهذا الإسناد : أبي، وعلي بن الحسين وابن الوليد، جميعاً، عن سعد، عن ابن عيسى، عن سعيد بن جناح، عن أبي يحيى الحذّاء، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الخبر. وأورده البحراني في عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 357 ح 4 «باب 3 آخر: أنه قتیل العبرة».
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : ص 82 «ثواب من زار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و أمير المؤمنين والحسن والحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) والأئمة صلوات اللّه عليهم بهذا الإسناد : أبي (ره) قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب قال : حدّثني عثمان بن عيسى، عن العلاء بن المسيب ، عن أبي جعفر ، عن أبيه، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الخبر. وبحار الأنوار: ج 44 ص 279 ح 6 «باب 34 ثواب البكاء على مصيبته و مصائب سائر الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وفيه أدب المأتم يوم عاشوراء» ؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 536 - 537 ح 3 «باب 3 آخر: أنه قتیل العبرة لا يذكره مؤمن إلّا بكى من أبواب ثواب البكاء على مصيبته و مصائب سائر الأئمّة والمرثية وغيرها - في كتاب الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) » بهذا الإسناد : السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن مسکان ، عن ابن خارجة، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الخبر. کامل الزيارات : ص 109؛ الوسائل : ج 10 ص 329؛ جامع أحاديث الشيعة : ج 12 ص 379.

زيارة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)

{4}

[809] مسنداً عن أبي عبداللّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) عن أبيه علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال له : واللّه التقتلنّ بأرض العراق وتُدفن بها، قلت : يا رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما لِمَن زار قبورَنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي : يا أبا الحسن إنّ اللّه تعالى جعل قبرك وقبرَ ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة وعرصةً من عَرَصاتها، وإنّ اللّه جعل قلوبَ نجباءٍ من خَلقه وصفوةٍ من عباده تحِنُّ إليكم، وتحتمل المذلّة والأذى فيكم فيعمّرون قبوركم ويكثرون زیارتَها تقربّاً منهم إلى اللّه ومودّةً منهم لرسوله، أُولئك يا عليّ المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زوّاري غداً في الجنّة.

يا على من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سلیمان بن داود على بناء بيت المقدس.

ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام وخرج من ذنوبه حتّى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أُمّه ، فأبشِر وبشّر أولياءك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عينٌ رأت، ولا أُذنُ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ولكن حُثالة (1) من الناس يُعيِّرون زوّار قبورکم کما تُعَیَّر الزانيةُ بزنائها ، أُولئك شرارُ أُمّتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي، ولا يَردون حوضي. (2)

ص: 282


1- الحثالة (بضم الحاء المهملة) : سفلة الناس.
2- التهذيب : ج 6 ص 22 ؛ فرحة الغريّ: ص 31؛ الوافي : ج 8 ص 196؛ الوسائل : ج 10 ص 299؛ المستدرك : ج 2 ص 194 ؛ جامع أحادیث الشيعة : ج 12 ص 313 ۔ 314؛ بحار الأنوار : ج 97 ص 120.

شهادة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)

{5}

[810] روي أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )كان ذات يوم جالساً وحوله فاطمة والحسن والحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقال لهم: كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتّى؟ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنموت موتاً أو نقتل؟ فقال : بل تقتل يابُنيّ ظلماً ويُقتل أخوك ظلماً وتشرّد ذراريكم في الأرض، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ومن يقتلنا یا رسول اللّه؟ قال : شرار الناس، قال : فهل يزورنا بعد قتلنا أحد؟ قال : نعم يا بُنيّ طائفةٌ من أُمّتي يريدون بزيارتكم برّي وصلتي، فإذا كان يوم القيامة جئتهما إلى الموقف حتّى آخذ بأعضادهما فأخلصهما من أهواله وشدائده. (1)

الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُسوة

{6}

[811] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال عليّ للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبداللّه أسوة أنت قدماً.

فقال : جعلت فداك ما حالي؟

قال : علمت ما جهلوا وسينتفع عالم بما علم، یا بنيّ اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك، فوالّذي نفسي بيده لیسفکنّ بنو أُميّة دمك ثمّ لا يريدونك عن دينك ، ولا ينسونك ذكر ربّك.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : والّذي نفسي بيده حسبي، وأقررت بما أنزل اللّه (1)

ص: 283


1- الارشاد للمفيد : ص 201 ط بيروت مؤسّسة الأعلمي، وعنه موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 89. وأورده المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار : ج 18 ص 120 ح 34.

وأُصدّق نبي اللّه ولا أُكذّب قول أبي. (1)

شاء اللّه أن يراني قتيلاً

{7}

[812] في رواية أتته لمّا أراد العراق قالت له أُمّ سلمة : لاتخرج إلى العراق، فقد سمعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : يقتل ابني الحسين بأرض العراق، وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة.

. فقال لها: يا أُمّاه قد شاء اللّه عزّ وجلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي و نسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومین مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا مُعيناً.

وفي رواية أُخرى : قالت أُمّ سلمة : وعندي تربة دفعها إلىّ جدّك في قارورة فقال : واللّه إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً، ثمّ أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إيّاها، وقال : اجعلها مع قارورة جدّي فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت.

فقالت أُمّ سلمة : فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دماً فصحت.(2)

ص: 284


1- کامل الزيارات : ص 71 ح 2: قال ابن قولویه : حدّثني محمّد بن جعفر الرزّاز ، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، وحدّثني أبي وجماعة من سعد و محمّد العطّار، معاً عن ابن أبي الخطاب ، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعيد، عن عليّ بن حماد، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) :... . بحار الأنوار : ج 44 ص 262 ح 17 ؛ العوالم : ج 17 ص 152 ح 13.
2- اللهوف: ص 12؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 331؛ العوالم : ج 17 ص 180؛ ينابيع المودّة : ص 405 إلى قوله بكت أُمّ سلمة بكاءاً شديداً.

ليجتمعن على قتلي

{8}

[813] عن الأعمش، قال : سمعت أبا صالح التمّار يقول : سمعت حذيفة يقول : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: واللّه ليجتمعنّ على قتلي طغاة بني أُميّة ويقدمهم عمر بن سعد، وذلك في حياة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

فقلت له أنبأك بهذا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قال: لا، فأتيت النبي فأخبرته، فقال : علمي علمه، وعلمه علمي، وإنّا لنعلم بالكائن قبل كينونته. (1)

شهید آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)

{9}

[814] لمّا كان وقت السحر خفق الحسين برأسه خفقة ثمّ أستيقظ فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟

فقالوا: وما الّذي رأيت یابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟

فقال : رأيتُ كأنّ کلاباً قد شدّت عليّ لتنهشني و فيها كلب أبقع رأيته أشدّها علىّ وأظنّ أنّ الّذي يتولّى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم، ثمّ إنّي رأيت بعد ذلك جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي : يا بنيّ أنت شهید آل محمّد، وقد استبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيع الأعلى فليكن إفطارك عندي الليلة ، عجّل ولا تؤخّر! فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء، فهذا مارأيتُ وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه

ص: 285


1- دلائل الإمامة : ص 75 روى الطبري قال : قال أبو جعفر : وحدّثنا سفيان بن وكيع ، عن أبيه وكيع... ؛ بحار الأنوار: ج 44 ص 186؛ تاریخ ابن عساکر (ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)) : ص 212 في الهامش، به اثبات الهداة : ج 5 ص 207 ح 71.

الدنيا لا شكّ في ذلك.(1)

في طريقه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الشهادة

{10}

[815] حدّثني من شافه الحسين بهذا الكلام قال : حججت فأخذت ناحية الطريق أتعسّف الطريق، فدفعت إلى أبنية وأخبية فأتيت أدناها فسطاطاً ، فقلت : لمن هذا؟ فقالوا: للحسين بن علي رضي اللّه عنه. فقلت : ابن فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قالوا: نعم. قلت : في أيّها هو؟ فأشاروا إلى فسطاط، فأتيت الفسطاط ، فإذا هو قاعد عند عمود الفسطاط ، وإذا بين يديه كتب كثيرة يقرأها ، فقلت : بأبي أنت وأُمّي ما أجلسك في هذا الموضع الّذي ليس فيه أنيس ولا منفعة؟ قال : إنّ هؤلاء. يعني السلطان - أخافوني، وهذه كتب أهل الكوفة إليّ وهم قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يتركوا للّه حرمة إلّا انتهكوها، فسلّط اللّه عليهم من يذلّهم حتّى يتركهم أذلّ من فرم الأُمّة. قال جعفر: فسألت الأصمعي عن ذلك، قال : هي خرقة الحيضة إذا ألقتها النساء. (2)(3)

ص: 286


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 3 عن المناقب.
2- في لسان العرب: الفرم والفرام: ما تعالج به المرأة فرجّها ليضيق، وقال أبو زيد : الفرامة : الخرقة الّتي تحملها المرأة في فرجها.
3- رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم : كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي المولود سنة 588 و المتوفي 660 في «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ج 6 ص 2615 ط دمشق) قال : وأخبرنا أبو الحسن علي بن أبي المعالي بن الحداد، قال : أخبرنا يوسف بن آدم المراغي ، قال : أنبأنا أبو بكر محمّد بن منصور السمعاني، قال: أخبرنا الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان ، قال : أخبرنا عبدالخالق بن الحسن ، قال : حدّثنا إسحاق بن الحسن الحربي، قال : حدّثنا عفان، قال : حدّثنا جعفر بن سليمان، قال : حدّثني يزيد الرشك، قال : حدّثني من شافه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) به بهذا الكلام، قال :.. . ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 302 و 303 : وترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ص 211؛ والبداية والنهاية : ج 8 ص 169؛ وبحار الأنوار : ج 44 ص 368.

الفئة الباغية

{11}

[816] فلمّا أصبح الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإذا برجل من الكوفة يكنّى أبا هرّة الأزدي أتاه فسلّم عليه ثمّ قال : يابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )! ما الّذي أخرجك عن حرم اللّه و حرم جدّك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا هرّة! إن بني أُميّة أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عِرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم اللّه يا أباهرّة لتقتلني الفئة الباغية ! وليلبسهم اللّه ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً، وليُسلّطنّ اللّه عليهم من يذلّهم حتّى يكونا أذلّ من قوم سبا إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم وفي دمائهم.(1)

ليعتدن عليّ

{12}

[817] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه ليعتدنّ عليّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت.(2)

ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 302 و 303 : وترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ص 211؛ والبداية والنهاية : ج 8 ص 169؛ وبحار الأنوار : ج 44 ص 318.

ص: 287


1- الفتوح: ج 5 ص 79؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 226؛ مثير الأحزان : ص 46؛ بحار الأنوار : ج 44، ص 368؛ أعيان الشيعة : ج1 ص595.
2- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر : ص 211ح267 بهذا الإسناد: قال ابن سعد: وأنبأنا علي بن محمّد، عن الحسن بن دینار ، عن معاوية بن قرّة قال : الخبر. ورواه أبو الفداء في البداية والنهاية : ج 8 ص 169 ط القاهرة.

333إنهم ليسوا بسفهاء

{13}

[818] روی سالم بن أبي حفصة، قال : قال عمر بن سعد للحسين : یا اباعبداللّه إن قبلنا أُناساً سفهاء يزعمون انّي أقتلك.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّهم ليسوا بسفهاء ولكنّهم حلماء، أما أنّه يقرّ بعيني أنّك لا تأكل برّ العراق بعدي إلّا قليلاً.(1)

مع زهير بن القين

{14}

[819] حدّثنا إبراهيم بن سعيد - وكان مع زهير بن القین حین صحب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما اخبر - قال : قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) له: يا زهير إعلم أنّ هاهنا مشهدي ويحمل هذا. وأشار إلى رأسه من جسده - زحر بن قیس، فيدخل به على يزيد پر جو نواله فلا يعطيه شيئاً.(2)

ص: 288


1- کشف الغمّة : ج 2 ص 9؛ الإرشاد: ص 251؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 263 ح 20؛ العوالم : ج 17 ص 154 ح 1؛ كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): ص 653 ح 679. ورواه من القوم الذهبي في تاريخ الإسلام : ج 3 ص 53 ط مصر وفيه : واللّه إنّه لتقرّ عيني أنّك لا تأكل بُرّ العراق بعدي إلّا قليلاً. ورواه منهم العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج 7 ص 457 ط حیدر آباد بعين ماذكره الذهبي.
2- دلائل الإمامة : ص 74: قال أبو جعفر : وحدّثنا أبو محمّد عبداللّه بن محمّد البلوي ، قال : حدّثنا عمارة بن زيد، قال : حدّثنا إبراهيم بن سعيد... . وعنه موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 447 ح 425.

رؤياه (عَلَيهِ السَّلَامُ) علا في المنام

{15}

[820] قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه ( البُرصان):

ومن البرصان، شمر بن ذي الجوشن الضبابي، قال الحسين بن علي بن أبي طالب رحمة اللّه عليه - قبل أن يقتله بليلة - : إنّي رأيتُ في المنام كأنّ كلباً أبقع يلغ في دمائنا، فعبرته هذا الأبرص الضبابي، يعني شمر بن ذي الجوشن ، كان الرئيس في قتل الحسين بن علي، والملك يزيد بن معاوية، وكان أمير العراق الّذي جهَّز الجيش وعقد اللواء عبیداللّه بن زياد، وكان صاحب الجيش وأمير الجماعة عمر بن سعد، وكان قائده الاكبر شمر بن ذي الجوشن، وكان الّذي تولّى قتله یزید بن خولي، والّذي حفظ ظهر يزيد حتّى نزل إليه وحزّ رأسه سنان بن أنس. (1)

مقتله يوم عاشوراء

{16}

[821] روي أن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا توجّه إلى العراق، أتاه ابن العبّاس فناشده اللّه والرحم أن يكون هو المقتول بالطف قال : يابن عبّاس أنا أُقتل في يوم عاشوراء في وقت كذا لا معقب لحكم اللّه تعالى.(2)

ص: 289


1- الحيوان لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : ج 1 ص 271 و البرصان: ص 82.
2- عيون المعجزات : ص 67 - 68.

لولا تقارب الأشياء

{17}

[822] روى أبو جعفر الطبري، عن الواقدي وزرارة بن صالح قال : لقينا الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيّام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة، وأنّ قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم إلّا اللّه.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لولا تقارب الأشياء، وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم يقيناً أنّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي، ولا ينجو منهم إلّا ولدي عليّ.(1)

انظر ما لقي

{18}

.[823] قال أبو عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها فمال بيده حتّى وضعها على ذراعها فأثبت اللّه يده في ذراعها حتّى قطع الطواف و أرسل إلى الأمير واجتمع الناس وأرسل إلى الفقهاء فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الّذي جنى الجناية فقال : ههنا أحد من ولد محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ فقالوا: نعم الحسين بن علي قدم الليلة، فأرسل إليه فدعاه فقال : انظر مالقي ذان ؛ فاستقبل الكعبة ورفع يديه فمکث طويلاً يدعو ثمّ جاء إليها حتّى تخلّصت يده من يدها ؛ فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع؟ قال : لا.(2)

ص: 290


1- دلائل الإمامة : ص 74؛ مثیر الاحزان : ص 39 ؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 364؛ العوالم : ج 17 ص 313.
2- مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 51 «في معجزاته (عَلَيهِ السَّلَامُ)».

اللّهمّ حزه إلى النار

{19}

[824]قا أبو مخنف : فحدّثني حسين أبو جعفر(عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثمّ إنّ رجلاً من بني تميم يقال له عبداللّه بن حوزة، جاء حتّى وقف أمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : یا حسین یا حسین ، فقال حسين ماتشاء؟ قال : أبشر بالنار، قال : كلاً إنّي أقدم على ربّ رحیم وشفيع مطاع من هذا؟ قال له أصحابه : هذا ابن حوزة، قال : ربّ حزه إلى النار، قال : فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه وتعلّقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض ونفر الفرس فأخذه يمر به فيضرب برأسه كلّ حجر وكلّ شجرة حتّى مات.

وقال :

قال أبو مخنف عن عطاء بن السائب ، عن عبدالجبّار بن وائل الحضرمي ، عن أخيه مسروق بن وائل قال : كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : أكون في أوائلها لعلّي أُصيب برأس الحسين فأُصيب به منزلة عند عبيداللّه بن زياد قال : فلمّا انتهينا إلى حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) تقدم رجل من القوم يقال له ابن حوزة، فقال : أفيكم حسين ؟ قال : فسکت حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقالها ثانية فسكت حتّى إذا كانت الثالثة، قال : قولوا له : نعم هذا حسین فما حاجتك؟ قال : يا حسين أبشر بالنار، قال : كذبت بل أقدم على ربّ غفور وشفيع مطاع فمن أنت؟ قال : ابن حوزة، قال : فرفع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يديه حتّى رأينا بياض ابطيه من فوق الثياب ثمّ قال : اللّهمّ حزه إلى النار، قال : فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس و بينه وبينه نهر ، قال : فعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها قال : فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقى جانبه الآخر متعلّقاً بالركاب، قال : فرجع مسروق وترك

ص: 291

الخيل من ورائه ، قال : فسألته فقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً لا أقاتلهم أبداً قال : ونشب القتال.

وقال :

قال أبو مخنف : أمّا سوید بن حيّة فزعم لي أنّ عبداللّه بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسرى في الركاب وارتفعت اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه كلّ حجر وأصل شجرة حتّى مات.

وقال ابن اعثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كذبت يا عدوّ اللّه، إنّي قادم على ربّ رحیم، وشفيع مطاع وذلك جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ثمّ قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من هذا الرجل؟

فقالوا : هذا مالك بن حوزة.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ حزه إلى النار، وأذقه حرّها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة.(1)

دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على جبيرة الكلبي

{20}

[825] ثمّ (أي بعد ارساله (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنس إلى القوم ليعظهم) إنّ عمر بن سعد جعل في الميمنة من جيشه سنان بن أنس النخعي، وجعل في الميسرة الشمر بن ذي الجوشن الضبابي مع كلّ واحد منهما أربعة آلاف فارس ووقف عمر وباقي أصحابه في القلب، وجعل الحسين رضي اللّه عنه في الميمنة من جيشه زهیر بن القين معه عشرون رجلاً، وجعل في الميسرة حبیب بن مظاهر في ثلاثين فارس،

ص: 292


1- الطبري : ج 3 ص 322؛ ابن عساكر : ص 256 وفيه : حزّه إلى النار. رواه جماعة من أعلام القوم : منهم الحافظ محمّد بن جرير الطبري في تاريخ الأُمم والملوك» (ج 4 ص 327 ط الاستقامة بمصر) قال :... .

ووقف هو وباقي جيشه في القلب، وحفروا حول الخيمة خندقاً وملئوه ناراً حتّى يكون الحرب من جهة واحدة، فقال رجل ملعون : عجّلت یا حسین بنار الدنيا قبل نار الآخر، فقال الحسين رضي اللّه عنه : تعيّرني بالنار وأبي قاسمها وربّي غفور رحیم؟! ثمّ قال لأصحابه : أتعرفون هذا الرجل؟ فقالوا : هو جبيرة الكلبي لعنه اللّه، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ احرقه بالنار في الدنيا قبل نار الآخرة فما استتمّ كلامه حتّى تحرك به جواد فطرحه مكبّاً على رأسه في وسط النار فاحترق فكبّروا ونادى مناد من السماء هنیت بالإجابة سريعاً يابن رسول اللّه، قال عبداللّه بن مسرور : لمّا رأيت ذلك رجعت عن حرب الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)

دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أبان بن دارم

{21}

[826] روى الطبري، عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة ، قال : حدّثني مَن شهد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في عسكره أنّ حسیناً حين غُلِب على عسكره ركب المسنّاة يريد الفرات، قال : فقال رجل من بني أبان بن دارم : ویلکم! حولوا بينه وبين الماء لاتتامّ إليه شيعتُه ؛ قال : وضرب فرسه، وأتبعه الناس حتّى حالوا بينه وبين الفرات، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ أظمِئه قال : وينتزع الاباني بسهم، فأثبتَه في حنك الحسين، قال : فانتزع الحسين السهمَ، ثمّ بسط کفّیه فامتلأت دماً، ثمّ قال الحسين : اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك ؛ قال : فواللّه إن مکث الرجلُ إلّا يسيراً حتّى صبّ اللّه عليه الظمأ، فجعل ولا يَروی.

ص: 293


1- ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 518. رواه جماعة من الأعلام : منهم القندوزي في «ينابيع المودّة» (ص 342 ط اسلامبول) قال :... .

قال القاسم بن الأصبغ : لقد رأيتنُي فيمن يروّح عنه والماء يبرَّد له فيه السكر وعِساس فيها اللبن، وقِلال فيها الماء، وإنه ليقول : ویلکم! اسقُوني قتلني الظمأ، فيُعطى القُلّة أو العُسّ كان مروياً أهل البيت فيشربه ، فإذا نزعه من فيه اضطجع الهُنيْهَة ثمّ يقول: ویلکم! اسقوني قتلني الظمأ ؛ قال : فواللّه ما لبث إلّا يسيراً حتّى انقدّ بطنُه انقداد بطن البعير.(1)

اللّهمّ اقتله عطشاً

{22}

[827] قال الطبري: جاء من عبيد اللّه بن زیاد کتابٌ إلى عمر بن سعد: أمّا بعد، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرةً، كما صُنع بالتقيّ الزكيّ المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان. قال : فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج على خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة، وحالوا بين حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصحابه وبين الماء أن يُسقَوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاث. قال : ونازله عبداللّه بن أبي حُصين الأزدي - وعَدادة في بجيلة - فقال : يا حسين، ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء! واللّه لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً ؛ فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً. قال حميد بن مسلم : واللّه لعُدتُه بعد ذلك في مرضه، فواللّه الّذي لا إله إلّا هو لقد رأيته يشرب حتّى بَغَر، ثمّ يقيء، ثمّ يعود فيشرب حتّى يبغر فمایروی، فما زال ذلك دأبه حتّى

ص: 294


1- تاريخ الطبري : ج 5 ص 449 - 450 (أحداث سنة 61ه). أورده ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 236 ح 282 بإسناده وسمّى إسم الرامي الجاني : (زرعة) الدارمي.

لَفَظَ غصّته یعني نفسه.(1)

رجل من أهل النار

{23}

[828] عن الإمام السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثمّ برز من عسكر عمرَ بن سعد رجلٌ آخر يقال له: تمیم بن الحصين الفزاري، فنادى یا حسین و یا أصحابَ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنّه بطون الحيّات (الحيتان)؟! واللّه لاذُقتم منه قطرةً حتّى تذوقوا الموتَ جزعاً، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من الرجل؟ فقيل : تمیم بن حصين، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا وأبوه من أهل النار، اللّهمّ اقنُل هذا عطشاً في هذا اليوم، قال فخَنَقه العطشُ حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسَنابكها فمات.(2)

لا أرواك اللّه

{24}

[829] عن الكلبي قال : رمى رجل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يشرب، فشدّ شدقه فقال : لا أرواك اللّه، قال : فشرب حتّى تفطّر.(3)

ص: 295


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 412 «أحداث سنة 61ه) بهذا الإسناد : قال أبو مخنف : حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم الأزدي، قال : الخبر. الإرشاد للمفيد : ص 228؛ بحار الأنوار: ج 44 ص 389؛ الكامل لابن الأثير الجزري : ج 3 ص 283 ط المنيرية بمصر.
2- أمالي الصدوق: ص 139 المجلس (30) بإسناده عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) في ضمن كلامه المبسوط في وقائع الطفّ.
3- رواه جماعة من أعلام القوم : منهم الطبراني في «المعجم الكبير» (ص 146 مخطوط) قال : حدّثنا محمّد بن عبداللّه الحضرمي، نا أحمد بن يحيى الصوفي ، نا أبو غسّان، نا عبدالسلام بن حرب، عن الكلبي قال :... . ومنهم الخوارزمي في «المقتل» (ج2 ص 94 ط الغري): روی بسنده عن الطبراني بعين ما تقدّم عنه بلا واسطة سنداً ومتناً لكنّه ذکر بدل كلمة تفطّر : تفظ. ومنهم محب الدين الطبري في «ذخائر العقبى» (ص 144 ط مكتبة القدسي بمصر ) قال : عن رجل من كليب قال : صاح الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) اسقونا ماء فرمی رجل بسهم فشقّ شدقه فقال : لا أرواك اللّه، فعطش الرجل إلى أن رمى نفسه في الفرات فشرب حتّى مات. خرّجه الملا. ومنهم الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» ( ص 287 ط الغري). ملحقات الإحقاق : ج 11 ص

اللّهمّ أحصهم عددا

{25}

[830] اللّهمّ أحصهم عدداً واقتلهم بدداً، ولا تذَر على الأرض منهم أحداً.(1)

ص: 296


1- تاريخ الطبري : ج 5 ص 449 «أحداث سنة 61ه» بهذا الإسناد : قال هشام: حدّثني عمرو بن شمر، عن جابر الجُعفي، قال : عطش الحسين حتّى اشتدّ عليه العطش، فدنا ليشرب من الماء، فرماه حصین بن تميم بسهم، فوقع في فمه، فجعل يتلقّى الدم من فمه، ويَرمي به إلى السماء، ثمّ حمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ جمع يديه فقال : الخبر. ورواه محمّد جمیل غازي في «استشهاد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) » : ص 99 وقال في آخره: فواللّه إن مکث الرجل الرامي له إلّا يسيراً حتّى صبّ اللّه عليه الظما فجعل لا يروى، ويسقي الماء مبرداً، وتارة يبرد له اللبن والماء جميعاً ويسقى فلا يروى، بل يقول: إسقوني قتلني الظمأ، قال : فواللّه ما لبث إلّا يسيراً حتّى انقدّ بطنه انقداد بطن البعير.

دعاؤه(عَلَيهِ السَّلَامُ) على رجل خبيث

{26}

[831] جعل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يطلب الماء وشمر يقول له : واللّه لا ترده أو ترد النار، فقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنّه بطون الحيتان، واللّه. لا تذوقه أو تموت عطشاً.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ أمته عطشاً.

قال : واللّه لقد كان هذا الرجل يقول : اسقوني ماء، فيؤتى بماء فيشرب حتّى يخرج من فيه، ثمّ يقول : اسقوني قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتّى مات.(1)

حشرك اللّه مع الظالمين

{27}

[832] ومن كراماته رضي اللّه عنه، أنّه دعا على مالك بن السير الّذي ضربه على رأسه بالسيف فأدماه بقوله : لا أكلت ولا شربت، وحشرك اللّه مع الظالمين، فلم يزل فقيراً بشر حتّى مات.(2)

ص: 297


1- بحار الأنوار : ج 45، ص 51؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج2 ص 34.
2- رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم محمّد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأوّل سابقاً في كتابه : « الحسن والحسين سبطا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) » (ص 106 ط دار الكتب العلمية - بیروت) قال :... . ومنهم محمّد جمیل غازي في «استشهاد الحسين(عَلَيهِ السَّلَامُ)» (ص 97 خرجه من كتاب الحافظ ابن كثير ط مطبعة المدني - المؤسّسة السعودية بمصر ) قال : قالوا: ومکث الحسين نهاراً طويلاً وحده لا يأتي إليه أحد إلّا رجع عنه، لا يحب أن يلي قتله، حتّى جاءه رجل من بني بداء ، يقال له مالك بن بشیر فضرب الحسين رأسه - بالسيف فأدمى رأسه، وكان على الحسين برنس فقطعه وجرح رأسه، فامتلأ البرنس دماً فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا أكلت بها لا شربت، وحشرك اللّه مع الظالمين. ثمّ ألقى الحسين ذلك البرنس ودعا بعمامة فلبسها. ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 205 - 206.

دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ابن الأشعث

{28}

[833] عن الإمام السجاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثمّ أقبل رجل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له محمّد بن أشعث بن قيس الكندي، فقال : يا حسين بن فاطمة أيّة حرمة لك من رسول اللّه ليست لغيرك؟ قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذه الآية : «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً »(1)، ثمّ قال واللّه إنّ محمّداٌ لمن آل إبراهيم وأنّ العترة الهادي لمن آل محمّد، مَن الرجل فقيل محمّد بن أشعث بن قيس الكندي فرفع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه إلى السماء فقال اللّهمّ أرِ محمّد بن الأشعث ذلّا في هذا اليوم لا تعزّه هذا اليوم أبداً، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلّط اللّه عليه عقرباً فلدغه فمات بادي العورة.(2)

جوابه لمعاوية

[836] بايع الناسُ ليزيد بن معاوية غيرَ الحسين بن عليّ، وابن عمر ، وابن الزبير، وعبدالرحمن بن أبي بكر، وابن عبّاس ؛ فلمّا قدم معاوية أرسل إلى

ص: 298


1- سورة آل عمران، الآية 33 - 34.
2- أمالي الصدوق : ص 139 المجلس 30 بإسناده عن الصادق ، عن الباقر، عن السجّاد عليهم صلوات اللّه في ضمن ذكر وقائع الطفّ.

الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال : يابن أخي، قد استوسق الناس لهذا الأمر غيرَ خمسة نفر من قريش أنت تقودُهم، يابنَ أخي، فلم إربك إلى الخلاف؟ قال : أنا أقودهم ! قال : نعم، أنت تقودهم، قال : فأرِسل إليهم، فإن بايعوا کنتُ رجلاً منهم، وإلّا لم تكن عجلَت عليّ بأمر ؛ قال : وتفعل؟ قال : نعم ؛ قال : فأخذ عليه ألّا يُخبر بحديثهم أحداً قال : فالتوى عليه، ثمّ أعطاه ذلك، فخرج وقد أقعد له ابن الزبير رجلاً بالطريق قال: يقول لك أخوك إبنُ الزبير : ماکان؟ فلم يزل به حتّى إستخرج منه شيئاً ثمّ أرسل بعدَه إلى ابن الزبير ، فقال له : قد استوسق الناسُ لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم؛ يابن أخي ! فما إربك إلى الخلاف؟ قال : أنا أقودهم! قال : نعم، أنت تقودهم ؛ قال : فأرسل إليهم فإن بايعوا کنتُ رجلاً منهم، وإلّا لم تكن عجلتَ عليّ بأمر ؛ قال : وتفعل؟ قال : نعم؛ قال : فأخذ عليه ألّا يخبر بحديثهم أحداً، قال : يا أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) نحن في حرم اللّه عزّوجلّ، وعهدُ اللّه سبحانه ثقيل، فأبى عليه وخرج.

ثمّ أرسل بعدَه إلى ابن عمر فكلّمه بكلام هو ألين من كلام صاحبه ، فقال : إنّي أرهب أن أدع أُمّة محمّد بعدي كالضأن لا راعيَ لها، وقد استوسَق الناس لهذا الأمر غيرَ خمسة نفر من قريش أنت تقودهم، فما إربك إلى الخلاف؟ قال : هل لك في أمر يُذهب الذمّ، ويحقن الدم، وتُدرك به حاجتك؟ قال : وددتُ ! قال : تبرز سريرك، ثمّ أجيء فأُبايعك ، على أنّي أدخل بعدك فيما تجتمع عليه الأُمّة؛ فواللّه لو أنّ الأُمّة اجتمعت بعدك على عبد حبشيّ لدخلتُ فيما تدخل فيه الأُمّة ؛ قال : وتفعل؟ قال: نعم، ثمّ خرج فأتى منزله فأطبق بابه ، وجعل الناس يجيون فلا يأذن لهم.

فأرسل إلى عبدالرحمن بن أبي بكر، فقال : يابن أبي بكر، بأيّة يد أو رجل تُقدم على معصيتي! قال : أرجو أن يكون ذلك خيراً لي؛ فقال : واللّه لقد

ص: 299

هممتُ أن أقتلك ؛ قال : لو فعلت لأتبعك اللّه به لعنةً في الدنيا، وأدخلك به في الآخرة النار، قال : ولم يذكر ابن عباس. (1)

إخباره (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هلاك معاوية

{30}

[835] لمّا هلك معاوية كتب يزيد إلى الولید بن عتبة بالمدينة :

بسم اللّه الرحمن الرحيم، من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة ، أمّا بعد، فإنّ معاوية كان عبداً من عباد اللّه، أكرمه اللّه واستخلَفَه، وخوّله، ومكّن له، فعاش بقَدَر، ومات بأجل، فرحمه اللّه، فقد عاش محموداً، ومات براً تقيّاً، والسلام!

وكتب إليه في صحيفة كأنّها أذن فأرة : أمّا بعد، فخذ حَسيناً وعبد اللّه بن عمر وعبداللّه بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رُخصة حتّى يبايعوا ؛ والسلام.

فلمّا أتاه نَعي معاوية فظع به، وكبُر عليه ، فبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه إليه. وكان الوليد يومَ قدم المدينة قَدِمها مروانُ متکارهاً - فلمّا رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه، فبلغ ذلك مروان، فجلس عنه وصرمَه، فلم يزل كذلك حتّى جاء نعي معاوية إلى الوليد، فلمّا عظُم على الوليد هلاك معاوية وما أُمر به من أخذ هؤلاء الرهط بالبيعة، فزع عند ذلك إلى مروان، ودعاه فلمّا قرأ عليه کتاب یزید، استرجع وترحّم عليه، واستشاره الوليدُ في الأمر وقال : كيف تری

ص: 300


1- تاريخ الطبري : ج 5 ص 303 - 304 «أحداث سنة 56 ها بهذا الإسناد : فحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال : حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال : حدّثنا ابن عون ، قال : حدّثني رجل بنخلة ، قال : الخبر... .

أن نصنع؟ قال : فإنّي أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوَهم إلى البيعة والدخول في الطاعة، فإن فعلوا قَبِلتَ منهم، وكففتَ عنهم، وإن أبوا قدّمتهم فضربتَ أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنّهم إن علموا بموت معاوية وثَبَ كلّ امرىء منهم في جانب، وأظهر الخلاف والمنابذة، ودعا إلى نفسه لا أدري ؛ أمّا ابن عُمَر فإنّي لا أراه يرى القتال، ولا يحبّ أنّه يولّى على الناس، إلّا أن يُدفَع إليه هذا الأمر عفواً. فأرسل عبداللّه بن عمرو بن عثمان - وهو إذ ذاك غلام حَدَث - إليهما يدعوهما، فوجدهما في المسجد وهما جالسان، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس، ولا يأتيانه في مثلها، فقال : أجيبا، الأمير يدعو کما، فقال له : انصرف؛ الآن نأتيه. ثمّ أقبل أحدُهما على الآخر، فقال عبداللّه بن الزبير للحسين : ظُنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة الّتي لم يكن يجلس فيها ! فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد ظننتُ أرى طاغيَتَهم قد هلك ، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشُوَ في الناس الخبر؛ فقال : وأنا ما أظنّ غيرَه. قال : فما تريد أن تصنع؟ قال : أجمَع فِتْياني الساعة، ثمّ أمشي إليه ، فإذا بلغتُ البابَ احتبستهم عليه، ثمّ دخلت عليه. قال : فإنّي أخافه عليك إذا دخلت ؛ قال : لا آتيه إلّا وأنا على الامتناع قادر. فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته، ثمّ أقبل يمشي حتّى انتهى إلى باب الوليد وقال لأصحابه : إنّي داخل، فإن دعوتُكم أو سمعتم صوتَه قد علا فاقتحموا عليّ بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم، فدخل فسلّم عليه بالإمرة ومروانُ جالس عنده ، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كأنّه لا يظنّ مايظنّ من موت معاوية : الصلة خيرٌ من القطيعة، أصلح اللّه ذات بينكما؟ فلم يجيباه في هذا بشيء، وجاء حتّى جلس، فأقرأه الوليد الكتاب ، ونعى له معاوية ، ودعاه إلى البيعة، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنا للّه وإنا إليه راجعون!... معاوية ، وعظّم لك الأجر! أمّا ما سألتني من البيعة فإنّ مِثْلي لا يُعطي بيعته سرّاً، ولا أراك

ص: 301

تجتزیء بها منّي سرّاً دون أن تُظهِرها على رؤوس الناس علانية، قال : أجل، قال : فإذا خرجتَ إلى الناس فدعوتَهم إلى البيعة دعوتَنا مع الناس فكان أمراً واحداً ؛ فقال له الوليد - وكان يحبّ العافية - : فانصرف على اسم اللّه حتّى تأتيَنا مع جماعة الناس ؛ فقال له مروان : واللّه لئن فارقك الساعة ولم يُبايع لا قدرتَ منه على مثلها أبداً حتّى تَكثُر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل، ولا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقَه؛ فوثب عند ذلك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال : يابن الزرقاء ! أنت تقتلني أم هو؟! كذبت واللّه وأثمت ثمّ خرج فمرّ بأصحابه ، فخرجوا معه حتّى أتى منزله. فقال مروان للوليد: عصيتَني، لا واللّه لا يُمكنك مِن مثلها من نفسه أبداً ؛ قال الوليد: وبّخ غيرك يا مروان، إنّك اخترت لي الّتي فيها هلاكُ ديني، واللّه ما أُحبّ أن لي ماطلعتْ عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا ومُلكِها، وأنّي قتلتُ حسیناً ، سبحان اللّه! أقتل حسيناً أن قال : لا أُبايع ! واللّه إنّي لا أظنّ أمراً يُحاسَبُ بدم حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لخفيف الميزانُ عند اللّه يوم القيامة. فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك فقد أصبتَ فيما صنعت ، يقول هذا له وهو غير الحامد على رأيه.

