الكتاب:... الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ (عَلَیهِ السَّلَامُ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِ السَّلَامُ)(الجزء الأوّل والثاني)
المؤلف:... الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد
الناشر:... المكتبة الحيدرية
عدد المطبوع:... 500 دوره
ليتوغرافي:... آل البيت (عَلَیهِمُ السَّلَامُ) 09121532077
المطبعة:... شریعت
الطبعة:... الأولى - 1432-1390
السعر الدورة:... 15000 تومان
ردمك: 6- 155- 497- 964- 978
ص: 1
ص: 2
الأَلفَینُ
فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)
ص: 3
الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)
الجزء الأوّل والثاني
الْخَطِيبُ الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد
ص: 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص: 5
مؤلّف الألفين أنشأته *** للفوز في ثانية النشأتین
نلت رضا الرحمن في جمع ما *** للحسن السبط و ما للحسين
في شأن ريحانتي المصطفى *** ألفين قد ضمّنت في الدفتین
لاعُدِمت كفّك تلك الّتي *** و جادت به بل لا عَدِمت اليدين
فانعم به فخراً و ذُخراً فقد *** شِدتَ به دیناً و أدّیت دَین
وفاز مَن قد حاز إحداهما *** و أنت قد حزت كلا الحُسنَيين
فَطِب به نَفساً لدى هذه *** و في غدٍ قُرَّ به مِنك عَين
و تِه أبا أحمدَ فينا عُلاً *** من كأبي أحمد فينا؟ و أين؟ (1)
ص: 6
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا شكّ أنّ الإسلام دين الحياة ومفاهيمه استوعبت كلّ جوانبها إلى يوم القيامة...
و لمّا نزل القرآن الكريم شرّع للبشرية القوانين الكلّية الّتي تعدّ الإطار العام لنهج الحياة الّتي ينبغي أن يمشي عليها الإنسان بالطريقة المثلى.
وبما أنّ هذه القوانين المختلفة تحتاج إلى تفسير و تبيين سواء في المفاهيم أو المصادیق كانت الحاجة ماسّة وضرورية إلى السنّة الشريفة... وكان لابدّ من متابعة السنّة لكي نتفهم معاني القرآن وأبعادها ولولاها لبقي القرآن غامضاً والإسلام غير مكتمل ومن هنا أمر القرآن في آيات عديدة بمراجعة الستنّة لفهم ما يريده الباري عزّ وجلّ مثل قوله تعالى: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»(1) فما دام الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) هو الّذي يراجع في ذلك ولكنّه إذا رحل من الدنيا فتكون المراجعة لأهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً والذين قال عنهم: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2)
ص: 7
وأهل الذكر هم محمّد وآل محمّد (عليهم الصلاة والسلام) (1) كما ورد في أخبار متضافرة.
و في قوله تعالى: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»»(2)، تأكيد واضح لحقيقة دور السنّة بالنسبة للقرآن... إذ لولاها بقي القرآن في إطار الكليات. أما السنّة فهي الّتي تكمل دوره وتعطيه البعد التطبيقي حيث تقوم ببيان مجملات القرآن وتقييد مطلقاته و تخصیص عموماته و تعیین المصاديق التي لم يعيّنها القرآن صراحة في الأحكام عموماً والموضوعات... فإذا كان القرآن يبيّن القوانين الكلّية فإنّ السنّة تبيّن الفروع والأحكام الجزئيّة... وفي الوقت الّذي يتحدّث القرآن عن المفاهيم تتحدّث السنّة عن مصادیقها وتحدّد أبعادها... ومن هنا نفهم أنّ القرآن بلا سنّة لا تكتمل مفاهيمه وأهدافه.
والدين لو لا السنّة لضاعت الكثير من مبادئه وحقائقه... ولذلك أمر اللّه سبحانه المؤمنين باتّباع السنّة وألزمهم بالسير على نهجها، لأنّها التعبير الصادق عن القرآن، قال تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» وبعد يكون الأمر لأهل بيته الصادقين كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ».(3)
وقد روت العامّة عن ابن عمر في تفسير هذه الآية أنّ اللّه تعالى أمر الصحابة أن يخافوا اللّه ثم قال: فَ-: «كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» يعني محمّداً وأهل بيته. (4)
ص: 8
كما روی سلیمان القندوزي الحنفي في الينابيع في تفسير قوله تعالی: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1) عن مولانا الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) «أنّ أولي الأمر هم الأئمّة من أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)». (2)
كما روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي أيضاً عن جابر بن عبداللّه في تفسير قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(3)، عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «إنّ اللّه جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج اللّه على خلقه، وهم أبواب العلم في أمتي من اهتدى بهم «هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(4).
وفي قوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(5) روى الحافظ القندوزي عن مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال في خطبة خطبها: «أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا اللّه ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا و أخرجهم بنا يستعطى الهدی وبنا يستجلی العمي». (6)
وروي أيضاً عن مولانا الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنه قرأ: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» ثمّ قال: «ونحن الراسخون في العلم»(7).
ص: 9
وغيرها الكثير من الآيات الواردة في ذلك والتي تؤكد على دور السنّة وأهمّيتها في الدين والحياة، وحيث لا يسع المجال لذكرها هنا راجع «كتاب أهل البيت في القرآن» لسماحة آية اللّه السيد صادق الشيرازي، وكتاب «تأويل الآيات الظاهرة» للسيد علي الحسيني الاسترابادي، مضافاً إلى تفسير نور الثقلين، والبرهان، والصافي، تجد في ذلك الكثير.
لقد وردت الروايات العديدة عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) تحثّ الناس على حفظ السنّة وتبليغها وترويجها، فضلاً عن مسايرتها في الفكر والسلوك، فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها»(1)، وقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فبلّغها».(2)
وفي العديد من كلماته وتوصياته (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) للمسلمين في الأبعاد المختلفة كان یكرّر عليهم مفهوم التبليغ والنشر، إذ يؤكّد عليهم: «فليبلّغ الشاهد الغائب»، ممّا يؤكّد أنّ تبليغ السنّة ومتابعتها تعدّ من الضرورات القصوى الّتي يقوم عليها الدين القويم ويستقيم عليها المجتمع.
ولهذا وذاك نشأت الحاجة إلى تدوين السنّة و تثبيتها لتساير ركب الإسلام والمسلمين إلى الآخرة بأسلوب واضح وطريق صحيح تحفظ الدين من التحريف والناس من الانحراف.
ولهذا شجع رسول اللّه على كتابة الحديث و تدوینه، بل وكانت له (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)
ص: 10
صحيفة كتبت بإشرافه المباشر معلّقة بقراب سيفه، وهي التي أعطاها(صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إلى مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فاشتهرت بصحيفة علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وقد روى عنها الشيعة والسنّة معاً بعض الأحاديث.
وكان ممّا جاء في الصحيفة... العقل و مقادير الديات و أحكام فكاك الأسير وغير ذلك، وقد أخرج عنها البخاري في صحيحه في كتاب الديات وباب الدية على العاقلة، وكذلك أخرج عنها ابن ماجة في سننه(1)، وأحمد في مسنده. (2)
وقد روى البخاري في صحيحه عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنه قال: «ما عندنا كتاب نقرأه إلّا كتاب اللّه وما في هذه الصحيفة فقال: فيها الجراحات، وأسنان الإبل والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا...» إلى آخر الرواية. (3)
وروى البخاري أيضاً عن التيمي عن أبيه قال: حدثّنا علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلّقة فقال: واللّه ما عندنا من كتاب يقرأ إلّا كتاب اللّه وما في هذه الصحيفة» إلى آخر الرواية، ثم بيّن ما في الصحيفة من الأحكام. (4)
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أحاديث كثيرة حول صحيفة الإمام علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بنصوص وأسانيد مختلفة وأشارا إلى الأحكام المتضمّنة لها. (5)
وهناك صحيفة أخرى لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بل كانت كتاباً ضخماً أفصح الأئمّة الطاهرون
ص: 11
عليهم الصلاة والسلام عن ضخامته فقالوا: إنها صحيفة طولها سبعون ذراعاً أملاها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فكتبها علي بخطّه وهي أول كتاب جمع فيه العلم عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وتسمّى عند أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ب-«الجامعة».
ففي الكافي عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبداللّه فقلت له: جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة فهل ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد اللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: يا أبا محمّد سل عمّا بدا لك !!
قال: قلت: جعلت فداك إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) علّم عليا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) باباً يفتح منه ألف باب - إلى قوله -: فقال: يا أبا محمّد: إنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة! قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللّه وإملائه من فلق فيه وخطّ علي بيمينه فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شيء يحتاج إليه الناس حتّی الأرش في الخدش وضرب بيده إليّ.
فقال: تأذن لي يا أبا محمد! قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت. قال: فغمزني بيده وقال: حتّی ارش هذا. قال: قلت: هذا واللّه العلم... » الحديث.(1)
والظاهر أن المراد من (ارش هذا) أي ارش الغمز.
وفي أيام الباقر (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لما احتجّ عليه الحكم بن عتيبة وكان من أهل الرأي في مسألة قال لابنه الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ): «یا بنيّ قم فاخرج كتاباً مدروجاً عظيماً وجعل ينظر حتّی أخرج المسألة فقال: هذا خطّ علي وإملاء رسول اللّه وأقبل على الحكم
ص: 12
وقال: يا أبا محمّد! اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فواللّه لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئیل». (1)
وهناك كتب أخرى لأمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) منها كتاب الديات المنسوب إلى ظریف بن ناصح وكان مولانا أمير المؤمنين أرسله إلى عمّاله في البلاد ليعملوا به، وقد كتبه الشيعة وأخذوا يتوارثونه يداً بيد حتّی عصر الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حيث عرضوه عليه فقال: «نعم هو حقّ وقد كان أمير المؤمنين يأمر عمّاله بذلك»... كما عرضوه بعد ذلك على مولانا الرضا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال: «نعم هو حق قد كان أمير المؤمنين يأمر عمّاله بذلك». وقد أورده الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب. (2)
وهناك صحف أخرى جمعت فيها أحاديث النبي في زمنه عليه الصلاة والسلام منها:
- صحيفة أبي رافع المدني (35) هجرية مولى رسول اللّه قال عنها النجاشي في رجاله: لأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا. (3)
وكان ابن عباس يأتي أبا رافع ويسأله عن عمل رسول اللّه في بعض الأيّام وسيرته في المواقف المختلفة ومع ابن عباس ألواح يكتب فيها ما يحدّثه أبو رافع. (4)
- صحيفة عبداللّه بن عمر وسمّاها ب-(الصادقة) وقد اشتملت على ألف
ص: 13
حديث عن النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) روی بعضها أحمد في مسنده، ويعدّها البعض إحدى أهمّ الوثائق التاريخية التي تثبت ابتداء التدوين في زمن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ...
وقد روى عبداللّه بن عمرو بن العاص فقال: كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ورسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بشر يتكلّم في الغضب والرضا!! فأمسكتُ عن الكتاب وذكرت ذلك لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: «أكتب... فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حق».(1)
- صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري (ت 15) هجرية و فيها طائفة من أحاديث رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، يرى البخاري أنّ هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبداللّه ابن أبي أوفي الذي كان يكتب الأحاديث بيده وكان الناس يقرأون عليه ما جمعه بخطّه. (2)
- صحيفة جابر بن عبداللّه الأنصاري ... وقد ذكرها بعض أعلام العامّة وروي عنها البعض أيضاً، منهم ابن سعد في طبقاته(3) والذهبي في تذكرته(4) وعبد الرزّاق في مصنفه. (5)
و روى مسلم في صحيحه أنّها كانت في مناسك الحج... وكان قتادة بن دعامة السدوسي يكبر من قيمة هذه الصحيفة وأهميتها ويقول: لأنا لصحيفة جابر
ص: 14
أحفظ منّي لسورة البقرة(1)، وفي التاريخ أنّ جابر كان يملي أحاديثه على تلامذته من التابعين أمثال: محمّد بن الحنفية وسليمان بن قيس اليشكري وعبداللّه بن محمّد بن عقيل وغيرهم. (2)
و من الصحف الأخرى الّتي دوّنت أحاديث النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ):
- صحيفة أبي ذرّ الغفّاري، ورافع ابن خديج الأنصاري، وسلمان الفارسي، وعبداللّه بن عباس، وغيرهم... وقد وردت أحاديث كثيرة عن عدد من الصحابة تبلغ بمجوعها رتبة التواتر في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
ويؤيّد ما تقدّم ما ورد عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في الأمر بكتابة العلم والحديث، منها: قوله (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «قيّدوا العلم بالكتاب»(3)، «اكتبوا ولا حرج »(4) وغيرها...
ومن مجمل ما تقدّم يظهر أنّ حفظ السنّة الشريفة وصيانتها من الضياع يعود فضلها أولاً إلى أهل البيت (عليهم الصّلاة والسّلام) وثمّ مَن تابعهم وسار على نهجهم، إذ كان علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أوّل من دوّن أحاديث النبي، وكان معه من يؤيّد هذا النهج ويدعمه ويؤكّد على ضرورته كالإمام الحسن المجتبى (عليه الصّلاة والسّلام) (5) وجابر الأنصاري، وسلمان، وأبوذرّ، وأبو رافع مولى رسول اللّه، وغيرهم، ويقابلهم في ذلك جبهة أخرى معارضة كانت تمنع من تدوين الحديث بمبرّرات سنتطرق إليها فيما بعد...
ص: 15
ومن هنا فقد سار علماء الشيعة منذ العهد الأوّل إلى يوم الناس هذا على خطّى علي وبنيه (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بما في تدوين الحديث صيانة للدّين من التحريف ولسنّة رسول اللّه من التلاعب والضياع، ولم تكن ثمة فترة انقطاع أو فتور في ذلك، حتّی برز منهم العديد ممّن ألّفوا المصنّفات في هذا الصعيد واشتهروا به، وقد ذكر النجاشي في كتابه أسماء ألف ومائتين من رجال الشيعة من كتاب الحديث، وقد ذكر أنّه ترجم للمؤلّفين والكتاب فقط من الشيعة(1) أمّا الحفّاظ فلعلّ عددهم يتجاوز ذلك بكثير.
وقد قسّم علماء الرجال كتاب الحديث و مؤلّفي الشيعة المشهورين حتّی عهد الإمام الصادق إلى ثلاث طبقات على ما ذكر في بعض المصادر. (2)
والظاهر أنّه لا توجد إحصائية دقيقة تجمع عدد الكتاب والمؤلّفين من أصحاب الأئمّة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بل ولعلّ السبب يعود إلى ندرة من تشرّف بمحضرهم واستقى من نمير علمهم، ثمّ لم يترك وراءه أثراً يجمع فيه ما حصل من معارف.
ومع أنّ الشيعة في العصور الأولى ما كانوا بحاجة إلى التدوين، إذ أنّ فترة حضور المعصوم (عليه الصّلاة والسّلام) تعدّ عصراً للنصّ على خلاف الجمهور الّذين يعتقدون بانقطاع النصّ عليهم بوفاة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
أقول... على الرغم من أنّ الشيعة بعد رسول اللّه كانوا يعيشون عصر النص أيضاً، إلّا أنّهم كانوا المبادرين الأوائل لحفظ الحديث و تدوینه واستمرّوا يدونون مايلقونه من أحاديث رسول اللّه والأئمة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) حتّی جاء عصر الصادق، وهي
ص: 16
الفترة الانتقالية بين العصر الأموي والعباسي، أي الفترة ما بين عام (83 - 148) هجرية، وقد استطاع الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أن يستثمر فترة انشغال الحكومة بترتیب الأوضاع الجديدة وتولّي الأمر استثماراً كبيراً حتّی صعد بعلم الحديث وتدوينه إلى ذراه فبلغ عدد طلاب مدرسته أكثر من أربعة آلاف طالب جمع أسماءهم ابن عقدة في كتاب مستقل. (1)
ويذكر الحسن الوشّاء أنّه أدرك في عصر واحد تسعمائة من العلماء في مسجد الكوفة كلّهم يقول: حدّثني جعفر بن محمد. (2)
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار بُعد الكوفة عن معقل الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ) - المدينة - والظروف السياسية الصعبة التي كانت تعيشها الكوفة دائماً سواء في العصر الأموي أو العباسي نظراً لتمسك أهلها بالتشيّع لأهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ستعرف عمق مدرسة الإمام ومستوى انتشارها في الآفاق، حتّی أنّ الكوفة وحدها رغم الظروف الصعبة كان يحوي مسجدها هذا الكمّ الهائل من العلماء.
وعلى أيّ حال... فللتشجيع الكبير الذي أولاه الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلابه في تدوين الحديث و كتابته دفع بالكثيرين منهم إلى تأليف الكتب في هذا المجال بما قد يصعب على الإحصاء، والّذي وجد و تمكّنوا من إحصائه بلغ أربعمائة كتاب عرفت عند الشيعة بالأصول الأربعمائة.
وفي عصر الإمام الكاظم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كان طلابه يدوّنون كلامه... فكانوا يحضرون مجلسه وفي أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق أبو الحسن الكاظم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بكلمة أو أفني في نازلة دوّنوها. (3)
ص: 17
وقد رأى بعض المؤرّخين أنّ ما دوّنته الشيعة من الحديث الشريف منذ عهد أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلى عهد الإمام الحسن العسكري (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بلغ ستة آلاف وستمائة كتاب على ما ضبطها الحرّ العاملي صاحب الوسائل، وكلّها من طريق أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). (1)
وفي عصر الغيبة أخذ علماء الشيعة بتدوين الموسوعات الحديثة من مجموع الكتب السابقة، فظهرت الكتب الجامعة، وكانت لفترة ليست بالقصيرة مرجعاً وحيداً لهم في المسائل والأحكام حتّی عصر الشيخ الكليني حيث ألّف كتابه الشهير (الكافي) بصورة جديدة مبتكرة في الجمع والتبويب مضافاً إلى الدقّة في الضبط، وصار المصدر الأوّل في الحديث عند الشيعة.
ومن بعده ألّف الشيخ ابن بابويه الصدوق كتابه (من لا يحضره الفقيه) حتّی جاء شیخ الطائفة الطوسي ليؤلّف سِفرَيه العظيمَين (التهذيب) و(الاستبصار) وسمّيت مجموع هذه الكتب بالكتب الأربعة، ومن الواضح أنّ الكتب الأربعة لم تكن الوحيدة في هذا المجال، بل هناك كتب أخرى ولكن لم تحظ بالاهتمام والمرجعية في الأحكام والمسائل كما حظيت الكتب الأربعة دقّة وتبويباً وجمعاً.
فعن كتاب (الكافي) قال العلامة الطهراني: هو أجلّ الكتب الأربعة، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول، مشتمل على أربعة وثلاثين كتاباً وثلاثمائة وستة وعشرين باباً و أحاديثه حصرت في ستّة عشر ألف حديث.(2)
ويقول المولى محمّد أمين الاسترابادي: سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنّه
ص: 18
لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه.
وعن كتاب (الفقيه) قال المحدّث البحراني في (اللؤلؤة): قال بعض مشایخنا: أمّا (الفقيه) فيشتمل مجموعة على أربع مجلّدات يشتمل على ستمّائة وستّة وستّين باباً (1) وأحصيت أحاديثه فكانت خمسة آلاف وتسعمائة وثلاثة وستّين حديثاً منها ألفان وخمسون حديثاً مرسلاً ... وقال الشيخ سليمان الماحوزي في البلغة: رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحّة ويقولون: إنّها لا تقصر عن مراسيل محمّد بن أبي عمير، منهم العلامة في (المختلف) والشهيد في (شرح الإرشاد) والمحقّق الداماد. (2)
وأمّا كتاب (التهذيب) فقد بلغت أبوابه 390 باباً، وأحاديثه 13590 حديثاً. و(الاستبصار) أحصيت أبوابه في حوالي 925 باباً، وأحاديثه 5511 حديثاً. (3)
هذا مضافاً إلى ما صدر في القرن الحادي عشر من مجاميع حديثية مهمّة أخذت مكانة خاصّة عند العلماء والحوزات العلمية ألّفها المحمّدون الثلاثة محمّد الفيض الكاشاني وكتابه (الوافي) والشيخ محمّد باقر المجلسي وكتابه (البحار)، ومحمّد بن الحسن الحر العاملي وكتابه (الوسائل).
وأمّا في العصور المتأخّرة فما قام به علماء الشيعة من خدمة عظيمة في تدوين السنّة ونشر تعاليمها الشريفة كالشمس في رابعة النهار. (4)
ص: 19
وقد نصّ الحافظ الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب على أنّ التشيّع في التابعين وتابعيهم كثير مع الدين والورع والصدق، ثمّ قال: فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة وهذا مفسدة بيّنة. (1)
كما ذكر السيّد حسن صدر في كتابه الشيعة وفنون الإسلام أسماء بعض أعلام الرواة والمحدّثين، فمن نقل الحديث بطرق أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) منذ عصر رسول اللّه إلى العصور المتأخرة. (2)
بعد أن التحق النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بالرفيق الأعلى قامت فئة منهم كبار الصحابة بمنع تدوين الحديث النبوي بل ومنعت من تداول الحديث شفوية وأقاموا لذلك نهجاً حملوا الناس عليه حتّی لم يستطع ناقلوا الحديث من نقل الأحاديث التي سمعوها من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أو تدوينها، ليس هذا فحسب، بل انتهى الأمر إلى محو ما كان قد كتب عن النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وإحراقه بالنار !!
ولكي يبرّروا أساليبهم الّتي تتنافى روح الدين ومبادئه العلمية عمدوا إلى اختراع حديث على لسان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: «لا تكتبوا عنّي ومن كتب عنّي شيئا فليمحه» (3)!!
وبعد وفاة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) مباشرة كانت من أولى خطوات أبي بكر أن جمع الناس وخطب فيهم قائلاً: إنّكم تحدثون عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أحاديث تختلفون فيها
ص: 20
والناس بعدكم أشدّ اختلافاً فلا تحدّثوا عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) شيئاً فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه(1)!!
ولعلّ التأمّل فيما قاله أبو بكر يوصلنا إلى هاتين الحقيقتين:
الأولى: أنّ أبا بكر في نفس الوقت الّذي نهى عن رواية الحديث ودعى إلى العمل بالقرآن فقط وفقط كان هو أوّل من ترك القرآن والعمل به في منع إرث فاطمة رغم أنّها احتجّت عليه بالقرآن، معتمداً على حديث كان من خلق الساعة ولم يصدر من رسول اللّه يقول: «نحن معاشر الأنبياء لانورث وما تركناه صدقة» كما ذكر المؤرّخون، وإليك بعض النماذج من أقوال بعض محقّقي العامّة وعلمائهم عن مصدر الحديث:
1. قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة:
أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الحديث إلّا أبو بكر وحده، ذكر ذلك أعظم المحدّثين حتّی إنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد(2).
وقال في موضع آخر منتصراً لكلام السيد المرتضی علم الهدی حيث حصر الحديث بأبي بكر: صدق المرتضی رحمه اللّه فيما قال: أمّا عقيب وفاة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ومطالبة فاطمة بالإرث فلم يرو الخبر إلّا أبوبكر وحده(3).
ص: 21
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء في فصل ما وقع في خلافة أبي بكر ما نصّه: عن عائشة قالت: واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر: سمعت رسول اللّه (عليه الصّلاة والسّلام) يقول: إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة(1). وقريب من هذا المعنى ذكره ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة.(2)
ولعلّ من صيغة كلام عائشة يشمّ رائحة الوضع للحديث بدوافع خاصّة فتأمّل كلامها تعرف.
أقول: ولعلّ جوهر القضيّة يكمن فيما عبر به علي بن الفارقي مدرّس المدرسة الغربية ببغداد حين سأله ابن أبي الحديد: أكانت فاطمة صادقة؟
فأجابه: نعم. فقال: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسّم ثمّ قال كلاماً ينمّ عن صراحته فقال:
لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه!! ولم يكن يمكنه الإعتذار والموافقة بشيء لانّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود!!
ثمّ قال ابن أبي الحديد تعليقا على كلامه: وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل!!(3)
الثانية: من مجموع ما تقدّم نفهم أن سياسة منع الحديث وتدوينه لم تكن
ص: 22
أمراً جديداً بعد رسول اللّه... كلّا فهناك قرائن تؤكّد أنّها كانت لها روّاد في عهد النبي أيضاً.
قال السيد حسن الصدر: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأباحها طائفة وفعلوها منهم علي وابنه الحسن (عَلَيْهِما السَّلَامُ) كما في «تدریب الراوي» للسيوطي وأملا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ما جمعه في كتاب مدرج عظيم وهو أوّل كتاب جمع فيه العلم على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فعلمت الشيعة حسن تدوين العلم وترتيبه فبادروا إلى ذلك اقتداء بإمامهم وزعم غيرهم النهي عن ذلك فتأخّروا.
قال الحافظ السيوطي في «التدريب»: وكانت الآثار في عصر الصحابة وكبار التابعين غير مدوّنة ولا مرتّبة لسيلان أذهانهم وسعة حفظهم ولأنّهم كانوا نهوا أوّلاً عن كتابتها خشية اختلاطها بالقرآن. (1)
فإذا ضممنا هذه المقالة إلى ما ذكره عبداللّه بن عمرو في منع قریش له من تدوين الحديث وذكره لأسباب المنع يظهر بوضوح أنّ الأمر كان خطة متبعة لها أنصار وحملة ورسول اللّه بعد لم يرحل قال عبداللّه بن عمرو كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أريد حفظه فنهتني قريش!! وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ورسول اللّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا!!
فأمسكت عن الكتاب وذكرت ذلك لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: «أكتب فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حقّ»!!(2)
ص: 23
26
اُنظر إلى فقرات الكلام...
- كنت أكتب كلّ شيء أريد حفظه «فنهتني قريش»!! من كان في قريش ينهاه؟ لعلّ مجريات الأحداث والكلمات والروايات القادمة ستوضّح لك من هم قریش!!
۔ رسول اللّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا»!! هذا كلام لا يصدر عن إنسان يعتقد بأنّ رسول اللّه يوحى إليه وكلامه لا يدنوه الباطل من قريب أو بعيد لأنّ الّذي يتكلّم في الغضب والرضا يمكن أن يداخل كلامه الباطل... وإذا تأمّلنا إلى هذا الكلام أكثر قد نتوصّل إلى مدى قرب هذا الكلام من الكلام الذي صدر من البعض ورسول اللّه على فراش المرض لما أمرهم بالدواة والقلم قال: إنّ النبي ليهجر!!
. «أومأ رسول اللّه إلى فيه» وقال: «أكتب فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه - أي فيه - إلّا حقّ» دليل واضح على بطلان ما نسبوه إلى النبي من احتمال صدور الكلام الباطل منه. وفي قوله «ما خرج منه إلّا حقّ» إشارة إلى الآية الشريفة «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَى»(1) وهو يؤكّد أنّهم كانوا يريدون من مقالتهم أنّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا الانتقاص من رسول اللّه وأنّ كلامه يختلط بما لا يصحّ تدوینه وذكره!!
أفليس من مجموع ما ذكر نتوصّل إلى هذه الحقيقة... حقيقة أنّ المنع من تدوین سنّة النبي وحديثه كان أمراً مدبراً له من قبل!! ولكن ماهي الدوافع والأسباب؟ هذا ما سنتعرّف عليه فانتظر!!
ص: 24
تقول عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول اللّه فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلّب. قالت: فغمّني كثيراً فقلت: يتقلّب لشكوى أو لشيء بلغه فلمّا أصبح قال: بنيّة هلمّي الأحاديث الّتي عندك فجئته بها فأحرقها!! وقال: خشیت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم یكن كما حدّثني فأكون قد تقلّدت ذلك.(1)
وإذا ضممنا هذا العمل إلى خطبته الّتي منع فيها الناس من التحدّث بحديث رسول اللّه ودعي إلى القرآن فقط و فقط سنعرف كم يؤدّي هذا النوع من الأسلوب في التعامل مع سنّة النبي وحديثه... أي المنع ثمّ الحرق!! إلى نتائج وخيمة على مستقبل الدين وأحكامه وحقائقه!!
وكم يحمل في طياته من المساوىء خلّفت أسوء الآثار على المسلمين والحفاظ والمحدثين، إذ ترك الحديث جانبية ونبذ وراء الظهور بعد أن صار مصيره الحرق مدّة ثلاث سنوات من عهد أبي بكر ثم جاءت سنوات أخرى أطول كرّست هذه السياسة... وفي كلّ هذه الفترات صار محور العلوم والمعارف والأحكام وصار القرآن الكريم وحده دون تفسير وشرح وإيضاح... ومع هكذا أسلوب كیف تظهر الحقائق ويستقيم الناس على الجادة!!
وعندما وصل عمر إلى الحكم جابه نقل و تدوين الحديث بمعارضة أشدّ حيث أصبحت هذه المرّة مصحوبة بالضرب والقوّة... وقد نقل الذهبي في تذكرة
ص: 25
الحفاظ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ما كان يلاقيه الرواة جرّاء ذلك... كان منها ما جاء في قوله:
وقلت له: أكنت تحدّث في زمان عمر هذا؟ قال: لو كنت أحدّث في زمان عمر مثل ما أحدّثكم لضربني بمخفقته.(1)
فكان عمر يتشدّد مع أصحاب النبي بشكل يثير العجب إذا رووا عن النبي حديث حتّی إنّ أبا موسى الأشعري حينما روى حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)- في الإستئذان من صاحب الدار - قال له عمر: واللّه لتقيمنّ عليه بيّنة - وزاد مسلم - وإلّا أوجعتك...(2) الحديث، وبماذا يوجعه أليس بالضرب!! حتّی أنّه ولشدّة ما جابه به من أصحاب النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال له أبوالمنذر: فلا تكن يا ابن الخطاب عذاباً على أصحاب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). (3)
واستمرّت هذه السياسة كما استمرّت غيرها في طول فترة خلافته الّتي دامت لعشر سنوات مدعومة بخطّة مدبّرة مدروسة ومعززة بالقوّة ولعلّ ممّا يدلّ على دقّة الخطّة ما رواه قرظة بن كعب قال: لما سيّرنا عمر إلى العراق مشی معنا إلى صرار ثم قال: أتدرون لم شيّعتكم؟
قلنا: أردت أن تشيّعنا وتكرّمنا!!
قال: إنّ مع ذلك لحاجة!! إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلا تصدّوهم بالأحاديث عن رسول اللّه!! وأنا شريككم!!
قال قرظة: فما حدّثت بعده حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... وفي رواية أخرى:
ص: 26
فلمّا قدم قرظة بن كعب قالوا: حدّثنا فقال: نهانا عمر!!. (1) وفي سنن ابن ماجة رویت الرواية مع بعض الاختلاف وكان ممّا جاء فيها (أقلّوا الرواية عن رسول اللّه)(2)
وتشديداً في المنع من السنّة كتب إلى الأمصار: من كان عنده شيء فليمحه(3). وأنشد الناس أن يأتوه بالأحاديث فلما أتوه بها أمر بتحريقها(4).
ثمّ تطوّر الأمر إلى السجن والمنع من السفر لمن يروي أحاديث النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقد روى الذهبي أنّ عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود و أبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري وقال لهم: أكثرتم الحديث عن رسول اللّه.. (5)
كما منع الصحابة من مغادرة المدينة المنوّرة إلى الأمصار الأخرى تحكيماً للحصار على السنّة النبويّة الشريفة حتّی صارت الأجواء خانقة على الرواة والمحدّثين والكل يخشى من النقل والتدوين... حتّی أنّ السائب بن يزيد قال: صحبت سور بن مالك من المدينة إلى مكّة فما سمعته يحدّث عن النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بحديث واحد. (6)
ص: 27
وروى ابن ماجة أيضاً عن الشعبي قال: جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدّث عن رسول اللّه شيئاً (1).
وعامر الشعبي لشدّة تخوّفه من السلطة كان يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء ولا سمعت من رجل شيئاً فأردت أن يعيده عليّ(2). وكره إبراهيم النخعي أن تكتب الأحاديث في الكراريس.(3)
ولمّا جاء عثمان كرّس نفس المنهج، فأعلن وهو على المنبر: لا يحلّ لأحد أن يروي حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لم أسمع به في عهد أبي بكر وعمر!!.
ولعمري بعد سياسة المنع والعقوبات الصارمة عليها هل بقي حديث سمعه في عهد أبي بكر وعمر!! (4)
ولم يكتف عثمان بمنع التدوين بل مارس سياسة اتسمت بالخشونة والقسوة أكثر تجاه الصحابة، وفي هذا الإتّجاه قام بنفي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري من المدينة إلى الشام ومن الشام إلى المدينة ثمّ من المدينة إلى الربذة حتّی لقي ربّه في صحراء الحجاز الجرداء المحروقة بالعطش غريباً!! وضرب الصحابي عبداللّه بن مسعود وعمار وغيرهم... حتّی أصاب الفتق الأوّل و أغمي على الثاني عدّة مرّات و الحديث في هذا المجال طويل وطويل نكتفي بما ذكرنا ولكن يبقى
ص: 28
سؤال قد يلح على القارىء بالإجابة خلاصته: ما هي الأهداف من وراء هجران سنّة النبي الأعظم والمنع من تدوينها؟
ولماذا خطّط بعض الصحابة سواء في عهد النبي أو فيما بعده لاتّهام النبي بالهجرة ونحوه ومن ثمّ حالوا دون كتابة أحاديثه وحاسبوا على ذلك الرواة أشدّ المحاسبة؟
لعلّ التأمّل في مجريات الأحداث ونتائجها يوصلنا إلى جملة من الأهداف الّتي كانت وراء ذلك إلّا أنّ الهدف الأكبر الّذي كان يتخفي وراء هذه الأساليب هو أمر واحد وهو فصل الشريعة المحمّديّة عن رأسها و قطب رحاها وقطع حبل الوصال بين النبوّة والإمامة ومن الواضح أنّ الإمامة تكمل دور النبوّة وتحقّق أهدافها ولولاها لأصبحت البعثة عملاً ناقصاً وناقضاً للغرض، ومعلوم أنّ هذا غير ميسور إلّا بإقصاء الإمامة المتجسّدة في علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن الخلافة ومن الواضح أنّ الشريعة الّتي لا تحميها خلافة عادلة معصومة تصبح عرضة للتحريف والتضييع لأغراض حزبية أو شخصية.
والسؤال المطروح هو: كيف استطاع القوم أن يمارسوا هذه الأساليب على مسمع ومرأى من الناس والصحابة الذين بالأمس القريب سمعوا حديث رسول اللّه وبايعوا عليا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بالخلافة وقد رأوا بأمّ أعينهم الانسجام التام والتكاملية
ص: 29
في المنهج بين القرآن والسنّة؟! وكيف كانت السنّة تشرح القرآن وتبين مفاهيمه بلا نقص أو شبهة؟!
والجواب: أنّهم سلكوا في سبيل إنجاح هذه السياسة طرقاً عديدة يكمل بعضها بعضاً ويزيده قوّة وتأثيراً وقد لخصها البعض بجامع مشترك واحد وهو السلطة والقدرة!!
مع طرح البديل اعلامياً وإليك توضيح ذلك.
فالقسم الأوّل هو: القرآن شعاراً إعلامياً وهو يشتمل على أمور:
الأوّل: رفع شعار التمسّك بالقرآن في مقابل السنّة وكأنّهما أمران متباينان لا يلتقي أحدهما بالآخر، ولعلّ أوّل خطوة سارت في هذا الإتجاه الكلمة الّتي قالها عمر في وجه رسول اللّه وهو في فراش الموت لمّا أراد أن يحدّثهم بحديث لن يضلّوا بعده أبداً وهو حديث الثقلين الّذي يجعل القرآن والسنّة كجناحين يطيرون بهما إلى آفاق الدنيا الواسعة والآخرة السعيدة. وهو أمر اتّفق المسلمون عامة على صحّته... وعرفت برزية الخميس.
وعلى أيّ حال فقد قال عمر في محضر رسول اللّه وهو يوشك أن يودعهم... وبدلاً من أن يتلهّفوا لاستماع آخر كلامه ويستلهموا خاتمة وصاياه... قال... حسبنا كتاب اللّه!! (1).
فمن يا ترى الّذي لا يقدّس القرآن ولا يحترمه؟! ومن في المسلمين لايفضّل كلام اللّه على كلام غيره؟ وهل فيهم من ترك كتاب اللّه وراء ظهره. والتزم بما هو مع القرآن على طرفي نقيض؟!
الأمر الثاني: إذ كانت الخطوة الثانية في هذا المسار أن منعوا من رواية
ص: 30
الحديث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وتعلّلوا بنفس العلّة وقالوا حسبكم القرآن!! (1). ومن كان يتخلّف عن هذا القرار كان يتعرّض للعقاب وأدناه أن يحضره إلى المدينة ثم يضعه تحت الرقابة وإذا استمرّ يودعه السجن.(2)
ولكن لمّا لم تلق هذه السياسة استجابة من قبل بعض الصحابة حيث استمرّوا بنقل الحديث وتدوينه أمر بجمع حديث النبي عنده ثم أحرق ما كان بحوزته، وأمّا ما كان من الحديث في بلدان أخرى فأمر بمحوه... وفي هذا الصدد روى القاسم بن محمّد بن أبي بكر قال: أنّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها. (3)
ثم جعل ذلك نهجاً وسیاسة عمامة في كلّ الأمصار إذ كتب إلى عمّاله: من كان عنده شيء فليمحه(4). وقريب من هذا الأسلوب كان قد اتّبعه أبو بكر في خلافته.
وهناك دليل آخر: ورد عن عروة بن الزبير أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن - أي سنن النبي - فاستفتى أصحاب النبي في ذلك فأشاروا عليه بأن يكتبها فطفق عمر يستخير اللّه شهراً ثمّ أصبح يوماً وقد عزم اللّه له فقال: إنّي كنت أريد أن أكتب السنن وإنّي ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب اللّه وإني واللّه لا أشوب كتاب اللّه بشيء أبداً(5).
ص: 31
وكيف يمكن أن يختلط القرآن بالسنّة لكي يضطر الخليفة إلى منعه ثمّ يحرقه ويعاقب عليه... وهل الاختلاط المزعوم بين القرآن والسنّة بالأسلوب أم بالمعنی؟
إذا كان التشابه في الأسلوب البياني والألفاظ بين القرآن والسنّة هو السبب الذي دعى الحاكم إلى منع تدوين السنّة فالظاهر أنّ هذا أمر غير معقول لأن القرآن امتاز بأسلوب خاص في البلاغة والبيان ونسق الألفاظ بحيث امتاز عن كلّ كلام ومن هنا بهر العرب أسلوبه و كانوا ينساقون إلى بيانه بمجرد سماعه وصاروا يميّزونه عن كلّ بيان آخر فكيف يعقل لهذا الأسلوب الممتاز المتفرّد في نسقه وصياغته الإعجازيّة أن يختلط على الصحابة وقد نزل بين أظهرهم وكانوا يتلونه آناء الليل وأطراف النهار وبعضهم حفّاظ له؟!
وإذا كان منع التدوين نشأ لخوف اختلاط معاني القرآن بالسنّة فلا أظنّ أحداً يفوّه بهذا وقد أجمع المسلمون على أنّ السنّة مكمّلة للقرآن وشارحة المفاهيمه وموضحة لمعانيه وكلاهما صادران عن مصدر واحد؟!
وإذا كان ذلك صحيحاً أليس كان رسول اللّه أولى من غيره بتولّي عملية المنع!! إلّا إذا قلنا أنّ الحكام كانوا أكثر حرصاً من رسول اللّه على الدين والقرآن!!
ثمّ كيف يصحّ للحاكم أن يمنع من تدوين الحديث بعد أن أمر رسول اللّه بتدوينه وحثّ الصحابة على تقييد العلم بالكتابة كما مرّت بعض الروايات و كان الصحابة يكتبون حديثه ويدوّنون سنّته بإشراف منه كما تقدّم في صحيفة علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الّتي كانت من إملاء رسول اللّه نفسه وبخطّ علي...
ص: 32
وصحيفة عبداللّه بن عمرو الّتي نهته قريش عن كتابتها واتّهموا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بما لا يليق بمقام النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فذكر الأمر لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال له: اكتب فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حقّ!! أليس هذا اجتهاداً في مقابل النصّ!! ومغايرة واضحة لسيرة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)؟!
أليس منع تدوين السنّة يؤدّي بالنتيجة إلى تضييع القرآن نفسه أوّلاً ثمّ السنّة لأنّ القرآن فيه من المعاني والمضامين ما لا يعرفه إلّا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وأهل بيته (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).
و من كلّ هذه الأسئلة نفهم أنّ منع التدوين بزعم الحاكم ولعدّة مرّات (حسبنا كتاب اللّه)!! كان يستبطن أهدافاً أخرى هي أعمق ممّا زعموا إذ لم یكن يراد للحديث النبوي أن يأخذ مكانه الطبيعي بين المسلمين بل أريد له أن ينتهي إلى النتيجة الّتي كانت مرسومة من قبل لتنتهي إليها الأوضاع بعد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وليس بحسب النهج الّذي رسمه الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) والنهاية الّتي كان قد مهّد لها في الغدير وقبله وبعده.
وبكلمة أقول: أريد من وراء ادّعائهم - حسبنا كتاب اللّه - إلغاء السنّة كمقدمة إلى إقصاء أهل البيت عن مركزهم وإبعادهم عن دورهم الديني والدنيوي الظاهر في حياة المسلمين. ولعلّ ممّا يؤكّد هذا المعنى وأنّ المقصود من المنع عليا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) أمور:
1- ما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه قال: جاء علقمة بكتاب من مكّة - أو اليمن - صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت، بيت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فاستأذنا على عبداللّه فدخلنا عليه قال: فدفعنا إليه الصحيفة قال: فدعا الجارية ثمّ دعا بطست فيها ماء فقلنا له: يا أبا عبدالرحمن
ص: 33
اُنظر فيها فإن فيها أحاديث حساناً فجعل يميثها فيه ويقول: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ»(1)، القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه!!(2).
2 - ما ورد في صحيفة جابر بن عبداللّه الأنصاري التّي ذكرها ابن سعد في طبقاته وروى عنها مسلم في صحيحه وقال: أنّها كانت في مناسك الحج... ويحتمل أن يكون فيها ذكر حجّة الوداع الّتي ألقى فيها رسول اللّه خطبته الجامعة وعيّن علياً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وصياً وخليفة وإماماً للناس بعده.(3)
3- ما ورد في صحيفة أبي رافع مولى رسول اللّه المتوفّى سنة 35 هجريّة(4) والّتي سمّاها «كتاب السنن والأحكام». قال عنه النجاشي: تابعي من خيار الشيعة كانت له صحبة من أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وكان كاتباً له وحفظ كثيراً(5). ولأخيه عبيد اللّه بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كتاب سمّاه «قضايا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ)»، وكتاب آخر إسمه «تسمية من شهد مع أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الجمل وصفّين والنهروان من الصحابة» كما في فهرست الشيخ الطوسي.(6)
والظاهر من عناوين هذه الكتب أنّ مضامينها كانت تحتوي على فضائل علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و مناقبه و قضاياه... ومن الواضح أنّ هكذا كتب وهكذا أحاديث ينبغي أن تمنع ويعاقب من يرويها أو يحدّث بها بحجّة أنّها تختلط بالقرآن!!
ص: 34
ووضع الأحاديث الكاذبة على رسول اللّه.
والذي يتابع سلسلة الأحاديث ومجرياتها تتجلى عنده بوضوح أكثر الخطّة الّتي كانت مرسومة لإقصاء أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) عن الساحة، وتهميش دورهم في الأمّة أو إلغائه بالكامل.
إذ بعد سياسة منع التدوين التي حرمت المسلمين لمدّة قرابة مائة عام من الاتّصال بالسنّة والأخذ بتعاليمها حتّی انقطع النّاس عن سيرة رسول اللّه ونهجه ونسيت الكثير من الحقائق والمفاهيم عند البعض وانقلبت بعض الموازين وتبدّلت حتّی صارت الساحة فارغة من النهج القويم الّذي يحدّد خطاها بعد هذا وذاك جاء دور ملأ هذا الفراغ وطرح البديل وأي حديث يضاهي حديث النبي ويقوم مقامه؟ ليس إلّا الوضع والإتيان بأحاديث جديدة هي من خلق الأهداف والأطماع السياسية الخاصّة وليست من إيحاء الوحي...
وكانت بوادر هذه الخطة تظهر بين الفينة والأخرى بشكل كلمات تظهر على لسان البعض مثل معاوية كما ستأتي الإشارة إليه.
وفسح المجال في زمن الخليفة الثاني لبعض المحدّثين فراح يبثّ المفاهيم الإسرائيلية بين المسلمين ويخلطها بحقائق الإسلام لتشويه الحقائق ومزجها بالخرافة الأمر الّذي كان له غاية الأثر في إفساد عقائد الناس وصرفهم إلى الاتّجاه المرسوم من قبل!!
ص: 35
جاء في سير أعلام النبلاء عن كعب الأحبار: أنّه كان يهوديّاً فأسلم بعد وفاة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وقدم المدينة من اليمن في أيّام عمر فجالس أصحاب محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فكان يحدّثهم عن الكتب الإسرائيلية(1).
وقد علا شأنه في ظلّ عهد عمر وراح يلقي دروسه في المسجد كما جاء في طبقات ابن سعد عن رجل دخل المسجد فإذا عامر بن عبداللّه بن عبد القيس جالس إلى كعب وبنيهما سفر من أسفار التوراة وكعب يقرأ(2) وماذا يقرأ؟ التوراة في مسجد النبي؟!
روي المؤرّخون: لمّا اشتعلت نيران الفتنة في زمن عثمان وتصاعدت الأحداث حتّی انتهت بمقتل عثمان في بيته وجد كعب فرصته السانحة لتأجيج الفتنة أكثر وإقصاء الخلافة عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وسوقها باتّجاه معاوية والأمويين ولما كان الحادي يحدو بعثمان قائلاً:
إن الأمير بعد علي *** وفي الزبير خلق رضي
قال كعب: بل هو صاحب البغلة الشهباء!! - أي معاوية - وكان يراه يركب بغلة فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال: يا أبا إسحاق ما تقول هذا!! وهاهنا علىّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) والزبير وأصحاب محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: أنت صاحبها(3).
ولهذا قرّبه معاوية وأخذ يسأله عن أمور المبدأ والمغيبات - لأنّه كان يتكهن
ص: 36
بالمغيبات - وتفسير القرآن.
وقد ذكر ابن حجر: أنّ معاوية هو الي أمر كعباً بأن يقص في الشام(1)، وماذا يقص؟ هل قصص القرآن الكريم؟ أم قصص النبي وسيرته؟ كلّا... كان يقص قصصاً وأساطير هي في واقعها على تضاد مع مفاهيم الإسلام وقيمه.
وإلى جانب كعب الأحبار كان وهب بن منبه وهو أيضاً من اليهود قال عنه الذهبي: روايته للمسند قليلة وإنّما غزارة علمه في الإسرائيليات و من صحائف أهل الكتاب. والّذي يبدو من بعض الأخبار أنّ وهباً كان أكثر تركيزاً من كعب في نهجه إذ صنع طبقة من التلاميذ وخرجهم على يديه ونشرهم بين المسلمين يروون أحاديثه وقصصه الضالّة هنا وهناك وقد عدّهم الذهبي أكثر من عشرين(2)، الأمر الّذي أعطى بُعداً آخر لمنهجية الوضع وتحریق حقائق الإسلام.(3)
وتميم الداري هو الآخر أسلم في أيام رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لنفس الدوافع والأغراض، وهو أوّل من قصّ القصص في مقابل القرآن والسنّة وذلك في عهد عمر(4)، وغيره كثيرون وهؤلاء كانوا يجلسون في المساجد ويتكلّمون بما يشغلون الناس عن القرآن والسنّة ولذا كانوا هؤلاء من المغضوب عليهم بين صحابة رسول اللّه المخلصين لما كانوا يشكلونه من خطر استراتيجي كبير على
ص: 37
الإسلام والمسلمين!!
جاء في الإصابة: أن أول من قصّ في مسجد البصرة هو الأسود بن سریع التميمي السعدي ولكنه لم يجد قبولاً بين مجتمع لايزال فيه ثلة من الصحابة الأتقياء الحافظين لعهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقد جلس ليقص فارتفعت الأصوات فجاء مجالد بن مسعود السلمي وله صحبة فقال: أوسعوا له فقال: إني واللّه ما جئتكم لأجلس إليكم ولكنّي رأيتكم صنعتم شيئاً أنكره المسلمون فإيّاكم وما أنكره المسلمون(1).
ثم تلت هذه المجموعة من القصاصين مجموعة أخرى من الزنادقة كرّسوا هذا المنهج وأكملوا الدور وربما زادوا عليه بإدخال جملة من الآراء تنتهي إلى التجسيم والتشبيه ونحوه من تحریفات و نسبتها إلى الإسلام والرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من أمثال:
عبدالكريم ابن أبي العوجاء وبيان بن سمعان المهدي ومحمّد بن سعيد فهؤلاء انحدروا بالناس بأحاديثهم إلى حدّ الخرافة كالحديث التالي: «إنّ اللّه اشتكت عيناه فعادته الملائكة»؟! وحدیث «ينزل ربنا عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان ويعانق المشاة»؟!
واستمع للحديث التالي: عن أبي رزين قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ضحك ربنا من قنوت عباده وقرب غيره قال: قلت: يا رسول اللّه أيضحك الرب؟ قال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): نعم!! قلت: لن نعدم من ربّ يضحك خيراً!! (2)
وهاك هذا الحديث الآخر: عن أبي هريرة: إن رسول اللّه قال: «ينزل ربّنا
ص: 38
تبارك وتعالى من كلّ ليلة إلى السماء الدنيا حتّی يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فاستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟... الحديث»(1).
وهذه الأحاديث وأمثالها تتنافى مع نص القرآن المصرح بنفي الجسمية والتشبيه عنه سبحانه قال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»(2) وقال: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ»(3) ونحوها من الآيات - هذا فضلاً عن الأحكام والفرائض -، ولكن لمّا كانت سياسة الدولة تتماشى مع هذا النهج وجدت هذه الآراء طريقها معبداً ودخلت في عقول بعض الناس إلى اليوم إذ لا زال بعض المسلمين اليوم يعتقدون أنّه تعالى قابل للرؤية بالعين الباصرة وأنّه ينزل في كلّ ليلة جمعة على حمارة له إلى السماء السابعة لينظر إلى خلقه!! كلّ ذلك جراء آلاف الأحاديث الكاذبة الّتي دسّت في الإسلام!!
ولا غرابة من هذا الكمّ الهائل من الواضعين وعبدالكریم بن أبي العوجاء - واحد منهم فقط. لما جيء به إلى محمّد بن سليمان بن علي أمير البصرة ليقتله وأيقن بالموت قال: واللّه لقد وضعت فیكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلّ فيها الحرام ولقد فطّرتكم في يوم صومكم وصوّمتكم في يوم فطركم!! وكان حماد بن زيد يقول: وضعت الزنادقة على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أربعة عشر ألف حديث(4).
ص: 39
وأمّا أبو هريرة الدوسي فحدّث ولا حرج...
ذكر المؤرخون أنه لم يصحب النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إلّا سنة واحدة وتسعة أشهر(1) وأقصى مدّة ذكرها البعض لصحبته كانت ثلاث سنين فقط ومع ذلك كلّه فقد أحصى البعض ما رواه فكان أكثر الصحابة حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... مع أنّ بعض الصحابة عاصر النبي وسمع حديثه سنوات طوال... حتّی أنّ مسنداً واحداً - هو مسند بفيّ بن مخلّد - حوى من حديث أبي هريرة على (5374) حديثاً فما ظنّك بغيره؟!!
وفضح مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أبا هريرة وكذبه المتواصل على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال: لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) (2).
وروى المؤرّخون... أنّ أبا هريرة ما كان يملك قوت يومه لشدّة فقره وفاقته، وفي حديث رواه أحمد بن حنبل منقولاً عن عبدالرحمن بن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: إنّي كنت امرءاً مسكيناً أصحب رسول اللّه على ملء بطني(3)، واستمرّ حاله المدقع حتّی خلافة عمر وكان عمر أوّل من قرّب أبا هريرة وكبّر من شأنه وأعطاه صوتاً يسمع حيث ولّاه على البحرين سنة (20) هجرية!!
وكانت طريقته في الوضع أن يرفع الحديث إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ولم يسمعه منه... وقد تنكّر لهذا الأمر بسر بن سعيد فقال: اتقوا اللّه وتحفظوا في الحديث فواللّه لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ويحدّثنا عن كعب ثمّ
ص: 40
يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حدیث رسول اللّه عن كعب ويجعل حديث كعب عن رسول اللّه!!(1).
وبعد كلّ هذا قد لا يبالغ من قال: أنّ وضع الحديث على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كان أشدّ خطراً على الدين وأبلغ ضرراً على المسلمين من تعصّب أهل المشرقین والمغربين وإن تفرّق المسلمين إلى شيع و فرق و مذاهب و نحل لهو أثر من آثار الوضع في الدين(2).
وهنا لا أجد غير أن أستشهد بما نفث به قلب ذلك المظلوم الّذي كان هو المقصود أوّلاً من كلّ هذا متحدّثاً عن حقيقة الأوضاع وأبعادها، يقول علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللّه متعمّدين بخلافه ناقضين العهده مغيّرين لسنّته ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللّه لتفرّق عني جندي حتّی أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب اللّه وسنّة رسوله(3).
وإذا كان أولئك الحكّام قد اكتفوا بمنع تدوين الحديث والتحريض على الوضع للتغطية على أهل البيت وإقصاء دورهم فإنّ معاوية اتّبع سياسة أكثر دهاءاً ومكراً وتشدداً في هذا الإتّجاه !!
وكانت أولى خطواته بعد أن أحكم قبضته على الأمور فقد منع من نقل
ص: 41
الحديث باستثناء ما كان ينقل في عهد عمر(1).
و تكميلاً لدور الماضين حرض على الوضع بشكل أكثر شمولية وقوة كما سترى كلّ هذا من جهة ومن جهة أخرى أسّس طريقة السبّ والشتم واللعن لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على المنابر ليشوّه صورته في أنظار الناس ويذهب بميل القلوب عنه ليس علياً وحده بل حتّی شيعته وأصحابه وقد عزّز هذه الخطوة بوضع أحاديث جديدة في فضل معاوية وعثمان بشكل خاصّ وبني أمية بشكل عامّ...
كان منها ما روي أنّ معاوية لما ولّى المغيرة بن شعبة على الكوفة في سنة 41 هجرية قال له: أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ولست تاركاً إيصاءك بخصلة لا تتحمّ - أي لا تتجنب - عن شتم علي وذمّه والترحّم على عثمان والاستغفار له والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم وبإطراء شيعة عثمان والإدناء لهم والإستماع منهم... (2).
وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم:
أن اُنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيّه وأهل ولايته والّذين يروون فضائله ومناقبه فأذنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم واكتبوا إليّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته... ففعلوا ذلك حتّی أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي...
ص: 42
فكثر ذلك في كلّ مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه وقرّبه وشفّعه فلبثوا بذلك حينا (1)... ولما تفاقم الأمر عليه وكاد أن يغطي اسم عثمان على معاوية نفسه فقد كتب إلى عمّاله:
أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجّة أبي تراب و شیعته وأشدّ إليهم من مناقب عثمان وفضله.
ويضيف المدائني: فقرأت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتّی أشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقى إلى معلّمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم عن ذلك الكثير الواسع حتّی رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن وحتّی علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه!!
وهكذا فشا الوضع وانتشر انتشاراً سريعاً و صار من الكثرة بمكان حتّی روي عن سهل بن السري الحافظ انّه قال: وضع أحمد بن عبداللّه الجويباري ومحمّد بن عكّاشة الكرماني ومحمّد بن تميم الفارابي على رسول اللّه أكثر من عشرة آلاف حديث!!
ص: 43
وبعد هذا لا غرابة في قول البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح!! (1).
وكانت الدوافع وراء الوضع عديدة فبعضهم يضع الحديث لمصالح سياسيّة وبعضهم لعصبية وبعضهم للمال وبعضهم للتقرّب إلى الحاكم وسفّوا بالوضع إلى درجة أصبحوا يضعون الحديث لأسباب تافهة ولعلّ من نماذج ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال:
كنت عند سعد بن طریف فجاء ابنه من الكتّاب يبكي!! فقال له: ما لَك؟ قال: ضربني المعلّم؟ قال: لأخزينّهم اليوم!!
وكيف يخزيهم؟... يضع حديثاً عن رسول اللّه ضدّهم؟!!
حدّثنا عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: معلّموا صبيانكم شراركم أقلّهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المساكين!!(2).
وما سطّره التاريخ في ذلك أمرّ وأدهى ولا يعدّ ولا يحصى... حيث انتشر الوضع وكثر الوضّاعون وشكلوا جبهة طويلة وعريضة من أقصى بلاد الإسلام إلى أدناها كلّ يدبر للمكيدة وإبعاد أهل البيت عن مسرح الأحداث... وكلّ يضع بطريقته الخاصّة وحسب هدفه المرسوم.
منها تجویز قتل المسلمين... بدوافع جاهلية أو سياسية ناشئة من عدم خضوعهم للخليفة الجديد الّذي لم ينصّ عليه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... حيث اتّهموهم
ص: 44
بأنهم مرتدّون على الإسلام وأجازوا بذلك قتلهم(1) ونحن إذا عرفنا الرجال الّذين قادوا عمليات القتل هذه بأمر الخليفة الأوّل نعرف مغزاها ونتوصل إلى بعض دوافعها...
فالقيادة كانت بيد عكرمة بن أبي جهل وشملت سلطته أرض حضر موت.
والثانية كانت بقيادة خالد بن الوليد وشملت سلطته أطراف المدينة وكلاهما كان يحمل مايحمل على الإسلام والمسلمين. ولتجویز قتلهم اتهمتهم السلطة بتهمتين:
الأولى: المنع من دفع الزكاة.
الثانية: الإرتداد على الإسلام، لتجویز قتلهم.
قال بعضهم لممثّل الخليفة الّذي بعثه لجباية الزكاة: إنّك تدعو إلى طاعة رجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد؟! وقال آخرون: ألم يكن أهل بيت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أحقّ بهذا الأمر واللّه سبحانه يقول: « وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ»(2) !! (3)
وأنت ترى أنّ الحديث لا يدور حول أصل الزكاة وبالنتيجة حول أن يدفعوا الزكاة أو لا يدفعوها كلا... وإنما الحديث يدور حول الطاعة والأحقية بالأمر للخليفة أو لشخص آخر يراد نكرانه و تجاهله!! أي الحديث لا يدور حول أن يزكّوا أو لا يزكّوا، وإنّما الحديث حول لمن يزكّوا؟!
ولعلّ في كلمة ابن كثير إشارة إلى هذا المعنى يقول: وجعلت وفود العرب
ص: 45
تقدّم المدينة يقرّون بالصلة ويمتنعون من أداء الزكاة ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصدّيق !! (1).
