بطاقة تعريف: الطبرسي، أحمد بن علي، قرن ق 6
عنوان العقد: [الإحتجاج علی اهل اللجاج]
عنوان واسم المؤلف: الإحتجاج / تالیف العلامة أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي؛ تحقیق ابراهیم البهادري، محمدهادي به؛ باشراف جعفر سبحاني؛ [إلى] قسم التحقیق في منظمة الاوقاف و الشوون الخیریة
تحرير الحالة: [محرر ]2
تفاصيل المنشور: قم: منظمه الاوقات و الشئون الخیریة، دار الاسوة للطباعة و النشر، 1422ق. = 1380.
مواصفات المظهر: ج 2
ISBN : 964-6066-39-945000 ریال :(دوره) ؛ 964-6066-40-2(ج. 1) ؛ 964-6066-41-0(ج. )2
لسان: العربية
ملاحظة : الطبعة الثالثة: 1383؛ 24000 ریال
ملحوظة: کتابنامه
عنوان آخر: الاحتجاج علی اهل اللجاج
عنوان : الإسلام - الاحتجاجات
الشيعة -- احتجاجات
المعرف المضاف: بهادري، ابراهیم، محقق
المعرف المضاف: به، محمدهادي، محقق
المعرف المضاف: سبحاني تبریزي، جعفر، . - 1308
المعرف المضاف: منظمة الاوقاف و الشوون الخیریة. منشورات اسوة
المعرف المضاف: منظمة الاوقاف و الشوون الخیریة. قسم البحوث
ترتيب الكونجرس: BP228/4/ط2الف3 1380
تصنيف ديوي: 297/479
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 80-5057
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ص: 6
ص: 7
ص: 8
عن أبي هاشم داوود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر:محمّد بن علي الثاني عليهما السّلام قال:
أقبل أمير المؤمنين ذات يوم و معه الحسن بن علي عليهما السّلام و سلمان الفارسي رحمه اللّه و أمير المؤمنين عليه السّلام متكى ء على يد سلمان،فدخل المسجد الحرام فجلس،إذ أقبل(1)رجل حسن الهيئة و اللّباس فسلّم على أمير المؤمنين عليه السّلام،فردّ عليه السّلام،فجلس ثمّ قال:
يا أمير المؤمنين!أسألك عن ثلاث مسائل،إن أخبرتني بهنّ(2)علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما أفضى(3)إليهم أنّهم ليسوا بمأمونين في
ص: 9
دنياهم و لا في آخرتهم(1)،و ان تكن الأخرى علمت أنّك و هم شرع سواء.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:سلني عمّا بدالك.
فقال:أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟و عن الرجل كيف يذكر و ينسى؟و عن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال؟
فالتفت أمير المؤمنين عليه السّلام إلى أبي محمّد:الحسن بن علي عليهماالسّلام فقال:يا أبا محمّد أجبه،فقال عليه السّلام:
أمّا ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه،فإنّ روحه معلّقة(2)بالرّيح،و الرّيح معلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبهالليقظة،فإن أذن اللّه بردّ تلك الروح على صاحبها،جذبت تلك الروح الرّيح و جذبت تلك الرّيح الهواء،فرجعت[تلك الروح](3)فسكنت في بدن صاحبها و إن لم يأذن اللّه عزّ و جلّ بردّ تلك الرّوح على صاحبها،جذب الهواء الرّيح فجذبت الريح الرّوح،فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث.
و أمّا ما ذكرت من أمر الذكر و النسيان:فإنّ قلب الرجل في حق،و على الحق طبق،فان صلّى الرجل عند ذلك على محمّد و آل محمّد صلاةتامّة،انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق،فأضاء القلب(4)،و ذكر الرجل ماب.
ص: 10
كان نسي،و إن هو لم يصلّ على محمّد و آل محمّد،أو نقص من الصّلاةعليهم،انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق فأظلم القلب،و نسي الرجل ماكان ذكره.
و أمّا ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه و أخواله:فإن الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن و عروق هادئة(1)و بدن غيرمضطرب،فاسكنت تلك النطفة جوف الرحم،خرج الولد يشبه أباه و أمه،و إن هو أتاها بقلب غير ساكن و عروق غير هادئة و بدن مضطرب،اضطربت النطفة فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق:فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام،أشبه الولد أعمامه،و إن وقعت على عرق من عروق الأخوال،أشبه الولد أخواله.
فقال الرجل:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و لم أزل أشهد بها،و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه و لم أزل أشهد بذلك،و أشهد أنّك وصي رسول اللّه و القائم بحجّته-و أشار إلى أمير المؤمنين عليه السّلام-و لم أزل أشهد بها،و أشهد أنّك وصيّه و القائم بحجّته-و أشار(2)إلى الحسن عليه السّلام-و أشهدأنّ الحسين بن علي وصيّ أبيك و القائم بحجّته بعدك،و أشهد على علي بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده،و أشهد على محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين بعده،و أشهد على جعفر بن محمّد أنّه القائم بأمر..
ص: 11
محمّد بن علي بعده(1)،و أشهد على موسى بن جعفر أنّه القائم بأمر جعفربن محمّد بعده،و أشهد على علي بن موسى الرّضا بأنّه القائم بأمر موسى بن جعفر بعده،و أشهد على محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى،و أشهد على علي بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد بن علي،و أشهد على الحسن بن علي أنّه القائم بأمر علي بن محمّد،و أشهد على رجل من ولدالحسن بن علي(2)لا يكنّى و لا يسمّى حتّى يظهر أمره فيملأها(3)قسطاو عدلا كما ملئت ظلما و جورا،و السّلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته،ثمّ قام فمضى.
فقال أمير المؤمنين للحسن عليهما السّلام:يا أبا محمّد!اتبعه فانظر أين يقصد؟
فخرج عليه السّلام في أثره فقال:فما كان إلاّ أن وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من أرض اللّه،فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فأعلمته.
فقال عليه السّلام:يا أبا محمّد أتعرفه؟قلت:اللّه و رسوله و أمير المؤمنين أعلم.قال:هو الخضر عليه السّلام(4).ى-
ص: 12
روى محمّد بن قيس عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام قال:
بينا أمير المؤمنين في الرحبة و النّاس عليه متراكمون،فمن بين مستفت و من بين مستعد(1)،إذ قام إليه رجل فقال:السّلام عليك يا أميرالمؤمنين و رحمة اللّه و بركاته.
فقال:و عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته،من أنت؟فقال:أنا رجل من رعيتك و أهل بلادك.
ق-العطار،و أحمد بن إدريس جميعا،قالوا:حدّثنا أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي قال:حدّثناأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري،عن...
و رواه في العلل:ص 96،و إكمال الدّين:ص 313،و البرقي في المحاسن:ص 332،و نقله في بحار الأنوار 36/414 و 58/36.
ص: 13
فقال له:ما أنت من رعيتي(1)و أهل بلادي،و لو سلمت عليّ يوماواحدا ما خفيت عليّ.فقال:الأمان يا أمير المؤمنين.
فقال:هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا؟قال:لا.
قال:فلعلك من رجال الحرب؟قال:نعم.
قال:إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس.
قال:أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك،أسألك عن شي ء بعث به(2)ابن الأصفر إليه(3)،و قال له:إن كنت أحقّ بهذا الأمر و الخليفة بعدمحمّد فأجبني عمّا أسألك،فإنّك إن فعلت ذلك اتبعتك،و بعثت إليك بالجائزة،فلم يكن عنده جواب و قد أقلقه(4)فبعثني إليك لأسألك عنها.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:قاتل اللّه ابن آكلة الأكباد،ما أضلّه و أعماه و من معه،حكم اللّه بيني و بين هذه الأمّة(5)،قطعوا رحمي،و أضاعوا أيامي،و دفعوا حقي،و صغّروا عظيم منزلتي،و أجمعوا على منازعتي،عليّ(6)بالحسن و الحسين و محمّد فاحضروا...
ص: 14
فقال:يا شامي هذان ابنا رسول اللّه،و هذا ابني،فاسأل أيهم أحببت.
فقال:أسأل ذا الوفرة(1)يعني:الحسن عليه السّلام.
فقال له الحسن عليه السّلام:سلني عمّا بدا لك.
فقال الشّامي:كم بين الحقّ و الباطل؟و كم بين السّماء و الأرض؟و كم بين المشرق و المغرب؟و ما قوس قزح؟و ما العين التي تأوي إليهاأرواح المشركين و ما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟و ماالمؤنّث؟و ما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض؟
فقال الحسن عليه السّلام:بين الحّق و الباطل أربع أصابع،فما رأيته بعينك فهو الحقّ،و قد تسمع باذنيك باطلا كثيرا.فقال الشّامي:صدقت.
قال:و بين السّماء و الأرض دعوة المظلوم،و مدّ البصر،فمن قال لك غير هذا فكذّبه.قال:صدقت يا ابن رسول اللّه.
قال:و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم للشّمس،تنظر إليها حين تطلع من مشرقها،و تنظر إليها حين تغيب في مغربها.قال الشّامي:صدقت.فما قوس قزح؟
قال:ويحك لا تقل قوس قزح فإنّ قزح اسم شيطان،و هو قوس اللّه و هذه علامة الخصب،و أمان لأهل الأرض من الغرق.
و أمّا العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها:«برهوت».0.
ص: 15
و أمّا العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها:«سلمى».
و أمّا المؤنّث:فهو الذي لا يدرى أذكر هو أم أنثى،فانّه ينتظر به فان كان ذكرا احتلم،و إن كان أنثى حاضت و بدا ثديها،و إلاّ قيل له:«بل على الحايط»فان أصاب بوله الحايط فهو ذكر،و إن انتكص بوله كماينتكص بول البعير فهي امرأة.
و أمّا عشرة أشياء بعضها أشد من بعض:فأشد شي ء خلقه اللّه الحجر،و أشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر،و أشد من الحديد النّار تذيب الحديد،و أشد من النّار الماء يطفى ء النّار،و أشد من الماء السّحاب يحمل الماء،و أشد من السّحاب الريح تحمل السّحاب،و أشد من الريح الملك الذي يرسلها،و أشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك،و أشد من ملك الموت،الموت الذي يميت ملك الموت،و أشد من الموت أمر اللّه الذي يميت الموت.
فقال الشّامي:أشهد أنّك ابن رسول اللّه حقّا،و أنّ عليا أولى بالأمرمن معاوية.ثمّ كتب هذه الجوابات و ذهب بها إلى معاوية فبعثها إلى ابن الأصفر.
فكتب إليه ابن الأصفر:يا معاوية!لم تكلمني بغير كلامك؟(1)و تجيبني بغير جوابك؟اقسم بالمسيح ما هذا جوابك!و ما هو إلاّ من معدنك.
ص: 16
النبوة،و موضع الرسالة،و أمّا أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك(1).
روي عن الشّعبي و أبي مخنف و يزيد بن أبي حبيب المصري أنّهم قالوا:لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم(2)اجتمعوا في محفل،أكثر ضجيجا و لا أعلى كلاما و لا أشد مبالغة في قول،من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان،عمرو بن عثمان بن عفان،و عمرو بن العاص،و عتبة بن أبي سفيان،و الوليد بن عقبة بن أبي معيط،و المغيرة بن شعبة،و قد تواطؤوا على أمر واحد.
فقال عمرو بن العاص لمعاوية:ألا تبعث إلى الحسن بن علي
ص: 17
فتحضره،فقد أحيا سيرة أبيه(1)،و خفقت النّعال خلفه،أمر فاطيع،و قال فصدّق(2)،و هذان يرفعان به(3)إلى ما هو أعظم منهما،فلو بعثت إليه فقصرنا به و بأبيه،و سببناه و سببنا أباه،و صغرنا بقدره و قدر أبيه،و قعدنالذلك حتّى صدّق لك فيه.
فقال لهم معاوية:إنّي أخاف أن يقلدكم قلائد يبقى عليكم عارهاحتّى يدخلكم قبوركم(4)،و اللّه ما رأيته قطّ إلاّ كرهت جنابه(5)،وهبت عتابه،و إنّي إن بعثت إليه لأنصفنه منكم.
قال عمرو بن العاص:أتخاف أن يتسامى(6)باطله على حقّنا،و مرضه على صحتنا؟قال:لا،قال:فابعث إذا إليه.
فقال عتبة:هذا رأي لا أعرفه،و اللّه ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر و لاأعظم ممّا في أنفسكم(7)عليه،و لا يلقاكم بأعظم ممّا في نفسه عليكم،و إنّه لأهل بيت خصم جدل.م.
ص: 18
فبعثوا إلى الحسن فلمّا أتاه الرسول قال له:يدعوك معاوية.قال:و من عنده؟
قال الرسول:عنده فلان و فلان،و سمّى كلا منهم باسمه.
فقال الحسن عليه السّلام:ما لهم خرّ عليهم السّقف من فوقهم،و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.ثمّ قال:يا جارية!أبلغيني ثيابي ثمّ قال:
«اللّهم إنّي أدرأ بك في نحورهم،و أعوذ بك من شرورهم،و أستعين بك عليهم،فاكفنيهم بما شئت،و أنّى شئت،من حولك و قوتك،يا أرحم الرّاحمين».و قال للرسول:هذا كلام الفرج.
فلمّا أتى معاوية رحّب به،و حيّاه و صافحه.
فقال الحسن عليه السّلام:إنّ الذي حييت به سلامة،و المصافحة أمن(1).
فقال معاوية:أجل إنّ هؤلاء بعثوا إليك و عصوني ليقرّروك(2):أنّ عثمان قتل مظلوما،و أنّ أباك قتله فاسمع منهم ثمّ أجبهم بمثل مايكلمونك،و لا يمنعك(3)مكاني من جوابهم.
فقال الحسن:سبحان اللّه البيت بيتك و الإذن فيه إليك!و اللّه لئن أجبتهم إلى ما أرادوا إنّي لأستحي لك من الفحش،و لئن كانوا غلبوك،إنّي(4)لأستحيي لك من الضّعف،فبأيهما تقرّ؟و من أيهما تعتذر؟أما أنّي..
ص: 19
لو علمت بمكانهم و اجتماعهم لجئت بعدّتهم من بني هاشم،مع أني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم(1)،فإنّ اللّه عزّ و جلّ لوليّي اليوم و فيما بعد اليوم،فمرهم(2)فليقولوا فأسمع،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العليّ العظيم.
فتكلّم عمرو بن عثمان بن عفان فقال:ما سمعت كاليوم ان بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان،و كان ابن أختهم و الفاضل في الإسلام منزلة،و الخاص برسول اللّه إثرة(3)،فبئس كرامة اللّه حتّى سفكوا دمه اعتداء و طلبا للفتنة،و حسداو نفاسة و طلب ما ليسوا بأهلين لذلك،مع سوابقه و منزلته من اللّه و من رسوله و من الإسلام،فيا ذلاّه أن يكون حسن و ساير بني عبد المطلب قتلةعثمان،أحياء يمشون على مناكب الأرض و عثمان مضرج بدمه،مع أنّ لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني أميّة ببدر.
ثمّ تكلّم عمرو بن العاص:فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمّ قال:يا بن أبي تراب(4)!بعثنا إليك لنقررك أنّ أباك سمّ أبا بكر الصّديق،و اشترك(5)في..
ص: 20
قتل عمر الفاروق،و قتل عثمان ذي النورين مظلوما،و ادعى ما ليس له بحقّ و وقع فيه-و ذكر الفتنة و عيّره بشأنها-.
ثمّ قال:إنّكم يا بني عبد المطلب لم يكن اللّه ليعطيكم الملك فترتكبون فيه ما لا يحل لكم،ثمّ أنت يا حسن تحدّث نفسك بأنّك كائن أمير المؤمنين و ليس عندك عقل ذلك و لا رأيه،فكيف(1)و قد سلبته،و تركت أحمق في قريش،و ذلك لسوء عمل أبيك،و إنّما دعوناك لنسبّك و أباك.
ثمّ أنت لا تستطيع أن تعيب علينا و لا أن تكذبنا به،فان كنت ترى انّاكذبناك في شي ء و تقوّلنا عليك بالباطل،و ادّعينا عليك خلاف الحقّ فتكلم،و إلاّ فاعلم أنّك و أباك من شر خلق اللّه،فأمّا أبوك فقد كفانا اللّه قتله و تفرّد به،و أمّا أنت فانّك في أيدينا نتخيّر فيك،و اللّه أن لو قتلناك ما كان في قتلك إثم عند اللّه و لا عيب عند النّاس.
ثمّ تكلّم عتبة بن أبي سفيان،فكان أوّل ما ابتدأ به أن قال:
يا حسن!إنّ أباك كان شرّ قريش لقريش،أقطعه لأرحامها،و أسفكه لدمائها و إنّك لمن قتلة عثمان،و إنّ في الحقّ أن نقتلك به،و إنّ عليك القودفي كتاب اللّه عزّ و جلّ و إنا قاتلوك به،و أمّا أبوك فقد تفرّد اللّه بقتله فكفاناأمره(2)،و أمّا رجاؤك الخلافة فلست فيها،لا في قدحة(3)زندك،و لا في2.
ص: 21
رجحة ميزانك.
ثمّ تكلّم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه و قال:
يا معشر بني هاشم!كنتم أوّل من دب بعيب عثمان و جمع النّاس عليه،حتّى قتلتموه حرصا على الملك،و قطيعة للرحم،و استهلاك الأمّة،و سفك دمائها حرصا على الملك،و طلبا للدنيا الخسيسة و حبّا لها،و كان عثمان خالكم،فنعم الخال كان لكم،و كان صهركم فكان نعم الصهرلكم،قد كنتم أوّل من حسده و طعن عليه ثمّ وليتم قتله،فكيف رأيتم صنع اللّه بكم.
ثمّ تكلم المغيرة بن شعبة:فكان كلامه و قوله كلّه وقوعا في علي عليه السّلام ثمّ قال:
يا حسن!إنّ عثمان قتل مظلوما فلم يكن لأبيك في ذلك عذر بري ء و لااعتذار مذنب،غير أنا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمّه قتلة عثمان،و إيوائه لهم و ذبّه عنهم،أنّه بقتله راض،و كان و اللّه طويل السّيف و اللّسان،يقتل الحي و يعيب الميت،و بنو أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية،و معاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية،و قد كان أبوك ناصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حياته،و أجلب عليه قبل موته،و أراد قتله،فعلم ذلك من أمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ثمّ كره أن يبايع أبا بكر حتّى أتي به ق-و قال العلاّمة المجلسي رحمه اللّه:هي كناية عن التدبير في الملك و استخراج الأموربالنظر-بحار الأنوار 44/86.
ص: 22
قودا،ثمّ دس عليه فسقاه سمّا فقتله،ثمّ نازع عمر حتّى همّ أن يضرب رقبته،فعمل في قتله،ثمّ طعن على عثمان(1)حتّى قتله،كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من اللّه يا حسن؟و قد جعل اللّه السّلطان لولي المقتول في كتابه المنزل.فمعاوية ولي المقتول بغير حقّ،فكان من الحقّ لو قتلناك و أخاك،و اللّه ما دم عليّ بأخطر من دم عثمان،و ما كان اللّه ليجمع فيكم يا بني عبد المطلب الملك و النبوة،ثمّ سكت.
فتكلّم أبو محمّد:الحسن بن علي عليهما السّلام فقال:
الحمد للّه الذي هدى أولكم بأولنا،و آخركم بآخرنا،و صلّى اللّه على جدي محمّد النبي و آله و سلّم.
اسمعوا مني مقالتي و أعيروني فهمكم،و بك أبدأ يا معاوية.
ثم قال لمعاوية:
إنّه لعمر اللّه يا أزرق ما شتمني غيرك و ما هؤلاء شتموني،و لا سبّني غيرك و ما هؤلاء سبّوني،و لكن شتمتني و سببتني،فحشا منك و سوء رأي،و بغيا و عدوانا،و حسدا علينا و عداوة لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قديماو حديثا،و إنّه و اللّه لو كنت أنا و هؤلاء يا أزرق مثاورين(2)في مسجدرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حولنا المهاجرون و الأنصار ما قدروا أنن.
ص: 23
يتكلموا بما تكلّموا به،و لا استقبلوني بما استقبلوني به.
فاسمعوا مني أيّها الملأ المجتمعون المتعاونون عليّ،و لا تكتمواحقّا علمتوه،و لا تصدقوا بباطل إن نطقت به،و سأبدأ بك يا معاوية فلاأقول فيك إلاّ دون ما فيك.
أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ الرجل الذي شتمتموه صلّى[مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم](1)القبلتين كلتيهما و أنت تراهما جميعا و أنت في ضلالة تعبد اللاّت و العزى!و بايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان و بيعةالفتح،و أنت يا معاوية بالأولى كافر،و بالأخرى ناكث؟
ثمّ قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ ما أقول حقّا،إنّه لقيكم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر و معه راية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المؤمنين،و معك يا معاوية راية المشركين و أنت تعبد اللاّت و العزى،و ترى حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرضا واجبا؟و لقيكم يوم أحدو معه راية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و معك يا معاوية راية المشركين؟و لقيكم يوم الأحزاب و معه راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و معك يامعاوية راية المشركين؟كل ذلك يفلج اللّه(2)حجّته و يحقّ دعوته،و يصدقن.
ص: 24
أحدوثته و ينصر رايته،و كل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يرى عنه راضيا في المواطن كلّها ساخطا عليك.
ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حاصربني قريظة و بني النّضير(1)،ثم بعث عمر بن الخطّاب و معه رايةالمهاجرين،و سعد بن معاذ و معه راية الأنصار.
فأمّا سعد بن معاذ فجرح و حمل جريحا،و أمّا عمر فرجع هاربا و هويجبن و يجبّن أصحابه و يجبّنه أصحابه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله،كرّار غيرفرّار،ثمّ لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه».
فتعرض لها أبو بكر و عمر،و غيرهما من المهاجرين و الأنصار4.
ص: 25
و عليّ يومئذ أرمد شديد الرمد،فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتفل في عينه فبرأ من رمده،فأعطاه الراية(1)فمضى و لم يثن(2)حتى فتح اللّه عليه بمنّه و طوله،و أنت يؤمئذ بمكّة عدو للّه و لرسوله؟فهل يستوي(3)بين رجل نصح للّه و لرسوله،و رجل عادى اللّه و رسوله؟
ثمّ أقسم باللّه ما أسلم قلبك(4)بعد،و لكن اللّسان خائف فهو يتكلم بما ليس في القلب!!
أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استخلفه على المدينة في غزاة تبوك و لا سخط ذلك و لا كرهه،و تكلّم فيه المنافقون فقال:لا تخلفني يا رسول اللّه فانّي لم اتخلّف عنك في غزوة قطّ،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أنت وصيّي و خليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى..
ص: 26
ثمّ أخذ بيد علي عليه السّلام فقال:أيّها النّاس من تولاّني فقد تولى اللّه،و من تولّى عليّا فقد تولاّني،و من أطاعني فقد أطاع اللّه،و من أطاع عليّا فقدأطاعني،و من أحبني فقد أحب اللّه،و من أحب عليّا فقد أحبني.
[ثمّ قال:](1)انشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال-في حجّة الوداع-:أيّها النّاس إنّي قد تركت فيكم ما لم تضلّوا بعده:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،فأحلّوا حلاله(2)،و حرّموا حرامه،و اعملوابمحكمه،و آمنوا بمتشابهه،و قولوا:آمنا بما أنزل اللّه من الكتاب،و أحبّوا أهل بيتي و عترتي،و والوا من والاهم و انصروهم على من عاداهم،و إنّهما لن يزالا فيكم حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة.
ثمّ دعا-و هو على المنبر-عليّا فاجتذبه بيده فقال:اللّهم وال من والاه،و عاد من عاداه،اللّهم من عادى عليّا فلا تجعل له في الأرض مقعدا،و لا في السّماء مصعدا،و اجعله في أسفل درك من النّار؟
و أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال له:أنت الذائد(3)عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط ابله؟
انشدكم باللّه أتعلمون أنّه دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في6.
ص: 27
مرضه الذي توفي فيه فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال علي عليه السّلام:ما يبكيك يا رسول اللّه؟
فقال:«يبكيني أنّي أعلم أنّ لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن،لايبدونها لك حتّى أتولّى عنك»؟
أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين حضرته الوفاة و اجتمع عليه أهل بيته قال:«اللّهم هؤلاء أهل بيتي و عترتي،اللّهم وال من والاهم و انصرهم على من عاداهم»(1)و قال:«إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح:من دخل فيها نجى و من تخلّف عنها غرق»؟
أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قدسلّموا عليه بالولاية في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حياته؟
و أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ عليّا أوّل من حرّم الشهوات كلّها على نفسه من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأنزل اللّه عزّ و جلّ:«يََا أَيُّهَااَلَّذِينَ آمَنُوا لاََ تُحَرِّمُوا طَيِّبََاتِ مََا أَحَلَّ اَللََّهُ لَكُمْ وَ لاََ تَعْتَدُوا إِنَّ اَللََّهَ لاََ يُحِبُ اَلْمُعْتَدِينَ*`وَ كُلُوا مِمََّا رَزَقَكُمُ اَللََّهُ حَلاََلاً طَيِّباً وَ اِتَّقُوا اَللََّهَ اَلَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ»(2)و كان عنده علم المنايا،و علم القضايا،و فصل الخطاب،و رسوخ العلم،و منزل القرآن،و كان رهط لا تعلمهم يتمّون(3)عشرة..
ص: 28
نبأهم اللّه أنّهم مؤمنون،و أنتم في رهط قريب من عدّة أولئك لعنوا على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فأشهد لكم و أشهد عليكم:أنّكم لعناءاللّه على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلّكم.
و أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعث إليك لتكتب له لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال:«هو يأكل»فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه و يقول:«هو يأكل»فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«اللّهم لا تشبع بطنه»فهي و اللّه في نهمتك(1)و أكلك إلى يوم القيامة.
ثمّ قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ ما أقول حقّا إنّك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر و يقوده أخوك هذا القاعد،و هذا يوم الأحزاب فلعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القائد و الراكب و السّائق،فكان أبوك الرّاكب،و أنت يا أزرق السّائق،و أخوك هذا القاعد القائد؟
ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعن أباسفيان في سبعة مواطن:
أوّلهن:حين خرج من مكّة إلى المدينة و أبو سفيان جاء من الشّام،فوقع فيه أبو سفيان فسبّه و أوعده و همّ أن يبطش به ثمّ صرفه اللّه عزّ و جلّ عنه.4.
ص: 29
و الثانية:يوم العير حيث طردها(1)أبو سفيان ليحرزها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و الثالثة:يوم أحد يوم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:اللّه مولانا و لامولى لكم و قال أبو سفيان:لنا العزى و لا عزى لكم،فلعنه اللّه و ملائكته و رسله و المؤمنون أجمعون.
و الرابعة:يوم حنين يوم جاء أبو سفيان بجمع من قريش(2)و هوازن و جاء عيينة بغطفان و اليهود،فردّهم اللّه بغيظهم لم ينالوا خيرا،هذا قول اللّه عزّ و جلّ أنزله في سورتين في كلتيهما يسمّي أبا سفيان و أصحابه كفارا و أنت يا معاوية يؤمئذ مشرك على رأي أبيك بمكّة،و عليّ يومئذ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على رأيه و دينه.
و الخامسة:قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ اَلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ»(3)و صددت أنت و أبوك و مشركوا قريش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فلعنه اللّه لعنة شملته و ذريته إلى يوم القيامة.
و السادسة:يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش،و جاءعيينة بن حصين بن بدر بغطفان،فلعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القادةو الأتباع،و السّاقة إلى يوم القيامة.5.
ص: 30
فقيل:يا رسول اللّه!اما في الأتباع مؤمن؟
قال:لا تصيب اللّعنة مؤمنا من الأتباع،و أمّا القادة فليس فيهم مؤمن،و لا مجيب،و لا ناج.
و السابعة:يوم الثنية(1)،يوم شدّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اثناعشر رجلا،سبعة منهم من بني أميّة،و خمسة من سائر قريش،فلعن اللّه تبارك و تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من حل الثنيّة غير النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سائقه و قائده.
ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:
يا ابن أخي!هل علينا من عين؟
فقال:لا.
فقال أبو سفيان:تداولوا الخلافة يا فتيان(2)بني أميّة فو الذي نفس أبي سفيان بيده،ما من جنّة و لا نار؟!
و أنشدكم باللّه أتعلمون ان أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان و قال:يا ابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد(3)،فخرج حتّى إذا2.
ص: 31
توسّط القبور إجتره فصاح بأعلى صوته:
يا أهل القبور!الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا و أنتم رميم.
فقال الحسين بن علي عليهما السّلام:قبّح اللّه شيبتك،و قبّح وجهك(1)،ثمّ نتر(2)يده و تركه،فلولا النّعمان بن بشير أخذ بيده و ردّه إلى المدينة لهلك.
فهذا لك يا معاوية،فهل تستطيع أن ترد علينا شيئا،و من لعنتك يامعاوية أنّ أباك أبا سفيان كان يهمّ أن يسلم،فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش و غيرهم،تنهاه عن الإسلام(3)و تصدّه.
و منها:أن عمر بن الخطاب ولاّك الشّام فخنت به،و ولاّك عثمان فتربصت به ريب المنون(4)،ثمّ أعظم من ذلك جرأتك على اللّه و رسوله أنّك قاتلت عليّا عليه السّلام و قد عرفته و سوابقه(5)،و فضله و علمه على أمر هوأولى به منك،و من غيرك عند اللّه و عند النّاس،و لا دنيّة(6)بل أوطأت النّاس عشوة(7)،و أرقت دماء خلق من خلق اللّه بخدعك و كيدكا-
ص: 32
و تمويهك،فعل من لا يؤمن بالمعاد،و لا يخشى العقاب،فلمّا بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى،و عليّ إلى خير منقلب،و اللّه لك بالمرصاد.
فهذا لك يا معاوية خاصّة،و ما أمسكت عنه من مساويك و عيوبك فقدكرهت به التطويل.
و أمّا أنت يا عمرو بن عثمان!فلم تكن حقيقا لحمقك(1)،ان تتبع هذه الأمور فانّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنّخلة:استمسكي فانّي أريدأن أنزل عنك(2)،فقالت لها النّخلة:ما شعرت بوقوعك،فكيف يشقّ عليّ نزولك؟!و إنّي و اللّه ما شعرت أنّك تجسر أن تعادي لي(3)فيشقّ عليّ ذلك،و إنّي لمجيبك في الذي قلت،إنّ سبّك عليّا عليه السّلام:أبنقص في حسبه؟أو تباعده من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟أو بسوء بلاء في الإسلام؟(4)أو بجور في حكم؟أو رغبة في الدنيا؟فإن قلت واحدة منهاق-الصّحاح 6/2427..-
ص: 33
فقد كذبت.
و أمّا قولك:إنّ لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني أميّة ببدر،فإنّ اللّه و رسوله قتلهم،و لعمري ليقتلن من بني هاشم تسعة عشر و ثلاثة بعدتسعة عشر ثمّ يقتل من بني أميّة تسعة عشر و تسعة عشر في موطن واحدسوى ما قتل من بني أميّة لا يحصي عددهم إلاّ اللّه.
إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا،أخذوا مال اللّه بينهم دولا،و عباده خولا،و كتابه دخلا(1)،فإذا بلغواثلثمائة و عشر حقّت اللّعنة عليهم و لهم،فإذا بلغوا أربعمائة و خمسةو سبعين كان هلاكهم أسرع من لوك(2)تمرة،فأقبل الحكم بن أبي العاص و هم في ذلك الذكر و الكلام فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إخفضوا أصواتكم فإن الوزغ يسمع،و ذلك حين رآهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من يملك بعده منهم أمر هذه الأمّة-يعني في المنام-فساءه ذلك ق-و في«ط»:إنّ سبّك عليّا أينقص في حسبه أو يباعده من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو يسوء بلاءه في الإسلام.4.
ص: 34
و شقّ عليه،فأنزل اللّه عزّ و جلّ في كتابه:«وَ مََا جَعَلْنَا اَلرُّؤْيَا اَلَّتِي أَرَيْنََاكَ إِلاََّ فِتْنَةً لِلنََّاسِ وَ اَلشَّجَرَةَ اَلْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ»(1)يعني:بني أميّة،و أنزل أيضا:«لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(2)فأشهد لكم،و أشهد عليكم،ماسلطانكم بعد قتل عليّ إلاّ ألف شهر التي أجّلها اللّه عزّ و جلّ في كتابه.
و أمّا أنت يا عمرو بن العاص!الشّاني ء اللّعين الأبتر،فإنّما أنت كلب،أوّل أمرك إنّ أمّك بغيّة،و إنّك ولدت على فراش مشترك،فتحاكمت فيك رجال قريش منهم:أبو سفيان بن الحرب،و الوليد بن المغيرة،و عثمان بن الحرث،و النّضر بن الحرث بن كلدة،و العاص بن وائل،كلّهم يزعم أنّك ابنه،فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا،و أخبثهم منصبا،و أعظمهم بغية،ثمّ قمت خطيبا و قلت:أنا شاني محمّد،و قال العاص بن وائل:إنّ محمّدا رجل أبتر لا ولد له،فلو قد مات انقطع ذكره،فأنزل اللّه تبارك و تعالى:«إِنَّ شََانِئَكَ هُوَ اَلْأَبْتَرُ»(3)و كانت أمّك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية،تأتيهم في دورهم و في رحالهم(4)و بطون أوديتهم ثمّ كنت في كل مشهد يشهده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من عدوه أشدهم له عداوة،و أشدهم له تكذيبا ثمّ كنت في أصحاب السّفينة..
ص: 35
الذين أتوا النّجاشي و المهجر الخارج(1)إلى الحبشة في الإشاطة(2)بدم جعفر بن أبي طالب و ساير المهاجرين إلى النّجاشي،فحاق المكر السيّى ءبك،و جعل جدك(3)الأسفل،و أبطل أمنيتك،و خيب سعيك،و أكذب احدوثتك،و جعل كلمة الذين كفروا السفلى،و كلمة اللّه هي العليا.
و أمّا قولك في عثمان،فأنت يا قليل الحياء و الدّين،ألهبت عليه نارا،ثمّ هربت إلى فلسطين تتربّص به الدوائر(4)،فلمّا أتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية،فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك،و لسنا نلومك على بغضنا،و لا نعاتبك(5)على حبّنا،و أنت عدوّ لبني هاشم في الجاهليةو الإسلام.و قد هجوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسبعين بيتا من شعر،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«اللّهم إنّي لا أحسن الشّعر،و لا ينبغي..
ص: 36
لي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بكل بيت ألف لعنة»(1)ثمّ أنت يا عمروالمؤثر دنيا غيرك على دينك(2)أهديت إلى النّجاشي الهدايا،و رحلت إليه رحلتك الثانية،و لم تنهك الأولى عن الثانية،كل ذلك ترجع مغلولا(3)،حسيرا تريد بذلك هلاك جعفر[بن أبي طالب](4)و أصحابه،فلمّا أخطأك ما رجوت و أمّلت،أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد.
و أمّا أنت يا وليد بن عقبة!فو اللّه ما ألومك أن تبغض عليّا و قد جلدك في الخمر ثمانين جلدة،و قتل أباك صبرا بيده يوم بدر،أم كيف تسبّه و قدسمّاه اللّه مؤمنا في عشرة آيات من القرآن،و سمّاك فاسقا،و هو قول اللّه عزّ و جلّ:«أَ فَمَنْ كََانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كََانَ فََاسِقاً لاََ يَسْتَوُونَ»(5)،و قوله:«إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهََالَةٍ فَتُصْبِحُواعَلى ََ مََا فَعَلْتُمْ نََادِمِينَ»(6)و ما أنت و ذكر قريش و إنّما أنت إبن علج(7)..
ص: 37
من أهل صفورية(1)اسمه:«ذكوان».
و أمّا زعمك أنّا قتلنا عثمان فو اللّه ما استطاع طلحة،و الزّبير،و عائشة،أن يقولوا ذلك لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام فكيف تقوله أنت؟و لوسألت أمّك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط،إكتسبت بذلك عند نفسها سناء و رفعة،مع ما أعدّ اللّه لك و لأبيك و لأمّك من العار و الخزي في الدنيا و الآخرة،و ما اللّه بظلاّم للعبيد.
ثمّ أنت يا وليد و اللّه أكبر في الميلاد(2)ممّن تدعى له،فكيف تسب عليّا و لو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك(3)إلى أبيك لا إلى من تدعى له،و لقد قالت لك أمّك:«يا بنيّ أبوك و اللّه ألأم و أخبث من عقبة»!
و أمّا أنت يا عتبة بن أبي سفيان!فو اللّه ما أنت بحصيف(4)4.
ص: 38
فاجاوبك،و لا عاقل فأعاتبك(1)،و ما عندك خير يرجى و لا شر يخشى،و ما كنت و لو سببت عليّا لأعيّر به عليك(2)،لأنّك عندي لست بكفؤ لعبدعبد علي بن أبي طالب(3)فاردّ عليك،و أعاتبك،و لكن اللّه عزّ و جلّ لك و لأبيك و أمّك و أخيك لبالمرصاد،فأنت ذرية آبائك الذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال:«عََامِلَةٌ نََاصِبَةٌ*`تَصْلى ََ نََاراً حََامِيَةً*`تُسْقى ََ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ-إلى قوله-مِنْ جُوعٍ»(4).
و أمّا وعيدك إياي بقتلي(5)،فهلاّ قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك،و قد غلبك على فرجها و شركك في ولدها(6)حتّى ألصق بك ولدا ليس لك،ويلا لك!لو شغلت نفسك بطلب ثارك منه كنت جديرا،و بذلك حريّا،إذ تسومني القتل و توعدني به.
و لا ألومك أن تسبّ عليّا و قد قتل أخاك مبارزة،و اشترك هو و حمزةابن عبد المطّلب في قتل جدّك حتّى أصلاهما اللّه على أيديهما نار جهنّم و أذاقهما العذاب الأليم،و نفى عمّك بأمر رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و أمّا رجائي الخلافة،فلعمر اللّه إن رجوتها فإنّ لي فيها لملتمسا،..
ص: 39
و ما أنت بنظير أخيك،و لا بخليفة أبيك،لأنّ أخاك أكثر تمرّدا على اللّه،و أشد طلبا لاهراقه دماء المسلمين،و طلب ما ليس له بأهل،يخادع النّاس و يمكرهم،و يمكر اللّه و اللّه خير الماكرين.
و أمّا قولك:«إنّ عليّا كان شر قريش لقريش»،فو اللّه ما حقّرمرحوما و لا قتل مظلوما.
و أمّا أنت يا مغيرة بن شعبة!فإنّك للّه عدوّ،و لكتابه نابذ،و لنبيّه مكذّب و أنت الزاني و قد وجب عليك الرجم،و شهد عليك العدول البررةالأتقياء،فأخّر رجمك،و دفع الحقّ بالباطل(1)،و الصدق بالأغاليط و ذلك لما أعدّ اللّه لك من العذاب الأليم،و الخزي في الحياة الدنيا(2)،و لعذاب الآخرة أخزى،و أنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى أدميتها و ألقت ما في بطنها،استذلالا منك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مخالفة منك لأمره،و انتها كالحرمته و قد قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«[يا فاطمة](3)أنت سيدة نساء أهل الجنّة»و اللّه مصيّرك إلى النّار،و جاعل و بال ما نطقت به عليك،فبأي الثلاثة(4)سببت عليّا،أنقصا8.
ص: 40
في نسبه،أم بعدا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أم سوء(1)بلاء في الإسلام،أم جورا في حكم،أم رغبة في الدنيا؟!ان قلت بها فقد كذبت و كذبك النّاس.
أتزعم أن عليّا عليه السّلام قتل عثمان مظلوما؟!فعليّ و اللّه أتقى و أنقى من لائمه في ذلك،و لعمري إن كان(2)علي قتل عثمان مظلوما فو اللّه ماأنت في ذلك من شي ء(3)،فما نصرته حيّا و لا تعصبت له ميتا،و ما زالت الطائف دارك تتبع البغايا،و تحيي أمر الجاهلية،و تميت الإسلام،حتّى كان في الأمس ما كان(4).
و أمّا اعتراضك في بني هاشم و بني أميّة فهو ادعاؤك إلى معاوية.
و أمّا قولك في شأن الإمارة و قول أصحابك في الملك الذي ملكتموه،فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة،و موسى و هارون نبيان مرسلان عليهماالسّلام يلقيان ما يلقيان[من الأذى](5)و هو ملك اللّه يعطيه البرّ و الفاجر،و قال اللّه:«وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتََاعٌ إِلى ََ حِينٍ»(6)،و قال:«وَ إِذََا أَرَدْنََا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا فَفَسَقُوا فِيهََا فَحَقَّ عَلَيْهَا اَلْقَوْلُ1.
ص: 41
فَدَمَّرْنََاهََا تَدْمِيراً»(1).
ثمّ قام الحسن عليه السّلام فنفض ثيابه و هو يقول:«اَلْخَبِيثََاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ اَلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثََاتِ»هم و اللّه يا معاوية:أنت و أصحابك هؤلاءو شيعتك،«وَ اَلطَّيِّبََاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ اَلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبََاتِ أُولََئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمََّايَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ»(2)هم:علي بن أبي طالب عليه السّلام و أصحابه و شيعته.
ثمّ خرج و هو يقول(3):ذق و بال ما كسبت يداك و ما جنيت،و ما قدأعد اللّه لك و لهم من الخزي في الحياة الدنيا و العذاب الأليم في الآخرة.
فقال معاوية لأصحابه:و أنتم فذوقوا و بال ما جنيتم.
فقال الوليد بن عقبة:و اللّه ما ذقنا إلاّ كما ذقت،و لا اجترأ إلاّ عليك.
فقال معاوية:ألم أقل لكم أنّكم لن تنتقصوا(4)من الرجل فهلاّأطعتموني أوّل مرّة و انتصرتم(5)من الرجل إذ فضحكم،و اللّه ما قام حتّى أظلم عليّ البيت،و هممت أن أسطو به فليس فيكم خير اليوم و لا بعد اليوم.
قال:و سمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية و أصحابه المذكورون..
ص: 42
من الحسن بن علي عليهما السّلام.فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم:
ما الذي بلغني عن الحسن و زعله؟(1)
قالوا:قد كان كذلك.
فقال لهم مروان:أفلا(2)احضرتموني ذلك،فو اللّه لأسبّنّه و لأسبّنّ أباه و أهل البيت سبّا تتغنّى به الاماء و العبيد.
فقال معاوية و القوم:لم يفتك شي ء و هم يعلمون من مروان بذؤ لسان و فحش.
فقال مروان:فأرسل إليه يا معاوية،فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي عليهما السّلام.
فلمّا جاءه الرسول قال له الحسن عليه السّلام:ما يريد هذا الطّاغية منّي؟و اللّه لئن أعاد الكلام لأوقرنّ مسامعه ما يبقى عليه عاره و شناره إلى يوم القيامة.
فأقبل الحسن عليه السّلام فلمّا أن جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها،غير أنّ مروان قد حضر معهم في هذا الوقت،فمشى الحسن عليه السّلام حتّى جلس على السرير مع معاوية و عمرو بن العاص.
ثمّ قال الحسن عليه السّلام لمعاوية:لم أرسلت إليّ؟..
ص: 43
قال:لست أنا أرسلت إليك و لكن مروان الذي أرسل إليك.
فقال له مروان:أنت يا حسن السّبّاب(1)لرجال قريش؟
فقال له الحسن عليه السّلام:و ما الذي أردت؟
فقال مروان:و اللّه لأسبّنّك و أباك و أهل بيتك سبّا تتغنّى به الاماءو العبيد.
فقال الحسن عليه السّلام:أمّا أنت يا مروان فلست أنا سببتك(2)و لاسببت أباك،و لكن اللّه عزّ و جلّ لعنك و لعن أباك،و أهل بيتك،و ذريتك،و ما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة،على لسان نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و اللّه يا مروان لا تنكر أنت و لا أحد ممّن حضر،هذه اللّعنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لك و لأبيك من قبلك،و ما زادك اللّه يا مروان بماخوفك إلاّ طغيانا كبيرا،و صدق اللّه و صدق رسوله.يقول اللّه تبارك و تعالى:«وَ اَلشَّجَرَةَ اَلْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمََا يَزِيدُهُمْ إِلاََّ طُغْيََاناًكَبِيراً»(3)و أنت يا مروان و ذريتك الشّجرة الملعونة في القرآن،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(4).
فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن عليه السّلام و قال:يا أبا محمّد!ّ.
ص: 44
ما كنت فحّاشا(1)،فنفض الحسن عليه السّلام ثوبه،و قام و خرج،فتفرّق القوم عن المجلس بغيظ و حزن،و سواد الوجوه(2)(3).
قيل:وفد الحسن بن علي عليهما السّلام على معاوية فحضر مجلسه،و إذاعنده هؤلاء القوم،ففخر كل واحد منهم على بني هاشم،فوضعوا منهم،و ذكروا أشياء ساءت الحسن بن علي عليهما السّلام و بلغت منه.
فقال الحسن بن علي عليهما السّلام:أنا شعبة من خير الشّعب،آبائي أكرم العرب،لنا الفخر و النسب،و السّماحة عند الحسب،من خير
ص: 45
شجرة(1)أنبتت فروعا نامية،و أثمارا زاكية،و أبدانا قائمة،فيها أصل الإسلام،و علم النبوّة،فعلونا حين شمخ بنا الفخر،و استطلنا حين امتنع بنا العزّ،[و نحن](2)بحور زاخرة لا تنزف و جبال شامخة لا تقهر.
فقال مروان بن الحكم:مدحت نفسك،و شمخت بأنفك،هيهات هيهات يا حسن،نحن و اللّه الملوك السّادة،و الأعزّة القادة،لا ننحجز(3)فليس لك عزّ مثل عزّنا،و لا فخر كفخرنا،ثمّ أنشأ يقول:
شفينا أنفسا طابت وقورا فنالت عزّها فيمن يلينا فأبنا(4)بالغنيمة حين(5)ابنا و ابنا بالملوك مقرنيناثمّ تكلّم مغيرة بن شعبة،فقال:نصحت لأبيك فلم يقبل النّصح،و لولاكراهية(6)قطع القرابة لكنت في جملة أهل الشّام،فكان يعلم أبوك أنّي أصدر الوارد(7)عن مناهلها،بزعارّة(8)قيس،و حلم ثقيف،و تجاربها0.
ص: 46
للأمور على القبائل.
فتكلّم الحسن عليه السّلام،فقال:يا مروان أجبنا،و خورا،و ضعفا،و عجزا؟أتزعم أنّي مدحت نفسي،و أنا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و شمخت بأنفي و أنا سيد شباب(1)أهل الجنّة و إنّما يبذخ(2)و يتكبّر-ويلك-من يريد رفع نفسه،و يتبجح(3)من يريد الاستطالة فأمّا نحن فأهل بيت الرحمة،و معدن الكرامة،و موضع الخيرة،و كنز الإيمان و رمح الإسلام،و سيف الدّين،ألا تصمت ثكلتك أمّك(4)قبل أن أرميك بالهوائل،و أسمّك بميسم تستغني به عن اسمك.
فأمّا إيابك بالنهاب و الملوك:أفي اليوم الذي ولّيت فيه مهزوما،و انحجزت مذعورا،فكانت غنيمتك هزيمتك،و غدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته،قبحا لك ما أغلظ جلدة وجهك!!
فنكس مروان رأسه،و بقي المغيرة مبهوتا.
فالتفت إليه الحسن عليه السّلام،فقال:يا أعور ثقيف!ما أنت من قريش فأفاخرك،أجهلتني يا ويحك؟!!و أنا ابن خيرة الإماء،و سيّدة النّساء،ل.
ص: 47
غذّانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعلم اللّه تبارك و تعالى،فعلّمنا تأويل القرآن،و مشكلات الأحكام،لنا العزّة الغلباء و الكلمة العلياء(1)و الفخرو السّناء،و أنت من قوم لم يثبت لهم في الجاهلية نسب،و لا لهم في الإسلام نصيب،عبد آبق،ما له و الافتخار عند مصادمة اللّيوث،و مجاحشة(2)الأقران،نحن السّادة،و نحن المذاويد(3)القادة،نحمي الذمار(4)،و ننفي عن ساحتنا العار،و أنا ابن نجيبات الأبكار.
ثمّ اشرت زعمت إلى خير وصي خير الأنبياء،و كان هو بعجزك أبصر،و بجورك أعلم و كنت للرّد عليك منه أهلا لو غرّك(5)في صدرك،و بدو الغدر في عينك،هيهات لم يكن ليتّخذ المضلّين عضدا،و زعمت لوأنّك كنت بصفين بزعارة قيس،و حلم ثقيف(6)،فبما ذا ثكلتك أمّك؟!أبعجزك عند المقامات،و فرارك عند المجاحشات؟ف.
ص: 48
أما و اللّه لو التفّت عليك من أمير المؤمنين الأشاجع(1)،لعلمت أنّه لا يمنعه منك الموانع(2)،و لقامت عليك المرنات(3)الهوالع(4).
و أمّا زعارة قيس:فما أنت و قيسا؟!إنّما أنت عبد آبق فثقف فسمّي ثقيفا فاحتل لنفسك من غيرها،فلست من رجالها،أنت بمعالجة الشّرك(5)و موالج الزرائب(6)أعرف منك بالحروب.
فأمّا الحلم فأيّ الحلم عند العبيد القيون؟(7)ثمّ تمنّيت لقاء أميرالمؤمنين عليه السّلام فذاك من قد عرفت:أسد باسل(8)،و سم قاتل،لا تقاومه الأبالسة عند الطعن و المخالسة(9)،فكيف ترومه الضبعان،و تناوله1.
ص: 49
الجعلان،بمشيتها القهقرى.
و أمّا وصلتك:فمنكورة،و قرابتك:فمجهولة،و ما رحمك منه إلاّكبنات الماء من خشفان الظّباء،بل أنت أبعد منه نسبا.
فوثب المغيرة،و الحسن عليه السّلام يقول(1):اعذرنا من بني أميّة إن تجاوزنا(2)بعد مناطقة القيون،و مفاخرة العبيد.
فقال معاوية:ارجع يا مغيرة،فهؤلاء بنو عبد مناف،لا تقاومهم الصناديد و لا تفاخرهم المذاويد.
ثمّ أقسم على الحسن عليه السّلام بالسكوت فسكت(3).
و روي أنّ عمرو بن العاص قال-لمعاوية-:ابعث إلى الحسن بن علي فمره أن يصعد المنبر يخطب النّاس،لعلّه أن يحصر فيكون ذلك ممّا
ص: 50
نعيّره به في كل محفل،فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر،و قد جمع له النّاس،و رؤساء أهل الشّام،فحمد اللّه الحسن بن علي صلوات اللّه عليه و أثنى عليه،ثمّ قال:
أيّها النّاس!من عرفني فأنا الذي يعرف،و من لم يعرفني فأنا الحسن ابن علي بن أبي طالب،ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أوّل المسلمين إسلاما،و أمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و جدّي محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبيّ الرحمة،أنا ابن البشير،أنا ابن النّذير،أناابن السّراج المنير،أنا ابن من بعث رحمة للعالمين،أنا ابن من بعث إلى الجن و الإنس أجمعين.
فقال معاوية(1):يا أبا محمّد!حدّثنا في نعت الرّطب(2)-أرادبذلك تخجيله-.
فقال الحسن عليه السّلام:نعم،الرّيح تنفخه،و الحرّ ينضجه،و اللّيل يبرده و يطيبه.
ثمّ أقبل الحسن عليه السّلام فرجع في كلامه الأوّل،فقال:
أنا ابن مستجاب الدعوة،أنا ابن الشّفيع المطاع،أنا ابن أوّل من ينفض عن رأسه التّراب،أنا ابن من يقرع باب الجنّة فيفتح له(3)،أنا ابن..
ص: 51
من قاتل معه الملائكة،و أحل له المغنم و نصر بالرعب من مسيرة شهر.
فأكثر في هذا النوع من الكلام،و لم يزل به حتّى أظلمت الدنيا على معاوية،و عرف الحسن عليه السّلام من لم يكن يعرفه من أهل الشّام و غيرهم ثمّ نزل.فقال له معاوية:أمّا انّك يا حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة،و لست هناك.
فقال الحسن عليه السّلام:أمّا الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و عمل بطاعة اللّه عزّ و جلّ،ليس(1)الخليفة من سار بالجور،و عطّل السنن،و اتّخذ الدنيا أمّا و أبا،و لكن ذلك(2)أمر ملك أصاب ملكافتمتّع به(3)قليلا،و كان قد انقطع عنه،فاتخم(4)لذّته و بقيت عليه تبعته،و كان كما قال اللّه تبارك و تعالى:«وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتََاعٌ إِلى ََحِينٍ»(5)،و أومأ بيده إلى معاوية،ثمّ قام فانصرف.فقال معاوية لعمرو:و اللّه ما أردت إلاّ شيني حين أمرتني بما أمرتني،و اللّه ما كان يرى أهل الشّام أن أحدا مثلي في حسب و لا غيره،حتّى قال الحسن-عليه السّلام-ما7.
ص: 52
قال،قال عمرو:و هذا شي ء لا يستطاع دفنه،و لا تغييره،لشهرته في النّاس،و اتّضاحه،فسكت معاوية(1).
و روى الشّعبي:أن معاوية قدم المدينة فقام خطيبا فنال من علي بن أبي طالب(2).
فقام الحسن بن علي عليهما السّلام فخطب و حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
انّه لم يبعث نبي إلاّ جعل له وصي(3)من أهل بيته،و لم يكن نبي إلاّو له عدو من المجرمين،و إنّ عليّا عليه السّلام كان وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بعده،و أنا ابن علي،و أنت ابن صخر،و جدّك حرب،و جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أمّك هند و أمي فاطمة،و جدّتي خديجةو جدّتك نثيلة،فلعن اللّه ألأمنا حسبا،و أقدمنا كفرا،و أخملنا ذكرا،
ص: 53
و أشدنا نفاقا،فقال عامة أهل المجلس:آمين.فنزل معاوية فقطع خطبته(1).
و روي أنّه لما قدم معاوية بالكوفة قيل له:إنّ الحسن بن علي مرتفع في أنفس النّاس،فلو أمرته أن يقوم دون مقامك على المنبر فتدركه الحداثةو العي فيسقط من أنفس النّاس(2)،فأبى عليهم و أبوا عليه إلاّ أن يأمره بذلك،فأمره،فقام دون مقامه في المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمّ قال:
أمّا بعد،[أيها النّاس](3)فإنّكم لو طلبتم ما بين كذا و كذا لتجدوارجلا جدّه نبي لم تجدوه غيري و غير أخي،و انّا أعطينا صفقتنا هذاالطّاغية-و أشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية و هو في مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المنبر-و رأينا حقن دماء المسلمين(4)أفضل من إهراقها،و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين-و أشار بيده الى معاوية-.
فقال له معاوية:ما أردت بقولك هذا؟
ص: 54
فقال:أردت به ما أراد اللّه عزّ و جلّ(1).
فقام معاوية فخطب خطبة عيية(2)فاحشة،فثلب(3)فيها أميرالمؤمنين عليه الصّلاة و السّلام.
فقام الحسن بن علي عليهما السّلام فقال له-و هو على المنبر-:يا ابن(4)آكلة الأكباد!أو أنت تسبّ أمير المؤمنين عليه السّلام و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من سبّ عليّا فقد سبّني،و من سبّني فقد سبّ اللّه،و من سبّ اللّه أدخله اللّه نار جهنم خالدا فيها مخلدا و له عذاب مقيم»؟
ثمّ انحدر الحسن عليه السّلام عن المنبر فدخل داره،و لم يصل[هناك بعدذلك أبدا](5)(6).1.
ص: 55
و قد جرى قبل ذلك إيراد كثير من الحجج لعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب و عبد اللّه بن عبّاس و غيرهما،على معاوية في الإمامة و غيرها،بمحضر من الحسن عليه السّلام و الفضل بن عباس و غيرهما.
روى سليم بن قيس قال:سمعت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب قال:قال لي معاوية:
ما أشد تعظيمك للحسن و الحسين،ما هما بخير منك و لا أبوهمابخير من أبيك،و لو لا أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لقلت:ماأمّك أسماء بنت عميس بدون منها.(1)
قال:فغضبت من مقالته،و أخذني ما لا أملك،فقلت:إنّك لقليل
ص: 56
المعرفة بهما و بأبيهما و أمّهما،بلى و اللّه إنّهما خير منّي و أبوهما خير من أبي و أمهما خير من أمّي،و لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول فيهما و في أبيهما و أنا غلام فحفظته منه و وعيته.
فقال معاوية-و ليس في المجلس غير الحسن و الحسين عليهما السّلام و ابن جعفر رحمه اللّه و ابن عبّاس و أخيه الفضل-:هات ما سمعت!فو اللّه ماأنت بكذاب،فقال:إنّه أعظم ممّا في نفسك.
قال:و إن كان(1)أعظم من أحد و حرى،فإنّه(2)ما لم يكن أحد من أهل الشّام[فلا أبالي](3)!!أمّا إذا قتل اللّه طاغيتكم و فرّق جمعكم و صارالأمر في أهله و معدنه،فما نبالي ما قلتم و لا يضرنا ما ادّعيتم.
قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فمن كنت أولى به من نفسه فأنت يا أخي أولى به من نفسه»و عليّ بين يديه في البيت و الحسن و الحسين و عمر بن أم سلمة و أسامة بن زيد،و في البيت فاطمة عليها السّلام و أم أيمن و أبو ذر و المقداد و الزّبير بن العوّام،و ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عضده و أعاد ما قال فيه ثلاثا،ثمّ نصّ بالإمامة على الأئمة تمام الاثني عشر عليهم السّلام ثمّ قال صلوات اللّه عليه:ر.
ص: 57
«لأمّتي(1)إثنا عشر إمام ضلالة،كلّهم ضالّ مضلّ:عشرة من بني أميّة،و رجلان من قريش،وزر جميع الاثني عشر و ما أضلوا في أعناقهما،ثمّ سمّاهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سمّى العشرة معهما».
قال:فسمّهم لنا:قال:فلان و فلان و فلان،و صاحب السلسلة و ابنه من آل أبي سفيان،و سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص،أوّلهم مروان.
قال معاوية:لئن كان ما قلت حقّا لقد هلكت،و هلكت الثلاثة قبلي و جميع من تولاهم من هذه الأمّة،و لقد هلك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المهاجرين و الأنصار و التابعين غيركم(2)أهل البيت و شيعتكم.
قال ابن جعفر:فإنّ الذي قلت و اللّه حقّ سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال معاوية-للحسن و الحسين و ابن عبّاس-:ما يقول ابن جعفر؟(3).
قال ابن عبّاس-و معاوية بالمدينة أوّل سنة اجتمع عليه النّاس بعدقتل علي عليه السّلام-:أرسل إلى الذين سمّى(4)،فأرسل إلى عمر بن أم سلمة..
ص: 58
و أسامة،فشهدوا جميعا أنّ الذي قال ابن جعفر حقّ،قد سمعوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما سمعه.
ثمّ أقبل معاوية إلى الحسن و الحسين و ابن عبّاس و الفضل و ابن أم سلمة و أسامة.
فقال:كلّكم على ما قال ابن جعفر؟
قالوا:نعم.
قال معاوية:فانّكم يا بني عبد المطّلب لتدّعون أمرا،و تحتجون بحجّة قويّة إن كانت حقّا،و إنّكم لتصبرون(1)على أمر و تسترونه و النّاس في غفلة و عمى،و لئن كان ما تقولونه حقّا لقد هلكت الأمّة،و رجعت عن دينها.و كفرت بربها،و جحدت نبيّها،إلاّ أنتم أهل البيت و من قال بقولكم،و أولئك قليل في النّاس.
فأقبل ابن عبّاس على معاوية فقال:قال اللّه تعالى:«وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبََادِيَ اَلشَّكُورُ»(2)،و قال:«وَ قَلِيلٌ مََا هُمْ»(3).
و ما تعجب مني يا معاوية اعجب من بني إسرائيل:إنّ السّحرة قالوالفرعون:«فَاقْضِ مََا أَنْتَ قََاضٍ»(4)فآمنوا بموسى و صدّقوه،ثمّ سار بهم2.
ص: 59
و من اتّبعهم من بني إسرائيل فأقطعهم البحر،و أراهم العجائب،و هم مصدقون بموسى و بالتوراة يقرّون له بدينه،ثمّ مرّوا بأصنام تعبد فقالوا:«يََا مُوسَى اِجْعَلْ لَنََا إِلََهاً كَمََا لَهُمْ آلِهَةٌ قََالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»(1)و عكفواعلى العجل جميعا غير هارون فقالوا:«هََذََا إِلََهُكُمْ وَ إِلََهُ مُوسى ََ»(2)و قال لهم موسى-بعد ذلك-:«اُدْخُلُوا اَلْأَرْضَ اَلْمُقَدَّسَةَ»(3)فكان من جوابهم ما قصّ اللّه عزّ و جلّ عليهم فقال موسى عليه السّلام:«رَبِّ إِنِّي لاََ أَمْلِكُ إِلاََّنَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنََا وَ بَيْنَ اَلْقَوْمِ اَلْفََاسِقِينَ»(4).
فما اتباع هذه الأمّة رجالا سوّدوهم و أطاعوهم،لهم سوابق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و منازل قريبة منه،و أصهار مقرّين بدين محمّدصلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بالقرآن،حملهم الكبر و الحسد أن خالفوا إمامهم و وليهم،بأعجب من قوم صاغوا من حليهم عجلا ثمّ عكفوا عليه(5)يعبدونه،و يسجدون له،و يزعمون أنّه ربّ العالمين،و اجتمعوا على ذلك كلّهم غير هارون وحده،و قد بقي مع صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلةهارون من موسى من أهل بيته ناس:[منهم](6)سلمان و أبو ذر و المقداد».
ص: 60
و الزّبير،ثمّ رجع الزّبير و ثبت هؤلاء الثلاثة مع إمامهم حتّى لقوا اللّه.
و تعجب يا معاوية أن سمّى اللّه من الأئمة واحدا بعد واحد،و قد نص عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(بغدير خمّ)و في غير موطن،و احتجّ بهم عليهم،و أمرهم بطاعتهم،و أخبر أنّ أوّلهم علي بن أبي طالب وليّ كلّ مؤمن و مؤمنة من بعده،و أنّه خليفته فيهم و وصيه و قد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جيشا يوم مؤتة فقال:عليكم بجعفر،فان هلك فزيد،فإن هلك فعبد اللّه بن رواحة،فقتلوا جميعا،أفتراه يترك الأمّة و لم يبيّن لهم من الخليفة بعده،ليختاروا هم لأنفسهم الخليفة،كأنّ رأيهم لأنفسهم أهدى لهم و أرشد من رأيه و اختياره؟و ما ركب القوم ما ركبوا إلاّ بعد ما بيّنه،و ماتركهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عمى و لا شبهة.
فأمّا ما قال الرهط الأربعة الذين تظاهروا على علي عليه السّلام و كذبواعلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و زعموا أنّه قال:إن اللّه لم يكن ليجمع(1)لنا أهل البيت،النبوّة و الخلافة فقد شبّهوا على النّاس بشهادتهم و كذبهم و مكرهم.
قال معاوية:ما تقول يا حسن؟
قال:يا معاوية!قد سمعت ما قلت و ما قال ابن عبّاس،العجب منك يامعاوية و من قلّة حيائك،و من جرأتك على اللّه حين قلت:«قد قتل اللّه طاغيتكم،ورد الأمر إلى معدنه»فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا؟!ويل..
ص: 61
لك يا معاوية و للثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس،و سنّوا لك هذه السنّة،لأقولنّ كلاما ما أنت أهله،و لكنّي أقول ليسمعه بنوا أبي هؤلاءحولي:
إنّ النّاس قد اجتمعوا على أمور كثيرة ليس بينهم اختلاف فيها،و لا تنازع و لا فرقة،على:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا رسول اللّه و عبده،و الصلوات الخمس،و الزّكاة المفروضة،و صوم شهر رمضان،و حجّ البيت،ثمّ أشياء كثيرة من طاعة اللّه عزّ و جلّ لا تحصى و لا يعدّها إلاّاللّه،و اجتمعوا على تحريم الزّنا[و شرب الخمر](1)،و السّرقة،و الكذب،و القطيعة،و الخيانة،و أشياء كثيرة من معاصي اللّه لا تحصى و لا يعدّها إلاّاللّه.
و اختلفوا في سنن اقتتلوا فيها و صاروا فرقا يلعن بعضهم بعضا،و هي:«الولاية»و يتبرّأ بعضهم من بعض،و يقتل بعضهم بعضا،أيّهم أحقّ و أولى بها،إلاّ فرقة تتبع كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فمن أخذبما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف،و ردّ علم ما اختلفوا فيه إلى اللّه،سلم و نجا به من النّار و دخل الجنّة،و من وفّقه اللّه و منّ عليه و احتج عليه بأن نوّر قلبه بمعرفة ولاة الأمر من أئمتهم و معدن العلم أين هو،فهوعند اللّه سعيد و للّه ولي و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«رحم اللّه امرءا علم حقّا فقال فغنم أو سكت فسلم».».
ص: 62
نحن نقول أهل البيت:إنّ الأئمة منّا،و إنّ الخلافة لا تصلح إلاّفينا(1)،و إنّ اللّه تبارك و تعالى جعلنا أهلها في كتابه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إنّ العلم فينا و نحن أهله،و هو عندنا مجموع كلّه بحذافيره،و إنّه لا يحدث شي ء إلى يوم القيامة حتّى أرش الخدش إلاّ و هو عندنا مكتوب بإملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خط علي عليه السّلام بيده(2).
و زعم قوم أنّهم أولى بذلك منّا حتّى أنت يا ابن هند تدّعي ذلك و تزعم أنّ عمر أرسل إلى أبي[و قال:](3)إنّي أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إليّ بما كتبت من القرآن،فأتاه فقال:تضرب و اللّه عنقي قبل أن يصل إليك.قال:و لم؟
قال:لأنّ اللّه تعالى قال:«وَ اَلرََّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ»(4)إياي عنى و لم يعنك و لا أصحابك،فغضب عمر ثمّ قال:
يا ابن أبي طالب!تحسب أنّ أحدا ليس عنده علم غيرك،من كان7.
ص: 63
يقرأ من القرآن شيئا فليأتني به،فإذا جاء رجل يقرأ شيئا منه فشهد آخركتبه و إلاّ فلم يكتبه(1).
ثمّ قالوا:قد ضاع منه قرآن كثير،بل كذبوا و اللّه بل هو مجموع محفوظ عند أهله.
ثمّ أمر عمر قضاته و ولاته:اجتهدوا آراءكم و اقضوا بما ترون أنّه الحقّ،فلا يزال هو و بعض ولاته قد وقعوا في عظيمة،فيخرجهم منها أبي ليحتج عليهم بها،فتجمّع القضاة عند خليفتهم و قد حكموا في شي ءواحد بقضايا مختلفة فأجاز لهم،لأنّ اللّه تعالى لم يؤته الحكمة و فصل الخطاب،و زعم كل صنف من مخالفينا من أهل هذه القبلة أنّهم معدن(2)الخلافة و العلم دوننا،فنستعين باللّه على من ظلمنا و جحدنا حقّنا و ركب رقابنا و سنّ للنّاس علينا ما يحتج به مثلك،و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.
إنّما النّاس ثلاثة:مؤمن يعرف حقّنا و يسلم لنا و يأتم بنا،فذلك ناج محبّ للّه ولي.
و ناصب لنا العداوة يتبرّأ منّا ويلعننا،و يستحل دماءنا و يجحد حقّنا،و يدين اللّه بالبراءة منّا،فهذا كافر مشرك فاسق،و إنّما كفر و أشرك من حيث لا يعلم كما يسبّوا اللّه عدوا بغير علم،كذلك يشرك باللّه بغير علم...
ص: 64
و رجل أخذ بما لا يختلف فيه،و ردّ علم ما أشكل عليه إلى اللّه،مع ولايتنا و لا يأتم بنا و لا يعادينا و لا يعرف حقّنا،فنحن نرجو أن يغفر اللّه له،و يدخله الجنّة،فهذا مسلم ضعيف.
فلمّا سمع معاوية أمر لكلّ واحد منهم بمائة ألف درهم،غير الحسن و الحسين و ابن جعفر،فانّه أمر لكلّ واحد منهم بألف ألف درهم(1).9.
ص: 65
احتجاجه عليه السّلام على من أنكر عليه مصالحة معاويةو نسبه إلى التقصير في طلب حقّه عن سليم بن قيس،قال:لمّا قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسّلام على المنبر حين اجتمع مع معاوية،فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
أيّها النّاس إنّ معاوية زعم أنّي رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لهاأهلا و كذب معاوية،أنا أولى النّاس بالنّاس في كتاب اللّه و على لسان نبي اللّه،فأقسم باللّه لو أنّ النّاس بايعوني و أطاعوني و نصروني،لأعطتهم السّماء قطرها و الأرض بركتها،و لما طمعت فيها يا معاوية(1)،و قدقال(2)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ما ولّت أمّة أمرها رجلا قطّ و فيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ملّة عبدةالعجل»(3).
و قد ترك بنو إسرائيل هارون و اعتكفوا على العجل و هم يعلمون أنّ هارون خليفة موسى،و قد تركت الأمّة عليّا عليه السّلام و قد سمعوا رسول اللّه
ص: 66
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول لعليّ:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى غيرالنبوّة فلا نبي بعدي»و قد هرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قومه و هويدعوهم إلى اللّه حتّى فرّ إلى الغار،و لو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم،و لو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية.
و قد جعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه،و لم يجد عليهم أعوانا،و قد جعل اللّه النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سعة حين فرّمن قومه لمّا لم يجد أعوانا عليهم و كذلك أنا و أبي في سعة من اللّه حين تركتنا الأمّة و بايعت غيرنا و لم نجد أعوانا،و إنّما هي السّنن و الأمثال يتّبع بعضها بعضا.
أيّها النّاس!إنّكم لو ألتمستم فيما بين المشرق و المغرب لم تجدوارجلا من ولد نبيّ(1)غيري و غير أخي(2).
و عن حنان بن سدير عن أبيه سدير بن حكيم عن أبيه عن أبي سعيدعقيصي قال:لمّا صالح الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام معاوية بن
ص: 67
أبي سفيان دخل عليه النّاس فلامه بعضهم على بيعته فقال عليه السّلام:
و يحكم ما تدرون ما عملت،و اللّه للذي عملت لشيعتي خير ممّاطلعت عليه الشّمس أو غربت،ألا تعلمون أنّي إمامكم،و مفترض الطّاعةعليكم،و أحد سيديّ شباب أهل الجنّة بنص من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ؟
قالوا:بلى.
قال:أمّا علمتم أنّ الخضر لمّا خرق السّفينة،و أقام الجدار،و قتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران عليه السّلام إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك،و كان ذلك عند اللّه تعالى ذكره حكمة و صوابا؟أمّاعلمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم-عجّل اللّه فرجه-؟الذي يصلّي خلفه روح اللّه عيسى بن مريم عليهما السّلام،فإنّ اللّه عزّو جلّ يخفي ولادته و يغيّب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج،ذاك التّاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الاماء،يطيل اللّه عمره في غيبته ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة،ذلك ليعلم أنّ اللّه على كلّ شي ء قدير(1).9.
ص: 68
و عن زيد بن وهب الجهنيّ،قال:لمّا طعن الحسن بن علي عليهما السّلام بالمدائن أتيته و هو متوجّع،فقلت:ما ترى يا ابن رسول اللّه فإنّ النّاس متحيّرون؟
فقال:أرى و اللّه أنّ معاوية خير لي من هؤلاء،يزعمون أنهم لي شيعةابتغوا قتلي و انتهبوا ثقلي(1)و أخذوا مالي،و اللّه لئن آخذ من معاوية عهداأحقن به دمي و آمن(2)به في أهلي،خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي و أهلي،و اللّه لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلما.
فو اللّه لئن أسالمه و أنا عزيز خير من أن يقتلني و أنا أسير،أو يمنّ عليّ فيكون سبّة(3)على بني هاشم إلى آخر الدّهر و لمعاوية لا يزال يمنّ بها و عقبه على الحيّ منّا و الميت.
قال:قلت:تترك يا ابن رسول اللّه شيعتك كالغنم ليس لها راع؟
قال:و ما أصنع يا أخا جهينة؟إنّي و اللّه أعلم بأمر قد أدّي به إليّ عن
ص: 69
ثقاته إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لي-ذات يوم و قد رآني فرحا(1)-:ياحسن أتفرح كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟!أم كيف بك إذا ولي هذا الأمربنو أميّة،و أميرها الرحب البلعوم(2)،الواسع الأعفاج(3)،يأكل و لايشبع،يموت و ليس له في السّماء ناصر و لا في الأرض عاذر،ثمّ يستولي على غربها و شرقها،يدين له العباد و يطول ملكه،يستنّ بسنن(4)البدع و الضّلال،و يميت الحقّ و سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
يقسّم المال في أهل ولايته،و يمنعه من هو أحقّ به،و يذلّ في ملكه المؤمن،و يقوى في سلطانه الفاسق،و يجعل المال بين أنصاره دولا،و يتّخذ عباد اللّه خولا.
يدرس في سلطانه الحقّ،و يظهر الباطل،و يلعن الصالحون،و يقتل من ناواه على الحقّ،و يدين من والاه على الباطل.
فكذلك حتّى يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان و كلب من الدّهر(5)و جهل من النّاس،يؤيده اللّه بملائكته و يعصم أنصاره و ينصره بآياته،و يظهره على أهل الأرض حتّى يدينوا طوعا و كرها،يملأ الأرض قسطا5.
ص: 70
و عدلا و نورا و برهانا،يدين له عرض البلاد و طولها،لا يبقى كافر إلاّ آمن به و لا طالح إلاّ صلح،و تصطلح في ملكه السّباع،و تخرج الأرض نبتها،و تنزل السّماء بركتها،و تظهر له الكنوز،يملك ما بين الخافقين(1)أربعين عاما(2)،فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه(3).
و عن الأعمش،عن سالم بن أبي الجعد،قال:حدّثني رجل منّا قال:أتيت الحسن بن علي عليهما السّلام فقلت:يا ابن رسول اللّه!أذللت رقابنا،و جعلتنا معشر الشّيعة عبيدا،ما بقي معك رجل.
قال:وممّ ذاك؟قال:قلت:بتسليمك الأمر لهذا الطّاغية.
قال:و اللّه ما سلّمت الأمر إليه إلاّ أنّي لم أجد أنصارا،و لو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي و نهاري حتّى يحكم اللّه بيني و بينه،و لكنّي عرفت أهل
ص: 71
الكوفة و بلوتهم،و لا يصلح لي منهم ما كان(1)فاسدا،إنّهم لا وفاء لهم و لاذمّة في قول و لا فعل،إنّهم لمختلفون،و يقولون لنا:إنّ قلوبهم معنا و إنّ سيوفهم لمشهورة علينا.
قال:و هو يكلّمني إذ تنخع(2)الدم،فدعا بطست فحمل من بين يديه ملآنا ممّا خرج من جوفه من الدم.
فقلت له:ما هذا يا ابن رسول اللّه إنّي لأراك وجعا؟
قال:أجل دسّ إليّ هذا الطّاغية من سقاني سمّا فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعا كما ترى.
قلت:أ فلا تتداوى؟(3)
قال:قد سقاني مرّتين و هذه الثالثة لا أجد لها دواء.
و لقد رقى إليّ أنّه كتب إلى ملك الرّوم يسأله أن يوجّه إليه من السّمّ القتّال شربة،فكتب إليه ملك الرّوم:إنّه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا.
فكتب إليه:إنّ هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة،و قد خرج يطلب ملك أبيه،و أنا أريد أن أدسّ إليه(4)من يسقيه ذلك فاريح العبادو البلاد منه،و وجّه إليه بهدايا و ألطاف فوجّه إليه ملك الرّوم بهذه الشّربة..
ص: 72
التي دسّ بها إليّ فسقيتها و اشترط عليه في ذلك شروطا(1).
و روي أنّ معاوية دفع السّم إلى امرأة الحسن بن علي عليهما السّلام جعدةبنت الأشعث و قال لها:«اسقيه فإذا مات هو زوّجتك بابني(2)يزيد»فلمّاسقته السّم و مات عليه السّلام جاءت الملعونة إلى معاوية المعلون فقالت:
«زوّجني يزيد»،فقال:«اذهبي فإنّ امرأة لا تصلح(3)للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد»(4).
ص: 73
ص: 74
ص: 75
ص: 76
روي أنّ عمر بن الخطّاب كان يخطب النّاس على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فذكر في خطبته أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فقال له الحسين عليه السّلام-من ناحية المسجد-:
إنزل أيّها الكذّاب عن منبر أبي رسول اللّه لا منبر أبيك!
فقال له عمر:فمنبر أبيك يا حسين لعمري لا منبر أبي،من علّمك هذا أبوك علي بن أبي طالب؟
فقال له الحسين عليه السّلام:إن اطع أبي فيما أمرني فلعمري إنّه لهادو أنا مهتد به،و له في رقاب النّاس البيعة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل بها جبرئيل من عند اللّه تعالى لا ينكرها إلاّ جاحد بالكتاب،قدعرفها النّاس بقلوبهم و أنكروها بألسنتهم و ويل للمنكرين حقّنا أهل البيت،ما ذا يلقاهم به محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من إدامة الغضب و شدّة العذاب!!
ص: 77
فقال له عمر:يا حسين!من أنكر حقّ أبيك فعليه لعنة اللّه،أمّرناالنّاس فتأمّرنا و لو أمّروا أباك لأطعنا.
فقال له الحسين:يا ابن الخطّاب!فأي النّاس أمّرك على نفسه قبل أن تؤمر أبا بكر على نفسك ليؤمّرك على النّاس بلا حجّة من نبي و لا رضى من آل محمّد،فرضاكم كان لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رضى؟أو رضا أهله كان له سخطا؟!أما و اللّه لو أنّ للّسان مقالا يطول تصديقه و فعلا يعينه المؤمنون،لما تخطأت رقاب آل محمّد،ترقى منبرهم،و صرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم لا تعرف معجمه،و لا تدري تأويله إلاّ سماع الآذان،المخطى ء و المصيب عندك سواء،فجزاك اللّه جزاك،و سألك عمّاأحدثت سؤالا حفيّا.
قال:فنزل عمر مغضبا،و مشى معه أناس من أصحابه حتّى أتى باب أمير المؤمنين عليه السّلام فاستأذن عليه فأذن له،فدخل فقال:
يا أبا الحسن!ما لقيت اليوم من ابنك الحسين،يجهرنا بالصّوت(1)في مسجد رسول اللّه و يحرّض عليّ الطغام و أهل المدينة.
فقال له الحسن عليه السّلام:على مثل الحسين ابن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يشخب(2)بمن لا حكم له،أو يقول بالطغام(3)على أهل دينه؟أما4.
ص: 78
و اللّه ما نلت إلاّ بالطغام،فلعن اللّه من حرّض الطّغام.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:مهلا يا أبا محمّد فانّك لن تكون قريب الغضب و لا لئيم الحسب،و لا فيك عروق من السّودان،اسمع كلامي و لا تعجل بالكلام.
فقال له عمر:يا أبا الحسن!إنّهما ليهمّان في أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافة.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:هما أقرب نسبا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أن يهمّا،أما فأرضهما يا ابن الخطّاب بحقّهما يرض عنك من بعدهما.قال:و ما رضاهما يا أبا الحسن؟
قال:رضاهما الرجعة عن الخطيئة و التقيّة عن المعصية بالتّوبة.
فقال له عمر:أدّب يا أبا الحسن ابنك أن لا يتعاطى السلاطين الذين هم الحكام(1)في الأرض.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:أنا اؤدب أهل المعاصي على معاصيهم،و من أخاف عليه الزلّة و الهلكة،فأمّا من والده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نحله أدبه فانّه لا ينتقل إلى أدب خير له منه،أما فارضهما يا ابن الخطّاب!
قال:فخرج عمر فاستقبله عثمان بن عفّان،و عبد الرّحمن بن عوف.فقال له عبد الرّحمن:يا أبا حفص!ما صنعت فقد طالت بكما الحجّة؟..
ص: 79
فقال له عمر:و هل حجّة مع ابن أبي طالب و شبليه؟!
فقال له عثمان:يا ابن الخطّاب!هم بنو عبد مناف،الأسمنون و النّاس عجاف.
فقال له عمر:ما اعد(1)ما صرت اليه فخرا فخرت به بحمقك،فقبض عثمان على مجامع ثيابه ثمّ جذبه وردّه،ثم قال له:يا ابن الخطّاب!كأنّك تنكر ماأقول،فدخل بينهما عبد الرّحمن بن عوف و فرّق بينهما و افترق القوم(2).
عن سليم بن قيس،قال:قدم معاوية بن أبي سفيان حاجّا في خلافته فاستقبله أهل المدينة،فنظر فإذا الذين استقبلوه ما فيهم أحد من قريش،فلمّا نزل قال:ما فعلت الأنصار و ما بالها لم تستقبلني؟
ص: 80
فقيل له:إنّهم محتاجون ليس لهم دواب.
فقال معاوية:فأين نواضحهم؟(1)
فقال قيس بن سعد بن عبادة-و كان سيّد الأنصار و ابن سيّدها-:أفنوها يوم بدر و أحد و ما بعدهما من مشاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،حين ضربوك و أباك على الإسلام حتّى ظهر أمر اللّه و أنتم له كارهون،فسكت معاوية،فقال قيس:أمّا إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عهد إلينا أنّاسنلقى بعده أثرة(2).
فقال معاوية:فما أمركم به؟فقال:أمرنا أن نصبر حتّى نلقاه.
قال:فاصبروا حتّى تلقوه!ثمّ إنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش فلمّا رأوه قاموا غير عبد اللّه بن عبّاس فقال له:
يا ابن عبّاس!ما منعك من القيام كما قام أصحابك،إلاّ لموجدة(3)أنّي قاتلتكم بصفين(4)،فلا تجد من ذلك يا ابن عبّاس!فإن ابن عمي عثمان قد قتل مظلوما!ن.
ص: 81
قال ابن عبّاس:فعمر بن الخطّاب قد قتل مظلوما؟قال:إنّ عمر قتله كافر.
قال ابن عبّاس:فمن قتل عثمان؟قال:قتله المسلمون.
قال:فذاك أدحض لحجّتك.
قال:فإنّا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ و أهل بيته،فكفّ لسانك.فقال:يا معاوية!أتنهانا عن قراءة القرآن؟!قال:لا.
قال:افتنهانا عن تأويله؟!قال:نعم.
قال:فنقرؤه و لا نسأل عمّا عنى اللّه به؟ثمّ قال:فأيهما أوجب عليناقراءته أو العمل به؟قال:العمل به.
قال:فكيف نعمل به و لا نعلم ما عنى اللّه[به](1)؟!قال:سل عن ذلك من يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت و أهل بيتك.
قال:إنّما أنزل اللّه القرآن على أهل بيتي أفأسأل(2)عنه آل أبي سفيان؟!يا معاوية!أتنهانا أن نعبد اللّه بالقرآن بما فيه من حلال و حرام؟!فان لم تسأل الأمّة عن ذلك حتّى تعلم تهلك و تختلف.
قال:اقرؤا القرآن و تأوّلوه و لا ترووا شيئا ممّا أنزل اللّه فيكم،و ارووا ما سوى ذلك.
قال:فإنّ اللّه يقول في القرآن:«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اَللََّهِ بِأَفْوََاهِهِمْ..
ص: 82
وَ يَأْبَى اَللََّهُ إِلاََّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكََافِرُونَ»(1).
قال:يا ابن عبّاس إربع(2)على نفسك و كفّ لسانك،و إن كنت لا بدّفاعلا فليكن ذلك سرّا لا تسمعه أحد علانية ثمّ رجع إلى بيته فبعث إليه بمائة ألف درهم(3).
[علل اشتهار الأحاديث الباطلة و متروكيةالأحاديث الحقّة](4)
و نادى منادي معاوية:أن قد برئت الذمّة ممّن يروي حديثا من مناقب علي و فضل أهل بيته،و كان أشد النّاس بلية أهل الكوفة،لكثرة من بها من الشّيعة،فاستعمل زياد ابن أبيه و ضمّ إليه العراقين:الكوفة و البصرة،فجعل يتتبع الشّيعة و هو بهم عارف،يقتلهم تحت كل حجر و مدر،و أخافهم و قطع الأيدي و الأرجل و صلبهم في جذوع النّخل،و سمل(5)أعينهم
ص: 83
و طردهم و شرّدهم،حتّى نفوا عن(1)العراق فلم يبق بها(2)أحد معروف مشهور،فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد.
و كتب معاوية إلى جميع عمّاله في جميع الأمصار:أن لا تجيزوالأحد من شيعة عليّ و أهل بيته شهادة،و انظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبّيه و محبّي أهل بيته و أهل ولايته،و الذين يروون فضله و مناقبه فأدنوامجالسهم و قرّبوهم و أكرموهم،و اكتبوا من يروي من مناقبه باسمه(3)و اسم أبيه و قبيلته،ففعلوا،حتّى كثرت الرواية في عثمان،و افتعلوها لماكان يبعث إليهم من الصّلات و الخلع و القطايع من العرب و الموالي،فكثر ذلك في كل مصر،و تنافسوا في الأموال و الدنيا،فليس أحد يجي ء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلاّ كتب اسمه و قرب و اجيز،فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.
ثمّ كتب إلى عمّاله:إنّ الحديث في عثمان قد كثر و فشا في كل مصر،فادعوا النّاس إلى الرواية في معاوية و فضله و سوابقه،فانّ ذلك أحب إلينا،و أقرّ لأعيننا،و أدحض لحجّة أهل هذا البيت و أشدّ عليهم،فقرأ كل أمير وقاض كتابه على النّاس،فأخذ النّاس في الروايات في فضائل..
ص: 84
معاوية(1)على المنبر في كل كورة و كل مسجد زورا،و ألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلّموا ذلك صبيانهم،كما يعلّمونهم القرآن حتّى علّموه بناتهم و نساءهم و حشمهم،فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.
و كتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين:إنّهم على دين عليّ و على رأيه فكتب إليه معاوية:اقتل كلّ من كان على دين عليّ و رأيه فقتلهم و مثّل بهم.
و كتب معاوية إلى جميع البلدان:أنظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحب عليّا و أهل بيته فامحوه من الديوان.
و كتب كتابا آخر:انظروا من قبلكم من شيعة عليّ أو اتهمتموه بحبه فاقتلوه و إن لم تقم عليه البيّنة.فقتلوهم على التهمة(2)و الظّنّة و الشّبهة،تحت كلّ حجر،حتّى لو كان الرّجل تسقط منه كلمة ضرب عنقه(3)،حتّى لو كان الرجل يرمى بالزندقة و الكفر كان يكرّم و يعظّم و لا يتعرّض له بمكروه،و الرجل من الشّيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان لا سيّماالكوفة و البصرة،حتّى لو انّ أحدا منهم أراد أن يلقي سرّا إلى من يثق به لأتاه في بيته فيخاف خادمه و مملوكه،فلا يحدّثه إلاّ بعد أن يأخذ عليهه.
ص: 85
الأيمان المغلظة ليكتمنّ عليه،ثمّ لا يزداد الأمر إلاّ شدّة،حتّى كثرت و ظهرت(1)أحاديثهم الكاذبة،و نشأ عليها الصّبيان يتعلّمون ذلك.
و كان أشدّ النّاس في ذلك القرّاء المراءون المتصنّعون الذين يظهرون الخشوع و الورع،فكذبوا و انتحلوا الأحاديث و ولّدوها فيحظون بذلك عند الولاة و القضاة و يدنون مجالسهم،و يصيبون بذلك الأموال و القطايع و المنازل،حتّى صارت أحاديثهم و رواياتهم عندهم حقّاو صدقا،فرووها و قبلوها و تعلّموها و علّموها،و أحبّوا عليها و أبغضوا من ردّها أو شك فيها،فاجتمعت على ذلك جماعتهم،و صارت في أيدي المتنسّكين و المتديّنين منهم الذين لا يستحلّون الإفتعال(2)لمثلها(3)،فقبلوها و هم يرون أنّها حقّ،و لو علموا بطلانها و تيقّنوا أنّها مفتعلةلأعرضوا عن روايتها و لم يتديّنوا بها(4)،و لم يبغضوا من خالفها،فصارالحقّ في ذلك الزمان عندهم باطلا و الباطل حقّا،و الكذب صدقا و الصّدق كذبا.
فلمّا مات الحسن بن علي عليهما السّلام ازداد البلاء و الفتنة،فلم يبق للّه وليّ إلاّ خائف على نفسه،أو مقتول أو طريد أو شريد،فلمّا كان قبل موتا.
ص: 86
معاوية بسنتين حجّ الحسين بن علي عليهما السّلام و عبد اللّه بن جعفر و عبد اللّه ابن عبّاس معه.و قد جمع الحسين بن علي عليهما السّلام بني هاشم رجالهم و نساءهم و مواليهم و شيعتهم،من حجّ منهم و من لم يحج،و من الأنصار(1)ممّن يعرفونه و أهل بيته،ثمّ لم يدع أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من أبنائهم و التابعين،و من الأنصار المعروفين بالصّلاح و النسك إلاّ جمعهم فاجتمع إليه(2)بمنى أكثر من ألف رجل،و الحسين عليه السّلام في سرادقه عامتهم التابعون و أبناء الصحابة،فقام الحسين عليه السّلام فيهم خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
أمّا بعد:فإنّ هذا الطّاغية قد صنع بنا و بشيعتنا ما قد علمتم و رأيتم و شهدتم و بلغكم،و إنّي أريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدّقوني،و إن كذبت فكذّبوني،اسمعوا مقالتي و اكتموا قولي،ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم و قبائلكم و من أمنتموه و وثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون،فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ و يذهب،و اللّه متمّ نوره و لو كره الكافرون.
فما ترك الحسين عليه السّلام شيئا أنزل اللّه فيهم من القرآن إلاّ قاله و فسّره،و لا شيئا قاله الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أبيه و أمّه و أهل بيته إلاّرواه،و في كل ذلك يقول الصحابة:«اللّهم نعم،قد سمعناه و شهدناه»م.
ص: 87
و يقول التّابعون:«اللّهم[نعم](1)قد حدّثناه من نصدّقه و نأتمنه»حتّى لم يترك شيئا إلاّ قاله،ثمّ قال:
أنشدكم باللّه إلاّ رجعتم و حدّثتم به من تثقون به،ثمّ نزل و تفرّق النّاس على ذلك(2).
عن صالح بن كيسان،قال:لمّا قتل معاوية حجر بن عديّ و أصحابه حجّ ذلك العام فلقي الحسين بن علي عليهما السّلام فقال:
يا أبا عبد اللّه!هل بلغك ما صنعنا بحجر و أصحابه و أشياعه و شيعةأبيك؟
فقال عليه السّلام:و ما صنعت بهم؟
قال:قتلناهم،و كفّناهم،و صلّينا عليهم.
فضحك الحسين عليه السّلام،ثم قال:خصمك القوم يا معاوية،لكنّنا لو
ص: 88
قتلنا شيعتك ما كفّناهم و لا صلّينا عليهم و لا قبرناهم،و لقد بلغني وقيعتك(1)في عليّ و قيامك ببغضنا،و اعتراضك بني هاشم بالعيوب،فإذافعلت ذلك فارجع إلى نفسك،ثمّ سلها الحقّ عليها و لها،فان لم تجدهاأعظم عيبا فما أصغر عيبك فيك،فقد ظلمناك يا معاوية فلا توترنّ غيرقوسك(2)،و لا ترمينّ غير غرضك،و لا ترمنا بالعداوة من مكان قريب،فانّك و اللّه لقد أطعت فينا رجلا ما قدم إسلامه،و لا حدث نفاقه،و لا نظرلك فانظر لنفسك أودع-يعني:«عمرو بن العاص»-(3).
و قال عليه السّلام-في جواب كتاب كتب اليه معاوية على طريق الاحتجاج-:أمّا بعد:فقد بلغني كتابك أنّه بلغك(4)عني أمور أنّ بي عنها غنى،و زعمت أنّي راغب فيها،و أنا بغيرها عنك جدير،[و](5)أمّا ما رقى إليك عني،فإنّه إنّما رقاه إليك الملاّقون المشّاءون بالنمائم،المفرّقون بين
ص: 89
الجمع،كذب السّاعون الواشون ما أردت حربك و لا خلافا عليك و أيم اللّه إنّي لأخاف اللّه عزّ ذكره في ترك ذلك،و ما أظنّ اللّه تبارك و تعالى براض عني بتركه و لا عاذري بدون الاعتذار إليه فيك و في أوليائك القاسطين المجلبين حزب الظالمين،بأولياء الشّيطان الرّجيم.
أ لست قاتل حجر بن عديّ أخي كندة و أصحابه الصّالحين المطيعين العابدين،كانوا ينكرون الظلم و يستعظمون المنكر و البدع،و يؤثرون حكم الكتاب،و لا يخافون في اللّه لومة لائم،فقتلتهم ظلما و عدوانا من بعدما كنت أعطيتهم[الأمان و](1)الأيمان المغلظة و المواثيق المؤكّدة.لاتأخذهم بحدث كان بينك و بينهم،و لا بإحنة(2)تجدها في صدرك عليهم.
أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفرت لونه،و نحلت جسمه،بعد أن أمنته و أعطيته من عهود اللّه عزّ و جلّ و ميثاقه ما لو أعطيته العصم(3)ففهمته لنزلت إليك من شعف الجبال(4)،ثمّ قتلته جرأة على اللّه عزّ و جلّ و استخفافا بذلك العهد؟7.
ص: 90
أو لست المدعي زياد بن سميّة،المولود على فراش عبيد:عبدثقيف،فزعمت أنّه ابن أبيك،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«الولدللفراش و للعاهر الحجر»فتركت سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اتّبعت هواك بغير هدى من اللّه،ثمّ سلّطته على أهل العراق فقطع أيدي المسلمين و أرجلهم و سمل أعينهم،و صلبهم على جذوع النّخل كأنّك لست من هذه الأمّة،و ليسوا منك؟
أو لست صاحب الحضرميّين الذين كتب إليك فيهم ابن سميّة أنّهم على دين عليّ و رأيه،فكتبت إليه:اقتل كلّ من كان على دين عليّ و رأيه،فقتلهم و مثّل بهم بأمرك،و دين عليّ و اللّه و ابن عليّ الذي كان يضرب عليه أباك،و هو أجلسك مجلسك الذي أنت فيه و لو لا ذلك لكان أفضل شرفك و شرف أبيك تجشم الرّحلتين اللّتين بنا منّ اللّه عليكم فوضعهما عنكم؟
و قلت فيما تقول:انظر لنفسك و لدينك و لأمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و اتّق شقّ عصا هذه الأمّة و أن تردهم في فتنة.فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها،و لا أعلم نظرا لنفسي و ولدي و أمّة جدّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من جهادك،فان فعلته فهو قربة إلى اللّه عزّ و جلّ،و إن تركته فأستغفر اللّه لذنبي و أسأله توفيقي لإرشاد أموري.
و قلت فيما تقول:إن انكرك تنكرني،و إن أكدك تكدني،و هل رأيك إلاّ كيد الصالحين منذ خلقت؟فكدني ما بدالك إن شئت فانّي أرجو أن لايضرّني كيدك،و أن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك،على أنّك تكيدفتوقظ عدوك،و توبق نفسك،كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم و مثّلت بهم بعد
ص: 91
الصلح و الإيمان و العهد و الميثاق فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلاّلذكرهم فضلنا،و تعظيمهم حقّنا بما به شرفت و عرفت،مخافة أمر لعلّك لولم تقتلهم مت(1)قبل أن يفعلوا،أو ماتوا قبل أن يدركوا.
أبشر يا معاوية بالقصاص،و استعدّ للحساب،و اعلم أنّ للّه عزّ و جلّ كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلاّ أحصاها،و ليس اللّه تبارك و تعالى بناس أخذك بالظّنّة،و قتلك أولياءه بالتّهمة،و نفيك إيّاهم من دار الهجرةإلى الغربة و الوحشة،و أخذك النّاس ببيعة ابنك غلام من الغلمان،يشرب الشّراب،و يلعب بالكعاب(2)،لا اعلمك إلاّ قد خسرت نفسك و شريت دينك و غششت رعيّتك،و خنت أمانتك(3)،و سمعت مقالة السّفيه الجاهل و أخفت التقي الورع الحليم(4).
قال:فلمّا قرأ معاوية كتاب الحسين عليه السّلام قال:لقد كان في نفسه ضبّ(5)عليّ،ما كنت أشعر به...
ص: 92
فقال له ابنه يزيد،و عبد اللّه بن أبي عمر بن حفص(1):أجبه جواباشديدا تصغر إليه نفسه،و تذكر أباه بأسوأ فعله و آثاره.
