استقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار المجلد 1

هویة الکتاب

محمد بن الحسن ، 980 - 1030 ق . شارح .

استقصاء الاعتبار / المؤلف محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني ؛ تحقيق مؤسسة آل البيت علیهم السلام الإحياء التراث . - مشهد : مؤسسةآل البيت علیهم السلام الإحياء التراث ، مشهد ، 1419 ه- ق = 1377 ه- ش .

ج 10 نموذج .

المصادر بالهامش

هذا الكتاب شرح للاستبصار للشيخ الطوسي .

1. الطوسي ، محمد بن الحسن ، 385 - 460 ق . الاستبصار - نقد و تفسير .

2. أحاديث الشيعة - القرن 5 ق . ألف . الطوسي ، محمد بن الحسن ، 385 - 460 ق . الاستبصار . شرح . ب . عنوان . ج . عنوان : الاستبصار . شرح .

25 الف 502 الف 9ط/ 130 BP

شايك (ردمك) 9 - 172 - 319 - 964 دوره 7 جزء

ISBN 964 - 319 - 172 - 9 / 7 VOLS.

شابك (ردمك ) 7 - 173 - 319 - 964 / ج 1

ISBN 964 - 319 - 173 - 7 / VOL. 1

الكتاب : استقصاء الاعتبار / ج 1

المؤلف : الشيخ محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني

تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث

الطبعة : الأولى - ربیع الثانی - 1419 ه- ق

الفلم والالواح الحساسة (الزنك) : واصف - قم

المطبعة : ستارة - قم

الكمية : 5000 نسخة

السعر : 8000 ریال

ص: 1

المقدمة استقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار

اشارة

استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار

تأليف : العلامة المحقق الشيخ محمد الحسون الشهيد الثاني قدس سره

المتوفى سنة 1030ه

الجزء الأوّل

تحقيق : مُؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة ومسجّلة

لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث

مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث

قم - دور شهر خیابان شهید فاطمي كوچه 9 - پلاك 5

ص . ب . 37185/996 - هاتف 4 - 730001

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدمة :

اشارة

الحمد الله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين .

وبعد ، فإنّ ممّا أطبق عليه المسلمون بشتى طوائفهم ومذاهبهم كتاب الله وسنة رسوله هما المصدران الأوّلان لمعرفة الاحكام الشرعية والتكاليف المناطة بالفرد المسلم ، ولا يهمنا في محلّ كلامنا هنا الاختلاف بعد ذلك في باقي مصادر التشريع الإسلامي ، إذ المراد هنا هو إلقاء الضوء على السنّة النبوية الشريفة ومداليلها الشرعية وتبيانها لتفاصيل مرادات الشارع المقدس من كتاب الله المجيد .

وللأهمية البالغة للسنة المباركة حرص المسلمون - والشيعة الإمامية منهم قبل باقي الطوائف - على تدوينها والحفاظ عليها ، حتّى أنّهم كانوا يضربون آباط الإبل ويقطعون الفيافي من أجل العثور على حديث من

ص: 5

أحاديث البشير النذير .

وإذا كان تدوين السنّة الشريفة قد تعثّر شوطاً طويلاً عند أبناء العامة من المسلمين، ومن بعد ذلك دوّنت تحت ضغوط وتاثيرات الحكام والسلطات ، فإنّ التدوين عند الإمامية اتخذ شكلاً مستقلاً عن الحكومات ، وفي وقت مبكر من عصر الإسلام .

ولذلك نجد بصمات الاستقلال - وعدم التأثر بالمؤثرات الحكومية والسياسية والعنصرية والعصبية القبلية - واضحة المعالم في مدوّنات الإماميّة للسنة الشريفة ، كما نلمس بوضوح آثار منقولات أهل البيت عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) دون المنقولات عمّن لا يمت للتدوين بصلة إلا بنحو بعيد وبعد زمان متطاول .

فقد حرص أئمة أهل البيت بدءاً من الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وانتهاء بالإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام) ، على نقل أحاديث النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وسنّته على وجهها التام دون أي تغيير، بل جهدوا في بيان وتصحيح التحريفات والانحرافات والتصحيفات وسوء الفهم الذي وقع عند عامة المسلمين ، ففهموا الأحاديث على غير وجهها الصحيح .

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ أئمة آل محمد (عليهم السلام) وضعوا قواعد وقوانين إسلامية ثابتة لمعرفة الحديث، صحيحه من سقيمه، والمعوّل عليه من المطرّح ، وما صدر فعلاً عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وما تقول فيه عليه .

وقد تمخض ذلك المسير العلمي الطويل عن بروز أربعمائة أصل من الأصول المعوّل عليها إجمالاً في الأحاديث التي نقلها أهل البيت للمسلمين ، ومن ثم تناقلتها عنهم الأجيال .

ص: 6

وبعد ذلك ، تلخصت زبدة تلك الأصول الأربعمائة في الكتب الحديثية الأربعة التي عُني بجمع شتاتها وتبويبها المحمّدون الثلاثة في كتاب الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار .

الاستبصار من الكتب الأربعة :

وإذا لاحظنا هذه الأسفار الحديثية النفيسة ، وجدناها تترتب وفق التسلسل الزمني لتأليفها على النحو التالي :

1 - الكافي : لثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ، المتوفى سنة 329ه- .

2 - من لا يحضره الفقيه : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفى سنة 381ه- .

3 - تهذيب الأحكام في شرح المقنعة : لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460ه- .

4 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار : لشيخ الطائفة أيضاً .

فمن هذا الترتيب يظهر جلياً أنّ الاستبصار هو آخر الكتب الأربعة تأليفاً ، إذ أنه يقع زمنياً بعد كتاب تهذيب الأحكام ، وقد صرّح شيخ الطائفة نفسه فيه بأنّه ألّفه بعد التهذيب ، فأحال على التهذيب في عدة مواضع منه .

والذي نريد أن نقوله هنا هو : إنّنا - عندما دققنا النظر في علة تأليف الطائفة للاستبصار بعد التهذيب - رأينا أنّ للشيخ عناية خاصة بهذا المؤلّف النفيس، ربّما يدركها الحاذق من خلال عنوان الكتاب ، إذ أنّ الغرض الأصلي للشيخ من كتابه الاستبصار هو بيان وجوه الجمع بين ما قد يبدو متعارضاً من الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت ، وهو ما يسمّى في

ص: 7

المصطلح الأصولي «بالتعارض البدوي» أو «التعارض غير المستقر»، وهذه ميزة انفرد بها الاستبصار من بين الكتب الأربعة ، وله قدم السبق في هذا الميدان من بينها .

ولا نكاد نبتعد عن الصواب إذا قلنا أنّ لتأخر الشيخ الطوسي عن سابقيه ، وتأخر الاستبصار عن التهذيب، دوراً فاعلاً في نضوج فكرة التأليف ، وتقدّم هذه المدوّنة - المتأخرة زماناً - خطوة أو خطوات إلى الأمام من حيث النضوج العلمي، فالكافي والفقيه والتهذيب كلها لم تضع في منهجها طريقة الجمع بين المختلف من الأخبار بالدرجة الأساسيّة ، فإن جاء شيء من ذلك فيها كان عرضيّاً ومن فيوضات الأقلام الشريفة لمؤلّفيها ، بخلاف كتاب الاستبصار الذي جعل جُلّ همه وغاية سعيه إلى حلّ ما اختلف من الأخبار الواردة عن أهل البيت والخروج بنتيجة فقهية، بعد الفراغ من النتيجة الترجيحية لرواية على أخرى أو لطائفة من المرويات على طائفة أخرى .

كلّ هذا من حيث نفس منهجية الكتاب ، ومن حيثية أخرى نرى أهمية هذا الكتاب من خلال عبقريّة مؤلّفه وإلمامه الواسع بمرويات أهل البيت (عليهم السلام) ، ومن خلال كونه شيخ الطائفة وفقيهها في زمانه ، وقد عرف واشتهر - بحق - بصواب استنباطاته وعلميّته الفائقة في تشخيص مرادات المعصوم من المرويات، حتى أن آرائه ما زالت حتى اليوم شاخصة للعيان ينهل منها كلّ فقيه ، ويستفيد منها كلّ عالم ، فلا تضع يدك على كتاب من كتب الفقه الإمامي إلا وتطالعك آراء الشيخ الطوسي شامخة ، موضوعة موضع الاحترام - أخذاً ورداً - من قبل الأعلام.

كل هذه الأمور مجتمعة تجعل لكيفية الجمع بين مختلفات الأخبار

ص: 8

عند الشيخ الطوسي أهمية قصوى وبرمجة رائعة في الفقه الإمامي ، كما تضفي على كتاب الاستبصار مسحة اضافية من العبقرية والإبداع ، لا نجدها في نظائره الثلاثة الأخر.

ولذلك قال العلّامة الطهراني في حق الكتاب : الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن عليّ الطوسي .... هو أحد الكتب الأربعة والمجاميع الحديثية التي عليها مدار استنباط الأحكام الشرعيّة عند الفقهاء الأثني عشرية منذ عصر المؤلف حتى اليوم... غير أن هذا مقصور على ذكر ما اختلف فيه من الأخبار وطريق الجمع بينها ، والتهذيب جامع للخلاف والوفاق(1).

وقال السيد حسن الصدر الكاظمي : وأمّا الاستبصار فهو بضعة من التهذيب ، أفردها مقتصراً على الأخبار المختلفة ، والجمع بينها بالقريب والغريب(2).

شروح الاستبصار :

ولهذه الخصوصية المتطوّرة فكرياً التي امتاز بها كتاب الاستبصار - مضافاً إلى كونه ركناً من أركان الحديث الإمامي - عكف عليه العلماء قرنا بعد قرن بالشرح والتحشية والتعليق ، بعد الفراغ عن أنّ ما من عالم إمامي إلا وهو ينتهل من معين هذا الكتاب الذي ضمّ بين دفتيه كنوزاً من علوم ومرويات محمّد وآل محمّد (عليهم السلام) .

قال العلّامة الطهراني : وهو [أيّ الاستبصار] أحد الكتب الأربعة

ص: 9


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 : 14 .
2- نهاية الدراية في شرح الوجيزة : 602 .

والمجاميع الحديثية التي عليها مدار استنباط الأحكام الشرعية عند فقهاء الشيعة الإمامية الاثني عشرية منذ عصر مؤلّفه حتى اليوم، ولذلك كثر شرّاحه والمعلّقون عليه منذ القرن الخامس إلى الآن(1).

وقد ذكر ثلاث عشرة حاشية على الاستبصار ممّا عثر عليه هو بنفسه قدس الله سره(2)، دون ما طمسته يد الزمان وأخفاه الحدثان ، وغير ما ذكره الطهراني من تعليقاته وحواشيه بأسماء خاصة لا بعنوان الشرح والتعليقة .

وعلى كل حال فإنّ الذي يهمنا هنا هو شروح الاستبصار ، لأن ما نحن بصدد الكلام عنه هو أحد شروح الاستبصار ، فكان لا بد من معرفة أهمية ومحلّ هذا الشرح بين الشروح الأخرى ، وميزاته التي يمتاز بها عن باقي الشروح ، وأين يقع مكانه زمنياً من مراحل التطور والمواكبة في الإمامي ، وشروحات الكتب الأربعة .

والذي نراه بارزاً وشاخصاً للعيان من أمهات الشروح للاستبصار هي الشروح التالية :

1 - شرح الاستبصار : للعلّامة الفقيه السيد محمد بن علي بن الحسين الموسوي العاملي (صاحب المدارك) ، المتوفى سنة 1009ه- .

2 - شرح الاستبصار : للسيد ماجد بن السيد هاشم الجد حفصي البحراني ، المتوفى سنة 1021ه-.

3 - شرح الاستبصار : للعلامة المولى عبد الله بن الحسين التستري ، المتوفى سنة 1021ه- .

4 - شرح الاستبصار : للعلامة السيد ميرزا محمد بن علي بن إبراهيم

ص: 10


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 13 : 83 .
2- انظر الذريعة 6 : 17 - 19 .

الاسترآبادي الرجالي المعروف ، المتوفى سنة 1028ه-.

5 - شرح الاستبصار (استقصاء الاعتبار)، للشيخ الجليل فخر الدين أبي جعفر محمد بن جمال الدين أبي منصور الحسن ، ب-ن زي-ن الدي-ن الشهيد الثاني ، المتوفى سنة 1030ه- .

6 - شرح الاستبصار ، الذي هو تعليقات للسيد يوسف الخراساني ، كتبها سنة 1030ه- .

7 - شرح الاستبصار (جامع الاخبار في شرح الاستبصار): للشيخ عبداللطيف بن أبي جامع العاملي، تلميذ الشيخ البهائي الذي توفي سنة 1031ه- .

8 - شرح الاستبصار : للمولى محمد أمين بن محمد شريف الاسترآبادي ، المتوفى سنة 1036ه- .

9 - شرح الاستبصار : لسيّد الفلاسفة مير محمّد باقر بن شمس الدين محمد الحسيني المشهور ب- «الداماد» المتوفى سنة 1041ه- .

10 - شرح الاستبصار : للعلّامة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ نور الدین : الجامعي العاملي، المتوفى سنة 1050ه-.

11 - شرح الاستبصار : للعلامة السيد مير شرف علي بن حجة الله الشولستاني ، المتوفى سنة 1060ه- .

12 - شرح الاستبصار : للشيخ زين الدين علي بن سليمان بن الحسن ابن درويش بن حاتم البحراني ، المعروف ب- «علي القدمي»، المتوفى سنة 1064ه- .

13 - شرح الاستبصار : للمولى عبد الرشيد بن المولى نور الدين التستري ، المتوفى سنة 1078ه- .

ص: 11

14 - شرح الاستبصار : للفاضلة حميدة الرويدشتي بنت المولى محمد شريف بن شمس الدين محمد الاصفهاني ، المتوفاة سنة 1087ه- .

15 - شرح الاستبصار : للشيخ الفقيه قاسم بن محمد جواد المعروف ب-«ابن الوندي» وبالفقيه الكاظمي ، المتوفى سنة 1100ه-.

16 - شرح الاستبصار : للفقيه المحدّث الجزائري ، السيد نعمة الله بن عبدالله الموسوي التستري ، المتوفى سنة 1112ه- .

17 - شرج الاستبصار : للسيد عبدالرضا بن عبدالصمد الحسيني الأوالي البحراني ، معاصر المحدّث الجزائري .

18 - شرح الاستبصار : للسيد مير محمد صالح بن عبدالواسع الخواتون آبادي ، صهر العلّامة المجلسي ، المتوفى سنة 1116ه- .

19 - شرح الاستبصار : للعلامة السيد عبدالله بن نور الدين الجزائري التستري ، المتوفى سنة 1173ه-.

20 - شرح الاستبصار : للميرزا حسن بن عبدالرسول الحسيني الزنوزي الخوئي ، المتوفى سنة 1223ه- .

21 - شرح الاستبصار : للمحقق المقدس السيد محسن بن الحسن الأعرجي الكاظمي صاحب المحصول) ، المتوفى سنة 1227ه-.

22 - شرح الاستبصار : للشيخ عبدالرضا الطفيلي النجفي ، الذي كان حياً في سنة 1305ه- .

فهذه اثنان وعشرون شرحاً للاستبصار، كلّها كتبت بيد علماء ومجتهدي زمانهم ، عناية منهم بهذا السفر العظيم .

ويلاحظ أنه تتابعوا عليه قرناً بعد قرن بالشرح والتحشية والتعليق ، ورأينا في هذه العجالة كيف أن أجلّة العلماء من القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر ، قد توافروا عليه بالشرح والاهتمام .

ص: 12

استقصاء الاعتبار :

ولعلّ من أبرز شروح الاستبصار هو «استقصاء الاعتبار»، لعبقرية كاتبه من جهة، ولميزاته وفوائده الغزيرة من جهة أخرى كما سيأتي ، فلا غرو أن يحتل هذا الشرح المكانة المرموقة بين شروح الاستبصار .

قال الشيخ آغا بزرك الطهراني : استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار للشيخ أبي جعفر محمد بن أبي منصور الحسن ... كبيرٌ ، خرج منه ثلاثة مجلدات في الطهارة والصلاة والنكاح والمتاجر إلى آخر القضاء ... بدأ فيه بمقدّمة فيها اثنتا عشرة فائدة رجالية، نظير المقدمات الاثنتي عشرة لمنتقى الجمان لوالده الشيخ حسن ، وبعد المقدمة اخذ في شرح الأحاديث ، فيذكر الحديث ويتكلّم أوّلاً فيما يتعلّق بسنده من أحوال رجاله تحت عنوان «السند» ، ثمّ بعد الفراغ عن السند يشرع في بيان مداليل ألفاظ الحديث وما يستنبط منها من الأحكام تحت عنوان (المتن)(1)...

وقد ذكر هذا التأليف القيم كلّ من ترجم للشيخ المترجم له ، مضافاً إلى تأليف أخرى قيمة له في عدّة علوم .

وكتاب الاستقصاء فيه من الفوائد ما يعسر أن تجده في غيره من الكتب ، خصوصاً في المسائل الدرائية والرجالية ، فإنه قدس سره كان ذا باع طويل في هذا المجال، وحسبك أنّ المحدّث النوري في خاتمة المستدرك أفاد كثيرا من تلكم الفوائد . وسنشير إلى ميزات أخرى لشرحه هذا عند التعرّض لذلك في هذه المقدمة.

ص: 13


1- الذريعة 2 : 30 .

المؤلّف - ولادته :

هو الشيخ الجليل فخر الدين أبو جعفر محمد بن جمال الدين أبي منصور الحسن ، بن زين الدين الشهيد الثاني .

ولد شيخنا المترجم له ضحى يوم الاثنين العاشر من شهر شعبان المعظم عام ثمانين وتسعمائة .

وقد وجد تاريخ ولادته هذا بخط والده الشيخ حسن بن الشهيد الثاني ، كما صرّح بذلك الشيخ علي ابن المترجم له في كتابه «الدر المنظوم والمنثور» .

ويبدو أن والده كان يتوسم فيه مخايل النجابة والفقاهة والعلم ، فأحبّه وحرص على ضبط تاريخ ولادته بالشعر ، بعد أن فداه وأخاه بنفسه ، وإليك النص الذي نقله الشيخ علي في كتابه الدر المنظوم والمنثور ، قال :

وعندي بخط جدي المرحوم المبرور الشيخ حسن ، ما هذا لفظه - بعد ذکر مولد ولده زين الدين علي - ولد أخوه فخر الدين محمد أبو جعفر - وفقهما الله لطاعته وهداهما إلى الخير وملازمته ، وأيّدهما بالسعد والإقبال في جميع الأمور ، وجعلني فداهما من كلّ محذور - ضحى يوم الاثنين ، العاشر من الشهر الشريف شعبان عام ثمانين وتسعمائة ، وقد نظمت هذا التاريخ عشية الخميس تاسع شهر رجب عام واحد وثمانين وتسعمائة بمشهد الحسين (عليه السلام) بهذين البيتين ، وهما :

أحمد ربي الله إذ جاءني *** محمد من فيض نُعماه

تاريخه لا زال مثل اسمه *** «بجوده يسعده الله»(1)

ص: 14


1- روضات الجنات 7 : 44 .

نشأته :

لم تذكر المصادر التي ترجمت للمؤلف مكان ولادته على وجه الدقة والتحديد ، إلا أن قرائن الأحوال وعباراتهم في شرح أحواله تدلّ على أنه ولد في لبنان ، مضافاً إلى أن الحر العاملي ذكره في القسم الأول من أمل الآمل الّذي ذكر فيه علماء جبل عامل، وكان أوّل اشتغاله لطلب العلم فيها.

قال الشيخ يوسف البحراني : وكان اشتغاله أوّلاً عند والده والسيّد محمد صاحب المدارك ، قرأ عليهما وأخذ عنهما الحديث والأصولين وغير ذلك من العلوم، وقرأ عليهما مصنفاتهما من المنتقى والمعالم والمدارك، وما كتبه السيد على المختصر النافع ، ولما انتقلا إلى رحمه الله بقي مدة مشتغلاً بالمطالعة .

ثم سافر إلى مكة المشرّفة واجتمع فيها بالميرزا محمد الاسترآبادي صاحب كتاب الرجال ، فقرأ عليه الحديث .

ثم رجع إلى بلاده وأقام بها مدة قليلة ، ثم سافر إلى العراق ، خوفاً من أهل النفاق وعداوة أهل الشقاق ، وبقي مدة في كربلاء مشتغلاً بالتدريس .

ثم سافر إلى مكة المشرّفة ، ثم رجع منها إلى العراق وأقام فيها مدة .

ثمّ عرض ما يقتضي الخروج منها ، فسافر إلى مكة المشرفة ، وبقي فيها إلى أن توفّي رحمه الله(1).

وذكر الآغا بزرك أنّه اختص بالميرزا محمد الرجالي خمس سنين(2).

ص: 15


1- لؤلؤة البحرين : 82 - 83 . وعنه في روضات الجنات 7 : 43. وتنقيح المقال 3 : 102 .
2- طبقات أعلام الشيعة 5: 519 .

وأوضح الخوانساري أن ملازمته للميرزا الاسترآبادي كانت في مكة المكرمة ، وأن المترجم له كان معجباً غاية الإعجاب ، بأستاذه الرجالي التحرير ، فقال : وكان هو أيضاً مجاوراً بمكة المعظمة ، وملازماً لمجلس مباحثة صاحب الترجمة المتقدمة [أي الميرزا محمّد الاسترآبادي]، ومعتقداً لغاية نبله وفضله وتحقيقه ، بل مفتخراً بالاهتداء إلى سبيله وطريقه(1).

ونقل الخوانساري في الروضات عن ولد المترجم له في كتابه «الدرّ المنثور» قوله : وكان وهو في البلاد يذهب إلى دمشق ويقيم بها مدة بعد مدة ، واختلط بفضلاء العامة ، وصاحبهم وعاشرهم أحسن عشرة ، وقرأ عندهم في علوم شتّى(2).

وهذا ما يؤكد لنا أنّ هذا العالم الجليل، وغيره من علماء وفضلاء الطائفة كانوا حريصين أشد الحرص على تتبع الحقائق ، وأخذ الشاردة والواردة من العلماء ، أيّاً كان انتماؤهم المذهبي ، لأن الحقيقة العلمية مناطها

الدليل والبرهان ، لا المذاهب والمشارب .

فقد تتلمَذَ المؤلّف رحمه الله منذ نعومة أظفاره على كبار علماء الطائفة الإمامية ، مثل والده وصاحب المدارك ، كما يبدو واضحاً جلياً أنّه كان مولعاً بعلم الرجال ، وقد مرّ أنّه لازم الميرزا محمد الاسترآبادي خمس سنين يباحث ويدرس معه في علم الرجال . ولذلك برزت عبقريته وقدرته العلمية في هذا المجال أكثر من أي مجال آخر، وهذا ما سنوضحه في ميزات الكتاب ، وما يبدو شاخصاً للعيان من خلال مباحث شرح الاستبصار ، وقد وقعت تحقيقاته الرجالية موقع إجلال وإكبار علماء الطائفة

ص: 16


1- روضات الجنات 7: 39 .
2- روضات الجنات 7: 41 .

ومحدّثيهم ، حتّى أنّ العلامة المحدّث النوري عبر عنه تارة ب-«المحقق الشيخ محمد»(1)، وتارة ب-«المدقق الشيخ محمد»(2)، وقد أفاد منه ونقل الكثير من تحقيقاته الرجالية التي دوّنت في استقصاء الاعتبار، وذلك لأهميتها وضخامة فكر صاحبها في التنقيحات والتحقيقات الرجالية .

ولا يخفى حرصه على طلب العلم ومدارسته ، حيث كان بعد وفاة أستاذيه يطالع ويقرأ ولم يركن إلى الراحة والهدوء ، بل راح يجد ويثابر ، بل الذي نستشمّه من عبارة ولده أنّه كان بعد تحصيله علوم المذهب ، ووفاة أستاذيه ، يذهب ليدارس ويتتلمذ على أيدي فضلاء العامة ، ممّا يظهر مدى جده ومثابرته في تحصيل العلوم، وذلك هو الذي جعل من هذا الرجل عالماً مجداً يغني المكتبة الإسلامية بشتى التأليف القيمة .

وكان الشيخ محمد قد برز على أقرانه من العامة في حلقة الدرس ، قال ولده الشيخ علي : وكان من جملة من قرأ عليهم رجل فاضل في علوم العربية والتفسير والأصول اسمه الشيخ شرف الدين الدمشقي ، وكان يجتمع درسه خلق كثير ، رأيته أنا وشاهدت حلقة درسه، وهو طاعن في السنّ ، وكان إذا جرى بحث في مجلسه وتكلّم والدي في مسألة بكلام، وبحث معه يعارضه أهل ذلك المجلس عناداً أو لسوء فهم، فيقع البحث بينهم والشيخ ساكت ، وإذا انتهى الأمر ليحكم بينهم يقول : يا إخوان لا يغيّر في وجوه الحسان ، يعني به والدي رحمه الله ، فإذا سمعوا هذا سكتوا(3)...

ص: 17


1- انظر خاتمة مستدرك الوسائل 5: 23 .
2- انظر خاتمة مستدرك الوسائل 5 : 89 و 370 .
3- روضات الجنات 7: 41 - 42 .

زهده وتقواه :

وقد كان المؤلّف من الزهاد الورعين ، يمتاز بتقوى وورع فائق ، وكان يحتاط أشدّ الاحتياط في أمر الدين، عملاً بقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد : أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت(1)، وكان من جملة احتياطه وتقواه أنه بلغه أن بعض أهل العراق لا يخرج الزكاة ، فكان كلّما اشترى من القوت شيئاً زكويّاً زكّاه قبل أن يتصرّف فيه(2).

ولذلك قال ولده في حقه : كان عالماً عاملاً، وفاضلاً كاملاً ، وورعاً ،عادلاً ، وطاهراً زكيّاً، وعابداً تقياً ، وزاهداً مرضيّاً، يفرّ من الدنيا وأهلها ويتجنّب الشبهات ... كانت افعاله منوطة بقصد القربة(3)...

فيظهر جلياً أن من أهم ما كان يتمتع به هذا الرجل الفقيه الرجالي هو التقوى والزهد ، والأنس بالله، وأنّه كان ينيط كلّ أعماله بقصد التقرب إلى الله ، وهذا ما لا يناله إلا من رحمه الله وكان ذا حظ عظيم .

ومع أنّ الطائفة المحقة أجمعت على جواز أخذ الهدايا حتى من الحكام والأمراء ، لكننا نرى شيخنا المصنّف يتورع عن أخذها احتياطاً لدينه ومبالغة في التقوى والتقرّب إلى الله ، ساعياً أن لا يعيش إلا مما رزقه الله، بل نراه إذا وقع في محذور من قبول الهدايا جعل لذلك طريق حل لارجاع تلك الأموال إلى معطيها .

فقد أرسل له الأمير يونس بن الحرفوش إلى مكة المشرفة خمسمائة

ص: 18


1- وسائل الشيعة 27 : 33509/167 .
2- روضات الجنات 7: 42 .
3- امل الآمل 1 : 139 ، وعنه في رياض العلماء 5 : 59 - 60 .

قرش ، وكان هذا الرجل له أملاك من زرع وبساتين وغير ذلك ... وأرسل إليه معها كتابة مشتملة على آداب وتواضع، وكان له فيه اعتقاد زائد ، والتمس منه أن يقبل ذلك، وأنّه من خالص ماله الحلال ، وقد زکّاه وخمسه ، إلى أن يقبل .

فقال له الرسول : إنّ أهلك وأولادك في بلاد هذا الرجل ، وله بك تمام الاعتقاد ، وله على أولادك وعيالك شفقة زائدة، فلا ينبغي أن تجبهه بالرّد.

فقال : إن كان ولا بد من ذلك فأبقها عندك ، واشترِ في هذه السنة مائة قرش منها شيئاً من العود والقماش ، وتوصله إليه على وجه الهديّة ، وهكذا تفعل كل سنة حتى لا يبقى منها شيء ، فأرسل له ذلك تلك السنة وانتقل إلى رحمة الله ورضوانه(1).

وطلبه سلطان ذلك الزمان - عفى الله عنه - مرّة من العراق ، فأبى ذلك ، وطلبه من مكة المشرّفة ، فأبى ، فبلغه أنّه يعيد عليه أمر الطلب ، وهكذا صار ، فإنّه عيّن له مبلغاً لخرج الطريق ، وكان يكتب له ما يتضمن تمام

اللطف والتواضع والتواضع ، وبلغني أنّه قيل له : إذا لم تقبل الإجابة فاكتب له جواباً .

فقال : إن كتبت شيئاً بغير دعاء له كان ذلك غير لائق ، وإن دعوت له فقد نهينا عن مثل ذلك ، فألح عليه بعض أصحابه ، وبعد التأمل قال : ورد حديث يتضمّن جواز الدعاء لمثله بالهداية ، فكتب له كتابة ، وكتب فيها من الدعاء هداه الله » لا غير(2).

ص: 19


1- روضات الجنات 7: 42 .
2- روضات الجنات 7: 42 .

اساتذته ومشايخه :

لقد مرّ في أثناء ما تقدم ما يتعلّق ببعض أساتذته ، غير أن ذكرهم على نسق واحد يمكن معه استيضاح واستجلاء معالم أكثر وضوحاً عن دراسة هذا الرجل وتعلّمه على يد كبار العلماء ، فمن أساتذته :

1 - والده الفقيه الحسن بن الشهيد الثاني .

2 - السيد محمد بن عليّ بن أبي الحسن الموسوي العاملي صاحب «المدارك» .

3 - الميرزا أحمد بن علي الاسترآبادي .

4 - الميرزا محمد الاسترآبادي .

5 - الشيخ شرف الدين الدمشقي .

6 - وروى عن خال والده، الشيخ علي بن محمود العاملي.

7 - وروى عن ابن خال والده ، وهو الشيخ زين الدين بن الشيخ علي ابن محمود العاملي .

8 - وروى عن عمه الشيخ علي بن محمد بن على الحرّ .

إلى غير هؤلاء من المشايخ الذين روى عنهم أو قرأ عليهم أو باحث معهم في مسائل الدين والفقه .

وأما تلامذته :

فقد أقرأ المؤلف الكثير ، وتتلمذ عليه الفضلاء ، وروى عنه المشايخ ، وقد مرّ أنّه قضى عمره كله في القراءة والإقراء والدرس والتدريس والتأليف والتصنيف ، ومن تلامذته ومن قرأوا عليه :

ص: 20

1 - ولده الشيخ زين الدين .

2 - الشيخ محمد بن عليّ الحرفوشي .

3 - الشيخ إبراهيم بن إبراهيم بن فخر الدين العاملي البازوري .

4 - الشيخ أحمد أحمد بن بن يوسف السوادي العاملي العيناثي .

5 - الشيخ حسين بن الحسن العاملي المشغري.

6 - الشيخ علي بن أحمد بن موسى بن موسى العاملي النباطي .

7 - الشيخ علي بن محمود العاملي المشغري .

8 - الأمير فيض الله بن عبدالقاهر الحسيني التفرشي .

هؤلاء بعض تلامذته الذين ذكرهم الحرّ الع-امل-ي ف-ي أم-ل الأم-ل وأكثرهم من علماء جبل عامل، ومن المتيقن أن هناك الكثير ممن تتلمذوا عليه في كربلاء والنجف والشام ممن تُرِكَ ذكرهم ، ولم نستقصهم اكتفاء بمن ذكرنا من الأعلام والفضلاء .

خطه وأدبه :

ولم تقف كمالات المؤلف رحمه الله على ما ذكرنا من تضلّعه في علم الرجال والدراية ، وتبحره ودقته في الفقه، وباعه غير القصير في الأصول .

بل تعدى ذلك الى كمالات أخرى ، فجمع خصلتين أخريين كانتا شاخصاً واضحاً في بناء شخصيته العلمية ، فقد امتاز رحمه الله بناء شخصيته العلميّة ، فقد امتاز رحمه الله بجودة الخط واستنساخه لبعض المؤلّفات ، كما جلّى في النثر والشعر ، وكان ذا رقّة وروعة في شعره.

قال السيّد الخوانساري : وقد كان عندنا من كتب خزانة سيّدنا وسمينا وشيخ إجازتنا العلّامة الرشتي أعلى الله تعالى مقامه نسخة كتاب الرجال

ص: 21

الكبير ، بخط هذا الرفيع جنابه [يعني به المؤلف] العادم للعديل والنظير، وعندنا الآن أيضاً بخطه الحسن الذي يقارب في الحسن خطّ والده الجليل الشيخ حسن رحمة الله تعالى عليهما، على ظهر كتاب الفقيه الذي صححه أبوه المذكور في نجف الغريّ على مشرّفه السلام(1).

وهذا واضح في أن المؤلّف كان ذا خطّ أن المؤلّف كان ذا خط حسن، ربّما قارب والده المعروف بحسن وجودة الخط .

وأما شعره ونشره ، فقد كان رحمه الله شاعراً مجيداً، لأبياته من الرقة والسلاسة ما يهزّ السامع ويثير مكامن عواطفه، كما كان له نثر ومراسلات مع أدباء عصره .

قال الميرزا عبدالله الأفندي : كان عالماً فاضلاً ... حافظاً شاعراً أديباً ، منشئاً ، جليل القدر عظيم الشأن حسن التقرير(2)...

ونقل السيد الخوانساري عن ولد المؤلّف قوله : ولوالدي رحمه الله أشعار رائقة تشتمل على مواعظ وحكم وألغاز ومراسلات وإنشاءات نثر(3)...

وفي لؤلؤة البحرين ، نقلاً عن الشيخ علي ولد المصنّف ، أنّه قال وهو في معرض تعداد مؤلّفات ومصنفات والده : وله كتاب مشتمل على أشعار له ولغيره، ومراسلات بينه وبين من عاصره ، وكتاب جامع مشتمل على مواعظ ونصائح وحكم ومراثي وألغاز ومدائح ومراسلات شعرية بينه وبين أهل العصر ، وأجوبة منه لهم في المدائح والألغاز(4).

ص: 22


1- روضات الجنات 7: 39 .
2- رياض العلماء 5: 58 . ونفس هذه العبارات في أمل الآمل 1 : 139 .
3- روضات الجنات 7: 42 .
4- لؤلؤة البحرين : 83 .

وصرّح الحر العاملي أن له ديوان شعر ، كما سيأتي ذلك عند تعداد مؤلفاته ، وقال : وله شعر حسن(1).

ونظرة واحدة في أدب هذا الرجل وشعره ، تهدينا إلى أن الأقوال التي قيلت في حقه - بخصوص هذا المضمار - إن لم نقل أنّها لا توفي حقه فهي ليست مبالغاً فيها ، لأنّه كان ذا حس مرهف ولفظ رقيق حتى في تصويره لمأساة الحسين (عليه السلام) ، ومن قصائده في الرثاء الحسيني قوله :

كيف ترقا دموع أهل الولاء *** والحسين الشهيد في كربلاء

جده المصطفى الأمين على الوح *** ي من الله خاتم الأنبياء

وأبوه أخو النبي علي *** آية الله ، سيّد الأوصياء

أمّه البضعة البتول ، أخوه *** صفوة الأولياء والأصفياء

يالها من مصيبة أصبح الدي*** ن بها في مذلّة وشقاء

ليت شعري ما عذر عبد محبّ *** جامد الدمع ساكن الأحشاء

وابن بنت النبي أضحى ذبيحاً *** مستهاماً مرملاً بالدماء

وحريم الوصي في أسر ذُلُّ *** ف--اقدات الآباء والأبناء

وعليّ خير العباد أسير *** في قيود العدى حليف العناء

مثل هذا جزاء نصح نبيّ *** كَل عن نعته لسان الثناءِ

أسس السابقون بيعة غدر *** وبنى اللاحقون شرّ بناءِ

حرّفوا ، بدلوا ، أضاعوا ، أقاموا *** بِدَعاً بالعناد والشحناء

واستبدّوا بإمرة نصبوها *** شَرَكاً للأئمة النجباء

منعوا فاطم البتول تراثاً *** من أبيها بفاسد الآراء

ص: 23


1- أمل الآمل 1 : 139 . وصرّح بذلك أيضاً الميرزا عبدالله أفندي في رياض العلماء 5 : 59 ، والسيد الخوانساري في روضات الجنات 7 : 40 .

يا بني الوحى لا يُخفِّفُ وجداً *** نالنا م--ن ش-ماتة الأعداءِ

غيرُ ذي الأمر نور وحي إله *** حجّة الله كاشف الغمّاء

لهف نفسي على زمان أرى ف *** يه مزيلاً لدولة الأشقياء

أترى يسمح الزمان بهذا *** ويحوز الراجون خير رجاء(1)

وهذه القصيدة تمتاز - إضافة إلى جودة سبكها وحلاوة ألفاظها ورقة وصدق العاطفة فيها - بشتّى المعاني الضخام، التي تتضح فيها بصمات العلماء والفقهاء ، والعقائديين المحققين، والمؤرّخين الذين يعطون فلسفة التاريخ حقها .

فقد بدأ قصيدته بالحزن وإثارة العواطف الدينية ، ثم انتقل إلى صفات الشهيد وبيان ضخامة انتسابه الأسري إلى لباب النبوة ، النبي محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) ، وإلى خاتم الأوصياء علي (عليه السلام) ، وإلى البضعة الزهراء (عليها السلام) ، مع أخوته الصفوة الأولياء الحسن الزكي (عليه السلام) ، ثم عاد إلى التفجع واستدرار العواطف الجياشة ، فصوّر الحسين ذبيحاً مرمّلاً ، وعرّج على ذكر السبايا والإمام السجاد (عليه السلام) .

ثم عاتب المسلمين على لسان النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) عتباً لاذعاً في البيت العاشر من القصيدة، حيث تجلى فيه نفس الشريف الرضي حيث يقول في مقصورته الرائعة :

ليس هذا لرسول الله يا *** أمّة الطغيان والبغي جزا

وانتقل في البيت الحادي عشر إلى فلسفة الأحداث التاريخية ، فبرز محلّلاً رائعاً، تتجلّى فيه صورة القاضي ابن قريعة وهو يقول :

ص: 24


1- أمل الآمل 1 : 140 - 141 ، ونقل بعضها في روضات الجنات 7: 41 ، ونقلها في رياض العلماء 5 : 60 - 61 .

وأريتكم أنّ الحسي *** ن أصيب في يوم السقيفة

ولأي ذنب الحدت *** بالليل فاطمة الشريفة

فقد انتقل المؤلف انتقالة رائعة إلى بيان إمرة علي المغتصبة ، ومنع الزهراء نحلتها وإرثها .

ثم عرّج في نهايات قصيدته إلى استنهاض الحجّة (عجل الله تعالی فرجه الشريف) والتشوّق لظهوره لكشف الغمّة وإزالة دولة الأشقياء .

هذا ، وله قصيدة في مدح أستاذه السيّد محمد بن أبي الحسن العاملي صاحب المدارك ، يقول في مطلعها :

یا خليلي باللطيف الخبير *** وبود أضحى لكم في الضمير

خصصا بالثنا إماماً جليلاً *** وخليلاً أضحى عديم النظير

ثمّ رثاه بعد انتقاله إلى رحمة الله ورضوانه بقصيدة قال فيها :

ما لفؤادي مدى بقائي *** قد صار وقفاً على العناء

وما لجسمي حليف سقم *** بدا به اليأس من شفائي(1)

وعلى كل حال ، فإنّ المؤلّف كان ذا مرتبة راقية من الأدب شعراً ونثراً ، مضافاً إلى فقهه وأصوله ونبوغه في علم الرجال ، لكن العجب لا ينقضي من عدم انطباع هذه الرقة ، وهذا القلم الدفاق ، على عباراته في كتاب «الاستقصاء»، إلا إذا عرفت أن مؤلّفنا كان دقيقاً غاية الدقة ، كثير الغوص في التشعبات وإثارة الإشكالات حولها مما أفقده مرونة التعبير وسلاسة الإفهام ، كما صرّح بذلك الشيخ يوسف البحراني حيث قال : وقد وقفت على جملة من مصنّفات الشيخ ... فوجدت الرجل فاضلاً إلا أن عباراته معقدة غير سلسة(2).

ص: 25


1- انظر أمل الآمل 1 : 140 .
2- لؤلؤة البحرين : 84 .

مدح العلماء وإطراؤهم إياه :

بعدما عرفت من بُعد غور الرجل ، وتتلمذه على يد كبار العلماء ، وتربيته لخيرة الفضلاء ، ومثابرته على العلم وخدمة الدين ، وبعدما ستعرف من ضخامة مؤلّفاته وكثرتها ، لا غرو أن تجد العلماء يقفون منه موقف

الاجلال والإكبار ، ويشيدون به معتزّین ببروز مثل هؤلاء الفضلاء والعلماء الذين رفدوا الفكر الإسلامي بروائع الأفكار وأبكارها .

فقد ذكره ولده الشيخ علي في كتاب «الدر المنثور» في الجزء الثاني فقال : كان عالماً عاملاً ، وفاضلاً كاملاً ، وورعاً عادلاً ، وطاهراً زكيّاً ، وعابداً تقيّاً ، وزاهداَ مرضيّاً ، يفرّ من الدنيا وأهلها، ويتجنّب الشبهات ، جيّد الحفظ والذكاء والفكر والتدقيق ، كانت أفعاله منوطة بقصد القربة ، صرف عمره في التصنيف والعبادة والتدريس والإفادة والاستفادة(1).

وقال الشيخ يوسف البحراني : وكان الشيخ محمد فاضلاً محققاً مدققاً ورعاً فقيهاً متبحراً(2).

وقال الحرّ العاملي في شأنه : كان عالماً فاضلاً، محققاً مدققاً ، متبحراً جامعاً كاملاً صالحاً ورعاً ، ثقة ، فقيهاً محدّثاً ، متكلّماً حافظاً ، شاعراً أديباً ، منشئاً جليل القدر ، عظيم الشأن ، حسن التقرير(3).

ونقل صاحب الروضات مدح أستاذ المؤلف له ، فقال : صورة ما كتبه أستاذه المعظم عليه في أواخر رجاله الكبير من بيان حال طرق الصدوق إلى

ص: 26


1- أمل الآمل 1 : 139 .
2- لؤلؤة البحرين 82 .
3- أمل الآمل 1 : 139 .

أرباب الأصول ، مع تلخيص ما منه رحمه الله ، وهي هكذا :

من فوائد مولانا علّامة الزمان ميرزا محمّد أطال الله بقاءه في كشف طرق هذا الكتاب وبيان حالها تفصيلاً، بالنظر إلى الرواة المعتمدين وغيرهم ، نقلته نقلته من كتابه في الرجال ، وهو كتاب لم يُرَ مثله في كتب المتقدمين ، ولم يسمع بما يدانيه أفكار المتأخرين(1)...

وقد مرّ عليك أن صاحب الروضات مدحه فقال في معرض بيانه لنسخة كتاب الرجال للمؤلف ، حيث قال : نسخة كتاب الرجال الكبير بخطّ هذا الرفيع جنابه ، العادم للعديل وللنظير(2)...

وإطراء العلماء هذا ومدحهم له - وعلى وجه الخصوص أستاذه الاسترآبادي الذي شهد له بالتفوّق ، والسبق - لم يكن ليمنع من وجود بعض المؤاخذات على المؤلّف رحمه الله والتي ذكرها العلماء وبينوا وجهها ومبعث وجودها في قلم وعلميّة هذا العالم الفاضل التحرير .

قال الشيخ يوسف البحراني : وقد وقفت على جملة من مصنفات الشيخ المزبور منها شرحه للاستبصار، وحاشية على الفقيه ، وتأملت كلامه فوجدت الرجل فاضلاً، إلا أن عبارته معقدة غير سلسة، وتصنيفه غير مهذب ولا محرّر ، وتراه يبحث في المسألة حتى إذا أتى الموضع المطلوب منها أحال بيانه على حواش له في كتب أخرى أو مصنف آخر ، وهذا إمّا ناشئ من العجز أو من عدم جودة الملكة في التصنيف .

ويؤيد ما قلناه ما وقفت عليه في كلام شيخنا المحدّث الصالح الشيخ عبدالله بن الحاج صالح البحراني رحمه الله ، قال : وكان الشيخ محمد مدققاً غير

ص: 27


1- روضات الجنات 39:7 .
2- روضات الجنات 7: 39.

محقق ، أخبرني الشيخ عمّن أخبره من المشايخ، عن الشيخ علي بن سليمان البحراني أنّه شاهده وذكر أنّه ليس في مرتبة الاجتهاد ، لأنّه من شدّة دقته لم يقف على شيء ، قال الشيخ : وهذه الدقة تسمى بالجربزة (1) ، ومن وقف على مصنفاته كشرح الاستبصار وحاشية الفقيه عرف صحة ما نقله الشيخ عنه ، انتهى(2).

والواقع أن هذا الكلام في عين كونه دقيقاً من جهة مدوّنات الشيخ محمد إلّا أنّ فيه تساهلاً من جانب آخر، وهو أن الذي نميل إليه أن المصنف رحمه الله لم يكن بصدد تأليف كتاب فقهي استدلالي شامل كسائر الشروح المطوّلة التي يطرح كتابها فيها وجهات نظرهم وآراءهم الفقهية ، بل كان غرضه - خصوصاً في كتاب الاستقصاء - بيان ما ذهب إليه الشيخ الطوسي من وجوه الجمع، وشرحها وتوجيهها ، وإيراد الإشكالات عليها وحلّها إن أمكن ذلك ، وربّما أبدى وجهة نظره في خصوص مورد ما ، دون إرادة الوصول إلى النتيجة الفقهية النهائية ، فلا يمكن إلقاء التبعة كلها على حالة التدقيق المفرط عنده التي أخرجته إلى حالة الجربزة ، فإن هذه الحالة وإن كانت واضحة في كتابه الاستقصاء ، وربّما في كل تأليفاته كما تقدّم نقل ذلك عن بعض الأعلام ، لكنّ الذي نراه هو أنّ هذا الرجل لم يؤلّف كتاباً استدلالياً موسعاً ليؤاخذ بهذه المؤاخذة ثمّ يتهم بعدم الاجتهاد، لأن عدم إبداء النظر الأخير كانت له - حسب قرائن التأليف - مبرراته كما أوضحنا ذلك .

مضافاً إلى أن الكثير من علماء الطائفة المحقة كانوا لسبب أو لآخر ،

ص: 28


1- الجُربزة : كلمة فارسية معناها سرعة الفهم والذكاء - فرهنگ معین 1 : 1223 .
2- لؤلؤة البحرين : 84 .

لا يريدون عن عمد إظهار آرائهم الفقهية، مقتصرين على البحوث العلمية المحضة ، مختصين أنفسهم بآرائهم ونتائجهم الفقهية ، طارحين وجهات نظرهم على تلامذتهم فقط ، وربما صرّحوا قليلاً ب-رأي-ه-م الق-اطع الذي يتوصلون إليه في فرع أو مسألة ما ، فهم يصبّون جل اهتماماتهم على إغناء البحوث العلمية من رفيع أفكارهم وبديع أنظارهم وتنشئة مجموعة من الكوادر والفضلاء .

مؤلفاته ومصنفاته :

علمنا من خلال ترجمة هذا العالم الفاضل أنّه صرف عمره مثابراً في التحقيق والتدريس والتدقيق والتأليف والتصنيف، فكان حصيلة ذلك - بعد تربية الفضلاء - أن أتحف المكتبة الإسلامية بتأليف قيمة ، ذكر المترجمون له منها :

1 - استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ، وهو الكتاب الماثل بين يديك .

2 - تعليقات على كتاب مدارك الأحكام .

3 - حاشية أصول الكافي .

4 - حاشية على شرح اللمعة . وصل فيها إلى كتاب الصلح .

5 - حاشية الفقيه ، وهي حاشية على العبادات من كتاب «من لا يحضره الفقيه» .

6 - حاشية كتاب الرجال، وهي حاشية على كتاب الرجال للميرزا محمد الاسترآبادي الرجالي المعروف .

7 - حاشية المختلف .

8 - حاشية المدارك . وهي غير تعليقاته عليه .

ص: 29

9 - حاشية المطوّل .

10 - حاشية المعالم . وهي حاشية على أصول معالم الدين لوالده .

11 - ديوان شعره .

12 - رسالة سمّاها «تحفة الدهر في مناظرة الغنى والفقر» .

13 - رسالة في تزكية الراوي .

14 - رسالة في التسبيح والفاتحة فيما عدا الأوليين وترجيح التسبيح.

15 - رسالة التسليم في الصلاة. حقق فيها ما ترجّح عنده .

16 - رسالة في الطهارة .

17 - «روضة الخواطر ونزهة النواظر» وهو كتاب مشتمل على فوائد ومسائل وأشعار له ولغيره ، وحِكَم ،وغيرها، ملتقطة من كتب شتّى .

18 - شرح الاثني عشرية لوالده .

19 - شرح تهذيب الأحكام .

20 - كتاب مشتمل على مسائل وأحاديث .

21 - كتاب جامع مشتمل على نصائح ومواعظ وحكم ومراث وألغاز ومدائح و مراسلات شعرية بينه وبين شعراء أهل العصر ، وأجوبة منه لهم في المدائح والألغاز.

22 - كتاب مشتمل على أشعار له ولغيره ، ومراسلات بينه وبين من عاصره .

وهكذا تتضح معالم النضوج الفكري ، وجوانبه في تأليفاته ، فقد صبّ اهتمامه على الفقه أوّلاً ، ثمّ على كتب الأحاديث ، ثمّ الرجال ، ثمّ أصول الفقه ، ثمّ علم البلاغة فيما يشمل من علم المعاني والبديع والبيان ، ثمّ في الأدب شعراً ونثراً ، وبعد ذلك في علوم شتّى جمعها من كتب شتى .

ص: 30

فلا ريب ولا شبهة في ولا شبهة في أنّه كان حاوياً لأصناف من الكمالات وأنواع من العلوم ، كما كان مشهوراً بدقة النظر وقوة العقل ، كل هذا بعد تسليم الجميع بأنّه من فحول وأساطين الرجاليين .

وفاته ومدفنه :

توفّى الشيخ محمد رحمه الله في ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثين من الهجرة في مكة المشرفة . ودفن بمكة المكرمة ، في منطقة المعلّى ، قرب مزار أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .

وجد بخط السيد حسين بن محمد بن علي بن أبي الحسن العاملي ، ما صورة خطه : توفّي ابن خالي الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين العاملي في عاشر ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثين من الهجرة في مكة المشرفة(1).

قال الخوانساري : فظهر من تاريخ مولده ووفاته أن عمره خمسون سنة وثلاثة أشهر(2).

ثم قال : وهو بعينه تاريخ وفاة شيخنا البهائي قدس سره قدر البهي بأصفهان(3).

وقد كان المؤلّف رحمه الله قد أحسّ بدنو أجله، فكان يتمنّى أن يساعده الله ويعينه على سكرات الموت وما بعده، فقد نقل ولده الشيخ عليّ عن خطّ الشيخ حسين المشغري - الذي كان من جملة تلامذة أبيه المذكور ومصاحبيه في مكة المشرفة - أنّه كتب بعد ما رقم تاريخ وفاته ليلة الاثنين

ص: 31


1- رياض العلماء 5 : 61 .
2- روضات الجنات 7 : 44 ، لؤلؤة البحرين : 85 .
3- روضات الجنات 7 : 45 .

العاشر من ذي القعدة الحرام سنة ثلاثين من الهجرة : وقد سمعت منه قدس سره قبل انتقاله بأيام قلائل مشافهة، وهو يقول لي : إنّي أنتقل في هذه هذه الأيام عسی الله أن يعينني عليها ، وكذا سمعه غيري ، وذلك في مكة المشرّفة ، و دفناه - برد الله مضجعه - في المعلّى ، قريباً من مزار خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها(1).

وكان من كرامات هذا الشيخ الجليل ، أن زوجته بنت السيد محمد بن أبى الحسن ، وأمّ ولده ، أخبرت أنّه لمّا تُوفَّى كنَّ يسمعن عنده تلاوة القرآن طول تلك الليلة(2).