وأما ابن الزبير ، فقال : الآن آتيكم، ثمّ أتی داره فكمن فيها، فبعث الوليد إليه فوجده مجتمعاً في أصحابه متحرّزاً، فألحّ عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال ؛ فأمّا حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : کُفّ حتّى تنظر وننظر، وترى ونرى، وأمّا ابنُ الزبير فقال : لاتعجلوني فإنّي آتيكم، أمهلوني، فألحّوا عليهما عشيتهما تلك كلّها وأوّل ليلهما و كانوا على حسين أشدّ إبقاءً، وبعث الوليد إلى ابن الزبير موالي له فشتموه وصاحوا به : یابن الكاهليّة، واللّه لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك ، فلبث بذلك نهاره كلّه أوّل ليلة يقول: الآن أجيء، فإذا استحثّوه قال : واللّه لقد استربت بكثرة الإرسال، وتتابع هذه الرجال، فلا تُعْجلوني حتّى أبعث إلى الأمير مَن يأتني برأيه

ص: 302

وأمره، فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير فقال : رحمك اللّه كفّ عن عبداللّه فإنّك قد أفزعته وذعَرته بكثرة رُسلك، وهو آتيك غداً إن شاء اللّه، فمُر رُسلك فلينصرفوا عنّا. فبعث إليهم فانصرفوا، وخرج ابن الزبير من تحت الليل فأخذ طريق الفرع هو وأخوه جعفر، ليس معهما ثالث، وتجنّب الطريق الأعظم مخافة الطلب، وتوجّه نحو مكّة، فلمّا أصبح بعث إليه الوليد فوجدّه قد خرج، فقال مروان : واللّه إن أخطأ مكة فسرِّح في أثره الرجال، فبعث راكباً من موالي بني أُميّة في ثمانين راكباً، فطلبوه فلم يَقدِروا عليه، فرجعوا، فتشاغلوا عن حسين بطلب عبداللّه يومهم ذلك حتّى أمسَوا، ثمّ بعث الرجال إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)عند المساء فقال : أصبحوا ثمّ ترون ونرى، فكفّوا عنه تلك الليلة، ولم يُلحوا عليه، فخرج حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تحت ليلته، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستّين.

وكان مخرج ابن الزبير قبلَه بليلة، خرج ليلة السبت فأخذ طريق الفُرع، فبينا عبداللّه بن الزبير يُسايرُ أخاه جعفراً إذ تمثّل جعفر بقول صَبِرة الحنظلي :

وكلّ بني أُمّ سيمسون ليلة***ولم يبق من أعقابهم غيرُ واحد

فقال عبداللّه : سبحان اللّه ! ما أردتَ ما أسمعُ يا أخي! قال : واللّه يا أخي ما أردتُ به شيئاً ممّا تكره؛ فقال : فذاك واللّه أكرهُ إلي أن يكون جاء على لسانك من غير تعمّد_. قال : وكأنّه تطير منه. _وأمّا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّه خرج ببنيه وإخوته وبني أخيه وجلّ أهل بيته ، إلّا محمّد بن الحنفية فإنّه قال له : يا أخي، أنتَ أحبّ الناس إليّ، وأعزّهم عليّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك ، تنحّ بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثمّ أبعث رُسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعوا لك حمدتُ اللّه على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا عقلك، ولا يُذهب به مروءتك

ص: 303

ولا فضلَك، إنّي أخاف أن تدخل مِصْراً من هذه الأمصار وتأتي جماعةً من الناس، فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، وأُخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنّة، فإذا خير هذه الأُمّة كلّها نفساً و أباً، أمّا أضيعها دماً وأذلّها أهلاً ، قال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإنّي ذاهب يا أخي ؛ قال : فانزل مكّة فإن اطمأنّت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نَبَتْ بك لحقتَ بالرمال، وشَعَفَ الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتّى تنظر إلى مايصير أمر الناس، وتعرف عند ذلك الرأي ، فانّك أصوب ما تكون رأياً وأحزَمه عملاً حين تستقبل الأُمور استقبالاً، ولا تكون الأُمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدباراً ؛ قال : يا أخي، قد نصحت فأشفقتَ، فأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً.(1)

في مجلس الولید

{31}

[836] دخل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الولید بن عتبة فسلّم عليه، فردّ عليه ردّاً حسناً، ثمّ أدناه و قرّبه ؛ ومروان بن الحكم هناك جالس في مجلس الوليد، وقد كان بين مروان وبين الوليد منافرة ومفاوضة، فأقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الوليد فقال : أصلح اللّه الأمير والصلاح خيرٌ من الفساد، والصلة خيرٌ من الخشناء

ص: 304


1- تاريخ الطبري : ج 5 ص 338 - 342 «أحداث سنة 60ه» بهذا الإسناد : قال هشام بن محمّد، عن أبي مخنف، ولّي يزيد في هلال رجب سنة ستّين ، وأمير المدينة الوليد بن عُتبة بن أبي سفيان، وأمير الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري، وأمير البصرة عُبيداللّه بن زياد، وأمير مكّة عمرو بن سعید بن العاص، ولم يكن ليزيد همّة حين ولي إلّا بيعة النفر الّذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته، وأنّه ولي عهده بعده، والفراغ من أمرهم، فكتب إلى الوليد: الخبر.

والشحناء، وقد آن لكما أن تجتمعا، فالحمد للّه الّذي ألّف بينكما.(1)

وروى أبو مخنف : إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الصلة خير من القطيعة، أصلح اللّه ذات بينكما، فلم يجيباه.(2)

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل أتاكم من معاوية كائنة خبر فإنّه كان عليلاً وقد طالت علّته، فكيف حاله الآن؟ فتأوّه الولید و تنفّس الصعداء ، وقال : أباعبداللّه آجرك اللّه في معاوية، فقد كان لك عمّ صدق وقد ذاق الموت، وهذا كتاب أمير المؤمنین یزید!

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، وعظّم اللّه لك الأجر أيّها الأمير، ولكن لماذا دعوتني؟

فقال : دعوتك للبيعة، فقد اجتمع عليه الناس.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً، وإنّما أحبّ أن تكن البيعة علانية بحضرة الجماعة، ولكن إذا كان من الغد ودعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم فيكون أمرنا واحداً.(3)

كونوا بباب الرجل

{32}

[837] قال ابن اعثمّ : ثمّ صار الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزله، ثمّ دعا بماء، فلبس وتطهّر بالماء وقام فصلّى ركعتين ودعا ربّه بما أحبّ في صلاته ؛ فلمّا

ص: 305


1- الفتوح: ج 5 ص 13؛ مقتل الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 183.
2- وقعة الطف : ص 8.
3- الفتوح: ج 5 ص 13؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي: ج 1 ص 183؛ البداية والنهاية : ج 8 ص 107 وليس فيه أوّل الحديث ؛ وعنها كلمات الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 281 ح 249

فرغ من ذلك أرسل إلى فتيانه وعشيرته ومواليه وأهل بيته فأعلمهم بشأنه، ثمّ قال : كونوا بباب هذا الرجل فإنّي ماض إليه و مکلّمه، فإن سمعتم أنّ صوتي قد علا وسمعتم كلامي وصحتُ بكم فادخلوا یا آل الرسول واقتحموا من غير إذن، ثمّ اشهروا السيوف ولا تعجلوا، فإن رأيتم ما تكرهون فضعوا سيوفكم ثمّ اقتلوا من يريد قتلي.(1)

وقال المفيد: أنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لهم: إنّ الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، ولست آمن أن يكلّفني فيه أمراً لا أجيب إليه وهو غير مأمون، فكونوا معي، فإذا دخلتُ إليه فاجلسوا على الباب فإن سمعتم صوتي قد علا، فادخلوا عليه لتمنعوه عنّي.(2)

وقال ابن أعثم: ثمّ خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من منزله وفي يده قضيب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو في ثلاثين رجل من أهل بيته ومواليه وشیعته، حتّى أوقفهم على باب الوليد بن عتبة ، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : انظروا ماذا أوصيتكم، فلا تعتدوه، وأنا أرجو أن أخرج إليكم سالماً إن شاء اللّه.(3)

قال أبو مخنف : إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يمشي حتّى انتهى إلى باب الوليد فقال : إنّي داخل فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا عليّ بأجمعكم، وإلّا فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم.(4)

وفي رواية : إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن سمعتم أمرا یریبُکم فادخلوا.(5) (1) (2) (3) (4) (5)

ص: 306


1- الفتوح: ج 5 ص 13؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 183.
2- الإرشاد : ص 200؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 324 عنه ، أعيان الشيعة : ج 1 ص 587.
3- الفتوح: ج 5 ص 13؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 183.
4- تاريخ الطبري : ج 3 ص 270؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 530؛ وقعة الطفّ : ص 80.
5- البداية والنهاية : ج 8 ص 157. وعنها كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 281 ح 247 و 248.

مع الوليد بن عتبة

{33}

[838] أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الولید بن عتبة وقال : أيّها الأمير! إنّا أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة ومحلّ الرحمة وبنا فتح اللّه وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب خمر قاتل النفس المحرّمة معلن بالفسق، ومثلي الايبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون وننتظر وتنتظرون أينّا أحقّ بالخلافة والبيعة. (1)

وقال الصدوق: إنّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا عتبة(2) قدعلمت أنّا أهل بيت الكرامة ومعدن الرسالة، وأعلام الحقّ الّذين أودعه اللّه عزّوجلّ قلوبَنا، وأنطق به ألسنتنا، فنطقت بإذن اللّه عزّوجلّ، ولقد سمعتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : إنّ الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان، وكيف أُبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هذا. (3)

وسمع مَن بالباب صوتَ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهمّوا بفتح الباب و إشهار السيوف ، فخرج إليهم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سريعاً فأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، وأقبل الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزله، فقال مروان بن الحكم للوليد بن عتبة : عصيتَني حتّى انفلت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من يدك، أما واللّه لا تقدر على مثلها أبداً، وواللّه ليخرجنّ

ص: 307


1- الفتوح: ج 5 ص 14؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 184؛ مثير الأحزان : ص 24 ؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 325.
2- في بعض التواریخ : إنّ والي المدينة هو عتبة بن أبي سفيان، ولكن المشهور ولده ولید بن عتبة ، فالصحيح ابن عتبة.
3- أمالي الصدوق : ص 130؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 312، عنه العوالم : ج 17 ص 161 وعنها كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 283.

عليك وعلى أمير المؤمنين ، فاعلم ذلك.

فقال له الوليدُ بن عتبة : ويحك! أشرتَ عليّ بقتل الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وفي قتله ذهابُ ديني ودنياي ، واللّه ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وأنّي قتلت الحسیں بن علي بن فاطمة الزهراء (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) ، واللّه ما أظنّ أحداً يلقي اللّه بقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا وهو خفيف الميزان عند اللّه، لا ينظر إليه ولا يزكّيه ولم عذاب أليم. فسکت مروان.

أنت تقتلني أم هو ؟

{34}

[839] قال المفيد: إنّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتى أُبايعه جهراً فيعرف الناس.

فقال له الوليد: أجل.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فتصبح وترى رأيك في ذلك.(1)

وقال أبو مخنف : إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، أمّا ما سألتني من البيعة، فإنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً، ولا أراك أن تجتزی بها منّي سرّاً دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانية.

قال : أجل.

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإذا خرجتَ إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس، فكان أمراً واحداً.(2)

فقال الوليد: أبا عبداللّه لقد قلتَ فأحسنتَ في القول وأحببتُ جواب مثلك

ص: 308


1- الإرشاد : ص 200؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 587.
2- الكامل في التاريخ : ج 2 ص 530 ؛ وقعة الطف : ص 80؛ وعنها كلمات الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 282 ح 249.

وكذا ظنّي بك، فانصرف راشداً على بركة اللّه حتّى تأتيني غداً مع الناس.

فقال للوليد مروان بن الحكم : واللّه لئن فارقك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الساعة ولم يبايع لاقدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو؟ كذبت واللّه وأثمت. (1)

وقال ابن أعثم: إنّه قال : ويلي عليك يابن الزرقاء، أتأمر بضرب عنقي؟! كذبت واللّه، واللّه لو رام ذلك أحد من الناس لسقيتُ الأرض من دمه قبل ذلك، وإن شئت ذلك فرم ضرب عنقي إن كنت صادقاً.(2)

و على الاسلام السلام

{35}

[840] ابن اعثمّ الكوفي قال : وأصبح الحسين من غده يستمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه ، فقال : أباعبداللّه! إنّي لك ناصح فأطعني ترشد و تسدد، فقال : وما ذاك؟ قل أسمع، فقال : إنّي أرشدك لبيعة يزيد ، فإنّها خير لك في دينك ودنياك، فاسترجع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقال : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأُمّة براع مثل يزيد، ثمّ قال : یا مروان! أترشدني لبيعة يزيد، ويزيد رجل فاسق، لقد قلتَ شططاً من القول

ص: 309


1- الإرشاد: ص 201؛ تاریخ الطبري : ج 3 ص 270؛ الكامل في التاريخ : ج2 ص 530 وفيه: كذبت واللّه لؤمت ؛ البداية والنهاية : ج 8 ص 157؛ أعیان الشیعة: ج 1 ص 587 ؛ وقعة الطف : ص 81.
2- الفتوح: ج 5 ص 14؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 184؛ اللهوف : ص 10 وفيه: «كذبت واللّه» فقط.

وزللاً، ولا ألومك فإنّك - اللعين - الّذي لعنك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنت في صلب أبيك - الحكم بن العاص -، ومن لعنه رسول اللّه فلا ینکر منه أن يدعو لبيعة يزيد، إليك عتي ياعدو اللّه ! فإنّا أهل بیت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، الحقُّ فينا ينطقُ على ألسنتنا، وقد سمعت جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : الخلافة محرَّمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فأبقروا بطنه، ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلم يفعلوا به ما أُمروا، فابتلاهم بابنه يزيد.

فغضب مروان من كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : واللّه، لا تفارقني حتّى تبايع ليزيد صاغراً، فإنکم - آل أبي تراب - قد مُلئتم شحناء، وأُشربتم بغض آل أبي سفيان ، وحقیق عليهم أن يبغضوکم.(1)

لا تدعن نصرتي

{36}

[841] لمّا عرف ابن عمر من الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) العزم على مغادرة المدينة والنهضة في وجه أتباع الضلال وقمع المنكرات و كسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المقدّسة، قال له : يا أباعبداللّه إكشف لي عن الموضع الّذي لم يزل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقبّله منك فكشف له عن سرّته فقبّلها ثلاثاً و بکی. فقال له : إتّق اللّه يا أبا عبد الرحمن ولا تدَعَنَ نصرتي.(2)

ص: 310


1- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 268.
2- مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمقرم: ص 138 عن اللهوف : ص 17.

من هوان الدنيا على اللّه

{37}

[862] طلب منه عبداللّه بن عمر(1) بن الخطّاب البقاء في المدينة فأبی الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا عبداللّه إنّ من هوان الدنيا على اللّه أنّ رأس یحیی بن زکریّا يُهدى إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل، وأنّ رأسي يُهدى إلى بغيّ من بغايا بني أُميّة، أما علمتَ أنّ بني إسرائيل كانو يَقتُلون ما بين طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً، فلم يعجّل اللّه عليهم، بل أخذَهم بعد ذلك أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ ذي انتقام.(2)

اني مستوطن هذا الحرم

{38}

[843] أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)على إبن عبّاس وقال له : وأنت یابنَ عبّاس إبنُ عم أبي ولم تَزلْ تأمرُ بالخيرِ مذ عرفتُك، وكنتَ مع أبي تُشير عليه بما فيه الرشادُ والسدادُ. وقد كان أبي يَستصحبُك ويستنصحُك ويَستشيرك وتشيرُ عليه بالصواب، فامض إلى المدينة في حفظ اللّه ولا تُخْف عليَّ شيئاً من أخبارِك، فإنّي مستوطنُ هذا الحرم ومقيمٌ به، ما رأيت أهلَه يحبّونني وينصرونني، فإذا هم خذلوني إستبدلت بهم غيرَهم، واستعصمت بالكلمة الّتي

ص: 311


1- هو عبداللّه بن عمر بن الخطّاب أبو عبدالرحمن، أسلم وهو صغير و شهد الفتح وله عشرون سنة، ومكث ستّين سنة يفتي الناس وفي في كتب الحديث (2630) حديثاً، توفّي بمكّة سنة (735)، الأعلام: ج 4 ص 246.
2- مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمقرّم: ص 138. ورواه السيد في اللهوف : ص 26 ؛ وعنه بحار الأنوار : ج 44، ص 365 وأورده ابن نما في مثير الأحزان: ص 20 وفيها : يا أبا عبد الرحمن أما علمت أنّ من هوان الدنيا... .

قالها إبراهيم يوم أُلقي في النار «حَسْبُنَا اللّهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ» فكانت النار عليه برداً وسلاماً.(1)

لا ذعرتُ السوام

{39}

[844] عن أبي سعد المقبري(2) قال : نظرت إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) داخلاً مسجد المدينة، وإنّه ليمشي، وهو معتمد على رجلين ، يعتمد على هذا مرّة، وعلى هذا مرّة، وهو يتمثّل بقول یزید بن مفرّغ الحميري :

لاذعرتُ السوام في فلق الصبح***مُغیراً ولا دُعيتُ یزیدا

يومَ أُعطى من المهابة ضيماً***والمنايا يَرصُدنني أن أحيلا

قال : فقلت في نفسي : واللّه ماتمثّل بهذين البيتين إلّا لشيء يريده فما مكث إلّا يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة.(3)

ص: 312


1- مقتل الخوارزمي : ج 1 ص 193.
2- هو أبو سعد سعيد بن أبي سعید کیسان الليثي مولاهم المدني المقبري كان يسكن بمقبرة البقيع، توفّي سنة (125 ه) وكان من أبناء التسعين.
3- تاريخ الطبري: ج 3 ص 271؛ مقتل الخوارزمي : ج 1 ص 186 وفيه : يوم أُعطى مخافة الموت كفاً. وفي الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني : ج 18 ص 288: وتمثّل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه بهذين البيتين لمّا خرج من المدينة إلى مكّة عند بيعة يزيد. وفي شرح الأخبار : ج 3 ص 144 ح 1085 : خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يريد العراق فلمّا مرّ بباب المسجد تمثّل بهذين البيتين... .

عند قبر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

{40}

[845] خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من منزله ذات ليلة وأتى قبر جدّه ؟ فقال : السلام عليك يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ! أنا الحسين بن فاطمة (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، فرخك وابن فرختك، وسبطك والثقل الّذي خلفته في أُمّتك، فاشهد عليهم، يانبيّ اللّه ! إنّهم قد خذلوني، وضيَّعوني، ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك صلى اللّه عليك، ثمّ صفَّ قدميه، فلم يزل راكعاً ساجداً.(1)

من مقام الشهادة

{41}

[846] إن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قبل خروجه عن المدينة ذهب إلى قبر جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الليلة الثانية أيضاً وصلّى ركعات وناجي اللّه سبحانه بكلمات، ثمّ جعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح، وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول اللّه قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله، وبين يديه ومن خلفه، فجاء حتّى ضم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى صدره، وقبّلَ بين عينيه ، وقال : حبيبي یا حسین ! كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحاً بأرض كربلاء، بين عصابة من أُمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى، و ظمآن لاتروى، وهم في ذلك يرجون شفاعتي، مالهم لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة؟ وما لهم عند اللّه من خلاق، حبيبي يا حسين ! إنّ أباك وأُمّك وأخاك قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون، وانّ لك في الجنّة لدرجات لن تنالها إلّا بالشهادة.

ص: 313


1- مقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 186. ص 189. بحار الأنوار : ج 44 ص 327؛ مقتل العوالم : ص 54.

قال : فجعل الحسينُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منامه ينظر إلى جدّه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ويسمع كلامه ، ويقول له : يا جدّاه! لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، فخذني إليك وأدخلني معك إلى قبرك، فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا حسين ! لابدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة، وما قد كتبَ اللّه لك من الثواب العظيم، فإنّك ؛ وأباك ؛ وأُمّك ؛ وأخاك ؛ وعّمك؛ وعمّ أبيك، تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنّة.(1)

مع محمّد بن الحنفيّة

{42}

[847] ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح، فأقبل إليه أخوه محمّد بن الحنفيّة، وقال : يا أخي أنت أحبّ الخلق إليّ وأعزّه عليّ ولست واللّه أدّخر النصيحة لأحد من الخلق، وليس أحد أحقّ بها منك، لإنّك مزاج مائي ونفسي وروحي و بصري، وكبير أهل بيتي، ومن وجبت طاعته في عنقي، لأنّ اللّه قد شرّفك عليّ وجعلك من سادات أهل الجنّة.

وساق الحديث إلى أن قال : تخرج إلى مكّة، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الأُخرى خرجت إلى بلاد اليمن، فإنّهم أنصار جدّك و أبيك ، وهم أرأف الناس، وأرقّهم قلوباً، وأوسع الناس بلاداً، فإن اطمأنّت بك الدار ،

ص: 314


1- بحار الأنوار : ج 44 ص 328. وأورده الصدوق في الأمالي : ص 130 بإسناده عن الإمام السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ)له وليس فيه كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (یا جدّاه لا حاجة لي في الرجوع...) إلى آخره. ولكن فيه : فانتبه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من نومه باكياً فأتی أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا و ودّعهم وحمل أخواته على المحامل وابنته وابن أخيه القاسم ثمّ سار في أحد و عشرين رجلاً من أصحابه وأهل بيته منهم: أبو بكر بن عليّ، ومحمّد بن علي، وعثمان بن علي، و العبّاس بن علی ، وعبداللّه بن مسلم بن عقيل وعليّ بن الحسين الأكبر ، وعليّ بن الحسين الأصغر(عَلَيهِم السَّلَامُ).

وإلّا لحقت بالرمال وشعوب الجبال، وجزت من بلد إلى بلد، حتّى تنظر ما یؤول إليه أمر الناس، ويحكم اللّه بيننا وبين القوم الفاسقين.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أخي واللّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى ، لمّا بایعتُ یزید بن معاوية ، فقطع محمّد بن الحنفيّة الكلام وبكى، فبکی الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) معه ساعة ثمّ قال : يا أخي جزاك اللّه خيراً، لقد نصحت وأشرت بالصواب وأنا عازمٌ على الخروج إلى مكّة، وقد تهيّأتُ لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي، وأمرُهم أمري ورأيهم رأيي، وأمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عيناً عليهم ولا تُخف عنّي شيئاً من أُمورهم.(1)

استعدّوا للبلاء

{43}

[848] روي أنّه قال لأهل بيته : إستعدّوا للبلاء، واعلموا أن اللّه حافظکم و حامیكم، وسيُنجيكم من شرّ الأعداء، ويجعل عاقبة أمر كم إلى خير، ويعذّب أعاد یکم بأنواع البلاء ويعوّضكم اللّه عن هذه البليّة أنواع النعم والكرامة، فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم ماينقص قدركم.(2)

ص: 315


1- الفتوح: ج 5 ص 23؛ مقتل الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 188؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 329؛ العوالم : ج 17 ص 178 ؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 588
2- الدمعة الساكبة : ج 4 ص 346.

لمن نستبقي النياح ؟

{44}

[849] لمّاهمّ الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالشخوص من المدينة ؛ أقبلت نساء بني عبدالمطّلب فاجتمعن للنياحة، فمشى فيهنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أُنشدكنّ اللّه أن تبدين هذا الأمر معصية للّه ولرسوله قالت له نساء بني عبد المطلّب : فلمن نستبقي النياح والبكاء؟(1)

و اللّه لا أُفارقه

{45}

[850] عن عقبة بن سمعان مولى الرباب ابنة امرىء القيس الكلبيّة امرأة حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) و كانت مع سكنية ابنة حسين، وهو مولى لأبيها، وهي إذ ذاك صغيرة ، قال : خرجنا فلزمنا الطريق الأعظم، فقال الحسين أهلُ بيته : لو تنکّبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لا يلحقك الطلب ؛ قال : لا ، واللّه لا أُفارقه حتّى يقضي اللّه ما هو أحبّ إليه.(2)

ص: 316


1- مستدرك الوسائل : ج 2 ص 453 ح 17 «باب 71 كراهة الصراخ بالويل والعويل من أبواب الدفن» في كتاب الطهارة، بهذا الإسناد : جعفر بن قولويه في كامل الزيارات : عن أبيه وجماعة من مشايخه، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن يحيى المعاذي، عن الحسن بن موسى الأصم، عن عمرو، عن جابر ، عن محمّد بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)قال : الخبر.
2- تاریخ الأُمم والملوك للطبري : ج 5 ص 351 في أحداث سنة 60 عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن هشام بن محمّد، عن عبدالرحمن بن جندب ، قال : حدّثني عقبة بن سمعان... الخبر. وفيه : خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة متوجّهاً نحو مكّة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه الحسن وأهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ) سنة (60) وسار نحو مكّة وقال : فخرج منها خائفاً يترقَّب قال ربّ نجّني من القوم الظالمين.

الحذر من أهل الكوفة

{46}

[801] سار إلى مكّة إذاً استقبله عبداللّه بن مطيع العدوي، فقال : أين تريد أباعبداللّه جعلني اللّه فداك؟!

قال : أمّا في وقتي هذا أُريد مكّة، فإذا صرتُ إليها استخرتُ اللّه تعالى في أمري بعد ذلك.

فقال له عبداللّه بن مطيع : خار اللّه لك يابن بنت رسول اللّه فيما قد عزمت عليه، غير أنّي أُشير عليك بمشورة فاقبلها منّي. فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وما هي يابن مطيع؟

قال : إذا أتيت مكّة فاحذر أن يغرك أهل الكوفة، فيها قُتل أبوك، وأخوك بطعنة طعنوه كادت أن تأتي على نفسه، فالزم الحرم فأنت سيّد العرب في دهرك هذا، فواللّه لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك، والسلام.(1)

وروى الدينوري : أنّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لابن مطيع : يقضي اللّه ما أحبّ. (2)

وقال الطبري: إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أمّا الآن فمكّة وأمّا بعد فإنّي أستخيرُ اللّه.(3)

ص: 317


1- الفتوح: ج 5 ص 25 ؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 189 وفيه : فودّعه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودعا له بالخير ؛ أنساب الأشراف : ج 3 ص 155.
2- الأخبار الطوال : ص 229.
3- تاریخ الطبري : ج 3 ص 276؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 532، اعیان الشیعه. ح1 ص 588 ؛ وقعة الطف : ص 87. وعنها موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 305 ح 276

من كراماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{47}

[852] وقال ابن عساکر : قرأتُ على أبي غالب ابن البنّاء ، عن أبي محمّد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن الفهم، أنبأنا محمّد بن سعد، أنبأنا محمّد بن عمر، حدّثني عبد اللّه بن جعفر ، عن أبي عون، قال :

لمّا خرج الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة یريد مكّة، مرّ بابن مطيع وهو يحفر بئره، فقال له : أين فداك أبي وأُمّي؟

قال : أردت مكّة.

قال : وذكر له أنّه كتب إليه شيعته بها، فقال له ابن مطيع : أين فداك أبي وأُمّي ؟ متّعنا بنفسك ولا تسر إليهم!!! فأبى حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال له ابن مطيع : إنّ بئري هذه قد رشّحتها وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء، فلو دعوت اللّه لنا فيها بالبركة !!!

قال : هات من مائها، فأتی من مائها في الدلو، فشرب منه ثمّ تمضمض ثمّ ردّه في البئر، فأعذب وأمهي ، ثمّ ودّع وسار إلى مكّة.(1)

الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مكّة

{48}

[853] لمّا دخل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مكّة في ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، وهو يقرأ : «وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ

ص: 318


1- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق لابن عساکر : ص 155 ح 201.

السَّبِيلِ»(1)،فرح به أهلها فرحاً شديداً، واشتدّ ذلك على عبداللّه بن الزبير لأنّه قد كان طمع أن يبايعه أهل مكّة، فلمّا قدم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) شقّ ذلك عليه، غير أنّه كان لايبدي ما في قلبه إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للّه ، وهو من ذلك يعلم أنّه لا يبايعه أحد من أهل مكّة والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، لأنّ الحسين عندهم أعظم في أنفسهم من ابن الزبير.(2)

خروج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الحجاز

{49}

[854] لمّا خرج من عنده ابن الزبير قال الحسين لمن حضر عنده : إنّ هذا ليس شيء من الدنيا أحبّ إليه من أنّ أخرج من الحجاز وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي، فودّ أتي خرجت حتّى يخلو له.(3)

أمر اللّه و أمر رسوله

{50}

[855] عن جابر بن عبداللّه قال : لمّا عزم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الخروج إلى العراق أتيته وقلت له : أنت ولد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأحد سبطيه لأرى (4) أنّك تصالح

ص: 319


1- سورة القصص، الآية 22.
2- الإرشاد : ص 202؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 332؛ العوالم : ج 17 ص 181 وفيها: يوم الجمعة ؛ الكامل لابن الأثير : ج 2 ص 531؛ تاریخ الأُمم والملوك : ج 3 ص 372؛ الفتوح: ج 5 ص 205. وعنها موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 305 ح 278.
3- مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمقرّم: ص 167.
4- في المصدر : لا أرى إلّا.

كما صالح أخوك الحسن فإنّه كان موفّقاً رشيداً.

فقال لي : يا جابر قد فعل ذلك أخي بأمر اللّه تعالى وأمر رسوله وإني أيضا

أفعل بأمر اللّه تعالى وأمر رسوله أتريد أن استشهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و أبي وأخي(1) كذلك الآن ثمّ نظرت فإذا السماء قد انفتح بابها وإذا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعلي (أمير المؤمنين)(2) والحسن وحمزة وجعفر (عَلَيهِم السَّلَامُ) وزید نازلين منها قد(3) على الأرض فوثبت فزعاً مذعوراً.

فقال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا جابر ألم أقل لك في أمر الحسن قبل الحسين إنّك لا تكون مؤمناً حتّى تكون لأئمّتك مسلِّماً ولا تكون معترضاً أتريد أن ترى مقعدَ معاوية ومقعد الحسين ابني ومقعد يزيد (لعنه اللّه) قاتله؟

قلت : بلی یا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

قال : فضرب برجله الأرض فانشقّت و ظهر بحر فانفلقت ثمّ ظهرت أرض فانشقّت هكذا حتّى انشقّت سبع أرضين وانفلقت سبعة أبحر فرأيت من تحت ذلك كلّه النار وقد قرن في سلسلة(4) الوليد بن مغيرة و أبو جهل ومعاوية الطاغية ويزيد وقرن بهم مردة الشياطين فهم أشدّ أهل النار عذاباً.

ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا أبواب السماء مفتحة وإذا الجنّة أعلاها ثمّ صعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومن معه إلى السماء فلمّا صار في الهواء صاح بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ الحقني فلحقه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصعدوا حتّى رأيتهم دخلوا الجنّة من أعلاها، ثمّ نظر إلي من هناك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقبض على يد الحسين وقال :

ص: 320


1- في المصدر : عليّاً وأخي الحسن.
2- ليس في المصدر.
3- في المصدر : نازلين عنها حتّى استقرّوا.
4- في المصدر : فيها سلسلة قرن فيها.

يا جابر هذا ولدي معي هاهنا فسلّم له أمره ولا تشكّ لتكون مؤمناً.

قال جابر: فعميت عيناي إن لم أكن رأيتُ ما قلت من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)

بلغني إنّك تريد العراق

{51}

[856] عن عمر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، قال : لمّا قدمتَ كتب أهل العراق إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتهيّأ للمسير إلى العراق أتيتُه فدخلتُ عليه وهو بمكّة، فحمدتُ اللّه وأتيتُ عليه، ثمّ قلت : أمّا بعد، فإنّي أتيتك يابن عم لحاجة أُريد ذكرها لك نصيحةً، فإن كنت ترى أنّك تستنصحني وإلّا كففتُ عمّا أُريد أن أقول؛ فقال : قل، فواللّه ما أظنّك بسيّىء الرأي، ولا هو للقبيح من الأمر والفعل ؛ قال : قلت له : إنّه قد بلغني أنّك تريد المسير إلى العراق، وإنّي مشفق عليك من مسيرك ؛ إنّك تأتي بلداً فيه عمالة وأُمراؤه، ومعهم بيوت الأموال، وإنّما الناس عبيدٌ لهذا الدرهم والدينار، ولا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره، ومن أنت أحبّ إليه ممّن يقاتلك معه ؛ فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) جعل : جزاك اللّه خيراً يابن عمّ؛ فقد واللّه علمت أنّك مشيت بنُصح وتكلّمت بعقل، ومهما يُقض من أمر يكن، أخذتُ برأيك أو تركنُه، فأنت عندي أحمدُ مُشیر ، وأنصَح ناصح.(2)

ص: 321


1- مدينة المعاجز : ج 3 ح 937 عن ثاقب المناقب : ص 322 ح 266.
2- تاريخ الطبري : ج 5 ص 382 (أحداث سنة 60ه) وفيه: قال هشام عن أبي مخنف : حدّثني الصقعب بن زهير : الخبر. وفي ذيله : قال : فانصرفتُ من عنده فدخلت على الحارث بن خالد بن العاص به هشام، فسألني: هل لقيتَ حسيناً ؟ فقلت له : نعم ؛ قال : فما قال لك، وما قلت له ؟ قال : فقلت له : قلت كذا وكذا، وقال كذا وكذا ؟ فقال : نصحتَه وربّ المروة الشهباء أما ورب البنيّة إنّ الرأي لمّا رأيتَه، قبله أو ترکه، ثمّ قال : رب مستنصح يعش ويردي***وظنين بالغيب يلقى نصيحاً تاريخ الطبري: ج 4 ص 293؛ الفتوح: ج 5 ص 71؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 50 مع اختلاف يسير؛ تاریخ ابن عساکر (ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)) : ص 202 وفيه : أبوبکر بن حارث، وقال الإمام: «ما أنت ممّن يستغش ولا يتهم فقل» ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص 94 أشار إلى آخر الحديث فقط، الكامل في التاريخ : ج 2 ص 545 وفيه: «قل فواللّه ما استغشك وما أظنّك بشيء من الهوى» ؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 593، نفس المهموم: ص 168 وفيه مثل تاریخ ابن عساكر ؛ وقعة الطف : ص 151.

الموت مع الحقّ

{52}

[857] وذكر هشام بن محمّد و ابن اسحاق قالا : لمّا خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقيه عبداللّه بن مطيع فقال : يا أباعبداللّه الى أين جعلت فداك؟ إيّاك وأهل الكوفة ، وذكّره غدرهم وفعلهم بأبيه وأخيه، ثمّ قال : ألزم الحرم، فإنّك سيّد العرب ، ولم يعدل بك أحد، وتقصدك الناس من كلّ جانب، وواللّه لأن قتلوك بنو أُميّة لم يهابوا بعدك أحداً وليسترقن بعدك الأحرار. فقال : يا عبداللّه أكلّ ذلك فراراً من الموت؟ واللّه الموت مع الحقّ أولى من الحياة على الباطل، واللّه لجهاد يزيد على الدين أحقّ من جهاد المشركين.(1)

ص: 322


1- رواه جماعة من أعلام القوم في كتبهم : فمنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمّد بن أحمد الحافي [الخوافي] الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص 76) قال :... . ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 196.

استودعك اللّه

{53}

[808] یحیی بن سالم الأسدي، قال : سمعت الشعبي(1) يقول :

كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أنّ الحسين بن علي قد توجّه إلى العراق ، فلحقه على مسير ليلتين -أو ثلاث - من المدينة فقال : أين تريد؟

قال : العراق، و[كان] معه طوامير وكتب.

فقال له : لا تأتهم.

فقال : هذه كتبهم وبيعتهم.