فقال:كلاّ أرأيتما لو انّي أردت أن أعيب عليّا محقّا ما عسيت أن أقول،إنّ مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل و ما لا يعرف النّاس،و متى عبت رجلا بما لا يعرف النّاس لم يحفل به صاحبه و لم يره شيئا،و ماعسيت أن أعيب حسينا و ما أرى للعيب فيه موضعا،إلاّ إنّي قد أردت أن أكتب إليه و أتوعّده و أهدده و أجهله ثمّ رأيت أن لا أفعل.
قال:فما كتب إليه بشي ء يسوؤه،و لا قطع عنه شيئا كان يصله به،كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم سوى عروض و هدايا من كل ضرب(2)(3).4.
ص: 93
عن موسى بن عقبة،أنّه قال:لقد قيل لمعاوية:إنّ النّاس قد رموابأبصارهم(1)إلى الحسين عليه السّلام فلو قد أمرته يصعد المنبر فيخطب(2)فانّ فيه حصرا و في لسانه كلالة.
فقال لهم معاوية:قد ظنّنا ذلك بالحسن،فلم يزل حتّى عظم في أعين النّاس و فضحنا،فلم يزالوا به حتّى قال للحسين:يا ابا عبد اللّه!لو صعدت المنبر فخطبت.
فصعد الحسين عليه السّلام المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،و صلّى على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسمع رجلا يقول:من هذا الذي يخطب؟
فقال الحسين عليه السّلام:نحن حزب اللّه الغالبون،و عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأقربون،و أهل بيته الطيّبون،و أحد الثقلين اللّذين جعلنارسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثاني كتاب اللّه تبارك و تعالى،الذي فيه تفصيل
ص: 94
كلّ شي ء،لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،و المعوّل علينا في تفسيره،لا يبطئنا تأويله،بل نتّبع حقايقه.
فأطيعونا فانّ طاعتنا مفروضة،إذ كانت بطاعة اللّه و رسوله مقرونة.قال اللّه عزّ و جلّ:«أَطِيعُوا اَللََّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنََازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللََّهِ وَ اَلرَّسُولِ»(1)،و قال:«وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى اَلرَّسُولِ وَ إِلى ََ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اَلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لاََ فَضْلُ اَللََّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ اَلشَّيْطََانَ إِلاََّ قَلِيلاً»(2).
و أحذّركم الإصغاء إلى هتوف(3)الشّيطان بكم فإنّه لكم عدو مبين،فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم:«لاََ غََالِبَ لَكُمُ اَلْيَوْمَ مِنَ اَلنََّاسِ وَ إِنِّي جََارٌلَكُمْ فَلَمََّا تَرََاءَتِ اَلْفِئَتََانِ نَكَصَ عَلى ََ عَقِبَيْهِ وَ قََالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ»(4)فتلقون للسّيوف ضربا و للرّماح وردا و للعمد حطما و للسّهام غرضا،ثمّ لايقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.
قال معاوية:حسبك يا أبا عبد اللّه فقد أبلغت(5).5.
ص: 95
و عن محمّد بن السّايب أنّه قال:قال مروان بن الحكم يوما للحسين بن علي عليهما السّلام:لولا فخركم بفاطمة بم كنتم تفتخرون علينا؟
فوثب الحسين عليه السّلام-و كان عليه السّلام شديد القبضة-فقبض على حلقه فعصره،و لوّى عمامته على عنقه حتّى غشي عليه،ثمّ تركه و أقبل الحسين عليه السّلام على جماعة من قريش فقال:
أنشدكم باللّه الاّ صدّقتموني إن صدقت،أتعلمون أنّ في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مني و من أخي؟أو على ظهر الأرض ابن بنت نبيّ غيري و غير أخي؟قالوا:اللّهم لا.
قال:و إنّي لا أعلم أنّ في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا و أبيه.طريدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1)،و اللّه ما بين(جابرس و جابلق)(2)
ص: 96
أحدهما بباب المشرق و الآخر بباب المغرب رجلان ممّن ينتحل الإسلام أعدى للّه و لرسوله و لأهل بيته منك و من أبيك إذ كان و علامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك(1).
قال:فو اللّه ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب فانتفض و سقطرداؤه عن عاتقه(2).
استصر ختمونا ولهين،فأصرخناكم موجفين،فشحذتم(1)علينا سيفاكان في أيدينا،و حششتم(2)علينا نارا أضرمناها على عدوّكم و عدوّنا،فأصبحتم إلبا(3)على أوليائكم،ويدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم،و لا أمل أصبح لكم فيهم،و لا ذنب كان منّا إليكم.
فهلاّ،لكم الويلات إذ كرهتمونا و السّيف مشيّم(4)،و الجأش(5)طامن،و الرأي لم يستحصف(6)و لكنّكم إستسرعتم(7)إلى بيعتنا كطيرةالدّبا(8)،و تهافتّم إليها كتهافت الفراش،ثمّ نقضتموها سفها و ضلّة،فبعدا و سحقا(9)لطواغيت هذه الأمّة!و بقية الأحزاب و نبذة الكتاب،و مطفئي السّنن،و مؤاخي المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين،و عصاة..
ص: 98
الإمام،و ملحقي العهرة(1)بالنسب،لبئس(2)ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم و في العذاب هم خالدون.
أفهؤلاء تعضدون،و عنّا تتخاذلون!!أجل و اللّه،خذل فيكم معروف،نبتت عليه أصولكم،و تأزرت(3)عليه عروقكم،فكنتم أخبث[ثمر](4)شجر للنّاظر،و أكلة للغاصب(5)ألا لعنة اللّه على الظّالمين الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها و قد جعلتم اللّه عليكم كفيلا(6).
ألا و إنّ الدّعيّ(7)ابن الدّعيّ قد تركني بين السّلّة و الذّلّة و هيهات له ذلك مني!هيهات منّا الذّلّة!!أبى اللّه ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجورطهرت و جدود طابت(8)،أن نؤثر(9)طاعة اللّئام على مصارع الكرام،..
ص: 99
ألا و إنّي زاحف(1)بهذه الأسرة على قلّة العدد(2)،و كثرة العدو،و خذلةالنّاصر،ثمّ تمثّل فقال:
فإن نهزم فهزّامون قدما و إن نهزم فغير مهزمينا (3)و ما إن طبّنا جبن و لكن منايانا و دولة آخرينا فلو خلد الملوك إذا خلدنا و لو بقي الكرام إذا بقينا فقل للشّامتين بنا أفيقوا سيلقى الشّامتون كما لقينا(4)(5)8.
ص: 100
و قيل:إنّه لمّا قتل أصحاب الحسين عليه السّلام و أقاربه و بقي[وحيدا](1)فريدا ليس معه إلاّ ابنه علي زين العابدين عليهما السّلام،و ابن آخرفي الرضا ع اسمه عبد اللّه،فتقدّم الحسين عليه السّلام إلى باب الخيمة فقال:
ناولوني ذلك الطفل(2)حتّى أودّعه!فناولوه الصّبيّ،فجعل يقبّله و هويقول:يا بني ويل لهؤلاء القوم إذا كان خصمهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قيل:فإذا بسهم قد أقبل حتّى وقع في لبّة(3)الصّبي فقتله،فنزل الحسين عليه السّلام عن فرسه و حفر للصّبيّ بجفن(4)سيفه و رمّله(5)بدمه و دفنه،ثمّ وثب قائما و هو يقول:
كفر القوم و قدما رغبوا عن ثواب اللّه ربّ الثّقلين قتلوا قدما عليّا و ابنه حسن الخير كريم الطّرفين حنقا منهم و قالوا أجمعوا نفتك(6)الآن جميعا بالحسين
ص: 101
يا لقوم من أناس رذّل جمعوا الجمع لأهل الحرمين ثمّ صاروا و تواصوا كلّهم باجتياحي(1)لرضاء الملحدين لم يخافوا اللّه في سفك دمي لعبيد اللّه نسل الكافرين و ابن سعد قد رماني عنوة بجنود كوكوف الهاطلين(2) لا لشي ء كان مني قبل ذا غير فخري بضياء الفرقدين بعليّ الخير من بعد النّبيّ و النّبيّ القرشيّ الوالدين خيرة اللّه من الخلق أبي ثمّ أمّي فأنا ابن الخيرتين فضّة قد خلصت(3)من ذهب فأنا الفضّة و ابن الذهبين من له جدّ كجدّي في الورى أو كشيخي فأنا ابن القمرين فاطم الزّهراء أمّي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين عروة الدّين عليّ المرتضى هازم(4)الجيش مصلّي القبلتين و له في يوم أحد وقعة شفت الغلّ بقبض العسكرين ثمّ بالأحزاب و الفتح معا كان فيها حتف أهل الفيلقين(5)ن.
ص: 102
في سبيل اللّه ما ذا صنعت أمّة السّوء معا بالعترتين عترة البرّ النّبي(1)المصطفى و عليّ القرم(2)يوم الجحفلين عبد اللّه غلاما يافعا و قريش يعبدون الوثنين و قلى الأوثان لم يسجد لها مع قريش لا و لا طرفة عين طعن الأبطال لمّا برزوا يوم بدر و تبوك و حنين ثمّ تقدّم الحسين عليه السّلام حتّى وقف قبالة القوم و سيفه مصلت في يده آيسا من نفسه،عازما على الموت،و هو يقول:
أنا ابن عليّ الطهر(3)من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخر و جدّي رسول اللّه أكرم من مشى و نحن سراج اللّه في الخلق نزهر(4) و فاطم أمّي من سلالة أحمد و عمّي يدعى ذا الجناحين جعفر و فينا كتاب اللّه أنزل صادقا و فينا الهدى و الوحي بالخير يذكرر.
ص: 103
و نحن أمان اللّه للنّاس كلّهم نطول بهذا في الأنام و نجهر و نحن ولاة الحوض(1)نسقي ولاتنا بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر و شيعتنا في النّاس(2)أكرم شيعة و مبغضنا يوم القيامة يخسر(3)(4) [169]احتجاج فاطمة الصّغرى على أهل الكوفة
عن زيد بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:
خطبت فاطمة الصّغرى عليها السّلام بعد أن ردت من كربلاء فقالت:الحمد للّه عدد الرّمل و الحصى،وزنة العرش إلى الثّرى،أحمده3.
ص: 104
و أو من به و أتوكّل عليه،و أشهد أن لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّ(1)محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أن أولاده ذبحوا بشطّ الفرات من غير ذحل و لا تراث(2).
اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب،و أن أقول خلاف ماأنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،المسلوب حقّه،المقتول من غير ذنب،كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت اللّه،و بها معشر مسلمة بألسنتهم،تعسا لرؤوسهم!ما دفعت عنه ضيما(3)في حياته و لا عند مماته،حتّى قبضته إليك محمود النقيبة،طيّب الضريبة(4)،معروف المناقب،مشهور المذاهب،لم تأخذه فيك لومة لائم،و لا عذل(5)ن.
ص: 105
عاذل،هديته يا رب للإسلام صغيرا،و حمدت مناقبه كبيرا،و لم يزل ناصحا لك و لرسولك صلواتك عليه و آله حتّى قبضته إليك،زاهدا في الدنياغير حريص عليها،راغبا في الآخرة مجاهدا لك في سبيلك،رضيته فاخترته،و هديته إلى صراط مستقيم(1).
أمّا بعد يا أهل الكوفة!يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء،إنّا أهل بيت ابتلانا اللّه بكم،و ابتلاكم بنا،فجعل بلاءنا حسنا،و جعل علمه عندناو فهمه لدينا،فنحن عيبة علمه،و وعاء فهمه و حكمته،و حجّته في الأرض في بلاده لعباده،أكرمنا اللّه بكرامته،و فضّلنا بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على كثير من خلقه تفضيلا،فكذّبتمونا،و كفّرتمونا،و رأيتم قتالنا حلالا،و أموالنا نهبا،كأنّا أولاد(2)الترك أو كابل،كما قتلتم جدّنا بالأمس،و سيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم،قرّت بذلك عيونكم،و فرحت به قلوبكم اجتراءا منكم على اللّه(3)و مكرا مكرتم و اللّه خيرالماكرين،فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل(4)بما أصبتم من دمائناو نالت أيديكم من أموالنا،فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة،و الرزاياالعظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على اللّه يسير لكيلا تأسواعلى ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم و اللّه لا يحبّ كل مختال فخور.ن.
ص: 106
تبّا لكم!فانظروا اللّعنة و العذاب،فكأنّها قد حلّت بكم(1)،و تواترت من السّماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم(2)و يذيق بعضكم بأس بعض،ثمّ تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا،ألا لعنة اللّه على الظالمين.
ويل لكم(3)أتدرون أيّة يد طاعنتنا منكم،و أيّة(4)نفس نزعت إلى قتالنا،أم بأية رجل مشيتم إلينا،تبغون محاربتنا؟!قست قلوبكم،و غلظت أكبادكم،و طبع على أفئدتكم و ختم على سمعكم و بصركم،و سوّل لكم الشّيطان و أملى لكم و جعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.
تبّا لكم يا أهل الكوفة!كم ترات لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبلكم،و ذحول له لديكم ثمّ غدرتم بأخيه عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام جدّي،و بنيه عترة(5)النّبي الطيبين الأخيار و افتخر بذلك مفتخر فقال:
نحن قتلنا عليّا و بني عليّ بسيوف هندية و رماح و سبينا نساءهم(6)سبي ترك و نطحناهم فأيّ نطاح(7)ن.
ص: 107
[فقالت:](1)بفيك أيّها القائل الكثكث(2)و لك الأثلب(3)افتخرت بقتل قوم زكّاهم اللّه و طهّرهم،و أذهب عنهم الرّجس،فاكظم واقع كماأقعى أبوك،و إنّما لكلّ امرى ء ما قدمت يداه،حسدتمونا ويلا لكم على مافضّلنا اللّه.
فما ذنبنا إن جاش دهر بحورنا و بحرك ساج لا يواري الدعا مصا(4)ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور.
قال:فارتفعت الأصوات بالبكاء و قالوا:حبسك يا بنت الطّيبين!فقدأحرقت قلوبنا،و أنضجت نحورنا،و أضرمت أجوافنا،فسكتت عليهاو على أبيها و جدّيها السّلام(5).7.
ص: 108
[170]خطبة زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السّلام بحضرةأهل الكوفة[بعد أن ردّت من كربلاء](1)في ذلك اليوم تقريعا لهم و تأنيبا
عن حذيم بن شريك الأسدي(2)قال:لمّا أتى عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام بالنسوة من كربلاء،و كان مريضا،و اذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب،و الرّجال معهنّ يبكون.
فقال زين العابدين عليه السّلام-بصوت ضئيل(3)و قد نهكته العلّة-:إنّ هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم.فأومت زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام إلى النّاس بالسكوت.
قال حذيم الأسدي:لم أر و اللّه خفرة(4)قطّ أنطق منها،كأنّها تنطق و تفرغ على لسان أمير المؤمنين عليه السّلام،و قد أشارت إلى النّاس بأن أنصتوا فارتدّت الأنفاس و سكنت الأجراس،ثمّ قالت-بعد حمد اللّه تعالى
ص: 109
و الصّلاة على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-:
أمّا بعد يا أهل الكوفة،يا أهل الختل(1)و الغدر و الخذل و المكر،ألافلا رقأت العبرة(2)و لا هدأت الزفرة(3)،إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم،هل فيكم إلاّالصّلف(4)و العجب،و الشنف(5)و الكذب،و ملق الاماء(6)و غمرالأعداء(7)أو كمرعى على دمنة(8)أو كفضة على ملحودة(9)،ألا بئس ماقدّمت لكم أنفسكم أن سخط اللّه عليكم و في العذاب أنتم خالدون.8.
ص: 110
أتبكون أخي؟!أجل و اللّه فابكوا فانّكم و اللّه أحرياء بالبكاء(1)فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا،فقد بليتم بعارها،و منيتم بشنارها و لن ترحضوها أبدا(2)و أنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة،و معدن الرسالة،و سيّد شباب أهل الجنّة،و ملاذ حريمكم(3)،و معاذ حزبكم،و مقر سلمكم،و آسي كلمكم(4)و مفزع نازلتكم،و المرجع إليه عندمقاتلتكم،و مدرة حججكم(5)و منار محجتكم،ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم،و ساء ما تزرون ليوم بعثكم.
فتعسا تعسا!و نكسا نكسا!لقد خاب السّعي،و تبّت الأيدي،و خسرت الصفقة،و بؤتم(6)بغضب من اللّه،و ضربت عليكم الذّلّةو المسكنة.
أتدرون ويلكم أيّ كبد لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرثتم؟!(7)و أيّد-
ص: 111
عهد نكثتم؟!و أيّ كريمة له أبرزتم؟!و أيّ حرمة له هتكتم؟!و أيّ دم له سفكتم؟!لقد جئتم شيئا إدّا(1)تكاد السّموات يتفطّرن منه و تنشق الأرض و تخرّ الجبال هدّا!
لقد جئتم،بها شوهاء(2)،[صلعاء،عنقاء،سوداء،فقماء](3)،خرقاء(4)طلاع الأرض(5)و السّماء(6)،أفعجبتم أن تمطر السّماء(7)دما،و لعذاب الآخرة أخزى و هم لا ينصرون،فلا يستخفّنّكم المهل،فانّه عزّو جلّ لا يخفره البدار(8)و لا يخشى عليه فوت الثار كلاّ إنّ ربّك لنا و لهم لبالمرصاد،ثمّ أنشأت تقول عليها السّلام:
ق-فرثتم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».الفرث:تفتيت الكبد بالغم و الأذى-النهاية3/422،و مجمع البحرين.و في«ج»و بحار الأنوار و مثير الأحزان:فريتم...ر.
ص: 112
ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ما ذا صنعتم(1)و أنتم آخر الأمم بأهل بيتي و أولادي و تكرمتي(2) منهم أسارى و منهم ضرّجوا بدم ما كان ذاك جزائي(3)إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي إنّي لأخشى عليكم أن يحلّ بكم مثل العذاب الذي أودى(4)على إرم ثمّ ولّت عنهم.
قال حذيم:فرأيت النّاس حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم،فالتفتّ إلى شيخ إلى جانبي(5)يبكي و قد اخضلّت لحيته بالبكاء،و يده مرفوعة إلى السّماء،و هو يقول:بأبي و أمّي كهولكم خير الكهول،و نساؤكم خير النّساء،و شبابكم خير الشباب،و نسلكم نسل كريم،و فضلكم فضل عظيم(6)،ثمّ أنشد:،-
ص: 113
كهولكم خير الكهول و نسلكم إذا عدّ نسل لا يبور و لا يخزى(1)فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:يا عمّة!اسكتي ففي الباقي عن الماضي اعتبار،و أنت بحمد اللّه عالمة غير معلّمة،فهمة غير مفهّمة،إنّ البكاء و الحنين لا يردّان من قد أباده الدّهر،فسكتت.ثم نزل عليه السّلام و ضرب فسطاطه،و أنزل نساءه و دخل الفسطاط(2).
ق-و نسلهم نسل كريم،و فضلهم فضل عظيم.3.
ص: 114
ص: 115
ص: 116
قال حذيم بن شريك الأسدي:خرج زين العابدين عليه السّلام إلى النّاس و أومى إليهم أن اسكتوا فسكتوا،و هو قائم،فحمد اللّه و أثنى عليه،و صلّى على نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ثم قال:
أيّها النّاس!من عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني فأنا عليّ بن الحسين المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل و لا ترات،أنا ابن من انتهك حريمه،و سلب نعيمه،و انتهب ماله،و سبي عياله،أنا ابن من قتل صبرا(1)،فكفى بذلك فخرا.
ص: 117
أيّها النّاس!ناشدتكم باللّه هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي و خدعتموه؟و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة؟و قاتلتموه(1)و خذلتموه؟فتبّا لكم ما قدّمتم لأنفسكم و سوأة لرأيكم(2)،بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،إذ يقول لكم قتلتم عترتي،و انتهكتم حرمتي،فلستم من أمّتي؟
قال:فارتفعت أصوات النّاس بالبكاء،و يدعو بعضهم بعضا:هلكتم و ما تعلمون.
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:رحم اللّه امرءا قبل نصيحتي،و حفظ وصيتي في اللّه و في رسوله،و في أهل بيته،فإنّ لنا في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اسوة حسنة.
فقالوا بأجمعهم:نحن كلّنا يا ابن رسول اللّه سامعون مطيعون حافظون لذمامك،غير زاهدين فيك و لا راغبين عنك،فمرنا بأمرك رحمك اللّه فانّا حرب لحربك،و سلم لسلمك،فلنأخذنّ ترتك و ترتنا،ممّن ظلمك و ظلمنا.
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:هيهات!أيّتها الغدرة(3)المكرة،حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم،أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى..
ص: 118
آبائي من قبل؟كلا و رب الراقصات إلى منى،فإنّ الجرح لمّا يندمل!!قتل أبي بالأمس و أهل بيته معه،فلم ينسني ثكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ثكل أبي و بني أبي و جدّي،شقّ لهازمي(1)و مرارته بين حناجري و حلقي،و غصصه تجري في فراش صدري.و مسألتي أن لا تكونوا لنا و لاعلينا.
ثمّ قال عليه السّلام:
لا غرو(2)إن قتل الحسين و شيخه قد كان خيرا من حسين و أكرما فلا تفرحوا يا أهل كوفة بالّذي أصيب حسين كان ذلك أعظما قتيل بشطّ النّهر نفسي فداؤه جزاء الذي أرداه(3)،نار جهنّما(4)2.
ص: 119
و عن ديلم بن عمر قال:كنت بالشّام حتّى أتي بسبايا آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فاقيموا على باب المسجد حيث تقام السبايا،و فيهم عليّ بن الحسين عليهما السّلام فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشّام فقال:
الحمد للّه الذي قتلكم و أهلككم و قطع قرن الفتنة(1).فلم يأل(2)عن[سبّهم و](3)شتمهم،فلمّا انقضى كلامه.
قال له علي بن الحسين عليهما السّلام:إنّي قد أنصت لك حتّى فرغت من منطقك،و أظهرت ما في نفسك من العداوة و البغضاء،فانصت لي كماأنصت لك.فقال له:هات.
فقال له علي بن الحسين عليهما السّلام:أما قرأت كتاب اللّه عزّ و جلّ؟قال:نعم.
فقال له عليه السّلام:أما قرأت هذه الآية:قُلْ لاََ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ
ص: 120
«اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبى ََ»(1).قال:بلى.
فقال له علي بن الحسين عليهما السّلام:فنحن أولئك،فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقّا خاصّة دون المسلمين؟فقال:لا.
فقال عليه السّلام:أما قرأت هذه الآية:«وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبى ََ حَقَّهُ»(2)؟قال:نعم.
قال عليّ عليه السّلام:فنحن اولئك الذين أمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يؤتيهم حقّهم.
فقال الشّامي:إنّكم لأنتم هم؟
فقال له علي عليه السّلام:نعم،نحن هم.فهل قرأت هذه الآية:«وَ اِعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى ََ»(3)؟فقال له الشّامي:بلى.
فقال عليّ عليه السّلام:فنحن ذو القربى،فهل تجد لنا في سورةالأحزاب حقّا خاصّة دون المسلمين؟فقال:لا.
فقال علي بن الحسين عليه السّلام:أما قرأت هذه الآية:«إِنَّمََا يُرِيدُ اَللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(4)؟قال:فرفع الشّامي يده إلى السّماء ثمّ قال:3.
ص: 121
اللّهمّ إنّي أتوب إليك!ثلاث مرات،اللّهم إنّي أتوب إليك من عداوةآل محمّد،و أبرؤ إليك ممّن قتل أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لقدقرأت القرآن منذ دهر فما شعرت بهذا(1)قبل اليوم(2).
[173]احتجاج زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام حين رأت يزيد لعنه اللّه يضرب ثنايا الحسين عليه السّلام بالمخصرة(3)
روى شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم و غيره من النّاس أنّه لمّا دخل عليّ بن الحسين عليهما السّلام و حرمه على يزيد لعنه اللّه،و جي ء برأس الحسين عليه السّلام و وضع بين يديه في طست،فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده،و هو يقول:
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل
ص: 122
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل(1) لأهلّوا و استهلّوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل فجزيناهم(2)ببدر مثلا و أقمنا مثل بدر فاعتدل لست من خندف(3)إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل[قالوا:فلما رأت زينب ذلك فأهوت إلى جيبها فشقّته،ثمّ نادت بصوت حزين تقرع القلوب،يا حسيناه!يا حبيب رسول اللّه!يا ابن مكّةو منى!يا ابن فاطمة الزّهراء سيّدة النّساء!يا ابن محمّد المصطفى.
قال:فأبكت و اللّه كلّ من كان،و يزيد ساكت،ثمّ قامت على قدميها،و أشرفت على المجلس،و شرعت في الخطبة،إظهارا لكمالات محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إعلانا بأنّا نصبر لرضاء اللّه،لا لخوف و لادهشة](4).
فقامت إليه زينب بنت عليّ و أمّها فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قالت:
الحمد للّه رب العالمين،و الصّلاة على جدّي سيّد المرسلين،صدق».
ص: 123
اللّه سبحانه كذلك يقول:«ثُمَّ كََانَ عََاقِبَةَ اَلَّذِينَ أَسََاؤُا اَلسُّواى ََ أَنْ كَذَّبُوابِآيََاتِ اَللََّهِ وَ كََانُوا بِهََا يَسْتَهْزِؤُنَ»(1).
أظننت يا يزيد أنّك حين أخذت علينا أقطار الأرض،و ضيّقت عليناآفاق السّماء،فأصبحنا لك في إسار[الذّل](2)،نساق إليك سوقا في قطار،و أنت علينا ذو اقتدار أنّ بنا من اللّه هوانا و عليك منه كرامة و امتنانا،و أنّ ذلك لعظم خطرك و جلالة قدرك،فشمخت بأنفك،و نظرت في عطفك(3)،تضرب أصدريك(4)فرحا و تنقض مذرويك(5)مرحا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة و الأمور لديك متّسقة و حين صفا لك ملكنا،و خلص لك سلطاننا،فمهلا مهلا لا تطش جهلا!أنسيت قول اللّه عزّ و جلّ(6):«وَ لاََ يَحْسَبَنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمََا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمََا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدََادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ..
ص: 124
عَذََابٌ مُهِينٌ»؟(1)
أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك،و سوقك بنات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبايا،قد هتكت ستورهنّ،و أبديت وجوههنّ،يحدوا(2)بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد،و يستشرفهنّ أهل المناقل،و يبرزن لأهل المناهل(3)،و يتصفّح وجوههنّ القريب و البعيد،و الغائب و الشّهيد،و الشّريف و الوضيع،و الدنيّ و الرفيع ليس معهن من رجالهنّ وليّ،و لا من حماتهنّ حميم(4)،عتوّا منك على اللّه و جحودالرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و دفعا لما جاء به من عند اللّه،و لا غرو منك و لا عجب من فعلك،و أنّى يرتجى الخير ممّن(5)لفظ فوه أكباد الشّهداء،و نبت لحمه بدماء السّعداء،و نصب الحرب لسيّد الأنبياء،و جمع الأحزاب،و شهر الحراب،و هزّ السّيوف في وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أشدّ العرب للّه جحودا،و أنكرهم له رسولا،و أظهرهم له عدوانا(6)و أعتاهم على الرّبّ كفرا و طغيانا.ة.
ص: 125
ألا إنّها نتيجة خلال الكفر،و ضبّ يجر جر في الصّدر(1)لقتلى يوم بدر،فلا يستبطى ء في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا و شنآنا(2)و إحنا و أضغانا،يظهر كفره برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يفصح ذلك بلسانه،و هو يقول-فرحا بقتل ولده و سبي ذريته،غير متحوّب(3)و لامستعظم يهتف بأشياخه-:لأهلّوا و استهلّوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل منتحيا(4)على ثنايا أبي عبد اللّه-و كان مقبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-ينكتها بمخصرته(5)قد التمع السرور بوجهه.
لعمري لقد نكأت(6)القرحة و استأصلت الشأفة(7)،بإراقتك دم(8)..
ص: 126
سيّد شباب أهل الجنّة،و ابن يعسوب العرب(1)،و شمس آل عبد المطّلب،و هتفت بأشياخك،و تقرّبت بدمه إلى الكفرة من أسلافك،ثمّ صرخت بندائك،و لعمري لقد ناديتهم لو شهدوك!و وشيكا(2)تشهدهم و لم يشهدوك،و لتودّ يمينك كما زعمت شلّت بك عن مرفقها و جذّت،و[أحببت](3)أمك لم تحملك و أباك لم يلدك حين(4)تصير إلى سخط اللّه و مخاصمك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
اللّهم خذ بحقّنا،و انتقم من ظالمنا،و احلل غضبك(5)على من(6)سفك دماءنا و نقض ذمارنا(7)،و قتل حماتنا،و هتك عنّا سدولنا(8).
و فعلت فعلتك التي فعلت،و ما فريت إلاّ جلدك،و ما جززت(9)إلاّلحمك،و سترد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما تحملت من دم ذريته،د.
ص: 127
و انتهكت من حرمته،و سفكت من دماء عترته و لحمته،حيث يجمع به شملهم،و يلمّ به شعثهم،و ينتقم من ظالمهم(1)،و يأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم،فلا يستفزنّك الفرح بقتلهم(2)،«وَ لاََ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللََّهِ أَمْوََاتاً بَلْ أَحْيََاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*`فَرِحِينَ بِمََا آتََاهُمُ اَللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ»(3)و حسبك باللّه وليّا و حاكما و برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خصيما،و بجبرئيل ظهيرا(4).
و سيعلم من بوّأك و مكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظّالمين بدلا،و أيكم(5)شر مكانا و أضلّ سبيلا،و ما استصغاري قدرك،و لااستعظامي تقريعك(6)توهما لانتجاع(7)الخطاب فيك بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى،و صدورهم عند ذكره حرّى(8)،فتلك قلوب قاسية،و نفوس طاغية و أجسام محشوّة بسخط اللّه(9)و لعنة الرسول،قد..
ص: 128
عشّش فيها الشّيطان(1)و فرّخ،و من هناك مثلك ما درج و نهض.
فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء،و أسباط الأنبياء،و سليل الأوصياء،بأيدي الطّلقاء الخبيثة.و نسل العهرة الفجرة،تنطف(2)أكفّهم من دمائنا و تتحلب(3)أفواههم من لحومنا،تلك الجثث الزّاكية(4)على الجيوب(5)الضاحية،تنتابها العواسل(6)،و تعفّرها[أمهات]الفراعل(7)،فلئن اتّخذتنا مغنما لتجد بنا و شيكا مغرما،حين لا تجد إلاّ ماقدمت يداك،و ما اللّه بظلاّم للعبيد.ف.
ص: 129
فإلى اللّه المشتكى و المعوّل،و إليه الملجأ و المؤمل،ثمّ كد كيدك،و اجهد جهدك فو[اللّه]الذي(1)شرّفنا بالوحي و الكتاب،و النبوّةو الانتجاب(2)،لا تدرك أمدنا،و لا تبلغ غايتنا،و لا تمحو ذكرنا،و لايرحض(3)عنك عارنا،و هل رأيك إلاّ فند(4)،و أيامك إلاّ عدد و جمعك إلاّ بدد(5)،يوم ينادي المنادي ألا لعن الظالم العادي(6).
و الحمد للّه الذي حكم(7)لأوليائه بالسّعادة،و ختم لأصفيائه(8)ببلوغ الإرادة،و نقلهم إلى الرّحمة و الرّأفة،و الرّضوان و المغفرة،و لم يشق بهم غيرك،و لا ابتلى بهم سواك،و نسأله أن يكمل لهم الأجر،و يجزل لهم الثواب و الذخر و نسأله حسن الخلافة،و جميل الإنابة،إنّه رحيم ودود(9).
فقال يزيد مجيبا لها:د.
ص: 130
يا صيحة تحمد من صوايح ما أهون الموت على النوائح ثمّ أمر بردّهم(1).
و قيل:إنّ فاطمة بنت الحسين عليه السّلام كانت و ضيئة الوجه(2)،و كانت جالسة بين النّساء،فقام إلى يزيد رجل من أهل الشّام أحمر فقال:
يا أمير المؤمنين(3)هب لي هذه الجارية!يعني:فاطمة بنت الحسين،فأخذت(4)بثياب عمّتها زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقالت:أوتم و أستخدم؟!
فقالت زينب للشّامي:كذبت و لؤمت،و اللّه ما ذاك(5)لك و لا له،فغضب يزيد ثمّ قال:إنّ ذلك لي و لو شئت أن أفعل لفعلت.
قالت زينب:كلاّ،و اللّه ما جعل اللّه ذلك لك،إلاّ أن تخرج من ملّتناو تدين بغير ديننا.فقال يزيد:إنّما خرج من الدين أبوك،و أخوك.
قالت زينب:بدين اللّه،و دين أبي،و دين أخي،اهتديت أنت إن
ص: 131
كنت مسلما.
قال يزيد:كذبت يا عدوّة اللّه.
فقالت زينب:أنت أمير تشتم ظلما،و تقهر بسلطانك.
فكأنّه استحيى فسكت فعاد الشّامي(1)فقال:يا أمير المؤمنين!هب لي هذه الجارية.فقال يزيد:اعزب وهب اللّه لك حتفا(2)قاضيا(3).
روت ثقاة الرواة و عدولهم،أنّه لمّا أدخل عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام في جملة من حمل إلى الشّام سبايا من أولاد الحسين بن عليّ عليهما السّلام و أهاليه على يزيد لعنه اللّه قال له:
ص: 132
يا عليّ!الحمد للّه الذي قتل أباك!
قال علي عليه السّلام:قتل أبي النّاس.
قال يزيد:الحمد للّه الذي قتله فكفانيه!
قال عليّ عليه السّلام:على من قتل أبي لعنة اللّه،أفتراني لعنت اللّه عزّو جلّ؟(1).
قال يزيد:يا عليّ!اصعد المنبر فأعلم النّاس حال الفتنة،و ما رزق اللّه أمير المؤمنين من الظفر!
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:ما أعرفني بما تريد.فصعد المنبرفحمد اللّه و أثنى عليه،و صلّى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال:
أيّها النّاس!من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي:
أنا ابن مكّة و منى،أنا ابن المروة و الصّفا(2)،أنا ابن محمّدالمصطفى،أنا ابن من لا يخفى،أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرةالمنتهى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى.
فضج أهل الشّام(3)بالبكاء حتّى خشي يزيد أن يؤخذ من مقعده(4)،..
ص: 133
فقال-للمؤذّن-:أذّن،فلمّا قال المؤذّن:«اللّه أكبر،اللّه أكبر»جلس عليّ بن الحسين على المنبر.فقال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه.بكى عليّ بن الحسين عليه السّلام ثمّ التفت إلى يزيد فقال:يا يزيد!هذا أبوك أم أبي؟
قال:بل أبوك،فانزل،فنزل عليه السّلام فأخذ ناحية(1)باب المسجد،فلقيه مكحول صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:كيف أمسيت ياابن رسول اللّه؟
قال:أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون،يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم،و في ذلكم بلاء من ربكم عظيم.
فلمّا انصرف يزيد إلى منزله،دعا بعليّ بن الحسين عليهما السّلام و قال(2):يا عليّ أتصارع ابني خالدا؟
قال عليه السّلام:و ما تصنع بمصارعتي إيّاه،أعطني سكينا و اعطه سكينا فليقتل أقوانا أضعفنا،فضمّه يزيد إلى صدره،ثمّ قال:
[شنشنة أعرفها من أخزم](3).1.
ص: 134
لا تلد الحيّة إلاّ الحيّة،أشهد أنّك ابن علي بن أبي طالب-عليه السّلام-.
ثمّ قال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام:يا يزيد!بلغني أنّك تريد قتلي،فإن كنت لا بدّ قاتلي،فوجّه مع هؤلاء النسوة من يردهنّ(1)إلى حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال له يزيد لعنه اللّه:لا يردهنّ غيرك،لعن اللّه ابن مرجانة،فو اللّه ماأمرته بقتل أبيك،و لو كنت متولّيا لقتاله ما قتلته!ثمّ أحسن جائزته و حمله و النّساء إلى المدينة(2).
جاء رجل من أهل البصرة إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال:
يا عليّ بن الحسين!إنّ جدك عليّ بن أبي طالب قتل المؤمنين،فهملت(3)عينا علي بن الحسين عليهما السّلام دموعا حتّى امتلأت كفّه منها،
ص: 135
ثمّ ضرب بها على الحصى،ثمّ قال:
يا أخا أهل البصرة!لا و اللّه ما قتل عليّ مؤمنا،و لا قتل مسلما،و ماأسلم القوم و لكن استسلموا و كتموا الكفر و أظهروا الإسلام،فلمّا وجدواعلى الكفر أعوانا أظهروه،و قد علمت صاحبة الخدب(1)و المستحفظون من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ أصحاب الجمل و أصحاب صفين و أصحاب النهروان لعنوا على لسان النّبيّ الأمي و قد خاب من افترى.
فقال شيخ من أهل الكوفة:يا عليّ بن الحسين!إنّ جدك كان يقول:«إخواننا بغوا علينا».
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:أما تقرأ كتاب اللّه:«وَ إِلى ََ عََادٍأَخََاهُمْ هُوداً»(2)فهم مثلهم،أنجى اللّه عزّ و جلّ هودا و الذين معه،و أهلك عادا بالرّيح العقيم(3).
و بالإسناد المقدّم ذكره أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يذكرحال من مسخهم اللّه قردة من بني إسرائيل ويحكي قصتهم،فلمّا بلغ
ص: 136
آخرها قال:إنّ اللّه تعالى مسخ اولئك القوم لاصطيادهم السّمك،فكيف ترى عند اللّه عزّ و جلّ يكون حال من قتل أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هتك حريمه؟!إنّ اللّه تعالى و إن لم يمسخهم في الدنيا فان المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ.
فقيل له:يا ابن رسول اللّه!فإنا قد سمعنا منك هذا الحديث،فقال لنابعض النّصاب:فان كان قتل الحسين عليه السّلام باطلا فهو أعظم من(1)صيدالسّمك في السّبت أفما كان اللّه يغضب(2)على قاتليه كما غضب على صيادي السّمك؟
قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:قل لهؤلاء النصاب فان كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر باغوائه فأهلك اللّه من شاء منهم،كقوم:نوح و فرعون،و لم يهلك إبليس،و هو أولى بالهلاك،فما باله أهلك هؤلاءالذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات،و أمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيّات(3).
ألا كان ربنا عزّ و جلّ حكيما بتدبيره و حكمه فيمن أهلك و فيمن استبقى؟فكذلك هؤلاء الصائدون في السّبت،و هؤلاء القاتلون للحسين عليه السّلام،يفعل في الفريقين ما يعلم أنّه أولى بالصّواب و الحكمة،لا يسأل عمّا).
ص: 137
يفعل و عباده يسألون.
و قال الباقر عليه السّلام:فلمّا حدّث عليّ بن الحسين عليه السّلام بهذاالحديث قال له بعض من في مجلسه:يا ابن رسول اللّه!كيف يعاقب اللّه و يوبخ هولاء الأخلاف على قبائح أتى بها أسلافهم-و هو يقول:«وَ لاََ تَزِرُوََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ََ»(1)؟
فقال زين العابدين عليه السّلام:إنّ القرآن نزل بلغة العرب فهو يخاطب فيه أهل اللّسان بلغتهم،يقول الرجل التميمي-قد أغار قومه على بلدو قتلوا من فيه-:أغرتم على بلد كذا و فعلتم كذا،و يقول العربى:نحن فعلناببني فلان،و نحن سبينا آل فلان،و نحن خربنا بلد كذا.لا يريد أنّهم باشروا ذلك،و لكن يريد هؤلاء بالعذل(2)و اولئك بالإمتحان(3):أنّ قومهم فعلوا كذا.
و قول اللّه عزّ و جلّ في هذه الآيات إنّما هو توبيخ لأسلافهم،و توبيخ العذل على هؤلاء الموجودين،لأنّ ذلك هو اللّغة التي نزل بها القرآن،و لأنّ هؤلاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم،مصوّبون ذلك لهم،فجازأن يقال لهم:أنتم فعلتم،أي:إذ رضيتم قبيح فعلهم(4).5.
ص: 138
و عن أبي حمزة الثمالي قال:دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال له:
جعلني اللّه فداك!أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ جَعَلْنََا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْقُرَى اَلَّتِي بََارَكْنََا فِيهََا قُرىً ظََاهِرَةً وَ قَدَّرْنََا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوا فِيهََالَيََالِيَ وَ أَيََّاماً آمِنِينَ»(1).قال له:ما يقول النّاس فيها قبلكم بالعراق؟قال:يقولون:إنّها مكّة.
فقال:و هل رأيت السّرق في موضع أكثر منه بمكّة.قال:فما هو؟
قال:إنّما عنى الرّجال.قال:و أين ذلك في كتاب اللّه؟
فقال:أو ما تسمع إلى قوله عزّ و جلّ:«وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِرَبِّهََا وَ رُسُلِهِ»(2)و قال:«وَ تِلْكَ اَلْقُرى ََ أَهْلَكْنََاهُمْ لَمََّا ظَلَمُوا»(3)و قال:«وَ سْئَلِ اَلْقَرْيَةَ اَلَّتِي كُنََّا فِيهََا وَ اَلْعِيرَ اَلَّتِي أَقْبَلْنََا فِيهََا»(4)أفيسأل القرية أوالرّجال أو العير؟
قال:و تلا عليه آيات في هذا المعنى.قال:جعلت فداك!فمن هم؟
ص: 139
قال:نحن هم.فقال:أو ما تسمع إلى قوله:«سِيرُوا فِيهََا لَيََالِيَ وَ أَيََّاماً آمِنِينَ»؟
قال:آمنين من الزّيغ(1).
و روي أنّ زين العابدين عليه السّلام مرّ بالحسن البصري،و هو يعظ النّاس بمنى فوقف عليه السّلام ثمّ قال[له](2):أمسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم،أترضاها لنفسك فيما بينك و بين اللّه للموت إذا نزل بك غدا؟قال:لا.
قال:أفتحدث نفسك بالتحوّل و الانتقال عن الحال التي(3)لاترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟
قال:فأطرق مليّا ثمّ قال:إنّي أقول ذلك بلا حقيقة.
قال:أفترجو نبيّا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكون لك معه سابقة؟قال:لا.
ص: 140
قال:أفترجو دارا غير الدّار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها؟(1)قال:لا.
قال:أفرأيت أحدا به مسكة(2)عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا؟إنّك على حال لا ترضاها و لا تحدّث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة،و لا ترجو نبيّا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3)،و لا دارا غير الدارالتي أنت فيها فترد إليها فتعمل فيها،و أنت تعظ النّاس.
[و في رواية أخرى فلم تشغل النّاس عن العمل و أنت تعظالنّاس؟](4).
قال:فلمّا ولّى عليه السّلام قال الحسن البصري:من هذا؟قالوا:عليّ بن الحسين.
قال:أهل بيت علم فما رئي الحسن البصري بعد ذلك يعظ النّاس(5).9.
ص: 141
و عن أبي حمزة الثمالي قال:سمعت عليّ بن الحسين عليهما السّلام يحدّث رجلا من قريش قال:
لمّا تاب اللّه على آدم واقع حواء و لم يكن غشيها منذ خلق و خلقت إلاّ في الأرض،و ذلك بعد ما تاب اللّه عليه،قال:و كان آدم يعظّم البيت و ماحوله من حرمة البيت(1)،فكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم و أخرجها معه،فإذا جاز الحرم غشيها في الحل،ثمّ يغتسلان إعظاما منه للحرم.ثمّ يرجع إلى فناء البيت.
قال فولد لآدم من حواء عشرون ذكرا و عشرون أنثى،فولد له في كل بطن ذكر و أنثى،فأوّل بطن ولدت حواء:«هابيل»و معه جارية يقال لها:«اقليما»،قال:و ولدت في البطن الثاني:«قابيل»و معه جارية يقال لها«لوزا»و كانت لوزا أجمل بنات آدم.
قال:فلمّا أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة(2)فدعاهم إليه فقال:أريدأن انكحك يا هابيل لوزا،و انكحك يا قابيل إقليما.
قال قابيل:ما أرضى بهذا أتنكحني أخت هابيل القبيحة؛و تنكح
ص: 142
هابيل أختي الجميلة.
قال:فأنا أقرع بينكما،فان خرج سهمك يا قابيل على لوزا،و خرج سهمك يا هابيل على إقليما،زوّجت كل واحد منكما التي يخرج سهمه عليها.
قال:فرضيا بذلك،فاقترعا(1).
قال:فخرج سهم هابيل على لوزا أخت قابيل،و خرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل،قال:فزوّجهما على ما خرج لهما من عند اللّه.
قال:ثمّ حرّم اللّه نكاح الأخوات بعد ذلك.
قال:فقال له القرشي:فأولداهما؟قال:نعم،فقال له القرشي:فهذافعل المجوس اليوم!
قال:فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إنّ المجوس إنّما فعلوا ذلك بعد التحريم من اللّه.
ثمّ قال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام:لا تنكر هذا،إنّما هي شرايع جرت،أ ليس اللّه قد خلق زوجة آدم منه ثمّ أحلها له،فكان ذلك(2)شريعةمن شرايعهم،ثمّ أنزل اللّه التّحريم بعد ذلك(3).ر-
ص: 143
[181][اعتراض عباد البصري على عليّ بن الحسين عليهما السّلام](1)
لقي عبّاد البصري عليّ بن الحسين عليهما السّلام في طريق مكّة فقال له:يا عليّ بن الحسين!تركت الجهاد و صعوبته،و أقبلت على الحجّ و لينه،و إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:«إِنَّ اَللََّهَ اِشْتَرى ََ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوََالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ-إلى قوله-وَ بَشِّرِ اَلْمُؤْمِنِينَ»(2).
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحجّ(3).
ق-تعارضها،و هي تدل على أنّهم تزوّجوا بمن نزل إليهم من الحور و الجانّ،و قد عرفت الحقّ في ذلك»-انظر:الميزان في تفسير القرآن 4/147.
ص: 144
و سئل عليه السّلام عن النبيذ فقال:قد شربه قوم و حرّمه قوم صالحون،فكان شهادة الذين دفعوا بشهادتهم شهواتهم أولى أن تقبل من الذين جرّوا بشهادتهم شهواتهم(1).
و عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
قال رجل لعليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّ فلانا ينسبك إلى أنّك ضال مبتدع!
فقال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام:ما رعيت حقّ مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه،و لا أديت حقّي حيث أبلغتني عن أخي ما لست أعلمه،إنّ الموت يعمّنا،و البعث محشرنا،و القيامة موعدنا،و اللّه يحكم بيننا،إيّاكم(2)و الغيبة!فانّها أدام كلاب النّار.
ص: 145
و اعلم أنّ من أكثر عيوب النّاس شهد عليه الإكثار أنّه إنّما يطلبهابقدر ما فيه(1).
و سئل عليه السّلام عن الكلام و السّكوت أيهما أفضل؟فقال عليه السّلام:لكل واحد منهما آفات،فإذا سلما من الآفات،فالكلام أفضل من السّكوت.
قيل:و كيف ذاك يا ابن رسول اللّه؟قال:لأنّ اللّه عزّ و جلّ ما بعث الأنبياء و الأوصياء بالسكوت،إنّما بعثهم[اللّه](2)بالكلام،و لا استحقّت الجنّة بالسّكوت،و لا استوجبت ولاية اللّه بالسكوت،و لا توقيت النّاربالسّكوت،و لا تجنّب سخط اللّه بالسّكوت،إنّما ذلك كلّه بالكلام و ماكنت لأعدل القمر بالشّمس،إنّك تصف فضل السّكوت بالكلام،و لست تصف فضل الكلام بالسّكوت(3).
ص: 146
روي عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:لمّا قتل الحسين بن علي عليهماالسّلام أرسل محمّد بن الحنفية إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام فخلا به ثمّ قال:
يا ابن أخي!قد علمت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان جعل الوصية و الإمامة من بعده لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ إلى الحسن ثمّ إلى الحسين عليهما السّلام،و قد قتل أبوك رضي اللّه عنه و صلّى عليه(1)و لم يوص،و أناعمّك و صنو أبيك،و أنا في سني و قدمتي أحقّ بها منك في حداثتك،فلاتنازعني الوصية و الإمامة و لا تخالفني(2).
فقال له عليّ بن الحسين عليه السّلام:يا عمّ!اتّق اللّه و لا تدّع ما ليس لك بحقّ،إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين،يا عمّ!إنّ أبي صلوات اللّه عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجّه إلى العراق،و عهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة،و هذا سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عندي،فلا تعرض(3)لهذا فانّي أخاف عليك بنقص العمر،و تشتّت الحال و إنّ اللّه تبارك و تعالى آلى أن لايجعل الوصية و الإمامة إلاّ في عقب الحسين عليه السّلام(4)،فإن أردت أن تعلم
ص: 147
فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتّى نتحاكم إليه و نسأله عن ذلك.
قال الباقر عليه السّلام:و كان الكلام بينهما و هما يومئذ بمكّة،فانطلقاحتّى أتيا الحجر الأسود فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام لمحمّد:
إبدأ فابتهل إلى اللّه و اسأله أن ينطق لك الحجر.ثمّ أسأله(1).
فابتهل محمّد في الدعاء(2)و سأل اللّه ثمّ دعا الحجر[الاسود](3)فلم يجبه.
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:أما إنّك يا عمّ لو كنت وصيا و إمامالأجابك!
فقال له محمّد:فادع أنت يا ابن أخي!فدعا اللّه عليّ بن الحسين عليهماالسّلام بما أراد ثمّ قال:«أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء و ميثاق الأوصياء و ميثاق النّاس أجمعين،لمّا أخبرتنا بلسان عربي مبين:من الوصي و الإمام بعد الحسين بن عليّ؟فتحرّك الحجر حتّى كاد أن يزول عن موضعه ثمّ أنطقه اللّه بلسان عربي مبين فقال:
اللّهمّ إنّ الوصية و الإمامة بعد الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى عليّ ابن الحسين(4)بن عليّ بن أبي طالب،و ابن فاطمة الزّهراء بنت رسول اللّه..
ص: 148
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فانصرف محمّد بن الحنفيّة و هو يتولّى عليّ بن الحسين عليهما السّلام(1).
و عن ثابت البناني قال:كنت حاجّا و جماعة من عباد البصرة مثل:أيوب السجستاني و صالح المري(2)و عتبة الغلام و حبيب الفارسي و مالك ابن دينار،فلمّا أن دخلنا مكّة رأينا الماء ضيّقا،و قد اشتدّ بالنّاس العطش لقلّة الغيث ففزع إلينا أهل مكّة و الحجّاج يسألوننا أن نستسقي لهم،فأتيناالكعبة و طفنا بها ثمّ سألنا اللّه خاضعين متضرّعين بها(3)فمنعنا الإجابة.
ص: 149
فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل و قد أكربته أحزانه،و أقلقته أشجانه(1)،فطاف بالكعبة أشواطا ثمّ أقبل علينا فقال:
يا مالك بن دينار!و يا ثابت البناني!و يا أيوب السجستاني!و يا صالح المري!و يا عتبة الغلام!و يا حبيب الفارسي!و يا سعد!و يا عمر!(2)و ياصالح الأعمى!و يا رابعة!و يا سعدانه!و يا جعفر بن سليمان!فقلنا:لبيك و سعديك يا فتى!
فقال:أمّا فيكم أحد يحبّه الرّحمن؟فقلنا:يا فتى علينا الدّعاء و عليه الإجابة.
فقال:ابعدوا عن الكعبة فلو كان فيكم أحد يحبّه الرّحمن لأجابه،ثمّ أتى الكعبة فخرّ ساجدا فسمعته يقول-في سجوده-:«سيدي بحبّك لي الاّسقيتهم الغيث».
قال:فما استتم الكلام حتّى أتاهم الغيث كأفواه القرب.
فقلت:يا فتى!من أين علمت أنّه يحبك؟قال:لو لم يحبّني لم يستزرني،فلمّا استزارني علمت أنّه يحبّني،فسألته بحبّه لي فأجابني،ثمّ ولّى عنّا و أنشا يقول:
من عرف الرّب فلم تغنه معرفة الرب فذاك الشّقي ما ضرّ في الطاعة ما ناله في طاعة اللّه و ما ذا لقي..
ص: 150
ما يصنع العبد بغير التّقى و العزّ كل العزّ للمتّقي فقلت يا أهل مكّة!من هذا الفتى؟
قالوا:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين(1).
و عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليّ بن الحسين عليهم السّلام قال:
نحن أئمة المسلمين،و حجج اللّه على العالمين،و سادة المؤمنين،و قادة الغرّ المحجّلين،و موالي المؤمنين،و نحن أمان لأهل الأرض،كماأنّ النّجوم أمان لأهل السّماء،و نحن الذين بنا يمسك اللّه السّماء(2)أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه،و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها،و بنا ينزل الغيث،و ينشر الرّحمة،و يخرج بركات الأرض و لو لا ما في الأرض منّالساخت الأرض بأهلها.
ثمّ قال:و لم تخل الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجّة للّه فيها ظاهرمشهور أو غائب مستور،و لا تخلوا إلى أن تقوم السّاعة من حجّة اللّه(3)،و لو لا ذلك لم يعبد اللّه(4).
ص: 151
و عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي قال:
دخلت على سيدي عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام فقلت له:
يابن رسول اللّه!أخبرني بالذين فرض اللّه طاعتهم و مودّتهم،و أوجب على عباده(1)الإقتداء بهم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
فقال لي:يا أبا كنكر!إنّ أولي الأمر الذين جعلهم اللّه أئمة للنّاس و أوجب عليهم طاعتهم:أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب،ثمّ الحسن،ثمّ الحسين ابنا علي بن أبي طالب-عليهم السّلام-،ثمّ انتهى الأمر إلينا،ثمّ سكت.
فقلت له:يا سيدي!روي لنا عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:«لاتخلو الأرض من حجّة للّه على عباده»فمن الحجّة و الإمام بعدك؟
ق-الباب 21 برقم 22:عن محمّد بن أحمد،عن أحمد بن يحيى بن زكريا،عن بكر بن عبد اللّه ابن حبيب،عن الفضل بن الصقر العبدي،عن أبي معاوية،عن سليمان بن مهران الأعمش،عن الصّادق عليه السّلام...و في آخر الحديث:قال سليمان:فقلت للصّادق عليه السّلام:فكيف ينتفع النّاس بالحّجة الغائب المستور؟قال:كما ينتفعون بالشّمس إذا سترها السّحاب.
و نقله في بحار الأنوار 23/5.
ص: 152
فقال:إبني(محمّد)و اسمه في التّوراة(باقر)يبقر العلم بقرا،هوالحجّة و الإمام بعدي،و من بعد محمّد ابنه(جعفر)و اسمه عند أهل السّماء(الصّادق).
فقلت له:يا سيدي!فكيف صار اسمه:الصّادق،و كلّكم صادقون؟
فقال حدّثني أبي عن أبيه عليهم السّلام:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب،فسمّوه الصّادق،فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء على اللّه،و كذبا عليه،فهو عند اللّه(جعفر الكذّاب)المفتري على اللّه،المدّعي لما ليس له بأهل،المخالف على أبيه و الحاسدلأخيه،ذلك الذي يكشف ستر اللّه(1)عند غيبة ولي اللّه».
ثمّ بكى عليّ بن الحسين عليهما السّلام بكاءا شديدا،ثمّ قال:
كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه(2)على تفتيش أمر وليّ اللّه،و المغيّب في حفظ اللّه،و التّوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته،و حرصا على قتله إن ظفر به،طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير(3)حقّه.
قال أبو خالد:فقلت له:يا ابن رسول اللّه!و إنّ ذلك لكائن؟..
ص: 153
فقال:إي و ربّي إنّ ذلك لمكتوب(1)عندنا في الصحيفة التي فيهاذكر المحن(2)التي تجري علينا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال أبو خالد:فقلت له:يا ابن رسول اللّه!ثمّ يكون ما ذا؟
قال:ثمّ تمتد الغيبة بوليّ اللّه الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه و الأئمة بعده.يا أبا خالد!إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته و المنتظرين لظهوره،أفضل أهل كل زمان،لأنّ اللّه تعالى ذكره أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة،و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالسّيف،اولئك المخلصون حقّا و شيعتنا صدقا،و الدّعاة إلى دين اللّه سرّاو جهرا.و قال عليه السّلام:انتظار الفرج من أعظم الفرج(3).
و بالإسناد المتقدّم ذكره عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام في تفسير قوله
ص: 154
تعالى:«وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصََاصِ حَيََاةٌ»(1)الآية«وَ لَكُمْ»يا أمّة محمّد«فِي اَلْقِصََاصِ حَيََاةٌ»لأنّ من همّ بالقتل فعرف أنّه يقتص منه فكفّ لذلك عن القتل،كان حياة للذي كان همّ بقتله،و حياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل،و حياة لغيرهما من النّاس،إذا علموا أنّ القصاص واجب لايجسرون(2)على القتل مخافة القصاص«يََا أُولِي اَلْأَلْبََابِ»أولي العقول«لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
ثمّ قال عليه السّلام:عباد اللّه!هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا،و تفنون روحه،أولا أنبئكم(3)بأعظم من هذا القتل،و ما يوجبه اللّه(4)على قاتله ممّا هو أعظم من هذا القصاص؟
قالوا:بلى يا ابن رسول اللّه.
قال:أعظم من هذا القتل أن يقتله قتلا لا يجبر و لا يحيا بعده أبدا.قالوا:ما هو؟
قال:أن يضلّه عن نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و عن ولاية عليّ بن ق-و في آخر الحديث رواه بسند آخر.
و نقله العلامة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 36/386 و 50/227.و الراوندي في الخرائج 1/262...
ص: 155
أبي طالب عليه السّلام،ويسلك به غير سبيل اللّه،و يغريه(1)باتّباع طريق أعداءعليّ عليه السّلام و القول بإمامتهم،و دفع عليّ عن حقّه و جحد فضله،و أن لايبالي باعطائه واجب تعظيمه،فهذا هو القتل الذي هو تخليد المقتول في نار جهنّم خالدا مخلّدا أبدا،فجزاء هذا القتل مثل ذلك الخلود في نارجهنّم(2).
و قال أبو محمّد الحسن العسكري صلوات اللّه عليه:إنّ رجلا جاء إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام برجل يزعم أنّه قاتل أبيه،فاعترف فأوجب عليه القصاص،و سأله أن يعفو عنه ليعظم اللّه ثوابه،فكأن نفسه لم تطب بذلك.
فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام-للمدّعي للدم الذي هو الولي(3)المستحق للقصاص-:إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلا فهب له هذه الجناية،و اغفر له هذا الذنب.
قال:يابن رسول اللّه!له عليّ حقّ،و لكن لم يبلغ به أن أعفو له عن قتل والدي.قال:فتريد ما ذا؟
ص: 156
قال:أريد القود،فإن أراد لحقّه عليّ أن أصالحه على الدّية صالحته و عفوت عنه.
قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:فماذا حقّه عليك؟
قال:يابن رسول اللّه!لقنني توحيد اللّه،و نبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إمامة علي و الأئمة عليهم السّلام.
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:فهذا لا يفي بدم أبيك؟بلى و اللّه هذا يفي بدماء أهل الأرض كلّهم من الأولين و الآخرين سوى الأنبياءو الأئمة عليهم السّلام،إن قتلوا فانّه لا يفي بدمائهم شي ء.تمام الخبر(1).
و بالإسناد المقدم ذكره أنّ محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام قال:دخل محمّد بن مسلم بن شهاب الزّهري على عليّ بن الحسين عليهما السّلام،و هوكئيب حزين فقال له زين العابدين عليه السّلام:ما بالك مغموما؟
قال:يابن رسول اللّه!غموم و هموم تتوالى عليّ لما امتحنت به من جهة حسّاد نعمتي(2)،و الطامعين فيّ،و ممّن أرجوه و ممّن أحسنت إليه
ص: 157
فيخلف ظنّي.
فقال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.
قال الزّهري:يا بن رسول اللّه!إنّي أحسن إليهم بما يبدر من كلامي.قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:هيهات هيهات!إيّاك أن تعجب من نفسك بذلك و إيّاك أن تتكلّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره.و إن كان عندك اعتذاره،فليس كل من تسمعه نكرا(1)يمكنك أن توسعه عذرا.ثمّ قال:
يا زهري!من لم يكن عقله من أكمل ما فيه،كان هلاكه من أيسر ما فيه.
ثمّ قال:يا زهري!أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم منك بمنزلة والدك،و تجعل صغيرهم منك بمنزلةولدك،و تجعل تربك(2)منهم بمنزلة أخيك.فأيّ هؤلاء تحب أن تظلم،و أيّ هؤلاء تحب أن تدعو عليه،و أيّ هؤلاء تحب أن تهتك ستره.
و إن عرض لك إبليس لعنه اللّه بأنّ لك فضلا على أحد من أهل القبلة،فانظر إن كان أكبر منك فقل:قد سبقني بالإيمان و العمل الصّالح فهو خيرمني،و إن كان أصغر منك فقل:قد سبقته بالمعاصي و الذنوب فهو خيرمني،و إن كان تربك فقل:أنا على يقين من ذنبي و في شك من أمره فمالي أدع يقيني لشكي.9.
ص: 158
و إن رأيت المسلمين يعظمونك و يوقرونك و يبجلونك فقل:هذافضل أخذوا به،و إن رأيت منهم جفاء و انقباضا عنك(1)فقل:هذا لذنب أحدثته،فإنّك إذا فعلت ذلك سهّل اللّه عليك عيشك،و كثّر أصدقاءك،و قلّ أعداءك،و فرحت بما يكون من برّهم و لم تأسف على ما يكون من جفائهم.
و اعلم أنّ أكرم النّاس على النّاس من كان خيره عليهم فايضا،و كان عنهم مستغنيا متعفّفا،و أكرم النّاس بعده عليهم من كان عنهم متعفّفا،و إن كان إليهم محتاجا فإنّما أهل الدنيا يعشقون(2)الأموال،فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم،و من لم يزاحمهم فيها و مكّنهم من بعضها كان أعزّ عليهم و أكرم(3).
و بالإسناد المقدّم ذكره عن الرّضا عليه السّلام أنّه قال:
قال عليّ بن الحسين:إذا رأيتم الرّجل قد حسن سمته و هديه(4)،
ص: 159
و تماوت في منطقه(1)،و تخاضع في حركاته،فرويدا لا يغرنّكم فما أكثرمن يعجزه تناول الدنيا و ركوب المحارم(2)منها لضعف نيّته و مهانته،و جبن قلبه،فنصب الدّين فخّا(3)لها،فهو لا يزال يختل النّاس بظاهره فان تمكّن من حرام اقتحمه.
و إذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام،فرويدا لا يغرنّكم فإنّ شهوات الخلق مختلفة،فما أكثر من ينبو(4)عن المال الحرام و إن كثر،و يحمل نفسه على شوهاء(5)قبيحة،فيأتي منها محرما.
فإذا وجدتموه يعفّ عن ذلك،فرويدا لا يغرنّكم،حتّى تنظروا ماعقدة عقله،فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثمّ لا يرجع إلى عقل متين،فيكون ما يفسده بجهله أكثر ممّا يصلحه بعقله.
فإذا وجدتم عقله متينا،فرويدا لا يغرنّكم(6)!حتّى تنظروا أمع هواه ق-المصدر 4/403...
ص: 160
يكون على عقله؟أو يكون مع عقله على هواه؟و كيف محبّته للرياسات الباطلة و زهده فيها؟
فان في النّاس من خسر الدنيا و الآخرة،يترك الدنيا للدنيا،و يرى أنّ لذّة الرياسة الباطلة أفضل من لذّة الأموال و النعم المباحة المحللة.فيترك ذلك أجمع طلبا للرياسة الباطلة،حتّى إذا قيل له:اتق اللّه،أخذته العزّةبالإثم،فحسبه جهنّم و لبئس المهاد.
فهو يخبط خبط عشواء(1)،يقوده أول باطل(2)إلى أبعد غايات الخسارة،و يمدّه ربه(3)بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه،فهو يحل ماحرّم اللّه،و يحرّم ما أحل اللّه،لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي(4)قد شقي من أجلها،فاولئك الذين غضب اللّه عليهم و لعنهم و أعدّلهم عذابا مهينا...
ص: 161
و لكنّ الرجل كل الرجل،نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمراللّه،و قواه مبذولة في رضى اللّه،يرى الذّل مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل،و يعلم أنّ قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد و لا تنفد،و أنّ كثير ما يلحقه من سرّائها إن اتّبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له و لا زوال(1).
فذلكم الرّجل نعم الرجل!فبه فتمسّكوا و بسنّته فاقتدوا،و إلى ربكم فبه(2)فتوسّلوا!فإنّه لا ترد له دعوة و لا تخيب(3)له طلبة(4).4.
ص: 162
ص: 163
ص: 164
عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام في قوله تعالى:«وَ مَنْ كََانَ فِي هََذِهِ أَعْمى ََ فَهُوَ فِي اَلْآخِرَةِ أَعْمى ََ»(1)قال:من لم يدله خلق السّموات و الأرض،و اختلاف اللّيل و النّهار،و دوران الفلك بالشّمس و القمر،و الآيات العجيبات!على أنّ وراء ذلك أمرا هو أعظم منها(2)،فهو في الآخرة أعمى.
قال:فهو عمّا لم يعاين أعمى و أضلّ سبيلا(3).
ص: 165
سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر عليه السّلام قال:أخبرني عن اللّه عزّ و جلّ متى كان؟
فقال:متى لم يكن حتّى أخبرك متى كان؟!سبحان من لم يزل و لايزال فردا صمدا لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا(1).
عن عبد اللّه بن سنان،عن أبيه قال:حضرت أبا جعفر عليه السّلام و قددخل عليه رجل من الخوارج فقال له:يا أبا جعفر أي شي ء تعبد؟
قال:اللّه.
قال:رأيته؟
قال:بلى.لم تره العيون بمشاهدة الأبصار،و لكن رأته القلوب
ص: 166
بحقائق الإيمان،لا يعرف بالقياس،و لا يدرك بالحواس،و لا يشبه بالنّاس،موصوف بالآيات،معروف بالدلالات،لا يجور في حكمه،ذلك اللّه لا إله إلاّ هو.
قال:فخرج الرجل و هو يقول:اللّه أعلم حيث يجعل رسالته(1).
و روى محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال-في صفة القديم-:إنّه واحد صمد،أحديّ المعنى،ليس بمعان كثيرة مختلفة.
قال:قلت:جعلت فداك إنّه يزعم قوم من أهل العراق أنّه يسمع بغيرالذي يبصر،و يبصر بغير الذي يسمع.
قال:فقال:كذبوا و ألحدوا،و شبّهوا اللّه تعالى(2)إنّه سميع بصير،يسمع بما به يبصر،و يبصر بما به يسمع.
ص: 167
قال:فقلت:يزعمون(1)أنّه بصير على ما يعقله(2).
قال:فقال:تعالى اللّه إنّما يعقل من كان بصفة المخلوق(3)و ليس اللّه كذلك(4).
و روى بعض أصحابنا أنّ عمرو بن عبيد دخل على الباقر عليه السّلام
ص: 168
فقال له:جعلت فداك!(1)قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْهَوى ََ»(2)ما ذلك الغضب؟
قال:العذاب يا عمرو!و إنّما يغضب المخلوق الذي يأتيه الشّي ءفيستفزّه،و يغيّره عن الحال التي(3)هو بها إلى غيرها،فمن زعم أنّ اللّه يغيّره الغضب و الرّضا،و يزول من هذا إلى هذا،فقد وصفه بصفةالمخلوق(4).
و عن أبي الجارود قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:إذا حدّثتكم بشي ءفاسألوني من كتاب اللّه ثمّ قال-في بعض حديثه-:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن القيل و القال،و فساد المال،و كثرة السؤال.
ص: 169
فقيل له:يا ابن رسول اللّه!أين هذا من كتاب اللّه عزّ و جلّ؟
قال:قوله:«لاََ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوََاهُمْ إِلاََّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْمَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاََحٍ بَيْنَ اَلنََّاسِ»(1)،و قال:«وَ لاََ تُؤْتُوا اَلسُّفَهََاءَ أَمْوََالَكُمُ اَلَّتِي جَعَلَ اَللََّهُ لَكُمْ قِيََاماً»(2)،و قال:«لاََ تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيََاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(3)(4).
و عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّو جلّ:«وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي»(1)كيف هذا النفخ؟
فقال:إنّ الرّوح متحرّك كالرّيح،و إنّما سمّي روحا لأنّه اشتق اسمه من الرّيح و إنّما أخرجه على لفظة الرّوح(2)لأنّ الرّوح متجانس(3)للرّيح،و إنّما أضافه إلى نفسه لأنّه اصطفاه على سائر الأرواح،كما اصطفى بيتامن البيوت.فقال:«بيتي»و قال-لرسول من الرّسل-:«خليلي»و أشباه ذلك،و كلّ ذلك مخلوق مصنوع مربوب مدبّر(4).
ق-ثعلبة،عن حمران...و بحار الأنوار 4/12.
و قريب منه ما رواه الصّدوق رحمه اللّه في التّوحيد ص 172.
ص: 171
و عن محمّد بن مسلم أيضا قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عمّاروي(1):«أنّ اللّه خلق آدم على صورته»؟
فقال:هي صورة محدثة مخلوقة،اصطفاها اللّه و اختارها،على سائرالصور(2)المختلفة،فأضافها إلى نفسه،كما أضاف الكعبة إلى نفسه،و الرّوح إلى نفسه،فقال:«بيتي»و قال:«وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي»(3).
و عن عبد الرّحمن بن عبد الزّهري قال:حجّ هشام بن عبد الملك،فدخل المسجد الحرام متكيا على يد سالم مولاه،و محمّد بن عليّ بن ق-عبد اللّه عليه السّلام.
و نقله المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 4/11 و 58/28.
ص: 172
الحسين عليهم السّلام جالس في المسجد فقال له سالم:
يا أمير المؤمنين!هذا محمّد بن علي بن الحسين.
فقال له هشام:المفتون به أهل العراق؟قال:نعم.
قال:إذهب إليه فقل له:يقول لك أمير المؤمنين ما الذي يأكل النّاس و يشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:يحشر النّاس على مثل قرصة البر النقي فيهاأنهار متفجّرة يأكلون و يشربون حتّى يفرغ من الحساب.
قال:فرأى هشام أنّه قد ظفر به فقال:اللّه أكبر اذهب إليه فقل له:ماأشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟!
فقال له أبو جعفر عليه السّلام:فهم في النّار أشغل،و لم يشغلوا عن أن قالوا:«أَفِيضُوا عَلَيْنََا مِنَ اَلْمََاءِ أَوْ مِمََّا رَزَقَكُمُ اَللََّهُ»(1).فسكت هشام لايرجع كلاما(2).5.
ص: 173
و روي أنّ نافع بن الأزرق جاء إلى محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام،فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال و الحرام.فقال له أبوجعفر-في عرض كلامه-:قل لهذه المارقة:بما استحللتم فراق أميرالمؤمنين عليه السّلام،و قد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته،و القربة إلى اللّه تعالى بنصرته؟فيسقولون لك:إنّه حكم في دين اللّه،فقل لهم:
قد حكّم اللّه تعالى في شريعة نبيّه رجلين من خلقه،فقال جلّ اسمه:«فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهََا إِنْ يُرِيدََا إِصْلاََحاً يُوَفِّقِ اَللََّهُ بَيْنَهُمََا»(1)و حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سعد بن معاذ في بني قريظة،فحكم فيهم بما أمضاه اللّه تعالى أو ما علمتم أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام إنّما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن و لا يتعدّياه و اشترط ردّ ما خالف القرآن من أحكام الرجال؟و قال حين قالوا له:حكمت على نفسك من حكم عليك!
فقال:ما حكّمت مخلوقا،و إنّما حكّمت كتاب اللّه فأين تجدالمارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن؟و اشترط ردّ ما خالفه لولا(2)
ص: 174
ارتكابهم في بدعتهم البهتان[و المحال](1).
فقال نافع بن الأزرق:هذا و اللّه كلام ما طرق بسمعي قط،و لا خطرمني ببال و هو الحقّ إن شاء اللّه تعالى(2).
و عن أبي الجارود قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:يا أبا الجارود!مايقولون في الحسن و الحسين عليهما السّلام؟قلت:ينكرون علينا أنّهما إبنارسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال:فبأي شي ء احتججتم عليهم؟
قال:قلت:بقول اللّه في عيسى بن مريم عليهما السّلام:«وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دََاوُدَ-إلى قوله-كُلٌّ مِنَ اَلصََّالِحِينَ»(3)فجعل عيسى من ذرية إبراهيم،و احتججنا عليهم بقوله تعالى:«فَقُلْ تَعََالَوْا نَدْعُ أَبْنََاءَنََا وَ أَبْنََاءَكُمْ وَ نِسََاءَنََاوَ نِسََاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنََا وَ أَنْفُسَكُمْ»(4).
ص: 175
ثمّ قال:فأيّ شي ء قالوا؟
قال:قلت:قالوا:قد يكون ولد البنت من الولد و لا يكون من الصلب.
قال:فقال أبو جعفر عليه السّلام:و اللّه يا أبا الجارود!لأعطينكها(1)من كتاب اللّه آية تسمّيهما أنّهما لصلب(2)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لايردها إلاّ كافر.
قال:قلت:جعلت فداك و اين؟
قال:قال:حيث قال اللّه تعالى:«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ وَ بَنََاتُكُمْ وَ أَخَوََاتُكُمْ-إلى قوله-وَ حَلاََئِلُ أَبْنََائِكُمُ اَلَّذِينَ مِنْ أَصْلاََبِكُمْ»(3)فسلهم يا أبا الجارود هل يحلّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نكاح حليلتيهما؟فان قالوا:نعم.فكذبوا و اللّه،و إن قالوا:لا.فهما و اللّه إبنارسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لصلبه،و ما حرّ من عليه إلاّ للصلب(4).0.
ص: 176
و عن أبي حمزة الثمالي عن أبي الربيع قال:حججت مع أبي جعفرعليه السّلام في السّنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك،و كان معه نافع مولى عمر بن الخطّاب فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السّلام في ركن البيت و قداجتمع عليه الخلق فقال:يا أمير المؤمنين!من هذا الذي قد تكافأ عليه النّاس؟
فقال:هذا محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام.
قال:لآتينه و لأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلاّ نبي أو وصيّ نبي.
قال:فاذهب إليه لعلّك تخجله(1)،فجاء نافع حتّى اتكأ على النّاس و أشرف على أبي جعفر عليه السّلام فقال:
يا محمّد بن عليّ!إنّي قرأت التّوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان،و قد عرفت حلالها و حرامها،و قد جئت أسألك(2)عن مسائل لا يجيبني فيها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبي أو ابن نبيّ،فرفع أبو جعفر عليه السّلام رأسه فقال:سل عمّا بدالك!
قال:أخبرني كم بين عيسى و محمّد من سنة؟قال:اجيبك بقولك أم بقولي؟
ص: 177
قال:أجبني بالقولين!قال:أمّا بقولي فخمسمائة سنة،و أمّا بقولك فستمائة سنة.
قال:فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنََا أَ جَعَلْنََا مِنْ دُونِ اَلرَّحْمََنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ»(1)من الذي سأل محمّدو كان بينه و بين عيسى خمسمائة سنة؟قال:فتلا أبو جعفر عليه السّلام هذه الآية:«سُبْحََانَ اَلَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرََامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِاَلْأَقْصَى اَلَّذِي بََارَكْنََا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيََاتِنََا»(2)كان من الآيات التي أراهامحمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث أسرى به إلى بيت المقدس،أنّه حشر اللّه الأولين و الآخرين،من النبيّين و المرسلين،ثمّ أمر جبرئيل عليه السّلام فأذّن شفعا و أقام شفعا و قال في أذانه:(حيّ على خير العمل)ثمّ تقدّم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصلّى بالقوم،فلمّا انصرف قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنََا أَ جَعَلْنََا مِنْ دُونِ اَلرَّحْمََنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ»(3).
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:على من تشهدون؟و ما كنتم تعبدون؟
قالوا:نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّك رسول اللّه،أخذت على ذلك عهودنا و مواثيقنا.فقال:صدقت يا أبا جعفر!5.
ص: 178
قال:فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّمََاوََاتُ»(1)،أيّ أرض تبدّل؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:خبزة بيضاء يأكلونها(2)حتّى يفرغ اللّه من حساب الخلائق.فقال:إنّهم عن الأكل لمشغولون.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:إنّهم حينئذ(3)أشغل أم هم في النّار؟قال نافع:بل هم في النّار.
قال:فقد قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ نََادى ََ أَصْحََابُ اَلنََّارِ أَصْحََابَ اَلْجَنَّةِأَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنََا مِنَ اَلْمََاءِ أَوْ مِمََّا رَزَقَكُمُ اَللََّهُ»(4)ما أشغلهم إذ دعوا(5)بالطّعام فاطعموا الزّقوم،و دعوا بالشّراب فسقوا من الحميم!!
فقال:صدقت يا ابن رسول اللّه!و بقيت مسألة واحدة.قال:و ما هي؟
قال:فأخبرني متى كان اللّه؟قال:ويلك أخبرني متى لم يكن حتّى أخبرك متى كان؟!سبحان من لم يزل و لا يزال،فردا صمدا لم يتّخذصاحبة و لا ولدا.
ثمّ أتى هشام بن عبد الملك فقال:ما صنعت؟قال دعني من كلامك،..
ص: 179
هو و اللّه أعلم النّاس و هو ابن رسول اللّه حقّا(1).
و عن أبان بن تغلب قال:دخل طاووس اليماني إلى الطّواف و معه صاحب له،فإذا هو بأبي جعفر عليه السّلام يطوف أمامه و هو شاب حدث،فقال طاووس لصاحبه:«إنّ هذا الفتى لعالم»فلمّا فرغ من طوافه صلّى ركعتين،ثمّ جلس و أتاه النّاس فقال طاووس لصاحبه:نذهب إلى أبي جعفر عليه السّلام و نسأله عن مسألة لا أدري عنده فيها شي ء أم لا،فأتياه فسلّماعليه ثمّ قال له طاووس:
يا أبا جعفر!هل تعلم أيّ يوم مات ثلث النّاس؟
فقال:يا أبا عبد الرّحمن!لم يمت ثلث النّاس قطّ،إنّما أردت ربع النّاس.قال:و كيف ذلك؟
ص: 180
قال:كان آدم و حواء،و قابيل و هابيل،فقتل قابيل هابيل،فذلك ربع النّاس.قال:صدقت!
قال أبو جعفر عليه السّلام:هل تدري ما صنع بقابيل؟قال:لا.
قال:علّق بالشّمس ينضح(1)بالماء الحار إلى أن تقوم السّاعة(2).
و روي أنّ عمرو بن عبيد،وفد على محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام لامتحانه بالسؤال عنه فقال له:جعلت فداك ما معنى قوله تعالى:«أَ وَ لَمْ يَرَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ كََانَتََا رَتْقاً فَفَتَقْنََاهُمََا»(3)ما هذاالرتق و الفتق؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:كانت السّماء رتقا لا تنزل القطر،و كانت الأرض رتقا لا تخرج النبات،ففتق اللّه السّماء بالقطر،و فتق الأرض بالنبات،فانقطع عمرو و لم يجد اعتراضا،و مضى ثمّ عاد إليه فقال:
ص: 181
أخبرني جعلت فداك عن قوله تعالى:«وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْهَوى ََ»(1)ما غضب اللّه عزّ و جلّ؟
فقال له أبو جعفر عليه السّلام:غضب اللّه تعالى عقابه يا عمرو،و من ظنّ أنّ اللّه يغيّره شي ء فقد كفر(2).
و عن أبي حمزة الثمالي قال:أتى الحسن البصري أبا جعفر عليه السّلام فقال:
جئتك لأسألك عن أشياء من كتاب اللّه تعالى.
فقال له أبو جعفر عليه السّلام:أ لست فقيه أهل البصرة؟قال:قد يقال ذلك.
فقال له أبو جعفر عليه السّلام:هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟قال:لا.
قال:فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟قال:نعم.
ص: 182
فقال أبو جعفر عليه السّلام:سبحان اللّه لقد تقلّدت عظيما من الأمر(1)،بلغني عنك أمر فما أدري أ كذاك(2)أنت؟أم يكذب عليك؟قال:ما هو؟
قال:زعموا أنّك تقول:إنّ اللّه خلق العباد ففوّض إليهم أمورهم.قال:فسكت الحسن.
فقال:أفرأيت من قال اللّه له في كتابه:إنّك آمن،هل عليه خوف بعدهذا القول منه؟فقال الحسن:لا.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:فإنّي أعرض عليك آية و انهي إليك خطابا،و لا أحسبك إلاّ و قد فسّرته على غير وجهه،فان كنت فعلت ذلك فقدهلكت و أهلكت.
فقال له:و ما هو؟
قال:أ رأيت حيث يقول:«وَ جَعَلْنََا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْقُرَى اَلَّتِي بََارَكْنََافِيهََا قُرىً ظََاهِرَةً وَ قَدَّرْنََا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوا فِيهََا لَيََالِيَ وَ أَيََّاماً آمِنِينَ»(3)ياحسن!بلغني أنّك أفتيت النّاس فقلت:هي مكّة.فقال أبو جعفر عليه السّلام فهل يقطع على من حجّ مكّة و هل يخاف أهل مكّة،و هل تذهب أموالهم؟قال:بلى.
قال:فمتى يكونون آمنين؟بل فينا ضرب اللّه الأمثال في القرآن.8.
ص: 183
فنحن القرى التي بارك اللّه فيها،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ،فمن أقرّ بفضلناحيث أمرهم اللّه أن يأتونا،فقال:«وَ جَعَلْنََا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْقُرَى اَلَّتِي بََارَكْنََافِيهََا»أي:جعلنا بينهم و بين شيعتهم القرى التي باركنا فيها،قرى ظاهرة،و القرى الظاهرة:الرسل،و النقلة عنّا إلى شيعتنا،و فقهاء شيعتناإلى شيعتنا،و قوله تعالى:«وَ قَدَّرْنََا فِيهَا اَلسَّيْرَ»فالسّير مثل للعلم،«سِيرُوافِيهََا لَيََالِيَ وَ أَيََّاماً»،مثل لما يسير من العلم في اللّيالي و الأيّام عنّا إليهم،في الحلال و الحرام،و الفرائض و الأحكام،آمنين فيها إذا أخذوا من معدنها الذي أمروا أن يأخذوا منه.«آمِنِينَ»من الشّك و الضّلال،و النقلةمن الحرام إلى الحلال،لأنّهم أخذوا العلم ممّن وجب لهم بأخذهم إياه عنهم،المغفرة(1)،لأنّهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا،ذريةمصطفاة بعضها من بعض،فلم ينته الاصطفاء إليكم،بل إلينا انتهى،و نحن تلك الذرية المصطفاة،لا أنت و لا أشباهك يا حسن،فلو قلت لك-حين ادعيت ما ليس لك،و ليس إليك-:يا جاهل أهل البصرة!لم أقل فيك إلاّ ماعلمته منك،و ظهر لي عنك،و إيّاك أن تقول بالتفويض،فان اللّه عزّ و جلّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه،و هنا منه و ضعفا،و لا أجبرهم على معاصيه ظلما.
و الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2)..-
ص: 184
و روي أنّ سالما دخل على أبي جعفر عليه السّلام فقال:
جئت أكلّمك في أمر هذا الرجل.
قال:أيما رجل؟قال:عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
قال:في أي أموره؟قال:في أحداثه.
قال أبو جعفر عليه السّلام:انظر ما استقرّ عندك ممّا جاءت به الرّواة عن آبائهم.
قال:ثمّ نسبهم،ثمّ قال:يا سالم!أبلغك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعث سعد بن معاذ(1)براية الأنصار إلى خيبر،فرجع منهزما،ثمّ بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين و الأنصار،فأتى سعد جريحا و جاء عمريجبّن أصحابه و يجبّنونه.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«هكذا يفعل المهاجرون و الأنصار»حتّى قالها ثلاثا ثمّ قال:«لأعطينّ الراية غدا رجلاكرّار ليس بفرّار،يحبّه اللّه و رسوله،و يحب اللّه و رسوله»؟
قال:نعم.و قال القوم جميعا أيضا.
ق-و تفسير البرهان 3/348.
و نقله المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 24/232 و في:5/17،قطعة منه.
ص: 185
فقال أبو جعفر:يا سالم!إن قلت:إنّ اللّه عزّ و جلّ أحبه و هو لا يعلم ما هو صانع فقد كفرت،و إن قلت:إنّ اللّه عزّ و جلّ أحبّه و هو يعلم ما هوصانع،فأيّ حدث ترى له.
فقال:أعد عليّ!
فأعاد عليه،فقال سالم:عبدت اللّه(1)على ضلالة سبعين سنة(2).
و عن أبي بصير قال:كان مولانا أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهماالسّلام جالسا في الحرم و حوله عصابة من أوليائه،إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة من أصحابه ثمّ قال لأبي جعفر عليه السّلام:
أتأذن لي في السؤال؟فقال:أذنّا لك فاسأل!قال:أخبرني متى هلك ثلث النّاس؟
قال:و همت يا شيخ!أردت أن تقول:«متى هلك ربع النّاس»؟و ذلك يوم قتل قابيل هابيل،كانوا أربعة:آدم و حواء و قابيل و هابيل فهلك ربعهم.
ص: 186
فقال:أصبت و وهمت أنا،فأيّهما كان أبا للنّاس القاتل أوالمقتول؟قال:لا واحد منهما،بل أبوهم شيث بن آدم.
قال:فلم سمّي آدم آدم؟قال:لأنّه رفعت طينته من أديم الأرض السّفلى.
قال:فلم سمّيت حواء حواء؟قال:لأنّها خلقت من ضلع حي،يعني ضلع آدم.
قال:فلم سمّي إبليس إبليس؟قال:لأنّه أبلس(1)من رحمة اللّه عزّو جلّ فلا يرجوها.
قال:فلم سمّي الجن جنّا؟قال:لأنّهم استجنوا فلم يروا.
قال:فأخبرني عن كذبة كذبت،من صاحبها؟قال:إبليس حين قال:«أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نََارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ».
قال:فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحقّ و كانوا كاذبين؟
قال:المنافقون حين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:نشهد أنّك لرسول اللّه،فأنزل اللّه عزّ و جلّ:«إِذََا جََاءَكَ اَلْمُنََافِقُونَ قََالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اَللََّهِ وَ اَللََّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اَللََّهُ يَشْهَدُ إِنَّ اَلْمُنََافِقِينَ لَكََاذِبُونَ»(2).
قال:فأخبرني عن طائر طار مرّة و لم يطر قبلها و لا بعدها،ذكره اللّه عزّ و جلّ في القرآن ما هو؟1.
ص: 187
فقال:طور سيناء،أطاره اللّه عزّ و جلّ على بني إسرائيل حين أظلّهم بجناح منه،فيه ألوان العذاب،حتّى قبلوا التّوراة،و ذلك قوله عزّ و جلّ:«وَ إِذْ نَتَقْنَا اَلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ وََاقِعٌ بِهِمْ»الآية(1).
قال:فأخبرني عن رسول بعثه اللّه تعالى ليس من الجن،و لا من الإنس،و لا من الملائكة،ذكره اللّه تعالى في كتابه؟
قال:الغراب،حين بعثه اللّه عزّ و جلّ ليري قابيل كيف يواري سوأةأخيه هابيل حين قتله...قال اللّه عزّ و جلّ:«فَبَعَثَ اَللََّهُ غُرََاباً يَبْحَثُ فِي اَلْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوََارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ»(2).
قال:فأخبرني عمّن أنذر قومه ليس من الجن و لا من الإنس و لا من الملائكة،ذكره اللّه عزّ و جلّ في كتابه؟
قال:النّملة حين قالت:«يََا أَيُّهَا اَلنَّمْلُ اُدْخُلُوا مَسََاكِنَكُمْ لاََ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمََانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لاََ يَشْعُرُونَ»(3).
قال فأخبرني عمّن كذب عليه،ليس من الجنّ و لا من الإنس و لا من الملائكة،ذكره اللّه عزّ و جلّ في كتابه؟قال:الذئب الذي كذب عليه أخوة يوسف.
قال:فأخبرني عن شي ء قليله حلال و كثيره حرام،ذكره اللّه عزّ8.
ص: 188
و جلّ في كتابه؟
قال:نهر طالوت،قال اللّه عزّ و جلّ:«إِلاََّ مَنِ اِغْتَرَفَ غُرْفَةًبِيَدِهِ»(1).
قال:فأخبرني عن صلاة مفروضة تصلّى بغير وضوء،و عن صوم لايحجز عن أكل و لا شرب؟
قال:أمّا الصّلاة بغير وضوء:فالصّلاة على النّبيّ و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أمّا الصّوم:فقول اللّه عزّ و جلّ:«إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمََنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اَلْيَوْمَ إِنْسِيًّا»(2).
قال:فأخبرني عن شي ء يزيد و ينقص،و عن شي ء يزيد و لا ينقص،و عن شي ء ينقص و لا يزيد؟
فقال الباقر عليه السّلام:امّا الشي ء الذي يزيد و ينقص فهو:القمرو الشّي ء الذي يزيد و لا ينقص فهو:البحر،و الشّي ء الذي ينقص و لا يزيدفهو:العمر(3).
و قد تكرّر إيراد أوّل هذا الخبر لما في آخره من الفوائد.3.
ص: 189
و بالإسناد المقدّم ذكره عن أبي محمّد الحسن العسكري عليهما السّلام أنّه قال:كان عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام جالسا في مجلسه(1)فقال يوما في مجلسه إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا أمر بالمسير إلى تبوك،أمر بأن يخلف عليّا بالمدينة.فقال عليّ عليه السّلام:يا رسول اللّه!ما كنت أحب أن اتخلّف عنك في شي ء من أمورك،و أن أغيب عن مشاهدتك و النظرإلى هديك و سمتك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا علي!أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي،تقيم يا عليّ و إنّ لك في مقامك من الأجر مثل الذي يكون لك لو خرجت مع رسول اللّه،و لك مثل اجور كلّ من خرج مع رسول اللّه موقنا طائعا،و إنّ لك على اللّه يا عليّ لمحبتك أن تشاهد من محمّد سمته في ساير أحواله،بأن يأمر جبرئيل في جميع مسيرنا هذا أن يرفع الأرض التي نسير عليها،و الأرض التي تكون أنت عليها،و يقوي بصرك حتّى تشاهد محمّدا و أصحابه في ساير أحوالك و أحوالهم،فلا يفوتك الانس من رؤيته و رؤية أصحابه و يغنيك ذلك عن المكاتبة و المراسلة.
ص: 190
فقام رجل من مجلس زين العابدين عليه السّلام لما ذكر هذا و قال له:يابن رسول اللّه!كيف يكون هذا لعليّ؟إنّما يكون هذا للأنبياء لا لغيرهم.
فقال زين العابدين عليه السّلام:هذا هو معجزة لمحمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا لغيره،لأنّ اللّه تعالى إنّما رفعه بدعاء محمّد،و زاد في نوربصره أيضا بدعاء محمّد،حتّى شاهد ما شاهد و أدرك ما أدرك.
ثمّ قال له الباقر عليه السّلام:يا عبد اللّه!ما أكثر ظلم كثير من هذه الأمّةلعليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و أقل إنصافهم له؟!يمنعون عليّا ما يعطونه ساير الصحابة،و عليّ أفضلهم،فكيف يمنع منزلة يعطونها غيره؟
قيل:و كيف ذاك يابن رسول اللّه؟
قال:لأنّكم تتولّون محبّي أبي بكر بن أبي قحافة،و تبرؤون(1)من أعدائه كائنا من كان،و كذلك تتولون عمر بن الخطّاب،و تتبرؤون من أعدائه كائنا من كان،و تتولون عثمان بن عفان و تتبرؤون من أعدائه كائنامن كان،حتّى إذا صار إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،قالوا:نتولّى محبيه،و لا نتبرأ من أعدائه بل نحبهم.
فكيف يجوز هذا لهم،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول في علي عليه السّلام:«اللّهم وال من والاه،و عاد من عاداه،و انصر من نصره،و اخذل من خذله»أفترونه لا يعادي من عاداه؟!و لا يخذل من خذله؟!ليس هذابانصاف.ن.
ص: 191
ثمّ أخرى:أنّهم إذا ذكر لهم ما اختصّ(1)اللّه به عليّا عليه السّلام بدعاءرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كرامته على ربّه تعالى جحدوه،و هم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصحابة،فما الذي منع عليّا عليه السّلام ما جعله لسائر أصحاب رسول اللّه؟
هذا عمر بن الخطّاب.إذا قيل لهم:إنّه كان على المنبر بالمدينةيخطب إذ نادى في خلال خطبته:يا سارية(2)الجبل!عجبت الصحابة(3)و قالوا ما هذا الكلام الذي في هذه الخطبة؟فلمّا قضى الخطبة و الصّلاةقالوا:ما قولك في خطبتك يا سارية الجبل؟
فقال:اعلموا أنّي و أنا أخطب إذ رميت ببصري نحو الناحية التي خرج فيها إخوانكم إلى غزو الكافرين بنهاوند،و عليهم سعد بن أبي وقّاص،ففتح اللّه لي الأستار و الحجب،و قوى بصري حتّى رأيتهم و قداصطفوا بين يدي جبل هناك،و قد جاء بعض الكفار ليدور خلف سارية،و ساير من معه من المسلمين،فيحيطوا بهم فيقتلوهم،فقلت يا ساريةالجبل،ليلتجئ إليه،فيمنعهم ذلك من أن يحطيوا به،ثمّ يقاتلوا،و منح اللّه اخوانكم المؤمنين أكناف الكافرين،و فتح اللّه عليهم بلادهم،فاحفظواهذا الوقت،فسيرد عليكم الخبر بذلك،و كان بين المدينة و نهاوند مسيرة..
ص: 192
أكثر من خمسين يوما.
قال الباقر عليه السّلام:فإذا كان مثل هذا لعمر،فكيف لا يكون مثل هذالعليّ بن أبي طالب عليه السّلام؟!و لكنّهم قوم لا ينصفون بل يكابرون(1).
و عن عبد اللّه بن سليمان قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فقال له رجل من أهل البصرة-يقال له«عثمان الأعمى»-:
إنّ الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم من يدخل النّار.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:فهلك إذا مؤمن آل فرعون،و اللّه مدحه بذلك،و ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللّه عزّ و جلّ رسوله نوحا،فليذهب الحسن يمينا و شمالا،فو اللّه ما يوجد العلم إلاّ ها هنا،و كان عليه السّلام يقول:محنة النّاس علينا عظيمة،ان دعوناهم لم يجيبونا،و إن تركناهم لم يهتدوابغيرنا(2).
ص: 193
ص: 194
ص: 195
ص: 196
روي عن هشام بن الحكم أنّه قال:كان من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد اللّه عليه السّلام أن قال:
ما الدليل على صانع العالم؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:وجود الأفاعيل التي دلت على أنّ صانعهاصنعها،ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني،علمت أنّ له بانيا و إن كنت لم تر الباني،و لم تشاهده.
قال:فما هو؟
قال:هو شي ء بخلاف الأشياء،ارجع بقولي شي ء إلى إثباته،و انّه شي ء بحقيقته الشّيئية،غير أنّه لا جسم،و لا صورة،و لا يحس،و لايجس(1)،و لا يدرك بالحواس الخمس،لا تدركه الأوهام،و لا تنقصه
ص: 197
الدهور،و لا يغيّره الزمان.
قال السائل:فانّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا.
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لو كان ذلك كما تقول،لكان التوحيد منّامرتفعا لأنّا لم نكلّف(1)أن نعتقد غير موهوم،لكنّا نقول:كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا،فهو مخلوق،و لا بدّ من إثبات كون صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين:احداهما النفي إذكان(2)النفي هو الإبطال و العدم.و الجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب و التأليف،فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجودالمصنوعين،و الاضطرار منهم إليه،إنّهم مصنوعون،و إنّ صانعهم غيرهم و ليس مثلهم،إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب و التأليف و فيمايجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا،و تنقلهم من صغر إلى كبر،و سواد إلى بياض،و قوة إلى ضعف،و أحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها و وجودها.
قال السائل:فأنت قد حدّدته إذ أثبتّ وجوده!
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لم أحده(3)و لكن أثبتّه،إذ لم يكن بين الإثبات و النفي منزلة...