كتاب الاستقصاء وميزاته :

إن كتاب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار يمثل واحداً من أبرز شروح الاستبصار ، وقد وجدنا مؤلّفه يقسّم مباحثه تقسيمات رباعية .

أ - ذكر الروايات التي في الاستبصار ، وما قاله الشيخ الطوسي في جمعها ، ورفع تعارضها البدوي .

ب - شرح سند الرواية أو الروايات ، والخروج بنتيجة رجالية أخذاً ورداً ، وصحّةً وسقماً .

ج - الخوض في البحث المتني ، وبيان وجوه الرواية ومعانيها ، وربّما توسع المؤلّف في بحثه وأبدى آراءه ونظراته فيها على نحو الجزم والالتزام أو على نحو الاحتمال لتقوية الذهنية الفقهية .

د - شرح لغة الحديث، إن وجدت فيه كلمات تحتاج إلى الشرح

ص: 32


1- روضات الجنات 7 : 45 .
2- روضات الجنات 7 : 43 .

ويتوقف عليها ابتناء هذا الرأي أو ذاك .

هذا هو تقسيم الكتاب بنحو مجمل ، فهو رباعي في كل موضوع ، اذ هو كالآتي : الروايات ، السند ، المتن اللغة، وربّما لم يجعل للغة عنواناً مستقلاً ، فيبقى التقسيم حينذاك ثلاثياً .

وعلى كل حال ، فإن ما يهمنا تجليته وإبرازه في هذه المقدّمة، هو أهم ميزات الكتاب ، التي امتاز بها فكان محطّ نظر الفقهاء والفضلاء ، لأنّ للكتاب ميزات جمة يقف عليها المطالع المدقق ، ونحن نذكر هنا أهمها ،

وهي :

1 - إن كونه من شروح الاستبصار - الذي هو الاستبصار - الذي هو أحد الكتب الأربعة المعتمدة عند الإمامية - يعطى له قيمة علمية وأهمية كبيرة .

2 - التنظيم الجيد ، والخطة المحبوكة ، في تناول المطالب بالبحث والتحقيق .

3 - احتواؤه على تحقیقات رشيقة، وتدقيقات والتفاتات يندر أن تجمع في كتاب آخر غيره ، مع عبارة مختصرة وجيزة .

4 - خلوصه عن التكرار في البحوث ، واكتفاؤه بالإحالة على مواضع أخرى بمثل قوله «تقدّم» أو «سيأتي» ، فلا يكرّر مطلباً إلا إذا كانت هناك عناية خاصة أو فائدة جديدة .

5 - محاولته إصابة لباب المطالب ، والابتعاد عن التفصيلات المملّة ، ولذلك فهو يحيل في كثير من الموارد على مؤلّفاته وتحقيقاته الأخرى ، خصوصاً حواشيه على التهذيب والفقيه والروضة والمعالم ، ورجال الميرزا

محمد الاسترآبادي .

ص: 33

6 - وفرة التحقيقات الرجالية بشكل كبير جداً، ولعلّ هذه السمة والميزة هي أهم وأغنى ما في كتاب الاستقصاء، فقد أبدع في تحقيقاته الرجالية ومبانيه الدرائية ، وكان ذلك منه رحمه الله معالجة للوضع الذي كان سائداً في زمانه ، وهو عدم الاعتناء المتزايد بالبحوث الإسنادية والرجالية ، فكانت هذه الناحية سدّاً للخلل ، ودفعاً لحركة جديدة في الحوزة العلمية آنذاك .

ولكي لا يخلو المقام من فوائد أكثر ، رأينا من الأرجح أن نثبت هنا بعض مباني المؤلّف الأصولية، ثمّ نذكر بعض مبانيه الرجالية لنقف على مدى إبداع هذا الفقيه المدقق .

من مبانيه الأصولية

1 - التسامح في أدلة الكراهة محل تأمل(1).

2 - قوله بعدم حجيّة مفهوم الوصف(2).

3 - قوله بحجية مفهوم الشرط(3).

4 - إن الشهرة إنّما تكون مثمرة إذا كانت حاصلة قبل زمان الشيخ الطوسي .

5 - عدم اشتراط جميع الأعصار في تحقق الإجماع(4).

6 - عدم المنع عن تأخير بيان المجمل إلى زمان الحاجة(5).

ص: 34


1- ص : 123 .
2- ص : 194 .
3- ص : 208 .
4- ج 2 : 6 .
5- ج 2 : 96 .

مبانيه وتحقيقاته الرجالية والدرائية :

1 - إن رواية الأجلاء - مثل الكليني - عن شخص تدل على اعتباره(1).

2 - إنّ الاعتماد على المراسيل لا يصلح للقدح(2).

3 - تقديم النجاشي على الشيخ عند تعارض الجرح والتعديل(3).

4 - عدم إفادة تصحيح العلّامة للتوثيق المعتبر(4).

5 - الاشكال في افادة تصحيح الشيخ للتوثيق المعتبر(5).

6 - مزية تصحيح الصدوق على نحو يقرب من التوثيق(6).

7- ترك النجاشي ذكر المذهب - كالوقف - دليل على نفيه(7).

8 - إن حديث إبراهيم بن هاشم لا يعد من الصحيح ، بل من الحسن(8).

9 - إن الاضمار لا يوجب ضعف الحديث(9).

10 - رواية الصدوق مرجح(10).

ص: 35


1- ص : 48 .
2- ص : 48 .
3- ص : 108 .
4- ج 3 : 27 .
5- ج 3 : 27 .
6- ج 3 : 28 .
7- باب المسافر ينزل على بعض أهله .
8- ص : 52 - 53 .
9- ص: 72 .
10- باب من يصلي وحده كم يصلي؟

11 - إن الاجماع على تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير محل كلام، وعلى تقديره لا يثمر عدم الالتفات الى من بعده(1).

12 - إن محمّد بن شهر آشوب غير معلوم الحال(2).

13 - إنّ محمّد بن قولويه محل تأمّل(3).

14 - انصراف ابن مسكان المطلق إلى عبد الله(4)، والحلبي إلى محمد ابن علي الحلبي ، ومعاوية بن وهب إلى الثقة(5)، وابن سنان الراوي عن أبي عبدالله الا هو عبد الله(6).

15 - إن الوكالة من ناحية الائمة (عليهم السلام) لا تثبت توثيق الوكيل(7).

النسخ المخطوطة المعتمدة في التحقيق :

1 - النسخة المخطوطة في مكتبة مدرسة الفيضية/ قم: وهي من مقدّمة المؤلّف إلى نهاية الصلاة ، كتبت بخط الناسخ محمود الحسيني على الأجزاء الثلاثة سنة 1031ه- ، 1032ه- ، 1037ه- ورمزنا لها في الهامش ب- (فض) .

2 - النسخة المخطوطة فى مكتبة الاستانة الرضوية / مشهد : وهي من مقدّمة المؤلّف إلى نهاية الصلاة ، كتبت بخط الناسخ محمود الحسيني ، على

ص: 36


1- ص : 316 ، وج 2 : 179 .
2- ص : 316 .
3- ص: 111 ، 161 .
4- ص : 257 .
5- ص : 417 .
6- ج 2 : 71 .
7- باب الصلاة في الفنك والسمور والسنجاب .

الأجزاء الثلاثة سنة 1044ه-، 1045ه-، ورمزنا لها في الهامش ب-(رض) .

3 - النسخة المخطوطة في مكتبة دانشگاه/ طهران : وهي من أبواب تطهير الثياب والبدن إلى باب القعود بين الأذان ، وهي مجهولة الناسخ ، يوجد في الورقة الأخيرة منها سنة 1026ه- . ورمزنا لها في الهامش بحرف (د).

4 - النسخة المخطوطة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي (شوراي ملي)، وهي من قوله «أبواب كيفية الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها/ باب وجوب قراءة الحمد» إلى نهاية الصلاة ، بخط الناسخ فخر الدين بن محمّد علي الطريحي سنة 1028ه- ، ورمزنا لها في الهامش بحرف (م) .

كما استفدنا من النسخة المطبوعة من الاستبصار لدار الكتب الاسلامية بطهران، ومن النسخ المخطوطة التي أشار إليها المحقق .

منهجية التحقيق :

أخذت مؤسسة آل البيت في مشهد المقدسة على عاتقها تحقيق الكتاب ، وشكلت لأجل ذلك لجاناً - عمل فيها المحققون حسب اختصاصهم العلمي - وشرعت بالعمل الجماعي وفقاً لخطتها السائرة في التحقيق ، واللجان كما يلي :

1 - لجنة المقابلة : وقد عمل في هذا الحقل الأخوان الفاضلان محمّد الأنصاري ، وعلي الإبراهيمي.

2 - لجنة الاستخراج : وعملها استخراج الأقوال والروايات وغريب الحديث و ...، من المصادر الأساسية ، وقد عمل في هذه اللجنة كلّ من حجج الإسلام : الشيخ علي المقني ، والشيخ محمد حسين أميني ، والشيخ

ص: 37

محمد علي زينلي ، والأخوة الأماجد : عبدالحسين الحسون وعبدالرضا مجيد الروازق ، والسيد عبدالعزيز كريمي .

3 - لجنة تقويم النص : وتكونت هذه اللجنة من حجج الإسلام : الشيخ محمّد صبحي ، والشيخ عباس تبریزیان ، والشيخ مجتبى فرحناكي ، والشيخ كريم الأنصاري .

4 - كتابة الهامش: وقد أنيطت بالأخ الفاضل السيد محمد جواد الحسيني

5 - الإشراف والمراجعة النهائية : وقد كانت مهمته من مسؤوليات حجة الاسلام الشيخ محمد بهره مند .

وفي الختام نقدّم جزيل شكرنا لجميع العاملين في تحقيق هذا الكتاب ، وبالأخص حجة الاسلام الشيخ محسن قديري لما بذله من جهد في ملاحظة الكتاب .

سائلينه سبحانه وتعالى أن يتقبله بأحسن قبوله

وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين

مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث

ص: 38

ص: 39

الصورة

صورة الصفحة الأولى من نسخة (د)

ص: 40

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة ( د )

ص: 41

الصورة

صورة الصفحة الأولى من نسخة (رض)

ص: 42

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة ( رض )

ص: 43

الصورة

صورة الصفحة الأولى من نسخة (فض )

ص: 44

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة (فض )

ص: 45

الصورة

صورة الصفحة الأولى من نسخة (م)

ص: 46

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة (م)

ص: 47

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد لله الذی هدانا إلی مناهج الشریعة الغرّاء ، وجعلها ذریعة إلی نیل سعادَتَی الدنیا والأُخری ، والصلاة والسلام علی محمد أکمل الأنبیاء قدراً ، وعلی آله الذین سَمَوا علی العالم فضلاً وفخراً ، صلاة تکون لنا یوم القیامة شرفاً وذخراً.

[ وبعد ] (1).

فإنّ أولی ما رَتَعَتْ فی ریاض حدائقه الأفکار ، وأحقّ ما صرفت فی اکتسابه آناء اللیل والنهار ، هو العلم بالأحکام الشرعیة بعد الإحاطة بما لا بدّ منه من الأُصول الدینیة.

ولا ریب أنّ أساس قواعد الأحکام حدیث أهل بیت النبوة علیهم أفضل السلام ، وقد ألّف جماعة من متقدّمی الأصحاب شکر الله سعیهم

ص: 5


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاقتضاء السیاق.

فی ذلک جملة من الکتب والأُصول ، باذلین وسعهم فی إثبات کل مسموع ومنقول ، غیر أنّ أهل البغی لمّا قصدوا إطفاء نور الصواب ذهب کثیر من الکتب المؤلّفة فیما مضی من الأحقاب ، وإن کان الله سبحانه متمّ نوره ولو کره المشرکون ، فلا جرم بقی من ذلک مناهج یسلکها السالکون.

ولمّا کان کتاب الإستبصار فی الجمع بین مختلف الأخبار من أجلّ کتب الحدیث شأناً ، وأرفعها قدراً ومکاناً ، وأتمّها دلیلاً وبرهاناً ، وکیف لا؟! وهو من مؤلّفات شیخ الطائفة ، وعماد الإیمان ، المستغنی بوضوح کماله عن البیان ، أبی جعفر محمد بن الحسن الطوسی قدّس الله روحه ونوّر ضریحه.

ثم إنّ الکتاب لا تخلو عباراته غالباً من الإجمال علی وجه لا یتضح منها للطالب حقیقة الحال.

فأحببت أنّ اکتب علیه شرحاً یوضح منه المرام ، ویکشف عن وجه حقائقه نقاب الإبهام ، ذاکراً فیه ما استفدته من مشایخی الأجلاّء المعاصرین ، وإن کنت أَعُدُّ نفسی بالنسبة إلی هذا المقصد من جملة القاصرین ، غیر أنّ المیسور لا یسقط بالمعسور کما هو بین الناس معدود من المشهور ، وأنا أتوسل إلی الله سبحانه أنّ یجعل أوقاتی مصروفة فی موجبات ثوابه ، وأعمالی سالمة من التلبّس بأسباب عقابه ، وأنّ یوفّقنی بمنّه لإتمام هذا الشرح علی ما هو مقصودی ، ویجود علیّ بالجنة جزاء بذل مجهودی.

وقد رأیت أنّ أنظم ما أکتبه فی سلک یقرّب المعانی إلی الأفهام ، ویبعّد الغموض الذی قد یسبق منه الشک إلی بعض الأوهام ، فابتدأت أوّلاً بالکلام فی سند الأخبار ، ثم أتبعته بالقول فی المتن موضحاً ما فیه من

ص: 6

الأسرار ، ثم ذکرت ما وقفت علیه من معانی الألفاظ اللغویة اعتماداً علی أنّ للکتب المشهورة نوع مزیة ، وکلّ ما لم اشِر فیه إلی أحد من العلماء الأعلام فهو ممّا سنح به فکری الفاتر فی کلّ مقام ، فإن یکن صواباً فهو من توفیق ذی الجلال ، وإن یکن خطأً فالعذر تراکم الأهوال ، وعلی الله سبحانه فی جمیع الأُمور الاتّکال.

ولنقدّم قبل الشروع کلاماً فی فوائد الخطبة ، سوی ما ذکرناه فی حواشی تهذیب الأحکام ، فإنّ فی ذلک کفایة لمن طلب تحقیق المرام.

وجملة ما یحتاج إلی القول اثنتا عشرة فائدة :

الأُولی : قال الشیخ قدّس الله سرّه : إنّ الأخبار علی ضربین : متواتر وغیر متواتر ، فالمتواتر منها ما أوجب العلم.

وقد اختلف العلماء علی ما یظهر من کلام جدّی قدس سره فی الدرایة (1) فی أنّ الخبر والحدیث مترادفان أم لا ، ( وهذه عبارته علی ما نقل عنه : ) (2) یخص الحدیث بما جاء عن المعصوم کالنبی صلی الله علیه و آله والإمام علیه السلام عندنا ، ویخص الخبر بما جاء عن غیره ، ومن ثَمّ قیل لمن یشتغل بالتواریخ وما شاکلها : الأخباری ، ومن یشتغل بالسنّة النبویة : المحدّث ؛ أو یجعل الحدیث أعمّ من الخبر مطلقاً ، فیقال لکلّ خبر حدیث من غیر عکس ، وبکلّ واحد من هذه التردیدات قائل (3). انتهی.

وربّما یظهر من بعض أنّ الفارق بینهما غیر موجود (4). وفیه ما فیه.

الفوائد

الفائدة الاولی : فی الخبر والحدیث

ما هی النسبة بین الخبر والحدیث؟

ص: 7


1- فی « فض » زیادة : علی ما نقل عنه.
2- بدل ما بین القوسین فی « رض » : وهذا حاصل عبارته.
3- الدرایة : 6 ، بتفاوت.
4- انظر المعتمد فی أُصول الفقه 2 : 170.

نعم لا یبعد ظهور الترادف.

أمّا ما قاله جدّی قدس سره ؛ من أنه یقال لمن یشتغل بالتواریخ ، إلی آخره ؛ فلا یخفی ما یتوجه علیه ، والأمر سهل.

وللعلماء اختلاف فی تحدید الخبر وعدمه ، فقیل : ( لا یحدّ لعسره ) (1) کما فی العلم.

وقیل : لأنّه ضروری (2).

وکونه ضروریاً لوجهین :

أحدهما : أنّ کل أحد یعرف أنّه موجود ، وهذا خبر خاص ، وإذا کان الخاص ضروریاً کان العام ضروریاً ؛ لأنّه جزؤه.

وردّ بأنّه مبنیّ علی أنّ تصور هذا الخبر بکنهه ضروری ، وکون العام أی مطلق الخبر ذاتیاً له لا عرضیا ؛ فالإثبات غیر ظاهر.

وفی کلام بعض المحققین الجواب بما حاصله : أنّه لا یلزم من حصول أمر تصوره ؛ إذ لا یلزم من الحصول التصور ، وقد یتقدم التصور علی الحصول فیتصور وهو غیر حاصل ، وإذا تغایرا فالمعلوم ضرورة هو نسبة الوجود إلیه إثباتاً ، وهو غیر تصور النسبة التی هی ماهیّة الخبر.

قیل : ومراد المجیب بالنسبة التی هی ماهیة الخبر النسبة مع المنتسبین ؛ لأنّ النسبة والإضافة قد تطلقان علی مجرد النسبة وقد تطلقان علیها مع معروضها ، ویسمی مضافاً غیر حقیقی.

وقیل : إنّ حاصل ما ذکره أنّ الضروری هو العلم بحصول النسبة ،

هل الخبر ضروری لایحدّ؟

ص: 8


1- بدل ما بین القوسین فی « فض » : لا یجد تفسیره.
2- کما فی مبادئ الوصول للعلامة الحلی : 200 ، وانظر الإحکام فی أُصول الأحکام للآمدی 1 : 248.

لا بتصورها.

واعترض علی الجواب : بأنّ الکلام فی الحصول ذهناً ، ومغایرة مفهوم الحصول والتصوّر فیه غیر ظاهر.

فإن أراد بقوله : لا یلزم من حصول أمرٍ تصوره أنّ الحصول تصوّر الأمر ، فیصیر المعنی : لا یلزم من تصوّر أمر تصوّره ، وهو فاسد.

وإن أراد إذعان الأمر أی إذعان النسبة ، ویصیر المعنی : لا یلزم من إذعان النسبة تصوّرها ، فهو خلاف الواقع ؛ لأنّ کل مُذْعَنٍ متصوّر.

فقوله : المعلوم ضرورةً نسبة الوجود ، أی المتصوَّر ضرورةً والمذعَن ضرورةً نسبة الوجود.

فیه : أنّ المستدلّ لا یرید غیره ؛ لأنّ حاصل دلیله أنّ تصوّر هذه النسبة الخاصة أو إذعانها ضروری ، فیکون تصوّر النسبة المطلقة أو إذعانها أیضاً ضروریاً ؛ لأنّ المطلق جزء المقیّد ، فقوله : وهو غیر تصوّر النسبة مسلم عند المستدلّ ؛ إذ الجزء غیر الکل ، فالمغایرة لا یضرّ إثباتها.

وما قاله القائل فی بیان الحاصل قد یقال علیه : إنّ تصوّر حصول النسبة یستلزم تصور النسبة ؛ إذ تصوّر المضاف یستلزم تصوّر المضاف إلیه ، فإن أراد بالعلم تصوّر حصول النسبة فهو یفید المدّعی ، وإن أراد الإذعان أی إذعان حصول النسبة فهو أیضاً یستلزم تصور النسبة.

وثانیهما : أنّ کل أحد یعلم أنّ الخبر یحسن فی موضع ولا یحسن فی آخر ، حتی أنّه یوقعه تارة ولا یوقعه اخری ، وذلک یستلزم العلم بحقیقة الخبر ضرورة.

وأُجیب عنه : بأنّه یکفی فی الحکم المذکور تصوّر الخبر بوجه ، ولا یستلزم ذلک بداهته بالکُنه ، حتی یستلزم بداهة الخبر المطلق بالکُنه.

ص: 9

ثم النافون للضرورة فی الخبر ، واحتیاجه (1) إلی التعریف اختلفوا :

فقیل : إنه الکلام المحتمل للصدق والکذب (2).

وأراد باحتمالهما بالنظر إلی نفس مفهوم الخبر ، وفی هذا التعریف شبهات.

وعرّفه المحقق فی کتاب الأُصول : بأنّه کلام یفید بنفسه نسبة أمرٍ إلی أمرٍ نفیاً أو إثباتاً (3).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبر [ إمّا (4) ] أن یکون متواتراً ، وهو خبر جماعة یفید العلم بنفسه کما عرّفه بعض - (5) وقید « بنفسه » لإخراج خبر جماعة علم صدقهم بالقرائن الزائدة عما لا ینفکّ الخبر عنه عادة.

وأُورد علی التعریف لزوم الدور.

وفی شرح الدرایة : أنّه ما بلغت رواته فی الکثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم علی الکذب ، واستمرّ ذلک الوصف فی جمیع الطبقات حیث تتعدد ، بأن یرویه قوم عن قوم وهکذا إلی الأوّل ، فیکون أوّله فی هذا الوصف کآخره ، ووسطه کطرفیه (6).

والظاهر أنّه لیس بتعریف کما هو واضح.

وإفادة التواتر العلم لم ینکره غیر السمنیة والبراهمة (7) ، وشُبهُهم

تعریف الخبر

الخبر المتواتر

التواتر یفید العلم

ص: 10


1- أی القائلون باحتیاجه.
2- الذریعة إلی أُصول الشریعة 2 : 2.
3- معارج الأُصول : 137.
4- ما بین المعقوفین فی النسخ : إنّما ، غیّرناه لاستقامة المعنی.
5- انظر معالم الأُصول : 183. زبدة الأُصول : 55.
6- الدرایة : 12.
7- السمنیة : فرقة تعبد الأصنام وتقول بالتناسخ وتنکر حصول العلم بالأخبار ، قیل نسبة إلی سومنات بلدة من الهند علی غیر قیاس المصباح المنیر : 290 ( سمن ) ، والبراهمة : قوم لا یجوّزون علی الله بعثة الرسل مجمع البحرین 6 : 17 ( برهم ).

مردودة فی محالّها.

وخبر الآحاد ما سواه کما سیأتی بیانه.

وقد أورد بعض الأفاضل علی قول المصنِّف فالمتواتر منها ما أوجب العلم أنّه یُنقض بخبر المعصوم ، والخبر المحتفّ بالقرائن ، قال : ولعلّ مراده من المتواتر ما أوجب العلم مطلقاً ، متواتراً بالمعنی المصطلح علیه وغیره (1).

واعترض شیخنا قدس سره : بأنّه لا یخفی أنّ ما أوجب العلم من الأخبار أعم من المتواتر ؛ فإنّ خبر الواحد المحفوف بالقرائن یفید العلم أیضاً ، إلاّ أنّ وقوع هذا القسم فی أخبارنا نادر (2).

أقول : ویمکن دفع جمیع ذلک عن الشیخ :

أمّا الأوّل : فلأنّ الظاهر من قوله : ما أوجب العلم ، من حیث کونه خبراً ، وقول المعصوم إنّما أفاد من حیث العصمة.

فإن قلت : المتواتر [ أیضاً ] (3) أفاد العلم من حیث التواتر ، فالإشکال باق.

قلت : المتواتر قد صار القید والمقیّد فیه بمنزلة الشی ء الواحد ، نظراً [ إلی (4) ] أنّه فی مقابلة قسیمه وهو خبر الواحد ، فلیتأمّل.

وأمّا الثانی : وهو اعتراض شیخنا قدس سره فالجواب عنه کالأوّل.

ویزید فیه : أنّ إفادة العلم محتملة لأن تکون من القرائن ، أو من

ص: 11


1- لم نعثر علیه.
2- لم نعثر علیه.
3- ما بین المعقوفین أضفناه لاقتضاء السیاق.
4- ما بین المعقوفین أضفناه لاقتضاء السیاق.

الخبر بواسطة القرائن علی وجه الخروج عنه ، أو منهما علی سبیل الجزئیة ، وفیما عدا الأوّل لا یصدق إفادة الخبر العلم ، بل وفی الجمیع أیضاً بنوع من النظر ، وهذا بخلاف المتواتر ، لما أسلفناه ، والأمر فی هذا سهل.

أمّا ما قاله الشیخ رحمه الله من أنّ ما یجری هذا المجری لا یقع فیه التعارض ولا التضاد فی أخبار النبی صلی الله علیه و آله والأئمّة علیهم السلام .

فأقول : إن فیه نظراً ؛ لأنّ تواتر الحدیث عن الأئمّة علیهم السلام لا یمنع وقوع التعارض بعد تجویز التقیة عندنا ، کما فی غیره من الأخبار التی یجمع الشیخ بینها.

نعم فی أخبار النبی صلی الله علیه و آله لا یقع التضاد ، کما هو واضح.

الثانیة : قال الشیخ رحمه الله : وما لیس بمتواتر علی ضربین ، فضرب منه یوجب العلم [ أیضاً ](1) وهو کل خبر تقترن إلیه قرینة توجب العلم ، وما یجری هذا المجری یجب أیضاً العمل به ، وهو لاحق بالقسم الأوّل.

وقد تقدّم منّا الکلام فی احتمال إفادة العلم من الخبر أو القرینة أو هما ، وکلام الشیخ یعطی بظاهره أنّ القرینة توجب العلم ؛ وفیه ما فیه.

أما ما قاله رحمه الله من أنّ ما یجری هذا المجری یجب العمل به ، إلی آخره.

فقد یتوجه علیه : أنّ إطلاق وجوب العمل مع عدم الفحص عن المعارض ، وبتقدیر وجوده وکونه متساویاً له مشکل ، بل لا بدّ من وجه الجمع ، وإطلاق إلحاقه بالقسم الأوّل کذلک ، وقد ذکر المحققون (2) : أن

الفائدة الثانیة : فی الخبر المحفوظ بالقرآئن

ص: 12


1- أثبتناه من الاستبصار 1 : 3.
2- انظر العدة 1 : 126 ، المعارج : 141 ، تمهید القواعد : 248 ، المعالم : 186.

الخبر المحفوف بالقرائن یفید العلم ، لکن لا مطلقا ، بل بالقرائن التامة التی لا یحتمل الغلط والخلاف فیها عادة.

وما اعترض علی ذلک من أنّ العلم إنّما حصل من القرائن کالعلم بخجَلِ الخجِل ووجَلِ الوجِل وأمثال ذلک (1).

قیل : یدفعه أنّ [ العلم (2) ] حصل من نفس الخبر بالوجدان لکن بضمّ هذه القرائن (3). وفیه نوع تأمّل ؛ لأنَّ باب الاحتمال واسع ، ودعوی الوجدان غیر مسلّمة ، إلاّ أنّ ثمرة هذا هیّنة.

الثالثة : قال الشیخ رحمه الله : والقرائن أشیاء کثیرة ، منها : أنّ یکون مطابقاً لأدلّة العقل ومقتضاه.

ولا یخفی أنّ مطابقة الخبر لأدلّة العقل فیها نوع إجمال ؛ لأنّ دلیل العقل علی ما ذکره الشهید فی الذکری أقسام :

منها : ما لا یتوقف علی الخطاب ، کردّ الودیعة وقضاء الدین ، ومنها البراءة الأصلیة ، ومنها الأخذ بالأقل عند فقد الدلیل علی الأکثر ، ومنها أصالة بقاء ما کان وهو الاستصحاب.

ومنها : ما یتوقف العقل فیه علی الخطاب ، کمقدمة الواجب المطلق ، واستلزام الأمر بالشی ء النهی عن ضده ، وفحوی الخطاب وهو مفهوم الموافقة ، ولحن الخطاب وهو ما استفید من المعنی ضرورة ، مثل قوله تعالی ( اضْرِبْ بِعَصاکَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ ) (4) أی فضرب فانفلق ، ودلیل

الفائدة الثالثة: مطابقة الخبر لأدلّة العقل ومقتضاه

ص: 13


1- الإحکام فی أُصول الأحکام للآمدی 1 : 278.
2- فی « فض ورض » : الحکم ، والظاهر ما أثبتناه.
3- انظر المعتمد فی أصول الفقه 2 : 94.
4- سورة الشعراء : 63.

الخطاب وهو المسمّی بالمفهوم (1).

وإذا عرفت هذا ، فالمصنف إن أراد جمیع ما ذکر لا یتم ؛ لذکر بعضها فیما بعد ولا یبعد أنّ یکون مراده بالأدلة غیر ما یذکره من المفهوم ، أو یرید أدلّة العقل الغیر المتوقفة علی الخطاب.

ولا یظنّ أنّ المتوقف علی الخطاب کیف یؤیّد الخبر ؛ لوضوح دفعه.

نعم ربما یستبعد بعض ما ذکره الشهید رحمه الله کما یعرف بأدنی ملاحظة.

وما أورده شیخنا قدس سره من أنّ اقتران هذه القرائن أو بعضها لا یوجب العلم ولا ممّا یجب العمل به ؛ إذ من الجائز کونه غیر مطابق للواقع وإن اقترن بها ، نعم لمّا کان کل من هذه القرائن دلیلاً شرعیاً وجب العمل به ، سواء انضاف إلیه ذلک الخبر أم لا.

أقول : فیه نظر ، أمّا أوّلاً : فلأنّ بعضَ المذکورات الخبرُ المطابق للسنّة المقطوع بها والإجماع ، ولا ینکر حینئذ إفادة الخبر [ العلم (2) ] مع الانضمام إلیهما ووجوب العمل به.

واحتمال أنّ یقال : إنّ وجوب العمل لیس بالخبر ، بل بالسنّة المقطوع بها والإجماع ، والانضمام لیس بمفید حکماً.

له وجه ، إلاّ أنّ العبارة لا تدل علیه.

وأمّا ثانیاً : فلأن احتمال عدم مطابقة الخبر للواقع مع موافقته للسنّة المقطوع بها أو الإجماع الحقیقی ، لا وجه له ؛ فإنّه یقتضی عدم القطع فی السنّة والإجماع ، وهذا لا ینکر.

ص: 14


1- الذکری 1 : 52.
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المعنی.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الظاهر أنّ مراد الشیخ بهذا العلم هو الظنّ الراجح ؛ لأنّ العلم الحقیقی المطابق لما فی نفس الأمر مشکل الحصول ، من حیث إنّ المطابقة فی المحسوس تظهر فی الحس ، أمّا فی المعقولات فلیست المطابقة إلاّ باعتقاد المطابقة ، واعتقاد المطابقة لا بد وأنّ یکون مطابقاً وهکذا ، فیلزم التسلسل أو الدور ، غایة الأمر أنّه یمکن تکلّف الجواب ، إلاّ أنّ [ عدم (1) ] الدخول فی باب المضائقة (2) مع إمکان الخروج بإرادة العلم الذی ذکرناه أولی.

وما یقال : إنّ العلم الشرعی یحصل من الخبر بدون القرائن ، فأیّ حاجة إلیها؟.

جوابه : أنّ کلامنا فی مرتبة أعلی من هذا ، وهو الظنّ الراجح ، وإن ذهب بعض من الأُصولیین إلی أنّ خبر الواحد مطلقاً یفید العلم (3) ؛ إلاّ أنّه إن أراد العلم الشرعی فلا نزاع معه ؛ وغیره محل الکلام ، بل لا وجه له.

وبالجملة : فالاحتمال فی کلام الشیخ ممکن لولا قوله فی أوّل الکلام : وهذا لاحق بالقسم الأوّل یعنی المتواتر فإنّ الظاهر منه أنّه علی نهجه.

وفیه : أنّه یجوز إرادة الإلحاق فی وجوب العمل ، وأنت خبیر بإمکان ردّ هذا من حیث إنه قائل فیما بعد : إنّ الخبر العاری عن القرائن والمعارض یجب العمل به ، فیتحد مع هذا.

وقد یقال بالفرق بین الخبرین ، من حیث إنّ الخبر المحفوف بالقرائن

ص: 15


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المعنی.
2- فی « رض » : المطابقة.
3- حکاه الشیخ فی العدة عن قوم من أهل الظاهر ، 1 : 97 ، والمحقق الحلی فی معارج الأُصول : 140.

یعمل به من غیر شرط ، بخلاف غیره ؛ لما سیأتی من الشروط ، فینبغی تأمّل هذا کلّه.

وأمّا رابعاً : فقوله قدس سره : نعم لمّا کان کل من هذه القرائن دلیلاً شرعیاً ، إلی آخره.

یرید به وجوب العمل بالقرائن ؛ لکونها أدلّة فی نفسها کما تقتضیه العبارة ، وغیر خفیّ أنّ هذا لا یأبی أنّ یکون الخبر معها دلیلاً أیضاً باعتبار أنّها أفادته العلم ، إمّا بمعناه المتعارف ، أو الظنّ الراجح.

والوجه فی جواز کونه دلیلاً أنّ القرائن المذکورة وإن کانت أدلّة أیضاً یستغنی بها ، إلاّ أنّ المستدل لو أخذ الخبر دلیلاً لا یکون فاعلاً لغیر الجائز ، والمغایرة بالاعتبار کافیة.

ولعل الجواب عن هذا غیر خفی.

الرابعة : قال الشیخ : ومنها أن یکون مطابقاً لظاهر القرآن ، إمّا لظاهره ، أو عمومه ، أو دلیل خطابه ، أو فحواه.

وهذا الکلام منه قدس سره یحتاج إلی مزید بیان یندفع به عنه عدة إشکالات.

فاعلم أنّ المذکور فی کلام جماعة من الأُصولیین أنّ القرآن ظنّی الدلالة وإن کان قطعی الأصل ، بخلاف الخبر (1).

وهذا وإن کان فی نظری القاصر لا یخلو من تأمّل ؛ من حیث إنّ الخبر لا یخلو من موجبات عدم القطع إلاّ نادراً ، ونقل الوالد قدس سره عن بعض الأُصولیین بأنّ ظاهر القرآن قطعی نظراً إلی مقدمة خارجیة وهی امتناع أن یخاطب الله بشی ء ویرید خلاف ظاهره - (2) وفی هذا کلام حرّرته

الفائدة الرابعة: مطابقة الخبر لظاهر القرآن

ص: 16


1- منهم الحسن بن الشهید الثانی فی معالم الأُصول : 192.
2- معالم الأُصول : 193 ، وهو فی فواتح الرحموت ( المستصفی 1 ) : 349.

فی محل آخر من الأُصول ، ولا یبعد أن یکون الشیخ رحمه الله ناظراً إلی هذا القول ، أمّا علی تقدیر ظنّیة الدلالة فإفادته حصول العلم بالخبر بعیدة.

إلاّ أنّه یقال نحو ذلک فی أدلّة العقل ، فإنّ بعضها لا یفید القطع ، والجواب الجواب.

ولعل الأولی أن یراد من العلم الظنّ الراجح ، ولا ریب أن انضمام الظنّ الحاصل من القرآن إلی الظنّ الحاصل من الخبر یفید الرجحان ، وهذا أحد الإشکالات ، وقد علمت الجواب عنه.

ومنها : أنّه جعل عموم القرآن قسیماً لظاهره.

وغیر خفیّ بُعده عن المعروف.

وقد یقال : إنّ مراد الشیخ بالظاهر غیر المحتمل ، والعموم لمّا کان قابلاً للتخصیص فإنّ ظنّ عدم خصوصه یبعد عن الظهور علی وجه یصیر قسیماً له.

وهذا لا یخلو من تکلّف ، إلاّ أنّ باب التوجیه واسع.

ومنها : أنّه جعل دلیل الخطاب والفحوی قسمین.

والحال ( فیهما ) (1) غیر خفی.

ثم إنّ دلالة الفحوی ودلیل الخطاب لا مجال لدعوی القطع فیها إلاّ بسلوک مناهج من التکلّف ، والظنّ الحاصل منها لا ریب أنّ القوة الحاصلة به للخبر لیست کقوة الظاهر ، وکأنّ الشیخ رحمه الله لا یعتبر فی رجحان الظنّ علی تقدیر إرادته أقوی مراتبه ، بل الأعم ، ویندفع به حینئذ بعض الإشکال مع نوع تأمّل فی المقام.

الخامسة : قال الشیخ : ومنها أن یکون مطابقاً للسنّة المقطوع بها

الفائدة الخامسة: مطابقة الخبر للسنة المقطوع بها

ص: 17


1- ما بین القوسین لیس فی « رض » ، وفی « فض » : عنهما.

إمّا صریحاً أو دلیلاً أو فحوًی أو عموماً.

وهذا الکلام منه ؛ من جهة ذکر الصریح قسیم الدلیل ، والفحوی قسیم العموم ؛ لا نعلم وجهه (1).

أمّا من جهة ذکر السنّة المقطوع بها ثم ذکر الفحوی والعموم ، فقد یتوجه علیه فی نظری القاصر : أنّ السنّة المقطوع بها إنما یتحقق القطع فی لفظها أو معنی اللفظ ، أمّا الفحوی فدخولها فی القطع محل خفاء ، بل ربما یظنّ أنه عَسِر التحقق ، وأمّا العموم فتحقق لفظه بالقطع ممکن ، أمّا تحقق معناه بالقطع فله نوع وجه ، وإن کان نادراً ، من حیث وإن التنصیص علی العموم وإنّه غیر مخصوص لیکون عمومه (2) قطعیّاً لم نره الآن ، وإن کان لا یضر بالحال.

وبهذا قد یتوجه علی الشیخ إشکال ، ویتضح جوابه بما أسلفناه من جهة إرادة الظنّ الراجح ، فتأمّل.

السادسة : قال الشیخ : ومنها : أن یکون مطابقا لما أجمعت علیه الفرقة المحقّة ، فإنّ جمیع هذه القرائن تُخرج الخبر من حیّز الإجمال (3) ، وتدخله فی باب المعلوم وتوجب العمل به.

وکأنّ مراده بوجوب العمل ثبوت العمل ، فإنّ الوجوب غیر ظاهر ، وإن أوهم بعض أدلّة أهل الأُصول وجوب العمل ؛ إلاّ أنّا قد تکلّمنا فی ذلک فی محله ، وأظنّ الأمر لا یحتاج إلی زیادة البیان.

ثم (4) ینبغی أن یعلم أن المحقق فی المعتبر ذکر من جملة القرائن غیر

الفائدة السادسة: مطابقة الخبر للإجماع

ص: 18


1- فی « رض » : إلاّ لما سبق نقله من تقسیم الشهید فی الذکری ، راجع ص 13.
2- فی « رض » : العموم.
3- فی الاستبصار 1 : 4 : الآحاد.
4- فی « فض » و « رض » : نعم.

ما ذکره المصنف من إجماع الفرقة المحقّة علی ما یفهم من ظاهر کلامه فإنّه قال فی أوّل الکتاب :

أفرط الحشویة فی العمل بخبر الواحد حتی انقادوا إلی کل خبر ، وما فطنوا لما تحته من التناقض ، فإنّ من جملة الأخبار قول النبی صلی الله علیه و آله : « ستکثر بعدی القالة علیّ » (1) ، وقول الصادق علیه السلام : « إنّ لکل رجل منّا رجلاً یکذب علیه » (2).

واقتصر بعض عن هذا الإفراط ، فقال : کل سلیم السند یعمل به ، وما علم أنّ الکاذب قد یصدق (3) ، والفاسق قد یصدق ، ولم یتنبّه أنّ ذلک طعنٌ فی علماء الشیعة وقدحٌ فی المذهب ؛ إذ لا مصنف إلاّ وهو [ قد (4) ] یعمل بخبر المجروح کما یعمل ( بخبر العدل ) (5).

وأفرط آخرون فی ردّ الخبر حتی أحال استعماله عقلاً ونقلاً.

واقتصر آخرون فلم یروا العقل مانعاً ، لکن الشرع لم یأذن فی العمل به.

وکل هذه الأقوال منحرفة عن السنن ، والتوسط أقرب (6) ، فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن علی صحته عمل به ، وما أعرض عنه الأصحاب أو شذّ یجب اطراحه (7). انتهی المراد من کلامه.

ص: 19


1- لم نعثر علی نصّه ، ولکن مضمونه موجود فی : الکافی 1 : 62 / 1 ، الاحتجاج 2 : 447 ، بحار الأنوار 2 : 225 / 2.
2- لم نعثر علی نصّه ، ولکن مضمونه موجود فی : رجال الکشی 2 : 593 / 549 ، بحار الأنوار 25 : 287 / 42.
3- فی المعتبر : یلصق.
4- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
5- فی المعتبر : بخبر الواحد المعدل.
6- فی المعتبر : أصوب.
7- المعتبر 1 : 29.

وأقول : إنّ الوجه المطلوب منه هو أنّ قبول الأصحاب یقتضی العمل بخبر الواحد ، لکن لما جعله قسیماً للقرائن علم أنّه لیس من جملتها.

فإن أُرید الأصحاب جمیعهم کان إجماعاً ، والشیخ هنا عدّ الإجماع من جملة القرائن ، والأمر سهل.

وإن کان مراد المحقق الشهرة بین الأصحاب لا الإجماع کما هو الظاهر لا من حیث إنّ الإجماع إذا تحقق لا حاجة إلی الخبر ، لإمکان التسدید بما تقدم القول فیه ، بل لأنّ قبول الأصحاب جمیعهم للخبر یخرج عن محل النزاع ، فإنّ محل النزاع خبر الواحد المختلف فیه بین العلماء.

فإنّ قلت : إذا وافق الخبر الإجماع لیس هو من قسم الخبر المجمع علیه ، فکیف یذکر أوّلاً ما یدل علی ذلک؟!

قلت : لما ذکرت وجه ، إلاّ أنّ الحکم فی العمل لا یختلف ، وإنّ تغایر فی الاعتبار.

ثم إنّ کلام المحقق (1) إذا حمل علی موافقة بعض العلماء ؛ علی أن یکونوا أکثر ، لیفید الظنّ الراجح بصحة الخبر ؛ أمکن ، لکن ینبغی أنّ یقیّد بمن قبل الشیخ ، فإنّ مَنْ بعد الشیخ لا تثمر شهرتهم (2) نفعا ، کما یعلمه من وقف علی کلام جدی قدس سره فی شرح البدایة (3).

وما قاله من القرائن وإنّ أجمله فی المقام ، إلاّ أنه فی رسالة الأُصول ذکر أنّ القرائن أربع ، أحدها : الموافقة لدلیل العقل ، وثانیها : الموافقة لنص الکتاب خصوصه أو عمومه أو فحواه ، وثالثها : الموافقة للسنّة المقطوع بها

ص: 20


1- المتقدم فی ص 19.
2- فی « فض » زیادة : بهم.
3- الدرایة : 27.

کالمتواتر ، ورابعها : الموافقة لما أجمع علیه (1).

والظاهر أنّ مراده بالقرائن ما ذکره هناک ، وحیث إنّ من جملة القرائن الموافقة لما أجمع علیه ، فلا بد أنّ یراد بقبول الأصحاب غیر الإجماع ، بل إمّا الإجماع علی قبول الخبر ، وقد علمت الخروج عن محل النزاع ، أو موافقة الشهرة.

ثم قد یقال علی المحقق : إنّ ما ذکره من أنّ العمل بالخبر السلیم السند یقتضی الطعن فی علماء الشیعة - (2) غریب منه ؛ لأنّ العامل بخبر المجروح لا یعمل به لکونه مجروحاً ، بل للقرائن ، کما یعلم من القوانین المقررة ، أو لکونه مجروحاً من وجه مقبولاً من آخر ، علی حسب ما أدّی الاجتهاد إلیه.

السابعة : قال الشیخ رحمه الله : وأمّا القسم الآخر ، فهو کل خبر لا یکون متواتراً ویتعرّی من واحد من هذه القرائن ، فإنّ ذلک خبر واحد ویجوز العمل به علی شروطه (3) ، فإذا کان (4) لا یعارضه خبر آخر فإنّ ذلک یجب العمل به ؛ لأنه من الباب الذی علیه الإجماع فی النقل.

وهذا الکلام من الشیخ لا یخلو فی الظاهر من إشکال ؛ لأنّ دعوی الإجماع علی العمل بالخبر المذکور یعارضها ما وقع من الاختلاف فی خبر الواحد ، فإنّ المنقول عن بعض عدم جواز التعبد بخبر الواحد عقلاً (5) وعن

الفائدة السابعة: حول العمل بخبر الواحد

ص: 21


1- معارج الأُصول : 148.
2- راجع ص 12.
3- الاستبصار 1 : 4 : شروط.
4- الاستبصار 1 : 4 زیادة : الخبر.
5- نسبه المحقق فی معارج الأُصول : (141) إلی ابن قبة وجماعة من علماء الکلام.

السید المرتضی رضی الله عنه منع وقوع التعبد به (1) ، وحکی عنه أنّه قال : لو وجب العمل به لعُلِم إمّا بالعقل أو بالنقل ، والقسمان باطلان ، أمّا الملازمة فلأنّه لو کان التکلیف وقع به لکان للمکلف إلیه طریق یعلم به ؛ لأنّ تکلیف ما لا طریق إلی العلم به قبیح عقلاً ، وأمّا انحصار الطریق فی النقل والعقل فظاهر ؛ لانحصار الطریق فیهما ، وأمّا انتفاء اللازم فبما سیبطل به معتمد المخالف ، وإذا بطل دلیل التکلیف به بقی بلا دلیل (2).

وفی الذریعة قال قدس سره بعد نقل الاستدلال بالإجماع علی العمل بخبر الواحد : من استدل بهذا الدلیل ادعوا الضرورة فی عمل الصحابة ( بأخبار الآحاد ) (3) ویدّعون أنّ العلم بذلک یجری مجری العلم بأنّهم کانوا یرجعون فی الأحکام إلی القرآن والسنّة المتواترة ، وکما یعلم رجوع العوام منهم إلی فتوی المفتی ، وربما قالوا : کما یعلم ضرورة سخاء حاتم.

ثم قال : والجواب عن هذا الذی حملوا نفوسهم عند ضیق الحیلة علیه ، أنّ الضرورة لا تختص مع المشارکة فی طریقها ، والإمامیّة وکل مخالف لهم فی خبر الواحد من النظّام (4) وتابعیه ، ومن جماعة من شیوخ متکلمی المعتزلة کالقاسانی بالأمس (5) خالفوهم فیما ادّعوا فیه الضرورة مع

ص: 22


1- حکاه عنه فی معارج الأُصول : 142 ، وهو فی الذریعة إلی أصول الشریعة 2 : 528.
2- حکاه عنه فی معارج الأُصول : 142.
3- فی « فض » : بالأخبار.
4- هو أبو إسحاق ، إبراهیم بن سیّار بن هانئ البصری ، المتوفی فی 231 ه ، کان أحد فرسان أهل النظر والکلام علی مذهب المعتزلة. المقالات والفرق : 4. تاریخ بغداد 6 : 97 / 3131 ، لسان المیزان 1 : 67 / 173 ، أعلام الزرکلی 1 : 43 ، الکنی والألقاب 3 : 211.
5- فی المصدر : بالأسر.

الاختلاط بأهل الأخبار ، ویُقسِمُون بأنّهم لا یعلمون ذلک ولا یظنّونه ، فإن کذّبتموهم فعلتم ما لا یحسن ، وکلّموکم بمثله ، والفرق بین الرجوع إلی القرآن والمتواتر وبین خبر الواحد واضح ؛ لأنّ ذلک لمّا کان معلوماً ضرورة لم یخالف فیه عاقل ، والخلاف فیما ادّعوه ثابت ، وکذلک القول فی سخاء حاتم ؛ لأنّ من خالف لا یناظر ، ویقطع (1) علی بهته ومکابرته ، ولیست هذه صفة من خالف فی أخبار الآحاد (2). انتهی المراد من کلامه قدس سره .

وقد یقال علیه : إنّ الضروری لیس محصوراً فی الأوّل الذی لا یخفی علی أحد ، وحینئذ یجوز وجود القرائن والأدلّة عند بعض دون بعض.

نعم ما مثّلوا به من الضروریات محلّ کلام.

وقد نقل عنه الوالد قدس سره أنّه قال فی جواب المسائل التبانیات : إنّ العلم الضروری حاصل لکل مخالف للإمامیّة أو موافق لهم أنّهم لا یعملون فی الشرائع بخبر لا یوجب العلم ، وأنّ ذلک قد صار شعاراً لهم یعرفون به ؛ کما أنّ نفی القیاس فی الشریعة من شعائرهم (3).

وهذه المبالغة من السید مع دعوی الشیخ الإجماع علی العمل من أعجب الأشیاء.

أقول : وقد یمکن الجمع بین کلام السیّد والشیخ بأنّ المنفی من السیّد العمل بالخبر مطلقاً ، والمدَّعی علیه الإجماع من الشیخ یخرج عن ربقة الظنّ عند من یعلم الإجماع ، فیعود حاصل النزاع إلی أنّ العمل بالخبر

ص: 23


1- فی المصدر : ویقع.
2- الذریعة إلی أُصول الشریعة 2 : 539 ، 540.
3- معالم الأصول : 194.

المجرّد عن القرائن والإجماع علی العمل به هل هو واقع أم لا ، وإنّ کان کلام الأُصولیّین مضطرباً فی الاستدلال ، وحینئذ یرجع کلام الشیخ إلی أنّ الخبر الخالی عن المعارض یفید العلم بسبب حصول الإجماع علی العمل به ، وفی الحقیقة هذا نادر فی الأخبار ؛ إلاّ أنّ یحمل المعارض علی المعتبر من الأحادیث دون مطلق المعارض ، وغیر خفیّ أنّ هذا یوجب زیادة الإشکال.

( فإنّ قلت : ما معنی قول الشیخ : علیه الإجماع فی النقل؟.

قلت : الذی فهمته من بعض مشایخنا ، أنّ المراد کون الظاهر من الأصحاب الفحص والبحث عن دلائل المسائل ، فیبعد عدم اطلاعهم ، فحیث لم ینقلوا ما ینافیه ، ولا أفتوا بنقیضه فکأنّهم اتفقوا علی نقله ، وهذا غیر بعید من مرام الشیخ ، ویتأیّد به ما قلناه من خصوص الخبر حینئذ ، غیر أنّ للمناقشة فی مثل هذا الإجماع تأمّلاً ، وهو راجع إلی الإجماع السکوتی ، ودون إثبات حجیته خرط القتاد.

فإنّ قلت : کیف یقرب من مرام الشیخ ، والحال أنّه سبق منه أنّ الخبر إذا اقترن به الإجماع عمل علیه ، فیکون فی کلامه تکرارا.

قلت : یحتمل الفرق بین الإجماع السکوتی وغیره ، وهذا کافٍ فی حلّ العبارة ) (1).

أمّا ما قاله الوالد قدس سره من أنّ اعتماد المرتضی فیما ذکره علی ما عهده من کلام أوائل المتکلمین منهم ، والعمل بخبر الواحد بعید عن طریقتهم ، وأنّه لم یتضح من حال الشیخ المخالفة للسید ، وإن (2) کانت الأخبار قریبة

ص: 24


1- ما بین القوسین ساقط من « د ».
2- فی المصدر : إذ.

العهد من الأئمّة علیهم السلام ، وکانت القرائن العاضدة لها متیسرة (1) - (2) ففیه نوع بحث ذکرناه فی محله.

والحاصل : أنّ توجیهه لا یتمّ بعد نقل الإجماع فی الاستبصار (3) ، وما قدّمناه هو غایة ما یمکن من التوجیه.

نعم لا یخفی أنّه یبقی التعارض بین نقل السیّد : أنّ نفی العمل بخبر الواحد ضروری ، ونقل الشیخ الإجماع علی العمل به مع عدم المعارض علی تقدیر العمل به الآن ؛ فإنّ مرجع ما قدمناه من التوجیه إلی أنّ السید یدّعی الضرورة فی خبر الواحد الذی یفید الظنّ ، والشیخ قد حمل کلامه علی أنّ الإجماع یخرجه عن حکم المظنون.