فقال : إنّ اللّه عزّوجلّ خيّر نبيّه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنّكم بضعة من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، واللّه لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها اللّه عزّوجلّ عنكم إلّا للذي هو خير لكم، فارجعوا. فأبى وقال : هذه كتبهم وبيعتهم. قال : فاعتنقه ابن عمر وقال : أستودعك اللّه من قتيل.(2)

جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ)لابن عمر

{54}

[859] لمّا بلغ عبداللّه بن عمر، وعبداللّه بن عبّاس مجيء الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى

ص: 323


1- هو عامر بن شراحيل الشَعْبي الحميري التابعي ولد سنة (19) لسبعة أشهر، يُضرب المثل بحفظه، وكان فقيهاً شاعراً، إتصل بعبد الملك بن مروان وصار ندیمه وسميره، ومات فجأة بالكوفة سنة (103ه) الأعلام : ج 4 ص 18.
2- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)من تاريخ دمشق : ص 192 ح 246: عن أبي عبداللّه الفراوي قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمّد بن علي المقري، أنبأنا الحسن بن محمّد بن إسحاق الإسفرايني، أنبأنا يوسف بن يعقوب القاضي، أنبأنا محمّد بن عبدالملك بن زنجويه، أنبأنا شبابة بن سوار، أنبأنا... .

مكّة، أقبلا عليه وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة، حتّى دخلا على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال عبداللّه بن عمر : يا أبا عبداللّه اتّق اللّه رحمك اللّه الّذي إليه معادك ، فقد عرفتَ عداوة هذا البيت لكم، وظلمهم إيّاكم وقد ولي الناس هذا الرجل یزید بن معاوية ، ولست آمن أن يميل الناسُ إليه، لمكان هذه الصفراء والبيضاء ، فيقتلونك ويهلك فيك بشرٌ كثير، فإنّي سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : حسین مقتول، فلئن خذلوه ولم ينصروه ليخذلنّهم اللّه إلى يوم القيامة ، وأنا أشير عليك أن تدخلَ في صلح مادخل فيه الناس وتصبر کما صبرتَ لمعاوية من قبل، فلعلّ اللّه أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين.

فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبد الرحمن : أنا أُبايع يزيد و أدخل في صلحه ، وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): فيه وفي أبيه ما قاله ؟(1)

اطلبي زوجاً غيري

{25}

[860] وفي رواية عن محمّد بن علي بن الحسين قال (عَلَيهِم السَّلَامُ): لمّا تجهز الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الكوفة أتاه ابن عبّاس فناشده اللّه والرحم أن يكون هو المقتول بالطفّ.

فقال : أنا أعرف بمصرعي منك، وما و كدي من الدنيا الّا فراقها، ألا أُخبرك

یابن عبّاس بحديث أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والدنيا؟

فقال له : بلى لعمري إنّي لأُحبّ أن تحدّثني بأمرها.

فقال : حدّثني أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّي كنت بفدك في بعض حيطانها

ص: 324


1- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ص 190- 191.

وقد صارت لفاطمة.(عَلَيهَا السَّلَامُ)

قال : فإذا أنا بامرأة قد هجمت عليّ وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها، فلمّا نظرت إليها طار قلبي ممّا تداخلني من جمالها فشبّهتها ببثينة بنت عامر الجمحي، وكانت من أجمل نساء قريش، فقالت : يابن أبي طالب هل لك أن تتزوّج بي فأُغنيك عن هذه المسحاة، وأدلك على خزائن الأرض، فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك؟

فقال لها: من أنت حتّى أخطبك من أهلك؟

فقالت : أنا الدنيا.

قال لها : فارجعي واطلبي زوجاً غيري، فلست من شأني، وأقبلتُ على مسحاتي وأنشأت أقول:

لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة***وما هي أن غرّت قروناً بطائل

أتتنا على زيّ العزيز بثينة***وزينتها في مثل تلك الشمائل

فقلت لها غُرّي سواي فإنّني***عزوف عن الدنيا ولست بجاهل

وما أنا والدنيا فإنّ محمّداً***أحلّ صريعاً بين تلك الجنادل

وهبها أتتنا بالكنوز ودّرها***وأموال قارون وملك القبائل

أليس جميعاً للفناء مصيرنا***ويطلب من خزّانها بالطوائل

فغرّي سواي إنّني غيرُ راغب***بمافيك من عزّ وملك ونائل

فقد قنعت نفسي بما قد رزقتُه***فشانك يادنيا وأهل العوائل

فإنّي أخاف اللّه يومَ لقائه***وأخشى عذاباً دائماً غير زائل

فخرج من الدنيا وليس في عنقه بيعة لأحد حتّى لقي اللّه محموداً غيرَ ملوم ولا مذموم، ثمّ اقتدت به الأئمّةُ من بعده بما قد بلغكم لم يخلطوا بشيء من

ص: 325

بوائقها عليهم السلام أجمعين و أحسن مثواهم.(1)

ها أنا بين يديك

{56}

[861] قال : يابن عباس! تعلم أنّي ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

فقال ابن عبّاس : اللّهمّ نعم، نعلم ونعرف أنّ ما في الدنيا أحد هو ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) غيرك، وأنّ نصرك لفرض على هذه الأُمّة كفريضة الصلاة والزكاة الّتي لا يقدر أن يقبل أحدهما دون الأخرى.

قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابن عبّاس ! فماتقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من داره وقراره ومولده، وحرم رسوله ومجاورة قبره ومولده ومسجدّه و موضع مهاجره، فتركوه خائفاً مرعوباً لا يستقرّ في قرار، ولا يأوي في موطن، یریدون في ذلك قتله وسفك دمه، وهو لم يشرك باللّه شيئاً، ولا اتّخذ من دونه وليّاً، ولم يتغيّر عما كان عليه رسول اللّه.

فقال ابن عبّاس : ما أقول فيهم إلّا «أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى»(2)«يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا» (3)، وعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى، وأمّا أنت يا ابن بنت

ص: 326


1- بحار الأنوار: ج 78 ص 273 وعنه موسوعة كلمات الإمام : ص 309؛ بحار الأنوار : ج 74 ص 195 ح 12 «باب 7 ما جمع من مفردات كلمات الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجوامع کلمه» بهذا الإسناد : قال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سمعت أبا عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الخبر.
2- سورة التوبة، الآية 54.
3- سورة النساء، الآية 142 و 143.

رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فإنّك رأس الفخار برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وابن نظيرة البتول، فلا تظن يا ابن بنت رسول اللّه أن اللّه غافل عمّا يعمل الظالمون، وأنا أشهد أنّ مَن رغب عن مجاورتك وطمع في محاربتك ومحاربة نبيّك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فما له من خلاق.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ اشهد!

فقال ابن عبّاس : جعلتُ فداك يابن بنت رسول اللّه! كأنّك تريدني إلى نفسك، وتريد منّي أن أنصرك! واللّه لا إله إّلا هو إن لو ضربتُ بين يديك بسيفي هذا حتّى انخلع جميعاً من كفّي لمّا كنتُ ممّن أوفي من حقكّ عشر العشر! وها أنا بين يديك مرني بأمرك.(1)

محبته للشهادة

{57}

[862] عن أبي سعيد عقیصا قال : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) وخلابه عبداللّه بن الزبير فناجاه طويلاً قال : ثمّ أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بوجهه إليهم، وقال : إنّ هذا يقول لي كن حماماً من حمام الحرم، ولأن أُقتل وبيني وبين الحرم باع أحبّ إليّ من أن أُقتل وبيني وبينه شبر، ولأن أُقتل بالطفّ أحبّ إليّ من أن أُقتل بالحرم. (2)

ص: 327


1- الفتوح: ج 5 ص 26 ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 19، وعنهما موسوعه الكلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 306.
2- بحار الأنوار : ج 45 ص 80 رقم الحديث 16 عن كامل الزيارات : ابن قولويه ، أبي ، وابن الوليد معاً، عن سعد، عن محمّد بن أبي الصهبان، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن فضيل الرسّان، عن أبي سعيد عقیصا قال :... .

مع ابن الزبير

{58}

[863] عن عبداللّه بن سُليم والمذريّ بن المشعل الأسديّين قالا: خرجنا حاجَّيْن من الكوفة حتّى قدمنا مكّة، فدخلنا يوم التروية ، فإذا نحن بالحسين وعبداللّه بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحُجْر والباب، قالا : فتقرّبنا منهما، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن شئتَ أن تقيم أقمت فولّيت هذا الأمر، فآزرناك وساعدناك، ونصحنا لك وبايعناك ، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ أبي حدّثني أن بها كبشاً يستحلّ حرمتها، فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش ؛ فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت و تولّيني أنا الأمر فتطاع ولا تُعصى؛ فقال : وما أُريد هذا أيضاً ؛ قالا : ثمّ أنّهما أخفياکلا مهمادوننا، فمازالا يتناجيان حتّى سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين إلى مِنى عند الظهر ؛ قالا: فطاف الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصّ من شعره، وحلّ من عُمرته، ثمّ توجّه نحو الكوفة، وتوجّهنا نحو الناس إلى منى.(1)

شاء اللّه أن يراك قتيلا

{59}

[864] فلمّا كان وقت السحر عزم على المسير إلى العراق، فأخذ محمّد بن الحنفيّة زمام ناقته وقال : يا أخي ما سبب أنّك عجلت؟

فقال : إنّ جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أتاني بعد مافارقتك وأنا نائم، فضمّني إلى صدره

ص: 328


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 384 - 385 «أحداث سنة 60ه» وفيه: قال أبو مخنف : قال أبو جناب یحیی بن أبي حية، عن عدّي بن حرملة الأسدي.

وقبّل مابين عينيّ وقال لي : يا حسين يا قرّة عيني أُخرج إلى العراق فاللّه (عزّوجلّ) قد شاء أن يراك قتيلاً مخضباً بدمائك.

فبكى محمّد بن الحنفيّة بكاءً شديداً فقال : يا أخي إذا كان الحال هكذا فلا معنى لحملك هؤلاء النسوة.

فقال : قال لي جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أيضاً : إنّ اللّه (عزّوجلّ) قد شاء أن يراهنَ سبايا ، مهتکّات، يساقون في أسر الذّل، وهنّ أيضاً لا يفارقنني ما دمتُ حيّاً. فبکی محمّد بن الحنفيّة بكاءً شديداً ثمّ قال : أودعتك اللّه يا حسين، في دعة اللّه يا أخي. (1)

ما أعجلك عن الحج ؟

(60}

[865] قال الفرزدق : حججت بأُمّي، فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيّام الحجّ، وذلك في سنة ستّين، إذ لقيت الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خارجاً من مكّة معه أسيافه وتراسُه، فقلت : لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن علي، فأتيته فقلت : بأبي وأُمّي يابن رسول اللّه! ما أعجلك عن الحجّ؟ فقال : لو لم أعجل لأخذت ؛ قال : ثمّ سألني ممّن أنت؟ فقلت له : امرؤ من العراق ؛ قال : فواللّه مافتّشني عن أكثر من ذلك، واكتفى بها منّي، فقال : أخبرني عن الناس خلفك؟ قال : فقلت له: القلوب معك، والسيوف مع بني أُميّة، والقضاء بيد اللّه ؛ قال : فقال لي : صدقت ؛ قال : فسألته عن أشياء، فأخبرني بها من نذور ومناسك ؛ قال : وإذا هو ثقيل اللسان من برسيام أصابَه بالعراق ؛ قال : ثمّ مضيتُ فإذا بفسطاط مضروب في الحرم، وهيئته حسنة، فأتيته فإذا هو لعبداللّه بن عمرو بن

ص: 329


1- ينابيع المودّة : ج 3 ص 60؛ اللّهوف: ص 27؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 364 ؛ العوالم : ج 17 ص 214.

العاص، فسألني فأخبرتُه بلقاء الحسين بن علي، فقال لي : ويلك : فهلّا اتّبعتَه، فواللّه ليملكنّ، ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه ، قال : فهممت واللّه أن الحقّ به، ووقع في قلبي مقالته، ثمّ ذكرت الأنبياء وقتلهم، فصدّني ذلك عن اللحاق بهم، فقدمتُ على أهل بعُسْفان، قال : فواللّه إنّي لعندهم إذ أقبلت عيرُ قد امتارت من الكوفة، فلمّا سمعتُ بهم خرجتُ في آثارهم حتّى إذا أسمعتهم الصوت و عجلتُ عن إتيانهم صرختُ بهم : ألا ما فعل الحسین ابن علي ؟ قال : فردّوا عليّ: ألا قد قُتل ؛ قال : فانصرفتُ وأنا ألعنُ عبداللّه بن عمرو بن العاص ؛ قال : وكان أهلُ ذلك الزمان يقولون ذلك الأمر، وينتظرونه في كلّ يوم وليلة. قال : وكان عبداللّه بن عمرو يقول : لا تبلغ الشجرة ولا النخلة ولا الصغير حتّى يظهر هذا الأمر ؛ قال : فقلت له : فما يمنعك أن تبيع الوهط ؟ قال : فقال لي : لعنة اللّه على فلان - يعني معاوية - وعليك ؛ قال : فقلت لا، بل عليك لعنة اللّه ؛ قال : فزادني من اللعن ولم يكن عنده من حشمه أحد فألقى مهم شرّاً؛ قال : فخرجت وهو لا يعرفني والوهط حائط لعبداللّه بن عمرو بالطائف ؛ قال : وكان معاوية قد ساوم به عبداللّه بن عمرو، وأعطاه به مالا كثيراً، فأبى أن يبيعه بشيء قال : وأقبل الحسين مُغذّاً لا يلوي على شيء حتّى نزل ذات عِرْق.(1)

كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحاب الإبل

{61}

[866] إنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أقبل حتّى مر بالتنعيم، فلقي بها عيرة قد أقبل بها من

ص: 330


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 386- 387 «أحداث سنة.آه» بهذا الإسناد : قال هشام، عن عوانة بن الحكم، عن لبطة بن الفرزدق بن غالب ، عن أبيه ، قال : الخبر. ولا يخفى أنّ ذات عرق ميقات أهل الشرق بينها وبين مكّة مرحلتان.

اليمن، بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية - وكان عامله على اليمن - وعلى العير الورس والحُلل يُنطلق بها إلى يزيد فأخذها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فانطلق بها ؛ ثمّ قال لأصحاب الإبل :

لا أكرهكم، من أحبّ أن يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنا صحبته، ومن أحبّ أن يفارقَنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض.(1)

كل ما قضي كائن

{62}

[867] لمّا نزل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) «بالخزيمية»(2)قام بها يوماً وليلة فلمّا أصبح جاءت إليه أُخته «زینب بنت علي فقالت له : يا أخي! ألا أُخبرك بشيء سمعتُه البارحة؟ فقال لها : وما ذاك يا أُختاه؟ فقالت : إنّي خرجتُ البارحة في بعض الليل القضاء حاجة، فسمعت هاتفاً يقول:

ألا ياعين فاحتفلي بجهد***فمن يبكي على الشهداء بعدي

ص: 331


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 385 - 386 (أحداث سنة60ه) بهذا الإسناد : قال أبو مخنف : حدّثني الحاري بن كعب الوالبي، عن عقبة بن سمعان قال : لمّا خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من مكّة اعترضه رُسل عمرو بن سعید بن العاص، عليهم یحیی بن سعید، فقالوا له : انصرف؛ أين تذهب ! فأبى عليهم ومضى، وتدافع الفريقان، فاضطربوا بالسياط. ثمّ إنّ الحسين وأصحابه امتنعوا امتناعاً قوياً، ومضى الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) على وجهه، فنادوه یا حسین ، ألا تتّق اللّه! تخرُج من الجماعة، وتفرّق بين هذه الأُمّة! فتأوّل حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول اللّه عزّوجلّ : «لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ» (سورة يونس، الآية 41). وفي ذيله : قال : فمن فارقه منهم حوسب فأُوفي حقه، ومن مضى منهم معه أعطاه كراعه.
2- الخزيميّة (بضمّ الخاء وفتح الزاي) : نسبة إلى خزيمة بن حازم تقع بعد درود للذاهب من الكوفة إلى مكةّ، معجم البلدان.

على قوم تسوقهم المنايا***بمقدار إلى انجاز وعد

فقال لها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أُختاه! كلّ ما قضي فهو كائن.(1)

من أحب الانصراف فلينصرف

{63}

[868] قال أبو مخنف : حدّثني أبو علي الأنصاري، عن بکر بن مصعب المزني ، قال : كان الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يمّر بأهل بماء إلّا اتّبعوه حتّى انتهى إلى زبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة عبداللّه بن يقطر ، وكان سر حه إلى مسلم من الطريق... فتلقّاه خيل الحصین بن نمیر بالقادسيّة، فسرح به إلى ابن زیاد، فأمره أن يصعد فوق القصر ويلعن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فصعد و أشرف على الناس فقال : أيّها الناس إنّي رسول الحسين بن فاطمة بنت بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لتنصروه و توازروه علی ابن مرجانة ابن سميّة الدعي فأمر به عبیداللّه فأُلقي من فوق القصر إلى الأرض فكسرت عظامه و به رمق، فأتاه رجل يقال له : عبدالملك بن عمير اللخمي فذبحه، فلمّا عيب ذلك عليه، قال : إنما أردتُ أن أُريحَه، فأتى ذلك الخبر حسيناً وهو بزبالة، فأخرج للناس كتاباً فقرأ عليهم : بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فإنّه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبداللّه بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحبّ الإنصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام.(2)

ص: 332


1- مقتل الخوارزمي : ج 1 ص 324 ح 7 الفصل (1)
2- تاريخ الطبري: ج 5 ص 398 - 399.

في طريق کربلا

{64}

[869] خذلتنا شعيتُنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج عليه وليس عليه منّا ذمام ، قال : فتفرّق الناس عنه أيادي سبا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الّذي جاءوا معه من مكّة.(1)

أفلسنا على الحقّ ؟

{65}

[870] قال الخوارزمي: وسار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى نزل الثعلبيّة، وذلك في وقت الظهيرة، فنزل ونزل أصحابه، فوضع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه فأغفى، ثمّ انتبه من نومه باكياً، فقال له ابنه عليّ بن الحسين : مالك تبكي يا أبت لا أبکی اللّه عيناً؟

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابُنيّ إنها ساعة لا تكذب فيها الرؤيا، فأُعلّمك أنّي خفقتُ برأسي خفقة فرأيت فارساً على فرس وقف عليّ فقال : يا حسين ! إنّكم

ص: 333


1- رواه ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج 8 ص 168) عن أبي مخنف، عن أبي جناب، عن عدّي بن حرملة ، عن عبداللّه بن سليم، والمنذر بن المشتمعل الأسديّين قالا: فسار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى إذا كان بزرود بلغه أيضاً مقتل الّذي بعثه بكتابه إلى أهل الكوفة بعد أن خرج من مكّة ووصل إلى حاجر فقاله. ورواه الحضرمي في «وسيلة المال» (ص 192 مخطوط) قال : قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها الناس من أحبّ أن ينصرف فلينصرف وليس عليه منّا ذمّ ولا ملام، فتفرق الأعراب عنه يميناً وشمالاً حتّى بقى في أصحابه الّذين خرجوا معه من مكّة لا غير. ورواه ابن الصبّاغ في «الفصول المهمّة» (ص 171 ط الغري) بعين ما تقدّم عن وسيلة المال». ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 608.

تسرعون المسير والمنايا بكم تسرع إلى الجنّة ؛ فعلمتُ أنّ أنفسنا نعيت إلينا.

فقال له ابنه عليّ : يا أبت أفلسنا على الحق؟

قال : بلى يابُنيّ والّذي إليه مرجع العباد!

فقال ابنه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذاً لا نبالي الموت.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جزاك اللّه عنّي يا بُنيّ خير ما جزى به ولد عن والد.(1)

لا خير في العيش

{66}

[871] قال المفيد: روى عبداللّه بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان قالا: لمّا فضینا حجّنا لم تكن لنا همّة إلّا اللحاق بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الطريق للنظر ما يكون من أمره فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتّى لحقناه بزرود فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوقف الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كأنّه يريده ثمّ ترکه و مضى ومضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإنّ عنده خبر الكوفة فمضينا حتّى انتهينا إليه فقلنا السلام عليك فقال : وعليكم السلام قلنا ممّن الرجل قال أسدي : قلنا له ونحن أسديان فمن أنت؟ قال : أنا بكر بن فلان وانتسبنا له ثمّ قلنا له : أخبرنا عن الناس وراءك ، قال : نعم لم أخرج من الكوفة حتّى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيتهما یُجرّان بأرجلهما في السوق فأقبلنا حتّى لحقنا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسایرناه حتّى نزل الثعلبيّة ممسياً فجئناه حين نزل فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام

ص: 334


1- مقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 226؛ الفتوح : ج 5 ص 79؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 367 من قوله «أنتم تسرعون» و ج 61 ص 182 ح 46 في ضمن حديث طويل في منزل العذيب، أعيان الشيعة : ج 1 ص 595.

فقلنا له رحمك اللّه إنّ عندنا خبراً إن شئت حدّثناك علانية وإن شئت سرّاً، فنظر إلينا وإلى أصحابه ثمّ قال : مادون هؤلاء ستر فقلنا له أرأيت الراكب الّذي استقبلته عشي أمس؟ قال : نعم وقد أردت مسألته فقلنا قد واللّه استبرئنا لك خبره وكفيناك مسألته وهو امرؤ منّا ذو رأي وصدق وعقل وانّه حدّثنا أنّه لم يخرج من الكوفة حتّى قتل مسلم وهاني ورآهمایجرّان في السوق بأرجلهما فقال : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، رحمة اللّه عليهما، يردد ذلك مراراً فقلنا له ننشدك اللّه في نفسك وأهل بيتك إلّا انصرفت من مكانك هذا إّنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخّوف أن يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال : ما ترون فقد قتل مسلم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالوا واللّه لا نرجع حتّى نصيب ثارنا أو نذوق ماذاق فأقبل علينا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنّه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار اللّه لك فقال رحمكما اللّه فقال له أصحابه إنّك واللّه ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع فسكت ثمّ انتظر حتّى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه أكثروا من الماء فاستقوا وأكثروا ثمّ ارتحلوا فسار حتّى انتهى إلى زبالة فأتاه خبر عبداللّه بن يقطر فأخرج إلى الناس کتاباً فقرأه عليهم.(1)

قضى ما عليه

{67}

[872] ابن طلحة الشافعي قال ما لفظه : وقال - أي صاحب كتاب الفتوح - وقد التقاه وهو متوجه إلى الكوفة الفرزدق بن غالب الشاعر فقال له : يابن رسول اللّه كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الّذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقیل وشیعته فترحّم على مسلم وقال : صار إلى روح اللّه ورضوانه أما انه قضى ما عليه

ص: 335


1- الإرشاد : ص 222.

وبقي ما علينا.(1)

العلم عند أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)

{68}

[873] لقي رجل الحسين بن عليّ بالثعلبيّة وهو يريد کربلاء فدخل عليه فسلّم عليه فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أيّ البلدان أنت؟ فقال : من أهل الكوفة قال : يا أهل الكوفة أما واللّه لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل من دارنا ونزوله على جدّي بالوحي يا أخا أهل الكوفة مستقى العلم من عندنا أفعلموا وجهلنا هذا ما لا يكون.(2)

أبشر بالجنّة

{69}

[874] وبلغ عبيداللّه بن زیاد لعنه اللّه الخبر، وأنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد نزل الرهيمية فأنزل إليه الحرّبن یزید في ألف فارس، قال الحرّ فلمّا خرجت من منزلي متوجّهاً نحو الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نوديت ثلاثاً یا حرّ أبشر بالجنّة فالتفتّ فلم أر أحداً، فقلت ثكلت الحرّ أُمّه يخرج إلى قتال ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ويبشّر بالجنّة فرهقه عند صلاة الظهر، فأمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابنه فأذّن وأقام وقام الحسين فصلّی بالفريقين جميعاً فلمّا سلم وثب الحر بن یزید فقال : السلام عليك يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

ص: 336


1- رواه في «مطالب السؤل في مناقب آل الرسول» ص 73 ط طهران. ورواه في «عيون التواریخ» ( ج 3 ص 47 نسخة موجودة في مكتبة اسلامبول).
2- بصائر الدرجات : ج 1 ص 31_ 32 ح 1 «باب 7 في أئمّة آل محمّد مستقى العلم عندهم وأنّهم علماء لا يظلمون ولا يجهلون» بإسناده : حدّثنا إبراهيم بن إسحاق بن عبداللّه بن حماد، عن صباح المزنيّ، عن الحارث بن حصيرة، عن الحكم بن عتيبة قال : الخبر.

ورحمة اللّه وبركاته، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وعليك السلام من أنت يا عبداللّه؟ فقال : أنا الحرّبن یزید، فقال : يا حرّ أعلينا أم لنا؟ فقال الحرّ: واللّه يابن رسول اللّه لقد بُعِثتُ لقتالك وأعوذ باللّه أن أحشَرَ من قبري وناصيتي مشدودة إلى رجلي ويدي مغلولة إلى عنقي وأُكبّ على وجهي في النار، یابن رسول اللّه أين تذهب إرجع إلى حرم جدّك فإنّك مقتول، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

سأمضي فما بالموت عارٌ على الفتى***إذا مانوئ حقّاً وجاهد مسلما

وواسي الرجالَ الصالحين بنفسه***وفارق مثبوراً وخالف مجرما

فإن مِتُّ لم أندَم وإن عشتُ لم ألم***كفى بك ذلّا أن تموتَ وترغما(1)

أفبالموت تخوفني ؟

{70}

[875] في رواية أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)قال بعد الأشعار: (سأمضي... الخ): ليس شأني شأن من يخاف الموت، ما أهون الموت على سبيل نيل العزّ وإحياء الحقّ، ليس الموت في سبيل العزّ إلّا حياةً خالدةً وليست الحياة مع الذّل إلّا الموت الّذي لاحياة معه، أفبالموت تخوّفني، هيهات طاش سهمك وخاب ظنّك لستُ أخاف الموت، إنّ نفسي لأبكر وهمّتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفاً من الموت وهل تقدرون على أكثر من قتلي ؟! مرحباً بالقتل في سبيل اللّه، ولكنّكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزّي وشرفي فإذاً لا أُبالي بالقتل.(2)

ص: 337


1- الأمالی للصدوق: ص 136 - 137 المجلس (30) بإسناده : عن الصادق، عن أبيه، عن جدّه صلوات اللّه عليهم
2- إحقاق الحقّ : ج 11 ص 601؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 581: وعنهما موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 360 ح 348 ورواه العلامة الأُستاذ توفيق أبو علم في «أهل البيت»: ص 448 ط السعادة بالقاهرة.

اسقوا القوم

{71}

[879] روى الطبري بإسناده عن عبداللّه بن سليم والمذري بن المشتعلّ الأسديين قالا : أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى نزل شرّاف، فلمّا كان في السحر أمر فتیانه فاستَقَوا من الماء فأكثروا، ثمّ ساروا منها، فرسموا صدر یو مهم حتّى انتصف النهار. ثمّ إنّ رجلاً قال : اللّه أكبر! فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه أكبر ما كبّرت؟ قال : رأيتُ النخل، فقال له الأسديان : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلةً قطّ؛ قالا : فقال لنا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فماتَرَيانه رأي؟ قلنا: نراه رأی هوادي الخيل ؛ فقال : وأنّا واللّه أرى ذلك ؛ فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما لنا ملجأ نلجأ إليه ، نجعله في ظهورنا، ونستقبل القومَ من وجه واحد؟ فقلنا له : بلى، هذا ذو حُسُم إلى جنبك ، تميل إليه عن يسارك ، فإن سبقتَ القوم إليه فهو كما تريد؛ قالا : فأخذ إليه ذات اليسار ؛ قالا : و ملنا معه فما كان أسرع من أن طلعتْ علينا هوادي الخيل، فتبينّاها ، وعدنا ، فلمّا رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأنّ أسنّتهم اليعاسي، وكأنّ راياتهم أجنحة الطير ، قال : فاستبقنا إلى ذي حُسُم، فسبقناهم إليه ، فنزل الحسين ، فأمر بأبنيته فضُربت ، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن یزید التميمي اليربوعي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حرّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدوا أسيافهم، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لفتيانه : اسقوا القوم وارو وهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسَقوا القوم من الماء حتى أرووهم، وأقبلوا يملؤن القصاع والأنوار والطساس من الماء ثمّ يُدنونها من الفرس، فإذا عب فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلتْ عنه، وسَقوا آخر حتّى سَقوا الخيل كلّها.(1)

ص: 338


1- تاريخ الطبري : ج 5 ص 401 بهذا الإسناد : حُدثت عن هشام، عن أبي مخنف، قال : حدّثني أبو جناب، عن عدّي بن حرملة.

انخ الروایة

{72}

[877] قال هشام : حدّثني لقيط ، عن عليّ بن طعان المحاربي كنت مع الحرّ بن یزید فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسين مابي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية والراوية عندي السقاء، ثمّ قال : يابن أخي أنخ الجمل، فأنخته فقال : اشرب فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اخنث السقاء أي اعطفه قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل، قال : فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخنثه فشربت و سقیت فرسي.(1)

لقائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع جيش العدوّ

{73}

[878] وقال ابن الأعثم: فلمّا نظر إليهم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقف في أصحابه ، ووقف الحرّ بن يزيد في أصحابه ، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها القوم من أنتم؟

قالوا: نحن أصحاب الأمير عبيد اللّه بن زیاد.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ومن قائدكم؟

قالوا: الحر بن يزيد الرياحي.

ص: 339


1- فممّا روي فيها ما رواه القوم: منهم الحافظ محمّد بن جرير الطبري في «تاريخ الأُمم والملوك» (ج 4 ص 304 ط الاستقامة بمصر) قال :... . ومنهم العلامة ابن الأثير في «الكامل» (ج 3 ص 279 ط المنيرية بمصر ): روى الحديث بعين ما تقدّم أولاً عن «تاريخ الأُمم والملوك». ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 436.

قال : فناداه الحسين : ويحك يابن یزید! ألنا أم علينا؟!

فقال الحرّ: بل عليك يا أبا عبد اللّه!

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا حول ولا قوة إلّا باللّه.(1)

إنّا أهل بیت نبیّکم

{74}

[879] أمّا بعد أيّها الناس فإنّكم إن تتّقوا اللّه تعالى وتعرفوا الحقّ لأهله يكن رضاء اللّه عنكم وإنّا أهل بیت نبیکم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أولى بولاية هذه الأُمور علیکم، من هؤلاء المدّعين ماليس لهم والسائرين فيكم بالظلم والجور والعدوان، وإن كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأیکم على خلاف ما جاءت به کتبکم انصرفت عنكم.(2)

ص: 340


1- الفتوح: لابن الأعثم: ج 5 ص 85؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 230 وعنهما موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 354 ح 341.
2- رواه الخوارزمي في «مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)» (ج 1 ص 232 ط النجف) قال : قاله (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين انصرف عن صلاته يوم عاشوراء وثب قائماً على قدميه فحمد اللّه وأثني عليه فقاله. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 623. ولكن هذا سهو فإنّ هذه الخطبة كما صرّح غير واحد من أرباب الحديث والتاريخ أنشأها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد صلاة الظهر أو العصر حین مجيء الحرّ من القادسيّة في ألف فارس. راجع بحار الأنوار : ج 44 ص 377.

مع الحر الرياحي

{75}

[880] فلمّا فرغ من خطبته قال له الحرّ بن یزید : إنّا واللّه ما ندري ما هذه الكتب الّتي تذكر !

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عقبة بن سمعان، أخرج الخُرْجَين الّذين فيهما كتبهم إليّ، فأخرج خُرْجَين مملوئين صُحفاً، فنشرها بين أيديهم؛ فقال الحرّ: فإنّا لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك، وقد أُمِرنا إذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتّى نُقدمك على عبيداللّه بن زیاد ؛ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الموتُ أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه : قوموا فاركبوا، فركبوا وانتظروا حتّى ركبت نساؤهم، فقال لأصحابه : إنصرفوا بنا، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القومُ بينهم وبين الإنصراف، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للحرّ: ثكلتك أُمُّك ! ما تريد؟ قال : أما واللّه لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال الّتي أنتَ عليها ما تركتُ ذكر أُمّه بالثكل أن أقوله كائناً من كان ، ولكن واللّه مالي إلى ذكر أُمّك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدر عليه ؛ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فما تريد؟ قال الحرّ: أريد واللّه أن أنطلق بك إلى عبيداللّه بن زیاد، قال له الحسين : إذن واللّه لا أتْبعك ؛ فقال له الحرّ: إذن واللّه لا أدَعك ؛ فترادّا القول ثلاث مرّات، ولمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ: إنّي لم أُؤمر بقتالك ، إنّما أُمرت ألّا أُفارقك حتّى أقدمك الكوفة، فإذا أبيتَ فخذ طريقاً لا تُدخلك الكوفة، ولا تردّك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى ابن زیاد ، وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردتَ أن تكتب إليه، أو إلى عبيداللّه بن زیاد إن شئتَ، فلعلّ اللّه إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلي بشيء من أمرك ؛ قال : فخذ هاهنا فتياسرْ عن طريق العُذَيب والقادسيّة، وبينه وبين العُذَيب ثمانية وثلاثون ميلاً. ثمّ إنّ الحسين سار في أصحابه والحرّ يسايره.(1)

ص: 341


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 402 - 403.

ثكلتك أمك یا حر

{76}

[881] ثمّ التفت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : احملوا النساء ليركبن حتّى ننظر ما الّذي يصنع هذا و أصحابه !

قال : فرکب أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وساقوا النساء بين أيديهم، فقدمت خیل الكوفة حتّى حالت بينهم وبين المسير ، فضرب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيده إلى سيفه ثمّ صاح بالحرّ: ثكلتك أُمّك ! ما الّذي تريد أن تصنع ؟!

فقال الحرّ: أما واللّه لو قالها غيرك من العرب لرددتها عليه كائنا من كان ، ولكن لا واللّه مالي إلى ذلك سبيل من ذكر أُمّك، غير أنّه لابدّ أن أنطلق بك إلى عبيد اللّه بن زیاد.

فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذاً واللّه لا أتبعك أو تذهب نفسي.

قال الحرّ: إذاً واللّه لا أُفارقك، أو تذهب نفسي وأنفس أصحابي.

قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : برز أصحابي وأصحابك وأبرز إليّ، فإن قتلتني خذا برأسي إلى زياد وإن قتلتك أرحت الخلق منك.

فقال الحرّ: أباعبداللّه ! إني لم أو مر بقتلك، وإنّما أُمرت أن لا أُفارقك أو أقدم بك على ابن زیاد، وأنا واللّه کاره إن سلبني اللّه بشيء من أمرك غير أنّي قد أخذت بيعة القوم وخرجت إليك، وأنا أعلم أنّه لا يوافي القيامة أحد من هذه الأُمّة إلّا وهو يرجو شفاعة جدّك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنا خائف إن أنا قاتلتك أن أخسر الدنيا والآخرة، ولكن أنا أباعبداللّه! لست أقدر الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا، ولكن خذ عنّي هذا الطريق وامض حيث شئت حتّى أكتب إلى ابن زياد أنّ

ص: 342

هذا خالفني في الطريق فلم أقدر عليه.(1)

هؤلاء أنصاري و أعواني

{77}

[882] قال الطبري : لمّا انتهوا إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)أنشدوه الأبيات (المذكورة سابقاً)... وأقبل إليهم الحرّبن یزید فقال : إنّ هؤلاء النفر الّذين من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك، وأنا حابسُهم أو رادّهم، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لأمنعنّهم ممّا أمنَع منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنتَ أعطيتَني ألّا تَعرض لي بشيء حتّى يأتيك کتاب من إبن زياد، فقال : أجل، لكن لم يأتوا معك ؛ قال : هم أصحابي، وهم بمنزلة مَن جاء معي، فإن تممتَ على ما كان بيني وبينك وإلّا ناجزتُك ؛ قال : فكفّ عنهم الحرّ. (2)

أدعوك لنصرتنا أهل البيت

{78}

[883] قال الخوارزمي في مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى نزل قصر بنی مقاتل(3)، فإذا هو بفسطاط مضروب ورمح مرکوز وسيف معلّق وفرس واقف على مذود فقال الحسين : لمن هذا الفسطاط ؟

ص: 343


1- الفتوح: ج 5 ص 87؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 233 وعنهما الموسوعة : ح 346.
2- تاريخ الطبري : ج 5 ص 404، أحداث سنة (61).
3- ينسب القصر إلى مقاتل بن حسّان بن ثعلبة، ويقع بين عين التمر والقطقطانيّة.