ص: 198
قال السائل:فقوله:«اَلرَّحْمََنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى ََ»(1)؟
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:بذلك وصف نفسه،و كذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه،من غير أن يكون العرش حاملا له و لا أن العرش حاوله و لا أن العرش محل له،لكنّا نقول:هو حامل العرش،و ممسك العرش(2)،و نقول في ذلك ما قال:«وَسِعَ كُرْسِيُّهُ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ»(3)فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته،و نفينا أن يكون العرش و الكرسي حاويا له،و أن يكون عزّ و جلّ محتاجا إلى مكان،أو إلى شي ء ممّا خلق،بل خلقه محتاجون إليه.
قال السائل:فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السّماء و بين أن تخفضوها نحو الأرض؟
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ذلك في علمه و إحاطته و قدرته سواء،و لكنّه عزّ و جلّ أمر أولياءه و عباده برفع أيديهم إلى السّماء نحو العرش،لأنّه جعله معدن الرزق،فثبتنا ما ثبته القرآن و الأخبار عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،حين قال:«ارفعوا أيديكم إلى اللّه عزّ و جلّ»و هذا تجمع عليه فرق الأمّةكلّها.
و من سؤاله أن قال:لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟5.
ص: 199
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لا يخلو قولك:إنّهما اثنان من أن يكوناقديمين قويين أو يكونا ضعيفين،أو يكون أحدهما قويا،و الآخر ضعيفا،فان كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه،و يتفرّد بالربوبية،و إن زعمت أنّ أحدهما قوي و الآخر ضعيف،ثبت أنّه واحد كما نقول للعجز الظّاهر في الثاني،و إن قلت:انّهما اثنان،لم يخل من أن يكونامتّفقين من كلّ جهة،أو متفرقين من كلّ جهة،فلمّا رأينا الخلق منتظما،و الفلك جاريا،و اختلاف اللّيل و النّهار و الشّمس و القمر،دلّ ذلك على صحة الأمر و التدبير،و ائتلاف الأمر،و أنّ المدبّر واحد(1).
و عن هشام بن الحكم قال:دخل ابن أبي العوجاء على الصّادق عليه السّلام فقال له الصادق عليه السّلام:
يابن أبي العوجاء!أ مصنوع أنت أم غير مصنوع؟فقال:لست بمصنوع.
ص: 200
فقال له الصّادق عليه السّلام:فلو كنت مصنوعا كيف كنت تكون؟فلم يحر ابن أبي العوجاء جوابا،و قام و خرج(1).
قال:دخل أبو شاكر الديصاني-و هو زنديق-(2)على أبي عبد اللّه عليه السّلام و قال:يا جعفر بن محمّد دلّني على معبودي!
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:اجلس!فإذا غلام صغير في كفّه بيضةيلعب بها،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ناولني يا غلام البيضة!(3)فناوله إيّاها،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا ديصاني!هذا حصن مكنون،له جلد
ص: 201
غليظ،و تحت الجلد الغليظ جلد رقيق،و تحت الجلد الرّقيق ذهبة مايعة،و فضة ذائبة،فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة،و لا الفضّة الذائبةتختلط بالذهبة المايعة،فهي على حالها،لم يخرج(1)منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها،و لم يدخل فيها داخل(2)مفسد فيخبر عن إفسادها،لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى،تنفلق عن مثل ألوان الطواويس،أترى له مدبّرا؟
قال:فأطرق مليّا ثمّ قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله،و أنّك إمام و حجّة من اللّه على خلقه،و أناتائب[إلى اللّه تعالى](3)ممّا كنت فيه(4).1.
ص: 202
و عن هشام بن الحكم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أسماء اللّه عزّ ذكره و اشتقاقها،فقلت:اللّه،ممّا هو مشتق؟
قال:يا هشام!اللّه:مشتق من إله،و إله يقتضي مألوها،و الاسم غيرالمسمّى،فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر و لم يعبد شيئا،و من عبدالاسم و المعنى فقد كفر و عبد الاثنين،و من عبد المعنى دون الاسم فذاك التّوحيد أفهمت يا هشام؟
قال:فقلت:زدني!فقال:إنّ للّه عزّ و جلّ تسعة و تسعين إسما،فلوكان الاسم هو المسمّى لكان كل اسم منها إلها،و لكن اللّه(1)معنى يدل عليه فهذه الأسماء كلّها غيره،يا هشام!الخبز إسم للمأكول،و الماء إسم للمشروب،و الثوب إسم للملبوس،و النّار إسم للمحرق أفهمت يا هشام فهما تدفع به و تناضل(2)به أعداءنا،و المتّخذين مع اللّه عزّ و جلّ غيره؟قلت:نعم.
قال:فقال:نفعك اللّه به،و ثبّتك!
ص: 203
قال هشام:فو اللّه ما قهرني أحد في علم التّوحيد حتّى قمت مقامي هذا(1).
و عن هشام بن الحكم،قال:كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام علم،فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها،و قيل:هو بمكّة،فخرج إلى مكّة و نحن مع أبي عبد اللّه عليه السّلام.فانتهى إليه-و هو في الطّواف-فدنا منه و سلّم عليه.
فقال له أبو عبد اللّه:ما أسمك؟قال:عبد الملك.
قال:فما كنيتك؟قال:أبو عبد اللّه.
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فمن ذا الملك الذي أنت عبده،أ من ملوك الأرض أم من ملوك السّماء؟و أخبرني عن ابنك أ عبد إله السّماء،أم عبد إله الأرض؟فسكت.فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:قل!فسكت.
فقال:إذا فرغت من الطّواف فائتنا،فلمّا فرغ أبو عبد اللّه عليه السّلام من الطّواف أتاه الزنديق،فقعد بين يديه و نحن مجتمعون عنده.
ص: 204
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أتعلم أنّ للأرض تحتا و فوقا؟فقال:نعم.
قال:فدخلت تحتها؟قال:لا.
قال:فهل تدري ما تحتها؟قال:لا أدري إلاّ أنّي أظن أن ليس تحتهاشي ء.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فالظنّ عجز ما لم تستيقن،ثمّ قال له:صعدت إلى السّماء؟قال:لا،قال أفتدري ما فيها؟قال:لا.
قال:فأتيت المشرق و المغرب فنظرت ما خلفهما؟قال:لا.
قال:فالعجب لك!لم تبلغ المشرق،و لم تبلغ المغرب،و لم تنزل تحت الأرض،و لم تصعد إلى السّماء،و لم تخبر ما هناك(1)فتعرف ماخلفهنّ،و أنت جاحد بما فيهنّ،و هل يجحد العاقل ما لا يعرف؟!فقال الزنديق:ما كلّمني بهذا غيرك.
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فأنت من ذلك في شك،فلعلّ هو و لعلّ ليس هو.قال:و لعل ذلك.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أيّها الرجل!ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم،و لا حجّة للجاهل على العالم،يا أخا أهل مصر،تفهّم عني،أماترى الشّمس و القمر و اللّيل و النّهار يلجان و لا يستبقان،يذهبان و يرجعان،قد اضطرّا ليس لهما مكان إلاّ مكانهما،فان كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان؟و إن كانا غير مضطرين فلم لا يصير اللّيل نهارا..
ص: 205
و النّهار ليلا؟اضطرّا و اللّه يا أخا أهل مصر.
إنّ الذي تذهبون إليه و تظنّون من الدّهر،فان كان هو يذهبهم،فلم لايردهم؟و إن كان يردهم،فلم لا يذهب بهم؟أما ترى السّماء مرفوعة،و الأرض موضوعة،لا تسقط السّماء على الأرض،و لا تنحدر الأرض فوق ما تحتها،أمسكها و اللّه خالقها و مدبّرها.
قال:فآمن الزنديق على يدي أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لهشام:خذه إليك و علّمه(1).
عن عيسى بن يونس قال:كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري،فانحرف عن التّوحيد،فقيل له:تركت مذهب صاحبك و دخلت فيما لا أصل له و لا حقيقة؟!
ص: 206
قال:انّ صاحبي كان مخلطا،يقول طورا بالقدر و طورا بالجبر،فماأعلمه اعتقد مذهبا دام عليه،فقدم مكّة متمرّدا،و إنكارا على من يحجّه،و كان تكره العلماء مجالسته لخبث لسانه،و فساد ضميره،فأتى أبا عبد اللّه عليه السّلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه،فقال:
يا أبا عبد اللّه!إنّ المجالس بالأمانات،و لا بدّ لكلّ من به سعال(1)أن يسعل أفتأذن لي في الكلام؟فقال:تكلّم.
فقال:إلى كم تدوسون هذا البيدر(2)،و تلوذون بهذا الحجر،و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب(3)و المدر،و تهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر،إنّ من فكر في هذا و قدّر(4)،علم أنّ هذا فعل اسّسه غير حكيم و لا ذي نظر،فقل فانّك رأس هذا الأمر و سنامه،و أبوك أسّه و نظامه!
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّ من أضلّه اللّه و أعمى قلبه،استوخم الحقّ و لم يستعذبه و صار الشّيطان وليّه،يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره،و هذا بيت استعبد اللّه به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه،فحثّهم على تعظيمه و زيارته و جعله محل أنبيائه و قبلة للمصلين له،فهو شعبة من..
ص: 207
رضوانه،و طريق يؤدي إلى غفرانه،منصوب على استواء الكمال،و مجتمع العظمة و الجلال،خلقه اللّه قبل دحو الأرض بألفي عام،فأحق من أطيع فيما أمر و انتهى عمّا نهى عنه و زجر،اللّه المنشى ء للأرواح و الصور.
فقال ابن أبي العوجاء:ذكرت اللّه فأحلت على غائب.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ويلك!!كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد و إليهم أقرب من حبل الوريد،يسمع كلامهم و يرى أشخاصهم،و يعلم أسرارهم؟!
فقال ابن أبي العوجاء:فهو في كل مكان،أ ليس إذا كان في السّماءكيف يكون في الأرض و إذا كان في الأرض كيف يكون في السّماء؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان،و خلا منه مكان،فلا يدري في المكان الذي صارإليه ما حدث في المكان الذي كان فيه،فأمّا اللّه العظيم الشأن،الملك الديّان،فلا يخلو منه مكان و لا يشتغل به مكان،و لا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان(1).،-
ص: 208
و روي أنّ الصادق عليه السّلام قال لابن أبي العوجاء:إن يكن الأمر كماتقول-و ليس كما تقول-نجونا و نجوت،و إن يكن الأمر كما نقول-و هو كما نقول-نجونا و هلكت(1).
و روي أيضا أنّ ابن أبي العوجاء سأل الصّادق عليه السّلام عن حدث العالم(2)،فقال له عليه السّلام:ما وجدت شيئا صغيرا و لا كبيرا إلاّ و إذا ضمّ إليه مثله صار أكبر،و في ذلك زوال و انتقال عن الحالة الأولى،و لو كان ق-أيضا.و الفقيه 2/162،الباب 64،برقم 32.
و الشيخ المفيد قدّس سرّه في الإرشاد ص 280.
و انظر كنز الفوائد 2/75.و نقله في بحار الأنوار 3/33،96/28 و 29.
ص: 209
قديما ما زال و لا حال،لأنّ الذي يزول و يحول يجوز أن يوجد و يبطل،فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدوث،و في كونه في الأزل دخول في القدم،و لن تجتمع صفة الحدوث و القدم في شي ء واحد.
قال ابن أبي العوجاء:هبك(1)علمك في جري الحالتين و الزمانين على ما ذكرت استدللت على حدوثها،فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثها؟
فقال عليه السّلام:إنّما(2)نتكلّم على هذا العالم الموضوع،فلو رفعناه و وضعنا عالما آخر كان لا شي ء أدلّ على الحدث(3)من رفعنا إيّاه و وضعناغيره،و لكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا،فنقول:
إنّ الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنّه متى ضمّ شي ء منه إلى شي ء منه(4)كان أكبر،و في جواز التغيير عليه خروجه من القدم،كماأنّ في تغيره دخوله في الحدث،ليس لك و راءه شي ء يا عبد الكريم(5).2.
ص: 210
و عن يونس بن ظبيان قال:دخل رجل على أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:أ رأيت اللّه حين عبدته؟
قال له:ما كنت أعبد شيئا لم أره.
قال:فكيف رأيته؟
قال:لم تره الأبصار بمشاهدة العيان،و لكن رأته القلوب بحقايق الإيمان.لا يدرك بالحواس،و لا يقاس بالنّاس،معروف بغير تشبيه.(1)
و عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى:«لاََتُدْرِكُهُ اَلْأَبْصََارُ»(2)قال:إحاطة الوهم،ألا ترى إلى قوله:«قَدْ جََاءَكُمْ
ص: 211
«بَصََائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ»(1)ليس يعني بصر العيون،«فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ»و ليس يعني من أبصر نفسه(2)«وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهََا»ليس يعني عمي العيون،إنّما عنى:إحاطة الوهم-كما يقال:فلان بصير بالشّعر و فلان بصير بالفقه و فلان بصير بالدراهم و فلان بصير بالثّياب-اللّه أعظم من أن يرى بالعين(3).
ثمّ الرسل و آياتها و الكتب و محكماتها،و اقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته.
قال:أ ليس هو قادر أن يظهر لهم حتّى يروه فيعرفوه فيعبد على يقين؟قال:ليس للمحال جواب.
قال:فمن أين أثبت أنبياء و رسلا؟
قال عليه السّلام:إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا و عن جميع ما خلق(1)،و كان ذلك الصانع حكيما،لم يجز أن يشاهده خلقه،و لا أن يلامسوه و لا أن يباشرهم و يباشروه و يحاجهم و يحاجوه،ثبت أنّ له سفراءفي خلقه و عباده يدلونهم على مصالحهم و منافعهم،و ما به بقاؤهم،و في تركه فناؤهم،فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه،و ثبت عند ذلك أنّ له معبّرين و هم الأنبياء و صفوته(2)من خلقه،حكماء مؤدّبين بالحكمة،مبعوثين عنه،مشاركين للنّاس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب،مؤيّدين(3)من عند الحكيم العليم،بالحكمةو الدلائل و البراهين و الشّواهد:من إحياء الموتى،و إبراء الأكمه و الأبرص فلا تخلو الأرض من حجّة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسّول و وجوب عدالته(4).ا-
ص: 213
ثمّ قال عليه السّلام-بعد ذلك-:نحن نزعم أنّ الأرض لا تخلو من حجّة،و لا تكون الحجّة إلاّ من عقب الأنبياء،و ما بعث اللّه نبيّا قطّ من غير نسل الأنبياء،و ذلك أنّ اللّه شرع لبني آدم طريقا منيرا،و أخرج من آدم نسلاطاهرا طيبا،أخرج منه الأنبياء و الرسل،هم صفوة اللّه،و خلص الجوهر،طهروا في الأصلاب،و حفظوا في الأرحام،لم يصبهم سفاح الجاهلية،و لا شاب أنسابهم،لأنّ اللّه عزّ و جلّ جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة و شرفا منه،فمن كان خازن علم اللّه،و أمين غيبه و مستودع سرّه،و حجّته على خلقه،و ترجمانه و لسانه،لا يكون إلاّ بهذه الصّفة فالحجّة لاتكون إلاّ من نسلهم،يقوم مقام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الخلق بالعلم الذي عنده و ورثه عن الرسول،إن جحده النّاس سكت،و كان بقاء ما عليه النّاس قليلا ممّا في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه،قدق-توجد متفرّقة في أبواب مختلفة من كتب الحديث.يقول العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 10/188 بعد نقل الحديث:«هذا الخبر و إن كان مرسلا لكنّ اكثر أجزائه أوردهاالكليني و الصّدوق متفرّقة في المواضع المناسبة لها،و سياقه شاهد صدق على حقّيته».
و هذا ما دعانا إلى أن نذيّل كل جزء من الرواية بمصدره عند العثور عليه.
إلى هنا رواه الكليني قدّس سرّه في الكافي 1/168،عن عليّ بن إبراهيم،عن أبيه،عن العبّاس بن عمر الفقيمي،عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبت الأنبياء و الرسل؟قال:إنّا لمّا أثبتنا...و الصّدوق رحمه اللّه في العلل ص 120،الباب 99،برقم 3.و التّوحيد ص 249،الباب 36،برقم 1،في ضمن الحديث.
ص: 214
أقاموا بينهم الرأي و القياس و إنّهم إن أقروا به و أطاعوه و أخذوا عنه،ظهرالعدل و ذهب الاختلاف و التّشاجر و استوى الأمر و أبان الدّين،و غلب على الشك اليقين،و لا يكاد أن يقرّ النّاس به و لا يطيعوا له أو يحفظوا له(1)بعدفقد الرسول،و ما مضى رسول و لا نبي قطّ إلاّ و قد تختلف(2)أمّته من بعده،و إنّما كان علّة اختلافهم خلافهم على الحجّة و تركهم إياه.
قال:فما يصنع بالحجّة إذا كان بهذه الصّفة؟قال:قد يقتدى به و يخرج عنه الشي ء بعد الشّي ء مكانه منفعة الخلق(3)و صلاحهم،فان أحدثوا في دين اللّه شيئا أعلمهم و إن زادوا فيه أخبرهم،و إن نقصوا منه شيئا أفادهم.
ثمّ قال الزنديق:من أي شي ء خلق اللّه الأشياء؟قال عليه السّلام:من لاشي ء.
فقال:كيف يجي ء من لا شي ء شي ء؟
قال عليه السّلام:إنّ الأشياء لا تخلو أن تكون(4)خلقت من شي ء أو من غير شي ء،فان كانت خلقت من شي ء كان معه،فإنّ ذلك الشّي ء قديم،و القديم لا يكون حديثا و لا يفنى و لا يتغيّر،و لا يخلو ذلك الشّي ء من أن يكون جوهرا واحدا و لونا واحدا،فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة،..
ص: 215
و الجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتّى؟و من أين جاءالموت ان كان الشّي ء الذي أنشئت منه الأشياء حيّا؟و من أين جاءت الحياة ان كان ذلك الشّي ء ميتا؟و لا يجوز أن يكون من حيّ و ميت قديمين لم يزالا،لأنّ الحي لا يجي ء منه ميت و هو لم يزل حيّا،و لا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بما هو(1)به من الموت،لأنّ الميت لا قدرة له و لا بقاء.
قال:فمن أين قالوا إنّ الأشياء أزلية؟قال:هذه مقالة قوم جحدوامدبر الأشياء فكذبوا الرسل،و مقالتهم(2)،و الأنبياء و ما أنبأوا عنه،و سمّوا كتبهم أساطير،و وضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم و استحسانهم،إنّ الأشياء تدل على حدوثها،من دوران الفلك بما فيه،و هي تسعة أفلاك(3)و تحرك الأرض و من عليها و انقلاب الأزمنة،و اختلاف الوقت،و الحوادث التي تحدث في العالم من زيادة و نقصان و موت و بلاء(4)و اضطرار النفس إلى الإقرار بأنّ لها صانعا و مدبّرا،أما ترى الحلو يصيرحامضا،و العذب مرّا،و الجديد باليا،و كل إلى تغير و فناء؟!
قال:فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها؟
قال:فلم يزل يعلم فخلق ما علم.قال:أمختلف هو أم مؤتلف؟..
ص: 216
قال:لا يليق به الاختلاف و لا الايتلاف،انّما يختلف المتجزي،و يأتلف المتبعّض،فلا يقال له:مؤتلف و لا مختلف.
قال:فكيف هو اللّه الواحد؟قال:واحد في ذاته،فلا واحد كواحد،لأنّ ما سواه من الواحد متجزي و هو تبارك و تعالى واحد لا يتجزى،و لايقع عليه العدّ.
قال:فلأي علّة خلق الخلق و هو غير محتاج إليهم،و لا مضطر إلى خلقهم،و لا يليق به التعبث بنا؟(1).
قال:خلقهم لإظهار حكمته و إنفاذ علمه و إمضاء تدبيره.
قال:و كيف لا يقتصر على هذه الدّار فيجعلها دار ثوابه و محتبس عقابه؟
قال:إنّ هذه الدّار دار ابتلاء،و متجر الثواب و مكتسب الرّحمة،ملئت آفات،و طبقت شهوات،ليختبر فيها عبيده بالطّاعة،فلا يكون دارعمل دار جزاء.
قال:أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا،و قد كان و لا عدو له،فخلق كما زعمت«إبليس»فسلّطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته،و يأمرهم بمعصيته و جعل له من القوة كما زعمت،يصل(2)بلطف الحيلةإلى قلوبهم،فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم،و يلبّس عليهم دينهم،فيزيلهم عن معرفته،حتّى أنكر قوم لمّا وسوس إليهم ربوبيته و عبدوا..
ص: 217
سواه،فلم سلّط عدوّه على عبيده،و جعل له السّبيل إلى إغوائهم؟
قال:إنّ هذا العدوّ الذي ذكرت لا تضره عداوته،و لا تنفعه ولايته.و عداوته لا تنقص من ملكه شيئا،و ولايته لا تزيد فيه شيئا،و إنّما يتّقى العدو إذا كان في قوة يضر و ينفع،إن همّ بملك أخذه،أو بسلطان قهره،فأمّا إبليس فعبد،خلقه ليعبده و يوحّده،و قد علم حين خلقه ما هو و إلى مايصير إليه،فلم يزل يعبده مع ملائكته حتّى امتحنه بسجود آدم،فامتنع من ذلك حسدا،و شقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك،و أخرجه عن صفوف الملائكة،و أنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم و ولده بذلك السبب،و ما له من السلطنة على ولده إلاّ الوسوسة،و الدعاء إلى غير السبيل،و قد أقرّ مع معصيته لربّه بربوبيته.
قال:أفيصلح السّجود لغير اللّه؟قال:لا.
قال:فكيف أمر اللّه الملائكة بالسّجود لآدم؟
فقال:انّ من سجد بأمر اللّه فقد سجد للّه،فكان سجوده للّه اذا كان عن أمر اللّه تعالى.
قال:فمن أين أصل الكهانة،و من أين يخبر النّاس بما يحدث؟
قال:إنّ الكهانة كانت في الجاهلية،في كل حين فترة من الرسل،كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأموربينهم،فيخبرهم عن أشياء(1)تحدث،و ذلك من وجوه شتّى:فراسة العين،..
ص: 218
و ذكاء القلب،و وسوسة النفس،و فتنة الرّوح،مع قذف في قلبه،لأنّ مايحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة:فذلك يعلم الشّيطان و يؤديه إلى الكاهن،و يخبره بما يحدث في(1)المنازل و الأطراف.
و أمّا أخبار السّماء،فإنّ الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك،و هي لا تحجب،و لا ترجم بالنجوم،و إنّما منعت من استراق السّمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السّماء،و يلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن اللّه،لإثبات الحجّة،و نفي الشبهة.و كان الشّيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السّماء بما يحدث من اللّه في خلقه،فيختطفها،ثمّ يهبط بها إلى الأرض،فيقذفها إلى الكاهن،فإذا قدزاد كلمات من عنده،فيخلط الحقّ بالباطل،فما أصاب الكاهن من خبرممّا كان يخبر به،فهو ما أداه إليه شيطانه ممّا سمعه(2)،و ما أخطأ فيه،فهو من باطل ما زاد فيه،فمذ منعت(3)الشّياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة،و اليوم إنمّا تؤدي الشّياطين إلى كهانها أخباراللنّاس(4)ممّا يتحدّثون به،و ما يحدثونه،و الشّياطين تؤدي إلى الشّياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق،و من قاتل قتل،و منس.
ص: 219
غائب غاب،و هم بمنزلة[أمثال](1)النّاس أيضا،صدوق و كذوب.
قال:فكيف صعدت الشّياطين إلى السّماء،و هم أمثال النّاس في الخلقة و الكثافة و قد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليهما السّلام من البناء مايعجز عنه ولد آدم؟
قال:غلظوا لسليمان كما سخروا و هم خلق رقيق،غذاؤهم النسيم.و الدليل على ذلك(2)صعودهم إلى السّماء لاستراق السمع،و لا يقدرالجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلاّ بسلّم أو بسبب.
قال:فأخبرني عن السحر ما أصله؟و كيف يقدر السّاحر على مايوصف من عجائبه،و ما يفعل؟
قال عليه السّلام:إنّ السّحر على وجوه شتّى:وجه منها:بمنزلة الطبّ،كما أنّ الأطباء وضعوا لكل داء دواء،فكذلك علم السّحر،احتالوا لكل صحة آفة،و لكل عافية عاهة،و لكل معنى حيلة.
و نوع منه آخر(3):خطفة و سرعة و مخاريق و خفّة.
و نوع منه:ما يأخذ أولياء الشّياطين عنهم.
قال:فمن أين علم الشّياطين السّحر؟
قال:من حيث عرف الأطباء الطبّ،بعضه تجربة و بعضه علاج...
ص: 220
قال:فما تقول في الملكين:هاروت و ماروت؟و ما يقول النّاس بأنّهما يعلّمان النّاس السحر؟
قال:إنّهما موضع ابتلاء و موقف فتنة(1)،تسبيحهما:اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا،و لو يعالج بكذا و كذا لصار كذا،أصناف السّحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما،فيقولان لهم:إنّما نحن فتنة فلاتأخذوا عنّا ما يضرّكم و لا ينفعكم.
قال:أفيقدر السّاحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أوالحمار أو غير ذلك؟
قال:هو أعجز من ذلك،و أضعف من أن يغيّر خلق اللّه،إنّ من أبطل ما ركّبه اللّه و صوره و غيّره فهو شريك اللّه في خلقه،تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.لو قدر السّاحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفةو الأمراض،و لنفى البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته،و إنّ من أكبرالسحر النميمة،يفرّق بها بين المتحابين،و يجلب العداوة على المتصافيين،و يسفك بها الدماء،و يهدم بها الدور و يكشف بها الستور،و النّمام أشرّ من وطى ء الأرض(2)بقدم،فأقرب أقاويل السحر من الصّواب أنّه بمنزلة الطب،إنّ السّاحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النّساء فجاءالطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج،فأبرى ء(3).ه.
ص: 221
قال:فما بال ولد آدم فيهم شريف و وضيع؟قال:الشريف المطيع،و الوضيع العاصي.
قال:أ ليس فيهم فاضل و مفضول؟قال:إنّما يتفاضلون بالتقوى.
قال:فتقول إنّ ولد آدم كلّهم سواء في الأصل لا يتفاضلون إلاّبالتّقوى؟
قال:نعم.إنّي وجدت أصل الخلق التّراب،و الأب آدم و الأم حواء،خلقهم إله واحد،و هم عبيده،إنّ اللّه عزّ و جلّ اختار من ولد آدم أناسا طهرميلادهم،و طيّب أبدانهم،و حفظهم في أصلاب الرجال و أرحام النّساء،أخرج منهم الأنبياء و الرسل،فهم أزكى فروع آدم،ما فعل ذلك لأمر(1)استحقّوه من اللّه عزّ و جلّ و لكن علم اللّه منهم-حين ذرأهم-أنّهم يطيعونه و يعبدونه و لا يشركون به شيئا فهؤلاء بالطاعة نالوا من اللّه الكرامة و المنزلةالرفيعة عنده،و هؤلاء الذين لهم الشرف و الفضل و الحسب،و ساير النّاس سواء،ألا من اتّقى اللّه أكرمه،و من أطاعه أحبه،و من أحبه لم يعذّبه بالنار!!
قال:فأخبرني عن اللّه عزّ و جلّ كيف لم يخلق الخلق كلّهم مطيعين موحّدين و كان على ذلك قادرا؟
قال عليه السّلام:لو خلقهم(2)مطيعين لم يكن لهم ثواب،لأنّ الطّاعةإذا ما كانت فعلهم لم تكن جنّة و لا نار،و لكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته..
ص: 222
و نهاهم عن معصيته و احتج عليهم برسله و قطع عذرهم بكتبه،ليكونوا هم الذين يطيعون و يعصون و يستوجبون بطاعتهم له الثواب و بمعصيتهم إيّاه العقاب.
قال:فالعمل الصّالح من العبد هو فعله،و العمل الشّر من العبد هوفعله؟
قال:العمل الصّالح من العبد بفعله و اللّه به أمره،و العمل الشرّ من العبد بفعله و اللّه عنه نهاه.
قال:أ ليس فعله بالآلة التي ركبها فيه؟
قال:نعم.و لكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر على الشرّ الذي نهاه عنه.
قال:فإلى العبد من الأمر شي ء؟
قال:ما نهاه اللّه عن شي ء إلاّ و قد علم أنّه يطيق تركه،و لا أمره بشي ءإلاّ و قد علم أنّه يستطيع فعله،لأنّه ليس من صفته الجور و العبث و الظلم و تكليف العباد ما لا يطيقون.
قال:فمن خلقه اللّه كافرا أيستطيع الإيمان و له عليه بتركه الإيمان حجّة؟
قال عليه السّلام:انّ اللّه خلق خلقه جميعا مسلمين،أمرهم و نهاهم،و الكفراسم يلحق الفاعل(1)حين يفعله العبد،و لم يخلق اللّه العبد حين خلقه..
ص: 223
كافرا،إنّه إنّما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحّجة من اللّه،فعرض عليه الحقّ فجحده فبإنكاره الحقّ صار كافرا.
قال:أفيجوز أن يقدر على العبد الشرّ،و يأمره بالخير و هو لا يستطيع الخير أن يعمله،و يعذّبه عليه؟
قال:إنّه لا يليق بعدل اللّه و رأفته أن يقدر على العبد الشرّ و يريده منه،ثمّ يأمره بما يعلم أنّه لا يستطيع أخذه،و الانزاع عمّا لا يقدر على تركه،ثمّ يعذبه على تركه أمره الذي علم أنّه لا يستطيع أخذه.
قال:بماذا استحق الذين أغناهم و أوسع عليهم من رزقه الغناءو السعة،و بماذا استحق الفقير التقتير و الضيق؟(1).
قال:اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم،و الفقراء بمامنعهم(2)لينظر كيف صبرهم.
و وجه آخر:انّه عجل لقوم في حياتهم،و لقوم آخر ليوم حاجتهم إليه.
و وجه آخر:فانّه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم،و لو كان الخلق كلّهم أغنياء لخربت الدنيا و فسد التدبير،و صار أهلها إلى الفناء و لكن جعل بعضهم لبعض عونا،و جعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال و أنواع الصناعات،و ذلك أدوم في البقاء و أصح في التدبير،ثم..
ص: 224
اختبر الأغنياء بالاستعطاف على الفقراء،كل ذلك لطف و رحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.
قال:فبما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع و الأمراض بلا ذنب عمله،و لا جرم سلف منه؟
قال:إنّ المرض على وجوه شتّى:مرض بلوى و مرض عقوبة،و مرض جعل علّة للفناء،و أنت تزعم أنّ ذلك من أغذية رديّة،و أشربةوبية(1)،أو علّة كانت بأمه،و تزعم أنّ من أحسن السياسة لبدنه،و أجمل النظر في أحوال نفسه و عرف الضّار ممّا يأكل من النافع لم يمرض،و تميل في قولك إلى من يزعم أنّه لا يكون المرض و الموت إلاّ من المطعم و المشرب!قد مات ارسطاطاليس معلّم الأطباء،و افلاطون رئيس الحكماء،و جالينوس شاخ(2)و دق بصره و ما دفع الموت حين نزل بساحته،و لم يألوا حفظ أنفسهم،و النظر لما يوافقها.كم من مريض(3)قدزاده المعالج سقما،و كم من طبيب عالم،و بصير بالأدواء و الأدوية ماهر،مات،و عاش الجاهل بالطب بعده زمانا،فلا ذاك نفعه علمه بطبّه عند انقطاع مدّته و حضور أجله،و لا هذا ضرّه الجهل بالطبّ مع بقاء المدّة و تأخر الأجل.
ثمّ قال عليه السّلام:إنّ أكثر الأطباء قالوا:إنّ علم الطب لم تعرفه..
ص: 225
الأنبياء،فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج اللّه على خلقه،و أمناءه في أرضه،و خزّان علمه،و ورثةحكمته،و الأدلاّء عليه،و الدّعاة إلى طاعته؟
ثمّ إنّي وجدت أكثرهم يتنكب(1)في مذهبه سبل الأنبياء و يكذّب الكتب المنزلة عليهم من اللّه تبارك و تعالى،فهذا الذي أزهدني في طلبه و حامليه.
قال:فكيف تزهد في قوم و أنت مؤدبهم و كبيرهم؟
قال عليه السّلام:إنّي لمّا رأيت الرجل الماهر في طبّه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه و تأليف بدنه و تركيب أعضائه و مجرى الأغذية في جوارحه،و مخرج نفسه و حركة لسانه،و مستقر كلامه و نور بصره و انتشارذكره،و اختلاف شهواته و انسكاب عبراته،و مجمع سمعه و موضع عقله،و مسكن روحه و مخرج عطسته،و هيج غمومه و أسباب سروره،و علّة ما حدث فيه من بكم و صمم و غير ذلك،لم يكن عندهم في ذلك أكثرمن أقاويل استحسنوها،و علل فيما بينهم جوّزوها.
قال:فأخبرني عن اللّه عزّ و جلّ أله شريك في ملكه،أو مضادّ له في تدبيره؟قال:لا.
قال:فما هذا الفساد الموجود في هذا العالم:من سباع ضارية،و هوام مخوّفة و خلق كثير مشوهة،و دود و بعوض و حيّات و عقارب0.
ص: 226
و زعمت أنّه لا يخلق شيئا إلاّ لعلّة،لأنّه لا يعبث؟!
قال:أ لست تزعم أنّ العقارب تنفع من وجع المثانة و الحصاة،و لمن يبول في الفراش،و أنّ أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي،فانّ لحومها إذا أكلها المجذوم بشبّ(1)نفعه،و تزعم أنّ الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للآكلة؟قال:نعم.
قال عليه السّلام:فأمّا البعوض و البق فبعض سببه أنّه جعل أرزاق بعض الطير(2)،و أهان بها جبّارا تمرّد على اللّه و تجبّر،و أنكر ربوبيته،فسلّطاللّه عليه أضعف خلقه ليريه قدرته و عظمته،و هي البعوضة(3)فدخلت في منخره حتّى وصلت إلى دماغه فقتلته.و اعلم أنّا لو وقفنا على كلّ شي ءخلقه اللّه تعالى لم خلقه؟و لأي شي ء أنشأه؟لكنّا قد ساويناه في علمه،و علمنا كلّما يعلم و استغنينا عنه،و كنّا و هو في العلم سواء.
قال:فأخبرني هل يعاب شي ء من خلق اللّه و تدبيره؟قال:لا.
قال:فإنّ اللّه خلق خلقه غرلا(4)،أ ذلك منه حكمة أم عبث؟(5)قال:بل حكمة منه(6).ة.
ص: 227
قال:غيرتم خلق اللّه،و جعلتم فعلكم في قطع الغلفة أصوب ممّاخلق اللّه لها،و عبتم الأغلف و اللّه خلقه،و مدحتم الختان و هو فعلكم.أم تقولون انّ ذلك من اللّه كان خطأ غير حكمة؟!
قال عليه السّلام:ذلك من اللّه حكمة و صواب،غير أنّه سنّ ذلك و أوجبه على خلقه،كما أنّ المولود إذا خرج من بطن أمّه وجدنا سرّته متصلة بسرةأمّه كذلك خلقها الحكيم فأمر العباد بقطعها،و في تركها فساد بيّن للمولودو الأمّ.و كذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلم،و كان قادرا يوم دبّرخلق الإنسان أن يخلقها خلقة لا تطول،و كذلك الشّعر من الشّارب و الرّأس يطول فيجز،و كذلك الثيران خلقها اللّه فحولة و اخصاؤها أوفق،و ليس في ذلك عيب(1)في تقدير اللّه عزّ و جلّ.
قال:أ لست تقول:إنّ اللّه تعالى قال:«اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(2)و قد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له،و المظلوم(3)يستنصره على عدوه فلا ينصره؟
قال:ويحك!ما يدعوه أحد إلاّ استجاب له،أمّا الظّالم فدعاؤه مردودإلى أن يتوب إلى اللّه،و أمّا المحقّ فانّه إذا دعاه استجاب له،و صرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه،أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه،و إن لم).
ص: 228
يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه أمسك عنه،و المؤمن العارف باللّه ربّما عزّ عليه أن يدعوه فيما لا يدري أ صواب ذلك أم خطأ،و قد يسأل العبد ربه إهلاك من لم تنقطع مدّته،و يسأل(1)المطر وقتا و لعلّه أو ان لايصلح فيه المطر،لأنّه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه،و أشباه ذلك كثيرةفافهم هذا.
قال:فأخبرني أيّها الحكيم،ما بال السّماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد و لا يصعد من الأرض إليها بشر،و لا طريق إليها،و لا مسلك،فلو نظرالعباد في كل دهر مرّة من يصعد إليها و ينزل،لكان ذلك أثبت في الربوبيّةو أنفى للشّك و أقوى لليقين،و أجدر أن يعلم العباد أنّ هناك مدبّرا إليه يصعدالصاعد و من عنده يهبط الهابط؟!
قال عليه السّلام:إنّ كل ما ترى في الأرض من التدبير إنّما هو ينزل من السّماء،و منها يظهر،أما ترى الشّمس منها تطلع،و هي نور النّهار،و منها قوام(2)الدنيا،و لو حبست حار من عليها و هلك،و القمر منهايطلع،و هو نور اللّيل،و به يعلم عدد السنين و الحساب،و الشهور و الأيام،و لو حبس لحار من عليها و فسد التّدبير،و في السّماء النّجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر و البحر،و من السّماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شي ء:من الزرع و النبات و الأنعام،و كل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا،..
ص: 229
و الرّيح لو حبست أيّاما لفسدت الأشياء جميعا و تغيّرت،ثمّ الغيم و الرعدو البرق و الصواعق،كل ذلك إنّما هو دليل على أنّ هناك مدبّرا يدبّر كل شي ء و من عنده ينزل،و قد كلّم اللّه موسى و ناجاه،و رفع اللّه عيسى بن مريم و الملائكة تنزل من عنده،غير أنّك لا تؤمن بما لم تره بعينك،و فيماتراه بعينك كفاية إن تفهم و تعقل.
قال:فلو أنّ اللّه تعالى ردّ إلينا من الأموات في كل مائة عام واحدالنسأله عمّن مضى منّا.إلى ما صاروا و كيف حالهم،و ما ذا لقوا بعدالموت،و أي شي ء صنع بهم،ليعمل النّاس على اليقين،و اضمحل الشّك،و ذهب الغل عن القلوب.
قال:إنّ هذه مقالة من أنكر الرسل و كذّبهم،و لم يصدق بما جاءوا به من عند اللّه،إذ أخبروا و قالوا:إنّ اللّه أخبر في كتابه عزّ و جلّ على لسان أنبيائه،حال من مات منّا،أ فيكون أحد أصدق من اللّه قولا و من رسله.
و قد رجع إلى الدنيا ممّن مات خلق كثير،منهم«أصحاب الكهف»أماتهم اللّه ثلاثمائة عام و تسعة،ثمّ بعثهم في زمان قوم أنكرواالبعث،ليقطع حجّتهم،و ليريهم قدرته و ليعلموا أنّ البعث حقّ.
و أمات اللّه«أرمياء»النّبيّ عليه السّلام الذي نظر إلى خراب بيت المقدس و ما حوله حين غزاهم بخت نصّر(1)،و قال:«أَنََّى يُحْيِي هََذِهِ اَللََّهُ3.
ص: 230
بَعْدَ مَوْتِهََا فَأَمََاتَهُ اَللََّهُ مِائَةَ عََامٍ»(1)ثمّ أحياه و نظر إلى أعضائه كيف تلتئم،و كيف تلبس اللّحم،و إلى مفاصله و عروقه كيف توصل،فلمّا استوى قاعدا قال:«أَعْلَمُ أَنَّ اَللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(2).
و أحيا اللّه قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم،فأماتهم اللّه دهرا طويلا حتّى بليت عظامهم،و تقطعت أوصالهم و صاروا ترابا،فبعث اللّه في وقت أحبّ أن يري خلقه قدرته نبيا يقال له:«حزقيل»(3)فدعاهم فاجتمعت أبدانهم،و رجعت فيها أرواحهم،و قامواكهيئة يوم ماتوا،لا يفقدون(4)من أعدادهم رجلا،فعاشوا بعد ذلك دهراطويلا(5).
و إنّ اللّه أمات قوما خرجوا مع موسى عليه السّلام حين توجّه إلى اللّه عزّو جلّ فقالوا:أَرِنَا اَللََّهَ جَهْرَةً»(6)«فأماتهم اللّه ثمّ أحياهم».
قال:فأخبرني عمّن قال بتناسخ الأرواح،من أيّ شي ء قالوا ذلك،و بأيّ حجّة قاموا على مذاهبهم؟
قال:إنّ أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدّين،و زيّنوا3.
ص: 231
لأنفسهم الضلالات،و أمرجوا(1)أنفسهم في الشّهوات و زعموا أنّ السّماء خاوية ما فيها شي ء ممّا يوصف،و أنّ مدبر هذا العالم في صورةالمخلوقين،بحجّة من روى أنّ اللّه عزّ و جلّ خلق آدم على صورته،و أنّه لاجنّة و لا نار،و لا بعث و لا نشور،و القيامة عندهم خروج الروح من قالبه و ولوجه في قالب آخر،إن كان(2)محسنا في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة من الدنيا،و إن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا،أو هوام مشوهة الخلقة و ليس عليهم صوم و لا صلاة،و لا شي ء من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليهم معرفته و كل شي ء من شهوات الدنيا مباح لهم:من فروج النّساء و غير ذلك من الأخوات و البنات و الخالات و ذوات البعولة.
و كذلك الميتة،و الخمر،و الدم،فاستقبح مقالتهم كل الفرق،و لعنهم كل الأمم،فلمّا سئلوا الحجّة زاغوا و حادوا،فكذّب مقالتهم التوارة،و لعنهم الفرقان،و زعموا مع ذلك أنّ إلههم ينتقل من قالب إلى قالب،و أنّ الأرواح الأزلية هي التي كانت في آدم،ثمّ هلمّ جرا تجري إلى يومنا هذا في واحد بعد آخر،فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبمايستدل على أنّ أحدهما خالق صاحبه؟!
و قالوا:إنّ الملائكة من ولد آدم كل من صار في أعلى درجة من..
ص: 232
دينهم خرج من منزلة الامتحان و التصفية فهو ملك،فطورا تخالهم(1)نصارى في أشياء،و طورا دهرية يقولون:إنّ الأشياء على غير الحقيقة،فقدكان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان،لأنّ الدوابّ كلّها عندهم من ولد آدم حولوا من صورهم(2)،فلا يجوز أكل لحوم القرابات.
قال:و من زعم أنّ اللّه لم يزل و معه طينة مؤذية،فلم يستطع التفصي منها إلاّ بامتزاجه بها و دخوله فيها،فمن تلك الطينة خلق الأشياء!!
قال:سبحان اللّه و تعالى!!ما أعجز إلها يوصف بالقدرة،لا يستطيع التفصي من الطينة!إن كانت الطينة حيّة أزلية،فكانا إلهين قديمين فامتزجا و دبّرا العالم من أنفسهما،فان كان ذلك كذلك،فمن أين جاءالموت و الفناء؟و إن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم،و الميت لا يجي ء منه حي.و هذه مقالة الديصانية(3)،أشدّ الزنادقة قولا و..
ص: 233
أمهنهم(1)مثلا،نظروا في كتب قد صنّفتها أوائلهم،و حبروها لهم(2)بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت،و لا حجّة توجب اثبات ما ادّعوا،كلّ ذلك خلافا على اللّه و على رسله و تكذيبا بما جاءوا به عن اللّه تعالى.
فأمّا من زعم أنّ الأبدان ظلمة،و الأرواح نور،و أنّ النّور لا يعمل الشر و الظلمة لا تعمل الخير،فلا يجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصيةو لا ركوب حرمة(3)و لا إتيان فاحشة،و إنّ ذلك على الظلمة غير مستنكر،لأنّ ذلك فعلها و لا له أن يدعو ربّا،و لا يتضرع إليه،لأنّ النور ربّ،و الرّب لا يتضرع إلى نفسه و لا يستعيذ(4)بغيره،و لا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول:«أحسنت»يا محسن أو«أسأت»لأنّ الإساءة من فعل الظلمة و ذلك فعلها،و الإحسان من النور(5)،و لا يقول النور لنفسه أحسنت يا محسن،و ليس هناك ثالث،فكانت الظلمة على قياس قولهم،أحكم فعلا و أتقن تدبيرا و أعزّ أركانا من النور،لأنّ الأبدان محكمة،فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟
و كل شي ء يرى ظاهرا من الزهر و الأشجار و الثمار و الطيورق-الملل و النحل 1/250.و انظر بحار الأنوار 3/211.ر.
ص: 234
و الدواب يجب أن يكون إلها،ثمّ حبست النور في حبسها و الدولة لها،و أمّا ما ادعوا بأنّ العاقبة سوف تكون للنور،فدعوى،و ينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل،لأنّه أسير،و ليس له سلطان،فلا فعل له و لاتدبير،و إن كان له مع الظلمة تدبير،فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز،فان لم يكن كذلك و كان أسير الظلمة،فانه يظهر في هذا العالم إحسان و خيرمع فساد و شر،فهذا يدل على أنّ الظلمة تحسن الخير و تفعله،كما تحسن الشّر و تفعله،فإن قالوا محال ذلك فلا نور يثبت و لا ظلمة،و بطلت دعواهم(1)،و رجع الأمر إلى أنّ اللّه واحد و ما سواه باطل،فهذه مقالةماني الزنديق و أصحابه(2).
و أمّا من قال:النّور و الظلمة بينهما(3)حكم،فلا بدّ من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم،لأنّه لا يحتاج إلى الحاكم إلاّ مغلوب أو جاهل أومظلوم،و هذه مقالة المانوية(4)و الحكاية عنهم تطول...
ص: 235
قال:فما قصة ماني؟
قال:متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية،فأخطأالملتين و لم يصب مذهبا واحدا منهما،و زعم أنّ العالم دبّر من إلهين،نورو ظلمة،و أنّ النور في حصار من الظلمة على ما حكينا عنه،فكذبته النصارى،و قبلته المجوس.
قال:فأخبرني عن المجوس أبعث اللّه إليهم نبيّا؟فإنّي أجد لهم كتبا محكمة و مواعظ بليغة،و أمثالا شافية،يقرّون بالثواب و العقاب،و لهم شرايع يعملون بها.
قال عليه السّلام:ما من أمّة إلاّ خلا فيها نذير،و قد بعث إليهم نبي بكتاب من عند اللّه،فأنكروه و جحدوا كتابه.
قال:و من هو فان النّاس يزعمون أنّه خالد بن سنان؟
قال عليه السّلام:إنّ خالدا كان عربيا بدويا،ما كان نبيا،و إنّما ذلك شي ء يقوله النّاس.
قال:أفزردشت؟
قال:إنّ زردشت أتاهم بزمزمة،و ادّعى النبوّة،فآمن منهم قوم و جحده قوم،فأخرجوه فأكلته السّباع في برية من الأرض.
قال:فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصّواب في دهرهم(1)،أم العرب؟م.
ص: 236
قال:العرب في الجاهلية،كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس و ذلك أنّ المجوس كفرت بكل الأنبياء و جحدت كتبهم،و أنكرت براهينهم و لم تأخذ بشي ء من سننهم و آثارهم(1)،و إنّ كيخسروملك المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة نبي؛و كانت المجوس لاتغتسل من الجنابة،و العرب كانت تغتسل و الإغتسال من خالص شرايع الحنيفية؛و كانت المجوس لا تختتن و العرب تختتن و هو من سنن الأنبياء،و أنّ أوّل من فعل ذلك إبراهيم خليل اللّه؛و كانت المجوس لاتغسل موتاها و لا تكفنها،و كانت العرب تفعل ذلك؛و كانت المجوس ترمي موتاها في الصّحارى و النواويس و العرب تواريها في قبورهاو تلحدها(2)،و كذلك السّنة على الرسل،إنّ أول من حفر له قبر آدم أبوالبشر،و ألحد له لحد؛و كانت المجوس تأتي الأمّهات و تنكح البنات و الاخوات،و حرمت ذلك العرب؛و أنكرت المجوس بيت اللّه و سمّته بيت الشّيطان،و العرب كانت تحجّه و تعظمه،و تقول:بيت ربنا،و تقرّبالتوراة و الإنجيل،و تسأل أهل الكتاب و تأخذ عنهم،و كانت العرب في كل الأسباب أقرب إلى الدين الحنيفي(3)من المجوس.
قال:فانّهم احتجوا باتيان الأخوات أنّها سنة من آدم.ة.
ص: 237
قال:فما حجّتهم في إتيان البنات و الأمّهات و قد حرّم ذلك آدم،و كذلك نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و سائر الأنبياء،و كل ما جاء عن اللّه عزّ و جلّ.
قال:فلم حرّم اللّه الخمر و لا لذّة أفضل منها؟
قال:حرّمها لأنّها أمّ الخبائث،و رأس كلّ شر،يأتي على شاربهاساعة يسلب لبه،و لا يعرف ربه،و لا يترك معصية إلاّ ركبها و لا حرمة إلاّانتهكها و لا رحما ماسة(1)إلاّ قطعها،و لا فاحشة إلاّ أتاها،و السكران زمامه بيد الشّيطان،إن أمره أن يسجد للأوثان سجد،و ينقاد حيث ما قاده.
قال:فلم حرّم الدم المسفوح؟
قال:لأنّه يورث القساوة،و يسلب الفؤاد رحمته،و يعفن البدن و يغيّراللّون و أكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم.
قال:فأكل الغدد؟قال:يورث الجذام.
قال:فالميتة لم حرّمها؟قال:فرقا بينها و بين ما يذكّى و يذكر عليه اسم اللّه(2)،و الميتة قد جمد فيها الدم و تراجع إلى بدنها،فلحمها ثقيل غير مري ء لأنّها يؤكل لحمها بدمها.
قال:فالسّمك ميتة؟قال:إنّ السّمك ذكاته إخراجه حيّا من الماء،ثمّ يترك حتّى يموت من ذات نفسه،و ذلك أنّه ليس له دم،و كذلك الجراد.ه.
ص: 238
قال:فلم حرّم الزنا؟قال:لما فيه من الفساد و ذهاب المواريث و انقطاع الأنساب،لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها،و لا المولود يعلم من أبوه،و لا أرحام موصولة،و لا قرابة معروفة.
قال:فلم حرّم اللّواط؟قال:من أجل أنّه لو كان إتيان الغلام حلالالاستغنى الرجال عن النساء و كان فيه قطع النسل،و تعطيل الفروج،و كان في إجازة ذلك فساد كثير.
قال:فلم حرّم إتيان البهيمة؟
قال:كره أن يضيع الرجل ماءه و يأتي غير شكله(1)،و لو أباح ذلك لربط كل رجل أتانا(2)يركب ظهرها و يغشى فرجها،فيكون(3)في ذلك فساد كثير فأباح ظهورها،و حرّم عليهم فروجها،و خلق للرجال النّساءليأنسوا بهنّ و يسكنوا إليهنّ،و يكنّ موضع شهواتهم،و أمهات أولادهم.
قال:فما علّة الغسل من الجنابة،و إنّما أتى حلالا و ليس في الحلال تدنيس؟
قال عليه السّلام:إنّ الجنابة بمنزلة الحيض،و ذلك أنّ النطفة دم لم يستحكم و لا يكون الجماع إلاّ بحركة شديدة و شهوة غالبة،فإذا فرغ[الرجل](4)تنفس البدن و وجد الرّجل من نفسه رائحة كريهة،فوجب».
ص: 239
الغسل لذلك،و غسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن اللّه عليها عبيده ليختبرهم بها(1).
قال:أيّها الحكيم!فما تقول فيمن زعم أنّ هذا التدبير الذي يظهر في العالم تدبير النّجوم السّبعة؟
قال عليه السّلام:يحتاجون إلى دليل،أنّ هذا العالم الأكبر و العالم الأصغر من تدبير النّجوم التي تسبح في الفلك،و تدور حيث دارت متعبة لاتفتر،و سائرة لا تقف.
ثمّ قال:و إنّ لكل نجم منها موكل مدبّر،فهي بمنزلة العبيدالمأمورين المنهيين،فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال.
قال:فمن قال بالطبايع؟
قال:القدرية،فذلك قول من لم يملك البقاء،و لا صرف الحوادث و غيرته الأيام و الليالي،لا يرد الهرم،و لا يدفع الأجل،ما يدري ما يصنع به(2).
قال:فأخبرني عمّن زعم(3)أنّ الخلق لم يزل يتناسلون و يتوالدون و يذهب قرن و يجي ء قرن،تفنيهم(4)الأمراض و الأعراض و صنوف الآفات،و يخبرك الآخر عن الأول،و ينبئك الخلف عن السلف،و القرون..
ص: 240
عن القرون،أنّهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر و النبات،في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة النّاس،بصير بتأليف الكلام،و يصنّف كتابا قد حبره بفطنته،و حسنه بحكمته،قد جعله حاجزا بين النّاس،يأمرهم بالخير و يحثّهم عليه،و ينهاهم عن السوء و الفساد(1)و يزجرهم عنه،لئلا يتهارشوا(2)،و لا يقتل بعضهم بعضا؟
قال عليه السّلام:ويحك!إنّ من خرج من بطن أمّه أمس،و يرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله و لا ما يكون بعده،ثمّ إنّه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه أو خلقه غيره،أو لم يزل موجودا،فما ليس بشي ء لايقدر(3)أن يخلق شيئا و هو ليس بشي ء،و كذلك ما لم يكن فيكون شيئا،يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه.و لو كان الإنسان أزليّا لم تحدث فيه الحوادث،لأنّ الأزلي لا تغيّره الأيّام،و لا يأتي عليه الفناء،مع أنّا لم نجدبناءا من غير بان،و لا أثرا من غير مؤثر،و لا تأليفا من غير مؤلف،فمن زعم أنّ أباه خلقه،قيل:فمن خلق أباه؟و لو أنّ الأب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته،و صوره على محبّته و لملك حياته،و لجاز فيه حكمه،و لكنّه إن مرض فلم ينفعه،و إن مات فعجز عن ردّه،إنّ من استطاع أن يخلق خلقاو ينفخ فيه روحا حتّى يمشي على رجليه سويا،يقدر أن يدفع عنه الفساد...
ص: 241
قال:فما تقول في علم النّجوم؟
قال:هو علم قلّت منافعه،و كثرت مضراته،لأنّه لا يدفع به المقدورو لا يتّقى به المحذور،إن أخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرّز من القضاء،و إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله،و إن حدث به سوء لم يمكنه صرفه،و المنجم يضاد اللّه في علمه،بزعمه أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه.
قال:فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟
قال:بل الرسول أفضل.
قال:فما علّة الملائكة الموكّلين بعباده،يكتبون ما عليهم و لهم،و اللّه تعالى عالم السّر و ما هو أخفى؟
قال:استعبدهم بذلك و جعلهم شهودا على خلقه،ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة اللّه مواظبة،و عن معصيته أشد انقباضا،و كم من عبديهمّ بمعصية(1)فذكر مكانهما فارعوى(2)و كف،فيقول ربّي يراني،و حفظتي عليّ بذلك تشهد،و إنّ اللّه برأفته و لطفه أيضا و كّلهم بعباده،يذبّون عنهم مردة الشيطان و هوامّ الارض،و آفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن اللّه إلى أن يجي ء أمر اللّه عزّ و جلّ.
قال:فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب؟
قال:خلقهم للرحمة،و كان في علمه قبل خلقه إيّاهم،أنّ قوما منهمن.
ص: 242
يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الردية و جحدهم به(1).
قال:يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره[من خلقه](2)فبم يعذب من وحّده و عرفه؟
قال:يعذب المنكر لإلهيّته عذاب الأبد،و يعذّب المقرّ به عذاب عقوبة لمعصيته إيّاه فيما فرض عليه،ثمّ يخرج،و لا يظلم ربك أحدا.
قال:فبين الكفر و الإيمان منزلة؟قال عليه السّلام:لا.
قال:فما الإيمان و ما الكفر؟قال عليه السّلام:الإيمان:أن يصدّق اللّه فيما غاب عنه من عظمة اللّه،كتصديقه بما شاهد من ذلك و عاين،و الكفر:الجحود.
قال:فما الشرك و ما الشّك؟قال عليه السّلام:الشّرك هو أن يضمّ إلى الواحد الذي ليس كمثله شي ء آخر،و الشّك:ما لم يعتقد قلبه شيئا.
قال:أفيكون العالم جاهلا؟قال عليه السّلام:عالم بما يعلم،و جاهل بمايجهل.
قال:فما السّعادة و ما الشقاوة؟قال:السّعادة:سبب خير،تمسك به السّعيد فيجرّه إلى النّجاة،و الشّقاوة:سبب خذلان،تمسك به الشّقي فيجرّه إلى الهلكة،و كل بعلم اللّه.
قال:أخبرني عن السراج إذا انطفى أين يذهب نوره؟قال عليه».
ص: 243
السّلام:يذهب فلا يعود.
قال:فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات و فارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفى؟
قال:لم تصب القياس،إنّ النّار في الأجسام كامنة،و الأجسام قائمةبأعيانها كالحجر و الحديد،فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت من بينهمانار،يقتبس منها سراج له ضوء،فالنّار ثابتة في أجسامها و الضوء ذاهب،و الرّوح:جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا،و ليس بمنزلة السراج الذي ذكرت.إنّ الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف،و ركب فيه ضروبامختلفة من عروق و عصب و أسنان و شعر و عظام و غير ذلك،و هو يحييه بعدموته،و يعيده بعد فنائه.
قال:فأين الرّوح؟قال:في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث.
قال:فمن صلب فأين روحه؟
قال:في كف الملك الذي قبضها حتّى يودعها الأرض.
قال:فأخبرني عن الرّوح أ غير الدم؟
قال:نعم،الرّوح على ما وصفت لك:مادتها من الدم،و من الدم رطوبة الجسم و صفاء اللّون و حسن الصّوت،و كثرة الضحك،فإذا جمدالدم فارق الروح البدن.
قال:فهل يوصف بخفّة و ثقل و وزن؟
قال:الروح بمنزلة الرّيح في الزق،إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها،
ص: 244
فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه،و لا ينقصها خروجها منه،كذلك الروح ليس لها ثقل و لا وزن.
قال:فأخبرني ما جوهر الرّيح؟
قال:الرّيح هواء إذا تحرّك يسمّى ريحا،فإذا سكن يسمّى هواء،و به قوام الدنيا،و لو كفّت الرّيح ثلاثة أيّام لفسد كلّ شي ء على وجه الأرض و نتن،و ذلك أنّ الرّيح بمنزلة المروحة،تذبّ و تدفع الفساد عن كلّ شي ءو تطيّبه،فهي بمنزلة الرّوح إذا خرج عن البدن نتن البدن و تغيّر،تبارك اللّه أحسن الخالقين.
قال:أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟
قال:بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور،فعند ذلك تبطل الأشياءو تفنى،فلا حس و لا محسوس،ثمّ أعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها،و ذلك أربعمائة سنة يسبت(1)فيها الخلق و ذلك بين النفختين.
قال:و أنّى له بالبعث و البدن قد بلي،و الأعضاء قد تفرّقت،فعضوببلدة يأكلها سباعها،و عضو بأخرى تمزّقه هوامها،و عضو قد صار ترابابني به مع الطين حائط!!(2)
قال عليه السّلام:إنّ الذي أنشأه من غير شي ء،و صوّره على غير مثال كان سبق إليه،قادر أن يعيده كما بدأه.قال:أوضح لي ذلك!ط.
ص: 245
قال:إنّ الروح مقيمة في مكانها،روح المحسن في ضياء و فسحة،و روح المسي ء في ضيق و ظلمة،و البدن يصير ترابا كما منه خلق،و ماتقذف به السّباع و الهوام من أجوافها ممّا أكلته و مزّقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض،و يعلم عدد الأشياء و وزنها،و إنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التّراب،فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور،فتربو الأرض ثمّ تمخضوا مخض(1)السقاء،فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء،و الزبد من اللبن إذا مخض،فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه،فينتقل بإذن اللّه القادر إلى حيث الرّوح،فتعود الصور بإذن المصوّركهيئتها،و تلج الرّوح فيها،فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.
قال:فأخبرني عن النّاس يحشرون يوم القيامة عراة؟قال عليه السّلام:بل يحشرون في أكفانهم.
قال:أنّى لهم بالأكفان و قد بليت؟!قال عليه السّلام:إنّ الذي أحياأبدانهم جدّد أكفانهم.
قال:فمن مات بلا كفن؟قال عليه السّلام:يستر اللّه عورته بما يشاء من عنده.
قال:أفيعرضون صفوفا؟قال عليه السّلام:نعم،هم يؤمئذ عشرون و مائةألف صف في عرض الأرض.3.
ص: 246
قال:أو ليس توزن الأعمال؟
قال عليه السّلام:لا،إنّ الأعمال ليست بأجسام،و إنّما هي صفة ماعملوا،و إنّما يحتاج إلى وزن الشّي ء من جهل عدد الأشياء،و لا يعرف ثقلها و خفّتها،و إنّ اللّه لا يخفى عليه شي ء.
قال:فما معنى الميزان؟قال عليه السّلام:العدل.
قال:فما معناه في كتابه:«فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوََازِينُهُ»؟(1)
قال عليه السّلام:فمن رجح عمله.
قال:فأخبرني أو ليس في النّار مقنع(2)أن يعذب خلقه بها دون الحيّات و العقارب؟
قال عليه السّلام:إنّما يعذب بها قوما زعموا أنّها ليست من خلقه،إنّماشريكه الذي يخلقه،فيسلّط اللّه عليهم العقارب و الحيات في النّار ليذيقهم بها وبال ما كذبوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه.
قال:فمن أين قالوا:إنّ أهل الجنّة يأتي الرجل منهم إلى ثمرةيتناولها فإذا أكلها عادت كهيئتها؟
قال عليه السّلام:نعم،ذلك على قياس السراج يأتي القابس فيقتبس منه،فلا ينقص من ضوئه شي ء،و قد امتلت الدنيا منه سراجا.
قال:أليسوا يأكلون و يشربون،و تزعم أنّه لا يكون لهم الحاجة؟..
ص: 247
قال عليه السّلام:بلى،لأنّ(1)غذاءهم رقيق لا ثقل له،بل يخرج من أجسادهم بالعرق.
قال:فكيف تكون الحوراء في جميع ما أتاها زوجها عذراء؟
قال عليه السّلام:لأنّها خلقت من الطّيب لا تعتريها عاهة،و لا تخالطجسمها آفة و لا يجري في ثقبها شي ء،و لا يدنّسها حيض،فالرحم ملتزقة[ملدم](2)،إذ ليس فيه لسوى الإحليل مجرى.
قال:فهي تلبس سبعين حلّة،و يرى زوجها مخ ساقيها(3)من وراءحللها و بدنها؟
قال عليه السّلام:نعم،كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قدر رمح(4).
قال:فكيف تنعم أهل الجنّة بما فيها من النعيم،و ما منهم أحد إلاّو قد إفتقد(5)ابنه أو أباه أو حميمه أو أمّه،فإذا افتقدوهم في الجنّة لم يشكّوا في مصيرهم إلى النّار،فما يصنع بالنعيم من يعلم أنّ حميمه في..
ص: 248
النّار يعذّب؟
قال عليه السّلام:إنّ أهل العلم قالوا:إنّهم ينسون ذكرهم.و قال بعضهم:انتظروا قدومهم،و رجوا أن يكونوا بين الجنّة و النّار في أصحاب الأعراف.
قال:فأخبرني عن الشّمس أين تغيب؟
قال عليه السّلام:إنّ بعض العلماء قال:إذا انحدرت أسفل القبّة دار بهاالفلك إلى بطن السّماء صاعدة أبدا،إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها يعني:أنّها تغيب في عين حامئة ثمّ تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها،فتحير تحت العرش حتّى يؤذن لها بالطّلوع،و يسلب نورها كل يوم،و تجلل نورا آخر.
قال:فالكرسي أكبر أم العرش؟
قال عليه السّلام:كلّ شي ء خلقه اللّه في جوف الكرسي،ما خلا عرشه فانّه أعظم من أن يحيط به الكرسي.
قال:فخلق النّهار قبل اللّيل؟
قال عليه السّلام:نعم،خلق النّهار قبل اللّيل،و الشّمس قبل القمر،و الأرض قبل السّماء،و وضع الأرض على الحوت،و الحوت في الماء،و الماء في صخرة(1)مجوفة،و الصخرة على عاتق ملك،و الملك على الثرى،و الثرى على الرّيح العقيم،و الرّيح على الهواء،و الهواء تمسكهة.
ص: 249
القدرة،و ليس تحت الرّيح العقيم إلاّ الهواء و الظلمات،و لا وراء ذلك سعةو لا ضيق،و لا شي ء يتوهم،ثم خلق الكرسي فحشاه السّماوات و الأرض و الكرسي أكبر من كلّ شي ء خلقه اللّه(1)،ثمّ خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي(2).
و عن أبان بن تغلب أنّه قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام،إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن،فسلّم عليه فردّه أبو عبد اللّه عليه السّلام،فقال له:مرحبا يا سعد!فقال له الرجل:بهذا الاسم سمّتني أمّي،و ما أقلّ من يعرفني به،فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت يا سعد المولى!فقال
ص: 250
الرجل:جعلت فداك!بهذا[اللّقب](1)كنت ألقّب.فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:لا خير في اللقب،إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول في كتابه:«وَ لاََتَنََابَزُوا بِالْأَلْقََابِ بِئْسَ اَلاِسْمُ اَلْفُسُوقُ بَعْدَ اَلْإِيمََانِ»(2).
ما صناعتك يا سعد؟فقال:جعلت فداك!إنّا أهل بيت ننظر في النّجوم،لا يقال إنّ باليمن أحدا أعلم بالنّجوم منّا.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فكم يزيد ضوء الشّمس على ضوء القمردرجة؟فقال اليماني:لا أدري.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت.قال:فكم ضوء القمر يزيد على ضوء المشتري درجة؟قال اليماني:لا أدري!قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فكم يزيد ضوء المشتري على ضوء عطارد درجة؟قال اليماني:لا أدري!فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فكم ضوء عطارد يزيد درجة على الزهرة؟قال اليماني:لاأدري!قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فما اسم النّجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟فقال اليماني:لاأدري!فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فما اسم النّجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟فقال اليماني:لا1.
ص: 251
أدري!فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فما اسم النّجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟فقال اليماني:لاأدري!
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت في قولك لا أدري!فما زحل عندكم في النّجوم؟
فقال اليماني:نجم نحس.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لا تقل هذا فانّه نجم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و هو نجم الأوصياء عليهم السّلام،و هو النّجم الثاقب الذي قال اللّه تعالى في كتابه(1).
فقال له اليماني:فما معنى الثاقب؟
فقال:إنّ مطلعه في السّماء السابعة،فانّه ثقب بضوئه حتّى أضاء في السّماء الدنيا،فمن ثمّ سمّاه اللّه النّجم الثاقب.
ثمّ قال:يا أخا العرب!أعندكم عالم؟فقال اليماني:نعم جعلت فداك!إنّ باليمن قوما ليسوا كأحد النّاس في علمهم.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:و ما يبلغ من علم عالمهم؟فقال اليماني:إنّ عالمهم ليزجر الطير،و يقفو الأثر في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب المحث(2).4.
ص: 252
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فإنّ عالم المدينة أعلم من عالم اليمن.قال اليماني:و ما يبلغ من علم عالم المدينة؟
قال:إنّ علم عالم المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الأثر،و لا يزجرالطير(1)و يعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشّمس،تقطع اثني عشربرجا،و اثني عشر برا،و اثني عشر بحرا،و اثني عشر عالما.
فقال له اليماني:ما ظننت أنّ أحدا يعلم هذا،و ما يدري ما كنهه!
قال:ثمّ قام اليماني فخرج(2).
و عن سعيد بن أبي الخضيب قال:دخلت أنا و ابن أبي ليلى المدينة،فبينا نحن في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ دخل جعفر بن محمّد عليهماالسّلام،فقمنا إليه فسألني عن نفسي و أهلي ثمّ قال:من هذا معك؟
فقلت:ابن أبي ليلى قاضي المسلمين!فقال:نعم.ثمّ قال له:
ص: 253
أتاخذ مال هذا فتعطيه هذا،و تفرّق بين المرء و زوجه،و لا تخاف في هذا أحدا؟قال:نعم.
قال:فبأي شي ء تقضي؟
قال:بما بلغني عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و عن أبي بكر،و عمر.
قال:فبلغك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«أقضاكم علي بعدي»؟قال:نعم.
قال:فكيف تقضي بغير قضاء عليّ عليه السّلام،و قد بلغك هذا؟
قال:فاصفر وجه ابن أبي ليلى ثمّ قال:التمس مثلا لنفسك،فو اللّه لاأكلمك من رأسي كلمة أبدا(1).
و عن الحسين بن زيد عن جعفر الصّادق عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه
ص: 254
عليه و آله و سلّم قال لفاطمة عليها السّلام:يا فاطمة!إنّ اللّه عزّ و جلّ يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.
قال:فقال المحدّثون بها.قال:فأتاه ابن جريح فقال:يا أبا عبد اللّه!حدّثنا اليوم حديثا استهزأه النّاس(1).
قال:و ما هو؟
قال:حدّثت أنّ رسول اللّه قال لفاطمة:«إنّ اللّه ليغضب لغضبك،و يرضى لرضاك».
قال:فقال عليه السّلام:نعم،إنّ اللّه ليغضب فيما تروون لعبده المؤمن و يرضى لرضاه؟فقال:نعم.
قال عليه السّلام:فما تنكر أن تكون ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مؤمنة،يرضى اللّه لرضاها،و يغضب لغضبها.قال:صدقت!اللّه أعلم حيث يجعل رسالته(2).3.
ص: 255
و عن حفص بن غياث،قال:شهدت المسجد الحرام و ابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله تعالى:«كُلَّمََا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنََاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهََا لِيَذُوقُوا اَلْعَذََابَ»(1)ما ذنب الغير؟
قال عليه السّلام:ويحك هي هي و هي غيرها!
قال:فمثّل لي[فى](2)ذلك شيئا من أمر الدنيا!قال:نعم،أ رأيت لوأنّ رجلا أخذ لبنة فكسرها،ثمّ ردّها في ملبنها(3)،فهي هي و هي غيرها(4).
و روي أنّه سئل الصّادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ في قصة إبراهيم
ص: 256
عليه السّلام:«قََالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هََذََا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كََانُوا يَنْطِقُونَ»(1)قال:ما فعله كبيرهم و ما كذب إبراهيم عليه السّلام.قيل:و كيف ذلك؟
فقال:إنّما قال إبراهيم:فاسألوهم إن كانوا ينطقون.فان نطقوافكبيرهم فعل،و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا،فما نطقوا،و ماكذب إبراهيم عليه السّلام.
فسئل عن قوله تعالى في سورة يوسف:«أَيَّتُهَا اَلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسََارِقُونَ»(2)؟
قال:إنّهم سرقوا يوسف من أبيه.ألا ترى أنّه قال لهم حين قالوا:«مََا ذََا تَفْقِدُونَ `قََالُوا نَفْقِدُ صُوََاعَ اَلْمَلِكِ»(3)،و لم يقل سرقتم صواع الملك.إنّما سرقوا يوسف من أبيه(4).
فسئل عن قول إبراهيم:«فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي اَلنُّجُومِ `فَقََالَ إِنِّي سَقِيمٌ»(5)،قال:ما كان إبراهيم سقيما،و ما كذب،إنّما عنى سقيما في دينه،أي:مرتادا(6).،-
ص: 257
و عن عبد المؤمن الأنصاري قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ قومارووا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«اختلاف أمّتي رحمة»؟فقال:صدقوا.
قلت:إن كان اختلافهم رحمة،فاجتماعهم عذاب؟
قال:ليس حيث تذهب و ذهبوا،إنّما أراد قول اللّه عزّ و جلّ:«فَلَوْ لاََنَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذََا رَجَعُواإِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»(1)أمرهم أن ينفروا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و يختلفوا إليه،و يتعلّموا،ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم،إنّما أراداختلافهم في البلدان لا اختلافا في دين اللّه،إنّما الدّين واحد(2).
ق-عن محمّد بن أحمد،عن أبي إسحاق:إبراهيم بن هاشم،عن صالح بن سعيد،عن رجل من أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام...و نقله في بحار الأنوار 11/76 و 69/240.
ص: 258
و روي عنه صلوات اللّه عليه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:ما وجدتم في كتاب اللّه عزّ و جلّ فالعمل لكم به لا عذر لكم في تركه،و ما لم يكن في كتاب اللّه عزّ و جلّ و كانت في سنّة مني فلا عذر لكم في ترك سنّتي،و مالم يكن فيه سنّة مني فما قال أصحابي فقولوا،فإنّما مثل أصحابي فيكم كمثل النّجوم،بأيّها أخذ اهتدي و بأيّ أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم،و اختلاف أصحابي لكم رحمة.
قيل:يا رسول اللّه و من أصحابك؟قال:أهل بيتي.
قال محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي رضي اللّه عنه:إنّ أهل البيت لا يختلفون و لكن يفتون الشيعة بمرّ الحقّ،و ربما أفتوهم بالتقية فمايختلف من قولهم فهو للتقية،و التقية رحمة للشيعة(1).
و يؤيد تأويله رضي اللّه عنه أخبار كثيرة.
ص: 259
منها:ما رواه محمّد بن سنان،عن نصر الخثعمي قال سمعت أباعبد اللّه عليه السّلام يقول:من عرف من أمرنا أن لا نقول إلاّ حقّا،فليكتف بمايعلم منّا،فان سمع منّا خلاف ما يعلم،فليعلم أنّ ذلك منّا دفاع و اختيارله(1).
و عن عمر بن حنظلة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث،فتحاكما إلى السّلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟
قال عليه السّلام:من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فانّما تحاكم إلى الجبت و الطّاغوت المنهي عنه،و ما حكم له به فانّما يأخذ سحتا و إن كان حقّه ثابتا له لأنّه أخذه بحكم الطّاغوت،و من أمر اللّه عزّ و جلّ أن يكفر به،
ص: 260
قال اللّه عزّ و جلّ:«يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحََاكَمُوا إِلَى اَلطََّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ»(1).
قلت:فكيف يصنعان و قد اختلفا؟
قال:ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا،و نظر في حلالناو حرامنا(2)و عرف أحكامنا،فليرضيا به حكما،فانّي قد جعلته عليكم حاكما،فإذا حكم بحكم و لم يقبله منه،فانّما بحكم اللّه استخف و عليناردّ،و الرّاد علينا كافر و راد على اللّه،و هو على حدّ من الشرك باللّه.
قلت:فان كان كل واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا،فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما فاختلفا فيما حكما،فان الحكمين اختلفا في حديثكم؟
قال:إنّ الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما،و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.
قلت:فانّهما عدلان مرضيان،عرفا بذلك لا يفضل أحدهما على صاحبه؟(3)
قال:ينظر الآن إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما،المجمع عليه بين أصحابك،فيؤخذ به من حكمهما و يترك الشّاذ الذير.
ص: 261
ليس بمشهور عند أصحابك،فان المجمع عليه لا ريب فيه،و إنّما الأمورثلاثة:أمر بيّن رشده فيتّبع،و أمر بيّن غيه فيجتنب،و أمر مشكل يرد حكمه إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى رسوله،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:حلال بيّن،و حرام بيّن،و شبهات تتردد بين ذلك،فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات،و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لايعلم.
قلت:فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقاة عنكم؟
قال:ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذبه،و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة.
قلت:جعلت فداك!أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة،ثمّ وجدنا أحد الخبرين يوافق العامة،و الآخر يخالف،بأيهمانأخذ من الخبرين؟
قال:ينظر إلى ما هم إليه يميلون،فان ما خالف العامة ففيه الرشاد.
قلت:جعلت فداك!فان وافقهم الخبران جميعا؟
قال:انظروا إلى ما تميل إليه حكامهم و قضاتهم،فاتركوا جانباو خذوا بغيره(1).
قلت:فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ر.
ص: 262
قال:إذا كان كذلك فارجه وقف عنده،حتّى تلقى إمامك،فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات،و اللّه تعالى هوالمرشد(1).
جاء هذا الخبر على سبيل التقدير،لأنّه قلّما يتّفق في الآثار أن يردخبران مختلفان في حكم من الأحكام،موافقين للكتاب و السنّة،و ذلك مثل الحكم في غسل الوجه و اليدين في الوضوء لأنّ الأخبار جاءت بغسلهما مرّة مرّة،و بغسلهما مرتين مرتين و ظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك،بل يحتمل كلتا الروايتين،و مثل ذلك يوجد(2)في أحكام الشرع.
و أمّا قوله عليه السّلام-للسائل-:«أرجه وقف عنده حتّى تلقى إمامك»أمره بذلك عند تمكّنه من الوصول إلى الإمام،فأما إذا كان غائبا و لا يتمكن من الوصول إليه،و الأصحاب كلّهم مجمعون على الخبرين،و لم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على رواة الآخر بالكثرة و العدالة،كان الحكم بهما من باب التّخيير...
ص: 263
يدل على ما قلناه:ما روي عن الحسن بن الجهم،عن الرّضا عليه السّلام،قال:قلت للرّضا عليه السّلام:تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة.
قال:ما جاءك عنّا فقسه على كتاب اللّه عزّ و جلّ و أحاديثنا،فان كان يشبههما فهو منّا و إن لم يكن يشبههما فليس منّا.
قلت:يجيئنا الرجلان،و كلاهما ثقة،بحديثين مختلفين،فلا نعلم أيّهما الحقّ؟
فقال:إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت(1).
و ما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا سمعت من أصحابك الحديث و كلّهم ثقة،فموسّع عليك حتّى ترى القائم فتردّه إليه(2).
ص: 264
و روى سماعة بن مهران قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قلت:يردعلينا حديثان،واحد يأمرنا بالأخذ به،و الآخر ينهانا عنه؟
قال:لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله عنه.
قال:قلت:لا بدّ من أن نعمل(1)بأحدهما.
قال:خذ بما فيه خلاف العامة(2).
فقد أمر عليه السّلام بترك ما وافق العامة،لأنّه يحتمل أن يكون قد وردمورد التقية،و ما خالفهم لا يحتمل ذلك.
و روي عنهم عليهم السّلام أيضا أنّهم قالوا:إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا،فانّه لا ريب فيه.و أمثال هذه الأخباركثيرة لا يحتمل ذكرها هاهنا،و ما أوردناه عارض ليس هنا(3)موضعه.
ص: 265
و عن بشير بن يحيى العامري،عن ابن أبي ليلى،قال:دخلت أناو النّعمان أبو حنيفة على جعفر بن محمّد عليهما السّلام فرحّب بنا و قال:
يابن أبي ليلى!من هذا الرجل؟
فقلت:جعلت فداك!من أهل الكوفة له رأي و بصيرة و نفاذ.
قال:فلعلّه الذي يقيس الأشياء برأيه؟ثمّ قال:يا نعمان!هل تحسن أن تقيس رأسك؟قال:لا.
قال:ما أراك تحسن أن تقيس شيئا فهل عرفت الملوحة في العينين،و المرارة في الأذنين،و البرودة في المنخرين،و العذوبة في الفم؟قال:لا.
قال:فهل عرفت كلمة أولها كفر و آخرها إيمان؟قال:لا.
قال ابن أبي ليلى:فقلت:جعلت فداك!لا تدعنا في عمياء ممّاوصفت.
قال:نعم،حدّثني أبي عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:إنّ اللّه تعالى خلق عيني ابن آدم شحمتين فجعل فيهما الملوحة،فلولا ذلك لذابتا و لم يقع فيهما شي ء من القذى إلاّ أذابه،و الملوحة تلفظ مايقع في العينين من القذى،و جعل المرارة في الأذنين حجابا للدماغ،و ليس من دابة تقع في الأذن إلاّ التمست الخروج،و لو لا ذلك لوصلت إلى الدماغ فأفسدته،و جعل اللّه البرودة في المنخرين حجابا للدماغ و لو لا ذلك
ص: 266
لسال الدماغ،و جعل العذوبة في الفم منّا من اللّه تعالى على ابن آدم ليجدلذّة الطّعام و الشّراب.
و أمّا كلمة أولها كفر و آخرها إيمان فقول لا إله إلاّ اللّه.ثمّ قال:يانعمان!إيّاك و القياس،فان أبي حدّثني عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:من قاس شيئا من الدّين برأيه قرنه اللّه تبارك و تعالى مع إبليس،فانّه أوّل من قاس حيث قال:خلقتني من نار و خلقته من طين،فدعوا الرأي(1)و القياس فان دين اللّه لم يوضع على القياس(2).
و في رواية أخرى أنّ الصّادق عليه السّلام قال لأبي حنيفة لما دخل عليه:من أنت؟قال:أبو حنيفة.
قال عليه السّلام:مفتي أهل العراق؟قال:نعم.
قال:بما تفتيهم؟قال:بكتاب اللّه.
ص: 267
قال عليه السّلام:و إنّك(1)لعالم بكتاب اللّه،ناسخه و منسوخه،و محكمه و متشابهه؟قال:نعم.
قال:فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ قَدَّرْنََا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوافِيهََا لَيََالِيَ وَ أَيََّاماً آمِنِينَ»(2)،أيّ موضع هو؟
قال أبو حنيفة:هو ما بين مكّة و المدينة،فالتفت أبو عبد اللّه إلى جلسائه و قال:
نشدتكم باللّه هل تسيرون بين مكّة و المدينة و لا تأمنون على دمائكم من القتل،و على أموالكم من السرق؟
فقالوا:اللّهم نعم.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ويحك يا أبا حنيفة!إنّ اللّه لا يقول إلاّحقّا؛أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ مَنْ دَخَلَهُ كََانَ آمِناً»(3)،أيّ موضع هو؟قال:ذلك بيت اللّه الحرام،فالتفت أبو عبد اللّه عليه السّلام إلى جلسائه و قال لهم:نشدتكم باللّه هل تعلمون أنّ عبد اللّه بن الزّبير و سعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟
قالوا:اللّهم نعم.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ويحك يا أبا حنيفة!إنّ اللّه لا يقول إلاّحقّا.7.
ص: 268
فقال أبو حنيفة:ليس لي علم بكتاب اللّه،إنّما أنا صاحب قياس.
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فانظر في قياسك إن كنت مقيسا أيّما أعظم عند اللّه القتل أو الزنا؟
قال:بل القتل.
قال:فكيف رضى اللّه تعالى في القتل بشاهدين،و لم يرض في الزناإلاّ بأربعة؟ثمّ قال له:الصّلاة أفضل أم الصيام؟قال:بل الصّلاة أفضل.
قال عليه السّلام:فيجب على قياس قولك على الحايض قضاء ما فاتها من الصّلاة في حال حيضها دون الصيام،و قد أوجب اللّه تعالى عليها قضاءالصوم دون الصّلاة.
قال له عليه السّلام:البول أقذر أم المني؟
قال:البول أقذر.
قال عليه السّلام:يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني،و قد أوجب اللّه تعالى الغسل من المني دون البول.
قال:إنّما أنا صاحب رأي.
قال عليه السّلام:فما ترى في رجل كان له عبد فتزوّج و زوّج عبده في ليلة واحدة،فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ثمّ سافرا و جعلا امرأتيهمافي بيت واحد فولدتا غلامين فسقط البيت عليهم،فقتل المرأتين و بقي الغلامان،أيّهما في رأيك المالك و أيّهما المملوك و أيّهما الوارث و أيّهماالموروث؟
قال:إنّما أنا صاحب حدود.
ص: 269
قال:فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح و اقطع قطع يد رجل،كيف يقام عليهما الحد.
قال:إنّما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء.
قال:فأخبرني عن قول اللّه تعالى لموسى و هارون حين بعثهما إلى فرعون:«لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ»(1)و لعلّ منك شك؟قال:نعم.
قال:و كذلك من اللّه شك إذ قال:«لعلّه»؟قال أبو حنيفة:لا علم لي.
قال عليه السّلام:تزعم أنّك تفتي بكتاب اللّه و لست ممّن ورثه،و تزعم أنّك صاحب قياس،و أول من قاس إبليس لعنه اللّه،و لم يبن دين الإسلام على القياس،و تزعم أنّك صاحب رأي و كان الرأي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صوابا،و من دونه خطأ،لأنّ اللّه تعالى قال:«فاحكم بينهم بما أراك اللّه»(2)و لم يقل ذلك لغيره،و تزعم أنّك صاحب حدود،و من أنزلت عليه أولى بعلمها منك،و تزعم أنّك عالم بمباعث الأنبياء،و لخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك،و لو لا أن يقال:دخل على ابن رسول اللّه فلم يسأله عن شي ء،ما سألتك عن شي ء،فقس إن كنت مقيسا.
قال أبو حنيفة:لا أتكلّم(3)بالرأي و القياس في دين اللّه بعد هذاالمجلس...
ص: 270
قال الإمام عليه السّلام:كلا،إنّ حب الرياسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك.تمام الخبر(1).
و عن عيسى بن عبد اللّه القرشي قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له:يا أبا حنيفة!قد بلغني أنّك تقيس!فقال:نعم.
فقال:لا تقس فانّ أوّل من قاس إبليس لعنه اللّه حين قال:«خَلَقْتَنِي مِنْ نََارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(2)فقاس ما بين النّار و الطين،و لو قاس نورية آدم بنورية النّار،عرف ما بين النورين(3)،و صفاء أحدهما على الآخر(4).
ص: 271
و عن الحسن بن محبوب،عن سماعة،قال:قال أبو حنيفة لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كم بين المشرق و المغرب؟
قال:مسيرة يوم للشّمس بل أقلّ من ذلك،قال:فاستعظمه.
فقال:يا عاجز!لم تنكر هذا إنّ الشّمس تطلع من المشرق،و تغرب في المغرب في أقل من يوم.تمام الخبر(1).
عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بمكّة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة،فيهم عمرو بن عبيد و واصل بن عطاءو حفص بن سالم،و أناس من رؤسائهم،و ذلك حين قتل الوليد،و اختلاف(2)أهل الشّام بينهم،فتكلّموا فأكثروا و خطبوا فأطالوا.
فقال لهم أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام:إنّكم قد أكثرتم عليّ و أطلتم فأسندوا أمركم إلى رجل منكم،فليتكلّم بحجّتكم و ليوجز.
ص: 272
فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد،فأبلغ و أطال،فكان فيما قال أن قال:
قتل أهل الشّام خليفتهم،و ضرب اللّه بعضهم ببعض،و تشتّت أمرهم،فنظرنا فوجدنا رجلا له دين و عقل و مروة،و معدن للخلافة،و هومحمّد بن عبد اللّه بن الحسن فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه ثمّ نظهر أمرنامعه،و ندعو النّاس إليه،فمن بايعه كنّا معه و كان منّا،و من اعتزلنا كففناعنه،و من نصب لنا جاهدناه و نصبنا له على بغيه و نرده إلى الحقّ و أهله،و قد أحببنا أن نعرض ذلك عليك،فانّه لا غنى بنا عن مثلك،لفضلك و كثرةشيعتك،فلمّا فرغ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أكلكم على مثل ما قال عمرو؟
قالوا:نعم،فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال:إنّما نسخط إذا عصي اللّه،فإذا اطيع اللّه رضينا،أخبرني يا عمرو!لو أن الأمّة قلّدتك أمرها فملكته بغير قتال و لا مؤونة،فقيل لك:«ولّها من شئت»من كنت تولّي؟
قال:كنت أجعلها شورى بين المسلمين.قال:بين كلّهم؟قال:نعم.
قال:بين فقهائهم و خيارهم؟قال:نعم.
قال:قريش و غيرهم؟قال:العرب و العجم؟قال:نعم.
قال:فأخبرني يا عمرو!أتتولّى أبا بكر و عمر أو تتبرّأ منهما؟قال:أتولاهما.
قال عليه السّلام:يا عمرو!إن كنت رجلا تتبرّأ منهما،فانّه يجوز لك
ص: 273
الخلاف عليهما و إن كنت تتولاهما فقد خالفتهما،قد عهد(1)عمر إلى أبي بكر فبايعه و لم يشاور أحدا،ثمّ ردّها أبو بكر عليه و لم يشاور أحدا،ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة.فأخرج منها الأنصار غير اولئك الستّة من قريش،ثمّ أوصى النّاس فيهم بشي ء ما أراك ترضى أنت و لا أصحابك.قال:و ما صنع؟
قال أمر صهيبا أن يصلّي بالنّاس ثلاثة أيام و أن يتشاور اولئك الستّةليس فيهم أحد سواهم إلاّ ابن عمر و يشاورونه(2)و ليس له من الأمر شي ء،و أوصى من بحضرته(3)من المهاجرين و الأنصار إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا و يبايعوا،أن يضرب أعناق الستّة جميعا،و إن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيام و خالف اثنان،أن يضرب أعناق الاثنين؛أفترضون بهذا فيما تجعلون من الشورى في المسلمين؟قالوا:لا.
قال عليه السّلام:يا عمرو!دع ذا،أ رأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو إليه،ثمّ اجتمعت لكم الأمّة و لم يختلف عليكم منها رجلان،فأفضيتم إلى المشركين الذين لم يسلموا و لم يؤدوا الجزية،كان عندكم و عند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيهم بسيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المشركين في الجزية؟(4)قالوا:نعم.ه.
ص: 274
قال:فتصنعون ما ذا؟قالوا:ندعوهم إلى الإسلام،فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية.
قال:و إن كانوا مجوسا و أهل كتاب؟قالوا:و إن كانوا مجوساو أهل كتاب،قال:و إن كانوا أهل الأوثان و عبدة النيران و البهائم و ليسوابأهل كتاب؟قالوا:سواء.
قال:فأخبرني عن القرآن أتقرؤه؟قال:نعم.
قال:اقرأ«قََاتِلُوا اَلَّذِينَ لاََ يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَ لاََ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ لاََيُحَرِّمُونَ مََا حَرَّمَ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لاََ يَدِينُونَ دِينَ اَلْحَقِّ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوااَلْكِتََابَ حَتََّى يُعْطُوا اَلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صََاغِرُونَ»(1)قال:فاستثنى اللّه عزّ و جلّ و اشترط من الذين اوتوا الكتاب،فهم و الذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟قال:نعم.
قال عليه السّلام:عمّن أخذت هذا؟قال:سمعت النّاس يقولونه.
قال:فدع ذا،فانّهم إن أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت(2)عليهم.كيف تصنع بالغنيمة؟قال:اخرج الخمس و اقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليها.
قال:تقسمه بين جميع من قاتل عليها؟قال:نعم.
قال:فقد خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في فعله و في سيرته،..
ص: 275
و بيني و بينك فقهاء أهل المدينة و مشيختهم،فسلهم فانّهم لا يختلفون و لايتنازعون في أنّ رسول اللّه إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم و أن لا يهاجروا،على أنّه إن دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم،و ليس لهم من الغنيمة نصيب،و أنت تقول بين جميعهم،فقد خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سيرته في المشركين.دع ذا ما تقول في الصدقة؟
قال:فقرأ عليه هذه الآية:«إِنَّمَا اَلصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَ اَلْمَسََاكِينِ وَ اَلْعََامِلِينَ عَلَيْهََا...»(1)الى آخرها،قال:نعم،فكيف تقسم بينهم؟
قال:اقسمها على ثمانية أجزاء،فأعطي كلّ جزء من الثمانية جزءا.
فقال عليه السّلام:إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف رجلا واحداأو رجلين أو ثلاثة،جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟قال:نعم.
قال:و ما تصنع بين صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟قال:نعم.
قال:فخالفت رسول اللّه في كل ما أتى به في سيرته،كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي،و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر،و لا يقسم بينهم بالسوية و إنّما يقسمه على(2)قدر..
ص: 276
ما يحضره منهم،و على ما يرى،و على قدر ما يحضره.فان كان في نفسك شي ء ممّا قلت لك فإنّ فقهاء أهل المدينة و مشيختهم،كلّهم لا يختلفون في أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذا كان يصنع،ثمّ أقبل على عمرو و قال:
إتّق اللّه يا عمرو و أنتم أيّها الرّهط!فاتّقوا اللّه،فانّ أبي حدّثني-و كان خير أهل الأرض و أعلمهم بكتاب اللّه و سنّة رسوله-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«من ضرب النّاس بسيفه،و دعاهم إلى نفسه،و في المسلمين من هو أعلم منه،فهو ضال متكلف»(1).
و روي عن يونس بن يعقوب قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فوردعليه رجل من أهل الشّام فقال:إنّي رجل صاحب كلام و فقه و فرائض،و قدجئت لمناظرة أصحابك.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:كلامك هذا من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو من عندك؟فقال:من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعضه
ص: 277
و من عندي بعضه.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:فأنت إذا شريك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟!قال:لا.
قال:فسمعت الوحي عن اللّه تعالى؟قال:لا.
قال:فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قال:لا.
قال:فالتفت إليّ أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:يا يونس!هذا خصم نفسه قبل أن يتكلّم،ثمّ قال:يا يونس!لو كنت تحسن الكلام كلّمته.قال يونس:فيالها من حسرة.فقلت:جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام،و تقول:ويل لأصحاب الكلام،يقولون:هذا ينقاد و هذا لا ينقاد و هذاينساق و هذا لا ينساق و هذا نعقله و هذا لا نعقله!
فقال:أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّما قلت ويل لقوم تركوا قولي بالكلام،و ذهبوا إلى ما يريدون به.
ثمّ قال:اخرج إلى الباب،من ترى(1)من المتكلّمين فأدخله!
قال:فخرجت فوجدت حمران بن أعين و كان يحسن الكلام،و محمّد بن نعمان الأحول و كان متكلّما،و هشام بن سالم و قيس الماصرو كانا متكلّمين و كان قيس عندي أحسنهم كلاما،و كان قد تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين عليهما السّلام،فأدخلتهم عليه،فلمّا استقرّ بنا المجلس..
ص: 278
و كنّا في خيمة لأبي عبد اللّه عليه السّلام،في طرف جبل في طريق الحرم،و ذلك قبل الحجّ بأيّام،فأخرج أبو عبد اللّه رأسه من الخيمة فإذا هو ببعيريخب(1)فقال:هشام و رب الكعبة.
قال:و كنّا ظننا أنّ هشاما رجل من ولد عقيل،كان شديد المحبّةلأبي عبد اللّه عليه السّلام فإذا هشام بن الحكم قد ورد،و هو أول ما اختطت لحيته،و ليس فينا إلاّ من هو أكبر سنا منه،قال:فوسع له أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال:«ناصرنا بقلبه و لسانه و يده»ثمّ قال لحمران:كلّم الرجل-يعني:الشّامي.
فكلّمه حمران فظهر عليه ثمّ قال:يا طاقي كلّمه!فكلّمه فظهر عليه محمّد بن نعمان.ثمّ قال لهشام بن سالم:كلّمه!فتعارفا ثمّ قال لقيس الماصر:كلّمه[فكلّمه](2)فأقبل أبو عبد اللّه عليه السّلام يتبسم من كلامهماو قد استخذل الشّامي في يده ثمّ قال للشّامي:كلّم هذا الغلام!يعني:هشام ابن الحكم فقال:نعم.
ثمّ قال الشّامي لهشام:يا غلام!سلني في إمامة هذا-يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام-.
فغضب هشام حتّى ارتعد ثمّ قال له:أخبرني يا هذا!أربّك أنظري.
ص: 279
لخلقه،أم خلقه لأنفسهم؟(1)فقال الشّامي:بل ربي أنظر لخلقه!
قال:ففعل بنظره لهم في دينهم ما ذا؟قال:كلّفهم و أقام لهم حجّةو دليلا على ما كلّفهم به،و أزاح في ذلك عللهم.
فقال له هشام:فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟قال الشّامي:هورسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال هشام:فبعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من؟قال:الكتاب و السنّة.
فقال هشام:فهل نفعنا اليوم الكتاب و السنّة فيما اختلفنا فيه،حتّى رفع عنّا الاختلاف،و مكّننا من الاتفاق؟فقال الشّامي:نعم.
قال هشام:فلم اختلفنا نحن و أنت،جئتنا من الشّام تخالفنا،و تزعم أنّ الرأي طريق الدّين،و أنت مقرّ بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحدالمختلفين؟
فسكت الشّامي كالمفكّر.فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ما لك لا تتكلّم؟
قال:إن قلت:إنّا ما اختلفنا،كابرت،و إن قلت:إنّ الكتاب و السنّةيرفعان عنّا الاختلاف أبطلت،لأنّهما يحتملان الوجوه،و لكن لي عليه مثل ذلك.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:سله تجده مليّا!فقال الشّامي لهشام:من أنظر للخلق،ربهم أم أنفسهم؟فقال:بل ربهم أنظر لهم.م.
ص: 280
فقال الشّامي:فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم و يرفع اختلافهم و يبيّن لهم حقّهم من باطلهم؟فقال هشام:نعم.
قال الشّامي:من هو؟قال هشام:أمّا في ابتداء الشريعة فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أمّا بعد النّبي فعترته.
