الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ) المجلد 1

هوية الكتاب

الكتاب:... الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ (عَلَیهِ السَّلَامُ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِ السَّلَامُ)(الجزء الأوّل والثاني)

المؤلف:... الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد

الناشر:... المكتبة الحيدرية

عدد المطبوع:... 500 دوره

ليتوغرافي:... آل البيت (عَلَیهِمُ السَّلَامُ) 09121532077

المطبعة:... شریعت

الطبعة:... الأولى - 1432-1390

السعر الدورة:... 15000 تومان

ردمك: 6- 155- 497- 964- 978

ص: 1

اشارة

ص: 2

الأَلفَینُ

فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)

ص: 3

الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)

الجزء الأوّل والثاني

الْخَطِيبُ الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

تقریظ

مؤلّف الألفين أنشأته *** للفوز في ثانية النشأتین

نلت رضا الرحمن في جمع ما *** للحسن السبط و ما للحسين

في شأن ريحانتي المصطفى *** ألفين قد ضمّنت في الدفتین

لاعُدِمت كفّك تلك الّتي *** و جادت به بل لا عَدِمت اليدين

فانعم به فخراً و ذُخراً فقد *** شِدتَ به دیناً و أدّیت دَین

وفاز مَن قد حاز إحداهما *** و أنت قد حزت كلا الحُسنَيين

فَطِب به نَفساً لدى هذه *** و في غدٍ قُرَّ به مِنك عَين

و تِه أبا أحمدَ فينا عُلاً *** من كأبي أحمد فينا؟ و أين؟ (1)

ص: 6


1- للخطيب الشيخ حسين الطرفي، 26 / شعبان / 1418 ه-. الكويت.

المقدّمة

إشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لا شكّ أنّ الإسلام دين الحياة ومفاهيمه استوعبت كلّ جوانبها إلى يوم القيامة...

و لمّا نزل القرآن الكريم شرّع للبشرية القوانين الكلّية الّتي تعدّ الإطار العام لنهج الحياة الّتي ينبغي أن يمشي عليها الإنسان بالطريقة المثلى.

وبما أنّ هذه القوانين المختلفة تحتاج إلى تفسير و تبيين سواء في المفاهيم أو المصادیق كانت الحاجة ماسّة وضرورية إلى السنّة الشريفة... وكان لابدّ من متابعة السنّة لكي نتفهم معاني القرآن وأبعادها ولولاها لبقي القرآن غامضاً والإسلام غير مكتمل ومن هنا أمر القرآن في آيات عديدة بمراجعة الستنّة لفهم ما يريده الباري عزّ وجلّ مثل قوله تعالى: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»(1) فما دام الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) هو الّذي يراجع في ذلك ولكنّه إذا رحل من الدنيا فتكون المراجعة لأهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً والذين قال عنهم: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2)

ص: 7


1- سورة النحل، الآية 44.
2- سورة النحل، الآية 43.

وأهل الذكر هم محمّد وآل محمّد (عليهم الصلاة والسلام) (1) كما ورد في أخبار متضافرة.

و في قوله تعالى: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»»(2)، تأكيد واضح لحقيقة دور السنّة بالنسبة للقرآن... إذ لولاها بقي القرآن في إطار الكليات. أما السنّة فهي الّتي تكمل دوره وتعطيه البعد التطبيقي حيث تقوم ببيان مجملات القرآن وتقييد مطلقاته و تخصیص عموماته و تعیین المصاديق التي لم يعيّنها القرآن صراحة في الأحكام عموماً والموضوعات... فإذا كان القرآن يبيّن القوانين الكلّية فإنّ السنّة تبيّن الفروع والأحكام الجزئيّة... وفي الوقت الّذي يتحدّث القرآن عن المفاهيم تتحدّث السنّة عن مصادیقها وتحدّد أبعادها... ومن هنا نفهم أنّ القرآن بلا سنّة لا تكتمل مفاهيمه وأهدافه.

والدين لو لا السنّة لضاعت الكثير من مبادئه وحقائقه... ولذلك أمر اللّه سبحانه المؤمنين باتّباع السنّة وألزمهم بالسير على نهجها، لأنّها التعبير الصادق عن القرآن، قال تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» وبعد يكون الأمر لأهل بيته الصادقين كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ».(3)

وقد روت العامّة عن ابن عمر في تفسير هذه الآية أنّ اللّه تعالى أمر الصحابة أن يخافوا اللّه ثم قال: فَ-: «كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» يعني محمّداً وأهل بيته. (4)

ص: 8


1- راجع ما رواه العلامة البحراني في غاية المرام صفحة 240 عن الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي.
2- سورة النحل، الآية 44.
3- سورة التوبة، الآية 119.
4- راجع غاية المرام صفحة 248.

كما روی سلیمان القندوزي الحنفي في الينابيع في تفسير قوله تعالی: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1) عن مولانا الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) «أنّ أولي الأمر هم الأئمّة من أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)». (2)

كما روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي أيضاً عن جابر بن عبداللّه في تفسير قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(3)، عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «إنّ اللّه جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج اللّه على خلقه، وهم أبواب العلم في أمتي من اهتدى بهم «هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(4).

وفي قوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(5) روى الحافظ القندوزي عن مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال في خطبة خطبها: «أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا اللّه ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا و أخرجهم بنا يستعطى الهدی وبنا يستجلی العمي». (6)

وروي أيضاً عن مولانا الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنه قرأ: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» ثمّ قال: «ونحن الراسخون في العلم»(7).

ص: 9


1- سورة النساء، الآية 59.
2- ينابيع المودة: ص 114.
3- سورة آل عمران، الآية 101.
4- شواهد التنزيل: ج 1 ص 58.
5- سورة آل عمران، الآية 7.
6- ينابيع المودة: ص 75 و 139.
7- ينابيع المودة: ص 75 و 139.

وغيرها الكثير من الآيات الواردة في ذلك والتي تؤكد على دور السنّة وأهمّيتها في الدين والحياة، وحيث لا يسع المجال لذكرها هنا راجع «كتاب أهل البيت في القرآن» لسماحة آية اللّه السيد صادق الشيرازي، وكتاب «تأويل الآيات الظاهرة» للسيد علي الحسيني الاسترابادي، مضافاً إلى تفسير نور الثقلين، والبرهان، والصافي، تجد في ذلك الكثير.

تدوين السنّة

لقد وردت الروايات العديدة عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) تحثّ الناس على حفظ السنّة وتبليغها وترويجها، فضلاً عن مسايرتها في الفكر والسلوك، فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها»(1)، وقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فبلّغها».(2)

وفي العديد من كلماته وتوصياته (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) للمسلمين في الأبعاد المختلفة كان یكرّر عليهم مفهوم التبليغ والنشر، إذ يؤكّد عليهم: «فليبلّغ الشاهد الغائب»، ممّا يؤكّد أنّ تبليغ السنّة ومتابعتها تعدّ من الضرورات القصوى الّتي يقوم عليها الدين القويم ويستقيم عليها المجتمع.

ولهذا وذاك نشأت الحاجة إلى تدوين السنّة و تثبيتها لتساير ركب الإسلام والمسلمين إلى الآخرة بأسلوب واضح وطريق صحيح تحفظ الدين من التحريف والناس من الانحراف.

ولهذا شجع رسول اللّه على كتابة الحديث و تدوینه، بل وكانت له (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

ص: 10


1- سنن ابن ماجة: المقدمة.
2- المصدر السابق.

صحيفة كتبت بإشرافه المباشر معلّقة بقراب سيفه، وهي التي أعطاها(صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إلى مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فاشتهرت بصحيفة علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وقد روى عنها الشيعة والسنّة معاً بعض الأحاديث.

وكان ممّا جاء في الصحيفة... العقل و مقادير الديات و أحكام فكاك الأسير وغير ذلك، وقد أخرج عنها البخاري في صحيحه في كتاب الديات وباب الدية على العاقلة، وكذلك أخرج عنها ابن ماجة في سننه(1)، وأحمد في مسنده. (2)

وقد روى البخاري في صحيحه عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنه قال: «ما عندنا كتاب نقرأه إلّا كتاب اللّه وما في هذه الصحيفة فقال: فيها الجراحات، وأسنان الإبل والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا...» إلى آخر الرواية. (3)

وروى البخاري أيضاً عن التيمي عن أبيه قال: حدثّنا علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلّقة فقال: واللّه ما عندنا من كتاب يقرأ إلّا كتاب اللّه وما في هذه الصحيفة» إلى آخر الرواية، ثم بيّن ما في الصحيفة من الأحكام. (4)

وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أحاديث كثيرة حول صحيفة الإمام علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بنصوص وأسانيد مختلفة وأشارا إلى الأحكام المتضمّنة لها. (5)

وهناك صحيفة أخرى لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بل كانت كتاباً ضخماً أفصح الأئمّة الطاهرون

ص: 11


1- راجع سنن ابن ماجة: ج 2 ص 887 ح 2658.
2- راجع مسند أحمد: ج 1 ص 79.
3- البخاري: ج 4، باب ذمة المسلمين.
4- البخاري: ج 9، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة.
5- راجع البخاري: ج1، 3، 8/ باب كتابة العلم، وكتاب الحج باب حرم المدينة و كتاب الفرائض؛ وأيضاً صحیح مسلم: ح4 / باب تولّي العتق غير مواليه.

عليهم الصلاة والسلام عن ضخامته فقالوا: إنها صحيفة طولها سبعون ذراعاً أملاها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فكتبها علي بخطّه وهي أول كتاب جمع فيه العلم عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وتسمّى عند أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ب-«الجامعة».

ففي الكافي عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبداللّه فقلت له: جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة فهل ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد اللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: يا أبا محمّد سل عمّا بدا لك !!

قال: قلت: جعلت فداك إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) علّم عليا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) باباً يفتح منه ألف باب - إلى قوله -: فقال: يا أبا محمّد: إنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة! قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟

قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللّه وإملائه من فلق فيه وخطّ علي بيمينه فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شيء يحتاج إليه الناس حتّی الأرش في الخدش وضرب بيده إليّ.

فقال: تأذن لي يا أبا محمد! قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت. قال: فغمزني بيده وقال: حتّی ارش هذا. قال: قلت: هذا واللّه العلم... » الحديث.(1)

والظاهر أن المراد من (ارش هذا) أي ارش الغمز.

وفي أيام الباقر (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لما احتجّ عليه الحكم بن عتيبة وكان من أهل الرأي في مسألة قال لابنه الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ): «یا بنيّ قم فاخرج كتاباً مدروجاً عظيماً وجعل ينظر حتّی أخرج المسألة فقال: هذا خطّ علي وإملاء رسول اللّه وأقبل على الحكم

ص: 12


1- أصول الكافي: ج 1 ص 185 ح 1.

وقال: يا أبا محمّد! اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فواللّه لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئیل». (1)

وهناك كتب أخرى لأمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) منها كتاب الديات المنسوب إلى ظریف بن ناصح وكان مولانا أمير المؤمنين أرسله إلى عمّاله في البلاد ليعملوا به، وقد كتبه الشيعة وأخذوا يتوارثونه يداً بيد حتّی عصر الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حيث عرضوه عليه فقال: «نعم هو حقّ وقد كان أمير المؤمنين يأمر عمّاله بذلك»... كما عرضوه بعد ذلك على مولانا الرضا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال: «نعم هو حق قد كان أمير المؤمنين يأمر عمّاله بذلك». وقد أورده الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب. (2)

وهناك صحف أخرى جمعت فيها أحاديث النبي في زمنه عليه الصلاة والسلام منها:

- صحيفة أبي رافع المدني (35) هجرية مولى رسول اللّه قال عنها النجاشي في رجاله: لأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا. (3)

وكان ابن عباس يأتي أبا رافع ويسأله عن عمل رسول اللّه في بعض الأيّام وسيرته في المواقف المختلفة ومع ابن عباس ألواح يكتب فيها ما يحدّثه أبو رافع. (4)

- صحيفة عبداللّه بن عمر وسمّاها ب-(الصادقة) وقد اشتملت على ألف

ص: 13


1- راجع كشف الظنون: ج1 ص591 فيه بعض الإشارات إلى ذلك.
2- راجع مقدمة الوسائل، طبعة مؤسسة آل البيت: ص 63.
3- المصدر: ص 4، ترجمة 1.
4- طبقات ابن سعد: ج 2 ص 371.

حديث عن النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) روی بعضها أحمد في مسنده، ويعدّها البعض إحدى أهمّ الوثائق التاريخية التي تثبت ابتداء التدوين في زمن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ...

وقد روى عبداللّه بن عمرو بن العاص فقال: كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ورسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بشر يتكلّم في الغضب والرضا!! فأمسكتُ عن الكتاب وذكرت ذلك لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: «أكتب... فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حق».(1)

- صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري (ت 15) هجرية و فيها طائفة من أحاديث رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، يرى البخاري أنّ هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبداللّه ابن أبي أوفي الذي كان يكتب الأحاديث بيده وكان الناس يقرأون عليه ما جمعه بخطّه. (2)

- صحيفة جابر بن عبداللّه الأنصاري ... وقد ذكرها بعض أعلام العامّة وروي عنها البعض أيضاً، منهم ابن سعد في طبقاته(3) والذهبي في تذكرته(4) وعبد الرزّاق في مصنفه. (5)

و روى مسلم في صحيحه أنّها كانت في مناسك الحج... وكان قتادة بن دعامة السدوسي يكبر من قيمة هذه الصحيفة وأهميتها ويقول: لأنا لصحيفة جابر

ص: 14


1- سنن أبي داود: ج 3 ص 318 ح 3646.
2- راجع علوم الحديث: ص 13.
3- راجع المصدر: ج 7 ص 229.
4- تذكرة الحفاظ: ج 1 ص 123.
5- المصدر السابق: ج 11 ح 20277.

أحفظ منّي لسورة البقرة(1)، وفي التاريخ أنّ جابر كان يملي أحاديثه على تلامذته من التابعين أمثال: محمّد بن الحنفية وسليمان بن قيس اليشكري وعبداللّه بن محمّد بن عقيل وغيرهم. (2)

و من الصحف الأخرى الّتي دوّنت أحاديث النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ):

- صحيفة أبي ذرّ الغفّاري، ورافع ابن خديج الأنصاري، وسلمان الفارسي، وعبداللّه بن عباس، وغيرهم... وقد وردت أحاديث كثيرة عن عدد من الصحابة تبلغ بمجوعها رتبة التواتر في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).

ويؤيّد ما تقدّم ما ورد عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في الأمر بكتابة العلم والحديث، منها: قوله (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «قيّدوا العلم بالكتاب»(3)، «اكتبوا ولا حرج »(4) وغيرها...

ومن مجمل ما تقدّم يظهر أنّ حفظ السنّة الشريفة وصيانتها من الضياع يعود فضلها أولاً إلى أهل البيت (عليهم الصّلاة والسّلام) وثمّ مَن تابعهم وسار على نهجهم، إذ كان علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أوّل من دوّن أحاديث النبي، وكان معه من يؤيّد هذا النهج ويدعمه ويؤكّد على ضرورته كالإمام الحسن المجتبى (عليه الصّلاة والسّلام) (5) وجابر الأنصاري، وسلمان، وأبوذرّ، وأبو رافع مولى رسول اللّه، وغيرهم، ويقابلهم في ذلك جبهة أخرى معارضة كانت تمنع من تدوين الحديث بمبرّرات سنتطرق إليها فيما بعد...

ص: 15


1- التاريخ الكبير: ج 7 ص 125 ح 827.
2- راجع تقييد العلم: ص 104.
3- محاسن الاصطلاح: ص 298 و 299.
4- مجمع الزوائد: ج 1 ص 151.
5- راجع فتح الباري: ج 1، باب كتابة العلم.

رجال حفظوا السُنّة

ومن هنا فقد سار علماء الشيعة منذ العهد الأوّل إلى يوم الناس هذا على خطّى علي وبنيه (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بما في تدوين الحديث صيانة للدّين من التحريف ولسنّة رسول اللّه من التلاعب والضياع، ولم تكن ثمة فترة انقطاع أو فتور في ذلك، حتّی برز منهم العديد ممّن ألّفوا المصنّفات في هذا الصعيد واشتهروا به، وقد ذكر النجاشي في كتابه أسماء ألف ومائتين من رجال الشيعة من كتاب الحديث، وقد ذكر أنّه ترجم للمؤلّفين والكتاب فقط من الشيعة(1) أمّا الحفّاظ فلعلّ عددهم يتجاوز ذلك بكثير.

وقد قسّم علماء الرجال كتاب الحديث و مؤلّفي الشيعة المشهورين حتّی عهد الإمام الصادق إلى ثلاث طبقات على ما ذكر في بعض المصادر. (2)

والظاهر أنّه لا توجد إحصائية دقيقة تجمع عدد الكتاب والمؤلّفين من أصحاب الأئمّة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بل ولعلّ السبب يعود إلى ندرة من تشرّف بمحضرهم واستقى من نمير علمهم، ثمّ لم يترك وراءه أثراً يجمع فيه ما حصل من معارف.

ومع أنّ الشيعة في العصور الأولى ما كانوا بحاجة إلى التدوين، إذ أنّ فترة حضور المعصوم (عليه الصّلاة والسّلام) تعدّ عصراً للنصّ على خلاف الجمهور الّذين يعتقدون بانقطاع النصّ عليهم بوفاة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).

أقول... على الرغم من أنّ الشيعة بعد رسول اللّه كانوا يعيشون عصر النص أيضاً، إلّا أنّهم كانوا المبادرين الأوائل لحفظ الحديث و تدوینه واستمرّوا يدونون مايلقونه من أحاديث رسول اللّه والأئمة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) حتّی جاء عصر الصادق، وهي

ص: 16


1- راجع مقدمة النجاشي.
2- راجع فهرست الشيخ الطوسي و أعيان الشيعة والذريعة.

الفترة الانتقالية بين العصر الأموي والعباسي، أي الفترة ما بين عام (83 - 148) هجرية، وقد استطاع الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أن يستثمر فترة انشغال الحكومة بترتیب الأوضاع الجديدة وتولّي الأمر استثماراً كبيراً حتّی صعد بعلم الحديث وتدوينه إلى ذراه فبلغ عدد طلاب مدرسته أكثر من أربعة آلاف طالب جمع أسماءهم ابن عقدة في كتاب مستقل. (1)

ويذكر الحسن الوشّاء أنّه أدرك في عصر واحد تسعمائة من العلماء في مسجد الكوفة كلّهم يقول: حدّثني جعفر بن محمد. (2)

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار بُعد الكوفة عن معقل الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ) - المدينة - والظروف السياسية الصعبة التي كانت تعيشها الكوفة دائماً سواء في العصر الأموي أو العباسي نظراً لتمسك أهلها بالتشيّع لأهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ستعرف عمق مدرسة الإمام ومستوى انتشارها في الآفاق، حتّی أنّ الكوفة وحدها رغم الظروف الصعبة كان يحوي مسجدها هذا الكمّ الهائل من العلماء.

وعلى أيّ حال... فللتشجيع الكبير الذي أولاه الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلابه في تدوين الحديث و كتابته دفع بالكثيرين منهم إلى تأليف الكتب في هذا المجال بما قد يصعب على الإحصاء، والّذي وجد و تمكّنوا من إحصائه بلغ أربعمائة كتاب عرفت عند الشيعة بالأصول الأربعمائة.

وفي عصر الإمام الكاظم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كان طلابه يدوّنون كلامه... فكانوا يحضرون مجلسه وفي أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق أبو الحسن الكاظم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بكلمة أو أفني في نازلة دوّنوها. (3)

ص: 17


1- راجع الإرشاد: ص 271.
2- رجل النجاشي، ترجمة الحسن بن على الوشّاء.
3- مقدّمة الوسائل، طبعة مؤسسة آل البيت: ص 64.

وقد رأى بعض المؤرّخين أنّ ما دوّنته الشيعة من الحديث الشريف منذ عهد أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلى عهد الإمام الحسن العسكري (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بلغ ستة آلاف وستمائة كتاب على ما ضبطها الحرّ العاملي صاحب الوسائل، وكلّها من طريق أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). (1)

وفي عصر الغيبة أخذ علماء الشيعة بتدوين الموسوعات الحديثة من مجموع الكتب السابقة، فظهرت الكتب الجامعة، وكانت لفترة ليست بالقصيرة مرجعاً وحيداً لهم في المسائل والأحكام حتّی عصر الشيخ الكليني حيث ألّف كتابه الشهير (الكافي) بصورة جديدة مبتكرة في الجمع والتبويب مضافاً إلى الدقّة في الضبط، وصار المصدر الأوّل في الحديث عند الشيعة.

ومن بعده ألّف الشيخ ابن بابويه الصدوق كتابه (من لا يحضره الفقيه) حتّی جاء شیخ الطائفة الطوسي ليؤلّف سِفرَيه العظيمَين (التهذيب) و(الاستبصار) وسمّيت مجموع هذه الكتب بالكتب الأربعة، ومن الواضح أنّ الكتب الأربعة لم تكن الوحيدة في هذا المجال، بل هناك كتب أخرى ولكن لم تحظ بالاهتمام والمرجعية في الأحكام والمسائل كما حظيت الكتب الأربعة دقّة وتبويباً وجمعاً.

نظرة إلى الكتب الأربعة

فعن كتاب (الكافي) قال العلامة الطهراني: هو أجلّ الكتب الأربعة، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول، مشتمل على أربعة وثلاثين كتاباً وثلاثمائة وستة وعشرين باباً و أحاديثه حصرت في ستّة عشر ألف حديث.(2)

ويقول المولى محمّد أمين الاسترابادي: سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنّه

ص: 18


1- الشيعة وفنون الإسلام: ص 51.
2- الذريعة: ج 17 ص 245 ح 96 - بتصرف قلیل -.

لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه.

وعن كتاب (الفقيه) قال المحدّث البحراني في (اللؤلؤة): قال بعض مشایخنا: أمّا (الفقيه) فيشتمل مجموعة على أربع مجلّدات يشتمل على ستمّائة وستّة وستّين باباً (1) وأحصيت أحاديثه فكانت خمسة آلاف وتسعمائة وثلاثة وستّين حديثاً منها ألفان وخمسون حديثاً مرسلاً ... وقال الشيخ سليمان الماحوزي في البلغة: رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحّة ويقولون: إنّها لا تقصر عن مراسيل محمّد بن أبي عمير، منهم العلامة في (المختلف) والشهيد في (شرح الإرشاد) والمحقّق الداماد. (2)

وأمّا كتاب (التهذيب) فقد بلغت أبوابه 390 باباً، وأحاديثه 13590 حديثاً. و(الاستبصار) أحصيت أبوابه في حوالي 925 باباً، وأحاديثه 5511 حديثاً. (3)

هذا مضافاً إلى ما صدر في القرن الحادي عشر من مجاميع حديثية مهمّة أخذت مكانة خاصّة عند العلماء والحوزات العلمية ألّفها المحمّدون الثلاثة محمّد الفيض الكاشاني وكتابه (الوافي) والشيخ محمّد باقر المجلسي وكتابه (البحار)، ومحمّد بن الحسن الحر العاملي وكتابه (الوسائل).

وأمّا في العصور المتأخّرة فما قام به علماء الشيعة من خدمة عظيمة في تدوين السنّة ونشر تعاليمها الشريفة كالشمس في رابعة النهار. (4)

ص: 19


1- لؤلؤة البحرين: ص 395.
2- مقدّمة الوسائل، طبعة مؤسسة آل البيت: ص 66 - 67.
3- المصدر السابق: ص 68 بتصرف قليل.
4- راجع الشيعة وفنون الاسلام: ص 52 - 54 تجد بعض الإرشادات للجوامع المتأخرة عن المحمّدين الثلاثة.

وقد نصّ الحافظ الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب على أنّ التشيّع في التابعين وتابعيهم كثير مع الدين والورع والصدق، ثمّ قال: فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة وهذا مفسدة بيّنة. (1)

كما ذكر السيّد حسن صدر في كتابه الشيعة وفنون الإسلام أسماء بعض أعلام الرواة والمحدّثين، فمن نقل الحديث بطرق أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) منذ عصر رسول اللّه إلى العصور المتأخرة. (2)

السُنّة بعد النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

بعد أن التحق النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بالرفيق الأعلى قامت فئة منهم كبار الصحابة بمنع تدوين الحديث النبوي بل ومنعت من تداول الحديث شفوية وأقاموا لذلك نهجاً حملوا الناس عليه حتّی لم يستطع ناقلوا الحديث من نقل الأحاديث التي سمعوها من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أو تدوينها، ليس هذا فحسب، بل انتهى الأمر إلى محو ما كان قد كتب عن النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وإحراقه بالنار !!

ولكي يبرّروا أساليبهم الّتي تتنافى روح الدين ومبادئه العلمية عمدوا إلى اختراع حديث على لسان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: «لا تكتبوا عنّي ومن كتب عنّي شيئا فليمحه» (3)!!

وبعد وفاة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) مباشرة كانت من أولى خطوات أبي بكر أن جمع الناس وخطب فيهم قائلاً: إنّكم تحدثون عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أحاديث تختلفون فيها

ص: 20


1- الشيعة وفنون الإسلام: ص 49.
2- راجع المصدر: ص 44 - 54.
3- صحیح مسلم، باب التثبت في الحديث.

والناس بعدكم أشدّ اختلافاً فلا تحدّثوا عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) شيئاً فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه(1)!!

وقفة مع الحديث

ولعلّ التأمّل فيما قاله أبو بكر يوصلنا إلى هاتين الحقيقتين:

الأولى: أنّ أبا بكر في نفس الوقت الّذي نهى عن رواية الحديث ودعى إلى العمل بالقرآن فقط وفقط كان هو أوّل من ترك القرآن والعمل به في منع إرث فاطمة رغم أنّها احتجّت عليه بالقرآن، معتمداً على حديث كان من خلق الساعة ولم يصدر من رسول اللّه يقول: «نحن معاشر الأنبياء لانورث وما تركناه صدقة» كما ذكر المؤرّخون، وإليك بعض النماذج من أقوال بعض محقّقي العامّة وعلمائهم عن مصدر الحديث:

1. قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة:

أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الحديث إلّا أبو بكر وحده، ذكر ذلك أعظم المحدّثين حتّی إنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد(2).

وقال في موضع آخر منتصراً لكلام السيد المرتضی علم الهدی حيث حصر الحديث بأبي بكر: صدق المرتضی رحمه اللّه فيما قال: أمّا عقيب وفاة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ومطالبة فاطمة بالإرث فلم يرو الخبر إلّا أبوبكر وحده(3).

ص: 21


1- تذكرة الحفاظ: ح 1/ 3.
2- شرح نهج البلاغة: ج 16 ص 227.
3- المصدر السابق: ص 245.

وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء في فصل ما وقع في خلافة أبي بكر ما نصّه: عن عائشة قالت: واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر: سمعت رسول اللّه (عليه الصّلاة والسّلام) يقول: إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة(1). وقريب من هذا المعنى ذكره ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة.(2)

ولعلّ من صيغة كلام عائشة يشمّ رائحة الوضع للحديث بدوافع خاصّة فتأمّل كلامها تعرف.

أقول: ولعلّ جوهر القضيّة يكمن فيما عبر به علي بن الفارقي مدرّس المدرسة الغربية ببغداد حين سأله ابن أبي الحديد: أكانت فاطمة صادقة؟

فأجابه: نعم. فقال: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسّم ثمّ قال كلاماً ينمّ عن صراحته فقال:

لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه!! ولم يكن يمكنه الإعتذار والموافقة بشيء لانّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود!!

ثمّ قال ابن أبي الحديد تعليقا على كلامه: وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل!!(3)

الثانية: من مجموع ما تقدّم نفهم أن سياسة منع الحديث وتدوينه لم تكن

ص: 22


1- تاریخ الخلفاء: ص 73.
2- راجع الصواعق: ص 20.
3- شرح نهج البلاغة: ج 16 ص 284.

أمراً جديداً بعد رسول اللّه... كلّا فهناك قرائن تؤكّد أنّها كانت لها روّاد في عهد النبي أيضاً.

قال السيد حسن الصدر: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأباحها طائفة وفعلوها منهم علي وابنه الحسن (عَلَيْهِما السَّلَامُ) كما في «تدریب الراوي» للسيوطي وأملا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ما جمعه في كتاب مدرج عظيم وهو أوّل كتاب جمع فيه العلم على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فعلمت الشيعة حسن تدوين العلم وترتيبه فبادروا إلى ذلك اقتداء بإمامهم وزعم غيرهم النهي عن ذلك فتأخّروا.

قال الحافظ السيوطي في «التدريب»: وكانت الآثار في عصر الصحابة وكبار التابعين غير مدوّنة ولا مرتّبة لسيلان أذهانهم وسعة حفظهم ولأنّهم كانوا نهوا أوّلاً عن كتابتها خشية اختلاطها بالقرآن. (1)

فإذا ضممنا هذه المقالة إلى ما ذكره عبداللّه بن عمرو في منع قریش له من تدوين الحديث وذكره لأسباب المنع يظهر بوضوح أنّ الأمر كان خطة متبعة لها أنصار وحملة ورسول اللّه بعد لم يرحل قال عبداللّه بن عمرو كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أريد حفظه فنهتني قريش!! وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ورسول اللّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا!!

فأمسكت عن الكتاب وذكرت ذلك لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: «أكتب فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حقّ»!!(2)

ص: 23


1- الشيعة وفنون الإسلام: ص 44 - بتصرّف قلیل
2- طبقات ابن سعد: ج 2 ص 371؛ الإصابة: ج 2 ص 332.

26

دلائل هامة

اُنظر إلى فقرات الكلام...

- كنت أكتب كلّ شيء أريد حفظه «فنهتني قريش»!! من كان في قريش ينهاه؟ لعلّ مجريات الأحداث والكلمات والروايات القادمة ستوضّح لك من هم قریش!!

۔ رسول اللّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا»!! هذا كلام لا يصدر عن إنسان يعتقد بأنّ رسول اللّه يوحى إليه وكلامه لا يدنوه الباطل من قريب أو بعيد لأنّ الّذي يتكلّم في الغضب والرضا يمكن أن يداخل كلامه الباطل... وإذا تأمّلنا إلى هذا الكلام أكثر قد نتوصّل إلى مدى قرب هذا الكلام من الكلام الذي صدر من البعض ورسول اللّه على فراش المرض لما أمرهم بالدواة والقلم قال: إنّ النبي ليهجر!!

. «أومأ رسول اللّه إلى فيه» وقال: «أكتب فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه - أي فيه - إلّا حقّ» دليل واضح على بطلان ما نسبوه إلى النبي من احتمال صدور الكلام الباطل منه. وفي قوله «ما خرج منه إلّا حقّ» إشارة إلى الآية الشريفة «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَى»(1) وهو يؤكّد أنّهم كانوا يريدون من مقالتهم أنّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا الانتقاص من رسول اللّه وأنّ كلامه يختلط بما لا يصحّ تدوینه وذكره!!

أفليس من مجموع ما ذكر نتوصّل إلى هذه الحقيقة... حقيقة أنّ المنع من تدوین سنّة النبي وحديثه كان أمراً مدبراً له من قبل!! ولكن ماهي الدوافع والأسباب؟ هذا ما سنتعرّف عليه فانتظر!!

ص: 24


1- سورة النجم، الآية 3-4.

تضييع السنّة

تقول عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول اللّه فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلّب. قالت: فغمّني كثيراً فقلت: يتقلّب لشكوى أو لشيء بلغه فلمّا أصبح قال: بنيّة هلمّي الأحاديث الّتي عندك فجئته بها فأحرقها!! وقال: خشیت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم یكن كما حدّثني فأكون قد تقلّدت ذلك.(1)

وإذا ضممنا هذا العمل إلى خطبته الّتي منع فيها الناس من التحدّث بحديث رسول اللّه ودعي إلى القرآن فقط و فقط سنعرف كم يؤدّي هذا النوع من الأسلوب في التعامل مع سنّة النبي وحديثه... أي المنع ثمّ الحرق!! إلى نتائج وخيمة على مستقبل الدين وأحكامه وحقائقه!!

وكم يحمل في طياته من المساوىء خلّفت أسوء الآثار على المسلمين والحفاظ والمحدثين، إذ ترك الحديث جانبية ونبذ وراء الظهور بعد أن صار مصيره الحرق مدّة ثلاث سنوات من عهد أبي بكر ثم جاءت سنوات أخرى أطول كرّست هذه السياسة... وفي كلّ هذه الفترات صار محور العلوم والمعارف والأحكام وصار القرآن الكريم وحده دون تفسير وشرح وإيضاح... ومع هكذا أسلوب كیف تظهر الحقائق ويستقيم الناس على الجادة!!

تكبيل الأفواه

وعندما وصل عمر إلى الحكم جابه نقل و تدوين الحديث بمعارضة أشدّ حيث أصبحت هذه المرّة مصحوبة بالضرب والقوّة... وقد نقل الذهبي في تذكرة

ص: 25


1- تذكرة الحفّاظ: ح 1/ 5.

الحفاظ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ما كان يلاقيه الرواة جرّاء ذلك... كان منها ما جاء في قوله:

وقلت له: أكنت تحدّث في زمان عمر هذا؟ قال: لو كنت أحدّث في زمان عمر مثل ما أحدّثكم لضربني بمخفقته.(1)

فكان عمر يتشدّد مع أصحاب النبي بشكل يثير العجب إذا رووا عن النبي حديث حتّی إنّ أبا موسى الأشعري حينما روى حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)- في الإستئذان من صاحب الدار - قال له عمر: واللّه لتقيمنّ عليه بيّنة - وزاد مسلم - وإلّا أوجعتك...(2) الحديث، وبماذا يوجعه أليس بالضرب!! حتّی أنّه ولشدّة ما جابه به من أصحاب النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال له أبوالمنذر: فلا تكن يا ابن الخطاب عذاباً على أصحاب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). (3)

واستمرّت هذه السياسة كما استمرّت غيرها في طول فترة خلافته الّتي دامت لعشر سنوات مدعومة بخطّة مدبّرة مدروسة ومعززة بالقوّة ولعلّ ممّا يدلّ على دقّة الخطّة ما رواه قرظة بن كعب قال: لما سيّرنا عمر إلى العراق مشی معنا إلى صرار ثم قال: أتدرون لم شيّعتكم؟

قلنا: أردت أن تشيّعنا وتكرّمنا!!

قال: إنّ مع ذلك لحاجة!! إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلا تصدّوهم بالأحاديث عن رسول اللّه!! وأنا شريككم!!

قال قرظة: فما حدّثت بعده حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... وفي رواية أخرى:

ص: 26


1- المصدر السابق / 4.
2- صحيح البخاري: ح 6 باب الإستئذان.
3- المصدر السابق.

فلمّا قدم قرظة بن كعب قالوا: حدّثنا فقال: نهانا عمر!!. (1) وفي سنن ابن ماجة رویت الرواية مع بعض الاختلاف وكان ممّا جاء فيها (أقلّوا الرواية عن رسول اللّه)(2)

حملة محو الآثار

وتشديداً في المنع من السنّة كتب إلى الأمصار: من كان عنده شيء فليمحه(3). وأنشد الناس أن يأتوه بالأحاديث فلما أتوه بها أمر بتحريقها(4).

ثمّ تطوّر الأمر إلى السجن والمنع من السفر لمن يروي أحاديث النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقد روى الذهبي أنّ عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود و أبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري وقال لهم: أكثرتم الحديث عن رسول اللّه.. (5)

كما منع الصحابة من مغادرة المدينة المنوّرة إلى الأمصار الأخرى تحكيماً للحصار على السنّة النبويّة الشريفة حتّی صارت الأجواء خانقة على الرواة والمحدّثين والكل يخشى من النقل والتدوين... حتّی أنّ السائب بن يزيد قال: صحبت سور بن مالك من المدينة إلى مكّة فما سمعته يحدّث عن النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بحديث واحد. (6)

ص: 27


1- تذكرة الحفاظ: ج 1 ص 7.
2- سنن ابن ماجة: ج 1 ص 22، باب التوقّي في الحديث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)
3- جامع بیان العلم وفضله: ج1 ص 64 - 65.
4- طبقات ابن سعد: ج 5 ص 188 ترجمة القاسم بن محمّد بن أبي بكر.
5- تذكرة الحفاظ: ج 1 ص 7.
6- سنن ابن ماجة: ج 1 ص 12.

وروى ابن ماجة أيضاً عن الشعبي قال: جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدّث عن رسول اللّه شيئاً (1).

وعامر الشعبي لشدّة تخوّفه من السلطة كان يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء ولا سمعت من رجل شيئاً فأردت أن يعيده عليّ(2). وكره إبراهيم النخعي أن تكتب الأحاديث في الكراريس.(3)

وهكذا استمرّ المنع

ولمّا جاء عثمان كرّس نفس المنهج، فأعلن وهو على المنبر: لا يحلّ لأحد أن يروي حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لم أسمع به في عهد أبي بكر وعمر!!.

ولعمري بعد سياسة المنع والعقوبات الصارمة عليها هل بقي حديث سمعه في عهد أبي بكر وعمر!! (4)

ولم يكتف عثمان بمنع التدوين بل مارس سياسة اتسمت بالخشونة والقسوة أكثر تجاه الصحابة، وفي هذا الإتّجاه قام بنفي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري من المدينة إلى الشام ومن الشام إلى المدينة ثمّ من المدينة إلى الربذة حتّی لقي ربّه في صحراء الحجاز الجرداء المحروقة بالعطش غريباً!! وضرب الصحابي عبداللّه بن مسعود وعمار وغيرهم... حتّی أصاب الفتق الأوّل و أغمي على الثاني عدّة مرّات و الحديث في هذا المجال طويل وطويل نكتفي بما ذكرنا ولكن يبقى

ص: 28


1- راجع: المصدر: 11.
2- جامع بیان العلم: ج 1 ص 67.
3- المصدر السابق.
4- مسند أحمد: ج 1 ص 363.

سؤال قد يلح على القارىء بالإجابة خلاصته: ما هي الأهداف من وراء هجران سنّة النبي الأعظم والمنع من تدوينها؟

ولماذا خطّط بعض الصحابة سواء في عهد النبي أو فيما بعده لاتّهام النبي بالهجرة ونحوه ومن ثمّ حالوا دون كتابة أحاديثه وحاسبوا على ذلك الرواة أشدّ المحاسبة؟

ما هو الهدف؟

لعلّ التأمّل في مجريات الأحداث ونتائجها يوصلنا إلى جملة من الأهداف الّتي كانت وراء ذلك إلّا أنّ الهدف الأكبر الّذي كان يتخفي وراء هذه الأساليب هو أمر واحد وهو فصل الشريعة المحمّديّة عن رأسها و قطب رحاها وقطع حبل الوصال بين النبوّة والإمامة ومن الواضح أنّ الإمامة تكمل دور النبوّة وتحقّق أهدافها ولولاها لأصبحت البعثة عملاً ناقصاً وناقضاً للغرض، ومعلوم أنّ هذا غير ميسور إلّا بإقصاء الإمامة المتجسّدة في علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن الخلافة ومن الواضح أنّ الشريعة الّتي لا تحميها خلافة عادلة معصومة تصبح عرضة للتحريف والتضييع لأغراض حزبية أو شخصية.

كيف حصل المنع؟

والسؤال المطروح هو: كيف استطاع القوم أن يمارسوا هذه الأساليب على مسمع ومرأى من الناس والصحابة الذين بالأمس القريب سمعوا حديث رسول اللّه وبايعوا عليا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بالخلافة وقد رأوا بأمّ أعينهم الانسجام التام والتكاملية

ص: 29

في المنهج بين القرآن والسنّة؟! وكيف كانت السنّة تشرح القرآن وتبين مفاهيمه بلا نقص أو شبهة؟!

والجواب: أنّهم سلكوا في سبيل إنجاح هذه السياسة طرقاً عديدة يكمل بعضها بعضاً ويزيده قوّة وتأثيراً وقد لخصها البعض بجامع مشترك واحد وهو السلطة والقدرة!!

مع طرح البديل اعلامياً وإليك توضيح ذلك.

فالقسم الأوّل هو: القرآن شعاراً إعلامياً وهو يشتمل على أمور:

الأوّل: رفع شعار التمسّك بالقرآن في مقابل السنّة وكأنّهما أمران متباينان لا يلتقي أحدهما بالآخر، ولعلّ أوّل خطوة سارت في هذا الإتجاه الكلمة الّتي قالها عمر في وجه رسول اللّه وهو في فراش الموت لمّا أراد أن يحدّثهم بحديث لن يضلّوا بعده أبداً وهو حديث الثقلين الّذي يجعل القرآن والسنّة كجناحين يطيرون بهما إلى آفاق الدنيا الواسعة والآخرة السعيدة. وهو أمر اتّفق المسلمون عامة على صحّته... وعرفت برزية الخميس.

وعلى أيّ حال فقد قال عمر في محضر رسول اللّه وهو يوشك أن يودعهم... وبدلاً من أن يتلهّفوا لاستماع آخر كلامه ويستلهموا خاتمة وصاياه... قال... حسبنا كتاب اللّه!! (1).

فمن يا ترى الّذي لا يقدّس القرآن ولا يحترمه؟! ومن في المسلمين لايفضّل كلام اللّه على كلام غيره؟ وهل فيهم من ترك كتاب اللّه وراء ظهره. والتزم بما هو مع القرآن على طرفي نقيض؟!

الأمر الثاني: إذ كانت الخطوة الثانية في هذا المسار أن منعوا من رواية

ص: 30


1- راجع مسند أحمد: ج 3 ص 14 وباب المناقب من الترمذي.

الحديث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وتعلّلوا بنفس العلّة وقالوا حسبكم القرآن!! (1). ومن كان يتخلّف عن هذا القرار كان يتعرّض للعقاب وأدناه أن يحضره إلى المدينة ثم يضعه تحت الرقابة وإذا استمرّ يودعه السجن.(2)

ولكن لمّا لم تلق هذه السياسة استجابة من قبل بعض الصحابة حيث استمرّوا بنقل الحديث وتدوينه أمر بجمع حديث النبي عنده ثم أحرق ما كان بحوزته، وأمّا ما كان من الحديث في بلدان أخرى فأمر بمحوه... وفي هذا الصدد روى القاسم بن محمّد بن أبي بكر قال: أنّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها. (3)

ثم جعل ذلك نهجاً وسیاسة عمامة في كلّ الأمصار إذ كتب إلى عمّاله: من كان عنده شيء فليمحه(4). وقريب من هذا الأسلوب كان قد اتّبعه أبو بكر في خلافته.

توجیه آخر

وهناك دليل آخر: ورد عن عروة بن الزبير أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن - أي سنن النبي - فاستفتى أصحاب النبي في ذلك فأشاروا عليه بأن يكتبها فطفق عمر يستخير اللّه شهراً ثمّ أصبح يوماً وقد عزم اللّه له فقال: إنّي كنت أريد أن أكتب السنن وإنّي ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب اللّه وإني واللّه لا أشوب كتاب اللّه بشيء أبداً(5).

ص: 31


1- تذكرة الحفّاظ: ج 1 ص 5.
2- راجع تاريخ تدوين الحديث.
3- طبقات ابن سعد: ج 5 ص 188، ترجمة القاسم بن محمّد بن أبي بكر.
4- جامع بیان العلم وفضله: ج 1 ص 64 - 65.
5- جامع بیان العلم وفضله: ج 1 ص 64.

هل يختلط القرآن بالسنّة؟

وكيف يمكن أن يختلط القرآن بالسنّة لكي يضطر الخليفة إلى منعه ثمّ يحرقه ويعاقب عليه... وهل الاختلاط المزعوم بين القرآن والسنّة بالأسلوب أم بالمعنی؟

إذا كان التشابه في الأسلوب البياني والألفاظ بين القرآن والسنّة هو السبب الذي دعى الحاكم إلى منع تدوين السنّة فالظاهر أنّ هذا أمر غير معقول لأن القرآن امتاز بأسلوب خاص في البلاغة والبيان ونسق الألفاظ بحيث امتاز عن كلّ كلام ومن هنا بهر العرب أسلوبه و كانوا ينساقون إلى بيانه بمجرد سماعه وصاروا يميّزونه عن كلّ بيان آخر فكيف يعقل لهذا الأسلوب الممتاز المتفرّد في نسقه وصياغته الإعجازيّة أن يختلط على الصحابة وقد نزل بين أظهرهم وكانوا يتلونه آناء الليل وأطراف النهار وبعضهم حفّاظ له؟!

وإذا كان منع التدوين نشأ لخوف اختلاط معاني القرآن بالسنّة فلا أظنّ أحداً يفوّه بهذا وقد أجمع المسلمون على أنّ السنّة مكمّلة للقرآن وشارحة المفاهيمه وموضحة لمعانيه وكلاهما صادران عن مصدر واحد؟!

وإذا كان ذلك صحيحاً أليس كان رسول اللّه أولى من غيره بتولّي عملية المنع!! إلّا إذا قلنا أنّ الحكام كانوا أكثر حرصاً من رسول اللّه على الدين والقرآن!!

ثمّ كيف يصحّ للحاكم أن يمنع من تدوين الحديث بعد أن أمر رسول اللّه بتدوينه وحثّ الصحابة على تقييد العلم بالكتابة كما مرّت بعض الروايات و كان الصحابة يكتبون حديثه ويدوّنون سنّته بإشراف منه كما تقدّم في صحيفة علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الّتي كانت من إملاء رسول اللّه نفسه وبخطّ علي...

ص: 32

وصحيفة عبداللّه بن عمرو الّتي نهته قريش عن كتابتها واتّهموا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بما لا يليق بمقام النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فذكر الأمر لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال له: اكتب فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حقّ!! أليس هذا اجتهاداً في مقابل النصّ!! ومغايرة واضحة لسيرة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)؟!

أليس منع تدوين السنّة يؤدّي بالنتيجة إلى تضييع القرآن نفسه أوّلاً ثمّ السنّة لأنّ القرآن فيه من المعاني والمضامين ما لا يعرفه إلّا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وأهل بيته (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).

و من كلّ هذه الأسئلة نفهم أنّ منع التدوين بزعم الحاكم ولعدّة مرّات (حسبنا كتاب اللّه)!! كان يستبطن أهدافاً أخرى هي أعمق ممّا زعموا إذ لم یكن يراد للحديث النبوي أن يأخذ مكانه الطبيعي بين المسلمين بل أريد له أن ينتهي إلى النتيجة الّتي كانت مرسومة من قبل لتنتهي إليها الأوضاع بعد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وليس بحسب النهج الّذي رسمه الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) والنهاية الّتي كان قد مهّد لها في الغدير وقبله وبعده.

وبكلمة أقول: أريد من وراء ادّعائهم - حسبنا كتاب اللّه - إلغاء السنّة كمقدمة إلى إقصاء أهل البيت عن مركزهم وإبعادهم عن دورهم الديني والدنيوي الظاهر في حياة المسلمين. ولعلّ ممّا يؤكّد هذا المعنى وأنّ المقصود من المنع عليا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) أمور:

1- ما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه قال: جاء علقمة بكتاب من مكّة - أو اليمن - صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت، بيت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فاستأذنا على عبداللّه فدخلنا عليه قال: فدفعنا إليه الصحيفة قال: فدعا الجارية ثمّ دعا بطست فيها ماء فقلنا له: يا أبا عبدالرحمن

ص: 33

اُنظر فيها فإن فيها أحاديث حساناً فجعل يميثها فيه ويقول: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ»(1)، القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه!!(2).

2 - ما ورد في صحيفة جابر بن عبداللّه الأنصاري التّي ذكرها ابن سعد في طبقاته وروى عنها مسلم في صحيحه وقال: أنّها كانت في مناسك الحج... ويحتمل أن يكون فيها ذكر حجّة الوداع الّتي ألقى فيها رسول اللّه خطبته الجامعة وعيّن علياً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وصياً وخليفة وإماماً للناس بعده.(3)

3- ما ورد في صحيفة أبي رافع مولى رسول اللّه المتوفّى سنة 35 هجريّة(4) والّتي سمّاها «كتاب السنن والأحكام». قال عنه النجاشي: تابعي من خيار الشيعة كانت له صحبة من أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وكان كاتباً له وحفظ كثيراً(5). ولأخيه عبيد اللّه بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كتاب سمّاه «قضايا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ)»، وكتاب آخر إسمه «تسمية من شهد مع أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الجمل وصفّين والنهروان من الصحابة» كما في فهرست الشيخ الطوسي.(6)

والظاهر من عناوين هذه الكتب أنّ مضامينها كانت تحتوي على فضائل علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و مناقبه و قضاياه... ومن الواضح أنّ هكذا كتب وهكذا أحاديث ينبغي أن تمنع ويعاقب من يرويها أو يحدّث بها بحجّة أنّها تختلط بالقرآن!!

ص: 34


1- سورة يوسف، الآية 3.
2- تقييد العلم: ص 54.
3- مقدّمة الوسائل، طبعة مؤسسة آل البيت، ص 8.
4- الشيعة وفنون الإسلام: ص 45.
5- المصدر السابق: ص 47.
6- المصدر السابق.

طرح البديل عن السنّة

ووضع الأحاديث الكاذبة على رسول اللّه.

والذي يتابع سلسلة الأحاديث ومجرياتها تتجلى عنده بوضوح أكثر الخطّة الّتي كانت مرسومة لإقصاء أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) عن الساحة، وتهميش دورهم في الأمّة أو إلغائه بالكامل.

إذ بعد سياسة منع التدوين التي حرمت المسلمين لمدّة قرابة مائة عام من الاتّصال بالسنّة والأخذ بتعاليمها حتّی انقطع النّاس عن سيرة رسول اللّه ونهجه ونسيت الكثير من الحقائق والمفاهيم عند البعض وانقلبت بعض الموازين وتبدّلت حتّی صارت الساحة فارغة من النهج القويم الّذي يحدّد خطاها بعد هذا وذاك جاء دور ملأ هذا الفراغ وطرح البديل وأي حديث يضاهي حديث النبي ويقوم مقامه؟ ليس إلّا الوضع والإتيان بأحاديث جديدة هي من خلق الأهداف والأطماع السياسية الخاصّة وليست من إيحاء الوحي...

وكانت بوادر هذه الخطة تظهر بين الفينة والأخرى بشكل كلمات تظهر على لسان البعض مثل معاوية كما ستأتي الإشارة إليه.

الأيادي الخفية

وفسح المجال في زمن الخليفة الثاني لبعض المحدّثين فراح يبثّ المفاهيم الإسرائيلية بين المسلمين ويخلطها بحقائق الإسلام لتشويه الحقائق ومزجها بالخرافة الأمر الّذي كان له غاية الأثر في إفساد عقائد الناس وصرفهم إلى الاتّجاه المرسوم من قبل!!

ص: 35

جاء في سير أعلام النبلاء عن كعب الأحبار: أنّه كان يهوديّاً فأسلم بعد وفاة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وقدم المدينة من اليمن في أيّام عمر فجالس أصحاب محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فكان يحدّثهم عن الكتب الإسرائيلية(1).

وقد علا شأنه في ظلّ عهد عمر وراح يلقي دروسه في المسجد كما جاء في طبقات ابن سعد عن رجل دخل المسجد فإذا عامر بن عبداللّه بن عبد القيس جالس إلى كعب وبنيهما سفر من أسفار التوراة وكعب يقرأ(2) وماذا يقرأ؟ التوراة في مسجد النبي؟!

الخلف والسلف

روي المؤرّخون: لمّا اشتعلت نيران الفتنة في زمن عثمان وتصاعدت الأحداث حتّی انتهت بمقتل عثمان في بيته وجد كعب فرصته السانحة لتأجيج الفتنة أكثر وإقصاء الخلافة عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وسوقها باتّجاه معاوية والأمويين ولما كان الحادي يحدو بعثمان قائلاً:

إن الأمير بعد علي *** وفي الزبير خلق رضي

قال كعب: بل هو صاحب البغلة الشهباء!! - أي معاوية - وكان يراه يركب بغلة فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال: يا أبا إسحاق ما تقول هذا!! وهاهنا علىّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) والزبير وأصحاب محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: أنت صاحبها(3).

ولهذا قرّبه معاوية وأخذ يسأله عن أمور المبدأ والمغيبات - لأنّه كان يتكهن

ص: 36


1- المصدر السابق: ج 3 ص 489 فما بعدها، ترجمة 111.
2- المصدر السابق: ج 7 ص 110.
3- أضواء السنّة المحمّديّة: ص 180.

بالمغيبات - وتفسير القرآن.

وقد ذكر ابن حجر: أنّ معاوية هو الي أمر كعباً بأن يقص في الشام(1)، وماذا يقص؟ هل قصص القرآن الكريم؟ أم قصص النبي وسيرته؟ كلّا... كان يقص قصصاً وأساطير هي في واقعها على تضاد مع مفاهيم الإسلام وقيمه.

وإلى جانب كعب الأحبار كان وهب بن منبه وهو أيضاً من اليهود قال عنه الذهبي: روايته للمسند قليلة وإنّما غزارة علمه في الإسرائيليات و من صحائف أهل الكتاب. والّذي يبدو من بعض الأخبار أنّ وهباً كان أكثر تركيزاً من كعب في نهجه إذ صنع طبقة من التلاميذ وخرجهم على يديه ونشرهم بين المسلمين يروون أحاديثه وقصصه الضالّة هنا وهناك وقد عدّهم الذهبي أكثر من عشرين(2)، الأمر الّذي أعطى بُعداً آخر لمنهجية الوضع وتحریق حقائق الإسلام.(3)

طمع الأجانب تحقّق

وتميم الداري هو الآخر أسلم في أيام رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لنفس الدوافع والأغراض، وهو أوّل من قصّ القصص في مقابل القرآن والسنّة وذلك في عهد عمر(4)، وغيره كثيرون وهؤلاء كانوا يجلسون في المساجد ويتكلّمون بما يشغلون الناس عن القرآن والسنّة ولذا كانوا هؤلاء من المغضوب عليهم بين صحابة رسول اللّه المخلصين لما كانوا يشكلونه من خطر استراتيجي كبير على

ص: 37


1- الإصابة: ج 3 ص 316
2- سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 545.
3- المصدر السابق.
4- راجع الإصابة: ج 1 ص 184.

الإسلام والمسلمين!!

جاء في الإصابة: أن أول من قصّ في مسجد البصرة هو الأسود بن سریع التميمي السعدي ولكنه لم يجد قبولاً بين مجتمع لايزال فيه ثلة من الصحابة الأتقياء الحافظين لعهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقد جلس ليقص فارتفعت الأصوات فجاء مجالد بن مسعود السلمي وله صحبة فقال: أوسعوا له فقال: إني واللّه ما جئتكم لأجلس إليكم ولكنّي رأيتكم صنعتم شيئاً أنكره المسلمون فإيّاكم وما أنكره المسلمون(1).

ثم تلت هذه المجموعة من القصاصين مجموعة أخرى من الزنادقة كرّسوا هذا المنهج وأكملوا الدور وربما زادوا عليه بإدخال جملة من الآراء تنتهي إلى التجسيم والتشبيه ونحوه من تحریفات و نسبتها إلى الإسلام والرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من أمثال:

عبدالكريم ابن أبي العوجاء وبيان بن سمعان المهدي ومحمّد بن سعيد فهؤلاء انحدروا بالناس بأحاديثهم إلى حدّ الخرافة كالحديث التالي: «إنّ اللّه اشتكت عيناه فعادته الملائكة»؟! وحدیث «ينزل ربنا عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان ويعانق المشاة»؟!

واستمع للحديث التالي: عن أبي رزين قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ضحك ربنا من قنوت عباده وقرب غيره قال: قلت: يا رسول اللّه أيضحك الرب؟ قال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): نعم!! قلت: لن نعدم من ربّ يضحك خيراً!! (2)

وهاك هذا الحديث الآخر: عن أبي هريرة: إن رسول اللّه قال: «ينزل ربّنا

ص: 38


1- المصدر السابق: ص 44 - 54، ترجمة الأسود بن سریع.
2- سنن ابن ماجة ج 1، باب فيما أنكرت الجهمية.

تبارك وتعالى من كلّ ليلة إلى السماء الدنيا حتّی يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فاستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟... الحديث»(1).

وهذه الأحاديث وأمثالها تتنافى مع نص القرآن المصرح بنفي الجسمية والتشبيه عنه سبحانه قال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»(2) وقال: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ»(3) ونحوها من الآيات - هذا فضلاً عن الأحكام والفرائض -، ولكن لمّا كانت سياسة الدولة تتماشى مع هذا النهج وجدت هذه الآراء طريقها معبداً ودخلت في عقول بعض الناس إلى اليوم إذ لا زال بعض المسلمين اليوم يعتقدون أنّه تعالى قابل للرؤية بالعين الباصرة وأنّه ينزل في كلّ ليلة جمعة على حمارة له إلى السماء السابعة لينظر إلى خلقه!! كلّ ذلك جراء آلاف الأحاديث الكاذبة الّتي دسّت في الإسلام!!

ولا غرابة من هذا الكمّ الهائل من الواضعين وعبدالكریم بن أبي العوجاء - واحد منهم فقط. لما جيء به إلى محمّد بن سليمان بن علي أمير البصرة ليقتله وأيقن بالموت قال: واللّه لقد وضعت فیكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلّ فيها الحرام ولقد فطّرتكم في يوم صومكم وصوّمتكم في يوم فطركم!! وكان حماد بن زيد يقول: وضعت الزنادقة على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أربعة عشر ألف حديث(4).

ص: 39


1- صحيح البخاري: ج 2 كتاب التهجد باب الدعاء والصلاة في آخر الليل
2- سورة الشورى، الآية 11.
3- سورة الأنعام، الآية 103.
4- راجع مباحث في تدوين السنّة المطهّرة: ص 231.

الإكثار من الحديث!!

وأمّا أبو هريرة الدوسي فحدّث ولا حرج...

ذكر المؤرخون أنه لم يصحب النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إلّا سنة واحدة وتسعة أشهر(1) وأقصى مدّة ذكرها البعض لصحبته كانت ثلاث سنين فقط ومع ذلك كلّه فقد أحصى البعض ما رواه فكان أكثر الصحابة حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... مع أنّ بعض الصحابة عاصر النبي وسمع حديثه سنوات طوال... حتّی أنّ مسنداً واحداً - هو مسند بفيّ بن مخلّد - حوى من حديث أبي هريرة على (5374) حديثاً فما ظنّك بغيره؟!!

وفضح مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أبا هريرة وكذبه المتواصل على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال: لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) (2).

وروى المؤرّخون... أنّ أبا هريرة ما كان يملك قوت يومه لشدّة فقره وفاقته، وفي حديث رواه أحمد بن حنبل منقولاً عن عبدالرحمن بن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: إنّي كنت امرءاً مسكيناً أصحب رسول اللّه على ملء بطني(3)، واستمرّ حاله المدقع حتّی خلافة عمر وكان عمر أوّل من قرّب أبا هريرة وكبّر من شأنه وأعطاه صوتاً يسمع حيث ولّاه على البحرين سنة (20) هجرية!!

وكانت طريقته في الوضع أن يرفع الحديث إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ولم يسمعه منه... وقد تنكّر لهذا الأمر بسر بن سعيد فقال: اتقوا اللّه وتحفظوا في الحديث فواللّه لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ويحدّثنا عن كعب ثمّ

ص: 40


1- أضواء على السنّة المحمدية: ص 200.
2- شرح ابن أبي الحديد: ج 1 ص 360.
3- سير أعلام النبلاء: ج 2 ص 595.

يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حدیث رسول اللّه عن كعب ويجعل حديث كعب عن رسول اللّه!!(1).

وبعد كلّ هذا قد لا يبالغ من قال: أنّ وضع الحديث على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كان أشدّ خطراً على الدين وأبلغ ضرراً على المسلمين من تعصّب أهل المشرقین والمغربين وإن تفرّق المسلمين إلى شيع و فرق و مذاهب و نحل لهو أثر من آثار الوضع في الدين(2).

وهنا لا أجد غير أن أستشهد بما نفث به قلب ذلك المظلوم الّذي كان هو المقصود أوّلاً من كلّ هذا متحدّثاً عن حقيقة الأوضاع وأبعادها، يقول علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللّه متعمّدين بخلافه ناقضين العهده مغيّرين لسنّته ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللّه لتفرّق عني جندي حتّی أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب اللّه وسنّة رسوله(3).

الخطة الجديدة

وإذا كان أولئك الحكّام قد اكتفوا بمنع تدوين الحديث والتحريض على الوضع للتغطية على أهل البيت وإقصاء دورهم فإنّ معاوية اتّبع سياسة أكثر دهاءاً ومكراً وتشدداً في هذا الإتّجاه !!

وكانت أولى خطواته بعد أن أحكم قبضته على الأمور فقد منع من نقل

ص: 41


1- البداية والنهاية: ج 8 ص 109.
2- راجع أضواء على السنّة المحمدية: ص 119.
3- إحقاق الحق: ج 1 ص 61؛ والبحار: ج 8 ص 704؛ وروضة الكافي: ص 51.

الحديث باستثناء ما كان ينقل في عهد عمر(1).

و تكميلاً لدور الماضين حرض على الوضع بشكل أكثر شمولية وقوة كما سترى كلّ هذا من جهة ومن جهة أخرى أسّس طريقة السبّ والشتم واللعن لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على المنابر ليشوّه صورته في أنظار الناس ويذهب بميل القلوب عنه ليس علياً وحده بل حتّی شيعته وأصحابه وقد عزّز هذه الخطوة بوضع أحاديث جديدة في فضل معاوية وعثمان بشكل خاصّ وبني أمية بشكل عامّ...

كان منها ما روي أنّ معاوية لما ولّى المغيرة بن شعبة على الكوفة في سنة 41 هجرية قال له: أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ولست تاركاً إيصاءك بخصلة لا تتحمّ - أي لا تتجنب - عن شتم علي وذمّه والترحّم على عثمان والاستغفار له والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم وبإطراء شيعة عثمان والإدناء لهم والإستماع منهم... (2).

وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم:

أن اُنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيّه وأهل ولايته والّذين يروون فضائله ومناقبه فأذنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم واكتبوا إليّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته... ففعلوا ذلك حتّی أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي...

ص: 42


1- صحیح مسلم: ج 3، باب النهي عن المسألة.
2- راجع شرح نهج البلاغة: ج 4 ص 69.

فكثر ذلك في كلّ مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه وقرّبه وشفّعه فلبثوا بذلك حينا (1)... ولما تفاقم الأمر عليه وكاد أن يغطي اسم عثمان على معاوية نفسه فقد كتب إلى عمّاله:

أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجّة أبي تراب و شیعته وأشدّ إليهم من مناقب عثمان وفضله.

ويضيف المدائني: فقرأت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتّی أشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقى إلى معلّمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم عن ذلك الكثير الواسع حتّی رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن وحتّی علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه!!

نماذج من وضع الحديث

وهكذا فشا الوضع وانتشر انتشاراً سريعاً و صار من الكثرة بمكان حتّی روي عن سهل بن السري الحافظ انّه قال: وضع أحمد بن عبداللّه الجويباري ومحمّد بن عكّاشة الكرماني ومحمّد بن تميم الفارابي على رسول اللّه أكثر من عشرة آلاف حديث!!

ص: 43


1- شرح ابن أبي الحديد: ج 11 ص 46.

وبعد هذا لا غرابة في قول البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح!! (1).

وكانت الدوافع وراء الوضع عديدة فبعضهم يضع الحديث لمصالح سياسيّة وبعضهم لعصبية وبعضهم للمال وبعضهم للتقرّب إلى الحاكم وسفّوا بالوضع إلى درجة أصبحوا يضعون الحديث لأسباب تافهة ولعلّ من نماذج ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال:

كنت عند سعد بن طریف فجاء ابنه من الكتّاب يبكي!! فقال له: ما لَك؟ قال: ضربني المعلّم؟ قال: لأخزينّهم اليوم!!

وكيف يخزيهم؟... يضع حديثاً عن رسول اللّه ضدّهم؟!!

حدّثنا عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: معلّموا صبيانكم شراركم أقلّهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المساكين!!(2).

وما سطّره التاريخ في ذلك أمرّ وأدهى ولا يعدّ ولا يحصى... حيث انتشر الوضع وكثر الوضّاعون وشكلوا جبهة طويلة وعريضة من أقصى بلاد الإسلام إلى أدناها كلّ يدبر للمكيدة وإبعاد أهل البيت عن مسرح الأحداث... وكلّ يضع بطريقته الخاصّة وحسب هدفه المرسوم.

تصفية المعارضة

منها تجویز قتل المسلمين... بدوافع جاهلية أو سياسية ناشئة من عدم خضوعهم للخليفة الجديد الّذي لم ينصّ عليه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... حيث اتّهموهم

ص: 44


1- أضواء على السنّة المحمدية: ص 144.
2- المصدر السابق: ص 139.

بأنهم مرتدّون على الإسلام وأجازوا بذلك قتلهم(1) ونحن إذا عرفنا الرجال الّذين قادوا عمليات القتل هذه بأمر الخليفة الأوّل نعرف مغزاها ونتوصل إلى بعض دوافعها...

فالقيادة كانت بيد عكرمة بن أبي جهل وشملت سلطته أرض حضر موت.

والثانية كانت بقيادة خالد بن الوليد وشملت سلطته أطراف المدينة وكلاهما كان يحمل مايحمل على الإسلام والمسلمين. ولتجویز قتلهم اتهمتهم السلطة بتهمتين:

الأولى: المنع من دفع الزكاة.

الثانية: الإرتداد على الإسلام، لتجویز قتلهم.

قال بعضهم لممثّل الخليفة الّذي بعثه لجباية الزكاة: إنّك تدعو إلى طاعة رجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد؟! وقال آخرون: ألم يكن أهل بيت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أحقّ بهذا الأمر واللّه سبحانه يقول: « وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ»(2) !! (3)

وأنت ترى أنّ الحديث لا يدور حول أصل الزكاة وبالنتيجة حول أن يدفعوا الزكاة أو لا يدفعوها كلا... وإنما الحديث يدور حول الطاعة والأحقية بالأمر للخليفة أو لشخص آخر يراد نكرانه و تجاهله!! أي الحديث لا يدور حول أن يزكّوا أو لا يزكّوا، وإنّما الحديث حول لمن يزكّوا؟!

ولعلّ في كلمة ابن كثير إشارة إلى هذا المعنى يقول: وجعلت وفود العرب

ص: 45


1- راجع تفاصيل الأحداث في صحيح البخاري: ج 9، كتاب استتابة المرتدین، باب 3؛ وصحيح مسلم: ج1، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتّی يقولوا لا إله إلّا اللّه.
2- سورة الأنفال، الآية 75.
3- راجع في ذلك معجم البلدان للحموي في مادة حضرموت.

تقدّم المدينة يقرّون بالصلة ويمتنعون من أداء الزكاة ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصدّيق !! (1).

ولا صراحة أكثر من ذلك قول العقاد وهو يتحدّث عن أحداث ما بعد وفاة النبي يقول: أما القبائل وراء ذلك فكان لكلّ منها نصيب من التقلقل يناسب نصيبها من القرب والبعد والمودّة والجفاء... فأقربهم إلى مهد الإسلام كانوا يخلّصون للنبي ويخرجون على من ولي الحكم بعده:

أطعنا رسول اللّه مذ كان بيننا

فيا لعباد اللّه ما لأبي بكر؟

وأناس منهم آمنوا بالزكاة ولم يؤمنوا بمن يؤدّونها إليه(2).

وعلى أيّ حال فقد ذهب ضحية هذه السياسة جماعة كبيرة من المسلمين وبعضهم من أجلّاء أصحاب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من أمثال مالك ابن نويرة وعشيرته ...

وقد كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قد استعمله على صدقات قومه(3)، ولما انتهى أمر الخلافة إلى ما انتهى إليه وطالبوهم بدفع الزكاة احتجّوا عليهم بأنّهم لا يدفعون الزكاة إلّا لمن نصبه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في يوم الغدير... وقد أكّد هذا ابن كثير في تاريخه حيث روى:

أنّ بعضهم احتجّ بقوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ»(4).

ص: 46


1- البداية والنهاية: ج 6 ص 311.
2- عبقرية الصديق: ص 144 - 145 من طبعة بيروت.
3- راجع الإصابة لابن حجر، ترجمة مالك بن نويرة
4- سورة التوبة، الآية 103.

قالوا: فلسنا ندفع زكاتنا إلّا لمن صلاته سكن لنا(1) - كناية عن خليفة رسول اللّه الشرعي - فقتلهم خالد بسبب ذلك غدراً شرّ قتلة وأسر نسائهم وذراريهم.

وكان من دوافع خالد في قتل مالك طمعه بزوجته التي كانت فائقة الجمال... وقد اكتشف مالك الهدف من القتل إذ نظر إلى زوجته لما أتي به إلى خالد وقال: ما قتلتني إلّا لأجل هذه!! وكان ذلك بالفعل أحد أسباب قتله، إذ قتله وفي تلك الليلة دخل بزوجته!!(2).

ولكن ماذا كان رد فعل الخليفة؟ استمع إلى الجواب من خلال هذه الرواية...

روی ابن أبي عون وغيره أنّ خالد بن الوليد ادّعى أنّ مالك بن نويرة ارتدّ بكلام بلغه عنه فأنكر مالك ذلك وقال: أنا على الإسلام ماغيّرت ولا بدّلت وشهد له بذلك أبو قتادة وعبداللّه بن عمر... فقدمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه وقبض خالد امرأته... فقال - عمر (3)- لأبي بكر: إنه قد زنا فارجمه فقال أبو بكر: ما كنت لأرجمه تأوّل فأخطأ... قال: فإنّه قد قتل مسلماً فاقتله. قال: ما كنت لأقتله تأوّل فأخطأ... قال: فاعزله؛ قال: ما كنت لأشيم سیفاً سلّه اللّه عليهم أبدا!!(4).

ص: 47


1- راجع المصدر السابق: ج 6 ص 311.
2- ترجمة تاريخ الأعثم الكوفي: ج 1 ص 7.
3- في روايات عديدة أنّه عمر.
4- كنز العمال: ج 5 ص 619 ح 14091.

منع الإرث

ومنها منع الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ) من إرثها ومصادرة فدك خلافاً لنصّ القرآن في الإرث، ولعلّ ما رواه العامّة في هذه القضيّة أكثر ما رواه الشيعة أنفسهم فراجع في هذا الباب صحيح البخاري ومسلم(1) ولماذا صادروا فدكاً؟

ذكر أبو داود في سننه أنّ الأرباح السنوية لفدك حين ردّها عمر بن عبدالعزيز (99 - 101 ه-) على بني الحسن كانت تبلغ زهاء (40000) دینار سنوياً... وواضح أنّ هذا المبلغ الضخم من المال يمكن أن يعطي للخليفة المغصوب حقّه وأصحابه قدرة أكبر تمكنهم من العمل والضغط لتغيير الكثير من المعادلات الخاطئة.

ومن المعلوم أنّ المال أقوى سلاح يمكن أن تستخدمه القدرة السياسية للوصول إلى أهدافها - سلطة كانت أو معارضة!! فإذا صودر المال بقیت المحاولات ضعيفة والرجال مهما قويت شوكتهم واشتدّت عزيمتهم يفقدون الكثير من قدرتهم على التخطيط والتنفيذ!!

وعلى أيّ حال لهذا السبب ولغيره صادر فدكا مخالفاً بذلك نصّ القرآن وسنّة رسول اللّه واستمرّ على نهجه حتّی انتهى الأمر إلى قتل الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ) في شبابها بتلك الطريقة بعد أحداث وأحداث ...

ص: 48


1- راجع المصدر السابق: ج 4، كتاب الجهاد باب الخمس، وصحيح مسلم: ج 5، كتاب الجهاد.

منع المتعة

ومنها تشريع عمر بن الخطّاب الاحكام عديدة خلاف ما أنزل اللّه وجرت عليه سيرة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).

ففي بداية المجتهد: روي عن عمر أنّه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنا أنهی عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحجّ ومتعة النساء(1). مع أنّ هذا الحكم مخالف لنصّ القرآن الدالّ على مشروعيّة متعة النساء قال تعالى: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»(2).

وقد كان المسلمون يتمتّعون بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعلى عهد أبي بكر (3) وشطر من عهد عمر نفسه أيضاً.

وقد عارض حكم الحاكم المخالف للقرآن والسنّة هذا جماعة من الصحابة والتابعين وندّدوا به، وكان عبداللّه بن عباس حين يذكر تحریم عمر لها يقول: ما كانت المتعة إلّا رحمة من اللّه تعالی رحم بها أمّة محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ولولا نهيه عنها لما احتاج إلى الزنا إلّا شقي(4).

وفي اللغة الشقي القليل، أي ما احتاج إلى الزنا إلّا القليل من الناس - وهم الأشقياء -.

وأبلغ من هذا الكلام ما قاله مولانا أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الكوفة قال: لولا

ص: 49


1- المصدر السابق: ج 1 ص 39.
2- سورة النساء، الآية 24.
3- فتح الباري: ج 9 ص 141.
4- أحكام القرآن للجصاص: ج 2 ص 147.

ما سبق من رأي عمر لأمرت بالمتعة ثمّ ما زني إلّا شقي(1).

وعن الحكم أنّه سئل عن هذه الآية «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»(2).

أمنسوخة؟ قال: لا وقال علي: لولا أن عمر نهی عن المتعة مازني إلّا شقي(3).

وأما تحريمه لمتعة الحج فقد خالفه فيه أيضاً عدة من الصحابة وكان منهم ابنه عبداللّه وذكر سبب اعتراضه فقد روي أن عبداللّه بن عمر سئل عن متعة الحج قال: هي حلال. فقال له السائل: إنّ أباك قد نهى عنها، فقال: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللّه أمر أبي نتبع أم أمر رسول اللّه؟ فقال الرجل: أمر رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: لقد صنعها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).

وقد ورد روایات صحيحة كثيرة في نكران هذا الأمر على عمر(4)، حتّی أنّ المأمون العباسي اعترض على سياسة عمر في منع المتعة أيضاً وأمر بتحليلها كما حدّث محمّد ابن منصور قال: كنّا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة. فقال یحیی ابن أكثم لي ولأبي العيناء: بكّرا غداً إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا وإلّا فاسكتا إلى أن أدخل قال: فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ:

متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهی عنهما!! ومن أنت يا «جُعل» حتّی تنهي عمّا فعله رسول اللّه و أبوبكر؟! فأومأ أبو العيناء إلى محمّد بن منصور وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب مايقول نكلّمه

ص: 50


1- المصنف لعبد الرزاق: ج 7 ص 500، ح 1499029.
2- سورة النساء، الآية 24.
3- تفسير الطبري: ج9 ص 9؛ تفسير الثعلبي؛ تفسير الفخر الرازي: ج 3 ص200؛ تفسیر أبي حيان: ج 3 ص 218؛ تفسير النيسابوري؛ الدرّ المنثور: ج2 ص 14.
4- راجع سنن الترمذي: ج 1 ص 157.

نحن!! فأمسكنا(1).

ولكن كلّ هذه الاعتراضات لم تكن لتحد من ذلك النهج أو تغيّر معالمه لانّ الهدف كان أكبر من ذلك!!

استمرار التحريف

كما واصل عثمان هذه السياسة أيضاً فمنع عن المتعة، وفي هذا الشأن روى البخاري ومسلم عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلمّا رأى علي أهلّ بهما لبيك بعمرة وحجّة قال: ما كنت لأدع سنّة النبي لقول أحد(2).

وعن سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي: ماتريد إلى أمر فعله رسول اللّه تنهی عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك!! فقال: إني لا أستطيع أن أدعك... فلمّا أن رأى علي ذلك أهلّ بهما جميعاً(3).

وأورد النسائي في سننه عن سعيد بن المسيب أنّ علياً بعد خلافه مع عثمان قال: إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا فلبّى عليّ وأصحابه بالعمرة(4).

وقال السندي تعليقاً على هذا الكلام (ارتحلوا...): أي ارتحلوا معه ملبّين بالعمرة ليعلم أنكم قدّمتم السنّة على قوله وأنّه لا طاعة له في مقابلة السنّة(5).

ص: 51


1- راجع وفيات الأعيان، ترجمة يحيى بن أكثم
2- صحيح البخاري: ج 2، كتاب الحج باب التمتع والإقران.
3- المصدر السابق.
4- راجع المصدر السابق كتاب الحج.
5- المصدر بهامش السندي.

منهجية الحكم والتقسيم

وأمّا في مجال الأموال التي قسّمها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بالسوية والمناصب الّتي قدم فيها الأكفاء وأهل الفضل من الصحابة فقد جرت سياسة عثمان فيها على العصبية والحزبية وكانت أوّل خطوة خطاها في هذا الإتّجاه أن منع ذوي القربی حقّهم من الخمس... وراح يوزعه على عشيرته وذويه بدون حساب...

وفي هذا المجال روى المؤرّخون أنّه: أعطى خمس غزوة افريقيا الأولى إلى عبداللّه بن أبي سرح ابن خالته وأخيه من الرضاعة. وأعطى خمس الغزوة الثانية ابن عمّه وصهره مروان بن الحكم طريد رسول اللّه إضافة إلى إعطائه فدك...

وأقطع الحارث ابن عمّه وصهره سوق المدينة «المهزور» وكان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) تصدّق به على المسلمين، وأعطى عمّه الحكم صدقات قضاعة وكان إذا أمسى عامل الصدقة على سوق المسلمين أتى بها إلى عثمان فيقول له عثمان: ادفعها إلى الحكم!!(1)

وكان عثمان قد استخلص بني أُمية لنفسه وجعلهم بطانته في الحكم فقرّب مروان بن الحكم واتّخذه وزیراً ومشيراً وأمر له بمائة ألف وكان قد زوجّه ابنته أم أبان ثم أقطعه فدك التي كانت إرثاً لفاطمة (عَلَيْهَا السَّلَامُ) و قد مهّد لملك بني أميّة ولولاه لما أُتيح لمعاوية بن أبي سفيان أن يؤسّس دولة في الشام أو ينقل الحكم ذات يوم إلى آل أبي سفيان!! ولما كان يجري ما جرى أيام تسلّطهم على رقاب المسلمين.

وفي هذا يقول طه حسين: والشيء الذي ليس فيه شك هو أنّ عثمان ولّی الوليد على الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص وولّي عبداللّه بن عامر على

ص: 52


1- مقدّمة الوسائل، طبعة مؤسسة آل البيت: ص 32.

البصرة بعد أن عزل أبا موسى الأشعري وجمع الشام كلّها لمعاوية وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حدّ ممكن بعد أن كانت الشام ولايات تشارك في إدارتها قريش وغيرها من أحياء العرب وولّي عبداللّه بن سرح مصر بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص وكلّ هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان منهم أخوه لأمّه ومنهم أخوه في الرضاعة ومنهم خاله ومنهم من يجتمع معه في نسبة الأدنى إلى أُميّة بن عبد شمس كلّ هذه الحقائق لا سبيل إلى إنكارها (1).

التراويح

وأما صلاة التراويح... فقد اعترف عمر نفسه بأنّها بدعة ابتدعها في الإسلام إذ جرت سيرة الرسول الأعظم (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على الإتيان بصلاة النوافل في شهر رمضان فرادى ولم تشرع لها الجماعة بل ولكلّ نافلة سوى صلاة الاستسقاء بشرائط خاصّة وإنّما شرّعت الجماعة لصلاة الفريضة فقط.

فكان الناس يصلوّن نافلة شهر رمضان فرادی واستمرّت هذه السيرة حتّی في خلافة أبي بكر وشطر من خلافة عمر... ولكن عمر ارتأى أن يوحدهم بصلاة جماعية خلف إمام واحد ففعل ذلك وعمّم على سائر البلدان قراره...

أخرج البخاري عن عبدالرحمان بن عبدالقارني أنّه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل!!

ثم عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب ثم خرجت معه ليلة أُخرى والناس

ص: 53


1- راجع الفتنة الكبرى، ص 135.

يصلّون بصلاة قارئهم قال عمر: نعمة البدعة هذه!!(1)

وقال ابن سعد في طبقاته: وهو - أي عمر - أوّل من سنّ قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك وكتب به إلى البلدان وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة وجعل للناس بالمدينة قارئین قارئاً يصلّی بالرجال وقارئاً يصلّي بالنساء.(2)

وقال اليعقوبي في حوادث سنة 14 هجرية: وفي هذه السنّة سنّ عمر بن الخطاب قيام شهر رمضان فقيل له في ذلك: أنّ رسول اللّه لم يفعله وأنّ أبا بكر لم يفعله فقال: إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة!!(3)

وقد سلّط الأضواء على هذه البدعة مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وشرح الحالة الّتي اعتاد الناس فيها على هذه الصلاة ونمي عليها جيل بحيث كان إلغاءها يؤدي إلى مفاسد خطيرة فقال:

ولو أمرت الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة النادي بعض أهل العسكر ممّن يقاتل معي يا أهل الإسلام وقالوا غيّرت سنّة عمر نُهينا أن نصلّي في شهر رمضان تطوّعاً حتّی خفت أن يثوروا في ناحية عسكري...

ثمّ يشكو الإمام المظلوم من هذه الأوضاع ويأنّ من سياسة الخلفاء التي أودت بسنّة رسول اللّه وبدّلت أحكامه فقال: بؤسي لما لقيت من هذه الأُمّة بعد نبيّها من الفرقة وطاعة أئمّة الضلال والدعاة إلى النار(4).

ص: 54


1- راجع صحيح البخاري: ج 3 كتاب الصوم باب فضل من قام رمضان.
2- الطبقات: ج 3 ق 1 ص 202 طبعة لندن.
3- تاریخ الخلفاء: ص 123.
4- كتاب سلیم بن قیس: ص 163.

كلمة الختام

لهذه الأسباب ولغيرها صار علماء الشيعة أيّدهم اللّه تعالى قديماً وحديثاً ينقبون عن الأحاديث الصحيحة بحثاً عن السنّة الشريفة و تمييز ما ورد بالفعل عن رسول اللّه قولاً أو فعلاً أو تقريراً حسب الطرق الشرعية الصحيحة وحذف ما أضيف عبر الوضّاعين وأهل البدع والمصالح...

وأسّسوا لهذا الشأن علوماً خاصة تهتمّ بدراسة الرجال و تشخیص عدولهم أو ثقاتهم عن غيرهم وفصّلوا ذلك تفصيلاً مسهباً في كتبهم...

ثمّ علم الحديث للبحث عن شؤون الحديث متناً ودلالة ونحو ذلك والتعريف بما صدر عن النبي وأهل بيته بل وما لم يصدر!!

ونظراً للبعد من عصر النصّ في العصور المتأخّرة ازدادت العناية بالحديث ورجال الحديث أكثر واتّسعت أهميّة الموسوعات الحديثية حتّی صار كتاب الوسائل وحده حوالي ثلاثين مجلّدة وقد جمع مختلف الروايات ناهيك عن الوافي والبحار وغيرها... هذا فضلاً عن المجاميع الروائية للمتقدّمين كالكتب الأربعة - كما تقدّم - .

ولعلّ الذي دفعهم أكثر إلى جمع الحديث وتبويبه تبويباً يسهل على الطالب مراجعة ما يريد ويستخرج مايطلب هو التعمّد الذي كان ولا يزال منهجاً تقف وراءه قوی كبيرة للتغطية على تراث أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وإخفاء علومهم ومعارفهم ومنعها من الوصول إلى الناس... ولا مجال لتفصيل الحقائق هنا وإلّا ففي الوثائق والتواريخ من حقائق وأسرار ما يملأ كتباً عدة...

وحيث أنّ أكثر الكتب الروائية جمعت - في الغالب - ما ورد عن المعصومین (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بشكل عام... ولم أعثر على كتب خاصة تجمع ما ورد عن واحد

ص: 55

واحد منهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) إلّا في النادر لذلك خطر بالبال أن أقوم ببعض هذا الدور.

ولما رأيت أن ما ينقل من أحاديث شريفة سواء في الكتب أو على المنابر أو في المحافل العلمية عن الحسن والحسين (عليهما الصّلاة والسّلام) قليل قياساً إلى ما ورد عنهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بل بدى لي أنّ السبب في ذلك يعود إلى عدم وجود كتاب جامع يجمع أحاديثهما (عَلَيْهِما السَّلَامُ) بشكل مستفیض... ففكّرتُ أن أبتدأ بجمع ما ورد عنهما معتمداً على ما توفّر بأيدينا من مصادر، لعلّي أكون قد وفّقت للمساهمة في نشر علومهم ومعارفهم (عليهم الصلاة والسلام) فكان هذا الكتاب الذي بين يديك...

وقبل أن أتركك تغوص في بحار علومهم مسترشداً بهدي كلامهم أودّ أن أشير إلى بعض الملاحظات:

ملاحظات أخيرة

الأولى: على الرغم من أن الإمامين الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عایشا سياسة المنع من تدوين السنّة وابتليا بالوضّاعين الذين دفعتهم السياسة لوضع الأحاديث على رسول اللّه في الصدر الأوّل للتغطية الإعلامية على آل بیت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) الأمر الذي في الغالب يجد من نشر علومهم وكلماتهم صدوراً أو تدويناً إلّا أنّنا وبتوفيق من اللّه سبحانه تمكنّا أن نجمع ألفي حديث لهما... ألف للحسن وألف للحسين دونّاها في كتاب واحد أسميناه (كتاب الألفين في أحاديث الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ).

الثانية: اعتمدنا في جمع الكتاب على العديد من المصادر الروائية الخاصّة والعامّة ولكن تمّ الاعتماد على متون أمّهات المصادر في المرحلة الأولى ثمّ ذكرنا ما يليها من مصادر حسب التسلسل الزمني ابتداء من الأقدم زمناً.

ص: 56

فالحديث متناً يؤخذ أوّلاً من أقدم المصادر ثمّ نتبعه بذكر المصادر الأقرب فالأقرب مع الإشارة إلى مواقع الاختلاف في النقل إن وجدت في هامش كلّ واحد منها. وقد راجعنا في التحقيق الروائي عدّة طبعات للمصدر الواحد للوصول إلى ضبط النصّ...

وقد بذلنا غاية مجهودنا لإخراج روايات الكتاب دقيقة في النقل والمقابلة مع الإشارة إلى مواقع الاختلاف إن وجدت.

وقد أشرف على تحقيقه الاستاذ العلّامة المحقّق الشيخ غلامرضا مولانا البروجردي، فبارك اللّه فيه وشكر سعيه.

وأخيراً أسأل اللّه سبحانه أن يقبل منّي هذا العمل المتواضع طريقاً إلى رضوانه ووسيلة إلى شفاعة أوليائه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتی اللّه بقلب سليم.

والحمد للّه رب العالمين.

الشيخ علي حيدر المؤيّد

15 / رجب / 1418 ه

15 / 11 / 1997 م

ص: 57

ص: 58

العقل والعلم

اشارة

ص: 59

في وصف العقل

{1}

رأس العقل مُعاشرة الناس بالجميل، وبالعقل تدرك الداران جميعاً، ومن حُرم من العقل حرمهما جميعاً.(1)

إنكم صغار قوم

{2}

إنكم صغار قوم، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلّموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.(2)

أطعموا حبالاكم اللبان

{3}

عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أطعموا حبالاكم

ص: 60


1- بحار الأنوار: ج75 ص 11 عن كشف الغمّة: ج 4 ص 196.
2- بحار الأنوار: ج 2 ص 152؛ منية المريد: ص 340؛ الفقه الأكبر: ج 2 ص11؛ ملحقات الإحقاق: ج 11 ص235 فيها: دعا بنيه وبني أخيه فقال: إنّكم...الخ. ورواه السيد عبداللّه العلوي الشعراني في الطبقات الكبرى: ج 1 ص 23 وفيه: تعلّموا العلم فإن لم تستطعيوا حفظه فاكتبوه وضعوه في بيوتكم. وأخرجه الخطيب البغدادي في موضح أوهام الجمع والتفريق: ج 2 ص 554 بإسناده عن محمّد بن أحمد بن رزق، عن عثمان بن الدقّاق، عن حنبل بن إسحاق، عن أبي غسّان، عن يونس بن عبداللّه بن أبي فروة، عن شرحبيل أبي سعد قال: دعا الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) بنيه وبني أخيه فقال: يا بنيّ إنّكم صغر قوم... الخبر.

اللبان، فإنّ الصبي إذا غذي في بطن أمّه باللبان اشتدّ قلبه وزيد في عقله، فإن يك ذكراً كان شجاعاً وإن ولدت أنثي عظمت عجيزتها فتحظى بذلك عند زوجها. (1)

العقل و حسب

{4}

[4] إنّي لأعجب ممّن رزق العقل كيف يسأل اللّه معه شيئا آخر؟ (2)

حُسن السؤال

{5}

[5] حُسن السؤال نصفُ العلم. (3)

ص: 61


1- الكافي: ج 6 ص 17 بإسناده عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن قبيصة، عن عبداللّه النيسابوري، عن هارون بن مسلم، عن أبي موسى، عن أبي العلاء الشامي، عن سفيان الثوري، عن أبي زياد، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ).
2- رواه العلّامة الشيخ أبو إسحاق برهان الدين محمّد بن إبراهيم بن يحيى بن علي الأنصاري الكتبي المتوفّى سنة 718 في كتابه «غرر الخصائص الواضحة» (ص67 طبع الشرفيّة بمصر). ملحقات الإحقاق: ج 11 ص235
3- كشف الغمة: ج 2 ص 201. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 108 وفيه: قال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): حسن السؤال نصف العلم ومداراة الناس نصف العقل والقصد في المعيشة نصف المؤونة.

الوحشة من الناس

{6}

[6] قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الوحشة من الناس على مقدار الفطنة بهم. (1)

فضل طالب العلم

{7}

[7] ابن هاشم عن الحسين بن سيف، عن أبيه، عن سليمان بن عمرو، عن عبداللّه بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: طالب العلم يشيعه سبعون ألف ملك من مفرق السماء، يقولون: صلّ على محمّد وآل محمد.(2)

بیان: مفرق الرأس: وسطه، وأضيف إلى السماء لكونه في جهتها، أو المراد به وسط السماء. ولعلّ فيه سقطاً وكان من مفرق رأسه إلى السماء.

بین المأكول والمعقول

{8}

[8] عجبتُ لمن يتفكّر في مأكوله، كيف لا يتفكّر في معقوله، فيجنّب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يُردیه.(3)

ص: 62


1- نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ص 71. العدد القويّة، عنه بحار الأنوار: ج 78 ص 113 ضمن حدیث 7. عدّة الداعي: ص 218.
2- بحار الأنوار: ج 1 ص 173؛ بصائر الدرجات.
3- بحار الأنوار: ج 1 ص 218 عن دعوات الراوندي، وفيه: عجبً لمن يتفكّر.

أفضل ما وهب الله

{9}

[9] العقل أفضلُ ما وَهَبَ اللّه للعبد، إذ به نجاتُه في الدنيا من آفاتها، وسلامتُه في الآخرة من عذابها. (1)

علِّم و تعلَّم

{10}

علَّم الناس علمَك، وتعلَّم علم غيرك، فتكون قد أتقنتَ علمك، وعلمت مالم تعلم. (2)

فضل التفكّر

{11}

عليكم بالفكر، فإنّه حياة قلب البصير، ومفاتيح أبواب الحكمة. (3)

كافل يتيم المعرفة

{12}

[12] بالإسناد إلى أبي محمّد العسكري (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فضل كافل يتيم آل محمّد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل

ص: 63


1- إرشاد القلوب للديلمي: ص 277.
2- كشف الغمّة: ج2 ص197؛ بحار الأنوار: ج 78 ص 111 ح 6 باب 19 مواعظ الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ).
3- بحار الأنوار: ج 75 ص 115 عن اعلام الدين: ص 297 للشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي من أعلام القرن الثامن الهجري ط مؤسسة آل البيت (عَلَيْهِم السَّلَامُ) قم.

يخرجه من جهله، ويوضح له ما اشتبه عليه على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه كفضل الشمس على السُهی (1).(2)

عذر المتعلّم

{13}

قطع العلم عذر المتعلمين (3). (4)

لا ثلاثة لثلاث

{14}

[14] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: لا أدب لمن لا عقل له، ولا مروّة لمن لا همّة له، ولا حياء لمن لا دين له. (5)

ص: 64


1- السُهی: كوكب في بنات النعش وهو عند الثانية من البنات.
2- بحار الأنوار: ج 2 ص4؛ تفسير الإمام: ص136؛ الإحتجاج للطبرسي: ص 16؛ منية المريد: ص 33؛ المحجّة البيضاء: ج 1 ص 31.
3- كذا وفي كلام أبيه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في النهج «المعللين
4- بحار الأنوار: ج 78 ص 109. وفي شرح النهج: ج19 ص 186: قَطَعَ العلمُ عُذرَ المُتَعَلّلين.
5- كشف الغمّة: ج 1 ص197؛ بحار الأنوار: ج 75 ص 111 ح 6 (باب 19 مواعظ الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ))؛ أعيان الشيعة: ج1 ص 577 (المأثور عنه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الحكم والآداب والمواعظ).