فقيل لرجل يقال له عبيداللّه بن الحرّ الجعفي(1) فأرسل إليه الحسين برجل من أصحابه يقال له الحجاج بن مسروق الجعفي فأقبل حتّى دخل عليه في فسطاطه فسلّم عليه فردّ عليه عبيد اللّه السلام ثمّ قال له : ما وراءك ؟ قال : وارئي واللّه يابن الحرّ الخير، إنّ اللّه تعالى قد أهدى إليك كرامة عظيمة إن قبلتها. فقال عبيد اللّه : ما ذاك؟ قال الحجّاج : هذا الحسين بن علي يدعوك إلى نصرته، فإن قاتلت بین يديه أجرت، وإن قتلت استشهدت ، فقال عبيداللّه : واللّه يا حجّاج ما خرجت من الكوفة إلّا مخافة أن يدخلها الحسين وأنا فيها لا أنصره، فإنّه ليس له فيها شيعة ولا أنصار إلّا مالوا إلى الدنيا وزخرفها إلا من عصم اللّه منهم، فارجع إليه وأخبره بذلك.

قال : فجاء الحجّاج إلى الحسين وأخبره فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فانتقل ثمّ صار إليه في جماعة من أهل بيته وإخوانه، فلمّا دخل عليه وثب عبيداللّه بن الحرّ على صدر المجلس وأجلس الحسين فيه فحمد اللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأثنى عليه، ثمّ قال : أما بعد یابن الحرّ فإنّ أهل مصركم هذا كتبوا إليّ وأخبروني أنّهم مجتمعون على أن ينصروني، وأن يقوموا من دوني، وأن يقاتلوا عدوّي، وسألوني القدوم عليهم فقدمت ولست أرى الأمر على ما زعموا لأنهم قد أعانوا على قتل ابن عمّي مسلم بن عقیل و شیعته، وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد اللّه بن زیاد، مبایعین ليزيد بن معاوية. یابن الحرّ إنّ اللّه تعالى مؤاخذك بما كسبت و أسلفت من الذنوب في الأيّام الخالية وإنّي أدعوك إلى توبة تغسل ما عليك من الذنوب ، أدعوك إلى نصرتنا أهل البيت، فإن أعطيتنا حقّنا حمدنا اللّه تبارك وتعالى على

ص: 344


1- كان عثماني العقيدة، وحارب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصفيّن، وكان من قَطاع الطريق، وفي سنة (68) قُتِل، وقيل : إنّه لمّا أُثخن بالجراح ركب سفينة ليعبر الفرات فأتلف نفسه في الماء خوفاً. (مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمقرّم ص 188).

ذلك وقبلناه ، وإن منعنا حقّقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحقّ، فقال له عبيداللّه : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لو كان بالكوفة لك شيعة وأنصار يقاتلون معك لكنتُ أنا من أشدّ من على عدوّك ولكن يابن رسول اللّه رأيتُ شيعتك بالكوفة قد الزموا منازلهم خوفاً من سيوف بني أُميّة، فأُنشدك اللّه يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن تطلب منّي غير هذه المنزلة، وأنا أُواسيك بما أقدر عليه خذ إليك فرسي هذه الملحفة فواللّه إنّي ماطلبت عليها شيئاً قط إلّا وقد لحقته ولا طلبت قط وأنا عليها فأدركت، وخذ سيفي هذا فواللّه ما ضربت به شيئاً إلّا أذقته حياض الموت.

فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یابن الحرّ إنّا لم نأتك لفرسك وسيفك، إنّما أتيناك نسألك النصرة فإن كنت بخلت علينا في نفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك ، ولم أكن بالّذي اتّخذ المضلّین عضداً، لأنّي سمعتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : من سمع بواعية أهل بيتي ثمّ لم ينصرهم على حقهم كّبه اللّه على وجهه في نار جهنّم.(1)

لا تسمعالي واعية

{79}

[884] عن عمرو بن قيس المشرقي قال : دخلت على الحسين صلوات اللّه عليه أنا وابن عمّ لي وهو في قصر بني مقاتل فسلّمنا عليه فقال له ابن عمّي : يا أباعبداللّه هذا الّذي أرئ خضاب أو شعرك؟ فقال : خضاب والشيب إلينا بني هاشم يعجل ثمّ أقبل علينا فقال : جئتما لنصرتي؟ فقلت : إنّي رجل كبير السنّ كثير الدَين كثير العيال، وفي يدي بضائع للناس، ولا أدري ما یکون و أكره أن أُضيّع أمانتی، وقال له ابن عمّي مثل ذلك. قال لنا : فانطلقا فلا تسمعا لي

ص: 345


1- مقتل الخوارزمي : ج 1 ص 226 - 227 «خروج الحسين من مكة إلى العراق» «فصل 11».

واعية، ولا تریالي سواداً، فإنّه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا ولم يغثنا، كان حقًّا على اللّه عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في النار.(1)

التسليم لأمر اللّه

{80}

[885] أما واللّه إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد اللّه بنا قُتِلنا أم ظَفَرْنا.(2)

مع الطرمّاح بن عدي

{81}

[886] عن الطرمّاح بن عدي، أنّه دنا من الحسين فقال له : واللّه إنّي لأنظر

ص: 346


1- ثواب الأعمال : ص 250 - 251 وعنه بحار الأنوار : ج 27 ص 203 ح6: إبن إدريس، عن أبيه، عن الأشعري، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن الحكم، عن أبيه، عن أبي الجارود، عن عمرو بن قیس المشرقي قال :... . رجال الكشي: وجدت بخطّ محمّد بن عمر السمرقندي وحدّثني بعض الثقات عن الأشعري مثله.
2- مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمقرّم: ص 186- 187 وفيه : في عذيب الهجانات وافاه أربعة نفر خارجين من الكوفة على رواحلهم ويجنبون فرساً النافع بن هلال يقال له «الكامل» وهم: عمرو بن خالد الصيداوي و سعد مولاه ومجمع بن عبداللّه المذحجي ونافع بن هلال ودليلهم الطرماح بن عدي الطائي يقول : يا ناقتي لاتذعري من زجري***وشمّري قبل طلوع الفجر بخیر رکبان و خیر سفر***حتّى تحلی بکریم النجر الماجد الحر رحيب الصدر***أتي به اللّه لخير أمر ثمت أبقاه بقاء الدهر فلمّا انتهوا إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنشدوه الأبيات فقال عليه السلام، الخبر. وأورده الطبري في تاريخ الأُمم والملوك : ج 5 ص 405 في أحداث سنة (61).

فما أرى معك أحداً، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم؛ وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس مالم تر عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه ، فسألت عنهم، فقيل : اجتمعوا ليُعرَضوا، ثمّ يسرَّحون إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأنشدك اللّه إن قدرتَ على إلا تقدم عليهم شبراً إّلا فعلت ! فإن أردتَ أن تنزل بلداً يمنعك اللّه به حتّى ترى من رأيك، ويستبين لك ما أنت صانع، فسرْ حتّى أنزلك مَناع جبلنا الّذي يُدعى أجا، امتنعنا واللّه به من ملوك غسّان وحمير ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر ، واللّه إن دخل علينا ذلّ قطّ، فأسير معك حتّى أنزلك القُريّة، ثمّ نبعث الرجال ممّن بأجا وسلمى من طیّیء، واللّه لا يأتي عليك عشرة أيّام حتّى تأتيك طيّىء رجالاً وركباناً، ثمّ أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، واللّه لا يوصل إليك أبداً ومنهم عین تَطرف؛ فقال له : جزاك اللّه وقومَك خيراً! إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الإنصراف، ولا ندري على مَ تَنصرف بنا وبهم الأُمور في عاقِبِه.(1)

المسير إلى المنايا

{82}

[887] لمّا كان في آخر الليل أمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالإستقاء من الماء، ثمّ أمرَنا بالرحيل ففعلنا، قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بنی مقاتل وسرنا ساعةً خفق الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) برأسه خَفْقة، ثمّ انتبه وهو يقول : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، والحمد للّه ربّ العالمين ، قال : ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً، قال: فأقبل إليه ابنُه عليّ بن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 347


1- تاريخ الطبري: ج 2 ص 406 «أحداث سنة 61ه»، وفيه: قال أبو مخنف : حدّثني جمیل بن مرثد من بني مَعْن : الخبر.

على فرس له فقال : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، والحمد للّه ربّ العالمين ، يا أبت ، جعلت فداك ! ممّ حمِدتَ اللّه واسترجعت؟ قال : يا بنيّ، إنّي خفقتُ برأسي خفقةً فعنّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمتُ أنّها أنفسُنا نُعِيَتْ إلينا، قال له: يا أبت، لا أراك اللّه سوءاً، ألسنا على الحقّ؟! قال : بلى والّذي إليه مرجع العباد؛ قال : يا أبت، إذاً لا نبالي ؛ نموت محقّين؛ فقال له : جزاك اللّه من ولَد خيرَ ما جَزى ولَداً عن والده.(1)

الطريق على غير الجادة

{83}

[888] ثمّ أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أصحابه وقال : هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادّة؟

فقال الطرمّاح بن عديّ الطائي : يابن بنت رسول اللّه ! أنا أخبر الطريق.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذاً سر بين أيدينا ! قال : فسار الطرمّاح وأتبعه الحسين هو وأصحابه.(2)

لأكونن من أنصارك

{84}

[889] حدّثني الطرماح بن عدي ، قال : فودّعتُه وقلت له : دفع اللّه عنك شرّ الجن والإنس، إنّي قد امترتُ لأهلي من الكوفة ميرةً، ومعي نفقة لهم،

ص: 348


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 407 - 408 «أحداث سنة 61ه» وفيه: قال أبو مخنف : حدّثني عبدالرحمن بن جُندُب ، عن عقبة بن سمعان قال : الخبر.
2- الفتوح: ج 5 ص 89؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 233؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 378.

فآتهم فأضع ذلك فيهم، ثمّ أُقبل إليك إن شاء اللّه، فإن الحقك فواللّه لأكوننّ من أنصارك ؛ قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإن كنت فاعلاً فعجّل رحمك اللّه ؛ قال : فعلمتُ أنّه مستوحش إلى الرجال حتّى يسألني التعجيل ؛ قال : فلمّا بلغتُ أهلي وضعتْ عندهم مايصلحهم، وأوصيت ، فأخذ أهلي يقولون : إنّك لتصنع مرّتك هذه شيئاً ما كنتَ تصنعه قبل اليوم، فأخبرتُهم بما أُريد، وأقبلتُ في طريق بني ثُعَل حتّى إذا دنوتُ من عُذَيب الهجانات، استقبلني سَماعة بن بدر، فنعاه إليّ، فرجعت.(1)

ص: 349


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 406 - 407 «أحداث سنة 61ه» وفيه: قال أبو مخنف : فحدّثني جميل بن مرثد، قال : الخبر.

ص: 350

ما جرى في كربلاء

اشارة

ص: 351

ما كنت لأبدأهم بالقتال

{1}

[890] قال المفيد (قدّس سرّه) في الإرشاد: إن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمل الركوب فأخذ يتیاسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن یزید فیرده و أصحابه فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتباسرون كذلك حتّى انتهوا إلى نينوى المكان الّذي نزل به الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا راكب على نجیب له عليه السلاح متنكّب قوساً مقبل من الكوفة فوقفوا جميعاً ينتظرون فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ وأصحابه ولم يسلّم على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أصحابه. ودفع إلى الحرّ کتاباً من عبيد اللّه بن زیاد فإذا فيه :

أمّا بعد فجعجع بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ولا تنزله إلّا بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء فقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذ أمري، والسلام.

فلمّا قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيداللّه يأمرني أن أُجعجع بكم في المكان الّذي يأتي كتابه وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتّى أنفذ أمره فيكم فنظر یزید بن المهاجر الكندي وكان مع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى رسول ابن زیاد فعرفه فقال له يزيد: ثكلتك أُمّك ماذا جئت فيه قال : أطعت إمامي ووفيت ببيعتي فقال له ابن المهاجر : بل عصيت ربّك و أطعت إمامك في هلاك نفسك وكسبت العار والنار وبئس الإمام إمامك قال اللّه تعالى : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ»(1)فإمامك منهم وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه يعني نينوى والغاضرية أو هذه يعني شفية،

ص: 352


1- سورة القصص : الآية 41.

قال : واللّه لا أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلى عيناً عليّ فقال زهير بن القين : إنّي واللّه ما أراه يكون بعد الّذي ترون إلّا أشدّ ممّا یکون یابن رسول اللّه أنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما كنت لأبدأهم بالقتال، ثمّ نزل وذلك يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين.(1)

أعوذ بك من العقر

{2}

[891] لمّا وصل عسكر العدو ومنعوا الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن سيره فقال له زهیر بن القين : سر بنا إلى هذه القرية حتّى تنزلها فإنّها حصينة، وهي على شاطىء الفرات، فإن منعونا قاتلناهم، فقتالُهم أهون علينا من قتال من يجيء من بعدهم.

فقال له الحسین : وأيّة قرية هي؟ قال : هي العَقْر، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من العَقْر، ثمّ نزل.(2)

اللّهمّ خذ لنا بحقنا

{3}

[892] كان نزوله في كربلاء في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين فجمع (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولده وإخوته وأهل بيته ونظر إليهم وبكى وقال : اللّهمّ إنّا عترة نبيّك

ص: 353


1- الإرشاد : ص 226 - 227.
2- تاريخ الطبري: ج 5 ص 409.

محمّد قد أُخرِجنا و طُرِدنا و أُزعجنا عن حرم جدّنا و تعدّت بنو أُميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين.(1)

هاهنا محط ركابنا

{4}

[893] التفت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الحرّ وقال : سر بنا قليلاً فساروا جميعاً حتّى إذا وصلوا أرض كربلاء وقف الحرّ وأصحابه أمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومنعوه عن المسير وقالوا: إنّ هذا المكان قريب من الفرات، ويقال بینا هم يسيرون إذ وقف جواد الحسين ولم يتحرّك كما أوقف اللّه ناقة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عند الحديبيّة فعندها سأل الحسين عن الأرض قال له زهير : سر راشداً ولا تسأل عن شيء حتّى يأذن اللّه بالفرج إنّ هذه الأرض تسمى الطفّ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فهل لها اسم غيره؟ قال : تعرف کربلاء، فدمعت عيناه وقال : اللّهمّ أعوذ بك من الكرب والبلاء هاهنا محطّ ركابنا ومَسفك دمائنا و محلّ قبورنا، بهذا حدّثني جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)

ما اسم هذه الأرض ؟

{5}

[894] عن أم سلمة قالت : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

جالسا ذات يوم في بيتي فقال : لا يدخل علي أحد، فانتظرت فدخل الحسين رضي اللّه عنه ، فسمعت نشيج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يمسح جبينه

ص: 354


1- مقتل المقرم: ص 193. بحار الأنوار : ج 44 ص 383.
2- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمقرم: ص 192؛ المنتخب للطريحي : ص 308.

وهو يبكي ، فقلت : واللّه ماعلمت حين دخل فقال : إنّ جبريل (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان معنا في البيت، فقال : تُحبّه؟ قلت : أمّا من الدنيا فنعم، قال : إن أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتنأوّل جبريل (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تربتها، فأراها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فلمّا أحيط بالحسين حين قتل، قال : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: صدق اللّه ورسوله أرض کرب وبلاء.(1)

محط ركاب الشهادة

{6}

[890] قال الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين نزل بكربلاء ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال : ذات کرب وبلاء، لقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين وأنا معه فوقف وسأل عنه فأُخبر باسمه فقال : هاهنا محطّ ركابهم وهاهنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك فقال : نفر من آل محمّد ينزلون هاهنا ثمّ أمر بأثقاله فحطّت في ذلك المكان كذا في حياة الحيوان.(2)

ص: 355


1- المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ص 108 - 109 ح 2819 : حدّثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا يحيى بن عبدالحميد الحماني، ثنا سليمان بن بلال ، عن كثير بن زید، ع المطلب بن عبداللّه بن حنطب ، عن أُمّ سلمة قالت :... . وعنه مجمع الزوائد: ج 9 ص 188 - 189 و تاریخ الخميس : ج 2 ص 289 وذخائر العقبي: ص 149.
2- تاریخ الخميس : ج 2 ص 297 - 298 وفيه : وعن أبي جعفر عن بعض مشیخته قال : الخبر.

الناس عبيد الدنيا

{7}

[896] وكان نزوله في كربلاء في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستيّن.

فجمع ولده وإخوته وأهل بيته ونظر إليهم و یکی... ثمّ أقبل على أصحابه فقال :

الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه مادرّت معائشهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قل الديّانون.(1)

لا أفلح القوم

{8}

[897] کتب ابن زیاد للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا بعد يا حسين ! فقد بلغني: نزولك کربلاء» وقد كتب إليّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يزيد: أن لا أتوسّد الوثير : ولا أشبع من الخمير، حتّى أُلحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي و حكم یزید.

فلمّا ورد کتابه و قرأه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رمی به من يده ، وقال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فقال له الرسول : جواب الكتاب؟ فقال له : لا جواب له عندي، لأنّه قد حقت عليه كلمة العذاب.(2)

ص: 356


1- الطبري في تاريخه : ج 5 ص 233 وابن الأثير في الكامل : ج4 ص20؛ بحار الأنوار : ج44، ص383؛ مقتل المقرّم: ص193.
2- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ص 340؛ الفتوح لابن اعثمّ الكوفي: ج 5 ص 85.

في جواب قرّة بن القيس

{9}

[898] بعث عمر بن سعد إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عزرة بن قيس الأحمسي، فقال : ائته فسَلْه ما الّذي جاء به؟ وماذا يريد؟ وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستحيا منه أن يأتيَه. قال : فعرض ذلك إلى الرؤساء الّذين كاتبوه، فكلّهم أبي وكرهه. قال : وقام إليه كثير بن عبداللّه الشعبي، وكان فارساً شجاعاً ليس يُردّ وجهه شيء، فقال : أنا ذاهب إليه، واللّه لئن شئتَ لأفتكنّ به ، فقال له عمر بن سعد: ما أُريد أن يُفتك به، ولكن ائته فسله ما الّذي جاء به؟ قال : فأقبل إليه، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أصلحك اللّه يا أبا عبداللّه قد جاءك شرُّ أهل الأرض وأجرؤه على دم وأفتکه، فقام إليه، فقال : ضع سيفَك؛ قال : لا واللّه ولا كرامة ، إنّما أنا رسول، فإن سمعتم منّي أبلغنُكم ما أُرسِلتُ به إليكم، وإن أبيتم انصرفتُ عنکم؛ فقال له : فإنّي آخذ بقائم سيفك، ثمّ تكلّم بحاجتك ، قال : لا واللّه، لا تمّسه ، فقال له : أخبرني ما جئتَ به وأنا أبلغه عنك، ولا أدعُك تدنو منه، فإنّك فاجر ؛ قال : فاستبّا، ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر ؛ قال : فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظلي فقال له : ويحك يا قرّة! القَ حسيناً فسله ما جاء به؟ وماذا يريد؟ قال : فأتاه قرّة بن قيس، فلمّا رآه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) مقبلاً قال : أتعرفون هذا؟ فقال حبیب بن مظاهر : نعم، هذا رجل من حنظلة تميمي، وهو ابن أُختنا، ولقد كنتُ أعرفه بحسن الرأي، وما كنتُ أراه يشهد هذا المشهد، قال : فجاء حتّى سلّم على الحسين، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كتب إلي أهلُ مصر كم هذا أن أقدم، فأمّا إذکرهوني فأنا أنصرف عنهم ؛ قال : ثمّ قال له حبیب بن مظاهر : ويحك يا قرّة بن قیس؟! أنّى ترجع إلى

ص: 357

القوم الظالمين ؟! انصرْ هذا الرجل الّذي بآبائه أيّدك اللّه بالكرامة وإيّانا معك ؛ فقال له قرّة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي ؛ قال : فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد: إنّي لأرجو أن يعافَيني اللّه من حربه و قتاله.(1)

انتهاك الحرمة

{10}

[899] عن يزيد الرشك قال : حدّثني من شافه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : رأيت أبنية مضروبة بفلاةٍ من الأرض فقلتُ: لمن هذه؟ قالوا: هذه لحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). قال : فأتيه فإذا شيخ يقرأ القرآن قال والدموع تُسيل على خدّيه ولحيته !! قال : فقلت : بأبي أنت وأُمّي يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما أنزلك هذه البلاد والفلاة الّتي ليس بها أحد؟ فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ولا أراهم إلّا قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا للّه حرمةً إلّا انتهكوها فيسلّط اللّه عليهم مَن يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأُمّة يعني منفعتها.(2)

واهاً لك أيتها التربة

{11}

[900] روی نصرُ بن مزاحم بإسناده عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع

ص: 358


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 10 4 - 411. أخبار الطوال لأحمد بن داود الدينوري المتوفّى (282ه): ص 253 طبع القاهرة مع تفاوت يسير.
2- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر : ص 211 ح 266 بهذا الإسناد : وبالسند المتقدّم قال ابن سعد: وأنبأنا موسی بن إسماعيل، أنبأنا جعفر ب سليمان : الخبر.

علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) غزوة صفّين ، فلمّا نزلنا بكربلاء صلّى بنا صلاةً، فلمّا سلّم رفع إليه مِن تربتِها فشمّها، ثمّ قال : واهاً لكِ أيّتها التربة، ليُحشرنّ منك قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب، فلمّا رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته وهي جَرداء بنت سمير وكانت شيعةً لعليّ، فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجبّك من صديقكِ أبي الحسن؟ لمّا نزلنا کربلا رفع إليه من تربتها فشمّها وقال : واهاً لك یا تربة ، ليُحشرنّ منكِ قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب، وما علمه بالغيب ؟ فقالت : دعنا منك أيّها الرجل فإنّ أمير المؤمنين لم يقل إلّا حقاً. فلمّا بعث عبیداللّه بن زیاد البعثَ الّذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه ، قال : كنتُ فيهم في الخيل الّتي بُعث إليهم، فلمّا انتهيتُ إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزلَ الّذي نزل بنا عليّ فيه والبقعة الّتي رَفَع إليه من ترابها، والقولَ الّذي قاله ، فكرهت مسیري، فأقبلتُ على فرسي حتّى وقفتُ على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فسلّمت عليه وحدّثته بالّذي سمعتُ من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : معنا أنت أو علينا؟ فقلت : يابن رسول اللّه لا معك ولا عليك، تركتُ أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زیاد.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فول هرباً حتّى لاترى لنا مقتلاً، فوالّذي نفسُ محمّد بيده لا يَرى مقتلَنا اليومَ رجل ولايُغيثنا إلّا أدخله اللّهُ النار، قال : فأقبلتُ في الأرض هارباً حتّى خفي عليّ مقتلُه.(1)

ذبحك اللّه على فراشك

{12}

[901] ثمّ أرسل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى عمر بن سعد لعنه اللّه : إنّي أُريد أن

ص: 359


1- بحار الأنوار : ج 32 ص 419 ب 11 ح 383 مع اختلاف في بعض الكلمات.

أُكلّمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مثل ذلك ، فلمّا التقيا أمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحابه فتنحّوا عنه، وبقي معه أخوه العبّاس وابنه عليّ الأكبر، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه وبقي معه ابنه حفص وغلام له.

فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ويلك يابن سعد أماتتّقي اللّه الّذي إليه معادك؟ أتقاتلني وأنا ابن من علمت؟ در هؤلاء القوم وكن معي، فإنه أقرب لك إلى اللّه تعالی.

فقال عمر بن سعد : أخاف أن يهدم داري.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أبنيها لك.

فقال : أخاف أن تؤخذ ضیعتی.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز.

فقال: لي عيال وأخاف عليهم، ثمّ سكت ولم يجبه إلى شيء، فانصرف عنه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وهو يقول: مالك ! ذبحك اللّه على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك، فواللّه إني لأرجو ألّا تأكل من بُرّ العراق إلّا يسيراً.

فقال ابن سعد: في الشعیر كفاية عن البرّ، مستهزءاً بذلك القول.(1)

رأس يتراماه الصبیان

{13}

[902] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أين عمر بن سعد أدعوا عمر، فدعي له وكان کارها

ص: 360


1- الفتوح: ج 5 ص 102؛ مقتل الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 245 وفيه بعد قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أضمن سلامتهم ؛ البداية والنهاية : ج 8 ص 189؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 388؛ العوالم : ج 17 ص 239؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 599.

لا يحبّ أن يأتيَه. فقال : ياعمر أنت تقتلني وتزعم أن يولّيك الدعيّ ابن الدعيّ بلادَ الريّ وجرجان، واللّه لاتتهنّا بذلك أبداً، عهدٌ معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأنّي برأسك على قصبة قد نُصب بالكوفة، يترا ماه الصبيان، ويتّخذونه غرضاً بينهم، فغضب عمر بن سعد من کلامه، ثمّ صرف وجهه عنه.(1)

اختاروا مني ثلاثاً

{14}

[903] بعد ما أتم الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحجّة على ابن سعد شاع بين الناس أنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : اختاروا منّي ثلاثاً.

قال أبو مخنف : وأمّا ما حدّثنا به المجالد بن سعيد والصقْعَب ابن زهير الأدي وغيرهما من المحدّثين فهو ما عليه جماعة المحدثين قالوا إنّه قال اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً: إمّا أن أرجع إلى المكان الّذي أقبلت منه وإمّا أن أضع يدي في يد یزید بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه ، وإمّا أن تسيروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم أكون رجلا من أهله لي مالهم وعليّ ما عليهم.

قال أبو مخنف : فأمّا عبدالرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان قالك صحبتُ حسیناً فخرجتُ معه من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى العراق ولم أُفارقه حتّى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلّا وقد سمعتها، ألا واللّه ما أعطاهم مايتذكر الناس ومايزعمون من أن يضع يده في يد یزید بن معاوية

ص: 361


1- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 2 ص 8.

ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنّه قال : دعوني فأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس.(1)

لا أهلاً و سهلاً

{15}

[904] قال الواقدي : فلمّا وصل شمر إلى عمر بن سعد لعنه اللّه ناداه : لا أهلاً ولا سهلاً، لاقرب اللّه دارك ولا ارثی مزارك، وقبّح ما جئت به. ثمّ قرأ الكتاب وقال : واللّه لقد ثنيته عماّ كان في عزمه غير أنّك قد فعلت ما فعلت. ثمّ بعث إلى الحسين ْ فأخبره الخبر، فقال : واللّه لا وضعت يدي في يد ابن مرجانة، وهل هو إلّا الموت والقدوم علی ربّ کریم؟ لقد أخبرني به جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)

هيهات مّنا الذلّة

{16}

[905] وقيل له يوم الطفّ: انزل على حكم بني عمّك، قال : لا واللّه ، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفّر فرار العبيد، ثمّ نادى : يا عباد اللّه إني عذت بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.(3)

ص: 362


1- تاريخ الطبري: ج 4 ص 313 سنة 61؛ مقاتل الطالبيين : ص 113؛ کامل التواریخ ح2 ص 557.
2- رواه جماعة من الأعلام في كتبهم : فمنهم: أحمد بن محمّد بن أحمد الحافي [الخوافي ] الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص 78 نسخة مكتبتنا العامة بقم) قال :... . ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 197.
3- عوالم العلوم: ج 17 ص 6 عن المناقب لابن شهر آشوب.

إنّك تروح إلينا

{17}

[906] إنّ عمر بن سعد نادى : يا خيل اللّه اركبي و أبشري، فركب في الناس، ثمّ زحف نحوَهم بعد صلاة العصر، وحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)جالس أمامَ بيته محتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتَيْه، وسمعتْ أُخته زینب الصيحة فدنتْ من أخيها، فقالت : يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟! قال : فرفع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه فقال : إنّي رأيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في المنام فقال لي : إنّك تروح إلينا ؛ قال : فلطمتْ أخته وجهَها وقالت : يا ويلتا ! فقال : ليس لكِ الويل يا أُخيّة، اسکُني رحمك الرحمن.(1)

ما منعك من السلام ؟

{18}

[907] فبلغ العطش من الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصحابه ، فدخل عليه رجل من شیعته يقال له يزيد بن الحصين الهمداني، قال إبراهيم بن عبداللّه راوي الحديث : هو خال أبي إسحاق الهمداني، فقال : يابن رسول اللّه أتأذن لي فأخرج إليهم فأكلّمهم؟ فأذن له، فخرج إليهم، فقال : يا معشر الناس إنّ اللّه عزّوجلّ بعث محمّداً بالحقّ بشيرا ًونذيراً وداعياً إلى اللّه بإذنه وسراجاً منيراً، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابنه!

فقالوا: یا یزید فقد أكثرت الكلام فاكفف، فواللّه ليعطش الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما عطش من كان قبله.

ص: 363


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 416.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أُقعد یایزید.(1)

وفي رواية : قال رجل من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقال له يزيد بن الحصين (2) الهمداني وكان زاهداً : إئذن لي يابن رسول اللّه لأتي هذا ابن سعد فأُكلّمه في أمر الماء فعساه يرتدع.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ذلك إليك.

فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد، فدخل عليه ولم يسلّم عليه.

فقال : يا أخا همدان ما منعك من السلام عليّ، ألستُ مسلماً أعرف اللّه ورسوله؟!

فقال له الهمداني : لو كنتَ مسلماً كما تقول لمّا خرجت إلى عترة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تريد قتلهم الخ.

ولمّا كلّم يزيد القوم، قالوا له : یا یزید قد أكثرتَ الكلام فاكفف، فواللّه ليعطش الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما عطش من كان قبله ، يعني عثمان.

فلمّا سمع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذا الكلام إلتفت إلى أصحابه وقال : أصحابي إنّ القوم قد استحوذ عليهم الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون، وأنشد يقول :

تعديتم یاشرّ قوم ببغيكم***وخالفتموا فينا النبيّ محمّداً

أما كان خير الخلق أوصاكم بنا*** أماكان جدّي خيرة اللّه أحمدا؟

أماكانت الزهراء أُمّي ووالدي***عليّ أخا خير الأنام المُسدّدا؟(3)

ص: 364


1- أمالي الصدوق: ص 135 ؛ العوالم : ج 17 ص 167؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 599؛ وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- في اسم الرجل واسم أبيه خلاف، تارة يقال : برير، وأُخرى : بريد، وثالثة يزيد، ويقال لأبيه: خضير، وأُخرى: حضير، وثالثة حصين، ولكن يظهر من رجزه أنّه برير بن خضير.
3- معالي السبطين : ج 1 ص 348؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 41؛ العوالم : ج 17 ص 283 وذكر فيهما الأشعار في شهادة العبّاس (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ح 403.

أصلهم یا رب حر النار

{19}

[908] نقل أنّه لمّا عطش أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وشكوا إليه العطش فأمرهم أن يحفروا بئراً، فلمّا خرج ماؤها طمّها إبنُ سعد، فحفروا بثراً آخر فطمّها، ووقف العسکران ساعات من النهار ، فأنشأ (عَلَيهِ السَّلَامُ)... .

الحمد للّه العليّ الواحد***نحمده في سائر الشدائد

ياربّ لاتغفل عن المعاند***قد قتلونا قتلةَ المناكد

فأصله یاربّ نار السرمد*** وأنت بالمرصاد غیرُ حائد (1)

اركب بنفسي أنت

{20}

[909] قال العبّاس بن عليّ: يا أخي، أتاك القوم ؛ قال : فنهض ثمّ قال : یا عبّاس، اركب بنفس أنتَ يا أخي حتّى تلقاهم فتقول لهم: مالكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاءَ بهم؟ فأتاهم العبّاس ؛ فاستقبلهم في نحو عشرین فارساً فيهم زهيرُ بن القين وحبیب بن مظاهر ، فقال لهم العبّاس : ما بدا لكم؟ وماتریدون؟ قالوا: جاء أمرُ الأمير بأن نَعرض عليكم أن تنزلوا على حُكمه أو ننازلكم ؛ قال : فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبداللّه فأعرض عليه ما ذكرتم ؛ قال : فوقفوا ثمّ قالوا: القه فأعلمه ذلك، ثمّ القنا بما يقول؛ قال : فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُخبره بالخبر.(2)

ص: 365


1- أدب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأحمد الصابري الهمداني : ص 41 ط قم 1395.
2- تاريخ الطبري: ج 5 ص 416.

إخباره (عَلَيهِ السَّلَامُ)عن شهادة أصحابه

{21}

[910] روي عن زین العابدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لمّا كانت تلك الليلة الّتي قتل فيها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صبيحتها قام في أصحابه فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ هؤلاء يريدوني دونكم، ولو قتلوني لم يميلوا إليكم، فالنجاء النجاء، وأنتم في حلّ فإنّكم إن أصبحتم معي قتلتم كلّكم.

فقالوا: لا نخذلك، ولا نختار العيش بعدك.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّكم تُقتَلون كلُّكم حتّى لا يفلت منكم واحد. فكان كما قال (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)

ارفعوا رؤوسكم و انظروا

{22}

[911] قال عليّ بن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كنت مع أبي في الليلة الّتي قتل في صبيحتها، فقال لأصحابه :

هذا الليلُ فاتّخذوه جُنّةً، فإنّ القومَ إنّما یُریدونني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وأنتم في حلّ وسعة، فقالوا : واللّه لا يكون هذا أبداً، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّكم تُقْتلون غداً كذلك ولا يفلت منكم رجلٌ، قالوا: الحمد للّه الّذي شرّفنا بالقتل

معك ثمّ دعا فقال لهم :

إرفعوا رؤوسَکُم وانظُروا، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجَنّة، وهو يقول لهم : هذا منزلُك يا فلان، وهذا قصرُ یا فلان، وهذه

ص: 366


1- الخرائج والجرائح : ج 1 ص 254 ح 8 «باب 4 في معجزات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بن على (عَلَيهِ السَّلَامُ)».

درجتُك يا فلان، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله في الجنّة.(1)

الشقاء و السعادة الأُخروية

{23}

[912] قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال اللّه تعالى : كان خلق اللّه لكم ما في الأرض جميعا «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ» (2)في ذلك الوقت خلق لكم، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ولمّا امتحن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن معه بالعسكر الّذين قتلوه وحملوا رأسَه قال العسكره: أنتم في حلّ من مفارقتي فالحقوا بعشائر کم ومواليكم، وقال لأهل بيته : قد جعلتم في حلّ من مفارقتي فإنّكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم، وما المقصود غيري فدعوني والقوم. فإن اللّه عزّوجلّ يعيني ولا يخلّيني من حسن نظره كعاداته في أسلافنا الطيّبين.

فأمّا عسكره ففارقوه، وأمّا أهله الأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا : لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنّا أقرب ما نكون إلى اللّه إذا كنّا معك ، فقال لهم : فإن كنتم قد و طّنتم أنفسكم على ما وطّنت نفسي عليه فاعلموا أنّ اللّه إنّما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره، وأنّ اللّه وإن كان حصّي مع

ص: 367


1- بحار الأنوار : ج 44 ص 298 ح 3 «باب 35 فضل الشهداء معه، وعلّة عدم مبالاتهم بالقتل وبيان أنّه صلوات اللّه عليه كان فرحاً لا يبالي بما يجري عليه» ؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 350 ح 1 «باب 9 علّة عدم مبالاتهم بالقتل وأنّهم فرحون مسرورون من القتل من أبواب أحوال أصحابه والشهداء معه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كتاب الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) » بهذا الإسناد : سعد، عن ابن عيسى، عن الأهوازي، عن النضر ، عن عاصم بن حميد، عن الثمالي قال : الخبر. الخرائج والجرائح : ج2 ص 847 ح 62 وفيه: هذا الليل فاتَّخِذوه جملاً.
2- سورة البقرة، الآية 34.

من مضى من أهلي الّذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات بما يسهل عليّ معها احتمال المكروهات فإن لكم شطر ذلك من کرامات اللّه تعالى، واعلموا أنّ الدنيا حلوها ومرّها حلم، والانتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشقيّ من شقي فيها.(1)

أنت في حل من بيعتي

{24}

[913] قيل لمحمّد بن بشير الحضرمي وهو مع الحسين في كربلاء : قد أسِرَ ابنك بثغر الريّ. قال : عند اللّه أحتسبه و نفسي ما كنت أحبّ أن يؤسر ولا أن أبقى بعده. فسمع قوله الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : رحمك اللّه أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك إبنك !! قال : أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك !! قال : فأعط إبنك هذه الأثواب البرود تستعين بها في فداء أخيه. فأعطاه خمسة أثواب قیمتها ألف دینار.(2)

آخر زاد الدنيا

{25}

[914] ثمّ إن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمر بحفيرة فحُفرت حول عسكره شبه الخندق، وأمر فُحشِیَتْ حطباً وأرسل عليّاً ابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ثلاثين فارساً و عشرین راجلاً ليستقوا

ص: 368


1- بحار الأنوار : ج 11 ص 149 - 150 «باب 2 سجود الملائكة»، عن تفسير الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 218 - 219؛ وعنه تأويل الآيات : ج 1 ص 44 ح18 (قطعة).
2- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمينة دمشق لابن عساکر : ص 154 ح 200 بهذا الإسناد : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبدالباقي، أنبأنا أبو محمّد الشيرازي، أنبأنا أبو عمر الخراز، أنبأنا أبو الحسن الخشاب، أنبأنا الحسين بن محمّد، أنبأنا محمّد بن سعد، أنبأنا علي بن محمّد ، عن أبي الأسود العبدي : الخبر.