قال الشّامي:من هو عترة النّبي(1)القائم مقامه في حجّته؟قال هشام:في وقتنا هذا أم قبله؟
قال الشّامي:بل في وقتنا هذا.قال هشام:هذا الجالس-يعني أباعبد اللّه عليه السّلام-الذي تشدّ إليه الرّحال و يخبرنا بأخبار السّماء وراثة عن أبيه عن جدّه.
قال الشّامي:و كيف لي بعلم ذلك؟فقال هشام:سله عمّا بدالك.
قال الشّامي:قطعت عذري،فعليّ السؤال.فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنا أكفيك المسألة يا شامي،أخبرك عن مسيرك و سفرك،خرجت يوم كذا،و كان طريقك كذا،و مررت على كذا،و مرّ بك كذا،فأقبل الشّامي كلّماوصف له شيئا من أمره يقول:«صدقت و اللّه».
ثمّ قال الشّامي:أسلمت للّه السّاعة!
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:بل آمنت باللّه السّاعة،إنّ الإسلام قبل الإيمان و عليه يتوارثون و يتناكحون،و الإيمان عليه يثابون.قال الشّامي:..
ص: 281
صدقت،فأنا السّاعة أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،و أنّك وصي الأنبياء.
قال:فأقبل أبو عبد اللّه عليه السّلام على حمران فقال:يا حمران تجري الكلام على الأثر فتصيب،فالتفت إلى هشام بن سالم فقال:تريد الأثر و لاتعرف!ثمّ التفت إلى الأحوال فقال:قيّاس رواغ(1)،تكسر باطلا بباطل،إلاّ أنّ باطلك أظهر.
ثمّ التفت إلى قيس الماصر فقال:تتكلّم و أقرب ما تكون من الخبرعن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبعد ما تكون منه،تمزج الحقّ بالباطل،و قليل الحقّ يكفي من كثير الباطل؛أنت و الأحول قفازان(2)حاذقان.
قال يونس بن يعقوب:فظننت و اللّه أنّه يقول لهشام،قريبا ممّا قال لهما.فقال:يا هشام!لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت(3)،مثلك فليكلّم النّاس،اتّق الزّلة،و الشفاعة من ورائك(4).د-
ص: 282
و عن يونس بن يعقوب قال:كان عند أبي عبد اللّه عليه السّلام جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين و مؤمن الطّاق و هشام بن سالم و الطّيارو جماعة من أصحابه،فيهم هشام بن الحكم و هو شاب فقال أبو عبد اللّه:ياهشام!قال:لبيك يا ابن رسول اللّه!
قال:ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد و كيف سألته؟قال هشام:جعلت فداك يا ابن رسول اللّه،إنّي اجلّك و استحييك،و لا يعمل لساني بين يديك.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إذا أمرتكم بشي ء فافعلوه!
قال هشام:بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجدالبصرة،فعظم(1)ذلك عليّ فخرجت إليه،و دخلت البصرة يوم الجمعةو أتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة،و إذا بعمرو بن عبيد عليه شملةسوداء مؤتزر بها من صوف و شملة مرتد بها،و النّاس يسألونه فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي،ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي ثمّ قلت:
ق-ص 278 مثله.و ابن شهر آشوب في المناقب 4/243،و انظر:اعلام الورى ص 280.و بحارالأنوار 23/9 و 47/157.
ص: 283
أيّها العالم!أنا رجل غريب،أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟قال:سل!قلت له:ألك عين؟قال:يا بني أي شي ء هذا من السؤال،إذا كيف تسأل عنه؟فقلت:هذا مسألتي.فقال:يا بني!سل و إن كانت مسألتك حمقاء.قلت:أجبني فيها،قال:فقال لي:سل،قلت:ألك عين؟قال:نعم.
قال:قلت:فما تصنع بها؟قال:أرى بها الألوان و الأشخاص.
قال:قلت:ألك أنف؟قال:نعم.قال:قلت:فما تصنع به؟قال:أشمّ به الرائحة.
قال:قلت:ألك لسان؟قال:نعم.قلت:فما تصنع به؟قال:أتكلم به.
قال:قلت:ألك أذن؟قال:نعم.قلت:فما تصنع بها؟قال:أسمع بها الأصوات.
قال:قلت:ألك يدان؟قال:نعم.قلت:فما تصنع بهما؟قال:أبطش بهما،و أعرف بهما الليّن من الخشن.
قال:قلت:ألك رجلان؟قال:نعم.قال:قلت:فما تصنع بهما؟قال:انتقل بهما من مكان إلى مكان.
قال:قلت:ألك فم؟قال:نعم.قال:قلت:فما تصنع به؟قال:أعرف به المطاعم و المشارب على اختلافها.
قال:قلت:ألك قلب؟قال:نعم.
قال:قلت:فما تصنع به؟قال:أميز به كلّما ورد على هذه الجوارح.
قال:قلت:أ فليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟قال:لا.
قلت:و كيف ذاك و هي صحيحة سليمة؟
ص: 284
قال:يا بني!إنّ الجوارح إذا شكت في شي ء شمته أو رأته أو ذاقته،ردته إلى القلب،فتيقن لها اليقين(1)و أبطل الشّك.
قال:فقلت:فإنّما أقام اللّه عزّ و جلّ القلب لشك الجوارح؟قال:نعم.
قلت:لابدّ من القلب و إلاّ لم تستيقن الجوارح؟قال:نعم.
قلت:يا أبا مروان!إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يترك جوارحكم حتّى جعل لها إماما،يصحح لها الصحيح و ينفي ما شكت فيه،و يترك هذاالخلق كلّه في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم،لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكّهم و حيرتهم و يقيم لك إماما لجوارحك،ترد إليه حيرتك و شكّك؟!
قال:فسكت و لم يقل لي شيئا.قال:ثمّ التفت إليّ.فقال لي:أنت هشام بن الحكم؟فقلت:لا.فقال لي:أجالسته؟فقلت:لا.
قال:فمن أين أنت؟قلت:من أهل الكوفة.
قال:فأنت إذا هو.ثمّ ضمّني إليه و أقعدني في مجلسه و ما نطق حتّى قمت،فضحك أبو عبد اللّه عليه السّلام،ثمّ قال:يا هشام!من علّمك هذا؟
قلت:يابن رسول اللّه!جرى على لساني.قال:يا هشام!هذا و اللّه مكتوب في صحف إبراهيم و موسى(2).6.
ص: 285
و بالإسناد المقدّم ذكره،عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال:قوله عزّ و جلّ:«اِهْدِنَا اَلصِّرََاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ»(1)يقول:أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك و المبلّغ إلى جنتك من أن نتبع أهواءنا فنعطب،أو نأخذ بآرائنافنهلك،فإنّ من اتّبع هواه و اعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء النّاس تعظمه و تصفه،فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محله،فرأيته في موضع قد أحدق به جماعة من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم متغشيا بلثام أنظر إليه و إليهم،فما زال يراوغهم حتّى خالف طريقهم و فارقهم،و لم يقرّ.فتفرّقت العوام عنه لحوائجهم(2).
و تبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مرّ بخبّاز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة،فتعجبت منه ثمّ قلت في نفسي:لعلّه معامله،ثمّ مرّ بعده بصاحب رمان فما زال به حتّى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة فتعجبت منه،ثمّ قلت في نفسي:لعلّه معامله ثمّ أقول و ما حاجته إذا إلى المسارقة،ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرّ بمريض،فوضع الرغيفين و الرمانتين بين يديه،و مضى
ص: 286
و تبعته حتّى استقر في بقعة من صحراء،فقلت له:
يا عبد اللّه!لقد سمعت بك و أحببت لقاءك،فلقيتك لكنّي رأيت منك ما شغل قلبي،و إنّي سائلك عنه ليزول به شغل قلبي.قال:ما هو؟
قلت:رأيتك مررت بخباز و سرقت منه رغيفين،ثمّ بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين.فقال لي:قبل كل شي ء حدّثني من أنت؟قلت:رجل من ولد آدم من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.قال:حدّثني ممّن أنت؟قلت:رجل من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.قال:أين بلدك؟قلت:المدينة.
قال:لعلّك جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام؟قلت:بلى.
قال لي:فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك و أبيك،لئلاّ تنكر ما يجب أن يحمد و يمدح فاعله.
قلت:و ما هو؟قال:القرآن كتاب اللّه.قلت:و ما الذي جهلت؟
قال:قول اللّه عزّ و جلّ:«مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا وَ مَنْ جََاءَبِالسَّيِّئَةِ فَلاََ يُجْزى ََ إِلاََّ مِثْلَهََا»(1)و إنّي لمّا سرقت الرغيفين كانت سيئتين،و لمّا سرقت الرمانتين كانت سيئتين،فهذه أربع سيئات،فلمّا تصدّقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة،فانقص من أربعين حسنة أربع سيئات،بقي لي ست و ثلاثون حسنة.0.
ص: 287
قلت:ثكلتك امك!أنت الجاهل بكتاب اللّه!أما سمعت قول اللّه عزّو جلّ:«إِنَّمََا يَتَقَبَّلُ اَللََّهُ مِنَ اَلْمُتَّقِينَ»(1)إنّك لمّا سرقت رغيفين كانت سيئتين،و لمّا سرقت الرمانتين كانت سيئتين،و لمّا دفعتهما إلى غيرصاحبهما بغير أمر صاحبهما كنت إنّما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات،و لم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات،فجعل يلاحظني(2)فانصرفت و تركته(3).
و بالإسناد الذي تقدّم،عن أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السّلام أنّه قال:قال بعض المخالفين بحضرة الصّادق عليه السّلام لرجل من الشّيعة:ما تقول في العشرة من الصحابة؟
قال:أقول فيهم الخير الجميل الذي يحط اللّه به سيئاتي،و يرفع به درجاتي.
ص: 288
قال السّائل:الحمد للّه على ما أنقذني من بغضك،كنت أظنّك رافضيا تبغض الصحابة.فقال الرجل:ألا من أبغض واحدا من الصحابةفعليه لعنة اللّه.
قال:لعلّك تتأوّل ما تقول،قل فمن أبغض العشرة من الصحابة؟
فقال:من أبغض العشرة من الصحابة فعليه لعنة اللّه و الملائكةو النّاس أجمعين.فوثب[الرجل](1)فقبّل رأسه و قال:اجعلني في حلّ ممّاقذفتك به من الرفض قبل اليوم.
قال:أنت في حلّ و أنت أخي ثمّ انصرف السائل،فقال له الصّادق عليه السّلام:جودت للّه درك!لقد عجبت الملائكة من حسن توريتك و تلفظك بماخلصك و لم تثلم دينك،زاد اللّه في قلوب مخالفينا غمّا إلى غمّ و حجب عنهم مراد منتحلي مودّتنا في تقيّتهم.
فقال بعض أصحاب الصّادق عليه السّلام:يابن رسول اللّه!ما عقلنا من كلام هذا إلاّ موافقته لهذا المتعنّت الناصب.
فقال الصّادق عليه السّلام:لئن كنتم لم تفهموا ما عنى فقد فهمناه نحن،و قد شكره اللّه له،إنّ ولينا الموالي لأوليائنا المعادي لأعدائنا إذا ابتلاه اللّه بمن يمتحنه من مخالفيه،وفّقه لجواب يسلم معه دينه و عرضه،و يعظم اللّه بالتقية ثوابه.إنّ صاحبكم هذا قال:
من عاب واحدا منهم فعليه لعنة اللّه،أي:من عاب واحدا منهم،هو:ر.
ص: 289
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
و قال في الثانية:من عابهم أو شتمهم فعليه لعنة اللّه،و قد صدق لأنّ من عابهم فقد عاب عليّا عليه السّلام لأنّه أحدهم،فإذا لم يعب عليّا و لم يذمه فلم يعبهم جميعا و إنّما عاب بعضهم،و لقد كان لحزقيل المؤمن مع قوم فرعون الذين وشوا(1)به إلى فرعون مثل هذه التورية،كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد اللّه و نبوّة موسى،و تفضيل محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على جميع رسل اللّه و خلقه،و تفضيل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و الخيار من الأئمة على سائر أوصياء النبيّين،و إلى البراءة من ربوبيّةفرعون،فوشى به واشون إلى فرعون و قالوا:إنّ حزقيل يدعو إلى مخالفتك،و يعين أعداءك على مضادتك.
فقال لهم فرعون:ابن عمّي و خليفتي على ملكي(2)و ولي عهدي،إن فعل ما قلتم(3)فقد استحق العذاب على كفره نعمتي،و إن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لايثاركم الدخول في مساءته.
فجاء بحزقيل و جاء بهم فكاشفوه و قالوا:أنت تجحد ربوبية فرعون الملك و تكفر نعماءه؟
فقال حزقيل:أيّها الملك!هل جربت عليّ كذبا قط.قال:لا...
ص: 290
قال:فسلهم من ربهم؟قالوا:فرعون.قال:و من خالقكم؟قالوا:فرعون هذا.
قال:و من رازقكم الكافل لمعايشكم،و الدافع عنكم مكارهكم؟قالوا:فرعون هذا.
قال حزقيل:أيّها الملك!فأشهدك و كل من حضرك:أنّ ربهم هوربي،و خالقهم هو خالقي،و رازقهم هو رازقي،و مصلح معايشهم هومصلح معايشي،لا ربّ لي و لا خالق و لا رازق غير ربهم و خالقهم و رازقهم.
و اشهدك و من حضرك:انّ كل ربّ و خالق و رازق سوى ربهم و خالقهم و رازقهم فأنا بري ء منه و من ربوبيته و كافر بإلهيته.
يقول حزقيل هذا و هو يعني:أنّ ربهم هو اللّه ربي و لم يقل إنّ الذي قالوا:هم أنّه ربهم هو ربي،و خفي هذا المعنى على فرعون و من حضره،[و توهم](1)و توهموا أنّه يقول:فرعون ربي و خالقي و رازقي.
فقال لهم:يا رجال السوء و يا طلاب الفساد في ملكي و مريدي الفتنةبيني و بين ابن عمّي و هو عضدي،أنتم المستحقون لعذابي،لإرادتكم فسادأمري و هلاك ابن عمّي(2)و الفتّ في عضدي(3)ثمّ أمر بالأوتاد فجعل في9.
ص: 291
ساق كل واحد منهم وتد و في صدره وتد،و أمر أصحاب أمشاط الحديدفشقوا بها لحومهم من أبدانهم،فذلك ما قال اللّه تعالى:«فَوَقََاهُ اَللََّهُ سَيِّئََاتِ مََا مَكَرُوا»لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه«وَ حََاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ اَلْعَذََابِ»(1)و هم الذين وشوا بحزقيل إليه لمّا أوتد فيهم الأوتاد،و مشط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط(2).
و مثل هذه التورية قد كانت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في مواضع كثيرة.
فمن ذلك ما رواه معاوية بن وهب عن سعيد بن سمّان قال:كنت عندأبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة(3)،فقالا له:أفيكم إمام
ص: 292
مفترض طاعته؟(1)قال:فقال:لا.
فقالا له:قد أخبرنا عنك الثقاة أنّك تقول به،و سمّوا قوما و قالوا:هم أصحاب ورع و تشمير(2)،و هم ممّن لا يكذب،فغضب أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال:ما أمرتهم بهذا،فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا.
فقال لي:أتعرف هذين؟قلت:هما من أهل سوقنا و هما من الزيديّة،و هما يزعمان أنّ سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند عبد اللّه بن الحسن.
فقال:كذبا لعنهما اللّه،و اللّه ما رآه عبد اللّه بن الحسن بعينيه،و لابواحدة من عينيه.و لا رآه أبوه اللّهم إلاّ أن يكون رآه عند عليّ بن الحسين عليهما السّلام،فان كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟و ما أثر في موضع مضربه؟
و إنّ عندي لسيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إنّ عندي لرايةرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و درعه و لامته(3)و مغفره فإن كانا صادقين فماعلامة من درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟و إنّ عندي لراية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المغلبة،و إنّ عندي ألواح موسى و عصاه،و إنّ عندي لخاتم سليمان بن داود،و إنّ عندي الطست الذي كان موسى يقرّب به القربان،و إنّ عندي الاسم الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا وضعه بين0.
ص: 293
المسلمين و المشركين،لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة(1).
و إنّ عندي لمثل التابوت الذي جاءت به الملائكة،و مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل،كانت بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اوتوا النبوّة،و من صار إليه السلاح منّا اوتى الإمامة،و لقد لبس أبي درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخطت على الأرض خطيطا،و لبستها أنّا و كانت تخط على الأرض-يعني:طويلة-مثل ما كانت على أبي،و قائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء اللّه تعالى(2).
و كان الصّادق عليه السّلام يقول:علمنا غابر و مزبور،و نكت في القلوب و نقر في الأسماع،و إنّ عندنا الجفر الأحمر و الجفر الأبيض و مصحف فاطمة عليها السّلام،و عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه النّاس.
ص: 294
فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال:أمّا الغابر فالعلم بما يكون،و أمّاالمزبور فالعلم بما كان،و أمّا النكت في القلوب فهو الإلهام،و أمّا النقرفي الأسماع(1)فحديث الملائكة،نسمع كلامهم و لا نرى أشخاصهم،و أمّا الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لن يخرج حتّى يقوم قائمنا أهل البيت عليهم السّلام،و أمّا الجفر الأبيض فوعاء فيه توراةموسى،و إنجيل عيسى،و زبور داود،و كتب اللّه الأولى.
و أمّا مصحف فاطمة عليها السّلام ففيه ما يكون من حادث،و أسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.
و أمّا الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذراعا،إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من فلق فيه(2)و خطّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بيده،فيه و اللّه جميع ما يحتاج النّاس إليه إلى يوم القيامة،حتّى أنّ فيه أرش الخدش،و الجلدة و نصف الجلدة(3).
و لقد كان زيد بن عليّ بن الحسين يطمع أن يوصي إليه أخوه الباقرعليه السّلام و يقيمه مقامه في الخلافة بعده،مثل ما كان يطمع في ذلك محمّد8.
ص: 295
ابن الحنفيّة بعد وفاة أخيه الحسين صلوات اللّه عليه،حتّى رأى من ابن أخيه زين العابدين عليه السّلام من المعجزة الدالة على إمامته ما رأى،و قد تقدّم ذكره في هذا الكتاب(1)،فكذلك زيد رجا أن يكون قائما مقام أخيه الباقر صلوات اللّه عليه،حتّى سمع ما سمع من أخيه و رأى ما رأى من ابن أخيه أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام.
فمن ذلك:ما رواه صدقة بن أبي موسى،عن أبي بصير قال:لمّا حضرأبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام الوفاة،دعا بابنه الصّادق عليه السّلام ليعهد إليه عهدا،فقال له أخوه زيد بن علي:
لمّا امتثلت فيّ مثال الحسن و الحسين عليهما السّلام رجوت أن لا تكون أتيت منكرا.
فقال له الباقر عليه السّلام:يا أبا الحسن!إنّ الأمانات ليست بالمثال،و لا العهود بالرسوم،و إنّما هي أمور سابقة عن حجج اللّه تبارك و تعالى،ثمّ دعا بجابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا جابر!حدّثنا بما عاينت من الصحيفة؟
فقال له جابر:نعم يا أبا جعفر،دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول
ص: 296
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لاهنيها بولادة الحسين عليه السّلام(1)،فإذا بيدهاصحيفة بيضاء من درّة،فقلت:يا سيدة النسوان!ما هذه الصحيفة التي أراهامعك؟قالت:فيها أسماء الأئمة من ولدي.
قلت لها:ناوليني لأنظر فيها!قالت:يا جابر!لولا النهي لكنت أفعل،و لكنّه قد نهي أن يمسها إلاّ نبي أو وصي نبي،أو أهل بيت نبي،و لكنّه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.
قال جابر:فقرأت فإذا فيها:
أبو القاسم محمّد بن عبد اللّه المصطفى[بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف](2)أمّه آمنة.
أبو الحسن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام المرتضى،أمّه فاطمة بنت أسدابن هاشم بن عبد مناف.
أبو محمّد الحسن بن عليّ البر التقي.
أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ،أمهما فاطمة بنت محمّد.
أبو محمّد عليّ بن الحسين العدل،أمه شهر بانويه بنت يزدجرد بن شهريار(3).).
ص: 297
أبو جعفر محمّد بن علي الباقر،أمّه«أم عبد اللّه»بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب.
أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق،أمّه«أمّ فروة»بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر.
أبو ابراهيم موسى بن جعفر الثّقة،أمّه جارية اسمها«حميدة»المصفاة.
أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا،أمّه جارية اسمها:«نجمة».
أبو جعفر محمّد بن عليّ الزكي،أمّه جارية اسمها:«خيزران».
أبو الحسن عليّ بن محمّد الأمين،أمّه جارية اسمها:«سوسن».
أبو محمّد الحسن بن عليّ الرّضي(1)،أمّه جارية اسمها:«سمانة»تكنّى أم الحسن.
أبو القاسم محمّد بن الحسن و هو حجّة اللّه القائم،أمّه جارية اسمها:«نرجس»صلوات اللّه عليهم أجمعين(2).3.
ص: 298
و عن زرارة بن أعين قال:قال لي زيد بن عليّ و أنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام:يا فتى!ما تقول في رجل من آل محمّد استنصرك؟
قال:قلت:إن كان مفروض الطّاعة نصرته،و إن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل و لي أن لا أفعل.
فلمّا خرج قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أخذته و اللّه من بين يديه و من خلفه و ما تركت له مخرجا(1).
و قيل للصّادق عليه السّلام:ما يزال يخرج رجل منكم أهل البيت فيقتل و يقتل معه بشر كثير فأطرق طويلا ثمّ قال:انّ فيهم الكذابين و في غيرهم المكذبين(2).
ص: 299
و روي عنه صلوات اللّه عليه أنّه قال:ليس منّا أحد إلاّ و له عدو من أهل بيته.فقيل له:بنو الحسن لا يعرفون لمن الحقّ؟
و بهذا الإسناد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:لو توفي الحسن ابن الحسن على الزنا و الربا و شرب الخمر،كان خيرا له ممّا توفي عليه(1).
و عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذه الآية:«ثُمَ أَوْرَثْنَا اَلْكِتََابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا»(2)قال:أي شي ء تقول؟قلت:إنّي أقول إنّها خاصة لولد فاطمة.
فقال عليه السّلام:أمّا من سل سيفه(3)و دعا النّاس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة و غيرهم فليس بداخل في هذه الآية.
قلت:من يدخل فيها؟قال:الظالم لنفسه الذي لا يدعو النّاس إلى ضلال و لا هدى،و المقتصد منّا أهل البيت:هو العارف حقّ الإمام،و السابق بالخيرات:هو الإمام(4).
ص: 301
عن محمّد بن أبي عمير الكوفي عن عبد اللّه بن الوليد السمّان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ما يقول النّاس في أولي العزم و صاحبكم أميرالمؤمنين عليه السّلام؟قال:قلت:ما يقدّمون على أولي العزم أحدا.
قال:فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالى قال لموسى عليه السّلام:«وَ كَتَبْنََا لَهُ فِي اَلْأَلْوََاحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً»(1)و لم يقل كل شي ءموعظة.و قال لعيسى عليه السّلام:«وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ اَلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ»(2)و لم يقل كل شي ء.و قال لصاحبكم أمير المؤمنين عليه السّلام:«قُلْ كَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلْكِتََابِ»(3)و قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ لاََرَطْبٍ وَ لاََ يََابِسٍ إِلاََّ فِي كِتََابٍ مُبِينٍ»(4)،و قال:«وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنََاهُ فِي إِمََامٍ مُبِينٍ»(5)،و علم هذا الكتاب عنده(6).
ق-في بحار الأنوار 23/215 و 46/180.
ص: 302
و عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال:سمعت الصّادق عليه السّلام يقول:إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها،يرتاب فيها كل مبطل،قلت له:و لم،جعلت فداك؟
قال:لأمر لا يؤذن لي في كشفه لكم.قلت:فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال:وجه الحكمة في غيبته،وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج اللّه تعالى ذكره،إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعدظهوره،كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السّلام من خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار لموسى عليه السّلام إلى وقت افتراقهما.
يابن الفضل!إنّ هذا الأمر أمر من اللّه(1)و سرّ من سرّ اللّه و غيب من غيب اللّه،و متى علمنا أنّه عزّ و جلّ حكيم صدقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة،و إن كان وجهها غير منكشف(2).
ق-ابن عمر،عن عبد اللّه بن الوليد.
و نقله في بحار الأنوار 35/429 و 433.
ص: 303
و عن عليّ بن الحكم،عن أبان قال:أخبرني الأحول أبو جعفر محمّدابن النّعمان الملقب بمؤمن الطّاق أنّ زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السّلام بعث إليه و هو مختف قال:فأتيته فقال لي:يا أبا جعفر!ما تقول إن طرقك طارق منّا أتخرج معه؟
قال:قلت له:إن كان أبوك أو أخوك(1)خرجت معه.
قال:فقال لي:فأنا أريد أن أخرج و أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي!قال:قلت:لا أفعل جعلت فداك!
قال:فقال لي:أترغب بنفسك عنّي؟قال:فقلت له:إنّما هي نفس واحدة،فان كان للّه تعالى في الأرض حجّة فالمتخلّف عنك ناج و الخارج معك هالك،و إن لم يكن للّه في الأرض حجّة فالمتخلّف عنك و الخارج معك سواء.
قال:فقال لي:يا أبا جعفر!كنت أجلس مع أبي على الخوان،فيلقمني اللقمة السمينة،و يبرّد لي اللّقمة الحارّة حتّى تبرد،شفقة عليّ،ق-سليمان النيسابوري،عن أحمد بن عبد اللّه بن جعفر المدائني،عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي...
و نقله في حلية الأبرار 2/589.
ص: 304
و لم يشفق عليّ من حرّ النار إذ أخبرك بالدّين و لم يخبرني به.
قال:قلت له:من شفقته عليك من حرّ النار لم يخبرك،خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار و أخبرني،فان قبلته نجوت و إن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار،ثمّ قلت له:
جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟قال:بل الأنبياء.
قلت:يقول يعقوب ليوسف:«يََا بُنَيَّ لاََ تَقْصُصْ رُؤْيََاكَ عَلى ََ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً»(1)لم لم يخبرهم حتّى كانوا لا يكيدونه و لكن كتمهم،و كذا أبوك كتمك لأنّه خاف عليك.
قال:فقال:أمّا و اللّه لئن قلت ذلك لقد حدّثني صاحبك بالمدينة أنّي اقتل و اصلب بالكناسة،و إنّ عنده لصحيفة فيها قتلي و صلبي.
قال:فحججت فحدثت أبا عبد اللّه عليه السّلام بمقالة زيد و ما قلت له فقال لي:أخذته من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن يساره و من فوق رأسه و من تحت قدميه،و لم تترك له مسلكا يسلكه(2).0.
ص: 305
و عن هشام بن الحكم قال:اجتمع ابن أبي العوجاء و أبو شاكرالديصاني الزنديق و عبد الملك البصري و ابن المقفع عند بيت اللّه الحرام،يستهزءون بالحاج و يطعنون على القرآن.
فقال ابن أبي العوجاء:تعالوا ننقض كل واحد منّا ربع القرآن و ميعادنا من قابل في هذا الموضع،نجتمع فيه و قد نقضنا القرآن كلّه،فإنّ في نقض القرآن إبطال نبوّة محمّد،و في إبطال نبوته إبطال الإسلام و إثبات ما نحن فيه،فاتفقوا على ذلك و افترقوا،فلمّا كان من قابل اجتمعوا عندبيت اللّه الحرام فقال ابن أبي العوجاء:
أمّا أنا فمفكّر منذ افترقنا في هذه الآية:«فَلَمَّا اِسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوانَجِيًّا»(1)فما أقدر أن أضمّ إليها في فصاحتها و جمع معانيها شيئا،فشغلتني هذه الآية عن التفكر فيما سواها.
فقال عبد الملك:و أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية:«يََا أَيُّهَااَلنََّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ اَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللََّهِ لَنْ يَخْلُقُواذُبََاباً وَ لَوِ اِجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ اَلذُّبََابُ شَيْئاً لاََ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ اَلطََّالِبُ وَ اَلْمَطْلُوبُ»(2)و لم أقدر على الإتيان بمثلها.
ص: 306
فقال أبو شاكر:و أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية:«لَوْ كََانَ فِيهِمََاآلِهَةٌ إِلاَّ اَللََّهُ لَفَسَدَتََا»(1)لم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع:يا قوم!إنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر،و أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية:«وَ قِيلَ يََا أَرْضُ اِبْلَعِي مََاءَكِ وَ يََاسَمََاءُ أَقْلِعِي وَ غِيضَ اَلْمََاءُ وَ قُضِيَ اَلْأَمْرُ وَ اِسْتَوَتْ عَلَى اَلْجُودِيِّ وَ قِيلَ بُعْداًلِلْقَوْمِ اَلظََّالِمِينَ»(2)لم أبلغ المعرفة بها،و لم أقدر على الإتيان بمثلها.
قال هشام بن الحكم:فبينما هم في ذلك.إذ مرّ بهم جعفر بن محمّدالصّادق عليهما السّلام فقال:«قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ اَلْإِنْسُ وَ اَلْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوابِمِثْلِ هََذَا اَلْقُرْآنِ لاََ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»(3)فنظرالقوم بعضهم إلى بعض و قالوا:لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمروصية محمّد-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-إلاّ إلى جعفر بن محمّد،و اللّه ما رأيناه قطّ إلاّ هبناه و اقشعرّت جلودنا لهيبته،ثمّ تفرّقوا مقرّين بالعجز(4).6.
ص: 307
و عن أحمد بن عبد اللّه البرقي،عن أبيه،عن شريك بن عبد اللّه،عن الأعمش قال:اجتمعت الشيعة و المحكمة(1)عند أبي نعيم النخعي بالكوفةو أبو جعفر محمّد بن النّعمان مؤمن الطّاق حاضر،فقال ابن أبي حذرة:
أنا اقرر معكم أيّتها الشيعة أنّ أبا بكر أفضل من عليّ و من جميع أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من النّاس:هو ثان مع رسول اللّه(2)في بيته مدفون،و هو ثاني اثنين معه في الغار،و هو ثاني اثنين صلّى بالنّاس آخر صلاة قبض بعدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هو ثاني اثنين الصّديق من هذه الأمّة.
قال أبو جعفر مؤمن الطّاق رحمة اللّه عليه:يابن أبي حذرة!و أنا أقررمعك أنّ عليّا عليه السّلام أفضل من أبي بكر و جميع أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهذه الخصال التي وصفتها و أنّها مثلبة(3)لصاحبك و الزمك طاعة
ص: 308
علي عليه السّلام من ثلاث جهات:من القرآن وصفا،و من خبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصّا،و من حجّة العقل اعتبارا،و وقع الاتّفاق على إبراهيم النخعي و على أبي إسحاق السبيعي،و على سليمان بن مهران الأعمش.
فقال أبو جعفر مؤمن الطّاق:أخبرني يابن أبي حذرة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيف ترك بيوته-التي أضافها اللّه تعالى إليه،و نهى النّاس عن دخولها إلاّ بإذنه-ميراثا لأهله و ولده،أو تركها صدقة على جميع المسلمين؟قل ما شئت.
فانقطع ابن أبي حذرة لما أورد عليه ذلك و عرف خطأ ما فيه.
فقال أبو جعفر مؤمن الطّاق:إن تركها ميراثا لولده و أزواجه فانّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبض عن تسع نسوة،و إنّما لعائشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا البيت(1)الذي دفن فيه صاحبك،و لا يصيبها من البيت ذراع في ذراع،و لهذا الأمر قال محمّد بن أبي بكر لعائشة في خبر عجيب شعرا:
تجمّلت تبغّلت و ان عشت تفيّلت لك التسع من الثمن و بالكلّ تملّكت(2)..
ص: 309
و إن كان[تركها](1)صدقة فالبلية أطمّ و أعظم فانّه لم يصب له من البيت إلاّ ما لأدنى رجل من المسلمين،فدخول بيت النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بغير إذنه في حياته و بعد وفاته معصية إلاّ لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ولده،فانّ اللّه عزّ و جلّ أحل لهم ما أحل للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثمّ قال لهم:إنّكم تعلمون أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر بسدّ أبواب جميع النّاس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب عليّ عليه السّلام فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأبى عليه،و غضب عمّه العبّاس من ذلك فخطب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خطبة و قال:
انّ اللّه تبارك و تعالى أمر لموسى و هارون أن تبوءا لقومكما بمصربيوتا،و أمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب،و لا يقرب فيه النّساء إلاّموسى و هارون و ذريتهما،و إنّ عليّا منّي هو بمنزلة هارون من موسى،و ذريته كذرية هارون،و لا يحل لأحد أن يقرب النّساء في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لا يبيت فيه جنب إلاّ علي و ذريّته عليهم السّلام.فقالوابأجمعهم:كذلك كان.
قال أبو جعفر:ذهب ربع دينك يابن أبي حذرة،و هذه منقبةلصاحبي ليس لأحد مثلها،و مثلبة لصاحبك.
و أمّا قولك:ثاني اثنين إذ هما في الغار،أخبرني هل أنزل اللّه سكينته على».
ص: 310
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على المؤمنين في غير الغار؟قال ابن أبي حذرة:نعم.
قال أبو جعفر:فقد أخرج صاحبك في الغار من السكينة،و خصّه بالحزن و مكان عليّ في هذه اللّيلة على فراش النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و بذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار.فقال النّاس:صدقت.
فقال أبو جعفر:يابن أبي حذرة!ذهب نصف دينك.
و أمّا قولك ثاني اثنين الصّديق من الأمّة،فقد أوجب اللّه على صاحبك الاستغفار،لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ:«وَ اَلَّذِينَ جََاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنََا وَ لِإِخْوََانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونََابِالْإِيمََانِ»(1)إلى آخر الآية و الذي ادّعيت إنّما هو شي ء سمّاه النّاس و من سمّاه القرآن و شهد له بالصدق و التصديق أولى به ممّن سمّاه النّاس،و قدقال عليّ عليه السّلام على منبر البصرة:أنا الصّديق الاكبر،آمنت قبل أن آمن أبو بكر و صدّقت قبله.قال النّاس:صدقت.
قال أبو جعفر مؤمن الطّاق:يا ابن أبي حذرة!ذهب ثلاثة أرباع دينك.
و أمّا قولك في الصّلاة بالنّاس،كنت ادّعيت لصاحبك فضيلة لم تتم له،و إنّها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة،فلو كان ذلك بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما عزله عن تلك الصّلاة بعينها،أما علمت أنّه لمّا تقدّم0.
ص: 311
أبو بكر ليصلّي بالنّاس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتقدّم و صلّى بالنّاس و عزله عنها،و لا تخلو هذه الصّلاة من أحد وجهين:
إمّا أن تكون حيلة وقعت منه،فلمّا أحس النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك خرج مبادرا مع علّته فنحّاه عنها لكيلا يحتج بها بعده على أمّته فيكونوا في ذلك معذورين.
و إمّا أن يكون هو الذي أمره بذلك،و كان ذلك مفوّضا إليه كما في قصة تبليغ براءة،فنزل جبرئيل عليه السّلام و قال:لا يؤديها إلاّ أنت أو رجل منك،فبعث عليّا في طلبه و أخذها منه و عزله عنها و عن تبليغها،فكذلك كانت قصة الصّلاة،و في الحالتين هو مذموم لأنّه كشف عنه ما كان مستورا عليه،و في ذلك دليل واضح أنّه لا يصلح للاستخلاف بعده،و لا هومأمون على شي ء من أمر الدّين.فقال النّاس:صدقت.
قال أبو جعفر مؤمن الطّاق:يا ابن أبي حذرة!ذهب دينك كلّه،و فضحت حيث مدحت.
فقال النّاس لأبي جعفر:هات حجّتك فيما ادّعيت من طاعة عليّ عليه السّلام،فقال أبو جعفر مؤمن الطّاق:
أمّا من القرآن وصفا فقوله عزّ و جلّ:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللََّهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصََّادِقِينَ»(1)فوجدنا عليّا عليه السّلام بهذه الصفة في القرآن في قوله عزّ و جلّ:«وَ اَلصََّابِرِينَ فِي اَلْبَأْسََاءِ وَ اَلضَّرََّاءِ وَ حِينَ اَلْبَأْسِ-يعني في9.
ص: 312
الحرب و الشغب-أُولََئِكَ اَلَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولََئِكَ هُمُ اَلْمُتَّقُونَ»(1)،فوقع الإجماع من الأمّة بأنّ عليّا عليه السّلام أولى بهذا الأمر من غيره،لأنّه لم يفرّ من زحف قطّ كما فرّ غيره في غير موضع.فقال النّاس:صدقت.
قال:و أمّا الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصّا،فقال:(إنّي تارك فيكم الثقلين،ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،فانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض)،قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:(إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح،من ركبها نجا،و من تخلّف عنها غرق،و من تقدّمها مرق،و من لزمها لحق)فالمتمسك بأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هاد مهتد بشهادة من الرسول و المتمسك بغيرها ضال مضل.
قال النّاس:صدقت يا أبا جعفر!و أمّا حجّة العقل فإنّ النّاس كلّهم يستعبدون بطاعة العالم،و وجدنا الإجماع قد وقع على عليّ عليه السّلام بأنّه كان أعلم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كان النّاس يسألونه و يحتاجون إليه،و كان عليّ عليه السّلام مستغنيا عنهم،و هذا من الشّاهدو الدليل عليه من القرآن قوله عزّ و جلّ:«أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاََ يَهِدِّي إِلاََّ أَنْ يُهْدى ََ فَمََا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(2).
فما اتّفق يوم أحسن منه،و دخل في هذا الأمر عالم كثير.
و قد كانت لأبي جعفر مؤمن الطّاق مقامات مع أبي حنيفة.فمن5.
ص: 313
ذلك:ما روي أنّه قال يوما من الأيام لمؤمن الطّاق:إنّكم تقولون بالرجعة؟قال:نعم.
قال أبو حنيفة:فأعطني الآن ألف درهم حتّى أعطيك ألف دينار إذارجعنا.
قال الطّاقي لأبي حنيفة:فأعطني كفيلا بأنّك ترجع إنسانا و لا ترجع خنزيرا.
و قال له يوما آخر:لم لم يطالب عليّ بن أبي طالب بحقّه بعد وفاةرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن كان له حقّ؟
فأجابه مؤمن الطّاق فقال:خاف أن يقتله الجنّ كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة،و في رواية بسهم خالد بن الوليد.
و كان أبو حنيفة يوما آخر يتماشى مع مؤمن الطّاق في سكّة من سكك الكوفة،إذا بمناد ينادي:من يدلّني على صبيّ ضال؟
فقال مؤمن الطّاق:امّا الصبي الضال فلم نره.و إن أردت شيخا ضالاّفخذ هذا-عنى به أبا حنيفه-.
و لمّا مات الصّادق عليه السّلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطّاق فقال له:
مات إمامك؟
فقال مؤمن الطّاق:نعم.و امّا إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم(1).6.
ص: 314
و روي انّه مرّ فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة و هو في جمع كثير،يملي عليهم شيئا من فقهه و حديثه،فقال-لصاحب كان معه-:و اللّه لا أبرح حتّى أخجل أبا حنيفة.
فقال صاحبه الذي كان معه:إنّ أبا حنيفة ممّن قد علمت حاله،و ظهرت حجّته.
قال:مه!(1)هل رأيت حجّة ضال علت على حجّة مؤمن؟!ثمّ دنا منه فسلّم عليه،فردها،و ردّ القوم السّلام بأجمعهم.فقال:
يا أبا حنيفة!إنّ أخا لي يقول:إنّ خير النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و أنا أقول:أبو بكر خير النّاس و بعده عمر.فما تقول أنت رحمك اللّه؟
فأطرق مليّا ثمّ رفع رأسه فقال:كفى بمكانهما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كرما و فخرا،أما علمت أنّهما ضجيعاه في قبره،فأيّ حجّة تريدأوضح من هذا؟
فقال له فضال:إنّي قد قلت ذلك لأخي فقال:و اللّه لئن كان الموضع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس
ص: 315
لهما فيه حقّ،و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لقد أساءا و ما أحسنا،إذ رجعا في هبتهما و نسيا عهدهما.
فأطرق أبو حنيفة ساعة ثمّ قال له:لم يكن له و لا لهما خاصة،و لكنّهما نظرا في حقّ عائشة و حفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما.
فقال له فضال:قد قلت له ذلك فقال:أنت تعلم أنّ النّبي مات عن تسع نساء،و نظرنا فإذا لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن،ثمّ نظرنا في تسع الثمن،فإذا هو شبر في شبر،فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك،و بعد فما بال عائشة و حفصة ترثان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فاطمة بنته تمنع الميراث؟!
فقال أبو حنيفة:يا قوم!نحّوه عني فانّه رافضي خبيث(1).
دخلت الرّقة(1)فذكر لي أنّ(بديرزكيّ)(2)رجلا مجنونا حسن الكلام،فأتيته فإذا أنا بشيخ حسن الهيئة جالس على وسادة يسرّح رأسه و لحيته،فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام و قال:ممّن يكون الرجل؟قال:قلت:من أهل العراق،قال:نعم،أهل الظرف(3)و الأدب.
قال:من أيّها أنت؟قلت:من أهل البصرة.قال:أهل التّجارب و العلم.
قال:فمن أيّهم أنت؟قلت:أبو الهذيل العلاف.قال:المتكلّم؟قلت:بلى.
فوثب عن وسادته و أجلسني عليها ثمّ قال-بعد كلام جرى بيننا-:ماتقولون في الإمامة؟قلت:أيّ الإمامة تريد؟
قال:من تقدّمون بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قلت:من قدّم رسول ق-آخر عمره،و توفي بسامراء،له كتب كثيرة منها كتاب سمّاه«ميلاس»على اسم مجوسي أسلم على يده-الأعلام للزركلي 7/131،و انظر لسان الميزان 5/413،و مروج الذهب 2/298،و تاريخ بغداد 3/366،و أمالي المرتضى 1/178،و دائرة المعارف الإسلامية1/416.0.
ص: 317
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.قال:و من هو؟
قلت:أبا بكر.
قال لي:يا أبا الهذيل!و لم قدّمتم أبا بكر؟
قال:قلت:لأنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«قدّموا خيركم و ولّواأفضلكم»،و تراضى النّاس به جميعا.فقال:يا أبا الهذيل!هاهنا وقعت.
أمّا قولك إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«قدّموا خيركم و ولّواأفضلكم»فانّي أوجدك أنّ أبا بكر صعد المنبر و قال:«وليتكم و لست بخيركم و عليّ فيكم»فان كانوا كذبوا عليه فقد خالفوا أمر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إن كان هو الكاذب على نفسه فمنبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يصعده الكاذبون.
و أمّا قولك إنّ النّاس تراضوا به،فان أكثر الأنصار قالوا:منّا أميرو منكم أمير،و أمّا المهاجرون فإنّ الزّبير بن العوام قال:لا أبايع إلاّ عليّا،فأمر به فكسر سيفه،و جاء أبو سفيان بن حرب و قال:يا أبا الحسن!لوشئت(1)لأملأنّها خيلا و رجالا-يعني المدينة-و خرج سلمان فقال بالفارسي:«كرديد و نكرديد،و ندانيد كه چه كرديد»(2)و المقداد و أبوذر،فهؤلاء المهاجرون و الأنصار.
أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام أبي بكر على المنبر و قوله:إنّ ليم.
ص: 318
شيطانا يعتريني،فإذا رأيتموني مغضبا فاحذروني،لا أقع في أشعاركم و أبشاركم(1).فهو يخبركم على المنبر أنّه مجنون(2)،فكيف يحل لكم أن تولّوا مجنونا؟!
و أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام عمر على المنبر و قوله:وددت أنّي شعرة في صدر أبي بكر،ثمّ قام بعدها بجمعة فقال:«إنّ بيعة أبي بكركانت فلتة وقى اللّه شرّها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه»(3)فبينما هو يودأن يكون شعرة في صدره(4)،و بينما هو يأمر بقتل من بايع مثله.
فأخبرني يا أبا الهذيل بالذي زعم أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يستخلف،و أن أبا بكر استخلف عمر،و أنّ عمر لم يستخلف،فأرى أمركم بينكم متناقضا.
فأخبرني يا أبا الهذيل عن عمر حين صيّرها شورى بين ستّة،و زعم أنّهم من أهل الجنّة فقال:«إن خالف اثنان لأربعة فاقتلوا الاثنين،و إن خالف ثلاثة لثلاثة،فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرّحمن بن عوف»فهذه ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنّة؟!
و أخبرني يا أبا الهذيل عن عمر لمّا طعن دخل عليه عبد اللّه بن عبّاسر.
ص: 319
قال:فرأيته جزعا فقلت:يا أمير المؤمنين!ما هذا الجزع؟
قال:يابن عبّاس!ما جزعي لأجلي و لكن جزعي لهذا الأمر من يليه بعدي.
قال:قلت:ولّها طلحة بن عبيد اللّه.
قال:رجل له حدة،كان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعرفه فلا أولّي أمرالمسلمين حديدا.
قال:قلت:ولّها زبير بن العوام.قال:رجل بخيل،رأيته يماكس أمراته في كبة من غزل،فلا أولّي أمور المسلمين بخيلا.
قال:قلت:ولّها سعد بن أبي وقّاص.قال:رجل صاحب فرس و قوس،و ليس من أحلاس الخلافة(1).
قال:قلت:ولّها عبد الرّحمن بن عوف.قال:رجل ليس يحسن أن يكفي عياله.
قال:قلت:ولّها عبد اللّه بن عمر.فاستوى جالسا ثمّ قال:يا بن عبّاس!ما اللّه أردت بهذا،أولّي رجلا لم يحسن أن يطلّق امرأته؟!
قال:قلت:ولّها عثمان بن عفان.قال:و اللّه لئن ولّيته ليحملنّ آل أبي معيط(2)على رقاب المسلمين،و يوشك إن فعلها أن يقتلوه(3).قالهاه.
ص: 320
ثلاثا.قال:ثمّ سكت لما أعرف من معاندته(1)لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
فقال لي:يا بن عبّاس!اذكر صاحبك.قال:قلت:فولّها عليّا.
قال:فو اللّه ما جزعي إلاّ لما أخذت الحقّ(2)من أربابه!!و اللّه لئن ولّيته ليحملنّهم على المحجّة العظمى،و إن يطيعوه يدخلهم الجنّة!
فهو يقول هذا،ثمّ صيّرها شورى بين الستة فويل له من ربه!!
قال أبو الهذيل:فو اللّه بينما هو يكلّمني إذ اختلط،و ذهب عقله،فأخبرت المأمون بقصته،و كان من قصته أن ذهب بماله و ضياعه حيلةو غدرا،فبعث إليه المأمون،فجاء به و عالجه و كان قد ذهب عقله بما صنع به(3)،فرد عليه ماله و ضياعه و صيّره نديما،فكان المأمون يتشيع لذلك،و الحمد للّه على كل حال(4).
و قد جاءت الآثار عن الأئمّة الأبرار عليهم السّلام بفضل من نصب نفسه من علماء شيعتهم لمنع أهل البدعة و الضلال عن التسلّط على ضعفاءالشيعة و مساكينهم و قمعهم بحسب تمكّنهم و طاقتهم،فمن ذلك ما:
روي عن أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ عليهما السّلام أنّه قال:م.
ص: 321
قال جعفر بن محمّد عليهما السّلام:علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس و عفاريته،يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا،و عن أن يتسلّط عليهم إبليس و شيعته النواصب،ألا فمن انتصب لذلك من شيعتناكان أفضل ممّن جاهد الرّوم و الترك و الخزر ألف ألف مرّة لأنّه يدفع عن أديان محبينا،و ذلك يدفع عن أبدانهم(1).
ص: 322
ص: 323
ص: 324
الحسن بن عبد الرّحمن الحماني قال:قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام:انّ هشام بن الحكم زعم أنّ اللّه تعالى جسم ليس كمثله شي ء،عالم،سميع،بصير،قادر،متكلّم،ناطق،و الكلام و القدرة و العلم يجري مجرى واحد،ليس شي ء منها مخلوقا.
فقال:قاتله اللّه!أمّا علم أنّ الجسم محدود؟!و الكلام غير المتكلّم؟معاذ اللّه و أبرأ إلى اللّه من هذا القول.لا جسم،و لا صورة،و لا تحديد،و كل شي ء سواه مخلوق و إنّما تكون الأشياء بإرادته و مشيئته من غير كلام و لا تردد في نفس و لا نطق بلسان(1).
ص: 325
و عن يعقوب بن جعفر عن أبي إبراهيم عليه السّلام أنّه قال:لا أقول إنّه قائم فازيله عن مكان،و لا أحدّه بمكان يكون فيه،و لا أحدّه أن يتحرّك في شي ء من الأركان(1)و الجوارح،و لا أحدّه بلفظ شق فم،و لكن كما قال عزّو جلّ:«إِنَّمََا أَمْرُهُ إِذََا أَرََادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(2)بمشيئته من غير تردد في نفس،صمدا فردا لم يحتج إلى شريك يدبّر له ملكه(3)،و لايفتح له أبواب علمه(4).
و عن يعقوب بن جعفر الجعفري أيضا،عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال:ذكر عنده قوم زعموا أنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل إلى السّماء الدنيا فقال:
ص: 326
إنّ اللّه لا ينزل و لا يحتاج إلى أن ينزل(1)إنّما منظره في القرب و البعد سواء،لم يبعد منه بعيد،و لم يقرب منه قريب و لم يحتج إلى شي ء بل يحتاج إليه كل شي ء،و هو ذو الطّول لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم!
أمّا قول الواصفين إنّه ينزل[تبارك اللّه و تعالى عن ذلك علواكبيرا](2)،فانّما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة.و كل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به،فمن ظنّ باللّه الظنون فقد هلك،فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو زيادة،أوتحريك أو تحرك،أو زوال أو استنزال،أو نهوض أو قعود،فإنّ اللّه جلّ و عزّ عن صفة الواصفين و نعت الناعتين و توهم المتوهمين(3).
و عن الحسن بن راشد قال:سئل أبو الحسن موسى عليه السّلام عن معنى
ص: 327
قول اللّه تعالى:«اَلرَّحْمََنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى ََ»(1)فقال:استولى على مادقّ و جلّ(2).
و عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال:سأل رجل-يقال له عبد الغفارالسلمي-أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السّلام عن قول اللّه تعالى:«ثُمَّ دَنََافَتَدَلََّى*`فَكََانَ قََابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ََ»(3)قال:أرى هاهنا خروجا من حجب و تدليا إلى الأرض،و أرى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأى ربّه بقلبه،و نسب إلى بصره فكيف هذا؟
فقال أبو إبراهيم عليه السّلام:دنى فتدلى،فانّه لم يزل عن موضع و لم يتدل ببدن(4).
فقال عبد الغفار:اصفه بما وصف به نفسه حيث قال:«دَنََا فَتَدَلََّى»فلم يتدل عن مجلسه إلاّ و قد زال عنه،و لو لا ذلك لم يصف بذلك نفسه.
ص: 328
فقال أبو إبراهيم عليه السّلام:إنّ هذه لغة في قريش إذا أراد الرجل منهم أن يقول:قد سمعت يقول:قد تدليت،و إنّما التدلي:الفهم(1).
و عن داود بن قبيصة قال:سمعت الرّضا عليه السّلام يقول:سئل أبي عليه السّلام هل منع اللّه عمّا أمر به،و هل نهى عمّا أراد،و هل أعان على ما لم يرد؟
فقال عليه السّلام:أمّا ما سألت:«هل منع اللّه عمّا أمر به؟»فلا يجوزذلك،و لو جاز ذلك لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم،و لو منع إبليس لعذره و لم يلعنه.
و أمّا ما سألت:«هل نهى عمّا أراد؟»فلا يجوز ذلك،و لو جاز ذلك لكان حيث نهى آدم عليه السّلام عن أكل الشّجرة أراد منه أكلها،و لو أراد منه أكلها لما نادى عليه صبيان الكتاتيب:«وَ عَصى ََ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ََ»(2)و اللّه تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشي ء و يريد غيره.
و أمّا ما سألت عنه من قولك:«هل أعان على ما لم يرد؟»فلا يجوزذلك و جلّ اللّه تعالى عن أن يعين على قتل الأنبياء و تكذيبهم،و قتل
ص: 329
الحسين بن علي عليهما السّلام و الفضلاء من ولده،و كيف يعين على ما لم يردو قد أعدّ جهنم لمخالفيه،و لعنهم على تكذيبهم لطاعته،و ارتكابهم لمخالفته؟!و لو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره و ادّعائه أنّه رب العالمين،أفترى أراد اللّه من فرعون أن يدّعي الربوبيّة؟يستتاب قائل هذا القول،فان تاب من كذبه على اللّه و إلاّ ضربت عنقه(1).
و روي عن أبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد العسكري عليهم السّلام أنّ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:
إنّ اللّه خلق الخلق فعلم ما هم إليه صايرون فأمرهم و نهاهم،فماأمرهم به من شي ء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به،و ما نهاههم عنه من شي ء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه،و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلاّباذنه،و ما جبر اللّه أحدا من خلقه على معصيته،بل اختبرهم بالبلوى كماقال تعالى:«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»(2)(3).
ص: 330
قوله عليه السّلام:و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلاّ بإذنه،أي:بتخليته و علمه.
و روي أنّه دخل أبو حنيفة المدينة و معه عبد اللّه بن مسلم فقال له:
يا أبا حنيفة!إنّ هاهنا جعفر بن محمّد من علماء آل محمّد فاذهب بناإليه نقتبس منه علما(1)،فلمّا أتيا إذا هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه،فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث فقام النّاس هيبة له،فالتفت أبو حنيفة فقال:
يابن مسلم!من هذا؟
قال:موسى ابنه.
قال:و اللّه لأجبهنّه(2)بين يدي شيعته.قال:مه!لن تقدر على ذلك.
قال:و اللّه لأفعلنّه،ثمّ التفت إلى موسى عليه السّلام فقال:يا غلام!أين يضع الغريب في بلدتكم هذه؟
قال:يتوارى خلف الجدار،و يتوقّى أعين الجار،و شطوط الأنهار،
ص: 331
و مسقط الثمار،و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها،فحينئذ يضع حيث شاء.
ثمّ قال:يا غلام!ممّن المعصية؟قال:يا شيخ!لا تخلو من ثلاث:
إمّا أن تكون من اللّه و ليس من العبد شي ء،فليس للحكيم أن يأخذعبده بما لم يفعله.
و إمّا أن تكون من العبد و من اللّه،و اللّه أقوى الشريكين فليس للشريك الاكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه.
و إمّا أن تكون من العبد و ليس من اللّه شي ء،فإن شاء عفى و إن شاءعاقب.
قال:فأصابت أبا حنيفة سكتة كأنّما ألقم فوه الحجر.
قال:فقلت له:ألم أقل لك لا تتعرّض لأولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و في ذلك يقول الشّاعر:
لم تخل أفعالنا اللاّتي نذم بها إحدى ثلاث معان حين نأتيها أمّا تفرّد بارينا بصنعتها فيسقط اللّوم عنّا حين ننشيها أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما سوف يلحقنا من لائم فيها أو لم يكن لإلهي في جنايتها ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيها(1)2.
ص: 332
و روي عن عليّ بن يقطين أنّه قال:أمر أبو جعفر الدوانيقي(1)يقطين أن يحفر له بئرا بقصر العبادي(2)،فلم يزل يقطين في حفرها حتّى مات أبوجعفر و لم يستنبط منها الماء،فأخبر المهدي بذلك فقال له:احفر أبداحتّى يستنبط الماء و لو انفقت عليها جميع ما في بيت المال.
قال:فوجّه يقطين أخاه أبا موسى في حفرها،فلم يزل يحفرها حتّى ثقبوا ثقبا في أسفل الأرض فخرجت منه الرّيح،قال:فهالهم ذلك،فأخبروا به أبا موسى.
فقال:أنزلوني،قال:فأنزل و كان رأس البئر أربعين ذراعا في أربعين ذراع،فاجلس في شق محمل و دلي في البئر،فلمّا صار في قعرها نظر إلى هول،و سمع دوي الرّيح في أسفل ذلك،فأمرهم أن يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم،ثمّ دلى فيه رجلان في شق محمل فقال:ايتوني بخبر
ص: 333
هذا ما هو؟
قال:فنزلا في شق محمل فمكثا مليّا ثمّ حركا الحبل فاصعدا،فقال لهما:
ما رأيتما؟
قالا:أمرا عظيما،رجالا و نساء و بيوتا و آنية و متاعا،كلّه ممسوخ من حجارة(1)،فأمّا الرجال و النّساء فعليهم ثيابهم،فمن بين قاعد و مضطجع و متكى ء،فلمّا مسسناهم،إذا ثيابهم تتفشّى شبه الهباء،و منازل قائمة،قال:فكتب بذلك أبو موسى إلى المهدي،فكتب المهدي إلى المدينة إلى موسى بن جعفر عليه السّلام يسأله أن يقدم عليه فقدم عليه،فأخبره فبكى بكاءاشديدا و قال:يا أمير المؤمنين!هؤلاء بقية قوم عاد،غضب اللّه عليهم فساخت بهم منازلهم،هؤلاء أصحاب الأحقاف.
قال:فقال له المهدي:يا أبا الحسن!و ما الأحقاف؟قال:الرمل(2).4.
ص: 334
و حدث أبو أحمد هاني بن محمّد العبدي،قال:حدّثني أبو محمّد،رفعه إلى موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:لما أدخلت على الرشيد سلمت عليه فردعليّ السّلام ثمّ قال:يا موسى بن جعفر،خليفتين(1)يجبى إليهماالخراج؟
فقلت:يا أمير المؤمنين!أعيذك باللّه أن تبوء بإثمي و إثمك،و تقبل الباطل من أعدائنا علينا،فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،كما علم ذلك عندك(2)،فان رأيت بقرابتك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن تأذن لي أحدّثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟فقال:قد أذنت لك.
فقلت:أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:«إنّ الرحم إذا مست الرحم تحركت و اضطربت»فناولني يدك جعلني اللّه فداك.
قال:ادن مني!فدنوت منه،فأخذ بيدي ثمّ جذبني إلى نفسه و عانقني طويلا ثمّ تركني و قال:«اجلس يا موسى!فليس عليك بأس،فنظرت إليه
ص: 335
فإذا به قد دمعت عيناه،فرجعت إليّ نفسي فقال:صدقت و صدق جدّك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،لقد تحرك دمي و اضطربت عروقي حتّى غلبت عليّ الرقةو فاضت عيناي و أنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين لم أسأل عنها أحدا،فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك و لم أقبل قول أحدفيك،و قد بلغني عنك أنّك لم تكذب قطّ فأصدقني فيما أسألك ممّا في قلبي.
فقلت:ما كان علمه عندي فانّي مخبرك به إن أنت أمنتني.
قال:لك الأمان إن صدقتني و تركت التقية التي تعرفون بها معشربني فاطمة،فقلت:ليسأل أمير المؤمنين عمّا يشاء.
قال:أخبرني لم فضلّتم علينا و نحن و أنتم من شجرة واحدة،و بنوعبد المطّلب و نحن و أنتم واحد،إنّا بنو عبّاس و أنتم ولد أبي طالب،و هماعمّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قرابتهما منه سواء؟
فقلت:نحن أقرب.قال:و كيف ذلك؟
قلت:لأنّ عبد اللّه و أبا طالب لأب و أم،و أبوكم العبّاس ليس هو من أم عبد اللّه و لا من أمّ أبي طالب.
قال:فلم ادعيتم أنّكم ورثتم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و العم يحجب ابن العم،و قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد توفي أبو طالب قبله و العباس عمّه حي؟
فقلت له:إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة،و يسألني عن كل باب سواه يريده.فقال:لا،أو تجيب.
ص: 336
فقلت:فآمني.قال:قد آمنتك قبل الكلام.
فقلت:إنّ في قول عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:إنّه ليس مع ولدالصلب ذكرا كان أو أنثى لأحد سهم إلاّ الأبوين و الزوج و الزوجة،و لم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث،و لم ينطق به الكتاب[العزيز و السنة](1)إلاّ أنّ تيما و عديا و بني أميّة قالوا:«العم والد»رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثرعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و من قال بقول عليّ من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء،هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول عليّ عليه السّلام و قد حكم به،و قد ولاّه أمير المؤمنين المصرين الكوفة و البصرة و قدقضى به،فانهى إلى أمير المؤمنين فأمر بإحضاره و إحضار من يقول بخلاف قوله،منهم:سفيان الثوري،و إبراهيم المدني(2)،و الفضيل بن عياض،فشهدوا أنّه قول عليّ عليه السّلام في هذه المسألة.فقال لهم فيماأبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز:لم لا تفتون و قد قضى به نوح بن دراج؟
فقالوا:جسر و جبنّا(3).و قد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماءالعامة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:«أقضاكم عليّ»و كذلك عمر بن الخطّاب قال:«عليّ أقضانا»و هو اسم جامع،لأنّ جميع ما مدح به النّبيا.
ص: 337
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أصحابه من القرابة و الفرائض و العلم داخل في القضاء.
قال:زدني يا موسى!قلت:المجالس بالأمانات و خاصة مجلسك.فقال:لا بأس به.
فقلت:إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يورث من لم يهاجر،و لا أثبت له ولاية حتّى يهاجر.فقال:ما حجّتك فيه؟
قلت:قول اللّه تبارك و تعالى:«وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهََاجِرُوا مََا لَكُمْ مِنْ وَلاََيَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ حَتََّى يُهََاجِرُوا»(1)و إنّ عمّي العبّاس لم يهاجر.
فقال لي:إنّي أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا،أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشي ء؟فقلت:اللّهم لا.و ماسألني عنها إلاّ أمير المؤمنين.
ثمّ قال لي:لم جوّزتم للعامّة و الخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يقولوا لكم:يا بني رسول اللّه!و أنتم بنو علي و إنّما ينسب المرء إلى أبيه،و فاطمة إنّما هي وعاء و النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جدكم من قبل أمكم؟
فقلت:يا أمير المؤمنين!لو أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟فقال:سبحان اللّه!و لم لا أجيبه بل أفتخرعلى العرب و العجم و قريش بذلك.
فقلت له:لكنّه لا يخطب إليّ و لا أزوّجه.فقال:و لم؟فقلت:لأنّه2.
ص: 338
ولّدني و لم يلدك.
فقال:أحسنت يا موسى!ثمّ قال:كيف قلتم إنّا ذرية النّبي و النّبي لم يعقب و إنّما العقب للذكر لا للأنثى،و أنتم ولد الابنة و لا يكون لها عقب له.فقلت:أسألك بحقّ القرابة و القبر و من فيه،إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة.
فقال:لا،أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي!و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم،كذا انهي إليّ،و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب اللّه،و أنتم تدعون معشر ولد عليّ أنّه لايسقط عنكم منه شي ء ألف و لا واو إلاّ تأويله عندكم.و احتججتم بقوله عزّو جلّ:«مََا فَرَّطْنََا فِي اَلْكِتََابِ مِنْ شَيْ ءٍ»(1)و استغنيتم عن رأي العلماءو قياسهم.
فقلت:تأذن لي في الجواب؟قال:هات.
فقلت:أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم«وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دََاوُدَ وَ سُلَيْمََانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى ََ وَ هََارُونَ وَ كَذََلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ*`وَ زَكَرِيََّا وَ يَحْيى ََ وَ عِيسى ََ وَ إِلْيََاسَ كُلٌّ مِنَ اَلصََّالِحِينَ»(2)من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟فقال:ليس لعيسى أب.
فقلت:إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السّلام من طريق مريم عليها السّلام5.
ص: 339
و كذلك الحقنا بذراري النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قبل امّنا فاطمة عليها السّلام،ازيدك يا أمير المؤمنين؟قال:هات.
قلت:قول اللّه عزّ و جلّ:«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعََالَوْا نَدْعُ أَبْنََاءَنََا وَ أَبْنََاءَكُمْ وَ نِسََاءَنََا وَ نِسََاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنََا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللََّهِ عَلَى اَلْكََاذِبِينَ»(1)و لم يدّع أحد أنّه أدخل(2)النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تحت الكساء عند مباهلة النّصارى إلاّ عليّ بن أبي طالب،و فاطمة،و الحسن و الحسين فأبناءنا الحسن و الحسين،و نساءنا فاطمة،و أنفسنا عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام،على أنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم أحد:«يا محمّد!إنّ هذه لهي المواساة من عليّ»قال:«لأنّه مني و أنا منه».
فقال جبرئيل:«و أنا منكما يا رسول اللّه»ثمّ قال:«لا سيف إلاّ ذوالفقار و لا فتى إلاّ عليّ»فكان كما مدح اللّه عزّ و جلّ به خليله عليه السّلام إذيقول:«قََالُوا سَمِعْنََا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقََالُ لَهُ إِبْرََاهِيمُ»(3)إنّا نفتخر بقول جبرئيل أنّه منّا.فقال:أحسنت يا موسى!إرفع إلينا حوائجك.
فقلت له:إنّ أول حاجة لي أن تأذن لابن عمّك أن يرجع إلى حرم جده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إلى عياله.فقال:ننظر إن شاء اللّه(4)..-
ص: 340
و روي أنّ المأمون قال لقومه:أتدرون من علمني التشيع؟فقال القوم:لا و اللّه ما نعلم ذلك.
قال:علّمنيه الرشيد!قيل له:و كيف ذلك،و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟!
قال:كان يقتلهم على الملك،لأنّ الملك عقيم،ثمّ قال:إنّه دخل موسى بن جعفر عليهما السّلام على الرشيد يوما فقام إليه الرّشيد،و استقبله و أجلسه في الصدر و قعد بين يديه،و جرى بينهما أشياء.ثمّ قال موسى بن جعفر عليهما السّلام لأبي:يا أمير المؤمنين!إنّ اللّه عزّ و جلّ قد فرض على ولاةعهده:أن ينعشوا(1)فقراء الأمّة(2)و يقضوا عن الغارمين،و يؤدوا عن المثقل،و يكسوا العاري،و يحسنوا إلى العاني(3)،و أنت أولى من يفعل ذلك.فقال:أفعل يا أبا الحسن.
ثمّ قام فقام الرشيد لقيامه.و قبّل ما بين عينيه و وجهه ثمّ أقبل عليّ ق-و نقله في بحار الأنوار 48/125 و 101/334 و 93/240.
ص: 341
و على الأمين و على المؤتمن(1)فقال:يا عبد اللّه!و يا محمّد!و يا إبراهيم!امشوا بين يدي ابن عمّكم و سيدكم،خذوا بركابه و سوّوا عليه ثيابه و شيّعوه إلى منزله،فأقبل إليّ أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام سرّابيني و بينه فبشرني بالخلافة،و قال لي:«إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي».
ثمّ انصرفنا و كنت أجرأ ولد أبي عليه،فلمّا خلا المجلس قلت:
يا أمير المؤمنين!و من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته،و قمت من مجلسك إليه فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس و جلست دونه،ثمّ أمرتنابأخذ الركاب له؟
قال:هذا إمام النّاس و حجة اللّه على خلقه،و خليفته على عباده!
فقلت:يا أمير المؤمنين!أو ليست هذه الصفات كلّها لك و فيك؟فقال:أنا إمام الجماعة في الظّاهر بالغلبة و القهر،و موسى بن جعفر إمام حقّ،و اللّه يا بني إنّه لأحقّ بمقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مني و من الخلق جميعا،و و اللّه لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك،لأنّ الملك عقيم.
فلمّا أراد الرحيل من المدينة إلى مكّة أمر بصرّة سوداء فيها مائتادينار ثمّ أقبل على الفضل فقال له:إذهب إلى موسى بن جعفر و قل له:يقول لك أمير المؤمنين:نحن في ضيقة و سيأتيك برّنا بعد هذا الوقت.ن.
ص: 342
فقمت في وجهه فقلت:يا أمير المؤمنين!تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر قريش و بني هاشم و من لا تعرف حسبه و نسبه:خمسةآلاف دينار إلى ما دونها و تعطي موسى بن جعفر و قد عظّمته و أجللته مائتي دينار،و أخسّ عطية أعطيتها أحدا من النّاس؟
فقال:اسكت لا أمّ لك!فاني لو أعطيته هذا ما ضمنته له،ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه،و فقر هذاو أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم و إغنائهم(1).
و قيل:و لمّا دخل هارون الرشيد المدينة توجّه لزيارة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معه النّاس،فتقدّم إلى قبر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:السّلام عليك يا رسول اللّه،السّلام عليك يا ابن عمّ،مفتخرا بذلك على غيره.
ص: 343
فتقدّم أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام إلى القبر فقال:السّلام عليك يا رسول اللّه،السّلام عليك يا أبه.فتغيّر وجه الرشيد و تبيّن الغيظفيه(1).
و روي عن أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليهما السّلام أنّه قال:لماسمعت بهذا البيت-و هو لمروان بن أبي حفصة-:أنّى يكون و لا يكون و لم يكن لبني البنات وراثة الأعمام دار في ذلك ليلتي فنمت تلك اللّيلة فسمعت هاتفا في منامي يقول:أنّى يكون و لا يكون و لم يكن للمشركين دعائم الإسلام لبني البنات نصيبهم من جدهم و العم متروك بغير سهام
ص: 344
ما للطليق و للتراث و إنّما سجد الطليق مخافة الصمصام(1) و بقى ابن نثلة(2)واقفا متلددا فيه و يمنعه ذوو الأرحام إنّ ابن فاطمة المنوّه باسمه حاز التراث سوى بني الأعمام(3) [275]احتجاج الكاظم(ع)على محمّد بن الحسن في مسألة المحرم
و سأل محمّد بن الحسن أبا الحسن موسى عليه السّلام-بمحضر من الرشيد و هم بمكّة-فقال له:أ يجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟فقال له موسى عليه السّلام:لا يجوز له ذلك مع الاختيار.
فقال له محمّد بن الحسن:أ فيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟فقال له:نعم.9.
ص: 345
فتضاحك محمّد بن الحسن من ذلك.فقال له أبو الحسن موسى عليه السّلام:أتعجب من سنة النّبي و تستهزي بها،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كشف ظلاله في إحرامه،و مشى تحت الظلال و هو محرم،إنّ أحكام اللّه تعالى يا محمّد لا تقاس،فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل عن السبيل.فسكت محمّد بن الحسن لا يرجع جوابا(1).
و قد جرى لأبي يوسف مع أبي الحسن موسى صلوات اللّه عليه بحضرةالمهدي ما يقرب من ذلك،و هو أنّ موسى عليه السّلام سأل أبا يوسف عن مسألة ليس عنده فيها شي ء،فقال لأبي الحسن موسى عليه السّلام:إنّي أريد أن أسألك عن شي ء.قال:هات.
فقال:ما تقول في التظليل للمحرم؟قال:لا يصلح.
قال:فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه؟قال:نعم.
قال:فما فرق بين هذا و ذاك؟
قال:أبو الحسن موسى عليه السّلام:ما تقول في(الطامث)تقضي الصّلاة؟قال:لا.قال:تقضي الصّوم؟قال:نعم.قال:و لم؟قال:إنّ هذا
ص: 346
كذا جاء.
قال أبو الحسن عليه السّلام:و كذلك هذا.
قال المهدي لأبي يوسف:ما أراك صنعت شيئا!قال:يا أميرالمؤمنين!رماني بحجّة(1).
و عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام قال:قال رجل من خواص الشيعة لموسى بن جعفر عليهما السّلام-و هو يرتعد بعد ما خلا به-:
يابن رسول اللّه-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-ما أخوفني أن يكون فلان ابن فلان ينافقك في إظهاره اعتقاد وصيتك و إمامتك.فقال موسى عليه السّلام:و كيف ذاك؟
قال:لأنّي حضرت معه اليوم في مجلس فلان،و كان معه رجل من كبار أهل بغداد،فقال له صاحب المجلس:أنت تزعم أنّ صاحبك موسى ابن جعفر إمام دون هذا الخليفة القاعد على سريره؟
قال له صاحبك هذا:ما أقول هذا،بل أزعم أنّ موسى بن جعفر غير
ص: 347
إمام،و إن لم أكن أعتقد أنّه غير إمام،فعليّ و على من لم يعتقد ذلك لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين.
فقال له صاحب المجلس:جزاك اللّه خيرا،و لعن اللّه من وشى بك إليّ.
فقال له موسى بن جعفر عليهما السّلام:ليس كما ظننت،و لكن صاحبك أفقه منك.إنّما قال:موسى غير إمام،أي إنّ الذي هو غير إمام فموسى غيره،فهو إذا إمام،فإنّما أثبت بقوله هذا إمامتي و نفى إمامة غيري،ياعبد اللّه!متى يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من النفاق،تب إلى اللّه.ففهم الرجل ما قاله و اغتم،ثمّ قال:
يابن رسول اللّه!ما لي مال فارضيه به،و لكن قد وهبت له شطر عملي كلّه من تعبدي و صلاتي عليكم أهل البيت و من لعنتي لأعدائكم.
قال موسى عليه السّلام:الآن خرجت من النار(1).
و روي أيضا عنه عليه السّلام:أنّه قال:
فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعلم ما هو
ص: 348
محتاج إليه،أشد على إبليس من ألف عابد،لأنّ العابد همّه ذات نفسه فقط،و هذا همّه مع ذات نفسه ذات عباد اللّه و إمائه،لينقذهم من يد إبليس و مردته،و لذلك هو أفضل عند اللّه من ألف عابد،و ألف ألف عابد(1).
و روي أنّه عليه السّلام كان حسن الصوت،حسن القراءة،فقال يوما من الأيام:إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يقرأ القرآن فربّما مرّ به المارفصعق من حسن صوته و إن الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله النّاس.
قيل له:
أ لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلي بالنّاس و يرفع صوته بالقرآن؟فقال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحمّل من خلفه مايطيقون(2).
ص: 349
ص: 350
ص: 351
ص: 352
دخل عليه رجل فقال له:يابن رسول اللّه!ما الدليل على حدوث العالم.
فقال:إنّك لم تكن ثمّ كنت،و قد علمت أنّك لم تكوّن نفسك،و لاكوّنك من هو مثلك(1).
ص: 353
و عن محمّد بن عبد اللّه الخراساني خادم الرّضا عليه السّلام قال:دخل رجل من الزنادقة على الرّضا عليه السّلام و عنده جماعة.
فقال له أبو الحسن عليه السّلام:أ رأيت إن كان القول قولكم-و ليس هوكما تقولون-ألسنا و إيّاكم شرعا سواء،و لا يضرنا ما صلّينا و صمناو زكّينا و أقررنا؟
فسكت فقال أبو الحسن عليه السّلام:و إن لم يكن القول قولنا-و هوكما نقول-أ لستم قد هلكتم و نجونا.
قال الزنديق:رحمك اللّه فأوجدني كيف هو،و أين هو؟
قال:ويلك!إنّ الذي ذهبت إليه غلط،هو أيّن(1)الأين،و كان و لاأين،و هو كيّف الكيف و كان و لا كيف،و لا يعرف بكيفوفية،و لابأينونية،و لا يدرك بحاسة،و لا يقاس بشي ء.
قال الرجل:فاذن إنه لا شي ء،إذ لم يدرك بحاسة من الحواس.
فقال أبو الحسن عليه السّلام:ويلك!لمّا عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته و نحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا،و أنّه شي ء بخلاف الأشياء.
ص: 354
قال الرجل:فأخبرني متى كان؟
قال أبو الحسن عليه السّلام:أخبرني متى لم يكن،فاخبرك متى كان؟!
قال الرجل:فما الدليل عليه؟
قال أبو الحسن:إنّي لمّا نظرت إلى جسدي فلم يمكنّي فيه زيادة و لانقصان في العرض و الطول،و دفع المكاره عنه و جرّ المنفعة إليه،علمت أنّ لهذا البنيان بانيا فأقررت به،مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته.و إنشاء السحاب،و تصريف الرّياح،و مجرى الشّمس و القمر و النّجوم،و غير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات،علمت أنّ لهذا مقدّرا و منشئا.
قال الرجل:فلم لا تدركه حاسة البصر؟
قال:للفرق بينه و بين خلقه الذين تدركهم حاسة الأبصار منهم و من غيرهم،ثمّ هو أجل من أن يدركه بصر،أو يحيط به وهم،أو يضبطه عقل.
قال:فحدّه لي!قال:لا حدّ له.قال:و لم؟
قال:لأنّ كلّ محدود متناه،و إذا احتمل التحديد احتمل الزيادة،و إذا احتمل الزيادة احتمل النقصان،فهو غير محدود،و لا متزايد و لامتناقص،و لا متجزي،و لا متوهّم.
قال الرجل:فأخبرني عن قولكم:إنّه لطيف و سميع و بصير و عليم و حكيم،أ يكون السميع إلاّ بالأذن،و البصير إلاّ بالعين،و اللّطيف إلاّبعمل اليدين،و الحكيم إلاّ بالصنعة؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:انّ اللطيف منّا على حدّ اتّخاذ الصنعة،أو ما رأيت أنّ الرجل يتّخذ شيئا فيلطف في اتّخاذه،فيقال:ما ألطف فلانا،
ص: 355
فكيف لا يقال للخالق الجليل:لطيف إذ خلق خلقا لطيفا و جليلا،و ركب في الحيوان منه أرواحها،و خلق كل جنس مباينا من جنسه في الصورة،و لا يشبه بعضه بعضا فكل به لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته.
ثمّ نظرنا إلى الأشجار و حملها أطايبها(1)،المأكولة منها و غيرالمأكولة،فقلنا عند ذلك:إنّ خالقنا لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم،و قلنا:إنّه سميع لأنّه لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى،من الذرة إلى أكبر منها(2)في برها و بحرها،و لا تشتبه عليه لغاتها،فقلناعند ذلك:إنّه سميع لا بأذن،و قلنا:إنّه بصير لا ببصر،لأنّه يرى أثر الذرةالسحماء(3)في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء(4)،و يرى دبيب النمل في اللّيل الدجية(5)،و يرى مضارها و منافعها،و أثر سفادها،و فراخهاو نسلها،فقلنا عند ذلك:انّه بصير لا كبصر خلقه.قال:فما برح حتّى أسلم(6).و فيه كلام غير هذا.ي-
ص: 356
و روي عنه عليه السّلام في خبر آخر،أنّه قال:
إنّما يسمّى اللّه تعالى(1)بالعالم لغير علم حادث،علم به الأشياءو استعان به على حفظ ما يستقبل من أمره،و الروية فيما يخلق،و إنّما سمي العالم من الخلق:عالما لعلم حادث(2)،إذ كان قبله جاهلا،و ربّما فارقهم العلم بالأشياء فصار إلى الجهل،و إنّما سمّي اللّه:عالما لأنّه لا يجهل شيئا،فقد جمع الخالق و المخلوق اسم العالم،و اختلف المعنى،و هو اللّه تعالى قائم ليس(3)على معنى انتصاب و قيام على ساق في كبد،كماقامت الأشياء،و لكن أخبر أنّه قائم يخبر أنّه حافظ(4)كقولك:فلان القائم بأمرنا و هو عزّ و جلّ القائم على كل نفس بما كسبت،و القائم أيضا في كلام النّاس:الباقي و القائم أيضا:الكافي كقولك للرجل:قم بأمر كذا،ق-الصيرفي،عن محمّد بن عبد اللّه الخراساني:خادم الرّضا عليه السّلام...
و انظر الكافي 1/78،الباب 1،برقم 3.و نقله المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار3/31 و 4/175.
ص: 357
أي:اكفه.و القائم منّا قائم على ساق،فقد جمعنا الاسم و لم يجمعناالمعنى.
و أمّا الخبير:فالذي لا يعزب عنه شي ء و لا يفوته،و ليس بالتجربةو الاعتبار بالأشياء فتفيده التجربة و الاعتبار علما لو لا هما لما علم،لأنّ من كان كذلك كان جاهلا،و اللّه تعالى لم يزل خبيرا بما يخلق،و الخبير من النّاس المستخبر(1)،فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.
و أمّا الظّاهر:فليس من أنّه علا الأشياء بركوب فوقها و قعود عليهاو تسنّم(2)لذراها،و لكن ذلك لقهره و غلبته الأشياء و قدرته عليها كقول الرجل:ظهرت على أعدائي،و أظهرني اللّه على خصمي،إذا أخبر عن الفلج و الظفر،فهكذا ظهور اللّه على الأشياء.
و وجه آخر:أنّه الظّاهر لمن أراده لا يخفى عليه،لمكان الدليل و البرهان على وجوده في كل ما دبّره و صنعه ممّا يرى،فأي ظاهر أظهرو أوضح أمرا من اللّه تبارك و تعالى،فانّك لا تعدم صنعه(3)حيثما توجهت،و فيك من آثاره ما يغنيك.
و الظّاهر منّا البارز بنفسه المعلوم بحدّه،فقد جمعنا الاسم و لم يجمعنا المعنى...
ص: 358
و أمّا الباطن:فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها،و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و تدبيرا،كقول القائل:بطنته بمعنى:خبرته و علمت مكتوم سرّه(1)،و الباطن منّا الغاير في الشّي ءالمستتر فيه(2)،فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.
قال:و هكذا جميع الأسماء و إن كنّا لم نسمها كلّها(3).
هاشم فقال:إنّي أريد أن استعمل الرّضا عليه السّلام على هذا الأمر من بعدي.
فحسده بنو هاشم و قالوا:أ تولّي رجلا جاهلا.ليس له بصيرة(1)بتدبير الخلافة؟فابعث إليه يأتنا فترى من جهله ما تستدل به!
فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم:يا أبا الحسن!اصعد المنبرو انصب لنا علما نعبد اللّه عليه،فصعد عليه السّلام المنبر فقعد مليّا لا يتكلم مطرقا ثمّ انتفض انتفاضة فاستوى قائما و حمد اللّه تعالى و أثنى عليه،و صلّى على نبيّه و أهل بيته ثمّ قال:
أول عبادة اللّه معرفته،و أصل معرفة اللّه توحيده،و نظام توحيده نفي الصفات عنه،لشهادة العقول(2)أنّ كل صفة و موصوف مخلوق،و شهادةكل مخلوق أنّ له خالقا ليس بصفة و لا موصوف،و شهادة كل صفةو موصوف بالاقتران،و شهادة الاقتران بالحدث،و شهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث،فليس اللّه عرف من عرف بالتشبيه ذاته(3)،و لا إيّاه وحد من اكتنهه،و لا حقيقته أصاب من مثّله،و لا به صدّق من نهّاه،و لا صمد صمده من أشار إليه و لا إيّاه عنى من شبّهه،و لا له تذلّل من بعّضه(4)،و لا إيّاه أراد من توهّمه.كل معروف بنفسه مصنوع،و كل قائم في سواه معلول،بصنع اللّه يستدل عليه،و بالعقوله.
ص: 360
يعتقد معرفته،و بالفطرة تثبت حجّته(1)،خلق اللّه الخلق حجاب(2)بينه و بينهم،و مفارقته إيّاهم مباينة بينه و بينهم،و ابتداؤه إيّاهم دليل على أن لاابتداء له،لعجز كل مبتدإ عن ابتداء غيره،و ادوه إياهم(3)دليل على أن لاأداة فيه،لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين.
فأسماؤه تعبير،و أفعاله تفهيم،و ذاته حقيقة،و كنهه تفريق بينه و بين خلقه،و غيوره(4)تحديد لما سواه،فقد جهل اللّه من استوصفه،و قد تعدّاه من استمثله،و قد أخطأه من اكتنهه،و من قال:«كيف»فقد شبهه،و من قال:«لم»فقد علّله،و من قال:«متى»فقد وقّته،و من قال:«فيم»فقد..
ص: 361
ضمّنه،و من قال:«إلى م»فقد نهّاه،و من قال:«حتى م»فقد غيّاه،و من غيّاه فقد غاياه،و من غاياه فقد جزّأه،و من جزّأه فقد وصفه،و من وصفه فقدألحد فيه،و لا يتغير اللّه بتغير المخلوقين(1)،كما لا يتحدد بتحديدالمحدود(2).
أحد لا بتأويل عدد،ظاهر لا بتأويل المباشرة،متجل لا باستهلال رؤية،باطن لا بمزايلة،مباين لا بمسافة،قريب لا بمداناة،لطيف لابتجسّم،موجود لا بعد عدم،فاعل لا باضطرار،مقدّر لا بحول فكرة(3)،مدبّر لا بحركة،مريد لا بهمامة،شاء لا بهمة،مدرك لا بحاسة(4)،سميع لا بآلة،بصير لا بأداة،لا تصحبه الأوقات،و لا تضمنه الأماكن،و لا تأخذه السنات،و لا تحدّه الصفات و لا تقيّده الأدوات.
سبق الأوقات كونه،و العدم وجوده،و الإبتداء أزله،بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له،و بتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له،و بمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له،و بمقارنته بين الأمور عرف أن لاقرين له.ة.
ص: 362
ضادّ النور بالظلمة،و الجلاية بالبهمة،و الجسو بالبلل(1)،و الصردبالحرور(2)،مؤلف بين متعادياتها،مفرّق بين متدانياتها،دالة بتفريقهاعلى مفرقها،و بتأليفها على مؤلفها ذلك قوله عزّ و جلّ:«وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍخَلَقْنََا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(3)ففرّق بين[كلّ](4)قبل و بعد ليعلم أن لا قبل له و لا بعد.
شاهدة بغرائزها:أن لا غريزة لمغرزها،دالة بتفاوتها:أن لا تفاوت لمفاوتها،مخبرة بتوقيتها:أن لا وقت لموقتها،حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه و بينها غيرها،له معنى الربوبية إذ لا مربوب،و حقيقة[حدّ](5)الآلهية إذ لا مألوه،و معنى العالم و لا معلوم(6)،و معنى الخالق و لا مخلوق،و تأويل السمع و لا مسموع.
ليس منذ خلق استحق معنى الخالق و لا باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية،كيف و لا تغيّبه:«مذ»و لا تدنيه:«قد»و لا تحجبه:«لعلّ»و لاتوقته:«متى»و لا تشتمله:«حين»و لا تقارنه:«مع»إنّما تحد الأدوات..
ص: 363
أنفسها،و تشير الآلة(1)إلى نظائرها،و في الأشياء يوجد فعالها.
منعتها«منذ»القدمة،و حمتها«قد»الأزلية،و جنبتها«لولا»التكملة.
افترقت فدلّت على مفرقها،و تباينت فاعربت عن مباينها،بها تجلّى صانعها للعقول و بها احتجب عن الرؤية،و إليها تحاكم الأوهام،و فيهااثبت غيره،و منها انبط الدليل،و بها عرف الإقرار،و بالعقول يعتقدالتّصديق باللّه،و بالإقرار يكمل الإيمان به.
لا ديانة إلاّ بعد معرفته،و لا معرفة إلاّ بالإخلاص،و لا إخلاص مع التشبيه،و لا نفي مع إثبات الصفات للتّشبيه،و كل ما في الخلق لا يوجدفي خالقه،و كل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه.
و لا تجري عليه الحركة و السكون،و كيف يجري عليه ما هو أجراه،أو يعود فيه ما هو ابتداه،إذا لتفاوتت ذاته،و لتجزى كنهه،و لا متنع من الأزل معناه،و لما كان للباري معنى غير المبروء،و لو وجد له وراء وجد له أمام(2)،و لا التمس(3)له التمام إذ لزمه النقصان.كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث؟أم كيف ينشى ء الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء؟إذالقامت عليه آية المصنوع،و لتحوّل دليلا بعد ما كان مدلولا عليه،ليس في..
ص: 364
محالّ القول حجّة،و لا في المسألة عنه جواب،و لا في معناه للّه تعظيم،و لافي إبانته عن الحقّ ضيم إلاّ بامتناع الأزلي أن يثنى،و لما لا بدء له أن يبدى ءلا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم كذب العادلون باللّه و ضلوا ضلالا بعيدا،و خسروا خسرانا مبينا،و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين(1).
و روي عن الحسن بن محمّد النوفلي أنّه كان يقول:قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه و وصله،ثمّ قال له:إنّ ابن عمي عليّ بن موسى الرّضا قدم عليّ-من الحجاز-يحب الكلام و أصحابه،فعليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته.
فقال سليمان:يا أمير المؤمنين!إنّي أكره أن أسأل مثله في مجلسك
ص: 365
في جماعة من بني هاشم،فينتقص عند القوم إذا كلّمني و لا يجوزالاستقصاء عليه.
قال المأمون:إنّما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك،و ليس مرادي إلاّأن تقطعه عن حجّة واحدة فقط.
فقال سليمان:حسبك يا أمير المؤمنين!إجمع بيني و بينه،و خلّني و إيّاه.
فوجّه المأمون إلى الرّضا عليه السّلام فقال له:إنّه قدم علينا رجل من أهل مرو-و هو واحد خراسان-من أصحاب الكلام،فان خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت.
فنهض عليه السّلام للوضوء ثمّ حضر مجلس المأمون،و جرى بينه و بين سليمان المروزي كلام في البداء بمعنى الظهور،لتغير المصلحة،و استشهد عليه السّلام بآي كثيرة من القرآن على صحة ذلك،مثل قوله تعالى:«اَللََّهُ يَبْدَؤُا اَلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ»(1)و«يَزِيدُ فِي اَلْخَلْقِ مََا يَشََاءُ»(2)و«يَمْحُوا اَللََّهُ مََا يَشََاءُ وَ يُثْبِتُ»(3)و«مََا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لاََ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ»(4)و«آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اَللََّهِ»(5)و أمثال ذلك.6.
ص: 366
فقال سليمان:يا أمير المؤمنين!لا أنكر بعد يومي هذا البداء،و لاأكذب به إن شاء اللّه.
فقال المأمون:يا سليمان!سل أبا الحسن عمّا بدا لك،و عليك بحسن الاستماع و الإنصاف!
قال سليمان:يا سيدي!ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما و صفة،مثل:حي،و سميع،و بصير،و قدير؟
قال الرّضا عليه السّلام:إنّما قلتم حدثت الأشياء و اختلفت،لأنّه شاءو أراد،و لم تقولوا:حدثت و اختلفت»لأنّه سميع بصير،فهذا دليل على أنّها ليست مثل سميع و بصير و لا قدير.
قال سليمان:فانّه لم يزل مريدا؟
قال:يا سليمان!فإرادته غيره؟قال:نعم.
قال:قد أثبتّ معه شيئا غيره لم يزل!قال سليمان:ما أثبت؟
قال الرّضا عليه السّلام:أ هي محدثة؟
قال سليمان:لا،ما هي محدثة!فصاح به المأمون و قال يا سليمان!مثله يعايا أو يكابر،عليك بالانصاف ألا ترى من حولك من أهل النظر.
ثمّ قال:كلّمه يا أبا الحسن،فإنّه متكلم خراسان.فأعاد عليه المسألةفقال:هي محدثة يا سليمان؟فان الشّي ء إذا لم يكن أزليا كان محدثا،و إذالم يكن محدثا كان أزليا.
قال سليمان:إرادته منه كما أنّ سمعه و بصره و علمه منه.
قال الرّضا عليه السّلام:فإرادته نفسه؟قال:لا.
ص: 367
قال:فليس المريد مثل السميع و البصير.
قال سليمان:إنّما أراد نفسه،و أبصر نفسه،و علم نفسه.
قال الرّضا عليه السّلام:ما معنى أراد نفسه،أراد أن يكون شيئا،أو أرادأن يكون حيّا،أو سميعا،أو بصيرا أو قديرا؟قال:نعم.
قال الرّضا عليه السّلام:أ فبإرادته كان كذلك؟قال سليمان:لا(1).
قال الرّضا عليه السّلام:فليس لقولك أراد أن يكون حيّا سميعا بصيرامعنى،إذ لم يكن ذلك بإرادته.قال سليمان:بلى قد كان ذلك بإرادته.
فضحك المأمون و من و حوله،و ضحك الرّضا عليه السّلام،ثم قال لهم:ارفقوا بمتكلم خراسان!
فقال يا سليمان:فقد حال عندكم عن حاله و تغيّر عنها،و هذا ممّا لايوصف اللّه عزّ و جلّ به،فانقطع.
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام:يا سليمان!أسألك عن مسألة؟قال:سل جعلت فداك!
قال:أخبرني عنك و عن أصحابك،تكلمون النّاس بما تفقهون و تعرفون،أو بما لا تفقهون و تعرفون؟فقال:بل بما نفقهه و نعلم(2).
قال الرّضا عليه السّلام:فالذي يعلم النّاس:أنّ المريد غير الإرادة،و أنّن.
ص: 368
المريد قبل الإرادة،و أنّ الفاعل قبل المفعول،و هذا يبطل قولكم:إنّ الإرادة و المريد شي ء واحد.
قال:جعلت فداك!ليس ذلك منه على ما يعرف النّاس،و لا على مايفقهون.
قال:فأراكم ادّعيتم علم ذلك(1)بلا معرفة،و قلتم:الإرادة كالسمع و البصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف و لا يعقل.فلم يحر جوابا.
ثم قال الرّضا عليه السّلام:هل يعلم اللّه تعالى جميع ما في الجنّة و النّار؟قال سليمان:نعم.
قال:فيكون ما علم اللّه عزّ و جلّ أنّه يكون من ذلك؟قال:نعم.
قال:فإذا كان حتّى لا يبقى منه شي ء إلاّ كان،أ يزيدهم أو يطويه عنهم؟قال سليمان:بل يزيدهم.
قال:فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون.
قال:جعلت فداك!فالمزيد لا غاية له.
قال:فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غايةذلك،و إذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون،تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا!!
قال سليمان:إنّما قلت:لا يعلمه،لأنّه لا غاية لهذا،لأنّ اللّه عزّ و جلّ وصفهما بالخلود،و كرهنا أن نجعل لهما انقطاعا.ك.
ص: 369
قال الرّضا عليه السّلام:ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم،لأنّه قد يعلم ذلك ثمّ يزيدهم ثمّ لا يقطعه عنهم،و لذلك قال عزّ و جلّ في كتابه:«كُلَّمََا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنََاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهََا لِيَذُوقُوا اَلْعَذََابَ»(1)و قال لأهل الجنّة:«عَطََاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»(2)و قال عزّ و جلّ:«وَ فََاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ `لاََمَقْطُوعَةٍ وَ لاََ مَمْنُوعَةٍ»(3)فهو عزّ و جلّ يعلم ذلك و لا يقطع عنهم الزيادة،أ رأيت ما أكل أهل الجنّة و ما شربوا أ ليس يخلف مكانه؟قال:بلى.
قال:أ فيكون يقطع ذلك عنهم و قد أخلف مكانه؟قال سليمان:لا.
قال:فكذلك كلّما يكون فيها(4)إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم.
قال سليمان:بلى،يقطعه عنهم و لا يزيدهم.
قال الرّضا عليه السّلام:إذا يبيد ما فيها،و هذا يا سليمان إبطال الخلودو خلاف الكتاب،لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:«لَهُمْ مََا يَشََاؤُنَ فِيهََا وَ لَدَيْنََامَزِيدٌ»(5)و يقول عزّ و جلّ:«عَطََاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»(6)و يقول عزّ و جلّ:8.
ص: 370
«وَ مََا هُمْ مِنْهََا بِمُخْرَجِينَ»(1)و يقول اللّه عزّ و جلّ:«خََالِدِينَ فِيهََا أَبَداً»(2)و يقول عزّ و جلّ:«وَ فََاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ*`لاََ مَقْطُوعَةٍ وَ لاََ مَمْنُوعَةٍ»(3)فلم يحرجوابا.
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام:ألا تخبرني عن الإرادة،فعل أم هي غير فعل؟قال:بل هي فعل.
قال:فهي محدثة لأنّ الفعل كلّه محدث!قال:ليست بفعل.
قال:فمعه غيره لم يزل؟قال سليمان:الإرادة هي الإنشاء.
قال:يا سليمان!هذا الذي عبتموه على ضرار و أصحابه من قولهم:إنّ كل ما خلق اللّه عزّ و جلّ في سماء أو أرض أو بحر أو برّ،من كلب أوخنزير أو قرد أو إنسان أو دابة:إرادة اللّه،و إنّ إرادة اللّه تحيا و تموت،و تذهب،و تأكل و تشرب،و تنكح و تلد،و تظلم و تفعل الفواحش،و تكفرو تشرك،فتبرأ منها و تعاديها و هذا حدّها.
قال سليمان:إنّها كالسمع و البصر و العلم.
قال الرّضا عليه السّلام:قد رجعت إلى هذا ثانية،فأخبرني عن السمع و البصر و العلم أ مصنوع؟قال سليمان:لا.
قال الرّضا عليه السّلام:فكيف نفيتموه؟فمرة قلتم لم يرد،و مرّة قلتم3.
ص: 371
أراد،و ليست بمفعول له.قال سليمان:إنّما ذلك كقولنا مرّة علم و مرّة لم يعلم.