ولا صراحة أكثر من ذلك قول العقاد وهو يتحدّث عن أحداث ما بعد وفاة النبي يقول: أما القبائل وراء ذلك فكان لكلّ منها نصيب من التقلقل يناسب نصيبها من القرب والبعد والمودّة والجفاء... فأقربهم إلى مهد الإسلام كانوا يخلّصون للنبي ويخرجون على من ولي الحكم بعده:
أطعنا رسول اللّه مذ كان بيننا
فيا لعباد اللّه ما لأبي بكر؟
وأناس منهم آمنوا بالزكاة ولم يؤمنوا بمن يؤدّونها إليه(2).
وعلى أيّ حال فقد ذهب ضحية هذه السياسة جماعة كبيرة من المسلمين وبعضهم من أجلّاء أصحاب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من أمثال مالك ابن نويرة وعشيرته ...
وقد كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قد استعمله على صدقات قومه(3)، ولما انتهى أمر الخلافة إلى ما انتهى إليه وطالبوهم بدفع الزكاة احتجّوا عليهم بأنّهم لا يدفعون الزكاة إلّا لمن نصبه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في يوم الغدير... وقد أكّد هذا ابن كثير في تاريخه حيث روى:
أنّ بعضهم احتجّ بقوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ»(4).
ص: 46
قالوا: فلسنا ندفع زكاتنا إلّا لمن صلاته سكن لنا(1) - كناية عن خليفة رسول اللّه الشرعي - فقتلهم خالد بسبب ذلك غدراً شرّ قتلة وأسر نسائهم وذراريهم.
وكان من دوافع خالد في قتل مالك طمعه بزوجته التي كانت فائقة الجمال... وقد اكتشف مالك الهدف من القتل إذ نظر إلى زوجته لما أتي به إلى خالد وقال: ما قتلتني إلّا لأجل هذه!! وكان ذلك بالفعل أحد أسباب قتله، إذ قتله وفي تلك الليلة دخل بزوجته!!(2).
ولكن ماذا كان رد فعل الخليفة؟ استمع إلى الجواب من خلال هذه الرواية...
روی ابن أبي عون وغيره أنّ خالد بن الوليد ادّعى أنّ مالك بن نويرة ارتدّ بكلام بلغه عنه فأنكر مالك ذلك وقال: أنا على الإسلام ماغيّرت ولا بدّلت وشهد له بذلك أبو قتادة وعبداللّه بن عمر... فقدمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه وقبض خالد امرأته... فقال - عمر (3)- لأبي بكر: إنه قد زنا فارجمه فقال أبو بكر: ما كنت لأرجمه تأوّل فأخطأ... قال: فإنّه قد قتل مسلماً فاقتله. قال: ما كنت لأقتله تأوّل فأخطأ... قال: فاعزله؛ قال: ما كنت لأشيم سیفاً سلّه اللّه عليهم أبدا!!(4).
ص: 47
ومنها منع الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ) من إرثها ومصادرة فدك خلافاً لنصّ القرآن في الإرث، ولعلّ ما رواه العامّة في هذه القضيّة أكثر ما رواه الشيعة أنفسهم فراجع في هذا الباب صحيح البخاري ومسلم(1) ولماذا صادروا فدكاً؟
ذكر أبو داود في سننه أنّ الأرباح السنوية لفدك حين ردّها عمر بن عبدالعزيز (99 - 101 ه-) على بني الحسن كانت تبلغ زهاء (40000) دینار سنوياً... وواضح أنّ هذا المبلغ الضخم من المال يمكن أن يعطي للخليفة المغصوب حقّه وأصحابه قدرة أكبر تمكنهم من العمل والضغط لتغيير الكثير من المعادلات الخاطئة.
ومن المعلوم أنّ المال أقوى سلاح يمكن أن تستخدمه القدرة السياسية للوصول إلى أهدافها - سلطة كانت أو معارضة!! فإذا صودر المال بقیت المحاولات ضعيفة والرجال مهما قويت شوكتهم واشتدّت عزيمتهم يفقدون الكثير من قدرتهم على التخطيط والتنفيذ!!
وعلى أيّ حال لهذا السبب ولغيره صادر فدكا مخالفاً بذلك نصّ القرآن وسنّة رسول اللّه واستمرّ على نهجه حتّی انتهى الأمر إلى قتل الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ) في شبابها بتلك الطريقة بعد أحداث وأحداث ...
ص: 48
ومنها تشريع عمر بن الخطّاب الاحكام عديدة خلاف ما أنزل اللّه وجرت عليه سيرة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
ففي بداية المجتهد: روي عن عمر أنّه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنا أنهی عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحجّ ومتعة النساء(1). مع أنّ هذا الحكم مخالف لنصّ القرآن الدالّ على مشروعيّة متعة النساء قال تعالى: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»(2).
وقد كان المسلمون يتمتّعون بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعلى عهد أبي بكر (3) وشطر من عهد عمر نفسه أيضاً.
وقد عارض حكم الحاكم المخالف للقرآن والسنّة هذا جماعة من الصحابة والتابعين وندّدوا به، وكان عبداللّه بن عباس حين يذكر تحریم عمر لها يقول: ما كانت المتعة إلّا رحمة من اللّه تعالی رحم بها أمّة محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ولولا نهيه عنها لما احتاج إلى الزنا إلّا شقي(4).
وفي اللغة الشقي القليل، أي ما احتاج إلى الزنا إلّا القليل من الناس - وهم الأشقياء -.
وأبلغ من هذا الكلام ما قاله مولانا أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الكوفة قال: لولا
ص: 49
ما سبق من رأي عمر لأمرت بالمتعة ثمّ ما زني إلّا شقي(1).
وعن الحكم أنّه سئل عن هذه الآية «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»(2).
أمنسوخة؟ قال: لا وقال علي: لولا أن عمر نهی عن المتعة مازني إلّا شقي(3).
وأما تحريمه لمتعة الحج فقد خالفه فيه أيضاً عدة من الصحابة وكان منهم ابنه عبداللّه وذكر سبب اعتراضه فقد روي أن عبداللّه بن عمر سئل عن متعة الحج قال: هي حلال. فقال له السائل: إنّ أباك قد نهى عنها، فقال: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللّه أمر أبي نتبع أم أمر رسول اللّه؟ فقال الرجل: أمر رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: لقد صنعها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
وقد ورد روایات صحيحة كثيرة في نكران هذا الأمر على عمر(4)، حتّی أنّ المأمون العباسي اعترض على سياسة عمر في منع المتعة أيضاً وأمر بتحليلها كما حدّث محمّد ابن منصور قال: كنّا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة. فقال یحیی ابن أكثم لي ولأبي العيناء: بكّرا غداً إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا وإلّا فاسكتا إلى أن أدخل قال: فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ:
متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهی عنهما!! ومن أنت يا «جُعل» حتّی تنهي عمّا فعله رسول اللّه و أبوبكر؟! فأومأ أبو العيناء إلى محمّد بن منصور وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب مايقول نكلّمه
ص: 50
نحن!! فأمسكنا(1).
ولكن كلّ هذه الاعتراضات لم تكن لتحد من ذلك النهج أو تغيّر معالمه لانّ الهدف كان أكبر من ذلك!!
كما واصل عثمان هذه السياسة أيضاً فمنع عن المتعة، وفي هذا الشأن روى البخاري ومسلم عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلمّا رأى علي أهلّ بهما لبيك بعمرة وحجّة قال: ما كنت لأدع سنّة النبي لقول أحد(2).
وعن سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي: ماتريد إلى أمر فعله رسول اللّه تنهی عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك!! فقال: إني لا أستطيع أن أدعك... فلمّا أن رأى علي ذلك أهلّ بهما جميعاً(3).
وأورد النسائي في سننه عن سعيد بن المسيب أنّ علياً بعد خلافه مع عثمان قال: إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا فلبّى عليّ وأصحابه بالعمرة(4).
وقال السندي تعليقاً على هذا الكلام (ارتحلوا...): أي ارتحلوا معه ملبّين بالعمرة ليعلم أنكم قدّمتم السنّة على قوله وأنّه لا طاعة له في مقابلة السنّة(5).
ص: 51
وأمّا في مجال الأموال التي قسّمها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بالسوية والمناصب الّتي قدم فيها الأكفاء وأهل الفضل من الصحابة فقد جرت سياسة عثمان فيها على العصبية والحزبية وكانت أوّل خطوة خطاها في هذا الإتّجاه أن منع ذوي القربی حقّهم من الخمس... وراح يوزعه على عشيرته وذويه بدون حساب...
وفي هذا المجال روى المؤرّخون أنّه: أعطى خمس غزوة افريقيا الأولى إلى عبداللّه بن أبي سرح ابن خالته وأخيه من الرضاعة. وأعطى خمس الغزوة الثانية ابن عمّه وصهره مروان بن الحكم طريد رسول اللّه إضافة إلى إعطائه فدك...
وأقطع الحارث ابن عمّه وصهره سوق المدينة «المهزور» وكان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) تصدّق به على المسلمين، وأعطى عمّه الحكم صدقات قضاعة وكان إذا أمسى عامل الصدقة على سوق المسلمين أتى بها إلى عثمان فيقول له عثمان: ادفعها إلى الحكم!!(1)
وكان عثمان قد استخلص بني أُمية لنفسه وجعلهم بطانته في الحكم فقرّب مروان بن الحكم واتّخذه وزیراً ومشيراً وأمر له بمائة ألف وكان قد زوجّه ابنته أم أبان ثم أقطعه فدك التي كانت إرثاً لفاطمة (عَلَيْهَا السَّلَامُ) و قد مهّد لملك بني أميّة ولولاه لما أُتيح لمعاوية بن أبي سفيان أن يؤسّس دولة في الشام أو ينقل الحكم ذات يوم إلى آل أبي سفيان!! ولما كان يجري ما جرى أيام تسلّطهم على رقاب المسلمين.
وفي هذا يقول طه حسين: والشيء الذي ليس فيه شك هو أنّ عثمان ولّی الوليد على الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص وولّي عبداللّه بن عامر على
ص: 52
البصرة بعد أن عزل أبا موسى الأشعري وجمع الشام كلّها لمعاوية وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حدّ ممكن بعد أن كانت الشام ولايات تشارك في إدارتها قريش وغيرها من أحياء العرب وولّي عبداللّه بن سرح مصر بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص وكلّ هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان منهم أخوه لأمّه ومنهم أخوه في الرضاعة ومنهم خاله ومنهم من يجتمع معه في نسبة الأدنى إلى أُميّة بن عبد شمس كلّ هذه الحقائق لا سبيل إلى إنكارها (1).
وأما صلاة التراويح... فقد اعترف عمر نفسه بأنّها بدعة ابتدعها في الإسلام إذ جرت سيرة الرسول الأعظم (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على الإتيان بصلاة النوافل في شهر رمضان فرادى ولم تشرع لها الجماعة بل ولكلّ نافلة سوى صلاة الاستسقاء بشرائط خاصّة وإنّما شرّعت الجماعة لصلاة الفريضة فقط.
فكان الناس يصلوّن نافلة شهر رمضان فرادی واستمرّت هذه السيرة حتّی في خلافة أبي بكر وشطر من خلافة عمر... ولكن عمر ارتأى أن يوحدهم بصلاة جماعية خلف إمام واحد ففعل ذلك وعمّم على سائر البلدان قراره...
أخرج البخاري عن عبدالرحمان بن عبدالقارني أنّه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل!!
ثم عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب ثم خرجت معه ليلة أُخرى والناس
ص: 53
يصلّون بصلاة قارئهم قال عمر: نعمة البدعة هذه!!(1)
وقال ابن سعد في طبقاته: وهو - أي عمر - أوّل من سنّ قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك وكتب به إلى البلدان وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة وجعل للناس بالمدينة قارئین قارئاً يصلّی بالرجال وقارئاً يصلّي بالنساء.(2)
وقال اليعقوبي في حوادث سنة 14 هجرية: وفي هذه السنّة سنّ عمر بن الخطاب قيام شهر رمضان فقيل له في ذلك: أنّ رسول اللّه لم يفعله وأنّ أبا بكر لم يفعله فقال: إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة!!(3)
وقد سلّط الأضواء على هذه البدعة مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وشرح الحالة الّتي اعتاد الناس فيها على هذه الصلاة ونمي عليها جيل بحيث كان إلغاءها يؤدي إلى مفاسد خطيرة فقال:
ولو أمرت الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة النادي بعض أهل العسكر ممّن يقاتل معي يا أهل الإسلام وقالوا غيّرت سنّة عمر نُهينا أن نصلّي في شهر رمضان تطوّعاً حتّی خفت أن يثوروا في ناحية عسكري...
ثمّ يشكو الإمام المظلوم من هذه الأوضاع ويأنّ من سياسة الخلفاء التي أودت بسنّة رسول اللّه وبدّلت أحكامه فقال: بؤسي لما لقيت من هذه الأُمّة بعد نبيّها من الفرقة وطاعة أئمّة الضلال والدعاة إلى النار(4).
ص: 54
لهذه الأسباب ولغيرها صار علماء الشيعة أيّدهم اللّه تعالى قديماً وحديثاً ينقبون عن الأحاديث الصحيحة بحثاً عن السنّة الشريفة و تمييز ما ورد بالفعل عن رسول اللّه قولاً أو فعلاً أو تقريراً حسب الطرق الشرعية الصحيحة وحذف ما أضيف عبر الوضّاعين وأهل البدع والمصالح...
وأسّسوا لهذا الشأن علوماً خاصة تهتمّ بدراسة الرجال و تشخیص عدولهم أو ثقاتهم عن غيرهم وفصّلوا ذلك تفصيلاً مسهباً في كتبهم...
ثمّ علم الحديث للبحث عن شؤون الحديث متناً ودلالة ونحو ذلك والتعريف بما صدر عن النبي وأهل بيته بل وما لم يصدر!!
ونظراً للبعد من عصر النصّ في العصور المتأخّرة ازدادت العناية بالحديث ورجال الحديث أكثر واتّسعت أهميّة الموسوعات الحديثية حتّی صار كتاب الوسائل وحده حوالي ثلاثين مجلّدة وقد جمع مختلف الروايات ناهيك عن الوافي والبحار وغيرها... هذا فضلاً عن المجاميع الروائية للمتقدّمين كالكتب الأربعة - كما تقدّم - .
ولعلّ الذي دفعهم أكثر إلى جمع الحديث وتبويبه تبويباً يسهل على الطالب مراجعة ما يريد ويستخرج مايطلب هو التعمّد الذي كان ولا يزال منهجاً تقف وراءه قوی كبيرة للتغطية على تراث أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وإخفاء علومهم ومعارفهم ومنعها من الوصول إلى الناس... ولا مجال لتفصيل الحقائق هنا وإلّا ففي الوثائق والتواريخ من حقائق وأسرار ما يملأ كتباً عدة...
وحيث أنّ أكثر الكتب الروائية جمعت - في الغالب - ما ورد عن المعصومین (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بشكل عام... ولم أعثر على كتب خاصة تجمع ما ورد عن واحد
ص: 55
واحد منهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) إلّا في النادر لذلك خطر بالبال أن أقوم ببعض هذا الدور.
ولما رأيت أن ما ينقل من أحاديث شريفة سواء في الكتب أو على المنابر أو في المحافل العلمية عن الحسن والحسين (عليهما الصّلاة والسّلام) قليل قياساً إلى ما ورد عنهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بل بدى لي أنّ السبب في ذلك يعود إلى عدم وجود كتاب جامع يجمع أحاديثهما (عَلَيْهِما السَّلَامُ) بشكل مستفیض... ففكّرتُ أن أبتدأ بجمع ما ورد عنهما معتمداً على ما توفّر بأيدينا من مصادر، لعلّي أكون قد وفّقت للمساهمة في نشر علومهم ومعارفهم (عليهم الصلاة والسلام) فكان هذا الكتاب الذي بين يديك...
وقبل أن أتركك تغوص في بحار علومهم مسترشداً بهدي كلامهم أودّ أن أشير إلى بعض الملاحظات:
الأولى: على الرغم من أن الإمامين الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عایشا سياسة المنع من تدوين السنّة وابتليا بالوضّاعين الذين دفعتهم السياسة لوضع الأحاديث على رسول اللّه في الصدر الأوّل للتغطية الإعلامية على آل بیت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) الأمر الذي في الغالب يجد من نشر علومهم وكلماتهم صدوراً أو تدويناً إلّا أنّنا وبتوفيق من اللّه سبحانه تمكنّا أن نجمع ألفي حديث لهما... ألف للحسن وألف للحسين دونّاها في كتاب واحد أسميناه (كتاب الألفين في أحاديث الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ).
الثانية: اعتمدنا في جمع الكتاب على العديد من المصادر الروائية الخاصّة والعامّة ولكن تمّ الاعتماد على متون أمّهات المصادر في المرحلة الأولى ثمّ ذكرنا ما يليها من مصادر حسب التسلسل الزمني ابتداء من الأقدم زمناً.
ص: 56
فالحديث متناً يؤخذ أوّلاً من أقدم المصادر ثمّ نتبعه بذكر المصادر الأقرب فالأقرب مع الإشارة إلى مواقع الاختلاف في النقل إن وجدت في هامش كلّ واحد منها. وقد راجعنا في التحقيق الروائي عدّة طبعات للمصدر الواحد للوصول إلى ضبط النصّ...
وقد بذلنا غاية مجهودنا لإخراج روايات الكتاب دقيقة في النقل والمقابلة مع الإشارة إلى مواقع الاختلاف إن وجدت.
وقد أشرف على تحقيقه الاستاذ العلّامة المحقّق الشيخ غلامرضا مولانا البروجردي، فبارك اللّه فيه وشكر سعيه.
وأخيراً أسأل اللّه سبحانه أن يقبل منّي هذا العمل المتواضع طريقاً إلى رضوانه ووسيلة إلى شفاعة أوليائه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتی اللّه بقلب سليم.
والحمد للّه رب العالمين.
الشيخ علي حيدر المؤيّد
15 / رجب / 1418 ه
15 / 11 / 1997 م
ص: 57
ص: 58
ص: 59
{1}
رأس العقل مُعاشرة الناس بالجميل، وبالعقل تدرك الداران جميعاً، ومن حُرم من العقل حرمهما جميعاً.(1)
{2}
إنكم صغار قوم، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلّموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.(2)
{3}
عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أطعموا حبالاكم
ص: 60
اللبان، فإنّ الصبي إذا غذي في بطن أمّه باللبان اشتدّ قلبه وزيد في عقله، فإن يك ذكراً كان شجاعاً وإن ولدت أنثي عظمت عجيزتها فتحظى بذلك عند زوجها. (1)
{6}
[6] قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الوحشة من الناس على مقدار الفطنة بهم. (1)
{7}
[7] ابن هاشم عن الحسين بن سيف، عن أبيه، عن سليمان بن عمرو، عن عبداللّه بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: طالب العلم يشيعه سبعون ألف ملك من مفرق السماء، يقولون: صلّ على محمّد وآل محمد.(2)
بیان: مفرق الرأس: وسطه، وأضيف إلى السماء لكونه في جهتها، أو المراد به وسط السماء. ولعلّ فيه سقطاً وكان من مفرق رأسه إلى السماء.
{8}
[8] عجبتُ لمن يتفكّر في مأكوله، كيف لا يتفكّر في معقوله، فيجنّب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يُردیه.(3)
ص: 62
{9}
[9] العقل أفضلُ ما وَهَبَ اللّه للعبد، إذ به نجاتُه في الدنيا من آفاتها، وسلامتُه في الآخرة من عذابها. (1)
{10}
علَّم الناس علمَك، وتعلَّم علم غيرك، فتكون قد أتقنتَ علمك، وعلمت مالم تعلم. (2)
{11}
عليكم بالفكر، فإنّه حياة قلب البصير، ومفاتيح أبواب الحكمة. (3)
{12}
[12] بالإسناد إلى أبي محمّد العسكري (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فضل كافل يتيم آل محمّد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل
ص: 63
{15}
[15] سئل الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقيل له: ما العقل؟
قال: التجرّع للغصّة حتّی تنال الفرصة.
بیان: الغصّة بالضمّ: مایعترّض في الحلق وتعسر إساغته (1)، ويطلق مجازاً على الشدائد التي يشقّ على الإنسان تحمّلها وهو المراد هنا، وتجرّعه كناية عن تحمّله وعدم القيام بالإنتقام به وتداركه حتّی تنال الفرصة فإنّ التدارك قبل ذلك لا ينفع سوى الفضيحة وشدّة البلاء وكثرة الهمّ. (2)
{16}
[16] سئل الحسن بن علي عن العقل، قال: التجرّع للغصّة، ومداهنة
ص: 65
الأعداء (1)، ومداراة الأصدقاء. (2)
{17}
[17] وعنه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، عن جدّه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّه قال: ماولّت أمّة أمرَها رجلاً قطّ وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهَب سفالاً حتّی يرجعوا إلى ما تركوا. (3)
{18}
[18] من أكثر مجالسة العلماء أطلق عقال لسانه، وفتق مراتق ذهنه، وسرّ ما وجد من الزيادة في نفسه، وكانت له ولاية لما يعلم، وإفادة لما تعلّم. (4)
ص: 66
{19}
[19] من عقل المرء ومروءته أن يسرعَ إلى قضاء حوائج إخوانه وإن لم يُنزلوها به. (1)
{20}
[20] وروي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، أنّه قال: من لم يحفظ هذا الحديث كان ناقصاً في مروته وعقله.
قلنا: وما ذاك يابن رسول اللّه؟ فبكى وأنشأ يحدّثنا فقال: لو أنّ رجلاً من المهاجرين أو الأنصار، يطلع من باب مسجدكم هذا، ما أدرك شيئاً ممّا كانوا عليه إلّا قبلتكم هذه - ثمّ قال: هلك الناس - ثلاثاً - بقول ولا فعل، ومعرفة ولا صبر، ووصف ولا صدق، ووعد ولا وفاء، مالي أری رجالاً ولا عقول، وأرى أجساماً ولا أرى قلوباً دخلوا في الدين ثمّ خرجوا منه، وحرموا ثمّ استحلوا، وعرفوا ثمّ أنكروا، وإنّما دین أحدكم على لسانه، ولئن سألته هل يؤمن بيوم الحساب؟ قال: نعم، كذب ومالك يوم الدين، إنّ من أخلاق المؤمنين قوّة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وشفقة في مقة، وحلماً في حكم، وقصداً في غنى، وتجمّلاً في فاقة، وتحرّجاً عن طمع، وكسباً من حلال، وبرّاً في استقامة، ونشاطاً في هدى، ونهياً عن شهوة. (2)
ص: 67
{21}
ومن كلامه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حين سئل عنه: متى يكون العاقل عاقلاً؟
قال: إذا عقله عقله عمّا لا ينبغي فهو عاقل.(1)
[22]
قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): يأتي علماء شیعتنا القوّامون لضعفاء محبّينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كلّ واحد منهم تاج (بهاء خ ل) قد انبتت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلّها، فلا يبقى هناك يتيم قد كفّلوه ومن ظلمة الجهل وحيرة التيه أخرجوه إلّا تعلق بشعبة من أنوارهم فرفعتهم في العلوّ حتّی يحاذي بهم ربض غرف الجنان، ثمّ ينزلهم على منازلهم المعدّة لهم في جوار أستاديهم ومعلّميهم، وبحضرة أئمّتهم الّذين كانوا إليهم يدّعون، ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلّا عميت عيناه وصمّت أذناه وخرس لسانه، ويحوّل عليه أشدّ من لهب النيران فيحملهم حتّی يدفعهم إلى الزبانية فيدعوهم إلى سواء الجحيم. (2)
ص: 68
{23}
[23] وقال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها.
قيل: یابن رسول اللّه ومن أهلها؟
قال: الّذين قصّ اللّه في كتابه وذكرهم، فقال: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1) قال: هم أولوا العقول. (2)
{24}
[24] روى عبداللّه بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيْهِم السَّلَامُ) أنّه قال: إنّ مِن حقّ المعلِّم على المتعلِّم أن لا يكثر السؤال عليه، ولا يسبقه في الجواب، ولا يلحّ عليه إذا أعرض، ولا يأخذ بثوبه إذا كسل، ولا يشير إليه بيده، ولا يغمزه بعينه، ولا يشاور في مجلسه، ولا يطلب وراءه، وأن لا يقول: قال فلان خلاف قوله، ولا يفشي له سراً، ولا يغتاب عنده، وأن يحفظه شاهداً وغائباً، ويعمّ القوم بالسلام، ويخصّه بالتحيّة، ويجلس بين يديه، وإن كان له حاجة سبق القوم إلى خدمته، ولا يملّ من طول صحبته، وإنمّا هو مثل النخلة تنتظر متى تسقط عليك منها منفعة.
ص: 69
والعالم بمنزلة الصائم المجاهد في سبيل اللّه، وإذا مات العالم انثلم(1) في الإسلام ثلمة لا تنسدّ إلى يوم القيامة، وإنّ طالب العلم يشيّعه سبعون ألفاً من مقرّبي السماء. (2)
ص: 70
ص: 71
{1}
[25] الحمد للّه الّذي لم يكن له أوّل معلوم، ولا آخر متناه، ولا آخر متناه، ولاقبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتّى، ولا شخص فيتجزأ، ولا اختلاف صفة فيتناهی، فلاتدرك العقول وأوهامها ولا الفكر وخطراتها ولا الألباب و أذهانها صفته فيقول: متى؟، ولا بدىء ممّا، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلا، خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدء ما ابتدع، وابتدع ما ابتدء، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد، ذلكم اللّه ربّ العالمين.
بیان: قوله: معلوم هذه الصفة و الصفات الّتي بعدها موضحات مؤكّدات، إذ لو كان له أوّل لكان معلوماً، وهكذا.. قوله (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فيتناهى أي اختلاف الصفات ينافي الأزليّة والأبديّة كما مرَّ مراراً. قوله (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فتقول متى أي لو كانت العقول تبلغ صفته لكان كسائر الممكنات فكان يصحّ أن يقال: متى وجد؟ ومن أيّ شيء بدیع؟ على المجهول، أو بدأ الأشياء بأن يقرأ على الفعل المعلوم، أو على فعيل، وعلى أيّ شيء علا فهو ظاهر، وفي أيّ شيء بطن حتّی يقال: أنّه باطن، أو يقال لشيء ترك: هلّا فعل تحضيضاً وتحريصاً على الفعل أو توبیخاً على تركه؛ والابتداع: الإيجاد بلا مادّة أو بلامثال. (1)
ص: 72
ص: 73
{1}
[29] من علامات المسلم قوّةٌ في دين، وحزمٌ في لين، وإيمانٌ في يقين، وعلمٌ في حلم، و كَيسٌ في رفق، وإعطاء في حقّ، وقصدٌ في غِنى، وتجمّلٌ في فاقة، وإحسانٌ في قدرة، وصبرٌ في شدة، لا يغلبه الغضب، ولا تجمع به الحميِة، ولا تغلبه شهوة، ولا تفضحه بطنُه، ولا يستخفّه حرصه، ولا تقصر به نيّتُه، فينصر المظلومَ، ويرحَمُ الضعيف، ولا يبخل، ولا يبذّر، ولا يُسرف، ولا يقترُ، يغفرُ إذا ظُلِم، ويعفو عن الجاهل، نفسُه منه في عناء، والناسُ منه في رَخاء. (1)
{2}
[27] قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): من قلّ ذلّ، وخير الغنى القنوع، وشرّ الفقر الخضوع. (2)
{3}
[28] حدّث أبو أحمد عبيداللّه بن عبداللّه بن طاهر، عن أبي الصلت الهروي بخراسان، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبي الحسن موسی بن جعفر الكاظم، عن الصادق، عن الباقر، عن السجّاد، عن السبط
ص: 74
(الحسن)، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) الإيمانُ عقدٌ بالقلب، ونطقٌ باللسان، وعملٌ بالأركان. (1)
{4}
[29] سأل أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، فقال لهما: مابین الإيمان واليقين؟ فسكتا، فقال للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أجب يا أبا محمد.
قال: بينهما شبر.
قال: وكيف ذاك؟
قال: لأنّ الإيمان ما سمعناه بآذاننا وصدقناه بقلوبنا، واليقين ما أبصرناه
بأعيننا واستدللنا به على ما غاب عنّا. (2)
{5}
[30] سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إبنه الحسن سلام اللّه عليهما:
كم بين الإيمان واليقين؟
قال: أربع أصابع.
قال: وكيف ذلك؟
ص: 75
قال: الإيمان كلّ ما سمعته أذناك وصدّقه قلبك، واليقين ما رأته عيناك فايقن به قلبك، وليس بين العين والأذنين إلّا أربع أصابع. (1)
{6}
[31] وقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إنّ من أخلاق المؤمن قوّة في دين، وكرماً في لين وحزماً في علم، وعلماً في حلم، وتوسعة في نفقة، وقصداً في عبادة، وتحرّجاً من الطمع، وبرّاً في استقامة، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحبّ، ولا يدّعي ما ليس له، ولا يجحد حقاً هو عليه، ولا يهمز ولا يلمز ولا يبغي، متخشّع في الصلاة متوسّع في الزكاة، شكورٌ في الرخاء، صابر عند البلاء، قانع بالّذي له، لا يطمح به الغيظ، ولا يجمح به الشحّ، يخالط الناس ليعلم، ویسكت ليسلم، يصبر إن بغي عليه ليكون إلهه الّذي ينتقم له. (2)
ص: 76
{7}
[32] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ثلاثة مَن كُنّ فيه فقد إستكمل خِصال الإيمان: مَن الّذي إذا قَدَر لم يتقاص له بحقّ، ومَن الّذي إذا رضي لم يُدخله رضاه في باطل، ومَن الّذي إذا غضِب لم يُخرجه غضبُه مِن الحق. (1)
{8}
[33] قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ما آمن باللّه، قالوا: مَن یارسول اللّه؟
قال: مَن بات شبعان وجارُه جائع وهو يشعر. (2)
ص: 77
{9}
[34] كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه، ويحقّر منزلته، والحاكم عليه اللّه، وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلّا الرضا، أن يدعو اللّه فيستجاب له.(1)
{10}
[35] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لا يكونُ العبدُ مؤمناً حتّی يحاسِبَ نفسَه أشدَّ من
ص: 78
محاسبة الشريك لشريكه، والسيّد عبدَه، ويعلم ما مطعمه وما مشربه وما ملبسه، مِن حلال ذلك أو مِن حرام، وقد قال إبليس: یابن آدم! إذا نلتَ منك ثلاثاً فلا أُبالي كيف كان حالُك: إذا اكتسبت المالَ من غير حَلّه، أو أنفقتَه في غير حلّه، أو منعتَ منه حقّه. (1)
{13}
[38] قال رجل للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): یابن رسول اللّه أنا من شيعتكم.
فقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): يا عبدَ اللّه إن كنتَ لنا في أوامرِنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقتَ، وإن كنتَ بخلاف ذلك فلا تَزِد في ذنوبِك بدعواك مرتبةً شريفةً لستَ من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مُواليكم ومحبّيكم ومعادي أعدائكم، وأنت في خيرٍ وإلى خير. (1)
{14}
[39] وقال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): مايضرّ الرجل من شيعتنا أي ميتة مات: أكله سبع، أو أُحرق بنار، أو غرق، أو صلب، أو قتل، هو واللّه صدّیق شهید. (2)
{15}
[40] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال: لقد صحبتُ أقواماً كانت صحبتهم قرّة العين، وجلاء الصدور، وكانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفقَ منكم من سيّئاتكم أن تُعَذّبوا عليها، وكانوا فيما أحلّ اللّه لهم من الدنيا أزهَدَ منكم فيما حرّم اللّه عليكم. إنّي أسمع حسيساً ولا أرى أنيساً، ذهب الناس وبقي النسناس. (3)
ص: 80
{16}
[41] سئل الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ما الموت الّذي جهلوه؟
قال: أعظم سرور يرد على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذا نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد. (1)
{17}
[42] كان من أعظم الناس في عيني، صغُر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان الجهالة، فلا يمُدُّ يداً إلّا على ثقة لمنفعة، كان لا يشتكي ولا يتسخّط ولا يتبرّم، كان أكثر دهره صامتاً، فإذا قال بذّ القائلين.
كان ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جاء الجِدُّ فهو الليثُ عادياً، كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول، كان إذا غُلب على الكلام لم يُغلَب على السكوت.
كان لا يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول، كان إذا عُرِض له أمران لا يدري أيّهما أقربُ إلى ربّه، نظر أقربهما من هواه فخالفه، كان لا يلوم أحداً على ماقد يقع العذر في مثله. (2)
ص: 81
ص: 82
{18}
[43] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لقد ورد على أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أخوان له
مؤمنان: أب وإبن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين أيديهما، ثمّ أمر بطعام فأُحضر، فأكلا منه، ثمّ جاء قنبر بطست و إبريق خشب، ومنديل، وجاء ليصبّ على يد الرجل ماءاً، فوثب أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأخذ الإبريق ليصبّه على يد الرجل، فتمرّغ الرجل في التراب وقال: يا أمير المؤمنين يراني اللّه وأنت تصبّ على يدي، قال: اُقعد واغسِل، فإن اللّه عزّ وجلّ يراك وأخاك الّذي لا يتميّز منك ولا يتفضّل عنك، يزيد بذلك في خدمه في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في ممالكه فيها، فقعد الرجل.
فقال له علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أقسمتُ عليك بعظيم حقّي الّذي عرفته ونحلته وتواضعك للّه حتّی جازاك أن تدني لما شرفّك به من خدمتي لك، لمّا غسلت يدك مطمئنّاً كما كنت تغسل لو كان الصابّ عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك، فلمّا فرغ ناول الإبريق محمّد بن الحنفيّة، وقال: يا بنيّ لو كان هذا الإبن حضرني دون أبيه لصببتُ على يده، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ يأبى أن يساوي بين أب وابن إذا جمعهما مكان، لكن قد صبّ الأب على الأب، فليصبّ الابن على الإبن، فصب محمّد بن الحنفية على الإبن.
قال الحسن بن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فمن اتّبع عليّاً علی ذلك فهو الشيعيّ حقّاً. (1)
ص: 83
{19}
[44] في تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أنّ جبرئيل عن اللّه تعالى يقول: يا محمّد، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد عليّ أخيك ووصيّك وصفيّك، وهما في أصحابك كجبرئیل و میكائیل في الملائكة، عدوّان لمن أبغض أحدهما، ووليّان لمَن والاهما ووالى محمّداً وعليّاً، وعدوّان لمَن عادى محمّداً وعليّاً وأولياءَهما، ولو أحبّ أهل الأرض سلمان والمقداد كما يحبّهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعلي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذّب اللّه تعالى أحداً منهم بعذاب البتّة.
قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فلمّا قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في سلمان والمقداد، سرّ به المؤمنون وانقادوا، وساء ذلك المنافقين فعاندوا وعابوا، وقالوا: يمدح محمّد الأباعد، ويترك الأدنين من أهله لا يمدحهم ولا يذكرهم، فاتّصل ذلك برسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال: مالهم لحاهم اللّه يبغون للمسلمين السوء؟ وهل نال أصحابي ما نالوه من درجات الفضل إلّا بحبهم لي ولأهل بيتي؟ والّذي بعثني بالحقّ نبيّا إنّكم لن تؤمنوا حتّی يكون محمّد وآله أحبّ إليكم من أنفسكم وأهليكم وأموالكم ومن في الأرض جميعاً. ثمّ دعا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) و فغمّتهم بعباءته القطوانية، ثمّ قال: هؤلاء خسمة لاسادس لهم من البشر.
ثمّ قال: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم... الخبر. (1)
ص: 84
{20}
[45] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال: مَن زعم أنّه لا يحب المال فهو عندي كاذب، فإن علمتُ صدقَه فهو عندي أحمق.(1)
{21}
[46] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنه قال: يابنَ آدم إنّ دين اللّه ليس بالتَحلّي ولا بالتّمنّي، ولكنّه ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال.(2)
ص: 85
ص: 86
ص: 87
{1}
[47] أوّل الفاتحة نعيم، ووسطها تكریم، وآخرها رضوان اللّه تعالی. (1)
[68] جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فسأله أعلمهم عن أشياء فكان فيما سأله أخبرنا عن سبع خصال أعطاك اللّه من بين النبيّين و أعطى امّتك من بين الأمم؟ فقال النبيُّ: أعطاني اللّه عزّ وجلّ فاتحة الكتاب والأذان والجماعة في المسجد ويوم الجمعة والصلاة على الجنائز والإجهار في ثلاث صلوات والرخصة لأمتي عند الأمراض والسفر، والشفاعة لأصحاب الكبائر من امّتي.
قال اليهودي: صدقت يا محمّد فما جزاء من قرأ فاتحة الكتاب؟ فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه اللّه عزّ وجلّ بعدد كلّ آية نزلت من السماء ثواب تلاوتها، وأمّا الأذان فإنّه يحشر المؤذّنون من أمّتي مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين. وأما الجماعة فإنَّ صفوف امّتي في الأرض لصفوف الملائكة في السماء، والركعة في جماعة أربع وعشرون ركعة، كلّ ركعة أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ من عبادة أربعين سنة، وأمّا يوم الجمعة فإنّ اللّه يجمع فيه الأولين والآخرين للحساب فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلّا خفف اللّه عزّ وجلّ عليه أهوال يوم القيامة ثمّ يجازيه الجنّة، وأما الإجهار فإنّه يتباعد منه
ص: 88
لهب النار بقدر ما يبلغ صوته، ويجوز على الصراط ويعطى السرور حتّی يدخل الجنّة، وأما السادس فإن اللّه عزّ وجلّ يخفّف أهوال يوم القيامة لأمّتي كما ذكر اللّه في القرآن، وما من مؤمن يصلّي على الجنائز إلّا أوجب اللّه له الجنّة إلّا أن يكون منافقاً أو عاقاً. وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم.
قال: صدقت يامحمّد وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنك عبده ورسوله خاتم النبيّين وإمام المتّقين، ورسول ربّ العالمين، فلمّا أسلم وحسن إسلامه أخرج رقّاً أبيض فيه جميع ما قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وقال: يارسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما استنسختها إلّا من الألواح التي كتب اللّه عزّ وجلّ لموسی بن عمران ولقد قرأت في التوراة فضلك حتّی شككت فيه يا محمد، ولقد كنت أمحو اسمك منذ أربعين سنة من التوراة وكلّما محوته وجدته مثبتاً فيها، ولقد قرأت في التوراة أنّ هذه المسائل لا يخرجها غيرك، وأنّ في الساعة التي ترد عليك فيها هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك و میكائیل عن يسارك ووصيّك بي يديك، فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): صدقت هذا جبرئيل عن يميني و ميكائيل عن يساري ووصيّي عليّ بن أبي طالب بين يديّ، فآمن اليهودي، وحسن إسلامه. (1)
ص: 89
{3}
[49] قال إقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فإنّه سيجییء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح، قلوبهم مفتونة وقلوبُ مَن يعجبه شأنهم. (1)
{4}
[50] أنا ضامن لمَن قرأ هذه العشرين آلايات أن يعصمه اللّه تعالى من كلّ شیطان ظالم، و من كلّ شيطان مريد، ومن كلّ سبع ضارّ، ومن كلّ لصّ عاد: آية الكرسي وثلاث آيات من الأعراف «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» (2) (54 - 57) وعشراً من الصافّات (1-10) و ثلاث آيات من سورة الرحمن «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» (3) (33 - 35) وخاتمة سورة الحشر «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ» (4) (21 - 24) (5).
ص: 90
{5}
[51] أُحَكّمُكما على أن تَحكُما بكتاب اللّه، وكتابُ اللّه كلُّه لي، فإن لَم تحكُما بكتابِ اللّه فلا حُكومَةَ لكما.(1)
{6}
[52] إنَّ مَن كانَ قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربّهم، فكانوا يَتَدَبَّرونها في اللّيل، ويتفقّدونها في النهار(2)
{7}
[53] إن هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فلیجل جال بصرَه، وليلجم الصفة قلبَه، فإنّ التفكير [في الكافي: فإنّ التفكّر] حياةُ قلبِ البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور. (3)
ص: 91
{8}
[54] إنّ هذا القرآن یجییء يوم القيامة قائداً وسائقاً يقود قوماً إلى الجنّة أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه، ويسوق قوماً الى النّار ضيّعوا حدوده وأحكامه واستحلّوا محارِمَه. (1)
{9}
[55] إنّي مخلّفٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب اللّه حبل طرفُه بیداللّه، وطرفُه بأیدیكم، وعترتي أهل بيتي، ولن يَفترقا حتّی يردا عليَّ الحوض. (2)
{10}
[56] قيل لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إنّ امّتك ستفتتن، فسئل ما المخرج من ذلك؟
ص: 92
فقال: كتاب اللّه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكیم حمید، من ابتغى العلم في غيره أضلّه اللّه، ومن ولي هذا الأمر من جبّار فعمل بغيره قصمه اللّه، وهو الذكر الحكيم والنور المبين، والصراط المستقيم، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، وهو الّذي سمعته الجنّ فلم تناها أن قالوا: «إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ»(1) لايخلق على طول الردّ ولا ينقضي عبره، ولاتفنی عجائبه. (2)
{13}
[59] قال الطبراني: حدثنا ابراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا كثير من یحیی، حدثنا حفص بن عمر الرقاشي، حدثنا عبداللّه (1) بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «من قرأ آية الكرسي في دُبُر الصلاة المكتوبة كان في ذمّة اللّه إلى الصلاة الأخرى». (2)
{18}
[64] عن مقسم بن عبد الرحمن قال: قلت للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أيّ الأجلين قضی موسى؟ قال: أكثرها، قلت: فما كان إسم إمرأته؟ قال: بلا قيس. (1)
{19}
[15] سأله رجل عن معنى قول اللّه: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(2) فقال: أمره أن يحدّث بما أنعم اللّه به عليه في دينه. (3)
{20}
[66] قال أنس: كنت عند الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فدخلت جارية بيدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها: أنت حرّة لوجه اللّه.
فقلت له: حيّتك جارية بطاقة ريحان لاخطر لها فأعتقتها؟
فقال: كذا أدّبنا اللّه تعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا»(4)
ص: 96
وكان أحسن منها إعتاقها. (1)
{21}
[17] إنّ اللّه عزّ وجلّ أدب نبيّه أحسن الأدب فقال: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»(2) فلمّا وعى الّذي أمره قال تعالى: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(3) فقال لجبرئيل (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وما العفو؟ قال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فلمّا فعل ذلك أوحى اللّه إليه «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(4).(5)
{22}
[68] كان الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه. فقيل له: يا ابن رسول اللّه لم تلبس أجود ثيابك؟
فقال: إن اللّه جميل يحبّ الجمال، فأتجمّل لربّي، وهو يقول: «وخُذُوا
ص: 97
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»(1) فأحبّ أن ألبس أجود ثيابي(2).(3)
[69] قوله عزّ وجلّ: «قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ»(4)
إنّ اللّه تعالی ذمّ اليهود في بغضهم لجبرئيل الّذي كان ينفذ قضاء اللّه بما يكرهون.
وذمهم أيضاً وذمّ النواصب في بغضهم لجبرئیل و میكائیل و ملائكة اللّه النازلين لتأييد علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلّا على الكافرين حتّی أذلّهم بسيفه الصارم، فقال:
قل يا محمّد:
«مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ» من اليهود لدفعه عن بخت نصّر أن يقتله دانیال من غير ذنب كان جناه بخت نصر حتّی بلغ كتاب اللّه في اليهود أجله، وحلّ بهم ما جرى في سابق علمه.
ص: 98
ومن كان أيضاً عدواً لجبرئيل من سائر الكافرين، ومن أعداء محمّد و علي المناصبين(1)، لأن اللّه تعالى بعث جبرئيل لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مؤيّداً، وله على أعدائه ناصراً.
ومن كان عدواً لجبرئيل لمظاهرته محمّداً و علياً (عَلَيْهِما السَّلَامُ) و معاونته لهما وانفاذه لقضاء ربّه عزّ وجلّ في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده.
«فَإِنَّهُ» يعني جبرئيل «نَزَّلَهُ» * يعني نزّل هذا القرآن «عَلَى قَلبِكَ» يامحمّد «باذن اللّه» بأمر اللّه، وهو كقوله:
«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ»(2)
«مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ» نزّل هذا القرآن جبرئيل على قلبك يامحمّد مصدّقاً موافقاً لما بين يديه من التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم وكتب شيث وغيرهم من الأنبياء. (3) (4)
ص: 99
{24}
[70] إنّ اللّه تعالى لمّا وَبَّخَ هؤلاء اليهود على لسان رسوله محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وقطع معاذيرهم، وأقام عليهم الحجج الواضحة بأنّ محمّداً سيّد النبيّين وخير الخلائق أجمعين، وأنّ عليّاً سيّد الوصيّين، وخير من يخلفه بعده في المسلمين، وأنّ الطيّبين من آله هم القوّام بدين اللّه والأئمّة لعباد اللّه، وانقطعت معاذيرهم وهم لا يمكنهم إيراد حجّة ولا شبهة فلجؤوا إلى أن كابروا فقالوا: لاندري ما تقول، ولكنّا نقول: إنّ الجنّة خالصة لنا من دونك يا محمّد، ودون عليّ، ودون أهل دينك، وأمّتك، فإنّا بكم مبتلون ممتحنون، ونحن أولياء اللّه المخلصون، وعباده الخيّرون، ومستجاب دعاؤنا، غیر مرود علينا شيء من سؤالنا.
فلمّا قالوا ذلك قال اللّه تعالى لنبيه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «قُل» یا محمّد لهولاء اليهود «إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ» (1) الجنّة ونعيمها «خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ» (2) محمّد وعليّ والأئمّة وسائر الأصحاب و مؤمني الأمّة وأنّكم بمحمّد وذريّته ممتحنون، وأنّ دعاء كم مستجاب غیر مردود «فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ» (3) للكاذبين منكم ومن مخالفيكم، فإن محمّداً و علياً وذويهما يقولون: إنّهم أولياء اللّه عزّ وجلّ من دون الناس الّذين يخالفونهم في دينهم، وهم المجاب دعاؤهم، فإن كنتم معاشر اليهود كما تدّعون فتمنّوا الموت للكاذب منكم ومن مخالفیكم « إِنْ كُنْتُمْ
ص: 100
صَادِقِينَ» أنّكم أنتم المحقّون المجاب دعاؤكم على مخالفيكم، فقولوا: اللّهمّ أمت الكاذب منّا ومن مخالفينا ليستريح منه الصادقون، وليزداد حجّتك وضوحاً بعد أن قد صحّت ووجبت.
ثمّ قال لهم رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بعد ما عرض هذا عليهم: لايقولها أحدٌ منكم إلّا غصّ بريقه فمات مكانه وكانت اليهود عالمين بأنّهم هم الكاذبون، وأنّ محمداً وعلياً ومصدّقيهما هم الصادقون، فلم يجسروا أن يدعوا بذلك، لعلمهم بأنّهم إن دعوا فهم الميّتون، فقال اللّه تعالى: «وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ»(1) یعنی اليهود لن يتمنّوا الموت بما قدّمت أيديهم من الكفر باللّه، وبمحمّد رسوله ونبيه وصفيّه، وبعليّ أخي نبيّه ووصيّه، وبالطاهرين من الأئمّة المنتجبين، فقال تعالى: «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ»(2) يعني اليهود، إنّهم لا يجسرون أن يتمنّوا الموت للكاذب، بعلمهم أنّهم هم الكاذبون، ولذلك أمرتك أن تبهرهم بحجّتك، وتأمرهم أن يدعوا على الكاذب ليمتنعوا من الدعاء، ويتبيّن للضعفاء أنّهم هم الكاذبون(3).
ص: 101
{25}
[71] إنّ بسم اللّه الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها «بسم اللّه الرحمن الرحیم» سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: إن اللّه عزّ وجلّ قال لي:
یا محمّد، «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» (1) فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإنّ اللّه عزّ وجلّ خصّ محمّداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وشرفه بها ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ما خلا سلیمان (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فإنّه أعطاه منها «بسم اللّه الرحمن الرحیم».
يحكي عن بلقيس حين قالت «أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» (2) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمّد وآله الطيّبين منقاداً لأمرهما مؤمناً بظاهرهما وباطنهما أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكلّ حرف منها حسنة، كلّ واحدة منها أضاف له من الدّنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومَن استمع الى قارىء يقرؤها كان له بقدر ما للقارىء، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فإنه غنيمة لايذهبن أوانه فتبقى قلوبكم الحسرة (3).
ص: 102
{26}
[72] قام رجل الى علي بن الحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، فقال: أخبرني عن معنی بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال علي بن الحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ): حدّثني أبي، عن أخيه الحسن، عن ابيه امير المؤمنين (عَلَيْهِم السَّلَامُ) أنّ رجلاً قام إليه: فقال: يا أمير المؤمنین أخبرني عن بسم اللّه الرحمن الرحیم ما معناه ؟ فقال: إنّ قولك: اللّه أعظم أسم من أسماء اللّه عزوجل، وهو الإسم الّذي لا ينبغي أن يسمّى به غير اللّه ولم يتسمّ به مخلوق، فقال الرجل فما تفسير قوله: اللّه؟
قال: هو الّذي يتألّه اليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه، وتقطع الأسباب من كلّ من سواه وذلك إنّ كلّ مترئّس في هذه الدنيا ومتعظّم فيها وان عظم غناؤه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه اليه فإنّهم سيحتاجون حوائج لايقدر عليها هذا المتعاظم، وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع الى اللّه عند ضرورته و فاقته حتّی اذا كفی همّه عاد الى شركه.
أما تسمع اللّه عزّ وجلّ يقول: «قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ»(1) فقال اللّه عزّ وجلّ لعباده: إيها الفقراء الى رحمتي إني
ص: 103
قد الزمتكم الحاجة اليّ في كلّ حال، وذلّة العبودية في كلّ وقت، فإليّ فافزعوا في كلّ امر تأخذون فيه وترجون تمامه، وبلوغ غايته فإنّي إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم، وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على أعطائك، فأنا من سئل، وأولی من تضرع اليه، فقولوا عند افتتاح كلّ أمر صغير أو عظیم:
بسم اللّه الرحمن الرحيم أي أستعين على هذا الأمر باللّه الّذي لايحقّ العبادة لغيره، المغيث إذا استغيث، المجيب إذا دعي، الرحمن، الّذي يرحم ببسط الرزق علينا، الرحیم بنا في أدياننا وآخرتنا، وخفّف علينا الدين وجعله سهلاً خفيفاً، وهو يرحمنا بتميزنا من أعدائه ثمّ قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من حزنه أمر تعاطاه فقال: بسم اللّه الرحمن الرحيم وهو مخلص للّه يقبل بقلبه اليه لم ينفك من احدى اثنتين: إما بلوغ حاجته في الدنيا وإمّا يعدّ له عند ربّه، ويدّخر لديه، وما عند اللّه خير وأبقى للمؤمنين(1).
و المقصود أنّ هذه ليست من التكرار في شيء، بل هي بالحذف والاختصار أليق، وذلك لأنّ قوله: «لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ» أي لا أعبد في المستقبل ما تعبدون في المستقبل، وقوله: «وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ» أي ولا أنا عابد في الحال ما تعبدون في المستقبل.
والحاصل أنّ القصد نفي عبادته لآلهتهم في الأزمته الثلاثة: الحال والماضي والاستقبال، والمذكور في الآية النفي في الحال والاستقبال، وحذف الماضي من جهته ومن جهتهم، ولابد من نفيه لكنّه حذف لدلالة الأوّلين عليه.
{28}
[74] «وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ»(1) قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): إنّما أنزلت الآية لأن قوماً من اليهود، وقوماً من النصارى جاءوا إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقالوا: يا محمّد اقض بيننا. فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): قصوا عليّ قصتكم. فقالت اليهود: نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه، وليست النصارى علي شيء من الدين و الحق. وقالت النصارى: بل نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه وليست هؤلاء اليهود على شيء من الحق والدين.
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): كلّكم مخطئون مبطلون فاسقون عن دين اللّه وأمره.
فقالت اليهود: كيف نكون كافرين وفينا كتاب اللّه التوراة نقرأه؟
وقالت النصارى: كيف نكون كافرين وفينا كتاب الأنجيل نقرأه ؟ فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): انكم خالفتم أيها اليهود والنصاری كتاب اللّه ولم تعملوا به، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضاً بغير حجة، لأن كتب اللّه أنزلها شفاء من العمى، وبياناً من الضلالة، يهدي العاملين بها الى صراط مستقیم،
ص: 105
كتاب اللّه اذا لم تعملوا به كان و بالا عليكم، وحجة اللّه اذا لم تنقادوا لها كنتم للّه عاصین ولسخطه متعرضين(1).
{31}
[77] روى أنّه كان الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لايزال مصليّاً ما بين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: إنّها ناشئة الليل(1).
{32}
[78] جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فسأله اعلمهم، فقال له أخبرني عن تفسير سبحان اللّه والحمد للّه ولا اله إلّا اللّه واللّه اكبر.
فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عزّ وجلّ أن بني آدم يكذبون على اللّه عزّ وجلّ فقال سبحان اللّه براءة ممّا يقولون وأما قوله الحمد للّه فإنه علم أن العباد لايؤدّون شكر نعمته فحمد نفسه قبل أن يحمده العباد، وهو أول كلام لولا ذلك لما أنعم اللّه عزّ وجلّ على أحد بنعمة وقوله: لا اله إلّا اللّه يعني وحدانيته لايقبل اللّه الأعمال إلّا بها هي كلمة التقوى، يثقل اللّه بها الموازين يوم القيامة.
وأما قوله اللّه اكبر فهي كلمة أعلى الكلمات واحبّها الى اللّه عزّ وجلّ يعني أنّه ليس شيء اكبر منه، ولاتصحّ الصلاة إلّا بها لكرامتها على اللّه عزّ وجلّ وهو الاسم الأعز الأكرم، قال اليهودي صدقت يامحمّد فما جزاء قایلها؟ قال اذا قال العبد سبحان اللّه سبّح معه ما دون العرش، فيعطى قائلها عشر أمثالها.
ص: 107
اذا قال الحمد للّه، أنعم اللّه عليه بنعم الدنيا موصولاً بنعم الآخرة وهي الكلمة التي يقولها اهل الجنّة إذا دخلوها وينقطع الكلام الّذي يقولونه في الدنيا ما خلا الحمد للّه وذلك قوله عزّ وجلّ دعواهم فيها سبحانك اللّهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين، وأما قوله لا اله إلّا اللّه، فثمنها الجنّة وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان، قال هل جزاء من قال لا إله إلّا اللّه إلّا الجنّة فقال اليهودي صدقت يا محمد(1).
{33}
[79] جاء نفر من اليهود الى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وسأله اعلمهم عن مسائل منها أنّه قال: ما فضل الرجال على النساء؟ قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): كفضل السماء على الأرض، وكفضل الماء على الأرض، فبالماء يحيى الأرض، وبالرجال تحيى النساء، لولا الرجال ما خلق النساء لقول اللّه عزّ وجلّ: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»(2).
قال اليهودي: لأيّ شيء كان هكدا؟ قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): خلق اللّه عزّ وجلّ آدم من طين، ومن فضلته وبقيّته خلقت حوّاء وأول من أطاع النساء آدم، فأنزله اللّه من الجنّة، وقد بيّن فضل الرجال على النساء في الدنيا، إلّا ترى الى النساء كيف
ص: 108
يحضن ولا يمكنهنّ العبادة من القذارة، والرجال لا يصيبهم شيء من الطمث.
قال اليهودي: صدقت يا محمد(1).
{34}
[80] جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال: يا محمّد أنت الّذي تزعم أنّك رسول اللّه وأنّك الّذي يوحي اليك كما أوحي الى موسی بن عمران؟ فسكت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ساعة ثمّ قال: نعم أنا سيّد ولد آدم ولافخر، وأنا خاتم النبيّين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين، قالوا: الى من؟ الى العرب أم الى العجم أم الينا؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: «قُل» يا محمّد «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا»(2).(3)
{35}
[81] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن أبيه صلوات اللّه عليه في تفسير الكلمات التي ابتلی ابراهیم ربّه بها، وهي كما فسّرها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «يا اللّه،
ص: 109
یارحمن، یاربّ، یاذالجلال والإكرام، يانور السماوات والأرض، ياقريب، يامجيب».
قال أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ):
دخل عبداللّه بن سلام ونحن نتذاكر هذا الحديث، فلمّا سمع عبداللّه كبّر، فدخل رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فرآه يكبّر ويهلّل؛ فقال: ما شأنك ياعبداللّه؟ فقال: یارسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ أنّ هذه الاسماء انزلها جبرئیل علی ابراهیم [وكان يردّدها ففيهنّ اتخذه اللّه خليلاً، وما من عبد يجمعهنّ في جوفه إلّا جعله اللّه في جوفه حجاباً لايخلص اليه الشيطان أبداً ولا يسلّط عليه أبداً حتّی يلقى اللّه على ذلك، فينزله دار الجلال، فمن دعا بهنّ في سبع ليال بقین من رجب عند انفجار الصبح اعطاه اللّه جوائزه وولايته.
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): يا عبداللّه اتدري كيف فعل ابراهيم لما انزل اللّه عليه هؤلاء الكلمات؟ قال: لما نزل جبرئیل سأله ابراهیم كيف يدعو بهنّ؟ قال: صم رجباً حتّی اذا بلغت سبع ليال آخر ليلة قم فصلّ ركعتين بقلب وجل، ثمّ سل اللّه الولاية والمعونة والعافية والرفعة في الدنيا والآخرة والنجاة من النار (1).
{36}
[82] سألت عن الناس فرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) (الناس) لأنّ اللّه تعالى يقول: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» (2) ونحن منه، وسألت عن أشباه الناس فهم شيعتنا وهم منّا وهم أشباهنا، وسألت عن النسناس فهم هذا السواد الأعظم وهو قول
ص: 110
{38}
[84] في قوله عزّ وجلّ: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1) قال: إنّي أسبق السابقين الى اللّه والی رسوله، وأقرب المقرّبين الى اللّه والی رسوله(2).
{39}
[85] جاء رجل من الأنصار الى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فقال: يارسول اللّه ما استطيع فراقك وإني لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي وأقبل حتّی أنظر اليك حبّاً لك فذكرت اذا كان يوم القيامة وأدخلت الجنّة فرفعت في أعلى علّيّين فكيف لي بك یا نبي اللّه؟ فنزل: ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من
ص: 112
النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً. فدعا النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الرجل فقرأها عليه وبشّره بذلك(1).