الماء وهم على وجل شديد.

ثمّ قال لأصحابه : قوموا فاشرَبوا من الماء يكن آخر زادکم و توضّؤا واغتسلوا وغسّلوا ثيابكم لتكون أكفانکم ثمّ صلّى بهم الفجر وعبّاهم تعبيةَ الحرب، وأمر بحفيرته الّتي حول عسكره فأُضرِمتْ بالنار ليقاتل القومَ من وجه واحد.(1)

يستأنسون بالمنية

{26}

[915] قالت زينب لأخيها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم فإني أخشى أن يُسلموك عند الوثبة. فقال لها: واللّه لقد بلوتُهم فما وجدتُ فيهم إلّا الأشوس الأقس، يستأنسون بالمنيّة دون استئناس الطفل إلى محالب أُمّه.(2)

اتّقوا اللّه و اصبروا

{27}

[916] عن الحسین بن أبي العلاء، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صلّى بأصحابه يوم أُصيبوا ثمّ قال : أشهد أنّه قد أُذن لي في قتلكم یا قوم فاتّقوا اللّه واصبروا.(3)

ص: 369


1- أمالي الصدوق : ص 138 - 139 بإسناده إلى الإمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن الإمام السجّاد (عَلَيهِم السَّلَامُ).
2- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للمقرّم: ص 219؛ خطب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 191 ح 138. والأشوَس : الجريء الشديد في القتال. والأقعَس: المنيع الثابت.
3- بحار الأنوار : ج 45 ص 87 ح 22 «باب 37 ماجرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد إلى شهادته» ؛ عوالم العلوم والمعارف الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 156 ح 6 «باب 4 إخباره به بشهادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أبواب ما أخبر به الرسول وأمير المؤمنين والحسن (عَلَيهِم السَّلَامُ)» بهذا الإسناد : أبي وجماعة مشايخي، عن ابن عيسى، عن الأهوازي، عن النضر ، عن يحيى بن عمران الحلبي، الخبر. وفي بحار الأنوار : ج 45 ص 87 ح 20 أيضاً عن الكامل قال : الحسن بن عبداللّه بن محمّد، عن أبيه، [عن محمّد بن عیسی] عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبی قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صلّى بأصحابه العداة ، ثمّ التفت إليهم فقال : إنّ اللّه قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر. بیان : أي قدّر قتلكم في علمه تعالی.

بم تستحلون دمي ؟

{28}

[917] قال الواقدي وهشام بن محمّد: لمّا رآهم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مصريّن على قتله، أخذ المصحف ونشره، ونادى : بيني وبينكم كتاب اللّه وسنّة جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، بم تستحلّون دمي؟ ألست ابن بنت نبيّكم؟ ألم يبلغكم قول جدّي في وفي أخي: «هذان سیّدا شباب أهل الجنّة»، إن لم تصدّقوني فاسألوا جابراً وزيد بن أرقم وأبا سعيد الخدري، واللّه ما تعمّدت كذباً منذ علمت أن اللّه سبحانه عقب عليه أهله، واللّه ما بين المشرق والمغرب ابن نبيّ غيري فيكم ولافي غير كم.

فقال شمر : الساعة ترد الهاوية. فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه أكبر ! أخبرني جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : كأنّ كلباً ولغ في دماء أهل بيتي، ولا أخالك إلّا إيّاه. فقال شمر : لا أعبد اللّه على حرف إن كنت أدري ما تقول. (1)

ص: 370


1- رواه جماعة من الأعلام: فمنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمّد بن أحمد الحافي الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص 81) قال :... . ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 199.

قوم أسخطوا الخالق

{29}

[918] عن الإمام السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : فأخذ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ، ثمّ قال : اشتد غضبُ اللّه على اليهود حين قالوا: عُزیر بن اللّه، واشتد غضبُ اللّه على النصارى حين قالوا: المسيحُ بن اللّه، واشتدّ غضبُ اللّه على المجوس حین عبدوا النارَ من دون اللّه واشتدّ غضبُ اللّه على قوم قتلوا نبيّهَم واشتدّ غضبُ اللّه على هذه العصابة الّذين يريدون قتلَ إبن نبيّهم.(1)

يا أمة القرآن

{30 }

[919] ثمّ إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) صاح بأهله ونسائه ، فخرجن مهتكات الجيوب و صحن يا معشر المسلمين ويا عصبة المؤمنين ، اللّه اللّه حاموا عن دين اللّه وذبوا عن حرم رسول اللّه وعن إمامكم وابن بنت نبيّكم، فقد امتحنكم اللّه بنا فأنتم جيراننا في جوار جدّنا والكرام علينا وأهل مودّتنا، فدافعوا بارك اللّه فيكم عنا.

فصاح الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أُمّة القرآن هذه الجنّة فاطلبوها، وهذه النار فاهرِبوا منها، فأجابوا بالتلبية وضجّوا بالبكاء والنحيب.(2)

ص: 371


1- أمالي الصدوق: ص 140، المجلس 30.
2- معالي السبطين : ج 1 ص 361؛ الدمعة الساكبة ج 4 ص 302؛ أسرار الشهادة ص 295 وفيه : أنه قال : يا أُمّة التنزيل و یا حفظة القرآن حاموا عن هؤلاء الحريم ولا تفشلوا عنهم.

لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل

[920] وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها الناس ذروني أرجع إلى مأمني من الأرض ، فقالوا: ومايمنعك أن تنزل على حكم بني عمّك؟ فقال : معاذ اللّه ( إنّي عدتُ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب ) ثمّ أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان فعقلها.

ثمّ قال : أخبروني أتطلبوني بقتيل لكم قتلته؟ أو مال لكم أكلته؟ أو بقصاصة من جراحة؟ قال : فأخذوا لا يكلّمونه. قال : فنادى یا شبث بن ربعي ، یا حجار بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث، یا زید بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ: أنّه قد أينعت الثمار، واخضرّ الجناب ، فأقدم علينا فإنّما تقدم على جند مجنّدة؟ فقالوا له: لم نفعل، فقال : سبحان اللّه ! واللّه لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها الناس إذ قد كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم، فقال له قيس الأشعث: ألا تنزل على حکم بني عمّك فإنهم لن يؤذوك ولا ترى منهم إلا ماتحب؟ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت أخو أخيك، أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا واللّه لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لهم إقرار العبيد.(1)

إنّي أكره أن أبدأهم بقتال

{32}

[921] أقبل القوم يوم عاشوراء يجولون حول بیت الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فيرون

ص: 372


1- رواه ابن كثير في البداية والنهاية ج 8 ص 178 (ط مصر). ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 115 - 616. ورواه ابن الأثير في الكامل : ج 3 ص 287 (ط المنيرية بمصر).

الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الّذي كان أُلقي فيه ، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلا صوته: ياحسين أتعجّلت النار قبل يوم القيامة ؟!

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من هذا كأنّه شمر بن ذي الجوشن ؟ فقالوا له: نعم، فقال له: يابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّاً، ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) من ذلك.

فقال له : دعني حتّى أرميه فإنّه الفاسق من أعداء اللّه وعظماء الجبّارین، وقد أمكن اللّه منه.

فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لاترمه فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال.(1)

انها رسل القوم

{33}

[922] لمّا عبأ عمر بن سعد أصحابه نادى : يادُرید ادن رايتك فأدناها، ثمّ وضع سهماً في كبد قوسه ثمّ رمى وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمی، فرمی أصحابه كلّهم فما بقي من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا أصابه من سهامهم، قيل : فلمّا رموهم هذه الرمية، قلّ أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقتل في هذه الحملة خمسون رجلاً، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحابه : قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الّذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم. فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة، حتّى قتل من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) جماعة.(2)

ص: 373


1- إرشاد المفيد: ص 233 - 234
2- اللهوف : ص 43.

أنا الّذي جعجعتك في الطريق

{34}

[923] قال أبو مخنف : عن أبي جناب الكلبي، عن عدي بن حرملة قال : ثمّ إن الحر بن یزید لمّا زحف عمر بن سعد، قال له : أصلحك اللّه أمقاتل أنت هذا الرجل؟

قال : إي واللّه، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي !

قال : أفما لكم في واحدة من الخصال الّتي عرض عليكم رضی؟

قال عمر بن سعد : أما واللّه لو كان الأمر إليّ لفعلت، ولكن أميرك قد أبى ذلك !

فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يقال له : قرّة بن قس، فقال : يا قرّة! هل سقیتَ فرسك اليوم؟

قال : لا.

قال : إنّما تريد أن تسقيه؟

قال فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق فساقيه. فاعتزلت ذلك المكان الّذي كان فيه، فواللّه لو أنّه أطلعني على الّذي يريد لخرجتُ معه إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

يقال : فأخذ يدنو من حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قليلاً قليلاً، فقال له رجل من قومه يقال له : المهاجر بن أوس : ما تريد يابن یزید؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العُرَواء.

فقال له : یابن یزید! واللّه إنّ أمرك لمريب، واللّه ما رأيتُ منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً؟ ما عدوتك ، فما هذا الّذي أرى منك؟!

ص: 374

قال : إنّي - واللّه - أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار، وواللّه لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت وحُرّقت!

ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له : جعلني اللّه فداك يابن رسول اللّه! أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع و سایر تك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان، واللّه الّذي لا إله إلّا هو ما ظننت أّن القوم يردّون عليك ماعرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي : لا أُبالي أن أُطيع القوم في بعض أمرهم، ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم ، و أمّا هم فسيقبلون من حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذه الخصال الّتي يعرض عليهم، وواللّه لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ماركبتها منك، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي و مواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ !

قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم، يتوب اللّه عليك، ويغفر لك، ما اسمك؟

قال : أنا الحرّ بن یزید.

قال: أنت الحرّ کماسمّتك أُمّك، أنت الحرّ إن شاء اللّه في الدنيا والآخرة، إنزل.

قال : أنا لك فارساً خیر منّي لك راجلاً، أُقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول مايصير آخر أمري!

قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فاصنع يرحمك اللّه ما بدا لك.(1)

ص: 375


1- تاريخ الطبري: ج 3 ص 320؛ الإرشاد : ص 235 وليس فيه من قوله «يغفر لك»، إلى قوله «والآخرة» ؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 563 وفيه إلى قوله : «ويغفر لك » ؛ اللهوف : ص 43 وفيه: «يتوب اللّه عليك فانزل» فقط ؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي: ج 2 ص 9 وفيه بدل «فاصنع ما بدا لك» «إن شئت فأت ممن تاب اللّه عليه وهو التوّاب الرحیم» ؛ العوالم : ج 17 ص 254 وفيه مثل الإرشاد؛ وقعة الطف : ص 215 وليس فيه «يرحمك اللّه».

وقال ابن اعثمّ : انه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال للحرّ: يا أخي إن تبت کنت ممّن تاب اللّه عليهم، إنّ اللّه هو التواب الرحيم. (1)

أنت حر كما سمیت

{35}

[924] عن السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال في قصّة الطف: فضرب الحرّبن یزید فرسَه وجاز عسكر عمر بن سعد لعنه اللّه إلى عسكر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) واضعاً يدَه على رأسه وهو يقول : اللّهمّ إليك أُنيب (أنبت) فتُب علىّ فقد أرعبتُ قلوبَ أوليائك أولادَ نبيّك، يابن رسول اللّه هل لي من توبة؟

قال : نعم تاب اللّه عليك، قال : يابن رسول اللّه أتأذن لي فأُقاتل عنك؟ فأذن له فبرز وهو يقول :

أضرب في أعناقكم بالسیف***عن خیر من حلّ بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلاً ثمّ قُتِل، فأتاه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودمه يشخب فقال : بخ بخ یا حرّ أنت حرّ كما سُمّيتَ في الدنيا والآخرة، ثمّ أنشأ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول :

لنعم الحرّ حرّ بني رياح***ونعم الحرّ عند مختلف الرماح

ونعم الحرّ إذ نادى حسيناً***فجاد بنفسه عند الصباح(2)

ص: 376


1- الفتوح: ج 5 ص 113. وعنه موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 39 ح 403.
2- أمالي الصدوق : ص 141 المجلس 30 بإسناده المنتهي إلى الإمام السجّاد عليه صلوات اللّه.

أبشر يا حر بخير

{36}

[925] قال ابن نما: رویت بإسنادي إنّ الحرّ قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): لمّا وجهني عبيد اللّه إليك خرجت من القصر فنودیت من خلفي : أبشر يا حرّ بخير ، فالتفتُّ فلم أر أحداً، فقلت : واللّه ما هذه بشارة وأنا أشير إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟؟ ! وما أُحدثّ نفسي باتباعك، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد أصبت أجراً و خيراً.(1)

شجاعة عابس بن شبيب

{37}

[926] جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري مولى بني شاكر فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا شوذب ما في نفسك؟

قال : أُقاتل معك، فدنا من الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : لو قدرت أن أرفع عنك بشيء هو أعزّ من نفسي لفعلت، ثمّ تقدّم فلم يقدم عليه أحد.

فقال زیاد بن الربيع بن أبي تميم الحارثي : هذا ابن أبي شبيب الشاكري القوي لا يخرُجنّ إليه أحد، إرموه بالحجارة، فرموه حتّى قُتِل.(2)

ص: 377


1- مثير الأحزان : ص 59؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 15.
2- مثير الأحزان: ص 66؛ بحار الأنوار: ج 45 ص 28 وفيه : يا شوذب ؛ وعنهما موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ج 431.

الأخوان الغفاریان

{38}

[927] فلمّا رأى أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسيناً ولا أنفسهم، تنافسوا في أن يُقْتَلوا بين يديه.

فجاءه عبداللّه وعبدالرحمن ابنا عزرة الغِفاریان، فقالا : يا أبا عبداللّه ! عليك السلام، حازنا العدوّ إليك، فأحببنا أن نُقتَل بين يديك، نمنعك وندفع عنك.

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مرحباً بكما، أُدنوا منّي.

فدنوا منه ثمّ قاتلاً بين يديه قتالاً شديداً حتّى قتلا.

وفي رواية : أنّه جاءه عبداللّه وعبدالرحمان الغفاریان ، فقال : يا أباعبداللّه السلام عليك، إنّه جئنا لنقتل بين يديك، وندفع عنك.

فقال : مرحباً بكما أُدنوا منّي، فدنوا منه وهما يبكيان، فقال : يا ابني أخي ما یبکیکما؟ فواللّه إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين.

فقالا : جعلنا اللّه فداك ، واللّه ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك، نراك قد أُحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جزاكم اللّه يا ابنَي أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين.

ثمّ استقدما وقالا : السلام عليك يابن رسول اللّه ، فقال : وعليكما السلام ورحمة اللّه وبركاته، فقاتلا حتّى قتلا.(1)

ص: 378


1- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)للخوارزمي : ج 2 ص 23 ؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 568؛ بحار الأنوار: ج 45 ص 29 ؛ وعنهما موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 448 - 449 ح 428.

الفتيان الجابریّان

{39}

[928] جاء الفتيان الجابریّان : سيف بن الحارث بن سُريع، ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عمّ وأخوان لأّمّ، فأتيا حسينا فدنوا منه وهما يبكيان.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي ابنَي أخي ! ما يبكيكما؟ فواللّه أنا لأرجو أن تكونا قريري عين عن ساعة.

قالا: جعلنا اللّه فداك ! لا واللّه ما على أنفسنا نبكي ولكنّا نبكي عليك ، نراك قد أُحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فجزاكما اللّه يا ابنَي أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين.

ثمّ استقدم الفتيان الجابريان يلتفتان إلى حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويقولان : السلام عليك یابن رسول اللّه.

فقال : وعليكما السلام ورحمة اللّه وبركاته، فقاتلا حتّى قُتلا رحمهما اللّه.(1)

مقتل نافع بن هلال

{40}

[929] كانت له مخطوبة لم يضاجعها، ولمّا رأت أن نافعاً برز، تعلّقت بأذياله وبكت بكاءاً شديداً وقالت : إلى أين تمضي، وعلى مَن أعتمد بعدك؟ فسمع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك، قال له : يا نافع، إنّ أهلك لا يُطيب لها فراقُك، فلو رأيت

ص: 379


1- تاريخ الطبري: ج 3 ص 328؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 607؛ وقعة الطف : ص 234؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي: ج 2 ص 24؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 31؛ العوالم : ج 17 ص 274. وفي الثلاثة الأخيرة من «ثمّ استقدم» وأضافوا في آخره: «وبرکاته».

أن تختار سرورها على البراز.

فقال : يابن رسول اللّه لو لم أنصرك اليوم، فبماذا أُجيب غدا ًرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ وبرز فقاتل حتّى قتل.(1)

المسير إلى اللّه عزّ وجل

{41}

[930] وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره، وأخذ ينادي : يا قوم إنّي أخاف علیکم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد، وثمود والّذين من بعدهم وما اللّه یرید ظلماً للعباد، ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التناد، يوم تولّون مدبرین مالکم من اللّه من عاصم، یا قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم اللّه بعذاب ، وقد خاب من افتری.

فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابن أسعد انّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ، ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين.

قال : صدقت جعلتُ فداك أفلا نروح إلى ربّنا فنلحق بإخواننا؟

فقال له : رُحْ إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، وإلى ملك لا يبلی.

فقال : السلام عليك يابن رسول اللّه صلى اللّه عليك وعلى أهل بيتك وجمع بيننا وبينك في جنته.

قال : آمین آمین، ثمّ استقدم فقاتل قتالاً شديداً فحملوا عليه فقتلوه رضوان اللّه عليه.(2)

ص: 380


1- أدب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 210؛ معالي السبطين : ج 1 ص 384؛ ناسخ التواريخ ح 2 ص 277 وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ح 426.
2- بحار الأنوار : ج 45 ص 23 ح 24.

شکر اللّه لك أفعالك

{42}

[932] ثمّ برز عروة الغفاري وكان شيخاً كبيراً شهد بدراً و حنین وصفّين وقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : شكر اللّه لك أفعالك يا شيخ.(1)

اللّهمّ سدّد رميته

{43}

[932] قال أبو مخنف : حدّثني فضيل بن خُديج الكندي أنّ یزید بن زیاد وهو أبوالشعثاء الكندي من بني بهدلَة.

جثا على ركبته بين يدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرمی بمائة سهم، ما سقط منها إلّا خمسة أسهم، وكان رامياً، فكلّما رمى قال : أنا ابن بهدلة ، فرسان العرجلة. ويقول الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ سدّد رميته، واجعل ثوابه الجنّة، وكان رجزه يومئذ :

أنا يزيد وأبي مهاصر***أشجع من ليث بغيل خادر

یا ربّ إنّي للحسين ناصر***ولابن سعد تارك وهاجر

وكان يزيد بن المهاصر ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين مال إليه فقاتل حتّى قُتِل.(2)

ص: 381


1- ينابيع المودّة : ص 412؛ أدب الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 214 وفيه : جابر بن عروة، وبدل (لك أفعالك) : سعيك. وعنهما موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 458 ح 443.
2- تاريخ الطبري : ج 3 ص 330؛ الكامل لابن الأثير: ج 2 ص 569؛ وعنهماموسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 451 ح 432.

أوصيك بهذا

{44}

[933] حمل عمرو بن الحجّاج على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي وانصرف عمرو ومسلم صريع، فمشى إليه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) و به رمق فقال : رحمك اللّه يا مسلم بن عوسجة «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» (1) ودنا منه حبیب بن مظاهر وقال : أبشر بالجنّة ولولا أنّي أعلم إنّني في أثرك لاحق بك لأحببتُ أن توصيني، فقال. أُوصيك بهذا رحمك اللّه وأومی بیده نحو الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن تموت دونه فقال : أفعل ، ثمّ مات مسلم.(2)

رجال قضوا ما عليهم

{45}

[934] وكان يأتي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الرجل بعد الرجل، فيقول : السلام عليك یابن رسول اللّه، فيجيبه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وعليك السلام، ونحن خلفك، ويقرأ : «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ»، ثمّ يحمل فيقتل، حتّى قتلوا عن آخرهم رضوان اللّه عليهم، ولم يبق مع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا أهل بيته.(3)

ص: 382


1- سورة الأحزاب، الآية 23.
2-
3- تاريخ الأحمدي : ص 298 - 269، عن بحار الأنوار : ج 45 ص 19. (3) المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 100؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 33.

يا نفس صبراً

{46}

[935] في الرياض(1)للسيد محمّد مهدي، أنّ أصحابَ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) شَكوا إليه العطشَ فقال لهم : أنا واللّه عطشان مثلكم، وقد قلق لذلك قلقاً شديداً، وقد قلّ سمعُه و نظرُه من شدّة العطش، وجعل يقول :

يا نفسُ صبراً فالمني بعد العطش***وانّ روحي في الجهاد منكمش

لا أرهب الموت إذ الموت وحش***جدّي رسول اللّه ما فيه فحش

وفيه أيضاً لمّا رجع أحمد بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من القتال إلى عمّه، فقال : يا عمّاه أدركني شربة ماء، قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابن أخي إصبر قليلاً حتّى تلقى جدّك محمّداً فيسقيك بكأسٍ لا تظمأ بعده، فأنشأ أحمد يقول :

يا نفس صبراً فالمني بعد العطش... .

يعلم أنّه حفظه من عمّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنشده في ذلك الموقع.(2)

أعليّ تحرض الناس ؟

{47}

[936] قال أبو مخنف : حدّثني الحسين بن عقبة المرادي، قال الزبيدي : أنّه سمع عمرو بن الحجّاج حین دنى من أصحاب الحسين وهو يقول: يا أهل الكوفة! إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل مَن مرق من الدين

ص: 383


1- ریاض المصائب : للسيد محمّد مهدي بن محمّد جعفر الموسوي السكابني فرغ منه سنة (1243) وطبع في تبريز بعد وفاة المصنف سنة (1295).
2- أدب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحماسته : ص 41 طقم مطبعة پیروز.

وخالف الإمام !!!

فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عمرو بن الحجّاج! أعليَّ تُحرِّض الناس؟! أنحن مرقنا و أنتم ثبتُّم عليه ! أما واللّه لتعلم لو قد قُبضَت أرواحكم ومتُّم على أعمالكم أیُّنا مرق من الدين ومن هو أولى بصليّ النار؟

ثمّ إنّ عمرو بن الحجّاج حمل على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة.(1)

أميري حسين

{48}

[937] ثمّ خرج شابً قتل أبوه في المعركة وكانت أُمّه معه، فقالت له أُمّه : أُخرج يا بنيّ وقاتل بين يدي ابن رسول اللّه ! فخرج، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

هذا شابٌ قتل أبوه ولعلّ أُمّه تكره خروجه.

فقال الشابُ: أُمّي أمرتني بذلك، فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير***سرور فؤاد البشير النذير

عليّ وفاطمة والداه***فهل تعلمون له من نظير؟

له طلعة مثل شمس الضُحى***له غرّة مثل بدر منیر

وقاتل حتّى قتل وجزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحملت أُمّه

ص: 384


1- تاريخ الطبري : ج 3 ص 324؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي: ج 2 ص 15، وليس فيه «لو قد قبضت، إلى أعمالكم» ؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 565 وفيه بعد قوله أنحن مرقنا، «من الدين أم أنتم؟ واللّه لتعلمن لو قبضت أرواحكم ومتّم على أعمالكم أيّنا المارق»؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 19؛ العوالم : ج 17 ص 263 وفيه مثل الخواررمي: وقعة الطف : ص 224؛ وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 441.

رأسه، وقالت : أحسنت يابنيّ یا سرور قلبي ويا قرّة عيني، ثمّ رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته وأخذت عمود خيمته، وحملت عليهم وهي تقول :

أنا عجوز سيدّي ضعيفة***خاوية بالية نحيفة

أضربکم بضربة عنيفة***دون بني فاطمة الشريفة

وضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصرفها ودعا لها.(1)

كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) للأُمّ وهب

{49}

[938] عن السجّاد(عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال في ضمن قصّة الطف : وبرز من بعده(2)وهب بن وهب، وكان نصرانيّاً أسلم على يد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو وأُمّه فاتبعوه إلى کربلاء فركب فرساً وتنأوّل بيده عود الفسطاط (عمود الفسطاط ) فقاتل و قتل من القوم سبعة أو ثمانية ثمّ استو سر فأتی به عمر بن سعد لعنه اللّه فأمر بضرب عنفه ورمی به إلى عسكر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذت أُمّه سيفه وبرزت فقال لها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا أم وهب إجلسي فقد وضع اللّه الجهادَ عن النساء، إنّكِ وابنكِ مع جدّي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الجنّة. (3)

ص: 385


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 27 - 28؛ وعنه كلمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 289.
2- أي : من بعد زیاد بن مهاجر الكندي.
3- أمالي الصدوق: ص 142 المجلس 30.

فتحت أبواب الجنّة

{50}

[939] وقيل : صلّى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصحابه فرادى بالإيماء، كما ورد في زیارته : أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، ولقد أقام الصلاة في موقف تذهل منه العقول، وتذرف منه الدموع، وذلك لمازالت الشمس يوم عاشوراء صلّى الظهر بأيّ نحو تمكّن، ولكن لم يتمكّن من صلاة العصر فصلّاها صلاة لم يصلّها أحد قبله ولا بعده، ووضوؤها من دم جبهته، وركوعها حين انحنى على قربوس سرجه وأخذ السهم، وسجودها حين سقط على الأرض لكن لم يتمكّن من وضع الجبهة على التراب ؛ لأنّه أُصيب بحجر فوضع خدّه الأيمن و تشهّده حين جلس على ركبتيه وأخذ السهم من نحره، فلمّا فرغ من صلاته حرّض أصحابه على القتال.

وقال : يا أصحابي إنّ هذه الجنّة قد فُتحت أبوابها، واتّصلت أنهارها ، وأينعت ثمارها، وزُيّنت قصورُها، وتألّفت ولدانها وحورُها، وهذا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والشهداء الّذين قتلوا معه وأبي وأُمّي يتوقّعون قدومكم، ويتباشرون بكم، وهم مشتاقون إليكم، فحاموا عن دين اللّه وذبّوا عن حرم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)

استحوذ عليه الشيطان

{51}

[940] وفي رواية قال أبو مخنف : فأذن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بنفسه فلمّا فرغ من

ص: 386


1- معالي السبطين : ج 1 ص 361؛ الدمعة الساكبة : ج 4 ص 302؛ وعنهما موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 445 ح 423.

الأذان نادى : يا وليك يا عمر بن سعد أنسیت شرائع الإسلام، ألا تقف عن الحرب حتّى نصلّي وتصلّون ونعود إلى الحرب.

فلم يجبه، فنادى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : استحوذ عليه الشيطان.(1)

وفي رواية أُخرى قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ويلكم ألا تقفون عن الحرب حتّى نصلّي؟(2)

وفي رواية : قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لزهیر بن قین وسعيد بن عبداللّه : تقدّما أمامي حتّى أُصلّي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف.(3)

روي عن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّه صلّى عند مصابه صلاة الخوف بأصحابه.(4)

ذكرت الصلاة

{52}

[961] فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقتل، فإذا قُتل منهم الرجل والرجلان تبيّن فيهم، وأُولئك كثير لا يتبيّن ما يقتل منهم.

فلمّا رأى ذلك أبو ثُمامة عمرو بن عبداللّه الصائدي، قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبداللّه ! نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا واللّه لاتُقتل حتّى أُقتل دونك إن شاء اللّه، وأُحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة الّتي دنا

وقتها.

ص: 387


1- أسرار الشهادة : ص 294؛ معالي السبطين : ج 1 ص 361.
2- ينابيع المودّة : ص 410.
3- الدمعة الساكبة : ج 4 ص 301؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 606.
4- الخلاف : ج 1 ص 231؛ وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 445.

فرفع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه ثمّ قال :

ذكّرت الصلاة، جعلك اللّه من المصلّين الذاکرین! نعم هذا أوّل وقتها، ثمّ قال : سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي.

فقال لهم الحُصین بن تميم : إنّها لاتُقبل!

فقال له حبیب بن مظاهر : زعمت أنّ الصلاة من آل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لاتُقبل وتُقبل منك يا حمار؟!(1)

للّه درك يا حبيب

{53}

[942] ثمّ خرج حبیب بن مظاهر وقاتل قتالاً شديداً، فحمل عليه رجل من بني تميم يقال له : بُدیل بن صُريم فطعنه فوقع، فذهب ليقوم، فضربه الحصين بن تميم على رأسيه بالسيف فوقع، ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه.

قال أبو مخنف : حدّثني محمّد بن قيس : لمّا قتل حبیب بن مظاهر هدّ ذلك حسيناً ، وقال : أحتسب نفسي وحُماة أصحابي. (2)

وفي بعض المقاتل : أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : للّه درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة.(3)

ص: 388


1- تاريخ الطبري: ج 3 ص 326 مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي: ج 2 ص 17 وليس فيه (الذاکرین) وفيه : الحسين بن نمير، وبدل قوله : (حمار) ختّار.
2- تاريخ الطبري : ج 3 ص 327؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي: ج 2 ص 19؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 567؛ البداية والنهاية : ج 8 ص 198 وفيه : أحتسب نفسي؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 27؛ العوالم : ج 17 ص 27؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 606؛ وقعة الطف : ص 231.
3- معالي السبطين : ج 1 ص 376؛ ينابيع المودّة : ص 415 وفيه : يرحمك اللّه يا حبیب لقد كنت تختم القرآن في ليلة واحدة و أنت فاضل». وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 446 ح 424.

التترس بالجبل

{54}

[943] وروي : لمّا انتصف النهار واشتدت الحرّ. وكان ذلك في القيظ - فرأت لهم الخيل، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لزهیر بن قین : «أما هاهنا مكانٌ يُلجأ إليه أو شرفٌ نجعلُه خلفَ ظهورنا ونستقبلُ القومَ من وجه واحد»؟

قال له زهير : بلى، هذا جبل ذي جشم، یسرةً عنك، فمل بنا إليه ، فإن سبقت إليه فهو كما تحبّ.(1)

مؤمن آل فرعون

{50}

[944] ثمّ خرج زهير بن القين وخطب خطبة ودعاهم إلى نصرة ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فسبّوه وأثنوا على عبيد اللّه بن زياد، فقال زهير : إنّ ولد فاطمة (سلام اللّه عليها) أحقّ بالودّ والنصر، فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال : اسكت... ثمّ أقبل زهير على الناس وقال : عباد اللّه! لايغرنّكم من دینکم هذا الجلف الجافي وأشباهه... فناداه رجل فقال له : إنّ أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لك : أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت، لو نفع النُصح والإبلاغ.(2)

ص: 389


1- أخبار الطوال : ص 248 و عنه موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ص 454 ح 339.
2- تاریخ الأُمم والملوك للطبري: ج 3 ص320؛ وقعة الطف : ص 213؛ وعنهما موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ح 406.

إنّا على الحقّ

{56}

{945] فقال زهير بن القين : يا مولاي أرى الإنكسار في وجهك بعد قتل العبّاس و حبيب، ألسنا على الحقّ؟

قال : بلى وحقِّ الحقّ إنّا على الحقّ محقّين.

قال زهير : فما تكره من موتنا وإنّا ندخل الجنّة ونعيمها.

فبرز وهو يقول :

أنا زهیرٌ و ابنُ القين***وفي يميني مرهف الحدّین

أذبٌ بالسيف عن الحسین***ابن علي طاهر الجدّين

ثمّ حمل عليهم فقتل منهم عشرين فارساً، ثمّ أقبل إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلّی بالجماعة، ثمّ قال : يا قومي هذه الجنّة قد فتحت أبوابها و أُبيحت أثمارها، وهذا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والشهداء يتوقّعون قدومنا، فحاموا عن دين اللّه، واحفظوا حرم ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

ثمّ برز وهو يقول :

أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا***ثمّ أباك الطاهر المؤيّدا

والحسن المسموم ذاك الأمجدا***وذا الجناحين حليف الشهدا

وحمزة الليث الهمام الأسعدا***في جنّة الفردوس عاشوا سعدا

ولم يزل يقاتل حتّى قتل من الأعداء نيفاً وخمسين فارساً، ثمّ قتل رضي اللّه عنه.(1)

ص: 390


1- ينابيع المودّة : ج 3 ص 72.

لا يبعدك اللّه يا زهیر

{57}

[969] ثمّ برز زهیر بن القين البجلّي وهو يقول:

أنا زهير وأنا ابن القَين***أذودكم بالسیف عن حسین

إن حسیناً أحد السبطين***من عترة البرّ التقيّ الزين

ذاك رسول اللّه غير المين***أضربكم ولا أرى من شین

ياليت نفسي قسمت قسمين

فقاتل حتّى قتل مائة وعشرين رجلاً فشدّ عليه كثير بن عبداللّه الشعبي و مهاجر بن أوس التميمي فقتلاه.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين صرع زهير : لايبعدك اللّه يا زهير! ولعن قاتلك الّذين مسخوا قردة وخنازير.(1)

إنّا لاحقون بك

{58}

[947] ثمّ بعد شهادة جون كما في اللهوف برز عمرو بن خالد الصيداوي فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) للحسين : يا أبا عبداللّه جعلتُ فداك قد هممتُ أن الحقّ بأصحابك ، وكرهتُ أن أتخلّف فأراك وحيداً بين أهلك قتيلاً.

فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة.

فتقدّم فقاتل حتّى قتل رضوان اللّه عليه.(2)

ص: 391


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 25 - 26.
2- اللهوف: ص 47؛ إبصار العين : ص 70؛ يوم الطفّ: ص 91

أنت أمامي في الجنّة

{59}

[968] لمّا احتدم القتال خرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأذن له فقاتل قتال الأبطال... وجمع بين سداد وجهاد، وكان لا يأتي إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سهم إلّا ألقاه بيده، ولا سيف إلّا تلقاه بمهجته، فلم يكن يصل إلى الحسين ّ سوء حتّى أُثخن بالجراح، فالتفت إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يابن رسول اللّه أو فيت؟

فقال : نعم، أنتَ أمامي في الجنّة، فاقرأ رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عنّي السلام، وأعلمه أنّي في الأثر، فقاتل حتّى قتل رضوان اللّه عليه.(1)

هدى اللّه أخاك و أضلك

{60}

[949] لمّا قتل عمرو وكان أخوه عليّ بن قرظة مع عمر بن سعد، فنادى : یا حسین ! یا کذّاب ابن الكذاب ! أضللت أخي وغَررته حتّى قتلته ؟!

قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن اللّه لم يُضلّ أخاك ولكنّه هدى أخاك و أضلّك!

قال : قتلني اللّه إن لم أقتلك، أو أموت دونك ! وحمل على الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه، فحمله أصحابه فاستنقذوه.(2)

ص: 392


1- اللهوف: ص 46 - 47.
2- تاريخ الطبري: ج 3 ص 324؛ الكامل : ج 2 ص 65.

اللّهمّ بيّض وجهه

{61}

[950] قال السيّد في اللهوف بعد ذكر شهادة عمرو بن قرظة : ثمّ برز جون مولى أبي ذرّ الغفاري وكان عبداً أسود، فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت في إذن منّي فإنّما تبعتنا طلباً للعافية ، فلا تبتل بطريقنا.

فقال : يابن رسول اللّه أنا في الرخا ألحس قصاعكم، وفي الشدّة أخذكم؟! واللّه إنّ ريحي لمنتن، وإنّ حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفّس عليّ بالجنّة فتطيب ريحي ويشرف حسبي، ويبيضّ وجهي ! لا واللّه لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم، ثمّ برز للقتال وهو ينشد ويقول :

كيف يرى الكفّار ضرب الاسود***بالسيف شرباً عن بني محمّد

أذبّ عنهم باللسان واليد***أرجو به الجنّة يوم المورد

ثمّ قاتل حتّى قتل، فوقف عليه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال :

اللّهمّ بيّض وجهه وطيِّب ريحَه، واحشُره مع الأبرار، وعرِّف بينه وبين محمّد وآل محمّد.

فكان الناس يحضرون المعركة، ويدفنون القتلى، فوجدوا جَوناً بعد أيّام يفوح منه رائحة المسك رضوان اللّه عليه. (1)

جئنا لنسلّم عليك

{62}

[951] قال أبو مخنف : حدّثنا عبداللّه بن عاصم الفائشي - بطن من

ص: 393


1- اللهوف: ص 47.