قال الرّضا عليه السّلام:ليس ذلك سواء لأنّ نفي المعلوم ليس بنفي العلم،و نفي المراد نفي الإرادة أن تكون،لأنّ الشي ء إذا لم يرد لم تكن إرادة،و قد يكون العلم ثابتا و إن لم يكن المعلوم،بمنزلة البصر:فقد يكون الإنسان بصيرا و إن لم يكن المبصر،و يكون العلم ثابتا و إن لم يكن المعلوم.
فلم يزل سليمان يردد المسألة و ينقطع فيها و يستأنف،و ينكر ماكان أقرّ به،و يقرّ بما أنكر و ينتقل من شي ء إلى شي ء،و الرّضا صلوات اللّه عليه ينقض عليه ذلك حتّى طال الكلام بينهما،و ظهر لكل أحد انقطاعه مرّات كثيرة،تركنا إيراد ذلك مخافة التطويل،فآل الأمر إلى أن قال سليمان:إنّ الإرادة هي القدرة.
قال الرّضا عليه السّلام:و هو عزّ و جلّ يقدر على ما لا يريده أبدا و لا بدّمن ذلك(1)لأنّه قال تبارك و تعالى:«وَ لَئِنْ شِئْنََا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنََاإِلَيْكَ»(2)فلو كانت الإرادة هي القدرة،كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.
فانقطع سليمان و ترك الكلام عند هذا الانقطاع،ثمّ تفرّق القوم(3).ة-
ص: 372
و عن صفوان بن يحيى قال:سألني أبو قرّة المحدّث صاحب شبرمةأن أدخله على أبي الحسن الرّضا عليه السّلام،فاستأذنه فأذن له،فدخل فسأله عن أشياء من الحلال و الحرام و الفرائض و الأحكام حتّى بلغ سؤاله إلى التّوحيد فقال له:أخبرني-جعلني اللّه فداك-عن كلام اللّه لموسى؟
فقال:اللّه أعلم و رسوله بأيّ لسان كلّمه،بالسريانية أم بالعبرانيّة.فأخذ أبو قرة بلسانه فقال:إنّما أسألك عن هذا اللّسان!
فقال أبو الحسن:سبحان اللّه عمّا تقول!و معاذ اللّه أن يشبه خلقه،أويتكلم بمثل ما هم به متكلمون،و لكنّه تبارك و تعالى ليس كمثله شي ء،و لاكمثله قائل و لا فاعل.قال:كيف ذلك؟
قال:كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق(1)،و لايلفظ بشق فم و لسان،و لكن يقول له:«كن»فكان بمشيته ما خاطب به موسى عليه السّلام من الأمر و النهي من غير تردد في نفس.
ق-القمّي،عن أبي عمرو:محمّد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجيّ،قال:حدّثني من سمع الحسن بن محمّد النوفلي يقول:قدم سليمان المروزي...
و نقله العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 10/329-338.مع شرح الحديث.
ص: 373
فقال أبو قرة:فما تقول في الكتب؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان،و كل كتاب أنزل كان كلام اللّه أنزله للعالمين نورا و هدى،و هي كلّها محدثة،و هي غير اللّه حيث يقول:«أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً»(1)،و قال:«مََا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اِسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ»(2)و اللّه أحدث الكتب كلّها التي أنزلها.
فقال أبو قرة:فهل تفنى؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:أجمع المسلمون على أنّ ما سوى اللّه فان،و ما سوى اللّه فعل اللّه،و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان فعل اللّه،أ لم تسمع النّاس يقولون:«ربّ القرآن»و أنّ القرآن يقول يوم القيامة:«يارب هذا فلان-و هو أعرف به منه-قد أظمأت نهاره و أسهرت ليله فشفّعني فيه»و كذلك التوراة و الإنجيل و الزبور،و هي كلّها محدثةمربوبة،أحدثها من ليس كمثله شي ء هدى لقوم يعقلون،فمن زعم أنهنّ لم يزلن معه فقد أظهر أنّ اللّه ليس بأول قديم،و لا واحد و أنّ الكلام لم يزل معه و ليس له بدؤ و ليس بإله.
قال أبو قرة:و إنا(3)روينا:أنّ الكتب كلّها تجي ء يوم القيامة..
ص: 374
و النّاس في صعيد واحد صفوف قيام لربّ العالمين ينظرون حتّى ترجع فيه،لأنّها منه و هي جزء منه،فإليه تصير.
قال أبو الحسن عليه السّلام:فهكذا قالت النّصارى في المسيح:إنّه روحه[و](1)جزء منه و يرجع فيه،و كذلك قالت المجوس-في النّارو الشّمس-:إنّهما جزء منه و يرجع فيه،تعالى ربّنا أن يكون متجزيا أومختلفا و إنّما يختلف و يأتلف المتجزي،لأنّ كل متجز متوهم،و الكثرةو القلّة مخلوقة دالة على خالق خلقها.
فقال أبو قرّة:فإنّا روينا:أنّ اللّه قسّم الرؤية و الكلام بين نبيّين،فقسّم لموسى عليه السّلام الكلام و لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الرؤية.
فقال أبو الحسن عليه السّلام:فمن المبلّغ عن اللّه إلى الثقلين الجن و الإنس أنّه لا تدركه الأبصار و لا يحيطون به علما و ليس كمثله شي ء،أ ليس محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قال:بلى.
قال أبو الحسن عليه السّلام:فكيف يجي ء رجل إلى الخلق جميعافيخبرهم أنّه جاء من عند اللّه،و أنّه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه،و يقول:إنّه لاتدركه الأبصار و لا يحيطون به علما و ليس كمثله شي ء،ثمّ يقول:أنا رأيته بعيني و أحطت به علما و هو على صورة البشر،أما تستحيون؟!ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا:أن يكون أتى عن اللّه بأمر ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر.».
ص: 375
فقال أبو قرة:إنّه يقول:«وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ََ»(1).
فقال أبو الحسن عليه السّلام:إنّ بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال:«مََا كَذَبَ اَلْفُؤََادُ مََا رَأى ََ»(2)يقول:ما كذب فؤاد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما رأت عيناه ثمّ أخبر بما رأت عيناه فقال:«لَقَدْ رَأى ََ مِنْ آيََاتِ رَبِّهِ اَلْكُبْرى ََ»(3)فآيات اللّه غير اللّه،و قال:«وَ لاََ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً»(4)فإذارأته الأبصار فقد أحاط به العلم و وقعت المعرفة.فقال أبو قرة:فتكذب بالرواية؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها،و ما أجمع المسلمون عليه إنّه لا يحاط به علما،و لا تدركه الأبصار،و ليس كمثله شي ء.
و سأله عن قول اللّه:«سُبْحََانَ اَلَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِاَلْحَرََامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى»(5)فقال أبو الحسن عليه السّلام:قد أخبر اللّه تعالى:أنّه أسرى به،ثمّ أخبر:لم أسرى به،فقال:«لِنُرِيَهُ مِنْ آيََاتِنََا»(6)فآيات اللّه غير اللّه،فقد أعذر و بيّن لم فعل به ذلك،و ما رآه و قال:«فَبِأَيِ1.
ص: 376
حَدِيثٍ بَعْدَ اَللََّهِ وَ آيََاتِهِ يُؤْمِنُونَ»(1)فأخبر أنّه غير اللّه.
فقال أبو قرة:فأين اللّه؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:الأين مكان،و هذه مسألة شاهد عن غايب،فاللّه تعالى ليس بغائب،و لا يقدمه قادم،و هو بكل مكان موجود مدبّرصانع حافظ ممسك السّماوات و الأرض.
فقال أبو قرة:أ ليس هو فوق السّماء دون ما سواها؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:هو اللّه في السّماوات و في الأرض،و هوالذي في السّماء إله و في الأرض إله،و هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء و هو معكم أينما كنتم،و هو الذي استوى إلى السّماء و هي دخان،و هو الذي استوى إلى السّماء فسواهنّ سبع سماوات و هو الذي استوى على العرش،قد كان و لا خلق و هو كما كان إذ لا خلق،لم ينتقل مع المنتقلين.
فقال أبو قرة:فما بالكم إذ دعوتم رفعتم أيديكم إلى السّماء؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:إنّ اللّه استعبد خلقه بضروب من العبادة،و للّه مفازع يفزعون إليه،و مستعبد فاستعبد عباده بالقول،و العلم و العمل و التوجّه و نحو ذلك.استعبدهم بتوجه الصّلاة إلى الكعبة،و وجه إليهاالحجّ و العمرة،و استعبد خلقه عند الدعاء و الطلب و التّضرع،ببسط الأيدي و رفعها إلى السّماء لحال الاستكانة و علامة العبودية و التذلّل له.6.
ص: 377
قال أبو قرة:فمن أقرب إلى اللّه:الملائكة،أو أهل الأرض؟
قال أبو الحسن عليه السّلام:إن كنت تقول بالشبر و الذراع،فإنّ الأشياءكلّها باب واحد هي فعله لا يشغل(1)ببعضها عن بعض،يدبّر أعلى الخلق من حيث يدبّر أسفله،و يدبّر أوّله من حيث يدبّر آخره من غير عناء و لا كلفةو لا مؤونة و لا مشاورة و لا نصب،و إن كنت تقول من أقرب إليه في الوسيلة،فأطوعهم له و أنتم تروون أنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّه و هوساجد،و رويتم أنّ أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق،و أحدهم من أسفل الخلق،و أحدهم من شرق الخلق و أحدهم من غرب الخلق،فسأل بعضهم بعضا فكلّهم قال:«من عند اللّه»أرسلني بكذا و كذا،ففي هذادليل على أنّ ذلك في المنزلة دون التشبيه و التمثيل.
فقال أبو قرة:أتقرّ أنّ اللّه محمول؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:كل محمول مفعول،و مضاف إلى غيره محتاج،فالمحمول اسم نقص في اللفظ،و الحامل فاعل و هو في اللفظممدوح،و كذلك قول القائل:فوق و تحت و أعلى و أسفل،و قد قال اللّه تعالى:«وَ لِلََّهِ اَلْأَسْمََاءُ اَلْحُسْنى ََ فَادْعُوهُ بِهََا»(2)و لم يقل في شي ء من كتبه إنّه محمول،بل هو الحامل في البر و البحر،و الممسك للسّماوات و الأرض،و المحمول ما سوى اللّه،و لم نسمع أحدا آمن باللّه و عظمه قطّ0.
ص: 378
قال في دعائه:«يا محمول».
قال أبو قرّة:أفتكذب بالرواية:إنّ اللّه إذا غضب إنّما يعرف غضبه الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرّون سجّدا،فإذا ذهب الغضب خفّ فرجعوا إلى مواقفهم؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:أخبرني عن اللّه تبارك و تعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا و إلى يوم القيامة غضبان هو على إبليس و أوليائه أوراض عنهم؟
فقال:نعم هو غضبان عليه.
قال:فمتى رضي فخف و هو في صفتك لم يزل غضبانا عليه و على أتباعه؟ثمّ قال:ويحك كيف تجتري أن تصف ربك بالتغير(1)من حال إلى حال،و أنّه يجري عليه ما يجري على المخلوقين؟!سبحانه لم يزل مع الزائلين و لم يتغيّر مع المتغيّرين.
قال صفوان:فتحيّر أبو قرة و لم يحر جوابا حتّى قام و خرج(2).6.
ص: 379
عن عبد السّلام بن صالح الهروي قال:قلت لعليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه!ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث:إنّ المؤمنين يزورون ربّهم من منازلهم في الجنّة؟
فقال عليه السّلام:يا أبا الصّلت!إنّ اللّه تبارك و تعالى فضّل نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على جميع خلقه من النبيّين و الملائكة،و جعل طاعته طاعته،و مبايعته مبايعته،و زيارته في الدنيا و الآخرة زيارته،فقال عزّ و جلّ:«مَنْ يُطِعِ اَلرَّسُولَ فَقَدْ أَطََاعَ اَللََّهَ»(1)و قال:«إِنَّ اَلَّذِينَ يُبََايِعُونَكَ إِنَّمََا يُبََايِعُونَ اَللََّهَ يَدُ اَللََّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»(2)و قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار اللّه»و درجة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الجنّةأرفع الدرجات،فمن زاره في درجته في الجنّة من منزله فقد زار اللّه تبارك و تعالى.
قال:قلت:يابن رسول اللّه!فما معنى الخبر الذي رووه:أنّ ثواب لاإله اللّه النظر إلى وجه اللّه؟
فقال عليه السّلام:يا أبا الصّلت!فمن وصف اللّه بوجه كالوجوه فقد
ص: 380
كفر،و لكن وجه اللّه أنبياؤه و رسله و حججه صلوات اللّه عليهم أجمعين،هم الذين بهم يتوجه إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى دينه و معرفته،و قد قال اللّه عزّ و جلّ:«كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ*`وَ يَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو اَلْجَلاََلِ وَ اَلْإِكْرََامِ»(1)و قال اللّه عزّو جلّ:«كُلُّ شَيْ ءٍ هََالِكٌ إِلاََّ وَجْهَهُ»(2)فالنظر إلى أنبياء اللّه و رسله و حججه عليهم السّلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة،و قد قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من أبغض أهل بيتي و عترتي لم يرني و لم أره يوم القيامة»و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني».ياأبا الصّلت!إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يوصف بمكان و لا يدرك بالأبصارو الأوهام.
قال:قلت له:يابن رسول اللّه!فأخبرني عن الجنّة و النّار:أهما اليوم مخلوقتان؟
فقال:نعم و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد دخل الجنّة و رأى النّارلمّا عرج به إلى السّماء.
قال:فقلت له:إنّ قوما يقولون:إنّهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين؟
فقال عليه السّلام:ما أولئك منّا و لا نحن منهم،من أنكر خلق الجنّةو النّار فقد كذب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذبنا،و ليس من ولايتنا على شي ء،و يخلد في نار جهنّم قال اللّه عزّ و جلّ:«هََذِهِ جَهَنَّمُ اَلَّتِي يُكَذِّبُ8.
ص: 381
بِهَا اَلْمُجْرِمُونَ*`يَطُوفُونَ بَيْنَهََا وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ»(1)و قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لمّا عرج بي إلى السّماء أخذ بيدي جبرئيل عليه السّلام فأدخلني الجنّة فناولني من رطبها فأكلته،فتحوّل ذلك نطفة في صلبي،فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت فاطمة عليها السّلام ففاطمةحوراء إنسية،فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمةعليها السّلام»(2).
و قال عليه السّلام:إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«قال اللّه جلّ جلاله:ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي،و ما عرفني من شبّهني بخلقي،و ما على ديني من استعمل القياس في ديني».(1)
و قال عليه السّلام:«من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراطق-عمران الدقّاق،عن محمّد بن هارون الصوفي،عن عبيد اللّه بن موسى الرؤياني،عن عبد العظيم بن عبد اللّه بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام،عن إبراهيم بن أبي محمود،قال:قال علي بن موسى الرّضا عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جل...
و نقله في بحار الأنوار 4/28،و فسّر الآية.
ص: 383
مستقيم».
ثمّ قال عليه السّلام:إنّ في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن،و محكماكمحكم القرآن،فردّوا متشابهها إلى محكمها،و لا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا(1).
و قال عليه السّلام:من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك،و من نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر(2).
و عن الحسين بن خالد قال:سمعت الرّضا عليه السّلام يقول:لم يزل اللّه
ص: 384
عزّ و جلّ عالما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا.
فقلت له:يا ابن رسول اللّه!انّ قوما يقولون:لم يزل عالما بعلم،و قادرا بقدرة،و حيّا بحياة،و قديما بقدم،و سميعا بسمع،و بصيرا ببصر.
فقال عليه السّلام:من قال ذلك و دان به فقد اتّخذ مع اللّه آلهة أخرى،و ليس من ولايتنا على شي ء ثمّ قال عليه السّلام:لم يزل اللّه عزّ و جلّ عليماقادرا حيّا قديما سميعا بصيرا لذاته،تعالى عمّا يقول المشركون و المشبّهون علوّا كبيرا(1).
و عن الحسين بن خالد قال:قلت للرّضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه!إنّ النّاس يروون:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إنّ اللّه خلق آدم على صورته».
فقال:قاتلهم اللّه!لقد حذفوا أوّل الحديث،إنّ رسول اللّه مرّ برجلين يتسابان،فسمع أحدهما يقول لصاحبه:«قبّح اللّه وجهك و وجه من
ص: 385
يشبهك».فقال له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«يا عبد اللّه لا تقل هذا لأخيك!فإنّ اللّه عزّ و جلّ خلق آدم على صورته»(1).
و عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قلت للرّضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه!ما تقول في الحديث الذي يرويه النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل كل ليلة إلى السّماء الدنيا»؟
فقال عليه السّلام:لعن اللّه المحرّفين الكلم عن مواضعه،و اللّه ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذلك إنّما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل ملكا إلى السّماء كلّ ليلة في الثلث الأخير و ليلة الجمعةفي أول اللّيل،فيأمره فينادي:هل من سائل فأعطيه؟هل من تائب فأتوب عليه؟هل من مستغفر فأغفر له؟يا طالب الخير أقبل،يا طالب الشّر أقصر!فلا يزال ينادي بهذا حتّى يطلع الفجر،فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السّماء».
ص: 386
حدّثني بذلك أبي،عن جدّي،عن آبائه،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1).
و عن محمّد بن سنان قال:سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام:هل كان اللّه عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟قال:نعم.
قلت:يراها و يسمعها؟قال:ما كان محتاجا إلى ذلك لأنّه لم يكن يسألها و لا يطلب منها شيئا،هو نفسه،و نفسه هو،قدرته نافذة،فليس يحتاج إلى أن يسمّي نفسه،و لكنّه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها،لأنّه إذا لم يدع باسمه لم يعرف،فأول ما اختار لنفسه«العليّ العظيم»لأنّه أعلى الأشياء كلّها،فمعناه:«اللّه»و اسمه:«العليّ العظيم»هو أول أسمائه لأنّه عليّ علا كلّ شي ء(2).
ص: 387
و قال عليه السّلام في قوله:«يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ»(1)فساق حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا،و تدمج(2)أصلاب المنافقين فلايستطيعون السّجود(3).
و سئل عن قوله عزّ و جلّ:«كَلاََّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍق-باب معنى الاسم،برقم 2.و العيون 1/129،الباب 11،برقم 24:عن أبيه،عن أحمد بن إدريس،عن الحسين بن عبيد اللّه،عن محمّد بن عبد اللّه؛و موسى بن عمرو؛و الحسن بن علي بن أبي عثمان،عن ابن سنان:قال:سألت...
و نقله في بحار الأنوار 4/175.
ص: 388
لَمَحْجُوبُونَ»(1)فقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده،و لكنّه يعني:عن ثواب ربهم لمحجوبون(2).
و سئل عن قوله عزّ و جلّ:«وَ جََاءَ رَبُّكَ وَ اَلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا»(3)فقال:إنّ اللّه لا يوصف بالمجي ء و الذهاب و الانتقال،إنّما يعني بذلك:و جاء أمر ربك(4).
و سئل عن قوله:«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاََّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اَللََّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ اَلْغَمََامِ
ص: 389
وَ اَلْمَلاََئِكَةُ»(1)قال:معناه:هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه بالملائكة في ظلل من الغمام و هكذا نزلت(2).
و سئل عن قوله عزّ و جلّ:«سَخِرَ اَللََّهُ مِنْهُمْ»(3)و عن قوله:«اَللََّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ»(4)و عن قوله:«وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اَللََّهُ وَ اَللََّهُ خَيْرُاَلْمََاكِرِينَ»(5)و عن قوله:«يُخََادِعُونَ اَللََّهَ وَ هُوَ خََادِعُهُمْ»(6).
فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يسخر و لا يستهزى ء و لا يمكر و لا يخادع و لكنّه عزّ و جلّ يجازيهم جزاء السخرية و جزاء الاستهزاء و جزاء المكرو جزاء الخديعة،تعالى اللّه عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا(7).
ص: 390
و سئل عن قوله عزّ و جلّ:«نَسُوا اَللََّهَ فَنَسِيَهُمْ»(1)فقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يسهو،و لا ينسى و إنّما ينسى و يسهو المخلوق المحدث،ألا تسمعه عزّ و جلّ يقول:«وَ مََا كََانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»(2)،و إنّما يجازي من نسيه و نسي لقاء يومه،بأن ينسيهم أنفسهم،كما قال:«نَسُوا اَللََّهَ فَأَنْسََاهُمْ أَنْفُسَهُمْ»(3)،و قال:«فَالْيَوْمَ نَنْسََاهُمْ كَمََا نَسُوا لِقََاءَ يَوْمِهِمْ هََذََا»(4)أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا(5)،أي نجازيهم على ذلك.
ص: 391
و سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ:«فَمَنْ يُرِدِ اَللََّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاََمِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمََا يَصَّعَّدُ فِي اَلسَّمََاءِ»(1)قال:من يرد اللّه أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته و داركرامته في الآخرة،يشرح صدره للتسليم للّه و الثقة به و السكون إلى ماوعده من ثوابه حتّى يطمئن إليه،و من يرد أن يضلّه عن جنته و دار كرامته في الآخرة-لكفره به و عصيانه له في الدنيا-يجعل صدره ضيقا حرجا،حتّى يشك في كفره و يضطرب عن اعتقاده قلبه حتّى يصير كأنّما يصعد في السّماء،كذلك يجعل اللّه الرجس على الذين لا يؤمنون(2).
ص: 392
أبو الصّلت الهروي قال:سأل المأمون الرّضا عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ وَ كََانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلْمََاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»؟(1).
فقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق العرش و الماء و الملائكة قبل السّماوات و الأرض،فكانت الملائكة تستدل بأنفسها و بالعرش و بالماءعلى اللّه عزّ و جلّ ثمّ جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكةفتعلم(2)أنّه على كل شي ء قدير،ثمّ رفع العرش بقدرته و نقله فجعله فوق السّماوات السبع،ثمّ خلق السّماوات و الأرض في ستة أيّام و هو مستول على عرشه،و كان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين،و لكنّه عزّ و جلّ خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شي ء،فتستدل بحدوث ما يحدث على اللّه تعالى مرّة بعد مرّة،و لم يخلق العرش لحاجة به إليه،لأنّه غني عن العرش و عن جميع ما خلق،لا يوصف بالكون على العرش،لأنّه ليس بجسم،تعالى اللّه عن صفة خلقه علوّا كبيرا.
و أمّا قوله:«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»فانّه عزّ و جلّ خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته و عبادته،لا على سبيل الامتحان و التجربة،لأنّه لم
ص: 393
يزل عليما بكل شي ء.
فقال المأمون:فرّجت عني يا أبا الحسن فرّج اللّه عنك.
ثمّ قال له:يابن رسول اللّه!فما معنى قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ لَوْ شََاءَرَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ اَلنََّاسَ حَتََّى يَكُونُوامُؤْمِنِينَ*`وَ مََا كََانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاََّ بِإِذْنِ اَللََّهِ»(1).
فقال الرّضا عليه السّلام:حدّثني أبي موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمّد،عن أبيه محمّد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين ابن عليّ،عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السّلام قال:إنّ المسلمين قالوالرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لو أكرهت يا رسول اللّه من قدرت عليه من النّاس على الإسلام لكثر عددنا و قوينا على عدونا.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ما كنت لألقى اللّه عزّ و جلّ ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئا و ما أنا من المتكلّفين»فأنزل اللّه تعالى عليه:يا محمّد«وَ لَوْ شََاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً»على سبيل الالجاء و الاضطرار في الدنيا،كما يؤمن عند المعاينة و رؤية البأس في الآخرة،و لو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا و لا مدحا،و لكنّي أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين،ليستحقوا مني الزلفى و الكرامة،و دوام الخلود في جنّة الخلد«أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ اَلنََّاسَ حَتََّى يَكُونُوامُؤْمِنِينَ».0.
ص: 394
و أمّا قوله عزّ و جلّ:«وَ مََا كََانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاََّ بِإِذْنِ اَللََّهِ»فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها،و لكن على معنى أنّها ما كانت لتؤمن إلاّ بإذن اللّه،و إذنه أمره لها بالإيمان بما كانت مكلّفة متعبدة بها،و إلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكلف و التعبد عنها.
فقال المأمون:فرّجت عني فرّج اللّه عنك فأخبرني عن قول اللّه عزّو جلّ:«اَلَّذِينَ كََانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطََاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كََانُوا لاََ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً»(1).
فقال:إنّ غطاء العين لا يمنع من الذكر،و الذكر لا يرى بالعين،و لكن اللّه عزّ و جلّ شبّه الكافرين بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بالعميان،لأنّهم كانوا يستثقلون قول النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه،و لايستطيعون له سمعا.
فقال المأمون:فرّجت عني فرّج اللّه عنك(2).2.
ص: 395
و عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني رضي اللّه عنه عن إبراهيم بن أبي محمود قال:سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ«وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُمََاتٍ لاََ يُبْصِرُونَ»(1)فقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى لايوصف بالترك كما يوصف خلقه،و لكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر و الضلال منعهم المعاونة و اللّطف،و خلّى بينهم و بين اختيارهم.
قال:و سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ:«خَتَمَ اَللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى ََسَمْعِهِمْ»(2).
قال:الختم:هو«الطبع»على قلوب الكفار عقوبة[لهم](3)على كفرهم،كما قال عزّ و جلّ:«بَلْ طَبَعَ اَللََّهُ عَلَيْهََا بِكُفْرِهِمْ فَلاََ يُؤْمِنُونَ إِلاََّقَلِيلاً»(4).
قال:و سألته عن اللّه عزّ و جلّ هل يجبر عباده على المعاصي؟
فقال:لا،بل يخيرهم،و يمهلهم حتّى يتوبوا.
قلت:فهل يكلّف عباده ما لا يطيقون؟
ص: 396
فقال:كيف يفعل ذلك و هو يقول:«وَ مََا رَبُّكَ بِظَلاََّمٍ لِلْعَبِيدِ»؟(1)
ثمّ قال عليه السّلام:حدّثني أبي موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمد،[عن أبيه محمّد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن علي،عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام](2)أنّه قال:من زعم أنّ اللّه يجبر عباده على المعاصي أو يكلّفهم ما لا يطيقون فلا تأكلواذبيحته،و لا تقبلوا شهادته،و لا تصلّوا وراءه،و لا تعطوه من الزّكاةشيئا(3).
و عن يزيد بن عمير بن معاوية الشّامي قال:دخلت على عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام بمرو،فقلت له:يابن رسول اللّه!روي لنا عن الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال:«لا جبر و لا تفويض،بل أمر بين الأمرين»ما معناه؟
ص: 397
فقال:من زعم أنّ اللّه يفعل أفعالنا ثمّ يعذّبنا عليها،فقد قال«بالجبر»،و من زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ فوّض أمر الخلق و الرزق إلى حججه عليهم السّلام فقد قال«بالتفويض»و القائل بالجبر كافر،و القائل بالتفويض مشرك.
فقلت:يابن رسول اللّه!فما أمر بين الأمرين؟
فقال:وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به،و ترك ما نهوا عنه.
قلت له:و هل للّه مشية و إرادة في ذلك؟
فقال:أمّا الطّاعات،فإرادة اللّه و مشيته فيها الأمر بها و الرّضا لهاو المعاونة عليها،و إرادته و مشيته في المعاصي:النهي عنها و السّخط لهاو الخذلان عليها.
قلت:فللّه عزّ و جلّ فيها القضاء؟
قال:نعم.ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلاّ و للّه فيه قضاء.قلت:ما معنى هذا القضاء؟
قال:الحكم عليهم بما يستحقونه من الثواب و العقاب في الدنياو الآخرة(1).1.
ص: 398
و روي أنّه ذكر عنده الجبر و التفويض فقال:إنّ اللّه لم يطع بإكراه،و لم يعص بغلبة،و لم يهمل العباد في ملكه،هو المالك لما ملكهم(1)و القادر على ما أقدرهم عليه،فان ائتمر العباد بطاعة لم يكن اللّه عنها صاداو لا منها مانعا،و ان ائتمروا بمعصية فشاء أن يحول بينهم و بين ذلك فعل،و إن لم يحل و فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه.ثمّ قال عليه السّلام:من يضبطحدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه(2).
و عن الحسين بن خالد،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:قلت له:
ص: 399
يابن رسول اللّه!انّ النّاس ينسبوننا الى القول بالتشبيه و الجبر،لما روي من الأخبار في ذلك عن أبائك الأئمة عليهم السّلام.
فقال:يابن خالد!أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي الأئمةعليهم السّلام في الجبر و التشبيه أكثر أم الأخبار التي رويت عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ذلك؟
فقلت:بل ما رويت عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أكثر.
قال:فليقولوا:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول بالتشبيه و الجبر.
فقلت له:إنهم يقولون:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يقل شيئامن ذلك و إنّما روي عليه.
قال:فليقولوا في آبائي الأئمة عليهم السّلام:إنّهم لم يقولوا من ذلك شيئاو إنّما روي عليهم ثمّ قال عليه السّلام:من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافرمشرك،و نحن منه براء في الدنيا و الآخرة،يابن خالد!إنّما وضع الأخبارعنّا في التشبيه و الجبر«الغلاة»الذين صغروا عظمة اللّه،فمن أحبهم فقدأبغضنا،و من أبغضهم فقد أحبّنا،و من والاهم فقد عادانا،و من عاداهم فقدوالانا،و من وصلهم فقد قطعنا،و من قطعهم فقد وصلنا،و من جفاهم فقدبرّنا،و من برّهم فقد جفانا،و من أكرمهم فقد أهاننا،و من أهانهم فقدأكرمنا،و من قبلهم فقد ردّنا،و من ردّهم فقد قبلنا،و من أحسن إليهم فقدأساء إلينا،و من أساء إليهم فقد أحسن إلينا،و من صدقهم فقد كذّبنا،و من كذّبهم فقد صدّقنا،و من أعطاهم فقد حرمنا،و من حرمهم فقد أعطانا.
ص: 400
يابن خالد!من كان من شيعتنا فلا يتّخذنّ منهم وليّا و لا نصيرا(1).
روي عن الحسن بن محمّد النوفلي أنّه قال:لمّا قدم عليّ بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليه على المأمون،أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات،مثل:الجاثليق،و رأس الجالوت،و رؤساء الصابئين،و الهربذالأكبر،و أصحاب زردشت و قسطاس الرّومي،و المتكلّمين،ليسمع كلامه و كلامهم،فجمعهم الفضل بن سهل ثمّ أعلم المأمون باجتماعهم فقال:أدخلهم عليّ ففعل،فرحّب بهم المأمون ثمّ قال لهم:
إنّما جمعتكم لخير،و أحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدني القادم عليّ فإذا كان بكرة غد فاغدوا عليّ و لا يتخلّف منكم أحد.
فقالوا:السّمع و الطاعة يا أمير المؤمنين،نحن مبكرون إن شاء اللّه.
قال الحسن بن محمّد النوفلي:فبينا نحن في حديث لنا عند أبي
ص: 401
الحسن الرّضا عليه السّلام إذ دخل علينا ياسر الخادم-و كان يتولّى أمر أبي الحسن عليه السّلام-فقال:يا سيدي!إنّ أمير المؤمنين يقرؤك السّلام و يقول:فداك أخوك،إنّه اجتمع إليّ أصحاب المقالات و أهل الأديان و المتكلّمون من جميع أهل الملل،فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم،و إن كرهت ذلك فلا تتجشّم،و إن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا.
فقال أبو الحسن عليه السّلام:أبلغه السّلام و قل له:قد علمت ما أردت،و أنا صائر إليك بكرة إن شاء اللّه.
قال الحسن بن محمّد النوفلي:فلمّا مضى ياسر التفت إلينا ثمّ قال لي:يا نوفلي!أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة،فما عندك في جمع ابن عمّي علينا أهل الشرك و أصحاب المقالات؟
فقلت:جعلت فداك!يريد الامتحان،و يحب أن يعرف ما عندك،و لقد بنى على أساس غير وثيق البنيان،و بئس و اللّه ما بنى.
فقال لي:و ما بناؤه في هذا الباب؟
قلت:إنّ أصحاب الكلام و البدع خلاف العلماء،و ذلك أنّ العالم لاينكر غير المنكر،و أصحاب المقالات و المتكلّمون و أهل الشّرك أصحاب إنكار و مباهتة،إن احتججت عليهم بأنّ اللّه واحد قالوا:صحّح وحدانيّته،و إن قلت:إنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رسول اللّه،قالوا:أثبت رسالته،ثمّ يباهتون الرجل-و هو يطل عليهم(1)بحجّته-و يغالطونه حتّى..
ص: 402
يترك قوله،فاحذرهم جعلت فداك!
قال:فتبسّم عليه السّلام ثمّ قال:يا نوفلي!أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟!
قلت:لا و اللّه ما خفت عليك قطّ،و إنّي لأرجو أن يظفرك اللّه بهم إن شاء اللّه تعالى.
فقال لي:يا نوفلي!أتحب أن تعلم متى يندم المأمون؟قلت:نعم.
قال:إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم،و على أهل الإنجيل بإنجيلهم،و على أهل الزبور بزبورهم،و على الصابئين بعبرانيتهم،و على الهرابذة بفارسيتهم،و على أهل الرّوم بروميتهم،و على أهل المقالات بلغاتهم،فإذا قطعت كل صنف و دحضت حجّته و ترك مقالته و رجع إلى قولي،علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له،فعند ذلك تكون الندامة منه،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العليّ العظيم.
فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له:جعلت فداك!انّ ابن عمّك ينتظرك،و قد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟
فقال له الرّضا عليه السّلام:تقدّمني فاني سائر إلى ناحيتكم إن شاء اللّه،ثمّ توضأ عليه السّلام وضوء الصّلاة،و شرب شربة سويق و سقانا،ثمّ خرج و خرجنا معه حتّى دخلنا على المأمون،و إذا المجلس غاص بأهله،و محمّدابن جعفر في جماعة الطالبيين و الهاشميين و القواد حضور.
فلمّا دخل الرّضا عليه السّلام،قام المأمون و قام محمّد بن جعفر و جميع
ص: 403
بني هاشم فما زالوا وقوفا-و الرّضا عليه السّلام جالس مع المأمون-حتّى أمرهم بالجلوس فجلسوا فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدّثه ساعة،ثمّ التفت إلى الجاثليق فقال:
يا جاثليق!هذا ابن عمّي عليّ بن موسى بن جعفر و هو من ولد فاطمةبنت نبينا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ابن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فأحب أن تكلّمه و تحاجه و تنصفه.
فقال الجاثليق:يا أمير المؤمنين!كيف أحاج رجلا يحتجّ عليّ بكتاب أنا منكره،و نبيّ لا أؤمن به؟
فقال الرّضا عليه السّلام:يا نصراني!فان احتججت عليك بإنجيلك أتقرّبه؟
قال الجاثليق:و هل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل،نعم و اللّه أقرّبه على رغم أنفي.
فقال له الرّضا عليه السّلام:سل عمّا بدالك و اسمع الجواب.
قال الجاثليق:ما تقول في نبوة عيسى و كتابه،هل تنكر منهماشيئا؟
قال الرّضا عليه السّلام:أنا مقرّ بنبوّة عيسى و كتابه،و ما بشّر به أمّته،و أقرّت به الحواريون،و كافر بنبوّة كل عيسى لم يقرّ بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كتابه،و لم يبشّر به أمّته!
قال الجاثليق:أ ليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟قال:بلى.
قال:فأقم شاهدين من غير أهل ملّتك على نبوة محمّد ممّن لا تنكره
ص: 404
النصرانية و سلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا.
قال الرّضا عليه السّلام:الآن جئت بالنصفة يا نصراني!ألا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسى بن مريم عليهما السّلام؟قال الجاثليق:و من هذا العدل سمّه لي؟
قال:ما تقول في(يوحنّا)الديلمي؟قال:بخ بخ!ذكرت أحب النّاس إلى المسيح.
قال:فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنّا قال:إنّ المسيح أخبرني بدين محمّد العربي و بشّرني به أنّه يكون من بعدي،فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟
قال الجاثليق:قد ذكر ذلك يوحنّا عن المسيح،و بشر بنبوة رجل و بأهل بيته و وصيه و أهل بيته،و لم يلخّص متى يكون ذلك،و لم يسمّ لناالقوم فنعرفهم.
قال الرّضا عليه السّلام:فان جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكرمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته و أمّته أتؤمن به؟قال:سديدا(1).
قال الرّضا لقسطاس الرّومي:كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟
قال:ما أحفظني له،ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال عليه السّلام:أ لست تقرأ الإنجيل؟قال:بلى لعمري.د.
ص: 405
قال:فخذ عليّ السفر الثالث،فان كان فيه ذكر محمّد و أهل بيته و أمّته فاشهدوا لي،و إن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي!
ثمّ قرأ عليه السّلام السفر الثالث حتّى بلغ ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،وقف ثمّ قال:يا نصراني!إنّي أسألك بحقّ المسيح و أمّه،أ تعلم أنّي عالم بالإنجيل؟
قال:نعم،ثمّ تلا علينا ذكر محمّد و أهل بيته و أمّته،ثمّ قال:ما تقول يا نصراني؟هذا قول عيسى بن مريم،فان كذبت ما ينطق به الإنجيل فقدكذبت موسى و عيسى عليهما السّلام،و متى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل،لأنّك تكون قد كفرت بربّك و نبيّك و بكتابك.
قال الجاثليق:لا أنكر ما قد بان لي من الإنجيل،و إنّي لمقرّ به.
قال الرّضا عليه السّلام:اشهدوا على إقراره.
ثمّ قال:يا جاثليق!سل عمّا بدالك،قال الجاثليق:أخبرني عن حواريّ عيسى بن مريم عليهما السّلام كم كان عدّتهم؟و عن علماء الإنجيل كم كانوا؟
قال الرّضا عليه السّلام:على الخبير سقطت،أمّا الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا،و كان أفضلهم و أعلمهم(لوقا)(1)و أمّا علماء النّصارى فكانواثلاثة رجال(يوحنّا)الأكبر-باحى(2)-و(يوحنّا)بقرقيسيا و(يوحنّا)ي.
ص: 406
الديلمي بزجار(1)و عنده كان ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ذكر أهل بيته و هو الذي بشّر أمّة عيسى و بني إسرائيل به.
ثمّ قال:يا نصرانيّ!و اللّه إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.و ما ننقم على عيساكم شيئا إلاّ ضعفه و قلّة صيامه و صلاته.
قال الجاثليق:أفسدت و اللّه علمك و ضعفت أمرك و ما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام.
قال الرّضا عليه السّلام:و كيف ذلك؟قال الجاثليق:من قولك إنّ عيسى كان ضعيفا قليل الصيام و الصّلاة،و ما أفطر عيسى يوما قطّ،و لا نام بليل قطّ،و ما زال صائم الدّهر قائم اللّيل.
قال الرّضا عليه السّلام:فلمن كان يصوم و يصلي؟فخرس الجاثليق و انقطع.
قال الرّضا عليه السّلام:يا نصراني!إنّي أسألك عن مسألة.قال:سل!فان كان عندي علمها أجبتك.
قال الرّضا عليه السّلام:ما أنكرت أنّ عيسى كان يحيي الموتى بإذن اللّه عزّ و جلّ.
قال الجاثليق:أنكرت ذلك من قبل،إنّ من أحيى الموتى و أبرأالأكمه و الأبرص،فهو(ربّ)مستحق لأن يعبد.
قال الرّضا صلوات اللّه عليه:فان اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى عليهر.
ص: 407
السّلام:مشى على الماء و أحيى الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص،فلم تتّخذه أمّته ربّا و لم يعبده أحد من دون اللّه عزّ و جلّ؟و لقد صنع حزقيل النّبي مثل ما صنع عيسى بن مريم،فأحيى خمسة و ثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة،ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال له:يا رأس الجالوت!أ تجدهؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة،اختارهم(بخت نصر)من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس،ثمّ انصرف بهم إلى بابل،فأرسله اللّه عزّ و جلّ إليهم فأحياهم،هذا في التوراة لا يدفعه إلاّ كافر منكم.
قال رأس الجالوت:قد سمعنا به و عرفناه.قال:صدقت.
ثمّ قال:يا يهودي!خذ على هذا السفر من التوراة،فتلا عليه من التوراة آيات،فأقبل اليهودي يترجح لقراءته،و يتعجب ثمّ أقبل على النصراني فقال:يا نصراني!أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟
قال:بل كانوا قبله.
قال الرّضا عليه السّلام:لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسألوه أن يحيي لهم موتاهم،فوجّه معهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال له:«اذهب إلى الجبانة(1)،فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك،يا فلان،و يا فلان،و يا فلان،يقول لكم محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوموا بإذن اللّه عزّ و جلّ».8.
ص: 408
فناداهم فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم،ثمّ أخبروهم أنّ محمّدا قد بعث نبيا فقالوا:وددنا أن أدركناه فنؤمن به،و لقد أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين،و لقد كلمته البهائم و الطير و الجن و الشّياطين،و لم نتخذه ربا من دون اللّه،و لم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم،فان اتّخذتم عيسى ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع و حزقيل ربّين،لأنّهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى بن مريم من إحياء الموتى و غيره.
ثمّ أنّ قوما من بني إسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون و هم ألوف حذر الموت فأماتهم اللّه في ساعة واحدة،فعمد أهل تلك القريةفحظّروا عليهم حظيرة،فلم يزالوا فيها حتّى نخرت عظامهم و صاروارميما،فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم و من كثرة العظام البالية،فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه أ تحب أن احييهم لك فتنذرهم؟
قال:نعم يا ربّ.
فأوحى اللّه إليه أن نادهم فقال:أيّتها العظام البالية قومي بإذن اللّه عزّو جل!فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم،ثمّ إبراهيم خليل الرّحمان عليه السّلام حين اتّخذ الطير فقطعهنّ قطعا،ثمّ وضع على كل جبل منهنّ جزء،ثمّ ناداهنّ فأقبلن سعيا إليه،ثمّ موسى بن عمران و أصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له:إنّك قد رأيت اللّه فأرناه كما رأيته.
فقال لهم:إنّي لم أره.
ص: 409
فقالوا:لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه جهرة،فأخذتهم الصاعقة[بظلمهم](1)فاحترقوا عن آخرهم و بقي موسى وحيدا.
فقال:يا رب!اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم،فأرجع وحدي(2)،فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به،فلو شئت أهلكتهم من قبل و إيّاي أ فتهلكنا بما فعل السفهاء منّا؟
فأحياهم اللّه عزّ و جلّ من بعد موتهم،و كل شي ء ذكرته لك من هذا لاتقدر على دفعه،لأنّ التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان قد نطقت به،فان كان كل من أحيى الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين يتخذ ربّا من دون اللّه تعالى فاتّخذ هؤلاء كلّهم أربابا!ما تقول يا نصراني؟!
فقال الجاثليق:القول قولك،و لا إله إلاّ اللّه.
ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال:يا يهودي!أقبل عليّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران عليه السّلام(3)هل تجد في التوارة مكتوبا نبأ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمّته إذا جاءت الأمّة الأخيرةأتباع راكب البعير،يسبّحون الرّب جدا جدا،تسبيحا جديدا في الكنايس الجدد،فليفزع بنو إسرائيل إليهم و إلى ملكهم لتطمئن قلوبهم فان بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض،هكذا هو فيد.
ص: 410
التوارة مكتوب؟
قال رأس الجالوت:نعم.إنّا لنجد ذلك كذلك.
ثمّ قال للجاثليق:يا نصراني!كيف علمك بكتاب شعيا؟قال:أعرفه حرفا حرفا.
قال لهما:أ تعرفان هذا من كلامه؟يا قوم إنّي رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور،و رأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر؟فقالا:قد قال ذلك شعيا.
قال الرّضا عليه السّلام:يا نصراني!أ هل تعرف في الإنجيل قول عيسى:إني ذاهب إلى ربكم و ربي،و(البارقليطا)(1)جائي هو الذي يشهد لي بالحقّ كما شهدت له،و هو الذي يفسّر لكم كل شي ء،و هو الذي يبدي فضايح الأمم،و هو الذي يكسر عمود الكفر؟
فقال الجاثليق:ما ذكرت شيئا من الإنجيل إلاّ و نحن مقرّون به.
فقال عليه السّلام:أ تجد هذا في الإنجيل ثابتا؟قال:نعم.
قال الرّضا عليه السّلام:يا جاثليق!ألا تخبرني عن الإنجيل الأول حين افتقدتموه،عند من وجدتموه؟و من وضع لكم هذا الإنجيل؟
قال له:ما افتقدنا الإنجيل إلاّ يوما واحدا حتّى وجدناه غضّا طريافأخرجه إلينا يوحنّا و متّى.
فقال الرّضا عليه السّلام:ما أقل معرفتك بسنن الإنجيل و علمائه،فانا.
ص: 411
كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل؟و إنّما وقع الاختلاف في هذاالإنجيل الذي في أيديكم اليوم،فلو كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه،و لكنّي مفيدك علم ذلك،إعلم انّه لمّا افتقد الإنجيل الأول اجتمعت النّصارى إلى علمائهم فقالوا لهم:قتل عيسى بن مريم و افتقدنا الإنجيل،و أنتم العلماء فما عندكم؟
فقال لهم الوقا و مرقانوس و يوحنّا و متّى:إنّ الإنجيل في صدورناو نحن العلماء نخرجه إليكم سفرا سفرا،في كل أحد،فلا تحزنوا عليه و لاتخلوا الكنايس،فانا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتّى نجمعه كلّه.
فقال الرّضا عليه السّلام:إنّ الوقا و مرقانوس و يوحنّا و متّى وضعوا لكم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأول،و إنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذتلاميذ الأولين،أعلمت ذلك؟
قال الجاثليق:أمّا قبل هذا فلم أعلمه و قد علمته الآن،و قد بان لي من فضل علمك بالإنجيل و سمعت(1)أشياء ممّا علمته شهد قلبي أنّها حقّ،و استزدت كثيرا من الفهم.
فقال الرّضا عليه السّلام:فكيف شهادة هؤلاء عندك؟
قال:جائزة،هؤلاء علماء الانجيل،و كلّ ما شهدوا به فهو حقّ.
فقال الرّضا عليه السّلام-للمأمون و من حضره من أهل بيته و من غيرهم..
ص: 412
-:اشهدوا عليه!
قالوا:قد شهدنا.
ثمّ قال للجاثليق:بحقّ الابن و أمّه،هل تعلم أنّ(متّى)قال في نسبةعيسى:إنّ المسيح بن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهود بن خضرون؟(1)و قال(مرقانوس)في نسبة عيسى بن مريم عليهما السّلام:إنّه كلمةاللّه أحلها في جسد الآدمي فصارت إنسانا؟و قال(الوقا):إنّ عيسى بن مريم و أمّه كانا إنسانين من لحم و دم فدخل فيهما روح القدس؟ثمّ إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه حقّا أقول لكم إنّه لا يصعد إلى السّماء إلاّ من نزل منها إلاّ راكب البعير خاتم الأنبياء،فانّه يصعد إلى السّماء و ينزل فما تقول في هذا القول؟
قال الجاثليق:هذا قول عيسى لا ننكره.
قال الرّضا عليه السّلام:فما تقول في شهادة الوقا و مرقانوس و متّى على عيسى و ما نسبوه إليه؟قال الجاثليق:كذبوا على عيسى.
قال الرّضا عليه السّلام:يا قوم!أ ليس قد زكاهم و شهد أنّهم علماءالإنجيل و قولهم حقّ؟فقال الجاثليق:يا عالم المسلمين!أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء.
قال الرّضا عليه السّلام:فإنّا قد فعلنا.سل يا نصراني عمّا بدالك؟
فقال الجاثليق:ليسألك غيري،فو اللّه ما ظننت أنّ في علماءن.
ص: 413
المسلمين مثلك.
فالتفت الرّضا عليه السّلام إلى رأس الجالوت فقال له:تسألني أو أسألك؟فقال:بل أسألك و لست أقبل منك حجّة إلاّ من التوراة،أو من الإنجيل أومن زبور داود،أو ما في صحف إبراهيم و موسى.
فقال الرّضا عليه السّلام:لا تقبل مني حجّة إلاّ بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران عليه السّلام،و الإنجيل على لسان عيسى بن مريم عليهماالسّلام،و الزبور على لسان داود عليه السّلام.
فقال رأس الجالوت:من أين تثبت نبوّة محمّد-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-؟
قال الرّضا عليه السّلام:شهد بنبوته موسى بن عمران،و عيسى بن مريم،و داود خليفة اللّه في الأرض عليهم السّلام.
فقال له:أثبت قول موسى بن عمران!
قال الرّضا عليه السّلام:تعلم يا يهودي أنّ موسى أوصى بني إسرائيل فقال له:إنّه سيأتيكم نبي من إخوانكم فيه فصدقوا،و منه فاسمعوا،فهل تعلم أنّ لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابةإسرائيل من إسماعيل و النسب الذي(1)بينهما من قبل إبراهيم عليه السّلام؟
فقال رأس الجالوت:هذا قول موسى لا ندفعه.
فقال له الرّضا عليه السّلام:هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبيّ غير..
ص: 414
محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قال:لا.
فقال الرّضا عليه السّلام:أ فليس قد صحّ هذا عندكم؟
قال:نعم،و لكنّي احب أن تصححه لي من التوراة.
فقال له الرّضا عليه السّلام:هل تنكر أنّ التوراة تقول لكم:جاء النور من قبل طور سيناء،و أضاء للنّاس من جبل ساعير،و استعلن علينا من جبل فاران؟قال رأس الجالوت:أعرف هذه الكلمات و ما أعرف تفسيرها.
قال الرّضا عليه السّلام:أنا أخبرك به،أمّا قوله:«جاء النور من قبل طورسيناء»:فذلك وحي اللّه تبارك و تعالى الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء،و أمّا قوله:«و أضاء النّاس في جبل ساعير»فهو:الجبل الذي أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى عيسى بن مريم عليهما السّلام و هو عليه،و أمّا قوله:«و استعلن علينا من جبل فاران»:فذاك جبل من جبال مكّة،و بينه و بينهايومان أو يوم.
قال شعيا النبي-فيما تقول أنت و أصحابك في التوراة-رأيت راكبين أضاء لهما الأرض،أحدهما على حمار،و الآخر على جمل،فمن راكب الحمار و من راكب الجمل؟قال رأس الجالوت:لا أعرفهمافخبرني بهما؟
قال عليه السّلام:أما راكب الحمار فعيسى،و أمّا راكب الجمل فمحمّدصلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أ تنكر هذا من التوراة؟قال:لا،ما أنكره.
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام:هل تعرف حيقوق النّبي عليه السّلام؟قال:نعم إنّي به لعارف!
ص: 415
قال:فانه قال-و كتابكم ينطق به-:جاء اللّه تعالى بالبيان من جبل فاران،و امتلأت السّماوات من تسبيح أحمد و أمّته،يحمل خيله في البحركما يحمل في البر،يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس،-يعني بالكتاب:القرآن-أ تعرف هذا و تؤمن به؟
قال رأس الجالوت:قد قال ذلك حيقوق النّبي عليه السّلام و لا ننكر قوله.
قال الرّضا عليه السّلام:فقد قال داود عليه السّلام في زبوره-و أنت تقرأه-:اللّهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة،فهل تعرف نبيا أقام السنّة بعد الفترة غيرمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
قال رأس الجالوت:هذا قول داود نعرفه و لا ننكره،و لكن عنى بذلك:عيسى عليه السّلام،و أيّامه هي الفترة.
قال الرّضا عليه السّلام:جهلت إنّ عيسى لم يخالف السنة،و كان موافقالسنة التوراة حتّى رفعه اللّه إليه،و في الإنجيل مكتوب:إنّ ابن البرة ذاهب و(الفارقليطا)جائي من بعده و هو يخفّف الآصار،و يفسّر لكم كل شي ء،و يشهد لي كما شهدت له،أنا جئتكم بالأمثال و هو يأتيكم بالتأويل،أ تؤمن بهذا في الإنجيل؟قال:نعم،لا أنكره.
فقال الرّضا عليه السّلام:أسألك عن نبيك موسى بن عمران عليه السّلام.فقال:سل!
قال:ما الحجّة على أنّ موسى ثبتت نبوّته؟قال اليهودي:إنّه جاء بمالم يجي ء أحد من الأنبياء قبله.
قال له عليه السّلام:مثل ما ذا؟
ص: 416
قال:مثل فلق البحر،و قلبه العصا حيّة تسعى،و ضربه الحجرفانفجرت منه العيون،و إخراجه يده بيضاء للناظرين،و علامات لا يقدرالخلق على مثلها.
قال له الرّضا عليه السّلام:صدقت في أنّها كانت حجته على نبوته،إنّه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله،أ فليس كل من ادّعى أنّه نبي،ثمّ جاء بما لايقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟
قال:لا.لأنّ موسى لم يكن له نظير لمكانه من ربه و قربه منه،و لايجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها،حتّى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء.
قال الرّضا عليه السّلام:فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى عليه السّلام،و لم يفلقوا البحر و لم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا،و لم يخرجوا أيديهم مثل إخراج موسى يده بيضاء،و لم يقلبوا العصا حيّةتسعى؟!
قال له اليهودي:قد خبرتك أنّه متى جاءوا على نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله،و لو جاءوا بمثل ما لم يجى ء به موسى،أوكانوا على ما جاء به موسى وجب تصديقهم.
قال الرّضا عليه السّلام:يا رأس الجالوت!فما يمنعك من الإقرار بعيسى ابن مريم و كان يحيي الموتى،و يبرى ء الأكمه و الأبرص،و يخلق من الطّين كهيئة الطير ثمّ ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللّه تعالى؟!
قال رأس الجالوت:يقال:إنّه فعل ذلك و لم نشهده.
قال الرّضا عليه السّلام:أ رأيت ما جاء به موسى عليه السّلام من الآيات
ص: 417
و شاهدته،أ ليس إنّما جاءت الأخبار من ثقاة أصحاب موسى أنّه فعل ذلك؟قال:بلى.
قال:فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم،فكيف صدّقتم بموسى و لم تصدّقوا بعيسى؟!فلم يحر جوابا.
فقال الرّضا عليه السّلام:و كذلك أمر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما جاء به،و أمر كل نبي بعثه اللّه،و من آياته أنّه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا،و لم يختلف إلى معلم ثمّ جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء عليهم السّلام و أخبارهم حرفا حرفا،و أخبار من مضى و من بقي إلى يوم القيامة،ثمّ كان يخبرهم بأسرارهم و ما يعملون في بيوتهم،و جاء بآيات كثيرة لاتحصى.
قال رأس الجالوت:لم يصح عندنا خبر عيسى،و لا خبر محمّد،و لايجوز لنا أن نقرّ لهما بما لا يصح عندنا.
قال الرّضا عليه السّلام:فالشّاهد الذي يشهد لعيسى عليه السّلام و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شاهد زور؟فلم يحر جوابا.
ثمّ دعا بالهربذ الأكبر،فقال له الرّضا عليه السّلام:أخبرني عن زردشت الذي تزعم أنّه نبي،ما حجّتك على نبوته؟
قال:إنّه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله،و لم نشهده،و لكنّ الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنّه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه.
قال:أ فليس إنّما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟قال:بلى.
قال:فكذلك سائر الأمم السالفة،أتتهم الأخبار بما أتى به النبيون،
ص: 418
و أتى به موسى و عيسى و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليهم السّلام،فما عذركم في ترك الإقرار بهم،إذ كنتم إنّما أقررتم بزردشت من قبل الأخبار المتواترةبأنّه جاء بما لم يجى ء به غيره؟فانقطع الهربذ مكانه.
فقال الرّضا عليه السّلام:يا قوم!إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام و أراد أن يسأل فليسأل غير محتشم!(1)
فقام إليه عمران الصابي-و كان واحدا من المتكلمين-فقال:ياعالم النّاس!لولا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل،و لقددخلت الكوفة و البصرة و الشّام و الجزيرة،و لقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته،أ فتأذن لي أن أسألك؟
قال الرّضا عليه السّلام:إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو!قال:أنا هو.
قال:سل يا عمران و عليك بالنصفة،و إيّاك و الخطل(2)و الجور!
فقال:و اللّه يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئا أتعلق به،فلاأجوزه!
قال:سل عمّا بدالك!فازدحم النّاس و انضمّ بعضهم إلى بعض.فقال:أخبرني عن الكائن الأول و عمّا خلق؟
قال:سألت فافهم الجواب!9.
ص: 419
أمّا الواحد:فلم يزل كائنا واحدا،لا شي ء معه،بلا حدود،و لاأعراض و لا يزال كذلك،ثمّ خلق خلقا مبتدعا مختلفا،بأعراض و حدودمختلفة،لا في شي ء أقامه،و لا في شي ء حدّه،و لا على شي ء حذاه و مثله،فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة و غير صفوة(1)،و اختلافا و ايتلافا،و ألوانا و ذوقا و طعما(2)،لا لحاجة كانت منه إلى ذلك،و لا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به،و لا رأى لنفسه فيما خلق زيادة و لا نقصانا،تعقل هذا ياعمران؟قال:نعم و اللّه يا سيدي.
قال:و اعلم يا عمران!أنّه لو كان خلق ما خلق لحاجة،لم يخلق إلاّمن يستعين به على حاجته،و لكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق،لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى.
-ثمّ طال السؤال و الجواب بين الرّضا عليه السّلام و بين عمران الصابي،و ألزمه عليه السّلام في أكثر مسائله حتّى انتهت الحال إلى أن قال-:يا سيدي!أشهد أنّه كما وصفت و لكن بقيت مسألة!
قال:سل عمّا أردت!
قال:أسألك عن(الحكيم)في أي شي ء هو؟و هل يحيط به شي ء؟و هل يتحول من شي ء إلى شي ء؟أو به حاجة إلى شي ء؟
قال الرّضا عليه السّلام:اخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه،فانه من..
ص: 420
أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم،و ليس يفهمه المتفاوت عقله(1)العازب حلمه،و لا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون.
أمّا أول ذلك:فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه،لجاز لقائل أن يقول:يتحوّل إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك،و لكنّه عزّ و جلّ لم يخلق شيئا لحاجة،و لم يزل ثابتا لا في شي ء[و لا على شي ء](2)،إلاّ أنّ الخلق يمسك بعضه بعضا و يدخل بعضه في بعض و يخرج منه.و اللّه جلّ و تقدّس بقدرته يمسك ذلك كلّه،و ليس يدخل في شي ء و لا يخرج منه و لا يؤوده حفظه،و لا يعجزعن إمساكه،و لا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلاّ اللّه عزّ و جلّ و من أطلعه من رسله و أهل سرّه و المستحفظين لأمره و خزّانه القائمين بشريعته،و إنّما أمره كلمح البصر أو هو أقرب،إذا شاء شيئا فانّما يقول له:كن فيكون بمشيئته و إرادته،و ليس شي ء من خلقه أقرب إليه من شي ء،و لا شي ءأبعد منه من شي ء،أ فهمت يا عمران؟
قال:نعم يا سيدي قد فهمت،و أشهد أنّ اللّه على ما وصفت و وحدت،و أنّ محمّدا عبده المبعوث بالهدى و دين الحق،ثمّ خرّ ساجدانحو القبلة و أسلم.
قال الحسن بن محمّد النوفلي:فلمّا نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي-و كان جدلا لم يقطعه عن حجّته أحد قطّ-لم يدن مند.
ص: 421
الرّضا عليه السّلام أحد منهم و لم يسألوه عن شي ء،و أمسينا فنهض المأمون و الرّضا عليه السّلام فدخلا و انصرف النّاس.
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام-بعد أن عاد إلى منزله-:يا غلام!صر إلى عمران الصابي فأتني به.
فقلت:جعلت فداك!أنا أعرف موضعه و هو عند بعض إخواننا من الشّيعة.قال:فلا بأس قربوا إليه دابة.فصرت إلى عمران فأتيته به،فرحّب به،و دعا بكسوة فخلعها عليه(1)،و دعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها.
فقلت:جعلت فداك!حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين عليه السّلام.
قال:هكذا يجب.ثمّ دعا عليه السّلام بالعشاء(2)فأجلسني عن يمينه،و أجلس عمران عن يساره،حتّى إذا فرغنا قال لعمران:إنصرف مصاحباو بكّر علينا نطعمك من طعام المدينة.
فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل عليهم أمرهم حتّى اجتنبوه،و وصله المأمون بعشرة آلاف درهم،و أعطاه الفضل مالا جزيلا،و ولاّه الرّضا عليه السّلام صدقات بلخ فأصاب الرغائب(3)(4).ن-
ص: 422
و روي عن عليّ بن الجهم أنّه قال:حضرت مجلس المأمون و عنده الرّضا عليه السّلام فقال له المأمون:
يا ابن رسول اللّه!أ ليس من قولك:«إنّ الأنبياء معصومون»؟قال:بلى.
قال:فما معنى قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ عَصى ََ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ََ»؟(1)
فقال عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالى قال لآدم عليه السّلام:«اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ اَلْجَنَّةَ وَ كُلاََ مِنْهََا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمََا وَ لاََ تَقْرَبََا هََذِهِ اَلشَّجَرَةَ فَتَكُونََامِنَ اَلظََّالِمِينَ»(2)و لم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشّجرة،و لا ممّا كان من جنسها،فلم يقربا تلك الشّجرة و إنّما أكلا من غيرها إذا وسوس الشيطان إليهما و قال:«مََا نَهََاكُمََا رَبُّكُمََا عَنْ هََذِهِ اَلشَّجَرَةِ»(3)و إنّما نهاكماق-محمّد بن علي بن صدقة القمّي،عن أبي عمرو:محمّد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي،قال:حدّثني من سمع الحسن بن محمّد النوفلي ثمّ الهاشمي،يقول:لما قدم...و نقله العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 10/299-328 مع شرح و توضيح،13/386 و 401 و 347،14/279 و 162 و 331 و 42،63/279.
ص: 423
أن تقربا غيرها،و لم ينهكما عن الأكل منها:«إِلاََّ أَنْ تَكُونََا مَلَكَيْنِ أَوْتَكُونََا مِنَ اَلْخََالِدِينَ»(1)«وَ قََاسَمَهُمََا إِنِّي لَكُمََا لَمِنَ اَلنََّاصِحِينَ»(2)و لم يكن آدم و حوا شاهدا قبل ذلك من يحلف باللّه كاذبا،«فَدَلاََّهُمََابِغُرُورٍ»(3)فأكلا منها ثقة بيمينه باللّه،و كان ذلك من آدم قبل النبوّة،و لم يكن ذلك بذنب كبير استحق دخول النّار به،و إنّما كان من الصغائرالموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم،فلمّا اجتباه اللّه تعالى و جعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة و لا كبيرة.قال اللّه تعالى:«وَ عَصى ََ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ََ*`ثُمَّ اِجْتَبََاهُ رَبُّهُ فَتََابَ عَلَيْهِ وَ هَدى ََ»(4)و قال اللّه عزّو جلّ:«إِنَّ اَللََّهَ اِصْطَفى ََ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرََاهِيمَ وَ آلَ عِمْرََانَ عَلَى اَلْعََالَمِينَ»(5).
قال المصنّف رحمه اللّه:لعلّ الرّضا صلوات اللّه عليه أراد(بالصغائرالموهوبة):ترك المندوب و ارتكاب المكروه من الفعل،دون الفعل القبيح الصغير بالإضافة إلى ما هو أعظم منه،لاقتضاء أدلة العقول و الأثر المنقول لذلك،و رجعنا إلى سياق الحديث.
ثمّ قال المأمون:فما معنى قول اللّه عزّ و جلّ:«فَلَمََّا آتََاهُمََا صََالِحاًجَعَلاََ لَهُ شُرَكََاءَ فِيمََا آتََاهُمََا»؟(6)
(1-2-3)الأعراف 7/20-22.
(4)طه 20/121 و 122.
(5)آل عمران 3/33.
(6)الأعراف 7/190.
ص: 424
فقال الرّضا عليه السّلام:إنّ حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن،في كل بطن ذكر و أنثى و إنّ آدم و حواء عاهدا اللّه عزّ و جلّ و دعواه و قالا:«لَئِنْ آتَيْتَنََا صََالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ اَلشََّاكِرِينَ»(1)فلمّا آتاهما صالحا من النسل،خلقا سويا بريئا من الزمانة و العاهة،كان ما آتاهما صنفين،صنفا ذكراناو صنفا إناثا،فجعل الصنفان للّه تعالى شركاء فيما آتاهما و لم يشكراه كشكر أبويهما له عزّ و جلّ،قال اللّه تعالى:«فَتَعََالَى اَللََّهُ عَمََّا يُشْرِكُونَ»(2).
فقال المأمون:أشهد أنّك ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حقّا،فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ في إبراهيم:«فَلَمََّا جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ رَأى ََكَوْكَباً قََالَ هََذََا رَبِّي»؟(3)
فقال الرّضا عليه السّلام:إنّ إبراهيم وقع على ثلاثة أصناف:صنف يعبد(الزهرة)،و صنف يعبد(القمر)،و صنف يعبد(الشّمس)ذلك حين خرج من السرب(4)الذي اخفي فيه(5).
فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى(الزهرة)قال:«هََذََا رَبِّي»؟!على الإنكارو الاستخبار.«فَلَمََّا أَفَلَ-الكوكب-قََالَ لاََ أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ»(6)لأنّ الأفول(1-2)الأعراف 7/189-190.
(3)الأنعام 6/76.
(4)السرب،بالتحريك:جحر الوحشي و الحفير تحت الأرض و القناة يدخل منها الماءالحائط-القاموس 1/81.
(5)في«أ»و«ب»و«ج»و«د»:اختفى فيه.
(6)الأنعام 6/76.
ص: 425
من صفات المحدث و ليس من صفات القديم.
«فَلَمََّا رَأَى اَلْقَمَرَ بََازِغاً قََالَ هََذََا رَبِّي»(1)؟!على الإنكارو الاستخبار«فَلَمََّا أَفَلَ قََالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ اَلْقَوْمِ اَلضََّالِّينَ»(2)يقول:لو لم يهدني ربّي لكنت من القوم الضالّين.
«فَلَمََّا-أصبح-رَأَى اَلشَّمْسَ بََازِغَةً قََالَ هََذََا رَبِّي هََذََا أَكْبَرُ»(3)من الزهرة و القمر؟!على الإنكار و الاستخبار،لا على الاخبار و الاقرار(4).
«فَلَمََّا أَفَلَتْ قال-للأصناف الثلاثة من:عبدة الزهرة،و القمر،و الشّمس-يََا قَوْمِ إِنِّي بَرِي ءٌ مِمََّا تُشْرِكُونَ*`إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَاَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ حَنِيفاً وَ مََا أَنَا مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ»(5)و إنّما أراد إبراهيم عليه السّلام بما قال أن يبيّن لهم بطلان دينهم،و يثبت عندهم،أنّ العبادة لاتحقّ لما كان بصفة الزهرة و القمر و الشّمس،و إنّما تحقّ العبادة لخالقهاخالق السّماوات و الأرض،و كان ما احتج به على قومه ممّا ألهمه اللّه عزّو جلّ و آتاه،كما قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ تِلْكَ حُجَّتُنََا آتَيْنََاهََا إِبْرََاهِيمَ عَلى ََقَوْمِهِ»(6).
فقال المأمون:للّه درّك يابن رسول!فأخبرني عن قول إبراهيم:«رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتى ََ قََالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ وَ لََكِنْ لِيَطْمَئِنَ(1-2-3)الانعام 6/77-78.
(4)في«أ»:لا على الإجلال و الإصرار.و في«ط»:لا على سبيل الإخبار و الإقرار.
(5)الأنعام 6/78 و 79.
(6)الأنعام 6/83.
ص: 426
قَلْبِي»(1).
قال الرّضا عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالى كان أوحى إلى إبراهيم على السّلام«إنّي متّخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته»(2)فوقع في نفس إبراهيم أنّه ذلك الخليل فقال:ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئنّ قلبي على الخلة:«قََالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ اَلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اِجْعَلْ عَلى ََ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَللََّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(3).
فأخذ إبراهيم عليه السّلام نسرا و بطا و طاووسا و ديكا،فقطّعهنّ و خلطهنّ ثمّ جعل على كل جبل من الجبال التي حوله-و كانت عشرة-منهنّ جزءا،و جعل مناقيرهنّ بين أصابعه،ثمّ دعاهنّ باسمائهنّ،و وضع عنده حبّا و ماءا،فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتّى استوت الأبدان،و جاء كل بدن حتّى انضمّ إلى رقبته و رأسه فخلّى إبراهيم عليه السّلام عن مناقيرهن،فطرن ثمّ وقعن فشربن من ذلك الماء و التقطن من ذلك الحب!و قلن:يا نبي اللّه أحييتنا أحياك اللّه!
فقال إبراهيم عليه السّلام:بل اللّه يحيي و يميت و هو على كل شي ءقدير.0.
ص: 427
فقال المأمون:بارك اللّه فيك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّو جلّ:«فَوَكَزَهُ مُوسى ََ فَقَضى ََ عَلَيْهِ قََالَ هََذََا مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطََانِ»(1).
قال الرّضا عليه السّلام:إنّ موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها-و ذلك بين المغرب و العشاء-«فَوَجَدَ فِيهََا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاََنِ هََذََا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هََذََا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغََاثَهُ اَلَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى اَلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى ََ فَقَضى ََ»(2)موسى على العدو بحكم اللّه تعالى ذكره،فوكزه فمات.فقال:«هََذََا مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطََانِ»(3)يعني:الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين،لا ما فعله موسى من قتله إيّاه«إِنَّهُ-يعني:الشيطان-عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ»(4).
قال المأمون فما معنى قول موسى عليه السّلام:«رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي»(5)؟
قال:يقول:إنّي وضعت نفسي غير موضعها،بدخولي هذه المدينة«فَاغْفِرْ لِي»أي:استرني من أعدائك لئلا يظفروا بى فيقتلوني«فَغَفَرَلَهُ»(6)أي:ستره من عدوه،«إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ»(7)قال موسى عليه السّلام:«رَبِّ بِمََا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ»(8)من القوة حتّى قتلت رجلا بوكزة،«فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ»(9)بل أجاهد في سبيلك بهذه القوّة(1-2-3-4)القصص 28/15.
(5-6-7)القصص 28/16.
(8-9)القصص 28/17.
ص: 428
حتّى ترضى.«فَأَصْبَحَ موسى فِي اَلْمَدِينَةِ خََائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا اَلَّذِي اِسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قََالَ لَهُ مُوسى ََ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ»(1)قاتلت رجلا بالأمس،و تقاتل هذا اليوم لأؤدبنّك،و أراد أن يبطش به«فَلَمََّا أَنْ أَرََادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمََا»و هو من شيعته(2)«قََالَ يََا مُوسى ََأَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمََا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاََّ أَنْ تَكُونَ جَبََّاراً فِي اَلْأَرْضِ وَ مََا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ اَلْمُصْلِحِينَ»(3).
قال المأمون:جزاك اللّه عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن!فما معنى قول موسى لفرعون:«فَعَلْتُهََا إِذاً وَ أَنَا مِنَ اَلضََّالِّينَ»(4)؟
قال الرّضا عليه السّلام:إنّ فرعون قال لموسى لمّا أتاه:«وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ اَلَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ اَلْكََافِرِينَ»(5)قال موسى«فَعَلْتُهََا إِذاً وَ أَنَا مِنَ اَلضََّالِّينَ»عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك،«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمََّاخِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ»(4).و قد قال اللّه عزّو جلّ لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ»(5)يقول:أ لم يجدك وحيدا فآوى إليك النّاس؟«وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ»يعني:عند قومك6.
ص: 429
«فَهَدى ََ»(1)أي:هداهم إلى معرفتك«وَ وَجَدَكَ عََائِلاً فَأَغْنى ََ»(2)،يقول:أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا.
قال المأمون:بارك اللّه فيك يابن رسول اللّه!فما معنى قول اللّه:«وَ لَمََّا جََاءَ مُوسى ََ لِمِيقََاتِنََا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قََالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قََالَ لَنْ تَرََانِي»الآية(3)كيف يجوز أن يكون كليم اللّه موسى بن عمران لا يعلم أنّ اللّه تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتّى يسأله هذا السؤال؟!
فقال الرّضا عليه السّلام:إنّ كليم اللّه موسى بن عمران علم أنّ اللّه عزّو جلّ عن أن يرى بالأبصار،و لكنّه لمّا كلّمه اللّه تعالى و قرّبه نجيا،رجع إلى قومه فأخبرهم إنّ اللّه عزّ و جلّ كلّمه و قرّبه و ناجاه،فقالوا:لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه كما سمعت،و كان القوم سبعمائة ألف رجل،فاختارمنهم سبعين ألفا،ثمّ اختار منهم سبعة آلاف،ثمّ اختار منهم سبعمائة،ثمّ اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه،فخرج بهم إلى طور سيناء،فأقامهم في سفح الجبل و صعد موسى إلى الطور،و سأل اللّه عزّ و جلّ أن يكلّمه و يسمعهم كلامه،فكلّمه اللّه تعالى ذكره و سمعوا كلامه من فوق و أسفل و يمين و شمال،و وراء و أمام،لأنّ اللّه عزّ و جلّ أحدثه في الشّجرة،ثمّ جعله منبعثا منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه.فقالوا:لن نؤمن لك بأنّ هذاالذي سمعناه كلام اللّه حتّى نرى اللّه جهرة،فلمّا قالوا هذا القول العظيم(1-2)الضحى 93/7 و 8.
(3)الأعراف 7/143.
ص: 430
و استكبروا و عتوا،بعث اللّه عزّ و جلّ عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا.
فقال موسى:يا رب!ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم و قالوا:إنّك ذهبت بهم فقتلتهم لأنّك لم تكن صادقا فيما ادّعيت من مناجاة اللّه عزّو جلّ إيّاك؟
فأحياهم اللّه و بعثهم معه،فقالوا:إنّك لو سألت اللّه أن يريك أن تنظرإليه لأجابك،و كنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حقّ معرفته.
فقال موسى عليه السّلام:يا قوم!إنّ اللّه تعالى لا يرى بالأبصار و لا كيفيةله،و إنّما يعرف بآياته و يعلم باعلامه(1).
فقالوا:لن نؤمن لك حتّى تسأله.
فقال موسى عليه السّلام:يا ربّ!انّك قد سمعت مقالة بني اسرائيل و أنت أعلم بصلاحهم،فأوحى اللّه جلّ جلاله إليه:يا موسى!سلني ما سألوك فلن اؤاخذك بجهلهم،فعند ذلك قال موسى:«رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ*قََالَ لَنْ تَرََانِي وَ لََكِنِ اُنْظُرْ إِلَى اَلْجَبَلِ فَإِنِ اِسْتَقَرَّ مَكََانَهُ-و هو يهوي-فَسَوْفَ تَرََانِي فَلَمََّا تَجَلََّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ-»بآية من آياته-جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى ََ صَعِقاًفَلَمََّا أَفََاقَ قََالَ سُبْحََانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ»يقول:رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي،«وَ أَنَا أَوَّلُ اَلْمُؤْمِنِينَ»(2)منهم بأنّك لا ترى.3.
ص: 431
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهََا لَوْ لاََ أَنْ رَأى ََ بُرْهََانَ رَبِّهِ»(1)؟
فقال الرّضا عليه السّلام:و لقد همّت به،و لو لا أن رأى برهان ربّه لهمّ بهاكما همّت به،لكنّه كان معصوما،و المعصوم لا يهمّ بذنب و لا يأتيه،و لقدحدّثني أبي عن أبيه الصّادق عليهما السّلام أنّه قال:همّت بأن تفعل و همّ بأن لايفعل.
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ ذَا اَلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغََاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»الآية(2)؟
فقال الرّضا عليه السّلام:ذلك يونس بن متّى ذهب مغاضبا لقومه،فظن بمعنى:استيقن أن لن نقدر عليه،أي:لن نضيق عليه رزقه،و منه قوله عزّو جلّ:«وَ أَمََّا إِذََا مَا اِبْتَلاََهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ»(3)،أي:ضيّق عليه و قتر،«فَنََادى ََ فِي اَلظُّلُمََاتِ»ظلمة اللّيل و ظلمة البحر و ظلمة بطن الحوت،«أَنْ لاََ إِلََهَ إِلاََّ أَنْتَ سُبْحََانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظََّالِمِينَ»بتركي هذه العبادة التي قدقرّت عيني بها في بطن الحوت.فاستجاب اللّه له.و قال عزّ و جلّ:«فَلَوْ لاََأَنَّهُ كََانَ مِنَ اَلْمُسَبِّحِينَ*`لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى ََ يَوْمِ يُبْعَثُونَ»(4).4.
ص: 432
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«حَتََّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ اَلرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جََاءَهُمْ نَصْرُنََا»(1).
قال الرّضا عليه السّلام:يقول اللّه:حتّى إذا استيأس الرسل من قومهم،و ظن قومهم أنّ الرسل قد كذبوا،جاء الرسل نصرنا.
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«لِيَغْفِرَ لَكَ اَللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مََا تَأَخَّرَ»(2)؟
قال الرّضا عليه السّلام:لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنبا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،لأنّهم كانوا يعبدون من دون اللّه ثلاثمائةو ستين صنما،فلمّا جاءهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالدعوة إلى كلمةالإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم،و قالوا:«أَ جَعَلَ اَلْآلِهَةَ إِلََهاً وََاحِداً إِنَّ هََذََالَشَيْ ءٌ عُجََابٌ*`وَ اِنْطَلَقَ اَلْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ اِمْشُوا وَ اِصْبِرُوا عَلى ََ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هََذََالَشَيْ ءٌ يُرََادُ*`مََا سَمِعْنََا بِهََذََا فِي اَلْمِلَّةِ اَلْآخِرَةِ إِنْ هََذََا إِلاَّ اِخْتِلاََقٌ»(3)فلمّافتح اللّه عزّ و جلّ على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مكّة قال له:يا محمّد«إِنََّافَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً `لِيَغْفِرَ لَكَ اَللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مََا تَأَخَّرَ»عندمشركي أهل مكّة بدعائك إيّاهم إلى توحيد اللّه فيما تقدّم و ما تأخّر،لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم و خرج بعضهم عن مكّة،و من بقي منهم لم يقدر7.
ص: 433
على إنكار التّوحيد عليه إذا دعى النّاس إليه،فصار ذنبه عندهم مغفورابظهوره عليهم.
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«عَفَا اَللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ»(1).
فقال الرّضا عليه السّلام:هذا ممّا نزل(بإيّاك أعني و اسمعي ياجارة)(2)خاطب اللّه عزّ و جلّ بذلك نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أراد به أمّته،و كذلك قوله تعالى:«لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ اَلْخََاسِرِينَ»(3)و قوله عزّ و جلّ:«وَ لَوْ لاََ أَنْ ثَبَّتْنََاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً»(4).
قال المأمون:صدقت يابن رسول اللّه،فأخبرني عن قول اللّه عزّو جلّ:«وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اَللََّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اِتَّقِ اَللََّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اَللََّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى اَلنََّاسَ وَ اَللََّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشََاهُ»(5).
قال الرّضا عليه السّلام:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قصد دار زيد بن7.
ص: 434
حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده،فرأى امرأته تغتسل فقال لها:«سبحان الذي خلقك»و إنّما أراد بذلك تنزيه اللّه تعالى عن قول من زعم أنّ الملائكة بنات اللّه،فقال اللّه عزّ و جلّ:«أَ فَأَصْفََاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اِتَّخَذَمِنَ اَلْمَلاََئِكَةِ إِنََاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً»(1)فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-لما رآها تغتسل-:«سبحان الذي خلقك»أن يتّخذ ولدا يحتاج إلى هذا التطهير و الاغتسال،فلمّا عاد زيد إلى منزله أخبرته أمرأته بمجي ءرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و قوله لها:سبحان الذي خلقك،فلم يعلم زيدما أراد بذلك و ظنّ أنّه قال ذلك لما أعجبه من حسنها،فجاء إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا رسول اللّه!إنّ امرأتي في خلقها سوء،و إنّي أريدطلاقها.
فقال له النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أمسك عليك زوجك و اتّق اللّه»و قدكان اللّه عزّ و جلّ عرفه عدد أزواجه و أنّ تلك المرأة منهنّ،فأخفى ذلك في نفسه و لم يبده لزيد،و خشي النّاس أن يقولوا:إنّ محمّدا يقول لمولاه إنّ امرأتك ستكون لي زوجة،فيعيبونه بذلك،فأنزل اللّه عزّ و جلّ:«وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اَللََّهُ عَلَيْهِ»يعني:بالإسلام«وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ»يعني:بالعتق«أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اِتَّقِ اَللََّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اَللََّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى اَلنََّاسَ وَ اَللََّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشََاهُ»(2)ثمّ أنّ زيد بن حارثة طلّقها و اعتدت منه7.
ص: 435
فزوّجها اللّه عزّ و جلّ من نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أنزل بذلك قرآنافقال عزّ و جلّ:«فَلَمََّا قَضى ََ زَيْدٌ مِنْهََا وَطَراً زَوَّجْنََاكَهََا لِكَيْ لاََ يَكُونَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوََاجِ أَدْعِيََائِهِمْ إِذََا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كََانَ أَمْرُ اَللََّهِ مَفْعُولاً»(1)ثمّ علم اللّه عزّ و جلّ أنّ المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل اللّه:«مََا كََانَ عَلَى اَلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمََا فَرَضَ اَللََّهُ لَهُ»(2).
فقال المأمون:لقد شفيت صدري يابن رسول اللّه،و أوضحت لي ماكان ملتبسا عليّ فجزاك اللّه عن أنبيائه و عن الإسلام خيرا.
قال عليّ بن الجهم:فقام المأمون إلى الصّلاة،و أخذ بيد محمّد بن جعفر بن محمّد-و كان حاضر المجلس-و تبعتهما فقال له المأمون:كيف رأيت ابن أخيك؟
فقال:عالم.و لم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم.
فقال المأمون:إنّ ابن أخيك من أهل بيت النبوة الذين قال فيهم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ألا إنّ أبرار عترتي،و أطايب ارومتي(3)،أحلم النّاس صغارا،و أعلم النّاس كبارا فلا تعلموهم فانّهم أعلم منكم،لايخرجونكم من باب هدى و لا يدخلونكم في باب ضلالة».
و انصرف الرّضا عليه السّلام إلى منزله،فلمّا كان من الغد غدوت عليه،و أعلمته ما كان من قول المأمون و جواب عمّه محمّد بن جعفر له،فضحك(1-2)الاحزاب 33/37 و 38.
(3)الأرومة،و تضمّ:الأصل-القاموس 4/74.
ص: 436
الرّضا عليه السّلام ثمّ قال:يابن الجهم!لا يغرنّك ما سمعته منه،فانّه سيغتالني،و اللّه ينتقم لي منه(1).
[309]إحتجاجه صلوات اللّه عليه فيما يتعلّق بالإمامة و صفات من خصّه اللّه تعالى بها و بيان الطريق إلى من كان عليهاو ذم من يجوز اختيار الإمام و لؤم من غلافيه و أمرالشّيعة بالتورية و التقية عند الحاجة إليهما و حسن التأدب
أبو يعقوب البغدادي قال:إنّ ابن السّكّيت قال-لأبي الحسن الرّضاعليه السّلام-:
لماذا بعث اللّه موسى بن عمران بيده البيضاء،و آلة السّحر،و بعث عيسى بآية الطب،و بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالكلام و الخطب؟
فقال له أبو الحسن عليه السّلام:إنّ اللّه لمّا بعث موسى عليه السّلام كان
ص: 437
الغالب على أهل عصره«السّحر»فأتاهم من عند اللّه بما لم يكن في وسع القوم مثله،و بما أبطل به سحرهم،و أثبت به الحجّة عليهم.
و إنّ اللّه بعث عيسى عليه السّلام في وقت قد ظهرت فيه«الزمانات»،و احتاج النّاس إلى الطب،فأتاهم من عند اللّه بما لم يكن عندهم مثله،و بماأحيى لهم الموتى و أبرأ لهم الأكمه و الأبرص بإذن اللّه،و أثبت به الحجّة عليهم.
و إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وقت كان الأغلب على أهل عصره«الخطب و الكلام»-و أظنّه قال:و الشّعر-فأتاهم من عند اللّه عزّ و جلّ من مواعظه و أحكامه ما أبطل به قولهم و أثبت به الحجّة عليهم.
قال:فما زال ابن السّكّيت يقول له:و اللّه ما رأيت مثلك قطّ!فماالحجّة على الخلق اليوم؟
فقال عليه السّلام:العقل،يعرف به الصّادق على اللّه فيصدقه،و الكاذب على اللّه فيكذبه.
فقال ابن السّكّيت:هذا و اللّه هو الجواب.
قد ضمن الرّضا عليه السّلام في كلامه هذا:أنّ العالم لا يخلو في زمان التكليف من صادق من قبل اللّه تعالى يلتجى ء المكلّف إليه فيما اشتبه عليه من أمر الشريعة،صاحب دلالة تدل على صدقه عليه تعالى،يتوصل المكلّف إلى معرفته بالعقل،و لولاه لما عرف الصّادق من الكاذب،فهوحجّة اللّه تعالى على الخلق أولا.
( رواه الصّدوق رحمه اللّه في علل الشرايع ص 121،الباب 99،برقم 6.و العيون 2/79،-)
ص: 438
و عن القاسم بن مسلم،عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال:
كنّا في أيّام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام بمرو،فاجتمعنا في مسجدجامعها في يوم جمعة في بدو مقدمنا،فأدار النّاس أمر الإمامة و ذكرواكثرة اختلاف النّاس فيها فدخلت على سيدي و مولاي الرّضا عليه السّلام فأعلمته ما خاض النّاس فيه،فتبسّم ثمّ قال:
يا عبد العزيز!جهل القوم و خدعوا عن أديانهم،إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يقبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى أكمل له الدّين،و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شي ء،بيّن فيه الحلال و الحرام،و الحدود و الأحكام،و جميع ما يحتاج إليه كملا فقال عزّ و جلّ:«مََا فَرَّطْنََا فِي اَلْكِتََابِ مِنْ شَيْ ءٍ»(1)و أنزل في حجّة الوداع و هو آخر عمره:«اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاََمَ دِيناً»(2)فأمر الإمامةمن تمام الدّين،و لم يمض صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم ق-الباب 32،برقم 12:عن جعفر بن محمّد بن مسرور،عن الحسين بن محمّد بن علي[عامر]،عن أبي عبد اللّه السيّاري،عن أبي يعقوب البغدادي...
و نقله في بحار الأنوار 11/70 و 1/105.
ص: 439
و أوضح لهم سبيلهم(1)،و تركهم على قصد الحقّ،و أقام لهم عليّا عليه السّلام علما و إماما و ما ترك شيئا تحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه،فمن زعم أنّ اللّه عزّو جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه عزّ و جلّ،و من رد كتاب اللّه فهوكافر.
هل تعرفون قدر الإمامة و محلها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟
إنّ الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلى مكانا و أمنع جانبا و أبعدغورا من أن يبلغها النّاس بعقولهم،أو ينالونها بآرائهم،فيقيموا إماماباختيارهم.
إنّ الإمامة خصّ اللّه عزّ و جلّ بها إبراهيم الخليل بعد النبوّة و الخلّة،مرتبة ثالثة و فضيلة شرّفه اللّه بها،و أشاد بها ذكره(2)فقال عزّ و جلّ:«إِنِّي جََاعِلُكَ لِلنََّاسِ إِمََاماً»(3)،فقال الخليل-سرورا بها-:«وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي»(4)قال اللّه عزّ و جلّ:«لاََ يَنََالُ عَهْدِي اَلظََّالِمِينَ»(5)فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة،و صارت في الصّفوة،ثمّ أكرمه اللّه عزّو جلّ[بها](3)بأن جعل في ذريته أهل الصفوة و الطهارة،فقال تعالى:«وَ وَهَبْنََا لَهُ إِسْحََاقَ وَ يَعْقُوبَ نََافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنََا صََالِحِينَ*`وَ جَعَلْنََاهُمْ أَئِمَّةً».
ص: 440
يَهْدُونَ بِأَمْرِنََا وَ أَوْحَيْنََا إِلَيْهِمْ فِعْلَ اَلْخَيْرََاتِ وَ إِقََامَ اَلصَّلاََةِ وَ إِيتََاءَ اَلزَّكََاةِوَ كََانُوا لَنََا عََابِدِينَ»(1).
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا،حتّى ورثها النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال اللّه عزّ و جلّ:«إِنَّ أَوْلَى اَلنََّاسِ بِإِبْرََاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هََذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللََّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ»(2)فكانت له خاصّةفقلّدها النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السّلام بأمر اللّه عزّ و جلّ على رسم مافرضها اللّه،فصارت في ذريّته الأصفياء الذين آتاهم اللّه العلم و الإيمان بقوله عزّ و جلّ:«وَ قََالَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ وَ اَلْإِيمََانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتََابِ اَللََّهِ إِلى ََ يَوْمِ اَلْبَعْثِ»(3)فهي في ولد عليّ عليه السّلام خاصّة إلى يوم القيامة إذ لانبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟
إنّ الإمامة:هي منزلة الأنبياء و إرث الأوصياء.
إنّ الإمامة:خلافة اللّه عزّ و جلّ،و خلافة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و مقام أمير المؤمنين و ميراث الحسن و الحسين عليهم السّلام.
إنّ الإمامة:زمام الدّين،و نظام المسلمين،و صلاح الدنيا،و عزّالمؤمنين.
إنّ الإمامة:أس الإسلام النامي،و فرعه السامي.6.
ص: 441
بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام،و الحجّ و الجهاد،و توفيرالفي ء و الصّدقات،و إمضاء الحدود و الأحكام،و منع الثغور و الأطراف.
الإمام:يحلّ حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه،و يقيم حدود اللّه،و يذبّ عن دين اللّه،و يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجّةالبالغة.
الإمام:كالشّمس الطالعة للعالم و هي في الأفق،بحيث لا تنالهاالأيدي و الأبصار.
الإمام:البدر المنير،و السراج الزاهر،و النور الساطع،و النجم الهادي في غياهب الدجى،و البيداء القفار،و لجج البحار.
الإمام:الماء العذب على الظّماء،و الدال على الهدى،و المنجي من الردى.
الإمام:النّار على اليفاع(1)الحارّة لمن اصطلى،و الدليل في المهالك(2)،من فارقه فهالك(3).
الإمام:السّحاب الماطر،و الغيث الهاطل،و الشّمس المضيئة،و الأرض البسيطة،و العين الغزيرة،و الغدير و الروضة.
الإمام:الأمين الرفيق،و الوالد الشفيق،و الأخ الشقيق،و مفزعك.
ص: 442
العباد في الدّاهية.
الإمام:أمين اللّه في أرضه،و حجته على عباده،و خليفته في بلاده،الدّاعي إلى اللّه،و الذابّ عن حريم اللّه.
الإمام:المطهر من الذنوب،المبرأ من العيوب،مخصوص بالعلم،موسوم بالحلم،نظام الدين،و عزّ المسلمين،و غيظ المنافقين(1)،و بوارالكافرين.
الإمام:واحد دهره لا يدانيه أحد،و لا يعادله عدل،و لا يوجد له بدل و لا له مثل و لا نظير،مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له،و لااكتساب،بل اختصاص من المتفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفةالإمام و يمكنه اختياره؟
هيهات هيهات!!
ضلّت العقول،و تاهت الحلوم،و حارت الألباب،و حسرت العيون و تصاغرت العظماء،و تحيرت الحكماء،و تقاصرت الحلماء،و حصرت الخطباء،و جهلت الألباء،و كلّت الشّعراء،و عجزت الأدباء،و عيت البلغاء،عن وصف شأن من شأنه،أو فضيلة من فضائله،فأقرت بالعجز و التقصير.
و كيف يوصف أو ينعت بكنهه،أو يفهم شي ء من أمره،أو يوجد من يقوم مقامه،و يغني غناه؟
لا و كيف و أنّى؟!و هو بحيث النّجم من أيدي المتناولين،و وصفن.
ص: 443
الواصفين!!فأين الاختيار من هذا؟!و أين العقول عن هذا؟!و أين يوجدمثل هذا؟!
أ ظنّوا أنّ ذلك يوجد في غير آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟كذّبتهم و اللّه أنفسهم و منّتهم الأباطيل(1)،فارتقوا مرتقى صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم،راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة و آراءمضلّة،فلم يزدادوا منه إلاّ بعدا.
قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون!لقد راموا صعبا،و قالوا إفكا،و ضلّوا ضلالابعيدا و وقعوا في الحيرة،إذ تركوا الإمام عن غير بصيرة،و زيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل و كانوا مستبصرين.
رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسوله،إلى اختيارهم و القرآن يناديهم:«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ وَ يَخْتََارُ مََا كََانَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ سُبْحََانَ اَللََّهِ وَ تَعََالى ََ عَمََّا يُشْرِكُونَ»(2)و قال عزّ و جلّ:«وَ مََا كََانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاََ مُؤْمِنَةٍ إِذََاقَضَى اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ»(3)و قال عزّو جلّ:«مََا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ*`أَمْ لَكُمْ كِتََابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ*`إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمََا تَخَيَّرُونَ*`أَمْ لَكُمْ أَيْمََانٌ عَلَيْنََا بََالِغَةٌ إِلى ََ يَوْمِ اَلْقِيََامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمََاتَحْكُمُونَ*`سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذََلِكَ زَعِيمٌ*`أَمْ لَهُمْ شُرَكََاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكََائِهِمْ إِنْ.
ص: 444
كََانُوا صََادِقِينَ»(1).
و قال عزّ و جلّ:«أَ فَلاََ يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ أَمْ عَلى ََ قُلُوبٍ أَقْفََالُهََا»(2)أم«طَبَعَ اَللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاََ يَعْلَمُونَ»(3)أم«قََالُوا سَمِعْنََا وَ هُمْ لاََيَسْمَعُونَ*`إِنَّ شَرَّ اَلدَّوَابِّ عِنْدَ اَللََّهِ اَلصُّمُّ اَلْبُكْمُ اَلَّذِينَ لاََ يَعْقِلُونَ*`وَ لَوْ عَلِمَ اَللََّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ»(4)«قََالُواسَمِعْنََا وَ عَصَيْنََا»(5)بل هو فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.
فكيف لهم باختيار الإمام؟!و الإمام عالم لا يجهل،راع لا ينكل،معدن القدس و الطهارة،و النسك و الزهادة،و العلم و العبادة،مخصوص بدعوة الرّسول و هو نسل المطهرة البتول،لا مغمز فيه في نسب،و لا يدانيه ذو حسب،في البيت من قريش،و الذروة من هاشم و العترة من آل الرّسول،و الرّضا من اللّه،شرف الأشراف،و الفرع من عبد مناف،نامي العلم،كامل الحلم،مضطلع بالإمامة،عالم بالسّياسة،مفروض الطّاعة،قائم بأمراللّه،ناصح لعباد اللّه،حافظ لدين اللّه.
إنّ الأنبياء و الأئمة يوفقهم اللّه و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه مالا يؤتيه غيرهم،فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله عزّ و جلّ:3.
ص: 445
«أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاََ يَهِدِّي إِلاََّ أَنْ يُهْدى ََ فَمََا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(1)و قوله عزّ و جلّ:«وَ مَنْ يُؤْتَ اَلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراًكَثِيراً»(2)و قوله عزّ و جلّ-في طالوت-:«إِنَّ اَللََّهَ اِصْطَفََاهُ عَلَيْكُمْ وَ زََادَهُ بَسْطَةً فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْجِسْمِ وَ اَللََّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشََاءُ وَ اَللََّهُ وََاسِعٌ عَلِيمٌ»(3)و قال عزّ و جلّ لنبيّه:«وَ كََانَ فَضْلُ اَللََّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً»(4).
و قال عزّ و جلّ-في الأئمة من أهل بيته و عترته-:«أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنََّاسَ عَلى ََ مََا آتََاهُمُ اَللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنََا آلَ إِبْرََاهِيمَ اَلْكِتََابَ وَ اَلْحِكْمَةَوَ آتَيْنََاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً*`فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفى ََ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً»(5).
و إنّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ و جلّ لأمور عباده،شرح صدره لذلك،و أودع قلبه ينابيع الحكمة،و ألهمه العلم إلهاما،فلم يعي بعده بجواب،و لا يحير فيه عن الصواب.
و هو معصوم مؤيد،موفق مسدد،قد أمن الخطايا و الزلل و العثار،فخصّه اللّه بذلك ليكون حجّته على عباده،و شاهده على خلقه،و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم،فهل يقدرون على مثل هذا5.
