محمد بن الحسن ، 980 - 1030 ق . شارح .
استقصاء الاعتبار / المؤلف محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني ؛ تحقيق مؤسسة آل البيت علیهم السلام الإحياء التراث . - مشهد : مؤسسةآل البيت علیهم السلام الإحياء التراث ، مشهد ، 1419 ه- ق = 1377 ه- ش .
ج 10 نموذج .
المصادر بالهامش
هذا الكتاب شرح للاستبصار للشيخ الطوسي .
1. الطوسي ، محمد بن الحسن ، 385 - 460 ق . الاستبصار - نقد و تفسير .
2. أحاديث الشيعة - القرن 5 ق . ألف . الطوسي ، محمد بن الحسن ، 385 - 460 ق . الاستبصار . شرح . ب . عنوان . ج . عنوان : الاستبصار . شرح .
25 الف 502 الف 9ط/ 130 BP
شايك (ردمك) 9 - 172 - 319 - 964 دوره 7 جزء
ISBN 964 - 319 - 172 - 9 / 7 VOLS.
شابك (ردمك ) 5 - 174 - 319 - 964 / ج 2
ISBN 964 - 319 - 174 - 5 / VOL. 2
الكتاب : استقصاء الاعتبار / ج 2
المؤلف : الشيخ محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني
تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث
الطبعة : الأولى - محرم - 1420 ه- ق
الفلم والالواح الحساسة (الزنك) : واصف - قم
المطبعة : ستارة - قم
الكمية : 5000 نسخة
السعر : 8000 ریال
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
قال :
أبواب ما ینقض الوضوء وما لا ینقضه
باب النوم
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل ینام وهو ساجد ، قال : « ینصرف ویتوضّأ ».
وبهذا الاسناد عن حماد ، عن عمر بن أُذینة وحریز ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا ینقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفیک أو النوم ».
وأخبرنی الشیخ رحمه الله : عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد ابن عبید الله وعبد الله بن المغیرة ، قالا : سألنا الرضا علیه السلام عن الرجل ینام علی دابّته ، فقال : « إذا ذهب النوم بالعقل فلیعد الوضوء ».
السند
فی الأوّل : عثمان بن عیسی ، وسماعة ، وقد تکرر القول فیهما (1).
ص: 5
والثانی : کما تری کان الأولی أن یقال فیه : وبهذا الاسناد عن الحسین ابن سعید عن حماد ، وهو معتبر کما لا یخفی.
والثالث : فیه محمد بن قولویه ، وقد کرّرنا أیضا القول فیه (1) ؛ ومحمد بن عبید الله لا یخلو من اشتباه ، إلاّ أنّ عبد الله بن المغیرة الراوی معه یغنی عن تحقیق الحال فیه ، لولا محمد بن قولویه.
المتن :
الأخبار الثلاثة تدل علی أنّ النوم ناقض ، والإجماع مدعی علی ذلک (2) ، وخلاف الصدوق (3) لا یضر بالحال إن تحقق الإجماع ، لجواز کونه بعده ، إذ لا یشترط فی الإجماع جمیع الأعصار ولا حاجة حینئذ إلی القول بأنّه معلوم النسب ، لیتوجه علیه ما قاله الوالد قدس سره من جواز المشارک - (4) نظراً إلی أن مدعی الإجماع بعد وجود خلاف الصدوق یعلم أنّه غیر متبع لأقوال العلماء ، حیث لم یصرح بخلاف الصدوق ، وأنّه غیر قادح ، وإن کان فی هذا بحث ، إلاّ أنّ الضرورة بعد ما ذکرناه غیر داعیة إلی بیان الوجه.
ثم إنّ الحدیث الثانی قد أُوردت علیه أُمور :
الأوّل : أنّ مقتضاه حصر الناقض فی الخارج والنوم ، مع حصوله بالسکر والإغماء إجماعا.
ص: 6
الثانی : أنّه یقتضی کون مطلق الخارج ناقضا ، لأنّ « ما » من أدوات العموم.
الثالث : أنّ قصر النقض علی الخارج من الطرفین یقتضی أنّ الخارج من أحدهما غیر ناقض.
وأُجیب عن الأوّل : بأنّ حکم السکر والإغماء مستفاد من حکم النوم من باب التنبیه.
وعن الثانی : بأنّ الموصول کما یجی ء للعموم یجی ء للعهد ، والمعهود هنا المتعارف.
وعن الثالث : بأنّ المراد بالطرفین کل واحد منهما لا هما معاً ، لامتناع خروج خارج منهما معاً (1).
وفی الجواب عن کل نظر :
أمّا الأوّل : فلأنّ استفادة الإغماء والسکر من باب التنبیه لا یدفع الإشکال فی الحصر ، علی أنّ فی دلالة المفهوم بحث ذکرناه سابقاً.
وأمّا الثانی : فلأنّ المتعارف لا ینافی إرادة العموم من الموصول ، غیر أنّه عموم فی المتعارف ، فإن أُرید هذا فالجواب غیر واف ، بل ظاهره خلاف ذلک ، وإن أُرید غیره فلا یخفی ما فیه. وقد یجاب عن هذا بأنّ المراد یعلم منه.
وأمّا الثالث : فالمراد من الطرفین کما یحتمل ما أراده المُجیب ، یحتمل أن یراد خروج کل من البول والغائط معاً ، والحال أنّه غیر معتبر ، والجواب عن هذا غیر بعید أیضاً ، إلاّ أنّ کلام المجیب غیر واف.
ص: 7
ثم ما ادعاه المعترض من الإجماع علی الإغماء والسکر إن تمّ یقتضی أنّ الحصر فی الخبر إضافی ولا مانع منه ، کیف؟ والنواقض غیر محصورة فیما ذکر کما هو واضح.
وما تضمنه الخبر الثالث من قوله : حتی یذهب العقل ، قیل : إنّه یلوح منه أنّ کلّ ما یذهب العقل من سکر أو جنون أو إغماء فهو ناقض (1).
وغیر خفی أنّ هذا یدفع الاستدلال بمفهوم الموافقة ، بل یصیر من باب العلة المنصوصة أن عدّیناها إلی کل ما توجد فیه ، وفی هذا بحث لیس هذا محله ، إلاّ أنّ القائل بتعدّی المنصوصة لا مجال لإنکاره الاستدلال بهذا الخبر علی الإغماء والسکر علی ما یظهر ، فما فی الحبل المتین من أنّ للکلام فی دلالة الحدیث المتضمن لنحو هذا مجالاً - (2) غیر واضح الوجه.
وما یستفاد من الخبر الثانی : أنّه لا ینقض إلاّ ما خرج من الطرفین ، قد یدل علی أنّ غیر الطرفین إذا خرج منه المتعارف لا ینقض ، إلاّ أنّ الغیر إذا صار معتاداً لا خلاف فیه ، فالأمر فیه سهل. وبدون الاعتیاد محل بحث ، وقد ذکرته فی محل آخر ، والذی یناسب المقام ما ذکرناه.
قال :
وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن إسحاق بن عبد الله الأشعری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا ینقض الوضوء إلاّ حدث ، والنوم حدث ».
وأخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ،
ص: 8
عن أبیه ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن عمران بن موسی ، عن الحسن بن علی بن النعمان ، عن أبیه ، عن (1) عبد الحمید بن عواض ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « من نام وهو راکع أو ساجد أو ماش علی أیّ الحالات فعلیه الوضوء ». السند :
فی الأوّل کما تری روایة أحمد بن محمد بن عیسی عن ابن أبی عمیر وأظنها مستبعدة ، لأن الغالب روایته عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، ولعل الغالب لا یضر بالحال مع تحقق الإمکان.
وعمران بن موسی فی الثانی ثقة.
وأمّا الحسن بن علی بن النعمان : فإن النجاشی قال فیه : الحسن بن علی بن النعمان مولی بنی هاشم ، أبوه علی بن النعمان الأعلم ثقة (2).
وقد قیل : إن التوثیق محتمل أن یکون للأب وللابن ، ومع الاحتمال لا یثبت توثیقه (3).
وفی ظنی أن التوثیق للابن ، لأن النجاشی وثّق الأب فی بابه (4) ، ومن عادة النجاشی أنّه إذا وثّق الأب مع الابن لا یعید التوثیق مع ذکر الأب فی کثیر من الرجال علی ما رأیت ، واحتمال النادر والإلحاق به فیما نحن فیه بعید.
ص: 9
وشیخنا المحقق سلمه الله فی کتاب الرجال قال : وربما استفید توثیقه یعنی الحسن من وصف کتابه بأنه صحیح الحدیث ، وفیه نظر ، ثمّ وجّهه بأن وصف الکتاب بکونه صحیح الحدیث إنّما یقتضی الحکم بصحة حدیثه إذا علم أنّه من کتابه لا الحکم بصحة حدیثه مطلقا ، کما هو مقتضی التوثیق (1).
والأمر کما قال سلمه الله وذکر أیضاً نحو ما قلناه من جهة الأب والاحتمال (2) ، والحق أحق أن یتبع.
وأمّا عبد الحمید بن عواض فهو ثقة ، ذکره الشیخ فی رجال الکاظم علیه السلام ، وقال إنّه من أصحاب أبی جعفر علیه السلام وأبی عبد الله علیه السلام (3) ، ثم إن العلاّمة : ضبطه عواض بالضاد المعجمة (4) وابن داود قال : بالغین والضاد المعجمتین (5). المتن :
فی الأوّل ظاهر الدلالة علی أن النوم ناقض ، أمّا دلالته علی أن کل نوم ناقض فلا یخلو من خفاء ، وقد حاول العلاّمة فی المختلف ذلک علی ما أظن فقال :
لا یقال : لا یصح التمسک بهذا الحدیث ، فإن الصغری قد اشتملت علی عقدی إیجاب وسلب ، وانتظام السالبة مع الکبری لا ینتج لعدم اتحاد
ص: 10
الوسط ، والموجبة أیضا کذلک ، فإنّ الموجبتین فی الشکل الثانی عقیم ، فإن جعل عکسها کبری منعنا کلّیتها.
لأنّا نقول : إنّه علیه السلام فی المقدمة الأُولی نفی النقض عن غیر الحدث ، وفی الثانیة حکم بأنّ النوم حدث ، فنقول : کل واحد من الأحداث فیه جهتا اشتراک وامتیاز ، وما به الاشتراک وهو مطلق الحدث مغایر لما به الامتیاز وهو خصوصیة کل واحد من الأحداث ، ولا شک فی أن تلک الخصوصیات لیست إحداثا ، وإلاّ لکان ما به الاشتراک داخلا فیما به الامتیاز ، وذلک یوجب التسلسل ، فإذا انتفت الحدثیة عن الممیزات لم یکن لها مدخل فی النقض ، وإنّما یستند النقض إلی المشترک الموجود فی النوم علی ما حکم به فی المقدمة الثانیة ، ووجود العلة یستلزم وجود المعلول فیثبت النقض فی النوم وهو المراد (1). انتهی.
وقد ذکرت ما یتوجه علیه فی حاشیة التهذیب ، والذی یمکن أن یقال هنا بعد ذلک : إن الجواب لا یدفع السؤال. إذ مرجع السؤال إلی أن انتظام السالبة مع الکبری لا ینتج لعدم اتحاد الوسط ، والجواب إذا تأمله المتأمل لا یفید تمامیته ، بل علی ما یظهر أنّه عدول من الاستدلال بصورة الشکل إلی وجه آخر ، وفیه تأمل ، لأن العلة غیر مسلمة ، إذ لا یلزم من استناد النقض إلی المشترک أنّه کلما وجد وجد النقض کما هو لازم العلة ، وکون النوم ناقضاً فی الجملة لا ینکر استفادته من الحدیث بدون ما قاله ، بل من الوجه الذی یأتی عن الوالد قدس سره .
أمّا (2) علی ما ذکره بعض محققی المتأخرین ، من أن استلزام
ص: 11
المطلوب لا یتوقف علی استجماع شرائط القیاس ، کما قالوه فی قولنا : زید مقتول بالسیف والسیف آلة حدیدیة فإنه لا شک فی إنتاجه : زید مقتول بآلة حدیدیة (1). فإن فیه نوع بحث ، إذ لا ینتج النتیجة المذکورة إلاّ بعد ملاحظة شرائط الشکل فی الاعتبار ، وإن لم یکن فی اللفظ ، کما صرح به بعض المحققین فی قیاس المساواة ، وتخیل أنّه استدلال بالسبب علی المسبب یدفعه ما ذکرناه فی العلة بتقدیر التمامیة.
والحق أن دلالة الحدیث علی نقض (2) النوم من الوجه الذی ذکره الوالد قدس سره - (3) ، وهو أن المقصود من الخبر نفی الناقضیة عما لیس بحدث من مثل النخامة وتقلیم الظفر ، کما یقوله أهل الخلاف ، ولمّا کان النوم لا یخلو من خفاء فی صدق الحدث علیه أظهره علیه السلام ، وحینئذ فدلالته علی نقض النوم لا یرتاب فیها ، أمّا دلالته علی أن کل نوم ناقض فالمنع متوجه إلیها.
وما قیل فیه من أنّه یجوز أن یجعل الحدث فی الصغری بمعنی کل حدث ، کما قالوه فی قوله تعالی ( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) (4) فیصیر فی قوة قولنا ، کل حدث ناقض ، ویؤول إلی الشکل الرابع ، فینتج بعض الناقض نوم ، وإمّا أن یجعل الصغری کبری وبالعکس فیکون من الشکل الأوّل - (5) فله وجه أیضاً ، إلاّ أنّه ظاهر التکلف.
فإن قلت : من أین علم أو ظنّ أنّ غرض العلاّمة الاستدلال علی أن
ص: 12
کل نوم ناقض؟ وغایة ما یستفاد من (1) کلامه أن النوم ناقض.
قلت : من قوله : ووجود العلة یستلزم وجود المعلول ، إذ لا معنی لکون الحدث علّة إلاّ أنّه کلّما ( تحقق الحدث ) (2) تحقق النقض ، والعلة موجودة فی النوم کیف حصل.
فإن قلت : هذا لازم للدلیل لا أنّه مقید به ، بل یجوز أن یکون استدلاله لناقضیة النوم من حیث هو.
قلت : لو کان المقصود هذا کان ذکره العلّة خالیاً عن الفائدة کما لا یخفی. وقد یمکن توجیه عدم إرادة ما ذکرناه ، إلاّ أنّ الظاهر ما قلناه ، وغیره لا یخلو من تکلف ، فلیتأمل.
وما تضمنه الخبر الثانی من قوله : « علی أی الحالات » کما یحتمل الشمول لجمیع حالات النوم فیندفع به قول الصدوق (3) ؛ یحتمل أن یراد الحالات المذکورة فی الحدیث ، فلا یتم الاستدلال به علی أن النوم ناقض فی جمیع الأحوال ، إلا أن یدّعی ظهور الاحتمال الأوّل ، وکأن الشیخ فهم ذلک منه ، لیتحقق التعارض فی الخبرین الآتیین ، ( إلاّ أن یقال : إن إطلاق الأخبار السابقة کافٍ فی تحقق التعارض ، وفیه کلام ) (4).
وبالجملة : فالخبران الآتیان لو صحا أمکن الاستدلال بهما علی قول الصدوق فی الجملة.
ص: 13
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن العباس ، عن شعیب (1) ، عن عمران بن حمران ، أنّه سمع عبداً صالحاً یقول : « من نام وهو جالس لا یتعمد النوم فلا وضوء علیه ».
وما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علی ابن الحکم ، عن سیف بن عمیرة ، عن بکر بن أبی بکر الحضرمی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، هل ینام الرجل وهو جالس؟ فقال : « کان أبی یقول : إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فلیس علیه وضوء ، وإذا نام مضطجعاً علیه الوضوء ».
وما جری مجری هذین الخبرین ممّا ورد یتضمن نفی إعادة الوضوء من النوم لأنّها کثیرة لم نذکرها لأن الکلام علیها واحد ، وهو أن نحملها علی النوم الذی لا یغلب علی العقل ویکون الإنسان معه متماسکاً ضابطاً لما یکون منه.
والذی یدل علی هذا التأویل :
ما أخبرنی به الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد (2) ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عیسی والحسین بن الحسن بن أبان جمیعاً ، عن الحسین بن سعید ، عن محمد بن الفضل (3) ، عن أبی الصباح الکنانی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یخفق
ص: 14
وهو فی الصلاة ، فقال : « إن کان لا یحفظ حدثاً منه إن کان فعلیه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن کان یستیقن أنّه لم یحدث فلیس علیه وضوء ولا إعادة ».
السند
فی الأوّل : لا ریب أن العباس هو ابن معروف ، وقد تکرر ذکره فی الأخبار مبینا (1) ، وأمّا شعیب فهو مشترک (2) ، وربما یقرب احتمال کونه الثقة ، إلاّ أن الجزم به محل تأمل ؛ وعمران بن حمران مهمل فی الرجال (3).
والثانی : لیس فیه إلاّ بکر بن أبی بکر الحضرمی ، وهو مهمل فی الرجال (4) ، وأمّا علی بن الحکم فهو متعین کونه الثقة بقرینة روایة أحمد بن محمد بن عیسی عنه.
والثالث : فیه محمد بن الفضل فی أکثر النسخ وفی بعضها ابن الفضیل مصغراً.
وذکر شیخنا المحقق : سلّمه الله فی فوائده علی الکتاب أن ابن المصغّر ضعیف وغیره ثقة ، وربما یوجّه الاتحاد. انتهی.
وما قاله سلمه الله من أن محمد بن الفضیل ضعیف وغیره ثقة محل کلام ، لأن کلیهما فی الرجال مشترک بین من وثّق وغیره (5) ، ولعلّه فهم من القرائن ما قاله ، وهو أعلم.
ص: 15
المتن :
ما ذکره الشیخ فی الأولین قد یستبعد ، سیّما فی الثانی ، بأن وصف الاجتماع والجلوس لا خصوصیّة له ، إلاّ أن یقال : إن الأغلب فیمن فیه الوصف عدم النوم الحقیقی.
وما ذکره من الخبر الدال علی مطلوبه لا یشکل بأنه یقتضی کون النوم لیس ناقضاً بذاته ، لأن الظاهر إرادة الأثر من الحدث.
وما تضمنه الخبر الثانی : من قوله : هل ینام الرجل. کأن المراد به هل یتحقق منه النوم الناقض؟.
اللغة :
قال فی النهایة : فی الحدیث : کانوا ینتظرون العشاء حتی تخفق رؤوسهم ، أی ینامون حتی تسقط أذقانهم علی صدورهم وهم قعود (1). ولا یخفی عدم موافقته الإرادة من الخبر إلاّ بتکلف ، ولعله یستعمل فی غیر ذلک ، کما نقل أنّه یقال : خفق فلان حرّک رأسه إذا نعس (2) ، غیر أنّی لم أقف علی مأخذه.
قال : وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن (3)
ص: 16
ابن أُذینة ، عن ابن بکیر ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ ) (1) ما یعنی بذلک إذا قمتم إلی الصلاة؟ قال : « إذا قمتم من النوم » قلت : ینقض النوم الوضوء؟ قال : « نعم إذا کان یغلب علی السمع ولا یسمع الصوت ».
وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن الحسین ابن عثمان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن زید الشحام ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الخفقة والخفقتین ، قال : « ما أدری ما الخفقة والخفقتان ، إن الله تعالی یقول ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ ) (2) إن علیاً علیه السلام کان یقول : من وجد طعم النوم فإنما أوجب علیه الوضوء ».
السند
فی الأوّل : موثّق علی قول الشیخ فی عبد الله بن بکیر إنّه ثقة وفطحی (3) ، والنجاشی : لم یذکر الأمرین (4).
وفی الثانی : لا ریب فیه علی ما سبق بیانه.
المتن :
صریح الأوّل إذا عملنا به أن المراد بالآیة القیام من النوم ، وقد وقع
ص: 17
للعلاّمة فی المنتهی ما یوجب التعجب ، وهو أنّه فی أول الکتاب استدل بالآیة علی أن المراد بها إرادة القیام (1) ، وفی بحث النوم استدلّ بها علی نقض النوم (2) ، والتنافی واضح ، وشیخنا قدس سره : فعل فی المدارک نحو ذلک (3) ، إلاّ أنّه جعلها فی النوم مؤیدة (4) ، ولا یخفی علیک الحال.
وأمّا الخبر الثانی فظاهره لا یخلو من إجمال ، إذ الضابط عسر الحصول ، ولعلّ یقین الطهارة إذا کان لا یزول إلاّ مع یقین النوم فما لم یتحقق فالأصل البقاء.
وما یتضمنه من أن مجرد النوم یوجب الوضوء قد یستفاد منه أن الوضوء واجب لنفسه کما نقله فی الذکری عن بعض (5) ، وله مؤیدات من الأخبار.
وما روی صحیحاً من أنّه : « إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور » (6) لا ینافی ذلک ، لأن المرکب ینتفی بانتفاء أحد جزئیة ، إلاّ أن له أیضاً مؤیدات ، ولا خروج عما علیه الأصحاب المشهورون ، فلیتأمّل.
وینبغی أن یعلم أن شیخنا قدس سره : بعد أن نقل أن المعروف بین الأصحاب کون الوضوء إنّما یجب بالأصل عند اشتغال الذمة بمشروط به ، فقبله لا یکون إلاّ مندوباً ، تمسکاً بمفهوم قوله تعالی : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی
ص: 18
الصَّلاةِ ) (1) الآیة ، ولیس المراد نفس القیام ، وإلاّ لزم تأخیر الوضوء عن الصلاة وهو باطل ، بل المراد : إذا أردتم القیام ؛ اعترض علیه : بأن مقتضی الآیة الشریفة ترتب الأمر بالغَسل والمسح علی إرادة القیام ، والإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، إذ لا یعتبر فیها المقارنة للقیام ، وإلاّ لما وجب الوضوء فی أول الوقت علی من أراد الصلاة فی آخره (2).
وفی نظری القاصر أن الاعتراض غیر متوجه ، لأن القیام إلی الصلاة إذا امتنع إرادته من الآیة ینبغی أن یصار إلی أقرب المجازات ، کما هو مقرر ، ولا ریب أن الوضوء بعد دخول الوقت أقرب من الوضوء قبله ، وقوله : قدس سره إنّه لو اعتبرت المقارنة إلی آخره ، فیه : أنّه لا ملازمة ، وبتقدیر اللزوم فالخروج بالإجماع کاف.
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن العباس ، عن محمد بن إسماعیل ، عن محمد بن عذافر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل هل ینقض وضوءه إذا نام وهو جالس؟ قال : « إن کان یوم الجمعة فلا وضوء علیه ، وذلک أنّه فی حال ضرورة ».
فهذا الخبر محمول علی أنّه لا وضوء علیه ولکن علیه التیمم ، لأن ما ینقض الوضوء لا یختص بیوم الجمعة دون غیرها ، والوجه فیه أنّه یتیمم ویصلی ، فإذا انفضّ الجمع توضأ وأعاد الصلاة ، لأنه ربما لم یقدر علی الخروج من الزحمة.
ص: 19
والذی یدل علی ذلک :
ما أخبرنی به الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن العباس بن معروف ، عن عبد الله (1) ، عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علی علیهم السلام ، أنّه سئل عن رجل یکون فی وسط الزحام یوم الجمعة أو یوم عرفة لا یستطیع الخروج من المسجد من کثرة النّاس یحدث ، قال : « یتیمم ویصلی معهم ویعید إذا انصرف ».
السند :
فی الأوّل ، العبّاس فیه (2) هو ابن معروف ، لتکرره فی مثل هذا السند مبیّناً ، ومحمد بن إسماعیل فی الظن أنّه ابن بزیع (3).
المتن :
لا یبعد حمله علی التقیة بمعنی أن من حصل له النوم وهو جالس
ص: 20
یوم الجمعة فی المسجد لا یعید الوضوء ، خوفاً من إنکارهم علی ذلک ، ویکون قوله : « لأنه حال ضرورة » یراد به الخوف.
نعم : قد یتوجه علیه أنّ الاعتذار بعدم الوضوء ممکن ، إلاّ أن یقال : إنّ قبول هذا من أهل الخلاف غیر معلوم ، ولعل الحمل المذکور أولی من حمل الشیخ ، وإن أمکن أن یوجّه التیمم بأنّه أولی من الصلاة بغیره ، وإن کان فی البین إشکال.
أمّا ما اعترض به شیخنا قدس سره فی المدارک ، بعد نقله عن النهایة والمبسوط القول بالتیمم إذا منعه الزحام عن الخروج ، قائلاً : إنّه ربما کان مستنده روایة السکونی ، وهی ضعیفة السند جدّاً ، ثم قوله قدس سره : والأجود عدم الإعادة ، لأنه صلّی صلاة مأموراً بها ، إذ التقدیر عدم التمکن من استعمال الماء قبل فوات الجمعة (1). ففیه نظر :
أمّا أوّلاً : فلأن روایة السکونی وإن کانت ضعیفة إلا أن ما نقله هنا من روایة ابن سنان لا یخلو من اعتبار ، والجمع بینهما وبین الأخبار الدالة علی نقض الوضوء بالنوم یحتاج إلی ما قاله الشیخ ، فعدم الالتفات إلی ذکر مثل هذا لا یخلو من شی ء.
وأمّا ثانیاً : فلأن روایة السکونی إذا رُدّت بالضعف ، فجواز التیمم والحال هذه مع عدم التمکن من الماء وصحة الصلاة یقتضی أنّ الجمعة صحیحة ، والجمعة المذکورة فی روایة السکونی ظاهرها أنّها مع أهل الخلاف ، فلو کانت مع غیرهم فالضرورة بعیدة ، إلاّ أن یقال بالإمکان ، وهو کاف.
ص: 21
قال :
باب الدیدان
أخبرنی الشیخ رحمه الله - ، عن أحمد بن محمد ( عن أبیه ) (1) ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن (2)الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل یسقط منه الدواب وهو فی الصلاة ، قال : « یمضی علی صلاته ولا ینقض ذلک وضوءه ».
عنه ، عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعیل ، عن ظریف - [ یعنی ] (3) ابن ناصح عن ثعلبة بن میمون ، عن عبد الله ابن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس فی حَبّ القَرْع والدیدان الصغار وضوء ، إنّما هو بمنزلة القمل (4) ».
السند
لیس فی الأوّل : بعد ما قدمناه إلاّ الإرسال.
والثانی : فیه عبد الله بن یزید ، وهو مشترک بین مهملین فی الرجال (5) ، وغیره قد کرّرنا القول فیه.
ص: 22
المتن :
واضح الدلالة ، وحَبّ القَرْع نوع من الدود یتولد فی الإنسان وغیره.
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أخی فضیل (1) ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قال فی الرجل یخرج منه مثل حَبّ القَرْع قال : « علیه وضوء ».
فالوجه فیه أن نحمله علی أنّه إذا کان متلطّخا بالعذرة ولا یکون نظیفاً.
والذی یدل علی هذا التفصیل :
ما أخبرنی به الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن ( محمد بن أحمد ) (2) بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضّال ، عن عمرو بن سعید المدائنی ، عن مصدق ابن صدقة ، عن عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن الرجل (3) یکون فی صلاته فیخرج منه حَبّ القَرْع کیف یصنع؟ قال : « إن کان خرج نظیفاً من العذرة فلیس علیه شی ء ولم ینقض وضوءه ، وإن خرج متلطخاً بالعذرة فعلیه أن یعید الوضوء ، وإن کان فی صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة ».
ص: 23
السند
فی الأوّل : ابن أخی فضیل واسمه الحسن ، کما صرّح به فی الکافی فی باب ما ینقض الوضوء (1) ، إلاّ أنّه غیر معلوم الحال.
والثانی : موثق کما تکرر القول فیه.
المتن :
ما ذکره الشیخ فیه قد یتخیل عدم تمامیّته ، لأنّ الخبر یفید إطلاق الحکم فیقرب من الألغاز ، إلاّ أنّه مدفوع بما أسلفنا القول فیه ، من جواز حصول المبیّن عند وقت الحاجة للسائل ، کما فی غیره من المطلقات ؛ وقد یحتمل الحمل علی الاستحباب فی الخبر الأوّل ، وأمّا الخبر الثانی فلا ریب فی دلالته.
غیر أنّه یبقی الإشکال فی أنّه هل یحکم بعدم الانتقاض إلاّ إذا علم التلطخ (2) ، أو یجب التفحص عن حال الدود لیعلم خلوّه؟ لم أجد فی کلام الأصحاب تفصیل الحال ، ولعل الأوّل لا یخلو من وجه ، لتحقق الوضوء المتوقف زواله علی العلم الشرعی بالرافع ، فتأمّل.
قال :
باب القی ء
أخبرنی الشیخ : رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ،
ص: 24
عن ابن أُذینة ، عن أبی أُسامة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القی ء هل ینقض الوضوء؟ قال : « لا ».
وأخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن علی بن الحسن الکوفی (1) ، عن الحسن بن علی بن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن روح بن عبد الرحیم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القی ء ، قال : « لیس فیه وضوء وإن تقیّأ متعمّداً ».
وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد (2) ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علی ، عن ابن سنان ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لیس فی القی ء وضوء ».
السند
فی الأوّل : حسن.
والثانی : کما تری علی بن الحسن الکوفی ، وهو فی النسخ التی رأیناها ، وفی التهذیب محمد بن علی بن محبوب ، عن الحسن بن علی الکوفی (3) ، إلی آخره ، وهو الظاهر ؛ وفیه غالب بن عثمان ، والراوی عنه الحسن بن علی بن فضّال ، مهمل فی الرجال (4) ، وفی کتاب رجال الشیخ :
ص: 25
غالب بن عثمان واقفی (1) ، ویحتمل الاتحاد ، والضرورة إلی الجزم غیر داعیة ؛ وفیه أیضا روح بن عبد الرحیم ثقة فی النجاشی (2) ؛ والحسن بن علی الکوفی هو ابن عبد الله بن المغیرة الثقة ؛ وابن فضّال حاله معلوم.
والثالث : لا یخفی حاله ، غیر أنّه ینبغی أن یعلم أن المعروف من ابن مسکان عند الإطلاق عبد الله الثقة ، ومحمد بن مسکان وإن کان مذکوراً فی کتاب الشیخ مهملا (3) ، إلاّ أن إرادته فی غایة البعد ، بل یکاد أن یقطع النفی.
نعم : اتّفق لابن إدریس فی آخر السرائر ، أنّه ذکر الأحادیث التی استطرفها من کتاب محمد بن علی بن محبوب ، بهذه الصورة : أحمد بن محمد ، عن الحسن بن سعید ، عن فضالة ، عن حسین بن عثمان ، عن ابن مسکان ، قال محمد بن إدریس : واسم ابن مسکان الحسن ، وهو ابن أخی جابر الجعفی غریق فی ولایته لأهل البیت علیهم السلام (4) ، انتهی.
وهذا لا یخلو من غرابة ، لأنّ روایة الحسین بن عثمان عن الحسن بن مسکان لم نقف علیها فی شی ء من الأحادیث ، والحسن بن مسکان غیر موجود فی الرجال علی ما رأیناه.
ولا یخفی أنّه یستلزم ضعف الأخبار الواردة عن الحسین بن عثمان عن ابن مسکان ، ولم أر من ذکر ذلک غیره ، ولا یبعد أن یکون الوهم من ابن إدریس ، وفی الرجال الحسین بن مسکان (5) ، فیحتمل أن یکون الحسن
ص: 26
سهواً ، إلاّ أن إرادته من روایة الحسین بن عثمان فی غایة البعد ، بل یکاد أن یقطع نفیها من تتبّع الأحادیث ، والحسین بن مسکان غیر معتبر فی الرجال.
وذکر العلاّمة فی الخلاصة عن ابن الغضائری أنّه قال : إن جعفر بن محمد بن مالک ، روی عنه أحادیث فاسدة (1) ، وجعفر بن محمد بن مالک متأخّر ، والحسین بن عثمان متقدم ، إذ هو من أصحاب الصادق علیه السلام ، واحتمال إرادة الروایة بالإرسال أو بإسناده بعید عن المساق ؛ وهذا الذی ذکرناه وإن لم یکن له فیما نحن فیه فائدة ، إلاّ أنّ الغرض التنبیه علی حقیقة الحال ، ویظهر فائدته فی موضع آخر ، فلا ینبغی الغفلة عنه.
المتن :
فی الأخبار ظاهر الدلالة.
قال : فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عما ینقض الوضوء ، قال : « الحدث تسمع صوته أو تجد ریحه ، والقرقرة فی البطن إلاّ شی ء تصبر علیه ، والضحک فی الصلاة ، والقی ء ».
وما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علی بن فضال ، عن صفوان ، عن منصور ، عن
ص: 27
أبی عبیدة الحذاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الرعاف والقی ء (1) والتخلیل یسیل الدم إذا استکرهت شیئاً ینقض الوضوء ، وإن لم تستکرهه لم ینقض الوضوء ».
فهذان الخبران یحتملان وجهین ، أحدهما : أن یکونا وردا مورد التقیة ، لأن ذلک مذهب بعض العامة ، والثانی : أن یکونا محمولین علی ضرب من الاستحباب لئلاّ تتناقض الأخبار.
السند
فی الأوّل : موثّق علی ما قدّمناه ، والحسن فیه أخو الحسین.
والثانی : کذلک.
المتن :
لا یخفی أن الأوّل لا یخلو من إجمال ، من حیث قوله : « والقرقرة فی البطن إلاّ شی ء تصبر علیه » فإن ظاهره أن القرقرة التی لا تصبر علیها قسیمة للحدث ، والحال أنها متحدة إن خرجت ، ومع عدم الخروج فالصبر علیها غیر واضح المعنی.
ثم الضحک فی الصلاة لا یخلو إمّا أن یراد به أنّه ناقض للوضوء ، وحینئذ لم یتقدم له معارض ، وإن أُرید به نقض الصلاة لم یناسب ذکره مع غیره ، بل یحتمل کون القی ء مثله فی إبطال الصلاة ، وحمل الشیخ له علی الاستحباب یقتضی الشمول للضحک وهو غیر واضح ؛ فلعل الاقتصار علی الحمل علی التقیة فیه أولی.
ص: 28
ثمّ إن القرقرة فی البطن ورد فی معتبر الأخبار ما ینافی حکمها (1) ( وهو ما رواه الفضیل بن یسار قال قلت لأبی جعفر علیه السلام ) (2) : أکون فی الصلاة فأجد غمزاً فی بطنی ، أو أذی أو ضرباناً فقال : « انصرف ثم توضّأ فابنِ علی ما مضی من صلاتک ، ما لم تنقض الصلاة بالکلام » الحدیث (3). وقد ذکرنا ما لا بد منه فی موضعه ، وکان علی الشیخ أن یذکره فی مقام المعارضة.
وکذلک ورد فی حسنة زرارة أنّ : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (4).
وأمّا الخبر الثانی : فحمله علی التقیة مع قوله فیه « إن استکرهت شیئاً » غیر واضح ، إلاّ أن یکون موافقاً لهم فی ذلک ؛ وذکر شیخنا المحقق سلّمه الله فی فوائده علی الکتاب أنّ حمل الخبر الثانی علی التنظیف أولی ، کما ینبّه علیه الاستکراه ، وربما حمل الأوّل علی قهقهة وقی ء تغیّب (5) عنه نفسه. انتهی.
ولا یخفی علیک أنّ التنظیف فی الرعاف والتخلیل الذی یسیل منه الدم لا یخلو من خفاء ، والحمل المذکور للأول فی غایة البعد ، وسیأتی من الشیخ ذکره فی الباب الآتی ، وسنبیّن القول فیه.
ص: 29
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة فی المختلف نقل عن ابن الجنید أنّه قال : من قهقه فی صلاته متعمداً لنظر أو سماع ما أضحکه قطع صلاته وأعاد وضوءه ، ثم حکی احتجاجه بروایة سماعة ، وأجاب بأن سماعة وزرعة فی طریق الحدیث وهما وإن کانا ثقتین إلاّ أنهما واقفیان ، ومع ذلک. أن سماعة لم یسنده إلی إمام (1) ؛ وأنت خبیر بأن عدم الإسناد إلی إمام غیر وارد ، لما قررناه سابقا من أن مثل هذا الإضمار غیر مضر بالحال.
قال :
باب الرعاف
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد بن قولویه ، عن محمد بن یعقوب الکلینی ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرعاف والحجامة وکل دم سائل ، فقال : « لیس فی هذا وضوء ، إنّما الوضوء من طرفیک اللذین أنعم الله بهما علیک ».
وأخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن أبی عبد الله ( عن أبیه ) (2) عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « لو رعفت دورقاً ما زدت علی أن أمسح منّی الدم وأُصلّی ».
ص: 30
وبهذا الاسناد : عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد ، عن إبراهیم بن أبی محمود ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن القی ء والرعاف والمدّة أینقض الوضوء أم لا؟ قال : « لا » (1).
السند
فی الأوّل : واضح الضعف.
والثانی : فیه عمرو بن شمر وقد ضعّفه النجاشی (2) وغیره (3) ؛ وجابر هو ابن یزید بقرینة روایة عمرو بن شمر عنه ، وقد ذکر النجاشی أنّه مختلط (4) ، ومن غیره لم یثبت توثیقه ولا مدحه (5) ، والأخبار التی فی الکشّی غیر سلیمة الطرق (6) ، کما یعلم من مراجعتها.
ومن غریب ما اتفق للعلاّمة أنّه قال : جابر بن یزید روی الکشّی فیه مدحاً وبعض الذم ، والطریقان ضعیفان.
ثم نَقلَ عن العقیقی روایة عن أبیه ، عن أبان ، أن الصادق علیه السلام ترحّم علیه ، وقال : « إنّه کان (7) یصدق علینا » ونقل عن ابن عقدة نحو ذلک.
وعن ابن الغضائری أن جابر ثقة فی نفسه ، ولکن جُلّ من روی عنه ضعیف ، فممّن أکثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر ، ومفضل بن صالح
ص: 31
السکونی ، ومنخل بن جمیل الأسدی ، وأری الترک لما روی هؤلاء عنه والتوقف فی الباقی إلاّ ما خرج شاهداً.
إلی أن قال العلاّمة : والأقوی عندی التوقف فیما یرویه هؤلاء عنه کما قاله الشیخ ابن الغضائری (1).
وأنت خبیر بأنّ قول ابن الغضائری ترک ما روی هؤلاء والتوقف فی الباقی ، لا ما قاله العلاّمة من التوقف فیما روی هؤلاء ، فإنه یقتضی قبول قول جابر علی تقدیر روایة غیر هؤلاء.
ولو أراد بالتوقف الرد کما یظهر منه فی الخلاصة فلا یدفع الإیراد عنه ، علی أن قبول قوله فی عدا المذکورین إن کان لتوثیق ابن الغضائری کما هو الظاهر إذ لا وجود لتوثیقه فی کلام غیره وقد عدّه العلاّمة فی القسم الأوّل ، ففیه دلالة علی ما قدمناه من العمل بقول ابن الغضائری ، وهو توثیق له ، غیر أن ابن الغضائری قد توقف بعد ذکر التوثیق ، فلا وثوق بتوثیقه ولا وجه لعدّه فی القسم الأوّل ، وإن کان من جهة انضمام ( القرائن من الإخبار التی فی الکشی ) (2) وغیرها ، أمکن إلاّ أنّه کان ینبغی التنبیه علیه ، فلیتأمّل.
والثالث : لا ارتیاب فیه ، وأحمد هو بن محمد بن عیسی ، لأنه هو الراوی عن إبراهیم بن أبی محمود ، ولا ضیر فی روایة محمد بن یحیی عنه بواسطة ، وإن کان ترکها فی بعض الطرق بل أکثرها موجوداً.
المتن :
فی الجمیع ظاهر فی عدم نقض الوضوء بالرعاف ، وفی الأوّل زیادة :
ص: 32
کل دم سائل ؛ وفی الثالث زیادة : عدم نقض القی ء والمدّة ، فیتعین حمل ما یخالف علی الاستحباب أو التقیة.
وما تضمنه الأوّل من حصر الناقض فی الخارج من الطرفین قد تقدم فیه القول ، ویزید أن قوله : « اللذین أنعم الله بهما علیک » ربما دل علی ما أشرنا إلیه سابقاً ، لولا الإجماع وضعف الحدیث ، إلاّ أن له مساعداً من الأخبار.
اللغة :
قال فی القاموس : الدورق الجرّة ذات عروة (1). وفی الصحاح : الدورق مکیال للشراب فارسی معرّب (2) ، والمدّة بالکسر والتشدید ما یجتمع فی الجروح من القیح علی ما فی الحبل المتین (3) ، معرّب.
قال :
فأمّا ما رواه أبو عبیدة الحذّاء فی الخبر الذی ذکرناه فی الباب الذی قبل هذا (4) ، من قوله : إذا استکره الدم نقض وإن لم یستکره لم ینقض.
وما رواه أیوب بن الحرّ ، عن عبید بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل (5) أصابه دم سائل قال : « یتوضّأ ویعید » قال
ص: 33
« وإن لم یکن سائلاً توضّأ وبنی » قال : « ویصنع ذلک بین الصفا والمروة ».
أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن علی بن بنت إلیاس ، قال : سمعته یقول : « رأیت أبی علیه السلام وقد رعف بعد ما توضّأ دماً سائلاً فتوضّأ ».
فیحتمل وجوها ، أحدها : أن تحمل علی ضرب من التقیة علی ما قدمنا القول فیه.
والثانی : أن نحملها علی الاستحباب دون الوجوب.
والثالث : أن نحملها علی غسل الموضع ، لأنّ ذلک یسمّی وضوءاً علی ما بیّناه فی کتاب تهذیب الأحکام (1) ، ویدل علی هذا المعنی :
ما أخبرنی به الشیخ قدس سره ، عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب ، عن جعفر بن بشیر ، عن أبی حبیب الأسدی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول فی الرجل یرعف وهو علی وضوء قال : « یغسل آثار الدم ویصلّی ».
وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن ابن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن عثمان ، عن سماعة ، عن أبی بصیر قال : سمعته یقول : « إذا قاء الرجل وهو علی طهر فلیتمضمض ، وإذا رعف وهو علی وضوء فلیغسل أنفه ، فإنّ ذلک یجزیه ولا یبعد وضوءه ».
ص: 34
السند
فی الأوّل : قد تقدم (1).
والثانی : لم یعلم الطریق من الشیخ إلی أیوب بن الحر ؛ إذ لیس فی المشیخة ، وفی الفهرست طریقه إلی کتابه غیر سلیم (2) ، ولا ینفع بتقدیر صحته هنا ، إلاّ إذا علم أنّ الحدیث من الکتاب.
وقد اشتبه علی بعض الأصحاب الحال فی طرق الفهرست ، فظن أنّ الطریق فی الفهرست کاف لما هنا ، والحق أنّ ما یذکره الشیخ فی الفهرست إن ورد بلفظ جمیع روایات الرجل یشمل ما یذکره هنا ، وإلاّ فالمشمول غیر واضح.
فإن قلت : ما وجه عدم الوضوح؟
قلت : لأنّ الشیخ فی المشیخة لهذا الکتاب قال : وکنت سلکت فی أول الکتاب إیراد الأحادیث بأسانیدها ، وعلی ذلک اعتمدت فی الجزء الأوّل والثانی ، ثم اختصرت فی الجزء الثالث وعوّلت علی الابتداء بذکر الراوی الذی أخذت الحدیث من کتابه وأصله (3).
وهذا کما تری یدل علی أنّه فی هذا الجزء الأوّل لم یعتمد علی ذکر الرجل الذی أخذت الحدیث من کتابه ، وإذا لم یکن ذلک ، لم یعلم أنّ الحدیث من کتاب الرجل ، فإذا قال فی الفهرست : له کتاب ، وذکر الطریق إلیه ، لم یدخل ما فی الجزء الأوّل والثانی من الکتاب إذا بدأ بالرجل.
ص: 35
فإن قلت : الحکم غیر مطرد فی الجزءین الأولین ، لأن الشیخ کثیراً ما یبدأ بالرجل الذی لم یلقه ، وقد صرح فی المشیخة بذکر الأحادیث بأسانیدها فی الجزءین.
قلت : هذا کثیراً ما یخطر بالبال ولم أعلم وجهه ، إلاّ أنّه لیس بنافع فی الاکتفاء بالطریق الذی فی الفهرست إلی کتاب الرجل ، علی أنّ الذی نجده فی الجزء الثالث علی نحو ما فی الأولین.
نعم : ربما یقال إنّ قول الشیخ رحمه الله فی آخر المشیخة : ولتفصیل ذلک شرح یطول هو مذکور فی الفهارس للشیوخ ، ربما یدل علی أنّ الطرق فی الفهرست مشترکة ، فإذا أخبر بأنّ فلاناً مثل أیوب بن الحرّ له کتاب وذکر الطریق إلیه ، قد یظن منه أنّ الحدیث من کتابه ، لکن لا یخفی أنّ للکلام فیه مجالاً واسعاً ، فینبغی التأمّل فی ذلک.
والثالث : حسن بالحسن علی ما أظن.
والرابع : فیه جهالة أبی حبیب.
والخامس : فیه عثمان بن عیسی علی الظاهر ، وأبو بصیر وسماعة ، حالهما علی ما قدمناه (1).
المتن :
فی الأوّل : قد سبق فیه القول.
والثانی : ظاهر فی الفرق بین السیلان وعدمه بالنسبة إلی إعادة الصلاة والبناء ، إلاّ أنّه واضح الدلالة علی نقض الوضوء فی الحالتین.
ص: 36
والشیخ فی التهذیب ادعی الإجماع علی عدم البناء مع نقض الوضوء ، لأنّه قال فی باب التیمم : لا خلاف بین أصحابنا أن من أحدث فی الصلاة ما یقطع صلاته یجب علیه استئنافه (1). وهذا وإن کان محل کلام ذکرناه فی موضعه ، إلاّ أنّ إطلاق القول هنا بالحمل علی الاستحباب فی جملة الوجوه لا یخلو من إشکال.
وأمّا الخبر الثالث : فقد أوضحت القول فیه فی حاشیة التهذیب ، والحاصل من الکلام فیه الحمل علی التقیة ، غیر أنّ القول لا یخرج عن مطابقة الواقع ، إذ لا مانع من وقوع الوضوء بعد الرعاف لکن لا بسبب الرعاف ، وحکایته عن أبیه علیه السلام لأنّ الواقع ذلک ( وإلاّ لما ) (2) احتاج إلی النقل عن أبیه کما لا یخفی.
وما قاله الشیخ رحمه الله هنا من الحمل علی التقیة مجمل ، أمّا فی الحدیث الأوّل فلما قدمناه من أنّ الفرق بین الاستکراه وعدمه مبنی علی موافقة أهل الخلاف ، لیتم الحمل فیه علی التقیة.
وأمّا الثانی فلما ذکرناه هنا.
وأمّا الحمل علی غَسل الموضع فمستبعد فی الأخیر ، لأن قوله : « بعد ما توضأ » یدل بظاهره علی أنّ الوضوء واحد فی الموضعین ، غیر أن استعمال کل من أفراد المشترک مع اللفظ الموضوع له لا ریب فیه ، والإجمال فیه بسبب التقیة ، فهو راجع فی الحقیقة إلیها ، أو أن السائل فهم ذلک بقرینة ، وکان علی الشیخ أن ینبه علی ذلک.
والخبران المذکوران واضحا الدلالة علی عدم النقض ، فإن أراد الشیخ
ص: 37
دلالتهما علی الغَسل فلا ریب فیه ولا احتیاج إلی الخبرین ، وإن أراد الدلالة علی عدم النقض فلیس بمطلوب ، وإن أراد الدلالة علی إطلاق الوضوء علی الغَسل فلا یخلو من خفاء ، غیر أنّه یمکن توجیهه بأنّ الخبرین إذا دلاّ علی عدم النقض بل الغَسل علمنا أن المراد بالوضوء الغَسل ، وأنت خبیر بأنّ الأولی بیان صحة إطلاق الوضوء علی الغَسل مع الخبرین ، بل إذا ثبت ذلک یستغنی به عن الخبرین ، والأمر سهل.
قال :
باب الضحک والقهقهة
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن محمد بن إسماعیل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن یحیی ، عن سالم أبی الفضل (1) ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس ینقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفیک الأسفلین اللذین أنعم الله بهما علیک ».
عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سهل ، عن زکریا بن آدم ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الناصور (2)، قال (3) : « إنّما ینقض الوضوء ثلاثة : البول ، والغائط ، والریح ».
ص: 38
السند
فی الأوّل : قد ذکرنا القول فیه ، وسالم أبو الفضل فیه ثقة ، وقد یصغّر الفضل ، وظن بعض المغایرة بین أبی الفضل وأبی الفضیل ، کما یعلم من کتاب شیخنا المحقق - سلمه الله - فی الرجال (1).
والثانی : فیه محمد بن سهل ، وهو ابن سهل بن الیسع ، بقرینة روایة أحمد بن محمد بن عیسی عنه ، کما قال فی الفهرست (2) ، وما فی النجاشی من أن الراوی عنه أحمد بن محمد عن أبیه (3) ، ربما یقال : إنّه لا مانع من روایة أحمد عنه کأبیه.
واحتمال أن یکون الشیخ فی الفهرست قد سها قلمه عن ذکر أبیه ممکن ، إلاّ أن وجود روایة أحمد عنه فی هذه الروایة قرینة الصحة ، واحتمال کون محمد بن سهل غیر ابن الیسع لما ذکر بعید ، وعلی کل حال ، محمد المذکور مهمل فی الرجال ؛ وأمّا زکریا بن آدم فقد وثّقه النجاشی (4).
المتن :
ظن الشیخ منه أنّ الحصر المستفاد من الخبرین یفید نفی الوضوء من القهقهة والضحک ، وقد یتوجه علیه أنّ الحصر لا بُدّ من کونه إضافیاً ، وحینئذ لا ینافی ما دل علی أنّ الضحک والقهقهة تنقضان الوضوء ، کما ثبت
ص: 39
النقض بغیرهما فی الأخبار ، وحینئذ لا یتم الحمل الآتی منه فی المعارض ، وستسمع القول فی ذلک مع الجواب.
وما تضمنه الخبر الأوّل من قوله : « اللذین أنعم الله بهما علیک » یؤیّده غیره من الأخبار الدالّة علیه ، کما تقدم عن قریب ، فإذا خرج من هذا ما انعقد علیه الاتفاق وهو ما اعتاد من غیرهما ، أو انسد الطبیعی ، بقی الإشکال فی خروج الغائط والبول من غیر ما ذکر ، بل ربما یرجح عدم النقض حینئذ - وإن ظن بعض کالشیخ أنّ خروج الغائط من تحت المعدة ناقض (1) - لأنّ مطلق الأخبار الدالة علی ذلک بل والقرآن یقید بمثل هذا الخبر ، کما ذکرنا مفصّلاً فی حاشیة التهذیب ، فلیتأمّل.
فإن قلت : هذا الخبر حاله بمحمد بن إسماعیل غیر خفیة ، وغیره ممّا تقدم لیس بسلیم السند.
قلت : قد روی الشیخ فی التهذیب بسند لا ارتیاب فیه عند الأصحاب عن زرارة قال : قلت : لأبی جعفر وأبی عبد الله علیه السلام ما ینقض الوضوء؟ فقالا : « ما خرج من طرفیک الأسفلین » الحدیث (2).
علی أنّ روایة محمد بن اسماعیل ؛ لا أری فرقاً بینها وبین روایة أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید الواقع فی طریق روایة زرارة المذکورة ، وکذلک : أحمد بن محمد بن یحیی ، وما ضاهاهما ممّن لم ینص أصحاب الرجال علی توثیقهما ، فالحکم بصحة ما رواه أحمد بن محمد بن الولید ونحوه ، دون ما رواه محمد بن إسماعیل غیر واضح
ص: 40
الوجه ، بل کلما یقال فی أحمد من جهة کونه من مشایخ الإجازة یقال فی محمد بن إسماعیل.
وتصحیح العلاّمة لبعض الطرق الواقع فیها (1) غیر المنصوص علیه بالتوثیق مشترک ، وحینئذ : فإمّا أن تردّ جمیع الروایات ، أو یقبل جمیعها ، فالفرق لا یظهر لی وجهه ، وذکر أحمد بن محمد بن یحیی من الشیخ ( فی کتابه ) (2) لا یسمن ولا یغنی من جوع ، فینبغی من جوع ، فینبغی التأمل فیما قلته ، لیتضح الفرق أو عدمه.
وإذا عرفت هذا یظهر لک أنّ ما قیل من أنّ البول والغائط إذا خرجا من غیر السبیلین نقضا مطلقاً (3). لا یخلو من تأمّل عند من یعمل بالأخبار ، أمّا مثل ابن إدریس کما نقل عنه القول بذلک (4) ، فیمکن توجیه کلامه ، نظراً إلی إطلاق الآیة ، وإن أمکن المناقشة أیضاً باحتمال انصراف المطلق إلی الفرد الشائع.
وکذلک ما نقل عن الشیخ فی المبسوط والخلاف - من الفرق بین ما یخرج من تحت المعدة وما یخرج من فوقها ، فإنّه حکم بأنّ ما یخرج من تحت المعدة ینقض وإن لم یکن معتاداً (5) - محل کلام ، وتوجیه بعض محققی المتأخّرین (6) لکلام الشیخ حق ، إلاّ أنّه لا بُدّ من نوع تقیید بما أشرنا
ص: 41
إلیه ، وقد ذکرنا جمیع ذلک فی موضعه ممّا قدمنا إلیه الإشارة ، والله تعالی أعلم بحقائق الأُمور.
اللغة :
قال فی المغرب : الناصور ، قرحة غائرة قلّما تندمل (1).
قال :
وأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن الحسن أخیه ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عمّا ینقض الوضوء ، قال : « الحدث تسمع صوته أو تجد ریحه ، والقرقرة فی البطن ، إلاّ شیئاً (2) تبصر علیه ، والضحک فی الصلاة ، والقی ء ».
فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من الاستحباب ، أو علی الضحک الذی لا یملک معه نفسه ، ولا یأمن أن یکون قد أحدث.
والذی یدل علی ذلک :
ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن رهط سمعوه یقول : « إنّ التبسم فی الصلاة لا ینقض الصلاة ولا ینقض الوضوء ، إنّما یقطع الضحک الذی فیه القهقهة ». قوله علیه السلام : « إنّما یقطع الضحک الذی فیه القهقهة » ( راجع إلی الصلاة دون الوضوء ألا تری أنّه قال : « یقطع الضحک الذی فیه القهقهة » )(3) والقطع لا یقال إلاّ فی الصلاة ،
ص: 42
لأنه لم تجر العادة أن یقال : انقطع الوضوء ، وإنّما یقال : انقطعت الصلاة ، ویحتمل أن یکون الخبران وردا مورد التقیة ، لأنّهما موافقان لمذاهب (1) العامّة.
السند
فی الأوّل : موثّق ، وقد تقدّم (2).
والثانی : مرسل ، وکونه من ابن أبی عمیر سبق القول فیه (3) ، وتأیید العمل به لأنّه عن رهط محل کلام.
المتن :
فی الأوّل : قد ذکرنا ما فیه عن قریب ، والاحتمال المذکور من الشیخ أنّه محمول علی الضحک الذی لا یملک معه نفسه ولا یأمن أن یکون قد أحدث ، غیر تام ؛ لأنّ احتمال الحدث لا ینقض الطهارة ، ولو أراد ذهاب العقل ، ففیه - مع البعد - أنّ احتمال الحدث لا وجه له ، إذ مجرد زوال العقل کاف عند الأصحاب.
ثم إنّ الحمل علی الاستحباب قد یشکل ، بأنّ ذکر الضحک مع الحدث یقتضی المشارکة فی الاستحباب ، وعدم تمامیته واضح ، واختصاص الاستحباب ببعض ما تضمنه الخبر بعید ، فکان الحمل علی التقیة متعیّناً.
أمّا الخبر الثانی : فتوجیه الشیخ فیه له وجه ، أمّا رجوعه إلی الحمل
ص: 43
علی التقیة بعد جعله دالاًّ علی عدم نقض الوضوء فقد ینکر إلاّ أنّ التوجیه لیس بالبعید ، فیقال علی تقدیر الدلالة هو محمول علی التقیة ، وقد عرفت ممّا تقدم النقل عن ابن الجنید (1) واحتجاجه بالخبر الأوّل.
وتخیل صلاحیة الاستدلال بهذا الخبر المرسل نظراً إلی المفهوم ، أو لأنّ القطع یتناول ، مدفوع بأدنی ملاحظة فی المفهوم ، وبما قاله الشیخ فی القطع ، ولو ذکر الشیخ روایة زرارة السابق نقلها منّا ، کان أولی فی حسم مادّة الاحتمال.
اللغة :
قال فی القاموس : القهقهة ، هی الترجیع فی الضحک ، أو شدة الضحک (2). وفی الصحاح : القهقهة فی الضحک معروف ، وهو أن یقول : قه قه (3).
قال :
باب إنشاد الشعر
أخبرنی الشیخ قدس سره عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علی بن الحکم ، عن معاویة بن میسرة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن إنشاد الشعر ، هل ینقض الوضوء؟ قال : « لا ».
ص: 44
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن أخیه الحسن ، عن زرعة ، عن (1) سماعة قال : سألته عن نشد (2) الشعر هل ینقض الوضوء ، أو ظلم الرجل صاحبه ، أو الکذب؟ فقال : « نعم : إلاّ أن یکون شعراً یصدق فیه ، أو یکون یسیرا من الشعر الأبیات الثلاثة والأربعة ، فأمّا إن یکثر من الشعر الباطل فهو ینقض الوضوء ».
فیحتمل الخبر وجهین : أحدهما : أن یکون تصحّف (3) علی الراوی ، فیکون (4) روی بالصاد غیر المعجمة دون الضاد المنقطة ، لأنّ ذلک ممّا ینقص ثواب الوضوء. والثانی : أن یکون محمولاً علی الاستحباب.
السند
فی الأوّل : معاویة بن میسرة وهو مهمل فی الرجال (5).
والثانی : موثّق.
المتن :
علی تقدیر تساوی الخبرین فی العمل یمکن حمل المطلق علی المقید ، إذ الثانی مقیّد ، غیر أنّ الشیخ کما تری ذکر فی التوجیه أمرین ، وأوّلهما غیر واضح ، لأنّ الراوی إن نقل من الکتابة غیر خط الإمام علیه السلام
ص: 45
أمکن التصحیف ، إلا أنّ الظاهر السماع من الإمام ، فلا مجال لتصحیف الراوی الأوّل ، وإن کان من الراوی الذی نقل عن الراوی عنه علیه السلام من خطه أمکن ، لکنه غیر متعین ، لجواز أن یکون من غیره کما لا یخفی.
وأمّا الحمل علی الاستحباب ، فیحتاج ترجیحه علی ما قدمناه من إمکان حمل المطلق علی المقید إلی ثبوت أنّ الکذب غیر ناقض مطلقاً ، وکأنّه للإجماع وظاهر الأخبار الدالة علی النواقض ، وأنت خبیر بأنّ الأخبار لا یخلو من کلام ، فالاعتماد علی الإجماع أولی ، هذا کله علی تقدیر العمل بالخبر الموثق ، وبدونه فالأمر سهل.