{40}
[89] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إنّ أبابكر منّي بمنزلة السمع، وإنّ عمر منّي بمنزلة البصر، وإنّ عثمان منّي بمنزلة الفؤاد. قال: فلمّا كان من الغد دخلتُ اليه وعنده امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأبو بكر وعثمان، فقلت له: يا أبه سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولاً، فما هو؟ فقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): نعم، ثمّ أشار بيده اليهم فقال: هم السمع والبصر والفؤاد سيُسألون عن ولاية وصيّي هذا وأشار الى علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ثمّ قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»(2) ثمّ قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وعزة ربّي أنّ جميع امّتي لموقوفون يوم القيامة ومسؤولون عن ولايته وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(3).(4)
ص: 113
{41}
[87] كان أصحاب الأخدود خدو الخدود وملؤوها ناراً، فألقوا فيها من آمن باللّه وتركوا من كفر، فألقوا بضعة وثمانين مؤمناً، حتّی أتوا على عجوز كبيرة وابنها خلفها صبي صغير، فلما رأت النار كيف تأخذهم، جزعت قالت: يابني أما ترى؟ قال لها ابنها: يا أمتاه امضى ولاتنافقي. فمضت واقتحم ابنها على اثرها. قال الحسن: كانت لذعة نار ثمّ لانار عليهم آخر ما عليهم. ثمّ قال: ياسبحان اللّه، ما أصبر اللّه، انهم يعذبون أولياءه بالنار وهو يدعوهم إلى التوبة، ثمّ قرأ «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» يقول: أحرقوا المؤمنين والمؤمنات «ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا»(1) أي: فلو تابوا لتاب اللّه عزّ وجلّ عليهم.
رواه أبو الحجاج مجاهد بن حبر المكي المخزومي في «تفسيره» ج 2 ص 767 ط مجمع البحوث باكستان(2).
ص: 114
{42}
[88] كانت ليلة الفرقان «يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ»(1) لسبع عشرة من رمضان(2).
{43}
[89] كلّ ما في كتاب اللّه عزّ وجلّ: «إِنَّ الأَبرَارَ»(3) فواللّه ما أراد به إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين، لأنّا نحن أبرار بآبائنا وأمّهاتنا، وقلوبُنا علت بالطاعات والبر، وتبرأت من الدنيا وحبّها، وأطعنا اللّه في جميع فرائضه، وآمنّا بوحدانيّته، وصدّقنا برسوله(4).
ص: 115
{44}
[90] لمّا بعث اللّه محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بمكّة وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أعيانهم(1) في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساؤا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنيّة كانت للقوم من خيار أصحاب محمّد وشيعة عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها، وأذى(2) محمّد وأصحابه و ألجاؤه إلى الخروج من مكّة نحو المدينة التفت خلفه اليها وقال: «اللّه يعلم إنّني أحبُك، ولولا أنّ أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً، ولا ابتغيت عليك بدلاً، وإنّي لمغتم على مفارقتك» فأوحى اللّه إليه: يا محمّد العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام، ويقول: سنردّك إلى هذا البلد ظافراً غانماً سالماً قادراً قاهراً، وذلك قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ»(3) يعني الى مكّة غانماً ظافراً، فأخبر بذلك رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) و أصحابه فاتّصل بأهل مكّة فسخروا منه، فقال اللّه تعالی الرسوله: سوف يظفرك(4) اللّه بمكة، ويجري عليهم حكمي، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتّی لايدخلها أحد منهم إلّا خائفاً، أو دخلها مستخفياً من أنّه إن عثر عليه قتل، فلمّا حتم قضاء اللّه بفتح مكّة واستوسقت له أمّر عليهم عتّاب بن أسيد، فلمّا اتّصل بهم خبره قالوا: إنّ محمّداً لايزال يستخفّ بنا حتّی ولّی
ص: 116
علينا غلاماً حدث السنّ ابن ثمانية عشر سنة، ونحن مشایخ ذوي الأسنان وجيران حرم اللّه الأمن، وخير بقعة على وجه الأرض وكتب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لعتّاب بن أسيد عهداً على مكّة وكتب في أوله: من محمّد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إلى جيران بيت اللّه الحرام، وسكّان حرم اللّه، أما بعد فمن كان منكم باللّه مؤمناً، وبمحمّد رسوله في أقواله مصدّقاً، وفي أفعاله مصوّباً، ولعليّ أخي محمّد رسوله ونبيّه وصفيّه ووصيّه وخير خلق اللّه بعده موالياً فهو منّا وإلينا ومن كان لذلك أو لشيء منه مخالفاً فسحقاً وبعداً لأصحاب السعير، لا يقبل اللّه شيئاً من أعماله، وإن عظم وكبر (1) يصليه نار جهنّم خالداً (2) مخلّدا أبداً، وقد قلّد محمّد رسول اللّه عتّاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم، وقد فوّض اليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم وتقويم أود (3) مضطربكم، وتأديب من زال عن أدب اللّه منكم لما علم من فضله عليكم من موالاة (4) محمّد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، ومن رجحانه في التعصّب لعليّ وليّ اللّه، فهو لنا خادم، وفي اللّه أخ، ولأوليائنا موال، ولاعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكيّة، وشمس مضيئة (5)، قد فضّله اللّه على كافّتكم بفضل موالاته ومحبّته لمحمّد وعلي والطيّبين من الهما، وحكّمه (6) عليكم يعمل بما يريد اللّه فلن يخلّيه من توفيقه. كما أكمل من موالاة محمّد وعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) شرفه
ص: 117
وحظّه لايؤامر رسول اللّه ولا يطالعه(1)، بل هو السديد الأمين، فليطمع المطيع منكم بحسن معاملته شريف الجزاء، وعظيم الحباء وليتوقّى المخالف له شدید العذاب(2)، وغضب الملك العزيز الغلّاب(3)، ولا يحتجّ محتجّ منكم في(4) مخالفته بصغر سنّه، فليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر، وهو الأكبر في موالاتنا وموالاة أوليائنا، ومعاداة أعدائنا، فلذلك جعلناه الأمير عليكم، والرئيس عليكم، فمن أطاعه فمرحبا به ومن خالفه فلايبعّد اللّه غيره.
قال:
فلمّا وصل اليهم عتّاب و قرأ عهده ووقف موقفاً ظاهراً نادي في جماعتهم حتّی حضروه، وقال لهم: معاشر أهل مكة إن رسول اللّه بي رماني بكم شهاباً محرقا لمنافقكم(5)، ورحمة وبركة على مؤمنكم(6)، وإنّي أعلم الناس بكم وبمنافقكم(7)، وسوف آمركم بالصلاة فيقام(8) بها، ثمّ أتخلف(9) أراعي الناس، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حقّ المؤمن على المؤمن، ومن وجدته قد
ص: 118
بعد عنها فتّشته(1)، فإن وجدت له عذراً عذّرته(2)، وإن لم أجد له عذرا ضربت عنقه حكما(3) من اللّه مقضيّاً على كافّتكم لأطهّر حرم اللّه من المنافقين، أما بعد فإنّ الصدق أمانة، والفجور خيانة، ولن تشيع الفاحشة في قوم إلّا ضربهم اللّه بالذلّ، قويّكم عندي ضعيف حتّی آخذ الحقّ منه وضعيفكم عندي(4) قويّ حتّی آخذ الحقّ له، اتّقوا اللّه وشرّفوا بطاعة اللّه أنفسكم، ولا تذلّوها بمخالفة ربّكم. ففعل واللّه كما قال، وعدل وأنصف وأنفذ الأحكام، مهتديا بهدى اللّه، غير محتاج الى مؤامرة ولا مراجعة (5).(6)
ص: 119
{46}
[92] لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أنا وأخي وأمي وأبي، فجللنا ونفسه في كساء لأم سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها، فقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء أهلي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. فقالت أم سلمة رضي اللّه عنها: أدخل معهم یا رسول اللّه؟ فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لها: يرحمك اللّه أنت على خير والی خير وما أرضاني عنك ولكنها خاصة لي ولهم.
ثمّ مكث رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بعد ذلك بقية عمره حتّی قبضه اللّه اليه يأتينا كلّ يوم عند طلوع الفجر فيقول «الصلاة يرحمكم اللّه «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)».(2)
ص: 121
{47}
[13] لمّا نزلت هذه الآية: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»(1) كان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يأتي باب عليّ وفاطمة [عند] كلّ صلاة فيقول: الصلاة رحمكم اللّه «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ»(2).(3)
ص: 122
{48}
[94] سئل الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن هذه الآية «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(1) أخاصة هي أم عامة قال: نزلت في قوم خاصة، فتعقيب عامة، ثمّ جاء التخفيف بعدنا «اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(2)، فقيل يابن رسول اللّه فيمن نزلت هذه الآية فنكت الأرض ساعة، ثمّ رفع بصره ثمّ نكس رأسه ثمّ رفع.
فقال لما نزلت هذه الآية «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3) فقال بعض القوم ما انزل اللّه هذا إنّما يريد أن يرفع بضبع ابن عمّه قالوها حسداً وبغضاً لأهل بيت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، فأنزل اللّه تعالى «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ»(4) ولاتعتدّ هذه المقال ولا يشقّ عليك ما قالوا من قبل؛ فإنّ اللّه يمح الباطل ويحقّ الحق بكلماته أنّه عليهم بذات الصدور.
فشقّ ذلك على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، وحزن على ما قالوا وعلم أنّ القوم غير تاركین الحسد والبغضاء فنزلت هذه الآية «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ»(5)، فلمّا نزلت هذه الآية
ص: 123
«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(1) قال يوم غدیر خم، «من كنت مولاه فإن عليا مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه».
فوقع في قلوبهم ما وقع تكلّموا فيما بينهم سرّاً حتّی قال احدهما لصاحبه من يلي بعد النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ومن يلي بعدك هذا الأمر لانجعلها في اهل البيت أبداً فنزل ومن يبدّل نعمة اللّه من بعد ما جاءته فانّ اللّه شديد العقاب، ثمّ نزلت «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»، «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» الى قوله «وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(2). (3)
{49}
[90] أنّ رجلاً قال: دخلت مسجد المدينة فإذا أنا برجل يحدّث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) والناس حوله، فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، قال: نعم، أما الشاهد فيوم الجمعة، وأما المشهود فيوم عرفة، فجزته الى آخر يحدّث عن رسول اللّه، فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، فقال: نعم، وأمّا الشاهد فيوم الجمعة وأمّا المشهود فيوم النحر، فجزتهما إلى غلام آخر كأنّ وجهه الدنيار وهو يحدّث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)؟ فقلت: أخبرني عن شاهد و مشهود، فقال: نعم، أمّا الشاهد فمحمّد، وأما المشهود فيوم القيامة، أما سمعته يقول: «يَا أَيُّهَا
ص: 124
النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا»(1) وقال تعالى «ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ»(2).
فسألت عن الرجل الأوّل فقالوا: ابن عباس، وعن الثاني فقالوا: ابن عمر، وسألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي بن ابي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، فكان قول الحسن أحسن(3).
{50}
[96] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى: «فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ» قال: استوى الإسلام بسيف عليّ بن أبي طالب(4)
ص: 125
{51}
[97] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً»(1): هي العلم والعبادة في الدنيا، والجنّة في العقبي(2).
{52}
[98] لما بلغ امير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لا أمر معاوية وأنه في مائة الف.
قال: من أيّ القوم؟
قالوا: من أهل الشام
قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لاتقولوا من أهل الشام، ولكن قولوا من أهل الشوم من أبناء مضر(3) لعنوا على لسان داود فجعل (اللّه) (4) منهم القردة والخنازير، ثمّ كتب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الى معاوية لاتقتل الناس بيني وبينك (ولكن) (5) هلمّ إلى المبارزة فإن انا قتلتك فالى النار أنت وتستريح الناس منك ومن ضلالتك، وان (أنت) (6) قتلتني فانا
ص: 126
في(1) الجنّة ويغمد عنك السيف الّذي لايسعني غمده حتّی اردّ مكرك (وخديعتك) (2) وبدعتك وانا الّذي ذكر اللّه اسمه في التوراة والانجيل بموازرة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وأنا أول من بايع رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) تحت الشجرة في قوله: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»(3)
فلمّا قرأ معاوية كتابه وعنده جلساؤه قالوا: واللّه لقد انصفك.
فقال: معاوية واللّه ما أنصفني واللّه لأرمينه بمائة الف سيف من أهل الشام من قبل أن يصل اليّ، وواللّه ما أنا من رجاله ولقد سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: واللّه يا علي لو بارزك اهل المشرق والمغرب (4)لقتلتهم أجمعين.
فقال له رجل من القوم: فما يحملك يا معاوية على قتال من تعلم وتخبر فيه عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بما تخبر ما أنت ونحن في قتاله إلّا على ضلالة؟
فقال [معاوية ] (5): انما هذا بلاغ من اللّه (ورسالاته) (6) واللّه ما استطيع أنا واصحابي ردّ ذلك حتّی يكون ماهو كائن.
قال: وبلغ ذلك ملك الروم واخبر ان رجلين قد خرجا يطلبان الملك، فقال: من أين خرجا؟
فقيل له: رجل بالكوفة ورجل بالشام.
ص: 127
قال: [: فلمن الملك الآن] (1) فأمر (الملك) (2) وزراء فقال: تخللوا هل تصيبون تجّار العرب(3) من يصفهما لي، فأتي برجلين من تجّار الشام ورجلين من تجّار مكّة فسألهم(4) عن صفتهما فوصفوهما (له) (5)، ثمّ قال لخزان بيوت خزائنه: اخرجوا الي الاصنام فاخرجوها فنظر اليها. فقال: الشامي ضالّ، والكوفي هاد.
ثم كتب الى معاوية أن ابعث اليّ أعلم أهل بيتك، وكتب(6) إلى امیر المؤمنين أن ابعث إليّ أعلم أهل بيتك، فاسمع منهما ثمّ انظر في الانجيل كتابنا ثمّ اخبر كما من احق بهذا الأمر وخشي على ملكه.
فبعث معاوية يزيد ابنه، وبعث امير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الحسن ابنه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فلمّا دخل یزید - لعنه اللّه - على الملك أخذ بيده وقبلها ثمّ قبل رأسه، ثمّ دخل عليه الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال: الحمد للّه الّذي لم يجعلني يهودياً ولانصرانيّاً ولا مجوسياًّ ولا عابداً للشمس و(لا) (7) للقمر ولا لصنم ولالبقر وجعلني حنيفاً مسلماً ولم يجعلني من المشركين وتبارك اللّه ربّ العرش العظيم والحمد للّه ربّ العالمين، ثمّ جلس لايرفع بصره. فلمّا نظر ملك الروم الى الرجلين اخرجهما ثمّ فرّق بينهما
ص: 128
ثمّ بعث الى يزيد فاحضره ثمّ أخرج من خزائنه(1) ثلاثمائة وثلاثة عشر صندوقاً فيها تماثيل الأنبياء (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وقد زينت بزينة كلّ نبي مرسل.
فأخرج صنماً فعرضه علی یزید فلم يعرفه، ثمّ عرض عليه صنماً صنماً فلا يعرف منها شيئاً ولا يجيب منها بشيء، ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع وعن أرواح الكفّار أين تكون إذا ماتوا فلم يعرف من ذلك شيئاً.
ثم دعا الملك الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال: انّما بدأت بیزید بن معاوية لكي(2) يعلم انّك تعلم مالايعلم ويعلم أبوك مالا يعلم أبوه، فقد وصف [لي] (3) أبوك وأبوه ونظرت في الانجيل فرأيت فيه محمداً رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) والوزير عليّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ونظرت في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمّد رسول اللّه.
فقال له الحسن: سلني عما بدا لك مما تجدّه في الانجيل، وعما في التوراة، وعما في القرآن أخبرك به إن شاء اللّه تعالی.
فدعا الملك بالاصنام فاوّل صنم عرض عليه في صفة(4) القمر، فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هذه صفة آدم أبي البشر.
ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس، فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هذه صفة حواء أم البشر.
ثم عرض عليه آخر في صفة (5) حسنة فقال: هذه صفة شيث بن آدم وكان
ص: 129
أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة واربعين عاماً.
ثم عرض عليه صنماً آخر (1) فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة وكان عمره الف (سنة) (2) واربعمائة سنة ولبث في قومه الف سنة إلّا خمسين عاماً.
ثم عرض عليه (صنماً ) (3) آخر فقال: هذه صفة ابراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عريض الصدر طويل الجبهة.
ثم عرض عليه (4) صنماً آخر فقال: هذه صفة اسرائيل وهو يعقوب.
ثمّ عرض عليه (5) صنماً آخر فقال: هذه صفة اسماعيل.
ثم أخرج اليه صنماً آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن اسحاق [ابن ابراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)] (6).
ثم أخرج صنماً (7)آخر فقال: هذه صفة موسی بن عمران وكان عمره مائتين وأربعين سنة وكان بينه وبين ابراهيم خمسمائة عام.
ثم أخرج اليه صنماً آخر فقال: هذه صفة داود صاحب الحرب.
ثمّ أخرج اليه صنماً آخر فقال: هذه صفة شعيب.
ثمّ زكریا ثمّ يحيى ثمّ عیسی بن مریم روح اللّه وكلمته وكان عمره في الدنيا
ص: 130
ثلاثة وثلاثين سنة، ثمّ رفعه اللّه الى السماء ويهبط الى الأرض بدمشق وهو الّذي يقتل الدجال.
ثم عُرِض عليه صنماً صنماً فيخبر باسم نبي نبي.
ثم عرض عليه الأوصياء والوزراء فكان يخبر باسم وصيّ وصيّ ووزير وزیر.
ثم عرض عليه أصناماً بصفة الملوك فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الانجيل ولافي الزبور ولا في القرآن فلعلّها من صفة الملوك.
فقال الملك: اشهد عليكم يا أهل بيت محمد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) انّكم قد اعطيتم علم الأولين والآخرين وعلم التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم والواح موسی (عَلَيْهِ السَّلَامُ).
ثم عرض [عليه] (1) صنماً يلوح فلمّا راه الحسن (2) بكی بكاء شديداً، فقال له الملك: ما يبكيك؟
فقال: هذه صفة جدي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كثیف(3) اللحية، عريض الصدر، طویل العنق، عريض الجبهة، اقني الأنف، أبلج(4) الأسنان، حسن الوجه، قطط الشعر، طيب الريح، حسن الكلام، فصيح اللسان، كان يأمر بالمعروف وينهي
ص: 131
عن المنكر بلغ عمر[ه] (1) ثلاثاً وستين سنة ولم يخلف بعد [ه] (2) إلّا خاتماً مكتوب عليه: لا اله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه وكان يتختّم بيمينه(3) وخلّف سيفه ذا الفقار وقضيبه وجبة صوف و كساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطه حتّی لحق باللّه.
فقال الملك: أنا نجد في الانجيل أنّه(4) يكون له ما يتصدق به على سبطيه
فهل كان ذلك؟
فقال له الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قد كان ذلك.
فقال الملك: فبقى لكم ذلك؟
فقال: لا.
فقال الملك: لهذه اول فتنة هذه الأمة عليها ثمّ على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية نبيهم، منكم القائم بالحقّ والأمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
قال: ثمّ سأل الملك الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن سبعة أشياء خلقها اللّه لم تركض في رحم.
فقال الحسن: أول هذا آدم ثمّ حواء ثمّ كبش ابراهيم ثمّ ناقة صالح ثمّ ابليس الملعون ثمّ الحية ثمّ الغراب الّذي ذكره اللّه في القرآن.
[قال:] (5) ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق.
فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ارزاق الخلائق في السماء الرابعة تنزل بقدر ويبسط
ص: 132
بقدر.
ثم سأله عن ارواح المؤمنين أين يكونوا(1) إذا ماتوا.
قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كلّ ليلة جمعة وهو عرش اللّه الأدنى منها يبسط [اللّه] (2) الأرض واليها يطويها ومنها المحشر ومنها استوى ربّنا الى السماء اي استولى على السماء والملائكة.
ثم سأله عن ارواح الكفّار أين تجتمع.
قال: [تجتمع] (3) في وادي حضر موت وراء مدينة اليمن ثمّ يبعث اللّه ناراً من المشرق وناراً من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر اهل الجنّة عن يمين الصخرة ويزلف المتّقين(4) وتصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الارضين السابعة وفيها الفلق والسجين فتفرق(5) للخلائق [من] (6) عند الصخرة فمن وجبت له الجنّة دخلها ومن وجبت له النار دخلها وذلك قوله تعالى: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»(7).
فلما اخبر الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله التفت الملك الى يزيد بن معاوية - لعنه اللّه - فقال: أشعرت ان ذلك علم لايعلمه
ص: 133
إلّا نبي مرسل أو وصي مؤازر قد أكرمه اللّه على قلبه وآثر دنياه على آخرته وهواه على دينه وهو من الظالمين.
قال: فسكت يزيد وخمد!
قال: فأحسن الملك جائزة الحسن واكرمه وقال له: ادع ربّك حتّی يرزقني دین نبيك فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك فاظنه شقاء(1) مردياً وعذاباً أليماً.
قال: فرجع يزيد الى معاوية وكتب اليه الملك كتاباً ان(2) من آتاه اللّه العلم بعد نبيّكم(3) وحكم بالتوراة وما فيها والانجيل ومافيه والزبور وما فيه والقرآن وما فيه فالحق والخلافة له.
وكتب إلى علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أن الحق والخلافة لك وبيت النبوة (فيك) (4) وفي ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه اللّه بيدك (ثم يخلده نار جهنم) (5) فإن من قاتلك نجده (عندنا) (6) في الانجيل انّ عليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعین وعليه لعنة أهل السموات والارضين(7).
ص: 134
عزّ وجلّ: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (1).
فقال: يقول عزّ وجلّ: إنّا كلّ شيء خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم(2).
ص: 136
ص: 137
{1}
[102] روی محمّد بن خالد الطيّالسي عن سيف بن عميرة قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وجماعة من أصحابنا الي الغريّ بعد ماورد أبوعبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فزرنا امير المؤمنين فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه الى ناحية أبي عبداللّه وقال: نزور الحسين بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) من هذا المكان من عند رأس امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وقال صفوان: وردت مع سيّدي أبي عبداللّه الصادق جعفر بن محمّد (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ففعل مثل هذا ودعا بهذا الدعاء بعد أن صلّى وودَّع، ثمّ قال لي: ياصفوان تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزرهما بهذه الزيارة فانّي ضامن - على اللّه لكلّ من زارهما بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بُعد أنَّ زيارته مقبولة وأنّ سعيه مشكور وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضيّة من اللّه بالغاً ما بلغت، وأنّ اللّه يجيبه ياصفوان، وجدت هذه الزيارة مضموناً بهذا الضمان عن أبي، وأبي عن أبيه علي بن الحسين، والحسين بن علي عن أخيه الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و مضموناً بهذا الضمان، وامير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عن جبرئیل مضموناً بهذا الضمان قال: إلى اللّه عزّ وجلّ أنّ من زار الحسين بن علي بهذه الزيارة من قرب أو بعد في يوم عاشورا، ودعا بهذا الدعاء قبلت زیارته وشفّعته في مسئلته بالغ ما بلغ وأعطيته سؤله ثمّ لاينقلب عنّي خائباً، وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حوائجه والفوز بالجنّة والعتق من النار وشفعته في كلّ من يشفع ما خلا الناصب لأهل البيت، آلى اللّه بذلك على نفسه وأشهد ملائكته على ذلك.
وقال جبرئیل: يا محمّد إنّ اللّه أرسلني اليك مبشّراً لك ولعلي وفاطمة
ص: 138
والحسن والحسين والأئمّة من ولدك قدام الى يوم القيامة سرورك يامحمّد وسرور علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة وشيعتكم الى يوم البعث. (1)
ص: 139
ص: 140
ص: 141
ص: 142
أقول: أورد السيد رحمه اللّه هذه الزيارة الى قوله: «وعلى الدهر ظهيراً فانّي عبداللّه ووليّك وزائرك صلّى اللّه عليك وسلّم كثيراً» ثمّ قال: ثمّ صلّ صلاة الزيارة ستّ ركعات له ولآدم ونوح (عَلَيْهِم السَّلَامُ) و لكلّ واحد منهم ركعتان، ثمّ قم فزر الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) من عند رأس امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بالزيارة الثانية من زیارت عاشورا اتباعاً لما ورد ان شاء اللّه. (1)
{2}
[103] أنّ رجلاً أتى الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فشكا اليه الجدوبة(2)، فقال له الحسن: استغفر اللّه، وأتاه آخر فشكا اليه الفقر فقال له: استغفر اللّه، وأتاه آخر فقال له: ادعُ اللّه أن يرزقني ابناً، فقال له: استغفر اللّه، فقلنا له:
أتاك رجال يشكون ابواباً ويسألون أنواعاً فأمرتهم كلّهم بالإستغفار، فقال:
ما قلت ذلك من ذات نفسي إنما اعتبرت فيه قول اللّه: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا» الآيات (3). (4)
ص: 143
{3}
[104] أُعيذ نفسي، وذرّيتي، وديني، وأهل بيتي، ومالي بكلمات اللّه التامّات من كلّ شيطان، وهامة، ومن كلّ عين لامة. (1)
إيتغوا حسنة الدارين
{4}
[105] بينما رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) جالس، اذ سأل عن رجل من أصحابه، فقالوا: یارسول اللّه: إنّه صار في البلاء كهيئة الفرخ لاریش عليه فأتاه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فإذا هو كهيئة الفرخ لاریش علیه من شدّة البلاء، فقال له: تدعو في صحّتك دعاء؟ قال: نعم، أقول: ياربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجّلها لي في الدنيا، فقال له النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إلّا قلتَ: «اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنَا عَذَابَ النَّارِ» فقال: فكأنّما نشط من عقال وقام صحیحاً و خرج معنا. (2)
{5}
[106] أتيت أبي سحيراً فجلست اليه فقال: إني بتّ الليلة أرقاً؛ ثمّ
ص: 144
ملكتني عيني وأنا جالس فسنح لي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقلت له: يارسول اللّه ماذا لقيت من امتك من الأود(1) واللدد؟ فقال: ادع عليهم فقلت: اللّهم أبدِلني بهم خيراً لي منهم وأبدِلهم بي شرّاً لهم مني. (2)
{6}
[107] اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَظْمِي الدَّقِيقَ، وَ جَلدِي الرَّقِيقَ، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ غورتِ الْحَرِيقِ، يَا أُمَّ مِلْدَمٍ (3) إِنْ كُنْتِ أَمِنتِ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا تأكلي اللَّحْمَ، ولاتشربي الدَّمِ ، ولاتفوري عَلَى الْفَمِ وانتقلي الَىَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ آخَرُ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ... وَأَنْ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ . (4)
ص: 145
{7}
[108] سمعت عمر بن الخطّاب يقول: سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: إنّ في علي بن أبي طالب خصالاً (لأن يكون فيّ إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها)، سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول لعلي بن أبي طالب: اللّهمّ ارحمه وترحَّم عليه وانصُره وانتصِر به، وأَعِنه واستَعِن به، فإنّه عبدُك وكتيبةُ رسولك. (1)
{8}
[109] أضاقَ الحسنُ بن علي، وكان عطاؤه في كلّ سنة مئة ألف، فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين؛ فأضاق إضاقة شديدة. قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكّره بنفسي، ثمّ أمسكت، فرأيت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في المنام فقال لي: كيف أنت ياحسن؟ فقلت: بخير يا أبَه. وشكوت اليه تأخر المال عني، فقال: أدعوت بدواة لتكتب الی مخلوق مثلك تذكره ذلك؟ قلت: نعم يارسول اللّه فكيف أصنع؟ قال: اللّهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتّی لا أرجو أحداً غيرك، اللّهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر. عملي ولم تنته اليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي، ولم يجر على لساني مما أعطيت أحداً من الأولين والآخرين من اليقين، فخصَّني به ياربّ العالمين.
ص: 146
قال: فواللّه ما ألححت به أسبوعاً حتّی بعثَ إليّ معاوية بألف ألف وخمس مئة ألف. فقلت: الحمد للّه الّذي لاينسى من ذَكَره، ولا يخيّب من دَعاه.
فرأيت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في المنام، فقال: ياحسن كيف أنت؟ فقلت: بخير یارسول اللّه وحدثته حديثي. فقال: يابنيّ، هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق. (1)
{9}
[110] إنّ النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كان يقول: اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَ اسْتُرْ عَوْرَتِي، وَ أَمِن رَوْعَتِي، وَ اكْفِنِي مَنْ بغي عَلَيَّ، وَ انْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَني، وَ أَرِنِي ثاري مِنْهُ. (2)
{10}
[111] أنّ رجلاً من أهل الشام أتي الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ومعه زوجته فقال: يابن
ص: 147
أبي تراب - وذكر بعد ذلك كلاماً نزهت عن ذكره -: إن كنتم في دعواكم صادقين فحوّلني إمرأةً، و حوِّل إمرأتي رجلاً كالمستهزيء في كلامه، فغضب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ونظر اليه شزراً ۔ وحرّك شفتيه ودعا بما لم نفهمه(1)، ثمّ نظر اليهما وأحدَّ النظر، فرجع الشامي إلى نفسه وأطرق خجلاً ووضع يده على وجهه، ثمّ ولّی مسرعاً وأقبلت امرأته [وقالت:] (2) إني صرت رجلاً.
وذهبا حيناً من الزمان، ثمّ عادا اليه وقد ولد لهما مولود وتضرعا الى الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) تائبين ومعتذرين ممّا(3) فرّطا فيه وطلبا منه انقلابهما الى حالهما الأوّل(4)، فأجابهما الى ذلك ورفع يديه وقال: اللّهمّ إن كانا صادقين في توبتهما فتب عليهما وحولهما إلى ما كانا عليه، فرجعا الى ذلك [لاشك فيه ولا شبهة] (5). (6)
{11}
[112] اللّهُمَّ إنَّكَ الخَلَفُ مِن جَمیعِ خَلقِكَ، ولَیسَ فی خَلقِكَ خَلَفٌ مِنكَ، إلهی! مَن أحسَنَ فَبِرَحمَتِكَ، ومَن أساءَ فَبِخَطیئَتِهِ، فَلَا الَّذی أحسَنَ استَغنی عَن رِفدِكَ ومَعونَتِكَ، ولَا الَّذی أساءَ استَبدَلَ بِكَ وخَرَجَ مِن قُدرَتِكَ،
ص: 148
إلهی ! بِكَ عَرَفتُكَ، وبِكَ اهتَدَیتُ إلی أمرِكَ، ولَولا أنتَ لَم أدرِ ما أنتَ، فَیا مَن هُوَ هكَذا ولا هكَذا غَیرُهُ، صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَارزُقنِی الإِخلاصَ فی عَمَلی، وَالسَّعَةَ فی رِزقی. اللّهُمَّ اجعَل خَیرَ عُمُری آخِرَهُ، وخَیرَ عَمَلی خَواتِمَهُ، وخَیرَ أیّامی یَومَ ألقاكَ.
إلهی! أطَعتُكَ-ولَكَ المِنَّةُ عَلَیَّ-فی أحَبِّ الأَشیاءِ إلَیكَ،الإِیمانِ بِكَ، وَالتَّصدیقِ بِرَسولِكَ، ولَم أعصِكَ فی أبغضِ الأَشیاءِ إلَیكَ، الشِّركِ بِكَ وَالتَّكذیبِ بِرَسولِكَ، فَاغفِر لی ما بَینَهُما، یا أرحَمَ الرّاحِمینَ. (1)
{12}
[113] اللّهُمَّ إنَّكَ الرَّبُّ الرَّؤُوفُ، المَلِكُ العَطوفُ، المُتَحَنِّنُ المَألوفُ، وأَنتَ غِیاثُ الحَیرانِ المَلهوفِ، ومُرشِدُ الضّالِّ المَكفوفِ، تَشهَدُ خَواطِرَ أسرارِ المُسِرّینَ كَمُشاهَدَتِكَ أقوالَ النّاطِقینَ.
أسأَلُكَ بِمُغَیَّباتِ عِلمِكَ فی بَواطِنِ أسرارِ سَرائِرِ المُسِرّینَ إلَیكَ أن تُصَلِّیَ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ صَلاةً یَسبِقُ بِها مَنِ اجتَهَدَ مِنَ المُتَقَدِّمینَ، ویَتَجاوَزُ فیها مَن یَجتَهِدُ مِنَ المُتَأَخِّرینَ، وأَن تَصِلَ الَّذی بَینَنا وبَینَكَ صِلَةَ مَن صَنَعتَهُ لِنَفسِكَ، وَاصطَنَعتَهُ لِغَیبِكَ.
فَلَم تَتَخَطَّفهُ خاطِفاتُ الظِّنَنِ، ولا وارِداتُ الفِتَنِ،حَتّی نَكونَ لَكَ فِی الدُّنیا مُطیعینَ، وفِی الآخِرَةِ فی جِوارِكَ خالِدینَ. (2)
ص: 149
{13}
[114] اللَّهُمَّ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَذِّبْنِي بِشَتْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَتَمتُهُ أَوْ آذَيْتُهُ.(1)
{14}
[115] اللّهُمَّ إنّی أتَقَرَّبُ إلَیكَ بِجودِكَ وكَرَمِكَ، وأَتَقَرَّبُ إلَیكَ بِمُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ، وأَتَقَرَّبُ إلَیكَ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبینَ وأَنبِیائِكَ ورُسُلِكَ، أن تُصَلِّیَ عَلی مُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ وعَلی آلِ مُحَمَّدٍ، وأَن تُقیلَنی عَثرَتی وتَستُرَ عَلَیَّ ذُنوبی وتَغفِرَها لی وتَقضِیَ لی حَوائِجی، ولا تُعَذِّبَنی بِقَبیحٍ كانَ مِنّی، فَإِنَّ عَفوَكَ وجودَكَ یَسَعُنی ،إنَّكَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ. (2)
ص: 150
{15}
[116] عن رقبة (1) بن مصقلة قال: لما نزل بالحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الموتُ قال: أخرِجُوا فِراشي الى صحنِ الدارِ، فأخرجوه، فرفع رأسَه الى السماء وقال:
اللّهُمَّ انّی احْتَسِبُ عِنْدَكَ نَفْسی فَانَّها اعَزُّ الانْفُس عَلَیّ لَمْ اصَب بِمِثْلِها.
اللّهُمَّ آنِس صَرْعَتی و آنِس فی الْقَبْرِ وَحدَتی.
ص: 151
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء
{16}
[117] اللّهُمَّ إنّی أدرَأُ(1) بِكَ فی نُحورِهِم(2)، وأَعوذُ بِكَ مِن شُرورِهِم، وأَستَعینُ بِكَ عَلَیهِم، فَاكفِنیهِم بِما شِئتَ،وأَنّی شِئتَ، مِن حَولِكَ وقُوَّتِكَ، یا أرحَمَ الرّاحِمینَ. (3)
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب النصر واليقين
{17}
[118] اَللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ضَعُفَتْ عَنْهُ حِیلَتِی أَنْ تُعْطِیَنِی مِنْهُ مَا لَنْ تَنْتَهِ إِلَیْهِ رَغْبَتِی وَ لَمْ یَخْطُرْ بِبَالِی وَ لَمْ یَجْرِ عَلَی لِسَانِی وَ أَنْ تُعْطِیَنِی مِنَ اَلْیَقِینِ مَا یَحْجُزُنِی عَنْ أَسْأَلَ أَحَداً مِنَ اَلْعَالَمِینَ إِنَّكَ عَلی كُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ . (4)
ص: 152
{18}
[119] دعاء علّمه النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عليّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وعلّمه علي ابنه الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في القنوت:
اَلّلهُمَّ اِنِّي اَسْئَلُكَ الْهُدي وَ التُّقي وَ الْعِفافَ وَ الْغِني، وأعوذُ بِكَ مِن غَلَبَةِ الدَّینِ،وغَلَبَةِ العَدُوِّ. (1)
{19}
[120] اللّهم إنّي أسألك يا اللّه يا واحد یا أحد ویا وتر یانور یا صمد، یا من ملأت أركانُه السموات والأرض، أسئلك أن تسخر لي قلب فلان بن فلان كما سخّرت الحيّة لموسى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأسئلك أن تسخّر لي قلبه كما سخّرت لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطير فهم يوزعون، وأسئلك أن تلبّس لي قلبه كما لیّنت الحديد لداود (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأسئلك أن تذلّل قلبه كما ذلّلت نور القمر لنور الشمس، يا اللّه هو عبدك ابن أمتك، وأنا عبدك ابن أمتك، أخذت بقدميه وناصيته، فسخّره لي حتّی يقضي حاجتي هذه، وما أريد، إنك على كلّ شيء قدير، وهو على ماهو
ص: 153
فيما هو، لا إله إلّا هو الحى القيوم. (1)
{20}
[121] كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يعلّم أصحابه الإستخارة، كما يعلّمهم السورة من القرآن، كان يقول: إذا أراد أحدكم أمراً فليسمّه وليقل:: اللّهمّ إنّي أستخيرك فيه بعلمك، وأستقدرك فيه بقدرتك، واسألك فيه من فضلك، فإنّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علّام الغيوب، اللّهمّ ما كان خيراً لي في أمري هذا فارزقنيه ويسّره وأعنّتي عليه وحبّبه لي وارضني، وبارك لي فيه، وما كان شرّاً لي فاصرفني عنه، ويسّر لي الخيرَ حيث كان. (2)
{21}
[122] اللّهم إنّي أعوذ بك من قلب يَعرِفُ، ولسان يَصِفُ، وأعمالٍ تخالِفُ. (3)
ص: 154
{22}
[123] اللّهمّ إنّي قد دعوتُ وأنذرتُ، وأمرتُ ونهيتُ، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين، وعن نصرته قاعدين، وعن طاعته مقصّرين، ولاعدائه ناصرین.
اللّهمّ فأنزل عليهم رجزك وبأسك وعذابك، الّذي لايردُ عن القوم الظالمين. (1)
{23}
[126] اللّهمّ أوسع عليّ من الدنيا وزهّدني فيها ولاتزوها عنّي وترغبني فيها، اللّهم إنك أخذت بقلبي وناصيتي فلم تملِكني منها شيئاً فكما فعلتَ ذلك بهما فابعدهما الى سواء السبيل. (2)
ص: 155
{24}
[125] اللّهمّ اهدني فيمن هديتَ، وعافني فيمن عافيتَ، وتولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، وأنّك تقضي ولايقضي عليك، إنّه لا يذلّ من واليتَ، تباركت ربّنا وتعاليت. (1)
ص: 156
{25}
[126] كان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إذا شرب اللّبن قال: «اللّهمّ بارك لنا فيه وزدنا
منه».(1)
{26}
[127] قال وأهدي إلى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قطف من العنب في غير أوانه فقال لي: ياسلمان ائتني بولدي الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب.
قال سلمان الفارسي: فذهبت أطوف(2) عليهما منزل أمّهما فلم أرهما فأتيت منزل اختهما أمّ كلثوم(3) فلم أرهما، فجئت فخبرت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بذلك
ص: 157
فاضطرب ووثب قائماً وهو يقول: وا ولداه وا قرة عيناه مَن يرشدني عليهما فله على اللّه الجنّة.
فنزل جبرائيل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) من السماء وقال: يا محمّد علام هذا الانزعاج؟
فقال: على ولديّ: الحسن والحسين فاني خائف عليهما من كيد اليهود.
فقال جبرائیل: يامحمّد بل خف عليهما من كيد المنافقين فإن كيدهم أشدّ من كيد اليهود، واعلم يا محمّد ان ابنيك الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) نائمان في حديقة أبي الدِحداح، فسار النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من وقته وساعته الى الحديقة وأنا معه حتّی دخلنا الحديقة فإذا هما نائمان وقد اعتنق أحدهما الآخر وثعبان في فيه باقة ريحان يروح بها وجههما، فلما رأى الثعبان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) القى ما كان في فيه وقال: السلام عليك یارسول اللّه، لست أنا ثعباناً ولكن ملك من ملائكة اللّه الكروبيِين غفلت عن ذكر ربي طرفة عين فغضب عليّ ربّي ومسخني ثعباناً كما ترى وطردني من السماء إلى الأرض وإنّي منذ سنين كثيرة اقصد كريماً على اللّه فأسأله ان يشفع لي عند ربي عسى ان يرحمني ويعيدني ملكاً كما كنت اولا أنّه على كلّ شيء قدير.
قال: فجثى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقبّلهما حتّی استيقظا فجلسا على ركبتي النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال لهما النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): انظرا ياولديّ (الى هذا المسكين فقالا ما هذا ياجدنا قد خفنا من قبح منظره؟
ص: 158
فقال: ياولديّ(1) هذا ملك من ملائكة اللّه الكروبيين قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين فجعله اللّه هكذا وأنا استشفع الى اللّه تعالی بكما فاشفعا له، فوثب الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) فاسبغا الوضوء وصلّيا ركعتين وقالا: اللّهم بحق جدنا الجليل الحبيب محمّد المصطفى، وبابينا عليّ المرتضی، وبأُمّنا فاطمة الزهراء إلّا ما رددته الى حالته الأولى.
قال: فما استتّم دعاؤهما فاذا بجبرائيل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قد نزل من السماء في رهط من الملائكة وبشر ذلك الملك برضا اللّه عنه و برده الى سيرته الاولى ثمّ ارتفعوا به الى السماء وهم يسبحون اللّه تعالی.
ثم رجع جبرائیل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وهو متبسم، فقال: يارسول اللّه أن ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع سموات ويقول لهم: من مثلي وأنا في شفاعة السيدين الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ). (2)
اللّه عنه فيقتلهم، فبلغ ذلك الحسن بن علي رضي اللّه عنه فقال: اللّهم تفرد بموته فإن القتل كفارة. (1)
{27}
[129] اللّهُمَّ خُذ لَنا ولِشیعَتِنا مِن زِیادِ بنِ أبیهِ (2)، وأرِنا فیهِ نَكالاً عاجِلاً إنَّكَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ. (3)
{29}
[130] اللَّهُمَّ یَا ذَا السُّلْطَانِ الْعَظِیمِ وَ الْمَنِّ الْقَدِیمِ وَ الْوَجْهِ الْكَرِیمِ ذَا الْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ وَ الدَّعَوَاتِ الْمُسْتَجَابَاتِ عَافِ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ مِنْ أَنْفُسِ
ص: 160
الْجِنِّ وَ أَعْیُنِ الْإِنْسِ.(1)
{30}
[131 ] روي انّ رجلاً من بني أميّة أغلظ للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كلامه، وتجاوز الحدّ في السبّ والشتم له ولأبيه، فقال الحسنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): اللّهمّ غيّر ما به من النعمة، واجعله أُنثي ليعتبر به. فنظر الأموي في نفسه، وقد صار إمرأة. (2)
{31}
[132] دخل النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على فاطمة الزهراء (عَلَيْها السَّلَامُ)، فوجد الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) موعوكاً،
ص: 161
فشق ذلك على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فنزل جبرئیل (عَلَيْه السَّلَامُ) فقال: يا محمّد إلّا أعلّمك معاذة تدعو بها فينجلي بها عنه ما يجده؟ قال: بلى، قال: قل «اللّهمّ لا إله إلّا أنت العليّ العظیم، ذوالسلطان القديم، والمنّ العظيم، والوجه الكريم لا إله إلّا أنت العليّ العظيم، وليُّ الكلمات التامّات، والدّعوات المستجابات، حلَّ ما أصبح بفلان» فدعا النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ثم وضع يده على جبهته فإذا هو بعون اللّه قد أفاق. (1)
{32}
[133] قالت عائشة في آخر حديث طويل في ليلة النصف وإنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: في هذه الليلة هبط عليّ حبيبي جبرئیل (عَلَيْه السَّلَامُ).
فقال لي: يامحمّد مُر أمتك إذا كان ليلة النصف من شعبان أن يصلّي أحدهم عشر ركعات، في كلّ ركعة يتلو فاتحة الكتاب، وقل هو اللّه أحد عشر مرات، ثمّ يسجد ويقول في سجوده:
اللّهمّ لك سجد سوادي وجناني و بياضي ياعظيم كلّ عظیم، اغفر ذنبي العظيم، وانه لايغفر غيرك ياعظيم، فاذا فعل ذلك محا اللّه عزّ وجلّ له اثنين وسبعين ألف سيّئة، وكتب له من الحسنات مثلها، ومحا اللّه عزّ وجلّ عن والديه سبعين ألف سيئة. (2)
ص: 162
{33}
[136] اللَّهُمَّ مُعْطِيَ الْخَيْرَاتِ وَمُنْزِلَ الْبَرَكَاتِ أَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً وَاسْقِنَا غَيْثاً مِغْزَاراً وَاسِعاً غَدَقاً مُجَلِّلاً سَحّاً سَفُوحاً فِجَاجاً تُنَفِّسُ بِهِ الضَّعْفَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُحْيِي بِهِ الْمَيْتَ مِنْ بِلادِكَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. (1)
ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ)
{34}
[135] «اللّهمّ وسّع علىَّ فإنّه لا يسعُني إلّا الكثير».(2)
بِانصِبابٍ وَانسِكابٍ، یا وَهّابُ، اسقِنا مُغدِقَةً(1) مُطبِقَةً مونِقَةً، فَتِّح إغلاقَها، ویَسِّر إطباقَها، وسَهِّل إطلاقَها، وعَجِّل سِیاقَها بِالأَندِیَةِ(2) فی بُطونِ الأَودِیَةِ بِصَوب الماءِ، یا فَعّالُ، اسقِنا مَطَراً قَطرا طَلّاً مُطِلّاً، مُطبِقاً طَبَقاً، عامّاً مِعَمّاً، دَهماً بُهماً رُحماً، رَشّاً مُرِشّاً، واسِعاً كافِیاً، عاجِلاً طَیِّباً مَریئاً مُبارَكاً، سُلاطِحاً(3) بُلاطِحاً(4) یُناطِحُ الأَباطِحَ، مُغدَودِقاً مُطبَوبِقاً مُغرَورِقاً، اِسقِ سَهلَنا وجَبَلَنا، وبَدوَنا وحَضَرَنا، حَتّی تُرَخِّصَ بِهِ أسعارَنا، وتُبارِكَ لَنا فی صاعِنا ومُدِّنا، أرِنَا الرِّزقَ مَوجوداً وَالغَلاءَ مَفقوداً، آمینَ رَبَّ العالَمینَ. (5)
ص: 164
ص: 165
ص: 166
ص: 167
{36}
[137] اللّهُمَّ یا مَن جَعَلَ بَینَ البَحرَینِ حاجِزاً وبَرزَخاً وحِجراً مَحجوراً، یا ذَا القُوَّةِ وَالسُّلطانِ، یا عَلِیَّ المَكانِ، كَیفَ أخافُ وأَنتَ أمَلی، وكَیفَ اضامُ وعَلَیكَ مُتَّكَلی؟
فَغَطِّنی مِن أعدائِكَ بِسِترِكَ، وأَظهِرنی عَلی أعدائی بِأَمرِكَ، وأَیِّدنی بِنَصرِكَ، إلَیكَ اللَّجَأُ، ونَحوَكَ المُلتَجَأُ، فَاجعَل لی مِن أمری فَرَجاً ومَخرَجاً.
یا كافِیَ أهلِ الحَرَمِ مِن أصحابِ الفیلِ، وَالمُرسِلَ عَلَیهِم طَیراً أبابیلَ تَرمیهِم بِحِجارَةٍ مِن سِجّیلٍ، ارمِ مَن عادانی بِالتَّنكیلِ.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُكَ الشِّفاءَ مِن كُلِّ داءٍ، وَالنَّصرَ عَلَی الأَعداءِ،وَالتَّوفیقَ لِما تُحِبُّ وتَرضی.
یا إلهَ مَن فِی السَّماءِ وَالأَرضِ وما بَینَهُما وما تَحتَ الثَّری، بِكَ أستَشفی وبِكَ أستَعفی، وعَلَیكَ أتَوَكَّلُ فَسَیَكْفِیكَهُمُ اللّهُ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ. (1)
{37}
[138 ] روي أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهما السَّلَامُ) التزم الركن فقال:
إِلَهِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَلَمْ تَجِدْنِی شَاكِراً وَ اِبْتَلَیْتَنِی فَلَمْ تَجِدْنِی صَابِراً
ص: 168
فَلاَ أَنْتَ سَلَبْتَ اَلنِّعْمَهَ بِتَرْكِ اَلشُّكْرِ وَ لاَ أَنْتَ أَدَمْتَ اَلشِّدَّهَ بِتَرْكِ اَلصَّبْرِ إِلَهِی مَا یَكُونُ مِنَ اَلْكَرِیمِ إِلاَّ اَلْكَرَمُ.(1)
{38}
[139] روي أنّه كان (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول:
إِلهي ضَيفُكَ ببابِك، یا مُحسِنُ قَد أَتَاكَ المُسِيءُ، فَتَجَاوَز عن قبيحِ ما عندي بِجَميلِ ماعِندَك، یا كریم. (2)
{39}
[140] عن ابن عبّاس (رضي اللّه عنه) قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب (عَلَيْه السَّلَامُ) جالساً فدخل عليه رجل متغيّر اللون فقال: يا أمير المؤمنين إنّي
ص: 169
رجل مِسقام كثير الأوجاع، فعلّمني دعاء أستعين به على ذلك.
فقال: أعلّمك دعاء علّمه جبرئيل (عَلَيْه السَّلَامُ) لرسول اللّه في مرض الحسن والحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ) وهو هذا الدعاء:
إلهي كلّما أنعمت عليّ نعمة(1) قلّ لك عندها شكري، وكلّما ابتليتني ببليّة قلّ لك عندها صبري، فيامن قلّ شكري عند نعمه، فلم يحرمني، ويا من قلّ صبري عند بلائه فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، ويا من رآني على الخطايا فلم يعاقبني عليها، صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لي ذنبي واشفني من مرضي، إنّك على كلّ شيء قدير.
قال ابن عباس: فرأيت الرجل بعد سنة حسن اللون، مشرب الحمرة، قال: وما دعوت اللّه بهذا الدعاء وأنا سقيم إلّا شفيت، ولا مريض إلّا برئت، وما دخلت على سلطان أخافه(2) إلّا ردّه اللّه عزّ وجلّ عنّي. (3)
{40}
[141] عن الباقر (عَلَيْه السَّلَامُ) قال: كنت عند الحسين بن علي (عَلَيْهما السَّلَامُ) إذ أتاه رجل من بني أميّة من شيعتنا، فقال له: يابن رسول اللّه ما قدرت أن أمشي إليك من
ص: 170
وجع رجلي.
قال: فأين أنت من عوذة الحسن بن علی (عَلَيْه السَّلَامُ)؟
قال: يابن رسول اللّه وما ذاك؟
قال: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّه - إلى قوله -: وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا».(1) (2)
قال: ففعلتُ ما أمرني به فما أحسَستُ بعد ذلك بشيء منها بعون اللّه تعالی.
{41}
[142] حكي عن الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما: أنّ الدعاء يستجاب هنالك في خمسة عشر موضعاً: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب،
ص: 171
وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث، فمحروم مَن لا يجتهد في الدعاء فيها. (1)
{42}
[143] عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه (عَلَيْهم السَّلَامُ) و قال: كان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يعوّذ الحسن والحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ) بهذه العوذة، وكان يأمر (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بذلك أصحابه وهو هذا الدعاء:
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیم اُعیذُ نَفسی ودینی وأهلی ومالی ووُلدی وخَواتیمَ عَمَلی، وما رَزَقَنی رَبّی وخَوَّلَنی بِعِزَّهِ اللّهِ، وعَظَمَهِ اللّهِ، وجَبَروتِ اللّهِ، وسُلطانِ اللّهِ، ورَحمَهِ اللّهِ، ورَأفَهِ اللّهِ، وغُفرانِ اللّهِ، وقُوَّهِ اللّهِ، وقُدرَهِ اللّهِ، وبِآلاءِ اللّهِ، وبِصُنعِ اللّهِ، وبِأَركانِ اللّهِ، وبِجَمعِ اللّهِ عزّ وجلّ، وبِرَسولِ اللّهِ صلی اللّه علیه و آله، وقُدرَهِ اللّهِ عَلی ما یَشاءُ مِن شَرِّ السّامَّهِ وَالهامَّهِ، ومِن شَرِّ الجِنِّ وَالإِنسِ، ومِن شَرِّ ما دَبَّ فِی الأَرضِ، ومِن شَرِّ ما یَخرُجُ مِنها، ومِن شَرِّ ما یَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وما یَعرُجُ فیها، ومِن شَرِّ كُلِّ دابَّهٍ رَبّی آخِذٌ بِناصِیَتِها، إنَّ رَبّی عَلی صِراطٍ مُستَقیمٍ، وهُوَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ، ولا حَولَ ولا قُوَّهَ إلّا بِاللّهِ العَلِیِّ العَظیمِ، وصَلَّی اللّهُ عَلی سَیِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ أجمَعینَ. (2)
ص: 172
{43}
[144] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنَّ خِیَرَتَكَ فِیمَا أَسْتَخِیرُكَ فِیهِ تُنِیلُ الرَّغَائِبَ وَ تُجْزِلُ الْمَوَاهِبَ وَ تُغْنِمُالْمَطَالِبَ وَ تُطَیِّبُ الْمَكَاسِبَ وَ تَهْدِی إِلَی أَجْمَلِ الْمَذَاهِبِ وَ تَسُوقُ إِلَی أَحْمَدِ الْعَوَاقِبِ وَ تَقِی مَخُوفَ النَّوَائِبِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَخِیرُكَ فِیمَا عَزَمَ رَأْیِی عَلَیْهِ وَ قَادَنِی عَقْلِی إِلَیْهِ سَهِّلِ اللَّهُمَّ مِنْهُ مَا تَوَعَّرَ وَ یَسِّرْ مِنْهُ مَا تَعَسَّرَ وَ اكْفِنِی فِیهِ الْمُهِمَّ وَ ادْفَعْ عَنِّی كُلَّ مُلِمٍّ وَ اجْعَلْ رَبِّ عَوَاقِبَهُ غُنْماً وَ خَوْفَهُ سِلْماً وَ بُعْدَهُ قُرْباً وَ جَدْبَهُ خِصْباً وَ أَرْسِلِ اللَّهُمَّ إِجَابَتِی وَ أَنْجِحْ فِیهِ طَلِبَتِی وَ اقْضِ حَاجَتِی وَ اقْطَعْ عَوَائِقَهَا وَ امْنَعْ بَوَائِقَهَا وَ أَعْطِنِی اللَّهُمَّ لِوَاءَ الظَّفَرِ بِالْخِیَرَةِ فِیمَا اسْتَخَرْتُكَ وَ وُفُورَ الْغَنَمِ فِیمَا دَعَوْتُكَ وَ عَوَائِدَ الْإِفْضَالِ فِیمَا رَجَوْتُكَ وَ اقْرِنْهُ اللَّهُمَّ رَبِّ بِالنَّجَاحِ وَ حُطَّهُ بِالصَّلَاحِ وَ أَرِنِی أَسْبَابَ الْخِیَرَةِ فِیهِ وَاضِحَةً وَ أَعْلَامَ غُنْمِهَا لَائِحَةً وَ اشْدُدْ خُنَاقَ تَعَسُّرِهَا وَ انْعَشْ صَرِیعَ تَیَسُّرِهَا وَ بَیِّنِ اللَّهُمَّ مُلْتَبَسَهَا وَ أَطْلِقْ مُحْتَبَسَهَا وَ مَكِّنْ أُسَّهَا فِیهِ حَتَّی تَكُونَ خِیَرَةً مُقْبِلَةً بِالْغَنَمِ مُزِیلَةً لِلْغُرْمِ عَاجِلَةَ النَّفْعِ بَاقِیَةَ الصُّنْعِ إِنَّكَ وَلِیُّ الْمَزِیدِ مُبْتَدِئٌ بِالْجُودِ. (1)
ص: 173
{44}
[145] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ بِمَكَانِكَ وَ مَعَاقِدِ عِزِّكَ وَ سُكَّانِ سَمَاوَاتِكَ وَ أَنْبِیَائِكَ وَ رُسُلِكَ أَنْ تَسْتَجِیبَ لِی فَقَدْ رَهِقَنِی مِنْ أَمْرِی عُسْرٌ.
اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَجْعَلَ لِی مِنْ عُسْرِی یُسْراً. (1)
{45}
[146] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِی الْحَجَّ الَّذِی فَرَضْتَهُ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا وَ اجْعَلْ لِی فِیهِ هَادِیاً وَ إِلَیْهِ دَلِیلًا وَ قَرِّبْ لِی بُعْدَ الْمَسَالِكِ وَ أَعِنِّی فِیهِ عَلَی تَأْدِیَهِ الْمَنَاسِكِ وَ حَرِّمْ بِإِحْرَامِی عَلَی النَّارِ جَسَدِی وَ زِدْ لِلسَّفَرِ فِی زَادِی وَ قُوَّتِی وَ جِلْدِی وَ ارْزُقْنِی رَبِّ الْوُقُوفَ بَیْنَ یَدَیْكَ وَ الْإِفَاضَهَ إِلَیْكَ وَ ظَفِّرْنِی بِالنُّجْحِ وَ احْبُنِی بِوَافِرِ الرِّبْحِ وَ أَصْدِرْنِی رَبِّ مِنْ مَوْقِفِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ إِلَی مُزْدَلِفَهِ الْمَشْعَرِ وَ اجْعَلْهَا زُلْفَهً إِلَی رَحْمَتِكَ وَ طَرِیقاً إِلَی جَنَّتِكَ أَوْقِفْنِی مَوْقِفَ
ص: 174
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَ مَقَامَ وُفُودِ الْإِحْرَامِ وَ أَهِّلْنِی لِتَأْدِیَهِ الْمَنَاسِكِ وَ نَحْرِ الْهَدْیِ التَّوَامِكِ(1) بِدَمٍ یَثُجُّ وَ أَوْدَاجٍ تَمُجُّ وَ إِرَاقَهِ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوحَهِ مِنَ الْهَدَایَا الْمَذْبُوحَهِ وَ فَرْیِ أَوْدَاجِهَا عَلَی مَا أَمَرْتَ وَ التَّنَفُّلِ بِهَا كَمَا رَسَمْتَ وَ أَحْضِرْنِی اللَّهُمَّ صَلَاهَ الْعِیدِ رَاجِیاً لِلْوَعْدِ حَالِقاً شَعْرَ رَأْسِی وَ مُقَصِّراً مُجْتَهِداً فِی طَاعَتِكَ مُشَمِّراً رَامِیاً لِلْجِمَارِ بِسَبْعٍ بَعْدَ سَبْعٍ مِنَ الْأَحْجَارِ وَ أَدْخِلْنِی اللَّهُمَّ عَرْصَهَ بَیْتِكَ وَ عَقْوَتَكَ وَ أَوْلِجْنِی مَحَلَّ أَمْنِكَ وَ كَعْبَتَكَ وَ مَسَاكِینَكَ وَ سُؤَّالَكَ وَ وَفْدَكَ وَ مَحَاوِیجَكَ وَ جُدْ عَلَیَّ اللَّهُمَّ بِوَافِرِ الْأَجْرِ مِنَ الِانْكِفَاءِ وَ النَّفْرِ وَ اخْتِمْ لِی مَنَاسِكَ حَجِّی وَ انْقِضَاءَ عَجِّی بِقَبُولٍ مِنْكَ لِی وَ رَأْفَهٍ مِنْكَ یَا غَفُورُ یَا رَحِیمُ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ. (2)
{46}
[147] بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِیمِ اَللَّهُمَّ أَرْسِلْ عَلَیَّ سِجَالَ رِزْقِكَ مِدْرَاراً وَ أَمْطِرْ سَحَائِبَ إِفْضَالِكَ عَلَیَّ غِزَاراً وَ أَرمْ غَیْثَ نَیْلِكَ إِلَیَّ سِجَالاً وَ أَسْبِلْ مَزِیدَ نِعَمِكَ عَلَی خَلَّتِی إِسْبَالاً وَ أَفْقِرْنِی بِجُودِكَ إِلَیْكَ وَ أَغْنِنِی عَمَّنْ یَطْلُبُ مَا لَدَیْكَ وَ دَاوِ دَاءَ فَقْرِی بِدَوَاءِ فَضْلِكَ وَ اِنْعَشْ صَرْعَهَ عَیْلَتِی بِطَوْلِكَ واجبر كسر خلّتي بنولكَ وَ تَصَدَّقْ عَلَی إِقْلاَلِی بِكَثْرَهِ عَطَائِكَ وَ عَلَی اِخْتِلاَلِی بِكَرَمِ(3) حِيائِكَ وَ سَهِّلْ رَبِّ سُبُلَ اَلرِّزْقِ إِلَیَّ وَ أَثْبِتْ قَوَاعِدَهُ لَدَیَّ وَأَجْدِبْ أَرْضَ فَقْرِی وَ اِخْصِبْ جَدْبَ ضُرِّی وَ اِصْرِفْ عَنِّی فِی اَلرِّزْقِ اَلْعَوَائِقَ وَ اِقْطَعْ عَنِّی مِنَ
ص: 175
اَلضِّیقِ اَلْعَلاَئِقَ وَ اِرْمِنِی اَللَّهُمَّ مِنْ سَعَهِ اَلرِّزْقِ بِأَخْصَبِ سِهَامِهِ وَ اُحْبُنِی مِنْ رَغَدِ اَلْعَیْشِ بِأَكْثَرِ دَوَامِهِ.