ص: 446
فيختاروه؟أو يكون مختارهم بهذه الصّفة فيقدموه؟
تعدوا-و بيت اللّه-الحقّ،و نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون،و في كتاب اللّه:الهدى و الشفاء فنبذوه و اتّبعوا أهواءهم فذمّهم اللّه و مقتهم و أتعسهم.
فقال عزّ و جلّ:«وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اِتَّبَعَ هَوََاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اَللََّهِ إِنَّ اَللََّهَ لاََ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلظََّالِمِينَ»(1)و قال عزّ و جلّ:«فَتَعْساًلَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمََالَهُمْ)(2)و قال عزّ و جلّ:«كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللََّهِ وَ عِنْدَ اَلَّذِينَ آمَنُوا كَذََلِكَ يَطْبَعُ اَللََّهُ عَلى ََ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبََّارٍ»(3)(4).0.
ص: 447
و روي عن الحسن بن عليّ بن فضال عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام أنّه قال:للإمام علامات:يكون أعلم النّاس،و أحكم النّاس،و أتقى النّاس،و أحلم النّاس،و أشجع النّاس،و أسخى النّاس،و أعبد النّاس،و يولد مختونا،و يكون مطهّرا،و يرى من خلفه كما يرى من من بين يديه،و لا يكون له ظل،و إذا وقع إلى الأرض(1)من بطن أمّه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشّهادتين،و لا يحتلم،و تنام عينه و لا ينام قلبه،و يكون محدّثا و يستوي عليه درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لا يرى له بول و لا غائط،لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد و كلّ الأرض بابتلاع ما يخرج منه.
و تكون رائحته أطيب من رائحة المسك،و يكون أولى النّاس منهم بأنفسهم،و أشفق عليهم من آبائهم و أمهاتهم،و يكون أشد النّاس تواضعاللّه عزّ و جلّ،و يكون آخذ النّاس بما يأمرهم به و أكف النّاس عمّا ينهى عنه،و يكون دعاؤه مستجابا،حتّى أنّه لو دعى على صخرة لانشقت بنصفين.
و يكون عنده سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سيفه ذو الفقار(2)،
ص: 448
و تكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة،و صحيفة فيهاأسماء أعدائه إلى يوم القيامة،و يكون عنده الجامعة،و هي صحيفة طولهاسبعون ذراعا،فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم،و يكون عنده الجفرالأكبر و الأصغر،و هو إهاب كبش فيها جميع العلوم حتّى أرش الخدش،و حتّى الجلدة و نصف الجلدة و ثلث الجلدة،و يكون عنده مصحف فاطمةعليها السّلام(1).
و روى خالد بن أبي الهيثم الفارسيّ قال:قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام:إنّ النّاس يزعمون أنّ في الأرض أبدالا فمن هؤلاء الأبدال؟
قال:صدقوا،الأبدال هم:الأوصياء،جعلهم اللّه عزّ و جلّ في
ص: 449
الأرض بدل الأنبياء إذا رفع الأنبياء و ختمهم بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1).
و قد روي عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام من ذمّ الغلاةو المفوضة و تكفيرهم و تضليلهم و البراءة منهم و ممّن والاهم،و ذكر علّة مادعاهم إلى ذلك الاعتقاد الفاسد الباطل ما قد تقدّم ذكر طرف منه في هذاالكتاب.
و كذلك روي عن آبائه و أبنائه عليهم السّلام في حقّهم و الأمر بلعنهم،و البراءة منهم و إشاعة حالهم،و الكشف عن سوء اعتقادهم،كي لا يغتربمقالتهم ضعفاء الشّيعة،و لا يعتقد من خالف هذه الطائفة أنّ الشّيعةالإمامية بأسرهم على ذلك،نعوذ باللّه منه و ممّن اعتقده و ذهب إليه،فمماذكره الرّضا عليه السّلام من علّة وجه خطأهم و ضلالهم عن الدّين القيم.
ما رويناه بالإسناد الذي تقدم ذكره عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام:أنّ الرّضا عليه السّلام و الصّلوات و التّحيات قال:
إنّ هؤلاء الضلاّل الكفرة ما أتوا إلاّ من قبل جهلهم بمقدار أنفسهم،حتّى اشتد إعجابهم بها،و كثرة تعظيمهم لما يكون منها،فاستبدوابآرائهم الفاسدة،و اقتصروا على عقولهم المسلوك بها غير سبيل
ص: 450
الواجب،حتّى استصغروا قدر اللّه و احتقروا أمره،و تهاونوا بعظيم شأنه،إذ لم يعلموا أنّه القادر بنفسه الغني بذاته،الذي ليست قدرته مستعارة و لاغناه مستفادا،و الذي من شاء أفقره و من شاء أغناه،و من شاء أعجزه بعدالقدرة،و أفقره بعد الغنى.
فنظروا إلى عبد قد اختصّه اللّه بقدرة ليبين بها فضله عنده،و آثره بكرامته ليوجب بها حجّته على خلقه،و ليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته،و باعثا على اتّباع أمره،و مؤمنا عباده المكلّفين من غلط من نصبه عليهم حجّة و لهم قدوة،فكانوا كطلاّب ملك من ملوك الدنيا ينتجعون فضله و يؤملون نائله،و يرجون التفيؤ بظلّه و الانتعاش بمعروفه،و الانقلاب إلى أهليهم بجزيل عطائه الذي يعينهم على طلب الدنيا،و ينقذهم من التعرّض لدنيّ المكاسب و خسيس المطالب،فبيناهم يسألون عن طريق الملك ليترصّدوه و قد وجهوا الرغبة نحوه،و تعلّقت قلوبهم برؤيته،إذ قيل لهم:سيطلع عليكم في جيوشه و مواكبه و خيله و رجله،فإذا رأيتموه فأعطوه من التعظيم حقّه،و من الإقرار(1)بالمملكة واجبه،و إيّاكم أن تسمّوا باسمه غيره،أو تعظموا سواه كتعظيمه،فتكونوا قد بخستم الملك حقّه و أزريتم عليه،و استحققتم بذلك منه عظيم عقوبته.فقالوا:نحن كذلك فاعلون جهدنا و طاقتنا،فما لبثوا أن طلع عليهم بعض عبيد الملك في خيل قد ضمّها إليه سيده،و رجل قد جعلهم في جملته و أموال قد حباه..
ص: 451
بها فنظر هؤلاء-و هم للملك طالبون-فاستكثروا ما رأوه بهذا العبد من نعم سيده،و رفعوه أن يكون هو من المنعم عليه بما وجدوا معه عبدا.
فاقبلوا(1)يحيّونه تحية الملك و يسمّونه بإسمه و يجحدون أن يكون فوقه ملك أو له مالك،فأقبل عليهم العبد المنعم عليه و سائر جنوده بالزجرو النهي عن ذلك،و البراءة ممّا يسمّونه به،و يخبرونهم بأنّ الملك هو الذي أنعم بهذا عليه و اختصه به،و أنّ قولكم ما تقولون يوجب عليكم سخطالملك و عذابه،و يفوتكم كلّما أمّلتموه من جهته،و أقبل هؤلاء القوم يكذبونهم و يردون عليهم قولهم،فما زال(2)كذلك حتّى غضب عليهم الملك لما وجد هؤلاء قد سوّوا به عبده،و أزروا عليه في مملكته و بخسوه حقّ تعظيمه،فحشرهم أجمعين إلى حبسه،و وكّل بهم من يسومهم سوءالعذاب.
فكذلك هؤلاء وجدوا(3)أمير المؤمنين عليه السّلام عبدا أكرمه اللّه ليبين فضله،و يقيم حجّته،فصغروا عندهم خالقهم أن يكون جعل عليّا له عبدا،و أكبروا عليّا عن أن يكون اللّه عزّ و جلّ له ربّا،فسمّوه بغير اسمه فنهاهم هو و أتباعه من أهل ملّته و شيعته و قالوا لهم:يا هؤلاء!إنّ عليّا و ولده عبادمكرمون مخلوقون مدبّرون لا يقدرون إلاّ على ما أقدرهم اللّه عليه رب..
ص: 452
العالمين،و لا يملكون إلاّ ما ملكهم،و لا يملكون موتا و لا حياة و لانشورا،و لا قبضا و لا بسطا،و لا حركة و لا سكونا إلاّ ما أقدرهم عليه و طوقهم،و أنّ ربهم و خالقهم يجلّ عن صفات المحدثين،و يتعالى عن نعوت المحدودين(1)،و إنّ من اتّخذهم أو واحدا منهم أربابا من دون اللّه فهو من الكافرين و قد ضلّ سواء السبيل.
فأبى القوم إلاّ جماحا(2)و امتدوا في طغيانهم يعمهون،فبطلت أمانيهم،و خابت مطالبهم،و بقوا في العذاب الأليم(3).
و روينا أيضا بالإسناد المقدّم ذكره عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام:أنّ أبا الحسن الرّضا عليه السّلام قال:
إنّ من تجاوز بأمير المؤمنين عليه السّلام العبودية فهو من المغضوب عليهم و من الضّالين.
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا تتجاوزوا بنا العبودية،ثمّ قولوا ما
ص: 453
شئتم(1)و لن تبلغوا(2)،و إيّاكم و الغلو كغلو النّصارى فإنّي بري ء من الغالين.
فقام إليه رجل فقال له:يابن رسول اللّه!صف لنا ربك فإنّ من قبلنا قداختلفوا علينا.
فوصفه الرّضا عليه السّلام أحسن وصف،و مجّده و نزّهه عمّا لا يليق به تعالى.
فقال الرجل:بأبي أنت و أمي يابن رسول اللّه!فإنّ معي من ينتحل موالاتكم و يزعم أنّ هذه كلّها من صفات عليّ عليه السّلام،و أنّه هو اللّه رب العالمين.
قال:فلمّا سمعها الرّضا عليه السّلام،ارتعدت فرائصه و تصبب عرقاو قال:سبحان اللّه عمّا يقول الظالمون و الكافرون علوّا كبيرا!!أو ليس علي كان آكلا في الاكلين،و شاربا في الشّاربين،و ناكحا في الناكحين،و محدثا في المحدثين؟و كان مع ذلك مصلّيا خاضعا،بين يدي اللّه ذليلا،و إليه أوّاها(3)منيبا أفمن هذه صفته يكون الها؟!فان كان هذا إلها فليسن.
ص: 454
منكم أحد إلاّ و هو إله لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدوث كل موصوف بها.
فقال الرجل:يابن رسول اللّه!إنّهم يزعمون أنّ عليّا لمّا أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير اللّه،دلّ على أنّه إله،و لما ظهرلهم بصفات المحدثين العاجزين لبس ذلك عليهم،و امتحنهم ليعرفوه،و ليكون إيمانهم اختيارا من أنفسهم.
فقال الرّضا عليه السّلام:أول ما هاهنا أنّهم لا ينفصلون ممّن قلب هذاعليهم فقال:لمّا ظهر منه(الفقر و الفاقة)دلّ على أنّ من هذه صفاته و شاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله،فعلم بهذا أنّ الذي أظهره من المعجزات إنّما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين،لا فعل المحدث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف(1).
و روي أنّ المأمون كان يحب في الباطن سقطات أبي الحسن الرّضاعليه السّلام و أن يغلبه المحتج،و يظهر عليه غيره(2)،فاجتمع يوما عنده
ص: 455
الفقهاء و المتكلّمون،فدسّ إليهم:أن ناظروه في الإمامة!
فقال لهم الرّضا عليه السّلام:إقتصروا على واحد منكم يلزمكم ما يلزمه.
فرضوا برجل يعرف بيحيى بن الضّحاك السمرقندي،و لم يكن بخراسان مثله.
فقال الرّضا عليه السّلام:يا يحيى!أخبرني عمّن صدق كاذبا على نفسه،أو كذب صادقا على نفسه،أيكون محقّا مصيبا،أم مبطلا مخطيا؟فسكت يحيى.
فقال له المأمون:أجبه!فقال:يعفيني أمير المؤمنين من جوابه.
فقال المأمون:يا أبا الحسن!عرّفنا الغرض في هذه المسألة؟
فقال عليه السّلام:لا بدّ ليحيى من أن يخبرني عن أئمته،أنّهم كذبواعلى أنفسهم أو صدقوا؟فان زعم أنّهم كذبوا فلا إمامة لكذّاب،و إن زعم أنّهم صدقوا فقد قال أولهم:«أقيلوني ولّيتكم و لست بخيركم»و قال ثانيهم(1):«كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها،فمن عاد لمثلهافاقتلوه»(2)فو اللّه ما رضي لمن فعل مثل فعله إلاّ بالقتل،فمن لم يكن بخيرالنّاس و الخيرية لا تقع إلاّ بنعوت،منها:العلم،و منها:الجهاد،و منها:ساير الفضائل و ليست فيه.
و من كانت بيعته فلتة،يجب القتل على من فعل مثلها،كيف يقبل..
ص: 456
عهده إلى غيره و هذه صورته؟(1)ثمّ يقول على المنبر:إنّ لي شيطانايعتريني،فإذا مال بي فقوّموني،و إذا أخطأت فأرشدوني،فليسوا أئمة إن صدقوا و إن كذبوا(2)فما عند يحيى شي ء في هذا.
فعجب المأمون من كلامه عليه السّلام و قال:يا أبا الحسن!ما في الأرض من يحسن هذا سواك!(3)
و روي عنه عليه السّلام أنّه قال:أفضل ما يقدّمه العالم من محبينا و مواليناأمامه ليوم فقره وفاقته،و ذلّه و مسكنته،أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبّينا من يد ناصب عدو للّه و لرسوله،فيقوم من قبره و الملائكة صفوف،من شفير قبره إلى موضع محله من جنان اللّه،فيحملونه على أجنحتهم،و يقولون له:طوبى لك طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الأبرار،و يا أيّهاالمتعصّب للأئمة الأخيار(4).
ص: 457
و بالإسناد الذي تكرّر عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام قال:دخل على أبي الحسن الرّضا عليه السّلام رجل فقال:يابن رسول اللّه!لقدرأيت اليوم شيئا عجبت منه.
قال:و ما هو؟
قال:رجل كان معنا يظهر لنا أنّه من الموالين لآل محمّد المتبرئين من أعدائهم فرأيته اليوم و عليه ثياب قد خلعت عليه،و هو ذا يطاف به ببغداد،و ينادي المنادون بين يديه:معاشر المسلمين!اسمعوا توبة هذه الرّجل الرافضيّ.ثمّ يقولون له:قل!فقال:«خير النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبا بكر»فإذا قال ذلك ضجّوا و قالوا:قد تاب،و فضّل أبا بكرعلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
فقال الرّضا عليه السّلام:إذا خلوت فأعد عليّ هذا الحديث!فلمّا خلى أعاد عليه.فقال له:
إنّما لم افسر لك معنى كلام الرجل بحضرة هذا الخلق المنكوس،كراهة أن ينقل إليهم فيعرفوه و يؤذوه،لم يقل الرّجل خير النّاس بعدرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم«أبو بكر»فيكون قد فضّل أبا بكر على عليّ ق-و نقله في بحار الأنوار 2/11 و 7/226.
ص: 458
عليه السّلام،و لكن قال:خير النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم«أبا بكر»فجعله نداءا لأبي بكر ليرضى من يمشي بين يديه من بعض هؤلاء الجهلة،ليتوارى من شرورهم.إنّ اللّه تعالى جعل هذه التورية ممّا رحم به شيعتناو محبّينا(1).
و بهذا الإسناد عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام أنّه قال:لما جعل إلى عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام ولاية العهد،دخل عليه آذنه فقال:
إنّ قوما بالباب يستأذنون عليك،يقولون:«نحن من شيعة عليّ عليه السّلام».
فقال:أنا مشغول فاصرفهم!
فصرفهم إلى أن جاءوا هكذا يقولون و يصرفهم شهرين،ثمّ أيسوا من الوصول فقالوا:«قل لمولانا إنّا شيعة أبيك عليّ بن أبي طالب»عليه السّلام قدشمت بنا أعداؤنا في حجابك لنا،و نحن ننصرف هذه الكرة،و نهرب من بلدنا خجلا و أنفة ممّا لحقنا،و عجزا عن احتمال مضض ما يلحقنا بشماتةأعدائنا».
ص: 459
فقال عليّ بن موسى عليه السّلام:إئذن لهم ليدخلوا،فدخلوا عليه فسلّموا عليه فلم يرد عليهم و لم يأذن لهم بالجلوس،فبقوا قياما.
فقالوا:يابن رسول اللّه!ما هذا الجفاء العظيم،و الاستخفاف بعد هذاالحجاب الصعب،أيّ باقية تبقى منّا بعد هذا؟
فقال الرّضا عليه السّلام:اقرؤا«وَ مََا أَصََابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ»(1)و اللّه ما اقتديت إلاّ بربّي عزّ و جلّ و برسوله و بأمير المؤمنين و من بعده من آبائي الطّاهرين عليهم السّلام،عتبوا عليكم فاقتديت بهم.
قالوا:لماذا يابن رسول اللّه؟
قال:لدعواكم أنّكم شيعة أمير المؤمنين!و يحكم إنّما شيعته:الحسن و الحسين و سلمان و أبو ذر و المقداد و عمّار و محمّد بن أبي بكر،الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره،و أنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون،و تقصرون في كثير من الفرائض و تتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في اللّه،و تتقون حيث لا تجب التقية،و تتركون التّقية حيث لا بدّ من التقية،لو قلتم:إنّكم مواليه و محبّوه،و الموالون لأوليائه و المعادون لأعدائه،لم أنكره من قولكم،و لكن هذه مرتبة شريفة ادعيتموها،إن لم تصدقوا قولكم بفعلكم هلكتم،إلاّ أن تتدارككم رحمة ربكم.
قالوا:يابن رسول اللّه!فانّا نستغفر اللّه و نتوب إليه من قولنا بل نقول0.
ص: 460
كما علّمنا مولانا:نحن محبوكم و محبوا أوليائكم،و معادوا أعدائكم.
قال الرّضا عليه السّلام:فمرحبا بكم إخواني و أهل ودّي ارتفعوا!فمازال يرفعهم حتّى ألصقهم بنفسه.ثمّ قال لحاجبه:
كم مرّة حجبتهم؟قال:ستين مرّة.
قال:فاختلف إليهم ستين مرّة متوالية،فسلّم عليهم و اقرأهم سلامي فقد محوا ما كان من ذنوبهم باستغفارهم و توبتهم،و استحقوا الكرامةلمحبّتهم لنا و موالاتهم،و تفقد أمورهم و أمور عيالاتهم،فأوسعهم نفقات و مبرّات و صلات و دفع معرّات(1).8.
ص: 461
ص: 462
ص: 463
ص: 464
روى أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري(1)قال:قلت لأبي جعفرالثاني عليه السّلام:قل هو اللّه أحد،ما معنى الأحد؟
قال:المجمع عليه بالوحدانية،أما سمعته يقول:«وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ سَخَّرَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اَللََّهُ»(2)ثمّ يقولون بعد ذلك:له شريك و صاحبة.
فقلت:قوله:«لاََ تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصََارُ»(3)؟
قال:يا أبا هاشم!أوهام القلوب أدق من أبصار العيون،أنت قد تدرك
ص: 465
بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها،و لا تدرك(1)ببصرك ذلك،فأوهام القلوب لا تدركه،فكيف تدركه الأبصار(2).
و سئل عليه السّلام:أيجوز أن يقال للّه:إنّه شي ء؟
فقال:نعم.تخرجه من الحدّين:حدّ الإبطال،و حدّ التشبيه(3).
ص: 466
و عن أبي هاشم الجعفري قال:كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام فسأله رجل فقال:
أخبرني عن الربّ تبارك و تعالى،أله أسماء و صفات في كتابه؟و هل أسماؤه و صفاته هي هو؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:إنّ لهذا الكلام وجهين:إن كنت تقول:«هي هو»أنّه ذو عدد و كثرة،فتعالى اللّه عن ذلك،و إن كنت تقول:هذه الصفات و الأسماء لم تزل فان(لم تزل)(1)محتمل على معنيين:فان قلت:لم تزل عنده في علمه و هو يستحقها،فنعم.و إن كنت تقول:لم تزل صورها و هجاؤها و تقطيع حروفها فمعاذ اللّه أن يكون معه شي ء غيره،بل كان اللّه تعالى ذكره و لا خلق،ثمّ خلقها وسيلة بينه و بين خلقه،يتضرّعون بها إليه و يعبدونه،و هي:(ذكره)و كان اللّه سبحانه و لا ذكر،و المذكوربالذكر هو اللّه القديم الذي لم يزل و الأسماء و الصفات مخلوقات،و المعني بها هو اللّه،الذي لا يليق به الاختلاف و لا الايتلاف،و إنّما يختلف و يتألف المتجزى ء.
ص: 467
و لا يقال له قليل و لا كثير،و لكنّه القديم في ذاته،لأنّ ما سوى الواحد متجزى ء و اللّه واحد،لا متجزي،و لا متوهم بالقلّة و الكثرة و كل متجزي أو متوهم بالقلّة و الكثرة فهو مخلوق دال على خالق له،فقولك:(إنّ اللّه تعالى قدير)خبرت انّه لا يعجزه شي ء،فنفيت بالكلمة العجز،و جعلت العجز لسواه.و كذلك قولك:(عالم)إنّما نفيت بالكلمة الجهل،و جعلت الجهل لسواه،فإذا أفنى اللّه الأشياء أفنى(الصورة و الهجاءو التقطيع)فلا يزال من لم يزل عالما.
فقال الرجل:فكيف سمّينا ربنا سميعا؟
فقال:لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع،و لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس،و كذلك سمّيناه(بصيرا)لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك،و لم نصفه ببصر طرفة العين،و كذلك سمّيناه(لطيفا)لعلمه بالشّي ء اللّطيف مثل(البعوضة)و ما هو أخفى من ذلك،و موضع المشي منها و الشهود و السفاد،و الحدب على أولادها،و إقامة بعضها على بعض،و نقلها الطعام و الشراب إلى أولادها في الجبال و المفاوز و الأودية و القفار،فعلمنا بذلك أنّ خالقها لطيف بلا كيف،إذالكيفية للمخلوق المكيف،و كذلك سمّينا ربّنا(قويا)بلا قوة البطش المعروف من الخلق،و لو كانت قوته قوّة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه و احتمل الزيادة،و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان،و ما كان ناقصا كان غير قديم،و ما كان غير قديم كان عاجزا،فربنا تبارك و تعالى لاشبه له،و لا ضدّ و لا ند،و لا كيفية،و لا نهاية،و لا تصاريف،محرم على
ص: 468
القلوب أن تحمله(1)و على الأوهام أن تحده،و على الضمائر أن تصوره،جلّ و عزّ عن أداة خلقه،و سمات بريته،تعالى عن ذلك علوّا كبيرا(2).
و عن الرّيان بن شبيب قال:لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ ذلك عليهم،و استنكروه منه و خافوا أن ينتهي الأمر معه الى ما انتهى مع الرّضا عليه السّلام،فخاضوا في ذلك و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه،فقالوا ننشدك اللّه ياأمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا عليه السّلام فإنا نخاف أن يخرج به عنّا أمر قد ملكناه اللّه عزّ و جلّ،و تنزع منّا عزا قد ألبسناه اللّه عزّ و جلّ،و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاءالقوم قديما و حديثا و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم
ص: 469
و التصغير بهم،و قد كنّا في وهلة(1)من عملك مع الرضا ما عملت،فكفانا اللّه المهمّ عن ذلك فاللّه اللّه أن تردنا إلى غمّ قد انحسر عنّا،و اصرف رأيك عن ابن الرضا عليه السّلام و اعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون:أمّا ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه،و لو أنصفتم القوم لكان أولى بكم،و أمّا ما كان يفعله من قبلي بهم،فقدكان به قاطعا للرحم،و أعوذ باللّه من ذلك،و و اللّه ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرّضا و لقد سألته أن يقوم بالأمر و انزعه عن نفسي فأبى،و كان أمر اللّه قدرا مقدورا.
و أمّا أبو جعفر محمّد بن عليّ،فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم و الفضل،مع صغر سنه و الاعجوبة فيه بذلك،و أنا أرجو أن يظهر للنّاس ما قد عرفته منه،فيعلموا أنّ الرأي ما رأيت.
فقالوا:إنّ هذا الفتى و إن راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له و لا فقه فأمهله ليتأدّب ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم:و يحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم،و إنّ هذا من أهل بيت،علمهم من اللّه تعالى و مواده و إلهامه،لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدّين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال،فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفت لكم من حاله.6.
ص: 470
قالوا:لقد رضينا لك يا أمير المؤمنين و لأنفسنا بامتحانه،فخلّ بينناو بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة،فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره،و ظهر للخاصة و العامة سديدرأي أمير المؤمنين فيه،و إن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.
فقال لهم المأمون:شأنكم و ذلك متى أردتم.
فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم-و هو يومئذ قاضي الزمان-على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها،و وعدوه بأموال نفيسة على ذلك،و عادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك،فاجتمعوا في اليوم الذي اتّفقوا عليه،و حضر معهم يحيى بن أكثم،و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست(1)و يجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك،و خرج أبو جعفر عليه السّلام و هو يومئذ ابن تسع سنين و أشهر،فجلس بين المسورتين،و جلس يحيى بن أكثم بين يديه،و قام النّاس في مراتبهم،و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السّلام.
فقال يحيى بن أكثم للمأمون:أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أباجعفر عن مسألة؟
فقال المأمون:استأذنه في ذلك.
فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال:أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟7.
ص: 471
فقال أبو جعفر عليه السّلام:سل إن شئت!
فقال يحيى:ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:قتله في حل أو حرم،عالما كان المحرم أوجاهلا،قتله عمدا أو خطأ،حرا كان المحرم أم عبدا،صغيرا كان أم كبيرا،مبتدئا بالقتل أو معيدا،من ذوات الطّير كان الصيد أم من غيرها،من صغار الصيد أم من كباره،مصرّا على ما فعل أو نادما،في الليل كان قتله للصيد أم في النّهار،محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرما؟
فتحيّر يحيى بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع،و لجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس عجزه.
فقال المأمون:الحمد للّه على هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي،ثمّ نظر إلى أهل بيته فقال لهم:أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه،ثمّ أقبل على أبي جعفر فقال له:أتخطب يا أبا جعفر؟
قال:نعم يا أمير المؤمنين.
فقال له المأمون:إخطب لنفسك جعلت فداك!فقد رضيتك لنفسي و أنا مزوّجك أم الفضل ابنتي و إن رغم أنوف قوم لذلك.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:الحمد للّه إقرارا بنعمته،و لا إله إلاّ اللّه إخلاصا لوحدانيته،و صلّى اللّه على محمّد سيد بريّته،و الأصفياء من عترته.
أمّا بعد:فقد كان من فضل اللّه على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه:«وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيََامى ََ مِنْكُمْ وَ اَلصََّالِحِينَ مِنْ عِبََادِكُمْ
ص: 472
وَ إِمََائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرََاءَ يُغْنِهِمُ اَللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللََّهُ وََاسِعٌ عَلِيمٌ»(1)ثمّ إنّ محمّد بن عليّ بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد اللّه المأمون،و قدبذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمّد عليهما السّلام،و هو(خمسمائة درهم)جيادا فهل زوّجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟
قال المأمون:نعم قد زوّجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور،فهل قبلت النكاح؟
قال أبو جعفر عليه السّلام:نعم،قد قبلت ذلك و رضيت به.
فأمر المأمون أن يقعد النّاس على مراتبهم من الخاصة و العامة.
قال الرّيان:و لم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاّحين في محاوراتهم،فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضّة تشد بالحبال من الابريسم،على عجل(2)مملوة من الغالية(3)،فأمر المأمون أن تخضب لحى الخاصة من تلك الغالية[ففعلوا ذلك](4)،ثمّ مدّت إلى دار العامة فتطيبوامنها،و وضعت الموائد فأكل النّاس،و خرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم.
فلمّا تفرّق النّاس و بقي من الخاصة من بقي،قال المأمون لأبي جعفر».
ص: 473
عليه السّلام:إن رأيت جعلت فداك!أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم لنعلمه و نستفيده.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:نعم.إنّ المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة،فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا،و إذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن،فإذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ،فإذا كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة،و إن كان نعامة فعليه بدنة،و إن كان ظبيافعليه شاة،فان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديابالغ الكعبة،و إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان إحرامه بالحج نحره بمنى،و إن كان إحرامه بالعمرة(1)نحره بمكّة و جزاء الصيد على العالم و الجاهل سواء،و في العمد عليه المأثم،و هو موضوع عنه في الخطأ،و الكفارة على الحر في نفسه،و على السيد في عبده،و الصغير لا كفارةعليه،و هي على الكبير واجبة،و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة،و المصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة.
فقال له المأمون:أحسنت يا أبا جعفر أحسن اللّه إليك.فان رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام ليحيى:أسألك؟
قال:ذلك إليك جعلت فداك،فان عرفت جواب ما تسألني عنه و إلاّ..
ص: 474
استفدته منك.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النّهار فكان نظره إليها حراما عليه،فلمّا ارتفع النّهار حلت له،فلمّا زالت الشّمس حرمت عليه،فلمّا كان وقت العصر حلّت له،فلمّا غربت الشّمس حرمت عليه،فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له،فلمّا كان وقت انتصاف اللّيل حرمت عليه،فلمّا طلع الفجر حلّت له،ما حال هذه المرأة؟و بماذا حلّت له و حرمت عليه؟
فقال له يحيى بن أكثم:لا و اللّه لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال،و لا أعرف الوجه فيه،فان رأيت أن تفيدناه؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:هذه أمة لرجل من النّاس،نظر إليها أجنبي في أول النّهار فكان نظره إليها حراما عليه،فلمّا ارتفع النّهار ابتاعها من مولاها فحلت له،فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه،فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلت له،فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منهافحرمت عليه،فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلت له،فلمّا كان في نصف اللّيل طلّقها تطليقة واحدة فحرمت عليه،فلمّا كان عندالفجر راجعها فحلّت له.
قال:فأقبل المأمون على من حضر من أهل بيته و قال لهم:هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب؟أو يعرف القول فيما تقدّم من السؤال؟
قالوا:لا و اللّه،إنّ أمير المؤمنين أعلم بما رأى.
ص: 475
فقال:ويحكم إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل،و إنّ صغر السّنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال،أما علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هو ابن عشر سنين،و قبل منه الإسلام و حكم له به،و لم يدع أحدافي سنه غيره،و بايع الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما دون الست سنين و لم يبايع صبيّا غيرهما؟أولا تعلمون الآن ما اختص اللّه به هؤلاء القوم و أنّهم ذريّة بعضها من بعض،يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم؟
قالوا:صدقت يا أمير المؤمنين.
ثمّ نهض القوم،فلمّا كان من الغد حضر النّاس(1)و حضر أبو جعفرعليه السّلام،و صار القواد و الحجاب و الخاصة و العمال لتهنئة المأمون و أبي جعفر عليه السّلام فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة،فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع(2)مكتوبة بأموال جزيلة و عطاياسنية و إقطاعات.فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته،فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و التمسه فاطلق له،و وضعت البدر فنثر ما فيها على القواد و غيرهم،و انصرف النّاس و هم أغنياءبالجوائز و العطايا،و تقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين و لم يزل..
ص: 476
مكرما لأبي جعفر عليه السّلام معظما لقدره مدة حياته،يؤثره(1)على ولده و جماعة أهل بيته(2).
و روي أنّ المأمون بعد ما زوّج ابنته أم الفضل أبا جعفر عليه السّلام،كان في مجلس و عنده أبو جعفر عليه السّلام و يحيى بن أكثم و جماعة كثيرة.
فقال له يحيى بن أكثم:ما تقول يابن رسول اللّه في الخبر الذي روي:أنّه«نزل جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال:يامحمّد!إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرؤك السّلام و يقول لك:سل أبا بكر هل هو عنّي راض فانّي عنه راض».
فقال أبو جعفر عليه السّلام:لست بمنكر فضل أبي بكر و لكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجّة الوداع:«قد كثرت عليّ الكذابة و ستكثر بعدي فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النّار فإذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه على
ص: 477
كتاب اللّه عزّ و جلّ و سنتي،فما وافق كتاب اللّه و سنتي فخذوا به،و ماخالف كتاب اللّه و سنتي فلا تأخذوا به»و ليس يوافق هذا الخبر كتاب اللّه،قال اللّه تعالى:«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسََانَ وَ نَعْلَمُ مََا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ»(1)فاللّه عزّ و جلّ خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سرّه،هذا مستحيل في العقول.
ثمّ قال يحيى بن أكثم:و قد روي:«أنّ مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السّماء».
فقال عليه السّلام:و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه،لأنّ جبرئيل و ميكائيل ملكان اللّه مقربان لم يعصيا اللّه قطّ،و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة،و هماقد أشركا باللّه عزّ و جلّ و إن أسلما بعد الشرك.فكان أكثر أيامهما الشرك باللّه فمحال أن يشبّههما بهما.
قال يحيى:و قد روي أيضا:«أنّهما سيدا كهول أهل الجنّة»(2)فماتقول فيه؟
فقال عليه السّلام و هذا الخبر محال أيضا،لأنّ أهل الجنّة كلّهم يكونون9.
ص: 478
شبانا(1)و لا يكون فيهم كهل و هذا الخبر وضعه بنو أميّة لمضادة الخبرالذي قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الحسن و الحسين عليهما السّلام بأنّهما«سيدا شباب أهل الجنّة».
فقال يحيى بن أكثم:و روي:«أنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة».
فقال عليه السّلام:و هذا أيضا محال،لأنّ في الجنّة ملائكة اللّه المقربين،و آدم و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و جميع الأنبياء و المرسلين،لاتضي ء الجنة بأنوارهم حتّى تضي ء بنور عمر؟!
فقال يحيى بن أكثم:و قد روي:«أنّ السكينة تنطق على لسان عمر».
فقال عليه السّلام:لست بمنكر فضل عمر،و لكن أبا بكر أفضل من عمر،فقال-على رأس المنبر-:«إنّ لي شيطانا يعتريني،فإذا ملت فسددوني».
فقال يحيى:قد روي أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«لو لم ابعث لبعث عمر».
فقال عليه السّلام:كتاب اللّه أصدق من هذا الحديث،يقول اللّه في كتابه:«وَ إِذْ أَخَذْنََا مِنَ اَلنَّبِيِّينَ مِيثََاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ»(2)فقد أخذ اللّه ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه،و كل الأنبياء عليهم السّلام لم7.
ص: 479
يشركوا باللّه طرفة عين،فكيف يبعث بالنبوة من أشرك و كان أكثر أيامه مع الشرك باللّه،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«نبئت و آدم بين الروح و الجسد».
فقال يحيى بن أكثم:و قد روي أيضا أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«ما احتبس عني الوحي قطّ إلاّ ظننته قد نزل على آل الخطّاب»(1).
فقال عليه السّلام:و هذا محال أيضا،لأنّه لا يجوز أن يشك النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في نبوته،قال اللّه تعالى:«اَللََّهُ يَصْطَفِي مِنَ اَلْمَلاََئِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ اَلنََّاسِ»(2)فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممّن اصطفاه اللّه تعالى إلى من أشرك به.
قال يحيى:روي أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«لو نزل العذاب لمانجى منه إلاّ عمر».
فقال عليه السّلام:و هذا محال أيضا،لأنّ اللّه تعالى يقول:«وَ مََا كََانَ اَللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مََا كََانَ اَللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(3)فأخبرسبحانه أنّه لا يعذّب أحدا ما دام فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما داموايستغفرون اللّه(4).5.
ص: 480
و عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني رضي اللّه عنه قال:قلت لمحمّد بن علي بن موسى عليهم السّلام:يا مولاي!انّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
فقال عليه السّلام:ما منّا إلاّ قائم بأمر اللّه،و هاد إلى دين اللّه.و لكنّ القائم الذي يطهّر اللّه به الأرض من أهل الكفر و الجحود و يملأها قسطاو عدلا هو الذي يخفى على النّاس ولادته،و يغيب عنهم شخصه،و يحرم عليهم تسميته،و هو سمّي رسول اللّه و كنيّه،و هو الذي تطوى له الأرض،و يذل له كل صعب،يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر:(ثلاثمائة و ثلاثةعشر)رجلا من أقاصي الأرض و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:«أَيْنَ مََا تَكُونُوايَأْتِ بِكُمُ اَللََّهُ جَمِيعاً إِنَّ اَللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(1)فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص،أظهر اللّه أمره،فإذا كمل له العقد و هو(عشرة آلاف)رجل،خرج بإذن اللّه تعالى،فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتّى يرضى اللّه عزّ و جلّ.
قال عبد العظيم:فقلت له:يا سيدي!و كيف يعلم أنّ اللّه تعالى قدرضي؟
ص: 481
قال:يلقي في قلبه الرحمة.فإذا دخل المدينة أخرج اللاّت و العزى فأحرقهما(1).3.
ص: 482
ص: 483
ص: 484
سئل أبو الحسن عليه السّلام عن التّوحيد فقيل له:لم يزل اللّه وحده لاشي ء معه ثمّ خلق الأشياء بديعا(1)و اختار لنفسه الأسماء،و لم تزل الأسماءو الحروف له معه قديمة؟
فكتب:لم يزل اللّه موجودا ثمّ كوّن ما أراد،لا رادّ لقضائه،و لامعقّب لحكمه،تاهت أوهام المتوهمين،و قصر(2)طرف الطارفين،و تلاشت أوصاف الواصفين و اضمحلّت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنه(3)،أو الوقوع بالبلوغ على علو مكانه،فهو بالموضع الذي
ص: 485
لا يتناهى،و بالمكان الذي لم يقع عليه عيون باشارة(1)و لا عبارة،هيهات هيهات!!(2)
و حدّثنا أحمد بن إسحاق قال:كتبت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّدالعسكري عليهما السّلام أسأله عن الرؤية و ما فيه الخلق فكتب:
لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر،فمتى انقطع الهواء و عدم الضياء لم تصح الرؤية،و في وجوب اتصال الضياء بين الرائي و المرئي وجوب الإشتباه،و اللّه تعالى منزّه عن الإشتباه،فثبت أنّه لا يجوز عليه سبحانه الرؤية بالأبصار،لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسببات(3).
ص: 486
و عن العبّاس بن هلال قال:سألت أبا الحسن[عليّ بن محمّد عليهماالسّلام](1)عن قول اللّه عزّ و جلّ:«اَللََّهُ نُورُ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضِ»(2).فقال عليه السّلام:هادي من في السّماوات و هادي من في الأرض(3).
و ممّا أجاب به أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليهما السّلام في رسالته إلى أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر و التفويض أن قال:اجتمعت الأمّة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك:أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عندجميع فرقها.فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون،و على تصديق ماأنزل اللّه مهتدون،لقول النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تجتمع أمّتي على
ص: 487
ضلالة»فأخبر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ ما اجتمعت عليه الأمّة و لم يخالف بعضها بعضا هو الحقّ،فهذا معنى الحديث لا ما تأوّله الجاهلون،و لا ماقاله المعاندون من إبطال حكم الكتاب و اتّباع حكم الأحاديث المزوّرةو الروايات المزخرفة،و اتّباع الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب،و تحقيق الآيات الواضحات النيّرات.و نحن نسأل اللّه أن يوفّقناللصواب،و يهدينا إلى الرشاد.
ثمّ قال عليه السّلام:فإذا شهد الكتاب بتصديق خبر و تحقيقه فأنكرته طائفة من الأمّة و عارضته بحديث من هذه الأحاديث المزوّرة،فصارت بإنكارها و دفعها الكتاب كفارا ضلاّلا،و أصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث قال:«إنّي مستخلف فيكم خليفتين:كتاب اللّه و عترتي،ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي،و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»و اللفظةالأخرى عنه في هذا المعنى بعينه،قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّي تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،و إنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ما إن تمسكتم(1)بهما لن تضلوا»فلمّا وجدنا شواهد هذاالحديث نصّا في كتاب اللّه تعالى مثل قوله:«إِنَّمََا وَلِيُّكُمُ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاََةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكََاةَ وَ هُمْ رََاكِعُونَ»(2)ثمّ5.
ص: 488
اتّفقت روايات العلماء في ذلك لأمير المؤمنين عليه السّلام:أنّه تصدّق بخاتمه و هو راكع فشكر اللّه ذلك له و أنزل الآية فيه(1)،ثمّ وجدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة:«من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه»(2)و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«عليّ يقضي ديني و ينجز موعدي و هو خليفتي عليكم بعدي»(3)و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث استخلفه على المدينة فقال:
يا رسول اللّه!أتخلفني مع النّساء و الصبيان؟
فقال:«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لانبي بعدي»(4)فعلمنا أنّ الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار،و تحقيق هذه الشواهد،فلزم الأمّة الإقرار بها إذ كانت هذه الأخبار وافقت القرآن،و وافق القرآن هذه الأخبار فلمّا وجدنا ذلك موافقا لكتاب اللّه،و وجدناكتاب اللّه لهذه الأخبار موافقا،و عليها دليلا،كان الإقتداء بهذه الأخبارفرضا لا يتعداه إلاّ أهل العناد و الفساد.
ثمّ قال عليه السّلام:و مرادنا و قصدنا الكلام في الجبر و التفويض و شرحهما و بيانهما و إنّما قدمنا ما قدمنا ليكون اتّفاق الكتاب و الخبر إذااتّفقا دليلا لما أردناه،و قوة لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء اللّه تعالى.6.
ص: 489
فقال:الجبر و التفويض بقول الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام عند ما سئل عن ذلك فقال:لا جبر و لا تفويض،بل أمر بين أمرين(1).
قيل:فماذا يابن رسول اللّه؟
فقال:صحة العقل،و تخلية السرب(2)و المهلة في الوقت،و الزّادقبل الراحلة و السبب المهيج للفاعل على فعله،فهذه خمسة أشياء فإذانقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا بحسبه،و أنا أضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة و هي:الجبر،و التفويض،و المنزلة بين المنزلتين،مثلا يقرب المعنى للطالب،و يستهل له البحث من شرحه،و يشهد به القرآن بمحكم آياته،و يحقق تصديقه عند ذوي الألباب،و باللّه العصمة و التوفيق.
ثمّ قال عليه السّلام:فأمّا الجبر فهو قول من زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ جبرالعباد على المعاصي و عاقبهم عليها.و من قال بهذا القول فقد ظلم اللّه و كذبه،و ردّ عليه قوله:«وَ لاََ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً»(3)و قوله جلّ ذكره:ذََلِكَ بِمََا قَدَّمَتْ يَدََاكَ وَ أَنَّ اَللََّهَ لَيْسَ بِظَلاََّمٍ لِلْعَبِيدِ»(4)مع آي كثيرة في مثل هذا،فمن زعم أنّه مجبور(5)على المعاصي فقد أحال بذنبه على اللّه و ظلّمه..
ص: 490
في عقوبته له(1)،و من ظلم ربه فقد كذّب كتابه،و من كذّب كتابه لزمه(الكفر)بإجماع الأمّة،فالمثل المضروب في ذلك مثل رجل ملك عبدامملوكا لا يملك إلاّ نفسه،و لا يملك عرضا من عروض الدنيا و يعلم مولاه ذلك منه،فأمره-على علم منه بالمصير-إلى السوق لحاجة يأتيه بها و لم يملكه ثمن ما يأتيه به،و علم المالك أنّ على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلاّ بما يرضى به من الثمن،و قد وصف(2)مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و إظهار الحكمة و نفي الجور،فأوعد عبده إن لم يأته بالحاجة أن يعاقبه،فلمّا صار العبد إلى السوق،و حاول أخذ الحاجةالتي(3)بعثه المولى للاتيان بها،وجد عليها مانعا يمنعه منها إلاّ بالثمن و لا يملك العبد ثمنها،فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجة،فاغتاظمولاه لذلك و عاقبه على ذلك،فانّه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته،و إن لم يعاقبه كذب نفسه،أ ليس يجب أن لا يعاقبه و الكذب و الظلم ينفيان العدل و الحكمة،تعالى اللّه عمّا يقول المجبرة علواكبيرا.
ثمّ قال العالم عليه السّلام-بعد كلام طويل-:فأمّا التفويض الذي أبطله الصّادق عليه السّلام و خطأ من دان به،فهو قول القائل:«إنّ اللّه عزّ و جلّ فوّضي.
ص: 491
إلى العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم».
و في هذا كلام(1)دقيق لم يذهب إلى غوره و دقّته إلاّ الأئمة المهديةعليهم السّلام من عترة آل الرسول صلوات اللّه عليهم فانّهم قالوا:«لو فوّض اللّه أمره إليهم على جهة الإهمال لكان لازما له رضاء ما اختاروه و استوجبوا به منه الثواب،و لم يكن عليهم فيما اجترموا العقاب إذ كان الإهمال واقعا،و تنصرف هذه المقالة على معنيين:إمّا أن تكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم-ضرورة-كره ذلك أم أحب،فقد لزمه الوهن،أو يكون جلّ و تقدّس عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي عن إرادته ففوّض أمره و نهيه إليهم،و أجراهما على محبتهم إذ عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي على إرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر و الإيمان،و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته،و يقف عندأمره و نهيه و ادّعى مالك العبد أنّه قاهر قادر عزيز حكيم،فأمر عبده،و نهاه،و وعده على اتّباع أمره عظيم الثواب و أوعده على معصيته أليم العقاب،فخالف العبد إرادة مالكه،و لم يقف عند أمره و نهيه،فأيّ أمر أمره به أونهي نهاه عنه لم يأتمر(2)على إرادة المولى،بل كان العبد يتبع إرادة نفسه و بعثه في بعض حوائجه و فيما الحاجة له فصار العبد(3)بغير تلك الحاجة..
ص: 492
خلافا على مولاه و قصد إرادة نفسه و اتّبع هواه،فلمّا رجع إلى مولاه نظرإلى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره فقال العبد:اتكلت على تفويضك الأمرإليّ،فاتّبعت هواي و إرادتي لأنّ المفوّض إليه غير محظور عليه لاستحالةاجتماع التفويض و التحظير.
ثمّ قال عليه السّلام:فمن زعم أنّ اللّه فوّض قبول أمره و نهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز و أوجب عليه قبول كلّ ما عملوا من خير أو شرو أبطل أمر اللّه و نهيه.
ثمّ قال عليه السّلام:إنّ اللّه خلق الخلق بقدرته و ملكهم استطاعة ماتعبّدهم به من الأمر و النهي،و قبل منهم اتّباع أمره و نهيه و رضي بذلك لهم،و نهاهم عن معصيته و ذم من عصاه و عاقبه عليها،و للّه الخيرة في الأمر و النّهي،يختار ما يريد(1)و يأمر به،و ينهى عمّا يكره و يثيب و يعاقب بالاستطاعة التي ملكها(2)عباده لاتّباع أمره و اجتناب معاصيه لأنّه العدل و منه النصفة و الحكومة،بالغ الحجّة بالإعذار و الإنذار،و إليه الصفوةيصطفي من يشاء من عباده،اصطفى محمّدا صلوات اللّه عليه و آله و بعثه بالرسالةإلى خلقه و لو فوّض اختيار أموره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أميّة بن أبي الصّلت و أبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا قالوا:«لَوْ لاََ نُزِّلَ هََذَا اَلْقُرْآنُ عَلى ََ رَجُلٍ مِنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ»(3)1.
ص: 493
يعنونهما بذلك فهذا هو:(القول بين القولين)ليس بجبر و لا تفويض،بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السّلام حين سأله عباية بن ربعي الأسدي عن الاستطاعة.
فقال أمير المؤمنين:تملكها من دون اللّه أو مع اللّه؟فسكت عبايةابن ربعي.
فقال له:قل يا عباية؟قال:و ما أقول يا أمير المؤمنين؟
قال:إن قلت تملكها مع اللّه قتلتك،و إن قلت تملكها من دون اللّه قتلتك.
قال:و ما أقول يا أمير المؤمنين؟
قال:تقول تملكها باللّه الذي يملكها من دونك،فان ملككها كان ذلك من عطائه،و إن سلبكها كان ذلك من بلائه،و هو المالك لما ملكك،و المالك لما عليه أقدرك،أما سمعت النّاس يسألون الحول و القوّة حيث يقولون:(لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العليّ العظيم).
فقال الرجل:و ما تأويلها يا أمير المؤمنين؟قال:لا حول لنا عن معاصي اللّه إلاّ بعصمة اللّه،و لا قوة لنا على طاعة اللّه إلاّ بعون اللّه.قال:فوثب الرجل فقبّل يديه و رجليه.
ثمّ قال عليه السّلام في قوله تعالى:«وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتََّى نَعْلَمَ اَلْمُجََاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ اَلصََّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبََارَكُمْ»(1)و في قوله:«سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ1.
ص: 494
لاََ يَعْلَمُونَ»(1)و في قوله:«أَنْ يَقُولُوا آمَنََّا وَ هُمْ لاََ يُفْتَنُونَ»(2)و في قوله:«وَ لَقَدْ فَتَنََّا سُلَيْمََانَ»(3)و قوله:«فَإِنََّا قَدْ فَتَنََّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ اَلسََّامِرِيُّ»(4)و قول موسى عليه السّلام:«إِنْ هِيَ إِلاََّ فِتْنَتُكَ»(5)و قوله:«لِيَبْلُوَكُمْ فِي مََا آتََاكُمْ»(6)و قوله:«ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ»(7)و قوله:«إِنََّا بَلَوْنََاهُمْ كَمََا بَلَوْنََا أَصْحََابَ اَلْجَنَّةِ»(8)و قوله:«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»(9)و قوله:«وَ إِذِ اِبْتَلى ََ إِبْرََاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمََاتٍ»(10)و قوله:«وَ لَوْ يَشََاءُ اَللََّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لََكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ»(11)إنّ جميعها جاءت في القرآن بمعنى الاختبار.
ثمّ قال عليه السّلام:فان قالوا ما الحجّة في قول اللّه تعالى:يُضِلُّ مَنْ4.
ص: 495
يَشََاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشََاءُ»(1)و ما أشبه ذلك؟
قلنا:فعلى مجاز هذه الآية يقتضي معنيين:أحدهما أنّه إخبار عن كونه تعالى قادرا على هداية من يشاء و ضلالة من يشاء،و لو أجبرهم على أحدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب على ما شرحناه.و المعنى الآخر:أنّ الهداية منه(التعريف)كقوله تعالى:«وَ أَمََّا ثَمُودُ فَهَدَيْنََاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا اَلْعَمى ََ عَلَى اَلْهُدى ََ»(2)و ليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجّة على حكم الآيات اللاّتي أمر بالأخذ بها و تقليدها،و هي قوله:«هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتََابَ مِنْهُ آيََاتٌ مُحْكَمََاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتََابِ وَ أُخَرُمُتَشََابِهََاتٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مََا تَشََابَهَ مِنْهُ اِبْتِغََاءَ اَلْفِتْنَةِوَ اِبْتِغََاءَ تَأْوِيلِهِ»الآية(3)و قال:فَبَشِّرْ عِبََادِ*`اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولََئِكَ اَلَّذِينَ هَدََاهُمُ اَللََّهُ وَ أُولََئِكَ هُمْ أُولُوا اَلْأَلْبََابِ»(4)وفّقنا اللّه و إيّاكم لما يحب و يرضى،و يقرّب لنا و لكم الكرامة و الزلفى،و هدانا لما هو لنا و لكم خير و أبقى،إنّه الفعال لما يريد،الحكيم الجوادالمجيد(5).4.
ص: 496
عن أبي عبد اللّه الزيادي قال:لما سم المتوكل،نذر للّه إن رزقه اللّه العافية أن يتصدّق بمال كثير،فلمّا سلم و عوفي سأل الفقهاء عن حد(المال الكثير)كم يكون؟فاختلفوا عليه.فقال بعضهم:(ألف درهم)و قال بعضهم:(عشرة آلاف)درهم،و قال بعضهم:(مائة ألف)درهم فاشتبه عليه هذا.
فقال له الحسن حاجبه:إن أتيتك يا أمير المؤمنين من الخلق برجل يخبرك بالصّواب(1)فما لي عندك؟
فقال المتوكّل:إن أتيت بالحقّ فلك عشرة آلاف درهم،و إلاّ أضربك مائة مقرعة.
قال:قد رضيت،فأتى أبا الحسن العسكري عليه السّلام فسأله عن ذلك.
فقال له أبو الحسن عليه السّلام:قل له:يتصدّق بثمانين درهما.فرجع إلى المتوكّل فأخبره فقال:سله ما العلّة في ذلك؟
فأتاه فسأله فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ قال لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لَقَدْنَصَرَكُمُ اَللََّهُ فِي مَوََاطِنَ كَثِيرَةٍ»(2)فعددنا مواطن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص: 497
و سلّم فبلغت ثمانين موطنا.
فرجع إليه فأخبره ففرح،و أعطاه عشرة آلاف درهم(1).
و عن جعفر بن رزق اللّه قال:قدم إلى المتوكّل رجل نصراني فجربامرأة مسلمة،فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم.
فقال يحيى بن أكثم:قد هدم إيمانه شركه و فعله،و قال بعضهم:يضرب ثلاثة حدود،و قال بعضهم:يفعل به كذا و كذا.
فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن العسكري عليه السّلام و سؤاله عن ذلك.
فلمّا قرأ الكتاب كتب عليه السّلام:يضرب حتّى يموت،فأنكر يحيى و أنكر فقهاء العسكر ذلك،فقالوا:يا أمير المؤمنين!سله عن ذلك فانّه شي ءلم ينطق به كتاب،و لم يجى ء به سنة.
فكتب إليه:إنّ الفقهاء قد أنكروا هذا،و قالوا:لم يجى ء به سنة و لم ينطق به كتاب،فبيّن لنا لم أوجبت عليه الضرب حتّى يموت؟
ص: 498
فكتب:«بِسْمِ اَللََّهِ اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ:فَلَمََّا رَأَوْا بَأْسَنََا قََالُوا آمَنََّا بِاللََّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنََا بِمََا كُنََّا بِهِ مُشْرِكِينَ `فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمََانُهُمْ لَمََّا رَأَوْا بَأْسَنََا»الآية(1)قال:فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات(2).
سأل يحيي بن أكثم أبا الحسن العالم عليه السّلام عن قوله تعالى:«سَبْعَةُأَبْحُرٍ مََا نَفِدَتْ كَلِمََاتُ اَللََّهِ»(3)ما هي؟
فقال:هي(عين الكبريت)و(عين اليمن)و(عين البرهوت)و(عين الطبرية)و(حمّة(4)ما سيدان)و جمة(إفريقا)و(عين با حروان)(5)و نحن
ص: 499
الكلمات التي لا تدرك فضائلنا و لا تستقصى(1).
و روي عن الحسن العسكري عليه السّلام أنّه اتّصل بأبي الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليهما السّلام:أنّ رجلا من فقهاء شيعته كلّم بعض النصاب فأفهمه بحجّته حتّى أبان عن فضيحته،فدخل إلى عليّ بن محمّد عليهما السّلام و في صدر مجلسه دست عظيم منصوب و هو قاعد خارج الدست،و بحضرته خلق من العلويين و بني هاشم،فما زال يرفعه حتّى أجلسه في ذلك الدست،و أقبل عليه فاشتد ذلك على أولئك الأشراف،فأما العلويةفأجلوه عن العتاب،و أمّا الهاشميّون فقال له شيخهم:يا بن رسول اللّه!هكذا تؤثر عاميا على سادات بني هاشم من الطالبيين و العباسيين؟!
فقال عليه السّلام:إيّاكم و أن تكونوا من الذين قال اللّه تعالى فيهم:«أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ اَلْكِتََابِ يُدْعَوْنَ إِلى ََ كِتََابِ اَللََّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلََّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ»(2)أترضون بكتاب اللّه عزّ و جلّ حكما؟قالوا:بلى.
ص: 500
قال:أ ليس اللّه تعالى يقول:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي اَلْمَجََالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اَللََّهُ لَكُمْ وَ إِذََا قِيلَ اُنْشُزُوا فَانْشُزُوايَرْفَعِ اَللََّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ دَرَجََاتٍ»(1)فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على المؤمن غير العالم،كما لم يرض للمؤمن إلاّأن يرفع على من ليس بمؤمن،أخبروني عنه قال:«يَرْفَعِ اَللََّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوامِنْكُمْ وَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ دَرَجََاتٍ»؟أو قال:يرفع اللّه الذين أوتوا شرف النسب درجات؟أو ليس قال اللّه:«هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لاََيَعْلَمُونَ»(2)فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللّه؟!إنّ كسر هذا(لفلان)الناصب بحجج اللّه التي علّمه إيّاها،لأفضل له من كل شرف في النسب.
فقال العباسيّ:يابن رسول اللّه!قد أشرفت علينا هو ذا يقصر بناعمّن ليس له نسب كنسبنا،و ما زال منذ أوّل الإسلام يقدم الأفضل في الشرف على من دونه فيه.
فقال عليه السّلام:سبحان اللّه!أ ليس عبّاس بايع لأبي بكر و هو(تيمي)و العبّاس(هاشمي)؟أو ليس عبد اللّه بن عبّاس كان يخدم عمر بن الخطّاب و هو(هاشمي)أبو الخلفاء و عمر(عدوي)؟!و ما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشّورى و لم يدخل العبّاس؟فان كان رفعنا لمن ليس بهاشمي9.
ص: 501
على هاشمي منكرا فأنكروا على العبّاس بيعته لأبي بكر،و على عبد اللّه بن عبّاس خدمته لعمر بعد بيعته،فإن كان ذلك جائزا فهذا جائز،فكأنّما ألقم الهاشميّ حجرا(1).
و روي عن عليّ بن محمّد الهادى عليهما السّلام أنّه قال:لولا من يبقى بعدغيبة قائمكم عليه السّلام من العلماء الداعين إليه،و الدالين عليه،و الذابين عن دينه بحجج اللّه و المنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس و مردته،و من فخاخ(2)النواصب،لما بقي أحد إلاّ ارتد عن دين اللّه،و لكنّهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها،أولئك هم الأفضلون عند اللّه عزّ و جلّ(3).
ص: 502
ص: 503
ص: 504
و بالإسناد المقدم ذكره:إنّ أبا محمّد العسكري عليه السّلام قال-في قوله تعالى-:«خَتَمَ اَللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى ََ سَمْعِهِمْ وَ عَلى ََ أَبْصََارِهِمْ غِشََاوَةٌوَ لَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ»(1)،أي:و سمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته إذانظر(2)إليها بأنّهم الذين لا يؤمنون«وَ عَلى ََ سَمْعِهِمْ»كذلك بسمات«وَ عَلى ََ أَبْصََارِهِمْ غِشََاوَةٌ»و ذلك بأنّهم لمّا أعرضوا عن النظر فيما كلّفوه،و قصروا فيما أريد منهم،و جهلوا ما لزمهم الإيمان به،فصاروا كمن على عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يتعالى عن العبث و الفسادو عن مطالبة العباد بما منعهم بالقهر منه،فلا يأمرهم بمغالبته،و لا بالمصيرإلى ما قد صدّهم بالقسر عنه،ثمّ قال:«وَ لَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ»يعني:في
ص: 505
الآخرة العذاب المعد للكافرين،و في الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبّهه لطاعته،أو من عذاب الإصطلام(1)ليصيّره إلى عدله و حكمته(2).
و روى أبو محمّد العسكري عليه السّلام مثل ما قال هو في تأويل هذه الآيةمن المراد بالختم على قلوب الكفّار عن الصّادق عليه السّلام بزيادة شرح لم نذكره مخافة التطويل لهذا الكتاب(3).
و بالإسناد المقدّم ذكره المتكرر عن أبي محمّد عليه السّلام أنّه قال في تفسير قوله تعالى:«اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اَلْأَرْضَ فِرََاشاً...»الآية(4)جعلهاملائمة لطبايعكم،موافقة لأجسادكم،لم يجعلها شديدة الحمى و الحرارة
ص: 506
فتحرقكم،و لا شديدة البرودة فتجمّدكم،و لا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم،و لا شديدة النتن فتعطبكم،و لا شديدة اللّين كالماء فتغرقكم،و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم و أبنيتكم و دفن موتاكم،و لكنّه جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به،و تتماسكون و تتماسك عليهاأبدانكم و بنيانكم،و جعل فيها من اللّين ما تنقاد به لحرتكم و قبوركم و كثير من منافعكم،فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.
ثمّ قال:«وَ اَلسَّمََاءَ بِنََاءً»يعني:سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيهاشمسها و قمرها و نجومها لمنافعكم.
ثمّ قال:«وَ أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمََاءِ مََاءً»يعني:المطر ينزله من علا(1)ليبلغ قلل جبالكم و تلالكم و هضابكم(2)و أوهادكم(3)،ثمّ فرّقه رذاذا(4)و وابلا و هطلا و طلاّ،لينشفه(5)أرضوكم،و لم يجعل ذلك المطر نازلاعليكم قطعة واحدة،فتفسد أرضيكم و أشجاركم و زروعكم و ثماركم.
ثمّ قال:«فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ اَلثَّمَرََاتِ رِزْقاً لَكُمْ»يعني:ممّا يخرجه من2.
ص: 507
الأرض رزقا لكم،«فَلاََ تَجْعَلُوا لِلََّهِ أَنْدََاداً»أي:أشباها و أمثالا من الأصنام التي لا تعقل و لا تسمع و لا تبصر،و لا تقدر على شي ء،«وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»أنّها لا تقدر على شي ء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم(1).
و بالإسناد الذي مضى ذكره عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام في قوله تعالى:«وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاََ يَعْلَمُونَ اَلْكِتََابَ إِلاََّ أَمََانِيَّ»(2)إنّ الأميّ منسوب إلى(أمه)،أي:هو كما خرج من بطن أمه،لا يقرأ و لا يكتب،«لاََيَعْلَمُونَ اَلْكِتََابَ»المنزل من السّماء و لا المكذب به(3)،و لا يميّزون
ص: 508
بينهما«إِلاََّ أَمََانِيَّ»،أي:إلاّ أن يقرأ عليهم و يقال لهم:إنّ هذا كتاب اللّه و كلامه،لا يعرفون إن قرى ء من الكتاب خلاف ما فيه(1)،«وَ إِنْ هُمْ إِلاََّيَظُنُّونَ»،أي:ما يقرأ عليهم(2)رؤساؤهم من تكذيب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في نبوته و إمامة عليّ عليه السّلام سيد عترته،و هم يقلّدونهم مع أنّه«محرّم عليهم» تقليدهم،«فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ اَلْكِتََابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَ يَقُولُونَ هََذََا مِنْ عِنْدِ اَللََّهِ...»الخ(3).
قال عليه السّلام:هذا القوم من اليهود(4)،كتبوا صفة زعموا أنّها صفةمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي خلاف صفته،و قالوا للمستضعفين منهم:هذه صفة النّبي المبعوث في آخر الزمان:إنّه طويل عظيم البدن و البطن،أهدف،أصهب الشعر(5)،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بخلافه،و هو يجي ءبعد هذا الزمان بخمسمائة سنة،و إنّما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رياستهم،و تدوم لهم إصابتهم(6)،و يكفوا أنفسهم مؤنة خدمةرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خدمة عليّ و أهل بيته و خاصّته عليهم السّلام.فقال..
ص: 509
اللّه عزّ و جلّ:«فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمََّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمََّا يَكْسِبُونَ».من هذه الصفات المحرّفات المخالفات لصفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السّلام:الشدة(1)لهم من العذاب في أسوء بقاع جهنّم،«وَ وَيْلٌ لَهُمْ»الشّدة من العذاب ثانية مضافة إلى الأولى،ممّا يكسبونه من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا عوامهم على الكفر بمحمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و الجحد لوصيّه و أخيه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وليّ اللّه.
ثمّ قال عليه السّلام:قال رجل للصّادق عليه السّلام:فإذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب إلاّ بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره،فكيف ذمّهم بتقليدهم و القبول من علمائهم،و هل عوام اليهود إلاّكعوامنا يقلّدون علماءهم؟
فقال عليه السّلام:بين عوامنا و علمائنا و بين عوام اليهود و علمائهم،فرق من جهة و تسوية من جهة.
أمّا من حيث[أنهم](2)استووا:فإنّ اللّه قد ذمّ عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذمّ عوامهم،و أمّا من حيث[أنّهم]افترقوا فلا.
قال:بيّن لي يابن رسول اللّه!
قال عليه السّلام:إنّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح(3)،و بأكل الحرام و الرشاء،و بتغيير الأحكام عن واجبها.-
ص: 510
بالشفاعات و العنايات و المصانعات،و عرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم،و أنّهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه،و أعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم،و ظلموهم من أجلهم،و عرفوهم يقارفون المحرّمات،و اضطروا بمعارف قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على اللّه و لا على الوسائطبين الخلق و بين اللّه،فلذلك ذمّهم لمّا قلّدوا من قد عرفوه و من قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره و لا تصديقه في حكايته،و لا العمل بما يؤديه إليهم عمّن لم يشاهدوه و وجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى،و أشهر من أن لا تظهر لهم.
و كذلك عوام أمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر،و العصبيّةالشديدة و التكالب على حطام الدنيا و حرامها،و إهلاك من يتعصبون عليه و إن كان لإصلاح أمره مستحقا،و بالترفرف(1)بالبر و الإحسان على من تعصبوا له و ان كان للإذلال و الإهانة مستحقا،فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمّهم اللّه بالتقليد لفسقة فقهائهم،فأمّامن كان من الفقهاء صائنا لنفسه،حافظا لدينه مخالفا على هواه،مطيعالأمر مولاه،فللعوام أن يقلدوه،و ذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لاجميعهم،فانّه من ركب من القبايح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامةق-و الإسم:الصراحة-القاموس 1/233.5.
ص: 511
فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا،و لا كرامة،و إنّما كثر التخليط فيما يتحمل عنّاأهل البيت لذلك،لأنّ الفسقة يتحملون عنّا فيحرفونه بأسره لجهلهم،و يضعون الأشياء على غير وجوهها لقلة معرفتهم،و آخرون(1)يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنّم.
و منهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا،يتعلمون بعض علومناالصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا،و ينتقصون بنا(2)عند نصابنا،ثمّ يضيفون إليه أضعافه و أضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براءمنها،فيتقبله المستسلمون(3)من شيعتنا،على أنّه من علومنا،فضلواو أضلوا و هم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السّلام و أصحابه،فانّهم يسلبونهم الأرواح و الأموال.
و هؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنّهم لنا موالون،و لأعدائنا معادون،يدخلون الشك و الشبهة على ضعفاء شيعتنا فيضلونهم و يمنعونهم عن قصد الحق المصيب،لا جرم أنّ من علم اللّه من قلبه من هؤلاء العوام(4)انه لا يريد إلاّ صيانة دينه و تعظيم وليه لم يتركه في يد هذاالمتلبس الكافر،و لكنّه يقيّض له مؤمنا يقف به على الصواب،ثمّ يوفقه اللّه للقبول منه،فيجمع اللّه له بذلك خير الدنيا و الآخرة،و يجمع على من..
ص: 512
أضله لعن الدنيا و عذاب الآخرة.
ثمّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أشرار علماء أمّتنا:المضلون عنّا،القاطعون للطرق إلينا،المسمّون أضدادنا بأسمائنا،الملقبون أندادنا بألقابنا،يصلّون عليهم و هم للعن مستحقون،و يلعنونناو نحن بكرامات اللّه مغمورون،و بصلوات اللّه و صلوات ملائكته المقرّبين علينا عن صلواتهم علينا مستغنون».
ثمّ قال:قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام:من خير خلق اللّه بعد أئمةالهدى،و مصابيح الدجى؟قال:العلماء إذا صلحوا.
قيل:فمن شرار خلق اللّه بعد إبليس و فرعون و نمرود،و بعدالمتسمّين بأسمائكم،و المتلقبين بألقابكم،و الآخذين لأمكنتكم،و المتأمرين في ممالككم؟
قال:العلماء إذا فسدوا،هم المظهرون للأباطيل،الكاتمون للحقايق،و فيهم قال اللّه عزّ و جلّ:«أُولََئِكَ يَلْعَنُهُمُ اَللََّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اَللاََّعِنُونَ*`إِلاَّ اَلَّذِينَ تََابُوا»الآية(1)(2).
و بالإسناد المقدّم ذكره:عن أبي يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد،
ص: 513
و أبي الحسن عليّ بن محمّد بن سيار،أنّهما قالا:قلنا للحسن أبي القائم عليهما السّلام:إنّ قوما عندنا يزعمون أنّ هاروت و ماروت ملكان اختارتهماالملائكة لمّا كثر عصيان بن آدم و أنزلهما اللّه مع ثالث لهما إلى الدنيا،و أنّهما افتتنا بالزهرة و أرادا الزنا بها،و شربا الخمر،و قتلا النفس المحرمة،و أنّ اللّه يعذبهما ببابل،و أنّ السحرة منهما يتعلمون السحر،و أنّ اللّه مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو(الزهرة).
فقال الإمام عليه السّلام:معاذ اللّه من ذلك،إنّ ملائكة اللّه معصومون محفوظون من الكفر و القبائح،بألطاف اللّه تعالى،فقال عزّ و جلّ فيهم:«لاََ يَعْصُونَ اَللََّهَ مََا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مََا يُؤْمَرُونَ»(1)و قال:«وَ لَهُ مَنْ فِي اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ-يعني:الملائكة-لاََ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبََادَتِهِ وَ لاََ يَسْتَحْسِرُونَ*`يُسَبِّحُونَ اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهََارَ لاََ يَفْتُرُونَ»(2)و قال في الملائكة:«بَلْ عِبََادٌ مُكْرَمُونَ `لاََ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ -إلى قوله-مُشْفِقُونَ»(3)كان اللّه قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه في الأرض،و كانوا كالأنبياء في الدنيا،و كالأئمة،أفيكون من الأنبياءو الأئمة قتل النفس و الزنا و شرب الخمر؟!
ثمّ قال:أو لست تعلم أنّ اللّه لم يخل الدنيا من نبي أو إمام من البشر؟8.
ص: 514
أو ليس اللّه تعالى يقول:«وَ مََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ-يعني إلى الخلق-إِلاََّرِجََالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرى ََ»(1)فأخبر أنّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة و حكاما،و إنّما أرسلوا إلى أنبياء اللّه.
قالا:قلنا له عليه السّلام:فعلى هذا لم يكن إبليس ملكا!
فقال:لا،بل كان من الجن!أما تسمعان اللّه تعالى يقول:«وَ إِذْ قُلْنََالِلْمَلاََئِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاََّ إِبْلِيسَ كََانَ مِنَ اَلْجِنِّ»(2)فأخبرأنّه كان من الجن،و هو الذي قال:«وَ اَلْجَانَّ خَلَقْنََاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نََارِاَلسَّمُومِ»(3).
و قال الإمام عليه السّلام:يحدّثني أبي عن جدي عن الرّضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ اللّه اختارنامعاشر آل محمّد،و اختار النبيين،و اختار الملائكة المقرّبين،و مااختارهم إلاّ على علم منه بهم:أنّهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته،و ينقطعون به عن عصمته،و ينضمون به إلى المستحقين لعذابه و نقمته.
قالا:فقلنا فقد روي لنا أنّ عليّا صلوات اللّه عليه لمّا نص عليه رسول اللّه بالإمامة(4)،عرض اللّه ولايته على فئام و فئام من الملائكة فأبوها،فمسخهم اللّه ضفادع.ة.
ص: 515
فقال:معاذ اللّه!هؤلاء المكذبون علينا،الملائكة هم رسل اللّه كساير أنبياء اللّه إلى الخلق،أفيكون منهم الكفر باللّه؟قلنا:لا.
قال:فكذلك الملائكة!إنّ شأن الملائكة عظيم،و إنّ خطبهم لجليل(1).
و بالإسناد الذي تكرر عن أبي يعقوب و أبي الحسن أيضا أنّهما قالا:حضرنا عند الحسن بن عليّ أب القائم عليهما السّلام فقال له بعض أصحابه:جاءني رجل من إخواننا الشيعة قد امتحن بجهال العامة،يمتحنونه في الإمامة و يحلفونه،فكيف يصنع حتّى يتخلص منهم؟
فقلت له:كيف يقولون؟
قال:يقولون:«أتقول إنّ فلانا هو الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم»؟فلا بدّ لي أن أقول نعم و إلاّ أثخنوني ضربا،فإذا قلت:(نعم)قالوا
ص: 516
لي:قل:(و اللّه)فقلت لهم:(نعم)و أريد به(نعما)من الأنعام:من(الإبل و البقر و الغنم).
قلت:فإذا قالوا و اللّه فقل ولّى،أي:ولّى-تريد-عن أمر كذا،فانّهم لا يميزون و قد سلمت.
فقال لي:فان حققوا عليّ و قالوا قل:(و اللّه)و بيّن الهاء.
فقلت:قل و اللّه برفع الهاء،فانّه لا يكون يمينا إذا لم يخفض،فذهب ثمّ رجع إليّ فقال:عرضوا عليّ و حلفوني،و قلت:كما لقنتني.
فقال له الحسن عليه السّلام:أنت كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«الدال على الخير كفاعله»لقد كتب اللّه لصاحبك بتقيته بعدد كلّ من استعمل التقية من شيعتنا و موالينا و محبينا حسنة،و بعدد من ترك التقيةمنهم حسنة،أدناها حسنة لو قوبل بها ذنوب مائة سنة لغفرت،و لك بأرشادك إيّاه مثل ماله(1).
و بالإسناد المتكرر ذكره عن الحسن العسكري عليه السّلام أنّه قال:أعرف النّاس بحقوق إخوانه و أشدهم قضاء لها أعظمهم عند اللّه شأنا،
ص: 517
و من تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند اللّه من الصدّيقين و من شيعة عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام حقّا،و لقد ورد على أمير المؤمنين عليه السّلام أخوان له مؤمنان أب و ابن،فقام إليهما،و أكرمهما و أجلسهما في صدر مجلسه،و جلس بين أيديهما،ثمّ أمر بطعام(1)فأحضر،فأكلا منه ثمّ جاء قنبربطست و إبريق خشب و منديل لييبس(2)و جاء ليصب على يد الرجل ماءافوثب أمير المؤمنين عليه السّلام فأخذ الابريق ليصب على يد الرجل فتمرّغ الرجل في التراب و قال:
يا أمير المؤمنين!اللّه يراني و أنت تصب على يدي؟!
قال:اقعد و اغسل يدك فانّ اللّه عزّ و جلّ يراك و أخوك الذي لا يتميزمنك و لا يتفضل عليك يخدمك،يريد بذلك خدمة في الجنّة(3)مثل عشرةأضعاف عدد أهل الدنيا و على حسب ذلك في ممالكه فيها.فقعد الرجل فقال له علي عليه السّلام:أقسمت عليك بعظيم حقّي الذي عرفته و بجلته و تواضعك للّه حتّى جازاك عنه بأن ندبني لما شرفك به من خدمتي لك،لماغسلت[يدك](4)مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبرا،ففعل الرجل ذلك.
فلمّا فرغ ناول الابريق محمّد بن الحنفية و قال:يا بني!لو كان هذا».
ص: 518
الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده،و لكنّ اللّه عزّ و جلّ يأبى أن يسوّي(1)بين ابن و أبيه إذا جمعهما مكان،لكن قد صبّ الأب على الأب،فليصب الابن على الابن،فصب محمّد بن الحنفية على الابن.
ثمّ قال الحسن بن علي العسكري عليه السّلام:فمن اتّبع عليّا عليه السّلام على ذلك فهو الشيعي حقّا(2).5.
ص: 519
ص: 520
ص: 521
ص: 522
سعد بن عبد اللّه القمّي الأشعري قال:بليت بأشد النواصب منازعةفقال لي يوما-بعد ما ناظرته-:تبّا لك و لأصحابك!أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين و الأنصار بالطعن عليهم،و بالجحود لمحبة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهم،فالصّدّيق هو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام،ألاتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما ذهب به ليلة الغار لأنّه خاف عليه كما خاف على نفسه،و لما علم أنّه يكون الخليفة في أمّته و أراد أن يصون نفسه كما يصون صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاصة نفسه،كي لا يختل حال الدين من بعده و يكون الإسلام منتظما؟و قد أقام عليّا عليه السّلام على فراشه لمّا كان في علمه أنّه لو قتل لا يختل الإسلام بقتله،لأنّه يكون من الصحابةمن يقوم مقامه لا جرم لم يبال من قتله؟!
قال سعد:إنّي قلت على ذلك أجوبة لكنّها غير مسكتة.
ثمّ قال:معاشر الروافض تقولون:إنّ(الأول و الثاني)كانا
ص: 523
منافقين(1)،و تستدلون على ذلك بليلة العقبة.
ثمّ قال لي:أخبرني عن إسلامهما،كان عن طوع و رغبة أو كان عن إكراه و إجبار؟فاحترزت عن جواب ذلك و قلت مع نفسي:إن كنت أجبته بأنّه كان عن طوع فيقول:لا يكون على هذا الوجه إيمانهما عن نفاق،و إن قلت كان عن إكراه و إجبار لم يكن في ذلك الوقت للإسلام قوة حتّى يكون إسلامهما بإكراه و قهر،فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي،فأخذت طومارا و كتبت بضعا و أربعين مسألة من المسائل الغامضة التي لم يكن عندي جوابها فقلت:ادفعها إلى صاحب مولاي أبي محمّد الحسن ابن عليّ العسكري عليهما السّلام الذي كان في قم أحمد بن إسحاق فلمّا طلبته كان هو[الذي](2)قد ذهب فمشيت على أثره فأدركته و قلت الحال معه.
فقال لي:جى ء معي إلى سر من رأى حتّى نسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن عليّ عليهما السّلام.
فذهبت معه إلى سرّ من رأى ثمّ جئنا إلى باب دار مولانا عليه السّلام فاستأذنا للدخول عليه فأذن لنا،فدخلنا الدار و كان مع أحمد بن إسحاق جراب قد ستره بكساء طبري،و كان فيه مائة و ستون صرّة من الذهب و الورق،على كل واحدة منها خاتم صاحبها الذي دفعها إليه،و لمّا دخلناو وقعت أعيننا على وجه أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام كان وجهه».
ص: 524
كالقمر ليلة البدر و قد رأينا على فخذه غلاما يشبه المشتري في الحسن و الجمال،و كان على رأسه ذوابتان،و كان بين يديه رمان من الذهب قدحلي بالفصوص و الجواهر الثمينة قد أهداه واحد من رؤساء البصرة،و كان في يده قلم يكتب به شيئا على قرطاس،فكلّما أراد أن يكتب شيئا أخذالغلام يده فألقى الرمان حتى يذهب الغلام إليه و يجي به فلمّا ترك يده يكتب ما شاء.
ثمّ فتح أحمد بن إسحاق الكساء و وضع الجراب بين يدي العسكري عليه السّلام فنظر العسكري إلى الغلام فقال:فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك و مواليك!
فقال:يا مولاي!أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة و أموال رجسة؟!
ثمّ قال:يابن إسحاق!اخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال و الحرام!ثمّ أخرج صرّة،فقال الغلام:هذا لفلان بن فلان من محلة كذابقم،تشتمل على اثنين و ستين دينارا(1)،فيها من ثمن حجيرة باعهاو كانت ارثا عن أبيه خمسة و أربعون دينارا،و من أثمان سبعة أثواب أربعةعشر دينارا،و فيه من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا عليه السّلام:صدقت يا بني!دلّ الرجل على الحرام منها.
فقال الغلام:في هذه العين دينار بسكة الري تاريخه في سنة كذا قدا.
ص: 525
ذهب نصف نقشه منه(1)،و ثلاثة أقطاع قراضة بالوزن دانق و نصف دانق في هذه الصرّة الحرام هذا القدر فان صاحب هذه الصرّة في سنة كذا في شهركذا كان له عند نساج-و هو من جملة جيرانه-من الغزل منّ و ربع،فأتى على ذلك زمان كثير فسرقه سارق من عنده فأخبره النساج بذلك فما صدقه و أخذ الغرامة بغزل أدق منه مبلغ منّ و نصف،ثمّ أمر حتّى نسج منه ثوب و هذا الدينار و القراضة من ثمنه.ثمّ حلّ عقدها فوجد الدينار و القراضة كماأخبر،ثمّ أخرج صرّة أخرى.
فقال الغلام:هذا لفلان بن فلان من المحلّة الفلانية بقم و العين فيهاخمسون دينارا و لا ينبغي لنا أن ندني أيدينا إليها.
قال:لم؟فقال:من أجل أنّ هذه الدنانير من ثمن الحنطة،و كانت هذه الحنطة بينه و بين حراث له،فأخذ نصيبه بكيل كامل و أعطى نصيبهم بكيل ناقص،فقال مولانا الحسن بن علي عليهما السّلام:صدقت يا بني.
ثمّ قال:يابن إسحاق!احمل هذه الصرر و بلغ أصحابها أو اوص بتبليغها إلى أصحابها،فانّه لا حاجة بنا إليها.
ثمّ قال:جى ء إليّ بثوب تلك العجوز.
فقال أحمد بن إسحاق:كان ذلك في حقيبة فنسيته.ثمّ مشى أحمدابن اسحاق ليجي ء بذلك فنظر إليّ مولانا أبي محمّد العسكري عليه السّلام و قال:ما جاء بك يا سعد؟..
ص: 526
فقلت:شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا،قال عليه السّلام:فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟قلت:على حالها يا مولاي.قال:فاسأل قرّة عيني-و أومى إلى الغلام-عمّا بدالك!
فقلت:يا مولانا و ابن مولانا روي لنا:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جعل طلاق نسائه إلى أمير المؤمنين،حتّى أنّه بعث في يوم الجمل رسولاإلى عائشة و قال:إنّك أدخلت الهلاك على الإسلام و أهله بالغش الذي حصل منك،و أوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة،فان امتنعت و إلاّ طلّقتك،فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوّض حكمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أمير المؤمنين عليه السّلام؟
فقال عليه السّلام:إنّ اللّه تقدّس اسمه عظم شأن نساء النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخصهنّ بشرف الأمهات فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا أباالحسن!إنّ هذا شرف باق ما دمن للّه على طاعة،فأيتهنّ عصت اللّه بعدي بالخروج عليك فطلّقها من الأزواج و أسقطها من شرف أمّية المؤمنين.
ثمّ قلت:أخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت المرأة تلك يجوزلبعلها أن يخرجها من بيته في أيّام عدّتها؟
فقال عليه السّلام:تلك الفاحشة السّحق و ليست بالزنا لأنّها إذا زنت(1)يقام عليها الحد،و ليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحد الذي أقيم عليها،و أمّا إذا ساحقت فيجب عليها الرجم،و الرجم هو..
ص: 527
الخزي،و من أمر اللّه تعالى برجمها فقد أخزاها ليس لأحد أن يقربها.
ثمّ قلت:أخبرني يابن رسول اللّه عن قول اللّه تعالى لنبيّه موسى عليه السّلام:«فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوََادِ اَلْمُقَدَّسِ طُوىً»(1)فانّ فقهاء الفريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة؟
فقال عليه السّلام:من قال ذلك افترى على موسى و استجهله(2)في نبوته،لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين(3):اما ان كانت صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة،فان كانت صلاة موسى جائزة فيها،فجازلموسى أن يكون لابسها في تلك البقعة و إن كانت مقدّسة مطهّرة،و إن كانت صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب أنّ موسى لم يعرف الحلال و الحرام،و لم يعلم ما جازت الصّلاة فيه ممّا لم يجز و هذا كفر.
قلت:فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها؟
قال:إنّ موسى عليه السّلام كان بالوادي المقدس فقال:يا رب إنّي أخلصت لك المحبة مني و غسلت قلبي عمّن سواك،و كان شديد الحب لأهله.فقال اللّه تبارك و تعالى:«فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ»،أي:انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة و قلبك من الميل إلى من سواي مغسولا...
ص: 528
فقلت:أخبرني عن تأويل«كهيعص»؟
قال:هذه الحروف من أنباء الغيب،اطلع اللّه عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذلك أنّ زكريا عليه السّلام سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة،فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إيّاها،فكان زكريا إذاذكر محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن صلوات اللّه و سلامه عليهم سرى عنه همّه،و انجلى كربه،و إذا ذكر اسم الحسين عليه السّلام خنقته العبرة،و وقعت عليه البهرة.
فقال-ذات يوم-:إلهي!ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي،و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني و تثور زفرتي،فأنبأه اللّه تبارك و تعالى عن قصته فقال:(كهيعص)فالكاف اسم(كربلاء)،و الهاء هلاك(العترة)،و الياء(يزيد)و هو ظالم الحسين،و العين(عطشه)،و الصّاد(صبره)،فلمّا سمع بذلك زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام و منع فيهنّ النّاس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب،و كان يرثيه:
إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟
إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟
إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة؟
إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما؟
ثمّ كان يقول:إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر،فإذارزقتنيه فافتنّي بحبّه،ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا حبيبك بولده.
ص: 529
فرزقه اللّه يحيى و فجعه به و كان حمل يحيى ستة أشهر و حمل الحسين كذلك.
فقلت:أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟
قال:مصلح أو مفسد؟فقلت:مصلح.
قال:هل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد مايخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟قلت:بلى.
قال:فهي(العلّة)أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك.قلت:نعم.
قال:أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللّه و أنزل عليهم الكتب،و أيدهم بالوحي و العصمة،اذ هم أعلام الأمم،فاهدي إلى بيت الاختيار،منهم موسى و عيسى عليهما السّلام هل يجوز مع وفور عقلهما،و كمال علمهما،إذ همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق،و هما يظنان أنّه مؤمن؟قلت:لا.
قال:فهذا موسى كليم اللّه مع وفور عقله و كمال علمه،و نزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاممّن لم يشك في إيمانهم و إخلاصهم،فوقعت خيرته على المنافقين قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ اِخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقََاتِنََا»الآية(1)فلمّاوجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوّة(2)واقعا على الأفسد دون الأصلح،..
ص: 530
و هو يظن أنّه الأصلح دون الأفسد،علمنا أن لا اختيار إلاّ لمن يعلم ما تخفي الصدور(1)و ما تكن الضمائر،و تنصرف عنه السرائر(2)،و ان لا خطرلاختيار المهاجرين و الأنصار،بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفسادلما أرادوا أهل الصلاح.
ثمّ قال مولانا عليه السّلام:يا سعد!إنّ من ادعى أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-و هو خصمك-ذهب بمختار هذه الأمّة مع نفسه إلى الغار فانّه خاف عليه كما خاف على نفسه لما علم أنّه الخليفة من بعده على أمّته،لأنّه لم يكن من حكم الاختفاء أن يذهب بغيره معه و إنّما أقام عليّا عليه السّلام على مبيته لأنّه علم أنّه إن قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر،لأنّه يكون لعلي من يقوم مقامه في الأمور،لم لا تنقض(3)عليه بقولك:أولستم تقولون إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إنّ الخلافة من بعدي ثلاثون سنة»و صيّرها موقوفة على أعمار هؤلاء الأربعة(4):(أبي بكر،و عمر،و عثمان،و علي)فانّهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟فان خصمك لم يجد بدا من قوله:بلى.
قلت له:فإذا كان الأمر كذلك فكما كان أبو بكر(5)الخليفة من بعده..
ص: 531
كان هذه الثلاثة خلفاء أمّته من بعده،فلم ذهب بخليفة واحد و هو(أبو بكر)إلى الغار و لم يذهب بهذه الثلاثة؟فعلى هذا الأساس يكون النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مستخفا بهم دون أبي بكر فانّه يجب عليه أن يفعل بهم مثل ما فعل بأبي بكر،فلمّا لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا بحقوقهم و تاركا للشفقةعليهم بعد أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم مافعل بأبي بكر.
و أمّا ما قال لك الخصم بأنّهما أسلما طوعا أو كرها،لم لم تقل بل إنّهما أسلما طمعا،و ذلك أنّهما يخالطان مع اليهود و يخبران بخروج محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و استيلائه على العرب من التوراة و الكتب المتقدمةو ملاحم قصة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و يقولون لهما:يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء(بخت نصر)على بني إسرائيل إلاّ أنّه يدّعي النبوةو لا يكون من النبوة في شي ء،فلمّا ظهر أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ساعدا معه على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه طمعا أن يجدامن جهة رسول اللّه ولاية بلد إذا انتظم أمره،و حسن باله،و استقامت ولايته،فلمّا أيسا من ذلك وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة و تلثما مثل من تلثم منهم،و نفروا بدابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لتسقطه و يصير هالكابسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد،فحفظ اللّه تعالى نبيه من كيدهم و لم يقدروا أن يفعلوا شيئا،و كان حالهما كحال طلحة و الزبير إذ جاءا عليّا عليه السّلام و بايعاه طمعا أن تكون لكل واحد منهما ولاية،فلمّا لم يكن ذلك و أيسا من الولاية،نكثا بيعته و خرجا عليه،حتّى آل أمر كل واحد منهما
ص: 532
إلى ما يؤول أمر من ينكث العهود و المواثيق.
ثمّ قام مولانا الحسن بن علي عليهما السّلام لصلاته و قام القائم عليه السّلام معه،فرجعت من عندهما و طلبت أحمد بن إسحاق،فاستقبلني باكيافقلت:ما أبطأك و ما أبكاك؟
قال:قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره.قلت:لا بأس عليك فأخبره!
فدخل عليه و انصرف من عنده متبسما و هو يصلي على محمّد و أهل بيته.فقلت:ما الخبر؟فقال:وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه السّلام يصلي عليه.
قال سعد:فحمدنا اللّه جلّ ذكره على ذلك،و جعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا عليه السّلام أيّاما فلا نرى الغلام بين يديه،فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق و كهلان من أهل بلدنا،فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما و قال:
يابن رسول اللّه!قد دنت الرحلة،و اشتدت المحنة،فنحن نسأل اللّه أن يصلي على المصطفى جدك،و على المرتضى أبيك،و على سيّدة النّساءأمّك فاطمة الزهراء و على سيدي شباب أهل الجنّة عمّك و أبيك،و على الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك،و أن يصلّي عليك و على ولدك،و نرغب إليه أن يعلي كعبك،و يكبت عدوك،و لا جعل اللّه هذا آخر عهدنا من لقائك.
قال:فلمّا قال هذه الكلمة استعبر مولانا عليه السّلام،حتى استهملت
ص: 533
دموعه و تقاطرت عبراته،ثمّ قال:
يابن إسحاق!لا تكلف في دعائك شططا،فانّك ملاق اللّه في صدرك(1)هذا،فخرّ أحمد مغشيا عليه،فلمّا أفاق قال:
سألتك باللّه و بحرمة جدك إلاّ ما شرفتني بخرقة أجعلها كفنا،فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال:
خذها و لا تنفق على نفسك غيرها فانّك لن تعدم ما سألت،و اللّه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
قال سعد:فلمّا صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا عليه السّلام من حلوان على ثلاثة فراسخ،حمّ أحمد بن إسحاق و ثارت عليه علّة صعبةأيس من حياته فيها(2)فلمّا وردنا حلوان و نزلنا في بعض الخانات،دعاأحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطنا بها(3)ثمّ قال:تفرّقوا عني هذه اللّيلة و اتركوني وحدي!فانصرفنا عنه و رجع كل واحد منّا إلى مرقده.
قال سعد:فلمّا حان أن ينكشف اللّيل عن الصبح أصابتني فكرةففتحت عيني،فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمّد عليه السّلام و هويقول:أحسن اللّه بالخير عزاكم،و ختم بالمحبوب رزيّتكم،قد فرغنا من2.
ص: 534
غسل صاحبكم و من تكفينه،فقوموا لدفنه فانّه من أكرمكم محلاّ عندسيّدكم،ثمّ غاب عن أعيننا،فاجتمعنا على رأسه بالبكاء و النحيب و العويل حتّى قضينا حقّه و فرغنا من أمره رحمه اللّه(1).
و عن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمري رحمه اللّه(2)قال:تشاجر ابن أبي غانم القزويني و جماعة من الشيعة في(الخلف)فذكر ابن أبي غانم أنّ أبا محمّد عليه السّلام مضى و لا خلف له،ثمّ أنّهم كتبوا في ذلك كتابا و أنفذوه
ص: 535
إلى الناحية،و أعلموه بما تشاجروا فيه.
فورد جواب كتابهم بخطّه صلّى اللّه عليه و على آبائه:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
عافانا اللّه و إياكم من الفتن،و وهب لنا و لكم روح اليقين،و أجارناو إيّاكم من سوء المنقلب،أنّه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدّين،و مادخلهم من الشك و الحيرة في ولاة أمرهم،فغمّنا ذلك لكم لا لنا،و ساءنافيكم لافينا،لأنّ اللّه معنا فلا فاقة بنا إلى غيره،و الحقّ معنا فلن يوحشنامن قعد عنّا،و نحن صنايع ربّنا و الخلق بعد صنايعنا.
يا هؤلاء!ما لكم في الريب تترددون،و في الحيرة تنعكسون(1)،أوما سمعتم اللّه يقول:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللََّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ»(2)أو ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون و يحدث في أئمتكم،على الماضين و الباقين منهم عليهم السّلام؟أو ما رأيتم كيف جعل اللّه لكم معاقل تأوون إليها،و أعلاما تهتدون بها،من لدن آدم عليه السّلام إلى أن ظهر الماضي عليه السّلام،كلّما غاب علم بدا علم،و إذا أفل نجم طلع نجم،فلمّا قبضه اللّه إليه ظننتم أنّ اللّه أبطل دينه،و قطع السبب بينه و بين خلقه،كلاّ ما كان ذلك و لا يكون،حتّى تقوم السّاعة و يظهر أمر اللّه9.
ص: 536
و هم كارهون،و إنّ الماضي عليه السّلام مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه عليهم السّلام،(حذو النعل بالنعل)و فينا وصيّته و علمه،و منه خلفه و من يسدمسده،و لا ينازعنا موضعه(1)إلاّ ظالم آثم،و لا يدعيه دوننا إلاّ جاحدكافر،و لو لا أنّ أمر اللّه لا يغلب،و سرّه لا يظهر و لا يعلن لظهر لكم من حقّنا ما تبين منه عقولكم(2)،و يزيل شكوككم و لكنّه ما شاء اللّه كان،و لكل أجل كتاب،فاتقوا اللّه و سلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الاصداركما كان منّا الإيراد،و لا تحاولوا كشف ما غطي عنكم،و لا تميلوا عن اليمين و تعدلوا إلى اليسار،و اجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة على السنّةالواضحة فقد نصحت لكم،و اللّه شاهد عليّ و عليكم،و لو لا ما عندنا من محبة صاحبكم و رحمتكم،و الاشفاق عليكم،لكنّا عن مخاطبتكم في شغل ممّا قد امتحنا به من منازعة الظالم،العتل الضال،المتتابع في غيّه،المضاد لربه المدّعي ما ليس له،الجاحد حقّ من افترض اللّه طاعته،الظالم الغاصب.
و في ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اسوة حسنة(3)،و سيردى الجاهل رداء عمله،و سيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
عصمنا اللّه و إيّاكم من المهالك و الأسواء و الآفات و العاهات كلّهاة.
ص: 537
برحمته،فإنّه وليّ ذلك و القادر على ما يشاء،و كان لنا و لكم وليّا و حافظا،و السّلام على جميع الأوصياء و الأولياء و المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته،و صلّى اللّه على النّبيّ محمّد و آله و سلّم تسليما(1).
و عن سعد بن عبد اللّه الأشعريّ،عن الشّيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعريّ رحمة اللّه عليه:أنّه جاءه بعض أصحابنا يعلمه أنّ جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرّفه نفسه،و يعلمه أنّه القيّم بعد أخيه،و أنّ عنده من علم الحلال و الحرام ما يحتاج إليه،و غير ذلك من العلوم كلّها.
قال أحمد بن إسحاق:فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان صلوات اللّه عليه و صيّرت كتاب جعفر في درجه،فخرج إليّ الجواب في ذلك:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
أتاني كتابك أبقاك اللّه و الكتاب الذي أنفذته درجه(2)،و أحاطت
ص: 538
معرفتي بجميع ما تضمّنه على اختلاف ألفاظه،و تكرر الخطأ فيه،و لوتدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه،و الحمد للّه ربّ العالمين حمدالا شريك له على إحسانه إلينا و فضله علينا،أبى اللّه عزّ و جلّ للحقّ إلاّإتماما،و للباطل إلاّ زهوقا،و هو شاهد عليّ بما أذكره،ولي عليكم بماأقوله،إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه،و يسألنا عمّا نحن فيه مختلفون.
و إنّه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه و لا عليك و لا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة،و لا طاعة و لا ذمة،و سأبيّن لكم جملةتكتفون بها إن شاء اللّه تعالى.