قال :
باب القُبلة ومسّ الفرج
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن فضالة بن أیوب ومحمد بن أبی عمیر ، عن جمیل بن دراج وحماد بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیس فی القُبلة ولا فی المباشرة ولا مسّ الفرج وضوء ».
وبهذا الاسناد : عن الحسین بن سعید ، عن أحمد بن محمد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبی مریم قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام ، ما تقول فی الرجل یتوضّأ ثم یدعو جاریته فتأخذ بیده حتی ینتهی إلی المسجد فإنّ من عندنا یزعمون أنّه(1) الملامسة؟ فقال : « لا والله ما بذلک بأس ،
ص: 46
وربما فعلته ، وما یعنی بهذا : « أو لامستم النساء » إلاّ المواقعة فی الفرج ».
وبهذا الاسناد : عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن ابن مسکان ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القُبلة تنقض الوضوء؟ قال « لا بأس ».
السند
فی الأوّل : واضح.
والثانی : أحمد بن محمد فیه هو ابن أبی نصر علی الظاهر ، لأنّه الراوی عن أبان بن عثمان فی الفهرست (1) ؛ وأبو مریم هو الأنصاری الثقة ، واسمه عبد الغفار.
والثالث : واضح.
المتن :
ظاهر الأوّل عدم الوضوء من القُبلة والمباشرة ومسّ الفرج ، وبه یندفع قول ابن الجنید علی ما حکاه عنه العلاّمة فی المختلف ، من أن من قبّل بشهوة الجماع ولذة فی المحرّم نقض الطهارة ، والاحتیاط إذا کان فی محلّل إعادة الوضوء (2) ، واحتجاجه علی ما حکاه العلاّمة بروایة أبی بصیر الآتیة غیر ظاهر الدلالة علی مطلوبه ، ولو دلّ لم یصلح للاعتماد علیه ، وسیأتی جواب العلاّمة عنه عند ذکر الروایة.
ص: 47
وبالخبر أیضاً یندفع ما ینقل عن ابن الجنید أنّه قال : ومسّ ظاهر الفرج من الغیر إذا کان بشهوة فیه الطهارة واجبة فی المحرّم والمحلّل احتیاطاً ، ومسّ باطن الفرجین من الغیر ناقض للطهارة من المحلّل والمحرّم (1) ، واحتجاج العلاّمة له بروایة أبی بصیر الآتیة (2) فیه ما قدمناه.
وأمّا الخبر الثانی فواضح الدلالة ، وفی التهذیب : « إلاّ المواقعة دون الفرج » (3) وما هنا أوضح ، وعبارة الحدیث فی التهذیب لا تخلو من خفاء ، وأظنّ أنّ المراد بها دون إرادة لمس الفرج ، وتفسیرها بغیر ذلک لیس بواضح ، وربما یستفاد من الخبر علی تقدیر ما هنا أنّ المواقعة فی الدبر بدون إنزال لا یوجب الغسل ، إلاّ أنّ فیه کلاما.
وأمّا قوله علیه السلام فی الخبر الثالث : « لا بأس » ففیه احتمالات :
أحدها : أنّه لا بأس بعدم الوضوء ، وفیه : أنّ المسئول عنه نقض الوضوء والجواب لا یطابقه حینئذ ، إلاّ أن یقال : إنّ نفی البأس لا یوافقه إلاّ هذا ، وفیه ما فیه مما یذکر بعد.
وثانیها : أنّه لا بأس بالنقض ، ویکون فائدة نفی البأس إرادة الاستحباب فیدل علی أنّها لا تنقض ولکن یستحب الوضوء ، وعلی هذین الاحتمالین یتم مطلوب الشیخ.
وثالثها : أن یراد لا بأس بنقض الوضوء علی سبیل اللزوم ، وفیه بُعد ظاهر.
ورابعها : أن یکون الجواب مجملاً للتقیة ، فیحمله کل من المخالف
ص: 48
والمؤالف علی (1) مذهبه ، غیر أنّه لا یصلح للاستدلال علی عدم النقض ، کما یظهر من الشیخ والعلاّمة فی المختلف حیث استدل به علی عدم نقض القُبلة (2) ، والحال ما تری.
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن صفوان (3) ، عن عثمان ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة ، أو مسّ فرجها أعاد الوضوء ».
فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من الاستحباب ، أو علی أنّه یغسل یده ، وذلک یسمی وضوءاً علی ما تقدم القول فیه.
والذی یدل علی هذا التأویل :
ما رواه الحسین بن سعید ، عن القاسم بن محمد ، عن أبان بن عثمان ، بن (4) عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل مسّ فرج امرأته قال : « لیس علیه شی ء وإن شاء غسل یده ، والقُبلة لا یتوضّأ منها ».
الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الرجل یعبث بذکره فی الصلاة المکتوبة فقال : « لا بأس ».
ص: 49
عنه ، عن أخیه (1) ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الرجل یمسّ ذکره ، أو فرجه ، أو أسفل من ذلک ، وهو قائم یصلی ( یعید وضوءه؟ قال ) (2) : « لا بأس بذلک إنّما هو من جسده ».
السند
فی الأوّل معلوم ؛ وکذا الثانی بالقاسم بن محمد الجوهری ؛ والثالث معتبر ؛ والرابع موثّق (3).
المتن :
ما ذکره الشیخ فی الأوّل من الاستحباب له وجه (4) ، وقد ذکرنا سابقاً أن العلاّمة فی المختلف جعله دلیلاً لابن الجنید ، وهو غیر دال علی جمیع (5) مطلوبه ، وأجاب عنه بقصور السند (6) وما ذکره الشیخ من غَسل الید.
وأنت خبیر بأنّ الحمل علی غَسل الید یتم فی مسّ الفرج ، والروایة کما تری وقع الجواب بالوضوء عن الأمرین : القُبلة والمسّ ، فالحمل لا یخفی ما فیه ، وما ذکره من الخبر الدال علی غَسل الید صحیح ظاهر الدلالة ، إلاّ أنّه خاص واضح الدلالة علی أنّ القُبلة لا یتوضّأ منها ، وحمل
ص: 50
الوضوء علی غَسل الید لا وجه له ، بل هو قرینة علی أنّ الوضوء فی الأوّل علی الاستحباب محمول.
وأمّا الخبر الثالث (1) فواضح الدلالة.
وقول السائل فی الخبر الرابع : أو فرجه ، یحتمل أن یرید به المخرج ، واحتمال الدبر لا یخفی ما فیه (2).
وفی الحدیث بتقدیر ( العمل به دلالة بتقدیر ) (3) الاحتمال الأوّل بإطلاقه علی ردّ ما ینقل عن ابن بابویه أنّه قال : مسّ باطن الدبر والإحلیل ناقض للوضوء (4). وکذا ما ینقل عن ابن الجنید ، من أنّ مسّ ما انضم إلیه الثقبان ینقض الوضوء (5).
وعلی تقدیر عدم العمل بالخبر فیمکن دفع قولهما بالأخبار الدالة علی الحصر ، والأخبار الدالة علی النقض بغیر ما نحن فیه ، فیبقی إثبات النقض به موقوفاً علی الدلیل ، وسیأتی القول فیما استدل به القائلون.
فإن قلت : الأخبار الدالة علی الحصر لا ریب أنّ الحصر فیها إضافی فلا ینافی نقض غیرها ، والأخبار الدالة علی نقض غیر ما تضمنه الحصر لا یدل علی الحصر ، وحینئذ یمکن الاستدلال بأنّ الآیة الشریفة تضمنت وجوب الوضوء علی کل من أراد القیام إلی الصلاة ، فإذا خرج المتطهّر بلا خلاف بقی ما عداه ، ومن جملته ما فیه الخلاف ، وهو ما نحن فیه.
قلت : لما ذکرت وجه ، إلاّ أنّه من المقرر أنّ الخطاب فی الآیة
ص: 51
للمحدثین ، وکون المبحوث عنه من المحدثین ، محل کلام ، وإن کان فی هذا بحث حررناه فی محله.
ثم إنّ فی روایة زرارة المتقدمة من قوله علیه السلام : « ولا مسّ الفرج » (1) دلالة علی نفی الوضوء ، إذ الفرج یتناول الذکر علی ما یظهر من شیخنا قدس سره والعلاّمة فی المختلف (2) وإن أمکن المناقشة فی ذلک وادعاء عدم صراحة کلامهما أیضاً ، وبالجملة لا خروج عن المشهور.
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن الرجل یتوضّأ ثم یمس باطن دبره ، قال : « نقض وضوءه ، وإن مسّ باطن إحلیله فعلیه أن یعید الوضوء ، وإن کان فی الصلاة قطع الصلاة ویتوضّأ ویعید الصلاة ، وإن فتح إحلیله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة ».
فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی أنّه إذا صادف هناک شیئاً من النجاسة ، فإنه یجب علیه حینئذ إعادة الوضوء والصلاة ، ومتی لم یصادف شیئاً من ذلک لم یکن علیه شی ء حسب ما قدمناه.
السند
موثق.
ص: 52
المتن :
قد ذکره العلاّمة فی المختلف دلیلاً لابن بابویه وابن الجنید ، مع روایة أبی بصیر السابقة (1).
وقد قلنا : إن روایة أبی بصیر غیر وافیة بقول ابن الجنید ؛ وهذه الروایة أیضاً کذلک ، ودلالتها علی قول ابن بابویه ظاهرة ، والعامل بالموثق فی الظن أنّه [ مستبعد منه إنکار (2) ] القول بذلک ، لأن الأخبار الدالة علی الحصر غیر وافیة بردّ مدلول هذا الخبر ، لما قدمناه من أنّه إضافی ، وما دل علی مس الفرج بتقدیر الاحتمال السابق ، فیه : أن هذا الخبر ظاهر والاحتمال المقدم مرجوح ، إذ المتبادر من الفرج غیر ما ذکر.
وما استدل به العلاّمة ، مع ما أشرنا إلیه من روایة ابن أبی عمیر ، عن غیر واحد من أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام وسیأتی ، حیث قال فیه : « لیس فی المذی من الشهوة ولا من الإنعاظ ولا من القُبلة ولا من مسّ الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولا یغسل منه الثوب » (3) فیه نظر واضح.
لأنّ الظاهر من الروایة أنّ المذی الحاصل من المذکورات لیس فیه وضوء ، بقرینة قوله علیه السلام أخیراً : « ولا یغسل منه الثوب » وعلی تقدیر عدم الظهور فالاحتمال کاف فی ردّ الاستدلال ، مضافا إلی ما ذکرناه من أنّ الفرج لا یتبادر منه الذکر ، ویبقی مع القائل بالنقض الآیة الشریفة مؤیدة.
ص: 53
ومن هنا یعلم أن ما أجاب به العلاّمة عن حجة ابن بابویه وابن الجنید ؛ من الحمل علی الاستحباب (1) ، لأن ما ذکرناه یعنی به الأخبار التی أشرنا إلیها یدل علی نفی الوجوب ، فلو لم یحمل الأمر هنا علی الاستحباب لزم الجمع بین الضدین ؛ محل بحث علی تقدیر العمل بالموثق ، فلیتأمّل فی هذا حق التأمّل.
وإذا عرفت حقیقة الحال فما ذکره الشیخ فی توجیه الخبر لا یخفی ما فیه من البُعد ، ولو حمل علی التقیة أمکن ، والاستحباب ربما أمکن أیضا ، إلاّ أن فیه ما فیه.
قال :
باب مصافحة الکافر ومسّ الکلب
أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن أبی عبد الله الرازی ، عن الحسن ابن علی بن أبی حمزة ، عن سیف بن عمیرة ، عن عیسی بن عمر (2) مولی الأنصار ، أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یحل له أن یصافح المجوسی(3)؟ قال (4) : « لا » فسأله أیتوضّأ (5) إذا صافحهم؟ فقال : « نعم ، إنّ مصافحتهم تنقض الوضوء ».
ص: 54
قال (1) أبو جعفر (2) : الوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی غَسل الید ، لأنّ ذلک یسمی وضوءاً علی ما بیّناه ، وإنّما یجب ذلک لکونهم أنجاساً ، وإنّما قلنا ذلک لإجماع الطائفة علی أنّ ذلک لا یوجب نقض الوضوء ، وأیضاً فقد قدّمنا الأخبار التی تضمنت أنّه لا ینقض الوضوء إلاّ ما خرج من السبیلین أو النوم ، وهی محمولة علی عمومها ، لا یجوز تخصیصها لأجل هذا الخبر الشاذ.
السند
فیه أبو عبد الله الرازی وهو الجامورانی ، ولم یوثّقه أصحاب الرجال ولا مدحوة ، بل قیل إنّه ضعیف (3) ؛ والحسن بن علی بن أبی حمزة ، قیل : إنّه واقفی ورمی بالکذب (4) ؛ وعیسی بن عمر مجهول الحال لإهماله فی الرجال (5) ، والذی فی رجال الصادق والباقر علیهماالسلام من کتاب الشیخ عیسی بن عمرو مولی الأنصار (6) ، والأمر سهل.
المتن :
ما قاله الشیخ فیه بعید عن ظاهر اللفظ ، لأنّ نقض الوضوء لا یفید ذلک ، ولعلّ الحمل علی الاستحباب أولی.
ص: 55
وقول الشیخ : إنّ إجماع الطائفة علی أنّ ذلک لا یوجب نقض الوضوء. لا یقتضی الحصر فی الحمل علی غَسل الید ، بل الاستحباب ممکن ، والأخبار التی أشار إلیها قد قدّمنا القول فیها.
ثم إنّ ظاهر کلام الشیخ یعطی حمل الروایة علی غَسل الید ، سواء کانت المصافحة برطوبة أو لا ، وهذا الحکم غیر معلوم القائل ، سوی الشیخ هنا ، والعلاّمة فی المختلف حکی عن ابن حمزة إیجاب رشّ الثوب من ملاقاة الکافر بالیبوسة (1) ، ولم ینقل غیر ذلک.
والشیخ رحمه الله روی فی الصحیح ، عن عبید الله بن علی الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الصلاة فی ثوب المجوسی ، فقال : « یرشّ بالماء » (2).
وروی أیضاً فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عنه علیه السلام ، فی الثیاب السابریة یعملها المجوسی ، ألبسها ولا أغسلها وأصلّی فیها؟ قال : « نعم » (3).
ولا یبعد أن یکون مراد الشیخ هنا مع الرطوبة ، علی أنّ قوله فی آخر الکلام : إنّ الخبر شاذ ، یدل علی عدم العمل به.
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عیسی ، عن عبد الله بن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن
ص: 56
أبی عبد الله علیه السلام قال : « من مسّ کلباً فلیتوضّأ ».
فالکلام فی هذا الخبر کالکلام علی الخبر الأوّل ، من حمله علی غَسل الید ، للإجماع الذی ذکرناه والأخبار التی قدّمناها ، وأیضاً :
فقد روی الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الکلب یصیب شیئاً من جسد الرجل ، قال : « یغسل المکان الذی أصابه ».
السند
فی الأوّل والأخیر معلوم بالردّ والقبول.
المتن :
ما ذکره الشیخ فی الأوّل له وجه وجیه ، والفرق بین الأوّل وهذا واضح ، کما قدّمنا إلیه الإشارة.
ثم إنّ إطلاق الشیخ الغَسل تبعاً للروایة لعلّه محمول علی الرطوبة ، إذ المنقول عن الشیخ فی المبسوط أنّه قال : کل نجاسة أصابت الثوب وکانت یابسة لا یجب غَسلها ، إنّما یستحب نضح الثوب (1) ، والفرق بین الثوب والید محتمل ، إلاّ أنّی لا أعلم الفارق.
وفی النهایة للشیخ : إذا أصاب ثوب الإنسان کلب ، أو خنزیر ، أو ثعلب ، أو أرنب ، أو فأرة ، أو وزغة ، وکان یابساً وجب أن یرشّ الموضع بعینه ، فإن لم یتعین رشّ الثوب کله (2).
ص: 57
والمفید فی المقنعة قال : إذا مسّ ثوب الإنسان کلب ، أو خنزیر ، وکانا یابسین فلیرشّ موضع مسهما منه بالماء (1).
وقد یحتمل أن یرید الشیخ استحباب غَسل الید مع الیبوسة (2) ، وعلیه یحمل الخبر الأخیر ، نظراً إلی إطلاقه ، ولو حمل علی الرطوبة کان بعیداً عن ظاهره.
ونقل فی المختلف عن ابن حمزة إیجاب مسح البدن بالتراب إذا أصابه الکلب أو الخنزیر (3).
والشیخ فی النهایة قال : وإن مسّ الإنسان بیده کلباً ، أو خنزیراً ، أو ثعلباً ، أو أرنباً ، أو فأرة أو وزغة ، أو صافح ذمیا معلناً بعداوة آل محمد علیهم السلام وجب غَسل یده إن کان رطباً ، وإن کان یابساً مسّه بالتراب (4).
وفی المنتهی قال العلاّمة بعد ذکر وجوب الغسل : أمّا مسح الجسد فشی ء ذکره بعض الأصحاب ولم یثبت (5).
قال :
باب الریح یجدها الإنسان فی بطنه
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علی ، عن أحمد بن هلال ، عن محمد بن الولید ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبی
ص: 58
عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أجد الریح فی بطنی حتی أظن أنّها قد خرجت ، فقال : « لیس علیک وضوء حتی تسمع الصوت أو تجد الریح » ثم قال : « إنّ إبلیس یجی ء فیجلس بین ألیتی الرجل فیفسو لیشکّکه ».
الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن معاویة بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « إنّ الشیطان ینفخ فی دبر الإنسان حتی یخیل إلیه أنّه قد خرجت منه ریح ، فلا ینقض وضوءه إلاّ ریح یسمعها أو یجد ریحها ».
السند
فی الأوّل : أحمد بن هلال ، والشیخ قد ضعّفه وبالغ فیه (1).
والحسن بن علی الراوی عنه ، ذکر شیخنا المحقّق سلّمه الله فی فوائده علی الکتاب ما هذا لفظه : قیل : هو ابن فضّال ، وفیه نظر ، فإنّ ابن فضّال یروی سعد کتبه وروایاته بواسطة أحمد بن محمد ومحمد بن الحسین وبنان (2) بن محمّد ونحوهم ، نعم : یحتمل الزیتونی الأشعری ، إذ یروی عنه محمد بن یحیی ، وهو فی مرتبة سعد ، والحسن بن علی بن النعمان ، إذ (3) روی عنه الصفار ، وغیر ذلک. انتهی. والأمر کما قال.
ومحمد بن الولید مشترک بین ضعیف ومن فیه کلام (4).
ص: 59
وفی الثانی : لا ریب فیه بعد ما قدّمناه.
المتن :
فی الخبرین ظاهر الدلالة.
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن أخیه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عما ینقض الوضوء ، قال : « الحدث تسمع صوته أو تجد ریحه ، والقرقرة فی البطن إلاّ شیئاً (1) تصبر علیه و (2) الضحک فی الصلاة والقی ء ».
وقد تکلّمنا علی هذا الخبر فیما تقدم وقلنا : الوجه فیه أن نحمله علی حال لا یملک الإنسان فیها نفسه لیعلم (3) ما یکون منه ، ویجوز أن نحمله أیضاً علی الاستحباب.
السند
قد تقدم.
والمتن : کذلک ، إلاّ أنّ الشیخ رحمه الله کلامه غیر واف بالمطلوب ، لأنّ المتقدم
ص: 60
منه علی ما ذکره هنا فی الضحک ، والمعارضة فی المقام إنّما هی من حیث إنّه ذکر القرقرة ، ولا مناسبة لما سبق منه للتوجیه.
نعم تقدم منه سابقاً علی ما ذکره أنّ الخبر محمول علی التقیة ، والمتبادر من ذلک وإن کان من جهة الضحک والقی ء ، إلاّ أنّه محتمل للشمول للقرقرة ، غیر أنّه موقوف علی العلم بمذهب أهل الخلاف.
أمّا ما ذکره من الاستحباب هنا فیمکن تناوله للقرقرة وإن کان فیه إشکال قد قدمناه فینبغی مراجعته ، وبالجملة فالشیخ لا یخلو کلامه هنا من غرابة.
قال :
باب حکم المذی والوذی
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن علی بن فضال ، عن عبد الله بن بکیر ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المذی فقال : « ما هو عندی إلاّ کالنخامة (1) ».
عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عیسی والحسین بن الحسن بن أبان جمیعاً ، عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن المذی؟ فقال : « إنّ علیاً علیه السلام کان رجلاً مذّاءً فاستحیی أن یسأل رسول الله صلی الله علیه و آله لمکان فاطمة علیهاالسلام ، فأمر المقداد أن یسأله وهو
ص: 61
جالس ، فسأله ، فقال له النبی صلی الله علیه و آله : لیس بشی ء ».
وبهذا الإسناد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أُذینة ، عن زید الشحّام ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المذی لا ینقض (1) الوضوء؟ قال : « لا ، ولا یغسل منه الثوب ولا الجسد ، إنّما هو بمنزلة البزاق والمخاط ».
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن یعقوب ، عن الحسین بن محمد ، عن معلّی بن محمد ، عن الوشّاء ، عن أبان ، عن عنبسة قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام ، یقول : « کان علیّ علیه السلام لا یری فی المذی وضوءاً ولا غَسل (2) ما أصاب الثوب منه إلاّ فی الماء الأکبر ».
السند :
فی الأوّل : عمر بن حنظلة وهو غیر معلوم الحال ، إذ لم یزد ذکره فی الرجال علی الإهمال (3) ، وما ذکره جدی قدس سره فی الدرایة أظنّه توهّماً من حدیث غیر سلیم السند ولا واضح الدلالة علی التوثیق (4).
وفی الثانی : موثق ، والحسین بن الحسن بن أبان فیه معطوف علی الصفار ، فیکون « جمیعاً » له ولأحمد بن محمد بن عیسی.
والثالث : فیه محمد بن عیسی الأشعری ، ولم یوثقه أصحاب
ص: 62
الرجال (1) ، وکونه شیخ القمیین ووجه الأشاعرة لا یفید التوثیق علی ما أظن.
والرابع : فیه معلّی بن محمد ، وهو مضطرب الحدیث والمذهب علی ما ذکره النجاشی (2) ، وعنبسة مشترک بین مهملین وثقة (3) ، ولا یبعد أن یکون الثقة وهو ابن بِجاد ، غیر أن الفائدة فی تعیینه منتفیة هنا.
المتن :
ظاهر الدلالة فی الجمیع علی أنّ المذی لا ینقض الوضوء ، وأنّه طاهر ، وما تضمنه الحدیث الثالث من قوله علیه السلام : « لا » هو الموجود فی النسخ التی رأیناها ، وأمره سهل.
وما قد یقال : إنّ سؤال علی علیه السلام یحتمل أن یکون من جهة الطهارة لا نقض الوضوء فلا یکون ظاهراً فیه.
جوابه أن قوله علیه السلام : « لیس بشی ء » یعمّ الوضوء وغیره ، واحتمال أنه لیس بشی ء من جهة المسئول عنه وهو النجاسة بعید.
وما تضمنه الخبر الرابع من قوله : « ولا غَسل » (4) بفتح الغین ، إلاّ أنّ قوله : « ما أصاب الثوب » لا یخلو من شی ء ، وکأنه نقل بالمعنی ، وقوله : « إلاّ فی الماء الأکبر » حصر بالنسبة إلی الماء وغَسل الثوب ، واحتمال العود إلی الوضوء أیضاً ممکن ، ویراد بالوضوء الموجود فی ضمن الغسل من الجنابة ، بمعنی القائم مقامه ، لا الوضوء معه ، فإنه منفی کما سیأتی إن شاء الله.
ص: 63
وربما یستفاد من الخبر الثانی أن خبر الواحد لا یعوّل علیه ، لأن علیاً علیه السلام أمر المقداد أن یسأل وهو جالس ، إلاّ أن یقال : إن الإمام علیه السلام حکمه خاص باتباع الیقین.
وقد ذکر ( ابن الأثیر فی کتاب أحکام الأحکام ) (1) هذا الخبر علی وجه مغایر لما هنا ، وصورته : عن علیّ بن أبی طالب قال : « أرسلنا المقداد بن الأسود إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فسأله عن المذی یخرج من الإنسان کیف یفعل به؟ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : توضّأ وانضح فرجک ».
قال ابن الأثیر : وقد تُمسّک به فی قبول خبر الواحد ، واعترض علیه بأنّه إثبات للشی ء بنفسه ، وهو محال ، وأجاب ابن الأثیر بجواز أن یکون المقداد سأل النبی صلی الله علیه و آله فسمع علیّ علیه السلام الجواب ، انتهی.
والمقصود ( من ذکر ذلک ) (2) هنا أن الخبر الآتی المتضمن لما یخالف هذا یقرب الحمل فیه علی التقیة بسبب ما نقلناه لولا ما یأتی من قول ابن بزیع ، قلت : فإن لم أتوضأ؟ قال : « لا بأس » کما ستسمع القول فیه إنشاء الله تعالی.
أمّا ما عساه یقال : إن استحیاء علیّ علیه السلام لمکان فاطمة علیهاالسلام یندفع بإجمال السؤال ففیه أن الخبر لو صح اندفع السؤال کما لا یخفی.
اللغة :
قال ابن الأثیر (3) : المذی مفتوح المیم ساکن الذال المعجمة مخفف
ص: 64
الیاء هو المشهور ، وقیل فیه لغة أُخری وهی کسر الذال وتشدید الیاء ، وهو الماء الذی یخرج من الذکر عند الإنعاظ ، قال : وفی الحدیث من قول علیّ : « کنت رجلاً مذّاءً » صیغة مبالغة علی زنة فعّال من المذی ، یقال : مذی یمذی وأمذی یمذی ، وقوله : یعنی علیاً علیه السلام « فاستحییت » : هی اللغة الفصیحة.
قال :
فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد ( بن إسماعیل ) (1) بن بزیع ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن المذی فأمرنی بالوضوء منه ثم عدت علیه فی سنة أُخری فأمرنی بالوضوء فقال : « إنّ علیّ بن أبی طالب علیه السلام أمر المقداد بن الأسود أن یسأل النبی صلی الله علیه و آله واستحیا أن یسأله فقال : فیه الوضوء ».
فهذا الخبر لا یعارض ما قدّمناه من الأخبار لأنه خبر واحد ، وقد (2) تضمن من قصة أمیر المؤمنین علیه السلام وأمره المقداد بمسألة النبی صلی الله علیه و آله وجوابه له ما ینافیه (3) المعروف فی هذه القصة ، وهو الذی تضمنته روایة إسحاق بن عمار وأنّه حین سأله قال له : « لیس بشی ء » علی أنّه یحتمل أن یکون الراوی قد ترک بعض الخبر ، لأن محمد بن إسماعیل راوی هذا الخبر روی هذه القصة بعینها ، فإنه قال : أمرنی بإعادة الوضوء ، قلت له : فإن لم أتوضّأ ، قال : « لا بأس ».
ص: 65
روی ذلک الحسین بن سعید ، عن محمد بن إسماعیل ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن المذی ، فأمرنی بالوضوء منه ، ثم أعدت علیه سنة أُخری ، فأمرنی بالوضوء منه ، وقال : « إن علیاً علیه السلام أمر المقداد أن یسأل رسول الله صلی الله علیه و آله واستحیا أن یسأله ، فقال : فیه الوضوء » فقلت : وإن لم أتوضّأ؟ فقال : « لا بأس ».
فجاء هذا الخبر مبیّناً مشروحاً دالاّ علی أن الأمر بالوضوء منه إنّما کان لضرب من الاستحباب دون الإیجاب.
السند :
فی الخبر الأوّل لا ارتیاب فیه إلاّ من جهة روایة أحمد عن ابن بزیع بغیر واسطة ، وقد یظن استبعاده ، من حیث إن روایة الحسین بن سعید عن ابن بزیع ، ومن جملة طرق الشیخ إلی الحسین بن سعید ما یرویه أحمد بن محمد عن الحسین (1) ، فتکون روایة أحمد عن ابن بزیع بواسطة ، ویدفعه أنّه لا مانع من روایة أحمد تارة بواسطة الحسین ، وتارة بعدمها.
وأمّا خبر إسحاق فقد تقدم القول فیه.
والخبر الأخیر واضح السند.
المتن :
فی الأوّل ظاهر الدلالة علی الأمر بالوضوء من الإمام والنبی صلی الله علیه و آله .
وما قاله الشیخ من أنّه خبر واحد ، یرید به خلوّه عن القرائن الموجبة
ص: 66
للعمل ، لکن الشیخ قد سبق منه : أنّه لا یطعن فی الخبر من جهة السند إلاّ إذا تعذّر التأویل ، والتأویل هنا مذکور ، غیر أنّ الخبر (1) لا طعن فیه من جهة السند کما یعرف بالملاحظة ، نعم یشکل الحال بأنّ عدم حجّیة الخبر یقتضی ترکه من أوّل الأمر ، ولعلّ مراد الشیخ فی أوّل الکتاب ما یتناول هذا الطعن بنوع من الاعتبار.
وما قاله رحمه الله من أن الخبر ینافی ما هو المعروف من القصة حقّ علی تقدیر العمل بخبر إسحاق بن عمار.
والاحتمال المذکور من أنّ الراوی قد ترک بعض الخبر ، ثم قول الشیخ بعد خبر محمد بن إسماعیل الأخیر : إنّه جاء مبیّناً مشروحاً دالاّ علی أن الأمر بالوضوء إنّما کان لضرب من الاستحباب. فی نظری القاصر أنه غیر تام ، لأنّ المطلوب بذلک إن کان دفع المنافاة للقصة المذکورة فی خبر إسحاق فغیر خفیّ أنّها غیر مندفعة بل التنافی فی القصة باق.
وإن کان المراد دفع التنافی بین الروایات الدالة علی أنّ المذی لا وضوء منه وبین ما دل علی الوضوء بحمل الدال علی الوضوء علی الاستحباب فله وجه ، إلاّ أنّ کلام الشیخ سیاقه یدل علی غیر هذا ، والسکوت عن المنافاة بین ما دل علی القصّة غیر لائق.
ولا یبعد حمل ما دل علی الضوء من النبی صلی الله علیه و آله علی التقیة لولا الخبر الأخیر ، فإنّ أهل الخلاف نقلوا فی أحادیثهم القصة بما هذه صورته غیر ما تقدم نقله عنهم :
روی النسائی عن سلیمان بن یسار قال : أرسل علیّ بن أبی طالب المقداد بن الأسود إلی رسول الله صلی الله علیه و آله یسأله عن الرجل یجد المذی ، فقال
ص: 67
رسول الله صلی الله علیه و آله : « یغسل ذکره ثم لیتوضّأ » (1).
وعن علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه قال : « کنت رجلاً مذّاءً فاستحییت أن أسأل رسول الله صلی الله علیه و آله لمکان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله ، فقال : یغسل ذکره ویتوضّأ » (2).
وأنت خبیر بأنّ مثل هذه الأخبار قرینة علی أن الأمر بالوضوء فی أخبارنا وذکر قصة النبی صلی الله علیه و آله للتقیة لولا منافاة ما رواه محمد بن إسماعیل من قوله : قلت : فإن لم أتوضّأ؟ قال : « لا بأس ».
وقد یمکن التوجیه بأنّ السؤال بقوله : قلت : فإن لم أتوضّأ. لم یکن حال قول الإمام علیه السلام حاکیاً لقصّة علیّ علیه السلام ، بل [ حین (3) ] حصل الأمن من المخالف ، وإن کان لا یخلو من بُعد.
أمّا ما ذکره شیخنا البهائی سلّمه الله فی الحبل المتین من أنه یمکن أن یستنبط من الحدیث یعنی الأخیر عدم لزوم التعرض فی نیة الوضوء للوجه ، وأنّ مطلق القربة کاف ، وبیّن ذلک بأنّ وجوب الوضوء هو المستفاد من ظاهر أمره علیه السلام لمحمد بن إسماعیل فی السنة الأُولی ، وقوله علیه السلام فی السنة الثانیة : « لا بأس به » کاشف عن [ أنّ (4) ] ذلک الأمر إنّما کان للاستحباب ، فلو کان قصد الوجه فی نیة الوضوء لازماً للزم تأخیر البیان (5) عن وقت الحاجة (6).
ص: 68
ففی نظری القاصر فیه کلام أنهیته فی حاشیة التهذیب ، والذی یمکن ذکره هنا أُمور :
أحدها : أنّ الأمر إذا کان حقیقة فی الوجوب فاعتقاد الوجوب من محمد بن إسماعیل کما هو مقتضی الأمر فیه (1) إغراء بالجهل ، وذلک غیر موافق للحکمة فی عدم بیان ما یردّ هذا الاعتقاد ، وعدم القصد حال الفعل أمر آخر.
وثانیها : أنّ اعتقاد الوجوب إذا حصل یجوز حضوره حال الفعل وإن لم یکن متعیناً نظراً إلی عدم وجوب نیة الوجه ، لکن احتمال وقوع القصد کاف فی محذور منافاة الحکمة ، واحتمال علم الإمام بعدم الوقوع یقال مثله فی احتمال عدم الاحتیاج إلی الوضوء من المذی لیلزم تأخیر البیان ، والجواب الجواب.
وثالثها : أنّ الأمر لو کان للوجوب لما ناسب قول ابن بزیع : فإن لم أتوضّأ. فإنّ الحقیقة إذا تحققت أعنی إرادة الوجوب لا وجه للسؤال ، واحتمال أن یکون السؤال لدفع شوب الارتیاب یشکل بتکرّر الأمر فی العامین.
وقد یظن أنّ هذا الخبر بالدلالة علی أنّ الأمر لیس للوجوب فی عرف الشارع أقرب منه دلالةً علی الوجوب ، غیر أنه یختلج الشک حینئذ بأن الأمر إمّا للاستحباب أو هو مشترک بین الوجوب والاستحباب ، فإن کان الأوّل فالسؤال بقوله : قلت : فإن لم أتوضّأ. لا فائدة فیه ، وإن کان الثانی لم تحصل الفائدة من الجواب ، إذ لا یخرج عن الإجمال.
واحتمال استفادة مطلق الرجحان من المشترک فیعمل به کما ظنه
ص: 69
الوالد قدس سره فی الأُصول (1) وغیره من الأُصولیین لا یخلو من تأمّل فی نظری القاصر ، لأنّ الأحکام الشرعیة منحصرة فی الخمسة ، ومطلق الرجحان إن أُرید به من غیر فصل فلا تکلیف به ، ومع الفصل لا بُدّ من العلم به ، إذ التکلیف فرع العلم بالحکم ، ومع الإجمال لا علم ، فالإتیان بمطلق الرجحان علی أن یکون حکماً غیر واضح کما ذکرته فی محله.
ولا یخفی أنّ فائدة هذا الکلام هنا غیر ظاهرة ، لکن ذکرتها بالعارض لدفع الاحتمال.
وحینئذ فالخبر المبحوث عنه المتضمن لأمر (2) محمد بن إسماعیل یحتمل أن یکون فهم منه الاستحباب ، وإعادة السؤال فی السنة الثانیة علی تقدیر الاستحباب جوابها کالجواب علی تقدیر الوجوب حذو النعل بالنعل ، غیر أنّ قوله فی السؤال : فإن لم أتوضّأ ، أقرب إلی إرادة الاستحباب ، وفائدته وإن خفیت ، إلاّ أنّ احتمال إرادة دفع الارتیاب فی الاستحباب ممکن وله قرب بالنسبة إلی إرادة الوجوب.
وبهذا یظهر وجه نظر فی کلام شیخنا البهائی سلمه الله - (3) کما یعلم بصحیح التأمّل ، وتوضیح الحال فی حاشیة التهذیب.
أمّا ما ذکره العلاّمة : من أنّ الراوی إذا روی الحدیث تارة مع زیادة وتارة بدونها ، عمل علی تلک الزیادة إن لم تکن مغیّرة ویکون بمنزلة الروایتین (4).
ص: 70
قلنا فیه کلام أیضاً فی الحاشیة ، والقدر المطلوب ذکره هنا ما قلناه.
غیر أنه یبقی شی ء لا بدّ من التنبیه علیه ، وهو أنّ خبر إسحاق بن عمار تضمّن أن النبی صلی الله علیه و آله قال : « لیس بشی ء » وهو یتناول (1) نفی النجاسة ونفی الوضوء ، فإذا عارضه ما دلّ علی الوضوء حمل النفی فی خبر إسحاق علی النجاسة.
وجوابه یظهر بالتأمل فی ذکر جواب النبی صلی الله علیه و آله فی الأخبار ، فإنه لا مساغ (2) لدخول التخصیص فی الباب إذا أعطاها الناظر حق النظر ، ولو تم بالتکلّف لم یتم التخصیص أیضا ، کما هو واضح ، والله الموفق.
قال (3) :
ویمکن أن یکون الاستحباب فی إعادة الوضوء من المذی إنّما یتوجه إلی من یخرج منه المذی بشهوة ، یدل علی ذلک :
ما رواه محمد بن الحسن الصفار ، عن موسی بن عمر ، عن علیّ ابن النعمان ، عن أبی سعید المکاری ، عن أبی بصیر قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المذی یخرج من الرجل ، قال : « أحدّ لک فیه حدّا؟ » قال ، قلت : نعم جعلت فداک ، قال : فقال : « إن خرج منک علی شهوة فتوضّأ ، وإن خرج منک علی غیر ذلک فلیس علیک فیه وضوء ».
الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علی بن یقطین ، عن أخیه الحسین ، عن أبیه علی بن یقطین قال : سألت أبا الحسن علیه السلام
ص: 71
عن المذی أینقض الوضوء؟ قال : « إن کان من شهوة نقض ».
الصفار ، عن معاویة بن حکیم ، عن علیّ بن الحسن بن رباط ، عن الکاهلی قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المذی؟ فقال : « ما کان منه بشهوة فتوضّأ منه ».
السند
فی الأوّل : موسی بن عمر ، والظاهر أنّه ابن یزید الصیقل ، لأن الراوی عنه سعد وهو فی مرتبة الصفار ، وموسی غیر ثقة علی ما وقفت علیه فی الرجال (1) ، واحتمال کونه ابن بزیع الثقة بعید ، لأن الطریق إلیه علی ما فی الفهرست : أحمد بن أبی عبد الله ، عن عبد الرحمن بن حماد ، عنه (2) ؛ علی أن الاحتمال لا یفید شیئاً بدون الظهور ، مضافاً إلی اشتمال الطریق علی أبی سعید وأبی بصیر ، فإن الأوّل مذکور فی الرجال مهملا (3) ، واسمه هاشم ابن حیّان ، وأبو بصیر تکرّر القول فیه (4).
والخبر الثانی : واضح السند.
والثالث : فیه معاویة بن حکیم ، وقد وثّقه النجاشی (5) ، وقال الکشی : إنّه فطحی (6) وابن رباط ثقة فی النجاشی (7). وأمّا الکاهلی فالظاهر
ص: 72
أنه عبد الله بن یحیی کما صرّح به العلاّمة فی الخلاصة (1) ، ویأتی لأخیه إسحاق أیضاً ، وعبد الله یستفاد من الرجال مدحه (2).
المتن :
فی الجمیع ظاهر الدلالة علی أن المذی إذا خرج بشهوة نقض الوضوء ، إلاّ أنّه سیأتی فی خبر ابن رباط المرسل أن المذی یخرج من الشهوة ، وظاهره الحصر فی ذلک کما سیأتی.
وفی کلام بعض أهل اللغة : المذی ماء أبیض رقیق لزج یخرج عند شهوة ، لا بشهوة ، ولا دفق ، ولا یعقّبه فتور (3).
وقد قدّمنا أیضاً عن بعض أنّ المذی ما یخرج من الذکر عند الإنعاظ (4).
وفی کلام بعض أیضاً إن المذی یخرج عقیب شهوة الجماع والملاعبة (5).
وأنت خبیر بأنّ معنی الشهوة المذکورة لا یخلو من غموض ، وبتقدیر تحقق المعنی فحصول المذی لا عن شهوة لا یوافقه الخبر الآتی ، وکان علی الشیخ أن یحقّق الحال ، والأخبار المبحوث عنها صحیحها دال علی أن
ص: 73
للمذی حالتین بحسب المفهوم ، إلاّ أنّه قابل للتوجیه إذا لم یتحقق المذی من دون الشهوة.
إذا عرفت هذا فما قاله الشیخ رحمه الله من إمکان أن یکون الاستحباب فی إعادة الوضوء إذا کان المذی بشهوة ، إن أراد به بیان الجمع بین الأخبار السابقة ، ففیه : أنّ ظاهر خبر إسحاق أنّ المذی لیس بشی ء ، وکذلک خبر عنبسة نظراً إلی الإطلاق ، ومفاد خبر محمد بن إسماعیل الوضوء من المذی مطلقاً ، وذکر قصة النبی صلی الله علیه و آله مؤیّدة العموم فی الجانبین.
وحینئذ فالحمل علی المذی الحاصل من الشهوة یحتاج تمامیته إلی تکلف زائد ، بل فی الظن أنّه لا یسلم من المناقشة کما یعلم من مراجعة الأخبار وإعطائها حق النظر.
وحکی العلاّمة فی المختلف عن ابن الجنید أنّه قال : إذا خرج المذی عقیب شهوة نقض الوضوء ، ثم قال العلاّمة : لنا وجوه : الأوّل أنّه ممّا یعمّ به البلوی ویحصل لأکثر الناس فی أکثر الأوقات ، فلو کان ناقضاً لوجب أن یعلم من الدین کما یعلم نقض البول والغائط (1). وأطال التوجیه بما لا یخلو من تأمّل ، وقد ذکرته فی حاشیة التهذیب.
وکذلک بقیة الوجوه کاستصحاب الحال ، لأنّه قبل خروج المذی متطهر فکذلک بعده.
وفیه : أنّه معارض بأنّ مقتضی الآیة الشریفة وجوب الوضوء علی کل من أراد القیام إلی الصلاة ، فإذا خرج المتطهر بما اتفق علیه بقی غیره ، ومنه من أمذی.
ص: 74
ومثل هذا یقال فی الاستدلال بالرجوع إلی حکم الأصل ، لأنّه قبل الشرع لا یوجب حکماً فکذلک بعده ، لأنّ الأصل بقاء ما کان علی ما کان.
وبالجملة : فالأولی ترک مثل هذا الاستدلال والرجوع إلی الأخبار عند العامل بها.
نعم لمّا کانت الأخبار لا تخلو من معارضة أمکن أن یقال : إنّ براءة الذمّة من الوجوب یؤیّده الأخبار الواردة بعدم الوضوء ، وستسمع بقیة الکلام فی المسألة بعد ذکر الأخبار.
قال :
والذی یدل علی أن هذه الأخبار محمولة علی الاستحباب :
ما أخبرنی به الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن غیر واحد من أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لیس فی المذی من الشهوة ، ولا من الإنعاظ ، ولا من القُبلة ، ولا من مسّ الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولا یغسل منه الثوب ولا الجسد ».
وبهذا الاسناد عن الصفار ، عن الهیثم بن أبی مسروق ( النهدی ) (1) ، عن علی بن الحسن (2) الطاطری ، عن ابن رباط ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یخرج من الإحلیل المنی والمذی(3) والوذی ، فأمّا المنی فهو الذی تسترخی (4) له العظام ویفتر
ص: 75
منه الجسد وفیه الغُسل ، وأمّا المذی فإنه یخرج من الشهوة ولا شی ء فیه ، وأمّا الودی (1)فهو الذی یخرج بعد البول ، وأمّا الوذی (2) فهو الذی یخرج من الأدواء (3) فلا شی ء فیه ».
السند
فی الأوّل معدود من الصحیح حتی عند من لا یعمل بمراسیل ابن أبی عمیر نظراً إلی قوله : عن غیر واحد ، وفیه تأمّل ظاهر.
والعجب من شیخنا قدس سره أنّه قال بعد نقلها فی المدارک : ولا یضر إرسالها لأن فی قوله : عن غیر واحد من أصحابه ، إشعاراً بثبوت مدلولها عنده (4). فإن ثبوت المدلول عنده لا یقتضی وجوب العمل عند غیره ، ولو تم لزم ثبوت العمل وإن لم ترد الروایة بلفظ : غیر واحد ، کما هو واضح.
وفی الثانی : الهیثم بن أبی مسروق وقد تقدم فیه القول (5) ؛ والطاطری ثقة واقفیّ ؛ وابن رباط محتمل لأن یکون الثقة وهو علی بن الحسن بن رباط ، وغیره وهو الحسن بن رباط وعلی بن رباط بتقدیر المغایرة لعلی بن الحسن بن رباط ، کما قد یفهم من رجال الشیخ (6) ، وإن أمکن الاتحاد ، وفیه کلام ، وعلی کل حال فالحدیث ضعیف بالإرسال.
ص: 76
المتن :
ظاهر الأوّل عدم الوضوء من المذی وإن کان بشهوة ، ومعارضة ما تقدم من الخبر الصحیح عن علی بن یقطین یقتضی إرادة نفی الوجوب فی خبر ابن أبی عمیر إن عملنا به ، لکن الحال غیر خفیة.
وما دلّ من معتبر الأخبار علی أن المذی لا ینقض الوضوء علی الإطلاق لا مانع من تقییده کروایة زید الشحام ومحمد بن مسلم وزرارة الصحیحة الآتیة (1) : « إنّما هو بمنزلة النخامة کل شی ء خرج منک [ بعد الوضوء ] (2) فإنه من الحبائل ».
وقد یمکن أن یراد بالوضوء فی خبر ابن أبی عمیر الاستنجاء ، فلا یعارض خبر ابن یقطین ، وفیه بُعد ، إلاّ أن أهل الخلاف یذهبون إلی نجاسته ووجوب الاستنجاء منه (3) ، بل ذهب بعضهم إلی وجوب غَسل جمیع الذکر منه وإن لم یصبه منه شی ء (4) ، وحینئذ ربما قرب الخبر من الردّ علیهم.
وأمّا الخبر الثانی : فهو کما تری ذکر فیه ثلاثة فی الإجمال ، وفی التفصیل زاد رابعاً.
وفی التهذیب : « والوذی » بعد الودی (5) ، وربما یظن أنّه الصواب ، إلاّ أنّ شیخنا المحقّق میرزا محمد أیّده الله قال فی فوائده علی الکتاب :
ص: 77
ومخالفته فی البیان لما تقدم ربما اقتضی خلاف الصواب.
وأنت إذا تأمّلت الخبر فی التهذیب وفی الکتاب تری أنّه لا یخلو من شی ء کما ذکرته فی حاشیة التهذیب ، وما قدّمناه من دلالته علی حصر المذی فی الخارج من الشهوة هو الظاهر منه.
وذکر الودی (1) من غیر تعرض إیجاب الوضوء وعدمه غیر واضح الوجه ، ولعلّه اکتفی بالنفی فی بقیة الأقسام ، وفیه ما فیه.
اللغة :
قال فی النهایة : الودی بسکون الدال یعنی المهملة وکسرها وتشدید الیاء ، البلل اللزج الذی یخرج من الذکر بعد البول (2). ونقل بعض المتأخّرین أنّ الوذی بالمعجمة ما یخرج عقیب إنزال المنی (3). ولم أقف علی مأخذه.
قال :
فأمّا ما رواه الحسن بن محبوب ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ثلاث یخرجن من الإحلیل وهی المنی وفیه الغسل ، والودی فمنه الوضوء لأنه یخرج من دریرة البول » قال : « والمذی لیس فیه وضوء وإنّما هو بمنزلة ما یخرج من الأنف ».
قوله علیه السلام : « والودی فمنه الوضوء » محمول علی أنّه إذا لم یکن قد استبرأ من البول علی ما ذکرناه وخرج منه بعد ذلک شی ء وجب
ص: 78
علیه إعادة الوضوء ، لأنه یکون من بقیة البول ، وقد نبّه علی ذلک بقوله : « لأنه یخرج من دریرة البول » إشارةً إلی أن ذلک إما بول أو یخالطه البول (1).
والذی یکشف عما ذکرناه :
ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل بن صالح ، عن عبد الملک بن عمرو ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یبول ثم یستنجی ثم یجد بعد ذلک بللاً ، قال : « إذا بال فخرط ما بین المقعدة والأُنثیین ثلاث مرّات وغمز ما بینهما ثم استنجی فإن سال حتی یبلغ السوق فلا یبالی ».
السند
فی الأوّل : ( واضح ) (2) لأنّ الطریق فی المشیخة إلی الحسن بن محبوب صحیح فیما کان من کتبه ومصنفاته (3) ، وغیرها ( فالطریق حسن بإبراهیم فی بعضها وصحیح فی آخر ، وحینئذ یتحقق للشیخ طریق صحیح إلی الحسن بن محبوب من غیر کتبه ومصنفاته ) (4) وأمّا ابن سنان فالظاهر
ص: 79
أنّه عبد الله ، لأنّه الراوی عن أبی عبد الله کما یستفاد من الرجال (1).
والثانی : فیه عبد الملک بن عمرو ، وهو غیر معلوم التوثیق.
المتن :
ظاهر الأوّل وجوب الوضوء من الودی ، ومعارضه هنا هو الخبر المرسل ، ولیس فیه ذکر للوضوء ولا لعدمه کما سبق فیه القول ، وروایة زید الشحام تدل علی الوذی المعجمة ، وحینئذ فالحمل المذکور فی کلام الشیخ محل نظر بالنسبة إلی ما هنا من الأخبار السابقة.
نعم ربما یستفاد من الروایة الثانیة أنّ الودی لا ینقض الوضوء بعد الاستبراء وإن أمکن أن یقال باحتمال أن یراد نفی النجاسة من الروایة نظراً إلی وجود المعارض الدال علی وجوب الوضوء منه عند الشیخ العامل بالخبر الأوّل.
ص: 80
ویمکن الجواب بأنّ ظاهر الخبر الثانی عموم عدم المبالاة من جهة النجاسة ونقض الوضوء ، ویؤیّده الخبر الآتی ، ولعلّ الشیخ لو قدّم الخبر المرسل عن حریز کان أولی لصراحته فی عدم نقض الوضوء فتتحقق المعارضة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما تضمنه الخبر الثانی من کیفیة الاستبراء لا یخلو من إجمال ، فإنّ قوله علیه السلام : « وغمز ما بینهما » محتمل لأن یعود الضمیر إلی الأُنثیین ویراد بما بینهما الجزء المتصل بهما من الذکر ، ویحتمل أن یعود إلی الأُنثیین وبقیة الذکر ، ویحتمل أن یعود إلی المقعدة والأُنثیین ، فتکون الواو بمعنی أو ، ویحتمل الجمع بین الأمرین لما سیأتی من تفسیر الغمز والخرط.
اللغة :
قال فی القاموس : درّ النبات التفّ ، والناقة بلبنها أدرّته ، والفرس تدرّ دریراً عَدا شدیداً أو عَدواً سهلاً ، والعرق سال ، وفیه أیضا الدِّرّة بالکسر سیلان اللبن (1).
وقال أیضاً : خرط الشجر یخرِطه ، ویخرُطه : انتزع الورق منه اجتذابا (2).
وفی النهایة : الغمز : العصر والکبس بالید (3).
والسوق جمع ساق وهو ما بین الکعب والرکبة.
ص: 81
قال :
ویزید ذلک بیاناً :
ما رواه الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عمّن أخبره عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الوذی لا ینقض الوضوء إنّما هو بمنزلة المخاط والبصاق » (1).
وعنه ، عن حماد ، عن حریز ، قال : حدثنی زید الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه قال : « إن سال من ذکرک شی ء من مذی أو وذی فلا تغسله ، ولا تقطع الصلاة ، ولا تنقض له الوضوء ، إنّما هو بمنزلة النخامة ، کل شی ء خرج منک بعد الوضوء فإنّه من الحبائل ».
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر قال : حدّثنی یعقوب بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یمذی وهو فی الصلاة من شهوة أو من غیر شهوة ، قال : « المذی منه الوضوء ».
قوله علیه السلام : « المذی منه الوضوء » یمکن حمله علی التعجب منه ، فکأنّه (2) من شهرته وظهوره فی ترک إعادة الوضوء منه قال : هذا شی ء یُتوضّأ منه؟! ویمکن ( أن یحمل ) (3)علی ضرب من التقیّة ، لأنّ ذلک مذهب أکثر العامة.
ص: 82
السند
فی الأوّل مرسل ؛ والثانی صحیح ؛ وکذلک الثالث.
المتن :
صریح الأوّل أنّ الوذی لا ینقض الوضوء مطلقا إلاّ أنّه یقید بالاستبراء ، وربما یقال : إنّ مع عدم الاستبراء لا یکون النقض مستنداً للوذی بل للبول ، وما عساه یقال : إنّ الفرض اشتباهه. یمکن الجواب عنه بأن المرجع إلی حکم الشارع ، ویجوز أن یکون احتمال البول هنا موجباً للوضوء ، غایة الأمر قد یشکل الحال بالنسبة إلی الطهارة وحیث لم یتحقق البول ، ( مع الاشتباه (1) ) ، ولزوم الوضوء لا یستلزم النجاسة.
وربما أمکن الجواب بأنّ ظاهر الأخبار الواردة فی الاستبراء یعطی النجاسة ، بل لا یبعد أن یقال : إنّه لا اشتباه مع عدم الاستبراء ، کما یستفاد من الأخبار ، وسیأتی إن شاء الله الکلام فی ذلک فی باب الجنابة (2).
وما تضمنه الخبر الثانی من قوله علیه السلام : « کل شی ء خرج منک بعد الوضوء. » لعل المراد بالوضوء الاستبراء مع الاستنجاء.
وأمّا الخبر الثالث فالتوجیه بغیر التقیة تکلف.
اللغة :
قال فی القاموس : الحِبال فی الذکر عروقها (3).
ص: 83
وفی الحبل المتین : أنّ الحبائل بالحاء المهملة والباء الموحدة یراد بها عروق فی الظهر (1).
قال :
باب مسّ الحدید
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن یعقوب ، عن محمد بن إسماعیل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ، عن ابن مسکان ، عن محمد الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون علی طُهر یأخذ من أظفاره أو شعره أیعید الصلاة (2)؟ قال (3) : « لا ، ولکن یمسح رأسه وأظفاره بالماء » قال : قلت : فإنّهم یزعمون أنّ فیه الوضوء ، فقال : « إن خاصموکم فلا تخاصموهم وقولوا : هکذا السنّة ».
الحسین بن سعید ، عن حماد بن عیسی ، [ عن حریز ] (4) ، عن زرارة قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : الرجل یقلم أظفاره ویجزّ شاربه ویأخذ من شعر رأسه ولحیته هل ینقض ذلک وضوءه؟ فقال : « یا زرارة کلّ هذا سنّة والوضوء فریضة ، ولیس شی ء من السنّة ینقض الفریضة ، وإنّ ذلک لیزیده تطهیراً ».
سعد ، عن أیوب بن نوح ، عن صفوان بن یحیی ، عن سعید بن
ص: 84
عبد الله الأعرج قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : آخذ من أظفاری ومن شاربی وأحلق رأسی أفأغتسل؟ قال : « لا ، لیس علیک غسل » قلت : فأتوضّأ؟ قال : « لا لیس علیک وضوء » قلت : فأمسح (1) علی أظفاری بالماء (2)؟ فقال : « هو طهور لیس علیک مسح ».
السند
فی الأوّل تکرر القول فیه ، ووجدت الآن کلاماً لبعض المتأخّرین وهو : أنّ محمد بن إسماعیل هذا ابن بزیع ، وقد صرّح به فی التهذیب ، وأمّا کلام ابن داود : إنّ فی لقاء الکلینی له نظراً من جهة التاریخ. فهو جیّد ، لکن الاستدلال به علی الإرسال وعدم صحة الروایة استدلال بنفی الخاص علی نفی العام ، فإنّ طریق التحمل والروایة لا ینحصر فی الملاقاة ، وحینئذ فلا یعدل عن ظاهر الکلینی فإنه روی عنه أکثر من أن یُعدّ ، ویبعد عن العدل مثله فی صورة الإرسال ، وهو معدود من التدلیس لا یکاد یظن بمثله (3). انتهی.
وأنت إذا تأمّلت تراه لا یخلو من تخلیط ، أمّا ما ذکره من تصریح الشیخ فی التهذیب. صحیح ، فقد وقع ذلک فی کتاب الحدود ، والذی فهمته من الوالد قدس سره أنّه سَبْق قلمٍ من الشیخ ، والظاهر ذلک ، لأن ابن بزیع لا یروی عن ابن شاذان ، بل ابن شاذان یروی عنه.
نعم فی کتاب الروضة من الکافی اتفق التصریح بابن بزیع (4) ، وهذا
ص: 85
یوجب الریب ، إلاّ أنّ احتمال الوهم قائم ، واحتمال روایة کل منهما عن الآخر وإن أمکن ، إلاّ أنّ الممارسة للأخبار تنفیه.
وقول القائل : إن طریق التحمل والروایة لا ینحصر فی الملاقاة. حق ، إلاّ أن إطلاق الروایة من دون التصریح بالإجازة خلاف ما علیه أهل التحقیق فی الدرایة.
ثم إن قوله : ویبعد عن العدل مثله. مناف لأول الکلام کما لا یخفی علی ذوی الأفهام.
وأمّا الخبران الآخران فالسند فیهما واضح.
المتن :
فی الأوّل ظاهر فی مسح الرأس والأظفار بالماء ، وهو مطلق فی أن الأخذ بالحدید وغیره ، وسیأتی من الشیخ حمل ما دل علی المسح بالماء إذا کان بالحدید ، لکن ستعلم أن ما یدل علی ذلک لا یقاوم هذا الخبر لیحمل مطلقه علی المقید ، إلاّ أن جماعة من الأصحاب وعَدّ منهم الشیخَ والدی قدس سره ولعلّه من کلام الشیخ فی غیر الکتاب ، أمّا استفادته من کلامه هنا ففیه ما فیه قالوا : إنّه یستحب لمن قصّ أظفاره بالحدید أو أخذ من شعره أو حلق أن یمسح الموضع بالماء ، واستندوا إلی الخبرین الآتیین (1) ، وهذا الخبر له نوع اعتبار ، بل هو معدود من الصحیح عند بعض (2).
وقد قدمنا أنّ مرتبة محمد بن إسماعیل لا تقصر عن مرتبة (3) ابن
ص: 86
الولید وأضرابه (1) من الشیوخ المحکوم بصحة الحدیث المشتمل علی أحدهم ، وحینئذ ینجبر الوهن الحاصل فی الخبرین الآتیین من جهة رجالهما عند من لا یعمل بالموثق ، غایة الأمر أن فیه الإطلاق ، ولعل ذلک لا یضر بالحال ، لأن المتبادر إرادة الأخذ بالحدید ، وینضاف إلیه عدم ظهور قائل بالاستحباب فی غیر الحدید.
ثم الخبر الثالث الصحیح یدل علی عدم وجوب المسح ، وربما دلّ لفظ السنة فی هذا الحدیث علیه أیضاً ظاهراً وإن أمکن المناقشة فی ذلک بأن السنّة تطلق علی ما یتناول الواجب.
وما تضمنه الخبر ( من قوله علیه السلام : « إن خاصموکم فلا تخاصموهم. » لا یخلو من إجمال ، فإنّ الظاهر من الأمر بقول : « هکذا السنّة » أنّه لا بُدّ فیه ) (2) من المخاصمة ، حیث إن أهل الخلاف یذهبون إلی الوضوء ، والمتبادر من قول : « هکذا السنّة » أنّه إشارة إلی المسح بالماء ، وحینئذ فالمخالفة لاعتقاد أهل الخلاف لازمة ، إلاّ أن یقال : إن المراد بعدم المخاصمة أن لا تصرّحوا بعدم نقض الوضوء ، بل قولوا : السنّة فی المسح بالماء ثابتة. والله تعالی أعلم بمقاصد أولیائه.