لکن فی هذا الزمان لا تخرج دعوی الإجماع من الشیخ عن کونها خبراً واحداً یفید الظنّ ، ودعوی السید الضرورة کذلک ، لکن الترجیح للسید علی الشیخ ممکن ؛ لما یعلم من اضطراب الشیخ فی نقل الإجماع ، حیث یخالف نفسه فیما یدّعی فیه الإجماع ، وإذا ترجح السید کان خبره بعدم العمل بالخبر المظنون ممّا یعمل به للرجحان ، فیشکل الحال حینئذ.

أمّا الاستدلال علی المنع بما ذکر فی الأُصول (4) ، من قوله تعالی ( وَلا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ ) (5) ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَی اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (6).

ص: 25


1- فی « رض » : منتشرة.
2- معالم الأُصول : 197.
3- الاستبصار 1 : 4.
4- کما فی عدة الأُصول 1 : 105 ، ومعالم الأُصول : 193 194.
5- سورة الإسراء : 36.
6- سورة البقرة : 169.

فقد أُجیب عن الآیة الأُولی : بجواز اختصاصه بالنبیّ صلی الله علیه و آله .

قیل : وبتقدیر التعمیم یخص بالاعتقادیات. وسیاق الآیة یأباه.

وعن الآیة الثانیة : بالتخصیص بالاعتقادیات. والتکلّف فیه غیر خفیّ.

أمّا الآیات الدالة علی النهی عن اتّباع الظنّ ؛ فالجواب المذکور فی کلام جماعة من الأصحاب ، وتبعهم الوالد قدس سره فی ذلک : أنّ المراد بها فی الاعتقادیات (1).

وفی نظری القاصر أنّ بعضها بعید عن ذلک.

وزاد الوالد قدس سره : أنّ العام والمطلق منها یخص أو یقید بالدلیل.

قال قدس سره : وآیة النهی عن اتّباع الظنّ محتملة لإرادة ما یُنافی عمومها (2).

وأراد قدس سره أنّ الآیة ظاهرها ظنّی فلا یفید العموم ؛ للزوم التناقض فی مدلولها.

وقد ذکرت فی حواشی الأُصول إمکان إرادة الظنّ فیما عدا مدلول الآیة ، ضرورة إبقاء العمل بها ، إذ لولاه لانتفی (3).

والتخصیص بالاعتقادیات لیس أولی من تخصیصها بظنّ غیرها ، بل ولا یساویه ؛ لأنّ بعضها لا قرینة فیه علی الاعتقادیات لتصرف جمیعها إلیه ، نعم بعضها یمکن فیه ذلک ، وتمام تحقیق المقام فی حاشیة التهذیب.

الثامنة : قال الشیخ - رحمه الله - : وإنّ کان هناک ما یعارضه ، فینبغی أنّ

الفائدة الثامنة :الاستدلال بوجوب دفع الضرر المظنون علی العمل بخبر الواحد

ص: 26


1- معالم الأُصول : 195.
2- معالم الأُصول : 195.
3- فی « رض » : لا یبقی ، وفی « فض » : لا ینفی.

ینظر فی المتعارضین فیعمل علی أعدل الرواة فی الطریقین.

ولا یخفی أنّ هذا الکلام یعطی کون خبر الواحد حجة وإنّ لم یکن (1) علیه الإجماع ؛ إذ (2) الإجماع المدّعی سابقاً من الشیخ إذا لم یکن له معارض ، وحینئذ یحتاج إثبات العمل بهذا النوع من الأخبار إلی الدلیل المقرر فی الأُصول ، وإثباته بها مشکل ، وقد حررناه فی حاشیة التهذیب.

ونقلنا عن العلاّمة فی النهایة الاحتجاج له : بأنّ فی ترک العمل ضرراً مظنوناً ، ودفع الضرر المظنون واجب ، فیجب العمل بالخبر.

وفی هذا الدلیل کلام ذکرته هناک ، ونزید هنا أنّ المحقق فی المعتبر قال فی جملة ما قدمناه عنه : وما أعرض عنه الأصحاب ، أو شذّ یجب اطراحه ؛ لوجوه :

أولها : أنّ مع خلوّه من المزیة یکون جواز صدقه مساویاً لجواز کذبه ، فلا یثبت الشرع بما یحتمل الکذب.

الثانی : إما أنّ یفید الظنّ أو لا یفید ، وعلی التقدیرین لا یعمل به ، أمّا بتقدیر عدم الإفادة فمتفق علیه ، وأمّا بتقدیر إفادة الظنّ فمن وجوه ثلاثة :

أحدها : قوله تعالی ( وَلا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ ) (3).

الثانی : قوله تعالی ( إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً ) (4).

الثالث : قوله تعالی ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَی اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (5).

ص: 27


1- فی « رض » : لم یمکن.
2- فی « فض » و « د » : إنّ.
3- سورة الإسراء : 36.
4- سورة النجم : 28.
5- سورة البقرة : 169.

[ الثالث ] (1) إنّ خَصَّ دلیلاً عاما کان عدولاً عن متیقَّن إلی مظنون ، وإن نقل عن حکم الأصل کان عُسراً أو ضرراً ، وهو منفیّ بالدلیل.

ولو قیل : هو مفید للظنّ فیعمل به تفصِّیاً من الضرر المظنون.

منَعْنا إفادة الظنّ ، لقوله علیه السلام : « ستکثر بعدی القالة علیّ ، فإذا جاءکم عنّی حدیث فاعرضوه علی کتاب الله ، فإنّ وافقه فاعملوا به ، وإلاّ فردّوه » (2).

وخبره صدق ، فلا خبر من هذا القبیل إلاّ ویحتمل أنّ یکون من قبیل المکذوب.

لا یقال : هذا خبر واحد ؛ لأنّا نقول : إنّ کان الخبر حجة فهذا أحد الأخبار ، وإنّ لم یکن حجة فقد بطل الجمیع (3). انتهی المراد من کلامه.

وأقول : إنّ فیه نظراً أمّا أوّلاً : فلأنّ الآیات لا تخلو من احتمالات ربما تنافی الاستدلال کما سبق فیه القول.

وأمّا ثانیا : فما ذکره من أنّه إذا خص دلیلاً عاما کان عدولاً عن متیقَّن إلی مظنون یعطی أنَّ ظاهر القرآن قطعی ، وکلامه فی الأُصول ینافیه (4).

وإنّ أمکن توجیه کلامه فی المعتبر بما سلف عن بعضهم : من أنّ ظاهر القرآن قطعی (5).

وأمّا ثالثاً : فما قاله فی الحدیث الذی نقله محلّ تأمّل من وجوه :

ص: 28


1- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : الرابع ، والصحیح ما أثبتناه من المصدر.
2- راجع ص 19.
3- المعتبر 1 : 29 ، بتفاوت یسیر.
4- معارج الأُصول : 154.
5- فواتح الرحموت ( المستصفی 1 ) : 349.

الأول : أنّ موافقة کتاب الله مجملة ، ولو أُرید بها موافقة الظاهر فالظاهر مظنون کالخبر ، فالعمل یرجع إلی المظنون.

اللهم إلاّ أنّ یقال : إنّ مظنون الکتاب أقوی فیجب العمل به ، وکلام المحقق لا یفید ذلک ، فتأمّل.

الثانی : حکمه بأنّ خبره صدق. وهو منافٍ لما یأتی فی الجواب عن الاعتراض.

الثالث : ما ذکره من الجواب عن الاعتراض محل کلام ؛ لأنّ تسلیم کون الخبر حجة یضر بحال الخبر ؛ للزوم التناقض.

إلاّ أنّ یقال : إنّ الخبر الذی هو حجّة ما وافق کتاب الله. ویشکل حینئذ کون الخبر المنقول عن النبی صلی الله علیه و آله حجّة. فلیتأمّل.

وبقی فی الکلام شی ء آخر بل أشیاء غیر مهمّة الذکر ، وإنّما المطلوب منه ذکر الاستدلال بدفع الضرر المظنون ، وقد نقله فی الأُصول أیضاً ، واعترض علیه (1).

وکذلک اعترض علیه السید المرتضی قدس سره : بأنّا لا نسلّم أنّ مخالفة خبر العدل مظنة الضرر ؛ لأن (2) علمنا بوجوب نصب الشارع الدلیل علی التکالیف یؤمننا الضرر عند صدق المخبر (3).

وهذا الاعتراض لا یخلو من وجاهة.

وما قد یتخیل من أنّ الأدلّة العقلیة منصوبة من الشارع أیضاً یمکن دفعه : بأنّ الأدلّة العقلیة موقوفة علی ثبوت مقدماتها ، ونحن فی عویل من

ص: 29


1- معارج الأُصول : 143.
2- فی « رض » و « فض » : لأنّا.
3- الذریعة إلی أصول الشریعة 2 : 549.

الإثبات ، فإنَّ حصول ظنّ الضرر مع عدم العلم بنصب الشارع خبر الواحد أصلُ الدعوی.

وحاصل الأمر أنّ ظنّ الضرر إنّما یتحقق لو ساغ العمل بالظنّ ، لکن دلیل العمل بالظنّ غیر واضح ، والإجماع إنّما انعقد علی أشیاء خاصة ، وخبر الواحد محل الخلاف ، فإذا قیل : دفع الضرر المظنون واجب ؛ سلّمناه ، لکن الضرر لا یحصل فی ترک العمل بخبر الواحد إلاّ إذا قام دلیل قطعی علی العمل به ؛ إذ الظنّی علی الظنّی دور واضح ، ولا یلزم مثله فی الفروع ؛ لأنّ دلیله الإجماع ، وهو قطعی.

نعم قد یشکل العمل فی الأُصول بالظنّ ؛ لأنّه ظنّی ( علی ظنّی ) (1) ، فکلّما یجاب عن ذلک هو الجواب عن خبر الواحد.

وقد یقال : إنّ الکلام فی خصوص هذا الدلیل ، وإذا خرجنا عنه أمکن أنّ یقال : إنّ الدلیل یحقق التکلیف ، فإذا تعذّر غیر الظنّ تعیّن الظنّ ، فلیتأمّل.

أمّا ما اعترض به السید علی الدلیل من الانتقاض بخبر الفاسق والکافر - (2) فدفعه ظاهر ؛ لأنّ الشارع قد علم منه المنع فی هذین ، فتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ غایةَ ما یستفاد من الدلیل المذکور وهو دفع الضرر المظنون العملُ بالخبر من دون المعارض ، أمّا معه فالظنّ بعید الحصول.

وعلی تقدیر العمل أقول : یشکل کلام الشیخ رحمه الله فیما إذا کان أحدهما موافقاً للأصل ، فقد تقدم منه (3) أنّ ما وافق دلیل العقل ألحق الخبر

ص: 30


1- ما بین القوسین لیس فی « رض » و « فض ».
2- الذریعة إلی أُصول الشریعة 2 : 550.
3- راجع ص 13.

بالمعلوم ، فإنّ کان ما قرره سابقاً ملحوظاً هنا فلا بد أنّ یقیّد بأن یکون الخبران المتعارضان مخرجین عن الأصل بأن ثبت بهما حکم شرعی ، غایة الأمر تعارضهما فی الحکم وقد ذکرت فی حاشیة التهذیب کیف یتحقق هذا ، وبأیّ نوع؟

وأَزیدُ هنا : أنّ کلام المصنف فی التهذیب (1) یقتضی أنّ مع تساوی الخبرین من غیر ترجیح یجب أنّ یکون العمل هنا بما یوافق دلالة الأصل ، وکلامه هنا کما سیأتی یفید التخییر بین الخبرین ، ولا یبعد أنّ یکون الکلام هنا فی الخبرین المخرجین عن الأصل ، وإلاّ لتنافی کلامه الأول والأخیر ؛ حیث قال : إنّ القرینة تخرجه إلی المعلوم.

اللهم إلاّ أنّ یقال : إنّ مع التعارض یصیر له حکم آخر.

وفیه : أنّه کان ینبغی أنّ یقید القول أولاً بعدم المعارض.

ولا یذهب علیک أنّ کلام الشیخ من أوله إلی آخره یفید العمل بخبر الواحد ، سواء احتُفّ بالقرائن أو لا ، عارضه معارِض أو لا ؛ غایة الأمر أنه فصّل الحال علی ما ظنه من أنّ بعض الأفراد یفید العلم وبعضها لا یفید ، فالإشکال فی کلامه هنا ظاهر ، ( وهو أعلم بمراده ) (2).

التاسعة : قال الشیخ رحمه الله : وإذا لم یمکن العمل بواحد من الخبرین إلاّ بعد طرح الآخر جملة لتضادّهما وبُعد التأویل بینهما کان العامل أیضاً مخیّراً فی العمل بأیّهما شاء من جهة التسلیم.

والظاهر أنّ المراد بقوله : من جهة التسلیم ، هو الانقیاد لکون الحدیثین صدرا عن المعصوم ، لأنّ أحدهما صحیح دون الآخر ، وحیث لم

الفائدة التاسعة: التخییر فی العمل بالمتعارضین

ص: 31


1- التهذیب 1 : 3.
2- ما بین القوسین لیس فی « رض ».

یعلم الصحیح یجب طرح الخبرین.

وقد یقال : إنّ هذا مع التضادّ لا بد من التزامه ؛ إذ المعصوم لا یتکلم بالمتضادّین ، کما إذا دلّ خبر علی تحریم أمر وخبر آخر علی وجوبه.

ویمکن الجواب : بأنّ التضادّ إنّما یمتنع إذا صح العمل بهما لواحدٍ ( علی سبیل الجمع ، أمّا علی تقدیر التخییر أو علی تغایر العامل ) (1) فلا یضر بالحال.

وفیه تأمّل ؛ لأنّ الامتناع من جهة الصدور عن المعصوم.

( اللهم إلاّ أنّ یقال ) (2) : إنّ مطلوب الشیخ وجوب العمل ، أمّا الجزم بالوقوع من الإمام فی کل من الخبرین ( بالنسبة إلی کل عامل ) (3) فلا.

وأنت خبیر بأن قوله : من جهة التسلیم ؛ لا یوافق ( هذا ، إلاّ أنّ یوجه بأنّ کلاًّ من [ العاملین ] (4) إذا عمل بأحد الخبرین یجب أنّ یکون مسلِّماً لصدوره عن ) (5) الإمام علیه السلام من دون التفات إلی الخبر الآخر ، وبالجملة فالمقام لا یخلو من شی ء.

العاشرة : قال الشیخ رحمه الله : ولا یکون العاملان بهما علی هذا الوجه إذا اختلفا ، وعمل کل واحد منهما علی خلاف ما عمل علیه الآخر مخطئاً ، ولا متجاوزاً حد الصواب.

وربما یظنّ من هذا الکلام أنّه قول المصوِّبة ، وأصحابنا لا یقولون به.

ولعل مراد الشیخ أنّ العامل غیر مأثوم ، لا أنّ قوله موافق لنفس الأمر ،

الفائدة العاشرة : العمل بالخبرین المختلفین خطراً واباحة

ص: 32


1- بدل ما بین القوسین فی « فض » و « د » : أمّا لو تغایر العامل.
2- فی « رض » : وقد یقال.
3- ما بین القوسین لیس فی « رض » وفی « فض » : بالنسبة إلی کل العمل عامل.
4- فی « رض » : العامل ، وفی « د » : القائلین ، والظاهر ما أثبتناه.
5- ما بین القوسین لیس فی « فض ».

إلاّ أنّ التعبیر بالصواب لا یخلو من منافرة.

وغیر بعید أنّ یحصل الثواب لکل منهما إذا حصل الإخلاص فی العمل ، وإنّ لم یکن الفعل مطابقاً للواقع ؛ کما یقتضیه تتبّع الآثار الواردة فی الأحکام الشرعیة والآیات القرآنیة.

وربما یقال : إنّ ثمرة الخلاف بین المصوِّبة وغیرهم هیّنة ، ولتحقیق القول محل آخر ، هذا.

وفی الأُصول : قد اختلف العلماء فیما إذا کان أحد الخبرین حاظراً والآخر مبیحاً.

فالذی علیه البعض التوقف ، وهو ظاهر المحقق فی رسالته الأُصولیة (1).

وبعض رجّح المحرِّم ، واختاره العلاّمة فی تهذیبه والعضد (2) وابن الحاجب (3).

وظاهر کلام الشیخ کما تری التخییر.

أقول : ولا یخفی بعد ملاحظة ما قدمناه أنّ الشیخ لا یتناول کلامه صورة تعارض الخبرین بین الحظر والإباحة ؛ لأنّ الخبر الدال علی الإباحة

ص: 33


1- معارج الأصول : 157.
2- فی شرح مختصر ابن الحاجب 2 : 491. والعضد : هو القاضی عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفّار ، أبو الفضل عضد الدین الإیجی الفارسی الشافعی ، المتوفی سنة 756 ه ، کان عالماً بالأُصول والمعانی والعربیة. أعلام الزرکلی 3 : 2. الکنی والألقاب 2 : 431.
3- فی مختصر منتهی السئول والأمل فی علمی الأُصول والجدل 2 : 491 ، وهو : أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبی بکر بن یونس جمال الدین ابن الحاجب الاسنوی المالکی ، کردی الأصل ، کان من کبار العلماء بالعربیة. ( 570 646 ه ). أعلام الزرکلی 4 : 3. الکنی والألقاب 1 : 244.

معه الأصل فیرجّح ، وحینئذ یکون التعارض فیما لا یساعد أحدهما دلیل العقل ، فخرج عن المسألة الأُصولیة ، وربما یفهم من الأدلّة المذکورة فی الأُصول ما یتناول غیر الصورة التی ذکرناها ، فتأمّل.

الحادیة عشرة : قال الشیخ : إذ روی عنهم : أنهم قالوا : إذا ورد علیکم حدیثان ، ولا تجدون ما ترجّحون به أحدهما علی الآخر مما ذکرناه کنتم مخیّرین فی العمل ( بهما ) (1).

وهذا الحدیث لم أقف علیه الآن.

وروی محمد بن یعقوب فی الکافی : عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن عیسی ، عن صفوان ، عن داود بن الحصین ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجلین من أصحابنا ، بینهما منازعة فی دَین أو میراث ، فتحاکما إلی السلطان أو إلی القضاة ؛ أیحلّ ذلک؟ قال : « من تحاکم إلیهم فی حق أو باطل فإنّما تحاکم إلی الطاغوت ، وما یحکم له فإنّما یأخذ سُحتا » (2) ، والحدیث طویل (3).

وموضع الحاجة منه أنه قال علیه السلام : « ینظر إلی ما کان من روایتهم عنّا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه من أصحابک ، ویؤخذ به من حکمنا ، ویترک الشاذّ الذی لیس بمشهور عند أصحابک ، فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه ، وإنّما الأُمور ثلاثة : أمر بیّن رشده فیتّبع ، وأمر بیّن غیّه فیجتنب ، وأمر مشکل یُردّ حکمه إلی الله تعالی ».

إلی أن قال الراوی ، قلت : فإنّ کان الخبران عنکما مشهورین قد رواهما

الفائدة الحادیة عشرة: المرجحات

ص: 34


1- ما بین القوسین لیس فی « د » و « فض ».
2- الکافی 7 : 412 / 5 ، الوسائل 18 : 3 أبواب صفات القاضی ب 1 ح 4.
3- أُورده بتمامه فی أُصول الکافی 1 : 67 / 10.

الثقات عنکم ، قال : « ینظر ، فمن وافق حکمه حکم الکتاب والسنّة ، وخالف العامة. ( فیؤخذ به ، ویترک ما خالف حکمه حکم الکتاب والسنّة ، ووافق العامة ».

إلی أنّ قال ) (1) : قلت : جعلت فداک ( أرأیت ) (2) إنّ کان الفقیهان عرفا حکمه من الکتاب والسنّة ، ووجدنا أحد الخبرین موافقاً للعامة ، والآخر مخالفاً لهم بأیّ الخبرین نأخذ؟ قال : « ما خالف العامة ففیه الرشاد ».

فقلت : جعلت فداک وإنّ وافقهما الخبران جمیعاً؟ قال : « ینظر إلی ما هم إلیه أمیل حکّامهم وقضاتهم ، فیترک ، ویؤخذ بالآخر ».

قلت : فإن وافق حکّامهم الخبرین جمیعاً ، قال : « إذا کان ذلک فأَرجه حتی تلقی (3) إمامک ، فإنّ الوقوف عند الشبهات أولی من اقتحام (4) الهلکات » (5).

وهذا الحدیث غیر واضح الصحة ، وما قاله جدّی قدس سره فی عمر بن حنظلة من أنه حُقّق توثیقه - (6) وهم ، کما نبّه علیه الوالد قدس سره - (7) لکن داود بن الحصین ضعیف ، والحدیث معدود من المقبول. وفیه بحث ، لکنه لا یخلو من أحکام ربما تنافی ما ذکره الشیخ ، کما یعرف بأدنی تأمّل ، والله تعالی أعلم.

الثانیة عشرة : قال الشیخ : ولأنّه إذا ورد الخبران المتعارضان ،

الفائدة الثانیة عشرة: فقد الإجماع علی بطلان المتعارضین

ص: 35


1- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
2- ما بین القوسین لیس فی « رض » و « فض ».
3- فی « د » : تبلغ.
4- فی « د » : تقحّم.
5- راجع ص 34.
6- الدرایة : 44.
7- منتقی الجمان 1 : 19.

ولیس بین الطائفة إجماع علی صحة أحد الخبرین ، ولا علی إبطال الآخر ، فکأنّه إجماع علی صحة الخبرین ، وإذا کان إجماعاً علی صحتهما کان العمل بهما جائزاً سائغاً.

وهذا الکلام لم یظهر له معنی یقتضی تصحیحه بمقتضی نظری القاصر ، والشیخ أعلم بمرامه ، وفی بادئ الرأی ینزّه مثله قدس سره عن إیراده للاستدلال ، والاقتصار علی الإجمال أولی من التفصیل.

فلنشرع فی شرح الأحادیث علی حسب الإمکان ، والله سبحانه المستعان.

قوله قدس سره :

ص: 36

کتاب الطهارة

کتاب الطهارة

اشارة

ص: 37

ص: 38

أبواب المیاه وأحکامها

باب مقدار الماء الذی لا ینجّسه شی ء

أخبرنی الشیخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمة الله قال : أخبرنی أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید ، عن أبیه ، عن محمد بن الحسن الصفار ؛ وسعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ؛ والحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن أبی أیوب ( الخزاز ) (1) عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنّه سئل عن الماء تبول فیه الدواب ، وتلغ فیه الکلاب ، ویغتسل منه (2) الجنب ، قال : « إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شی ء ».

السند :

فیه أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید ، وهو غیر مذکور فی کتب الرجال ، والعلاّمة وصف الحدیث المشتمل علیه بالصحة فی المختلف (3) ، واحتمال أن یکون للشیخ طریق غیره بعید ، وقد حکم المتأخرون بتصحیح أحادیثه (4) ، وجدّی قدس سره حکم بتوثیقه فی الدرایة (5) ، وأظنّه لتصحیح

أبواب المیاه وأحکامها

مقدار الماء الذی لا ینجّسه شیء

بحث رجالی حول أحمد بن محمد بت الحسن بن الولید

ص: 39


1- ما بین القوسین لیس فی الاستبصار.
2- فی « رض » : فیه.
3- المختلف 1 : 91.
4- منتقی الجمان 1 : 47 ، معالم الفقه : 4 ، مدارک الأحکام 1 : 43.
5- الدرایة : 128.

العلاّمة.

وفی هذا نظر یعرف من عادة ( العلاّمة فی المختلف.

نعم الظاهر جلالة الرجل وعظم شأنه ، أمّا التوثیق المشروط فی الروایة فاستفادته خفیّة والعلاّمة ) (1) صحّح طریق الشیخ إلی الحسن بن محبوب (2) ، وهو فیه ، والکلام واحد.

وبالجملة لا مجال لإنکار حال أحمد بین المتأخرین ، والحال شاهدة بما قدمناه.

ثم الذی سمعناه من الشیوخ ورأیناه بعین الاعتبار عند مراجعة الأخبار ، أنّ روایة الشیخ المفید (3) عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید هی المستمرة ، کما أنّ روایة ( الشیخ عن ) (4) الحسین بن عبید الله الغضائری ، عن أحمد بن محمد بن یحیی هی المستمرّة ، فإذا ورد الإطلاق فی کلا الرجلین بالنظر إلی الروایتین تعیّن کل واحد من المذکورین بما استمرّت روایته عنه.

فإنّ قلت : قد ذکر الشیخ فی طرقه آخرَ الکتاب طریقاً إلی محمد بن الحسن الصفار ، عن الشیخ أبی عبد الله ، والحسین بن عبید الله ، ( وأحمد ابن عبدون ) (5) کلهم عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید ، عن أبیه (6). فدلّ هذا علی أنّ أحمد بن محمد بن الحسن شیخ لکل من الشیخ

ص: 40


1- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
2- خلاصة العلاّمة : 276.
3- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « رض ».
4- ما بین القوسین لیس فی « د ».
5- ما بین القوسین لیس فی « د ».
6- الاستبصار 4 : 325.

المفید والحسین بن عبید الله ، فکیف حکمت باختصاص الحسین بن عبید الله بأحمد بن محمد بن یحیی؟.

قلت : الأمر کما ذکرت ، إلاّ أنّ کلامنا فی عادة الشیخ فی الأسانید المذکورة ، ولم نقف علی حدیث یتضمن سنده : الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید ؛ وأثر هذا هیّن ، فإنّ أحمد بن محمد بن یحیی وإنّ ذکره الشیخ فی من لم یرو عن أحد من الأئمّة علیهم السلام (1) ؛ إلاّ أنّه لم یوثّق ، وإنّما استفاد البعض توثیقه من تصحیح العلاّمة بعض طرق الشیخ وهو فیها.

وفی السند أیضاً الحسین بن الحسن بن أبان ، وقد ذکره الشیخ فیمن لم یرو عن الأئمّة علیهم السلام (2) ، وفی رجال الهادی علیه السلام ولم یوثّقه (3) ؛ إلا أنه یستفاد من بعض الاعتبارات أنّ له جلالة ، کما ذکره الوالد قدس سره - (4).

وما ذکره ابن داود من أنّه روی عن محمد بن أُورمة وکان ثقة - (5) لا یعتمد علیه.

وما قیل : من احتمال أنّ یعود التوثیق لمحمد بن أُورمة ، بمعنی أنّه روی عنه حال کون محمد ثقة (6).

بعید ؛ لأنّ محمد بن أُورمة لم ینقل توثیقه فی زمن من الأزمان فی

بحث الرجالی حول الحسین بن الحسن بن أبان

ص: 41


1- رجال الطوسی : 444 / 39.
2- رجال الطوسی : 469 / 44.
3- لم یتعرض له فی رجال الهادی علیه السلام ، بل ذکره فی أصحاب العسکری علیه السلام ، رجال الطوسی : 430 / 8.
4- منتقی الجمان 1 : 42.
5- رجال ابن داود : 270 / 431.
6- مشرق الشمسین : 81.

الموجود من کتب الرجال.

علی أنّ اللازم من هذا صحة الخبر ( أو حسنه إذا رواه الحسین عن محمد بن أُورمة ، ولا أعلم موافقة أحدٍ علی هذا ) (1).

نعم نقل الشیخ فی الفهرست عن محمد بن علی بن الحسین بن بابویه : أنّ کل ما کان فی کتبه مما یوجد فی کتب الحسین بن سعید وغیره فإنّه یعتمد علیه (2).

وهذا لا یفید شیئاً فی شأن محمد کما لا یخفی.

وذکر شیخنا المحقق میرزا محمد أیّده الله أنّه یستفاد من تصحیح بعض طرق التهذیب من العلاّمة توثیقه (3). وقد سمعت الکلام فی ذلک (4).

وبالجملة لا مجال للقول فی ردّ حدیث هو فیه ، والله تعالی أعلم بالحال.

فإنّ قلت : إنّ التوقف فی الحسین بن الحسن بن أبان لا یضر بحال الحدیث ؛ لأنّه معطوف علی محمد بن الحسن الصفار ، لأنّ روایة أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید عن أبیه عن الحسین بن الحسن بن أبان کثیرة فی الأخبار.

قلت : الأمر کما ذکرت ، وبتقدیر غیره من احتمال العطف علی القریب ، الأمر کذلک ، إلاّ أنَّ ذِکرنا لحال الحسین من حیث هو لفائدة التنبیه علی شأنه.

ص: 42


1- بدل ما بین القوسین فی « رض » : إذا اشتمل سنده علی من ذکر ، وفیه ما فیه.
2- الفهرست : 143.
3- منهج المقال : 420.
4- راجع ص 39.

فإنّ قلت : المعهود من الشیخ أنّه إذا روی مثل ذلک یقول : جمیعاً ، وبتقدیر الاعتماد علی المعلومیّة فعطف سعد علی محمد بن الحسن الصفار دون الحسین بن الحسن مع أنّه شریک فی العطف معه غیر ظاهر الوجه.

قلت : الوجه فیه أنّ الراوی عن الحسین بن سعید ، أحمد بن محمد بن عیسی والحسین بن الحسن بن أبان ، فلو عطف الحسین علی محمد بن الحسن لم یتمّ هذا ، کما یظهر بالتأمّل.

فإنّ قلت : إذا کان الأمر کذلک فلیکن الحسین معطوفاً علی أحمد بن محمد بن عیسی.

قلت : إذا عطف علیه سبق الوهم إلی أنّ الراوی عن الحسین ، الصفار وسعد ، والحال ما سمعته من معهودیة روایة الشیخ عن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان.

وفی فوائد شیخنا المحقق أیّده الله أنّه عطف علی أبیه. ولم یظهر لی وجهه.

المتن :

قد استدل (1) بمفهوم الشرط فیه علی نجاسة القلیل وهو ما دون الکثیر (2) بالملاقاة ، فیدفع به قول ابن أبی عقیل (3).

واعترض الوالد قدس سره علیه : بأنّ المفهوم لیس بعام ، بل العموم فی

قول ابن عقیل بعدم نجاسة القیل بالملاقات والجواب عنه

ص: 43


1- المعتبر : 48.
2- کذا فی النسخ والأنسب : الکرّ.
3- نقله عنه فی المختلف 1 : 13.

المنطوق موجود بسبب النکرة فی سیاق النفی ، وحینئذ لا بد من ضمیمة عدم القائل بالفصل بین نجاسة ونجاسة. وبهذا یندفع الاستدلال بمفهومه علی نجاسة الغسالة ؛ لوجود القائل بالفصل (1).

أقول : والظاهر أنّ مراد الوالد قدس سره بضمیمة الإجماع ، إنّما هو لإثبات تنجّس القلیل ، أمّا ردّ قول ابن أبی عقیل فیکفی فیه ثبوت التنجّس بشی ء ما ؛ لأنّه قائل بعدم التنجّس بکل شی ء.

وما قد یقال : إنّ ابن أبی عقیل قائل بتنجّس القلیل بالتغیّر ، فلا یضره المفهوم فی الحدیث.

یمکن الجواب عنه : بأنّ المراد بالشی ء فی الحدیث النجاسة من حیث هی ، والتغیّر خارج عنها ، وإنّ نوقش فی هذا.

والأولی الجواب : بأنّ التغیّر فی الحدیث لا یمکن إرادته من المفهوم ؛ لأنّ التغیّر لا فرق فیه بین الکرّ وغیره ؛ فلیتأمّل.

ویمکن أنّ یقال : إنّ المفهوم إذا أفاد تنجّسه بشی ء ما أفاد تنجّسه بکل من النجاسات ؛ لأنّ الإنسان مأخوذ علیه أنّ لا یستعمل فی المشروط بالطهارة إلاّ الطاهر ، فإذا دلّ الحدیث علی تنجس القلیل بشی ء ما فلا بد من العلم بذلک الشی ء ، وإذا لم یعلم لم یمکن الحکم بطهارة القلیل مع إصابة شی ء من النجاسات من دون العلم بشخص المنجّس ، وحینئذ یجب اجتنابه إذا أصابه شی ء من النجاسات ، وهو المطلوب.

وقد یجاب : بأنّ الشی ء إذا کان غیر عام کان مجملاً ، ومع الإجمال لا یجب الاجتناب من دون البیان ، فلا یتمّ الحکم بالعموم ، ولو فرض

ص: 44


1- معالم الفقه : 124.

تأخیر البیان مع وجود محل الحاجة یحکم بالعموم ؛ لعدم جواز التأخیر ، ومن دون حضور محل الحاجة لا دلالة فیه علی العموم ، فالاستدلال علی العموم مطلقاً غیر تامّ.

علی أنّ التأخیر عن محل الحاجة إنّما یفید العموم إذا کان الشی ء منجّساً (1) وأُخِّر بیان تنجیسه ، وهذا غیر معلوم ، فلیتأمّل.

وربما یقال : إنّ المفهوم إنّما یفید إذا کان الماء عامّاً ، وهو فی الحدیث محتمل للعهدیة احتمالاً ظاهراً ، وبتقدیر عدم العهدیة فالماء من المفرد المُحلّی ، وعمومه محلّ تأمّل.

ویجاب : بأنّ الماء لا ظهور له فی العهدیة ، والعموم فیه من حیث منافاة غیر العموم من المعانی للحکمة ، کما ذکره المحقق رحمه الله ؛ علی أنّ الماء من باب الجنس المحلّی ، والعموم فیه لا یخلو من وجه ؛ وفی البین کلام.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحدیث قد یستفاد منه نجاسة أبوال الدوابّ من حیث إقرار الإمام علیه السلام للسائل ، ولم ینکر علیه فی ذکر بول الدوابّ ، علی نحو ما ذکروه فی غیره من وجوه تقریر الإمام علیه السلام ، ولم أرَ من ذکره فی الاستدلال لذلک ، حتی أنّ الوالد قدس سره سبر الأخبار فی باب بول الدوابّ ، وردّها بالطعن فی الأسانید (2) ، وهذا الحدیث لا ینکر الوالد قدس سره صحته (3).

ویمکن الجواب عن ذلک : بأنّ التقریر فی مثله غیر معلوم ، وذکر

هل یستفاد من حدیث محمد بن مسلم نجاسة أبوال الدوبّ؟

ص: 45


1- فی « د » و « فض » : نجساً.
2- معالم الفقه : 202 206.
3- منتقی الجمان 1 : 47.

ولوغ الکلاب کافٍ فی الجواب. وفیه ما فیه.

ثم ما تضمنه الحدیث من اغتسال الجنب ، لعلّ المراد به مع عدم خلوّ البدن من النجاسة کما هو الغالب ، ولو أُرید الأعمّ من خلوّه وعدمه لیصیر الماء مستعملاً أشکل : بأنّ الجواب لا یوافقه إلاّ بأن یراد بالنجاسة ما یتناول المستعمل ، وإثبات الحکم فی المستعمل مشکل کما سیأتی بیانه (1) ودلالة الروایة أشدّ إشکالاً ، والکلام السابق فی التقریر یأتی هنا بنوع من التقریب.

قوله (2) رحمه الله :

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد بن قولویه ، عن محمد بن یعقوب ، عن محمد بن إسماعیل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ؛ وعلی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، جمیعاً عن معاویة بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا کان الماءُ قدرَ کُرٍّ لم ینجّسه شی ء ».

السند :

لا یخفی أنّه یشتمل علی طریقین یرویهما محمد بن یعقوب :

أحدهما : عن محمد بن إسماعیل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان.

وثانیهما : عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی.

المراد بالجنب فی قوله : یغتسل فیه الجنب مع نجاسة بدنه
بحث رجالی حول محمد بن اسماعیل

ص: 46


1- یأتی فی ص : 204 205.
2- لم یتعرض رحمه الله لبیان الحدیث الثانی ، ولعلّه لاتحاده مع الأوّل والثالث فی المتن وتضمّنهما لسنده.

وقوله : جمیعاً ، عائد إلی صفوان وحماد.

ثم إنّ محمد بن إسماعیل لیس هو ابن بزیع بغیر ارتیاب ؛ لوجوه ، أوضحها : أنّ محمد بن یعقوب یروی عن محمد بن إسماعیل بن بزیع بواسطتین غالباً ، وبدون واسطة لم یوجد إلاّ فی بعض الطرق ، ( وفی الظنّ أنّه سهو من الکاتب ) (1).

ثم إنّ محمد بن إسماعیل بن بزیع یروی عنه (2) الفضل بن شاذان دون العکس ، علی أنّ محمد بن إسماعیل بن بزیع لو روی عنه الکلینی یکون قد أدرک خمسةً من الأئمّة علیهم السلام ، لأنّه من رجال أبی الحسن موسی علیه السلام ، وهذه المرتبة أحقّ بالذکر فی الرجال ؛ لأنّ من یروی عن أربعة أئمة قد ذکروه ، ومحمد بن إسماعیل ، قد ذکر أصحاب کتب الرجال أنّه ( من أصحاب موسی علیه السلام ) (3) أدرک أبا جعفر الثانی علیه السلام وهذه العبارة تفید أنّه غایة من أدرک ؛ ولو رام محتمل فتح باب الاحتمال فی المقام فالتکلّف فیه ظاهر.

وقد حقق الوالد قدس سره ذلک فی المنتقی (4).

إذا عرفت هذا مجملاً فاعلم أنّه لا یبعد أنّ یکون محمد بن إسماعیل هذا هو البندقی النیسابوری ؛ لأنّ الکشی کثیراً ما یروی عنه بغیر واسطة ، وهو فی مرتبة محمد بن یعقوب.

وفیه فی ترجمة الفضل بن شاذان ما هذه صورته : ذکر أبو الحسن

ص: 47


1- بدل ما بین القوسین فی « رض » : وفی الظنّ أنّه لا یدل علی إرادة ابن بزیع هنا ، وسیأتی تفصیل القول فی وجهه هنا إن شاء الله.
2- فی « د » : عن.
3- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
4- منتقی الجمان 1 : 44.

محمد بن إسماعیل البندقی النیسابوری : أنّ الفضل بن شاذان بن الخلیل نفاه عبد الله بن طاهر عن نیسابور بعد أنّ دعا به ، واستعلم کتبه ، وأمره أن یکتبها إلی أنّ قال : فذکر أنّه یحبّ أنّ یقف علی قوله فی السلف ، فقال أبو محمد : أتولّی أبا بکر ، وأتبرّأ من عمر ، فقال له : ولِمَ تتبرّأ من عمر؟ قال : لإخراجه العباس من الشوری (1).

وهذا الحدیث من القرائن الواضحة علی ما قلناه ، غیر أنّ الرجل غیر معلوم الحال.

واعتمد الوالد قدس سره علی عدّ (2) الحدیث من الحَسَن بسبب محمد بن إسماعیل ؛ نظراً إلی اعتناء محمد بن یعقوب بالروایة عنه کثیراً (3).

وفی الظنّ أنّ الروایة عن الرجل فی بعض الأحیان أیضاً لا تقصر عن ذلک ؛ لما یظهر من النجاشی فی ترجمة أحمد بن محمد بن عیاش حیث قال : سمعت منه شیئاً کثیراً ، ورأیت شیوخنا یضعّفونه ، فلم أروِ عنه ، وتجنّبته (4).

وفی ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقی قال : إنّه ثقة فی نفسه ، یروی عن الضعفاء ، واعتمد المراسیل (5).

وظاهر قوله : یروی عن الضعفاء أنّه نوع قدح ، بقرینة اعتماد المراسیل.

وقد یخطر فی البال : أنّ الاعتماد علی المراسیل لا یصلح للقدح ؛

ص: 48


1- رجال الکشی 2 : 818 / 1024.
2- فی « رض » و « فض » : هذا.
3- منتقی الجمان 1 : 45 ، 50.
4- رجال النجاشی : 85 / 207.
5- رجال النجاشی : 76 / 182.

لأنّ مرجعه إلی الاجتهاد.

إلاّ أنّ یقال : إنّ المراد روایته بالإرسال من دون البیان ، فهو نوع تدلیس یقتضی القدح.

وفیه : أنّ بعض علماء الدرایة جوّز الروایة بالإجازة من دون ذکر لفظ الإجازة (1) ، [ فضرره ] (2)بحال المُرسل محلّ تأمّل إذا کان مذهباً له.

وکلام النجاشی بعد تأمّل ما قلناه ربما یفید القدح ، وإنّما ذکرناه فی مقام التأیید ؛ لأنّ روایة الثقة عن الضعفاء نادر ، فإذا وقع ذکروه ، ومثل الثقة الجلیل محمد بن یعقوب لو کان یروی عن الضعفاء لذکر.

فإنّ قلت : لا ریب فی روایته عن الضعفاء فی کتابه ، لکن الاعتماد علی القرائن المصحّحة للخبر ، فلا یضر ضعف الرجل ، وحینئذ لا یدل ما ذکرت علی جلالة شأن محمد بن إسماعیل.

قلت : لما ذکرت وجه ؛ إلاّ أنّ ذکر الروایة عن الضعفاء فی ترجمة محمد (3) بن خالد یقتضی مخالفة قاعدة المتقدمین إنّ عمل بالخبر ، وإنّ کان مجرد الروایة عن الضعفاء من دون عمل بالخبر فلا یضر بحال الشخص ، وظاهر الحال نوع خدش.

فإنّ قلت : عدم التفات المتقدمین إلی الخبر من جهة رواته (4) لو کان تامّاً لما صرّحوا باستثناء روایة محمد بن أحمد بن یحیی عن جماعة ، کما یأتی بیانه فی مواضع من الکتاب.

ص: 49


1- الدرایة : 95.
2- فی النسخ : فضرورته ، والظاهر ما أثبتناه.
3- کذا فی النسخ ، والظاهر : أحمد بن محمد. راجع ص 48.
4- فی النسخ : روایة ، والظاهر ما أثبتناه.

قلت : وما ذکرته أیضاً لا یخلو من وجه ، وإنّی متعجّب من ذلک ؛ غیر أنّه یخطر فی البال احتمال توجیه الجمع بین ما ذُکِرَ وبین الاستثناء ، بأنّ العمل بالقرائن یقتضی تخفیفها إذا کان الرواة معتَمَداً علیهم ، وعدم تخفیفها إذا لم یکن کذلک ، وحینئذ إذا استثنی من روایات محمد بن أحمد ابن یحیی ما یرویه عن الجماعة ، فإذا وردت الروایة عن محمد بن أحمد ابن یحیی عن أحدهم یحتاج إلی تحصیل قرائن زائدة ، ولو روی عن غیر الجماعة یفتقر إلی أقلّ ممّا احتیج إلیه لو روی عن الجماعة ، فلیتأمّل.

فإنّ قلت : کیف یوافق ما علیه المتقدّمون تصریح الصدوق فی الفقیه فی باب صلاة الغدیر بعد ذکر روایة : أنّ راویها لم یوثّقه شیخه محمد بن الحسن بن الولید ، وما لم یصحّحه لا یحکم بصحته (1).

قلت : لا یبعد التوفیق بأنّ عدم توثیق شیخه للراوی یقتضی وجود قرینة الردّ للروایة ، فمن ثَمّ لم یعمل بها ، لا أنّ الأمر منحصر فی تصحیح شیخه.

فإنّ قلت : الذی یظهر من الکشی فی ترجمة الحسن بن علی بن أبی حمزة عدم الروایة عن الضعیف وإنّ لم یعمل بالروایة ، لأنّه نقل عن محمد ابن مسعود أنّه سأل علی بن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن علی بن أبی حمزة ، فقال : کذّاب ملعون ، رویت عنه أحادیث کثیرة ، وکتبت عنه تفسیر القرآن من أوّله إلی آخره ، إلاّ أنّی لا أستحلّ أنّ أروی عنه حدیثاً واحداً (2).

وکذلک نقل العلاّمة فی الخلاصة عن ابن الغضائری ، عن علی بن الحسن بن فضال أنّه قال : إنّی لأَستحیی من الله أنّ أروی عن الحسن بن

ص: 50


1- الفقیه 2 : 55.
2- رجال الکشی 2 : 827 / 1042.

علی (1).

قلت : وهذا أیضاً یوجب التعجّب ، إلاّ أنّ قول علیّ بن الحسن بن فضال بتقدیر اعتباره یمکن أنّ یحمل علی روایات الحسن بن علی فی تفسیر القرآن ؛ لأنّ الاحتیاط فیه مطلوب.

وربما کان القول المحکی من ابن الغضائری علی الإطلاق فیه نوع توهم ، أو التعبیر بالاستحیاء کنایة عن فعل خلاف الأولی ، ( أو أنّ تحقّق کذب الراوی یعترض بکثرة توجب عدم الروایة عنه ) (2) وبالجملة فالمقام واسع البحث ؛ إلاّ أنّ الدخول فی هذا الباب یوجب شیئاً ما (3) غیر خفی.

وإذا عرفت مجمل الأمر فلنعد إلی ما نحن بصدده ، فاعلم أنّه ربما یقال : إنّ غرض النجاشی بقوله فی ترجمة أحمد بن محمد بن خالد : إنّه یروی عن الضعفاء - (4) إرادة کثرة روایته عن الضعفاء ، کما فهمه العلاّمة فی الخلاصة ، حیث قال فی ترجمته : إنّه أکثر الروایة عن الضعفاء (5).

وإنّ أمکن أنّ یقال : إنّ إکثار الروایة من دون عمل لا یقتضی الطعن فی الرجل ، وما ذکره النجاشی فی ترجمة أحمد بن عیاش (6) ، له نوع دلالة علی رجحان ترک الروایة عن الضعیف ، وهو أعلم بالوجه.

لکن المقصود أنّ المتقدمین لهم حرص علی الروایة عن غیر الضعفاء ، فربما کان فی روایة الکلینی عن الرجل المبحوث عنه نوع دلالة

ص: 51


1- خلاصة العلاّمة : 213.
2- ما بین القوسین لیس فی « رض » و « د ».
3- لفظة ما لیست فی « رض ».
4- رجال النجاشی : 76 / 182.
5- خلاصة العلامة : 14 / 7.
6- رجال النجاشی : 85 / 207.

علی جلالة شأنه.

وفی ترجمة جعفر بن محمد بن مالک قال النجاشی : إنّه ضعیف ، ثم تعجّب من شیخه أبی غالب وابن همام ؛ حیث رویا عنه (1) ؛ إلاّ أنّ الظاهر کون التعجّب من زیادة ضعفه فی أنّه یضع الحدیث.

نعم فی ترجمة علی بن الحسن بن فضال قال - فی مقام الثناء علیه - : إنّه قلّ ما روی عن ضعیف (2) و (3) نحو ذلک کثیر ، ومجال القول واسع.

وأمّا غیر محمد بن إسماعیل المذکور فقد ذکر أصحاب الرجال جماعة من المُسمّینَ بهذا الاسم (4) ؛ إلاّ أنّ بعضهم منفی الإرادة بغیر ریب ، کمحمد بن إسماعیل العلوی ، فإنّه من أصحاب الباقر علیه السلام ، ومحمد بن إسماعیل بن رجا من أصحاب الصادق علیه السلام ، ومحمد بن إسماعیل المخزومی کذلک ، وکذلک محمد بن إسماعیل بن سعید ، ومحمد بن إسماعیل الجعفی ، ومحمد بن إسماعیل الزعفرانی ، فإنّه لقی أصحاب أبی عبد الله علیه السلام .

وأمّا محمد بن إسماعیل الجعفری فقد ذکر الشیخ فی الفهرست أنّ الراوی عنه ابن نهیک (5) ، وأین هو من محمد بن یعقوب.

ومحمد بن إسماعیل البلخی ذکره الشیخ فی رجال الهادی علیه السلام (6) ، وظاهر عدم إدراک محمد بن یعقوب له إلاّ بتقدیر بعید ، وقد أوضحت القول فی هذا فی محلّ آخر علی الانفراد ، وملخّص المرام ما ذکرناه.

ص: 52


1- رجال النجاشی : 122 / 313.
2- رجال النجاشی : 257 / 676.
3- فی « رض » زیادة : بالجملة.
4- انظر رجال الطوسی : 136 ، 280 ، 281.
5- الفهرست : 152 / 655.
6- رجال الطوسی : 424 / 36.

ثم إنّ الحدیث لا ریب فی حسنه ؛ نظراً إلی الطریق الآخر ، بل قال شیخنا قدس سره : إنّ حدیث إبراهیم بن هاشم لا یقصر عن الصحیح (1).

وفیه تأمّل یظهر من ملاحظة کتب الرجال ، وموافقة الاصطلاح فی تعریف الصحیح ؛ فإنّ شأن إبراهیم لا یصل إلی التوثیق علی ما وقفت علیه.

وتصحیح العلاّمة فی المختلف بعض الطرق الذی هو فیها (2) ، قد مضی فیه القول (3).

غیر أنّه ینبغی أنّ یعلم أنّ النجاشی قال فی ترجمة إبراهیم بن هاشم : قال أبو عمرو الکشی : إنّه یعنی إبراهیم تلمیذ یونس بن عبد الرحمن من أصحاب الرضا علیه السلام ، وفیه نظر (4).

وقد ذکرت وجوهاً للنظر فی حاشیة الفقیه ، والذی یخطر الآن فی البال أنّ أوجهها : کون النظر راجعاً إلی أنّه من أصحاب الرضا علیه السلام ؛ لأنّ النجاشی ذکر فی ترجمة محمد بن علی بن إبراهیم الهمدانی : وروی إبراهیم بن هاشم ، عن إبراهیم بن محمد الهمدانی ، عن الرضا علیه السلام (5).

وهذا الکلام یعطی أنّه روی عن الرضا علیه السلام بواسطة إبراهیم المذکور.

وإنّ أمکن أنّ یقال : إنّه لا مانع من کونه من أصحاب الرضا علیه السلام وقد روی عنه بواسطة ، إمّا دائماً أو فی بعض الأحیان ؛ إلاّ أنّ سیاق المقال یقتضی عدم لقاء الرضا علیه السلام .

بحث رجالی حول إبراهیم بن هاشم

ص: 53


1- انظر المدارک 6 : 181.
2- المختلف 3 : 384.
3- راجع ص 39.
4- رجال النجاشی : 16 / 18.
5- رجال النجاشی : 344 / 928.

وما ذکره الشیخ ؛ من أنّه من أصحاب الرضا علیه السلام ، فی کتاب الرجال (1) ؛ کأنّه تبع فیه الکشی ، وهذا علی سبیل الإجمال ، وتوضیح القول فیما أشرنا إلیه ، والله تعالی أعلم بالحال.

المتن :

قد تقدم القول فیه بما یغنی عن إعادته (2) ، غیر أنّه ینبغی أن یعلم أنّ دلالة الشرط ومفهومه فی هذا الحدیث ( أظهر.

وینبغی أنّ یعلم أنّه ) (3) استُدل بهذا الحدیث ونحوه علی اشتراط الکریّة فی البئر ، کما ذهب إلیه البصروی (4) ، نظراً إلی العموم فی الماء.

وأُجیب عنه : بأنّ العموم مخصوص بخبر محمد بن إسماعیل ، الوارد فی البئر ، معلّلاً : بأنّ له مادّة ؛ فإنّ التعلیل یقتضی عدم الفرق بین القلیل والکثیر.

وهذا الجواب ذکره الوالد (5) قدس سره أیضاً.

وقد یقال علیه : إنّه قدس سره کثیراً ما ذکر : أنّ عموم الماء لیس من حیث الصیغة ، بل من حیث منافاة الحکمة لو أُرید غیر العموم من المعانی (6) ،

قول البصروی باشتراط الکرّیة فی البئر والجواب عنه

ص: 54


1- رجال الطوسی : 369.
2- راجع ص 43 45.
3- بدل ما بین القوسین فی « د » : أشهر ، وقد.
4- حکاه عنه فی الذکری 1 : 88 ، والمداک 1 : 55 ، والحبل المتین : 117 ، وهو الشیخ أبو الحسن محمد بن محمد البصروی ، فقیه فاضل من قدمائنا ، قرأ علی السید المرتضی ، وأجاز له السید مصنفاته ، له کتاب المفید فی التکلیف ، وکتاب المعتمد. ریاض العلماء 5 : 158.
5- معالم الفقه : 34.
6- کما فی معالم الفقه : 12 ، ومعالم الأُصول : 110.