يا هذا يرحمك اللّه إنّ اللّه تعالى لم يخلق الخلق عبثا،و لا أهملهم سدى بل خلقهم بقدرته،و جعل لهم أسماعا و أبصارا و قلوبا و ألبابا،ثمّ بعث إليهم النبيين عليهم السّلام مبشرين و منذرين،يأمرونهم بطاعته و ينهونهم عن معصيته،و يعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم و دينهم،و أنزل عليهم كتابا،و بعث إليهم ملائكة،و باين بينهم و بين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم،و ما آتاهم اللّه من الدلائل الظاهرة و البراهين الباهرة،و الآيات الغالبة،فمنهم:من جعل النّار عليه بردا و سلاما و اتّخذه خليلا،و منهم:من كلّمه تكليما و جعل عصاه ثعبانا مبينا،و منهم:من أحيى الموتى بإذن اللّه و أبرأ الأكمه و الأبرص بإذن اللّه،و منهم:من علّمه منطق الطير و أوتي من كلّ شي ء.
ثمّ بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رحمة للعالمين و تمّم به نعمته،و ختم به أنبياءه و أرسله إلى النّاس كافة،و أظهر من صدقه ما أظهر،و بيّن
ص: 539
من آياته و علاماته ما بيّن،ثمّ قبضه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حميدا فقيدا سعيدا،و جعل الأمر من بعده إلى أخيه و ابن عمّه و وصيّه و وارثه علي بن أبي طالب عليه السّلام،ثمّ إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد أحيى بهم دينه،و أتمّ بهم نوره،و جعل بينهم و بين إخوتهم و بني عمّهم و الأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا،تعرف به الحجّة من المحجوج،و الإمام من المأموم:بأن عصمهم من الذنوب،و برأهم من العيوب،و طهّرهم من الدنس،و نزّههم من اللّبس،و جعلهم خزان علمه،و مستودع حكمته،و موضع سرّه،و أيّدهم بالدلائل و لو لا ذلك لكان النّاس على سواء،و لأدعى أمر اللّه عزّ و جلّ كل أحد،و لما عرف الحقّ من الباطل،و لا العلم من الجهل.
و قد ادّعى هذا المبطل المدعي على اللّه الكذب بما ادّعاه،فلا أدري بأيّة حالة هي له،رجا أن يتم دعواه،أ بفقه في دين اللّه؟!فو اللّه ما يعرف حلالا من حرام،و لا يفرّق بين خطأ و صواب،أم بعلم؟!فما يعلم حقّا من باطل،و لا محكما من متشابه،و لا يعرف حد الصّلاة و وقتها،أم بورع؟فاللّه شهيد على تركه الصّلاة الفرض(أربعين يوما)يزعم ذلك لطلب الشعوذة(1)،و لعلّ خبره تأدّى إليكم(2)و هاتيك ظروف مسكرة منصوبة،و آثارعصيانه للّه عزّ و جلّ مشهورة قائمة،أم بآية؟فليأت بها،أم بحجّة؟!م.
ص: 540
فليقمها،أم بدلالة؟فليذكرها.قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه:«بِسْمِ اَللََّهِ اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ حم*`تَنْزِيلُ اَلْكِتََابِ مِنَ اَللََّهِ اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ*`مََا خَلَقْنَااَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مََا بَيْنَهُمََا إِلاََّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا عَمََّاأُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ*`قُلْ أَ رَأَيْتُمْ مََا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللََّهِ أَرُونِي مََا ذََا خَلَقُوا مِنَ اَلْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي اَلسَّمََاوََاتِ اِئْتُونِي بِكِتََابٍ مِنْ قَبْلِ هََذََا أَوْ أَثََارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ*`وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اَللََّهِ مَنْ لاََ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى ََ يَوْمِ اَلْقِيََامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعََائِهِمْ غََافِلُونَ*`وَ إِذََا حُشِرَ اَلنََّاسُ كََانُوا لَهُمْ أَعْدََاءً وَ كََانُوا بِعِبََادَتِهِمْ كََافِرِينَ»(1).
فالتمس-تولّى اللّه توفيقك-من هذا الظالم ما ذكرت لك،و امتحنه و اسأله عن آية من كتاب اللّه يفسّرها،أو صلاة يبيّن حدودها و ما يجب فيها،لتعلم حاله و مقداره،و يظهر لك عواره و نقصانه،و اللّه حسيبه.
حفظ اللّه الحقّ على أهله،و أقرّه في مستقره،و قد أبى اللّه عزّ و جلّ أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن و الحسين(2)،و إذا أذن اللّه لنا في القول ظهر الحقّ و اضمحل الباطل،و انحسر عنكم.و إلى اللّه أرغب في الكفاية،و جميل الصنع و الولاية و حسبنا اللّه و نعم الوكيل،و صلّى اللّه على محمّد و آل محمّد(3).،-
ص: 541
محمّد بن يعقوب الكليني،عن إسحاق بن يعقوب قال:سألت محمّدابن عثمان العمري رحمه اللّه(1)أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السّلام:
أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبتك،و وقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا و بني عمّنا.
فاعلم أنّه ليس بين اللّه عزّ و جلّ و بين أحد قرابة،و من أنكرني فليس مني و سبيله سبيل ابن نوح.
و أمّا سبيل عمّي جعفر و ولده،فسبيل اخوة يوسف عليه السّلام.
و أمّا الفقاع فشربه حرام و لا بأس بالشلماب(2).
ق-عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي،عن سعد بن عبد اللّه الأشعري،عن الشيخ الصّدوق:أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري،أنّه جاءه...
و انظر:بحار الأنوار 25/181 و 50/228.
ص: 542
و أمّا أموالكم فما نقبلها إلاّ لتطهروا،فمن شاء فليصل و من شاءفليقطع،فما آتانا اللّه خير ممّا آتاكم.
و أمّا ظهور الفرج:فانّه إلى اللّه و كذب الوقاتون.
و أما قول من زعم أنّ الحسين لم يقتل،فكفر و تكذيب و ضلال.
و أما الحوادث الواقعة،فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا،فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه.
و أمّا محمّد بن عثمان العمري،فرضي اللّه عنه و عن أبيه من قبل،فانّه ثقتي و كتابه كتابي.
و أمّا محمّد بن علي بن مهزيار الأهوازي،فسيصلح اللّه قلبه،و يزيل عنه شكّه.
و أمّا ما وصلتنا به،فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب و طهر،و ثمن المغنّيةحرام.
و أما محمّد بن شاذان بن نعيم،فانّه رجل من شيعتنا أهل البيت.
و أما أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأجدع،ملعون و أصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم،فانّي منهم بري ء،و آبائي عليهم السّلام منهم براء.
ق-الشلماب شراب يتّخذ من الشيلم،و هو حبّ شبيه بالشعير،و فيه تخدير نظير البنج،و إن اتّفق وقوعه في الحنطة و عمل منه الخبز،أورث السدر و الدوار و النوم،و يكثر نباته في مزرع الحنطة،و يتوهم حرمته،لمكان التّخدير،و اشتباه التخدير بالإسكار عند العوام.انتهى.
ص: 543
و أمّا المتلبسون بأموالنا،فمن استحل منها شيئا فأكله،فإنّما يأكل النيران.
و أمّا الخمس،فقد ابيح لشيعتنا و جعلوا منه في حل إلى وقت ظهورأمرنا لتطيب ولادتهم،و لا تخبث(1).
و أمّا ندامة قوم شكّوا في دين اللّه على ما وصلونا به،فقد أقلنا من استقال و لا حاجة إلى صلة الشاكين.
و أمّا علة ما وقع من الغيبة،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاََ تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيََاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(2)إنّه لم يكن أحد من آبائي1.
ص: 544
إلاّ و قد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،و إنّي أخرج حين أخرج و لا بيعةلأحد من الطواغيت في عنقي.
و أمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي،فكالانتفاع بالشّمس إذا غيبتهاعن الأبصار السحاب،و إنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النّجوم أمان لأهل السماء،فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم،و لا تتكلّفوا علم ما قدكفيتم،و أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلك فرجكم،و السّلام عليك ياإسحاق بن يعقوب و على من اتّبع الهدى(1).
أبو الحسن عليّ بن أحمد الدلاّل القمّي قال:اختلف جماعة من الشيعة في أن اللّه عزّ و جلّ فوّض إلى الأئمة صلوات اللّه عليهم أن يخلقواو يرزقوا،فقال قوم:هذا محال لا يجوز على اللّه تعالى،لأنّ الأجسام لايقدر على خلقها غير اللّه عزّ و جلّ،و قال آخرون:بل اللّه أقدر الأئمة على ذلك و فوّض إليهم فخلقوا و رزقوا،و تنازعوا في ذلك تنازعا شديدا،فقال
ص: 545
قائل:ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحقّ فيه،فانّه الطريق إلى صاحب الأمر،فرضيت الجماعةبأبي جعفر و سلمت و أجابت إلى قوله،فكتبوا المسألة و أنفذوها إليه،فخرج إليهم من جهته توقيع،نسخته:
إنّ اللّه تعالى هو الذي خلق الأجسام،و قسم الأرزاق،لأنّه ليس بجسم و لا حالّ في جسم،ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير.
و أمّا(1)الأئمة عليهم السّلام،فانّهم يسألون اللّه تعالى فيخلق،و يسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم و إعظاما لحقّهم(2).
عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي-رحمه اللّه-قال:حدّثني محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال:كنت عند الشّيخ
ص: 546
أبي القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه(1)مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري،فقام إليه رجل فقال له:إنّي أريد أن أسألك عن شي ء،فقال له:سل عمّا بدالك.
فقال الرجل:أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السّلام أ هو وليّ اللّه؟قال:نعم.
قال:أخبرني عن قاتله لعنه اللّه أ هو عدو اللّه؟قال:نعم.
قال الرجل:فهل يجوز أن يسلط اللّه عزّ و جلّ عدوه على وليّه؟
فقال له أبو القاسم قدّس اللّه روحه:إفهم عني ما أقول لك!إعلم أنّ اللّه تعالى لا يخاطب النّاس بمشاهدة العيان،و لا يشافههم بالكلام،و لكنّه جلّت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم،و لو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم،و لم يقبلوا منهم،فلمّاجاءوهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق،قالوالهم:أنتم مثلنا(2)لا نقبل منكم حتّى تأتونا بشي ء نعجز عن أن نأتي بمثله،فنعلم أنّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه،فجعل اللّه عزّ و جلّ لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها.
فمنهم:من جاء بالطوفان بعد الإعذار و الإنذار فغرق جميع من طغى و تمرّد...
ص: 547
و منهم:من ألقي في النّار فكانت عليه بردا و سلاما.
و منهم:من أخرج من الحجر الصلد النّاقة(1)،و أجرى من ضرعهالبنا.
و منهم:من فلق له البحر و فجر له من العيون،و جعل له العصا اليابسةثعبانا تلقف ما يأفكون.
و منهم:من أبرأ الأكمه و الأبرص و أحيى الموتى بإذن اللّه،و أنبأهم بما يأكلون و ما يدّخرون في بيوتهم.
و منهم:من انشق له القمر و كلّمته البهائم،مثل البعير و الذئب و غيرذلك.فلمّا أتوا بمثل ذلك و عجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله،كان من تقدير اللّه جلّ جلاله و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين و أخرى مغلوبين،و في حال قاهرين و أخرى مقهورين،و لو جعلهم اللّه في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين،و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتّخذهم النّاس آلهة من دون اللّه عزّ و جلّ،و لماعرف فضل صبرهم على البلاء و المحن و الاختبار،و لكنّه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم،ليكونوا في حال المحنة و البلوى صابرين و في حال العافية و الظهور على الأعداء شاكرين،و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبّرين،و ليعلم العباد أنّ لهم عليهم السّلام إلهاهو خالقهم و مدبرهم فيعبدوه و يطيعوا رسله،و تكون حجّة اللّه ثابتة علىة.
ص: 548
من تجاوز الحد فيهم،و ادّعى لهم الربوبية،أو عاند و خالف،و عصى و جحد،بما أتت به الأنبياء و الرسل،و ليهلك من هلك عن بيّنة،و يحيا من حيّ عن بيّنة.
قال محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضى اللّه عنه:فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه في الغد و أنا أقول في نفسي:أ تراه ذكر لناما ذكر يوم أمس من عند نفسه؟
فابتدأني و قال:يا محمّد بن إبراهيم!لئن أخرّ من السّماء فتختطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليّ من أن أقول في دين اللّه برأيي،و من عند نفسي؛بل ذلك عن الأصل،و مسموع من الحجّة صلوات اللّه عليه و سلامه(1).
و ممّا خرج عن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه،ردّا على الغلاة من التوقيع جوابا لكتاب كتب اليه على يد(2)محمّد بن عليّ بن هلال الكرخي.
ص: 549
يا محمّد بن عليّ!تعالى اللّه عزّ و جلّ عمّا يصفون،سبحانه و بحمده،ليس نحن شركاؤه في علمه و لا في قدرته،بل لا يعلم الغيب غيره،كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه:«قُلْ لاََ يَعْلَمُ مَنْ فِي اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضِ اَلْغَيْبَ إِلاَّ اَللََّهُ»(1).
و أنا و جميع آبائي من الأولين:آدم و نوح و إبراهيم و موسى،و غيرهم من النبيّين،و من الآخرين محمّد رسول اللّه و عليّ بن أبي طالب و غيرهماممّن مضى من الأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين،إلى مبلغ أيامي و منتهى عصري عبيد اللّه عزّ و جلّ،يقول اللّه عزّ و جلّ:«وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ اَلْقِيََامَةِ أَعْمى ََ*`قََالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى ََ وَ قَدْكُنْتُ بَصِيراً*`قََالَ كَذََلِكَ أَتَتْكَ آيََاتُنََا فَنَسِيتَهََا وَ كَذََلِكَ اَلْيَوْمَ تُنْسى ََ»(2).
يا محمّد بن علي!قد آذانا جهلاء الشّيعة و حمقاؤهم،و من دينه جناح البعوضة أرجح منه.
فأشهد اللّه الذي لا إله إلاّ هو و كفى به شهيدا،و رسوله محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ملائكته و أنبياءه،و أولياءه عليهم السّلام.
و أشهدك،و أشهد كل من سمع كتابي هذا أنّي بري ء إلى اللّه و إلى رسوله ممّن يقول:إنّا نعلم الغيب(3)،أو نشارك اللّه في ملكه،أو يحلناء-
ص: 550
محلاّ سوى المحل الذي رضيه اللّه لنا و خلقنا له،أو يتعدّى بنا عمّا قدفسّرته لك و بيّنته في صدر كتابي.
و أشهدكم:أنّ كل من نبرأ منه فإنّ اللّه يبرأ منه و ملائكته و رسله و أولياؤه و جعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك و عنق من سمعه أن لا يكتمه من أحد من مواليّ و شيعتي،حتّى يظهر على هذاالتوقيع الكلّ من الموالي لعلّ اللّه عزّ و جلّ يتلافاهم فيرجعون إلى دين اللّه الحقّ،و ينتهون عمّا لا يعلمون منتهى أمره،و لا يبلغ منتهاه،فكل من فهم كتابي و لم يرجع(1)إلى ما قد أمرته و نهيته،فقد حلت عليه اللّعنة من اللّه و ممّن ذكرت من عباده الصّالحين(2).
ق-و الأوصياء عليهم السّلام الإخبار عن المغيبات،و قد استثناهم اللّه تعالى في قوله:«إِلاََّ مَنِ اِرْتَضى ََ مِنْ رَسُولٍ...»الجنّ 72/27-انتهى.و بعبارة أخرى:«علم الغيب من مصطلح القرآن و الحديث،هو العلم بالمغيبات بلا اكتساب و لا تعليم و هو يختص باللّه سبحانه،و أمّا العلم المأخوذ من اللّه في ذلك المجال«فإنّما هو تعلم من ذي علم».كما عبّر به الإمام علي عليه السّلام في بعض خطبه.6.
ص: 551
[ذكر المذمومين الذين إدّعوا البابيّة و السفارةكذبا و افتراء](1)
روى أصحابنا أنّ أبا محمّد الحسن الشريعي(2)،كان من أصحاب أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السّلام ثمّ الحسن بن علي عليهما السّلام و هو أول من ادّعى مقاما لم يجعله اللّه فيه من قبل صاحب الزمان عليه السّلام و كذب على اللّه و على حججه عليهم السّلام و نسب إليهم ما لا يليق بهم و ما هم منه براء،ثمّ ظهر منه القول بالكفر و الالحاد.
و كذلك كان محمّد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّدالحسن عليه السّلام،فلمّا توفي ادّعى النيابة(3)لصاحب الزمان،ففضحه اللّه تعالى بما ظهر منه من الإلحاد و الغلو و القول بالتناسخ،و كان أيضا يدّعي أنّه رسول نبي أرسله عليّ بن محمّد عليهما السّلام و يقول فيه بالربوبية،و يقول بالإباحة للمحارم.
و كان أيضا من جملة الغلاة:أحمد بن هلال الكرخي،و قد كان من قبل في عداد أصحاب أبي محمّد عليه السّلام،ثمّ تغيّر عمّا كان عليه و أنكر
ص: 552
نيابة أبي جعفر محمّد بن عثمان،فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر و بالبراءة منه،في جملة من لعن و تبرأ منه.
و كذلك كان أبو طاهر محمّد بن عليّ بن بلال،و الحسين بن منصورالحلاج،و محمّد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر،لعنهم اللّه،فخرج التوقيع بلعنهم و البراءة منهم جميعا،على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه اللّه و نسخته:
عرّف-أطال اللّه بقاك!و عرفك اللّه الخير كلّه و ختم به عملك-من تثق بدينه و تسكن إلى نيّته،من إخواننا أدام اللّه سعادتهم بأنّ(محمّد بن عليّ المعروف بالشلمغاني)عجّل اللّه له النقمة و لا أمهله،قد ارتدّ عن الإسلام و فارقه،و ألحد في دين اللّه و ادّعى:ما كفر معه بالخالق جلّ و تعالى،و افترى كذبا و زورا،و قال بهتانا و إثما عظيما كذب العادلون باللّه و ضلّوا ضلالا بعيدا،و خسروا خسرانا مبينا.
و إنّا برئنا إلى اللّه تعالى و إلى رسوله صلوات اللّه عليه و سلامه و رحمته و بركاته منه(1)،و لعناه،عليه(2)لعاين اللّه تترى،في الظّاهر منّا و الباطن،في السرّ
ص: 553
و الجهر،و في كل وقت،و على كل حال،و على من شايعه و بلغه هذا القول منّا فأقام على تولاه بعده.
اعلمهم-تولاكم اللّه(1)-:إنّنا في التوقي و المحاذرة منه على مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه،من:(الشريعي،و النميري،و الهلالي،و البلالي)و غيرهم(2)و عادة اللّه جلّ ثناؤه مع ذلك قبله و بعده عندناجميلة،و به نثق و إيّاه نستعين و هو حسبنا في كل أمورنا و نعم الوكيل(3).
فأولهم:الشّيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمريّ:نصبه أوّلا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري،ثمّ ابنه أبو محمّد الحسن،فتولّى القيام بأمورهما حال حياتهما عليهما السّلام،ثمّ بعد ذلك قام بأمر صاحب
ص: 554
الزمان صلوات اللّه عليه و كانت توقيعاته و جواب المسائل(1)تخرج على يديه.
فلمّا مضى لسبيله،قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه(2)،و ناب منابه في جميع ذلك.
فلمّا مضى هو،قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت،فلمّا مضى هو،قام مقامه أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري و لم يقم أحدمنهم بذلك إلاّ بنص عليه من قبل صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه،و نصب صاحبه الذي تقدّم عليه،و لم تقبل الشيعة قولهم إلاّ بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر صلوات اللّه عليه،تدل على صدق مقالتهم،و صحة بابيتهم(3)فلمّا حان رحيل(4)أبي الحسن السمري من الدنيا و قرب أجله قيل له:إلى من توصي؟
فأخرج إليهم توقيعا نسخته:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
يا عليّ بن محمّد السمري!أعظم اللّه أجر إخوانك فيك،فانّك ميت ما
ص: 555
بينك و بين ستة أيّام،فاجمع أمرك و لا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعدوفاتك،فقد وقعت الغيبة التامّة،فلا ظهور إلاّ بعد إذن اللّه تعالى ذكره،و ذلك بعد طول الأمد و قسوة القلوب،و امتلاء الأرض ظلما و جورا.
و سيأتي إلى شيعتي من يدّعي المشاهدة،ألا فمن ادّعى المشاهدةقبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر(1)،و لا حول و لا قوة إلاّباللّه العليّ العظيم.
فنسخوا هذا التوقيع و خرجوا،فلمّا كان اليوم السادس عادوا إليه و هو يجود بنفسه.
فقال له بعض النّاس:من وصيك من بعدك؟
فقال:للّه أمر هو بالغه،و قضى.فهذا آخر كلام سمع منه رضي اللّه عنه و أرضاه(2).1.
ص: 556
عن محمّد بن يعقوب الكليني،رفعه عن الزهري،قال طلبت هذاالأمر طلبا شافيا حتّى ذهب لي فيه مال صالح،فوقعت إلى العمري و خدمته و لزمته،فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان عليه السّلام.
قال:ليس إلى ذلك وصول،فخضعت له.فقال لي:بكّر بالغداة.
فوافيت،فاستقبلني و معه شاب من أحسن النّاس وجها،و أطيبهم ريحا و في كمّه شي ء كهيئة التجار،فلمّا نظرت إليه دنوت من العمري،فأومى إليه فعدلت إليه و سألته فأجابني عن كل ما أردت.
ثمّ مر ليدخل الدّار و كانت من الدور التي لا يكترث بها.
فقال العمري:إن أردت أن تسأل فاسأل فانّك لا تراه بعد ذلك(1).
فذهبت لأسأل،فلم يستمع و دخل الدار و ما كلّمني بأكثر من أن قال:
ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النّجوم،ملعون ملعون
ص: 557
من أخّر الغداة إلى أن تنفضّ النّجوم،و دخل الدّار(1).
و عن أبي الحسن محمّد بن جعفر الأسدي قال:كان فيما ورد عليّ من الشّيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان صلوات اللّه و سلامه عليه:
أمّا ما سألت عنه من الصّلاة عند طلوع الشّمس و عند غروبها،فلئن كان كما يقول النّاس:«أنّ الشّمس تطلع بين قرني شيطان و تغرب بين قرني شيطان»فما أرغم أنف الشيطان شي ء أفضل من الصّلاة،فصلّهاو ارغم الشّيطان أنفه.
و أمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا،و ما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه،فكل ما لم يسلم فصاحبه فيه بالخيار،و كل ما سلم فلاخيار لصاحبه فيه إحتاج أو لم يحتج،افتقر إليه أو استغنى عنه.
و أمّا ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا و يتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا،فمن فعل ذلك فهو ملعون،و نحن خصماؤه يوم القيامة،و قد قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«المستحل من
ص: 558
عترتي ما حرّم اللّه،ملعون على لساني و لسان كل نبيّ مجاب»فمن ظلمناكان في جملة الظالمين لنا،و كانت لعنة اللّه عليه لقوله عزّ و جلّ:«أَلاََ لَعْنَةُاَللََّهِ عَلَى اَلظََّالِمِينَ»(1).
و أمّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرّةأخرى فانّه يجب أن يقطع غلفته فإنّ الأرض تضجّ إلى اللّه تعالى من بول الأغلف أربعين صباحا.
و أمّا ما سألت عنه من أمر المصلّي و النّار و الصورة و السراج بين يديه،هل تجوز صلاته؟فإنّ النّاس قد اختلفوا في ذلك قبلك،فانّه جائزلمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام و النيران(2)أن يصلي و النّار و الصورةو السراج بين يديه،و لا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان و النيران.
و أمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا،هل يجوز القيام بعمارتها و أداء الخراج منها،و صرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية،احتسابا للأجر،و تقرّبا إليكم؟فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه،فكيف يحل ذلك في مالنا.من فعل شيئا من ذلك بغير أمرنا فقداستحلّ منّا ما حرّم اللّه عليه،و من أكل من أموالنا شيئا فإنّما يأكل في بطنه نارا و سيصلى سعيرا.ن.
ص: 559
و أمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة،و يسلمها من قيم يقوم بها و يعمرها،و يؤدي من دخلها خراجها و مؤنتها،و يجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا فإنّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعةقيّما عليها،إنّما لا يجوز ذلك لغيره.
و أمّا ما سألت عنه من الثمار من أموالنا يمرّ به المار فيتناول منه و يأكل،هل يحل له ذلك؟فانّه يحلّ له أكله و يحرم عليه حمله(1).
و عن أبي الحسين الأسدي أيضا قال:ورد عليّ توقيع من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري-قدّس اللّه روحه-ابتداء لم يتقدّمه سؤال عنه،نسخته:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين،على من استحلّ من أموالنادرهما.
ص: 560
قال أبو الحسين الأسدي رضى اللّه عنه:فوقع في نفسي أنّ ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل،و قلت في نفسي:إنّ ذلك في جميع من استحلّ محرّما،فأيّ فضل في ذلك للحجّة عليه السّلام على غيره؟!
قال:فو الذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالحقّ بشيرا،لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان في نفسي:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين على من أكل من مالنا درهما حراما(1).
و قال أبو جعفر بن بابويه-في الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أنّ عليه ثلاث كفارات-:فانّي أفتي به فيمن أفطربجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه لوجود ذلك في روايات أبي الحسن الأسدي رحمه اللّه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري(2).0.
ص: 561
و عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه في التعزية بأبيه رضى اللّه عنه في فصل من الكتاب:
إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،تسليما لأمره،و رضا بقضائه،عاش أبوك سعيدا و مات حميدا،فرحمه اللّه و ألحقه بأوليائه و مواليه عليهم السّلام فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا فيما يقرّبه إلى اللّه عزّ و جلّ نضر اللّه وجهه(1)،و أقاله عثرته.
و في فصل آخر:أجزل اللّه لك الثواب،و أحسن لك العزاء،رزيت و رزينا و أوحشك فراقه و أوحشنا،فسرّه اللّه في منقلبه،و كان من كمال سعادته أن رزقه اللّه ولدا مثلك يخلفه من بعده،و يقوم مقامه بأمره،و يترحّم عليه(2)،و أقول:الحمد للّه،فإنّ الأنفس طيبة بمكانك،و ما جعله اللّه عزّو جلّ فيك و عندك،أعانك اللّه و قوّاك،و عضدك و وفقك،و كان لك وليّاو حافظا،و راعيا و كافيا(3).
ص: 562
و ممّا خرج عن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضا:ممّا سأله عنها محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري فيماكتب إليه و هو:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
أطال اللّه بقاك،و أدام اللّه عزّك و تأييدك و سعادتك و سلامتك،و أتمّ نعمته عليك،و زاد في إحسانه إليك،و جميل مواهبه لديك،و فضله عندك،و جعلني من السوء فداك،و قدّمني قبلك النّاس يتنافسون في الدرجات،فمن قبلتموه كان مقبولا،و من دفعتموه كان وضيعا،و الخامل من وضعتموه،و نعوذ باللّه من ذلك و ببلدنا-أيّدك اللّه-جماعة من الوجوه يتساوون و يتنافسون في المنزلة،و ورد-أيدك اللّه-كتابك إلى جماعةمنهم في أمر أمرتهم به من معاونة(ص)(1).
ق-ابن موسى بن بابويه،عن أحمد بن هارون الفامي،قال:حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفرالحميري،عن أبيه:عبد اللّه بن جعفر،قال:خرج التوقيع...
و انظر كمال الدّين 2/510،الباب 45،برقم 41.و بحار الأنوار 51/349.
ص: 563
و أخرج عليّ بن محمّد بن الحسين بن ملك(1)المعروف بملك بادوكة،و هو ختن(ص)رحمه اللّه من بينهم فاغتمّ بذلك،و سألني أيدك اللّه أن أعلمك ما ناله من ذلك،فان كان من ذنب فأستغفر اللّه منه،و إن يكن غير ذلك عرفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء اللّه التوقيع(2):لم نكاتب إلاّ من كاتبنا.
و قد عودتني أدام اللّه عزك من تفضلك ما أنت أهل أن تجريني(3)على العادة و قبلك أعزك اللّه فقهاء(4)أنا محتاج إلى أشياء(5)تسأل لي عنها:
و روي لنا عن العالم عليه السّلام:أنّه سئل عن إمام قوم صلّى بهم بعض صلاتهم،و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟
فقال:يؤخر،و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلاتهم،و يغتسل من مسّه.
التوقيع:ليس على من نحاه إلاّ غسل اليد،و إذا لم تحدث حادثةتقطع الصّلاة تممّ صلاته مع القوم.
و روي عن العالم عليه السّلام:أنّ من مسّ ميتا بحرارته غسل يده،و من..
ص: 564
مسّه و قد برد فعليه الغسل،و هذا الإمام في هذه الحالة لا يكون[مسه](1)إلاّبحرارته،فالعمل في ذلك على ما هو،و لعلّه ينحيه بثيابه و لا يمسه،فكيف يجب عليه الغسل؟
التوقيع:إذا مسّه على هذه الحالة لم يكن عليه إلاّ غسل يده.
و عن صلاة جعفر:إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود،أو ركوع أوسجود و ذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة،هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟
التوقيع:إذا سها في حالة من ذلك ثمّ ذكر في حالة أخرى،قضى مافاته في الحالة التي ذكره.
و عن المرأة:يموت زوجها،هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا؟
التوقيع:تخرج في جنازته.
و هل يجوز لها و هي في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟
التوقيع:تزور قبر زوجها و لا تبيت عن بيتها.
و هل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها،أم لا تبرح(2)من بيتها و هي في عدّتها؟..
ص: 565
التوقيع:إذا كان حقّ خرجت فيه و قضته،و إن كانت لها حاجة و لم يكن لها من ينظر فيها،خرجت لها حتّى تقضيها،و لا تبيت عن منزلها(1).
و روي في ثواب القرآن في الفرائض و غيرها:أنّ العالم عليه السّلام قال:عجبا لمن لم يقرأ في صلاته«إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ»كيف تقبل صلاته؟
و روي:ما زكت صلاة لم يقرأ(2)فيها«قُلْ هُوَ اَللََّهُ أَحَدٌ».
و روي أنّ من قرأ في فرائضه(الهمزة)أعطي من الثواب قدرالدنيا(3)،فهل يجوز أن يقرأ(الهمزة)و يدع هذه السور التي ذكرناها،مع ما قد روي:أنّه لا تقبل صلاة(4)و لا تزكوها إلاّ بهما؟
التوقيع:الثواب في السور على ما قد روي،و إذا ترك سورة ممّا فيهاالثواب و قرأ«قُلْ هُوَ اَللََّهُ أَحَدٌ»و«إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ»لفضلهما أعطي ثواب ماقرأ،و ثواب السورة التي ترك،و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامّة،و لكن يكون قد ترك الفضل(5).ل.
ص: 566
و عن وداع شهر رمضان:متى يكون؟فقد اختلف فيه أصحابنا،فبعضهم يقول:يقرأ في آخر ليلة منه،و بعضهم يقول:هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال؟
التوقيع:العمل في شهر رمضان في لياليه و الوداع يقع في آخر ليلةمنه،فان خاف(1)أن ينقص الشهر جعله في ليلتين.
و عن قول اللّه عزّ و جلّ:«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ»أ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المعني به؟«ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي اَلْعَرْشِ مَكِينٍ»ما هذه القوّة؟!«مُطََاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ»(2)ما هذه الطاعة و أين هي؟ما خرج لهذه المسألةجواب.
فرأيك أدام اللّه عزّك بالتفضل عليّ بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل فأجابني(3)عنها منعما مع ما تشرحه لي من أمر عليّ بن محمّد بن الحسين بن الملك المقدّم ذكره بما يسكن إليه،و يعتد بنعمة اللّه عنده،و تفضل عليّ بدعاء جامع لي و لإخواني للدنيا(4)و الآخرة فعلت مثابا إن شاء اللّه تعالى.ا.
ص: 567
التوقيع:جمع اللّه لك و لإخوانك خير الدنيا و الآخرة(1).
كتاب آخر لمحمّد بن عبد اللّه الحميري أيضا إليه عليه السّلام في مثل ذلك:
فرأيك أدام اللّه عزّك في تأمّل رقعتي و التفضّل بما سهل(2)من ذلك لا ضيفه إلى ساير أياديك عندي و مننك(3)عليّ،و احتجت أدام اللّه عزّك أن يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة
ص: 568
الثالثة،هل يجب عليه أن يكبّر؟فان بعض أصحابنا قال:لا يجب عليه التكبير،و يجزيه أن يقول بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد؟
الجواب:إنّ فيه حديثين:
أمّا أحدهما:فانّه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير.
و أمّا الآخر:فانّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير،و كذلك التشهدالأول(1)يجري هذا المجرى،و بأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا.
و عن الفص الخماهن:(2)هل يجوز فيه الصلاة إذا كان في اصبعه؟
الجواب:فيه كراهية أن يصلي فيه،و أيضا فيه إطلاق و العمل على الكراهة.
و عن رجل اشترى هديا لرجل غايب عنه،و سأله أن ينحر عنه هديابمنى،فلمّا أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل و نحر الهدي،ثمّ ذكره بعدذلك،أ يجزي عن الرجل أم لا؟ص.
ص: 569
الجواب:لا بأس بذلك،و قد أجزأ عن صاحبه.
و عندنا حاكة(1)مجوس،يأكلون الميتة،و لا يغتسلون من الجنابة،و ينسجون لنا ثيابا،فهل تجوز الصّلاة فيها من قبل أن تغسل؟
الجواب:لا بأس بالصلاة فيها.
و عن المصلّي يكون في صلاة اللّيل في ظلمة،فإذا سجد يغلطبالسجادة و يضع جبهته على مسح أو نطع(2)فإذا رفع رأسه وجدالسجادة،هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟
الجواب:ما لم يستو جالسا فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة(3).
و عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسيةو يرفع الجناحين أم لا؟
الجواب:لا شي ء عليه في ترك رفع الخشب.
و عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره،حذرا على ثيابه و مافي محمله أن يبتل،فهل يجوز ذلك؟ن.
ص: 570
الجواب:إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه،فعليه دم.
و الرجل يحجّ عن أحد(1)هل يحتاج أن يذكر الذي حجّ عنه عند عقدإحرامه أم لا؟و هل يجب أن يذبح عمّن حجّ عنه و عن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟
الجواب:قد يجزيه هدي واحد،و إن لم يفصل فلا بأس.
و هل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز أم لا؟
الجواب:لا بأس بذلك،و قد فعله قوم صالحون.
و هل يجوز للرجل أن يصلي و في رجليه بطيط(2)لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟
الجواب:جائز.
و يصلي الرجل و في كمّه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوزذلك؟
الجواب:جائز.
و عن الرجل يكون معه بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم،يحجّ و يأخذعلى الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ،فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخرإحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلاّ أن يحرم من المسلخ؟1.
ص: 571
الجواب:يحرم من ميقاته ثمّ يلبس الثياب،و يلبي في نفسه،فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر(1).
و عن لبس النعل المعطون(2)،فإنّ بعض أصحابنا يذكر أنّ لبسه كريه؟(3)
الجواب:جايز(4)،و لا بأس به.
و عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده،لا يرع عن أخذماله ربّما نزلت في قريته و هو فيها،أو ادخل منزله-و قد حضر طعامه-فيدعوني إليه فان لم آكل من طعامه،عاداني عليه و قال:فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا،فهل يجوز لي أن آكل من طعامه و أ تصدّق بصدقة؟و كم مقدار الصدقة؟و إن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضرفيدعوني إلى أن أنال منها،و أنا أعلم أن الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده،فهل عليّ فيه شي ء إن أنا نلت منها؟
الجواب:إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده،فكل طعامه و أقبل بره،و إلاّ فلا.
و عن الرجل ممّن يقول بالحقّ و يرى المتعة،و يقول بالرجعة،إلاّ أنّ..
ص: 572
له أهلا موافقة له في جميع أموره،و قد عاهدها أن لا يتزوج عليها،و لايتمتع،و لا يتسرى و قد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة و وفى بقوله،فربّماغاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع و لا تتحرك نفسه أيضا لذلك،و يرى أن وقوف من معه من أخ و ولد و غلام و وكيل و حاشية ممّا يقلله في أعينهم،و يحب المقام على ما هو عليه محبة لأهله و ميلا إليها،و صيانة لها و لنفسه،لا لتحريم المتعة(1)بل يدين اللّه بها،فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟
الجواب:يستحب له أن يطيع اللّه تعالى بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية و لو مرة واحدة(2).
و في كتاب آخر لمحمّد بن عبد اللّه الحميري إلى صاحب الزمان صلوات اللّه و سلامه عليه من جواب(3)مسائله التي سأله عنها،في سنة سبع و ثلاثمائة.
سأل عن المحرم:يجوز أن يشدّ الميزر من خلفه على عقبه بالطول،
ص: 573
و يرفع طرفيه إلى حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما،و يخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه و يرفعهما إلى خاصرته،و يشدّ طرفيه إلى وركيه،فيكون مثل السراويل يستر ما هناك،فان الميزر الأول كنّا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك،و هذا ستر؟
فأجاب عليه السّلام:جاز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثا بمقراظ و لا إبرة يخرجه به عن حد الميزر،و غرزه غرزا(1)و لم يعقده،و لم يشد بعضه ببعض،و إذا(2)غطّى سرته و ركبتيه كلاهما فان السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السّرة و الركبتين،و الأحب إليناو الأفضل لكل أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة للنّاس جميعا إن شاء اللّه.
و سأل:هل يجوز أن يشدّ عليه مكان العقد تكة؟
فأجاب عليه السّلام:لا يجوز شدّ الميزر بشي ء سواه من تكة و لا غيرها.
و سأل عن التوجه للصلاة أن يقول على ملّة إبراهيم و دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فان بعض أصحابنا ذكر:أنّه إذا قال على دين محمّد فقد أبدع،لأنّا لم نجده في شي ء من كتب الصّلاة خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم ابن محمّد عن جده عن الحسن بن راشد(3):ان الصّادق عليه السّلام قال للحسن:د.
ص: 574
كيف تتوجه؟
فقال:أقول لبّيك و سعديك.
فقال له الصّادق عليه السّلام:ليس عن هذا أسألك.كيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السّماوات و الأرض حنيفا مسلما؟
قال الحسن:أقوله.
فقال الصّادق عليه السّلام:إذا قلت ذلك فقل:على ملّة إبراهيم،و دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و منهاج علي بن أبي طالب عليه السّلام،و الايتمام بآل محمّد،حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين.
فأجاب عليه السّلام:التوجّه كلّه ليس بفريضة،و السنّة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه:وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض،حنيفا مسلما على ملّة إبراهيم و دين محمّد و هدي أميرالمؤمنين،و ما أنا من المشركين.إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه رب العالمين،لا شريك له و بذلك امرت و أنا من المسلمين اللّهم اجعلني من المسلمين،أعوذ باللّه السميع العليم من الشّيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم ثمّ تقرأ الحمد.
قال الفقيه الذي لا يشك في علمه:[إنّ](1)الدّين لمحمّد و الهدايةلعليّ أمير المؤمنين لأنها له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في عقبه باقية إلى يوم القيامة،فمن كان كذلك فهو من المهتدين،و من شكّ فلا دين له،و نعوذ».
ص: 575
باللّه من الضلالة بعد الهدى.
و سأله:عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه،[يجوز](1)أن يرديديه على وجهه و صدره للحديث الذي روي:«أن اللّه عزّ و جلّ أجلّ من أن يرد يدي عبده صفرا بل يملأها من رحمته»أم لا يجوز؟فان بعض أصحابناذكر أنّه عمل في الصّلاة.
فأجاب عليه السّلام:ردّ اليدين من القنوت على الرأس و الوجه غير جائزفي الفرائض.و الذي عليه العمل فيه،إذا رفع يده في قنوت الفريضة و فرغ من الدعاء ان يرد بطن راحتيه على صدره(2)تلقاء ركبتيه على تمهل،و يكبّر و يركع،و الخبر صحيح و هو في نوافل النّهار و الليل دون الفرائض،و العمل به فيها أفضل.
و سأل:عن سجدة الشكر بعد الفريضة،فان بعض أصحابنا ذكر أنّهابدعة فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟و إن جاز ففي صلاةالمغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟
فأجاب عليه السّلام:سجدة الشكر من ألزم السنن و أوجبها،و لم يقل أن هذه السجدة بدعة إلاّ من أراد أن يحدث في دين اللّه بدعة.
فأمّا الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب و الاختلاف في أنّها بعدالثلاث أو بعد الأربع فان فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض على الدعاء..
ص: 576
بعقيب النوافل(1)كفضل الفرائض على النوافل،و السجدة دعاء و تسبيح فالأفضل أن يكون بعد الفرض فان جعلت بعد النوافل أيضا جاز.
و سأل:إنّ لبعض إخواننا ممّن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعةخراب للسلطان فيها حصة و اكرته بما زرعوا حدودها و توذيهم عمال السلطان و يتعرضون في الكل من غلات ضيعته،و ليس لها قيمة لخرابهاو إنّما هي بائرة منذ عشرين سنة،و هو يتحرّج(2)من شرائها لأنّه يقال انّ هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديما للسلطان،فان جاز شراؤها من السلطان،و كان ذلك صوابا،كان ذلك صونا و صلاحاو عمارة لضيعته،و انّه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة بفضل(3)ماءضيعته العامرة،و ينحسم عنه طمع أولياء السلطان،و إن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء اللّه تعالى؟
فأجاب عليه السّلام:الضيعة لا يجوز ابتياعها إلاّ من مالكها أو بأمره أورضاء منه(4).
و سأل:عن رجل استحل بامرأة خارجة من حجابها،و كان يحترزمن أن يقع[له](5)ولد فجاءت بابن،فتحرّج الرجل أن لا يقبله فقبله و هو».
ص: 577
شاك فيه،و جعل يجري النفقة على أمّه و عليه حتّى ماتت الأمّ،و هو ذايجري عليه غير انّه شاك فيه ليس يخلطه بنفسه،فان كان ممّن يجب أن يخلطه بنفسه و يجعله كساير ولده فعل ذلك و إن جاز أن يجعل له شيئا من ماله دون حقّه فعل؟
فأجاب عليه السّلام:الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه،و الجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحا ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء اللّه.
و سأله الدعاء له فخرج الجواب:
جاد اللّه عليه بما هو جلّ و تعالى أهله،إيجابنا لحقّه،و رعايتنا لأبيه رحمه اللّه و قربه منّا،و قد رضينا بما علمناه من جميل نيّته،و وقفنا عليه من مخاطبته(1)،المقرّبة له من اللّه التي ترضي اللّه عزّ و جلّ و رسوله و أولياءه عليهم السّلام،و الرحمة بما بدأنا نسأل اللّه بمسألته ما أمّله من كل خير عاجل و آجل،و ان يصلح له من أمر دينه و دنياه ما يحب صلاحه،إنّه وليّ قدير(2).ظ.
ص: 578
و كتب إليه صلوات اللّه عليه أيضا في سنة ثمان و ثلاثمائة كتابا سأله فيه عن مسائل أخرى كتب فيه:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
أطال اللّه بقاءك و أدام عزّك و كرامتك و سعادتك و سلامتك،و أتمّ نعمته عليك،و زاد في إحسانه إليك،و جميل مواهبه لديك،و فضله عليك،و جزيل قسمه لك و جعلني من السوء كلّه فداك،و قدمني قبلك.
إنّ قبلنا مشايخ و عجايز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة و أكثر،و يصلون بشعبان و شهر رمضان.
و روى لهم بعض أصحابنا:أن صومه معصية؟
فأجاب عليه السّلام:قال الفقيه:يصوم منه أيّاما إلى خمسة عشر يوما ثمّ يقطعه،إلاّ أن يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة،للحديث(1):«انّ نعم شهرالقضاء رجب».
و سأل:عن رجل يكون في محمله و الثلج كثير بقامة رجل،فيتخوف إن نزل الغوص فيه،و ربما يسقط الثلج و هو على تلك الحال(2)و لا يستوي
ص: 579
له أن يلبد(1)شيئا منه لكثرته و تهافته،هل يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة؟فقد فعلنا ذلك أيّاما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:لا بأس به عند الضرورة و الشدة.
و سأل:عن الرجل يلحق الإمام و هو راكع فيركع معه و يحتسب تلك الركعة.فإن بعض أصحابنا قال:إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة؟
فأجاب عليه السّلام:إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحةواحدة إعتد بتلك الركعة و إن لم يسمع تكبيرة الركوع.
و سأل:عن رجل صلّى الظهر و دخل في صلاة العصر،فلمّا أن صلّى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين،كيف يصنع؟
فأجاب عليه السّلام:إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بهاالصّلاة أعاد الصلاتين،و إن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الآخرتين تتمّة لصلاة الظهر،و صلّى العصر بعد ذلك.
و سأل:عن أهل الجنّة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:إنّ الجنّة لا حمل فيها للنّساء و لا ولادة،و لا طمث و لا نفاس و لا شقاء بالطفولية،و فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين،كما9.
ص: 580
قال سبحانه(1)،فإذا(2)اشتهى المؤمن ولدا خلقه اللّه عزّ و جلّ بغير حمل و لا ولادة على الصورة التي يريد،كما خلق آدم عبرة.
و سأل:عن رجل تزوج امرأة بشي ء معلوم إلى وقت معلوم،و بقي له عليها وقت،فجعلها في حلّ ممّا بقي له عليها و قد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيّامها بثلاثة أيّام،أ يجوز أن يتزوجها رجل آخر بشي ءمعلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة،أو يستقبل بها حيضةأخرى؟
فأجاب عليه السّلام:يستقبل حيضة غير تلك الحيضة،لأن أقلّ تلك العدة(3)حيضة و طهرة تامّة.
و سأل:عن الأبرص و المجذوم و صاحب الفالج هل يجوز شهادتهم فقد روي لنا أنّهم لا يؤمون الأصحاء.
فأجاب عليه السّلام:إن كان ما بهم حادثا جازت شهادتهم،و إن كان ولادة لم تجز.
و سأل:هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته؟
فأجاب عليه السّلام:إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز،و إن لم تكن ربيت في حجره و كانت أمها في غير حباله(4)فقد روي:أنّه جائز.).
ص: 581
و سأل:هل يجوز أن يتزوج بنت ابنة امرأة ثمّ يتزوج جدّتها بعد ذلك أم لا يجوز؟
فأجاب عليه السّلام:قد نهي عن ذلك.
و سأل:عن رجل ادّعى على رجل ألف درهم و أقام به البيّنة العادلة،و ادّعى عليه أيضا خمسمائة درهم في صك آخر،و له بذلك كلّه بيّنة عادلة،و ادّعى عليه أيضا ثلاثمائة درهم في صك آخر،و مائتي درهم في صك آخر،و له بذلك كلّه بيّنة عادلة.و يزعم المدّعى عليه أنّ هذه الصكاك كلّها قددخلت في الصّك الذي بألف درهم،و المدعي منكر أن يكون كما زعم،فهل يجب عليه الألف الدرهم مرّة واحدة أو يجب عليه كما(1)يقيم البيّنة به؟و ليس في الصكاك استثناء إنّما هي صكاك على وجهها.
فأجاب عليه السّلام:يؤخذ من المدّعى عليه ألف درهم مرّة واحدة و هي التي لا شبهة فيها،و يرد اليمين في الألف الباقي على المدعي فان نكل فلاحقّ له.
و سأل عن طين القبر:يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:يوضع مع الميت في قبره،و يخلط بحنوطه إن شاءاللّه.
و سأل فقال:روي لنا عن الصّادق عليه السّلام انّه كتب على أزاره.
ص: 582
إسماعيل إبنه:«إسماعيل يشهد:أن لا إله إلاّ اللّه»،فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك.
و سأل:هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر،و هل فيه فضل؟
فأجاب عليه السّلام:يسبح به(1)فما من شي ء من التسبيح أفضل منه،و من فضله أنّ الرجل ينسى التسبيح و يدير السبحة فيكتب له التسبيح.
و سأل:عن السجدة على لوح من طين القبر،و هل فيه فضل؟
فأجاب:يجوز ذلك و فيه الفضل.
و سأل:عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السّلام،هل يجوز أن يسجدعلى القبر أم لا؟و هل يجوز لمن صلّى عند بعض قبورهم عليهم السّلام أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة،أم يقوم عند رأسه أو رجليه؟و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلي و يجعل القبر خلفه أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:أمّا السّجود على القبر،فلا يجوز فى نافلة و لافريضة و لا زيارة،و الذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر.
و أمّا الصّلاة فانها خلفه،و يجعل القبر أمامه،و لا يجوز أن يصلّي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره،لأنّ الإمام عليه السّلام لا يتقدّم و لا يساوى.
و سأل فقال:هل يجوز للرّجل إذا صلّى الفريضة أو النافلة و بيده السبحة أن يديرها و هو في الصّلاة؟ه.
ص: 583
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك إذا خاف السهو و الغلط.
و سأل:هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبح،أو لا يجوز؟
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك و الحمد للّه[ربّ العالمين](1).
و سأل فقال:روي عن الفقيه عليه السّلام في بيع الوقوف خبر مأثور:«إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم،فاجتمع أهل الوقف على بيعه و كان ذلك اصلح،لهم أن يبيعوه»و هل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع،أم لا يجوز إلاّ أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟
فأجاب عليه السّلام:إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه،و إن كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرّقين إن شاء اللّه.
و سأل:هل يجوز للمحرم أن يصيّر على ابطه المرتك أو التوتيا(2)لريح العرق أم لا يجوز؟
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك و باللّه التوفيق.
و سأل:عن الضّرير إذا أشهد في حال صحته على شهادة،ثمّ كفّ8.
ص: 584
بصره و لا يرى خطه فيعرفه،هل تجوز شهادته،أم لا؟و إن ذكر هذا الضريرالشّهادة،هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟
فأجاب عليه السّلام:إذا حفظ الشهادة و حفظ الوقت،جازت شهادته.
و سأل:عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة و يشهد على نفسه بأسم بعض وكلاء الوقف،ثمّ يموت هذا الوكيل أو يتغيّر امره و يتولّى غيره(1)،هل يجوز أن يشهد الشّاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلك؟
فأجاب عليه السّلام:لا يجوز غير ذلك،لأنّ الشهادة لم تقم للوكيل و إنّما قامت للمالك و قد قال اللّه تعالى:«وَ أَقِيمُوا اَلشَّهََادَةَ لِلََّهِ»(2).
و سأل:عن الركعتين الأخيرتين(3)قد كثرت فيهما الروايات فبعض يروي:أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل،و بعض يروي:أنّ التسبيح فيهما أفضل،فالفضل لأيّهما لنستعمله؟
فأجاب عليه السّلام:قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح،و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السّلام:كل صلاة لا قراءة فيهان.
ص: 585
فهي خداج(1)إلاّ للعليل(2)،أو يكثر عليه السهو فيتخوّف بطلان الصّلاةعليه.
و سأل فقال:يتّخذ عندنا رب الجوز لوجع الحلق و البحبحة،يؤخذالجوز الرطب من قبل أن ينعقد و يدق دقا ناعما،و يعصر ماؤه و يصفى و يطبخ على النصف و يترك يوما و ليلة ثمّ ينصب على النّار،و يلقى على كل ستة أرطال منه رطل عسل و يغلى و ينزع رغوته،و يسحق من النوشادرو الشب اليماني(3)من كل واحدة نصف مثقال و يداف(4)بذلك الماء،و يلقى فيه درهم زعفران مسحوق،و يغلى و يؤخذ رغوته و يطبخ حتّى يصيرمثل العسل ثخينا،ثمّ ينزل عن النّار و يبرد و يشرب منه،فهل يجوز شربه أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:إذا كان كثيره يسكر أو يغيّر،فقليله و كثيره حرام،و إن كان لا يسكر فهو حلال.
و سأل:عن الرجل تعرض له الحاجة ممّا لا يدري أن يفعلها أم لا،فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما:(نعم افعل)و في الآخر:(لا تفعل)1.
ص: 586
فيستخير اللّه مرارا،ثمّ يرى فيهما،فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج،فهل يجوز ذلك أم لا؟و العامل به و التارك له أ هو مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟
فأجاب عليه السّلام:الذي سنّه العالم عليه السّلام في هذه الاستخارة بالرقاع و الصّلاة.
و سأل:عن صلاة جعفر بن أبي طالب عليهما السّلام في أي أوقاتها أفضل أن تصلّى فيه،و هل فيها قنوت؟و إن كان ففي أي ركعة منها؟
فأجاب عليه السّلام:أفضل أوقاتها صدر النّهار من يوم الجمعة،ثمّ في أي الأيام شئت،و أي وقت صلّيتها من ليل أو نهار فهو جائز،و القنوت فيها مرّتان:في الثانية قبل الركوع،و في الرابعة(1).
و سأل:عن الرجل ينوي إخراج شي ء من ماله و أن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثمّ يجد في أقربائه محتاجا،أ يصرف ذلك عمّن نواه له إلى قرابته؟(2)
فأجاب عليه السّلام:يصرفه إلى أدناهما و أقربهما من مذهبه،فان ذهب إلى قول العالم عليه السّلام:«لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج»(3)فليقسما.
ص: 587
بين القرابة و بين الذي نوى حتّى يكون قد أخذ بالفضل كلّه.
و سأل فقال:قد اختلف أصحابنا في مهر المرأة.فقال بعضهم:إذادخل بها سقط عنه المهر و لا شي ء عليه(1).و قال بعضهم:هو لازم(2)في الدنيا و الآخرة،فكيف ذلك؟و ما الذي يجب فيه؟
فأجاب عليه السّلام:إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا و الآخره،و إن كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق(3)سقط إذا دخل بها،و إن لم يكن عليه كتاب،فإذا دخل بها سقط باقي الصداق(4).ى.
ص: 588
و سأل فقال:روي لنا عن صاحب العسكر عليه السّلام أنّه سئل عن الصّلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع:يجوز،و روي عنه أيضا:انّه لا يجوز،فأيّ الخبرين نعمل به؟
فأجاب عليه السّلام:إنّما حرّم في هذه الأوبار و الجلود فأمّا الأوباروحدها فكل حلال.
و قد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصّادق عليه السّلام:لا يصلّى في الثعلب و لا في الأرنب،و لا في الثوب الذي يليه،فقال عليه السّلام:إنّما عنى الجلود دون غيرها.
و سأل فقال:يتّخذ باصفهان ثياب عنابية(1)على عمل الوشي(2)من قز و إبريسم(3)هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:لا تجوز الصلاة إلاّ في ثوب سداه أو لحمته(4)قطن أو كتان.
و سأل:عن المسح على الرجلين،بأيّهما يبدأ،باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا؟4.
ص: 589
فأجاب عليه السّلام:يمسح عليهما جميعا(1)معا فان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبتدى ء إلاّ باليمين.
و سأل:عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن تصلى أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك.
و سأل:عن تسبيح فاطمة عليها السّلام من سها فجاز التكبير أكثر من أربع و ثلاثين،هل يرجع إلى أربع و ثلاثين أو يستأنف؟و إذا سبح تمام سبعة و ستين هل يرجع إلى ستة و ستين أو يستأنف؟و ما الذي يجب في ذلك؟
فأجاب عليه السّلام:إذا سها في التكبير حتّى تجاوز أربع و ثلاثين عادإلى ثلاث و ثلاثين و يبنى عليها،و إذا سها في التسبيح فتجاوز سبعا.و ستين تسبيحة عاد إلى ستة و ستين و بنى عليها،فإذا جاوز التحميد مائةفلا شي ء عليه(2).ي.
ص: 590
و عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميرى انّه قال:خرج التوقيع من النّاحية المقدسة حرسها اللّه تعالى-بعد المسائل-:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
لا لأمر اللّه تعقلون،و لا من أوليائه تقبلون،حكمة بالغة فما تغني[النذر](1)عن قوم لا يؤمنون.
السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين.
إذا أردتم التوجّه بنا إلى اللّه و إلينا،فقولوا كما قال اللّه تعالى:
«سَلاََمٌ عَلى ََ إِلْ يََاسِينَ»(2).
ص: 591
السّلام عليك يا داعي اللّه و ربّاني آياته.
السّلام عليك يا باب اللّه و ديّان دينه.
السّلام عليك يا خليفة اللّه و ناصر حقّه.
السّلام عليك يا حجّة اللّه و دليل إرادته.
السّلام عليك يا تالي كتاب اللّه و ترجمانه.
السّلام عليك في آناء ليلك و أطراف نهارك.
السّلام عليك يا بقيّة اللّه في أرضه.
السّلام عليك يا ميثاق اللّه الذي أخذه و وكده.
السّلام عليك يا وعد اللّه الذي ضمنه.
السّلام عليك أيّها العلم المنصوب و العلم المصبوب،و الغوث و الرحمة الواسعة وعدا غير مكذوب.
السّلام عليك حين تقوم،السّلام عليك حين تقعد.
السّلام عليك حين تقرأ و تبيّن.
السّلام عليك حين تصلي و تقنت.
السّلام عليك حين تركع و تسجد.
السّلام عليك حين تهلّل و تكبّر.
السّلام عليك حين تحمد و تستغفر.
ق-و روى أيضا أنّ عمر بن الخطّاب كان يقرأ:سلام على آل ياسين،قال أبو عبد الرّحمن السلمى-راوى الحديث-آل ياسين:آل محمّد عليهم السّلام-نفس المصدر،برقم 5.
ص: 592
السّلام عليك حين تصبح و تمسي.
السّلام عليك في اللّيل إذا يغشى و النّهار إذا تجلّى.
السّلام عليك أيّها الإمام المأمون.
السّلام عليك أيّها المقدّم المأمول.
السّلام عليك بجوامع السّلام.
أشهدك يا مولاي أنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أن محمّدا عبده و رسوله لا حبيب إلاّ هو و أهله،و أشهد أن أمير المؤمنين حجّته،و الحسن حجّته،و الحسين حجّته،و علي بن الحسين حجّته،و محمّد بن علي حجّته،و جعفر بن محمّد حجّته،و موسى بن جعفر حجّته،و علي بن موسى حجّته،و محمّد بن علي حجّته،و علي بن محمّد حجّته،و الحسن بن علي حجّته،و أشهد أنّك حجّة اللّه.
أنتم الأول و الآخر،و أنّ رجعتكم حقّ لا شكّ فيها،يوم لا ينفع نفساإيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا،و أن الموت حقّ،و أن ناكرا و نكيرا حقّ،و أشهد أن النشر و البعث حقّ،و أن الصراطو المرصاد حقّ،و الميزان و الحساب حقّ،و الجنّة حقّ و النّار حقّ،و الوعدو الوعيد بهما حقّ.
يا مولاي!شقي من خالفكم و سعد من أطاعكم.
فاشهد عليّ ما أشهدتك عليه،و أنا ولي لك برى ء من عدوك،فالحقّ ما رضيتموه،و الباطل ما سخطتموه،و المعروف ما أمرتم به،و المنكر مانهيتم عنه فنفسي مؤمنة باللّه وحده لا شريك له،و برسوله،و بأمير
ص: 593
المؤمنين،و بأئمّة المؤمنين و بكم يا مولاي أولكم و آخركم،و نصرتي معدةلكم،و مودّتي خالصة لكم آمين آمين.
الدعاء عقيب هذا القول:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
اللّهم إنّي اسألك أن تصلي على محمّد نبيّ رحمتك و كلمة نورك،و أن تملأ قلبي نور اليقين،و صدري نور الإيمان،و فكري نور الثبات،و عزمي نور العلم،و قوتي نور العمل،و لساني نور الصدق،و ديني نورالبصائر من عندك،و بصري نور الضياء،و سمعي نور وعي الحكمة،و مودّتي نور الموالاة لمحمّد و آله عليهم السّلام،حتّى ألقاك و قد وفيت بعهدك و ميثاقك،فتسعني(1)رحمتك يا وليّ يا حميد.
اللّهم صلّ على(2)حجتّك في أرضك،و خليفتك في بلادك،و الدّاعي إلى سبيلك و القائم بقسطك،و الثائر بأمرك،ولي المؤمنين،و بوارالكافرين،و مجلي الظلمة و منير الحقّ،و الساطع بالحكمة و الصدق،و كلمتك التامّة في أرضك،المرتقب الخائف و الولي الناصح،سفينةالنجاة،و علم الهدى،و نور أبصار الورى،و خير من تقمّص و ارتدى،و مجلي العمى،الذى يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جوراإنّك على كل شي ء قدير...
ص: 594
اللّهم صلّ على وليك و ابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم،و أوجبت حقّهم و اذهبت عنهم الرجس و طهرتهم تطهيرا.
اللّهم انصر و انتصر به أولياءك و أولياءه،و شيعته و انصاره و اجعلنامنهم.
اللّهم أعذه من شرّ كل باغ و طاغ،و من شرّ جميع خلقك،و احفظه من بين يديه و من خلفه،و عن يمينه و عن شماله،و احرسه،و امنعه،من أن يوصل إليه بسوء و احفظ فيه رسولك و آل رسولك،و أظهر به العدل و أيده بالنصر،و أنصر ناصريه و اخذل خاذليه،و اقصم به جبابرة الكفرة(1)،و اقتل به الكفار و المنافقين و جميع الملحدين،حيث كانوا في(2)مشارق الأرض و مغاربها،برّها و بحرها،و املأ به الأرض عدلا،و أظهر به دين نبيك،و اجعلني اللّهم من أنصاره و أعوانه،و أتباعه و شيعته،و أرني في آل محمّد عليهم السّلام ما يأملون،و في عدوهم ما يحذرون إله الحقّ آمين يا ذاالجلال و الإكرام،يا أرحم الراحمين(3).ا-
ص: 595
ذكر كتاب ورد من الناحية المقدّسة-حرسها اللّه ورعاها-في أيّام ق-الشيخ الأمين أبو عبد اللّه:الحسين بن أحمد بن محمّد بن علي بن طحّال المقدادي رحمه اللّه بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في الطرز الكبيرالذي عند رأس الإمام عليه السّلام في العشر الأواخر من ذي الحجّة سنة تسع و ثلاثين و خمس مأة،قال:حدّثنا الشيخ الأجلّ المفيد أبو علي الحسن بن محمّد الطوسي بالمشهد المذكور على صاحبه أفضل السّلام في الطرز المذكور في العشر الأواخر من ذي القعدة سنة تسع و خمس مأة.
قال:حدّثنا السيّد السعيد الوالد أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رضي اللّه عنه،عن محمّد بن إسماعيل،عن محمّد بن أشناس البزاز،قال:أخبرنا أبو الحسين:محمّد بن أحمد بن يحيى القمّي،قال:حدّثنا محمّد بن علي بن زنجويه القمّي،قال:حدّثنا أبوجعفر:محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري.
قال أبو علي:الحسن بن أشناس:و أخبرنا أبو المفضّل:محمّد بن عبد اللّه الشيباني أنّ أبا جعفر محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري أخبره و أجاز له جميع ما رواه أنّه خرج إليه من الناحية المقدّسة حرسها اللّه بعد المسائل!و الصّلاة و التوجّه أوّله:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،لا لأمر اللّه تعقلون...
و اعلم أن العلاّمة المجلسي قدّس اللّه سرّه نقل هذه التوقيعات-التي مرت برقم:356و 357 و 358-في بحار الأنوار 53/159 إلى 173 متواليا،و قال في ذيل الأخير بعد نقل السند المذكور ما هذا نصّه:«و إنّما أوردنا سنده هاهنا ليعلم أسانيد تلك التوقيعات».و نقل التوقيع الأخير أيضا في بحار الأنوار 91/36.
ص: 596
بقيت من صفر سنة عشر و أربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النّعمان قدّس اللّه روحه و نوّر ضريحه،ذكر موصله أنّه يحمله(1)من ناحية متصلة بالحجار،نسخته:
للأخ السديد،و الولي الرشيد،الشيخ المفيد،أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النّعمان أدام اللّه اعزازه،من مستودع العهد المأخوذ على العباد.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
أمّا بعد:سلام عليك(2)أيّها الوليّ المخلص في الدّين،المخصوص فينا باليقين فانّا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو،و نسأله الصلاة على سيدنا و مولانا و نبيّنا محمّد و آله الطاهرين،و نعلمك-أدام اللّه توفيقك لنصرة الحقّ،و أجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق-:انّه قد اذن لنا في تشريفك بالمكاتبة،و تكليفك فيها بما تؤديه عنّا إلى موالينا قبلك،أعزّهم اللّه بطاعته،و كفاهم المهم برعايته لهم و حراسته فقف أيدك اللّه بعونه على أعدائه المارقين عن دينه(3)على ما نذكره،و أعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء اللّه تعالى.
نحن و إن كنّا ثاوين(4)بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين،حسب الذي اراناه اللّه تعالى لنا من الصلاح و لشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامتن.
ص: 597
دولة الدنيا للفاسقين فإنّا نحيط علما بأنبائكم،و لا يعزب عنّا شي ء من أخباركم،و معرفتنا بالإذلال الذي(1)أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ماكان السلف الصالح عنه شاسعا(2)،و نبذوا العهد المأخوذ منهم وراءظهورهم كأنّهم لا يعلمون.
إنّا غير مهملين لمراعاتكم،و لا ناسين لذكركم،و لو لا ذلك لنزل بكم اللأواء(3)و اصطلمكم الأعداء(4)فاتّقوا اللّه جلّ جلاله و ظاهرونا على انتياشكم(5)من فتنة[نونسها](6)قد انافت عليكم(7)يهلك فيها من حم أجله(8)و يحمى عنها من أدرك أمله،و هي إمارة لازوف حركتنا(9)و مباثتكم بأمرنا و نهينا،و اللّه متمّ نوره و لو كره المشركون.
اعتصموا بالتقية!من شب نار الجاهلية يحششها(10)عصب اموية،1.
ص: 598
يهول بها فرقة مهديّة،أنا زعيم بنجاة من لم يرم[منكم](1)فيها المواطن الخفيّة،و سلك في الظعن(2)منها السبل المرضية،إذا حلّ جمادي الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه و استيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه.
ستظهر لكم من السّماء آية جلية،و من الأرض مثلها بالسوية،و يحدث في أرض المشرق ما يحزن و يقلق،و يغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق،تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق،ثمّ تنفرج الغمّة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار،ثمّ يسرّ بهلاكه المتّقون الأخيار،و يتفق لمريدي الحجّ من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم و اتفاق،و لنا في تيسير حجّهم على الاختيار منهم و الوفاق شأن يظهر على نظام و اتساق.
فليعمل كل امرء منكم بما يقرب به من محبتنا،و ليتجنب(3)مايدنيه من كراهتنا و سخطنا فانّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة و لا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة(4)و اللّه يلهمكم الرشد،و يلطف لكم في التّوفيق برحمته.ن.
ص: 599
نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السّلام:
هذا كتابنا إليك أيّها الأخ الوليّ،و المخلص في ودّنا الصفيّ و الناصر لنا الوفي حرسك اللّه بعينه التي لا تنام،فاحتفظ به!(1)و لا تظهرعلى خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا!و أدّ ما فيه إلى من تسكن إليه،و أوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء اللّه،و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين(2).
و ورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات اللّه عليه،يوم الخميس الثالث و العشرين من ذي الحجّة،سنة اثنتي عشرة و أربعمائة.نسخته:من عبد اللّه المرابط في سبيله إلى ملهم الحقّ و دليله.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سلام اللّه عليك أيّها النّاصر للحقّ،الدّاعي إليه بكلمة الصدق،فانانحمد اللّه إليك الذي لا إله إلاّ هو،إلهنا و إله آبائنا الأولين،و نسأله الصلاةعلى نبيّنا و سيدنا و مولانا محمّد خاتم النبيّين،و على أهل بيته الطاهرين.
و بعد:فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك اللّه بالسبب الذي وهبه اللّه
ص: 600
لك من أوليائه،و حرسك به من كيد أعدائه،و شفعنا ذلك الآن من مستقر لناينصب في شمراخ(1)،من بهماء(2)صرنا إليه آنفا من غماليل(3)ألجأناإليه السباريت(4)من الإيمان و يوشك أن يكون هبوطنا منه إلى صحصح(5)من غير بعد من الدهر و لا تطاول من الزمان و يأتيك نبأ منا بمايتجدد لنا من حال،فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال،و اللّه موفقك لذلك برحمته،فلتكن حرسك اللّه بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تبسل(6)نفوس قوم حرثت(7)باطلا لاسترهاب المبطلين و يبتهج لدمارها المؤمنون،و يحزن لذلك المجرمون...
ص: 601
و آية حركتنا من هذه اللوثة(1)حادثة بالحرم المعظّم من رجس منافق مذمم،مستحل للدم المحرم،يعمد بكيده أهل الإيمان و لا يبلغ بذلك غرضه من الظلم لهم و العدوان،لأنّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لايحجب عن ملك الأرض و السّماء،فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب،و ليثقوا بالكفاية منه،و ان راعتهم بهم الخطوب(2)و العاقبة بجميل صنع اللّه سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب.
و نحن نعهد إليك أيّها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين،أيدك اللّه بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصّالحين،انّه من اتّقى ربه من إخوانك في الدّين و اخرج ممّا عليه إلى مستحقيه،كان آمنا من الفتنةالمطلة(3)،و محنها المظلمة المظلة،و من بخل منهم بما أعاره اللّه من نعمته على من أمره بصلته،فانّه يكون خاسرا بذلك لأولاه و آخرته،و لو أن أشياعنا وفّقهم اللّه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا،و لتعجلت لهم السّعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة و صدقها منهم بنا،فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتصل بنا ممّا نكرهه و لا نؤثره منهم،و اللّه المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل،و صلواته على سيّدنا البشير النذير محمّد و آله الطاهرين و سّلم.ة.
ص: 602
و كتب في غرّة شوال من سنة اثنتي عشرة و أربعمائة نسخة التوقيع باليد العليا صلوات اللّه على صاحبها:
هذا كتابنا إليك أيّها الولي الملهم للحقّ العليّ،بإملائنا و خطّثقتنا،فاخفه عن كل أحد،و اطوه و اجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم اللّه تعالى ببركتنا و دعائنا إن شاء اللّه.
و الحمد للّه و الصلاة على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين(1).6.
ص: 603
ص: 604
ص: 605
ص: 606
حدّث الشيخ أبو علي الحسن بن معمّر الرقي(1)بالرملة في شوال سنة ثلاث و عشرين و أربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النّعمان رضي اللّه عنه أنّه قال:
رأيت في المنام سنة من السنين كأنّي قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير،فقلت:
ما هذا؟
قالوا:هذه حلقة فيها رجل يعظ(2).
فقلت:من هو؟
قالوا:عمر بن الخطّاب.
ص: 607
ففرّقت النّاس و دخلت الحلقة،فإذا أنا برجل يتكلّم على النّاس بشي ءلم أحصله،فقطعت عليه الكلام،و قلت:
أيّها الشّيخ!أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكرعتيق بن أبي قحافة من قول اللّه تعالى:«ثََانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُمََا فِي اَلْغََارِ»(1)؟
فقال:وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع:
الأول:ان اللّه تعالى ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكر أبا بكر فجعله ثانيه،فقال:«ثََانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُمََا فِي اَلْغََارِ».
و الثاني:أنّه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد،لتأليفه(2)بينهمافقال:«إِذْ هُمََا فِي اَلْغََارِ».
و الثالث:انّه أضافه إليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة،فقال:«إِذْ يَقُولُ لِصََاحِبِهِ».
و الرابع:انّه أخبر عن شفقة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليه و رفقه به لموضعه عنده فقال:«لاََ تَحْزَنْ».
و الخامس:انّه أخبر أنّ اللّه معهما على حد سواء،ناصرا لهما و دافعاعنهما فقال:«إِنَّ اَللََّهَ مَعَنََا».
و السادس:أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم تفارقه السكينة قطّ،فقال:«فَأَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ»...
ص: 608
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار،لا يمكنك و لا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له:قد حبرت(1)كلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه،و انّي بعون اللّه سأجعل جميع ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
أما قولك:ان اللّه تعالى ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و جعل أبا بكرثانيه،فهو إخبار عن العدد،لعمري لقد كانا اثنين،فما في ذلك من الفضل؟!و نحن نعلم ضرورة أن مؤمنا و مؤمنا،أو مؤمنا و كافرا،أو كافراو كافرا،اثنان فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.
و أمّا قولك:انّه وصفهما بالاجتماع في المكان،فانّه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن و الكافر كما يجمع العدد المؤمنين و الكفار،و أيضا:فان مسجد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أشرف من الغار،و قد جمع المؤمنين و المنافقين و الكفار،و في ذلك قوله عزّ و جلّ:«فَمََا لِ اَلَّذِينَ كَفَرُواقِبَلَكَ مُهْطِعِينَ*`عَنِ اَلْيَمِينِ وَ عَنِ اَلشِّمََالِ عِزِينَ»(2)و أيضا:فان سفينة نوح قد جمعت النّبي و الشّيطان و البهيمة و الكلب،و المكان لا يدل على ماأوجبت من الفضيلة،فبطل فضلان.7.
ص: 609
و أمّا قولك:انّه أضافه إليه بذكر الصحبة،فانّه أضعف من الفضلين الأوّلين،لأن اسم الصحبة يجمع المؤمن و الكافر(1)،و الدليل على ذلك قوله تعالى:«قََالَ لَهُ صََاحِبُهُ وَ هُوَ يُحََاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرََابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوََّاكَ رَجُلاً»(2)و أيضا:فان اسم الصحبة يطلق بين العاقل و البهيمة،و الدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم،فقال اللّه عزّ و جلّ:«وَ مََا أَرْسَلْنََا مِنْ رَسُولٍ إِلاََّ بِلِسََانِ قَوْمِهِ»(3)أنّهم سمّوا الحمار صاحبا فقالوا:
ان الحمار مع الحمار مطية فإذا خلوت به فبئس الصاحب و أيضا:قد سمّوا الجماد مع الحي صاحبا،قالوا ذلك في السّيف فقالوا شعرا:
زرت هندا و ذاك غير اختيان و معي صاحب كتوم اللسان يعني:السّيف،فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن و الكافر،و بين العاقل و البهيمة،و بين الحيوان و الجماد،فأيّ حجّة لصاحبك فيه؟!
و أمّا قولك:انّه قال:«لاََ تَحْزَنْ»فانّه و بال عليه و منقصة له،و دليل على خطائه،لأن قوله:«لاََ تَحْزَنْ»نهي،و صورة النهي قول القائل:(لاتفعل)فلا يخلو إمّا أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية،فان4.
ص: 610
كان(طاعة)فان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بهاو يدعو إليها،و إن كان(معصية)فقد نهاه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنها،و قدشهدت الآية بعصيانه بدليل انّه نهاه.
و أمّا قولك:انّه قال:«إِنَّ اَللََّهَ مَعَنََا»فان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قدأخبر أن اللّه معه،و عبّر عن نفسه بلفظ الجمع،كقوله:«إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَااَلذِّكْرَ وَ إِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ»(1)و قد قيل أيضا في هذا:ان أبا بكر قال:«يارسول اللّه!حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه»فقال له النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لاََ تَحْزَنْ إِنَّ اَللََّهَ مَعَنََا»،أي:معي و مع أخي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
و أمّا قولك:إنّ السّكينة نزلت على أبي بكر،فانّه ترك للظّاهر لأنّ الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده بالجنود،كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله:
«فَأَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهََا»(2)فان كان أبوبكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود،و في هذا إخراج النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3)من النبوة على أن هذا الموضع لو كتمته على صاحبك كان خيرا له لأنّ اللّه تعالى أنزل السكينة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيم.
ص: 611
موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها،فقال-في أحد الموضعين-:«فَأَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلى ََ رَسُولِهِ وَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَاَلتَّقْوى ََ»(1)و قال في الموضع الآخر:«ثُمَّ أَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلى ََ رَسُولِهِ وَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهََا»(2)و لما كان في هذا الموضع خصّه وحده بالسكينة فقال:«فَأَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ»فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين،فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان،فلم يحر جوابا و تفرق النّاس و استيقظت من نومي(3).
دخل أبو العلاء المعري على السيد المرتضى قدّس اللّه روحه فقال له:أيّها السيد!ما قولك في الكل؟
ص: 612
قال السيد:ما قولك في الجزء؟
فقال:ما قولك في الشعرى؟
فقال:ما قولك في التدوير؟
قال:ما قولك في عدم الانتهاء؟
قال:ما قولك في التحيز و الناعورة؟(1)
فقال:ما قولك في السبع؟
فقال:ما قولك في الزايد البري على السبع؟(2)
فقال:ما قولك في الأربع؟
فقال:ما قولك في الواحد و الاثنين؟
فقال:ما قولك في المؤثر؟
فقال:ما قولك في المؤثرات؟
فقال:ما قولك في النحسين؟
فقال:ما قولك في السعدين؟فبهت أبو العلاء.
(قال):فقال السيد المرتضى قدّس اللّه روحه-عند ذلك-:ألا كل ملحدملهد!
فقال أبو العلاء:من أين أخذته؟ع.
ص: 613
قال:من كتاب اللّه«يََا بُنَيَّ لاََ تُشْرِكْ بِاللََّهِ إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»(1).
و قام و خرج فقال السيّد رضي اللّه عنه:قد غاب عنّا الرجل و بعد هذا لايرانا.
فسئل السيد رحمه اللّه عن شرح(2)هذه الرموز و الإشارات فقال:
سألني عن الكل،و عنده الكل قديم،و يشير بذلك إلى عالم سمّاه(العالم الكبير)فقال لي:ما قولك فيه؟أراد أنّه قديم.
فأجبته عن ذلك و قلت له:ما قولك في الجزء؟لأنّ عندهم الجزء(محدث)و هو متولّد عن(العالم الكبير)و هذا الجزء هو(العالم الصغير)عندهم و كان مرادي بذلك:انّه إذا صحّ أن هذا العالم محدث،فذلك الذي أشار إليه إن صح فهو محدث أيضا،لأن هذا من جنسه على زعمه،و الشي ءالواحد لا يكون بعضه قديما و بعضه محدثا،فسكت لمّا سمع ما قلته.
و أمّا الشعرى:أراد أنّها ليست من الكواكب السيارة.
فقلت له:ما قولك في التدوير؟أردت أن(الفلك)في التدويرو الدوران و الشعرى(3)لا يقدح في ذلك.
و اما عدم الانتهاء.أراد بذلك أن العالم لا ينتهي لأنّه قديم.ك.
ص: 614
فقلت له:قد صح عندي(التحيز و التدوير)و كلاهما يدلان على الانتهاء.
و امّا السبع:أراد بذلك(النجوم السيارة)التي هي عندهم ذوات الأحكام فقلت له:هذا باطل بالزايد البري الذي يحكم فيه بحكم لا يكون ذلك الحكم منوطا بهذه النجوم(1)السيارة التي هي:(الزهرة،و المشتري،و المريخ،و عطارد،و الشمس،و القمر،و زحل).
و أمّا الأربع أراد بها(الطبايع).
فقلت له:ما قولك في الطبيعة الواحدة النارية يتولد منها دابة بجلدهاتمس الأيدي ثمّ يطرح ذلك الجلد على النار فتحرق الزهومات،و يبقى الجلد صحيحا،لأنّ الدابة خلقها اللّه تعالى على طبيعة النّار،و النّار لاتحرق النار،و الثلج أيضا يتولّد فيه الديدان(2)و هو على طبيعة واحدة،و الماء في البحر على طبيعتين يتولّد منه السموك و الضفادع و الحيات و السلاحف و غيرها.و عنده لا يحصل الحيوان إلاّ بالأربع فهذا مناقض بهذا.
و أمّا المؤثر،أراد به(الزحل).
فقلت له:ما قولك في المؤثرات أردت بذلك:ان المؤثرات كلّهن عنده مؤثرات،فالمؤثر القديم كيف يكون مؤثرا؟!ن.
ص: 615
و أمّا النحسين:أراد بهما:انّهما من النّجوم السيارة،إذا اجتمعايخرج من بينهما سعد.
فقلت له:ما قولك في السعدين؟إذا اجتمعا يخرج من بينهما نحس،هذا حكم أبطله اللّه تعالى،ليعلم الناظر أن الأحكام لا يتعلق بالمسخرات،لأن الشاهد يشهد على أن(العسل و السكر)إذا اجتمعا لا يحصل منهماالحنظل و العلقم(1)،و الحنظل و العلقم إذا اجتمعا لا يحصل منهما(الدبس و السكر)هذا دليل على بطلان قولهم.
و أمّا قولي ألا كل ملحد ملهد،أردت:ان كل مشرك ظالم،لأن في اللغة:ألحد الرجل إذا عدل من الدّين(2)؛و ألهد إذا ظلم،فعلم أبو العلاءذلك فقال أخبرني عن علمه بذلك(3)،فقرأت:«يََا بُنَيَّ لاََ تُشْرِكْ بِاللََّهِ»الآية.
و قيل:ان المعري لما خرج عن العراق سئل عن السيد المرتضى رحمه اللّه فقال:..
ص: 616
يا سائلي عنه لما جئت أسأله ألا هو الرجل العاري من العار لو جئته لرأيت النّاس في رجل و الدهر في ساعة و الأرض في دار(1) [363]إحتجاجه قدّس اللّه روحه في التعظيم و التقديم لأئمتنا عليهم السّلام على سائر الورى ما عدا نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بطريقة لم يسبقه إليها أحد ذكرها في رسالته الموسومةبالرسالة الباهرة في فضل العترة الطاهرة
قال:و ممّا يدل أيضا على تقديمهم و تعظيمهم على البشر:ان اللّه تعالى دلّنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى،في أنّها:(إيمان و إسلام)و أن الجهل بهم و الشك فيهم كالجهل به و الشك فيه،في انّه(كفرو خروج من الإيمان)و هذه منزلة ليس لأحد من البشر إلاّ لنبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و بعده لأمير المؤمنين و الأئمة من ولده على جماعتهم السّلام،لأن المعرفة بنبوة الأنبياء المتقدمين من آدم إلى عيسى عليهم السّلام غير واجبةعلينا،و لا تعلق لها بشي ء من تكاليفنا،و لو لا أن القرآن ورد بنبوة من سمّي6.
ص: 617
فيه من الأنبياء المتقدمين فعرفناهم تصديقا للقرآن.و إلاّ فلا وجه لوجوب معرفتهم علينا،و لا تعلق لها بشي ء من أحوال تكاليفنا.
و بقي علينا أن ندل على أنّ الأمر على ما ادعيناه.
و الذي يدل على أن المعرفة بإمامة من ذكرناه عليهم السّلام من جملةالإيمان و أنّ الإخلال بها كفر و رجوع عن الإيمان:(إجماع)الشيعةالإمامية على ذلك فانّهم لا يختلفون فيه،و إجماعهم حجّة،بدلالة أن قول الحجّة المعصوم الذي قد دلت العقول على وجوده في كل زمان في جملتهم و في زمرتهم،و قد دللنا على هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كتبنا،و استوفينا ذلك في جواب المسائل التبانيات خاصة،و في كتاب نصرة ما انفردت به الشيعة الإمامية من المسائل الفقهية،فان هذا الكتاب مبني على صحة هذا الأصل.
و يمكن أن يستدل على وجوب المعرفة بهم عليهم السّلام(بإجماع الأمّة)مضافا إلى ما بيّناه من إجماع الإمامية.
و ذلك ان جميع أصحاب الشافعي يذهبون إلى أنّ الصلاة على نبيناصلّى اللّه عليه و آله و سلّم في التشهد الأخير فرض واجب،و ركن من أركان الصّلاة،متى أخلّ بها الإنسان فلا صلاة له و أكثرهم يقول:ان الصّلاة في هذا التشهد على آل النّبي عليهم الصّلاة و السّلام في الوجوب و اللزوم و وقوف إجزاء الصّلاة عليهم كالصّلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و الباقون منهم يذهبون إلى أنّ الصّلاة على الآل مستحبة و ليست بواجبة،فعلى القول الأوّل لا بدّ لكل من وجبت عليه الصّلاة من معرفتهم
ص: 618
من حيث كان واجبا عليه الصلاة عليهم،فان الصلاة عليهم فرع على المعرفة بهم،و من ذهب إلى أنّ ذلك مستحب فهو من جملة العبادة،و إن كان مسنونا مستحبا،و التعبد به يقتضي التعبد بما لا يتم إلاّ به من المعرفة.
و من عدى أصحاب الشافعي لا ينكرون أنّ الصلاة على النبيّ و آله صلوات اللّه عليهم أجمعين في التشهد مستحبة،و أي شبهة تبقى مع هذا في أنّهم عليهم السّلام أفضل النّاس و أجلّهم،و ذكرهم واجب في الصلاة،و عند أكثر الأمّةمن الشيعة الإمامية،و جمهور أصحاب الشافعي:أن الصّلاة تبطل بتركه،و هل مثل هذه الفضيلة لمخلوق سواهم أو تتعداهم.
و ممّا يمكن الاستدلال به على ذلك:أنّ اللّه تعالى قد ألهم جميع القلوب و غرس في كل النفوس تعظيم شأنهم،و إجلال قدرهم،على تباين مذاهبهم،و اختلاف دياناتهم و نحلهم،و ما أجمع هؤلاء المختلفون المتباينون مع تشتت الأهواء و تشعب الآراء على شي ء كإجماعهم على تعظيم من ذكرناه و أكثرهم أنّهم يزورون(1)قبورهم و يقصدون من شاحطالبلاد و شاطها(2)مشاهدهم و مدافنهم و المواضع التي وسمت(3)بصلاتهم فيها و حلولهم بها،و ينفقون في ذلك الأموال،و يستنفدون الأحوال...
ص: 619
فقد أخبرني من لا احصيه كثرة أن أهل نيسابور و من والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة إلى طوس لزيارة الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليهما بالجمال الكثيرة،و الاهب التي لا يوجد(1)مثلها إلاّ للحجّ إلى بيت اللّه الحرام،هذا مع أن المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة،و ازورارهم(2)عن هذا الشعب،و ما تسخيرهذه القلوب القاسية،و عطف هذه الأمم النائية،إلاّ كالخارق للعادات،و الخارج عن الأمور المألوفات،و إلاّ فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة،المنحازين عن هذه الجملة،على أن يراوحوا هذه المشاهد و يغادوها،و يستنزلوا عندها من اللّه تعالى الأرزاق،و يستفتحوا بها الاغلاق،و يطلبواببركاتها الحاجات،و يستدفعوا البليات،و الأحوال الظاهرة كلّها لاتوجب ذلك،و لا تقتضيه و لا تستدعيه،و إلاّ فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم،و أكثرههم يعتقدون إمامته و فرض طاعته(3)،و انّه في الديانة موافق لهم غير مخالف،و مساعد غير معاند،و من المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا،فان الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة،و عندها هي مفقودة،و لا لتقية و استصلاح،فان التقية هي فيهم لا منهم،و لا خوف من جهتهم،و لا سلطان لهم،و كل خوف إنّما هو عليهم،فلم يبق إلاّ داعيه.
ص: 620
الدّين(1)،و ذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا ينفذ في مثله إلاّ مشيةاللّه،و قدرة القادر القهار التي تذلل الصعاب،و تقود بأزمتها الرقاب.
و ليس لمن جهل هذه المزية أو تجاهلها أو تعامى عنها و هويبصرها،أن يقول:ان العلّة في تعظيم غير فرق الشيعة لهؤلاء القوم ليست ما عظمتموه و فخمتموه و ادعيتم خرقه للعادة و خروجه عن الطبيعة،بل هي لأن هؤلاء القوم من عترة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كل من عظّم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا بدّ أن يكون لعترته و أهل بيته معظّما و مكرّما،و إذا انضاف إلى القرابة الزهد،و هجر الدنيا و العفة و العلم،زاد الإجلال و الإكرام(2)لزيادة أسبابها.
و الجواب عن هذه الشبهة الضعيفة:ان قد شارك(3)أئمتنا عليهم السّلام في نسبهم و حسبهم و قرابتهم من النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غيرهم،و كانت لكثير منهم عبادات ظاهرة و زهادة في الدنيا بادية و سمات جميلة و صفات حسنة،من ولد أبيهم عليه و آله السّلام و من ولد عمّهم العبّاس رضوان اللّه عليه،فمارأينا من الإجماع على تعظيمهم،و زيارة مدافنهم،و الاستشفاع بهم في الأغراض و الاستدفاع بمكانهم للأغراض و الأمراض،و ما وجدنا مشاهدامعاينا في هذا الاشتراك،و إلاّ فمن ذا الذي أجمع على فرط إعظامهك.
ص: 621
و إجلاله من ساير صنوف العترة في هذه الحالة يجري مجرى الباقرو الصّادق و الكاظم و الرّضا صلوات اللّه عليهم أجمعين،لأنّ من عدا من ذكرنا من صلحاء العترة و زهادها ممّن يعظمه فريق من الأمّة و يعرض عنه فريق،و من عظمه منهم و قدمه لا ينتهي في الإجلال و الإعظام إلى الغاية التي ينتهي إليها من ذكرناه(1)و لو لا أن تفصيل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناهاعلى طول ذلك،و لسمّينا من كنينا عنه،و نظرنا بين كل معظّم مقدّم من العترة،ليعلم أنّ الذي ذكرناه هو الحقّ الواضح و ما عداه هو الباطل الماضح(2).
و بعد:فمعلوم ضرورة إنّ الباقر و الصّادق و من والاهما من أئمة(3)ابنائهما عليهم السّلام كانوا في الديانة و الاعتقاد و ما يفتون به من حلال و حرام على خلاف ما يذهب إليه مخالفوا الإمامية،و ان ظهر شك في ذلك كلّه فلاشك و لا شبهة على منصف في أنّهم لم يكونوا على مذاهب الفرق المختلفةالمجمعة على تعظيمهم و التقرب إلى اللّه تعالى بهم،و كيف يعترض ريب فيما ذكرناه؟!و معلوم ضرورة أن شيوخ الإمامية و سلفهم في تلك الأزمان كانوا بطانة للباقر و للصّادق صلوات اللّه عليهما و من والاهما أجمعين السّلام،و ملازمين لهم و متمسكين بهم و مظهرين ان كل شي ء يعتقدونه و ينتحلونه..
ص: 622
و يصححونه أو يبطلونه فعنهم تلقّوه(1)و منهم أخذوه،فلو لم يكونوا عليهم السّلام عنهم بذلك راضين و عليه مقرّين لأبوا عليهم نسبة تلك المذاهب إليهم،و هم منها بريئون خليون،و لنفوا ما بينهم من مواصلة و مجالسة،و ملازمة و موالاة،و مصافاة،و مدح و اطراء و ثناء،و لأبدلوه باللّوم و الذم(2)،و البراءة و العداوة،فلو لم يكونوا عليهم السّلام(3)لهذه المذاهب معتقدون و بها راضون،لبان لنا و اتّضح،و لو لم يكن إلاّ هذه الدلالة لكفت و أغنت.
و كيف يطيب قلب عاقل،أو يسوغ في الدين لأحد أن يعظّم في الدّين من هو على خلاف ما يعتقد أنّه الحقّ و ما سواه باطل،ثمّ ينتهي في التعظيمات و الكرامات إلى أبعد الغايات و أقصى النهايات،و هل جرت بمثل ذلك عادة؟أو مضت عليه سنة؟أو لا يرون أنّ الإمامية لا تلتفت إلى من خالفها من العترة،و حاد عن جادّتها في الديانة،و محجتها في الولاية،و لا تسمح له بشي ء من المدح و التعظيم،فضلا عن غايته و أقصى نهايته،بل تبرأ منه و تعاديه،و تجريه في جميع الأحكام مجرى من لا نسب له و لاحسب،و لا قرابة و لا علقة،و هذا يوقظ على أن اللّه تعالى خرق في هذه العصابة العادات،و قلب الجبلات،ليبين من عظيم منزلتهم،و شريفم.
ص: 623
مرتبتهم،و هذه فضيلة تزيد على الفضائل،و تربي(1)على جميع الخصائص و المناقب،و كفى بها برهانا لائحا و ميزانا راجحا(2)و الحمدللّه ربّ العالمين(3).
قطعنا هذا الكتاب على كلام السيد علم الهدى قدّس اللّه روحه،و الحمدللّه رب العالمين،و الصّلاة و السّلام على خير خلقه محمّد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين،و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.2.
ص: 624
1-فهرس الأعلام
2-فهرس الآيات القرآنيّة
3-فهرس الأشعار
4-فهرس الفرق و الطوائف و الأديان
5-فهرس البلدان و الأمكنة و البقاع
6-فهرس مصادر التحقيق
7-فهرس الموضوعات
8-فهرس الفهارس
اعداد:عبد الرحيم مبارك
ص: 625
ص: 626
آدم«ع»142،143،151،170،172،181،184،186،187،214،218،220،222،232،233،237،238،271،287،329،385،386،423،424،425،449،479،480.
آمنة بنت وهب«ع»297.
أبان 304.
أبان بن تغلب 180،250،ه- 253،ه- 305.
أبان بن عثمان ه- 193.
أبان بن أبي عيّاش ه- 65.
ابن الأثير ه- 111.
إبراهيم الخليل«ع»175،237،238،256،257،285،340،409،413،414،425،426،427،440.
إبراهيم بن أبي زياد ه- 154.
إبراهيم بن عمر ه- 65.
إبراهيم بن الفضل ه- 253.
إبراهيم المازني ه- 337.
إبراهيم بن أبي محمود ه- 383،386،ه- 387،396،ه- 397.
إبراهيم المدني 337.
إبراهيم المؤتمن 342.
إبراهيم النخعي 309.
إبراهيم بن هاشم القمّي ه- 17،ه- 65،
ص: 627
ه- 144،ه- 167،ه- 170،ه- 200،ه- 201،ه- 204،ه- 206،ه- 258،ه- 343،ه- 347،ه- 353،ه- 382،ه- 383،ه- 384،ه- 386،ه- 401.
إبليس 137،158،187،217،218،267،270،271،322،329،349،379،502،513،515.
أحمد بن إدريس ه- 13،ه- 379،ه- 388،ه- 486.
أحمد بن إسحاق 486،524،525،526،527.
أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ه- 201،ه- 343،ه- 382،ه- 386.
أحمد بن أبو عبد اللّه ه- 267.
أحمد بن عبد اللّه بن جعفر المدائني ه- 304.
أحمد بن عبد اللّه العقيلي ه- 271.
أحمد بن عبد اللّه العلوي ه- 365.
أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ه- 167،ه- 343.
أحمد بن علي الأنصاري ه- 395،ه- 398.
أحمد بن محسن الهيثمي ه- 208.
أحمد بن محمّد ه- 65،ه- 149،ه- 166.
أحمد بن محمّد البرقي:انظر البرقي.
أحمد بن محمّد بن خالد ه- 172،ه- 176،ه- 180،ه- 209،ه- 399.
أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ه- 449.
أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي الهمداني ه- 389.
أحمد بن محمّد بن عيسى ه- 165،ه- 170،ه- 213،ه- 254،ه- 260،ه- 294،ه- 305.
أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ه- 353.
أحمد بن هارون الفامي ه- 401.
أحمد بن هلال ه- 65،ه- 258.
أحمد بن يحيى بن زكريا 152.
أخزم الطائي ه- 134.
أبو أخزم الطائي ه- 134.
الأربلي ه- 73،ه- 80،ه- 89،ه- 104.
ارسطا طاليس 225.
إرميا النبيّ«ع»230.
اسامة بن زيد 57،59.
إسحاق«ع»413،440.
إسحاق الخفّاف ه- 202.
ص: 628
إسحاق بن عمّار ه- 259.
الأسدي ه- 189.
إسرائيل 414.
أسماء بنت عميس 56.
إسماعيل«ع»414.
ابن الأصفر 14،16.
الأصفر بن روم بن يعصو ه- 14.
ابن أعثم ه- 104،ه- 114،ه- 135.
الأعمش 71،308.
افلاطون 225.
اقليما 142،143.
ألوقا 412.
الياس«ع»339.
الياس بن مضر ه- 123.
اليسع 407،409.
العلامة الأميني ه- 93.
أميّة بن أبي الصّلت 493.
أم أيمن 57.
أيّوب«ع»339.
أبو أيّوب الخرّاز ه- 172.
أيوب السجستاني 149،150.
أبو أيّوب الشاذكوني المنقري ه- 256.
البارقليطا 411.
الباقر،محمّد بن علي«ع»11،12،13،17،ه- 25،138،147،148،ه- 149،151،153،157،163،165،166،167،168،170،171،172،173،174،175،176،177،178،179،180،181،182،183،185،186،189،193،295،296،298،ه- 449،ه- 508.
البحراني:انظر هاشم البحراني.
بخت نصر ه- 96،230،408.
البرقي،أحمد بن أبي عبد اللّه ه- 13،ه- 169،ه- 170،ه- 253،ه- 271،308.