وما تضمّنه الخبر الثانی من أنّه : « لیس شی ء من السنّة ینقض الفریضة » واضح ؛ أمّا زیادة التطهیر فلعلّ المراد بها زیادة الثواب ، وإرادة التطهیر الزائد نوع من التجوّز ، والظاهر من ضمیر « لیزیده » العود إلی الوضوء ، ویحتمل العود إلی المکلّف ، وفیه ما فیه.
وما تضمنه الخبر الثالث من نفی المسح بحسب ظاهره ینافی الخبر
ص: 87
الأوّل ، فکان علی الشیخ أن ینبّه علی ذلک بجعله من الأخبار المعارضة ، والجمع بأنّ المراد نفی المسح علی سبیل الوجوب ، وبهذا یتضح (1) حمل الخبر الأوّل علی الاستحباب.
اللغة :
قال ابن الأثیر فی أحکام الأحکام لشرح حدیث سید الأنام : تقلیم الأظفار قطع ما طال عن اللحم منها ، یقال : قلّم أظفاره تقلیماً ، المعروف فیه التشدید ، والقلامة ما یقطع من الظفر ، قال : وفی ذلک معنیان : أحدهما : تحسین الهیئة وإزالة القباحة فی طول الأظفار. والثانی : أنّه أقرب إلی تحصیل الطهارة الشرعیة علی أکمل الوجوه ، لما عساه یحصل تحتها من الوسخ المانع من وصول الماء إلی البشرة. انتهی.
وربما کان فی المعنی الثانی دلالة علی أنّ المراد بزیادة التطهیر فی خبر زرارة الحقیقة ، لکن هذا المعنی یختص بالسبق علی الوضوء ، أو یقال : إنّ الزیادة للوضوء اللاحق ، وقد یتمشی التعلیل للشعر بنوع تقریب : إمّا بأن یزول بإزالته الوسخ الکائن تحته ، أو یصل الماء إلی البشرة. وفی القاموس : جزّ الشعر جزّاً وجزّه. حسّنهُ (2).
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار الساباطی ، عن
ص: 88
أبی عبد الله علیه السلام قال : الرجل یقرض من شعره بأسنانه یمسحه بالماء قبل أن یصلی؟ قال : « لا بأس إنّما ذلک فی الحدید ».
قوله علیه السلام : « إنّما ذلک فی الحدید » محمول علی ضرب من الاستحباب دون الإیجاب.
وأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن ابن علی بن فضّال ، عن عمرو بن سعید المدائنی ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « فی الرجل إذا قصّ أظفاره بالحدید أو جزّ من شعره أو حلق قفاه فإن علیه أن یمسحه بالماء قبل أن یصلّی » سُئل فإن صلّی ولم یمسح من ذلک بالماء؟ قال : « یعید الصلاة لأن الحدید نجس » وقال : « لأن الحدید لباس أهل النار ، والذهب لباس أهل الجنّة ».
فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من الاستحباب دون الإیجاب ، لأنه خبر شاذ مخالف للأخبار کلها (1) ، وما یجری هذا المجری لا یعمل علیه علی ما بیّنّاه.
السند
فی الخبرین موثق.
المتن :
فی الأوّل : یستفاد من قوله : « إنّما ذلک فی الحدید » المسح بالماء ، وقوله : « لا بأس » وإن احتمل أنّه لا بأس بمسحه بالماء ، إلاّ أنّ قوله : « إنّما
ص: 89
ذلک فی الحدید » یعیّن أنّ المراد لا بأس بعدم المسح.
وما عساه یقال : إنّ احتمال إرادة لزوم المسح بالماء فی الحدید ، وفی غیره لیس بلازم. ممکن ، إلاّ أنّه مدفوع بملاحظة الأخبار.
وربما احتمل أن تعود الإشارة إلی البأس أو إلی المسح ، والمآل (1) واحد بعد تدبّر الأخبار ، وإن أمکن التغایر فی الاعتبار.
وأمّا الخبر الثانی : فإعادة الصلاة فیه هی المحمولة علی الاستحباب فی الظاهر من توجیه الشیخ ، ویحتمل إرادة الاستحباب فی المسح بالماء ، ویدفعه أنّ الشیخ لا وجه لفرقه بین الحدیثین حینئذ ، وقوله فی الثانی : إنّه شاذّ. بل الأوّل کذلک.
فإن قلت : الشذوذ فی کلام الشیخ راجع إلی الإیجاب ، حیث لم یقل به أحد علی ما یظهر من الأصحاب ، لا إلی الاستحباب ، فإنّ القائل به موجود ، والشیخ معترف به.
قلت : هذا مشترک بین الأوّل والثانی ، فإنّ نفی الإیجاب مذکور فیهما ، وکون الشیخ قائلاً بالاستحباب غیر معلوم من هذا الکتاب ، فإنّ الحکم بمذهبه فیه لا یخلو من تأمّل کما یعلم من تدبّره فی مواضع.
وقد قدّمنا عن الوالد قدس سره نقل القول بالاستحباب عن الشیخ (2) وأنّ الظاهر کونه من غیر الکتاب ، لأنه نقل بعد ذلک قول الشیخ فی الاستبصار بأنّ الخبر شاذّ ، وحکی الحمل علی الاستحباب عن الشیخ.
ص: 90
وفی نظری القاصر أن کلام الوالد قدس سره لا یخلو من تأمّل ، لأنّه (1) قال بعد ذکر الخبر الثانی : إنّه نص فی حصول التنجیس بملاقاة الحدید ، وقد قال الشیخ فی الاستبصار : إنّه خبر شاذ مخالف للأخبار الکثیرة ، وقال : وما یجری هذا المجری لا یعمل علیه ، وذکر قبل ذلک : أنّ الوجه حمله علی ضرب من الاستحباب. انتهی.
وأنت إذا تأمّلت ما ذکرناه سابقاً تعلم أنّ کلام الشیخ ظاهره العود إلی إعادة الصلاة ، نعم یتوجه علی الشیخ أنّ شذوذ الخبر إن کان من جهة نجاسة الحدید فالتأویل بالاستحباب ممکن ، ویراد بالنجاسة ما لا یخالف الاستحباب ، وترک العمل به حینئذ لا وجه له ؛ وإن کان من جهة المسح بالماء وأنّ اللازم من نجاسته غَسل الموضع فالاستحباب لا یوافق ذلک ؛ وإن کان من جهة أنّ الحدید إذا کان نجساً لا یلزم منه التنجیس إلاّ مع الرطوبة والخبر مطلق ، فهو وإن أمکن توجیهه ، إلاّ أنّ الاستحباب علی الإطلاق أیضاً مشکل ، لأنّ مع الرطوبة لا وجه للاکتفاء بالمسح ، فإطلاق الشیخ الحمل علی الاستحباب مع شذوذ الخبر لا یخلو من نظر ، فینبغی تأمّل المقام فإنّه حریّ بالتأمّل التام ، إلاّ أن من لا یعمل بالموثق فی راحة من بعض هذا.
قال :
باب شرب ألبان البقر والإبل وغیرهما
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن
ص: 91
الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عن سلیمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام هل یتوضّأ من الطعام أو شرب اللبن ألبان الإبل والبقر والغنم وأبوالها ولحومها؟ قال : « لا یتوضّأ منه ».
فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن الحسن ابن علی ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار (1) الساباطی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل توضّأ ثم أکل لحماً أو سمناً هل له أن یصلّی من غیر أن یغسل یده؟ قال : « نعم ، وإن کان لبناً (2) لم یصلّ حتی یغسل یده ویتمضمض ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی وقد أکل اللحم من غیر أن یغسل یده ، وإن کان لبناً لم یصلّ حتی یغسل یده ویتمضمض ».
ما یتضمن هذا الخبر من الأمر بغسل الیدین والمضمضة والاستنشاق لمن شرب اللبن محمول علی الاستحباب دون الفرض والإیجاب بدلالة الخبر الأوّل.
السند
فی الأوّل : قد تقدم القول فیه والارتیاب فی سلیمان بن خالد (3) ، إلاّ أنّه معدود من الصحیح عند المتأخّرین (4).
ص: 92
وأمّا الثانی : فموثق.
المتن :
فی الأوّل کما تری ظاهر فی نفی الوضوء ، والمتعارف من الوضوء هو الشرعی.
والخبر الثانی قد تضمّن عدم غَسل الید من أکل اللحم ، ففی الظاهر لا منافاة ، وغَسل الید من اللبن والمضمضة لا ینافی الأوّل المتضمن لنفی الوضوء ، إلاّ أنّ الشیخ رحمه الله کأنّه فهم من الوضوء غَسل الید لتتحقق (1) المنافاة.
ولا یبعد توجیه المنافاة بأنّ الخبر الثانی إذا تضمّن عدم غَسل الید من أکل اللحم فقد استفید منه عدم الوضوء الشرعی ، إلاّ أنّ نظر الشیخ لیس فیه ملاحظة هذا ، کما یعلم من کلامه.
وقد یظن أنّ اللحم فی الخبر الثانی مطلق وفی الأوّل مقید ، ودفعه غیر خفی.
أمّا الاستنشاق فلا أدری الوجه فی ذکر الشیخ له مع خلوّ الخبر عنه.
ثم الذی فی نسخ الإستبصار التی رأیتها : « أو سمناً » وفی التهذیب : « أو سمکاً » (2).
ص: 93
قال :
أبواب الأغسال المفروضات والمسنونات
باب وجوب غسل الجنابة والحیض والاستحاضة والنفاس
[ ومسّ الأموات ] (1)
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علی بن الحکم ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی بکر ، قال سألت أبا جعفر علیه السلام کیف أصنع إذا أجنبت؟ قال : « اغسل کفیک (2) وفرجک وتوضّأ وضوء الصلاة ثم اغتسل ».
عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « غسل الجنابة واجب ، وغسل الحائض إذا طَهُرت واجب ، وغسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالکرسف فجاز الدم الکرسف فعلیها الغسل لکل صلاتین وللفجر غسل ، فإن لم یجز الدم الکرسف فعلیها الغسل لکل یوم مرّة والوضوء لکل صلاة ، وغسل النفساء واجب ، وغسل المیت واجب ، وغسل من مسّ (3) میتاً واجب ».
السند
فی الأوّل لیس فیه من یتوقف (4) فی شأنه إلاّ أبا بکر ، فإنّه الحضرمی ،
ص: 94
وهو مجهول الحال ، لذکره فی الرجال من غیر مدح ولا توثیق (1).
وقول شیخنا قدس سره بعدم ثبوت إیمانه (2). یدفعه بعض الأخبار المرویة فی شأنه کما یعلم من کتاب شیخنا المحقّق میرزا محمد أیّده الله فی الرجال (3).
غیر أنّه اتفق فیه شی ء لا بأس بالتنبیه علیه ، وهو أنّ العلاّمة فی الخلاصة قال فی ترجمته : وروی یعنی الکشی عنه حدیثین : أنّ جعفر ابن محمد علیهماالسلام قال : « إنّ النار لا تمسّ من مات وهو یقول بهذا الأمر » (4).
ونُقل عن جدّی قدس سره أنّه قال فی فوائده علی الخلاصة : إنّ فی طریق الحدیثین الوشّاء ، عن أبیه ، عن خاله عمرو بن إلیاس ، وحالهما مجهول (5) ؛ ونَقَل عن الکشیّ الروایتین ، وهما :
حدثنی محمد بن مسعود ، قال : حدثنی عبد الله بن محمد بن خالد الطیالسی قال : حدثنی الوشّاء ، عمّن یثق به (6) یعنی أُمّة عن خاله قال : یقال له : عمرو بن إلیاس قال : دخلت أنا وأبی إلیاس بن عمرو علی أبی بکر الحضرمی وهو یجود بنفسه قال : یا عمرو لیست بساعة الکذب اشهد علی جعفر بن محمد أنّی سمعته یقول : « لا تمسّ النار من مات وهو یقول بهذا الأمر ».
والحدیث الآخر عن عبد الله بن محمد بن خالد قال : حدثنی الحسن ابن بنت إلیاس قال : حدّثنی خالی عمرو بن إلیاس ، وذکر الحدیث (7).
ص: 95
والذی وجدته أنّ الکلام موهوم : أمّا کلام جدّی قدس سره فإنّ فیه الوشّاء ، عن أبیه ، والخبر الأوّل فی نسخة معتبرة : حدثنی الوشّاء ، عمن یثق به ، یعنی به عن خاله ، یقال له : عمرو بن إلیاس ، والظاهر حینئذ صحة الحدیث ، ( علی تقدیر توثیق الوشّاء ، وعمرو بن إلیاس ثقة ، وقوله : عمن یثق به ، قرینة علی ذلک ، والخبر الثانی أعدل شاهد علی التعیین ، وعلی هذا فلا حاجة إلی أن یقال : ) (1) إنّ عمرو بن إلیاس وإن کان مشترکاً بین ثقة ومجهول (2) ، إلاّ أنّ قوله : عمن یثق به قرینة علی أنّه الثقة.
وقول جدّی قدس سره : عن أبیه. موهوم أیضاً ، بل هو تصحیف قوله عمّن یثق به ، ویبیّن ذلک أنّ عمرو بن إلیاس خال الحسن بن علیّ الوشّاء.
( نعم فی الکشی نوع اضطراب لأنّه نقل فی الحسن بن علی الوشّاء أنّه روی عن جدّه إلیاس قال : لمّا حضرته الوفاة قال لنا : أشهدوا علیّ ولیست بساعة الکذب الساعة سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « والله لا یموت عبد یحبّ الله ورسوله فتمسّه النار » إلی آخره (3). وفی ترجمة أبی بکر الحضرمی نقل ما سمعته ، ولعلّ الجمع ممکن ) (4).
وعلی کل حال فالروایتان لا تفیدان مدحاً بل تدلان علی الإیمان ، مضافاً إلی روایة من الکافی تدل علی ذلک ، نقلها شیخنا أیّده الله فی کتابه (5).
وقال سلّمه الله فی فوائده علی هذا الکتاب : ولا یبعد أن یکون القدح فی سیف بن عمیرة أولی ، إذ قد قیل فیه بکونه واقفیاً ، صرح به
ص: 96
الشهید رحمه الله ، وجزم به محمد بن شهرآشوب. انتهی.
وفی الظن أنّ الأصل محمد بن شهرآشوب ، وحاله غیر معلوم.
أمّا ما قاله ابن داود فی الکنی : من أنّه ثقة (1) ، نقلاً عن الکشی ، فالظاهر أنّه وهم ، والعجب أنّه لم یوثّقه حال ذکر اسمه ، وبالجملة فکلام ابن داود لا یصلح للاعتماد.
وأمّا الثانی : ففیه عثمان بن عیسی وقد قدّمنا ما فیه ممّا یغنی عن الإعادة (2).
المتن :
فی الأوّل ظاهر فی فعل الوضوء قبل الغسل ، وسیأتی من الشیخ أنّه محمول علی الاستحباب ، وفیه کلام یأتی أیضاً ، والأولی حمله علی التقیة ، وما قاله شیخنا المحقق - أیّده الله - : من الحمل علی غسل یده من المرفق کما یغسل للصلاة لا یخلو من وجاهة لولا قوله : « اغسل کفیک » إلاّ أنّ التشدید لیس ببعید (3).
ویحتمل أن یراد بالوضوء الاستنجاء ، والإطلاق علیه واقع فی الأخبار ، وفی بعضها أیضاً دلالة علی الاستنجاء قبل الغسل کما سیأتی فی خبر محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن غسل الجنابة ، قال : « تبدأ بکفیک ثم تغسل فرجک » (4) الحدیث.
ولا ینافی ما قلناه قوله : « وضوء الصلاة » لأنّ الاستنجاء قد یضاف إلی الصلاة.
ص: 97
وأمّا الخبر الثانی : فقوله علیه السلام : « غسل الجنابة واجب » قد یستدل به علی أن الغسل واجب لنفسه ، کما هو أحد القولین ، إلاّ أنّ الإطلاق فی بقیة الأغسال مع ادعاء الشهید رحمه الله فی حاشیة القواعد عدم الخلاف فی وجوب غیر غسل الجنابة لغیره یدفع الاستدلال ، وهذه عبارة الشهید رحمه الله :
أمّا غیره أی غیر غسل الجنابة من أغسال الأحیاء فلا خلاف فی وجوبه لغیره ، کما لا خلاف فی وجوب غسل المیت لنفسه وإن توقفت الصلاة علیه ، فإنّ ذلک من باب الواجب المرتب کترتب الدفن علی الصلاة. انتهی.
وقد یقال : إنّ خروج غیر غسل الجنابة بالإجماع لا یخرج غسل الجنابة مع عدم الإجماع ، فیتم الاستدلال بالخبر علی تقدیر سلامة سنده وفیه بحث ؛ إذ من المستبعد تغایر الأحکام فی خبر واحد ، إلاّ أنّ الأمر سهل بعد عدم صلاحیة الخبر للاستدلال.
وما تضمنه الخبر من أنّ « غسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالکرسف فجاز الدم. » قد یستدل به بتقدیر الصلاحیة لذلک علی أنّ المتوسطة لا یلزمها الأغسال الثلاثة کما یقوله البعض (1) ، بل علیها غسل واحد. ودلالته علی أنّ الغسل کل یوم مرّة لا تنافی ما دل علی غسل الغداة ، إذ لا یخرج عن الإطلاق ، وغیره إن تم مقید ، إلاّ أنّ وجود ما یصلح للاستدلال محل کلام کما سیأتی إن شاء الله. علی أنّ لی فی کلام المتأخّرین المقیدین (2) بغسل الفجر بحثاً ذکرته فی محله ، ولو لا أنّ الحدیث المبحوث عنه لا یصلح للاعتناء به لأوضحنا الحال هنا ، نعم فی
ص: 98
الحدیث تأیید لما دل علی وجوب غسل المسّ (1).
قال :
وبهذا الاسناد عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الغسل فی سبعة عشر موطناً ، منها الفرض ثلاث » فقلت : جعلت فداک ما الفرض منها؟ قال(2) : « غسل الجنابة وغسل من مسّ (3) میتاً والغسل للإحرام ».
قوله علیه السلام : « والغسل للإحرام » وإن لم یکن عندنا فرضاً فمعناه أن ثوابه ثواب الفرض وفضله فضله.
أخبرنی أحمد بن عبدون ، عن علی بن محمد بن الزبیر ، عن علی بن فضال ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « غسل الحیض والجنابة (4) واحد » قال : وسألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض علیها غسل مثل غسل الجنب (5)؟ قال : « نعم ».
وبهذا الاسناد عن ابن فضال (6) ، عن علی بن أسباط ، عن عمه یعقوب بن سالم الأحمر ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال
ص: 99
سألته أعلیها غسل مثل غسل الجنب (1)؟ قال : « نعم » یعنی الحائض.
وقد استوفینا ما یتعلق بوجوب هذه الأغسال فی کتاب تهذیب الأحکام (2) ، وتکلمنا علی ما یخالف ذلک علی غایة الشرح ، غیر أنّا ذکرنا هاهنا جملاً من الأخبار فی ذلک فیها کفایة إن شاء الله تعالی.
السند
فی الأوّل : فیه محمد بن عیسی عن یونس ، وقد تقدم القول فیه (3) ، وفیه أیضاً الإرسال.
والثانی : فیه من ذکرناه سابقاً بما یغنی عن الإعادة.
وذکرنا أیضاً أن محمد بن عبد الله بن زرارة ربما استفید من ترجمة الحسن بن علیّ فضال فی النجاشی مدحه (4) ، بل قیل : باستفادة التوثیق (5) أیضاً ، لأنّ النجاشی بعد أن ذکر حدیثاً فی شأن ابن فضّال قال : وقال ابن داود یعنی محمد بن أحمد الثقة فی تمام الحدیث : فدخل علیّ بن أسباط فأخبره محمد بن الحسن بن الجهم الخبر ، قال : فأقبل علیّ بن أسباط یلومه ، قال : فأخبرت أحمد بن الحسن بن علیّ بن فضال بقول محمد بن عبد الله یعنی ابن زرارة فقال : حرّف محمد بن عبد الله علی أبی ، قال : وکان والله محمد بن عبد الله أصدق عندی لهجة من أحمد بن
ص: 100
الحسن ، فإنّه رجل فاضل دیِّن (1).
وهذا الکلام من ابن داود الثقة ، إلاّ أنّ فی استفادة التوثیق تأمّلاً.
أمّا ما قاله جدّی قدس سره : من أن محمد بن عبد الله مجهول (2). ففیه نظر بعد ما سمعته.
وأمّا علی بن فضال فهو ثقة فطحیّ.
والثالث : قد تقدم القول فی رجاله ، غیر أنّا أهملنا القول فی أبی بصیر نظراً إلی أنّی أفردت له تفصیلاً فی بعض ما جمعته فی الرجال.
والذی ینبغی بیانه هنا أنّ الرجل المذکور فی کتب الرجال مشترک بین جماعة.
منهم : أبو بصیر لیث المرادی الثقة الإمامی (3).
ومنهم : أبو بصیر یوسف بن الحرث من أصحاب الباقر علیه السلام (4) ، بتریّ علی ما فی الخلاصة وکتاب الشیخ فی الرجال (5) ، وفی بعض نسخ الکشی أبو نصر بالنون (6).
ومنهم : أبو بصیر عبد الله بن محمد الأسدی وهو فی الکشی مذکور (7) ، ونقله ابن داود عن رجال الشیخ فیمن روی عن الباقر علیه السلام (8) ،
ص: 101
والذی یقتضیه النظر أنّه موهوم من الکشی واختیار الشیخ له ، لأنّه قال : فی أبی بصیر عبد الله بن محمد الأسدی ، وذکر روایتین لا تعلق لهما به.
ومنهم : أبو بصیر یحیی بن القاسم الأسدی وهو ثقة کما ذکره النجاشی ، قال : وقیل : أبو محمد ، روی عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، وقیل : یحیی بن أبی القاسم ، واسم أبی القاسم إسحاق ، وروی عن أبی الحسن موسی علیه السلام (1).
والشیخ فی الفهرست قال : یحیی بن القاسم یکنی أبا بصیر (2).
وفی رجال الباقر علیه السلام من کتابه قال : یحیی بن أبی القاسم یکنی أبا بصیر مکفوف ، واسم أبی القاسم إسحاق (3).
وفی رجال الصادق علیه السلام قال : یحیی بن القاسم أبو محمد یعرف بأبی بصیر الأسدی مولاهم کوفیّ تابعیّ مات سنة خمسین ومائة بعد أبی عبد الله علیه السلام (4).
وفی رجال الکاظم قال : یحیی بن القاسم الحذّاء واقفی (5). ثم قال بعد ذکر رجل : یحیی بن أبی القاسم یکنّی أبا بصیر (6).
والعلاّمة فی الخلاصة قال : یحیی بن القاسم الحذّاء من أصحاب الکاظم علیه السلام ، وکان یکنی أبا بصیر ، وقیل : إنّه أبو محمد ، اختلف قول علمائنا فیه ، فالشیخ الطوسی رحمه الله قال : إنّه واقفی. وروی الکشی
ص: 102
ما یتضمن ذلک قال : وأبو بصیر یحیی بن القاسم الحذّاء الأزدی هذا یکنی أبا محمد (1). انتهی ملخصا.
وذکر جدّی قدس سره فی فوائده علی الخلاصة : أنّ الأقوی العمل بروایته ، لتوثیق النجاشی له ، وقول الکشی : إنّه أحد من (2) اجتمعت العصابة علی تصدیقه والإقرار له بالفقه. وقول الشیخ رحمه الله معارض بما ذکره النجاشی : من أنّه مات سنة خمسین ومائة ، فإن ذلک یقتضی تقدم وفاته علی وفاة الکاظم علیه السلام بثلاث وعشرین سنة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الذی یقتضیه النظر أن أبا بصیر إذا روی عن الباقر علیه السلام فهو مشترک بین غیر الموثق : وهو یوسف بن الحرث علی تقدیر ثبوت الکنیة بأبی بصیر ، وعبد الله بن محمد الأسدی ، قد عرفت أنه موهوم ، فلم یبق إلاّ الاشتراک بین الإمامی الثقة وبین یحیی بن القاسم الواقفی علی قول الشیخ ، وکلام النجاشی له رجحان علی جرح الشیخ ، کما حققناه فی موضعه ، وعلی تقدیر العدم فهو مشترک بین الإمامی الثقة والواقفی الثقة إذا روی عن الصادق علیه السلام (3).
وأمّا ما ذکره الشیخ فی کتاب الرجال ممّا یقتضی المغایرة بین ابن أبی القاسم وابن القاسم فالتأمل فی کلام النجاشی یدفعه ویفید الاتحاد.
وقول جدّی قدس سره منظور فیه ، إذ لا منافاة بین الوقف والثقة علی تقدیر ردّ ما ذکرناه من ترجیح کلام النجاشی ، وما قاله من قصة الموت فی حیاة الکاظم علیه السلام قد یدفع بأن الوقف قد یکون فی حیاة الکاظم علیه السلام کما
ص: 103
تدل علیه بعض الأخبار والآثار الواردة عن الواقفة.
نعم روی الشیخ فی هذا الکتاب والتهذیب ما یتضمن القدح فی أبی بصیر المکفوف ، وهو ما رواه عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن ابن أبی عمیر ، عن شعیب قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل تزوج امرأة لها زوج فقال : « یفرّق بینهما » فقلت : فعلیه ضرب؟ قال : « لا ما له یضرب » فخرجت من عنده وأبو بصیر بحیال المیزاب ، فأخبرته بالمسألة والجواب ، فقال لی : أین أنا؟ فقلت : بحیال المیزاب ، قال : فرفع یده وقال : وربّ هذا البیت ، أو : وربّ هذه الکعبة لسمعت جعفراً یقول : « إن علیّاً علیه السلام قضی فی الرجل تزوّج امرأة لها زوج فرجم المرأة وضرب الرجل الحدّ » ثم قال : لو علمت أنک علمت لفضخت (1) رأسک بالحجارة ، ثم قال : ما أخوفنی أن لا یکون اوتی علمه (2).
وهذا الخبر یعطی القدح فی أبی بصیر المکفوف بما لا یخفی.
والکشی روی نحو هذا الحدیث عن شعیب (3) ، لکنّه اضطرب فی نقل أخبار (4).
فحصل نوع تخلیط بین حال أبی بصیر لیث المرادی وحال غیره کما یعلم من مراجعته ، ولو لا خوف الخروج عن سلوک الاختصار لذکرتها ، وإنّما ذکرت ما ذکرته هنا لئلاّ یخلو الکتاب من القول فی أبی بصیر ممّا لا بدّ
ص: 104
منه ، لاشتمال أکثر الأسانید علیه ، وترک التعرض لذلک سابقاً لظن عدم الحاجة. والله تعالی أعلم بحقائق الأُمور. المتن :
فی الأوّل ظاهره لا یخلو من إشکال لأنّ الفرض کثیراً ما یراد به الثابت بالقرآن ، وغیر الجنابة لا یتم إرادته فی الظاهر ، وحینئذ یراد به الوجوب ، وانحصاره فی الثلاثة غیر واضح الوجه لوجوب أغسال أُخر ضرورة.
والجواب أنّ الشیخ روی فی التهذیب : عن الشیخ أیده الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین ابن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « الغسل فی سبعة عشر موطنا : لیلة سبع عشرة من رمضان » وساق الحدیث فی ذکر الأغسال المسنونة ، إلی أن قال : « ویوم تُحرِم ، ویوم الزیارة ، ویوم تدخل البیت ، ویوم الترویة ، ویوم عرفة ، وإذا غسلت میتا أو کفّنته أو مسسته بعد ما یبرد ، ویوم الجمعة ، وغسل الجنابة فریضة ، وغسل الکسوف إذا احترق القرص کلّه فاغتسل » (1).
وهذا الحدیث کما تری یدل علی أنّ السبعة عشر المجملة فی الخبر المبحوث عنه غیر أغسال النساء من الحیض والاستحاضة والنفاس ، وخصّ غسل الجنابة فیه بکونه فریضة ، فیتم ما ذکره الشیخ : من أن غسل الإحرام ثوابه ثواب الفرض علی تقدیر عدم رجحان ما یدل علی وجوبه.
ص: 105
غایة الأمر أنّه یتوجه علی الشیخ أن الحدیث المفصّل دل علی بیان الأغسال المسنونة ، وخصّ من بینها الجنابة بالفریضة ، فإخراج غسل من مسّ میتاً إلی الوجوب محل کلام.
ویجاب : بأن الأخبار الدالة علی وجوب غسل المسّ هی المخرجة ، کما أن الأخبار الدالة علی عدم وجوب غسل الإحرام عند الشیخ أدخلته فی المسنون بمعنی (1) المستحب.
وإنّما یبقی سؤال اختصاص غسل الإحرام باسم الفرض مع کونه مستحبا ، وجواب الشیخ بأن ثوابه ثواب الفرض محل کلام ، إذ المستحب مستبعد بلوغه مرتبة الواجب ، ولعل الاستبعاد یندفع بوجود الدلیل علیه ، إلاّ أن إثباته من مجرد تسمیته فریضة مشکل ، لجواز إرادة زیادة الثواب عن غیره من المستحبات وإن لم یصل إلی حدّ الواجب ، إلاّ أن یقال : إن إطلاق الفرض علیه یقتضی المساواة ، وفیه ما فیه.
ثم إن إطلاق الفرض علی غسل من مسّ میتاً یراد به الوجوب ، وحینئذ قد یستبعد استعمال الفرض فی معانی مختلفة فی بعضها حقیقة وبعضها مجاز.
ویدفعه أنّ الممنوع ( منه ) (2) إرادة الحقیقة والمجاز من لفظ واحد ، علی أن المنع لیس علی الإطلاق أیضاً کما حقق فی الأُصول.
وما عساه یقال : إن استعمال اللفظ الموهم لغیر ما هو مطلوب منه ینافی الحکمة.
یمکن الجواب عنه : بأنه من قبیل المجمل ، وتأخیر البیان عن وقت
ص: 106
الحاجة غیر معلوم ، والممنوع منه ذلک ، کما بینّاه فیما سبق ، حیث ظن شیخنا قدس سره من بعض ما حمله الشیخ فی الأخبار أن فیه ألغازاً و ( تأخیراً للبیان عن ) (1) وقت الحاجة.
وأنت إذا تأمّلت ما قلناه تری أن غالب الأخبار المطلقة والمجملة والمقیدة والمبیّنة من هذا القبیل فلا محذور ، فلولا ما قلناه لانسدّ باب حمل المطلق علی المقید ، فینبغی إنعام (2) النظر فی هذا المقام فإنه حریّ بالتأمل التام.
وما تضمنه الخبر الثانی من قوله : علیها غسل مثل غسل الجنب ، محتمل لأن یراد به السؤال عن الکیفیّة ، فیکون السائل عالماً بالوجوب وإنّما السؤال عن الکیفیة ، ویحتمل أن یراد السؤال عن الوجوب ، أی کما یجب علیها غسل الجنابة یجب علیها غسل الحیض ، والجنب یقال علی الواحد المذکر والمؤنث ، صرّح به ابن الأثیر فی أحکام الأحکام ، إلاّ أنّ الاحتمال الأوّل أقرب ، ولزوم السؤال عن الضروری فیتعین الأوّل ربما کان مشترک الإلزام.
وعلی الاحتمال الأوّل قد یستفاد من الخبر بتقدیر العمل به عدم وجوب الوضوء مع غسل الحیض ، بل عدم مشروعیّته إلاّ علی وجه غیر خفی.
ویمکن أن یقال : إن السؤال عن کیفیة الغسل ، والوضوء خارج عنها ، فإذا دل علیه الدلیل عمل به ، فلیتأملّ.
ص: 107
ثم إن الخبر الثالث فیه الاحتمالان والأقربیة.
فإن قلت : إطلاق الجنب علی المذکر والمؤنث لا دخل له فی توجیه الاحتمال ، لأن المذکور فی کلام ابن الأثیر أنّه یجوز أن یقال : امرأة جنب ورجل جنب ، والمقصود هنا فی السؤال أن المرأة علیها غسل مثل غسل الجنب بمعنی غسل الجنابة ، فالأولی إثبات إطلاق الجنب علی الجنابة ، ولیس هذا ثابتاً.
قلت : مرادنا بالاحتمال أنّ الجنب إذا صدق علی الأُنثی أفاد السؤال أنّ الحائض علیها غسل مثل ما علیها حال کونها جنباً ، أو مثل غسل المرأة الجنب ، ووجه الاحتیاج إلی هذا أنّ المشابهة للرجل بعیدة ، نعم یحتمل إرادة الجنابة ، ویتم المطلوب.
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن الحسن بن الحسین (1)اللؤلؤی ، عن أحمد بن محمد ، عن سعد بن أبی خلف قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « الغسل فی أربعة عشر موطناً ، واحد فریضة والباقی سنة ».
فالمعنی فیه أن واحداً منها فریضة بظاهر القرآن وإن کانت هناک أغسال أُخر یعلم فرضها بالسنّة.
ص: 108
فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن علی بن خالد ، عن محمد بن الولید ، عن حماد بن عثمان ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سمعته یقول : « لیس علی النفساء (1) غسل فی السفر ».
فالوجه فیه أنّه لیس علیها غسل ( إذا لم تتمکن من استعمال الماء إما لتعذره أو لحاجتها إلیه أو مخافة البرد ، ولیس المراد به أنّه لیس علیها غسل ) (2) علی کل حال.
السند
فی الأوّل : الحسن بن الحسین اللؤلؤی ، وقد وثقه النجاشی (3) ، وذکر فی ترجمة محمد بن أحمد بن یحیی : أن محمد بن الحسن بن الولید استثنی من روایة محمد بن أحمد بن یحیی ما ینفرد به الحسن بن الحسین اللؤلؤی ، وقال : قال أبو العباس بن نوح : وقد أصاب شیخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الولید فی ذلک کله ، وتبعه أبو جعفر ابن بابویه (4).
والشیخ رحمه الله قال فی کتاب الرجال فی من لم یرو عن أحد من الأئمة علیهم السلام : الحسن بن الحسین اللؤلؤی یروی عنه محمد بن أحمد بن یحیی ، ضعّفه ابن بابویه (5).
وفی نظری القاصر أن توثیق النجاشی لا معارض له ، وإنّما ظنّ الشیخ من استثنائه الضعف ، وهو غیر ظاهر ، بل یحتمل أن یکون الاستثناء لغیر
ص: 109
ذلک کما فی محمد بن عیسی ، إلاّ أن قول ابن نوح : وقد أصاب شیخنا أبو جعفر فی ذلک کله ، وتبعه أبو جعفر بن بابویه إلاّ فی محمد بن عیسی بن عبید ، فلا أدری ما رأیه (1) فیه ، لأنّه کان علی ظاهر العدالة والثقة. فإنّ هذا الکلام یعطی أنّ المذکورین لیسوا بثقات ، فیفید الطعن فی الحسن بن الحسین اللؤلؤی.
وقد یقال : إنّ کلام ابن نوح فی قوله : فما أدری ما رأیه فیه. یدل علی أنّه لم یعلم من الاستثناء إرادة الضعف ، وإلاّ فلا وجه لقوله : لا أدری ما رأیه فیه ، اللهُمَّ إلاّ أن یقال : إنّ مراده بقوله : لا أدری ما رأیه فیه. أنی لا أعلم وجه ضعفه مع کونه علی ظاهر العدالة ، فیکون قد فهم الضعف.
وأنت خبیر بأن کلامنا فی قول الشیخ : إن ابن بابویه ضعّفه. والموجود هو الاستثناء من الروایة عنه ، وهو أعم ، وربما کان ظنّ ابن نوح کما ظنّ الشیخ ، وغیر بعید إرادة الضعف لولا أن النجاشی ظاهر توثیقه عدم فهمه الضعف ، والنجاشی أثبت من غیره کما یعلم من رجاله (2). ( هذا ، وقد قدّمنا فی أوّل الکتاب کلاماً فی أنّ المتقدّمین إنّما یعملون بالأخبار مع القرائن مثل کونها مأخوذة من أصل معتمد ، واستثناء من ذکر یقتضی أن العمل بالخبر لیس من جهة القرائن ، بل من نفس الخبر إذا کان رواته معتمداً علیهم ، ولو لا هذا لما کان للاستثناء فائدة ، وقول ابن الولید فی ما نحن فیه : ما ینفرد به الحسن. ، کذلک ؛ لأنّ ما ینفرد به هو وغیره لا یعمل به.
ثمّ إنّ ظاهر الکلام یقتضی المغایرة بین الحسن بن الحسین وبین غیره من المذکورین ؛ لأنّ ما ینفرد به الحسن یقتضی أن یکون راویاً عن
ص: 110
محمّد بن أحمد بن یحیی ، وغیره یقتضی أن یکون محمّد راویاً عنهم. اللهم إلاّ أن یقال : إنّ الأصل : ما ینفرد به عن الحسن بن الحسین ، ولفظ « عن » سقط ، أو یؤوّل بما یرجع إلی الموافقة ، وعلی کل حال فقد أجبنا فی ما مضی عن الإشکال ، فلیراجع.
وعلی أن یقال هنا : إنّ الردّ لما ذکر من حیث الانفراد إنّما هو عند المتقدّمین ، لعدم علمهم بالخروج حیث هو ، وأمّا المتأخّرون القائلون بالصحیح عندهم لا یضرّهم قول ابن الولید ، کل قائل علی قاعدته.
ومن هنا یعلم إمکان القول بقبول روایة محمّد بن عیسی عن یونس عند المتأخّرین ، لأنّ الفرض توثیق کل من الرجلین ، والاستثناء [ لا ] یعلم وجهه بحیث لا یفید القدح ، بل احتمال عدم القرائن له ظهوره وممّا نبّه علی هذا ما نحن فیه ، فلیتأمّل ) (1). والله تعالی أعلم بالحال.
وأحمد بن محمد المذکور کأنّه ابن أبی نصر ، ویحتمل ابن عیسی ، بل وغیره أیضاً.
وأمّا سعد بن أبی خلف فهو ثقة من غیر ارتیاب.
وفی الثانی : علی بن خالد ، وذکره الشیخ المفید فی إرشاده قائلاً : إنّه کان زیدیّاً ثم رجع (2). ولا یخفی أنّ هذا غیر نافع (3).
وأمّا محمد بن الولید فالظاهر أنّه الخزّاز الذی وثّقه النجاشی ، لأنّه قال : إنّه روی عن حماد بن عثمان (4). وما قاله الکشی : من أنّ محمد بن
ص: 111
الولید الخزاز من الفطحیة فی جملة آخرین (1) ، فالظاهر أنّه ما ذکره النجاشی ، کما قاله العلاّمة فی الخلاصة (2) ، غیر أنّ النجاشی مرجح علی غیره ، وعدم ذکر کونه فطحیاً یدل علی تحقق العدم عنده ، لا أنّه لا منافاة بین الحکم منه بالثقة وقول الکشی : إنّه فطحی. کما ظنه بعض المتأخّرین (3) ، لأنّ النجاشی لو لم یتعرض فی کتابه لذکر الفطحیة وأضرابهم أمکن ذلک ، إلاّ أنّ الواقع خلافه ، وقد ذکرنا هذا فیما مضی ، نعم فیه احتمال الاشتراک بین ضعیف وثقة (4) ، إلاّ أنّ قرینة التعیین قد سمعتها ، وإن کان باب الاحتمال واسعاً.
المتن :
فی الأوّل : ما ذکره الشیخ فیه واضح.
وأمّا الثانی : فقد یتوجه علی ما قاله الشیخ أنّ تخصیص النفساء بعدم الغسل فی السفر إذا لم یحصل التمکن من الماء غیر ظاهر الوجه ، ویجاب بأن مظنّة الضرر لها أقوی فلهذا خُصّت ، أو لغیر ذلک من وجوه التخصیص ، ولا یراد نفی الحکم عمّا عداها ؛ وغیر ما ذکره الشیخ بعید أیضاً بأن یراد غسل الجمعة کما یفهم من بعض الأخبار ، أو مطلق الغسل المندوب ، والأمر سهل.
ص: 112
قال :
باب وجوب غسل المیت وغسل من مسّ میتاً
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من غسّل میتاً فلیغتسل » قال : « وإن مسّه ما دام حارّاً فلا غسل علیه (1) ، وإذا برد ثم مسّه فلیغتسل » قلت : علی من أدخله القبر؟ قال : « لا [ غسل علیه ] (2) إنّما یمسّ الثیاب ».
وبهذا الاسناد عن محمد بن یعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یغتسل الذی غسّل المیت ، وإن قبّل المیت إنسان بعد موته وهو حارّ فلیس علیه غسل ، ولکن إذا مسّه أو قبّله (3) وقد برد فعلیه الغسل ، ولا بأس أن یمسّه بعد الغسل ویقبّله ».
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن محمد بن عیسی ، عن القاسم الصیقل قال : کتبت إلیه : جعلت فداک هل اغتسل أمیر المؤمنین علیه السلام حین غسّل رسول الله صلی الله علیه و آله عند موته؟ فأجابه : « النبی صلی الله علیه و آله طاهر مطهّر ، ولکن أمیر المؤمنین علیه السلام فعل وجرت به السنّة ».
ص: 113
الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن عاصم بن حمید قال : سألته عن المیت إذا مسّه الإنسان أفیه غسل؟ قال : فقال : « إذا مسست جلده (1) حین یبرد فاغتسل ».
سعد بن عبد الله ، عن أیوب بن نوح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا قطعت (2) من الرجل قطعة فهی میتة ، فإذا مسّه الإنسان فکلّ ما کان فیه عظم فقد وجب علی من یمسّه الغسل ، فإن لم یکن فیه عظم فلا غسل علیه ».
السند
فی الأوّل : حسن.
وفی الثانی : فیه سهل بن زیاد.
والثالث : فیه القاسم الصیقل ، وهو مذکور مهملاً فی رجال الهادی علیه السلام من کتاب الشیخ (3) ؛ وأمّا محمد بن عیسی فقد تقدم القول فیه (4).
والرابع : لیس فیه ارتیاب ، والإضمار لا یضر بالحال کما قدّمناه.
والخامس : مرسل.
المتن :
فی الأوّل ظاهر الدلالة علی وجوب غسل المسّ إن ثبت کون الأمر حقیقة فی الوجوب.
ص: 114
وما تضمنه من قوله : « إنّما یمسّ الثیاب » لا یخلو من إجمال ، وقد ذکر شیخنا قدس سره فی فوائده علی الکتاب ما هذا لفظه : لعل المراد أنّ من أدخله القبر لا یمسّ المیت وإنّما یمسّ الثیاب ، فلا وجه للسؤال عن کونه موجباً للغسل ، وإن کان مسّ المیت فی هذه الحالة بعد التغسیل لا یوجب الغسل أیضا ، ولو قلنا باستحباب الغسل بمسّه بعد التغسیل کما تضمنته روایة عمار لم یحتج إلی هذا التکلّف. انتهی.
وفی نظری القاصر أنّ هذا التوجیه لا حاجة إلیه بل غیر تام ، لأنّ الخبر الذی قدّمنا نقله عن الشیخ فی التهذیب (1) الوارد فی تعداد الأغسال السبعة عشر صحیح عند شیخنا قدس سره وقد تضمن الغسل لتکفین المیت فی جملة تعداد الأغسال المسنونة (2) ، وحینئذ یراد بهذا الحدیث نفی الغسل المستحب ، لأن (3) المُدخل له فی القبر إنّما یمسّ الثیاب ، فلا حاجة إلی العمل بخبر عمار الآتی ، بل هو مؤید.
وما عساه یقال : إن الخبر الدال علی الغسل للتکفین یجوز أن یکون المراد به الاستحباب لنفس التکفین لا لمسّ المیت الذی قد غسّل ، فلا یتم المطلوب.
یمکن الجواب عنه : بأنّ الخبر إذا لم یکن صریحاً فیما ذکر فلیحمل علی هذا (4) الذی یستفاد من هذا الخبر ، ویکون من قبیل المطلق والمقید.
وتظهر فائدة ما ذکرناه فیما لو کفّنه إنسان بدون مسّ جسمه ، فإنّ
ص: 115
الغسل یستحب علی ظاهر الخبر السابق ، ولا یستحب علی ظاهر هذا الخبر ، وعلی قدیر حمل المطلق علی المقید یتحد المآل ، غیر أنّ لقائل أنّ یقول : هذا الخبر فیه باب الاحتمال واسع ، ومعه لا یتم التقیید لذلک الخبر. وفیه أنّ الظهور لا ینکر من هذا الخبر ، مضافاً إلی تأیید خبر عمّار (1) ، فلیتأملّ.
وأمّا الثانی : فمدلوله (2) ظاهر ، وما تضمنه من أنّه لا بأس أن یمسّه ویقبّله بعد الغسل فلا ینافی استحباب الغسل کما هو واضح.
وأمّا الثالث : فلا یخلو ظاهره من إجمال من حیث قوله : « إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام فعل وجرت به السنّة » ولعلّ المراد أنّ السنّة جرت بغسل المسّ ، لا من حیث اغتسال أمیر المؤمنین علیه السلام ، واحتمال کون السنّة جرت بسبب فعله یشکل بأنّ الأحکام بعد موت النبی صلی الله علیه و آله لا تبتدأ ، اللهُمَّ إلاّ أن یقال : إنّ الحکم کان فی زمن النبی صلی الله علیه و آله واقعاً لکن علّق علی فعل أمیر المؤمنین علیه السلام ، أو أنّ الأمر فوّض إلی أمیر المؤمنین علیه السلام من النبی صلی الله علیه و آله ، فله جهتان ، فلیتأملّ.
وأمّا الرابع : فهو صریح الدلالة علی أنّ موجب الغسل مسّ الجلد (3) ، فلو مسّ الشعر أو الظفر لا یجب الغسل ، أمّا المسّ بالشعر والظفر للجلد فیحتمل عدم وجوب الغسل به ، إذ لا یصدق المسّ ، ویحتمل الوجوب ، لأنّ اعتبار الإحساس لا دلیل علیه ، وفیه ما فیه.
ومن هنا یعلم أنّ ما ذکره بعض المتأخرین : من أنّ مسّ العظم المجرّد المتصل بالمیت موجب للغسل ، لظهور صدق مسّ المیت بمسّ
ص: 116
جزء منه (1). محل بحث.
إلاّ أن یقال : إنّ هذا الخبر لا یدل علی الحصر فی مس الجلد ، إذ اللحم خارج عنه مع وجوب الغسل بمسه قطعاً.
وفیه : أن ما خرج بالإجماع لا یضر بالحال ، وکونه ینافی الحصر إنما یتم علی تقدیر إرادة الحصر من اللفظ ، والمراد أن مفهومه عام فإذا خص العام لا مانع منه.
ومثل هذا القولُ فی مسّ السن من المیت حال الاتصال ، فإن بعض الأصحاب حکم بوجوب الغسل حالته دون حال الانفصال ، مستدلاً بالأصل فی الثانی (2) ، ولا یخفی علیک الحال.
وأمّا الخامس : فقد استدل به المحقق فی المعتبر علی وجوب الغسل بمسّ القطعة ذات العظم ، وعدمه عند عدم العظم ، ونَقَل عن الشیخ فی الخلاف دعوی الإجماع علی ذلک ، قال المحقق رحمه الله بعد نقل الروایة : والذی أراه التوقف فی ذلک ، فإنّ الروایة مقطوعة ، ودعوی الشیخ الإجماع لم تثبت ، فإذاً الأصل عدم الوجوب (3).
وأجاب فی الذکری بأن هذه القطعة جزء من جملة یجب الغسل بمسّها ، وکل دلیل دل علی وجوب الغسل بمسّ المیت فهو دال علیها ، وبأن الغسل یجب بمسّها متصلة فلا یسقط بالانفصال ، وبأنه یلزم عدم الغسل لو مسّ جمیع المیت ممزّقاً (4).
وفی ما قاله نظر :
ص: 117
أمّا الأوّل : فلأنّ المتبادر من مسّ المیت هو الجملة ، وهی غیر الإجزاء.
أمّا ما قاله شیخنا قدس سره : من أنّه لو تم ما قاله الشهید رحمه الله لزم وجوب الغسل بمسّ اللحم المجرّد عن العظم. ففیه : أنّه إذا خرج بالدلیل لا یضر بالحال ، وقد صرح قدس سره : بأنّه لا قائل به (1). وذلک کاف فی التوجیه.
وأمّا الثانی : فلأن وجوب الغسل بمسّ المتصل لصدق اسم الجملة.
وأمّا الثالث : فیمنع (2) بطلان اللازم إن لم یقع علیه إجماع ، وإن وقع فهو المخرج ، علی أنّ اللازم ممّا قاله الشهید رحمه الله الاختصاص بالمبانة من المیت ، وقد قیل : إن المدعی أعم.
وربما (3) یقال : إنّ الأخبار قد دلّت علی أن من غسّل المیت علیه غسل ، وفی معتبر الأخبار ما یدل علی أن الرجل الذی یأکله السبع وتبقی عظامه بغیر لحم یغسّل (4) ، وحینئذ یدخل فی عموم الأخبار الدالة علی أن من غسّل المیت علیه الغسل (5) ، إلاّ أنّه یمکن الجواب بأن المتبادر من العموم غیر ما ذکر.
ومن هنا یعلم أن ما قاله شیخنا قدس سره من عدم وجوب الغسل بمس العظم المجرد ، خلافاً للشهید فی الذکری حیث ذهب إلی وجوب الغسل بمسّه لدوران الغسل معه وجوداً وعدماً (6). محل بحث ، لا لما قاله الشهید
ص: 118
فإنه واضح الردّ ، بل لما قلناه ، غیر أن دفعه قد سمعته ، ولا یخلو من کلام.
وفی الخبر الذی أشرنا إلیه أن المیت إذا کان نصفین صلّی علی النصف الذی فیه القلب (1) ، وظاهر الروایة أن الحکم بعد التغسیل ، وحینئذ یتناول العموم مثل هذا ، فیحتمل وجوب الغسل بمسّه لما قلناه ، وعلی قول شیخنا قدس سره لا یجب لعدم تحقق الجملة.
إذا عرفت هذا کله فاعلم أن العلاّمة فی المختلف قال : المشهور بین علمائنا وجوب الغسل علی من مسّ میتاً من الناس قبل تطهیره بالغسل وبعد برده بالموت - إلی أن قال - : وقال السید المرتضی رحمه الله : إنه مستحب. ونقله عن الشیخ فی الخلاف ، ونقل الاحتجاج له بالأصل وبروایة سعد بن أبی خلف السابقة (2) حیث قال فیها : « الغسل فی أربعة عشر موطناً واحد فریضة والباقی سنة ».
وأجاب العلاّمة عن الأصل بأنه إنّما یعمل به ما لم یدل الدلیل علی خلافه ، وقد بینا فیما تقدم الدلالة علی خلافه ، وعن الروایة بأن المراد بالسنّة ما ثبت من جهة السنة لا من طریق القرآن ، فإن غسل الحیض والاستحاضة والنفاس واجب عندنا ، فلا یجوز حمل السنة هنا علی الندب (3). انتهی.
ولا یخفی علیک الحال أنّ السید لو استدل بالروایة وکانت مصرحة بأنّ الأربعة عشر من جملتها الحیض والاستحاضة والنفاس کان کلام العلاّمة
ص: 119
متوجهاً ، أمّا إذا لم یصرح بها (1) فیجوز أن یکون کلها مسنونات کما اتفق فی حدیث أنّ الأغسال سبعة عشر (2) ، إذ لم یذکر فیه الحیض والاستحاضة والنفاس ، فالجواب موقوف علی ذلک ، وبدونه لا یلیق ذکره.
واحتجاج السید بالأصل علی طریقته واضح ، وردّه علی طریقة غیره إذا قلنا : إنّ الأمر للوجوب شرعاً. حقّ ، أمّا لو قلنا بالاشتراک شرعاً بین الوجوب والندب فقد یشکل الاستدلال ببعضها ، والبعض الآخر الدال علی لفظ الوجوب کمرسل أیوب بن نوح حاله غیر خفیّ ، وما تضمن لفظ : « علیه الغسل » کخبر سهل لا اعتماد علیه ، فما حکم به الوالد قدس سره من وجوب غسل المسّ - (3) مع عدم قوله بأن الأمر للوجوب شرعا ، کما قرره فی الأُصول - (4) لا یخلو من غرابة ، إلاّ أن فی انضمام الأخبار بعضها إلی بعض ما یصلح وجهاً للاعتماد ، والله تعالی أعلم بالحال.
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن جمیل بن دراج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « مس المیت عند موته وبعد غسله ، والقُبلة لیس به بأس ».
عنه ، عن فضالة ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله قبّل عثمان بن مظعون بعد موته ».
فالوجه فی هذین الخبرین أن نحملهما علی أن التقبیل إذا کان
ص: 120
بعد الموت قبل أن یبرد أو بعد الغسل لم یجب فیه الغسل ، علی ما بینّاه فی خبر عبد الله بن سنان ، وذلک مفصّل ، وهذان الخبران مجملان ، والحکم بالمفصّل أولی منه بالمجمل.
ولا ینافی ذلک :
ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یغتسل الذی غسّل المیت ، وکل من مسّ میتاً فعلیه الغسل وإن کان المیت قد غُسّل ».
لأن ما یتضمن هذا الخبر من قوله : « وإن کان المیت قد غُسّل » محمول علی ضرب من الاستحباب دون الفرض والإیجاب ، وقد استوفینا ما یتعلق بذلک فی کتاب تهذیب الأحکام (1) ، وفیه کفایة إن شاء الله تعالی.
السند
فی الأوّل : لیس فیه ارتیاب بعد ما قدمناه.
والثانی : فیه السکونی وهو عامی ، کما صرّح به العلاّمة فی الخلاصة (2) ، وابن إدریس فی السرائر ، فإنه قال فی فصل میراث المجوس : إسماعیل بن أبی زیاد السکونی بفتح السین منسوب إلی قبیلة من العرب عرب الیمن ، وهو عامی المذهب بغیر خلاف ، وشیخنا أبو جعفر موافق علی ذلک (3).
ص: 121
وینقل عن المحقّق فی جواب المسائل العزّیة توثیق السکونی وإن کان عامّیاً ، وأنّه قال : قال شیخنا أبو جعفر رحمه الله فی مواضع من کتبه : والإمامیة مجمعة علی العمل بما یرویه السکونی وعمار ومن ماثلهما من الثقات.
وأظنّ أن توثیق السکونی أُخذ من قول الشیخ : ومن ماثلهما من الثقات. واحتمال أن یرید (1) : ومن ماثلهما من مخالفی المذهب الثقات ، لا أن السکونی ثقة ، یمکن وإن بعد.
والثالث : موثق.
المتن :
لا یخفی دلالته فی الخبرین الأولین علی جواز القُبلة ، أما علی (2) عدم الغسل فلا ، فالاحتیاج إلی حمل الشیخ غیر واضح.
وأمّا الخبر الثالث فالاستحباب متوجه فی تأویله ، ویؤیّده ما قدّمناه من دلالة الخبر المذکور فی التهذیب لتعداد الأغسال المسنونة (3).
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عیسی ، عن عبد الرحمن بن أبی نجران ، عن رجل حدّثه قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن ثلاثة نفر کانوا فی سفر أحدهم جنب والثانی (4) میت
ص: 122
والثالث علی غیر وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء ما یکفی أحدهم ، من یأخذ الماء ویغتسل به وکیف یصنعون؟ قال : « یغتسل الجنب ، ویدفن المیت ، ویتیمم الذی علیه وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فریضة ، وغسل المیت سنّة ، والتیمم للآخر جائز ».
فما تضمّن هذا الخبر من أن غسل المیت سنّة لا (1) یعترض ما قدمناه (2) من وجوه : أحدها : أن هذا الخبر مرسل ، لأن ابن أبی نجران قال : عن رجل. ولم یذکر من هو ، ولا یمتنع أن یکون غیر موثوق به ، ولو سلّم لکان المراد فی إضافة هذا الغسل إلی السنّة أنّ فرضه عرف (3) من جهة السنّة ، لأن القرآن لا یدل علی ذلک وإنمّا علمناه بالسنّة (4) ، وقد قدمنا فی الباب الأوّل روایة أنّ فی الأغسال ثلاثة فرض منها غسل المیت.
السند
کما تری مرسل ، إلاّ أنّه فی الفقیه مروی بطریقه عن عبد الرحمن بن أبی نجران (5) ، وطریقهُ إلیه لیس فیه ارتیاب ، نعم قد یتوقف فی ذلک من حیث أن ابن أبی نجران تارة یرویه بواسطة کما هنا ، وتارة بغیرها کما فی الفقیه ، ولا بعد فیه ، وما ذکره الشیخ : من أن الرجل لا یمتنع أن یکون غیر موثوق به ، لا یخلو من تأمّل ، لأن المعروف من الشیخ عدم الاعتبار بالسند والطعن من جهته إنّما یلتزم به إذا لم یمکن التأویل ، فلیتدبر.
ص: 123
المتن :
ظاهر فی أنّ المیت یدفن من غیر تیمم.
وقوله : « إنّ التیمم للآخر جائز » کأنّ المراد به الاستحباب ، وإلاّ فالجواز بغیر هذا المعنی لا یتحقق فی العبادة.
وما ذکره الشیخ : من أن المراد بالسنّة ما یثبت بالسنة. صحیح ، إلاّ أن التعلیل لسقوط الغسل بأنه سنة غیر واضح المعنی ، ولأن الوضوء أیضاً فریضة لثبوته من القرآن ، وقد حکم فی الحدیث بأن المحدث جائز له التیمم.
وما قاله الشیخ : من أن الروایة السابقة فی أوّل الباب دالة علی أن غسل المیت فریضة ، موهوم ؛ لأن الروایة دلّت علی غسل المس.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ بعض الأصحاب قال فی المقام : إذا اجتمع میّت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما یکفی أحدهم ، فإن کان ملکاً لأحدهم اختص به ولم یکن له بذله لغیره مع مخاطبته باستعماله ، ولو کان مباحاً وجب علی کل من المحدث والجنب المبادرة إلی حیازته ، فإن سبق أحدهما وحازه اختص به ، ولو توافیا دفعةً اشترکا ، ولو تغلّب أحدهما أثم وملکه ؛ وإن کان ملکاً لهم جمیعاً أو لمالک یسمح ببذله فلا ریب أنّ لملاّکه الأحیاء مع وارث المیت الخیرة فی تخصیص من شاؤوا به ، وإنّما الکلام فی مَن الأولی؟ فقال الشیخ فی النهایة : إنّه الجنب. وقیل : المیت. وقال الشیخ فی الخلاف : إن کان الماء لأحدهم فهو أحقّ به ، وإن لم یکن لواحد بعینه تخیّروا فی التخصیص ، لأنها فروض اجتمعت ولیس بعضها أولی من بعض فتعین التخییر ، ولأن الروایات اختلفت علی وجه لا ترجیح ؛ فتحمل علی التخییر (1).