وَ اُكْسُنِی اَللَّهُمَّ أَیْ رَبِّ سَرَابِیلَ اَلسَّعَهِ وَ جَلاَبِیبَ اَلدَّعَهِ فَإِنِّی یَا رَبِّ مُنْتَظِرٌ لِإِنْعَامِكَ بِحَذْفِ اَلضِّیقِ وَ لِتَطَوُّلِكَ بِقَطْعِ اَلتَّعْوِیقِ وَ لِتَفَضُّلِكَ بِبَتْرِ اَلتَّقْصرِ وَ لِوَصْلِ حَبْلِی بِكَرَمِكَ بِالتَّیْسِیرِ وَ أَمْطِرِ اَللَّهُمَّ عَلَیَّ سَمَاءِ رِزْقِكَ بِسِجَالِ اَلدِّیَمِ وَ أَغْنِنِی عَنْ خَلْقِكَ بِعَوَائِدِ اَلنِّعَمِ وَ اِرْمِ مَقَاتِلَ اَلْإِقْتَارِ مِنِّی وَ اِحْمِلْ عَسْفَ اَلضُّرِّ عَنِّی وَ اِضرِبْ اَلضُّرَّ بِسَیْفِ اَلاِسْتِیصَالِ وَ اِمْحَقْهُ رَبِّ مِنْكَ بِسَعَهِ اَلْإِفْضَالِ وَ أَمْدِدْنِی بِنُمُوِّ اَلْأَمْوَالِ وَ اُحْرُسْنِی مِنْ ضِیقِ اَلْإِقْلاَلِ وَ اِقْبِضْ عَنِّی سُوءَ اَلْجَدْبِ وَ اُبْسُطْ لِی بِسَاطَ اَلْخِصْبِ وَ صَحِّبنِی بِالاِسْتِظْهَارِ وَ مَسِّنِی بِالتَّمَكُّينِ(1) مِنَ اَلْیَسَارِ إِنَّكَ ذُو اَلطَّوْلِ اَلْعَظِیمِ وَ اَلْفَضْلِ اَلْعَمِیمِ وَ أَنْتَ اَلْجَوَادُ اَلْكَرِیمُ اَلْمَلِكُ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِیمُ اَللَّهُمَّ اِسْقِنِی مِنْ مَاءِ رِزْقِكَ غَدَقاً وَ اِنْهَجْ لِی مِنْ عَمِیمِ بَذْلِكَ طُرُقاً وَ اِفْجَأْنِی(2) بِالثَّرْوَهِ وَ اَلْمَالِ وَ اِنْعَشْنِی فِیهِ بِالاِسْتِقْلاَلِ. (3)
{47}
[148] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنَّ الرَّجَاءَ لِسَعَهِ رَحْمَتِكَ أَنْطَقَنِی بِاسْتِقَالَتِكَ وَ الْأَمَلَ لِأَنَاتِكَ وَ رِفْقِكَ شَجَّعَنِی عَلَی طَلَبِ أَمَانِكَ وَ عَفْوِكَ وَ لِی یَا رَبِّ ذُنُوبٌ قَدْ وَاجَهَتْهَا أَوْجُهُ الِانْتِقَامِ وَ خَطَایَا قَدْ لَاحَظَتْهَا أَعْیُنُ الِاصْطِلَامِ
ص: 176
وَ اسْتَوْجَبْتُ بِهَا عَلَی عَدْلِكَ أَلِیمَ الْعَذَابِ وَ اسْتَحْقَقْتُ بِاجْتِرَاحِهَا مُبِیرَ الْعِقَابِ وَ خِفْتُ تَعْوِیقَهَا لِإِجَابَتِی وَ رَدَّهَا إِیَّایَ عَنْ قَضَاءِ حَاجَتِی وَ إِبْطَالِهَا لِطَلِبَتِی وَ قَطْعِهَا لِأَسْبَابِ رَغْبَتِی مِنْ أَجْلِ مَا قَدْ أَنْقَضَ ظَهْرِی مِنْ ثِقْلِهَا وَ بَهَظَنِی مِنَ الِاسْتِقْلَالِ بِحَمْلِهَا ثُمَّ تَرَاجَعْتُ رَبِّ إِلَی حِلْمِكَ عَنِ الْعَاصِینَ وَ عَفْوِكَ عَنِ الْخَاطِئِینَ وَ رَحْمَتِكَ لِلْمُذْنِبِینَ فَأَقْبَلْتُ بِثِقَتِی مُتَوَكِّلًا عَلَیْكَ طَارِحاً نَفْسِی بَیْنَ یَدَیْكَ شَاكِیاً بَثِّی إِلَیْكَ سَائِلًا رَبِّ مَا لَا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْ تَفْرِیجِ الْغَمِّ وَ لَا أَسْتَحِقُّهُ مِنْ تَنْفِیسِ الْهَمِّ مُسْتَقِیلًا رَبِّ لَكَ وَاثِقاً مَوْلَایَ بِكَ.
اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَیَّ بِالْفَرَجِ وَ تَطَوَّلْ عَلَیَّ بِسَلَامَهِ الْمَخْرَجِ وَ ادْلُلْنِی بِرَأْفَتِكَ عَلَی سَمْتِ الْمَنْهَجِ وَ أَزِلَّنِی بِقُدْرَتِكَ عَنِ الطَّرِیقِ الْأَعْوَجِ وَ خَلِّصْنِی مِنْ سِجْنِ الْكَرْبِ بِإِقَالَتِكَ وَ أَطْلِقْ أَسْرِی بِرَحْمَتِكَ وَ تَطَوَّلْ عَلَیَّ بِرِضْوَانِكَ وَ جُدْ عَلَیَّ بِإِحْسَانِكَ وَ أَقِلْنِی رَبِّ عَثْرَتِی وَ فَرِّجْ كُرْبَتِی وَ ارْحَمْ عَبْرَتِی وَ لَا تَحْجُبْ دَعْوَتِی وَ اشْدُدْ بِالْإِقَالَهِ أَزْرِی وَ قَوِّ بِهَا ظَهْرِی وَ أَصْلِحْ بِهَا أَمْرِی وَ أَطِلْ بِهَا عُمُرِی وَ ارْحَمْنِی یَوْمَ حَشْرِی وَ وَقْتَ نَشْرِی إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِیمٌ غَفُورٌ رَحِیمٌ [وَ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ]. (1)
{48}
[149] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنَّ ظُلْمَ عِبَادِكَ قَدْ تَمَكَّنَ فِی بِلَادِكَ حَتَّی أَمَاتَ الْعَدْلَ وَ قَطَعَ السُّبُلَ وَ مَحَقَ الْحَقَّ وَ أَبْطَلَ الصِّدْقَ وَ أَخْفَی الْبِرَّ وَ أَظْهَرَ الشَّرَّ وَ أَهْمَلَ التَّقْوَی وَ أَزَالَ الْهُدَی وَ أَزَاحَ الْخَیْرَ وَ أَثْبَتَ الضَّیْرَ
ص: 177
وَ أَنْمَی الْفَسَادَ وَ قَوَّی العباد، وَ بَسَطَ الْجَوْرَ وَ عَدَی الطَّوْرَ اللَّهُمَّ یَا رَبِّ لَا یَكْشِفُ ذَلِكَ إِلَّا سُلْطَانُكَ وَ لَا یُجِیرُ مِنْهُ إِلَّا امْتِنَانُكَ اللَّهُمَّ رَبِّ فَابْتُرِ الظُّلْمَ وَ بُتَّ جِبَالَ الْغَشْمِ وَ أَخْمِلْ سُوقَ الْمُنْكَرِ وَ أَعِزَّ مَنْ عَنْهُ زُجِرَ وَ احْصُدْ شَأْفَهَ أَهْلِ الْجَوْرِ وَ أَلْبِسْهُمُ الْحَوْرَ بَعْدَ الْكَوْرِ وَ عَجِّلْ لَهُمُ الْبَتَاتَ وَ أَنْزِلْ عَلَیْهِمُ الْمَثُلَاتِ وَ أَمِتْ حَیَاهَ الْمُنْكَرَاتِ لِیُؤْمَنَ الْمَخُوفُ وَ یَسْكُنَ الْمَلْهُوفُ وَ یَشْبَعَ الْجَائِعُ وَ یَحْفَظَ الضَّائِعُ وَ یُؤْوَی الطَّرِیدُ وَ یَعُودَ الشَّرِیدُ وَ یُغْنَی الْفَقِیرُ وَ یُجَارَ الْمُسْتَجِیرُ وَ یُوَقَّرَ الْكَبِیرُ وَ یُرْحَمَ الصَّغِیرُ وَ یُعَزَّ الْمَظْلُومُ وَ یُذَلَّ الظَّلُومُ وَ تُفَرَّجَ الْغَمَّاءُ وَ تَسْكُنَ الدَّهْمَاءُ وَ یَمُوتَ الِاخْتِلَافُ وَ یَحْیَا الِایتِلَافُ وَ یَعْلُوَ الْعِلْمُ وَ یَشْمَلَ السِّلْمُ وَ تَجْمُلَ النِّیَّاتُ وَ یُجْمَعَ الشَّتَاتُ وَ یَقْوَی الْإِیمَانُ وَ یُتْلَی الْقُرْآنُ إِنَّكَ أَنْتَ الدَّیَّانُ الْمُنْعِمُ الْمَنَّانُ. (1)
{49}
[150] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنِّی أُرِیدُ سَفَراً فَخِرْ لِی فِیهِ وَ أَوْضِحْ لِی فِیهِ سَبِیلَ الرَّأْیِ وَ فَهِّمْنِیهِ وَ افْتَحْ عَزْمِی بِالاسْتِقَامَهِ وَ اشْمَلْنِی فِی سَفَرِی بِالسَّلَامَهِ وَ أَفِدْ لِی بِهِ جَزِیلَ الْحَظِّ وَ الْكَرَامَهِ وَ اكْلَأْنِی فِیهِ بِحَرِیزِ الْحِفْظِ وَ الْحِرَاسَهِ وَ جَنِّبْنِی اللَّهُمَّ وَعْثَاءَ الْأَسْفَارِ وَ سَهِّلْ لِی حُزُونَهَ الْأَوْعَارِ وَ اطْوِ لِیَ الْبَعِیدَ لِطُولِ انْبِسَاطِ الْمَرَاحِلِ وَ قَرِّبْ مِنِّی بُعْدَ نَأْیِ الْمَنَاهِلِ وَ بَاعِدْ فِی الْمَسِیرِ بَیْنَ خُطَی الرَّوَاحِلِ حَتَّی تُقَرِّبَ نِیَاطَ الْبَعِیدِ وَ تُسَهِّلَ وُعُورَهَ الشَّدِیدِ.
وَ لَقِّنِی اللَّهُمَّ فِی سَفَرِی نُجْحَ طَائِرِ الْوَاقِیَهِ وَ هَنِّئْنِی غُنْمَ الْعَافِیَهِ وَ خَفِیرَ الِاسْتِقْلَالِ وَ دَلِیلَ مُجَاوَزَهِ الْأَهْوَالِ وَ بَاعِثْ وُفُودَ الْكِفَایَهِ وَ سَائِحْ خَفِیرَ
ص: 178
الْوَلَایَهِ وَ اجْعَلْهُ اللَّهُمَّ رَبِّ عَظِیمَ السَّلْمِ حَاصِلَ الْغُنْمِ وَ اجْعَلِ اللَّهُمَّ رَبِّ اللَّیْلَ سِتْراً لِی مِنَ الْآفَاتِ وَ النَّهَارَ مَانِعاً مِنَ الْهَلَكَاتِ وَ اقْطَعْ عَنِّی قَطْعَ لُصُوصِهِ بِقُدْرَتِكَ وَ احْرُسْنِی مِنْ وُحُوشِهِ بِقُوَّتِكَ حَتَّی تَكُونَ السَّلَامَهُ فِیهِ صَاحِبَتِی وَ الْعَافِیَهُ مُقَارِنَتِی وَ الْیُمْنُ سَائِقِی وَ الْیُسْرُ مُعَانِقِی وَ الْعُسْرُ مُفَارِقِی وَ النُّجْحُ بَیْنَ مَفَارِقِی وَ الْقَدَرُ مُوَافِقِی وَ الْأَمْرُ مُرَافِقِی إِنَّكَ ذُو الْمَنِّ وَ الطَّوْلِ وَ الْقُوَّهِ وَ الْحَوْلِ وَ أَنْتَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ. (1)
{50}
[151] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُلِمَّاتِ نَوَازِلِ الْبَلَاءِ وَ أَهْوَالِ عَظَائِمِ الضَّرَّاءِ فَأَعِذْنِی رَبِّ مِنْ صَرْعَةِ الْبَأْسَاءِ وَ احْجُبْنِی مِنْ سَطَوَاتِ الْبَلَاءِ وَ نَجِّنِی مِنْ مُفَاجَأَهِ النِّقَمِ وَ احْرُسْنِی مِنْ زَوَالِ النِّعَمِ وَ مِنْ زَلَلِ الْقَدَمِ وَ اجْعَلْنِی اللَّهُمَّ رَبِّ وَ أَرْضُ الْبَلَاءِ فَاخْسِفْهَا وَ عَرْصَهُ الْمِحَنِ فَارْجُفْهَا وَ شَمْسُ النَّوَائِبِ فَاكْسِفْهَا وَ جِبَالُ السَّوْءِ فَانْسِفْهَا وَ كَرْبُ الدَّهْرِ فَاكْشِفْهَا وَ عَوَائِقُ الْأُمُورِ فَاصْرِفْهَا وَ أَوْرِدْنِی حِیَاضَ السَّلَامَةِ وَ احْمِلْنِی عَلَی مَطَایَا الْكَرَامَةِ وَ اصْحَبْنِی بِإِقَالَةِ الْعَثْرَةِ وَ اشْمَلْنِی بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَ جُدْ عَلَیَّ رَبِّ بِآلَائِكَ وَ كَشْفِ بَلَائِكَ وَ دَفْعِ ضَرَّائِكَ وَ ادْفَعْ عَنِّی كَلَاكِلَ عَذَابِكَ وَ اصْرِفْ عَنِّی أَلِیمَ عِقَابِكَ وَ أَعِذْنِی مِنْ بَوَائِقِ الدُّهُورِ وَ أَنْقِذْنِی مِنْ سُوءِ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَ احْرُسْنِی مِنْ جَمِیعِ الْمَحْذُورِ وَ اصْدَعْ صَفَاهَ الْبَلَاءِ عَنْ أَمْرِی وَ أَشْلِلْ یَدَهُ عَنِّی مُدَّهَ عُمُرِی إِنَّكَ الرَّبُّ الْمَجِیدُ الْمُبْدِئُ الْمُعِیدُ الْفَعَّالُ لِمَا تُرِیدُ. (2)
ص: 179
{51}
[152] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ جَدِیرٌ مَنْ أَمَرْتَهُ بِالدُّعَاءِ أَنْ یَدْعُوَكَ وَ مَنْ وَعَدْتَهُ بِالْإِجَابَهِ أَنْ یَرْجُوَكَ وَ لِیَ اللَّهُمَّ حَاجَهٌ قَدْ عَجَزَتْ عَنْهَا حِیلَتِی وَ كَلَّتْ فِیهَا طَاقَتِی وَ ضَعُفَتْ عَنْ مَرَامِهَا قُدْرَتِی وَ سَوَّلَتْ لِی نَفْسِیَ الْأَمَّارَهُ بِالسُّوءِ وَ عَدُوِّی الْغَرُورُ الَّذِی أَنَا مِنْهُ مُبْتَلًی أَنْ أَرْغَبَ فِیهَا إِلَی ضَعِیفٍ مِثْلِی وَ مَنْ هُوَ فِی النُّكُولِ شَكْلِی حَتَّی تَدَارَكَتْنِی رَحْمَتُكَ وَ بَادَرَتْنِی بِالتَّوْفِیقِ رَأْفَتُكَ وَ رَدَدْتَ عَلَیَّ عَقْلِی بِتَطَوُّلِكَ وَ أَلْهَمْتَنِی رُشْدِی بِتَفَضُّلِكَ وَ أَحْیَیْتَ بِالرَّجَاءِ لَكَ قَلْبِی وَ أَزَلْتَ خُدْعَة عَدُوِّی عَنْ لُبِّی وَ صَحَّحْتَ بِالتَّأْمِیلِ فِكْرِی وَ شَرَحْتَ بِالرَّجَاءِ لِإِسْعَافِكَ صَدْرِی وَ صَوَّرْتَ لِیَ الْفَوْزَ بِبُلُوغِ مَا رَجَوْتُهُ وَ الْوُصُولِ إِلَی مَا أَمَّلْتُهُ فَوَقَفْتُ اللَّهُمَّ رَبِّ بَیْنَ یَدَیْكَ سَائِلًا لَكَ ضَارِعاً إِلَیْكَ وَاثِقاً بِكَ مُتَوَكِّلًا عَلَیْكَ فِی قَضَاءِ حَاجَتِی وَ تَحْقِیقِ أُمْنِیَّتِی وَ تَصْدِیقِ رَغْبَتِی فَأَنْجِحِ اللَّهُمَّ حَاجَتِی بِأَیْمَنِ نَجَاحٍ وَ اهْدِهَا سَبِیلَ الْفَلَاحِ وَ أَعِذْنِی اللَّهُمَّ رَبِّ بِكَرَمِكَ مِنَ الْخَیْبَهِ وَ الْقُنُوطِ وَ الْأَنَاهءةِ وَ التَّثْبِیطِ بِهَنِیءِ إِجَابَتِكَ وَ سَابِغِ مَوْهِبَتِكَ إِنَّكَ مَلِیٌّ وَلِیٌّ وَ عَلَی عِبَادِكَ بِالْمَنَائِحِ الْجَزِیلَهِ وَفِیٌّ وَ أَنْتَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ وَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ مُحِیطٌ وَ بِعِبَادِكَ خَبِیرٌ بَصِیرٌ (1)
{52}
[153] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ رَبِّ إِنِّی قَصَدْتُ إِلَیْكَ بِإِخْلَاصِ
ص: 180
تَوْبَهٍ نَصُوحٍ وَ تَثْبِیتِ عَقْدٍ صَحِیحٍ وَ دُعَاءِ قَلْبٍ جَرِیحٍ وَ إِعْلَانِ قَوْلٍ صَرِیحٍ اللَّهُمَّ رَبِّ فَتَقَبَّلْ مِنِّی إِنَابَهَ مُخْلِصِ التَّوْبَهِ وَ إِقْبَالَ سَرِیعِ الْأَوْبَهِ وَ مَصَارِعَ تَجَشُّعِ الْحَوْبَهِ وَ قَابِلْ رَبِّ تَوْبَتِی بِجَزِیلِ الثَّوَابِ وَ كَرِیمِ الْمَآبِ وَ حَطِّ الْعِقَابِ وَ صَرْفِ الْعَذَابِ وَ غُنْمِ الْإِیَابِ وَ سَتْرِ الْحِجَابِ وَ امْحُ اللَّهُمَّ رَبِّ بِالتَّوْبَهِ مَا ثَبَتَ مِنْ ذُنُوبِی وَ اغْسِلْ بِقَبُولِهَا جَمِیعَ عُیُوبِی وَ اجْعَلْهَا جَالِیَهً لِرَیْنِ قَلْبِی شَاحِذَهً لِبَصِیرَهِ لُبِّی غَاسِلَهً لِدَرَنِی مُطَهِّرَهً لِنَجَاسَهِ بَدَنِی مُصَحِّحَهً فِیهَا ضَمِیرِی عَاجِلَهً إِلَی الْوَفَاءِ بِهَا مَصِیرِی وَ اقْبَلْ رَبِّ تَوْبَتِی فَإِنَّهَا بِصِدْقٍ مِنْ إِخْلَاصِ نِیَّتِی وَ مَحْضٍ مِنْ تَصْحِیحِ بَصِیرَتِی وَ احْتِفَالٍ فِی طَوِیَّتِی وَ اجْتِهَادٍ فِی لِقَاءِ سَرِیرَتِی وَ تَثْبِیتِ إِنَابَتِی وَ مُسَارَعَةِ إِلَی أَمْرِكَ بِطَاعَتِی.
وَ اجْلُ اللَّهُمَّ رَبِّ عَنِّی بِالتَّوْبَهِ ظُلْمَهَ الْإِصْرَارِ وَ امْحُ بِهَا مَا قَدَّمْتُهُ مِنَ الْأَوْزَارِ وَ اكْسُنِی بِهَا لِبَاسَ التَّقْوَی وَ جَلَابِیبَ الْهُدَی فَقَدْ خَلَعْتُ رِبْقَ الْمَعَاصِی عَنْ جِلْدِی وَ نَزَعْتُ سِرْبَالَ الذُّنُوبِ عَنْ جَسَدِی مُتَمَسِّكاً رَبِّ بِقُدْرَتِكَ مُسْتَعِیناً عَلَی نَفْسِی بِعِزَّتِكَ مُسْتَوْدِعاً تَوْبَتِی مِنَ النَّكْثِ بِخُفْرَتِكَ مُعْتَصِماً مِنَ الْخِذْلَانِ بِعِصْمَتِكَ مُقِرّاً بِلَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّهَ إِلَّا بِكَ. (1)
{53}
[106] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی مَرَدِّ نَوَازِلِ الْبَلَاءِ وَ مُلِمَّاتِ الضَّرَّاءِ وَ كَشْفِ نَوَائِبِ اللَّأْوَاءِ وَ تَوَالِی سُبُوغِ النَّعْمَاءِ وَ لَكَ الْحَمْدُ رَبِّ عَلَی هَنِیءِ عَطَائِكَ وَ مَحْمُودِ بَلَائِكَ وَ جَلِیلِ آلَائِكَ وَ لَكَ الْحَمْدُ
ص: 181
عَلَی إِحْسَانِكَ الْكَثِیرِ وَ خَیْرِكَ الْغَزِیرِ وَ تَكْلِیفِكَ الْیَسِیرِ وَ دَفْعِكَ الْعَسِیرِ وَ لَكَ الْحَمْدُ یَا رَبِّ عَلَی تَثْمِیرِكَ قَلِیلَ الشُّكْرِ وَ إِعْطَائِكَ وَافِرَ الْأَجْرِ وَ حَطِّكَ مُثْقِلَ الْوِزْرِ وَ قَبُولِكَ ضِیقَ الْعُذْرِ وَ وَضْعِكَ بَاهِظَ الْإِصْرِ(1) وَ تَسْهِیلِكَ مَوْضِعَ الْوَعْرِ وَ مَنْعِكَ مُفْظِعَ الْأَمْرِ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی الْبَلَاءِ الْمَصْرُوفِ وَ وَافِرِ الْمَعْرُوفِ وَ دَفْعِ الْمَخُوفِ وَ إِذْلَالِ الْعَسُوفِ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی قِلَّهِ التَّكْلِیفِ وَ كَثْرَهِ التَّخْفِیفِ وَ تَقْوِیَهِ الضَّعِیفِ وَ إِغَاثَهِ اللَّهِیفِ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی سَعَهِ إِمْهَالِكَ وَ دَوَامِ إِفْضَالِكَ وَ صَرْفِ مِحَالِكَ وَ حَمِیدِ فِعَالِكَ وَ تَوَالِی نَوَالِكَ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی تَأْخِیرِ مُعَاجَلَهِ الْعِقَابِ وَ تَرْكِ مُغَافَصَهِ الْعَذَابِ وَ تَسْهِیلِ طُرُقِ الْمَآبِ وَ إِنْزَالِ غَیْثِ السَّحَابِ إِنَّكَ الْمَنَّانُ الْوَهَّابُ.(2)
{54}
[155] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِیمِ الْأَكْبَرِ اللَّهُمَّ سُبْحَانَكَ یَا قَیُّومُ سُبْحَانَ الْحَیِّ الَّذِی لَا یَمُوتُ.
أَسْأَلُكَ كَمَا أَمْسَكْتَ عَنْ دَانِیَالَ أَفْوَاهَ الْأَسَدِ وَ هُوَ فِی الْجُبِّ فَلَا یَسْتَطِیعُونَ إِلَیْهِ سَبِیلًا إِلَّا بِإِذْنِكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تُمْسِكَ عَنِّی أَمْرَ هَذَا الرَّجُلِ وَ كُلَّ عَدُوٍّ لِی فِی مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا مِنَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ خُذْ بِآذَانِهِمْ وَ أَسْمَاعِهِمْ وَ أَبْصَارِهِمْ وَ قُلُوبِهِمْ وَ جَوَارِحِهِمْ.
وَ اكْفِنِی كَیْدَهُمْ بِحَوْلٍ مِنْكَ وَ قُوَّهٍ فَكُنْ لِی جَاراً مِنْهُمْ وَ مِنْ كُلِّ جَبَّارٍ
ص: 182
عَنِیدٍ وَ مِنْ كُلِّ شَیْطَانٍ مَرِیدٍ لَا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الْحِسَابِ.
إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ یَتَوَلَّی الصَّالِحِینَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ. (1)
{50}
[156] عن الكاظم، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):
إنّ لكلّ صائم عند فطوره دعوة مستجابة، فإذا كان أوّل لقمة فقل:
بِسمِ اللّه، يا واسعَ المَغفِرَةِ إِغفِر لي. (2)
وفي رواية أخرى:.
بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا واسعَ المَغفِرَةِ إِغفِر لي.
فَإِنّه مَن قالها عند إفطاره غفر له.
ص: 183
{56}
[107] عن أبي هاشم قال: ركبتُ دابّة فقلتُ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ».(1)
قال: فسمع مني أحد السبطين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) وقال: لا بهذا أُمِرتَ، أُمِرتَ أن تذكر نعمةَ ربِّك إذا استويتَ عليه يقول اللّه عزّ وجلّ: «تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ».(2)
فقلت: كيف أقول؟
قال: قل: «الحمدُ للّه الّذي هدانا للإسلام، والحمدُ للّه الّذي منّ علينا بمحمّد وآله، والحمدُ للّه الّذي جعلنا في خير أمّة أخرجت للناس» فإذا أنت قد ذكرتَ نعماً عظيمة ثمّ تقول: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا»(3).(4)
ص: 184
{57}
[158] سُبْحَانَ مَنْ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَی خَوَازِنِ الْقُلُوبِ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ مُحْصِی عَدَدِ الذُّنُوبِ، سُبْحَانَ مَنْ لَا یَخْفَی عَلَیْهِ خَافِیَهٌ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ، سُبْحَانَ الْمُطَّلِعِ عَلَی السَّرَائِرِ عَالِمِ الْخَفِیَّاتِ.
سُبْحَانَ مَنْ لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّهٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ سُبْحَانَ مَنِ السَّرَائِرُ عِنْدَهُ عَلَانِیَهٌ وَ الْبَوَاطِنُ عِنْدَهُ ظَوَاهِرُ، سُبْحَانَ اللَّهِ بِحَمْدِهِ. (1)
{58}
[109 رُوي أنّه وُلد للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مولودٌ، فأتته قريش، فقالوا: يهنئك الفارس.
فقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وما هذا من الكلام؟ فقولوا:
شكرتَ الواهبَ، وبورِك لك في الموهوب، وبَلَغَ اللّهُ بِهِ أشُدّه، ورَزَقَك بِرَّهُ. (2)
ص: 185
{59}
[160] وعن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قد وفد على معاوية، فلمّا خرج تبّعه بعضُ حُجّابه وقال: إنّي رجلٌ ذو مالٍ ولا يولَد لي، فعلِّمني شيئاً لعلّ اللّهُ يرزقني ولداً. فقال: عليك بالإستغفار. فكان يُكثِرُ الإستغفارَ، حتّی ربِما استغفرَ في اليوم سبعمائة مرّة، فوُلد له عشرُ بنين. فبلغ ذلك معاوية فقال له: هَلّا سألته ممّ ذلك؟ فوفد وفدةً أخرئ فسأله الرجلُ.
فقال: ألم تسمَع قولَ اللّه عزّ إسمُه في قصّة هود: «وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم»(1) وفي قصّة نوح: «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ».(2).(3)
{61}
[192] یَا اللَّهُ یَا أَعَزَّ مَذْكُورٍ وَ أَقْدَمَهُ قِدَماً فِی الْعِزَّهِ وَ الْجَبَرُوتِ یَا رَحِیمَ كُلِّ مُسْتَرْحِمٍ وَ مَفْزَعَ كُلِّ مَلْهُوفٍ یَا رَاحِمَ كُلِّ حَزِینٍ یَشْكُو بَثَّهُ وَ حُزْنَهُ إِلَیْهِ یَا خَیْرَ مَنْ طُلِبَ الْمَعْرُوفُ مِنْهُ وَ أَسْرَعَهُ إِعْطَاءً یَا مَنْ تَخَافُ الْمَلَائِكَهُ الْمُتَوَقِّدَهُ بِالنُّورِ مِنْهُ أَسْأَلُكَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِی تَدْعُو بِهَا حَمَلَهُ عَرْشِكَ وَ مَنْ حَوْلَ عَرْشِكَ یُسَبِّحُونَ بِهَا شَفَقَهً مِنْ خَوْفِ عَذَابِكَ وَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِی یَدْعُوكَ بِهَا جَبْرَئِیلُ وَ مِیكَائِیلُ وَ إِسْرَافِیلُ إِلَّا أَجَبْتَنِی وَ كَشَفْتَ یَا إِلَهِی كُرْبَتِی وَ سَتَرْتَ ذُنُوبِی یَا مَنْ یَأْمُرُ بِالصَّیْحَهِ فِی خَلْقِهِ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ يُحشَرونَ، وَبِذَلِكَ الِاسْمِ الَّذِی أحيَيتَ به الْعِظَامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ أحيِ قَلْبِی وَ اشْرَح صَدْرِی وَ اصْلِح شَأْنِی یَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ وَ خَلَقَ لِبَرِیَّتِهِ الْمَوْتَ وَ الْحَیَاةَ یَا مَنْ فِعْلُهُ قَوْلٌ وَ قَوْلُهُ أَمْرٌ وَ أَمْرُهُ مَاضٍ عَلَی مَا یَشَاءُ.
أَسْأَلُكَ بِالاسْمِ الَّذِی دَعَاكَ بِهِ خَلِیلُكَ حِینَ أُلْقِیَ فِی النَّارِ فَدَعَاكَ بِهِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَ قُلْتَ یا نارُ كُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ وَ بِالاسْمِ الَّذِی دَعَاكَ بِهِ مُوسَی مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَیْمَنِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ عِیسَی مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ وَبِالاسْمِ الَّذِی تُبْتَ عَلَی دَاوُدَ وَبِالاسْمِ الَّذِی وَهَبْتَ لِزَكَرِیَّا یَحْیَی وَبِالاسْمِ الَّذِی كَشَفْتَ بِهِ عَنْ أَیُّوبَ الضُّرَّ وَتُبْتَ بِهِ عَلَی دَاوُدَ سَخَّرْتَ بِهِ لِسُلَیْمَانَ الرِّیحَ تَجْرِی بِأَمْرِهِ وَ الشَّیَاطِینَ وَ عَلَّمْتَهُ مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَبِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الْعَرْشَ وَبِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الْكُرْسِیَّ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الرُّوحَانِیِّینَ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ جَمِیعَ الْخَلْقِ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ جَمِیعَ مَا أَرَدْتَ مِنْ
ص: 187
شَیْءٍ وَ بِالاسْمِ الَّذِی قَدَرْتَ بِهِ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ أَسْأَلُكَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ إِلَّا مَا أَعْطَیْتَنِی سُؤْلِی وَ قَضَیْتَ حَوَائِجِي يَا كَرِيم.
فَإِنَّهُ یُقَالُ لَكِ یَا فَاطِمَهُ نَعَمْ نَعَمْ. (1)
{62}
[163] عن سليمان قال: سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يحدِّث عن أبيه أنّه قال: سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول:
إنّ جبرئيل أتى إليّ بسبع كلمات، وهي الّتي قال اللّه تعالى: «وَإِذِ ابْتَلَى
ص: 188
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ»(1) وأمرني أن أعلّمكم وهي سبع كلمات من التوراة بالعبريّة ففسّرها لعلي بن أبي طالب: يا اللّه يا رحمن يا ربّ يا ذا الجلال والإكرام يا نور السماوات والأرض یا قریب یا مجيب، فهؤلاء سبع كلمات.
فلمّا قام رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) دخل عبداللّه بن سلام ونحن نتذاكر هذا الحديث، فلمّا سمع عبداللّه كبّر، فدخل رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فرآه يكبّر ويهلّل؛ فقال: ما شأنك یا عبداللّه؟ فقال: يا رسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ إنّ هذه الأسماء أنزلها جبرئیل على إبراهيم [وكان] يردّدها ففيهنّ اتّخذه اللّه خليلاً، وما من عبد يجمعهنّ في جوفه إلّا جعله اللّه في جوفه حجاباً لايخلص إليه الشيطان أبداً، ولا يسلّط عليه أبداً حتّی يلقى اللّه على ذلك، فينزله دار الجلال، فمن دعا بهنّ في سبع ليال بقين من رجب عند انفجار الصبح أعطاه اللّه جوائزه وولايته.
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا عبداللّه أتدري كيف فعل إبراهيم لمّا أنزل اللّه عليه هؤلاء الكلمات؟ قال: لمّا نزل جبرئیل سأله إبراهيم كيف يدعو بهنّ؟ قال: صم رجباً حتّی إذا بلغت سبع ليال آخر ليلة قم فصلّ ركعتين بقلب وجل، ثمّ سل اللّه الولاية والمعونة والعافية والرفعة في الدنيا والآخرة والنجاة من النار. (2)
{63}
[164] یا باطِناً فی ظُهُورِه، وَیا ظاهِراً فی بُطُونِه، یا باطِناً لَیْسَ یَخْفی
ص: 189
یا ظاهِراً لَیْسَ یُری، یا مَوْصُوفاً لا یَبْلُغُ بِكَیْنُونَتِه مَوْصُوفٌ وَ لا حَدٌّ مَحْدُودٌ،
یا غائِباً غَیْرَ مَفْقُودٍ، وَ یا شاهِداً غَیْرَ مَشْهُودٍ، یُطْلَبُ فَیُصابُ لَمْ یَخْلُ مِنْهُ السَّماواتُ وَ الاْرْضُ وَ ما بَیْنَهُما طَرْفَهَ عَیْنٍ لا یُدْرَكُ بِكَیْفٍ، وَ لا یُأَیَّنُ بِاَیْنٍ وَ لا بِحَیْثٍ.
اَنْتَ نُورُ النُّورِ، وَرَبُّ الاْرْبابِ اَحَطْتَ بِجَمیعِ الاْمُورِ سُبْحانَ مَنْ لَیْسَ كَمِثْلِه شَیْءٌ، وَ هُوَ السَّمیعُ الْبَصیرُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ هكَذا، وَ لا هكَذا غَیْرُهُ. (1)
{64}
[165] شكا رجل إلى الحسن بن علي (عَلَيْه السَّلَامُ) جاراً يؤذيه، فقال له الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ):
إذا صلّيت المغرب، فصلّ ركعتين، ثمّ قل:
یا شديدَ المِحالِ یا عَزيزُ، أذلَلتَ بِعِزَّتِكَ جَميعَ ماخَلَقتَ، إكفِني شَرَّ فُلانٍ بِماشِئت.
قال: ففعل الرجل ذلك، فلما كان في جوف الليل، سمع الصراخ وقيل: فلان قد مات الليلة. (2)
ورواه في موضع آخر(3): نقلاً عن الزمخشري في كتاب «ربيع الأبرار»،
ص: 190
هكذا:
شكا رجل إلى الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ) مظلمةً، فقال: إذا صلّيت الركعتين بعد المغرب، فاسجد وقل:
یا شديدَ القُوى، یا شَدیدَ المِحالِ ياعَزيزُ، أذلَلتَ بِعِزَّتِكَ جَميعَ مَن خَلَقتَ، صَلِّ عَلَى محمّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ، وَاكفِنِي مَؤُونَةَ فُلانٍ بِمَا شِئتَ. (1)
{65}
[166] یَا عُدَّتِی عِنْدَ كُرْبَتِی یَا غِیَاثِی(2) عِنْدَ شِدَّتِی وَ یَا وَلِیِّی فِی نِعْمَتِی یَا مُنْجِحِی فِی حَاجَتِی یَا مَفْزَعِی فِی وَرْطَتِی یَا مُنْقِذِی مِنْ هَلَكَتِی یَا كَالِئِی فِی وَحْدَتِی.
اغْفِرْ لِی خَطِیئَتِی وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِی وَ اجْمَعْ لِی شَمْلِی وَ أَنْجِحْ لِی طَلِبَتِی وَ أَصْلِحْ لِی شَأْنِی وَ اكْفِنِی مَا أَهَمَّنِی وَ اجْعَلْ لِی مِنْ أَمْرِی فَرَجاً وَ مَخْرَجاً وَ لَا تُفَرِّقْ بَیْنِی وَ بَیْنَ الْعَافِیَهِ أَبَداً مَا أَبْقَیْتَنِی وَ فِی الْآخِرَهِ إِذَا تَوَفَّیْتَنِی بِرَحْمَتِكَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ. (3)
ص: 191
{66}
[167] روي أنّه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أحزنه أمر، خلا في بيت ودعا بهذا الدعاء:
یا كهیعص، یانُورُ یا قُدّوس، یا خَبيرُ يا اللّه يا رحمان - ثلاثاً.
إغفر ليَ الذُنوبَ الّتي تَحِلُّ بِهَا النِّقَمُ، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الّتي تُغَيِّرُ النِّعَم، واغفِر ليَ الذُنوبَ الّتي تَهتِكُ العِصَم، واغفِر ليَ الذُنوبَ الَّتي تُنزِلُ البلاءَ، واغفِر ليَ الذُنوبَ التي تُعَجِّلُ الفَناء.
واغفِر ليَ الذُنوبَ الَّتي تُديلُ الأعداء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَقطعُ الرَّجاء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تُمسِكُ غَيثَ السَماء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تُظلِمُ الهَواء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَكشِفُ الغِطاء.
ثمّ يدعو بما یرید. (1)
{67}
[198]یا مَن إلَیهِ یَفِرُّ الهارِبونَ، وبِهِ یَستَأنِسُ المُستَوحِشونَ، صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَاجعَل اُنسی بِكَ، فَقَد ضاقَت عَنّی بِلادُكَ، وَاجعَل تَوَكُّلی عَلَیكَ، فَقَد مالَ عَلَیَّ أعداؤُكَ.
اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجعَلنی بِكَ أصولُ وبِكَ أجولُ، وعَلَیكَ أتَوَكَّلُ وإلَیكَ اُنیبُ.
اللّهُمَّ وما وَصَفتُكَ مِن صِفَةٍ أو دَعَوتُكَ مِن دُعاءٍ یُوافِقُ ذلِكَ مَحَبَّتَكَ
ص: 192
ورِضوانَكَ ومَرضاتَكَ فَأَحیِنی عَلی ذلِكَ وأَمِتنی عَلَیهِ، وما كَرِهتُ مِن ذلِكَ، فَخُذ بِناصِیَتی إلی ما تُحِبُّ وتَرضی.
بُؤتُ إلَیكَ رَبّی مِن ذُنوبی، وأَستَغفِرُكَ مِن جُرمی، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ، لا إلهَ إلّا هُوَ الحَلیمُ الكَریمُ، وصَلَّی اللّهُ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَاكفِنا مُهِمَّ الدُّنیا وَالآخِرَةِ، فی عافِیَةٍ یا رَبَّ العالَمینَ. (1)
{68}
[169] یَا مَن بِسُلطَانِهِ یَنتَصِرُ المَظلُومُ، وَبِعَونِهِ یَعتَصِمُ المَكلُومُ، سَبَقَت مَشِیَّتُكَ وَتَمَّت كَلِمَتُكَ وَأَنتَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدِیرٌ وَبِمَا تُمضِیهِ خَبِیرٌ.
یَا حَاضِرَ كُلِّ غَیبٍ وَیَا عَالِمَ كُلِّ سِرٍّ وَمَلجَأَ كُلِّ مُضطَرٍّ ضَلَّت فِیكَ الفُهُومُ وَتَقَطَّعَت دُونَكَ العُلُومُ، َأَنتَ اللّهُ الحَیُّ القَیُّومُ الدَّائِمُ الدَّیمُومُ،.
قَد تَرَی مَا أَنتَ بِهِ عَلِیمٌ وَفِیهِ حَكِیمٌ وَعَنهُ حَلِیمٌ، وَأَنتَ بِالتَّنَاصُرِ عَلی كَشفِهِ وَالعَونِ عَلی كَفِّهِ غَیرُ ضَائِقٍ، وَإِلَیكَ مَرجِعُ كُلِّ أَمرٍ، كَمَا عَن مَشِیئَتِكَ مَصدَرُهُ.
وَقَد أَبَنتَ عَن عُقُودِ كُلِّ قَومٍ، وَأَخفَیتَ سَرَائِرَ آخَرِینَ، وَأَمضَیتَ مَا قَضَیتَ، وَأَخَّرتَ مَا لا فَوتَ عَلَیكَ فِیهِ، وَحَمَلتَ العُقُولَ مَا تَحَمَّلَت فِی غَیبِكَ، لِیَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَیِّنَهٍ وَیَحیا مَن حَیَّ عَن بَیِّنَهٍ، وَإِنَّكَ أَنتَ السَّمِیعُ العَلِیمُ الأَحَدُ البَصِیرُ.
وَأَنتَ اللّه المُستَعَانُ وَعَلَیكَ التَّوَكُّلُ، وَأَنتَ وَلِیُّ مَا تَوَلَّیتُ لَكَ الأَمرُ كُلُّهُ، تَشهَدُ الانفِعَالَ وَتَعلَمُ الاختِلالَ، وَتَرَی تَخَاذُلَ أَهلِ الخِبَالِ وَجُنُوحَهُم إِلَی
ص: 193
مَا جَنَحُوا إِلَیهِ مِن عَاجِلٍ فَانٍ وَحُطَامٍ عُقبَاهُ حَمِیمٌ آنٍ، وَقُعُودَ مَن قَعَدَ وَارتِدَادَ مَنِ ارتَدَّ، وَخُلُوِّی مِنَ النُّصَّارِ وَانفِرَادِی عَن الظُّهَارِ، وَبِكَ أَعتَصِمُ وَبِحَبلِكَ أَستَمسِكُ وَعَلَیكَ أَتَوَكَّلُ.
اللّهُمَّ فَقَد تَعلَمُ أَنِّی مَا ذَخَرتُ جُهدِی وَلا مَنَعتُ وُجدِی، حَتَّی انفَلَّ حَدِّی وَبَقِیتُ وَحدِی، فَاتَّبَعتُ طَرِیقَ مَن تَقَدَّمَنِی فِی كَفِّ العَادِیَهِ وَتَسكِینِ الطَّاغِیَهِ، عَن دِمَاءِ أَهلِ المُشَایَعَهِ، وَحَرَستُ مَا حَرَسَهُ أَولِیَائِی مِن أَمرِ آخِرَتِی وَدُنیَایَ.
فَكُنتُ لِغَیظِهِم أَكظِمُ وَبِنِظَامِهِم أَنتَظِمُ وَلِطَرِیقِهِم أَتَسَنَّمُ وَبِمِیسَمِهِم أَتَّسِمُ، حَتَّی یَأتِیَ نَصرُكَ وَأَنتَ نَاصِرُ الحَقِّ وَعَونُهُ، وَإِن بَعُدَ المُدَی مِنَ المُرتَادِ وَنَأَی الوَقتُ عَن إِفنَاءِ الأَضدَادِ.
اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ واخرُجهُم مَعَ النُّصَّابِ فِی سَرمَدِ العَذَابِ، وَأَعمِ عَنِ الرُّشدِ أَبصَارَهُم، وَسَكِّعهُم فِی غَمَرَاتِ لَذَّاتِهِم، حَتَّی تَأخُذَهُم بَغتَةً وَهُم غَافِلُونَ، وَسُحرَةً وَهُم نَائِمُونَ، بِالحَقِّ الَّذِی تُظهِرُهُ، وَالیَدِ الَّتِی تَبطِشُ بِهَا، وَالعِلمِ الَّذِی تُبدِیهِ، إِنَّكَ كَرِیمٌ عَلِیم.(1)
ص: 194
{69}
[170] حدّثنا يزيد بن محمّد بن سنان، عن أبيه، عن جدّه قال: حدّثني الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:
بينا أنا ذات ليلة أطوف بالبيت مع أبي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وقد هدأت الأصوات ونامت العيون، إذ سمع هاتفاً يهتف بصوت شجي ويقول:
يا من يجيب دعا المضطرّ في الظلم *** یا كاشف الضرّ والبلوى مع الألم
ص: 195
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا *** يدعوا وعينك يا قيّوم لم تنم
هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي *** يا من إليه أتى الحُجّاج في الحرم
إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالكرم؟!
قال الحسن: فقال: يابني أما تسمع صوت النادب لذنبه المستقيل لربّه الحقه فأتني به.
قال: فلحقته وقلت: أجب ابن عمّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
فقال: سمعاً وطاعة، ثمّ جاء فسلّم عليه فرّد عليه السلام فقال: ما اسمك؟ قال: منازل بن لاحق. قال: من العرب أنت؟ قال: نعم. قال: وما شأنك وقصّتك؟ فبكى وقال: ما قصّة من أسلمته ذنوبه وأوثقته عيوبه.
قال: اشرح حالك.
قال: كنتُ شاباً مقيماً على اللّهو واللعب والطرب، وكان لي والد يعظني كثيراً ويقول: يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته، فإنّ للّه سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، فكان كلّما ألحّ عليّ بالموعظة الححت عليه بالضرب، فألحّ عليّ يوماً فأوجعته ضرباً، فحلف ليأتينّ البيت الحرام فيتعلّق بأستار الكعبة، ويدعو عليّ، فخرج إلى مكّة وتعلّق بأستار الكعبة ودعا عليّ فقال:
يا من إليه أتى الحُجّاج قد قطعوا *** أرض التهامة من قرب ومن بعد
إنّي أتيتك يامن لا يخيب من *** يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد
هذا منازل لايرتد عن عققي *** فخذ بحقّي یا رحمان من ولدي
وشل منه بحول منك جانبه *** یا من تقدس لم يولد ولم يلد
قال: واللّه ما استتمّ كلامه حتّی نزل بي ما ترئ، ثمّ كشف عن شقّه الأيمن فإذا هو يابس.
ص: 196
قال: فلم أزل أترضّاه وأخضع له وأسأله العفو عنّي إلى أن رقّ لي ووعدني أن يأتي المكان الّذي دعا عليّ فيه فيدعو لي هناك.
قال: فحملته على ناقة عشراء وخرجت أقفو أثره حتّی إذا صرنا وادي الأراك طار طائر من شجرة فنفرت الناقة فرمت به بين أحجار فرضخت رأسه فمات فدفنته هناك وأقبلت آیساً وأعظم ما ألقاه أني لا أعرف إلّا بالمأخوذ بعقوق والده.
قال الحسن: فقال له أبشر فقد أتاك الغوث، ثمّ صلّى ركعتين وأمره فكشف عن شقّه فدعا له مرّات يردّد الأدعية ويمسح بيده على شقّه فعاد صحيحاً كما كان، فكاد عقل الرجل أن يذهب!
فقال له أبي: لولا أنّه سبق وعد أبيك بالدعاء لك لما دعوت لك.
ثمّ قال: يابُني احذروا دعاء الوالدين، فإنّ في دعائهما النماء والإنجبار والاستيصال والبوار. (1)
{70}
[171] عن الحسن الزكي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال:
ص: 197
أكتب على ورقة: «يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»(1) وعلّقه على المحموم، وإذا أخذته الحُمّى يكتَب في قرطاس هذه الآية ويُشَدّ على عضده: «قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ».(2)
ويُكتب: «بطلط، بطلطلط».
ويقول: «عقدتُ على اسم اللّه حمّى فلان» ويشدّ على ساقه اليسرى. (3)
ص: 198
ص: 199
{1}
[172] عن علي بن الحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ): سألت خالي هند بن أبي هالة(1) عن حلية رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وكان وصّافاً للنبيّ (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال: كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فخماً مفخّماً، يتلألؤ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشدّب، عظیم الهامة(2) رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته (3) فرق، وإلّا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذاً هو وفرةٌ، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجُ الحواجب(4)، سوابغ في غير قرن، بينهما له(5) عرقٌ يدرّه الغضب، أقنى العرنین، له نورٌ يعلوه، يحسبه من لم يتأمّله أشمّ(6)، كثّ اللحية، سهل الخدّين، ضليع الفم، أشنب مفلّج الأسنان، دقیق المسربة، كأنّ عنقه جيد دمية(7) في صفاء الفضّة، معتدل الخلق، بادناً متماسكاً، سواء البطن والصدر(8)، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور
ص: 200
المتجرّد، موصول مابين اللبة والسرّة بشعر يجري كالخطّ، عاري الثديين والبطن ممّا سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين، وأعالي الصدر، طویل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفّين والقدمين، سائل الأطراف، سبط القصب، خمصان الأخمصين، مسیح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعاً، يخطو تكفّؤاً، ويمشي هوناً، ذريع المشية(1)، إذا مشى كأنّما ينحطّ في صيب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يبدر(2) من لقيه بالسلام.
قال: قلت: فصف لي منطقه.
فقال: كان (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) مواصل(3) الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحةٌ، ولا يتكلّم في غير حاجة (4)، يفتتح الكلام، ويختمه بأشداقه(5)، يتكلّم بجوامع الكلم فصلاً، لافضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، تعظم عنده النعمة وإن ذقّت، لا يذمّ منها شيئاً غير أنّه كان لا يذمّ ذواقاً (6) ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيءٌ حتّی ينتصر له(7) إذا أشار أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجّب قلّبها، وإذا تحدّث
ص: 201
اتّصل بها، يضرب(1) براحته اليمن باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه(2)، جلّ ضحكه التبسّم، يفترّ عن مثل حبّ الغمام. (3)
قال الحسن: فكتمتها(4) الحسين زماناً، ثمّ حدّثته فوجدته قد سبقني إليه، وسأله عمّا سألته عنه، ووجدته(5) قد سأل أباه عن مدخل النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ومخرجه، ومجلسه وشكله، فلم يدع منه شيئاً.
قال الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ): سألت أبي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن مدخل رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال: كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك، فإذا أوى إلى منزله جزّاً دخوله ثلاثة أجزاء: جزء للّه، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثمّ جزّأ جزءه بينه وبين الناس، فيردّ ذلك بالخاصّة على العامّة، ولا يدّخر(6) عنهم منه شيئاً، وكان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل بإذنه و قسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذوالحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذوالحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم
ص: 202
فيما أصلحهم والأمّة من مسألته عنهم(1)، وإخبارهم بالّذي ينبغي(2)، ويقول: «ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته(3)، فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يقدر على إبلاغها(4) ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة» لا يذكر عنده إلّا ذلك، ولا يقيد(5) من أحد عثرةً يدخلون روّاداً ولا يفترقون إلّا عن ذواق، ويخرجون أدلّةً.
فسألته(6) عن مخرج رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كيف كان يصنع فيه؟
فقال: كان (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) (7) يخزن لسانه إلّا عمّا يعنيه، ويؤلّفهم ولا ينفرهم(8)، ويكرم كریم كلّ قوم، ويولّيه عليهم، ويحذر الناس(9) ويحترس منهم من غير أن يوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقّد أصحابه، ويسأل الناس عمّا في الناس(10)، ويحسّن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف،
ص: 203
لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا(1)، ولا يقصر عن الحقّ ولا يجوزه، الّذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعمّهم نصيحةً للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلةً أحسنهم مواساةً وموازرةً.
قال: وسألته(2) عن مجلسه؟
فقال: كان (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لا يجلس ولا يقوم إلّا على ذكر(3)، ولا يوطن الأمان(4) وينهي عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كلّ جلسائه نصيبه، ولا يحسب أحد من جلسائه أنّ أحداً(5) أكرم عليه منه، من جالسه ضابره(6) حتّی يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرجع إلّا بها(7)، أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه خلقه، وصار لهم أباً(8)، وصاروا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس حلم و حیاء وصدق
ص: 204
وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن(1) في الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلين(2) متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين يوقّرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذاالحاجة، ويحفظون الغريب. (3)
فقلت: فكيف كانت سيرته في جلسائه؟
فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيّب فيه مؤمّلیه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحداً، ولا يعيره، ولا يطلب عورته ولا عثراته(4)، ولا يتكلّم إلّا فيما رجا(5) ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطر، وإذا سكت تكلّموا ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلّم أنصتوا له حتّی يفرغ(6) حديثهم عنده حديث أوليهم(7)، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته و منطقه حتّی أن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه(8)،
ص: 205
ولا يقبل الثناء إلّا من مكافىء، ولا يقطع على أحد كلامه حتّی يجوز(1) فيقطعه بنهي(2) أو قيام.
قال: فسألته عن سكوت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)؟
فقال: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير(3)، فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والإستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّ، وجمع له الحذر في أربع(4): أخذه الحسن ليقتدي به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاده الرأي في صلاح(5) أمّته، والقيام فيماجمع(6) لهم خير الدنيا والآخرة. (7)
{2}
[173] قال: سمعتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: خُلِقتُ مِن نُورِ اللّهِ عزّ وجلّ، وخَلَقَ أهل بيتي مِن نوري، وخَلَقَ مُحِبّيهم مِن نورِهم، وسائر
ص: 206
الناس في النار. (1)
{3}
[176] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): خُلِقتُ أنا وعليّ من نور واحد. (2)
{4}
[175] روي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:
إنّ اللّه تعالى خلق محمّداً و إثني عشر من أهل بيته من نور عظمته،
ص: 207
هم الأئمّة بعده. (1)
{5}
[179] عن الحسن (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فسأله أعلمهم عن أشياء، منها: أنّه قال: يا محمّد! أخبرني عن خسمة أشياء مكتوبات في التوراة أمر اللّه بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها من بعده.
قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): فأنشدتك باللّه إن أنا أخبرتك تقرّ لي؟
قال اليهودي: نعم يا محمّد.
قال: فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أوّل ما في التوراة مكتوب: محمّد رسول اللّه وهي بالعبرانيّة «طاب» ثمّ تلا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) هذه الآية: «يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ»(2) «وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»(3) وفي السطر الثاني: اسم وصيّي عليّ بن أبي طالب، والثالث والرابع سبطيّ: الحسن والحسين، وفي السطر الخامس: أمّهما فاطمة سيّدة نساء العالمين - صلوات اللّه عليها. وفي التوراة اسم وصيّي «إليا» واسم السبطین «شبر و شبیر» وهما نورا فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ).
قال اليهودي: صدقت یا محمّد. (4)
ص: 208
{6}
[177] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):
قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إنّ الأنبياء إنّما فضّلهم اللّه تعالى على خلقه أجمعين لشدّة مُداراتِهِم لأعداء دين اللّه وحُسنِ تَقِيَّتهم لأجل إخوانِهم في اللّه. (1)
{7}
[178] عن الإمام الهمام الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:
بعث اللّه محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إلى العرب وهم قدريّة يَحمِلونَ ذنوبَهم على اللّه تعالی. (2)
{8}
[179] محمّد وعليّ صلوات اللّه عليهما أبوا هذه الأمّة، فطوبى لمن كان بحقّهما عارفاً، ولهما في كلّ أحواله مطيعاً، يجعله اللّه من أفضل سكّان جنانه ويسعده بكراماته ورضوانه. (3)
ص: 209
{9}
[180] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): أنّه جاء نفر من اليهود واستأذن أعلمهم من النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أن يسأله عن أشياء، فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): سلني عمّ شئت، وجبرئیل عن يمين النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ومیكائیل عن يساره يلقّنانه.
فقال اليهودي: لأيّ شيء سمّیت محمّدا وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعياً؟
فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أمّا محمّد فإنّي محمود في الأرض، وأمّا أحمد فإنّي محمود في السماء، وأمّا أبو القاسم فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقسّم القامة قسمة النار، فمن كفر بي من الأوّلين والآخرين ففي النار، ويقسّم قسمة الجنّة، فمن آمن بي وأقر بنبوّتي ففي الجنّة، وأمّا الداعي فإنّي أدعو الناس إلى دين ربّي، وأمّا النذير فإنّي أُنذر بالنار من عصاني، وأمّا البشير فإنّي أبشّر بالجنّة من أطاعني.