ولا ریب أنّ انصراف الماء إلی البئر فی الحدیث السابق بعید جدّاً ، وفی هذا الحدیث لو اعتبر العموم بما ذکر أمکن القول باندفاع منافاة الحکمة بالأفراد الکثیرة للمحقون.

ویمکن الجواب عن ذلک : بمنع ظهور غیر ماء البئر بل هو متساوٍ.

ولا یتوجه أنّ یقال : إنّ الماء فی الحدیث یتناول الجاری حینئذ ، فیدل بمفهومه علی نجاسة القلیل منه.

لأنّه قد أُجیب عن ذلک : بأنّ التعلیل فی حدیث محمد بن إسماعیل لا یوافقه.

والوالد قدس سره قال فی الجواب : إنّ العموم فی الأحادیث مخصوص بصحیح ابن بزیع ؛ لدلالته علی أنّ وجود المادّة سبب فی نفی الانفعال بالملاقاة ، فلو کانت الکریّة معتبرة فی ذی المادّة لکانت هی السبب فی عدم الانفعال ، فلا یبقی للتعلیل بالمادّة معنی (1).

وقد یقال : إنّ التعلیل بالمادّة لو اختصّ بعدم النجاسة کان الجواب متوجهاً ، أمّا لو عاد إلی طیب الطعم کما ذکره شیخنا البهائی (2) أیّده الله لا یتمّ الجواب.

لکن لا یخفی أنّ تحقیق الکلام لا یتمّ إلاّ بذکر خبر ابن بزیع ، وسیأتی إنّ شاء الله فی بابه (3) ، وإنّما قدّمنا هذا القول للتعلّق بهذین الخبرین فی الجملة.

ص: 55


1- معالم الفقه : 111.
2- الحبل المتین : 117.
3- یأتی فی 243.

قوله رحمه الله :

فأما ما رواه محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر (1) ؛ ومحمد بن إسماعیل ، عن الفضل بن شاذان ، جمیعاً ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن زرارة [ عن أبی جعفر علیه السلام ] (2) قال : « إذا کان الماء أکثر من راویة لم ینجّسه شی ء ، تفسّخ فیه أو لم یتفسّخ فیه ؛ إلاّ أنّ یجی ء له ریح تغلب علی ریح الماء ».

فلیس ینافی ما قدّمناه من الأخبار ؛ لأنّه [ قال ] (3) « إذا کان الماء أکثر من راویة » فتبیّن أنّه [ إنّما ] (4) لم یحمل نجاسة إذا زاد علی الراویة ، وتلک الزیادة لا یمتنع أنّ یکون المراد بها ما یکون به تمام الکرّ.

السند :

قد تقدم القول فی مثله (5).

وحریز لا ارتیاب فیه عند المتأخرین ، وإنّ کان فیه نوع کلام فی الرجال ، ففی النجاشی : کان ممّن شهر السیف فی قتال الخوارج بسجستان فی حیاة أبی عبد الله علیه السلام وروی أنّه جفاه ، وحجبه عنه (6).

وفی الکشی : ذکر فی حذیفة بن منصور حدیثاً معتبر الاسناد عن

بحث رجالی حول حریزه

ص: 56


1- فی الاستبصار 1 : 6 : محمد بن أبی عمیر.
2- ما بین المعقوفین أثبتناه من الاستبصار 1 : 7.
3- ما بین المعقوفین أضفناه من الاستبصار 1 : 7 / 4.
4- ما بین المعقوفین أضفناه من الاستبصار 1 : 7 / 4.
5- راجع ص : 46 53.
6- رجال النجاشی : 144 / 375.

عبد الرحمن بن الحجاج قال : سأل أبو العباس فضل البقباق لحریز الإذن علی أبی عبد الله علیه السلام ، فلم یأذن له ، فعاوده فلم یأذن له ، فقال : أیّ شی ء للرجل أنّ یبلغ فی عقوبة غلامه؟ فقال : « علی قدر جریرته » قال : قد عاقبتَ واللهِ حریزاً بأعظمَ ممّا صنع ، فقال : « ویحک أما إنّی فعلت ذلک أنّ حریزاً جرّد السیف » (1) الحدیث.

وأجاب العلاّمة فی الخلاصة : بأن الحجب لا یستلزم الجرح ؛ لعدم العلم بالسرِّ فیه (2).

قال شیخنا المحقق أیّده الله فی کتاب الرجال : لاحتمال کون الحجب تقیّة علی نفسه ؛ من حیث إنّ شهر السیف عظیم عند المخالفین (3).

ولا یخلو من وجه إلاّ أنّ فی البین شیئاً.

وأمّا زرارة فحاله مشهور (4) ، والأخبار الواردة بالقدح فیه (5) محمولة علی الخوف علیه من أهل الخلاف ، کما هو صریح الخبر الصحیح (6).

المتن :

ظاهره أنّ الماء إذا کان أکثر من راویة لم ینجس ، إلاّ أن یجی ء له

بحث رجالی حول زرارة
ما المراد بالروایة؟

ص: 57


1- رجال الکشی 2 : 627 / 615 بتفاوت یسیر.
2- خلاصة العلامة : 63 / 4.
3- لم نعثر علیه.
4- انظر رجال الکشی 1 : 345 / 208 230 ، رجال النجاشی : 175 / 463.
5- کما فی رجال الکشی 1 : 358 / 230 244.
6- رجال الکشی 1 : 349.

ریح تغلب علی ریح الماء ، وغیر خفیّ أنّ الراویة غیر معلومة القدر ، والأکثریة فی حیّز الإجمال ، والشیخ رحمه الله کما تری قال : إنّه لا یمتنع أنّ یکون الزائد علی الراویة یحصل به تمام الکرّ.

وهذا لا ریب فیه ، لکن کان الأولی أنّ یذکر الأخبار الدالة علی مقدار الکرّ قبل ذکر هذا الخبر ، وما ذکره من الأخبار ، وإنّ تضمن الکرّ ؛ إلاّ أن المقدار مفصلاً لا یعلم منها.

والحدیث المتضمن للراویة إنما تتحقق فیه المنافاة إذا علم أوّلاً مقدار الکرّ مفصلاً ؛ لیفهم منه أنّ الراویة لا تکون هذا القدر غالباً ، فتحمل الزیادة علی تمام الکرّ.

والأمر سهل ، غیر أنّ ما تضمنه الحدیث من أنّ الریح إذا غلب علی ریح الماء یراد به ریح النجاسة لا ریح المنجّس.

واعتبار الغلبة علی ریح الماء ، وإنّ ظنّ منه أنه لا بد أنّ یکون للماء ریح ؛ إلاّ أنّه غیر خفیّ عدم اللزوم.

ثم الذی علیه الأکثر هو أنّ المعتبر من التغییر ما یظهر للحسّ ، فلو کانت النجاسة مسلوبة الصفات لم تؤثّر فی الماء ، وإنّ کثرت.

واختار العلاّمة وجوب تقدیر النجاسة علی أوصافٍ مخالفة ، فإنّ کان الماء یتغیّر بها علی ذلک التقدیر حکم بالنجاسة ، وإلاّ فلا (1).

ونقل عنه الاحتجاج بأنّ التغیّر الذی هو المناط (2) مع الأوصاف (3) ،

المعتبر هو التغییر الحسّی

ص: 58


1- قواعد الأحکام 1 : 183.
2- أی مناط النجاسة.
3- أی دائر مدار وجود الأوصاف.

فإذا فقدت وجب تقدیرها (1).

وهذا الاحتجاج غریب ، فإنّه نفس المدعی.

واحتجّ ولده فخر المحققین : بوجود المقتضی ، وهو صیرورة الماء مقهوراً ؛ لأنه کلّما لم یکن الماء مقهوراً لم یتغیّر بها علی تقدیر المخالفة ، وینعکس بعکس النقیض إلی قولنا : کلّما تغیّر علی تقدیر المخالفة کان مقهوراً (2).

وهذه الحجّة مردودة ؛ لتوجّه المنع إلی کلّیة الأُولی ، وإطلاق النص یقتضی توقّف النجاسة علی غلبة الریح.

وما قد یقال ؛ من أنّ عدم وجوب التقدیر یقتضی جواز الاستعمال ، وإنّ زادت النجاسة علی الماء أضعافاً ، وهو کالمعلوم البطلان ؛ فهو استبعاد ، لکن لا یصلح دلیلاً ، فلیتأمّل.

قوله رحمه الله :

وأما ما رواه محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الکرّ من الماء نحو حبّی هذا » ، وأشار إلی حبّ من تلک الحباب التی تکون بالمدینة.

فلا یمتنع أنّ یکون الحبّ یسع من الماء مقدار الکرّ ، ولیس هذا ببعید.

ص: 59


1- حکاه فی معالم الفقه : 16.
2- إیضاح الفوائد 1 : 16.

السند :

فیه إرسال ، غیر أنّ عبد الله بن المغیرة قد ذکر الکشی : أنّه ممّن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه (1). وفهم بعض الأصحاب أنّ المراد بهذا الکلام صحة کل ما رواه (2) ؛ بحیث تصح الروایة إلیه ، وحینئذ لا یضرّ الإرسال ، ولا ضعفُ من روی عنه عبد الله بن المغیرة.

وتوقّف فی هذا بعض قائلاً : إنّا لا نفهم منه إلاّ کونه ثقة.

والذی یقتضیه النظر القاصر أنّ کون الرجل ثقة أمر مشترک ، فلا وجه لاختصاص الإجماع بهؤلاء المذکورین ، وحینئذ لا بدّ من بیان الوجه.

ثم ما ذکره القائل الأوّل ینافیه ما قاله الشیخ فی الروایة الآتیة عن عبد الله بن المغیرة : من أنّها مرسلة (3) ؛ فإنّ الشیخ أعلم بمقاصد الکشی من المتأخرین.

ولا یبعد أنّ یکون الوجه فی ذکر الإجماع علی الجماعة المخصوصین ، أنّ عمل المتقدمین بالأخبار إنّما هو مع اعتضادها بالقرائن ، فإذا کان الرواة ممّن اجمع علی تصحیح ما یصح عنهم ؛ کان الإجماع من جملة القرائن ، وبدون هذا یحتاج إلی زیادة القرائن.

فإنّ قلت : هذا الوجه إنّما یفید فی نفس الرجل ، والعبارة هی تصحیح ما یصح عنه ، فلا یوافق ما ذکرت.

قلت : بل الموافقة حاصلة ، فإنّ الخبر إذا صح إلیه علی طریقة

بحث رجالی حول عبدالله بن المغیرة
بحث رجالی حول أصحاب الإجماع

ص: 60


1- رجال الکشی 2 : 830.
2- انظر الخلاصة : 277 ، مشرق الشمسین : 32 ، الرواشح السماویة : 47.
3- یأتی فی ص 63.

المتقدمین حکم بصحته منه من حیث هو ، وما بعده تتوقّف صحته علی موجبها ، فقولهم : علی تصحیح ما یصح عنه ، یراد به أنّ الشرائط إذا اجتمعت فی الرواة إلیه فالرجل ثقة قد انعقد علیه الإجماع ، فلا حاجة إلی تحصیل قرائن علی کونه مقبول الروایة.

فإنّ قلت : الروایة إذا اشتملت علی الرجل المجمع علیه ، فالقرائن علی صحتها إنّ کانت من خارج ، فلا فرق بین کون الرجل مجمعاً علیه أم لا ؛ إذ الاعتبار صحة (1) المتن ، وإنّ کانت القرائن من نفس الروایة فالحکم بالصحة موقوف علی أنّ جمیع الرواة قد أجمع علیهم ، والبعض لا یفید ، وحینئذ فالثمرة غیر ظاهرة.

قلت : بل الفائدة ( من نفس الراوی ) (2) إذا کانت الروایة بطرق متعددة لکنها تنتهی إلیه ، فإذا أفادت الکثرة الصحة إلیه ، وکان ممّن أجمع علی تصحیح ما یصح عنه کفی فی صحة الروایة ، وکثیراً ما یقول الشیخ فی الکتابین : إنّ الروایة وإنّ کثرت فی الکتب بأسانید ، إلاّ أنّها تنتهی إلی الرجل الواحد. فیردّها بهذا السبب.

وهذا یؤیّد ما ذکرناه ، غایة الأمر أنّه یبقی ما بعد الرجل إذا کان ضعیفاً أو مجهولاً فقد یظنّ أنّ الصحة ( إلیه علی الوجه المذکور کافیة فی صحة الخبر.

وفیه : أنّ الصحة ) (3) یراد بها بالنسبة إلیه ، بمعنی أنّ روایته وحده تقوم مقام التعدد فی غیره ، فیحتاج ما بعده إلی القرائن.

ص: 61


1- کذا فی النسخ. والأولی : بصحّة.
2- فی « رض » : من نفس خبر الراوی.
3- ما بین القوسین ساقط من « د ».

وممّا یؤیّد ما ذکرناه قول أصحاب الرجال : فلانٌ ثقة صحیح الحدیث ؛ فإنّ الظاهر من صحیح الحدیث الزائد علی التوثیق أنّ المراد به بیان عدم الاکتفاء بکون الرجل ثقة فی العمل بالخبر.

فإنّ قلت : الفرق بین صحیح الحدیث وبین من أجمع علی تصحیح ما یصح عنه واضح ؛ لأنّ صحیح الحدیث لا یزید علی التوثیق بالواحد بخلاف الإجماع علی تصحیح ما یصح عن الرجل.

قلت : الغرض ممّا ذکرناه بیان الجمع بین التوثیق ولفظ صحیح الحدیث ، وما ذکرت من الفرق إنّما یتمّ لو کان الإجماع متحققا ، علی معنی حصول الإجماع الحقیقی وثبوته ، أمّا المنقول فهو خبر فی المعنی ، وحینئذ لا یتفاوت الحال بین صحیح الحدیث والإجماع علی تصحیح ما یصح عن الرجل.

وبالجملة فالمقصود أنّ الظاهر إرادة بیان القرائن العاضدة (1) للأخبار المقتضیة للعمل ، فینبغی التأمّل فی هذا کله.

ولعل قائلاً یقول : إنّ کلام الشیخ لا یضرّ بالحال ؛ لاحتمال عدم ظنّه لما فهمه البعض. وفیه ما لا یخفی.

أقول : وممّا یؤیّد ما ذکرته أنّ محمد بن أبی عمیر من جملة من أجمع الأصحاب علی تصحیح ما یصح عنه (2) ، والکلام فی مراسیله کثیر ، من أنّه لا یروی إلاّ عن ثقة ، والمناقشة بعدم العلم بهذا ، ونحو ذلک کما سیأتی إنّ شاء الله فیه القول - (3) فلو کان المراد بالإجماع علی تصحیح ما یصح عن الرجل ما قاله القائل ، لا حاجة إلی التوقّف فی مراسیل ابن أبی عمیر ، کما

ص: 62


1- فی « د » : العامّة.
2- رجال الکشی 2 : 830.
3- فی ص 99 101.

لا حاجة إلی قولنا : إنّه لا یروی إلاّ عن ثقة ، فإنّه لو روی عن ضعیف لا یضر بالحال.

وقد ردّ الشیخ رحمه الله روایة رواها ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه فی آخر باب العتق بالإرسال (1) والشیخ رحمه الله أعلم بالحال.

فالعجب من دعوی بعض الأصحاب أنّ مراسیل ابن أبی عمیر مقبولة عند الأصحاب مطلقاً (2) ، فینبغی التأمّل فی ذلک کله.

المتن :

لا یخفی أنّه دالّ علی أنّ الکرّ نحو حُبّه علیه السلام ، والمخالفة إنّما تتحقق بعد ذکر الأخبار الدالّة علی الکرّ مفصّلاً ، فإذا ذکرت الأخبار وعلم اختیار مقدار منها فلا بد من حمل هذا الخبر علی وجه لا ینافیها ، ولا ریب أنّ المتعارف من الحُبّ بعید عن سعة الکرّ ، ولعلّ ذلک الزمان یغایر هذا الزمان.

ولو لا ما یأتی ؛ من دلالة معتبر الأخبار علی أنّ مقدار الکرّ أزید من ذلک ؛ لأمکن الاستدلال بهذا الخبر عند العامل به علی أنّ الکرّ ما دون ذلک ، إلاّ أنّ الحقّ کون هذا الخبر لا یخرج عن حیّز الإجمال ، فلا جرم کان ترک القول فیه بغیر ما قاله الشیخ أولی.

قوله رحمه الله :

فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا کان

ما المراد الحبّ؟

ص: 63


1- الاستبصار 4 : 27.
2- انظر العدة 1 : 154 ، والذکری 1 : 49.

الماء قدر قُلَّتین لم ینجّسه شی ء ، والقُلَّتان جَرَّتان ».

فأوّل ما فی هذا الخبر أنّه مرسل ، ویحتمل أنّ یکون أیضاً ورد مورد التقیة ؛ لأنّه مذهب کثیر من العامة ، ویحتمل مع تسلیمه أنّ یکون الوجه فیه ما ذکرناه فی الخبر المتقدم ، وهو أنّ یکون مقدار القلّتین مقدار الکرّ (1) ؛ لأنّ القلّة هی الجرّة الکبیرة فی اللغة ، وعلی هذا لا تَنافیَ بین الأخبار.

السند :

طریق المصنف إلی محمد بن علی بن محبوب : عن الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی العطار ، عن أبیه محمد بن یحیی ، عن محمد بن علی بن محبوب (2).

وقد تقدم الکلام فی أحمد بن محمد بن یحیی (3).

وأما الحسین بن عبید الله ؛ فقد قال النجاشی : إنّه شیخه (4).

وقال العلاّمة : إنه شیخ الطائفة ، سمع الشیخ الطوسی منه ، وأجاز له جمیع روایاته (5).

وقال الشیخ رحمه الله فی من لم یرو عن الأئمّة علیهم السلام : الحسین بن عبید الله الغضائری یُکنّی أبا عبد الله ، کثیر السماع ، عارف بالرجال ، وله تصانیف ذکرناها فی الفهرست ، وسمعنا منه ، وأجاز لنا روایاته (6).

طریق الشیخ إلی محمد بن علی بن محبوب
بحث رجالی حول الحسین بن عبیدالله الغضائری

ص: 64


1- فی الاستبصار 1 : 7 / 6 زیادة : لأنّ ذلک لیس بمنکر.
2- الاستبصار 4 : 324.
3- فی ص 26.
4- رجال النجاشی : 69 / 166.
5- خلاصة العلاّمة : 50 / 11.
6- رجال الطوسی : 470 / 52.

ولم نقف فی نسخ الفهرست علی ذکره.

ولا یخفی جلالة الرجل ، وعدم التوثیق إنّما هو لأنّ عادة المصنّفین عدم توثیق الشیوخ.

وفی الفهرست ما یقتضی عدم الارتیاب (1) علی تقدیره ؛ لأنّه روی جمیع کتب محمد بن علی بن محبوب وروایاته بطرق منها ما هو واضح الصحة (2).

وأمّا العباس فالظاهر أنّه ابن عامر ، أو ابن معروف ، وهما ثقتان ، واحتمال غیرهما ممّا هو غیر موثق لا وجه له ، بل الوالد قدس سره کان لا یرتاب فی أنّه ابن معروف (3).

المتن :

ظاهره علی الإجمال ، وقبول البیان غیر ممتنع.

أمّا ردّه بالإرسال کما فعل الشیخ أوّلاً ، فقد یقال علیه : إنّ الذی تقدم منه فی أوّل الکتاب أنّه یجری علی عادته فی التهذیب ، وعادته فیه أن الحدیث متی أمکن تأویله لا یقدح فی إسناده ، وإمکان التأویل هنا فضلاً عن وقوعه أوضح الأشیاء.

ثم ما ذکره من الإرسال قد قدمنا فیه القول (4).

والحمل علی التقیة لا ریب أنّه أقرب المحامل ، فإنّ القُلّتین هی المدار عندهم ، فذکرها فی أخبارنا أوضح قرینة.

وثاقة العباس بن عامر والعباس بن معروف

ص: 65


1- فی « فض » : الإرسال.
2- الفهرست : 145 / 613.
3- منتقی الجمان 1 : 35.
4- راجع ص 59.

قوله رحمه الله :

وأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن محمد بن الحسین ، عن علی بن حدید ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : قلت له : راویة من ماء سقطت فیها فأرة أو جرذ أو صعوة (1) میتة ، قال : « إذا تفسّخ فیها فلا تشرب من مائها ، ولا تتوضّأ منها ، وإنّ کان غیر متفسّخ فاشرب منه ، وتوضّأ ، واطرح المیتة إذا أخرجتها طریة ، وکذلک الجَرّة ، وحُبّ الماء ، والقِرْبة ، وأشباه ذلک من أوعیة الماء » قال : وقال أبو جعفر علیه السلام : « إذا کان الماء أکثر من راویة لم ینجّسه شی ء ؛ تفسّخ فیه أو لم یتفسّخ ؛ إلاّ أنّ یجی ء له ریح یغلب علی ریح الماء ».

فهذا الخبر یمکن أنّ یحمل قوله : « راویة من ماء » ، إذا کان مقدارها کرّاً ، فإذا کان کذلک لا ینجّسه شی ء ممّا یقع فیه ، ویکون قوله : « إذا تفسّخ فیها فلا تشرب ، ولا تتوضّأ » محمولاً علی أنّه إذا تغیّر أحد أوصاف الماء ، وکذلک القول فی الجَرّة وحُبّ الماء والقِربة.

ولیس لأحد أنّ یقول : إنّ الجَرّة والحُبّ والقِربة والراویة لا یسع شی ء من ذلک کرّاً من الماء.

لأنّه لیس فی الخبر أنّ جَرّة واحدة ذلک حکمها بل ذکرها بالألف واللام ، وذلک یدل علی العموم عند کثیر من أهل اللغة ، وإذا احتمل ذلک لم یناف ما قدّمناه من الأخبار.

ص: 66


1- صعوة هی اسم طائر من صغار العصافیر ، أحمر الرأس ، والجمع : صعو وصِعاء کدَلْو ودِلاء مجمع البحرین 1 : 262 ( صعا ).

السند :

قد تقدم طریق المصنف إلی محمد بن علی بن محبوب (1).

وأمّا محمد بن الحسین فهو ابن أبی الخطاب من غیر ارتیاب (2) ، وکون الراوی عنه فی کتب الرجال الصفار (3) لا محمد بن علی بن محبوب لا یضرّ بالحال.

وعلی بن حدید قد ضعّفه المصنف هنا فیما یأتی من باب البئر تقع فیه الفأرة (4) ، وباب النهی عن بیع الذهب بالفضة نسیئة ، وقال : إنّه ضعیف جدّاً لا یُعوَّل علی ما ینفرد به (5). وفی الفهرست (6) وکتاب الرجال لم یصرّح بالتضعیف (7) ، وکذلک النجاشی (8) ، وفی الکشی عن نصر بن الصباح : أنّه فطحی (9) ؛ وعلی کل حال فالحدیث لیس بصحیح.

المتن :

لا یخفی أنّ ظاهره کون الراویة أقل من کُرّ ؛ لأنّ قوله ، وقال أبو جعفر : « إذا کان الماء أکثر من راویة » یدل علی ذلک ، ولو حملت الراویة علی الکرّ کما قاله الشیخ رحمه الله لم تظهر الفائدة فی قوله علیه السلام : « فإنّ کان

إشارة إلی حال محمد بن الحسین
بحث حول علی بن حدید
مقدار الروایة

ص: 67


1- راجع : ص 63.
2- فی « رض » : عند من عاصرناه من مشایخنا.
3- کما فی الفهرست : 140 / 597.
4- الاستبصار 1 : 40 / 112 ، ویأتی فی ص 284.
5- الاستبصار 3 : 95 / 325.
6- الفهرست : 89 / 372.
7- رجال الطوسی : 403 / 11 ، و 382 / 42.
8- رجال النجاشی : 274 / 717.
9- رجال الکشی 2 : 840 / 1078.

الماء أکثر من راویة ».

وقول الشیخ إنّ قوله علیه السلام : « إذا تفسّخ » محمول علی أنّه إذا تغیّر أحد أوصاف الماء لا یلائمه ذکر التغیّر فی الزائد عن الراویة ، ولعلّ ضرورة الجمع یتسامح فیها بمثل هذا.

وقد یمکن توجیه الزیادة علی الراویة بأنّ الراویة إذا کانت کُرّاً فقط فمن المستبعد مع التفسّخ أنّ لا یتغیّر شی ء من الماء ، ومع تغیّر شی ء منه ینجس جمیعه ؛ لأنّ المفروض کونه بمقدار الکرّ ، واحتمال حصول التغیّر مع عدم التفسّخ وإنّ أمکن ؛ إلاّ أنّ بُعده اقتضی عدم ذکره ، والتکلف فی هذا الوجه غیر خفیّ.

أمّا ما قاله الشیخ بعد ذلک : من أنّ الالف واللام للعموم فبیان عدم تمامیته أظهر من أنّ یخفی.

فإنّ قلت : قوله فی الروایة : « میتة » یعود إلی الصعوة فقط ، أو الجمیع؟.

قلت : یحتمل الاختصاص بالصعوة ، والفأرة والجرذ وإنّ کانا غیر میّتَین قد حکم بنجاستهما بعض (1) ، ودلّت علیه روایات ؛ إلاّ أنّ الذی یذهب إلی عدم التنجس یحیل (2) المیتة إلی کل واحد (3) ، والأمر سهل.

أمّا ذکر الطریة فی الخبر فلا یعلم وجهها ، ولو صح الخبر وجب التسلیم.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة فی المختلف نقل فی احتجاج ابن

حکم الماء إذا وقعت فیه فأرة أو جرذ أوصعوة

ص: 68


1- انظر المقنعة : 70.
2- فض » یحتمل.
3- فی « رض » زیادة : بنوع من التوجیه.

أبی عقیل علی عدم نجاسة القلیل ما هذه صورته : وسئل الباقر علیه السلام عن القِربة والجَرّة من الماء یسقط فیهما فأرة أو جرذ أو غیره ، فیموتون فیهما ، فقال : « إذا غلبت رائحتُهُ علی طعم الماء ، أو لونه فأرقه ، وإنّ لم تغلب علیه فاشرب منه وتوضأ ، واطرح (1) المیتة إذا أخرجتها طریة » (2).

وهذه الروایة لم أقف علیها الآن ، ولعلّها المذکورة هنا ، والعلاّمة لخّص المراد منها ، أو ابن أبی عقیل ، ولا یخفی علیک الحال.

وفی الفقیه : فإنّ سقط فی راویة ماء فأرة أو جرذ أو صعوةٌ میتة ، فتفسّخ فیها لم یجز شربه ولا الوضوء منه ، وإنّ کان غیر متفسّخ فلا بأس بشربه والوضوء منه ، وتطرح المیتة إذا خرجت طریّة (3).

وأنت خبیر بما فی إیراد الصدوق لما نقلناه من المزیّة والتأیید للروایة المنقولة هنا.

وقد أجاب العلاّمة فی المختلف عن الروایة - فی ضمن احتجاج ابن أبی عقیل - : بأنّ الأحادیث بعد سلامة سندها مطلقة ، وما ذکرناه مقید ، والمطلق یحمل علی المقید جمعاً بین الأدلّة ، ولا منافاة بینهما ، ولیس بواجب تأخیر المقید عن المطلق ، ولو تأخّر لم یکن ناسخاً لحکم المطلق ، انتهی (4).

وأقول : إنّ العلاّمة أشار بالنسخ إلی ما نقله عن ابن أبی عقیل : من أنّ الأحادیث عامة فی القلیل والکثیر ، والأخبار الدالّة علی الکثیر مقیدة ،

بحث حول النسخ فی الأخبار

ص: 69


1- فی النسخ : واخرج ، والصواب ما أثبتناه من المصدر.
2- المختلف 1 : 15.
3- الفقیه 1 : 10 / 18.
4- المختلف 1 : 15.

ولا یجوز أنّ یکونا فی وقت واحد ؛ للتنافی ، بل أحدهما سابق والمتأخّر یکون ناسخاً ، والمتأخّر هنا مجهول ، فلا یجوز أنّ یعمل بأحد الخبرین دون الآخر ، ویبقی التعویل علی الکتاب الدالّ علی طهارة الماء مطلقاً.

وأنت خبیر بأنّ النسخ فی أخبارنا المرویة عن أئمّتنا علیهم السلام لا مجال لاحتماله فیها ، فذکره غریب لا ینبغی الغفلة عنه ، ومثله فی المختلف لا یُحصی کثرةً کما یعلم من مراجعته ، والله الموفّق والمعین.

قوله رحمه الله :

وأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة بن مهران ، عن أبی بصیر ، قال : سألته عن کرّ من ماء مررت به ، وأنا فی سفر ، قد بال فیه حمار أو بغل أو إنسان ، قال : « لا تتوضّأ منه ولا تشرب منه ».

فالوجه فی هذا الخبر أنّ نحمله علی أنّه إذا تغیّر أحد أوصاف الماء ، إمّا طعمه أو لونه أو رائحته ، فأمّا مع عدم ذلک فلا بأس باستعماله حسب ما تقدم من الأخبار الأوّلة.

السند :

طریق الشیخ إلی الحسین بن سعید : عن الشیخ المفید ، والحسین بن عبید الله ، وأحمد بن عبدون ؛ کلهم عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید ، عن أبیه محمد بن الحسن بن الولید ؛ وعن أبی الحسین بن أبی جید القمی ، عن محمد بن الحسن بن الولید ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ؛ قال الشیخ : ورواه أیضاً محمد بن الحسن بن الولید ،

طریق الشیخ إلی الحسین بن سعید

ص: 70

عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید (1).

فهو صحیح علی ما تقدم ، وفیه دلالة علی روایة الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن الولید ، وقد سمعت القول فیه (2).

وأحمد بن عبدون المذکور ، قال الشیخ فی رجال من لم یروِ عن أحد من الأئمّة علیهم السلام : أحمد بن عبدون ، المعروف بابن الحاشر ، یُکنّی أبا عبد الله ، کثیر السماع والروایة ، سمعنا منه وأجاز لنا جمیع ما رواه (3).

وقال النجاشی : أحمد بن عبد الواحد أبو عبد الله شیخنا المعروف بابن عبدون (4).

ولا یخفی دلالة الکلام علی علوّ شأن الرجل ، وعدم التوثیق مشیاً علی قاعدة القدماء من أنّهم لا یوثّقون الشیوخ.

والعلاّمة صحح کثیراً من طرق الشیخ فی المشیخة وهو فیه (5).

وأمّا أبو الحسین بن أبی جید ، فإنّه من الشیوخ أیضاً.

أمّا عثمان بن عیسی ، فالمعروف بین المتأخّرین عدّ الحدیث المشتمل علیه من الموثّق ، مع اتصاف باقی السند بوصفه (6).

بحث حول أحمد بن عبدون
إشارة إلی حال أبی الحسین بن أبی جید
بحث حول عثمان بن عیسی

ص: 71


1- مشیخة التهذیب ( التهذیب ) 10 : 66 ، الاستبصار 4 : 321.
2- راجع ص 40.
3- رجال الطوسی : 450 / 69.
4- رجال النجاشی : 87 / 211.
5- منها : طریقه إلی محمد بن یعقوب الکلینی ، وإلی علی بن إبراهیم بن هاشم ، وإلی حمید بن زیاد ، وإلی الحسین بن سعید ، وإلی محمد بن أحمد بن یحیی الأشعری ، رجال العلاّمة : 275 ، 276.
6- انظر التنقیح الرائع 1 : 221 ، وجامع المقاصد 3 : 355.

أقول : وقد ینظر فی ذلک بأنّ توثیقه لم نقف علیه (1).

وکونه ممّن أجمع الأصحاب علی تصحیح ما یصح عنه إنّما یستفاد من الکشی ، وعبارته هذه صورتها : فی تسمیة الفقهاء من أصحاب أبی إبراهیم وأبی الحسن الرضا علیه السلام أجمع أصحابنا علی تصحیح ما یصح عن هؤلاء وتصدیقهم ، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم - : إلی أنّ قال - ، وقال بعضهم : مکان الحسن بن علی بن فضال ، فضالة بن أیوب ، وقال بعضهم : مکان فضالة ، عثمان بن عیسی (2).

وأنت خبیر بأنّ البعض غیر معلوم الحال ، وبتقدیر العلم بحاله والاعتماد علیه ، فهو من الإجماع المنقول بخبر الواحد ، والاعتماد علیه بتقدیره لا یفید إلاّ الظنّ ، والأخبار الواردة فی ذمّه (3) منها ما هو معتبر ، والظنّ الحاصل منه إنّ لم یکن أقوی ، فهو مساوٍ لغیره ، فلا وجه للترجیح.

فإنّ قلت : قد قدّمت أنّ روایة الرجل الجلیل عن شخص قرینة علی اعتباره (4) ، والحسین بن سعید قد قیل فیه من الثناء ما یقتضی المشارکة لمن ذکر فی التوجیه السابق ، وحینئذ فالبعض المذکور فی الکشی وإنّ کان مجهولاً ؛ إلاّ أنّ روایة الحسین قرینة علی صحة الروایة.

قلت : لما ذکرت وجه ، إلاّ أنّ الذمّ الوارد فی عثمان بن عیسی بلغ النهایة (5) وعدم العلم بالناقل للإجماع یؤیّد عدم القبول لروایته ، وعدم روایة

ص: 72


1- عدّه الشیخ فی العدّة 1 : 150 ممّن کان متحرّجاً فی روایته موثوقاً فی أمانته ، وابن شهرآشوب فی المناقب 4 : 325 من ثقات أبی إبراهیم موسی بن جعفر علیه السلام ، مضافاً إلی أنّه وقع فی سند تفسیر القمیّ 2 : 89 ، وکامل الزیارات : 11.
2- رجال الکشی 2 : 831.
3- رجال الکشی 2 : 860.
4- راجع ص 51.
5- انظر رجال الکشی 2 : 860 ، ورجال النجاشی : 300 / 817.

الأجلاّء عن الضعفاء قد سبق القول فی أنّه موجب للتعجب (1).

وبعد التأمّل التامّ یحتمل أنّ یقال : إنّ روایة الحسین بن سعید عن عثمان بن عیسی ربما کانت قبل قوله بالوقف ، فیترجّح القبول ، کما فی روایته عن محمد بن سنان الوارد فیه تمام الذمّ (2) ، والتوجیه واحد.

ولو نظرنا إلی أنّ الروایة عن مثل هذین من جهة القرائن علی الصحة ، أمکن ؛ إلاّ أنّه یستلزم عدم الردّ لروایاته التی یروی فیها الثقة عن الضعیف ، ولا قائل بذلک فیما أعلم ، لکن فی الظنّ أنّ التوجیه لا بأس به ، غیر أن الإشکال ربما یخفّ فیمن نقل الإجماع علی تصحیح ما یصح عنه کما نحن فیه وإنّ کان الناقل غیر معلوم.

ومن هنا یعلم أنّ عدم التفات المتأخّرین لتحقیق الحال فی المقام لا یخلو من غرابة ، فلیتأمّل.

وأمّا أبو بصیر ، فالذی یقتضیه الاعتبار أنّه إذا روی عن غیر معیّن کما فی هذه الروایة فهو مشترک بین ضعیف وموثق [ وإمامیّ ثقة (3) (4) ] علی تقدیر بعض نسخ الکشی ؛ إذ فی البعض فی یوسف بن الحرث أبو نصر بالنون وقد أوضحنا الحال فی أبی بصیر فی فوائد الرجال ، وسیجی ء إنّ شاء الله نوع تفصیل (5).

أمّا الإضمار فی الحدیث فبعض الأصحاب أوجب به الضعف (6).

بحث حول أبی بصیر
الإضمار فی الحدیث

ص: 73


1- راجع ص 49 ، 50.
2- انظر الفهرست : 143 / 609 ، ورجال النجاشی : 328 / 888.
3- انظر هدایة المحدثین : 272.
4- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : وأمّا فی نفسه. والظاهر ما أثبتناه.
5- یأتی فی ، ص 83 ، 125.
6- حکاه عن جمع فی منتقی الجمان 1 : 39.

ولا یخلو من تأمّل ؛ لأنّ الإضمار من المتقدمین کثیر ، والسبب فیه أنّ العادة فیهم کانت جاریة بأن یوردوا اسم الإمام المروی عنه فی الأوّل ثم یضمرون بعد ذلک کما هو المتعارف فلما اقتطع المتأخّرون الأخبار أخذوها کما هی ، وبالجملة فأمر هذا سهل.

المتن :

علی تقدیر صحة الخبر فیه دلالة علی نجاسة بول الحمار والبغل.

واحتمال أنّ یکون التردید من السائل لعدم علمه بما وقع السؤال عنه ، ویکون فی الواقع هو الإنسان لا یخلو من بعد ؛ إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع ، وما ذکره الشیخ من تغیّر أحد الأوصاف له وجه.

وقد یقال : إنّه محتمل لأنّ یکون بعضه قد تغیّر ، وظاهر الکرّ أنّه غیر زائد عنه ، فینجس حینئذ ، وإنّ لم یتغیّر جمیعه.

وبالجملة فالإطلاق فی الخبر یحمل علی المقیّد.

وإذا عرفت هذا فما ذکره الشیخ من الأوصاف الثلاثة المقتضیة للنجاسة هو مذهب أهل العلم کافّة کما قاله جماعة من الأصحاب - (1).

وربما ظنّ من الأخبار ثبوت الریح والطعم فقط ، أمّا اللون فقیل : إنّه لازم (2).

وقد یقال : إنّ صحیح حریز بن عبد الله عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کلّما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإذا تغیّر الماء

دلالة خبر أبی بصیر علی نجاسة بول الحمار والبغل
تغّیر الأوصاف الثلاثة المقتضیة لنجاسة الکرّ

ص: 74


1- منهم المحقق الحلی فی المعتبر 1 : 40 ، والعاملی فی مدارک الأحکام 1 : 28.
2- کما فی الحبل المتین : 106.

وتغیّر الطعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب » (1) یدلّ علی اللون من إطلاق تغیّر الماء.

ویشکل : بأنّ الخبر الآتی (2) ؛ عن أبی خالد القمّاط الدالّ علی أنّه إذا لم یتغیّر الریح والطعم فاشرب منه وتوضّأ ؛ یدلّ علی عدم اعتبار اللون ، ولعلّ اللزوم أولی لإثبات الحکم ؛ مضافاً إلی الإجماع.

وذکر الشهید رحمه الله فی البیان : أنّ الماء لو اشتمل علی صفة تمنع من ظهور التغیّر فیه [ فیکفی التقدیر ] (3) (4) ، کما لو کان متغیّراً بأحمر ( طاهر ) (5) ووقع فیه دم.

والذی ینبغی : القطع بوجوب التقدیر أی تقدیر خلوّ الماء عن ذلک الوصف لأنّ التغیّر حینئذ علی تقدیر حصوله تحقیقی ؛ غایة ما هناک أنّه مستور عن الحسّ ، وهذا بخلاف ما تقدم القول فیه عن المحقق الشیخ فخر الدین ووالده (6) ، فإنّ ذاک فیما لو کانت النجاسة مسلوبة الصفات.

وقد اتّفق للأصحاب المتأخّرین بعد ذکر ما قلناه فی المسألتین أنّهم قالوا : هل المعتبر علی القول بتقدیر المخالفة هو الوصف الأشدّ ، کحدّة الخلّ ، وذکاء المسک ، وسواد الحبر ؛ لمناسبة النجاسة تغلیظ الحکم ، أو الواسطة ، لأنّه الأغلب (7)؟

وهذه المخالفة إمّا أنّ تکون فی الماء أو فی النجاسة ، وکلا الأمرین بالنسبة إلی التمثیل بما ذکر لا یخلو من إجمال.

التغّیر التقدیری

ص: 75


1- التهذیب 1 : 216 / 625 ، الوسائل 1 : 137 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 ، بتفاوت یسیر.
2- فی ص 84.
3- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
4- البیان : 98.
5- لیس فی « فض ».
6- راجع ص 75 ، 58.
7- انظر جامع المقاصد 1 : 115 ، معالم الفقه : 17.

وفی الذکری : ینبغی فرض مخالف أشدّ أخذاً بالاحتیاط (1).

ونقل الوالد قدس سره عن بعض الأصحاب : أنّه استقرب اعتبار أوصاف الماء وسطاً ؛ نظراً إلی شدّة اختلافها فی قبول التغیّر وعدمه ، کالعذوبة والملوحة والرّقّة والغلظة والکدورة. قال الوالد قدس سره : وهو محتمل ، حیث لا یکون الماء علی الوصف القوی ؛ إذ لا معنی لتقدیره حینئذ بما دونه (2).

وأنت إذا تأمّلت المقام تجد الإجمال لم یحُمْ حوله البیان.

قوله رحمه الله :

والذی یدل علی هذا المعنی ما أخبرنی به الشیخ رحمه الله عن أحمد ابن محمد بن الحسن ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عیسی ، عن یاسین الضریر ، عن حریز بن عبد الله ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه سئل عن الماء النقیع (3) تبول فیه الدوابّ؟ قال : « إنّ تغیَّر الماء فلا تتوضأ منه ، وإنّ لم تغیّره أبوالها فتوضّأ منه ، وکذلک الدم إذا سال فی الماء وأشباهه ».

السند

فیه محمد بن عیسی ، وهو : ابن عبید بن یقطین ، وقد قال النجاشی : إنّه جلیل فی أصحابنا (4) ثقة عین (5).

بحث حول محمدبن عیسی

ص: 76


1- الذکری 1 : 76.
2- معالم الفقه : 17.
3- البئر الکثیر الماء کتاب العین 1 : 173 ( نقع ).
4- فی « رض » و « فض » : أصحابه.
5- رجال النجاشی : 333 / 896.

وقال الشیخ فی الفهرست : إنّه ضعیف ، استثناه أبو جعفر بن بابویه من رجال نوادر الحکمة ، وقال : لا أروی ما یختص بروایته ، وقیل : إنّه کان یذهب مذهب الغلاة (1) ؛ وکذلک ضعّفه فی کتاب الرجال (2).

وفی باب أنّه لا یجوز العقد علی امرأة عقد علیها الأب من هذا الکتاب بعد ذکر خبر فی طریقه محمد بن عیسی عن یونس قال : وهو ضعیف استثناه أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه من جملة الرجال الذین روی عنهم صاحب نوادر الحکمة (3).

وأظنّ أنّ منشأ توهم الشیخ ضعف محمد بن عیسی هو قول ابن بابویه عن ابن الولید : إنّ کل ما تفرد به محمد بن عیسی عن یونس من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه (4).

وفی القدح بهذا تأمّل ؛ لاحتمال أنّ یکون ذلک لغیر الفسق.

وما قیل (5) : من احتمال صغر السنّ أو غیره ممّا یوجب الإرسال قد یشکل : بأنه یقتضی الطعن فیه من حیث إنّه تدلیس من محمد بن عیسی.

وقد یمکن الجواب : بأنّ أهل الدرایة غیر متّفقین علی المنع من الروایة إجازةً من دون ذکر هذه اللفظة ، وإذا کان کذلک فلا قدح ؛ لاحتمال اختیاره جواز ذلک.

وبالجملة فالطعن فی الرجل محلّ کلام.

ص: 77


1- الفهرست : 140 / 601.
2- رجال الطوسی : 422 / 10.
3- الاستبصار 3 : 155 / 568.
4- نقله عنه فی الفهرست : 182.
5- رجال ابن داود : 275.

ویخطر فی البال أنّ تضعیف الشیخ لمحمد بن عیسی ربما لا ینافی توثیق النجاشی ؛ لاحتمال أنّ یراد بالضعیف عدم قبول روایته وإنّ کان ثقة ، بناءً علی أنّ القبول یفتقر إلی أمر زائد عن التوثیق عند المتقدمین کما یعلم من الشیخ وغیره وحینئذ لا مانع من حکم الشیخ بالضعف وتوثیق غیره.

فإنّ قلت : لو أُرید بالضعف ما ذکر لنبّه علیه النجاشی ؛ إذ لا فرق بین الشیخ والنجاشی فی العمل بالقرائن ، والحال أنّ توثیق النجاشی مطلق.

قلت : یحتمل أنّ یکون النجاشی لم یلتفت إلی قول ابن الولید ، أو لم یثبت عنده منه الضعف ، أو أنّه لا ینافی التوثیق فی نفس محمد بن عیسی ، ومقصود النجاشی ذکر التوثیق لذات الرجل ، أمّا قبول روایة الذی وثقه فأمر آخر ؛ وینبّه علیه أنّه یذکر فی بعض الرجال أنّه صحیح الحدیث (1) ، وفی الظنّ أنّ الغرض من هذا قبول روایته ، فیدلّ علی أنّ التوثیق أعمّ من القبول ؛ کما أنّ صحة الحدیث أعمّ من التوثیق ، فلیتأمّل.

ومن هنا یظهر أنّ إطلاق جدّی قدس سره فی الدرایة : أنّ من ألفاظ الجرح « ضعیف » (2) محلّ تأمّل.

( فإنّ قلت : أیّ ثمرة لقول الشیخ : إنّ محمد بن عیسی ضعیف ، وقول النجاشی : إنّه ثقة ؛ مع عدم العلم بمجرد الروایة.

قلت : الثمرة الاحتیاج إلی زیادة القرائن علی قول الشیخ ، وقلّتها علی قول النجاشی ) (3).

ص: 78


1- انظر رجال النجاشی : 40 / 81 و 82 ، 121 / 310.
2- الدرایة : 72.
3- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».

فإنّ قلت : قد ذکر الشیخ فی التهذیب فی ( باب بیع الثمار ) (1) بعد روایات : أنّ الأصل فیها عمار بن موسی ، وقد ضعّفه جماعة من أهل النقل ، وذکروا : أنّ ما ینفرد بنقله لا یعمل به ؛ لأنّه کان فطحیاً غیر أنّا لا نطعن علیه بهذه الطریقة ؛ لأنّه وإنّ کان کذلک فهو ثقة فی النقل لا یطعن علیه فیه (2). وهذا الکلام منه یفید أنّ التضعیف من جهة کون عمار فطحیاً ، فیتم ما ذکر فی الدرایة.

قلت : کلام الشیخ لا یخلو من تأمّل ؛ لأنّ کون الرجل المذکور ثقة لا یقتضی قبول قوله ؛ إذ الشیخ لا یکتفی بقول الثقة وحده ، فقوله ینافی عمله ؛ إلاّ أنّ یقال : إنّ غرضه عدم ردّ النقل من جهة فساد المذهب ، وأمّا العمل فموقوف علی القرائن ، وفیه ما لا یخفی ، ( وربما یقال : إنّ غرضه بالثقة قبول القول ، وحینئذ یدل علی ما ذکرنا من جهة الضعف ) (3).

وعلی کل حال دلالة کلامه علی انحصار الضعف فی فساد المذهب غیر واضحة ، فلا مانع من إطلاق الضعف من جهة أُخری ، فلیتأمّل.

هذا کله علی تقدیر ما ظنّه الشیخ من کلام ابن الولید فی محمد بن عیسی کما سیأتی مضافاً إلی شمول الضعف ، أو ردّ الروایة من محمد علی الإطلاق ، وفی الأمرین کلام سنوضحه إنّ شاء الله (4).

وما عساه یقال : إنّ الضعف لو أراد به الشیخ ما ذکر لزم عدم الوثوق بالتضعیف والتوثیق فی الرجال.

إشارة إلی حال عمار بن موسی

ص: 79


1- کذا فی النسخ ، وهو سهو ، والصحیح : باب بیع الواحد بالاثنین.
2- التهذیب 7 : 101.
3- ما بین القوسین لیس فی « د ».
4- فی ص 80 82.

یمکن الجواب عنه بالتأمّل فی المقامات ، فإنّها مختلفة ، نعم ربما یقال : إنّ الظاهر من تضعیف الشیخ خلاف ما ذکرناه.

فإنّ قلت : إذا تقرّر أنّ عمل المتقدمین بالأخبار من حیث القرائن ، لا من حیث الصحة الاصطلاحیة ، فما وجه استثناء روایة محمد بن عیسی عن یونس ونحوها من استثناء روایة محمد بن أحمد بن یحیی ، عن جماعة منهم محمد بن عیسی؟

قلت : الظاهر أنّ الوجه بیان الاحتیاج إلی زیادة القرائن ، فإنّ الاستثناء لمّا کان موجباً للردّ احتاج تصحیح الخبر علی رأی المتقدمین إلی قرائن توجب الصحة ، وبدون الاستثناء وإنّ احتیج إلی القرائن إلاّ أنّها أخفّ.

وفی نظری القاصر أنّ فی المقام أموراً توجب التعجب ، فالأوّل : أنّ النجاشی قال بعد ما قدّمناه : وذکر أبو جعفر بن بابویه عن ابن الولید ، أنّه قال : ما تفرّد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه ، ورأیت أصحابنا ینکرون هذا القول ، ویقولون : مَنْ مثلُ أبی جعفر؟ (1).

وأنت خبیر بأنّ ما ینفرد به الراوی لا یعمل به ؛ سواء کان محمد بن عیسی أو غیره ، کما هی عادة المتقدمین ، وکلام النجاشی بعد التوثیق حیث نقل ما سمعته یفید أنّه فهم القدح ، والظاهر أنّه لا یوجب ما نقله القدح ، فلا وجه لذکره إنکار الأصحاب ، بل کان الأولی التنبیه علی عدم القدح بما ذکر.

واحتمال أنّ یقال ؛ إنّ کلام النجاشی یشعر بهذا من حیث سیاق الکلام ، وکأنّه فی مقام التعجب من الأصحاب ؛ له وجه ، لکن الظاهر من

ص: 80


1- رجال النجاشی : 333 / 896.

الکلام خلافه.

الثانی : المنقول عن الصدوق أبی جعفر موافقته لشیخه ابن الولید فی الاستثناء ، وقد صرّح فی الفقیه فی باب الجمعة فی خبر رواه حریز عن زرارة : بأنّه لا یعمل به لتفرّد حریز عن زرارة فی روایته (1) ، وقوله فی محمد ابن عیسی : لا أروی ما یختص بروایته - (2) موجب لنوع تخصیص بمحمد ابن عیسی ، والجمع بین الأمرین غیر واضح ، وقد قدمنا أنّ فی الفقیه ما یقتضی خلاف هذا أیضاً ، وأجبنا عنه فی الجملة (3) ، وفی المقام یمکن التوجیه بتکلّف.

الثالث : الذی یقتضیه کلام الشیخ فی الفهرست (4) أنّ ابن بابویه استثناه من رجال نوادر الحکمة ، وکتاب نوادر الحکمة لمحمد بن أحمد بن یحیی ، واللازم منه استثناؤه من روایة محمد بن أحمد بن یحیی عنه کما هو مذکور فی ترجمة محمد بن أحمد بن یحیی وحینئذ لا دخل لروایته عن یونس إلاّ من حیث قول ابن بابویه : ولا أروی ما یختص بروایته ؛ بناءً علی أنّه عامّ لا یختص بروایة محمد بن أحمد بن یحیی ، والحال أنّ الشیخ فی هذا الکتاب فی باب أنّه لا یجوز العقد علی امرأة عقد علیها الأب قال - بعد خبر رواه محمد بن عیسی عن یونس - : وهو ضعیف قد استثناه أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین من جملة الرجال الذین روی عنهم ( صاحب نوادر الحکمة (5).

ص: 81


1- الفقیه 1 : 266 / 1217.
2- حکاه عنه الشیخ فی الفهرست : 141.
3- راجع ص 49 50.
4- الفهرست : 140 / 601
5- الاستبصار 3 : 155 / 568.

وهذا الکلام صریح فی أنّ ابن بابویه استثناه من الرجال الذین یروی عنهم ) (1) محمد بن أحمد بن یحیی ، لا أنّه لا یروی عنه مطلقاً.

إلاّ أن یقال : إنّه لمّا استثناه فهم منه عدم الروایة عنه مطلقاً.

وفیه نظر واضح ؛ لجواز اختصاص المورد ، وما نقله عنه من قوله : لا أروی ما یختص به غیر صریح فی العموم ، لجواز خصوص المورد أیضاً.