ص: 124
وفی نظری القاصر أن المقام بعد لا یخلو من نظر ، لأن الصورة المذکورة وهی ما إذا کان ملکاً لهم جمیعاً أو لمالک یسمح ببذله ، إلی آخر ما قیل غیر تامة علی الإطلاق ، لأن الماء إذا کان ملکاً للمیت مع الأحیاء فالوارث فی تحقق ملکه له مع احتیاج المیت إلیه نظر ، إلاّ أن یقال : إن حصته لمّا لم تکفه للغسل فقد سقط غسله ویملکه الوارث حینئذ.
ثم قوله : وإنّما الکلام فی مَن الأولی ، بعد القول : بأن لمُلاّکه الأحیاء مع وارث المیت الخیرة فی تخصیص من شاؤوا. لا یخلو من تأمّل ، لأن الأولویة إن أُرید بها الاستحباب علی معنی أنّه یستحب بذل بقیّة الحصص للجنب فلها نوع وجه ، إلاّ أن المحدث قد یکفیه حصته للوضوء وجواز البذل حینئذ محل إشکال ، وإن لم یکفه أمکن الاستحباب ، إلاّ أنّه غیر واضح الدلیل ، لما ستسمعه من الأخبار فی الباب ؛ وإن أُرید (1) بالأولویة التعیّن کما یستفاد من ظاهر الخبر المعتبر لا یتم التفصیل وإن وافق الدلیل.
والقول المنقول عن الشیخ بالتخییر لأنها فروض اجتمعت. محل کلام أیضاً ، لأن الحصص إذا لم تفِ بالطهارات لا یتم تحقق اجتماع الفروض.
ولعلّ الأولی ما قیل : إن الماء إذا کان مع غیرهم والتمس الأولی أو أوصی بصرفه إلی الأولی دفعه إلی الجنب ، ولو کفی المحدث خاصة اختص به ، وربما احتمل دفعه إلی الجنب فیصرفه فی بعض أعضائه ویتوقع الباقی (2).
وقد یقال : إن فی المیت علی تقدیر ملک الحصة أن یصرف فی بعض غسله فلا یتم جواز البذل لغیره ، فلیتأملّ.
ص: 125
قال :
فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن علی ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن التفلیسی قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن میت وجنب اجتمعا ومعهما من الماء ما یکفی أحدهما ، أیّهما یغتسل؟ قال : « إذا اجتمعت سنّة وفریضة بدئ بالفرض ».
عنه ، عن الحسن بن النضر الأرمنی قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن القوم یکونون فی السفر فیموت منهم میت [ ومعهم جنب ] (1)ومعهم ماء قلیل قدر ما یکفی أحدهما ، أیّهما یبدأ به؟ قال : « یغتسل الجنب ویُترک المیت ، لأن هذا فریضة وهذا سنّة ».
فالوجه فی هذین الخبرین ما قدمناه فی الخبر الأوّل سواء ، علی أنه روی : أنّه إذا اجتمع المیت والجنب غسّل المیت ویتیمّم الجنب :
روی ذلک علیّ بن محمد القاشانی(2)، عن محمد بن علیّ ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له : المیت والجنب (3) یتّفقان فی مکان لا یکون الماء إلاّ بقدر ما یکتفی به أحدهما ، أیّهما أولی أن یجعل الماء له؟ قال : « یتیمّم الجنب ویغسّل المیت بالماء ».
والوجه فی الجمع بینهما أن یکون علی التخییر ، لأنهما جمیعاً واجبان فأیّهما غسل بما معه من الماء کان ذلک (4) جائزاً.
ص: 126
السند
فی الأوّل : الحسن بن علی ، والظاهر أنّه ابن فضال ، لأنّ الراوی عنه أحمد بن محمد بن عیسی ، وحاله مشهور ؛ وأحمد بن محمد الراوی عنه الحسن کأنه ابن أبی نصر ؛ وأمّا الحسن التفلیسی فهو مذکور فی رجال الرضا علیه السلام من کتاب الشیخ مهملاً (1).
والثانی : فیه الحسن بن النضر الأرمنی ، وهو بهذا الوصف مجهول الحال ، وفی التهذیب رواها عن الحسین بن النضر الأرمنی (2) ، والذی فی الرجال الحسن بن النضر بغیر الوصف (3) ، وقد نقل العلاّمة فی الخلاصة عن الکشی أنّه من أجلّة إخواننا (4) ، والذی رأیناه فی الکشی فی أحمد بن إبراهیم أبی حامد المراغی ما قاله العلاّمة عنه بطریق الروایة (5) ، وعلی کل حال فالرجل لا یلحق حدیثه بالصحیح ، فما فی شرح جدّی قدس سره للإرشاد : من وصف الخبر بالصحة (6). هو أعلم بوجهه.
والثالث : فیه أن الطریق إلی علیّ بن محمد القاسانی غیر مذکور فی المشیخة ، بل ولا فی الفهرست ؛ وعلی بن محمد لیس بثقة (7) ، ومحمد بن علی مشترک (8) ؛ والإرسال کاف فی الرد.
ص: 127
المتن :
فی الأوّلین لا إشکال فیه کما قاله الشیخ.
أمّا الأخیر فما قاله الشیخ من التخییر محل نظر ، لأنّ قوله : « إنّهما جمیعاً واجبان » ینافیه صریح الأخبار السابقة الدالة علی أن ما ثبت بالقرآن مقدم ، اللهم إلاّ أن یحمل الأخبار الأوّلة علی الأولویّة ، ویکون أصل التخییر من هذا الخبر علی تقدیر العمل به. وفیه : أن کثرة الأخبار لها رجحان عند التعارض کما لا یخفی ، علی أن الخبر الأوّل الصحیح فی الفقیه مقتضاه دفن المیت من غیر غسل ولا تیمم (1) ، وخبر الحسن بن النضر یؤیّده وإن أمکن أن یوجّه بأن المراد بترک المیت عدم غسله ، بل الأوّل لا یمکن توجیهه بعد قوله فی المحدث : « والتیمم للآخر جائز » إلاّ بتأویل متکلّف ، بل ترکه أولی.
وینقل عن بعض القول بتقدیم المیت کما تقدم - (2) والاحتجاج بهذه الروایة ، وبأن الجنب تستدرک طهارته والمیت لا استدراک لطهارته.
وأُجیب عن الروایة بالضعف والإرسال والإضمار ، وعن التوجیه بأنه لا یعارض النص ، مضافاً إلی المعارضة بأن الجنب یتعبد بطهارته بخلاف المیت.
وبالجملة فالحکم بوجوب تیمم المیت بعید عن الأدلة ، والاستحباب أیضاً لا یخلو من إشکال إن لم ینعقد الإجماع ، والله تعالی أعلم بحقائق الأُمور.
ص: 12812:01 ب.ظ 11/03/1397
قال :
باب الأغسال المسنونة
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن علی بن یقطین ، عن أخیه الحسین(1) ، عن علی بن یقطین قال : سألت أبا الحسن الأوّل (2) علیه السلام عن الغسل فی الجمعة والأضحی والفطر؟ قال : « سنّة لیس بفریضة ».
وبهذا الاسناد عن سعد بن عبد الله ، عن یعقوب بن یزید ، عن (3) ابن أبی عمیر ، عن عمر بن أُذینة ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن غسل الجمعة؟ قال : « سنة فی السفر والحضر إلاّ أن یخاف المسافر علی نفسه القُرّ ».
وبهذا الاسناد عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم ، عن علی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل العیدین أواجب هو؟ قال : « (4) سنة » قلت : فالجمعة؟ قال (5) : « هو سنة ».
السند
فی الأوّل والثانی : لا ارتیاب فیه.
ص: 129
والثالث : فیه القاسم ، وهو ابن محمد الجوهری ، لأنّه یروی عن علیّ بن أبی حمزة ، وهو واقفیّ غیر موثق ، وربما توهّم توثیقه ؛ وعلی بن أبی حمزة واقفیّ أیضاً ، ثم إنّ روایة أحمد بن محمد بن عیسی عنه لا یخلو من شی ء ، لأن النجاشی ذکر أن الراوی عنه أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید ، عنه (1). والأمر سهل.
المتن :
ذکر شیخنا قدس سره فی فوائده علی الکتاب : أن الخبر الأوّل واضح الدلالة علی الاستحباب ، لأن المتبادر من السنّة المستحب ، ومن الفریضة الواجب ، خصوصاً مع وقوع السنة خبراً عن غسل الفطر والأضحی مع استحبابهما اتفاقاً ، وحمل ما تضمن الوجوب لو ثبت کونه حقیقة فی المعنی الاصطلاحی علی تأکّد استحبابه. انتهی.
وبعض محققی المعاصرین أیّده الله اعترض فی المقام بأن حمل السنة علی ما ثبت فی السنّة فلا ینافی الوجوب لیس بأبعد من حمل الوجوب علی المبالغة فی الاستحباب ، ومنع کون الوجوب حقیقة فی معنی المصطلح علیه یتأتّی مثله فی السنّة (2).
وفی نظری القاصر أنّ الاعتراض لا وجه له بعد ما قرّره شیخنا قدس سره من وقوع السنّة خبراً عن الفطر والأضحی ، فإن الأقربیة بحمل السنة علی المستحب لا مریة فیها ، وقد ذکرت ذلک فی حاشیة التهذیب وغیرها قبل أن أقف علی کلام شیخنا قدس سره .
ص: 130
وما عساه یقال : إنّه لا مانع من خروج الفطر والأضحی للإجماع ووجود المعارض الدال علی الوجوب فی الجمعة یتوجه علیه :
أوّلاً : أنّ من المستبعد إرادة المعنیین المتغایرین فی خبر واحد.
وثانیاً : أن الوجوب قد استعمل أیضاً فی المستحب کما فی الفقیه فی خبر سماعة : حیث قال علیه السلام : « وغسل یوم عرفة واجب ، وغسل الزیارة واجب ، وغسل دخول البیت واجب ، وغسل المباهلة واجب » (1).
( وأمّا ثالثاً : فإن الظاهر من السؤال فی الخبر الأوّل عن غسل الجمعة أواجب هو أو مستحب؟ لا عن کون وجوبه من القرآن أو من السنة ، ( إذ لو کان السؤال عن هذا لکان ذکر العیدین لغواً من السائل ، فإن المستحب لا معنی لکونه من القرآن أو من السنّة ) (2). والخبر الأخیر مؤیّد لإرادة المستحب إذا تأمّله المتأمّل ) (3).
وأمّا رابعاً : فلأنّ استعمال الوجوب فی الاستحباب الکامل موجود بکثرة ، ووجود السنة بمعنی ما ثبت بالسنّة کذلک ، وترجیح أحدهما علی الآخر إذا لم یمکن فالأصل یعمل مقتضاه (4) إلی أن یثبت ما یقتضی الخروج عنه.
وأمّا الخبر الثانی : فالأمر فیه بعد ما قرّرناه واضح ، إلاّ أنّ قوله : « إلاّ أن یخاف المسافر علی نفسه القُرّ » لا یخلو من إجمال ، فإن خوف القُرّ لا یختص بالمسافر ، ولعلّ المراد أن المسافر مجرد خوفه القُرّ یسقط
ص: 131
الاستحباب عنه أو الوجوب ، بخلاف الحاضر ، فإنّه لا بد من ظنٍّ أقوی ، والله أعلم بالحال.
اللغة :
قال فی القاموس : القُرّ ، بالضم : البرد ، أو یخصّ بالشتاء (1).
قال :
فأمّا ما روی من أن غسل الجمعة واجب فأُطلق (2) علیه لفظ الوجوب فالمعنی فیه تأکد (3) السنّة وشدة الاستحباب فیه ، وذلک یعبر عنه بلفظ الوجوب ، فمن ذلک :
ما رواه محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال : سألته عن الغسل یوم الجمعة؟ فقال : « واجب علی کل ذکر وأُنثی من عبد وحرّ ».
وبهذا الاسناد عن محمد بن یعقوب ، عن علی بن محمد ، عن سهل بن زیاد ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن محمد بن عبد الله قال : سألت الرضا علیه السلام عن غسل یوم الجمعة؟ فقال : « واجب علی کل ذکر وأُنثی من حرّ وعبد ».
السند
فی الأوّل : حسن.
ص: 132
والثانی : فیه سهل بن زیاد وقد تقدم القول فیه (1) ؛ ومحمد بن عبد الله مشترک (2) ، ولا یخفی ما فی قول الشیخ : وبهذا الاسناد عن محمد ابن یعقوب.
المتن :
ما ذکره الشیخ فی حمل الوجوب علی تأکّد الاستحباب ، قد تقدم الوجه فیه ، غیر أنّه یبقی أن یعلم أن أهل الخلاف رووا فی کتب حدیثهم أن النبی صلی الله علیه و آله قال : « غسل الجمعة واجب علی کل محتلم » (3).
وذکر بعض الشراح للحدیث : أن بعض الناس قال بالوجوب لظاهر الخبر ، وخالف الأکثر فقالوا بالاستحباب ، قال : وهم محتاجون إلی الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر ، فأوّلوا صیغة الوجوب علی التأکید کما یقال : حقک واجب علیّ (4).
وهذا کما تری یقرّب أن یکون الأخبار الواردة بالوجوب عندنا محمولة علی التقیة ، وإن کان بعضهم قائلاً بالاستحباب ، لأن التقیة لا تقتضی إجماعهم علی مقتضاها ، بل مخافة القائل إذا کان من أهل الشر بالوجوب کافیة فی التقیة ، کما یعلم من أخبارنا الواردة بالتقیة.
وما ذکره الشارح لحدیثهم : من التمثیل بقوله : حقک واجب علیّ. یدل علی أنّ الوجوب یراد به المبالغة ، وحینئذ یتم حمل الشیخ وغیره علی
ص: 133
إرادة تأکّد الاستحباب ، لا أنّ المراد بالوجوب المعنی اللغوی وهو الثبوت ، إذ لیس له کثیر فائدة ، فلیتأمّل ، هذا.
قال :
فأما (1) ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن الحسن ابن علی ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل ینسی الغسل یوم الجمعة حتی صلّی ، قال : « إن کان فی وقت فعلیه أن یغتسل ویعید الصلاة ، وإن مضی الوقت فقد جازت صلاته ».
فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من الاستحباب (2) ، وکذلک ما روی فی قضاء غسل الجمعة من الغد وتقدیمه یوم الخمیس إذا خیف الفوت ، فالوجه (3) فیه الاستحباب.
روی ما ذکرناه أحمد بن محمد ، عن محمد بن سهل ، عن أبیه قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یدع الغسل یوم الجمعة ناسیاً أو غیر ذلک؟ فقال : « إن کان ناسیاً فقد تمت صلاته ، وإن کان متعمداً فالغسل أحبّ إلیّ ، فإن هو فعل فلیستغفر الله تعالی ولا یعود ».
محمد بن الحسن الصفار ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن جعفر بن عثمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل لا یغتسل یوم الجمعة فی أول النهار ، قال : « یقضیه من
ص: 134
آخر النهار ، فإن لم یجد فلیقضه یوم السبت ».
وقد استوفینا ما یتعلق بهذا الباب فی کتابنا تهذیب الأحکام (1) ( وفیه کفایة إن شاء الله تعالی ) (2).
السند
فی الأوّل : موثق.
والثانی : فیه محمد بن سهل ، وهو ابن الیسع من رجال الرضا علیه السلام مذکور مهملاً (3) ، وأبوه ثقة ثقة (4) ، وإنّما کان ابن الیسع لأنّ الراوی عنه أحمد ابن محمد بن عیسی کما ذکره شیخنا المحقق سلّمه الله فی فوائد الکتاب.
والثالث : فیه جعفر بن عثمان وهو ابن شریک ، أخو الحسین بن عثمان بقرینة روایة ابن أبی عمیر عنه کما فی النجاشی (5) ، وهو مذکور مهملاً ، ولا یبعد أن یکون هو الرواسی ، لأنّ الکشی قال : عن حمدویه : سمعت أشیاخی یذکرون أنّ حماداً وجعفراً والحسین بن عثمان بن زیاد الرواسی وحماد یلقب بالناب کلّهم فاضلون خیار ثقات (6). غیر أنّ التوثیق من شیوخ حمدویه ، وهم غیر معلومی الحال ، إلاّ أنّ الظاهر کونهم من أهل الاعتبار کما فی غیرهم من شیوخ الأجلاّء ، وحمدویه منهم ، فقد
ص: 135
وثّقه الشیخ فی رجال من لم یرو عن الأئمّة علیهم السلام (1).
وما یقال (2) من أن فی شیوخ حمدویه ما (3) هو ثقة والإضافة فی شیوخه تفید العموم فیدخل فیهم الثقة لم أعلم وجهه إلاّ من کون حمدویه یروی عن یعقوب بن یزید وهو ثقة ، فیکون من جملة الشیوخ ، وهو غیر بعید ، وفی بعض المواضع من الکشی نقل حمدویه عن أشیاخه وقال : منهم العبیدی وغیره (4). والعبیدی علی ما أظن ثقة.
نعم قد یحصل التوقف فی الاتحاد مع ابن شریک ، لأن مقتضی کون الجدّین زیاداً المغایرة لابن شریک ، إلاّ أن یقال : إنّ شریکاً جدّ أعلی [ لجعفر (5) ].
والحق أنّ کلام الکشی (6) إنّما یقتضی أنّ الحسین بن عثمان هو ابن زیاد ، لا أنّ الجمیع بنو زیاد ، إلاّ أن یقال : إنّ العبارة بنی زیاد ، کما هو الظاهر من أنّ الکلام فی بیان حال الإخوة الثلاثة ، وفیه : أنّ ظهور کون النقل لبیان الإخوة محل کلام ، بل یجوز أنّ المقصود ذکر الأخوین مع ذکر حمّاد الرواسی والمناسبة لذکره معهما لاقتضاء المقام ذلک فی الوقت ، کما ینبئ عنه الوصف بالرواسی دون من معه ، بل المذکور فی جعفر بن عثمان أنّه الکلابی.
والحسین بن عثمان قد وقع فیه الاضطراب کما یعرف من کلام
ص: 136
العلاّمة فی الخلاصة (1) وکلام غیره (2) ، فإن [ الکشی (3) ] لم یذکر الحسین بن عثمان بن شریک ، والنجاشی ذکره (4) وذکر الأحمسی (5).
ولا یبعد أن یکون الحسین بن عثمان الواقع فی عبارة الخلاصة ابتداء کلام لذکر رجل ثالث ، وهو الذی ذکره الکشی ، وهو ابن عثمان بن زیاد ، فیکون العلاّمة ذکر ثلاثة رجال کل واحد اسمه الحسین بن عثمان وکلمة « عن » الواقعة فی کلام العلاّمة قبل لفظ الحسین سهو وصوابه إلحاق الهاء به ، والمعنی : أن الحسین بن عثمان بن شریک له کتاب یرویه محمد بن أبی عمیر عنه کما فی النجاشی (6).
وهذه عبارة الخلاصة : الحسین بن عثمان بن شریک بن عدی العامری الوحیدی ثقة روی عن أبی عبد الله وأبی الحسن علیهماالسلام ، له کتاب یرویه محمد بن أبی عمیر ، عن الحسین بن عثمان ، قال الکشی : عن حمدویه عن أشیاخه أن الحسین بن عثمان خیر فاضل ثقة (7).
وبالجملة : فالمقام لا یخلو من إشکال کما یعلم من ملاحظة کتب الرجال.
وأمّا سماعة فحاله قد تقدم (8).
ص: 137
المتن :
فی الأوّل : ما ذکره الشیخ فیه من الحمل علی الاستحباب ، الظاهر أنّ مراده به فعل الغسل لما تقدم من أنّه غیر واجب. ولا یخفی علیک أنّ ظاهر الخبر أنّه إن کان فی وقت فعلیه أن یغتسل ، والوقت المذکور هو وقت الصلاة ، إذ لو أُرید به وقت الغسل لم یتم ، لأنّ وقته قبل الزوال (1) فی المشهور ، وإذا کان قد صلّی فقد فات وقت الغسل وبقی قضاؤه ، وحینئذ فوجوب القضاء وعدمه لم یتقدم ما یدل علیه لیحمل الخبر علی الاستحباب ، إلاّ أن یکون مقصود الشیخ أن الأداء إذا لم یجب لا یجب القضاء ، وفیه أنّه لا ملازمة بین الأداء والقضاء ، بل هو حکم آخر.
ولو أراد الشیخ استحباب إعادة الصلاة أشکل أوّلاً بأن الصلاة إن کانت جمعة فاستحباب قضائها أشدّ إشکالاً ، وإن کانت ظهراً أمکن ، وکذلک إعادة الجمعة ظهراً ، إلاّ أن المقام مقام إعادة الغُسل استحباباً لمعارضة الأخبار ، إلاّ أن یقال : إن الخبر تضمّن أمرین : إعادة الصلاة والغسل ، فلا یضر بالحال زیادة الحکم فیه.
وممّا یؤیّد إرادة الشیخ استحباب الغسل قوله : وکذلک ما روی فی قضاء غسل یوم الجمعة إلی آخره. وبالجملة فالمقام (2) لا یخلو من إجمال ، ومن لم یعمل بالموثق فی راحة من ذلک.
وأمّا الخبر الثانی : فهو دال علی تأکّد الاستحباب ، إلاّ أن فی متنه
ص: 138
نوع إجمال کما یعرف من مراجعته ، وذکر الاستغفار فیه لا یدل علی الوجوب لوجود المعارض ، وربما دلّ علی عدم إعادة الصلاة مع تعمّد ترک الغسل ، أمّا مع النسیان فمفهومه الإعادة.
والثالث : فیه دلالة علی القضاء آخر النهار ، وفی بعض الأخبار ما یدل علی فعله بعد الزوال إلی اللیل من غیر ذکر القضاء ، إلاّ أن المحقق فی المعتبر ادّعی الإجماع علی أن وقته قبل الزوال (1) ، وربما کان المراد أن الوقت قبل الزوال مجمع علیه ، لا أن الإجماع علی عدم الوقت بعده. وفیه بُعدٌ ، وعلی تقدیر الانتفاء بعد الزوال فلعلّ المطلق من الأخبار محمول علی المقید.
واحتمال أن یراد بالقضاء فی هذا الخبر فعل الغُسل لوجود إطلاق القضاء علی ذلک فی الأخبار ممکن ، لولا الإجماع ، وقوله : « فلیقضه یوم السبت » وفی بعض الأخبار المعتبرة دلالة علی عدم القضاء ، ویمکن حمله علی عدم اللزوم ، وکان علی الشیخ أن یذکره هنا ، والله تعالی أعلم بالحال.
قال :
أبواب الجنابة وأحکامها
باب أن خروج المنی یوجب الغسل علی کل حال
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المفخّذ أعلیه (2) غسل؟ قال : « نعم إذا أنزل ».
ص: 139
فأمّا ما رواه علیّ بن جعفر ، [ عن أخیه موسی علیه السلام ] (1) قال : سألته عن الرجل یلعب مع المرأة ویقبّلها فیخرج منه المنی ما علیه؟ قال : « إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعلیه الغسل ، وإن کان إنّما هو شی ء لم یجد له فترة ولا شهوة فلا بأس ».
فلا ینافی ما قدّمناه : من أن خروج المنی یوجب الغسل علی کلّ حال ، لأن قوله علیه السلام : « إن (2) کان هو شی ء لم یجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » معناه إذا لم یکن الخارج منیّاً ، لأن المستبعد فی العادة والطبائع أن یخرج المنی من الإنسان ولا یجد له شهوة ولا لذة ، وإنما (3) أراد به إذا اشتبه علی الإنسان فاعتقد أنّه منی وإن لم یکن فی الحقیقة منیّاً یعتبره بوجود الشهوة من نفسه ، فإذا وجد وجب علیه الغسل ، فإذا لم یجد علم أن الخارج منه لیس بمنی.
السند
فی الأوّل : حسن.
والثانی : صحیح علی ما قدّمناه ، لأن الطریق فی المشیخة إلی علیّ بن جعفر : الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه محمد بن یحیی ، عن العمرکی بن علی النیشابوری البوفکی (4) ، عن علیّ بن جعفر (5).
ص: 140
المتن :
فی الأوّل ظاهر الدلالة علی وجوب الغسل بالإنزال ، والإجماع واقع علی أن نزول المنی موجب للغُسل ، کما حکاه شیخنا قدس سره قائلاً ، إنّه إذا تیقن أن الخارج منیّ وجب الغُسل ، سواء خرج متدافقاً أو متثاقلاً ، بشهوة وغیرها ، فی نوم ویقظة ، والأخبار المستفیضة تدل علیه - إلی أن قال - : ومع الاشتباه یعتبر باللذّة والدفق وفتور البدن ، أی انکسار الشهوة بعد خروجه ، لأنها صفات لازمة للمنیّ فی الأغلب فیرجع إلیها عند الاشتباه ، ولما رواه علی بن جعفر ، وذکر الروایة الثانیة (1).
وقد یقال : إن الروایة المذکورة عن علیّ بن جعفر لا تصلح للاستدلال ، لأن مقتضاها أن الثلاثة إذا وجدت وجب الغسل ، وإذا انتفت الفترة والشهوة فلا غسل وإن حصل الدفع.
وإشکاله ظاهر ، وما قاله الشیخ فی توجیهه أشکل ، لأن مقتضاه أن وجود الشهوة کاف فی کونه منیّاً ، وإذا لم یجد الشهوة لا یکون منیّاً ، والنص قد اعتبر فیه الثلاثة صریحاً.
والإشکال من جهة قوله علیه السلام : « وإن کان. » قد یدفع بأن الدفع من لوازمه الشهوة والفتور ، ومع انتفائهما ینتفی ، فالأمر فیه سهل.
والعجب من استحسان شیخنا قدس سره لکلام الشیخ فی توجیه الحدیث (2).
واحتمال أن یقال : إنّ الشهوة من لوازمها الفتور والدفع. یشکل بأنّ
ص: 141
الشهوة قد اعتبرت فی المذی أیضاً ، کما تقدم فی الأخبار ، ولو أُرید بالشهوة هنا معنی آخر یلزمه الفتور والدفع لم یحتج إلی البیان فی قوله علیه السلام : « لم یجد له فترة ولا شهوة » بل یکفی أن یقال : لم یجد له شهوة. إلاّ أن یقال : إن الشهوة لما کانت مشترکة بین ما یحصل منها المذی وما (1) یحصل منها المنی احتیج إلی بیانها لیندفع الشک وأنت خبیر بأن هذا وارد علی الشیخ فی عدم بیانه ذلک ، فالخلل فی کلامه واقع.
ثم إنّ الاحتیاج إلی کلام الشیخ فی الروایة غیر واضح ، لأنه یجوز أن یکون علیه السلام أراد أن یبیّن له خواصّ المنی لعدم علمه بها ، فإذا أفاد علیه السلام أنّ المنی ما حصل بالثلاثة فالسائل یعتبر ما قاله علیه السلام ، وحکمه بأنّ الخارج منی لا یضر بالحال حینئذ (2) لاحتمال اعتقاد المنی ببعض الأوصاف.
وما قاله الشیخ : من أنّ معناه إذا لم یکن الخارج منیّاً. غیر معلوم من الروایة ، لأن التقبیل والملاعبة قد تحصل معهما الشهوة ، وما قاله الشیخ : من أنّه یعتبر بوجود الشهوة. عین ما قلناه ، مع أنّه فرّ منه ، فینبغی التأمّل فی ذلک.
ومن هنا یعلم أن ما حکم به شیخنا قدس سره : من أنّه مع الاشتباه یعتبر بالثلاثة الأوصاف ، ولو علم أنّه منی وجب الغسل ، سواء حصل متدافعاً أو متثاقلاً بشهوة أو غیرها. محل بحث إلاّ فی المریض ، ففی معتبر الأخبار ما قد یستفاد منه عدم اعتبار الدفع (3).
فإن قلت : الأخبار الدالة علی وجوب الغسل بالماء الأکبر مع الخبر
ص: 142
الدال علی أن الإنزال موجب للغسل فیها إطلاق ، فمن ثمّ حکم بوجوب الغسل مطلقاً مع العلم ، ومع الاشتباه ینظر الأوصاف الثلاثة.
قلت : الأخبار المذکورة لا یخرج عن کونها مطلقة أو مجملة ، فإذا فصّلها الخبر الصحیح الدال علی الأوصاف أو قیّدها لا مانع منه ، وما المحوج إلی حمل الخبر علی الاشتباه مع عدم الصراحة فیه ، وإنّما هو محض توجیه من الشیخ.
وکون الأغلب أن الصفات لازمة للمنیّ إن أُرید به انفکاک بعضها عن بعض نادراً فالحق الحکم بالأغلب ، ینافی الحکم فی المریض بأنه لا یعتبر فیه الدفق (1) کما لا یخفی ، علی أن ما استدل به علی المریض سیأتی فیه الکلام علی مقتضی ما أفهمه إن شاء الله.
وبالجملة : فالحکم المذکور من الفرق بین الاشتباه وعدمه إن کان إجماعیاً فبها ، وإلاّ فهو محل کلام.
ویزید ما قلناه إشکالاً أن روایة علیّ بن جعفر إذا دلّت علی حال الاشتباه فاللازم من الإمام علیه السلام أن یفصّل له الحال بأنک إن علمت کونه منیّاً فاغتسل ، وإن اشتبه ذلک فاعتبر الأوصاف ، ولا تلویح فی الروایة ولا تصریح بشی ء منه ، فلیتأمّل فی المقام.
اللغة :
قال فی القاموس : فتر جسمه فتوراً : لأنت مفاصله وضعف (2). وفی
ص: 143
النهایة : صار فیه فتور وهو ضعف وانکسار (1).
وفی القاموس : شهیه کرضیه ودعاه ، واشتهاه ، وتشهّاه : أحبّه ورغب فیه (2).
قال :
باب أن المرأة إذا أنزلت وجب علیها
الغسل فی النوم والیقظة وعلی کل حال
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری أن الرجل یجامعها فی المنام فی فرجها حتی تنزل ، قال : « تغتسل ».
وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن ابن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد بن عثمان ، عن أدیم بن الحرّ ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری فی منامها ما یری الرجل أعلیها (3) غسل؟ قال : « نعم ولا تحدّثوهنّ فیتخذنه علّةً ».
عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن محمد ابن عبد الحمید الطائی قال : حدثنی محمد بن الفضیل ، عن
ص: 144
أبی الحسن علیه السلام قال : قلت له : تلزمنی المرأة أو الجاریة من خلفی وأنا متکئٌ علی جنب تتحرّک علی ظهری فتأتیها الشهوة وتنزل الماء أفعلیها الغسل [ أم لا ] (1)؟ قال : « نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب علیها الغسل ».
وبهذا الاسناد عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن شاذان ، عن یحیی بن أبی طلحة أنّه سأل عبداً صالحاً عن رجل مسّ
فرج امرأته أو جاریته یعبث بها حتّی أُنزلت أعلیها (2) غسل أم لا؟ قال : « ألیس قد أُنزلت من شهوة؟ » قلت : بلی ، قال : « علیها غسل ».
وأخبرنی أحمد بن عبدون ، عن علی بن محمد بن الزبیر ، عن علی بن الحسن بن فضال ، عن أحمد بن الحسین بن عبد الملک الأودی (3) ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاویة قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أم لم یجامعها ، فی نوم کان (4) أو فی یقظة ، فإن علیها الغسل ».
السند
فی الأوّل لا ریب فیه علی الظاهر ، غیر أن فی المقام أمر ینبغی التنبیه
ص: 145
علیه ، وهو أن ابن محبوب الواقع فیه هو الحسن ، وقد حکی النجاشی عن الکشی أنّه قال عن نصر بن الصباح : ما کان أحمد بن محمد ابن عیسی یروی عن ابن محبوب ، من أجل أن أصحابنا یتهمون ابن محبوب فی أبی حمزة الثمالی ، ثم تاب ورجع عن هذا القول (1). ولعلّ هذا من النجاشی علی سبیل الإجمال ، وعدم التعرض فیه لتحقیق الحال غریب ، فإن التهمة والرجوع عنها لا بد من الإشارة إلی حقیقتها.
والذی یخطر فی البال أنّ وجه التهمة کون الحسن بن محبوب توفّی فی آخر سنة أربع وعشرین ومأتین ، وکان من أبناء خمس وسبعین سنة کما نقله الکشی (2) ، والصدوق ذکر فی مشیخة الفقیه أنّ أبا حمزة الثمالی توفّی فی سنة خمسین ومائة (3) ، فیکون عمر الحسن بن محبوب حین وفاة أبی حمزة نحو من سنة ، فروایته عنه لا تخلو من إشکال.
وکان أحمد بن محمد بن عیسی توقفه فی الروایة عن الحسن من هذا الوجه ، إلاّ أنّه لا یخفی أن ذکر اتّهام الأصحاب لا وجه له ، بل هو علی سبیل التحقیق ، ولعلّ المراد بالتهمة أن روایته عنه حینئذ إنّما تکون بالإجازة ، وعدم التصریح بذکر الإجازة فی الروایة أوجب التهمة بالکذب ، لأنّ ظاهر الروایة إذا لم تقیّد بالإجازة أنّها بغیرها من طرق التحمل.
ثمّ إنّ رجوع أحمد بن محمد عن ذلک لعله لترجیح جواز إطلاق الروایة من غیر ذکر الإجازة ، کما هو مذهب بعض العلماء علی ما قرّروه فی علم الدرایة ، علی أن أحمد وإن لم یرجح هذا ، لکن إذا حصل الوجه
ص: 146
المسوِّغ للروایة جاز أن یکون الحسن بن محبوب اختاره ، غیر أن النجاشی کان علیه بیان حقیقة الحال.
وما نقله الکشی بعد ما حکاه عنه النجاشی : من أن أحمد بن محمد ابن عیسی کان یروی عمن کان أصغر سنّاً منه (1) قد ینافی ما ذکرناه من التوجیه ، ویفید أنّ ترک الروایة عنه لغیر ذلک ، ولعلّه أراد بما ذکره الإشارة إلی أنّ أحمد بن محمد کان فی أوّل الأمر له ترفّع عن الروایة عمّن هو أصغر سنّاً منه ، ثم صار یروی عن الأصغر بعد ذلک ، غیر أنّ الإشکال إنّما یقع فی أن بعض النسخ التی وقفنا علیها للکشی هذه صورته : وقال نصر ابن الصباح : ابن محبوب لم یکن یروی عن ابن فضال بل هو أقدم من ابن فضال وأسن ، وأصحابنا یتهمون ابن محبوب فی روایته عن ابن أبی حمزة (2).
وظاهر هذا أن التهمة فی ابن أبی حمزة لا فی أبی حمزة ، ولعلّ ابن أبی حمزة هو البطائنی الواقفی المشهور ، والتهمة المذکورة من أحمد إنما هی لأجل روایته عن ابن أبی حمزة ، وحینئذ یکون ما ذکر فی الکشی عن نصر بن الصباح فی الموضع الآخر موهوماً ، إلاّ أن النجاشی ثبتٌ فی النقل وقد حکی الأوّل کما ذکرناه ، وما یتوجه علیه من عدم تحقیق الحال لا یظن الجواب عنه إلاّ بما أشرنا إلیه.
وبالجملة : فالمقام لم أجد من حام حول تحقیقه من المتأخّرین ، فینبغی النظر فیه بعین الاعتبار ، ولأهمیته لم نسلک فیه سبیل الاختصار.
ص: 147
والسند فی الثانی : واضح لا ارتیاب فی رجاله علی ما تقدم ، إلاّ فی روایة الحسین بن سعید عن حماد بن عثمان بأن المعهود روایته عن حماد ابن عیسی ، ویدفعه أنّ المرتبة لا تأباه ( وإن کان الغالب توسط ابن أبی عمیر أو فضالة ) (1) کما لا یخفی علی الممارس.
والثالث : فیه محمد بن عبد الحمید الطائی ، وهو غیر مذکور فیما رأیناه من کتب الرجال بهذا الوصف ؛ ومحمد بن [ الفضیل ] (2) مشترک بین ثقة وغیره (3).
والرابع : فیه شاذان ، والموجود فی الرجال شاذان بن الخلیل (4) من أصحاب یونس فی الخلاصة مهملاً (5) ، وفی رجال الجواد علیه السلام من کتاب الشیخ : شاذان بن الخلیل والد الفضل بن شاذان (6) ، وفی الخلاصة أیضاً فی الشاذانی : أنّه شاذان بن نعیم (7) ، وقال فی محمد بن أحمد بن نعیم الشاذانی : روی الکشی عن آدم بن محمد قال : سمعت محمد بن شاذان بن
ص: 148
نعیم وذکر الروایة ، وهی موجودة فی الکشی (1) ، إلاّ أنّه لا فائدة فی ذلک لعدم ما یوجب التوثیق ولا غیره.
وأمّا یحیی بن أبی طلحة فلم أقف علیه فی الرجال.
والخامس : فیه أحمد بن الحسین بن عبد الملک الأودی وهو ثقة ، وأمّا أحمد بن عبدون فهو من شیوخ الإجازة ، غیر أنّه لم یوثق فی الرجال (2) ، لأن توثیق الشیوخ لم یکن من طریقة المتقدمین من مصنّفی الرجال.
والعلاّمة صحّح طریق الشیخ فی هذا الکتاب والتهذیب إلی أبی طالب الأنباری (3) ، وأحمد فیه ، إلاّ أن فی کونه توثیقاً لأحمد نظراً.
وعلیّ بن محمد بن الزبیر لم یوثق فی الرجال أیضا ، وقد ذکره الشیخ فی رجال من لم یرو عن الأئمة علیهم السلام (4).
فإن قلت : قد قال النجاشی فی ترجمة أحمد بن عبدون : وکان قد لقی أبا الحسن علیّ بن محمد القرشی المعروف بابن الزبیر وکان علوّاً فی الوقت (5). وهذا اللفظ إن عاد إلی أحمد کان توثیقاً له ، وإن عاد إلی علی کان کذلک.
قلت : لم أفهم حقیقة المعنی فی هذه العبارة ، لکن الظاهر عودها إلی علیّ بن الزبیر وفیها نوع إشعار بالمدح.
ص: 149
وأمّا معاویة فلا یخلو من اشتراک (1) کما یعرف من ملاحظة المراتب.
المتن :
فی الأوّل : ظاهر فی أنّ الإنزال من المرأة یوجب الغسل ، وربما کان الإطلاق مقیداً بما فی الخبر المذکور فی أوّل الباب ، إلاّ أن عدم الاتحاد فی المورد قد یشکل معه الحال.
وما نقلناه أوّلاً من الفرق بین الاشتباه وتحقق المنی لا أعلم قول الأصحاب فی جهة المرأة أهی (2) من قبیل الرجل فیما ذکر أم لا؟.
وقد یدّعی أنّ الأخبار الواردة فی المرأة الدالة علی مجرد الشهوة یقتضی عدم اعتبار غیرها من (3) المذکور فی الرجال علی تقدیر الاشتباه ، أو علی الإطلاق بتقدیر الاحتمال الذی قدّمناه ، والإحالة علی (4) التأمّل فیما أشرنا إلیه أوّلاً أولی.
وفی الثانی : نوع دلالة علی أنّ رؤیتها کما یری الرجل موجبة للغسل ، أمّا کیفیة المنی فمجملة الحکم.
وقد ذکر بعض المتأخّرین أنّ المنی له صفات خاصة عند الاشتباه وهی : قرب رائحته رطباً من رائحة الطلع والعجین ، وجافّاً من بیاض البیض (5).
وربما استشکل بفقد النص وجواز عموم الوصف (6).
ص: 150
وقد یقال : إنّه لا بد من المائز علی تقدیر عدم العلم بالدفق والشهوة والفتور کحال النوم ، والوصف وإن جاز عمومه إلاّ أنّ المشابهة الغالبة کافیة ، ولو لا ذلک لأشکل الأمر ، إلاّ أنّ یقال بأنّ العلم یحصل بکونه منیّاً ، وأنت خبیر بأنّ حکم المرأة یتوقف علی البیان من الشارع فی أنّه متحد مع حکم الرجل ، والأخبار لا تخلو من إجمال علی ما وقفت علیه الآن.
وما تضمنه الخبر من قوله علیه السلام : « ولا تحدّثوهنّ فیتخذنه علّة » لا یخلو من إشکال ، وقد ذکرت فی حاشیة التهذیب إمکان أنّ یقال : إن المراد لا تحدثوهن قبل وقوع ما یوجب الغسل منهن ، وبعده حینئذ لا بد من التنبیه علی الغسل لکن بوجه لا یصرح فیه بأنّ السبب الاحتلام ، أو أنّ المنع قبل الوقوع ، وبعده لا منع وإن کانت العلّة جاریة فیما بعد ، وبالجملة فالأمر فی غایة الغموض ، والله تعالی أعلم بمقاصد أولیائه.
وقوله علیه السلام فی الثالث : « إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب علیها الغسل » یدل علی أنّ مجرد الشهوة کاف ، إلاّ أن قوله : « وأنزلت الماء » ربما یدل علی أن الماء لتعریف العهد أی الماء المقرر فی صفاته ما ذُکر ، والاکتفاء بالشهوة لأن من لوازمها بقیة الأوصاف. وفیه : أنّ باب الاحتمال واسع ، فلا یتم الاستدلال بالخبر علی تقدیر سلامة سنده.
والخبر الرابع : یدل علی مطلق وجود الشهوة ، إلاّ أن ینضم إلیه ما قدمناه من الاحتمال.
والخامس : کذلک.
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ،
ص: 151
عن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر بن یزید قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یضع ذکره علی فرج المرأة فیمنی أعلیها غسل؟ فقال : « إذا أصابها من الماء شی ء فلتغسله ولیس علیها شی ء إلاّ أن یدخله » قلت : فإن أمنت هی ولم یدخله ، قال : « لیس علیها غسل ».
وروی هذا الحدیث الحسن بن محبوب فی کتاب المشیخة بلفظ آخر عن عمر بن یزید قال : اغتسلت یوم الجمعة بالمدینة ولبست ثیابی وتطیّبت فمرّت بی وصیفة ففخّذت لها فأمذیت أنا (1) وأمنت هی ، فدخلنی من ذلک ضیق فسألت أبا عبد الله علیه السلام عن ذلک فقال : « لیس علیک وضوء ولا علیها غسل ».
فالوجه فی هذا الخبر أنّه یجوز أن یکون السامع قد وهم فی سماعه وأنّه إنّما قال : أمذت. فوقع له : أمنت ، فرواه علی ما ظن ، ویحتمل أن یکون إنّما أجابه علیه السلام علی حسب ما ظهر له فی الحال منه ، وعلم أنّه اعتقد فی جاریته أنّها أمنت ولم یکن کذلک ، فأجابه علیه السلام علی ما یقتضیه الحکم لا علی اعتقاده.
السند
کما تری فیه روایة الحسین بن سعید ، عن حماد بن عثمان بواسطة فضالة ، والظاهر سقوطه من الخبر السابق فلا یضر بصحة السند.
وأمّا عمر بن یزید : فقد أوضحت القول فیه فیما أفردته به فی الرجال ، والذی یقال هنا : إنّ الموجود فی النجاشی : عمر بن محمد بن
ص: 152
یزید أبو الأسود بیّاع السابری مولی ثقیف کوفی ثقة جلیل روی عن أبی عبد الله وأبی الحسن علیهماالسلام (1).
وفی فهرست الشیخ : عمر بن یزید ثقة له کتاب (2).
وفی رجال الصادق علیه السلام من کتاب الشیخ : عمر بن یزید بیّاع السابری کوفی (3).
وفی رجال الکاظم علیه السلام : عمر بن یزید بیّاع السابری کوفی ثقة له کتاب (4).
ثمّ فی رجال الصادق علیه السلام : عمر بن یزید الثقفی مولاهم البزاز الکوفی (5).
وفی النجاشی : عمر بن یزید بن ذبیان الصیقل أبو موسی مولی بنی نهد ، روی عن أبی عبد الله علیه السلام ، وذکر أنّ الراوی عنه محمد بن زیاد (6).
وفی رجال الصادق علیه السلام من کتاب الشیخ : عمر بن یزید الصیقل الکوفی (7).
والشیخ فی الفهرست ذکر أنّ الراوی عن عمر بن یزید السابق عنه : محمد بن عمر بن یزید ، عن الحسین بن عمر بن یزید ، عن عمر بن یزید (8).
ص: 153
وشیخنا أیّده الله فی کتاب الرجال قال : إنّ الظاهر الاتحاد فی عمر ابن یزید وعمر بن محمد بن یزید (1). وأمّا عمر بن یزید الصیقل فهو غیر المذکورین.
وفی نظری القاصر أنّ هذا لا یدفع الاحتمال الواقع فی الخبر المبحوث عنه ، لأنّ عمر بن یزید الصیقل یروی عن أبی عبد الله ، کما أنّ عمر بن محمد بن یزید أو عمر بن یزید یروی عنه ، فالحکم بصحة الحدیث لا یخلو من إشکال.
وما قاله أیّده الله من الاتحاد غیر بعید ، لأنّ النجاشی لم یذکر سوی عمر بن محمد بن یزید ، ومن المستبعد أن یکون مغایراً لعمر بن یزید الذی ذکره الشیخ ولم یذکره ، والشیخ أیضاً لم یذکر عمر بن محمد بن یزید لنحو ما ذکر فی النجاشی ، وکأنّ النسبة إلی الجدّ وقعت من الشیخ ، وإلی الأب والجدّ معاً وقعت من النجاشی ، وتکرار الشیخ لا یدل علی التعدد کما یعرف من عادته فی الکتاب.
وما ظنّه بعض المتأخّرین من أنّ المذکور فی الفهرست هو عمر بن یزید الصیقل (2). فلی فیه نظر ، لأنّ الراوی عنه کما سمعته محمد بن عمر ابن یزید ، عن الحسین بن عمر بن یزید ، عن عمر بن یزید ؛ ومحمد بن عمر بن یزید هو ابن بیّاع السابری کما صرّح به النجاشی (3) ، فلو اتحد عمر ابن یزید بیّاع السابری مع ابن ذبیان کیف تقع الروایة بهذه الصورة عن الحسین ابن عمر بن یزید کما یعرف بأیسر نظر.
ص: 154
فإن قلت : قد ذکر النجاشی فی ترجمة أحمد بن الحسین بن عمر ابن یزید الصیقل ما هذا لفظه : أبو جعفر کوفی ثقة من أصحابنا ، جدّه عمر ابن یزید بیّاع السابری (1). فیکون الصیقل وبیّاع السابری واحداً.
قلت : إذا کان واحداً یکون الراوی محمد بن عمر بن یزید السابری ، عن الحسین بن عمر بن یزید السابری ، عن عمر بن یزید السابری ، والأولی حینئذ أن یقال : عن أخیه عن أبیهما ، کما هو المتعارف فی أمثاله ، وبتقدیر الجواز (2) نظراً إلی بیان الأب فی کل المراتب فالصیقل مولی بنی نهد فهو نهدی ، والسابری لو کان له وصف غیره لما احتیج إلیه ، إلاّ أن یقال : إن هذا موجود بکثرة فی الرجال ، إذ لا مانع من تعدد الصفات ، ومن ثَمَّ ظن الشیخ التعدد فی کثیر من الرجال بسبب ذلک. وفیه ما فیه.
ویقال فی کلام النجاشی فی أحمد : إن فیه احتمال کون الصیقل صفة لأحمد ، وحینئذ یکون جدّه عمر بن یزید بیّاع السابری. وفیه نظر ، لأنّه خلاف الظاهر من عبارة النجاشی ، فإنّ الظاهر من کلام النجاشی الاتحاد فی بیّاع السابری والصیقل فی ترجمة أحمد ، إلاّ أن یحتمل الوهم فی قول النجاشی.
ویؤیّد الاحتمال أنّه ذکر عمر بن محمد بن یزید بیّاع (3) السابری ، والراوی عنه محمد بن عذافر ومحمد بن عبد الحمید (4) ؛ وذکر عمر بن یزید الصیقل ، والراوی عنه محمد بن زیاد (5) ، والاتحاد مع ذکر الاختلاف
ص: 155
فی الراوی عن کل واحد غیر مألوف من النجاشی ، إلاّ أن یقال : إنّ النجاشی لا یقول بأنّ عمر بن محمد بن یزید هو جدّ أحمد ، بل جدّه عمر بن یزید. وفیه أنّ من المستبعد التعدد لما أسلفناه ، بل یؤیّد العدم أنّه یذکر جدّ الرجل ولم یذکر الجدّ مفرداً.
وبالجملة : فالمقام لا یخلو من إجمال ، وهو فی کلام المتأخّرین غیر محرّر ، والله تعالی أعلم بالحال.
المتن :
ما قاله الشیخ : من أنّ هذا الحدیث مروی بلفظ آخر. لا یخلو من غرابة ، لأن المذکور حدیث آخر ، وکون الراوی واحداً لا یدل علی اتحاد الحدیث ، وما ذکره الشیخ فی الجمع وإن بعد إلاّ أنّه أولی من غیره.
وما قد یقال : إن قول الشیخ : یجوز أن یکون السامع وهم فی سماعه. مراده به السامع من غیر الإمام ، ورواة الحدیث عن عمر بن یزید ثقات جمیعاً ، فکیف یقع الوهم؟. یمکن الجواب عنه بأن المراد کون الوهم إذا صدر من الراوی نادراً لا یضرّ بالحال.
نعم یشکل الحال بأن السؤال لو کان عن المذی منهما فأیّ فائدة فی جواب الإمام علیه السلام بنفی الوضوء عنه والغسل عنها ، هذا فی الخبر الثانی ، وفی الأوّل کذلک ، لأن قوله علیه السلام : « لیس علیها غسل » مع کون السؤال عن المذی غیر واضح.
ثم إن دخول الضیق بسبب المذی لا وجه له من مثل عمر بن یزید ، وبالجملة : فالجواب الأوّل لا یخلو من تأمّل.
وعلی تقدیر تمامه فی الخبر الثانی لا یتمّ فی الأوّل ، لأن السائل قال :
ص: 156
فإن أمنت. ولا دخل هنا للاعتقاد وعدمه. والأولی أن یقال : إن عدم الغسل علیها لعدم ثبوت کونه منیّاً بمجرد قول الراوی ، لجواز توهمه بسبب (1) من الأسباب کما ذکره شیخنا أیده الله فی فوائده علی الکتاب (2).
بقی شی ء وهو أن الخبر الثانی ربما یدلّ علی أن غسل الجمعة لا وضوء معه کما یعلم من ملاحظته ، إلاّ أن الحق کونه مجملاً لا یصلح للاستدلال ، غیر أنّه مؤیّد لما دل علی عدم الوضوء مع غسل الجمعة ، وسیأتی إن شاء الله توضیح القول فی ذلک (3).
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزین ، عن محمد بن مسلم قال : قلت : لأبی جعفر علیه السلام کیف جعل علی المرأة إذا رأت فی النوم أن الرجل یجامعها فی فرجها الغسل ولم یُجعل علیها الغسل إذا جامعها دون الفرج فی الیقظة فأمنت؟ قال : « لأنها رأت فی منامها أن الرجل یجامعها فی فرجها فوجب علیها الغسل ، والآخر إنّما جامعها دون الفرج فلم (4) یجب علیها الغسل لأنه لم یدخله ، ولو کان أدخله فی الیقظة لوجب علیها الغسل أمنت أو لم تمن » فالوجه فی هذا الخبر ما ذکرناه فی الخبر الأوّل سواء.
ص: 157
السند
واضح بعد ما قدّمناه.
المتن :
ظاهر الإشکال ، وما ذکره الشیخ فیه لا یحوم حوله التوجیه إذا أعطاه المتأمّل حق النظر ، ونقل شیخنا قدس سره عن المنتهی (1) أن فیه : هذه الروایات (2) قد عارضت إجماع المسلمین والأخبار المستفیضة فوجب الردّ ، ولا ریب فیما قاله.
وذکر شیخنا المحقق میرزا محمّد أیّده الله فی فوائد الکتاب أن فی الخبر وجهین :
أحدهما : أن یراد بقوله : فأمنت. مجی ء ما یحتمل کونه منیّاً ، ویکون حاصل الجواب الفرق بأن الفرج محل الشهوة ، والمجامعة فیه مظنة خروج المنی ، دون ما دون الفرج ، فیحکم فی الأوّل بکونه منیّاً دون الثانی ، إلاّ مع تحقق ما یوجب کونه منیّاً.
وثانیهما : أن بعض المخالفین کأبی حنیفة وغیره ذهب إلی أن خروج المنی لا یجب به الغسل إلاّ مع الشهوة ، فأوجب لذلک الغسل مع المجامعة فی الفرج إذا أمنی لوجود الشهوة ولو فی النوم ، ولم یوجب مع المجامعة فیما دون الفرج ولو یقظة لعدم الشهوة ولو أمنی ، ومحمد بن مسلم سأله عن ذلک فبیّنه علیه السلام کما قلنا ، قال - أیّده الله - : ولا یخفی أن هذا الوجه ینبّه
ص: 158
علی احتمال صدور ذلک عن الإمام علیه السلام تقیة ، فتأمّل. انتهی.
وهو أعلم بتطبیقه علی الروایة ، وکیف یتم التوجیه الأوّل مع قوله : ولم یجعل علیها الغسل إذا جامعها دون الفرج فی الیقظة فأمنت.
وقد ذکرنا فی حاشیة التهذیب أن حمل الإمناء علی الإمذاء یوجب تهافت الروایة من حیث تضمنها السؤال عن وجه الفرق بین ما إذا رأت المرأة فی النوم أن الرجل یجامعها فی الفرج فعلیها الغسل ، وعدمه إذا جامعها دون الفرج فأمنت.
والجواب عن هذا یقتضی أن یقال فیه : لأنها لم تمن ، لا لأنه لم یدخله ، کما هو صریح الجواب ، وإن کان فی الجواب علی تقدیر حمل المنی علی ظاهره نوع خفاءٍ أیضاً ، لإمکان أن یوجّه بلزوم المنی لرؤیة المجامعة فی الفرج ، وإن کان یقتضی نوع منافرة لما علیه الأصحاب ، إلاّ أنه قد یطابق مدلول بعض الأخبار الدالة علی عدم وجوب الغسل بالإمناء من دون إدخال ، فالجواب عنها جواب عنه.
وإمکان حمل قوله : « أمنت أو لم تمن » علی الإمذاء له وجه من حیث إن الإدخال یوجب الغسل بمجرده ، إلاّ أن المطابقة للسؤال غیر حاصلة.
ثم إن الإدخال فی الروایة یراد به فی الفرج علی الظاهر ، ویحتمل أن یراد الأعم من الفرج والدبر علی أن یراد بالمجامعة دون الفرج مجرّد إیصال الذکر بها.
والذی رأیته فی بعض کتب أهل الخلاف أنهم رووا أن النبی صلی الله علیه و آله جاءت إلیه أُمّ سلمة (1) امرأة أبی طلحة فقالت یا رسول الله إن الله لا یستحیی
ص: 159
من الحق ، هل علی المرأة من غسل إذا هی احتلمت؟ قال : « نعم إذا رأت الماء » (1).
قال بعض الشرّاح للحدیث : إن فیه دلیلاً علی وجوب الغسل بإنزال الماء من المرأة ، ثم قال : وقوله علیه السلام : « إذا رأت الماء » قد یردّ به علی من یزعم أن ماء المرأة لا یبرز وإنّما یعرف إنزالها بشهوتها (2).
وظاهر کلام من أشرنا إلیه من الفقهاء یقتضی وجوب الغسل بالإنزال إذا عرفته بالشهوة ولا یوقفه بالبروز إلی الظاهر ، فلیتأمّل خبط هؤلاء الجماعة. وما نقله شیخنا أیّده الله عنهم غریب أیضاً.
وبالجملة : والحدیث لا مجال للقول فیه إلاّ بما ذکره فی المنتهی (3). والله تعالی أعلم.
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن عمر بن أُذینة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المرأة تحتلم فی المنام فیهریق الماء الأعظم ، قال : « لیس علیها الغسل ».
فالوجه فی هذا الخبر أنها إذا رأت الماء الأعظم فی حال منامها فإذا انتبهت لم تر شیئاً فإنه لا یجب علیها الغسل.
یدل علی ذلک :
ما رواه محمد بن یعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن
ص: 160
محمد ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری فی المنام ما یری الرجل ، قال : « إن أنزلت فعلیها الغسل ، وإن لم تنزل فلیس علیها الغسل ».
السند
فی الأوّل : ظاهر الحال لا ارتیاب فیه بعد ما قدّمناه ، إلاّ أنّه ینبغی أن یعلم أن عمر بن أُذینة الظاهر أنّه عمر بن محمد بن أُذینة کما هو فی النجاشی (1).
والشیخ رحمه الله ذکر فی أصحاب الصادق علیه السلام من کتاب الرجال عمر ابن أُذینة مهملاً (2) ، وفی أصحاب الکاظم علیه السلام قال : عمر بن أُذینة ثقة له کتاب (3).
وفی الفهرست : عمر بن أُذینة ثقة له کتاب (4).
والکشی قال : ما روی فی عمر بن أُذینة (5).
وابن داود جعل عمر بن أُذینة غیر عمر بن محمد بن أُذینة (6).
وکتب جدّی قدس سره فی بعض فوائده علی کتابه : أن الحق أنهما واحد (7) ، وأظنّ أنّ کلام ابن داود لا وجه له ، وما قد یتوهم من کلام
ص: 161
النجاشی یدفعه أنّه قال فی آخر الطریق إلیه : عن عمر بن أُذینة.
واتفق للعلاّمة فی الخلاصة أنّه نقل عن الکشی أنّه قال : قال حمدویه : سمعت أشیاخی منهم العبیدی وغیره أن ابن أُذینة کوفی وکان هرب من المهدی ومات بالیمن ، فلذلک لم یرو عنه کثیر (1).
وابن طاوس نقل الحکایة وقال : لم یرو عنه کتبه (2). والعلاّمة کثیر التبع لابن طاوس ، فربما احتمل کون لفظ « کثیر » تصحیف « کتبه » إلاّ أن المنقول فی کتاب شیخنا سلمه الله عن الکشی کما فی الخلاصة (3).
وما قاله فی الخلاصة : من أن عمر بن أُذینة یقال : اسمه محمد بن عمر بن أُذینة غلب علیه اسم أبیه (4). هو قول الشیخ فی کتاب الرجال ، فإنه قال فی موضع من رجال الصادق علیه السلام : محمد بن عمر بن أُذینة غلب علیه اسم أبیه (5).
وفی الثانی : لا یخلو من ارتیاب فی روایة أحمد بن محمد عن ابن أبی عمیر بغیر واسطة کما قدمنا فیه کلاماً أیضاً ، إلاّ أن الغالب کونها الحسین بن سعید ، والمرتبة لا تأبی روایة أحمد عن ابن أبی عمیر.
ثم إن العدّة التی یروی عنها محمد بن یعقوب ، عن أحمد بن محمد ما ذکره العلاّمة فی الخلاصة نقلاً عن محمد بن یعقوب أنّه قال : والمراد بقولی : عدة من أصحابنا یعنی عن أحمد بن محمد بن عیسی هو محمد ابن یحیی ، وعلیّ بن موسی الکُمیذانی ، وداود بن کورة ، وأحمد بن
ص: 162
إدریس ، وعلیّ بن إبراهیم بن هاشم (1).
وأنّه قال أیضاً : کلّما ذکرته فی کتابی المشار إلیه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقی : فهم علیّ بن إبراهیم ، وعلیّ بن محمد ابن عبد الله بن أُذینة ، وأحمد بن عبد الله بن أُمیّة (2) ، وعلیّ بن الحسن.