قال: صدقتَ يا محمّد. (1)
{10}
[181] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن جدّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّه قال: أكثروا الصلاة عليّ، فإنّ صلاتكم عليّ مغفرةٌ لذنوبكم، واطلبوا لي الدرجة والوسيلة، فإنّ وسيلتي
ص: 210
عند ربّي شفاعةٌ لكم. (1)
{10}
[182] قال الطبراني: حدّثنا أحمد بن رشدين المصري، ثنا سعید بن أبي مريم(2) ثنا محمّد بن جعفر (3) عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيه: أنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: حيثُ ما كنتم فصلّوا عليّ، فإنّ صلاتكم تبلُغُني. (4)
{12}
[183] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): مَن قال: صلّى اللّه على محمّد وآله قال اللّهُ جلّ جلاله: صلّى اللّه عليك، فليكثر من ذلك. (5)
ص: 211
{13}
[186] قال الطبراني: حدّثنا العباس(1) بن حمدان الأصبهاني حدّثنا شعیب(2) بن عبدالحميد الطحان، حدّثنا يزيد(3) بن هارون أنا شيبان(4) عن الحكم بن عبداللّه بن خُطّاف، عن أم أنيس بنت الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) عن أبيها قال:
قالوا: يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه عزوجل: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ»(5) قال: إنّ هذا لَمِن المكتوم، ولولا أنِكم سألتُموني عنه ما أخبرتُكم، إنّ اللّه عزّ وجلّ وكّل بي ملكَين، لا أذكر عندَ عبدٍ مُسلم، فيُصلّي عليّ إلّا قال ذاناك الملَكانِ: غفر اللّه لك، وقال اللّه وملائكتُه جواباً لذينك الملكين آمين، ولا يصلّي علىّ أحدٌ إلّا قال ذاناك الملكان: غفر اللّه لك وقال اللّه وملائكتُه جواباً لذينك الملكين آمين. (6)
ص: 212
{14}
[185] فرض اللّه عزّ وجلّ الصلاة على نبيّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على كافّة المؤمنین.
فقالوا: كيف الصلاة عليك؟
فقال: قولوا: «اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد» فحقّ على كلّ مسلم أن يصلّي علينا مع الصلاة على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فريضة واجبة. (1)
{15}
[189] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من قال: «صلّى اللّه على محمّد» ولم يصلّ على آله لميجد ريح الجنّة، وريحها من مسيرة خمسمائة عام. (2)
{16}
[187] كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إذا سأله أحدٌ حاجةً لم يردّه إلّا بها أو بميسور من القول. (3)
ص: 213
{17}
[188] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) في حديث طويل: إنّ النبيّ (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال في جواب نفر من اليهود سألوه عن مسائل:
«وأمّا شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم».(1)
{18}
[189] روى الصادق جعفر بن محمّد: عن آبائه (عَلَيْهِم السَّلَامُ) أنّهم قالوا: بينا الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ذات يوم في حجر رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إذ رفع رأسه فقال:
يا أبت ما لمن زارك بعد موتك؟
فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يابنيّ من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة. (2)
{19}
[190] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): يا رسول اللّه ما لمن زارنا؟
ص: 214
قال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك حيّاً أو ميّتاً، أو زار أخاك حيّاً أو ميّتاً، أو زارك حيّاً أو ميّتاً كان حقّاً عليّ أن أستنقذه يوم القيامة. (1)
{20}
[191] قال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا أبت ما جزاءُ مَن زارك؟
قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): بُنيَّ مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك كان حقّاً على اللّه عزّ وجلّ أن أزورَه يومَ القيامةِ فأخلّصه من ذنوبه. (2)
{21}
[192] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا أبتاه ماجزاء من زارك؟
ص: 215
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يابنيّ مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك أو أخاك أو زارك كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيامة، فأخلّصه من ذنوبه. (1)
{22}
[193] عن جابر بن عبداللّه وعبداللّه بن عباس في قول اللّه عزّ وجلّ: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً»(2) قال: لمّا نزلت قال محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «يا جبريلُ نَفسي قد نُعِيَت». قال جبريل (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يُعطيك ربّك فترضى.
فأمر رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بلالاً أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه عزّ وجلّ وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبة وجلت منها القلوب وبكت العيون ثمّ قال:
أيّها الناس! أيّ نبي كنت لكم؟
فقالوا: جزاك اللّه مِن نبيّ خيراً، فلقد كنت بنا كالأب الرحیم وكالأخ الناصح المشفق، أدّيت رسالات اللّه عزّ وجلّ، وأبلغتنا وحيه ودعوتَ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك اللّه عنّا أفضل ماجازئ نبيّاً عن أمّته.
ص: 216
فقال لهم: معاشر المسلمين أنا أُنشدكم باللّه وبحقّي عليكم مَن كانت له قِبَلي مظلمةٌ فليقم فليقتصّ منّي! فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثانية، فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثالثة: معاشر المسلمين أُنشدكم باللّه وبحقّي عليكم مَن كانت له قِبَلي مظلمةٌ فليقم فليقتصّ منّي قَبلَ القِصاص في القيامة.
فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطّى المسلمين حتّی وقف بين يدي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال: فداك أبي وأمّي لولا أنّك ناشدتنا مرّة بعد أخرى ما كنت بالّذي قدم على شيء من هذا، كنت معك في غزاة فلمّا فتح اللّه عزّ وجلّ علينا ونصر نبيّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وكنّا في الإنصراف حاذت ناقتي ناقتك، فنزلتُ عن الناقة ودنوتُ منك لأقبل فخذك، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، ولا أدري أكان عمداً منك أم أردت ضرب الناقة؟!
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أعيذُك بجلالِ اللّه أن يتعمّدك رسولُ اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بالضرب، یا بِلالُ انطلق إلى مَنزِل فاطمة وائتِني بالقَضيب المَمشُوق.
فخرج بلال من المسجد ويده على أمّ رأسه وهو ينادي: هذا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يعطي القصاص من نفسه، فقرع الباب على فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللّه ناوليني القضيب الممشوق.
فقالت فاطمة: يا بلال! ومايصنع أبي بالقضيب وليس هذا يوم حجّ ولا غزاة؟
فقال: يا فاطمة! ما أغفلكِ عمّا فيه أبوكِ، إن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يودع الدين ويفارق الدنيا ويعطي القِصاص من نفسه.
فقالت فاطمة (رضي اللّه عنها): يا بلال ومَن ذا الّذي تطيب نفسه أن يقتصّ من رسول اللّه؟! یا بلال إذن فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل،
ص: 217
فيقتصّ منهما ولا يدعانه يقتصّ من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فدخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ودفع رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) القضيب إلى عكاشة، فقام عليّ بن أبي طالب فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ولا تطيب نفسي أن يُضرب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فهذا ظهري وبطني اقتصّ منّي بيدك واجلدني مائة ولا تقتصّ من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال النبي: يا علي أقعد فقد عرف اللّه عزّ وجلّ مقامك ونيّتك.
وقام الحسن والحسين (رضي اللّه عنهما) فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنّا سبطا رسول اللّه؟ فالقصاص منّا كالقصاص من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لهما: أقعدا يا قرّة عيني لانسيَ اللّه لكما هذا المقام.
ثم قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا عكاشة اضرب إن كنت ضارباً.
فقال: يا رسول اللّه ضربتني وأنا حاسر عن بطني، فكشف عن بطنه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وصاح المسلمون بالبكاء، وقالوا: أترى عكاشة ضارب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)؟!
فلمّا رأى عكاشة إلى بياض بطن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كأنّه القباطي، لم يملك أن كبّ عليه وقبّل بطنه وهو يقول: فداء لك أبي وأمّي ومن تطيق نفسه أن يقتصّ منك؟
فقال له النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إمّا أن تضرب وإمّا أن تعفو.
فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو اللّه عنّي في القيامة.
فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنّة فلينظر إلى هذا الشيخ.
فقام المسلمون فجعلوا يقبّلون ما بين عيني عكاشة، ويقولون: طوباك
ص: 218
طوباك نلت الدرجات العُلى ومرافقة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). (1)
{23}
[194] قال الصدوق (قدّس سرّه) في «المجالس» في ضمن حديث:
أُغمي على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك اللّه، فخرج رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وصلّى بالناس وخفّف الصلاة، ثمّ قال: ادعوا إلىّ علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فجاء فوضع (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يده على عاتق علي والأخرى على أسامة، ثمّ قال: انطلقا بي إلى فاطمة فجاءا به حتّی وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يبكيان ويصطرخان وهما يقولان:
أنفسنا لنفسك الفداء ووجوهنا لوجهك الوقاء.
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من هذان يا علي؟
قال: هذان ابناك الحسن والحسين، فعانقهما وقبّلهما، وكان الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أشدّ بكاء، فقال له: كفّ یا حسن فقد شققت على رسول اللّه. (2)
ص: 219
ص: 220
ص: 221
{1}
[195] جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وسأل أعلمهم أشياء منها:
أنّه قال: يا محمّد أخبرني عن فضلكم أهل البيت.
قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لي فضل على النبيّين، فما من نبيّ إلّا دعا على قومه بدعوة وأنا أخّرت دعوتي لأمّتي لأشفع لهم يوم القيامة، وأمّا فضل أهل بيتي وذرّيتي على غيرهم كفضل الماء على كلّ شيء، وبه حياة كلّ شيء، وحبّ أهل بيتي وذرّيتي استكمال الدين؛ وتلا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بهذه الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (1) إلى آخر الآية.
قال اليهودي: صدقتَ يا محمّد. (2)
{2}
[196] قال: واللّه لا يحبّنا عبدٌ أبداً ولو كان أسيراً بالديلم إلّا نفعه اللّه بحبّنا، وإنّ حبّنا لیساقط الذنوبَ من إبنِ آدم كما یُساقط الريحُ الورقَ من الشجر. (3)
ص: 222
[197] نحن الأوّلون، ونحن الآخرون، ونحن الآمرون، ونحن النور ننوّر الروحانيّين بنورِ اللّه، ونروّحهم بروحه، فينا مسكنه، وإلينا معدنه، الآخِرُ منّا كالأوّل، والأوّل منّا كالآخر. (1)
{4}
[198] قال (عليه السلام) بعد كلام ذكر فيه حكمة الفرائض:
ولولا محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) والأوصياء من ولده (عَلَيْهِم السَّلَامُ) كنتم حیاری كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل يدخل قرية إلّا من بابها؟
فلمّا منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قال: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (2) . (3)
ص: 223
{5}
[199] عنه (عليه السلام) أنّه قال: سمعتُ رسول اللّه (صلّى اللّه علیه (وآله) وسلّم) يقول:
«أوّلُ مَن يَرِدُ عَلَىَّ الحوضَ أهلُ بيتي، ومَن أحبّني مِن أمّتي. (1)
{6}
[200] روى أبو الفرج في ترجمة الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): عن سفيان بن الليل أنّه أتى الإمام بعد موادعته وجلس إليه وسأله عن الموادعة... إلى أن قال:
ثمّ أذّن المؤذّن فقمنا على حالب يحلب ناقة فتناول إناء فشرب قائماً ثمّ سقاني فخرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟
قلت: حبّكم والّذي بعث محمّداً بالهدى ودين الحقّ.
قال: فأبشر يا سفیان! فإنّي سمعت عليّاً يقول: سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: يرد علىَّ الحوض أهل بيتي ومن أحبَّهم من أمّتي كهاتين - يعني السبّابتين أو كهاتين يعني السبّابة والوسطى - إحداهما تفضل على الأخرى. (2)
ص: 224
{7}
[201] علىّ بن هاشم، بإسناده، عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، أنّه قال:
من أحبّنا أهل البيت للّه جلّ ذكره لا لغيره نفعه اللّه سبحانه بحبّنا، إنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم: أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم. (1)
{8}
[202] ألزموا مودّتنا أهل البيت، فإنّه مَن لقي اللّه وهو يودّنا أهل البيت دخل الجنّة بشفاعتنا، والّذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعلمه إلّا بمعرفة حقّنا. (2)
{9}
[203] من أحبّنا بقلبه، ونَصَرنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة الّتي نحن
ص: 225
فيها، ومَن أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه فهو دون ذلك بدرجةٍ، ومَن أحبّنا بقلبه وكفّ بيده ولسانه فهو في الجنّة. (1)
{10}
[204] من أحبّنا نفعه اللّه تعالى بحبّنا، ومن أحبّنا لغير اللّه فإن اللّه يقضي في الأمور مايشاء. (2)
{11}
[205] أما إنّ حبّنا أهل البيت يساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق عن الشجر.
رواه في «وسيلة المآل» (ص 61) قال:
وقال الحافظ جمال الدين الزرندي قال أبو سعيد الخدري (رضي اللّه عنه) سمعت الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) يقوله. (3)
ص: 226
{12}
[20] يرد عليّ أهلُ بيتي ومن أحبّهم من أمّتي هكذا. وقرن بین السبّابتين - ليس بينهما فصلٌ. (1)
{13}
[207] أبو نعيم بإسناده عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، أنّه قال:
مَن أحبّنا للّه جئنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين - وجمع بين إصبعيه المسبحة والوسطى من يده - ولو شئت لقلت: كهاتين - وجمع بين المسبحتين من يديه جميعاً-.
من أحبّنا للدنيا، فإذا جاءت الدنيا إتّسعت للبرّ والفاجر. (2)
ص: 227
{14}
[208] فرض علیكم لأوليائه حقوقاً وأمركم بأدائها إليهم ليحلّ لكم ماوراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة ليعلم من يطيعه منكم بالغيب، ثمّ قال عزّ وجلّ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى».(1)
فاعلموا أنّ من يبخل فإنّما يبخل عن نفسه إن اللّه هو الغنيّ وأنتم الفقراء(2) إليه، فاعملوا: من بعد ما شئتم فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون(3) والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلّا على الظالمين. (4)
{15}
[209] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ):
عليك بالإحسان إلى قرابات أبوي دينك: محمّد وعلي، وإن أضَعتَ قراباتِ أبوي نسبك، فإنّ شكرَ هؤلاء إلى أبَوَي دينِك: محمّد وعليّ أثمَرُ لك مِن شكرِ هؤلاء إلى أبوي نَسَبِك، إنّ قرابات أبَوَي دينك إذا شكروك
ص: 228
عندهما بأقلِّ قليل نَظَرِهما لك يحطّ عنك ذنوبك ملأ ما بين الثرى إلى العرش، وإنّ قرابات أبَوَي نَسَبِك إن شَكرُوك عندهما وقد ضَيَّعتَ قراباتِ أبَوَي دينك لم يُغنِيا عنك فتيلاً. (1)
{16}
[210] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:
مایعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الّذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب، ولانبيّ مرسل، غیر محمّد وذرّيته. (2)
{17}
[211] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): احفظوني في العبّاس فإنّه بقيّة آبائي. (3)
ص: 229
{18}
[212] قال الطبراني: حدّثنا مطلب(1) بن شعيب الأزدي ثنا عبد اللّه بن صالح(2) حدّثني الليث(3) حدّثني إسحاق(4) بن بزرج، عن الحسن بن علي (رضي اللّه عنه) قال: أمرنا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أن نلبس أجود مانجد، وأن نتطيّب بأجود ما نجد، وأن نضحّي بأسمن مانجد، البقرة عن سبعة، والجزور عن عشرة، وأن نُظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار. (5)
{19}
[213] روي عن الإمام المجتبى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال:
مَن دمعت عيناه فينا دمعةً أو قطرت عيناه فينا قطرة أعطاه اللّه عزّ وجلّ الجنّة. (6)
ص: 230
{20}
[214] واللّه البلاء، والفقر والقتل أسرعُ إلى مَن أحبّنا من ركض البرازين، ومن السيل إلى ضميره وهو منتهاه. (1)
[217] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال لمعاوية بن خديج:
یا معاوية! إيّاك وبُغضَنا أهلَ البيت فإنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: لا يُبغضنا أحد ولا يَحسُدنا أحد إلّا ذِيدَ يوم القيامة عن الحوض بسیاطٍ مِن نار. (1)
{25}
[219] عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال:
سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: أنا سيّد النبيّين، وعليّ بن أبي طالب سیّد الوصيّين، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، والأئمّة بعدهما سادة المتّقين، وليّنا وليّ اللّه، وعدوّنا عدوّ اللّه، وطاعتنا طاعة اللّه، ومعصيتنا معصية اللّه عزّ وجلّ. (1)
{26}
[220] عن الأصبغ قال: سمعت الحسنَ بن عليّ يقول:
الأئمّة بعد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إثناعشر، تسعةٌ من صُلبِ أخي الحسينِ، ومنهم مهديُّ هذه الأمّة. (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف) (2)
ص: 233
{27}
[221] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): الأئمّةُ بعدي عدد نقباء بني إسرائيل وحواري عيسى، مَن أحبّهم فهو مؤمنٌ ومَن أبغضهم فهو كافرٌ منافق، هم حُجَجُ اللّهِ على خلقِه وأعلامُه في بريّته. (1)
{28}
[222] عن علي بن الحسین زین العابدین، قال: قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): الأئمّة عدد نقباء بني إسرائيل، ومنّا مهديّ هذه الأمّة. (2)
ص: 234
{29}
[223] عن أبان بن عياش، قال: حدّثني سليمان القصري قال: سألت الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن الأئمّة؟
قال: عدد شهور الحول. (1)
[226] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إذا توالَت أربعة من الأسماء من الأئمّة من ولدي محمّد وعليّ والحسن فرابعهم هو القائم المأمول المنتظر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف). (2)
ص: 235
{31}
[225] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا عليّ إذا تمّ من عدد ولدك أحد عشر إماماً فالحادي عشر منهم المهدي من أهل بيتي. (1)
{32}
[229] واللّه لقد عهد إلينا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّ هذا الأمر يملكه اثناعشر إماماً من ولد علي وفاطمة، ما منّا إلّا مسموم أو مقتول. (2)
{33}
[227] لقد حدّثني حبيبي جدّي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أنّ الأمر يملكه إثناعشر
ص: 236
إماماً من أهل بيته وصفوته ما منّا إلّا مقتول أو مسموم. (1)
{34}
[228] سألتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عن الأئمّة بعده فقال: الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل إثناعشر، أعطاهم اللّه علمي وفهمي، وأنت منهم یا حسن.
قلت: فمتى يخرج یا رسول اللّه قائمنا أهل البيت؟
قال: يا حسن! إنّما مثله كمثل الساعة، ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتةً. (2)
ص: 237
{35}
[229] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إنّ هذا الأمر يملكه بعدي اثناعشر إماماً، تسعةٌ من ولد الحسين (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) علي أعطاهم اللّه علمي و فهمي، ما لقوم يؤذونني فيهم، لا أنالهم اللّه شفاعتي. (1)
{36}
[230] سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أنتَ وارِثُ علمي، أنتَ مَعدِنُ حِكَمي، والإمامُ بعدي، فإذا استُشهِدتَ فابنك الحسنُ، فإذا استُشهِدَ الحسنُ فابنك الحسينُ، فإذا استُشهِدَ الحسينُ فابنُه عليّ يتلوه، وتسعةٌ من صُلبِ الحسين أئمّةٌ أطهار.
فقلتُ: يا رسولَ اللّه فما أسماؤهم؟
قال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): عليّ، ومحمّد، وجعفر، وموسى، وعليّ، ومحمّد، وعليّ، والحسن، والمهديُّ مِن صلب الحسين، يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت
ص: 238
ظلماً و جوراً. (1)
{37}
[231] عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّ جدّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) خطب يوماً وحمد اللّه وأثنى عليه... فلمّا نزل عن منبره قلت: يا رسولَ اللّه أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم؟
قال: يا حسن إنّ اللّه يقول: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(2) فأنا المنذر وعليّ الهادي.
قلت: يا رسول اللّه فقولك: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟
قال: نعم عليّ هو الإمام والحجّة بعدي، وأنت الحجّة والإمام بعده، والحسين هو الإمام والحجّة بعدك، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسین ولد يقال له عليّ، سمي جدّه علي، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده عليّ ابنه، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللّه من صلب علىّ ولداً سميّي، وأشبه الناس بي علمه علمي، وحكمه حكمي، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ويخرج اللّه من صلبه مولوداً يقال له جعفر، أصدق الناس قولاً وفعلاً، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولوداً، سمّي موسی بن عمران أشدّ الناس تعبّداً فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه
ص: 239
تعالى من صلب موسى ولداً يقال له علي معدن علم اللّه، وموضع حكمه، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علي مولوداً يقال له محمد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب محمّد مولوداً يقال له علي فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علي مولوداً يقال له الحسن، فهو الإمام بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب الحسن الحجّة القائم، إمام زمانه، و منقذ أوليائه، يغيب حتّی لا يرى، يرجع عن أمره قوم، ويثبت عليه آخرون، ويقولون متى هذا الوعدُ إن كنتم صادقين، ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّ وجلّ ذلك اليوم حتّی يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، فلا تخل الأرض منكم، أعطاكم اللّه علمي وفهمي، ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي، ومن زرعي وزرع زرعي. (1)
{38}
[232] بيَّنَ الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بعض علائم ظهور الإمام الغائب (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف).
فقالت عميرة بنت نفيل الراوية للخبر: فقلت له: ما في ذلك الزمان من خیر؟
ص: 240
فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الخير كلّه في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله. (1)
{39}
[233] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لا يزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين حتّی ينزل عیسی بن مریم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فيقولون: تقدّم فصلّ بنا، فيقول: يتقدّم إمامُكم، فإنّ اللّه تعالى جعل بعضَكم لبعض أئمةً لكرامة هذه الأمّة. (2)
[23] عنه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال:
لو قام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف) لأنكره الناس لأنّه يرجع إليهم شابّاً، وهم يحسبونه شیخاً كبيراً. (3)
ص: 241
{41}
[235] عن عميرة بنت نفيل: سمعت الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يقول:
لا يكون الأمر الّذي ينتظر حتّی يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. (1)
{42}
[236] العبادة انتظار الفرج. (2)
{43}
[237] رواه زید الجهني أنّه قال: وكذلك حتّی يبعث اللّه رجلاً في آخر من الزمان، وكلَب من الدهر، وجهل من الناس، يؤيّده اللّه بملائكته، ويعصم
ص: 242
أنصاره، وينصر بآياته، ويظهره على الأرض حتّی يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ونوراً وبرهاناً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلّا آمن، ولا طالح إلّا صلح، ويصطلح في ملكه السباع، ويُخرج الأرض نبتها، وينزل من السماء(1) بركتها، ويظهر له الكنوز يملك مابين الخافقين أربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك أيّامه، وسمع كلامه. (2)
{44}
[238] ونودي بالصلاة فقال:
هل لك يا سفيان(3) في المسجد؟
قال: قلت: نعم.
قال: فخرجنا نمشي فمررنا على حالب له يحلب ناقةً فتناول [منه قدحاً] فشرب قائماً ثمّ سقاني ثمّ أتينا المسجد فصلّينا [ثمّ] قال: ما جاء بك يا سفيان؟
قال: قلت: حبّكم والّذي بعث محمّداً بالهدى ودين الحقّ.
قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ) - بعد كلام في فضل محبّي أهل البيت عليهم صلوات اللّه -: أبشر یا سفيان فإنّ الدنيا ستسع على البرّ والفاجر حتّی يبعث اللّه إمام الحقّ من آل محمد. (4)
ص: 243
{45}
[239] إن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ذكر بلاء يلقاه أهل بيته حتّی يبعث اللّه رايةً من المشرق سوداء، مَن نصرها نصره اللّه، ومَن خذلها خذله اللّه، حتّی يأتوا رجلاً إسمه كاسمي، فيولّونه أمرهم، فيؤيّده اللّه وينصره. (1)
ص: 246
ص: 247
{1}
[261] روي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):
أنّ أبابكر منع فاطمة وبني هاشم سهمَ ذي القربى، وجعلها في سبيل اللّه في السلاح والكراع. (1)
{2}
[262] عن الحسين بن عليّ، عن أخيه الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:
رأيتُ أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جُمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتّی اتّضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات و تسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء.
فقلت لها: يا أمّاه! لِمَ لا تدعين لنفسكِ كما تدعين لغيركِ؟
فقالت: يا بنيّ! الجار ثمّ الدار. (2)
ص: 248
[263] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): عليّ سيّد العرب، فما ترك أن قيل له: فأنت؟
قال: أنا سيّد ولد آدم.
قال: وقال: فاطمة سيّدة نساء العالمين، فما ترك أن قيل له: فمریم؟ قال: تلك سيّدة نساء عالَمِها، وهذه سيّدة نساء عالَمِها.
وقال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.
فما ترك أن قيل له: فإبنا هارون؟
قال: ذانك سيّدا شباب أهل عالمهما، وهذان سيّدا شباب أهل عالمهما. (1)
{4}
[266] كان الحسن (رضي اللّه عنه) لا يأكل مع أمّه فاطمة (رضي اللّه عنها)، فسألته عن ذلك؟ فقال:
أخاف أن آكل شيئاً سبق إليه نظرك فأكون عاقّاً لك. فقالت: كلّ وأنت في حلّ. (2)
ص: 249
{5}
[265] إنّ فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لمّا احتضرت نظرت نظراً حادّاً، ثمّ قالت: السلامُ على جبرئيل، السلام على رسول اللّه، اللّهمّ مع رسولك، اللّهمّ في رضوانك و جوارك ودارك دار السلام.
ثمّ قالت: أترون ما أري؟ فقيل لها: ما ترى؟
قالت: هذه مواكب أهل السماوات، وهذا جبرئيل، وهذا رسول اللّه، ويقول: يا بنيّة إقدِيمي فما أمامكِ خير لكِ. (1)
{6}
[266] دخل الحسنان (عَلَيْهما السَّلَامُ) باكیان، فأقبلت إليهما أسماء وأجلستهما وأحضرَت لهما طعاماً، فقالا:
يا أسماء! هل رأيتِنا نأكل من غير أُمّنا! يا أسماء مضينا إلى البقيع، ودعونا لأُمّنا، ثمّ انصرفنا إلى قبر جدّنا رسول اللّه فسمعناه يقول: يا ولداي إنصرفا إلى أمّكما، فإنّها تفارق الدنيا، ثمّ قاما ودخلا الحجرة.
وفي البحار: فوقع الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ) عليها يقبّلها مرّة ويقول:
يا أمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني. (2)
ص: 250
{7}
[267] لمّا توفّيت شقّت أسماء جيبها وخرجت، فتلقّاها الحسن والحسين فقالا: أين أُمّنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممتدّة، فحرّكها الحسين فإذا هي ميّتة. فقال:
یا أخاه آجرك اللّه في الوالدة، وخرجا يناديان: يا محمّداه! يا أحمداه! اليوم جدّد لنا موتك إذ ماتت أُمّنا.
ثم أخبرا عليّاً وهو في المسجد فغشي عليه حتّی رشّ عليه الماء، ثمّ أفاق فحملهما حتّی أدخلهما بيت فاطمة وعند رأسها أسماء تبكي وتقول: وايتامی محمّد! كنا نتعزّى بفاطمة بعد موت جدّكما فبِمَن نتعزّى بعدها؟ فكشف عليّ عن وجهها فإذا برقعة عن رأسها فنظر فيها فإذا فيها:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أوصت وهي تشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ الجنّة حقّ، والنّار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّهَ يبعثُ مَن في القبو. يا عليّ أنا فاطمة بنت محمّد زوَّجني اللّه منك لأكون لك في الدنيا والآخرة أنت أولى بي من غيري حنّطني وغسّلني وكفّنّي بالليل وصلّ عليّ وادفنّي بالليل، ولا تُعلِم أحداً وأستودعك اللّه واقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة.
فلمّا جنّ الليل غسّلها عليّ ووضعها على السرير، وقال للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ادع لي أباذر، فدعاه فحملاه إلى المصلّى، فصلّى عليها ثمّ صلّى ركعتين، ورفع يديه إلى السماء فنادى: هذه بنت نبيّك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض میلاً في میل، فلمّا أرادوا أن يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع إلىَّ إليَّ، فقد رفع تربتها منّي، فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها
ص: 251
فدفنوها فجلس عليّ على شفير القبر فقال: يا أرض! استودعتك وديعتي، هذه بنت رسول اللّه ! فنودي منها: يا علي! أنا أرفق بها منك، فارجع ولا تهتمّ فرجع وانسدّ القبر واستوى الأرض فلم يعلم أين كان إلى يوم القيامة.(1)
{8}
[248] وروى ابن بابویه مرفوعاً إلى الحسن بن علي (عَلَيْهما السَّلَامُ): أنّ عليّاً غسّل فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ).(2)
{9}
[249] لمّا غسّل أمير المؤمنين (عَلَيْه السَّلَامُ) فاطمة (سلام اللّه عليها) وكفّنها نادی: یا أمّ كلثوم! یا زینب!... یاحسن! یا حسین! هلمّوا تزودّوا من أمّكم فهذا الفراق، واللقاء في الجنّة.
فأقبل الحسن والحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ) هما ينادیان: واحسرتا! لا تنطفىء أبداً من فقد جدّنا محمّد المصطفى، وأمُّنا فاطمة الزهراء، يا أُمّ الحسن ويا أُمّ الحسين إذا لقيتِ جدّنا محمّداً المصطفى فاقرئيه منّا السلام وقولي له: إنّا قد بقينا بعدك يتيمَين في دار الدنيا. (3)
ص: 252
ص: 253
{1}
[250] روي عن الحسن بن علي(عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن أبيه، عن النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال :
في اللوح المحفوظ تحت العرش: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنین.(1)
{2}
[251] روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه، أنه قال :
قال لي عمر بن الخطاب ذاتَ يوم : أنت واللّه أمير المؤمنین حقاً.
قلت : عندك أو عند اللّه؟
قال : عندي وعند اللّه تبارك وتعالى.(2)
{3}
[252] يقول اللّه تبارك وتعالى ولاية علي بن أبي طالب حصني، فمن
ص: 254
دخل حصني أمِنَ مِنْ ناري. (1)
{4}
[253] حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) :
أنت خير البشر، ولا يشكّ فيه إلّا كافر.(2)
ص: 255
{5}
[254] كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا نزل عليه الوحيُ نهاراً لم يُمْسِ حتّى يُخبر به عليّاً، وإذا نزل عليه ليلاً لم يصبحْ حتّى يخبر به عليّاً.(1)
{8}
[257] إنّ في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينةٌ خلقنا اللّه عزّو جلّ منها وخلق منها شیعتنا، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منّا ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الّذي أخذ اللّه عزّوجلّ عليه ولاية عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال عبيد: فذكرت لمحمّد بن الحسين(1) هذا الحديث فقال : صدقك یحیی بن عبداللّه، هكذا أخبرني أبي، عن جدّي ، عن أبيه، عن النبي(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
قال عبيد : قلت : أشتهي أن تفسّره لنا إن كان عندك تفسير.
قال: نعم، أخبرني أبي، عن جدّي ، عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه قال : إنّ للّه ملكاً رأسه تحت العرش، وقدماه في تخوم الأرض السابعة السفلى، بين عينيه راحة أحدكم، فإذا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يخلق خلقاً على ولاية عليّ بن أبي طالب أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة فرمى بها في النطفة حتّى تصير إلى الرحم منها يخلق وهي الميثاق.(2)
ص: 257
{9}
[258] الحسن بن عليّ، عن أُمّه فاطمة، عن أبيها صلوات اللّه عليهم قال :
أخبرني جبرئيل ، عن كاتبَي عليّ أنّهما لم يكتبا على عليّ ذنباً مذ صحباه.(1)
{10}
[259] ما قُدِّمَتْ راية قوتل تحتها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا نكّسها اللّه تبارك وتعالى وغُلِب أصحابُها وانقلبوا صاغرين، وما ضَرَبَ أميرُ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسيفه ذي الفقار أحداً فنجى، وكان إذا قاتل جبریل عن يمينه ومیكائیل عن يساره، وملك الموت بين يديه.(2)
ص: 258
{11}
[260] صوّر اللّه عزّ وجلّ عليَّ بن أبي طالب في ظَهْر أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) على صورة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فكان علي بن أبي طالب أشبه الناس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وكان الحسين بن عليّ أشبه الناس بفاطمة، وكنتُ أنا أشبهَ الناس بخديجة الكبرى.(1)
{12}
[261] سُئِل الحسن (رضي اللّه عنه) عن صفة أبيه؟ قال :
كان رجلاً أسمر، ثقيل العينين ، عظيمهما، ذا بطن، أصلع، ربعة إلى القصر ، لايخضب، وكان إذا ورد عليه مالٌ لم يُبقِ منه شيئاً.(2)
{13}
[262] روى أحمد بن فضل الحضرمي المكّي الشافعي المتوفّى(1047) في «وسيلة المال» عن الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) وقد سُئِل عن علي بن
ص: 259
أبي طالب كرّم اللّه وجهه قال :
كان واللّه سهماً صائباً في مرامي اللّه على عدوّه، وربّانيَ هذه الأُمّة، وذا فضلها، وذاسابقتها، وذا قرابتها من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، لم يكن بالنوم عن أمر اللّه، ولا بالملومة في دين اللّه، ولا بالسَروقة لمال اللّه عزّ وجلّ، أعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة ، ذاك علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه.(1)
{14}
[263] طاف الحسن بن علي (عَلَيهِا السَّلَامُ) بالبيت فسمع رجلاً يقول : هذا ابن فاطمة الزهراء، فالتفت إليه فقال :
قل عليّ بن أبي طالب فأبي خير من أُمّي.(2)
یریم، عن الحسن بن علي قال :
كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لا يبعث عليّاً مبعثاً إلّا أعطاه الراية.(1)
{16}
[265] لمّا آخى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بين الصحابة آخى بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين حمزة بن عبدالمطلب وبين زید بن حارثة وبين عبداللّه بن مسعود وبين المقداد بن عمرو (رضي اللّه عنهم أجمعين).
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : آخيت بين أصحابك و أخّرتني؟
قال : ما أخّرتك إلّا لنفسي.(2)
{17}
[266] حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الصيني، ثنا قيس بن الربيع، عن ليث، عن أبي ليلى، عن الحسن بن علي (رضي اللّه عنه)
ص: 261
قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يا أنس انطلق فادعُ لي سيّد العرب يعني عليّاً.
فقالت عائشة : ألستَ سيّد العرب؟
قال : أنا سيّد وُلد آدم، وعليّ سيّد العرب. فلمّا جاء عليّ (رضي اللّه عنه) أرسل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى الأنصار، فأتوه فقال لهم: يا معشر الأنصار ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعده؟
قالوا: بلى يا رسول اللّه.
قال : هذا عليّ فأحبّوه بحُبّي وكرّموه لكرامتي، فإنّ جبريل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمرني بالّذي قلتُ لكم عن اللّه عزّ وجل.(1)
| {18}
[267] كان الحسنُ والحسينُ في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يدعوانه : یا أبه ، ويقول الحسن لأبيه: يا أبا الحسين، والحسين يقول : يا أبا الحسن، فلمّا توفّي
ص: 262
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يدعوانه : يا أبانا.(1)
{19}
[268 ] روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أّنه قال : سمعت عمّار بن یاسر يقول: وقف لعلي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتی رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأعلمه بذلك، فنزل على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) هذه الآية : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذين آمَنُوا الّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2) فقرأها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) علينا، ثمّ قال : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعادِ مَن عاداه.(3)
{20}
[269] أبان، عن سليم بن قیس الهلالي أنّه قال : قلت لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ص: 263
يا أمير المؤمنين إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن، ومن الرواية عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ثمّ سمعت منك تصديق ماسمعتُ منهم، ورأيتُ في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) تخالف الّذي سمعت منكم وأنتم تزعمون أنّ ذلك باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) متعمدين ويفسّرون القرآن بر أيهم؟
قال : فأقبل عليّ فقال لي: يا سليم قد سألتَ فافهم الجواب، إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وخاصّاً وعاماً، ومحكماً و متشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على عهده حتّى قام فيهم خطيباً فقال : أيّها الناس! قد كثرت عليّ الكذابة ، فمن كذب عليّ متعمّداً فلیتبوّأ مقعده من النار. ثمّ كُذِب عليه من بعده حين توفّي رحمة اللّه على نبيّ الرحمة وصلّى اللّه عليه وآله وإنّما يأتيك بالحديث أربعة نفر لیس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثمّ ولا يتحرّج أن يكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) متعمّداً، فلو علم المسلمون أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ، ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا صاحب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، رآه وسمع منه ، وهو لا يكذب ولا يستحلّ الكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
وقد أخبر اللّه تعالى عن المنافقين بما أخبر ، ووصفهم بما وصفهم، فقال اللّه عزّوجلّ : «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ».(1)
ثمّ بقوا بعده وتقرّبوا إلى أئمّة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب
ص: 264
والنفاق والبهتان، فولّوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم من الدنيا، وإنّما الناس مع الملوك في الدنيا إلّا من عصم اللّه، فهذا أوّل الأربعة.
ورجل سمع من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) شيئاً فلم يحفظه على وجهه، ووهم فيه ولم يتعمّد كذباً، وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول : أنا سمعته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنّه وهم فيه لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون أنّه منسوخ إذ سمعوه لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على اللّه ولا على رسوله بغضاً للكذب وتخوّفاً من اللّه، وتعظيماً لرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ولم يوهم، بل حفظ ماسمع على وجهه فجاء به كماسمعه، ولم يزد فيه ولم ينقص، وحفظ الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.
وإنّ أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ونهيه مثل القرآن، ناسخ و منسوخ، وعامّ و خاصّ، و محكم و متشابه.
وقد يكون من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الكلام له وجهان :
كلام خاصّ وكلام عامّ، مثل القرآن، يسمعه من لا يعرف ما عني اللّه به وما عنى به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وليس كلّ أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يسأله فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الطاريء والأعرابي فيسأل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حتّى يسمعوا منه.
وكنتُ أدخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كلّ يوم دخلة، وفي كلّ ليلة دخلة،
ص: 265
فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي، وأقام نساءه، فلم يبق غيري وغيره، وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من ابنيّ.
وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكتُّ أو فقدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطّي، ودعا اللّه أن يُفْهمَني إيّاها ويحفظني.
فما نسيت آية من كتاب اللّه منذ حفظتها، وعلمني تأويلها فحفظته وأملأ عليّ فكتبته، وما ترك شيئاً علّمه اللّه من حلال و حرام، أو أمر ونهي، أو طاعة ومعصية، كان أو يكون إلى يوم القيامة إلّا وقد علّمنيه وحفظته، ولم أنسَ منه حرفاً واحداً.
ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللّه أن يملأ قلبي علماً وفهماً وفقهاً وحكماً ونوراً، وأن يعلّمني فلا أجهل وأن يحفظني فلا أنسى.
فقلت له ذات يوم: يا نبيّ اللّه إنّك منذ يوم دعوتَ اللّه لي بما دعوت لم أنس شيئاً مما علّمتني، فلِمَ تمليه عليّ وتأمرني بكتابته أتتخوّف عليّ النسيان؟
فقال : يا أخي لستُ أتخوّف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني اللّه أنّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الّذين يكونون من بعدك.
قلت : يانبيّ اللّه ومَن شركائي؟
قال : الّذين قرنهم اللّه بنفسه وبي الّذين قال في حقّهم: «یا أيّها الّذين آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (1)
ص: 266
فإن خفتم التنازع في شيء فارجعوه إلى اللّه وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم.
قلت : يانبيّ اللّه ومَن هم؟
قال : الأوصياء إلى أن يردوا علىّ حوضي، كلهم هاد مهتد، لا يضرّهم كید مّن كادهم، ولا خذلان مّن خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه، ولا يفارقهم، بهم ينصر اللّه أُمّتي، وبهم يُمطرون، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم.
فقلت : يا رسول اللّه سَمّهم لي.
فقال : ابني هذا ووضع يده على رأس الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ثمّ ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ثمّ ابن له على سميّك، ثمّ ابنه اسمه محمّد، باقر علمي، وخازن وحي اللّه، وسيولد عليّ في حياتك يا عليّ فاقرأه منّي السلام، ثمّ أقبل على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : سيولد لك محمّد بن علي في حياتك فاقرأه منّي السلام، ثمّ جعفر، ثمّ موسی بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ الزكي، ثمّ مَن إسمه إسمي، ولونه لوني القائم بأمر اللّه في آخر الزمان مهديّ الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَتْ قبله ظلماً وجوراً.
واللّه إنّي لأعرفه یا سلیم حيث يبايع بين الركن والمقام وأعرف أسم أنصاره وأعرف قبائلهم.
قال سليم : ثمّ لقيت الحسن والحسين صلوات اللّه عليهما بالمدينة بعد ما قُتِل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحدّثتُهما بهذا الحديث عن أبيهما فقالا :
صَدَقْتَ، حدّثك أبونا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا
ص: 267
ذلك عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كما حدّثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئاً... الخبر. (1)
{21}
[270] لمّا خطب أبو بكر قام أُبيّ بن كعب يوم الجمعة، وكان أوّل يوم من شهر رمضان، فقال : يا معشر المهاجرين والأنصار ألستُم تعلمون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال لعليّ: أنت الهادي لمَن ضلّ؟
أولستُم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : عليّ هو المحيي لسنّتي، ومعلّم أُمّتي، والقائم بحجّتي، وخير من أُخلّف بعدي، وسيّدُ أهل بيتي، وأحبُ الناس إليّ، طاعته من بعدي كطاعتي على أُمّتي؟
ألستُم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : أوصيكم بأهل بيتي خيراً، فقَدِّموهم ولا تَتَقَدّموهم، وأمِّروهم ولا تأمّروا عليهم؟
ص: 268
أولستم تعملون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : إنّ أهل بيتي منارُ الهدى والدالّون على اللّه عزّوجلّ؟
أولستُم تعلمون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لم يُولِّ على علىّ أحداً منكم، وولاه في غيبته عليكم؟
أولستُم تعلمون أنّ منزلهما واحد، ورحلهما واحد، ومتاعهما واحد، وأمرهما واحد؟
أولستّم تعلمون أنه قال : إذا غبتُ عنكم فخلّفتُ فيكم عليّاً، فقد خلّفتُ فيكم رجلاً كنفسي؟
أولستم تعملون أنّه قال : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قبل موته جمعَنا في بيت فاطمة ابنته فقال : إنّ اللّه أوحى إلى موسى أن اتّخذ أخاً من أهلك، أجعَلُه نبيّاً وأجعَلُ أهله لك ولداً، وأُطهّرهم من الآفات، وأخلعهم من الذنوب، فاتّخذ موسى هارون وولده، فكانوا أُئمّة بني إسرائل... والّذي يحل لهم في مساجدهم مایحلّ لموسى؟
ألا وإنّ اللّه أوحى إلي أن أتَّخِذَ عليّاً أخاً كموسى اتّخذ هارون أخاً واتّخذ ولده ولداً، فقد طهّرتهم كما طهّرتُ ولد هارون.
ألا أنّي ختمتُ بك النبیّین فلا نبيّ بعدك، فهم الأئمّة الهادية ، أفما تفقهون؟! أفما تبصرون؟! أما تسمعون؟! ضربت عليكم الشُبُهات فكأنّ مثلَكم كمثل رجل في سفر أصابه عطش شديد، حتّى خشي أن يهلك، فلقي رجلاً هادياً بالطريق، فسأله عن الماء، فقال : أمامك عينان : إحداهما مالحة ، والأُخرى عذبة ، فإن أصبت المالحة ضللتَ، وإن أصبتَ العذبةَ هُدیتَ ورويت.
فهذا مثلكِ أيّتها الأُمّة المهملة كما زعمتُ، وأيم اللّه ما أهملكِ، لقد نصب لكِ علماً يحل لكم الحلال، ويحرّم علیكم الحرام، فلو أطعتموني
ص: 269
ما اختلفتم، ولا تدامرتم، ولا تقاتلتم، ولا تبرّا بعضكم من بعض.
واللّه إنّكم على عترته لمختلفون، إن سئل هذا من غير ما علم أفتى برأيه ، وإن سئل هذا عن غير مايعلم أفتى برأيه ، وقد هُديتم فتحاربتم، وزعمتم أنّ الإختلاف رحمة، هيهات هيهات! أبی كتاب اللّه ذلك عليكم، يقول اللّه تبارك وتعالى : «وَلَا تَكُونُوا كَالّذين تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »(1) وأخبرنا باختلافكم، فقال : «وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ »(2) أي: خلقهم للرحمة، وهم آل محمّد وشیعته، سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)يقول : يا علي أنت وشيعتك على الفطرة، وسائر الناس منها براء.
فهلاّ قبلتم من نبيّكم؟ كيف وهو يخبركم بانتكاصكم، وينهاكم عن خلاف وصيّه، ووزيره، وأمينه، وأخيه، ووليّه، أطهركم قلباً وأعلمكم علماً ، وأقدمكم إسلاماً، وأعظمكم غناءاً عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، أعطاه تراثه، وأوصاه بعدله، واستخلفه على أُمّته، ووضع رأسه عنده، فهو وليّه دونكم أجمعين ، وأحقّ به منكم أكتعین، شهيد الصدّيقين، وأفضل المتّقين، وأطوع الأُمّة لربّ العالمين، وسلّمتم عليه بخلافة المؤمنين في حياة سيّد النبيّين، وخاتم المرسلين.
وقد أعذر من أنذر، وأدّى النصيحة من وعظ، وبصّر من عمل وتعاشی وردی، فقد سمعتم كما سمعنا، ورأيتم كما رأينا، وشهدتم كما شهدنا.
فقام عبدالرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجرّاح، ومعاذ بن جبل ، فقالوا : أُقعد يا أُبيّ أصابك خبل أم أصابتك جِنّة؟!
ص: 270
فقال أُبيّ: بل الخبل فيكم، كنتُ عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فألفي بكلام رجل أسمع كلامه ولا أرى وجهه. فقال فيما يخاطبه : يا محمّد ما أنصحه لك ولأُمّتك، وأعلمه بسنّتك؟
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أفترى أُمّتي تُنقاد له بعد وفاتي؟
فقال : يا محمّد يتبعه من أُمّتك أبرارها، ويخالف عليه من أُمّتك فجّارها، وكذلك كان أوصياء النبيّين من قبل.
يا محمّد إنّ موسی بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون، وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم للّه وأطوعهم له، فأمره اللّه أن يتّخذه وصيّاً كما اتّخذتَ عليّاً وصيّاً، وكما أُمرتَ بذلك، فحسده بنو إسرائيل سبط موسی خاصة فغلبوه، وعيّبوه، وشتموه، ووضعوا أمره، فإن أخذَتْ أُمّتُك سُنَن بني إسرائيل كذّبوا وصيّك وجحدوا أمره وابتزّوا خلافته وغالطوه في علمه.
فقلتُ: يا رسولَ اللّه مَنْ هذا؟
قال : هذا ملك من ملائكة ربّي ينّبؤني أنّ أُمّتي تختلف على أخي، ووصيّي علي بن أبي طالب وإنّي أُوصيك يا أُبيّ بوصيّة إن أنت حفظتَها لم تزل یا أُبيّ بخير، وعليك بعليّ فإنّه الهادي المهتدي الناصح لأُمّتي المخبر بسُنّتي وهو إمامكم بعدي، فمَنْ رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه يا أُبيّ، ومَن غيّر وبدّل لقيني ناكثاً بيعتي، عاصياً لأمري، جاحداً لنبوّتي، لا أشفع له عند ربّي ولا أسقيه من حوضي.
فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا: أُقعد يا أُبيّ رحمك اللّه فقد أدّيتَ ما سمعتَ، ووفيتَ بعهدك.(1)
ص: 271
{22}
[271] فرات قال : حدّثنا عبيد بن كثیر معنعناً عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال :
شهدت مع أبي عند عمر بن الخطّاب وعنده كعب الأحبار، وكان رجلاً قد قرأ التوراة وكتب الأنبياء، فقال له عمر: يا كعب من كان أعلم بني إسرائيل بعد موسی؟
قال : كان أعلم بني إسرائيل بعد موسى يوشع بن نون، وكان وصيّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بعده، وكذلك كلّ نبيّ خلا من قبل موسى ومن بعده، كان له وصي يقوم في أُمّته من بعده.
فقال له عمر: فمَن وصيّ نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعالمنا أبو بكر ؟ قال : وعليّ ساكت لا يتكلّم.
فقال كعب : مهلاً ياعمر! السكوت عن هذا أفضل، كان أبوبكر رجلاً حظي بالصلاح فقدّمه المسلمون لصلاحه ولم يكن بوصيّ، فإنّ موسى لمّا توفّي أوصى إلى يوشع بن نون فقبله طائفة من بني إسرائبل وأنكرت فضله طائفة، فهي الّتي ذكرت في القرآن، فآمنت طائفة من بني إسرائيل إلى قوله : فأصبحوا ظاهرين، وكذلك الأنبياء والأمم الخالية لم يكن نبيّ إلّا وقد كان له وصيّ يحسده قومه ويدفعون فضله.
فقال : ويحكم یا كعب! فمَن ترئ وصيّ نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟!
قال كعب : معروف في جميع كتب الأنبياء والكتب المنزلة من السماء وعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخو النبي العربيّ يعينه على أمره ويبارزه على من ناواه، وله زوجة
ص: 272
مباركة له منها ابنان يقتلهما أُمّته من بعده، ويحسد وصيّه كما حسدت الأُمم أوصياء أنبيائها، فيدفعونه عن حقّه ويقتلون ولده من بعده كحذو الأُمم الماضية.
قال : فأفحم عمر عندها وقال له: يا كعب ؟ لئن صدقت في كتاب اللّه المنزل قليلاً لقد كذبت كثيراً.
قال كعب : واللّه ماكذبت في كتاب اللّه قطّ، ولكن سألتني عن أمر لم يكن بدّ من تفسيره والجواب فيه، فإنّي لا أعلم أنّ أعلم هذه الأُمّة عليّ بن أبي طالب بعد نبيّها إلّا أنّي لم أسأله عن شيء إلّا وجدت عنده علماً تصدقه به التوراة وجميع كتب الأنبياء.
فقال له عمر: اسكت يابن اليهوديّة! فواللّه إنّك لكثير التخرص والكذب !
فقال كعب : واللّه ما علمت أني كذبت في شيء من كتاب اللّه منذ جرى اللّه عليّ الحكم، ولئن شئت لألقينّ إليك شيئاً من علم التوراة، فإن فهمته فأنت أعلم منه وإن فهمه فهو أعلم منك.
قال له عمر: هات بعض هناك.
فقال كعب : أخبرني عن قول اللّه : «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ »فأين كانت الأرض وأين كانت السماء وأين كان جميع خلقه؟
فقال عمر: ومن يعلم بغيب اللّه منّا إلا ما سمعه رجل من نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
قال : ولكن أخاك أبا الحسن لو سئل عن ذلك لشرحه بمثل ما قرأناه في التوراة.
فقال له عمر: فدونكه إذا اختلف المجلس.
قال : فلمّا دخل على عمر أصحابه أرادوا إسقاط علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال كعب : يا أبا الحسن أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ
ص: 273
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا».
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم كان عرشه على الماء حين لا أرض مدحيّة، ولا سماء مبنيّة، ولا صوت يسمع، ولا عين تنبع، ولا ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا نجم يسري، ولا قمر يجري، ولا شمس تضيء، وعرشه على الماء غير مستوحش إلى أحد من خلقه، يمجّد نفسه ويقدّسه كما شاء أن يكون كان، ثمّ بدا أن يخلق الخلق فضرب بزارخ البحور فثار منها مثل الدخان كأعظم ما یكون من خلق اللّه فبنى بها سماء رتقاً، ثمّ انشقّ الأرض من موضع الكعبة وهي وسط الأرض فطبقت إلى البحار.
ثمّ فتقها بالبنيان وجعلها سبعاً بعد إذ كانت واحدة ثمّ استوى إلى السماء وهي دخان من ذلك الماء الّذي أنشأه من تلك البحور، فخلقها سبعاً طباقاً بكلمته الّتي لا يعلمها غيره، وجعل في كلّ سماء ساكناً من الملائكة، خلقهم مصمتین معصومین، من نور بحور عذبة وهو بحر الرجة، وجعل طعامهمالتسبيح والتهليل والتقديس، فلمّا قضى أمره وخلقه استوى على ملكه فمدح كما ينبغي له أن يحمد.
ثمّ قدّر ملكه فجعل في كلّ سماء شهباً معلّقة كواكب كتعليق القناديل من المساجد ما لا يحصيها غيره تبارك وتعالى من النجوم لسماء كأكبر مدينة في الأرض، ثمّ خلق الشمس والقمر فجعلهما شمسين، فلو تركهما تبارك وتعالى كما كان ابتدائهما في أوّل مرّة لم يعرف خلقه الليل من النهار، ولا عرف الشهر ولا السنة، ولا علم العامل متى ينصرف في معيشته ومتى يسكن لراحة بدنه ، فكان اللّه تبارك وتعالى أرأف بعباده وأنظر لهم فبعث جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى إحدى الشمسين.
ص: 274
فمسح بها جناحه فأذهب منها الشعاع والنور، وترك فيها الضوء وذلك قوله :« وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا» (1) وجعلهما يجريان في الفلك ، والفلك يجري فيمابين السماء والأرض مستطيل في السماء استطالة ثلاثة فراسخ يجر في غمرة الشمس والقمر كلّ واحد منها يقوده ثلاثمائة ملك بيد كلّ ملك منها عروة يجرونها في غمرة ذلك البحر لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس، لو برز واحد منها من غمر ذلك البحر لاحترق كلّ شيء على وجه الأرض حتّى الجبال والصخور وما خلق اللّه من شيء.
فلمّا خلق اللّه السماوات والأرض والليل والنهار والنجوم والفلك وجعل الأرضين على ظهر الحوت أثقلها فاضطربت فأثبتها بالجبال، فلمّا استكمل خلق ما في السماوات والأرض يومئذ خالية ليس فيها أحد، قال للملائكة : إنّي جاعل في الأرض خليفة الآية، فبعث اللّه جبرئيل فأخذ من أديم الأرض قبضة فعجنه بالماء العذب والماء المالح وركب فيه الطبائع قبل أن ينفخ فيه الروح فخلقه من أديم الأرض.
فلذلك سمّي آدم لأنّه لمّا عجن استادم فطرحه في الجبل كالجبل العظيم، وكان إبليس يومئذ خازناً على السماء الخامسة يدخل في منخر آدم ويخرج من دبره، ثمّ يضربُ بيده على بطنه فيقول : لأيّ أمر خلقت لأن جعلت فوقي الأطعتك، ولئن جعلت أسفل منّي لا أبقيتك، فمكث في الجنّة ألف سنة مابین خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح فخلقه من ماء وطين ونور وظلمة وريح والنور من نور اللّه، فأمّا النور فيورثه الإيمان، وأمّا الظلمة فتورثه الضلال والكُفر، وأمّا الطين فيورثه الرعدة والضعف والقشعريرة عند إصابة الماء.
ص: 275
فيبعث به على أربع الطبائع على الدم والبلغم والمرار والريح، فذلك قوله تعالى : «أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا».(1)
قال : فقال كعب : یا عمر باللّه أتعلم كعلم علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الأوصياء ومن الأنبياء محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خاتم الأنبياء وعليّ خاتم الأوصياء، وليس على الأرض اليوم منفوسة إلّا وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعلم منه، واللّه ما ذكر من خلق الإنس والجنّ والسماء والأرض والملائكة شيئاً إلّا وقد قرأته في التوراة كما قرأت.
قال : فما رؤي عمر غضب قطّ مثل غضبه ذلك اليوم.(2)
{23}
[272] عبداللّه بن الحسن ، عن أبيه، عن جدّه : أنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان في مسجد الكوفة يوماً، فلمّا جنّه الليل أقبل رجل من باب الفيل عليه ثياب بيض ، فجاء الحرس وشرطة الخميس، فقال لهم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما تريدون؟ فقالوا: رأينا هذا الرجل أقبل إلينا فخشينا أن يغتالك.
فقال : كلاً فانصرفوا رحمكم اللّه، أتحفظوني من أهل الأرض؟ فمن يحفظني من أهل السماء ؟ و مكث الرجل عنده مليّاً يسأله.
فقال : يا أمير المؤمنين لقد ألبست الخلافة بهاء وزينّة وكمالاً ولم تلبسك، ولقد افتقرَتْ إليك أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وما افتقرْتَ إليها، ولقد تقدّمك قوم وجلسوا مجلسك فعذابهم على اللّه، وإنّك لزاهد في الدنيا و عظيم في السماوات
ص: 276
والأرض، وإنّ لك في الآخرة لمواقف كثيرة تقرُّ بها عيون شيعتك، وإنّك لسيّد الأوصياء، وأخوك سيّد الأنبياء، ثمّ ذكر الأئمّة الاثني عشر وانصرف.
وأقبل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) ؟ فقال : تعرفانه؟
قالا : ومن هو يا أمير المؤمنين؟
قال : هذا أخي الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
{24}
[273] يقول : سمعت جدّي رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)يقول : لا تسبّوا عليّاً، فمن سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ اللّه عزّوجلّ، ومَن سبّ اللّه عزّوجلّ عذبه اللّه عزّوجلّ.(2)
{25}
[276] قال علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : لا يبغضك من الأنصار إلّا مَن كان أصله يهوديّاً.(3)
ص: 277
{62}
[275] قال الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
مَن دفع فضلَ أمير المؤمنین صلوات اللّه عليه على جميع مَن بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقد كذَّب بالتوراة، والإنجيل، والزَبور، وصُحُفِ إبراهيم، وسائرِ كتبِ المُنْزَلة، فإنّه مانَزَل شيءٌ منها إلّا وأهمُّ ما فيه بعد الإقرار بتوحيدِ اللّه والإقرارِ بالنبوّة الإعتراف بولايته والطيّبين من آله (عَلَيهِم السَّلَامُ).(1)
{27}
[276] عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال :
إنّ دَفْعَ الزاهدِ العابد لفضل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الخلق كلّهم بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لَيصيرُ كشعلةِ نارٍ في يوم ريح عاصف، وتصير سائر أعمال الدافع لفضل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كالحلفاء وإن امتلأت منه الصحاري واشتعلت فيها تلك النار وتغشاها تلك الريح حتّى تأتي عليها كلّها فلا تبقي لها باقية.(2)
ص: 278
{28}
[277] كسى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الناسَ بالكوفة، فكان في الكسوة برنس خزّ، فسأله إياه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأبى أن يُعطيَه إيّاه، وأسهم بين المسلمين فصار لفتی من همدان، فانقلب به الهمداني، فقيل له : إنّ حسناً كان سأله أباه فمنعه إيّاه ، فأرسل به الهمداني إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقبله.(1)
{29}
[278] عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)أنه قال :
ما دخلتُ على أبي قطّ إلّا وجدتُه باكياً.(2)
{30}
[279] إنّ رجلاً من خثعم رأى الحسن والحسين يأكلان خبزاً وبقلاً وخَلاً، فقال لهما: أتأكلان من هذا وفي الرحبة ما فيها؟!
فقالا : ما أغفلك عن أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ).(3)
ص: 279
{31}
[280] عن أبي صالح، قال: دخلتُ على أُمّ كلثوم بنت علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا هي تتمشّط في ستر بيني وبينها، فجاء حسن وحسین، فدخلا عليها وهي جالسة تتمشّط، فقالا : ألا تطعمون أبا صالح شيئاً؟
قال : فأخرجوا إليّ قصعةً فيها مرق بحبوب.
قال : فقلت : تطعموني هذا وأنتم الأُمراء؟!