الرابع : مقتضی کلام النجاشی أنّ ابن بابویه نقل عن ابن الولید أنّه لا یعتمد علی ما یرویه محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه (2) ، وکلام الشیخ کما تری فی الفهرست (3) ، وهذا الکتاب (4) خلاف ذلک ، فینبغی تأمّل ما ذکرناه فإنّه موجب لذلک.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّه سیأتی إن شاء الله الکلام فی روایة محمد بن أحمد بن یحیی ، عن الحسن بن الحسین اللؤلؤی ، ویذکر ما فی کلام أبی العباس هناک (5) ، وهو مؤیّد لما قلناه هنا.

ومن عجیب ما اتفق ممّا یناسب هذا المقام أنّ الشیخ ذکر الأخبار الواردة فی أنّ شهر رمضان یلحقه ما یلحق غیره من الشهور فی النقصان ، وقال بعد ذکر الروایات الدالة علی أنّه لا ینقص : إنّ أصلها واحد (6) ، والحال أنّ الصدوق ذکر ضدّ ذلک وبالغ فیه غایة المبالغة (7) ، کما ذکرناه مفصّلاً فی

ص: 82


1- ما بین القوسین لیس فی « فض ».
2- رجال النجاشی : 333 / 896.
3- الفهرست : 140 / 601.
4- راجع : ص 80.
5- یأتی فی 2 : 98.
6- الاستبصار 2 : 69 ، التهذیب 4 : 172.
7- الفقیه 2 : 111.

معاهد التنبیه علی نکت من لا یحضره الفقیه.

والمقصود هنا بیان أنّ الصدوق إذا لم یعمل بالخبر المجرّد عن القرائن ، فکیف یدّعی الشیخ أنّ الأخبار الدالة علی مطلوبه لیس لها قرائن توجب العمل ، ولو احتمل عمل الصدوق من دون القرائن ، ینافی ما یصرّح به فی الفقیه ، کما قدمناه عنه (1) ، وإنّ وافقه بعض ما قدّمناه ، إلاّ أنّه لا بدّ من الجواب عن الموافق کما علمت ؛ لحصول ما یقرب من العلم بعمل المتقدمین بما ذکر.

واحتمال أنّ یقال : بجواز حصول القرائن للصدوق دون الشیخ ، هو غایة ما یمکن من الجواب ، إلاّ أنّه تکلف ، وعلی کل حال فالمقام فی حیّز الإشکال.

وقد یتوجه ما قدّمناه من الاحتمال بالنسبة إلی المتأخّرین فیحتمل العمل بما یرویه محمد بن عیسی عن یونس لأنّهما ثقتان ، والاتصال ظاهراً موجود ، فیصدق علیه تعریف الصحیح لو جمع صفاته من غیر هذا الوجه.

والاستثناء المذکور فی کلام من ذکر لا یقتضی الضعف ؛ لجواز کون الوجه فیه مختصا بالمتقدّمین الموقوف [ عملهم ] (2) علی اقتران الخبر بالقرائن ، غایة الأمر أنّ فیه السؤال السابق : من أنّه لا وجه لاختصاص محمد بن عیسی عن یونس بهذا.

ویمکن أنّ یقال : إنّ الاستثناء إذا خفی وجهه بحیث احتمل عدم ضعف کل من الرجلین لا یقدح فی الصحة المعتبرة عند المتأخّرین.

وما عساه یقال : إنّ مرجع الصحة إلی توثیق الرواة من المتقدّمین ،

ص: 83


1- راجع ص 49 50.
2- فی النسخ : علیهم ، والظاهر ما أثبتناه.

وإذا صرّحوا بالاستثناء یعلم عدم التوثیق فی هذه المادّة ، وإنّ وثّق الرجل من جهة أُخری ، کما یقول أصحاب الرجال : ثقة فی الحدیث ، فإنّه یقتضی اختصاص التوثیق بالحدیث ، وهکذا یقال فی محمد بن عیسی عن یونس.

یمکن الجواب عنه : بالفرق بین التصریح بالتوثیق الخاص وبین الإجمال الواقع فی محمد بن عیسی ؛ وفی البین کلام بالنسبة إلی الفرق ، إلاّ أنّه قابل للتسدید ، والله تعالی أعلم بالحال.

وأمّا یاسین الضریر فهو مذکور فی الرجال مهملا (1).

وأبو بصیر قد تقدّم القول فیه إجمالا من الاشتراک إذا روی عن غیر معیّن من الأئمّة علیهم السلام بین ثلاثة (2) ، وفی المقام اشتراکه بین الإمامی الثقة والموثق مع نوع قدح فیه ، وقد عدّ من الموثق فی مثل هذه الروایة ، والذی یقتضیه الخبر الآتی من الشیخ فی الکتاب : القدح فی عقیدته علی وجه یقتضی التوقّف فی کون خبره موثقا ، وسنبیّنه إنّ شاء الله تعالی (3).

المتن :

فیه دلالة علی مطلق التغیّر الشامل للأوصاف الثلاثة ، لکن قد علمت حال سنده ، وهکذا القول فی دلالته علی نجاسة أبوال الدوابّ ، ولا أدری الوجه فی عدم تعرض الشیخ لحمل الحدیث علی أنّ الماء لیس بقلیل إلاّ ما تقدّم منه (4).

إشارة إلی حال یاسین الضریر
إشارة إلی حال أبی بصیر
تغّیر الأوصاف

ص: 84


1- انظر رجال النجاشی : 453 / 1227 ، والفهرست : 183.
2- راجع ص 72.
3- یأتی فی ص 125.
4- راجع ص 69.

وربّما کان فی قوله : « وإن لم تغیّره أبوالها فتوضّأ منه » دون الشرب إشارة إلی عدم جواز الشرب ، لاشتمال الماء علی فضلة لا یجوز شربها. وفیه نوع تأمّل ، إلاّ أنّ البحث مع ضعف الخبر قلیل الفائدة.

أمّا قوله : « فی الماء وأشباهه » فیحتمل الضمیر فی أشباهه العود إلی الدم ، ویراد بأشباهه سائر النجاسات ؛ ویحتمل أشباه الماء ، ولا یخفی ما فیه ؛ ویحتمل أشباه الدم من النجاسات ذوات الألوان ، هذا.

ولا ریب أنّ تغیّر الماء وإن کان فی ظاهره إطلاق ، إلاّ أنّ المراد تغیّره بالنجاسات ، وقد أزال الارتیاب علیه السلام بقوله « وإن لم تغیّره أبوالها ».

قوله :

وبهذا الإسناد عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن العباس بن معروف ، عن حماد بن عیسی ، عن إبراهیم بن عمر الیمانی ، عن أبی خالد القماط أنّه سمع أبا عبد الله علیه السلام یقول فی الماء یمرّ به الرجل وهو نقیع فیه المیتة والجیفة ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « إن کان (1) قد تغیّر ریحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه ، وإن لم یتغیّر ریحه وطعمه فأشرب وتوضّأ منه (2) ».

السند

إبراهیم بن عمر الیمانی ، ذکر النجاشی : أنّه شیخ من أصحابنا ثقة ، روی عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، ذکر ذلک أبو العباس وغیره (3).

بحث حول إبراهیم بن عمر الیمانی

ص: 85


1- فی الاستبصار 1 : 9 / 10 : إن کان الماء.
2- لیست فی الاستبصار 1 : 9 / 10.
3- رجال النجاشی : 20 / 26.

والعلاّمة فی الخلاصة نقل عن ابن الغضائری أنّه قال : إنّه ضعیف جدّاً ، ثم قال العلاّمة : والأرجح عندی قبول روایته ، وإنّ حصل بعض الشک بالطعن فیه (1).

واعترضه جدّی قدس سره بأنّ فی تعدیله نظرا :

أمّا أوّلاً : فلتعارض الجرح والتعدیل ، والأوّل مرجَّح.

وأمّا ثانیاً : فلأنّ النجاشی نقل توثیقه ( وما معه ) (2) عن أبی العباس وغیره ، وأبو العباس هذا إمّا أحمد بن عقدة ، وهو زیدی المذهب ، أو ابن نوح ، ومع الاشتباه لا یفید (3). انتهی ملخّصا.

وفیه نظر ، أمّا أوّلاً : فلأن کون التوثیق من النجاشی مجرّد النقل غیر معلوم ، بل الظاهر خلافه ؛ وأنّ النقل لروایته عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهماالسلام ، لأنّه أقرب.

وأمّا ثانیاً : فلأنّه بتقدیر الاحتمال ، فالظاهر من أبی العباس هو ابن نوح عند الإطلاق ، وإذا ثبت التوثیق من النجاشی ، لا عبرة بقول ابن الغضائری ، لأنّه غیر معلوم الحال.

( فإن (4) قلت : ابن الغضائری هو أحمد ، أو الحسین؟.

قلت : الظاهر أنّه أحمد ؛ لأنّ العلاّمة ذکر فی ترجمة إسماعیل بن مهران ما هذا لفظه : وقال الشیخ أبو الحسین أحمد بن الحسین بن عبید الله (5). والشیخ قال فی خطبة الفهرست ما معناه : أنّ جماعة الأصحاب

بحث حول ابن الغضائری

ص: 86


1- خلاصة العلاّمة : 6.
2- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».
3- حواشی الشهید علی الخلاصة ( المخطوطة ) : 1.
4- من هنا إلی قوله : وإذا عرفت هذا ، فی ص 87 ساقط من « فض » و « د ».
5- خلاصة العلاّمة : 8.

لم یتعرض [ أحد ] (1) منهم لاستیفاء الرجال ، إلاّ ما قصده أبو الحسین أحمد بن الحسین بن عبید الله ، فإنّ له کتابین : أحدهما ذکر فیه المصنفات ، والآخر ذکر فیه الأُصول (2).

وابن طاوس (3) قال فی کتابه الجامع للرجال من کتب الأصحاب ما صورته : ومن کتاب أبی الحسین بن عبید الله الغضائری (4).

وفی الخلاصة أیضاً فی ترجمة عمرو بن ثابت : أنّه ضعیف جدّاً قاله ابن الغضائری. وقال فی کتابه الآخر : عمرو بن أبی المقدام ، إلی آخره (5).

وهذا یؤیّد ما قاله الشیخ : من أنّ لابن الغضائری کتابین.

ویزید الحال وضوحاً أنّ الحسین بن عبید الله لم یذکر النجاشی أنّ له کتاباً فی الرجال (6).

وذکر العلاّمة فی ترجمة أحمد بن الخضیب : أنّ ابن الغضائری قال

ص: 87


1- أثبتناه من المصدر.
2- الفهرست : 1.
3- هو السید جمال الدین أحمد بن موسی بن طاوس الحسنی ( الحسینی ) الحلّی ، المتوفی 673 ه ، مؤلف : البشری ، والملاذ ، وغیرهما ، أخو السید رضی الدین علی ابن موسی بن طاوس ، المتوفی 664 ه ، صاحب الإقبال ، وجمال الأسبوع ، وغیرهما.
4- المنقول من المصدر هکذا : وکتاب أبی الحسین أحمد بن الحسین بن عبید الله الغضائری انظر التحریر الطاووسی : 5 ، والذریعة إلی تصانیف الشیعة 3 : 386 ، 7 : 65.
5- خلاصة العلاّمة : 241 / 10.
6- رجال النجاشی : 69 / 166.

حدثنی أبی أنّ فی مذهبه ارتفاعا (1).

والحسین لم یعهد له أب [ لأنّ یفید (2) ] فی أمثال هذه المقامات ، وعلی هذا فحکم جدّی قدس سره بأنّه الحسین ، لا یخفی ما فیه.

ثم إنّ أحمد لم نقف علی ما یقتضی توثیقه ، نعم یستفاد من العلاّمة الاعتماد علی قوله فی ترجمة صباح بن قیس ، قال فی القسم الثانی : إنّه أبو محمد ، کوفی زیدی ، قاله ابن الغضائری ، وقال : حدیثه فی حدیث أصحابنا ضعیف ، وقال النجاشی : إنّه ثقة (3).

والظاهر من ذکره فی القسم الثانی الاعتماد علی قول ابن الغضائری ، فمن اعتمد علی توثیق العلاّمة یلزمه توثیق المذکور ، فالعجب من جماعة من مشایخنا حیث توقّفوا فی أحمد ، مع الاعتماد علی ما ذکرناه من توثیق العلاّمة للرجال.

وإذا عرفت هذا ) (4) فقول جدّی قدس سره إنّ الجرح مقدم (5) ، لا یخفی دفعه ، وتحقیق الحال فی الرجال ، وإنّما هذا علی سبیل الإجمال.

نعم قد یتوجه علی توثیق النجاشی : أنّه إذا رجع إلی أبی العباس أحمد بن نوح ، ففیه نوع کلام ، کما یعرف من ملاحظة ترجمته ، إلاّ أنّ الجواب سهل ، وسیأتی إنّ شاء الله تعالی ذکر ما لا بدّ منه فی محلّ آخر (6).

وأمّا أبو خالد القماط ، فالذی صرّح به النجاشی : أنّ اسمه یزید

بحث حول أبی خالد القماط

ص: 88


1- خلاصة العلاّمة : 204.
2- فی « رض » : ان بعید ، والظاهر ما أثبتناه.
3- خلاصة العلاّمة : 230.
4- من قوله : فإنّ قلت ، فی ص 85 إلی هنا ساقط من « فض » و « د ».
5- الدرایة : 73.
6- یأتی فی ص 222 223.

ووثّقه (1) ؛ والشیخ قال فی کتاب الرجال : خالد بن یزید یکنّی أبا خالد القماط (2) ؛ وأظنّه وهماً.

وفی الکشی نوع اضطراب ، وقد یأتی فی بعض أسانید الکشی : أبو خالد صالح القماط (3) ، والقرائن تخصّص المراد.

المتن :

لا یخفی إطلاقه ، لکنه یقید بالکثیر البالغ کرّاً ، کما تضمنته الأخبار الدالة علی ذلک ، وذکر المیتة والجیفة یحتمل المرادفة ، ویحتمل المغایرة معنیً ، والجیفة أعم ، وقد تقدم التنبیه علی دلالة الحدیث علی الوصفین فقط وجوابه (4).

قوله رحمه الله :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع قال : کتبت إلی من یسأله عن الغدیر یجتمع فیه ماء السماء ویستقی فیه من بئر یستنجی فیه الإنسان من بول أو غائط ، أو یغتسل فیه الجنب ، ما حدّه الذی لا یجوز؟ فکتب : « لا یتوضّأ من مثل هذا إلاّ من ضرورة إلیه ».

فهذا الخبر محمول علی ضرب من الکراهیة ، لأنّه لو لم یکن کذلک لکان لا یخلو ماء الغدیر أنّ یکون أقل من الکرّ ، فإنّ کان کذلک

ص: 89


1- رجال النجاشی : 452 / 1223.
2- رجال الطوسی : 189 / 71.
3- رجال الکشی 2 : 687 / 731.
4- راجع ص 73 74.

فإنّه ینجس ، ولا یجوز استعماله علی حال ، ویکون الفرض التیمم ؛ أو یکون المراد أکثر من الکرّ فإنّه لا یحمل نجاسة ، ولا یختص حال الاضطرار ، والوجه فی هذه الروایة الکراهیة ؛ لأنّ مع وجود المیاه المتیقّن طهارتها لا ینبغی استعمال هذه المیاه ، وإنّما تستعمل عند فقد الماء علی کل حال.

السند

قد تقدّم الطریق إلی الحسین بن سعید (1) ، والإضمار قد قدّمنا الوجه فی عدم قدحه بالصحة (2).

وما اشتهر بین المتأخّرین من أنّ المکاتبة لا یخلو من شی ء (3) محلّ کلام.

أمّا ما یتوهم من أنّ المکتوب معه غیر معلوم فدفعه أنّ ظاهر الجواب بقوله : فکتب ، الجزم من محمد بن إسماعیل بذلک.

وما قد یقال ؛ إنّ الجزم ربّما یکون بسبب اعتماده علی الرسول ولا یجدی نفعاً لغیره ؛ ففیه : أنّ الظاهر الجزم بکون الکتابة من الإمام علیه السلام فهی کسماع لفظه علیه السلام ، وقد یختلج شک فی المقام ، إلاّ أنّ أمره سهل.

المتن :

لا یخلو من إجمال ، فإنّ ضمیر « یستنجی فیه » یحتمل أن یعود إلی

بحث حول المکاتبة

ص: 90


1- راجع : ص 69.
2- راجع : ص 72.
3- انظر المعتبر 1 : 56 ، والذکری 1 : 88.

الغدیر ، ویحتمل العود إلی البئر ( بنوع من التوجیه ، إمّا علی أنّ البئر لیس بمؤنّث حقیقی ، وسیأتی فی البئر ما یؤیّده (1) ، أو بإرادة الماء ) (2) وکأنّ الشیخ رجّح الأوّل کما یظهر من توجیهه ، وربما یوجه الثانی بأنّ مورد السؤال حینئذ یکون عن الماء الذی یستقی من البئر مع اتصافه بما ذکر ، ووجه التنزّه عن ماء الغدیر لأنّ فیه ماء البئر الواقع فیه ما ذکر ، ولو عاد إلی الغدیر أشکل الحال باغتسال الجنب ، فإنّ اغتساله لا یؤثّر فی الغدیر إلاّ إذا کان بدنه نجسا ، وبدون ذلک لا یؤثّر إلاّ بتقدیر کونه ماءً مستعملاً ، والإشکالات فی الماء المستعمل أشد.

أمّا لو رجع إلی البئر ، فالأخبار فیه موجودة بما یقرب معها التنزّه عن الماء.

لکن لا یخفی أنّه یبعّد هذا الوجه أنّ السؤال لیس عن ماء البئر بل عن الغدیر ، وذکر السقایة من البئر بالعارض ، إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع.

وما قاله الشیخ من الحمل علی الکراهة قد لا یوافقه ظاهر السؤال ؛ فإنّ مفاده طلب الحدّ الذی لا یجوز.

ولعلّ الجواب أنّ العبارة لا تنافی الکراهة.

نعم قد یشکل ما قاله الشیخ من أنّ الماء لو کان أقلّ من الکرّ فإنّه ینجس بأنّ الاستنجاء من البول والغائط لا ینجّس الماء ، واغتسال الجنب لا یقتضی نجاسة الماء إلاّ إذا کان بدنه نجسا.

ویجوز حمل الحدیث علی عدم نجاسة البدن ، غایة الأمر أنّ یصیر الماء مستعملا ، والمنع من المستعمل محلّ کلام ، فلو فرض أنّ ماء الغدیر

حکم ماء الغدیر الذی یستنجی ویغتسل فیه

ص: 91


1- یأتی فی ص 243.
2- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».

أقلّ من کرّ لا یلزم التنجیس مطلقاً ، ولعلّ سبب الکراهة نفرة النفس واحتمال النجاسة.

أمّا قول الشیخ : أو یکون المراد أکثر من الکرّ ؛ فلا حاجة إلی ذکر الأکثر ، وعلی تقدیر کونه کرّاً إذا لم یتغیّر یشکل کراهة الاستعمال ، مع وجود المیاه المتیقن طهارتها ؛ لأنّه حکم بمجرد الاحتمال فی الروایة ، فلیتأمّل.

قوله رحمه الله :

2 - باب کمّیّة الکرّ

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أیوب بن نوح ، عن صفوان ، عن إسماعیل بن جابر قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الماء الذی لا ینجّسه شی ء ، قال : « ذراعان عمقه ، فی ذراع وشبر سعته ».

السند

هنا کما تری ، وفی التهذیب رواه عن الشیخ ، عن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن أبیه ، عن محمد بن یحیی ، عن أیوب بن نوح (1). ولا ضیر فی ذلک ( إلاّ من حیث اشتمال السند علی محمد بن یحیی ) (2) (3).

کمیّة الکرّ

بحث حول أحمد بن محمد بن یحیی

ص: 92


1- التهذیب 1 : 41 / 114. وفیه : عن محمد بن یحیی عن محمد بن أحمد بن یحیی.
2- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».
3- فی « د » زیادة : وما قاله فی الفهرست من أنّ طریقه الی محمد بن [ أحمد بن ] یحیی فی روایة جمیع کتبه وروایاته لیس فیه الطریق التی فی التهذیب ربما یظنّ منه الوهم فی طریق التهذیب ، إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع.

أمّا ما ذکره شیخنا قدس سره فی فوائده علی الکتاب : من أنّه فی طریق الروایة أحمد بن محمد بن یحیی العطار ، ولم ینصّ الأصحاب علی توثیقه ، ولکن لا یبعد قبول روایته ، وقد روی هذه الروایة فی التهذیب عن أحمد ابن محمد بن الحسن ، عن أبیه ، عن محمد بن یحیی ، إلی آخر الاسناد ، وهو صحیح.

ففیه نظر واضح ؛ لأنّ أحمد بن محمد بن الحسن مشارک لأحمد بن محمد بن یحیی فی عدم التوثیق ، بل أحمد بن محمد بن یحیی مذکور فی رجال الشیخ (1) دون أحمد بن محمد بن الحسن ، وإنّ کان الذکر لا یفید توثیقا إلاّ أنّه له فائدة ما.

والعلاّمة قد صحّح طریق الشیخ إلی الحسین بن سعید (2) ، وأحمد بن محمد بن یحیی فیه ، لکن قد سمعت القول فی ذلک (3) : ( هذا.

وفی نسخة مقابلة بنسخة الأصل بالطریق السابق عن محمد بن أحمد ابن یحیی ، عن محمد بن یحیی ؛ ومحمد بن یحیی هذا هو الضعیف علی ما قاله الشیخ فی روایة محمد بن أحمد بن یحیی عنه ، والحکم بالصحة علی الإطلاق واضح الإشکال ، ولا یبعد أنّ یکون ما هنا فیه تصحیف ، والأصل أحمد بن محمد بن عیسی مع نوع تبدیل ، إلاّ أنّ الاعتماد علی ما یوجب الجزم بالصحة غیر حاصل.

ص: 93


1- رجال الطوسی : 449 / 60.
2- خلاصة العلاّمة : 276.
3- راجع ص 39.

وبالجملة فالأمر فی الاستناد بالنسبة إلی الکتابین غریب ، فتأمّل ) (1).

المتن :

لا یخلو من إجمال من جهة الذراع والشبر فی السعة ، لاحتمال أن یراد بالسعة ما یعم الطول والعرض ، أو یراد أحدهما کما فی غیره من الأخبار وترک الآخر ، ویفارق غیره من الأخبار ، إذ ( مساواة ) (2) المقدار المذکور قد یدل علی أنّ غیر المذکور مثله ، بخلاف هذه الروایة فإنّ المقادیر مختلفة ، ولم یعلم أنّ أحد البُعدین کالعمق فی الذراعین ، أو کالبُعد الآخر فی الذراع والشبر.

وشیخنا قدس سره فی المدارک جزم بأنّ معنی الحدیث اعتبار الذراع والشبر فی کل من البعدین (3) ، ومراده أنّ کلاًّ من عرضه وطوله ثلاثة ، فیکون المجموع ستة وثلاثون شبراً ، إذ الذراع والنصف ثلاثة.

وفی المعتبر یظهر منه المیل إلی العمل بالروایة (4) ، والإجمال فیها یوجب نوع إشکال ، مضافا إلی عدم الموافقة للأقوال المنقولة فی المسألة کما سیأتی ذکره إنّ شاء الله (5).

قوله رحمه الله :

وبهذا الإسناد عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن

أبعاد الکّر بالذراع والشبر

ص: 94


1- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
2- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
3- مدارک الأحکام 1 : 51.
4- المعتبر 1 : 46.
5- انظر ص 101 102.

محمد ، عن البرقی ، عن عبد الله بن سنان ، عن إسماعیل بن جابر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الماء الذی لا ینجّسه شی ء ، ( قال : « کرّ » قلت : وما الکرّ ) (1)؟ قال : « ثلاثة أشبار فی ثلاثة أشبار ».

السند

المشار إلیه هو الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، وقد عرفت الحال فیه (2).

وأحمد بن محمد هو ابن عیسی ، والبرقی محمد بن خالد ، وقد نصّ الشیخ علی توثیقه فی کتاب الرجال (3) ، لکن قال النجاشی : إنّه کان ضعیفاً فی الحدیث (4) ، وکان الوالد (5) قدس سره وشیخنا (6) قدس سره یقولان : إنّ هذا لا یقدح فیه نفسه ، لأنّ المراد کونه یروی عن الضعفاء.

ولی فی هذا نظر ؛ لأنّ الروایة عن الضعفاء لا یختص بمحمد بن خالد ، وحینئذ لا بدّ لتخصیصه من وجه ، کما لا یخفی.

أمّا ما قاله العلاّمة - نقلاً عن ابن الغضائری - : من أنّ محمد بن خالد یروی عن الضعفاء کثیراً ویعتمد المراسیل (7) ؛ فلا أری وجهاً لذکر اعتماده علی المراسیل ، ( لأنّ ) (8) هذه مسألة اجتهادیة لا تقدح فی حال الرجال.

بحث حول محمد بن خالد البرقی

ص: 95


1- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».
2- راجع : ص 63 و 91.
3- رجال الطوسی : 386 / 4.
4- رجال النجاشی : 335 / 898.
5- معالم الفقه : 9.
6- مدارک الأحکام 1 : 50.
7- خلاصة العلاّمة : 139 / 14.
8- بدل ما بین القوسین فی « د » : کما قدمناه من أنّ.

واحتمال أنّ یراد باعتماده علی المراسیل أنّه یرسل أو یروی مرسلاً معتقداً صحته ، فهو یرجع إلی التدلیس ، علی أنّ هذا الاحتمال یوجب الخلل فی نقل أصحابنا عنه : أنّه کان یعمل بالمراسیل فی مسائل الأُصول ، إذ الظاهر من کلامهم أنّه اجتهد فی هذا.

وبالجملة فللکلام مجال واسع فی شأن الرجل ، لا سیّما والنجاشی لم یذکر توثیقه ، أمّا کلام ابن الغضائری فلا یعتد به ؛ لعدم العلم بحاله.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الشیخ روی هذه الروایة فی التهذیب بطریقین : أحدهما کما فی هذا الکتاب (1) ، والآخر عن محمد بن خالد ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعیل بن جابر (2). والکلینی رواها عن البرقی ، عن ابن سنان (3) ، من غیر تعیین ، وهذا یوجب عدم الوثوق بصحة الروایة ، کما نبّه علیه الوالد ، وشیخنا (4) 0 بل جزما بأنّ الراوی محمد بن سنان ، وأنّ عبد الله سهو ؛ وفی هذا نوع تأمّل.

وبما قررناه یعلم أنّ ظنّ ردّ الروایة من جهة أُخری ، فیه ما فیه ، فلیتأمّل.

المتن :

قد استدل به الصدوق وجماعة القمیّین علی ما قیل (5) : من اکتفائهم ببلوغ الکرّ سبعة وعشرین شبراً ، ووجّهوا ترک البُعد الثالث فی الروایة

ص: 96


1- التهذیب 1 : 41 / 115.
2- التهذیب 1 : 37 / 101 ، الوسائل 1 : 118 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 7.
3- الکافی 3 : 3 / 7.
4- منتقی الجمان 1 : 51 ، مدارک الأحکام 1 : 50.
5- المختلف 1 : 21.

للاعتماد علی العلم بالبعدین الآخرین ، قال الوالد قدس سره : وهو تکلّف ظاهر (1).

وفیه : أنّ هذا متعارف فی المحاورات.

وفی المعتبر : إنّ کان معوّل الصدوق علی هذا فهی ناقصة عن اعتباره (2) ، ولا یخفی علیک الحال بعد ما ذکرناه.

قوله رحمة الله :

وأخبرنی الشیخ رحمة الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عیسی ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الکرّ من الماء کم یکون قدره؟ قال : « إذا کان الماء ثلاثة أشبار ونصف فی مثله ، ثلاثة أشبار ونصف فی عمقه فی الأرض فذلک الکرّ من الماء ».

السند

فیه عثمان بن عیسی وقد تقدم فیه القول ، وکذلک أبو بصیر (3).

وما ذکره شیخنا قدس سره من أنّ روایة ابن مسکان عن أبی بصیر یعیّن کونه لیث المرادی ؛ لا یخلو من تأمّل ، لما قاله الوالد قدس سره من أنّه اطّلع علی روایة فیها ابن مسکان عن أبی بصیر یحیی بن القاسم ، وأظنّ أنّی

روایة ابن مسکان عن أبی بصیر

ص: 97


1- معالم الفقه : 9.
2- المعتبر 1 : 46.
3- راجع ص 50 ، 51.

وقفت علی ذلک أیضا.

وفی المدارک قال بعد ذکر روایة أبی بصیر : إنها مستند القول بالثلاثة ونصف ، وهی ضعیفة السند بأحمد بن محمد بن یحیی (1) ، وهذا بناءً منه علی النقل من التهذیب ، فإنّه رواها فیه عن محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن یحیی (2) ؛ والوهم من الشیخ فی هذا اللفظ ، أو من الکاتب ، وإنما هو أحمد بن محمد ، ولفظ « بن یحیی » سهو ، أو أنّه فی الأصل « بن عیسی » فصحف عیسی بیحیی ، وکثیرا ما تری هذا فی التهذیب والاستبصار ، ولا ریب فی الوهم ؛ فالحکم من شیخنا قدس سره بجهالة أحمد بن محمد بن یحیی لا وجه له ، ولو راجع الاستبصار زال الشک.

المتن :

هو دلیل المشهور بین المتأخّرین من القول بأنّ الکرّ ما کانت أبعاده الثلاثة کل واحد ثلاثة أشبار ونصف.

وقد وقع الاضطراب فی أنّ المتروک من الأبعاد فی الروایة ما هو؟ فالذی ظنّه جدّی قدس سره أنّ المتروک فیه العمق (3).

واعترض علیه بأنّه یستلزم أنّ یکون قوله فی عمقه کلاما منقطعا ، بل الأولی حینئذ أنّ یکون المتروک هو العرض (4). ولا یخلو من وجاهة.

واحتمال أنّ یکون الثلاثة مذکورة : بأن یعاد الضمیر فی قوله : فی

أبعاد الکّر عند المتأخرین

ص: 98


1- مدارک الأحکام 1 : 49.
2- التهذیب 1 : 42 / 116.
3- روض الجنان : 140.
4- الحبل المتین : 108.

مثله ، إلی ما دلّ علیه قوله علیه السلام : « ثلاثة أشبار ونصف » أی فی مثل ذلک المقدار لا فی مثل الماء ، إذ لا محصّل له ، وکذا الضمیر فی قوله علیه السلام : « فی عمقه » أی فی عمق ذلک المقدار من الأرض.

له وجه أیضاً ، لولا إمکان أنّ یقال : إنّ ثلاثة مجرورة علی البدلیّة من مثله ، إمّا علی أنّ لفظة « فی عمقه » صفة ، أو هی حال ، وعلی التقادیر لا یفید ذکر العرض المطلوب إثباته ، اللهُمَّ إلاّ أنّ یکون حالا بتقدیر شی ء یتم به المطلوب ، أی حال کون مثلها فی عمقه ، لا نفسها ، فإنّه لا یوافق المراد إلاّ بتکلّف ، فلیتأمّل.

فإنّ قلت : ما وجه الجرّ فی « ونصف » فی الروایة ، مع أنّه ینبغی النصب ، لعدم صحة المجاورة مع العطف؟

قلت : هکذا فی النسخ التی رأیتُها ، والأمر کما ذکرت ، وفی التهذیب « ونصفا » (1) وهو الصواب ، إلاّ أنّ فیه : فی مثله ثلاثة أشبار ونصف فی نسخة ، ونصفاً فی أُخری ، وکذلک فی بعض نسخ الإستبصار (2) ، والوجه فی ذلک یعرف ممّا قدّمناه.

فإنّ قلت : علی ما فی التهذیب وبعض النسخ للکتاب من نصب نصف الأخیرة ، یجوز أنّ تکون معطوفة بحذف حرف العطف ، وقد جوّزوا ذلک.

قلت : لما ذکرت وجه ، إلاّ أنّ فی الظنّ أنّ جواز ذلک فی عطف الجمل لا المفردات ، کقولهم : کیف أصبحت کیف أمسیت؟ ، ویفهم من بعض جواز ذلک فی المفردات علی ضعف ، ولعلّه إذا صحّ فی الجملة کفی

ص: 99


1- التهذیب 1 : 42 / 116.
2- الاستبصار 1 : 10 / 14.

فی ثبوت الاحتمال ، إلاّ إذا کان الحدیث منقولا بالمعنی ، وفی البین کلام.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الوالد قدس سره أراد تأیید الروایة لتصلح للاحتجاج ، بأنّ الأخبار الدالة علی اشتراط الکریّة اقتضت کونها شرطا لعدم انفعال الماء بالملاقاة ، فما لم یدل دلیل شرعی علی حصول الشرط یجب الحکم بالانفعال ، وقد انتفی علی الأقل من مضمون الروایة ، والأکثر المنقول عن ابن الجنید : من اعتبار المائة شبر (1) ؛ لم یثبت ، فتعیّن هذا المقدار (2).

وقد تکلمت فی ذلک فی مواضع بما حاصله : أنّ العمدة عنده قدس سره فی نجاسة القلیل مفهوم الشرط فی الخبر الدال علی أنّ الماء إذا کان قدر کرٍّ لم ینجّسه شی ء ، وحینئذ یقال علیه : کما ذکره من أنّ الحکم بالتنجیس موقوف علی انتفاء الکرّیّة ، وفیما دون القدر المدلول علیه فی الخبر المبحوث عنه لم یعلم الشرط ، فکیف یحکم بالتنجیس؟.

اللهُمَّ إلاّ أنّ یقال : بالفرق بین شرط التنجیس وشرط الطهارة ، ففی الأول الشرط عدم العلم بالکرّیّة ، وشرط الطهارة العلم بالکرّیّة ، وفی المقام بحث طویل لیس هذا محلّه.

ولا یخفی علیک أنّ الأخبار السابقة المتضمنة لأنّ الکرّ نحو الحبّ وأکثر من راویة مؤیدة لقول القمیّین ، وأمّا قول ابن الجنید فسیأتی الکلام فیه إنّ شاء الله.

قوله رحمه الله :

فأما ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن یعقوب بن یزید ،

الکریّة شرط لعدم النفعال الماء بالملاقاة

ص: 100


1- نقله عنه فی المختلف 1 : 21.
2- معالم الدین : 9 ، 10.

عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الکرّ من الماء الذی لا ینجّسه شی ء ألف ومائتا رطل ».

فلا ینافی هذا الخبر ما تقدّم من الأخبار ، لأنّا کنّا ذکرنا فی کتاب تهذیب الأحکام (1) أنّ العمل علی هذا الخبر علی ما نصره الشیخ رحمه الله وحملنا ما ورد من التحدید بالأشبار علی أن یکون مطابقا لذلک ، بأن یکون مقدارها المقدار الذی یطابقها ، فکأنّه جعل لنا طریقان ، أحدهما : أن نعتبر الأرطال إذا کان لنا طریق إلیه ، وإذا لم یکن إلی ذلک طریق : اعتبرنا الأشبار لأنّ ذلک لا یتعذّر علی حال من الأحوال.

وکأن الشیخ رحمه الله اختار فی الأرطال أن تکون بالبغدادی ، وغیره من أصحابنا اعتبر أن تکون بالمدنی (2) ، ولیس ها هنا خبر یتضمن ذکر الأرطال غیر هذا الخبر ، وهو مع ذلک أیضا مرسل وإن تکرّر فی الکتب ، والأصل فیه ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، والقول باعتبار الأرطال البغدادیة أقرب إلی الصواب ؛ لأنّها تقارب المقدار الذی اعتبرناه فی الأشبار ، وإذا اعتبرنا المدنی بَعُدَ التقارب بینهما ، فالعمل بذلک أولی لما قدّمناه.

السند

طریق الشیخ إلی محمد بن أحمد بن یحیی متعدد ، فمنه الحسین بن عبید الله ( عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه محمد بن یحیی ، عن

طریق الشیخ إلی محمد بن أحمد بن یحیی

ص: 101


1- التهذیب 1 : 41 / 113.
2- کالصدوق فی الفقیه 1 : 6.

محمد بن أحمد بن یحیی (1).

والإرسال الواقع عن محمّد ) (2) بن أبی عمیر ، قیل (3) إنه مقبول ، لأنّه لا یرسل إلاّ عن ثقة ، وصرّح به العلاّمة فی النهایة (4).

وفیه کلام من حیث إنه لو سلّم أنّه لا یرسل إلاّ عن ثقة لا یکون حجّة علی غیره ؛ لجواز أنّ یکون المرسل عنه ثقة عنده علی حسب ما أدّاه إلیه ظنّه ، فلا یکفی المتعبّد بظنّ نفسه ؛ لجواز کون الغیر لو علم ذاک المرسل عنه یظهر له ما یخالف ذلک بعد تفحّصه عن الجرح والتعدیل ، کما قرّر فی الأُصول ، وسیأتی لهذا مزید بیان إنّ شاء الله تعالی (5).

وأنت خبیر بأنّ کلام الشیخ الآتی ینافی کون مراسیل ابن أبی عمیر ( مقبولة مطلقا ، فدعوی العلاّمة لا بد لها من مستند یصلح للاعتماد ، مع تحقق الخلاف فی مراسیل ابن أبی عمیر والسبر (6) من العلاّمة لا یکفی غیره ) (7).

وما ذکرناه سابقا من جهة الإجماع علی تصحیح ما یصح عن ابن أبی عمیر لا ینبغی الغفلة عنه ، ( فإنّ کلام الشیخ هنا من أکبر المؤیدات لما قلناه ) (8).

بحث حول مراسیل ابن أبی عمیر

ص: 102


1- الاستبصار 4 : 324 ، مشیخة التهذیب ( التهذیب 10 ) : 72.
2- ما بین القوسین ساقط من « فض ».
3- انظر العدة 1 : 154.
4- نهایة الوصول إلی علم الأُصول ، مخطوط.
5- یأتی فی ص 208.
6- فی « فض » : فی السرّ ، وفی « د » : والسیر ، والظاهر ما أثبتناه.
7- ما بین القوسین لیس فی « د ».
8- ما بین القوسین لیس فی « د ».

فإنّ قلت : ظاهر کلام النجاشی الاتفاق علی قبول مراسیل ابن أبی عمیر (1) فلعله مستند العلاّمة وغیره (2).

قلت : کلام النجاشی لا یدل علی ذلک ، لأنّه قال : قیل : إنّ أُخته دفنت کتبه فی حال استتارها وکونه فی الحبس أربع سنین ، فهلکت الکتب ، وقیل : بل ترکها فی غرفة فسال علیها المطر فهلکت ، فحدّث من حفظه وممّا کان سلف له فی أیدی الناس ، فلهذا أصحابنا یسکنون إلی مراسیله.

وغیر خفیّ أنّ إرادة قبول المراسیل من هذا الکلام لا وجه لها ، لأنّ ذهاب الکتب لا یقتضی قبول المراسیل.

بل الذی یظهر لی أنّ الغرض من السکون إلی مراسیله عدم القدح فیه بسبب عدم الضبط ، حیث إنّ کثرة الإرسال قد یظنّ منها ذلک ، ومثل هذا لو قصد به قبول المراسیل یعدّ من قبیل اللغو ، فکیف یصدر من مثل النجاشی؟.

فإنّ قلت : النجاشی إنّما ذکره بلفظ « قیل » فلا یضرّ بحاله.

قلت : إذا کان الأمر کذلک زالت الدلالة من کلامه ، ولا یبعد أنّ یکون النجاشی نقل القول لما ذکرناه ، فلیتأمّل

المتن :

یدل فی الجملة علی کمّیّة الکرّ بالوزن ، وقد ادّعی الاتفاق علی أنّ الکمیّة ألف ومائتا رطل (3) ، وإنّما الخلاف فی المراد من الرطل هو العراقی

کمّیة الکرّ بالوزن

ص: 103


1- رجال النجاشی : 326 / 887.
2- الشهید فی الذکری 1 : 49 ، والمحقق البهائی فی الزبدة : 63.
3- معالم الفقه : 7.

أو المدنی ، قیل : والرطل العراقی مائة وثلاثون درهما ، والمدنی مائة وخمسة وتسعون ، فیکون العراقی ثلثی المدنی (1).

وحجة القائلین بالعراقی (2) : أنّ حمل الخبر علی ذلک یوجب تقارب المساحة والوزن ، فهو أولی ، وأُیّد بروایة ابن مسلم الصحیحة الآتیة (3) کما ذکره الشیخ ، وبأنّ الأصل طهارة الماء ، خرج ما نقص عن العراقیة بالإجماع فیبقی ما عداه.

واحتجّ القائلون بالمدنیة (4) : بأنّها مقتضی الاحتیاط ، لأنّ الحمل علی الأکثر یدخل فیه الأقل ، وبأنّه علیه السلام کان من أهل المدینة ، فالظاهر أنّه یجیب بما هو المعهود عنده.

وعورض الاحتجاج بالوجه الأوّل : بأنّ المکلف مع تمکّنه من الطهارة المائیة لا یشرع له العدول إلی الترابیة ، ولا یحکم بنجاسة الماء إلاّ بدلیل شرعی ، فإذا لم یتمّ علی النجاسة فیما نحن فیه دلیل کان الاحتیاط فی استعمال الماء لا فی ترکه.

وأمّا الوجه الثانی : فبأنّ المهمّ فی نظر الحکیم رعایة ما یفهم السائل (5) ، وسیأتی إنّ شاء الله بیان الحال فی الاستدلال عند ذکر الشیخ له (6).

ص: 104


1- کما فی معالم الفقه : 7.
2- منهم المفید فی المقنعة : 42 ، والشیخ فی المبسوط 1 : 6 ، والمحقق فی المعتبر 1 : 47 ، والعلاّمة فی المختلف 1 : 23.
3- فی ص 103.
4- منهم الصدوق فی الفقیه 1 : 6 ، والسید فی الناصریات ( الجوامع الفقهیة ) : 179 ، واستدل لهم العلاّمة فی المختلف 1 : 23.
5- کما فی الحبل المتین : 107.
6- راجع ص 106 107.

وإذا عرفته مجملاً فما قاله الشیخ رحمه الله فی أوّل الأمر یقتضی ما ذکرناه فی النقل عن البعض ، من مقاربة المساحة والوزن ، إلاّ أنّ قوله : فکأنّه جعل لنا طریقان ، إلی آخره ، قد یقال : إنّه لا یوافق ذلک ، من حیث إنّ المساحة إذا قاربت الوزن فکل منهما کاف ، والحال أنّه قرر ما یقتضی أنّ العدول إلی الأشبار ، إذا لم یکن لنا طریق إلی المساحة.

ولا یبعد أن یکون غرض الشیخ رحمه الله بیان أنّ الکمیّة وإن تقاربت ، إلاّ أنّ الوزن أضبط ، فلا یعدل عنه إلاّ مع تعذّره ، علی أن یکون التوجیه منه ، لا من الخبرین الدّال أحدهما علی الوزن والآخر علی المساحة ، إذ لا یخرجان عن إفادة التخییر.

لکن لا یخفی أنّ الشیخ مطالب بالدلیل.

ثم قوله : وکأنّ الشیخ اختار ، إلی آخره ؛ لا یخلو من القصور فی التعبیر ، لأنّ الشیخ صرّح فی المقنعة بالعراقی (1) ، وإنّما مراد الشیخ هنا الإشارة إلی وجه اختیاره العراقی علی المدنی ، مع کون الخبر بالوصف الذی ذکره ، والوجه هو المقاربة.

ولقائل أن یقول : إنّ المقاربة بالأشبار إن کان المراد بها الثلاثة والنصف ، فالروایات المذکورة غیر مختصّة بذلک ، وإن کان مطلق الأشبار فالمقاربة غیر حاصلة ، فتخصیص المقاربة ببعض الروایات غیر ظاهر الوجه.

ولعلّ المراد أنّ اعتبار المدنی یبعد عن جمیع الأخبار ، بخلاف العراقی فإنّه یقرب إلیها ، ویبقی ترجیح أحد الروایات یحتاج إلی مرجّحٍ ،

ص: 105


1- المقنعة : 42.

ولا یخفی علیک الحال.

قوله رحمه الله :

ویقوی هذا الاعتبار أیضاً : ما رواه ابن أبی عمیر قال : روی لی عن عبد الله یعنی ابن المغیرة یرفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام : « أنّ الکرّ ستمائة رطل ».

وروی هذا الخبر محمد بن علی بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن أبی أیوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له : الغدیر فیه ماء مجتمع ، تبول فیه الدوابّ ، وتلغ فیه الکلاب ، ویغتسل فیه الجنب ، قال : « إذا کان قدر کرّ لم ینجّسه شی ء ، والکرّ ستمائة رطل ».

السند

أمّا الأوّل : فطریق الشیخ إلی ابن أبی عمیر ، عن الشیخ المفید ، والحسین بن عبید الله ، جمیعاً عن جعفر بن محمد بن قولویه ، عن أبی القاسم جعفر بن محمد العلوی الموسوی ، عن عبید الله بن أحمد بن نهیک ، عن ابن أبی عمیر (1).

وفی هذا الطریق جعفر بن محمد العلوی ، وهو غیر موصوف بالثقة ، نعم فی النجاشی هو موصوف بالصالح فی ترجمة محمد بن أبی عمیر (2) ، والوصف لا یفید المطلوب کما لا یخفی.

طریق الشیخ إلی محمد بن أبی عمیر
عدم وثاقة جعفر بن محمد العلوی

ص: 106


1- مشیخة التهذیب ( التهذیب 10 ) : 79.
2- رجال النجاشی : 327 / 887.

ثمّ الحدیث أیضاً مرسل ومرفوع ، واشتمال السند علی ابن أبی عمیر ، وابن المغیرة المجمع علی تصحیح ما یصح عنهما نفعه (1) موقوف علی تقدیر تسلیم إرادة ما سبق فیه القول (2) علی الصحة إلیهما ، کما هو واضح.

وأمّا الثانی : فالطریق إلی محمد بن علی بن محبوب ، عن الحسین ابن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی العطار ، عن أبیه محمد بن یحیی ، عن محمد بن علی بن محبوب ، وقد علمت القول فیه (3) ، وسلامة طریق الفهرست (4) من الارتیاب مضی القول فیها وفی العبّاس أیضاً (5) ، والحدیث مجزوم بصحته (6).

المتن :

لا یتمّ الکلام فیه إلاّ بذکر ما قرّره الشیخ رحمه الله .

قوله : ووجه الترجیح بهذا الخبر فی اعتبار الأرطال العراقیة ، أن یکون المراد به رطل مکة ، لأنّه رطلان ، ولا یمتنع أن یکونوا علیهم السلام أفتوا السائل علی عادة بلده ، لأنّه لا یجوز أن یکون المراد به أرطال أهل العراق ، ولا أرطال أهل المدینة ، لأنّ ذلک لم یعتبره أحد من أصحابنا ، فهو متروک بالإجماع.

فأمّا ترجیح معتبر أرطال المدینة بأن قال : ذلک یقتضیه الاحتیاط ، لأنّا

طریق الشیخ إلی محمد بن علی بن محبوب
تعیین الأرطال الواردة فی کمّیة الکّر

ص: 107


1- لیست فی « فض » و « د ».
2- راجع : ص 95 101.
3- راجع : ص 66 ، 63 64.
4- الفهرست : 145 / 613.
5- راجع ص 64.
6- فی « رض » زیادة : عند البعض.

إذا حملناه علی الأکثر دخل الأقل فیه ؛ غیر صحیح ؛ لأنّ لقائل أنّ یقول : إنّ ذلک ضدّ الاحتیاط ، لأنّه مأخوذ علی الإنسان أنّ لا یؤدّی الصلاة إلاّ بأن یتوضّأ بالماء مع وجوده ، ولا یحکم بنجاسة ماء موجود إلاّ بدلیل شرعی ، ولا خلاف بین أصحابنا أنّ الماء إذا نقص عن المقدار الذی ذکرناه فإنّه ینجس بما یقع فیه (1).

وأمّا ما رجّح به من عادتهم من حیث کانوا من المدینة علیهم السلام ؛ فلیس فی ذلک ترجیح ؛ لأنّهم کانوا یفتون بالمتعارف من عادة السائل وعرفه ، ولأجل ذلک اعتبرنا فی أرطال الصاع تسعة أرطال بالعراقی وذلک خلاف عادتهم ، وکذلک الخبر الذی تکلّمنا علیه من اعتبارهم بستمائة رطل إنّما ذلک اعتباراً لعادة أهل مکة ، فهم علیهم السلام کانوا یعتبرون عادة سائر البلاد حسب ما یسألون عنه.

أقول : قد عرفت ممّا قدّمناه محصّل الحجّة ومعارضها ، والشیخ رحمه الله قد أطال المقال فی التوجیه بما یرجع حاصله :

أولاً : أنّ محمد بن مسلم طائفی ، وهو داخل فی أهل مکة بالقرب ، فإذا أفتوه علی عادة بلده کانت الأرطال فی الروایة مکّیّة ؛ ووجه ذلک أنّه لو أُرید أرطال العراق أو أرطال المدینة خالف الإجماع ، أمّا أرطال العراق فظاهره عدم القائل بها ، وأمّا أرطال المدینة فلأنها تبلغ تسعمائة بالعراقی ، ولا قائل به أیضا.

وأمّا ثانیا : فلأنّ معتبر أرطال المدینة ( فیما دل علی الألف ومائتی

ص: 108


1- فی الاستبصار 1 : 12 زیادة : ولیس ههُنا دلالة علی أنّه إذا زاد علی ما اعتبرناه فإنّه ینجس بما یقع فیه.

رطل ) (1) قد استدل علیه بما لا یتمّ ، وهو أنّه مقتضی الاحتیاط.

واعترض علیه : بأنّ هذا ضدّ الاحتیاط ؛ لأنّ العدول إلی التیمم بتقدیر أنّ لا یوجد غیر هذا الماء ، وقد أصابته نجاسة ، وهو ألف ومائتا رطل بالعراقی یحتاج إلی دلیل ، ولمّا کان الإجماع منعقداً علی نجاسة ما دون هذا المقدار من العراقی تحقق الدلیل ، والذی هو بالغ هذا المقدار لا إجماع علیه ، فیجب استعماله فی الوضوء (2).

وأمّا ثالثاً : فما قاله مرجِّح المدنی : من أنّه ینبغی الجواب علی عادتهم وهم من أهل المدینة ، فیه : أنّهم کانوا یفتون بعادة السائل کما یعلم من المواضع التی وافق علیها المستدل فی مثل الصاع ، وقوله : وکذلک الخبر ؛ لیس من مواضع الاستدلال ، بل بیان حاصل المطلوب إثباته ، فلا یتوجه علیه ما هو ظاهر.

نعم قد یقال علیه : أوّلاً : إنّ الستمائة إذا اعتبرت بالمدنیة قاربت بعض الروایات الدالة علی المساحة ، والعامل بتلک الروایات لو حمل هذه علی المدنیة لا بعد فیه ، والمقاربة لا یشترط فیها المساواة من کل وجه.

وثانیاً : ما ذکره من أنّه مأخوذ علی الإنسان ، إلی آخره ، فیه : أنّه مشروط علی الإنسان أنّ لا یستعمل إلاّ الماء الطاهر ، وقد شُرِط علیه أنّ یعلم بالکرّیّة ، وبالأقل لا إجماع علی الکرّیّة بخلاف الأکثر.

وثالثاً : ( إنّ مجرد موافقة عادة السائل محض الدعوی ، بل الأولی أن یوجّه بما قیل : من ) (3) أنّ المناسب هو عادة السائل ، لاحتیاجه علی تقدیر

ص: 109


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- راجع ص 105.
3- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».

عادة المسئول إلی زیادة السؤال ، وهو تکلیف ، والأصل خلافه.

وکون الصاع بالعراقی إنّ ثبت الإجماع علیه أو غیره من الأدلّة فهو الحجة ، وإلاّ فهو من محلّ النزاع ، فلیتأمّل.

قوله :

باب حکم الماء الکثیر إذا تغیّر أحد أوصافه

إمّا اللون ، أو الطعم ، أو الرائحة.