ما العقل؟

{15}

[15] سئل الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقيل له: ما العقل؟

قال: التجرّع للغصّة حتّی تنال الفرصة.

بیان: الغصّة بالضمّ: مایعترّض في الحلق وتعسر إساغته (1)، ويطلق مجازاً على الشدائد التي يشقّ على الإنسان تحمّلها وهو المراد هنا، وتجرّعه كناية عن تحمّله وعدم القيام بالإنتقام به وتداركه حتّی تنال الفرصة فإنّ التدارك قبل ذلك لا ينفع سوى الفضيحة وشدّة البلاء وكثرة الهمّ. (2)

في العقل ثلاثة

{16}

[16] سئل الحسن بن علي عن العقل، قال: التجرّع للغصّة، ومداهنة

ص: 65


1- في نسخة: وتعذّر اساغته.
2- بحار الأنوار: ج 1 ص 116 عن معاني الأخبار. وفي ص 130 ح13 عن محاسن البرقي بإسناده عن العوسي، عن أبي جعفر الجوهري، عن إبراهيم بن محمّد الكوفي، رفعه قال: سئل الحسن بن على(عَلَيْهِ السَّلَامُ)... وأورده الصدوق في الأمالي: ص 398 بإسناده، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن حمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن أحمد بن أبي عبداللّه، عن علي بن جعفر الجوهري، عن إبراهيم بن عبداللّه الكوفي، عن أبي سعيد عقیصا، قال: سئل الحسن بن على (عَلَيْهِ السَّلَامُ)... . وفي ص 270 بإسناده عن محمّد بن الحسن الوليد، عن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وزاد في آخره: «و مداراة الأصدقاء».

الأعداء (1)، ومداراة الأصدقاء. (2)

ولاية الأعلم

{17}

[17] وعنه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، عن جدّه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّه قال: ماولّت أمّة أمرَها رجلاً قطّ وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهَب سفالاً حتّی يرجعوا إلى ما تركوا. (3)

مجالسة العلماء

{18}

[18] من أكثر مجالسة العلماء أطلق عقال لسانه، وفتق مراتق ذهنه، وسرّ ما وجد من الزيادة في نفسه، وكانت له ولاية لما يعلم، وإفادة لما تعلّم. (4)

ص: 66


1- المداهنة: إظهار خلاف ما تضمر.
2- بحار الأنوار: ج 1 ص 130 عن المحاسن للبرقي؛ روضة الواعظين للفتّال النيسابوري، وج 75 ص 394 عن الأمالي. وأورده الصدوق في «الأمالي» ص 398 بإسناده عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن أحمد بن أبي عبداللّه، عن علي بن جعفر الجوهري، عن إبراهيم بن عبداللّه الكوفي، عن أبي سعيد عقیصا قال: سئل الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلّا عن العقل... .
3- أمالي الطوسي: ص 577 وعنه بحار الأنوار: ج 72 ص 155.
4- رواه أبو حامد الغزالي في «مكاشفة القلوب» (ص 228 ط القاهرة). ملحقات الإحقاق: ج 11 ص 238.

حوائج الإخوان

{19}

[19] من عقل المرء ومروءته أن يسرعَ إلى قضاء حوائج إخوانه وإن لم يُنزلوها به. (1)

كان ناقصاً في مروته و عقله

{20}

[20] وروي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، أنّه قال: من لم يحفظ هذا الحديث كان ناقصاً في مروته وعقله.

قلنا: وما ذاك يابن رسول اللّه؟ فبكى وأنشأ يحدّثنا فقال: لو أنّ رجلاً من المهاجرين أو الأنصار، يطلع من باب مسجدكم هذا، ما أدرك شيئاً ممّا كانوا عليه إلّا قبلتكم هذه - ثمّ قال: هلك الناس - ثلاثاً - بقول ولا فعل، ومعرفة ولا صبر، ووصف ولا صدق، ووعد ولا وفاء، مالي أری رجالاً ولا عقول، وأرى أجساماً ولا أرى قلوباً دخلوا في الدين ثمّ خرجوا منه، وحرموا ثمّ استحلوا، وعرفوا ثمّ أنكروا، وإنّما دین أحدكم على لسانه، ولئن سألته هل يؤمن بيوم الحساب؟ قال: نعم، كذب ومالك يوم الدين، إنّ من أخلاق المؤمنين قوّة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وشفقة في مقة، وحلماً في حكم، وقصداً في غنى، وتجمّلاً في فاقة، وتحرّجاً عن طمع، وكسباً من حلال، وبرّاً في استقامة، ونشاطاً في هدى، ونهياً عن شهوة. (2)

ص: 67


1- إرشاد القلوب: ص 272.
2- اعلام الدين: ص 139.

متى يكون العاقل عاقلاً؟

{21}

ومن كلامه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حين سئل عنه: متى يكون العاقل عاقلاً؟

قال: إذا عقله عقله عمّا لا ينبغي فهو عاقل.(1)

علماء الشيعة يوم القيامة

[22]

قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): يأتي علماء شیعتنا القوّامون لضعفاء محبّينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كلّ واحد منهم تاج (بهاء خ ل) قد انبتت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلّها، فلا يبقى هناك يتيم قد كفّلوه ومن ظلمة الجهل وحيرة التيه أخرجوه إلّا تعلق بشعبة من أنوارهم فرفعتهم في العلوّ حتّی يحاذي بهم ربض غرف الجنان، ثمّ ينزلهم على منازلهم المعدّة لهم في جوار أستاديهم ومعلّميهم، وبحضرة أئمّتهم الّذين كانوا إليهم يدّعون، ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلّا عميت عيناه وصمّت أذناه وخرس لسانه، ويحوّل عليه أشدّ من لهب النيران فيحملهم حتّی يدفعهم إلى الزبانية فيدعوهم إلى سواء الجحيم. (2)

ص: 68


1- رواه أبو إسحاق محمّد بن إبراهيم الأنصاري الكبير الشهير بالوطواط في «غرر الخصائص الواضحة» (ص 72 طالقاهرة). ملحقات الإحقاق: ج 11 ص 242.
2- بحار الأنوار: ج 7 ص 226 كتاب العدل والمعاد عن تفسير المنسوب إلى الإمام العسكري ل ص 345 رقم 226.

إذا طلبتم الحوائج

{23}

[23] وقال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها.

قيل: یابن رسول اللّه ومن أهلها؟

قال: الّذين قصّ اللّه في كتابه وذكرهم، فقال: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1) قال: هم أولوا العقول. (2)

حقّ المعلّم على تلميذه

{24}

[24] روى عبداللّه بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيْهِم السَّلَامُ) أنّه قال: إنّ مِن حقّ المعلِّم على المتعلِّم أن لا يكثر السؤال عليه، ولا يسبقه في الجواب، ولا يلحّ عليه إذا أعرض، ولا يأخذ بثوبه إذا كسل، ولا يشير إليه بيده، ولا يغمزه بعينه، ولا يشاور في مجلسه، ولا يطلب وراءه، وأن لا يقول: قال فلان خلاف قوله، ولا يفشي له سراً، ولا يغتاب عنده، وأن يحفظه شاهداً وغائباً، ويعمّ القوم بالسلام، ويخصّه بالتحيّة، ويجلس بين يديه، وإن كان له حاجة سبق القوم إلى خدمته، ولا يملّ من طول صحبته، وإنمّا هو مثل النخلة تنتظر متى تسقط عليك منها منفعة.

ص: 69


1- سورة الرعد: الآية 19.
2- بحار الأنوار: ج 1 ص 141 و ج 78 ص 304 وأورده الكليني في الكافي: ج 1 ص 19 كتاب العقل والجهل وصيّة الإمام موسی بن جعفر وحكمه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وفيه: قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)... الخبر.

والعالم بمنزلة الصائم المجاهد في سبيل اللّه، وإذا مات العالم انثلم(1) في الإسلام ثلمة لا تنسدّ إلى يوم القيامة، وإنّ طالب العلم يشيّعه سبعون ألفاً من مقرّبي السماء. (2)

ص: 70


1- انثلم: حدث الخلل.
2- بحار الأنوار: ج 2 ص 44 و45 ح 19 عن العدّة لابن فهد الحلّي: ص 80 .

الإلهيات

اشارة

ص: 71

ذلكم الله

{1}

[25] الحمد للّه الّذي لم يكن له أوّل معلوم، ولا آخر متناه، ولا آخر متناه، ولاقبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتّى، ولا شخص فيتجزأ، ولا اختلاف صفة فيتناهی، فلاتدرك العقول وأوهامها ولا الفكر وخطراتها ولا الألباب و أذهانها صفته فيقول: متى؟، ولا بدىء ممّا، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلا، خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدء ما ابتدع، وابتدع ما ابتدء، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد، ذلكم اللّه ربّ العالمين.

بیان: قوله: معلوم هذه الصفة و الصفات الّتي بعدها موضحات مؤكّدات، إذ لو كان له أوّل لكان معلوماً، وهكذا.. قوله (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فيتناهى أي اختلاف الصفات ينافي الأزليّة والأبديّة كما مرَّ مراراً. قوله (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فتقول متى أي لو كانت العقول تبلغ صفته لكان كسائر الممكنات فكان يصحّ أن يقال: متى وجد؟ ومن أيّ شيء بدیع؟ على المجهول، أو بدأ الأشياء بأن يقرأ على الفعل المعلوم، أو على فعيل، وعلى أيّ شيء علا فهو ظاهر، وفي أيّ شيء بطن حتّی يقال: أنّه باطن، أو يقال لشيء ترك: هلّا فعل تحضيضاً وتحريصاً على الفعل أو توبیخاً على تركه؛ والابتداع: الإيجاد بلا مادّة أو بلامثال. (1)

ص: 72


1- بحار الأنوار: ج 4 ص 289 - 290 كتاب التوحيد عن توحيد الصدوق: ابن الوليد، عن محمّد العطّار، وأحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن بعض أصحابه رفعه قال: جاء رجلٌ إلى الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال له: يابن رسول اللّه صف لي ربّك حتّی كأنّي أنظر اليه، فأطرق الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مليّاً ثمّ رفع رأسه فقال: ...

الإسلام و الإيمان

اشارة

ص: 73

من علامات المسلم

{1}

[29] من علامات المسلم قوّةٌ في دين، وحزمٌ في لين، وإيمانٌ في يقين، وعلمٌ في حلم، و كَيسٌ في رفق، وإعطاء في حقّ، وقصدٌ في غِنى، وتجمّلٌ في فاقة، وإحسانٌ في قدرة، وصبرٌ في شدة، لا يغلبه الغضب، ولا تجمع به الحميِة، ولا تغلبه شهوة، ولا تفضحه بطنُه، ولا يستخفّه حرصه، ولا تقصر به نيّتُه، فينصر المظلومَ، ويرحَمُ الضعيف، ولا يبخل، ولا يبذّر، ولا يُسرف، ولا يقترُ، يغفرُ إذا ظُلِم، ويعفو عن الجاهل، نفسُه منه في عناء، والناسُ منه في رَخاء. (1)

القنوع والخضوع

{2}

[27] قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): من قلّ ذلّ، وخير الغنى القنوع، وشرّ الفقر الخضوع. (2)

هكذا الإيمان

{3}

[28] حدّث أبو أحمد عبيداللّه بن عبداللّه بن طاهر، عن أبي الصلت الهروي بخراسان، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبي الحسن موسی بن جعفر الكاظم، عن الصادق، عن الباقر، عن السجّاد، عن السبط

ص: 74


1- منهج القران في بيان مسالك الشيطان ص 76 أحمد متولي، وعنه ملحقات الإحقاق: ج33 ص 512 قال: وقال الإمام الحسن (رضي اللّه عنه): من علامات المسلم... الخبر.
2- نزهة الناظر: ص 72، العدد القويّة: ص 38؛ وعنه بحار الأنوار: ج 78 ص 113.

(الحسن)، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) الإيمانُ عقدٌ بالقلب، ونطقٌ باللسان، وعملٌ بالأركان. (1)

بين الإيمان واليقين

{4}

[29] سأل أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، فقال لهما: مابین الإيمان واليقين؟ فسكتا، فقال للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أجب يا أبا محمد.

قال: بينهما شبر.

قال: وكيف ذاك؟

قال: لأنّ الإيمان ما سمعناه بآذاننا وصدقناه بقلوبنا، واليقين ما أبصرناه

بأعيننا واستدللنا به على ما غاب عنّا. (2)

كم بين الإيمان و اليقين؟

{5}

[30] سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إبنه الحسن سلام اللّه عليهما:

كم بين الإيمان واليقين؟

قال: أربع أصابع.

قال: وكيف ذلك؟

ص: 75


1- الفرائد الغوالي على شواهد الأمالي، السيّد المرتضى للشيخ محسن آل صاحب الجواهر: ج4 ص 322 عن تاريخ بغداد: ج10 ص343.
2- بحار الأنوار: ج 70 ص 182 عن مشكاة الأنوار: ص 15.

قال: الإيمان كلّ ما سمعته أذناك وصدّقه قلبك، واليقين ما رأته عيناك فايقن به قلبك، وليس بين العين والأذنين إلّا أربع أصابع. (1)

من أخلاق المؤمن

{6}

[31] وقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إنّ من أخلاق المؤمن قوّة في دين، وكرماً في لين وحزماً في علم، وعلماً في حلم، وتوسعة في نفقة، وقصداً في عبادة، وتحرّجاً من الطمع، وبرّاً في استقامة، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحبّ، ولا يدّعي ما ليس له، ولا يجحد حقاً هو عليه، ولا يهمز ولا يلمز ولا يبغي، متخشّع في الصلاة متوسّع في الزكاة، شكورٌ في الرخاء، صابر عند البلاء، قانع بالّذي له، لا يطمح به الغيظ، ولا يجمح به الشحّ، يخالط الناس ليعلم، ویسكت ليسلم، يصبر إن بغي عليه ليكون إلهه الّذي ينتقم له. (2)

ص: 76


1- العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي المتوفی (327) ج 6 ص 268؛ طرائف الخلفاء والملوك: ص 30 وفيه: قال الأصمعي: سأل علي بن أبي طالب إبنه الحسن (رضوان اللّه عليهما): كم بين الإيمان واليقين....
2- الكلام مروي عن أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في نهج البلاغة: ج 3 ص 208، 252. بتفاوت في الكافي: ج2 ص182 ح4 عن أبي عبد اللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ). ملحقات الإحقاق: ج 11 ص76 عن مقصد الراغب: ص 128 مخطوط. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ص 76 ح25. رواه الديلمي في اعلام الدین ص 137 هكذا: إنّ المؤمن عواذ باللّه، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب، ولا يضيع ما استودع، ولا يحسد، ولا يطعن، ويترف بالحقّ وإن لم يشهد عليه، ولا ينابز بالألقاب، في الصلاة متخشّع، وإلى الزكاة مسارع، وفي الزلّات وقور، وفي الرخاء شكور، قانع بالّذي عنده، لا يدّعي ما ليس له، لا يجمع في قنط، ولا يغلبه الشحّ عن معروف يریده، يخالط الناس ليعلم، ويناطق ليفهم، وإن ظُلم أو بُغي عليه صبر حتّی يكون الرحمن الّذي ينتصر له. ولا يبعد أنّ أصل الحديث كان من أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ثمّ حكاه الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ).

خصال الإيمان

{7}

[32] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ثلاثة مَن كُنّ فيه فقد إستكمل خِصال الإيمان: مَن الّذي إذا قَدَر لم يتقاص له بحقّ، ومَن الّذي إذا رضي لم يُدخله رضاه في باطل، ومَن الّذي إذا غضِب لم يُخرجه غضبُه مِن الحق. (1)

ما آمن بالله

{8}

[33] قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ما آمن باللّه، قالوا: مَن یارسول اللّه؟

قال: مَن بات شبعان وجارُه جائع وهو يشعر. (2)

ص: 77


1- أخرجه الناطق بالحقّ يحیی بن الحسين الأحول البطحائي الحسيني المولود سنة 340 والمتوفِى بجرجان سنة (424) من أئمّة الزيديّة في «أماليه» ص 159 بإسناده عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسين، عن محمّد بن علي بن رحیم الشيباني، عن ابن أبي عزرة، عن يونس بن عبدالرحيم العسقلاني، عن يوسف بن منصور، عن قتيبة، عن عبداللّه بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ثلاثة....
2- درر الأحاديث النبويّة بالأسانيد اليحيويّة للّهادي إلى الحقّ يحیی بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلَامُ)، المتوفّى (298ه-) ص29 ط بيروت مؤسّسة الأعلمي قال: بلغنا عن الحسن بن علي أنّه قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ما آمن باللّه... الخبر.

داعي الراضي بقسم الله

{9}

[34] كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه، ويحقّر منزلته، والحاكم عليه اللّه، وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلّا الرضا، أن يدعو اللّه فيستجاب له.(1)

محاسبة النفس

{10}

[35] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لا يكونُ العبدُ مؤمناً حتّی يحاسِبَ نفسَه أشدَّ من

ص: 78


1- الكافي: ج 2 ص 62 عنه بحار الأنوار: ج 3 ص 351: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن علىّ، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: لقي الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عبداللّه بن جعفر فقال: يا عبداللّه كيف يكون المؤمن مؤمناً. وفي مرآة العقول: ج 8 ص 14 في شرح كلماته: و«كيف» للانكار «مؤمناً» أي كاملاً في الإيمان مستحقّاً لهذا الإسم «وهو» الواو للحال «یسخط قسمه» القسم بالكسر وهو النصيب أو بالفتح مصدر قسمه كضربه أو بكسر القاف وفتح السين جمع قسمة بالكسر مصدراً أيضاً، وعلى الأوّل الضمير البارز راجع إلى المؤمن، وعلى الأخيرين إما راجع إليه أيضاً بالإضافة إلى المفعول أو إلى اللّه «ويحقر منزلته» الضمير راجع إلى المؤمن أيضاً أي يحقر منزلته التي أعطاه اللّه إياها بين الناس في المال والعزّة وغيرهما، وقيل: أي منزلته عند اللّه، لأنّه تعالى جعل ذلك قسماً له لرفع منزلته فتحقير القسم السبب لها تحقیر لها وما ذكرنا أظهر، ويمكن إرجاعه إلى القسم أو إلى اللّه بالإضافة إلى الفاعل «والحاكم عليه اللّه» الواو للحال وضمير عليه للمؤمن أو للقسم، وقيل: والحاكم عطف على منزلته، واللّه بدل عن الحاكم أي ويحقّر الحاكم عليه وهو اللّه لأنّ تحقیر حكم الحاكم تحقير له، ولا يخفى بعده. وفي القاموس هجس الشيء في صدره يهجس خطر بباله أو هو أن يحدّث نفسه في صدره مثل الوسواس، ويدلّ على أنّ الرضا بالقضاء موجب لاستجابة الدعاء.

محاسبة الشريك لشريكه، والسيّد عبدَه، ويعلم ما مطعمه وما مشربه وما ملبسه، مِن حلال ذلك أو مِن حرام، وقد قال إبليس: یابن آدم! إذا نلتَ منك ثلاثاً فلا أُبالي كيف كان حالُك: إذا اكتسبت المالَ من غير حَلّه، أو أنفقتَه في غير حلّه، أو منعتَ منه حقّه. (1)

من كلماته الحكميّة

{11}

[36] عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): مَن عَرَفَ اللّهَ أحبّه، ومَن عَرَفَ الدنيا زَهِد فيها، والمؤمنُ لا يلهو حتّی يغفل، فإذا تفكّر حزن. (2)

الموت ریحانة المؤمن

{12}

[37] روي عنه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: الموت ریحانة المؤمن. (3)

ص: 79


1- تيسير المطالب: ص 377 بإسناده عن أبي العبّاس أحمد بن إبراهيم الحسني، عن عبداللّه بن جعفر الباشماميّ، عن عمر بن محمّد بن إسحاق النميري، عن عبداللّه بن میمون مولى الحسن، عن القاسم بن إبراهيم، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لا يكون العبد.... وفي مكارم الأخلاق: ج 2 ص 375 ح 2661: لا يكون الرجل من المتّقين حتّى... وليس فيه: «و السيّد عبده» وعنه بحار الأنوار: ج 70 ص 72 ح22.
2- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص52.
3- فردوس الأخبار: ج4 ص 513ح 986 فيه قال الحسن بن علي... الخبر.

بين الشيعي و الموالي

{13}

[38] قال رجل للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): یابن رسول اللّه أنا من شيعتكم.

فقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): يا عبدَ اللّه إن كنتَ لنا في أوامرِنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقتَ، وإن كنتَ بخلاف ذلك فلا تَزِد في ذنوبِك بدعواك مرتبةً شريفةً لستَ من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مُواليكم ومحبّيكم ومعادي أعدائكم، وأنت في خيرٍ وإلى خير. (1)

ما يضرّ الشيعي؟!

{14}

[39] وقال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): مايضرّ الرجل من شيعتنا أي ميتة مات: أكله سبع، أو أُحرق بنار، أو غرق، أو صلب، أو قتل، هو واللّه صدّیق شهید. (2)

ذهب الناس وبقي النسناس

{15}

[40] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال: لقد صحبتُ أقواماً كانت صحبتهم قرّة العين، وجلاء الصدور، وكانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفقَ منكم من سيّئاتكم أن تُعَذّبوا عليها، وكانوا فيما أحلّ اللّه لهم من الدنيا أزهَدَ منكم فيما حرّم اللّه عليكم. إنّي أسمع حسيساً ولا أرى أنيساً، ذهب الناس وبقي النسناس. (3)

ص: 80


1- تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ص 308 ح 153 وعنه تنبيه الخواطر: ج2 ص 106 وبحار الأنوار: ج 68 ص156 وفيه: قال رجل للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إنّي من شيعتكم.
2- اعلام الدين: ص 457.
3- حليم آل البيت الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ص 193 وعنه ملحقات الإحقاق: ج 33 ص505.

الموت عند المؤمن والكافر

{16}

[41] سئل الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ما الموت الّذي جهلوه؟

قال: أعظم سرور يرد على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذا نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد. (1)

في وصف أخ له (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{17}

[42] كان من أعظم الناس في عيني، صغُر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان الجهالة، فلا يمُدُّ يداً إلّا على ثقة لمنفعة، كان لا يشتكي ولا يتسخّط ولا يتبرّم، كان أكثر دهره صامتاً، فإذا قال بذّ القائلين.

كان ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جاء الجِدُّ فهو الليثُ عادياً، كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول، كان إذا غُلب على الكلام لم يُغلَب على السكوت.

كان لا يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول، كان إذا عُرِض له أمران لا يدري أيّهما أقربُ إلى ربّه، نظر أقربهما من هواه فخالفه، كان لا يلوم أحداً على ماقد يقع العذر في مثله. (2)

ص: 81


1- بحار الأنوار: ج 6 ص 154 عن معاني الأخبار: ص 288.
2- بحار الأنوار: ج 78 ص 108. رواه الكليني (ره) في الكافي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ما بنحو أبسط، وأورده الرضي (ره) في النهج عن أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هكذا: وقال: كان لي فيما مضى أخ في اللّه. الخ» قال ابن میثم: ذكر هذا الفصل ابن المقفع في أدبه ونسبه إلى الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) والمشار إليه قيل: أبو ذرّ الغفاري وقيل: هو عثمان بن مظعون، انتهى. وقيل: لايبعد أن يكون المراد به أباه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عبّر عنه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هكذا لمصلحة. وقال قوم: المراد به رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) واستبعده قوم لقوله فيه: «وكان ضعيفاً مستضعفاً» فإنّ النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لا يوصف بهذه الصفة. وقال قوم: هو أبوذر واستبعده قوم لقوله فيه: «فإن جاء الجدّ فهو ليث غاب» فإنّ أبا ذر لم يكن من الموصوفين بالشجاعة. وقيل: هو المقداد. وقيل: ليس المقصود أخاً معيناً، بل هو كلام خارج مخرج المثل. وعلى أيّ تقدير هل هو من كلمات أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أم من كلمات ابنه الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فيه أيضاً اختلاف، ذكر الكليني في «الكافي» وابن شعبة في «تحف العقول» والخطيب البغدادي في «تاریخ بغداد» وابن قتيبة الدينوري في «عيون الأخبار» وابن كثیر الدمشقي في «البداية والنهاية» أنّ الكلام من كلمات الإمام المجتبى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كما تقدّم مبسوطاً. على أيّ نحو إنّ هذا الكلام المبارك من منبع واحد سواءاً كان من الوالد أم من الولد، ولا يبعد أنّ الإمام المجتبى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حكاه عن والده (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بل في ضمن خطبته، واللّه هو العالم. ورواه الحافظ الخطيب البغدادي في «تاریخ بغداد» (ة12 ص315 ط القاهرة) قال: أخبرني أبو الحسن محمّد بن عبدالواحد، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان، حدّثنا محمّد بن الحسين بن حميد اللخمي، حدّثني خضر بن أبان بن عبيدة الواعظ، حدّثني عثیم البغدادي الزاهد، حدّثني محمّد بن كیسان أبوبكر الأصمّ قال: قال الحسن بن عليّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ذات يوم لأصحابه: فذكره. إنّي أُخبركم عن أخ لي، وكان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظّمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان خارجاً من سلطان فرجه فلا يستخفّ له عقله ولا رأيه، وكان خارجاً من سلطان الجهلة فلا يمدّ يداً إلّا على ثقة المنفعة، كان لا يسخط ولا يتبرّم كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلّم، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت، كان أكثر دهره صامتاً، فإذا قال بذ القائلين، كان لا يشارك في دعوى، ولا يدخل في مراء، ولا يدلي بحجة حتّی يرى قاضياً، كان يقول مايفعل ويفعل مالا يقول، تفضّلاً وتكرّماً، كان لا يغفل عن إخوانه، ولا يختصّ بشيء دونهم، كان لا يلوم أحداً فيما يقع العذر في مثله، كان إذا ابتدأه أمران لا يدري أيّهما أقرب إلى الحقّ، نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه.

ص: 82

بين الإبن و أبيه

{18}

[43] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لقد ورد على أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أخوان له

مؤمنان: أب وإبن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين أيديهما، ثمّ أمر بطعام فأُحضر، فأكلا منه، ثمّ جاء قنبر بطست و إبريق خشب، ومنديل، وجاء ليصبّ على يد الرجل ماءاً، فوثب أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأخذ الإبريق ليصبّه على يد الرجل، فتمرّغ الرجل في التراب وقال: يا أمير المؤمنين يراني اللّه وأنت تصبّ على يدي، قال: اُقعد واغسِل، فإن اللّه عزّ وجلّ يراك وأخاك الّذي لا يتميّز منك ولا يتفضّل عنك، يزيد بذلك في خدمه في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في ممالكه فيها، فقعد الرجل.

فقال له علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أقسمتُ عليك بعظيم حقّي الّذي عرفته ونحلته وتواضعك للّه حتّی جازاك أن تدني لما شرفّك به من خدمتي لك، لمّا غسلت يدك مطمئنّاً كما كنت تغسل لو كان الصابّ عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك، فلمّا فرغ ناول الإبريق محمّد بن الحنفيّة، وقال: يا بنيّ لو كان هذا الإبن حضرني دون أبيه لصببتُ على يده، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ يأبى أن يساوي بين أب وابن إذا جمعهما مكان، لكن قد صبّ الأب على الأب، فليصبّ الابن على الإبن، فصب محمّد بن الحنفية على الإبن.

قال الحسن بن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فمن اتّبع عليّاً علی ذلك فهو الشيعيّ حقّاً. (1)

ص: 83


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: ج 2 ص 107 طقم مكتبة الفقيه؛ تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ص 325 ح 173.

فضل سلمان والمقداد

{19}

[44] في تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أنّ جبرئيل عن اللّه تعالى يقول: يا محمّد، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد عليّ أخيك ووصيّك وصفيّك، وهما في أصحابك كجبرئیل و میكائیل في الملائكة، عدوّان لمن أبغض أحدهما، ووليّان لمَن والاهما ووالى محمّداً وعليّاً، وعدوّان لمَن عادى محمّداً وعليّاً وأولياءَهما، ولو أحبّ أهل الأرض سلمان والمقداد كما يحبّهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعلي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذّب اللّه تعالى أحداً منهم بعذاب البتّة.

قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فلمّا قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في سلمان والمقداد، سرّ به المؤمنون وانقادوا، وساء ذلك المنافقين فعاندوا وعابوا، وقالوا: يمدح محمّد الأباعد، ويترك الأدنين من أهله لا يمدحهم ولا يذكرهم، فاتّصل ذلك برسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال: مالهم لحاهم اللّه يبغون للمسلمين السوء؟ وهل نال أصحابي ما نالوه من درجات الفضل إلّا بحبهم لي ولأهل بيتي؟ والّذي بعثني بالحقّ نبيّا إنّكم لن تؤمنوا حتّی يكون محمّد وآله أحبّ إليكم من أنفسكم وأهليكم وأموالكم ومن في الأرض جميعاً. ثمّ دعا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) و فغمّتهم بعباءته القطوانية، ثمّ قال: هؤلاء خسمة لاسادس لهم من البشر.

ثمّ قال: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم... الخبر. (1)

ص: 84


1- تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ص 456 وص457 ح 299 وعنه بحار الأنوار: ج 39 ص109 وفيه: قال الحسين بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ).

حبّ المال

{20}

[45] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال: مَن زعم أنّه لا يحب المال فهو عندي كاذب، فإن علمتُ صدقَه فهو عندي أحمق.(1)

حقيقة الدين

{21}

[46] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنه قال: يابنَ آدم إنّ دين اللّه ليس بالتَحلّي ولا بالتّمنّي، ولكنّه ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال.(2)

ص: 85


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 89.
2- حليم آل البيت الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ص 193 وعنه ملحقات الإحقاق: ج 33 ص505.

القرآن

اشارة

ص: 86

ص: 87

فاتحة الكتاب

{1}

[47] أوّل الفاتحة نعيم، ووسطها تكریم، وآخرها رضوان اللّه تعالی. (1)

ثواب قراءة الفاتحة

[68] جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فسأله أعلمهم عن أشياء فكان فيما سأله أخبرنا عن سبع خصال أعطاك اللّه من بين النبيّين و أعطى امّتك من بين الأمم؟ فقال النبيُّ: أعطاني اللّه عزّ وجلّ فاتحة الكتاب والأذان والجماعة في المسجد ويوم الجمعة والصلاة على الجنائز والإجهار في ثلاث صلوات والرخصة لأمتي عند الأمراض والسفر، والشفاعة لأصحاب الكبائر من امّتي.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد فما جزاء من قرأ فاتحة الكتاب؟ فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه اللّه عزّ وجلّ بعدد كلّ آية نزلت من السماء ثواب تلاوتها، وأمّا الأذان فإنّه يحشر المؤذّنون من أمّتي مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين. وأما الجماعة فإنَّ صفوف امّتي في الأرض لصفوف الملائكة في السماء، والركعة في جماعة أربع وعشرون ركعة، كلّ ركعة أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ من عبادة أربعين سنة، وأمّا يوم الجمعة فإنّ اللّه يجمع فيه الأولين والآخرين للحساب فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلّا خفف اللّه عزّ وجلّ عليه أهوال يوم القيامة ثمّ يجازيه الجنّة، وأما الإجهار فإنّه يتباعد منه

ص: 88


1- ملحقات الإحقاق: ج 11 ص 263. رواه في «نزهة المجالس» (ج1 ص 32)

لهب النار بقدر ما يبلغ صوته، ويجوز على الصراط ويعطى السرور حتّی يدخل الجنّة، وأما السادس فإن اللّه عزّ وجلّ يخفّف أهوال يوم القيامة لأمّتي كما ذكر اللّه في القرآن، وما من مؤمن يصلّي على الجنائز إلّا أوجب اللّه له الجنّة إلّا أن يكون منافقاً أو عاقاً. وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم.

قال: صدقت يامحمّد وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنك عبده ورسوله خاتم النبيّين وإمام المتّقين، ورسول ربّ العالمين، فلمّا أسلم وحسن إسلامه أخرج رقّاً أبيض فيه جميع ما قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وقال: يارسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما استنسختها إلّا من الألواح التي كتب اللّه عزّ وجلّ لموسی بن عمران ولقد قرأت في التوراة فضلك حتّی شككت فيه يا محمد، ولقد كنت أمحو اسمك منذ أربعين سنة من التوراة وكلّما محوته وجدته مثبتاً فيها، ولقد قرأت في التوراة أنّ هذه المسائل لا يخرجها غيرك، وأنّ في الساعة التي ترد عليك فيها هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك و میكائیل عن يسارك ووصيّك بي يديك، فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): صدقت هذا جبرئيل عن يميني و ميكائيل عن يساري ووصيّي عليّ بن أبي طالب بين يديّ، فآمن اليهودي، وحسن إسلامه. (1)

ص: 89


1- الخصال: ج 2/ باب السبعة / ص 355 ح 36/ والامالي ص 118 قال الصدوق (قدّس سرّه): حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي، عن عبداللّه بن جبلة، عن الحسن بن عبداللّه، عن آبائه، عن جدّه الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في حديث طويل قال: ...

أقوام قلوبهم مفتونة

{3}

[49] قال إقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فإنّه سيجییء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح، قلوبهم مفتونة وقلوبُ مَن يعجبه شأنهم. (1)

اقرأوا هذه العشرين

{4}

[50] أنا ضامن لمَن قرأ هذه العشرين آلايات أن يعصمه اللّه تعالى من كلّ شیطان ظالم، و من كلّ شيطان مريد، ومن كلّ سبع ضارّ، ومن كلّ لصّ عاد: آية الكرسي وثلاث آيات من الأعراف «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» (2) (54 - 57) وعشراً من الصافّات (1-10) و ثلاث آيات من سورة الرحمن «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» (3) (33 - 35) وخاتمة سورة الحشر «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ» (4) (21 - 24) (5).

ص: 90


1- دعوات الراوندي: ص 4، وعنه في البحار ج 92/ 190 ذيل الحديث1، والمستدرك ج 4/ 272: عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:...
2- سورة الأعراف، الآية 54.
3- سورة الرحمن، الآية 33.
4- سورة الحشر، الآية 21.
5- كتاب عالم الجن والشياطين: للفاضل المعاصر عمر سليمان الأقشر ص 128 ط بيروت دارالكتب العلمية، قال: وذكر الحافظ ابو موسی عن الحسن بن علي قال: أنا ضامن... الخ وعنه ملحقات الأحقاق ج26 ص 524 عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال:... نقله المجلسي قدّس سرّه عن خطّ الشهيد في البحار ج 92 ص 271 و عن دعوات الراوندي عن على بن الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مثله وزاد في آخره: وسبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد للّه ربّ العالمين.

احكموا بكتاب الله

{5}

[51] أُحَكّمُكما على أن تَحكُما بكتاب اللّه، وكتابُ اللّه كلُّه لي، فإن لَم تحكُما بكتابِ اللّه فلا حُكومَةَ لكما.(1)

التدّبر في القرآن

{6}

[52] إنَّ مَن كانَ قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربّهم، فكانوا يَتَدَبَّرونها في اللّيل، ويتفقّدونها في النهار(2)

القرآن نور

{7}

[53] إن هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فلیجل جال بصرَه، وليلجم الصفة قلبَه، فإنّ التفكير [في الكافي: فإنّ التفكّر] حياةُ قلبِ البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور. (3)

ص: 91


1- تيسير المطالب ص 59 باسناده عن أبي عبداللّه محمّد بن زيد الحسني، عن الناصر للحقّ الحسن بن علي رضي اللّه عنه، عن محمّد بن منصور، عن أبي كريب عن إسحاق بن منصور، عن عبداللّه بن الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه أن علياًّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال للحكمين... الخبر: إنّ عليّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال للحكمين:...
2- التبيان في آداب حملة القرآن لمحيي الدين النووي المتوفي (676) ص 69 وعنه ملحقات احقاق الحق ج 32 ص 485 عن الحسن بن علي رضي اللّه عنهما، قال:...
3- أورده في كشف الغمّة: 1/ 573، عنه البحار: 78/ 112 ضمن ح6، و في مقصد الراغب: 127 (مخطوط). وروى مثله في الكافي: 2/ 600 ح5 باسناده عن أبي عبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عنه الوسائل: 4/ 828 ح 1. وفيهما: يفتح للضياء نظره وفي البحار أيضاً ج92 كتاب القرآن ص 32 ح 35 عن العدد القويّة.

القرآن قائد وسائق

{8}

[54] إنّ هذا القرآن یجییء يوم القيامة قائداً وسائقاً يقود قوماً إلى الجنّة أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه، ويسوق قوماً الى النّار ضيّعوا حدوده وأحكامه واستحلّوا محارِمَه. (1)

القرآن والعترة

{9}

[55] إنّي مخلّفٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب اللّه حبل طرفُه بیداللّه، وطرفُه بأیدیكم، وعترتي أهل بيتي، ولن يَفترقا حتّی يردا عليَّ الحوض. (2)

المخرج من الفتن

{10}

[56] قيل لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إنّ امّتك ستفتتن، فسئل ما المخرج من ذلك؟

ص: 92


1- إرشاد القلوب للديلمي ص 81.
2- ينابيع المودة: ج 1 ص 121 ح 49 جواهر العقدين ج 2 ص 173 الذرية الطاهرة ص 168 ح 228 روى الحافظ الدولابي في «الذريّة الطاهرة» وروى الحافظ الجعابي عن عبداللّه بن الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه، عن علي (رضي اللّه عنهم) عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّه قال:...

فقال: كتاب اللّه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكیم حمید، من ابتغى العلم في غيره أضلّه اللّه، ومن ولي هذا الأمر من جبّار فعمل بغيره قصمه اللّه، وهو الذكر الحكيم والنور المبين، والصراط المستقيم، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، وهو الّذي سمعته الجنّ فلم تناها أن قالوا: «إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ»(1) لايخلق على طول الردّ ولا ينقضي عبره، ولاتفنی عجائبه. (2)

اتخذوا القرآن إماماً

{11}

[57] ما بقي في الدنيا بقيّة غيرُ هذا القرآن فاتّخذوه إماماً يدلّكم على هداكم، وإنّ أحق الناس مَن عَمِل به وإن لم يحفظه، وأبعدهم مَن لم يعمل به وإن كان يَقرأه. (3)

التفسير بالرأي

{12}

[58] مَن قال في القرآن برأيه فأصابَ فقد أخطأ. (4)

ص: 93


1- سورة الجن: 1- 2.
2- بحار الأنوار: ج 92 ص 27 ح 30 عن تفسير العياشي ج1 ص 6 ح 11 عن الحسن بن عليّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:...
3- إرشاد القلوب للحسن بن محمّد الديلمي ص 81.
4- إرشاد القلوب للديلمي ص 81.

لنكون في ذمة الله

{13}

[59] قال الطبراني: حدثنا ابراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا كثير من یحیی، حدثنا حفص بن عمر الرقاشي، حدثنا عبداللّه (1) بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «من قرأ آية الكرسي في دُبُر الصلاة المكتوبة كان في ذمّة اللّه إلى الصلاة الأخرى». (2)

من قرأ ثلاث آیات

{14}

[60] من قرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر إذا أصبح فمات من يومه ذلك طبع بطابع الشهداء، وإن قرأ إذا أمسى طبع بطابع الشهداء. (3)

دعوة مستجابة

{15}

[61] مَن قرأ القرآن كانت له دعوة مُجابة، إما معجّلة وإما مؤجّلة. (4)

ص: 94


1- عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أبو محمّد المدني وتوفّي في أوائل سنة (145) وله (75) سنة - التقريب ص 342.
2- المعجم الكبير للطبراني ج 3 ص 83 – 84 ح 2733 وج 8 ص 114 ح 7532 والمعجم الأوسط ج 8 ص 92 ح 8068 وعن الطبراني رواه السيد ابن طاووس في فلاح السائل ص 300 ح 201.
3- بحار الأنوار: ج 92 ص 310 عن الدرّ المنثور للسيوطي ج 6 ص 202 وفيه: عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):...
4- بحار الأنوار: ج 92 ص 204 ح 31 عن دعوات الراوندي قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):...

اقرأوا حين النوم

{16}

[12] عن أمّ موسى قالت: كان الحسن بن علي إذا أوى إلى فراشه بالليل أتي بلوح منقوش فيه سورة الكهف فيقرأها. قالت: وكان يطاف بذلك اللوح معه حيث طاف من نسائه(1).

أصحاب الأخدود

{17}

[63] أصحابُ الأخدودهم الحبشة. (2)

ص: 95


1- ملحقات الأحقاق ج 11 ص 114 رواه القوم: منهم العلامة الذهبي في سير أعلام النبلاء» (ج 3 ص 173 ط مصر). روی مغيرة بن مقسم، عن أمّ موسى، كان الحسن بن علي إذا أوى إلى فراشه قرأ الكهف. ومنهم العلامة ابن عساكر في تاريخ دمشق، ترجمة الامام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ص 144 تحت رقم: 242 - أخبرنا ابوالقاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو بكر البيهقي، أنبأنا أبو نصر ابن قتادة، أنبأنا أبو الحسن علي بن الفضل بن محمّد بن عقيل، أنبأنا أبوشعيب الحراني، أنبأنا علي بن المديني، أنبأنا جرير بن عبد الحميد، عن المغيرة:...
2- كنز العمّال ج 2 ص 549 ح 4700 قال: عن الحسن بن علي رضي اللّه عنهما في قوله تعالي: «أَصحَابُ الأُخدُودِ» البروج: 4 قال: هم الحبشة. ابن المنذر وابن أبي حاتم. عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال:...

موسی (عَلَيْهِ السَّلَامُ) والأجلين

{18}

[64] عن مقسم بن عبد الرحمن قال: قلت للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أيّ الأجلين قضی موسى؟ قال: أكثرها، قلت: فما كان إسم إمرأته؟ قال: بلا قيس. (1)

نعمة الربّ

{19}

[15] سأله رجل عن معنى قول اللّه: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(2) فقال: أمره أن يحدّث بما أنعم اللّه به عليه في دينه. (3)

فحيّوا بأحسن منها

{20}

[66] قال أنس: كنت عند الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فدخلت جارية بيدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها: أنت حرّة لوجه اللّه.

فقلت له: حيّتك جارية بطاقة ريحان لاخطر لها فأعتقتها؟

فقال: كذا أدّبنا اللّه تعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا»(4)

ص: 96


1- روی مجاهد بن جبر، عن عبدالرحمن، عن ابراهيم، عن آدم، عن سعد بن طريف، عن مقسم بن عبدالرحمن، قال:... تفسير مجاهد بن جبر المتوفی (102) ص 527 ط دار الفكر.
2- سورة الضحى: 11.
3- تحف العقول ص 177 حكم الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ومواعظه.
4- سورة النساء: 86.

وكان أحسن منها إعتاقها. (1)

معنى الخُلق العظيم

{21}

[17] إنّ اللّه عزّ وجلّ أدب نبيّه أحسن الأدب فقال: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»(2) فلمّا وعى الّذي أمره قال تعالى: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(3) فقال لجبرئيل (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وما العفو؟ قال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فلمّا فعل ذلك أوحى اللّه إليه «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(4).(5)

خذوا زينتكم

{22}

[68] كان الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه. فقيل له: يا ابن رسول اللّه لم تلبس أجود ثيابك؟

فقال: إن اللّه جميل يحبّ الجمال، فأتجمّل لربّي، وهو يقول: «وخُذُوا

ص: 97


1- وأورده ابن شهر آشوب في المناقب ج 4 ص 18 وعنه البحار ج 43 ص 343 و ج 84 ص 283 وفي ملحقات الإحقاق ج 11 ص 149 عن ربيع الأبرار مخطوط ص 251 رواه القوم: منهم العلامة الزمخشري في «ربيع الابرار» (ص 251 مخطوط) قال:...
2- سورة الأعراف: 199.
3- سورة الحشر: 7.
4- سورة القلم: 4.
5- بحار الأنوار: ج78 ص 114 عن العدد القويّة قال مولينا الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ...

زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»(1) فأحبّ أن ألبس أجود ثيابي(2).(3)

مَن كان عدوّاً لجبرئيل؟

[69] قوله عزّ وجلّ: «قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ»(4)

إنّ اللّه تعالی ذمّ اليهود في بغضهم لجبرئيل الّذي كان ينفذ قضاء اللّه بما يكرهون.

وذمهم أيضاً وذمّ النواصب في بغضهم لجبرئیل و میكائیل و ملائكة اللّه النازلين لتأييد علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلّا على الكافرين حتّی أذلّهم بسيفه الصارم، فقال:

قل يا محمّد:

«مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ» من اليهود لدفعه عن بخت نصّر أن يقتله دانیال من غير ذنب كان جناه بخت نصر حتّی بلغ كتاب اللّه في اليهود أجله، وحلّ بهم ما جرى في سابق علمه.

ص: 98


1- سورة الأعراف: 31.
2- تفسير العياشي: ج2 ص 14، الرقم 29 من سورة الأعراف الآية: 31
3- بحار الأنوار: ج 83 ص 175 عن العياشي: عن خيثمة بن أبي خيثمة قال:....
4- سورة البقرة: 97 – 98.

ومن كان أيضاً عدواً لجبرئيل من سائر الكافرين، ومن أعداء محمّد و علي المناصبين(1)، لأن اللّه تعالى بعث جبرئيل لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مؤيّداً، وله على أعدائه ناصراً.

ومن كان عدواً لجبرئيل لمظاهرته محمّداً و علياً (عَلَيْهِما السَّلَامُ) و معاونته لهما وانفاذه لقضاء ربّه عزّ وجلّ في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده.

«فَإِنَّهُ» يعني جبرئيل «نَزَّلَهُ» * يعني نزّل هذا القرآن «عَلَى قَلبِكَ» يامحمّد «باذن اللّه» بأمر اللّه، وهو كقوله:

«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ»(2)

«مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ» نزّل هذا القرآن جبرئيل على قلبك يامحمّد مصدّقاً موافقاً لما بين يديه من التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم وكتب شيث وغيرهم من الأنبياء. (3) (4)

ص: 99


1- «الناصبين» البحار، والبرهان.
2- سورة الشعراء: 193 - 195.
3- البحار: 9/ 284 صدر ح 2، وج39/ 103 صدر ح12، والبرهان: 1/ 133 صدر ح1.
4- قال الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قال الحسن (الحسين في البحار، وزاد في الاخير: بن أبي طالب) بن علی (عَلَيْهِ السَّلَامُ):...

فتمنّوا الموت

{24}

[70] إنّ اللّه تعالى لمّا وَبَّخَ هؤلاء اليهود على لسان رسوله محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وقطع معاذيرهم، وأقام عليهم الحجج الواضحة بأنّ محمّداً سيّد النبيّين وخير الخلائق أجمعين، وأنّ عليّاً سيّد الوصيّين، وخير من يخلفه بعده في المسلمين، وأنّ الطيّبين من آله هم القوّام بدين اللّه والأئمّة لعباد اللّه، وانقطعت معاذيرهم وهم لا يمكنهم إيراد حجّة ولا شبهة فلجؤوا إلى أن كابروا فقالوا: لاندري ما تقول، ولكنّا نقول: إنّ الجنّة خالصة لنا من دونك يا محمّد، ودون عليّ، ودون أهل دينك، وأمّتك، فإنّا بكم مبتلون ممتحنون، ونحن أولياء اللّه المخلصون، وعباده الخيّرون، ومستجاب دعاؤنا، غیر مرود علينا شيء من سؤالنا.

فلمّا قالوا ذلك قال اللّه تعالى لنبيه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «قُل» یا محمّد لهولاء اليهود «إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ» (1) الجنّة ونعيمها «خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ» (2) محمّد وعليّ والأئمّة وسائر الأصحاب و مؤمني الأمّة وأنّكم بمحمّد وذريّته ممتحنون، وأنّ دعاء كم مستجاب غیر مردود «فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ» (3) للكاذبين منكم ومن مخالفيكم، فإن محمّداً و علياً وذويهما يقولون: إنّهم أولياء اللّه عزّ وجلّ من دون الناس الّذين يخالفونهم في دينهم، وهم المجاب دعاؤهم، فإن كنتم معاشر اليهود كما تدّعون فتمنّوا الموت للكاذب منكم ومن مخالفیكم « إِنْ كُنْتُمْ

ص: 100


1- سورة البقرة: 94.
2- المصدر السابق.
3- سورة البقرة: 94.

صَادِقِينَ» أنّكم أنتم المحقّون المجاب دعاؤكم على مخالفيكم، فقولوا: اللّهمّ أمت الكاذب منّا ومن مخالفينا ليستريح منه الصادقون، وليزداد حجّتك وضوحاً بعد أن قد صحّت ووجبت.

ثمّ قال لهم رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بعد ما عرض هذا عليهم: لايقولها أحدٌ منكم إلّا غصّ بريقه فمات مكانه وكانت اليهود عالمين بأنّهم هم الكاذبون، وأنّ محمداً وعلياً ومصدّقيهما هم الصادقون، فلم يجسروا أن يدعوا بذلك، لعلمهم بأنّهم إن دعوا فهم الميّتون، فقال اللّه تعالى: «وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ»(1) یعنی اليهود لن يتمنّوا الموت بما قدّمت أيديهم من الكفر باللّه، وبمحمّد رسوله ونبيه وصفيّه، وبعليّ أخي نبيّه ووصيّه، وبالطاهرين من الأئمّة المنتجبين، فقال تعالى: «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ»(2) يعني اليهود، إنّهم لا يجسرون أن يتمنّوا الموت للكاذب، بعلمهم أنّهم هم الكاذبون، ولذلك أمرتك أن تبهرهم بحجّتك، وتأمرهم أن يدعوا على الكاذب ليمتنعوا من الدعاء، ويتبيّن للضعفاء أنّهم هم الكاذبون(3).

ص: 101


1- سورة البقرة: 95.
2- المصدر السابق.
3- بحار الأنوار: 17/ 220 – 225/ 24 «باب 1 إعجاز أم المعجزات: القرآن الكريم وفيه بيان حقيقة الإعجاز وبعض النوادر من أبواب معجزاته (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في تاريخ نبينا (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وفيه: قال الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قال الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ): الخبر:...

هل البسملة آية ؟

{25}

[71] إنّ بسم اللّه الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها «بسم اللّه الرحمن الرحیم» سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: إن اللّه عزّ وجلّ قال لي:

یا محمّد، «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» (1) فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإنّ اللّه عزّ وجلّ خصّ محمّداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وشرفه بها ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ما خلا سلیمان (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فإنّه أعطاه منها «بسم اللّه الرحمن الرحیم».

يحكي عن بلقيس حين قالت «أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» (2) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمّد وآله الطيّبين منقاداً لأمرهما مؤمناً بظاهرهما وباطنهما أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكلّ حرف منها حسنة، كلّ واحدة منها أضاف له من الدّنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومَن استمع الى قارىء يقرؤها كان له بقدر ما للقارىء، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فإنه غنيمة لايذهبن أوانه فتبقى قلوبكم الحسرة (3).

ص: 102


1- سورة الحجر: 87.
2- سورة النمل: 29 - 30.
3- عيون أخبار الرضا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) 1/ 301 – 302/ 60بهذا الإسناد: حدّثنا محمّد بن القاسم المفسر المعروف بأبي الحسن الجرجاني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد وعلي بن محمّد بن سیار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي عن أبيه بن محمد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه الحسن بن علي (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، قال: قال امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الخبر:... وتفسير الامام (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ص 29 وعنه البحار: ج92 ص 245.

ما معنى البسملة؟

{26}

[72] قام رجل الى علي بن الحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، فقال: أخبرني عن معنی بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال علي بن الحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ): حدّثني أبي، عن أخيه الحسن، عن ابيه امير المؤمنين (عَلَيْهِم السَّلَامُ) أنّ رجلاً قام إليه: فقال: يا أمير المؤمنین أخبرني عن بسم اللّه الرحمن الرحیم ما معناه ؟ فقال: إنّ قولك: اللّه أعظم أسم من أسماء اللّه عزوجل، وهو الإسم الّذي لا ينبغي أن يسمّى به غير اللّه ولم يتسمّ به مخلوق، فقال الرجل فما تفسير قوله: اللّه؟

قال: هو الّذي يتألّه اليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه، وتقطع الأسباب من كلّ من سواه وذلك إنّ كلّ مترئّس في هذه الدنيا ومتعظّم فيها وان عظم غناؤه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه اليه فإنّهم سيحتاجون حوائج لايقدر عليها هذا المتعاظم، وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع الى اللّه عند ضرورته و فاقته حتّی اذا كفی همّه عاد الى شركه.

أما تسمع اللّه عزّ وجلّ يقول: «قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ»(1) فقال اللّه عزّ وجلّ لعباده: إيها الفقراء الى رحمتي إني

ص: 103


1- سورة الأنعام، الآية 40 - 41.

قد الزمتكم الحاجة اليّ في كلّ حال، وذلّة العبودية في كلّ وقت، فإليّ فافزعوا في كلّ امر تأخذون فيه وترجون تمامه، وبلوغ غايته فإنّي إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم، وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على أعطائك، فأنا من سئل، وأولی من تضرع اليه، فقولوا عند افتتاح كلّ أمر صغير أو عظیم:

بسم اللّه الرحمن الرحيم أي أستعين على هذا الأمر باللّه الّذي لايحقّ العبادة لغيره، المغيث إذا استغيث، المجيب إذا دعي، الرحمن، الّذي يرحم ببسط الرزق علينا، الرحیم بنا في أدياننا وآخرتنا، وخفّف علينا الدين وجعله سهلاً خفيفاً، وهو يرحمنا بتميزنا من أعدائه ثمّ قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من حزنه أمر تعاطاه فقال: بسم اللّه الرحمن الرحيم وهو مخلص للّه يقبل بقلبه اليه لم ينفك من احدى اثنتين: إما بلوغ حاجته في الدنيا وإمّا يعدّ له عند ربّه، ويدّخر لديه، وما عند اللّه خير وأبقى للمؤمنين(1).

سورة الكافرون

{27}

[73] حكی أنّ بعض الزنادقة سأل الحسن بن علي رضي اللّه عنه عن قوله تعالى: «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ...»(2) إلى آخرها، فقال: إنّي أجد في القرآن تكراراً فأجابه الحسن بما حاصله: أنّ الكفار قالوا: نعبد إلهك شهراً، وتعبد آلهتنا شهراً، فجاء النّفي متوجهاً إلى ذلك(3).

ص: 104


1- التوحيد للصدوق ص 231 ط قم بإسناده عن محمّد بن القاسم الجرجاني المفسّر، عن أبي يعقوب يوسف بن محمّد بن زیاد، وأبي الحسن علي بن محمّد بن سیّار، عن الحسن العسكري (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قال: وقام رجل... الخبر:...
2- سورة الكافرون: 1- 6.
3- البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي ج 3 ص 21.

و المقصود أنّ هذه ليست من التكرار في شيء، بل هي بالحذف والاختصار أليق، وذلك لأنّ قوله: «لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ» أي لا أعبد في المستقبل ما تعبدون في المستقبل، وقوله: «وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ» أي ولا أنا عابد في الحال ما تعبدون في المستقبل.

والحاصل أنّ القصد نفي عبادته لآلهتهم في الأزمته الثلاثة: الحال والماضي والاستقبال، والمذكور في الآية النفي في الحال والاستقبال، وحذف الماضي من جهته ومن جهتهم، ولابد من نفيه لكنّه حذف لدلالة الأوّلين عليه.

یا محمّد اقض بيننا

{28}

[74] «وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ»(1) قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): إنّما أنزلت الآية لأن قوماً من اليهود، وقوماً من النصارى جاءوا إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقالوا: يا محمّد اقض بيننا. فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): قصوا عليّ قصتكم. فقالت اليهود: نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه، وليست النصارى علي شيء من الدين و الحق. وقالت النصارى: بل نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه وليست هؤلاء اليهود على شيء من الحق والدين.

فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): كلّكم مخطئون مبطلون فاسقون عن دين اللّه وأمره.

فقالت اليهود: كيف نكون كافرين وفينا كتاب اللّه التوراة نقرأه؟

وقالت النصارى: كيف نكون كافرين وفينا كتاب الأنجيل نقرأه ؟ فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): انكم خالفتم أيها اليهود والنصاری كتاب اللّه ولم تعملوا به، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضاً بغير حجة، لأن كتب اللّه أنزلها شفاء من العمى، وبياناً من الضلالة، يهدي العاملين بها الى صراط مستقیم،

ص: 105


1- سورة البقرة: 113.

كتاب اللّه اذا لم تعملوا به كان و بالا عليكم، وحجة اللّه اذا لم تنقادوا لها كنتم للّه عاصین ولسخطه متعرضين(1).

ومن كلامه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{29}

[70] لمّا قيل له في يوم حارّ: تجرّع، فقال: إنّما يتجرّع أهل النار(2).

أدبار السجود

[76] في قوله تعالى: «وَأَدْبَارَ السُّجُودِ»(3). قال: «أنها الركعتان بعد المغرب تطوّعاً»(4).

ص: 106


1- تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ص 544 عن الإمام الحسن المجتبى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وقال الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ):...
2- ملحقات الإحقاق ج11 ص 237. ورواه العلامة المجلسي في بحار الأنوار ج 16 ص 476. وفيه: عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه كره تجرّع اللبن و كان يعبّه عبّاً وقال: إنّما يتجرّع أهل النار. وقال ابن الأثير في النهاية ج 1 ص 261: في حديث الحسن بن علي رضي اللّه عنهما وقيل له في يوم حارّ: شرب في عجلة وقيل: هو الشرب قليلاً قليلاً، أشار به إلى قوله تعالى: «يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ »(ابراهیم: 17):...
3- سورة ق: 40.
4- فقه القرآن للراوندي ج1/ 86 وعنه مستدرك الوسائل ج 3/ 62 رقم 3029 عن الحسن بن على (عَلَيْهِ السَّلَامُ):...

ناشئة الليل

{31}

[77] روى أنّه كان الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لايزال مصليّاً ما بين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: إنّها ناشئة الليل(1).

أخبرني يا رسول الله

{32}

[78] جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فسأله اعلمهم، فقال له أخبرني عن تفسير سبحان اللّه والحمد للّه ولا اله إلّا اللّه واللّه اكبر.

فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عزّ وجلّ أن بني آدم يكذبون على اللّه عزّ وجلّ فقال سبحان اللّه براءة ممّا يقولون وأما قوله الحمد للّه فإنه علم أن العباد لايؤدّون شكر نعمته فحمد نفسه قبل أن يحمده العباد، وهو أول كلام لولا ذلك لما أنعم اللّه عزّ وجلّ على أحد بنعمة وقوله: لا اله إلّا اللّه يعني وحدانيته لايقبل اللّه الأعمال إلّا بها هي كلمة التقوى، يثقل اللّه بها الموازين يوم القيامة.

وأما قوله اللّه اكبر فهي كلمة أعلى الكلمات واحبّها الى اللّه عزّ وجلّ يعني أنّه ليس شيء اكبر منه، ولاتصحّ الصلاة إلّا بها لكرامتها على اللّه عزّ وجلّ وهو الاسم الأعز الأكرم، قال اليهودي صدقت يامحمّد فما جزاء قایلها؟ قال اذا قال العبد سبحان اللّه سبّح معه ما دون العرش، فيعطى قائلها عشر أمثالها.

ص: 107


1- كتاب الزهد لقائد الحنابلة احمد بن محمّد بن حنبل الشيباني المتوفي (241) ص 214 باسناده عن عبداللّه، عن حسن بن الصباح البزّاز، عن الحارث بن عطيّة، عن مخلّد بن الحسين، عن ابن جريح، قال: كان الحسن بن علي لا يزال مصلّياً... الخ. وعنه ملحقات الإحقاق ج 26 ص 529:...

اذا قال الحمد للّه، أنعم اللّه عليه بنعم الدنيا موصولاً بنعم الآخرة وهي الكلمة التي يقولها اهل الجنّة إذا دخلوها وينقطع الكلام الّذي يقولونه في الدنيا ما خلا الحمد للّه وذلك قوله عزّ وجلّ دعواهم فيها سبحانك اللّهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين، وأما قوله لا اله إلّا اللّه، فثمنها الجنّة وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان، قال هل جزاء من قال لا إله إلّا اللّه إلّا الجنّة فقال اليهودي صدقت يا محمد(1).

فضل الرجال على النساء

{33}

[79] جاء نفر من اليهود الى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وسأله اعلمهم عن مسائل منها أنّه قال: ما فضل الرجال على النساء؟ قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): كفضل السماء على الأرض، وكفضل الماء على الأرض، فبالماء يحيى الأرض، وبالرجال تحيى النساء، لولا الرجال ما خلق النساء لقول اللّه عزّ وجلّ: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»(2).

قال اليهودي: لأيّ شيء كان هكدا؟ قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): خلق اللّه عزّ وجلّ آدم من طين، ومن فضلته وبقيّته خلقت حوّاء وأول من أطاع النساء آدم، فأنزله اللّه من الجنّة، وقد بيّن فضل الرجال على النساء في الدنيا، إلّا ترى الى النساء كيف

ص: 108


1- علل الشرایع ج 1 ص 239 الصدوق: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه عن عمّه محمّد بن ابي القسم عن أحمد بن أبي عبداللّه عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي عن عبد اللّه بن جبلة، عن معاوية بن عمّار، عن الحسن بن عبداللّه بن آبائه عن جدّه الحسن بن علي بن ابي طالب (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، قال:...
2- سورة النساء: 34.

يحضن ولا يمكنهنّ العبادة من القذارة، والرجال لا يصيبهم شيء من الطمث.

قال اليهودي: صدقت يا محمد(1).

إني رسول الله إليكم

{34}

[80] جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال: يا محمّد أنت الّذي تزعم أنّك رسول اللّه وأنّك الّذي يوحي اليك كما أوحي الى موسی بن عمران؟ فسكت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ساعة ثمّ قال: نعم أنا سيّد ولد آدم ولافخر، وأنا خاتم النبيّين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين، قالوا: الى من؟ الى العرب أم الى العجم أم الينا؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: «قُل» يا محمّد «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا»(2).(3)

كلمات النبي إبراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{35}

[81] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن أبيه صلوات اللّه عليه في تفسير الكلمات التي ابتلی ابراهیم ربّه بها، وهي كما فسّرها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «يا اللّه،

ص: 109


1- بحار الأنوار: ج 9 ص 298 - 299 عن الامالي ص 117 وعلل الشرایع ج 2 ص 198 قال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ):...
2- سورة الأعراف: 158.
3- الأمالي للصدوق ص 112 والعلل ص 53 ومعاني الأخبار ص 51 وعن الأمالي والعلل، بحار الأنوار ج 9 ص 294 ماجيلويه، عن عمّه، عن البرقي، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي، عن عبداللّه بن جيلة، عن معاوية بن عمّار، عن الحسن بن عبداللّه، عن أبيه، عن جدّه الحسن ابن علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: ...

یارحمن، یاربّ، یاذالجلال والإكرام، يانور السماوات والأرض، ياقريب، يامجيب».

قال أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ):

دخل عبداللّه بن سلام ونحن نتذاكر هذا الحديث، فلمّا سمع عبداللّه كبّر، فدخل رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فرآه يكبّر ويهلّل؛ فقال: ما شأنك ياعبداللّه؟ فقال: یارسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ أنّ هذه الاسماء انزلها جبرئیل علی ابراهیم [وكان يردّدها ففيهنّ اتخذه اللّه خليلاً، وما من عبد يجمعهنّ في جوفه إلّا جعله اللّه في جوفه حجاباً لايخلص اليه الشيطان أبداً ولا يسلّط عليه أبداً حتّی يلقى اللّه على ذلك، فينزله دار الجلال، فمن دعا بهنّ في سبع ليال بقین من رجب عند انفجار الصبح اعطاه اللّه جوائزه وولايته.

فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): يا عبداللّه اتدري كيف فعل ابراهيم لما انزل اللّه عليه هؤلاء الكلمات؟ قال: لما نزل جبرئیل سأله ابراهیم كيف يدعو بهنّ؟ قال: صم رجباً حتّی اذا بلغت سبع ليال آخر ليلة قم فصلّ ركعتين بقلب وجل، ثمّ سل اللّه الولاية والمعونة والعافية والرفعة في الدنيا والآخرة والنجاة من النار (1).

سألت عن الناس

{36}

[82] سألت عن الناس فرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) (الناس) لأنّ اللّه تعالى يقول: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» (2) ونحن منه، وسألت عن أشباه الناس فهم شيعتنا وهم منّا وهم أشباهنا، وسألت عن النسناس فهم هذا السواد الأعظم وهو قول

ص: 110


1- بحار الأنوار: ج 97 ص 52 الرقم 42 عن نوادر الراوندي:...
2- سورة البقرة، 199.

اللّه تعالى في كتابه «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» (1). (2)

ونزعنا ما في صدورهم

{37}

[83] «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» (3). (4)

ص: 111


1- سورة الفرقان: 44.
2- أخرجه ثقة الاسلام الكليني في روضة الكافي ج 8 ص 244 بسنده عن ابن محبوب عن عبداللّه بن غالب عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال: سمعت علي بن الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و يقول: إنّ رجلاً جاء الى امير المؤمنين فقال: أخبرني إن كنت عالماً عن الناس وعن أشباه الناس وعن النسناس؟ فقال أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ياحسين أجب الرجل فقال الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أما قولك أخبرني عن الناس فنحن الناس ولذلك قال اللّه تبارك وتعالى ذكره في كتابه (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) فرسول اللّه أفاض بالناس في حديث طويل. احمد بن صبيح ابو عبداللّه الأسدي كوفي ثقة والزيدية تدّعيه وليس بصحيح له كتب منها: التفسير. رجال الشيخ والنجاشي. الحسين بن علوان الكوفي أبو علي الكلبي ثقة. قاله النجاشي وقال ابن عقدة: أن الحسن كان أوثق من أخيه (الحسين) وأحمد عند أصحابنا. هذا وعدّه الكشي في جماعة من العامة ممن لهم ميلٌ ومحبة شديدة لأهل البيت. وقد قيل أنّه كان مستوراً ولم يكن مخالفاً. فرات قال: حدثني عبيد بن كثير قال: حدّثنا أحمد بن صبيح رجلٌ إلى علي فقال: یا امیر المؤمنين أخبرنا عن الناس وأشباه الناس والنسناس؟ قال: فقال علي: أجبه یا حسن. قال: فقال له الحسن:...
3- سورة الأعراف: 43 - حجر: 47.
4- شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 ص200 باسناده عن أبي سعد السعدي، عن أبي بكر القطيعي، عن عبداللّه بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن سفيان، عن موسى الجهني عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)... الخبر. ورواه المجلسي (قدّس سرّه) في بحارالأنوار: ج 24 ص 264 عن «العمدة» باسناده عن عبداللّه بن احمد بن حنبل عن أبيه الخبر في الفضائل ج 2 ص 597 ح 1018. وأورده الشيخ سليمان النقش بندي الحنفي في الينابيع ج 1 ص 354 ح 3. عن الحسن بن عليّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال:...

السابقون السابقون

{38}

[84] في قوله عزّ وجلّ: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1) قال: إنّي أسبق السابقين الى اللّه والی رسوله، وأقرب المقرّبين الى اللّه والی رسوله(2).

ومن يطع الله والرسول

{39}

[85] جاء رجل من الأنصار الى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فقال: يارسول اللّه ما استطيع فراقك وإني لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي وأقبل حتّی أنظر اليك حبّاً لك فذكرت اذا كان يوم القيامة وأدخلت الجنّة فرفعت في أعلى علّيّين فكيف لي بك یا نبي اللّه؟ فنزل: ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من

ص: 112


1- سورة الواقعة: 10 - 11.
2- كنز الفوائد ص 369 باسناده، عن محمّد بن العبّاس عن ابن عقدة، باسناده عن سليم بن قیس، عن الحسن ابن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، عن أبيه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)؟ قال: إني أسبق... وعنه بحار الأنوار: ج 24 ص 8 ح 22.

النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً. فدعا النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الرجل فقرأها عليه وبشّره بذلك(1).

وقفوهم إنّهم مسؤولون

{40}

[89] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إنّ أبابكر منّي بمنزلة السمع، وإنّ عمر منّي بمنزلة البصر، وإنّ عثمان منّي بمنزلة الفؤاد. قال: فلمّا كان من الغد دخلتُ اليه وعنده امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأبو بكر وعثمان، فقلت له: يا أبه سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولاً، فما هو؟ فقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): نعم، ثمّ أشار بيده اليهم فقال: هم السمع والبصر والفؤاد سيُسألون عن ولاية وصيّي هذا وأشار الى علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ثمّ قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»(2) ثمّ قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وعزة ربّي أنّ جميع امّتي لموقوفون يوم القيامة ومسؤولون عن ولايته وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(3).(4)

ص: 113


1- أمالي الشيخ 2/ 234 باسناده عن جماعة عن ابي المفضّل، عن جعفر بن محمّد بن جعفر بن الحسن العلوي الحسيني، عن موسى بن عبداللّه بن حسن عن أبيه عن جدّه عن ابيه وخاله علي بن الحسين عن الحسن والحسین ابن علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ):... وعنه البحار: 8/ 188 وج 68 ص 70 رقم 127.
2- سورة الاسراء: 36.
3- سورة الصافات: 24.
4- معاني الأخبار للصدوق ص 387 ح 23 فيه: حدّثنا ابو القاسم علي بن أحمد بن موسی بن عمران الدقاق، قال: حدّثنا محمّد بن ابي عبداللّه الكوفي، قال: حدّثنا سهل بن زياد الأدمي، عن عبد العظيم بن عبداللّه الحسني، قال: حدّثني سيّدي علي بن محمّد بن علي الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:...

أصحاب الأخدود

{41}

[87] كان أصحاب الأخدود خدو الخدود وملؤوها ناراً، فألقوا فيها من آمن باللّه وتركوا من كفر، فألقوا بضعة وثمانين مؤمناً، حتّی أتوا على عجوز كبيرة وابنها خلفها صبي صغير، فلما رأت النار كيف تأخذهم، جزعت قالت: يابني أما ترى؟ قال لها ابنها: يا أمتاه امضى ولاتنافقي. فمضت واقتحم ابنها على اثرها. قال الحسن: كانت لذعة نار ثمّ لانار عليهم آخر ما عليهم. ثمّ قال: ياسبحان اللّه، ما أصبر اللّه، انهم يعذبون أولياءه بالنار وهو يدعوهم إلى التوبة، ثمّ قرأ «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» يقول: أحرقوا المؤمنين والمؤمنات «ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا»(1) أي: فلو تابوا لتاب اللّه عزّ وجلّ عليهم.

رواه أبو الحجاج مجاهد بن حبر المكي المخزومي في «تفسيره» ج 2 ص 767 ط مجمع البحوث باكستان(2).

ص: 114


1- سورة البروج: 10.
2- ملحقات الإحقاق ج19 ص 351.

يوم الفرقان

{42}

[88] كانت ليلة الفرقان «يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ»(1) لسبع عشرة من رمضان(2).

أهل البيت هم الأبرار

{43}

[89] كلّ ما في كتاب اللّه عزّ وجلّ: «إِنَّ الأَبرَارَ»(3) فواللّه ما أراد به إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين، لأنّا نحن أبرار بآبائنا وأمّهاتنا، وقلوبُنا علت بالطاعات والبر، وتبرأت من الدنيا وحبّها، وأطعنا اللّه في جميع فرائضه، وآمنّا بوحدانيّته، وصدّقنا برسوله(4).

ص: 115


1- سورة الأنفال: 41.
2- تاریخ الطبری ج 2 ص 420 باسناده عن ابن حميد، عن يحيى بن واضح، عن يحيى بن يعقوب أبي طالب، عن أبي عون محمّد ابن عبيد اللّه الثقفي، عن أبي عبدالرحمن السلمي عبداللّه بن حبيب قال: قال الحسن بن علي بن ابي طالب: كان:...
3- سورة الانسان: 5 - الانفطار: 13 - المطففين: 18 و22.
4- بحار الأنوار: ج 24 ص 3 ح 9 عن المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 171 عن الشيرازي في كتابه بالإسناد عن الهذيل، عن مقاتل، عن محمّد بن الحنفيّة، عن الحسن ابن على (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: كلّ ما في كتاب ...

هجرة الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)

{44}

[90] لمّا بعث اللّه محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بمكّة وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أعيانهم(1) في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساؤا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنيّة كانت للقوم من خيار أصحاب محمّد وشيعة عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها، وأذى(2) محمّد وأصحابه و ألجاؤه إلى الخروج من مكّة نحو المدينة التفت خلفه اليها وقال: «اللّه يعلم إنّني أحبُك، ولولا أنّ أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً، ولا ابتغيت عليك بدلاً، وإنّي لمغتم على مفارقتك» فأوحى اللّه إليه: يا محمّد العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام، ويقول: سنردّك إلى هذا البلد ظافراً غانماً سالماً قادراً قاهراً، وذلك قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ»(3) يعني الى مكّة غانماً ظافراً، فأخبر بذلك رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) و أصحابه فاتّصل بأهل مكّة فسخروا منه، فقال اللّه تعالی الرسوله: سوف يظفرك(4) اللّه بمكة، ويجري عليهم حكمي، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتّی لايدخلها أحد منهم إلّا خائفاً، أو دخلها مستخفياً من أنّه إن عثر عليه قتل، فلمّا حتم قضاء اللّه بفتح مكّة واستوسقت له أمّر عليهم عتّاب بن أسيد، فلمّا اتّصل بهم خبره قالوا: إنّ محمّداً لايزال يستخفّ بنا حتّی ولّی

ص: 116


1- ولا يكاتبه خ ل.
2- في نسخة: و إيذاء محمّد.
3- سورة القصص، الآية 85
4- في المصدر: سوف يظهرك اللّه بمكّة.

علينا غلاماً حدث السنّ ابن ثمانية عشر سنة، ونحن مشایخ ذوي الأسنان وجيران حرم اللّه الأمن، وخير بقعة على وجه الأرض وكتب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لعتّاب بن أسيد عهداً على مكّة وكتب في أوله: من محمّد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إلى جيران بيت اللّه الحرام، وسكّان حرم اللّه، أما بعد فمن كان منكم باللّه مؤمناً، وبمحمّد رسوله في أقواله مصدّقاً، وفي أفعاله مصوّباً، ولعليّ أخي محمّد رسوله ونبيّه وصفيّه ووصيّه وخير خلق اللّه بعده موالياً فهو منّا وإلينا ومن كان لذلك أو لشيء منه مخالفاً فسحقاً وبعداً لأصحاب السعير، لا يقبل اللّه شيئاً من أعماله، وإن عظم وكبر (1) يصليه نار جهنّم خالداً (2) مخلّدا أبداً، وقد قلّد محمّد رسول اللّه عتّاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم، وقد فوّض اليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم وتقويم أود (3) مضطربكم، وتأديب من زال عن أدب اللّه منكم لما علم من فضله عليكم من موالاة (4) محمّد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، ومن رجحانه في التعصّب لعليّ وليّ اللّه، فهو لنا خادم، وفي اللّه أخ، ولأوليائنا موال، ولاعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكيّة، وشمس مضيئة (5)، قد فضّله اللّه على كافّتكم بفضل موالاته ومحبّته لمحمّد وعلي والطيّبين من الهما، وحكّمه (6) عليكم يعمل بما يريد اللّه فلن يخلّيه من توفيقه. كما أكمل من موالاة محمّد وعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) شرفه

ص: 117


1- في المصدر، وكثر.
2- خالداً فيها خ ل.
3- الاود: الاعوجاج.
4- في موالاة.
5- زاد في المصدر، وقمر صفی. منير خ ل» وفي نسختى المخطوط، وقر مضيء.
6- وحكمته خ ل. أقول: يوجد ذلك في المصدر.

وحظّه لايؤامر رسول اللّه ولا يطالعه(1)، بل هو السديد الأمين، فليطمع المطيع منكم بحسن معاملته شريف الجزاء، وعظيم الحباء وليتوقّى المخالف له شدید العذاب(2)، وغضب الملك العزيز الغلّاب(3)، ولا يحتجّ محتجّ منكم في(4) مخالفته بصغر سنّه، فليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر، وهو الأكبر في موالاتنا وموالاة أوليائنا، ومعاداة أعدائنا، فلذلك جعلناه الأمير عليكم، والرئيس عليكم، فمن أطاعه فمرحبا به ومن خالفه فلايبعّد اللّه غيره.

قال:

فلمّا وصل اليهم عتّاب و قرأ عهده ووقف موقفاً ظاهراً نادي في جماعتهم حتّی حضروه، وقال لهم: معاشر أهل مكة إن رسول اللّه بي رماني بكم شهاباً محرقا لمنافقكم(5)، ورحمة وبركة على مؤمنكم(6)، وإنّي أعلم الناس بكم وبمنافقكم(7)، وسوف آمركم بالصلاة فيقام(8) بها، ثمّ أتخلف(9) أراعي الناس، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حقّ المؤمن على المؤمن، ومن وجدته قد

ص: 118


1- ولا يكاتبه خ ل.
2- في المصدر: فليعمل المطيع منكم وليف بحسن معاملته ليسر بشریف الجزاء و عظیم الحباء وليوفر المخالف له بشديد العقاب.
3- الغلّاب: الكثير الغلبة.
4- الى مخالفته خ ل.
5- في المصدر: لمنافقيكم.
6- في المصدر: على مؤمنیكم.
7- في المصدر: وبمنافقیكم.
8- فيقام لها خ ل.
9- اختلف خ ل.

بعد عنها فتّشته(1)، فإن وجدت له عذراً عذّرته(2)، وإن لم أجد له عذرا ضربت عنقه حكما(3) من اللّه مقضيّاً على كافّتكم لأطهّر حرم اللّه من المنافقين، أما بعد فإنّ الصدق أمانة، والفجور خيانة، ولن تشيع الفاحشة في قوم إلّا ضربهم اللّه بالذلّ، قويّكم عندي ضعيف حتّی آخذ الحقّ منه وضعيفكم عندي(4) قويّ حتّی آخذ الحقّ له، اتّقوا اللّه وشرّفوا بطاعة اللّه أنفسكم، ولا تذلّوها بمخالفة ربّكم. ففعل واللّه كما قال، وعدل وأنصف وأنفذ الأحكام، مهتديا بهدى اللّه، غير محتاج الى مؤامرة ولا مراجعة (5).(6)

ص: 119


1- في المصدر المطبوع، وقد قعد عنها فتشته. وفي المخطوط: قد قعد عنها كبسته (فتشته خ ل
2- في المصدر: وان وجدت له عذراً اعذرته.
3- حتما خ ل. أقول: يوجد ذلك في المصدر.
4- معي خ ل.
5- تفسير المنسوب إلى العسكري (عَلَيْهِ السَّلَامُ): 230 و 231.
6- قوله عزّ وجلّ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» البقرة: 114 قال الإمام:... وعنه البحار: ج 21 ص 121 - 124. ولا يخفى أنّ في المصدر: قال الإمام: قال عليّ بن الحسین. وفي نسخة: قال الحسين. وفي البحار: قال الحسن بن علي.

هكذا يقضي الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{45}

[91] فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قولوا لأمير المؤمنين إنّ هذا إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا، وقد قال اللّه عزّ وجلّ: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(1) يخلّى عنهما، ويخرج دية المذبوح من بيت المال(2)

ص: 120


1- سورة المائدة: 32.
2- فروع الكافي ج 7، ص 289 و 290 ح 2 وعنه بحار الأنوار ج 40 ص 315 و 316 ح 91 وحلية الأبرار ج 3 ص 36 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: أخبرني بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قال: أتي أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) برجل وجد في خربة، وبيده سكین ملطّخ بالدم، وإذا رجل مذبوح يتشحّط في دمه، فقال له أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ماتقول؟ قال: يا أمير المؤمنين أنا قتلته، قال: اذهبوا به فاقتلوه به. فلما ذهبوا به ليقتلوه به، أقبل رجل مسرّع، فقال: لا تعجلوا ردّوه إلى أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فردّوه، فقال: واللّه يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه أنا قتلته. فقال أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) للأول: ما حملك على إقرارك علىّ نفسك؟ فقال: يا أمير المؤمنين وما كنت أستطيع أن أقول، وقد شهد علي أمثال هؤلاء الرجال، وأخذوني وبيدي سكّين ملطخ بالدم، والرجل يتشحّط في دمه، وأنا قائم عليه، وخفت الضرب وأقررت، وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة، وأخذني البول، فدخلت الخربة، فرأيت الرجل يتشحّط في دمه، فقمت متعجّباً فدخل علىَّ هؤلاء فأخذوني. فقال أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ): خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وقولوا له: ما الحكم فيهما؟ قال: فذهبوا إلى الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وقصّوا عليه قصّتهما.

هؤلاء أهل بيتي

{46}

[92] لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أنا وأخي وأمي وأبي، فجللنا ونفسه في كساء لأم سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها، فقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء أهلي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. فقالت أم سلمة رضي اللّه عنها: أدخل معهم یا رسول اللّه؟ فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لها: يرحمك اللّه أنت على خير والی خير وما أرضاني عنك ولكنها خاصة لي ولهم.

ثمّ مكث رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بعد ذلك بقية عمره حتّی قبضه اللّه اليه يأتينا كلّ يوم عند طلوع الفجر فيقول «الصلاة يرحمكم اللّه «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)».(2)

ص: 121


1- سورة الاحزاب: 33.
2- امالي الطوسي ص 575 - 576 «قال الإمام الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الخبر. وأورده إبن المغازلي الشافعي في «المناقب» ص 302 وقال: أخبرنا محمّد بن اسماعيل بن الحسن العلوي، أخبرنا أبو محمّد عبداللّه بن محمّد بن عثمان الملقّب بابن السقّاء الحافظ، حدّثنا علي بن العباس، حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسین، حدّثنا حسن بن الحسين، حدّثنا عن عبدالرحمن بن محمد، عن أبيه، عن ابي اليقطان، عن زاذان، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال: لمّا نزلت آية التطهير جمعنا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) في كساء لامّ سلمة خيبريّ، ثمّ قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً:...

وأمر أهلك بالصلاة

{47}

[13] لمّا نزلت هذه الآية: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»(1) كان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يأتي باب عليّ وفاطمة [عند] كلّ صلاة فيقول: الصلاة رحمكم اللّه «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ»(2).(3)

ص: 122


1- سورة طه: 132.
2- سورة الأحزاب: 33.
3- ولحديث ابي الحمراء هذا طرق كثيرة ومصادر، وقد رواه الحبري بسندين آخرين في آخر الأحاديث التي أوردها في تفسير آية التطهير من تفسيره ص 75 - 77 ط1. ورواه عنه وعن غيره المصنف الحافظ تحت الرقم: (700- 703) وفي الحديث: (766) و (771) وما بعده الآتية في تفسير آية التطهير. ولرواية أبي الحمراء هذه شواهد كثيرة من روايات أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك فراجعها وما علّقناه عليها في الأحاديث التي أوردها المصنّف في شأن نزول آية التطهير الآتية. وقال ابن عساكر في الحديث: (315) من ترجمة امير المؤمنین ص 89 من تاريخ دمشق: أخبرنا أبو غالب بن البناء انبأنا أبو الحسين بن النرسي أنبأنا موسی بن عیسی بن عبداللّه السرّاج، أنبأنا عبداللّه بن سليمان، أنبأنا إسحاق بن ابراهيم شاذان، أنبأنا الكرماني بن عمرو أنبأنا سالم بن عبيد اللّه ابو حمّاد أنبأنا عطيّة العوفي: وأورده الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج 1 ص 497، رقم 526. أخبرنا الحاكم الوالد ابو محمّد رحمه اللّه أنّ أبا حفص أخبرهم ببغداد، قال: حدّثنا احمد بن محمّد بن سعيد الهمداني قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الخزّاز، قال: حدّثنا ابي قال: حدّثنا حصين، عن عبداللّه بن الحسن، عن أبيه عن جدّه قال: قال ابوالحمراء خادم النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ):...

اتقوا الله في أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)

{48}

[94] سئل الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن هذه الآية «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(1) أخاصة هي أم عامة قال: نزلت في قوم خاصة، فتعقيب عامة، ثمّ جاء التخفيف بعدنا «اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(2)، فقيل يابن رسول اللّه فيمن نزلت هذه الآية فنكت الأرض ساعة، ثمّ رفع بصره ثمّ نكس رأسه ثمّ رفع.

فقال لما نزلت هذه الآية «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3) فقال بعض القوم ما انزل اللّه هذا إنّما يريد أن يرفع بضبع ابن عمّه قالوها حسداً وبغضاً لأهل بيت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، فأنزل اللّه تعالى «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ»(4) ولاتعتدّ هذه المقال ولا يشقّ عليك ما قالوا من قبل؛ فإنّ اللّه يمح الباطل ويحقّ الحق بكلماته أنّه عليهم بذات الصدور.

فشقّ ذلك على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، وحزن على ما قالوا وعلم أنّ القوم غير تاركین الحسد والبغضاء فنزلت هذه الآية «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ»(5)، فلمّا نزلت هذه الآية

ص: 123


1- سورة آل عمران: 102.
2- سورة التغابن: 16.
3- سورة الشوری: 23.
4- سورة الشوری: 26.
5- سورة الأنعام: 33.

«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(1) قال يوم غدیر خم، «من كنت مولاه فإن عليا مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه».

فوقع في قلوبهم ما وقع تكلّموا فيما بينهم سرّاً حتّی قال احدهما لصاحبه من يلي بعد النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ومن يلي بعدك هذا الأمر لانجعلها في اهل البيت أبداً فنزل ومن يبدّل نعمة اللّه من بعد ما جاءته فانّ اللّه شديد العقاب، ثمّ نزلت «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»، «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» الى قوله «وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(2). (3)

الشاهد و المشهود

{49}

[90] أنّ رجلاً قال: دخلت مسجد المدينة فإذا أنا برجل يحدّث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) والناس حوله، فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، قال: نعم، أما الشاهد فيوم الجمعة، وأما المشهود فيوم عرفة، فجزته الى آخر يحدّث عن رسول اللّه، فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، فقال: نعم، وأمّا الشاهد فيوم الجمعة وأمّا المشهود فيوم النحر، فجزتهما إلى غلام آخر كأنّ وجهه الدنيار وهو يحدّث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)؟ فقلت: أخبرني عن شاهد و مشهود، فقال: نعم، أمّا الشاهد فمحمّد، وأما المشهود فيوم القيامة، أما سمعته يقول: «يَا أَيُّهَا

ص: 124


1- سورة المائدة: 67.
2- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى للطبري الإمامي ص 196،- 197.
3- الطبري الامامي، حدّثنا أحمد بن ابي طيب بن شعيب، عن أبي الفضل، عن أحمد بن هاشم، أخبرنا مالك بن سليمان، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن الأجلح، عن الشعبي، قال:...

النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا»(1) وقال تعالى «ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ»(2).

فسألت عن الرجل الأوّل فقالوا: ابن عباس، وعن الثاني فقالوا: ابن عمر، وسألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي بن ابي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، فكان قول الحسن أحسن(3).

سیف علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{50}

[96] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى: «فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ» قال: استوى الإسلام بسيف عليّ بن أبي طالب(4)

ص: 125


1- سورة الأحزاب: الاية 45.
2- سورة هود، الآية 103.
3- ملحقات الإحقاق ج 11 ص 106. وأورده الطبرسي في مجمع البيان ج 10 ص 466 والمجلس في البحار ج 43 ص 367 عن كشف الغمّة وفي ج 89 ص 263 عن مجمع البيان ج 10 ص 466. رواه القوم: منهم العلامة محمّد بن طلحة الشافعي في «مطالب السؤول» (ص 65 ط طهران) قال: وروى الإمام ابو الحسن علي بن احمد الواحدي (ره) في تفسيره المسمّى بالوسيط مايرفعه بسنده: ...
4- في تفسير «التبيان» (ص 192 مخطوط) للعلامة الشيخ خضر بن عبدالرحمان الأزدي وفي «أرجح المطالب» (ص 88 طبع لاهور) للعلامة الامر تسير. وفي ملحقات الاحقاق ج 14 ص 322.

حسنة الدارین

{51}

[97] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً»(1): هي العلم والعبادة في الدنيا، والجنّة في العقبي(2).

انهم أهل الشوم

{52}

[98] لما بلغ امير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لا أمر معاوية وأنه في مائة الف.

قال: من أيّ القوم؟

قالوا: من أهل الشام

قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لاتقولوا من أهل الشام، ولكن قولوا من أهل الشوم من أبناء مضر(3) لعنوا على لسان داود فجعل (اللّه) (4) منهم القردة والخنازير، ثمّ كتب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الى معاوية لاتقتل الناس بيني وبينك (ولكن) (5) هلمّ إلى المبارزة فإن انا قتلتك فالى النار أنت وتستريح الناس منك ومن ضلالتك، وان (أنت) (6) قتلتني فانا

ص: 126


1- سورة البقرة: 201.
2- تعاليم الامام الحسن المجتبی (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ص325 ح104 عن الإثنی العشرية ص53: ...
3- في نسخة «خ» والبحار: مصر.
4- ليس في البحار.
5- ليس في المصدر.
6- ليس في المصدر والبحار.

في(1) الجنّة ويغمد عنك السيف الّذي لايسعني غمده حتّی اردّ مكرك (وخديعتك) (2) وبدعتك وانا الّذي ذكر اللّه اسمه في التوراة والانجيل بموازرة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وأنا أول من بايع رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) تحت الشجرة في قوله: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»(3)

فلمّا قرأ معاوية كتابه وعنده جلساؤه قالوا: واللّه لقد انصفك.

فقال: معاوية واللّه ما أنصفني واللّه لأرمينه بمائة الف سيف من أهل الشام من قبل أن يصل اليّ، وواللّه ما أنا من رجاله ولقد سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: واللّه يا علي لو بارزك اهل المشرق والمغرب (4)لقتلتهم أجمعين.

فقال له رجل من القوم: فما يحملك يا معاوية على قتال من تعلم وتخبر فيه عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بما تخبر ما أنت ونحن في قتاله إلّا على ضلالة؟

فقال [معاوية ] (5): انما هذا بلاغ من اللّه (ورسالاته) (6) واللّه ما استطيع أنا واصحابي ردّ ذلك حتّی يكون ماهو كائن.

قال: وبلغ ذلك ملك الروم واخبر ان رجلين قد خرجا يطلبان الملك، فقال: من أين خرجا؟

فقيل له: رجل بالكوفة ورجل بالشام.

ص: 127


1- في المصدر والبحار: إلى.
2- ليس في المصدر والبحار.
3- سورة الفتح: 18.
4- في المصدر: اهل الشرق والغرب.
5- من المصدر والبحار
6- ليس في البحار.

قال: [: فلمن الملك الآن] (1) فأمر (الملك) (2) وزراء فقال: تخللوا هل تصيبون تجّار العرب(3) من يصفهما لي، فأتي برجلين من تجّار الشام ورجلين من تجّار مكّة فسألهم(4) عن صفتهما فوصفوهما (له) (5)، ثمّ قال لخزان بيوت خزائنه: اخرجوا الي الاصنام فاخرجوها فنظر اليها. فقال: الشامي ضالّ، والكوفي هاد.

ثم كتب الى معاوية أن ابعث اليّ أعلم أهل بيتك، وكتب(6) إلى امیر المؤمنين أن ابعث إليّ أعلم أهل بيتك، فاسمع منهما ثمّ انظر في الانجيل كتابنا ثمّ اخبر كما من احق بهذا الأمر وخشي على ملكه.

فبعث معاوية يزيد ابنه، وبعث امير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الحسن ابنه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فلمّا دخل یزید - لعنه اللّه - على الملك أخذ بيده وقبلها ثمّ قبل رأسه، ثمّ دخل عليه الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال: الحمد للّه الّذي لم يجعلني يهودياً ولانصرانيّاً ولا مجوسياًّ ولا عابداً للشمس و(لا) (7) للقمر ولا لصنم ولالبقر وجعلني حنيفاً مسلماً ولم يجعلني من المشركين وتبارك اللّه ربّ العرش العظيم والحمد للّه ربّ العالمين، ثمّ جلس لايرفع بصره. فلمّا نظر ملك الروم الى الرجلين اخرجهما ثمّ فرّق بينهما

ص: 128


1- من المصدر.
2- ليس في المصدر.
3- كذا في المصدر والبحار، وفي الأصل: التجّار من المغرب.
4- كذا في المصدر، وفي الأصل: فسألهما.
5- ليس في نسخة «خ».
6- في نسخة «خ»: وبعث.
7- ليس في المصدر والبحار.

ثمّ بعث الى يزيد فاحضره ثمّ أخرج من خزائنه(1) ثلاثمائة وثلاثة عشر صندوقاً فيها تماثيل الأنبياء (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وقد زينت بزينة كلّ نبي مرسل.