فقالت أُمّ كلثوم : يا أبا صالح كيف لو رأيت أمير المؤمنین - تعني عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)- أتى بأُتْرجُ، فذهب حسن يأخذ منه أُتْرُجَةً فنزعها من يده، ثمّ أمر به فقُسِّم بين الناس.(1)
{32}
[281] عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها وعمها الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قالا : أخبرنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : لمّا أُدخلت الجنّة رأيت الشجرة تحمل الحليّ والحلل، أسفلها خيل بلق وأوسطها الحور العين وفي أعلاها الرضوان.
قلت : يا جبرئیل لمن هذه الشجرة؟
قال : هذه لابن عمّك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، إذا أمر اللّه
ص: 280
الخليقة بالدخول إلى الجنّة يؤتي بشيعة عليّ حتّى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة ، فيلبسون الحليّ والحلل ويركبون الخيل البلق وينادي مناد : هؤلاء شيعة عليّ صبروا في الدنيا على الأذى فحبوا هذا اليوم.(1)
{33}
[282] دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرحاً مسروراً مستبشراً، فسلّم عليه فردّ عليه السلام فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا رسول اللّه ! ما رأيتك أقبلت مثل هذا اليوم؟ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : حبيبي وقرّة عيني ! أتيتك أُبشرّك ، اعلَم أنّ في هذه الساعة نزل عليّ جبرئيل الأمين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : الحقّ جلّ جلاله يقرؤك السلام، ويقول لك : بشِّرْ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ شيعته الطائع والعاصي من أهل الجنّة، فلمّا سمع مقالته خرّ للّه ساجداّ، فلمّا رفع رأسه رفع يديه إلى السماء، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اشهدوا عليّ أنّي قد وهبت لشيعتي نصف حسناتي.
فقالت فاطمة الزهراء(عَلَيهَا السَّلَامُ) : یا ربّ! اشهد عليّ بأنّي قد وهبت لشيعة عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) نصف حسناتي.
قال الحسن(عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا ربّ! اشهد عليّ أني قد وهبت لشيعة عليّ بن أبي طالب نصف حسناتي
ص: 281
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ياربّ اشهد أنّي قد وهبت لشيعة عليّ بن أبي طالب نصف حسناتي.
فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ما أنتم بأكرم منّي، اشهد عليّ ياربّ أنّي قد وهبت لشيعة علي بن أبي طالب نصف حسناتي.
فهبط الأمين جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا محمّد! إن اللّه تبارك تعالى يقول : ما أنتم بأكرم منّي إنّي قد غفرتُ لشيعة عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومحبّيه ذنوبهم جميعاً، ولو كانت مثل زبد البحر، ورمل البرّ، وورق الشجر.(1)
{34}
[283] لمّا نزل عليّ بالربذة سألت عن قدومه إلينا؟ فقيل: خالف عليه طلحة والزبير وعائشة وصاروا إلى البصرة فخرج يريدهم. فصرت إليه فجلست حتّى صلّى الظهر والعصر ، فلمّا فرغ من صلاته قام إليه ابنه الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجلس بين يديه ثمّ بكى وقال : يا أمير المؤمنين إنّي لا أستطيع أن أُكلّمك وبكی.
فقال له أمير المؤمنين : لا تبك يابُنيّ وتكلّم ولا تحنّ حنين الجارية.
فقال : يا أمير المؤمنين إنّ القوم حصروا عثمان يطلبونه بما یطلبونه إمّا المون أو مظلومنون فسألتك أن تعتزل الناس وتلحق بمكّة حتّى تؤب العرب وتعود إليها أحلامها وتأتيك وفودها فواللّه لو كنت في جُحْر ضَبّ لضربت إليك العرب آباط الإبل حتّى تستخرجك منه.
ص: 282
ثمّ خالفك طلحة والزبير فسألتك أن لا تتبعهما وتدعهما فإن اجتمعت الأُمّة فذاك وإن اختلفت رضيت بما قسم اللّه وأنا اليوم أسألك أن لا تقدم العراق وأذكرك باللّه أن لا تقتل بمضيعة!!
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما قولك : إنّ عثمان حصر. فما ذاك وماعليّ منه وقد كنت بمعزل عن حصره.
وأمّا قولك : إئت مكّة فواللّه ما كنت لأكون الرجل الّذي يستحلّ به مكة.
وأمّا قولك: اعتزل العراق ودع طلحة والزبير فواللّه ما كنت لأكون كالضبع تنتظر حتّى يدخل عليها طالبها فيضع الحبل في رجلها حتّى يقطع عرقوبها ثمّ يخرجها فيُمزّقها إرباً إرباً ولكن أباك يا بنيّ يضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه وبالسامع المطيع العاصي المخالف أبداً حتّى يأتي عليّ يومي فواللّه مازال أبوك مدفوعاً عن حقّه مستأثراً عليه منذ قبض اللّه نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حتّى يوم الناس هذا.
فكان طارق بن شهاب أيّ وقت حدّث بهذا الحديث بكئ.(1)
ص: 283
{35}
[284] قال لأبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ للعرب جولة ولقد رجعت إليها عوازب أحلامها، ولقد ضربوا إليك أكباد الإبل حتّى يستخرجوك، ولو كنت في مثل وجار الضبع.
بیان : في أكثر النسخ لابنه (1)، والصواب لأبيه وقد قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ذلك له صلوات اللّه عليه قبل رجوع الخلافة إليه أي إنّ للعرب جولاناً وحركة في اتّباع الباطل، ثمّ يرجع إليها أحلامها العازبة البعيدة الغائبة عنهم، فيرجعون إليك، وضرب أكباد الإبل كناية عن الركوب وشدّة الركض.
قال الجزري فيه: لا تضرب أكباد المطيّ إلّا إلى ثلاثة مساجد أي لا تركب ولا يسار عليها.
وقال : وجار الضبع هو جحره الّذي يأوي إليه، ومنه حديث الحسن : لو كنت في وجار الضبع ذكره للمبالغة لأنّه إذا حفر أمعن.
ص: 284
{36}
[285] عن طارق بن شهاب قال : قال الحسن بن علي لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالربذة وقد ركب راحلته، وعليها رحل رثّ: إنّي لأخشى أن تُقْتَل بمضيعة.
فقال : إليك عنّي، فواللّه ما وجدتُ إلّا قتال القوم، أو الكفر بما جاء به محمّد، أو قال : بما أُنزل على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).(1)
{37}
[289]خرج أبو موسى فلقي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضمّه إليه وأقبل على عمّار فقال : يا أبا اليقظان أعَدَوتَ على أمير المؤمنين فيمن عدا فأحللت نفسك مع الفُجّار؟
فقال : لم أفعل ولم يسؤني.
فقطع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الكلام وأقبل على أبي موسى فقال له: لَم تثبط(2) الناس عنّا؟ فواللّه ما أردنا إلّا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يُخاف على شيء. (3)
ص: 285
(38}
[287] قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي موسى الأشعري(1) وهو يخطب الناس على المنبر :
وَيْحك إعتزل عملنا وتنحّ عن منبرنا لا أُمّ لك !(2)
{39}
[288] أُسِر مروان بن الحكم يوم الجمل، فكلّم فيه الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) فخلّاه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنین.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنّها كفّ يهوديّة، ولو بايعني بيده لغدر بسيفه، أما إنّ له إمرةً كلعقة الكلب أنفه، وهو
ص: 286
أبو الأكبش الأربعة، وستلقي الأُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر.(1)
{40}
[289] قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) رسالة عن أبيه لعائشة : أما و الّذي خلق الحبّة و بریء النسمة لئن لم ترحلي لأبعثنّ عليك بما تعلمين.
قال : فلمّا كان من الغد بعث إليها ابنه الحسن، فجاء الحسن فقال لها : يقول لك أمير المؤمنين : أما والّذي خلق الحبّة وبرأ النسمة! لئن لم ترحلي الساعة لأبعثّن عليكِ بما تعلمين.
قال : وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر، فلمّا قال لها الحسن ما قال وثبت من ساعتها وقالت : رحلوني!
فقالت لها امرأة من المهالبة : يا أُمّ المؤمنين ! جاءك عبداللّه بن عبّاس
ص: 287
فسمعناك وأنت تجاوبيه حتّى علا صوتك ثمّ خرج من عندك وهو مغضب، ثمّ جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع؟!
فقالت عائشة : إنّما أقلقني لأنّه ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فمن أحبّ أن ينظر إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فلينظر إلىّ هذا الغلام، وبعد فقد بعث إليّ أبوه بما قد علمت ولابدّ من الرحيل.
فقالت لها المرأة : سألتك باللّه وبمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلّا أخبرتني بماذا بعث إليك عليّ (رضي اللّه عنه).
فقالت عائشة : ويحك! إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أصاب من مغازيه نفلاً فجعل يقسّم ذلك في أصحابه، فسألناه أن يعطينا منه شيئاً وألححنا عليه في ذلك، فلامنا علي (رضي اللّه عنه) وقال : حسبكنّ أضجرتنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فتجّمناه وأغلظنا له في القول. فقال : «عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ»(1) فأغلظنا له أيضاً في القول وتهجّمناه ، فغضب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من ذلك وما استقبلنا به عليّاً، فأقبل عليه ثمّ قال : يا علي! إنّي قد جعلتُ طلاقهنّ إليك فمن طلّقتها منهنّ فهي بائنة، ولم يوقّت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في ذلك وقتاً في حياة ولا موت؛ فهي تلك الكلمة، وأخاف أن أبين من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).(2)
ص: 288
{41}
[290] لمّا بويع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالخلافة قال له إبنه الحسن، وابن عبّاس : أُكتب إلى معاوية فأقرّه على الشام وأطمعه فإنّه سيطمع ويكفيك نفسه وناحيته ، فإذا بايع لك الناس أقررتَه أو عزلتَه.
قال : فإنّه لا يرضى حتّى أعطيه عهدَ اللّه تعالى وميثاقَه أن لا أعزلَه، قالا : لا تعطه ذلك.(1)
{42}
[291] لمّا دنى أهل الشام من أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، واللّه مایزیده قربُهم منه ودنوّهم إليه سرعةً في مشيه ، فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ماضرّك لو سعيتَ حتّى تنتهي إلى هؤلاء الّذي صبروا بعدك من أصحابك؟ قال - يعني ربيعة الميسرة -: قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ إنّ لأبيك يوماً لن يعدُوَه، ولا يبطي عنه السعي، ولا يعجّل به إليه المشي، إنّ أباك واللّه مایُبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه.(2)
ص: 289
{43}
[292] كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يطوف بين الصفَّين بصِفّين في غِلالة(1) فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ما هذا زيّ الحرب!
فقال : يا بُنيّ إنّ أباك لا يبالي وقع على الموتُ أو وقع الموت عليه.(2)
{44}
[293] عن أبي محمّد الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
بينما أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) علة في أصعب موقف بصفّين إذ أقبل عليه رجل من بني دودان، فقال له: لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر وكنتم أفضل الناس علماً بالكتاب والسنّة؟
فقال : يا أخابني دودان ولك حقّ المسألة وذمام الصهر، فإنّك قلق الوضين، ترسل في غير سدد، كانت إمرة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ولنعم الحكم اللّه، والزعيم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
(ودع عنك نهياصيح في حجراته) وهلم الخطب في إبن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه.
ولا غرو إلّا جارتي وسؤالها***ألا هل لنا أهل سألت كذلك
ص: 290
بئس القوم من خفضني، وحاولوا الادهان في دين اللّه، فإن ترفع عنّا محن البلوى أحملهم من الحقّ على محضه، وإن تكن الأخرى فلا تأس على القوم الفاسقين إليك عنّي يا أخا بني دودان.(1)
{45}
[294] عن أنس بن مالك، قال : كنت عند عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الشهر الّذي أُصيب فيه وهو شهر رمضان فدعا ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال : يا أبا محمّد اعل المنبر فاحمد اللّه كثراً، واثن عليه، واذكر جدّك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بأحسن الذكر، وقل : لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ، لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ، لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ، لعن اللّه عبداً أبق من مواليه، لعن اللّه غنماً ضلّت عن الراعي وانزل.
فلمّا فرغ من خطبته ونزل اجتمع الناس إليه فقالوا: يابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول اللّه نبّئنا [الجواب].
فقال : الجواب على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقال أمير المؤمنين : إنّي كنت مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في صلاة صلّاها فضرب بيده اليمن إلى يدي اليمنى فاجتذبها فضمّها إلى صدره ضمّاً شديداً، ثمّ قال لي : يا علي، قلت: لبّيك يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، قال : أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة، فلعن اللّه
ص: 291
من عقّنا، قل: آمين، قلت: آمين. ثمّ قال : أنا وأنت موليا هذه الأُمّة، فلعن اللّه من أبق عنّا، قل: آمين ، قلت : آمين. ثمّ قال : أنا وأنت راعيا هذه الأُمّة فلعن اللّه من ضلّ عنّا، قل: آمين، قلت: آمين.
قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وسمعت قائلين يقولان معي : «آمین» فقلت : یارسول اللّه ومن القائلان معي «آمين» ؟ قال : جبرئیل و میكائیل (عَلَيهِما السَّلَامُ).(1)
{46}
[295] قال الحسن بن عليّ صبيحة الليلة الّتي قُتل فيها عليُّ بن أبي طالب (رضي اللّه عنه):
حدّثني أبي البارحة في هذا المسجد، فقال : يا بُني، إنّي صَلّيت البارحة مارزق اللّه، ثمّ نمت نومة فرأيت رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فشكوتُ له ما أنا فيه من مُخالفة أصحابي وقلّة رغبتهم في الجهاد، فقال لي: ادع اللّه أن يُريحكم منهم، فدعوت اللّه.(2)
ص: 292
{47}
[296] قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقيني حبيب (يعني في المنام) نبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فشكوت إليه مالقيت من أهل العراق بعده، فوعدني الراحة منهم فما لبث إلا ثلاثا.(1)
{48}
[297] عن ابن الحنفيّة قال : دخل علينا ابن ملجم الحمام وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمّام، فلمّا دخل كأنّهما اشمازّا منه وقالا إله : ] ما أجر أك تدخل علينا؟! قال: فقلت لهما: دعاه عنكما فلعمري مايريد بكما أجسم من هذا، فلمّا كان يوم أُتي به أسيراً قال ابن الحنفيّة : ما أنا اليوم بأعرف به منّي يوم دخل علينا الحمّام، فقال علي : إنّه أسير فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن متّ فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين.(2)
ص: 293
{49}
[298] روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : أتيت أبي سحيراً فجلست إليه... دخل ابن النباح عليه فقال : الصلاة. فأخذت بيده فقام و مشی ابن النباح بين يديه ومشيت خلفه، فلمّا خرج من الباب نادى : أيّها الناس الصلاة الصلاة ، وكذلك كان يصنع في كلّ يوم، ويخرج [كذا] ومعه درّته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فرأيت بريق السيف وسمعت قائلاً يقول: الحكم يا علي للّه لا لك. ثمّ رأيت سيفاً ثانياً، فأمّا سيف ابن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأمّا سيف ابن بجرة فوقع في الطاق وقال علي : لا يفوتنّكم الرجل. فشدّ الناس عليهما من كلّ جانب.(1)
{50}
[299] قالت أُمّ كلثوم: فجئت إلى أخي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ فقلت : يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس فألحقه ، فقام الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) وتبعه، فلحق به قبل أن يدخل الجامع فقال : يا أباه ! ما أخرجك في هذه الساعة وقد بقي من الليل ثلثه؟
فقال : يا حبيبي ويا قرّة عيني خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني.
فقال له: خيراً رأيت و خيراً يكون، فقصّها عليّ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ ! رأيت
ص: 294
كأنّ جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد نزل عن السماء على جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة وتركهما على ظهرها، وضرب أحدهما على الآخر فصارت كالرميم، ثمّ ذرّهما في الريح، فما بقي بمكّة ولا بالمدينة بيت إلّا ودخله من ذلك الرماد. فقال له: يا أبت وما تأويلها؟
فقال : يا بنيّ! إن صدقت رؤياي فإنّ أباك مقتول، ولا يبقى بمكّة حينئذ ولا بالمدينة بيت إلّا ويدخله من ذلك غمّ و مصيبة من أجلي.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وهل تدري متى يكون ذلك یا أبت؟
قال : يا بنيّ! إن اللّه يقول: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(1)، ولكن عهد إليّ حبيبي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، يقتلني ابن ملجم المرادي.
فقلت له : يا أبتاه ! إذا علمت منه ذلك فاقتله.
قال : يا بنيّ لا يجوز القصاص إلا بعد الجناية ، والجناية لم تحصل منه ، يا بنيّ! ارجع إلى فراشك.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبتاه ! أُريد أمضي معك إلى موضع صلاتك.
فقال له : أقسمت بحقّي عليك إلّا ما رجعت إلى فراشك لئلّا يتنغّص عليك نومك، ولا تعصني في ذلك.
قال : فرجع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوجد أُخته أُم كلثوم قائمة خلف البا تنتظره، فدخل فأخبرها بذلك، وجلسا يتحادثان وهما محزونان حتّى غلب عليهما النعاس، فقاما ودخلا إلى فراشهما وناما.(2)
ص: 295
{51}
[300] عن الأصبغ بن نباتة العبدي، قال : لمّا ضرب ابن ملجم أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) غدونا عليه نفر من أصحابنا : أنا، والحارث ، وسوید بن غفلة، وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا ، فخرج إلينا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :
يقول لكم أمير المؤمنين : إنصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، واشتدّ البكاء من منزله، فبكيت.
فخرج الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ألم أقل لكم: إنصرفوا؟
فقلت : لا واللّه يابن رسول اللّه ماتُتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتّى أرى أمير المؤمنین صلوات اللّه عليه ، قال : فتلبّثْ ، فدخل ولم يلبث أن خرج فقال لي: أدخل، فدخلت على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفرّ وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة ، فأكببتُ عليه ، فقبّلته وبكيت.
فال لي: لا تبك يا أصبغ ، فإنّها واللّه الجنّة.
فقلت له : جعلت فداك إني أعلم واللّه أتك تصير إلى الجنّة، وإنّما أبكي الفقداني إيّاك يا أمير المؤمنین، جعلت فداك حدّثني بحديث سمعته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فإنّي أراني لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً.
فقال : نعم يا أصبغ.
دعاني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً فقال لي: يا علي انطلق حتّى تأتي مسجدي، ثمّ تصعد على منبري، ثمّ تدعو الناس إليك، فتحمد اللّه عزّوجلّ وتثني عليه،
ص: 296
وتصلّي عليّ صلاةً كثيرةً، ثمّ تقول :
أيّها الناس! إنّي رسول رسول اللّه إليكم، وهو يقول لكم: ألا إنّ لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.
فأتيتُ مسجده، وصعدتُ منبره، فلمّا رأتني قريش ومن كان في المسجد اقبلوا نحوي، فحمدت اللّه، وأثنيت عليه وصلّيتُ على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صلاةً كثيرةً، ثمّ قلت :
أيّها الناس! إنّي رسول رسول اللّه إليكم، وهو يقول لكم: ألا إنّ لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره.
قال : فلم يتكلّم أحد من القوم إلّا عمر بن الخطّاب فإنّه قال : قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنّك جئت بكلام غير مفسّر. فقلت : أبلغ ذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فرجعت إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأخبرته الخبر.
فقال : ارجع إلى مسجدي حتّى تصعد منبري، فاحمد اللّه، واثن عليه ، وصلّ عليّ، ثمّ قل: أيّها الناس ! ما كنّا لنجیئكم بشيء إلّا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإنّي أنا أبوكم ألا وإنّي أنا مولاكم، وألا وإنّي أنا أجيركم.(1)
ص: 297
{52}
[301] وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دخلتُ على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يجود بنفسه لمّا ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك فقال لي: أتجزع؟
فقلت : وكيف لا أجزع وأنا أراك على حالك هذه؟!
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألا أعلمك خصالاً أربع إن أنت حفظتهنّ نلت بهنّ النجاة وإن أنت ضيّعتهنّ فاتك الداران، یا بنيّ! لا غنى أكبر من العقل، ولا فقر مثل الجهل، ولا وحشة أشدّ من العُجب، ولا عيش ألذّ من حُسن الخلق.(1)
{53}
[302] لمّا ضرب ابنُ ملجم عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخل عليه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو باكٍ ، فقال له : ما يُبكيك يابُنيّ؟
قال : ومالي لا أبيك وأنتَ في أوّل يومٍ مِن الآخرةِ وآخرِ يومٍ مِن الدنيا.
فقال : يا بُنيّ! إحفظ أربعاً وأربعاً لا يضرك ما عملت معهنّ.
قال : وما هنّ يا أبة؟
قال : إنّ أغنى الغنى العقلُ، وأكبرُ الفقر الحُمقُ، وأوحشُ الوحشة العُجب، وأكرمُ الحسبٍ الكرمُ وحسنُ الخلق.(2)
ص: 298
{54}
[303] بعد ما وعده أبوه (عَلَيهِما السَّلَامُ) أن يوصيه بثمان وذكر أربعة منها، قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قلت : يا أبة هذه الأربع، فأعطني الأربعَ الأخر.
قال : إيّاك ومصادقةَ الأحمق، فإنّه يريد أن يَنفعَك فيضرّك، وإيّاك ومصادقةَ الكذّاب فإنّه يقرّب إليك البعيدَ ويبعّد عليك القريبَ، وإيّاك ومصادقةَ البخيل فإنّه يقعد عنك أحوج ما يكون إليه ، وإيّاك ومصادقة الفاجر، فإنّه يَبيعُك بالتافه(1).(2)
{55}
[304] قال الحسن : فلم أصبر أن فتحت الباب ودخلت، فإذا أبي فارق الدنيا ، فأحضرنا أكفانه وقد كان عنده حنوط له من بقيّة حنوط النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
قال الحسن : وكنت جالساً على باب البيت فسمعت هاتفاً وهو يقول : «أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».(3)(4)
ص: 299
{56}
[305] قال(عَلَيهِ السَّلَامُ)
في جواب السائل «أين دفنتم أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)»؟ : خرجنا به ليلاً حتّى مررنا على مسجد الأشعث، حتّى خرجنا إلى ظهر ناحية الغريّ.(1)
{57}
[306] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخذ ابنُ ملجم فأُدخِل على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أطيبوا طعامَه، وألينوا فراشَه، فإن أعِشْ فأنا وليّ دمي، عفو أو قِصاص، وإن مِتّ فأُلحِقوه بي أخاصِمُه عند ربّ العالمين.(2)
ص: 300
{58}
[307] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا حتّى أعجلك إلى النار.(1)
{59}
[308] روي أنّه قال الحسين لأخيه الحسن (عَلَيهِما السَّلَامُ) وقت غسل أبيهما أمير المؤمنين (عَلَيهِم السَّلَامُ) : أما ترى إلى خفّة جسد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبداللّه إنّ معنا قوماً يعينوننا.(2)
ص: 301
{60}
[309] فلمّا قضى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نحبه وفرغ أهله من دفنه، جلس الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمر أن يؤتى بابن ملجم، فجيء به ، فلمّا وقف بين يديه قال له :
يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين؟ ثمّ أمر فضربت عنقه.(1)
{61}
[310] قال اليعقوبي : إجتمع الناس فبايعوا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)وخرج إلى المسجد الجامع فخطب خطبة طويلة ودعا بعبد الرحمن بن ملجم، فقال عبدالرحمن : ما الّذي أمرك به أبوك؟
قال : أمرني أن لا أقتل غیر قاتله، وأن أشبع بطنَك، وأُنعم وطائك، فإن عاش اقتصّ أو عفا، وإن مات ألحقتُك به... فضربه بالسيف... وقتله.(2)
ص: 302
(62}
[311] قال لأخيهما محمّد بن الحنفيّة : قد علمتَ أنّ أباك لم يترُك صفراءَ ولا بيضاءَ.(1)
{63}
[312] عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زهد أبيه صلوات اللّه عليه قال :
واللّه ما ترك ذهباً ولا فضّةً ولا شيئاً يُصبني إليه.(2)
ص: 303
ص: 304
ص: 305
{1}
[313] عن عبداللّه بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن الحسن بن علی (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
خطبنا(1) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً فقال بعد ما حمد اللّه وأثنى عليه :
معاشر الناس كأنّي أدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، فتعلّموا منهم ولا تعلّموهم ، فإنّهم أعلم منكم، لا تخلو الأرض منهم، ولو خلت إذاً لساخت بأهلها؛ ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أعلم أنّ العلم لا يبيد(2) ولا ينقطع، وإنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور(3) لكيلا يبطل حجّتك، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلّون عدداً الأعظمون قدراً عند اللّه.
فلمّا نزل عن منبره قلت : يا رسول اللّه ! أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم؟
قال : يا حسن! إنّ اللّه يقول : إ«ِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(4)، فأنا المنذر وعليّ الهادي.
قلت : يا رسول اللّه فقولك : إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟
ص: 306
قال : نعم عليٌّ هو الإمام(1) والحجّة بعدي، وأنت الحجّة والإمام بعده ، والحسين هو الإمام(2) والحجّة بعدك، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسین ولد يقال له علي سمّي جدّه عليّ، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده عليٌّ ابنه(3)، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللّه من صلب علىّ ولاداً سمّیي وأشبه الناس بي، علمه علمي و حكمه حكمي، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج اللّه من صلبه مولوداً(4) يقال له جعفر أصدق الناس قولاً وفعلاً ، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه.
ويخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولوداً سمّي موسی بن عمران، أشدّ الناس تعبّداً، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه ؛ ويخرج اللّه تعالى من صلب موسی ولداً يقال له عليّ، معدن علم اللّه وموضع حكمه(5)، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علىّ مولوداً يقال له محمّد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب محمّد مولوداً يقال له عليّ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب عليّ مولوداً يقال له الحسن، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب الحسن الحجّة القائم إمام زمانه ومنقذ أوليائه ، يغيب حتّى لا يرى، يرجع عن أمره قوم ويثبت عليه آخرون «وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(6) ولو لم يبق من
ص: 307
الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، فلا يخلو الأرض منكم، أعطاكم اللّه علمي وفهمي، ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي ومن زرعي وزرع زرعي.(1)
وروى صدر هذه الرواية مع تفاوت يسير غير واحد من الأعلام، منهم : العلامة القندوزي في «ینابیع المودّة» (ص 20 ط اسلامبول) قال :
وفي المناقب : عن عبداللّه بن الحسن المثنّی ابن الحسن المجتبی ابن عليّ المرتضى (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، عن أبيه، عن جدّه الحسن السبط، قال : خطب جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً فقال بعد ما حمد اللّه وأثنى عليه : معاشر الناس إنّي أدعى فأُجيب، وإنّي تارك فیكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فتعلّموا منهم، ولا تعلّموهم، فإنّهم أعلم منكم، ولا تخلو الأرض منهم، ولو خلت لانساخت بأهلها، ثمّ قال : اللّهمّ إنّك لا تخلي الأرض من حجّة على خلقك لئلّا تبطل حجّتك، ولا تضلّ أولياءك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلّون عدداً والأعظمون قدراً عند اللّه عزّوجلّ، ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والحكمة في عقبي وعقب عقبي، وفي زرعي وفي زرع زرعي إلى يوم القيامة فاستجيب لي.(2)
ص: 308
{2}
[314] عن عبداللّه بن الحسن بن علي عن أبيه قال : صعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) المنبر يوم غزوة تبوك، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّي واللّه ما آمركم إلّا بما أمركم اللّه به، ولا أنهاكم إلّا عمّا نهاكُمُ اللّه عنه، فأجملوا في الطلَب ، فوالّذي نفسُ أبي القاسم بيده إنّ أحدكم ليطلُبُه رزقُه كما يطلُبُه أجلُه، فإن تعسّر عليكم شيء منه فاطلبوه بطاعة اللّه عزّوجلّ.(1)
{3}
[315] قال عليه السلام، وقد سمع رجلاً يذمّ الدنيا :
أيّها الذامُّ للدُنيا المغتَرّ بغرورها المخدوع بأباطيلها! أتغترّ بالدنيا ثمّ تذمّها؟ أنت المتجرِّم عليها(2) أم هي المتجرِّمة عليك؟ متى استهوتْك(3) أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البِلى(4) أم بمضاجع أُمّهاتك تحت الثرى؟! كم
ص: 309
علّلتَ بكفّيك؟(1) وكم مرّضتَ بيديك؟ تبغي لهم الشفاء(2)، وتستوصف لهم الأطبّاء (غداة لا يغني عنهم دواؤك ، ولا يجدي عليهم بكاؤك) لم ينفع أحدهم إشفاقك (3) ولم تُسعَف بطلبتك، ولم تدفع عنه بقوّتك ! وقد مثّلت لك به الدُنيا نفسك(4)! وبمصرعه مصرعك. إنّ الدُنيا دارُ صدق لمن صدقها، ودارُ عافية لمن فهم عنها، ودارُ غنيً لمن تزوّد منها(5)، ودارُ موعظة لمن اتّعظ بها، مسجد أحبّاء اللّه، ومُصلّى ملائكة اللّه ومهبط وحي اللّه، ومتجر أولياء اللّه. اكتسبوا فيها الرحمة، وربِحوا فيها الجنّة، فمن ذا يذُمّها وقد آذنَتْ ببينِها(6) ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها فمثّلتْ لهم ببلائها البلاء، وشوّقتهم بسرورها إلى السرور؟؟!! راحت بعافية(7)، وابتكرت بفجيعة ، ترغیباً وترهيباً، وتخويفاً وتحذيراً، فذمّها رجالٌ غداةَ الندامة(8) ، وحمِدَها آخَرون يوم القيامة، ذكّرتهم الدُنيا فتذكّروا، وحدّثتهم فصدّقوا ووعظتْهُم فاتَّعَظوا. (9)
ص: 310
ص: 311
{4}
[316] وكان عليّ يكرم الحسن إكراماً زائداً، ويعظّمه ويبجّله، وقد قال له يوماٌ: يا بنيّ ألا تخطب حتّى أسمعك؟
فقال : إنّي أستحيي أن أخطب وأنا أراك، فذهب عليّ فجلس حيث لا يراه الحسن ثمّ قام الحسن في الناس خطيباً وعليّ يسمع، فأدّى خطبة بليغة فصيحة ، فلمّا انصرف جعل عليّ يقول : «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).(2)
ص: 312
{5}
[317] عن سليم (1) بن قيس عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)أنّه حمد اللّه وأثنى عليه وقال : «والسَابِقُونَ الأَوَّلُونَ»(2)الآية، فكما أنّ للسابقين فضلهم على من بعدهم كذلك لأبي عليّ بن أبي طالب فضيلة على السابقين بسبقه السابقين. (3)
في كلام طويل.
{6}
[318] روي أن أباه عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قم فاخطب لأسمع كلامك ، فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :
الحمد للّه الّذي من تكلّم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه(4)، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معادُه، أمّا في نزهة الناظر : وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وسلّم، أما بعد... (5) بعدُ، فإنّ القبور محلّتنا(6) ،
ص: 313
والقيامة(1) موعدنا، واللّهَ عارضُنا، إنّ عليّاً بابٌ، مَن دخله كان مؤمناً(2)، ومَن خرج عنه كان كافراً.(3)
{7}
[319] روي أنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
يا بني! قم فاخطب حتّى أسمع كلامك.
فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :
الحمد للّه الواحد بغیر تشبيه، الدائم بغير تكوین، القائم بغیر كُلفه، الخالق بغیر مَنصبَة، الموصوف بغیر غاية ، المعروف بغير محدوديّبة، العزيز لم يزل قديماً في القِدَم، ردعت القلوب لهيبته ، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته.
فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته ، ولا يبلُغ الناسُ كنهَ جلالِه ، ولا يُفصح الواصفون منهم لِكُنه عظمتِه، ولا تَبلُغُه العلماءُ بالبابِها، ولا أهلُ التفكّر بتدبير أُمورها، أعلم خلقه به الّذي بالحدّ لا يصفُه، يُدركُ الأبصارَ ولا تُدركهُ الأبصار، وهو اللطيفُ الخبير.
أما بعدُ، فإنّ عليّاً بابٌ مَن دخله كان مؤمناً، ومَن خرج منه كان كافراً،
ص: 314
أقولُ قولي هذا، وأستغفر اللّه العظيم لي ولكم.(1)
{8}
[320] قال بعد التحميد والتصلية والتسليم :
نحنُ فيكم كالسماء المرفوعة، والأرض المدحُوّة، والشمس الضاحية ، وكالشجرة الزيتونَة، لا شرقيّة ولا غربيّة الّتي بورك زيتُها.
النبيّ أصلُها، وعليّ فرعُها، ونحنُ واللّه ثمرةُ تلك الشجرة، فمَنْ تعلَّق بغُصنٍ مِن أغصانِها نَجا، ومَن تخلّف عنها فإلى النار هَوی.
فقام أميرُالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أقصى الناس، يَسْحَبُ رداءَه من خلفِه ، حتّى علا المنبرَ مع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقبّلَ بينَ عينيه، ثمّ قال : يابن رسولِ اللّه أثبتَّ على القومِ حُجّتَك وأوجبتَ عليهم طاعتَك، فويل لمن خالفك. (2)
ص: 315
{9}
[321] رُوي أنّه طعن أقوامٌ من أهلِ الكوفة في الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالوا : إنّه عيّ لايقوم بحجّةٍ، فبلغ ذلك أميرَ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدعا الحسنَ فقال : يابن رسول اللّه إنّ أهلَ الكوفة قد قالوا فيك مقالةً أكرهها، فأخبر الناس، فقال : يا أمير المؤمنين لا أستطيع الكلامَ وأنا أنظر إليك.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّي متخلّف عنك، فنادِ أنّ الصلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون، فصعد المنبرَ فخطب خطبةً بليغةً وجيزة، فضجّ المسلمون بالبكاء ، ثمّ قال :
أيّها الناسُ ! إعقِلوا عن ربّكم، إنَّ اللّهَ عزّوجلّ اصطفى آدم ونوحاً وآلً إبراهيم وآلَ عمرانَ على العالَمين، ذريّةً بعضُها مِن بعض واللّه سميعٌ عليم. (1)
فنحنُ الذريّةُ مِن آدم، والأسرةُ من نوح، والصفوةُ مِن إبراهيم، والسُلالةُ مِن إسماعيل، وآلٌ مِن محمّد صلّى اللّه عليه وآله.... الخبر.(2)
{11}
[323] عن الحرمازي : خطب الحسنُ بنُ علي بالكوفة ، فقال :
إنّ الحِلمَ زينة، والوقارَ مروءة، والعجلةَ سَفَه، والسفه ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شَين، ومخالطة الفُسّاق ريبة.(1)
{12}
[324] كتاب النجوم : روى ابن جمهور العميّ في كتاب الواحدة في أوائل أخبار مولانا الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) من خطبة له في صفة النجوم ما هذا لفظه :
ثمّ أجرى في السماء مصابيح ضوؤها في مفتحه وحارثها بها وجال شهابها في نجومها الدراري المضيئة الّتي لولا ضوؤها ما أنفذت أبصار العباد في ظلم الليل المظلم بأهواله المدلهمّ بحنادسه وجعل فيها أدلّة على منهاج السُبل لما أحوج إليه الخليقة من الإنتقال والتحوّل والإقبال والإدبار.(2)
ص: 317
{13}
[325] أيّها الناس! إنّه من نصح للّه وأخذ قوله دليلاً هُديَ للّتي هي أقوم، ووفّقه اللّه للرشاد، وسدّده للحُسنى، فإنّ جار اللّه آمنٌ محفوظ، وعدوّه خائف مخذول، فاحترسوا من اللّه بكثرة الذكر، واخشوا اللّه بالتقوى، وتقرّبوا إلى اللّه بالطاعة فإنّه قريبٌ مجيب ، قال اللّه تبارك وتعالى : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(1). فاستجیبوا للّه وآمِنوا به، فإنّه لا ينبغي لمَن عرف عظمة أن يتعاظم، فإنّ رفعة الّذين يعلمون عظمة اللّه أن يتواضعوا و[عزّ] الّذين يعرفون ما جلال اللّه أن يتذلّلوا [له] وسلامة الّذين يعلمون ما قُدرة اللّه أن يستسلموا له، ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة ، ولا يضلوا بعد الهُدی.(2)
واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التُقى حتّى تعرفوا صفة الهدى(3) ولن تمسّكوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الّذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتّى تعرفوا الّذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على اللّه والتحريف، ورأيتم كيف يهوي من يهوي، ولا يجهلنّكم الّذين لا يعلمون. والتمسوا ذلك عند أهله، فإنّهم خاصّة نور يُستضاء بهم، وأئمّة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الّذين أخبركم حلمهم عن
ص: 318
جهلهم (1) وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. وقد خلت لهم من اللّه سنّة(2) ومضى فيهم من اللّه حُكم، إنّ في ذلك لذكرى للذاكرین، واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته ولا تعقلوه عقل روايته، فإنّ رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، واللّه المستعان.(3)
{14}
[326] الحمدُ للّه العزيز الجبّار الواحد القهّار، الكبير المتعال، سواءٌ منكم من أسرّ القولَ ومَن جَهَرَ به ومَن هو مُستَخفٍ بالليلِ وسارِبٌ بالنهار ، أحمَدُه على حُسن البلاء وتظاهر النَعماء، وعلى ما أحببنا وكرهنا، من شِدّة ورَخاء.
وأشهدُ أن لا إله إلا اللّه، وحدَه لا شريك له، وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه، إمتنّ علينا بنبوّته، واختصّه برسالته، وأنزل عليه وحيه، واصطفاه على جميعِ خَلقِه، وأرسله إلى الإنسِ والجنّ، حينَ عُبِدَت الأوثان وأُطيع الشيطان وجُحِد الرحمانُ، فصلّى اللّه عليه آله وجزاهُ أفضلَ ما جزى المُرسَلین.
أما بعدُ، فإنّي لا أقولُ لكم إلّا ماتعرفون، إنّ أميرَ المؤمنين عليّ بن
ص: 319
أبي طالب أرشدَ اللّهُ أمرَه وأعزَّ نَصرَه، بَعَثَنَي إليكم يدعوكم إلى الصواب وإلى العمل بالكتاب والجهاد في سبيل اللّه، وإن كان في عاجل ذاك ما تكرهون، فإنّ في آجله ما تُحِبّون، إن شاء اللّه.
وقد علمتم أنّ عليّاً صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وحده، وأنّه يوم صدّق به لفي عاشرةٍ من سِنّه ، ثمّ شهِدَ مع رسول اللّه جميعَ مشاهِدِه، وكان مِن إجتهادِه في مرضاتِ اللّه وطاعةِ رسولِه وآثاره الحَسَنَةِ في الإسلام ماقد
بلغكم.
ولم يزل رسولُ اللّه راضياً عنه حتّى غمّضه بيده وغسّله وحدَه، والملائكةُ أعوانُه والفضلُ ابنُ عمّه ينقُلُ إليه الماء، ثمّ أدخلَه حُفرَتَه وأوصاُه بقَضاءِ دَيْنِه وعِداتِه، وغير ذلك مِنْ مَنّ اللّه عليه.
ثمّ واللّه ما دعاهُم إلى نَفْسِه، ولقد تداك الناسُ عليه تداك الإبل الهيمِ عندَ ورودِها، فبايَعوهُ طائعين، ثمّ نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ولا خلاف أتاه ، حَسَداً له وبغياً عليه.
فعلیكم عبادَ اللّهِ بتقوى اللّه والجِدّ والصبر والإستقامة باللّه، والخُفُوفِ إلى ما دعاكم إليه أميرُ المؤمنین.
عَصَمَنا اللّه وإيّاكُم بما عَصَمَ به أولياءَه وأهلَ طاعتِه، وألهَمَنا وإيّاكُم تَقواه، وأعانَنا وإيّاكُم على جِهادِ أعدائه ، أستغفرُ اللّهَ العظيمَ لي ولكم.(1)
ص: 320
{15}
[327] روي أنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعث إلى الكوفة الحسن ابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبعض أصحابه ، ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة.
فلمّا دخل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمّار الكوفة اجتمع إليهما الناس، فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستنفر الناس، فحمد اللّه وصلّى على رسوله، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّا جئنا نَدعوكم إلى اللّه وإلى كتابِه وسنّة رسولِه وإلى أفقَه من تفقّه مِن المسلمين، وأعدَل مَن تُعَدِّلون، وأفضلِ مَن تُفَضِّلون، وأوفى من تبايعون، مَن لم يعيه القرآنُ ولم تُجهِلْه السُنّة، ولم تَقعُدْ بِه السابقةُ، إلى مَن قرّبهُ اللّه إلى رسوله قرابتين ، قرابةَ الدينِ وقرابةَ الرحمِ، إلى مَن سبق الناسَ إلى كلّ ماثُرة.
إلى مَن كفى اللّهُ به رسولَه، والناسُ مُتَخاذِلون، فقَرُبَ مِنه وهم مُتَباعِدون، وصلّى معه وهم به مُشرِكون، وقاتَلَ معه وهم منهزِمون، وبارَزَ معه وهم مُحْجِمون، وصدّقه وهم مُكذِّبون، إلى من لم تُردُّ له رواية ، ولاتُكافِيءُ له سابقة.
وهو يسألكم النصرَ ويدعوكم إلى الحقّ، ويسألكم بالمسير إليه، لتوازروه وتَنصُروه على قومٍ نَكَثوا بيعتَه، وقتلوا أهلَ الصلاحِ مِن أصحابه ، ومثّلوا بعُمّاله، وانتَهَبوا بيت مالِه.
فأشخِصُوا إليه رحِمَكُم اللّه، فمُروا بالمعروف وانهَوا عن المنكر ، واحضُروا بما يحضُرُ بهِ الصالِحُون.(1)
ص: 321
{16}
[328] لمّا بلغ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطبة عبداللّه بن الزبير(1) قال لولده الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قم يا بني فاخطب، فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال :
أيّها الناس! قد بلغَنا مقالةُ ابن الزُبير ، وقد كان واللّه أبوه يتجنّى (2) على عثمانَ الذُنوب، وقد ضيَّق عليه البلادَ حتّى قُتِل، وإنّ طلحةَ راكزَ(3) رايته على بيت ماله، وهو حيّ.
وأمّا قولُه : إنّ عليّاً ابتزّ الناسَ أُمورَهم، فإنّه أعظمُ حُجّةً لأبيه، زعم أنه بایعه بيده، ولم یبایعه بقلبه، فقد أقرّ بالبيعة وادّعى الوليجة(4) ، فليأتِ على
ص: 322
ما ادّعاه ببُرهان وأنّى له ذلك؟!
وأمّا تعجّبُه مِن تورّدِ أهل الكوفِة على أهلِ البصرة، فما عجبُه مِن أهل حقِّ تورَّدوا على أهل الباطل ؟ ولَعَمْري واللّه ليعلمَنَّ أهلُ البصرةِ، فمیعادُ ما بينَنا وبينَهم يومَ نُحاكِمُهُم إلى اللّه، فيَقْضي اللّهُ بالحقّ، وهو خيرُ الفاصِلين.(1)
{17}
[329] روي أنّه لمّا سار علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة إلى فيد، بعث الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمّار وابن عبّاس إلى الكوفة، لمّا دخلوا المسجد صعد الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ ذكر جدّه فصلّى عليه، وذكر فضل أبيه وسابقته وقرابته برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وأنّه أولى بالأمر من غيره، ثمّ قال :
ص: 323
معاشرَ الناس! إنّ طلحةَ والزُبيرَ قد بايعا عليّاً طائعَينَ غيرَ مُكْرَهَين، ثمّ نَفَرا ونكثا بيعتَهُما له، فطوبى لمَن خفّ في مُجاهَدَةِ مَن جاهَدَه، فإنّ الجِهادَ معه كالجِهادِ مع النبي (صلّى اللّه عليه وآله).(1)
{18}
[330] قال : ثمّ وثب الحسن بن علي فقال : أيّها الناس! إنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما قد بلينا به، فواللّه إنّي لأعلم أنّ من سمع بهذا الأمر ولم يكن إلّا مع الحق أنه لسعيد.
قال : فوثب الهيثمّ بن مجمع العامري(2) فقال : أيّها الناس! إنّ أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله وهذا ابنه الحسن فاسمعوا قوله وأطيعوا أمره وانفروا إلى أميركم وأشيروا عليه برأيكم.
قال : فأجاب الناس إلى ذلك ونفر من أهل الكوفة تسعة آلاف ومائتا رجل(3) فأخذ بعضهم في البرّ وبعضهم في البحر حتّى قدموا على علي بن أبي طالب، فاستقبلهم علي (رضي اللّه عنه) ورحّب بهم وأدناهم وحيّاهم، ثمّ قال : يا أهل الكوفة ! إنّكم ولیتم شوكة الأعاجم وملوكهم ففضضتم جموعهم
ص: 324
وهدمتم عزّهم، حتّى صارت إليكم مواريثهم وأموالهم، ثمّ منعتم(1) حوزتكم وأعنتم الناس على عدوّهم ؛ وقد دعوتكم الآن لتشهدوا معنا إخواننا هؤلاء من أهل البصرة، فإن يتّقوا اللّه ويرجعوا فذلك ما تريدون وأن أبوا ذلك نداويهم(2) باللين والشدّة، ولسنا ندع أمراً فيه صلاح إلّا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء اللّه ولا قوّة إلّا باللّه.
قال : فاجتمع الناس بذي قار مع علي بن أبي طالب ستّة آلاف من أهل المدينة وأهل مصر وأهل الحجاز وتسعة آلاف(3) من أهل الكوفة، وجعل الناس يجتمعون حتّى صاروا في تسعة عشر ألف رجل من فارس وراجل، وسار علي (رضي اللّه عنه) عن ذي قار يريد البصرة في جميع أصحابه والناس يتلاحقون به من كلّ أوب.(4)
{19}
[331] يا أيّها الناس! أجيبوا دعوةَ أميرِكم، وسيرو إلى إخوانِكم، فإنّه سیوجَدُ لهذا الأمر مَن يَنْفُرُ إليه، واللّه لأن يَلِيَه أُولوا النُهئ أمثَلُ في العاجلة وخيرٌ في العاقبة، فأجيبوا دَعْوَتَنا وأعينُونا على ما ابتُلينا به وابتُليتُم.(5)
ص: 325
{20}
[332] لمّا بلغ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما كان من أمر أبي موسى في تخذيل الناس عن نصرته، أنفذ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأشتر وعمّار إلى الكوفة.
لمّا دخلوا المسجد صعد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر جدّه فصلّى عليه ، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ عليّاً أميرَ المؤمنين بابُ هدىً، فَمَنْ دَخَلَهُ اهْتَدى ، وَ مَنْ خَالَفَهُ تَرَدّی.(1)
{21}
[333] أيّها الناسُ! إنّ أميرَ المؤمنين يقولُ:
إنّي خرجتُ مَخرجَي هذا ظالماً أو مظلوماً، وَ إِنِّي أُذكِّرُ اللَّهَ عزّوجلّ رَجُلًا رَعَى لِلَّهِ حَقّاً إِلَّا نَفَرَ ، فإنْ كُنتُ مظلوماً أعانَني، وإن كُنتُ ظالِماً أخذ مِنّي، واللّهِ إنّ طلحة والزُبير لأوَّلُ من بايعني، وأوّلُ من غَدَر ، فهل استأْثرتُ
ص: 326
بمالٍ أو بدّلتُ حُكْماً، فانفِروا، فمُروا بمعروف وانهَوا عن مُنكر.(1)
{22}
[334] روي أنّه لمّا فرغ عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من حرب الجمل، عرض له مرض وحضرت الجمعة فتأخّر عنها، وقال لابنه الحسن: انطلق يا بني فاجمع بالناس. فأقبل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المسجد، فلمّا استقرّ على المنبر حمد اللّه وأثنى عليه وتشهّد وصلّى على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ اللّهَ اختارَنا لنفسِه، وارتَضانا لِدينِه، واصطَفانا على
ص: 327
خَلْقه، وأنزَلَ علينا كتابَه ووحيَه، وأيمُ اللّه لا ينقُصُنا أحدٌ مِن حقِّنا شيئاً، إلّا إنتَقَصَهُ اللّهُ مِن حقّه في عاجِلِ دُنياهُ وآخِرَتِه، ولا يكونُ علينا دولةٌ إلا كانت لنا العافيةُ، «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ».(1)
ثمّ جمع بالناس وبلغ أباه كلامه، فلمّا انصرف إلى أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) نظر إليه ، فما ملك عبرته أن سالت على خدّيه ، ثمّ استدناه إليه فقبّل بين عينيه وقال : بأبي أنت وأمي« ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(2).(3)
{23}
[335] أيّها الناس! إنّه قد كان من أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما تكفیكم جملتُه، وقد أتيناكم مستَنفِرين لكم، لأنّكم جبهةُ الأمصار ورؤساءُ العرب.(4)
وقد كان مِن نقضِ طلحة والزُبير بيعتَهُما وخروجِهِما بعائشةَ ما قد بلغكم، وهو ضعفُ النساء(5)وضعفَ رأيهنّ، وقد قال اللّهُ تعالى : «الرِجالُ قَوّامُونَ
ص: 328
عَلَى النِسَاءِ». (1)
وأيمُ اللّه لو لم ينصرْه أحدٌ لرجوتُ أن يكونَ له فيمَن أقبلَ معه مِن المهاجرين والأنصار، ومَن يَبعَثُ اللّهُ له مِن نُجَباءِ الناسِ كفايةٌ، فانصُروا اللّهَ ينصُركُم.(2)
{24}
[339] الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ إِنَّ مِمَّا عَظَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِهِ مَا لَا يُحْصَى ذِكْرُهُ وَ لَا يُؤَدَّى شُكْرُهُ وَ لَا يَبْلُغُه صِفَةٌ وَ لَا قَوْلٌ.
وَ نَحْنُ إِنَّمَا غَضِبْنَا لِلَّهِ وَ لَكُمْ فَإِنَّهُ مَنَّ عَلَيْنَا بِمَا هُوَ أَهْلُهُ أَنْ نَشْكُرَ فِيهِ آلَاءَهُ وَ بَلَاءَهُ وَ نَعْمَاءَهُ قَوْلا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ فِيهِ الرِّضَا وَ تَنْتَشِرُ فِيهِ عَارِفَةُ الصِّدْقِ يُصَدِّقُ اللَّهُ فِيهِ قَوْلَنَا وَ نَسْتَوْجِبُ فِيهِ الْمَزِيدَ مِنْ رَبِّنَا قَوْلًا يَزِيدُ وَ لَا يَبِيدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ قَوْمٌ قَطُّ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ إِلَّا اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ وَ اسْتَحْكَمَتْ عُقْدَتُهُمْ فَاحْتَشِدُوا فِي قِتَالِ عَدُوِّكُمْ مُعَاوِيَةَ وَ جُنُودِهِ فَإِنَّهُ قَدْ حَضَرَ وَ لَا تَخَاذَلُوا فَإِنَّ الْخِذْلَانَ يَقْطَعُ نِيَاطَ الْقُلُوبِ وَ إِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْأَسِنَّةِ نَجْدَةٌ وَ عِصْمَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِع قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعِلَّةَ وَ كَفَاهُمْ جَوَائِحَ الذِّلَّة وَ هَدَاهُمْ إِلَى مَعَالِمِ الْمِلَّة.
والصُلحُ تأخُذُ مِنْهُ مارَضيتَ بِه.
ص: 329
وَ الْحَرْبِ يَكْفِيكَ مِنْ أَنفَاسِهَا جُرَع.(1)
{25}
[337] أيّها الناس! إنّكم قد أكثرتم في أمر عبداللّه بن قيس وعمرو بن العاص، فإنّما بُعِثا ليحكما بكتاب اللّه، فحكما بالهوى على الكتاب ، ومَن كان هكذا لم يُسَمّ حَكَماً، ولكنّه محكومٌ عليه.
وقد أخطأ عبدُ اللّهِ بن قيس في أن أوصى بها إلى عبداللّه بن عمر، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال : في أنّ أباه لم يرضه لها، وفي أنّه لم يستأمره، وفي أنّه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصارُ الّذين نفّذوها لمَن بعدَه، وإنّما الحكومةُ فرضٌ مِن اللّه.
وقد حكّم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) سَعداً في بَني قُرَيظة، فحَكَم فيهم بحكم اللّه لا شكّ فيه، فنقّذ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) حُكمَه، ولو خالف ذلك لم يجره.(2)
{26}
[338] أنّ الناس أتوا الحسن بن علي بعد وفاة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليبايعوه ، فقال :
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَ خَصَّ مِنْ فَضْلٍ وَ عَمَّ مِنْ أَمْرٍ وَ جَلَّل
ص: 330
مِنْ عَافِيَةٍ حَمْداً يُتَمِّمُ بِهِ عَلَيْنَا نِعَمَهُ وَ نَسْتَوْجِبُ بِهِ رِضْوَانَهُ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَ فِتْنَةٍ وَ كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ عَنْهَا كَيْمَا نَعْتَبِرَ فَقَدَّمَ إِلَيْنَا بِالْوَعِيدِ كَيْ لَا يَكُونَ لَنَا حُجَّةٌ بَعْدَ الْإِنْذَارِ فَازْهَدُوا فِيمَا يَفْنَى وَ ارْغَبُوا فِيمَا يَبْقَى وَ خَافُوا اللَّهَ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ إِنَّ عَلِيّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الْمَحْيَا وَ الْمَمَاتِ وَ الْمَبْعَثِ عَاشَ بِقَدَرٍ وَ مَاتَ بِأَجَلٍ وَ إِنِّي أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تُسَالِمُوا مَنْ سَالَمْتُ وَ تُحَارِبُوا مَنْ حَارَبْتُ فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ.(1)
{27}
[339] عن فطن بن خليفة : أن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) لمّا أُصيب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قام في الناس خطيباً، فقال :
الحمدُ للّه وهو للحمد أهل، الّذي منّ علينا بالإسلام وجعل فينا النبوّةَ والكتابَ واصطفاه على خلقه، فجعلَنا شهداء على الناس.(2)
ص: 331
{28}
[340] قال ابن حاتم : فلمّا غيّبه الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما)، صعد المنبر، فجعل يريد الكلام، فخنقته العبرة؛ (قال رجل : فرأيته كذلك وأنا في أصل المنبر أنظر إليه وكنت من أنزر الناس دمعة، ما أقدر أن أبكي من شيء، فلمّا رأيت الحسن يريد الكلام، وتخنقه العبرة) صرت بعد من أغزر الناس دمعة، ما أشاء أن أبكي من شيء إلّا بكيت، قال : ثمّ إنّ الحسن إنطلق ، فقال :
الحمدُ للّه ربّ العالمين، وإنّا للّه وإنا إليه راجعون، نحتسب عند اللّه مصابنا بأبينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فإنّا لن نُصاب بمثله أبداً، ونحتسب عند اللّه مصابنا بخير الآباء بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ألا إنّي لا أقول فيه الغداة، إلّا حقّاً، لقد أُصيبت به البلاد والعباد والشجر والدابّ، فرحم اللّه وجهه وعذّب قاتله.
ثمّ نزل فقال : عليّ بابن ملجم، فأُتي به فإذا رجل واضح الجبين والثنايا له شعر وارد ( أي طويل ) يخطر به حتّى وقف، فلم يسلّم.
فقال : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين وخير الناس بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟
فقال : يا حسن ! دعني الخ.
رواه في «المعمّرون والوصايا» (ص 151 ط دار الاحياء لعيسى الحلبي). (1)
{29}
[341] فلمّا كان الغد أذّن الحسن وأقام، وتقدّم فصلّى بالناس صلاة الفجر، ثمّ وثب فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال :
ص: 332
أيّها الناس ! من عرفني فقد عرفني، ومن جهلني أنبأته بإسمي على أنّ الناس بي عارفون.
أيّها الناس!(1) قد دفن في هذه الليلة رجل لم يدركه الأوّلون بعلم ولا الآخرون بحلم، ولقد كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا قدمه للحرب فجبريل عن يمينه و میكائیل عن يساره، فما يلبث أن يفتح اللّه على يديه.
أيّها الناس! إنّه ما خلف صفراء ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهم(2) قد كان أراد أن يبتاع بها لأُختي أُمّ كلثوم خادماً، وقد أمرني أن أردّها إلى بيت المال!
قال : ثمّ نزل عن المنبر، وأمر الحسن فأُتي باب ملجم من السجن، وضربه الحسن على رأسه ضربة(3) وبادرت إليه الشيعة من كلّ ناحية فقطعوه بسيوفهم إرباً إرباً. وفي ذلك يقول العبدي(4):
فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة***كمهر قطام بيّناً غير مبهم(5)
ثلاثة آلاف وعبداً(6) و قينة(7)*** وضرب عليّ بالحسام المسمَّم(8)
ص: 333
فلامهر أغلى من عليّ وإن غلا*** ولا فتك إلا دون فتك(1) ابن ملجم
ليبشر بخزي في الحياة معجّل*** و طول خلود ثاوياً في جهنّم
فيأكل من الزقّوم تعساً بجدّه*** ويخلد في قعر من النار مظلم
ويشرب من الغسّاق والمهل ويله*** و سربال قطران لقلب متيّم(2)
{30}
[342] قال :
ولقد حدّثني حبيبي جدّي رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّ الأمر يملكُه إثناعَشَرَ إماماً مِن أهل بيته وصَفوتِه ، ما منّا إلّا مقتولٌ أو مَسموم.
ثمّ نزل عن منبره، فدعا بابن ملجم(3) لعنه اللّه، فأتي له، قال : يابن رسول اللّه، إستبقني أكنْ لك، وأكفيك أمرَ عدوِّك بالشام، فعلاه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسيفِه، فاستقبل السيف بيده، فقطع خنصره، ثمّ ضربه ضربةً على يافوخِه(4) فقتله، لعنة اللّه عليه.(5)
ص: 334
{31}
[343] روي أنّه لمّا قتل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رقي الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)المنبر ، فأراد الكلام، فخنقته العبرة، فقعد ساعة، ثمّ قام فقال :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَانَ فِي أَوَّلِيَّتِهِ وَحْدَانِيّاً وَ فِي أَزَلِيَّتِهِ مُتَعَظِّماً بِالْإِلَهِيَّةِ مُتَكَبِّراً بِكِبْرِيَائِهِ وَ جَبَرُوتِه ابْتَدَأَ مَا ابْتَدَعَ وَ أَنْشَأَ مَا خَلَقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ كَانَ سَبَقَ بِشَيْ ءٍ مِمَّا خَلَقَ.
رَبُّنَا الْلطیفُ بِلُطْفِ رُبُوبِيَّتِهِ وَ بِعِلْمِ خُبْرِهِ فَتَق وَ بِإِحْكَامِ قُدْرَتِهِ خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، فَلَا مُبَدِّلَ لِخَلْقِهِ وَ لَا مُغَيِّرَ لِصُنْعِهِ وَ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَ لَا مُسْتَرَاحَ عَنْ ذُنُوبِهِ.
خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، وَ لَا زَوَالَ لِمُلْكِه ، وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْ ءٍ عَلَا ، وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ دَنَا ، فَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ يُرَى ، وَ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى.