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یمرّ بالماء وفیه دابّة میتة قد أنتنت ، قال : « إذا کان النتن الغالب علی الماء فلا یُتوضّأ ولا یُشرب ».

السند

قد تقدم القول فی رجاله الذین فیهم الارتیاب (1).

وأمّا سماعة : فهو ثقة ثقة علی ما ذکره النجاشی (2) ، لکن الشیخ فی کتاب الرجال ذکره فی رجال الکاظم علیه السلام ، وقال : إنّه واقفی (3) ، وعلیه اعتمد المتأخّرون (4) بناءً علی أنّه لا منافاة بین التوثیق وکونه واقفیا ، إذ من المقرّر

حکم الماء الکثیر إذا تغیّر أحد أوصافه

بحث رجالی حول سماعة

ص: 110


1- راجع ص 39 ، 41 43.
2- رجال النجاشی : 193 / 517.
3- رجال الطوسی : 351 / 4.
4- رجال ابن داود : 242 ، خلاصة العلاّمة : 228 ، المدارک 2 : 174.

أنّ الجرح والتعدیل إذا أمکن الجمع بینهما لا یحتاج إلی الترجیح.

وفی هذا بحث : من حیث إنّ النجاشی قد عُلم من طریقته عدم الاقتصار علی توثیق من هو واقفی أو فطحی ونحوهما ، لیقال : إنّه ترک ذکر الوقف فی سماعه لذلک ، بل الظاهر أنّه لم یثبت عنده ذلک ، وحینئذ یتعارض الجرح والتعدیل ، والنجاشی یقدّم علی الشیخ فی هذه المقامات ، کما یعلم بالممارسة ، وقد رأیت بعد ما ذکرته کلاماً لمولانا أحمد الأردبیلی قدّس الله روحه یدلّ علی ذلک ، واعتمد علی نفی الوقف (1) ، ونحوه عن جماعة ، والحق أحقّ أنّ یتّبع.

إلاّ أنّی وجدت الآن فی الفقیه التصریح بأنّ سماعة واقفی فی موضعین من کتاب الصوم (2) ، فیترجّح قول الشیخ.

فإنّ قلت : کیف یخفی علی النجاشی قول الصدوق فی الفقیه مع تکرّره فیه ، وهل هذا یوجب نوع ارتیاب فی عدم ذکر النجاشی الوقف فی سماعه ( وغیر الوقف فی غیر سماعة؟ ) (3) والحال أنّک وجّهت الاعتماد علی قول النجاشی فی جماعة من الرواة ، حیث لم یذکر فساد المذهب.

قلت : لا یبعد أنّ یکون النجاشی لم یرجّح الوقف فی سماعه وإن ذکره الصدوق مکرّراً ، لوجود معارض لقول الصدوق یوجب ذلک (4).

فإنّ قلت : ما وجه ردّ الصدوق الروایات الواردة عن سماعة بأنّه واقفی ، والحال أنّ عمله لیس من جهة الصحة الاصطلاحیة ، لیحتاج إلی أن

ص: 111


1- لم نعثر علی نصّ یفی بذلک ، غیر أنّه قال فی مجمع الفائدة ( 5 : 93 ) : ولصحیحة أبی بصیر وسماعة. لکنّه صرّح بکونه واقفیاً فی مواضع، منها فی ج 1 : 157 و 3 : 68 و 115.
2- الفقیه 2 : 75 ، 88.
3- ما بین القوسین لیس فی « رض » و « د ».
4- فی « رض » زیادة : والحکم بالترجیح مباحاً لاحتمالٍ ما ، وإن کان فی البین کلام.

یقول : إنّه واقفی.

قلت : لا یبعد أنّ یکون غرضه بذکر الوقف لیس لبیان أنّ الردّ بسببه خاصة ، فلو انتفی عمل بالروایة ، بل لأنّ هذا الوجه من الضعف أظهر من غیره ، وحینئذ فیه دلالة علی أنّ من اتصف بفساد المذهب وإنّ کان ثقة لا یعمل بقوله ( عند الجمیع ، کما قد توهمه عبارة البعض ) (1).

فإنّ قلت : من أین ( ثبوت التوثیق عند الصدوق لیقال : ) (2) إنّه غیر عامل بقول سماعة مع کونه ثقة؟

قلت : من المستبعد أنّ یکون موثّقا فی النجاشی مرّتین ، ولم یکن موثّقا عند الصدوق أصلا.

ولئن قیل : إنّه لا مانع من ذلک فإنّ الشیخ لم یوثّقه والنجاشی قریب من الشیخ ، فالبعید عنه کالصدوق أولی.

أمکن أنّ یجاب بالفرق بین المراتب.

فإنّ قلت : قد ردّ الصدوق روایة سماعة مع زرعة بالوقف فیهما ، والحال أنّ الشیخ فی زرعة ذکر فی الطریق إلیه محمد بن علی بن بابویه (3) ، فکیف یروی عنه الصدوق وقد ردّ روایته فی الفقیه؟ (4).

قلت : الروایة عن الشخص لا دخل لها بالعمل.

نعم قد یشکل الحال بأنّ الصدوق روی عن سماعة فی الفقیه بکثرة ، وکذا عن زرعة عن سماعة ، مع أنّه عامل بما رواه ، فردّ البعض بوقف

ص: 112


1- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
2- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
3- الفهرست : 75 / 303.
4- الفقیه 2 : 75.

سماعة دون البعض قد یوجب الارتیاب.

إلاّ أنّ الحق دفعه : بأنّه غیر عامل بالخبر من حیث الراوی ، بل من القرائن.

وما عساه یقال : إنّ ردّ الروایة بالوقف حینئذ لا وجه له ؛ جوابه ما قدّمناه ، فلیتأمّل هذا کله.

وما قد یتوهّم : من الاشتراک فی سماعه بین سماعة بن عبد الرحمن الذی ذکره الشیخ فی رجال الصادق علیه السلام وسماعة الحناط کذلک ، مع کونهما غیر موثّقین (1).

یدفعه : أنّ النجاشی قال فی سماعة بن مهران : له کتاب یرویه عنه عثمان بن عیسی (2).

وهذا وإنّ لم یفد حکما بالنظر إلی ضعف الروایة فیما أظنّ بعثمان بن عیسی ، إلاّ أنّه لا یخلو من فائدة.

المتن :

وإن کان الماء فیه غیر مقیّد بالکثیر ، لیشکل الحال فیه بأن المفهوم منه أنّ النتن إذا لم یکن الغالب علی الماء یتوضّأ منه ویشرب ، إلاّ أنّ غیره من الأخبار یقیّده ، وقد تقدم ما فیه کفایة.

قوله رحمه الله :

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد بن

ص: 113


1- رجال الطوسی : 214 / 197.
2- رجال النجاشی : 193 / 517.

قولویه ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید وعبد الرحمن بن أبی نجران ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز بن عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کلّما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ منه واشرب ، فإذا تغیّر الماء وتغیّر الطعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب ».

السند

لیس فی ظاهره ارتیاب إلاّ فی محمد بن قولویه ، فإنّی لم أقف علی بیان حاله من سوی النجاشی (1) والعلاّمة تبعاً له ، ( فإنّه قال فی الخلاصة ) (2) إنّه من خیار أصحاب سعد (3) ، والشیخ فی رجال من لم یرو عن أحد من الأئمّة علیهم السلام قال : محمد بن قولویه الجمال والد أبی القاسم جعفر بن محمد یروی عن سعد بن عبد الله وغیره (4).

والوالد قدس سره وصفه بالصحة (5) ، وکذلک شیخنا (6) قدس سره وکأنهما استفادا التوثیق من عبارة النجاشی والخلاصة ، والأمر کما تری.

وفی کتاب ابن طاوس فی الرجال ذکر بعد طریق فیه محمد بن قولویه : ما یقتضی أنّه ثقة (7) ؛ وحینئذ ربما کان اعتماد الوالد قدس سره علی

بحث حول محمد بن قولویه

ص: 114


1- رجال النجاشی : 123 / 318.
2- ما بین القوسین لیس فی « رض » و « د ».
3- خلاصة العلاّمة : 164 / 181.
4- رجال الطوسی : 494 / 22.
5- منتقی الجمان 1 : 2.
6- مدارک الاحکام 1 : 28.
7- التحریر الطاووسی : 134.

ذلک ؛ وفیه ما فیه.

فإنّ قلت : النجاشی فی أیّ محل ذکر ما حکیته؟.

قلت : فی ترجمة جعفر بن محمد بن قولویه ، لأنّه قال : جعفر بن محمد بن قولویه یکنّی أبا القاسم ، وکان أبوه یلقب مسلمة ، من خیار أصحاب سعد ، وکان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلاّئهم. إلی آخره (1).

وفی الظنّ أنّ قوله فی شأن أبی القاسم : إنّه من الثقات ، مع اقتصاره فی أبیه علی کونه من خیار أصحاب سعد ، قرینة علی عدم استفادة توثیق محمد بن قولویه ، إذ لو کان مشارکا لأبیه فی التوثیق لذکر أنّهما من الثقات ، فلیتأمّل.

( فإنّ قلت : مع قطع النظر عمّا ذکر هل یستفاد من قوله : إنّه من خیار أصحاب سعد ، التوثیق أم لا؟

قلت : قد صرّح جدّی قدس سره فی الدرایة بعد أنّ نقل عن أهل الفنّ أنّهم اصطلحوا علی أنّ ألفاظ التعدیل : عدل ، أو ثقة ، أو حجة ، أو صحیح الحدیث ، أو ما أدّی معنی ذلک ، أو متقن ، أو ثبت ، أو حافظ ، أو یحتجّ بحدیثه ، إلی أنّ قال - : أو خیّر ، أو فاضل ، ثم قال - : والأربعة الأُول متّفق علیها ، والأقوی فی البواقی العدم ، وإن أفاد المدح (2). انتهی کلامه قدس سره .

وقد یقال : إنّه إنّ أراد بالتعدیل ثبوت العدالة فقط من دون نظر إلی القبول ؛ ففیه : أنّ صحیح الحدیث عند المتقدّمین لا یدل علی العدالة ، کما هو واضح.

وإنّ أُرید العدالة مع القبول ؛ ففیه مع ذکر التصریح باشتراط الضبط

بحث حول الفاظ التعدیل

ص: 115


1- رجال النجاشی : 123 / 318.
2- الدرایة : 75.

فی العدل المعبّر عنه بالثقة ، لاشتقاقه من الوثوق ، ولا وثوق لمن یساوی سهوه وذکره ، أو غلب سهوه علی ذکره ) (1).

ثم إنّ فی الحدیث ارتیابا من جهة أُخری ، وهو أنّ الکلینی رحمه الله رواه عن حریز عمّن أخبره (2) ، وقد اطّلع علی ذلک شیخنا قدس سره فذکره فی حواشی الکتاب ، وفی المدارک جزم بالصحة (3).

ولا یخلو من إشکال ؛ إذ من المستبعد أنّ یکون حریز روی تارة بواسطة وأُخری بغیرها ، فیحتمل أنّ یکون الکلینی روی أحدهما ، والشیخ روی غیرها.

المتن :

قد تقدم فیه القول (4) ، وبه یندفع ما قاله البعض : من أن الأخبار لیس فیها دلالة علی أنّ تغیّر اللون ینجّس الماء (5) ، وما تضمّنه مفهوم بعض الأخبار السابقة : من أنّ الماء إذا لم یتغیّر ریحه وطعمه یُشرب منه ویُتوضّأ ، المقتضی لعدم اعتبار اللّون قد تقدم احتمال التلازم (6) ، وعلی تقدیر المنع فالإجماع المدّعی کاف فی المقام.

أما ما قد یقال : من أنّ المفهوم إذا عارضه المنطوق لا تبقی صلاحیته للاستدلال.

اعتبار اللون

ص: 116


1- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
2- الکافی 3 : 4 / 3 ، الوسائل 1 : 137 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 ذ. ح.
3- مدارک الأحکام 1 : 43.
4- راجع ص 73 74.
5- الحبل المتین : 106.
6- راجع ص 73.

ففیه : أوّلاً : أنّ المفهوم بتقدیر حجّیته یساوی المنطوق فلا مانع منه ، نعم لو ضادّ حکم المنطوق أمکن ترجیح المنطوق علیه ، وفی المقام لا مضادّة.

وثانیاً : أنّ منطوق الحدیث المبحوث عنه من قبیل المجمل ، ولا مانع من بیانه بالمفهوم ؛ وفی هذا تأمّل لأنّ الظاهر أنّه لیس من المجمل ، کما لا یخفی.

وینبغی أنّ یعلم أنّ الماء إذا تغیّر بمجاورة النجاسة لا تؤثّر فیه ، لأن رائحة النجاسة لیست بنجسة ، کما ذکره الأصحاب (1).

وقد نقل شیخنا قدس سره فی الاستدلال علی أنّ الماء ینجَّس بتغیّر أحد الأوصاف ما هذا لفظه : والأصل فیه الأخبار المستفیضة ، کقوله صلی الله علیه و آله : « خلق الله الماء طهوراً لا ینجّسه شی ء إلاّ ما غیّر لونه أو طعمه أو ریحه (2) » (3).

ولم أقف الآن علی هذه الروایة مسندة ، ودلالتها علی اللون ظاهرة ، وربما یحصل نوع شک فی حکم التغیّر بالمجاورة ، لیس فی ذکره هنا کثیر فائدة.

قوله رحمه الله :

فأمّا ما رواه محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد (4) عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام

تغیّر الماء بمجاورة النجاسة

ص: 117


1- معالم الفقه : 17.
2- رواه فی السرائر 1 : 64 ، وقال : إنّه متّفق علی روایته ، وفی المعتبر 1 : 40 ، 41 ، الوسائل 1 : 135 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 9 ، سنن البیهقی 1 : 257.
3- مدارک الأحکام 1 : 28.
4- فی الاستبصار 1 : 13 / 20 : حماد بن عثمان.

قال فی الماء الآجن : « تتوضأ منه إلاّ أن تجد ماءً غیره ».

فلیس ینافی الخبرین الأولین ، لأنّ الوجه فی هذا الخبر إذا کان الماء قد تغیّر من قبل نفسه ، أو بمجاورة جسم طاهر ، لأنّ المحظور استعماله هو إذا کان متغیّراً بما یحلّه من النجاسة ، وعلی هذا الوجه لا تنافی بین الأخبار.

السند

حسن کما تقدّم (1).

المتن :

ما ذکره الشیخ فیه لا ریب یعتریه ، بل الذی یظهر من اللغة أنّ الآجن هو ما تغیّر من نفسه ، وقول الشیخ : أو بمجاورة جسم طاهر ؛ قد یوهم أنّ التغیّر لو کان بمجاورة جسم نجس یوجب تنجیسه ، ولیس کذلک ، ومراده بالمجاورة وقوع الجسم فی الماء ، کما ینبّه علیه قوله : إذا کان متغیّراً بما تحلّه من النجاسة.

ثمّ إنّ کراهة الوضوء بالماء الآجن إذا وجد غیره خالیاً من ذلک یستفاد من الروایة علی تقدیر العمل بها ، ویراد من الکراهة قلّة الثواب بالنسبة إلی الوضوء بغیره ، لا الکراهة بالمعنی المقرّر فی الأُصول ، لأنّ العبادة لا یکون ترکها أولی ، کما قاله جماعة (2).

أمّا ما اعترض به بعض فضلاء المتأخّرین : من أنّه یلزم کون جمیع

تغیّر الماء الآجن

ص: 118


1- راجع ص : 52 53.
2- منهم المقدّس الأردبیلی فی مجمع الفائدة 2 : 47 ، 365 و 5 : 194.

العبادات مکروهة ، إذ اعتبار الإضافة فیها إلی ما هو أکمل حاصل (1).

فجوابه : أنّ الکلام فیما ورد النهی عن فعله ، لا أنّ کل ما کان ثوابه أقل فهو مکروه ، والفرق بین الأمرین واضح.

نعم ربما یقال : إنّ فی الروایة دلالة علی أنّ مکروه العبادة إنّما یتحقق مع إمکان فعل الأولی ، وقد صرّح به بعض الأصحاب (2) نظرا إلی أن الاعتبار یساعد علیه ، فلیتأمّل.

اللغة :

قال فی الصحاح : الآجن : الماء المتغیّر اللون والطعم (3) ، ( وما نقلناه سابقا عن غیر صاحب الصحاح ) (4).

قوله :

باب البول فی الماء الجاری.

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة قال : سألته عن الماء الجاری یبال فیه ، قال : « لا بأس ».

معنی الکراهة فی العبادات

البول فی الماء الجاری

اشارة

ص: 119


1- لم نعثر علیه.
2- انظر مجمع الفائدة 5 : 194.
3- الصحاح 5 : 2067 ( أحن ).
4- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».

السند :

قد تقدّم القول فیه بما یغنی عن إعادته (1).

المتن :

ظاهر فی أنّ المطلوب من السؤال هو البول فی الماء الجاری ، لا الماء الجاری الذی یبال فیه ، فما ذکره ( الشیخ فی التهذیب (2) ، وتبعه ) (3) جماعة من المتأخّرین فی الاستدلال علی عدم نجاسة الجاری بالملاقاة وإن کان قلیلاً ، نظراً إلی إطلاق الخبر (4) ؛ غریب.

ثمّ المتبادر من الجاری غیر الراکد ، وفی دخول ماء المطر فی الجاری احتمال ، وسیأتی فی الحدیث المعلّل بأنّ للماء أهلاً ، ما یتناوله فی تحقق الکراهة فیه (5).

قوله :

الحسین بن سعید ، عن ابن سنان ، عن عنبسة بن مصعب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یبول فی الماء الجاری ، قال : « لا بأس به إذا کان الماء جاریاً ».

ص: 120


1- راجع : ص 108 110.
2- التهذیب 1 : 34.
3- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».
4- منهم المحقق فی المعتبر 1 : 41 ، والشهید فی الذکری 1 : 79 ، وصاحب المدارک 1 : 30.
5- تأتی فی : ص 122 123.

السند :

قد تقدم الطریق إلی الحسین بن سعید (1).

وأمّا ابن سنان فالظاهر أنّه محمد ، بل الوالد قدس سره جزم بأنّه محمد (2) ، وما یوجد فی بعض الطرق : من روایة الحسین بن سعید ، عن عبد الله بن سنان (3) ، سهو عند الوالد قدس سره .

وقد اتّفق فی مثل هذا السند المبحوث عنه : أنّ المحقق ردّ الروایة بأنّ محمد بن سنان ضعیف (4).

واعترضه الشهید رحمه الله بأنّه یجوز أن یکون هو الثقة یعنی عبد الله - (5).

ونوقش بأنّ الاحتمال لا یصحح الروایة ، فإنّ الاشتراک کاف فی الضعف (6). واعتُرض علی المناقشة : بأن الشهید لیس غرضه تصحیح الحدیث ، بل مراده أنّ الجزم بکونه محمداً غیر معلوم (7).

وقد یقال : إنّ منشأ المناقشة ذکر الثقة فی کلام الشهید رحمه الله .

والحق أنّ کلام المحقق لا غبار علیه ، فإنّ ذکر ضعف محمد لا یقتضی أنّه هو بالخصوص ، بل إذا تحقق ضعف محمد فالاشتراک کاف فی الضعف ، وعلی ما قلناه من ظهور کونه محمداً لا وجه لذکر عبد الله من

بحث حول ابن سنان

ص: 121


1- راجع ص 69.
2- منتقی الجمان 1 : 36.
3- التهذیب 2 : 131 ح 504.
4- المعتبر 1 : 101.
5- الذکری 2 : 264.
6- لم نعثر علیه.
7- انظر منتقی الجمان 1 : 36.

الشهید رحمه الله فلیتأمّل.

وأمّا عنبسة بن مصعب ، فالشیخ فی رجال الباقر والصادق علیهماالسلام ذکره مهملا (1) ، والعلاّمة فی الخلاصة نقل عن الکشی ، أنّه نقل عن حمدویه أن عنبسة ناووسی واقفی (2).

والذی فی الکشی ما نقله عنه ( وزاد ما هذه صورته : علی بن الحکم عن منصور بن یونس عن عنبسة بن مصعب ؛ وذکر روایة (3).

وفی التهذیب فی باب الأذان روایة عن منصور بن یونس ، عن عنبسة العابد (4).

ومقتضی کلام الشیخ کما سمعته روایة منصور بن یونس ، عن عنبسة ابن مصعب ، فربما یتحد عنبسة العابد ، وهذا هو ابن بجاد ، وقد وثّقه النجاشی قائلاً : إنّه کان قاضیاً (5).

إلاّ أنّ کتاب الشیخ یشکل الاعتماد علیه فی الطرق ، مع احتمال روایة منصور عن الرجلین ، فلا ینبغی الغفلة عن هذا ، وإنّ لم یؤثّر فی الحدیث المبحوث عنه بالنسبة إلی الصحة ) (6).

المتن :

مضمونه کالأوّل ، وقوله علیه السلام : « لا بأس به إذا کان الماء جاریاً »

بحث حول عنبسة بن مصعب

ص: 122


1- رجال الطوسی : 130 / 54 و 261 / 633.
2- خلاصة العلاّمة : 244 / 12.
3- رجال الکشی 2 : 659 / 676 ، 677.
4- لم نعثر علیها فی باب الأذان ، ولکنّها موجودة فی باب المواقیت ، التهذیب 2 : 275 / 1093.
5- رجال النجاشی : 302 / 822.
6- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».

محتمل لأمرین :

أحدهما : أنّ البول فیه لا بأس به إذا کان فی حال الجریان ، فلو کان نابعا غیر متّصف بالجریان کما فی بعض المیاه النابعة یتحقق فیه البأس.

وثانیهما : أنّ یکون أتی علیه السلام بالجریان لتضمن السؤال ذلک ، وکأن الأوّل له ظهور من الروایة ، إلاّ أنّ التعلیل الآتی (1) یفید التعمیم ، إنّ صلحت الروایة لإثبات المرام.

قوله :

عنه ، عن حماد ، عن ربعی ، عن الفضیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس أنّ یبول الرجل فی الماء الجاری ، وکره أنّ یبول فی الماء الراکد ».

السند

ضمیر عنه للحسین بن سعید ، فالطریق الطریق (2) ، وحماد هو ابن عیسی.

وربعی ، هو ابن عبد الله بن الجارود الثقة ، لقول النجاشی : إنّه صحب الفضیل بن یسار وأکثر الأخذ عنه وکان خِصّیصاً به (3).

وبذلک یندفع سبق الوهم إلی الاشتراک بینه وبین ربعی بن أحمر المذکور مهملاً فی رجال الصادق علیه السلام (4) ، ویتعیّن الفضیل بن یسار أیضا.

بحث حول ربعی

ص: 123


1- فی ص 121.
2- راجع ص 69.
3- رجال النجاشی : 167 / 441.
4- رجال الطوسی : 194 / 40 ، وانظر هدایة المحدثین : 60.

وما قد یقال : من أنّه یلزم الدور من توقف تعیّن ربعی علی تعیّن الفضیل ، وتعیّن الفضیل علی تعیّن ربعی ، فدفعه أظهر من أنّ یخفی علی الممارس.

المتن :

ربما یظنّ منه الصراحة فی الکراهة بالنسبة إلی الراکد.

ویدفعه : أنّ استعمال الکراهة فی الأخبار غیر متعیّن فی إرادة المعنی الأُصولی ، بل یستعمل فی التحریم أیضا بکثرة ، فلا یدل من هذه الجهة.

نعم ربما یقال : إنّ الکراهة تستعمل فی الأمرین ، فهی مشترکة ، ومعه لا یدل علی التحریم ، وأصالة الجواز لا یخرج عنها مع الإجمال ، ولما دلّت الأخبار علی نفی البأس عن الجاری ، وبمعونة مفهوم الشرط ، مع إشعار البعض الخالی ، تدل علی وجود البأس فی الراکد ، فالکراهة غیر بعیدة الاستفادة وروی الصدوق فی العلل بإسناد صحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تَبُلْ فی ماء نقیع ، فإنّه من فعل ذلک فأصابه شی ء فلا یلومنّ إلاّ نفسه » (1).

وربما ینصرف النقیع إلی الراکد.

وروی الکلینی فی الصحیح : عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من تخلّی علی قبر ، أو بال قائما ، أو بال فی ماء قائم - وعدّ أشیاء ، إلی أنّ قال - : فأصابه شی ء من الشیطان لم یدعه إلاّ أنّ یشاء الله » الحدیث (2).

حکم البول فی الماء الراکد

ص: 124


1- علل الشرائع : 283 / 1 ، الوسائل 1 : 341 أبواب أحکام الخلوة ب 24 ح 6.
2- الکافی 6 : 533 / 2 بتفاوت ، الوسائل 1 : 329 أبواب أحکام الخلوة ب 16 ح 1.

وکأنّ المراد بالقائم الراکد ، واحتمال إرادة غیر الجاری علی النحو الذی قدّمناه ممکن.

وربما کان فی هاتین الروایتین ما یقتضی قرب التحریم ، إلاّ أنّ المشهور الکراهة (1).

وما قاله شیخنا قدس سره فی المدارک عند قول المحقق : وفی الماء جاریاً وراکداً ، لورود النهی عنه (2) ؛ لم أقف علی النهی بنحو ما هو مطلوبه.

قوله :

عنه ، عن حماد ، عن حریز ، عن ابن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بالبول فی الماء الجاری ».

السند

موثق بابن بکیر ، لتصریح النجاشی : بأنّه فطحی إلاّ أنّه ثقة (3) ، وهذا من المواضع الذی نبّهنا علی أنّ النجاشی لم یغفل عن ذکره مخالفة المذهب الحق ، أمّا الإجماع علی تصحیح ما یصح عن ابن بکیر (4) فقد سمعت فیه القول.

ابن بکیر فطحی ثقة

ص: 125


1- کما فی المعتبر 1 : 87 ، وشرائع الإسلام 1 : 19 ، والمنتهی 1 : 40.
2- مدارک الاحکام 1 : 180.
3- رجال النجاشی : 222 / 581 إلاّ أنّه لم یذکر کونه فطحیّاً ثقة : نعم ، صرّح الشیخ به فی الفهرست : 106 / 452 ، وکذا ابن شهرآشوب فی معالم العلماء : 77 / 517 ، وعدّه الکشی ( 2 : 635 / 639 ) من فقهاء أصحابنا من الفطحیة.
4- کما فی رجال الکشی 2 : 673.

المتن :

قد تقدم القول فی مثله بما یغنی عن إعادته (1).

قوله :

فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن علی بن الریان ، عن الحسن ، عن بعض أصحابه ، عن مسمع ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : أنّه [ صلی الله علیه و آله ] (2)نهی أنّ یبول الرجل فی الماء الجاری إلاّ من ضرورة ، وقال : إنّ للماء أهلا ».

فالوجه فیه أنّ نحمله علی ضرب من الکراهة دون الحظر والإیجاب.

السند

قد تقدم الطریق إلی محمد بن علی بن محبوب (3).

وأمّا علی بن الریان : فثقته غنیّة عن البیان.

وأمّا الحسن : فهو مشترک بین جماعة (4) ، غیر أنّ احتمال کونه ابن فضال غیر بعید ، ( لما یظهر من الکشی فی بعض الروایات من روایة علی ابن الریان [ عنه (5) ] وإنّ کان بواسطة (6) ؛ لکن مجال القول فیه واسع ) (7).

علی بن الریان ثقة
الحسن مشترک بین جماعة

ص: 126


1- راجع ص 116 ، 119.
2- ما بین المعقوفین أثبتناه من الاستبصار 1 : 13 / 5.
3- فی ص 63.
4- انظر هدایة المحدثین : 37.
5- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المعنی.
6- رجال الکشی 2 : 836 / 1067.
7- ما بین القوسین ساقط من « رض ».

وأمّا مسمع : فهو ابن عبد الملک ، أو ابن مالک ، وحاله لا یزید علی الجهالة ، واحتمال کونه ممدوحا (1) ، لا أعلم وجهه.

المتن :

ظاهر کلام الشیخ کما تری حمله علی ضرب من الکراهة ، ولعلّ مراده عدم الکراهة الشدیدة ، وتکون الکراهة الشدیدة فی غیر الجاری ، کما ذکره جماعة من المتأخّرین (2) ، وإنّ کان کلام الشیخ فی قوله : دون الحظر والإیجاب ؛ قد یقتضی أنّ غیر الجاری محظور فیه البول ، کما أشرنا إلی احتماله ، من حیث دفع الضرر المظنون بظاهر الأخبار المعللة ، إلاّ أنّ فی کلام الشیخ احتمالا إلی الرجحان أقرب ، وهو إرادة الکراهة غیر الشدیدة ، ویکون قوله : دون الحظر ؛ لا یخلو من تسامح ، أمّا الإیجاب فکأنّ مراده به لازم الحظر ، وهو وجوب الاجتناب من البول فی الراکد.

ثم إنّ التعلیل قد یفید العموم لجمیع المیاه ، ولو جعل التعلیل للجاری حسب أشکل : بأن الکراهة الشدیدة فی غیره لا سبیل إلی إنکارها بمقتضی الأخبار ، فالحق أنّ الخبر لو صح أفاد عموم التعلیل ، والحمل علی تفاوت الکراهة وجه للجمع ، وإنّ لم یصح الخبر کما هو الظاهر من جهة الإرسال وغیره فالجاری لا وجه للکراهیة فیه ، والتساهل فی أدلّة الکراهة محلّ تأمّل.

أمّا احتمال کراهة الغائط أیضاً ، فربما یستفاد من مفهوم الموافقة إذا لم یثبت التعلیل المذکور فی الروایة ، وفیه نوع تأمّل.

أمّا استثناء المواضع المبنیّة علی الماء کبلاد الشام ، فإنّ ثبت الخبر

مسمع مجهول
حکم الغائط فی الماء
المواضع المبنیّة علی الماء

ص: 127


1- انظر رجال النجاشی : 420 / 1124.
2- جامع المقاصد 1 : 102 ، مجمع الفائدة 1 : 95 ، المدارک 1 : 180.

الدالّ علی دفع النهی مع الضرورة أمکن صحة الاستثناء إنّ تحققت الضرورة ، وبدونه فزوال الکراهة لا یخلو من نظر ، وإنّ ذکر الاستثناء جماعة من المتأخّرین (1) ، والله تعالی أعلم بحقائق الأُمور.

قوله :

باب حکم المیاه المُضافة

أخبرنی الشیخ - رحمه الله - عن أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه ، عن محمد بن الحسن بن الولید ، عن محمد بن یحیی (2) ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن محمد بن عیسی ، عن یاسین الضریر ، عن حریز ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یکون معه اللّبن أیتوضّأ منه للصلاة؟ قال : « لا ، إنّما هو الماء والصعید ».

قال أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی - رحمة الله - : هذا الخبر یدلّ علی أنّ ما لا ینطلق (3) علیه اسم الماء لا یجوز استعماله ، وهو مطابق لظاهر الکتاب ، والمتقرّر من الأُصول.

السند

فیه روایة محمد بن أحمد بن یحیی ، عن محمد بن عیسی ، وقد نقل النجاشی عن محمد بن الحسن بن الولید : أنّه استثنی من روایات محمد بن

حکم المیاه المضافة

اشارة

ص: 128


1- المدارک 1 : 180 ، جامع المقاصد 1 : 103 ، مجمع الفائدة 1 : 95.
2- فی نسخة « د » من الإستبصار 1 : 14 / 26 زیادة : العطّار.
3- فی الاستبصار 1 : 14 / 26 : یطلق.

أحمد بن یحیی ما یرویه عن محمد بن عیسی بن عبید بإسناد منقطع مع جماعة آخرین ، ونقل عن أبی العباس بن نوح : أنّه قال : وقد أصاب شیخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الولید فی ذلک کله ، وتبعهُ أبو جعفر بن بابویه رحمه الله علی ذلک ، إلاّ فی محمد بن عیسی بن عبید ، فلا أدری ما رابه فیه؟ لأنه کان علی ظاهر العدالة والثقة (1). انتهی.

ولا أدری معنی قوله : بإسناد منقطع ، إلاّ أنّ ظاهر اللفظ یعطی إرادة الإرسال ، وتحقق هذا المعنی فی غایة الإشکال ، لأنّ محمد بن عیسی من رجال الرضا والجواد والهادی والعسکری علیهم السلام ، علی ما یستفاد من کتاب الشیخ فی الرجال (2) فیما عدا الجواد علیه السلام ؛ ومن النجاشی فی روایته عنه علیه السلام (3) ، وذکره الشیخ أیضا فیمن لم یرو عن أحد من الأئمّة علیهم السلام (4) ، وذکر محمد بن أحمد بن یحیی فیمن لم یرو أیضا (5). فروایة محمد بن أحمد بن یحیی عنه بالإرسال فی حیّز الإجمال ، ولعلّ ذلک لعدم الإجازة ، إلاّ أنّ الظاهر من الکلام لا یدل علیه ، بل مقتضاه أنّه یروی تارة بإسناد منقطع ، وتارة بغیره ، ولم یتضح حینئذ المعنی.

( وقد یحتمل إرادة الإرسال فی الخبر المشتمل علی محمد بن عیسی ؛ وفیه ما لا یخفی ) (6).

وما قاله أبو العباس ممّا ظاهره أنّه فهم التوقّف فی محمد بن عیسی

بحث حول محمد بن عیسی بن عبید

ص: 129


1- رجال النجاشی : 348 / 939.
2- رجال الطوسی : 393 / 76 ، 422 / 10 ، 435 / 3.
3- رجال النجاشی : 333 / 896.
4- رجال الطوسی : 511 / 111.
5- رجال الطوسی : 493 / 12.
6- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».

غیر واضح من الکلام المنقول ، واحتمال أنّ یکون المراد بانقطاع السند من محمد بن عیسی إلی الإمام علیه السلام غیر ظاهر الوجه.

وبالجملة فالأمر فی غایة الغموض ، وفی ظاهر الحال یوجب نوع إشکال ، إلاّ أنّ هذا الحدیث فیه التوقّف من جهة أُخری ، فلا ثمرة لتحقیق القول فی محمد بن عیسی ، وروایة محمد بن أحمد بن یحیی عنه ، فإنّ یاسین الضریر مهمل فی الرجال (1) ، وأبو بصیر مشترک (2) علی وجه لا نعلم فیه حقیقة الحال.

فإنّ قلت : ما وجه عدم العلم بالحقیقة ، والروایة عن الصادق علیه السلام ، وقد قَدَّمتَ انتفاء احتمال أبی بصیر المسمی بیوسف بن الحرث ، لأنّه من أصحاب الباقر علیه السلام (3) ، وحینئذ لم یبق إلاّ احتمال لیث المرادی الثقة الإمامی ، ویحیی بن القاسم الموثق ، فالخبر موثق.

قلت : وجه عدم العلم أنّ أبا بصیر غیر من ذکرت أوّلاً مشترک فی الظاهر بین لیث وبین من ورد فیه الذمّ البالغ علی وجه یقتضی ردّه ، کما أشرنا إلیه سابقا (4) ، وسیأتی إنّ شاء الله تعالی (5).

المتن :

ظاهر فی عدم جواز الوضوء باللّبن ، ومستفاد من الحصر عدم الجواز بالمضاف علی وجه العموم (6) ، إلاّ أنّ فی ذکر الصعید نوع إجمال ؛ لأنّ

یاسین الضریر مهمل
أبوبصیر مشترک
حکم الوضوءبالمضاف

ص: 130


1- انظر الفهرست : 183 / 795 ، ورجال النجاشی : 453 / 1227.
2- هدایة المحدثین : 272.
3- راجع ص 72 ، وفی رجال الطوسی : 141 / 17.
4- راجع ص 72 ، و 83.
5- . 3 : 5. 123.
6- فی « فض » و « د » زیادة : کما هو مقتضی الحصر.

ضمیر هو إنّ عاد إلی الوضوء کما یقتضیه عبارة الصدوق فی الفقیه ، حیث نقل مضمون الحدیث قائلاً : ولا یجوز التوضّؤ باللَّبن ؛ لأنّ الوضوء إنّما هو بالماء و (1) الصعید (2). فغیر خفیّ أنّ ظاهر الحدیث یأباه ، ولو عاد إلی المطهِّر المدلول علیه بالمقام أمکن ، إلاّ أنّ إرادة العموم فی المطهِّر لا یخلو من إشکال ، ولعلّ التسدید إلی هذا الوجه أقرب من تعبیر الصدوق ، وإن أمکن توجیه کلامه أیضا ، والمراد واضح ، إنّما الکلام فی العبارة.

أمّا ما قاله الشیخ رحمه الله من المطابقة لظاهر القرآن ؛ فلعلّ مراده به قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (3) حیث أوجب التیمم عند عدم الماء ، فلو کان المضاف یصلح للوضوء لما أوجب التیمم عند فقد الماء المطلق.

واحتمال أنّ یرید کون الأمر بالغَسل فی آیة الوضوء ینصرف إلی المطلق ؛ ففیه ما لا یخفی.

أمّا ما ذکره من أنّه المتقرّر فی الأُصول فلا یخلو من غموض ، ولعلّ المراد أنّ الدخول فی الصلاة من جملة الأحکام ، والأصل یقتضی عدم جواز الدخول فیها إلاّ بما أعدّه الشارع ، ولم یثبت جواز الدخول بالوضوء بالمضاف ، وإلی هذا أشار فی المختلف بنوع من الإجمال حال الاستدلال علی أنّ المضاف لا یرفع الحدث (4).

وقد یناقش فی هذا : بأنّ الأصل یرتفع بإطلاق الغَسل فی الوضوء الشامل للمضاف ، ولو رجعنا إلی آیة ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) لم یبق لذکر

ص: 131


1- فی المصدر : أو.
2- الفقیه 1 : 11.
3- النساء : 43 ، المائدة : 6.
4- المختلف 1 : 57.

المتقرّر فی الأُصول فائدة.

وربما یحتمل أنّ یراد بالأُصول أنّ الماء ینصرف إلی المطلق حقیقة ، وإلی غیره علی سبیل المجاز ، والأصل فی الاستعمال الحقیقة ، فیکون قوله : والمتقرّر فی الأُصول ، من تتمّة الاستدلال بظاهر الکتاب.

وفیه : أنّه خلاف مدلول العبارة ، بل الظاهر منها أنّهما دلیلان.

ویحتمل أنّ یکون المراد بالأُصول ما ذکروه فی « إنّما » من کونها تفید الحصر ؛ لأنّ لفظة « إنّ » تفید الثبوت و « ما » تفید النفی ، فمع الترکیب لا یخرج کل منهما عن مقتضاه ، وإلاّ لزم خروج اللفظ عن إفادته لمعناه باعتبار الترکیب ، وهو خلاف الأصل ، فإذا ثبت بقاء المعنی فإمّا أنّ یقتضی إثبات الحکم ونفیه عن المذکور ، أو إثبات الحکم لغیر المذکور ونفیه عن المذکور ، أو بالعکس ، والکلّ باطل ، إلاّ الأخیر ، ولا معنی للحصر إلاّ ذلک.

وفی هذا الاستدلال بحث لیس هذا محله ، إلاّ أنّ مطلوب الشیخ لا یبعد عن إرادته ، ویکفی فی صحته النقل عن أهل اللغة فی أنّ هذه اللفظة للحصر.

فإنّ قلت : یجوز أنّ یکون غرض الشیخ بظاهر الکتاب ما ذکروه فی الاستدلال علی عدم جواز الوضوء بالمضاف بظاهر قوله تعالی ( وَیُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ ) (1) وقد ذکره الشیخ أیضا فی التهذیب (2).

قلت : لا یخلو ما ذکرت من وجه ، ولی فی الآیة کلام لا یقتضی المقام ذکره.

قوله قدس سره :

فأمّا ما رواه محمد بن یعقوب ، عن علی بن محمد ، عن سهل بن

ص: 132


1- الأنفال : 11.
2- التهذیب 1 : 218.

زیاد ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : قلت له : الرجل یغتسل بماء الورد ویتوضّأ به للصلاة قال : « لا بأس بذلک ».

فهذا خبر شاذّ شدید الشذوذ ، وإن تکرّر فی الکتب ، فإنّما أصله یونس عن أبی الحسن علیه السلام ، ولم یروه غیره.

وقد أجمعت العصابة علی ترک العمل بظاهره ، وما یکون هذا حکمه لا یعمل به.

ولو ثبت لاحتمل أن یکون المراد بالوضوء فی الخبر التحسین ، وقد بینّا فی کتابنا « تهذیب الأحکام » ، الکلام علی ذلک (1)، ولأنّ ذلک یسمّی وضوءاً فی اللغة.

ولیس لأحد أن یقول : إنّ فی الخبر أنّه سأله عن ماء الورد یتوضّأ به للصلاة أو یغتسل به ؛ لأنّ ذلک لا ینافی ما قلناه ؛ لأنه یجوز أن یستعمل للتحسین ، ومع ذلک یقصد به الدخول فی الصلاة ، من حیث إنّه متی استعمل الرائحة الطیّبة للدخول فی الصلاة کان أفضل من أن یقصد التطیّب والتلذّذ حسب ، دون وجه الله تعالی ، ویکون قوله : یغتسل به ، یکون المعنی فیه رفع الحظر عن استعماله فی الغسل ونفی السرف عنه ، وإن کان لا یجوز به استباحة الصلاة ، ویحتمل أن یکون المراد بقوله : ماء الورد ، الذی وقع فیه الورد ؛ لأنّ ذلک یسمی ماء وردٍ ، وإن لم یکن معتصراً منه ؛ لأنّ کل شی ء جاور غیره فإنّه یکسبه اسم الإضافة ، وإن کان المراد به المجاورة کما یقولون : ماء

ص: 133


1- التهذیب 1 : 219.

الحب ، وماء البئر ، وماء المصنع (1) ، وماء القرب ، وکل ذلک إضافة مجاورة وفی ذلک إسقاط التعلق بالخبر.

السند

علی بن محمد الواقع فیه ، علان أبو الحسن الثقة ، کما ذکره النجاشی (2).

وسهل بن زیاد : ضعیف ، کما قاله النجاشی (3) ، وللشیخ فیه اضطراب (4).

وما قاله شیخنا قدس سره : من أنّه عامی (5) ، لا أدری مأخذه ، بل المنقول فی الرجال : أنّ أحمد بن محمد بن عیسی شهد علیه بالغلوّ (6).

وعلی کل حال لا اعتماد علی روایته.

فإنّ قلت : قد تقدّم فی توجیه اعتبار محمد بن إسماعیل أنّ روایة الأجلاّء عن الضعفاء نادرة (7) ، والحال أنّ روایة الکلینی عن سهل بن زیاد فی غایة الکثرة ، فلِمَ لا یرجَّح بها قولُ الشیخ : بأنّه ثقة وقوله : إنّه ضعیف ، وإنّ ترجّح به قول النجاشی بضعفه ، إلاّ أنّ قول النجاشی السابق نقله (8) ، الدال علی ندور الروایة من الأجلاّء عن الضعفاء یؤیّد توثیق الشیخ.

علی بن محمد علان ثقة
بحث حول سهل بن زیاد

ص: 134


1- المِصَنع : ما یصنع لجمع الماء کالبرکة ونحوها ، والجمع مصانع مجمع البحرین 4 : 361 ( صنع ).
2- رجال النجاشی : 260 / 682.
3- رجال النجاشی : 185 / 490.
4- ضعّفه فی الفهرست : 80 ، ووثّقه فی الرجال : 416 / 4.
5- مدارک الاحکام 1 : 111.
6- کما فی رجال النجاشی : 185 / 490.
7- راجع ص 48.
8- فی ص 32.

قلت : علی تقدیر ما ذکرت لا وجه للترجیح علی وجه یقتضی العمل بروایة سهل بل غایة الأمر التعارض.

وما عساه یقال : إنّ کلام النجاشی السابق لا یتناول روایة الکلینی عن سهل ؛ لأنّها بواسطة.

یمکن الجواب عنه : بأنّ الواسطة فیها ثقة ، فما قیل فی الکلینی یقال فیه ، مضافاً إلی أنّ الواسطة غالبا العِدّة ، ومن المستبعد روایة العِدّة عن الضعیف.

والحق أنّ المقام واسع البحث ، کما یعرف ممّا قدّمناه (1) فی روایة الأجلاّء عن الضعفاء بکثرة ، ولو نظرنا إلی أنّ الاعتبار عند المتقدّمین بالقرائن ، انتفت الفائدة المطلوبة فی سهل بن زیاد وغیره.

وروایة محمد بن عیسی عن یونس قد تقدم القول فیها (2).

المتن :

حکی العلاّمة فی المختلف عن ابن بابویه القول : بأنّه یجوز الوضوء والغسل من الجنابة بماء الورد ، وأنّه احتجّ بهذه الروایة ، وبأنّها طهارة من نجاسة حکمیة فجاز استعمال ما یشابه الماء فیها لضعفها.

وأجاب العلاّمة عن الروایة بالطعن فی السند بسهل بن زیاد ، وبأنّ فیه محمد بن عیسی عن یونس ، وقد ذکر ابن بابویه عن ابن الولید : أنّه لا یعتمد علی حدیث یرویه محمد بن عیسی عن یونس ، فکیف یصح منه الاستدلال بهذا الحدیث؟ (3).

حکم الغسل والوضوء بماءالورد

ص: 135


1- راجع ص 47 51.
2- ص 76 82.
3- المختلف 1 : 61.

وأری هذا الکلام من العلاّمة فی نهایة الغرابة ؛ لأنّ المتقدّمین لم یکن التفاتهم فی الأحادیث إلی الأسانید ، وذکرها فی کتبهم لیس من جهة التصحیح ، کما یعلمه الآحاد ، فضلاً عن مثل العلاّمة.

ثم إنّ ما نقله عنه من الاحتجاج بالاعتبار لا یخلو من غرابة أیضا بالنسبة إلی الصدوق ، وهو أعلم بالحال.

والذی فی الفقیه : ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة بماء الورد. ثم فیه مضمون الحدیث السابق الدال علی الحصر فی الماء و (1) الصعید (2) ، ولا یخلو الجمع بین الأمرین من إشکال ، وقد ذکرت ما یصلح توجیها فی حاشیة الکتاب.

أمّا ما قاله الشیخ رحمه الله من أنّ هذا الخبر شاذّ (3) ، فالمراد من الشاذّ عند أهل الدرایة ما رواه الراوی الثقة مخالفاً لما رواه الأکثر ، وهو مقابل المشهور ، وقد تقرر فی الدرایة أیضا أنّ المخالف للشاذّ إنّ کان أحفظ وأضبط وأعدل من راوی الشاذ فشاذّ مردود ، وإنّ انعکس فکان الراوی للشاذّ أحفظ وأضبط له وأعدل من غیره من رواة مقابله فلا یردّ ؛ لأنّ فی کل منهما صفة راجحة وصفة مرجوحة فیتعارضان ، ومن العلماء من ردّه مطلقاً ، نظراً إلی شذوذه وقوّة الظنّ بصحة جانب المشهور ، ومنهم من قَبِله مطلقاً نظراً إلی کون راویه ثقة فی الجملة ، ولو کان راوی الشاذّ المخالف لغیره غیر ثقة فحدیثه منکر مردود (4).

بحث حول الخبر الشاذّ

ص: 136


1- فی المصدر : أو.
2- الفقیه 1 : 6 ، 11.
3- التهذیب 1 : 219.
4- انظر الدرایة : 37 ، 38.

وأنت إذا تأمّلت هذا الکلام لا یخفی علیک الحال بعد نقل الصدوق الروایة ، وإنّ کان الطریق فیه ما هو معلوم ، فالأولی الاعتماد علی توجیه الشیخ ( فی التوجیه ) (1).

أما ما قاله : من أنّ أصله یونس ولم یروه غیره ، وقد أجمعت العصابة علی ترک العمل بظاهره ، فلقائل أنّ یقول : إنّه یشکل بأن الصدوق صریح کلامه فی الفقیه أنّه لا یعمل بما ینفرد به الراوی. فمن مواضع التصریح ما قاله فی باب الجمعة فی حدیث القنوت وتعدّده فی الجمعة : إنّ حریزاً انفرد به عن زرارة (2) ، فکیف یعمل بحدیث یونس مع انفراده به؟ والإجماع علی خلافه من العصابة کیف یحکی مع خلاف الصدوق؟.

ولعل الشیخ اطّلع علی أنّ الصدوق غیر قائل بظاهر الخبر ، والإجماع انعقد بعده ، إذ لا یشترط فیه جمیع الأعصار ، وبالجملة فالمقام یحتاج إلی مزید تأمّل ، وتوجیه الشیخ قد أوضحه بما لا مزید علیه.

وما قد یتوجه علی الشیخ : من استبعاد السؤال من مثل یونس عن مثل ما ذکره یمکن أنّ یوجّه وإنّ بَعُد ، والحمل علی التقیة لم یذکره الشیخ ، وأظنّه داخلاً فی حیّز الإمکان إنّ لم یختص بالرجحان.

قوله :

باب الوضوء بنبیذ التمر.

قد بیّنا فی کتاب تهذیب الأحکام(3)أنّ النبیذ المسکر حکمه

الوضوء بنبیذ التمر

اشارة

ص: 137


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- الفقیه 1 : 266.
3- التهذیب 1 : 278.

حکم الخمر فی نجاسته ، وحظر استعماله فی کل شی ء ، ومشارکته لها فی جمیع أحکامها (1)، فلذلک لم تُکرَّر هنا الأخبار فی هذا المعنی.

فأمّا ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن بعض الصادقین قال : « إذا کان الرجل لا یقدر علی الماء ( وهو یقدر علی اللبن فلا یتوضّأ (2) ، إنّما هو الماء أو التیمم ، فإنّ لم یقدر علی الماء ) (3) وکان نبیذا فإنی سمعت حریزاً یذکر فی حدیث أنّ النبی صلی الله علیه و آله قد توضّأ بنبیذ ولم یقدر علی الماء ».

فأوّل ما فیه : أنّ عبد الله بن المغیرة قال : عن بعض الصادقین ، ویجوز أنّ یکون من أسنده إلیه غیر إمام ، وإنّ اعتقد فیه أنّه صادق علی الظاهر ، فلا یجب العمل به.

والثانی : أنّه أجمعت العصابة علی أنّه لا یجوز الوضوء بالنبیذ ، فسقط أیضا الاحتجاج به من هذا الوجه ، ولو سلم من ذلک کله لجاز أن نحمله علی الماء الذی قد طرح فیه تمر قلیل ، لیطیب طعمه وتنکسر ملوحته ومرارته ، وإنّ لم یبلغ حدّا یسلبه اسم الماء بالإطلاق ؛ لأنّ النبیذ فی اللغة : هو ما ینبذ فیه الشی ء ، والماء إذا طرح فیه قلیل تمر یسمّی نبیذا.

السند

قد تقدم الطریق إلی محمد بن علی بن محبوب (4) ، وذکرنا أنّ

ص: 138


1- فی النسخ : أحوالها. وما أثبتناه من الاستبصار 1 : 15.
2- فی الاستبصار 1 : 15 / 1 زیادة : به ، وفی التهذیب 1 : 219 / 628 : باللّبن.
3- ما بین القوسین ساقط من « رض ».
4- راجع ص 63.

العباس هو ابن معروف علی ما جزم به الوالد قدس سره ، أو ابن عامر (1).

وعبد الله بن المغیرة علی الظاهر هو أبو محمد البجلی الثقة ، وما فی الکشی : من أنّه رَوی أنّه کان واقفیّاً ثم رجع (2). لم یثبت ؛ وقد نقل الإجماع علی تصحیح ما یصح عنه (3).

وإنما قلنا : علی الظاهر ؛ لأنّ هذا الاسم مشترک بینه وبین آخرین غیر موثّقین فی أصحاب الکاظم والرضا علیهماالسلام من رجال الشیخ (4) ، إلاّ أنّ الإطلاق فی مثله ینصرف إلی من ذکرناه ، وإن کان فی البین نوع ارتیاب.