وحینئذ فأحمد بن محمد المذکور فی الحدیث المبحوث إن کان ابن خالد أو ابن عیسی فالحال ما سمعته ، وإن کان الظاهر أنّه ابن عیسی ، وما قاله العلاّمة فی الخلاصة لم نره فی الکافی.
والنجاشی ذکر فی ترجمة الکلینی ما هذا لفظه : وقال أبو جعفر الکلینی : کلما کان فی کتابی عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عیسی فهم (3). إلی آخر ما قاله العلاّمة فی ابن عیسی.
نعم فی الکافی ، فی باب المملوک یکون بین شرکاء فیعتق أحدهم نصیبه : عدّة من أصحابنا علیّ بن إبراهیم ، ومحمد بن جعفر ، ومحمد بن یحیی ، وعلیّ بن محمد بن عبد الله القمیّ ، وأحمد بن عبد الله ، وعلیّ بن الحسن جمیعاً عن أحمد بن محمد بن خالد (4) ، وفی أول حدیث فی الکافی عدّة من أصحابنا منهم محمد بن یحیی العطار عن أحمد بن محمد (5).
ص: 163
ولا یبعد أن یکون هذا عاما لکل عدّة ، إلاّ أنّه خاص بأحمد بن محمد بن عیسی علی ما فی الخلاصة والنجاشی ، لأنّ محمد بن یحیی لیس فی العدّة التی تروی عن أحمد بن محمد بن خالد علی ما سمعته من نقلهما.
المتن :
ما ذکره الشیخ فی الأوّل لا یخلو من وجه ، واستدلاله بالخبر الثانی غیر محتاج إلیه ، لکثرة الأخبار الدالة علیه کما لا یخفی.
اللغة :
قال ابن الأثیر فی أحکام الأحکام : الاحتلام فی الوضع افتعال من الحُلْم بضم الحاء وسکون اللام ، وهو ما یراه النائم فی نومه ، یقال منه حلم واحتلم ، واحتلمت به واحتلمته ، وأمّا فی الاستعمال والعرف العام فإنه قد خصّ هذا الوضع اللغوی ببعض ما یراه النائم وهو ما یصحبه إنزال الماء ، فلو رأی غیر ذلک لصح أن یقال له احتلم وضعاً ولم یصح عرفاً.
وفی النهایة : الهاء فی « هراق » بدل من همزة أراق ، یقال : أراق الماء یریقه وهراقه یهریقه بفتح الهاء ، وقد یقال فیه : أهرقت الماء اهرقه إهراقاً فیجمع بین البدل والمبدل (1).
قال :
فأمّا ما رواه الصفار ، عن إبراهیم بن هاشم ، عن نوح بن
ص: 164
شعیب ، عمّن رواه ، عن عبید بن زرارة قال : قلت له : هل علی المرأة غسل من جنابتها إذا لم یأتها الرجل؟ قال : « لا ، وأیّکم یرضی أن یری و (1) یصبر علی ذلک ، أن یری ابنته أو أُخته أو امّه أو زوجته أو أحداً (2) من قرابته قائمة تغتسل فیقول : مالک ، فتقول : احتلمت ، ولیس لها بعل » ثمّ قال : « لا لیس علیهن ذاک وقد وضع الله ذلک علیکم (3) ، قال الله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (4) ولم یقل ذلک لهنّ ».
فهذا خبر مرسل لا یعارض به ما قدّمناه من الأخبار ، ویحتمل أن یکون الوجه فیه ما قدمناه فی الخبر الأوّل سواء.
ویزید ذلک بیاناً :
ما رواه أحمد بن محمد ، عن إسماعیل بن سعد الأشعری قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل یلمس فرج جاریته حتی تنزل الماء من غیر أن یباشر ، یعبث بها (5) بیده [ حتی تنزل ] (6) قال : « إذا أنزلت من شهوة فعلیها الغسل ».
عنه (7) ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع قال : سألت الرضا علیه السلام
ص: 165
عن الرجل یجامع المرأة فیما دون الفرج فتنزل المرأة هل (1) علیها غسل؟ قال : « نعم ».
الحسین بن سعید ، عن محمد بن إسماعیل (2) قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المرأة تری فی منامها فتنزل أعلیها (3) غسل؟ قال : « نعم ».
أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری أن الرجل یجامعها فی المنام فی فرجها حتی تنزل ، قال : « تغتسل ».
السند
فی الأوّل : کما قال الشیخ مرسل ، والإشکال فی کلام الشیخ قد تقدم القول فیه ، وینبغی أن یعلم أن نوح بن شعیب قد ذکره العلاّمة فی الخلاصة قائلاً : إنّه البغدادی ، وإنّه من أصحاب أبی جعفر محمد بن علیّ الثانی علیه السلام ، ونقل عن الفضل بن شاذان : أنّه کان فقیها (4).
وذکر أیضاً نوح بن صالح البغدادی ، قال : وذکر الکشی عن أبی عبد الله الشاذانی ، عن أبی محمد الفضل بن شاذان ما یشهد أنّه من شیعة أهل البیت علیهم السلام (5).
والذی وجدناه فی الکشی صورته : نوح بن صالح البغدادی ، سأل
ص: 166
أبو عبد الله الشاذانی أبا محمد الفضل بن شاذان. وذکر ما یدل علی أنّه فقیه ، وأنّه یقال له : نوح بن شعیب (1). وظاهره أن ابن صالح هو ابن شعیب ، فالتعدد لا وجه له.
ثم الجزم بأنّ القول من ابن شاذان فی نوح بن شعیب ، والحکایة عن أبی عبد الله الشاذانی فی ابن صالح غریب ، فإنّ الحکایة واحدة کما ذکرناه ، وأبو عبد الله الشاذانی محمد بن نعیم غیر معلوم الحال.
ثم إن فی کتاب رجال الشیخ فی أصحاب الجواد علیه السلام ، نوح بن شعیب البغدادی ، ذکر الفضل بن شاذان أنّه کان فقیهاً عالماً صالحا مرضیّاً ، وقیل : إنّه نوح بن صالح (2).
وهذا من الشیخ أیضاً لا یخلو من غرابة ، لأن الظاهر أنّه من الکشی ، واستفادة ما قاله منه بعیدة ، إلاّ أن قول الشیخ : « وقیل » لا یلائم قول الکشی ، وکذلک الزیادة الواقعة فیه ، ولعلّه من غیر الکشی ، وشیخنا أیّده الله لم یذکر فی کتاب الرجال کلام الشیخ (3) ، فلعلّه لیس فی نسخته ، والله تعالی أعلم بالحال.
والثانی : لا ارتیاب فیه.
وکذلک الثالث : إلاّ أن ضمیر « عنه » راجع إلی أحمد بن محمد ، وروایته عن محمد بن إسماعیل بن بزیع قد یحصل فیها نوع شک ، لأن الروایة عن الحسین بن سعید عنه بکثرة کما فی الرابع ، إلاّ أنّه لا یضر بالحال مع وجود المرتبة ، واحتمال سقوط الحسین بن سعید لا یضر أیضاً.
ص: 167
والخامس : واضح کالرابع.
المتن :
فی الأوّل : لا وجه لردّه إلاّ بالإرسال ، وما قاله الشیخ : من أن الوجه فیه ما قاله فی الخبر الأول. لا یحوم حوله التسدید ، بعد صراحة الخبر فی المنافی له.
ثمّ إنّ الروایة لا تخلو من تهافت فی المتن من حیث ذکر الزوجة ثمّ قوله : « ولیس لها بعل » وإن أمکن عود الضمیر لغیر الزوجة ، إلاّ أن وقوع مثل هذا من الإمام علیه السلام یکاد أن یقطع بنفیه.
ثم قوله : « ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ولم یقل ذلک لهن » لا یخلو من شی ء ، إلاّ أن یقال فی هذا : إنّ وجوب غسل الجنابة علی المرأة بالإجماع لا من القرآن.
وما تضمنه الخبر الثانی من قوله : « إن أنزلت من شهوة » فقد قدّمنا فیه القول من حیث الاکتفاء بالشهوة.
وقول السائل فی الخبر الثالث : فیما دون الفرج. یحتمل أن یراد به ما یعمّ الدبر ، إلاّ أن کلام السائل ( لا یفید حکماً ) (1) ولا تقریر الإمام علیه السلام فی مثل هذا ، کما یعرف بالتأمّل فی الحدیث حق التأمّل.
اللغة :
قال فی النهایة فی حدیث أبی جعفر الأنصاری : فملأت ما بین
ص: 168
فروجی ، جمع فرج ، وهو ما بین الرِّجلین ، إلی أن قال : وبه سمی فرج الرجل والمرأة ، لأنهما بین الرِّجلین (1).
وقال فی کتاب أحکام الأحکام : إن صیغة الفرج لها وضعان لغوی وعرفی ، فأمّا اللغوی فهو مأخوذ من الانفراج فعلی هذا یدخل فیه الدبر ، وأمّا العرفی فالغالب استعماله فی القبل من الرجل والمرأة.
وفی القاموس : الفرج العورة (2).
إذا عرفت هذا فما وقع فی بعض هذه الأخبار من الفرج لا یبعد أن یکون المراد به القبل إلاّ أن باب الاحتمال واسع ، وستظهر فائدة الخلاف فیما یأتی إن شاء الله تعالی.
قال :
باب أن التقاء الختانین یوجب الغسل
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن صفوان بن یحیی ، عن العلاء بن رزین ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته متی یجب (3) الغسل علی الرجل والمرأة؟ فقال : « إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم ».
وبهذا الاسناد عن محمد بن یعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن إسماعیل قال : سألت
ص: 169
الرضا علیه السلام عن الرجل یجامع المرأة قریباً من الفرج فلا ینزلان متی یجب الغسل؟ فقال : « إذا التقی الختانان فقد وجب الغسل » فقلت (1) : التقاء الختانین هو غیبوبة الحشفة؟ قال : « نعم ».
وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علی بن یقطین ، عن أخیه الحسین بن علی ، عن أبیه قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یصیب الجاریة البکر لا یفضی إلیها أعلیها غسل؟ قال : « إذا وضع الختان علی الختان فقد وجب الغسل ، البکر وغیر البکر ».
السند
فی الجمیع واضح بعد ما قدمناه.
المتن :
فی الأوّل : کما تری ظاهره أن الإدخال موجب للثلاثة المذکورة ، وهو متناول للقبل والدبر ، إلاّ أن یقال بالانصراف إلی القبل ، أو یخصّ بغیره ، کما فی الخبر الثانی ، فإن التقاء الختانین لا یتصور فی غیر القبل ، وقول السائل : التقاء الختانین هو غیبوبة الحشفة. وإن احتمل أن یکون المراد به أن هذا اللفظ علم علی غیبوبة الحشفة سواء کان فی القبل أو الدبر ، إلاّ أن ظهور إرادة کون مجرّد الالتقاء غیر کاف فی وجوب الغسل بل لا بد من الغیبوبة فی القبل لا ریب فیه.
وما تضمنه الخبر الثالث : من أن مجرد الوضع کاف فی وجوب الغسل لا یخلو من منافاةٍ للخبرین الأوّلین ، فالعجب من عدم تعرّض الشیخ
ص: 170
له ، سیّما وفی الحدیث « البکر » والغیبوبة فیها غیر ظاهرة إلاّ علی احتمال.
وأعجب من ذلک قول بعض محققی المتأخرین : إنّ قوله فی الحدیث : لا یفضی إلیها. إما بمعنی لا یولجه بأجمعه ، أو بمعنی أنه لا ینزل (1). فلیتأملّ.
نعم احتمال إرادة عدم إدخال الجمیع لها وجه وإن بَعُد ، لضرورة الجمع ، وعدم العلم بالقائل بمضمونه.
ثم قوله علیه السلام : « البکر وغیر البکر » محذوف الخبر : أی سواء.
إذا عرفت هذا فاعلم أن العلاّمة فی المختلف استدل بالأخبار المذکورة علی أن الغسل واجب لنفسه ، قال : وتقریر الاستدلال من وجهین : الأوّل : أنّه علّق وجوب الغسل بالإدخال فلا یکون معلّقاً بغیره ، وإلاّ لم یکن معلّقاً علی مطلق الإدخال.
الثانی : أنّه علّق وجوب المهر والرجم علی الإدخال ، ولا خلاف فی أنّهما غیر مشروطین بشرط عبادة من العبادات ، وکذا الغسل قضیةً للعطف (2). انتهی.
وقد یقال علی الأول : إنّ ما قاله حق إذا لم یوجد المعارض والحال أنّه موجود ، وهو ما استدل به لابن إدریس من روایة عبد الله بن یحیی الکاهلی الموصوفة بالصحة منه ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة یجامعها الرجل فتحیض فی المغتسل فتغتسل أم لا؟ قال : « قد جاءها ما یفسد الصلاة فلا تغتسل » (3).
ص: 171
وجواب العلاّمة عن الروایة : بأن الغسل إنّما یجب إذا کان رافعاً للحدث ، وهو غیر متحقق فی الحائض فلا یجب علیها (1). محل نظر ، لأنه قرّر أوّل المسألة فی تحریر محل الخلاف : أن الجنب إذا خلا من عبادة تجب فیها الطهارة کالطواف والصلاة الواجبین ومسّ کتابة القرآن وقراءة العزائم الواجبین ودخول المساجد الواجب إذا أوقع الغسل هل یوقعه علی جهة الوجوب أو الندب ، ثم قال : والأقرب الأول (2).
وهذا الکلام وإن ظن منه حیث قیّد بالواجب فی الجمیع أن اعتبار الندب من العبادة لا بد منه ، إلاّ أنّه لا دلیل علی اعتباره علی القول بالوجوب لنفسه.
وحینئذ نقول : إنّ اعتبار رفع الحدث إن أراد به رفع الحدث المانع من استباحة الصلاة ونحوها المندوبة فهو مطالب بدلیله علی تقدیر الوجوب لنفسه ، وإن أراد به رفع الحدث من حیث هو فکذلک.
فإن قلت : لا معنی لوجوب الغسل إلاّ هذا.
قلت : أیّ مانع من کون الغسل واجبا من حیث هو ، کما فی غسل المسّ علی القول بأنّ المسّ غیر ناقض ، وکالغسل المندوب فی الجمعة والإحرام ، وحینئذ فإذا دل الخبر علی عدم الوجوب لنفسه أمکن حمل الأخبار علی الوجوب إذا حصل المشروط به ، وکون المهر والرجم
ص: 172
لا یتوقف علی مشروط بهما بالإجماع هو الذی أخرجهما.
وما قد یقال : إنّ الرجم یتوقف علی ثبوت الحدود مع عدم ظهور الإمام علیه السلام ، والخلاف واقع فی ذلک ، قد یجاب عنه بأن الوجوب لا یتوقف بالإجماع ، نعم الفعل یتوقف علی الخلاف.
ویمکن أن یقال نحو ذلک فی الغسل ، فإنه یجب بمجرّد الإدخال ، لکن الفعل مشروط بالصلاة کما فی نفس الصلاة ، فإن الشروط لفعلها غیر الشروط لوجوبها ، إلاّ أن للکلام مجالاً فی المقام.
هذا علی تقدیر صحة الخبر المذکور من العلاّمة ، وإلاّ ففی الصحة بحث ، علی أنّه ربما یقال - بتقدیر الصحة - : إنّها محتملة لأن یراد أنّ المرأة قد جاءها ما یفسد الصلاة التی هی أعظم الواجبات ، فغسل الجنابة الذی واجب أدنی یفسد بطریق أولی ، فلیتأملّ.
أمّا ما استدل به ابن إدریس من الآیة الشریفة علی ما حکاه العلاّمة موجّهاً له بأنّه سبحانه عطف الجملة علی جملة الوضوء فتشترکان فی الحکم و ( لمّا لم یجب الوضوء لغیر الصلاة فکذا الغسل ، [ وجواب ] (1) العلاّمة عنه : بمنع المساواة فی الحکم فی ) (2) عطف الجمل بعضها علی بعض ، سلّمنا لکن الآیة تدلّ علی وجوب الغسل عند إرادة الصلاة ولا تنفی الوجوب عند عدم الإرادة (3).
فلی (4) فیه بحث : أمّا أوّلاً : فلأنه إن أُرید بعطف الجملة علی الجملة أن الجملة ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً ) معطوفة علی جملة ( إِذا قُمْتُمْ ) فلا وجه للمشارکة فی إرادة الصلاة إلاّ علی احتمال لا یخلو من تکلّف ، بل أظنّ عدم القائل به ؛ وإن أُرید أن جملة ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً ) معطوفة علی جملة
ص: 173
( فَاغْسِلُوا ) فالمشارکة فی الحکم المتوقفة علیه الاولی لا وجه لمنعه ، وحینئذ فمنع العلاّمة المساواة فی الحکم علی الإطلاق غیر تام ، بل الأولی تفصیل ما قلناه.
ولا یبعد أن یدعی ظهور العطف علی جملة ( فَاغْسِلُوا ) ویکون هو مراد ابن إدریس ؛ لأنّ جملة ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی ... ) معطوفة علی جملة ( فَاغْسِلُوا ) من حیث إنّ المعروف بین الأصحاب کون التیمم یجب لغیره ، ولو لا الاتحاد فی الحکم مع الوضوء لم یتم ذلک ، وعلی هذا فتوافق [ الجُمَل (1) ] یقتضی المشارکة فی الغسل.
وما قد یقال : إنّ التیمم فیه الخلاف أیضا ، کما حکاه الشهید فی الذکری علی ما نقله شیخنا قدس سره من أن الطهارات کلها واجبة لأنفسها عند بعض (2).
یمکن الجواب عنه باحتمال أن یوجد القائل بالعطف علی جملة ( إِذا قُمْتُمْ ) وکلامنا علی تقدیر القول بوجوب التیمم لغیره ، فإنه لا بد أن یقال فی الآیة بالعطف علی جملة ( فَاغْسِلُوا ) إلاّ أن یقال : إن العطف علی جملة ( إِذا قُمْتُمْ ) ممکن والدلیل خص التیمم بدخول الوقت ، وتکون الآیة من قبیل المجمل بسبب العطف المذکور ، وبیانها من غیرها ، والقائل بکون الطهارات واجبة لأنفسها لا بد له فی آیة الوضوء من التوجیه فله أن یقول مثله فی التیمم ، فلیتأملّ.
وأمّا ثانیاً : فما ذکره العلاّمة من تسلیم کون الآیة تدل علی وجوب الغسل عند إرادة الصلاة. ففیه : أن التسلیم إن کان مع عطف جملة ( وَإِنْ
ص: 174
کُنْتُمْ ) علی قوله ( إِذا قُمْتُمْ ) فالوجه فیه غیر ظاهر ، بل علی ( توجه الإجمال الذی أشرنا إلیه و) (1) عدم معلومیة القائل به فی عطف الجمل ، ومثله یشکل الحکم به ، وبتقدیر القول به فآیة الوضوء تدل بمفهوم الشرط علی نفی الضوء عند عدم إرادة الصلاة ، ومثله یقال فی الغسل ، فإن مفهوم الشرط حجّة عند العلامة ، فقوله : إنّه لا ینفی الوجوب. محل بحث.
إلاّ أن یقال : إن مفهوم الشرط حجّة إذا لم یعارضه المنطوق ( وما دل علی وجوب الغسل بمجرد الإدخال معارض له.
وفیه : أن المفهوم بتقدیر الحجیة إذا تعارض مع المنطوق ) (2) یرجح المنطوق علیه إذا لم یکن للمنطوق معارض ، والحال أنا قد ذکرنا المعارض له ، وهو الخبر المحکوم بصحته عند المصنف ، فلا یتم القول منه ، نعم من لا یقول بصحّة الخبر یمکنه توجیه الاستدلال.
وما قاله فی المختلف : من أنّه ذکر المسألة فی المنتهی مطولة (3). لم أقف علیه ، وإنّما ذکرت ما خطر فی البال ، إلی أن یوفّق الله سبحانه لرؤیة ما ذکره.
أمّا استدلاله فی المختلف (4) علی الوجوب لنفسه بصحیح زرارة عن الباقر علیه السلام إنّه قال : « جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبیّ صلی الله علیه و آله وقال : ما تقولون فی الرجل یأتی أهله فیخالطها ولا ینزل؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقی الختانان فقد وجب الغسل ، فقال عمر
ص: 175
لعلیّ علیه السلام : ما تقول یا أبا الحسن؟ فقال علیّ علیه السلام : أتوجبون علیه الرجم والحدّ ولا توجبون علیه صاعاً من ماء ، إذا التقی الختانان فقد وجب الغسل » (1).
ثمّ قال العلاّمة : ووجه الاستدلال أنّه علیه السلام أنکر إیجاب الحدّ والرجم ونفی إیجاب الغسل بأن إیجاب أصعب العقوبتین یقتضی إیجاب أسهلهما ، ولمّا کان إیجاب الأصعب غیر مشروط بعبادة فکذلک وجوب الأدنی (2).
ففیه : أنّه لا یخرج عن الکلام الذی قلناه فی استدلاله بحدیث : « إذا التقی الختانان فقد وجب الغسل » وإن کان ظاهر قول علیّ علیه السلام الإیجاب علی الإطلاق ، إلاّ أن الخلاف الواقع بین المهاجرین والأنصار لم یعلم أنه علی الإطلاق أو حال وجوب العبادة ، وکلام علیّ علیه السلام تابع لذلک ، فالاستدلال به محل کلام.
وللعلاّمة استدلال بوجهین آخرین : أحدهما قوله علیه السلام : « إنّما الماء من الماء » (3) (4) وفیه نحو ما قدّمناه.
وثانیهما لا یصلح أن یذکر ، بل العجب من وقوع مثله من مثله ، کما یعرف من راجع کلامه. والله تعالی أعلم بحقیقة الأحوال.
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ،
ص: 176
عن عنبسة بن مصعب ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کان علیّ علیه السلام لا یری فی شی ء الغسل إلاّ فی الماء الأکبر ».
فالوجه فی هذا الخبر أنّه إذا لم یلتق الختانان لا یجب الغسل إلاّ فی الماء الأکبر ، لأنه ربما رأی الرجل فی النوم أنّه جامع فلا یری إذا انتبه شیئاً فلا یجب علیه الغسل إلاّ إذا انتبه ورأی الماء.
یدل علی ذلک [ من ] (1) أنّه مخصوص بهذه الحال :
ما رواه محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن الحسین بن أبی العلاء قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یری فی المنام حتی یجد الشهوة وهو یری أنّه قد احتلم ، فإذا استیقظ لم یر فی ثوبه الماء ولا فی جسده ، قال : « لیس علیه الغسل » وقال : « کان علیّ علیه السلام : إنّما الغسل من الماء الأکبر ، فإذا رأی فی منامه ولم یر الماء الأکبر فلیس علیه غسل ».
السند
فی الأوّل : لیس فیه ارتیاب إلاّ من جهة أبان ، والّذی قال : إنه کان ناووسیّاً (2) ، علیّ بن الحسن بن فضال (3) ، وهو فطحیّ ثقة ، فمن یعمل بالموثق یلتزم بأن أبان ناووسیّ ثقة ، فحدیثه من الموثق ویلزمه العمل به ،
ص: 177
مضافاً إلی تأیید الإجماع علی تصحیح ما یصح عنه ، کما نقله الکشی (1) ، ومن لم یعمل بالموثق فلیس أبان بداخل فی ما قیل فیه.
وما یوجد فی کلام بعض المتأخّرین من تصحیح حدیث أبان للإجماع علی تصحیح ما یصح عنه مع عمله بالموثق (2) ، لا یخلو من خروج عن اصطلاح المتأخّرین فی تصحیح الأحادیث ، والوالد قدس سره لا یعمل بالموثق واتفق له ما یوجب الإشکال فی کلامه کما نبّهنا علیه فی مواضع ممّا کتبناه.
وأمّا عنبسة بن مصعب : فقد قال الکشی نقلاً عن حمدویه : إنه ناووسی واقفی (3) ، وذکر فی روایة عن علیّ بن الحکم ، عن منصور بن یونس ، عن عنبسة بن مصعب إلی آخر الروایة (4) ، والشیخ فی التهذیب فی باب الأذان روی عن منصور بن یونس ، عن عنبسة العابد (5) ، وعنبسة العابد هو ابن بجاد علی قول النجاشی ، وهو ثقة وکان قاضیاً کما ذکره النجاشی أیضا (6).
والکشی نقل عن حمدویه عن أشیاخه أن ابن بجاد کان خیراً فاضلاً (7) ، وعلی مقتضی ما قدمناه الاتحاد ، إلاّ أن یقال بجواز روایة منصور
ص: 178
ابن یونس عن الرجلین ، وهو غیر بعید ، أو الوهم من الشیخ فی الروایة أو من الکشی ، وعلی کل حال فعنبسة بن مصعب مع القول بالوقف فیه لا یکون حدیثه من الصحیح ، إلاّ علی تقدیر تقدیم قول النجاشی الذی ظاهره التوثیق من غیر ذکر الوقف والحکم بالاتحاد ، والإشکال فیه واضح.
فما فی کلام شیخنا قدس سره من أن الشیخ روی فی الصحیح عن عنبسة ابن مصعب (1) ، محل کلام ، إلاّ أن تکون الصحة إضافیة ، وقد قدّمنا فیه قولا (2) ، والإعادة لأمر ما غیر خفی.
والثانی : فیه الحسین بن أبی العلاء ، ولا أعلم إلاّ کونه ممدوحاً بتقدیر استفادته من قولهم : إنّه أوجه من أخویه (3) ، وثقة أحد الأخوین (4) فی استفادة توثیقه منها تأمّل ، وکذلک من توثیق ابن طاوس له فی البشری ، وقد تقدم أیضاً (5).
وعلیّ بن الحکم لا ارتیاب فیه بعد روایة أحمد بن محمد بن عیسی عنه ، والظاهر أن أحمد هو المذکور لا ابن خالد لیتوجه نوع سؤال.
المتن :
ما قاله الشیخ فی الأوّل واستدلاله بالثانی لا یخلو من تأمّل ، لأن حاصل کلامه القول بخروج وجوب الغسل إذا التقی الختانان ، وخصوص هذا الخبر بمن رأی فی النوم وانتبه فلم یر شیئاً ، فإن أراد به ثبوت
ص: 179
مخصّص لما قاله ، ففیه : أنّ بیان صحة الحصر (1) هی المهمة ، وإن أراد أن الحصر إضافیّ بالنسبة إلی غیر الماء الأکبر من مثل المذی فهو صحیح إلاّ أنه لا یلائم الاختصاص بمن رأی فی النوم ، فإن الماء الأکبر یتحقق فیه الحصر بمن ذکره وغیره ، والخبر المستدل به لا یدل علی الحصر بل هو فی الحصر المذکور فی کلام علیّ علیه السلام .
فإن قلت : أیّ فرق بین عدم الدلالة علی الحصر والدخول فی الحصر؟.
قلت : الفرق ظاهر ، فإنّ مقتضی قول الشیخ أنّ کلام علیّ علیه السلام خاص بمورد الروایة المذکورة للاستدلال من الشیخ ، والحال أنّ الروایة من جملة أفراد مدلول الحصر ، کما یعرف بأیسر نظر فی الروایة.
وبالجملة : فالأولی أن یقال : إنّ الحصر إضافی بالنسبة إلی غیر الماء الأکبر من المذی ونحوه ، وحینئذ لا یضر بالحال ، وقد قدّمنا القول فی کلام علیّ علیه السلام (2) فیما سبق ، فلیتأملّ.
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللاً قلیلاً ، قال : « لیس بشی ء إلاّ أن یکون مریضاً فإنه یضعف فعلیه الغسل ».
فلا ینافی الخبر الأوّل أن الغسل یجب من الماء الأکبر ، لأنه لا یمتنع أن یکون هذا الماء هو الماء الأکبر إلاّ أنّه یخرج ( قلیلاً من
ص: 180
المریض ) (1) لضعفه وقلة حرکته ، ولأجل ذلک فصّل علیه السلام فی الخبر بین العلیل والصحیح.
ویزید ذلک بیانا :
ما رواه الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن حسین بن عثمان ، عن ابن مسکان ، عن عنبسة بن مصعب قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل احتلم فلما أصبح نظر إلی ثوبه فلم یر (2) شیئاً ، قال : « یصلّی فیه » قلت : فرجل رأی فی المنام أنّه احتلم فلمّا قام وجد بللاً قلیلاً علی طرف ذکره قال : « لیس علیه غسل ، إن علیّاً علیه السلام کان یقول : إنما الغسل من الماء الأکبر ».
السند
فی الأول : لیس فیه ارتیاب ، والعباس فیه قد قدمنا عن الوالد قدس سره أنه کان یقطع بأنه ابن معروف (3) ، وله مؤیّدات من الأخبار السابقة واللاحقة ، وابن عامر أیضاً فی حیّز الاحتمال ، وشیخنا المحقّق میرزا محمد أیّده الله قال فی فوائده علی الکتاب : وعندی أن احتمال کونه ابن عامر مثله یعنی مثل ابن معروف أو أظهر ، ولا یخفی علیک الحال بعد ما قلنا (4).
والثانی : فیه عنبسة بن مصعب وقد تقدم ، وحسین بن عثمان مشترک بین ثقتین (5).
ص: 181
المتن :
لا یخلو من إشکال فی الأول ، لأنّ قوله علیه السلام : « إلاّ أن یکون مریضاً » إلی آخره ، یقتضی بظاهره أنّ المریض إذا رأی البلل القلیل یجب علیه الغسل ، وإن لم یکن الماء بصفة الماء الأکبر ، ومخالفته للقواعد ظاهرة ، إلاّ أن یقال : إنّ المراد مع تحقّق وصف الماء الأکبر ، وفیه : أنّ قوله : لضعفه ، محتمل فی نظری القاصر لأن یراد به ضعف الماء بسبب المرض ، لا ما ظنّه الشیخ من أنّ المراد ضعف الإنسان وإن کان الضمیر فی ضعفه محتملاً للعود إلی الإنسان ، إلاّ أنّ عوده إلیه یوجب الإشکال من حیث إن الضعف إنّما یغتفر فیه عدم الدفق ، کما تدل علیه بعض الأخبار ، والخبر المبحوث عنه تضمن الاحتلام ووجدان البلل القلیل ، ولیس فیه أنّ البلل القلیل خرج بعد الانتباه ، ولو کان المراد ذلک لزم أن یکون قوله علیه السلام : « لیس بشی ء » غیر موافق لما قاله بعض المتأخّرین : من أنّ اعتبار الدفق إنّما هو مع الاشتباه (1) ، أمّا مع التحقق فیجب الغسل کما حکیناه سابقا (2) ، وإن کان فی النظر القاصر أنّ کلام من ذکرناه لا یخلو من تأمّل کما أسلفناه (3).
وربّما کان هذا الخبر غیر موافق لهم بتقدیر ما احتملناه ، لأنّ الظاهر منه حینئذ أن البلل القلیل لیس بصفة المنی إلاّ إذا کان الإنسان ضعیفاً فإنّ المنیّ یضعف ، فدلّ علی أنّ اعتبار الدفق إنّما هو علی تقدیر عدم النوم ، ومع النوم وعدم العلم بالدفق ینظر بالأوصاف.
ص: 182
نعم قد یشکل الخبر بأن القلة لا تنافی تحقق الأوصاف. ویمکن الجواب بأن القلة غالباً خلاف الوصف.
وقد یشکل الحال فی الروایة علی تقدیر اعتبار الأوصاف بأن المریض إذا ضعف منیّه أو ضعف هو عن الدفق کیف یحکم بمجرد وجود الماء أن الغسل علیه واجب مع احتمال أن لا یکون منیّاً.
ویمکن الجواب بأن النص إذا ثبت لا بعد فیه ، وغیر بعید أن یوجّه توجیه الشیخ بدلالة الأخبار الآتیة وإن بعد عن ظاهر الخبر المذکور ، غیر أن الإشکال قد یبقی من حیث إن مدلول الخبرین الآتیین لا تفصیل فیهما بالوصف ، ولعل المراد تحقق الوصف کما یدل علیه بعض الاعتبارات الآتیة فی الخبرین. وبالجملة فالمقام لا یخلو من إشکال ، والله تعالی أعلم بالحال.
قال :
ویدلّ علی أن حکم العلیل مفارق لحکم الصحیح أیضا : ما رواه محمد بن علیّ بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن حریز ، عن عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له : الرجل یری فی المنام ویجد الشهوة فیستیقظ وینظر فلا یری شیئاً ثم یمکث الهوینا (1) بعد فیخرج ، قال : « إن کان مریضاً فلیغتسل وإن لم یکن مریضاً فلا شی ء علیه » قال : قلت له : فما الفرق (2) بینهما قال : « لأن الرجل إذا کان صحیحاً جاء الماء بدفقة قویة ، وإن کان مریضاً لم یجی ء إلاّ بعد ».
ص: 183
عنه ، عن موسی بن جعفر بن وهب ، عن داود بن مهزیار ، عن علیّ بن إسماعیل ، عن حریز ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجلٌ رأی فی منامه فوجد اللذة والشهوة ثمّ قام فلم یَرَ فی ثوبه شیئاً ، قال ، فقال : « إن کان مریضاً فعلیه الغسل ، وإن کان صحیحاً فلا شی ء علیه ».
السند
فی الأوّل : واضح بعد ما قدّمناه.
والثانی : ضمیر عنه فیه یرجع إلی محمد بن علی بن محبوب فی الظاهر من عادة الشیخ ، إلاّ أن فی روایة محمد بن علی بن محبوب عن موسی بن جعفر بن وهب نوع تأمّل ، لأن الراوی عنه فی الرجال محمد بن یحیی العطار ، عن محمد بن أحمد بن قتادة ؛ وأحمد بن إدریس ، عن عمران بن موسی ، عن موسی بن جعفر (1) ، ومحمد بن علیّ بن محبوب فی مرتبة محمد بن یحیی وأحمد بن إدریس فی الجملة ، إلاّ أن باب الإمکان واسع ، ویتفق ذلک کما یتفق فی کثیر من النظائر یعرفها الممارس.
ثم إنّ موسی بن جعفر غیر ثقة ولا فیه مدح أیضا ؛ وداود بن مهزیار مذکور مهملاً فی رجال الجواد علیه السلام من کتاب الشیخ (2) ؛ وعلیّ بن إسماعیل لا یخلو من جهالة ، وتوهم الاشتراک بین من هو ثقة وغیره یدفعه مراجعة کتاب شیخنا أیده الله فی الرجال (3).
ص: 184
المتن :
فی الأوّل : قد قدّمنا ما فیه کفایة عن الإعادة (1) ، والذی ینبغی بیانه هنا أن ظاهر الخبر أن المریض یفارق الصحیح بتأخّر نزول منیّه عن حصول الشهوة ، وربما یستفاد منه أن الماء یجی ء بغیر دفق قویّ لا أنّه بغیر دفق أصلاً ، وإنّما یستفاد ذلک منه لأنه جعل الدفقة القویة للصحیح ، والمریض لا یجی ء ماؤه إلاّ بعد ، وهذه المقابلة غیر وافیة کما لا یخفی ، بل الظاهر أن المراد بالتأخّر عدم الدفق المذکور للصحیح ، ولمّا کان وصف القوة فی الصحیح أمکن أن یکون فی المریض الدفق الضعیف (2) وإن احتمل أن لا یکون فی المریض دفق أصلاً.
ومن هنا یعلم أن ما قاله شیخنا قدس سره بعد قول المحقق : وإن کان مریضاً کفت الشهوة وفتور الجسد من أنّه یدلّ علی عدم اعتبار الدفق فی المریض صحیحة عبد الله بن أبی یعفور ، ثمّ قال : ونحوه روی معاویة بن عمار فی الصحیح (3). وعنی بها ما تقدم من روایة معاویة المتقدمة. محل بحث قد سمعت کلامنا فیها (4).
وبالجملة : فاعتبار عدم الدفق لا صراحة للخبرین (5) فیه ، نعم ربما یلوح منهما ذلک ، والله تعالی أعلم.
وأمّا الخبر الثانی : فالإشکال فیه أن ظاهره عدم وجدان شی ء فی
ص: 185
الثوب والحکم بوجوب الغسل ، إلاّ أن شیخنا أیّده الله فی فوائد الکتاب قال : إنّه ینبغی حمل هذه الروایة علی مفاد المتقدمة : من أنّه یری بعد ما یمکث ، ثم قال : والکل علی ما إذا کان فیه نوع اشتباه ، وإلاّ فیجب الغسل مع کونه منیاً علی کل حال. انتهی. وأنت خبیر بما فی المقام بعد ملاحظة ما قدمناه.
اللغة :
قال فی النهایة : فی صفته علیه السلام : یمشی هوناً. الهون : الرفق واللین والتثبّت ، وفی روایة : کان یمشی الهُوَیْنا ، تصغیر الهُونی تأنیث الأهون ، وهو من الأول (1).
قال :
باب (2) الرجل یری فی ثوبه المنی ولم یذکر الاحتلام
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یری فی ثیابه المنی بعد ما یصبح ولم یکن رأی فی منامه أنّه قد احتلم قال : « فلیغتسل ولیغسل ثوبه ویعید صلاته ».
وروی أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل ینام ولم یر فی نومه أنّه احتلم فوجد
ص: 186
فی ثوبه وعلی فخذه الماء هل علیه غسل؟ قال : « نعم ».
فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب (1)، عن علی بن السندی ، عن حماد بن عیسی ، عن شعیب ، عن أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصیب ثوبه (2)منیاً ولم یعلم أنّه احتلم قال : « لیغسل ما وجد بثوبه ولیتوضّأ ».
فلا ینافی الخبرین الأوّلین ، لأن الوجه فی الجمع بینهما أن الثوب الذی لا یشارکه فی استعماله غیره متی وجد علیه منیّاً وجب علیه الغسل وإعادة الصلاة إن کان قد صلی ، لجواز أن یکون قد نسی الاحتلام ، فأمّا ما یشارکه فیه غیره فلا یوجب علیه الغسل إلاّ إذا تیقن الاحتلام.
السند
فی الأوّل : موثق عند المتأخّرین ، والحسن فیه أخو الحسین.
وفی الثانی : عثمان بن عیسی ، وقد قدّمنا القول فیه (3).
والثالث : فیه جهالة علیّ بن السندی ، وما وقع فی الکشی : من أنه علی بن إسماعیل وتوثیقه (4) کما حکاه فی الخلاصة (5). یدفعه ما حققه شیخنا أیّده الله فی کتابه (6) ؛ وأبو بصیر قد قدّمنا حاله (7).
ص: 187
المتن :
فی الأولین ظاهر الدلالة علی وجوب الغسل ، والخبر الأخیر ما قاله الشیخ فیه لا یخلو من نظر ، لأن الحدیث تضمّن أنّه یتوضّأ ، فإن أُرید بالوضوء : الشرعی ، لا یوافق قول الشیخ ، إلاّ أن یحمل الوضوء علی ما بعد النوم ، والظاهر الإطلاق ، ولعلّ الخبر لا یمنع من الحمل المذکور وإن بَعُد ؛ وإن أُرید بالوضوء الاستنجاء کان أشکل ، إلاّ أن الظاهر من إطلاق الوضوء : الأوّل.
وما قاله الشیخ ، من أنّه إذا شارکه فیه غیره لا یجب علیه الغسل. محتمل لأن یرید بالمشارکة النوم فیه مع الغیر مجتمعین کالکساء الذی یفرش أو یلتحف به ، أو یراد به ما یتناوب علیه مع غیره.
والعلاّمة فی المختلف نقل عن الشیخ فی النهایة أنّه قال : إذا انتبه فرأی علی ثوبه أو فراشه منیّاً ولم یذکر الاحتلام وجب علیه الغسل ، فإن قام من موضعه ثم رأی بعد ذلک ، فإن کان ذلک الثوب أو الفراش مما یستعمله غیره لم یجب علیه الغسل ، وإن کان ممّا لا یستعمله غیره وجب علیه الغسل (1). وهذا الکلام یعطی تحقق الاشتراک بالنوبة.
ووجه عدم وجوب الغسل مع الاشتراک ظاهر ، کما ذکره الشیخ ؛ لتعیّن براءة الذمة ، فلا یخرج عنه بالشک ، ویدلُّ علیه صحیح بعض الأخبار الدالة علی أنّه لا ینقض الیقین بالشک (2).
وظاهر بعض الأصحاب القول بوجوب الغسل علی ذی النوبة (3) ،
ص: 188
وفیه ما فیه ، وقد ذکرت ما یتفرع علی هذا فی حواشی المختلف.
أمّا ما ذکره الشیخ : من أن الثوب المختص یجب علی صاحبه الغسل. یشکل بما ذکره بعض المتأخّرین : من أنّه لو احتمل کون المنی الموجود من غیره لم یجب علیه الغسل (1). والحق أن هذا یندفع بأن یراد بالاختصاص ما یخرج هذا ، إلاّ أن یقال : إن مثل هذا لا یتوجه فیه صدق الاشتراک ، ولا واسطة ، والأمر سهل إذا علم المراد.
فإن قلت : کیف یتصور ما ذکرت؟
قلت : قد یتفق أن یری علی ثوبه منیاً فی جانب منه ویکون قد نام قریباً ممن یحتمل حصوله منه.
نعم : قد یحصل الإشکال فی مشارکة من یحتمل بلوغه بالاحتلام ، کابن ثلاثة عشر وأربعة عشر ، فإن احتمال کون المنی من المذکور یقتضی عدم وجوب الغسل علی الرجل ، وعدم تحقق البلوغ یقتضی الانحصار فی الرجل ، إلاّ أن هذا یمکن الجواب عنه ، کما لا یخفی.
ثم المشارک لو کان رجلاً وقلنا بأنه لا یجب الغسل علی کل واحد لحصول الشک الذی لا یعارض الیقین فیجوز لهما أن یفعلا ما یفعله الطاهر ، وقد اختلف فی جواز ائتمام أحدهما بالآخر ، وللکلام فی المقام مجال واسع إلاّ أن المهم ما ذکرناه.
قال :
باب الرجل یجامع المرأة فیما دون الفرج فینزل هو دونها
أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ،
ص: 189
عن أبیه ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد ، عن الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل یصیب المرأة فیما دون الفرج أعلیها غسل إن هو انزل ولم تنزل هی؟ قال : « لیس علیها غسل وإن لم ینزل هو فلیس علیه غسل ».
أحمد بن محمد ، عن البرقی رفعه قال : « إذا أتی الرجل المرأة فی دبرها فلم ینزل (1) فلا غسل علیهما ، وإن انزل فعلیه الغسل ولا غسل علیها ».
محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزین ، عن محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : کیف جعل علی المرأة إذا رأت فی النوم أن الرجل یجامعها فی فرجها الغسل ، ولم یجعل علیها الغسل إذا جامعها فیما (2) دون الفرج فی الیقظة فأمنت؟ قال : « لأنها رأت فی منامها أن الرجل یجامعها فی فرجها فوجب علیها الغسل ، والآخر إنّما جامعها دون الفرج فلم یجب علیها الغسل لأنه لم یدخله ، ولو کان أدخله فی الیقظة وجب علیها الغسل ، أمنت أو لم تمن ».
السند
فی الأوّل : لا یخلو من خلل ، لأن محمد بن علی بن محبوب لا یروی عن محمد بن أبی عمیر ( بغیر واسطة ، وفی التهذیب رواه محمد بن علی
ص: 190
ابن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبی عمیر ) (1) ، فهو تام ؛ والشک فی روایة أحمد عن ابن أبی عمیر تقدم دفعه ، والوجود کثیر ، وعلی کل حال فالخبر لا ریب فیه.
والثانی : غنی عن البیان ، مضافاً إلی الشک فی البرقی.
والثالث : لا ریب فیه ، وقد تقدم سنداً ومتناً.
المتن :
فی الخبر الأوّل : کما تری یدلّ علی الإصابة فیما دون الفرج ، فکأن الشیخ ظن تناوله للدبر ، وربما یشکل الحال ، بأن بعض الأصحاب ظن تناول الفرج للدبر ، وسیأتی القول فیه (2).
أمّا الخبر الثانی : فصریح من وجه إلاّ أن لفظة « فلم ینزل » لا یخلو من إجمال.
والخبر الثالث : کأن الشیخ ظنّ منه أن قوله : « لأنه لم یدخله. » یرید به الإدخال فی القبل وقد تقدم منّا فیه القول ومن ثم أعاده الشیخ.
وما قد یتخیل أن الشیخ ناظر إلی قوله : ولم یجعل علیها الغسل إذا جامعها فیما دون الفرج. یدفعه أن هذا فی حیّز الإجمال ، وإن کان محذور عدم مطابقة الجواب للسؤال لا محید (3) عنه ، کما أشرنا إلیه سابقا.
إذا عرفت هذا : فاعلم أن العلاّمة فی المختلف قال : إنّ ابن بابویه
ص: 191
روی فی کتابه عدم إیجاب الغسل (1) ، وهو اختیار الشیخ فی الاستبصار والنهایة ، وهو الظاهر من کلام سلاّر ، وقال فی کتاب النکاح من المبسوط : الوطء فی الدبر یتعلق به أحکام الوطء فی الفرج ، وعدّ منها وجوب الغسل ، ثم اختار العلاّمة الوجوب ، وهو قول السید المرتضی (2).
واحتج العلاّمة بوجوه : أحدها : قوله تعالی ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) (3) وثانیها : صحیح محمد بن مسلم السابق الدال علی أنّه إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم ، قال : والإدخال صادق فی الدبر کصدقه فی القبل. وثالثها : الروایة الآتیة عن حفص بن سوقة المرسلة. ورابعها : صحیح زرارة السابق نقله فی قضیة الأنصار والمهاجرین ، وقول علی علیه السلام : « أتوجبون علیه الرجم والحد ولا توجبون علیه صاعاً من ماء؟ » قال : ووجه الاستدلال أنّه علیه السلام أنکر إیجاب الحد دون الغسل ، وهو یدل علی متابعته فی الوجوب ، والحد یجب هنا فیجب الغسل. وذکر خامساً لا یلیق ذکره (4).
وفی نظری القاصر إمکان أن یقال علیه :
أمّا علی الأوّل : فإنّ صحیح الحلبی المذکور فی أول الباب یدل بظاهره علی أنّ الإصابة فیما دون الفرج من دون إنزال لا یوجب الغسل ، فیقیّد مطلق القرآن أو یبیّن مجملة ، ویحتمل أن یقال : یخص عامّه ، بناءً علی جواز تخصیص القرآن بالخبر ، کما هو مذهبه ، وکذلک تقیید مطلقه وإن لم أعلم الخلاف فیه الآن ، إلاّ أنّ الدلیل نفیاً وإثباتاً یأتی فیه کما یعلم
ص: 192
من الأُصول.
وما أجاب به العلاّمة عن الخبر المذکور من القول بالموجب ومنع دلالته علی صورة النزاع ، فإنّ الدبر عندنا یسمی فرجاً لغةً وعرفا ، فأمّا لغة : فلأنّه مأخوذ من الانفراج ، وأمّا عرفاً : فکذلک ، لقوله تعالی ( وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) (1) وأشار بذلک إلی ذَکَر الرجل وسمّاه فرجاً ، للمعنی الذی هو الانفراج (2) ففیه نظر :
لأنّ دعوی کون اللغة والعرف تدلان علی أنّ الدبر یقال له فرج ، خلاف ما ذکره بعض أهل اللغة : أنّ الفرج عرفاً یقال للقبل من الرجل والمرأة ، کما نقلناه سابقاً عن ابن الأثیر فی أحکام الأحکام (3) ، واستدلال العلاّمة علی العرف بقوله تعالی ( وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) لا یخلو من تأمّل ، لأنّه إن أراد أنّ الآیة تدل علی إطلاق الفرج علی الذکر فنحن نقول به ، وإن أراد الإطلاق علی الدبر فهو أعلم بالمراد.
فإن قلت : لعل المراد أنّ الآیة تنفی الاختصاص بقبل المرأة ، وإذا نفی الاختصاص شمل الدبر ، کما نبه علیه قوله : وأشار بذلک إلی ذکر الرجل.
قلت : أیّ ملازمة بین نفی الاختصاص وشمول الدبر؟ مع ما سمعته من الخلاف ، علی أنّ للقائل بالاختصاص بقبل المرأة أن یقول : إنّ الآیة یحتمل فیها المجاز ، والقرینة معه ، وإن کان فیه نظر.
نعم یتوجه علی العلاّمة أنّ فهم الانفراج من إرادة الذَّکَر فی الآیة لو تم فهو انفراج القبل من المرأة بلا ریب ، ومن الرجل للآیة ، علی أنّا قدّمنا
ص: 193
عن النهایة ما یدل علی أن الفرج إنّما یسمی فرجاً لأنه بین الرِّجلین (1) ، إلاّ أن یتکلف ما لا یخفی.
ولو سلّم جمیع ذلک من العلاّمة ، فالحدیث الصحیح عن الحلبی تضمن إصابة ما دون الفرج (2) ، وعلی تقدیر إطلاق الفرج علی الدبر کان حق السؤال ما دون الفرجین ، وإرادة الجنس هنا بعیدة عن مساق الخبر والمعنی ، إلاّ بتکلّف لا یلیق ذکره.
ولئن سلّم جمیع ذلک ، فما تضمنه الخبر الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل من قوله علیه السلام : « إذا التقی الختانان وجب الغسل » (3) یدل بمفهومه علی عدم إیجاب الغسل عند عدم الالتقاء ، والمفهوم حجة ، وحینئذ یخص العام ویقید المطلق بالمفهوم.
وجواب العلاّمة عن الروایة المذکورة : بأن دلالة المفهوم ضعیفة (4). محل بحث ، لأنه قائل بحجّیة مفهوم الشرط.
فإن قلت : لعل مراده بضعف المفهوم ، أن دلالة المنطوق أقوی منه ، فلا یصلح للتخصیص ، لا أنّ المفهوم ضعیف مطلقا.
قلت : إذا سلّم حجیة المفهوم لا یتم ما ذکرت.
نعم یحتمل أن یرید بالضعف ، أن مفهوم الشرط إنّما یکون حجة إذا دل علی النفی عما عداه ، ولمّا کان الإجماع واقعاً علی وجوب الغسل بالإنزال ، علم أن الشرط لیس المقصود به النفی عما عداه ، وعلی هذا
ص: 194
یکون قوله بعد ما حکیناه عنه - : ولأنه منفی بالإجماع فإن الإنزال إذا تحقق من غیر التقاء وجب الغسل -. بیاناً لما ذکرناه ، إلاّ أن الإتیان بالواو لا یلائم ذلک ، ولعلّه سهو.
یقال : إن مراده بضعف دلالة المفهوم أن قول السائل فی الروایة بعد ما قدّمناه منها : قلت : التقاء الختانین هو غیبوبة الحشفة؟. لا یخلو من تسامح ، لأن غیبوبة الحشفة لیس هی التقاء الختانین ، بل هی سبب التقاء الختانین ، ویحتمل أن یکون المراد بالتقاء الختانین الغیبوبة مطلقا ، فتکون العبارة کنایة عن [ ذلک (1) ] أو علما علیه ، وحینئذ یضعف المفهوم.
وفیه : أنّ حمل (2) السبب علی المسبب سائغ شائع ، وحینئذ فقول السائل من هذا القبیل.
ثم ما ذکره من جهة الإجماع علی الإنزال لا یضرّ بالمفهوم ، إذ غایته أن یخص المفهوم العام بالإجماع ، ولا بعد فیه.
فإن قلت : کما خصّ المفهوم بالإجماع ، کذلک یخص بما عدا الدبر ، للخبر الدال علی أن مجرد الإدخال کاف ، وعموم الآیة حینئذ یبقی من غیر تخصیص.
قلت : الفرق بین تخصیص الإجماع لعموم المفهوم ، وبین غیره من الخبر والآیة ، لأن کلا من الخبر والآیة عام والمفهوم عام ، فإبقاء الکل علی العموم لا یتم ، وتخصیص العام بالعام کذلک.
نعم یمکن أن یقال : إن کلًّا من الآیة والخبر والمفهوم عام من وجه ،
ص: 195
وخاص من وجه ، فیخص کل عام من الجانبین ، وفیه ما لا یخفی علی المتأمّل فی حقیقة الحال.
ومن هنا یعلم ما یتوجه علی الثانی ، فإنّا قد ذکرنا ما یتعلق به.
وأمّا علی الثالث : فبأنّ الروایة لا تصلح للاستدلال بعد تحقق الإرسال ، وما قد یتخیل من أنّ الإجماع علی تصحیح ما یصح عن ابن أبی عمیر یرفع وهن الإرسال ، ففیه : ما قدمناه فی أول الکتاب ، وکلام الشیخ هنا أیضاً فی ردّها یحقق ما قدمناه ، ویؤکّد ما قاله سابقاً ، فلا ینبغی الغفلة عنه.
وأمّا علی الرابع : فلأنّ توجیه الاستدلال بتابعیة الغسل للحد ، فیه : أنّ التابعیة إن أُرید بها اللزوم فدفعه واضح ، إذ الغسل لیس بلازم للحد ؛ وإن أُرید بالتابعیة مجرد اتفاق حصوله عنده فلا یتم المطلوب.
فإن قلت : لو أُرید اللزوم فلا مانع منه ، سوی ما یتخیل من أنّ وجوب الحدّ لو لزمه الغسل لزم أنّ کل من وجب علیه الحدّ وجب علیه الغسل ، وهو باطل بالاتفاق ؛ وهذا سهل الدفع ، لأنّا نقول : الحدّ المتعلق بالجماع ، وهو حاصل فی القبل والدبر.
قلت : إن أردت بالحد ما ذکرت لا یتم الاستدلال بالحدیث ، لأنّه تضمن أنّ الأنصار قالت : الماء من الماء ، والمهاجرین قالوا : إذا التقی الختانان ، وأین هذا من الجماع علی الإطلاق؟!.
فإن قلت : وجه استدلال العلاّمة من حیث إنکار علی علیه السلام إیجاب الحدّ دون الغسل ، ولو لا الارتباط به لما کان للإنکار معنی.
قلت : بل المعنی حاصل من جهة أنّهم أوجبوا الحدّ فی التقاء الختانین ولم یوجبوا الغسل ، فالإنکار علی حد خاص ، فینبغی تأمّل هذا کلّه فإنّه حریّ بالتأمّل التامّ ، وبالله سبحانه الاعتصام.
ص: 196
قال رحمه الله :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن حفص بن سوقة ، عمن أخبره ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام فی (1) رجل أتی (2) أهله من خلفها ، قال : « هو أحد المأتیین ، فیه الغسل ».
فلا ینافی الأخبار الأوّلة ، لأن هذا الخبر مرسل مقطوع ، مع أنه خبر واحد ، وما هذا حکمه لا یعارض (3) الأخبار المسندة ، علی أنه یمکن أن یکون ورد مورد التقیة ، لأنه موافق لمذهب العامة (4) ، ولأن الذمة بریئة من وجوب الغسل ، فلا یعلق علیها وجوب الغسل إلاّ بدلیل یوجب العلم ، وهذا الخبر من أخبار الآحاد التی لا یوجب العلم ولا العمل ، فلا یجب العمل به.
السند
ما ذکره الشیخ فیه واضح ، وکذلک تأییده لما قدمناه فی أول الکتاب ، من أن الإجماع علی تصحیح ما یصح عن الرجل لا یثمر عدم الالتفات إلی من بعده وإن کان ضعیفا (5).
وما قد یقال : إن ردّ الشیخ الخبر بالإرسال لیس علی الإطلاق ، بل مع کونه خبر واحد ، یعنی غیر محفوف بالقرائن ، کما یظهر منه فی مواضع.
ص: 197
ففیه : أن الإجماع علی تصحیح ما یصح عن الرجل لو تم ما ظنّه بعض المتأخّرین لکان من أظهر القرائن.
واحتمال أن یقال : إن مراده هنا لیس علی حد قوله فی غیره من الأخبار من إرادة القرائن ، بل أنّه خبر واحد. فیه : أنه لا معنی له کما لا یخفی. وأمّا حفص بن سوقة فهو ثقة کما فی النجاشی (1).
المتن :
ما ذکره الشیخ فیه من الحمل علی التقیة لأنه موافق لمذهب العامة ، ظاهر فی أن أصحابنا لا یقولون بمضمونه.
ثم قوله : إلاّ بدلیل یوجب العلم. یدل علی انتفاء الدلیل المذکور ، وهذا ینافی ما نقله العلاّمة فی المختلف عن السید المرتضی ، حیث ذهب إلی وجوب الغسل ، إنّه قال :
لا أعلم خلافاً بین المسلمین فی أن الوطء فی الموضع المکروه من ذکر أو أنثی یجری مجری الوطء فی القبل مع الإیقاب وغیبوبة الحشفة فی وجوب الغسل علی الفاعل والمفعول به ، وإن لم یکن معه إنزال ، ولا وجدت فی الکتب المصنفة لأصحابنا الإمامیة إلاّ ذلک ، ولا سمعت من عاصرنی منهم من شیوخهم نحواً من ستین سنة یفتی إلاّ بذلک ، فهذه مسألة إجماعیة (2) من الکل ، وإن (3) شئت أن أقول : إنّه معلوم بالضرورة من دین الرسول صلی الله علیه و آله أنّه لا خلاف بین الفرجین فی هذا الحکم.
ص: 198
إلی أن قال : واتصل بی فی هذه الأیام عن بعض الشیعة الإمامیة أن الوطء فی الدبر لا یوجب الغسل ، تعویلاً علی أن الأصل عدم الوجوب ، أو علی خبر یذکر أنّه موجود فی منتخبات سعد أو غیرها ، فهذا ممّا لا یلتفت إلیه ، أمّا الأول : فباطل ، لأن الإجماع والقرآن وهو قوله تعالی ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) یزیل حکمه ، وأمّا الخبر فلا یعتمد علیه فی معارضة الإجماع والقرآن (1). انتهی المراد منه.
ولمتعجب أن یتعجّب ممّا وقع بین کلامی الشیخ والمرتضی ، والله سبحانه المستعان ، وعلیه فی الأُمور کلّها التکلان.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه اتفق للعلاّمة الاستدلال علی وجوب الغسل بالوطء فی دبر الغلام بالإجماع المرکّب (2) ، والمحقق فی الشرائع نقله عن المرتضی رضی الله عنه وردّه بأنّه لم یثبت (3) ، والمتأخّرون عن الفاضلین قد اضطربوا فی قول المحقق : إنّ الإجماع لم یثبت (4). مع أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند الأکثر ، فکیف بنقل السید.
وفی نظری القاصر : أن أصل ذکر الاستدلال بالإجماع المرکّب لا یخلو من إجمال ، فضلاً عن تحقیق الحال بالنسبة إلی النقل المذکور فی المقال ، وقد فصّلت المقام فی حواشی المختلف ، غیر أنی أذکر هنا ما لا بدّ منه.
والحاصل : أن الإجماع المرکب حقیقته فی الأُصول : إطباق أهل الحلّ والعقد علی قولین لا یتجاوزونهما إلی ثالث ، وفائدة هذا الإجماع
ص: 199
عدم جواز إحداث قول ثالث ، أمّا الاستدلال به علی حکم من الأحکام فغیر واضح ، لأنّا إذا أردنا فی هذه المسألة المبحوث عنها أن نقول : کما یجب الغسل بوطء المرأة فی دبرها یجب بالوطء فی دبر الغلام ، للإجماع المرکب ، وهو أنّ کل من أوجب ذلک أوجب هذا ، ومن نفاه نفی. لکان من قبیل اللغو ، فکیف یصدر من مثل السیّد؟! والعلاّمة قد صرّح به فی المختلف ، فقال من جملة الوجوه : الثالث : الإجماع المرکب ، فإنّ کل قائل بوجوبه فی دبر المرأة قائل بوجوبه فی دبر الغلام (1). وأنت خبیر بأنّ هذا لا یفید المطلوب.