رَبُّنَا الْلطیفُ بِلُطْفِ رُبُوبِيَّتِهِ وَ بِعِلْمِ خُبْرِهِ فَتَق وَ بِإِحْكَامِ قُدْرَتِهِ خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، فَلَا مُبَدِّلَ لِخَلْقِهِ وَ لَا مُغَيِّرَ لِصُنْعِهِ وَ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَ لَا مُسْتَرَاحَ عَنْ ذُنُوبِهِ.
خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، وَ لَا زَوَالَ لِمُلْكِه ، وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْ ءٍ عَلَا ، وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ دَنَا ، فَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ يُرَى ، وَ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى.
احْتَجَبَ بِنُورِهِ وَ سَمَا فِي عُلُوِّهِ ، فَاسْتَتَرَ عَنْ خَلْقِهِ ، وَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ شَهِيداً عَلَيْهِمْ ، وَ بَعَثَ فِيهِمُ النَّبِيِّينَ ، مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ،
ص: 335
وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة وَ لِيَعْقِلَ الْعِبَادُ عَنْ رَبِّهِمْ مَا جَهِلُوهُ ، فَيَعْرِفُوهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ بَعْدَ مَا أَنْكَرُوه.
وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْسَنَ الْخِلَافَةَ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ عِنْدَهُ نَحْتَسِبُ عَزَانَا فِي خَيْرِ الْآبَاءِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وَ عِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُ عَزَانَا فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وَ لَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الشَّرْقُ وَ الْغَرْبُ ، وَ اللَّهِ مَا خَلَّفَ دِرْهَماً وَ لَا دِينَاراً إِلَّا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ ،أَرَادَ أَن يَبْتَاعَ لِأَهْلِهِ خَادِماً.(1)
{32}
[344] أَيُّهَا النَّاسُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَزَلَ الْقُرْآنُ ، وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُفِعَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قُتِلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مَاتَ أَبِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ اللَّهِ لَا يَسْبِقُ أَبِي أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَ لَا مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ.
وَ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لَيَبْعَثُهُ فِي السَّرِيَّةِ ، فَيُقَاتِلُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَ مِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ ، وَ مَا تَرَكَ صَفْرَاءَ وَ لَا بَيْضَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ ،كَانَ يَجْمَعُهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ.(2)
ص: 336
(33}
[345] أيّها الناس! لقد فارقكم في هذه الليلة رجلٌ ماسبَقَه مِن المسلمين الأوّلون، ومایدر كه الآخرون، هيهات هيهات! لطالَ ماقلبتم له الأمور في مواطن بدر وأُحدٍ وحُنَين وخيبر، جرّعكم رنقاً(1) وسوّغكم(2) علقاً(3) ، فلستم بملومين على بغضكم إيّاه!
أّيها الناس! لقد فقدتم رجلاً لم يكن بالملومة في أمر اللّه، ولا النُوَمَةِ في حقّ اللّه، ولا السروقة مِن مال اللّه أعطى الكتاب عزائمه ودعاه فأجابه ، وقاده فاتبعه صلوات اللّه عليه ومغفرته واحتسب أمير المؤمنين عند اللّه وأستودع اللّه ديني وأمانتي وخواتيم عملي.(4)
{34}
[346] خطب خطبة وذكر فيها بعض فضائل أبيه ، حمد اللّه سبحانه ثمّ قال : مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا الحسنُ بنُ محمَّد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
ص: 337
ثمّ تلا هذه الآية قول يوسف:« وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ».(1)
أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ، أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ، وَ أَنَا ابْنُ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ، وَ أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، وَ أَنَا ابْنُ الَّذِي أُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً، وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ كَانَ جَبْرَئِيلُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ وَ مِنْهُمْ كَانَ يَعْرُجُ.
وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ افْتَرَضَ اللَّهُ مَوَدَّتَهُمْ وَ وَلَايَتَهُمْ، فَقَالَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّم): «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً»(2) ، وَ اقْتِرَافُ الْحَسَنَةِ مَوَدَّتُنَا أَهْلِ الْبَيْتِ.(3)
{35}
[347] روي أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطب بعد وفاة أبيه وذكَره فقال :
خاتِمُ الوصيّين ووصيُّ خاتِمِ الأنبياء، وأميرُ الصدّيقينَ والشُهَداءِ والصالحين.
أيُّها الناس! لقد فارقكم رجلٌ ما سبقه الأوّلون، ولا يُدركُه الآخِرون، لقد كان رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يُعطيه الراية ، فيُقاتِل جبرئيلُ عن يمينِه، و میكائیلُ عن يسارِه، فمایرجعُ حتّى يَفتَحِ اللّهُ عليه، ما ترك ذهباً ولا فضّةً إلّا شيئاً على صبيّ له،
ص: 338
وما ترك في بيت المال إلّا سبعمائة درهم فَضُلَتْ مِن عطائه، أرادَ أنْ يَشتَرِيَ بها خادِماً لأُمّ كُلثوم.(1)
{36}
[348] قال :
يا أهلَ الكوفة! فقد فارقكم بالأمس سهمٌ مِن مرامي اللّه، صائبٌ على أعداء اللّه، نكّالٌ على فُجّار قریش، لم يزل آخِذاً بحَناجِرِها، جاثمة على أنفُسِها، ليس بالملومة في أمر اللّه ولا بالسَروقَةِ لمالِ اللّه، ولا بالفَروقَةِ في حربِ أعداءِ اللّه، أُعطيَ الكتبا خواتيمَه وعزائمَه، دعاه فأجابَه ، وقادَه فاتَّبَعَه، لا تأْخُذُه في اللّهِ لومَةٌ لائم، فصلواتُ اللّه عليه ورحمتُه.
ثمّ نزل عن المنبر.
فقال معاوية: أخطأ عجِل(2) أو كاد ، و أصاب متثبّت(3) أو
ص: 339
كاد،(1) ماذا أرَدْتُ مِن خطبة الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)!
{37}
[349] إنّي لأعرف موضع رجل ما بعثه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في وجه إلّا فتح اللّه عليه [و] مات يوم مات ولم يَدَعْ إلّا سبع مائة درهم [فضل ] مِن عطائه أراد بها شراء خادم أو حلّ ؟ تركه على صبيّ.(2)
{39}
[351] فلمّا مضى علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سبيل اللّه اجتمع الناس إلى ابنه الحسن، فبايعوه ورضوا به وبأخيه الحسن من بعده. قال : فنادى الحسن في الناس فجمعهم في مسجد الكوفة، ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة، وكلّ مافيهافآئل إلى زوال واضمحلال، وقد نبّأنا اللّه عنها لكي نعتبه، وتقدّم إلينا فيها بالوعد لكي نزدجر، فلا يكون له علينا حجّة بعد الإعذار والإنذار، فازهدوا فيما يفنی، وارغبوا فيما يبقى، وخافوا اللّهَ في السرّ والعلانية.
الا! وقد علمتم أنّ أمير المؤمنين عليّاً (رحمه اللّه) حيّاً وميّتاً، عاش بقدر ومات بأجل، وإنّي أُبايعكم على أن تحاربوا من حاربتُ وتسالموا من سالمت.
ص: 341
فقال الناس : سمعنا وأطعنا، فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنین.(1)
{40}
[302] نحنُ حزبُ اللّهِ الغالبون، وعترةُ رسوله الأقرَبون، وأهلُ بيتِه الطيّبون الطاهرون، وأحدُ الثِقلَين اللّذَين خلّفهما رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في أُمّتِه ، والثاني كتاب اللّه ، فيه تفصيلُ كلّ شيء، لا يأتيه الباطلُ مِن بينِ يدَيه ولا مِن خلفِه.
فالمعوّلُ علينا في تفسيره، لانتظنّى تأويلَه، بل نیتقّنُ حقائقَه، فأطیعونا، فإنّ طاعتَنا مفروضةً، إذ كانت بطاعة اللّه عزّوجلّ ورسوله مقرونة.
قال اللّه عزّوجلّ: «یَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(2)، «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(3).(4)
ص: 342
وَ أُحَذِّرُكُمُ الْإِصْغَاءَ لِهُتَافِ الشَّيْطَانِ، فَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، فَتَكُونُوا كَأَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: «لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ».(1)
فَتُلْقَوْنَ إِلَى الرِّمَاحِ وَزَراً وَ إِلَى السُّيُوفِ جَزَراً وَ لِلْعَمَدِ حِطَماً وَ لِلسِّهَامِ غَرَضاً ثُمَ «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً».(2)
ص: 343
{41}
[353] روي أنّه لمّا سار معاوية إلى العراق، وبلغ جسر منبج(1)، نادی المنادي : الصلاة جامعة، فلمّا اجتمعوا خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْجِهَادَ عَلَى خَلْقِهِ وَ سَمَّاهُ كَرْهاً ثُمَّ قَالَ لِأَهْلِ الْجِهَادِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين» (2)،فَلَسْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ نَائِلِينَ مَا تُحِبُّونَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ.
إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَلَغَهُ أَنَّا كُنَّا أَزْمَعْنَا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ فَتَحَرَّكَ لِذَلِكَ فَاخْرُجُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى مُعَسْكَرِكُمْ بِالنُّخَيْلَةِ(3) حَتَّى نَنْظُرَ وَ تَنْظُرُونَ وَ نَرَى وَ تَرَوْنَ قَالَ وَ إِنَّهُ فِي كَلَامِهِ لَيَتَخَوَّفُ خِذْلَانَ النَّاسِ لَهُ.(4)
ص: 344
{42}
[354] وَ ايْمُ اللَّهِ لَا تُرَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خَفْضاً مَا كَانَتْ سَادَتُهُمْ وَ قَادَتُهُمْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ لَقَدْ وَجَّهَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ فِتْنَةً لَنْ تُصَدُّوا(1) عَنْهَا حَتَّى تَهْلِكُوا لِطَاعَتِكُمْ طَوَاغِيتَكُمْ وَ انْضِوَائِكُمْ(2) إِلَى شَيَاطِينِكُمْ فَعِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ مَا مَضَى وَ مَا يُنْتَظَرُ مِنْ سُوءِ رَغْبَتِكُمْ(3) وَ حَيْفِ(4) حِلْمِكُمْ(5).(6)
{43}
[305] یا ایّها الناس ! تيقّظوا مِن رقدة الغفلة، ومِن نُهزَة الوُسعَة، ومِن تكاثُف(7) الظُلمة، ومِن نُقصانِ مخلصةٍ، فوالّذي فلق الحبّة وبرأ النسمَة، وتردّى بالعظمة، لئن قامَ إلىّ منكم عُصبةٌ بقلوبٍ صافيةٍ، ونيّات مُخلِصة(8)، لا يكونُ فيها شوبُ نِفاق، ولانيّةُ افتراق، لأُجاهّدَنّ بالسيف قَدَماً قَدَماً، ولأضعنّ(9) مِن السُيوف جوانِبَها، ومِن الرماحِ أطرافَها، ومن الخيلِ سنابِكَها ،
ص: 345
فتكلّموا رحمكم اللّه.(1)
{44}
[356] معاشِرَ الناس ! عَفَتِ(2) الدِّيَارُ، وَ مُحِيَتِ الْآثَارُ، وَ قَلَّ الِاصْطِبَارُ، فَلَا قَرَارَ عَلَى هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَ حُكْمِ الْخَائِنِينَ، السَّاعَةَ وَ اللَّهِ صَحَّتِ(3) الْبَرَاهِينُ، وَ فُصِّلَتِ(4) الْآيَاتُ، وَ بَانَتِ الْمُشْكِلَاتُ، وَ لَقَدْ كُنَّا نَتَوَقَّعُ تَمَامَ هَذِهِ الْآيَةِ تَأْوِيلَهَا، قال اللّه تعالى : «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين».(5)
لَقَدْ مَاتَ وَ اللَّهِ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ قُتِلَ أَبِي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَ صَاحَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ، فِي قُلُوبِ النَّاسِ، وَ نَعَقَ نَاعِقُ الْفِتْنَةِ، وَ خَالَفْتُمُ السُّنَّةَ، فَيَا لَهَا مِنْ فِتْنَةٍ صَمَّاءَ بكماء عَمْيَاءَ، لَا يُسْمَعُ لِدَاعِيهَا، وَ لَا يُجَابُ مُنَادِيهَ،، وَ لَا يُخَالَفُ وَالِيهَا، ظَهَرَتْ كَلِمَةُ(6)، النِّفَاقِ وَ سُيِّرَتْ رَايَاتُ أَهْلِ الشِّقَاقِ، وَ تَكَالَبَت
ص: 346
جُيُوشُ أَهْلِ الْمِرَاقِ مِنَ(1) الشَّامِ وَ الْعِرَاقِ هَلُمُّوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى الإيضاح(2) وَ النُّورِ الْوَضَّاحِ وَ الْعِلْمِ الْجَحْجَاحِ(3) وَ النُّورِ الَّذِي لَا يُطْفَى وَ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَخْفَى.(4)
{45}
[357) وإنّكم لو طلبتُم بين جابُلق(5) وجابُرْس رَجُلاً جَدُّه رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما وجدنُموا غيري وغيرَ أخي الحسين، وقد علمتُم أن اللّهَ هداكم بجدّي محمّد، فأنقذكم به مِن الضَلالَة، ورَفَعَكُمْ بِه مِن الجهَالَة، وأعزّكم بعدَ الذِلّة، وكثّر كم بَعْد القِلّة. (6)
ص: 347
{46}
[358] خالفتُم أبي حتّى حكّم وهو كارِه، ثمّ دعاكم إلى قتال أهلِ الشام بعدَ التحكيم، فأبيتم حتّى صار إلى كرامةِ اللّه، ثمّ بایعتُموني على أنْ تُسالِموا مَن سالَمَني، وتُحارِبوا مَن حاربَني، وقد أتاني أنّ أهلَ الشَرَف مِنكم قد أتَوا معاوية، وبايعوه، فحسَبْي منِكُم، لاتَغَرُّوني مِن ديني ونَفْسي. (1)
{47}
[359] فركب وركب معه من أراد الخروج، وتخلّف عنه كثير ، فما و فوا بما قالوه وبما وعدوه، وغرّوه كماغرّوا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من قبله، فقام خطيباً ، وقال :
غررتموني كما غررتم مَن كان قَبْلي، مع أيّ إمام تقاتلون بعدي، مع الكافر الظالم الّذي لم يؤمن باللّه ولا برسوله قطّ، ولا أظهر الإسلام هو وبني أُميّة إلّا فرقاً من السيف؟! ولو لم يبق لبني أُميّة إلّا عجوز درداء(2)، لبغت
ص: 348
دین اللّه عوجاً(1)، وهكذا قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
ثمّ وجّه إليه قائداً في أربعة آلاف، وكان من كندة وأمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث شيئاً حتّى يأتيه أمره، فلمّا توجّه إلى الأنبار ونزل بها، وعلم معاوية بذلك، بعث إليه رُسُلاً وكتب إليه معهم أنّك إن أقبلتَ إليّ أُولّك بعض كُوَر(2) الشام والجزيرة، غیر مُنفسِ(3) عليك، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم، فقبض الكنديُّ عدوَّ اللّه المال، وقلب على الحسن، وصار إلى معانية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.(4)
{48}
[360] لمّا صار قائده الكندي إلى معاوية قام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطيباً، ثمّ ذكر صيرورة الرجل إلى معاوية بسبب تطمیعه، إلى أن قال : فبلغ ذلك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقام خطيباً وقال :
هذا الكنديُّ توجّه إلى معاويةَ وغَدَرَ بي وبكم، وقد أخبرتُكم مرّةً بعد مرّةٍ، أنّه لا وفاء لكم، أنتُم عبيدُ الدُنيا، وأنا موجِّهٌ رَجُلاً آخَر محلَّه، وإنّي أعلم أنه سيفعلُ بي وبكم ما فعل صاحبُه، ولا يُراقِبُ اللّهَ فيَّ ولا فيكم.
فبعث إليه رجلاً من مرادٍ في أربعة آلاف، وتقدّم إليه بمشهد مِن الناس
ص: 349
وتوكّد عليه، وأخبره أنّه سيَغْدِر كماغدر الكندي، فحلف له بالأيمان الّتي لا تقوم لها الجبال أنّه لا يفعل.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنه سيغدر ، ثمّ ذكر غدره بالإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
وأورد البحراني في «مدينة المعاجز» الخطبة وقال :
وجّه الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائداً كندیّاً في أربعة آلاف، فلمّا توجّه إلى الأنبار ونزل بها وعلم بذلك معاوية - لعنه اللّه - بعث إليه رسولاً وكتب إليه معاوية : إنّك إن أقبلتَ إليّ ولّيتك بعض أكوار الشام والجزيرة غير منفوس عليك، وحمل إليه خمسمائة ألف درهم، فقبضها الكندي - لعنه اللّه - وانقلب على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومضى إلى معاوية - لعنه اللّه-.
فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ صاحبي بعث إليه معاوية بخمسمائة ألف درهم ووعده ومناه وولّاه كور الشام والجزيرة غير منفوس عليه وقد توجّه إليه وغدر بي وبكم وقد أخبرتكم مرّة بعد مرّة أنّه لا وفاء لكم، ولاخير عندكم، وأنتم عبيدُ الدُنيا وإنّي موجّه أحداً مكانه، وإنّي لأعلَمُ أنّه سيَفْعَلَنَّ بي وبكم مافعله صاحبه، ولا يُراقب اللّه فيَّ .
فبعث رجلاً من مراد في أربعة آلاف فارس وتقدّم إليه فحلف بالأيمان لا يقوم لها الجبال أنّه لا يفعل مثل ما فعل صاحبه وحلف الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سيفعل ويغدر.(2)
ص: 350
{49}
[391] فلمّا توجّه المرادي وصار بالأنبار ونزل بها وعلم بذلك معاوية - لعنه اللّه - بعث إليه رسولاً وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم ومناه أن يولّيه أيّ ولاية أحبّ من كور الشام والجزيرة، فانقلب على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذ طريقه إلى معاوية - لعنه اللّه - ولم يراقب اللّه ولم يحفظ ما أخذه عليه من العهد والميثاق.
وبلغ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما فعله المرادي، فقام خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيّها الناس! قد أخبرتكم غيرَ مرّةٍ أنّكم لا توفون بعهد، وإنّكم غَدَرْتم ، وهذا صاحبُكم المُراديّ قد غَدَر بي، وصار إلى معاوية.(1)
{50}
[362] وبلغ الحسن ما فعل المراديّ فقام خطيباً فقال :
قد أخبرتكم مرّة بعد أخرى أنّكم لا تفون للّه بعهود، وهذا صاحبكم المراديّ غدر بي وبكم، وصار إلى معاوية.
فقالوا: إن خانك الرجلان و غدرا بك فإنّا مُناصِحون لك.
فقال لهم الحسن : لأدعونّ هذه المرّة فيما بيني وبينكم، وإنّي لأعلم أنّكم غادرون ما بيني وبينكم إنّ معسكر بالنخيلة فوافوني هناك ، واللّه لا تفون لي
ص: 351
بعهدي، ولتنقضّ الميثاق بيني وبينكم.(1)
{51}
[363] فانصرف إلى الكوفة فدخلها وصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
یا عجباً من قوم لاحياءَ لهم ولا دينٌ يَغْدِرون مرّة بعد أخرى، أما واللّهِ لو وجدتُ علی ابنِ هندٍ أعواناً ما وضعتُ يدي في يده أبداً ولا سلّمت إليه الخلافةَ وإنّها محرّمةٌ عليهم فماذا أتيتم إلّا ما أرى من غدر كم و فعاِلكم فيّ، فإنّي واقع يدي في يده، وأيم اللّهِ لا ترون فرجاً أبداً مع بني أُميّة وإنّي لأعلم أني عنده الأحسن حالاً منكم وتاللّه ليسومنّكم بنو أُميّة سوء عذاب حتّى تتمنّوا أنّ عليكم جيشاً أجدع، لا معاوية فأُفٍّ لكم وترحاً یا عبيدَ الدُنيا و أبناء الطمع.(2)
ص: 352
أيّها الناس! إنّكم قد بایعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، واللّه لقد أصبحت وما أنا محتمل على أحد من هذه الأُمّة ضغنة في شرق ولا غرب ولما تكرهون في الجاهليّة، والأُلفة والأمن وصلاح ذات البين خير ممّا تحبّون من الفرقة والخوف والتباغض والعداوة، والسلام.
قال : فلمّا سمع الناس هذا الكلام من الحسن كأنّه وقع بقلوبهم أنه خالع نفسه مِن الخلافة ومسلم الأمر لمعاوية، فغضبوا لذلك، ثمّ بادروا إليه من كلّ ناحية، فقطعوا عليه الكلام، ونهبوا عامة أثقاله، وخرقوا ثيابه، وأخذوا مطرفاً كان عليه، وأخذوا أيضاً جارية كانت معه، وتفرّقت عنه عامة أصحابه ، فقال الحسن : لا حول ولا قوّة إلا باللّه.
ص: 354
{53}
[365] يا أهل العراق! إنّه سَخِيَ بَنَفْسي علیكم ثلاثٌ: قتلُكم أبي ، وطعنُكم إيّایَ، وانتِهابُكم مَتاعي.(1)
ص: 355
ص: 356
{54}
[366] يا أهلَ الكوفة! إِتَّقوا اللّهَ في جيرانِكم وضيفانِكم، وفي أهل بيت نبیّكُم، الّذينَ أذهبَ اللّهُ عنهُمُ الرِجْسَ وطهَّرَهم تَطهيراً.(1)
ص: 357
ص: 358
{55}
[367] أما واللّه ما ثنانا عن قتال أهلِ الشام ذلّة ولا قِلّة، ولكن كنّا نُقاتِلُهم بالسَلامة والصبر، فشيبت السلامةُ بالعداوِة، والصبرُ بالجزعِ، وكنتم تتوجّهون معنا، ودينُكم أمامَ دُنياكم، وقد أصبحتُم الآن ودُنياكم أمام دینكم، وكنّا لكم وكنتم لنا، وقد صرتُمُ اليومَ علينا
ثمّ أصبحتُم تَعُدّون قتيلَيْن : قَتيلاً بصِفّين تبكون عليهم، وقيلاً بالنَهْرَوان تطلبون بثارهم، فأمّا الباكي فخاذل ، وأمّا الطالب فثائر.
وإنّ معاويةَ قد دعا إلى أمْرٍ ليس فيه عزٌّ ولانَصَفَة، فإن أردتُم الحياةَ
ص: 359
قبِلناهُ منه، واغضُضْنا على القَذى، وإن أردتُمُ الموتَ بذلناه في ذاتِ اللّه، وحاكمناه إلى اللّه.
فنادى القوم بأجمعهم: بل البقيّة والحياة.(1)
ص: 360
{56}
[398] أنبأنا صدقة بن المثنى(1)، عن جدّه ریاح بن الحارث [النخعي] قال : كنت عند منبر الحسن بن عليّ وهو يخطب الناس بالمدائن فقال :
الا! إنّ أمر اللّه واقع إذ لاله دافع وإن كره الناس(2) إنّي ما أحببتُ أن ألي من أمر أُمّة محمّدٍ مثقال حبّةٍ مِن خردل یُهراق فيه محجم من دم(3) قد علمت ممّا ينفعني ممّا يضرّني، فالحقوا بطِيَّتكم.(4)
قال : وحدّثني أبي، أنبأنا یحیی بن سعید، عن صدقة بن المثنّي حدّثني جدّي : أنّ الناس اجتمعوا إلى الحسن بن عليّ بالمدائن بعد قتل عليّ فخطبهم فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أمّا بعد إنّ كلّ ما هو آت قريب، وإنّ أمر اللّه واقع إذلاله - يعني - دافع
ص: 361
وإن كره الناس، وإنّي واللّه ما أحببت - قال محمّد بن عبيد : هذه الكلمة [إتي واللّه ما أحببت] أن ألي من أمر أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مایزن مثقال حبّة خردل تهراق فيها محجمة من دم، فقد عقلت ما ينفعني ممّا يضرّني، فالحقوا بمطيّتكم.(1)
{57}
[369] روي أنه لمّا صار معاوية نحو العراق وتحرّك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، صار (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى نزل ساباط، وبات هناك، فلمّا أصبح أراد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يمتحن أصحابه ، ويستبرىء أحوالهم في طاعته، ليميّز أولياءه من إعدائه ، ويكون على بصيرة من لقاء معاوية، فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطبهم فقال :
الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلّمَا(2) حَمِدَهُ حَامِدٌ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كُلَّمَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ وَ ائْتَمَنَهُ عَلَى الْوَحْيِ .
أَمَّا بَعْدُ، فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ أَصْبَحْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَ مَنِّهِ، وَ أَنَا
ص: 362
أَنْصَحُ خَلْقِ اللَّهِ لِخَلْقِهِ، وَ مَا أَصْبَحْتُ مُحْتَمِلًا عَلَى مُسْلِمٍ ضَغِينَةً، وَ لَا مُرِيداً لَهُ بِسُوءٍ وَ لَا غَائِلَةٍ، وَ(1) إِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ لَكُمْ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ،وَ إِنِّي نَاظِرٌ لَكُمْ خَيْراً مِنْ نَظَرِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي وَ لَا تَرُدُّوا عَلَيَّ رَأْيِ،ي غَفَرَ اللَّهُ لِي وَ لَكُمْ، وَ أَرْشَدَنِي وَ إِيَّاكُمْ لِمَا فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَ الرِّضَا.
قال : فنظر الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا : ما ترونه یرید بما قال؟ قالوا: نظن أنه يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه، فقالوا: كفر واللّه الرجل وشدّوا على فسطاطه ، فانهبوه حتّى أخذوا مصلّاه من تحته، الخ.(2)
{58}
[370] روي أنه لمّا ضرب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و بخنجر مسموم عدل إلى موضع مسمّى ببطن جريح، وعليها عم المختار، وقال المختار لعمّه : تعال حتّى نأخذ الحسن ونسلّمه إلى معاوية، وبعد أن علموا الشيعة به همّوا بقتل المختار، فتلطّف عمّه بالعفو عنه ففعلوا.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ویلكم! واللّهِ إنّ معاوية لا يفي لأحدٍ منكم بما ضَمِنَه في قَتْلي، وإنّي
ص: 363
أَظُنُّ أَنِّي إِنْ وَضَعْتُ يَدِي فِي يَدِهِ فَأُسَالِمُه، لَمْ يَتْرُكْنِي أَدِينُ لِدِينِ جَدِّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدِي، وَ لَكِنِّي كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَبْنَائِكُمْ وَاقِفِينَ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَائِهِمْ يَسْتَسْقُونَهُمْ وَ يَسْتَطْعِمُونَهُمْ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ، فَلَا يُسْقَوْنَ وَ لَا يُطْعَمُونَ فَبُعْداً وَ سُحْقاً لِمَا كَسَبَتْهُ أَيْدِيكُمْ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون»(1).(2)
{59}
[371] وأرسل معاوية إلى قيس فقال : يا هذا! على ماذا تقاتلنا وتقتل نفسك؟ وقد أتانا الخبر اليقين بأنّ صاحبك قد خلعه أصحابه ، وقد طعن في فخذه طعنة أسفي منها على الهلاك، فيجب أن تكفّ عنا ونكف عنك إلى أن يأتيك علم ذلك.
قال : فأمسك قیس بن سعد عن القتال ينتظر الخبر، قال : وجعل أهل العراق يتوجّهون إلى معاوية قبيلة بعد قبيلة ، حتّى خفّ عسكره.
فلمّا رأى ذلك كتب إلى الحسن بن علي يخبره بما هو فيه.
فلمّا قرأ الحسن الكتاب أرسل إلى وجوه أصحابه فدعاهم، ثمّ قال :
يا أهل العراق! ما أصنعُ بجماعتكم معي وهذا كتاب قیس بن سعد يخبرني بأنّ أهل الشرف منكم قد صاروا إلى معاوية ، أما واللّه ما هذا بمنكر منكم لأنّكم أنتم الّذين أكرهتم أبي يوم صفّين على الحَكَمَين ، فلمّا أمضى الحكومة وقبل
ص: 364
منكم اختلفتم، ثمّ دعاكم إلى قتال معاوية ثانية فتوانیتم، ثمّ صار إلى ما صار إليه من كرامة اللّه إيّاه ، ثمّ إنّكم بایعتموني طائعين غير مكرهين ، فأخذت بيعتكم وخرجت في وجهي هذا، واللّه يعلم ما نويت فيه، فكان منكم إلىّ ما كان، يا أهل العراق ! فحسبي منكم لا تعزوني في ديني فإنّي مسلّم هذا الأمر إلى معاوية. (1)
{60}
[372] «أنْتم شيعَتُنا، وأهلُ مَوَدَّتِنا، ولو كُنتُ بالحَزْمِ في أمرِ الدُّنيا أعْمَلُ، ولِسُلطانِها أرْبَضُ وأنْصَبُ، ما كانَ مُعاويةُ بأشدَّ مِنِّي بأْساً، ولا أشَدَّ شكِيمةً، ولا أمضَى عَزيمَةً، ولكنِّي أرَى غَيرَ ما رَأيتُم، وما أردتُ بِما فَعَلْتُ إلَّاحَقْن الدِّماء.
فارضوا بقضاء اللّه وسلّموا لأمره، وألزموا بيوتَكم وأمسِكوا - أو قال -: كُفُّوا أيدِيَكُم حَتَّى يَسْتَرِيحَ برٌّ أو يُسترَاحَ مِن فاجِر.(2)
ص: 365
{61}
[373] إِنَّ مُعَاوِيَةَ نَازَعَنِي حَقّاً هُوَ لِي دُونَهُ، فَنَظَرْتُ لِصَلَاحِ الْأُمَّةِ وَ قَطْعِ الْفِتْنَةِ، وَ قَدْ كُنْتُمْ بَايَعْتُمُونِي عَلَى أَنْ تُسالِموا مَنْ سَالَمْتُ وَ [تُحَارِبُوا] مَنْ حَارَبْتُ، فَرَأَيْتُ أَنْ أُسَالِمَ مُعَاوِيَةَ، وَ أَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ، وَ قَدْ بَايَعْتُهُ، وَ رَأَيْتُ أَنًّ حَقْنَ الدِّمَاءِ خَيْرٌ مِنْ سَفْكِهَا، وَ لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا صَلَاحَكُمْ وَ بَقَاءَكُمْ، «وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ»(1).(2)
{62}
[374] أيّها الناس ! قد علمتم أنّ اللّه جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأنقذكم من الضلالة، وخلّصكم من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلّة، وكثّركم به بعد القلّة، وأنّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأُمّة وقطع
ص: 366
الفتنة ، وقد كنتم بایعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، فرأيتُ أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه، وقد صالحته ورأيت أنّ حقن الدماء خيرٌ مِن سفكها ولم أرد بذلك إلّا صلا حكم وبقائكم«وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ».(1)
{63}
[375] إنّما هادنْتُ حَقْناً للدِماء وصِيانَتِها، وإشفاقاً على نَف سي وأهلي والمُخلِصينَ من أصحابي.(2)
ص: 367
وروي لمّا اصطلح الحسن بن عليّ ومعاوية صعد الحسن المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيّها الناس إنّ اللّه هدى أوّلكم بأوّلنا، وحقن دماءكم بأخِرنا، وقد كانت لكم لي في رقابكم بيعة تحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت، وقد سالمت معاوية «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» وأشار إلى معاوية.(1)
ورویت بنحو آخر:
أيها الناس! إنّ اللّه هداكم بأوّلنا وحقن دمائكم بآخرنا، وإنّي قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم وأن يوفّر عليكم غنائمكم وأن يقسم فيكم فيئكم.
ثمّ أقبل على معاوية فقال : أكذاك؟
قال : نعم.
ثمّ هبط من المنبر وهو يقول: ويشير بإصبعه إلى معاوية : «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ».(2)
ص: 369
{65}
[377] [جمع الإمام رؤوسَ أهلِ العراق في قصر المدائن وتعييرُه إياهم بقتلهم أباه أمير المؤمنين وطعنهم إيّاه في فخذه، وانتهابهم ثقله، وإخباره إيّاهم بأنه قد سالَمَ معاوية وصالحه].
يا أهل العراق ! لو لم تذهل نفسي عنكم إلّا لثلاث لذهلت : مقتلكم أبي ، ومطعنكم إيّاي واستلابكم ثقلي - أو ردائي عن عاتقي. شكَّ عون - وإنكّم قد بایعتموني أن تسلموا مَن سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإنّي قد بايعتُ معاوية فاسمعوا له وأطيعوا.
ثمّ قام فدخل القصر وأغلق الباب دونهم.(1)
ص: 370
{66}
[378] ألا وإنّ هذا الأمر الّذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إمّا أن يكون حقّ امرء كان أحقّ به منّي أو كان حقاٌّ لي تركته التماساً لصلاح أمر هذه الأُمّة، وإنْ أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين.(1)
ص: 371
{67}
[379] قال بعد الحمد والتصلية :
يا معشر الخلائق ! فَاسْمَعُوا، وَ لَكُمْ أَفْئِدَةٌ وَ أَسْمَاعٌ فَعُوا، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَ اخْتَارَنَا وَ اصْطَفَانَا وَ اجْتَبَانَا، فَأَذْهَبَ عَنَّا الرِّجْسَ وَ طَهَّرَنَا تَطْهِيراً، وَ الرِّجْسُ هُوَ الشَّكُّ، فَلَا نَشُكُّ فِي اللَّهِ الْحَقِّ وَ دِينِهِ أَبَداً، وَ طَهَّرَنَا مِنْ كُلِّ أَفَن(1) وَ غَيَّةٍ(2) مُخْلَصِينَ إِلَى آدَمَ نِعْمَةً مِنْهُ، لَمْ يَفْتَرِقِ النَّاسُ قَطُّ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنَا اللَّهُ فِي خَيْرِهِمَا.
فَأَدَّتِ الْأُمُورُ وَ أَفْضَتِ الدُّهُورُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لِلنُّبُوَّةِ، وَ اخْتَارَهُ لِلرِّسَالَةِ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَكَانَ أَبِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَ لِرَسُولِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ وَ صَدَّقَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ.(3)
وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْمُنْزَلِ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُرْسَلِ: «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ»(4)، فَرَسُولُ اللَّهِ الَّذِي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّه،
ص: 372
وَ أَبِي الَّذِي يَتْلُوهُ، وَ هُوَ شَاهِدٌ مِنْهُ.(1)
وَ قَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُه حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ وَ الْمَوْسِمِ بِبَرَاءَةَ: سِرْ بِهَا يَا عَلِيُّ،،فَإِنِّي أُمِرْتُ أَنْ لَا يَسِيرَ بِهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي، وَ أَنْتَ هُوَ يَا عَلِيُّ" فَعَلِيٌّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْهُ.(2)
وَ قَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حِينَ قَضَى بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَخِيهِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) وَ مَوْلَاه
ص: 373
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ(1) فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ:" أَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَمِنِّي وَ أَنَا مِنْكَ، وَ أَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي(2)،فَصَدَّقَ أَبِي رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سَابِقاً وَ وَقَاهُ بِنَفْسِه.(3)
ص: 374
ثُمَّ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ يُقَدِّمَهُ، وَ لِكُلِّ شَدِيدَةٍ يُرْسِلُهُ، ثِقَةً مِنْهُ وَ طُمَأْنِينَةً إِلَيْهِ، لِعِلْمِهِ بِنَصِيحَتِهِ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ إِنَّهُ أَقْرَبُ الْمُقَرَّبِينَ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ.
وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1)،فكَانَ أَبِي سَابِقَ السَّابِقِينَ إِلَى اللَّهِ تعالی وَ إِلَى رَسُولِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ أَقْرَبَ الْأَقْرَبِينَ.
فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :«لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً»(2)،فَأَبِي كَانَ أَوَّلَهُمْ إِسْلَاماً وَ إِيمَاناً، وَ أَوَّلَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ هِجْرَةً وَ لُحُوقاً، وَ أَوَّلَهُمْ عَلَى وُجْدِهِ وَ وُسْعِهِ نَفَقَةً.
قَالَ سُبْحَانَهُ : «وَ الَّذِينَ جاءؤُا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا
ص: 375
رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ».(1)
فَالنَّاسُ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ بِسَبْقِهِ إِيَّاهُمْ الْإِيمَانَ بِنَبِيِّهِ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى الْإِيمَانِ أَحَدٌ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ»(2)فَهُوَ سَابِقٌ جَمِيعَ السَّابِقِينَ، فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَضَّلَ السَّابِقِينَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ وَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَكَذَلِكَ فَضَّلَ سَابِقَ السَّابِقِينَ عَلَى السَّابِقِينَ.
وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تعالی:«أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وجاهَدَ في سبیلِ اللّه»(3)، فهوَ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقّاً، وَ فِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.(4)
وَ كَانَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عَمُّهُ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّهِ، فَقُتِلَا شَهِيدَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَتْلَى كَثِيرَةٍ مَعَهُمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).
ص: 376
فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَمْزَةَ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَ جَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَيْفَ يَشَاءُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَ ذَلِكَ لِمَكَانِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وَ مَنْزِلَتِهِمَا وَ قَرَابَتِهِمَا مِنْهُ، وَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً مِنْ بَيْنِ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا مَعَهُ.(1)
وَ كَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنِسَاءِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لِلْمُحْسِنَةِ مِنْهُنَّ أَجْرَيْنِ، وَ لِلْمُسِيئَةِ مِنْهُنَّ وِزْرَيْنِ ضِعْفَيْنِ، لِمَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)(2).(3)
وَ جَعَلَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بِأَلْفِ صَلَاةٍ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا مَسْجِدَ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِمَكَّةَ(4)، وَ ذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ رَبِّهِ.(5)
ص: 377
وَ فَرَضَ اللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) الصَّلَاةَ عَلَى نَبِيِّهِ عَلَى كَافَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ" فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْنَا مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَرِيضَةً وَاجِبَةً.(1)
وَ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى خُمْسَ الْغَنِيمَةِ لِرَسُولِهِ، وَ أَوْجَبَهَا لَهُ فِي كِتَابِهِ(2)، وَ أَوْجَبَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَوْجَبَ لَهُ، وَ حَرَّمَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ وَ حَرَّمَهَا عَلَيْنَا مَعَهُ، فَأَدْخَلَنَا- فَلَهُ الْحَمْدُ- فِيمَا أَدْخَلَ فِيهِ نَبِيَّهُ وَ أَخْرَجَنَا وَ نَزَّهَنَا مِمَّا أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَ نَزَّهَهُ عَنْهُ، كَرَامَةً أَكْرَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهَا، وَ فَضِيلَةً فَضَّلَنَا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْعِبَاد.(3)
ص: 378
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حِينَ جَحَدَهُ كَفَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَ حَاجَّوْهُ: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ»(1)، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الْأَنْفُسِ مَعَهُ أَبِي، وَ مِنَ الْبَنِينَ إِيَّايَ وَ أَخِي، وَ مِنَ النِّسَاءِ أُمِّي فَاطِمَةَ مِنَ النَّاسِ جَمِيعاً، فَنَحْنُ أَهْلُهُ وَ لَحْمُهُ وَ دَمُهُ وَ نَفْسُهُ، وَ نَحْنُ مِنْهُ وَ هُوَ مِنَّا.(2)
وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُم تَطْهِيراً»(3)، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّطْهِيرِ جَمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أَنَا وَ أَخِي وَ أُمِّي وَ أَبِي، فَجَلَّلَنَا وَ نَفْسَهُ فِي كِسَاءٍ لِأُمِّ سَلَمَةَ خَيْبَرِيٍّ، وَ ذَلِكَ فِي حُجْرَتِهَا وَ فِي يَوْمِهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، وَ هَؤُلَاءِ أَهْلِي وَ عِتْرَتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا): أَدْخُلُ مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَنْتِ عَلَى خَيْرٍ وَ إِلَى خَيْرٍ، وَ مَا أَرْضَانِي عَنْكَ، وَ لَكِنَّهَا خَاصَّةٌ لِي وَ لَهُمْ.
ص: 379
ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، يَأْتِينَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَقُولُ : الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ،« إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».(1)
وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بِسَدِّ الْأَبْوَابِ الشَّارِعَةِ فِي مَسْجِدِهِ غَيْرَ بَابِنَا، فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:" إِنِّي لَمْ أَسُدَّ أَبْوَابَكُمْ وَ أَفْتَحَ بَابَ عَلِيٍّ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَ لَكِنِّي أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ، وَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِسَدِّهَا وَ فَتَحَ بَابَهُ" فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِهِ ذَلِكَ أَحَدٌ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ يُولِدُ فِيهِ الْأَوْلَادَ غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) تَكْرِمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا، وَ فَضْلًا اخْتَصَّنَا بِهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ.(2)
وَ هَذَا بَابُ أَبِي قَرِينُ بَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فِي مَسْجِدِهِ، وَ مَنْزِلُنَا بَيْنَ مَنَازِلِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)،.
وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدَهُ، فَبَنَى فِيهِ عَشْرَةَ أَبْيَاتٍ تِسْعَةً لِبَنِيهِ وَ أَزْوَاجِهِ وَ عَاشِرَهَا وَ هُوَ مُتَوَسِّطُهَا لِأَبِي فَهَا هُوَ لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، وَ الْبَيْتُ هُوَ الْمَسْجِدُ الْمُطَهَّرُ، وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:« أَهْلَ الْبَيْتِ» فَنَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَ نَحْنُ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنَّا الرِّجْسَ وَ طَهَّرَنَا تَطْهِيراً.(3)
ص: 380
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَوْ قُمْتُ حَوْلًا ، أَذْكُرُ الَّذِي أَعْطَانَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ خَصَّنَا بِهِ مِنَ الْفَضْلِ فِي كِتَابِهِ وَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لَمْ أُحْصِهِ(1)، وَ أَنَا ابْنُ النَّبِيِّ النَّذِيرِ الْبَشِيرِ، السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، وَ أَبِي عَلِيٌّ،(عَلَيهِ السَّلَامُ) وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَ شَبِيهُ هَارُونَ.(2)
وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَخْرٍ زَعَمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ لِلْخِلَافَةِ أَهْلًا، وَ لَمْ أَرَ نَفْسِي لَهَا أَهْلًا، فَكَذَبَ مُعَاوِيَةُ، وَ ايْمُ اللَّهِ لَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَزَلْ أَهْلَ الْبَيْتِ مخيفين مَظْلُومِينَ مُضْطَهَدِينَ، مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ.
فَاللَّهُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا، وَ نَزَلَ عَلَى رِقَابِنَا، وَ حَمَلَ النَّاس
ص: 381
عَلَى أَكْتَافِنَا، وَ مَنَعَنَا سَهْمَنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْفَيْ ءِ وَ الْغَنَائِمِ، وَ مَنَعَ أُمَّنَا فَاطِمَةَ إِرْثَهَا مِنْ أَبِيهَا.
إِنَّا لَا نُسَمِّي أَحَداً، وَ لَكِنْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً تَالِياً، لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَمِعُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولِهِ، لَأَعْطَتْهُمُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا، وَ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا، وَ لَمَا اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ سَيْفَانِ، وَ لَأَكَلُوهَا خَضْرَاءَ خَضِرَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ مَا طَمِعْتَ فِيهَا يَا مُعَاوِيَةُ فیها.(1)
وَ لَكِنَّهَا لَمَّا أَخْرَجْتَ سَالِفاً مِنْ مَعْدِنِهَا، وَ زَحْزَحْتَ عَنْ قَوَاعِدِهَا، تَنَازَعَتْهَا قُرَيْشٌ بَيْنَهَا وَ تَرَامَتْهَا كَتَرَامِي الْكُرَةِ(2)، حَتَّى طَمِعْتَ فِيهَا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ وَ أَصْحَابُكَ مِنْ بَعْدِكَ،
وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ أَمْرَهَا رَجُلًا قَطُّ، وَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، إِلَّا لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَا تَرَكُوا.
وَ قَدْ تَرَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَ كَانُوا أَصْحَابَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، هَارُونَ أَخَاهُ وَ خَلِيفَتَهُ وَ وَزِيرَهُ، وَ عَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ، وَ أَطَاعُوا فِيهِ سَامِرِيَّهُمْ، وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلَامُ).
وَ قَدْ سَمِعَتْ هَذِهِ الْأَمَّةُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ ذَلِكَ لِأَبِي : إِنَّهُ مِنِّي بِمَنْزِلَة
ص: 382
هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.(1)
وَ قَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حِينَ نَصَبَهُ لَهُمْ بِغَدِيرِ خُمٍّ وَ سَمِعُوهُ، وَ نَادَى لَهُ بِالْوَلَايَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ مِنْهُمْ الْغَائِبَ(2)، وَ قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حِذَاراً مِنْ قَوْمِهِ إِلَى الْغَارِ، لَمَّا أَجْمَعُوا أَنْ يَمْكُرُوا بِهِ، وَ هُوَ يَدْعُوهُمْ، لَمَّا لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً، وَ لَوْ وَجَدَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً لَجَاهَدَهُمْ.
وَ قَدْ كَفَّ أَبِي يَدَهُ وَ نَاشَدَهُمْ وَ اسْتَغَاثَ أَصْحَابَهُ، فَلَمْ يُغَثْ وَ لَمْ يُنْصَرْ، وَ لَوْ وَجَدَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً مَا أَجَابَهُمْ، وَ قَدْ جُعِلَ فِي سَعَةٍ كَمَا جُعِلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فِي سَعَةٍ.
وَ قَدْ خَذَلَتْنِي الْأُمَّةُ وَ بَايَعَتْكَ يَا ابْنَ حَرْبٍ(3)، وَ لَوْ وَجَدْتُ عَلَيْكَ أَعْوَانا
ص: 383
يَخْلُصُونَ مَا بَايَعْتُكَ، وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَارُونَ فِي سَعَةٍ حِينَ اسْتَضْعَفَهُ قَوْمُهُ وَ عَادَوْهُ، كَذَلِكَ أَنَا وَ أَبِي فِي سَعَةٍ حِينَ تَرَكَتْنَا الْأُمَّةُ وَ بَايَعَتْ غَيْرَنَا، وَ لَمْ نَجِدْ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً، وَ إِنَّمَا هِيَ السُّنَنُ وَ الْأَمْثَالُ تَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُمْ لَوِ الْتَمَسْتُمْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ رَجُلًا جَدُّهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ أَبُوهُ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ، لَمْ تَجِدُوا غَيْرِي وَ غَيْرَ أَخِي، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَضِلُّوا بَعْدَ الْبَيَانِ، وَ كَيْفَ بِكُمْ وَ أَنَّى ذَلِكَ مِنْكُمْ، أَلَا وَ إِنِّي قَدْ بَايَعْتُ هَذَا- وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ- «وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ».(1)
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يُعَابُ أَحَدٌ بِتَرْكِ حَقِّهِ، وَ إِنَّمَا يُعَابُ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَ كُلُّ صَوَابٍ نَافِعٌ، وَ كُلُّ خَطَإٍ ضَارٍ لِأَهْلِهِ، وَ قَدْ كَانَتِ الْقَضِيَّةُ فَفَهَّمَهَا سُلَيْمَانَ فَنَفَعَتْ سُلَيْمَانَ(2)، وَ لَمْ تُضِرَّ دَاوُد.
ص: 384
فَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَقَدْ نَفَعَتِ الْمُشْرِكَ، وَ هِيَ وَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ أَنْفَعُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لِعَمِّهِ أَبِي طَالِب،ٍ وَ هُوَ فِي الْمَوْتِ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ، أَشْفَعْ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ لَهُ إِلَّا مَا يَكُونُ مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ، وَ لَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ غَيْرِ شَيْخِنَا- أَعْنِي أَبَا طَالِبٍ(1)- يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً». (2)
أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَ عُوا، وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ رَاجِعُوا، وَ هَيْهَاتَ مِنْكُمُ الرَّجْعَةُ إِلَى الْحَقِّ، وَ قَدْ صَارَعَكُمُ النُّكُوصُ، وَ خَامَرَكُمُ(3)الطُّغْيَانُ، وَ الْجُحُودُ، أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ؟ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى.
قال علي بن الحسين السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قَالَ: فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَ اللَّهِ مَا نَزَلَ الْحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حَتَّى أَظْلَمَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ، وَ هَمَمْتُ أَنْ أَبْطِشَ(4) بِهِ ثُمَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْإِغْضَاء (5)
ص: 385
أقرب إلى العافية.(1)
{68}
[380] روي أنّ معاوية سَأَلَ مُعَاوِيَةُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعْدَ الصُّلْحِ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ، فَامْتَنَعَ فَنَاشَدَهُ أَنْ يَفْعَلَ، فَوُضِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَوَحَّدَ فِي مُلْكِهِ، وَ تَفَرَّدَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَ يَنْزِعُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَ بِنَا مُؤْمِنَكُمْ، وَ أَخْرَجَ مِنَ الشِّرْكِ أَوَّلَكُمْ، وَ حَقَنَ دِمَاءَ آخِرِكُمْ، فَبَلَاؤُنَا عِنْدَكُمْ قَدِيماً وَ حَدِيثاً أَحْسَنُ الْبَلَاءِ، إِنْ شَكَرْتُمْ أَوْ كَفَرْتُم.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ رَبَّ عَلِيٍّ كَانَ أَعْلَمَ بِعَلِيٍّ حِينَ قَبَضَهُ إِلَيْهِ، وَ لَقَدِ اخْتَصَّهُ بِفَضْلٍ لَنْ تُعْهَدُوا بِمِثْلِهِ، وَ لَنْ تَجِدُوا مِثْلَ سَابِقَتِهِ.
فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، طَالَمَا قَلَّبْتُمُ الْأُمُورَ حَتَّى أَعْلَاهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَ هُوَ صَاحِبُكُمْ، غَزَاكُمْ فِي بَدْرٍ ،وَ أَخَوَاتِهَا، جَرَّعَكُمْ رَنَقاً وَ سَقَاكُمْ عَلَقاً ،وَ أَذَلَّ رِقَابَكُمْ وَ شَرَقَكُمْ بِرِيقِكُمْ، فَلَسْتُمْ بِمَلُومِينَ عَلَى بُغْضِه.(2)
{69}
[381] رُوي أنّه لمّا قدم معاوية الكوفةَ قيل له: إنّ الحسنَ بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)
ص: 386
مرتفعٌ في أنفس الناس، فلو أمرَته أن يقومَ دونَ مقامِك على المنبر فتدركه الحداثةُ والعيّ (1)، فيسقط من أنفسِ الناس وأعينِهم، فأبى عليهم، وأبوا عليه إلّا أن يأمره ذلك ، فأمرَه فقام دون مقامه في المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد أيّها الناس ! (2) لو طلبتُم ما بينَ كذا وكذا لِتَجِدُوا رَجلاً جدّه نبيّ، لم تجدوه غيري وغيرَ أخي، وإنّا أعْطَيْنا صَفْقَتَنا هذا الطاغيةَ- وأشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية - وهو في مقام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من المنبر، ورأينا حِقَن دماءِ المسلمين أفضل من إهراقها، «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(3).(4)
{70}
[382] لمّا أجمع الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)على صلح معاوية خرج حتّى لقيه ، فلمّا اجتمعا قام معاوية خطيباً فصعد المنبر، وأمر الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يقوم أسفل منه بدرجة ، ثمّ تكلّم معاوية فقال :
أيها الناس هذا الحسن بن عليّ وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلاً! ولم ير نفسه لها أهلاً! وقد أتانا ليبايع طوعاً، ثمّ قال : قم یا حسن !
فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخطب فقال :
الحمد للّه المَستَحْمَدِ بالآلاء وتتابُعِ النَعْماء، وصارفِ الشدائدِ والبلاءِ عندَ
ص: 387
الْفُهَمَاءِ وَ غَيْرِ الْفُهَمَاءِ، الْمُذْعِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ لِامْتِنَاعِهِ بِجَلَالِهِ وَ كِبْرِيَائِهِ، وَ عُلُوِّهِ عَنْ لُحُوقِ الْأَوْهَامِ بِبَقَائِهِ، الْمُرْتَفِعِ عَنْ كُنْهِ طیّات(1) الْمَخْلُوقِينَ، مِنْ أَنْ تُحِيطَ بِمَكْنُونِ غَيْبِهِ رَوِيَّاتُ عُقُولِ الرَّاءِينَ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَ وُجُودِهِ وَ وَحْدَانِيَّتِهِ، صَمَداً لَا شَرِيكَ لَهُ، فَرْداً لَا ظَهِيرَ لَهُ.
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، اصْطَفَاهُ وَ انْتَجَبَهُ وَ ارْتَضَاهُ، وَ بَعَثَهُ دَاعِياً إِلَى الْحَقِّ، وَ سِراجاً مُنِيراً، وَ لِلْعِبَادِ مِمَّا يَخَافُونَ نَذِيراً، وَ لِمَا يَأْمُلُونَ بَشِيراً، فَنَصَحَ لِلْأُمَّةِ وَ صَدَعَ بِالرِّسَالَةِ، وَ أَبَانَ لَهُمْ دَرَجَاتِ الْعُمَالَةِ، شَهَادَةً عَلَيْهَا أَماتُ وَ أُحْشَرُ، وَ بِهَا فِي الْآجِلَةِ أُقَرَّبُ وَ أُحْبَرُ.(2)
| {71}
[383] قام الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)على المنبر حين اجتمع مع معاوية وأصحابه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ معاوية زعم أنّي رأيته للخلافة أهلاً ولم أر نفسي لها أهلاً ، وكذب معاوية، أنا أولى الناس بالناس في كتاب اللّه وعلى لسان رسول اللّه فأقسم باللّه لو أنّ الناس بایعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قَطرها ،
ص: 388
والأرض بركتها، ولما طمعتَ فيها یا معاوية (1)، وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ماولت أُمّة أمرها رجلاً قطُّ وفيهم مَن أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتّى يرجعوا إلى ملّة عبدة العجل» وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أنّ هارون خليفة موسى، وقد تركت الأُمّة عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد سمعوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسی غیر النبوّة، فلا نبيّ بعدي» وقد هرب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مِن قومه وهو يدعوهم إلى اللّه حتّى فرّ إلى الغار، ولو وجد أعواناً ماهرب منهم، ولو وجدتُ أنا أعواناً مابايعتُك يا معاوية، وقد جعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه لمّا لم يجد أعواناً عليهم(2) ، وقد جعل اللّه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في سعة حين فرّ من قومه لمّا لم يجد أعواناً عليهم، وكذلك أنا وأبي في سعة مِن اللّه حين تركتنا الأُمّة وبايعت غيرنا ولم نجد أعواناً، وإنّما هي السُنَن والأمثال يتبع بعضها بعضاً، أيّها الناس! إنّكم لو التمستم في ما بين المشرق والمغرب رجلاً لم تجدوا رجلاً من ولد نبيّ (3) غيري وغير أخي.(4)
{72}
[384] روي أنّ معاوية سأل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يصعد المنبر وينتسب، فصعد
ص: 389
فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :
أيُّها الناس ! مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فسأُبيّنُ له نفسي، بلدي مكّةُ ومِني، وأنا ابنُ المروة والصَفا، وأنا ابنُ النبي المصطفى، وأنا ابنُ مَن علا الجِبالَ الرَواسي، وأنا ابنُ مَن كسا محاسنِ وجهِه الحياء، وأنا ابنُ فاطمةَ سيّدةِ النساء، وأنا ابنُ قليلاتِ العيوب، نقيّات الجُيوب.
وأذّن المؤذن ، فقال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه، فقال :
یا معاوية! محمّد أبي أم أبوك؟ فإن قلت ليس بأبي فقد كفرتَ، وإنْ قلتَ : نعم، فقد أقرَرْت.
ثمّ قال : أصبحَتْ قريش تفتخر على العجم بأنّ محمدا منها، وأصبحتِ العرب تفتخرُ على العجم بأنّ محمداً منها، وأصبحت العجم تعرِفُ حقَّ العرب بأنّ محمّداً منها، يطلُبون حقّنا ولا يَرُدّون إلينا حقَّنا. (1)
(73}
[385] قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار في ترجمة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقة، ولقد قيل لمعاوية ذات يوم : لو أمرت الحسن بن علي بن أبي طالب فصعد المنبر فخطب ليتبين للناس نقصه ، فدعاه فقال له : اصعد المنبر وتكلم بكلمات تعظنا بها، فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصعد المنبر
ص: 390
فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيها الناس ! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، وابن سيّدة النساء فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنا ابن خير خلق اللّه، أنا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، أنا ابن صاحب الفضائل، أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقّي، أنا وأخي الحسین سیّدا شباب أهل الجنّة، أنا ابن الركن والمقام، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن المشعر وعرفات.
فقال له معاوية : يا أبا محمّد! خذ في نعت الرُطب ودع هذا.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الريح تنفخه والحرور ينضجه، والبرد يطيّبه، ثمّ عاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كلامه فقال :.
أنا إمام خلق اللّه، وابن محمّد رسول اللّه ، فخشي معاوية أن يتكلّم بعد ذلك بما يفتتن به الناس ، فقال : يا أبا محمّد! انزل فقد كفى ما جرى، فنزل.
بیان : قال الجزري : الفريصة: اللحمة الّتي بين جنب الدابة وكتفها لاتزال ترعد، ومنه الحديث : فجيء بهما ترعد فرائصهما، أي : ترجف من الخوف انتهى. والسليم من لدغته العقرب كأنّهم تفاءلوا له بالسلامة. قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تنفخه لعلّ المعنى تعظمه والمنفوخ : البطين والسمين.(1)
ورواه القوم بنحو آخر وهو هكذا:
يا أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، مابین جابلقا وجابر صا ما أحد جدّه نبيّ غيري، أنا ابن نبيّ اللّه، أنا ابن رسول اللّه ، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن السراج
ص: 391
المُنير، أنا ابن بريد السماء، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعث للجنّ والإنس، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، وأنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.
فلمّا سمع معاوية ذلك أراد أن يسكته ويخلط عليه مخافة أن يبلغ به المنطق ما یكرهه، فقال له: يا حسن أنعت لنا الرطب!
فقال : يا سبحان اللّه! أين هذا من هذا؟! ثمّ قال : الحرّ ينضجه، والليل يبرده، والريح تلقحه.
ثمّ استفتح كلامه الأوّل وقال : أنا ابن من كان مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوّل من تنشقّ عنه الأرض وينفض رأسه من التراب ، أنا ابن من أوّل من يقرع باب الجنّة، أنا ابن من رضاه رضا الرحمن، وسخطه سخط الرحمن، أنا ابن من لا يسامی كرماً.
فقال له قومه : حسبك يا أبا محمّد! ما أعرفناه بفضل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
فقال الحسن : يا معاوية! إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعمل بطاعته وليس الخليفة من دان بالجور وعطل السُنَن واتّخذ الدُنيا أباً وأُمّاً ولكن ذاك ملك تمتّع في ملكه، وكان قد انقطع وانقطعت لذته وبقیت بیعته، ثمّ قال :« وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» ، ثمّ نزل عن المنبر (رضي اللّه عنه).