همْدان - عن الضحاك بن عبداللّه المشرقي، قال : قدمت ومالك بن النضر الأرحبّي على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فسلّمنا عليه، ثمّ جلسنا إليه، فردّ علينا، ورحّب بنا ، وسألنا عمّا جئنا له، فقلنا : جئنا لنسلّم عليك ، وندعو اللّه لك بالعافية ، ونحدثَ بك عهداً، ونخبرك خبر الناس، وإنّا نحدّثك أنّهم قد جمعوا على حربك فَرِ رأيك.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حسبي اللّه ونعم الوكيل ؟ قال : فتذممنا وسلّمنا عليه ، ودعونا اللّه له، قال : فما يمنعكما من نُصرتي. فقال مالك بن النضر : عليّ دین ، ولي عيال، فقلت له : إنّ علىّ دَيناً، وإنّ لي عيالاً، ولكنّك إن جعلتني في حِلّ من الإنصراف إذا لم أجد مقاتلاً قاتلت عنك ما كان لك نافعاً، وعنك دافعاً ! قال : قال : فأنت في حلّ؛ فأقمتُ معه، فلمّا كان الليل قال : هذا الليل قد غشِیَکم، فاتّخذوه جَمَلاً، ثمّ ليأخذ كلّ رجل منکم بید رجل من أهل بيتي، تفرّقوا في سوادکم و مدائنکم حتّى يفرج اللّه، فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهَوا عن طلب غيري ؛ فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبداللّه بن جعفر : لِمَ نفعل لنبقى بعدك ! لا أرانا اللّه ذلك أبداً؛ بدأهم بهذا القول العبّاس بن علي. ثمّ إنّهم تكلّموا بهذا ونحوه، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، إذهبوا قد أذنت لكم؟ قالوا : فما يقول الناس؟! يقولون إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برُمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ماصنعوا! واللّه لا نفعل، ولكن تفديك أنفسنا وأموالُنا وأهلونا، ونقاتل معك حتّى نَرِدَ مَوردك، فقبح اللّه العيش بعدك.(1)

ص: 394


1- تاريخ الطبري: ج 5 ص 618۔ 419 «أحداث سنة 61 ه».

جزاك اللّه خيراً

[902] قال أبو مخنف : حدّثني عبداللّه بن عاصم، عن الضحّاك بن عبداللّه المشرقي، قال : لمّا رأيتُ أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أُصيبوا، وقد خُلِص إليه وإلى أهل بيته، ولم يبق معه غير سُويَد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبُشَير بن عمرو الحضرمي، قلت له : يابن رسول اللّه، قد علمتَ ما كان بيني وبينك، قلتُ لك : أقاتل عنك ما رأيتُ مقاتلاً، فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حلّ من الانصراف، فقلت لي: نعم.

قال : فقال : صدقت و كيف لك بالنجاة! إن قدرت على ذلك فأنت في حِلّ.

قال: فأقبلتُ إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيلَ أصحابنا تُعقَر، أقبلتُ بها حتّى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أُقاتل معهم راجلاً، فقلتُ يومئذ بين يدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجلين ، وقطعت يد آخر، وقال لي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومئذ مراراً : لاتُشَلّل، لا يقطع اللّه يدك، جزاك اللّه خيراً عن أهل بیت نبيّك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) !

فلمّا أذن لي استخرجتُ الفرس من الفسطاط ، ثمّ استويتُ على متنها، ثمّ ضربتُها حتّى إذا قامت على السنابك رميتُ بها عُرض القوم، فأفرجوا لي، واتّبعني منهم خسمة عشر رجلاً حتّى انتهيتُ إلى شُفيّة؛ قريبة من شاطى الفرات، فلمّا لحقوني عطفتُ عليهم، فعرفني كثير بن عبداللّه الشعبي وأيوّب بن مِشرَح الخيواني وقيس بن عبداللّه الصائدي، فقالوا : هذا الضحّاك بن عبداللّه المشرقي، هذا ابنُ عمِّنا، ننشدكم اللّه لمّا كففتم عنه!

ص: 395

فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى واللّه لنجيبنّ إخوانَنا وأهل دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم.

قال : فلمّا تابع التميميّون أصحابي كفّ الآخرون ؛ قال : فنجّاني اللّه.(1)

حرقك اللّه بالنار

{64}

[953] وقاتلوهم حتّى انتصف النهار، أشدّ قتال ! وهم لا يقدرون على أن يأتوهم إلّا من وجه واحد، لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض.

فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالاً يقرّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم، فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو يفوّض فيقتلونه ويرمونه ويعقرونه.

فعند ذلك أمر بها عمر بن سعد فقال : أحرقوها بالنار!

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دعوهم فليحرّقوها فإنّهم لو حرّقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها، وكان ذلك كذلك ، فأخذوا لا يقاتلونهم إلّا من وجه واحد.

وحمل فيمن حمل شمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاط الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) برمحه ونادى : عليّ بالنار حتّى أُحرّق هذا البيت على أهله !

فصاح النساء وخرجن من الفسطاط ؟

وصاح به الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرّق بيتي على أهلي؟ حرّقك اللّه بالنار.(2)

ص: 396


1- تاريخ الطبري: ج 3 ص 329؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 569 إلى واتبعني منهم خمسة عشر رجلاً ثمّ قال ففتهم وسلمت.
2- تاريخ الطبري: ج 3 ص 329؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 597؛ وقعة الطف : ص 228؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي: ج 2 ص 16؛ بحار الأنوار: ج 45 ص 21؛ العوالم : ج 17 ص 264 وفي الثلاثة الأخيرة إلى قوله وكان ذلك كذلك. وعنها موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): ج 420.

أشبه الناس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

{65}

[954] وعنه أنه قال : اللّهمّ كن أنت الشهيدَ عليهم، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه، اللّهمّ فامنعهم برکات الأرض، وفرِّقهم تفريقاً، ومزِّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قِدَداً، ولاتُرض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعُونا لينصرونا ثمّ عدَوا علينا يُقاتلونا، ثمّ تلا قوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (1) وصاح (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعمر بن سعد: قطع اللّه رحِمَك كما قطعتَ رحمي، ولم تحفَظ قرابتي من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك.(2)

ص: 397


1- سورة آل عمران، الآية 33 - 34.
2- أئمّتنا : ج 1 ص 216. وفي أمالي الصدوق ص 143 : وبرز من بعده عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليه فلمّا برز إليهم دمعت عين الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : اللّهمّ كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم ابن رسولك وأشبه الناس وجهاً وسمتاً به فجعل يرتجز وهو يقول: أنا علي بن الحسين بن علي***نحن وبيت اللّه أولى بالنبي أما ترون كيف أحمي عن أبي فقتل منهم عشرة ثمّ رجع إلى أبيه فقال : يا أبه العطش ! فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صبراً يا بني يسقيك جدّك بالكأس الأوفى فرجع فقاتل حتّى قتل منهم أربعة وأربعين رجلاً، ثمّ قُتِل صلّى اللّه عليه. وفي بحار الأنوار : ج 45 ص 42 : اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم... .

العطش قد قتلني

{66}

[955] حمل علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على القوم وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي***من عصبة جدّ أبيهم النبيّ

واللّه لا يحكم فينا ابن الدعي***أطعنکم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي***ضربَ غلام هاشميّ علوي

فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ الناس من كثرة من قتل منهم، وروي أنّه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثرية فقال : يا أبه! العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟

فبكى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يابنيّ يعزّ على محمّد وعلى عليّ بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك، وتستغيث بهم فلا يغيثوك.

يا بنيّ هات لسانك ! فأخذ بلسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه وقال : أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوّك فإنّي أرجو أنّك لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفي شربة لا تظمأ بعدها أبداً، فرجع القتال وهو يقول :

الحرب قد بانت لها الحقائق***وظهرت من بعدها مصادق

واللّه ربّ العرش لانفارق***جموعكم أو تُغمد البوارق

فلم يزل يقاتل حتّى قتل تمام المائتين ثمّ ضربه مُنقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته، وضربه الناس بأسيافهم، ثمّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.(1)

ص: 398


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 42.

شربة لا ظما بعدها أبداً

{67}

[956] لمّا سقط علي بن الحسين الأكبر(عَلَيهِ السَّلَامُ) وبلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته: يا أبتاه هذا جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )قد سقاني بكأسه الأوفي شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول: العجل العجل ! فإن لك كأساً مذخورة حتّى تشربها الساعة.

قال حميد بن مسلم : فكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور، وتقول : يا حبيباه یا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه ! فسألت عنها فقيل : هي زينب بنت علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجاءت وانكبَّت عليه فجاء الحسين فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط وأقبل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بفتيانه وقال : احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتّى وضعوه عند الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه.(1)

بادروا إلى الجنّة

{68}

[957] ثمّ برز عبداللّه بن مسلم بن عقيل وهو يقول :

نحن بنو هاشم الكرام***نحمي عن السيّد والإمام

نجل عليّ السيّد الضرغام***سبط النبيّ الملك العلّام

فلم يزل يقاتل حتّى قَتَل من الأعداء نيفاً وخمسين فارساً، ثمّ قُتِل رضي اللّه عنه. فلمّا نظر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه قال : اللّهمّ اقتل قاتلَ آل عقيل. ثمّ قال : احملوا عليهم - بارك اللّه فيكم - وبادروا إلى الجنّة الّتي هي دار الإيمان.(2)

ص: 399


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 44.
2- ينابيع المودّة : ج 3 ص 73 ب 61.

بعد لقوم قتلوك

(69}

[958] ثمّ خرج القاسم بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلمّا نظر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غُشي عليهما، ثمّ استأذن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المبارزة فأبي الحسين أن يأذن له، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتّى أذن له، فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول:

إن تنكروني فأنا ابن الحسن***سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن

هذا حسین کالأسير المرتهن***بين أُناس لاسُقوا صوب المزن

وكان وجهه كفلقة القمر، فقاتل قتالاً شديداً حتّى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلاً، فشدّ عليه الأزد فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام الوجهه، ونادى : يا عمّاه! فجاء الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كالصقر المنقضّ ودارت بينه وبين القوم مناوشات أثارت غبرة شديدة، فانجلت الغبرة فإذا بالحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائم على رأس الغلام، وهو يفحص برجله ، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يعزّ واللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا یُعينيك، أو يعينك فلا يغني عنك ، بُعداً لقوم قتلوك.(1)

لا رأيتم هواناً

{70}

[909] لمّا وقع القاسم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لوجهه ونادى يا عمّاه، فجاء الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والغلام يفحص برجله ثمّ احتمله. قال الراوي : فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض، وقد وضع صدره على صدره، فقلت في نفسي: مايصنع؟

ص: 400


1- بحار الأنوار : 45 ص 34.

فجاء حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

ثمّ قال : اللّهمّ احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً، صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.(1)

أنت صاحب لوائي

{71}

[960] كان العبّاس السقّاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو أكبر الإخوان، فلمّا رأى وحدته (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتاه وقال: هل من رخصة؟ فبکی الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكاءاً شديداً ثمّ قال :

يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري.

فقال العباس: قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأُريد أن أطلب ثاري من هؤلاء المنافقين.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن كان ولابدّ فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء.

فمضى العبّاس يطلب الماء فحملوا عليه وحمل هو عليهم وجعل يقول :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا***حتّى أواري في المصاليت لقى

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا***إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى

ففرّقهم وقتل منهم ثمانين رجلاً حتّى دخل الماء فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأهل بيته ، فرمى الماء على الماء و قال :

يا نفس من بعد الحسين هوني***و بعده لا كنت أن تكوني

ص: 401


1- بحار الأنوار: ج 45 ص 36.

هذا الحسين وارد المنون***وتشربين بارد المعين

تاللّه ما هذا فعال ديني***ولافعال صادق اليقين

ثمّ ملأ القربة وحملها متوجّهاً نحو الخيمة فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كلّ جانب فكمن له زید بن ورقاء الجهني من وراء نخلة وعاونه حکیم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله وحمل عليهم وهو يرتجز :

واللّه إن قطعتم يميني***إنّي أُحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين***نجل النبيّ الطاهر الأمين

فقاتل حتّى ضعف، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله فقال :

يا نفس لا تخشي من الكفّار***وأبشري برحمة الجبّار

مع النبيّ السيّد المختار***قد قطعوا ببغيهم يساري

و فاصلهم ياربّ حرّ النار

ثمّ جاء سهم فأصاب القربة وأُريق ماءها، فوقف متحيراً، لا ماء حتّى يوصله إلى الخيمة، ولا يد حتّى يحارب بها، وبينما هو كذلك وإذا بسهم أصاب عينه ، ثمّ ضربه ظالم بعمود من حديد على رأسه فانقلب عن فرسه وصاح أخاه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائلاً : يا أخي أدرك أخاك.(1)

ص: 402


1- بحار الأنوار : ج 45 ص40-42عن المناقب و غیره.

الآن انكسر ظهری

{72}

[961] قال سيّد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)حين استشهد العبّاس - قدّس اللّه روحه -: الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوّي.(1)

قتلى آل النبيين

{73}

[962] عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال : المؤمنون يُبتلون ثمّ يميّزهم اللّه عنده، إنّ اللّه لم يؤمن المؤمنين من بلاء الدُنيا و مرائرها، ولكن آمنهم من العمل والشقاء في الآخرة. ثمّ قال : كان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) يضع قتلاه بعضهم على بعض، ثمّ يقول : قتلانا قتلى النبيّين وآل النبيّين.(2)

ما لي أُناديكم فلا تجيبون ؟

{74}

[963] ثمّ توجّه نحو القوم وجعل ينظر يميناً وشمالاً، فلم ير أحداً من أصحابه وأنصاره إلّا مَن صافح التراب جبينه، ومن قطع الحمام أنینه ، فنادى (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

یا مسلم بن عقيل ! ويا هاني بن عروة! ويا حبیب بن مظاهر ! ويا زهیر بن

ص: 403


1- بحار الأنوار: ج 58 ص 233 «باب 44 حقيقة الرؤيا و تعبیرها»؛ وج 45 ص 42 عن المناقب وغيره.
2- بحار الأنوار: ج 45 ص 80 : ابن عقدة، عن جعفر بن عبداللّه المحمّدي، عن التفليسي، عن السمندي،...

القين ! ویا یزید بن مظاهر ! ویا یحیی بن کثیر! ويا هلال بن نافع ! ويا إبراهيم بن الحصين ! ويا عمیر بن المطاع! ويا أسد الكلبي ! ويا عبداللّه بن عقيل ! ویا مسلم بن عوسجة! ويا داود بن الطرمّاح! ويا حرّ الرياحي ! ويا عليّ بن الحسين ! ويا أبطال الصفا ! ويا فرسان الهيجاء! مالي أُناديكم فلا تجيبوني، وأدعوكم فلا تسمعوني؟! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون، أم حالت مودّتكم عن إمامكم فلا تنصرونه؟! فهذه نساء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لفقدكم قد علاهنّ النُحول، فقوموا من نومتكم، أيّها الكرام! وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللثام! ولكن صرعكم واللّه ريب المنون و غدر بكم الدهر الخؤون! وإلّا لمّا كنتم عن دعوتي تقصُرون، ولا عن نصرتي تحتجبون، فها نحن علیکم مفتجعون وبكم لاحقون، فإنّا للّه وإنا إليه راجعون.

وروى أبو مخنف : أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنشأ يقول :

قوم إذا نودوا لدفع ملمّة***و الخيل بين مدّعس و مکردس

لبسوا القلوب على الدروع و أقبلوا***يتهافتون على ذهاب الأنفُس

نصروا الحسين فيالها من فتية***عافوا الحياة وأُلبسوا من سندس(1)

سلام الوداع

{75}

[164] لمّا نظر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعی، التفت إلى الخمية ونادی :

ص: 404


1- اللهوف : ص 101؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 12؛ ناسخ التواریخ : ج 2 ص 372؛ معالي السبطين : ج 2 ص 19؛ مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي مخنف : ص 133 وفيهما بدل الأسماء بعد یزید بن مظاهر : يا فلان وفلان. وعنهما موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 484 ح 465.

يا سكينة! يا فاطمة ! یا زینب! یا أُمّ كلثوم! علیکنّ منّي السلام.

فنادته سكينة : يا أبه استسلمت للموت؟

فقال : كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا مُعين؟

فقالت : يا أبه ردّنا إلى حرم جدّنا.

فقال : هيهات لو تُرك القطا لنام، فتصار خن النساء فسكّتهنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحمل على القوم وهو يقول:

كفر القوم وقدماً رغبوا***عن ثواب اللّه ربّ الثقلين (1)

علیکن مني السلام

{76 }

[965] اللّهمّ إنّك شاهد على هؤلاء القوم الملاعين أنّهم قد عمدوا أن لا يبقون من ذريّة رسولك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ويبكي بكاءاً شديداً وينشد ويقول :

ياربّ لاتتركني وحيداً***قد أظهروا الفسوق والجحودا

وصيّرونا بينهم عبيداً***يرضون في فعالهم يزيدا

أمّا أخي فقد مضى شهيداً***مجدّلاً في فدفد فریدا

وأنت بالمرصاد یا مجيدا

ثمّ نادى : يا أُمّ كلثوم ويا سكينة ويارقيّة وياعاتكة ويازينب يا أهل بيتي علیکنّ منّي السلام.(2)

ص: 405


1- مناقب ابن شهر آشوب : ج 4 ص 79 - 80.
2- ينابيع المودّة: ص 346 وعنه ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 633.

ثوب لا يرغب فيه

{77}

[966] قال الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين أحسّ بالقتل : إبغوا لي ثوباً لايُرغَب فيه أجعله تحت ثيابي حتّى لا أُجردّ!! فقيل له : تُبّان؟ فقال : ذاك لباس من ضُربت عليه الذلُة! فأخذ ثوباً فخرّقه فجعله تحت ثيابه ، فلمّا قُتِل جُرِّد صلوات اللّه عليه ورضوانه.(1)

أين هؤلاء ؟

{78}

[967] روي انّ الحسين ذهب إلى خيم النساء، فجاء إلى خيمة ولده زین العابدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرآه ملقى على نطع من الأديم، فدخل عليه وعنده زینب تمرّضه، فلمّا نظر إليه عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أراد النهوض فلم يتمكّن من شدّة المرض، فقال لعمّته : «سنّديني إلى صدرك فهذا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد أقبل».

فجلست زینب خلفه وأسندته إلى صدرها، فجعل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأل ولده

ص: 406


1- ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر : ص 221 ح 277 بهذا الإسناد: أخبرنا أبو غالب ابن البناء، أنبأنا أبو الغنائم ابن المأمون، أنبأنا أبو القاسم ابن حبابة ، أنبأنا أبو القاسم البغوي، أنبأنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني سنة خمس وعشرين، أنبأنا جرير : عن ابن أبي ليلى قال : الخبر. وأورده الطبراني في المعجم الكبير: ج 3 ص 117 ح 2850 بإسناده عن علي بن عبدالعزيز، عن إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، عن جرير ، عن ابن أبي ليلى، قال : قال حسین بن علي رضي اللّه عنه حين أحسّ بالقتل : ائتوني ثوباً لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي لا أُجرّد فقيل له : تبّان؟ فقال : لا ذلك لباس من ضرب عليه الذلة، فأخذ ثوباً فمزّقه فجعله تحت ثيابه ، فلمّا أن قُتِل جرّدوه.

عن مرضه، وهو يحمد اللّه تعالى، ثمّ قال : يا أبتاه ماصنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين؟

فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ولدي قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذکر اللّه، وقد شُبّ الحرب بيننا وبينهم لعنهم اللّه حتّى فاضت الأرض بالدم منّا ومنهم.

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبتاه أين عمّي العبّاس؟ فلمّا سأل عن عمّه اختنقت زینب بعبرتها، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه ، لأنّه لم يخبره بشهاده عمّه العبّاس خوفاً من أن يشتدّ مرضه.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ إنّ عمّك قد قُتِل، وقطعوا يديه على شاطىء الفرات. فبكي علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكاءاً شديداً حتّى غشي عليه، فلمّا أفاق من غشيته جعل يسأل عن كل واحد من عمومته والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول له : قُتِل.

فقال : وأين أخي علي، وحبیب بن مظاهر ، ومسلم بن عوسجة، وزهير بن القين؟

فقال له : يابُنيّ إعلم أنّه ليس في الخيام رجل حيّ إلّا أنا وأنت ، وأمّا هؤلاء الّذين تسأل عنهم فكلُّهم صرعى على وجه الثرى. فبكى عليّ بن الحسين بكاءاً شديداً.(1)

الحفاظ على الحجّة

{79}

[968] لمّا رأى علي بن الحسین زین العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن لا ناصر للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خرج وكان مريضاً لا يقدر أن يقلّ سيفه وأُمّ كلثوم تنادي خلفه : يابُنيّ ارجع

ص: 407


1- الدمعة الساكبة : ج 4 ص 351 وعنه موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 485 - 486.

فقال : ياعمّتاه ذريني أُقاتل بين يدي ابن رسول اللّه، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أُمّ كلثوم خذيه لئلّا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)

عليَّ بالسيف و العصا

{80}

[969] روي أنه لمّا أخبر الإمام الحسين ولده السجّاد (عَلَيهِما السَّلَامُ) عن شهادة الشهداء قال لعمّته زينب : يا عمّتاه عليّ بالسيف والعصا.

فقال له أبوه : وما تصنع بهما؟

فقال : أمّا العصا فأتوكّأ عليها، وأمّا السيف فأذبّ به بين يدي ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فإنّه لا خير في الحياة بعده. فمنعه الحسين من ذلك وضمّه إلى صدره وقال له: يا ولدي أنت أطيب ذرّيتي، وأفضل عترتي، وأنت خليفتي على هؤلاء العيال والأطفال، فإنّهم غرباء مخذولون، قد شملتهم الذلة واليُتْم وشماتة الأعداء ونوائب الزمان سکّتهم إذا صرخوا، وآنسهم إذا استوحشوا، وسلّ خواطرهم بلين الكلام، فإنّهم ما بقي من رجالهم من يستأنسون به غيرك ولا أحد عندهم يشكون إليه حزنهم سواك ، دعهم يشمّوك وتشمُّهم، ويبكوا عليك وتبكي عليهم.

ثمّ لزمه بيده وصاح بأعلى صوته: يا زينب ويا أُمّ كلثوم ويا سكينة ويارقيّة ويا فاطمة ، اسمعن كلامي واعلمن أن ابني هذا خليفتي عليكم، وهو إمام مفترَض الطاعة، ثمّ قال له : يا ولدي بلِّغ شيعتي عنّي السلام فقل لهم: إنّ أبي مات غريباً فاندبوه و مضى شهيداً فابکوه.(2)

ص: 408


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 46.
2- الدمعة الساكبة : ج 4 ص 351؛ معالي السبطين : ج 2 ص 22؛ ذريعة النجاة : ص 139. وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 487.

ناولوني علياً

{81}

[970] لمّا فجع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأهل بيته وولده، ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادي :

هل من ذابّ یذبّ عن حرم رسول اللّه؟ هل من موحّد يخاف اللّه فينا؟ هل من مغیث یرجو اللّه في إغاثتنا؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدّم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى باب الخيمة فقال : ناولوني عليّاً ابني الطفل حتّى أُودّعه، فناولوه الصبي، فجعل يقبّله وهو يقول :

ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك المصطفى خصمهم، والصبيّ في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين، فتلقّى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) دمه حتّى امتلات كفّه، ثمّ رمى به إلى السماء ، وقال :

هوّن علىّ ما نزل بي أنّه بعين اللّه.

قال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.

ثمّ قال : لا يكون أهون عليك من فصيل، اللّهمّ إن كنت حبست عنّا النصر ، فاجعل ذلك لمّا هو خير لنا.

قيل : واسم الطفل هذا عبداللّه وأُمّه الرباب بنت امرىء القيس وهي الّتي يقول فيها أبو عبداللّه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

لعمرك إنّي لأُحبّ داراً***تحلّ بها سكينة والرباب

أحبّهما و أبذل جلّ مالي***وليس لعاتب عندي عتاب(1)

ص: 409


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 46 - 47.

نصر الآخرة

{82}

[971] ثمّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعيى فقعد على باب فسطاطه، وأُتي بصبيّ صغير من أولاده اسمه عبداللّه، فأجلسه في حجره، ثمّ جعل يقبّله ويشمّه ويودّعه ويوصي أهله، فرماه رجل من بني أسد يقال له «ابن موقد النار» بسهم، فذبح ذلك الغلام، فتلقّى حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) دمه في يده وألقاه نحو السماء وقال : ربّ إن تك قد حبست عنّا النصر من السماء فاجعله لمّا هو خير ، وانتقم لنا من الظالمين.(1)

رضيع الجنان

{83}

[972] ثمّ التفت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإذا بالطفل له يتلظّى عطشا، فأخذه على يده وقال : يا قوم، إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل ، فرماه رجل منهم بسهم ذبحه، فبكى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لینصرونا فقتلونا. فنودي من الهواء : يا حسين دعه فإنّ له مرضعاً في الجنّة.(2)

ص: 410


1- رواه جماعة من العامة في كتبهم : فمنهم محمّد جمیل غازي في «استشهاد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)» (ص 99 خرجه من كتاب الحافظ ابن کثیر ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر ) قال :... . ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 206.
2- رواه الشريف محمّد بن أحمد الحسيني الشافعي الخوافي [الحافي] في «التبر المذاب»(ص 82 المخطوط) قال :... . إحقاق الحقّ : ج 27 ص 206.

شعار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{84}

[973] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : شعارنا : يا محمّد یا محمّد، وشعارنا يوم بدر : يا نصر اللّه اقترب اقترب، وشعار المسلمين يوم أُحد: یا نصر اللّه اقترب ، ويوم بني النضير : يا روح القدس أرح، ويوم بني قينقاع : یاربّنا لا يغلبنّك، ويوم الطائف : یا رضوان، وشعار يوم حنين : يا بني عبداللّه يا بني عبداللّه، ويوم الأحزاب : حم لايبصرون، ويوم بني قريظة : اسلام أسلمهم، ويوم المريسيع وهو يوم بني المصطلق : ألا إلى اللّه الأُمور، ويوم الحديبيّة : ألا لعنة اللّه على الظالمين، ويوم خيبر يوم القموس : يا عليّ انهم من عل، ويوم الفتح: نحن عباد اللّه حقاً حقاً، ويوم تبوك : يا أحد یا صمد، ويوم بني الملّوح : أمت أمت، ويوم صفّين : يا نصر اللّه، وشعار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا محمّد، وشعارنا یا محمّد.(1)

بئس ما خلفتم محمّدا في عترته

{85}

[974] ثمّ حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلا بعجه بسيفه فقتله، والسهام تأخذه من كلّ ناحية وهو يتّقيها بنحره وصدره ويقول : يا أُمّة السوء بئسما خلفتم محمّداً في عترته، أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد اللّه فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي، وأيم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث

ص: 411


1- وسائل الشيعة : ج 11 ص 105: روى محمّد بن یعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :... . وعنه موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ): ح 481.

لا تشعرون.

قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني فقال : يابن فاطمة وبماذا ينتقم لك منّا؟

قال : يلقي بأسکم بینکم ويسفك دماءكم، ثمّ يصبّ عليكم العذاب الأليم، ثمّ لم يزل يقاتل حتّى أصابته جراحات عظيمة.(1)

مکثور رابط الجاش

{86}

[975] قال بعض الرواة : فواللّه ما رأيت مكثوراً قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه، وإن كان الرجال لتشدّ عليه فيشد عليها بسيفه، فتنكشف عنه انکشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفاً، فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر، ثمّ يرجع إلى مرکزه، وهو يقول: (لا حول ولا قوة إلّا باللّه العليّ العظيم).(2)

تتلذّذ بشرب الماء

{87}

[976] حمل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الأعور السلمي وعمرو بن الحجّاج الزبيدي و كانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة، وأقحم الفرس على الفرات، فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت عطشان وأنا عطشان، واللّه لاذقتُ الماء

ص: 412


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 51 - 52 عن مقاتل الطالبيّين.
2- بحار الأنوار : ج 45 ص 50؛ العوالم ص29؛ اللهوف : ص 51.

حتى تشرب، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) شال رأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إشرب فأنا أشرب، فمدّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يده فغرف من الماء، فقال فارس : يا أباعبداللّه تتلذّذ بشرب الماء وقد هتكت حرمك؟ فنفض الماء من يده، وحمل على القوم، فكشفهم، فإذا الخيمة سالمة.(1)

كونوا أحراراً في دنياكم

{88}

[977] في خبر : ولم يزل يقاتل حتّى جاء شمر بن ذي الجوشن فحال بينه وبين رحله.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رحلي لكم عن ساعة مباح، فامنعوه جُهّالكم وطغاتكم وكونوا في الدنيا أحراراً إن لم يكن لكم دين.(2)

إن لم یکن لکم دین

{89}

[978] ولم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلاً سوى المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم أتدروان لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب ، فاحملوا عليه من كلّ جانب ، وكانت الرُماة أربعة آلاف، فرموه بالسهام فحالوا بينه وبين رحله.

فصاح بهم: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ! إن لم یکن لکم دین، وكنتم

ص: 413


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 58؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 51؛ الدمعة الساكبة : ج 4 ص 344.
2- مثير الأحزان: ص 72؛ مقاتل الطالبيّين : ص 118.

لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون.

فناداه شمر فقال : ما تقول یا ابن فاطمة؟

قال : أقول : أنا الّذي أُقاتلكم، وتقاتلوني، والنساء ليس عليهنّ جُناح، فامنعوا عُتاتكم وطغاتكم وجهّالكم عن التعرّض لحرمي ما دمتُ حيّاً.

فقال شمر : لك هذا، ثمّ صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل، فاقصدوه في نفسه، فلعمري لهو کفو کریم.

قال : فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتّى أجلوه عنه.(1)

أعلى قتلي تحائّون ؟

{90}

[979] قال عبداللّه بن عمار : دنا عمر بن سعد من الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، إذ خرجت زینب ابنةُ فاطمة أُخته فقالت : يا عمر بن سعد! أيُقتل أبو عبد اللّه وأنت تنظر إليه ! فصرف بوجهه عنها، وكأنّي أنظر إلى دموع عمر وهي تسيل على خدّيه ولحيته !

قال أبو مخنف : حدّثني الصقعب بن زهر، عن حميد بن مسلم قال : كانت عليه جبّة من خز وكان معتمّاً وكان مخضوباً بالوسمة قال : وسمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية، ويغترص العوة ويشدّ على الخيل ويقول :

ص: 414


1- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي: ج 2 ص 33 ؛ اللهوف: ص 19؛ البداية والنهاية : ج 8 ص 203؛ بحار الأنوار: ج 45.

أعلى قتلي تحائّون(1)، أما واللّه لا تقتلون بعدي عبداً من عباد اللّه أسخط عليكم لقتله متي ! وأيمُ اللّه إني لأرجو أن يكرمني اللّه بهوانکم ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أما واللّه لو قد قتلتموني لقد ألقى اللّه باسکم بینکم وسفك دمائكم، ثمّ لا يرضى لكم حتّى يُضاعِف لكم العذاب الأليم.(2)

اللّهمّ امنعهم قطر السماء

{91}

[980] عن أبي مخنف قال : حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد أحاطوا به يقول : اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، وامنعهم برکات الأرض، وإن متّعتهم إلى حين، ففرّقهم فرقاً، ومزّقهم مزقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض عنهم الولاة أبداً، فإنّهم دعونا لینصرونا فعدوا علينا فقتلونا. وضارب حتّى كفهم عنه ، ثمّ تغاووا عليه فقتلوه.(3)

ص: 415


1- في بعض المصادر : تحّابون وفي بعضها تجتمعون.
2- تاريخ الطبري: ج 3 ص 334؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 57؛ البداية والنهاية : ج 8 ص 204؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 609؛ وقعة الطف : ص 252؛ وعنها موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ح 498.
3- رواه من العامة كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة المولود سنة 588 والمتوفّي 660 في «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ج1 ص 2618 ط دمشق) قال : أخبرنا أبو القاسم عبدالغني بن سليمان بن بنين ، قال : أخبرنا أبو عبداللّه محمّد بن حمد بن حامد الأرتاحي، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين الفراء إجازة لي، قال: أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال، وست الموفق خديجة مولاة أبي حفص عمر بن محمّد الصقلي المرابطة، قال أبو إسحاق : أخبرنا أبو القاسم عبدالجبار بن أحمد بن عمر بن الحسن الطرطوسي - قراءة عليه وأنا أسمع - قال: أخبرنا أبو بكر الحسن بن الحسین ابن بندار الأنطاكي وأنا شاهدة أسمع، قال: أخبرني جدّي القاضي أبو الحسن عليّ بن الحسين بن بندار، قالا: حدّثنا أبو العبّاس محمود بن محمّد بن الفضل الأديب ، قال : حدّثنا عبيد اللّه بن محمّد، قال : حدّثنا محمّد بن خلف، قال : حدّثنا نصر بن مزاحم العطار، عن أبي مخنف قال : حدّثني سلميان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال :... . ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 207.

اللّهمّ اطلب بدم ابن بنت نبيك

{92}

[981] عن الحسن بن زید الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): حدّثني مسلم بن رباح مولی عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كنت مع الحسين بن عليّ بن أبي طالب يوم قتل فرمي في وجهه بنشابة فقال لي : يا مسلم ادن يديك من الدم فأدنيتهما فلمّا امتلأ قال : اسكبه في يدي فسكبته في يديه فنفح بهما إلى السماء وقال : اللّهمّ اطلب بدم ابن بنت نبيّك، قال مسلم : فما وقع إلى الأرض منه قطرة.(1)

اللّهمّ احصهم عددا

{93}

[982] ثمّ رماه رجل من القوم يكنّى أبا الحتوف الجعفي بسهم فوقع السهم

ص: 416


1- رواه القوم : منهم الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» (ص 284 ط الغري) قال : أخبرنا العلامة محمّد بن هبة اللّه بن مميل، أخبرنا الإمام الحافظ أحمد بن علي الخطب ، أخبرنا الحسن بن محمّد الخلال ، حدّثنا عبدالواحد ابن علي القاضي، حدّثنا الحسن بن إسماعيل الضبي، حدّثنا عبد اللّه بن شبیب ، حدّثني إبراهيم بن المنذر حدّثنا حسین بن زید بن عليّ بن الحسين، عن الحسن بن زید بن الحسن بن علىّ حدّثني مسلم بن رباح موی عليّ بن أبي طالب قال :... . وأورده ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ص 236 وفيه : أنبأنا الخطيب، أنبأنا الحسين بن محمّد الخلال... .

في جبهته ، فنزعه من جبهته ، فسالت الدماء على وجهه ولحيته. استان

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العُصاة، اللّهمّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً.(1)

قتيل في رضى اللّه

{94}

[983] في رواية : لمّا رموه الأعداء بالسهام، وقع سهم في حلقه، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): بسم اللّه ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه، وهذا قتيل في رضى اللّه.(2)

هكذا ألقى جدیما

{95}

[984] فوقف (عَلَيهِ السَّلَامُ) يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه ، فأتاه سهم محدَّد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في قلبه فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره.

ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح، فلمّا امتلأتْ رمی به إلى السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بدمه إلى السماء، ثمّ وضع

ص: 417


1- بحار الأنوار: ج 45، ص 51- 52، عن مقاتل الطالبيّين : قال :... .
2- العوالم : ج 17 ص 294.

يده ثانياً فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته ، وقال : هكذا واللّه أكون حتّى ألقى جدّي رسول اللّه وأنا مخضوب بدمي، وأقول : يا رسول اللّه قتلني فلان وفلان.(1)

مقتل عبداللّه بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{96}

[980] فلبثوا هنيئة ثمّ عادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبداللّه بن الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو غلام لم يراهق من عند النساء فشدّ، حتّى وقف إلى جنب عمّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلحقته زینب بنت عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لتحبسه، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إحبسیه يا أُختي ! فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال : لا واللّه لا أُفارق عمّي، وأهوى أبجر بن کعب إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالسيف، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمّي؟ فضربه بالسيف، فاتّقاه الغلام بیده فاطنّها إلى الجلد فإذا يده معلّقة، فنادى الغلام: يا أُمّاه ! فأخذه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضمّه إليه وقال : يابن أخي إصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإنّ اللّه يلحقك بآبائك الصالحين، فرماه حرملة بن کاهل بسهم فذبحه، وهو في حجر عمّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).(2)

ص: 418


1- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي: ج 2 ص 34؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 53، العوالم : ج 17 ص 295.
2- الإرشاد : ص 241؛ تاريخ الطبري: ج 3 ص 333؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ص 571 وفي المصدرين الأخيرين مع إضافة : برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعليّ بن أبي طالب وحمزة و جعفر والحسن بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ)؛ اللهوف : ص 53؛ البداية والنهاية : ج 8 ص 203؛ بحار الأنوار : ج 45 ص 53؛ أعيان الشيعة : ج 1 ص 609. وعنهما موسوعة كلمات الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 507 ح 500.