والذی یمکن أن یقال فی التوجیه أنّ الأدلّة لمّا دلت علی المرأة لزم القول بمقتضاها ، والاختصاص بالمرأة لا یمکن ، لأنّه خرق للإجماع المرکب ، وذلک لا یجوز ، فلا بدّ من القول به فی الغلام ، وحینئذ فالاستدلال بالإجماع المرکب یراد به هذا المعنی لا غیر ، ولما تقدم من السید نقل الإجماع علی وجوب الغسل بوطء المرأة فی الدبر لزمه القول بالغلام ، لکن لا
یخفی أنّ لزوم القول لیس استدلالاً بالإجماع المرکب ، وکأن المراد : خوفاً من خرق الإجماع المرکب.
وأنت خبیر بأنّ ظاهر کلام السیّد دعوی الإجماع علی الذکر والأُنثی کما نقله العلاّمة (2) ، فالإجماع بسیط ، وعلی تقدیر الإجماع المرکب وتمام التوجیه السابق : من أنّ الدلیل لمّا دل علی المرأة لزم الحکم فی الغلام ، لا یکون المعصوم داخلاً یقیناً ، والعبرة فی الإجماع بدخوله.
وفی نظری القاصر أنّ قول المحقق بعد النقل عن السید الاستدلال
ص: 200
بالإجماع المرکب : ولم یثبت. مراده عدم تحقق معنی الإجماع المعتبر فیه العلم بدخول المعصوم ، لا أن نقل السید الإجماع لم یثبت به الحکم ، وبهذا یندفع ما قاله شیخنا قدس سره فی المدارک : من أن حجّة السید واضحة بعد ثبوتها ، لکن المحقق اعترضها بأن الإجماع لم یثبت عنده ، وردّه المتأخّرون بأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة وکفی بالسید ناقلا (1).
ثم حقق شیخنا قدس سره أنّ توقف المحقّق لیس لعدم قبول خبر الواحد عنده ، بل لاستبعاد تحقق الإجماع فی مثل ذلک ، لعدم العلم بدخول المعصوم.
وأنت خبیر بأنّ هذا الکلام محل بحث ، لأنّ العلم بدخول قول المعصوم إن کان فی الإجماع غیر المنقول بخبر الواحد فمسلّم ولا کلام فیه ، وإن کان فی المنقول بالخبر فالعلم بدخول المعصوم لیس بشرط ، وإمکان علم الناقل لا مجال لإنکاره مع فرض العدالة.
نعم قد یستبعد ذلک ، لا سیّما إذا خالف الناقل نفسه ، أو خالفه غیره ، وإن کان معلوم النسب ، علی أن المحقق یدعی الإجماع فی المعتبر کثیراً ، فکل ما یقول علی السید یقال علیه.
والحق أن مراده ما قدّمناه ، وإن کان المحقق قد یعترض علی من یدعی الإجماع کما یعلم من المعتبر (2) ، إلاّ أنّه فارق بین الناقلین ، والله تعالی أعلم بالحال.
قال :
باب الجنب لا یمسّ الدراهم علیها اسم الله تعالی
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن
ص: 201
محمد بن یحیی وأحمد بن إدریس جمیعاً ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عمرو (1) بن سعید المدائنی ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یمس الجنب درهماً ولا دیناراً علیه اسم الله تعالی ».
فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن محمد بن الحسین وعلی بن السندی ، عن صفوان بن یحیی ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی إبراهیم 7 ، قال : سألته عن الجنب والطامث یمسّان بأیدیهما الدراهم البیض ، قال : « لا بأس ».
فلا ینافی الخبر الأول ، لأنه لا یمتنع أن یکون إنّما أجاز له ذلک (2) إذا لم یکن علیها اسم الله تعالی وإن کانت بیضاً ، وفی الأوّل نهی عن مسّها إذا کان علیها شی ء من ذلک.
السند
فی الأول : موثّق بلا ریب.
والثانی : کذلک عند المتأخرین (3) ، وقد یظن أنّه صحیح ، لأن إسحاق بن عمار لم یذکر النجاشی أنّه فطحی (4) ، وقد قدّمنا ترجیح قول النجاشی علی قول الشیخ فی القدح.
ص: 202
المتن :
ما ذکره الشیخ من الجمع لا یخلو من وجه ، وکأنّ المراد بالاسم فی الخبر الأوّل ما یتناول الوصف المختص وغیره ، إلاّ أنی لم أر الآن فی کلام الأصحاب ما یکشف المراد.
ولا یخفی أن ظاهر الخبر مسّ ما علیه اسم الله ، والمحقق فی المعتبر قال : ویحرم علیه مس اسم الله سبحانه ، ولو کان علی درهم أو دینار أو غیرهما ، محتجّاً علیه بروایة عمار ، قال : والروایة وإن کانت ضعیفة السند ، لکن مضمونها مطابق لما یجب من تعظیم الله سبحانه (1).
وأنت خبیر بأن إثبات التحریم بما قاله محل کلام ، علی أن قوله بضعف الروایة مع ما یظهر من أُصوله لا یخلو من شی ء ، والجواب یعلم من کلام المحقق ، ( وقد أشرنا إلی ذلک فی غیر هذا الموضع ، والجواب لا یتم تفصیله إلاّ بمراجعة کلام المحقق ) (2) فی الأُصول (3).
قال :
باب أنّ الجنب لا یمسّ المصحف
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : کان إسماعیل بن
ص: 203
أبی عبد الله علیه السلام عنده ، فقال : « یا بُنَیّ اقرأ المصحف » فقال : إنی لست علی وضوء ، فقال : « لا تمسّ الکتاب (1) ومُسّ الورق ».
عنه ، عن حماد بن عیسی ، عن الحسین بن المختار ، عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمّن قرأ فی المصحف وهو علی غیر وضوء قال : « لا بأس ولا یمسّ الکتاب (2) ».
فأمّا ما رواه علی بن الحسن بن فضال ، عن جعفر بن محمد بن حکیم وجعفر بن محمد بن أبی الصباح جمیعاً عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « المصحف لا تمسّه علی غیر طهر ، ولا جنباً ، ولا تمسّ خطه (3) ولا تعلّقه إن الله تعالی یقول ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (4) ».
فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من الکراهیة دون الحظر.
السند
فی الأوّل : مرسل.
والثانی : فیه الحسین بن المختار ، وقال الشیخ : إنّه واقفی (5). والنجاشی لم یذکر ذلک ولا وثّقه (6) ، والمفید فی إرشاده نقل عنه شیخنا
ص: 204
- أیّده الله تعالی أنّه قال : من ثقات الکاظم علیه السلام (1). ونقل فی الخلاصة : أنّ ابن عقدة نقل عن علی بن الحسن أنّه ثقة (2) ، فهو مؤیّد لقول المفید ؛ وأبو بصیر قد تقدم القول فیه (3).
والثالث : فیه جعفر بن حکیم ( والظاهر أنّه ابن محمد بن حکیم ) (4) وهو مذکور فی أصحاب الکاظم علیه السلام من کتاب الشیخ مهملاً (5) ، وفی الکشی روی ما یقتضی أنّه لیس بشی ء (6) ؛ وجعفر بن محمّد بن أبی الصباح لم أره فی الرجال ؛ وإبراهیم بن عبد الحمید وثقه الشیخ فی الفهرست (7) ، وفی رجال الکاظم من کتابه قال : إنّه واقفی (8). والنجاشی ذکره مهملا (9).
المتن :
فی الأوّل کما تری یدل علی أنّ مسّ الکتاب علی غیر وضوء منهی عنه ، ویستفاد منه حکم الجنابة بطریق أولی ، وربما تناول قوله : علی غیر وضوء. الجنابة ، ولا یخفی ما فیه ، وکأنّ الشیخ استدل به للتقریب الأول.
والخبر الثانی : نحوه فی الدلالة.
ص: 205
وأمّا الثالث : فما قاله الشیخ فیه : من الحمل علی الکراهة. لا یخلو من إجمال ، لأنه إن أراد أن مسّ الخط والتعلیق مکروه أشکل بأن قوله : « المصحف لا تمسه علی غیر طهر » إما أن یراد به الخط ، أو المجموع من الورق والخط ، فإن کان الأوّل فهو محرم عند الشیخ ، وإن کان الثانی فهو مکروه عند الشیخ أیضا ، إلاّ أنّ ذکر الآیة فی الروایة یقتضی أن مفادها الکراهة ، وهو خلاف المعروف بین جماعة من الأصحاب (1).
ولو أُرید بها الأعم من التحریم والکراهة علی نحو من التوجیه لصحة الاستعمال ، کان أیضاً خلاف المذکور فی کلام من ذکرناه.
ولو أُرید بالمصحف الخط فیکون محرّماً والآیة إنّما ذکرت لأول الکلام ، کان خلاف الظاهر من الروایة ، بل هو مستلزم لخلل فی الروایة غیر خفی.
وما وقع فی کلام جماعة من الأصحاب : أنّ الآیة تدل علی التحریم بظاهرها. ففیه : أنّ الآیة الشریفة یتوقف الاستدلال بها علی أن یکون الضمیر فی ( یَمَسُّهُ ) عائد إلی القرآن ، لا إلی الکتاب المکنون وهو اللوح المحفوظ علی ما قیل مع أنّه أقرب ، وعلی أن الجملة الخبریة فی ( لا یَمَسُّهُ ) بمعنی الإنشاء ، وعلی أن یراد بالطهارة الشرعیة ، وإثبات ما ذکر مشکل (2).
وقد قال بعض المفسرین : إنّ المعنی : لا یطلع علی اللوح المحفوظ إلاّ الملائکة المطهرون عن الأدناس الجسمانیة (3).
ص: 206
ونقل عن بعض الأصحاب أنّه ادعی الإجماع علی التحریم (1) ، والعلاّمة فی المختلف نقل عن الشیخ فی المبسوط کراهة مسّ کتابة القرآن للمحدث (2) ، وحکاه شیخنا قدس سره عن ابن الجنید (3) ، ولعل الإجماع إن ثبت یکون متأخّرا عنهما ، لکنی لا أعلم لمن هو الآن.
والعجب من العلاّمة فی المختلف أنّه اختار عدم الجواز مستدلاً بالآیة وروایة حریز المذکورة ، وروایة أبی بصیر کذلک ، ثم قال : وهذا الحدیث وإن کان فی طریقه الحسین بن المختار وهو واقفی ، إلاّ أنّ ابن عقدة وثّقه (4).
وأنت خبیر بأنّ توثیق ابن عقدة لا یفید شیئا ، کما صرّح به فی الخلاصة (5) ، وعلی تقدیر ثبوت التوثیق فالخبر موثق والعلاّمة لا یعمل به کما یعلم من عادته ، إلاّ أنّه فی المختلف کثیر الاضطراب فی أمثال هذه المواضع ، ولا یبعد أن یکون ذکر الأحادیث مؤیّداً للآیة علی ما ظنه.
فإن قلت : ما وجه التصریح فی الخلاصة بما ذکرت ، مع أنّه قال فیها : الحسین بن المختار من أصحاب أبی الحسن موسی علیه السلام واقفی ، وقال ابن عقدة عن علی بن الحسن أنّه کوفی ثقة ، والاعتماد عندی علی الأول (6). وهذا الکلام محتمل لأن یرید أنّ التوثیق لا ینافی الوقف.
ص: 207
قلت : إذا لاحظ الناظر کلامه یری صریحاً فی خلافه ، ولو نوقش فالظاهر یفید ما ذکرناه ، والأمر سهل بالنسبة إلی العلاّمة.
وقد نقل فی المختلف خبراً عن علی بن جعفر واصفاً له بالصحة ، أنّه سأل أخاه موسی بن جعفر علیه السلام عن الرجل یحل له أن یکتب القرآن فی الألواح والصحیفة وهو علی غیر وضوء؟ قال : « لا » قال العلاّمة : والظاهر أنّه نفی الحل مع المباشرة للکتابة (1). وهذا الخبر رواه الشیخ فی التهذیب عن علی بن جعفر ، والطریق إلیه صحیح (2) ، إلاّ أن ظاهره عدم حل الکتابة ، ولمّا کان القول به غیر معلوم ، والأخبار والآیة الشریفة بتقدیر الدلالة لا تساعدان علیه ، فالحمل علی الکراهة ممکن.
وما قاله العلاّمة رحمه الله بعید ، وما قاله بعض محققی المتأخّرین : من أنّه لم یقف فی هذا الباب علی حدیث ترکن النفس (3) إلی سنده (4). غریب.
إذا عرفت هذا : فاعلم أنّ بعض الأصحاب ذکر أنّ المراد بالمسّ : الملاقاة بجزء من البشرة ، وفی الظفر والشعر وجهان ، وذکر أیضاً أنّ المراد بکتابة القرآن صور الحروف ، ومنه التشدید والمدّ ، لا الإعراب ، ویعرف کون المکتوب قرآناً بکونه لا یحتمل إلاّ ذلک ، وبالنیّة ، فإذا انتفی الأمران فلا تحریم (5). وللمناقشة فی المقام مجال ، إلاّ أن الاحتیاط مطلوب.
ص: 208
اللغة :
قال فی النهایة : مسست الشی ء أمسّه إذا لمسته بیدک (1).
باب الجنب والحائض یقرءان القرآن
قال :
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بکیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یأکل ویشرب ویقرأ القرآن ، قال : « نعم یأکل ویشرب ( ویقرأ ویذکر الله تعالی ) (2) ما شاء ».
عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن فضالة بن أیوب ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضیل بن یسار ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن ».
أحمد بن محمد ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، عن عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل یتغوط ، القرآن؟ قال (3) : « یقرءون ما شاؤوا ».
ص: 209
سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب ، عن النضر بن شعیب ، عن عبد الغفار الجازی (1) ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال : « الحائض تقرأ ما شاءت من القرآن ».
السند
فی الأوّل : موثق.
وفی الثانی : لا ریب فیه کما تقدم.
وکذلک الثالث.
والرابع : فیه النضر بن شعیب وهو غیر مذکور فی الرجال علی ما رأیت ، وعبد الغفار الجازیّ کما فی هذه النسخة التی نقلت منها ثقة فی النجاشی ، إلاّ أن فیه ابن حبیب الطائی الجازیّ (2).
وفی الفهرست عبد الغفار الجازیّ (3). وفی من لم یرو عن الأئمة علیهم السلام من کتاب الشیخ عبد الغفار الجازی (4) ، وفی رجال الصادق علیه السلام عبد الغفار ابن حبیب الحارثی (5) ، وذکر ابن داود أنّه رأی ذلک بخط الشیخ رحمه الله (6).
وأنت خبیر بأنّ ذکر الشیخ للرجل فی من لم یرو لا یخلو من غرابة ، ولم ینبه علی ذلک شیخنا أیّده الله فی کتاب الرجال (7) ، فربما یتخیل
ص: 210
التعدد ، إلاّ أنّ الاعتماد علی ذلک من کلام الشیخ مشکل ، والنجاشی صرح بأنّ الراوی عن عبد الغفار بن حبیب ، النضر بن شعیب (1) ، والأمر وإن کان فی الروایة سهل ، إلاّ أنّ القول فیه یظهر فائدته فی غیرها.
وفی فوائد شیخنا أیّده الله علی الکتاب ما هذه صورته : قوله : عن عبد الغفار الحارثی ، بعض الأصحاب جعله الجازی ، ولم نره فی شی ء من نسخ الکتاب ، والظاهر أنّه بمعونة ما فی الخلاصة هو الأظهر ، ثم قال : إن الجازی هو الذی فی کتاب الشیخ فی رجال الصادق علیه السلام . انتهی. ولا یخفی علیک الحال.
أمّا ما تخیّله بعض من أنّ النضر بن شعیب هو النضر بن سوید الثقة (2) ، فلا أعلم وجهه.
المتن :
فی الأخبار المذکورة ظاهر الدلالة علی جواز القراءة للمذکورین ، قیل : وهو مذهب الأکثر ، ونقل علیه المرتضی فی الانتصار ، والشیخ فی الخلاف ، والمحقق فی المعتبر الإجماع ، وحکی الشهید فی الذکری عن سلاّر فی کتاب الأبواب تحریم القراءة مطلقا ، وعن ابن البراج تحریم قراءة ما زاد علی سبع آیات (3).
وفی المختلف : الظاهر من کلام الشیخ فی کتابی الأخبار التحریم (4).
ص: 211
وسیأتی إن شاء الله تعالی فی بیان کلام الشیخ ما یوضح المرام.
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة قال : سألته عن الجنب هل یقرأ القرآن؟ فقال : « ما بینه وبین سبع آیات » وفی روایة زرعة عن سماعة قال : « سبعین آیة ».
فلا ینافی هذا الخبر الأخبار الأوّلة من وجهین ، أحدهما : أن نخصص الأخبار الأوّلة بهذا الخبر ، فنقول : إنّ قولهم علیهم السلام : « لا بأس بأن یقرأ ما شاء » من أیّ موضع شاء ما بینه وبین سبع آیات ، أو سبعین آیة ، والثانی : أن نحمل هذا الخبر علی ضرب من الاستحباب دون الحظر والإیجاب ، والأخبار الأوّلة نحملها علی الجواز.
السند
قد کررنا القول فی مثله بالنسبة إلی عثمان بن عیسی (1) ، وزرعة لا طریق فی المشیخة إلیه ، والذی فی الفهرست الطریق إلی کتابه (2) ، وکون الروایة من الکتاب غیر معلومة.
المتن :
فی الظن أنّه واحد ، وإنّما اختلفت رواته ، کما یعلم من قول الشیخ : والثانی أن نحمل هذا الخبر. وإرادة الجنس بعیدة ، مضافاً إلی أنّ احتمال
ص: 212
روایة سماعة للسبعة والسبعین معاً یأباه التأمّل فی المساق ، ومن هنا یظهر أنّ ما فی کلام جماعة من أصحاب الفروع : من أنّ المکروه قراءة ما زاد علی سبع آیات أو (1) سبعین آیة (2). لا یخلو من إجمال ، إذ احتمال التخییر ممکن ، وکذلک احتمال التردید نظراً إلی اختلاف الروایة من الرواة کما یعلم من هنا.
والعجب أنّ الشیخ رحمه الله کلامه هنا لا یکاد یشتبه علی متأمّله أنّ مراده بقوله : ما بین سبع آیات أو سبعین آیة فی مقام التوجیه التردد فی الروایة ، والمتأخّرین الذین یظهر منهم اتباعه غالباً لم یتوجّهوا إلی تحقیق الحال ، حتی أن المحقق رحمه الله قال : ما زاد علی سبع آیات مکروه ویتأکّد الکراهیة فیما زاد علی السبعین (3). وهذا کما تری یقتضی أنّ السبعة والسبعین معاً واقعة ، مع احتمال أن یقال : إنّ الواقع أحدهما من الإمام ، والاختلاف من الرواة.
نعم قد یحتمل أن یقال : لا منافاة بین السبعة والسبعین إذا نظرنا إلی ما قاله المحقّق من أصل الکراهة فی ما زاد علی السبعة وتأکّدها فی ما بعد السبعین ، إلاّ أنّ الترجیح لا بد من بیان الوجه فیه.
والحال أنّ ظاهر کلام الشیخ التردد من جهة اختلاف الرواة ، لأنه قال فی الوجه کما تری : أن نخص الأخبار الأوّلة بهذا الخبر. وهذا یعطی أن تخصیص الأخبار الأوّلة بهذا الخبر کاف فی الجمع ، وغیر خفی أنّ الخبر لو تعدّد لاحتاج الجمع إلی زیادة لا بد منها ، وهی أن تخص الأخبار الأوّلة بما
ص: 213
بینه وبین سبع ، وما زاد مکروه إلی السبعین ، فما زاد أشد کراهة ، وکلام الشیخ لا یدل علیه ، فلیتأملّ.
وأمّا الوجه الثانی : من کلام الشیخ فهو فی حیّز الإجمال ، إذ یحتمل أن یرید بقوله : أن نحمل هذا الخبر علی الاستحباب ، أنّه یستحب الاقتصار علی السبعة أو السبعین ، لا أنّه یجب الاقتصار ویحرم الزائد ، ولا یخفی أنّه یتوجه علیه کون الاستحباب لقراءة القرآن لا ریب فیه ، والإیجاب غیر ظاهر الوجه.
إلاّ أن یقال : إنّ الزائد عن السبع إذا حرم وجب الاقتصار علی السبع ، وهو الاحتمال الثانی من کلامه ، إلاّ أن قوله : دون الحظر ، لا یلائم ذلک ، إلاّ بأن یقال : إنّ المراد دون الحظر فی الزائد ، والإیجاب فیما دون ذلک. وغیر خفی أنّ الاستحباب لا یوافق هذا المعنی ، لأنّ السبعة إذا کانت مستحبة فالزائد عنها لیس بمستحب ، والحال أنّ السبعین مستحبة أیضا ، کما هو مفاد الروایة علی ما فهمه المتأخرون (1).
ولو أُرید أنّ السبعة والسبعین مستحبة لم یتم قوله : دون الحظر والإیجاب. لأنّ أخبار الجواز وخبر المنع تطابقا علی جواز السبع والسبعین ، وإرادة عدم إیجاب الاقتصار علیهما وتحریم ما زاد علیهما لا یلائمه قوله : والأخبار الأولة علی الجواز. کما لا یخفی.
ولو أراد أنّ الأخبار الأوّلة نحملها علی الجواز وهذا الخبر علی الاستحباب دون الحظر والإیجاب فی الزائد وما تضمنه الخبر من السبعة أو السبعین أشکل بأنّ الجواز إن أُرید به فیما زاد علی أن یکون المراد به الإباحة لم یتم ذلک ، لأنّ وصف القراءة به لا وجه له.
ص: 214
وإن أُرید بالجواز جواز قراءة الزائد ویستحب الاقتصار علی السبع أو السبعین أشکل بما تقدم أیضاً ، من عدم وجه الإباحة.
ولو أُرید بالجواز الاستحباب ، لکنه أقل ثواباً من السبعة أو السبعین أمکن ، کما هو مفاد کلام المحقق (1) ، إلاّ أنّ الشیخ أطلق الاستحباب فی الخبر.
والذی ینبغی : التفصیل بأنّ السبعة مستحبة ، وما زاد عنها مستحب أقل ثواباً ، والزائد عن السبعین مستحب لکن أقل ثوابا من الزائد علی السبعة ، واستفادة هذا من کلام الشیخ فی غایة العسر.
ولعل فی قوله : علی ضرب من الاستحباب. إشارة إلی ما قلناه فی الجملة.
ومن هنا یعلم أنّ ما قاله العلاّمة فی المختلف بعد ذکر روایة زرعة والطعن فی سندها : إنّه علیه السلام أمر الجنب بقراءة القرآن ، وهو یدل علی أقل مراتبه وهو الاستحباب ، ثم قال : ما بینه وبین سبع آیات علی معنی خروج ما بعد ذلک عن الاستحباب بل یبقی إمّا مباحاً أو مکروها (2). محل نظر لا یخفی علی المتدبر فیه ، فینبغی النظر فی المقام بعین العنایة ، فإنّه فی الإجمال قد بلغ الغایة.
قال :
فأمّا العزائم التی فیها السجدة فلا یجوز لهما أن یقرءا علی حال ، یدل علی ذلک
ص: 215
ما أخبرنی (1) به أحمد بن عبدون ، عن علی بن محمد بن الزبیر ، عن علی بن الحسن بن فضّال ، عن عبد الرحمن بن أبی نجران ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : الحائض والجنب یقرءان شیئاً؟ قال : « نعم ما شاءا إلاّ السجدة ویذکران الله علی کل حال ».
فأمّا ما رواه علی بن الحسن بن فضال (2) ، عن عمرو بن عثمان ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی بن رئاب ، عن أبی عبیدة الحذاء ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام ، عن الطامث تسمع السجدة قال : « إن کانت من العزائم تسجد إذا سمعتها ».
فلا ینافی الخبر الأول ، لأنّه لیس فیه أنّه یجوز لها أن تقرأ العزائم ، وإنّما قال : إذا سمعت العزائم تسجد ، وذلک أیضاً محمول علی الاستحباب لأنّها علی حال لا یجوز لها معها السجود.
السند
فی الخبرین قد تکرّر القول فیه بما یغنی عن الإعادة.
المتن :
فی الأول : ادعی الشیخ ومن تأخّر عنه دلالتها علی تحریم قراءة سورة السجدة کلها ، علی ما حکاه شیخنا قدس سره فی فوائد الکتاب ، ثم قال : إنّها إنّما تدل علی قراءة لفظ السجدة أعنی ما یوجب السجود ، وهو
ص: 216
المنقول عن المرتضی رضی الله عنه .
وقد یقال : إنّ قوله : « إلاّ السجدة » یدل علی إرادة سورة السجدة أو آیة السجدة ، لأنّ نفس السجدة لمّا تعذر إرادتها حقیقة یراد سورتها أو آیتها ، فما قاله قدس سره : من أن المراد لفظ السجدة. محل کلام.
فإن قلت : کما قدّرت السورة والآیة ، له أن یقدّر لفظة السجدة.
قلت : هذا لا ینفع فی إثبات المطلوب ، بل هو احتمال بتقدیر تمامیته یزید الإشکال فی دعوی أنّها إنّما تدل علی ما ذکره قدس سره اللهم إلاّ أنّ یقال : إن المتبادر من السجدة اللفظ الدال علیها ، وفیه ما فیه ، ویمکن أن یقال : إن ثبوت التحریم یتوقف علی الدلالة ، ومع الإجمال یشکل الحکم بتحریم السورة والآیة ، للاقتصار علی المتیقن وهو اللفظ ، وما عداه مشکوک فیه.
فإن قلت : ینبغی عدم التحریم أصلاً ، للإجمال من حیث إنّ العلم بالأحکام لا بد منه ، والفرض عدمه ، واحتمال إرادة اللفظ مساوٍ لغیره.
قلت : باب القول واسع ، إلاّ أنّ التسدید بالتبادر قریب ، وما قاله شیخنا قدس سره : من أن المعروف من مذهب الأصحاب تحریم قراءة السور وأبعاضها (1). یقتضی عدم الخروج عنهم.
وفی المعتبر قال المحقق بعد ذکر نحو ذلک : ورواه البزنطی فی جامعه عن المثنّی ، عن الحسن الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام (2).
وینقل دعوی الإجماع عن بعض الأصحاب فی تحریم السورة بأجمعها (3).
ص: 217
وأمّا الخبر الثانی : فلا منافاة فیه للأول ، لأنّه یجوز أن یکون قراءة السجدة محرمة علی الحائض ، وإذا سمعت یجب علیها السجود ، کما قاله الشیخ رحمه الله إلاّ أن قوله : وذلک (1) أیضا محمول علی الاستحباب ، إلی آخره محل کلام ، لأنّ کونها علی حال لا یجوز لها السجود ینافی الاستحباب.
والجواب أنّ مراده علی حال لا یجب علیها السجود ، والعبارة غیر وافیة بالمراد ، ومن عجیب ما وقع للشیخ فی التهذیب ، أنّه قال فی کتاب الطهارة - بعد قول المفید : إلاّ أربع سور - : لأن فی هذه السور سجوداً واجباً ولا یجوز السجود إلاّ لطاهر من النجاسات بلا خلاف (2) ، وفی کتاب الصلاة ذکر ما یدل علی الاستحباب (3) ، کما هنا.
وسیأتی إنشاء الله فی کتاب الصلاة من هذا الباب روایة عن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال : « تقرأ ولا تسجد » والشیخ حمل هذه الروایة علی جواز الترک ، وروایة قبلها دالة علی السجود حملها علی الاستحباب (4).
وفیه نظر : لأنّ جواز الترک إن أُرید به الإباحة فإشکاله واضح ، وإن أُرید غیرها فلا ینافی الاستحباب ، بل هو الاستحباب.
وفی المختلف حمل الروایة المذکورة أخیراً علی أنّ المراد لا تقرأ
ص: 218
العزیمة التی تسجد فیها ، وإطلاق ( المسبّب علی السبب ) (1) مجازاً جائز (2). وله وجه.
وفی کلام بعض محققی المتأخّرین سلّمه الله أنّه یجوز أن یکون الروایة علی سبیل الإنکار ، أی کیف تقرأ ولا تسجد؟! (3).
وفی نظری القاصر أنّ هذا لا یتم ، لأنّ السؤال عن الأمرین کما هو صریح الروایة ، والإنکار إنّما یتم علی تقدیر أن یکون السائل عالماً بجواز القراءة ، وإنّما یسأل عن السجود کما لا یخفی.
وللعلاّمة رحمه الله کلام فی المسألة یأتی ما فیه إنشاء الله تعالی.
قال :
باب الجنب یدهن ویختضب وکذلک الحائض
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن القاسم بن محمد ، عن أبی سعید قال : قلت لأبی إبراهیم علیه السلام ، أیختضب الرجل وهو جنب؟ قال : « لا » قلت : فیجنب وهو مختضب؟ قال : « لا » ثمّ مکث قلیلا ثم قال : « یا أبا سعید أفلا أدلّک علی شی ء تفعله؟ » قلت : بلی ، قال : « إذا اختضبت بالحِنّاء وأخذ الحِنّاء مأخذه وبلغ فحینئذ فجامع ».
وبهذا الاسناد عن الحسین بن سعید ، عن عبد الله بن بحر ، عن
ص: 219
کردین المسمعی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا یختضب الرجل وهو جنب ، ولا یغتسل وهو مختضب ».
وأخبرنی أحمد بن عبدون ، عن علی بن محمد(1) بن الزبیر ، عن علی بن الحسن بن فضال ، عن علی بن أسباط ، عن عمّه یعقوب الأحمر ، عن عامر بن جذاعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « لا تختضب الحائض ولا الجنب ، ولا تجنب وعلیها الخضاب ، ولا یجنب هو وعلیه الخضاب ، ولا یختضب وهو جنب ».
السند
فی الأول : فیه القاسم بن محمد ، وهو الجوهری ، لأن الراوی عنه الحسین بن سعید فی النجاشی (2) وکتاب الشیخ (3) ، وهو واقفی ، وقد تقدم فیه القول أیضاً (4) ، وما قاله ابن داود : من أنّه ثقة (5). لا أعلم وجهه.
وأبو سعید لا یبعد أن یکون المکاری ، وهو واقفی أیضاً وفی النجاشی : أن الراوی عنه القاسم بن إسماعیل (6) ، فقد یتخیل أن القاسم بن محمد موهوم ، سیّما والقاسم بن إسماعیل یکنی أبا محمد ، وکان الأصل المأخوذ منه القاسم أبی محمد ، إلاّ أن الأمر هنا سهل ، مضافاً إلی احتمال أبی سعید غیر من ذکرناه ، وأیضاً فإن القاسم بن إسماعیل یروی عنه
ص: 220
حمید ، وهو بعید عن مرتبة الحسین بن سعید.
والثانی : فیه عبد الله بن بحر ، وهو ضعیف مرتفع القول ، علی ما قاله العلاّمة (1) ، ونقله ابن داود عن کتاب الشیخ فیمن لم یرو عن الأئمة علیهم السلام (2).
وفیه أیضاً : کردویه المسمعی وقد تقدم القول فیه فی أول الکتاب (3).
والثالث : فیه غیر من تقدم ذکره مراراً عامر بن جذاعة ، وفی الفهرست ذکره الشیخ مهملا (4) ، والکشی ذکر فی حجر بن زائدة روایة أن عامر بن جذاعة من حواریّ محمد بن علی وجعفر بن محمد (5) ، ونقل روایة أُخری تتضمن القدح (6).
والعلاّمة فی الخلاصة نقل روایتی الکشی فی عامر بن عبد الله بن جذاعة ، وکأنّه ظن الاتحاد مع عامر بن جذاعة ، وهو غیر بعید (7) ، لأن النجاشی ذکر عامر بن عبد الله بن جذاعة (8) فقط ، والشیخ ذکر الاثنین ، فالأول : فی الفهرست (9) ، والثانی : فی کتاب الرجال من أصحاب الصادق علیه السلام (10) ، والاعتماد علی الشیخ واضح الإشکال ، فما ذکره ابن داود
ص: 221
من التعدد (1) غیر واضح.
ثم : إنّ روایة الکشی المتضمنة لأنّ عامر بن جذاعة من الحواریین اعتمد علیها العلاّمة ، فقال فی الخلاصة بعد ذکر الروایة : وروی یعنی الکشی حدیثاً مرسلاً ینافی ذلک ، والتعدیل أرجح (2).
واعترض علیه جدّی قدس سره فی فوائده علی الخلاصة : بأنّ فی حدیث المدح علی بن سلیمان ، وأسباط بن سالم ، وهما مجهولا العدالة ، وحدیث الجرح [ المتضمن (3) ] دعاء الصادق علیه السلام علیه بعدم المغفرة مرسلة الحسین بن سعید ، وهو لا یقصر عن مقامة التعدیل ، إن لم یرجح علیه ، وبالجملة فحال الرجل مجهول ، لعدم صحة الخبرین (4). انتهی کلامه قدس سره .
والأمر کما قاله فی جهالة العدالة ، أمّا قوله : إنّ روایة الحسین بن سعید لا تقصر عن مقاومة التعدیل. فلا وجه له ، کما لا یخفی علی المتأمّل.
ثم إنّ راوی حدیث الذمّ علی بن محمد الراوی عنه الکشی (5) ، وهو مشترک (6) ، وکأنّ جدی قدس سره اعتمد علی کونه الثقة ، وهو أعلم بالحال.
المتن :
فی الأول : ظاهر الدلالة علی أنّ الحنّاء إذا أخذ مأخذه لا کراهة فی
ص: 222
المجامعة حینئذ ، إذا کان النهی للکراهة بدون ذلک ، إذ القائل بالتحریم غیر منقول فیما وقفت علیه ، بل الشیخ قائل هنا بالکراهة ، علی تقدیر أن یکون ما یذکره هنا قولا ، وقد نقل عنه أنّه قال بالکراهة أیضا فی غیر الکتاب (1) ، وکذلک المفید (2) ، والمرتضی (3).
وأمّا ابن بابویه : فإنّه قال : لا بأس أن یختضب الجنب ویجنب وهو مختضب (4). ولا یبعد أن یکون مراده ما تضمن الخبر ، غیر أنّ الخبر کما تری خاص بالحنّاء فی التعلیل ، فلا یبعد أن یکون صدره مراداً به الحنّاء ، إلاّ أنّ المصرح به فی کلام بعض المتأخّرین أنّ الخضاب ما یتلوّن به من حنّاءٍ وغیره (5) ، وسیأتی کلام بعض أهل اللغة ، وعلی تقدیر الشمول فی الخضاب یحتمل أن یخص زوال الکراهة فی الحنّاء بما ذکر فی الخبر ، ویبقی غیر الحنّاء علی الإطلاق.
والخبر الثانی : یحتمل أن یخص کما خص الأول ، أو یخص بغیر الحنّاء ویبقی النهی فیه علی إطلاقه ، وکذلک الثالث.
ولا یخفی أنّ الأوّل فیه اختصاص أیضاً بالجنب ، ومن هنا یعلم ما فی إطلاق الشیخ الکراهة من التأمّل ، وسیأتی الکلام فیه أیضاً.
وقد تقدم النقل عن المفید أنّه علّل الکراهة بمنع وصول الماء إلی ظاهر الجوارح التی علیها الخضاب (6) ، وکذلک تقدم قول المعتبر : من أن المفید کأنّه ناظر إلی أنّ اللون عرض لا ینتقل ، فیلزم حصول أجزاء من
ص: 223
الخضاب فی محل اللون لیکون وجود اللون بوجودها ، لکنها حقیقة لا تمنع الماء منعا تامّاً فکرهت لذلک (1).
اللغة :
قال فی القاموس : خَضَبَه یَخْضِبُه : لَوّنَه : کخضّبه ، وَکف وامرأةٌ خضیب ، وبَنانٌ مخضوبٌ وخضیب ومخضّب (2) ، ویستفاد منه أن الخضاب یتناول الشعر وغیره ، والحنّاء وغیرها ، إلاّ أن یقال : إن الخضاب مع الإطلاق لا یتناول غیر الشعر ، وفیه ما فیه ، فلیتأمّل.
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن أبی المغراء ، عن سماعة (3) قال : سألت العبد الصالح علیه السلام عن الجنب والحائض أیختضبان؟ قال : « لا بأس ».
عنه ، عن فضالة ، عن أبی المغراء (4) ، عن العبد الصالح علیه السلام ، قال : قلت له : الرجل یختضب وهو جنب؟ قال : « لا بأس » وعن المرأة تختضب وهی حائض؟ قال : « لیس به بأس ».
علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یختضب الرجل ویجنب وهو مختضب ، ولا بأس بأن یتنوّر الجنب ویحتجم ویذبح ، ولا یدهن
ص: 224
ولا یذوق شیئاً حتی یغسل یده ویتمضمض ، فإنّ یخاف منه الوَضَح ».
فالوجه فی الجمع بین هذه الأخبار : أن نحمل الأوّلة علی ضرب من الکراهیة دون الحظر ، لئلاّ یتناقض الأخبار ، والذی یدل علی ذلک :
ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد ابن الحسن بن علاّن ، عن جعفر ( بن محمد ) (1) بن یونس ، أن أباه کتب إلی أبی الحسن علیه السلام یسأله (2) عن الجنب ، یختضب أو یجنب وهو مختضب ، فکتب : « لا أحب له ».
فجاء هذا الخبر صریحاً بالکراهیة دون الحظر.
الحسین بن سعید ، عن عبد الله بن بحر ، عن حریز ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام ، الجنب یدهن ثم یغتسل قال : « لا ».
فالوجه فی هذا الخبر ضرب من الکراهیة ، حسب ما ذکرناه فی روایة السکونی.
السند
فی الأول : موثّق علی ما قدّمناه ، وأبو المغراء اسمه حمید ابن المثنی.
وفی الثانی : صحیح کذلک.
والثالث : معلوم الحال.
والرابع : فیه محمد بن الحسن بن علاّن ، ولم أره فی الرجال ، وأمّا
ص: 225
جعفر بن محمد بن یونس فالشیخ وثّقه فی رجال الجواد علیه السلام (1) ، وفی رجال الهادی علیه السلام ذکره مهملاً (2).
وما فی الخلاصة : من أنّه من رجال الرضا علیه السلام (3). لم أقف علیه فی کتاب الشیخ ، والروایة عن أبی الحسن لا تدل علیه ، لأنّ الأب هو الکاتب ، نعم الظاهر أنّ جهالة الأب لا تضر بالحال.
والخامس : فیه عبد الله بن بحر ، وقد تقدم ضعفه.
المتن :
ما قاله الشیخ فی الأوّل والثانی من حمل الأخبار الأولة علی الکراهة قد یتوجه علیه أنّ الخبر الذی فی صدر الباب مفصّل فلیحمل المجمل علیه ، کما أشرنا إلیه سابقا ، والجواب أنّ الإجمال فی الخبر المذکور بالنسبة إلی أنّه لا بد من زیادة تقیید یوجب نوع إشکال ، والکراهة المذکورة فی کلام الشیخ وإن کانت لا تخلو من تأمّل أیضاً ، فإن ظاهرها ثبوت الکراهة وإن أخذت الحنّاء مأخذها ( وإشکالها واضح ، وحملها علی اختلاف المراتب شدةً وضعفاً ممکن ، لولا أنّ ظاهر الخبر انتفاء الکراهة إذا أخذت الحنّاء مأخذها ) (4) ولعلّ الشیخ ملتفت إلی هذا فی الکراهة إلاّ أنّ عدم تعرضه لما قلناه لا وجه له.
ثم إنّ خبر السکونی یحتمل التعلیل بخوف الوَضَح أن یعود بجمیع
ص: 226
ما ذکر فی الخبر ، ویحتمل الاختصاص ، بقوله : « ولا یذوق شیئاً » ویحتمل العود إلی قوله : « ولا یدّهن » أیضاً.
وما قاله الشیخ فی خبر حریز : من الحمل علی الکراهة لمعارضة خبر السکونی. فیه أنّ النهی عن الادّهان فی الخبرین ، والمعارض حینئذ (1) منتف ، ولعلّ مراده أنّ بعض المذکور فی الخبر إذا کان مکروها کان جمیعه (2) کذلک ، وفیه ما فیه ، إلاّ أنّ الأمر سهل.
إذا عرفت هذا : فاعلم أنّ شیخنا قدس سره قال : إنّ ابن بابویه روی فی الفقیه فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنّه قال : « لا بأس بأن یختضب الرجل وهو جنب » قال : وهذه الروایة أجود ما وصل إلینا فی هذه المسألة (3). انتهی.
والذی رأیته فی الفقیه أنّه قال : قال الحلبی : وحدثنی من سمعه یقول : « إذا اغتمس الجنب فی الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلک من غسله » ثم ذکر أحکاماً کثیرة ، مثل من أجنب فی یوم ولیلة مراراً أجزأه غسل واحد ، وأنّه لا بأس أن یقرأ الرجل القرآن ، وغیر ذلک ، وقال فی الآخر : ولا بأس أن یختضب الجنب إلی آخره (4). والذی یظهر أنّه لیس من الروایة ویؤیّده :
أن الشیخ روی خبر الحلبی فی الارتماس فقط ، وقول شیخنا قدس سره إنّ الروایة أجود ما وصل إلیه. فیه ، أن الروایة حسنة ، وروایة أبی المغراء عن العبد الصالح علیه السلام هنا صحیحة ، فالاعتماد علیها أولی.
ص: 227
اللغة :
قال فی القاموس : الوَضَح محرّکة : البرص (1). وفی النهایة کذلک فی جملة معانی الوَضَح (2).
قال :
باب الجنب هل علیه مضمضة واستنشاق أم لا؟
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن موسی بن سعدان ، عن عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا یجنب الأنف والفم ، لأنّهما سائلان ».
عنه ، عن علی بن الحکم ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی بکر الحضرمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لیس علیک مضمضة ولا استنشاق ، لأنّهما من الجوف ».
عنه ، عن أبی یحیی الواسطی ، عن بعض أصحابه ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الجنب یتمضمض ویستنشق؟ قال : « لا ، إنّما یجنب الظاهر ».
أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن راشد ، قال : قال الفقیه العسکری 7 : « لیس فی الغسل ولا فی الوضوء مضمضة ولا استنشاق ».
ص: 228
السند :
فی الأول : فیه موسی بن سعدان ، وهو ضعیف فی الحدیث ، کما فی النجاشی (1).
والثانی : فیه أبو بکر الحضرمی ، وقد تقدم القول فیه (2).
والثالث : فیه مع الإرسال أبو یحیی الواسطی ولیس بثقة ، ولا یبعد أن یکون هو سهیل بن زیاد ، إلاّ أنّ الشیخ فی الفهرست ذکر فی الکنی أبا یحیی الواسطی ولم یذکر الاسم (3) ، غیر أنّ الراوی عنه فی الاسم والکنیة أحمد بن أبی عبد الله ، فالاتحاد قریب ، وإن کان فی کتاب الرجال ذکر أبا یحیی الواسطی فیمن لم یرو عن الأئمّة علیهم السلام والراوی عنه محمد بن أحمد ابن یحیی (4) ، إذ لا مانع من ذلک ، بل فی کتاب الرجال اتفق أنّه ذکر سهیل ابن زیاد روی عنه البرقی (5) ، وفی الکنی قال : إنّ الراوی عن أبی یحیی ، محمد بن أحمد بن یحیی (6) ، وأمثال هذا من الشیخ کثیر.
والرابع : فیه الحسن بن راشد وقد ضعف فی الرجال (7) ، ومحمد بن عیسی قد قدمنا فیه قولا (8).
ص: 229
ثم إنّ ضمیر عنه فی الحدیث الثانی لا یخلو من اشتباه.
وفی فوائد شیخنا قدس سره علی الکتاب ما هذا لفظه : ولعلّه راجع إلی محمد بن الحسین بن أبی الخطاب ، فإنّ من قبله لا یروی عن علی بن الحکم ، وقد روی الشیخ فی التهذیب هذه الروایة عن أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم. انتهی.
وشیخنا المحقّق میرزا محمد أیّده الله قال فی فوائده علی الکتاب أیضاً : قد روی الشیخ هذه الروایة عن أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، والظاهر أنّه أحمد بن محمد بن عیسی ، فکأنّه هنا [ لمّا وقع ] (1) نظره إلی أحمد بن محمد توهم ( هذا فقال : عنه ) (2). انتهی.
ولکل من الکلامین وجه ، إلاّ أنّه ربما یرجّح کلام شیخنا قدس سره ضمیر عنه فی الخبر الثالث ، فإن الراوی عن أبی یحیی : أحمد بن أبی عبد الله ، وهو فی مرتبة محمد بن الحسین ، وإن أمکن أقربیة المرتبة کما یعلم من الرجال.
المتن :
فی الخبرین الأولین : ربما کان ظاهره نفی وجوب المضمضة والاستنشاق ، من حیث قوله علیه السلام فی الأول : « لا یجنب الأنف والفم » وفی الثانی : « لأنهما من الجوف » والخبر الثالث وإن دل بظاهره علی نفی الوجوب والاستحباب ، إلاّ أن الحمل علی نفی الوجوب لا بد منه ، لضرورة
ص: 230
الجمع ، وإن کان الخبر الآتی (1) فی المعارضة لا یصلح لذلک کما تری ، إلاّ أنّ بعض صحیح الأخبار تدل علی مقتضاه ، کما سنذکره إن شاء الله.
وما قد یقال : من أنّ ذکر الوضوء فی الخبر یؤیّد أنّ المراد نفی (2) الوجوب لما تقدم من استحبابه فیه بمقتضی الأخبار ، ففیه نظر ، یعلم من مراجعة ما تقدم ، إلاّ أنّ بعض الأصحاب نقل الإجماع علی استحباب المضمضة والاستنشاق فی الوضوء (3) ، علی ما وجدته الآن ، وربما یستفاد من بعض الأخبار الصحیحة فی الصوم استحباب المضمضة فی الوضوء (4) ، وحینئذ یتم التوجیه.
ونقل شیخنا قدس سره أیضاً الإجماع علی استحباب المضمضة والاستنشاق فی الغسل (5) ، وحینئذ ربما یسهل الخطب ، ورأیت فی کتب بعض أهل الخلاف نقل الوجوب عن أبی حنیفة فی المضمضة والاستنشاق فی الغسل (6) ، وعلیه فدلالة الأخبار علی نفی الوجوب بالنسبة إلی أبی حنیفة قریب الاحتمال ، کما لا یخفی.
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن شعیب ، عن
ص: 231
أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل الجنابة ، قال : « تصبّ علی یدیک الماء ، فتغسل کفّیک ، ثم تدخل یدک فتغسل فرجک ، ثم تمضمض وتستنشق وتصبّ الماء علی رأسک ثلاث مرّات ، وتغسل وجهک وتفیض علی جسدک الماء ».
فالوجه فیه : أن نحمله علی ( ضرب من ) (1) الاستحباب دون الوجوب ، لئلاّ تتناقض الأخبار.
السند
فیه أبو بصیر ، والظاهر أنّه یحیی بن القاسم ، بقرینة روایة شعیب عنه ، وفی فوائد شیخنا أیّده الله علی الکتاب : أبو بصیر هذا هو یحیی ابن القاسم ، وفیه ضعف ، وقد روی هذا المعنی زرارة فی الصحیح ولا بأس بالاستحباب. انتهی.
وما ذکره أیّده الله من ضعف یحیی بن القاسم ، فقد قدمنا فیه القول (2) ، وروایة زرارة سنذکرها إن شاء الله.
المتن :
ظاهره أنّ السؤال عن واجب الغسل ومقدّماته ، بقرینة ذکر غَسل الکفّین (3) ، ویحتمل أن یکون الإمام علیه السلام زاد فی بیان الغُسل المقدمات ، والسؤال لیس إلاّ عن الکیفیة ، وعلی التقدیرین قد اشتمل الحدیث علی
ص: 232
ما هو مستحب قطعاً وهو غَسل الکفین ، وواجب قطعا وهو غَسل الرأس ، وما هو محتمل للوجوب والاستحباب وهو غَسل الفرج ، فإنّه إن کان علیه شی ء من النجاسة وجب غسله فی الجملة ، وإن لم یکن احتمل استحباب الغَسل ، لظاهر إطلاق الخبر.
وأمّا المضمضة والاستنشاق : فقد سمعت من دعوی الإجماع ( علی الاستحباب ) (1) فیهما ، ویؤیّده عدم ظهور الحدیث فی الوجوب ، حیث اشتمل علی الواجب والمستحب ، وإن أمکن أن یقال بوجوب غیر ما ثبت استحبابه ، وفیه کلام ، ولو لا أنّ الخبر لیس له صلاحیة الاستدلال لأمکن أن یذکر فیه أحکام.
وأمّا خبر زرارة المتقدمة إلیه الإشارة : فقد رواه الشیخ فی التهذیب ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن عمر بن أذینة ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل الجنابة ، قال : « تبدأ فتغسل کفّیک ، ثم تفرغ بیمینک علی شمالک فتغسل فرجک ، ثم تمضمض واستنشق ، ثم تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک ، لیس قبله ولا بعده وضوء ، وکل شی ء أمسسته الماء فقد أنقیته ، ولو ( أنّ رجلاً ) (2) جنباً ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک وإن لم یدلک جسده » (3).
وهذه الروایة کما تری یجری فیها ما ذکرناه فی خبر أبی بصیر.
( فإن قلت : خبر أبی بصیر ) (4) إنّما یدل علی المضمضة والاستنشاق فی الغُسل المرتب ، ومدعی الشیخ (5) علی ظاهر العموم للمرتب وغیره.
ص: 233
قلت : الأمر کما ذکرت ، إلاّ أن الذی رأیته دعوی الإجماع علی الاستحباب فی الغسل مطلقا ، فإن تم الإجماع ، وإلاّ أمکن ما ذکرت ، ولم أر الآن من نبّه علی ذلک.
وفی نظری القاصر : أنّ صحیح (1) زرارة لا یخلو من دلالة علی الاختصاص بالمرتّب ، إلاّ أن یقال : إنّ قوله : « ولو أن رجلاً جنباً » إلی آخره ، لیس منفکاً عما تقدّم فی صدره من المضمضة والاستنشاق ، بل قد یدعی ظهور أنّ المراد : مَن فَعَل ما ذکر أوّلاً فی الخبر وارتمس أجزأه ، إلاّ أنّ مجال الاحتمال واسع ، ولو تحقق الظهور لا یضر بحال الاستدلال ، غیر أنّ فی البین توقفا ، فالعمدة علی (2) الإجماع.
فإن قلت : قوله فی الحدیث : « وإن لم یدلک جسده » یدل علی أنّ الارتماس اتی به لبیان هذا ، وفیه إشارة إلی أنّ دلک الجسد فی المرتب یفعل ، وحینئذ لا تعلق له بما تقدم من المستحبات.
قلت : بل الظاهر بما ذکرت استحباب السابق ، إذ لم یستثن سوی دلک الجسد.
وینبغی أن یعلم أنّ بعض محققی المعاصرین سلّمه الله تعالی نقل عن العلاّمة إطلاق غَسل الیدین بحیث یشتمل الغَسل المرتب وغیره ، ثم قال : وهو محتمل (3). وأنت خبیر بأنّ الأخبار لا تعطی ذلک ، إلاّ بمعونة ما قررناه فی خبر زرارة ، وإلاّ فمجرد الاحتمال لا وجه له بدون البیان.
ثم إنّ ظاهر خبر زرارة غَسل الکفّین ، وفی صحیح یعقوب بن
ص: 234
یقطین (1) علی ما نقله شیخنا قدس سره ما یدل علی الغَسل من المرفقین (2).
والشیخ روی فی التهذیب عن الشیخ المفید ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام ، عن غسل الجنابة فقال : « تغسل یدک الیمنی من المرفقین إلی أصابعک » إلی آخره (3).
والظاهر أنّ المراد غَسل الیدین معاً بمعونة ذکر المرفقین ، إلاّ علی احتمال ما.
وربما یقال : یحمل مطلق خبر زرارة وغیره ممّا یدل علی الکفّین علی مقید غیره.
وفیه أنّ خبر زرارة ونحوه لا إطلاق فیهما ، بل الظاهر منهما نفس الکفّین.
ویمکن القول بالتخییر فی المستحب بین الکفّین والمرفقین ، والثانی أفضل ، إلاّ أنّ المشهور استحباب الغَسل من الزندین فقط (4).
ولا یبعد الاختصاص بالماء القلیل ، کما یستفاد من الأخبار.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ قوله علیه السلام : « کل شی ء أمسسته الماء فقد أنقیته » ربما کان المراد به إمرار الید مع الماء ، بمعونة قوله فی الارتماس : « وإن لم یدلک جسده ».
ویحتمل أن یراد به مجرد إیصال الماء من دون کثرة ، لکن لا بد من
ص: 235
صدق الغسل عرفاً علی ما قاله بعض (1).
وصرّح جماعة بأنّه إنّما یتحقق بجریان الماء علی البشرة ولو بمعاون (2) ، وفی الأخبار ما یدل علی الجریان.
وما تضمنه خبر زرارة ربما یرجح إرادة إمرار الید بدلالة (3) معتبر الأخبار کما سیأتی فی الترتیب علی الجریان ، إلاّ أن یقال : إنّ الجریان ولو بمعاون ، کما صرّح به الجماعة ، لا ینافیه ما فی خبر زرارة ، وحینئذ لا بعد فی أن یقال : إنّ الأخبار متوافقة علی اعتبار الجریان المذکور.
إلاّ أنّه یمکن أنّ یدفع ، بأن ما یأتی من الأخبار الدالة علی کیفیة الغسل یدلّ علی أنّه یصبّ علی سائر الجسد مرّتین ، وهذا الحدیث سنبینه علی احتمال أن یراد بالمرّتین علی الیمین والیسار ، کما هو المشهور فی الترتیب ، ویحتمل أن یحمل علی الصبّ مرّتین لجمیع البدن ، وعلی التقدیرین فالجریان ولو بمعاون بعید الحصول.
ولا یخفی أنّ مثل هذا فی الوضوء أیضاً یأتی ، إلاّ أن یتکلف إرادة الغسل فی الأغلب ، وفیه ما فیه ، ( ولعلّ ما قدمناه من العرف یسهل الخطب ، فتأمّل ) (4) وقد نقل عن ابن الجنید القول بإجزاء الدهن فی الغسل (5).
وما تضمنه خبر زرارة (6) من عدم الترتیب مطلقاً ، المخالف لما علیه الأخبار من تقدیم الرأس ، وما علیه المتأخّرون من الترتیب بین الأعضاء
ص: 236
أیضاً (1) ، یمکن أن یوجه بأنّه مطلق ، وغیره مقیّد.
وما عساه یقال : من أنّ مقام التعلیم یأبی تأخیر البیان کما ذکره شیخنا قدس سره فی فوائد الکتاب وغیرها یدفعه ما قدمناه.
فإن قلت : قوله فی الحدیث : « ثم تغسل جسدک » یدلّ علی أنّ المراد به غیر الرأس ، إذ الجسد علی مقتضی بعض الأخبار المعتبرة الآتیة غیر الرأس ، حیث قال فیها : « ثم أفض علی رأسک وجسدک ».
قلت : الذی یأتی یدل علی أنّ الرأس إذا ذکر مع الجسد لا یکون داخلاً فیه ، أما لو أُطلق ففی عدم تناوله تأمّل ، وفی القاموس : الجَسَد محرّکة : جسم الإنسان (2).
علی أنّ الحدیث إذا لم یدل علی الرأس فهو أشکل ، کما لا یخفی ، وبالجملة فإطلاقه قابل للتقیید.
وما تضمنه الخبر المبحوث عنه من قوله : « ثم تفرغ بیمینک علی شمالک » إلی آخره ، قد یدل علی استحباب اختیار الشمال فی غَسل الفرج ، ودلالته علی إجزاء الارتماس ظاهرة ، لکنه خاص بالجنب ، وقد ألحق الأصحاب غیر غسل الجنابة ، وسیأتی فیه القول إن شاء الله تعالی.
قال :
باب وجوب الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسل
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن
ص: 237
الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن عبد الله بن مسکان ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل (1) أجنب فاغتسل قبل أن یبول فخرج منه شی ء فقال : « یعید الغسل » قلت : فالمرأة یخرج منها بعد الغسل ، قال : « لا تعید » قلت : فما الفرق بینهما؟ قال : « لأنّ ما یخرج من المرأة إنّما هو ماء الرجل ».
وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن الرجل ، یغتسل ثم یجد بللاً وقد کان بال قبل أن یغتسل ، قال : « إن کان بال قبل أن یغتسل فلا یعید الغسل ».
الحسین بن سعید ، عن أخیه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن الرجل یجنب ثم یغتسل قبل أن یبول فیجد بللاً بعد ما یغتسل ، قال : « یعید الغسل ، فإن کان بال قبل أن یغتسل فلا یعید غسله ولکن یتوضّأ ویستنجی ».
عنه ، عن حماد ، عن حریز ، عن محمد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الرجل یخرج من إحلیله بعد ما اغتسل شی ء ، قال : « یغتسل ویعید الصلاة ، إلاّ أن یکون بال (2) قبل أن یغتسل ، فإنّه لا یعید غسله » قال محمد : وقال أبو جعفر : « من اغتسل وهو جنب قبل أن یبول ثم یجد بللاً فقد انتقض غسله ، وإن کان بال ثم اغتسل ثم وجد بللاً فلیس ینقض غسله ولکن علیه الوضوء ».
ص: 238
عنه ، عن فضالة ، عن معاویة بن میسرة ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام ، یقول : فی رجل رأی بعد الغسل شیئاً ، قال : « إن کان بال بعد جماعه قبل الغسل فلیتوضّأ ، وإن (1)لم یبل حتی اغتسل ثم وجد البلل فلیعد الغسل ».
السند
فی الأوّل : لیس فیه ارتیاب ، إلاّ فی روایة أحمد بن محمد بن عیسی ، عن عبد الله بن مسکان ، فإنّ فی التهذیب والکافی : أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عیسی ، عن عبد الله بن مسکان (2) ؛ فالسند حینئذ لیس بصحیح ، لاحتمال السقوط هنا سهوا ، بل هو الظاهر.
وسلیمان بن خالد وقد تقدم القول فی حاله (3).
ونزید هنا : أنّ سلیمان ذکر النجاشی : أنّه خرج مع زید فقطعت یده ومات فی حیاة أبی عبد الله علیه السلام ، فتوجّع لفقده (4).
وذکر فی الخلاصة عن کتاب سعد : أنّ سلیمان خرج مع زید فأفلت فمنّ الله علیه وتاب ورجع (5).
وفی النجاشی أیضاً : إنّه کان فقیهاً وجها (6).
ص: 239
والشیخ رحمه الله ذکره فی کتاب الرجال من أصحاب الصادق علیه السلام ، وأنّه خرج مع زید فقطعت إصبعه معه ، ولم یخرج من أصحاب أبی جعفر غیره (1).