فأخرج صنماً فعرضه علی یزید فلم يعرفه، ثمّ عرض عليه صنماً صنماً فلا يعرف منها شيئاً ولا يجيب منها بشيء، ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع وعن أرواح الكفّار أين تكون إذا ماتوا فلم يعرف من ذلك شيئاً.

ثم دعا الملك الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال: انّما بدأت بیزید بن معاوية لكي(2) يعلم انّك تعلم مالايعلم ويعلم أبوك مالا يعلم أبوه، فقد وصف [لي] (3) أبوك وأبوه ونظرت في الانجيل فرأيت فيه محمداً رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) والوزير عليّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ونظرت في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمّد رسول اللّه.

فقال له الحسن: سلني عما بدا لك مما تجدّه في الانجيل، وعما في التوراة، وعما في القرآن أخبرك به إن شاء اللّه تعالی.

فدعا الملك بالاصنام فاوّل صنم عرض عليه في صفة(4) القمر، فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هذه صفة آدم أبي البشر.

ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس، فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هذه صفة حواء أم البشر.

ثم عرض عليه آخر في صفة (5) حسنة فقال: هذه صفة شيث بن آدم وكان

ص: 129


1- في نسخة «خ»: خزانته.
2- في المصدر والبحار: كي.
3- من المصدر والبحار.
4- في المصدر: صورة.
5- في المصدر: صورة.

أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة واربعين عاماً.

ثم عرض عليه صنماً آخر (1) فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة وكان عمره الف (سنة) (2) واربعمائة سنة ولبث في قومه الف سنة إلّا خمسين عاماً.

ثم عرض عليه (صنماً ) (3) آخر فقال: هذه صفة ابراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عريض الصدر طويل الجبهة.

ثم عرض عليه (4) صنماً آخر فقال: هذه صفة اسرائيل وهو يعقوب.

ثمّ عرض عليه (5) صنماً آخر فقال: هذه صفة اسماعيل.

ثم أخرج اليه صنماً آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن اسحاق [ابن ابراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)] (6).

ثم أخرج صنماً (7)آخر فقال: هذه صفة موسی بن عمران وكان عمره مائتين وأربعين سنة وكان بينه وبين ابراهيم خمسمائة عام.

ثم أخرج اليه صنماً آخر فقال: هذه صفة داود صاحب الحرب.

ثمّ أخرج اليه صنماً آخر فقال: هذه صفة شعيب.

ثمّ زكریا ثمّ يحيى ثمّ عیسی بن مریم روح اللّه وكلمته وكان عمره في الدنيا

ص: 130


1- في المصدر: «أخرى» بدل «صنم آخر».
2- ليس في المصدر والبحار.
3- ليس في المصدر.
4- في المصدر والبحار: ثمّ أخرج اليه.
5- في المصدر والبحار: ثمّ أخرج اليه.
6- من المصدر والبحار.
7- في المصدر: ثمّ عرض عليه صنماً.

ثلاثة وثلاثين سنة، ثمّ رفعه اللّه الى السماء ويهبط الى الأرض بدمشق وهو الّذي يقتل الدجال.

ثم عُرِض عليه صنماً صنماً فيخبر باسم نبي نبي.

ثم عرض عليه الأوصياء والوزراء فكان يخبر باسم وصيّ وصيّ ووزير وزیر.

ثم عرض عليه أصناماً بصفة الملوك فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الانجيل ولافي الزبور ولا في القرآن فلعلّها من صفة الملوك.

فقال الملك: اشهد عليكم يا أهل بيت محمد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) انّكم قد اعطيتم علم الأولين والآخرين وعلم التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم والواح موسی (عَلَيْهِ السَّلَامُ).

ثم عرض [عليه] (1) صنماً يلوح فلمّا راه الحسن (2) بكی بكاء شديداً، فقال له الملك: ما يبكيك؟

فقال: هذه صفة جدي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كثیف(3) اللحية، عريض الصدر، طویل العنق، عريض الجبهة، اقني الأنف، أبلج(4) الأسنان، حسن الوجه، قطط الشعر، طيب الريح، حسن الكلام، فصيح اللسان، كان يأمر بالمعروف وينهي

ص: 131


1- من المصدر.
2- في المصدر والبحار: «فلمّا نظر اليه» بدل «راه الحسن».
3- في البحار: كث.
4- كذا في المصدر، وفي الأصل: بلج، وفي البحار: أفلج، وأبلج الأسنان من أبلج الصبح: أضاء وأشرق.

عن المنكر بلغ عمر[ه] (1) ثلاثاً وستين سنة ولم يخلف بعد [ه] (2) إلّا خاتماً مكتوب عليه: لا اله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه وكان يتختّم بيمينه(3) وخلّف سيفه ذا الفقار وقضيبه وجبة صوف و كساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطه حتّی لحق باللّه.

فقال الملك: أنا نجد في الانجيل أنّه(4) يكون له ما يتصدق به على سبطيه

فهل كان ذلك؟

فقال له الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قد كان ذلك.

فقال الملك: فبقى لكم ذلك؟

فقال: لا.

فقال الملك: لهذه اول فتنة هذه الأمة عليها ثمّ على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية نبيهم، منكم القائم بالحقّ والأمر بالمعروف والناهي عن المنكر.

قال: ثمّ سأل الملك الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن سبعة أشياء خلقها اللّه لم تركض في رحم.

فقال الحسن: أول هذا آدم ثمّ حواء ثمّ كبش ابراهيم ثمّ ناقة صالح ثمّ ابليس الملعون ثمّ الحية ثمّ الغراب الّذي ذكره اللّه في القرآن.

[قال:] (5) ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق.

فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ارزاق الخلائق في السماء الرابعة تنزل بقدر ويبسط

ص: 132


1- من المصدر والبحار .
2- من المصدر والبحار.
3- كذا في المصدر، وفي الأصل: يختم في يمينه، وفي البحار: يتختّم في يمينه.
4- كذا في المصدر والبحار، وفي الأصل: أن.
5- من المصدر والبحار.

بقدر.

ثم سأله عن ارواح المؤمنين أين يكونوا(1) إذا ماتوا.

قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كلّ ليلة جمعة وهو عرش اللّه الأدنى منها يبسط [اللّه] (2) الأرض واليها يطويها ومنها المحشر ومنها استوى ربّنا الى السماء اي استولى على السماء والملائكة.

ثم سأله عن ارواح الكفّار أين تجتمع.

قال: [تجتمع] (3) في وادي حضر موت وراء مدينة اليمن ثمّ يبعث اللّه ناراً من المشرق وناراً من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر اهل الجنّة عن يمين الصخرة ويزلف المتّقين(4) وتصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الارضين السابعة وفيها الفلق والسجين فتفرق(5) للخلائق [من] (6) عند الصخرة فمن وجبت له الجنّة دخلها ومن وجبت له النار دخلها وذلك قوله تعالى: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»(7).

فلما اخبر الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله التفت الملك الى يزيد بن معاوية - لعنه اللّه - فقال: أشعرت ان ذلك علم لايعلمه

ص: 133


1- كذا في البحار، وفي الأصل: تكون، وفي المصدر: يكون.
2- من المصدر والبحار.
3- من المصدر والبحار.
4- في المصدر: يزلف الميعاد.
5- في البحار: فيعرف.
6- من المصدر والبحار.
7- سورة الشوري: 7.

إلّا نبي مرسل أو وصي مؤازر قد أكرمه اللّه على قلبه وآثر دنياه على آخرته وهواه على دينه وهو من الظالمين.

قال: فسكت يزيد وخمد!

قال: فأحسن الملك جائزة الحسن واكرمه وقال له: ادع ربّك حتّی يرزقني دین نبيك فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك فاظنه شقاء(1) مردياً وعذاباً أليماً.

قال: فرجع يزيد الى معاوية وكتب اليه الملك كتاباً ان(2) من آتاه اللّه العلم بعد نبيّكم(3) وحكم بالتوراة وما فيها والانجيل ومافيه والزبور وما فيه والقرآن وما فيه فالحق والخلافة له.

وكتب إلى علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أن الحق والخلافة لك وبيت النبوة (فيك) (4) وفي ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه اللّه بيدك (ثم يخلده نار جهنم) (5) فإن من قاتلك نجده (عندنا) (6) في الانجيل انّ عليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعین وعليه لعنة أهل السموات والارضين(7).

ص: 134


1- في البحار: سمّاً.
2- في البحار: أنّه قال.
3- في المصدر: نبيه.
4- ليس في البحار.
5- ليس في المصدر، وفي البحار: ثمّ يخلّده في نار جهنم.
6- ليس في المصدر والبحار.
7- تفسير القمي: 2/ 268- 272 وعنه البحار: 10/ 132 – 136 ح2. علي بن ابراهيم بن هاشم في تفسيره: قال: حدّثني الحسين بن عبداللّه السكيني، عن ابي سعيد البجلي، عن عبدالملك بن هارون، عن أبي عبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، عن آبائه (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) قال: ...

الصلاة الوسطى

{53}

[99] كتبت امرأة الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مصحفاً فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) للكاتب لمّا بلغ هذه الآية: «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى»(1): وصلاة العصر «وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ»(2). (3)

ووجدك ضالٌّ

{54}

[100] قرأ الحسن بن علي: «وَوَجَدَكَ ضَالٌّ» أي بالرفع على أنّه فاعل، أي متحيّر في الحال «فهدى» أي إهتدى بك في المآل ونال مقام الوصال(4)، (5).

لقد خلقناه بقدر

{55}

[101] عن الحسن بن علي بن ابي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، أنّه سئل عن قول اللّه

ص: 135


1- سورة البقرة: 238.
2- فلاح السائل ص 186 و تفسير العيّاشي ج 1 ص 127 ح 415:..
3- قال السيّد ابن طاووس في «فلاح السائل»: رويت عن محمّد بن مسلم، عن ابي جعفر (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال
4- شرح الشفاء للمولى علي بن سلطان محمّد القاري المتوفي (1014) ج 4 ص 48 المطبوع بهامش نسيم الرياض ط دار الفكر بیروت
5- قال المولوي علي بن سلطان محمّد القاري في شرح الشفاء للقاضي عياض:...

عزّ وجلّ: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (1).

فقال: يقول عزّ وجلّ: إنّا كلّ شيء خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم(2).

ص: 136


1- سورة القمر: 49.
2- التوحيد للصدوق ص 382 وفيه: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن ابراهيم بن اسحاق الفارسي العزائمي قال: حدّثني ابوسعید احمد بن محمّد بن رميح النسوي، قال: حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى التميمي بالبصرة، واحمد بن ابراهيم بن علي بن اسد العمّي، قالا: حدّثنا محمّد بن زكريا الغبي قال: حدّثنا أحمد بن عیسی بن زید، قال حدّثنا عبداللّه بن موسی بن عبداللّه بن حسن، عن ابيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) الخ.

الدعاء

اشارة

ص: 137

تعاهدوا هذه الزيارة

{1}

[102] روی محمّد بن خالد الطيّالسي عن سيف بن عميرة قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وجماعة من أصحابنا الي الغريّ بعد ماورد أبوعبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فزرنا امير المؤمنين فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه الى ناحية أبي عبداللّه وقال: نزور الحسين بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) من هذا المكان من عند رأس امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وقال صفوان: وردت مع سيّدي أبي عبداللّه الصادق جعفر بن محمّد (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ففعل مثل هذا ودعا بهذا الدعاء بعد أن صلّى وودَّع، ثمّ قال لي: ياصفوان تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزرهما بهذه الزيارة فانّي ضامن - على اللّه لكلّ من زارهما بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بُعد أنَّ زيارته مقبولة وأنّ سعيه مشكور وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضيّة من اللّه بالغاً ما بلغت، وأنّ اللّه يجيبه ياصفوان، وجدت هذه الزيارة مضموناً بهذا الضمان عن أبي، وأبي عن أبيه علي بن الحسين، والحسين بن علي عن أخيه الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و مضموناً بهذا الضمان، وامير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عن جبرئیل مضموناً بهذا الضمان قال: إلى اللّه عزّ وجلّ أنّ من زار الحسين بن علي بهذه الزيارة من قرب أو بعد في يوم عاشورا، ودعا بهذا الدعاء قبلت زیارته وشفّعته في مسئلته بالغ ما بلغ وأعطيته سؤله ثمّ لاينقلب عنّي خائباً، وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حوائجه والفوز بالجنّة والعتق من النار وشفعته في كلّ من يشفع ما خلا الناصب لأهل البيت، آلى اللّه بذلك على نفسه وأشهد ملائكته على ذلك.

وقال جبرئیل: يا محمّد إنّ اللّه أرسلني اليك مبشّراً لك ولعلي وفاطمة

ص: 138

والحسن والحسين والأئمّة من ولدك قدام الى يوم القيامة سرورك يامحمّد وسرور علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة وشيعتكم الى يوم البعث. (1)

ص: 139


1- بحار الأنوار ج 100 ص 310 و 311 عن المزار الكبير ص 65 - 69 وأما الزيارة والدعاء المذكورتان في الحديث فذكرهما في نفس المصدر قبيل الحديث المذكور في ص 305 الى 310 عن مصباح الزائر ص 78 - 89 وعن الشيخ المفيد، وقال: أورد الشيخ المفيد (ره) هذه الزيارة بأدنى تغيير مع زيادات، فتتبع لفظه، لأنّه أسبق وأوثق، قال: إذا أردت ذلك فقف متوجّهاً الى قبر امیر المؤمنين صلوات اللّه عليه وقل: السلام عليك یارسول اللّه، السلام عليك ياصفوة اللّه، السلام عليك يا أمين اللّه، السلام علي مَن اصطفاه اللّه واخصّته واختاره من بريتّه، السلام عليك يا خلیل اللّه مادجى الليلُ و غسق، وأضاءَ النهارُ وأشرَق، السلام عليك ما صَمَت صامتٌ ونَطَق ناطقٌ و ذَرَّ شارقٌ ورحمة اللّه وبركاته، السلام على مولانا امیر المؤمنين علي بن أبي طالب، صاحب السوابق والمناقب والنّحدة ومُبيدالكتائب، الشديد الباس، العظیم المِراس، المكين الأساس، ساقي المؤمنين بالكاس من حوض الرسول المكين الأمين، السلام على صاحب النهى والفضلِ والطوائل، والمكرمات والنوائل، السلام على فارسِ المؤمنين، وليثِ الموحّدين، وقاتل المشركين، ووصي رسول ربّ العالمين، ورحمة اللّه وبركاته، السلام على مَن أيّده اللّهُ بجبرئيل، وأعانه بمیكائیل، وأزلفه في الدارين، وحباه بكلّ ما تقرّ به العين، وصلّى اللّه عليه وعلى آله الطاهرين وعلى أولاده المنتجبين وعلى الأئمّة الراشدين الّذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وفرضوا علينا الصلوات، وأمروا بايتاء الزكاة، وعرَّفونا صيام شهر رمضان وقراءة القرآن، السلام عليك يا امير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين، السلام عليك يا باب اللّه، السلام عليك يا عين اللّه الناظرة ويده الباسطة و أذنه الواعية وحكمته البالغة ونعمته السابغة، السلام على قسيم الجنّة والنار، السلام على نعمة اللّه على الابرار ونقمته على الفجّار، السلام على سيّد المتّقين الأخيار، السلام على أخي رسول اللّه وابن عمّه، وزوج ابنته، والمخلوق من طينته، السلام على الأصل القديم والفرع الكريم، السلام على الثّمر الجني، السلام على أبي الحسن عليّ، السلام على شجرة طوبی وسدة المنتهى، السلام على آدم صفوة اللّه، ونوح نبي اللّه و ابراهیم خلیل اللّه، و موسی كلیم اللّه، وعیسی روح اللّه، ومحمّد حبيب اللّه ومن بينهم من الصدّيقين والنبيّين و الشهداء و الصالحين وحسن اولئك رفيقاً، السلام على نور الأنوار و سليل الأطهار وعناصر الأخيار، السلام على والد الأئمّة الأطهار، السلام على حبل اللّه المتين و جنبه المكين ورحمة اللّه وبركاته، السلام على أمين اللّه في أرضه وخليفته والحاكم بأمره والقيّم بدينه والناطق بحكمته والعامل بكتابه أخ الرسول وزوج البتول وسيف اللّه المسلول، السلام على صاحب الدّلالات والآيات الباهرات والمعجزات القاهرات والمنجي من الهلكات الّذي ذكره اللّه في محكم الآيات فقال تعالي: «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ» السلام على اسم اللّه الرضي ووجهه المضيء، وجنبه العليّ ورحمة اللّه وبركاته، السلام على حجج اللّه وأوصيائه، وخاصّة اللّه وأصفياء اللّه وخالصته وأمنائه، ورحمة اللّه وبركاته قصدتك يامولاي يا أمين اللّه وحجّته، زائراً عارفاً بحقّك موالياً لأوليائك معادياً لأعدائك، متقرّباً الى اللّه بزيارتك فاشفع لي عند اللّه ربّي وربّك في خلاص رقبتي من النار وقضاء حوائجي حوائج الدنيا والآخرة. ثمّ انكبّ على القبر فقبّله وقل: سلام اللّه وسلم ملائكته المقرّبين، والمسلّمين لك بقلوبهم يا أمير المؤمنين، والناطقين بفضلك، والشاهدين على أنّك صادق أمين صدّيق عليك ورحمة اللّه وبركاته، أشهد أنك طهر طاهر مطهّر من طهر طاهر مطهّر أشهد لك يا وليّ اللّه ووليّ رسوله بالبلاغ والأداء وأشهد أنّك جنب اللّه وبابه وأنك حبیب اللّه ووجهه الّذي يؤتي منه، وأنك سبيل اللّه وأنّك عبداللّه وأخو رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) اتيتك متقرّباً الى اللّه عزّ وجلّ بزيارتك راغباً اليك في الشفاعة أبتغي بشفاعتك خلاص رقبتي من النار، متعوّذاً بك من النار هارباً من ذنوبي التي احتطبتها على ظهري، فزعاً اليك رجاء رحمة ربّي، أتيتك أستشفع بك يامولاي وأتقرّب بك الى اللّه ليقضي به حوائجي، فاشفع یا امیر المؤمنين الى اللّه فانّي عبداللّه ومولاك وزائرك، ولك عند اللّه المقام المحمود والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة، اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد و صلّ على امیر المؤمنين عبدك المرتضى، وأمينك الأوفي، وعروتك الوثقی، ويدك العليا، وجنبك الأعلى وكلمتك الحسنی، وحجّتك على الوری وصدّيقك الأكبر، وسيّد الأوصياء وركن الأولياء، وعماد الأصفياء امير المؤمنين، ويعسوب الدين، وقدوة الصالحين وإمام المخلصين، والمعصوم من الخلل، المهذّب من الزّلل، المطهّر من العيب المنزَّه من الريب، أخي نبيّك ووصيّ رسولك، البائت على فراشه، والمواسي له بنفسه، وكاشف الكرب عن وجهه الّذي جعلته سيفاً لنبوَّته، وآية لرسالته، وشاهداً على أمّته، ودلالة لحجّته، وحاملاً لرايته، ووقاية لمهجته، وهادياً لأمّته، ويداً لبأسه، وتاجاً لرأسه، وباباً لسرّه، ومفتاحاً لظفره، حتّی هزم جيوش الشرك باذنك، وأباد عساكر الكفر بأمرك وبذل نفسه في مرضاة رسولك، وجعلها وقفاً على طاعته، فصلّ اللّهم عليه صلاة دائمة باقية. ثمّ قل: السلام عليك ياوليّ اللّه والشّهاب الثّاقب، والنور العاقب، یا سليل الأطائب، ياسرّ اللّه إنّ بيني وبين اللّه تعالى ذنوباً قد أثقلت ظهري ولايأتي عليها إلّا رضاه فبحقّ من ائتمنك على سرّه واسترعاك أمر خلقه، كن لي الى اللّه شفيعاً ومن النار مجيراً وعلى الدهر ظهيراً فانّي عبداللّه ووليّك و زائرك صلّى اللّه عليك. وصلّ ستّ ركعات صلاة الزيارة وادع بما أحببت وقل: السلام عليك يا امير المؤمنين، عليك منّي سلام اللّه أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ثمّ أومیء الى الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وقل: السلام عليك يا أبا عبداللّه، السلام عليك يا إبن رسول اللّه، أتيتكما زائراً وتوسّلاً إلى اللّه تعالی ربّي وربّكما و متوجّهاً الى اللّه بكما، مستشفعاً بكما الى اللّه في حاجتي هذه فاشفعا الي فانّ لكما عند اللّه المقام المحمود والجاه الوجيه والمنزل الرفيع والوسيلة، إنّي انقلب عنكما منتظراً لتنجّز الحاجة وقضائها ونجاحها من اللّه بشفاعتكمالي إلى اللّه في ذلك، فلا أخيب ولا يكون منقلبي عنكما منقلباً خاسرة بل يكون منقلبي منقلباً راجحاً مفلحاً منجحاً مستجاباً لي بقضاء جميع الحوائج فاشفعا لي، أنقلب على ما شاء اللّه لاحول ولا قوّة إلّا باللّه، مفوّضاً أمري إلى اللّه ملجئاً ظهري الى اللّه متوكّلاً على اللّه وأقول حسبي اللّه وكفى، سمع اللّه لمن دعا، ليس وراء اللّه ووراء كم یاسادتي منتهی، ماشاء اللّه ربّي كان، ومالم يشأ لم يكن، یا سیّدی یا امیرالمؤمنین و مولاي وأنت يا أباعبداللّه سلامي عليكما متّصل ما اتّصل الليل والنهار، واصل إليكما غير محجوب عنكما سلامي إن شاء اللّه، وأسئله بحقّكما أن يشاء ذلك ويفعل فإنّه حمید مجید أنقلب ياسيّديّ عنكما تائباً حامداً للّه شاكراً راضياً مستيقناً للإجابة غير آیس ولاقانط عائداً راجعاً إلى زيارتكما غير راغب عنكما بل راجع إن شاء اللّه تعالى إليكما یاساداتي رغبت إليكما بعد أن زهد فيكما وفي زيارتكما أهل الدنيا فلا يخيّبني فيما رجوت وما أمّلت في زيارتكما إنّه قريب مجيب. ثمّ استقبل الى القبلة وقل: يا اللّه يا اللّه، يامجيب دعوة المضطّرين، وياكاشف كرب المكروبين، وياغياث المستغيثين، ويا صريخ المتصرخين، ويامن هو أقرب إليّ من حبل الوريد، يا من يحول بين المرء و قلبه، ويا من هو الرحمن الرحيم، يا من على العرش استوى، يامن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويا من لا تخفى عليه خافية، يامن لاتشبته عليه الاصوات، يا من لا تغلّطه الحاجات يا من لا يبرمه الحاح الملحّين، يامدرك كلّ فوت، یاجامع كلّ شمل، یاباري النفوس بعد الموت، يا من هو كلّ يوم في شأن، ياقاضي الحاجات، یامنفّس الكربات يامعطي السؤلات، ياوليّ الرغبات، یاكافي المهمّات، يامن يكفي من كلّ شيء ولا يكفي منه شيء في السموات والأرض، أسئلك بحقّ محمّد وعليّ امير المؤمنين وبحقّ فاطمة بنت نبيّك وبحقّ الحسن والحسين فإنّي بهم أتوجّه اليك في مقامي هذا وبهم أتوسّل وبهم أستشفع اليك، وبحقّهم أسئلك وأقسم وأعزم عليك وبالشأن الّذي لهم عندك وبالّذي فضّلتهم على العالمين، وباسمك الّذي جعلته عندهم و به خصّصتهم دون العالمين وبه أبنتهم وأبنت فضلهم من كلّ فضل، حتّی فاق فضلهم فضل العالمين جميعاً، وأسئلك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تكشف عنّي غمّي وهمّي وكربي، وأن تكفيني المهمّ من أمري وتقضي عني ديني و تجيرني من الفقر والفاقة وتغنيني عن المسئلة إلى المخلوقين وتكفيني همّ من أخاف همّه، وعسر من أخاف عسره، وحزونة من أخاف حزونته، شرّ من أخاف شرّه، ومكر من أخاف مكره، وبغي من أخاف بغيه، وجور من أخاف جوره، وسلطان من أخاف سلطانه، و كید من أخاف كیده، واصرف عنّي كیده و مكره، ومقدرة من أخاف مقدته عليه، وتردّ عنّي كید الكيدة و مكر المكرة، اللّهمّ من أرادني بسوء فأرده و من كادني فكده واصرف عنّي كیده وبأسه وأمانيّه وامنعه عنّي كيف شئت وأنّي شئت، اللّهم اشغله عنّي بفقر لاتجبره وبلاء لاتستره وبفاقة لاتسدّها وبسقم لاتعافيه وبذلّ لاتعزّه ومسكنة لاتجبرها، اللّهمّ اجعل الذّل نصب عينيه وأدخل الفقر في منزله والسقم في بدنه، حتّی تشغله عنّي بشغل شاغل لافراغ له، وأنسه ذكري كما أنسيته ذكرك، وخذ عنّي بسمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وقلبه وجميع جوارحه، وأدخل عليه في جميع ذلك السقم ولا تشفه حتّی تجعل له ذلك شغلاً شاغلاً عنّي وعن ذكري، واكفني یاكافي ملايكفي سواك، يامفرّح من لا مفرّح له سواك، ومغيث من لامغيث له سواك، وجار من لاجار له سواك، وملجأ من لا ملجأ له غيرك، أنت ثقتي ورجائي ومفزعي ومهربي وملجاي و منجاي، فبك استفتح وبك أستنجح، وبمحمّد وآل محمّد اتوجّه اليك وأتوسّل وأتشّفع، يا اللّه يا اللّه يا اللّه ولك الحمد ولك المنّة وإليك المشتكى وأنت المستعان فأسئلك بحقّ محمّد وآل محمّد أن تصلّي على محمّد و آل محمّد وأن تكشف عنّي غمّي وهمّي وكربي في مقامي هذا كما كشفت عن نبيّك غمّه وكربه وهمّه وكفيته هول عدوّه، فاكشف عنّي كما كشفت عنه، وفرّج عنّي كما فرّجت عنه، واكفني كما كفيته، واصرف عنّي هول ما أخاف هوله، ومؤنة من أخاف مؤنته، وهمّ من أخاف همّه بلا مؤنة على نفسي من ذلك واصرفني بقضاء حاجتي وكفاية ما أهمّني همّه من أمر دنياي وآخرتي يا أرحم الراحمين ثمّ تلتفت الى أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وتقول: السلام عليك يا امير المؤمنين والسلام على أبي عبداللّه الحسین مابقيت وبقي اللّيل والنّهار ولاجعله اللّه آخر العهد منّي لزيارتكما ولافرّق اللّه بيني وبينكما ثمّ تنصرف. (مصباح الزائر، ص 145 - 146).

ص: 140

ص: 141

ص: 142

أقول: أورد السيد رحمه اللّه هذه الزيارة الى قوله: «وعلى الدهر ظهيراً فانّي عبداللّه ووليّك وزائرك صلّى اللّه عليك وسلّم كثيراً» ثمّ قال: ثمّ صلّ صلاة الزيارة ستّ ركعات له ولآدم ونوح (عَلَيْهِم السَّلَامُ) و لكلّ واحد منهم ركعتان، ثمّ قم فزر الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) من عند رأس امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بالزيارة الثانية من زیارت عاشورا اتباعاً لما ورد ان شاء اللّه. (1)

ثمرات الاستغفار

{2}

[103] أنّ رجلاً أتى الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فشكا اليه الجدوبة(2)، فقال له الحسن: استغفر اللّه، وأتاه آخر فشكا اليه الفقر فقال له: استغفر اللّه، وأتاه آخر فقال له: ادعُ اللّه أن يرزقني ابناً، فقال له: استغفر اللّه، فقلنا له:

أتاك رجال يشكون ابواباً ويسألون أنواعاً فأمرتهم كلّهم بالإستغفار، فقال:

ما قلت ذلك من ذات نفسي إنما اعتبرت فيه قول اللّه: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا» الآيات (3). (4)

ص: 143


1- بحار الأنوار كتاب المزارج 100 ص 305 - 310ح 23:...
2- الجدوبة: إنقطاع المطر.
3- سورة نوح: 10.
4- وسائل الشيعة ج 4 ص 1199 ح 10 باب 23 من ابواب الذكر في الصلاة.

عوذة الحسنين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)

{3}

[104] أُعيذ نفسي، وذرّيتي، وديني، وأهل بيتي، ومالي بكلمات اللّه التامّات من كلّ شيطان، وهامة، ومن كلّ عين لامة. (1)

إيتغوا حسنة الدارين

{4}

[105] بينما رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) جالس، اذ سأل عن رجل من أصحابه، فقالوا: یارسول اللّه: إنّه صار في البلاء كهيئة الفرخ لاریش عليه فأتاه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فإذا هو كهيئة الفرخ لاریش علیه من شدّة البلاء، فقال له: تدعو في صحّتك دعاء؟ قال: نعم، أقول: ياربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجّلها لي في الدنيا، فقال له النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إلّا قلتَ: «اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنَا عَذَابَ النَّارِ» فقال: فكأنّما نشط من عقال وقام صحیحاً و خرج معنا. (2)

يا علي ادعو عليهم

{5}

[106] أتيت أبي سحيراً فجلست اليه فقال: إني بتّ الليلة أرقاً؛ ثمّ

ص: 144


1- مستدرك الوسائل ج 5 ص 103 عن طب الأئمّة ص 119 باسناده عن صالح بن احمد، عن عبداللّه بن جبلة، عن العلاء عن محمد، قال أبو عبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، حصّنوا أموالكم، وأهليكم، واحرزوهم بهذه وقولوها بعد صلاة العشاء الآخرة... وهي العوذة التي عوذّ بها جبرئیل الحسن والحسين صلوات اللّه عليهما:...
2- تفسیر كنز الدقائق للمشهدي ج 1 ص 491 عن الحسن بن علي عن أبيه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قال:...

ملكتني عيني وأنا جالس فسنح لي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقلت له: يارسول اللّه ماذا لقيت من امتك من الأود(1) واللدد؟ فقال: ادع عليهم فقلت: اللّهم أبدِلني بهم خيراً لي منهم وأبدِلهم بي شرّاً لهم مني. (2)

دعاء لرفع الحُمّی

{6}

[107] اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَظْمِي الدَّقِيقَ، وَ جَلدِي الرَّقِيقَ، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ غورتِ الْحَرِيقِ، يَا أُمَّ مِلْدَمٍ (3) إِنْ كُنْتِ أَمِنتِ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا تأكلي اللَّحْمَ، ولاتشربي الدَّمِ ، ولاتفوري عَلَى الْفَمِ وانتقلي الَىَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ آخَرُ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ... وَأَنْ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ . (4)

ص: 145


1- الأود: التعب والمشقّة، واللدد: الخصومة الشديدة.
2- انساب الاشراف للبلاذری ج 2 ص 494 وطبقات ابن سعد ج 3 القسم 1 ص 24 ورواه إبن الأثير في اُسد الغابة ج 4 ص 36 باسناده عن الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ثمّ قال: كذا في هذه الرواية الحسين بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) وإنّما هو الحسن. وفي تاريخ الكامل ج 3 ص 195: قال الحسن بن علي يوم قتل علي: خرجت البارحة وأبي يصلّي في مسجد داره فقال لي: يابنيّ إنّي بتّ اُوقظ أهلي لاتنّهما ليلة الجمعة صبيحة بدر فملكتني عيناي فنمتُ فسنح لي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... الخ وروي عن الحسن بن علي قال:...
3- أمّ مِلدم (بكسر الميم) كنية للحُمّى.
4- الفردوس بمأثور الخطاب لشيروية بن شهردار بن شیروية الديلمي المتوفي (509) ه- ج 1 ص 480 وكنز العمّال للمتّقي الهندي علي بن حسام الدين المتوفی (975) ج 1 ص 285 الحسن بن علي:...

خصال في علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{7}

[108] سمعت عمر بن الخطّاب يقول: سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: إنّ في علي بن أبي طالب خصالاً (لأن يكون فيّ إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها)، سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول لعلي بن أبي طالب: اللّهمّ ارحمه وترحَّم عليه وانصُره وانتصِر به، وأَعِنه واستَعِن به، فإنّه عبدُك وكتيبةُ رسولك. (1)

كيف أنت يا حسن؟

{8}

[109] أضاقَ الحسنُ بن علي، وكان عطاؤه في كلّ سنة مئة ألف، فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين؛ فأضاق إضاقة شديدة. قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكّره بنفسي، ثمّ أمسكت، فرأيت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في المنام فقال لي: كيف أنت ياحسن؟ فقلت: بخير يا أبَه. وشكوت اليه تأخر المال عني، فقال: أدعوت بدواة لتكتب الی مخلوق مثلك تذكره ذلك؟ قلت: نعم يارسول اللّه فكيف أصنع؟ قال: اللّهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتّی لا أرجو أحداً غيرك، اللّهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر. عملي ولم تنته اليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي، ولم يجر على لساني مما أعطيت أحداً من الأولين والآخرين من اليقين، فخصَّني به ياربّ العالمين.

ص: 146


1- بحار الأنوار: ج 4 ص 71 عن أمالي الشيخ ص 230 - 231 باسناده عن أخي دعبل، عن الرضا، عن آبائه، عن علي بن الحسين، عن عمّه الحسن بن علي (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، قال: سمعت عمر بن الخطاب:...

قال: فواللّه ما ألححت به أسبوعاً حتّی بعثَ إليّ معاوية بألف ألف وخمس مئة ألف. فقلت: الحمد للّه الّذي لاينسى من ذَكَره، ولا يخيّب من دَعاه.

فرأيت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في المنام، فقال: ياحسن كيف أنت؟ فقلت: بخير یارسول اللّه وحدثته حديثي. فقال: يابنيّ، هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق. (1)

من دعاء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

{9}

[110] إنّ النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كان يقول: اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَ اسْتُرْ عَوْرَتِي، وَ أَمِن رَوْعَتِي، وَ اكْفِنِي مَنْ بغي عَلَيَّ، وَ انْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَني، وَ أَرِنِي ثاري مِنْهُ. (2)

حوّلني إلى امرأة

{10}

[111] أنّ رجلاً من أهل الشام أتي الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ومعه زوجته فقال: يابن

ص: 147


1- مختصر تاریخ دمشق لابن عساكر، تأليف ابن منظور محمّد بن مكرم المتوفي (711) ه- ج 7 ص 6 ولا يخفى أنّه تقدّم مثله بسند آخر ولكن في هذا السند زيادات وفي تكراره فائدة. وأورد هذه الرواية أيضاً ابن كثير في البداية والنهاية » ج 8 ص 37. حدث أبوالمنذر هشام بن محمّد عن أبيه قال:...
2- الذرية الطاهرة للدولابي ص 118 ح 131 باسناده عن أحمد بن يحيى أبي جعفر الأودي، عن عبدالحميد بن صالح، عن أبي شهاب، عن مسعر، عن أبي مصعب السلمي، قال: حدّثني ثلاثة رجال منهم: الحسن بن علي انّ النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كان يقول: اللّهمّ أقلني:...

أبي تراب - وذكر بعد ذلك كلاماً نزهت عن ذكره -: إن كنتم في دعواكم صادقين فحوّلني إمرأةً، و حوِّل إمرأتي رجلاً كالمستهزيء في كلامه، فغضب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ونظر اليه شزراً ۔ وحرّك شفتيه ودعا بما لم نفهمه(1)، ثمّ نظر اليهما وأحدَّ النظر، فرجع الشامي إلى نفسه وأطرق خجلاً ووضع يده على وجهه، ثمّ ولّی مسرعاً وأقبلت امرأته [وقالت:] (2) إني صرت رجلاً.

وذهبا حيناً من الزمان، ثمّ عادا اليه وقد ولد لهما مولود وتضرعا الى الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) تائبين ومعتذرين ممّا(3) فرّطا فيه وطلبا منه انقلابهما الى حالهما الأوّل(4)، فأجابهما الى ذلك ورفع يديه وقال: اللّهمّ إن كانا صادقين في توبتهما فتب عليهما وحولهما إلى ما كانا عليه، فرجعا الى ذلك [لاشك فيه ولا شبهة] (5). (6)

من مناجاته (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{11}

[112] اللّهُمَّ إنَّكَ الخَلَفُ مِن جَمیعِ خَلقِكَ، ولَیسَ فی خَلقِكَ خَلَفٌ مِنكَ، إلهی! مَن أحسَنَ فَبِرَحمَتِكَ، ومَن أساءَ فَبِخَطیئَتِهِ، فَلَا الَّذی أحسَنَ استَغنی عَن رِفدِكَ ومَعونَتِكَ، ولَا الَّذی أساءَ استَبدَلَ بِكَ وخَرَجَ مِن قُدرَتِكَ،

ص: 148


1- في المصدر: لم يفهم.
2- من المصدر.
3- في نسخة «خ»: فيما.
4- في المصدر: حالتهما الأولى.
5- من المصدر.
6- الثاقب في المناقب: 311ح 1 وجدت في بعض كتب أصحابنا الثقاة - رضي اللّه عنهم -:...

إلهی ! بِكَ عَرَفتُكَ، وبِكَ اهتَدَیتُ إلی أمرِكَ، ولَولا أنتَ لَم أدرِ ما أنتَ، فَیا مَن هُوَ هكَذا ولا هكَذا غَیرُهُ، صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَارزُقنِی الإِخلاصَ فی عَمَلی، وَالسَّعَةَ فی رِزقی. اللّهُمَّ اجعَل خَیرَ عُمُری آخِرَهُ، وخَیرَ عَمَلی خَواتِمَهُ، وخَیرَ أیّامی یَومَ ألقاكَ.

إلهی! أطَعتُكَ-ولَكَ المِنَّةُ عَلَیَّ-فی أحَبِّ الأَشیاءِ إلَیكَ،الإِیمانِ بِكَ، وَالتَّصدیقِ بِرَسولِكَ، ولَم أعصِكَ فی أبغضِ الأَشیاءِ إلَیكَ، الشِّركِ بِكَ وَالتَّكذیبِ بِرَسولِكَ، فَاغفِر لی ما بَینَهُما، یا أرحَمَ الرّاحِمینَ. (1)

ومن قنوته (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{12}

[113] اللّهُمَّ إنَّكَ الرَّبُّ الرَّؤُوفُ، المَلِكُ العَطوفُ، المُتَحَنِّنُ المَألوفُ، وأَنتَ غِیاثُ الحَیرانِ المَلهوفِ، ومُرشِدُ الضّالِّ المَكفوفِ، تَشهَدُ خَواطِرَ أسرارِ المُسِرّینَ كَمُشاهَدَتِكَ أقوالَ النّاطِقینَ.

أسأَلُكَ بِمُغَیَّباتِ عِلمِكَ فی بَواطِنِ أسرارِ سَرائِرِ المُسِرّینَ إلَیكَ أن تُصَلِّیَ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ صَلاةً یَسبِقُ بِها مَنِ اجتَهَدَ مِنَ المُتَقَدِّمینَ، ویَتَجاوَزُ فیها مَن یَجتَهِدُ مِنَ المُتَأَخِّرینَ، وأَن تَصِلَ الَّذی بَینَنا وبَینَكَ صِلَةَ مَن صَنَعتَهُ لِنَفسِكَ، وَاصطَنَعتَهُ لِغَیبِكَ.

فَلَم تَتَخَطَّفهُ خاطِفاتُ الظِّنَنِ، ولا وارِداتُ الفِتَنِ،حَتّی نَكونَ لَكَ فِی الدُّنیا مُطیعینَ، وفِی الآخِرَةِ فی جِوارِكَ خالِدینَ. (2)

ص: 149


1- بحار الأنوار: ج 94 ص 190 وفيه: «یا أرحمَ الراحمين، ويا خير الغافرين» عن «مهج الدعوات) ص 178.
2- ذكره السيد ابن طاووس بسنده المتقدّم في مهج الدعوات» ص 47 والكفعمي في «بلد الأمين» ص 552، وعنهما بحار الأنوار: ج 85 ص 213.

ومن دعاء له (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{13}

[114] اللَّهُمَّ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَذِّبْنِي بِشَتْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَتَمتُهُ أَوْ آذَيْتُهُ.(1)

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب المغفرة

{14}

[115] اللّهُمَّ إنّی أتَقَرَّبُ إلَیكَ بِجودِكَ وكَرَمِكَ، وأَتَقَرَّبُ إلَیكَ بِمُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ، وأَتَقَرَّبُ إلَیكَ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبینَ وأَنبِیائِكَ ورُسُلِكَ، أن تُصَلِّیَ عَلی مُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ وعَلی آلِ مُحَمَّدٍ، وأَن تُقیلَنی عَثرَتی وتَستُرَ عَلَیَّ ذُنوبی وتَغفِرَها لی وتَقضِیَ لی حَوائِجی، ولا تُعَذِّبَنی بِقَبیحٍ كانَ مِنّی، فَإِنَّ عَفوَكَ وجودَكَ یَسَعُنی ،إنَّكَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ. (2)

ص: 150


1- الفردوس بمأثور الخطاب 1/ 467 الحسن بن علي:...
2- جمال الاسبوع للسيد ابن طاووس ص 175. وعنه بحار الأنوار: ج 91 ص 185 رقم 11. ولا يخفي أنّ هذه الدعاء كما في المصدرين مذكورة بعد ذكر صلاتين لمولانا الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) في يوم الجمعة: أوليهما أربع ركعات في كلّ ركعة الحمد مرّة، وقل هو اللّه أحد قسمين مرّة والثانية أربع ركعات في كلّ ركعة الحمد مرّة، والإخلاص خمس وعشرون مرّة.

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عند احتضاره

{15}

[116] عن رقبة (1) بن مصقلة قال: لما نزل بالحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الموتُ قال: أخرِجُوا فِراشي الى صحنِ الدارِ، فأخرجوه، فرفع رأسَه الى السماء وقال:

اللّهُمَّ انّی احْتَسِبُ عِنْدَكَ نَفْسی فَانَّها اعَزُّ الانْفُس عَلَیّ لَمْ اصَب بِمِثْلِها.

اللّهُمَّ آنِس صَرْعَتی و آنِس فی الْقَبْرِ وَحدَتی.

ص: 151


1- هو رَقَبَة بن مَصقَلة أبو عبداللّه العبدي الكوفي المتوفّى سنة (129) كان من رجال العامّة وثقة ابن حنبل والدار قطني كما في «تهذيب التهذيب» للعسقلاني ج 3 ص 255 والظاهر أنّ رقبة روى الحديث مرسلاً. أورد الحديث سبط ابن الجوزي المتوفّى سنة (654) ه- في «تذكرة الخواص» ص 193 وقال: أخبرنا جدّي أبو الفرج رحمه اللّه قال: أنبأنا محمّد بن منصور، وعلي بن عمر، قال: قالا: أنبأنا رزق اللّه، وطراد بن محمّد الزيني، قالا: أنبأنا علي بن بشران، أنبأنا أبو بكر القرشي، عن اسحاق بن اسماعيل، عن أحمد بن عبدالجبّار، عن سفيان بن عينية، عن رؤية بن مصقله، قال: لمّا نزل... ولا يخفى أنّ رؤية مصحّف والصحيح رَقَبَة والحديث مذكور في غير واحد من كتب الفريقين واليك بعضها: ترجمة الامام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق ص 213 وتهذيب الكمال ج 6 ص 253 والمعجم الكبير للطبراني ج 3 ص 70 رقم 2692 ونقله المجلسي قدّس سرّه في البحار ج 44 عن حلية أبي نعيم بتفاوت يسير قال: وعن رقبة بن مصقلة، قال: لمّا حضر الحسن بن علي [الموت] قال: أخرجوني إلى الصحراء لعلّي أنظر في ملكوت السماء يعني الآيات، فلمّا أُخرج به قال: اللّهمّ إنّي أحتسب نفسي عندك، فانّها أعزّ الأنفس عليّ، وكان له ممّا صنع اللّه له أنّه احتسب نفسه. بیان: قوله (عَلَيْهِ السَّلَامُ): اللّهم إنّي أحتسب نفسي عندك أي أرضي ذهاب نفسي وشهادتي، ولا أطلب القود طالباً لرضاك أو أطلب منك أن تجعلها عندك في محالّ القدس. وفي كشف الغمّة ج 2 ص 210: مرض الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أربعين يوماً فقال في بعض الأيّام: أخرجوا فراشي الى صحن الدار، فأخرجَ فقال: اللّهم إنّي أحتسب نفسي عندك وإنّي لم أصَبُ بمثلها.

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء

{16}

[117] اللّهُمَّ إنّی أدرَأُ(1) بِكَ فی نُحورِهِم(2)، وأَعوذُ بِكَ مِن شُرورِهِم، وأَستَعینُ بِكَ عَلَیهِم، فَاكفِنیهِم بِما شِئتَ،وأَنّی شِئتَ، مِن حَولِكَ وقُوَّتِكَ، یا أرحَمَ الرّاحِمینَ. (3)

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب النصر واليقين

{17}

[118] اَللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ضَعُفَتْ عَنْهُ حِیلَتِی أَنْ تُعْطِیَنِی مِنْهُ مَا لَنْ تَنْتَهِ إِلَیْهِ رَغْبَتِی وَ لَمْ یَخْطُرْ بِبَالِی وَ لَمْ یَجْرِ عَلَی لِسَانِی وَ أَنْ تُعْطِیَنِی مِنَ اَلْیَقِینِ مَا یَحْجُزُنِی عَنْ أَسْأَلَ أَحَداً مِنَ اَلْعَالَمِینَ إِنَّكَ عَلی كُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ . (4)

ص: 152


1- أدرأ: أدفع.
2- في نحورهم: في مقابلتهم .
3- بحار الأنوار: ج 44 ص 71 عن «احتجاج» الطبرسي ص 137، في ضمن احتجاج الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على معاوية وأصحابه لعنهم اللّه أنّهم لمّا دعوه دعا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بهذه الدعاء. ثمّ قال للرسول: هذا كلام الفرج. وفي البحار أيضاً ج 95 ص 211.
4- المجتني: ص 13 رقم 52. وأورده المحمودي في ترجمة الإمام الحسن من «تاریخ دمشق» ص 9 ح 6 بهذا الإسناد: وقرأتُ في كتاب دفعه اليّ أبو بكر عتیقُ بنُ علي بن أحمد - أظنّه من كتب محمّد بن یحیی الصولي - أنبأنا المبرّدُ في إسناد ذكره أن الحسن بن علي كان يفد كلّ سنة إلى معاوية فتصله بمائة ألف درهم، فقعد سنةً عنه ولم يبعث معاوية اليه بشيء فدعا بدواة ليكتب اليه فأغفي قبل أن يكتب، فرأى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في منامه كأنّه يقول: ياحسن أتكتب الی مخلوق تسأله حاجتك، وتدع أن تسأل ربّك؟ قال: فما أصنع یا رسول اللّه وقد كثر ديني؟ قال: قل: الخبر. قال الحسن: فانتبهتُ وقد حفظتُ الدعاء فكنتُ أدعو به فلم يلبث معاوية أن ذكرني فقيل له: لم يقدم السنّة فأمر لي بمائتي ألف درهم. وتقدّم هذا الخبر من مختصر تاریخ دمشق ج 7 ص 6 وفيه دعاء أخرى بألفاظ أخر.

ومن دعاء القنوت

{18}

[119] دعاء علّمه النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عليّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وعلّمه علي ابنه الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في القنوت:

اَلّلهُمَّ اِنِّي اَسْئَلُكَ الْهُدي وَ التُّقي وَ الْعِفافَ وَ الْغِني، وأعوذُ بِكَ مِن غَلَبَةِ الدَّینِ،وغَلَبَةِ العَدُوِّ. (1)

دعاء تسخير القلوب

{19}

[120] اللّهم إنّي أسألك يا اللّه يا واحد یا أحد ویا وتر یانور یا صمد، یا من ملأت أركانُه السموات والأرض، أسئلك أن تسخر لي قلب فلان بن فلان كما سخّرت الحيّة لموسى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأسئلك أن تسخّر لي قلبه كما سخّرت لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطير فهم يوزعون، وأسئلك أن تلبّس لي قلبه كما لیّنت الحديد لداود (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأسئلك أن تذلّل قلبه كما ذلّلت نور القمر لنور الشمس، يا اللّه هو عبدك ابن أمتك، وأنا عبدك ابن أمتك، أخذت بقدميه وناصيته، فسخّره لي حتّی يقضي حاجتي هذه، وما أريد، إنك على كلّ شيء قدير، وهو على ماهو

ص: 153


1-

فيما هو، لا إله إلّا هو الحى القيوم. (1)

دعاء الاستخارة

{20}

[121] كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يعلّم أصحابه الإستخارة، كما يعلّمهم السورة من القرآن، كان يقول: إذا أراد أحدكم أمراً فليسمّه وليقل:: اللّهمّ إنّي أستخيرك فيه بعلمك، وأستقدرك فيه بقدرتك، واسألك فيه من فضلك، فإنّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علّام الغيوب، اللّهمّ ما كان خيراً لي في أمري هذا فارزقنيه ويسّره وأعنّتي عليه وحبّبه لي وارضني، وبارك لي فيه، وما كان شرّاً لي فاصرفني عنه، ويسّر لي الخيرَ حيث كان. (2)

من دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{21}

[122] اللّهم إنّي أعوذ بك من قلب يَعرِفُ، ولسان يَصِفُ، وأعمالٍ تخالِفُ. (3)

ص: 154


1- مهج الدعوات ص 179. وعنه بحار الأنوار: ج 15 ص 165 باب الأدعية لقضاء الحوائج ح 19. دعاء علّمه أمير المؤمنين لابنه الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إذا قصدت إنساناً لحاجة فاكتب ذلك وأمسكه في يدك اليمنى، وتذهب أين شئت:...
2- تیسیر المطالب ص 240 باسناده عن أبي العباس احمد بن ابراهيم الحسني، عن أبي زيد عیسی بن محمّد العلوي، عن محمّد بن منصور، عن عبداللّه بن موسی بن عبداللّه بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:...
3- شرح نهج البلاغة ج 6 ص 197.

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على أعدائه

{22}

[123] اللّهمّ إنّي قد دعوتُ وأنذرتُ، وأمرتُ ونهيتُ، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين، وعن نصرته قاعدين، وعن طاعته مقصّرين، ولاعدائه ناصرین.

اللّهمّ فأنزل عليهم رجزك وبأسك وعذابك، الّذي لايردُ عن القوم الظالمين. (1)

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الدنيا

{23}

[126] اللّهمّ أوسع عليّ من الدنيا وزهّدني فيها ولاتزوها عنّي وترغبني فيها، اللّهم إنك أخذت بقلبي وناصيتي فلم تملِكني منها شيئاً فكما فعلتَ ذلك بهما فابعدهما الى سواء السبيل. (2)

ص: 155


1- بحار الأنوار: ج 53، ص 22 في ضمن الحديث الأوّل من باب 25 مایكون عند ظهور المهدي (عجّل اللّه تعالی فرجه الشّريف) عن «هداية» الحضيني الحسين بن حمدان عن محمّد بن اسماعيل، وعلي بن عبداللّه الحسني، عن أبي شعيب و محمّد بن نصير، عن عمر بن الخطاب، عن محمّد بن المفضّل، عن المفضّل بن عمر، عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الحديث وفيه: أن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يشكو في رجعته الى جدّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) اهل الكوفة الى أن يقول: ثمّ رفعت رأسي نحو السماء فقلت: «اللّهم إنّي قد دعوت»:...
2- الفردوس بمأثور الخطاب 1/ 479 شیرویه بن شهردار دیلمی ملقب بالكياء.

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قنوت الوتر

{24}

[125] اللّهمّ اهدني فيمن هديتَ، وعافني فيمن عافيتَ، وتولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، وأنّك تقضي ولايقضي عليك، إنّه لا يذلّ من واليتَ، تباركت ربّنا وتعاليت. (1)

ص: 156


1- رواه جمع من أكابر المحدّثين بأسانيدهم عن أبي الحوراء ربيعة بن شيبان، وأبي هريرة، وعائشة كلّهم عن أبي محمّد الزكيّ الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وإليك بعضهم: 1- الترمذي في صحيحه ج 1 ص 93. 2 - والدارمي في سنته ج 1 ص 373. 3- والحاكم في المستدرك ج 3 ص 172. 4 - و أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء ج 8 ص 264. 5 - والجويني في فرائد السمطین ج 2 ص 118. 6 - و عبدالرزاق في المصنف ج 3 ص 117. 7- والطبراني في «أخبار الحسن» (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ص 122 ح 179 بهذا الإسناد: حدّثنا عبد اللّه بن احمد بن حنبل، ثنا علي بن حكیم الأودي - ح - وحدّثنا محمّد بن عبداللّه الحضرمي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى الحمّاني، قالوا: حدّثنا شريك عن أبي اسحاق، عن یزید ابن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي اللّه عنه قال: علّمني جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلّم كلمات أقولهنّ في الوتر: اللّهم اهدني... وفي آخره: إنّه لايذلّ مَن واليتَ، ولا يعزّ مَن عاديتَ تباركت ربّنا وتعاليت. قال الطبراني: حدّثنا علي بن سعيد بن بشير الرازي ثنا الحسن بن داود المنكدري (ح). وحدّثنا الحسن بن علي بن شهریار البغدادي ثنا اسماعيل بن عبداللّه ابن زرارة الرقي قالا حدّثنا ابن أبي فديك حدّثني اسماعیل بن ابراهيم بن عقبة عن عمه موسی بن عقبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت أخبرني الحسن بن علي رضي اللّه عنه قال: علّمني رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) دعاء القنوت في الوتر: «اللّهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن تولّيت، وبارك لنا فيما اعطيت، وقنا شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يُقضي عليك وإنّه لا يذلُّ من واليت، تباركت وتعاليت» المعجم الكبير، ج 3 ص 73 رقم 2700 و مسند ابی یعلی ج 6 ص 25. أبو الحوراء عن الحسن بن علي رضي اللّه عنه حدّثنا أحمد بن اسحاق بن واضح العسال المصري حدّثنا سعيد بن أبي مريم ثنا محمّد بن جعفر عن موسى بن عقبة عن أبي اسحاق عن بُرَيد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي اللّه عنه قال: علمني رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أن أقول في الوتر: «اللّهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما اعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يقضي عليك، إنّه لا يذلّ من واليت، ولا يعزّ من عاديت، تباركت وتعاليت» المعجم الكبير للطبراني ج 3 ص 73 رقم 2701.

دعاء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بعد شرب اللبن

{25}

[126] كان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إذا شرب اللّبن قال: «اللّهمّ بارك لنا فيه وزدنا

منه».(1)

شفاعة الحسنين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)

{26}

[127] قال وأهدي إلى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قطف من العنب في غير أوانه فقال لي: ياسلمان ائتني بولدي الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب.

قال سلمان الفارسي: فذهبت أطوف(2) عليهما منزل أمّهما فلم أرهما فأتيت منزل اختهما أمّ كلثوم(3) فلم أرهما، فجئت فخبرت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بذلك

ص: 157


1- مكارم الاخلاق ص 193 عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:...
2- في البحار: أطرق.
3- هذا من أعاجيب الكلام لانّ أمّ كلثوم بنت فاطمة الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ) لم تكن ولدت بعد أو كانت ذات سنة أو سنتين، ولقد مات رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وهي ذات اربعة سنوات أو أقل منها، فيحتمل أن يكون الصحيح هو: منزل أختها يعني أخت أمّهما وهي زوجة ابن عفان، والعجيب من مولانا المجلسي والعلامة الطريحي والبحراني في البحار والمنتخب والعوالم حيث لم يتوجهوا الى ذلك، ويحتمل التصرف من قبل الناسخين أو غير ذلك، واللّه أعلم.

فاضطرب ووثب قائماً وهو يقول: وا ولداه وا قرة عيناه مَن يرشدني عليهما فله على اللّه الجنّة.

فنزل جبرائيل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) من السماء وقال: يا محمّد علام هذا الانزعاج؟

فقال: على ولديّ: الحسن والحسين فاني خائف عليهما من كيد اليهود.

فقال جبرائیل: يامحمّد بل خف عليهما من كيد المنافقين فإن كيدهم أشدّ من كيد اليهود، واعلم يا محمّد ان ابنيك الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) نائمان في حديقة أبي الدِحداح، فسار النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من وقته وساعته الى الحديقة وأنا معه حتّی دخلنا الحديقة فإذا هما نائمان وقد اعتنق أحدهما الآخر وثعبان في فيه باقة ريحان يروح بها وجههما، فلما رأى الثعبان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) القى ما كان في فيه وقال: السلام عليك یارسول اللّه، لست أنا ثعباناً ولكن ملك من ملائكة اللّه الكروبيِين غفلت عن ذكر ربي طرفة عين فغضب عليّ ربّي ومسخني ثعباناً كما ترى وطردني من السماء إلى الأرض وإنّي منذ سنين كثيرة اقصد كريماً على اللّه فأسأله ان يشفع لي عند ربي عسى ان يرحمني ويعيدني ملكاً كما كنت اولا أنّه على كلّ شيء قدير.

قال: فجثى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقبّلهما حتّی استيقظا فجلسا على ركبتي النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال لهما النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): انظرا ياولديّ (الى هذا المسكين فقالا ما هذا ياجدنا قد خفنا من قبح منظره؟

ص: 158

فقال: ياولديّ(1) هذا ملك من ملائكة اللّه الكروبيين قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين فجعله اللّه هكذا وأنا استشفع الى اللّه تعالی بكما فاشفعا له، فوثب الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) فاسبغا الوضوء وصلّيا ركعتين وقالا: اللّهم بحق جدنا الجليل الحبيب محمّد المصطفى، وبابينا عليّ المرتضی، وبأُمّنا فاطمة الزهراء إلّا ما رددته الى حالته الأولى.

قال: فما استتّم دعاؤهما فاذا بجبرائيل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قد نزل من السماء في رهط من الملائكة وبشر ذلك الملك برضا اللّه عنه و برده الى سيرته الاولى ثمّ ارتفعوا به الى السماء وهم يسبحون اللّه تعالی.

ثم رجع جبرائیل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وهو متبسم، فقال: يارسول اللّه أن ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع سموات ويقول لهم: من مثلي وأنا في شفاعة السيدين الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ). (2)

دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على أعدائه

{27}

[128] قال الطبراني: حدّثنا علي بن عبدالعزيز حدّثنا أبو نعيم حدّثنا سفيان عن يونس (3) ابن عبيد عن الحسن(4) قال: كان زیاد يتتبع شيعة علي رضي

ص: 159


1- ما بين القوسين ليس في المصدر والبحار.
2- المنتخب للطريحي: 269. وأخرجه في البحار: 43/ 302 والعوالم: 16 ضمن ح 1 عن كشف الغمّة: 1/ 524 نحوه. مدينة المعاجز ج 2 ص 290 - 293 طقم مؤسسة المعارف الاسلاميّة عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال:...
3- يونس بن عبيد بن دينار العبدي أبو عبيد البصري ترجمة ابن حجر في التقريب ص 542 رقم 7909 وقال: ثقة، ثبت، فاضل، ورع من الخامسة، مات سنة (139).
4- هو الحسن البصري المتوفي سنة (110) ه-.

اللّه عنه فيقتلهم، فبلغ ذلك الحسن بن علي رضي اللّه عنه فقال: اللّهم تفرد بموته فإن القتل كفارة. (1)

ومن دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{27}

[129] اللّهُمَّ خُذ لَنا ولِشیعَتِنا مِن زِیادِ بنِ أبیهِ (2)، وأرِنا فیهِ نَكالاً عاجِلاً إنَّكَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ. (3)

العين حق

{29}

[130] اللَّهُمَّ یَا ذَا السُّلْطَانِ الْعَظِیمِ وَ الْمَنِّ الْقَدِیمِ وَ الْوَجْهِ الْكَرِیمِ ذَا الْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ وَ الدَّعَوَاتِ الْمُسْتَجَابَاتِ عَافِ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ مِنْ أَنْفُسِ

ص: 160


1- المعجم الكبير ج 3 ص 70 رقم 2690.
2- هو زياد بن عبيد الثقفي، وأمّه سُميّة، استلحقه معاوية بأنّه أخوه من أبي سفيان، ولد عام الهجرة، وأسلم زمن أبي بكر، وصار كاتباً لأبي موسى الأشعري زمن إمرته على البصرة. قال الذهبي في «سیر اعلام النبلاء، ج 3 ص 495: يقال: إنّ أبا سفيان أتي الطائف، فسكر، فطلب بغيّاً فواقع سميّة، وكانت مزوّجة بعبيد، فولدت من جماعة زیاداً. فلما رآه معاوية من أفراد الدهر، إستعطفه و ادّعاه وقال: نزل من ظهر أبي. وقال الذهبي أيضاً في ص 496: قال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّ زياداً يتبع شيعة عليّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بالبصرة، فيقتلهم، فدعا عليه. وقيل أنّه جمع أهل الكوفة ليُعرضهم على البراءة من أبي الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فأصابه حينئذ طاعون في سنة ثلاث وخمسين.
3- البحار: ج 43 ص 327 عن المناقب، وفيه: استغاث الناس عن زياد الى الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ترفع يده وقال: اللّهم... الخ، قال: فخرج خراج في إبهام يمينه يقال له السلمة وورم الى عنقه.

الْجِنِّ وَ أَعْیُنِ الْإِنْسِ.(1)

صار الرجل امرأة

{30}

[131 ] روي انّ رجلاً من بني أميّة أغلظ للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كلامه، وتجاوز الحدّ في السبّ والشتم له ولأبيه، فقال الحسنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): اللّهمّ غيّر ما به من النعمة، واجعله أُنثي ليعتبر به. فنظر الأموي في نفسه، وقد صار إمرأة. (2)

اقرأ هذه الكلمات

{31}

[132] دخل النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على فاطمة الزهراء (عَلَيْها السَّلَامُ)، فوجد الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) موعوكاً،

ص: 161


1- فضائل الصحابة للحافظ أبي الحسن خيثمة بن سليمان الطرابلسي ص 204 عن طراد بن الحسين، عن ابن أبي كامل الأطرابلسي، عن خيثمة بن سليمان، عن عبيد بن محمّد الكشوري، عن عبداللّه بن عبدربه البصري عن أبي رجاء، عن شعبة، عن أبي اسحاق، عن الحرث، عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّ جبرئيل أتى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فوافقه مغتمّاً، فقال: يا محمّد ما هذا الغم الّذي أراه في وجهك؟ قال: الحسن والحسين أصابتهما عين، قال: صدق بالعين فإنّ العين حقّ، أفلا عوّذتهما بهؤلاء الكلمات؟ قال: وما هنّ ياجبرئیل؟ قال: قل: اللّهمّ... الدعاء.. فقالها النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلّم، فقاما يلعبان بين يديه، فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): عوّذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ، فإنّه لم يتعوّذ المتعوّذون بمثله.
2- أورده الراوندي قدس سره في «الخرایج» ج 1 ص 237 وأخرجه المجلسي طاب ثراه في البحار ج 44 ص 89 عن الخرايج في ضمن الحديث. وقال: وحضر المحفل رجل من بني اميّة وكان شابّاً، فأغلَظَ للحسن كلامه، وتجاوز الحدّ في السبّ والشتم له ولأبيه، فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): «اللّهمّ غيّر ما به من النعمة واجعله أنثى ليعتبر به» فنظر الأموي في نفسه وقد صار إمرأة قد بدل اللّه له فرجه بفرج النساء وسقطت الحيته، فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أعزبي مالك ومحفل الرجال؟ فإنك إمرأة!.

فشق ذلك على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فنزل جبرئیل (عَلَيْه السَّلَامُ) فقال: يا محمّد إلّا أعلّمك معاذة تدعو بها فينجلي بها عنه ما يجده؟ قال: بلى، قال: قل «اللّهمّ لا إله إلّا أنت العليّ العظیم، ذوالسلطان القديم، والمنّ العظيم، والوجه الكريم لا إله إلّا أنت العليّ العظيم، وليُّ الكلمات التامّات، والدّعوات المستجابات، حلَّ ما أصبح بفلان» فدعا النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ثم وضع يده على جبهته فإذا هو بعون اللّه قد أفاق. (1)

یا محمّد مُر أمتك

{32}

[133] قالت عائشة في آخر حديث طويل في ليلة النصف وإنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: في هذه الليلة هبط عليّ حبيبي جبرئیل (عَلَيْه السَّلَامُ).

فقال لي: يامحمّد مُر أمتك إذا كان ليلة النصف من شعبان أن يصلّي أحدهم عشر ركعات، في كلّ ركعة يتلو فاتحة الكتاب، وقل هو اللّه أحد عشر مرات، ثمّ يسجد ويقول في سجوده:

اللّهمّ لك سجد سوادي وجناني و بياضي ياعظيم كلّ عظیم، اغفر ذنبي العظيم، وانه لايغفر غيرك ياعظيم، فاذا فعل ذلك محا اللّه عزّ وجلّ له اثنين وسبعين ألف سيّئة، وكتب له من الحسنات مثلها، ومحا اللّه عزّ وجلّ عن والديه سبعين ألف سيئة. (2)

ص: 162


1- بحار الأنوار: ج 95 ص 36 عن مهج الدعوات.
2- بحار الأنوار: ج 97 ص 89 - 90ح 17 عن فضائل الأشهر الثلاثة.

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب الخير

{33}

[136] اللَّهُمَّ مُعْطِيَ الْخَيْرَاتِ وَمُنْزِلَ الْبَرَكَاتِ أَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً وَاسْقِنَا غَيْثاً مِغْزَاراً وَاسِعاً غَدَقاً مُجَلِّلاً سَحّاً سَفُوحاً فِجَاجاً تُنَفِّسُ بِهِ الضَّعْفَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُحْيِي بِهِ الْمَيْتَ مِنْ بِلادِكَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. (1)

ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ)

{34}

[135] «اللّهمّ وسّع علىَّ فإنّه لا يسعُني إلّا الكثير».(2)

في الاستسقاء

{35}

[139] اللّهمّ هيّج لنا السحاب يفتح الأبواب، بماء عُباب (3) ورَباب (4)،

ص: 163


1- عيون المعجزات ص 97 بهذا الإسناد: جعفر بن محمّد بن عمارة عن أبيه عن الصادق (عَلَيْه السَّلَامُ) عن أبيه عن جدّه (عَلَيْه السَّلَامُ) قال جاء اهل الكوفة الى علي (عَلَيْه السَّلَامُ) فشكوا اليه إمساك المطر وقالوا له: استسق لنا فقال للحسن (عَلَيْه السَّلَامُ) قم واستسق فقام وحمد اللّه واثنی عليه وصلى على النبي وقال: الخبر. وفي ذيله: فما فرغ (عَلَيْه السَّلَامُ) من دعائه حتّی غاث اللّه غيثاً واقبل أعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال تركت الأودية والآكام بموج بعضهم في بعض.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید، ج 11 ص 300 قال إبن أبي الحديد: كان الحسن ابن علي (عَلَيْه السَّلَامُ) يدعو فيقول:...
3- عُباب الماء: أوّله ومعظمه.
4- الرَباب بفتح الراء: سحاب أبيض.

بِانصِبابٍ وَانسِكابٍ، یا وَهّابُ، اسقِنا مُغدِقَةً(1) مُطبِقَةً مونِقَةً، فَتِّح إغلاقَها، ویَسِّر إطباقَها، وسَهِّل إطلاقَها، وعَجِّل سِیاقَها بِالأَندِیَةِ(2) فی بُطونِ الأَودِیَةِ بِصَوب الماءِ، یا فَعّالُ، اسقِنا مَطَراً قَطرا طَلّاً مُطِلّاً، مُطبِقاً طَبَقاً، عامّاً مِعَمّاً، دَهماً بُهماً رُحماً، رَشّاً مُرِشّاً، واسِعاً كافِیاً، عاجِلاً طَیِّباً مَریئاً مُبارَكاً، سُلاطِحاً(3) بُلاطِحاً(4) یُناطِحُ الأَباطِحَ، مُغدَودِقاً مُطبَوبِقاً مُغرَورِقاً، اِسقِ سَهلَنا وجَبَلَنا، وبَدوَنا وحَضَرَنا، حَتّی تُرَخِّصَ بِهِ أسعارَنا، وتُبارِكَ لَنا فی صاعِنا ومُدِّنا، أرِنَا الرِّزقَ مَوجوداً وَالغَلاءَ مَفقوداً، آمینَ رَبَّ العالَمینَ. (5)

ص: 164


1- المغدقة: الكثيرة.
2- الأندية: جمع النَدي أي البلل.
3- السلاطح: العريض.
4- البلاطح: جمع البلطح أي المرثمي.
5- قرب الاسناد للحميري ص 73 بالاسناد عن السندي بن محمّد، عن أبي البختري وهب ابن وهب القرشي، عن الصادق، عن أبيه عن جدّه (عَلَيْه السَّلَامُ) قال: اجتمع عند علي بن أبي طالب (عَلَيْه السَّلَامُ) قوم فشكوا اليه قلّة المطر، وقالوا: يا أبا الحسن أدع لنا بدعوات في الإستسقاء، فدعا علي (عَلَيْه السَّلَامُ) الحسن والحسين، فقال للحسن (عَلَيْه السَّلَامُ): أدع لنا بدعوات في الإستسقاء، فقال الحسن: اللّهم هيّج... الخبر رواه المجلسي قدس سره في البحار: ج 91 ص 321 وذيّله بتبيين هذا الحديث رواه الصدوق في الفقيه (ج 1 ص 338) مرسلاً هكذا «وجاء قوم من أهل الكوفة» فيحمل على أنّهم جاؤا الى المدينة لذلك، لأنَّ سلمان رضي اللّه عنه لم يبق الى زمان خلافة امير المؤمنين (عَلَيْه السَّلَامُ) ويؤيّده استبعاد الجهلة من الحسنين (عَلَيْهما السَّلَامُ) و ذلك لأنّ الظاهر أنّه كان لصغر سنّهما، وفي الأدعية تصحيفات و تحریفات في الكتابين، ومضى شرح بعض الفقرات في الخطب المتقدّمة، ونوضح سایرها إجمالاً. «تفتّح الأبواب» أي أبواب رحمتك، أو أبواب السماء بماء عباب» الباء للملابسة أو السببيّة، وفي القاموس: العباب كغراب معظم السيل وارتفاعه وكثرته وأمواجه و أول الشيء، وفي النهاية الربابة بالفتح السحابة التي يركب بعضها بعضاً وفي القاموس: سكب الماء سكباً وتسكاباً هو سكوبً وانسكب صبّه فاصنبَّ فالاسكاب لا وجه له إلّا أن يكون أتی ولم يذكر في كتب اللغة وهو كثير. «مطبقة» بكسر الباء أي يبلّ جميع الأرض، أو بالفتح أي يغطّي جميع آفاق السماء «مونقة» أي معجبة، وكذا في الفقيه وفي أكثر نسخ قرب الاسناد بروقه أي لاقحة بالمطر أو ذات برق في القاموس برقت المرءة برقاً تحسّنت و تزیّنت كبرقت، والناقة شالت بذنبها وتلقّحت وليست بلاقح، فهي بروق، وبرقت السماء لمعت أو جاءت ببرق، والبروق كجرول شجرة ضعيفة إذا غامت السماء اخضرّت الواحدة بهاء، ومنه أشكر من بروقه، ويمكن أن يقرأ بالهاء ليكون جمع البرق، وفاعل مطبقة. «فتّح أغلاقها» والأغلاق جمع الغلق وهو ما يغلق به الباب وفتحها كناية عن رفع موانعها التي منها معاصي العباد «ويسّر أطباقها» أي سهّل إحاطتها الأرض، وفي الفقيه «وسهّل إطلاقها» أي إسالها «وعجّل سياقها بالأندية» كأنّ الباء زائدة فانّ السياق متعدّ يقال: ساق الماشية سياقاً. والأندية: جمع الندى وهو المطر والبلل أي عجّل إجراء المطر المياه في بطون الأودية، أو يكون فاعل السياق هو الربّ تعالى، فالباء للتعدية أو المصاحبة ويمكن أن يرتكب فيها تجرید «بصوب الماء» الصوب الأنصاب والظرف متعلق بالسياق وفي الفقيه «یا وهّاب بصوت الماء» فيحتمل تعلّقه بالوهّاب أيضاً. وفي بعض النسخ «بضرب الماء» أي جزیه من ضرب في الأرض أي ذهب أو أسرع، والأوّل أظهر. «مطراً قطراً» قوله: «قطراً» إمّا تأكيد للمطر أو المراد به كبير القطر، أو كثيره، في الصحاح القطر المطر وجمع قطرة، وفي القاموس سحاب قطور ومقطار كثير القطر، وكغراب عظيمة «طلاً» في القاموس الطلّ المطر الضعيف أو أخفّ المطر وأضعفه، أو الندى أو فوقه دون المطر، والحسن والمعجب من ليل وشَعر وماء وغير ذلك، وأطلّ عليه أشرف انتهى، والمراد بالطلّ إمّا المطر الضعيف، فيكون طلبا للمطر بنوعيه، فانّ لكلّ منهما فائدة في الأشجار والزروع، أو المراد ذا ظلّ فانّه ما يقع على الأرض من الندى بعد المطر باللّيل، أو المراد به الحسن المعجب. «مطلّاً» بفتح الميم والطاء تأكيد أي يكون مظنّة للطلّ أو بضم الميم وكسر الطاء بهذا المعنى، أو مشرفاً نازلاً علينا، أو طلاً يكون سبباً لطل آخر «مطبقاً» تأكيد لقوله «مطبقا» قال في النهاية في حديث الاستسقاء اللّهمّ اسقنا غيثاً طبقاً أي مالئاً للأرض مغطِياً لها، يقال: غيث طبق أي عامّ واسه، وفي القاموس عمّ الشيء عموماً شمل الجماعة، يقال: عمّهم بالعطيّة وهو معمّ خير يعمّ بخيره وعقله. «دهماً» من قوله دهمك، أي غشيك أو من الدّهمة السواد، فانّ المطر يسوّد الأرض، وفي بعض النسخ بالراء، وفي القاموس الرهمة بالكسر المطر الضعيف الدائم وأرهمت السماء أنت به، وفي النهاية الرهام هي الأمطار الضعيفة، واحدتها رهمة، وقيل الرهمة أشدّ وقعاً من الديمة. «بهما» وفي بعض النسخ بهيماً، وفي بعضها يهماراً، وفي القاموس: البهيم الأسود والخالص الّذي لم يشبه غيره ويحش الناس بُهماً بالضمّ، أي: ليس بهم شيء ممّا كان في الدنيا نحو البرص والعرج، وفي مجمل اللغة: هو المطر الصغير القطر، وفي القاموس اليهمور الدفعة من المطر، وهمّار كشدّاد السحّال السيّال، وانهمر الماء انسكب وسال «رجماً» لعلّه كناية عن سرعته وشدّة وقعه. وفي الفقيه: رجيماً، وكلاهما بعيدان «رشاً مرشّاً» في الصحاح: الرشّ المطر القليل، والجمع رشاش، ورشّت السماء وارشّت أي جاءت بالرشّ «سلاطحاً بلاطحاً» وفي الفقيه سلاطح بلاطح في القاموس السلاطح بلاطح إتباع. «يناطح الأباطح» يناطح في بعض النسخ بالنون وفي بعضها بالباء الموحّدة، فعلى الأوّل لعلّه كناية عن جريه في الأباطح بكثرة وقوّة، كأنّه ينطحها بقرنه، وعلى الثاني المراد أنّه يجعل الأبطح أبطحاً أو يوسّعه في القاموس نطحه أصابه بقرنه، وفيه البطحاء والأبطح مسیل واسع فيه دقاق الحصى، والجمع أباطح وبطاح، وتبطح السيل اتّسع في البطحاء، انبطح الوادي استوسع، وقال: أغدق المطر واغدودق كثر قطره. «مطبوبقاً» مفعوعل للمبالغة في تطبيق الأرض بالمطر، وكذا «مغرورقاً» من قولهم اغرورقت عيناه، أي غرقتا بالدموع، وهو افعوعل من الغرق، والسهل ضدّ الجبل والبدو البادية. «وتبارك لنا» وفي الفقيه: «به» «في صاعنا ومدّنا» لعلّ المراد أن في الرخص يسامح الناس في الكيل و الوزن و لا يبخسون، فيحصل فيهما البركة، أو لأنّ في الرخص لا يكثر رغبات الناس فتكون بركة في الطعام، فالمراد به الصاع والمدّ المكيل بهما، والأوّل أظهر، وفي بعض نسخ الفقيه: «في ضياعنا ومدننا» والمنهل عين ماء ترده الإبل في المراعي. وفي الفقيه: «من مظانّها» على أهلها» أي من يستحقّ الرحمة «لحينها» أي في هذا الوقت. وفي الصحاح الهطل تتابع المطر والدمع وسيلانه، يقال: هطلت السماء تهطل هطلاً وهطلاناً وتهطالاً وسحاب هطل، ومطر هطل، كثير الهطلان، وديمة هطلاء «مريئاً ممرعاً» وفي الفقيه: مريعاً قال في النهاية: في حديث الاستسقاء اسقنا غيثاً مريئاً مريع يقال: مرأني الطعام وأمر أني إذا لم يثقل على المعدة، وفي بعض النسخ مربّاً بالباء الموحّدة المشدّدة في الصحاح: أربّت الابل بمكان كذا أي لزمته وأقامت به، وأربت الجنوب وأربت السحابة أي دامت و في النهاية للمربع المخصب الناجع، يقال: أمرع الوادي ومرع مراعة. «غيلانا» وفي الفقيه عباباً في الصحاح: الغيل الماء الّذي يري على وجه الأرض «سحّاً سحساحاً» في الصحاح سحّ الماء يسحّ سحّاً: أي سال من فوق، وكذلك المطر والدمع، وتسحسح الماء أي سال، ومطر سحساح أي يسحّ شديداً، وفي الفقيه بعد ذلك «بسّاً بسّاساً مسبلاً» وفي الصحاح: البس السوق اللين، وبسست المال في البلاد فانبسّ إذا أرسلته فتفرق فيها انتهى أي يكون ذا سوق لين يبس المطر في البلاد، وفي الصحاح أسبل المطر والدمع إذا هطل، وقال أبو زيد: أسبلت السماء، والاسم السبل، وهو المطر بين السحاب والأرض حين يخرج من السحاب ولم يصل إلى الأرض. «بحّاً بحّاحاً» أي ذا صوت شديد يصير سبباً لصياح الناس وبحّتهم فرحاً في القاموس: بححت بالكسر أبحّ بححاً إذا أخذته بحّة وخشونة وغلظ في صوته، فهو أبحّ، وهي بحّة وبحّاء «سائلاً مسيلاً» أي جارياً مجرياً للسيول «مطفاحاً» أي مالئاً للغدران والعيون، في القاموس: طفح الاناء كمنع طفحاً وطفوحاً امتلأ وارتفع، وطفّحه وأطفحه «وتونق به ذری الأكام» أي تصير بسببه مونقة معجبة. (بحار الأنوار ج 91 ص 321 - 326 ح9 عن قرب الإسناد.

ص: 165

ص: 166

ص: 167

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء

{36}

[137] اللّهُمَّ یا مَن جَعَلَ بَینَ البَحرَینِ حاجِزاً وبَرزَخاً وحِجراً مَحجوراً، یا ذَا القُوَّةِ وَالسُّلطانِ، یا عَلِیَّ المَكانِ، كَیفَ أخافُ وأَنتَ أمَلی، وكَیفَ اضامُ وعَلَیكَ مُتَّكَلی؟

فَغَطِّنی مِن أعدائِكَ بِسِترِكَ، وأَظهِرنی عَلی أعدائی بِأَمرِكَ، وأَیِّدنی بِنَصرِكَ، إلَیكَ اللَّجَأُ، ونَحوَكَ المُلتَجَأُ، فَاجعَل لی مِن أمری فَرَجاً ومَخرَجاً.

یا كافِیَ أهلِ الحَرَمِ مِن أصحابِ الفیلِ، وَالمُرسِلَ عَلَیهِم طَیراً أبابیلَ تَرمیهِم بِحِجارَةٍ مِن سِجّیلٍ، ارمِ مَن عادانی بِالتَّنكیلِ.

اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُكَ الشِّفاءَ مِن كُلِّ داءٍ، وَالنَّصرَ عَلَی الأَعداءِ،وَالتَّوفیقَ لِما تُحِبُّ وتَرضی.

یا إلهَ مَن فِی السَّماءِ وَالأَرضِ وما بَینَهُما وما تَحتَ الثَّری، بِكَ أستَشفی وبِكَ أستَعفی، وعَلَیكَ أتَوَكَّلُ فَسَیَكْفِیكَهُمُ اللّهُ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ. (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) عند الكعبة المشرفة

{37}

[138 ] روي أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهما السَّلَامُ) التزم الركن فقال:

إِلَهِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَلَمْ تَجِدْنِی شَاكِراً وَ اِبْتَلَیْتَنِی فَلَمْ تَجِدْنِی صَابِراً

ص: 168


1- بحار الأنوار: ج 94 ص 373 عن مهج الدعوات ص 298.

فَلاَ أَنْتَ سَلَبْتَ اَلنِّعْمَهَ بِتَرْكِ اَلشُّكْرِ وَ لاَ أَنْتَ أَدَمْتَ اَلشِّدَّهَ بِتَرْكِ اَلصَّبْرِ إِلَهِی مَا یَكُونُ مِنَ اَلْكَرِیمِ إِلاَّ اَلْكَرَمُ.(1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) عند باب المسجد

{38}

[139] روي أنّه كان (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول:

إِلهي ضَيفُكَ ببابِك، یا مُحسِنُ قَد أَتَاكَ المُسِيءُ، فَتَجَاوَز عن قبيحِ ما عندي بِجَميلِ ماعِندَك، یا كریم. (2)

الاستشفاء بالدعاء

{39}

[140] عن ابن عبّاس (رضي اللّه عنه) قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب (عَلَيْه السَّلَامُ) جالساً فدخل عليه رجل متغيّر اللون فقال: يا أمير المؤمنين إنّي

ص: 169


1- بحار الأنور: ج99 ص 197 ح 13 عن كشف الغمّة للإربلي ج 2 ص 414؛ وأورده الحلّي أيضاً في العدد القويّة ص 35، ولكن جعله آية اللّه العظمى المرعشي (قدّس سرّه) في ملحقات الإحقاق ج11 ص 595 من كلمات الحسين (عَلَيْه السَّلَامُ) نقلاً عن العلّامة الأستاذ توفيق أبي علم في كتابه «أهل البيت»، ص 37؛ ط القاهرة.
2- مناقب آل أبي طالب ج17 وعنه البحار ج 43 ص 339 ح 13، وعوالم العلوم والمعارف الإمام الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ) ص 130 ح1 ورواه القوم أيضاً منهم: العلّامة العارف الشيخ نصر بن محمّد السمرقندي أبواللیث المتوفّی (393) في «تنبيه الغافلين» ص 194 ط القاهرة قال: وكان إذا أتى باب المسجد رفع رأسه ويقول: «إِلهي عبدك ببابك يا محسن قد أتاك المسيء وقد أمرت المحسن منّا أن يتجاوز عن المسيء، فأنت المحسن وأنا المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك یا كریم» ثمّ دخل المسجد.

رجل مِسقام كثير الأوجاع، فعلّمني دعاء أستعين به على ذلك.

فقال: أعلّمك دعاء علّمه جبرئيل (عَلَيْه السَّلَامُ) لرسول اللّه في مرض الحسن والحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ) وهو هذا الدعاء:

إلهي كلّما أنعمت عليّ نعمة(1) قلّ لك عندها شكري، وكلّما ابتليتني ببليّة قلّ لك عندها صبري، فيامن قلّ شكري عند نعمه، فلم يحرمني، ويا من قلّ صبري عند بلائه فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، ويا من رآني على الخطايا فلم يعاقبني عليها، صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لي ذنبي واشفني من مرضي، إنّك على كلّ شيء قدير.

قال ابن عباس: فرأيت الرجل بعد سنة حسن اللون، مشرب الحمرة، قال: وما دعوت اللّه بهذا الدعاء وأنا سقيم إلّا شفيت، ولا مريض إلّا برئت، وما دخلت على سلطان أخافه(2) إلّا ردّه اللّه عزّ وجلّ عنّي. (3)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لوجع الرجل

{40}

[141] عن الباقر (عَلَيْه السَّلَامُ) قال: كنت عند الحسين بن علي (عَلَيْهما السَّلَامُ) إذ أتاه رجل من بني أميّة من شيعتنا، فقال له: يابن رسول اللّه ما قدرت أن أمشي إليك من

ص: 170


1- في نسخة: بنعمة.
2- في نسخة: خفت جوره.
3- بحار الأنوار: ج 95 ص 63 - 64 ح39 عن مهج الدعوات ص 9: علي بن عبدالصمد، عن جماعة من المدنيّين، عن الثقفي، عن يوسف، عن الحسن بن الوليد، عن عمر بن محمّد السناني، عن إبراهيم بن عبدالرحمن، عن محمّد بن فضیل بن غزوان، عن إسماعيل بن جويبر، عن الضحّاك، ...

وجع رجلي.

قال: فأين أنت من عوذة الحسن بن علی (عَلَيْه السَّلَامُ)؟

قال: يابن رسول اللّه وما ذاك؟

قال: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّه - إلى قوله -: وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا».(1) (2)

قال: ففعلتُ ما أمرني به فما أحسَستُ بعد ذلك بشيء منها بعون اللّه تعالی.

مواضع إستجابة الدعاء

{41}

[142] حكي عن الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما: أنّ الدعاء يستجاب هنالك في خمسة عشر موضعاً: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب،

ص: 171


1- إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا*لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا*وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا*هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا*لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا*وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا*وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا*وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
2- بحار الأنوار: ج 95 ص 84 باب الدعاء لوجع الرجلين والركبة، ح1 عن طبّ الأئمّة ص 31.

وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث، فمحروم مَن لا يجتهد في الدعاء فيها. (1)

عوذة الحسنین (عَلَيْهما السَّلَامُ)

{42}

[143] عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه (عَلَيْهم السَّلَامُ) و قال: كان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يعوّذ الحسن والحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ) بهذه العوذة، وكان يأمر (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بذلك أصحابه وهو هذا الدعاء:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیم اُعیذُ نَفسی ودینی وأهلی ومالی ووُلدی وخَواتیمَ عَمَلی، وما رَزَقَنی رَبّی وخَوَّلَنی بِعِزَّهِ اللّهِ، وعَظَمَهِ اللّهِ، وجَبَروتِ اللّهِ، وسُلطانِ اللّهِ، ورَحمَهِ اللّهِ، ورَأفَهِ اللّهِ، وغُفرانِ اللّهِ، وقُوَّهِ اللّهِ، وقُدرَهِ اللّهِ، وبِآلاءِ اللّهِ، وبِصُنعِ اللّهِ، وبِأَركانِ اللّهِ، وبِجَمعِ اللّهِ عزّ وجلّ، وبِرَسولِ اللّهِ صلی اللّه علیه و آله، وقُدرَهِ اللّهِ عَلی ما یَشاءُ مِن شَرِّ السّامَّهِ وَالهامَّهِ، ومِن شَرِّ الجِنِّ وَالإِنسِ، ومِن شَرِّ ما دَبَّ فِی الأَرضِ، ومِن شَرِّ ما یَخرُجُ مِنها، ومِن شَرِّ ما یَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وما یَعرُجُ فیها، ومِن شَرِّ كُلِّ دابَّهٍ رَبّی آخِذٌ بِناصِیَتِها، إنَّ رَبّی عَلی صِراطٍ مُستَقیمٍ، وهُوَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ، ولا حَولَ ولا قُوَّهَ إلّا بِاللّهِ العَلِیِّ العَظیمِ، وصَلَّی اللّهُ عَلی سَیِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ أجمَعینَ. (2)

ص: 172


1- الذكر في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة للفاضل المعاصر محمّد الصبّاغ ص 186 ط مكتبة السلام العالميّة ودار الاعتصام وعنه ملحقات الإحقاق ج 33 ص 487.
2- بحار الأنوار ج 94 ص 264 عن مهج الدعوا ص 13.

دعاء الإستخارة

{43}

[144] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنَّ خِیَرَتَكَ فِیمَا أَسْتَخِیرُكَ فِیهِ تُنِیلُ الرَّغَائِبَ وَ تُجْزِلُ الْمَوَاهِبَ وَ تُغْنِمُالْمَطَالِبَ وَ تُطَیِّبُ الْمَكَاسِبَ وَ تَهْدِی إِلَی أَجْمَلِ الْمَذَاهِبِ وَ تَسُوقُ إِلَی أَحْمَدِ الْعَوَاقِبِ وَ تَقِی مَخُوفَ النَّوَائِبِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَخِیرُكَ فِیمَا عَزَمَ رَأْیِی عَلَیْهِ وَ قَادَنِی عَقْلِی إِلَیْهِ سَهِّلِ اللَّهُمَّ مِنْهُ مَا تَوَعَّرَ وَ یَسِّرْ مِنْهُ مَا تَعَسَّرَ وَ اكْفِنِی فِیهِ الْمُهِمَّ وَ ادْفَعْ عَنِّی كُلَّ مُلِمٍّ وَ اجْعَلْ رَبِّ عَوَاقِبَهُ غُنْماً وَ خَوْفَهُ سِلْماً وَ بُعْدَهُ قُرْباً وَ جَدْبَهُ خِصْباً وَ أَرْسِلِ اللَّهُمَّ إِجَابَتِی وَ أَنْجِحْ فِیهِ طَلِبَتِی وَ اقْضِ حَاجَتِی وَ اقْطَعْ عَوَائِقَهَا وَ امْنَعْ بَوَائِقَهَا وَ أَعْطِنِی اللَّهُمَّ لِوَاءَ الظَّفَرِ بِالْخِیَرَةِ فِیمَا اسْتَخَرْتُكَ وَ وُفُورَ الْغَنَمِ فِیمَا دَعَوْتُكَ وَ عَوَائِدَ الْإِفْضَالِ فِیمَا رَجَوْتُكَ وَ اقْرِنْهُ اللَّهُمَّ رَبِّ بِالنَّجَاحِ وَ حُطَّهُ بِالصَّلَاحِ وَ أَرِنِی أَسْبَابَ الْخِیَرَةِ فِیهِ وَاضِحَةً وَ أَعْلَامَ غُنْمِهَا لَائِحَةً وَ اشْدُدْ خُنَاقَ تَعَسُّرِهَا وَ انْعَشْ صَرِیعَ تَیَسُّرِهَا وَ بَیِّنِ اللَّهُمَّ مُلْتَبَسَهَا وَ أَطْلِقْ مُحْتَبَسَهَا وَ مَكِّنْ أُسَّهَا فِیهِ حَتَّی تَكُونَ خِیَرَةً مُقْبِلَةً بِالْغَنَمِ مُزِیلَةً لِلْغُرْمِ عَاجِلَةَ النَّفْعِ بَاقِیَةَ الصُّنْعِ إِنَّكَ وَلِیُّ الْمَزِیدِ مُبْتَدِئٌ بِالْجُودِ. (1)

ص: 173


1- بحار الأنوار ج 9 ص 114: البلد الأمين: روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن بابویه قال: حدّثني عبداللّه بن رفاعة قال: حدّثني إبراهيم بن محمّد بن الحارث النوفلي قال: حدّثني أبي وكان خادم علي بن موسى الرضا (عَلَيْه السَّلَامُ) قال: لمّا زوّج المأمون محمّد بن علي بن موسی (عَلَيْه السَّلَامُ) ابنته كتب إليه أنّ لكلّ زوجة صداقاً من مال زوجها، وقد جعل اللّه أموالنا في الآخرة مؤجّلة لنا فكنزناها هُناك كما جعل أموالكم في الدُنيا معجّلة لكم فكنزتموها هنا وقد أمهرت ابنتك الوسائل إلى المسائل وهي مناجاة دفعها إليّ أبي، وقال: دفعها إليّ موسى أبي وقال: دفعها إليّ جعفر أبي، وقال: دفعها إلىّ محمّد أبي، وقال: دفعها إليّ عليّ أبي، وقال: دفعها إلىّ الحسين بن عليّ أبي وقال: دفعها إلىّ الحسن أخي وقال دفعها إلىّ عليّ بن أبي طالب (عَلَيْه السَّلَامُ) وقال: دفعها إلىّ النبيّ محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) صحيفة وقال: دفعها إليّ جبرئيل (عَلَيْه السَّلَامُ) وقال: ربّك يقول: هذه مفاتیح كنوز الدنيا والآخرة، فاجعلها وسائلك إلى مسائلك تصل إلى يُبغيتك وتنجح في طلبتك، ولا تؤثرها لحوائج دنياك فتبخس بها الحظّ من آخرتك، وهي عشر وسائل إلى عشر مسائل، تطرق بها أبواب الرغبات فتفتح، وتطلب بها الحاجات فتنجح، وهذه نسختها:

في رفع العسر

{44}

[145] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ بِمَكَانِكَ وَ مَعَاقِدِ عِزِّكَ وَ سُكَّانِ سَمَاوَاتِكَ وَ أَنْبِیَائِكَ وَ رُسُلِكَ أَنْ تَسْتَجِیبَ لِی فَقَدْ رَهِقَنِی مِنْ أَمْرِی عُسْرٌ.

اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَجْعَلَ لِی مِنْ عُسْرِی یُسْراً. (1)

ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ) لطلب الحج

{45}

[146] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِی الْحَجَّ الَّذِی فَرَضْتَهُ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا وَ اجْعَلْ لِی فِیهِ هَادِیاً وَ إِلَیْهِ دَلِیلًا وَ قَرِّبْ لِی بُعْدَ الْمَسَالِكِ وَ أَعِنِّی فِیهِ عَلَی تَأْدِیَهِ الْمَنَاسِكِ وَ حَرِّمْ بِإِحْرَامِی عَلَی النَّارِ جَسَدِی وَ زِدْ لِلسَّفَرِ فِی زَادِی وَ قُوَّتِی وَ جِلْدِی وَ ارْزُقْنِی رَبِّ الْوُقُوفَ بَیْنَ یَدَیْكَ وَ الْإِفَاضَهَ إِلَیْكَ وَ ظَفِّرْنِی بِالنُّجْحِ وَ احْبُنِی بِوَافِرِ الرِّبْحِ وَ أَصْدِرْنِی رَبِّ مِنْ مَوْقِفِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ إِلَی مُزْدَلِفَهِ الْمَشْعَرِ وَ اجْعَلْهَا زُلْفَهً إِلَی رَحْمَتِكَ وَ طَرِیقاً إِلَی جَنَّتِكَ أَوْقِفْنِی مَوْقِفَ

ص: 174


1- بحار الأنوار: ج 94 ص 265 رقم 2 باب أحراز مولانا الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عَلَيْه السَّلَامُ) عن مهج الدعوات حرز للإمام الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ) ص 13.

الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَ مَقَامَ وُفُودِ الْإِحْرَامِ وَ أَهِّلْنِی لِتَأْدِیَهِ الْمَنَاسِكِ وَ نَحْرِ الْهَدْیِ التَّوَامِكِ(1) بِدَمٍ یَثُجُّ وَ أَوْدَاجٍ تَمُجُّ وَ إِرَاقَهِ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوحَهِ مِنَ الْهَدَایَا الْمَذْبُوحَهِ وَ فَرْیِ أَوْدَاجِهَا عَلَی مَا أَمَرْتَ وَ التَّنَفُّلِ بِهَا كَمَا رَسَمْتَ وَ أَحْضِرْنِی اللَّهُمَّ صَلَاهَ الْعِیدِ رَاجِیاً لِلْوَعْدِ حَالِقاً شَعْرَ رَأْسِی وَ مُقَصِّراً مُجْتَهِداً فِی طَاعَتِكَ مُشَمِّراً رَامِیاً لِلْجِمَارِ بِسَبْعٍ بَعْدَ سَبْعٍ مِنَ الْأَحْجَارِ وَ أَدْخِلْنِی اللَّهُمَّ عَرْصَهَ بَیْتِكَ وَ عَقْوَتَكَ وَ أَوْلِجْنِی مَحَلَّ أَمْنِكَ وَ كَعْبَتَكَ وَ مَسَاكِینَكَ وَ سُؤَّالَكَ وَ وَفْدَكَ وَ مَحَاوِیجَكَ وَ جُدْ عَلَیَّ اللَّهُمَّ بِوَافِرِ الْأَجْرِ مِنَ الِانْكِفَاءِ وَ النَّفْرِ وَ اخْتِمْ لِی مَنَاسِكَ حَجِّی وَ انْقِضَاءَ عَجِّی بِقَبُولٍ مِنْكَ لِی وَ رَأْفَهٍ مِنْكَ یَا غَفُورُ یَا رَحِیمُ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ. (2)

ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ) لطلب الرزق

{46}

[147] بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِیمِ اَللَّهُمَّ أَرْسِلْ عَلَیَّ سِجَالَ رِزْقِكَ مِدْرَاراً وَ أَمْطِرْ سَحَائِبَ إِفْضَالِكَ عَلَیَّ غِزَاراً وَ أَرمْ غَیْثَ نَیْلِكَ إِلَیَّ سِجَالاً وَ أَسْبِلْ مَزِیدَ نِعَمِكَ عَلَی خَلَّتِی إِسْبَالاً وَ أَفْقِرْنِی بِجُودِكَ إِلَیْكَ وَ أَغْنِنِی عَمَّنْ یَطْلُبُ مَا لَدَیْكَ وَ دَاوِ دَاءَ فَقْرِی بِدَوَاءِ فَضْلِكَ وَ اِنْعَشْ صَرْعَهَ عَیْلَتِی بِطَوْلِكَ واجبر كسر خلّتي بنولكَ وَ تَصَدَّقْ عَلَی إِقْلاَلِی بِكَثْرَهِ عَطَائِكَ وَ عَلَی اِخْتِلاَلِی بِكَرَمِ(3) حِيائِكَ وَ سَهِّلْ رَبِّ سُبُلَ اَلرِّزْقِ إِلَیَّ وَ أَثْبِتْ قَوَاعِدَهُ لَدَیَّ وَأَجْدِبْ أَرْضَ فَقْرِی وَ اِخْصِبْ جَدْبَ ضُرِّی وَ اِصْرِفْ عَنِّی فِی اَلرِّزْقِ اَلْعَوَائِقَ وَ اِقْطَعْ عَنِّی مِنَ

ص: 175


1- التوامك: جمع تامِك وهي الناقة العظيمة السنام.
2- بحار الأنوار: ج 94 ص 118 عن البلد الأمين.
3- بكریم: خ ل.

اَلضِّیقِ اَلْعَلاَئِقَ وَ اِرْمِنِی اَللَّهُمَّ مِنْ سَعَهِ اَلرِّزْقِ بِأَخْصَبِ سِهَامِهِ وَ اُحْبُنِی مِنْ رَغَدِ اَلْعَیْشِ بِأَكْثَرِ دَوَامِهِ.

وَ اُكْسُنِی اَللَّهُمَّ أَیْ رَبِّ سَرَابِیلَ اَلسَّعَهِ وَ جَلاَبِیبَ اَلدَّعَهِ فَإِنِّی یَا رَبِّ مُنْتَظِرٌ لِإِنْعَامِكَ بِحَذْفِ اَلضِّیقِ وَ لِتَطَوُّلِكَ بِقَطْعِ اَلتَّعْوِیقِ وَ لِتَفَضُّلِكَ بِبَتْرِ اَلتَّقْصرِ وَ لِوَصْلِ حَبْلِی بِكَرَمِكَ بِالتَّیْسِیرِ وَ أَمْطِرِ اَللَّهُمَّ عَلَیَّ سَمَاءِ رِزْقِكَ بِسِجَالِ اَلدِّیَمِ وَ أَغْنِنِی عَنْ خَلْقِكَ بِعَوَائِدِ اَلنِّعَمِ وَ اِرْمِ مَقَاتِلَ اَلْإِقْتَارِ مِنِّی وَ اِحْمِلْ عَسْفَ اَلضُّرِّ عَنِّی وَ اِضرِبْ اَلضُّرَّ بِسَیْفِ اَلاِسْتِیصَالِ وَ اِمْحَقْهُ رَبِّ مِنْكَ بِسَعَهِ اَلْإِفْضَالِ وَ أَمْدِدْنِی بِنُمُوِّ اَلْأَمْوَالِ وَ اُحْرُسْنِی مِنْ ضِیقِ اَلْإِقْلاَلِ وَ اِقْبِضْ عَنِّی سُوءَ اَلْجَدْبِ وَ اُبْسُطْ لِی بِسَاطَ اَلْخِصْبِ وَ صَحِّبنِی بِالاِسْتِظْهَارِ وَ مَسِّنِی بِالتَّمَكُّينِ(1) مِنَ اَلْیَسَارِ إِنَّكَ ذُو اَلطَّوْلِ اَلْعَظِیمِ وَ اَلْفَضْلِ اَلْعَمِیمِ وَ أَنْتَ اَلْجَوَادُ اَلْكَرِیمُ اَلْمَلِكُ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِیمُ اَللَّهُمَّ اِسْقِنِی مِنْ مَاءِ رِزْقِكَ غَدَقاً وَ اِنْهَجْ لِی مِنْ عَمِیمِ بَذْلِكَ طُرُقاً وَ اِفْجَأْنِی(2) بِالثَّرْوَهِ وَ اَلْمَالِ وَ اِنْعَشْنِی فِیهِ بِالاِسْتِقْلاَلِ. (3)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب المغفرة

{47}

[148] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنَّ الرَّجَاءَ لِسَعَهِ رَحْمَتِكَ أَنْطَقَنِی بِاسْتِقَالَتِكَ وَ الْأَمَلَ لِأَنَاتِكَ وَ رِفْقِكَ شَجَّعَنِی عَلَی طَلَبِ أَمَانِكَ وَ عَفْوِكَ وَ لِی یَا رَبِّ ذُنُوبٌ قَدْ وَاجَهَتْهَا أَوْجُهُ الِانْتِقَامِ وَ خَطَایَا قَدْ لَاحَظَتْهَا أَعْیُنُ الِاصْطِلَامِ

ص: 176


1- بالتمكّن: خ ل.
2- فاجئني: خ ل.
3- بحار الأنوار: ج 94 ص 116 عن البلد الأمين.

وَ اسْتَوْجَبْتُ بِهَا عَلَی عَدْلِكَ أَلِیمَ الْعَذَابِ وَ اسْتَحْقَقْتُ بِاجْتِرَاحِهَا مُبِیرَ الْعِقَابِ وَ خِفْتُ تَعْوِیقَهَا لِإِجَابَتِی وَ رَدَّهَا إِیَّایَ عَنْ قَضَاءِ حَاجَتِی وَ إِبْطَالِهَا لِطَلِبَتِی وَ قَطْعِهَا لِأَسْبَابِ رَغْبَتِی مِنْ أَجْلِ مَا قَدْ أَنْقَضَ ظَهْرِی مِنْ ثِقْلِهَا وَ بَهَظَنِی مِنَ الِاسْتِقْلَالِ بِحَمْلِهَا ثُمَّ تَرَاجَعْتُ رَبِّ إِلَی حِلْمِكَ عَنِ الْعَاصِینَ وَ عَفْوِكَ عَنِ الْخَاطِئِینَ وَ رَحْمَتِكَ لِلْمُذْنِبِینَ فَأَقْبَلْتُ بِثِقَتِی مُتَوَكِّلًا عَلَیْكَ طَارِحاً نَفْسِی بَیْنَ یَدَیْكَ شَاكِیاً بَثِّی إِلَیْكَ سَائِلًا رَبِّ مَا لَا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْ تَفْرِیجِ الْغَمِّ وَ لَا أَسْتَحِقُّهُ مِنْ تَنْفِیسِ الْهَمِّ مُسْتَقِیلًا رَبِّ لَكَ وَاثِقاً مَوْلَایَ بِكَ.

اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَیَّ بِالْفَرَجِ وَ تَطَوَّلْ عَلَیَّ بِسَلَامَهِ الْمَخْرَجِ وَ ادْلُلْنِی بِرَأْفَتِكَ عَلَی سَمْتِ الْمَنْهَجِ وَ أَزِلَّنِی بِقُدْرَتِكَ عَنِ الطَّرِیقِ الْأَعْوَجِ وَ خَلِّصْنِی مِنْ سِجْنِ الْكَرْبِ بِإِقَالَتِكَ وَ أَطْلِقْ أَسْرِی بِرَحْمَتِكَ وَ تَطَوَّلْ عَلَیَّ بِرِضْوَانِكَ وَ جُدْ عَلَیَّ بِإِحْسَانِكَ وَ أَقِلْنِی رَبِّ عَثْرَتِی وَ فَرِّجْ كُرْبَتِی وَ ارْحَمْ عَبْرَتِی وَ لَا تَحْجُبْ دَعْوَتِی وَ اشْدُدْ بِالْإِقَالَهِ أَزْرِی وَ قَوِّ بِهَا ظَهْرِی وَ أَصْلِحْ بِهَا أَمْرِی وَ أَطِلْ بِهَا عُمُرِی وَ ارْحَمْنِی یَوْمَ حَشْرِی وَ وَقْتَ نَشْرِی إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِیمٌ غَفُورٌ رَحِیمٌ [وَ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ]. (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لكشف الظلم

{48}

[149] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنَّ ظُلْمَ عِبَادِكَ قَدْ تَمَكَّنَ فِی بِلَادِكَ حَتَّی أَمَاتَ الْعَدْلَ وَ قَطَعَ السُّبُلَ وَ مَحَقَ الْحَقَّ وَ أَبْطَلَ الصِّدْقَ وَ أَخْفَی الْبِرَّ وَ أَظْهَرَ الشَّرَّ وَ أَهْمَلَ التَّقْوَی وَ أَزَالَ الْهُدَی وَ أَزَاحَ الْخَیْرَ وَ أَثْبَتَ الضَّیْرَ

ص: 177


1- بحار الأنوار ج 94 ص 114 - 115 عن البلد الأمين.

وَ أَنْمَی الْفَسَادَ وَ قَوَّی العباد، وَ بَسَطَ الْجَوْرَ وَ عَدَی الطَّوْرَ اللَّهُمَّ یَا رَبِّ لَا یَكْشِفُ ذَلِكَ إِلَّا سُلْطَانُكَ وَ لَا یُجِیرُ مِنْهُ إِلَّا امْتِنَانُكَ اللَّهُمَّ رَبِّ فَابْتُرِ الظُّلْمَ وَ بُتَّ جِبَالَ الْغَشْمِ وَ أَخْمِلْ سُوقَ الْمُنْكَرِ وَ أَعِزَّ مَنْ عَنْهُ زُجِرَ وَ احْصُدْ شَأْفَهَ أَهْلِ الْجَوْرِ وَ أَلْبِسْهُمُ الْحَوْرَ بَعْدَ الْكَوْرِ وَ عَجِّلْ لَهُمُ الْبَتَاتَ وَ أَنْزِلْ عَلَیْهِمُ الْمَثُلَاتِ وَ أَمِتْ حَیَاهَ الْمُنْكَرَاتِ لِیُؤْمَنَ الْمَخُوفُ وَ یَسْكُنَ الْمَلْهُوفُ وَ یَشْبَعَ الْجَائِعُ وَ یَحْفَظَ الضَّائِعُ وَ یُؤْوَی الطَّرِیدُ وَ یَعُودَ الشَّرِیدُ وَ یُغْنَی الْفَقِیرُ وَ یُجَارَ الْمُسْتَجِیرُ وَ یُوَقَّرَ الْكَبِیرُ وَ یُرْحَمَ الصَّغِیرُ وَ یُعَزَّ الْمَظْلُومُ وَ یُذَلَّ الظَّلُومُ وَ تُفَرَّجَ الْغَمَّاءُ وَ تَسْكُنَ الدَّهْمَاءُ وَ یَمُوتَ الِاخْتِلَافُ وَ یَحْیَا الِایتِلَافُ وَ یَعْلُوَ الْعِلْمُ وَ یَشْمَلَ السِّلْمُ وَ تَجْمُلَ النِّیَّاتُ وَ یُجْمَعَ الشَّتَاتُ وَ یَقْوَی الْإِیمَانُ وَ یُتْلَی الْقُرْآنُ إِنَّكَ أَنْتَ الدَّیَّانُ الْمُنْعِمُ الْمَنَّانُ. (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في السفر

{49}

[150] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنِّی أُرِیدُ سَفَراً فَخِرْ لِی فِیهِ وَ أَوْضِحْ لِی فِیهِ سَبِیلَ الرَّأْیِ وَ فَهِّمْنِیهِ وَ افْتَحْ عَزْمِی بِالاسْتِقَامَهِ وَ اشْمَلْنِی فِی سَفَرِی بِالسَّلَامَهِ وَ أَفِدْ لِی بِهِ جَزِیلَ الْحَظِّ وَ الْكَرَامَهِ وَ اكْلَأْنِی فِیهِ بِحَرِیزِ الْحِفْظِ وَ الْحِرَاسَهِ وَ جَنِّبْنِی اللَّهُمَّ وَعْثَاءَ الْأَسْفَارِ وَ سَهِّلْ لِی حُزُونَهَ الْأَوْعَارِ وَ اطْوِ لِیَ الْبَعِیدَ لِطُولِ انْبِسَاطِ الْمَرَاحِلِ وَ قَرِّبْ مِنِّی بُعْدَ نَأْیِ الْمَنَاهِلِ وَ بَاعِدْ فِی الْمَسِیرِ بَیْنَ خُطَی الرَّوَاحِلِ حَتَّی تُقَرِّبَ نِیَاطَ الْبَعِیدِ وَ تُسَهِّلَ وُعُورَهَ الشَّدِیدِ.

وَ لَقِّنِی اللَّهُمَّ فِی سَفَرِی نُجْحَ طَائِرِ الْوَاقِیَهِ وَ هَنِّئْنِی غُنْمَ الْعَافِیَهِ وَ خَفِیرَ الِاسْتِقْلَالِ وَ دَلِیلَ مُجَاوَزَهِ الْأَهْوَالِ وَ بَاعِثْ وُفُودَ الْكِفَایَهِ وَ سَائِحْ خَفِیرَ

ص: 178


1- بحار الأنوار: ج 94 ص 119 باب أدعية المناجاة عن البلد الأمين.

الْوَلَایَهِ وَ اجْعَلْهُ اللَّهُمَّ رَبِّ عَظِیمَ السَّلْمِ حَاصِلَ الْغُنْمِ وَ اجْعَلِ اللَّهُمَّ رَبِّ اللَّیْلَ سِتْراً لِی مِنَ الْآفَاتِ وَ النَّهَارَ مَانِعاً مِنَ الْهَلَكَاتِ وَ اقْطَعْ عَنِّی قَطْعَ لُصُوصِهِ بِقُدْرَتِكَ وَ احْرُسْنِی مِنْ وُحُوشِهِ بِقُوَّتِكَ حَتَّی تَكُونَ السَّلَامَهُ فِیهِ صَاحِبَتِی وَ الْعَافِیَهُ مُقَارِنَتِی وَ الْیُمْنُ سَائِقِی وَ الْیُسْرُ مُعَانِقِی وَ الْعُسْرُ مُفَارِقِی وَ النُّجْحُ بَیْنَ مَفَارِقِی وَ الْقَدَرُ مُوَافِقِی وَ الْأَمْرُ مُرَافِقِی إِنَّكَ ذُو الْمَنِّ وَ الطَّوْلِ وَ الْقُوَّهِ وَ الْحَوْلِ وَ أَنْتَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ. (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع البلاء

{50}

[151] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُلِمَّاتِ نَوَازِلِ الْبَلَاءِ وَ أَهْوَالِ عَظَائِمِ الضَّرَّاءِ فَأَعِذْنِی رَبِّ مِنْ صَرْعَةِ الْبَأْسَاءِ وَ احْجُبْنِی مِنْ سَطَوَاتِ الْبَلَاءِ وَ نَجِّنِی مِنْ مُفَاجَأَهِ النِّقَمِ وَ احْرُسْنِی مِنْ زَوَالِ النِّعَمِ وَ مِنْ زَلَلِ الْقَدَمِ وَ اجْعَلْنِی اللَّهُمَّ رَبِّ وَ أَرْضُ الْبَلَاءِ فَاخْسِفْهَا وَ عَرْصَهُ الْمِحَنِ فَارْجُفْهَا وَ شَمْسُ النَّوَائِبِ فَاكْسِفْهَا وَ جِبَالُ السَّوْءِ فَانْسِفْهَا وَ كَرْبُ الدَّهْرِ فَاكْشِفْهَا وَ عَوَائِقُ الْأُمُورِ فَاصْرِفْهَا وَ أَوْرِدْنِی حِیَاضَ السَّلَامَةِ وَ احْمِلْنِی عَلَی مَطَایَا الْكَرَامَةِ وَ اصْحَبْنِی بِإِقَالَةِ الْعَثْرَةِ وَ اشْمَلْنِی بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَ جُدْ عَلَیَّ رَبِّ بِآلَائِكَ وَ كَشْفِ بَلَائِكَ وَ دَفْعِ ضَرَّائِكَ وَ ادْفَعْ عَنِّی كَلَاكِلَ عَذَابِكَ وَ اصْرِفْ عَنِّی أَلِیمَ عِقَابِكَ وَ أَعِذْنِی مِنْ بَوَائِقِ الدُّهُورِ وَ أَنْقِذْنِی مِنْ سُوءِ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَ احْرُسْنِی مِنْ جَمِیعِ الْمَحْذُورِ وَ اصْدَعْ صَفَاهَ الْبَلَاءِ عَنْ أَمْرِی وَ أَشْلِلْ یَدَهُ عَنِّی مُدَّهَ عُمُرِی إِنَّكَ الرَّبُّ الْمَجِیدُ الْمُبْدِئُ الْمُعِیدُ الْفَعَّالُ لِمَا تُرِیدُ. (2)

ص: 179


1- بحار الأنوار: ج 94 ص 115 - 119 عن البلد الأمين.
2- بحار الأنوار: ج 94 ص 117 عن البلد الأمين.

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب الحاجة

{51}

[152] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ جَدِیرٌ مَنْ أَمَرْتَهُ بِالدُّعَاءِ أَنْ یَدْعُوَكَ وَ مَنْ وَعَدْتَهُ بِالْإِجَابَهِ أَنْ یَرْجُوَكَ وَ لِیَ اللَّهُمَّ حَاجَهٌ قَدْ عَجَزَتْ عَنْهَا حِیلَتِی وَ كَلَّتْ فِیهَا طَاقَتِی وَ ضَعُفَتْ عَنْ مَرَامِهَا قُدْرَتِی وَ سَوَّلَتْ لِی نَفْسِیَ الْأَمَّارَهُ بِالسُّوءِ وَ عَدُوِّی الْغَرُورُ الَّذِی أَنَا مِنْهُ مُبْتَلًی أَنْ أَرْغَبَ فِیهَا إِلَی ضَعِیفٍ مِثْلِی وَ مَنْ هُوَ فِی النُّكُولِ شَكْلِی حَتَّی تَدَارَكَتْنِی رَحْمَتُكَ وَ بَادَرَتْنِی بِالتَّوْفِیقِ رَأْفَتُكَ وَ رَدَدْتَ عَلَیَّ عَقْلِی بِتَطَوُّلِكَ وَ أَلْهَمْتَنِی رُشْدِی بِتَفَضُّلِكَ وَ أَحْیَیْتَ بِالرَّجَاءِ لَكَ قَلْبِی وَ أَزَلْتَ خُدْعَة عَدُوِّی عَنْ لُبِّی وَ صَحَّحْتَ بِالتَّأْمِیلِ فِكْرِی وَ شَرَحْتَ بِالرَّجَاءِ لِإِسْعَافِكَ صَدْرِی وَ صَوَّرْتَ لِیَ الْفَوْزَ بِبُلُوغِ مَا رَجَوْتُهُ وَ الْوُصُولِ إِلَی مَا أَمَّلْتُهُ فَوَقَفْتُ اللَّهُمَّ رَبِّ بَیْنَ یَدَیْكَ سَائِلًا لَكَ ضَارِعاً إِلَیْكَ وَاثِقاً بِكَ مُتَوَكِّلًا عَلَیْكَ فِی قَضَاءِ حَاجَتِی وَ تَحْقِیقِ أُمْنِیَّتِی وَ تَصْدِیقِ رَغْبَتِی فَأَنْجِحِ اللَّهُمَّ حَاجَتِی بِأَیْمَنِ نَجَاحٍ وَ اهْدِهَا سَبِیلَ الْفَلَاحِ وَ أَعِذْنِی اللَّهُمَّ رَبِّ بِكَرَمِكَ مِنَ الْخَیْبَهِ وَ الْقُنُوطِ وَ الْأَنَاهءةِ وَ التَّثْبِیطِ بِهَنِیءِ إِجَابَتِكَ وَ سَابِغِ مَوْهِبَتِكَ إِنَّكَ مَلِیٌّ وَلِیٌّ وَ عَلَی عِبَادِكَ بِالْمَنَائِحِ الْجَزِیلَهِ وَفِیٌّ وَ أَنْتَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ وَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ مُحِیطٌ وَ بِعِبَادِكَ خَبِیرٌ بَصِیرٌ (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب التوبة

{52}

[153] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ رَبِّ إِنِّی قَصَدْتُ إِلَیْكَ بِإِخْلَاصِ

ص: 180


1- بحار الأنوار: ج 94 ص 120 عن البلد الأمين.

تَوْبَهٍ نَصُوحٍ وَ تَثْبِیتِ عَقْدٍ صَحِیحٍ وَ دُعَاءِ قَلْبٍ جَرِیحٍ وَ إِعْلَانِ قَوْلٍ صَرِیحٍ اللَّهُمَّ رَبِّ فَتَقَبَّلْ مِنِّی إِنَابَهَ مُخْلِصِ التَّوْبَهِ وَ إِقْبَالَ سَرِیعِ الْأَوْبَهِ وَ مَصَارِعَ تَجَشُّعِ الْحَوْبَهِ وَ قَابِلْ رَبِّ تَوْبَتِی بِجَزِیلِ الثَّوَابِ وَ كَرِیمِ الْمَآبِ وَ حَطِّ الْعِقَابِ وَ صَرْفِ الْعَذَابِ وَ غُنْمِ الْإِیَابِ وَ سَتْرِ الْحِجَابِ وَ امْحُ اللَّهُمَّ رَبِّ بِالتَّوْبَهِ مَا ثَبَتَ مِنْ ذُنُوبِی وَ اغْسِلْ بِقَبُولِهَا جَمِیعَ عُیُوبِی وَ اجْعَلْهَا جَالِیَهً لِرَیْنِ قَلْبِی شَاحِذَهً لِبَصِیرَهِ لُبِّی غَاسِلَهً لِدَرَنِی مُطَهِّرَهً لِنَجَاسَهِ بَدَنِی مُصَحِّحَهً فِیهَا ضَمِیرِی عَاجِلَهً إِلَی الْوَفَاءِ بِهَا مَصِیرِی وَ اقْبَلْ رَبِّ تَوْبَتِی فَإِنَّهَا بِصِدْقٍ مِنْ إِخْلَاصِ نِیَّتِی وَ مَحْضٍ مِنْ تَصْحِیحِ بَصِیرَتِی وَ احْتِفَالٍ فِی طَوِیَّتِی وَ اجْتِهَادٍ فِی لِقَاءِ سَرِیرَتِی وَ تَثْبِیتِ إِنَابَتِی وَ مُسَارَعَةِ إِلَی أَمْرِكَ بِطَاعَتِی.

وَ اجْلُ اللَّهُمَّ رَبِّ عَنِّی بِالتَّوْبَهِ ظُلْمَهَ الْإِصْرَارِ وَ امْحُ بِهَا مَا قَدَّمْتُهُ مِنَ الْأَوْزَارِ وَ اكْسُنِی بِهَا لِبَاسَ التَّقْوَی وَ جَلَابِیبَ الْهُدَی فَقَدْ خَلَعْتُ رِبْقَ الْمَعَاصِی عَنْ جِلْدِی وَ نَزَعْتُ سِرْبَالَ الذُّنُوبِ عَنْ جَسَدِی مُتَمَسِّكاً رَبِّ بِقُدْرَتِكَ مُسْتَعِیناً عَلَی نَفْسِی بِعِزَّتِكَ مُسْتَوْدِعاً تَوْبَتِی مِنَ النَّكْثِ بِخُفْرَتِكَ مُعْتَصِماً مِنَ الْخِذْلَانِ بِعِصْمَتِكَ مُقِرّاً بِلَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّهَ إِلَّا بِكَ. (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في الشكر

{53}

[106] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی مَرَدِّ نَوَازِلِ الْبَلَاءِ وَ مُلِمَّاتِ الضَّرَّاءِ وَ كَشْفِ نَوَائِبِ اللَّأْوَاءِ وَ تَوَالِی سُبُوغِ النَّعْمَاءِ وَ لَكَ الْحَمْدُ رَبِّ عَلَی هَنِیءِ عَطَائِكَ وَ مَحْمُودِ بَلَائِكَ وَ جَلِیلِ آلَائِكَ وَ لَكَ الْحَمْدُ

ص: 181


1- بحار الأنوار ج 94 ص 118 عن البلد الأمين.

عَلَی إِحْسَانِكَ الْكَثِیرِ وَ خَیْرِكَ الْغَزِیرِ وَ تَكْلِیفِكَ الْیَسِیرِ وَ دَفْعِكَ الْعَسِیرِ وَ لَكَ الْحَمْدُ یَا رَبِّ عَلَی تَثْمِیرِكَ قَلِیلَ الشُّكْرِ وَ إِعْطَائِكَ وَافِرَ الْأَجْرِ وَ حَطِّكَ مُثْقِلَ الْوِزْرِ وَ قَبُولِكَ ضِیقَ الْعُذْرِ وَ وَضْعِكَ بَاهِظَ الْإِصْرِ(1) وَ تَسْهِیلِكَ مَوْضِعَ الْوَعْرِ وَ مَنْعِكَ مُفْظِعَ الْأَمْرِ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی الْبَلَاءِ الْمَصْرُوفِ وَ وَافِرِ الْمَعْرُوفِ وَ دَفْعِ الْمَخُوفِ وَ إِذْلَالِ الْعَسُوفِ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی قِلَّهِ التَّكْلِیفِ وَ كَثْرَهِ التَّخْفِیفِ وَ تَقْوِیَهِ الضَّعِیفِ وَ إِغَاثَهِ اللَّهِیفِ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی سَعَهِ إِمْهَالِكَ وَ دَوَامِ إِفْضَالِكَ وَ صَرْفِ مِحَالِكَ وَ حَمِیدِ فِعَالِكَ وَ تَوَالِی نَوَالِكَ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی تَأْخِیرِ مُعَاجَلَهِ الْعِقَابِ وَ تَرْكِ مُغَافَصَهِ الْعَذَابِ وَ تَسْهِیلِ طُرُقِ الْمَآبِ وَ إِنْزَالِ غَیْثِ السَّحَابِ إِنَّكَ الْمَنَّانُ الْوَهَّابُ.(2)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع كيد العدو

{54}

[155] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِیمِ الْأَكْبَرِ اللَّهُمَّ سُبْحَانَكَ یَا قَیُّومُ سُبْحَانَ الْحَیِّ الَّذِی لَا یَمُوتُ.

أَسْأَلُكَ كَمَا أَمْسَكْتَ عَنْ دَانِیَالَ أَفْوَاهَ الْأَسَدِ وَ هُوَ فِی الْجُبِّ فَلَا یَسْتَطِیعُونَ إِلَیْهِ سَبِیلًا إِلَّا بِإِذْنِكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تُمْسِكَ عَنِّی أَمْرَ هَذَا الرَّجُلِ وَ كُلَّ عَدُوٍّ لِی فِی مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا مِنَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ خُذْ بِآذَانِهِمْ وَ أَسْمَاعِهِمْ وَ أَبْصَارِهِمْ وَ قُلُوبِهِمْ وَ جَوَارِحِهِمْ.

وَ اكْفِنِی كَیْدَهُمْ بِحَوْلٍ مِنْكَ وَ قُوَّهٍ فَكُنْ لِی جَاراً مِنْهُمْ وَ مِنْ كُلِّ جَبَّارٍ

ص: 182


1- فادح الإصر:خ ل، أي ثقيله.
2- بحار الأنوار: ج94 ص 119 باب الأدعية عن البلد الأمين.

عَنِیدٍ وَ مِنْ كُلِّ شَیْطَانٍ مَرِیدٍ لَا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الْحِسَابِ.

إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ یَتَوَلَّی الصَّالِحِینَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ. (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أفطر

{50}

[156] عن الكاظم، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):

إنّ لكلّ صائم عند فطوره دعوة مستجابة، فإذا كان أوّل لقمة فقل:

بِسمِ اللّه، يا واسعَ المَغفِرَةِ إِغفِر لي. (2)

وفي رواية أخرى:.

بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا واسعَ المَغفِرَةِ إِغفِر لي.

فَإِنّه مَن قالها عند إفطاره غفر له.

ص: 183


1- بحار الأنوار: ج 95 ص 407 باب الدعوات المأثورة غير الموقّتة ح39 عن مهج الدعوات ص 177 بإسناده عن أبي المفضّل الشيباني، رجاء بن يحي أبي الحسن العبر تائي، قال: كتبت هذا الدعاء في دار أبي محمّد العسكري (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وهو دعاء الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) لمّا أتى معاوية.
2- أورد هذا الدعاء الفيّومي الأصبهاني في «صحيفة الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ)» ص 96 عن كتاب «الإقبال» للسيّد بن طاوس ج1 ص 244 بإسناده عن محمّد بن أبي قرّة. وأورده العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار ج 98 ص 14 عن ابن أبي قرّة في كتاب عمل شهر رمضان بإسناده إلى موسی بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عَلَيْهِم السَّلَامُ) عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:...

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الركوب

{56}

[107] عن أبي هاشم قال: ركبتُ دابّة فقلتُ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ».(1)

قال: فسمع مني أحد السبطين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) وقال: لا بهذا أُمِرتَ، أُمِرتَ أن تذكر نعمةَ ربِّك إذا استويتَ عليه يقول اللّه عزّ وجلّ: «تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ».(2)

فقلت: كيف أقول؟

قال: قل: «الحمدُ للّه الّذي هدانا للإسلام، والحمدُ للّه الّذي منّ علينا بمحمّد وآله، والحمدُ للّه الّذي جعلنا في خير أمّة أخرجت للناس» فإذا أنت قد ذكرتَ نعماً عظيمة ثمّ تقول: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا»(3).(4)

ص: 184


1- الزخرف: 13.
2- الزخرف: 13.
3- الزخرف: 13. والآية هكذا: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ*لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ*وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ
4- بحار الأنوار: ج 73 ص 293 باب 15 آداب الركوب.

من تسبيحاته (عَلَيْهِ السَّلَامُ)

{57}

[158] سُبْحَانَ مَنْ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَی خَوَازِنِ الْقُلُوبِ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ مُحْصِی عَدَدِ الذُّنُوبِ، سُبْحَانَ مَنْ لَا یَخْفَی عَلَیْهِ خَافِیَهٌ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ، سُبْحَانَ الْمُطَّلِعِ عَلَی السَّرَائِرِ عَالِمِ الْخَفِیَّاتِ.

سُبْحَانَ مَنْ لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّهٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ سُبْحَانَ مَنِ السَّرَائِرُ عِنْدَهُ عَلَانِیَهٌ وَ الْبَوَاطِنُ عِنْدَهُ ظَوَاهِرُ، سُبْحَانَ اللَّهِ بِحَمْدِهِ. (1)

بورك في الموهوب

{58}

[109 رُوي أنّه وُلد للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مولودٌ، فأتته قريش، فقالوا: يهنئك الفارس.

فقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وما هذا من الكلام؟ فقولوا:

شكرتَ الواهبَ، وبورِك لك في الموهوب، وبَلَغَ اللّهُ بِهِ أشُدّه، ورَزَقَك بِرَّهُ. (2)

ص: 185


1- بحار الأنوار: ج 94 ص 209 عن دعوات الراوندي ص 91.
2- الكافي: ج6 ص 17 باب التهنئة بالولد ح 2: عليّ بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبداللّه بن حمّاد، عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي برزة الأسلمي، قال: ولد للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ):... وروى الكليني (قدّس سرّه) بإسناد آخر هكذا: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عمّن ذكره عن أبي عبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: هنّأ رجلٌ رجلاً أصاب ابناً فقال: يهنّئك الفارس، فقال له الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ما علّمك يكون فارساً أو راجلاً ؟ قال: جُعلتُ فداك فما أقول: قال: تقول:...

عليك بالاستغفار

{59}

[160] وعن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قد وفد على معاوية، فلمّا خرج تبّعه بعضُ حُجّابه وقال: إنّي رجلٌ ذو مالٍ ولا يولَد لي، فعلِّمني شيئاً لعلّ اللّهُ يرزقني ولداً. فقال: عليك بالإستغفار. فكان يُكثِرُ الإستغفارَ، حتّی ربِما استغفرَ في اليوم سبعمائة مرّة، فوُلد له عشرُ بنين. فبلغ ذلك معاوية فقال له: هَلّا سألته ممّ ذلك؟ فوفد وفدةً أخرئ فسأله الرجلُ.

فقال: ألم تسمَع قولَ اللّه عزّ إسمُه في قصّة هود: «وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم»(1) وفي قصّة نوح: «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ».(2).(3)

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لدفع العيون

{60}

[191] عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إنّ دواء الإصابة بالعين أن يقرأ:

«وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ»(4).(5)

ص: 186


1- سورة هود، الآية 52.
2- سورة نوح، الآية 12.
3- بحار الأنوار: ج 101 ص 86 ح 51 باب (1) كيفيّة نشوء الولد والدعاء والتداوي لطلبة، عن «مكارم الأخلاق» ص259.
4- سورة القلم، الآية 51.
5- جُنّة الأمان الواقية وجَنّة الإيمان الباقية المعروف بالمصباح للشيخ تقي الدين إبراهيم الكفعمي المتوفّى سنة (905) ص 221 نقلاً عن «جوامع الجامع».

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لرفع البلاء

{61}

[192] یَا اللَّهُ یَا أَعَزَّ مَذْكُورٍ وَ أَقْدَمَهُ قِدَماً فِی الْعِزَّهِ وَ الْجَبَرُوتِ یَا رَحِیمَ كُلِّ مُسْتَرْحِمٍ وَ مَفْزَعَ كُلِّ مَلْهُوفٍ یَا رَاحِمَ كُلِّ حَزِینٍ یَشْكُو بَثَّهُ وَ حُزْنَهُ إِلَیْهِ یَا خَیْرَ مَنْ طُلِبَ الْمَعْرُوفُ مِنْهُ وَ أَسْرَعَهُ إِعْطَاءً یَا مَنْ تَخَافُ الْمَلَائِكَهُ الْمُتَوَقِّدَهُ بِالنُّورِ مِنْهُ أَسْأَلُكَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِی تَدْعُو بِهَا حَمَلَهُ عَرْشِكَ وَ مَنْ حَوْلَ عَرْشِكَ یُسَبِّحُونَ بِهَا شَفَقَهً مِنْ خَوْفِ عَذَابِكَ وَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِی یَدْعُوكَ بِهَا جَبْرَئِیلُ وَ مِیكَائِیلُ وَ إِسْرَافِیلُ إِلَّا أَجَبْتَنِی وَ كَشَفْتَ یَا إِلَهِی كُرْبَتِی وَ سَتَرْتَ ذُنُوبِی یَا مَنْ یَأْمُرُ بِالصَّیْحَهِ فِی خَلْقِهِ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ يُحشَرونَ، وَبِذَلِكَ الِاسْمِ الَّذِی أحيَيتَ به الْعِظَامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ أحيِ قَلْبِی وَ اشْرَح صَدْرِی وَ اصْلِح شَأْنِی یَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ وَ خَلَقَ لِبَرِیَّتِهِ الْمَوْتَ وَ الْحَیَاةَ یَا مَنْ فِعْلُهُ قَوْلٌ وَ قَوْلُهُ أَمْرٌ وَ أَمْرُهُ مَاضٍ عَلَی مَا یَشَاءُ.

أَسْأَلُكَ بِالاسْمِ الَّذِی دَعَاكَ بِهِ خَلِیلُكَ حِینَ أُلْقِیَ فِی النَّارِ فَدَعَاكَ بِهِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَ قُلْتَ یا نارُ كُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ وَ بِالاسْمِ الَّذِی دَعَاكَ بِهِ مُوسَی مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَیْمَنِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ عِیسَی مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ وَبِالاسْمِ الَّذِی تُبْتَ عَلَی دَاوُدَ وَبِالاسْمِ الَّذِی وَهَبْتَ لِزَكَرِیَّا یَحْیَی وَبِالاسْمِ الَّذِی كَشَفْتَ بِهِ عَنْ أَیُّوبَ الضُّرَّ وَتُبْتَ بِهِ عَلَی دَاوُدَ سَخَّرْتَ بِهِ لِسُلَیْمَانَ الرِّیحَ تَجْرِی بِأَمْرِهِ وَ الشَّیَاطِینَ وَ عَلَّمْتَهُ مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَبِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الْعَرْشَ وَبِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الْكُرْسِیَّ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الرُّوحَانِیِّینَ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ جَمِیعَ الْخَلْقِ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ جَمِیعَ مَا أَرَدْتَ مِنْ

ص: 187

شَیْءٍ وَ بِالاسْمِ الَّذِی قَدَرْتَ بِهِ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ أَسْأَلُكَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ إِلَّا مَا أَعْطَیْتَنِی سُؤْلِی وَ قَضَیْتَ حَوَائِجِي يَا كَرِيم.

فَإِنَّهُ یُقَالُ لَكِ یَا فَاطِمَهُ نَعَمْ نَعَمْ. (1)

سبع كلمات من التوراة

{62}

[163] عن سليمان قال: سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يحدِّث عن أبيه أنّه قال: سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول:

إنّ جبرئيل أتى إليّ بسبع كلمات، وهي الّتي قال اللّه تعالى: «وَإِذِ ابْتَلَى

ص: 188


1- مهج الدعوات: ص 139 - 141. وفيه: دعاء علّمها إيّاه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعليها روينا بإسنادنا إلى أبي المفضّل محمّد بن المطلب الشيباني من الجزء الثالث من أماليه بإسناده نسبه إلى مولانا الحسن بن مولانا علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) و عن أمّه فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وجدناه بإسناد صحيح أنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال للزهراء فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ): يا بُنيّة ألا أُعلّمك دعاءً لا يدعو به أحد إلّا استجيب له ولا يجوز فيك سحر ولا سمّ ولا يشمت بك عدوّ ولا يعرُضُ لك الشيطان ولا يُعرِضُ عنك الرحمن ولا يزغ قلبك ولا تردّ لك دعوة ويقضي حوائجكّ كلّها؟ قالت: يا أبت لهذا أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها، قال: تقولين:... ورواه المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج94 ص219 عن «دلائل الإمامة» للطبري، عن أبي المفضّل محمّد بن عبداللّه، عن جعفر بن محمّد بن جعفر العلوي، عن موسی بن عبداللّه بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، عن أمّه فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، قالت: قال لي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... ولكن المجلسي (قدّس سرّه) قال في ج 91 من البحار ص 181 ط بيروت مؤسّسة الوفاء: أقول: روى السيّد علي بن الحسين بن باقي (ره) في مصباحه بعد ذكر فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ): وجدتُ في بعض كتب أصحابنا (رحمهم) ما هذا صورته: بإسناد متّصل عن عبداللّه بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه الحسين بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن أمّه فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ).

إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ»(1) وأمرني أن أعلّمكم وهي سبع كلمات من التوراة بالعبريّة ففسّرها لعلي بن أبي طالب: يا اللّه يا رحمن يا ربّ يا ذا الجلال والإكرام يا نور السماوات والأرض یا قریب یا مجيب، فهؤلاء سبع كلمات.

فلمّا قام رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) دخل عبداللّه بن سلام ونحن نتذاكر هذا الحديث، فلمّا سمع عبداللّه كبّر، فدخل رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فرآه يكبّر ويهلّل؛ فقال: ما شأنك یا عبداللّه؟ فقال: يا رسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ إنّ هذه الأسماء أنزلها جبرئیل على إبراهيم [وكان] يردّدها ففيهنّ اتّخذه اللّه خليلاً، وما من عبد يجمعهنّ في جوفه إلّا جعله اللّه في جوفه حجاباً لايخلص إليه الشيطان أبداً، ولا يسلّط عليه أبداً حتّی يلقى اللّه على ذلك، فينزله دار الجلال، فمن دعا بهنّ في سبع ليال بقين من رجب عند انفجار الصبح أعطاه اللّه جوائزه وولايته.

فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا عبداللّه أتدري كيف فعل إبراهيم لمّا أنزل اللّه عليه هؤلاء الكلمات؟ قال: لمّا نزل جبرئیل سأله إبراهيم كيف يدعو بهنّ؟ قال: صم رجباً حتّی إذا بلغت سبع ليال آخر ليلة قم فصلّ ركعتين بقلب وجل، ثمّ سل اللّه الولاية والمعونة والعافية والرفعة في الدنيا والآخرة والنجاة من النار. (2)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في ليلة القدر

{63}

[164] یا باطِناً فی ظُهُورِه، وَیا ظاهِراً فی بُطُونِه، یا باطِناً لَیْسَ یَخْفی

ص: 189


1- سورة البقرة: الآية 124.
2- بحار الأنوار: ج 97 ص52 عن كتاب النوادر لابن الراوندي: عن أبي المحاسن، عن أبي عبداللّه، عن أبي جعفر، عن عقيل بن شمر، عن محمّد بن أبي عثمان، عن هذيل بن إبراهيم، عن صالح بن سنان: ...

یا ظاهِراً لَیْسَ یُری، یا مَوْصُوفاً لا یَبْلُغُ بِكَیْنُونَتِه مَوْصُوفٌ وَ لا حَدٌّ مَحْدُودٌ،

یا غائِباً غَیْرَ مَفْقُودٍ، وَ یا شاهِداً غَیْرَ مَشْهُودٍ، یُطْلَبُ فَیُصابُ لَمْ یَخْلُ مِنْهُ السَّماواتُ وَ الاْرْضُ وَ ما بَیْنَهُما طَرْفَهَ عَیْنٍ لا یُدْرَكُ بِكَیْفٍ، وَ لا یُأَیَّنُ بِاَیْنٍ وَ لا بِحَیْثٍ.

اَنْتَ نُورُ النُّورِ، وَرَبُّ الاْرْبابِ اَحَطْتَ بِجَمیعِ الاْمُورِ سُبْحانَ مَنْ لَیْسَ كَمِثْلِه شَیْءٌ، وَ هُوَ السَّمیعُ الْبَصیرُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ هكَذا، وَ لا هكَذا غَیْرُهُ. (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع الجار السوء

{64}

[165] شكا رجل إلى الحسن بن علي (عَلَيْه السَّلَامُ) جاراً يؤذيه، فقال له الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ):

إذا صلّيت المغرب، فصلّ ركعتين، ثمّ قل:

یا شديدَ المِحالِ یا عَزيزُ، أذلَلتَ بِعِزَّتِكَ جَميعَ ماخَلَقتَ، إكفِني شَرَّ فُلانٍ بِماشِئت.

قال: ففعل الرجل ذلك، فلما كان في جوف الليل، سمع الصراخ وقيل: فلان قد مات الليلة. (2)

ورواه في موضع آخر(3): نقلاً عن الزمخشري في كتاب «ربيع الأبرار»،

ص: 190


1- بحار الأنوار: ج 98 ص 165 في نسخة: دعاء الحسن بن علي (عَلَيْهما السَّلَامُ) في ليلة القدر، وفي نسخة: دعاء علي بن الحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ).
2- المجتنی ص 1. السيّد علي بن طاووس في كتاب المجتنى: نقلاً من كتاب دفع الهموم والأحزان، لأحمد بن داود النعماني، قال:...
3- المجتنی: ص 20.

هكذا:

شكا رجل إلى الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ) مظلمةً، فقال: إذا صلّيت الركعتين بعد المغرب، فاسجد وقل:

یا شديدَ القُوى، یا شَدیدَ المِحالِ ياعَزيزُ، أذلَلتَ بِعِزَّتِكَ جَميعَ مَن خَلَقتَ، صَلِّ عَلَى محمّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ، وَاكفِنِي مَؤُونَةَ فُلانٍ بِمَا شِئتَ. (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب المغفرة

{65}

[166] یَا عُدَّتِی عِنْدَ كُرْبَتِی یَا غِیَاثِی(2) عِنْدَ شِدَّتِی وَ یَا وَلِیِّی فِی نِعْمَتِی یَا مُنْجِحِی فِی حَاجَتِی یَا مَفْزَعِی فِی وَرْطَتِی یَا مُنْقِذِی مِنْ هَلَكَتِی یَا كَالِئِی فِی وَحْدَتِی.

اغْفِرْ لِی خَطِیئَتِی وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِی وَ اجْمَعْ لِی شَمْلِی وَ أَنْجِحْ لِی طَلِبَتِی وَ أَصْلِحْ لِی شَأْنِی وَ اكْفِنِی مَا أَهَمَّنِی وَ اجْعَلْ لِی مِنْ أَمْرِی فَرَجاً وَ مَخْرَجاً وَ لَا تُفَرِّقْ بَیْنِی وَ بَیْنَ الْعَافِیَهِ أَبَداً مَا أَبْقَیْتَنِی وَ فِی الْآخِرَهِ إِذَا تَوَفَّیْتَنِی بِرَحْمَتِكَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ. (3)

ص: 191


1- مستدرك الوسائل: ج 5 ص 260 رقم 5825، وفي عدّة الداعي مثله إلّا أنّ فيه: «وبعزّة الجبابرة من خلقك». وأورده المجلسي في بحار الأنوار: ج 87 ص 105 وفي ذيله: قال: بیان: قال الجزري: المحال (بالكسر): الكيد. وقيل: المكر، وقيل: القوّة والشدّة، و میمه أصليّة.
2- في بعض النسخ: یا غوثي.
3- بحار الأنوار: ج 9 ص 191 رقم 4 من مهج الدعوات ص 179 وفيه: دعاء علّمه أمير المؤمنين (عَلَيْه السَّلَامُ) إبنه الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ).

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أحزنه أمر

{66}

[167] روي أنّه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أحزنه أمر، خلا في بيت ودعا بهذا الدعاء:

یا كهیعص، یانُورُ یا قُدّوس، یا خَبيرُ يا اللّه يا رحمان - ثلاثاً.

إغفر ليَ الذُنوبَ الّتي تَحِلُّ بِهَا النِّقَمُ، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الّتي تُغَيِّرُ النِّعَم، واغفِر ليَ الذُنوبَ الّتي تَهتِكُ العِصَم، واغفِر ليَ الذُنوبَ الَّتي تُنزِلُ البلاءَ، واغفِر ليَ الذُنوبَ التي تُعَجِّلُ الفَناء.

واغفِر ليَ الذُنوبَ الَّتي تُديلُ الأعداء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَقطعُ الرَّجاء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تُمسِكُ غَيثَ السَماء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تُظلِمُ الهَواء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَكشِفُ الغِطاء.

ثمّ يدعو بما یرید. (1)

ففرّوا إلى الله

{67}

[198]یا مَن إلَیهِ یَفِرُّ الهارِبونَ، وبِهِ یَستَأنِسُ المُستَوحِشونَ، صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَاجعَل اُنسی بِكَ، فَقَد ضاقَت عَنّی بِلادُكَ، وَاجعَل تَوَكُّلی عَلَیكَ، فَقَد مالَ عَلَیَّ أعداؤُكَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجعَلنی بِكَ أصولُ وبِكَ أجولُ، وعَلَیكَ أتَوَكَّلُ وإلَیكَ اُنیبُ.

اللّهُمَّ وما وَصَفتُكَ مِن صِفَةٍ أو دَعَوتُكَ مِن دُعاءٍ یُوافِقُ ذلِكَ مَحَبَّتَكَ

ص: 192


1- المجتنى للسيّد ابن طاوس: ص 8.

ورِضوانَكَ ومَرضاتَكَ فَأَحیِنی عَلی ذلِكَ وأَمِتنی عَلَیهِ، وما كَرِهتُ مِن ذلِكَ، فَخُذ بِناصِیَتی إلی ما تُحِبُّ وتَرضی.

بُؤتُ إلَیكَ رَبّی مِن ذُنوبی، وأَستَغفِرُكَ مِن جُرمی، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ، لا إلهَ إلّا هُوَ الحَلیمُ الكَریمُ، وصَلَّی اللّهُ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَاكفِنا مُهِمَّ الدُّنیا وَالآخِرَةِ، فی عافِیَةٍ یا رَبَّ العالَمینَ. (1)

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في القنوت

{68}

[169] یَا مَن بِسُلطَانِهِ یَنتَصِرُ المَظلُومُ، وَبِعَونِهِ یَعتَصِمُ المَكلُومُ، سَبَقَت مَشِیَّتُكَ وَتَمَّت كَلِمَتُكَ وَأَنتَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدِیرٌ وَبِمَا تُمضِیهِ خَبِیرٌ.

یَا حَاضِرَ كُلِّ غَیبٍ وَیَا عَالِمَ كُلِّ سِرٍّ وَمَلجَأَ كُلِّ مُضطَرٍّ ضَلَّت فِیكَ الفُهُومُ وَتَقَطَّعَت دُونَكَ العُلُومُ، َأَنتَ اللّهُ الحَیُّ القَیُّومُ الدَّائِمُ الدَّیمُومُ،.

قَد تَرَی مَا أَنتَ بِهِ عَلِیمٌ وَفِیهِ حَكِیمٌ وَعَنهُ حَلِیمٌ، وَأَنتَ بِالتَّنَاصُرِ عَلی كَشفِهِ وَالعَونِ عَلی كَفِّهِ غَیرُ ضَائِقٍ، وَإِلَیكَ مَرجِعُ كُلِّ أَمرٍ، كَمَا عَن مَشِیئَتِكَ مَصدَرُهُ.

وَقَد أَبَنتَ عَن عُقُودِ كُلِّ قَومٍ، وَأَخفَیتَ سَرَائِرَ آخَرِینَ، وَأَمضَیتَ مَا قَضَیتَ، وَأَخَّرتَ مَا لا فَوتَ عَلَیكَ فِیهِ، وَحَمَلتَ العُقُولَ مَا تَحَمَّلَت فِی غَیبِكَ، لِیَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَیِّنَهٍ وَیَحیا مَن حَیَّ عَن بَیِّنَهٍ، وَإِنَّكَ أَنتَ السَّمِیعُ العَلِیمُ الأَحَدُ البَصِیرُ.

وَأَنتَ اللّه المُستَعَانُ وَعَلَیكَ التَّوَكُّلُ، وَأَنتَ وَلِیُّ مَا تَوَلَّیتُ لَكَ الأَمرُ كُلُّهُ، تَشهَدُ الانفِعَالَ وَتَعلَمُ الاختِلالَ، وَتَرَی تَخَاذُلَ أَهلِ الخِبَالِ وَجُنُوحَهُم إِلَی

ص: 193


1- بحار الأنوار: ج95 ص 408 عن مهج الدعوت ص 178.

مَا جَنَحُوا إِلَیهِ مِن عَاجِلٍ فَانٍ وَحُطَامٍ عُقبَاهُ حَمِیمٌ آنٍ، وَقُعُودَ مَن قَعَدَ وَارتِدَادَ مَنِ ارتَدَّ، وَخُلُوِّی مِنَ النُّصَّارِ وَانفِرَادِی عَن الظُّهَارِ، وَبِكَ أَعتَصِمُ وَبِحَبلِكَ أَستَمسِكُ وَعَلَیكَ أَتَوَكَّلُ.

اللّهُمَّ فَقَد تَعلَمُ أَنِّی مَا ذَخَرتُ جُهدِی وَلا مَنَعتُ وُجدِی، حَتَّی انفَلَّ حَدِّی وَبَقِیتُ وَحدِی، فَاتَّبَعتُ طَرِیقَ مَن تَقَدَّمَنِی فِی كَفِّ العَادِیَهِ وَتَسكِینِ الطَّاغِیَهِ، عَن دِمَاءِ أَهلِ المُشَایَعَهِ، وَحَرَستُ مَا حَرَسَهُ أَولِیَائِی مِن أَمرِ آخِرَتِی وَدُنیَایَ.

فَكُنتُ لِغَیظِهِم أَكظِمُ وَبِنِظَامِهِم أَنتَظِمُ وَلِطَرِیقِهِم أَتَسَنَّمُ وَبِمِیسَمِهِم أَتَّسِمُ، حَتَّی یَأتِیَ نَصرُكَ وَأَنتَ نَاصِرُ الحَقِّ وَعَونُهُ، وَإِن بَعُدَ المُدَی مِنَ المُرتَادِ وَنَأَی الوَقتُ عَن إِفنَاءِ الأَضدَادِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ واخرُجهُم مَعَ النُّصَّابِ فِی سَرمَدِ العَذَابِ، وَأَعمِ عَنِ الرُّشدِ أَبصَارَهُم، وَسَكِّعهُم فِی غَمَرَاتِ لَذَّاتِهِم، حَتَّی تَأخُذَهُم بَغتَةً وَهُم غَافِلُونَ، وَسُحرَةً وَهُم نَائِمُونَ، بِالحَقِّ الَّذِی تُظهِرُهُ، وَالیَدِ الَّتِی تَبطِشُ بِهَا، وَالعِلمِ الَّذِی تُبدِیهِ، إِنَّكَ كَرِیمٌ عَلِیم.(1)

ص: 194


1- مهج الدعوات ص 58 وعنه بحار الأنوار: ج 85 ص 212: قال السيّد (قدّس سرّه) في المهج: وجدتُ في الأصل الّذي نقلت منه هذه القنوتات ما هذا لفظه: ممّا يأتي ذكره بغیر إسناد، ثمّ وجدت بعد سطر فيه القنوتات إسنادها في كتاب عمل رجب وشعبان و شهر رمضان، تأليف أحمد بن عبداللّه بن عیّاش (رحمه اللّه) فقال: حدّثني أبو الطيّب الحسن بن أحمد بن محمّد بن عمر بن عبداللّه بن الصباح القزويني وأبو الصباح محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبدالرحمن البغدادي الكاتبان قالا: جرى بحضرة شيخنا فقيه العصابة ذكر مولانا أبي محمّد الحسن بن أمير المؤمنين (عَلَيْه السَّلَامُ) فقال رجل من الطالبيّين: إنّما ينقم منه الناس تسليم هذا الأمر إلى ابن أبي سفيان، فقال شيخنا: رأيت مولانا أبا محمّد (عَلَيْه السَّلَامُ) أعظم شأناً وأعلى مكاناً وأوضح برهاناً من أن يقدح في فعل له اعتبار المعتبرين، أو يعترضه شكُّ الشاكّين وارتياب المرتابين، ثمّ أنشأ يحدّث فقال: لمّا مضى سيّدنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيدُ العمريّ (رضي اللّه عنه وأرضاه وزاده علوّاً فيما أولاه) ففرغ من أمره، جلس الشيخ أبو القاسم الحسین بن روح بن أبي بحر (زاد اللّه توفيقه للناس) في بقيّة النهار يومه في دار الماضي (رضي اللّه عنه) فأخرج إليه ذكاء الخادم الأبيض مدرجاً وعكّازاً وحقّة خشب مدهونة، فأخذ العكاز فجعلها في حجره على فخذيه، وأخذ المدرّج بيمينه، والحقّة بشماله، فقال لورثته: في هذا المدرّج ذكر ودایع فنشره، فإذا هي أدعية وقنوت موالينا الأئمّة من آل محمد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فأضربوا عنها، وقالوا: ففي الحقّة جوهر لا محالة، قال لهم: تبيعونها؟ فقالوا: بكَم؟ قال: يا أبا الحسن - يعني ابن شبيب الكوثاري - ادفع إليهم عشرة دنانير! فامتنعوا فلم يزل يزيدهم ويمتنعون إلى أن بلغ مائة دينار، فقال لهم: إن بعتم، وإلّا ندمتم، فاستجابوا للبيع، وقبضوا المائدة الدنيار، واستثنى عليهم المدرَّج والعكّاز.. فلمّا انفصل الأمر قال: هذه عكّاز مولانا أبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) و التي كانت في يده يوم توكيله سيّدنا الشيخ عثمان بن سعيد العمري (رحمه اللّه) ووصيّته إليه وغيبته إلى يومنا هذا، وهذه الحقّة فيها خواتيم الأئمّة فأخرجها فكانت كما ذكر من جواهرها ونقوشها وعددها. وكان في المدرَّج قنوت موالينا الأئمّة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وفيه قنوت مولانا أبي محمّد الحسن بن أمير المؤمنین (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) أملاها علينا من حفظه، فكتبناها على ما سطر في هذه المدرَّجة وقال: احتفظوا بها كما تحتفظون بمهمّات الدين، وعزمات ربّ العالمین جلّ وعزّ، وفيها بلاغ إلى حين.

إحذروا دعاء الوالدين

{69}

[170] حدّثنا يزيد بن محمّد بن سنان، عن أبيه، عن جدّه قال: حدّثني الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:

بينا أنا ذات ليلة أطوف بالبيت مع أبي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وقد هدأت الأصوات ونامت العيون، إذ سمع هاتفاً يهتف بصوت شجي ويقول:

يا من يجيب دعا المضطرّ في الظلم *** یا كاشف الضرّ والبلوى مع الألم

ص: 195

قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا *** يدعوا وعينك يا قيّوم لم تنم

هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي *** يا من إليه أتى الحُجّاج في الحرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالكرم؟!

قال الحسن: فقال: يابني أما تسمع صوت النادب لذنبه المستقيل لربّه الحقه فأتني به.

قال: فلحقته وقلت: أجب ابن عمّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).

فقال: سمعاً وطاعة، ثمّ جاء فسلّم عليه فرّد عليه السلام فقال: ما اسمك؟ قال: منازل بن لاحق. قال: من العرب أنت؟ قال: نعم. قال: وما شأنك وقصّتك؟ فبكى وقال: ما قصّة من أسلمته ذنوبه وأوثقته عيوبه.

قال: اشرح حالك.

قال: كنتُ شاباً مقيماً على اللّهو واللعب والطرب، وكان لي والد يعظني كثيراً ويقول: يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته، فإنّ للّه سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، فكان كلّما ألحّ عليّ بالموعظة الححت عليه بالضرب، فألحّ عليّ يوماً فأوجعته ضرباً، فحلف ليأتينّ البيت الحرام فيتعلّق بأستار الكعبة، ويدعو عليّ، فخرج إلى مكّة وتعلّق بأستار الكعبة ودعا عليّ فقال:

يا من إليه أتى الحُجّاج قد قطعوا *** أرض التهامة من قرب ومن بعد

إنّي أتيتك يامن لا يخيب من *** يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد

هذا منازل لايرتد عن عققي *** فخذ بحقّي یا رحمان من ولدي

وشل منه بحول منك جانبه *** یا من تقدس لم يولد ولم يلد

قال: واللّه ما استتمّ كلامه حتّی نزل بي ما ترئ، ثمّ كشف عن شقّه الأيمن فإذا هو يابس.

ص: 196

قال: فلم أزل أترضّاه وأخضع له وأسأله العفو عنّي إلى أن رقّ لي ووعدني أن يأتي المكان الّذي دعا عليّ فيه فيدعو لي هناك.

قال: فحملته على ناقة عشراء وخرجت أقفو أثره حتّی إذا صرنا وادي الأراك طار طائر من شجرة فنفرت الناقة فرمت به بين أحجار فرضخت رأسه فمات فدفنته هناك وأقبلت آیساً وأعظم ما ألقاه أني لا أعرف إلّا بالمأخوذ بعقوق والده.

قال الحسن: فقال له أبشر فقد أتاك الغوث، ثمّ صلّى ركعتين وأمره فكشف عن شقّه فدعا له مرّات يردّد الأدعية ويمسح بيده على شقّه فعاد صحيحاً كما كان، فكاد عقل الرجل أن يذهب!

فقال له أبي: لولا أنّه سبق وعد أبيك بالدعاء لك لما دعوت لك.

ثمّ قال: يابُني احذروا دعاء الوالدين، فإنّ في دعائهما النماء والإنجبار والاستيصال والبوار. (1)

دعاء في الحُمّى

{70}

[171] عن الحسن الزكي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال:

ص: 197


1- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ص 146 و 147 قال: ومن كلام الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في برّ الوالدين: روى الكميل بن زياد قال: كان أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يحرّض على برّ الوالدين ويقول: يا بنيّ عليكم ببرّهما فإنّ في دعائهما الإنجبار والبوار. قلت: وقد أخبرنا مشایخنا بطرف من هذا قرأت على شيخنا عبداللّه بن أحمد المقدسي بقاسيون ظاهر دمشق من كتابه المسمّى (بالتوّابين) وذلك في شهر ربيع الأوّل سنة أربع وستمائة قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن حمزة السلمي، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد المقري، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا محمّد بن حميد، حدّثنا عبد اللّه بن سعيد الرقي:...

أكتب على ورقة: «يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»(1) وعلّقه على المحموم، وإذا أخذته الحُمّى يكتَب في قرطاس هذه الآية ويُشَدّ على عضده: «قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ».(2)

ويُكتب: «بطلط، بطلطلط».

ويقول: «عقدتُ على اسم اللّه حمّى فلان» ويشدّ على ساقه اليسرى. (3)

ص: 198


1- سورة الأنبياء: الآية 69.
2- سورة يونس: الآية 59.
3- مكارم الأخلاق: ص 372 ط بيروت مؤسسة الأعلمي.

أوصاف النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) و فضائله

اشارة

ص: 199

أوصاف رسول الله (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

{1}

[172] عن علي بن الحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ): سألت خالي هند بن أبي هالة(1) عن حلية رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وكان وصّافاً للنبيّ (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال: كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فخماً مفخّماً، يتلألؤ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشدّب، عظیم الهامة(2) رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته (3) فرق، وإلّا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذاً هو وفرةٌ، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجُ الحواجب(4)، سوابغ في غير قرن، بينهما له(5) عرقٌ يدرّه الغضب، أقنى العرنین، له نورٌ يعلوه، يحسبه من لم يتأمّله أشمّ(6)، كثّ اللحية، سهل الخدّين، ضليع الفم، أشنب مفلّج الأسنان، دقیق المسربة، كأنّ عنقه جيد دمية(7) في صفاء الفضّة، معتدل الخلق، بادناً متماسكاً، سواء البطن والصدر(8)، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور

ص: 200


1- في المصدر: عبدالعزيز بن منيع. أقول: هو البغوي الحافظ المعروف.
2- الهامة: الرأس.
3- في المكارم ونسخة من العيون: عقیصته.
4- في العيون: الحاجبين.
5- المصادر خالية عن كلمة (له).
6- في النهاية: في صفته (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يحسبه من لم يتأمّله أشم، الشمم: ارتفاع قصبة الأنف و استواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلاً، ومنه قصيدة كعب (شم العرانين ابطال لبوسهم) شم جمع أشم، والعرانين: الأنوف، وهو كناية عن الرفعة والعلوّ وشرف الأنفس.
7- الدمية: الصورة المزيّنة فيها حمرة كالدم.
8- في مكارم الأخلاق هنا زيادة هي: عريض الصدر.

المتجرّد، موصول مابين اللبة والسرّة بشعر يجري كالخطّ، عاري الثديين والبطن ممّا سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين، وأعالي الصدر، طویل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفّين والقدمين، سائل الأطراف، سبط القصب، خمصان الأخمصين، مسیح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعاً، يخطو تكفّؤاً، ويمشي هوناً، ذريع المشية(1)، إذا مشى كأنّما ينحطّ في صيب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يبدر(2) من لقيه بالسلام.

قال: قلت: فصف لي منطقه.

فقال: كان (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) مواصل(3) الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحةٌ، ولا يتكلّم في غير حاجة (4)، يفتتح الكلام، ويختمه بأشداقه(5)، يتكلّم بجوامع الكلم فصلاً، لافضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، تعظم عنده النعمة وإن ذقّت، لا يذمّ منها شيئاً غير أنّه كان لا يذمّ ذواقاً (6) ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيءٌ حتّی ينتصر له(7) إذا أشار أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجّب قلّبها، وإذا تحدّث

ص: 201


1- في المكارم: سريع المشية.
2- أي: يسبق.
3- متواصل: خ ل. أقول: هو الموجود في المصادر.
4- في المكارم زاد: طويل السكوت. وفي المعاني هي موجودة قبل قوله: لا يتكلّم.
5- قال في النهاية بعد ذكر الحديث: الأشداق: جوانب الفم، وإنما يكون ذلك لرحب شدقيه، والعرب تمتدح بذلك.
6- في المكارم: ولا يذمّ ذواقاً، وأسقط قوله: غير أنّه كان.
7- زاد في المكارم: ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها.

اتّصل بها، يضرب(1) براحته اليمن باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه(2)، جلّ ضحكه التبسّم، يفترّ عن مثل حبّ الغمام. (3)

قال الحسن: فكتمتها(4) الحسين زماناً، ثمّ حدّثته فوجدته قد سبقني إليه، وسأله عمّا سألته عنه، ووجدته(5) قد سأل أباه عن مدخل النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ومخرجه، ومجلسه وشكله، فلم يدع منه شيئاً.

قال الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ): سألت أبي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن مدخل رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال: كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك، فإذا أوى إلى منزله جزّاً دخوله ثلاثة أجزاء: جزء للّه، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثمّ جزّأ جزءه بينه وبين الناس، فيردّ ذلك بالخاصّة على العامّة، ولا يدّخر(6) عنهم منه شيئاً، وكان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل بإذنه و قسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذوالحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذوالحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم

ص: 202


1- في المعاني: فضرب، وفي العيون: وإذا تحدّث قارب يده اليمنى من اليسرى فضرب بإبهامه اليمنى راحة اليسرى، وإذا غضب أعرض بوجهه. وفي المكارم: وإذا تحدّث أشار بها فضرب (فيضرب خ ل) براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى.
2- في المكارم: من طرفه.
3- الغمام: السحاب، يقال: يفتر عن مثل حبّ الغمام، أي: يكشف عن أسنان بيض كالبرد.
4- في العيون: فكتمت هذا الخبر.
5- في العيون والمحاسن: فوجدته.
6- زاد في المكارم: أو قال: لا يدخر. الشك من أبي غسان.

فيما أصلحهم والأمّة من مسألته عنهم(1)، وإخبارهم بالّذي ينبغي(2)، ويقول: «ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته(3)، فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يقدر على إبلاغها(4) ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة» لا يذكر عنده إلّا ذلك، ولا يقيد(5) من أحد عثرةً يدخلون روّاداً ولا يفترقون إلّا عن ذواق، ويخرجون أدلّةً.

فسألته(6) عن مخرج رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كيف كان يصنع فيه؟

فقال: كان (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) (7) يخزن لسانه إلّا عمّا يعنيه، ويؤلّفهم ولا ينفرهم(8)، ويكرم كریم كلّ قوم، ويولّيه عليهم، ويحذر الناس(9) ويحترس منهم من غير أن يوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقّد أصحابه، ويسأل الناس عمّا في الناس(10)، ويحسّن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف،

ص: 203


1- في العيون: وأصلح الأمّة من مسألته عنهم. ومثله في المكارم إلّا في نسخة من مسائلته عنهم.
2- في العيون والمكارم: ينبغي لهم.
3- في المكارم: من لا يستطيع إبلاغ حاجته.
4- في المكارم: من لا يستطيع إبلاغها.
5- ولا يقيل: خ ل، وفي المعاني: ولا يقبل (يقيد خ ل) من أحدعشرة، وفي العيون والمكارم: ولا يقبل من أحد غيره.
6- في المعاني والمكارم: قال: فسألته.
7- في المصادر: كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)
8- في المكارم: فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم، أو قال: ينفر هم. (شك مالك)
9- في المكارم: الفتن خ ل.
10- في العون: عمّا الناس فيه.

لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا(1)، ولا يقصر عن الحقّ ولا يجوزه، الّذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعمّهم نصيحةً للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلةً أحسنهم مواساةً وموازرةً.

قال: وسألته(2) عن مجلسه؟

فقال: كان (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لا يجلس ولا يقوم إلّا على ذكر(3)، ولا يوطن الأمان(4) وينهي عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كلّ جلسائه نصيبه، ولا يحسب أحد من جلسائه أنّ أحداً(5) أكرم عليه منه، من جالسه ضابره(6) حتّی يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرجع إلّا بها(7)، أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه خلقه، وصار لهم أباً(8)، وصاروا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس حلم و حیاء وصدق

ص: 204


1- أن يملوا. قلت: هو موجود في نسخة من المكارم. وبعده: لكلّ حال عند عتاد (عباد خ ل). والظاهر أنّ هذه الجملة قد سقطت من العيون والمعاني لما يأتي بعد ذلك تفسيرها في كلام الصدوق.
2- في المصادر: فسألته.
3- في المصادر: ذكر اللّه جلّ اسمه.
4- أي: لا يتّخذ لنفسه مجلساً يعرف به.
5- في العيون: كلّ واحد من جلسائه نصيبه حتّی لا يحسب أحد. وفي المكارم: كلّ (من خ ل) جلسائه نصيبه حتّی لا يحسب جليسه أنّ أحداً.
6- في العيون: من جالسه أو نادمه لحاجة صابره. ومثله في المكارم: إلّا أنّ فيه: قاومه. والمعنى: قام معه، ومعنی نادمه جالسه..
7- في العيون والمكارم: لم يرده إلّا بها.
8- في المكارم: قد وسع الناس منه بسطه وخلقه (بسطة و خلقاً)، فكان (وكان) لهم أباً، وفي العيون: فصار لهم أباً رحيماً.

وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن(1) في الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلين(2) متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين يوقّرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذاالحاجة، ويحفظون الغريب. (3)

فقلت: فكيف كانت سيرته في جلسائه؟

فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيّب فيه مؤمّلیه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحداً، ولا يعيره، ولا يطلب عورته ولا عثراته(4)، ولا يتكلّم إلّا فيما رجا(5) ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطر، وإذا سكت تكلّموا ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلّم أنصتوا له حتّی يفرغ(6) حديثهم عنده حديث أوليهم(7)، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته و منطقه حتّی أن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه(8)،

ص: 205


1- في المكارم: توهن خ ل.
2- في المكارم: متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى متواضعون، يوقّرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير. أقول: قوله: فيه أي في مجلسه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
3- في المكارم: ويحفظون، أو قال: يحوطون (يحيطون خ ل) الغريب. (شك أبو غسان)
4- في العيون والمعاني: عثراته ولا عورته.
5- في العيون والمكارم: يرجو.
6- في العيون: وإذا تكلّم عنده أحد أنصتوا له حتّی يفرغ من حديثه.
7- أولهم: خ ل.
8- فأوفدوه خل. وهو الموجود أيضاً في نسخة من العيون.

ولا يقبل الثناء إلّا من مكافىء، ولا يقطع على أحد كلامه حتّی يجوز(1) فيقطعه بنهي(2) أو قيام.

قال: فسألته عن سكوت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)؟

فقال: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير(3)، فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والإستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّ، وجمع له الحذر في أربع(4): أخذه الحسن ليقتدي به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاده الرأي في صلاح(5) أمّته، والقيام فيماجمع(6) لهم خير الدنيا والآخرة. (7)

خلقت من نور الله

{2}

[173] قال: سمعتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: خُلِقتُ مِن نُورِ اللّهِ عزّ وجلّ، وخَلَقَ أهل بيتي مِن نوري، وخَلَقَ مُحِبّيهم مِن نورِهم، وسائر

ص: 206


1- يجوزه: خ ل.
2- بانتهاء خ ل. أقول: يوجد ذلك في نسخة من المكارم، وفيه: كلام، بدل قيام.
3- في المصادر: التفكّر.
4- في الحذر أربع خ ل.
5- في العيون: في إسلاح. وفي المكارم: فيما أصلح.
6- بما جمع.
7- عيون الأخبار: 176 - 178.

الناس في النار. (1)

بين علي و محمّد (عَلَيْهِما السَّلَامُ)

{3}

[176] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): خُلِقتُ أنا وعليّ من نور واحد. (2)

خلقنا من نور الله

{4}

[175] روي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:

إنّ اللّه تعالى خلق محمّداً و إثني عشر من أهل بيته من نور عظمته،

ص: 207


1- بحار الأنوار: ج 15 ص 20ح 32 عن أمالي الطوسي ص 57 بإسناده عن الغضائري، عن علي بن محمّد العلوي، عن الحسن بن علي بن صالح، عن الكليني، عن عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري، عن الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، عن آبائه (عَلَيْهِم السَّلَامُ)، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: سمعتُ جدّي... الخ. ورواه أيضاً الشيخ سليمان القندوزي الحنفي المتوفّى (1294) في ينابيع المودّة: ج 1 ص 46 ح7 عن المناقب، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري، عن أبيه، عن جدّه قال: حدّثنا عمّي الحسن:...
2- الخصال: 1/ 31/ 108 (خلق النبي وعلي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) من نور واحد - باب الواحد.) بهذا الإسناد: حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغدادي قال: حدّثني أبو محمّد الحسن بن عبداللّه الرازي قال: حدّثني أبي قال: حدّثني سيّدي علي بن موسی الرضا قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي محمّد بن علي قال: حدّثني أبي علي بن الحسين قال: حدّثني أبي الحسين قال: حدّثني أخي الحسن بن عليّ قال: حّدثني أبي عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) قال:...

هم الأئمّة بعده. (1)

أخبرني عن خمس

{5}

[179] عن الحسن (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فسأله أعلمهم عن أشياء، منها: أنّه قال: يا محمّد! أخبرني عن خسمة أشياء مكتوبات في التوراة أمر اللّه بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها من بعده.

قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): فأنشدتك باللّه إن أنا أخبرتك تقرّ لي؟

قال اليهودي: نعم يا محمّد.

قال: فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أوّل ما في التوراة مكتوب: محمّد رسول اللّه وهي بالعبرانيّة «طاب» ثمّ تلا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) هذه الآية: «يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ»(2) «وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»(3) وفي السطر الثاني: اسم وصيّي عليّ بن أبي طالب، والثالث والرابع سبطيّ: الحسن والحسين، وفي السطر الخامس: أمّهما فاطمة سيّدة نساء العالمين - صلوات اللّه عليها. وفي التوراة اسم وصيّي «إليا» واسم السبطین «شبر و شبیر» وهما نورا فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ).

قال اليهودي: صدقت یا محمّد. (4)

ص: 208


1- جامع الأثر: ص 119 أخرجه في إثبات الهداة عن المفيد بإسناده إلى الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ). وفي الصراط المستقیم: ج2 ص 130 أسنده إلى الحسين (عَلَيْه السَّلَامُ).
2- سورة الأعراف: الآية 157.
3- سورة الصف، الآية 6.
4- بحار الأنوار: ج 9/ 298بإسناد تقدّم.

وجه فضيلة الأنبياء (عَلَيْهِم السَّلَامُ)

{6}

[177] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):

قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إنّ الأنبياء إنّما فضّلهم اللّه تعالى على خلقه أجمعين لشدّة مُداراتِهِم لأعداء دين اللّه وحُسنِ تَقِيَّتهم لأجل إخوانِهم في اللّه. (1)

بعث الله محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

{7}

[178] عن الإمام الهمام الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:

بعث اللّه محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إلى العرب وهم قدريّة يَحمِلونَ ذنوبَهم على اللّه تعالی. (2)

أبوا هذه الأمّة

{8}

[179] محمّد وعليّ صلوات اللّه عليهما أبوا هذه الأمّة، فطوبى لمن كان بحقّهما عارفاً، ولهما في كلّ أحواله مطيعاً، يجعله اللّه من أفضل سكّان جنانه ويسعده بكراماته ورضوانه. (3)

ص: 209


1- تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ص 355 ح 244 وعنه بحار الأنوار: ج 75 ص 401 ومستدرك الوسائل: ج 2 ص 375 ح 3.
2- التمهيد في علوم القرآن: ج 3 ص334 عن اللطائف الغيبيّة للمير سيّد أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي من تلامذة الميرداماد و من أعلام القرن الحادي عشر.
3- تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ص 330 ح192 وعنه بحار الأنوار: ج 23 ص252 في ضمن ح 8 وج36 ص 9 ضمن ح 11 و تفسير البرهان: ج 3 ص 248 ضمن ح3.

سلني عمّ شئت

{9}

[180] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): أنّه جاء نفر من اليهود واستأذن أعلمهم من النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أن يسأله عن أشياء، فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): سلني عمّ شئت، وجبرئیل عن يمين النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ومیكائیل عن يساره يلقّنانه.

فقال اليهودي: لأيّ شيء سمّیت محمّدا وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعياً؟

فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أمّا محمّد فإنّي محمود في الأرض، وأمّا أحمد فإنّي محمود في السماء، وأمّا أبو القاسم فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقسّم القامة قسمة النار، فمن كفر بي من الأوّلين والآخرين ففي النار، ويقسّم قسمة الجنّة، فمن آمن بي وأقر بنبوّتي ففي الجنّة، وأمّا الداعي فإنّي أدعو الناس إلى دين ربّي، وأمّا النذير فإنّي أُنذر بالنار من عصاني، وأمّا البشير فإنّي أبشّر بالجنّة من أطاعني.

قال: صدقتَ يا محمّد. (1)

أكثروا الصلاة عليّ

{10}

[181] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن جدّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّه قال: أكثروا الصلاة عليّ، فإنّ صلاتكم عليّ مغفرةٌ لذنوبكم، واطلبوا لي الدرجة والوسيلة، فإنّ وسيلتي

ص: 210


1- بحار الأنوار: ج 9 ص 294 عن الأمالي: ص 12 والعلل: ص 53 معاني الأخبار: ص 51 باب معاني أسماء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ط طهران مكتبة الصدوق.

عند ربّي شفاعةٌ لكم. (1)

إنّ صلاتكم تبلغني

{10}

[182] قال الطبراني: حدّثنا أحمد بن رشدين المصري، ثنا سعید بن أبي مريم(2) ثنا محمّد بن جعفر (3) عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيه: أنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: حيثُ ما كنتم فصلّوا عليّ، فإنّ صلاتكم تبلُغُني. (4)

مَن قال صلّى الله على محمّد وآله

{12}

[183] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): مَن قال: صلّى اللّه على محمّد وآله قال اللّهُ جلّ جلاله: صلّى اللّه عليك، فليكثر من ذلك. (5)

ص: 211


1- كنز العمّال: ج 1 ص 489 ح2143
2- هو سعيد بن الحكم بن محمّد بن سالم بن أبي مريم الجمحي أبو محمّد المصري الفقيه المتوفّی(224). التقريب: ص 174.
3- هو محمّد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري مولاهم المدني وثّقه ابن حجر وقال: من السابعة. التقريب: ص407.
4- المعجم الكبير للطبراني: ج 3 ص 82 والأوسط: ص 45، كشف الغمّة للإربلي: ج 1 ص530. ورواه الدولابي في «الذرّية الطاهرة» ص 108 ح 112 بإسناده عن يزيد بن سنان، وعلي بن عبدالرحمان، وإبراهيم بن يعقوب، كلّ واحد منهم عن سعيد بن أبي مريم، عن محمّد بن جعفر، عن حميد بن أبي زينب:...
5- أمالي الصدوق: ص 228 بإسناده عن ابن إدريس، عن أبيه، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن جدّه، قال:... وعنه بحار الأنوار: ج 94 ص 48.

بالصلاة عليه تغفر الذنوب

{13}

[186] قال الطبراني: حدّثنا العباس(1) بن حمدان الأصبهاني حدّثنا شعیب(2) بن عبدالحميد الطحان، حدّثنا يزيد(3) بن هارون أنا شيبان(4) عن الحكم بن عبداللّه بن خُطّاف، عن أم أنيس بنت الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) عن أبيها قال:

قالوا: يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه عزوجل: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ»(5) قال: إنّ هذا لَمِن المكتوم، ولولا أنِكم سألتُموني عنه ما أخبرتُكم، إنّ اللّه عزّ وجلّ وكّل بي ملكَين، لا أذكر عندَ عبدٍ مُسلم، فيُصلّي عليّ إلّا قال ذاناك الملَكانِ: غفر اللّه لك، وقال اللّه وملائكتُه جواباً لذينك الملكين آمين، ولا يصلّي علىّ أحدٌ إلّا قال ذاناك الملكان: غفر اللّه لك وقال اللّه وملائكتُه جواباً لذينك الملكين آمين. (6)

ص: 212


1- العبّاس بن حَمدان أبو الفضل الأصبهاني الحنفي توفّي سنة (294 ه-). تاريخ الإسلام للذهبي: ص 171 ترجمة 230.
2- شعیب بن عبدالحميد بن بِسطام الواسطي الطحّان.
3- يزيد بن هارون بن زاذني أبو خالد الواسطي المتوفّى سنة (206). تاريخ الإسلام: ص 454 رقم 445.
4- هو شيبان بن عبدالرحمن التميمي أبو معاوية البصري المتوفّى (164). التقريب: ص 210.
5- سورة الأحزاب، الآية 56.
6- المعجم للطبراني: ج 3 ص 89 رقم 2703.

كيفية الصلاة على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

{14}

[185] فرض اللّه عزّ وجلّ الصلاة على نبيّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على كافّة المؤمنین.

فقالوا: كيف الصلاة عليك؟

فقال: قولوا: «اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد» فحقّ على كلّ مسلم أن يصلّي علينا مع الصلاة على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فريضة واجبة. (1)

احذروا الصلاة البتراء

{15}

[189] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من قال: «صلّى اللّه على محمّد» ولم يصلّ على آله لميجد ريح الجنّة، وريحها من مسيرة خمسمائة عام. (2)

في أنّ النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لا يردّ السائل

{16}

[187] كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إذا سأله أحدٌ حاجةً لم يردّه إلّا بها أو بميسور من القول. (3)

ص: 213


1- أمالي الطوسي: ص 575: قال الإمام الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): ...
2- الأمالي للطوسي: ج 2 ص 38 بإسناده عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن جدّه قال:... وأمالي الصدوق: ص 228 وعنه بحار الأنوار: ج94/ 48.
3- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص 227: قال أحمد بن أبي يعقوب الكاتب في تاريخه: قال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ):...

شفاعة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

{17}

[188] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) في حديث طويل: إنّ النبيّ (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال في جواب نفر من اليهود سألوه عن مسائل:

«وأمّا شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم».(1)

ثواب الزيارة

{18}

[189] روى الصادق جعفر بن محمّد: عن آبائه (عَلَيْهِم السَّلَامُ) أنّهم قالوا: بينا الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ذات يوم في حجر رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إذ رفع رأسه فقال:

يا أبت ما لمن زارك بعد موتك؟

فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يابنيّ من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة. (2)

في فضل زيارتهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)

{19}

[190] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): يا رسول اللّه ما لمن زارنا؟

ص: 214


1- مستدرك الوسائل: ج11 ص 364 عن الخصال: ص 355.
2- التهذيب: ج 6 ص 20ح 42؛ ثواب الأعمال: ج1 ص 107؛ المقنعة: ص 72 والسند هكذا: سعد بن عبداللّه بن أبي خلف، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقي، عن القاسم بن يحيى، عن جدّ الحسن بن راشد، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ).

قال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك حيّاً أو ميّتاً، أو زار أخاك حيّاً أو ميّتاً، أو زارك حيّاً أو ميّتاً كان حقّاً عليّ أن أستنقذه يوم القيامة. (1)

زُرهم (عَلَيْهِم السَّلَامُ) يزوروك

{20}

[191] قال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا أبت ما جزاءُ مَن زارك؟

قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): بُنيَّ مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك كان حقّاً على اللّه عزّ وجلّ أن أزورَه يومَ القيامةِ فأخلّصه من ذنوبه. (2)

ما جزاء من زارك؟

{21}

[192] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا أبتاه ماجزاء من زارك؟

ص: 215


1- التهذيب: ج6 ص40 ح83 بإسناده عن محمّد بن أحمد بن داود عن محمّد بن علي الكوفي، عن أبي عمرو عثمان بن أحمد بن عبداللّه، عن القاضي أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد بن عبداللّه الرازي، عن عبدالرحمن بن محمّد الحسني، عن محمّد بن الحسن الفارسي، عن محمّد بن منصور، عن إبراهيم بن عبداللّه بن حسين بن عثمان بن معلّی بن جعفر، قال:...
2- كامل الزيارات لابن قولویه جعفر بن محمّد المتوفی (368) في الباب (10) ص 91 ح92 بإسناده عن علي بن الحسين، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن المعلی بن أبي شهاب، عن أبي عبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:... وعنه بحار الأنوار: ج 100 ص 259 ح 6 وفيه: من زارني حيّاً وميّتاً...

فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يابنيّ مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك أو أخاك أو زارك كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيامة، فأخلّصه من ذنوبه. (1)

أيّ نبي كنت لكم؟

{22}

[193] عن جابر بن عبداللّه وعبداللّه بن عباس في قول اللّه عزّ وجلّ: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً»(2) قال: لمّا نزلت قال محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «يا جبريلُ نَفسي قد نُعِيَت». قال جبريل (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يُعطيك ربّك فترضى.

فأمر رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بلالاً أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه عزّ وجلّ وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبة وجلت منها القلوب وبكت العيون ثمّ قال:

أيّها الناس! أيّ نبي كنت لكم؟

فقالوا: جزاك اللّه مِن نبيّ خيراً، فلقد كنت بنا كالأب الرحیم وكالأخ الناصح المشفق، أدّيت رسالات اللّه عزّ وجلّ، وأبلغتنا وحيه ودعوتَ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك اللّه عنّا أفضل ماجازئ نبيّاً عن أمّته.

ص: 216


1- بحار الأنوار: ج 100 ص 140 ح 7 عن علل الشرائع: ص 460 بإسناده عن ابن المتوكّل، عن السعدآبادي، عن البرقي، عن عیسی بن عثمان، عن المعلّی بن شهاب، عن أبي عبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:... وأورده أيضاً عن كامل الزيارات: ص 11 وص 14 وفيه: قال الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بدل الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ).
2- سورة النصر، الآية 1 - 3.

فقال لهم: معاشر المسلمين أنا أُنشدكم باللّه وبحقّي عليكم مَن كانت له قِبَلي مظلمةٌ فليقم فليقتصّ منّي! فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثانية، فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثالثة: معاشر المسلمين أُنشدكم باللّه وبحقّي عليكم مَن كانت له قِبَلي مظلمةٌ فليقم فليقتصّ منّي قَبلَ القِصاص في القيامة.

فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطّى المسلمين حتّی وقف بين يدي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال: فداك أبي وأمّي لولا أنّك ناشدتنا مرّة بعد أخرى ما كنت بالّذي قدم على شيء من هذا، كنت معك في غزاة فلمّا فتح اللّه عزّ وجلّ علينا ونصر نبيّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وكنّا في الإنصراف حاذت ناقتي ناقتك، فنزلتُ عن الناقة ودنوتُ منك لأقبل فخذك، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، ولا أدري أكان عمداً منك أم أردت ضرب الناقة؟!

فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أعيذُك بجلالِ اللّه أن يتعمّدك رسولُ اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بالضرب، یا بِلالُ انطلق إلى مَنزِل فاطمة وائتِني بالقَضيب المَمشُوق.

فخرج بلال من المسجد ويده على أمّ رأسه وهو ينادي: هذا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يعطي القصاص من نفسه، فقرع الباب على فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللّه ناوليني القضيب الممشوق.

فقالت فاطمة: يا بلال! ومايصنع أبي بالقضيب وليس هذا يوم حجّ ولا غزاة؟

فقال: يا فاطمة! ما أغفلكِ عمّا فيه أبوكِ، إن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يودع الدين ويفارق الدنيا ويعطي القِصاص من نفسه.

فقالت فاطمة (رضي اللّه عنها): يا بلال ومَن ذا الّذي تطيب نفسه أن يقتصّ من رسول اللّه؟! یا بلال إذن فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل،

ص: 217

فيقتصّ منهما ولا يدعانه يقتصّ من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فدخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ودفع رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) القضيب إلى عكاشة، فقام عليّ بن أبي طالب فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ولا تطيب نفسي أن يُضرب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فهذا ظهري وبطني اقتصّ منّي بيدك واجلدني مائة ولا تقتصّ من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال النبي: يا علي أقعد فقد عرف اللّه عزّ وجلّ مقامك ونيّتك.

وقام الحسن والحسين (رضي اللّه عنهما) فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنّا سبطا رسول اللّه؟ فالقصاص منّا كالقصاص من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لهما: أقعدا يا قرّة عيني لانسيَ اللّه لكما هذا المقام.

ثم قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا عكاشة اضرب إن كنت ضارباً.

فقال: يا رسول اللّه ضربتني وأنا حاسر عن بطني، فكشف عن بطنه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وصاح المسلمون بالبكاء، وقالوا: أترى عكاشة ضارب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)؟!

فلمّا رأى عكاشة إلى بياض بطن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كأنّه القباطي، لم يملك أن كبّ عليه وقبّل بطنه وهو يقول: فداء لك أبي وأمّي ومن تطيق نفسه أن يقتصّ منك؟

فقال له النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إمّا أن تضرب وإمّا أن تعفو.

فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو اللّه عنّي في القيامة.

فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنّة فلينظر إلى هذا الشيخ.

فقام المسلمون فجعلوا يقبّلون ما بين عيني عكاشة، ويقولون: طوباك

ص: 218

طوباك نلت الدرجات العُلى ومرافقة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). (1)

الصلاة رحمك الله

{23}

[194] قال الصدوق (قدّس سرّه) في «المجالس» في ضمن حديث:

أُغمي على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك اللّه، فخرج رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وصلّى بالناس وخفّف الصلاة، ثمّ قال: ادعوا إلىّ علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فجاء فوضع (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يده على عاتق علي والأخرى على أسامة، ثمّ قال: انطلقا بي إلى فاطمة فجاءا به حتّی وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يبكيان ويصطرخان وهما يقولان:

أنفسنا لنفسك الفداء ووجوهنا لوجهك الوقاء.

فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من هذان يا علي؟

قال: هذان ابناك الحسن والحسين، فعانقهما وقبّلهما، وكان الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أشدّ بكاء، فقال له: كفّ یا حسن فقد شققت على رسول اللّه. (2)

ص: 219


1- المعجم الكبير للطبراني: ج 3 ص 58: حدّثنا محمّد بن أحمد بن البراء ثنا عبدالمنعم بن إدريس بن سنان، عن أبيه، عن وهب منبّه:... وعنه أبو نعيم في حلية الأولياء: ج4 ص 73.
2- أمالي الصدوق: ص505 المجلس 92.

فضل أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) و محبّتهم

اشارة

ص: 220

ص: 221

أخبرني عن فضلكم

{1}

[195] جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وسأل أعلمهم أشياء منها:

أنّه قال: يا محمّد أخبرني عن فضلكم أهل البيت.

قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لي فضل على النبيّين، فما من نبيّ إلّا دعا على قومه بدعوة وأنا أخّرت دعوتي لأمّتي لأشفع لهم يوم القيامة، وأمّا فضل أهل بيتي وذرّيتي على غيرهم كفضل الماء على كلّ شيء، وبه حياة كلّ شيء، وحبّ أهل بيتي وذرّيتي استكمال الدين؛ وتلا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بهذه الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (1) إلى آخر الآية.

قال اليهودي: صدقتَ يا محمّد. (2)

محبّة تحطّ الذنوب

{2}

[196] قال: واللّه لا يحبّنا عبدٌ أبداً ولو كان أسيراً بالديلم إلّا نفعه اللّه بحبّنا، وإنّ حبّنا لیساقط الذنوبَ من إبنِ آدم كما یُساقط الريحُ الورقَ من الشجر. (3)

ص: 222


1- سورة المائدة: الآية 3.
2- بحار الأنوار: ج 9/ 298بإسناد تقدّم.
3- الاختصاص: ص 82؛ رجال الكشي ج 1 ص 329؛ أهل البيت في الكتاب والسنّة ص 427 ح 1006.

كلّهم نورٌ واحد

[197] نحن الأوّلون، ونحن الآخرون، ونحن الآمرون، ونحن النور ننوّر الروحانيّين بنورِ اللّه، ونروّحهم بروحه، فينا مسكنه، وإلينا معدنه، الآخِرُ منّا كالأوّل، والأوّل منّا كالآخر. (1)

لولاهم كنتم حيارى

{4}

[198] قال (عليه السلام) بعد كلام ذكر فيه حكمة الفرائض:

ولولا محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) والأوصياء من ولده (عَلَيْهِم السَّلَامُ) كنتم حیاری كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل يدخل قرية إلّا من بابها؟

فلمّا منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قال: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (2) . (3)

ص: 223


1- ينابيع المعاجز للسيّد البحراني ص 163 عن مسند فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ) المعروف بدلائل الإمامة لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري الإمامي ص 65 بإسناده عن سفيان، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي بريدة، عن محمّد بن حجارة، قال: رأيت الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) وقد مرّت به صريمة من الظباء، فصاح بهنّ فأجابته كلّها حتّی أتت بين يديه، فقلنا: يا ابن رسول اللّه هذا وحش فأرِنا آية من السماء، فأومأ نحو السماء ففتحت الأبواب ونزل نور أحاط بدور المدينة، فنزلت الدور حتّی كادت أن تخرب، فقلنا: ردّها یابن رسول اللّه، فقال:...
2- المائدة: الآية 3.
3- أمالي الشيخ الطوسي: ج2 ص 269 بإسناد تقدّم ذكره.

أوّل من يرد الحوض

{5}

[199] عنه (عليه السلام) أنّه قال: سمعتُ رسول اللّه (صلّى اللّه علیه (وآله) وسلّم) يقول:

«أوّلُ مَن يَرِدُ عَلَىَّ الحوضَ أهلُ بيتي، ومَن أحبّني مِن أمّتي. (1)

أهل البيت (عَلَيْهِم السَّلَامُ) ومحبّوهم

{6}

[200] روى أبو الفرج في ترجمة الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): عن سفيان بن الليل أنّه أتى الإمام بعد موادعته وجلس إليه وسأله عن الموادعة... إلى أن قال:

ثمّ أذّن المؤذّن فقمنا على حالب يحلب ناقة فتناول إناء فشرب قائماً ثمّ سقاني فخرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟

قلت: حبّكم والّذي بعث محمّداً بالهدى ودين الحقّ.

قال: فأبشر يا سفیان! فإنّي سمعت عليّاً يقول: سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: يرد علىَّ الحوض أهل بيتي ومن أحبَّهم من أمّتي كهاتين - يعني السبّابتين أو كهاتين يعني السبّابة والوسطى - إحداهما تفضل على الأخرى. (2)

ص: 224


1- رواه العلامة الحافظ الطبراني في «الأوائل» ص 66؛ والعلّامة شمس الدين محمّد بن عبدالرحمن السخاوي الشافعي في «إستجلاب إرتقاء الغرف بحبّ أقرباء الرسول ذوي الشرف» ص 40 والنسخة مصوّرة من مخطوطة مكتبة عاطف أفندي باسلامبول، وعنهما ملحقات الإحقاق ج 24 ص 576.
2- ذیل ترجمة الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق ص 201 عن أبي الفرج في مقاتل الطالبیين ص 67 ط مصر.

من أحبنا أهل البيت

{7}

[201] علىّ بن هاشم، بإسناده، عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، أنّه قال:

من أحبّنا أهل البيت للّه جلّ ذكره لا لغيره نفعه اللّه سبحانه بحبّنا، إنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم: أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم. (1)

ألزموا مودّتنا أهل البيت

{8}

[202] ألزموا مودّتنا أهل البيت، فإنّه مَن لقي اللّه وهو يودّنا أهل البيت دخل الجنّة بشفاعتنا، والّذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعلمه إلّا بمعرفة حقّنا. (2)

في فضيلة محبّي أهل البيت

{9}

[203] من أحبّنا بقلبه، ونَصَرنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة الّتي نحن

ص: 225


1- شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار ج2 ص 514 الرقم 907 روى القسم الأخير من الرواية ابن المغازلی ص 63 الحديث 90، عن أحمد بن محمّد بن عبدالوهاب، عن عمر بن عبداللّه بن شوذب، عن الحسين بن إسحاق، عن زكریّا بن يحيى، عن فضیل بن عبدالوهّاب، عن تليد بن سليمان، عن أبي الجحاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: أبصر النبيّ عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.
2- المحاسن للبرقي: ص 61 ح 105 بإسناده عن خلّاد المقري، عن قيس بن الربيع، عن ليث بن أبي سليمان، عن ابن أبي ليلى، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:...

فيها، ومَن أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه فهو دون ذلك بدرجةٍ، ومَن أحبّنا بقلبه وكفّ بيده ولسانه فهو في الجنّة. (1)

في ثمرة محبّتهم (عَلَيْهِم السَّلَامُ)

{10}

[204] من أحبّنا نفعه اللّه تعالى بحبّنا، ومن أحبّنا لغير اللّه فإن اللّه يقضي في الأمور مايشاء. (2)

حبّنا يساقط الذنوب

{11}

[205] أما إنّ حبّنا أهل البيت يساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق عن الشجر.

رواه في «وسيلة المآل» (ص 61) قال:

وقال الحافظ جمال الدين الزرندي قال أبو سعيد الخدري (رضي اللّه عنه) سمعت الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) يقوله. (3)

ص: 226


1- أمالي المفيد: المجلس الرابع، ص 33 ح 8 بإسناده عن الشريف أبي محمّد الحسن بن حمزة، عن أحمد بن عبداللّه، عن جدّه أحمد بن أبي عبداللّه، عن أبيه عن داود بن النعمان، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:...
2- ملحقات الإحقاق: ج19 ص 355 عن وسيلة المال ص 61.
3- ملحقات الإحقاق: ج 19 ص 355.

مصير محبي أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)

{12}

[20] يرد عليّ أهلُ بيتي ومن أحبّهم من أمّتي هكذا. وقرن بین السبّابتين - ليس بينهما فصلٌ. (1)

من أحبّنا لله

{13}

[207] أبو نعيم بإسناده عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، أنّه قال:

مَن أحبّنا للّه جئنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين - وجمع بين إصبعيه المسبحة والوسطى من يده - ولو شئت لقلت: كهاتين - وجمع بين المسبحتين من يديه جميعاً-.

من أحبّنا للدنيا، فإذا جاءت الدنيا إتّسعت للبرّ والفاجر. (2)

ص: 227


1- الغارات لإبراهيم بن محمّد الكوفي الأصبهاني المتوفّی (283)، ج2/ 586. وبحار الأنوار: ج 8 باب النوادر ص740 وفيه: عن الحسن بن علي، عن أبيه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يقول: سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول:... وأخرجه الحافظ محمّد بن سليمان الصنعاني الّذي كان من أعلام القرن الثالث في «مناقب الإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ)» ج 2 ص 129 وفيه: «كهاتين السبّابة والوسطى ليس لأحدهما فضل على الأخرى».
2- شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار للقاضي أبي حنيفة المغربي المتوفّى سنة (363): ج2 ص 488 الرقم 864 بتحقيق السيّد الجلالي. ورواه الجويني في فرائد السمطين: ج 2 ص 78 بتقديم وتأخير في الجمل مع حفظ المضمون، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن الفضل، عن أحمد بن عبدالرحمان، عن محمّد بن أحمد بن حمدان، عن أبي العبّاس بن الحسن، عن محمّد بن يزيد، عن محمّد بن الفضل، عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن سفيان بن أبي ليلى:... ورواه الهيثمي في مجمعه: ج 1 ص 281 عن الحسين بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ).

في حقوق الأولياء

{14}

[208] فرض علیكم لأوليائه حقوقاً وأمركم بأدائها إليهم ليحلّ لكم ماوراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة ليعلم من يطيعه منكم بالغيب، ثمّ قال عزّ وجلّ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى».(1)

فاعلموا أنّ من يبخل فإنّما يبخل عن نفسه إن اللّه هو الغنيّ وأنتم الفقراء(2) إليه، فاعملوا: من بعد ما شئتم فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون(3) والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلّا على الظالمين. (4)

لنحسن إلى آبائنا

{15}

[209] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ):

عليك بالإحسان إلى قرابات أبوي دينك: محمّد وعلي، وإن أضَعتَ قراباتِ أبوي نسبك، فإنّ شكرَ هؤلاء إلى أبَوَي دينِك: محمّد وعليّ أثمَرُ لك مِن شكرِ هؤلاء إلى أبوي نَسَبِك، إنّ قرابات أبَوَي دينك إذا شكروك

ص: 228


1- سورة الشورى: الآية 23.
2- مقتبس من سورة محمّد: الآية 38.
3- سورة التوبة: الآية 105.
4- أمالي الشيخ الطوسي: ج2 ص 269 (حدّثنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي)، قال: أخبرنا الحسين بن عبيد اللّه، عن علي بن محمّد العلوي، قال: حدّثنا الحسين بن صالح بن شعيب الجوهري، قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري، قال: حدّثنا الحسن بن علي (صلوات اللّه علیه): فرض عليكم... .

عندهما بأقلِّ قليل نَظَرِهما لك يحطّ عنك ذنوبك ملأ ما بين الثرى إلى العرش، وإنّ قرابات أبَوَي نَسَبِك إن شَكرُوك عندهما وقد ضَيَّعتَ قراباتِ أبَوَي دينك لم يُغنِيا عنك فتيلاً. (1)

علم النبي وذريته (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)

{16}

[210] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:

مایعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الّذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب، ولانبيّ مرسل، غیر محمّد وذرّيته. (2)

احفظوني في العباس

{17}

[211] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): احفظوني في العبّاس فإنّه بقيّة آبائي. (3)

ص: 229


1- تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ص 334 ح 204 وعنه بحار الأنوار: ج 23 ص 262 ح 8 باب 15 تأويل الوالدين والولد والأرحام وذوي القربی بهم (عَلَيْهِم السَّلَامُ).
2- كلمة الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) للشهيد السيّد حسن الشيرازي: ص 28.
3- مجمع الزوائد: ج 9 ص 269: روى الحافظ الهيثمي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال:... وعنه العطاردي في المسند: ص 769 باب المواعظ ح 100.

إظهار النعمة

{18}

[212] قال الطبراني: حدّثنا مطلب(1) بن شعيب الأزدي ثنا عبد اللّه بن صالح(2) حدّثني الليث(3) حدّثني إسحاق(4) بن بزرج، عن الحسن بن علي (رضي اللّه عنه) قال: أمرنا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أن نلبس أجود مانجد، وأن نتطيّب بأجود ما نجد، وأن نضحّي بأسمن مانجد، البقرة عن سبعة، والجزور عن عشرة، وأن نُظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار. (5)

الجنّة مقابل دمعة

{19}

[213] روي عن الإمام المجتبى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال:

مَن دمعت عيناه فينا دمعةً أو قطرت عيناه فينا قطرة أعطاه اللّه عزّ وجلّ الجنّة. (6)

ص: 230


1- مطلّب بن شعيب بن حيّان أبو محمّد الأزدي مولاهم البصري ثمّ المصري توفّي سنة (282 ه-). تاريخ الإسلام: ص 308.
2- هو عبداللّه بن صالح بن محمّد بن مسلم أبو صالح المصري كاتب لیث بن سعد، توفّي سنة (222 ه-). تهذيب الكمال للمزّي: ج15 ص 107.
3- ليث بن سعد الفهمي الفقيه المصري المتوفّى سنة (175 ه). العبر: ج1 ص206.
4- إسحاق بن يُزُرج المصري مولى أمّ حبيبة ترجمه ابن حجر في اللسان: ج1 ص353.
5- المعجم الكبير للطبراني: ج 3 ص 91 والمستدرك للحاكم: ج 4 ص 203.
6- توضیح الدلائل للعلامة شهاب الدين أحمد الشيرازي الحسيني الشافعي: ص 316 والنسخة مصوّرة من مخطوطة مكتبة الملّي بفارس وعنه ملحقات الإحقاق: ج 24 ص 668. وروى الحديث عن الربيع بن منذر، عن أبيه: أنّ الحسن بن علي عليهما الرحمة والرضوان يقول:... وروى الحديث أيضاً عن الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ).

الامتحان في حبّهم (عَلَيْهِم السَّلَامُ)

{20}

[214] واللّه البلاء، والفقر والقتل أسرعُ إلى مَن أحبّنا من ركض البرازين، ومن السيل إلى ضميره وهو منتهاه. (1)

مَن سمع واعيتنا

{21}

[215] مَن سَمِع واعيتَنا أهل البيت فلم يُجِبه كبّه اللّهُ على مِنخَرَيه في نار جهنّم. (2)

أعدائهم عداء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

{22}

[216] من عادانا فلرسول اللّه عادى. (3)

ص: 231


1- بحار الأنوار: ج 81 ص 198 عن أعلام الدين: قال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ):...
2- الرسالة في نصيحة العامّة إبن كرامة البيهقي الجشمي: ص67 نسخة إمبروزیانا بإيطاليا، قال: ومن كلام الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): مَن سمع... الخ، وعنه ملحقات الإحقاق: ج26 ص530.
3- رواه الهيتمي في «الصواعق المحرقة» (ص 237 ط عبداللطيف بمصر). ملحقات الإحقاق: ج 11 ص 239.

عقاب بُعض أهل البيت (عَلَيْهِم السَّلَامُ)

[217] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال لمعاوية بن خديج:

یا معاوية! إيّاك وبُغضَنا أهلَ البيت فإنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: لا يُبغضنا أحد ولا يَحسُدنا أحد إلّا ذِيدَ يوم القيامة عن الحوض بسیاطٍ مِن نار. (1)

صياح القبر

(26}

[218] روى البغوي(2) عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:

إذا صاح القبر (3) قال: اللّهمّ العن مبغضي آل محمّد. (4)

ص: 232


1- روى الحديث غير واحد من أعلام القوم وإليك بعضهم: السيوطي عبدالرحمن الشافعي المتوفّى (911) في إحياء الميت: ص 11. والصبّان محمّد بن علي الشافعي المتوفّى (1206) في إسعاف الراغبين: ص 104. والشيخ محمّد بن المدني المغربي الفاسي المالكي المتوفّى بعد سنة (1278) في الدرر المكنونة: ص 18 عن الطبراني المتوفّى (360). وابن حجر الهيثمي المتوفّی (974) في الصواعق المحرقة: ص 172. والشيخ سليمان القندوزي الحنفي المتوفّى (1294) في ينابيع المودّة: ص 172.
2- هو الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي نسبته إلى بَغا من قرى خراسان بین هرات ومرو، كان فقيهاً مفسّراً محدّثاً شافعيّاً، توفّي سنة ( 510ه-). الاعلام: ج2 ص 284.
3- القبَّر (بضمّ القاف وفتح الباء المشدّدة): ضرب من العصافير.
4- معالم التنزيل للبغوي: ج ص 484.

أنا سيّد النبيّين

{25}

[219] عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال:

سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: أنا سيّد النبيّين، وعليّ بن أبي طالب سیّد الوصيّين، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، والأئمّة بعدهما سادة المتّقين، وليّنا وليّ اللّه، وعدوّنا عدوّ اللّه، وطاعتنا طاعة اللّه، ومعصيتنا معصية اللّه عزّ وجلّ. (1)

مهديُّ هذه الأمّة (عَجَّلَ اللهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف)

{26}

[220] عن الأصبغ قال: سمعت الحسنَ بن عليّ يقول:

الأئمّة بعد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إثناعشر، تسعةٌ من صُلبِ أخي الحسينِ، ومنهم مهديُّ هذه الأمّة. (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف) (2)

ص: 233


1- بحار الأنوار: ج36 ص 228 عن أمالي الصدوق: ص 448 ح16: القطّان، عن ابن حبيب، عن ابن بهلول، عن إسماعيل بن أبان، عن سلّام بن أبي عمرة، عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي الطفيل:...
2- كفاية الأثر لعليّ بن محمّد الخزّاز الرازي القمّي الّذي روى عن الصدوق ومعاصریه: ص 29 بإسناده عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عمر القاضي الجعابي (الموصلي المتوفّی 344) عن أحمد بن واقد، عن إبراهيم بن عبداللّه، عن عبداللّه بن عبدالحمید، عن أبي ضمرة، عن عباية:... وعنه بحار الأنوار: ج36 ص383 ح1.

نقباء بني إسرائيل

{27}

[221] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): الأئمّةُ بعدي عدد نقباء بني إسرائيل وحواري عيسى، مَن أحبّهم فهو مؤمنٌ ومَن أبغضهم فهو كافرٌ منافق، هم حُجَجُ اللّهِ على خلقِه وأعلامُه في بريّته. (1)

في عدد الأئمّة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)

{28}

[222] عن علي بن الحسین زین العابدین، قال: قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): الأئمّة عدد نقباء بني إسرائيل، ومنّا مهديّ هذه الأمّة. (2)

ص: 234


1- الانصاف للسيّد البحراني: ص 100 ح86 عن كتاب النصوص لابن بابویه بإسناده عن أبي المفضّل الشيباني، عن أبي القاسم أحمد بن عامر، عن سليمان الطائي ببغداد، عن محمّد بن عمران الكوفي، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أخيه الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما، قال:...
2- كفاية الأثر: ص 324 قال الخزّاز: حدّثنا الحسين بن علي رحمه اللّه [قال: حدّثنا هارون بن موسى، قال: حدّثنا محمّد بن همام] قال: حدّثني جعفر بن مالك الفزاري، قال: حدّثني الحصين عليّ بن فرات بن أحنف، عن جابر بن یزید الجعفي، عن محمّد بن عليّ الباقر:... وعنه بحار الأنوار: ج36 ص 383 ح 2 باب نصوص الحسنين (عَلَيْهِما السَّلَامُ).

عدد شهور الحول

{29}

[223] عن أبان بن عياش، قال: حدّثني سليمان القصري قال: سألت الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن الأئمّة؟

قال: عدد شهور الحول. (1)

علامة المهدي المأمول (عَجَّلَ اللهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف)

[226] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إذا توالَت أربعة من الأسماء من الأئمّة من ولدي محمّد وعليّ والحسن فرابعهم هو القائم المأمول المنتظر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف). (2)

ص: 235


1- كفاية الأثر: ص 224: حدّثني محمّد بن الحسن بن الحسين بن أيّوب، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين البزوفري، عن أحمد بن محمّد الهمداني، عن القاسم بن محمّد بن حماد، عن غياث بن إبراهيم، قال: حدّثني إسماعيل بن زیاد، قال: أخبرني يونس بن أرقم:... وأخرجه عنه في بحار الأنوار: ج36 ص 383 وإثبات الهداة: ج 2 ص 555.
2- الانصاف للسيّد هاشم البحراني: ص 337 ح 312 عن مسند فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ) لمحمّد بن جریر الطبري الإمامي، بإسناده عن أبي المفضّل، عن محمّد بن الحسن الكوفي، عن محمّد بن عبداللّه القاضي، عن يحيى بن میمون الخراساني، عن عبداللّه بن سنان، عن أخيه محمّد بن سنان الزهري، عن سيّدنا الصادق، عن أبيه، عن جدّه الحسین و عمّه الحسن عن أمير المؤمنين (عَلَيْهم السَّلَامُ) قال: ...

المهدي (عَجَّلَ اللهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف) من أهل بيتي

{31}

[225] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا عليّ إذا تمّ من عدد ولدك أحد عشر إماماً فالحادي عشر منهم المهدي من أهل بيتي. (1)

من عهود الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

{32}

[229] واللّه لقد عهد إلينا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّ هذا الأمر يملكه اثناعشر إماماً من ولد علي وفاطمة، ما منّا إلّا مسموم أو مقتول. (2)

اثنا عشر خليفة

{33}

[227] لقد حدّثني حبيبي جدّي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أنّ الأمر يملكه إثناعشر

ص: 236


1- الانصاف للسيّد هاشم البحراني: ص 337 ح 311 عن مُسنَد فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ) لمحمّد بن جریر الطبري الإمامي، بإسناده عن أبي المفضّل، عن محمّد بن الحسن الكوفي، عن محمّد بن عبداللّه القاضي، عن یحیی بن میمون الخراساني، عن عبداللّه بن سنان، عن أخيه محمّد بن سنان الزهري، عن سيّدنا الصادق، عن أبيه، عن جدّه الحسين وعن عمّه الحسن عن أمير المؤمنين (عَلَيْهمُ السَّلَامُ) قال:...
2- كفاية الأثر بإسناده عن محمّد بن وهبان، عن داود بن هیثم، عن جدّه، عن إسحاق بن بهلول، عن أبيه، عن طلحة بن زيد، عن الزبير بن عطاء، عن عمیر بن هانىء، عن جنادة بن أبي أميّة قال: قال الحسن بن علي (عَلَيْهما السَّلَامُ):... وعنه بحار الأنوار: ج 27 ص 217 رقم 19.

إماماً من أهل بيته وصفوته ما منّا إلّا مقتول أو مسموم. (1)

متى يخرج المهدی (عَجَّلَ اللهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف)؟

{34}

[228] سألتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عن الأئمّة بعده فقال: الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل إثناعشر، أعطاهم اللّه علمي وفهمي، وأنت منهم یا حسن.

قلت: فمتى يخرج یا رسول اللّه قائمنا أهل البيت؟

قال: يا حسن! إنّما مثله كمثل الساعة، ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتةً. (2)

ص: 237


1- كفاية الأثر للخرّاز القمي بإسناده عن الحسين بن محمّد بن سعيد الخزاعي، عن عبدالعزيز بن يحيى الجلودي، عن الجوهري، عن عتبة بن الضحّاك، عن هشام بن محمّد، عن أبيه، قال: خطب الحسن بن علي (عَلَيْهما السَّلَامُ) بعد قتل أبيه فقال في خطبته:... وعنه بحار الأنوار: ج 27 ص 216 ح 18.
2- الانصاف للسيّد هاشم البحراني: ص 99 ح 85 عن كتاب النصوص لابن بابویه بإسناده عن علي بن الحسن بن محمّد، عن عتبة بن عبداللّه الحمصي، عن سليمان بن عمر الرايسي الكاتب الحمصي عن عبداللّه بن جعفر بن عبداللّه المحمّدي، عن أبي روح بن فروة بن الفَرَج، عن أحمد بن محمّد بن المنذر بن جعفر، قال: قال الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما:... ورواه الخزّاز القمي في كفاية الأثر: ص309 وعنه بحار الأنوار: ج 36 ص 341 وإثبات الهداة: ج 2 ص 543.

قوم آذوا النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)

{35}

[229] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إنّ هذا الأمر يملكه بعدي اثناعشر إماماً، تسعةٌ من ولد الحسين (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) علي أعطاهم اللّه علمي و فهمي، ما لقوم يؤذونني فيهم، لا أنالهم اللّه شفاعتي. (1)

أسماء أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)

{36}

[230] سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أنتَ وارِثُ علمي، أنتَ مَعدِنُ حِكَمي، والإمامُ بعدي، فإذا استُشهِدتَ فابنك الحسنُ، فإذا استُشهِدَ الحسنُ فابنك الحسينُ، فإذا استُشهِدَ الحسينُ فابنُه عليّ يتلوه، وتسعةٌ من صُلبِ الحسين أئمّةٌ أطهار.

فقلتُ: يا رسولَ اللّه فما أسماؤهم؟

قال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): عليّ، ومحمّد، وجعفر، وموسى، وعليّ، ومحمّد، وعليّ، والحسن، والمهديُّ مِن صلب الحسين، يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت

ص: 238


1- الانصاف للسيّد هاشم البحراني، عن كتاب النصوص لابن بابويه القمي بإسناده عن عليّ بن الحسن بن محمّد، عن عتبة بن عبداللّه الحمصي قراءةً عليه، عن عبداللّه بن محمّد، عن يحيى الصوفي، عن علي بن ثابت، عن زرّ بن حبيش، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:... وأورده المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج36 ص340 رقم 202 عن كفاية الأثر: ص 21.

ظلماً و جوراً. (1)

الأرض لا تخلو من حجّة

{37}

[231] عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّ جدّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) خطب يوماً وحمد اللّه وأثنى عليه... فلمّا نزل عن منبره قلت: يا رسولَ اللّه أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم؟

قال: يا حسن إنّ اللّه يقول: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(2) فأنا المنذر وعليّ الهادي.

قلت: يا رسول اللّه فقولك: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟

قال: نعم عليّ هو الإمام والحجّة بعدي، وأنت الحجّة والإمام بعده، والحسين هو الإمام والحجّة بعدك، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسین ولد يقال له عليّ، سمي جدّه علي، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده عليّ ابنه، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللّه من صلب علىّ ولداً سميّي، وأشبه الناس بي علمه علمي، وحكمه حكمي، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ويخرج اللّه من صلبه مولوداً يقال له جعفر، أصدق الناس قولاً وفعلاً، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولوداً، سمّي موسی بن عمران أشدّ الناس تعبّداً فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه

ص: 239


1-
2- سورة الرعد، الآية 7.

تعالى من صلب موسى ولداً يقال له علي معدن علم اللّه، وموضع حكمه، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علي مولوداً يقال له محمد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب محمّد مولوداً يقال له علي فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علي مولوداً يقال له الحسن، فهو الإمام بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب الحسن الحجّة القائم، إمام زمانه، و منقذ أوليائه، يغيب حتّی لا يرى، يرجع عن أمره قوم، ويثبت عليه آخرون، ويقولون متى هذا الوعدُ إن كنتم صادقين، ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّ وجلّ ذلك اليوم حتّی يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، فلا تخل الأرض منكم، أعطاكم اللّه علمي وفهمي، ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي، ومن زرعي وزرع زرعي. (1)

عصر الخيرات

{38}

[232] بيَّنَ الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بعض علائم ظهور الإمام الغائب (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف).

فقالت عميرة بنت نفيل الراوية للخبر: فقلت له: ما في ذلك الزمان من خیر؟

ص: 240


1- كفاية الأثر: ص 309؛ الصراط المستقیم: ج 2 ص 154؛ بحار الأنوار: ج36 ص 338؛ إثبات الهداة: ج2 ص 540؛ البحراني في الإنصاف ص125 ح110 عن كتاب النصوص لابن بابویه بإسناده عن عليّ بن حسن بن محمّد، عن عتبة بن عبداللّه الحمصي، عن عليّ بن موسى القطفاني... إلى عبداللّه بن الحسن بن الحسن، عن أبيه عن جدّه.

فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الخير كلّه في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله. (1)

بل يتقدّم إمامكم

{39}

[233] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لا يزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين حتّی ينزل عیسی بن مریم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فيقولون: تقدّم فصلّ بنا، فيقول: يتقدّم إمامُكم، فإنّ اللّه تعالى جعل بعضَكم لبعض أئمةً لكرامة هذه الأمّة. (2)

لو قام المهدي

[23] عنه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال:

لو قام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف) لأنكره الناس لأنّه يرجع إليهم شابّاً، وهم يحسبونه شیخاً كبيراً. (3)

ص: 241


1- منتخب الأثر: ص 431 عن غيبة النعماني بإسناده عن أحمد بن محمّد بن سعيد (المعروف بابن عقدة المتوفّی 333) عن القاسم بن محمّد بن الحسين بن حازم، عن عبیس بن هشام (عبّاس بن هشام أبي الفضل الناشري الأسدي المتوفّی 220 كر اسمه فقيل: عُبَیس)، عن عبداللّه ن جبلة، عن مسكين الرحّال، عن علي بن أبي المغيرة، عن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يقول:... لا يكون... الخبر. وأخرجه الشيخ في الغيبة ص 267 بغير هذا السند عن عميرة.
2- بشارة المصطفى: ص 307 وروى الحديث في صحيح مسلم: ج1 ص 95 ط بيروت دار المعروف بسنده عن جابر بن عبداللّه يقول: سمعت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول:...
3- ينابيع المودّة: ج 3 ص 393 باب 94 عن كتاب عقد الدرر: ص 41 يسند إلى الحسن بن على (عَلَيْهِما السَّلَامُ):...

بعض علائم الظهور

{41}

[235] عن عميرة بنت نفيل: سمعت الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يقول:

لا يكون الأمر الّذي ينتظر حتّی يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. (1)

انتظار الفرج

{42}

[236] العبادة انتظار الفرج. (2)

إمام يملك الخافقين

{43}

[237] رواه زید الجهني أنّه قال: وكذلك حتّی يبعث اللّه رجلاً في آخر من الزمان، وكلَب من الدهر، وجهل من الناس، يؤيّده اللّه بملائكته، ويعصم

ص: 242


1- منتخب الأثر لآية اللّه الصافي الگلپایگاني: ص 426 ج 2 عن غيبة النعماني، وقال: وروى في الخرائج وفي بشارة الإسلام عن عقد الدرر، عن أبي عبداللّه الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وفي غيبة الشيخ الطوسي: ص267 عن عميرة عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ). ورواه المجلسي في البحار: ج 52، ص 114 ح 33 عن غيبة النعماني وفي آخره: وحتّی يسمّي بعضكم بعضاً كذّابين. في غيبة النعمان: أحمد بن محمّد بن سعيد، عن القاسم بن محمّد بن الحسين بن حازم، عن عبیس بن هاشم، عن عبداللّه بن جبلة، عن مسكين الرحال، عن علي بن أبي المغيرة:...
2- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص215.

أنصاره، وينصر بآياته، ويظهره على الأرض حتّی يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ونوراً وبرهاناً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلّا آمن، ولا طالح إلّا صلح، ويصطلح في ملكه السباع، ويُخرج الأرض نبتها، وينزل من السماء(1) بركتها، ويظهر له الكنوز يملك مابين الخافقين أربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك أيّامه، وسمع كلامه. (2)

أبشر يا سفیان

{44}

[238] ونودي بالصلاة فقال:

هل لك يا سفيان(3) في المسجد؟

قال: قلت: نعم.

قال: فخرجنا نمشي فمررنا على حالب له يحلب ناقةً فتناول [منه قدحاً] فشرب قائماً ثمّ سقاني ثمّ أتينا المسجد فصلّينا [ثمّ] قال: ما جاء بك يا سفيان؟

قال: قلت: حبّكم والّذي بعث محمّداً بالهدى ودين الحقّ.

قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ) - بعد كلام في فضل محبّي أهل البيت عليهم صلوات اللّه -: أبشر یا سفيان فإنّ الدنيا ستسع على البرّ والفاجر حتّی يبعث اللّه إمام الحقّ من آل محمد. (4)

ص: 243


1- في المصدر: وينزل السماء.
2- بدائع الحكمة: ج 2 ص 25 - 26 عن الإحتجاج: ص155.
3- هو سفيان الليل.
4- مناقب الإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لمحمّد بن سليمان الصنعاني من أعلام القرن الثالث: ج2 ص 129.

الراية من المشرق

{45}

[239] إن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ذكر بلاء يلقاه أهل بيته حتّی يبعث اللّه رايةً من المشرق سوداء، مَن نصرها نصره اللّه، ومَن خذلها خذله اللّه، حتّی يأتوا رجلاً إسمه كاسمي، فيولّونه أمرهم، فيؤيّده اللّه وينصره. (1)

حقّ غصب منّا

{46}

[260] حدّثنا مخوّل (2) قال: حدّثنا الربيع بن المنذر، عن أبيه قال: سمعت الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يقول:

إنّ أبا بكر وعمر عمدا إلى هذا الأمر وهولنا كلّه(3)، فأخذاه دوننا و جعلا لنا فيه سهم كسهم الجدّة(4)، أما واللّه

ص: 244


1- عقد الدرر: ص 130؛ ملاحم الفتن: ص 49 عن العلاء بن عتبة؛ أهل البيت في الكتاب والسنّة: ص 510 ح 1198.
2- وزان «محمّد» وقيل بكسر أوّله وزان «مخنف» ولم نجد في كتب الرجال «مخولا» إلّا مخول بن راشد الكوفي الحنّاط وهو عامي نسب إلى التشيّع، والظاهر هو غير هذا لما في أمالي ابن الشيخ في غير موضع «مخول بن إبراهيم»، عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عن «الحسين بن علي الخ» راجع أواخر المجلس الرابع منه، ولم نجد أيضاً «الربيع بن المنذر» فيما عندنا من كتب الرجال.
3- عمدا إلى هذا الأمر أي: قصداه ونوياه. وقوله: «هو لنا كلّه» على ما أوصى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وبلغ عن اللّه رسالته في خبر الغدیر و غیره.
4- سهم الجدّة من الميراث السدس، روى الجمهور عن قبيصة بن ذويب قال: جاءت الجدّة - أم الأم، أو أم الأب - إلى أبي بكر فسألته ميراثها من ابن ابنها أو ابن بنتها ؟ فقال لها: مالك في كتاب اللّه شيء وما علمت لك في سنّة رسول اللّه شيئاً فارجعي حتّی أسأل الناس. فقال المغيرة: حضرت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أعطاها السدس، فقال: هل معك غيرك؟ فقام محمّد بن مسلمة وقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبوبكر. راجع سنن النسائي وابن ماجة والترمذي. ومراده (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أن زعمه في أمرنا كزعمه في سهم الجدّة.

لَتُهِمَّنَّهما(1) أنفُسهما يومَ يطلب الناس فيه شفاعتنا. (2)

ص: 245


1- أهمّه الأمر: أقلقه وأحزنه.
2- أمالي المفيد: ص 49 المجلس السادس: قال: أخبرني أبو حفص عمر بن محمّد قال: حدّثنا أبوعبداللّه جعفر بن محمّد قال: حدّثنا عیسی بن مهران، قال:...

ص: 246

سيّدة النساء الزهراء (عَلَيْها السَّلَامُ)

اشارة

ص: 247

أين سهم ذي القربى ؟

{1}

[261] روي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):

أنّ أبابكر منع فاطمة وبني هاشم سهمَ ذي القربى، وجعلها في سبيل اللّه في السلاح والكراع. (1)

الجار ثمّ الدار

{2}

[262] عن الحسين بن عليّ، عن أخيه الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:

رأيتُ أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جُمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتّی اتّضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات و تسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء.

فقلت لها: يا أمّاه! لِمَ لا تدعين لنفسكِ كما تدعين لغيركِ؟

فقالت: يا بنيّ! الجار ثمّ الدار. (2)

ص: 248


1- بحار الأنوار: ج8 ص 133 الطبعة الحجريّة، وج29 ص382 ط الجديد.
2- بحار الأنوار: ج94 ص 119 باب أدعية المناجاة وج43، ص82 عن علل الشرایع: ج 1 ص 181: روى الصدوق عن ابن مقبرة، عن محمّد بن عبداللّه الحضرمي، عن جندل بن والق، عن محمّد بن عمر المازني، عن عبادة الكلبيّ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن فاطمة الصغرى:... وج 89 ص 313 عن مصباح الأنوار؛ دلائل الإمامة: ص56، الوسائل: ج 4 ص 1151؛ عوالم العلوم: ج11 ص127؛ سيّدة نساء أهل الجنّة للفاضل المعاصر عبدالعزيز الشناوي.

علي سيد العرب

[263] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): عليّ سيّد العرب، فما ترك أن قيل له: فأنت؟

قال: أنا سيّد ولد آدم.

قال: وقال: فاطمة سيّدة نساء العالمين، فما ترك أن قيل له: فمریم؟ قال: تلك سيّدة نساء عالَمِها، وهذه سيّدة نساء عالَمِها.

وقال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.

فما ترك أن قيل له: فإبنا هارون؟

قال: ذانك سيّدا شباب أهل عالمهما، وهذان سيّدا شباب أهل عالمهما. (1)

برّه لأُمّه الزهراء (عَلَيْها السَّلَامُ)

{4}

[266] كان الحسن (رضي اللّه عنه) لا يأكل مع أمّه فاطمة (رضي اللّه عنها)، فسألته عن ذلك؟ فقال:

أخاف أن آكل شيئاً سبق إليه نظرك فأكون عاقّاً لك. فقالت: كلّ وأنت في حلّ. (2)

ص: 249


1- مناقب الإمام أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) للحافظ محمّد بن سليمان الكوفي، من أعلام القرن الثالث: ج 2 ص515 ح 1019 بإسناده، عن علي بن صالح... عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):...
2- ملحقات الإحقاق: ج 11 ص 110. رواه القوم منهم: العلامة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالسلام الصفوري الشافعي البغدادي المتوفّى بعد 884 في كتابه «نزهة المجالس» (ج1 ص199 طبع القاهرة) قال:...

احتضار الصدّيقة فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ)

{5}

[265] إنّ فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لمّا احتضرت نظرت نظراً حادّاً، ثمّ قالت: السلامُ على جبرئيل، السلام على رسول اللّه، اللّهمّ مع رسولك، اللّهمّ في رضوانك و جوارك ودارك دار السلام.

ثمّ قالت: أترون ما أري؟ فقيل لها: ما ترى؟

قالت: هذه مواكب أهل السماوات، وهذا جبرئيل، وهذا رسول اللّه، ويقول: يا بنيّة إقدِيمي فما أمامكِ خير لكِ. (1)

أُمّاه كلّميني

{6}

[266] دخل الحسنان (عَلَيْهما السَّلَامُ) باكیان، فأقبلت إليهما أسماء وأجلستهما وأحضرَت لهما طعاماً، فقالا:

يا أسماء! هل رأيتِنا نأكل من غير أُمّنا! يا أسماء مضينا إلى البقيع، ودعونا لأُمّنا، ثمّ انصرفنا إلى قبر جدّنا رسول اللّه فسمعناه يقول: يا ولداي إنصرفا إلى أمّكما، فإنّها تفارق الدنيا، ثمّ قاما ودخلا الحجرة.

وفي البحار: فوقع الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ) عليها يقبّلها مرّة ويقول:

يا أمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني. (2)

ص: 250


1- بحار الأنوار: ج 43، ص 200 ح 30 عن «مصباح الأنوار، عن عبداللّه بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه (الإمام الحسن) (عَلَيْه السَّلَامُ):...
2- مسند فاطمة الزهراء (عَلَيْها السَّلَامُ): ص 493 عن الكوكب الدرّي: ص 254 والكبريت الأحمر: ص 283 وبحار الأنوار: ج 3 ص 186.

آجرك الله في الوالدة

{7}

[267] لمّا توفّيت شقّت أسماء جيبها وخرجت، فتلقّاها الحسن والحسين فقالا: أين أُمّنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممتدّة، فحرّكها الحسين فإذا هي ميّتة. فقال:

یا أخاه آجرك اللّه في الوالدة، وخرجا يناديان: يا محمّداه! يا أحمداه! اليوم جدّد لنا موتك إذ ماتت أُمّنا.

ثم أخبرا عليّاً وهو في المسجد فغشي عليه حتّی رشّ عليه الماء، ثمّ أفاق فحملهما حتّی أدخلهما بيت فاطمة وعند رأسها أسماء تبكي وتقول: وايتامی محمّد! كنا نتعزّى بفاطمة بعد موت جدّكما فبِمَن نتعزّى بعدها؟ فكشف عليّ عن وجهها فإذا برقعة عن رأسها فنظر فيها فإذا فيها:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أوصت وهي تشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ الجنّة حقّ، والنّار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّهَ يبعثُ مَن في القبو. يا عليّ أنا فاطمة بنت محمّد زوَّجني اللّه منك لأكون لك في الدنيا والآخرة أنت أولى بي من غيري حنّطني وغسّلني وكفّنّي بالليل وصلّ عليّ وادفنّي بالليل، ولا تُعلِم أحداً وأستودعك اللّه واقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة.

فلمّا جنّ الليل غسّلها عليّ ووضعها على السرير، وقال للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ادع لي أباذر، فدعاه فحملاه إلى المصلّى، فصلّى عليها ثمّ صلّى ركعتين، ورفع يديه إلى السماء فنادى: هذه بنت نبيّك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض میلاً في میل، فلمّا أرادوا أن يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع إلىَّ إليَّ، فقد رفع تربتها منّي، فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها

ص: 251

فدفنوها فجلس عليّ على شفير القبر فقال: يا أرض! استودعتك وديعتي، هذه بنت رسول اللّه ! فنودي منها: يا علي! أنا أرفق بها منك، فارجع ولا تهتمّ فرجع وانسدّ القبر واستوى الأرض فلم يعلم أين كان إلى يوم القيامة.(1)

في غسل فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ)

{8}

[248] وروى ابن بابویه مرفوعاً إلى الحسن بن علي (عَلَيْهما السَّلَامُ): أنّ عليّاً غسّل فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ).(2)

بقينا بعدكِ يتيمين

{9}

[249] لمّا غسّل أمير المؤمنين (عَلَيْه السَّلَامُ) فاطمة (سلام اللّه عليها) وكفّنها نادی: یا أمّ كلثوم! یا زینب!... یاحسن! یا حسین! هلمّوا تزودّوا من أمّكم فهذا الفراق، واللقاء في الجنّة.

فأقبل الحسن والحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ) هما ينادیان: واحسرتا! لا تنطفىء أبداً من فقد جدّنا محمّد المصطفى، وأمُّنا فاطمة الزهراء، يا أُمّ الحسن ويا أُمّ الحسين إذا لقيتِ جدّنا محمّداً المصطفى فاقرئيه منّا السلام وقولي له: إنّا قد بقينا بعدك يتيمَين في دار الدنيا. (3)

ص: 252


1- بحار الأنوار: ج 43 ص 214 - 215.
2- بحار الأنوار: ج 3 ص 188 عن كشف الغمة: 2/ 127 مستدرك الوسائل: ج 2 ص185 ح 7 باب 21 في جواز تغسيل الرجل زوجته والمرأة زوجها من أبواب غسل الميّت.
3- بحار الأنوار: ج 43 ص 179 ح 15 ط بيروت مؤسّسة الوفاء.

الإمام أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)

اشارة

ص: 253

علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمير المؤمنين

{1}

[250] روي عن الحسن بن علي(عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن أبيه، عن النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال :

في اللوح المحفوظ تحت العرش: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنین.(1)

أمير المؤمنین حقاً

{2}

[251] روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه، أنه قال :

قال لي عمر بن الخطاب ذاتَ يوم : أنت واللّه أمير المؤمنین حقاً.

قلت : عندك أو عند اللّه؟

قال : عندي وعند اللّه تبارك وتعالى.(2)

ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حصني

{3}

[252] يقول اللّه تبارك وتعالى ولاية علي بن أبي طالب حصني، فمن

ص: 254


1- بحار الأنوار : ج 37 ص 299 ح 17 عن كشف اليقين بإسناده عن عثمان بن أحمد بن السمّاك في كتاب الفضائل، عن الحسين ، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن علي الكوفي، عن عبيد بن يحيى الثوري، عن محمّد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيه ، عن جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال :...
2- بحار الأنوار : ج 37 ص 299 ح 18 عن كشف اليقين، بالإسناد عن ابن السمّاك (عثمان بن أحمد بن السمّاك) عن الحسين، عن أحمد بن الحسين، عن أحمد بن الحسن، ومحمّد بنعلي، عن عبيد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن( بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ) عن أبيه، عن جدّه ، قال :...

دخل حصني أمِنَ مِنْ ناري. (1)

عليٌ خير البشر

{4}

[253] حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) :

أنت خير البشر، ولا يشكّ فيه إلّا كافر.(2)

ص: 255


1- أمالي الصدوق : ص 195 ح 9: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا عبدالرحمن بن محمّد الحسيني قال : حدّثني محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن الفزاري قال : حدّثني عبداللّه بن يحيى الأهوازي قال : حدّثني أبو الحسن بن علي بن عمرو قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور قال : حدّثني علي بن بلال، عن علي بن موسى، عن موسی بن جعفر، عن جعفر بن محمّد، عن محمّد بن علي، عن علي بن الحسين، عن الحسن بن علي، عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، عن جبرائيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل ، عن اللوح، عن القلم، قال :... عيون أخبار الرضا : ج2 ص136؛ أمالي الطوسي : ج 1 ص 363؛ جامع الأخبار : ص 52 للشيخ محمّد السبزواري من أعلام القرن السابع. وفي أمالي الطوسي: عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب، يحتمل أن يكون أحدهما مصحّفاً عن الآخر، ويحتمل أيضاً أنّ الحديث روي عن كليهما (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، واللّه العالم.
2- أمالي الصدوق : ص 69 المجلس 18 بإسناده عن محمّد بن عمر الحافظ البغدادي، عن أبي محمّد الحسن بن عبداللّه بن محمّد بن علي بن العبّاس الرازي، عن أبي عبداللّه بن محمّد بن علي بن العبّاس بن هارون التميمي، عن علي بن موسی الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن أبيه، عن آبائه سلام اللّه عليهم أجمعين ، عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن أخيه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ قال :...

عليٌ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و خبر الوحي

{5}

[254] كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا نزل عليه الوحيُ نهاراً لم يُمْسِ حتّى يُخبر به عليّاً، وإذا نزل عليه ليلاً لم يصبحْ حتّى يخبر به عليّاً.(1)

علي باب العلم

{6}

[255] سمعتُ جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : أنا مدينةُ العلم وعليٌّ بابُها.(2)

وليّ كلّ مؤمن

{7}

[256] أمّا أنت يا عليُّ فمنّي وأنا منك، وأنت وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.(3)

ص: 256


1- أمالي الصدوق: ص 491 بإسناده ، عن الحسين بن الأشقر، عن صالح بن أبي الأسود، عن أخيه، عن عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن أبيه، عن جدّه قال :...
2- رواه جماعة من أعلام القوم، منهم: العلامة الشيخ حسام الدين المروي الحنفي في كتابه «آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)» ص 12 عن الأصبغ بن نباتة قال : لمّا جلس عليّ رضي اللّه في الخلافة خطب خطبة ذكرها أبو سعيد البختري إلى آخرها. ثمّ قال للحسن : يا بُنيّ إصعد المنبر وتكلّم، فصعد وبعد الحمد والتصلية قال :... وعنه ملحقات الإحقاق : ج 21 ص421.
3- رواه جماعة من أعلام العامّة في كتبهم : منهم العلامة الشيخ حسام الدين الحنفي في «آل محمّد» ص 83 والنسخة في مكتبة السيّد الإشكوري، قال : روى الحافظ يرفعه بسنده عن الحسن، عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه قال :... وعنه ملحقات الإحقاق : ج 21 ص 130.

طينة من الفردوس

{8}

[257] إنّ في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينةٌ خلقنا اللّه عزّو جلّ منها وخلق منها شیعتنا، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منّا ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الّذي أخذ اللّه عزّوجلّ عليه ولاية عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).

قال عبيد: فذكرت لمحمّد بن الحسين(1) هذا الحديث فقال : صدقك یحیی بن عبداللّه، هكذا أخبرني أبي، عن جدّي ، عن أبيه، عن النبي(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

قال عبيد : قلت : أشتهي أن تفسّره لنا إن كان عندك تفسير.

قال: نعم، أخبرني أبي، عن جدّي ، عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه قال : إنّ للّه ملكاً رأسه تحت العرش، وقدماه في تخوم الأرض السابعة السفلى، بين عينيه راحة أحدكم، فإذا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يخلق خلقاً على ولاية عليّ بن أبي طالب أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة فرمى بها في النطفة حتّى تصير إلى الرحم منها يخلق وهي الميثاق.(2)

ص: 257


1- الصواب : فذكرت لمحمّد بن علي بن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما في أمالي الشيخ بسند آخر ص 194.
2- بحار الأنوار: ج 5 ص 241 - 242 تحت رقم 28 عن أمالي الشيخ ص57 هكذا : 28 - ما : الغضائري، عن علي بن محمّد العلوي، عن عبداللّه بن محمّد، عن الحسین، عن أبي عبداللّه بن أسباط ، ن أحمد بن محمّد بن زياد العطّار، عن محمّد بن مروان الغزالی عن عبيد بن يحيى، عن يحيى بن عبداللّه بن الحسن ، عن جدّه الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) :...

وقال الملكان..

{9}

[258] الحسن بن عليّ، عن أُمّه فاطمة، عن أبيها صلوات اللّه عليهم قال :

أخبرني جبرئيل ، عن كاتبَي عليّ أنّهما لم يكتبا على عليّ ذنباً مذ صحباه.(1)

شجاعة أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{10}

[259] ما قُدِّمَتْ راية قوتل تحتها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا نكّسها اللّه تبارك وتعالى وغُلِب أصحابُها وانقلبوا صاغرين، وما ضَرَبَ أميرُ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسيفه ذي الفقار أحداً فنجى، وكان إذا قاتل جبریل عن يمينه ومیكائیل عن يساره، وملك الموت بين يديه.(2)

ص: 258


1- بحار الأنوار : ج 38 ص 66 عن كنز الكراجكي : ص 162، وسندها هكذا : أسد بن إبراهيم السلمي، عن عمر بنعلي المتكي، عن أحمد بن محمّد بن صفوة، عن الحسن بن علي بن محمّد العلوي، عن النوفلي، عن عمّه، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسن بن علي، عن فاطمة ، عن أبيها صلوات اللّه عليهم.
2- أمالي الصدوق : ص 460 المجلس 77 بإسناده عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :... وعنه في بحار الأنوار : ج 41 ص 76 ح6.

أشبه الناس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)

{11}

[260] صوّر اللّه عزّ وجلّ عليَّ بن أبي طالب في ظَهْر أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) على صورة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فكان علي بن أبي طالب أشبه الناس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وكان الحسين بن عليّ أشبه الناس بفاطمة، وكنتُ أنا أشبهَ الناس بخديجة الكبرى.(1)

وقال يصف أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ)

{12}

[261] سُئِل الحسن (رضي اللّه عنه) عن صفة أبيه؟ قال :

كان رجلاً أسمر، ثقيل العينين ، عظيمهما، ذا بطن، أصلع، ربعة إلى القصر ، لايخضب، وكان إذا ورد عليه مالٌ لم يُبقِ منه شيئاً.(2)

ذاك علي بن أبي طالب (عَلَيهِا السَّلَامُ)

{13}

[262] روى أحمد بن فضل الحضرمي المكّي الشافعي المتوفّى(1047) في «وسيلة المال» عن الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) وقد سُئِل عن علي بن

ص: 259


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص170 و171 بإسناده عن الشيرازي في كتابه بالإسناد عن الهذيل، عن مقاتل، عن محمّد بن الحنفيّة ، عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) في قوله تعالى : «فِي أَيِّ صُورَة...» الخبر. وعنه بحار الأنوار : ج 24 ص 631 ح 21.
2- الجوهر الثمين في سيرة الخلفاء والسلاطين لإبراهيم بن محمّد بن الدقاق المتوفّى(809) ص 64 ط بيروت.

أبي طالب كرّم اللّه وجهه قال :

كان واللّه سهماً صائباً في مرامي اللّه على عدوّه، وربّانيَ هذه الأُمّة، وذا فضلها، وذاسابقتها، وذا قرابتها من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، لم يكن بالنوم عن أمر اللّه، ولا بالملومة في دين اللّه، ولا بالسَروقة لمال اللّه عزّ وجلّ، أعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة ، ذاك علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه.(1)

أبي خير من أُمّتي

{14}

[263] طاف الحسن بن علي (عَلَيهِا السَّلَامُ) بالبيت فسمع رجلاً يقول : هذا ابن فاطمة الزهراء، فالتفت إليه فقال :

قل عليّ بن أبي طالب فأبي خير من أُمّي.(2)

علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)صاحب الراية

{15}

[264] حدّثنا محمّد بن عبداللّه الحضرمي ثنا ضِرار بن صُرَد ثنا يحيى(3) بن يعلى عن إسماعيل(4) بن خالد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة(5) بن

ص: 260


1- وسيلة المال لصفي الدين أحمد بن فضل الشافعي : ص 124 نسخة مخطوط بدمشق في المكتبة الظاهرية. وعنه ملحقات الإحقاق : ج26 ص 509.
2- بحار الأنوار: ج 43 ص 346 عن المناقب لابن شهر آشوب :...
3- هو يحیی بن يعلى الأسلمي القطراني أبو زكریّا الكوفي.
4- إسماعيل بن أبي خالد هرمز الأحمسي مولاهم البجلي توفّي سنة (146). التقريب : ص 46.
5- هُبَيرة بن يَريم الشيباني أبو الحارث الكوفي توفّي سنة (66). تهذيب الكمال للمزّي : ج30 ص 150.

یریم، عن الحسن بن علي قال :

كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لا يبعث عليّاً مبعثاً إلّا أعطاه الراية.(1)

علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخو رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)

{16}

[265] لمّا آخى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بين الصحابة آخى بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين حمزة بن عبدالمطلب وبين زید بن حارثة وبين عبداللّه بن مسعود وبين المقداد بن عمرو (رضي اللّه عنهم أجمعين).

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : آخيت بين أصحابك و أخّرتني؟

قال : ما أخّرتك إلّا لنفسي.(2)

علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سيّد العرب

{17}

[266] حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الصيني، ثنا قيس بن الربيع، عن ليث، عن أبي ليلى، عن الحسن بن علي (رضي اللّه عنه)

ص: 261


1- المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ص 79.
2- كشف الغمّة في معرفة الأئمّة : ج 2 ص125 وفيه: روی زید بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن أبيه ، قال :....

قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يا أنس انطلق فادعُ لي سيّد العرب يعني عليّاً.

فقالت عائشة : ألستَ سيّد العرب؟

قال : أنا سيّد وُلد آدم، وعليّ سيّد العرب. فلمّا جاء عليّ (رضي اللّه عنه) أرسل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى الأنصار، فأتوه فقال لهم: يا معشر الأنصار ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعده؟

قالوا: بلى يا رسول اللّه.

قال : هذا عليّ فأحبّوه بحُبّي وكرّموه لكرامتي، فإنّ جبريل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمرني بالّذي قلتُ لكم عن اللّه عزّ وجل.(1)

هكذا ينادي أباه (عَلَيهِما السَّلَامُ)

| {18}

[267] كان الحسنُ والحسينُ في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يدعوانه : یا أبه ، ويقول الحسن لأبيه: يا أبا الحسين، والحسين يقول : يا أبا الحسن، فلمّا توفّي

ص: 262


1- رواه جماعة من الأعلام، منهم: سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي المتوفّى(1294 ه) في ينابيع المودة : ج 2 ص 161 الباب 56 ح 455. والحافظ محبّ الدين أحمد بن عبداللّه الطبري الشافعي المتوفّى(694ه) في ذخائر العقبي: ص 70. والحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ص209. والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 9 ص116. والحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» : ج 1 ص 63 وج 5 ص 38. والحافظ ابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق: ج2 ص261.

رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يدعوانه : يا أبانا.(1)

من حديث الخاتم

{19}

[268 ] روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أّنه قال : سمعت عمّار بن یاسر يقول: وقف لعلي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتی رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأعلمه بذلك، فنزل على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) هذه الآية : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذين آمَنُوا الّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2) فقرأها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) علينا، ثمّ قال : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعادِ مَن عاداه.(3)

أعرف الناس بالقرآن والسنّة

{20}

[269] أبان، عن سليم بن قیس الهلالي أنّه قال : قلت لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ص: 263


1- بحار الأنوار : ج 35 ص 61 عن «المناقب» لابن شهر آشوب : ج 2 ص 57 عن ابن البَيّع (محمدبن عبداللّه الحافظ الحاكم النيسابوري المتوفّی 405) في «أصول الحديث» والخركو شي (عبدالملك بن محمّد النيسابوري المتوفّى407) في «شرف النبي»، وشیرویه (بن شهردار الديلمي المتوفّی 509) في «الفردوس» واللفظ له بأسانيدهم أنّه كان :...
2- سورة المائدة : الآية 55.
3- بحار الأنوار: ج 35 ص 187 ح7 عن العيّاشي، عن خالد بن يزيد، عن معمر بن المكي، عن إسحاق بن عبداللّه بن محمّد بن علي بن الحسين، عن الحسن بن زید، عن أبيه زیدبن الحسن، عن جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال :... وفي ص 200ح23 رواه عن ابن بطريق في المستدرك عن الحافظ أبي نعيم بإسناده عن زید بن الحسن. تفسير العياشي: ج1 ص 327 ح137. مستدرك الوسائل : ج4 ص 439.

يا أمير المؤمنين إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن، ومن الرواية عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ثمّ سمعت منك تصديق ماسمعتُ منهم، ورأيتُ في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) تخالف الّذي سمعت منكم وأنتم تزعمون أنّ ذلك باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) متعمدين ويفسّرون القرآن بر أيهم؟

قال : فأقبل عليّ فقال لي: يا سليم قد سألتَ فافهم الجواب، إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وخاصّاً وعاماً، ومحكماً و متشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على عهده حتّى قام فيهم خطيباً فقال : أيّها الناس! قد كثرت عليّ الكذابة ، فمن كذب عليّ متعمّداً فلیتبوّأ مقعده من النار. ثمّ كُذِب عليه من بعده حين توفّي رحمة اللّه على نبيّ الرحمة وصلّى اللّه عليه وآله وإنّما يأتيك بالحديث أربعة نفر لیس لهم خامس:

رجل منافق مظهر للإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثمّ ولا يتحرّج أن يكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) متعمّداً، فلو علم المسلمون أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ، ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا صاحب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، رآه وسمع منه ، وهو لا يكذب ولا يستحلّ الكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

وقد أخبر اللّه تعالى عن المنافقين بما أخبر ، ووصفهم بما وصفهم، فقال اللّه عزّوجلّ : «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ».(1)

ثمّ بقوا بعده وتقرّبوا إلى أئمّة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب

ص: 264


1- سورة المنافقون، الآية 4.

والنفاق والبهتان، فولّوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم من الدنيا، وإنّما الناس مع الملوك في الدنيا إلّا من عصم اللّه، فهذا أوّل الأربعة.

ورجل سمع من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) شيئاً فلم يحفظه على وجهه، ووهم فيه ولم يتعمّد كذباً، وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول : أنا سمعته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنّه وهم فيه لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون أنّه منسوخ إذ سمعوه لرفضوه.

ورجل رابع لم يكذب على اللّه ولا على رسوله بغضاً للكذب وتخوّفاً من اللّه، وتعظيماً لرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ولم يوهم، بل حفظ ماسمع على وجهه فجاء به كماسمعه، ولم يزد فيه ولم ينقص، وحفظ الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.

وإنّ أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ونهيه مثل القرآن، ناسخ و منسوخ، وعامّ و خاصّ، و محكم و متشابه.

وقد يكون من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الكلام له وجهان :

كلام خاصّ وكلام عامّ، مثل القرآن، يسمعه من لا يعرف ما عني اللّه به وما عنى به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وليس كلّ أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يسأله فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الطاريء والأعرابي فيسأل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حتّى يسمعوا منه.

وكنتُ أدخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كلّ يوم دخلة، وفي كلّ ليلة دخلة،

ص: 265

فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي، وأقام نساءه، فلم يبق غيري وغيره، وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من ابنيّ.

وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكتُّ أو فقدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطّي، ودعا اللّه أن يُفْهمَني إيّاها ويحفظني.

فما نسيت آية من كتاب اللّه منذ حفظتها، وعلمني تأويلها فحفظته وأملأ عليّ فكتبته، وما ترك شيئاً علّمه اللّه من حلال و حرام، أو أمر ونهي، أو طاعة ومعصية، كان أو يكون إلى يوم القيامة إلّا وقد علّمنيه وحفظته، ولم أنسَ منه حرفاً واحداً.

ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللّه أن يملأ قلبي علماً وفهماً وفقهاً وحكماً ونوراً، وأن يعلّمني فلا أجهل وأن يحفظني فلا أنسى.

فقلت له ذات يوم: يا نبيّ اللّه إنّك منذ يوم دعوتَ اللّه لي بما دعوت لم أنس شيئاً مما علّمتني، فلِمَ تمليه عليّ وتأمرني بكتابته أتتخوّف عليّ النسيان؟

فقال : يا أخي لستُ أتخوّف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني اللّه أنّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الّذين يكونون من بعدك.

قلت : يانبيّ اللّه ومَن شركائي؟

قال : الّذين قرنهم اللّه بنفسه وبي الّذين قال في حقّهم: «یا أيّها الّذين آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (1)

ص: 266


1- سورة النساء، الآية 59.

فإن خفتم التنازع في شيء فارجعوه إلى اللّه وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم.

قلت : يانبيّ اللّه ومَن هم؟

قال : الأوصياء إلى أن يردوا علىّ حوضي، كلهم هاد مهتد، لا يضرّهم كید مّن كادهم، ولا خذلان مّن خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه، ولا يفارقهم، بهم ينصر اللّه أُمّتي، وبهم يُمطرون، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم.

فقلت : يا رسول اللّه سَمّهم لي.

فقال : ابني هذا ووضع يده على رأس الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ثمّ ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ثمّ ابن له على سميّك، ثمّ ابنه اسمه محمّد، باقر علمي، وخازن وحي اللّه، وسيولد عليّ في حياتك يا عليّ فاقرأه منّي السلام، ثمّ أقبل على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : سيولد لك محمّد بن علي في حياتك فاقرأه منّي السلام، ثمّ جعفر، ثمّ موسی بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ الزكي، ثمّ مَن إسمه إسمي، ولونه لوني القائم بأمر اللّه في آخر الزمان مهديّ الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَتْ قبله ظلماً وجوراً.

واللّه إنّي لأعرفه یا سلیم حيث يبايع بين الركن والمقام وأعرف أسم أنصاره وأعرف قبائلهم.

قال سليم : ثمّ لقيت الحسن والحسين صلوات اللّه عليهما بالمدينة بعد ما قُتِل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحدّثتُهما بهذا الحديث عن أبيهما فقالا :

صَدَقْتَ، حدّثك أبونا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا

ص: 267

ذلك عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كما حدّثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئاً... الخبر. (1)

هكذا أهل الحق

{21}

[270] لمّا خطب أبو بكر قام أُبيّ بن كعب يوم الجمعة، وكان أوّل يوم من شهر رمضان، فقال : يا معشر المهاجرين والأنصار ألستُم تعلمون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال لعليّ: أنت الهادي لمَن ضلّ؟

أولستُم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : عليّ هو المحيي لسنّتي، ومعلّم أُمّتي، والقائم بحجّتي، وخير من أُخلّف بعدي، وسيّدُ أهل بيتي، وأحبُ الناس إليّ، طاعته من بعدي كطاعتي على أُمّتي؟

ألستُم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : أوصيكم بأهل بيتي خيراً، فقَدِّموهم ولا تَتَقَدّموهم، وأمِّروهم ولا تأمّروا عليهم؟

ص: 268


1- يوجد الحديث بتمامه أو شطر منه في غير واحد من المصادر، وإليك بعضها : 1- أصول الكافي : ج 1 ص 62 ح1 وعنه الأربعين للشيخ البهائي : ص 742 ح 21 وروضة المتّقين للمجلسي الأوّل : ج12 ص 201. 2 - مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان: ح1 وعنه إثبات الهداة : ج 1 ص 544. 3 - بصائر الدرجات : ص 198 ح3. 4- خصال الصدوق باب الأربعة : ح 131 ، والإعتقادات للصدوق الصفحة الأخيرة. 5 - إحقاق الحق : ج1 ص55. 6 - بحار الأنوار: ج 2 ص 218 وج27 ص 211 وج 28 ص 295 وج36 ص 276. 7- كتاب سلیم بن قیس : ح10 ص620- 628 بتحقيق محمّد باقر الأنصاري ط قم نشر الهادي.

أولستم تعملون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : إنّ أهل بيتي منارُ الهدى والدالّون على اللّه عزّوجلّ؟

أولستُم تعلمون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لم يُولِّ على علىّ أحداً منكم، وولاه في غيبته عليكم؟

أولستُم تعلمون أنّ منزلهما واحد، ورحلهما واحد، ومتاعهما واحد، وأمرهما واحد؟

أولستّم تعلمون أنه قال : إذا غبتُ عنكم فخلّفتُ فيكم عليّاً، فقد خلّفتُ فيكم رجلاً كنفسي؟

أولستم تعملون أنّه قال : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قبل موته جمعَنا في بيت فاطمة ابنته فقال : إنّ اللّه أوحى إلى موسى أن اتّخذ أخاً من أهلك، أجعَلُه نبيّاً وأجعَلُ أهله لك ولداً، وأُطهّرهم من الآفات، وأخلعهم من الذنوب، فاتّخذ موسى هارون وولده، فكانوا أُئمّة بني إسرائل... والّذي يحل لهم في مساجدهم مایحلّ لموسى؟

ألا وإنّ اللّه أوحى إلي أن أتَّخِذَ عليّاً أخاً كموسى اتّخذ هارون أخاً واتّخذ ولده ولداً، فقد طهّرتهم كما طهّرتُ ولد هارون.

ألا أنّي ختمتُ بك النبیّین فلا نبيّ بعدك، فهم الأئمّة الهادية ، أفما تفقهون؟! أفما تبصرون؟! أما تسمعون؟! ضربت عليكم الشُبُهات فكأنّ مثلَكم كمثل رجل في سفر أصابه عطش شديد، حتّى خشي أن يهلك، فلقي رجلاً هادياً بالطريق، فسأله عن الماء، فقال : أمامك عينان : إحداهما مالحة ، والأُخرى عذبة ، فإن أصبت المالحة ضللتَ، وإن أصبتَ العذبةَ هُدیتَ ورويت.

فهذا مثلكِ أيّتها الأُمّة المهملة كما زعمتُ، وأيم اللّه ما أهملكِ، لقد نصب لكِ علماً يحل لكم الحلال، ويحرّم علیكم الحرام، فلو أطعتموني

ص: 269

ما اختلفتم، ولا تدامرتم، ولا تقاتلتم، ولا تبرّا بعضكم من بعض.

واللّه إنّكم على عترته لمختلفون، إن سئل هذا من غير ما علم أفتى برأيه ، وإن سئل هذا عن غير مايعلم أفتى برأيه ، وقد هُديتم فتحاربتم، وزعمتم أنّ الإختلاف رحمة، هيهات هيهات! أبی كتاب اللّه ذلك عليكم، يقول اللّه تبارك وتعالى : «وَلَا تَكُونُوا كَالّذين تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »(1) وأخبرنا باختلافكم، فقال : «وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ »(2) أي: خلقهم للرحمة، وهم آل محمّد وشیعته، سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)يقول : يا علي أنت وشيعتك على الفطرة، وسائر الناس منها براء.

فهلاّ قبلتم من نبيّكم؟ كيف وهو يخبركم بانتكاصكم، وينهاكم عن خلاف وصيّه، ووزيره، وأمينه، وأخيه، ووليّه، أطهركم قلباً وأعلمكم علماً ، وأقدمكم إسلاماً، وأعظمكم غناءاً عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، أعطاه تراثه، وأوصاه بعدله، واستخلفه على أُمّته، ووضع رأسه عنده، فهو وليّه دونكم أجمعين ، وأحقّ به منكم أكتعین، شهيد الصدّيقين، وأفضل المتّقين، وأطوع الأُمّة لربّ العالمين، وسلّمتم عليه بخلافة المؤمنين في حياة سيّد النبيّين، وخاتم المرسلين.

وقد أعذر من أنذر، وأدّى النصيحة من وعظ، وبصّر من عمل وتعاشی وردی، فقد سمعتم كما سمعنا، ورأيتم كما رأينا، وشهدتم كما شهدنا.

فقام عبدالرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجرّاح، ومعاذ بن جبل ، فقالوا : أُقعد يا أُبيّ أصابك خبل أم أصابتك جِنّة؟!

ص: 270


1- سورة آل عمران : الآية 105.
2- سورة هود: الآية 118 - 119.

فقال أُبيّ: بل الخبل فيكم، كنتُ عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فألفي بكلام رجل أسمع كلامه ولا أرى وجهه. فقال فيما يخاطبه : يا محمّد ما أنصحه لك ولأُمّتك، وأعلمه بسنّتك؟

فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أفترى أُمّتي تُنقاد له بعد وفاتي؟

فقال : يا محمّد يتبعه من أُمّتك أبرارها، ويخالف عليه من أُمّتك فجّارها، وكذلك كان أوصياء النبيّين من قبل.

يا محمّد إنّ موسی بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون، وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم للّه وأطوعهم له، فأمره اللّه أن يتّخذه وصيّاً كما اتّخذتَ عليّاً وصيّاً، وكما أُمرتَ بذلك، فحسده بنو إسرائيل سبط موسی خاصة فغلبوه، وعيّبوه، وشتموه، ووضعوا أمره، فإن أخذَتْ أُمّتُك سُنَن بني إسرائيل كذّبوا وصيّك وجحدوا أمره وابتزّوا خلافته وغالطوه في علمه.

فقلتُ: يا رسولَ اللّه مَنْ هذا؟

قال : هذا ملك من ملائكة ربّي ينّبؤني أنّ أُمّتي تختلف على أخي، ووصيّي علي بن أبي طالب وإنّي أُوصيك يا أُبيّ بوصيّة إن أنت حفظتَها لم تزل یا أُبيّ بخير، وعليك بعليّ فإنّه الهادي المهتدي الناصح لأُمّتي المخبر بسُنّتي وهو إمامكم بعدي، فمَنْ رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه يا أُبيّ، ومَن غيّر وبدّل لقيني ناكثاً بيعتي، عاصياً لأمري، جاحداً لنبوّتي، لا أشفع له عند ربّي ولا أسقيه من حوضي.

فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا: أُقعد يا أُبيّ رحمك اللّه فقد أدّيتَ ما سمعتَ، ووفيتَ بعهدك.(1)

ص: 271


1- مناقب الإمام أمير المؤمنين للحافظ محمّد بن سليمان الكوفي : ج 1 ص 416 ح330 عن حمدان بن عبيد النوي، عن مخوّل بن إبراهيم النهدي، عن محمّد بن عبداللّه بن الحسن، ویحیی بن عبداللّه، عن أبيهما، عن جدّهما (الحسن بن علي) عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لمّا خطب أبو بكر...

علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو الوصي

{22}

[271] فرات قال : حدّثنا عبيد بن كثیر معنعناً عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال :

شهدت مع أبي عند عمر بن الخطّاب وعنده كعب الأحبار، وكان رجلاً قد قرأ التوراة وكتب الأنبياء، فقال له عمر: يا كعب من كان أعلم بني إسرائيل بعد موسی؟

قال : كان أعلم بني إسرائيل بعد موسى يوشع بن نون، وكان وصيّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بعده، وكذلك كلّ نبيّ خلا من قبل موسى ومن بعده، كان له وصي يقوم في أُمّته من بعده.

فقال له عمر: فمَن وصيّ نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعالمنا أبو بكر ؟ قال : وعليّ ساكت لا يتكلّم.

فقال كعب : مهلاً ياعمر! السكوت عن هذا أفضل، كان أبوبكر رجلاً حظي بالصلاح فقدّمه المسلمون لصلاحه ولم يكن بوصيّ، فإنّ موسى لمّا توفّي أوصى إلى يوشع بن نون فقبله طائفة من بني إسرائبل وأنكرت فضله طائفة، فهي الّتي ذكرت في القرآن، فآمنت طائفة من بني إسرائيل إلى قوله : فأصبحوا ظاهرين، وكذلك الأنبياء والأمم الخالية لم يكن نبيّ إلّا وقد كان له وصيّ يحسده قومه ويدفعون فضله.

فقال : ويحكم یا كعب! فمَن ترئ وصيّ نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟!

قال كعب : معروف في جميع كتب الأنبياء والكتب المنزلة من السماء وعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخو النبي العربيّ يعينه على أمره ويبارزه على من ناواه، وله زوجة

ص: 272

مباركة له منها ابنان يقتلهما أُمّته من بعده، ويحسد وصيّه كما حسدت الأُمم أوصياء أنبيائها، فيدفعونه عن حقّه ويقتلون ولده من بعده كحذو الأُمم الماضية.

قال : فأفحم عمر عندها وقال له: يا كعب ؟ لئن صدقت في كتاب اللّه المنزل قليلاً لقد كذبت كثيراً.

قال كعب : واللّه ماكذبت في كتاب اللّه قطّ، ولكن سألتني عن أمر لم يكن بدّ من تفسيره والجواب فيه، فإنّي لا أعلم أنّ أعلم هذه الأُمّة عليّ بن أبي طالب بعد نبيّها إلّا أنّي لم أسأله عن شيء إلّا وجدت عنده علماً تصدقه به التوراة وجميع كتب الأنبياء.

فقال له عمر: اسكت يابن اليهوديّة! فواللّه إنّك لكثير التخرص والكذب !

فقال كعب : واللّه ما علمت أني كذبت في شيء من كتاب اللّه منذ جرى اللّه عليّ الحكم، ولئن شئت لألقينّ إليك شيئاً من علم التوراة، فإن فهمته فأنت أعلم منه وإن فهمه فهو أعلم منك.

قال له عمر: هات بعض هناك.

فقال كعب : أخبرني عن قول اللّه : «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ »فأين كانت الأرض وأين كانت السماء وأين كان جميع خلقه؟

فقال عمر: ومن يعلم بغيب اللّه منّا إلا ما سمعه رجل من نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

قال : ولكن أخاك أبا الحسن لو سئل عن ذلك لشرحه بمثل ما قرأناه في التوراة.

فقال له عمر: فدونكه إذا اختلف المجلس.

قال : فلمّا دخل على عمر أصحابه أرادوا إسقاط علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال كعب : يا أبا الحسن أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ

ص: 273

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا».

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم كان عرشه على الماء حين لا أرض مدحيّة، ولا سماء مبنيّة، ولا صوت يسمع، ولا عين تنبع، ولا ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا نجم يسري، ولا قمر يجري، ولا شمس تضيء، وعرشه على الماء غير مستوحش إلى أحد من خلقه، يمجّد نفسه ويقدّسه كما شاء أن يكون كان، ثمّ بدا أن يخلق الخلق فضرب بزارخ البحور فثار منها مثل الدخان كأعظم ما یكون من خلق اللّه فبنى بها سماء رتقاً، ثمّ انشقّ الأرض من موضع الكعبة وهي وسط الأرض فطبقت إلى البحار.

ثمّ فتقها بالبنيان وجعلها سبعاً بعد إذ كانت واحدة ثمّ استوى إلى السماء وهي دخان من ذلك الماء الّذي أنشأه من تلك البحور، فخلقها سبعاً طباقاً بكلمته الّتي لا يعلمها غيره، وجعل في كلّ سماء ساكناً من الملائكة، خلقهم مصمتین معصومین، من نور بحور عذبة وهو بحر الرجة، وجعل طعامهمالتسبيح والتهليل والتقديس، فلمّا قضى أمره وخلقه استوى على ملكه فمدح كما ينبغي له أن يحمد.

ثمّ قدّر ملكه فجعل في كلّ سماء شهباً معلّقة كواكب كتعليق القناديل من المساجد ما لا يحصيها غيره تبارك وتعالى من النجوم لسماء كأكبر مدينة في الأرض، ثمّ خلق الشمس والقمر فجعلهما شمسين، فلو تركهما تبارك وتعالى كما كان ابتدائهما في أوّل مرّة لم يعرف خلقه الليل من النهار، ولا عرف الشهر ولا السنة، ولا علم العامل متى ينصرف في معيشته ومتى يسكن لراحة بدنه ، فكان اللّه تبارك وتعالى أرأف بعباده وأنظر لهم فبعث جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى إحدى الشمسين.

ص: 274

فمسح بها جناحه فأذهب منها الشعاع والنور، وترك فيها الضوء وذلك قوله :« وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا» (1) وجعلهما يجريان في الفلك ، والفلك يجري فيمابين السماء والأرض مستطيل في السماء استطالة ثلاثة فراسخ يجر في غمرة الشمس والقمر كلّ واحد منها يقوده ثلاثمائة ملك بيد كلّ ملك منها عروة يجرونها في غمرة ذلك البحر لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس، لو برز واحد منها من غمر ذلك البحر لاحترق كلّ شيء على وجه الأرض حتّى الجبال والصخور وما خلق اللّه من شيء.

فلمّا خلق اللّه السماوات والأرض والليل والنهار والنجوم والفلك وجعل الأرضين على ظهر الحوت أثقلها فاضطربت فأثبتها بالجبال، فلمّا استكمل خلق ما في السماوات والأرض يومئذ خالية ليس فيها أحد، قال للملائكة : إنّي جاعل في الأرض خليفة الآية، فبعث اللّه جبرئيل فأخذ من أديم الأرض قبضة فعجنه بالماء العذب والماء المالح وركب فيه الطبائع قبل أن ينفخ فيه الروح فخلقه من أديم الأرض.

فلذلك سمّي آدم لأنّه لمّا عجن استادم فطرحه في الجبل كالجبل العظيم، وكان إبليس يومئذ خازناً على السماء الخامسة يدخل في منخر آدم ويخرج من دبره، ثمّ يضربُ بيده على بطنه فيقول : لأيّ أمر خلقت لأن جعلت فوقي الأطعتك، ولئن جعلت أسفل منّي لا أبقيتك، فمكث في الجنّة ألف سنة مابین خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح فخلقه من ماء وطين ونور وظلمة وريح والنور من نور اللّه، فأمّا النور فيورثه الإيمان، وأمّا الظلمة فتورثه الضلال والكُفر، وأمّا الطين فيورثه الرعدة والضعف والقشعريرة عند إصابة الماء.

ص: 275


1- سورة الإسراء، الآية 12.

فيبعث به على أربع الطبائع على الدم والبلغم والمرار والريح، فذلك قوله تعالى : «أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا».(1)

قال : فقال كعب : یا عمر باللّه أتعلم كعلم علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الأوصياء ومن الأنبياء محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خاتم الأنبياء وعليّ خاتم الأوصياء، وليس على الأرض اليوم منفوسة إلّا وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعلم منه، واللّه ما ذكر من خلق الإنس والجنّ والسماء والأرض والملائكة شيئاً إلّا وقد قرأته في التوراة كما قرأت.

قال : فما رؤي عمر غضب قطّ مثل غضبه ذلك اليوم.(2)

تعظيم أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{23}

[272] عبداللّه بن الحسن ، عن أبيه، عن جدّه : أنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان في مسجد الكوفة يوماً، فلمّا جنّه الليل أقبل رجل من باب الفيل عليه ثياب بيض ، فجاء الحرس وشرطة الخميس، فقال لهم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما تريدون؟ فقالوا: رأينا هذا الرجل أقبل إلينا فخشينا أن يغتالك.

فقال : كلاً فانصرفوا رحمكم اللّه، أتحفظوني من أهل الأرض؟ فمن يحفظني من أهل السماء ؟ و مكث الرجل عنده مليّاً يسأله.

فقال : يا أمير المؤمنين لقد ألبست الخلافة بهاء وزينّة وكمالاً ولم تلبسك، ولقد افتقرَتْ إليك أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وما افتقرْتَ إليها، ولقد تقدّمك قوم وجلسوا مجلسك فعذابهم على اللّه، وإنّك لزاهد في الدنيا و عظيم في السماوات

ص: 276


1- سورة مريم ، الآية 67.
2- تفسیر فرات بن إبراهيم الكوفي : ص 183 - 186 ح 235 وعنه بحار الأنوار : ج 57، ص 90 ح79.

والأرض، وإنّ لك في الآخرة لمواقف كثيرة تقرُّ بها عيون شيعتك، وإنّك لسيّد الأوصياء، وأخوك سيّد الأنبياء، ثمّ ذكر الأئمّة الاثني عشر وانصرف.

وأقبل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) ؟ فقال : تعرفانه؟

قالا : ومن هو يا أمير المؤمنين؟

قال : هذا أخي الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)

لا تسبّوا عليّاً

{24}

[273] يقول : سمعت جدّي رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)يقول : لا تسبّوا عليّاً، فمن سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ اللّه عزّوجلّ، ومَن سبّ اللّه عزّوجلّ عذبه اللّه عزّوجلّ.(2)

لا يبغضك إّلا...

{25}

[276] قال علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : لا يبغضك من الأنصار إلّا مَن كان أصله يهوديّاً.(3)

ص: 277


1- بحار الأنوار : ج 39 ص 133 عن المناقب : ج1 ص09 - 410.
2- بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرسالة العثمانيّة للسيّد أحمد بن موسی بن طاوس المتوفّى(673ه) عن ابن مردويه من طريق الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : سمعت جدّي... الخبر.
3- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): ج2 ص60ح234.

المنكر لفضل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{62}

[275] قال الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

مَن دفع فضلَ أمير المؤمنین صلوات اللّه عليه على جميع مَن بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقد كذَّب بالتوراة، والإنجيل، والزَبور، وصُحُفِ إبراهيم، وسائرِ كتبِ المُنْزَلة، فإنّه مانَزَل شيءٌ منها إلّا وأهمُّ ما فيه بعد الإقرار بتوحيدِ اللّه والإقرارِ بالنبوّة الإعتراف بولايته والطيّبين من آله (عَلَيهِم السَّلَامُ).(1)

لا تنكروا فضل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{27}

[276] عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال :

إنّ دَفْعَ الزاهدِ العابد لفضل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الخلق كلّهم بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لَيصيرُ كشعلةِ نارٍ في يوم ريح عاصف، وتصير سائر أعمال الدافع لفضل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كالحلفاء وإن امتلأت منه الصحاري واشتعلت فيها تلك النار وتغشاها تلك الريح حتّى تأتي عليها كلّها فلا تبقي لها باقية.(2)

ص: 278


1- تفسير الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 88 ح46 طقم مدرسة الإمام المهدي وعنه بحار الأنوار: ج 68 ص 285 ضمن ح 43 وليس فيه : قال الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ).
2- تفسير الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ص 89.

من عدالة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{28}

[277] كسى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الناسَ بالكوفة، فكان في الكسوة برنس خزّ، فسأله إياه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأبى أن يُعطيَه إيّاه، وأسهم بين المسلمين فصار لفتی من همدان، فانقلب به الهمداني، فقيل له : إنّ حسناً كان سأله أباه فمنعه إيّاه ، فأرسل به الهمداني إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقبله.(1)

بكاء أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{29}

[278] عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)أنه قال :

ما دخلتُ على أبي قطّ إلّا وجدتُه باكياً.(2)

زهد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{30}

[279] إنّ رجلاً من خثعم رأى الحسن والحسين يأكلان خبزاً وبقلاً وخَلاً، فقال لهما: أتأكلان من هذا وفي الرحبة ما فيها؟!

فقالا : ما أغفلك عن أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ).(3)

ص: 279


1- بحار الأنوار: ج 100 ص 55 ح4 عن قرب الإسناد، عن أبي البختري، عن الصادق، عن أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : كسی علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)... الخبر.
2- مجموعة ورّام : ج2 ص 199.
3- مناقب آل أبي طالب : ج1 ص312 وعنه بحار الأنوار : ج 1 ص 113 ح23.

شدّة عدالة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{31}

[280] عن أبي صالح، قال: دخلتُ على أُمّ كلثوم بنت علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا هي تتمشّط في ستر بيني وبينها، فجاء حسن وحسین، فدخلا عليها وهي جالسة تتمشّط، فقالا : ألا تطعمون أبا صالح شيئاً؟

قال : فأخرجوا إليّ قصعةً فيها مرق بحبوب.

قال : فقلت : تطعموني هذا وأنتم الأُمراء؟!

فقالت أُمّ كلثوم : يا أبا صالح كيف لو رأيت أمير المؤمنین - تعني عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)- أتى بأُتْرجُ، فذهب حسن يأخذ منه أُتْرُجَةً فنزعها من يده، ثمّ أمر به فقُسِّم بين الناس.(1)

هؤلاء شيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{32}

[281] عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها وعمها الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قالا : أخبرنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : لمّا أُدخلت الجنّة رأيت الشجرة تحمل الحليّ والحلل، أسفلها خيل بلق وأوسطها الحور العين وفي أعلاها الرضوان.

قلت : يا جبرئیل لمن هذه الشجرة؟

قال : هذه لابن عمّك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، إذا أمر اللّه

ص: 280


1- هامش أنساب الأشراف: ج2 ص 139 - 140: قال أحمد بن حنبل في الحديث (24) من باب فضائل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من كتاب «الفضائل»: عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي صالح، قال : دخلتُ... الخبر.

الخليقة بالدخول إلى الجنّة يؤتي بشيعة عليّ حتّى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة ، فيلبسون الحليّ والحلل ويركبون الخيل البلق وينادي مناد : هؤلاء شيعة عليّ صبروا في الدنيا على الأذى فحبوا هذا اليوم.(1)

من بشائر المصطفى

{33}

[282] دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرحاً مسروراً مستبشراً، فسلّم عليه فردّ عليه السلام فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا رسول اللّه ! ما رأيتك أقبلت مثل هذا اليوم؟ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : حبيبي وقرّة عيني ! أتيتك أُبشرّك ، اعلَم أنّ في هذه الساعة نزل عليّ جبرئيل الأمين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : الحقّ جلّ جلاله يقرؤك السلام، ويقول لك : بشِّرْ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ شيعته الطائع والعاصي من أهل الجنّة، فلمّا سمع مقالته خرّ للّه ساجداّ، فلمّا رفع رأسه رفع يديه إلى السماء، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اشهدوا عليّ أنّي قد وهبت لشيعتي نصف حسناتي.

فقالت فاطمة الزهراء(عَلَيهَا السَّلَامُ) : یا ربّ! اشهد عليّ بأنّي قد وهبت لشيعة عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) نصف حسناتي.

قال الحسن(عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا ربّ! اشهد عليّ أني قد وهبت لشيعة عليّ بن أبي طالب نصف حسناتي

ص: 281


1- بحار الأنوار : ج 8 ص 138 - 139 ح 51 «باب 23 الجنّة ونعيمها، رزقنا اللّه وسائر المؤمنين، حورها وقصورها وحبورها و سرورها من كتاب العدل والمعاد» بهذا الإسناد : موفّق بن أحمد الخوارزمي، عن محمّد بن أحمد بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أيوب، عن علي بن محمّد بن عتبة، عن بكر بن أحمد، وحدّثنا أحمد بن محمّد الجرّاح، عن أحمد بن الفضل الأهوازي، عن بكر بن أحمد، عن محمّد بن عليّ: الخبر.

قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ياربّ اشهد أنّي قد وهبت لشيعة عليّ بن أبي طالب نصف حسناتي.

فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ما أنتم بأكرم منّي، اشهد عليّ ياربّ أنّي قد وهبت لشيعة علي بن أبي طالب نصف حسناتي.

فهبط الأمين جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا محمّد! إن اللّه تبارك تعالى يقول : ما أنتم بأكرم منّي إنّي قد غفرتُ لشيعة عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومحبّيه ذنوبهم جميعاً، ولو كانت مثل زبد البحر، ورمل البرّ، وورق الشجر.(1)

في مقتل عثمان

{34}

[283] لمّا نزل عليّ بالربذة سألت عن قدومه إلينا؟ فقيل: خالف عليه طلحة والزبير وعائشة وصاروا إلى البصرة فخرج يريدهم. فصرت إليه فجلست حتّى صلّى الظهر والعصر ، فلمّا فرغ من صلاته قام إليه ابنه الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجلس بين يديه ثمّ بكى وقال : يا أمير المؤمنين إنّي لا أستطيع أن أُكلّمك وبكی.

فقال له أمير المؤمنين : لا تبك يابُنيّ وتكلّم ولا تحنّ حنين الجارية.

فقال : يا أمير المؤمنين إنّ القوم حصروا عثمان يطلبونه بما یطلبونه إمّا المون أو مظلومنون فسألتك أن تعتزل الناس وتلحق بمكّة حتّى تؤب العرب وتعود إليها أحلامها وتأتيك وفودها فواللّه لو كنت في جُحْر ضَبّ لضربت إليك العرب آباط الإبل حتّى تستخرجك منه.

ص: 282


1- غاية المرام: ص 595 عن «بشارة المصطفى الشيعة المرتضی» بحذف الإسناد قال : دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)...

ثمّ خالفك طلحة والزبير فسألتك أن لا تتبعهما وتدعهما فإن اجتمعت الأُمّة فذاك وإن اختلفت رضيت بما قسم اللّه وأنا اليوم أسألك أن لا تقدم العراق وأذكرك باللّه أن لا تقتل بمضيعة!!

فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما قولك : إنّ عثمان حصر. فما ذاك وماعليّ منه وقد كنت بمعزل عن حصره.

وأمّا قولك : إئت مكّة فواللّه ما كنت لأكون الرجل الّذي يستحلّ به مكة.

وأمّا قولك: اعتزل العراق ودع طلحة والزبير فواللّه ما كنت لأكون كالضبع تنتظر حتّى يدخل عليها طالبها فيضع الحبل في رجلها حتّى يقطع عرقوبها ثمّ يخرجها فيُمزّقها إرباً إرباً ولكن أباك يا بنيّ يضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه وبالسامع المطيع العاصي المخالف أبداً حتّى يأتي عليّ يومي فواللّه مازال أبوك مدفوعاً عن حقّه مستأثراً عليه منذ قبض اللّه نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حتّى يوم الناس هذا.

فكان طارق بن شهاب أيّ وقت حدّث بهذا الحديث بكئ.(1)

ص: 283


1- رواه الشيخ الطوسي في الحديث : (37) من الجزء الثاني من أماليه : ص32 ط1. وللحديث مصادر أُخر يجد الباحث بعضها في المختار : (82) وما بعده من كتاب نهج السعادة : ج 1 ص 82 ط 2. وبحار الأنوار : ج32 ص 103 و 104 عن أمالي المفيد: عن الكاتب، عن الزعفراني، عن الثقفي، عن الفضل بن دكین، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال : لمّا نزل عليّ بالربذة...

إنّ للعرب جولة

{35}

[284] قال لأبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ للعرب جولة ولقد رجعت إليها عوازب أحلامها، ولقد ضربوا إليك أكباد الإبل حتّى يستخرجوك، ولو كنت في مثل وجار الضبع.

بیان : في أكثر النسخ لابنه (1)، والصواب لأبيه وقد قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ذلك له صلوات اللّه عليه قبل رجوع الخلافة إليه أي إنّ للعرب جولاناً وحركة في اتّباع الباطل، ثمّ يرجع إليها أحلامها العازبة البعيدة الغائبة عنهم، فيرجعون إليك، وضرب أكباد الإبل كناية عن الركوب وشدّة الركض.

قال الجزري فيه: لا تضرب أكباد المطيّ إلّا إلى ثلاثة مساجد أي لا تركب ولا يسار عليها.

وقال : وجار الضبع هو جحره الّذي يأوي إليه، ومنه حديث الحسن : لو كنت في وجار الضبع ذكره للمبالغة لأنّه إذا حفر أمعن.