رواها جمال الدين الزرندي في «نظم دُرَر السمطين» (ص 200 ط القضاء) ثمّ قال :
في رواية أنّه قيل له : لو أمرته أن يخطب فإنّه حديث السنّ لم يتعوّد الخطب فيجتمع الناس إليه فيحصر ، فيكون في ذلك مايصغره في أعين الناس. فقال كما قال لهم أوّل مرّة، فقالوا: إنه قد شمخ أنفاً ورفع رأساً واشرأبّت إليه
ص: 392
قلوب الناس بالثقة والمقة، فمره بذلك حتّى ترى، فأرسل إليه معاوية فأمره أن يخطب، فلمّا صعد المنبر وقد جمع معاوية كهول قریش و شبانها ، حمد اللّه تعالى وأثنى عليه وصلى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فذكرها.
وروى العلامة الشيخ سليمان البلخي القندوزي في «ینابیع المودّة » (ص 225 ط اسلامبول).
نقلاً عن أبي سعد في «شرف النبوّة» عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، مایحتمل أن يكون من فقرات هذه الخطبة أو الخطبة السابقة وهي هكذا:
أنا ابن من بعثه اللّه رحمةً للعالمين، وأنا ابن من أرسله إلى الجنّ والإنس أجمعين ، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة، أنا ابن من كان مستجاب الدعوة، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، أنا ابن مزن السماء، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن من هو أوّل من تشققّ عنه الأرض، أنا ابن من هو أوّل من يقرع باب الجنّة، أنا ابن من رضاه رضاء الرحمن وسخطه سخط الرحمن، أنا ابن من لا يساويه أحد شرفاً وكرماً.
ورواها في «أهل البيت» (ص 382 ط السعادة بالقاهرة) هكذا:
أيّها الناس! من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علیّ بن أبي طالب، أنا ابن نبيّ اللّه، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن خاتم النبيّين وسيّد المرسلین وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين ، أنا ابن من بعث إلى الجنّ والإنس، أنا ابن من بعث رحمةً للعالمين.
واسترسل فقال : أنا ابن مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوّل من ينفض رأسه من التراب ويقرع باب الجنّة، أنا ابن من قاتلت الملائكة
ص: 393
معه ولم تقاتل معه نبيّ قبله، أنا ابن من ذلّت له قريش رغماً.(1)
{74}
[386] وفي كتاب «تحف العقول عن آل الرسول» للشيخ الجليل أبي محمّد الحسن بن عليّ بن شعبة (رحمه اللّه) : أنّ معاوية قال للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد الصلح : أُذكر فضلنا، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على محمّد النبيّ وآله، ثمّ
قال :
من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول اللّه، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن المصطفى بالرسالة، أنا ابن من صلّتْ عليه الملائكة، أنا ابن من شُرِّفت به الأُمّة، أنا ابن من كان جبرئيل السفير من اللّه إليه، أنا ابن من بُعث رحمة للعالمين، صلّى اللّه عليه وآله أجمعين
فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده، فقال : يا حسن ! عليك بالرُطب فانعته لنا!
قال : نعم يا معاوية ! الريح تلقحه، والشمس تنفخه، والقمر يلونه، والحرُّ ينضجه، والليل يبرده ، ثمّ أقبل على منطقه ، فقال :
أنا ابن مستجاب الدعوة (2)، أنا ابن من كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن من خضعت له قریش رغماً، أنا ابن من سعد تابعه، وشقي خاذله، أنا ابن من جعلت له الأرض طهوراً
ص: 394
ومسجداً، أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترئ، أنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراٌ.
فقال معاوية : أظنّ نفسك یا حسن تنازعك إلى الخلافة!
فقال : ويلك يا معاوية! إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه وعمل بطاعة اللّه، ولعمري إنّا أعلام الهدى، ومنار التُقى(1)، ولكنّك يا معاوية! ممّن أبار السُنَن ، وأحيى البدع، واتّخذ عباد اللّه خولاً، ودين اللّه لعباً، فكأن قد أخمل ما أنت فيه ، فعشت يسيراً، وبقيت عليك تبعاته، یا معاوية! واللّه لقد خلق اللّه مدينتين : أحدهما(2) بالمشرق، والأُخرى بالمغرب، أسماؤهما جابلقا و جابلسا، ما بعث اللّه إليهما أحداً غير جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
فقال معاوية : أخبرنا عن ليلة القدر.
قال : نعم، عن مثل هذا فاسأل، إنّ اللّه خلق السماوات سبعاً، والأرضين سبعاً، والجنّ من سبع، والإنس من سبع، فتطلب من ليلة ثلاث وعشرين إلى ليلة سبع وعشرين، ثمّ نهض (عَلَيهِ السَّلَامُ).(3)
{75}
[387] هَوْذة : عن عوف، عن محمد، قال : لمّا ورد معاويةُ الكوفة، واجتمع عليه الناس، قال له عمرو بنُ العاص : إنّ الحسنَ مرتفعٌ في الأنفس
ص: 395
لقرابته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وإنّه حديث السنّ عَبِيّ، فمره فليخطُب، فإنّه سیعیي، فيسقط من أنفس الناس، فأبى فلم يزالوا به حتّى أمره، فقام على المنبر دون معاوية ، فحمِدَ اللّه ، وأثنى عليه ، ثمّ قال :
لو ابتغيتُم بين جابَلْق وجابَرْس رجلاً جدُّه نبيٌّ غيري وغيرُ أخي لم تجدوه، وإنّا قد أعطينا معاوية بيعتنا، ورأينا أن حقنَ الدماء خيرٌ «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» ، وأشار بيده إلى معاوية.
فغضب معاويةُ، فخطب بعده خطبةً عييةً فاحشة، ثمّ نزل.
وقال : ما أردت بقولك : فتنة لكم ومتاع إلى حين ؟
قال : أردتُ بها ما أراد اللّهُ بها(1).(2)
{76}
[388] قال له معاوية بن أبي سفيان يوماً بعد الصلح: أُذكُر فضلَنا، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبيّ وآله فقال :
أَنَا ابْنُ مَنْ كَانَ مِنْ رَبِّهِ كَقَابِ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أَنَا ابْنُ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ، أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَ مِنَى، أَنَا ابْنُ مَنْ خَضَعَتْ لَهُ قُرَيْشٌ رَغْماً، أَنَا ابْنُ مَنْ سَعِدَ تَابِعُهُ، وَ شَقِيَ خَاذِلُهُ، أَنَا ابْنُ مَنْ جُعِلَتِ الْأَرْضُ لَهُ طَهُوراً وَ مَسْجِداً، أَنَا ابْنُ مَنْ كَانَتْ
ص: 396
أَخْبَارُ السَّمَاءِ إِلَيْهِ تَتْرَى أخبار السماء إليه تترى أنا ابن مَن أذهب اللّهُ عنهم الرجسّ وطهّرهم تطهيراً.(1)
{77}
[389] أَنَا ابْنُ مَنْ سَادَ قُرَيْشاً شَابّاً وَ كَهْلًا، أَنَا ابْنُ مَنْ سَادَ الْوَرَى كَرَماً وَ نُبْلًا، أَنَا ابْنُ مَنْ سَادَ أَهْلَ الدُّنْيَا بِالْجُودِ الصَّادِقِ وَ الْفَرْعِ الْبَاسِقِ(2)، وَ الْفَضْلِ السَّابِقِ، أَنَا ابْنُ مَنْ رِضَاهُ رِضَى اللَّهِ وَ سَخَطُهُ سَخَطُ اللَّهِ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تُسَامِيَهُ يَا مُعَاوِيَةُ؟
فَقَالَ أَقُولُ لَا تَصْدِيقاًلِقَوْلِكَ.
فَقَالَ الْحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الْحَقُّ أَبْلَجُ(3)، وَ الْبَاطِلُ لَجْلَجٌ، وَ لَنْ يَنْدَمَ مَنْ رَكِبَ الْحَقَّ، وَ قَدْ خَابَ مَنْ رَكِبَ الْبَاطِلَ، وَ الْحَقُّ يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ.
ثُمَّ نَزَلَ مُعَاوِيَةُ وَ أَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَ قَالَ : لَا مَرْحَباً بِمَنْ سَاءَكَ.(4)
{78}
[390] روي أنّ معاوية لمّا نزل الكوفة أقام بها أياماً، فلمّا استتمّت بیعته صعد المنبر، فخطب الناس، وذكر أمير المؤمنين والحسن (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، فنال منهما،
ص: 397
وكان الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حاضراً، فأراد أن يقوم ويجيبه، فأخذ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيده وأجلسه وقام، وقال :
أَيُّهَا الذَّاكِرُ عَلِيّاً، أَنَا الْحَسَنُ وَ أَبِي عَلِيٌّ ،وَ أَنْتَ مُعَاوِيَةُ وَ أَبُوكَ صَخْرٌ، وَ أُمِّي فَاطِمَةُ وَ أُمُّكَ هِنْدٌ، وَ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ وَ جَدُّكَ حَرْبٌ، وَ جَدَّتِي خَدِيجَةُ وَ جَدَّتُكَ نثيْلَةُ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى أَخْمَلِنَا(1) ذِكْراً، وَ أَلْأَمِنَا حَسَباً، وَ شَرِّنَا قَوْماً، وَ أَقْدَمِنَا كُفْراً وَ نِفَاقاً(2).(3)
{79}
[391] روي أنّه لمّا تم الصلح وانبرم الأمر، التمس معاوية من الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يتكلّم بمجمع من الناس، ويعلمهم أنّه قد بايع معاوية، ويسلّم الأمر إليه.
فأجابه إلى ذلك، فخطب - وقد حشد الناس - خطبة، حمد اللّه تعالى وصلّى على نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فيها، وهي من كلامه المنقول عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وقال :
ص: 398
أيّها الناس! إنّ أكيَسَ الكَیسِ النُقى، وأحمَقَ الحُمقِ الفُجور.(1)
{80}
[392] وذكروا أنّ عمرو بن العاص قال لمعاوية : ابعث إلى الحسن بن عليّ فأمره أن يخطب على المنبر فلعلّه يحصر فيكون في ذلك ما نعيّره به ، فبعث إليه معاوية فأمره أن يخطب، فصعد المنبر وقد اجتمع الناس، وخطب خطبة بليغة، وبعد الحمد والثناء على اللّه سبحانه والصلاة على رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عرّف نفسه وذكر فضائله المنيفة.
ثمّ قال : ولم يزل أظلمت الأرض على معاوية ، فقال : يا حسن ! قد كنت ترجو أن تكون خليفة ولست هنا.
قال الحسن : إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعمل بطاعته، وليس الخليفة من دان بالجور وعطَّل السُنَن واتّخذ الدُنيا أباً وأُمّاً، ولكن ذلك ملك أصاب ملكاً يمتع به قليلاً ويعذّب بعده طويلاً، وكان قد انقطع عنه واستعجل لذّته وبقيت عليه التبعة، فكان كما قال اللّه تعالى : «َإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ
ص: 399
فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(1)، ثمّ انصرف.
فقال معاوية لعمرو : ما أردتَ إلّا هتكي، ما كان أهل الشام يرون أحدةاًمثلي حتّى سمعوا من الحسن ما سمعوا.(2)
{81}
[393] روي أنّ عمرو بن العاص(3) قال لمعاوية : ابعث إلى الحسن بن علي، فمره أن يصعد المنبر ويخطب الناس، فلعلّه أن يحصر ، فيكون ذلك ممّا نعيره به في كلّ محفل، فبعث إليه معاوية ، فأصعده المنبر ، وقد جمع له الناس ورؤساء أهل الشام، فحمد اللّه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأثنى عليه، ثمّ قال :
أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ عَرَفَنِي فَأَنَا الَّذِي يَعْرِفُ، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ابْنِ عَمِّ نَبِيِّ اللَّهِ، أَوَّلِ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَاماً، وَ أُمِّي فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وَ جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ،أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ، أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ، أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَجْمَعِينَ.
أَنَا ابْنُ مُسْتَجَابِ الدَّعْوَةِ، أَنَا ابْنُ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ، أَنَا ابْنُ أَوَّلِ مَنْ يَنْفُضُ عَنْ
ص: 400
رَأْسِهِ التُّرَابَ، أَنَا ابْنُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ فَيُفْتَحُ لَهُ فَيَدْخُلُهَا، أَنَا ابْنُ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ، وَ أُحِلَّ لَهُ الْمَغْنَمُ، وَ نُصِرَ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ.
فَأَكْثَرَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْكَلَامِ، وَ لَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَ عَرَفَ الْحَسَنَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مَنْ لَمْ يَكُنْ عَرَفَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ نَزَل.(1)
(82}
[394] ولمّا قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب ونال من أمير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :
إنّ اللّه تعالى لم يبعث نبيّاً إلّا جعل له عدوّاً من المجرمين قال اللّه تعالى : «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ».(2)
فأنا ابن علي بن أبي طالب، وأنت ابن صخر، وأُمّك هند، وأُمّي فاطمة وجدّتك قتيلة (3) ، وجدّتي خديجة.
فلعن اللّه الأدنى منّا حسباً، وأخملنا ذكراً، وأعظمنا كُفراً، وأشدّنا نفاقاً ، فصاح أهل المسجد: آمین آمین.
وقطع معاوية خطبته ودخل منزله.(4)
ص: 401
ص: 402
ص: 403
{1}
[395] هذا كتاب إلى المسلمين في ثقيف بإسناد الأوّل :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمّد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى المؤمنين. إن عضاه وج وصيده لا يعضد، ولا يقتل صيده، فمن وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنّه يجلد وتنزع ثيابه، ومن تعدّى ذلك فإنّه يؤخذ فيبلغ محمداً رسول اللّه، وإنّ هذا من محمّد النبي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وكتب خالد بن سعيد بأمر محمّد بن عبداللّه رسول اللّه ، فلا يتعدّه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمّد رسول اللّه لثقيف.
وشهد على نسخة هذه الصحيفة : صحيفة رسول اللّه الّتي كتب الثقيف علي بن أبي طالب و حسن بن علي وحسين بن علي.(1)
{2}
[396] كتب الحسنُ البصري(2) إلى الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا بعد فأنتم أهلُ بيت النبوّة ومعدنُ الحكمة، وأنّ اللّه جعلكم الفلكَ الجاريةَ في اللججِ الغامرِة، يَلْجأ إليكم اللاجىء، ويعتصم بحبلِكم الغالي، مَن اقتدئ بكم اهتدى
ص: 404
ونجا، ومَن تخلف عنكم هلك وغوى، وإنّي كتبت إليك عند الحيرة وإختلاف الأُمّة في القَدَر، فتفضي إلينا ما أفضاه اللّه إليكم أهلَ البيت ، فنأخذ به.
فكتب إليه الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) :
أما بعدُ، فإنّا أهلُ بيت كما ذكرتَ عند اللّه وعند أوليائه ، فأمّا عندك وعند أصحابِك فلو كنّا كما ذكرت ما تقدّمتمونا ولا استبدلتم بنا غيرنا.
ولعمري لقد ضرب اللّه مثلكم في كتابه حيثُ يقول «أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ»(1)، هذا لأوليائك فيماسألوا، ولكم فيما استبدلتُم.
ولولا ما أُريد من الإحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبتُ إليك بشيءٍ ممّا نحنُ عليه، ولئن وصل كتابي إليك لتجدنّ الحجّة عليك وعلى أصحابك مؤكّدة، حيثُ يقولُ اللّهُ عزّوجلّ: «فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».(2)
إنّ اللّه عزّوجلّ لا يُطاعُ بإكراه، ولا يُعصى بغلبة، ولا يُهمَل العباد من المُلكة، ولكنّه المالك لماملّكهم، والقادر على ما أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادّاً مُثبِطاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أنْ يحولَ بينَهم وبين ما ائتَمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها، ولا كلّفهم إيّاها جبراً، بل تمكينُه إيّاهم وإعذارُه إليهم طرّقهم ومكّنَهم.
فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم به وترك مانهاهم عنه، ووضع
ص: 405
التكليف عن أهل النُقصان والزِمانة، والسلام.(1)
{3}
[397] بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فقد انتهى إليّ كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من أُمّتنا، والّذي عليه رأيي إنّ من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه من اللّه تعالى فقد كفر، ومن حمل المعاصي على اللّه فقد فجر، إنّ اللّه الايطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة ولا يهمل العباد في ملكه، لكنّه المالك لمّا ملكهم والقادر على ما عليه قدرهم فإن اعتمروا بالطاعة لم يكن لهم صاداً ولا لهم عنها مشبعاً، وإن أتوا بالمعصية وشاء أن يمنّ عليهم فيحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها إجباراً، ولا ألزمهم إكراهاً إيّاها، فاحتجاجه عليهم أن عرفهم ومكّنهم وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه، فللّه الحجّة البالغة، والسلام، انتهى.(2)
ص: 406
{4}
[398] كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي محمّد الحسن بن علي(عَلَيهِم السَّلَامُ) : أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفُلك الجارية في اللجج الغامرة، والأعلام النيّرة الشاهرة، أو كسفينة نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّتي نزلها المؤمنون، ونجا فيها المسلمون، كتبتُ إليك يابن رسول اللّه عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الإستطاعة، فأخبرنا بالّذي عليه رأيك ورأي آبائك (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، فإنّ من علم اللّه علمُكم، وأنتم شهداء على الناس واللّه الشاهد عليكم، ذريّة بعضها من بعض واللّه سميعٌ عليم.
فأجابه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، وصل إليّ كتابك، ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذاً ما أخبرتك، أمّا بعد، فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه إن اللّه يعلمه فقد كفر، ومن أحال المعاصيَ على اللّه فقد فجر، إنّ اللّه لم يُطَعْ مُكرَهاً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُهْمِل العبادَ سُدىً من المملكة بل هو المالك لِمّا ملّكهم، والقادر على ما عليه أقدَرَهم بل أمرهم تخييراً، ونهاهم تحذيراً، فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صاداً، وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمنّ عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو الّذي حملهم عليها جبراً، ولا ألزموها كرهاً، بل مَنّ عليهم بأن بصّرهم، وعرّفهم، وحذّرهم، وأمرهم ونهاهم لاجبلاً لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه، وللّه الحجّة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين ، والسلام علی من اتّبع الهدى.(1)
ص: 407
{5}
[399] من لم يؤمن باللّه وقضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربّه فقد فجر، إنّ اللّه لا يُطاع استكراهاً، ولا يُعصى لغلبة، لأنّه المليك لمّا ملّكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، وإن عملوا بالمعصية فلو شاء حال بينهم وبين ما فعلوا فإذا لم يفعلوا فليس هو الّذي أجبرهم على ذلك، فلو أجبر اللّه الخلق على الطاعات لأسقط عنهم الثواب ، ولو أجبرهم على المعاصي لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، ولكن له فيهم المشيّة الّتي غيّبها عنهم فإن عملوا بالطاعة كانت له المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية كانت له الحجّة عليهم.(1)
{6}
[400] «فصل» ومن ذلك ما في كتاب «كشف الغمّة» للشيخ عليّ بن عیسی بن أبي الفتح الإربلي، أنّ مولانا أبا محمّد الحسن الزكي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتب إلى معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه أفضل صلوات المصلّين) وقد بايعه الناس :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبداللّه الحسن بن عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر.
أمّا بعد: فإن اللّه تعالى بعث محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رحمة للعالمين، فأظهر به الحقّ
ص: 408
ورفع به الباطل، وأذلّ به أهل الشرك، وأعزّ به العرب عامّة، وشرّف به من شاء منهم خاصّة، فقال : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»(1). فلمّا قبضه اللّه تعالى تنازعت العرب الأمر بعده فقالت الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير، وقالت قریش : نحن أولياؤه وعشيرته، فلا تنازعوا سلطانه. فعرفت العرب ذلك لقريش ونحن الآن أولياؤه وذوو القربي منه ولا غرو أنّ منازعتك إيّانا بغير حقّ في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمودٌ، والموعد اللّه بيننا وبينك، ونحن نسأله تعالى أن لا يؤتينا في هذه الدنيا(2) شيئاً ينقُصنا به في الآخرة. وبعد: فإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا نزل به الموت ولّاني هذا الأمر من بعده ، فاتّق اللّه يا معاوية وانظر لأُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما تحقن به دماءهم، وتصلح أُمورهم، والسلام.(3)
{7}
[401] قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: قال أبو الفرج الاصفهاني كتب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى معاوية مع جندب(4) بن عبداللّه الأزدي :
من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام علیكم، فإنّي أحمد إليك اللّه الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد فإنّ اللّه جلّ وعزّ بعث محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رحمة للعالمين، ومنّة للمؤمنين توفّاه اللّه غير مقصّر ولا وان، وبعد أن أظهر اللّه به الحقّ، ومحق به الشرك، وخصّ قريشاً خاصّة فقال له : وَإنَّهُ
ص: 409
لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»(1)فلمّا توفّي تنازعت سلطانه العرب، فقالت قریش : نحن قبيلته وأُسرته وأولياؤه، ولا يحلُّ لكم أن تنازعونا سلطان محمّد وحقّه، فرات العرب أنّ القول ماقالت قريش، وأنّ الحجّة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فأنعمت لهم وسلّمت إليهم.
ثمّ حاججنا نحن قريشاً بمثل ماحاجّت به العرب، فلم تنصفنا قریش إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والإحتجاج، فلمّا صرنا أهل بيت محمّد وأولياؤه إلى محاجّتهم، وطلب النصف منهم، باعدونا واستولوا بالإجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا، فالموعد اللّه وهو الوليّ النصير.
ولقد تعجّبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده، فاليوم فليتعجّب المتعجّب من توثّبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعد قریش لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولكنّ اللّه حسيبك، فسترد فتعلم لمن عُقبى الدار، وباللّه لتلقينّ عن قليل ربّك ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك وما اللّه بظلّام للعبيد.
إنّ عليّاً لمّا مضى لسبیله رحمة اللّه عليه يوم قبض، ويوم منّ اللّه عليه بالإسلام ويوم يبعث حيّاً، ولّاني المسلمون الأمر بعده ، فأسأل اللّه أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة ممّا عنده من كرامته، وإنّما حملني على
ص: 410
الكتاب إليك الإعذار فيما بيني وبين اللّه عزّوجلّ في أمرك. ولك في ذلك إن فعلته الحظُّ الجسيم والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقُّ بهذا الأمر منك عند اللّه، وعند كلّ أوّاب حفیظ، ومن له قلب مُنيب.
واتّق اللُه! ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فواللّه ألك من خير في أن تلقى اللّه من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحقُّ به، منك ليطفىء اللّه النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلّا التمادي في غيّك، سرتُ إليك بالمسلمين، فحاكمتك حتّى يحكم اللّه بيننا وهو خير الحاكمین.(1)
أقول: ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة هذا الكتاب بنحو آخر أبسط، صورته:
ومن الحسن بن عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. سلام عليكم(2) فإنّي أحمد إليكم اللّه(3) الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّ اللّه عزّوجلّ بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رحمة للعالمين، ومنّة(4) للمؤمنين. (5) ، توفّاه اللّه غير مقصّر ولا وان، بعد أن أظهر اللّه به الحقّ، ومحق به الشرك، وخصّ قریش خاصّة،
ص: 411
فقال له : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»(1) فلمّا توفّی تنازعت سلطانه العرب ، فقالت قريش: نحن قبيلته وأُسرته وأولياؤه. ولا يحلّ لكم أن تنازعوا(2) سلطان محمّد وحقّه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد، فأنعمت لهم(3)، وسلّمت إليهم، ثمّ حاججنا نحن قریش بمثل ما حاجّت به العرب، فلم تنصفنا قريش(4) إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف(5) والاحتجاج، فلمّا صرنا أهل بيت محمّد وأولياءه إلى محاجّتهم وطلب النَصفَ(6) باعدونا، واستولوا بالاجتماع(7) على ظلمنا ومراغمتنا والعنت عليهم لنا(8)، فالموعد اللّه، وهو الوليّ النصير، ولقد تعجّبنا(9) لتوثّب المتوثبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين، أن يجد المنافقون والأحزاب (10) في ذلك مغمزاً يثلمونه به ، أو يكون لهم
ص: 412
بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده ، فاليوم فليتعجّب من توثّبك(1) على أمر لستَ من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعد قریش لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ولكن اللّه حسيبك(2)، فسترد وتعلم(3) لمن عقبى الدار. وباللّه التلقينّ عن قليل ربّك، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما اللّه بظلّام للعبيد. إنّ عليّاً لمّا مضى سبيله رحمة اللّه عليه يوم قُبض، ويوم منّ اللّه عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيّاً ولّاني المسلمون الأمر بعده. فأسأل اللّه أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة ممّا عنده من كرامته(4). وإنّما حملني على الكتاب إليك الإعذار في مابيني وبين اللّه عزّوجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلتَه الحظُّ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وادخل في مادخل فيه الناس من بيعتي، فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند اللّه وعند كلّ أوّاب حفیظ، ومن له قلبٌ منيب، واتّق اللّه ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فواللّه مالك من خير في أن تلقى اللّه من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحقّ به منك، ليطفىء اللّه النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين. وإن أنت أبيت إلّا التمادي في غيك سرتُ إليك بالمسلمين، فحاكمتُك حتّى يحكم اللّه بيننا وهو خير الحاكمین».(5)
ص: 413
ثمّ ذكر جواب معاوية وما أظهر فيه من الكفر والإلحاد، الداعين له إلى الشغب واللداد، إلى أن قال :
وقد فهمُ الّذي دعوتني إليه من الصلح(1)، فلو أُعلمت(2) أنّك أضبط منّي للرعيّة، وأحوط على هذه الأُمّة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال، وأكيد للعدوّ، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه، ورأيتك لذلك أهلاً ولكن قد علمتَ أنّي أطول منك ولاية، وأقدم منك لهذه الأُمّة تجربة، وأكبر منك سنّاً، فأنت أحقُّ أن تجيبني إلى هذه المنزلة الّتي سألتني، فادخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي، ولك ما في بيت مال العراق بالغاً مابلغ تحمله إلى حيث أحببتَ، ولك خراج أيّ كُوَر العراق شئتَ، معونةً لك على نفقتك، يَجبيها أمينك، ويحملها إليك في كلّ سنة، ولك أن لا يستولي عليك بالأشياء، ولاتُقضي دونك الأُمور(3)، ولا تُعصي في أمر أردتَ به طاعة اللّه(4)، أعاننا اللّه وإيّاك على طاعته، إنه سميع مجيب الدُعاء، والسلام. (5)
ص: 414
{8}
[402] أمّا بعد(1) فقد وصل إلىّ كتابك ، تذكر فيه ماذكرت. فتركتُ جوابَك خشيةَ البغي منّي عليك، وباللّه أعوذ من ذلك، فاتّبع الحقَّ تعلَم أنّي من أهله، وعليّ إثمُ أن أقولَ فأكذب، والسلام. (2)
{9}
[403] في «الإرشاد» للمفيد (قدّس سرّه) قال :
لمّا بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبيعة الناس ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) دسّ رجلاً من حِمير إلى الكوفة، ورجلاً من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار، ويفسدا على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الأُمور، فعرف ذلك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 415
فأمر باستخراج(1) القينيّ من بني سليم، فأُخرج وضُربت عنقه. وكتب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى معاوية :
أما بعد: فإنّك دَسَسَتَ الرجال للإحتيال والإغتيال، وأرصدت العيون كأنّك تحبُّ اللقاء، وما أشكّ(2) في ذلك فتوقّعه إن شاء اللّه. وبلغني أنّك شَمِتَّ بما لم يَشمَت به ذو حِجي، وإنّما مثلك في ذلك كما قال الأول : (3)
فقل للّذي يبغي خلاف الّذي مضى*** تزوّد(4) للأُخرى مثلها فكأن قد
فإنّا ومن قد مات منّا لكالّذي*** يَروح فيمسي في المبيت ليغتدي (5)
ص: 416
{10}
[404} أمّا بعد: فإن خطبي انتهى إلى اليأس(1) من حقّ أُحييه، وباطل أُميته وخطبك خطب من انتهى إلى مراده، وإنّي أعتزل هذا الأمر وأُخلّيه لك، وإن كان تخليتني إيّاه شرّاً لك في معادك. ولي شروط اشترطها لاتبهظنّك إن وفيتَ لي بها بعهد، ولا تخف إن غدرتَ - وكتب الشرط في كتاب آخر فيه يمينه بالوفاء وترك الغدر وستندم یا معاوية كماندم غيرك ممّن نهض في الباطل أو قعد عن الحقّ، حين لم ينفع الندم، والسلام.
قال - طاب ثراه -: فإن قال قائل : من هو النادم الناهض، والنادم القاعد قلنا : هذا الزبير ، ذكره أمير المؤمنین (صلوات اللّه عليه) : ما أيقن بخطأ ما آتاه ، وباطل ما قضاه ، وبتأويل ما عزاه ، فرجع عنه القهقرى، ولو وفي بما كان في بيعته لمحا نكثه. ولكنّه أبان ظاهر الندم، والسريرة إلى عاملها.
وهذا عبداللّه ابن عمر بن الخطّاب ، روى أصحاب الأثر في فضائله أنّه قال : مهما آسى عليه من شيء فإنّي لا آسى على شيء أسفي على أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية مع عليّ! فهذا ندم القاعدة.
وعائشة روى الرواة أنّها لمّا أنّبها مؤنّب في ما أتته قالت : قضى القضاء ، وجفّت الأقلام واللّه لو كان لي من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بعشرون ذكراً كلّهم مثل عبدالرحمن بن الحارث بن هاشم فثكلتُهم بموت وقتل كان أيسر عليّ من خروجي على عليّ و مسعاي الّتي سعيتُ؛ فإلى اللّه شكواي لا إلى غيره.
ص: 417
وهذا سعد بن أبي وقّاص لمّا أنهي إليه أنّ عليّاً (صلوات اللّه عليه) قتل ذالثدية وأخذه ما قدّم وأخر ، وقلق ونزق. وقال : واللّه لو علمتُ أنّ ذلك كذلك لمشيتُ إليه ولو حبواً (1)، ولمّا قدم معاوية دخل إليه سعد. فقال له: يا أبا إسحاق، ما الّذي منعك أن تعينني على الطلب بدم الإمام المظلوم؟ فقال : كنت أُقاتل معك عليّاَ، وقد سمعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسی». قال : أنت سمعت هذا من رسول اللّه؟ قال: نعم، وإلّا صمّتا! قال : أنت الآن أقلّ عذراً في القعود عن النصرة! فواللّه لو سمعتُ هذا من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما قاتلته. وقد أحال، فقد سمع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أكثر من ذلك، فقاتله وهو بعد مفارقته للدُنيا يلعنه ويشتمه، ويرى أنّ ملكه وثبات قدرته بذلك، إلّا أنّه أراد أن يقطع عذر سعد في القعود عن نصره، واللّه المستعان.(2)
{11}
[405 ] ثمّ كتب إلى معاوية : إنّي تاركها وتاللّه لو وجدت عليك أعواناً صابرين عارفين بحقّي غير منكرین ماسلّمت إليك هذا الأمر ولا أعطيتك هذا الأمر الّذي أنت طالبه إنّ اللّه قد علم وعلمت یا معاوية وسائر المسلمين أنّ هذا الأمر لي دونك، وقد سمعت من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّ الخلافة لي ولأخي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وانّها لمحرّمة عليك وعلى قومك سماعك وسماع قومك من
ص: 418
المسلمين من الصادق الأمين المؤدّي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .(1)
{12}
[406} بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ماصالح عليه حسن بن عليّ معاوية بن أبي سفيان : صالحه على أن يسلم ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، إلى أنّ قال : وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أنّ أصحاب علي وشيعته آمنون علىّ أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا، وعلى معاوية بذلك عهد اللّه وميثاقه، ولا ينبغي للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسین ولا لأحد من أهل بيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) غائلة سراً ولا جهراً، ولا يخاف أحد منهم في أُفق من الآفاق شهد عليه فلان بن فلان وفلان بن فلان، وكفى باللّه شهيداً.(2)
{13}
[407] قال : ثمّ دعا الحسن بن علي بكاتبه فكتب : هذا ما اصطلح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على:
ص: 419
[أوّلاً] أن يسلم إليه ولاية أمر المؤمنين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة نبيه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وسيرة الخلفاء الصالحين.
[ثانياً ]وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شوری بین المسلمين.
[ثالثاً] وعلى أنّ الناس أمنون حيث كانوا من أرض اللّه [ في ] شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.
[رابعاً] وعلى أنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم.
وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد اللّه وميثاقه، وما أخذ اللّه على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى اللّه من نفسه.
[خامساً] وعلى أنّه لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) غائلة سراً وعلانية، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
شهد على ذلك عبداللّه بن نوفل بن الحارث وعمر بن أبي سلمة وفلان وفلان(1) .(2)
ص: 420
{14}
[408 ] عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، أنّه كتب إلى معاوية كتاباً يقرعه فيه ويبكّته بأُمورٍ صَنَعها، كان فيه : «ثمّ ولّيتَ ابنك، وهو غلامٌ كان يشرَبُ الشرابَ ويَلْهُو بالكلاب، فخُنْتَ أمانتك، وأخرَبْتَ رعيّتك، ولم تؤدِّ نصيحةَ ربِّك، فكيف تولّي على أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مَن يشربُ المسكَر، وشاربُ الخمرِ المسكر من المنافقين والفاسقين، وشاربُ الخمرِ المسكر من الأشرار، ولبس بأمينٍ على درهم، فكيف على الأُمّة!.(1)
{15}
[409 ] من كتاب كتبه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى زياد بن أبيه (لعنه اللّه وأخزاه) لمّا أتاه رجل
ص: 421
من الشيعة مستجيراً به (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عدوانه علیه وظلمه إيّاه.(1)
«أمّا بعد: فإنّك عمدت إلى رجل من المسلمين له مالهم، وعليه ما عليهم فهدمت داره، وأخذَت ماله، وحبستَ أهله وعياله ، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله، وشفعني فيه، فقد أجرتُه، والسلام».
أقول: روي أن زياداً كتب في الجواب ما كشف عن فظيع عمل أُمّه وأبيه ولا غرو في ذلك فإنّ كلّ إناء يترشّح بما فيه ، صورته :
«من زیاد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة. أمّا بعد: فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة، وأنا سلطان وأنت سُوقة(2) ، وتأمرني فيه أمر المطاع المسلّط على رعيّته، كتبتَ إليّ في فاسق آويته إقامةً منك على سوء الرأي، ورضي منك بذلك، وأيم اللّه لا يسبقني(3) به ولو كان بين جلدك ولحمك، وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرعٍ عليك، فإنّ أحبَّ اللحم(4) إليّ أن آكلة اللحم الّذي أنت منه، فسلّمه بجريرته إلى من هو أولى به منك، فإن عفوتُ عنه لم أكن شفّعتك فيه، وإن قتلتُه لم أقتله إلّا لحبّه أباك الفاسق ! (5) والسلام. (6)
ص: 422
{16}
[410] كتب زیاد بن أبيه إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاباً كاشفاً عن نصبه - تقدّم ذكره-.
فلمّا انتهى كتابه إليه (صلوات اللّه وسلامه عليه) قرأه وتبسّم، وكتب بذلك إلى معاوية وجعل كتاب زیاد عِطفه، وبعث به إلى الشام، وكتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثة لهما :
«من الحسن بن فاطمة إلى زيادبن سميّة. أمّا بعد: فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «الولد للفراش ! وللعاهر الحجر، والسلام».
فلمّا قرأ معاوية كتاب زیاد إلى الحسن ضاقت به الشام وكتب إلى زياد :
«أمّا بعد، فإنّ الحسن بن عليّ بعث إليّ بكتابك إليه جواباً عن كتاب كتبه إليك في ابن أبي سرح، فأكثرتُ العجب منك، وعلمت أنّ لك دأبین : أحدهما من أبي سفيان، والآخر من سُميّة، فالّذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأمّا الّذي من سميّة فما يكون من رأي مثلها ذلك، تكتب إلى الحسن وتشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري إنّك أولى بالفسق من أبيه. فأمّا الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عليك فإنّ ذلك لا يضعك لو عَقَلت، وأمّا تسلّطه عليك بالأمر فحقّ المثل الحسن أن يتسلّط، وأمّا تركك تشفیعه في ما شفع فيه إليك فحظٌّ دفعتَه عن نفسك إلى من هو أولی به منك. فإذا قدم عليك كتابي فخلِّ ما في يديك لسعيد بن أبي سرح، وابنِ له داره، واردد عليه ماله، ولا تعرّض له، فقد كتبتُ إلى الحسن أن يخيّره: إن شاء أقام عنده، وإن شاء رجع إلى بلده، ولا سلطان لك عليه
ص: 423
ولا لسان(1). وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه واسم أُمّه، ولم(2) تنسبه إلى أبيه ، فإنّ الحسن - ويحك - من لایُرمی به الرجَوان (3) ، وإلى أيّ أُمّ وكلتَه لا أُمّ لك! ألا تعلم (4) فاطمة بنت رسول اللّه. وذلك أفخر لو كنت تعقل. (5) وكتب في أسفل الكتاب شعراً من جملته :
[أمّا حسنٌ فابن الّذي كان قبله*** إذا سار سار الموت حيث يسير]
وهل يلد الريبال إلّا نظيره***وذا حسنٌ شبهٌ له و نظیر
ولكنّه لو يوزن الحلم والحجی***بامر لقالوا(6) يربلٌ وینیر(7)
ص: 424
{17}
[411] أخرجه شيخ الطائفة في كتاب «الأمالي»(1) متّصل الإسناد إلى عاصم بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم العبدي، قال : سمعت أبا عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: كتب إلى الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوم من أصحابه يعزّونه بابنة له، فكتب إليهم:
«أمّا بعد: فقد بلغني كتابكم تعزّوني بفلانة، عند اللّه أحتسبها، تسليماً القضائه، وصبراً على بلائه، فإن أوجعتنا المصائب، وفجعتنا النوائب الّتي كانت بنا خيفة(2)، والاخوان المحّبين الّذين كان يسرُّ بهم الناظرون، وتقرُّ بهم العيون، أصبحوا(3) قد اخترمتهم الأيّام، فنزل بهم الحمام(4)، فخلفوا الخلوف وأودت بهم الحتوف(5) ، فهم صرعى في عساكر الموتى، متجاورون في غير محلّة التجاور، ولا صلات بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية من أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها أحزانها(6)، ولم أرَ مثل
ص: 425
دارها داراً، ولا مثل قرارها قراراً، في بيوت موحشة، وحلول مخضعة، قد صارت في تلك الرُبي الموحشة(1)، وخرجت عن الدار المؤنسة ، ففارقتها عن غير قلی، فاستودعها البلى(2)! وكانت أُمة مملوكة سلكت سبيلاً مسلوكة صار إليها الأوّلون، وسيصير إليها الآخرون، والسلام»(3).(4)
{18}
[412] عن عبيد اللّه بن الأصم، عن عمّه يزيد بن الأصم قال : خرجت مع الحسن وجارية تحُتُّ شيئاً من الحناء عن أظفاره، فجاءته إضبارة من كتب، فقال : يا جارية هات المخضب فصب فيه ماء وألقى الكتب في الماء، فلم يفتح منها شيئاً ولم ينظر إليه.
فقلت : يا أبا محمّد ممّن هذه الكتب؟
قال : من أهل العراق من قوم لا يرجعون إلى حق ولا يقصرون عن باطل ،
ص: 426
أما إنّي لست أخشاهم على نفسي ولكنّي أخشاهم على ذلك وأشار إلى الحسین.(1)
ص: 427
ص: 428
ص: 429
ص: 430
البقرة (2)
(61) أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ...405
(94) قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ...100
(94) فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ...101
(95) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ...101
(97 – 98) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا...98
(113) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى..105
(114) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى ... 119
(124) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ...189
(186) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ...318
(199)ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ...110
(201) رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ...126
(238) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى...135
آل عمران (3)
(7) وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم...9
(34) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ... 312 و 328
ص: 431
(33 - 34) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى...316
(61) فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا...379
(101) وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ...9
(102) اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ...123
(105) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ... 270
(144) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ... 346
النساء (4)
(18) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ... 385
(24) فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً...49 و 50
(34) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...108 و 329
(59) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...9 و 266 و342
(83) وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ...342
(83) وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ... 342
(86) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا...96
المائدة (5)
(3) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ... 222 و 223
(32) وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...120
(55) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ...263
(67) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...124
الأنعام (6)
(33) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ ... 123
(40 - 41) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ...103
(103) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ...39
ص: 432
الأعراف (7)
(31) خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...98
(43) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ...111
(54) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ...90
(96) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ...382
(157) يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ...208
(158) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا...109
(199) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ...97
الأنفال (8)
(41) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى... 378
(41) یَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ...115
(46) وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ...344
(48) لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ... 343
(75) وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ...45
التوبة (9)
(19) أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم... 376
(100) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ...313
(100) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ...376
(103) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ ... 46
(105) فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ ... 228
(119) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ...8
يونس (10)
(35) أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ ... 405
(48) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ...307
ص: 433
(59) قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ... 198
هود (11)
(7) وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ...273
(7) وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ ..274
(17) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ... 372 و 373
(52) وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ...186
(103) ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ... 125
(118 - 119 وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ...270
يوسف (12)
(3) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ... 34
(38) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ...312-328
الرعد ( 13 )
(7) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ... 239 و 306
(19) إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ...69
الحجر (15)
(47) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ...111
(87) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ...102
النحل (16)
(43) فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ...7
(44) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ... 7 و 8
الإسراء ( 17 )
(12) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا ...275
(36) إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ...113
ص: 434
مریم (19)
(67) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ...276
طه (20)
(132) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا...122
الأنبياء (21)
(69) يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ...198
(79) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ...384
( 111-109 ) وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ...368
(111) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ ... 366 و367 و 368 و 369 و 284 و387 و 392 ر396 و 400
الفرقان (25)
(31) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ...401
(44) إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ...111
الشعراء (26)
(193 - 195 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * َلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ... 99
(227) وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ...364
النمل (27)
(29 - 30) أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إنه من سليمان إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ... 102
القصص (28)
(85) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ...116
الأحزاب (33)
(30 - 31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ... 377
(33) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ... 121 و122 و 340 و 357 و 379
(45) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ...125
(56) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...212
ص: 435
الصافّات (37)
(24) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ...113
ص (38)
(88) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ...328
فصلت (41)
(40) َفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ....299
الشوری (42)
(7) فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ...133
(11) لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ...39
(23) قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... 123 و 228 و 338
(24) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ... 123
الزخرف (43)
(12 - 13) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ... 184
(44) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ...409 و 410 و 12
الفتح (48)
(1 - 7) ِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ...171
(18) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...127
(29) فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ...125
ق (50)
(40) وَأَدْبَارَ السُّجُودِ...106
النجم ( 53 )
( 4-3 ) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ...34
ص: 436
القمر (54)
(49) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ...126
الرحمن ( 55 )
(33) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ...90
الواقعة ( 56 ) (10 - 11) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ... 112 و 375
الحديد ( 57 )
(10) لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ...375
الحشر (59)
(7) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...97
(10) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا ... 376
(21) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ ...90
الصف (61)
(6) وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...208
المنافقون ( 63 )
(4) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ...264
التغابن ( 64 )
(16) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ...123
التحريم (66)
(5) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ...288
القلم ( 68 )
(4) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ...97
(51 - 52) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ... 186
ص: 437
نوح (71)
(10) اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ... 142
(12) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ...186
الجنّ ( 72)
(1- 2) إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ...93
الإنسان (79)
(5) إِنَّ الْأَبْرَارَ...115
الإنفطار ( 82)
(31) إِنَّ الْأَبْرَارَ...115
المطفّفين ( 83 )
(18 و 22 ) إِنَّ الْأَبْرَارَ...115
البروج (85)
(10) ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا...1114
الضحى ( 93 )
(11) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ....96
الكافرون (109)
( 6-1 ) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ...104
النصر (110)
( 3-1) ذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ...216
ص: 438
تقریظ...6
المقدّمة...7
تدوين السُنّة...10
رجال حفظوا السُنّة...16
نظرة إلى الكتب الأربعة...18
السُنّة بعد النبي...20
وقفة مع الحديث...21
دلائل هامة...24
تضييع السُنّة. تكبيل الأفواه...25
حملة محو الآثار...27
وهكذا استمرّ المنع...28
ما هو الهدف ؟ كيف حصل المنع ؟...29
توجیه آخر...31
هل يختلط القرآن بالسنّة؟...32
طرح البديل عن السنّة. الأيادي الخفية...35
الخلف والسلف...36
طمع الأجانب تحقّق...37
الإكثار من الحديث !!...40
الخطة الجديدة...41
نماذج من وضع الحديث...43
ص: 439
تصفية المعارضة...44
منع الإرث...48
منع المتعة...49
استمرار التحريف...51
منهجية الحكم والتقسيم...52
التراويح...53
كلمة الختام....55
ملاحظات أخيرة....56
العقل والعلم....59
في وصف العقل. إنكم صغار قوم. أطعموا حبالاكم اللبان...60
العقل و حسب. حُسن السؤال...61
الوحشة من الناس. فضل طالب العلم. بین المأكول والمعقول...62
أفضل ما وهب اللّه. علِّم و تعلَّم. فضل التفكّر. كافل يتيم المعرفة...63
عذر المتعلّم. لا ثلاثة لثلاث...64
ما العقل؟ في العقل ثلاثة...65
ولاية الأعلم. مجالسة العلماء...66
حوائج الإخوان. كان ناقصاً في مروته و عقله...67
متى يكون العاقل عاقلاً ؟ علماء الشيعة يوم القيامة...68
إذا طلبتم الحوائج. حقّ المعلّم على تلميذه...69
الإلهيات...71
ذلكم اللّه... 72
الإسلام و الإيمان...73
من علامات المسلم. القنوع والخضوع. هكذا الإيمان...74
بين الإيمان واليقين.كم بين الإيمان و اليقين ؟...75
من أخلاق المؤمن...76
خصال الإيمان. ما آمن باللّه...77
ص: 440
داعی الراضی بقسم اللّه. محاسبة النفس...78
من كلماته الحكمیّة. الموت ریحانة المؤمن...79
بين الشيعي و الموالي ما يضرّ الشيعي؟! ذهب الناس وبقي النسناس..80
الموت عند المؤمن والكافرفي وصف أخ له (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...81
بين الإبن و أبيه...83
فضل سلمان والمقداد...84
حبّ المال حقيقة الدين...85
القُرآن...87
فاتحة الكتاب ثواب قراءة الفاتحة...88
أقوام قلوبهم مفتونة اقرأوا هذه العشرين...90
احكموا بكتاب اللّه. التدّبر في القرآن. القرآن نور...91
القرآن قائد وسائق. القرآن والعترة. المخرج من الفتن...92
اتخذوا القرآن إماماً. التفسير بالرأي...93
لنكون في ذمة اللّه. من قرأ ثلاث آیات. دعوة مستجابة...94
اقرأوا حين النوم. أصحاب الأخدود...95
موسی (عَلَيْهِ السَّلَامُ) والأجلين. نعمة الربّ. فحيّوا بأحسن منها...96
معنى الخُلق العظيم. خذوا زينتكم...97
مَن كان عدوّاً لجبرئيل؟...98
فتمنّوا الموت...100
هل البسملة آية ؟...102
ما معنى البسملة؟...103
سورة الكافرون...104
یا محمّد اقض بيننا...105
ومن كلامه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أدبار السجود...106
ناشئة الليل. أخبرني يا رسول اللّه...107
فضل الرجال على النساء...108
ص: 441
إني رسول اللّه إليكم. كلمات النبي إبراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...109
سألت عن الناس...110
ونزعنا ما في صدورهم...111
السابقون السابقون. ومن يطع اللّه والرسول...112
وقفوهم إنّهم مسؤولون...113
أصحاب الأخدود...114
يوم الفرقان. أهل البيت هم الأبرار...115
هجرة الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)...116
هكذا يقضي الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...120
هؤلاء أهل بيتي...121
وأمر أهلك بالصلاة...122
اتّقوا اللّه في أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)...123
الشاهد و المشهود...124
سیف علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...125
حسنة الدارین. انهم أهل الشوم...126
الصلاة الوسطى. ووجدك ضالٌّ. لقد خلقناه بقدر...135
الدُعاء...137
تعاهدوا هذه الزيارة...138
ثمرات الاستغفار...143
عوذة الحسنين (عَلَيْهِما السَّلَامُ).إبتغوا حسنة الدارین. يا علي ادعو عليهم...144
دعاء لرفع الحُمّی...145
خصال في علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كيف أنت يا حسن؟...146
من دعاء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) حوّلني إلى امرأة...147
من مناجاته (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...148
ومن قنوته (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...149
ومن دعاء له (عَلَيْهِ السَّلَامُ) دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب المغفرة...150
ص: 442
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عند احتضاره...151
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء. دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب النصر واليقين...152
ومن دعاء القنوت. دعاء تسخير القلوب...153
دعاء الاستخارة. من دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...154
دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على أعدائه. دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الدنيا...155
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قنوت الوتر...156
دعاء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بعد شرب اللبن. شفاعة الحسنين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)...157
دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على أعدائه...159
ومن دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ). العين حق...160
صار الرجل امرأة. اقرأ هذه الكلمات...161
یا محمّد مُر أمتك...162
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب. في الاستسقاء...163
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) عند الكعبة المشرفة...168
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) عند باب المسجد. الاستشفاء بالدعاء...169
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لوجع الرجل...170
مواضع إستجابة الدعاء...171
عوذة الحسنین (عَلَيْهما السَّلَامُ)...172
دعاء الإستخارة...173
في رفع العسر. ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ) لطلب الحج...174
ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ) لطلب الرزق...175
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب المغفرة...176
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لكشف الظلم...177
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في السفر...178
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع البلاء...179
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب الحاجة. دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب التوبة...180
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في الشكر...181
ص: 443
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع كيد العدو...182
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أفطر...183
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الركوب...184
من تسبيحاته (عَلَيْهِ السَّلَامُ). بورك في الموهوب...185
عليك بالاستغفار دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لدفع العيون...186
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لرفع البلاء...187
سبع كلمات من التوراة...188
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في ليلة القدر...189
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع الجار السوء...190
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب المغفرة...191
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أحزنه أمر. ففرّوا إلى اللّه ...192
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في القنوت...193
إحذروا دعاء الوالدين...195
دعاء في الحُمّى...197
أوصاف النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) و فضائله...199
أوصاف رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)...200
خلقت من نور اللّه...206
بين علي و محمّد (عَلَيْهِما السَّلَامُ) خلقنا من نور اللّه...207
أخبرني عن خمس...208
وجه فضيلة الأنبياء (عَلَيْهِم السَّلَامُ). بعث اللّه محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). أبوا هذه الأمّة...209
سلني عمّ شئت. أكثروا الصلاة عليّ ...210
إنّ صلاتكم تبلغني. مَن قال صلّى اللّه على محمّد وآله...211
بالصلاة عليه تغفر الذنوب...212
كيفية الصلاة على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). احذروا الصلاة البتراء...213
في أنّ النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لا يردّ السائل...213
شفاعة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). ثواب الزيارة. في فضل زيارتهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)...214
ص: 444
زُرهم (عَلَيْهِم السَّلَامُ) يزوروك ما جزاء من زارك؟...215
أيّ نبي كنت لكم؟...216
الصلاة رحمك اللّه...219
فضل أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) و محبّتهم...221
أخبرني عن فضلكم. محبّة تحطّ الذنوب...222
كلّهم نورٌ واحد. لولاهم كنتم حيارى...223
أوّل من يرد الحوض. أهل البيت (عَلَيْهِم السَّلَامُ) ومحبّوهم...224
من أحبنا أهل البيت.ألزموا مودّتنا أهل البيت...225
في ثمرة محبتهم(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). حبّنا يساقط الذنوب...226
مصير محبّي أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).من أحبّنا للّه...227
في حقوق الأولياء. لنحسن إلى آبائنا...228
علم النبيّ وذريّته(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). احفظوني في العباس...229
إظهار النعمة. الجنّة مقابل دمعة...230
الامتحان في حبّهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). من سمع واعيتنا.عدائهم عداء النّبي...231
عقاب بُعض أهل البيت(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).صیاح القبّر...232
أنا سيد النبيّين.مهديُّ هذه الأُمّة...233
نقباء بني إسرائيل. في عدد الأئمّة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ...234
عدد شهور الحول. علامة المهدي المأمول...235
المهدي من أهل بيتي.من عهود الرسول.اثنا عشر خليفة...236
متى يخرج المهدی ) عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) بحال ؟...237
قوم آذوا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أسماء أهل البيت(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)...238
الأرض لا تخلو من حجّة...239
عصر الخيرات...240
بل يتقدّم إمامكم .لو قام المهدي ) عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)...241
بعض علائم الظهور. انتظار الفرج. إمام يملك الخافقين...242
ص: 445
أبشر يا سفیان...243
الراية من المشرق. حقّ غصب منّا...244
سيدة النساء الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ)...247
أين سهم ذي القربى ؟ الجار ثمّ الدّار...248
علي سید العرب .برّه لأُمّه الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ)...249
احتضار الصدّيقة فاطمة. أمّاه كلّميني...250
آجرك اللّه في الوالدة...251
في غسل فاطمة (عَلَيْهَا السَّلَامُ).بقينا بعدكِ يتيمين...252
الإمام أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...253
علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمير المؤمنين .أمير المؤمنین حقاً .ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حصني...254
عليٌ خير البشر...255
عليٌ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و خبر الوحي. علي باب العلم.وليّ كلّ مؤمن...256
طينة من الفردوس...257
وقال الملكان..شجاعة أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...258
أشبه الناس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). وقال يصف أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ). ذاك علي بن أبي طالب (عَلَيهِا السَّلَامُ)...259
أبي خير من أُمّتي. علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)صاحب الراية ...260
علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخو رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) . علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سيّد العرب...261
هكذا ينادي أباه (عَلَيهِما السَّلَامُ) ...262
من حديث الخاتم. أعرف الناس بالقرآن والسنّة...263
هكذا أهل الحق...268
علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو الوصي ...272
تعظيم أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...276
لا تسبّوا عليّاً. لا يبغضك إّلا... ...277
المنكر لفضل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). لا تنكروا فضل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...278
من عدالة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). بكاء أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ). زهد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...279
شدّة عدالة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). هؤلاء شيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...280
ص: 446
من بشائر المصطفى...281
في مقتل عثمان ...282
إن للعرب جولة...284
قتال لابد منه.مع أبي موسى الأشعري...285
موقف صارم. إنها كفّ يهودية...286
مع زوجات النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)...287
كلامه لأبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ). إنّ لأبيك يوماً...289
لا يبالي بالموت .و لنعم الحَكَم اللّه...290
لعن اللّه من عقّ عليّاً...291
دعاء أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على قومه...292
ماذا لقيت من قومك ؟. أسير أكرموا مثواه...293
لا يفوتنكم الرجل . لا قصاص قبل الجناية...294
الوصايا الأخيرة...296
خصال فيها النجاة. احفظ أربعاً...298
إيّاك من أربع.ومضى الإمام آمناً إلى ربّه...2999
مدفن أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ).يوصي بقاتله ...300
من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابن ملجم . إعانة الملائكة...301
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعدوّ اللّه . تنفيد الوصية...302
لم يترك صفراء ولا بيضاء. في زهد الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...303
الخُطَب...305
حديث الثقلين ...306
اجملوا في الطلب . أيها الذام للدنيا...309
فصاحته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في طفولته...312
أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)أفضل السابقين. إنّ عليّاً بابٌ...313
لندخل هذا الباب...314
مكانة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...315
ص: 447
في فضل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). قراءة سورة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)...316
من خطبة له (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الموعظة. في قدرة اللّه تعالی...317
في تقوى اللّه عزّوجلّ ...318
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الجمل...319
جئنا ندعوكم إلى اللّه ...321
في ردّ ابن الزبير ...322
في الحث على الجهاد...323
أجيبوا دعوتنا ...324
سیروا إلى إخوانكم...325
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الهداية. إن أمير المؤمنين يقول :...326
فضل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...327
إن تنصروا اللّه.. ...328
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صفّين...329
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد التحكيم. في الترغيب والتحذيرووو330
ومن خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد شهادة أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ)...331
لقد أُصيبت البلاد. خطبته في تأبين أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ) ...332
حدّثني جدّي الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ...334
في صفات الخالق...335
في فضل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...336
الرجل لم يسبقه الأولون. في تعريف نفسه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...337
لقد فارقكم رجلٌ ....338
فضائل لا تحصى ...339
في خصائص أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) . إنهم أُمراء الناس...340
ازهدوا فيما يفنى ...341
في فضائل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...342
في تحريض أصحابه للقتال ...344
ص: 448
فتنة الطواغیت . تكلموا رحمكم اللّه ...345
هلمّوا إلى الإيضاح ...346
لو طلبتم بين جابُلق...347
في توبيخ أصحابه. مع من تقاتلون ؟...348
قوم لا وفاء لهم ...349
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في غدر المرادي .خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ)يبين عن المستقبل...351
لو وجدتُ أعواناً...352
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ساباط مدائن...353
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا وقع الصلح...355
اتقوا اللّه في هؤلاء ...357
يوم يعدّون قتيلين ...359
الحقوا بطّيتكم ...361
لا تردّوا عليّ رأيي ...363
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في علّة صُلْحِه...363
ماذا أصنع بجماعتكم ؟...364
في حفظ الدماء...365
لكي لا تكون فتنة .صلاح الأُمّة بماذا ؟...366
في علة صلحه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...367
هداية الأُمّة ...368
آهات المظلوميّة...370
وفي الصلح فتنة وابتلاء...371
في فضائل أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...372
لماذا يبغضون عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ). حقيقة طغیان معاوية...386
في التوحيد والنبوة...387
في مجلس معاوية ...388
اعرفوني أيّها الناس...389
ص: 449
من عرفني فقد عرفني ...390
أخبرني عن هؤلاء ...394
حقن الدماء خير ...395
أنا ابن هؤلاء ...396
لا مرحباً بمن ساءك. أيها الذاكر علياً...397
أكيس الكيس التقى ...398
ما أردت إلّا هتكي...399
أنا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...400
بين الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معاوية...401
الكُتُب والرسائل...403
كتاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .بشهادة الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) . كتابه في القَدَر..404
سؤال الحسن البصري...406
للّه الحجّة البالغة...407
طاعة اللّه عزّ و جل.ظهر الحق و رفع الباطل...408
توثب الأُمّة على الخلافة ...409
اتبع الحق .ليس الرجال للاحتيال...415
اليأس من إحياء الحق ...417
إنّ الخلافة لي و لأخي...418
و كفى باللّه شهيداٌ .من بنود الوثيقة...419
معاوية يخون الأمانة .شفعني فيه فقد أجرته...421
الولد للفراش...423
إلى من عزّاه بابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...425
في أهل العراق...426
فهرس الآيات...431
فهرس الموضوعات...439
ص: 450