وقال جدّی قدس سره فی فوائد الخلاصة : سلیمان بن خالد لم یوثقه النجاشی ، ولا الشیخ ، ولکن روی الکشی عن حمدویه : أنّه سأل أیوب بن نوح عنه ، أثقة هو؟ فقال : کما یکون الثقة. فالأصل فی توثیقه أیوب بن نوح وناهیک به (2). انتهی.
والذی فی الکشی ما قاله قدس سره غیر أنّ الروایة لا یدری قبل التوبة أو بعدها ، إلاّ أنّ یقال : إن خروجه غیر معلوم بأیّ وجه. وفیه : أنّ قول سعد ظاهر فی التوبة ، وتوثیق أیوب بن نوح وإن کان مطلقا ، إلاّ أنّ قول النجاشی یقیّده فلیتأمّل.
وأمّا الثانی : فحسن.
والثالث : موثق ، کما تقدم.
والرابع : صحیح ، کما بیناه.
والخامس : فیه معاویة بن میسرة ولیس بثقة فی الرجال ، بل ولا فیها مدح له (3).
المتن :
فی جمیع الأخبار غیر ظاهر الدلالة علی الوجوب ، کما ادعاه الشیخ ،
ص: 240
لأنّ غایة ما یستفاد منها عدم إعادة الغَسل مع البول لا وجوب البول.
وربما احتمل الاستدلال للوجوب بخبر أحمد بن محمد السابق نقله عن الشیخ فی التهذیب ، حیث قال فیه : سألت أبا الحسن علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تغسل یدک الیمنی من المرفق (1) إلی أصابعک ، وتبول إن قدرت علی البول » (2) فإنّ الجملة الخبریة بمعنی الأمر فی هذه المواضع.
وفیه : أنّ الظاهر جریان الجملتین علی وَتیرة واحدة ، کما کرّرنا القول فیه ، ولمّا کان غَسل الید مستحباً فالبول مثله.
وما عساه یقال : إنّ الغَسل إذا خرج بالإجماع لا یلزم خروج ما فیه الخلاف ، فجوابه : استبعاد اختلاف الجمل.
ولزوم الإشکال بوجوب بعض مقتضیات الخبر ، فلا یتم التوجیه. یمکن الجواب عنه : بأنّ العدول إلی الأمر بقوله : « ثم اغسل ما أصابک منه ، وأفض الماء (3) علی رأسک » قرینة علی استحباب ما قبله.
وقد یشکل : بأنّ تسلیم کون الجملة الخبریة بمعنی الأمر یقتضی أن لا فرق بین الأمر وما یقوم مقامه.
وما قاله بعض محقّقی المعاصرین سلّمه الله فی جواب الاعتراض بأنّ دلالة الجملة الخبریة فی المقامات الطلبیّة علی الوجوب ممّا لا ینبغی التوقف فیه : من أنّ قول علماء المعانی فی العدول عن الطلبیة إلی الإخباریة لشدّة الاهتمام لیس منحصراً فی ذلک ، بل له أسباب أُخر (4).
ص: 241
لا یخلو من وجه ، غیر أنّا لو سلّمنا إرادة الاهتمام بالنحو الذی ذکروه ، فالدلالة علی الوجوب معارضة بما قدمناه ، وحینئذ یحمل علی الطلب الاستحبابی للمعارض ، کما یقع بالأمر.
فإن قلت : الأمر یدل علی الاستحباب ، فلا بد للعدول عنه من أمر زائد عنه.
قلت : یحتمل تأکد الاستحباب.
وما تضمنه الخبر المبحوث عنه من حکم المرأة لا یخلو من إجمال ، فإنّ حصر ما یخرج منها فی ماء الرجل ( لا یوافقه الوجدان فی بعض الأحیان ) (1) إلاّ أنّ یقال : إن الحدیث یراد منه حال الاشتباه ، ( وقوله علیه السلام إنّما هو حال الاشتباه ، وفیه ما فیه ، والإمام علیه السلام أعلم بالحال إن صح الخبر ) (2).
ص: 242
وظاهر الخبر أیضاً أنّ خروج شی ء هو المقتضی للغُسل إذا لم یبل ، سواء تحقق کونه منیاً ، أو علم عدمه ، أو اشتبه الحال ، وفی عبارات کثیر من العلماء التعبیر بالبلل المشتبه (1).
والحدیث الثانی : تضمن البلل ، والقول فیه کالأول.
وکذلک الثالث : إلاّ أنّ ما تضمنه من أنّه لو بال لا یعید غسله ولکن یتوضّأ ویستنجی ، یدل علی نجاسة الخارج ، وربما یحصل التوقف فی ذلک عند من لا یعمل بالموثق ، من حیث عدم معلومیة کون الماء من النجاسات.
وفی کلام بعض المتأخرین : أنّ البلل المشتبه والمعلوم کونه لیس بولاً ولا غیره لا نزاع فیه ، کما لا نزاع فی أنّه لو علم أنّه بول أو منی یجب الوضوء أو الغسل ، وأمّا إیجاب الغسل علی تقدیر الاشتباه بالمنی ، فهو المذکور فی أکثر الکتب ، وعلیه یدل بعض الأخبار بالمفهوم ، والبعض بالتصریح ، ولکنه معارض ببعض الأخبار ، والأصل ینفیه ، وکذلک الأخبار التی دلت علی أنّ الیقین لا ینقضه الشک ، وحصر الموجب فی بعض الأخبار ، فحمل الأخبار علی ما هو غالب الظن أنّه منی أولی ، لترجیح الظاهر علی الأصل ، مع احتمال الاستحباب ، سیما مع [ عدم ] الظن الغالب (2). انتهی.
ص: 243
وأنت تعلم أنّ الأخبار المعتبرة لا دلالة فیها علی المشتبه ، والحمل علیه کما ذکره جماعة من المتأخّرین (1) ، محل بحث ، إلاّ أن یقال : إنّ الأخبار متناولة للمشتبه والمحقَّق ، ولمّا خرج المحقَّق بقی المشتبه ، وفیه کلام من حیث ما قاله المذکور کلامه ، فإنّه متوجه لولا أنّ ظاهر الأخبار یفید خلافه ، وبالجملة فالمقام لا یخلو من إشکال ، والله تعالی أعلم بالحال.
والخبر الرابع : کما تری ظاهره إعادة الصلاة الواقعة بین رؤیة البلل والغسل ، إلاّ أنّ جماعة من المتأخّرین قالوا بعدم إعادة الصلاة ، لأنّ هذا حدث جدید (2) ، وحمل بعض الأصحاب الحدیث علی الاستحباب ، أو علی من صلّی بعد وجدان البلل (3) ، وفیه : أنّه احتمال بعید من الروایة ، والاستحباب لا بد له من موجب مع ظهور الروایة ، وکون البلل حدثا جدیدا محل کلام.
ونقل ابن إدریس عن بعض الأصحاب القول بوجوب إعادتها (4). وفی الذکری : لعل مستنده الحدیث المتقدم عن محمد ، ویمکن حمله علی الاستحباب - إلی أن قال - : وربما یخیل فساد الغسل الأوّل ، لأنّ المنی باق بحاله فی مخرجه لا فی مقرّه ، کما قال بعض العامة ، وهو خیال ضعیف ، لأن المتعبد به هو الغسل ممّا خرج لا ممّا بقی ، ولهذا لو حبسه لم یجب الغسل إلاّ بعد خروجه عندنا وعند أکثرهم (5). انتهی.
ص: 244
ولقائل أن یقول : إنّ الموجب إذا کان حدثاً جدیداً موجباً للغسل لم یتحقق شریطة المنی الموجب للغسل وقد قرّروا ذلک فی الغسل ، إلاّ أن یقال : إن الشرط فی أوّل الخروج ، ولا یخفی أنّ الأمر سهل ، ولعلّ التعلق بالروایة أولی ، والمعارض غیر واضح ، فلیتأمّل.
فإن قلت : قوله فی الروایة : قال محمد. هل هو متعلق بما سبق؟ فیکون السند واحداً فی الخبرین ، وهو صحیح ، أم هو مرسل؟
قلت : الظاهر أنّ السند الأوّل لتمام الخبر (1) ، والاحتمال قائم ، ومحمد هو ابن مسلم علی ما یظن ، والله تعالی أعلم بالحال.
ثم الحدیث دلالته علی وجوب الوضوء من مجرد البول یتناول الاستبراء وعدمه ، ولعلّه مقید بما سبق من الأخبار الدالة علی أنّ البلل بعد الاستبراء من البول لا یؤثّر شیئاً ، إلاّ أن یقال : إنّ تلک الأخبار فی غیر المجنب ، وغیر بعید أن یکون إطلاق الاستبراء بعد البول یتناول الجنب ، وفی البین کلام یعرف بالنظر فیما سبق من الأخبار.
قال :
فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد الله ابن محمد الحجال (2) ، عن ثعلبة بن میمون ، عن عبد الله بن هلال ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الرجل یجامع أهله ، ثم یغتسل قبل أن یبول ، ثم یخرج منه شی ء بعد الغسل ، فقال : « لا شی ء علیه ، إنّ ذلک ممّا وضعه الله عنه ».
ص: 245
عنه ، عن موسی بن الحسن ، عن محمد بن عبد الحمید ، عن أبی جمیلة المفضل بن صالح ، عن زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل أجنب ، ثم اغتسل قبل أن یبول ، ثم رأی شیئاً ، قال : « لا یعید الغسل لیس ذلک الذی رأی شیئاً ».
فالوجه فی هذین الخبرین أحد شیئین ، أحدهما : أن یکون الغاسل قد اجتهد فی البول فلم یتأتّ له ، فحینئذ لم یلزمه إعادة الغسل ، والثانی : أن یکون ذلک مختصاً بمن فعل ذلک ناسیا.
والذی یدل علی ذلک :
ما أخبرنی (1) به الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن علی بن السندی ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل تصیبه الجنابة فینسی أن یبول حتی یغتسل ، ثم یری بعد الغسل شیئا ، أیغتسل أیضاً؟ قال : « لا قد ( تعصّرت ونزل ) (2) من الحبائل ».
وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن محمد بن عیسی ، عن أحمد بن هلال ، قال : سألته عن رجل اغتسل قبل أن یبول ، فکتب : « إنّ الغسل بعد البول ، إلاّ أن یکون ناسیاً فلا یعید منه الغسل ».
فجاء هذا الخبر مفسِّرا للأحادیث کلّها بالوجه الذی ذکرناه من أنّه یختص ذلک بمن ترکه ناسیاً ؛ فأمّا ما یتضمن خبر سماعة ومحمد بن
ص: 246
مسلم ، من ذکر إعادة الوضوء ، فمحمول علی الاستحباب ، ویجوز أن یکون المراد بما خرج بعد البول والغسل ما ینقض الوضوء [ فحینئذ یجب علیه الوضوء ولأجل ذلک قال علیه السلام ] (1) : « علیه الوضوء والاستنجاء » فی حدیث سماعة ، وذلک لا یکون إلاّ فیما ینقض الوضوء.
السند
فی الأول : عبد الله بن هلال ، وهو مجهول الحال.
والثانی : فیه أبو جمیلة ، وحاله بالضعف لا یخفی ، وتقدم أیضاً قول فی بقیة الرجال.
والثالث : فیه علی بن السندی ، وقد ذکرنا القول فیه (2).
وفی فوائد شیخنا أیّده الله علی الکتاب : وإن کان هذا یعنی علی ابن السندی هو علی بن إسماعیل علی ما وصل إلینا من نسخ الکشی ، وقد وثّقه نصر بن الصباح ، فإنّ توثیقه لا یعتمد علیه ، علی أنّ العلاّمة نقله علی بن السری ، وهو یوجب نوع وهن ، کما لا یخفی. انتهی.
والرابع : فیه أحمد بن هلال ، والشیخ قد ضعفه (3)
المتن :
فی الخبر الأوّل : لو صحّ سنده أمکن حمله علی سقوط الوجوب ،
ص: 247
وتحمل الأخبار الأولة علی الاستحباب ، کما سلفت إلیه إشارة من کلام البعض ، إلاّ أنّ السند قد علمته ، ومع الأخبار السابقة الشهرة ، وإن کان فیها کلام ، غیر أنّ الأمر سهل.
وقد یمکن أن یراد من الحدیث أنّه لا شی ء علیه فی عدم البول من الإثم ، وإن کان الغسل لا بد من إعادته ، إلاّ أنّ ظاهر الخبر یأباه ، وأن الاحتمال واسع الباب.
وأما الثانی : فلا مجال للحمل فیه إلاّ علی ما تکلّفه الشیخ ، وفیه ما تعلمه ، أما الوجه الأوّل من وجهی الشیخ : فقد ذکر شیخنا قدس سره فی فوائده علی الکتاب أنّه لا دلیل علیه.
وشیخنا أیّده الله یفهم من بعض فوائده إمکان التوجیه له ، بأنّ الاستبراء بالبول إذا وجب فمع العمد یخالف المأمور به ، ومع النسیان یعذر.
وهذا الوجه ذکره أیّده الله فی مقام الردّ علی شیخنا قدس سره حیث قال فی بعض الفوائد : التوجیه الثانی من وجهی الشیخ بأنّ السؤال فیها وإن وقع عن حکم الناسی ، إلاّ أنّ التعلیل المستفاد من الجواب من قوله : « قد تعصّرت ونزل من الحبائل » یقتضی عدم الفرق بینه وبین غیره.
واعتراض شیخنا أیّده الله کما تری یقتضی الفرق ، وقد یقال : إنّه لا ینحصر فی النسیان ، لأن عدم التکلیف یتحقق فی الجاهل أیضا ، بناءً علی عدم تکلیفه. ولعلّ شیخنا أیّده الله أراد توجیه کلام الشیخ ، ولعلّ (1) الشیخ یقول بالتکلیف فی غیر الناسی ، ومقام التوجیه واسع ، غیر أنّه قد
ص: 248
یستفاد منه ما أشرنا إلیه من توجیه الوجه الأول ، وهو عدم القدرة علی البول ، فإنّه لا ریب أنّ وجوب البول فرع القدرة ، وکأنّ الشیخ ناظر فی حمل الأخبار إلی هذا فی الوجه الأول ، فلیتأمّل.
فإن قلت : علی تقدیر التقصیر وعدم جواز الغسل تنتفی الإعادة مع عدم البول حال کونه غیر ناس وغیر متعذر منه ، وسواء وجد بللاً أم لا فما وجه ذکر الشیخ وجود البلل مع النسیان؟
قلت : لما ذکرت وجه ، إلاّ أنّ الشیخ مشی مع الأخبار ، فلا یبعد وقوفه علی مضمونها ، من أنّ الإعادة مع وجود البلل ، غیر أن مقتضی قوله بوجوب البول ، لزوم الإعادة من دونه مطلقا ، والله أعلم بالحال.
ویبقی الکلام هنا أنّ شیخنا أیّده الله قال فی أول الفائدة : الوجه الأوّل لا دلیل علیه ، کما قال شیخنا قدس سره فربما ینکر علینا فی أنّا استخرجنا من کلامه توجیهاً یصلح دلیلاً له ، والحال أنّه نفاه ، ولعلّ مراده لا دلیل علیه من الأخبار والاعتبارات الصالحة ، وإن کان ما قلناه لا یخلو من وجه.
ونقل فی توجیهه : أنّه إذا اجتهد واخترط ولم یتأتّ له البول کان الظاهر عدم بقاء شی ء فی المجری ، کما فی البول ، وأنّ التکلیف بأکثر من ذلک کالحرج ، وأنّ القائل بخلافه غیر ظاهر ، وأنت خبیر بما فی الوجوه من التکلّف.
وما تضمنه خبر جمیل من قوله : « قد تعصرت » إلی آخره ، لم أفهم معناه ، ولا قول شیخنا قدس سره إنّه متناول للناسی وغیره (1) ، فإن کان المراد أن نزول المنی إلی الخارج یقتضی عدم بقاء شی ء منه ، فالکلام لا یساعد
ص: 249
علیه ، وإن کان المراد أنّ السائل نسی البول ، ولکنه استبرأ ، فهو خلاف ظاهر الروایة ، فلا ینبغی الغفلة عن ذلک.
وما قد یقال : من أنّ الروایة إنّما تضمنت حکم النسیان من کلام السائل فلا اعتبار فیه. یمکن توجیهه بأنّ ظاهر إقرار الإمام علیه السلام یفید المطلوب ، وفیه ما فیه.
وبالجملة : فالأخبار مع اختلال (1) الأسانید غیر تامّة المعانی ، والأخبار المعتبرة قد سمعت القول فیها.
وینبغی أن یعلم أنّ فی البین أُموراً :
الأول : صریح کلام الشیخ هنا وفی التهذیب القول بالنسیان (2) ، وبین المتأخّرین لیس هذا مذکوراً فی الأقسام ، ولا أدری الوجه فیه.
الثانی : المعروف بین الأصحاب ونقل ابن إدریس فیه الإجماع علی ما حکی (3) عنه ، أنّ من ترک البول والاستبراء یعید الغسل ، والأخبار الدالّة علی ذلک قد سمعتها.
وفی الفقیه بعد أن أورد الخبر المتضمن لإعادة الغسل قال : وروی فی حدیث آخر : « إن کان قد رأی بللاً ولم یکن بال فلیتوضّأ ولا یغتسل » قال مصنف الکتاب : إعادة الغسل أصل ، والخبر الثانی رخصة (4).
واستعمال الصدوق للرخصة فی کتابه کثیر ، أمّا معناها فلا یخلو من إجمال ، کما نبّهنا علیه فی حاشیته ، وإرادة المعنی الأُصولی بعیدة من
ص: 250
کلامه ، علی أنّ الخبر الثانی لا یخفی حاله.
الثالث : فی کلام المحقق فی بعض کتبه ما یعطی عدم إعادة الغسل لو حصل أحد الأمرین ، من البول أو الاستبراء ، سواء کان البول ممکناً أم لا (1). وقد یستبعد ذلک مع إطلاق الأخبار ، ویقربه النظر فیما أسلفناه بعین الاعتبار.
الرابع : ما قاله الشیخ أخیراً : من أنّ خبر محمد بن مسلم الدال علی إعادة الوضوء محمول علی الاستحباب. یدل علی أنّه فهم من الروایة حصول البول والاستبراء ، وقد علمت أنّ خبر سماعة تضمن الاستنجاء ، فلا یتم ما فهمه الشیخ إلاّ بتکلّف.
نعم : روایة محمد ربما کان ظاهرها ما قاله الشیخ أخیراً فی الحمل علی خروج ما ینقض الوضوء ، ولعلّ مراده به عدم الاستبراء ، فإنّ ذلک یوجب نقض ما خرج للوضوء ، إلاّ أنّ عبارة الشیخ لا تخلو من حزازة ، وربما ظهر منها أنّ مفاد الروایات مع الاشتباه ، وقد سبق منا نوع کلام لا ینبغی الغفلة عنه.
ولشیخنا قدس سره هنا کلام فی المدارک ، ذکرنا ما فیه فی موضع آخر ، وحاصله : أنّه اعتمد فی وجوب الوضوء إذا حصل البول من دون الاستبراء ثم وجد البلل علی صحیح محمد المذکور هنا ، ومفهوم حسنة حفص بن البختری : فی الرجل یبول : « ینتره ثلاثاً ، ثم إن [ سال ] (2) حتی یبلغ الساق فلا یبالی » (3).
ص: 251
ثم قال : قدس سره ولا ینافی ذلک ما رواه عبد الله بن [ أبی ] یعفور فی الصحیح ، أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بال ثم توضّأ وقام إلی الصلاة فوجد بللاً ، قال : « لا شی ء علیه ولا یتوضّأ » (1) لأنّ هذه الروایة مطلقة وأخبارنا (2) مفصلة ، والمفصل یحکّم علی المطلق (3). انتهی.
وأنت خبیر بأن الإطلاق والتقیید لیس علی الإطلاق ، والتناول للبول بعد الجنابة محل کلام ، وروایة محمد غیر صریحة ، فلیتأمّل.
قال :
باب مقدار الماء الذی یجزئ فی غسل الجنابة والوضوء
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن سنان ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوضوء ، فقال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یتوضّأ بمُدٍّ ویغتسل بصاع ».
وبهذا الإسناد ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یتوضّأ بمُدّ ویغتسل بصاع ، والمُدّ رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال ».
أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن علی بن محمد ، عن سلیمان بن حفص المروزی ، وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن
ص: 252
محمد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن موسی بن عمر ، عن سلیمان بن حفص المروزی قال : قال أبو الحسن علیه السلام « الغسل بصاع من ماء ، والوضوء بمدٍّ من ماء ، وصاع النبی صلی الله علیه و آله خمسة أمداد ، والمد مائتان وثمانون درهما ، والدرهم ستة دوانیق ، والدانق وزن ستّ حبّات ، والحبّة وزن حبّتی شعیر من أوساط الحب ، لا من صغاره ولا من کباره ».
وبهذا الاسناد ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أبی جعفر عن أبیه ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن الذی یجزئ من الماء للغسل فقال : « اغتسل رسول الله صلی الله علیه و آله بصاع وتوضّأ من مدٍّ (1) ، وکان الصاع علی عهده خمسة أمداد ، وکان المدّ قدر رطل وثلاث أواق ».
قوله علیه السلام فی هذا الخبر : « الصاع خمسة أمداد » وتفسیر المدّ برطل وثلاث أواق مطابق للخبر الذی رواه زرارة ، لأنّه فسّر المدّ برطل ونصف ، فالصاع یکون ستة أرطال ، وذلک مطابق لهذا المقدار (2) ، فأمّا تفسیر سلیمان المروزی المدّ بمأتین وثمانین درهماً فمطابق للخبرین ، لأنّه یکون مقداره ستة أرطال بالمدنی ، ویکون قوله علیه السلام : « خمسة أمداد » وهماً من الراوی ، لأنّ المشهور من هذه الروایة أربعة أمداد ، ویجوز أن یکون ذلک إخباراً عما کان یفعله النبی صلی الله علیه و آله إذا شارک فی الاغتسال بعض أزواجه ، یدل علی ذلک
ص: 253
ما رواه محمد (1) بن یحیی ، عن محمد بن الحسین (2) ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن وقت (3) غسل الجنابة کم یجزئ من الماء؟ قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یغتسل بخمسة أمداد بینه وبین صاحبته ، ویغتسلان جمیعاً من إناء واحد ».
الحسین بن سعید ، عن النضر ، عن محمد بن أبی حمزة ، عن معاویة بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یغتسل بصاع ، وإذا کان معه بعض نسائه یغتسل بصاع ومدّ ».
السند
فی الأول : فیه ابن سنان ، وهو محمد علی الظاهر ، کما قدمنا القول فیه (4) ، وأبو بصیر تکرّر أیضا (5).
والثانی : لا ارتیاب فیه.
والثالث : علی بن محمد الواقع فیه لا یخلو من اشتباه ، وفی التهذیب روایة علی بن محمد عن رجل (6) ، وأمّا سلیمان بن حفص فهو مجهول الحال ، وموسی بن عمر لا یبعد أن یکون ابن بزیع الثقة ، إلاّ أن باب الاحتمال فیه متّسع ، وتحقیق الحال فیه هنا خال عن الفائدة.
ص: 254
والرابع : فیه محمد بن عیسی الأشعری المعبّر عنه بقوله : عن أبیه ، لأن أبا جعفر هو أحمد ( بن محمد ) (1) بن عیسی ، وعلی ما یظهر من الرجال أنّ محمّداً لا یزید علی (2) أنّ له شأناً فی الجملة (3) ، أمّا کونه ثقة فلا ، وتصحیح العلاّمة بعض الطرق الذی هو فیها (4) محل کلام کررنا فیه القول ، وعلی ظاهر قواعدهم عدّ الحدیث من الموثق.
وأما الخامس : فواضح الطریق.
والسادس : کذلک علی ما قدمنا فیه القول بالنسبة إلی محمد بن أبی حمزة (5).
المتن :
فی الأول ظاهر ، وربما دل لفظ کان علی المداومة ، کما صرّح به ابن الأثیر فی أحکام الأحکام ، حیث قال بعد روایة مثل هذا : عندهم یقال : کان یفعل کذا ، إذا تکرر منه فعله وکان عادته ، وقد یستعمل لإفادة مجرد الفعل ووقوعه من دون الدلالة علی
التکرار ، والأوّل أکثر فی الاستعمال. انتهی.
والخبر الثانی : کالأوّل ، وذکر بعض محقّقی المعاصرین سلّمه الله أنّ فی کلام بعض العامة أنّ معنی الحدیث أنّه صلی الله علیه و آله کان یتوضّأ بمدّ من ذلک الصاع ، فیکون اغتساله بثلاثة أمداد ، وفساده ظاهر (6) ، انتهی. والمذکور فی
ص: 255
کلام من رأینا کلامه من الأصحاب ، استحباب أن یکون الوضوء بمدّ والغسل بصاع (1).
وما تضمنه حدیث زرارة من أنّ الصاع أربعة أمداد وأنّ المدّ رطل ونصف ، فیکون الصاع ستة أرطال بالمدنی ، علی ما قاله الشیخ رحمه الله فی غیر هذا الکتاب ، وسیأتی ما لا بدّ منه فی الفطرة إن شاء الله.
وأمّا خبر المروزی ، فلا یخفی منافاته لما تقدم من الأخبار وللمشهور بین من رأینا کلامه ، من کون الدانق ست حبّات ، (2) إلی آخره ، إذ المنقول أنّه ثمانی حبات (3) ، وفی المنتهی فی بحث الفطرة : الصاع أربعة أمداد ، والمدّ رطلان وربع بالعراقی ، وهو مائتان واثنان وتسعون (4) درهماً ونصف ، والدرهم ستة دوانیق ، والدانق ثمانی (5) حبات من أوسط حبات الشعیر ، یکون مقدار الصاع تسعة أرطال بالعراقی ، وستة بالمدنی ، ذهب إلیه علماؤنا أجمع (6) (7).
وما قاله الشیخ فی التوجیه واضح فی عدم التمامیة ، وفی فوائد شیخنا قدس سره علی الکتاب علی قوله : وتفسیر المدّ برطل وثلاثة أواق مطابق للخبر. فیه نظر ، فإنّ المدّ إذا کان رطلاً وثلاث أواق تکون الخمسة أمداد خمسة أرطال وخمسة عشر أوقیة ، وذلک لا یطابق التقدیر
ص: 256
بستة أرطال ، إلاّ إذا کانت الخمسة عشر أوقیة رطلاً ، وهو بعید. انتهی.
وأنت خبیر بأنّ الخمسة عشر أوقیة إذا کانت رطلاً ، فإمّا أن تکون الأرطال کلها کذلک ، أو بعضها خمسة عشر ، والباقی اثنی عشر أوقیة ، فإن کان الأول : احتمل جمع ما قاله الشیخ ، وإن کان الثانی : فلا معنی لاختلاف الرطل ، ولا یبعد أن یکون مراد الشیخ أنّ الثلاث الأواق الزائدة لا تضر بحال المطلوب إرادته من الستة الأرطال ، إذ هی یسیرة ، وغیر هذا لا یمکن إرادته کما لا یخفی.
نعم : یتوجه علی الشیخ ما فی الروایة من الإشکالات غیر هذا ، کما أشرنا إلی بعضها ، ومنها تفسیر المدّ فی خبر زرارة برطل ونصف ، وهنا مفسّر برطل وثلاث أواق ، وما قاله الشیخ : من أنّ تفسیر سلیمان المدّ بمأتین وثمانین ، إلی آخره ، قد اعترض علیه شیخنا قدس سره بأنّ المطابقة غیر متحققة ، فإن المدّ إذا کان وزن مائتین وثمانین درهماً ، تکون الأربعة أمداد ألفاً ومائة وعشرین ، وذلک ینقص عن وزن ستة أرطال المدینة بخمسین درهما. والأمر کما قاله ، ویزید أنّ ما قاله الشیخ : إنّ لفظ خمسة أمداد وقعت وهماً من الراوی. یضر بحال ما تقدم من الشیخ ، کما یعرف بأیسر نظر.
وبالجملة : فالکلام فی الروایة لا یخلو من اختلال ، والشیخ قد مشی علی مسلک الراوی ، والله تعالی أعلم بالحال.
وأمّا الاحتمال الأخیر الذی ذکره الشیخ ففی غایة البعد ، إلاّ أنّه قابل للتوجیه ، والخبران المستدل بهما لا یدلاّن علی أن المدّ لها ، والصاع له صلی الله علیه و آله .
نعم روی الشیخ فی زیادات الصلاة من التهذیب ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر ،
ص: 257
عن أبی جعفر وأبی عبد الله ، أنّهما قالا : « توضّأ رسول الله صلی الله علیه و آله بمدّ (1) واغتسل بصاع » ثم قال : « اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء واحد » قال زرارة : فقلت : کیف صنع؟ قال : « بدأ هو فضرب بیده فی الماء قبلها وأنقی فرجه ، ثم ضربت فأنقت فرجها ، ثم أفاض هو وأفاضت هی علی نفسها حتی فرغا ، وکان الذی اغتسل به رسول الله صلی الله علیه و آله ثلاثة أمداد ، والذی اغتسلت به مدّین ، وإنّما أجزأ عنهما لأنّهما اشترکا جمیعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع » (2).
وهذه الروایة لولا أنّی أشم منها رائحة التقیة من حیث ذکر الوضوء أوّلا وذکر غیر ذلک أیضا ، لکانت دالّة علی أنّ مع المشارکة یزول استحباب الصاع.
ثم فیها دلالة علی أُمور أُخر ، منها : جواز المستعمل من الغیر فی الغسل فی الجملة ، فینفی به بعض أقوال الأصحاب.
ومنها : حصول إنقاء الفرج بشی ء من الماء ، بل قد یستفاد منها الاکتفاء فی غسل المنی مرّة واحدة.
وما قاله فی المنتهی من أنّ التقدیر لم یحصل بعد الاغتسال بل قبله ، وذلک یستلزم إدخال ما غسل الفرجین فی المقدار (3). لا یخلو من غرابة ، فإنّ ظاهر النص سقوط المقدار بالاجتماع ، اللهم إلاّ أن یرید (4) مطلق المقدار من الصاع وغیره ، وفیه : أنّ الخبر ظاهر فی خلاف ما قاله.
ص: 258
ثم إنّ الرطل العراقی علی ما قاله العلاّمة فی المنتهی فی الزکاة : إنّه مائة وثمانیة وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم ، إنّه تسعون (1) مثقالا ، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم (2).
ونقل غیره أنّ الرطل مائة وثلاثون درهما (3).
والرطل المدنی : قیل إنّه رطل ونصف عراقی (4). وسیجی ء ذکر ما لا بدّ منه إن شاء الله فی محله ، وبالجملة فللکلام فی المقام مجال واسع ، ولعلّ فی هذا القدر کفایة إن شاء الله تعالی.
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن الحسن بن موسی الخشاب ، عن غیاث بن کلوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام « إنّ علیاً علیه السلام کان یقول : الغسل من الجنابة والوضوء یجزئ منه ما أجزأ من الدهن الذی یبلّ الجسد ».
عنه ، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب والحسن بن موسی الخشاب ، عن یزید بن إسحاق (5) ، عن هارون بن حمزة الغنوی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجزیک من الغسل والاستنجاء ما بللت یدک ».
وما یجری مجراها (6) من الأخبار : فإنها محمولة علی الإجزاء
ص: 259
والأوّلة علی الفضل ، إلاّ أنّ مع ذلک فلا بدّ أن یجری الماء علی الأعضاء لیکون غاسلاً وإن کان قلیلاً مثل الدهن ، فإنّه متی لم یجر لم یسمّ غاسلاً ، ولا یکون ذلک مجزئاً.
والذی یدل علی ذلک :
ما رواه علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : قال : « الجنب ما جری (1) علیه الماء من جسده قلیله وکثیره فقد أجزأه ».
الحسین بن سعید ، عن فضالة بن أیوب ، عن جمیل ، عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام فی الوضوء ، قال : « إذا مسّ جلدک الماء فحسبک ».
عنه ، عن صفوان ، عن ابن مسکان ، عن محمد الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « أسبغ الوضوء إن وجدت ماءً ، وإلاّ فإنّه یکفیک الیسیر ».
السند
فی الأوّل : غیاث بن کلوب ، ولم یذکر أصحاب الرجال مدحه فضلاً عن کونه ثقة.
والثانی : فیه یزید بن إسحاق ، ولم أفهم من کتب الرجال مدحه ، فضلاً عن الثقة ، إلاّ أنّ جدی قدس سره فی شرح الدرایة یفهم منه توثیقه (2) ، وکأنّه أخذه من تصحیح العلاّمة طریق الصدوق إلی هارون بن حمزة (3) ، وهو فیه ، ولا یخفی علیک حقیقة الحال ، وأمّا هارون بن حمزة فهو ثقة.
ص: 260
والثالث : لا یخفی حسنه.
والرابع والخامس : لا ارتیاب فی صحتهما علی ما قدّمناه.
المتن :
فی الأولین ما قاله الشیخ لا یخلو من وجه ، غیر أنّ ما ذکره من اعتبار الجریان یرید به ولو بمعاون ، کما ذکره المتأخرین (1) ، وقد قدّمنا فیه القول ، وإن أمکن المناقشة فی قول الشیخ : إنّه لو لم یجر لم یسمّ غاسلاً.
وما استدل به رحمه الله من الخبرین لا یخلو من تأمّل ، أمّا الأوّل : فلأنّ دلالته من حیث المفهوم ، وبتقدیر تمامیته ظاهر ، ومنطوق الثانی خلافه ، إلاّ أن یقال : إنّ الثانی مجمل والأوّل مبیّن ، فیحمل علیه. وفیه ما فیه ، وأما الثانی : فغیر خفیّ دلالته علی خلاف مطلوب الشیخ.
وبالجملة : فیما قدمناه کفایة بالنسبة إلی ما هو المقصود هنا ، نعم ینبغی أن یعلم أنّ الشیخ رحمه الله أجمل المقام ، فإنّ الأخبار الأوّلة الدالة علی الصاع للغسل لا ریب أنّها للاستحباب ، وهذه الأخبار منها ما هو دالّ علی إجزاء ما یبلّ الجسد ، وهذا لا ریب أنّه لا یعارض الاستحباب ، وما دل منها علی اعتبار الجریان ، ( ینبغی أن یذکر فی مقام المعارضة لما دل علی إجزاء مثل الدهن ، ثم یحمل علی الجریان ) (2) ولو بمعاون ، أو بیّن أنّ الدهن مبالغة ، والحال فی کلام الشیخ ما تری.
ثم إنّ الأخبار المذکورة فیها إطلاق وفیها تقیید بالنسبة إلی الغسل ، لکنّ الأصحاب لم یذکروا الفرق بین الأغسال علی ما رأیت.
ص: 261
قال :
باب وجوب الترتیب فی غسل الجنابة
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن (1) علیه السلام عن غسل الجنابة فقال : « تغسل یدک الیمنی من المرفق إلی أصابعک ، وتبول إن قدرت علی البول ، ثم تدخل یدک فی الإناء ، ثم اغسل ما أصابک منه ، ثم أفض علی رأسک وجسدک ، ولا وضوء فیه ».
وبهذا الاسناد ، عن الحسین بن سعید ، عن صفوان وفضالة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة فقال : « تبدأ بکفیک ، ثم تغسل فرجک ، ثم تصبّ علی رأسک ثلاثاً ، ثم تصبّ علی سائر جسدک مرّتین ، فما یجری (2) علیه الماء فقد طهر ».
أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن علی بن إسماعیل ، عن حماد ( بن عیسی ) (3) ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من اغتسل من جنابة ولم یغسل رأسه ، ثم بدا له أن یغسل رأسه لم یجد بدّاً من إعادة الغسل ».
ص: 262
السند
فی الأوّل والثانی : لا ارتیاب فیه ، وأحمد بن محمد فی الأوّل الراوی عنه الحسین هو ابن أبی نصر.
والثالث : فیه علی بن إسماعیل وقد کرّرنا القول فی شأنه (1).
المتن :
فی الأخبار الثلاثة لا یدل علی الترتیب المذکور فی کلام المتأخّرین ، من الترتیب بین الجانبین أیضا (2) ، وفی فوائد شیخنا أیّده الله علی الکتاب : بل مقتضی صحیحتی أحمد بن محمد ومحمد بن مسلم ، عدم وجوب ذلک ، فإنّه لو کان واجباً لذکر فی جواب السؤال ، وفی معناهما روایات ، منها : صحیحة زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام ، وصحیحة یعقوب ابن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام ، وهو ظاهر اختیار الصدوقین وابن الجنید ، تمسکاً بمقتضی الأخبار الصحیحة المطابقة لمقتضی الأصل وظاهر القرآن.
نعم فی حسنة زرارة ، قال : قلت : کیف یغتسل الرجل (3) الجنب؟ فقال : « إن لم یکن أصاب کفّه شی ء (4) غمسها فی الماء ، ثم بدأ بفرجه
ص: 263
فأنقاه بثلاث غرف ، ثم صبّ علی رأسه ثلاث أکفّ ، ثم صبّ علی منکبه الأیمن مرّتین ، وعلی منکبه الأیسر مرّتین ، فما جری علیه الماء فقد أجزأه » (1) وقوله : « ثم صبّ علی منکبه الأیمن » یشعر بتقدیمه ، لکن لا یعارض بمثله الأخبار المتقدمة ، وأین هذا من الترتیب المشهور ، والرجحان المطلق ممّا لا نزاع فیه ، فیمکن الجمع بالاستحباب والأولوّیة. انتهی کلامه أیّده الله.
وما قاله متوجه ، غیر أنّ ما ذکره : من أنّ الترتیب لو کان واجباً لذکر فی جواب السؤال. یشکل ، بأنّ هذا بعینه وارد فی صحیح أحمد بن محمد ، فإنّ قوله « ثم أفض علی رأسک وجسدک » لا یفید الترتیب بین الرأس والبدن ، والحال أنّه لا قائل به ، ولو سلّم إرادته من حیث إنّ الظاهر من قوله : « ثم أفض علی رأسک » البدأة به ، أشکل فی صحیح زرارة الذی ذکره ، فإنّ فیه بعد ذکر المضمضة والاستنشاق « ثم تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک » فما هو الجواب عن هذا فهو الجواب عن الجانب الآخر.
فإن قیل : الجواب عمّا ذکرت هو الإجماع مع الأخبار.
قلت : الإجماع مدعی أیضاً من الجانب الآخر ، وخلاف معلوم النسب لا یضر بالحال ، ودلالة خبر زرارة الذی نقل أیضاً مساعد.
فإن قیل : ناقل الإجماع علی الترتیب المشهور هو الشیخ ، والإجماع المنقول بخبر الواحد محل کلام.
قلنا : لا ارتیاب عند الأصحاب فی قبول الإجماع المنقول بخبر الواحد.
ص: 264
وهذا الکلام إنّما أوردناه لبیان حقیقة الحال ودفع ما عساه یقال ، والحق فی المقام : أنّ نقل الإجماع بخبر الواحد لا یخرج عن کونه خبراً ، بل هو قریب من المرسل ، غایة الأمر أنّا لو سلّمنا أنّه مسند فهو حجّة کحجّیة (1) الخبر ، فدلیل العمل بخبر الواحد دلیله ، وإن أمکن الفرق بأنّ العادة قاضیة بامتناع تحقیق (2) الإجماع فی زمن مدعیة ، إلاّ أنّ إنکار ذلک إذا وقع من العدل مشکل (3).
ثم إنّ الإجماع المنقول إذا رجع إلی الخبر کان مع المعارض حکمه حکم الخبر فی الترجیح بالضبط ونحوه ، ولا ریب أنّ ناقل الإجماع إذا علم منه مخالفة نفسه أشکل الحکم بضبطه ، إلاّ أن یقال : إنّ مخالفة نفسه قرینة علی إرادته غیر معنی الإجماع منه ، وفیه : أنّ هذا یضر بالحال أیضا ، لأنه نوع من التدلیس ، کیف ومن لم یطلع علی خلاف (4) نفسه ینسی علی [ الظاهر ] (5) نقل الإجماع ، ووجوب التتبّع لیصیر من قبیل العام المخصوص لا وجه له ، إلاّ أن یقال : إنّه إذا علم الخلاف یبین إرادة غیر المعنی الحقیقی ، وبدونه فلا ، وأنت خبیر بما فی هذا من التکلف ، وعدم المناسبة لصون الأحکام الشرعیة عن التخلیط.
وإذا عرفت هذا کلّه فاعلم أنّ الحال إذا رجع إلی التعارض والترجیح ، فالإحالة علی الفکر فی حقائق الأُمور أولی.
ص: 265
ثم إنّ الأخبار المعتبرة لا ینکر إفادتها ما قاله شیخنا أیّده الله - (1) وکذلک (2) کان الوالد قدس سره یقول. وشیخنا قدس سره صرّح به فی فوائد الکتاب ، إلاّ أنّ القول بأنّه لو وجب الترتیب بین الجانبین لذکر فی جواب السؤال ، مع الإجمال الواقع فی بعضها لا یخلو من إشکال ، وقد قدّمنا ما یصلح للجواب عن ذلک فی مواضع.
والحاصل : أنّ کل مطلق ومقید لا یخرج عن هذا ، ولو لا التسدید الذی قدمناه ما صح حمل مطلق علی مقید.
وما تضمنه الخبر الأوّل من قوله : « تغسل یدک » ودلالة الثانی علی غَسل الکفّین قد قدّمنا القول فیه ، کما ذکرنا حکم البول المذکور فی الأول.
وما تضمنه الخبر الثانی من الصب علی الرأس ثلاثاً یحتمل أن یراد به الغسل ثلاثاً ، ویحتمل الصب ثلاثا والغَسل مرّة ، ودلالة الخبر الثالث علی وجوب تقدیم الرأس ظاهرة.
اللغة :
قال ابن الأثیر : إفاضة الماء علی الشی ء إفراغه علیه ، یقال : فاض الماء إذا جری ، وفاض الدمع إذا سال. وقال ابن الأثیر فی أحکام الأحکام : الأصل فی « سائر » أن یستعمل بمعنی البقیة ، وقالوا : هو مأخوذ من السور ، قال الشنفری :
إذا احتملوا رأسی وفی الرأس أکثری
وغودر عند الملتقی ثم سائری(3)
ص: 266
أی بقیّتی ، وقد ذکر فی أوهام الخواص أنّ جعلها بمعنی جمیع من ذلک ، وفی الصحاح ما یفید جوازه (1).
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، قال : کان أبو عبد الله علیه السلام فیما بین مکة والمدینة ، معه أُمّ إسماعیل فأصاب من جاریة له فأمرها فغسلت جسدها وترکت رأسها قال لها : « إذا أردت أن ترکبی فاغسلی رأسک » ففعلت ذلک فعلمت بذلک أُمّ إسماعیل فحلقت رأسها ، فلمّا کان من قابل انتهی أبو عبد الله علیه السلام إلی ذلک الموضع (2) فقالت له أُمّ إسماعیل : أیّ موضع هذا؟ فقال لها : « الموضع الذی أحبط الله فیه حجّک عام أوّل ».
فهذا الخبر یوشک أن یکون قد وهم الراوی فیه ، ولم یضبطه فاشتبه علیه الأمر ، لأنّه لا یمتنع أن یکون سمع أن یقول لها [ أبو عبد الله علیه السلام ] (3): اغسلی رأسک فإذا أردت الرکوب فاغسلی جسدک ، فرواه بالعکس من ذلک ، والذی یدل علی ذلک : أنّ راوی هذا الخبر وهو هشام بن سالم روی هذا الخبر بعینه علی ما قلناه :
روی ذلک الحسین بن سعید ، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فسطاطه وهو یکلم امرأة فأبطأت علیه ، فقال : « ادنه ، هذه أُمّ إسماعیل جاءت وأنا
ص: 267
أزعم أن هذا المکان الذی أحبط الله فیه حجّها عام أول ، کنت أردت الإحرام ، فقلت : ضعوا لی الماء فی الخباء فذهبت الجاریة بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها ، فقلت : اغسلی رأسک وامسحیه مسحاً شدیداً لا تعلم به مولاتک فإذا أردت الإحرام فاغسلی جسدک ولا تغسلی رأسک فتستریب مولاتک ، فدخلت فسطاط مولاتها فدنت (1) تتناول شیئاً فمسّت مولاتها رأسها فإذاً لزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها ، فقلت لها (2) المکان الذی أحبط الله فیه حجّک ».
السند :
فی الخبرین لا ارتیاب فیه.
المتن :
ما قاله الشیخ فیه لا یخلو من وجه ، وإن بَعَّدَه احتمال أن یکون الروایة الأُولی مشافهة والثانیة بواسطة ، فلا تدل علی مطلوب الشیخ ، مضافاً إلی أنّ التخالف غیر محصور فیما قاله الشیخ کما یظهر من ملاحظة الروایتین.
ثم إنّ ( مثل هؤلاء الرواة الإثبات ) (3) یستبعد منهم عدم الضبط ، والله تعالی أعلم بالحال.
ولا یخفی أنّ دلالة الخبرین علی إبطال الحج علی وجه المبالغة (4) لنقصان الثواب.
ص: 268
وأنت خبیر بأنّه یستفاد من خبر هشام عدم وجوب الموالاة فی الغسل کما هو المشهور بین الأصحاب ، بل قیل : إنّه متفق علیه (1) ، واستدل علی عدم الوجوب بصدق الامتثال بدونها ، وبصحیح إبراهیم ابن عمر الیمانی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن علیّاً علیه السلام لم یر بأساً أن یغسل الجنب رأسه غدوة وسائر جسده عند الصلاة » (2).
ولا یذهب علیک أنّ ظاهر الحدیث المستدل به مع هذه الروایة عدم صحة غَسل بعض الرأس مع أنّ إطلاق عدم وجوب الموالاة یقتضی الصحة ، مضافا إلی إطلاق الأمر الذی قالوه ، ولم أر من ذکر ذلک من الأصحاب.
أمّا ما قد یقال : من أنّ بعض الاستدلال فی الوضوء یتناول الغسل. فجوابه الخروج بالدلیل ، فلیتأملّ.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ خبر محمد بن مسلم وغیره من الأخبار الدالة علی تقدیم الرأس لا یخلو من إجمال فی حقیقة الرأس ، فیحتمل أن یراد به منابت الشعر خاصة ، ویحتمل إرادة المنابت مع الرقبة. وذکر شیخنا قدس سره : أنّ صحیح یعقوب بن یقطین یدل علی أنّ الرأس المنابت خاصة (3) ، والروایة لم یحضرنی الآن سندها ، لکن متنها : « ثم یصب الماء علی رأسه وعلی وجهه وعلی جسده کله » وکان وجه استفادة ما قاله من ذکر الوجه بعد الرأس ، ولا یخفی علیک الحال بسبب بقاء نوع إجمال.
ص: 269
وفی حسنة زرارة : « ثم صبّ علی رأسه ثلاث أکفّ ، ثم صبّ علی منکبه الأیمن » (1) وظاهرها یقتضی دخول الرقبة والوجه فی الرأس. وصرح جدی قدس سره فی الروضة بأنّ الرأس والرقبة عضو واحد (2). ولا یبعد استفادة ذلک من الروایات ، ویکون ذکر الوجه بینهما فی صحیح یعقوب تنصیصاً (3) علیه لا لکونه خارجا عن الرأس ، ومع ذلک فالحکم لا یخلو من إشکال.
وروایة هشام لا صراحة فیها بکون الرأس هو المنابت کما لا یخفی.
وثمرة ما ذکرنا فی الرأس تظهر فی الموالاة التی أشرنا إلیها سابقاً ، فلا ینبغی الغفلة عن جمیع ذلک ، فإنی لم أره محرّراً فی کلام المتأخّرین ، والله أعلم بالحال.
اللغة :
قال فی النهایة : الفُسطاط بالضم والکسر المدینة ، وقال الزمخشری : هو ضرب من الأبنیة فی السفر (4). وفی القاموس من جملة معانیه : السرادق من الأبنیة (5). وقیل : إنّ المراد به بیت من الشعر (6).
والخباء بکسر الخاء المعجمة : خیمة من وبر أو صوف ولا یکون من شَعر وهو علی عمودین أو ثلاثة ، وما فوق ذلک فهو بیت ، کذا نقل عن الصحاح (7).
ص: 270
والهاء فی قوله : « ادنه » هاء السکت. وأبطأت أی توقّفت ولم أسرع. وقوله : « فاستخففتها » قیل : المراد به وجدتها خفیفة علی طبعی (1).
بقی شی ء وهو أنّ قوله علیه السلام : « لا تعلم به مولاتک » یجوز نصبه بأن مقدّرة أی لئلاّ تعلم ، والضمیر المجرور یعود إلی الغسل ، ویمکن أن یکون مرفوعا بأن یکون جملة « لا تعلم » نعتاً للمسح والمجرور عائد إلیه ، والفعل فی قوله : « فتستریب مولاتک » منصوب بفاء السببیة بعد النهی ، کما ذکر فی الحبل المتین (2) ، فلیتأملّ.
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد ، عن الحلبی قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا ارتمس الجنب فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک من غسله ».
فلا ینافی ما قدمناه من وجوب الترتیب ، لأنّ المرتمس یترتب حکماً وإن لم یترتب فعلاً ، لأنّه إذا خرج من الماء حکم له أوّلاً بطهارة رأسه ثم جانبه الأیمن ثم جانبه الأیسر فیکون علی هذا التقدیر مرتّبا ، ویجوز أن یکون عند الارتماس یسقط مراعاة الترتیب کما یسقط عند غسل الجنابة فرض الوضوء.
فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن موسی بن القاسم ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن
ص: 271
جعفر علیهماالسلام قال : سألته عن الرجل یجنب هل یجزیه من غسل الجنابة أن یقوم فی المطر حتی یغسل رأسه وجسده وهو یقدر علی ما سوی ذلک؟ قال : « إن کان یغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلک ».
فهذا الخبر أیضاً یحتمل أن یکون إنّما أجاز له إذا غسل هو الأعضاء عند نزول المطر علیه علی ما یجب ترتیبها ، ویحتمل أن یکون القول فیه ما قلناه فی الخبر الأوّل من أنّه مترتّب حکماً لا فعلاً ، أو یکون هذا حکم یخصّه دون من یرید الغسل بوضع الماء علی جسده.
السند
فی الأوّل حسن ، وفی الثانی صحیح.
المتن :
فی الأوّل : ظاهر فی أن الارتماس یقوم مقام الترتیب ، وما ذکره الشیخ من أنّه إذا خرج من الماء إلی آخره ، غیر واضح الوجه ، بل الوجه الثانی هو الظاهر من الروایة ، وقد تقدم فی باب المضمضة (1) عن التهذیب خبراً صحیحاً عن زرارة ، وفیه : « ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک وإن لم یدلک جسده » (2).
وهو ربما یدل علی إجزاء الارتماس عن الترتیب ، واحتمال أن یراد الإجزاء فیه بالنسبة إلی عدم دلک الجسد وإن أمکن ، إلاّ أنّا بیّنا سابقاً
ص: 272
احتمالا لا ینافی إبقاءه علی الإطلاق من وجه آخر (1).
وفی فوائد شیخنا قدس سره علی الکتاب ما هذا لفظه : أقول : إنّ الذی دلت علیه الروایة الصحیحة السند المعتبرة فیمن لا یحضره الفقیه أنّ الغسل یتحقق بالارتماسة الواحدة ، وأمّا أنّ غسل الارتماس یترتب فی نفسه بالمعنی الذی ذکره الشیخ فی هذا الکتاب ، أو أنّ المغتسِل یعتقد الترتیب کما ذکره بعض آخر فلیس فی الأدلّة الشرعیة ما یدل علیه ، فإثباته مجازفة. انتهی.
وأشار قدس سره بروایة الفقیه إلی ما رواه عن الحلبی (2) ، وطریقه إلیه صحیح علی ما بیّناه فی حاشیته ، وما ذکره قدس سره عن البعض : من اعتقاد الترتیب ، فقد حکی عن الشیخ فی المبسوط أنّه نقل عن بعض الأصحاب أنّ غسل الارتماس یترتب حکماً (3).
قال فی الذکری : وما قاله الشیخ یحتمل أمرین : أحدهما : وهو الذی عقله عنه الفاضل إنّه یعتقد الترتیب حال الارتماس ، ویظهر ذلک من المعتبر حیث قال : وقال بعض الأصحاب یرتب حکما. فذکره بصیغة الفعل المتعدی وفیه ضمیر یعود إلی المغتسِل.
الثانی : أنّ الغسل بالارتماس فی حکم الغسل المرتب بغیر الارتماس ، وتظهر الفائدة لو وجد لمعة مغفلة فإنّه یأتی بها وبما بعدها (4). انتهی.
ولا یخفی علیک حال الکلام من جمیع جهاته ، فإنّه مجرد کلام من
ص: 273
غیر التفات إلی تحقیق أصله ، وهم أعلم بما قالوه.
ثم إنّ الخبر الثانی قد نقل عن الشیخ فی المبسوط أنّه ألحق فیه بالارتماس الوقوف تحت المجری والمطر الغزیرین (1) ، واحتج بهذا الخبر. وفی المختلف حکی عن ابن إدریس أنّه قال : یسقط الترتیب مع الارتماس لا مع الوقوف تحت المطر والمجری (2).
وفی مدارک شیخنا قدس سره أنّ حدیث علی بن جعفر قاصر عن إفادة ما ادعاه الشیخ (3).
وبعض محققی المتأخّرین سلّمه الله وجّه استدلال الشیخ بالروایة بأن قوله علیه السلام : « إن کان یغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلک » مطلق ، فإذا کان الاغتسال علی نوعین ، غسل ترتیب وغسل ارتماس ، فالحدیث یدل علی أن أیّ هذین النوعین حصل بالوقوف تحت المطر أجزأ ، فدلیل الشیخ غیر قاصر (4).
وقد ذکرت فی حاشیة الفقیه وحاشیة المختلف کلاماً طویلاً فی المقام ، والذی یقال هنا : إن وجه القصور هو أن معاد الأخبار إجزاء الارتماس عن الترتیب ، والارتماس لیس له حقیقة شرعیة ولا لغویة یرجع إلیها ، بل المرجع إلی العرف ، فالحدیث بمجرّده لا یستفاد منه العموم إلاّ مع تحقق النوعین فی مدلوله ، والعرف لا یساعد علیه کما لا یخفی علی من راجع وجدانه.
ص: 274
وما وقع للعلاّمة فی الحدیث غریب کما یعلمه من وقف علی کلامنا وکلامه ، ولو لا خوف الخروج عما نحن بصدده لذکرناه.
ولا یخفی علیک ما فی قول الشیخ بعد ذکر خبر علی بن جعفر ، فإنّ مقتضی قوله أوّلاً : إنّه إنّما أجاز له إذا غسل هو الأعضاء علی ما یجب ترتیبها. أن یکون قوله علیه السلام فی الروایة : « إن کان یغسله » إلی آخره ، یراد به أنّ ماء المطر إذا فعل به الغاسل کما یفعل بغیر ماء المطر أجزأه ، وهذا لا یخلو من إجمال ، لأنه إمّا أن یراد القصد إلی الترتیب أو القصد مع المباشرة بدلک الجسد ، والمتقدم من الشیخ أن المرتمس بمجرد خروج العضو یحصل له الترتیب لا بغیره من القصد ، إلا أن یقال : إنّ ذلک فی الارتماس لا فی الترتیب. وفیه أنّه جعل الارتماس مرتباً حکماً ، فلا بد من المغایرة ، وتحقّقها بأیّ نوع فی حیّز الإجمال ، بل ظاهر الأوّل الحصر فی نوع.
ثم قول الشیخ ثانیاً : ویحتمل أن یکون القول فیه ما قلناه فی الخبر الأوّل إلی آخره ، إن أراد به ما ذکره من أنّه إذا خرج من الماء لم (1) یختلف الحکم الأوّل والثانی إلاّ بأن یقال : إن الثانی لیس بارتماس. والظاهر خلافه ، وقوله علیه السلام حینئذ : « إن کان یغسله اغتساله » یبقی علی إجماله.
وقول الشیخ ثالثا : أو یکون هذا حکم یخصه. لا أعلم وجه مغایرته للسابق بعد التأمّل بقدر الإمکان ، علی أن فی قوله علیه السلام : « إن کان یغسله » احتمالات بالنسبة إلی الضمیر ( والفاعل ، وبسبب ) (2) ذلک فالقصور فی الاستدلال به للارتماس لا یکاد ینکره من أنعم نظره فی حقیقة الحال ،
ص: 275
ولم یسلک فی تحقیق هذه المطالب مسلک الإجمال ، وعلی الله سبحانه فی أُمورنا کلّها الاتّکال.
قال :
باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة
أخبرنی الشیخ رحمة الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن إبراهیم بن هاشم ، عن یعقوب بن شعیب ، عن حریز ، أو عمّن رواه ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنّ أهل الکوفة یروون عن علی علیه السلام أنّه کان یأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة قال : « کذبوا علی علیٍّ 7 ما وجدوا ذلک فی کتاب علی 7 ، قال الله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (1) ».
عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن عبد الحمید بن عواض ، عن محمد ابن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « الغسل یجزئ عن الوضوء ، وأیّ وضوء أطهر من الغسل ».
عنه ، عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد ، عن یعقوب بن یزید ، عن محمد (2) بن أبی عمیر ، عن رجل عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة ».
ص: 276
السند
فی الأوّل : فیه الإرسال ، والظاهر أنّ قوله : أو عمّن رواه. تردید من یعقوب فی أنّ الراوی عن محمد بن مسلم حریز أو غیره ، ویحتمل غیر ذلک ، لکنه فی غایة البعد.
والثانی : لیس فیه ارتیاب علی ما قدّمناه ، وعبد الحمید ثقة ، وقد ضبط ابن داود : غواض بالغین والضاد المعجمتین (1).
والثالث : لیس فیه إلاّ الإرسال ، وکونه من ابن أبی عمیر کرّرنا فیه الکلام (2) (3).
المتن :
فی الأوّل : ظاهر فی نفی الوضوء مع غسل الجنابة مطلقا وإن کان أوله یفید نفی الوضوء قبله ، إلاّ أنّ قوله علیه السلام : « قال الله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) » یقتضی أنّ مفاد الآیة الاکتفاء بالغسل عن الوضوء.
واحتمال أن یقال : إنّ الخبر یدل علی نفی الوجوب قبل ، أو قبل وبعد للآیة لا علی نفی أصل المشروعیة ، ستسمع القول فی دفعه (4).
وما تضمنه الخبر من قوله : « ما وجدوا » إلی آخره ، لا یخلو من شی ء ، والأمر سهل بعد ضعف الخبر.
ص: 277
والثانی : ظاهر الدلالة علی نفی الوضوء مع الغسل ، والمتبادر من الغسل فیه غسل الجنابة ، لشیوع ثبوت الوضوء معه بین المخالفین ونفیه عند غیرهم.
والوالد قدس سره قرّب ذلک بأنّ التعریف فیه لیس للعموم ، إذ هو من المفرد المحلّی ، وإنّما یأتی العموم فی مثله نظراً إلی أنّ غیره من المعانی ینافی الحکمة ، إذ العهد إلی معلوم غیر ظاهر ، وغیر المعلوم لا یلیق بالحکمة ، فلم یبق إلاّ الاستغراق (1) ؛ أمّا فی ما نحن فیه فالمعلومیة حاصلة کما ذکرناه.