ص: 284


1- في النسخة المطبوعة من المصدر (ط مطبعة الاسلامية): وقال لأبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ) جه راجع ج2 ص 150. بحار الأنوار: ج 3، ص360 عن كشف الغمّة. وأورده أيضاً ابن عساكر في ترجمة علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق: ج3 ص 137 بإسناده قال : لمّا قُتِل عثمان خرج علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الربذة في نحو من ثلاثمائة راكب ، فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أراد أن يتكلّم فخنقته العبرة فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تكلّم ولا تحنّ حنين الجارية ، فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي قد كنت أشرت عليك أنّ للعرب جولة....

قتال لابد منه

{36}

[285] عن طارق بن شهاب قال : قال الحسن بن علي لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالربذة وقد ركب راحلته، وعليها رحل رثّ: إنّي لأخشى أن تُقْتَل بمضيعة.

فقال : إليك عنّي، فواللّه ما وجدتُ إلّا قتال القوم، أو الكفر بما جاء به محمّد، أو قال : بما أُنزل على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).(1)

مع أبي موسى الأشعري

{37}

[289]خرج أبو موسى فلقي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضمّه إليه وأقبل على عمّار فقال : يا أبا اليقظان أعَدَوتَ على أمير المؤمنين فيمن عدا فأحللت نفسك مع الفُجّار؟

فقال : لم أفعل ولم يسؤني.

فقطع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الكلام وأقبل على أبي موسى فقال له: لَم تثبط(2) الناس عنّا؟ فواللّه ما أردنا إلّا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يُخاف على شيء. (3)

ص: 285


1- أنساب الأشراف لأحمد بن يحيى البلاذري : ج 2 ص 236 ح 293 بإسناده عن عبد اللّه بن صالح، عن شريك ، عن أبي الصيرفي، عن أبي قبيصة عمر، عن طارق بن شهاب قال : قال الحسن بن علي... الخبر.
2- ثبطه عن الأمر وثبّطه : عوّقه وأخّره عنه.
3- ) البداية والنهاية لابن كثیر الدمشقي المتوفّى(774) ج 7 ص 236 عند ذكره وقایع سنة (36) من الهجرة تحت عنوان: «ابتداء وقعة الجمل» قال : دعا (علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ) الحسن بن عليّ فأرسله وأرسل معه عمّار بن یاسر.... إلى أن قال : خرج أبو موسی.... وأورده ابن الأثير في الكامل : ج 3 ص 228.

موقف صارم

(38}

[287] قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي موسى الأشعري(1) وهو يخطب الناس على المنبر :

وَيْحك إعتزل عملنا وتنحّ عن منبرنا لا أُمّ لك !(2)

إنها كفّ يهودية

{39}

[288] أُسِر مروان بن الحكم يوم الجمل، فكلّم فيه الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) فخلّاه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنین.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنّها كفّ يهوديّة، ولو بايعني بيده لغدر بسيفه، أما إنّ له إمرةً كلعقة الكلب أنفه، وهو

ص: 286


1- هو أبو موسى عبداللّه بن قيس الأشعري، صحابي ولد سنة (21) قبل الهجرة، ومات بالكوفة سنة (44ه)، وولاه عمر البصرة سنة (17) وأقره عثمان عليها ثمّ عزله وولّاه ثانياً حتّى قتل عثمان فأقرّه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أن كانت وقعة الجمل وأرسل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يدعو أهل الكوفة لينصروه، فأمرهم أبو موسى بالقعود فعزله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأقام إلى أن كان التحكيم وخدعه عمرو بن العاص فارتدّ إلى الكوفة إلى أن مات بها. الاعلام : ج4 ص 254.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 4 ص 21؛ الجمل: ص 252؛ البداية والنهاية لابن كثیر : ج 7 ص 236 وفيه قام حجر بن عدي فقال : أيّها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين ، إنفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم... وجعل الناس كلّما قام رجل فحرّض الناس على النفير يثبّطهم أبو موسى من فوق المنبر، وعمّار والحسن معه على المنبر ، حتّى قال له الحسن بن علي : ويحك اعتزل... الخبر..

أبو الأكبش الأربعة، وستلقي الأُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر.(1)

مع زوجات النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)

{40}

[289] قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) رسالة عن أبيه لعائشة : أما و الّذي خلق الحبّة و بریء النسمة لئن لم ترحلي لأبعثنّ عليك بما تعلمين.

قال : فلمّا كان من الغد بعث إليها ابنه الحسن، فجاء الحسن فقال لها : يقول لك أمير المؤمنين : أما والّذي خلق الحبّة وبرأ النسمة! لئن لم ترحلي الساعة لأبعثّن عليكِ بما تعلمين.

قال : وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر، فلمّا قال لها الحسن ما قال وثبت من ساعتها وقالت : رحلوني!

فقالت لها امرأة من المهالبة : يا أُمّ المؤمنين ! جاءك عبداللّه بن عبّاس

ص: 287


1- ربيع الأبرار لمحمود بن عمر الزمخشري المتوفّي (138): ج 5 ص 242. وفي نهج البلاغة : ج 1 ص 134 : لو بايعني بيده لغدرني بسبّته. وأورده المجلسي في بحار الأنوار : ج 41، ص 355 وقال في ذيله : كفّ يهوديّة أي : من شأنه الغدر والمكر، فإنّه من شأنهم. والسبّة : الإست. والإمرة بالكسر : الوالاية. وكبش القوم : رئيسهم. والتشبيه لمدّة ملكه بلعقة الكلب أنفه للتنبيه على قصر أمرها، وكانت مدّة إمرته أربعة أشهر وعشراً، وروي ستّة أشهر، والأكبش الأربعة ذكور لصلبه، وهم: عبدالملك ، وولي الخلافة، وعبدالعزيز وولي مصر، وبشر وولي العراق، ومحمّد وولي الجزيرة. ويحتمل أن يريد بالأربعة أولاد عبدالملك، وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام (لعنهم اللّه) وكلهم ولّى الخلافة ولم يلها أربعة إخوة إلّا هم. واليوم الأحمر : كناية عن شدّته، ومن لسان العرب وصف الأمر الشديد بالأحمر، ولعلّه لكون الحمرة وصف الدم كنّی به عن القتل، ويروي: موتاً أحمر.

فسمعناك وأنت تجاوبيه حتّى علا صوتك ثمّ خرج من عندك وهو مغضب، ثمّ جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع؟!

فقالت عائشة : إنّما أقلقني لأنّه ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فمن أحبّ أن ينظر إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فلينظر إلىّ هذا الغلام، وبعد فقد بعث إليّ أبوه بما قد علمت ولابدّ من الرحيل.

فقالت لها المرأة : سألتك باللّه وبمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلّا أخبرتني بماذا بعث إليك عليّ (رضي اللّه عنه).

فقالت عائشة : ويحك! إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أصاب من مغازيه نفلاً فجعل يقسّم ذلك في أصحابه، فسألناه أن يعطينا منه شيئاً وألححنا عليه في ذلك، فلامنا علي (رضي اللّه عنه) وقال : حسبكنّ أضجرتنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فتجّمناه وأغلظنا له في القول. فقال : «عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ»(1) فأغلظنا له أيضاً في القول وتهجّمناه ، فغضب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من ذلك وما استقبلنا به عليّاً، فأقبل عليه ثمّ قال : يا علي! إنّي قد جعلتُ طلاقهنّ إليك فمن طلّقتها منهنّ فهي بائنة، ولم يوقّت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في ذلك وقتاً في حياة ولا موت؛ فهي تلك الكلمة، وأخاف أن أبين من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).(2)

ص: 288


1- سورة التحريم: الآية 5.
2- الفتوح لابن اعثمّ الكوفي : ج4 ص 454.

كلامه لأبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ)

{41}

[290] لمّا بويع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالخلافة قال له إبنه الحسن، وابن عبّاس : أُكتب إلى معاوية فأقرّه على الشام وأطمعه فإنّه سيطمع ويكفيك نفسه وناحيته ، فإذا بايع لك الناس أقررتَه أو عزلتَه.

قال : فإنّه لا يرضى حتّى أعطيه عهدَ اللّه تعالى وميثاقَه أن لا أعزلَه، قالا : لا تعطه ذلك.(1)

إنّ لأبيك يوماً

{42}

[291] لمّا دنى أهل الشام من أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، واللّه مایزیده قربُهم منه ودنوّهم إليه سرعةً في مشيه ، فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ماضرّك لو سعيتَ حتّى تنتهي إلى هؤلاء الّذي صبروا بعدك من أصحابك؟ قال - يعني ربيعة الميسرة -: قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ إنّ لأبيك يوماً لن يعدُوَه، ولا يبطي عنه السعي، ولا يعجّل به إليه المشي، إنّ أباك واللّه مایُبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه.(2)

ص: 289


1- تاريخ الإسلام للذهبي: ج3ص537 في وقایع سنة (37) وقعة صفين.
2- وقعة صفين لنصر بن مزاحم المتوفی (212ه)، عن عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي، عن مالك بن أعين، عن زيد بن وهب : ص 249 طقم منشورات مكتبة البصيرتي، وعنه بحار الأنوار : ج 70 ص 180 ح 50.

لا يبالي بالموت

{43}

[292] كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يطوف بين الصفَّين بصِفّين في غِلالة(1) فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ما هذا زيّ الحرب!

فقال : يا بُنيّ إنّ أباك لا يبالي وقع على الموتُ أو وقع الموت عليه.(2)

و لنعم الحَكَم اللّه

{44}

[293] عن أبي محمّد الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :

بينما أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) علة في أصعب موقف بصفّين إذ أقبل عليه رجل من بني دودان، فقال له: لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر وكنتم أفضل الناس علماً بالكتاب والسنّة؟

فقال : يا أخابني دودان ولك حقّ المسألة وذمام الصهر، فإنّك قلق الوضين، ترسل في غير سدد، كانت إمرة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ولنعم الحكم اللّه، والزعيم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

(ودع عنك نهياصيح في حجراته) وهلم الخطب في إبن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه.

ولا غرو إلّا جارتي وسؤالها***ألا هل لنا أهل سألت كذلك

ص: 290


1- الغِلالة (بكسر الغين المعجمة) : شعار يلبس تحت الثوب أو تحت الدرع.
2- المناقب لابن شهر آشوب : ج 1 ص 320.

بئس القوم من خفضني، وحاولوا الادهان في دين اللّه، فإن ترفع عنّا محن البلوى أحملهم من الحقّ على محضه، وإن تكن الأخرى فلا تأس على القوم الفاسقين إليك عنّي يا أخا بني دودان.(1)

لعن اللّه من عقّ عليّاً

{45}

[294] عن أنس بن مالك، قال : كنت عند عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الشهر الّذي أُصيب فيه وهو شهر رمضان فدعا ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال : يا أبا محمّد اعل المنبر فاحمد اللّه كثراً، واثن عليه، واذكر جدّك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بأحسن الذكر، وقل : لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ، لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ، لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ، لعن اللّه عبداً أبق من مواليه، لعن اللّه غنماً ضلّت عن الراعي وانزل.

فلمّا فرغ من خطبته ونزل اجتمع الناس إليه فقالوا: يابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول اللّه نبّئنا [الجواب].

فقال : الجواب على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال أمير المؤمنين : إنّي كنت مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في صلاة صلّاها فضرب بيده اليمن إلى يدي اليمنى فاجتذبها فضمّها إلى صدره ضمّاً شديداً، ثمّ قال لي : يا علي، قلت: لبّيك يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، قال : أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة، فلعن اللّه

ص: 291


1- علل الشرائع : ص 145 ط نجف: حدّثنا أبو أحمد الحسن بن عبداللّه بن سعیدبن الحسن بن إسماعيل بن حكیم العسكري قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم رعل العبشي قال : حدّثنا ثبيت بن محمّد قال : حدّثني الأحوص عمّن حدّثه، عن آبائه ، عن أبي محمّد الحسن بن على (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : بينما أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)....

من عقّنا، قل: آمين، قلت: آمين. ثمّ قال : أنا وأنت موليا هذه الأُمّة، فلعن اللّه من أبق عنّا، قل: آمين ، قلت : آمين. ثمّ قال : أنا وأنت راعيا هذه الأُمّة فلعن اللّه من ضلّ عنّا، قل: آمين، قلت: آمين.

قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وسمعت قائلين يقولان معي : «آمین» فقلت : یارسول اللّه ومن القائلان معي «آمين» ؟ قال : جبرئیل و میكائیل (عَلَيهِما السَّلَامُ).(1)

دعاء أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على قومه

{46}

[295] قال الحسن بن عليّ صبيحة الليلة الّتي قُتل فيها عليُّ بن أبي طالب (رضي اللّه عنه):

حدّثني أبي البارحة في هذا المسجد، فقال : يا بُني، إنّي صَلّيت البارحة مارزق اللّه، ثمّ نمت نومة فرأيت رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فشكوتُ له ما أنا فيه من مُخالفة أصحابي وقلّة رغبتهم في الجهاد، فقال لي: ادع اللّه أن يُريحكم منهم، فدعوت اللّه.(2)

ص: 292


1- بحار الأنوار: ج36 ص 5 عن معاني الأخبار : ص 118: حدّثنا أبو محمّد عمار بن الحسین (رضي اللّه عنه قال : حدّثنا علي بن محمّد بن عصمة ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد الطبري بمكة، قال : حدّثنا محمّد بن الفضل، عن محمّد بن عبدالملك بن أبي الشوارب القرشي، عن ابن سليمان، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك ، قال : كنت عند عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)....
2- العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي: ج 4 ص 360 وأورده المبرّد في «الكامل»: ج 3 ص 242.

ماذا لقيت من قومك ؟

{47}

[296] قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقيني حبيب (يعني في المنام) نبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فشكوت إليه مالقيت من أهل العراق بعده، فوعدني الراحة منهم فما لبث إلا ثلاثا.(1)

أسير أكرموا مثواه

{48}

[297] عن ابن الحنفيّة قال : دخل علينا ابن ملجم الحمام وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمّام، فلمّا دخل كأنّهما اشمازّا منه وقالا إله : ] ما أجر أك تدخل علينا؟! قال: فقلت لهما: دعاه عنكما فلعمري مايريد بكما أجسم من هذا، فلمّا كان يوم أُتي به أسيراً قال ابن الحنفيّة : ما أنا اليوم بأعرف به منّي يوم دخل علينا الحمّام، فقال علي : إنّه أسير فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن متّ فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين.(2)

ص: 293


1- أخرجه ابن حجر العسقلاني في «المطالب العالية»: ج 4 ص 324 ح 4513، قال : إبراهيم بن ميسرة، عمّن أخبره عن الحسن، أو الحسين : أنّ عليّاً قال : لقيني حبيبي... الخبر.
2- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق: ج3 ص 298 رقم 1399 : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبدالباقي ، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن فهم، أنبأنا محمّد بن سعد أنبأنا خالد بن مخلد ، ومحمّد بن الصلت، قالا : أنبأنا الربيع بن المنذر ، عن أبيه، عن ابن الحنفيّة قال :....

لا يفوتنكم الرجل

{49}

[298] روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : أتيت أبي سحيراً فجلست إليه... دخل ابن النباح عليه فقال : الصلاة. فأخذت بيده فقام و مشی ابن النباح بين يديه ومشيت خلفه، فلمّا خرج من الباب نادى : أيّها الناس الصلاة الصلاة ، وكذلك كان يصنع في كلّ يوم، ويخرج [كذا] ومعه درّته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فرأيت بريق السيف وسمعت قائلاً يقول: الحكم يا علي للّه لا لك. ثمّ رأيت سيفاً ثانياً، فأمّا سيف ابن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأمّا سيف ابن بجرة فوقع في الطاق وقال علي : لا يفوتنّكم الرجل. فشدّ الناس عليهما من كلّ جانب.(1)

لا قصاص قبل الجناية

{50}

[299] قالت أُمّ كلثوم: فجئت إلى أخي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ فقلت : يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس فألحقه ، فقام الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) وتبعه، فلحق به قبل أن يدخل الجامع فقال : يا أباه ! ما أخرجك في هذه الساعة وقد بقي من الليل ثلثه؟

فقال : يا حبيبي ويا قرّة عيني خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني.

فقال له: خيراً رأيت و خيراً يكون، فقصّها عليّ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ ! رأيت

ص: 294


1- أنساب الأشراف للبلاذري : ج 2 ص 494.

كأنّ جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد نزل عن السماء على جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة وتركهما على ظهرها، وضرب أحدهما على الآخر فصارت كالرميم، ثمّ ذرّهما في الريح، فما بقي بمكّة ولا بالمدينة بيت إلّا ودخله من ذلك الرماد. فقال له: يا أبت وما تأويلها؟

فقال : يا بنيّ! إن صدقت رؤياي فإنّ أباك مقتول، ولا يبقى بمكّة حينئذ ولا بالمدينة بيت إلّا ويدخله من ذلك غمّ و مصيبة من أجلي.

فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وهل تدري متى يكون ذلك یا أبت؟

قال : يا بنيّ! إن اللّه يقول: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(1)، ولكن عهد إليّ حبيبي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، يقتلني ابن ملجم المرادي.

فقلت له : يا أبتاه ! إذا علمت منه ذلك فاقتله.

قال : يا بنيّ لا يجوز القصاص إلا بعد الجناية ، والجناية لم تحصل منه ، يا بنيّ! ارجع إلى فراشك.

فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبتاه ! أُريد أمضي معك إلى موضع صلاتك.

فقال له : أقسمت بحقّي عليك إلّا ما رجعت إلى فراشك لئلّا يتنغّص عليك نومك، ولا تعصني في ذلك.

قال : فرجع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوجد أُخته أُم كلثوم قائمة خلف البا تنتظره، فدخل فأخبرها بذلك، وجلسا يتحادثان وهما محزونان حتّى غلب عليهما النعاس، فقاما ودخلا إلى فراشهما وناما.(2)

ص: 295


1- سورة لقمان : الآية 34.
2- بحار الأنوار: ج 42 ص 278 - 279 عن كتاب : روي عن أبي الحسن علي بن عبداللّه بن محمّد البكري، عن لوط بن يحيى:....

الوصايا الأخيرة

{51}

[300] عن الأصبغ بن نباتة العبدي، قال : لمّا ضرب ابن ملجم أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) غدونا عليه نفر من أصحابنا : أنا، والحارث ، وسوید بن غفلة، وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا ، فخرج إلينا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :

يقول لكم أمير المؤمنين : إنصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، واشتدّ البكاء من منزله، فبكيت.

فخرج الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ألم أقل لكم: إنصرفوا؟

فقلت : لا واللّه يابن رسول اللّه ماتُتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتّى أرى أمير المؤمنین صلوات اللّه عليه ، قال : فتلبّثْ ، فدخل ولم يلبث أن خرج فقال لي: أدخل، فدخلت على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفرّ وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة ، فأكببتُ عليه ، فقبّلته وبكيت.

فال لي: لا تبك يا أصبغ ، فإنّها واللّه الجنّة.

فقلت له : جعلت فداك إني أعلم واللّه أتك تصير إلى الجنّة، وإنّما أبكي الفقداني إيّاك يا أمير المؤمنین، جعلت فداك حدّثني بحديث سمعته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فإنّي أراني لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً.

فقال : نعم يا أصبغ.

دعاني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً فقال لي: يا علي انطلق حتّى تأتي مسجدي، ثمّ تصعد على منبري، ثمّ تدعو الناس إليك، فتحمد اللّه عزّوجلّ وتثني عليه،

ص: 296

وتصلّي عليّ صلاةً كثيرةً، ثمّ تقول :

أيّها الناس! إنّي رسول رسول اللّه إليكم، وهو يقول لكم: ألا إنّ لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

فأتيتُ مسجده، وصعدتُ منبره، فلمّا رأتني قريش ومن كان في المسجد اقبلوا نحوي، فحمدت اللّه، وأثنيت عليه وصلّيتُ على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صلاةً كثيرةً، ثمّ قلت :

أيّها الناس! إنّي رسول رسول اللّه إليكم، وهو يقول لكم: ألا إنّ لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره.

قال : فلم يتكلّم أحد من القوم إلّا عمر بن الخطّاب فإنّه قال : قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنّك جئت بكلام غير مفسّر. فقلت : أبلغ ذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فرجعت إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأخبرته الخبر.

فقال : ارجع إلى مسجدي حتّى تصعد منبري، فاحمد اللّه، واثن عليه ، وصلّ عليّ، ثمّ قل: أيّها الناس ! ما كنّا لنجیئكم بشيء إلّا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإنّي أنا أبوكم ألا وإنّي أنا مولاكم، وألا وإنّي أنا أجيركم.(1)

ص: 297


1- أمالي المفيد : ص 351 - 353 ح 3 (المجلس الثاني والأربعون) بهذا الإسناد : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي قال : حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني قال : حدّثنا أبو عوانة موسی بن يوسف القطّان الكوفي قال : حدّثنا محمّد بن سليمان المقري الكندي ، عن عبدالصمد بن علي النوفلي، عن أبي إسحاق السبيعي : الخبر.

خصال فيها النجاة

{52}

[301] وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دخلتُ على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يجود بنفسه لمّا ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك فقال لي: أتجزع؟

فقلت : وكيف لا أجزع وأنا أراك على حالك هذه؟!

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألا أعلمك خصالاً أربع إن أنت حفظتهنّ نلت بهنّ النجاة وإن أنت ضيّعتهنّ فاتك الداران، یا بنيّ! لا غنى أكبر من العقل، ولا فقر مثل الجهل، ولا وحشة أشدّ من العُجب، ولا عيش ألذّ من حُسن الخلق.(1)

احفظ أربعاً

{53}

[302] لمّا ضرب ابنُ ملجم عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخل عليه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو باكٍ ، فقال له : ما يُبكيك يابُنيّ؟

قال : ومالي لا أبيك وأنتَ في أوّل يومٍ مِن الآخرةِ وآخرِ يومٍ مِن الدنيا.

فقال : يا بُنيّ! إحفظ أربعاً وأربعاً لا يضرك ما عملت معهنّ.

قال : وما هنّ يا أبة؟

قال : إنّ أغنى الغنى العقلُ، وأكبرُ الفقر الحُمقُ، وأوحشُ الوحشة العُجب، وأكرمُ الحسبٍ الكرمُ وحسنُ الخلق.(2)

ص: 298


1- كشف الغمّة : ج 2 ص 194 ط النجف 1385. وعنه بحار الأنوار : ج 78 ص 111 ط بيروت مؤسّسة الوفاء.
2- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ج 3 ص 304 رقم 1404 بإسناده ؛ نهج البلاغة : كلمة 38.

إيّاك من أربع

{54}

[303] بعد ما وعده أبوه (عَلَيهِما السَّلَامُ) أن يوصيه بثمان وذكر أربعة منها، قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قلت : يا أبة هذه الأربع، فأعطني الأربعَ الأخر.

قال : إيّاك ومصادقةَ الأحمق، فإنّه يريد أن يَنفعَك فيضرّك، وإيّاك ومصادقةَ الكذّاب فإنّه يقرّب إليك البعيدَ ويبعّد عليك القريبَ، وإيّاك ومصادقةَ البخيل فإنّه يقعد عنك أحوج ما يكون إليه ، وإيّاك ومصادقة الفاجر، فإنّه يَبيعُك بالتافه(1).(2)

ومضى الإمام آمناً إلى ربّه

{55}

[304] قال الحسن : فلم أصبر أن فتحت الباب ودخلت، فإذا أبي فارق الدنيا ، فأحضرنا أكفانه وقد كان عنده حنوط له من بقيّة حنوط النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

قال الحسن : وكنت جالساً على باب البيت فسمعت هاتفاً وهو يقول : «أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».(3)(4)

ص: 299


1- التافِه: القليل.
2- ترجمة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ج 3 ص 304 رقم 1404؛ نهج البلاغة: كلمة 38.
3- سورة فُصّلت : الآية 40.
4- الفتوح لابن اعثمّ : ج 4 ص 281.

مدفن أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{56}

[305] قال(عَلَيهِ السَّلَامُ)

في جواب السائل «أين دفنتم أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)»؟ : خرجنا به ليلاً حتّى مررنا على مسجد الأشعث، حتّى خرجنا إلى ظهر ناحية الغريّ.(1)

يوصي بقاتله

{57}

[306] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخذ ابنُ ملجم فأُدخِل على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أطيبوا طعامَه، وألينوا فراشَه، فإن أعِشْ فأنا وليّ دمي، عفو أو قِصاص، وإن مِتّ فأُلحِقوه بي أخاصِمُه عند ربّ العالمين.(2)

ص: 300


1- فرحة الغري للنقيب غیاث الدين بن السيّد عبدالكریم بن طاوس : ص 37 بإسناده عن جعفر بن محمّد بن قولویه، قال : حدّثني محمّد بن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين الخلال ، عن جدّه قال : قلنا للحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : أين دفنتم.... ورواه السيّد يحيى العلوي الحسني في تيسير المطالب : ص79 بإسناده... إلى أن قال : خرجنا به ليلاً من منزله ومررنا به على مسجد الأشعث حتّى خرجنا به إلى الظهر لجنب الغريّ.
2- أسد الغابة : ج 4 ص 113؛ تاریخ دمشق ترجمة الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ج 3 ص 300 كلاهما عن محمّد بن سعد؛ أنساب الأشراف: ج2 ص495؛ الإمامة والسياسة : ج 1 ص 181 في ذيلهما: «وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ». وأهل البيت في الكتاب والسنّة : ص 263 ح 582.

من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابن ملجم

{58}

[307] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا حتّى أعجلك إلى النار.(1)

إعانة الملائكة

{59}

[308] روي أنّه قال الحسين لأخيه الحسن (عَلَيهِما السَّلَامُ) وقت غسل أبيهما أمير المؤمنين (عَلَيهِم السَّلَامُ) : أما ترى إلى خفّة جسد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟

فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبداللّه إنّ معنا قوماً يعينوننا.(2)

ص: 301


1- قرب الإسناد : ص 143 ح516 بإسناده عن جعفر، عن أبيه : أنّ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قدّمه (ابن ملجم) ليضرب عنقه بيده ، فقال : فقد عاهدت اللّه عهدا أن أقتل أباك وقد وفيت، فإن شئت فاقتل، وإن شئت فاعف، فإن عفوت ذهبت إلى معاوية فقتلته وأرحتك منه ثمّ جئتك، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا حتّى أعجلك إلى النار، فقدّمه فضرب عنقه. المعجم الكبير للطبراني : ج 1 ص 100ح168 بإسناده عن أحمد بن علي الأبار ، عن أبي أُميّة عمرو بن هشام الحراني، عن عثمان بن عبدالرحمن الطرائفي، عن إسماعیل بن راشد أنّه قال : لمّا قبض عليّ (رضي اللّه عنه) بعث الحسن (رضي اللّه عنه) إلى ابن ملجم فأُدخِل عليه ، فقال له ابن ملجم : هل لك في خصلة إنّي واللّه ما أعطيت اللّهَ عهداً إلّا وفيت به، إنّي كنتُ أعطيتُ اللّهَ عهداً أن أقتل عليّاَ و معاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خلّيت بيني وبينه ولك اللّه عليّ إن لم أقتله أن آتيك حتّى أضع يدي في يدك. فقال له الحسن (رضي اللّه عنه) : لا واللّه أو تعاين النار فقدّمه فقتله.
2- بحار الأنوار : ج42 ص 235 عن مناقب آل أبي طالب : ج 1 ص 482.

كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعدوّ اللّه

{60}

[309] فلمّا قضى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نحبه وفرغ أهله من دفنه، جلس الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمر أن يؤتى بابن ملجم، فجيء به ، فلمّا وقف بين يديه قال له :

يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين؟ ثمّ أمر فضربت عنقه.(1)

تنفيد الوصية

{61}

[310] قال اليعقوبي : إجتمع الناس فبايعوا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)وخرج إلى المسجد الجامع فخطب خطبة طويلة ودعا بعبد الرحمن بن ملجم، فقال عبدالرحمن : ما الّذي أمرك به أبوك؟

قال : أمرني أن لا أقتل غیر قاتله، وأن أشبع بطنَك، وأُنعم وطائك، فإن عاش اقتصّ أو عفا، وإن مات ألحقتُك به... فضربه بالسيف... وقتله.(2)

ص: 302


1- بحار الأنوار : ج 42 ص 222 عن إرشاد المفيد: ص 11.
2- تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 204.

لم يترك صفراء ولا بيضاء

(62}

[311] قال لأخيهما محمّد بن الحنفيّة : قد علمتَ أنّ أباك لم يترُك صفراءَ ولا بيضاءَ.(1)

في زهد الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{63}

[312] عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زهد أبيه صلوات اللّه عليه قال :

واللّه ما ترك ذهباً ولا فضّةً ولا شيئاً يُصبني إليه.(2)

ص: 303


1- روى الحرّ العاملي في «إثبات الهداة» : ج 5 ص 43 ح 391 عن يحيى بن محمّد بن أبي زيد، قال : قد صحّت الرواية عندنا عن أسلافنا، وعن غيرهم من أرباب الحديث أنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا قبض أتی محمّد أخويه حسناً و حسیناً (عَلَيهِما السَّلَامُ) فقال : أعطياني ميراثي من أبي. فقالا له: قد علمت... الخ. فقال : قد علمت ذلك، وليس ميراث المال أطلب ، وإنّما أطلب میراث العلم. قال : فروى أبان بن عثمان عمّن روى لك له عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : فدفعا إليه صحيفة لو إطلعاه على أكثر منها لهلك، فيها ذكر دولة بني العبّاس.
2- النهاية لابن الأثير الجزري : باب الصاد مع الباء.

ص: 304

الخُطَب

اشارة

ص: 305

حديث الثقلين

{1}

[313] عن عبداللّه بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن الحسن بن علی (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :

خطبنا(1) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً فقال بعد ما حمد اللّه وأثنى عليه :

معاشر الناس كأنّي أدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، فتعلّموا منهم ولا تعلّموهم ، فإنّهم أعلم منكم، لا تخلو الأرض منهم، ولو خلت إذاً لساخت بأهلها؛ ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أعلم أنّ العلم لا يبيد(2) ولا ينقطع، وإنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور(3) لكيلا يبطل حجّتك، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلّون عدداً الأعظمون قدراً عند اللّه.

فلمّا نزل عن منبره قلت : يا رسول اللّه ! أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم؟

قال : يا حسن! إنّ اللّه يقول : إ«ِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(4)، فأنا المنذر وعليّ الهادي.

قلت : يا رسول اللّه فقولك : إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟

ص: 306


1- في المصدر و(د) قال : خطب.
2- باد: هلك. بادت الشمس بیوداً: غابت.
3- المغمور : المجهول الخامل الذكر.
4- سورة الرعد: الآية 7.

قال : نعم عليٌّ هو الإمام(1) والحجّة بعدي، وأنت الحجّة والإمام بعده ، والحسين هو الإمام(2) والحجّة بعدك، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسین ولد يقال له علي سمّي جدّه عليّ، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده عليٌّ ابنه(3)، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللّه من صلب علىّ ولاداً سمّیي وأشبه الناس بي، علمه علمي و حكمه حكمي، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج اللّه من صلبه مولوداً(4) يقال له جعفر أصدق الناس قولاً وفعلاً ، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه.

ويخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولوداً سمّي موسی بن عمران، أشدّ الناس تعبّداً، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه ؛ ويخرج اللّه تعالى من صلب موسی ولداً يقال له عليّ، معدن علم اللّه وموضع حكمه(5)، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علىّ مولوداً يقال له محمّد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب محمّد مولوداً يقال له عليّ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب عليّ مولوداً يقال له الحسن، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب الحسن الحجّة القائم إمام زمانه ومنقذ أوليائه ، يغيب حتّى لا يرى، يرجع عن أمره قوم ويثبت عليه آخرون «وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(6) ولو لم يبق من

ص: 307


1- في المصدر و (د) : نعم هو الإمام.
2- في المصدر و(د): والحسين الإمام.
3- في المصدر و (د) : قام بالأمر على ابنه.
4- في المصدر : ويخرج من صلبه مولود.
5- في المصدر : وموضع حكمته.
6- سورة يونس ، الآية 48.

الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، فلا يخلو الأرض منكم، أعطاكم اللّه علمي وفهمي، ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي ومن زرعي وزرع زرعي.(1)

وروى صدر هذه الرواية مع تفاوت يسير غير واحد من الأعلام، منهم : العلامة القندوزي في «ینابیع المودّة» (ص 20 ط اسلامبول) قال :

وفي المناقب : عن عبداللّه بن الحسن المثنّی ابن الحسن المجتبی ابن عليّ المرتضى (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، عن أبيه، عن جدّه الحسن السبط، قال : خطب جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً فقال بعد ما حمد اللّه وأثنى عليه : معاشر الناس إنّي أدعى فأُجيب، وإنّي تارك فیكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فتعلّموا منهم، ولا تعلّموهم، فإنّهم أعلم منكم، ولا تخلو الأرض منهم، ولو خلت لانساخت بأهلها، ثمّ قال : اللّهمّ إنّك لا تخلي الأرض من حجّة على خلقك لئلّا تبطل حجّتك، ولا تضلّ أولياءك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلّون عدداً والأعظمون قدراً عند اللّه عزّوجلّ، ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والحكمة في عقبي وعقب عقبي، وفي زرعي وفي زرع زرعي إلى يوم القيامة فاستجيب لي.(2)

ص: 308


1- بحار الأنوار: ج 36 ص 338 إلى ص 340 ح 201 عن كفاية الأثر.
2- ينابيع المودّة ج 1 ص 73 ح9؛ غاية المرام الباب (29) ص 219 ح 7 ؛ مجمع الزوائد ج9 ص331؛ حلية الأولياء ج 1 ص 63.

اجملوا في الطلب

{2}

[314] عن عبداللّه بن الحسن بن علي عن أبيه قال : صعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) المنبر يوم غزوة تبوك، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :

أيّها الناس! إنّي واللّه ما آمركم إلّا بما أمركم اللّه به، ولا أنهاكم إلّا عمّا نهاكُمُ اللّه عنه، فأجملوا في الطلَب ، فوالّذي نفسُ أبي القاسم بيده إنّ أحدكم ليطلُبُه رزقُه كما يطلُبُه أجلُه، فإن تعسّر عليكم شيء منه فاطلبوه بطاعة اللّه عزّوجلّ.(1)

أيها الذام للدنيا

{3}

[315] قال عليه السلام، وقد سمع رجلاً يذمّ الدنيا :

أيّها الذامُّ للدُنيا المغتَرّ بغرورها المخدوع بأباطيلها! أتغترّ بالدنيا ثمّ تذمّها؟ أنت المتجرِّم عليها(2) أم هي المتجرِّمة عليك؟ متى استهوتْك(3) أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البِلى(4) أم بمضاجع أُمّهاتك تحت الثرى؟! كم

ص: 309


1- حدّثنا أحمد (هو أحمد بن النضر بن بحر أبو جعفر العسكري المقرىء توفّي سنة (282): تاريخ الاسلام ص 91) بن النضر العسكري ثنا أحمد بن النعما الفراء المصيصي، ثنا عبدالرحمن (عبدالرحمن بن سمان بن إبراهيم بن محمّد بن حاطب الحاطبي المدني ترجمه الذهبي في تاريخ الاسلام في وفيات «181 - 190» ص261) بن عثمان الحاطبي، عن أبيه ، عن عبداللّه بن محمّد الجهني :...
2- تجرم عليه : ادعى عليه الجرم - بالضم - أي : الذنب.
3- استهوتك : طلبت هواك إليها.
4- البلى - بكسر الباء : الفناء بالتحلّل. والثرى: التراب.

علّلتَ بكفّيك؟(1) وكم مرّضتَ بيديك؟ تبغي لهم الشفاء(2)، وتستوصف لهم الأطبّاء (غداة لا يغني عنهم دواؤك ، ولا يجدي عليهم بكاؤك) لم ينفع أحدهم إشفاقك (3) ولم تُسعَف بطلبتك، ولم تدفع عنه بقوّتك ! وقد مثّلت لك به الدُنيا نفسك(4)! وبمصرعه مصرعك. إنّ الدُنيا دارُ صدق لمن صدقها، ودارُ عافية لمن فهم عنها، ودارُ غنيً لمن تزوّد منها(5)، ودارُ موعظة لمن اتّعظ بها، مسجد أحبّاء اللّه، ومُصلّى ملائكة اللّه ومهبط وحي اللّه، ومتجر أولياء اللّه. اكتسبوا فيها الرحمة، وربِحوا فيها الجنّة، فمن ذا يذُمّها وقد آذنَتْ ببينِها(6) ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها فمثّلتْ لهم ببلائها البلاء، وشوّقتهم بسرورها إلى السرور؟؟!! راحت بعافية(7)، وابتكرت بفجيعة ، ترغیباً وترهيباً، وتخويفاً وتحذيراً، فذمّها رجالٌ غداةَ الندامة(8) ، وحمِدَها آخَرون يوم القيامة، ذكّرتهم الدُنيا فتذكّروا، وحدّثتهم فصدّقوا ووعظتْهُم فاتَّعَظوا. (9)

ص: 310


1- علل المريض: مرضه.
2- استوصف الطبيب : طلب منه وصف الدواء بعد تشخيص الداء.
3- الإشفاق : الخوف، والطلبة - بكسر ففتح - المطلوب، وأسعفه بمطلوبه : أعطاه إيّاه على ضرورة إليه.
4- مثلت : صورت.
5- تزوّد منها : أخذ منها زاده للآخرة.
6- آذنت - بمدّ الهمزة -: اعلمت، والبين : الفراق، والنعي : خبر الموت.
7- راح : وافاه وقت العشي، وتبتكر : تصبح.
8- أي : ذموها عندما أصبحوا نادمين على ما فرطوا فيها، أمّا الّذين حمدوها فهم الّذين عملوا فيها صالحاً فجنوا ثمرة أعمالهم.
9- مصادر هذا الكلام قبل (النهج) وبعده كثيرة جدا نكتفي بإيراد ثلاث عشرة منها : 1- عيون الأخبار لابن قتيبة : 2 / 329. 2 - البيان والتبيين للجاحظ: 1/ 219. 3- المحاسن والأضداد له أيضاً : ص 132. 4 - مروج الذهب للمسعودي :2 / 413 5- المحاسن والمساوي للبيهقي : ص 358. 6 - تاريخ اليعقوبي : 2/ 150. 7 - الارشاد للمفيد : ص 137 ، بتفاوت يدلّ على أنّ المصدر غير (النهج). 8- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ص 162، قال الحسن : سمع أبي رجلاً يذمّ الدنيا فقال... الخ، وليس في (النهج) ذكر للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ). 9 - أمالي الطوسي: 2/ 36 بسند يتّصل بجابر بن عبداللّه الأنصاري، قال: بينا أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) في جماعة أنا فيهم إذ ذكروا الدنيا وتصرّفها بأهلها فذمّها رجل فذهب في ذمّها كلّ مذهب، فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها الذامّ للدنيا... في كلام فيه ما رواه الرضي في (النهج). 10 - محاضرات الأدباء: 2 / 127 روی بعض هذا الكلام في موضعين. 11 - أدب الدنيا والدين : ص 111 فيه فقرات من هذا الكلام. 12 - ربيع الأبرار في أوائل الجزء الأوّل فيه جزء من هذا الكلام. 13 - تاریخ دمشق لابن عساكر في المجّلد الثاني عشر رواه بعدّة طرق منها: عن عاصم بن ضمرة وعن معروف بن مكي، عن أبيه، وعن جعفر بن محمّد الصادق عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : كان علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة فسمع رجلاً يشتم الدنيا ويفحش في شتمها، فقال له علي : اجلس، فجلس فقال له : مالي أسمعك تشتم الدنيا وتفحش في شتمها؟ أليس هو الليل والنهار مطيعين؟ ثمّ ذكر ما رواه الرضي بتقديم وتأخير. وممّا يذكر في هذا الصدد: أنّ المحدّث النوري (نوّر اللّه ضريحه) نقل رؤيا لطيفة للعالم العامل الزاهد العارف المولى فتح علي السلطان آبادي ملخّصها : أنه عرضت له شبهة في سرّ خلقة الدنيا مع ما فيها من المغريات والدواعي الصارفة لأكثر الناس عن طريق السلوك إلى اللّه، ولم يزل ذلك يختلج في صدره إلى أن قام ببعض العبادات المقرّرة في يوم من أيّام شهر رمضان، فرأى الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ فقال له مبتدءاً : إنّ الدنيا مزرعة الآخرة ثمّ نقل له كلام أمير المؤمنين هذا. (دار السلام للنوري ج2 ص 278 - مصادر نهج البلاغة).

ص: 311

فصاحته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في طفولته

{4}

[316] وكان عليّ يكرم الحسن إكراماً زائداً، ويعظّمه ويبجّله، وقد قال له يوماٌ: يا بنيّ ألا تخطب حتّى أسمعك؟

فقال : إنّي أستحيي أن أخطب وأنا أراك، فذهب عليّ فجلس حيث لا يراه الحسن ثمّ قام الحسن في الناس خطيباً وعليّ يسمع، فأدّى خطبة بليغة فصيحة ، فلمّا انصرف جعل عليّ يقول : «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).(2)

ص: 312


1- آل عمران : 34.
2- قال السيوطي في «تاریخ الخلفاء ( ص 73 ط الميمنية بمصر ): وأخرج ابن سعد، عن عمیر بن إسحاق قال : ما تكلّم عندي أحد كان أحبّ إلي إذا تكلّم أن لا يسكت من الحسن ابن علي. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 105. رواه القوم : منهم الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي المتوفّىسنة 774 في «البداية والنهاية» (ج 8 ص 37 ط مصر ) قال :...

أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)أفضل السابقين

{5}

[317] عن سليم (1) بن قيس عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)أنّه حمد اللّه وأثنى عليه وقال : «والسَابِقُونَ الأَوَّلُونَ»(2)الآية، فكما أنّ للسابقين فضلهم على من بعدهم كذلك لأبي عليّ بن أبي طالب فضيلة على السابقين بسبقه السابقين. (3)

في كلام طويل.

إنّ عليّاً بابٌ

{6}

[318] روي أن أباه عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قم فاخطب لأسمع كلامك ، فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :

الحمد للّه الّذي من تكلّم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه(4)، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معادُه، أمّا في نزهة الناظر : وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وسلّم، أما بعد... (5) بعدُ، فإنّ القبور محلّتنا(6) ،

ص: 313


1- سلیم بن قیس الهلالي عُدّ من أصحاب علي والحسن والحسين والسجّاد (عَلَيهِم السَّلَامُ) له كتاب معروف، يُنقَل عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبّينا كتاب سليم ابن قیس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء ولا يعلم من أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة ، وهو من أسرار آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)(سفينة البحار ج 1 ص 651) توفّي سُليم سنة (90).
2- سورة التوبة : الآية 100.
3- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 336 رقم 347، عن فرات بن إبراهيم الكوفي بإسناده عن جعفر بن محمّد بن هشام، عن عبادة بن زیاد، عن أبي معمر سعید بن ځيم، عن محمّد بن خالد الضبي، وعبداللّه بن شريك العامري...
4- في نزهة الناظر: علم ما في ضميره.
5-
6- في النزهة : فإنّ القبور محلنا.

والقيامة(1) موعدنا، واللّهَ عارضُنا، إنّ عليّاً بابٌ، مَن دخله كان مؤمناً(2)، ومَن خرج عنه كان كافراً.(3)

لندخل هذا الباب

{7}

[319] روي أنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

يا بني! قم فاخطب حتّى أسمع كلامك.

فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :

الحمد للّه الواحد بغیر تشبيه، الدائم بغير تكوین، القائم بغیر كُلفه، الخالق بغیر مَنصبَة، الموصوف بغیر غاية ، المعروف بغير محدوديّبة، العزيز لم يزل قديماً في القِدَم، ردعت القلوب لهيبته ، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته.

فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته ، ولا يبلُغ الناسُ كنهَ جلالِه ، ولا يُفصح الواصفون منهم لِكُنه عظمتِه، ولا تَبلُغُه العلماءُ بالبابِها، ولا أهلُ التفكّر بتدبير أُمورها، أعلم خلقه به الّذي بالحدّ لا يصفُه، يُدركُ الأبصارَ ولا تُدركهُ الأبصار، وهو اللطيفُ الخبير.

أما بعدُ، فإنّ عليّاً بابٌ مَن دخله كان مؤمناً، ومَن خرج منه كان كافراً،

ص: 314


1- في النزهة : والقيام موعدنا.
2- في النزهة : كان آمناً مؤمناً.
3- نزهة الناظر وتنبيه الخواطر ص 72 ح 17 وكشف الغمّة ج 2 ص 198، وبحار الأنوار ج75 ص 112 ح6 وص 114 ح 8. العدد القويّة ص 38 رقم 48 وفيه : فقام (أبوه عليه السلام)، فالتزمه وقال : بأبي أنت وأُميّ « ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

أقولُ قولي هذا، وأستغفر اللّه العظيم لي ولكم.(1)

مكانة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)

{8}

[320] قال بعد التحميد والتصلية والتسليم :

نحنُ فيكم كالسماء المرفوعة، والأرض المدحُوّة، والشمس الضاحية ، وكالشجرة الزيتونَة، لا شرقيّة ولا غربيّة الّتي بورك زيتُها.

النبيّ أصلُها، وعليّ فرعُها، ونحنُ واللّه ثمرةُ تلك الشجرة، فمَنْ تعلَّق بغُصنٍ مِن أغصانِها نَجا، ومَن تخلّف عنها فإلى النار هَوی.

فقام أميرُالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أقصى الناس، يَسْحَبُ رداءَه من خلفِه ، حتّى علا المنبرَ مع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقبّلَ بينَ عينيه، ثمّ قال : يابن رسولِ اللّه أثبتَّ على القومِ حُجّتَك وأوجبتَ عليهم طاعتَك، فويل لمن خالفك. (2)

ص: 315


1- أورده العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار ج43 ص350 ح 24 ، والمحدّث البحراني في «العوالم» ج16 ص 126 ح 5 عن تفسیر فرات بن إبراهيم الكوفي بهذا الإسناد: أبو جعفر الحسني (وفي العوالم : الحسيني)، والحسن بن حُباش، معنعناً عن جعفر بن محمد (عَلَيهِم السَّلَامُ). قال : قال عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا بنُيّ قم فاخطب حتّى أسمع كلامك، فقال : يا أبتاه كيف أخطب وأنا أنظر إلى وجهك؟ أستحيي منك. قال : فجمع عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُمّهات أولاده، ثمّ توارى عنه حيث يسمع كلامه فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : الحمد للّه الواحد بغیر تشبيه... فقام عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقبّل بين عينيه ثمّ قال : « ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ». (سورة آل عمران : الآية 34)
2- عوالم العلوم والمعارف : ج16 ص 129 عن «العدد القويّة».

في فضل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)

{9}

[321] رُوي أنّه طعن أقوامٌ من أهلِ الكوفة في الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالوا : إنّه عيّ لايقوم بحجّةٍ، فبلغ ذلك أميرَ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدعا الحسنَ فقال : يابن رسول اللّه إنّ أهلَ الكوفة قد قالوا فيك مقالةً أكرهها، فأخبر الناس، فقال : يا أمير المؤمنين لا أستطيع الكلامَ وأنا أنظر إليك.

فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّي متخلّف عنك، فنادِ أنّ الصلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون، فصعد المنبرَ فخطب خطبةً بليغةً وجيزة، فضجّ المسلمون بالبكاء ، ثمّ قال :

أيّها الناسُ ! إعقِلوا عن ربّكم، إنَّ اللّهَ عزّوجلّ اصطفى آدم ونوحاً وآلً إبراهيم وآلَ عمرانَ على العالَمين، ذريّةً بعضُها مِن بعض واللّه سميعٌ عليم. (1)

فنحنُ الذريّةُ مِن آدم، والأسرةُ من نوح، والصفوةُ مِن إبراهيم، والسُلالةُ مِن إسماعيل، وآلٌ مِن محمّد صلّى اللّه عليه وآله.... الخبر.(2)

قراءة سورة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{10}

[322] عن أبي رزين، قال : خطبنا الحسنُ بنُ عليّ يومَ جُمعة، فقرأ سورة إبراهيم على المنبر حتّى ختمها.(3) ،(4)

ص: 316


1- مقتبسة من سورة آل عمران : الآية 33 - 34.
2- عدد القويّة ص 32 وعنه بحار الأنوار: ج 43 ص 358 ح 37.
3- سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 262: شريك ، عن عاصم...
4- أورده ابن كثیر 8 / 19عن ابن سعد : أخبرنا أبو نعيم بهذا الإسناد :

من خطبة له (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الموعظة

{11}

[323] عن الحرمازي : خطب الحسنُ بنُ علي بالكوفة ، فقال :

إنّ الحِلمَ زينة، والوقارَ مروءة، والعجلةَ سَفَه، والسفه ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شَين، ومخالطة الفُسّاق ريبة.(1)

في قدرة اللّه تعالی

{12}

[324] كتاب النجوم : روى ابن جمهور العميّ في كتاب الواحدة في أوائل أخبار مولانا الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) من خطبة له في صفة النجوم ما هذا لفظه :

ثمّ أجرى في السماء مصابيح ضوؤها في مفتحه وحارثها بها وجال شهابها في نجومها الدراري المضيئة الّتي لولا ضوؤها ما أنفذت أبصار العباد في ظلم الليل المظلم بأهواله المدلهمّ بحنادسه وجعل فيها أدلّة على منهاج السُبل لما أحوج إليه الخليقة من الإنتقال والتحوّل والإقبال والإدبار.(2)

ص: 317


1- سير أعلام النبلاء : ج 3 ص 263 عن الحرمازي. وأورده ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ص167 بإسناده : أخبرنا أبو نصر ابن رضوان، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أبو بكر ابن المرزبان، أخبرني أبو يعقوب النخعي، حدّثني الحرمازي قال : خطب الحسن بن علي بالكوفة فقال: إعلموا يا أهل الكوفة! إنّ الحلم زينة، والوفاء مروءة، والعجلة سفه، والسف ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين، ومخالطة أهل الفسوق ريبة.
2- بحار الأنوار : ج 58 ص92 ح 12.

في تقوى اللّه عزّوجلّ

{13}

[325] أيّها الناس! إنّه من نصح للّه وأخذ قوله دليلاً هُديَ للّتي هي أقوم، ووفّقه اللّه للرشاد، وسدّده للحُسنى، فإنّ جار اللّه آمنٌ محفوظ، وعدوّه خائف مخذول، فاحترسوا من اللّه بكثرة الذكر، واخشوا اللّه بالتقوى، وتقرّبوا إلى اللّه بالطاعة فإنّه قريبٌ مجيب ، قال اللّه تبارك وتعالى : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(1). فاستجیبوا للّه وآمِنوا به، فإنّه لا ينبغي لمَن عرف عظمة أن يتعاظم، فإنّ رفعة الّذين يعلمون عظمة اللّه أن يتواضعوا و[عزّ] الّذين يعرفون ما جلال اللّه أن يتذلّلوا [له] وسلامة الّذين يعلمون ما قُدرة اللّه أن يستسلموا له، ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة ، ولا يضلوا بعد الهُدی.(2)

واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التُقى حتّى تعرفوا صفة الهدى(3) ولن تمسّكوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الّذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتّى تعرفوا الّذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على اللّه والتحريف، ورأيتم كيف يهوي من يهوي، ولا يجهلنّكم الّذين لا يعلمون. والتمسوا ذلك عند أهله، فإنّهم خاصّة نور يُستضاء بهم، وأئمّة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الّذين أخبركم حلمهم عن

ص: 318


1- سورة البقرة: الآية 186.
2- في بعض النسخ : ولا ينكرن أنفسهم بعد المعرفة ولا يضلن بعد الهدى.
3- في بعض النسخ : حتّى تعرفوا بصبغة الهدى.

جهلهم (1) وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. وقد خلت لهم من اللّه سنّة(2) ومضى فيهم من اللّه حُكم، إنّ في ذلك لذكرى للذاكرین، واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته ولا تعقلوه عقل روايته، فإنّ رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، واللّه المستعان.(3)

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الجمل

{14}

[326] الحمدُ للّه العزيز الجبّار الواحد القهّار، الكبير المتعال، سواءٌ منكم من أسرّ القولَ ومَن جَهَرَ به ومَن هو مُستَخفٍ بالليلِ وسارِبٌ بالنهار ، أحمَدُه على حُسن البلاء وتظاهر النَعماء، وعلى ما أحببنا وكرهنا، من شِدّة ورَخاء.

وأشهدُ أن لا إله إلا اللّه، وحدَه لا شريك له، وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه، إمتنّ علينا بنبوّته، واختصّه برسالته، وأنزل عليه وحيه، واصطفاه على جميعِ خَلقِه، وأرسله إلى الإنسِ والجنّ، حينَ عُبِدَت الأوثان وأُطيع الشيطان وجُحِد الرحمانُ، فصلّى اللّه عليه آله وجزاهُ أفضلَ ما جزى المُرسَلین.

أما بعدُ، فإنّي لا أقولُ لكم إلّا ماتعرفون، إنّ أميرَ المؤمنين عليّ بن

ص: 319


1- كذا. ولعلّ الضمير في «جهلهم» راجع إلى المخالفين كما يظهر من السياق والمعنى أخبركم حلمهم عن جهل مخالفيهم، أو عن عدم جهلهم، أو أنّه تصحيف «جهدهم». وفي الروضة : هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حكمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم الخ».
2- في بعض النسخ : «من اللّه سبقة».
3- التحف : ص 333. وعنه بحار الأنوار : ج 78 ص 105.

أبي طالب أرشدَ اللّهُ أمرَه وأعزَّ نَصرَه، بَعَثَنَي إليكم يدعوكم إلى الصواب وإلى العمل بالكتاب والجهاد في سبيل اللّه، وإن كان في عاجل ذاك ما تكرهون، فإنّ في آجله ما تُحِبّون، إن شاء اللّه.

وقد علمتم أنّ عليّاً صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وحده، وأنّه يوم صدّق به لفي عاشرةٍ من سِنّه ، ثمّ شهِدَ مع رسول اللّه جميعَ مشاهِدِه، وكان مِن إجتهادِه في مرضاتِ اللّه وطاعةِ رسولِه وآثاره الحَسَنَةِ في الإسلام ماقد

بلغكم.

ولم يزل رسولُ اللّه راضياً عنه حتّى غمّضه بيده وغسّله وحدَه، والملائكةُ أعوانُه والفضلُ ابنُ عمّه ينقُلُ إليه الماء، ثمّ أدخلَه حُفرَتَه وأوصاُه بقَضاءِ دَيْنِه وعِداتِه، وغير ذلك مِنْ مَنّ اللّه عليه.

ثمّ واللّه ما دعاهُم إلى نَفْسِه، ولقد تداك الناسُ عليه تداك الإبل الهيمِ عندَ ورودِها، فبايَعوهُ طائعين، ثمّ نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ولا خلاف أتاه ، حَسَداً له وبغياً عليه.

فعلیكم عبادَ اللّهِ بتقوى اللّه والجِدّ والصبر والإستقامة باللّه، والخُفُوفِ إلى ما دعاكم إليه أميرُ المؤمنین.

عَصَمَنا اللّه وإيّاكُم بما عَصَمَ به أولياءَه وأهلَ طاعتِه، وألهَمَنا وإيّاكُم تَقواه، وأعانَنا وإيّاكُم على جِهادِ أعدائه ، أستغفرُ اللّهَ العظيمَ لي ولكم.(1)

ص: 320


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 14 ص 11 عن أبي مخنف لوط بن يحيى المتوفّى(157 ه) قال : قال أبو مخنف : وحدّثني جابر بن یزید، عن تمیم بن حذيم قال : قدم علينا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمّار بن ياسر يستنفر ان الناس إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعهما كتابه فلمّا فرغا من كتابه قام الحسن - وهو فتى حدث واللّه إنّي لأرثي له من حداثة سنّه وصعوبة مقامه فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون : اللّهمّ سدّد منطق ابن بنت نبيّنا - فوضع يده على عمود يتساند إليه وكان عليلاً من شكوى به فقال :...

جئنا ندعوكم إلى اللّه

{15}

[327] روي أنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعث إلى الكوفة الحسن ابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبعض أصحابه ، ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة.

فلمّا دخل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمّار الكوفة اجتمع إليهما الناس، فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستنفر الناس، فحمد اللّه وصلّى على رسوله، ثمّ قال :

أيّها الناس! إنّا جئنا نَدعوكم إلى اللّه وإلى كتابِه وسنّة رسولِه وإلى أفقَه من تفقّه مِن المسلمين، وأعدَل مَن تُعَدِّلون، وأفضلِ مَن تُفَضِّلون، وأوفى من تبايعون، مَن لم يعيه القرآنُ ولم تُجهِلْه السُنّة، ولم تَقعُدْ بِه السابقةُ، إلى مَن قرّبهُ اللّه إلى رسوله قرابتين ، قرابةَ الدينِ وقرابةَ الرحمِ، إلى مَن سبق الناسَ إلى كلّ ماثُرة.

إلى مَن كفى اللّهُ به رسولَه، والناسُ مُتَخاذِلون، فقَرُبَ مِنه وهم مُتَباعِدون، وصلّى معه وهم به مُشرِكون، وقاتَلَ معه وهم منهزِمون، وبارَزَ معه وهم مُحْجِمون، وصدّقه وهم مُكذِّبون، إلى من لم تُردُّ له رواية ، ولاتُكافِيءُ له سابقة.

وهو يسألكم النصرَ ويدعوكم إلى الحقّ، ويسألكم بالمسير إليه، لتوازروه وتَنصُروه على قومٍ نَكَثوا بيعتَه، وقتلوا أهلَ الصلاحِ مِن أصحابه ، ومثّلوا بعُمّاله، وانتَهَبوا بيت مالِه.

فأشخِصُوا إليه رحِمَكُم اللّه، فمُروا بالمعروف وانهَوا عن المنكر ، واحضُروا بما يحضُرُ بهِ الصالِحُون.(1)

ص: 321


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المتوفّي 665 ه ج 14 ص 11 عن أبي مخنف، عن موسی بن عبدالرحمن بن أبي ليلي، عن أبيه قال : أقبلنا مع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وعمّار بن یاسر من ذي قار حتّى نزلنا القادسيّة، فنزل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمار، ونزلنا معهما، فاحتبی عمّار بحمائل سيفه ، ثمّ جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم... إلى أن قال " فلمّا دخل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمّار الكوفة... الخبر. وعنه بحار الأنوار : ج32 ص 87 - 88.

في ردّ ابن الزبير

{16}

[328] لمّا بلغ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطبة عبداللّه بن الزبير(1) قال لولده الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قم يا بني فاخطب، فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال :

أيّها الناس! قد بلغَنا مقالةُ ابن الزُبير ، وقد كان واللّه أبوه يتجنّى (2) على عثمانَ الذُنوب، وقد ضيَّق عليه البلادَ حتّى قُتِل، وإنّ طلحةَ راكزَ(3) رايته على بيت ماله، وهو حيّ.

وأمّا قولُه : إنّ عليّاً ابتزّ الناسَ أُمورَهم، فإنّه أعظمُ حُجّةً لأبيه، زعم أنه بایعه بيده، ولم یبایعه بقلبه، فقد أقرّ بالبيعة وادّعى الوليجة(4) ، فليأتِ على

ص: 322


1- ) هو عبداللّه بن الزبير بن العوام، أُمّه أسماء بنت أبي بكر، ولد سنة (1ه) و كان من المبغضين لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن الّذين أوقدوا نار الحرب في وقعة الجمل وأضلّ أباه الزبير، بويع له بالخلافة عقيب هلاك يزيد سنة (64) ونشأت بينه وبين الحجّاج الثقفي حروب انتهت بمقتله سنة (73)؛ تاریخ الخمیس ج2 ص301؛ الكنى والألقاب ج 1 ص 294.
2- «تجنّی فلان على فلان ذنباً: إذا تقوّله عليه وهو بريءٌ» - لسان العرب: 14 / 154 (جنى).
3- ) «ركز الرمح يركزه: غزره في الأرض منتصباً، وكذا غير الرمح» تاج العروس (ركز) والظاهر أنّه لم يستعمل من باب المفاعلة.
4- قال ابن الأثير : في حديث عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) «أقرّ بالبيعة وإدّعى الوَليجَة» وَليجة الرجل : بطانته ودُخَلاؤه وخاصته. النهاية : ج 5 ص 224 (ولج).

ما ادّعاه ببُرهان وأنّى له ذلك؟!

وأمّا تعجّبُه مِن تورّدِ أهل الكوفِة على أهلِ البصرة، فما عجبُه مِن أهل حقِّ تورَّدوا على أهل الباطل ؟ ولَعَمْري واللّه ليعلمَنَّ أهلُ البصرةِ، فمیعادُ ما بينَنا وبينَهم يومَ نُحاكِمُهُم إلى اللّه، فيَقْضي اللّهُ بالحقّ، وهو خيرُ الفاصِلين.(1)

في الحث على الجهاد

{17}

[329] روي أنّه لمّا سار علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة إلى فيد، بعث الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمّار وابن عبّاس إلى الكوفة، لمّا دخلوا المسجد صعد الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ ذكر جدّه فصلّى عليه، وذكر فضل أبيه وسابقته وقرابته برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وأنّه أولى بالأمر من غيره، ثمّ قال :

ص: 323


1- الجُمَل للمفيد (قدّس سرّه) ص 329 وفيه: فلمّا فرغ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من كلامه قام رجل يقال له : عمر بن محمود، فقال شعراً يمدح الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيه على خطبته. وفي «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد ج1 ص146 : وقال عمرو بن أحَيْحَة يوم الجمال في خطبة الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، بعد خطبة عبداللّه بن الزبير : حَسَنُ الْخَيْرِ يَا شَبِيهَ أَبِيهِ*** قُمْتَ فِينَا مَقَامَ خَيْرِ خَطِيبٍ قُمْتَ بِالْخُطْبَةِ الَّتِي صَدَعَ اللَّ ***هُ بِهَا عَنْ أَبِيكَ أَهْلَ الْعُيُوبِ وَ كَشَفْتَ الْقِنَاعَ فَاتَّضَحَ الْأَمْ***رُ وَ أَصْلَحْتَ فَاسِدَاتِ الْقُلُوبِ لَسْتَ كَابْنِ الزُّبَيْرِ لَجْلَجَ فِي الْقَوْ***لِ وَ طَأْطَأَ عِنَانَ قِيلٍ مُرِيبٍ وَ أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقُومَ بِمَا قَا***مَ بِهِ ابْنُ الْوَصِيِّ وَ ابْنُ النَّجِيبِ إِنَّ شَخْصاً بَيْنَ النَّبِيِّ لَكَ الْخَيْ***رُ وَ بَيْنَ الْوَصِيِّ غَيْرُ مَشُوبٍ راجع أيضاً الفتوح: م 1 ص 470۔ 471. وجاءت فيه الأبيات أكثر من هذا.

معاشرَ الناس! إنّ طلحةَ والزُبيرَ قد بايعا عليّاً طائعَينَ غيرَ مُكْرَهَين، ثمّ نَفَرا ونكثا بيعتَهُما له، فطوبى لمَن خفّ في مُجاهَدَةِ مَن جاهَدَه، فإنّ الجِهادَ معه كالجِهادِ مع النبي (صلّى اللّه عليه وآله).(1)

أجيبوا دعوتنا

{18}

[330] قال : ثمّ وثب الحسن بن علي فقال : أيّها الناس! إنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما قد بلينا به، فواللّه إنّي لأعلم أنّ من سمع بهذا الأمر ولم يكن إلّا مع الحق أنه لسعيد.

قال : فوثب الهيثمّ بن مجمع العامري(2) فقال : أيّها الناس! إنّ أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله وهذا ابنه الحسن فاسمعوا قوله وأطيعوا أمره وانفروا إلى أميركم وأشيروا عليه برأيكم.

قال : فأجاب الناس إلى ذلك ونفر من أهل الكوفة تسعة آلاف ومائتا رجل(3) فأخذ بعضهم في البرّ وبعضهم في البحر حتّى قدموا على علي بن أبي طالب، فاستقبلهم علي (رضي اللّه عنه) ورحّب بهم وأدناهم وحيّاهم، ثمّ قال : يا أهل الكوفة ! إنّكم ولیتم شوكة الأعاجم وملوكهم ففضضتم جموعهم

ص: 324


1- الجُمَل للمفيد (قدّس سرّه) ص 263.
2- في الطبري : 5 / 189 وابن الأثير : 2/ 329 هند بن عمرو.
3- في الطبري وابن الأثير : قريب من تسعة آلاف، أخذ في البر ستة آلاف ومائتان، وأخذ في الماء ألفان وأربعمائة. وفي مروج الذهب 2 / 396 نحو من سبعة آلاف. وفي تاريخ خليفة ص 184 مابين الستة آلاف إلى السبعة.

وهدمتم عزّهم، حتّى صارت إليكم مواريثهم وأموالهم، ثمّ منعتم(1) حوزتكم وأعنتم الناس على عدوّهم ؛ وقد دعوتكم الآن لتشهدوا معنا إخواننا هؤلاء من أهل البصرة، فإن يتّقوا اللّه ويرجعوا فذلك ما تريدون وأن أبوا ذلك نداويهم(2) باللين والشدّة، ولسنا ندع أمراً فيه صلاح إلّا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء اللّه ولا قوّة إلّا باللّه.

قال : فاجتمع الناس بذي قار مع علي بن أبي طالب ستّة آلاف من أهل المدينة وأهل مصر وأهل الحجاز وتسعة آلاف(3) من أهل الكوفة، وجعل الناس يجتمعون حتّى صاروا في تسعة عشر ألف رجل من فارس وراجل، وسار علي (رضي اللّه عنه) عن ذي قار يريد البصرة في جميع أصحابه والناس يتلاحقون به من كلّ أوب.(4)

سیروا إلى إخوانكم

{19}

[331] يا أيّها الناس! أجيبوا دعوةَ أميرِكم، وسيرو إلى إخوانِكم، فإنّه سیوجَدُ لهذا الأمر مَن يَنْفُرُ إليه، واللّه لأن يَلِيَه أُولوا النُهئ أمثَلُ في العاجلة وخيرٌ في العاقبة، فأجيبوا دَعْوَتَنا وأعينُونا على ما ابتُلينا به وابتُليتُم.(5)

ص: 325


1- الطبري: 5/ 190 فأغنيتم
2- الطبري : داويناهم بالرفق وبایناهم حتّى يبدؤنا بظلم.
3- أُنظر ما سبق.
4- الفتوح لابن اعثمّ الكوفي، ج 4 ص 460 - 461.
5- تاريخ الطبري : ج 3 ص 499 سنة (36) أيّام العرب في الإسلام ص 354 وفيه: جاء زید بن صوحان بكتب عائشة فقرأها على الناس، فثاروا وافترقوا فريقين، فقام الحسن بن عليّ فقال : الخبر. وفي ذيله : ولمّا استتمّ كلامه أجاب الناس ورضوا به، قال لهم الحسن : إنّي غادٍ فمن شاء منكم أن يخرج معي على الظهر، ومن شاء فليخرج في الماء. فنفر من أهل الكوفة تسعة آلاف بعضهم البرّ، وأخذ بعضهم الماء.

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الهداية

{20}

[332] لمّا بلغ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما كان من أمر أبي موسى في تخذيل الناس عن نصرته، أنفذ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأشتر وعمّار إلى الكوفة.

لمّا دخلوا المسجد صعد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر جدّه فصلّى عليه ، ثمّ قال :

أيّها الناس! إنّ عليّاً أميرَ المؤمنين بابُ هدىً، فَمَنْ دَخَلَهُ اهْتَدى ، وَ مَنْ خَالَفَهُ تَرَدّی.(1)

إن أمير المؤمنين يقول :

{21}

[333] أيّها الناسُ! إنّ أميرَ المؤمنين يقولُ:

إنّي خرجتُ مَخرجَي هذا ظالماً أو مظلوماً، وَ إِنِّي أُذكِّرُ اللَّهَ عزّوجلّ رَجُلًا رَعَى لِلَّهِ حَقّاً إِلَّا نَفَرَ ، فإنْ كُنتُ مظلوماً أعانَني، وإن كُنتُ ظالِماً أخذ مِنّي، واللّهِ إنّ طلحة والزُبير لأوَّلُ من بايعني، وأوّلُ من غَدَر ، فهل استأْثرتُ

ص: 326


1- الجُمَل في النصرة لسيّد العترة في حرب البصرة، تأليف الشيخ المفيد محمّد بن محمّد النعمان المتوفّى(413ه) ص 253.

بمالٍ أو بدّلتُ حُكْماً، فانفِروا، فمُروا بمعروف وانهَوا عن مُنكر.(1)

فضل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)

{22}

[334] روي أنّه لمّا فرغ عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من حرب الجمل، عرض له مرض وحضرت الجمعة فتأخّر عنها، وقال لابنه الحسن: انطلق يا بني فاجمع بالناس. فأقبل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المسجد، فلمّا استقرّ على المنبر حمد اللّه وأثنى عليه وتشهّد وصلّى على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ثمّ قال :

أيّها الناس! إنّ اللّهَ اختارَنا لنفسِه، وارتَضانا لِدينِه، واصطَفانا على

ص: 327


1- تاريخ الطبري 3 / 499 - 500 (أحداث سنة 36 ه) وفيه : حدّثني عمر بن شبّة، قال : حدّثنا أبو الحسن، قال : حدّثنا بشیر بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه، قال : خرج هاشم بن عتبة إلى عليّ بالربذَة، فأخبره بقُدوم محمّد بن أبي بكر وقول أبي موسى، فقال : لقد أردتُ عزله، وسألني الأشترُ أن أُقرّه علي هاشماً إلى الكوفة وكتب إلى أبي موسى : إنّي وجّهتُ هشام بن عتبة ليُنهض مَن قبَك من المسلمين إليّ، فأشخِص الناس فإنّي لم أِولّك الّذي أنت به إلّا لتكون من أعواني على الحّق، فدَعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري، فقال له : ما ترى؟ قال : أرى أن تتبع ما كتب به إليك، قال : لكني لا أرى ذلك. فكتب هاشم إلى عليّ : إني قد قدمتُ على رجُل غال مشاقّ ظاهر الغلّ والشنآن. وبعث بالكتاب مع المُحلّ بن خليفة الطائي. فبعث عليّ الحسن بن عليّ وعمّار ابن ياسر يستنفران له الناس، وبعث قَرظَة بن كعب الأنصاري أميراً على الكوفة، وكتب معه : إلى أبي موسى: أمّا بعد، فقد كنت أرى أن بعدك (خل تعذب) من هذا الأمر الّذي لم يجعل اللّه عزّوجلّ لك منه نصيباً سيمنعك من ردّ أمري، وقد بعثتُ الحسن بن عليّ وعمّار بن یاسر يستنفر ان الناس، وبعثتُ قرظَة بن كعب والياً على المصر، فاعتزل عَمَلُنا مذموماً مدحوراً، فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن ينابذك، فإن نابذتَه فظفر بك أن يقطّعك آراباً ، فلمّا قدم الكتاب على أبي موسى إعتزل، ودخل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمّار المسجد فقالا :......

خَلْقه، وأنزَلَ علينا كتابَه ووحيَه، وأيمُ اللّه لا ينقُصُنا أحدٌ مِن حقِّنا شيئاً، إلّا إنتَقَصَهُ اللّهُ مِن حقّه في عاجِلِ دُنياهُ وآخِرَتِه، ولا يكونُ علينا دولةٌ إلا كانت لنا العافيةُ، «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ».(1)

ثمّ جمع بالناس وبلغ أباه كلامه، فلمّا انصرف إلى أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) نظر إليه ، فما ملك عبرته أن سالت على خدّيه ، ثمّ استدناه إليه فقبّل بين عينيه وقال : بأبي أنت وأمي« ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(2).(3)

إن تنصروا الله..

{23}

[335] أيّها الناس! إنّه قد كان من أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما تكفیكم جملتُه، وقد أتيناكم مستَنفِرين لكم، لأنّكم جبهةُ الأمصار ورؤساءُ العرب.(4)

وقد كان مِن نقضِ طلحة والزُبير بيعتَهُما وخروجِهِما بعائشةَ ما قد بلغكم، وهو ضعفُ النساء(5)وضعفَ رأيهنّ، وقد قال اللّهُ تعالى : «الرِجالُ قَوّامُونَ

ص: 328


1- سورة ص : الآية 88.
2- سورة آل عمران : الآية 34.
3- أمالي الشيخ : ج 1 الجزء الرابع ح13 عن أبي عبداللّه محمّد بن محمد، عن عليّ بن محمّد الكاتب ، عن الحسن بن علي الزعفراني، عن أبي إسحاق الثقفي، عن العبّاس بن بكار الضبّي، عن أبي بكر الهذلي، عن محمّد بن سیرین، عن غير واحد من مشايخ أهل البصرة أنّه لمّا فرغ....
4- جبهة الانصار و سنام العرب (خل).
5- وهي من النساء (خل).

عَلَى النِسَاءِ». (1)

وأيمُ اللّه لو لم ينصرْه أحدٌ لرجوتُ أن يكونَ له فيمَن أقبلَ معه مِن المهاجرين والأنصار، ومَن يَبعَثُ اللّهُ له مِن نُجَباءِ الناسِ كفايةٌ، فانصُروا اللّهَ ينصُركُم.(2)

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صفّين

{24}

[339] الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ إِنَّ مِمَّا عَظَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِهِ مَا لَا يُحْصَى ذِكْرُهُ وَ لَا يُؤَدَّى شُكْرُهُ وَ لَا يَبْلُغُه صِفَةٌ وَ لَا قَوْلٌ.

وَ نَحْنُ إِنَّمَا غَضِبْنَا لِلَّهِ وَ لَكُمْ فَإِنَّهُ مَنَّ عَلَيْنَا بِمَا هُوَ أَهْلُهُ أَنْ نَشْكُرَ فِيهِ آلَاءَهُ وَ بَلَاءَهُ وَ نَعْمَاءَهُ قَوْلا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ فِيهِ الرِّضَا وَ تَنْتَشِرُ فِيهِ عَارِفَةُ الصِّدْقِ يُصَدِّقُ اللَّهُ فِيهِ قَوْلَنَا وَ نَسْتَوْجِبُ فِيهِ الْمَزِيدَ مِنْ رَبِّنَا قَوْلًا يَزِيدُ وَ لَا يَبِيدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ قَوْمٌ قَطُّ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ إِلَّا اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ وَ اسْتَحْكَمَتْ عُقْدَتُهُمْ فَاحْتَشِدُوا فِي قِتَالِ عَدُوِّكُمْ مُعَاوِيَةَ وَ جُنُودِهِ فَإِنَّهُ قَدْ حَضَرَ وَ لَا تَخَاذَلُوا فَإِنَّ الْخِذْلَانَ يَقْطَعُ نِيَاطَ الْقُلُوبِ وَ إِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْأَسِنَّةِ نَجْدَةٌ وَ عِصْمَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِع قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعِلَّةَ وَ كَفَاهُمْ جَوَائِحَ الذِّلَّة وَ هَدَاهُمْ إِلَى مَعَالِمِ الْمِلَّة.

والصُلحُ تأخُذُ مِنْهُ مارَضيتَ بِه.

ص: 329


1- سورة النساء : الآية 34.
2- بحار الأنوار : ج 32 ص 73 ح 48 عن الأمالي ص 87 بإسناده عن أحمد بن محمّد بن الصلت، عن ابن عقدة ، عن جعفر بن عبداللّه العلوي، عن عمّه القاسم بن جعفر ، عن عبداللّه بن محمّد العلوي، عن أبيه، عن عبداللّه بن أبي بكر، عن أبي جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وَ الْحَرْبِ يَكْفِيكَ مِنْ أَنفَاسِهَا جُرَع.(1)

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد التحكيم

{25}

[337] أيّها الناس! إنّكم قد أكثرتم في أمر عبداللّه بن قيس وعمرو بن العاص، فإنّما بُعِثا ليحكما بكتاب اللّه، فحكما بالهوى على الكتاب ، ومَن كان هكذا لم يُسَمّ حَكَماً، ولكنّه محكومٌ عليه.

وقد أخطأ عبدُ اللّهِ بن قيس في أن أوصى بها إلى عبداللّه بن عمر، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال : في أنّ أباه لم يرضه لها، وفي أنّه لم يستأمره، وفي أنّه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصارُ الّذين نفّذوها لمَن بعدَه، وإنّما الحكومةُ فرضٌ مِن اللّه.

وقد حكّم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) سَعداً في بَني قُرَيظة، فحَكَم فيهم بحكم اللّه لا شكّ فيه، فنقّذ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) حُكمَه، ولو خالف ذلك لم يجره.(2)

في الترغيب والتحذير

{26}

[338] أنّ الناس أتوا الحسن بن علي بعد وفاة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليبايعوه ، فقال :

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَ خَصَّ مِنْ فَضْلٍ وَ عَمَّ مِنْ أَمْرٍ وَ جَلَّل

ص: 330


1- أخرج هذه الخطبة نصر بن مزاحم المنقري الكوفي المتوفّى(212 ه) في «وقعة صفّين» ص 114 وعنه بحار الأنوار ج 32 ص 405.
2- بحار الأنوار: ج 33 ص 393.

مِنْ عَافِيَةٍ حَمْداً يُتَمِّمُ بِهِ عَلَيْنَا نِعَمَهُ وَ نَسْتَوْجِبُ بِهِ رِضْوَانَهُ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَ فِتْنَةٍ وَ كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ عَنْهَا كَيْمَا نَعْتَبِرَ فَقَدَّمَ إِلَيْنَا بِالْوَعِيدِ كَيْ لَا يَكُونَ لَنَا حُجَّةٌ بَعْدَ الْإِنْذَارِ فَازْهَدُوا فِيمَا يَفْنَى وَ ارْغَبُوا فِيمَا يَبْقَى وَ خَافُوا اللَّهَ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ إِنَّ عَلِيّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الْمَحْيَا وَ الْمَمَاتِ وَ الْمَبْعَثِ عَاشَ بِقَدَرٍ وَ مَاتَ بِأَجَلٍ وَ إِنِّي أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تُسَالِمُوا مَنْ سَالَمْتُ وَ تُحَارِبُوا مَنْ حَارَبْتُ فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ.(1)

ومن خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد شهادة أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ)

{27}

[339] عن فطن بن خليفة : أن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) لمّا أُصيب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قام في الناس خطيباً، فقال :

الحمدُ للّه وهو للحمد أهل، الّذي منّ علينا بالإسلام وجعل فينا النبوّةَ والكتابَ واصطفاه على خلقه، فجعلَنا شهداء على الناس.(2)

ص: 331


1- التوحيد للصدوق: ص 377 ح 24 قال : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال : أخبرني الحارث بن أبي أُسامة قراءةً، عن المدائني، عن عوانة بن الحكم؛ وعبداللّه بن العباس بن سهل الساعدي، وأبي بكر الخراساني مولى بني هاشم، عن الحارث بن حصيرة، عن عبدالرحمن بن جندب ، عن أبيه وغيره، أنّ الناس...
2- تیسیر المطالب، للسیّد یحیی بن الحسين المتوفّى(424ه) : حدّثنا إسماعیل بن يحيى بن عبداللّه...

لقد أصيبت البلاد

{28}

[340] قال ابن حاتم : فلمّا غيّبه الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما)، صعد المنبر، فجعل يريد الكلام، فخنقته العبرة؛ (قال رجل : فرأيته كذلك وأنا في أصل المنبر أنظر إليه وكنت من أنزر الناس دمعة، ما أقدر أن أبكي من شيء، فلمّا رأيت الحسن يريد الكلام، وتخنقه العبرة) صرت بعد من أغزر الناس دمعة، ما أشاء أن أبكي من شيء إلّا بكيت، قال : ثمّ إنّ الحسن إنطلق ، فقال :

الحمدُ للّه ربّ العالمين، وإنّا للّه وإنا إليه راجعون، نحتسب عند اللّه مصابنا بأبينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فإنّا لن نُصاب بمثله أبداً، ونحتسب عند اللّه مصابنا بخير الآباء بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ألا إنّي لا أقول فيه الغداة، إلّا حقّاً، لقد أُصيبت به البلاد والعباد والشجر والدابّ، فرحم اللّه وجهه وعذّب قاتله.

ثمّ نزل فقال : عليّ بابن ملجم، فأُتي به فإذا رجل واضح الجبين والثنايا له شعر وارد ( أي طويل ) يخطر به حتّى وقف، فلم يسلّم.

فقال : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين وخير الناس بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟

فقال : يا حسن ! دعني الخ.

رواه في «المعمّرون والوصايا» (ص 151 ط دار الاحياء لعيسى الحلبي). (1)

خطبته في تأبين أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ)

{29}

[341] فلمّا كان الغد أذّن الحسن وأقام، وتقدّم فصلّى بالناس صلاة الفجر، ثمّ وثب فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال :

ص: 332


1- ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 193.

أيّها الناس ! من عرفني فقد عرفني، ومن جهلني أنبأته بإسمي على أنّ الناس بي عارفون.

أيّها الناس!(1) قد دفن في هذه الليلة رجل لم يدركه الأوّلون بعلم ولا الآخرون بحلم، ولقد كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا قدمه للحرب فجبريل عن يمينه و میكائیل عن يساره، فما يلبث أن يفتح اللّه على يديه.

أيّها الناس! إنّه ما خلف صفراء ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهم(2) قد كان أراد أن يبتاع بها لأُختي أُمّ كلثوم خادماً، وقد أمرني أن أردّها إلى بيت المال!

قال : ثمّ نزل عن المنبر، وأمر الحسن فأُتي باب ملجم من السجن، وضربه الحسن على رأسه ضربة(3) وبادرت إليه الشيعة من كلّ ناحية فقطعوه بسيوفهم إرباً إرباً. وفي ذلك يقول العبدي(4):

فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة***كمهر قطام بيّناً غير مبهم(5)

ثلاثة آلاف وعبداً(6) و قينة(7)*** وضرب عليّ بالحسام المسمَّم(8)

ص: 333


1- الطبري : 6 / 91 ؛ ابن الأثير 2 / 442 ؛ مروج الذهب 2 / 461.
2- مروج الذهب : سبعمائة درهم.. وقال بعضهم : ترك لأهله مائتين وخمسين درهماً ومصحفه وسيفه.
3- اختلفوا في قتله. أنظر مروج الذهب:2/ 461 ؛ الكامل للمبرد : 3/ 1120؛ الكامل الابن الأثير : 2/ 436؛ الأخبار الطوال : ص 215.
4- الطبري: 6 / 87 ابن أبي إياس، وفي مروج الذهب: 2/ 458 والكامل للمبرد : 3 / 1116 نسبت لابن ملجم نفسه ، ولم تنسب في الأخبار الطوال : ص 214.
5- في الطبري والأخبار الطوال : ولم... كمهر قطام من فصيح و أعجم.
6- كذا بالأصل والأخبار الطوال، وفي بقيّة المصادر : وعبد.
7- بالأصل : فتية، وما أثبت عن المصادر.
8- في المصادر : المصمم.

فلامهر أغلى من عليّ وإن غلا*** ولا فتك إلا دون فتك(1) ابن ملجم

ليبشر بخزي في الحياة معجّل*** و طول خلود ثاوياً في جهنّم

فيأكل من الزقّوم تعساً بجدّه*** ويخلد في قعر من النار مظلم

ويشرب من الغسّاق والمهل ويله*** و سربال قطران لقلب متيّم(2)

حدّثني جدّي الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)

{30}

[342] قال :

ولقد حدّثني حبيبي جدّي رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّ الأمر يملكُه إثناعَشَرَ إماماً مِن أهل بيته وصَفوتِه ، ما منّا إلّا مقتولٌ أو مَسموم.

ثمّ نزل عن منبره، فدعا بابن ملجم(3) لعنه اللّه، فأتي له، قال : يابن رسول اللّه، إستبقني أكنْ لك، وأكفيك أمرَ عدوِّك بالشام، فعلاه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسيفِه، فاستقبل السيف بيده، فقطع خنصره، ثمّ ضربه ضربةً على يافوخِه(4) فقتله، لعنة اللّه عليه.(5)

ص: 334


1- الطبري: ولا قتل... قتل ابن ملجم.
2- الفتوح لابن اعثمّ : ج 4 ص 281 - 282.
3- هو عبدالرحمن بن ملجم المراديّ الحميريّ الفاتك، هاجر في خلافة عمر، وقرأ على معاذ بن جبل، شهد فتح مصر وسكنها، وشهد صفّين ، ثمّ صار من الخوارج وتعهّد بقتل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضربه على مقدم رأسه الشريف حال الصلاة ليلة 19 من شهر رمضان سنة (40 ه).
4- اليافوخ : الموضع الّذي يتحرّك من رأس الطفل إذا كان قريب العهد بالولادة.
5- كفاية الأثر : ص 160 وعنه البحار: ج 43، ص 363 والعوالم : ج16 ص 141.

في صفات الخالق

{31}

[343] روي أنّه لمّا قتل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رقي الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)المنبر ، فأراد الكلام، فخنقته العبرة، فقعد ساعة، ثمّ قام فقال :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَانَ فِي أَوَّلِيَّتِهِ وَحْدَانِيّاً وَ فِي أَزَلِيَّتِهِ مُتَعَظِّماً بِالْإِلَهِيَّةِ مُتَكَبِّراً بِكِبْرِيَائِهِ وَ جَبَرُوتِه ابْتَدَأَ مَا ابْتَدَعَ وَ أَنْشَأَ مَا خَلَقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ كَانَ سَبَقَ بِشَيْ ءٍ مِمَّا خَلَقَ.

رَبُّنَا الْلطیفُ بِلُطْفِ رُبُوبِيَّتِهِ وَ بِعِلْمِ خُبْرِهِ فَتَق وَ بِإِحْكَامِ قُدْرَتِهِ خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، فَلَا مُبَدِّلَ لِخَلْقِهِ وَ لَا مُغَيِّرَ لِصُنْعِهِ وَ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَ لَا مُسْتَرَاحَ عَنْ ذُنُوبِهِ.

خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، وَ لَا زَوَالَ لِمُلْكِه ، وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْ ءٍ عَلَا ، وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ دَنَا ، فَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ يُرَى ، وَ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى.

رَبُّنَا الْلطیفُ بِلُطْفِ رُبُوبِيَّتِهِ وَ بِعِلْمِ خُبْرِهِ فَتَق وَ بِإِحْكَامِ قُدْرَتِهِ خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، فَلَا مُبَدِّلَ لِخَلْقِهِ وَ لَا مُغَيِّرَ لِصُنْعِهِ وَ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَ لَا مُسْتَرَاحَ عَنْ ذُنُوبِهِ.

خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، وَ لَا زَوَالَ لِمُلْكِه ، وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْ ءٍ عَلَا ، وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ دَنَا ، فَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ يُرَى ، وَ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى.

احْتَجَبَ بِنُورِهِ وَ سَمَا فِي عُلُوِّهِ ، فَاسْتَتَرَ عَنْ خَلْقِهِ ، وَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ شَهِيداً عَلَيْهِمْ ، وَ بَعَثَ فِيهِمُ النَّبِيِّينَ ، مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ،

ص: 335

وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة وَ لِيَعْقِلَ الْعِبَادُ عَنْ رَبِّهِمْ مَا جَهِلُوهُ ، فَيَعْرِفُوهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ بَعْدَ مَا أَنْكَرُوه.

وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْسَنَ الْخِلَافَةَ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ عِنْدَهُ نَحْتَسِبُ عَزَانَا فِي خَيْرِ الْآبَاءِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وَ عِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُ عَزَانَا فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وَ لَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الشَّرْقُ وَ الْغَرْبُ ، وَ اللَّهِ مَا خَلَّفَ دِرْهَماً وَ لَا دِينَاراً إِلَّا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ ،أَرَادَ أَن يَبْتَاعَ لِأَهْلِهِ خَادِماً.(1)

في فضل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{32}

[344] أَيُّهَا النَّاسُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَزَلَ الْقُرْآنُ ، وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُفِعَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قُتِلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مَاتَ أَبِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ اللَّهِ لَا يَسْبِقُ أَبِي أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَ لَا مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ.

وَ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لَيَبْعَثُهُ فِي السَّرِيَّةِ ، فَيُقَاتِلُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَ مِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ ، وَ مَا تَرَكَ صَفْرَاءَ وَ لَا بَيْضَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ ،كَانَ يَجْمَعُهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ.(2)

ص: 336


1- كفاية الأثر : ص 160 وعنه بحار الأنوار: ج43 ص363 والعوالم : ج16 ص 141.
2- أمالي الصدوق : بإسناده عن والده، عن السعدآبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر، عن جابر ، عن الثمالي، عن حبيب بن عمرو، قال : لمّا توفّي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان من الغد، قام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ( خطيبة على المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :... وعنه بحار الأنوار: ج 43 ص 359 ح 1 والعوالم : ج1 ص136 ح 1.

الرجل لم يسبقه الأولون

(33}

[345] أيّها الناس! لقد فارقكم في هذه الليلة رجلٌ ماسبَقَه مِن المسلمين الأوّلون، ومایدر كه الآخرون، هيهات هيهات! لطالَ ماقلبتم له الأمور في مواطن بدر وأُحدٍ وحُنَين وخيبر، جرّعكم رنقاً(1) وسوّغكم(2) علقاً(3) ، فلستم بملومين على بغضكم إيّاه!

أّيها الناس! لقد فقدتم رجلاً لم يكن بالملومة في أمر اللّه، ولا النُوَمَةِ في حقّ اللّه، ولا السروقة مِن مال اللّه أعطى الكتاب عزائمه ودعاه فأجابه ، وقاده فاتبعه صلوات اللّه عليه ومغفرته واحتسب أمير المؤمنين عند اللّه وأستودع اللّه ديني وأمانتي وخواتيم عملي.(4)

في تعريف نفسه (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{34}

[346] خطب خطبة وذكر فيها بعض فضائل أبيه ، حمد اللّه سبحانه ثمّ قال : مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا الحسنُ بنُ محمَّد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

ص: 337


1- الرنق (بفتح الراء وسكون النون): الماء الكدر بالتراب وغيره.
2- سوّغ الأمر : جوّده، وسوغ التراب : سهّل مدخله في الحلق.
3- العَلَق (بفتح العين واللام) : الدم.
4- تيسير المطالب للسیّد یحیی بن هارون بن الحسين بن محمّد بن هارون بن محمّد بن القاسم بن الحسن بن زید بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، المتوفّى سنة (424 ها) : ص 179.

ثمّ تلا هذه الآية قول يوسف:« وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ».(1)

أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ، أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ، وَ أَنَا ابْنُ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ، وَ أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، وَ أَنَا ابْنُ الَّذِي أُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً، وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ كَانَ جَبْرَئِيلُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ وَ مِنْهُمْ كَانَ يَعْرُجُ.

وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ افْتَرَضَ اللَّهُ مَوَدَّتَهُمْ وَ وَلَايَتَهُمْ، فَقَالَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّم): «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً»(2) ، وَ اقْتِرَافُ الْحَسَنَةِ مَوَدَّتُنَا أَهْلِ الْبَيْتِ.(3)

لقد فارقكم رجلٌ

{35}

[347] روي أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطب بعد وفاة أبيه وذكَره فقال :

خاتِمُ الوصيّين ووصيُّ خاتِمِ الأنبياء، وأميرُ الصدّيقينَ والشُهَداءِ والصالحين.

أيُّها الناس! لقد فارقكم رجلٌ ما سبقه الأوّلون، ولا يُدركُه الآخِرون، لقد كان رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يُعطيه الراية ، فيُقاتِل جبرئيلُ عن يمينِه، و میكائیلُ عن يسارِه، فمایرجعُ حتّى يَفتَحِ اللّهُ عليه، ما ترك ذهباً ولا فضّةً إلّا شيئاً على صبيّ له،

ص: 338


1- سورة يوسف : الآية 38.
2- سورة الشورى، الآية 23.
3- أمالي الشيخ : ج1 ص276 وعنه البحار ج 43، ص361 ح 3؛ والعوالم : ة16 ص139 وعن تفسیر فرات : ص 72.

وما ترك في بيت المال إلّا سبعمائة درهم فَضُلَتْ مِن عطائه، أرادَ أنْ يَشتَرِيَ بها خادِماً لأُمّ كُلثوم.(1)

فضائل لا تحصى

{36}

[348] قال :

يا أهلَ الكوفة! فقد فارقكم بالأمس سهمٌ مِن مرامي اللّه، صائبٌ على أعداء اللّه، نكّالٌ على فُجّار قریش، لم يزل آخِذاً بحَناجِرِها، جاثمة على أنفُسِها، ليس بالملومة في أمر اللّه ولا بالسَروقَةِ لمالِ اللّه، ولا بالفَروقَةِ في حربِ أعداءِ اللّه، أُعطيَ الكتبا خواتيمَه وعزائمَه، دعاه فأجابَه ، وقادَه فاتَّبَعَه، لا تأْخُذُه في اللّهِ لومَةٌ لائم، فصلواتُ اللّه عليه ورحمتُه.