ثم إنّ ما ذکره الشیخ : من أنّ بعض الصادقین یجوز أن یکون غیر الإمام یقتضی إرسال الحدیث ، ولا نفع (5) لوصفه بالصدق من دون ذکر الاسم لیعلم حال الرجل من وجود الجارح وعدمه ، علی أنّ الصدق لا یوجب التوثیق المعتبر.

وما قاله شیخنا قدس سره من أنّ قول هذا البعض : سمعت حریزاً ؛ کالصریح فی أنّه غیر الإمام (6) ، فیه : ما تسمعه من القول علی حسب ما خطر فی البال.

المتن :

یختلج فی الخاطر أنّه محمول علی التقیّة ، والقائل : « فإنّی سمعت

بحث حول عبدالله بن المغیرة
بحث حول عبارة: عن بعض الصادقین ، فی سند الحدیث

ص: 139


1- راجع : ص 64.
2- رجال الکشی 2 : 857 / 1110.
3- رجال الکشی 2 : 830 / 1050.
4- رجال الطوسی : 355 / 21 ، 379 / 4.
5- فی النسخ : یقع ، والظاهر ما أثبتناه.
6- حکاه عنه فی هامش الاستبصار 1 : 15 ، ولم نعثر علیه فی المدارک.

حریزاً » هو الإمام معبّراً عنه ببعض الصادقین ، والوجه فی قوله : « سمعت حریزاً » انتفاء التقیّة بالصدق ، لجواز کون حریز حکی عند الإمام علیه السلام ما یرویه المخالفون عن النبی ، ومن ثَمّ نکّر حدیثاً فی قوله : « یذکر فی حدیث » ولا ینافی هذا عدم جواز الوضوء باللبن ، إذ لم یعلم جوازه عندهم ، بل المنقول القول فی النبیذ.

وقد یحتمل أن یکون القائل : سمعت حریزاً ، عبد الله بن المغیرة ، فکأنّه حکی عن الإمام أوّلاً ما ذکره ، ثم حکی ما هو عند المخالفین ، وذکر بعض الصادقین للتمویه علی المخالف ، وقد ذکرت هذا مفصّلاً فی حاشیة التهذیب ، ولعلّ الإجمال هنا کاف فی المرام ، ومنه یعلم ما فی قول شیخنا قدس سره : من النظر ، فینبغی الملاحظة.

قوله :

والذی یدلّ علی هذا التأویل ما أخبَرَنا به الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمد (1) ، عن محمد بن یعقوب ، عن الحسین بن محمد ، عن معلّی بن محمد ؛ وعدّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، جمیعاً عن محمد بن علی الهمدانی ، عن علی بن عبد الله الحناط (2) ، عن سماعة بن مهران ، عن الکلبی النسّابة أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن النبیذ فقال : « حلال » فقال : إنا ننبذه فنطرح فیه العَکَر وما سوی ذلک ، قال : « شُه شُه تلک (3) الخمرة المنتنة » قال : قلت : جعلت فداک فأیّ

ص: 140


1- فی الاستبصار 1 : 16 / 29 زیادة : بن قولویه.
2- فی الاستبصار 1 : 16 / 29 : الخیّاط.
3- لیست فی الاستبصار 1 : 16 / 29.

نبیذ تعنی؟ قال : « إن أهل المدینة شکوا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله تغیّر الماء وفساد طبائعهم ، فأمرهم أنّ ینبذوا ، فکان الرجل یأمر خادمه أنّ ینبذ له ، فیعمد إلی کفّ من تمر فیقذف به فی الشن ، فمنه شربه ومنه طهوره » فقلت : فکم کان عدد التمر الذی فی الکفّ؟ فقال : « ما حمل الکفّ » فقلت واحدة واثنتین؟ فقال : « ربما کانت واحدة وربما کانت اثنتین » فقلت : وکم کان یسع الشن؟ فقال : « ما بین الأربعین إلی الثمانین إلی فوق ذلک » فقلت : بأیّ أرطال؟ فقال : « أرطال مکیال العراق ».

السند

مشتمل من محمد بن یعقوب علی طریقین :

أحدهما : عن الحسین بن محمد الأشعری الثقة ، عن معلّی بن محمد الذی قال النجاشی : إنّه مضطرب الحدیث والمذهب (1).

وثانیهما : عن عدّة من أصحابنا ، والعدّة - علی ما قاله العلاّمة فی الخلاصة نقلاً عن الکلینی - : علی بن محمّد علان (2) ، ومحمّد بن أبی عبد الله (3) ، ومحمّد بن الحسن ، ومحمّد بن عقیل الکلینی (4).

وعلی بن محمّد المعروف بعلان ثقة ، وأمّا محمّد بن أبی عبد الله فذکر شیخنا المحقق أیّده الله فی کتاب الرجال : أنّ الظاهر کونه محمّد

الحسین بن محمد ثقة
معلّی بن محمد مضطرب الحدیث والمذهب
من هم العدّة التی روی الکلینی عنهم عن سهل بن زیاد
علی بن محمد علان ثقة
بحث حول محمد بن أبی عبدالله

ص: 141


1- رجال النجاشی : 418 / 1117.
2- فی « فض » و « د » : علی بن محمّد بن علان ، وفی « رض » : علی بن محمّد عن علان ، والصحیح ما أثبتناه.
3- فی النسخ : محمّد بن عبد الله ، والصحیح ما أثبتناه.
4- خلاصة العلاّمة : 272.

ابن جعفر الأسدی الثقة (1). ومحمّد بن الحسن هو الصفار.

وربما یستبعد أنّ یکون محمّد بن جعفر الأسدی ؛ لأنّ الراوی عنه علی ما فی النجاشی أحمد بن محمّد بن عیسی (2) ، ومحمّد بن یعقوب یروی عن أحمد بن محمّد بن عیسی بواسطة العدّة غیر هذه ، فکیف یروی عن محمّد بن جعفر بغیر واسطة؟ إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع.

وقد یحتمل أنّ یکون هو محمّد بن جعفر الأسدی الرازی المذکور فی رجال من لم یرو عن أحد من الأئمّة أنّه أحد الأبواب (3) ، وذکره الشیخ فی کتاب الغیبة وقال : إنّه من الثقات (4) ، وصرّح شیخنا - أیّده الله - : أنّهما واحد (5).

وقد یشکل الحال بأنّ النجاشی قال فی شأن محمّد بن جعفر بن عون الأسدی : إنّه کان یقول بالجبر والتشبیه (6). ومحمّد بن جعفر الأسدی الرازی ، قال الشیخ : إنّه مات علی ظاهر العدالة لم یطعن علیه بشی ء (7) وعلی کل حال الأمر فی العدة سهل لوجود الثقة غیره فیها.

أمّا ما قاله شیخنا أیّده الله من أنّه لا یضرّ إذا ضعف سهل مع وجود ثقة معه (8) ؛ فلم أدر معناه ، بل الظاهر ( أنّه وهم ) (9) ، وقد تقدم کلام

ص: 142


1- منهج المقال : 401.
2- رجال النجاشی : 373 / 1020.
3- رجال الطوسی : 496 / 28.
4- کتاب الغیبة : 257.
5- منهج المقال : 288 ، 289.
6- رجال النجاشی : 373 / 1020.
7- کتاب الغیبة : 258.
8- منهج المقال : 401.
9- بدل ما بین القوسین فی « رض » : خلافه.

فی سهل ، واضطراب الشیخ فیه ، ( تارة وثّقه وتارة ضعّفه ) (1) (2).

ثم الطریقان یجتمعان فی الروایة عن محمّد بن علی الهمدانی ، ومحمّد هذا قال العلاّمة : إنّه ضعیف (3). وذکر شیخنا أیّده الله أنّ الشیخ ضعّفه ، وقیل : إنّه أبو سمینة (4).

وأمّا علی بن عبد الله الحنّاط فلم أقف علیه فی الرجال الآن.

وسماعة بن مهران تقدم فیه القول (5).

والکلبی ( یقال للحسن والحسین ابنی علوان ، وقد اتّفق للنجاشی نوع إجمال فی التوثیق ؛ لأنّه قال فی ترجمة الحسین : إنّه عامی وأخوه الحسن یکنی أبا محمّد ثقة رویا عن أبی عبد الله (6).

وهذا کما تری یحتمل رجوع التوثیق فیه للحسن أو الحسین ، وغیر بعید الرجوع للحسن ، إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع.

فإنّ قلت : ما وجه قرب الرجوع للحسن ، مع أنّ المقام مقام الحسین؟

قلت لوجهین : الأوّل : [ أنّ (7) ] النجاشی لم یذکر الحسن إلاّ فی ترجمة أخیه ، والظاهر من الکنیة أنّها للحسن والتوثیق کذلک.

والثانی : أنّ التوثیق لو کان للحسین لکان أحقّ بالذکر قبل ذکر

محمد بن علی الهمدانی ضعیف
بحث حول الکلبی

ص: 143


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- راجع ص 129.
3- خلاصة العلاّمة : 254.
4- منهج المقال : 312.
5- فی ص 108 110.
6- رجال النجاشی : 52 / 116.
7- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

الحسن ) (1).

وفی الکافی فی باب ما یفصل به بین المحقّ والمبطل فی آخر حدیث نقله عنه ، ثم قال : فلم یزل الکلبی یدین الله بحبّنا أهل البیت حتی مات (2).

المتن :

له نوع دلالة علی ما قاله الشیخ فی قوله علیه السلام : « ومنه طهوره » إلاّ أنّ ظاهر حدیث حریز أنّ استعمال هذا النبیذ فی الطهارة إذا لم یکن الماء ، والتسدید ممکن کما لا یخفی.

وما فی حدیث الکلبی من قوله ، قلت : واحدة واثنتین ، کأنّ المراد به کفّ وکفّان.

أمّا قوله : « ما بین الأربعین إلی الثمانین إلی ما فوق ذلک » فغیر خفی ما فیه ، والأمر سهل.

اللغة :

فی الصحاح : العَکَرُ دُردیّ الزیت وغیره ، وعکر الشراب والماء والدهن آخره وخاثره (3).

( وفی القاموس : الشوهة بالضمّ البُعد (4). وفیه : الشن القربة (5) ) (6).

ص: 144


1- بدل ما بین القوسین فی « فض » و « د » : هو الحسن بن علوان وهو عامی ثقة علی ما فی النجاشی.
2- الکافی 1 : 351 / 6 ، وفیه : بحبّ آل هذا البیت.
3- الصحاح 2 : 756 ( عکر ).
4- القاموس المحیط 4 : 289.
5- القاموس المحیط 4 : 242 ( شن ).
6- ما بین القوسین لیس فی « د » و « فض ».

قوله :

باب استعمال فضل وضوء الحائض والجنب وسؤرهما.

أخبرنی أحمد بن عبدون ، عن علی بن محمّد بن الزبیر ، عن علی ابن الحسن بن فضال ، عن أیوب بن نوح ، عن محمّد بن أبی حمزة ، عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام فی الرجل یتوضّأ بفضل الحائض ، قال : « إذا کانت مأمونة فلا بأس ».

وبهذا الاسناد عن علی بن الحسن ، عن عبد الرحمن بن أبی نجران ، عن صفوان بن یحیی ، عن عیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن سؤر الحائض ، قال : « توضّأ به (1) ، وتوضّأ من سؤر الجنب إذا کانت مأمونة ( ویغسل یده قبل أنّ یدخلها ) (2) الإناء ، وقد کان رسول صلی الله علیه و آله یغتسل هو وعائشة فی إناء واحد ، ویغتسلان جمیعاً ».

السند

أمّا المشترک بین الحدیثین فأحمد بن عبدون ، وقد تقدم فیه القول (3).

وعلی بن محمّد بن الزبیر مذکور فی رجال الشیخ فیمن لم یرو عن

استعمال فضل وضوء الحائض والجنب وسؤرهما

بحث حول علی بن محمد بن الزبیر

ص: 145


1- فی نسخة « ب » من الإستبصار 1 : 17 / 31 : توضّأ منه ، وفی الکافی 3 : 10 / 2 : لا توضّأ منه.
2- فی الاستبصار 1 : 17 / 31 : وتغسل یدها قبل أن تدخلها ، وفی الکافی 3 : 10 / 2 : ثم تغسل یدیها قبل أنّ تدخلهما.
3- راجع ص 70.

أحد من الأئمّة علیهم السلام مهملاً (1).

والنجاشی ذکر فی ترجمة أحمد بن عبد الواحد ما صورته : وکان یعنی أحمد قد لقی أبا الحسن علی بن محمّد القرشی المعروف بابن الزبیر وکان علواً فی الوقت (2).

والظاهر من « کان » العود إلی علی بن محمّد بن الزبیر ، والعلو فی الوقت بالعین المهملة علی ما وجدناه من النسخ ، ولعلّ المراد به علوّ الشأن إمّا من جهة الوجاهة ، أو من جهةٍ أعلی منها ، غیر أنّ الجزم بما یقتضی غیر المدح فی الجملة مشکل من اللفظ ، نعم فی تکرار روایة أحمد بن عبد الواحد عنه قرینة علی ما لا یخفی ، إذا لوحظ ما قدّمناه فیما مضی : من حرص المتقدّمین علی الروایة عن غیر الضعیف ، ( وإن وقع منهم ما یقتضی خلاف ذلک علی وجه لا تُعلم حقیقته ) (3) (4).

وأمّا علی بن الحسن فهو ثقة فطحی.

وأیوب بن نوح فی المختص بالسند الأوّل مغن عن البیان حاله.

ومحمّد بن أبی حمزة الظاهر أنّه الثمالی الثقة علی ما قاله النجاشی (5) ، والشیخ ذکر أیضاً محمّد بن أبی حمزة التیملی مهملاً ، من أصحاب الصادق علیه السلام (6) ، ویحتمل الاتّحاد ، وبتقدیر عدمه فاحتمال إرادته

علی بن الحسن ثقة فطحی
بحث حول محمد بن أبی حمزة

ص: 146


1- رجال الطوسی : 480 / 22.
2- رجال النجاشی : 87 / 211.
3- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».
4- راجع ص 48 52.
5- لم نعثر علی توثیقه فی رجال النجاشی ( : 358 / 961 ) ولکنه موجود فی رجال الکشّی 2 : 707 / 761.
6- رجال الطوسی : 306 / 417.

بعید ، وإنّ لم یؤثّر فی المقام شیئاً نافعاً.

وعلی بن یقطین واضح الجلالة ، وکذلک عبد الرحمن بن ابی نجران ، وصفوان ، والعیص ، فی السند الثانی.

المتن :

فی الحدیث الأوّل ظاهر فی نفی البأس عن فضل الحائض إذا کانت مأمونة ، أمّا الفضل فلا یبعد أنّ یراد به السؤر ، وصریح الشیخ فی النهایة والمبسوط (1) أنّ المکروه السؤر ، وفی کلام المتأخرین اختلاف فی أنّ السؤر ما باشر فم الحیوان (2) ، أو جسم الحیوان (3) ، وفی اللغة : السؤر ما یبقی بعد الشرب ، قاله الجوهری (4) ، ولو لا تصریح الشیخ بما قلناه لأمکن أنّ یراد بالفضل فی الحدیث ( مباشرة مطلق الجسم ) (5) إنّ لم نقل به فی السؤر ، وإنّ کان مجال الکلام فی الأمرین واسعاً.

ثمّ إنّ الشیخ فی النهایة قیّد الحائض بالمتّهمة (6) ، وفی المبسوط أطلق (7) ، والحدیث کما تری یدل علی نفی البأس عن المأمونة ، ومقتضاه الکراهة فی غیر المأمونة ، وهی أعم من المتّهمة کما لا یخفی ، فما یوجد فی کلام المتأخرین (8) تبعاً للشیخ فی النهایة من ذکر المتّهمة ، غیر ظاهر الوجه.

إشارة إلی جلالة علی بن یقطین وعبدالرحمن بن أبی نجران وصفوان والعیص

إشارة إلی جلالة علی بن یقطین وعبدالرحمن بن أبی نجران وصفوان والعیص
معنی الفضل والسؤر

ص: 147


1- النهایة : 4 ، المبسوط 1 : 10.
2- کما فی معالم الفقه : 147.
3- کما فی الذکری 1 : 106 وجامع المقاصد 1 : 122.
4- الصحاح 2 : 675 ( سأر ).
5- فی « رض » : مطلق مباشرة الجسم.
6- النهایة : 4.
7- المبسوط 1 : 10.
8- منهم الفاضلان فی المعتبر 1 : 99 والقواعد 1 : 5 والشهید فی اللمعة ( الروضة 1 ) : 47.

وأمّا متن الحدیث الثانی : فهو کما تری لا یخلو من إجمال ، وإنّ کان مصرّحاً بالسؤر ، فیمکن حمل الفضل علی السؤر ، ویرجع الحال إلی بیان السؤر ، وقد ذکرنا الإشکال فی ذلک.

ووجه الإجمال فی الحدیث أنّ الجنب ، ظاهر الحدیث عدم الکراهة فیه ، سواء کان مأموناً أو لا ، رجلاً أو امرأة.

وقد یحتمل أنّ یکون المراد بالجنب المرأة ، وقوله : « إذا کانت مأمونة » قیداً لهما ، ویدلُّ علیه ذکر اغتسال عائشة مع النبیّ صلی الله علیه و آله ، وحینئذٍ یدل الحدیث علی أنّ السؤر ما باشره جسم الحیوان.

وربما یستفاد من ظاهر العلّة الشمول للرجل ، ویتحقق أنّ المراد بالسؤر المبحوث عنه فی کلام الأصحاب ذلک ، وإنّ صرح البعض بأنّ المراد به ما باشره الفم (1).

وقال شیخنا قدس سره : إنّ الأظهر فی تعریفه ما باشره فم حیوان ، واعترض علی من عرّفه بأنّه ما باشره الجسم : بأنّه مخالف لما نص علیه أهل اللغة ، ودل علیه العرف العام ، بل والخاص أیضاً کما یعلم من تتبّع الأخبار وکلام الأصحاب ، وبأنّ الوجه الذی لأجله جعل السؤر قسیماً للمطلق مع کونه قسماً منه وقوع الخلاف فی نجاسة بعضه من طاهر العین (2). انتهی.

وقد یقال : إنّ ما ذکره من کلام الأصحاب محلّ تأمّل ؛ لتصریح بعضهم بأنّ السؤر ما باشره جسم حیوان (3). وما ذکره من العلّة له وجه ، إلاّ أنّه لا یقتضی

ص: 148


1- کما فی معالم الفقه : 147.
2- مدارک الأحکام 1 : 128 129.
3- کالشهید الثانی فی الروضة البهیة 1 : 46.

انحصار السؤر فی الفم ، بل علی تقدیر التعمیم یتحقق جعله قسیماً.

واحتمال أن یقال ، : إنّ المباشرة بغیر الفم یقال لها فضلة ؛ یوجب الإشکال فی فضلة الکلب وما معه فی حدیث أبی العباس الآتی (1) ، فإنّه جعله قدس سره دلیلاً علی أنّ السؤر ما باشر فم الحیوان. وسیأتی القول فیه (2) ، إنّ شاء الله.

والحدیث المذکور هنا وهو الثانی ظاهر الدلالة علی أنّ السؤر یقال علی غیر الفم ، غایة الأمر أنّه لا یفید الانحصار فی الفم ، فیندفع به ما قدّمناه من الاتحاد ، إلاّ أنّ الحدیث لمّا کان غیر صحیح لا یفید المطلوب.

نعم فی صحیح علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام : أنّه سأله عن الیهودی والنصرانی یدخل یده فی الماء أیتوضّأ منه؟ قال : « لا ، إلاّ أن یضطرّ إلیه » (3).

( وفی الفقیه روی مرسلاً عن علی علیه السلام : أنّه سئل أیتوضّأ من فضل وضوء جماعة المسلمین أحب إلیک أو یتوضّأ من رکو أبیض مخمر؟ فقال : « (4) بل من فضل وضوء جماعة المسلمین (5) » ) (6).

وقد حکی المحقق فی المعتبر عن المفید : أنّ له فی سؤر الیهودی والنصرانی قولین : أحدهما : النجاسة ، والآخر : الکراهة (7).

ص: 149


1- فی ص 154.
2- فی ص 115 158.
3- التهذیب 1 : 223 / 640 ، الوسائل 3 : 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 9.
4- فی المصدر والوسائل زیادة : لا.
5- الفقیه 1 : 9 / 16 ، الوسائل 1 : 210 أبواب الماء المضاف ب 8 ح 3.
6- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
7- المعتبر 1 : 96.

ولو حمل علی أنّ مراده بالسؤر ما باشر الجسم أمکن الاستدلال له بصحیح علی بن جعفر ، إلاّ أنّه لم یعلم الحال منه.

وفی المختصر الأحمدی لابن الجنید ما هذا لفظه : والتنزّه عن سؤر جمیع من یستحلّ المحرّمات من ملّی وذمّی وما ماسّوه بأبدانهم أحبّ إلیّ إذا کان الماء قلیلاً (1).

وهذا الکلام غیر صریح فی تناول السؤر لما ماسّوه بأبدانهم ، لجعله قسیماً للسؤر کما لا یخفی.

إذا عرفت هذا یظهر لک أنّ إطلاق السؤر علی ما باشره جسم الحیوان غیر منفی من الأخبار وکلام الأصحاب ، ( غایة الأمر أنّ الأخبار الصحیحة لا تخلو دلالتها علی ذلک من نظر ، إلاّ أنّ نفیها من الأخبار وکلام الأصحاب ) (2) مطلقاً محل نظر ، کیف وظاهر الشیخ هنا فی (3) نقل الخبر الثانی العمل به ، ودلالته من ظاهره غیر خفیة.

وممّا یدل أیضاً علی ما قلناه من أنّ ظاهر الخبر فی إرادة المرأة من الجنب ما رواه الکلینی بسند معتبر ، ومتنه هکذا : قال : سألته عن سؤر الحائض ، قال : « لا تتوضّأ منه وتوضّأ من سؤر الجنب ، إذا کانت مأمونة وتغسل یدها » (4). إلی آخر الحدیث الثانی.

ومخالفة الحدیث لما رواه الشیخ ظاهرة فی الحائض (5) ، إلاّ أن التعلیل (6)

ص: 150


1- حکاه عنه فی معالم الفقه : 147.
2- ما بین القوسین ساقط من « د ».
3- فی « فض » : وفی.
4- الکافی 3 : 10 / 2 ، الوسائل 1 : 234 أبواب الأسْآر ب 7 ح 1.
5- فی « فض » زیادة : والجنب.
6- فی « رض » زیادة : الأوّل.

ربما یستفاد منه ما یعم الحائض والجنب غیر المرأة. وفی البین کلام ، إلاّ أنّ الغرض کون المقام غیر محرّر ( فی کلام الأعلام ) (1).

وأمّا کلام الشیخ فالعنوان ظاهر القصور ، بل الأولی أنّ یقول : باب استعمال فضل الحائض والجنب وسؤرهما فی الوضوء ، کما ذکره شیخنا قدس سره : وإنّ کان فیه نوع تأمّل ، من حیث إنّه بناه علی مغایرة السؤر للفضلة ، وهو یضرّ بالحال عنده فی الخبر الدال علی فضلة الکلب ؛ فإنّه إنّما یعتبر التعفیر فی الولوغ ، وهو ما باشره بفمه ، کما ینبّه علیه إنّ شاء الله تعالی (2).

قوله رحمه الله :

فأمّا ما رواه علی بن الحسن ، عن أیوب بن نوح ، عن صفوان بن یحیی ، عن منصور بن حازم ، عن عنبسة بن مصعب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « سؤر الحائض یُشرب منه ولا یُتوضّأ ».

وعنه ، عن معاویة بن حکیم ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الحائض : « یُشرب من سؤرها ولا یتوضّأ منه ».

عنه ، عن علی بن أسباط ، عن عمه یعقوب بن سالم الأحمر ، (3)عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته هل یتوضّأ من فضل (4)الحائض؟ قال : « لا ».

ص: 151


1- ما بین القوسین ساقط من « د ».
2- یأتی فی ص 157 158.
3- فی الاستبصار 17 / 34 زیادة : عن أبی بصیر.
4- فی الاستبصار 17 / 34 زیادة : وضوء.

فالوجه فی هذه الأخبار ما فصّل فی الأخبار الأوّلة ، وهو أنّه إذا لم تکن المرأة مأمونة فإنّه لا یجوز التوضی بسؤرها ، ویجوز أنّ یکون المراد بها ضرباً من الاستحباب.

والذی یدل علی ذلک : ما أخبرنی به أحمد بن عبدون ، عن علی بن محمّد بن الزبیر ، عن علی بن الحسن بن فضال ، عن العباس بن عامر ، عن حجاج الخشاب ، عن أبی هلال ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « المرأة الطامث أشرب من فضل شرابها ولا أُحبّ أنّ أتوضّأ منه ».

السند

أمّا الحدیث الأوّل فرجاله قد تقدم فیهم الکلام (1) ، ما سوی صفوان ومنصور ، وجلالتهم أظهر من أنّ تبیّن.

وأمّا الثانی فالضمیر فی « عنه » ، یرجع إلی علی بن الحسن ، وحاله قد عرفته (2).

ومعاویة بن حکیم ، قال النجاشی : إنّه ثقة جلیل فی أصحاب الرضا علیه السلام (3) ، والکشّی ذکر : أنّه فطحی مع جماعة (4) ، وقد سمعت القول فیه فی مثل هذا (5).

وأمّا الحسین بن أبی العلاء ، فلم أقف علی توثیقه ، إلاّ أنّه نقل عن

إشارة إلی جلالة صفوان بن یحیی ومنصور بن حازم
معاویة بن حکیم ثقة جلیل
بحث حول الحسین بن أبی العلاء

ص: 152


1- راجع ص : 118 و 140.
2- فی ص 140.
3- رجال النجاشی : 412 / 1098.
4- رجال الکشی 2 : 835 / 1062.
5- راجع ص 108.

السید جمال الدین بن طاوس أنّه وثّقه فی البشری ، والناقل ابن داود (1) ، وعلی تقدیر ثبوت النقل ، فربما کان توثیقه من قول النجاشی ، نقلا عن أحمد بن الحسین ، علی ما هو ظاهر من العبارة ، فإنّه قال : وقال أحمد بن الحسین : هو مولی بنی عامر ، وأخواه علی وعبد الحمید ، روی الجمیع عن أبی عبد الله علیه السلام ، وکان الحسین أوجههم (2).

ولمّا کان عبد الحمید ثقة لزم أنّ یکون الحسین ثقة.

وفیه : أنّ کونه أوجههم لا یفهم منه التوثیق ، سیّما وأحد الأخوین لیس بثقة ، علی انّ أحمد بن الحسین غیر معلوم الحال ، فإنّه ابن الغضائری ، واحتمال کون الکلام من النجاشی ممکن أیضاً ، ولکن لا یفید کونه أوجه التوثیق ، علی ما أفهمه.

وأمّا علی بن أسباط ، فإنّه ثقة فطحی ، کما قاله النجاشی ، وقال : إنه رجع (3). لکن لم یعلم الروایة عنه قبل الرجوع أو بعده ، فلا یؤثّر ذلک فی صحّة روایاته لو سلمت من الطعن فی غیره.

ویعقوب بن سالم الأحمر ، قال العلاّمة فی الخلاصة : إنّه ثقة (4) : وفی کتاب ابن طاوس نقلا عن النجاشی ذلک ، والظاهر أنّ العلاّمة أخذ منه ؛ لأنه کثیر التتبع له ، لکن فی النجاشی لم نجده (5) ، فتأمّل.

علی بن أسباط ثقة فطحی
حال یعقوب بن سالم الأحمر

ص: 153


1- رجال ابن داود : 79.
2- رجال النجاشی : 52 / 117.
3- رجال النجاشی : 252 / 663.
4- خلاصة العلاّمة : 186.
5- یوجد فی رجال النجاشی ( طبعة جماعة المدرسین ) : 449 / 1212. وحکاه عنه التفریشی فی نقد الرجال : 5. والقهبائی فی مجمع الرجال 6 : 274.

المتن :

ظاهر الدلالة بما یغنی عن البیان ، وما حمله الشیخ ، فیه نظر ؛ لأنّ المرأة إذا لم تکن مأمونة فعدم جواز الوضوء من سؤرها غیر واضح الوجه ؛ لأنّ الأصل الطهارة فی الماء ما لم تعلم النجاسة ، کما تقدم فی الأخبار ، وعلیه (1) الأصحاب ، [ إذ (2) ] لم ینقل التحریم علی ما رأیت ، والأخبار غیر صریحة فی التحریم ، إذ البأس أعم منه ، إلاّ أنّ الشیخ فی الکتاب غیر معلوم أنّ یرید بما یقوله الحکم ، بل مجرّد الاحتمال ، إلاّ فی مواضع ، کما یعلم بالتأمّل فی الکتاب.

ولعلّ الاستحباب کما ذکره أولی ، والحدیث الدال علی ذلک حال رجاله ظاهرة.

( وأبو هلال مجهول الحال ) (3).

وأمّا حجاج الخشاب ، فقد وثّقه النجاشی نقلا عن أبی العباس (4) ، علی وجه فیه نوع إبهام ، وقد تقدم الکلام فی مثله.

والحدیث الذی نقلناه عن الکافی (5). وأنّه معتبر الإسناد ، لا یشکل علینا الحال به فی عدم التحریم ؛ لعدم معلومیة القائل علی تقدیر (6) صحة الحدیث.

ثمّ إنّ الأخبار الدالة علی التعلیل بکون الحائض مأمونة ، غیر سلیمة

أبو هلال مجهول
حال حجاج الخشاب

ص: 154


1- فی « فض » زیادة : أکثر.
2- فی النسخ : إذا ، والظاهر ما أثبتناه.
3- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
4- رجال النجاشی : 144 / 273.
5- راجع ص 144.
6- فی « فض » و « د » زیادة : تمام.

الإسناد کما علمت ، والحدیث المعتبر دال علی النهی عن سؤر الحائض مطلقاً ، والقول بالکراهة فی الحائض مطلقاً لا یخلو من وجه ، إنّ لم یثبت بالأخبار الغیر السلیمة مثل هذا القید.

ویمکن أنّ یحمل قوله علیه السلام فی الخبرین الأوّلین علی الإنکار ، بمعنی أنّه کیف یشرب منه ولا یتوضّأ؟! وهذا وإنّ بَعُد ، لیس بأبعد من تأویلات الشیخ فی کثیر من المواضع ، والله تعالی أعلم بحقیقة الحال.

قوله :

باب استعمال أسآر الکفار

أخبرنی الشیخ رحمه الله قال : أخبرنی جعفر بن محمّد بن قولویه ، عن محمّد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن سعید الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن سؤر الیهودی والنصرانی ، فقال : « لا ».

وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن یعقوب ، عن أحمد بن إدریس ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أیوب بن نوح ، عن الوشاء ، عمّن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه کره سؤر ولد الزنا والیهودی والنصرانی والمشرک وکل من خالف الإسلام ، وکان أشد ذلک عنده سؤر الناصب.

السند

أمّا الحدیث الأوّل : فحسن بإبراهیم بن هاشم ، وباقی رجاله لیس فی توثیقهم ارتیاب سوی سعید الأعرج ، فإنّ الظاهر أنّه ثقة ، غیر أنّ العلاّمة فی

استعمال أسآرالکفار

إبراهیم بن هاشم :حسن
بحث حول سعید الأعرج

ص: 155

المختلف قال : إنّ سعید الأعرج لا أعرف حاله ؛ فلا حجة فی روایته لجهل عدالته (1).

وأظنّ أنّ الاشتباه وقع للعلاّمة ، من حیث إنّ النجاشی ذکر سعید بن عبد الرحمن الأعرج ( ووثقه (2) ، ونقل ذلک العلاّمة فی الخلاصة أیضاً (3).

والشیخ فی الفهرست قال : سعید الأعرج له أصل (4). ولم یوثّقه.

والکشّی قال : سعید الأعرج ) (5) ونقل فیه روایة (6).

ولمّا کان من دأب العلاّمة فی المختلف سلوک سبیل الاستعجال ، کما یظهر من مراجعته ، لم یبذل الجهد فی النظر إلی کلام الشیخ ، فإنّه ذکر أنّ سعید الأعرج له کتاب یرویه عنه صفوان. والنجاشی قال فی سعید بن عبد الرحمن الأعرج : إنّ کتابه یرویه عنه صفوان. والاتحاد له ظهور ، وباب الاحتمال وإنّ اتسع ، إلاّ أنّ فی مثل هذا بعید عن الدخول فیه.

وما فعله الشیخ ، من تکرار سعید الأعرج وسعید بن عبد الله (7) الأعرج فی کتاب الرجال (8) لا یؤثر (9) التعدّد ، کما یعلم من إفادة الشیخ ، والله تعالی أعلم.

وأمّا الحدیث الثانی : فلیس فیه إلاّ الإرسال ، وعدم توثیق الوشاء ، بل هو معدود من الممدوحین ، وما ذکره الشیخ فی آخر باب الخمس من

بحث حول الوشاء

ص: 156


1- المختلف : 685.
2- رجال النجاشی : 181 / 477.
3- خلاصة العلاّمة : 80 / 6.
4- الفهرست : 77 / 313.
5- ما بین القوسین ساقط من « د ».
6- رجال الکشّی 2 : 727.
7- فی « رض » : عبد الرحمن.
8- رجال الطوسی : 204 / 24 ، ولم نعثر فیه علی عنوان سعید الأعرج.
9- فی « د » : لا یؤکّد.

التهذیب : أنّ الوشاء کان یقول بالوقف ثم رجع (1) ، یتوقف الحکم به علی کونه من کلام الشیخ ، ولم یعلم ، بل احتمال کونه من ابن عقدة راوی الحدیث أقرب.

واحتمال کونه من الراوی عن الوشاء بغیر فصل وهو محمّد بن المفضل ابن إبراهیم الذی وثّقه النجاشی (2) وإنّ قرب ، إلاّ أنّه لا یوجب الجزم (3) ، علی أنّ توثیقه لا یخلو من شی ء کما یظهر من مراجعة النجاشی ، فتأمّل.

نعم فی کتاب کمال الدین حدیث یدل علی أنّ الوشاء کان یقول بالوقف (4) ، ولم یحضرنی الآن حاله ، لکنّی أظنّ عدم الصحة ، ولا فائدة فی تحقیق الحال فی هذا الحدیث بعد الإرسال.

اللغة :

قال فی الصحاح : السؤر ما یبقی بعد الشرب (5) ، وفی القاموس : الأسآر جمع سؤر بالهمز وهو الفضلة والبقیة (6).

المتن :

أمّا الأوّل : فهو مروی فی الکافی بطریق صحیح (7) ، کما ذکره

ص: 157


1- التهذیب 4 : 150.
2- رجال النجاشی : 340 / 911.
3- فی « رض » زیادة : إلاّ انّ یکتفی بالظهور ، وفیه ما فیه.
4- لم نعثر علیه فی کمال الدین ، ولکنّه موجود فی العیون 2 : 231 ب 55.
5- الصحاح 2 : 675 ( سأر ).
6- القاموس المحیط 2 : 44 ( سؤر ).
7- الکافی 3 : 11 / 5 ، الوسائل 1 : 229 أبواب الأسئار ب 3 ح 1.

شیخنا قدس سره فی فوائده علی الکتاب ، وقد تقدم منّا ذکر صحیح علی بن جعفر الدال علی أنّ الیهودی والنصرانی إذا أُدخل یده فی الماء لا یتوضّأ منه إلاّ أنّ یضطر إلیه (1) ، وقد جعلها الوالد : قدس سره دلیلاً علی کراهة سؤر الیهودی والنصرانی إذا قیل بطهارته ، قال قدس سره : والقائل بالطهارة مصرّح به (2).

وفی نظری القاصر : أنّه لا یخلو من غرابة ؛ لصراحة الحدیث فی إدخال الید ، والحال أنّه قدس سره فی أوّل باب السؤر ، قریباً من هذا القول ، صرّح بأنّ المبحوث عنه هو ما یکون من الماء القلیل ، مع مباشرة فم الحیوان له (3).

ولعلّ هذا الحدیث علی تقدیر القول بنجاسة أهل الکتاب یدلّ علی طهارة السؤر ، ویفسّر بما باشره الجسم ، لکنّی لم أقف علی سوی ما قاله المحقق فی المعتبر عن المفید ، إنّ له قولاً بالکراهة (4). ولم نعلم ما فسّر به السؤر ، واحتمال التقیة فیه لا یکاد یحوم حوله التسدید ، وإنّ ذکره الأصحاب غیر القائلین بالطهارة فی الجواب.

فإنّ قلت : لا بُعد فی الحمل علی التقیة من حیث الإشعار فی الجواب بإرادة التنزّه عنهم من دون الضرورة.

قلت : سیاق الحدیث لا یوافق علی هذا.

وقد یمکن توجیه ما ذکرت للضرورة ، حیث قد ادّعی بعض الإجماع

ص: 158


1- فی ص 143.
2- معالم الفقه : 149.
3- معالم الفقه : 147.
4- المعتبر 1 : 96.

علی النجاسة (1) ، وإنّ کان فی هذه الدعوی کلام یظهر من ملاحظة الإجماع المدّعی فی کلام المتأخّرین من الأصحاب ، لا سیّما فی مثل هذا الحکم ، کما یعلم من المعتبر (2).

إذا عرفت هذا : فالحدیث الثانی لا یخلو دلالته علی مطلوب الشیخ من نظر ؛ لأنّه کثیراً ما یستدل علی کراهة بعض الأشیاء بالأخبار الوارد فیها هذا اللفظ ، وینبّه [ علیه (3) ] التصریح فی الخبر الذی یستدل به ، وفیما نحن فیه کذلک ، فإن کراهة سؤر ولد الزناء یقتضی مساواة غیره مما ذکر معه ، فإنّ أراد ( أنّ یعدل ) (4) عن معنی الکراهة إلی التحریم بقرینة ما ذکر معه ، فکان الأولی أنّ ینبّه علیه.

علی أنّ عدم ذکر ولد الزناء فی العنوان إنّ کان لأنّه داخل فی الکفار کما ینقل عن البعض کالسیّد المرتضی (5) ، وابن إدریس (6) فالشیخ أیضاً قائل به إنّ اعتمد علی قوله فی الکتاب ، وإنّ کان لغیر ذلک لا یوافق مطلوبه.

وقد ذکر العلاّمة فی المنتهی هذه الروایة فی الاحتجاج للقول بکفره ، موجّهاً له بوجه لا یخلو من تکلّف ، وأجاب بأنّ الروایة مرسلة ، سلّمنا ، لکن قول الراوی : کره ، لیس إشارة إلی النهی ، بل الکراهة التی فی مقابلة الإرادة ، وقد یطلق علی ما هو أعم من المحرّم والمکروه ، سلّمنا : لکن

سؤر ولد الزناء

ص: 159


1- الانتصار : 10.
2- المعتبر 1 : 96.
3- فی النسخ : علی ، والظاهر ما أثبتناه.
4- فی « ض » و « فض » : انّا نعدل.
5- رسائل الشریف المرتضی 1 : 400.
6- السرائر 1 : 357 و 2 : 122.

الکراهة قد تطلق علی النهی المطلق (1).

ولعلّ هذا الجواب له نوع وجه ، وبه یندفع عن الشیخ بعض الإشکال ، فلیتأمّل فی حقیقة الحال.

قوله :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عمرو بن سعید المدائنی ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطی(2)عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل هل یتوضّأ من کوز أو من إناء غیره إذا شرب علی أنّه یهودی ، فقال : « نعم » فقلت : من ذلک الماء الذی یشرب منه ، قال : « نعم ».

فالوجه فی هذا الخبر أنّ نحمله علی من یُظنّ أنّه کافر ولا یُعرف علی التحقیق ، فإنّه لا یحکم له بالنجاسة إلاّ مع العلم بحاله ، ولا یعمل فیه علی غلبة الظنّ ، أو یحمل علی من کان یهودیاً فأسلم ، فإنّه لا بأس باستعمال سؤره ، ویکون حکم النجاسة زائلاً عنه.

السند

معدود من الموثّق ؛ لأنّ الطریق إلی سعد : الشیخ المفید ، عن جعفر ابن محمّد بن قولویه ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله.

وقد عرفت القول فی محمّد بن قولویه سابقاً (3).

طریق الشیخ إلی سعد بن عبدالله

ص: 160


1- المنتهی 1 : 27.
2- فی الاستبصار 1 : 18 / 38 : عمار بن موسی الساباطی.
3- فی ص 112.

وبقیة الرجال بعد سعد کلهم موثقون غیر إمامیة ، ولی فی بعضهم کلام ، إلاّ أنّ الخروج عن منهج مشایخنا ومن قبلهم ترکه أولی.

وعلی کل حال بعد سلامة ابن قولویه من الإشکال الروایة موثّقة.

المتن :

ما حمله الشیخ علیه من البعد بمکان ، سیّما الثانی.

وما قاله شیخنا قدس سره فی فوائده علی الکتاب من الحمل علی التقیة له وجه.

وقد یحتمل أنّ یکون قوله فی الروایة : أو من إناء غیره. اشتباهاً علی الراوی بعد السؤال ، وإنّما کان السؤال عن الکوز ونجاسته بشرب الیهودی منه محل کلام ، وفی هذا أیضاً تکلف ، والتقیة لا کلفة فیها ، ومن لم یعمل بالحدیث فی غنیة من هذا کله.

قوله :

باب حکم الماء إذا ولغ فیه الکلب

أخبرنی الشیخ رحمة الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین ابن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الکلب یشرب من الإناء قال : « اغسل الإناء » وعن السنّور قال : « لا بأس أنّ یتوضّأ من فضلها إنّما هی من السباع ».

وبهذا الاسناد ، عن حماد ، عن حریز ، عن الفضل أبی العباس ،

حکم الماء إذا ولغ فیه الکلب

اشارة

ص: 161

قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن فضل الهرّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخیل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترک شیئاً إلاّ سألته عنه ، فقال : « لا بأس به » حتی انتهیت إلی الکلب ، فقال : « رجس نجس ، لا تتوضّأ بفضله واصبب ذلک الماء واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء ».

السند

أمّا الأوّل : فقد تقدم القول فیه (1) وأنّه معتبر عند المتأخرین.

وأمّا الثانی : فهو کذلک ، والفضل جلالته غیر خفیة ، وبعض الروایات فی الکشّی (2) یمکن توجیه عدم المنافاة فیها ، وقد سبق ذکر ذلک فی أول الکتاب فی حریز بن عبد الله ، حیث تضمنت الروایة قول أبی العباس لأبی عبد الله علیه السلام : والله لقد عاقبت حریزاً بأعظم ممّا صنع ، فقال له علیه السلام : « ویحک » (3) إلی آخره. فإنّ قول أبی العبّاس فی مقام خطاب الإمام علیه السلام یقتضی نوع نقض (4) ، وقوله علیه السلام : « ویحک » کذلک ، ووجه اندفاع المنافاة مذکور فی کتاب شیخنا ، سلمه الله فی الرجال (5) ، وسیجی ء فی موضع من هذا الکتاب تفصیل المقال (6).

ص: 162


1- راجع ص : 39 ، 43 ، 56.
2- رجال الکشی 2 : 627 / 615 ، 680 / 717.
3- راجع ص : 57.
4- فی « رض » و « د » : نقص.
5- منهج المقال : 94.
6- یأتی فی ج 4 : 191 194.

المتن :

أمّا فی الحدیث الأوّل : فهو صریح فی غسل الإناء بحیث یتحقق بالمرّة إلی أنّ یثبت ما یقیده.

وما تضمّنه من أنّه لا بأس بفضل السنّور استدل به القائل بطهارة سؤره مضافاً إلی الأصل ، والوالد قدس سره مشی علی هذا المسلک (1) ، وظاهره أنّ الفضلة هی السؤر ، بما قدّمه من تفسیره بما باشره الفم (2). فتختص الفضلة به ، واستفادة ذلک من الفضلة مطلقاً لا یخلو من تأمّل ، کما سبق ذکر (3) الوجه فیه (4) ، إلاّ أنّ فی مثل هذه الروایة لا یبعد ما ذکره.

وحکی قدس سره عن العلاّمة أنّه حکی عن ابن إدریس الحکم بنجاسة ما یمکن التحرز عنه : ممّا لا یؤکل لحمه ، من حیوان الحضر غیر الطیر (5). وسیأتی من المصنف أنّ ما لا یؤکل لحمه لا یجوز استعمال سؤره (6) ، وهذا الخبر صریح فی طهارة فضل الهرة ، فإنّ کان مراده بالسؤر غیر الفضلة یتعین إرادته هنا بالفضلة ما باشره السنور بغیر الفم ، وإنّ اتحدا کان بین کلامی الشیخ تخالف.

والوالد : قدس سره نسب إلی الشیخ فی الاستبصار القول بالمنع من سؤر ما لا یؤکل لحمه (7) ، نظراً إلی العبارة الآتیة ، والحال أنّ نقله هذه الروایة

حکم فضل السنّور

ص: 163


1- معالم الفقه : 150.
2- معالم الفقه : 147.
3- فی النسخ : ذکره. والظاهر ما أثبتناه.
4- راجع ص 144.
5- معالم الفقه : 150.
6- ص 190.
7- معالم الفقه : 149.

لا یوافق ذلک ، بل لا بُدّ من تخصیص کلام الشیخ ، فلا یتم نقل القول علی الإطلاق ، وربما یستفاد من تعلیله الآتی ما یتناول السنور ، ولا مانع من سؤره.

ثم التعلیل فی الروایة بأنها من السباع موجود أیضا فی روایات أُخر (1) وربما دل علی طهارة سؤر جمیع السباع ، وفی بعض الروایات ما یقتضی أنّ السبع ما یأکل اللّحم (2).

وأمّا الحدیث الثانی فهو صریح فی طهارة سؤر السباع ، إلاّ أنّ ذکر الوحش قد یأبی تفسیر السباع بما تأکل اللّحم ، والجمع لیس بعسیر لو صحت الأخبار الدالة علی تفسیر السباع.

وما تضمنته الروایة من قوله : فلم أترک شیئاً. الظاهر أنّ المراد به ما خطر فی باله ؛ لأنّه ینفی من الحیوان الذی عینه نجسة غیر الکلب کما لا یخفی ، ( أو أنّ المراد لم أترک ممّا قلته ، وفیه بعد ) (3).

ثم ما تضمّنته من الأمر بالغَسل من دون تقیید بالمرتین هو الموجود فی التهذیب (4) أیضاً ، إلاّ أنّ العلاّمة فی المنتهی (5) والمحقق فی المعتبر (6) نقلاه بلفظ مرّتین ، وفی المختلف نقله کما هنا من غیر لفظ مرّتین (7) ، ولا یخلو من غرابة.

کیفیّة غسل الإناء من ولوغ الکلب

ص: 164


1- الوسائل 1 : 227 أبواب الأسآر ب 2.
2- الوسائل 24 : 115 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 7.
3- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
4- التهذیب 1 : 225 / 646.
5- المنتهی 1 : 188.
6- المعتبر 1 : 458.
7- المختلف 1 : 64.

وظاهر المنتهی أنّه لا خلاف فی التعدد بالماء مع التراب (1).

والحدیث کما تری لا ذکر فیه للإناء ، والمتضمن للإناء وهو الأوّل لا یوجب تخصیص الثانی ولا تقییده ، فلا أدری وجه ذکر الأصحاب الإناء فی التعفیر بالتراب.

وصریح الخبر فضلة الکلب ، وقد تقدم القول فی احتمال الفضلة لغیر السؤر (2) ، إلاّ أنّ الأصحاب الذی رأینا کلامهم عدا المفید علی ما نقله فی المختلف (3) عنه قائلون بالولوغ ، وأمّا المفید فالمنقول عنه أنّ الکلب لو خالط الإناء ببعض أعضائه یغسل مرّة بالماء وثانیة بالتراب وثالثة بالماء (4). وربما یصلح الحدیث باعتبار ذکر الفضلة للاستدلال له ، ( وقد سبق احتمال ظهور السؤر من الخبر ) (5) ولو جعلنا السؤر ما باشره الجسم اتّحدا ، ولعل (6) الولوغ مخصوص عندهم بغیر ما ذکر.

والعجب أنّ العلاّمة قال فی المختلف : والمشهور إیجاب التراب فی الولوغ خاصة ، وهو المعتمد ، لنا أنّ الحکم معلّق بالولوغ (7). والحال أنّه لم یذکر سوی روایة أبی العباس ، وهی کما تری.

والروایة التی نقلها الشیخ هنا أوّلاً وإنّ تضمّنت الشرب ( من الإناء ، إلاّ أنها لا تتضمن التراب ، غیر أنّ تقیید الغَسل بالتراب لا بُدّ منه ، أمّا تقید

ص: 165


1- المنتهی 1 : 187.
2- راجع ص 143.
3- المختلف 1 : 337.
4- المقنعة : 68.
5- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
6- فی « د » و « فض » : أمّا.
7- المختلف 1 : 337.

التراب بالإناء والشرب ) (1) غیر ظاهر الوجه ، واحتمال انصراف الفضلة إلی الشرب والإناء محل کلام.

نعم نقل شیخنا قدس سره روایة عن النبیّ صلی الله علیه و آله تتضمن ذکر الولوغ والغَسل سبعاً (2). والروایة مرسلة ، ومخالفة لما ذکره معتَبِر الثلاث.

وحکی فی المختلف عن ابن إدریس مزج التراب بالماء مستدلاّ بأنّ حقیقة الغَسل جریان الماء (3). وکأنّ غرضه أنّ المزج أقرب إلی حقیقة الغسل ، وعند تعذّر الحقیقة یصار إلی أقرب المجازات ؛ ویظهر من شیخنا (4) قدس سره توجیهه بما قلناه.

واعترض علیه بعض محققی المعاصرین (5) بلزوم مجازین علی هذا التقدیر فی الغَسل والتراب (6).

وقد یقال : إنّ المزج ربما لا یخرج التراب عن الحقیقیة ، فلا یلزم المجاز بمجرد المزج ، وهذا هو الذی یظهر من کلام ابن إدریس أیضاً ، وفی البین کلام طویل ذکرته فی محل آخر.

غیر أنّه ینبغی أنّ یعلم أنّ العلاّمة فی المختلف نقل عن الشیخ فی الخلاف والمبسوط ما یقتضی أنّ التعدّد فی الماء وإنّ کان کثیراً إذا بلغ الکرّ.

واعترض علیه بأنّ العدد إنّما یعتبر فی الإناء الذی یصب فیه الماء ،

ص: 166


1- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
2- مدارک الاحکام 2 : 391.
3- المختلف 1 : 337 وهو فی السرائر 1 : 91.
4- مدارک الأحکام 2 : 392.
5- فی « فض » : المتأخّرین.
6- کالشیخ البهائی فی مشرق الشمسین : 428.

أمّا مع وقوعه فی الکثیر [ أو (1) ] الجاری فلا یعتبر التعدد ، واستدل بحدیث عمار الساباطی عن الصادق علیه السلام وقد سأله عن کیفیة غسل الکوز والإناء إذا کان قَذِراً قال : « یصب فیه الماء فیحرک فیه ثم یفرغ منه ثم یصب فیه ماء آخر ثم یفرغ ( ثم یصب ماء آخر ثم یفرغ ) (2) وقد طهر » قال : وهو یدل بمفهومه علی أنّ العدد إنّما یکون مع صب الماء فی الإناء (3). انتهی.

وأنت خبیر بما فی الاستدلال من القصور ، أمّا أوّلاً : فلأنه فی الاستدلال علی حکم الولوغ إنّما استدل بروایة أبی العباس ولیس فیها ذکر الإناء ولا لفظ مرّتین فمن أین جاء التعدد؟

وأمّا ثانیاً : فلأنّ حدیث عمار یتضمن الغسل ثلاثاً ، ودلالته علی أنّ التعدد منحصر فی القلیل غیر واضحة کما لا یخفی علی المتأمّل.