وشیخنا قدس سره وجّه العموم بما ذکرناه ، وأیّده بالتعلیل الموجود فی الخبر قال : إذ لا خصوصیة لغسل الجنابة بهذا الوصف (2). ولا یخفی علیک الحال.
وأمّا الخبر الثالث : فهو ظاهر فی نفی الوضوء قبل غسل الجنابة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحدیث السابق فی أوّل باب وجوب الترتیب عن أحمد بن محمد ، یؤیّد ما دل علی عدم الوضوء مع غسل الجنابة ، قال علیه السلام : « ولا وضوء فیه » (3).
وروی الشیخ فی التهذیب عن الشیخ ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن یعقوب ابن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن غسل الجنابة فیه وضوء أم لا فیما نزل به جبرئیل علیه السلام ؟ فقال : « الجنب. » وساق الحدیث إلی أن قال : « ولا وضوء فیه » (4).
ص: 278
وروی أیضاً عن حکم بن حکیم المعدود فی الصحیح ما یؤیّد ذلک (1) ، وبالجملة فالأمر فی ذلک یکاد أن یلحق بالضروریات.
وینبغی أن یعلم أنّ العلاّمة فی المختلف نقل روایة عدّها فی الحسن ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فی کل غسل وضوء إلاّ الجنابة » (2).
والذی وقفت علیه فی الأُصول الجامعة للحدیث ما رواه الشیخ هنا ، وفی التهذیب عن ابن أبی عمیر عن رجل إلی آخر الروایة السابقة (3).
وفی التهذیب روی عن محمد بن الحسن الصفار ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، أو غیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « فی کل غسل وضوء إلاّ الجنابة » (4).
وروایة العلاّمة لم أقف علیها ، وشیخنا قدس سره حکم بأنّ الروایة واحدة ، وأنّه لا وجه لعدّ العلاّمة رحمه الله روایتین (5).
وأنت خبیر بأنّ الاتحاد محل کلام لاختلاف المتن ، وما أشار إلیه من ذکر العلاّمة روایتین ، أراد به أنّه فی المختلف ذکر روایة ابن أبی عمیر المرسلة قبل الروایة الحسنة (6).
وقد اتفق للمحقق أنّه أجاب عن روایة حماد أو غیره فی المعتبر علی ما نقله شیخنا قدس سره بأنّها غیر صریحة فی وجوب الوضوء مع غیر غسل
ص: 279
الجنابة (1). وصورة کلام المحقق هذه : لا یقال روایة ابن أبی عمیر ، عن حماد أو غیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام « فی کل غسل وضوء إلاّ غسل الجنابة » یدل علی الوجوب ، لأنا نقول : لا یلزم من کون الوضوء فی الغسل أن یکون واجباً ، بل من الجائز أن یکون غسل الجنابة لا یجوز فعل الوضوء فیه ، وغیره یجوز ، ولا یلزم من الجواز الوجوب (2).
قال شیخنا قدس سره بعد نقل ذلک : وتبعه علی ذلک العلاّمة فی المختلف ، وجدّی فی روض الجنان (3). وقد اکتفی قدس سره بهذا الجواب ، بعد أن ذکر أنّ الروایة مرسلة ، وإن کان المرسِل لها ابن أبی عمیر.
وفی نظری القاصر أنّ المقام غیر محرّر لهما (4) ، لأنّ إنکار ظهور دلالة روایة ابن أبی عمیر عن حماد أو غیره علی الوجوب لا وجه له ، ومجرد الاحتمال لو أثّر فی الاستدلال لم یتمّ دلیل أصلاً ، بل المؤثِّر من الاحتمالات ما ینافی الظهور ، ولو نظرنا إلی المعارض الدال علی عدم الوجوب فی غیر غسل الجنابة کان الدخل من جهة أُخری.
والظاهر من المحقق أنّ اعتقاده اتحاد روایة ابن أبی عمیر عن رجل ، مع روایته عن حماد أو غیره ، لیکون الدّخل فی متن الروایة الدال علی أنّ کل غسل قبله وضوء ، ووجه الدخل حینئذ أنّ قوله علیه السلام : « کل غسل قبله وضوء » مع دلالة بعض الأدلة علی عدم وجوب التقدیم کما ظنه بعض ، یدل علی أنّ مفاد الحدیث غیر صریح فی وجوب الوضوء ، بل یجوز أن
ص: 280
یراد به ما قاله المحقق ، لکن لمّا جعل مورد کلامه علی متن روایة ابن أبی عمیر عن حماد توجّهت علیه المناقشة.
والعلاّمة فی المختلف لمّا ذکر الروایتین فی بحث الجنابة للاستدلال بهما علی عدم الوضوء مع غسل الجنابة بجعل الاولی فی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن رجل ؛ والأُخری فی الحسن ، عن حماد بن عثمان ، لم یذکر ما أجاب به المحقق ، وأعاد الروایة الأُولی للاحتجاج علی تقدیم الوضوء للقائل به ، وأجاب باحتمالها الاستحباب (1).
وهذا الجواب فی ظاهر الحال لا یخلو من خلل ؛ لأنّ الاستحباب إن کان لمعارضة الدلیل الدال علی جواز التأخیر وهو ما ذکره من أصالة البراءة من وجوب التقدیم ؛ ولأن الوضوء یراد للصلاة فلا یجب قبلها ؛ ولأنّه إذا اغتسل لغیر الجنابة فقد فعل المأمور به فیخرج عن العهدة. فالدخل فیه ممکن (2) :
أمّا أوّلاً : فبأنّ أصالة البراءة یعارضها ظاهر الخبر ، ولو لم یخرج عن أصالة البراءة بالظاهر لم یتم إثبات الأحکام غالباً.
وأمّا ثانیاً : فلأنّ إرادة الوضوء لأجل الصلاة مطلقا غیر مسلّم ، إذ الإجماع منتف ، لوجود القائل هنا ، ولو سلّم نقول : علی تقدیر وجوب الصلاة یجب التقدیم ، إلاّ أن یقال : إن القائل بهذا التفصیل غیر معلوم ، وسیأتی عن شیخنا المحقق أیّده الله کلام فی تحقیق معنی هذا الوضوء.
وأما ثالثاً : فلأن فعل المأمور به مطلقاً غیر مسلّم الحصول کما لا یخفی.
ص: 281
وإذا عرفت هذا فقول العلاّمة : إنّ الحدیث یحتمل الاستحباب. غیر تامٍّ کما یعرف بأیسر نظر.
وفی بحث غسل الأموات ذکر الحدیث فی الاستدلال لاستحباب الوضوء فی غسل المیت بهذه الصورة : وفی الصحیح عن ابن أبی عمیر عن حماد بن عثمان أو غیره (1). وهذا النقل یدل علی أنّ ما ذکره فی بحث الجنابة ووصفه بالحسن وَهْم علی ما أظنّ.
وما ذکره شیخنا قدس سره : من أنّ العلاّمة فی المختلف تبع المحقق فی الجواب ، أظنّ أنّی وجدته فیه ، لکنی الآن لم أجده.
وأمّا ما قیل : من قبول مراسیل ابن أبی عمیر فقد تقدّم فیه قول (2) ، ونزید هنا : أنّ ابن أبی عمیر لو فرض أنّه لا یروی إلاّ عن عدل أو ثقة لا یصلح حجّةً علی غیره مع عدم العلم بالعدل لیعلم حاله من انتفاء الجارح أو وجوده ، ولو صرّح بأنّه عدل فالقول فیه کذلک کما قرّر فی الأُصول.
والعجب أنّ العلاّمة فی المنتهی قال فی بحث التطهیر بالنار فی روایة : إنها مرسلة وإن کان مرسلها ابن أبی عمیر ، إلاّ أنّها معارضة بالأصل فلا تکون مقبولة (3). وأنت إذا لاحظت هذا الکلام لا یخفی علیک حقیقة الحال.
أمّا ما قد یقال : من أنّ مراسیل ابن أبی عمیر إن کان قبولها لأنّه لا یروی إلاّ عن عدل ، فلا یکون مرسلة. فجوابه سهل ، لأنّ الإرسال بحسب الظاهر.
ص: 282
قال :
فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی بکر الحضرمی ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته قلت : کیف أصنع إذا أجنبت؟ قال : « اغسل کفّک وفرجک وتوضّأ وضوء الصلاة ثم اغتسل ».
فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من الاستحباب ، ولا ینافی ذلک :
ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی مرسلاً بأنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة.
لأنّ هذا خبر مرسل لم یسنده إلی إمام ، ولو سلّم لکان معناه أنّه إذا اعتقد أنّه فرض قبل الغسل فإنّه یکون مبدعا ، وأمّا إذا
توضّأ ندباً واستحباباً فلیس بمبدع ، فأمّا ما عدا غسل الجنابة من الأغسال فلا بد فیه من الوضوء قبل الغسل ، ویدلُّ علی ذلک قول أبی عبد الله علیه السلام فی روایة ابن أبی عمیر : « کل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة ».
السند
فی الأوّل فیه أبو بکر الحضرمی وقد تکرّر القول فیه (1) ؛ والثانی فیه الإرسال کما قاله الشیخ ؛ والثالث قد سبق الکلام علیه.
ص: 283
المتن :
ما قاله الشیخ فی الأوّل من الحمل علی الاستحباب فی غایة البعد ؛ وما قاله شیخنا المحقق أیّده الله فی فوائد الکتاب من أن الأولی الحمل علی التقیة ، حفظاً لظاهر الروایات الدالة علی سقوط الوضوء مع غسل الجنابة لا یخلو من وجه ، بل الظاهر رجحانه ، والأخبار لا تنافی الاستحباب ، لأنّ ظاهرها نفی وجوب الوضوء کما یعلم من ملاحظتها ، إلاّ أنّ ظاهر التعلیل فی بعضها نفی مشروعیة الوضوء.
وقد بالغ شیخنا قدس سره فی فوائده علی الکتاب فقال : إنّ الحمل ضعیف جدّاً ، بل کاد أن یکون معلوم البطلان ، لأنّ الأخبار الواردة بسقوط الوضوء مع غسل الجنابة مستفیضة ، بل ربما بلغت حد التواتر المعنوی ، مع مطابقتها للأصل وظاهر القرآن ، وهذه الروایة فی غایة الضعف ، فإن راویها وهو أبو بکر لم یثبت إیمانه فضلاً عن کونه ممّن یقبل خبره ، فیتعین اطراح روایته ، ولو کانت الروایة صحیحة لوجب حملها علی التقیة ، أمّا استحباب الوضوء معه فمقطوع بعدمه. انتهی.
وما قاله قدس سره من عدم ثبوت إیمان أبی بکر لا یخلو من غرابة کما یعرف من کتب الحدیث والرجال وقد سبق فیه الکلام (1).
وقوله : إنّ الأخبار مطابقة للأصل وظاهر القرآن. ففیه نوع تأمّل :
أمّا الأصل : فلأنّ أصالة عدم الاستحباب مع وجود ما یدل علیه علی تقدیر الصلاحیة لإثبات الاستحباب لا یخلو من إشکال ، إلاّ أن یقال : إنّ مع احتمال التقیة لا یخرج عن الأصل.
ص: 284
وأمّا ظاهر القرآن : فاحتمال عموم آیة الوضوء (1) للجنب قائم ، والتقسیم لا ینافیه ، لتحققه مع الغسل المقتضی لجعله قسما ، وادعاء رجحان إرادة الغسل من دون الوضوء محل کلام.
والخبر السابق الدال علی أنّ الآیة تقتضی عدم الوضوء مع الغسل (2) ضعیف ، إلاّ أنّه یمکن ترجیح الظهور بوجه من الاعتبار ، غیر أنّ مجال البحث واسع ، وبالجملة فالقطع بنفی احتمال الاستحباب محل کلام ، نعم لو أعطی المتأمّل الأخبار حق التأمّل لا یبعد نفی الاستحباب منها.
ولشیخنا المحقق أیّده الله احتمال لا بأس به فی الروایة وهو أن یراد بالوضوء (3) : غَسل الید من المرفق ، وهو وإن بَعُد من حیث ذکر غَسل الکفّین أوّلاً ، إلاّ أنّه قابل للتوجیه.
ثم إنّ التقیة لیست من جهة الراوی لیظن عدم إیمانه ، بل باعتبار نقل ذلک عن الإمام لیعلم المخالفون عدم المخالفة لمذهبهم ، أو لحضور من یتّقی غیره.
أمّا ما قاله الشیخ فی الخبر الثانی (4) فبعید أیضاً لکنه ممکن ، ویحتمل أن یراد أنّ الوضوء قبله مشروع وبعده بدعة ، وهذا أنسب بمراد الشیخ ، ولا یستبعد فهم الشیخ ذلک کما یظهر من سیاق کلامه ، وفی بعض الأخبار الوضوء بعد الغسل بدعة (5).
وأمّا حکم غیر غسل الجنابة فقد تقدّم منّا فیه کلام ، ونزید هنا : أنّ
ص: 285
ما ذکره الشیخ : من أنّ الوضوء قبله (1). قد علمت سابقا کلام العلاّمة فی المختلف فیه (2).
ونقل فی المختلف أیضا عن المبسوط أنّ فیه : وغسل الحائض کغسل الجنابة ، ویزید علیه وجوب تقدیم الوضوء علی الغسل (3).
ونقل عن أبی الصلاح أنّه قال : فما عدا غسل الجنابة الوضوء واجب فی ابتدائه (4).
وقال المفید : وکل غسل لغیر جنابة فهو غیر مجزٍ فی الطهارة حتی یتطهّر معه الإنسان وضوء الصلاة قبل الغسل (5).
وقد احتجّ بعض الأصحاب علی وجوب الوضوء مع غیر غسل الجنابة مع الخبر الذی ذکره الشیخ بالآیة الشریفة ، فإنّ ظاهرها العموم إلاّ ما خرج بالإجماع کالجنابة (6).
واعترض علیه : بأنّ الآیة لیست عامة ، فإنّ « إذا » للإهمال کما صرح به فی الأُصول (7). وفیه نظر ، فإنّ المقام لا ینکر إفادته العموم کما فی کثیر من المواضع ، وأمّا وجوب التقدیم فقد قدّمنا ما فیه کفایة.
قال :
فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علی بن إبراهیم بن
ص: 286
محمد ، عن جده إبراهیم بن محمد ، أن محمّد (1) بن عبد الرحمن (2) الهمدانی کتب إلی أبی الحسن ( الثالث ) (3) (4) یسأله عن الوضوء للصلاة فی غسل الجمعة ، فکتب : « لا وضوء للصلاة فی غسل یوم الجمعة ولا غیره ».
وعنه ، عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقه ، عن عمار الساباطی قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل اغتسل من جنابة أو یوم جمعة أو یوم عید هل علیه الوضوء قبل ذلک أو بعده؟ فقال : « لا ، لیس علیه قبل ولا بعد قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلک إذا اغتسلت من حیض أو غیر ذلک ، ولیس علیها الوضوء لا قبل ولا بعد قد أجزأها الغسل ».
سعد بن عبد الله ، عن موسی بن جعفر بن وهب ، عن ( الحسن ابن الحسین ) (5) اللؤلؤی ، عن الحسن بن علی بن فضال ، عن حماد ابن عثمان ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یغتسل الجمعة أو غیر ذلک أیجزؤه عن الوضوء؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام : « وأیّ وضوء أطهر من الغسل ».
فالوجه فی هذه الأخبار أن نحملها علی أنها (6) إذا اجتمعت هذه أو شی ء منها مع غسل الجنابة فإنه یسقط فرض الوضوء ، وإذا انفردت
ص: 287
هذه الأغسال أو شی ء منها عن غسل الجنابة فإنّ الوضوء واجب قبلها حسب ما تقدم ، ویزید ذلک بیاناً :
ما رواه الصفار ، عن یعقوب بن یزید ، عن سلیمان بن الحسن ، عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن الأوّل علیه السلام قال : « إذا أردت أن تغتسل یوم الجمعة فتوضّأ ثم اغتسل ».
السند
فی الأوّل : فیه جهالة.
والثانی : موثّق.
والثالث : فیه موسی بن جعفر بن وهب وهو مذکور فی الفهرست ، وکتاب الرجال فیمن لم یرو عن الأئمّة علیهم السلام مهملا ؛ والحسن بن الحسین اللؤلؤی وقد وثقه النجاشی (1) ، ونقل الشیخ تضعیفه عن ابن بابویه (2) ، والظاهر أنّه من جهة استثنائه من الذین یروی عنهم محمد بن أحمد بن یحیی ، وفی الظن أنّه لا یضر بالحال بعد توثیق النجاشی وتحقیقه ، وقد تقدم أیضا القول فیه (3) ، والإرسال فی الخبر ظاهر مع بقیة رجاله.
والرابع : فیه سلیمان بن الحسن وهو مجهول الحال.
المتن :
ما ذکره الشیخ. فیه لا یخرج عن ربقة التکلّف التامّ.
ص: 288
وفی المختلف أجاب عن الحدیث الأوّل بمنع صحة السند ، قال : سلّمناه ، لکنا نقول بموجبه ، فإنّ غسل الجمعة کاف فی الأمر بالغسل للجمعة ، ولیس فیه دلالة علی الاکتفاء به فی الصلاة.
واعترض علی نفسه : بأنّه علیه السلام قال : « لا وضوء للصلاة فی غسل یوم الجمعة ولا فی غیره » فأسقط وضوء الصلاة عن المصلّی ، وأجاب : بأنا لا نسلّم أنّ السقوط عن المصلّی ، بل لِمَ لا یجوز أن یکون المراد : لا وضوء للصلاة فی غسل الجمعة إذا لم یکن وقت الصلاة.
ثم اعترض : بأنّ الحدیث عام فتقییده بغیر وقت الصلاة یخرجه عن حقیقته ، وأجاب : بمنع العموم ، لدلیل آخر ، وهو ما یدل علی وجوب الوضوء لکل صلاة (1).
وأنت خبیر بأنّه إذاً رجع الأمر للدلیل علی وجوب الوضوء لکل صلاة ، والمتقدم منه هو الآیة ، وروایة ابن أبی عمیر المرسلة المتقدمة (2) وروایة حماد بن عثمان المتقدمة (3) أیضاً عنه ، وأنّه قبل الغسل ممنوع من الدخول فی الصلاة فکذا بعده عملاً بالاستصحاب ، وشی ء من هذه الأدلة لا یسلم من جرح المناقشة.
أمّا الآیة فبتقدیر عمومها علی ما قدمناه قابلة للتخصیص ، وقد فرض أنّه سلّم صحة السند فی الخبر ، ومعه لا مجال لإنکار القبول لتخصیص العموم.
وأمّا خبر ابن أبی عمیر فبتقدیر صحته یدل علی أنّ کل غسل قبله
ص: 289
وضوء ، أمّا کونه للصلاة فغیر معلوم ، وحمله علی أنّ الوضوء للصلاة یتوقف علی الدلیل ، وکذلک خبر حماد.
والدلیل الأخیر فی غایة السقوط حینئذ ، لأنّ ثبوت الحدیث یقتضی صحة الدخول فی الصلاة ، وهو المطلوب.
ولعلّ الأولی فی الجواب أن یقال : إنّ [ معنی (1) ] قوله : « لا وضوء للصلاة فی غسل یوم الجمعة. » أنّه غیر مرتبط به علی وجه الشرطیة فیه ، أو یقال : إنّ الوضوء المستفاد ثبوته فی الأغسال لیس للصلاة ، إلاّ أن فی هذا تأمّلاً.
وأجاب العلاّمة أیضاً عن الحدیث الثانی : بأنّ معنی إجزاء الغسل إسقاط التعبّد به ، أمّا أنّه یجزئ عن الوضوء فی الصلاة فلا ، ثم اعترض علی نفسه : بأنّ قوله « لیس ( قبله ولا بعده ) (2) أجزأه الغسل » یقتضی سلب الوجوب عند الصلاة ، وبأنّ السؤال وقع عن غسل الجنابة والجمعة والعیدین ، والجواب وقع عن الجمیع بإسقاط الوضوء ، وکما أنّ إسقاط الوضوء فی الجنابة عن المرید للصلاة فکذا ما سواه (3).
وأجاب عن الأول : بأنّ المراد إجزاء الغسل فی التعبّد به. وعن الثانی : بأنّ الغسل فی الجنابة کاف فی رفعها ، ولا یلزم جواز الدخول فی الصلاة إلاّ بدلیل من خارج ، وقد بیناه فی غسل الجنابة ، فیبقی الباقی علی المنع (4).
وأنت خبیر بما فی الجواب عن الثانی من حیث إنّ اشتمال الخبر
ص: 290
علی جزئیات توجب المشارکة فی الحکم ، فإخراج بعضها دون البعض مشکل ، إلاّ أنّ مثل هذا کثیر فی الأخبار ، وإن کان فیه نوع کلام.
وأجاب العلاّمة عن الخبر الثالث : بنحو ما ذکر (1) ، ولعل الجواب لا بأس به.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأخبار الدالة علی سقوط الوضوء وإن کانت غیر سلیمة الإسناد ، إلاّ أنّ لها مؤیّدات من الأخبار غیر ما سبق من روایة محمد بن مسلم الثانیة فی أوّل الباب ، الدالة علی أنّ أیّ وضوء أطهر من الغسل ، فإنّ فیها احتمال العهد کما سبق ذکره.
ومثلها روایة صحیحة عن حکم بن حکیم فی التهذیب معلّلة بأنّ أیّ وضوء أنقی من الغسل (2).
بل الروایات الواردة فی بیان غسل الاستحاضة والحیض والنفاس ، مؤیّدة أیضاً کصحیح معاویة بن عمار حیث قال فیها : « فإذا جازت أیّامها ورأت الدم یثقب الکرسف اغتسلت للظهر والعصر ، فإن کان لا یثقب توضّأت ودخلت المسجد وصلّت کل صلاة بوضوء » (3) وصحیح ابن نعیم الصحاف (4) ، وسیأتی إن شاء الله.
وفی صحیح عبد الرحمن بن الحجاج : « فلتغتسل ولتصلّ » (5).
وفی صحیح عبد الله بن سنان : « إنّ غسل الجنابة والحیض واحد » (6) وغیر ذلک من الأخبار.
ص: 291
ومعارضة ما دل علی أنّ کل غسل قبله وضوء موقوفة علی الصحة.
وإذا تمهّد هذا کله : فاعلم أنّ شیخنا المحقق أیّده الله قال فی فوائد الکتاب : إنّ الروایة المتضمنة لأنّ کل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة قاصرة بالإرسال ، وإن کان المُرسِل ابن أبی عمیر.
واحتمل فی بعض الطرق کون الواسطة حماد بن عثمان الثقة ، ولا تدل أیضاً علی وجوب هذا الوضوء ، بل علی أنّ قبله وضوء فی الجملة ، فجاز أن یکون علی سبیل الندب زیادةً فی التطهیر ورفعاً لاستبعاد أهل الخلاف ، ولا یتأتّی مثله فی غسل الجنابة ، لأنّ الآیة ظاهرة فی عدم الوضوء معه ، بل ما تقدم من عدم الوضوء بعد الغسل.
وهذا کلّه یقتضی أنّ الوضوء لیس واجباً ولا له دخل فی الاستباحة ، وإلاّ لم یتفاوت الحال بین فعله قبل وبعد ، وأمّا الوضوء المندوب غیر المبیح فیناسب اختصاص وقوعه بما قبل الغسل فی الحائض ونحوها ، بخلاف الوضوء المبیح ، وأیضاً فإنّ هذا الوضوء لو کان واجباً لکان ینبغی أن یبیّن أنّه لو ترک قبل الغسل نسیاناً یفعل بعده ، أو یعاد الغسل ، [ و ] (1) لم یبیّن ذلک فی شی ء من هذه الروایات ، بل ظاهر إطلاق کون الوضوء بعد الغسل بدعة یقتضی عدمه حینئذ ، وإعادة الغسل بعد الوضوء مع دخوله فی ظاهر هذا الإطلاق لا أعرف به قائلاً ، مع اقتضاء ظاهر روایات صحیحة انتفاء الوضوء مع الغسل مطلقاً. انتهی کلامه أیّده الله.
وأنت إذا تأمّلته لا یخفی علیک حقیقة الحال ، وفی ظنّی أنّ بعض الأصحاب قائل بأنّ الوضوء جزء الرافع (2) ، هذا.
ص: 292
وما ذکره الشیخ أخیراً بقوله : ویزیده بیاناً. لا أعلم وجهه ، بل الظاهر أنّه یزیده إجمالاً ، فإنّ قوله بأنّ الوضوء واجب قبلها ، إذا لم یکن فیها غسل الجنابة ، ثم ذکره الروایة فی غسل الجمعة ، یقتضی وجوب الوضوء قبله ، والإشکال فیه ظاهر ، والله تعالی أعلم بالحال.
قال :
باب الجنب ینتهی إلی البئر
أو الغدیر ولیس معه ما یغرف به الماء
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن یعقوب : عن محمد بن إسماعیل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن یحیی ، عن منصور بن حازم ، عن ابن أبی یعفور وعنبسة بن مصعب ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أتیت البئر وأنت جنب ولم تجد دلواً ولا شیئاً تغرف به فتیمم بالصعید ، فإنّ ربّ الماء ورب الصعید واحد ولا تقع فی البئر ولا تفسد علی القوم ماءهم ».
السند
قد تکرر القول فیه بما یغنی عن الإعادة.
المتن :
استدل به القائلون بنجاسة البئر بالملاقاة فی جملة روایات ، ووجّهوا الاستدلال بأنّ الأمر بالتیمم واقع فی الروایة ، والتیمم مشروط بفقد الماء الطاهر ، فلا یکون الماء طاهراً بتقدیر وقوع الجنب فی البئر واغتساله ، وبأن
ص: 293
النهی عن الإفساد والوقوع المفهوم منه النجاسة کما اعترف به الخصم فی أخبار الطهارة حیث ورد فیها الإفساد وحمل علی النجاسة (1).
وأُجیب عن الاستدلال : بأنّ الخبر لا دلالة فیه علی النجاسة بوجه ، لأنّ الأمر بالتیمم لا ینحصر وجهه فی نجاسة الماء ، إذ من الجائز أن یکون لتغییر الماء وفساده علی الشارب بنزول الجنب فیه ، وعلیه یحمل النهی الواقع فیه (2).
وما ذکر : من أنّ الإفساد واقع فی جهة الطهارة. فقد أجاب عنه الوالد قدس سره بالفرق بین الأمرین ، فإنّ الإفساد الواقع فی خبر الطهارة نکرة فی سیاق النفی فیعم ، بخلاف الإفساد الواقع هنا ، فإنّه لا عموم فیه (3).
وفی نظری القاصر أنّ الاستدلال والجواب لا یخلو من تأمّل وقد أوضحت الحال فیه فی حاشیة التهذیب ، إلاّ أنّی أذکر هنا مجمل الأمر ، أما أولاً : فلأنّ مفاد الحدیث النهی عن أمرین : الوقوع والإفساد ، وکون الإفساد بسبب الوقوع غیر معلوم ، والاستدلال مبنی علیه.
وأمّا ثانیاً : فبأنّ النهی عن الإفساد نهی عن إیجاد الماهیة فی أیّ فرد من الأفراد فهی مستلزمة العموم ، والوالد قدس سره معترف فی النهی بما ذکرناه (4) (5).
وأمّا ثالثاً : فلأنّ الظاهر من الروایة أنّ الماء ملک لقوم ، ولا ریب أنّ التصرف فی مال الغیر مشروط بما لا یضر بحال الماء بالنسبة إلی طبائعهم ،
ص: 294
أو البئر مباح ، ویراد بالقوم جمیع المسلمین ، وقد یشکل الحال بأنّ من لا یعلم لا حرج علیه ولا نفرة له ، إلاّ أن یقال : إنّ السبب لا یجوز فعله. وفیه ما فیه ، وعلی کلّ حال فلا یمکن الرجوع إلی ضابط فی الإفساد جزماً یرجع إلیه ، فعلی تقدیر عدم العموم فی الإفساد یراد ما یتحقق به ، ولا ریب أنّ إرادة غیر النجاسة لا وجه لاختصاصه ، بل الظاهر إمّا النجاسة أو هی وما ضاهاها أو الحصر فی غیرها محل کلام.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحدیث یدل بظاهره علی ما قالوه : إنّ غسل الجنب فی البئر یفسده ، والإفساد إمّا لسلب الطهوریّة أو سلب الطهارة ، وبالأول قال جماعة (1) وصرّح جدی قدس سره بالثانی فی شرح الإرشاد ، فإنّه قال : والعلّة فیه أی فی النزح نجاسة البئر بذلک وإن کان بدنه خالیاً من نجاسة ، ولا بعد فیه بعد ورود النص (2). وهذا غریب منه قدس سره فإنّ النص لا صراحة فیه ، ومع الاحتمال کیف یتم ما ذکره.
أمّا ما ذکره بعض : من أن مقتضی الخبر النهی عن الإفساد ، فإذا کان الغسل مفسداً کان منهیاً عنه ، ومع النهی لا إفساد لفساد الغسل ، فلا یتم الاستدلال بالروایة (3).
فقد أُجیب عنه : بأنّ النهی لیس عن العبادة ، بل عن الوقوع فی الماء وإفساده ، وهو إنّما یتحقق بعد الحکم بطهر الجنب لا بمجرّد دخوله فی البئر ، فلا یضر هذا النهی لتأخّره وعدم کونه عن نفس العبادة. إلاّ أن یقال : الوسیلة إلی المحرّم محرّمة وإن کانت قبل زمانه (4). وفیه بحث ذکرناه فی موضعه.
ص: 295
والذی یمکن أن یقال هنا : إنّ الغسل لا ریب أنّ نفسه هو المفسد ، والظاهر من النهی إنّما هو عن الاغتسال وإجراء الماء علی العضو والحرکة والنیة ، فیکون النهی متوجّهاً إلی الغسل وجزئه علی تقدیر دلالة الخبر.
وینقل عن ابن إدریس أنّه خصّ الحکم بالارتماس مدّعیاً علیه الإجماع (1).
وذکر بعض المتأخّرین أنّ الجنب إذا اغتسل مرتمساً طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث ، وإن اغتسل مرتّبا أجزأه غسل ما غسله قبل دخول الماء إلی البئر (2). وهذا یقتضی أن یصیر الماء مستعملاً بأول جزء من الغسل ، وقد بیّنا فی حاشیة الفقیه ما یدل علی أنّ المستعمل لا یتحقق بذلک ، وقدّمنا أیضا فی هذا الشرح ما یدل علی ذلک.
وحکی جدّی قدس سره فی شرح الإرشاد : أنّ مذهب العلاّمة فی المختلف وشیخه المحقق أنّ الحکم بالنزح لکونه مستعملاً فیکون لسلب الطهوریة ، قال : ویشکل بإطلاق النصوص وبحکم سلاّر وابن إدریس وجماعة من المتأخّرین بوجوب النزح مع طهوریة المستعمل عندهم ، وباستلزامه القول بعدم وجوب النزح ، لأنّه فرّعه علی القول بسقوط طهوریة المستعمل ، وهو لا یقول به ، فیلزم عدم القول بالنزح ، والذی اختاره فی المنتهی هو التعبد (3) انتهی.
والذی فی المختلف هذه صورته : بقی هنا بحث وهو أن یقال : إذا
ص: 296
کان البدن خالیا من نجاسة عینیّة فأیّ سبب أوجب نزح السبع وبأیّ اعتبار یفسد ماء البئر؟.
والجواب أن یقال : اختلف علماؤنا فی الماء المستعمل فی الطهارة الکبری هل یرتفع عنه حکم الطهوریة لغیره أم لا؟ فبعض علمائنا أفتی بالأول ، وبعضهم أفتی بالثانی ، وسیأتی البحث فیه إنشاء الله ، فالمقتضی للنزح کونه مستعملاً فی الطهارة الکبری وهذا إنّما یتمشی عند الشیخین أمّا نحن فلا ، والعجب أنّ ابن إدریس ذهب إلی ما اخترناه من بقاء حکم الطهوریة فی المستعمل وأوجب النزح هنا ، إذا عرفت هذا فالأقوی عندی بناءً علی قول الشیخین کون الماء طاهراً وإن ارتفع عنه حکم الطهوریة (1). انتهی.
وهذا الکلام یعطی خلاف ما قاله جدّی قدس سره وبالجملة فالأقوال فی المسألة مضطربة کما یعلم من مراجعة کتب الأصحاب ، والله تعالی أعلم بالصواب.
قال :
فأما ما رواه علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن ابن مسکان ، قال : حدثنی محمد بن میسر (2) ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل الجنب ینتهی إلی الماء القلیل فی الطریق ویرید أن یغتسل منه ولیس معه إناء یغرف به ویداه قذرتان قال :
ص: 297
« یضع یده ویتوضّأ ویغتسل ، هذا ممّا قال الله تعالی ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) ».
فالوجه فی هذا الخبر هو أن یأخذ الماء من المستنقع بیده ولا ینزله بنفسه ویغتسل یصب الماء علی البدن ، ویکون قوله : ویداه قذرتان ، إشارة إلی ما علیها (2) من الوسخ دون النجاسة لأن النجاسة تفسد الماء (3) إذا کان قلیلاً علی ما قدّمنا القول فیه.
السند
حسن ، وابن مسکان هو عبد الله کما یعرف من ممارسة الرجال ، ثم إنّ عبد الله بن مسکان نقل العلاّمة فی الخلاصة عن النجاشی : أن فیه روی أنّه لم یسمع من الصادق علیه السلام إلاّ حدیث : « من أدرک المشعر فقد أدرک الحج » (4).
وهذا لم نجده فی النجاشی ، لکنه فی الکشی بهذه الصورة : محمد ابن مسعود ، قال : حدثنی محمد بن نصیر ، قال : حدثنی محمد بن عیسی ، عن یونس ، قال : لم یسمع حریز بن عبد الله عن أبی عبد الله إلاّ حدیثاً أو حدیثین ، وکذلک عبد الله بن مسکان إلاّ حدیث : « من أدرک المشعر فقد أدرک الحج » انتهی (5).
والذی فی کتب الحدیث من روایات عبد الله بن مسکان بلفظ : قال
ص: 298
أبو عبد الله ، وعن أبی عبد الله ، کثیر ، ففی الکافی فی باب المکارم (1) ، وباب النهی عن الإشراف علی قبر النبی صلی الله علیه و آله (2) ، وباب الاغتسال (3) ، وفی باب طلب الرئاسة (4) بلفظ : سمعت عبد الله علیه السلام یقول ، وبلفظ « عن » فی التهذیب فی حدیث : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان أشدّ الناس توقّیاً عن البول » (5).
وفی هذا الکتاب فی باب ولوغ الکلب (6) ، وفی باب الخروج إلی الصفا من التهذیب ، عن ابن مسکان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام (7).
وبالجملة : فالروایة مع ما فیها من الإشکال بالنسبة إلی روایة محمد بن عیسی عن یونس یردّها وجود ما ذکرناه ، والإرسال فی مثله فی غایة البعد.
المتن :
ظاهره عدم نجاسة الماء القلیل بالملاقاة ، ویؤیّده ذکر الآیة الشریفة ، ولو حمل علی القلّة الإضافیة فیکون کرّاً لا یناسب ذکر الآیة ، وأظن أنّه لا بد من هذا الحمل.
وأمّا حمل الشیخ فلا یخلو من غرابة :
ص: 299
أمّا أوّلاً : فلأنّ حمل القذر علی الوسخ لا یناسب ذکر الآیة.
وأمّا ثانیا : فلأنّ الاغتسال خارج الماء مع عدم موافقته للآیة إمّا أن یکون لأنّ الماء یصیر مستعملاً بنزوله إلیه ، أو لکون البدن لا یخلو من نجاسة ، وکلا الأمرین مشکل :
أمّا الأول : فلأنّ مجرد النزول لا یصیّره مستعملاً إلاّ أن یحمل علی النهی عن الغسل ، ولا یظنّ أنّ قوله : ویغتسل ، متعلق بقوله : ولا ینزله. بل هو کلام مستقل.
وأمّا الثانی : فلأنّ إطلاق استعمال الماء مع عدم ما یدل علی أنّه لا ینبغی وصول الغسالة إلیه غیر لائق ، إلاّ أن یقال : إنّ السائل فهم ذلک ، وعلی تقدیر النهی عن الاغتسال فصیرورة الماء مستعملاً بمجرّد الغسل مشکل ، فالإطلاق من الشیخ هو الموجب للغرابة ، وإن کان تأویله لا یخلو من وجه ، فلیتأملّ.
قال :
أبواب الحیض والاستحاضة والنفاس
باب ما للرجل من المرأة إذا کانت حائضا
أخبرنی أحمد بن عبدون ، عن علی بن محمد بن الزبیر ، عن علی بن الحسن بن فضال ، عن محمد وأحمد ابنی الحسن ، عن أبیهما ، عن عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا حاضت المرأة فلیأتها زوجها حیث شاء ما اتقی موضع الدم ».
وبهذا الاسناد عن علی بن الحسن ، عن محمد بن علی ، عن
ص: 300
محمد بن إسماعیل ، عن منصور (1) بزرج ، عن إسحاق بن عمار ، عن عبد الکریم بن عمرو قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمّا لصاحب المرأة الحائض منها قال : « کل شی ء ما عدا القبل بعینه ».
وبهذا الاسناد عن علی بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یأتی المرأة فیما دون الفرج وهی حائض قال : « لا بأس إذا اجتنب ذلک الموضع ».
وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد (2) ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقی ، عن إسماعیل ، عن عمر ابن حنظلة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام ما للرجل من الحائض؟ قال : « ما بین الفخذین ».
وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن البرقی ، عن عمر بن یزید قال : قلت : لأبی عبد الله علیه السلام ما للرجل من الحائض؟ قال : « ما بین ألییها ولا یوقب ».
السند
فی الأوّل : قد تکرّر القول فی رجاله وهو مرسل.
والثانی : إلی محمد بن علی مشترک فی تکرّر القول ، وأمّا محمد بن علی فلا یبعد أن یکون ابن محبوب ، ومحمد بن إسماعیل کأنه ابن بزیع.
ص: 301
وأمّا منصور بزرج فالنجاشی وثقه (1) غیر قائل إنّه واقفی. والشیخ فی رجال الکاظم علیه السلام من کتابه قال : إنّه واقفی (2). وقد توقف العلاّمة فی شأنه لذلک (3).
وبعض حکم بعدم المنافاة بین التوثیق والوقف (4) ، وقد کرّرنا ترجیح قول النجاشی ، فتدبر ، وإسحاق بن عمار تقدم فیه القول (5).
وعبد الکریم بن عمرو وثقه النجاشی ، وقال إنّه کان واقفیا (6) ، والکشی روی عن حمدویه قال : سمعت أشیاخی یقولون : إنّ کراماً هو عبد الکریم بن عمرو واقفی (7).
والثالث : رجاله غنی عن القول بعد ما قدمناه.
والرابع : فیه البرقی وقد تقدم فیه القول (8) ، وإسماعیل غیر معلوم الحال للاشتراک (9) ، وعمر بن حنظلة تقدم (10).
والخامس : لیس فیه ارتیاب إلاّ بالبرقی.
المتن :
ظاهر الدلالة فی الأوّل علی جواز مباشرة ما عدا موضع الدم ،
ص: 302
والثانی : کذلک ، إلاّ أنّه عام بالنسبة إلی القبل. والثالث : مجمل فی الموضع ، فیحتمل إرادة موضع الدم أو القبل. والرابع : صریح فی أنّ له ما بین الفخذین. والخامس : واضح الدلالة علی عدم جواز الإیقاب ، فیمکن أن یخصّ به عموم غیره أو یقید إطلاقه.
والعلاّمة فی المختلف استدل بالأول والثانی والثالث علی عدم تحریم ما عدا القبل ، وأضاف إلی ذلک أولاً الاستدلال بقوله تعالی ( فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّی شِئْتُمْ ) (1) السالم عن معارضة النهی المختص بالقبل فی قوله تعالی ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ ) (2) أی فی موضع الحیض (3). ولنا معه کلام فی الآیة ذکرته فی حاشیته ، والحاصل أنّ الآیة قابلة للبحث فی مواضع :
أحدها : أنّ الحرث إنّما یؤتی للزرع ، والنسبة فی الآیة ظاهر الوجه ، فلا یتم التناول للدبر.
وثانیها : أنّ کلمة أنّی قد وردت بمعنی أنّما المفیدة للعموم فی المکان ، ووردت بمعنی کیف کقوله تعالی ( أَنّی یَکُونُ لِی غُلامٌ ) (4) فهی مشترکة ، فلا تدل علی المطلوب لأنّ عموم الکیفیة لا تدل علی تعدّد الأمکنة بل علی تعدّد الهیئات.
وثالثها : أن قوله تعالی ( وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِکُمْ ) (5) قیل : المراد به طلب الولد (6).
ص: 303
ورابعها : أن ما ذکره العلاّمة من تفسیر المحیض بالموضع (1) قد ورد تفسیره بوقت الحیض ، والعلاّمة نفسه ذکر ذلک (2).
ثم إنّ عدم التعرض لخبر الإیقاب لا وجه له من العلاّمة وغیره من المتأخّرین حتی شیخنا قدس سره لما قدّمناه من إمکان التقیید ، مع أنّ شیخنا حکم بصحة روایة النهی عن الإیقاب (3) إلاّ أنّ القول بخصوص الإیقاب تحریماً لم أعلم بقائله الآن ، بل المنقول عن السید المرتضی القول بتحریم الوطء فی الدبر وأنّه لا یحل الاستمتاع إلاّ بما فوق المئزر (4) واحتجّ له العلاّمة ولم یذکر روایة الإیقاب (5). وسیأتی إن شاء الله ذلک.
اللغة :
قال فی النهایة : الوقوب الدخول فی کل شی ء (6). وفی القاموس : أوقب الشی ء : أدخله فی الوقبة ( وقال : الوقبة الکوه کمری (7) ) (8).
قال :
فأمّا ما رواه علی بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، عن عبید الله الحلبی ،
ص: 304
عن أبی عبد الله علیه السلام فی الحائض ما یحل لزوجها منها؟ قال : « تتزر بإزار إلی الرکبتین وتخرج سرّتها ثم له ما فوق الإزار ».
عنه ، عن علی بن أسباط ، عن عمه یعقوب بن سالم الأحمر ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سئل عن الحائض ما یحل لزوجها منها؟ قال : « تتزر بإزار إلی الرکبتین وتخرج ساقیها وله ما فوق الإزار ».
عنه ، عن العباس بن عامر ، عن حجاج الخشاب ، قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض والنفساء ما یحل لزوجها منها؟ قال (1) : « تلبس درعا ثم تضطجع معه ».
فالوجه فی هذه الاخبار أحد شیئین ، أحدهما : أن نحملها علی ضرب من الاستحباب ، والأولة علی الجواز ورفع الحظر ، والثانی : أن نحملها علی ضرب من التقیة لأنّها موافقة لمذاهب کثیر من العامة.
فأمّا ما رواه علی بن الحسن ، عن العباس بن عامر ، وجعفر بن محمد بن حکیم ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل ما یحلّ له من الطامث؟ قال : « لا شی ء حتی تطهر ».
فالوجه فی قوله : « لا شی ء » أن یکون محمولاً علی أنّه لا شی ء له من الوطء (2) وإن کان له ما دون ذلک ، والوجهان الأولان اللذان ذکرناهما فی الأخبار المتقدمة ممکنان (3) أیضاً فی هذا الخبر.
ص: 305
السند
فی الجمیع قد کرّرنا القول فیه فی الکتاب بما یغنی عن الإعادة ، غیر أنّه ینبغی أن یعلم أنّ یعقوب بن سالم اتفق أن الشیخ ذکره بهذه الصورة : یعقوب بن سالم أخو أسباط السراج ، فی رجال الصادق علیه السلام من کتابه (1) ، وفی رجال الکاظم والصادق علیهماالسلام قال : یعقوب بن سالم الأحمر الکوفی (2).
وذکر فی النجاشی یعقوب بن (3) السراج وأنّه ثقة مع ذکره یعقوب بن سالم الأحمر وأنّه أخو أسباط ووثّقه (4) ، وظاهر الحال المغایرة.
وکلام الشیخ یوهم أنّ یعقوب بن سالم هو السرّاج ، لکن الظنّ أنّ ذکر السراج سبق قلم من الشیخ.
والعجب أنّ جدّی قدس سره کتب فی فوائد الخلاصة - حیث قال العلاّمة : إنّ یعقوب بن سالم أخو أسباط - : جعله أخا أسباط ، یقتضی کون أسباط أشهر منه ، مع أنّه لم یذکره - یعنی العلاّمة - فی القسمین ولا غیره ، مع أنّه کثیر الروایة (5).
والحال أنّ النجاشی ذکره (6) ، والشیخ فی الفهرست (7) وکتاب
ص: 306
الرجال (1) إلاّ أنّهما لم یتعرضا له بمدح ولا قدح ، والعذر لجدّی قدس سره من جهة النجاشی واضح ، إذ لم یکن عنده ، أمّا غیره فلا عذر له.
المتن :
ما قاله الشیخ لا یخلو من وجه ، إلاّ أن حدیث الخشاب یقتضی اختلاف مراتب الاستحباب کما لا یخفی ، وما قدّمناه من جهة الإیقاب قد عرفت الحال فیه ، فقول الشیخ : یحمل الأولة علی الجواز ورفع الحظر ، علی الإطلاق مشکل.
وفی المختلف استدل للمرتضی رضی الله عنه بالروایة الأُولی والثانیة ، وزاد الاستدلال بالآیة أعنی قوله تعالی ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ ) (2) وبقوله تعالی ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ ) (3) أی فی زمن المحیض.
وأجاب العلاّمة عن الآیة الأُولی بأنّ حقیقة القرب لیست مرادة بالإجماع ، فیحمل علی المجاز المتعارف وهو الجماع فی القبل ، لأنّ غیره نادر.
وعن الآیة الثانیة بأنّه یحتمل إرادة موضع الحیض بل هو المراد قطعا ، فإنّ اعتزال النساء مطلقاً لیس مراداً ، بل اعتزال الوطء فی القبل.
وعن الحدیث بالحمل علی الکراهة (4).
وأنت خبیر بأنّ ما ذکره فی الآیة الاولی : من أنّ إرادة حقیقة القرب لیست مرادة. حق ، أمّا الحمل علی المجاز المتعارف وهو الوطء فی القبل ، لا یخلو من وجه.
ص: 307
أمّا قوله فی الآیة الثانیة : إنّ المراد موضع الحیض قطعاً. فی الظاهر مجرد دعوی ، فلا بد من بیان دلیلها ، وکون الاعتزال لیس مراداً ، لا یدل علی الاختصاص بالقبل.
ولعل الأولی أن یقال : إنّ الظاهر من قوله تعالی ( وَیَسْئَلُونَکَ عَنِ الْمَحِیضِ قُلْ هُوَ أَذیً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ ... ) (1) إرادة محل الحیض لا زمان الحیض ، وبهذا یندفع بعض ما قدّمناه فی الآیة ، وذکر بعض المتأخّرین أیضاً أنّ قیاس اللفظ یقتضیه ، ولسلامته من الإضمار والتخصیص اللازمین بحمله علی المصدر (2). وفیه بحث إلاّ أنّ مقام التأیید واسع الباب.
واعلم أنّ روایة الحلبی مرویة فی الفقیه بطریقه الصحیح (3) ، وقد أجاب بعضهم عنها بأنّ دلالتها من باب مفهوم الخطاب وهو ضعیف (4). واعترض علیه بأنّ الظاهر کون دلالتها من باب مفهوم الحصر (5). ولا یخلو من تأمّل.
وما ذکره الشیخ فی تأویل الخبر الأخیر لا یخفی أنّه لا یطابق الخبر ، لأنّ قوله : « لا شی ء » فی جواب : ما یحل له؟ لا یقبل التأویل.
نعم الحمل علی الکراهة أو التقیة له وجه ، وقد نقل أهل الخلاف فی أحادیثهم أنّ عائشة قالت : کان یأمرنی فأتّزر فیباشرنی وأنا حائض (6) ، وذکر ابن الأثیر فی شرح الحدیث أنّه دال علی جواز المباشرة فوق الإزار ،
ص: 308
وأمّا تحت الإزار فقد اختلف الفقهاء فیه.
وما تضمنه حدیث أبی بصیر من قوله : « تخرج ساقیها » یحتمل أن یکون سهواً ، وإنّما هو : وتخرج سرّتها. کما فی خبر الحلبی ، ویحتمل الصحة بأن یراد بإخراج الساق عدم وصول المئزر إلیه. وقوله : « وله ما فوق الإزار » ربما یدل علی الاختصاص ویکون ما تحته من الساق لیس کذلک ، ویحتمل غیر ذلک ، والأمر سهل مع ضعف الروایة.
قوله :
باب أقل الحیض وأکثره
أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علی بن أحمد بن أشیم ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن أدنی ما یکون من الحیض ، فقال (1) « أدناه (2) ثلاثة أیّام وأکثره عشرة ».
وبهذا الاسناد عن محمد بن یعقوب ، عن محمد بن إسماعیل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن یحیی قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن أدنی ما یکون من الحیض ، فقال : « أدناه ثلاثة أیّام(3) وأبعده عشرة ».
وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن
ص: 309
الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر ، عن یعقوب بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : « أدنی الحیض ثلاثة وأقصاه عشرة ».
وأخبرنی أحمد بن عبدون ، عن علی بن محمد بن الزبیر ، عن علی بن الحسن بن فضال ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « أقل ما یکون الحیض ثلاثة أیّام ، وإذا رأت الدم قبل العشرة أیّام فهی من الحیضة الأُولی ، وإذا رأته بعد عشرة أیّام فهو من حیضة أُخری مستقبلة ».
وبهذا الاسناد عن علی بن الحسن ، عن الحسن بن علی بن زیاد الخزّاز ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن المستحاضة کیف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة وکم تدع الصلاة؟ فقال : « أقلّ الحیض ثلاثة وأکثره عشرة وتجمع بین الصلاتین ».
السند
لیس فیه من یحتاج إلی البیان بعد ما قدّمناه سوی علی بن أحمد بن أشیم ، وقد ذکره الشیخ فی رجال الرضا علیه السلام
من کتابه وقال : إنّه مجهول (1). والعلاّمة ذکره کذلک ، وقال : أنّ أشیم بفتح الهمزة وسکون الشین المعجمة وفتح الیاء المنقطة تحتها نقطتین (2).
والنضر فی الحدیث الثالث هو ابن سوید ، لروایة الحسین بن سعید عنه ، کما لا یخفی علی الممارس.
ص: 310
المتن : فی الجمیع واضح الدلالة علی أنّ أقل الحیض ثلاثة وأکثره عشرة ، سوی خبر محمد بن مسلم فإنّ فی دلالته علی الأکثر نوع إجمال ، و (1) استفادة الأکثر غیر مستبعدة ، إلاّ أنّ الضرورة لیست داعیة إلی ذلک ، أمّا استدلال العلاّمة رحمه الله فی المنتهی بالحدیث علی أنّ أقل الطهر عشرة (2). فلا یخلو من وجه ، لأنّ قوله : « وإذا رأته بعد عشرة أیّام » یفید بظاهره أنّ العشرة غیر الأُولی بقرینة تنکیر العشرة ، غایة الأمر أنّ مبدأ العشرة غیر معلوم ، وهذا لا یضر بالحال ، ( هذا کله علی تقدیر متن الروایة هنا.
لکن الشیخ فی التهذیب رواها فی الحسن ومتنها ) (3) هکذا : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أیّام فهو من الحیضة الأُولی وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة » (4).
والتعریف فی العشرة الثانیة یشکل معه الحال فی الاستدلال علی أنّ أقل الطهر عشرة ، إلاّ أن یقال : إنّ عشرة الأُولی هی عشرة الطهر ، والمعنی أنّ الدم قبل عشرة أیّام من الحیضة الأُولی ، وبعد العشرة من الحیضة الثانیة ، فتکون العشرة الثانیة هی والجمیع هی الطهر ، فلا یدل علی أکثر الحیض حینئذ ، ولا یتم استدلال العلاّمة بها علی أنّ ما تراه من الثلاثة إلی العشرة ثم ینقطع حیض (5).
ص: 311
نعم علی بعض الاحتمالات قد یتم کلامه کما ذکرناه فی حاشیة التهذیب ولا یخلو من تأمّل علی ما أظنه الآن ، واعتراض بعض محقّقی المتأخّرین سلّمه الله علی العلاّمة بتقدیر ذکر الحدیث علی ما فی التهذیب (1). له وجه.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأصحاب قد اختلفوا فی أن الثلاثة هل یشترط توالیها أم یکفی کونها فی جملة العشرة ، فالمنقول عن الشیخ قولان ، أحدهما : اشتراط التوالی (2) ، وإلیه ذهب جماعة (3) ، وثانیهما : عدم الاشتراط ، وهو منقول عن النهایة وابن البراج (4).
والعلاّمة فی المختلف اختار التوالی ، واحتج علیه بأنّ الصلاة ثابتة فی الذمّة بیقین ، فلا یسقط التکلیف بها إلاّ مع تیقّن السبب ، ولا یقین بثبوته هنا ، ولأنّ تقدیر الحیض أمر شرعی غیر معقول فیقف علی مورد الشرع ، ولم یثبت فی المتفرق (5).
وقد مشی شیخنا قدس سره فی الاستدلال علی منهج العلاّمة فی الاستدلال بهذا النحو قائلاً : إنّه لا یقین مع انتفاء التوالی (6).
وفی نظری القاصر أنّه یتوجه علی الاستدلال أن ثبوت العبادة بیقین إن کان مع وجود صفة الدم المذکور فی الأخبار المعتبرة أن المرأة تترک الصلاة مع وجودها ، فظاهر الدفع.
ص: 312
وقد صرّح به العلاّمة وشیخنا (1) 0 فی المبتدئة ، حیث ذهبا إلی أنّها تتحیّض برؤیته من دون انتظار ثلاثة أیّام ، لعموم قوله علیه السلام : « فإذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة ».
قال شیخنا قدس سره : ویشهد له صحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « أیّ ساعة رأت الدم فهی تفطر الصائمة » وهذه کما تری تدل علی أنّ ثبوت العبادة بیقین غیر معلوم.
وإن أراد مع عدم صفة الدم فلا ریب فی انتفاء القول فیه.
نعم زاد شیخنا قدس سره فی الاستدلال أنّ المتبادر من قولهم : أدنی الحیض ثلاثة. التوالی (2) ، وهذا لا یخلو من وجه وإن أمکن أن یقال : إنّهم قالوا أیضاً : وأکثره عشرة ، ولا یعتبر التوالی قطعاً ، والفرق بین الثلاثة والعشرة غیر واضح ، إلاّ بأن یقال : إنّ العشرة خرجت بالإجماع.
أمّا استدلال العلاّمة بأنّ تقدیر الحیض ، إلی آخره ، فالذی یتوجه علیه غیر محتاج إلی البیان ، إذ المتوالی أیّ بیان له من الشارع؟.
وینقل عن الشیخ أنّه احتج لعدم اعتبار التوالی بالروایة المذکورة هنا عن محمد بن مسلم علی ما فی التهذیب من المتن (3) ، وهو : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أیّام فهو من الحیضة الأُولی ، وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة ».
وأُجیب عن الروایة : بأنّ مقتضاها أنّ ما تراه فی العشرة فهو من الحیضة الأُولی ، ولا نزاع فیه ، لکن لا بد من تحقق الحیض أولا (4).
ص: 313
( وقد یقال إنّ فی الجواب تأمّلاً ) (1) لأنّ الروایة إذا سلّم دلالتها علی أن ما تراه فی جملة العشرة فهو حیض بناء علی أنّ معنی الروایة هذا ، فکلام الشیخ له وجه ، لأنّ من أفراده أن تری ثلاثة فی جملة عشرة ، ولو حملت الروایة علی أنّ الثلاثة تحققت بالتوالی ثم ما تراه بعد ذلک إلی العشرة فهو من الحیضة الأُولی ، لم یتم مراد الشیخ ، إلاّ أنّ ترجیح هذا المعنی من أین؟ والشیخ یکفیه الإطلاق فی الاستدلال ، إلاّ علی الاحتمال الذی قدّمناه ، فإنّ الاستدلال بها یحتمل ، کما لا یخفی علی المتأمّل.
والأولی فی الجواب أنّ یقال : إن الظاهر من الروایة حصول الثلاثة المتوالیة لا مجرد وجود الدم بصفة الحیض.
وقد یناقش فی هذا : بأنّ التوالی کیف یعلم من الروایة؟
ویجاب : بأنّ قوله : فهو من الاولی. یشعر به ، إلاّ أن یقال : إنّ القائل بعدم التوالی یجوّز کون الثلاثة فی جملة خمسة ، وحینئذ یتحقق الحیضة الأُولی ، فلیتأمّل.
والعلاّمة نقل الاستدلال للشیخ بروایة مرسلة رواها یونس عن بعض رجاله (2). ولا أری فی ذکرها مع الإرسال فائدة.
نعم ینبغی أن یعلم أن جدّی قدس سره قال فی شرح الإرشاد : وعلی هذا القول یعنی عدم اعتبار التوالی لو رأت الأوّل والخامس والعاشر ، فالثلاثة حیض لا غیر ، فإذا رأت الدم یوماً وانقطع فإن کان یغمس القطنة وجب الغسل ، لأنّه إن کان حیضاً فقد وجب الغسل للحکم بأنّ أیّام النقاء طهر ، وإن لم یکن حیضاً فهو استحاضة ، والغامس منها یوجب الغسل ،
ص: 314
وإن لم یغمسها وجب الوضوء خاصة لاحتمال کونه استحاضة ، فإن رأته مرّة ثانیة یوما مثلاً (1) وانقطع فکذلک ، فإذا رأته ثالثة فی العشرة ثبت أن الأوّل حیض ، وتبیّن بطلان ما فعلت بالوضوء ، إذ قد ثبت أنّ الدم حیض یوجب انقطاعه الغسل (2). انتهی.
وفی نظری القاصر أنّ هذا الکلام من جدّی قدس سره إلزام للشیخ ومن یقول بمقالته ، من حیث إنّ القائلین بعدم التوالی یلزمهم أن لا یتحقق الفرق بین أقل الحیض وأکثره فی صورة رؤیة الدم أول یوم والخامس والعاشر إذا کان الجمیع حیضا ، ولو کان الثلاثة فقط هی الحیض لزم الإشکال الذی ذکره ، ( لا أنّ ) (3) القائل به معترف بما ذکره ، فإنّ الإجماع مدّعی علی أنّ الطهر لا یکون أقل من عشرة أیّام.
وصرّح جماعة من الأصحاب منهم المحقق فی المعتبر (4) والعلاّمة فی المنتهی : بأنّ المرأة لو رأت ثلاثة ثم رأت العاشر کان الجمیع حیضا (5).
ومن هنا یعلم أنّ ما اعترض به بعض المتأخّرین ، وتبعه شیخنا قدس سره علی جدّی قدس سره : من أنّ مقتضی کلامه أنّ أیّام النقاء المتخلّلة بین أیّام رؤیة الدم یکون طهراً ، وهو خلاف الإجماع (6). لا وجه له بعد ما قلناه ، غایة الأمر أنّ قول جدّی قدس سره یوهم ذلک.
وأمّا ما قد یتخیل من عدم تحقق الأقل. فیدفعه أنّ الشیخ ومن معه