بريد بن عمير بن معاوية الشّامي ه- 398.
بشير بن حزيم الأسدي ه- 109.
بشير بن يحيى العامري 266،ه- 267.
أبو بصير 186،189،296،301.
أبو بكر(الخليفة)20،22،25،78،191،
ص: 629
254،273،274،308،310،311،312،315،318،319،456،458،459،477،478،479،501،502،523.
بكر بن صالح ه- 171،ه- 388،ه- 466.
بكر بن عبد اللّه بن حبيب 152.
بهرام بن هرمز بن سابور ه- 235.
أبو تراب-علي«ع»20.
تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي ه- 395،ه- 398،ه- 437.
ثابت البناني 149،150.
ثعلبة ه- 171.
الثمالي،أبو حمزة 142،177،ه- 180.
جابر بن عبد اللّه الأنصاري 296،297.
الجاثليق 401،404،405،406،407،410،411،412،413.
أبو الجارود 169،ه- 170،175،176.
جالينوس 225.
جبرئيل«ع»ه- 44،77،178،190،312،340،382،477،478،529.
جبرئيل بن أحمد ه- 68.
ابن جريح 255.
الجزري ه- 160.
جعدة بنت الأشعث 73.
أبو جعفر الدوانيقي-عبد اللّه بن محمّد 333.
جعفر بن رزق اللّه 498،ه- 499.
جعفر بن سليمان 150.
جعفر بن أبي طالب 36،37،61،103.
جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمّي(أبو محمّد)ه- 372،ه- 422.
جعفر الكذّاب 153.
ص: 630
جعفر بن محمّد بن مسرور ه- 439.
الجواد،محمّد بن علي«ع»9،12،298،394،397،463،465،ه- 466،467،469،470،471،472،473،474،475،476،477،481،ه- 508،ه- 516.
ابن الجوزي ه- 38،ه- 45.
الجوهري(صاحب الصحاح)ه- 48.
الحارث بن مغيرة 264.
حبيب بن أبي ثابت ه- 54.
حبيب الفارسي 149،150.
ابن الحجّاج(الشّاعر البغدادي)ه- 309.
الحجّال ه- 170.
حجر بن عدي 88،90.
حذام بن بشير الأسدي ه- 109.
ابن أبي الحذرة 308،309،310،311،312.
حذلم بن ستير ه- 109.
حذيم بن شريك الأسدي 109،113،117.
حرب(جدّ معاوية)53.
الحرّاني،الحسن بن شعبة ه- 53،ه- 447،ه- 496،ه- 500.
حريز 168.
حزقيل النبيّ«ع»231،408،409.
حزقيل المؤمن 290،291.
حسّان بن ثابت ه- 26.
الحسن(حاجب المتوكّل)497.
أبو الحسن 516.
الحسن بن إبراهيم ه- 285.
الحسن بن إسماعيل ه- 298.
الحسن البصري 140،141،182،183،184،193،206.
الحسن بن الجهم 264.
الحسن بن الحسن بن علي 300،301.
الحسن بن راشد ه- 299،ه- 326،327،ه- 328.
الحسن بن ظريف ه- 176.
الحسن بن عبد الرّحمن الحماني 325.
الحسن بن علي المجتبى«ع»9،10،11،12،13،14،15،16،17،19،20،21،22،23،42،43،44،45،46،
ص: 631
47،50،51،52،53،54،55،56،57،58،59،61،65،66،67،69،70،71،73،78،79،86،94،ه96،101،147،152،175،292،296،297،298،340،441،460،476،ه- 478،479،529.
الحسن بن علي بن عاصم الزفري ه- 256.
الحسن بن علي بن أبي عثمان ه- 388.
الحسن بن علي بن فضال ه- 389،448،ه- 449.
الحسن بن علي الوشّاء ه- 299.
الحسن بن قاسم الرقّام ه- 391،ه- 447.
الحسن بن محبوب ه- 165،ه- 166،ه- 180،272.
الحسن بن محمّد الشريف،أبو محمّد ه- 173.
الحسن بن محمّد الصيرفي ه- 68.
الحسن بن محمّد بن علي بن صدقة ه- 372،ه- 423.
الحسن بن محمّد النوفلي 365،ه- 373،401،402،403،421،ه- 423.
الحسن بن موسى الخشّاب ه- 259.
الحسين«ع»(سيّد الشّهداء)11،14،31،32،56،57،58،59،65،68،75،77،78،80،87،88،92،ه- 93،94،95،96،97،101،103،117،119،122،123،126،132،137،147،148،152،175،292،296،297،330،340،394،397،441،460،476،ه- 478،479،512،529،530.
الحسين بن إبراهيم بن تاتانه ه- 343.
الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام ه- 343.
الحسين بن أحمد بن إدريس ه- 486.
الحسين بن أحمد البيهقي(الحاكم أبوعلي)ه- 457.
الحسين بن الحسن ه- 171،ه- 200،ه- 388،ه- 466.
الحسين بن خالد ه- 353،ه- 359،384،385،ه- 386،399،400،401.
الحسين بن زيد 254.
الحسين بن سعيد ه- 254،ه- 388،ه- 466.
ص: 632
الحسين بن عبيد اللّه ه- 388.
الحسين بن محمّد ه- 193.
الحسين بن محمّد بن علي ه- 439.
حضرون ه- 413.
حفص بن سالم 272.
حفص بن غياث القاضي ه- 256.
حفصّة 316.
الحكم بن أبي العاص 34،58.
حمّاد ه- 168،ه- 170.
حمّاد بن عيسى ه- 65.
حمدان بن سليمان النيسابوري ه- 303،ه- 392،ه- 437.
حمران بن أعين 170،278،279،282،283.
أبو حمزة 166.
حمزة بن عبد المطّلب 39.
حمزة بن محمّد العلوي ه- 168.
حمزة بن القاسم-أبو القاسم العلوي ه- 200،ه- 208.
حمزة بن المرتفع المشرقي ه- 169.
الحموي ه- 96،ه- 499.
الحمويني ه- 68.
حميدة المصفّاة 298.
حنان بن سدير ه- 67،ه- 68.
أبو حنيفة،النّعمان 266،267،268،269،270،271،272،313،314،315،316،331،332.
حوّاء(ام البشر)142،181،186،187،222،424،425.
حيقوق النّبيّ«ع»415،416.
أبو خالد ه- 299.
خالد بن سنان 236.
أبو خالد الكابلي 152،153،154.
خالد بن أبي الهيثم الفارسي 449.
خالد بن الوليد 29،314.
خالد بن يزيد بن معاوية 134.
أبو خداش ه- 299.
خديجة«ع»53،382.
الخضر«ع»9،12،68،303،ه- 499.
خضرون«ع»413.
خندف-امرأة الياس بن مضر 123.
ص: 633
خيزران 298.
داود«ع»175،295،339،413،414،416.
داود بن الحصين ه- 263.
داود بن عبد اللّه،أبو سليمان ه- 208.
داود بن فرقد ه- 254.
أبو داود بن القاسم الجعفري ه- 465.
داود بن القاسم الجعفري،أبو هاشم 9،13،465،467.
داود بن قبيصة 329.
الداونيقي،أبو جعفر:راجع أبو جعفرالدوانيقي.
ديلم بن عمر 120.
أبو ذر 57،60،318،460.
ذكوان(أب الوليد بن عقبة)38.
رابعة 150.
رأس الجالوت 401،405،408،410،411،414،415،416،418.
الراغب الأصفهاني ه- 110.
الراوندي،قطب الدّين ه- 53،ه- 155،ه- 307،ه- 309.
أبو الربيع 177،ه- 108.
الرشيد،هارون 335،341،343،344،345.
الرّضا،علي بن موسى«ع»12،159،264،
298،329،ه- 345،351،353،354،355،ه- 357،359،360،365،366،367،368،369،370،371،372،373،374،375،376،377،378،379،380،382،383،384،385،386،387،ه- 388،ه- 389،ه- 391،ه- 392،393،394،396،397،399،401،402،403،404،405،406،407،408،
ص: 634
411،412،413،414،415،416،417،418،419،420،422،423،424،425،427،428،429،432،433،434،436،437،438،439،448،449،450،453،454،455،456،ه- 457،458،459،460،461،469،470،ه- 487،ه- 508،515،ه- 516.
أبو روح ه- 96.
ابن الريّان ه- 299.
الريّان بن شبيب 469،473.
الريّان بن الصّلت ه- 383.
الزبير بن بكار ه- 45.
الزبير بن أبي بكار ه- 173.
الزبير بن العوّام 38،57،61،318،320.
زرارة بن أعين ه- 149،ه- 277،299.
زردشت 236،418،419.
زكريّا«ع»339،529.
الزهرة 514.
أبو زهير بن شبيب بن أنس ه- 271.
زياد بن أبيه 83،85.
زياد بن سميّة(نبز لزياد بن أبيه)90.
زيد بن حارثة 61.
زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي 435.
زيد بن علي الشّهيد«رض»292،295،296،299،304،305.
زيد بن موسى بن جعفر«ع»104.
زيد بن وهب الجهني 69.
زينب بنت علي«ع»109،122،123،131،132.
سابور بن أردشير ه- 235.
سارية بن زنيم الدئلي 192.
سالم 185،186،187.
سالم بن أبي الجعد 71.
سالم مولى هشام بن عبد الملك 172،173.
سدير بن حكيم ه- 67.
سعد(من العبّاد)150.
ص: 635
سعدانة 150.
سعد بن عبادة ه- 25،ه- 185،314.
سعد بن عبد اللّه ه- 12،ه- 165،ه- 271،ه- 328،ه- 353،ه- 399،ه- 487.
سعد بن عبد اللّه القمّي الأشعري 523،526.
سعد بن معاذ 25،174،185.
سعد المولى 250.
سعد بن أبي وقّاص 192،320.
سعيد بن جبير 268.
سعيد بن أبي الخضيب البجلي 253،ه- 254.
سعيد بن سمّان 292.
سعيد بن محمّد بن نصر القطّان ه- 298.
سفيان الثوري 337.
أبو سفيان بن حرب 29،30،31،32،35،318.
سفيان بن نزار ه- 343.
ابن السّكّيت 437،438.
سلمان الفارسي«رض»9،60،318،460.
سلمة بن الخطّاب ه- 328.
سليمان«ع»بن داود 188،220،ه- 256،293،339.
سليمان بن جعفر الجعفي ه- 399.
سليمان المروزي 365،366،367،368،369،370،371،372،ه- 373.
سليمان بن مهران الأعمش 152،309.
سليم بن قيس 56،ه- 65،66،80،ه- 88.
سماعة ه- 144،272.
سماعة بن مهران 265.
سمانة(أم الحسن)298.
سنان 166،ه- 167.
ابن سنان ه- 388.
سندل 255.
سهل بن زياد ه- 349،ه- 482.
سهل بن زياد الآدمي ه- 397.
سهل بن مالك الفزاري ه- 434.
سوسن 298.
أبو شاكر الديصاني 201،306،307.
شبرمة 373.
ص: 636
شريك بن عبد اللّه 308.
الشعبي 17،53.
شعيا،النبيّ«ع»411،415.
ابن شهر آشوب ه- 80،ه- 95،ه- 97،ه- 104،ه- 114،ه- 135،ه- 140،ه- 141،ه- 181،ه- 186،ه- 189،ه- 253،ه- 283،ه- 477،ه- 499،ه- 500.
شهربانويه بنت يزدجرد 297.
الشهرستاني ه- 233.
شيث بن آدم«ع»187.
الصّادق«ع»،جعفر بن محمّد 11،12،ه- 63،ه- 144،145،ه- 149،151،152،153،ه- 171،195،197،198،199،200،201،203،204،205،206،207،208،209،211،213،ه- 214،250،251،252،253،254،255،256،258،ه- 259،260،264،265،266،267،268،269،271،272،273،277،278،279،280،281،282،283،285،286،287،288،289،292،293،294،296،298،299،300،301،302،303،305،307،314،322،ه- 330،331،394،397،432،490،491،506،ه- 508،510،ه- 516.
صالح الأعمى 150.
صالح بن أبي حمّاد(أبو الخير)ه- 258.
صالح بن سعيد ه- 258.
صالح بن كيسان 88.
صالح المري 149،150.
صخر بن حرب 53.
صدقة بن أبي موسى 296،ه- 298.
الصّدوق(ره)،محمّد بن علي بن بابويه ه- 12،ه- 17،ه- 65،ه- 68،ه- 122،ه- 132،ه- 151،ه- 154،ه- 165،ه- 166،ه- 167،ه- 168،ه- 169،ه- 171،ه- 172،ه- 182،ه- 189،ه- 200،ه- 201،ه- 202،ه- 204،ه- 206،ه- 208،ه- 210،ه- 211،
ص: 637
ه- 213،ه- 214،ه- 253،ه- 257،ه- 258،259،ه- 263،ه- 267،ه- 271،ه- 285،ه- 288،ه- 298،ه- 303،ه- 330،ه- 340،ه- 343،ه- 345،ه- 347،ه- 353،ه- 356،ه- 359،ه- 365،ه- 372،ه- 379،ه- 382،ه- 383،ه- 384،ه- 385،ه- 386،ه- 387،ه- 388،ه- 389،ه- 390،ه- 391،ه- 392،ه- 395،ه- 397،ه- 398،ه- 399،ه- 401،ه- 422،ه- 437،ه- 438،ه- 447،ه- 449،ه- 457،ه- 466،ه- 469،ه- 482،ه- 486،ه- 487،ه- 508،ه- 516.
الصفّار ه- 149،ه- 259،ه- 294،ه- 302.
صفوان 379.
صفوان بن دلف ه- 384.
صفوان بن يحيى ه- 154،ه- 263،373،ه- 379.
الصقر بن دلف ه- 384.
صهيب الرومي 274.
ضحّاك ه- 96.
ضرار 371.
أبو طالب 336.
طالوت ه- 96،189،446.
ابن طاووس ه- 108،ه- 114،119،ه- 122،ه- 132.
طاووس اليماني 180،186.
الطباطبائي(ره)،العّلامة ه- 143.
الطبرسي ه- 36،ه- 132.
الطريحي ه- 111،ه- 333.
طلحة 38،47.
طلحة بن عبد اللّه 320.
الطوسي،شيخ الطائفة ه- 65،ه- 67،ه- 80،ه- 114،ه- 149،ه- 255،ه- 256،ه- 263،ه- 267،ه- 277،ه- 478،ه- 498.
ص: 638
الطيّار(أحد أصحاب الصّادق«ع»)283.
ابن طيفور ه- 114.
عاصم بن حميد ه- 17.
العاص بن وائل 35.
عائشة 38،309،316،527.
عبّاد البصري 144.
العبّاس بن عبد المطّلب 310،336،338،ه- 345،501،502.
العبّاس بن أبي عمر ه- 298.
العبّاس بن عمر الفقيمي ه- 200،ه- 201،ه- 214.
العبّاس بن هلال 487.
عباية بن ربعي الأسدي 294.
عبد الحميد الطائي ه- 171.
عبد الرّحمن بن عبد الزهري 172،ه- 173.
عبد الرّحمن بن عوف 79،80،319،320.
عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي هاشم ه- 208.
عبد الرّحمن بن أبي نجران ه- 17.
عبد السّلام بن صالح الهروي(أبوالصّلت)380،381،ه- 382،393،ه- 395.
عبد الصّمد بن بشير ه- 176.
عبد العزيز بن مسلم ه- 391،439،ه- 447.
عبد العظيم الحسني ه- 154،ه- 383،ه- 387،396،ه- 397،481،ه- 482.
عبد الغفّار السلمي 328.
عبد القيس ه- 316.
عبد الكريم بن عتبة الهاشمي 272،ه- 277.
عبد اللّه بن بحر ه- 172.
عبد اللّه بن تميم القرشي ه- 395،ه- 398،ه- 437.
عبد اللّه بن جعفر 56،57،58،59،65،87.
عبد اللّه بن جعفر الحميري ه- 12.
عبد اللّه بن الحسن 293.
عبد اللّه بن الحسين«ع»(الرضيع)101.
عبد اللّه بن رواحة 61.
ص: 639
عبد اللّه بن الزّبير 268.
أبو عبد اللّه الزيادي 497.
عبد اللّه بن سليمان 193.
عبد اللّه بن سنان ه- 63،145،166،ه- 167،ه- 170،211،ه- 213.
أبو عبد اللّه السياري ه- 439.
عبد اللّه بن عبّاس 56،57،58،59،61،81،82،83،87،ه- 96،319،320،321،501،502.
عبد اللّه بن عبد المطّلب 336.
عبد اللّه بن عمر 274،320.
عبد اللّه بن أبي عمر بن حفص 92.
عبد اللّه بن عمرو بن العاص ه- 92.
عبد اللّه بن الفضل الهاشمي 303،ه- 304.
عبد اللّه بن محمّد بن خالد الطيالسي ه- 299.
عبد اللّه بن محمّد السلمي ه- 298.
عبد اللّه بن مسلم 331.
عبد اللّه بن موسى ه- 154.
عبد اللّه بن نافع الأزرق ه- 186.
عبد اللّه بن الوليد السمّان 302.
عبد الملك البصري 306.
عبد مناف 445.
عبد المؤمن الأنصاري 258.
عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار ه- 303،ه- 392.
عبيد(عبد ثقيف)90.
أبو عبيدة ه- 149.
عبيد اللّه بن زياد 102.
عبيد اللّه بن موسى الرؤياني ه- 383،ه- 387.
عتبة بن أبي سفيان 17،18،21،38،45.
عتبة الغلام 149،150.
عثمان الأعمى 193.
عثمان بن الحرث 35.
عثمان بن عفّان 19،20،21،22،23،31،32،36،38،41،79،80،81،82،84،191،320.
عثمان بن عيسى ه- 144،ه- 343،ه- 347.
العزّى 24،482.
العسكري«ع»،الحسن بن علي 12،156،159،190،288،321،330،347،450،453،458،459،500،503،
ص: 640
505،506،508،509،516،517،519،524،525،526.
عقبة بن أبي معيط 38.
عقيل بن أبي طالب ه- 38.
العلاء بن رزين ه- 165.
علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي ه- 17،ه- 65،ه- 144،ه- 166،ه- 167،ه- 168،ه- 170،ه- 176،ه- 180،ه- 201،ه- 202،ه- 204،ه- 206،ه- 214،ه- 271،ه- 277،ه- 282،ه- 285،ه- 343،ه- 347،ه- 382،ه- 383،ه- 384،ه- 386،ه- 477.
علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ه- 171،ه- 200،ه- 208،ه- 258،ه- 359،ه- 382،ه- 385،ه- 387،ه- 388،ه- 466،ه- 469.
علي بن أحمد بن موسى ه- 385،ه- 387.
علي بن إسماعيل ه- 299.
علي بن بابويه(أب الشيخ الصّدوق)ه- 12،ه- 165،ه- 388،ه- 399،ه- 487.
علي بن الجهم 423،436،437.
علي بن الحسن بن علي بن فضال ه- 389،ه- 449.
علي بن الحسين«ع»زين العابدين 11،101،109،114،115،117،118،120،121،122،132،133،134،135،136،137،138،139،140،141،142،143،144،145،147،149،151،152،153،154،156،157،158،159،190،191،278،293،296،297،349،394،397،ه- 508.
علي بن الحسين السعدآبادي ه- 253.
علي بن الحكم ه- 294،304،ه- 305.
السيّد علي خان المدني ه- 93.
علي بن رئاب ه- 149.
علي بن سالم ه- 189.
علي بن شعبة ه- 100.
علي بن أبي طالب«ع»،أمير المؤمنين 9،10،11،12،13،14،16،22،23،26،27،28،30،32،33،35،37،38،39،40،41،49،51،53،55،58،61،62،63،67،77،78،79،80،83،84،85،88،89،91،93،
ص: 641
101،102،103،105،107،109،123،135،136،147،152،155،156،174،185،190،191،192،193،ه- 211،252،254،290،295،297،302،308،309،310،311،312،313،314،315،316،318،321،337،338،339،340،ه- 383،394،395،397،404،408،422،440،441،452،453،454،455،458،459،460،476،489،494،509،510،513،515،518،519،523،527،529.
علي بن العبّاس ه- 325،ه- 327.
علي بن عبد اللّه الورّاق ه- 154،ه- 343.
علي بن محمّد ه- 65،ه- 359.
علي بن محمّد(المعروف بعلان)ه- 391.
علي بن محمّد بن الجهم ه- 437.
علي بن محمّد بن سيّار ه- 508،514،ه- 516.
علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ه- 303،ه- 392،ه- 396.
علي بن محمّد القمّي ه- 299.
علي بن محمّد النوفلي ه- 349.
علي بن معبد ه- 167،ه- 353،ه- 386،ه- 401.
علي بن منصور ه- 206.
علي بن يقطين 333.
عمّار بن ياسر 460.
عمارة بن الوليد 37.
عمر(من العبّاد)150.
عمر بن اذينة ه- 65،ه- 277.
عمران الصابي 419،420،421،422.
عمران بن موسى بن إبراهيم،أبو حامده- 391،ه- 447.
عمر بن حنظلة 260،ه- 263.
عمر بن الخطّاب 21،23،25،32،63،64،77،78،79،80،82،185،191،192،273،274،315،319،337،478،479،480،501،502.
عمر بن سعد 102.
عمر بن أم سلمة 57،58،59.
عمر بن محمّد ه- 208.
عمرو بن الحمق 90،ه- 93.
عمرو بن العاص 17،18،20،35،37،
ص: 642
43،50،52،53،89.
عمرو بن عبيد 168،169،181،182،272،273،274،277،283،285.
عمرو بن عثمان بن عفّان 17،20،33.
ابن أبي عمير:انظر محمّد بن أبي عمير.
ابن أبي العوجاء 200،201،206،208،209،210،256،306.
العيّاشي ه- 264.
عيسى بن عبد اللّه القرشي 271.
عيسى بن مريم«ع»16،68،170،175،177،178،230،ه- 235،238،295،302،339،375،404،405،406،407،408،409،411،412،413،414،415،416،417،418،419،438.
عيسى بن يونس 206،ه- 208.
عيينة بن حصين بن بدر 30.
غياث بن كلوب ه- 259.
الفارقليطا ه- 411،416.
فاطمة الزهراء«ع»40،51،53،56،57،96،102،103،123،148،255،292،294،295،296،297،301،316،336،338،340،345،382،404،445،449،473،529.
فاطمة بنت أسد«رض»297.
فاطمة بنت الحسن 298.
فاطمة الصغرى 104.
فاطمة بنت الحسين«ع»131،ه- 132.
الفتال النيسابوري ه- 132،ه- 332.
فرات الكوفي ه- 301.
أبو الفرج الأصفهاني 54.
فرعون 41،59،137،270،290،291،330،428،429،513.
أم فروة بنت القاسم 298.
فروة بن مسيك المرادي ه- 100.
فضال بن الحسن بن الفضال الكوفي 315.
ص: 643
فضالة بن أيّوب ه- 254.
الفضل 422.
ام الفضل-زوجة الجواد«ع»469،472،473،477.
الفضل بن سليمان الكوفي ه- 385.
الفضل بن سهل 342،401،403.
الفضل بن الصقر العبدي ه- 152.
الفضل بن العبّاس 56،57،59.
الفضيل بن عياض 337.
الفيروزآبادي ه- 14،ه- 201،ه- 230،ه- 248.
الفيومي ه- 110،ه- 279.
قابيل 142،143،181،186،188.
القاسم بن أيوب العلوي ه- 365.
القاسم بن عروة ه- 171.
القاسم بن العلاء(أبو محمّد)ه- 447.
القاسم بن محمّد بن علي المروزي(أبوأحمد)ه- 447.
القاسم بن مسلم ه- 447،ه- 391،439.
القاسم بن يحيى ه- 328.
ابن قتيبة ه- 93.
أبو قرّة المحدّث 373،374،375،376،377،378،379.
فسطاط الرومي 401،405.
قنبر مولى أمير المؤمنين«ع»ه- 14،518.
قيس بن سعد بن عبادة 81.
قيس الماصر 278،279،282.
الكاظم«ع»،موسى بن جعفر:12،104،ه- 264،298،323،325،326،327،328،329،330،331،334،335،338،339،340،341،342،343،344،345،346،347،348،349،394،397،432،ه- 508،ه- 516.
الكراجكي ه- 316.
الكشي 93،ه- 299.
ابن الكلبي ه- 134.
ام كلثوم بنت علي«ع»ه- 111.
ص: 644
الكليني،محمّد بن يعقوب ه- 65،ه- 149،ه- 166،ه- 167،ه- 168،ه- 169،ه- 170،ه- 171،ه- 172،ه- 173،ه- 176،180،ه- 186،ه- 193،ه- 202،ه- 204،ه- 206،ه- 209،ه- 210،ه- 211،ه- 213،ه- 214،ه- 254،ه- 260،ه- 263،ه- 271،ه- 277،ه- 282،ه- 285،ه- 294،ه- 295،ه- 300،ه- 305،ه- 349،ه- 359،ه- 379،ه- 391،ه- 447،ه- 466،ه- 469،ه- 498،ه- 499.
كيخسر 237.
اللاّت 24،482.
لوزا 142،143.
لوقا 6.
ابن أبي ليلى 253،254،266،ه- 267.
ماروت 221،514.
مالك بن دينار 149،150.
المأمون،عبد اللّه 321،341،342،ه- 343،359،365،366،367،368،393،394،395،401،403،404،412،422،423،424،425،426،428،429،430،432،433،434،436،455،456،457،469،470،471،472،473،474،475،476،477.
ماني الزنديق 235،236.
ابن المتوكّل ه- 189.
المتوكّل العباسي 497،498،499.
متّى 411،413.
المجلسي،محمّد باقر:مكرّر في معظم الصفحات.
ابن محبوب ه- 149.
أبو محمّد 335.
محمّد بن إبراهيم بن إسحاق(أبو العبّاس)
ص: 645
ه- 298،ه- 447،ه- 449.
محمّد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ه- 389.
محمّد بن أحمد 152،ه- 258،ه- 499.
محمّد بن أحمد السناني ه- 397.
محمّد بن أحمد الشيباني ه- 482.
محمّد بن أحمد بن يحيى ه- 299.
محمّد بن إسماعيل البرمكي ه- 171،ه- 200،ه- 208،ه- 325،ه- 327،ه- 385،ه- 388،ه- 466.
محمّد بن إسحاق الخفّاف ه- 202.
محمّد الأمين 342.
محمّد بن بشر ه- 469.
محمّد بن أبي بكر 309،460.
محمّد بن جعفر الأحول 304.
محمّد بن جعفر بن محمّد 403،436.
محمّد بن الحسن ه- 271،345،346.
محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد 12،ه- 259،ه- 365.
محمّد بن حسن بن شمون ه- 349.
محمّد بن الحسن الصفّار ه- 259.
محمّد بن الحسين ه- 149،ه- 263،ه- 477.
محمّد بن الحنفيّة 14،147،148،149،296،518،519.
محمّد بن خالد ه- 172،ه- 399.
محمّد بن زياد ه- 508،ه- 516.
محمّد بن أبي زياد الجدي ه- 365.
محمّد بن زياد القلزمي ه- 365.
محمّد بن السايب 96.
محمّد بن سعيد ه- 298.
محمّد بن سليمان الصنعاني ه- 253.
محمّد بن سنان 260،387.
محمّد بن سيار ه- 508،ه- 516.
محمّد بن العبّاس الماهيار ه- 184.
محمّد بن عبد الجبّار ه- 379.
محمّد بن عبد الرّحمن ه- 298.
محمّد بن عبد اللّه«ص»خاتم الأنبياء:تكرّر اسمه الشريف في أغلب الصفحات.
محمّد بن عبد اللّه ه- 388.
محمّد بن عبد اللّه بن جعفرالحميري ه- 401.
محمّد بن عبد اللّه بن الحسن 273.
ص: 646
محمّد بن عبد اللّه الخراساني-خادم الرّضا«ع»354،ه- 357.
محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي ه- 171،ه- 258،ه- 325،ه- 326،ه- 327،ه- 385،ه- 388،ه- 397،ه- 466،ه- 469،ه- 482.
محمّد بن علي ه- 208.
محمّد بن علي بن ماجيلويه ه- 343،ه- 356.
محمّد بن علي الصيرفي،أبو سمينة ه- 356.
محمّد بن عمر ه- 302.
محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكجي ه- 373،ه- 423.
محمّد بن عمرو الكاتب ه- 365.
محمّد بن أبي عمير 65،ه- 258،ه- 277،302.
محمّد بن عون النصيبي ه- 477.
محمّد بن عيسى ه- 169،ه- 170،ه- 263،ه- 359.
محمّد بن عيسى بن عبيد ه- 168.
محمّد بن أبي القاسم-أبو الحسن الجرجاني ه- 356،ه- 508،ه- 516.
محمّد بن قيس 13،17.
محمّد بن محمّد بن عصام الكليني ه- 391.
محمّد بن مسعود ه- 68،ه- 299.
محمّد بن مسلم 165،167،ه- 168،171،172.
محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري 157،158.
محمّد بن موسى بن المتوكّل ه- 253،ه- 343،ه- 383،ه- 384،ه- 447.
محمّد بن نعمان الأحول 278،279،282،283،308،309.
محمّد مؤمن الطّاق 310،311،312،313،314.
محمّد بن هارون الصوفي ه- 154،ه- 383،ه- 387.
محمّد بن يحيى ه- 65،ه- 149،ه- 166،ه- 213،ه- 260،ه- 263،ه- 499.
محمّد بن يحيى الصولي ه- 457.
محمّد بن يحيى العطّار ه- 12،ه- 257.
محمّد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب«ع»ه- 365.
محمّد بن يعقوب ه- 447.
ص: 647
أبو مخنف 17.
ابن مرجانة(نبز لعبيد اللّه بن زياد)135.
مرقانوس 412،413.
مروان بن الحكم 42،43،44،45،46،47،58،96،97.
مريم«ع»339.
أبو مسعود الثقفي 493.
المسيح«ع»:انظر عيسى بن مريم«ع».
مصعب بن عبد اللّه 97.
المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي ه- 68.
معاذ بن عبد اللّه ه- 267.
أبو معاوية 152.
معاوية بن أبي سفيان 14،16،17،18،19،22،23،24،29،30،32،33،36،41،42،43،44،45،50،51،52،53،54،55،56،57،58،59،61،62،63،65،66،67،69،73،80،81،82،83،84،85،88،89،92،ه- 93،94،95.
معاوية بن وهب 292،ه- 294.
المعتزلي،ابن أبي الحديد ه- 45.
معلّى بن محمّد ه- 193.
المغيرة بن شعبة 17،22،40،45،46،47،50،314.
المفيد،الشيخ ه- 73،ه- 114،ه- 173،ه- 175،ه- 182،ه- 209،ه- 271،ه- 282،ه- 294،ه- 295،ه- 344،ه- 346،ه- 365،ه- 399،ه- 477،ه- 500.
أبو المفضل ه- 256.
المقداد 57،60،318،460.
ابن المقفع 306،307.
مكحول-صاحب رسول اللّه«ص»134.
أبو منصور ه- 180.
أبو منصور المتطبّب ه- 209.
ابن منظور ه- 92.
المهدي المنتظر«عج»298،502،514،516،521،523.
المهدي العبّاسي 333،334،346،347.
موسى«ع»26،41،59،60،66،67،68،ه- 96،190،230،231،238،270،285،290،293،295،302،303،310،339،373،406،409،410،414،415،416،417،418،
ص: 648
419،428،429،430،431،437،489،528،530.
أبو موسى-أخ يقطين 333،334.
موسى بن جعفر البغدادي ه- 68.
موسى بن عقبة 94.
موسى بن عمرو ه- 388.
الميداني ه- 134.
ميكائيل 478.
نافع بن الأزرق 166،174،175.
نافع،مولى عمر بن الخطّاب 177.
ابن نثلة(نبز للعبّاس)345.
نثلة-ام العبّاس ه- 345.
نثيلة-جدّة معاوية 53.
النجاشي 36،37.
ابن أبي نجران ه- 213.
نجمة 298.
النخعي ه- 189.
النخعي،ابن أبي نعيم 308.
نرجس 298.
نصر الخثعمي 260.
أبو نضرة ه- 298.
النضر بن الحرث بن كلدة 35.
النضر بن سويد ه- 204.
النّعمان بن بشير 32.
ابن نما ه- 108،ه- 114،ه- 119،ه- 132،ه- 135.
نمرود 513.
نوح«ع»28،137،193،238،313،424،479.
نوح بن دراج 337.
نور اللّه التستري،القاضي ه- 53.
النوفلي ه- 189.
هابيل 142،163،182،186،188.
الهادي«ع»،علي بن محمّد 12،298،483،485،486،487،497،498،499،500،502،ه- 508،ه- 516.
هاروت 514.
هارون«ع»،بن عمران 26،41،60،66،
ص: 649
67،190،221،270،310،339،489.
هاشم-جدّ النبيّ«ص»445.
هاشم البحراني،السيّد ه- 55،ه- 73،ه- 184،ه- 519.
أبو هاشم الجعفري ه- 469.
هاني بن محمّد العبدي(أبو محمّد)335.
أبو الهذيل العلاّف 316،317،318،319،321.
الهربذ الأكبر 401،418،419.
هشام بن الحكم 197،200،ه- 201،203،204،206،ه- 214،279،280،281،282،283،285،ه- 306،307،325.
هشام بن سالم 278،279،282،283.
هشام بن عبد الملك 172،173،177،179.
هند-ام معاوية 53،63.
هود«ع»136.
واصل بن عطاء 272.
الوشّاء ه- 193.
الوليد بن عقبة بن أبي معيط 17،22،37،38،45.
الوليد بن المغيرة 35.
الوليد بن يزيد،أمير الشّام 272.
ياسر،خادم الرّضا«ع»ه- 384،402.
يحيى«ع»،النبيّ 339،530.
يحيى بن أكثم 471،472،474،475،477،478،479،480،498،499.
يحيى بن الضحّاك السمرقندي 456،457.
يزيد بن أبي حبيب المصري 17.
يزيد بن عمير بن معاوية الشامي 397.
يزيد بن معاوية 73،92،120،122،123،124،126،131،132،133،
ص: 650
134،135،512،529.
أبو يعفور 300.
يعقوب«ع»305،413،440.
أبو يعقوب-أحد أصحاب الصّادق«ع»ه- 300.
أبو يعقوب البغدادي 437،ه- 439.
يعقوب بن جعفر الجعفي 326،ه- 327،328.
يعقوب بن يزيد ه- 487.
يقطين-أب عليّ بن يقطين 333.
يهودا«ع»413.
يوحنا 411،412.
يوحنا الأكبر-بأج ه- 406.
يوحنا الأكبر-باحي 406.
يوحنا-بقرقيسا 406.
يوحنا الديلمي 405.
يوحنا الديلمي-بزجار 407.
يوسف«ع»188،257،305،339.
أبو يوسف 346،347.
يوسف بن محمّد بن زياد(أبو يعقوب)ه- 508،513،516.
يونس«ع»432.
يونس ه- 170.
يونس بن ظبيان 211.
يونس بن عبد الرّحمن ه- 206.
يونس بن يعقوب 277،278،ه- 282،283،ه- 285.
ص: 651
ص: 652
رقم الآية\الآية\الصفحة
6\اهدنا الصراط المستقيم\286.
7\ختم اللّه على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة\396،505
15\اللّه يستهزى ء بهم...\390
17\و تركهم في ظلمات لا يبصرون\396
22\الذي جعل لكم الأرض فراشا\506
35\اسكن أنت و زوجك الجنّة و كلا منها رغدا...\423
78\و منهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ\508
79\فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذامن عند اللّه...\509
ص: 653
93\و قالوا سمعنا و عصينا...\445
124\إنّي جاعلك للنّاس إماما...\440
148\أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا...\481
159-160\اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون...\513
177\و الصّابرين في البأساء و الضّرّاء و حين البأس\313
179\و لكم في القصاص حياة...\155
210\هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام و الملائكة\390
247\إنّ اللّه اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم\446
249\إلاّ من اغترف غرفة بيده\189
255\وسع كرسيّه السّماوات و الأرض\199
259\أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها\231
260\ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أ و لم تؤمن...\427
269\و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا\446
7\هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات...\63،496
23\أ لم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب...\500
33\إنّ اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين\424
54\و مكروا و مكر اللّه و اللّه خير الماكرين\390
61\فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم...\175،340
ص: 654
68\إنّ أولى النّاس بإبراهيم للذين اتّبعوه و هذا النبيّ...\441
97\و من دخله كان آمنا\268
152\ثمّ صرفكم عنهم ليبتليكم\495
169-170\و لا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا...\128
178\و لا يحسبنّ الذين كفروا أنّما نملي لهم خير لأنفسهم...\125
4\و اتوا النّساء صدقاتهنّ نحلة\ه- 588
5\و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللّه لكم قياما\170
20\و اتيتم إحداهنّ قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا\ه- 588
23\حرّمت عليكم امّهاتكم و بناتكم و أخواتكم...و حلائل ابنائكم الذين من أصلابكم\176
35\فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها إن يريداإصلاحا...\174
54-55\أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله...و كفى بجهنّم سعيرا\446
56\كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرهاليذوقوا العذاب\370
57\...خالدين فيها أبدا\371
59\يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول و اولي الأمر منكم\95،536
60\...يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت...\261
ص: 655
80\من يطع الرسول فقد أطاع اللّه\380
83\...و لو ردّوه إلى الرسول و إلى اولي الأمر لعلمه الذين يستنبطونه\95
105\فاحكم بينهم بما أراك اللّه\270
113\و كان فضل اللّه عليك عظيما\446
114\لا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أومعروف أو إصلاح\170
142\يخادعون اللّه و هو خادعهم\390
153\...أرنا اللّه جهرة\231
155\...بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلا\396
171\...و روح منه\170
3\اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي...\439
21\ادخلوا الأرض المقدّسة\60
25\ربّ إنّي لا أملك إلاّ نفسي و أخي\60
27\إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين\288
31\فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه\188
55\إنّما وليكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا...\488
87-88\يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم...\28
ص: 656
101\يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم\170،544
38\ما فرّطنا في الكتاب من شي ء\339،439
59\و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين\302
76\فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا قال هذا ربّي...\425،426
77\فلمّا أفل قال لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الظالمين\426
78\فلمّا رأى الشّمس بازغة قال هذا ربّي هذا أكبر\426
78-79\فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بري ء ممّا تشركون إنّي وجّهت وجهي\426
83\و تلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه\426
84-85\و من ذرّيّته داود و سليمان و أيّوب...\175،339
103\لا تدركه الأبصار\211،465
104\قد جاءكم بصائر من ربّكم\212
125\فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للاسلام\392
164\و لا تزر وازرة وزر اخرى\138
165\ليبلوكم فيما آتاكم\495
ص: 657
12\خلقتني من نار و خلقته من طين\271
20\ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكوناملكين...\423
20-22\ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا...فدلاّهما بغرور\424
50\و نادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضواعلينا من الماء\173،179
51\فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا\391
65\و إلى عاد أخاهم هودا\136
138\يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة\60
143\و لمّا جاء موسى لميقاتنا و كلّمه ربّه...\430،431
145\و كتبنا له في الألواح من كلّ شي ء موعظة\302
155\و اختار موسى قومه سبعين رجلا ليمقاتنا...إن هي إلاّ فتنتك\495،530
171\و إذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّة\188
180\و للّه الأسماء الحسنى فادعوه بها\378
182\سنستدرجهم من حيث لا يعلمون\495
189-190\لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشاكرين...فتعالى اللّه عمّا يشركون\425
ص: 658
190\فلمّا آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون\424
21-23\قالوا سمعنا و هم لا يسمعون*إن شرّ الدّواب...لتولّوا و هم معرضون\445
33\و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم...\480
41\و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فأنّ للّه خمسه و للرسول و لذي القربى\121
48\لا غالب لكم اليوم من النّاس و إنّي جار لكم\95
72\و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي ء...\338
25\لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة\497
26\ثمّ أنزل اللّه سكينته على رسوله و على المؤمنين...\612
29\قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر\257
32\يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم\83
40\ثاني اثنين إذ هما في الغار فأنزل اللّه سكينته عليه...\608،611
43\عفا اللّه عنك لم أذنت لهم...\434
60\إنّما الصدقات للفقراء و المساكين\276
67\نسوا اللّه فنسيهم\391
ص: 659
79\سخر اللّه منهم\390
93\طبع اللّه على قلوبهم فهم لا يفقهون\445
106\و آخرون مرجون لأمر اللّه\366
111-112\انّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم...\144
119\يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه...\312
122\فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة\258
35\أ فمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع...\313،446
99-100\و لو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم...و يجعل الرجس على الذين لا يعقلون\394
100\و ما كان لنفس أن تؤمن إلاّ بإذن اللّه...\395
7\و هو الذي خلق السّماوات و الأرض...ليبلوكم أيّكم أحسن عملا\330،393،495
18\ألا لعنة اللّه على الظالمين\559
44\و قيل يا أرض ابلعي ماءك\307
108\عطاء غير مجذوذ\370
ص: 660
5\يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك\305
24\و لقد همّت به و همّ بها لو لا أن رأى برهان ربّه\432
70\أيّتها العير إنّكم لسارقون\257
80\فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّا\306
82\و اسأل القرية التي كنّا فيها و العير التي أقبلنا فيها\139
109\و ما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم\515
110\حتّى إذا استيأس الرسل و ظنّوا أنّهم قد كذبوا...\433
39\يمحو اللّه ما يشاء و يثبت\366
43\كفى باللّه شهيدا بيني و بينكم\302
4\و ما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه\610
42\و لا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظالمون\ه- 124
48\يوم تبدّل الأرض غير الأرض و السّماوات\179
9\انّا نحن نزّلنا الذكر و إنّا له لحافظون\611
29\و نفخت فيه من روحي\171،172
ص: 661
48\و ما هم منها بمخرجين\371
93\فيضلّ من يشاء و يهدي من يشاء\496
1\سبحان الذي أسرى بعبده ليلا...لنريه من آياتنا\178،376
16\و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها\42
26\و آت ذا القربى حقّه\121
40\أ فأصفاكم ربّكم بالبنين و اتّخذ من الملائكة إناثا...\435
60\و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للنّاس...و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوّفهم...\35،44
72\و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى\165
74\و لو لا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم...\434
86\و لئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك\372
88\قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا...\307
37\قال له صاحبه و هو يحاوره أ كفرت بالذي خلقك...\610
49\و لا يظلم ربّك أحدا\490
50\و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس\515
59\و تلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا\139
ص: 662
101\الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري\395
26\إنّي نذرت للرّحمن صوما فلن أكلّم اليوم إنسيّا\189
64\و ما كان ربّك نسيّا\391
5\الرّحمن على العرش استوى\199،328
12\فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس طوى\528
44\لعلّه يتذكّر أو يخشى\270
72\فاقض ما أنت قاض\59
81\و من يحلل عليه غضبي فقد هوى\169،182
85\فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك و أضلّهم السامري\495
110\و لا يحيطون به علما\376
113\أو يحدث لهم ذكرا\374
121\و عصى آدم ربّه فغوى\329،423
121-122\و عصى آدم ربّه...فتاب عليه و هدى\424
124-126\و من أعرض عن ذكري...و كذلك اليوم تنسى\550
ص: 663
19-20\و له من في السّماوات و الأرض...يسبّحون اللّيل و النّهار لا يفترون\514
22\لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا\307
27-28\بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول...\514
30\أ و لم ير الذين كفروا انّ السّماوات و الأرض كانتارتقا ففتقناهما\181
60\قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم\340
63\قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم...\257
72-73\و وهبنا له إسحاق و يعقوب...و جعلناهم أئمّةيهدون بأمرنا\441
87\و ذا النون إذ ذهب مغاضبا...\432
111\و إن أدري لعلّه فتنة لكم...\41،52
10\ذلك بما قدّمت يداك و انّ اللّه ليس بظلاّم للعبيد\490
73\يا أيّها النّاس ضرب مثل فاستمعوا له\306
75\اللّه يصطفي من الملائكة رسلا و من النّاس\480
102\فمن ثقلت موازينه\247
ص: 664
26\و الطيّبات للطيبين و الطيّبون للطيّبات...\42
32\و انكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم\473
35\اللّه نور السّماوات و الأرض مثل نوره كمشكاة...\487
19\و فعلت فعلتك التي فعلت...\429
20\قال فعلتها إذا و أنا من الضّالين\429
21\ففررت منكم لمّا خفتكم فوهب لي ربّي حكما\429
206\ثمّ جاءهم ما كانوا يوعدون\ه- 52
207\ما أغنى عنهم ما كانوا يمتّعون\ه- 52
18\يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان و جنوده\188
65\قل لا يعلم من في السّماوات و الأرض الغيب إلاّ اللّه\550
15\فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته...هذا من عمل الشّيطان إنّه عدوّ مضلّ مبين\428
16\ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنّه هو
ص: 665
الغفور الرحيم\428
17\ربّ بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين\428
18\فأصبح في المدينة خائفا يترقّب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه\429
19\فلمّا أراد أن يبطش...أ تريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس\429
50\و من أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من اللّه...\447
68\و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة\444
88\كل شي ء هالك إلاّ وجهه\381
2\أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون\495
61\و لئن سألتهم من خلق السّماوات و الأرض...\465
10\ثمّ كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذّبوا...\124
11\اللّه يبدؤا الخلق ثمّ يعيده\366
56\و قال الذين اوتوا العلم و الايمان لقد لبثتم في كتاب اللّه...\441
13\يا بنيّ لا تشرك باللّه إنّ الشّرك لظلم عظيم\614
ص: 666
28\...سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه\499
18\أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون\37
7\و إذ أخذنا من النبيّين ميثاقهم و منك و من نوح\479
33\إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا\121
36\و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى اللّه و رسوله...\444
37\و إذ تقول للذي أنعم اللّه عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك\434،435
37-38\فلمّا قضى زيد منها وطرا زوّجناكها...ما كان على النبيّ من حرج...\436
13\و قليل من عبادي الشكور\59
18\و جعلنا بينهم و بين القرى...و قدّرنا فيها السير\139،183،268
1\يزيد في الخلق ما يشاء\366
11\و ما يعمّر من معمّر و لا ينقص من عمره\366
ص: 667
32\ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا\301
12\و كل شي ء أحصيناه في إمام مبين\302
82\انّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون\326
88-98\فنظر نظرة في النّجوم*فقال انّي سقيم\257
103\سلام على ال ياسين\591
143\فلولا أنّه كان من المسبّحين\432
144\للبث في بطنه إلى يوم يبعثون\432
5\أ جعل الآلهة إلها واحدا إنّ هذا لشي ء عجاب\433
6\و انطلق الملأ منهم أن امشوا و اصبروا...\433
7\ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة\433
24\...و قليل ما هم...\59
34\و لقد فتنّا سليمان...\495
9\هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون\501
17\فبشّر عباد الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه\496
65\لئن أشركت ليحبطنّ عملك و لتكوننّ من الخاسرين\434
ص: 668
35\كبر مقتا عند اللّه و عند الذين آمنوا...\447
45\فوقاه اللّه سيّئات ما مكروا...\292
60\ادعوني أستجب لكم...\228
17\و أمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى\496
46\و ما ربّك بظلاّم للعبيد\397
23\قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى\121
30\و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم\460
31\لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم\493
45\و سئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا...\178
63\و لابيّن لكم بعض الذي تختلفون فيه\302
71\و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين\ه- 581
5\فبأيّ حديث بعد اللّه و آياته يؤمنون\377
ص: 669
1-2\حم*تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم\541
3\ما خلقنا السّماوات و الأرض و ما بينهما إلاّ بالحقّ...\541
4\قل أ رأيتم ما تدعون من دون اللّه...\541
5\و من أضلّ ممّن يدعوا من دون اللّه...\541
6\و إذا حشر النّاس كانوا لهم أعداء...\541
4\و لو يشاء اللّه لانتصر منهم...\495
8\فتعسا لهم و أضلّ أعمالهم\447
24\أ فلا يتدبّرون القرآن...\445
31\و لنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم...\494
1-2\إنّا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك اللّه...\433
10\انّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه...\380
25\و الهدي معكوفا أن يبلغ محلّه\30
26\فأنزل اللّه سكينته على رسوله و على المؤمنين...\612
6\إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا\37
ص: 670
11\و لا تنابزوا بالألقاب\251
16\و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه\478
35\لهم ما يشاءون فيها و لدينا مزيد\370
49\و من كلّ شي ء خلقنا زوجين\363
8-9\ثمّ دنا فتدلّى*فكان قاب قوسين أو أدنى\328
13\و لقد رآه نزلة أخرى\376
26-27\كلّ من عليها فان و يبقى وجه ربّك...\381
43-44\هذه جهنّم التي يكذّب بها المجرمون*يطوفون بينها و بين حميم آن\382
32-33\و فاكهة كثيرة*لا مقطوعة و لا ممنوعة\370،371
ص: 671
11\يا أيّها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسّحوا...\501
10\و الذين جاءوا من بعدهم يقولون...\311
19\نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم\391
1\إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد...\187.
2\و أقيموا الشّهادة للّه\585
8\و كأيّن من قرية عتت عن أمر ربّها و رسله\139
66\لا يعصون اللّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون\514
17\إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنّة\495
36-37\ما لكم كيف تحكمون*أم لكم كتاب فيه تدرسون\445
38-41\إنّ لكم فيه لما تخيّرون...أم لهم شركاء فليأتوا
ص: 672
بشركائهم\445
42\يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود\388
36-37\فمال الذين كفروا قبلك مهطعين*عن اليمين...\609
27\إلاّ من ارتضى من رسول\ه- 551
22-23\وجوه يومئذ ناضرة*إلى ربّها ناظرة\382
19-21\إنّه لقول رسول كريم...مطاع ثمّ أمين\567
15\كلاّ إنّهم عن ربّهم يومئذ لمحجوبون\389
3\النّجم الثاقب\252
ص: 673
3-7\عاملة ناصبة...لا يسمن و لا يغني من جوع\39
16\و أمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه\432
22\و جاء ربّك و الملك صفّا صفّا\389
6\أ لم يجدك يتيما فآوى\429
7\و وجدك ضالاّ فهدى\430
8\و وجدك عائلا فأغنى\430
1\إنّا أنزلناه في ليلة القدر\566
3\ليلة القدر خير من ألف شهر\35
3\إن شانئك هو الأبتر\35
1\قل هو اللّه أحد\566
ص: 674
القافية\عدد\القائل\الصفحة
الأبيات
1\كهولكم خير الكهول و نسلكم...\أ\1\رجل\114
2\انّ الحمار مع الحمار مطيّة...\ب\1\مثل\610
3\تجمّلت تبغّلت و إن عشت تفيّلت\ت\1\محمّد بن أبي بكر\309
4\نحن قتلنا عليّا و بني عليّ...\ح\2\رجل\107
5\أنا ابن عليّ الطهر من آل هاشم...\ر\4\الحسين«ع»\104
6\و نحن أمان اللّه للنّاس كلّهم...\ر\3\الحسين«ع»\104
7\يا سائلي عنه لمّا جئت أسأله\ر\2\أبو العلاء المعرّي\617
8\فما ذنبنا إن جاش بحر بحورنا\ص\1\فاطمة الصغرى«ع»\108
9\من عرف الربّ فلم تغنه...\ق\2\زين العابدين«ع»\150
10\ما يصنع العبد بغير التّقى...\ق\1\زين العابدين«ع»\151
11\لعبت هاشم بالملك فلا...\ل\1\يزيد بن معاوية\122
12\ليت أشياخي ببدر شهدوا...\ل\4\يزيد بن معاوية\123
13\لأهلّوا و استهلّوا فرحا...\ل\1\يزيد بن معاوية\126
14\ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم\م\4\زينب بنت عليّ«ع»\113
15\لا غرو إن قتل الحسين و شيخه...\م\3\زين العابدين«ع»\119
ص: 675
16\أنّى يكون و لا يكون و لم يكن\م\1\مروان ابن أبي حفصة\344
17\أنّى يكون و لا يكون و لم يكن...\م\2\هاتف في المنام\344
18\ما للطليق و للتراث و إنّما...\م\3\هاتف في المنام\345
19\شفينا أنفسا طابت و فورا\ن\2\مروان بن الحكم\46
20\فان نهزم فهزّامون قدما...\ن\4\الحسين«ع»\100
21\كفر القوم و قدما رغبوا...\ن\3\الحسين«ع»\101
22\يا لقوم من اناس رذّل...\ن\13\الحسين«ع»\102
23\في سبيل اللّه ما ذا صنعت...\ن\5\الحسين«ع»\103
24\زرت هندا و ذاك غير اختيان...\ن\1\شعر للعرب\610
25\لم تخل أفعالنا اللاّتي نذمّ بها...\ه\4\عبد اللّه بن مسلم\332
26\و قال ساعطي الراية اليوم صارما...\ي\3\حسّان بن ثابت\ه- 26
ص: 676
آل إبراهيم 424،446.
إرم 113.
بنو إسرائيل 59،60،61،121،134،136،188،294،407،408،409،410،414،431،532.
بنو الأصفر ه- 14.
بنو أميّة 20،22،31،34،41،50،58،70،337،ه- 478،479.
الأنصار 23،25،58،80،81،185،274،318،343،523،531.
أهل بدر 481.
أهل البصرة 317.
الترك 322.
تيم 337.
ثقيف 46،47،48.
ص: 677
ثمود ه- 96.
أهل الحجاز 327.
الحضرميين 85،91.
الحواريّين 404،405،406.
الخزر 322.
الخزرج 123.
بنو خزيمة 29.
آل الخطّاب 480.
الخوارج 166.
الديصانيّة 233.
آل الرسول 444،445،491.
الرّوم 322.
أصحاب زردشت 401.
الزنادقة 233،354،375.
الزيديّة 292،293.
آل أبي سفيان 58،82.
أهل الشّام 51،52،57،272،273،277.
الشيعة 83،502،511،516،550،551،555،556،618،619،621.
شيعة علي 85،518.
الصابئين 401،403.
ص: 678
آل أبي طالب 470.
الطالبيّين 403،500.
عاد ه- 96،136،334.
بني العبّاس ه- 333،336.
العبّاسيّين 469،500.
عبد قيس 35.
آل عبد المطّلب 127.
بنو عبد المطّلب 20،21،59،336.
بنو عبد مناف 80.
عدي 337.
أهل العراق 317.
العلويّين 500.
آل عمران 424.
غطفان 30.
الغلاة 400،549،552.
آل فرعون 134،137،193،290.
قريش 21،30،31،32،35،37،40،44،47،58،80،81،142،273،274،329،338،343،408،409،445،493،501.
بنو قريظة 25،174.
قيس 46،48،49.
أصحاب الكهف 230.
أهل الكوفة 97،104،106،107،109،110،117،119،285.
ص: 679
المانوية 235.
المتقويّة ه- 235.
المجوس 143،236،237،275،375،401،570.
المجوسيّة ه- 235،236.
آل محمّد«ع»78،120،122،136،331،515،575،595.
آل بيت محمّد«ع»481.
أهل المدينة 276،277.
آل أبي معيط 320.
أهل مكّة 433.
المهاجرون 23،25،58،185،274،318،343،523،531.
آل النبيّ«ع»618.
النّصارى 340،375،406،412،454.
النّصرانية ه- 235،236،405.
بنو النضير 25.
بنو نوبخت 555.
قوم نوح 137.
آل هاشم 103.
بنو هاشم 20،22،34،36،41،45،69،87،89،122،343،360،366،404،500.
الهاشميّين 403.
الهرابذة 403.
هوازن 30.
اليهود 30،ه- 96،509،510،511،532.
يهود المدينة ه- 25.
ص: 680
الأردن ه- 38.
أصفهان 589.
الأهواز 487.
باب الأبواب ه- 499.
بابل 408،514.
باجروان ه- 499.
بدر 20،34،123.
البصرة 83،135،136،149،182،184،193،283،311،ه- 316،317،337،419،525.
بغداد ه- 344،347،458،ه- 538،ه- 556.
بقيع الغرقد 31.
بلاد الجزيرة ه- 317.
بلخ 422.
بيت اللّه الحرام 237،268،620.
بيت المقدس 178،230،408،416.
تبوك 26،190.
تهامة 72.
جابرس 96.
جابلق 96.
جبل ساعير 415.
جبل فاران 415،416.
الجزيرة 419.
ص: 681
جمة افريقا 499.
الحبشة 36.
الحجاز 365،597.
الحجر الأسود 148.
حران ه- 317.
الحلة ه- 595.
حلوان 534.
حمة ماسيدان 499.
خراسان 365،366،367،368،456،620.
دير زكن ه- 317.
دير زكي 317.
الرحبة 13.
الرقّة 317.
الرملة 607.
الروم 13،72.
الرّي 525.
زكية ه- 317.
زمزم ه- 133.
سامراء ه- 317.
سرّ من رأى 524.
السند 466.
الشّام 13،29،32،ه- 38،46،120،131،132،133،ه- 206،272،273،277،280،419.
شروان ه- 499.
الصّفا 133.
صفورية 38.
صفين 48،81،136.
الطائف 41.
طبرية ه- 38.
طور سيناء 188،415،430.
طوس 620.
ص: 682
العذيب ه- 333.
العراق 84،91،139،147،167،173،267،317،599،616.
العراقين 83.
عكّا ه- 38.
عين باحروان 499.
عين باحوران ه- 499.
عين بحرون ه- 499.
عين برهوت 10،499.
عين سلمى 16.
عين الطبرية 499.
عين الكبريت 499.
عين اليمن 499.
غدير خمّ 61.
فسا 192.
فلسطين 36.
القادسية ه- 333.
قبر العبادي ه- 333.
قبر النبيّ«ص»343.
قصر العبادي 333.
قم 524،526،ه- 568،ه- 595.
كربلاء 97،104،109،529.
الكعبة 149،150،172،377،474.
الكوفة 54،83،136،139،266،285،308،314،ه- 333،337،419.
اللّجون ه- 38.
المدينة 26،29،ه- 31،32،53،58،80،135،192،204،253،268،276،287،318،334،342،343،422،482،489.
مرو 366،397،439.
المروة 133.
مسجد البصرة 283.
المسجد الحرام 172،173،178،256.
مسجد رسول اللّه«ص»23،253،310،609.
مصر 41،204،205،206.
ص: 683
المغرب ه- 333.
مكّة 26،29،30،123،133،139،144،148،149،151،183،204،207،268،272،ه- 333،342،345،415،423،474.
منى 119،123،133،140،474.
نهاوند 192.
النهروان 136.
نيسابور 392،620.
الهند 466.
الوادي المقدّس 528.
واسط ه- 317.
اليمن 250،251،252،253.
ص: 684
1-آلاء الرحمن في تفسير القرآن:البلاغي النجفي:محمد جواد(م 1352 ه-)مكتبةالوجداني،قم.
2-الاتقان:جلال الدين السيوطي(849-911 ه-)تحقيق الدكتور مصطفى،دار ابن كثير،بيروت.
3-اثبات الهداة:الحر العاملي:محمد بن الحسن(م 1104 ه-)المطبعة العلمية،قم.
4-احقاق الحق:الشهيد السيد نور اللّه الحسيني التستري(م 1091 ه-)المكتبة الإسلامية،طهران.
5-الاختصاص:أبو عبد اللّه:محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد-رحمه اللّه-(336-413 ه-)منشورات جماعة المدرسين في الحوزة
ص: 685
العلمية،قم.
6-الارشاد:المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(336-413 ه-)طبع قم-1402 ه-.
7-الاستيعاب:أبو عمر:يوسف بن عبد اللّه بن عبد البر،دار نهضة مصر،القاهرة.
8-اسد الغابة:ابن الاثير:أبو الحسن:علي بن أبي الكرم(م 630 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت.
9-الأعلام:خير الدين الزركلي(م 1396 ه-)دار العلم للملايين،بيروت،الطبعة السادسة-1404 ه-.
10-أعلام النساء:عمر رضا كحّالة،مؤسسة الرسالة،بيروت-1404 ه-.
11-اعلام الورى:أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي(471-548 ه-)طبع إيران.
12-أعيان الشيعة:السيد محسن الأمين العاملي(م 1371 ه-)دار التعارف،بيروت.
13-اكمال الدين:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)طهران-1405 ه-.
14-الأمالي:الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)مؤسسةالأعلمي للمطبوعات،بيروت،لبنان،الطبعة الخامسة-1400 ه-.
15-الأمالي:الطوسي:محمد بن الحسن(385-460 ه-)مؤسسة الوفاء،بيروت-1401 ه-.
16-الأمالي:المرتضى:علي بن الحسين الموسوي(355-436 ه-)دار احياء الكتب العربية،بيروت-1373 ه-.
17-الأمالي:المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(413 ه-)منشورات جماعة المدرسين،قم-1403 ه-.
18-الإمامة و السياسة:أبو محمد:عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري(م 276 ه-)مطبعة
ص: 686
مصطفى محمد،مصر.
19-الأمثال في نهج البلاغة:محمد الغروي،انتشارات فيروزآبادي،قم المقدسة-1401 ه-.
20-أمل الآمل:الحر العاملي:محمد بن الحسن(1023-1104 ه-)تحقيق السيد أحمدالحسيني،مكتبة الاندلس،بغداد-1385 ه-.
21-أنساب الأشراف:أحمد بن يحيى البلاذري(من أعلام القرن الثالث الهجري)مؤسسة الأعلمي،بيروت-1394 ه-.
22-أهل البيت:توفيق أبو علم،مطبعة السعادة،مصر.
23-بحار الأنوار:العلاّمة محمد باقر المجلسي الإصفهاني(م 1110 ه-)مؤسسة الوفاء،بيروت،الطبعة الثانية-1403 ه-.
و الجزءان 32 و 33 طبعا أخيرا في ايران.
24-البداية و النهاية:الحافظ أبو الفداء ابن كثير الشامي(م 774 ه-)دار الفكر،بيروت-1402 ه-.
25-البرهان القاطع:ابن خلف التبريزي:محمد حسين،تصحيح محمد عباسي،مطبعةپيروز،ايران-1336 ه-.ش.
26-بصائر الدرجات:أبو جعفر:محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار(م 290 ه-)الناشر:محمود رسيمانچي صادقي تبريزي،ايران،الطبعة الثانية-1380 ه-.
27-بلاغات النساء:ابن طيفور:أحمد بن أبي ظاهر(م 380 ه-)مكتبة بصيرتي،قم،ايران،طبعة بيروت.
ص: 687
28-البهار:حسين بن سعيد الأهوازي(من أصحاب الامام الرضا و الجواد و الهادي«عليهم السّلام»).
29-تاريخ الأمم و الملوك:أبو جعفر:محمد بن جرير الطبري(م 310 ه-)مؤسسةالأعلمي،بيروت.
30-تاريخ اليعقوبي:أحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي(من علماء القرن الثالث الهجري)المكتبة الحيدرية،النجف الاشرف-1384 ه-.
31-تأويل الآيات الظاهرة:السيد شرف الدين علي الحسيني الغروي(من أعلام القرن العاشر الهجري)،نشر و تحقيق:مدرسة الامام المهدي عليه السّلام،الطبعة الاولى-1407 ه-.
32-تحف العقول:الحرّاني:الحسن بن علي(من أعلام القرن الرابع الهجري)مؤسسةالأعلمي،بيروت-1394 ه-.
33-تذكرة الخواص:سبط ابن الجوزي(581-654 ه-)مؤسسة أهل البيت،بيروت-1401 ه-.
34-ترجمة الإمام علي:ابن عساكر:علي بن الحسن بن هبة اللّه(500-573 ه-)دارالتعارف،بيروت-1395 ه-.
35-تفسير الامام العسكري-عليه السّلام-:التحقيق و النشر في مدرسة الإمام المهدي«عليه السّلام»،قم،الطبعة الاولى المحقّقة-1409 ه-.
36-تفسير البرهان:السيد هاشم التوبلي البحراني(م 1107 ه-)قم-1375 ه-.
37-تفسير البيان:الخوئي:أبو القاسم الموسوي(1317-1413 ه-)مطبعة الآداب،
ص: 688
النجف الاشرف.
38-تفسير جامع أحكام القرآن:القرطبي:أبو عبد اللّه:محمد بن أحمد الأنصاري(م 671 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت-1405 ه-.
39-تفسير العياشي:محمد بن مسعود العياشي(م 320 ه-)المطبعة العلمية،قم.
40-تفسير فرات:فرات بن ابراهيم بن فرات الكوفي(من أعلام القرن الثالث الهجري)المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف.
41-تفسير القمّي:أبو الحسن:علي بن ابراهيم القمّي(من أعلام القرنين الثالث و الرابع الهجري)مؤسسة دار الكتاب،قم،الطبعة الثالثة في جزأين-1404 ه-.
42-تفسير مجمع البيان:الطبرسي:الفضل بن الحسن(471-548 ه-)مطبعة العرفاني،صيدا-1354 ه-.
43-تفسير الميزان:العلاّمة الطباطبائي:محمد حسين(1321-1402 ه-)مؤسسةالأعلمي،بيروت-1403 ه-.
44-تلخيص الرياض:السيد علي خان الحسيني المدني الشيرازي(م 1120 ه-)مطبعةالحيدري،طهران-1381 ه-.
45-تلخيص الشافي:شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي:محمد بن الحسن(385-460 ه-)دار الكتب الاسلامية،قم المقدسة-1394 ه-/1974 م.
46-تنبيه الخواطر المسمّى ب-(مجموعة ورّام):أبو الحسين:ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري(م 605 ه-)دار الكتب الاسلامية،طهران-1409 ه-.
47-التهذيب:الشيخ الطوسي:محمد بن الحسن(م 460 ه-)دار الكتب الاسلامية،طهران-1390 ه-.
48-تهذيب التهذيب:العسقلاني:أحمد بن علي بن حجر(773-852 ه-)دار الفكر،
ص: 689
بيروت-1404 ه-.
49-التوحيد:الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)مكتبةالصدوق،طهران.
50-الجمل أو النصرة في حرب البصرة:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(م 413 ه-)منشورات مكتبة الداوري،قم المقدسة.
51-الجرح و التعديل:أبو حاتم الرازي(م 327 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت-1371 ه-.
52-حلية الأبرار:السيد هاشم البحراني(م 1107 ه-)دار الكتب العلمية،قم،الطبعةالأولى في جزأين-1397 ه-.
53-الخرائج و الجرائح:قطب الدين الراوندي(م 573 ه-)مؤسسة الإمام المهدي(عج)،قم-1409 ه-.
54-الخصال:الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية،قم-1403 ه-.
ص: 690
55-الدر المنثور:جلال الدين السيوطي(849-911 ه-)دار الفكر،بيروت-1403 ه-.
56-دعائم الإسلام:أبو حنيفة:النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي(م 363 ه-)دار المعارف،القاهرة-1383 ه-/1963 م.
57-دلائل الإمامة:الطبري:أبو جعفر:محمد بن جرير بن رستم(من أعلام القرن الرابع الهجري)المطبعة الحيدرية،النجف الاشرف-1383 ه-/1963 م.
58-ديوان الأعشى:ميمون بن قيس الأعشى(م 7 ه-)المكتبة الثقافية،بيروت،لبنان.
59-ذخائر العقبى:المحب الطبري:أحمد بن عبد اللّه(615-694 ه-)مكتبة القدسي،القاهرة-1356 ه-.
60-الذريعة:آقا بزرگ الطهراني(1293-1389 ه-)دار الأضواء،بيروت-1403 ه-.
61-ربيع الأبرار:الزمخشري:محمود بن عمر(467-538 ه-)منشورات الشريف الرضي،قم-1410 ه-.
62-الرجال:أبو عمرو الكشي:محمد بن عمر بن عبد العزيز(من أعلام القرن الرابع الهجري)مؤسسة الأعلمي،كربلاء،العراق.
63-الروائع المختارة من خطب الامام الحسن السبط«عليه السّلام»:السيد مصطفى محسن الموسوي،تعليق السيد مرتضى الرضوي،منشورات مكتبة مدرسة چهل
ص: 691
ستون،المسجد الجامع،طهران.
64-روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه:المولى محمد تقي المجلسي(1003-1070)مؤسسة الثقافة الإسلامية،المطبعة العلمية،قم.
65-روضة الواعظين:الفتّال النيسابوري:محمد بن علي(من علماء القرن السادس الهجري)تبريز-1333 ه-.
66-السبعة من السلف:السيد مرتضى السيد محمد الحسيني الفيروزآبادي،مكتبةالفيروزآبادي،قم المقدسة.
67-سفينة البحار:الشيخ عباس القمّي(1294-1359 ه-)طبعة حجر،النجف الاشرف.
68-السيرة النبوية:ابن هشام:أبو محمد:عبد الملك بن أيوب الحميري(م 213 أو 218 ه-)دار التراث العربي،بيروت.
69-الشافي في الإمامة:الشريف المرتضى:علي بن الحسين الموسوي(م 436 ه-)تحقيق السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب،مؤسسة الصادق للطباعة و النشر،طهران-1410 ه-.
70-شرح قصيدة الحميري:الحاج الميرزا محمد رضا التبريزي،طبعة حجر،ايران-1301 ه-.
71-شرح نهج البلاغة:ابن أبي الحديد(م 655 ه-)دار إحياء الكتب العربية،القاهرة-1378 ه-.
ص: 692
72-شرح نهج البلاغة:ابن ميثم البحراني:كمال الدين ميثم بن علي(م 679 ه-)دار العالم الاسلامي،بيروت-1401 ه-/1981 م.
73-الصحاح:اسماعيل بن حمّاد الجوهري،دار العلم للملايين،بيروت،الطبعة الرابعةفي ستة أجزاء،1407 ه--1987 م.
74-الصحيح:الترمذي:محمد بن عيسى بن سورة(209-279 ه-)دار إحياء التراث العربي،بيروت.
75-الصحيح:مسلم بن الحجاج القشيري(م 261 ه-)دار إحياء التراث العربي،بيروت.
76-العقد الفريد:ابن عبد ربّه الأندلسي(246-328 ه-)دار الكتب العلمية،بيروت-1404 ه-.
77-علل الشرائع:الشيخ الصدوق:أبو جعفر:محمد بن علي بن بابويه القمّي(م 381 ه-)المكتبة الحيدرية،النجف الأشرف،الطبعة الثانية في جزأين-1385 ه-.
78-العمدة:ابن البطريق:يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي(533-600 ه-)مؤسسة النشرالاسلامي،قم-1407 ه-.
79-عيون أخبار الرضا«عليه السّلام»:الصدوق:محمد بن علي بن بابويه القمّي(م 381 ه-)تحقيق السيد مهدي الحسيني اللاجوردي،الناشر:رضا مشهدي.
ص: 693
80-الغارات:ابن هلال الثقفي الكوفي(م 283 ه-)دار الكتاب الإسلامي،قم-1411 ه-.
81-غاية المرام:السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل البحراني(م 1107 ه-)طبعة حجر،ايران.
82-الغدير:العلاّمة الأميني:عبد الحسين أحمد النجفي(1320-1390 ه-)دار الكتاب العربي،بيروت-1387 ه-.
83-غريب الحديث:الهروي:أبو عبيد:القاسم بن سلام(م 224 ه-)دار الكتب العلمية،بيروت-1406 ه-/1986 م.
84-غوالي اللئالي:محمد بن علي بن ابراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور،مطبعة سيد الشهداء،قم المقدسة-1403 ه-/1983 م.
85-الغيبة:الطوسي:أبو جعفر:محمد بن الحسن(م 460 ه-)مطبعة النعمان،النجف الأشرف.
86-الغيبة:النعماني:محمد بن ابراهيم(من أعلام القرن الرابع الهجري)مكتبة الصدوق،طهران،تحقيق علي أكبر غفّاري.
87-الفائق:محمود بن عمر الزمخشري(467-538 ه-)،دار الفكر للطباعة و النشرو التوزيع،لبنان،الطبعة الثالثة 1399 ه-.
88-الفتوح:أبو محمد:أحمد بن أعثم الكوفي(م 314 ه-)دار الندوة الجديدة،بيروت،لبنان.
ص: 694
89-فرائد السمطين:ابراهيم بن محمد الحمويني(644-730 ه-)مؤسسة المحمودي للطباعة و النشر،بيروت،لبنان-الطبعة الاولى-1398 ه-.
90-الفصول المختارة:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(م 413 ه-)مكتبةالداوري،قم-1396 ه-.
91-فضائل الصحابة:أبو عبد اللّه:أحمد بن حنبل(164-441 ه-)جامعة ام القرى،المملكة العربية السعودية-1403 ه-.
92-الفضائل:ابن شاذان:أبو الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن أبي طالب القمّي(م 660 ه-)المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف-1381 ه-/1962 م.
93-قاموس اللغة:أبو طاهر:محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(729-816 ه-)دار المعرفة،بيروت.
94-قرب الاسناد:الحميري القمّي:عبد اللّه بن جعفر(من أعلام القرن الثالث الهجري)مكتبة نينوى الحديثة،طهران.
95-الكافي:أبو جعفر الكليني:محمد بن يعقوب(9-328 ه-)تصحيح علي أكبر الغفّاري،دار الكتب الإسلامية،طهران،الطبعة الثانية في ثمانية أجزاء-1389 ه-.
96-كامل البهائي:الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الطبري،المشهورب-(عماد الدين الطبري)المكتبة المرتضوية،ايران.
97-كتاب سليم بن قيس:سليم بن قيس الكوفي الهلالي،صاحب أمير المؤمنين«عليه
ص: 695
السّلام»،نشر دار الكتب الإسلامية،قم.
98-كشف الغمة:الاربلي:علي بن عيسى(م 693 ه-)دار الأضواء،بيروت-1405 ه-.
99-الكنى و الألقاب:الشيخ عباس القمّي(1294-1359 ه-)مكتبة الصدر،طهران-1397 ه-.
100-كنز العمال:المتّقي الهندي(م 975 ه-)مؤسسة الرسالة،بيروت-1405 ه-.
101-كنز الفوائد:الشيخ محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي(م 449 ه-)تحقيق الشيخ عبد اللّه نعمة،دار الأضواء،بيروت،لبنان-1405 ه-/1985 م.
102-لسان العرب:ابن منظور:محمد بن مكرم الإفريقي المصري(م 711 ه-)دار صادر،بيروت.
103-لسان الميزان:ابن حجر:شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني(م 852 ه-)مؤسسةالأعلمي،بيروت.
104-اللهوف على قتلى الطفوف:السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس(589-664 ه-)مطبعة العرفان،صيدا.
105-مائة منقبة:أبو الحسن:محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمّي المعروف بابن شاذان(من أعلام القرنين الرابع و الخامس الهجري)مؤسسة الإمام المهدي«عليه السّلام»قم المقدسة-1407 ه-.
106-مباهج المهج:الكيدري،مخطوط في مكتبة مسجد أعظم،قم المقدسة.
ص: 696
107-مثير الأحزان:ابن نما الحلّي:نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة اللّه(567-645 ه-)تحقيق و نشر مؤسسة الامام المهدي«عليه السّلام»قم المقدسة-1406 ه-.
108-مجمع الأمثال:أبو الفضل:أحمد بن محمد احمد بن ابراهيم النيسابوري الميداني(م 518 ه-)المكتبة التجارية الكبرى،مصر،الطبعة الثانية في جزأين-1379 ه-/1959 م.
109-مجمع البحرين:المحدّث الفقيه الشيخ فخر الدين الطريحي(م 1085 ه-)المكتبةالرضوية،طهران.
110-مروج الذهب:علي بن الحسين المسعودي(م 345 ه-)منشورات الجامعة اللبنانية،بيروت-1965 م.
111-المزار الكبير:ابن المشهدي،مخطوط في مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي،قم،ايران.
112-المستدرك:الحاكم النيسابوري:محمد بن عبد اللّه(م 405 ه-)دار المعرفة،بيروت.
113-مستدرك الوسائل:النوري الطبرسي:الحسين بن محمد تقي(1254-1320 ه-)مؤسسة آل البيت،قم-1407 ه-.
114-مسند:أحمد بن حنبل(م 241 ه-)دار الفكر،بيروت.
115-المصباح المنير:أحمد بن محمد بن علي المقري الفيّومي(م 770 ه-)تصحيح:محمد محي الدين عبد الحميد المدرس بالقسم الثانوي بالجامع الأزهر.
116-معاني الأخبار:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)تحقيق علي أكبر الغفّاري،دار المعرفة،بيروت-1399 ه-/1979 م.
117-معجم البلدان:أبو عبد اللّه:ياقوت بن عبد اللّه الحموي الرومي البغدادي(م 262 ه-)
ص: 697
دار صادر،بيروت-1404 ه-/1984 م.
118-معجم رجال الحديث:السيد أبو القاسم الخوئي(1317-1413 ه-)بيروت-1403 ه-.
119-المفردات في غريب القرآن:أبو القاسم:الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني(م 502 ه-)الطبعة الثانية،المكتبة المرتضوية-1362 ه-.ش.
120-مقاتل الطالبيين:أبو الفرج الاصفهاني(284-356 ه-)مؤسسة دار الكتاب،قم.
121-الملل و النحل:الشهرستاني:محمد بن عبد الكريم(479-548 ه-)دار المعرفة،بيروت-1402 ه-.
122-مناقب آل أبي طالب:ابن شهر آشوب المازندراني:رشيد الدين محمد بن علي السروي(488-588 ه-)المطبعة العلمية،قم.
123-المناقب:ابن المغازلي:علي بن محمد الشافعي الواسطي(م 483 ه-)المكتبةالإسلامية،طهران-1403 ه-.
124-المناقب:الخوارزمي:أحمد بن محمد(م 568 ه-)مؤسسة النشر الاسلامي،قم-1411 ه-.
125-من لا يحضره الفقيه:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)دار الكتب الاسلامية،طهران-1390 ه-.
126-منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة:أبو الحسين:قطب الدين سعيد بن هبة اللّه الراوندي(م 573 ه-)منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي،قم المقدسة-1406 ه-.
ص: 698
127-نزهة الناظر و تنبيه الخاطر:الحسين بن محمد بن الحسن بن نصر الحلواني(من أعلام القرن الخامس الهجري)مؤسسة الامام المهدي«عليه السّلام»قم المقدسة-1408 ه-.
128-نفس الرحمن في فضائل سلمان:حسين نوري المازندراني،طبعة حجر،ايران.
129-النهاية في غريب الحديث و الأثر:ابن الأثير:مبارك بن محمد الجزري(544-606 ه-)مؤسسة اسماعيليان،قم،الطبعة الرابعة في خمسة أجزاء-1364 ه-.ش.
130-نهج البلاغة:مجموعة من كلام أمير المؤمنين«عليه السّلام»جمعه الشريف ابو الحسن محمد بن الحسن الرضي،تعليق الدكتور صبحي الصالح،بيروت،الطبعةالاولى-1387 ه-/1967 م.
131-نهج الحق و كشف الصدق:الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي(648-746 ه-)مؤسسة دار الهجرة،قم،الطبعة الاولى-1407 ه-.
132-نهج السعادة:الشيخ محمد باقر المحمودي(المعاصر)مؤسسة الأعلمي،بيروت.
133-نور الثقلين:العروسي الحويزي:عبد علي بن جمعة(م 1112 ه-)مطبعة الحكمة،قم-1383 ه-.
134-وسائل الشيعة:الحر العاملي:محمد بن الحسن(1023-1104 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت-1403 ه-.
ص: 699
135-وقعة صفين:نصر بن مزاحم المنقري(م 212 ه-)دار إحياء الكتب العربية،القاهرة-1365 ه-.
136-اليقين في امرة أمير المؤمنين:السيد رضي الدين أبو القاسم:علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحلّي(589-664 ه-)المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف-1369 ه-/1950 م.
137-ينابيع المودة:القندوزي:سليمان بن ابراهيم البلخي(م 1294 ه-)مطبعة اختر،اسلامبول-1301 ه-.
ص: 700
جواب الحسن بن علي(ع)لمسائل الخضر(ع)بحضرة أبيه 9
جواب الحسن(ع)عن مسائل جاءت من الرّوم و الشّام 13
احتجاج الحسن(ع)على جماعة من منكري فضله و فضل أبيه 17
كلام عمرو بن عثمان بن عفّان 20
كلام عمرو بن العاص و عتبة بن أبي سفيان 21
كلام الوليد بن عقبة و المغيرة بن شعبة 22
احتجاج الحسن(ع)عليهم و عدّه فضائل أمير المؤمنين(ع)23
ذكر الحسن(ع)مثالب معاوية و أبي سفيان 29
ردّ الحسن(ع)على عمرو بن عثمان بن عفّان 33
ردّ الحسن(ع)على عمرو بن العاص 35
ردّ الحسن(ع)على الوليد بن عقبة بن أبي معيط 37
ردّ الحسن(ع)على عتبة بن أبي سفيان 39
ردّ الحسن(ع)على المغيرة بن شعبة 40
مروان بن الحكم يحاول الانتقاص من الحسن(ع)و أبيه 43
ص: 701
ردّ الحسن(ع)على مروان بن الحكم 44
مفاخرة الحسن بن علي(ع)على معاوية و جماعة 1
كلام مروان بن الحكم و المغيرة بن شعبة 46
ردّ الحسن(ع)على مروان بن الحكم و إفحامه إيّاه 47
ردّ الحسن(ع)على المغيرة بن شعبة 48
خطبة الحسن(ع)بمحضر معاوية و عمرو بن العاص 51
ردّ الحسن(ع)على معاوية عند انتقاصه لأمير المؤمنين(ع)53
ثلب معاوية لأمير المؤمنين(ع)و ردّ الحسن(ع)عليه 54
احتجاج الحسن(ع)على معاوية فيمن يستحقّ الإمامة 56
احتجاج الحسن(ع)على من أنكر عليه مصالحة معاوية 66
معاوية يسمّ الحسن بن علي(ع)72
معاوية يدسّ السمّ إلى الحسن(ع)عن طريق زوجته 73
احتجاجات الإمام السّبط الشّهيد الحسين بن علي(ع)75
احتجاج الحسين(ع)على عمر بن الخطّاب في الإمامة و الخلافة 77
احتجاج الحسين(ع)بذكر مناقب عليّ(ع)حين أمر معاوية بلعنه 80
علل اشتهار الأحاديث الباطلة و متروكيّة الحقّة 83
احتجاجه(ع)على معاوية توبيخا له على قتل حجر و أصحابه 88
احتجاجه(ع)بإمامته على معاوية و غيره 94
ردّه(ع)على مروان بن الحكم 96
احتجاجه(ع)على أهل الكوفة بكربلاء 97
كلامه(ع)مع أهل الكوفة و مقتل عبد اللّه الرضيع(ع)101
احتجاج فاطمة الصغرى على أهل الكوفة 104
ص: 702
خطبة زينب بنت علي(ع)على أهل الكوفة بعد واقعة الطفّ 109
احتجاجات الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)115
احتجاج زين العابدين(ع)على أهل الكوفة و توبيخه لهم 117
احتجاجه(ع)بالشّام على بعض أهلها 120
احتجاج زينب(ع)حين رأت يزيدا يضرب ثنايا الحسين(ع)122
احتجاج زين العابدين(ع)على يزيد بن معاوية 132
احتجاجه(ع)في أشياء شتّى من علوم الدّين 135
زين العابدين(ع)يعظ الحسن البصري 140
ذكره(ع)لكيفيّة ولادة البشر و تكاثرهم 142
احتجاجه(ع)على عبّاد البصري 144
قوله(ع)في النبيذ و ردّه على رجل 145
كلامه(ع)عن الكلام و السّكوت و أيّهما أفضل 146
احتجاجه(ع)على محمّد بن الحنفيّة في الإمامة 147
استسقاؤه(ع)لأهل مكّة 149
الأئمّة(ع)أمان لأهل الأرض 151
كلامه(ع)في اولي الأمر المفترضي الطّاعة 152
تفسيره(ع)لآية«و لكم في القصاص حياة»155
كلامه(ع)مع رجل قتل أبيه و يريد قصاصه 156
كلامه(ع)مع الزهري و وعظه إيّاه 157
وصفه(ع)للزّاهد و المتزهّد 160
احتجاجات الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر(ع)163
احتجاجه(ع)في شي ء ممّا يتعلّق بالاصول و الفروع 165
ص: 703
جوابه(ع)من سأله عن اللّه عزّ و جلّ 166
كلامه(ع)في صفة الخالق 167
تفسيره(ع)لمعنى(غضب اللّه)169
استدلاله(ع)على النهي عن القيل و القال 170
كلامه(ع)في كيفية نفخ الروح في آدم(ع)171
كلامه(ع)في معنى خلق اللّه لآدم(ع)على صورته 172
احتجاجه(ع)على هشام بن عبد الملك في مكّة 173
احتجاجه(ع)على نافع الأزرق 174
احتجاجه(ع)في انّ الحسنين(ع)ابنا رسول اللّه 175
احتجاجه(ع)على نافع مولى عمر بن الخطّاب 177
احتجاجه(ع)على طاوس اليماني 180
احتجاجه(ع)على عمرو بن عبيد 181
احتجاجه(ع)على الحسن البصري 182
احتجاجه(ع)على سالم في إمامة أمير المؤمنين(ع)185
أجوبته(ع)على مسائل طاوس اليماني 186
ذكر منقبة لأمير المؤمنين(ع)190
ذكر منقبة مختلقة لعمر 192
ردّ الباقر(ع)على قول الحسن البصري 193
احتجاجات الإمام جعفر بن محمّد الصّادق(ع)195
احتجاج الصّادق(ع)في أنواع شتّى من العلوم الدينيّة 197
احتجاجه(ع)على ابن أبي العوجاء 200
احتجاجه(ع)على أبي شاكر الديصاني 201
ص: 704
أسماء اللّه و اشتقاقها 203
احتجاجه(ع)على الزنديق المصري 204
احتجاجه(ع)على ابن أبي العوجاء 206
احتجاجه(ع)على ابن أبي العوجاء في حدوث العالم 209
احتجاجه(ع)في معرفة اللّه و صفاته 211
في أن الأرض لا تخلو من حجّة 214
كيفيّة خلق الأشياء من لا شي ء 215
ردّه(ع)على مقالة(ان الأشياء أزليّة)216
كلامه(ع)في حكمة اللّه 217
كلامه(ع)في حكمة سجود الملائكة لآدم(ع)218
كلامه(ع)في الكهانة و أخبار السّماء 219
كلامه(ع)في السّحر 220
كلامه(ع)في هاروت و ماروت 221
أصل تفاضل الخلق 222
كلامه(ع)في الأمراض و عللها 225
كلامه في حكمة الخالق و تدبيره 226
ردّه(ع)على مقالة أصحاب التناسخ 232
ردّه(ع)على مقالة الديصانيّة 234
ردّه(ع)على مقالة المانويّة 235
ذكره(ع)قصّة ماني و زردشت 236
ذكره(ع)قصّة المجوس 237
ذكره(ع)علّة تحريم بعض الأشياء 238
ص: 705
احتجاجه(ع)على مقولة تدبير النّجوم السبعة 240
احتجاجه(ع)على مقولة القدريّة 241
أجوبته(ع)على بعض الأسئلة 242
احتجاجه(ع)على سعد المولى اليماني المنجّم 250
احتجاجه(ع)على ابن أبي ليلى 253
احتجاجه(ع)على ابن جريح 255
تفسيره(ع)لآية«كلّما نضجت جلودهم...»256
تفسيره(ع)لقول إبراهيم(ع)«بل فعله كبيرهم هذا...»257
تفسيره(ع)قوله(ص):(اختلاف امّتي رحمة)258
قوله(ع):(مثل أصحابي فيكم كمثل النّجوم...)259
قوله(ع)في مسألة التحاكم إلى السّلطان 260
ردّ الأحاديث الواردة إلى كتاب اللّه 264
ترك ما وافق العامّة 265
احتجاجه(ع)على أبي حنيفة النّعمان 266
احتجاجه(ع)على عمرو بن عبيد 272
احتجاجه(ع)على الرجل الشّامي 277
احتجاج هشام بن الحكم على الشّامي 280
احتجاج هشام بن الحكم على عمرو بن عبيد 283
تفسيره(ع)لآية«اهدنا الصّراط المستقيم»286
كلامه(ع)في القياس و أثره المهلك 287
مناظرة بحضرة الصّادق(ع)بين شيعي و مخالف 288
الصّادق(ع)يطري تورية شيعي و محاججته 289
ص: 706
الصّادق(ع)يذكر تورية حزقيل 290
احتجاجه(ع)مع رجلين من الزيديّة 292
كلامه(ع)في علم الأئمّة(ع)294
كلامه(ع)في الجفر الأحمر و مصحف فاطمة و الجامعة 295
وصيّة الباقر للصّادق(ع)و كلام زيد بن علي(ع)296
ذكر صحيفة فاطمة(ع)و ما فيها 297
احتجاجه(ع)على زيد بن علي(ع)299
ردّ الصّادق(ع)على مقالة الحسن المثنى 300
تفسيره(ع)آية«ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا...»301
قوله(ع)في المفاضلة بين أمير المؤمنين(ع)و اولي العزم 302
كلامه(ع)في وجه الحكمة في غيبة المهدي(ع)303
احتجاج مؤمن الطّاق على زيد بن علي بن الحسين(ع)304
احتجاجه(ع)على جماعة من الزنادقة 306
احتجاج مؤمن الطّاق على ابن أبي حذرة 308
احتجاج مؤمن الطّاق على أبي حنيفة 314
احتجاج فضال بن الحسن بن فضال على أبي حنيفة 315
احتجاج رجل على أبي الهذيل العلاّف 317
فضل علماء الشّيعة 322
احتجاجات الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع)323
احتجاج الإمام الكاظم(ع)في أشياء شتّى على المخالفين 325
كلام الكاظم(ع)في صفة الخالق عزّ و جلّ 326
ردّه(ع)على قول من قال:(انّ اللّه ينزل إلى السّماء الدنيا)327
ص: 707
تفسيره(ع)آية«ثمّ دنا فتدلّى*فكان قاب قوسين...»328
كلام الكاظم(ع)في أمر اللّه و نهيه 329
كلام الكاظم(ع)في خلق الخلق و ابتلائهم 330
احتجاجه(ع)على أبي حنيفة 331
كلامه(ع)في قصّة أصحاب الأحقاف 333
أجوبة الإمام موسى بن جعفر(ع)لأسئلة الرشيد 335
المأمون يتعلّم التشيّع من الرشيد 341
احتجاج الكاظم(ع)على الرشيد في أنّه ابن رسول اللّه 343
أبيات من قصيدة مروان بن أبي حفصة 344
احتجاج الكاظم(ع)على محمّد بن الحسن في مسألة المحرم 345
احتجاجه(ع)على أبي يوسف 346
كلامه(ع)في التورية و التقيّة 347
فضل فقيه الشّيعة 349
احتجاجات الإمام الرّضا(ع)351
احتجاج الإمام الرّضا(ع)في التّوحيد و العدل و غيرهما 353
كلامه(ع)في معنى علم اللّه و صفاته 357
خطبته(ع)في التّوحيد في مجلس المأمون 359
احتجاجه(ع)على المروزي متكلّم خراسان في مجلس المأمون 365
احتجاجه(ع)على أبي قرّة المحدّث 373
أجوبته(ع)على أسئلة أبي الصّلت الهروي 380
كلامه(ع)في القياس 383
كلامه(ع)في المحكم و المتشابه و في التشبيه 384
ص: 708
كلامه(ع)في صفات اللّه عزّ و جل 385
كلامه(ع)في قول:(إنّ اللّه خلق آدم على صورته)386
كلامه(ع)في قول:(إنّ اللّه ينزل إلى السّماء الدنيا)386
كلامه(ع)في معرفة اللّه بنفسه 387
تفسيره(ع)آية«يوم يكشف عن ساق»388
تفسيره(ع)لعدّة آيات قرآنية 389
تفسيره(ع)لمعنى«سخر اللّه منهم»و«و مكروا و مكر اللّه»390
تفسيره(ع)لآية«نسوا اللّه فنسيهم»391
تفسيره(ع)لمعنى الهداية و شرح الصّدر 392
جوابه(ع)لأسئلة المأمون عن خلق السّماوات و الأرض و غيرها 393
أجوبته(ع)لأسئلة عبد العظيم الحسني في نفي الجبر و التّفويض 396
كلامه(ع)في نفي الجبر و التّفويض 398
كلامه(ع)في التّشبيه و الجبر 400
احتجاجه(ع)على أهل الكتاب و المجوس و الصابئة 401
احتجاجه(ع)على أهل الكتاب(النّصارى)403
احتجاجه(ع)على أهل الكتاب(اليهود)408
احتجاجه(ع)على النّصارى 411
احتجاجه(ع)على اليهود 414
احتجاجه(ع)على اتباع زردشت 418
احتجاجه(ع)على عمران الصابي 419
أجوبته(ع)على مسائل المأمون 423
احتجاجه(ع)فيما يتعلّق بالإمامة و صفات من خصّة اللّه بها 437
ص: 709
كلام له(ع)في صفات الإمام 448
الأبدال هم الأوصياء(ع)450
كلامه(ع)في ذمّ الغلاة و المفوّضة 451
احتجاجه(ع)على يحيى بن الضحّاك بمحضر المأمون 456
فضل العالم الذي يغيث محبّي الأئمّة(ع)457
كلامه(ع)في مدح التورية 458
كلامه(ع)في معنى(شيعة أمير المؤمنين«ع»)459
احتجاجات الإمام أبي جعفر محمّد بن علي الجواد(ع)463
احتجاج الجواد(ع)في أنواع شتّى من العلوم الدينيّة 465
أجوبته(ع)على مسائل يحيى بن أكثم في مجلس المأمون 469
كلامه(ع)مع عبد العظيم الحسني في أوصاف القائم(عج)481
احتجاجات الإمام علي بن محمّد الهادي(ع)483
احتجاج الهادي(ع)في شي ء من التّوحيد و غير ذلك من العلوم 485
رسالته(ع)إلى أهل الأهواز في نفي الجبر و التّفويض 487
إجابته(ع)سؤال المتوكّل عن حدّ(المال الكثير)497
إفتاء الإمام(ع)في النّصراني الذي فجر بمسلمة 498
تفسيره(ع)لآية«سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه»499
تعظيمه(ع)فقيها احتجّ على ناصب فأفحمه 500
دور العلماء في إنقاذ الضعفاء 502
احتجاجات الإمام الحسن بن علي العسكري(ع)503
احتجاجه(ع)في أنواع شتّى من علوم الدّين 505
كلامه(ع)في هاروت و ماروت و الملائكة 514
ص: 710
كلامه(ع)و ترغيبه في التقيّة 516
كلامه(ع)في حقوق الاخوان 518
احتجاجات الإمام المنتظر المهدي(ع)521
أجوبته(ع)لأسئلة سعد بن عبد اللّه القمّي 523
في ذكر توقيع له(ع)عند اختلاف الشّيعة في أمر(الخلف)535
كتابه(ع)جوابا على كتاب أحمد بن إسحاق حول إدّعاء جعفر 538
في ذكر توقيع له(ع)جوابا على أسئلة إسحاق بن يعقوب 542
في ذكر توقيع له(ع)حول تفويض الأئمّة(ع)545
ما خرج منه(ع)ردّا على الغلاة 550
في ذمّ الذين ادّعوا البابيّة و السّفارة كذبا 552
في ذكر توقيع له(ع)في لعن من ادّعى البابيّة 553
في ذكر الأبواب و السفراء الممدوحين في زمن الغيبة 554
في ذكر توقيع له(ع)يؤذن بالغيبة الكبرى 555
في ذكر طرف ممّا خرج عنه(ع)من المسائل الفقهيّة و غيرها 557
في ذكر توقيع ورد لأبي الحسين الأسدي إبتداء 560
في ذكر توقيع في تعزية الشيخ محمّد بن عثمان العمري بأبيه 562
في ذكر أجوبته(ع)لمسائل محمّد بن عبد اللّه الحميري الفقهيّة 563
في ذكر كتاب آخر للحميري إليه(ع)و أجوبته(ع)عليه 568
في ذكر كتاب آخر للحميري إلى الحجّة(ع)سنة 307 ه- 573
في ذكر كتاب آخر للحميري إليه(ع)سنة 308 ه- 579
توقيع من الناحية المقدّسة فيه آداب التوجّه بهم(ع)إلى اللّه 591
ذكر توقيع منه(ع)إلى الشيخ المفيد سنة 410 ه- 596
ص: 711
ذكر توقيع آخر منه(ع)إلى الشيخ المفيد سنة 412 ه- 600
احتجاجات اخرى 605
احتجاج الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمّد بن النّعمان 607
احتجاج السيّد المرتضى على أبي العلاء المعرّي 612
احتجاج السيّد المرتضى في تعظيم و تقديم الأئمّة(ع)617
فهرس الأعلام 627
فهرس الآيات القرآنية 653
فهرس الأشعار 675
فهرس الفرق و الطوائف و الأديان 677
فهرس البلدان و الأمكنة و البقاع 681
فهرس مصادر التحقيق 685
فهرس الموضوعات 701