ثمّ نزل عن المنبر.

فقال معاوية: أخطأ عجِل(2) أو كاد ، و أصاب متثبّت(3) أو

ص: 339


1- أمالي الشيخ : ج1 ص275 : بإسناده عن أبي عمرو عبدالواحد بن محمّد بن مهدي، قال الشيخ: أخبرنا أبو عمرو في منزله بدرب الزعفراني ببغداد في الكرخ سنة (410ه) عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعید بن عقدة ، أخبرنا إملاء في مسجد براثا سنة ( 330ه)، عن عليّ بن الحسين بن عبيد ، عن إسماعيل بن أبان، عن سلّام بن أبي عَمْرة، عن معروف، عن أبي الطفيل، قال : خطب الحسن بن عليّ بعد وفاة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذكر أمير المؤمنين فقال :... ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 9 ص 146 وفي آخره: وما في بيت ماله إلّا سبعمائة وخمسون درهماً فضلت من عطائه ، أراد أن يشتري بها خادماً لأُمّ كلثوم. قال : رواه الطبراني وأبو يعلى.
2- العجل (بفتح العين وكسر الجيم) : العجول.
3- المتثبت : هو الّذي يتأنّى في الأمور ويروّي فيصيب مرماه.

كاد،(1) ماذا أرَدْتُ مِن خطبة الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)!

في خصائص أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{37}

[349] إنّي لأعرف موضع رجل ما بعثه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في وجه إلّا فتح اللّه عليه [و] مات يوم مات ولم يَدَعْ إلّا سبع مائة درهم [فضل ] مِن عطائه أراد بها شراء خادم أو حلّ ؟ تركه على صبيّ.(2)

إنهم أُمراء الناس

{38}

[350] أيّها الناس! إتَّقُوا اللّهَ، فإنّا أُمراؤكُم وأولياؤكُم، وإنّا أهلُ البيتِ الّذين قالَ اللّهُ فينا : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (3).(4)

ص: 340


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 28 - 29، وعنه بحار الأنوار : ج 44 ص 42 قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذیل خطبة خطبها بعد الصلح بالتماس معاوية.
2- مناقب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للحافظ بن سليمان الصنعاني من أعلام القرن الثالث : ج 2 ص 44 قال : حدّثنا عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي قال : حدّثنا عبيد اللّه بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة ، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن مریم، عن الحسن بن علي قال :... و[ حدّثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثنا شريك ، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة قال : خطب الحسن [بن عليّ ] حين قتل عليّ، فذكر نحوه.
3- سورة الأحزاب : الآية 33.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج19 ص 22 وفيه: قال المدائني : ولما توفّي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خرج عبداللّه بن العبّاس بن عبدالمطلّب إلى الناس، فقال : إنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) توفّي، وقد ترك خَلَفاً، فإن أجَبتُم خرج إليكم، وإن كرهتم فلا أحد على أحد، فبكی الناس، وقالوا: بل يخرج إلينا، فخرج الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فخطبهم فقال :... أورده الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل : ج 2 ص 32 ج 652 بإسناده عن أبي ذرّ اليمني، عن أبي محمّد الهروي، عن إبراهيم بن ضريم الشاشي، عن عبد بن حميد، عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب ، عن هلال بن يساف، قال : سمعت الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) وهو يخطب وهو يقول : يا أهل الكوفة! اتّقوا اللّه فينا فإنّا أُمراؤكم وإنّا ضيفانكم... الخبر.

ازهدوا فيما يفنى

{39}

[351] فلمّا مضى علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سبيل اللّه اجتمع الناس إلى ابنه الحسن، فبايعوه ورضوا به وبأخيه الحسن من بعده. قال : فنادى الحسن في الناس فجمعهم في مسجد الكوفة، ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :

أيّها الناس! إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة، وكلّ مافيهافآئل إلى زوال واضمحلال، وقد نبّأنا اللّه عنها لكي نعتبه، وتقدّم إلينا فيها بالوعد لكي نزدجر، فلا يكون له علينا حجّة بعد الإعذار والإنذار، فازهدوا فيما يفنی، وارغبوا فيما يبقى، وخافوا اللّهَ في السرّ والعلانية.

الا! وقد علمتم أنّ أمير المؤمنين عليّاً (رحمه اللّه) حيّاً وميّتاً، عاش بقدر ومات بأجل، وإنّي أُبايعكم على أن تحاربوا من حاربتُ وتسالموا من سالمت.

ص: 341

فقال الناس : سمعنا وأطعنا، فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنین.(1)

في فضائل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)

{40}

[302] نحنُ حزبُ اللّهِ الغالبون، وعترةُ رسوله الأقرَبون، وأهلُ بيتِه الطيّبون الطاهرون، وأحدُ الثِقلَين اللّذَين خلّفهما رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في أُمّتِه ، والثاني كتاب اللّه ، فيه تفصيلُ كلّ شيء، لا يأتيه الباطلُ مِن بينِ يدَيه ولا مِن خلفِه.

فالمعوّلُ علينا في تفسيره، لانتظنّى تأويلَه، بل نیتقّنُ حقائقَه، فأطیعونا، فإنّ طاعتَنا مفروضةً، إذ كانت بطاعة اللّه عزّوجلّ ورسوله مقرونة.

قال اللّه عزّوجلّ: «یَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(2)، «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(3).(4)

ص: 342


1- الفتوح لابن اعثمّ : ج 4 ص 283. وأورده ابن شهر آشوب في «المناقب» ج 4 ص 31 وفيه : يا إمام المؤمنین. ثمّ ذكر : فأقام بها شهرين. قال أبو مخنف : قال ابن عبّاس كلاماً فيه: فشمِّر في الحبر، وجاهِدْ عدوَّك، ودار أصحابك، واستَتر من الضنين دينه بما لا ينثلم لك دين، وولِّ أهلَ البيوتات والشرف، والحربُ خدعةٌ، وعلمت أنّ أباك إنّما رغب الناس عنه وصاروا إلى معاوية، لأنّه آسا بينهم في العطاء.
2- سورة النساء : الآية 59.
3- سورة النساء : الآية 83.
4- أمالي الطوسي : ص 121 بإسناده عن الشيخ المفيد، عن إسماعيل بن محمّد الأنباري الكاتب، عن إبراهيم بن محمّد الأزدي، عن شعیب بن أيوب، عن معاوية بن هشام، عن سفيان، عن هشام بن حسان قال : سمعت أبا محمّد الحسن بن علي يخطب الناس بعد البيعة له بالأمر، فقال :...

وَ أُحَذِّرُكُمُ الْإِصْغَاءَ لِهُتَافِ الشَّيْطَانِ، فَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، فَتَكُونُوا كَأَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: «لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ».(1)

فَتُلْقَوْنَ إِلَى الرِّمَاحِ وَزَراً وَ إِلَى السُّيُوفِ جَزَراً وَ لِلْعَمَدِ حِطَماً وَ لِلسِّهَامِ غَرَضاً ثُمَ «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً».(2)

ص: 343


1- سورة الأنفال : الآية 48.
2- الأمالي للطوسي : ص 121 في الجزء الخامس. وعنه المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج 43 ص 360 وقال في بيانه في ترجمة بعض الألفاظ في الخطبة : الوِزْر بالكسر الإثمّ والثقل... والأظهر أنّه الوَزَر بالتحريك، أي : تكونون معاقل للرماح تأوي إليكم، وجزر السباع: اللحم الّذي تأكله ، يقال : تركوهم جزَرَاً (بالتحريك) إذا قتلوهم. والحطم : الكسر، أو خاصّ باليابس. وأخرجه أيضاً المفيد في أماليه : ص 338 - 349.

في تحريض أصحابه للقتال

{41}

[353] روي أنّه لمّا سار معاوية إلى العراق، وبلغ جسر منبج(1)، نادی المنادي : الصلاة جامعة، فلمّا اجتمعوا خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْجِهَادَ عَلَى خَلْقِهِ وَ سَمَّاهُ كَرْهاً ثُمَّ قَالَ لِأَهْلِ الْجِهَادِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين» (2)،فَلَسْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ نَائِلِينَ مَا تُحِبُّونَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ.

إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَلَغَهُ أَنَّا كُنَّا أَزْمَعْنَا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ فَتَحَرَّكَ لِذَلِكَ فَاخْرُجُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى مُعَسْكَرِكُمْ بِالنُّخَيْلَةِ(3) حَتَّى نَنْظُرَ وَ تَنْظُرُونَ وَ نَرَى وَ تَرَوْنَ قَالَ وَ إِنَّهُ فِي كَلَامِهِ لَيَتَخَوَّفُ خِذْلَانَ النَّاسِ لَهُ.(4)

ص: 344


1- مَنبِج (بفتح الجيم وكسر الباء الموحّدة) : مدينة في الإقليم الشمالي (سوريا) شمال شرقي حلب، حكمها الشاعر أبو فراس الهمداني وفيها أسروه الروم، قيل : مَنْبِج معرّب كلمة (مَنْ به) بالفارسيّة أي أنا خير وأفضل، وأوّل من بناها أنوشروان خسرو ملك ایران لمّا غلب في حربه على ملك الروم هناك فأمر ببناء مدينة في محلّ غلبته وقال بعد بنائها : (مَنْ به) أي أنا أفضل من ملك الروم فصارت كلمته إسماً للمدينة ثمّ عرّبت. لغت نامه للدهخدا : ج45.
2- سورة الأنفال : الآية 46.
3- النُخَيْلَة (بضم النون وفتح الخاء) : موضع بالبادية قرب الكوفة على سمت الشام.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص 38 قال : بلغ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) خبره و مسيره (معاوية) نحوه، وإنه بلغ جسر مَنبِج، فتحرّك عند ذلك، وبعث حجر بن عدي فأمر العمال والناس بالتهيّؤ للمسير ، ونادي المنادي : الصلاة جامعة، فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون، وقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني، وجاءه سعیدبن قیس الهمداني فقال له : أُخرج، فخرج الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :... وعنه البحار : ج 44 ص 50 وعوالم العلوم ج16 ص 162.

فتنة الطواغیت

{42}

[354] وَ ايْمُ اللَّهِ لَا تُرَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خَفْضاً مَا كَانَتْ سَادَتُهُمْ وَ قَادَتُهُمْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ لَقَدْ وَجَّهَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ فِتْنَةً لَنْ تُصَدُّوا(1) عَنْهَا حَتَّى تَهْلِكُوا لِطَاعَتِكُمْ طَوَاغِيتَكُمْ وَ انْضِوَائِكُمْ(2) إِلَى شَيَاطِينِكُمْ فَعِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ مَا مَضَى وَ مَا يُنْتَظَرُ مِنْ سُوءِ رَغْبَتِكُمْ(3) وَ حَيْفِ(4) حِلْمِكُمْ(5).(6)

تكلموا رحمكم اللّه

{43}

[305] یا ایّها الناس ! تيقّظوا مِن رقدة الغفلة، ومِن نُهزَة الوُسعَة، ومِن تكاثُف(7) الظُلمة، ومِن نُقصانِ مخلصةٍ، فوالّذي فلق الحبّة وبرأ النسمَة، وتردّى بالعظمة، لئن قامَ إلىّ منكم عُصبةٌ بقلوبٍ صافيةٍ، ونيّات مُخلِصة(8)، لا يكونُ فيها شوبُ نِفاق، ولانيّةُ افتراق، لأُجاهّدَنّ بالسيف قَدَماً قَدَماً، ولأضعنّ(9) مِن السُيوف جوانِبَها، ومِن الرماحِ أطرافَها، ومن الخيلِ سنابِكَها ،

ص: 345


1- في المصدر : لن تصدروا عنها.
2- الإنضواء: الإنضمام.
3- في المصدر : من سوء دَعَتكم.
4- الحَيْف: الجور والظلم.
5- الحلم : العقل.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص 28.
7- في المصدر : تكاليف الظلمة.
8- في المصدر : خالصة.
9- في البحار : ولأضيقن.

فتكلّموا رحمكم اللّه.(1)

هلمّوا إلى الإيضاح

{44}

[356] معاشِرَ الناس ! عَفَتِ(2) الدِّيَارُ، وَ مُحِيَتِ الْآثَارُ، وَ قَلَّ الِاصْطِبَارُ، فَلَا قَرَارَ عَلَى هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَ حُكْمِ الْخَائِنِينَ، السَّاعَةَ وَ اللَّهِ صَحَّتِ(3) الْبَرَاهِينُ، وَ فُصِّلَتِ(4) الْآيَاتُ، وَ بَانَتِ الْمُشْكِلَاتُ، وَ لَقَدْ كُنَّا نَتَوَقَّعُ تَمَامَ هَذِهِ الْآيَةِ تَأْوِيلَهَا، قال اللّه تعالى : «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين».(5)

لَقَدْ مَاتَ وَ اللَّهِ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ قُتِلَ أَبِي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَ صَاحَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ، فِي قُلُوبِ النَّاسِ، وَ نَعَقَ نَاعِقُ الْفِتْنَةِ، وَ خَالَفْتُمُ السُّنَّةَ، فَيَا لَهَا مِنْ فِتْنَةٍ صَمَّاءَ بكماء عَمْيَاءَ، لَا يُسْمَعُ لِدَاعِيهَا، وَ لَا يُجَابُ مُنَادِيهَ،، وَ لَا يُخَالَفُ وَالِيهَا، ظَهَرَتْ كَلِمَةُ(6)، النِّفَاقِ وَ سُيِّرَتْ رَايَاتُ أَهْلِ الشِّقَاقِ، وَ تَكَالَبَت

ص: 346


1- الهداية للحضيني : ص 210 وعنه البحار: ج 44، ص67 والعوالم : ج16 ص 148 و فيهما بعد «فتكلموا رحمكم اللّه» : فكأنّما أُلجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة إلّا عشرون رجلاً... الخ.
2- عفت : محيت.
3- في المصدر : وضحت.
4- في المصدر : وتفصّلت.
5- سورة آل عمران : الآية 144.
6- في المصدر : ظلمة النفاق.

جُيُوشُ أَهْلِ الْمِرَاقِ مِنَ(1) الشَّامِ وَ الْعِرَاقِ هَلُمُّوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى الإيضاح(2) وَ النُّورِ الْوَضَّاحِ وَ الْعِلْمِ الْجَحْجَاحِ(3) وَ النُّورِ الَّذِي لَا يُطْفَى وَ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَخْفَى.(4)

لو طلبتم بين جابُلق

{45}

[357) وإنّكم لو طلبتُم بين جابُلق(5) وجابُرْس رَجُلاً جَدُّه رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما وجدنُموا غيري وغيرَ أخي الحسين، وقد علمتُم أن اللّهَ هداكم بجدّي محمّد، فأنقذكم به مِن الضَلالَة، ورَفَعَكُمْ بِه مِن الجهَالَة، وأعزّكم بعدَ الذِلّة، وكثّر كم بَعْد القِلّة. (6)

ص: 347


1- في المصدر : بين الشام والعراق.
2- في المصدر والبحار : الإفتتاح.
3- الجَحْجاح: السيّد المسارع إلى المكارم.
4- هداية الحضيني : ص 210 وعنه بحار الأنوار: ج 44 ص 67 والعوالم : ج 16 ص 148.
5- جابلق مدينة بأقصى المغرب وأهلها من ولد عاد، وجابرس مدينة بأقصى المشرق وأهلها من ثمود. وفي كلّ واحدة منهما بقايا ولد موسی. (معجم البلدان : ج2 ص 91)
6- كشف الغمّة : ج 2 ص 197 و «الفصول المهمّة» لابن الصباغ المالكي، ص 161، وبحار الأنوار: ج 44 ص 65 عن كشف الغمّة، وعنه أيضاً عوالم العلوم والمعارف ج16 ص 173 ح 15.

في توبيخ أصحابه

{46}

[358] خالفتُم أبي حتّى حكّم وهو كارِه، ثمّ دعاكم إلى قتال أهلِ الشام بعدَ التحكيم، فأبيتم حتّى صار إلى كرامةِ اللّه، ثمّ بایعتُموني على أنْ تُسالِموا مَن سالَمَني، وتُحارِبوا مَن حاربَني، وقد أتاني أنّ أهلَ الشَرَف مِنكم قد أتَوا معاوية، وبايعوه، فحسَبْي منِكُم، لاتَغَرُّوني مِن ديني ونَفْسي. (1)

مع من تقاتلون ؟

{47}

[359] فركب وركب معه من أراد الخروج، وتخلّف عنه كثير ، فما و فوا بما قالوه وبما وعدوه، وغرّوه كماغرّوا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من قبله، فقام خطيباً ، وقال :

غررتموني كما غررتم مَن كان قَبْلي، مع أيّ إمام تقاتلون بعدي، مع الكافر الظالم الّذي لم يؤمن باللّه ولا برسوله قطّ، ولا أظهر الإسلام هو وبني أُميّة إلّا فرقاً من السيف؟! ولو لم يبق لبني أُميّة إلّا عجوز درداء(2)، لبغت

ص: 348


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص 22 وفيه: ثمّ وجّه الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عبداللّه بن عبّاس ومعه قیس بن سعد بن عبادة مقدّمة له في إثني عشر ألفاً إلى الشام، وخرج وهو يريد المدائن، فطعن بساباط وانتهب متاعه، ودخل المدائن، وبلغ ذلك معاوية فأشاعه، وجعل أصحاب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذين وجّههم مع عبداللّه يتسلّلون إلى معاوية... فكتب عبداللّه بن العباس بذلك إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخطب الناس ووبّخهم، وقال :...
2- إمرأة درداء : ليس في فمها سنّ.

دین اللّه عوجاً(1)، وهكذا قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

ثمّ وجّه إليه قائداً في أربعة آلاف، وكان من كندة وأمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث شيئاً حتّى يأتيه أمره، فلمّا توجّه إلى الأنبار ونزل بها، وعلم معاوية بذلك، بعث إليه رُسُلاً وكتب إليه معهم أنّك إن أقبلتَ إليّ أُولّك بعض كُوَر(2) الشام والجزيرة، غیر مُنفسِ(3) عليك، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم، فقبض الكنديُّ عدوَّ اللّه المال، وقلب على الحسن، وصار إلى معانية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.(4)

قوم لا وفاء لهم

{48}

[360] لمّا صار قائده الكندي إلى معاوية قام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطيباً، ثمّ ذكر صيرورة الرجل إلى معاوية بسبب تطمیعه، إلى أن قال : فبلغ ذلك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقام خطيباً وقال :

هذا الكنديُّ توجّه إلى معاويةَ وغَدَرَ بي وبكم، وقد أخبرتُكم مرّةً بعد مرّةٍ، أنّه لا وفاء لكم، أنتُم عبيدُ الدُنيا، وأنا موجِّهٌ رَجُلاً آخَر محلَّه، وإنّي أعلم أنه سيفعلُ بي وبكم ما فعل صاحبُه، ولا يُراقِبُ اللّهَ فيَّ ولا فيكم.

فبعث إليه رجلاً من مرادٍ في أربعة آلاف، وتقدّم إليه بمشهد مِن الناس

ص: 349


1- لَبَغَتْ دين اللّه عوجاً : أو لطَلَبَتْ أن يثبت له اعوجاجاً.
2- الكور (بضمّ الكاف وفتح الواو) : جمع الكورة، وهي المدينة والصقع.
3- أنفستُ عليه الشيء، أي : لم أره أهلاً له.
4- بحار الأنوار : ج 44 ص 44 عن الخرایج.

وتوكّد عليه، وأخبره أنّه سيَغْدِر كماغدر الكندي، فحلف له بالأيمان الّتي لا تقوم لها الجبال أنّه لا يفعل.

فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنه سيغدر ، ثمّ ذكر غدره بالإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)

وأورد البحراني في «مدينة المعاجز» الخطبة وقال :

وجّه الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائداً كندیّاً في أربعة آلاف، فلمّا توجّه إلى الأنبار ونزل بها وعلم بذلك معاوية - لعنه اللّه - بعث إليه رسولاً وكتب إليه معاوية : إنّك إن أقبلتَ إليّ ولّيتك بعض أكوار الشام والجزيرة غير منفوس عليك، وحمل إليه خمسمائة ألف درهم، فقبضها الكندي - لعنه اللّه - وانقلب على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومضى إلى معاوية - لعنه اللّه-.

فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :

أيّها الناس! إنّ صاحبي بعث إليه معاوية بخمسمائة ألف درهم ووعده ومناه وولّاه كور الشام والجزيرة غير منفوس عليه وقد توجّه إليه وغدر بي وبكم وقد أخبرتكم مرّة بعد مرّة أنّه لا وفاء لكم، ولاخير عندكم، وأنتم عبيدُ الدُنيا وإنّي موجّه أحداً مكانه، وإنّي لأعلَمُ أنّه سيَفْعَلَنَّ بي وبكم مافعله صاحبه، ولا يُراقب اللّه فيَّ .

فبعث رجلاً من مراد في أربعة آلاف فارس وتقدّم إليه فحلف بالأيمان لا يقوم لها الجبال أنّه لا يفعل مثل ما فعل صاحبه وحلف الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سيفعل ويغدر.(2)

ص: 350


1- الخرایج : ج 2 ص 576 وعنه بحار الأنوار: ج 44 ص 44 والعوالم : ج 16 ص 141.
2- مدينة المعاجز : ج 2 ص 247.

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في غدر المرادي

{49}

[391] فلمّا توجّه المرادي وصار بالأنبار ونزل بها وعلم بذلك معاوية - لعنه اللّه - بعث إليه رسولاً وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم ومناه أن يولّيه أيّ ولاية أحبّ من كور الشام والجزيرة، فانقلب على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذ طريقه إلى معاوية - لعنه اللّه - ولم يراقب اللّه ولم يحفظ ما أخذه عليه من العهد والميثاق.

وبلغ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما فعله المرادي، فقام خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :

أيّها الناس! قد أخبرتكم غيرَ مرّةٍ أنّكم لا توفون بعهد، وإنّكم غَدَرْتم ، وهذا صاحبُكم المُراديّ قد غَدَر بي، وصار إلى معاوية.(1)

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ)يبين عن المستقبل

{50}

[362] وبلغ الحسن ما فعل المراديّ فقام خطيباً فقال :

قد أخبرتكم مرّة بعد أخرى أنّكم لا تفون للّه بعهود، وهذا صاحبكم المراديّ غدر بي وبكم، وصار إلى معاوية.

فقالوا: إن خانك الرجلان و غدرا بك فإنّا مُناصِحون لك.

فقال لهم الحسن : لأدعونّ هذه المرّة فيما بيني وبينكم، وإنّي لأعلم أنّكم غادرون ما بيني وبينكم إنّ معسكر بالنخيلة فوافوني هناك ، واللّه لا تفون لي

ص: 351


1- مدينة المعاجز : ج 2 ص 247.

بعهدي، ولتنقضّ الميثاق بيني وبينكم.(1)

لو وجدتُ أعواناً

{51}

[363] فانصرف إلى الكوفة فدخلها وصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :

یا عجباً من قوم لاحياءَ لهم ولا دينٌ يَغْدِرون مرّة بعد أخرى، أما واللّهِ لو وجدتُ علی ابنِ هندٍ أعواناً ما وضعتُ يدي في يده أبداً ولا سلّمت إليه الخلافةَ وإنّها محرّمةٌ عليهم فماذا أتيتم إلّا ما أرى من غدر كم و فعاِلكم فيّ، فإنّي واقع يدي في يده، وأيم اللّهِ لا ترون فرجاً أبداً مع بني أُميّة وإنّي لأعلم أني عنده الأحسن حالاً منكم وتاللّه ليسومنّكم بنو أُميّة سوء عذاب حتّى تتمنّوا أنّ عليكم جيشاً أجدع، لا معاوية فأُفٍّ لكم وترحاً یا عبيدَ الدُنيا و أبناء الطمع.(2)

ص: 352


1- بحار الأنوار: ج 4 ص 44 عن الخرایج
2- مدينة المعاجز : ج3 ص 403 – 404 عن الهداية الكبرى لحسين بن حمدان الحضيني المتوفی (334) ص 191 ط مؤسّسة البلاغ بيروت.. وأوده العلامة المجلسي في البحار: ج 44 / 45 هكذا : ثمّ إنّ الحسن أخذ طريق النخيلة، فعسكر عشرة أيّام، فلم يحضره إلّا أربعة آلاف ، فانصرف إلى الكوفة، فصعد المنبر وقال : يا عجباً من قوم لا حياء لهم ولا دين، ولو سلّمت له الأمر فأيم اللّه لا ترون فرجاً أبداً مع بني أُميّة، واللّه ليسومونكم سوء العذاب حتّى تتمنّوا أنّ عليكم جيشاً جیشاً ولو وجدت أعواناً ما سلّمت له الأمر، لأنّه محرَّم على بني أُميّة، فأُفّ وترحاً يا عبيد الدنيا.

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ساباط مدائن

{52}

[364] وخرج الحسن بن علي حتّى أتی ساباط المدائن (1)، فأقام بها أيّاماً.

فلمّا أراد الرحيل(2) قام في الناس خطيباً ، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :

ص: 353


1- ساباط قرية في المدائن، عندها قنطرة على نهر الملك ولعلّها إنّما سمُيت بهذا الإسم الوجود سقيفة نادرة من السوابيط فيها. وكانت خطّة الحسن العسكرية أن يتّخذ من المدائن - نظراً لموقعها من الناحية العسكرية والاستراتيجية - مقراً لقيادته العليا. فالمدائن رأس جسر صوت فارس والبلاد المتاخمة لها، وهي بموقعها الجغرافي النقطة الوحيدة الّتي تحمي الخطوط الثلاثة الّتي تصل كلاً من الكوفة والبصرة وفارس بالأُخرى. وإقامته - كما خطّط - بالمدائن لاستقبال النجدات المحتملة والمتوقّعة من كلّ من البصرة أو الكوفة أو فارس، ثمّ ليكون من وراء میدانه الّذي سينازل به معاوية وأهل الشام، وليس بين معسكري الحسن بين المدائن ومقدمة جيشه (قیس بن سعد) الّتي أرسلها إلى مسكن أكثر من خمسة عشر فرسخاً.
2- كذا بالأصل، والأخبار الطوال : ص216. ويفهم من رواية الطبري 6 / 92 أنّه لا شيء مهم حصل إبان إقامة الحسن بن علي بساباط، وأنّه انتقل منها إلى المدائن. وفي المدائن حصلت تطوّرات هامّة وخطيرة، كانت تزيد من خيبة أمله، وتزيد من ضعف ثقته بجيشه، ووضعته أمام اتّخاذ موقف واحد لا ثاني له، موقف يتناسب مع خطورة الأوضاع الّتي تتابعت بسرعة. أمّا التطوّرات الّتي حصلت فمنها: 1- تثاقل الناس عن الحرب، فإذا كان تقديرنا ۔ على اختلاف الأقوال – للمستنفرین ما بين 40 ألفاً إلى مائة ألف يجب أنّ نشير إلى أنّ القوّة القتالية المفترضة في العراق تتعدّى ثلاثمائة ألف. 2 - دور أصحاب الفتن وأصحاب الطمع بالغنائم وأصحاب العصبيّات في تفتيت وحدة جیش الحسن. 3- دور الخوارج، الّذين طالما نادوا بالقتال، في تذكية نار الحقد بين الفريقين المتحاربين وظهورهم بأنّهم الجنود المناصحين في حين أنّهم في ذلك إلى اغتنام الفرص من أجل تنفيذ مخطّطاتهم، والّتي نذكر أقلّها، في إضعاف الطرفين، ولم يطل تظاهر هم فقدموا على تنفيد مؤامرتهم الدنيئة في محاولة اغتيال الحسن بن علي، حيث طعنه أحدهمم، ابن سنان الأسدي، ولكن هذه الطعنة لم تبلغ من الحسن وكانت سلامته بلطف مِن اللّه وعنايته. 4 - تكون جیش الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عناصر مختلفة وألوان متعدّدة أفقدته المصداقيّة و أذنت بسرعة تفرقه وتشرذمه. 5 - الدساس والإشاعات والحرب النفسيّة الّتي خاضها معاوية كان لها الأثر المدمّر في الروح المعنويّة للجيش. ومن ذلك ما أشار إليه الطبري 6 / 92 إذ نادى منادٍ في العسكر ألا إنّ قیس بن سعد قتل فانفروا فنفروا.

أيّها الناس! إنّكم قد بایعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، واللّه لقد أصبحت وما أنا محتمل على أحد من هذه الأُمّة ضغنة في شرق ولا غرب ولما تكرهون في الجاهليّة، والأُلفة والأمن وصلاح ذات البين خير ممّا تحبّون من الفرقة والخوف والتباغض والعداوة، والسلام.

قال : فلمّا سمع الناس هذا الكلام من الحسن كأنّه وقع بقلوبهم أنه خالع نفسه مِن الخلافة ومسلم الأمر لمعاوية، فغضبوا لذلك، ثمّ بادروا إليه من كلّ ناحية، فقطعوا عليه الكلام، ونهبوا عامة أثقاله، وخرقوا ثيابه، وأخذوا مطرفاً كان عليه، وأخذوا أيضاً جارية كانت معه، وتفرّقت عنه عامة أصحابه ، فقال الحسن : لا حول ولا قوّة إلا باللّه.

ص: 354

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا وقع الصلح

{53}

[365] يا أهل العراق! إنّه سَخِيَ بَنَفْسي علیكم ثلاثٌ: قتلُكم أبي ، وطعنُكم إيّایَ، وانتِهابُكم مَتاعي.(1)

ص: 355


1- تاريخ الطبري: ج 4 ص 121 - 122 بهذا الإسناد : وحدّثني موسی بن عبدالرحمن المسروق قال : حدّثنا عثمان بن عبدالحميد أو ابن عبدالرحمن المجازي الخزاعي أبو عبدالرحمن قال : حدّثنا إسماعيل بن راشد قال : بایع الناس الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) بالخلافة ثمّ خرج بالناس حتّى نزل المدائن وبعث قیس بن سعد على مقدمته في إثني عشر ألفاً وأقبل معاوية في أهل الشام حتّى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر : ألا إنّ قیس بن سعد قد قتل فانفروا، فنفروا ونهبوا سرادق الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتی نازعوه بساطاً كان تحته وخرج الحسن حتّى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن، وكان عمّ المختار بن أبي عبيد عاملاً على المدائن، وكان اسمه سعد بن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب : هل لك في الغني والشرب؟ قال : وما ذاك؟ قال : تُوثِقُ الحسن وتَستأمِنُ به إلى معاوية. فقال له سعد: عليك لعنة اللّه أثِبُ علی ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأوثقه بئس الرجل أنت. ولا يخفى عليك أنّ قصّة المختار في هذا الخبر إمّا مجعولة من المعاندين لأنّ المختار من خيرة الأخيار في هَدْيه ونزعاته، وإمّا أن لا يكون طلبه جدّيا وإنّما أراد إستكشاف رأي عمّه. (راجع معجم الرجال : ج 18 ص97) فلمّا رأى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) تفرّق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبداللّه بن عامر وعبدالرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد و صالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها، ثمّ قام الحسن في أهل العراق فقال :... وأورده ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)من تاريخ دمشق: ص 173 وقال : أخبرنا أبو غالب ابن البنّاء، أنبأنا أبو الحسين ابن الآبنوسي أنبأنا عبیداللّه بن عثمان ابن جنيقا الدقاق [ظ] أنبأنا إسماعيل بن عليّ حدّثني علي بن محمّد بن خالد، أنبأنا سعيد بن يحيى حدّثني عمي عبداللّه ، عن زياد بن عبداللّه، عن عوانة بن الحكم، قال : بايع أهل العراق الحسن بن عليّ فسار حتّى نزل المدائن وبعث قیس بن سعد بن عبادة الأنصاري على المقدمات [كذا] وهم اثناعشر ألفاً، وكانوا يسمّون شرطة الخميس. قال : وأنبأنا الخطبي حدّثني عليّ بن محمّد، عن سعيد بن يحيى، عن عمّه عبداللّه، عن زياد بن عبداللّه، عن عوانة بن الحكم قال : بينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكر الحسن : ألا إنّ قیس بن سعد بن عبادة قد قتل (هذا هو شأن العدوّ الداخلي، فإنّه دائماً يترقّب الفرصة للوثبة على عدوه والقضاء عليه ، والمنادي هذا إمّا كان أمويّ النزعة ذاتاً أو عرضاً لاشتراك معاوية إيّاه في بعض أموال المسلمين أو إطماعه إيّاه بعض الطمع كما أطمع عمرو بن العاص في ولاية مصر، أو أنّه من ثوار الخوارج الّذين كانوا ينتظرون الفرصة لتركاضهم في الضلالة و أخذ ثأرهم. وهذا من الأدلّة القطعيّة على أنّ جنود الإمام الحسن أكثرهم كانوا من أعدائه الّذين كانوا يتربّصون به الدوائر، وإلّا كيف يتجاسر أحد بأن ينادي هذا النداء وهو محاط بالجنود؟ وكيف يمكن أن يؤثّر فيهم هذا النداء ويبعثمّ على نهب سرادقه وثقله لو كان فيهم عرق من الإنسانيّة والديانة؟). فانتهب الناس سرادق الحسن حتّى نازعوه بساطاً تحته، ووثب على الحسن رجل من الخوارج من بني أسد فطعنه بالخنجر، ووثب الناس على الأسدي فقتلوه. ثمّ خرج الحسن حتّى نزل القصر الأبيض بالمدائن وكتب إلى معاوية في الصلح. قال عوانة : ثمّ قال الحسن - فيما بلغني - في الناس فقال : يا أهل العراق ! إنّه سخي بنفسي عنكم ثلاث : قتْلكم أبي وطعْنكم إيّاي وانتِهابكم مَتاعي.

ص: 356

اتقوا اللّه في هؤلاء

{54}

[366] يا أهلَ الكوفة! إِتَّقوا اللّهَ في جيرانِكم وضيفانِكم، وفي أهل بيت نبیّكُم، الّذينَ أذهبَ اللّهُ عنهُمُ الرِجْسَ وطهَّرَهم تَطهيراً.(1)

ص: 357


1- تاريخ الأُمم والملوك لمحمّد بن جرير الطبري المتوفّی (310ه) : ج4 ص 126 في حوادث سنة (41) حدّث عن زياد البكّائي (وهو زياد بن عبداللّه بن الطفيل العامري أبو محمّد الكوفي، ترجمه ابن حجر في «التقريب» ج 1 ص 321 رقم 2091 وقال : صدوق ثبت في المغازي، مات سنة (183 ه) ،)، عن عوانة (وهو عوانة بن الحكم الأخباري البصري المتوفی (108)، ) قال : إنّ الحسن والحسين وعبداللّه بن جعفر خرجوا بحشمهم وأثقالهم حتّى أتوا الكوفة، فلمّا قدمها الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبرأ من جراحته خرج إلى مسجد الكوفة، فقال : يا أهل الكوفة... الخ. كلامه هذا مرويّ في غير واحد من المصادر. ورواه جماعة من أعلام القوم: منهم الحافظ الطبراني في «المعجم الكبير» (ص 142 نسخة جامعة طهران) قال : حدّثنا محمود بن محمّد الواسطي، نا وهب بن بقيّة، أنا خالد، عن حصين، عن أبي جميلة أن الحسن بن عليّ (رضي اللّه عنه) حين قتل عليّ (رضي اللّه عنه) استخلف، فبينما هو يصلّي بالناس إذ وثب إليه رجل، فطعنه بخنجر في وركه، فتمرّض منها أشهراً ثمّ قام على المنبر يخطب، فقال : يا أهل العراق ! اتّقوا اللّه فينا، فإنّا أُمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الّذي قال اللّه عزّوجلّ: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فمازال يومئذ يتكلّم حتّى ما يرى المسجد إلّا باكياً. ومنهم العلامة ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة» (ص 137 ط عبد اللطيف بمصر). روى الحديث بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير». ومنهم العلامة الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (ج3 ص 180 ط مصر). روی عن يزيد، قال : أنبأنا العوام بن حوشب، عن 15 لال بن يساف بعين ما تقدّم عن « المعجم الكبير» لكنّه ذكر بدل كلمة ضيفانكم : أضيافتم، وقال في آخر الحديث : فما رأيت باكثا أكثر من يومئذ. ومنهم الحافظ نورالدين الهيتمي المتوفّى سنة 807 في «مجمع الزوائد» (ج 9 ص 172 ط مكتبة القدسي في القاهرة). روى الحديث من طريق الطبراني، عن أبي جميلة بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير» إلّا أنّه قال : فطعنه بخنجر في وركه، وأسقط قوله : وهو ساجد. ومنهم العلامة ابن الأثير الجزري المتوفّى630 في «أسد الغابة» (ج2 ص14 ط مصر). روى الحديث من قوله: خطب الناس - الخ بمعنى ما تقدّم عن «المعجم الكبير» إلّا أنّه أسقط : اتّقوا اللّه فينا. ومنهم العلامة توفيق أبو علم في «أهل البيت» (ص 19 ط مطبعة السعادة بمصر). روى الحديث عن أبي حاتم بسنده عن أبي جميلة بمعنى ما تقدّم عن «المعجم الكبير». ومنهم العلامة القندوزي في «ینابیع المودّة» (ص 292 ط اسلامبول). روى الحدي عن البزّار و غیره بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير». ومنهم العلامة الشيخ علي بن برهان الدين الشامي الحلبي الشافعي المتوفّى سنة 1044 في «إنسان العيون، الشهيرة بالسيرة الحلبيّة» (ج3 ص 189 ط القاهرة). روى الحديث بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير» من قوله : خطب الناس - الخ إلّا أّنه أسقط كلمة : وضيفانكم. ومنهم العلامة النبهاني في «الشرف المؤبّد» (ص 61 ط مصر). روی شطراً من الحديث وهو قوله : فإنّا أُمراؤكم إلى قوله : تطهيراً، ثمّ قال : وكرّر ذلك حتى ما بقي إلّا من بكى حتّى سمع نشيجه. ومنهم العلامة ابن كثير الدمشقي في «البداية والنهاية» (ج 8 ص 14 ط مصر ) قال : أمّر الحسن بن عليّ قیس بن سعد بن عبادة على المقدّمة في اثني عشر ألفاً بين يديه وسار بالجيوش في أثره قاصداً بلاد الشام، ليقاتل معاوية وأهل الشام، فلمّا اجتاز بالمدائن نزلها وقدم المقدّمة بين يديه، فبينما هو في المدائن معسكراً بظاهرها إذ صرخ في الناس صارخ : ألا إنّ قیس بن سعد بن عبادة قد قتل، فثار الناس فانتهبوا أمتعته بعضهم بعضاً حتّى انتهبوا سرادق الحسن، حتّى نازعوه بساطاً كان جالساً عليه، وطعنه بعضهم حين ركب طعنة أثبتوه وأشوته فكرههم الحسن كراهيّة شديدة وركب فدخل القصر الأبيض من المدائن فنزله وهو جريح. ومنهم العلامة ابن حجر العسقلاني في «الإصابة» (ج1 ص 329 ط مصطفى محمّد بمصر) قال : وأخرج ابن سعد من طريق مجالد عن الشعبي وغيره، قال : بايع أهل العراق بعد عليّ الحسن بن عليّ، فسار إلى أهل الشام وفي مقدّمته قیس بن سعد في اثني عشر ألفاً يسمّون شرطة الجيش، فنزل قيس بمسكن من الأنبار ونزل الحسن المدائن فنادى مناد في عسكر الحسن : ألا إنّ قیس بن سعد قتل، فوقع الإنتهاب في العسكر حتّى انتهبوا فسطاط الحسن وطعنه رجل من بني أسد بخنجر. ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 158 - 160.

ص: 358

يوم يعدّون قتيلين

{55}

[367] أما واللّه ما ثنانا عن قتال أهلِ الشام ذلّة ولا قِلّة، ولكن كنّا نُقاتِلُهم بالسَلامة والصبر، فشيبت السلامةُ بالعداوِة، والصبرُ بالجزعِ، وكنتم تتوجّهون معنا، ودينُكم أمامَ دُنياكم، وقد أصبحتُم الآن ودُنياكم أمام دینكم، وكنّا لكم وكنتم لنا، وقد صرتُمُ اليومَ علينا

ثمّ أصبحتُم تَعُدّون قتيلَيْن : قَتيلاً بصِفّين تبكون عليهم، وقيلاً بالنَهْرَوان تطلبون بثارهم، فأمّا الباكي فخاذل ، وأمّا الطالب فثائر.

وإنّ معاويةَ قد دعا إلى أمْرٍ ليس فيه عزٌّ ولانَصَفَة، فإن أردتُم الحياةَ

ص: 359

قبِلناهُ منه، واغضُضْنا على القَذى، وإن أردتُمُ الموتَ بذلناه في ذاتِ اللّه، وحاكمناه إلى اللّه.

فنادى القوم بأجمعهم: بل البقيّة والحياة.(1)

ص: 360


1- إعلام الدين للشيخ الحسن الديلمي من أعيان القرن الثامن الهجري : ص 292 وعنه أخرجه المجلسي في بحار الأنوار : ج 44 ص 21 والبحراني في العوالم : ج 16 ص 179 ، روى هذه الخطبة غير واحد، منهم: ابن الأثير الجزري في «أُسد الغابة» ج 2 ص 13 بإسناده إلى أبي بكر بن دريد قال : قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين فقال بعد حمد اللّه عزّوجلّ: إنّا واللّه ما ثنانا عن أهل الشام شكّ ولا ندم، وإنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ، فسلبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى صفّين : دینكم أمام دنیاكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دینكم، ألا وإنّا لكم كما كنّا، ولستم لنا كما كنتم. ألا وقد أصبحتم بين قتيلين : قتیل بصفّين تبكون له، وقتیل بالنهروان تطلبون بثأره، فأمّا الباقي فخاذل ، وأمّا الباكي فثائر، ألا وإنّ معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى اللّه عزّوجلّ بظبا السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه ، وأخذنا لكم الرضا، فناداه القوم من كل جانب : البقيّة! البقيّة! فلمّا أفردوه أمضى الصلح. وذكر مثله سبط ابن الجوزي في التذكرة : ص 14. وفي تحف العقول، ص 169. وإعلام الدين : ص 292 - 293. والكامل لابن الأثير : ج3 ص 406 أحداث سنة (40). ونزهة الناظر وتنبيه الخاطر : ص 77 ح29. وترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق لابن عساكر : ص 178.

الحقوا بطّيتكم

{56}

[398] أنبأنا صدقة بن المثنى(1)، عن جدّه ریاح بن الحارث [النخعي] قال : كنت عند منبر الحسن بن عليّ وهو يخطب الناس بالمدائن فقال :

الا! إنّ أمر اللّه واقع إذ لاله دافع وإن كره الناس(2) إنّي ما أحببتُ أن ألي من أمر أُمّة محمّدٍ مثقال حبّةٍ مِن خردل یُهراق فيه محجم من دم(3) قد علمت ممّا ينفعني ممّا يضرّني، فالحقوا بطِيَّتكم.(4)

قال : وحدّثني أبي، أنبأنا یحیی بن سعید، عن صدقة بن المثنّي حدّثني جدّي : أنّ الناس اجتمعوا إلى الحسن بن عليّ بالمدائن بعد قتل عليّ فخطبهم فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :

أمّا بعد إنّ كلّ ما هو آت قريب، وإنّ أمر اللّه واقع إذلاله - يعني - دافع

ص: 361


1- له ولجدّه ریاح بن الحارث ترجمة في تهذيب التهذيب : ج 3، ص 299 و : ج 4، ص417.
2- كذا في نسخة العلامة الأميني، وفي نسخة تركيا: «إذلاله یعني دافع وإن كره الناس».
3- كذا في نسخة تركيا، وفي نسخة العلامة الأميني: «محجمة من دم...».
4- كذا في نسخة تركيا، وطيبة الشيء - بكسر الطاء - : جهته ونواحيه. وفي نسخة العلامة الأميني: «بطيّبتكم». وفي رواية الخوارزمي في الفصل السادس من مقتله : ج1، ص135 : «فالحقوا بطُمأنينتكم» يعني بأمنكم. ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ص 175 : ابن عساكر قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو محمّد بن أبي عثمان، وأبو طاهر القصاري (كذا في نسخة تركيا، وفي نسخة العلامة الأميني : أبو محمّد بن أبي عثمان، أنبأنا أبو طاهر القصاري) حيلولة، وأخبرنا أبو عبداللّه بن القصاري، أنبأنا أبي قالا : أنبأنا إسماعیل بن الحسن ، أنبأنا الحسين بن إسماعيل، أنبأنا زیاد بن أيّوب، أنبأنا ابن أبي غنيّة :...

وإن كره الناس، وإنّي واللّه ما أحببت - قال محمّد بن عبيد : هذه الكلمة [إتي واللّه ما أحببت] أن ألي من أمر أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مایزن مثقال حبّة خردل تهراق فيها محجمة من دم، فقد عقلت ما ينفعني ممّا يضرّني، فالحقوا بمطيّتكم.(1)

لا تردّوا عليّ رأيي

{57}

[369] روي أنه لمّا صار معاوية نحو العراق وتحرّك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، صار (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى نزل ساباط، وبات هناك، فلمّا أصبح أراد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يمتحن أصحابه ، ويستبرىء أحوالهم في طاعته، ليميّز أولياءه من إعدائه ، ويكون على بصيرة من لقاء معاوية، فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطبهم فقال :

الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلّمَا(2) حَمِدَهُ حَامِدٌ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كُلَّمَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ وَ ائْتَمَنَهُ عَلَى الْوَحْيِ .

أَمَّا بَعْدُ، فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ أَصْبَحْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَ مَنِّهِ، وَ أَنَا

ص: 362


1- ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق لابن عساكر : ص 187. ذكره الحافظ ابن أبي شيبة في «المصنّف»: ج 15 ص 94 بإسناده عن محمّد بن عبيد، عن صدقة بن المثنّى، عن جدّه ریاح بن الحارث، قال : قام الحسن بن عليّ بعد وفاة علي فخطب الناس ، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال : إن ما هو آتٍ قريب... الخ. «إنّ ما هو آت قريبٌ، وإنّ أمر اللّه واقعٌ وإنْ كره الناسُ، وإنّي واللّه ما أُحِبُّ أن أليَ من أمر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما يزن ذرّةٌ عن خَرْدَلِ یُهراقُ فيه محجمة من دم منذ علمتُ ما ينفعني ممّا يضرّني، فالحقوا بطيّتكم».
2- في الإرشاد : بكلما حمده حامد.

أَنْصَحُ خَلْقِ اللَّهِ لِخَلْقِهِ، وَ مَا أَصْبَحْتُ مُحْتَمِلًا عَلَى مُسْلِمٍ ضَغِينَةً، وَ لَا مُرِيداً لَهُ بِسُوءٍ وَ لَا غَائِلَةٍ، وَ(1) إِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ لَكُمْ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ،وَ إِنِّي نَاظِرٌ لَكُمْ خَيْراً مِنْ نَظَرِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي وَ لَا تَرُدُّوا عَلَيَّ رَأْيِ،ي غَفَرَ اللَّهُ لِي وَ لَكُمْ، وَ أَرْشَدَنِي وَ إِيَّاكُمْ لِمَا فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَ الرِّضَا.

قال : فنظر الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا : ما ترونه یرید بما قال؟ قالوا: نظن أنه يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه، فقالوا: كفر واللّه الرجل وشدّوا على فسطاطه ، فانهبوه حتّى أخذوا مصلّاه من تحته، الخ.(2)

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في علّة صُلْحِه

{58}

[370] روي أنه لمّا ضرب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و بخنجر مسموم عدل إلى موضع مسمّى ببطن جريح، وعليها عم المختار، وقال المختار لعمّه : تعال حتّى نأخذ الحسن ونسلّمه إلى معاوية، وبعد أن علموا الشيعة به همّوا بقتل المختار، فتلطّف عمّه بالعفو عنه ففعلوا.

فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ویلكم! واللّهِ إنّ معاوية لا يفي لأحدٍ منكم بما ضَمِنَه في قَتْلي، وإنّي

ص: 363


1- في المناقب والإرشاد: ألا وإنّ ما تكرهون.
2- الإرشاد للمفيد: ج 2 ص 11 ومقاتل الطالبيين : ص 63 والمناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص 32 وبحار الأنوار: ج 44 ص 47 والعوالم : ج16 ص157 ورواه باكتير الحضرمي في وسيلة المآل ص 170 من النسخة الظاهريّة بدمشق؛ كما في ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 194.

أَظُنُّ أَنِّي إِنْ وَضَعْتُ يَدِي فِي يَدِهِ فَأُسَالِمُه، لَمْ يَتْرُكْنِي أَدِينُ لِدِينِ جَدِّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدِي، وَ لَكِنِّي كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَبْنَائِكُمْ وَاقِفِينَ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَائِهِمْ يَسْتَسْقُونَهُمْ وَ يَسْتَطْعِمُونَهُمْ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ، فَلَا يُسْقَوْنَ وَ لَا يُطْعَمُونَ فَبُعْداً وَ سُحْقاً لِمَا كَسَبَتْهُ أَيْدِيكُمْ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون»(1).(2)

ماذا أصنع بجماعتكم ؟

{59}

[371] وأرسل معاوية إلى قيس فقال : يا هذا! على ماذا تقاتلنا وتقتل نفسك؟ وقد أتانا الخبر اليقين بأنّ صاحبك قد خلعه أصحابه ، وقد طعن في فخذه طعنة أسفي منها على الهلاك، فيجب أن تكفّ عنا ونكف عنك إلى أن يأتيك علم ذلك.

قال : فأمسك قیس بن سعد عن القتال ينتظر الخبر، قال : وجعل أهل العراق يتوجّهون إلى معاوية قبيلة بعد قبيلة ، حتّى خفّ عسكره.

فلمّا رأى ذلك كتب إلى الحسن بن علي يخبره بما هو فيه.

فلمّا قرأ الحسن الكتاب أرسل إلى وجوه أصحابه فدعاهم، ثمّ قال :

يا أهل العراق! ما أصنعُ بجماعتكم معي وهذا كتاب قیس بن سعد يخبرني بأنّ أهل الشرف منكم قد صاروا إلى معاوية ، أما واللّه ما هذا بمنكر منكم لأنّكم أنتم الّذين أكرهتم أبي يوم صفّين على الحَكَمَين ، فلمّا أمضى الحكومة وقبل

ص: 364


1- سورة الشعراء: الآية 227.
2- علل الشرائع : ج 1 ص 220 وعنه بحار الأنوار : ج 44 ص 33 والعوالم : ج16 ص 150.

منكم اختلفتم، ثمّ دعاكم إلى قتال معاوية ثانية فتوانیتم، ثمّ صار إلى ما صار إليه من كرامة اللّه إيّاه ، ثمّ إنّكم بایعتموني طائعين غير مكرهين ، فأخذت بيعتكم وخرجت في وجهي هذا، واللّه يعلم ما نويت فيه، فكان منكم إلىّ ما كان، يا أهل العراق ! فحسبي منكم لا تعزوني في ديني فإنّي مسلّم هذا الأمر إلى معاوية. (1)

في حفظ الدماء

{60}

[372] «أنْتم شيعَتُنا، وأهلُ مَوَدَّتِنا، ولو كُنتُ بالحَزْمِ في أمرِ الدُّنيا أعْمَلُ، ولِسُلطانِها أرْبَضُ وأنْصَبُ، ما كانَ مُعاويةُ بأشدَّ مِنِّي بأْساً، ولا أشَدَّ شكِيمةً، ولا أمضَى عَزيمَةً، ولكنِّي أرَى غَيرَ ما رَأيتُم، وما أردتُ بِما فَعَلْتُ إلَّاحَقْن الدِّماء.

فارضوا بقضاء اللّه وسلّموا لأمره، وألزموا بيوتَكم وأمسِكوا - أو قال -: كُفُّوا أيدِيَكُم حَتَّى يَسْتَرِيحَ برٌّ أو يُسترَاحَ مِن فاجِر.(2)

ص: 365


1- الفتوح لابن اعثمّ الكوفي : ج4 ص 289.
2- تنزيه الأنبياء : ص 223 - 224 فيه: روی عبّاس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن أبي الكنود عبدالرحمن بن عبيدة ، قال : لمّا بايع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) معاوية أقبلت الشيعة تتلاقى بإظهار الأسف والحسرة على ترك القتال، فخرجوا إليه بعد سنتين من يوم بایع معاوية ، فقال له سليمان بن صرد الخزاعي : ما ينقضي تعجّبنا من بيعتك لمعاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة، كلّهم يأخذ العطاء وهم على أبواب منازلهم ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم سوى شيعتك من أهل البصرة والحجاز، ثمّ لم تأخذ لنفسك ثقة في العهد ولا حظّاً من العطيّة، فلو كنت إذ فعلت ما فعلت أشهدت على معاوية وجوه أهل المشرق والمغرب، وكتبت عليه كتاباً بأنّ الأمر لك بعده كان الأمر علينا أيسر، ولكنّه أعطاك شيئاً بينك وبينه لم يف به، ثمّ لم يلبث أن قال على رؤوس الأشهاد : إنّي كنت شرطتُ شروطاً ووعدتُ عداة إرادةً لإطفاء نار الحرب و مداراةً لقطع الفتنة، فأمّا إذا جمع اللّه لنا الكلمة والأُلفة فإن ذلك تحت قدمي، واللّه ما عنى بذلك غيرك، ولا أراد بذلك إلا ما كان بينه و بينك وقد نقض. فإذا شئت فأعددت للحرب عدّة، وأذن لي في تقدّمك إلى الكوفة فأخرج عنها عاملها وأظهر خلعه ونبذه على سواء، إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين. وتكلّم الباقون بمثل كلام سليمان، فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :...

لكي لا تكون فتنة

{61}

[373] إِنَّ مُعَاوِيَةَ نَازَعَنِي حَقّاً هُوَ لِي دُونَهُ، فَنَظَرْتُ لِصَلَاحِ الْأُمَّةِ وَ قَطْعِ الْفِتْنَةِ، وَ قَدْ كُنْتُمْ بَايَعْتُمُونِي عَلَى أَنْ تُسالِموا مَنْ سَالَمْتُ وَ [تُحَارِبُوا] مَنْ حَارَبْتُ، فَرَأَيْتُ أَنْ أُسَالِمَ مُعَاوِيَةَ، وَ أَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ، وَ قَدْ بَايَعْتُهُ، وَ رَأَيْتُ أَنًّ حَقْنَ الدِّمَاءِ خَيْرٌ مِنْ سَفْكِهَا، وَ لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا صَلَاحَكُمْ وَ بَقَاءَكُمْ، «وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ»(1).(2)

صلاح الأُمّة بماذا ؟

{62}

[374] أيّها الناس ! قد علمتم أنّ اللّه جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأنقذكم من الضلالة، وخلّصكم من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلّة، وكثّركم به بعد القلّة، وأنّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأُمّة وقطع

ص: 366


1- سورة الأنبياء : الآية 111.
2- كشف الغمة : ج 2 ص197 وعنه بحار الأنوار : ج 44 ص 66، وعوالم العلوم والمعارف : ج 1 ص 173، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي : ص 162.

الفتنة ، وقد كنتم بایعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، فرأيتُ أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه، وقد صالحته ورأيت أنّ حقن الدماء خيرٌ مِن سفكها ولم أرد بذلك إلّا صلا حكم وبقائكم«وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ».(1)

في علة صلحه (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{63}

[375] إنّما هادنْتُ حَقْناً للدِماء وصِيانَتِها، وإشفاقاً على نَف سي وأهلي والمُخلِصينَ من أصحابي.(2)

ص: 367


1- رواه العلّامة القندوزي في «ینابیع المودّة» (ص 293 ط اسلامبول). ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 209.
2- بحار الأنوار : ج 44 ص 26، والعوالم : ج 16 ص 169 عن تنزيه الأنبياء للسيّد المرتضی (قدّس سرّه)، وإليك نصّه : قال السيّد المرتضى في كتاب تنزيه الأنبياء: فإن قال قائل : ما العذر له (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خلع نفسه من الإمامة ، وتسليمها إلى معاوية، مع ظهور فجوره، وبعده عن أسباب الإمامة، وتعرّيه من صفات مستحقّها، ثمّ في بيعته وأخذ عطائه وصلاته إظهار موالاته والقول بإمامته، هذا مع توفّر أنصاره واجتماع أصحابه ومبايعة من كان يبذل عنه دمه وماله، حتّى سموه مذلّ المؤمنين وعابوه في وجهه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ الجواب : قلنا : قد ثبت أنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الإمام المعصوم المؤيّد الموفق بالحجج الظاهرة، والأدلة القاهرة، فلابدّ من التسليم لجميع أفعاله، وحملها على الصّحة وإن كان فيها ما لا يُعرف وجهه على التفصيل، أو كان له ظاهر ربما نفرت النفس عنه وقد مضى تلخيص هذه الجملة وتقريرها في مواضع من كتابنا هذا. وبعد، فإنّ الّذي جرى منه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان السبب فيه ظاهراً، والحامل عليه بيّناً جليّاً، لأنّ المجتمعين له من الأصحاب وإن كانوا كثيري العدد، فقد كانت قلوب أكثرهم نغلة غير صافية، وقد كانوا صبوا إلى دنيا معاوية، من غير مراقبة ولا مساترة، فأظهروا له (عَلَيهِ السَّلَامُ) النُصرة، وحملوه على المحاربة والإستعداد لها طمعاً في أن يورِّطوه ويسلّموه، فأحسّ بهذا منهم قل التولّج والتلبّس، فتخلّى من الأمر، وتحرّز من المكيدة الّتي كادت تتمُّ عليه في سعة من الوقت. وقد صرّح بهذه الجملة، وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة، وبألفاظ مختلفة ، وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنما هادنت حقناً للدماء، وضنّاً بها، وإشفاقاً على نفسي... الخ.

هداية الأُمّة

{64}

[379] یا ایُّها الناس! فإنّ اللّهَ قد هداكم بأوّلِنا، وحَقَنَ دماءكم بآخِرِنا، وإنّ لهذا الأمرِ مُدّةً، والدُنيا دُوَلٌ، وإنّ اللّهَ تعالى قال لنبيّه: «وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ»(1).(2)،(3)

ص: 368


1- سورة الأنبياء: الآية 111.
2- في المروج والترجمة وتاريخ الخميس : «وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ* إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(سورة الأنبياء : الآية 109-111).
3- تاريخ الطبري : 5 / 163 (أحداث سنة 41ه)، مروج الذهب : 3 / 9 ، ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ مدينة دمشق 194/ 323 بهذا الإسناد : قال : وأنبأنا عليّ بن بكر، أنبأنا أحمد بن الخليل، أنبأنا ابن عبيدة، أنبأنا إبراهيم بن المنذر، أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب : الخبر. وذكره ابن عساكر في الترجمة أيضاً : 196 / ح 324 بهذا الإسناد : وأخبرناه أعلى من هذا - بثلاث درجات - أبو محمّد عبدالكريم بن حمزة - أنبأنا أبو بكر الخطيب. حيلولة : وأخبرناه أبوالقاسم إسماعيل بن أحمد، أنبأنا أبو بكر بن اللالكائي قالا : أنبأنا أبو الحسين ابن الفضل، أنبأنا عبداللّه بن جعفر، أنبأنا يعقوب، أنبأنا الحجاج، أنبأنا جدّي : عن الزهري قال : الخبر. الكامل في التاريخ : 3 / 407 (أحداث سنة 41ه)، تاريخ الخميس:2 / 291 .

وروي لمّا اصطلح الحسن بن عليّ ومعاوية صعد الحسن المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :

أيّها الناس إنّ اللّه هدى أوّلكم بأوّلنا، وحقن دماءكم بأخِرنا، وقد كانت لكم لي في رقابكم بيعة تحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت، وقد سالمت معاوية «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» وأشار إلى معاوية.(1)

ورویت بنحو آخر:

أيها الناس! إنّ اللّه هداكم بأوّلنا وحقن دمائكم بآخرنا، وإنّي قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم وأن يوفّر عليكم غنائمكم وأن يقسم فيكم فيئكم.

ثمّ أقبل على معاوية فقال : أكذاك؟

قال : نعم.

ثمّ هبط من المنبر وهو يقول: ويشير بإصبعه إلى معاوية : «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ».(2)

ص: 369


1- ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ص 190: قال ابن عساكر : أخبرنا أبو الحسين بن الفرّاء، وأبو غالب وأبو عبداللّه ابنا البنّاء، قالوا: أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا أبو طاهر ابن المخلص أنبأنا أحمد بن سليمان: أنبأنا الزبير بن بكّار، حدّثني محمّد بن الحسن المخزوميّ قال :....
2- تاریخ دمشق: ج13 ص464 ط دار البشير. ورواه العلامة الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج2 ص 128 ط مصر ) قال : وقال حریز بن عثمان، ثنا عبد الحمان بن أبي عوف الجرشي قال : لمّا بايع الحسن معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي : لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتكلّم عيي عن المنطق فیزهد فيه الناس، فقال معاوية : لا تفعلوا فواللّه لقد رأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يمصّ لسانه وشفته ولن يعيي لسان مصّه النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أو شفته، قال : فأبوا على معاوية فصعد معاوية المنبر ثمّ أمر الحسن فصعد وأمره أن يخبر الناس أنّي قد بايعت معاوية ، فصعد فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال. فذكره. ورواه العلامة ابن عبدالبرّ الأندلسيّ في «الإستيعاب» : ج 1 ص 140 ط حیدر آباد.

آهات المظلوميّة

{65}

[377] [جمع الإمام رؤوسَ أهلِ العراق في قصر المدائن وتعييرُه إياهم بقتلهم أباه أمير المؤمنين وطعنهم إيّاه في فخذه، وانتهابهم ثقله، وإخباره إيّاهم بأنه قد سالَمَ معاوية وصالحه].

يا أهل العراق ! لو لم تذهل نفسي عنكم إلّا لثلاث لذهلت : مقتلكم أبي ، ومطعنكم إيّاي واستلابكم ثقلي - أو ردائي عن عاتقي. شكَّ عون - وإنكّم قد بایعتموني أن تسلموا مَن سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإنّي قد بايعتُ معاوية فاسمعوا له وأطيعوا.

ثمّ قام فدخل القصر وأغلق الباب دونهم.(1)

ص: 370


1- ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ص 183 رقم308 : قال ابن عساكر : أخبرنا أبو محمّد السلمي، أنبأنا أبو بكر الخطيب (رواه في ترجمة الإمام الحسن تحت الرقم : (2) من تاريخ بغداد: ج1 ص 139). حيلولة : وأخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، أنبأنا أبو بكر ابن الطبري قالا: أنبأنا أبو الحسين بن الفضل، أنبأنا عبداللّه بن جعفر ، أنبأنا يعقوب ، أنبأنا سعید بن منصور ، آنانا عون بن موسى قال : سمعت هلال بن خباب يقول: قال فلان : جمع الحسن بن عليّ رؤوس أهل العراق في هذا القصر - وأومأ بيده إلى قصر المدائن - فقال :...

وفي الصلح فتنة وابتلاء

{66}

[378] ألا وإنّ هذا الأمر الّذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إمّا أن يكون حقّ امرء كان أحقّ به منّي أو كان حقاٌّ لي تركته التماساً لصلاح أمر هذه الأُمّة، وإنْ أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين.(1)

ص: 371


1- ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ص 189 : ابن عساكر قال: أخبرنا أبو غالب ابن البنّاء، أنبأنا أبو الحسين بن الآبنوسي أنبأنا أبو القاسم عبيداللّه بن عثمان الدقاق، أنبأنا إسماعيل بن علي أنبأنا محمّد بن عيسى الواسطي أنبأنا أبو القاسم بن عيسى الطائي عن هشيم: عن مجالد، عن الشعبي أن الحسن بن عليّ /ب/ خطب فحمد اللّه وأثنى عليه وتشهّد ثمّ قال :... ورواه أيضاً الطبراني في الحديث : (33) من ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المعجم الكبير : ج 1 ص120، قال : حدّثنا أبو خليفة ، حدّثنا علي بن المديني، حدّثنا سفيان، عن مجالد: عن الشعبي قال : شهدت الحسن بن عليّ (رضي اللّه عنه) فقال له معاوية : إذا كان ذا فقم فتكلّم و أخبر الناس أنّك قد سلّمت هذا الأمر لي - وربما قال سفيان : أخبر الناس بهذا الأمر الّذي تركته لي - فقام [الحسن ] فخطب على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، قال الشعبي: وأنا أسمع، ثمّ قال : أمّا بعد فإنّ أكيس الكيس التقى وإنّ أحمق الحمق الفجور، وإنّ هذا الأمر الّذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إمّا أن كان حقّاً لي تركته لمعاوية إرادة صلاح هذه الأُمّة وحقن دمائهم أو يكون حقّاً كان لامرءٍ أحقّ به منّي ففعلت ذلك وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاعٌ إلى حين. ورواه أيضاً ابن سعد في الحديث : (139) من ترجمة الإمام الحسن من الطبقات الكبرى : ج 8 قال : أخبرنا سعید بن منصور، قال : حدّثنا هشيم ، قال : أخبرنا مجالد، عن الشعبي، قال : لمّا سلّم الحسن بن علي الأمر لمعاوية قال له : اخطب الناس. قال : [فقام الحسن ] فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ أكيس الكيس التُقى وإنّ أحمق الحمق الفجور، وإنّ هذا الأمر الّذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إمّا حقّ [أمرء] كان أحقّ به منّي، وإمّا حقّ كان لي فتركته التماس الصلاح لهذه الأُمّة وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاعٌ إلى حين.

في فضائل أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{67}

[379] قال بعد الحمد والتصلية :

يا معشر الخلائق ! فَاسْمَعُوا، وَ لَكُمْ أَفْئِدَةٌ وَ أَسْمَاعٌ فَعُوا، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَ اخْتَارَنَا وَ اصْطَفَانَا وَ اجْتَبَانَا، فَأَذْهَبَ عَنَّا الرِّجْسَ وَ طَهَّرَنَا تَطْهِيراً، وَ الرِّجْسُ هُوَ الشَّكُّ، فَلَا نَشُكُّ فِي اللَّهِ الْحَقِّ وَ دِينِهِ أَبَداً، وَ طَهَّرَنَا مِنْ كُلِّ أَفَن(1) وَ غَيَّةٍ(2) مُخْلَصِينَ إِلَى آدَمَ نِعْمَةً مِنْهُ، لَمْ يَفْتَرِقِ النَّاسُ قَطُّ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنَا اللَّهُ فِي خَيْرِهِمَا.

فَأَدَّتِ الْأُمُورُ وَ أَفْضَتِ الدُّهُورُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لِلنُّبُوَّةِ، وَ اخْتَارَهُ لِلرِّسَالَةِ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَكَانَ أَبِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَ لِرَسُولِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ وَ صَدَّقَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ.(3)

وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْمُنْزَلِ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُرْسَلِ: «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ»(4)، فَرَسُولُ اللَّهِ الَّذِي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّه،

ص: 372


1- الأفن (بالتحريك : ضعف الرأي. و(بالفتح) : النقص.
2- الغيّة (بفتح الغين) : الزنا.
3- أمالي الطوسي : ص 572 وعنه بحار الأنوار : ج 10 ص139.
4- سورة هود: الآية 17. ولا يخفى أن جملة «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ »مبتدأ وخبرها محذوف وتقديره «كَمَن لا بيّنة له».

وَ أَبِي الَّذِي يَتْلُوهُ، وَ هُوَ شَاهِدٌ مِنْهُ.(1)

وَ قَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُه حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ وَ الْمَوْسِمِ بِبَرَاءَةَ: سِرْ بِهَا يَا عَلِيُّ،،فَإِنِّي أُمِرْتُ أَنْ لَا يَسِيرَ بِهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي، وَ أَنْتَ هُوَ يَا عَلِيُّ" فَعَلِيٌّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْهُ.(2)

وَ قَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حِينَ قَضَى بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَخِيهِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) وَ مَوْلَاه

ص: 373


1- بحار الأنوار : ج 10 ص 139 عن أمالي الطوسي. ولا يخفى أيضاً: أنّ نزول هذه الآية في أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ممّا رواه غير واحد من الأعلام منهم : أبو نعيم الأصبهاني في «فيما نزل من القرآن في علي» كما رواه عنه الإربلي في «كشف الغمّةَ» : ج1 ص315 والسيوطي رواه عن أبي نعيم، وابن أبي حاتم، وابن مردويه في «الدرّ المنثور»: ج 3 ص 324. ورواه السيوطي أيضاً في الحديث (407 - 408) من مسند (عَلَيهِ السَّلَامُ) من كتاب «جمع الجوامع » ج 2 ص 68 والمتّقي الهندي رواه في «كنز العمّال»: ج 1 ص 250.
2- إشارة إلى مفخرة ضائية رواها الفريقان : روی ابن بطريق في الفصل العاشر من كتاب «خصائص الوحي المبين» ص89 عن أبي نعيم الإصبهاني بإسناده عن محمّد بن المظفّر ، عن جعفر بن الصقر، عن حميد بن داود بن إسحاق بن إبراهيم الرملي، عن عبداللّه بن عثمان بن عطاء، عن الوليد بن محمد، عن الزهري، عن أنس بن مالك، قال : أرسل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أبابكر ب «براءة» يقرؤها على أهل مكّة، فنزل جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا محمّد! لا يبلِّغ عن اللّه إلّا أنت أو رجل منك، فلحقه على (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخذها منه. ورواها أبو بكر بن أبي شيبة في «المصنّف»: ج12 ص86 وابن عساكر في «تاريخ دمشق» : ج2 ص 376 - 388 والترمذي في «السنن»: ج4 ص 339.

زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ(1) فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ:" أَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَمِنِّي وَ أَنَا مِنْكَ، وَ أَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي(2)،فَصَدَّقَ أَبِي رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سَابِقاً وَ وَقَاهُ بِنَفْسِه.(3)

ص: 374


1- هو زید بن حارثة بن شراحيل الكلبي أبو أسامة، رآه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بالبطحاء ينادى عليه بسبعمائة درهم، فذكره لخديجة فاشتراه من مالها، فوهبته خديجة (رضي اللّه عنها) له فتبنّاه وأعتقه، آخی رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بينه وبين حمزة بن عبدالمطلب. شهد المشاهد كلّها، وكان من الرُماة، استشهد يوم مؤتة سنة (8ه) وهو ابن (55) سنة. تهذيب التهذيب : ج3 ص350.
2- روى هذه الجملة غير واحد من الأعلام منهم : المجلسي في «بحار الأنوار»: ج10 ص140 عن أمالي الطوسي والعلّامة حسام الدين الحنفي في «آل محمّد»: ص 83.
3- هذه الجملة إشارة إلى فضيلة سامية أُخرى لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهي أنّه كان واقياً بنفسه نفس الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في الحروب وغيرها سيّما ليلة المبيت. وأمّا قصّة إبنة حمزة فهي مذكورة في كتب السِيَر.. وملخصّها: أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خرج سنة خمس من الهجرة في ذي القعدة في ناس كثير من أصحابه يريد العمرة وساق معه سبعين بَدَنة وبلغ ذلك المشر كین من قريش فبعثوا خيلاً ليصدّوه عن المسجد الحرام، وانتهى الأمر إلى أن يدخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في العالم المقبل مكّة ويقيم فيها ثلاثة أيّام، فلمّا دخلها ومضى الأجل أتوا عليّاً وقالوا : قل لصاحبك : أُخرج عنّا فقد مضى الأجل، فخرج النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فتبعته ابنة حمزة تنادي : يا عمّ يا عمّ فتناولها علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاختصم فيها عليّ وزيد وجعفر. فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أحقّ بها وهي بنت عمّي وقال جعفر : بنت عمّي وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت أخي، فقضى بها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لخالتها، وقال : «الخالة بمنزلة الأُمّ» وقال لعليّ: «أنت منّي وأنا منك» وقال لجعفر : «أشبهت خَلقي وخُلقي» وقال لزيد : «أنت أخونا ومولانا». في «الأمتاع» : وكلّم علي بن أبي طالب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في عمارة بنت حمزة وكانت مع أُمّها سلمى بنت عمیس بمكّة، فقال: علام نترك بنت عمّنا يتيمة بين ظهراني المشركين؟ فخرج بها حتّى إذا دنوا من المدينة، أراد زید بن حارثة_ وكان وصي حمزة وأخاه أُخوّة المهاجرين - أن يأخذها من علي، وقال : أنا أحقّ بها، ابنة أخي، فقال جعفر بن أبي طالب : الخالة والدة، وأنا أحقّ بها لمكان خالتها عندي، أسماء بنت عمیس ، فقال علي (رضوان اللّه عليهم) : ألا أراكم في ابنة عمّي، وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين، وليس لكم إليها نسب دوني، وأنا أحقّ بها منكم. فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ز حكم بینكم، أما أنت یا زید فمولى اللّه ورسوله، وأما أنت يا علي فأخي وصاحبي، وأمّا أنت یا جعفر فتشبه خَلقي وخُلقي، وأنت یا جعفر أولى بها، تحتك خالتها، ولا تنكح المرأة على خالتها ولا عمّتها» فقضى بها لجعفر، فقام جعفر فحجل حول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : «ما هذا يا جعفر؟» قال : يا رسول اللّه كان النجاشي إذا أرضى أحداً قام فحجل حوله، فقال علي (رضي اللّه عنه) : تزوّجها یا رسول اللّه؟ قال: «هي ابنة أخي من الرضاعة». بحار الأنوار : ج 20 ص 372 وذيله.

ثُمَّ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ يُقَدِّمَهُ، وَ لِكُلِّ شَدِيدَةٍ يُرْسِلُهُ، ثِقَةً مِنْهُ وَ طُمَأْنِينَةً إِلَيْهِ، لِعِلْمِهِ بِنَصِيحَتِهِ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ إِنَّهُ أَقْرَبُ الْمُقَرَّبِينَ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ.

وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1)،فكَانَ أَبِي سَابِقَ السَّابِقِينَ إِلَى اللَّهِ تعالی وَ إِلَى رَسُولِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ أَقْرَبَ الْأَقْرَبِينَ.

فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :«لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً»(2)،فَأَبِي كَانَ أَوَّلَهُمْ إِسْلَاماً وَ إِيمَاناً، وَ أَوَّلَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ هِجْرَةً وَ لُحُوقاً، وَ أَوَّلَهُمْ عَلَى وُجْدِهِ وَ وُسْعِهِ نَفَقَةً.

قَالَ سُبْحَانَهُ : «وَ الَّذِينَ جاءؤُا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا

ص: 375


1- سورة الواقعة : الآية 10 - 11.
2- سورة الحديد: الآية 10.

رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ».(1)

فَالنَّاسُ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ بِسَبْقِهِ إِيَّاهُمْ الْإِيمَانَ بِنَبِيِّهِ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى الْإِيمَانِ أَحَدٌ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ»(2)فَهُوَ سَابِقٌ جَمِيعَ السَّابِقِينَ، فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَضَّلَ السَّابِقِينَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ وَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَكَذَلِكَ فَضَّلَ سَابِقَ السَّابِقِينَ عَلَى السَّابِقِينَ.

وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تعالی:«أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وجاهَدَ في سبیلِ اللّه»(3)، فهوَ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقّاً، وَ فِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.(4)

وَ كَانَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عَمُّهُ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّهِ، فَقُتِلَا شَهِيدَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَتْلَى كَثِيرَةٍ مَعَهُمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).

ص: 376


1- سورة الحشر : الآية 10.
2- سورة التوبة : الآية 100.
3- سورة التوبة : الآية 19.
4- بحار الأنوار : ج 10 ص 140 عن أمالي الطوسي ولا يذهب عليك أنّ نزول هذه الآية في أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ممّا إتّفقت الأُمّة الإسلاميّة عليه، ورواه الأعلام : مهم: الحاكم الحسكاني الحنفي في «الشواهد»: ج1 في صفحات 320 إلى 330 منها ح 332 في ص 323 بإسناده عن ابن سیرین قال : قدّم عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة إلى مكّة فقال للعبّاس : يا عمّ ألا تهاجر؟ ألا تلحق برسول اللّه؟ فقال : أُعمّر المسجد الحرام وأحجب البيت، فأنزل اللّه : «أجعلتم...». راجع تفسير الطبري: ج 10 ص96، والقرطبي : ج 8 ص 91 وتفسير الخازن: ج3 ص 57 وتفسير الرازي : ج 4 ص 422 وغيرها من تفاسير الفريقين.

فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَمْزَةَ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَ جَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَيْفَ يَشَاءُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَ ذَلِكَ لِمَكَانِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وَ مَنْزِلَتِهِمَا وَ قَرَابَتِهِمَا مِنْهُ، وَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً مِنْ بَيْنِ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا مَعَهُ.(1)

وَ كَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنِسَاءِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لِلْمُحْسِنَةِ مِنْهُنَّ أَجْرَيْنِ، وَ لِلْمُسِيئَةِ مِنْهُنَّ وِزْرَيْنِ ضِعْفَيْنِ، لِمَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)(2).(3)

وَ جَعَلَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بِأَلْفِ صَلَاةٍ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا مَسْجِدَ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِمَكَّةَ(4)، وَ ذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ رَبِّهِ.(5)

ص: 377


1- بحار الأنوار : ج 10 / 141 _ 142 عن الأمالي للطوسي.
2- إشارة إلى آيتين من سورة الأحزاب « یَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا » الآية : 30-31. وذلك لأنّ نِعمَ اللّه سبحانه عليهنّ أكثر لمكان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) منهنّ، ونزول الوحي في بيوتهنّ فعذابهنّ على فرض المعصية ضِعف كما أنّ أُجرهنّ على فرض الطاعة يكون ضعفاً.
3- بحار الأنوار : ج 1 ص 141 عن أمالي الطوسي.
4- الأحاديث في فضل الصلاة في المسجدين مختلفة : في بعضها التساوي، مثل ما رواه إبن بابویه بإسناده في «ثواب الأعمال» عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : الصلاة فيما بينهما تعدل ألف صلاة. وفي بعضها تُصرَّح بتفاوت كثیر ، مثل ما رواه أيضاً ابن بابویه في «ثواب الأعمال» بإسناده عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : صلاةٌ في مسجدي تعدل عند اللّه عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد إلّا المسجد الحرام، فإّن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة.
5- بحار الأنوار : ج 10 ص 141 عن أمالي الطوسي.

وَ فَرَضَ اللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) الصَّلَاةَ عَلَى نَبِيِّهِ عَلَى كَافَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ" فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْنَا مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فَرِيضَةً وَاجِبَةً.(1)

وَ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى خُمْسَ الْغَنِيمَةِ لِرَسُولِهِ، وَ أَوْجَبَهَا لَهُ فِي كِتَابِهِ(2)، وَ أَوْجَبَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَوْجَبَ لَهُ، وَ حَرَّمَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ وَ حَرَّمَهَا عَلَيْنَا مَعَهُ، فَأَدْخَلَنَا- فَلَهُ الْحَمْدُ- فِيمَا أَدْخَلَ فِيهِ نَبِيَّهُ وَ أَخْرَجَنَا وَ نَزَّهَنَا مِمَّا أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَ نَزَّهَهُ عَنْهُ، كَرَامَةً أَكْرَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهَا، وَ فَضِيلَةً فَضَّلَنَا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْعِبَاد.(3)

ص: 378


1- كيفية الصلاة على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وآله مذكورة في كتب التفاسير والأحاديث إلّا أنّ الأحاديث المرويّة في كتبهم غالباً مشتملة على كلمة (على) بين محمّد و آله، مثل ما رواه البخاري في «الصحيح» : ج4 ص146 ط مصر بإسناده عن كعب بن عمرة، قال : سألنا رسول اللّه(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقلنا : يا رسول اللّه كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإنّ اللّه قد علّمنا كيف نسلّم. قال : قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليّت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد... الخ. ومثل ما رواه مسلم في «صحيحه» : ج 2 ص 16 ط مصر. والطيالسي في «مسنده» ص 142 ط حیدرآباد الدكن. ولكنّ النسائي في «السنن»: ج 1 ص 190 روى بإسناده عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)أنّه قال : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمد... الخ بإسقاط كلمة على.
2- إشارة إلى الآية (41) من سورة الأنفال، وهي: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ...». إتّفقت الأُمّة الإسلاميّة على أنّ هذه الآية الكريمة خاصّة لأهل البيت وذريتهم (عَلَيهِم السَّلَامُ). روى الحاكم الحسكاني الحنفي في «شواهد التنزيل» : ج 1 ص 285 بإسناده عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : إنّ الآية لنا خاصّة، ولم يجعل لنا في الصدقة نصيباً ، كرامة أكرم اللّه تعالى نبيّه و آله بها، وأكرمنا عن أوساخ أيدي المسلمين.
3- بحار الأنوار: ج 10 ص 141 عن أمالي الطوسي.

فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حِينَ جَحَدَهُ كَفَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَ حَاجَّوْهُ: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ»(1)، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الْأَنْفُسِ مَعَهُ أَبِي، وَ مِنَ الْبَنِينَ إِيَّايَ وَ أَخِي، وَ مِنَ النِّسَاءِ أُمِّي فَاطِمَةَ مِنَ النَّاسِ جَمِيعاً، فَنَحْنُ أَهْلُهُ وَ لَحْمُهُ وَ دَمُهُ وَ نَفْسُهُ، وَ نَحْنُ مِنْهُ وَ هُوَ مِنَّا.(2)

وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُم تَطْهِيراً»(3)، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّطْهِيرِ جَمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أَنَا وَ أَخِي وَ أُمِّي وَ أَبِي، فَجَلَّلَنَا وَ نَفْسَهُ فِي كِسَاءٍ لِأُمِّ سَلَمَةَ خَيْبَرِيٍّ، وَ ذَلِكَ فِي حُجْرَتِهَا وَ فِي يَوْمِهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، وَ هَؤُلَاءِ أَهْلِي وَ عِتْرَتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً.

فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا): أَدْخُلُ مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَنْتِ عَلَى خَيْرٍ وَ إِلَى خَيْرٍ، وَ مَا أَرْضَانِي عَنْكَ، وَ لَكِنَّهَا خَاصَّةٌ لِي وَ لَهُمْ.

ص: 379


1- سورة آل عمران : الآية 61. ولا يخفى أن نزول هذه الآية المسمّاة بآية المباهلة في حقّ الخمسة الأطهار الميامين ممّا لا يحوم حوله الشكّ والإرتياب، وأقرّ واعترف بهذه الفضيلة لهم المفسّرون والمحدّثون والمؤرّخون كلّهم، وإليك أسماء بعضهم: منهم مسلم بن حجّاج النيسابوري في «صحيحه» : ج 7 ص 120، وأحمد بن حنبل في «المسند»: ج 1 ص 185 والطبري في «تفسيره» : ج 3 ص192، والجصّاص في «أحكام القرآن»: ج 2 ص 16، والحاكم في «المستدرك»: ج3 ص150.
2- بحار الأنوار: ج 10 ص141 عن أمالي الطوسي.
3- سورة الأحزاب: الآية 33.

ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، يَأْتِينَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَقُولُ : الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ،« إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».(1)

وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بِسَدِّ الْأَبْوَابِ الشَّارِعَةِ فِي مَسْجِدِهِ غَيْرَ بَابِنَا، فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:" إِنِّي لَمْ أَسُدَّ أَبْوَابَكُمْ وَ أَفْتَحَ بَابَ عَلِيٍّ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَ لَكِنِّي أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ، وَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِسَدِّهَا وَ فَتَحَ بَابَهُ" فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِهِ ذَلِكَ أَحَدٌ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ يُولِدُ فِيهِ الْأَوْلَادَ غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) تَكْرِمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا، وَ فَضْلًا اخْتَصَّنَا بِهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ.(2)

وَ هَذَا بَابُ أَبِي قَرِينُ بَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فِي مَسْجِدِهِ، وَ مَنْزِلُنَا بَيْنَ مَنَازِلِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)،.

وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدَهُ، فَبَنَى فِيهِ عَشْرَةَ أَبْيَاتٍ تِسْعَةً لِبَنِيهِ وَ أَزْوَاجِهِ وَ عَاشِرَهَا وَ هُوَ مُتَوَسِّطُهَا لِأَبِي فَهَا هُوَ لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، وَ الْبَيْتُ هُوَ الْمَسْجِدُ الْمُطَهَّرُ، وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:« أَهْلَ الْبَيْتِ» فَنَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَ نَحْنُ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنَّا الرِّجْسَ وَ طَهَّرَنَا تَطْهِيراً.(3)

ص: 380


1- بحار الأنوار : ج 10 ص 141 و142 عن أمالي الطوسي.
2- هذه الفضيلة السامية من المناقب الثاقبة الّتي رواها الأُمّة وإليك أسماء بعضهم: منهم الحافظ الترمذي المتوفی (290) في «صحيحه» : ج 13 ص 173، والنسائي المتوفّى(303) في «الخصائص»: ص 13، والحافظ أبو نعيم المتوفی (430) في «حلية الأولياء» : ج4 ص 153، وابن المغازلي الشافعي المتوفّى(483) في «المناقب»، وابن الأثير الجزري المبارك المتوقى (606) في جامع الأصول» : ج9 ص475.
3- بحار الأنوار : ج 10 ص 162 عن أمالي الطوسي. قال عبيد اللّه الحنفي الأمرتسري في كتابه : «الأرجح المطالب : ص423؛ ط لاهور: روی من طريق أبي سعد في «شرف النبوة» عن سعد بن أبي وقاص وكان مع رسول اللّه في المسجد ، قال : فنودي فينا: ليخرج من في المسجد إلا رسول اللّه وعلي، فلمّا أصبحنا أتاه عمه فقال : يا رسول اللّه أخرجت أعمامك وأصحابك وأسكنت هذا الغلام ؟ قال رسول اللّه : إن اللّه عزّوجلّ أمر موسى أن يبني مسجدة لا يسكنه إلا هو وهارون وابنا هارون، وإن اللّه قد أمرني أبني مسجدة لا يسكنه إلا أنا، وعلي، والحسن، والحسين، سدوا هذه الأبواب إلا باب علي قبل أن ينزل العذاب... الخ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَوْ قُمْتُ حَوْلًا ، أَذْكُرُ الَّذِي أَعْطَانَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ خَصَّنَا بِهِ مِنَ الْفَضْلِ فِي كِتَابِهِ وَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لَمْ أُحْصِهِ(1)، وَ أَنَا ابْنُ النَّبِيِّ النَّذِيرِ الْبَشِيرِ، السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، وَ أَبِي عَلِيٌّ،(عَلَيهِ السَّلَامُ) وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَ شَبِيهُ هَارُونَ.(2)

وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَخْرٍ زَعَمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ لِلْخِلَافَةِ أَهْلًا، وَ لَمْ أَرَ نَفْسِي لَهَا أَهْلًا، فَكَذَبَ مُعَاوِيَةُ، وَ ايْمُ اللَّهِ لَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَزَلْ أَهْلَ الْبَيْتِ مخيفين مَظْلُومِينَ مُضْطَهَدِينَ، مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ.

فَاللَّهُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا، وَ نَزَلَ عَلَى رِقَابِنَا، وَ حَمَلَ النَّاس

ص: 381


1- هذا الكلام صريح في أنّ فضائل أمير المؤمنين وأهل بيته المعصومين بلغت حداً لا يحصيها أحد إلّا اللّه سبحانه كما روى الحافظ الموفّق الخوارزمي المتوفّى(568) في «المناقب» : ص 18 ط تبریز، بإسناده عن ابن عبّاس، قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لو أنّ الغياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حُسّاب، والإنسَ كُتّاب ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ). رواه أيضاً الحافظ الكنجي الشافعي المتوفّى(658) في «كفاية الطالب » : ص 123 ط الغري.
2- بحار الأنوار : ج 10 ص62، عن أمالي الطوسي: د 572 - 574.

عَلَى أَكْتَافِنَا، وَ مَنَعَنَا سَهْمَنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْفَيْ ءِ وَ الْغَنَائِمِ، وَ مَنَعَ أُمَّنَا فَاطِمَةَ إِرْثَهَا مِنْ أَبِيهَا.

إِنَّا لَا نُسَمِّي أَحَداً، وَ لَكِنْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً تَالِياً، لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَمِعُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولِهِ، لَأَعْطَتْهُمُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا، وَ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا، وَ لَمَا اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ سَيْفَانِ، وَ لَأَكَلُوهَا خَضْرَاءَ خَضِرَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ مَا طَمِعْتَ فِيهَا يَا مُعَاوِيَةُ فیها.(1)

وَ لَكِنَّهَا لَمَّا أَخْرَجْتَ سَالِفاً مِنْ مَعْدِنِهَا، وَ زَحْزَحْتَ عَنْ قَوَاعِدِهَا، تَنَازَعَتْهَا قُرَيْشٌ بَيْنَهَا وَ تَرَامَتْهَا كَتَرَامِي الْكُرَةِ(2)، حَتَّى طَمِعْتَ فِيهَا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ وَ أَصْحَابُكَ مِنْ بَعْدِكَ،

وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ أَمْرَهَا رَجُلًا قَطُّ، وَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، إِلَّا لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَا تَرَكُوا.

وَ قَدْ تَرَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَ كَانُوا أَصْحَابَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، هَارُونَ أَخَاهُ وَ خَلِيفَتَهُ وَ وَزِيرَهُ، وَ عَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ، وَ أَطَاعُوا فِيهِ سَامِرِيَّهُمْ، وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلَامُ).

وَ قَدْ سَمِعَتْ هَذِهِ الْأَمَّةُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ ذَلِكَ لِأَبِي : إِنَّهُ مِنِّي بِمَنْزِلَة

ص: 382


1- إشارة إلى ما قاله أبو سفيان في مجلس عثمان : يا بني أُميّة تلقّفوها تلقّف الكرة والّذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم فواللّه ما من جنّة ولا نار. سفينة البحار: ج4 ص 196.
2- إشارة إلى الآية الكريمة (96) من سورة الأعراف وهي : «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ».

هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.(1)

وَ قَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حِينَ نَصَبَهُ لَهُمْ بِغَدِيرِ خُمٍّ وَ سَمِعُوهُ، وَ نَادَى لَهُ بِالْوَلَايَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ مِنْهُمْ الْغَائِبَ(2)، وَ قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حِذَاراً مِنْ قَوْمِهِ إِلَى الْغَارِ، لَمَّا أَجْمَعُوا أَنْ يَمْكُرُوا بِهِ، وَ هُوَ يَدْعُوهُمْ، لَمَّا لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً، وَ لَوْ وَجَدَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً لَجَاهَدَهُمْ.

وَ قَدْ كَفَّ أَبِي يَدَهُ وَ نَاشَدَهُمْ وَ اسْتَغَاثَ أَصْحَابَهُ، فَلَمْ يُغَثْ وَ لَمْ يُنْصَرْ، وَ لَوْ وَجَدَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً مَا أَجَابَهُمْ، وَ قَدْ جُعِلَ فِي سَعَةٍ كَمَا جُعِلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فِي سَعَةٍ.

وَ قَدْ خَذَلَتْنِي الْأُمَّةُ وَ بَايَعَتْكَ يَا ابْنَ حَرْبٍ(3)، وَ لَوْ وَجَدْتُ عَلَيْكَ أَعْوَانا

ص: 383


1- بحار الأنوار: ج 10 ص 143 عن أمالي الطوسي. ولا يخفى أن هذا الحديث المعروف بحديث المنزلة ممّا بلغ حدّ التواتر ورواه غير واحد من الأعلام وإليك بعضهم : منهم المؤرخ الشهير ابن هشام المتوفّى(218) في «السيرة» : ج2 ص520، وأحمد بن حنبل المتوفّى(214) في «المسند»: ج 3 ص 56، والبخاري المتوفی (253) في «صحيحه» : ج 5 ص 19، وأبو داود الطيالسي المتوفی (259) في «المسند»: ص 28، و مسلم النيسابوري المتوفّى(261) في «الصحيح»: ج 2 ص 19.
2- حديث الغدير أيضاً من الأحاديث المتواترة عند الأُمّة الإسلاميّة، رواه الفريقان في أسفارهم وزبرهم. رواه أحمد بن حنبل من (40) طريقاً، والطبري من (72) طريقة والجزري المقري من (80) طريقاً، وابن عقدة من (105) طرق، و أبو سعيد السجستاني من (120) طريقاً، و أبو بكر الجعاب من (125) طريقاً، ورواه أبو العلاء العطّار الهمداني من (250) طريقاً، راجع «الغدير » : ج 1 ص 158
3- هو حرب بن أُمية بن عبد شمس، وهو جدّ معاوية ، مات بالشام سنة (36) قبل الهجرة، وتزعم العرب أنّ الجنّ قتلته. (الأعلام: ج 2 ص 183)

يَخْلُصُونَ مَا بَايَعْتُكَ، وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَارُونَ فِي سَعَةٍ حِينَ اسْتَضْعَفَهُ قَوْمُهُ وَ عَادَوْهُ، كَذَلِكَ أَنَا وَ أَبِي فِي سَعَةٍ حِينَ تَرَكَتْنَا الْأُمَّةُ وَ بَايَعَتْ غَيْرَنَا، وَ لَمْ نَجِدْ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً، وَ إِنَّمَا هِيَ السُّنَنُ وَ الْأَمْثَالُ تَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً.

أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُمْ لَوِ الْتَمَسْتُمْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ رَجُلًا جَدُّهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وَ أَبُوهُ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ، لَمْ تَجِدُوا غَيْرِي وَ غَيْرَ أَخِي، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَضِلُّوا بَعْدَ الْبَيَانِ، وَ كَيْفَ بِكُمْ وَ أَنَّى ذَلِكَ مِنْكُمْ، أَلَا وَ إِنِّي قَدْ بَايَعْتُ هَذَا- وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ- «وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ».(1)

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يُعَابُ أَحَدٌ بِتَرْكِ حَقِّهِ، وَ إِنَّمَا يُعَابُ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَ كُلُّ صَوَابٍ نَافِعٌ، وَ كُلُّ خَطَإٍ ضَارٍ لِأَهْلِهِ، وَ قَدْ كَانَتِ الْقَضِيَّةُ فَفَهَّمَهَا سُلَيْمَانَ فَنَفَعَتْ سُلَيْمَانَ(2)، وَ لَمْ تُضِرَّ دَاوُد.

ص: 384


1- سورة الأنبياء: 111.
2- إشارة إلى الآية (79) من سورة الأنبياء وهي : «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ...». والقضيّة أنّه أوحى اللّه إلى داود إتّخذ وصيّاً من أهلك فإنّه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيّاً إلّا وله وصيّ من أهله، وكان لداود أولاد عدَّة وفيهم غلام كانت أُمّه عند داود وكان لها محبّاً، فدخل عليها داود حين أتاه الوحي فقال لها: إنّ اللّه عزّوجلّ أوحى إليّ يأمرني أن أتّخذ وصيّاً من أهلي، فقالت له امرأته : فليكن إبني، قال : ذاك أُريد، وكان السابق في علم اللّه المحتوم عنده سليمان، فأوحى اللّه تبارك وتعالى لداود: أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري، فلم يلبث داود أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم وأوحى اللّه إلى داود: أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضيّة فأصاب فهو وصيّك من بعدك، فجمع داود ولده فلمّا أن قصّ الخصمان قال سليمان : یا صاحب الكرم متى دخلت غنم الرجل كر مك؟ قال : دخلته ليلاً ، قال : قد قضيتُ عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا... الخ وكان ذلك الحكم خلاف ما عليه داود وعلماء بني إسرائيل من قبل، ولكنّ اللّه أوحى إلى داود أنّ القضاء ما حكم وقضى به سلیمان. (تفسير الصافي)

فَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَقَدْ نَفَعَتِ الْمُشْرِكَ، وَ هِيَ وَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ أَنْفَعُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لِعَمِّهِ أَبِي طَالِب،ٍ وَ هُوَ فِي الْمَوْتِ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ، أَشْفَعْ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ لَهُ إِلَّا مَا يَكُونُ مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ، وَ لَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ غَيْرِ شَيْخِنَا- أَعْنِي أَبَا طَالِبٍ(1)- يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً». (2)

أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَ عُوا، وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ رَاجِعُوا، وَ هَيْهَاتَ مِنْكُمُ الرَّجْعَةُ إِلَى الْحَقِّ، وَ قَدْ صَارَعَكُمُ النُّكُوصُ، وَ خَامَرَكُمُ(3)الطُّغْيَانُ، وَ الْجُحُودُ، أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ؟ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى.

قال علي بن الحسين السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قَالَ: فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَ اللَّهِ مَا نَزَلَ الْحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حَتَّى أَظْلَمَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ، وَ هَمَمْتُ أَنْ أَبْطِشَ(4) بِهِ ثُمَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْإِغْضَاء (5)

ص: 385


1- ذلك إلزام عليهم، لأنّ أهل السُنّة كانوا قائلين بكفره، وإلّا فالشيعة الإماميّة على أنّ أبا طالب (رضي اللّه عنه) كان مؤمناً بالنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يكتم إيمانَه، وكانَ يَحميه بنفسه ووَلدهِ ومالهِ ، ويستدلّون على ذلك بسيرته وبما ورد في صِحاح الأخبار، ووافق الشيعة في ذلك الزيديّة وعدّة من أهل السُنّة.
2- سورة النساء : الآية 18.
3- خامر : داخل، وخالط. يقال : خامره الداء : دخل جوفه.
4- بطش به : فتك به وأخذه بشدّة.
5- الإغضاء: السكوت والصبر.

أقرب إلى العافية.(1)

لماذا يبغضون عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{68}

[380] روي أنّ معاوية سَأَلَ مُعَاوِيَةُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعْدَ الصُّلْحِ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ، فَامْتَنَعَ فَنَاشَدَهُ أَنْ يَفْعَلَ، فَوُضِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَوَحَّدَ فِي مُلْكِهِ، وَ تَفَرَّدَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَ يَنْزِعُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَ بِنَا مُؤْمِنَكُمْ، وَ أَخْرَجَ مِنَ الشِّرْكِ أَوَّلَكُمْ، وَ حَقَنَ دِمَاءَ آخِرِكُمْ، فَبَلَاؤُنَا عِنْدَكُمْ قَدِيماً وَ حَدِيثاً أَحْسَنُ الْبَلَاءِ، إِنْ شَكَرْتُمْ أَوْ كَفَرْتُم.

أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ رَبَّ عَلِيٍّ كَانَ أَعْلَمَ بِعَلِيٍّ حِينَ قَبَضَهُ إِلَيْهِ، وَ لَقَدِ اخْتَصَّهُ بِفَضْلٍ لَنْ تُعْهَدُوا بِمِثْلِهِ، وَ لَنْ تَجِدُوا مِثْلَ سَابِقَتِهِ.

فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، طَالَمَا قَلَّبْتُمُ الْأُمُورَ حَتَّى أَعْلَاهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَ هُوَ صَاحِبُكُمْ، غَزَاكُمْ فِي بَدْرٍ ،وَ أَخَوَاتِهَا، جَرَّعَكُمْ رَنَقاً وَ سَقَاكُمْ عَلَقاً ،وَ أَذَلَّ رِقَابَكُمْ وَ شَرَقَكُمْ بِرِيقِكُمْ، فَلَسْتُمْ بِمَلُومِينَ عَلَى بُغْضِه.(2)

حقيقة طغیان معاوية

{69}

[381] رُوي أنّه لمّا قدم معاوية الكوفةَ قيل له: إنّ الحسنَ بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)

ص: 386


1- بحار الأنوار : ج 10 ص 144 عن أمالي الطوسي: ص 561 عن الشيخ الطوسي بهذا الإسناد : جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن محمّد بن الفضل بن ربيعة الأشعري، عن علي بن حسان، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن جعفر بن محمد، عنه أبيه، عن جدّه علي بن الحسین (عَلَيهِم السَّلَامُ). وأيضا في البحار : ج 72 ص 151 - 156 باب كفر المخالفين والنُصّاب، ح29 عن كتاب البرهان.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص 28.

مرتفعٌ في أنفس الناس، فلو أمرَته أن يقومَ دونَ مقامِك على المنبر فتدركه الحداثةُ والعيّ (1)، فيسقط من أنفسِ الناس وأعينِهم، فأبى عليهم، وأبوا عليه إلّا أن يأمره ذلك ، فأمرَه فقام دون مقامه في المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد أيّها الناس ! (2) لو طلبتُم ما بينَ كذا وكذا لِتَجِدُوا رَجلاً جدّه نبيّ، لم تجدوه غيري وغيرَ أخي، وإنّا أعْطَيْنا صَفْقَتَنا هذا الطاغيةَ- وأشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية - وهو في مقام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من المنبر، ورأينا حِقَن دماءِ المسلمين أفضل من إهراقها، «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(3).(4)

في التوحيد والنبوة

{70}

[382] لمّا أجمع الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)على صلح معاوية خرج حتّى لقيه ، فلمّا اجتمعا قام معاوية خطيباً فصعد المنبر، وأمر الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يقوم أسفل منه بدرجة ، ثمّ تكلّم معاوية فقال :

أيها الناس هذا الحسن بن عليّ وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلاً! ولم ير نفسه لها أهلاً! وقد أتانا ليبايع طوعاً، ثمّ قال : قم یا حسن !

فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخطب فقال :

الحمد للّه المَستَحْمَدِ بالآلاء وتتابُعِ النَعْماء، وصارفِ الشدائدِ والبلاءِ عندَ

ص: 387


1- قال المجلسي في بحار الأنوار في ذيل الخبر : يقال : عيّ في منطقه فهو عييّ على فعيل ، أي حصر في البيان وعجز.
2- في بحار الأنوار : أمّا بعد فإنكّم، وليس فيه «أيّها الناس».
3- سورة الأنبياء : الآية 111.
4- الاحتجاج : ج 1 ص420 وعنه بحار الأنوار: ج 4 ص 91 والعوالم : ج16 ص230 ح 5.

الْفُهَمَاءِ وَ غَيْرِ الْفُهَمَاءِ، الْمُذْعِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ لِامْتِنَاعِهِ بِجَلَالِهِ وَ كِبْرِيَائِهِ، وَ عُلُوِّهِ عَنْ لُحُوقِ الْأَوْهَامِ بِبَقَائِهِ، الْمُرْتَفِعِ عَنْ كُنْهِ طیّات(1) الْمَخْلُوقِينَ، مِنْ أَنْ تُحِيطَ بِمَكْنُونِ غَيْبِهِ رَوِيَّاتُ عُقُولِ الرَّاءِينَ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَ وُجُودِهِ وَ وَحْدَانِيَّتِهِ، صَمَداً لَا شَرِيكَ لَهُ، فَرْداً لَا ظَهِيرَ لَهُ.

وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، اصْطَفَاهُ وَ انْتَجَبَهُ وَ ارْتَضَاهُ، وَ بَعَثَهُ دَاعِياً إِلَى الْحَقِّ، وَ سِراجاً مُنِيراً، وَ لِلْعِبَادِ مِمَّا يَخَافُونَ نَذِيراً، وَ لِمَا يَأْمُلُونَ بَشِيراً، فَنَصَحَ لِلْأُمَّةِ وَ صَدَعَ بِالرِّسَالَةِ، وَ أَبَانَ لَهُمْ دَرَجَاتِ الْعُمَالَةِ، شَهَادَةً عَلَيْهَا أَماتُ وَ أُحْشَرُ، وَ بِهَا فِي الْآجِلَةِ أُقَرَّبُ وَ أُحْبَرُ.(2)

في مجلس معاوية

| {71}

[383] قام الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)على المنبر حين اجتمع مع معاوية وأصحابه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أيّها الناس! إنّ معاوية زعم أنّي رأيته للخلافة أهلاً ولم أر نفسي لها أهلاً ، وكذب معاوية، أنا أولى الناس بالناس في كتاب اللّه وعلى لسان رسول اللّه فأقسم باللّه لو أنّ الناس بایعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قَطرها ،

ص: 388


1- الطيّات (جمع الطِيّة بكسر الطاء) : النيّات والقصود.
2- بحار الزنوار : ج10 ص 139 عن أمالي الشيخ ص 572 بإسناده عن جماعة، عن أبي المفضّل، عن ابن عقدة ، عن محمّد بن المفضّل بن إبراهيم بن قيس الأشعري، عن عليّ بن حسّان الواسطي، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال :...

والأرض بركتها، ولما طمعتَ فيها یا معاوية (1)، وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ماولت أُمّة أمرها رجلاً قطُّ وفيهم مَن أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتّى يرجعوا إلى ملّة عبدة العجل» وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أنّ هارون خليفة موسى، وقد تركت الأُمّة عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد سمعوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسی غیر النبوّة، فلا نبيّ بعدي» وقد هرب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مِن قومه وهو يدعوهم إلى اللّه حتّى فرّ إلى الغار، ولو وجد أعواناً ماهرب منهم، ولو وجدتُ أنا أعواناً مابايعتُك يا معاوية، وقد جعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه لمّا لم يجد أعواناً عليهم(2) ، وقد جعل اللّه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في سعة حين فرّ من قومه لمّا لم يجد أعواناً عليهم، وكذلك أنا وأبي في سعة مِن اللّه حين تركتنا الأُمّة وبايعت غيرنا ولم نجد أعواناً، وإنّما هي السُنَن والأمثال يتبع بعضها بعضاً، أيّها الناس! إنّكم لو التمستم في ما بين المشرق والمغرب رجلاً لم تجدوا رجلاً من ولد نبيّ (3) غيري وغير أخي.(4)

اعرفوني أيّها الناس

{72}

[384] روي أنّ معاوية سأل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يصعد المنبر وينتسب، فصعد

ص: 389


1- في المصدر : «ولما طمعتم فيها یا معاوية ولقد...».
2- فيه : «ولم يجد عليهم أعواناً».
3- النبي (ظ).
4- معادن الحكمة : ج2 ص24 عن الإحتجاج ص 288 : عن سلیم بن قیس، قال :...

فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :

أيُّها الناس ! مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فسأُبيّنُ له نفسي، بلدي مكّةُ ومِني، وأنا ابنُ المروة والصَفا، وأنا ابنُ النبي المصطفى، وأنا ابنُ مَن علا الجِبالَ الرَواسي، وأنا ابنُ مَن كسا محاسنِ وجهِه الحياء، وأنا ابنُ فاطمةَ سيّدةِ النساء، وأنا ابنُ قليلاتِ العيوب، نقيّات الجُيوب.

وأذّن المؤذن ، فقال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه، فقال :

یا معاوية! محمّد أبي أم أبوك؟ فإن قلت ليس بأبي فقد كفرتَ، وإنْ قلتَ : نعم، فقد أقرَرْت.

ثمّ قال : أصبحَتْ قريش تفتخر على العجم بأنّ محمدا منها، وأصبحتِ العرب تفتخرُ على العجم بأنّ محمداً منها، وأصبحت العجم تعرِفُ حقَّ العرب بأنّ محمّداً منها، يطلُبون حقّنا ولا يَرُدّون إلينا حقَّنا. (1)

من عرفني فقد عرفني

(73}

[385] قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار في ترجمة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقة، ولقد قيل لمعاوية ذات يوم : لو أمرت الحسن بن علي بن أبي طالب فصعد المنبر فخطب ليتبين للناس نقصه ، فدعاه فقال له : اصعد المنبر وتكلم بكلمات تعظنا بها، فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصعد المنبر

ص: 390


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 178 وعنه بحار الأنوار: ج 3 ص356؛ العوالم ج16 ص125.

فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :

أيها الناس ! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، وابن سيّدة النساء فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنا ابن خير خلق اللّه، أنا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، أنا ابن صاحب الفضائل، أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقّي، أنا وأخي الحسین سیّدا شباب أهل الجنّة، أنا ابن الركن والمقام، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن المشعر وعرفات.

فقال له معاوية : يا أبا محمّد! خذ في نعت الرُطب ودع هذا.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الريح تنفخه والحرور ينضجه، والبرد يطيّبه، ثمّ عاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كلامه فقال :.

أنا إمام خلق اللّه، وابن محمّد رسول اللّه ، فخشي معاوية أن يتكلّم بعد ذلك بما يفتتن به الناس ، فقال : يا أبا محمّد! انزل فقد كفى ما جرى، فنزل.

بیان : قال الجزري : الفريصة: اللحمة الّتي بين جنب الدابة وكتفها لاتزال ترعد، ومنه الحديث : فجيء بهما ترعد فرائصهما، أي : ترجف من الخوف انتهى. والسليم من لدغته العقرب كأنّهم تفاءلوا له بالسلامة. قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تنفخه لعلّ المعنى تعظمه والمنفوخ : البطين والسمين.(1)

ورواه القوم بنحو آخر وهو هكذا:

يا أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، مابین جابلقا وجابر صا ما أحد جدّه نبيّ غيري، أنا ابن نبيّ اللّه، أنا ابن رسول اللّه ، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن السراج

ص: 391


1- بحار الأنوار: ج 3، ص331 - 332 عن أمالي الصدوق.

المُنير، أنا ابن بريد السماء، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعث للجنّ والإنس، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، وأنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.

فلمّا سمع معاوية ذلك أراد أن يسكته ويخلط عليه مخافة أن يبلغ به المنطق ما یكرهه، فقال له: يا حسن أنعت لنا الرطب!

فقال : يا سبحان اللّه! أين هذا من هذا؟! ثمّ قال : الحرّ ينضجه، والليل يبرده، والريح تلقحه.

ثمّ استفتح كلامه الأوّل وقال : أنا ابن من كان مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوّل من تنشقّ عنه الأرض وينفض رأسه من التراب ، أنا ابن من أوّل من يقرع باب الجنّة، أنا ابن من رضاه رضا الرحمن، وسخطه سخط الرحمن، أنا ابن من لا يسامی كرماً.

فقال له قومه : حسبك يا أبا محمّد! ما أعرفناه بفضل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

فقال الحسن : يا معاوية! إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعمل بطاعته وليس الخليفة من دان بالجور وعطل السُنَن واتّخذ الدُنيا أباً وأُمّاً ولكن ذاك ملك تمتّع في ملكه، وكان قد انقطع وانقطعت لذته وبقیت بیعته، ثمّ قال :« وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» ، ثمّ نزل عن المنبر (رضي اللّه عنه).

رواها جمال الدين الزرندي في «نظم دُرَر السمطين» (ص 200 ط القضاء) ثمّ قال :

في رواية أنّه قيل له : لو أمرته أن يخطب فإنّه حديث السنّ لم يتعوّد الخطب فيجتمع الناس إليه فيحصر ، فيكون في ذلك مايصغره في أعين الناس. فقال كما قال لهم أوّل مرّة، فقالوا: إنه قد شمخ أنفاً ورفع رأساً واشرأبّت إليه

ص: 392

قلوب الناس بالثقة والمقة، فمره بذلك حتّى ترى، فأرسل إليه معاوية فأمره أن يخطب، فلمّا صعد المنبر وقد جمع معاوية كهول قریش و شبانها ، حمد اللّه تعالى وأثنى عليه وصلى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فذكرها.

وروى العلامة الشيخ سليمان البلخي القندوزي في «ینابیع المودّة » (ص 225 ط اسلامبول).

نقلاً عن أبي سعد في «شرف النبوّة» عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، مایحتمل أن يكون من فقرات هذه الخطبة أو الخطبة السابقة وهي هكذا:

أنا ابن من بعثه اللّه رحمةً للعالمين، وأنا ابن من أرسله إلى الجنّ والإنس أجمعين ، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة، أنا ابن من كان مستجاب الدعوة، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، أنا ابن مزن السماء، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن من هو أوّل من تشققّ عنه الأرض، أنا ابن من هو أوّل من يقرع باب الجنّة، أنا ابن من رضاه رضاء الرحمن وسخطه سخط الرحمن، أنا ابن من لا يساويه أحد شرفاً وكرماً.

ورواها في «أهل البيت» (ص 382 ط السعادة بالقاهرة) هكذا:

أيّها الناس! من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علیّ بن أبي طالب، أنا ابن نبيّ اللّه، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن خاتم النبيّين وسيّد المرسلین وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين ، أنا ابن من بعث إلى الجنّ والإنس، أنا ابن من بعث رحمةً للعالمين.

واسترسل فقال : أنا ابن مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوّل من ينفض رأسه من التراب ويقرع باب الجنّة، أنا ابن من قاتلت الملائكة

ص: 393

معه ولم تقاتل معه نبيّ قبله، أنا ابن من ذلّت له قريش رغماً.(1)

أخبرني عن هؤلاء

{74}

[386] وفي كتاب «تحف العقول عن آل الرسول» للشيخ الجليل أبي محمّد الحسن بن عليّ بن شعبة (رحمه اللّه) : أنّ معاوية قال للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد الصلح : أُذكر فضلنا، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على محمّد النبيّ وآله، ثمّ

قال :

من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول اللّه، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن المصطفى بالرسالة، أنا ابن من صلّتْ عليه الملائكة، أنا ابن من شُرِّفت به الأُمّة، أنا ابن من كان جبرئيل السفير من اللّه إليه، أنا ابن من بُعث رحمة للعالمين، صلّى اللّه عليه وآله أجمعين

فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده، فقال : يا حسن ! عليك بالرُطب فانعته لنا!

قال : نعم يا معاوية ! الريح تلقحه، والشمس تنفخه، والقمر يلونه، والحرُّ ينضجه، والليل يبرده ، ثمّ أقبل على منطقه ، فقال :

أنا ابن مستجاب الدعوة (2)، أنا ابن من كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن من خضعت له قریش رغماً، أنا ابن من سعد تابعه، وشقي خاذله، أنا ابن من جعلت له الأرض طهوراً

ص: 394


1- ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 198 - 199.
2- في المصدر : أنا ابن المستجاب الدعوة.

ومسجداً، أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترئ، أنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراٌ.

فقال معاوية : أظنّ نفسك یا حسن تنازعك إلى الخلافة!

فقال : ويلك يا معاوية! إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه وعمل بطاعة اللّه، ولعمري إنّا أعلام الهدى، ومنار التُقى(1)، ولكنّك يا معاوية! ممّن أبار السُنَن ، وأحيى البدع، واتّخذ عباد اللّه خولاً، ودين اللّه لعباً، فكأن قد أخمل ما أنت فيه ، فعشت يسيراً، وبقيت عليك تبعاته، یا معاوية! واللّه لقد خلق اللّه مدينتين : أحدهما(2) بالمشرق، والأُخرى بالمغرب، أسماؤهما جابلقا و جابلسا، ما بعث اللّه إليهما أحداً غير جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

فقال معاوية : أخبرنا عن ليلة القدر.

قال : نعم، عن مثل هذا فاسأل، إنّ اللّه خلق السماوات سبعاً، والأرضين سبعاً، والجنّ من سبع، والإنس من سبع، فتطلب من ليلة ثلاث وعشرين إلى ليلة سبع وعشرين، ثمّ نهض (عَلَيهِ السَّلَامُ).(3)

حقن الدماء خير

{75}

[387] هَوْذة : عن عوف، عن محمد، قال : لمّا ورد معاويةُ الكوفة، واجتمع عليه الناس، قال له عمرو بنُ العاص : إنّ الحسنَ مرتفعٌ في الأنفس

ص: 395


1- في نسخة : ومنار التقوى.
2- في المصدر : إحديهما، وهو الصواب.
3- معادن الحكمة : ج 2 ص 26 - 27 عن تحف العقول : ص 232.

لقرابته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وإنّه حديث السنّ عَبِيّ، فمره فليخطُب، فإنّه سیعیي، فيسقط من أنفس الناس، فأبى فلم يزالوا به حتّى أمره، فقام على المنبر دون معاوية ، فحمِدَ اللّه ، وأثنى عليه ، ثمّ قال :

لو ابتغيتُم بين جابَلْق وجابَرْس رجلاً جدُّه نبيٌّ غيري وغيرُ أخي لم تجدوه، وإنّا قد أعطينا معاوية بيعتنا، ورأينا أن حقنَ الدماء خيرٌ «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» ، وأشار بيده إلى معاوية.

فغضب معاويةُ، فخطب بعده خطبةً عييةً فاحشة، ثمّ نزل.

وقال : ما أردت بقولك : فتنة لكم ومتاع إلى حين ؟

قال : أردتُ بها ما أراد اللّهُ بها(1).(2)

أنا ابن هؤلاء

{76}

[388] قال له معاوية بن أبي سفيان يوماً بعد الصلح: أُذكُر فضلَنا، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبيّ وآله فقال :

أَنَا ابْنُ مَنْ كَانَ مِنْ رَبِّهِ كَقَابِ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أَنَا ابْنُ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ، أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَ مِنَى، أَنَا ابْنُ مَنْ خَضَعَتْ لَهُ قُرَيْشٌ رَغْماً، أَنَا ابْنُ مَنْ سَعِدَ تَابِعُهُ، وَ شَقِيَ خَاذِلُهُ، أَنَا ابْنُ مَنْ جُعِلَتِ الْأَرْضُ لَهُ طَهُوراً وَ مَسْجِداً، أَنَا ابْنُ مَنْ كَانَتْ

ص: 396


1- إسناده صحيح، هَوْذَة : هو ابن خليفة، وعوف: هو ابن أبي جميلة الأعرابي، وذكره ابن كثير في «البداية» : 8 / 42، ونسبه لابن سعد بهذا الإسناد.
2- سير أعلام النبلاء : ج 3 ص 272. وأورده أيضاً ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق، ص192 رقم 320.

أَخْبَارُ السَّمَاءِ إِلَيْهِ تَتْرَى أخبار السماء إليه تترى أنا ابن مَن أذهب اللّهُ عنهم الرجسّ وطهّرهم تطهيراً.(1)

لا مرحباً بمن ساءك

{77}

[389] أَنَا ابْنُ مَنْ سَادَ قُرَيْشاً شَابّاً وَ كَهْلًا، أَنَا ابْنُ مَنْ سَادَ الْوَرَى كَرَماً وَ نُبْلًا، أَنَا ابْنُ مَنْ سَادَ أَهْلَ الدُّنْيَا بِالْجُودِ الصَّادِقِ وَ الْفَرْعِ الْبَاسِقِ(2)، وَ الْفَضْلِ السَّابِقِ، أَنَا ابْنُ مَنْ رِضَاهُ رِضَى اللَّهِ وَ سَخَطُهُ سَخَطُ اللَّهِ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تُسَامِيَهُ يَا مُعَاوِيَةُ؟

فَقَالَ أَقُولُ لَا تَصْدِيقاًلِقَوْلِكَ.

فَقَالَ الْحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الْحَقُّ أَبْلَجُ(3)، وَ الْبَاطِلُ لَجْلَجٌ، وَ لَنْ يَنْدَمَ مَنْ رَكِبَ الْحَقَّ، وَ قَدْ خَابَ مَنْ رَكِبَ الْبَاطِلَ، وَ الْحَقُّ يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ.

ثُمَّ نَزَلَ مُعَاوِيَةُ وَ أَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَ قَالَ : لَا مَرْحَباً بِمَنْ سَاءَكَ.(4)

أيها الذاكر عليّاً

{78}

[390] روي أنّ معاوية لمّا نزل الكوفة أقام بها أياماً، فلمّا استتمّت بیعته صعد المنبر، فخطب الناس، وذكر أمير المؤمنين والحسن (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، فنال منهما،

ص: 397


1- بحار الأنوار: ج 44 ص 41 ح 3 عن تحف العقول : ص167.
2- الباسق : المرتفع.
3- أبلَجَ: أشرق وأضاء.
4- بحار الأنوار : ج 44 ص 122 ح 13.

وكان الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حاضراً، فأراد أن يقوم ويجيبه، فأخذ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيده وأجلسه وقام، وقال :

أَيُّهَا الذَّاكِرُ عَلِيّاً، أَنَا الْحَسَنُ وَ أَبِي عَلِيٌّ ،وَ أَنْتَ مُعَاوِيَةُ وَ أَبُوكَ صَخْرٌ، وَ أُمِّي فَاطِمَةُ وَ أُمُّكَ هِنْدٌ، وَ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ وَ جَدُّكَ حَرْبٌ، وَ جَدَّتِي خَدِيجَةُ وَ جَدَّتُكَ نثيْلَةُ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى أَخْمَلِنَا(1) ذِكْراً، وَ أَلْأَمِنَا حَسَباً، وَ شَرِّنَا قَوْماً، وَ أَقْدَمِنَا كُفْراً وَ نِفَاقاً(2).(3)

أكيس الكيس التقى

{79}

[391] روي أنّه لمّا تم الصلح وانبرم الأمر، التمس معاوية من الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يتكلّم بمجمع من الناس، ويعلمهم أنّه قد بايع معاوية، ويسلّم الأمر إليه.

فأجابه إلى ذلك، فخطب - وقد حشد الناس - خطبة، حمد اللّه تعالى وصلّى على نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فيها، وهي من كلامه المنقول عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وقال :

ص: 398


1- خمل ذكره : خفي.
2- قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج 3 ص 16 ط مصر قال أبو الفرج: وحدّثني أبو عبيد محمّد بن أحمد قال : حدّثني الفضل بن الحسن البصري قال : حدّثني يحيى بن معين ، ويرفع السند إلى حبيب بن أبي ثابت قال : خطب معاوية بالكوفة وذكر الحديث بعينه، ثمّ قال : قال الفضل: قال يحيى بن معين وأنا أقول: آمين، قال أبو الفرج : قال أبو عبيد : قال الفضل : وأنا أقول آمين، ويقول علي بن الحسين الأصفهاني : آمين. قلت : ويقول عبدالحميد بن أبي الحديد مصنّف هذا الكتاب : آمین «انتهى». ويقول كاتب هذه الكلمات ومصحّح هذا الكتاب : آمین.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص46 و47 ومقاتل الطالبيين : ص 70. وقد تقّدم عن مقاتل الطالبيين لأبي الفرج مع زيادات في أوّله مضافة إلى أنّه صرّح بكون القصّة في المدينة بخلاف هذا الحديث المصرّح بأنّ القصّة كانت بالكوفة

أيّها الناس! إنّ أكيَسَ الكَیسِ النُقى، وأحمَقَ الحُمقِ الفُجور.(1)

ما أردت إلّا هتكي

{80}

[392] وذكروا أنّ عمرو بن العاص قال لمعاوية : ابعث إلى الحسن بن عليّ فأمره أن يخطب على المنبر فلعلّه يحصر فيكون في ذلك ما نعيّره به ، فبعث إليه معاوية فأمره أن يخطب، فصعد المنبر وقد اجتمع الناس، وخطب خطبة بليغة، وبعد الحمد والثناء على اللّه سبحانه والصلاة على رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عرّف نفسه وذكر فضائله المنيفة.

ثمّ قال : ولم يزل أظلمت الأرض على معاوية ، فقال : يا حسن ! قد كنت ترجو أن تكون خليفة ولست هنا.

قال الحسن : إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعمل بطاعته، وليس الخليفة من دان بالجور وعطَّل السُنَن واتّخذ الدُنيا أباً وأُمّاً، ولكن ذلك ملك أصاب ملكاً يمتع به قليلاً ويعذّب بعده طويلاً، وكان قد انقطع عنه واستعجل لذّته وبقيت عليه التبعة، فكان كما قال اللّه تعالى : «َإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ

ص: 399


1- أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني المتوفّي (430 ه) في «حلية الأولياء» : ج 2 ص 37 بإسناده عن أبي حامدبن جبلة، عن محمّد بن إسحاق، عن عبيداللّه بن سعيد، عن سفيان بن عيينة ، عن مجالد، عن الشعبي، قال : شهدت الحسن بن عليّ حين صالحه معاوية بالنخيلة، فقال معاوية : قم فأخبر الناس أنك تركتَ هذا الأمر وسلّمته إليّ، فقام الحسن فحمد اللّه أثنى عليه ثمّ قال :... ورواه عن «الحلية» الإربلي في كشف الغمّة : ج 2 ص 192. ورواه عن «الكشف» المجلسي في البحار: ج 44 ص 62.

فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(1)، ثمّ انصرف.

فقال معاوية لعمرو : ما أردتَ إلّا هتكي، ما كان أهل الشام يرون أحدةاًمثلي حتّى سمعوا من الحسن ما سمعوا.(2)

أنا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{81}

[393] روي أنّ عمرو بن العاص(3) قال لمعاوية : ابعث إلى الحسن بن علي، فمره أن يصعد المنبر ويخطب الناس، فلعلّه أن يحصر ، فيكون ذلك ممّا نعيره به في كلّ محفل، فبعث إليه معاوية ، فأصعده المنبر ، وقد جمع له الناس ورؤساء أهل الشام، فحمد اللّه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأثنى عليه، ثمّ قال :

أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ عَرَفَنِي فَأَنَا الَّذِي يَعْرِفُ، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ابْنِ عَمِّ نَبِيِّ اللَّهِ، أَوَّلِ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَاماً، وَ أُمِّي فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وَ جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ،أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ، أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ، أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَجْمَعِينَ.

أَنَا ابْنُ مُسْتَجَابِ الدَّعْوَةِ، أَنَا ابْنُ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ، أَنَا ابْنُ أَوَّلِ مَنْ يَنْفُضُ عَنْ

ص: 400


1- سورة الأنبياء : الآية 111.
2- ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 192 : روى العلامة أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري المتوفّى سنة 255 في كتابه «المحاسن والأضداد» (ط القاهرة) قال :...
3- عمرو بن العاص بن وائل السهمي كان في الجاهليّة من الأشدّاء على الإسلام، وأسلم في هدنة الحديبيّة، وكان من أُمراء الجيوش بالشام في زمن عمر وصار والياً مِن قبله على فلسطين، ومِن قِبَل معاوية على مصر، ومات بالقاهرة سنة (43 ه).

رَأْسِهِ التُّرَابَ، أَنَا ابْنُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ فَيُفْتَحُ لَهُ فَيَدْخُلُهَا، أَنَا ابْنُ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ، وَ أُحِلَّ لَهُ الْمَغْنَمُ، وَ نُصِرَ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ.

فَأَكْثَرَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْكَلَامِ، وَ لَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَ عَرَفَ الْحَسَنَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مَنْ لَمْ يَكُنْ عَرَفَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ نَزَل.(1)

بين الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معاوية

(82}

[394] ولمّا قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب ونال من أمير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :

إنّ اللّه تعالى لم يبعث نبيّاً إلّا جعل له عدوّاً من المجرمين قال اللّه تعالى : «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ».(2)

فأنا ابن علي بن أبي طالب، وأنت ابن صخر، وأُمّك هند، وأُمّي فاطمة وجدّتك قتيلة (3) ، وجدّتي خديجة.

فلعن اللّه الأدنى منّا حسباً، وأخملنا ذكراً، وأعظمنا كُفراً، وأشدّنا نفاقاً ، فصاح أهل المسجد: آمین آمین.

وقطع معاوية خطبته ودخل منزله.(4)

ص: 401


1- الخرایج : ج1 ص 237 وعنه بحار الأنوار : ج 44 ص 88 وصحيفة الحسن : ص 204.
2- سورة الفرقان : الآية 31.
3- في الإحتجاج : نثيلة.
4- رواه أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيّين : ص 46 بإسناده عن حبيب بن أبي ثابت عنه شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16 /46 ، ومنتجب الدين في أربعينه : الحكاية : بإسناده عن حبيب، وأورده المفيد في إرشاده : 221، عنه البحار : 44/ 49 ضمن ح 5 والطبرسي في الإحتجاج: 1/ 420 مرسلاً عن الشعبي، عنه البحار المذكور ص 90 ح4 وفي كشف الغمة : 1/ 573 ومقصد الراغب : ص 128 (مخطوط)، والعدد القويّة: ص 6 (مخطوط). وفي الإحتجاج : إنّه لم يُبعثْ نبيّ إلّا جُعِل له وصيّ من أهل بيته، ولم يكن نبيّ إلّا وله عدوّ من المجرمين، وإنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان وصيّ رسولِ اللّه مِن بعدّه، وأنا ابنُ عليّ وأنتَ ابنُ صخر، وجدُك حرب وجدّي رسولُ اللّه، وأُمُّك هند وأُمّي فاطمةُ، وجدّتي خديجةُ وجدّتُك نَثيلةُ، فلعن اللّهُ ألامَنا حسباً، وأقدَمَنا كُفْراً وأخْمَلَنا ذِكْراً، وأشدَّنا نِفاقاً.

ص: 402

الكُتُب والرسائل

اشارة

ص: 403

كتاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بشهادة الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{1}

[395] هذا كتاب إلى المسلمين في ثقيف بإسناد الأوّل :

بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمّد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى المؤمنين. إن عضاه وج وصيده لا يعضد، ولا يقتل صيده، فمن وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنّه يجلد وتنزع ثيابه، ومن تعدّى ذلك فإنّه يؤخذ فيبلغ محمداً رسول اللّه، وإنّ هذا من محمّد النبي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وكتب خالد بن سعيد بأمر محمّد بن عبداللّه رسول اللّه ، فلا يتعدّه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمّد رسول اللّه لثقيف.

وشهد على نسخة هذه الصحيفة : صحيفة رسول اللّه الّتي كتب الثقيف علي بن أبي طالب و حسن بن علي وحسين بن علي.(1)

كتابه في القَدَر

{2}

[396] كتب الحسنُ البصري(2) إلى الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا بعد فأنتم أهلُ بيت النبوّة ومعدنُ الحكمة، وأنّ اللّه جعلكم الفلكَ الجاريةَ في اللججِ الغامرِة، يَلْجأ إليكم اللاجىء، ويعتصم بحبلِكم الغالي، مَن اقتدئ بكم اهتدى

ص: 404


1- الأموال : ج 2 ص 456 للعلامة حميد بن زنجوية المتوفی (251) وعنه ملحقات الإحقاق : ج26 ص270. (2) 106.
2- هو الحسن بن يسار أبو سعيد البصري، ولد بالمدينة سنة (21 ه)، إستكتبه الربيع زیاد والي خراسان في عهد معاوية ، وسكن البصرة، كان من رؤساء القدريّة، ومن المنحرفين عن أمير المؤمنين (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، مات سنة (110 ه)، ترجمته توجد في غير واحد من المصادر ، منها : «حلية الأولياء» : ج 2 ص 131 و«أمالي المرتضی» : ج 1 ص

ونجا، ومَن تخلف عنكم هلك وغوى، وإنّي كتبت إليك عند الحيرة وإختلاف الأُمّة في القَدَر، فتفضي إلينا ما أفضاه اللّه إليكم أهلَ البيت ، فنأخذ به.

فكتب إليه الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) :

أما بعدُ، فإنّا أهلُ بيت كما ذكرتَ عند اللّه وعند أوليائه ، فأمّا عندك وعند أصحابِك فلو كنّا كما ذكرت ما تقدّمتمونا ولا استبدلتم بنا غيرنا.

ولعمري لقد ضرب اللّه مثلكم في كتابه حيثُ يقول «أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ»(1)، هذا لأوليائك فيماسألوا، ولكم فيما استبدلتُم.

ولولا ما أُريد من الإحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبتُ إليك بشيءٍ ممّا نحنُ عليه، ولئن وصل كتابي إليك لتجدنّ الحجّة عليك وعلى أصحابك مؤكّدة، حيثُ يقولُ اللّهُ عزّوجلّ: «فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».(2)

إنّ اللّه عزّوجلّ لا يُطاعُ بإكراه، ولا يُعصى بغلبة، ولا يُهمَل العباد من المُلكة، ولكنّه المالك لماملّكهم، والقادر على ما أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادّاً مُثبِطاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أنْ يحولَ بينَهم وبين ما ائتَمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها، ولا كلّفهم إيّاها جبراً، بل تمكينُه إيّاهم وإعذارُه إليهم طرّقهم ومكّنَهم.

فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم به وترك مانهاهم عنه، ووضع

ص: 405


1- سورة البقرة: الآية 61.
2- سورة يونس : الآية 35.

التكليف عن أهل النُقصان والزِمانة، والسلام.(1)

سؤال الحسن البصري

{3}

[397] بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فقد انتهى إليّ كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من أُمّتنا، والّذي عليه رأيي إنّ من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه من اللّه تعالى فقد كفر، ومن حمل المعاصي على اللّه فقد فجر، إنّ اللّه الايطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة ولا يهمل العباد في ملكه، لكنّه المالك لمّا ملكهم والقادر على ما عليه قدرهم فإن اعتمروا بالطاعة لم يكن لهم صاداً ولا لهم عنها مشبعاً، وإن أتوا بالمعصية وشاء أن يمنّ عليهم فيحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها إجباراً، ولا ألزمهم إكراهاً إيّاها، فاحتجاجه عليهم أن عرفهم ومكّنهم وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه، فللّه الحجّة البالغة، والسلام، انتهى.(2)

ص: 406


1- بحار الأنوار : ج 10 ص136 باب مناظرات الحسنین (عَلَيهِما السَّلَامُ) واحتجاجاتهماح 3 عن العدد القويّة، وذكر نحوه ابن شعبة في تحف العقول وفيه اختلاف في الألفاظ وسيذكر إن شاء اللّه.
2- رواه في «الفقه الأكبر» (ج2 ص135). ورواه في «وسيلة النجاة» (ص 244 ط مطبعة گلشن فيض في لكنهو). ورواه في «مرآة المؤمنین» (ص 211 مخطوط). ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 233.

للّه الحجّة البالغة

{4}

[398] كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي محمّد الحسن بن علي(عَلَيهِم السَّلَامُ) : أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفُلك الجارية في اللجج الغامرة، والأعلام النيّرة الشاهرة، أو كسفينة نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّتي نزلها المؤمنون، ونجا فيها المسلمون، كتبتُ إليك يابن رسول اللّه عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الإستطاعة، فأخبرنا بالّذي عليه رأيك ورأي آبائك (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، فإنّ من علم اللّه علمُكم، وأنتم شهداء على الناس واللّه الشاهد عليكم، ذريّة بعضها من بعض واللّه سميعٌ عليم.

فأجابه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

بسم اللّه الرحمن الرحيم، وصل إليّ كتابك، ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذاً ما أخبرتك، أمّا بعد، فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه إن اللّه يعلمه فقد كفر، ومن أحال المعاصيَ على اللّه فقد فجر، إنّ اللّه لم يُطَعْ مُكرَهاً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُهْمِل العبادَ سُدىً من المملكة بل هو المالك لِمّا ملّكهم، والقادر على ما عليه أقدَرَهم بل أمرهم تخييراً، ونهاهم تحذيراً، فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صاداً، وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمنّ عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو الّذي حملهم عليها جبراً، ولا ألزموها كرهاً، بل مَنّ عليهم بأن بصّرهم، وعرّفهم، وحذّرهم، وأمرهم ونهاهم لاجبلاً لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه، وللّه الحجّة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين ، والسلام علی من اتّبع الهدى.(1)

ص: 407


1- تحف العقول : ص 166.

طاعة اللّه عزّ و جل

{5}

[399] من لم يؤمن باللّه وقضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربّه فقد فجر، إنّ اللّه لا يُطاع استكراهاً، ولا يُعصى لغلبة، لأنّه المليك لمّا ملّكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، وإن عملوا بالمعصية فلو شاء حال بينهم وبين ما فعلوا فإذا لم يفعلوا فليس هو الّذي أجبرهم على ذلك، فلو أجبر اللّه الخلق على الطاعات لأسقط عنهم الثواب ، ولو أجبرهم على المعاصي لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، ولكن له فيهم المشيّة الّتي غيّبها عنهم فإن عملوا بالطاعة كانت له المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية كانت له الحجّة عليهم.(1)

ظهر الحق و رفع الباطل

{6}

[400] «فصل» ومن ذلك ما في كتاب «كشف الغمّة» للشيخ عليّ بن عیسی بن أبي الفتح الإربلي، أنّ مولانا أبا محمّد الحسن الزكي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتب إلى معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه أفضل صلوات المصلّين) وقد بايعه الناس :

بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبداللّه الحسن بن عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر.

أمّا بعد: فإن اللّه تعالى بعث محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رحمة للعالمين، فأظهر به الحقّ

ص: 408


1- رواه العلامة الصغاني في «طبقات المعتزلة» (ص 15 ط بیروت). ملحقات الإحقاق : ج11 ص 228.

ورفع به الباطل، وأذلّ به أهل الشرك، وأعزّ به العرب عامّة، وشرّف به من شاء منهم خاصّة، فقال : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»(1). فلمّا قبضه اللّه تعالى تنازعت العرب الأمر بعده فقالت الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير، وقالت قریش : نحن أولياؤه وعشيرته، فلا تنازعوا سلطانه. فعرفت العرب ذلك لقريش ونحن الآن أولياؤه وذوو القربي منه ولا غرو أنّ منازعتك إيّانا بغير حقّ في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمودٌ، والموعد اللّه بيننا وبينك، ونحن نسأله تعالى أن لا يؤتينا في هذه الدنيا(2) شيئاً ينقُصنا به في الآخرة. وبعد: فإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا نزل به الموت ولّاني هذا الأمر من بعده ، فاتّق اللّه يا معاوية وانظر لأُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما تحقن به دماءهم، وتصلح أُمورهم، والسلام.(3)

توثب الأُمّة على الخلافة

{7}

[401] قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: قال أبو الفرج الاصفهاني كتب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى معاوية مع جندب(4) بن عبداللّه الأزدي :

من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام علیكم، فإنّي أحمد إليك اللّه الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد فإنّ اللّه جلّ وعزّ بعث محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رحمة للعالمين، ومنّة للمؤمنين توفّاه اللّه غير مقصّر ولا وان، وبعد أن أظهر اللّه به الحقّ، ومحق به الشرك، وخصّ قريشاً خاصّة فقال له : وَإنَّهُ

ص: 409


1- سورة الزخرف : الآية 44.
2- في المصدر : «في الدنيا».
3- كشف الغمّة : ج2 ص196.
4- في الأصل : حرب بن عبداللّه، وهو تصحيف.

لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»(1)فلمّا توفّي تنازعت سلطانه العرب، فقالت قریش : نحن قبيلته وأُسرته وأولياؤه، ولا يحلُّ لكم أن تنازعونا سلطان محمّد وحقّه، فرات العرب أنّ القول ماقالت قريش، وأنّ الحجّة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فأنعمت لهم وسلّمت إليهم.

ثمّ حاججنا نحن قريشاً بمثل ماحاجّت به العرب، فلم تنصفنا قریش إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والإحتجاج، فلمّا صرنا أهل بيت محمّد وأولياؤه إلى محاجّتهم، وطلب النصف منهم، باعدونا واستولوا بالإجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا، فالموعد اللّه وهو الوليّ النصير.

ولقد تعجّبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده، فاليوم فليتعجّب المتعجّب من توثّبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعد قریش لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولكنّ اللّه حسيبك، فسترد فتعلم لمن عُقبى الدار، وباللّه لتلقينّ عن قليل ربّك ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك وما اللّه بظلّام للعبيد.

إنّ عليّاً لمّا مضى لسبیله رحمة اللّه عليه يوم قبض، ويوم منّ اللّه عليه بالإسلام ويوم يبعث حيّاً، ولّاني المسلمون الأمر بعده ، فأسأل اللّه أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة ممّا عنده من كرامته، وإنّما حملني على

ص: 410


1- سورة الزخرف: الآية 44.

الكتاب إليك الإعذار فيما بيني وبين اللّه عزّوجلّ في أمرك. ولك في ذلك إن فعلته الحظُّ الجسيم والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقُّ بهذا الأمر منك عند اللّه، وعند كلّ أوّاب حفیظ، ومن له قلب مُنيب.

واتّق اللُه! ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فواللّه ألك من خير في أن تلقى اللّه من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحقُّ به، منك ليطفىء اللّه النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلّا التمادي في غيّك، سرتُ إليك بالمسلمين، فحاكمتك حتّى يحكم اللّه بيننا وهو خير الحاكمین.(1)

أقول: ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة هذا الكتاب بنحو آخر أبسط، صورته:

ومن الحسن بن عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. سلام عليكم(2) فإنّي أحمد إليكم اللّه(3) الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّ اللّه عزّوجلّ بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رحمة للعالمين، ومنّة(4) للمؤمنين. (5) ، توفّاه اللّه غير مقصّر ولا وان، بعد أن أظهر اللّه به الحقّ، ومحق به الشرك، وخصّ قریش خاصّة،

ص: 411


1- بحار الأنوار: ج 4 ص 39 - 40؛ مقاتل الطالبيين : ص37.
2- في المصدر : «عليك».
3- فيه: «إليك اللّه» وكذا في النسخة المصحّحة.
4- في البحار : «وفتنة».
5- زاد في المصدر : «وكافة للناس أجمعين ولينذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين، فبلغ رسالات اللّه وقام بأمر اللّه حتّى توفاه اللّه».

فقال له : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»(1) فلمّا توفّی تنازعت سلطانه العرب ، فقالت قريش: نحن قبيلته وأُسرته وأولياؤه. ولا يحلّ لكم أن تنازعوا(2) سلطان محمّد وحقّه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد، فأنعمت لهم(3)، وسلّمت إليهم، ثمّ حاججنا نحن قریش بمثل ما حاجّت به العرب، فلم تنصفنا قريش(4) إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف(5) والاحتجاج، فلمّا صرنا أهل بيت محمّد وأولياءه إلى محاجّتهم وطلب النَصفَ(6) باعدونا، واستولوا بالاجتماع(7) على ظلمنا ومراغمتنا والعنت عليهم لنا(8)، فالموعد اللّه، وهو الوليّ النصير، ولقد تعجّبنا(9) لتوثّب المتوثبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين، أن يجد المنافقون والأحزاب (10) في ذلك مغمزاً يثلمونه به ، أو يكون لهم

ص: 412


1- سورة الزخرف : الآية 44.
2- في المصدر : «أن تنازعونا» وكذا في النسخة المصحّحة من الكتاب.
3- أي قبلوا منهم وقالوا لهم : نعم.
4- في المصدر : «قریشاً» وهو الصواب.
5- في المصدر : «بالانتصاف».
6- النصف - بالتحريك : الانصاف : وفي المصدر والبحار «النصف منهم».
7- في المصدر : «بالاجماع ».
8- راغمهم: نابذهم وعاداهم. والعنت: المشقّة.
9- فيه: «و لقد كنا تعجّبنا».
10- المراد بالأحزاب بقيّة الأحزاب الّتي تحزّبت وتظاهرت على قتال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من قریش وغطفان وبني مرة وبني أشجع وبني سليم وبني أسد في غزوة الخندق سنة 5 وقائدم العام أبو سفيان بن الحرب.

بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده ، فاليوم فليتعجّب من توثّبك(1) على أمر لستَ من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعد قریش لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ولكن اللّه حسيبك(2)، فسترد وتعلم(3) لمن عقبى الدار. وباللّه التلقينّ عن قليل ربّك، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما اللّه بظلّام للعبيد. إنّ عليّاً لمّا مضى سبيله رحمة اللّه عليه يوم قُبض، ويوم منّ اللّه عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيّاً ولّاني المسلمون الأمر بعده. فأسأل اللّه أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة ممّا عنده من كرامته(4). وإنّما حملني على الكتاب إليك الإعذار في مابيني وبين اللّه عزّوجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلتَه الحظُّ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وادخل في مادخل فيه الناس من بيعتي، فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند اللّه وعند كلّ أوّاب حفیظ، ومن له قلبٌ منيب، واتّق اللّه ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فواللّه مالك من خير في أن تلقى اللّه من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحقّ به منك، ليطفىء اللّه النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين. وإن أنت أبيت إلّا التمادي في غيك سرتُ إليك بالمسلمين، فحاكمتُك حتّى يحكم اللّه بيننا وهو خير الحاكمین».(5)

ص: 413


1- في المصدر والبحار، «توثبك يا معاوية على أمر».
2- في المصدر : «ولكتابه واللّه حسيبك».
3- فيه: «فتعلم».
4- فيه : كرامة».
5- شرح ابن أبي الحديد : ج 4 ص 13.

ثمّ ذكر جواب معاوية وما أظهر فيه من الكفر والإلحاد، الداعين له إلى الشغب واللداد، إلى أن قال :

وقد فهمُ الّذي دعوتني إليه من الصلح(1)، فلو أُعلمت(2) أنّك أضبط منّي للرعيّة، وأحوط على هذه الأُمّة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال، وأكيد للعدوّ، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه، ورأيتك لذلك أهلاً ولكن قد علمتَ أنّي أطول منك ولاية، وأقدم منك لهذه الأُمّة تجربة، وأكبر منك سنّاً، فأنت أحقُّ أن تجيبني إلى هذه المنزلة الّتي سألتني، فادخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي، ولك ما في بيت مال العراق بالغاً مابلغ تحمله إلى حيث أحببتَ، ولك خراج أيّ كُوَر العراق شئتَ، معونةً لك على نفقتك، يَجبيها أمينك، ويحملها إليك في كلّ سنة، ولك أن لا يستولي عليك بالأشياء، ولاتُقضي دونك الأُمور(3)، ولا تُعصي في أمر أردتَ به طاعة اللّه(4)، أعاننا اللّه وإيّاك على طاعته، إنه سميع مجيب الدُعاء، والسلام. (5)

ص: 414


1- زاد في المصدر : «والحال في ما بيني وبينك اليوم مثل الحال الّتي كنتم عليها أنتم وأبوبكر بعد وفاة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
2- في المصدر والبحار «علمت» وهو الصواب.
3- في المصدر : «ولك أن لا تستولي عليك بالإساءة، ولا نقضي دونك الأمور».
4- ولا تعصني في أمر أردت طاعة اللّه (خ).
5- شرح ابن أبي الحديد : ج4 ص 13.

اتبع الحق

{8}

[402] أمّا بعد(1) فقد وصل إلىّ كتابك ، تذكر فيه ماذكرت. فتركتُ جوابَك خشيةَ البغي منّي عليك، وباللّه أعوذ من ذلك، فاتّبع الحقَّ تعلَم أنّي من أهله، وعليّ إثمُ أن أقولَ فأكذب، والسلام. (2)

ليس الرجال للاحتيال

{9}

[403] في «الإرشاد» للمفيد (قدّس سرّه) قال :

لمّا بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبيعة الناس ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) دسّ رجلاً من حِمير إلى الكوفة، ورجلاً من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار، ويفسدا على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الأُمور، فعرف ذلك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 415


1- في مقاتل الطالبيين : بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد....
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص 36 وفيه : كتب معاوية إلى الحسن : أمّا بعد فإنّ اللّه يفعل في عباده مايشاء، لا مُعقِّب لحكمه وهو سريع الحساب ، فاحذر أن تكون منيّتك على أيدي رعاع من الناس، وايئس من أن تجد فينا غميزة، وإن أنت أعرضت عمّا أنت فيه وبايعتَني وفيتُ لك بما وعدتُ، وأجريت لك ماشرطتُ وأكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة : وإن أحدٌ أسدى إليك أمانةً*** فأوفِ بها تُدْعى إذا مِتَّ وافياً ولاتحسُد الموتى إذا كان ذا غنى*** ولا تَجْفُه إن كان في المال فانياً ثمّ الخلافة لك من بعدي، فأنت أولى الناس بها، والسلام. فأجابه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا بعد فقد وصل... الخ.

فأمر باستخراج(1) القينيّ من بني سليم، فأُخرج وضُربت عنقه. وكتب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى معاوية :

أما بعد: فإنّك دَسَسَتَ الرجال للإحتيال والإغتيال، وأرصدت العيون كأنّك تحبُّ اللقاء، وما أشكّ(2) في ذلك فتوقّعه إن شاء اللّه. وبلغني أنّك شَمِتَّ بما لم يَشمَت به ذو حِجي، وإنّما مثلك في ذلك كما قال الأول : (3)

فقل للّذي يبغي خلاف الّذي مضى*** تزوّد(4) للأُخرى مثلها فكأن قد

فإنّا ومن قد مات منّا لكالّذي*** يَروح فيمسي في المبيت ليغتدي (5)

ص: 416


1- في الإرشاد والبحار: «باستخراج الحميري من عند حجام بالكوفة فأخرج وأمر بضرب عنقه، وكتب إلى البصرة باستخراج...».
2- في الإرشاد: «وما أوشك».
3- كذا في المصدر ، وفي البحار : «كما قال الشاعر».
4- كذا في البحار، وفي المصدر : «تجهّز» وكتب المؤلّف في الهامش: «فكأن قد» يعني فكأن قد نزلت وجاءت، والحذف في مثله سائغ في كلامهم، ثمّ إنّ معاوية أجابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هذا الكتاب ، بما فيه، أدلّ دلالة على تماديه في الخسار والتباب، لعنه اللّه و عذبه أشدّ العذاب (منه).
5- إرشاد المفيد: ص 170؛ بحار الأنوار: ج 44 ص 45. وفي شرح ابن أبي الحديد بيت الثاني مقدّم على الأوّل. وفي مقاتل الطالبيين مثل ما في المتن.

اليأس من إحياء الحق

{10}

[404} أمّا بعد: فإن خطبي انتهى إلى اليأس(1) من حقّ أُحييه، وباطل أُميته وخطبك خطب من انتهى إلى مراده، وإنّي أعتزل هذا الأمر وأُخلّيه لك، وإن كان تخليتني إيّاه شرّاً لك في معادك. ولي شروط اشترطها لاتبهظنّك إن وفيتَ لي بها بعهد، ولا تخف إن غدرتَ - وكتب الشرط في كتاب آخر فيه يمينه بالوفاء وترك الغدر وستندم یا معاوية كماندم غيرك ممّن نهض في الباطل أو قعد عن الحقّ، حين لم ينفع الندم، والسلام.

قال - طاب ثراه -: فإن قال قائل : من هو النادم الناهض، والنادم القاعد قلنا : هذا الزبير ، ذكره أمير المؤمنین (صلوات اللّه عليه) : ما أيقن بخطأ ما آتاه ، وباطل ما قضاه ، وبتأويل ما عزاه ، فرجع عنه القهقرى، ولو وفي بما كان في بيعته لمحا نكثه. ولكنّه أبان ظاهر الندم، والسريرة إلى عاملها.

وهذا عبداللّه ابن عمر بن الخطّاب ، روى أصحاب الأثر في فضائله أنّه قال : مهما آسى عليه من شيء فإنّي لا آسى على شيء أسفي على أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية مع عليّ! فهذا ندم القاعدة.

وعائشة روى الرواة أنّها لمّا أنّبها مؤنّب في ما أتته قالت : قضى القضاء ، وجفّت الأقلام واللّه لو كان لي من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بعشرون ذكراً كلّهم مثل عبدالرحمن بن الحارث بن هاشم فثكلتُهم بموت وقتل كان أيسر عليّ من خروجي على عليّ و مسعاي الّتي سعيتُ؛ فإلى اللّه شكواي لا إلى غيره.

ص: 417


1- كذا في البحار والعلل، وفي بعض النسخ : إلى الناس.

وهذا سعد بن أبي وقّاص لمّا أنهي إليه أنّ عليّاً (صلوات اللّه عليه) قتل ذالثدية وأخذه ما قدّم وأخر ، وقلق ونزق. وقال : واللّه لو علمتُ أنّ ذلك كذلك لمشيتُ إليه ولو حبواً (1)، ولمّا قدم معاوية دخل إليه سعد. فقال له: يا أبا إسحاق، ما الّذي منعك أن تعينني على الطلب بدم الإمام المظلوم؟ فقال : كنت أُقاتل معك عليّاَ، وقد سمعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسی». قال : أنت سمعت هذا من رسول اللّه؟ قال: نعم، وإلّا صمّتا! قال : أنت الآن أقلّ عذراً في القعود عن النصرة! فواللّه لو سمعتُ هذا من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما قاتلته. وقد أحال، فقد سمع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أكثر من ذلك، فقاتله وهو بعد مفارقته للدُنيا يلعنه ويشتمه، ويرى أنّ ملكه وثبات قدرته بذلك، إلّا أنّه أراد أن يقطع عذر سعد في القعود عن نصره، واللّه المستعان.(2)

إنّ الخلافة لي و لأخي

{11}

[405 ] ثمّ كتب إلى معاوية : إنّي تاركها وتاللّه لو وجدت عليك أعواناً صابرين عارفين بحقّي غير منكرین ماسلّمت إليك هذا الأمر ولا أعطيتك هذا الأمر الّذي أنت طالبه إنّ اللّه قد علم وعلمت یا معاوية وسائر المسلمين أنّ هذا الأمر لي دونك، وقد سمعت من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّ الخلافة لي ولأخي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وانّها لمحرّمة عليك وعلى قومك سماعك وسماع قومك من

ص: 418


1- حبا حبواً: زحف على يديه وبطنه.
2- علل الشرائع : ص 220 ط النجف الأشرف سنة 1385 وعنه بحار الأنوار: ج 44 ص 34.

المسلمين من الصادق الأمين المؤدّي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .(1)

و كفى باللّه شهيداٌ

{12}

[406} بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ماصالح عليه حسن بن عليّ معاوية بن أبي سفيان : صالحه على أن يسلم ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، إلى أنّ قال : وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أنّ أصحاب علي وشيعته آمنون علىّ أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا، وعلى معاوية بذلك عهد اللّه وميثاقه، ولا ينبغي للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسین ولا لأحد من أهل بيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) غائلة سراً ولا جهراً، ولا يخاف أحد منهم في أُفق من الآفاق شهد عليه فلان بن فلان وفلان بن فلان، وكفى باللّه شهيداً.(2)

من بنود الوثيقة

{13}

[407] قال : ثمّ دعا الحسن بن علي بكاتبه فكتب : هذا ما اصطلح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على:

ص: 419


1- بحار الأنوار : ج 4، ص 45 عن الخرائج. مدينة المعاجز : ج3 ص460.
2- رواه العلامة القندوزي في «ینابيع المودّة» (ص 292 ط اسلامبول). ملحقات الإحقاق : ج 11 ص 221.

[أوّلاً] أن يسلم إليه ولاية أمر المؤمنين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة نبيه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وسيرة الخلفاء الصالحين.

[ثانياً ]وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شوری بین المسلمين.

[ثالثاً] وعلى أنّ الناس أمنون حيث كانوا من أرض اللّه [ في ] شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.

[رابعاً] وعلى أنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم.

وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد اللّه وميثاقه، وما أخذ اللّه على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى اللّه من نفسه.

[خامساً] وعلى أنّه لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) غائلة سراً وعلانية، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.

شهد على ذلك عبداللّه بن نوفل بن الحارث وعمر بن أبي سلمة وفلان وفلان(1) .(2)

ص: 420


1- لفتوح لابن أعثم: ج 4 ص 291 وكشف الغمّة : ج 2 ص197.
2- كذا بالأصل وفي المصادر أقوال في تقديم وتأخير ما اتّفق عليه، وزيادة بند في الاتفاق وإنقاص آخر. وذكر أنّه اتّفق بينهما على معاهدة صلح وقعها الفريقان و صورتها۔ كما أخذناها من مصادرها حرفيّاً: المادة الأُولى: تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب اللّه وسنّة رسوله [المدائني فيما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج4 ص 8] وبسيرة الخلفاء الراشدين [فتح الباري فيما رواه ابن عقيل في النصائح الكافية ص156]. المادة الثانية : أن يكون الأمر للحسن من بعده (تاریخ الخلفاء للسيوطي ص 194 والإصابة ج2 ص 12 و 13 ، دائرة معارف وجدي : ج 3 ص 443] وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد [المدائني فيما يرويه عنه ابن أبي الحديد: ج 4 ص 8 والفصول المهمّة لابن صباغ وغيرهما]. المادة الثالثة : أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة وأن لا يذكر عليّاً إلّا بخير [مقاتل الطالبيين : ص 26، شرح النهج : ج 4 ص 15. وقال آخرون أنّه أجابه على أن لا يشتم عليّاً وهو يسمع. وقال ابن الأثير : ثمّ لم يف به أيضاً]. المادة الرابعة : يسلم ما في بيت مال الكوفة خمسة آلاف آلاف للحسن وله خراج دار ابجرد الطبري : ج 6 ص 92 وفي الأخبار الطوال : ص 218: أن يحمل لأخيه الحسين في كلّ عام ألفي ألف، ويفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس].

معاوية يخون الأمانة

{14}

[408 ] عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، أنّه كتب إلى معاوية كتاباً يقرعه فيه ويبكّته بأُمورٍ صَنَعها، كان فيه : «ثمّ ولّيتَ ابنك، وهو غلامٌ كان يشرَبُ الشرابَ ويَلْهُو بالكلاب، فخُنْتَ أمانتك، وأخرَبْتَ رعيّتك، ولم تؤدِّ نصيحةَ ربِّك، فكيف تولّي على أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مَن يشربُ المسكَر، وشاربُ الخمرِ المسكر من المنافقين والفاسقين، وشاربُ الخمرِ المسكر من الأشرار، ولبس بأمينٍ على درهم، فكيف على الأُمّة!.(1)

شفعني فيه فقد أجرته

{15}

[409 ] من كتاب كتبه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى زياد بن أبيه (لعنه اللّه وأخزاه) لمّا أتاه رجل

ص: 421


1- مستدرك الوسائل : ج 14 ص 17 عن دعائم الإسلام: ج 2 ص 133ح 468. ورواه المجلسي أيضاً عن الدعائم في بحار الأنوار: ج66 ص 495 الرقم 41.

من الشيعة مستجيراً به (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عدوانه علیه وظلمه إيّاه.(1)

«أمّا بعد: فإنّك عمدت إلى رجل من المسلمين له مالهم، وعليه ما عليهم فهدمت داره، وأخذَت ماله، وحبستَ أهله وعياله ، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله، وشفعني فيه، فقد أجرتُه، والسلام».

أقول: روي أن زياداً كتب في الجواب ما كشف عن فظيع عمل أُمّه وأبيه ولا غرو في ذلك فإنّ كلّ إناء يترشّح بما فيه ، صورته :

«من زیاد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة. أمّا بعد: فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة، وأنا سلطان وأنت سُوقة(2) ، وتأمرني فيه أمر المطاع المسلّط على رعيّته، كتبتَ إليّ في فاسق آويته إقامةً منك على سوء الرأي، ورضي منك بذلك، وأيم اللّه لا يسبقني(3) به ولو كان بين جلدك ولحمك، وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرعٍ عليك، فإنّ أحبَّ اللحم(4) إليّ أن آكلة اللحم الّذي أنت منه، فسلّمه بجريرته إلى من هو أولى به منك، فإن عفوتُ عنه لم أكن شفّعتك فيه، وإن قتلتُه لم أقتله إلّا لحبّه أباك الفاسق ! (5) والسلام. (6)

ص: 422


1- قال ابن أبي الحديد: روى الشرقي بن القطامي قال : كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلمّا قدم زياد الكوفة طلبه وأخافه فأتي الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مستجيراً به، فوثب زیاد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم، وأخذ ماله ونقض داره، فكتب الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى زياد، الكتاب.
2- السوقة - بالضم -: الرغبة. للواحد والجمع والمذكّر والمؤنّث، وربما جمع على سوق بفتح الواو.
3- في شرح ابن أبي الحديد : «لا تسبقني به».
4- فيه : «فإن أحب لحم علىّ أن آكله للحم الّذي أنت منه».
5- لا تعجب من هذا العتريف العتلّ الزنيم حيث رمى إمام المتقين بالفسق.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص 72.

الولد للفراش

{16}

[410] كتب زیاد بن أبيه إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاباً كاشفاً عن نصبه - تقدّم ذكره-.

فلمّا انتهى كتابه إليه (صلوات اللّه وسلامه عليه) قرأه وتبسّم، وكتب بذلك إلى معاوية وجعل كتاب زیاد عِطفه، وبعث به إلى الشام، وكتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثة لهما :

«من الحسن بن فاطمة إلى زيادبن سميّة. أمّا بعد: فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «الولد للفراش ! وللعاهر الحجر، والسلام».

فلمّا قرأ معاوية كتاب زیاد إلى الحسن ضاقت به الشام وكتب إلى زياد :

«أمّا بعد، فإنّ الحسن بن عليّ بعث إليّ بكتابك إليه جواباً عن كتاب كتبه إليك في ابن أبي سرح، فأكثرتُ العجب منك، وعلمت أنّ لك دأبین : أحدهما من أبي سفيان، والآخر من سُميّة، فالّذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأمّا الّذي من سميّة فما يكون من رأي مثلها ذلك، تكتب إلى الحسن وتشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري إنّك أولى بالفسق من أبيه. فأمّا الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عليك فإنّ ذلك لا يضعك لو عَقَلت، وأمّا تسلّطه عليك بالأمر فحقّ المثل الحسن أن يتسلّط، وأمّا تركك تشفیعه في ما شفع فيه إليك فحظٌّ دفعتَه عن نفسك إلى من هو أولی به منك. فإذا قدم عليك كتابي فخلِّ ما في يديك لسعيد بن أبي سرح، وابنِ له داره، واردد عليه ماله، ولا تعرّض له، فقد كتبتُ إلى الحسن أن يخيّره: إن شاء أقام عنده، وإن شاء رجع إلى بلده، ولا سلطان لك عليه

ص: 423

ولا لسان(1). وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه واسم أُمّه، ولم(2) تنسبه إلى أبيه ، فإنّ الحسن - ويحك - من لایُرمی به الرجَوان (3) ، وإلى أيّ أُمّ وكلتَه لا أُمّ لك! ألا تعلم (4) فاطمة بنت رسول اللّه. وذلك أفخر لو كنت تعقل. (5) وكتب في أسفل الكتاب شعراً من جملته :

[أمّا حسنٌ فابن الّذي كان قبله*** إذا سار سار الموت حيث يسير]

وهل يلد الريبال إلّا نظيره***وذا حسنٌ شبهٌ له و نظیر

ولكنّه لو يوزن الحلم والحجی***بامر لقالوا(6) يربلٌ وینیر(7)

ص: 424


1- فيه : «عليه لا بيد ولا لسان».
2- فيه: «ولا تنسبه».
3- الرجا: الناحية، وحافة البئر، ويقال «رمی به الرجوان» أي : استهين به، فكأنّه رمی به هنالك، أرادوا أنه طرح في المهالك.
4- في الشرح: «أما علمت أنها فاطمة».
5- فيه : «فذاك أفخر له لو كنت تعلمه وتعقله».
6- كذا في جميع النسخ، وفي الشرح «يذبل وثبير» وهو الصواب، ويذبل جبل ببلاد نجد و ثبیر جبل بمكّة.
7- شرح ابن أبي الحديد : ج 4 ص 72، والعقد الفريد: ج3 ص 5.

إلى من عزّاه بابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ)

{17}

[411] أخرجه شيخ الطائفة في كتاب «الأمالي»(1) متّصل الإسناد إلى عاصم بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم العبدي، قال : سمعت أبا عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: كتب إلى الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوم من أصحابه يعزّونه بابنة له، فكتب إليهم:

«أمّا بعد: فقد بلغني كتابكم تعزّوني بفلانة، عند اللّه أحتسبها، تسليماً القضائه، وصبراً على بلائه، فإن أوجعتنا المصائب، وفجعتنا النوائب الّتي كانت بنا خيفة(2)، والاخوان المحّبين الّذين كان يسرُّ بهم الناظرون، وتقرُّ بهم العيون، أصبحوا(3) قد اخترمتهم الأيّام، فنزل بهم الحمام(4)، فخلفوا الخلوف وأودت بهم الحتوف(5) ، فهم صرعى في عساكر الموتى، متجاورون في غير محلّة التجاور، ولا صلات بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية من أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها أحزانها(6)، ولم أرَ مثل

ص: 425


1- قال فيه : أخبرنا محمّد بن محمد، قال: أخبرنا أبوعبداللّه محمّد بن محمّد بن طاهر، قال : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد قال : حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي قال : حدّثنا الحسين بن محمد، قال : حدّثنا عاصم بن عمرو الجعفي، الخ.
2- كذا وفي المصدر «التي بالأحبة المألوفة كانت بنا حفية».
3- في المصدر : «أضحوا».
4- أي الموت.
5- الحتوف : جمع الحتف بمعنى الموت، و«أودت بهم» أي : ذهبت بهم وأهلكتهم.
6- في المصدر : «اخوانها».

دارها داراً، ولا مثل قرارها قراراً، في بيوت موحشة، وحلول مخضعة، قد صارت في تلك الرُبي الموحشة(1)، وخرجت عن الدار المؤنسة ، ففارقتها عن غير قلی، فاستودعها البلى(2)! وكانت أُمة مملوكة سلكت سبيلاً مسلوكة صار إليها الأوّلون، وسيصير إليها الآخرون، والسلام»(3).(4)

في أهل العراق

{18}

[412] عن عبيد اللّه بن الأصم، عن عمّه يزيد بن الأصم قال : خرجت مع الحسن وجارية تحُتُّ شيئاً من الحناء عن أظفاره، فجاءته إضبارة من كتب، فقال : يا جارية هات المخضب فصب فيه ماء وألقى الكتب في الماء، فلم يفتح منها شيئاً ولم ينظر إليه.

فقلت : يا أبا محمّد ممّن هذه الكتب؟

قال : من أهل العراق من قوم لا يرجعون إلى حق ولا يقصرون عن باطل ،

ص: 426


1- في المصدر : «الديار الموحشة» والربی - بضم الراء - جمع الربوة وهي ما ارتفع من الأرض.
2- في المصدر «فاستودعتها البلى».
3- الأمالي الجزء السابع : ج1 ص205 .
4- معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) لمحمّد بن محسن بن المرتضى الكاشاني : ص 2-3. ورواه المجلسي في بحار الأنوار: ج 3 ص 336 ح 6ج 82 ص 109 ح 54 عن أمالي أبن الشيخ : ج1 ص 205.

أما إنّي لست أخشاهم على نفسي ولكنّي أخشاهم على ذلك وأشار إلى الحسین.(1)

ص: 427


1- المعجم الكبير للطبراني : ج3 ص 70 رقم 2691 : حدّثنا محمّد بن عبداللّه الحضرمي، ثنا عبداللّه بن الحكم بن أبي زياد، ثنا أبو أُسامة، عن سفيان بن عيينة ، عن عبيداللّه بن عبداللّه بن الأصم، عن عمّه يزيد بن الأصم قال : خرجت مع الحسن....

ص: 428

الفهارس: فهرس الآيات. فهرس الموضوعات

اشارة

ص: 429

ص: 430

فهرس الآيات

البقرة (2)

(61) أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ...405

(94) قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ...100

(94) فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ...101

(95) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ...101

(97 – 98) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا...98

(113) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى..105

(114) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى ... 119

(124) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ...189

(186) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ...318

(199)ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ...110

(201) رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ...126

(238) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى...135

آل عمران (3)

(7) وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم...9

(34) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ... 312 و 328

ص: 431

(33 - 34) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى...316

(61) فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا...379

(101) وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ...9

(102) اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ...123

(105) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ... 270

(144) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ... 346

النساء (4)

(18) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ... 385

(24) فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً...49 و 50

(34) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...108 و 329

(59) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...9 و 266 و342

(83) وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ...342

(83) وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ... 342

(86) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا...96

المائدة (5)

(3) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ... 222 و 223

(32) وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...120

(55) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ...263

(67) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...124

الأنعام (6)

(33) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ ... 123

(40 - 41) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ...103

(103) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ...39

ص: 432

الأعراف (7)

(31) خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...98

(43) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ...111

(54) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ...90

(96) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ...382

(157) يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ...208

(158) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا...109

(199) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ...97

الأنفال (8)

(41) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى... 378

(41) یَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ...115

(46) وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ...344

(48) لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ... 343

(75) وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ...45

التوبة (9)

(19) أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم... 376

(100) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ...313

(100) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ...376

(103) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ ... 46

(105) فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ ... 228

(119) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ...8

يونس (10)

(35) أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ ... 405

(48) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ...307

ص: 433

(59) قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ... 198

هود (11)

(7) وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ...273

(7) وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ ..274

(17) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ... 372 و 373

(52) وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ...186

(103) ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ... 125

(118 - 119 وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ...270

يوسف (12)

(3) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ... 34

(38) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ...312-328

الرعد ( 13 )

(7) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ... 239 و 306

(19) إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ...69

الحجر (15)

(47) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ...111

(87) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ...102

النحل (16)

(43) فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ...7

(44) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ... 7 و 8

الإسراء ( 17 )

(12) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا ...275

(36) إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ...113

ص: 434

مریم (19)

(67) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ...276

طه (20)

(132) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا...122

الأنبياء (21)

(69) يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ...198

(79) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ...384

( 111-109 ) وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ...368

(111) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ ... 366 و367 و 368 و 369 و 284 و387 و 392 ر396 و 400

الفرقان (25)

(31) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ...401

(44) إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ...111

الشعراء (26)

(193 - 195 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * َلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ... 99

(227) وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ...364

النمل (27)

(29 - 30) أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إنه من سليمان إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ... 102

القصص (28)

(85) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ...116

الأحزاب (33)

(30 - 31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ... 377

(33) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ... 121 و122 و 340 و 357 و 379

(45) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ...125

(56) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...212

ص: 435

الصافّات (37)

(24) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ...113

ص (38)

(88) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ...328

فصلت (41)

(40) َفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ....299

الشوری (42)

(7) فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ...133

(11) لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ...39

(23) قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... 123 و 228 و 338

(24) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ... 123

الزخرف (43)

(12 - 13) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ... 184

(44) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ...409 و 410 و 12

الفتح (48)

(1 - 7) ِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ...171

(18) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...127

(29) فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ...125

ق (50)

(40) وَأَدْبَارَ السُّجُودِ...106

النجم ( 53 )

( 4-3 ) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ...34

ص: 436

القمر (54)

(49) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ...126

الرحمن ( 55 )

(33) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ...90

الواقعة ( 56 ) (10 - 11) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ... 112 و 375

الحديد ( 57 )

(10) لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ...375

الحشر (59)

(7) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...97

(10) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا ... 376

(21) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ ...90

الصف (61)

(6) وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...208

المنافقون ( 63 )

(4) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ...264

التغابن ( 64 )

(16) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ...123

التحريم (66)

(5) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ...288

القلم ( 68 )

(4) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ...97

(51 - 52) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ... 186

ص: 437

نوح (71)

(10) اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ... 142

(12) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ...186

الجنّ ( 72)

(1- 2) إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ...93

الإنسان (79)

(5) إِنَّ الْأَبْرَارَ...115

الإنفطار ( 82)

(31) إِنَّ الْأَبْرَارَ...115

المطفّفين ( 83 )

(18 و 22 ) إِنَّ الْأَبْرَارَ...115

البروج (85)

(10) ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا...1114

الضحى ( 93 )

(11) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ....96

الكافرون (109)

( 6-1 ) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ...104

النصر (110)

( 3-1) ذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ...216

ص: 438

فهرس الموضوعات

تقریظ...6

المقدّمة...7

تدوين السُنّة...10

رجال حفظوا السُنّة...16

نظرة إلى الكتب الأربعة...18

السُنّة بعد النبي...20

وقفة مع الحديث...21

دلائل هامة...24

تضييع السُنّة. تكبيل الأفواه...25

حملة محو الآثار...27

وهكذا استمرّ المنع...28

ما هو الهدف ؟ كيف حصل المنع ؟...29

توجیه آخر...31

هل يختلط القرآن بالسنّة؟...32

طرح البديل عن السنّة. الأيادي الخفية...35

الخلف والسلف...36

طمع الأجانب تحقّق...37

الإكثار من الحديث !!...40

الخطة الجديدة...41

نماذج من وضع الحديث...43

ص: 439

تصفية المعارضة...44

منع الإرث...48

منع المتعة...49

استمرار التحريف...51

منهجية الحكم والتقسيم...52

التراويح...53

كلمة الختام....55

ملاحظات أخيرة....56

العقل والعلم....59

في وصف العقل. إنكم صغار قوم. أطعموا حبالاكم اللبان...60

العقل و حسب. حُسن السؤال...61

الوحشة من الناس. فضل طالب العلم. بین المأكول والمعقول...62

أفضل ما وهب اللّه. علِّم و تعلَّم. فضل التفكّر. كافل يتيم المعرفة...63

عذر المتعلّم. لا ثلاثة لثلاث...64

ما العقل؟ في العقل ثلاثة...65

ولاية الأعلم. مجالسة العلماء...66

حوائج الإخوان. كان ناقصاً في مروته و عقله...67

متى يكون العاقل عاقلاً ؟ علماء الشيعة يوم القيامة...68

إذا طلبتم الحوائج. حقّ المعلّم على تلميذه...69

الإلهيات...71

ذلكم اللّه... 72

الإسلام و الإيمان...73

من علامات المسلم. القنوع والخضوع. هكذا الإيمان...74

بين الإيمان واليقين.كم بين الإيمان و اليقين ؟...75

من أخلاق المؤمن...76

خصال الإيمان. ما آمن باللّه...77

ص: 440

داعی الراضی بقسم اللّه. محاسبة النفس...78

من كلماته الحكمیّة. الموت ریحانة المؤمن...79

بين الشيعي و الموالي ما يضرّ الشيعي؟! ذهب الناس وبقي النسناس..80

الموت عند المؤمن والكافرفي وصف أخ له (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...81

بين الإبن و أبيه...83

فضل سلمان والمقداد...84

حبّ المال حقيقة الدين...85

القُرآن...87

فاتحة الكتاب ثواب قراءة الفاتحة...88

أقوام قلوبهم مفتونة اقرأوا هذه العشرين...90

احكموا بكتاب اللّه. التدّبر في القرآن. القرآن نور...91

القرآن قائد وسائق. القرآن والعترة. المخرج من الفتن...92

اتخذوا القرآن إماماً. التفسير بالرأي...93

لنكون في ذمة اللّه. من قرأ ثلاث آیات. دعوة مستجابة...94

اقرأوا حين النوم. أصحاب الأخدود...95

موسی (عَلَيْهِ السَّلَامُ) والأجلين. نعمة الربّ. فحيّوا بأحسن منها...96

معنى الخُلق العظيم. خذوا زينتكم...97

مَن كان عدوّاً لجبرئيل؟...98

فتمنّوا الموت...100

هل البسملة آية ؟...102

ما معنى البسملة؟...103

سورة الكافرون...104

یا محمّد اقض بيننا...105

ومن كلامه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أدبار السجود...106

ناشئة الليل. أخبرني يا رسول اللّه...107

فضل الرجال على النساء...108

ص: 441

إني رسول اللّه إليكم. كلمات النبي إبراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...109

سألت عن الناس...110

ونزعنا ما في صدورهم...111

السابقون السابقون. ومن يطع اللّه والرسول...112

وقفوهم إنّهم مسؤولون...113

أصحاب الأخدود...114

يوم الفرقان. أهل البيت هم الأبرار...115

هجرة الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)...116

هكذا يقضي الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...120

هؤلاء أهل بيتي...121

وأمر أهلك بالصلاة...122

اتّقوا اللّه في أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)...123

الشاهد و المشهود...124

سیف علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...125

حسنة الدارین. انهم أهل الشوم...126

الصلاة الوسطى. ووجدك ضالٌّ. لقد خلقناه بقدر...135

الدُعاء...137

تعاهدوا هذه الزيارة...138

ثمرات الاستغفار...143

عوذة الحسنين (عَلَيْهِما السَّلَامُ).إبتغوا حسنة الدارین. يا علي ادعو عليهم...144

دعاء لرفع الحُمّی...145

خصال في علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كيف أنت يا حسن؟...146

من دعاء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) حوّلني إلى امرأة...147

من مناجاته (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...148

ومن قنوته (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...149

ومن دعاء له (عَلَيْهِ السَّلَامُ) دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب المغفرة...150

ص: 442

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عند احتضاره...151

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء. دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب النصر واليقين...152

ومن دعاء القنوت. دعاء تسخير القلوب...153

دعاء الاستخارة. من دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...154

دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على أعدائه. دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الدنيا...155

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قنوت الوتر...156

دعاء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بعد شرب اللبن. شفاعة الحسنين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)...157

دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على أعدائه...159

ومن دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ). العين حق...160

صار الرجل امرأة. اقرأ هذه الكلمات...161

یا محمّد مُر أمتك...162

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب. في الاستسقاء...163

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) عند الكعبة المشرفة...168

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) عند باب المسجد. الاستشفاء بالدعاء...169

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لوجع الرجل...170

مواضع إستجابة الدعاء...171

عوذة الحسنین (عَلَيْهما السَّلَامُ)...172

دعاء الإستخارة...173

في رفع العسر. ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ) لطلب الحج...174

ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ) لطلب الرزق...175

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب المغفرة...176

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لكشف الظلم...177

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في السفر...178

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع البلاء...179

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب الحاجة. دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب التوبة...180

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في الشكر...181

ص: 443

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع كيد العدو...182

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أفطر...183

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الركوب...184

من تسبيحاته (عَلَيْهِ السَّلَامُ). بورك في الموهوب...185

عليك بالاستغفار دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لدفع العيون...186

دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لرفع البلاء...187

سبع كلمات من التوراة...188

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في ليلة القدر...189

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع الجار السوء...190

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب المغفرة...191

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أحزنه أمر. ففرّوا إلى اللّه ...192

دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في القنوت...193

إحذروا دعاء الوالدين...195

دعاء في الحُمّى...197

أوصاف النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) و فضائله...199

أوصاف رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)...200

خلقت من نور اللّه...206

بين علي و محمّد (عَلَيْهِما السَّلَامُ) خلقنا من نور اللّه...207

أخبرني عن خمس...208

وجه فضيلة الأنبياء (عَلَيْهِم السَّلَامُ). بعث اللّه محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). أبوا هذه الأمّة...209

سلني عمّ شئت. أكثروا الصلاة عليّ ...210

إنّ صلاتكم تبلغني. مَن قال صلّى اللّه على محمّد وآله...211

بالصلاة عليه تغفر الذنوب...212

كيفية الصلاة على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). احذروا الصلاة البتراء...213

في أنّ النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لا يردّ السائل...213

شفاعة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). ثواب الزيارة. في فضل زيارتهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)...214

ص: 444

زُرهم (عَلَيْهِم السَّلَامُ) يزوروك ما جزاء من زارك؟...215

أيّ نبي كنت لكم؟...216

الصلاة رحمك اللّه...219

فضل أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) و محبّتهم...221

أخبرني عن فضلكم. محبّة تحطّ الذنوب...222

كلّهم نورٌ واحد. لولاهم كنتم حيارى...223

أوّل من يرد الحوض. أهل البيت (عَلَيْهِم السَّلَامُ) ومحبّوهم...224

من أحبنا أهل البيت.ألزموا مودّتنا أهل البيت...225

في ثمرة محبتهم(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). حبّنا يساقط الذنوب...226

مصير محبّي أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).من أحبّنا للّه...227

في حقوق الأولياء. لنحسن إلى آبائنا...228

علم النبيّ وذريّته(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). احفظوني في العباس...229

إظهار النعمة. الجنّة مقابل دمعة...230

الامتحان في حبّهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). من سمع واعيتنا.عدائهم عداء النّبي...231

عقاب بُعض أهل البيت(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).صیاح القبّر...232

أنا سيد النبيّين.مهديُّ هذه الأُمّة...233

نقباء بني إسرائيل. في عدد الأئمّة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ...234

عدد شهور الحول. علامة المهدي المأمول...235

المهدي من أهل بيتي.من عهود الرسول.اثنا عشر خليفة...236

متى يخرج المهدی ) عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) بحال ؟...237

قوم آذوا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أسماء أهل البيت(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)...238

الأرض لا تخلو من حجّة...239

عصر الخيرات...240

بل يتقدّم إمامكم .لو قام المهدي ) عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)...241

بعض علائم الظهور. انتظار الفرج. إمام يملك الخافقين...242

ص: 445

أبشر يا سفیان...243

الراية من المشرق. حقّ غصب منّا...244

سيدة النساء الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ)...247

أين سهم ذي القربى ؟ الجار ثمّ الدّار...248

علي سید العرب .برّه لأُمّه الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ)...249

احتضار الصدّيقة فاطمة. أمّاه كلّميني...250

آجرك اللّه في الوالدة...251

في غسل فاطمة (عَلَيْهَا السَّلَامُ).بقينا بعدكِ يتيمين...252

الإمام أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...253

علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمير المؤمنين .أمير المؤمنین حقاً .ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حصني...254

عليٌ خير البشر...255

عليٌ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و خبر الوحي. علي باب العلم.وليّ كلّ مؤمن...256

طينة من الفردوس...257

وقال الملكان..شجاعة أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...258

أشبه الناس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). وقال يصف أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ). ذاك علي بن أبي طالب (عَلَيهِا السَّلَامُ)...259

أبي خير من أُمّتي. علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)صاحب الراية ...260

علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخو رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) . علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سيّد العرب...261

هكذا ينادي أباه (عَلَيهِما السَّلَامُ) ...262

من حديث الخاتم. أعرف الناس بالقرآن والسنّة...263

هكذا أهل الحق...268

علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو الوصي ...272

تعظيم أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...276

لا تسبّوا عليّاً. لا يبغضك إّلا... ...277

المنكر لفضل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). لا تنكروا فضل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...278

من عدالة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). بكاء أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ). زهد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...279

شدّة عدالة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). هؤلاء شيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...280

ص: 446

من بشائر المصطفى...281

في مقتل عثمان ...282

إن للعرب جولة...284

قتال لابد منه.مع أبي موسى الأشعري...285

موقف صارم. إنها كفّ يهودية...286

مع زوجات النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)...287

كلامه لأبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ). إنّ لأبيك يوماً...289

لا يبالي بالموت .و لنعم الحَكَم اللّه...290

لعن اللّه من عقّ عليّاً...291

دعاء أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على قومه...292

ماذا لقيت من قومك ؟. أسير أكرموا مثواه...293

لا يفوتنكم الرجل . لا قصاص قبل الجناية...294

الوصايا الأخيرة...296

خصال فيها النجاة. احفظ أربعاً...298

إيّاك من أربع.ومضى الإمام آمناً إلى ربّه...2999

مدفن أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ).يوصي بقاتله ...300

من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابن ملجم . إعانة الملائكة...301

كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعدوّ اللّه . تنفيد الوصية...302

لم يترك صفراء ولا بيضاء. في زهد الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...303

الخُطَب...305

حديث الثقلين ...306

اجملوا في الطلب . أيها الذام للدنيا...309

فصاحته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في طفولته...312

أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)أفضل السابقين. إنّ عليّاً بابٌ...313

لندخل هذا الباب...314

مكانة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...315

ص: 447

في فضل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). قراءة سورة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)...316

من خطبة له (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الموعظة. في قدرة اللّه تعالی...317

في تقوى اللّه عزّوجلّ ...318

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الجمل...319

جئنا ندعوكم إلى اللّه ...321

في ردّ ابن الزبير ...322

في الحث على الجهاد...323

أجيبوا دعوتنا ...324

سیروا إلى إخوانكم...325

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الهداية. إن أمير المؤمنين يقول :...326

فضل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...327

إن تنصروا اللّه.. ...328

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صفّين...329

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد التحكيم. في الترغيب والتحذيرووو330

ومن خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد شهادة أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ)...331

لقد أُصيبت البلاد. خطبته في تأبين أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ) ...332

حدّثني جدّي الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ...334

في صفات الخالق...335

في فضل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...336

الرجل لم يسبقه الأولون. في تعريف نفسه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...337

لقد فارقكم رجلٌ ....338

فضائل لا تحصى ...339

في خصائص أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) . إنهم أُمراء الناس...340

ازهدوا فيما يفنى ...341

في فضائل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...342

في تحريض أصحابه للقتال ...344

ص: 448

فتنة الطواغیت . تكلموا رحمكم اللّه ...345

هلمّوا إلى الإيضاح ...346

لو طلبتم بين جابُلق...347

في توبيخ أصحابه. مع من تقاتلون ؟...348

قوم لا وفاء لهم ...349

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في غدر المرادي .خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ)يبين عن المستقبل...351

لو وجدتُ أعواناً...352

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ساباط مدائن...353

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا وقع الصلح...355

اتقوا اللّه في هؤلاء ...357

يوم يعدّون قتيلين ...359

الحقوا بطّيتكم ...361

لا تردّوا عليّ رأيي ...363

خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في علّة صُلْحِه...363

ماذا أصنع بجماعتكم ؟...364

في حفظ الدماء...365

لكي لا تكون فتنة .صلاح الأُمّة بماذا ؟...366

في علة صلحه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...367

هداية الأُمّة ...368

آهات المظلوميّة...370

وفي الصلح فتنة وابتلاء...371

في فضائل أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...372

لماذا يبغضون عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ). حقيقة طغیان معاوية...386

في التوحيد والنبوة...387

في مجلس معاوية ...388

اعرفوني أيّها الناس...389

ص: 449

من عرفني فقد عرفني ...390

أخبرني عن هؤلاء ...394

حقن الدماء خير ...395

أنا ابن هؤلاء ...396

لا مرحباً بمن ساءك. أيها الذاكر علياً...397

أكيس الكيس التقى ...398

ما أردت إلّا هتكي...399

أنا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...400

بين الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معاوية...401

الكُتُب والرسائل...403

كتاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .بشهادة الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) . كتابه في القَدَر..404

سؤال الحسن البصري...406

للّه الحجّة البالغة...407

طاعة اللّه عزّ و جل.ظهر الحق و رفع الباطل...408

توثب الأُمّة على الخلافة ...409

اتبع الحق .ليس الرجال للاحتيال...415

اليأس من إحياء الحق ...417

إنّ الخلافة لي و لأخي...418

و كفى باللّه شهيداٌ .من بنود الوثيقة...419

معاوية يخون الأمانة .شفعني فيه فقد أجرته...421

الولد للفراش...423

إلى من عزّاه بابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...425

في أهل العراق...426

فهرس الآيات...431

فهرس الموضوعات...439

ص: 450

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.