الحرمان من الماء

{97}

[986] و نادى المهاجر بن أوس التميمي: يا حسين ألا ترى إلى الماء يلوح كأنه بطون الحيات واللّه لا تذوقه أو تموت. فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي الأرجو أن يوردنيه اللّه ويحلئُكم عنه.(1)

الورود على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

{98}

[987] روى هلال بن نافع قال : إنّى لواقف مع أصحاب عمر بن سعد، إذ صرخ صارخ : أبشر أيّها الأمير فهذا شمر [قد] قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه وإنّه ليجود بنفسه فواللّه ما رأيتُ قطّ قتيلاً مضمّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله، فاستسقى في تلك الحالة ماء، فسمعت رجلاً يقول: لاتذوق الماء حتّى ترد الحامية ، فتشرب من حميمها، فسمعته يقول:

يا ويلك أنا لا أرد الحاميةَ، ولا أشرَبُ مِن حميمِها، بل أرِدُ على جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأسكنُ معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشرَبُ من ماءٍ غير آسِن، وأشكو إليه ما ارتكبتم منّي وفعلتُم بي.

قال : فغضبوا بأجمعهم حتّى كأن اللّه لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً، فاجتزّوا رأسه وإنه ليكلّمهم فتعجّبتُ من قلّة رحمتهم، وقلت : واللّه لا أُجامعكم على أمر أبداً.(2)

ص: 419


1- أنساب الأشراف : ج 3 ص 181.
2- اللهوف: ص 55 - 56.

آخر شربة شربها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{99}

[988] قال أبو علي الحداد مناولة، أخبرني أبو نعیم الحافظ ، أخبرني الطبراني، قال: أخبرني أبو بكر محمّد بن الحسين المقري فيما كتب إليّ من قزوين سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة ، أخبرني أبو القاسم ابن أبي المنذر الخطيب ، أخبرني : علي بن إبراهيم، أخبرني محمّد بن يزيد وابن ماجة القزويني باسنادهما إلى الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا حسين آخر شربة من الدنيا تشربها من ماء تشربها على ظماء.(1)

هل من ناصر ینصرني ؟

{100}

[989] روی عبدالحميد قال : بينما الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقف في ميدان الحرب يوم الطف وهو يستعطف القوم شربة ماء، وهو ينادي «هل من راحم يرحم آل الرسول المختار؟ هل من ناصر ینصر الذرّية الأطهار ؟ هل من مجيرٍ لأبناء البتول ؟ هل من ذابّ یذبُّ عن حرم الرسول؟» إذ أتي الشمر اللعين إليه حتّى صار بالقرب منه ونادى : أين أنت يا حسين؟

فقال : «ها أنا ذا».

فقال : أتطلب منّا شربة من الماء، هذا مطلب محال ، ولكن أبشر بالنار الحمراء وشرب الحميم.

ص: 420


1- مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارزمي : ج 1 ص 169. وعنه ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 304.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من أنت يا لعين» ؟

فقال : الشمر.

فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «اللّه أكبر، صدق جدّي رسول اللّه في رؤياه من قبل».

فقال له الشمر: في أيّ شيء صدق جدّك؟

فقال له : «قال جدّي : رأيت في منامي كلباً أبقع يأكل من لحوم اهل بیتی ويلعق من دمائهم، وأمّا أنا فإنّي رقدتُ الآن فرأيتُ في منامي کلاباً كثيرة تُريدُ تنهشُ من لحمي وتشربُ من دمي، وكان فيهم کلبٌ أبقع وكان أشدُّهم عليّ جرأةً وأكثرهم عليّ حنقاً وهو أنت یا شمر»، وكان الشمر لعنه اللّه أبقع الجسد، فغضب الشمر من كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وازداد حنقاً وبغضاً، وقال : واللّه لا يقتلك غيري ولأذبحنّك من قفاك، ليكون ذلك أشدّ بك.(1)

أقتلك ولا أُبالي

{101}

[990] أقبل عمر بن سعد لعنه اللّه حتّى دنا منه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عمر أنت بنفسك عزمت على قتلي أتيت لكي تقتلني؟

فغضب عمر بن سعد لعنه اللّه، ثمّ قال لرجل عن يمينه : انزل ويحك إلى الحسين فأرحه، فنزل إليه خَولیُّ بن یزید الأصبحي لعنه اللّه فاجتزّ رأسه ، وقيل : بل جاء إليه شمر وسنان بن أنس، والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بآخر رمق يلوك لسانه من

ص: 421


1- المنتخب للطريحي : ص 379؛ وعنه موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ص 506 ح499.

العطش، ويطلب الماء، فرفسه شمر لعنه اللّه برجله، وقال : يابن أبي تراب ألستَ تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه ، فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده.

ثمّ قال لسنان : اجتزّ رأسه قفاء، فقال سنان : واللّه لا أفعل، فيكون جدّه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خصمي.

فغضب شمر لعنه اللّه وجلس على صدر الحسين وقبض على لحيته وهمّ بقتله، فضحك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال له : أتقتلني ولا تعلم من أنا؟

فقال : أعرفك حقّ المعرفة، أُمّك فاطمة الزهراء، وأبوك عليّ المرتضى، وجدّك محمّد المصطفى، وخصمك العليُّ الأعلى أقتلك ولا أُبالي !(1)

ص: 422


1- بحار الأنوار : ج 45 ص 56؛ العوالم : ج 17 ص 300؛ أدب الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 48 ؛أسرار الشهادة : ص 426.

المتفرقات

اشارة

ص: 423

كرامة المؤمن

{1}

[991] عليّ بن موسی الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي عليّ بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا عليّ من كرامة المؤمن على اللّه إنّه لم يجعل لأجَلِه وقتاً معلوماً حتّى يهمّ ببائقة(1)، فإذا همّ ببائقة قبضه اللّه.(2)

الخضاب بالسواد

{2}

[992] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخل قوم على الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرأوه مختضباً بالسواد، فسألوه عن ذلك، فمدّ يده إلى لحيته، ثمّ قال : أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في غزاة غزاها أن يختصبوا بالسواد ليقووا به على المشركين.(3)

ص: 424


1- البائقة : الداهية والبليّة.
2- العيون : ج2 ص 36 ح 90 عن المروزي قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبداللّه بن محمّد حفدة العباس بن حمزة النيشابوري، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة قال : حدّثنا أبو القاسم عبداللّه بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة قال : حدّثني أبي سنة ستّين ومائتين قال : حدّثني...
3- الكافي: ج 6 ص 481ح4، «کتاب الزي والتجمّل»: وسائل الشيعة : ج 1 ص 404، ح2 «باب 46 من أبواب آداب الحمام في كتاب الطهارة» بهذا الإسناد : وعنه ، عن أحمد بن محمّد، عن سعيد بن جناح، عن أبي خالد الزيدي، عن جابر ، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الخبر.

الأربعاء ووقائعها

{3}

[993] عن عليّ بن موسی الرضا قال : حدّثنا موسی بن جعفر قال : حدّثنا جعفر بن محمّد قال : حدّثنا محمّد بن علي قال : حدّثنا عليّ بن الحسين قال : حدّثنا الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قام رجل إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الجامع بالكوفة فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن يوم الأربعاء والتطيّر منه وثقله؟ وأيّ أربعاء هو؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : آخر أربعاء في الشهر وهو المحاق وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم الأربعاء أُلقي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) في النار، ويوم الأربعاء وضعوا المنجنيق ، ويوم الأربعاء غرق اللّه فرعون، ويوم الأربعاء جعل اللّه عزّوجلّ أرض قوم لوط عاليها سافلها، ويوم الأربعاء أرسل اللّه عزّوجلّ فيه الريح على قوم عاد، ويوم الأربعاء أصبحت كالصريم، ويوم الأربعاء سلط اللّه على نمرود البقّة، ويوم الأربعاء طلب فرعون موسى ليقتله ، ويوم الأربعاء خرّ عليهم السقف من فوقهم، ويوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان، ويوم الأربعاء خرب بیت المقدّس، ويوم الأربعاء أحرق مسجد سلیمان بن داود (عَلَيهِما السَّلَامُ) و اصطخر من كورة فارس، ويوم الأربعاء قتل یحیی بن زکریّا، ويوم الأربعاء ظلّ قوم فرعون أوّل العذاب ، ويوم الأربعاء خسف اللّه عزّوجلّ بقارون، ويوم الأربعاء ابتلى اللّه أيّوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذهاب ماله ووولده، ويوم الأربعاء أُدخل يوسف السجن، ويوم الأربعاء قال اللّه عزّوجلّ: «أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ» (1) ويوم الأربعاء أخذتهم الصيحة، ويوم الأربعاء عقروا الناقة، ويوم الأربعاء أمطر عليهم حجارة من سجّيل، ويوم الأربعاء شجّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكسرت رباعيته، ويوم الأربعاء أخذت.

ص: 425


1- سورة النمل : الآية 51.

العماليق التابوت.(1)

كراهة التختّم بالشمال

{4}

[994] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)أنّه قال : لاتَختَّم في الشمال ولا بغير الياقوت والعقيق.(2)

فضل لبس العقيق مع التولّي

{5}

[995] عن موسی بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : لمّا بعث موسی بن عمران كلمه على طور سيناء ، ثمّ اطلع إلى الأرض اطلاعة فخلق من نور وجهه العقيق ثمّ قال اللّه : آليت على نفسي أن لا أُعذّب کّف لابسه إذا توالى علياً بالنار.(3)

ص: 426


1- الخصال : ج2 ص 388۔ 389 «باب السبعة» بهذا الإسناد : حدّثنا أبو الحسن محمّد بن عمرو بن عليّ بن عبداللّه البصري بإيلاق قال : حدّثنا أبو عبداللّه محمّد بن عبداللّه بن أحمد بن جبلة الواعظ قال : حدّثنا أبو القاسم عبداللّه بن أحمد بن عامر الطائي قال : حدّثنا أبي قال :...
2- دعائم الإسلام : ج2 ص 126 ح591 «الفصل 3».
3- الجواهر السنيّة : ص 321 بهذا الإسناد : محمّد بن علي بن الحسين بن بابویه في كتاب ثواب الأعمال عن أبيه قال : حدّثني الحسين بن علي العاقولي، عن أحمد بن هارون القطان القصري عن محمّد بن عبدالملك القطان ، عن زياد القندي،...

النهي عن الغلوّ

{6}

[999] عن عليّ بن الحسين، عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : أحبّونا بحبّ الإسلام، فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : لا ترفعوني فوق حقّي، فإنّ اللّه تعالى اتّخذني عبداً قبل أن يتّخذني رسولاً.(1)

فوائد حروف الهجاء

{7}

[997] عن موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : جاء يهودي إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعنده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : ما الفائدة في حروف الهجاء؟

فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أجبه، وقال : اللّهمّ وفّقه وسدّده. فقال عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مامن حرف إلّا وهو اسم من أسماء اللّه عزّوجلّ، ثمّ قال :

أما «الألف» فاللّه الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم.

وأمّا «الباء» فباق بعد فناء خلقه.

وأمّا «التاء» فالتوّاب يقبل التوبة عن عباده.

ص: 427


1- المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ص 128 ح 2889: قال الطبراني : حدّثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا أحمد بن يحيى الصوفي، ثنا علي بن قادم، عن عبدالسلام بن حرب ، عن يحيى بن سعيد، عن علي بن الحسين ، عن أبيه (عَلَيهِمالسَّلَامُ) قال :... .

وأما «الثاء» فالثابت الكائن «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ».(1)

وأمّا «الجيم» فجلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه.

وأمّا «الحاء» فحقّ حيّ حليم.

وأمّا «الخاء» فخبير بما يعمل العباد.

وأمّا «الدال» فديّان يوم الدين.

وأمّا «الذال» فذو الجلال والإكرام.

وأمّا «الراء» فرؤوف بعباده.

وأمّا «الزاي» فزين المعبودين.

وأمّا «السين» فالسميع البصير.

وأمّا «الشين» فالشاكر لعباده المؤمنین.

وأمّا «الصياد» فصادق في وعده و وعیده.

وأمّا «الضاد» فالضارّ النافع.

وأمّا «الطاء» فالطاهر المطهّر.

وأمّا «الظاء» فالظاهر المظهر لآياته.

وأمّا «العين» فعالم بعباده.

وأمّا «الغين» فغياث المستغيثين.

وأمّا «الفاء» ففالق الحبّ والنوى.

وأمّا «القاف» فقادر على جميع خلقه.

وأمّا «الكاف» فالكافي الّذي لم يكن له كفواً أحد ولم يلد ولم يولد.

وأمّا «اللام» فلطيف بعباده.

ص: 428


1- سورة إبراهيم، الآية 27.

وأمّا «الميم» فمالك الملك.

وأمّا «النون» فنور السماوات والأرض من نور عرشه.

وأمّا «الواو» فواحد صمد لم يلد ولم يولد.

وأمّا «الهاء» فهاد خلقه.

وأمّا «اللام ألف» فلا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له.

وأمّا «الياء» فيد اللّه باسطة على خلقه.

فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : هذا هو القول الّذي رضي اللّه عزّوجلّ لنفسه من جميع خلقه، فأسلم اليهودي.(1)

عند ما تطهر الأرض من الظالمين

{8}

[998] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدّث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أمير المؤمنين متى يطهّر اللّه الأرض من الظالمين ؟

ص: 429


1- معاني الأخبار : ص 44 - 45 ح 2 «باب معنی حروف المعجم» بهذا الإسناد : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبدالرحمن المقري الحاكم، قال : حدّثنا أبو عمرو محمّد بن جعفر المقري الجرجاني، قال : حدّثنا أبو بكر محمّد بن الحسن الموصلي ببغداد، قال : حدّثنا محمّد بن عاصم الطريفي، قال : حدّثنا أبو زید عیاش بن يزيد بن الحسن ، قال : حدّثني علي الكحال مولی زید بن علي قال : أخبرني أبي، عن يزيد بن الحسن ، قال :... بحار الأنوار : ج 2 ص 319 - 320 ح 4 «باب 35 غرائب العلوم من تفسير أبجد» وفي إسناده : عن أبي زيد عبّاس بن يزيد بن الحسن بن علي النخال مولی زید بن علي قال : أخبرني أبي يزيد بن الحسن : الخبر.

قال : لا يطهّر اللّه الأرض من الظالمين حتّى يسفك الدم الحرام.(1)

قذي في عرض البحر

{9}

[999] جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مسائل سأله عنها ملك الروم حين وفد إليه ويزيد بن معاوية في خبر طویل سأله عن المجرّة وعن سبعة أشياء خلقها اللّه، لم تخلق في رحم.

فضحك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : ما أضحكك؟

قال : لإنّك سألتني عن أشياء ما هي من منتهى العلم إلّا كالقذي في عرض البحر.

أمّا المجرّة فهي قوس اللّه. وسبعة أشياء لم تخلق في رحم، فأوّلها آدم ثمّ حوّاء والغراب وکبش إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وناقة اللّه وعصا موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) والطير الّذي خلقه عیسی بن مریم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ثمّ سأله عن أرزاق العباد.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أرزاق العباد في السماء الرابعة ينزّلها اللّه بقدر ويبسطها بقدر.

ثمّ سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟

قال : تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجمعة وهو عرش اللّه الأدنى منها بسط الأرض وإليها يطويها ومنها استوى إلى السماء، وأمّا أرواح الكفّار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن، ثمّ يبعث اللّه ناراً من

ص: 430


1- بحار الأنوار : ج 2 ص 235 ح 104 عن غيبة النعماني (في صدر حديث طويل ). النعماني عن علي بن أحمد، عن عبيداللّه بن موسى، عن عبداللّه بن حماد عن إبراهيم بن عبداللّه بن العلا، عن أبيه ،... .

المشرق وناراً من المغرب بينهما ريحان فيحشر ان الناس إلى تلك الصخرة في بیت المقدس فتحبس في يمين الصخرة وتزلف الجنّة للمتّقين وجهنّم في يسار الصخرة في تخوم الأرضين وفيها الفلق والسجّين فتفرق الخلائق من عند الصخرة، فمن وجبت له الجنّة دخلها من عند الصخرة ومن وجبت له النار دخلها من عند الصخرة.(1)

قوم لم تأكلهم الضبع

{10}

[1000] المدائني عن سُحيم بن حفص قال : لقي الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سعيداً(2) وأبناء السُغْد معه فقال متمثّلاً :

أبا عُمارة إمّا كنتَ ذا ثَقَلٍ***فإنّ قومَك لم تأكلْهم الضَبُعُ

وكان قوم من بني عثمان يقولون: ما قتله إلّا عينُ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : فبينا سعيد في حائط له وقد جعل أُولئك السغد فيه يعملون بالمساحي إذ أغلقوا باب الحائط ووثبوا عليه فقتلوه، فجاء مروان بن الحكم يطلب المدخل عليهم فلم يجدّه، وقتل السُغْدُ أنفسهم، وتسوّرت الرجال ففتحوا الباب وأخرجوا سعيداً.(3)

ص: 431


1- تحف العقول : ص 174 - 175.
2- هو سعيد بن عثمان بن عفّان ولّاه معاوية خراسان سنة (56) وعُزِل سنة (57) قُتِلَ بالمدينة نحو سنة (62 ه). الاعلام : ج 3 ص 151.
3- أنساب الأشراف : ص 617 رقم 1589.

ص: 432

الفهارس :فهرس الآيات، فهرس المصادر، فهرس الموضوعات

اشارة

ص: 433

ص: 434

فهرس الآيات

الفاتحة (1)

(5) إِيّاكَ نَعْبُدُ...88

البقرة (2)

(30) إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا...158

(34) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ...367

(64) ثُمَّ تَوَلَّيْتُم...263

(111) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا...88

(112) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ....89

(199) فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ....163

(199) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ...264و265

(237) وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ... 11

(284) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ...105

(285) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ.... 105

(286) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا... 106 و 108

آل عمران (3)

(13) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ...237

(33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ...162

ص: 435

(33 و 34) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ... 298 و397

(173) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ...262 و312

(195) وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ...217و231

النساء (4)

(59) أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...34 و 252

(83) وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ...34

(86) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا...257

(123) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ...226

(142 و 143) يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ...326

المائدة (5)

(44) فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ...29

(63) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ...29

(78 و 79) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ...29

(101 و 102) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ...250

(115) إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا... 145

الأنعام (6)

(1) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَ...88

(28) وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَ...24

(62) رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ...131

(158) لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ...28

الأعراف (7)

(58) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا...142

(96) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ...46

(199 - 202) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ...273

ص: 436

الأنفال (8)

(48) لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ...34

(61) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ...210

التوبة (9)

(54) أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى...326

(71) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ...30

(128) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ... 205

يونس (10)

(26) حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا...198

هود (11)

(45) رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي...91

(46) ِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ...91

(113) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا...230

يوسف (12)

(33) وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ...196

(92) لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ...273

إبراهيم (14)

(21) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ...18

(36) فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي...264

(27) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ...428

الحجر (15)

(94) إصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ...99

(95) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ...98و100

ص: 437

النحل (16)

(96) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ...209

الإسراء (17)

(36) إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا...196

(45) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ...94

الكهف (18)

(39) مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا....262

(52) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا...214

مریم (19)

(9) هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ...228

(96) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا...128

(97) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ...128

طه (20)

(1 و 2) طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى...104

(7) يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى...230

(61) فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ...214

الأنبياء (21)

(69) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ...45

(82) وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ...202

(87) لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ...262

الحج (22)

(36) وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ...223

المؤمنون (23)

(101) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ...202

ص: 438

الفرقان (25)

(44) إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا...265

الشعراء (26)

(100 و 101) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ...24

(102) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ....24

النمل (27)

(51) أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ...425

القصص (28)

(21) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ...62

(22) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ...319

(41) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ...352

(83) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ...208

الروم (30)

(22) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...196

لقمان (31)

(15) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ...139

الأحزاب (33)

(9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ...92

(23) فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا...382

(38) وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا...224

(53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ...125

(17 و 98) إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا..... 18

ص: 439

يس (36)

(8) فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ...94

(9) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا...94و95

(78) مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ...94

(79) يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ...95

ص (38)

(31) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ...1999

الزمر (39)

(56) يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ...210

غافر (40)

(29) إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ...207

(44) وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ...262

(60) ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...8

الأحقاف (46)

(29) وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ...109

محمّد (47)

(15) وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ...198

الفتح (48)

(2) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ...125

(27) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ...96

الحجرات (49)

(2) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ...125

(3) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ...125

(9) فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي...208

ص: 440

الذاريات (51)

(49) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ...141

الرحمن ( 55 )

(26) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ...216

(35) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ....206

الواقعة ( 56 )

(6) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا...202

(69) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ...238

الحشر (59)

(7) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...250

الصف (61)

(4 إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ...18

المنافقون (63)

(4) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ...249

الطلاق ( 65 )

(3) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ...28

القلم ( 68 )

(4) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ...114

نوح (71)

(14) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا...203

النبأ (78)

(14) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا...238

المطففين ( 83 )

(29) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ...73

ص: 441

الشرح (94)

(4) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ...91

العصر (103)

(3) وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ...103

الإخلاص (112)

(1) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ...88

ص: 442

فهرس المصادر

1- القرآن الكريم

2- نهج البلاغة : الشريف الرضي (المتوفّي 406).

3- ابصار العين : محمّد بن الشيخ طاهر السماوي (المتوفی 1370).

4- الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).

5- إثبات الوصية : العلامة الحلي (المتوفی 726).

6- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات : الحر العاملي (المتوفّي 1104).

7- الاثني عشرية : أحمد محمود صبحي.

8- الآحاد والمثاني : ابن أبي عاصم (المتوفی 287).

9- الأحاديث الغيبية.

10 - الاحتجاج : الشيخ الطبرسي (المتوفّي 560).

11 - أحسن القصص : الحسيني القاهري.

12 - إحقاق الحقّ : القاضي نور اللّه التستري (المتوفی 1019).

13 - أحكام القرآن : أحمد بن علي الجصاص (المتوفی 370).

14 - إحياء الميت : جلال الدين السيوطي الشافعي (المتوفی 911).

15 - أخبار اصفهان : الحافظ أبو نعيم الأصفهاني (المتوفی 430).

16 - الأخبار الدخيلة : محمّد تقي التستري.

17 - الأخبار الطوال : أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (المتوفی 282).

18 - أدب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أحمد الصابري الهمداني.

19 - أدب الدنيا والدين : علي بن محمّد الماوردي (المتوفی 450).

20 - الأربعين : الشيخ البهائي (المتوفی 1031).

21- أرجح المطالب : عبيد اللّه الحنفي (المتوفی 1367).

22 - إرشاد القلوب: حسن بن أبي الحسن الديلمي (المتوفی 841).

23 - إرشاد الهيئة.

ص: 443

26 - الإرشاد والتطريز : أبو محمّد عفيف الدين اليافعي.

25 - الإرشاد : الشيخ المفيد (المتوفی 413).

26 - الإستبصار : أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (المتوفّي 460).

27 - الإستشفاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية : أحمد الصباحي.

28 - إستشهاد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : محمّد جمیل غازي.

29 - الإستيعاب : يوسف بن عبداللّه بن عبد البرّ القرطبي.

30- أُسد الغابة : علي بن أبي الكرم ابن اثیر الجزري (المتوفی 630).

31 - أسرار الشهادة : الملا آقا الدربندي (المتوفی 1285).

32 - إسعاف الراغبين : ابن الصبان المصري (المتوفّي 1206).

33 - الإشاعة لأشراط الساعة : البرزنجي الموسوي الشافعي المدني (المتوفی 1103).

34 - الإصابة في تمييز الصحابة : ابن حجر العسقلاني (المتوفی 852)

35 - أضواء على السنة المحمّدية.

36 - إظهار المحامد في التعريف بمولانا الوالد : محمّد بن محمّد بن عبداللّه ابن الموقت المراكشي (المتوفی 1329).

37 - الإعتقادات : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

38 - إعجاز القرآن : محمّد بن طيب الباقلاني (المتوفی 403).

39 - الإعجاز والايجاز : أبو منصور عبدالملك بن محمّد الثعالبي (المتوفی 8750).

40 - اعلام الدين : الديلمي (المتوفی 841).

41 - اعلام الوری : الفضل بن حسن الطبرسي (المتوفی 548).

42 - الاعلام : الشيخ المفيد (المتوفی 413).

43 - الاعلان و التوبيخ.

44 - أعيان الشيعة : محسن الأمين العاملي (المتوفی 1371).

45 - الأغاني : أبو الفرج الأصفهاني (المتوفی 356).

46 - الإقبال : سید بن طاووس (المتوفی 664).

47 - إكمال الدين وإتمام النعمة : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

48 - آل محمّد: حسام الدين الحنفي.

49 - ألف حديث في المؤمن : هادي النجفي.

ص: 444

50 - الأمالي : أبو طالب يحيى الزيدي (المتوفی 424).

51 - الأمالي : الشريف المرتضى (المتوفّي 436).

52 - الأمالي : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

53 - الأمالي : الشيخ الطوسي (المتوفّي 460).

54 - الأمالي : الشيخ المفيد (المتوفی 413).

55 - الأمالي : يحیی بن الحسين الأحول البطحائي (المتوفی 424).

56 - الإمامة والسياسة : أبو محمّد عبداللّه بن مسلم ابن قتيبة الدينوري (المتوفی 276).

57 - الامتاع والمؤانسة : أبو حيان علي بن محمّد التوحيدي (المتوفّي 401).

58 - الأموال : أبو عبيد القاسم بن سلام (المتوفی 234).

59 - الأموال : حمید بن زنجويه (المتوفی 251).

60 - أمير الحلبية.

61 - أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري.

62 - الأنساب : أبو سعد عبدالکریم بن محمّد بن منصور التميمي السمعاني (المتوفی 562).

63 - الانصاف : السيد هاشم البحراني (المتوفی 1107).

64 - الأنوار الرحمانية في الطريقة الكنزانية : محمّد الكنزاني.

65 - أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) في الكتاب والسنّة.

66 - أهل البيت (عَلَيهِ السَّلَامُ) : توفيق أبو علم.

67 - أيّام العرب في الاسلام : محمّد أبو الفضل إبراهيم وعلى محمّد البجاوي.

68 - بحار الأنوار : العلامة المجلسي (المتوفی 1111).

69 - بدائع الحكمة : علي بن عبداللّه الزنوري (المتوفی 1307).

70 - البداية والنهاية : الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (المتوفی 774).

71 - البديع : عبداللّه بن المعتز العباسي.

72 - البرصان : أبو عثمان بن عمرو بن بحر الجاحظ.

73 - بشارة المصطفى الشيعة المرتضى : عماد الدين الطبري (المتوفی 525).

74 - بصائر الدرجات : محمّد بن الحسن بن الفروخ الصفار (المتوفی 290).

75 - بغية الطلب في تاريخ حلب : عمر بن أحمد بن أبي جرادة (المتوفّي 660).

76 - البلد الأمين : إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي (المتوفی 900).

ص: 445

77 - البيان والتبيين : عمرو بن بحر الجاحظ (المتوفی 255).

78 - تاج العروس من جواهر القاموس : محمّد مرتضى الزبيدي (المتوفی 1205).

79 - تاریخ ابن خلدون : عبد الرحمن بن خلدون (المتوفی 808).

80 - تاريخ الإسلام : شمس الدين محمّد بن احمد بن عثمان الذهبي (المتوفی 748).

81 - تاريخ الأُمم والملوك : أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (المتوفی 310).

82 - تاریخ الخلفاء : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).

83 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس: الدياربكري (المتوفّي 966).

84 - التاريخ الكبير : محمّد بن إسماعيل البخاري (المتوفی 256).

85 - تاريخ اليعقوبي : أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب (المتوفی 284).

86- تاریخ بغداد : أحمد بن علي الخطيب البغدادي (المتوفّي 436).

87 - تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر (المتوفی 571).

88 - تاويل الآيات : السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادي النجفي (المتوفّي 965).

89 - التبر المذاب : الخوافي الحسيني.

90 - التبيان في آداب حملة القرآن : محيي الدين النووي (المتوفی 676).

91 - تحف العقول : الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني (من أعلام القرن الرابع).

92 - تذكرة الحفاظ : أبو عبداللّه شمس الدين الذهبي (المتوفی 748).

93 - التذكرة الحمدونية : محمّد بن الحسن بن محمّد بن علي بن ابن حمدون.

94 - تذكرة الخواص: سبط ابن الجوزي (المتوفی 654).

95 - تراث الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)

96 - ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)من تهذيب الكمال.

97 - ترك الاطناب : محمّد بن سلامة المغربي.

98 - ترهة المجالس : عبدالرحمن بن عبدالسلام الصفوري (المتوفی 884).

99 - تصحيفات المحدثين : عبد اللّه بن سهل العسكري (المتوفی 382).

100- تعاليم الامام المجتبی (عَلَيهِ السَّلَامُ).

101 - تغضب الأثر.

102 - تفسير الامام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ).

103 - تفسير البرهان : السيد هاشم البحراني (المتوفی 1107).

ص: 446

104 - تفسير الثعالبي (الجواهر الحسان في تفسير القرآن): عبدالرحمن بن محمّد بن مخلوف الثعالبي المالكي (المتوفی 875).

105 - تفسير الخازن: الخطيب البغدادي (المتوفی 741).

106 - تفسير الرازي : محمّد بن عمر الفخر الرازي (المتوفّي 606).

107 - تفسير العياشي : محمّد بن مسعود بن عياش السلمي (المتوفی 340).

108 - تفسير القرآن : عبد الرزاق بن همان الصنعانی.

109 - تفسير القرطبي: أبو عبداللّه محمّد بن أحمد القرطبي (المتوفی 671).

110 - تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي (المتوفی 307).

111 - تفسير الكشف والبيان.

112 - تفسير المجاهد: مجاهد بن جبر (المتوفی 102).

113 - تفسير الميزان : محمّد حسين الطباطبائي (المتوفی 1402).

114 - تفسير غريب القرآن : زید بن علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

115 - تفسیر فرات الكوفي : فرات بن إبراهيم الكوفي القرن الرابع الهجري).

119 - تفسیر کنز الدقائق : الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمي المشهدي.

117 - تفسير الصافي : محسن الفيض الكاشاني (المتوفی 1091).

118 - تفسير مجمع البيان : أمين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (المتوفی 548).

119 - تفسير نور الثقلين : الشيخ عبدعلي بن جمعة العروسي الحويزي (المتوفی 1112).

120 - تقريب التهذيب : ابن حجر العسقلاني (المتوفی 852).

121 - تقييد العلم : الخطيب البغدادي (المتوفّي 436).

122 - تلخيص المتشابه في الرسم : أحمد بن علي الخطيب البغدادي (المتوفّي 436).

123 - تلخيص مقباس الهداية : العلامة المامقاني.

124 - التمثيل والمحاضرة : عبد الملك ابن منصور الثعالبي (المتوفی 430)

125 - التمهيد في علوم القرآن.

126 - تمييز الطيّب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث : عبدالرحمن بن علي بن محمّد بن عمر الشيباني الشافعي.

127 - تنبیه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) : أبي الحسين ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري (المتوفی 605).

ص: 447

128 - تنبيّه الغافلين عن فضائل الطالبيين : أين سعد المحسن كرامة المته في 494).

129 - تنزيه الأنبياء : الشريف المرتضى (المتوفّي 436).

130 - التوحيد: الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

131 - توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل : أحمد الحسيني الايجي الشافعي.

132 - تهذیب الأحکام : الشيخ الطوسي (المتوفّي 460).

133 - تهذيب التهذيب : ابن حجر السعقلاني (المتوفی 852).

134 - تهذيب الكمال : أبو الحجاج يوسف المزي (المتوفی 742).

135 - التهذيب : ابن عساكر (المتوفی 571).

136 - تيسير المطالب : السيد يحيى الزيدي (المتوفّي 424).

137 - الثاقب في المناقب : ابن حمزة الطوسي (المتوفّي 560).

138 - ثمار القلوب في المضاف والمنسوب : أبو منصور عبدالملك بن محمّد الثعالبي (المتوفی 875).

139 - ثمرات الأوراق : تقي الدين أبو بكر بن علي الحموي.

140 - ثواب الأعمال : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

141 - جامع أحاديث الشيعة : السيد البروجردي (المتوفی 1380).

142 - جامع الأثر في أمامة الأئمة الاثني عشر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حسن آل طه.

143 - جامع الاخبار : محمّد السبزواري.

144 - جامع الأصول : ابن الأثير الجزري (المتوفّي 606).

145 - جامع البيان : أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (المتوفی 310).

146 - الجامع الصغير : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).

147 - الجامع بين العلم وفضله.

148 - الجرح والتعديل : عبد الرحمان ابن أبي حاتم الرازي (المتوفی 327).

149 - الجعفريات (الأشعثيات) : محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي (المتوفی 330).

150 - جمال الاسبوع : سید بن طاووس (المتوفّي 664).

151 - جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر.

152 - جمع الجوامع : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).

153 - جمع الفوائد من جامع الأصول : الروداني.

ص: 448

154 - الجمع الجواهر : أبو إسحاق إبراهيم بن علي القيرواني الأندلسي.

155 - الجمل : الشيخ المفيد (المتوفی 413).

156 - جمهرة أنساب العرب : أبو محمّد علي ابن حزم الأندلسي (المتوفّي 456).

157 - جواهر العقدين : السيد علي بن عبداللّه الحسيني السمهودي (المتوفی 911).

158 - جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : شمس الدين أبو البرکات محمّد الباعوني.

159 - الجوهرة في نسب الإمام علي وآله (عَلَيهِم السَّلَامُ) : محمّد بن أبي بكر الأنصاري التاهساني المعروف بالبري.

160 - الجهاد والحقوق الدوليّة في الاسلام : ظافر القاسمي.

161 - حاشیه شرح بانت معاد : عبدالقادر بن عمر البغدادي.

162 - حدائق الحقایق : تاج الدين محمّد بن أبي بكر.

163 - الحسن والحسين سبطا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : المصري المالكي

164 - حقائق التاويل في متشابه التنزيل : السيد الشريف الرضي (المتوفّي 406).

165 - حلية الأبرار : السيد هاشم البحراني (المتوفی 1107).

166 - حلية الأولياء وطبقات الاصفياء : أبو نعيم الأصفهاني (المتوفی 430).

167 - حلية العلماء : أبوبكر محمّد بن أحمد ابن القفال الشاشي الشافعي (المتوفی 507).

168 - حليم آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) : موسى محمّد علي.

169 - حياة الامام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): باقر شريف القرشي.

170 - حياة الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : باقر شريف القرشي.

171 - حياة الحيوان : محمّد بن موسی الدميري (المتوفی 808).

172 - الحيوان : أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.

173 - الخرائج والجرائح : قطب الدين الراوندي (المتوفی 573).

174 - خصائص أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أحمد بن شعيب النسائي (المتوفی 303).

175 - خصائص أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الشريف الرضي (المتر في 406).

176 - الخصال : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

177 - خطب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): صادق النجفي..

ص: 449

178 - خطب الصحابة ومواعظهم: محمّد عثمان الخشت.

179 - الخلاف : الشيخ الطوسي (المتوفّي 460).

180 - الدر المنثور : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).

181 - الدرة الباهرة : محمّد بن جمال الدين المكي العاملي (المتوفی 786).

182 - درر الأحاديث النبوية.

183 - درر الأخبار : مهدي الحجازي.

184 - الدرر المكنونة في السنة الشريفة المصونة : الفايسي المالكي (المتوفی 1278).

185 - درر بحر المناقب : محمّد بن أحمد الحنفي الموصلي الشهير بابن حسنویه (المتوفّي 680).

186 - الدروع الواقية : سید بن طاووس (المتوفّي 664).

187 - دعائم الاسلام : نعمان بن محمّد التميمي المغربي (المتوفی 363).

188 - الدعوات: قطب الدين الراوندي (المتوفی 573).

189 - دلائل الإمامة : أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (المتوفی 310).

190 - دلائل النبوّة : إسماعيل بن محمّد بن الفضل التميمي الأصبهاني (المتوفی 535).

191 - الدمعة الساكبة : المولی باقر بن عبدالكريم البهبهاني (المتوفی 1285).

192 - ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : محمّد عبدالرحیم.

193 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: محب الدين الطبري (المتوفّي 694).

194 - ذخيرة الملوك : علي بن شهاب الدين الهمداني (المتوفی 786).

195 - الذرية الطاهرة : أبو بشر محمّد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الدولابي (المتوفی 310).

196 - ذريعة النجاة : محمّد رفیع بن قهرمان الخاتون آبادي الكر هرودي (المتوفی 1330).

197 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة : الشيخ آقا بزرگ الطهراني (المتوفی 1381).

198 - الذكر في القرآن الكريم : علاء الدين الموسوي.

199 - ذم البخل وفضل السخاء : أبو حامد محمّد الغزالي (المتوفّي 505).

200۔ ذیل تاریخ بغداد : ابن النجار (المتوفّي 643).

201 - الرائد: جبران مسعود

202 - ربيع الأبرار : جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري (المتوفی 538).

ص: 450

203 - رجال الكشي : محمّد بن عمر الكشي.

204 - رجال النجاشي : أحمد بن علي النجاشي (المتوفی 450).

205 - رسائل المرتضى : الشريف المرتضى (المتوفّي 436).

206 - رسالة آداب وحکم: یاقوت المستعصمي الخطاط (المتوفی 689)

207 - الرسالة القشيرية : عبدالکریم بن هوازن القشيري (المتوفّي 465).

208 - رسالة في نصيحة العامة : ابن كرامة البيهقي الجشمي.

209 - رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )في القرآن : حسن كامل الملطاوي.

210 - روضة المتقين : العلامة المجلسي (المتوفی 1111).

211 - رياض السالكين في شرح صحيفة سیّد الساجدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : السيد علي خان الكبير (المتوفی 1120).

212 - رياض المصائب : محمّد مهدي بن محمّد جعفر الموسوي السكابني.

213 - الرياض النضرة في فضائل العشرة : المحب الطبري (المتوفّي 694).

214 - ریحانة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): عبدالوهاب بن محمّد غوث الشافعي.

215 - زاد المعاد : العلامة المجلسي (المتوفی 1111).

216 - زهر الآداب وثمرة الألباب : إبراهيم بن علي بن تميم الحصري (المتوفی 453).

217 - سفينة البحار : الشيخ عبّاس القمي (المتوفی 1359).

218 - سلیم بن قیس الهلالي : أبو صادق سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي (المتوفّي 151).

219 ۔ سنن ابن ماجة : محمّد بن یزید القزويني (المتوفّي 275).

220 - سنن أبي داود : أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (المتوفی 275).

221 - سنن الترمذي ( الجامع الصحيح): محمّد بن عيسى الترمذي (المتوفی 297).

222 - سنن الدارمي : عبد اللّه بن عبدالرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (المتوفی 255).

223 - سنن النسائي : أحمد بن شعيب النسائي (المتوفی 303)

224 - سِيَر أعلام النبلاء : شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (المتوفی 748).

225 - السير المهذّب : علي فكري القاهري.

226 - سيرة ابن هشام : محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي (المتوفی 151).

ص: 451

227 - السيرة الحلبية ( انسان العيون في سيرة الأمين المأمون): علي بن برهان الدين الشامي الحلبي (المتوفّي 1044).

228 - شذرات الذهب : ابن العماد الدمشقي (المتوفی 1089).

229 - شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ) : النعمان بن محمّد التميمي المغربي (المتوفی 363).

230 - شرح الشفاء : علي بن سلطان محمّد القاري (المتوفی 1014).

231 - شرح المقامات الحريرية : أحمد بن عبد المؤمن القيسي.

232 - شرح ثلاثيات أحمد: شمس الدين السفاريني (المتوفی 1188).

233 - شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد المعتزلي (المتوفّي 656).

234 - الشرف المؤبد : يوسف النبهاني.

235 - شعب الايمان : أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (المتوفی 458).

236 - شواهد التنزيل : عبيد اللّه بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني (المتوفی 490).

237 - الشيعة وفنون الاسلام : السيد حسن صدر الدين الموسوي العاملي (المتوفّي 1354).

238 - صحيح ابن خزيمة : أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (المتوفّي 311).

239 - صحيح البخاري : محمّد بن إسماعيل البخاري (المتوفی 256).

240 - صحيح الترمذي : محمّد بن عيسى الترمذي (المتوفی 297).

241 - صحیح مسلم : مسلم بن الحجاج النيسابوري (المتوفی 261).

242 - صحيفة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جواد قیومي

243 - صحيفة الإمام الرضا(عَلَيهِ السَّلَامُ).

244 - الصراط المستقیم: زين الدين أبي محمّد علي بن يونس البياضي (المتوفی 877).

245 - صفوة الصفوة : عبدالرحمان بن علي بن الجوزي (المتوفی 597).

246 - الصناعتين : أبو هلال الحسن بن عبداللّه بن سهل العسكري (المتوفی 351).

247 - الصواعق المحرقة : أحمد بن حجر الهيتمي الكوفي (المتوفی 974).

248 - الضعفاء والمتروکین : عبد الرحمن بن محمّد الجوزي (المتوفی 579).

249 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : محمّد بن عبدالرحمان السخاوي (المتوفی 902).

250 - ضياء العالمين : أبو الحسن الشريف (المتوفی 1138).

ص: 452

251 - طب الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) : عبداللّه و حسین ابنا بسطام.

252 - طبقات الشيعة : آقا بزرگ الطهراني (المتوفی 1389).

253 - طبقات الفقهاء : إبراهيم بن يوسف الفيروز آبادي (المتوفّي 476).

254 - الطبقات الكبرى : ابن سعد (المتوفی 230).

255 - طبقات المعتزلة : أبوبكر عبدالرزاق الصنعاني (المتوفی 211).

254 - طرائف الخلفاء والملوك : عبد اللّه على مهنّا.

257 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية : شمس الدين أبو عبداللّه محمّد بن قيم الجوزية الحنبلي (المتوفی 751).

258 - عالم الجن والشياطين : عمر سليمان الأخفش.

259 - العبر: أبو زيد عبد الرحمان بن محمّد بن خلدون (المتوفی 808).

260- عبقات الأنوار في حديث الغدير : السيد حامد حسین (المتوفی 1306).

261. عبقرية الصدق.

262 - عدة الداعي والنجاح الساعي: أحمد بن فهد الحلي (المتوفی 841).

263 - العدد القوية: العلامة الحلي (المتوفی 726).

264 - العقد الدرر في أخبار المنتظر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي.

265 - العقد الفريد: أحمد بن محمّد بن عبد ربه الأندلسي (المتوفی 328).

266 - علل الشرایع : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

267 - العلل ومعرفة الرجال : أحمد بن محمّد الحنبلي (المتوفی 421).

268 - علموا أولادكم محبة آل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : محمّد عبده اليماني.

269 - العمدة : أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني (المتوفّي 456).

270 - العمدة : يحيى بن الحسن الأسدي الحلي المعروف بابن البطريق (المتوفی 600).

271 - عوالم العلوم : الشيخ عبداللّه البحراني (المتوفی 1130).

272 - عوالم المعارف والعلوم.

273 - عوالي الليالي العزيزية في الأحاديث الدينية: ابن أبي جمهور الاحسائي (المتوفّي 880).

274 - عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

ص: 453

275 - عيون الأخبار في مناقب الأخبار : أبي المعالي الشريف المرتضی محمّد بن علي الحسيني البغدادي.

276 - عيون الأخبار : محمّد بن عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفی 276).

277 - عيون التواریخ : ابن شاكر الكتبي الشافعي.

278 - عيون المعجزات : الحسين بن عبدالوهاب (المتوفّي في القرن الخامس).

279 - العيون والحدائق في أخبار الحقايق.

280 - الغارات : أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي (المتوفی 283).

281 - غاية المرام : السيد حسين ابن القاضي جلال الدين الحسيني الطالقاني النجفي (المتوفی 1162).

282 - الغدير : الشيخ عبد الحسين الأميني (المتوفی 1392).

283 - غرر الخصائص الواضحة : إبراهيم بن يحيى الكتبي (الوطواط).

284 - الغريبين : الهروي (المتوفی 481).

285 - الغيبة : محمّد بن إبراهيم النعماني (المتوفی 360).

286 - فتح الباري : ابن حجر العسقلاني (المتوفی 852).

287 - فتح الرحیم الرحمن في شرح نصيحة الاخوان ومرشد الخلّان : مسعود الحسيني الشافعي.

288 - فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب : أحمد بن محمّد بن الصديق الحسني الغماري الشافعي.

289 - الفتنة الكبرى : طه حسين.

290 - الفتوح : ابن الأعثمّ الكوفي (المتوفی 314).

291 - فرائد السمطين : إبراهيم بن محمّد الجويني (المتوفی 720).

292 - فرج المهموم : سید بن طاووس (المتوفی 664).

293 - فرحة الغري : سید بن طاووس (المتوفی 693).

294 - الفردوس بمأثور الخطاب : شیرویه بن شهردار بن شیرويه الديلمي (المتوفی 509).

295 - الفصول المختارة: الشيخ المفيد (المتوفی 413).

296 - الفصول المهمة : الحر العاملي (المتوفی 1104).

297 - فضائل الصحابة : أحمد بن شعيب المعروف بالنسائي (المتوفی 303).

ص: 454

298 - الفضائل : شاذان بن جبرئيل القمي (المتوفّي 660).

299 - الفقه الأكبر: النعمان بن ثابت الكوفي (المتوفی 150).

300 - فلاح السائل : سید بن طاووس (المتوفی 664).

301 - الفنون : ابن شهر آشوب (المتوفی 588).

302 - فوات الوفيات : ابن شاكر الكتبي.

303 - الفهرست : الشيخ الطوسي (المتوفی 460).

304 - القاموس المحيط : محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (المتوفی 817).

305 - قرب الاسناد : عبداللّه الحميري البغدادي (المتوفی 300).

306 - الكافي : الشيخ الكليني (المتوفی 329).

307 - كامل الزيارات : ابن قولویه جعفر بن محمّد القمي (المتوفی 368).

308 - الكامل في التاريخ : أبو الحسن علي بن محمّد بن الأثير (المتوفی 620).

309 - كتاب الزهد : أحمد بن محمّد الشيباني (المتوفی 241).

310 - کتاب صفين : نصر بن مزاحم المنقري (المتوفی 212)

311- کشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: إسما عیل بن محمّد العجلوني الجراحي (المتوفی 1162).

312- کشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون : مصطفى بن عبد اللّه (حاجي خليفة) (المتوفی 1067).

313 - کشف الغمة : أبو الحسن علي بن عيسى الاربلي (المتوفی 693).

314 - كفاية الأثر : أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمي الرازي (المتوفی 400).

315 - كفاية الطالب : الكنجي الشافعي (المتوفی 658).

316 - كلمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): السيد حسن الشيرازي.

317 - کنز العمال : علاء الدين على المتقي الهندي (المتوفی 975).

318 - کنز الفوائد : الكراجكي (المتوفّي 449).

319 - الكنز المدفون : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).

320 - الكنى والأسماء: الحافظ الدولابي (المتوفی 310).

321 - الكنى والألقاب : الشيخ عبّاس القمي (المتوفی 1359).

322 - الكواكب الدرية : محمّد عبد الرؤف المناوي (المتوفی 331).

ص: 455

323 - الكوكب الدرّي : محمّد مهدي الحائري المازندراني.

324 - لؤلؤة البحرين : الشيخ يوسف الدرازي البحراني (المتوفی 1186).

325 - لباب الآداب : اسامة بن منقذ الكناني (المتوفّي 584).

326 - لسان العرب : ابن منظور (المتوفی 711).

327 - لسان المیزان : ابن حجر السعقلاني (المتوفی 852).

328 - اللمع في التصوف : أبو نصر عبداللّه بن علي السراج الطوسي (المتوفی 378).

329 - اللمعة في خصائص الجمعة: جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).

330 - اللهوف في قتلي الطفوف : سید بن طاووس (المتوفّي 664).

331 - مآثر الإناقة في معالم الخلافة : أحمد بن عبد اللّه المصري القلقشندي (المتوفی 821).

332 - ماساة الزهراء (عَلَيهِا السَّلَامُ): جعفر مرتضى العاملين

333 - المبسوط : الشيخ الطوسي (المتوفی 460).

334 - المتفق والمفترق : أحمد بن علي الخطيب البغدادي (المتوفّي 436).

335 - مثير الأحزان : محمّد بن جعفر بن أبي البقاء هبة اللّه بن نما الحلي (المتوفّي 645).

336 - المجتنی: سید ابن طاووس (المتوفی 664).

337 - مجلة الكتاب.

338 - مجمع الأمثال : أحمد بن محمّد النيسابوري الميداني.

339 - مجمع البحرين : الشيخ فخر الدين الطريحي (المتوفی 1085).

340 - مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي : أحمد بن قبش.

341 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (المتوفی 807).

342 - المجموع في شرح المهذب : محيي الدين بن النووي (المتوفّي 676).

343 - المحاسن : أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (المتوفی 274).

344 - محاسن الاصطلاح : سراج الدين أبو حفص البلقيني (المتوفی 805).

345 - المحاسن والأضداد : أبو عثمان عمر بن بحر البصري الجاحظ (المتوفی 255).

346 - المحاسن والمساوي : البيهقي (المتوفّي 458).

347 - محاضرات الأدباء : الحسين بن محمّد الراغب الأصفهاني (المتوفی 502).

348 - المحبر : محمّد بن حبيب البغدادي (المتوفی 245).

349 - المحتضر : حسن بن سليمان الحلي (المتوفّي في القرن التاسع).

ص: 456

350 - المحجة البيضاء: السيد حسن بن جعفر الكركي الموسوي.

351 - المحلّى : ابن حزم الظاهري الأندلسي (المتوفّي 456).

352 - المختار.

353 - مختصر البصائر : الشيخ حسن بن سليمان الحلي (المتوفّي في القرن التاسع).

354 - مختصر تاریخ دمشق : ابن منظور (المتوفی 711).

355 - المختصر والاختصاص.

356 - مدينة المعاجز : السيد هاشم بن سليمان البحراني (المتوفی 1107).

357 - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : العلامة المجلسي (المتوفی 1111).

358 - مرآة المؤمنين : ولي اللّه بن حبيب اللّه اللكهنوي الهندي (المتوفی 1270).

359 - المراجعات: السيد عبدالحسین شرف الدين الموسوي (المتوفی 1377).

360 - المرتضى : أبو الحسن علي الندوي.

361 - مروج الذهب ومعادن الجوهر : علي بن الحسين المسعودي (المتوفّي 346).

362 - المزار : الشيخ المفيد (المتوفی 413).

363۔ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : النوري الطبرسي (المتوفی 1320).

364 - المستدرك : محمّد بن محمّد الحاكم النيشابوري (المتوفی 405).

365 - المستطرف في كل فن مستطرف : شهاب الدين محمّد بن أحمد أبو الفتح الأبشيهي

366 - مسكن الفؤاد : الشهيد الثاني الشيخ زين الدين علي الجبعي العاملي (المتوفّي 965).

367 - المسند: الشافعي (المتوفی 204).

368- مسند أبي داود الطيالسي : سليمان بن داود الطيالسي (المتوفی 204).

369 - مسند أبي يعلى : أحمد بن علي بن المثنى التميمي (المتوفی 307).

370 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل (المتوفی 241).

371 - مسند الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عزيز اللّه العطاردي الخبوشانی.

372 - مسند الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : داود بن سليمان الغازي (المتوفی 203).

373 - مسند فاطمة (عَلَيهِا السَّلَامُ): جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).

374 - مشكاة الأنوار : أبو الفضل على الطبرسي (المتوفّي في القرن السابع

375 - المشيخة البغدادية : أحمد بن محمّد السلفي الاصفهاني.

376 - مصادر نهج البلاغة و أسانيده : عبدالزهراء الخطيب.

ص: 457

377 - المصنّف في الأحاديث والآثار : ابن أبي شيبة الكوفي (المتوفی 235).

378 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : محمّد بن طلحة الشافعي (المتوفّي 654).

379 - المطالب العالية : ابن حجر العسقلاني (المتوفی 852).

380 - المطالب العالية : محمّد بن عمر الفخر الرازي (المتوفی 606).

381- معادن الحكماء

382 - معادن الحكمة : علم الهدی (المتوفی 1115).

383 - معالم التنزيل : حسین بن مسعود الفراء البغوي (المتوفی 516).

384 - معالم الزلفي : السيد هاشم البحراني (المتوفی 1107).

385 - معالي السبطين : محمّد مهدي بن عبدالهادي المازندراني (المتوفی 1385).

386 - معاني الأخبار : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

387 - معجم الأُدباء : ياقوت الحموي البغدادي المغازي (المتوفی 626).

388 - المعجم الأوسط : الحافظ الطبراني (المتوفی 360).

389 - المعجم الصغير : الحافظ الطبراني (المتوفی 360).

390 - المعجم الكبير : سليمان بن أحمد بن أيوب الخمي الطبراني (المتوفی 360).

391 - معجم رجال الحديث : السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (المتوفی 1413).

392 - معجم لغة الفقهاء : محمّد قلعجي.

393 - معدن الجواهر ورياضة الخواطر : أبي فتح محمّد بن علي الكراجكي (المتوفی 449)

394 - المعمرون والوصايا : أبو حاتم السجستاني (المتوفی 255).

395 - مقاتل الطالبيين : أبو الفرج علي بن الحسين الاصفهاني (المتوفّي 356).

396 - مقتضب الأثر : أحمد بن محمّد بن عيّاش.

397 - مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي (المتوفی 157)

398 - مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عبد الرزاق المقرم.

399 - مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : موفق بن أحمد المكي الخوارزمي (المتوفی 568).

400- مقصد الراغب.

401 - المقنعة : الشيخ المفيد (المتوفی 413).

402- مکارم الأخلاق : الطبرسي (المتوفی 548).

403 - مکاشفة القلوب : أبو حامد محمّد بن محمّد بن محمّد الغزالي (المتوفّي 505).

ص: 458

404 - الملاحم والفتن.

405 - ملحقات الإحقاق : المرعشي النجفي (المتوفی 1411).

406 - من لا يحضره الفقيه : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

407 - مناقب آل أبي طالب : رشيد الدين محمّد بن علي ابن شهر آشوب (المتوفی 588).

408 - مناقب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : محمّد بن سليمان الكوفي (المتوفی 300).

409 - المناقب : الموفق بن أحمد بن محمّد المكي الخوارزمي (المتوفی 568).

410 - منتخب الأثر : الصافي الكلبايكاني.

411 - المنتخب : ابن جرير الطبري (المتوفی 310).

412 - المنتخب : الشيخ فخر الدين الطريحي (المتوفی 1085).

413 - منية المريد: الشيخ زين الدين بن علي العاملي (المتوفّي 965).

414 - المواعظ : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).

415 - مودّة القربي : علي بن شهاب الدين الهمداني الشافعي (المتوفی 786).

416 - موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الشريفي.

417 - مهج الدعوات : سید ابن طاووس (المتوفی 664).

418 - نزهة الحفاظ : محمّد بن عمر الاصفهاني المديني (المتوفی 581).

419 - نزهة الناظر وتنبيّه الخاطر : الحسين بن محمّد بن الحسن بن نصر الحلواني (المتوفّي في القرن الخامس).

420 - نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ الصوفيّة : أبو محمّد عبداللّه بن أسعد اليماني اليافعي الشافعي (المتوفی 798).

421 - نظام الأسرة في الاسلام : محمّد عقلة.

422 - نظم درر السمطين : محمّد بن يوسف الزرندي الحنفي (المتوفی 750).

423 - نفس المهموم : الشيخ عبّاس القمي (المتوفی 1359).

424 - نوادر المعجزات : محمّد بن جرير الطبري (المتوفی 310).

425 - نور الأبصار : مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي (المتوفی 1298).

426 - نهاية الأرب في فنون الأدب : أحمد بن عبدالوهاب النويري (المتوفی 732).

427 - نهاية اللغة : ابن الأثير الجزري (المتوفی 630).

428 - نهج السعادة : محمّد باقر المحمودي (المتوفی 1427).

ص: 459

429 - الوافي : محمّد محسن بن مرتضى الفيض الكاشاني.

430 - واقعة الطف : محمّد المحمّدي بحر العلوم.

431 - وسائل الشيعة : الحرّ العاملي (المتوفی 1104).

432 - وسيلة المال : باكثير الحضرمي (المتوفی 1047).

433 - وسيلة النجاة : السيد أبو الحسن الأصفهاني (المتوفی 1365).

434 - وفيات الأعيان وأخبار أبناء الزمان : أحمد بن محمّد ابن خلکان (المتوفی 681).

435 - وقعة صفّين : نصر بن مزاحم المنقري (المتوفی 212).

436 - الهداية الكبرى : الحسين بن حمدان الحضيني.

437 - اليقين : سید بن طاووس (المتوفی 664).

438 - ينابيع المعاجز : السيد البحراني.

439 - ينابيع المودّة لذوي القربي : سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (المتوفی 1294).

ص: 460

فهرس الموضوعات

تقریظ...6

الخطب...7

برکات شهر رمضان. أقبل إليكم شهر اللّه...8

سلوني عن القرآن. يأتي زمان...11

في مدح رسول اللّه...12

أنا الصدّيق الأكبر...13

في يوم الغدير...14

عهد لا أحيد عنه...20

حرب صفّين...21

من مقامات الصديقة الزهراء (عَلَيهِا السَّلَامُ)...22

علي مدينة هدى...24

اسمعوا مقالتي...26

من مكارم الأخلاق في المكارم...27

بادروا بصحة الأجسام...28

في بعض صفات الأخلاق. لنتعظ بموعظة الأولياء...29

أين موضع الغدر ؟...32

عترة الرسول...33

خُطّ الموت على ولد آدم...34

موت السُعَداء...35

الصبر على حد السيوف...37

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) تجاه أصحابه وأصحاب الحرّ...38

مع الحر بن یزید الرياحي....39

نحن أولى بولاية الأُمور...40

ص: 461

أشباح في ظهر آدم. اتخذوا الليل جملا...41

لست أعلم أصحاباً أصبر منكم. في فضل أهل بيت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...43

رجال لا يجدون مس الحديد...45

اسمعوا قولي ولا تعجلوا...46

على مَ تقاتلوني ؟...47

تبّأً لكم أيتها الجماعة...49

بئس العبد أنتم...50

كونوا من الدنيا على حذر...51

ما لكم تناصرون. لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل...52

الکُتُب...55

خير الدنيا والآخرة. في ترك جهادك...56

إلى رؤساء الأخماس بالبصرة...57

سنة بني هاشم. بلغني كتابك...58

ثمرة المعصية. إنّي لم أخرج أشراً...61

إلى بني هاشم...62

المودّة الثابتة...63

امض لوجهك...64

أمان اللّه...65

لاستخرجوني و يقتلوني...66

بعثتُ إليكم أخي...67

أعظم الأجر. كأن الدنيا لم تكن...68

قوم لزموا طاعة الشيطان...69

الإحتجاجات.. .71

أنا و أنت أبوا المؤمنین...72

هل يكون بعدك نبي ؟...73

ما رأينا مثل حجتك...75

من فضائل الرسول...89

اجلس لنتناظر في الدين...115

للسلام أهلاً...116

ص: 462

لولا علي. الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صباوته...116

عضو من أعضائي. منبر أبي لا أبيك...118

أتركب ظهراً حمله الرسول...119

إنزل عن منبر أبي. من علمك هذا ؟...120

قبّح اللّه وجهك...121

ويلك من شیطان مارد. آذيتنا منذ اليوم...122

أنظر لنفسك. أحق برسول اللّه...123

نحّوا ابنكم عن بيتي...124

حلم يوازن الجبال. أنت الواقع في علي ؟...127

لولا فخركم بفاطمة. الملعون في الأصلاب ؟...129

جهاد الظالمين...130

أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الجنّة. فضل من اللّه تعالى...131

انظر لنفسك...132

لم يكن ليخطئه...133

نطق معاوية وسكوته. بنو أُميّة في المحشر...134

الحقّ أبلج. أنا أقر له بالحق...135

من حكم سيد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)...136

محبوب أهل السماء...138

لتنصفني في حقّي...139

قل واللّه ثلاثةاً. سلوني عمّا دون العرش...140

ليس لنا فيه شيء. بغاث الطير...141

ألست ابن بنت نبيكم ؟...142

جزاء قاتل سيد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)...143

مولى القوم من أنفسهم....144

إنّي أريكم اليوم آية...145

ذهب هذا بشرف الدنيا...146

الأحكام الشرعيّة...149

إن للماء ساكناً. الطهارة الدائمة. الوحي يتنزل على نبيكم...150

كثرة الأذان تكسر البرد...151

ص: 463

استحباب افتتاح الصلاة ب. التكبير على شهداء أُحُد...152

أين تذهب یا فلان ؟...153

الصلاة في ثوب واحد. فرض اللّه الصوم....154

صوم عرفة. زكاة الفطرة...155

قضاء حاجة المؤمن...156

الصدقة للرحم. الحجّ جهاد..157.

فضل الطواف. لماذا الطواف سبعة ؟...158

وظيفة النساء. مقام إبراهيم...159

الإحرام للحج...160

مقام الركن اليماني. يا أعرابي سل هذا الغلام...161

اشتكي رأسي...162

كان في كتاب علي...163

طوافين و سعيين. صوم رجب وشعبان...164

شیء لست أملکه. رجل منع شهوته....165

اجتنبوا الغشيان ليلة السفر...166

حلة بخمس حلل. بیع أُمّ ولد...167

وجوه الجهاد. فكاك الأسير..168

واركض برجلك. في تقصير القميص...169

الطب...171

لا يلومن امرؤ إلّا نفسه. السواك. الشفاء في شيئين...172

الإكتحال وتراً. كراهة الاشتراك في أكل الرُمّان...173

العسل والشونیز. أطيب آنيتكم...174

إذا أكلتم الثريد. ساعة من الجمعة. في العسل بركة...175

وصايا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). فضل الهليلج...176

كراهة إدمان الدهن. التمر البرنی شفاء...177

أكل السفرجلة. أكل الغبيراء للمحموم. في الشرب قائماً...178

تذكية القرع...179

جواز اکتحال المعتدّة. فضل البنفسج. الشرب والأكل والخلال...180

کلوا التمر على الريق...181

ص: 464

أکل الرمّان . أکل الکرفس...182

من فوائد الیقطین . الکماة والعجوة . في الفالوذج...183

هلمّ إلی الغداء . إشرب الماء قائماً...184

القرع یسرّ القلب الحزین...185

الشِعْر...187

تبارك ذو العُلا. إذا انتصر المرء...1888

ما ورّث الرجال. سكان القبور...189

دار يحبها سيد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)...190

هول الحشر. أعجب العجب ؟...191

أ أدهن رأسي ؟. على دين النبي...192

عقب كل شيء. إذا جادت الدنيا...193

إن لم أمت أسفاً. حرز التقوى. معالج كل الداء...194

عليك بظلف نفسك. المؤاخاة في اللّه...195

نذير المنية...196

خالفوا قول النبي. لا ترج فعل الخير...197

عجبت لمعجب بالدنيا...198

ظل يزول...199

الموت خير من ركوب العار. كفاني بهذا مفخراً...200

الاعتزاز بالدنيا...201

البناء في السبخات. عظيم الهول...202

لننال عفو اللّه...203

أصل الحزم...204

كفى بالمرء عاراً...205

الزهد الحقيقي...206

الدنيا تفرق الاجتماع. لا يبغين الملك باغ...207

مواعظ من الحياة...208

سباق الزهد...209

اللجوء إلى اللّه...210

مهلاً بني عمّنا...211

ص: 465

الاستغناء باللّه تعالى...212

ذمّ لذّة الدنيا. عجبت لذي التجارب...213

لا تغتر بالدنيا...214

السير إلى الموت. زياد المال...215

مكتوب على راية الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...216

أثواب الانتقال...220

مواعظ خالدة...221

یا نكبات الدهر...222

أُف لك يا دهر...223

عيش الأبرار...224

عفو اللّه. لو خلد الملوك...224

إله ما لنا سواه...226

صفات الطاغية...227 '

سيطول بعدي يا سكينة. هدّ.ركني أبا شبر...228

أخي اعتبر ولا تغترر. غدر القوم...231

الوقوع في البلايا...234

مناجاة العارفين...235

أبدأ بذلك الشاب...236

ذهب الّذين أُحبهم...240

السبق إلى المعالي. شيعتي اذكروني...241

التوبة إلى اللّه...242

کن بشاً كريماً...243

من كراماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)...245

والد الأئمة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ). زين السماوات والأرض...246

إخبار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن الأئمّة بعده...247

والد السادة الكرام. ماذا عن أُولي الأمر ؟...248

عبيدك ببابك. و الكاظمين الغيظ...253

من کرم سید الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)...254

اجعلهم أضيافاً لك...255

ص: 466

ما غمك يا أخي ؟. إذا حيّتتم بتحيّة...257

نعم المحلّل كنت لكما...258

صاحب الدابة أحق بها. إطعامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عند اللّه...261

بين يدي اللّه عزّ و جل...261

صلاة في المهمات. لو دعوا اللّه بأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...262

أجب الرجل...264

إبيضّ رأس الرجل...265

فضائل لا تتحمّل. سواد لحيته (عَلَيهِ السَّلَامُ)...266

بئس الخلفاء...267

رجم الزانية. لا أُحبّ لك...268

کراماته (عَلَيهِ السَّلَامُ). أما تستحي ؟...269

انظروا في البيت. حذرتهم فلم يقبلوا...270

ابرائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) البرصاء...271

أنت ابن أبي تراب ؟...272

نقش خاتم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). عليَّ بالعجوزة...275

هديّة الملوك. كرمه وفتوّته.. (عَلَيهِ السَّلَامُ)

بأيّ شيء تحكمون ؟. لنصير إلى هذه الحرة...277

في خروجه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى كربلاء...279

في ثواب البكاء عليهم. عبرة كلّ مؤمن...280

الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قتیل العبرة...281

زيارة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...282

شهادة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُسوة...283

شاء اللّه أن يراني قتيلاً...284

ليجتمعن على قتلي. شهید آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)...285

في طريقه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الشهادة...286

الفئة الباغية. ليعتدن علىّ...287

إنّهم ليسوا بسفهاء. مع زهير بن القين...288

رؤياه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام. مقتله يوم عاشوراء...289

لولا تقارب الأشياء. انظر ما لقى...290

ص: 467

اللّهمّ حزه إلى النار...291

دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على جبيرة الكلبي...292

دعاؤه على أبان بن دارم...293

اللّهمّ اقتله عطشاً...294

رجل من أهل النار. لا أرواك اللّه...295

اللّهمّ أحصهم عددا...296

دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على رجل خبيث. حشرك اللّه مع الظالمين...297

دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ابن الأشعث. جوابه لمعاوية...298

إخباره (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هلاك معاوية...300

في مجلس الولید...304

كونوا بباب الرجل...305

مع الوليد بن عتبة...307

أنت تقتلني أم هو ؟...308

و على الاسلام السلام...309

لا تدعن نصرتي...310

من هوان الدنيا على اللّه. اني مستوطن هذا الحرم...311

لا ذعرتُ السوام...312

عند قبر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). في مقام الشهادة...313

مع محمّد بن الحنفيّة...314

استعدّوا للبلاد...315

لمن نستبقي النياح ؟. و اللّه لا أُفارقه...316

الحذر من أهل الكوفة...317

من كراماته (عَلَيهِ السَّلَامُ). الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مكّة...318

خروج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الحجاز. أمر اللّه و أمر رسوله...319

بلغني إنّك تريد العراق...321

الموت مع الحق...322

استودعك اللّه. جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابن عمر...323

اطلبي زوجاً غيري...324

ها أنا بين يديك....326

ص: 468

محبته للشهادة...327

مع ابن الزبير. شاء اللّه أن يراك قتيلا...328

ما أعجلك عن الحج ؟...329

كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحاب الإبل...330

كل ما قضي كائن...331

من أحب الانصراف فلينصرف...332

في طريق کربلا. أفلسنا على الحقّ ؟...333

لا خير في العيش...334

قضى ما عليه...335

العلم عند أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). أبشر بالجنّة...336

أفبالموت تخوفني ؟...337

اسقوا القوم...338

انخ الراوية. لقائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع جيش العدوّ...339

أنا أهل بیت نبیّکم...340 مع الحرّ الرياحي...341

ثكلتك أُمك يا حر...342

هؤلاء أنصاري و أعواني. أدعوك لنصرتنا أهل البيت...343

لا تسمعالي واعية...345

التسليم لأمر اللّه. مع الطرمّاح بن عدي...346

المسير إلى المنايا...347

الطريق على غير الجادة. لأكونن من أنصارك...348

ما جرى في كربلاء...351

ما كنت لأبدأهم بالقتال...352

أعوذ بك من العقر. اللّهمّ خذ لنا بحقنا...353

هاهنا محط ركابنا. ما اسم هذه الأرض ؟...354

محط ركاب الشهادة...355

الناس عبد الدنيا. لا أفلح القوم...356

في جواب قرّة بن القيس...357

انتهاك الحرمة. واهاً لك أيتها التربة...358

ص: 469

ذبحك اللّه على فراشك...359

رأس يترا ماه الصبيان...360

اختاروا مني ثلاثاً...361

لا أهلاً و سهلاً. هيهات منا الذلة...362

إنّك تروح إلينا. ما منعك من السلام ؟...363

أصلهم یا رب حر النار. اركب بنفسي أنت...365

إخباره (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن شهادة أصحابه. ارفعوا رؤوسكم و انظروا...366

الشقاء و السعادة الأُخروية...367

أنت في حل من بيعتي. آخر زاد الدنيا...368

يستأنسون بالمنية. اتّقوا اللّه و اصبروا...369

بم تستحلون دمي ؟...370

قوم أسطخوا الخالق. يا أمّة القرآن...371

لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل. إني أكره أن أبدأهم بقتال...372

انها رسل القوم...373

أنا الّذي جعجعتك في الطريق...374

أنت حر كما سمیت...376

أبشر يا حر بخیر. شجاعة عابس بن شبیب...377

الأخوان الغفاریان...378

الفتيان الجابریّان. مقتل نافع بن هلال...379

المسير إلى اللّه عزّ و جل...380

شكر اللّه لك أفعالك. اللّهمّ سدّد رميته...381

أوصيك بهذا. رجال قضوا ما عليهم...382

يا نفس صبراً. أعليّ تحرض الناس ؟...383

أميري حسين...384

كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأُمّ وهب...385

فتحت أبواب الجنّة. استحوذ عليه الشيطان...386

ذكرت الصلاة...387

للّه درك يا حبيب...388

التترس بالجبل. مؤمن آل فرعون...389

ص: 470

إنّا على الحق...390

لا يبعدك اللّه يا زهیر. إنّا لاحقون بك...391

أنت أمامي في الجنّة. هدى اللّه أخاك و أضلك...392

اللّهمّ بيّض وجهه. جئنا لنسلّم عليك...393

جزاك اللّه خيراً...395

حرقك اللّه بالنار...396

أشبه الناس برسول اللّه...397

العطش قد قتلني...398

شربة لا ظمأ بعدها أبداً. بادروا إلى الجنّة...399

بعداً لقوم قتلوك. لا رأيتم هواناً...400

أنت صاحب لوائي...401

الآن انكسر ظهري. قتلى آل النبيين...403

مالي أُناديكم فلا تجيبون ؟...403

سلام الوداع...404

علیکن مني السلام...405

ثوب لا يرغب فيه. أين هؤلاء ؟...406

الحفاظ على الحجّة...407

علي بالسيف و العصا...408

ناولوني علياً...409

نصر الأخرة...410

رضيع الجنان....410

شعار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) . بئس ما خلفتم محمداً في عترته...411

مکثور رابط الجأش. تتلذذ بشرب الماء...412

كونوا أحراراً في دنياكم. إن لم یکن لکم دین...413

أعلى قتلي تحاّئون ؟...414

اللّهمّ امنعهم قطر السماء...415

اللّهمّ اطلب بدم ابن بنت نبيك. اللّهمّ احصهم عددا...416

قتيل في رضي اللّه. هكذا ألقى جدي...417

مقتل عبداللّه بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)...418

ص: 471

الحرمان من الماء. الورود على رسول اللّه...419

آخر شربة شربها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). هل من ناصر ینصرني ؟...420

أقتلك ولا أُبالي...421

المتفرقات...423

كرامة المؤمن. الخضاب بالسواد...424

الأربعاء و وقایعها...425

كراهة التختّم بالشمال. فضل لبس العقيق مع التولّي...426

النهي عن الغلوّ. فوائد حروف الهجاء...427

عند ما تطهر الأرض من الظالمين...429

قذي في عرض البحر...430

قوم لم تأكلهم الضبع...431

فهرس الآيات...435

فهرس المصادر...443

فهرس الموضوعات...461

ص: 472

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.