قوله :

وأخبرنی الشیخ ، عن أبی القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أیوب بن نوح ، عن صفوان ، عن معاویة بن شریح قال : سأل عذافر أبا عبد الله علیه السلام وأنا عنده عن سؤر السنور ، والشاة ، والبقر ، والبعیر ، والحمار ، والفرس ، والبغال ، والسباع ، یشرب منه أو یتوضأ منه ، فقال : « نعم اشرب منه وتوضّأ » قال : قلت له : الکلب ، قال : « لا » قلت له : ألیس هو سبع؟ قال : « لا والله إنّه نجس ، لا والله إنّه نجس ».

ص: 167


1- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
2- ما بین القوسین لیس فی « د ».
3- المختلف 1 : 339 وهو فی الخلاف 1 : 179 والمبسوط 1 : 14.

سعد (1) عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عبد الله بن بکیر ، عن معاویة بن میسرة ، عن أبی عبد الله علیه السلام مثله.

السند

أمّا الأوّل : فقد تقدم القول فیه مکرراً (2) ، وأحمد بن محمّد هو ابن عیسی ، وأیوب بن نوح وصفوان حالهما فی الجلالة غنیة عن البیان.

وأمّا معاویة بن شریح : فالنجاشی ذکر معاویة بن میسرة بن شریح وأنّه روی عن أبی عبد الله علیه السلام (3) ، ولم یوثّقه.

والشیخ فی الفهرست قال : معاویة بن شریح ، له کتاب یرویه عنه ابن أبی عمیر ، وذکر أیضاً معاویة بن میسرة له کتاب یرویه عنه علی بن الحکم (4). فالظاهر الاتحاد ، کما فی النجاشی ، وقد ذکر النجاشی أنّ کتابه یرویه محمّد بن أبی عمیر (5) ، وعلی کل حال فالرجل غیر موثق.

وأمّا الثانی : فالطریق إلی سعد هو الطریق إلیه فی الأوّل ، والکلام الکلام ، وأحمد بن الحسن وابن بکیر فطحیّان ثقتان ، ومعاویة بن میسرة عرفت القول فیه ، وربما دلت الروایة علی التغایر ، ویحتمل الدلالة علی الاتحاد ، والفائدة غیر مهمة.

المتن :

فی الأوّل ظاهر فی طهارة سؤر کل ما ذکر فیه مؤیّداً لغیره ، وکذلک

إشارة إلی جلالة أیوب بن نوح وصفوان
معاویة بن شریح غیر موثق
أحمد بن الحسن بن علی بن فضال وعبدالله بن بکیر فطحیان ثقتان

ص: 168


1- فی الاستبصار 1 : 19 / 42 : سعد بن عبد الله.
2- راجع ص 111.
3- رجال النجاشی : 410 / 1093.
4- الفهرست : 166 / 727 ، 167 / 731.
5- رجال النجاشی : 410 / 1093.

یدل علی نجاسة الکلب ، لکنه یدل علی أنّ تفسیر السبُع بما یأکل اللحم غیر تامّ ، والأمر سهل.

والوالد قدس سره قال : إنّ الطریق إلی معاویة صحیح لکنه مجهول (1) ، وقد تقدم منّا الکلام فی محمّد بن قولویه (2) ، فإنی لم أعلم توثیقه.

قوله :

فأما ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن سنان ، عن ابن مسکان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الوضوء ممّا ولغ فیه الکلب والسنور أو شَرِب منه (3) جمل أو دابّة أو غیر ذلک أیتوضأ منه أو یغتسل؟ قال : « نعم ، إلاّ أنّ تجد غیره فتنزّه عنه ».

فلیس هذا الخبر منافیاً للأخبار الأوّلة ؛ لأنّ الوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی أنّه إذا کان الماء کرّاً أو أکثر منه.

والذی یدل علی ذلک : ما أخبرنی به الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبی جعفر أحمد بن محمّد عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة بن مهران ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لیس بفضل السنور بأس ( بأنّ تتوضّأ منه وتشرب ولا تشرب ) (4) سؤر الکلب إلاّ أنّ یکون حوضاً کبیراً یستقی منه ».

ص: 169


1- معالم الفقه : 150.
2- فی ص 112 111.
3- فی « فض » و « د » : فیه.
4- فی الاستبصار 1 : 20 / 44 : أنّ یُتوضأ منه ویُشرب منه ولا یُشرب.

وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمّد عن علی بن الحکم ، عن أبی أیوب الخزاز ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الماء تبول فیه الدواب وتلغ فیه الکلاب ویغتسل منه (1) الجنب قال : « إذا کان الماء (2) قدر کرّ لم ینجسه شی ء ».

السند

قد تقدم الطریق إلی الحسین بن سعید (3) ، وأنّ ابن سنان هو محمّد علی الظاهر (4).

وأمّا ابن مسکان : فهو عبد الله ؛ لأنّ النجاشی قال فی ترجمته : له کتب ، وذکر من رواتها محمّد بن سنان (5). وأمّا محمّد بن مسکان : فهو مذکور فی کتاب الرجال للشیخ وأنّه مجهول (6). واحتماله هنا لا قرینة علیه ، والقرینة (7) مرجّحة إرادة عبد الله ، وإن کان غیر مفید هنا کما لا یخفی.

وأمّا الخبر الذی یدلّ علی ما ذکره الشیخ فقد تقدم القول فی ذکر رجاله أیضاً (8).

وتفسیر أبی جعفر بأحمد بن محمّد بن عیسی ربما یؤید ما قاله

بحث حول ابن مسکان

ص: 170


1- فی الاستبصار 1 : 20 / 45 : فیه.
2- لیست فی الاستبصار 1 : 20 / 45.
3- راجع ص : 70.
4- راجع ص : 121.
5- رجال النجاشی : 214 / 559.
6- رجال الطوسی : 302 / 350.
7- فی « فض » و « د » زیادة : علی غیره.
8- راجع ص : 71 ، 73 ، 110 113 ، 115.

العلاّمة فی الخلاصة ، من أنّ المراد بأبی جعفر فی روایة الشیخ عن سعد بن عبد الله عن أبی جعفر ، هو أحمد بن محمّد بن عیسی (1).

إلاّ أنّ قول العلاّمة : ذکره الشیخ وغیره. قد یشکل بأنّ محمّد بن یعقوب فی الکافی فی باب تاریخ مولد الصادق علیه السلام قال : سعد بن عبد الله ، عن أبی جعفر محمّد بن عمر بن سعید ، عن یونس بن یعقوب (2). والظاهر أنّ أبا جعفر هذا هو الزیّات ، إلاّ أنّهم لم یذکروا کنیته بأبی جعفر.

ولو لا اتفاق نسخ الکافی التی رأیناها لاحتمل کونه بن عثمان وعمر تصحیف ، فیکون محمّد بن عثمان بن سعید العمری ، فإنّه یکنّی بأبی جعفر وسعد یروی عنه ، فقد یحتمل أنّ یکون مراد العلاّمة أنّ أبا جعفر مع الإطلاق ما ذکره ، والتقیید حکم آخر ، فتأمّل.

اللغة :

الولوغ علی ما ذکره جماعة من أهل اللغة - (3) شرب الکلب ممّا فی الإناء بطرف لسانه ، أو إدخال لسانه فیه وتحریکه (4).

المتن :

علی ظاهر کلام من سمعت کلامه لا یتم فیه تأویل الشیخ ، إلاّ بأنّ یراد بالولوغ الأعم من الشرب من الإناء ، ویصیر فی عرف الأئمّة علیهم السلام غیر

ما المراد بأبی جعفر الذی یروی عنه سعد بن عبدالله

ص: 171


1- خلاصة العلاّمة : 271.
2- الکافی 1 : 475 / 8.
3- فی « فض » و « رض » زیادة : أنّه.
4- القاموس المحیط 3 : 119 ( ولغ ) ، الصحاح 4 : 1329 ( ولغ ).

العرف اللغوی ، أو أنّه مجاز ، ولو أُرید بالإناء ما یتناول الکرّ ففیه إشکال ، إلاّ أنّ ضرورة الجمع یقتضی ما ذکره الشیخ.

وربما یشکل الحال ، بأنّ ظاهر الحدیث التنزّه عنه مع وجود غیره ، فیدل علی کراهیة الوضوء والغسل من الماء الکثیر إذا ولغ فیه الکلب والسنور والجمل والدابة ، ولم أعلم الآن القائل به ، غیر أنّ الحدیث حاله غیر خفیة ، والأمر بالنسبة إلی غیر الشیخ ممّا یتوقف عمله علی صحة الخبر سهل.

والحدیث الأخیر قد تقدم سنداً ومتناً فی أوّل کتاب الطهارة (1) ، فالکلام السابق فیه یغنی عن الإعادة.

بقی شی ء : وهو أنّ جماعة من الأصحاب المتأخّرین ذکروا أنّ لطع الکلب الإناء بلسانه بمنزلة الولوغ ، وإنّ لم یصدق علیه اسمه حقیقة ، بل لأنّه الأولی فی الحکم من الولوغ ، فیتناوله الدلیل بمفهوم الموافقة (2) ، قال الوالد قدس سره : ولا بأس به (3).

وفی نظری القاصر أنّ أصل مفهوم الموافقة محل بحث علی طریقة الأصحاب ؛ لأنّ العلّة لا بُدّ منها عند المحققین فیه ، والعلّة إمّا منصوصة أو مستنبطة ، والثانیة لیست بحجة فی غیره ، ولیس فی مفهوم الموافقة دلیل علی حجیتها ، بل الظاهر منهم نفی المستنبطة مطلقاً کما یعلم من الأُصول ، والأولی إذا تحققت جری حکمها فی کل موضع یتحقق فیه ، من غیر فرق

حکم لطع الکلب الإناء بلسانه
بحث حول مفهوم الموافقة

ص: 172


1- فی ص 39.
2- منهم المحقق والشهید الثانیان فی جامع المقاصد 1 : 190 والروضة 1 : 63 وصاحب المدارک 2 : 390.
3- معالم الفقه : 336.

بین کون المسکوت عنه أولی أو یساوی المنطوق.

وإذا علمت هذا فما نحن فیه لا یتم إذا لم یتحقق الولوغ حقیقة ، کما اعترفوا به ، فینبغی التأمّل فی هذا ، فإنّی لم أجد من ذکره ، وفی الظن أنّ ذکر (1) مفهوم الموافقة بتبعیّة (2) أهل الخلاف ، وعلی قواعدهم له وجه غیر خفی ، والله أعلم بالحال.

قوله :

باب الماء القلیل یحصل فیه شی ء من النجاسة

أخبرنی أبو الحسین بن ابی جید القمی ، عن محمّد بن الحسن بن الولید ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمّد ؛ والحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن سنان ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الجنب یجعل الرکوة (3) والتور (4) فیدخل إصبعه فیه قال : « إنّ کانت یده قذرة فأهرقه ، وإنّ کان لم یصبها قذر فلیغتسل منه ، هذا ممّا قال الله تعالی ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (5).

وبهذا الإسناد ، عن الحسین بن سعید ، عن أخیه الحسن ، عن

الماء القلیل یحصل فیه شیء من النجاسة

اشارة

ص: 173


1- فی « د » : أذکر.
2- فی « فض » و « رض » : یتبعه.
3- الرکوة : إناء صغیر من جلد یشرب فیه الماء النهایة لابن الأثیر 2 : 261 ( رکا ).
4- التور : بالفتح فالسکون : إناء صغیر من صفر أو خزف یُشرب منه ویتوضأ فیه ، مجمع البحرین 3 : 234 ( تور ).
5- الحج : 78.

زرعة ، عن سماعة (1) ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أصاب الرجل جنابة فأدخل یده فی الإناء فلا بأس إذا لم یکن أصاب یده شی ء من المنی ».

السند

قد تقدم الکلام فی رجال الحدیثین (2) ، سوی الحسن بن سعید وزرعة ، والحسن ثقة بغیر ارتیاب ، وزرعة ثقة واقفی کما ذکره النجاشی (3) ، والحسین بن الحسن بن أبان فی الأوّل معطوف علی الصفار.

المتن :

ظاهر الحدیث الأوّل بتقدیر العمل به وجوب الإهراق ، والقائل بالوجوب موجود (4) ، وتأویل المحقق فی المعتبر بأنّ الإهراق کنایة عن عدم الاستعمال فی الطهارة (5). محل کلام ، کما ذکرناه فی حاشیة التهذیب.

وما تضمّنه قوله : « هذا ممّا قال الله » إلی آخره ، لا یخلو من خفاء ، فإنّ الإصبع مع الطهارة لا یناسب الآیة ظاهراً ، ولعل الوجه فی ذلک أن الجنب لو مُنع من إدخال شی ء فی الماء لکان حرجاً ، إلاّ أنّ یکون العضو قذِراً.

الحسن بن سعید ثقة
زرعة ثقة واقفی

ص: 174


1- فی الاستبصار 1 : 20 / 47 : سماعة بن مهران.
2- راجع ص 71 ، 39 ، 41 ، 117 ، 162 ، 70 ، 72 83 125 ، 108 110.
3- رجال النجاشی : 176 / 466.
4- منهم الشیخان فی المقنعة : 69 والنهایة : 6.
5- المعتبر 1 : 104.

وهذان الحدیثان لو صحّا لدفعا قول ابن أبی عقیل (1) ، وإنّ کان الثانی فیه نوع إجمال. والعلاّمة فی المختلف ذکرهما فی الاستدلال لنجاسة القلیل بالملاقاة قائلاً فی توجیه الثانی : إنّه علّق نفی البأس علی عدم الإصابة فیثبت معها قضیة للشرط (2).

وقد یقال : إنّ البأس أعم من التحریم ، والأمر سهل ؛ لوجود أخبار معتبرة دالّة علی نجاسة القلیل ، کما سیأتی.

قوله :

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد ابن یعقوب ، عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن جرّة وجد فیها خنفساء قد مات ، قال : « ألقه وتوضّأ منه ، وإنّ کان عقرباً فأرق (3) الماء وتوضّأ من ماء غیره » وعن رجل معه إناءان فیهما ماء وقع فی أحدهما قذِر لا یدری أیهما هو ، ولیس یقدر علی ماء غیره ، قال : « یهریقهما ویتیمّم ».

محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن العمرکی ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههنّ (4) تطأ العذرة ثم تدخل فی الماء ، یتوضّأ منه للصلاة؟ قال

ص: 175


1- حکاه عنه فی المختلف 1 : 13.
2- المختلف 1 : 14.
3- فی الاستبصار 1 : 21 / 48 : فأهرق.
4- فی الاستبصار 1 : 21 / 49 : وأشباههما.

« لا ، إلاّ أنّ یکون الماء کثیراً قدر کرّ من الماء » (1).

السند

أمّا الأوّل : فقد تقدّم (2).

والثانی : تقدم طریق المصنف إلی محمّد بن أحمد بن یحیی (3) ، والعمرکی هو ابن علی البوفکی علی ما فی الخلاصة (4) ، وتوثیقه فی النجاشی (5).

وعلی بن جعفر حاله أشهر من أنّ یذکر.

المتن :

فی الحدیث الأوّل یدل علی نجاسة القلیل من جهة الإناءین ، فإنّ التیمم یقتضی ذلک لو صح الخبر ، وما تضمنه من إهراق الماء قد تقدّم فیه قول (6).

وقد حکی العلاّمة فی المختلف عن صاحب النهایة الحکم بنجاسة ما یموت فیه العقرب من المیاه ، ووجوب غسل الإناء والثوب والبدن ، ونقل الاستدلال بروایة أبی بصیر ، حیث قال فیها : قلت : والعقرب ، قال : « أرقه » (7).

العمرکی بن علی البوفکی ثقة
عدم النجاسة العقرب

ص: 176


1- فی الاستبصار 1 : 21 / 49 : من ماء.
2- راجع ص 111 ، 70 71 ، 108 109.
3- فی ص 49.
4- خلاصة العلاّمة : 131 / 21.
5- رجال النجاشی : 303 / 828.
6- راجع ص 166.
7- التهذیب 1 : 230 / 664 ، الوسائل 1 : 240 أبواب الأسآر ب 9 ح 5.

وأجاب العلاّمة بأنّه غیر دال علی التنجیس بجواز استناد الإراقة إلی وجود السم فی الماء ، لا إلی نجاسة العقرب (1). والأمر کذلک ، ومثله القول فی الروایة المبحوث عنها.

ولبعض الأصحاب توجیه لإهراق الإناءین بالنسبة إلی التیمّم (2) ، هو بالإعراض عنه حقیق.

وأمّا الخبر الثانی : فهو معدود فی الصحیح ، ودلالته علی نجاسة القلیل بواسطة أنّ النهی عن الوضوء منحصر فی علّتین : النجاسة أو سلب الطهوریة ، والثانی متفق علی نفیه ، فتعیّن الأوّل ، فلا یرد أنّ الروایة أخصّ من المدعی.

والظاهر من الروایة دخول الدجاجة والحمامة فی الماء مع عین العذرة ، فلا یتوجه احتمال أنّ یکون مجرّد زوال العین غیر مطهّر ؛ لأنّ هذا الحکم وإنّ کان فیه نوع إشکال ، إلاّ أنّ المشهور الطهارة ( بزوال العین وإن لم تغب ) (3).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الشیخ فی التهذیب استدل علی وجوب اجتناب الإناءین المشتبهین بحدیث رواه عن عمار الساباطی عن أبی عبد الله علیه السلام ، وهو طویل ، قال : سئل عن رجل معه إناءان فیهما ماء وقع فی أحدهما قذر لا یدری أیّهما هو ، ولیس یقدر علی ماء غیرهما ، قال : « یهریقهما جمیعاً ویتیمّم » (4).

حکم الإناء ین المشتبهین

ص: 177


1- المختلف : 58.
2- انظر من لا یحضره الفقیه 1 : 7 ، والمقنع : 9.
3- ما بین القوسین لیس فی « د ».
4- التهذیب 1 : 248 / 712.

وبروایة سماعة [ و (1) ] قد علمت حال رجالها ، وروایة عمار موثقة ، فغیر العامل بالموثق قد یشکل الحال عنده فی الحکم المذکور ، إلاّ أنّ الخلاف فی الاجتناب ذکر الوالد قدس سره أنّه غیر متحقق (2).

والمحقق فی المعتبر قال : إنّ علیه الاتفاق ، وزاد علی ذلک : أنّ یقین الطهارة فی کل منهما معارض بیقین النجاسة ، ولا رجحان ، فیتحقق المنع (3).

واعترض علیه الوالد قدس سره بأنّ یقین الطهارة فی کل واحد بانفراده إنّما یعارضه الشک فی النجاسة لا الیقین (4).

ولقائل أنّ یقول : إنّ کلام المحقق والاعتراض غیر محرّرین.

أمّا الأوّل : فلأن اشتباه الإناءین علی نحوین ، أحدهما : أنّ یعلم نجاسة أحدهما ثم یشتبه بالآخر ، وثانیهما : أنّ یشتبه وقوع النجاسة فی أیّهما ، وفی الأوّل لا وجه لدعوی یقین الطهارة فی کل منهما ، وفی الثانی یقین الطهارة فی کل واحد بانفراده لا یعارضه یقین النجاسة فی کل واحد بانفراده ، وعلی الاجتماع لا یقین للطهارة ، لتعارضه بیقین النجاسة.

وأمّا الاعتراض : فما فیه یعلم ممّا قررناه.

أمّا ما احتجّ به فی المختلف من [ أنّ (5) ] اجتناب النجس واجب ، ولا یتم إلاّ باجتنابهما معاً (6) ؛ فاعترض علیه شیخنا قدس سره : بأنّ اجتناب

ص: 178


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- معالم الفقه : 160.
3- المعتبر 1 : 103.
4- معالم الفقه : 160.
5- أضفناه لاستقامة العبارة.
6- انظر المختلف 1 : 82.

النجس لا یقطع بوجوبه إلاّ مع تحققه لا مع الشک (1). ولا یخفی علیک بعد ما قررناه فی کلام المحقق ما فی اعتراض شیخنا قدس سره وکلام العلاّمة رحمه الله .

( ثم إنّه ربما یقال فی المقام : إنّ وجوب الاجتناب علی تقدیر تحقق النجاسة وحصول الاشتباه ، أنّ المانع کان یقین النجاسة ومع الاشتباه لا یقین فی کل واحد ، وإذا ارتفع الیقین لا وجه للاجتناب ، ان من المقرر عند جماعة اعتبار الیقین دون الظنّ فی النجاسة ) (2).

ومثل هذا خطر فی البال لکثیر من المسائل ، مثل البئر فی نجاسته بما لا نص فیه علی القول بذلک ، والاختلاف فی المقدار المطهر ، فیقال علی تقدیر یقین النجاسة قبل نزح شی ء من الأقل الذی ذهب إلیه بعض (3) یرتفع یقین النجاسة ، فینبغی الطهارة بنزح الثلاثین فیما لا نص فیه ، لا بالدلیل الذی نقلوه من الروایة التی لا تصلح للاستدلال ، کما سیأتی (4). إنّ شاء الله.

ویمکن الجواب عن الجمیع بأنّ النجاسة إذا ثبتت شرعاً یحتاج رفعها إلی ما أُعدّ الشارع ، ولم یثبت أنّ رفع الیقین مطهّر ، وهکذا نقول هنا مع اشتباه الإناءین ، أمّا علی تقدیر الاشتباه من أول الأمر فی وصول النجاسة إلی أیّ الإناءین فیمکن أنّ یقال أیضاً : إنّ یقین الطهارة فی کل واحد إذا لم یعارضه الشک لا یبقی ، بل قد ارتفع یقیناً مع الشک ، غایة الأمر أنّ یقین

ص: 179


1- مدارک الاحکام 1 : 107.
2- ما بین القوسین کذا فی النسخ ولعل الأنسب أن یقال : ثم إنّه ربما یقال فی المقام : أنّه لا وجه للاجتناب علی تقدیر تحقق النجاسة وحصول الاشتباه ، إذ المانع کان یقین النجاسة ومع الاشتباه لا یقین فی کل واحد ، وإذا ارتفع الیقین لا وجه للاجتناب ، إذ من المقرّر عند جماعة اعتبار الیقین دون الظنّ فی النجاسة.
3- انظر مجمع الفائدة 1 : 286 ومعالم الفقه : 95.
4- الآتی فی ص 297.

الارتفاع لا یوجب الطهارة ، بل الشارع حکم بأنّ الیقین لا یرفعه إلاّ الیقین أو ما فی حکمه علی معنی بقاء حکمه ، والوجدان شاهد ، فقول بعض : إن یقین الطهارة لا یعارضه الشک ، فی حیّز الإجمال ، لولا ما قلناه.

وقول شیخنا قدس سره فی توجیه الاجتناب علی تقدیر تعیّن نجاسة أحدهما ثم اشتباهه بأنّ المنع من استعمال ذلک المتعیّن متحقق فیستصحب (1).

یشکل بما قدّمناه من أنّ زوال یقین النجاسة ینبغی أنّ یرفعها علی القواعد المقررة من أنّ النجاسة لا تثبت بالظن.

وأنت خبیر بعد هذا کله أنّ مع دعوی الاتفاق علی الاجتناب بالإطلاق المتناول للصورتین لا ثمرة فی البحث ، إلاّ أنّ یتنازع فی دعوی الإجماع ، والاحتیاط فی مثل هذا مطلوب.

قوله : رحمه الله :

فأما ما رواه الحسین بن سعید ، عن القاسم بن محمّد ، عن علی ابن أبی حمزة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الماء الساکن والاستنجاء منه ، قال (2) « توضّأ من الجانب الآخر ، ولا تتوضّأ من جانب الجیفة ».

وعنه ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة قال : سألته عن الرجل یمرّ بالمیتة فی الماء ، قال : « یتوضّأ من الناحیة التی لیس فیها المیتة ».

وعنه ، عن القاسم بن محمّد ، عن أبان ، عن زکار بن فرقد ، عن

ص: 180


1- مدارک الأحکام 1 : 108.
2- فی الاستبصار 1 : 21 / 50 : عن الماء الساکن یکون فیه الجیفة أیصلح الاستنجاء منه فقال.

عثمان بن زیاد ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : أکون فی السفر فآتی الماء النقیع ویدی قذرة فأغمسها فی الماء ، فقال : « لا بأس ».

محمّد بن علی بن محبوب ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن محمّد بن سنان ، عن العلاء بن الفضیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الحیاض التی (1) یبال فیها ، فقال : « لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول ».

أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن أبی نصر ، عن صفوان بن مهران الجمال ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الحیاض التی ما بین مکة والمدینة ، تردها السباع ، وتلغ فیها الکلاب ، وتشرب منها الحمیر ، ویغتسل فیها (2) الجنب ، یتوضّأ (3) منها؟ فقال : « وکم قدر الماء؟ » قلت : إلی نصف الساق وإلی الرکبة ، قال : « توضّأ منه ».

الحسین بن سعید ، عن فضالة بن أیوب ، عن الحسین بن عثمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبی بصیر ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنّا نسافر ، ربما بلینا بالغدیر من المطر یکون إلی جانب القریة ، فتکون فیه العذرة ( ویبول فیه الصبی ) (4) وتبول فیه الدابة وتروث ، فقال : « إن عرض فی قلبک منه شی ء [ فافعل ] (5) هکذا یعنی افرج الماء بیدک ثم توضّأ ؛ فإنّ الدین لیس بمضیق ، فإنّ الله

ص: 181


1- لیست فی الاستبصار 1 : 22 / 53.
2- فی الاستبصار 1 : 22 / 54 : منها.
3- فی الاستبصار 1 : 22 / 54 : أیتوضّأ.
4- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
5- فی النسخ والمصادر : فقل ، والظاهر ما أثبتناه.

عزّ وجلّ یقول ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1).

فالوجه فی هذه الأخبار کلها أنّ نحملها علی أنّه إذا کان الماء أکثر من کرّ ، فإنّه إذا کان کذلک لم ینجس بما یقع فیه إلاّ أنّ یتغیر أحد أوصافه حسب ما قدمناه.

وما تضمنت من الأمر بالوضوء من الجانب الذی لیس فیه الجیفة أو بتفریج الماء ، یکون محمولاً علی الاستحباب والتنزّه ؛ لأنّ النفس تَعاف مماسّة الماء الذی تجاوره الجیفة ، وإنّ کان حکمه حکم الطهارة.

والذی یدل علی ذلک ما قدمناه من الأخبار ، من أنّ حدّ الماء الذی لا ینجسه شی ء ما یکون مقداره مقدار کرّ ، وإذا نقص عنه نجس بما یحصل فیه ، ویزید ذلک بیاناً :

ما رواه الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سعید الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجرة تَسَعُ مائة رطل یقع فیها أوقیة دم (2) أشرب منه وأتوضّأ؟ قال : « لا ».

السند

فی جمیع الأخبار لا یخلو من ارتیاب ، ما عدا حدیث صفوان.

أمّا الأوّل : ففیه القاسم بن محمّد ، وهو الجوهری ولم یوثّق مع أنّه واقفی ، ونَقْل ابن داود التوثیق عن الشیخ (3) لم نعلمه.

القاسم بن محمد الجوهری واقفی غیر موثق

ص: 182


1- الحج : 78.
2- فی الاستبصار 1 : 23 / 56 : من دم.
3- رجال ابن داود : 154 / 1219.

وعلی بن أبی حمزة هو البطائنی واقفی من غیر توثیق ، بل ورد فیه ذمّ أیضاً.

وأمّا الثانی : ففیه عثمان بن عیسی ، وقد تقدم فیه القول (1) ، وسماعة حاله مضی بیانه (2).

وأمّا الثالث : ففیه مع القاسم بن محمّد المتقدم زکّار بن فرقد ، وهو غیر معلوم الحال.

وما قاله جدّی قدس سره فی حواشی الخلاصة : من أنّه زکار الدینوری الثقة ؛ لم نعلم وجهه.

وما فی بعض النسخ من زکان بالنون لیکون داود بن أبی زید الغیر الموثق.

فیه : أنّ الموجود فی الرجال زنکان (3) ، واحتمال سقوط النون ، أو أنّ هذا هو الصحیح ؛ لا یفید شیئاً بعد ما ذکرناه.

وفیه أیضاً عثمان بن زیاد ، وهو مشترک بین ثلاثة رجال ، وهم متساوون فی الإهمال (4).

أمّا أبان فهو ابن عثمان علی الظاهر ، ولیس فیه ارتیاب عند من لا یعمل بالموثق ؛ لأنّ الجارح علی بن الحسن بن فضال القائل بأنّ أبان ناووسی ، وهو فطحی موثق ؛ أمّا من یعمل بالموثق فلا مجال لنفی کونه ناووسیاً عنده ، وإجماع العصابة علی تصحیح ما یصح عن أبان (5) لا ینافی

علی بن أبی حمزة البطائنی واقفی مذموم
زکار بن فرقد غیر معلوم الحال
عثمان بن زیاد مشترک مهمل
بحث حول أبان بن عثمان

ص: 183


1- فی ص 70.
2- فی ص 108.
3- رجال الطوسی : 415 / 2.
4- رجال الطوسی : 259 / 589 ، 590 و 260 / 601 ، 610.
5- کما فی رجال الکشی 2 : 673 / 705.

الناووسیة.

والعجب من عدّ بعض محققی المعاصرین سلّمه الله حدیثه فی الصحاح (1) ، مع أنّه عامل بالموثق ، والصحة المذکورة فی الإجماع غیر المصطلح علیها ، وتشویش الاصطلاح غیر مناسب.

وأمّا الرابع : ففیه محمّد بن سنان ، أمّا العلاء بن الفضیل فهو ثقة بغیر ریب.

والخامس : لا ارتیاب فیه ؛ لأنّ طریق الشیخ إلی أحمد بن محمّد بن عیسی فی المشیخة صحیح (2).

وما عساه یقال : إنّ الشیخ فی المشیخة ذکر طرقاً إلی أحمد بن محمّد ابن عیسی (3) ، وفیها ما اشتمل علی أحمد بن محمّد بن الحسن بن الولید ، وأحمد بن محمّد بن یحیی العطار ، ومحمّد بن قولویه ، وفیهم عدم التصریح بالتوثیق ، والصحیح فیها بغیر ارتیاب لا یقتضی صحة جمیع ما رواه عن أحمد بن محمّد بن عیسی ؛ لأنّه قال : ومن جملة ما ذکرته عن أحمد بن محمّد ما رویته ، إلی آخره ؛ ولا یخفی أنّ هذا لا یفید طریق جمیع ما رواه عن أحمد بن محمّد ، فمن أین یعلم أنّ هذا الخبر المبحوث عنه من الجملة؟.

یمکن الجواب عنه : ( بما کرّرنا القول فیه من جهة المذکورین (4) ، وبتقدیر التوقف فالظاهر أنّ ) (5) مراد الشیخ بقوله : ومن جملة ما ذکرته ، لیس

بحث حول طریق الشیخ إلی أحمد بن محمد بن عیسی

ص: 184


1- الشیخ البهائی فی الحبل المتین : 216.
2- مشیخة التهذیب ( التهذیب 10 ) : 42 ، خلاصة العلاّمة : 276.
3- مشیخة التهذیب ( التهذیب 10 ) : 42 ، 72 75.
4- راجع ص 39 ، 40 91 ، 111.
5- بدل ما بین القوسین فی « فض » و « د » : بأنّ.

أنّ الطریق لبعض ما ذکره عن أحمد بن محمّد ، بل مراده من جملة ما ذکرته فی الکتاب عن أحمد بن محمّد ، فیفید عموم الطریق لجمیع روایاته عن أحمد بن محمّد.

والحاصل : أنّ من التبعیضیة بالنسبة إلی کتاب الشیخ لا إلی روایات أحمد.

فإنّ قلت : مع قیام الاحتمال یحتاج الترجیح إلی مرجّح.

قلت (1) الظاهر ما ذکرناه.

وأمّا بقیّة رجال السند فحالهم أظهر من أنّ نبین.

وأمّا السادس : ففیه أبو بصیر وسماعة بن مهران ، وقد تقدم القول فیهما (2). أمّا الحسین بن عثمان فهو مشترک بین موثّقَین ، بل وثلاثة (3).

والطریق إلی الحسین بن سعید قد مرّ غیر بعید (4).

أمّا الحدیث الذی ذکره الشیخ مبیّناً ففیه عثمان بن عیسی ، وسعید الأعرج قد بینا فیما تقدم أنّه لا ریب فیه علی الظاهر (5).

المتن :

لا ریب أنّ ظاهره فی الأخبار الإطلاق ، والمقید یحکم علیه.

وما عساه یقال : إنّ هذا یصیر من قبیل تأخیر البیان عن وقت الحاجة وذلک غیر جائز.

الحسین بن عثمان مشترک

ص: 185


1- فی « فض » و « د » : زیادة فإنّ.
2- فی ص 72 ، 108.
3- هدایة المحدثین : 195.
4- راجع ص 71.
5- راجع ص 70 ، 149.

جوابه : أنّ تأخیر البیان بالنسبة إلیهم غیر معلوم ، نعم لمّا بَعُد العهد وتفرّقت الأخبار صار ما صار ، ولو لا هذا ما صحّ حمل مطلق علی مقیّد وعام علی خاص.

ومن هنا یعلم أنّ ما یقوله شیخنا قدس سره کثیراً فی فوائده علی الکتاب حین جمع الشیخ بین الأخبار بهذا النحو وإن بعد عن المذکور هنا فی الجملة : إنه من الألغاز ، وتأخیر البیان عن وقت الحاجة. محل بحث.

ولا یخفی أنّ بعض الأخبار المذکورة قد یأبی حمل الشیخ ، إلاّ أنّ الضرورة تلجئ إلی التزام ما قاله إذا عمل بالأخبار.

أمّا التعبیر فی قول الشیخ بأنّ الماء أکثر من کرٍ. فغیر ظاهر الوجه ، إلاّ بما قدمناه من أنّ مقدار الکرّ بغیر زیادة یبعد عدم تغیر جزء منه ، فیلزم نجاسة جمیعه.

وما تضمنه الحدیث المعتبر من بین الأحادیث فی تحدید الماء بنصف الساق ، قد یشکل بمنافاة ما سبق ، إلاّ أنّ التحدید بالعمق لا ینافی زیادة الطول أو العرض. واکتفاؤه علیه السلام بقول السائل عن العمق دون غیره لا یخلو من غموض بالنسبة إلینا ، ولعل حمل المطلق علی المقید لا یخرج عنه هذا ، إلاّ أنّ الأخبار فی الکرّ مضطربة فی المقدار ، وربما یرجح هذا الحدیث ما دلّ علی الأقل ، لولا الإجمال فیه ، والله تعالی أعلم بالحال.

وینبغی أنّ یعلم أنّ العلاّمة فی المختلف نقل عن ابن أبی عقیل عدم نجاسة القلیل بالملاقاة ، وأنّه احتجّ بأخبار وادّعی تواتر ما ورد عن الصادق عن آبائه علیهم السلام : « أنّ الماء الطاهر لا ینجّسه إلاّ ما غیّر لونه أو طعمه أو

قول ابن عقیل بعدم نجاسة القلیل بالملاقاة والجواب عنه

ص: 186

رائحته » (1) ، (2).

وأجاب العلاّمة عن الأخبار بما قدمناه (3) ، ولم یجب عن التواتر الذی ادعاه ابن أبی عقیل ، ولا یبعد أنّ یکون مراده بالتواتر : المعنوی ، فإنّ مثل هذه الأخبار الکثیرة قد تفیده ، وإن کان الحق خلاف ذلک ، والعلاّمة رحمه الله لم یذکر من الأخبار إلاّ خبرین (4) ، وقد تقدما (5) ، وأظنّ الاحتجاج بالخبرین من العلاّمة له کما هو دأبه فی کثیر من الاحتجاجات.

أمّا ما قد یقال : من أنّ دعوی التواتر من ابن أبی عقیل کنقل الإجماع بخبر الواحد ، فإذا قبل ذاک ینبغی قبول هذا.

فیمکن الجواب عنه ، أوّلاً : بأنّ نقل التواتر کنقل الإجماع فی أنّه یفید الظنّ ، وحینئذٍ هو کالخبر ، ولا یفید المطلوب.

وثانیاً : بأنّ التواتر الذی ادعاه من الأخبار علی حسب ما اعتقده ، فلا یکون حجة علی غیره. وفی هذا تأمّل غیر خفی الوجه.

( والحق ظهور الفرق بین الإجماع المنقول والتواتر کذلک ؛ إذ التواتر یرجع إلی المحسوس ، وتحقیقه فی المقام منتف ، والعجب من العلاّمة فی المختلف أنّه فی بحث الأذان حکی عن ابن أبی عقیل دعوی التواتر ، وقال : إنّه مقبول منه (6). وفیما نحن فیه لم یعتبر نقله ) (7).

ص: 187


1- الوسائل 1 : 102 أبواب الماء المطلق ب 3.
2- المختلف 1 : 13 14.
3- المختلف 1 : 15.
4- المختلف 1 : 14.
5- راجع ص 172.
6- المختلف 2 : 147.
7- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».

قوله :

وأمّا ما رواه محمّد بن علی بن محبوب ، عن محمّد بن أحمد العلوی ، عن العمرکی ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیهم السلام ، قال : سألته عن رجل رعف فامتخط فصار ذلک الدم قِطَعاً صغاراً فأصاب إناءه هل یصلح الوضوء منه؟ قال : « إن لم یکن شی ء یستبین فی الماء فلا بأس ، وإن کان شیئاً بیّنا فلا یتوضّأ منه » فالوجه فی هذا الخبر أنّ نحمله علی أنّه إذا کان ذلک الدم مثل رؤوس الإبر (1) التی لا تحس ولا تدرک ، فإنّ مثل ذلک معفوّ عنه.

السند

فیه محمّد بن أحمد العلوی ، وهو مذکور فی رجال الشیخ مهملاً (2) ، وفی التهذیب رواه فی الزیادات للطهارة عن علی بن أحمد العلوی (3). وهو العقیقی ، وحاله أنّه غیر موثق بل مذموم ، والشیخ ذکر الرجلین فی من لم یرو عن أحد من الأئمّة علیهم السلام (4) ، والترجیح لأحد الرجلین لا فائدة فیه.

نعم رواه محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن یحیی ، عن العمرکی بن علی ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه ، إلی آخره (5).

محمد بن أحمد العلوی مهمل
علی بن أحمد العلوی العقیقی مذموم

ص: 188


1- فی الاستبصار 1 : 23 / 57 : رأس الإبرة.
2- رجال الطوسی : 506 / 83.
3- التهذیب 1 : 412 / 1299 وفیه : محمّد بن أحمد العلوی ، ولکن فی الهامش : نسخة فی الجمیع علی بن أحمد ، الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1.
4- رجال الطوسی : 486 / 60 و 506 / 83.
5- الکافی 3 : 74 / 16.

المتن :

ربما کان له ظهور فی الدلالة علی إصابة الإناء ، فالجواب لا یقتضی العفو عن الدم ، کما قاله الشیخ رحمه الله ، إلاّ أنّ مثل علی بن جعفر یستبعد منه السؤال عن إصابة الإناء من دون الماء ، ویدفعه اتساع باب الإمکان لقیام الاحتمال.

والمحقق فی المعتبر قال نحو ما قلناه (1).

واعترضه الوالد : قدس سره بأنّ العدول فی مثله عن الظاهر إنّما یحسن مع وجود المعارض ، ولا معارض هنا ، لعدم العموم فی أدلة نجاسة القلیل.

وما ذکره بعض الأصحاب (2) ؛ من معارضته بروایة علی بن جعفر الصحیحة أیضاً عن أخیه علیه السلام قال : وسألته عن رجل رعف وهو یتوضّأ فیقطر قطرة فی إنائه هل یصلح الوضوء منه؟ قال : « لا » (3) ؛ لا ریب أنّه لا یصلح للمعارضة کما لا یخفی ؛ فإنّ نقط الدم لا تنافی غیر البیّن منه (4).

نعم قد یقال علی الوالد قدس سره : إنّ نفی الظهور فی موضع المنع ، ( هذا.

ومن الغریب فی المقام أنّ الکلینی رحمه الله روی الخبر الثانی من جملة الأوّل ، وعلیه ، فالحمل علی إصابة الإناء فی الأوّل لا وجه له ، بعد مشارکة السؤال الثانی فی ذکر الإناء ، فالغفلة من الأعلام عن مراجعة الکافی

ص: 189


1- المعتبر 1 : 50.
2- المختلف 1 : 19.
3- الکافی 3 : 74 / 16 ، مسائل علی بن جعفر : 119 / 63 ، الوسائل 1 : 112 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1.
4- معالم الدین : 6.

ثم ذکر الجواب والمعارضة ، أی الموجبة لما ذکرناه ) (1).

أمّا ما قاله الشیخ ؛ من التعبیر بأنّه لا یدرک ولا یحس ؛ فلا یخلو من خفاء ، وظاهر کلامه أنّ الدم معفوّ عنه ، والمراد غیر واضح أیضاً ، وهو أعلم بمراده.

( بقی شی ء ، وهو أنّ قوله علیه السلام : « إن لم یکن شی ء یستبین فی الماء » إلی آخره ، المتبادر منه وجود شی ء ولا یستبین ، لأنّ « یکن » هی الناقصة ، وقوله : « فی الماء » خبرها ، وجملة « یستبین » صفة « لشی ء » ومن المقرّر أنّ النفی إذا دخل علی کلام فیه تقیید توجّه إلی المقیّد ، واشترط بعضهم کون المقیّد صالحاً للتقیید قبل دخول حرف النفی ، کما فی قولک : ما أکرمته تعظیماً ، أمّا نحو : ما أکرمته إهانة ، فیتوجه إلی نفس الفعل لأجل القید لا المقیّد ؛ لعدم صحّة التقیید قبل النفی ، وما نحن فیه من الأوّل ، فیکون النفی متوجهاً إلی التقیید أعنی : « یستبین ».

وبهذا یندفع ما ذکره المحقق الشیخ علی رحمه الله : من أنّ قوله : « إن لم یکن شی ء یستبین » لا یقتضی وجود شی ء ؛ لأنّ السالبة لا تقتضی وجود الموضوع.

ووجه الاندفاع ظاهر ؛ فإنّ [ السیاق (2) ] إذا لم یقتض وجوده لا یقتضی الامتناع ، والقرینة علی الوجود ، وما ذکرنا علی الشمول کاف کما لا یخفی.

وما قاله : من أنّه یستفاد من الحدیث الرد علی الشیخ ؛ لأنّ نفی البأس مشروط بأن لا یکون شی ء یستبین ، فیثبت البأس إذا کان شیئاً

ص: 190


1- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
2- ما بین المعقوفین فی « رض » : الشیاع ، والظاهر ما أثبتناه.

یستبین أو کان شیئاً ولا یستبین ؛ لأنّ المشروط بشیئین منفی بانتفائهما ، وانتفاء المجموع یکفی فیه انتفاء واحد ، وإذا ثبت البأس مع وجود شی ء لا یستبین ، ثبت حکم النجاسة فی الحدیث علی خلاف ما یدعیه الشیخ.

ففیه نظر واضح ؛ لأنّ الشرط لیس وجود شیئین حتی ینتفی المشروط بانتفاء واحد منهما ، بل الشرط عدم شیئین فلا ینتفی المشروط إلاّ بوجودهما ، فلیتأمّل ) (1).

قوله :

باب حکم الفأرة والوزغة والحیة والعقرب

إذا وقع فی الماء وخرج منه حیّاً

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن العمرکی ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن العظایة (2) والحیّة والوزغ(3) یقع فی الماء فلا یموت ، أیتوضّأ منه للصلاة؟ قال : « لا بأس به ».

محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب ، والحسن بن موسی الخشاب ، جمیعاً عن یزید بن إسحاق ، عن هارون بن حمزة الغنوی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الفأرة

حکم الفأرة والوزغة والحیّة والعقرب إذا وقع فی الماء وخرج منه حیّاً

اشارة

ص: 191


1- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
2- العظایة : دویبَّة أکبر من الوزغة ویقال فی الواحدة عظاءةٌ وعظایة. الصحاح 6 : 2431 ( عظا ).
3- الوزغ : حیوان صغیر أصغر من العظایة مجمع البحرین 5 : 18.

والعقرب وأشباه ذلک یقع فی الماء فیخرج حیّاً هل یشرب من ذلک الماء ویتوضّأ (1)؟ قال : « یسکب منه ثلاث مرات ، وقلیله وکثیره بمنزلة واحدة ، ثم یشرب منه ویتوضّأ منه غیر الوزغ ، فإنّه لا ینتفع بما یقع فیه ».

قال أبو جعفر محمّد بن الحسن : ما تضمن هذا الخبر من حکم الوزغة والأمر بإراقة ما یقع فیه محمول علی ضرب من الکراهیة ، بدلالة الخبر المتقدم ، ولا یجوز التنافی بین الأخبار.

السند

وأمّا الأوّل : فقد تقدم القول فی رجاله (2) ، وهو معدود من الصحیح.

وأمّا الثانی : فالطریق إلی محمّد بن أحمد قد تقدم (3).

والحسن بن موسی الخشاب غیر موثق ، إلاّ أنّ النجاشی قال : إنّه من وجوه أصحابنا مشهور کثیر العلم (4). و ( سیأتی فی باب الماء یقع فیه شی ء من النجس ، حکایة عن النجاشی فی أحمد بن الحسن المیثمی ما قد یقتضی توثیق الخشاب (5) ، إلاّ أنّ فیه احتمالاً یأتی ، وعلی کل تقدیر فی المقام ) (6) لا یضر بالحال لولا غیره وهو یزید بن إسحاق ؛ فإنّ حاله لا یزید عن الإهمال کما یستفاد من بعض کتب الرجال (7) ، وفی شرح البدایة وثّقه

بحث حول الحسن بن موسی الخشاب
بحث حول یزید بن إسحاق

ص: 192


1- فی الاستبصار 1 : 24 / 59 زیادة : منه.
2- راجع ص : 63 ، 40 41 ، 80 ، 167.
3- فی ص 99.
4- رجال النجاشی : 42 / 85.
5- فی ص 218 ، وهو فی رجال النجاشی : 74 / 179.
6- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « د ».
7- رجال الطوسی : 337 / 64 ، الفهرست : 182 ، رجال النجاشی : 453 / 125 ، إلاّ أنّ العلاّمة فی الخلاصة : 183 / 3 ذکره فی القسم الأول ( من یعتمد علی روایته ) ، وکذا ابن داود فی رجاله : 205 / 1723 ، ونسب مدحه إلی الکشّی ، وهو فی رجال الکشّی 2 : 864 / 1126.

جدّی قدس سره - (1) ، ولا أدری وجهه ، إلاّ أنّ یکون من تصحیح العلاّمة طریق الصدوق إلی هارون بن حمزة الغنوی (2) ، وفی ثبوت التوثیق به نظر واضح تقدم وجهه (3).

أمّا هارون بن حمزة الغنوی فهو ثقة کما فی النجاشی (4).

المتن :

فی الحدیث الأوّل صریح فی نفی البأس عن الوضوء بالماء الذی یقع فیه المذکورات.

وما تضمنه الخبر الثانی لو صح طریقه أمکن أنّ یوجّه المنع من الانتفاع بما یقع فیه الوزغ بغیر الوضوء کالشرب ونحوه ؛ لأنّ النهی عن الانتفاع عام والوضوء خاص.

وما قاله الشیخ فی حکم الوزغة : من أنّ الأمر بإراقة ما یقع فیه محمول علی الکراهة ؛ إن أراد به أنّ الحدیث یقتضی إراقة ما یقع فیه الوزغ ، فلا دلالة فی الخبر علیه ، بل الإراقة المذکورة فیه للفأرة والعقرب وأشباه ذلک ، وتناول الأشباه للوزغة یشکل بالتنصیص علی الوزغة ، فلا وجه لإدخالها ، علی أنّ الإراقة لم ترد فی النص کما هو ظاهر.

هارون بن حمزة الغنوی ثقة
حکم الماء إذا وقع فیه الوزغ

ص: 193


1- الدرایة : 131.
2- خلاصة العلاّمة : 279.
3- راجع ص 39.
4- رجال النجاشی : 439 / 1184.

وإن أراد أنّ حکم الوزغة من عدم الانتفاع بالماء محمول علی الکراهة کما أنّ الإراقة کذلک ، أمکن ، إلاّ أنّ الذی یقتضیه ظاهر النص استحباب الإراقة ، ولزوم الکراهة لاستحباب الإراقة نظراً إلی أنّ ترک المستحب مکروه ، فیه منع ؛ لتوقف الکراهة علی النهی.

واحتمال أنّ یقال : إنّ الأمر بالشی ء لمّا استلزم النهی عن الضد وهو الترک فی الواجب علی وجه التحریم فکذا فی المندوب یکون النهی علی وجه الکراهة.

قد خطر فی البال قدیماً ، إلاّ أنّ الوالد قدس سره بعد عرضه علیه قال : إنّ کلام الأُصولیین لا یتناول هذا ؛ وفیه نوع تأمل ، إلاّ أنّ التحقق فی المقام محل کلام ، کما یعلم من أعطی الحدیث حق النظر.

فإنّ قلت : قوله فی الحدیث « غیر الوزغ » ظاهره أنّه داخل فی الأشباه فمن ثَمّ استثناه علیه السلام ، وإذا دخل فی الأشباه تحقق مقتضی الإراقة المذکورة فی الخبر فیه ، ویتم مطلوب الشیخ فی الجملة.

قلت : لو سلم ما ذکرت لدلّ الحدیث علی خلاف المطلوب ، من حیث إنّ السکب من الماء ثلاث مرّات لا یقتضی خلوص الماء ، والنهی عن الانتفاع بالماء مع السکب حینئذٍ لا فائدة فیه ، وإذا لم ینتفع بالماء کانت إراقته جمیعاً أولی ، فلیتأمّل.

اللّغة :

قال فی القاموس : العظایة دویبة کسام أبرص (1) ) (2).

ص: 194


1- القاموس المحیط 4 : 366.
2- ما بین القوسین ساقط من « فض ».

قوله :

فأما ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن عیسی الیقطینی ، عن النضر بن سوید ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : أتاه رجل فقال : وقعت فأرة فی خابیة (1) فیها سمن أو زیت فما تری فی أکله؟ فقال له أبو جعفر علیه السلام : « لا تأکله » فقال له الرجل : الفأرة أهون علیّ من أنّ أترک طعامی من أجلها ، قال : فقال أبو جعفر علیه السلام : « إنک لم تستخفّ بالفأرة إنما استخففت بدینک ، إن الله حرم المیتة من کل شی ء ».

[ فلا ] (2) ینافی الخبر الأوّل ؛ لأنّ الوجه فی هذا الخبر أنّه إذا ماتت الفأرة فیه لا یجوز الانتفاع به ، فأما إن خرجت حیة کان الحکم ما تضمنه الخبر الأوّل ، یدل علی ذلک ما رواه علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن فأرة وقعت فی حُبّ دهن فأُخرجت قبل أن تموت أنبیعه من مسلم؟ قال : « نعم وتدهن به (3) ».

السند

فی الأول قد تقدم الطریق إلی محمّد بن أحمد بن یحیی (4) ومحمّد ابن عیسی تقدم أیضاً فیه کلام (5) ، والنضر بن سوید ثقة صحیح الحدیث کما فی

النضر بن سوید ثقة

ص: 195


1- الخابیة : الحبّ أصلها الهمزة لسان العرب 1 : 62 ( خبأ ).
2- فی النسخ : لا ، وما أثبتناه من الإستبصار 1 : 24 / 60.
3- فی الاستبصار 1 : 24 / 61 : منه.
4- فی ص 99.
5- راجع ص 75.

النجاشی ، ومن الرواة عنه محمّد بن عیسی کما فی النجاشی (1) أیضاً.

أمّا عمرو بن شمر ، فقال النجاشی إنّه ضعیف جدّاً ، زید أحادیث فی کتب جابر الجعفی ینسب بعضها إلیه (2).

وجابر ، هو ابن یزید الجعفی ، بقرینة روایة عمرو بن شمر ، وغیرها أیضاً ، وفیه کلام فی الرجال یضیق عن شرحه المجال ، إلاّ أنّ ضعف الحدیث بعمرو بن شمر یغنی عن تحقیق الحال.

فإنّ قلت : إذا قال النجاشی : إنّ النضر بن سوید صحیح الحدیث ، وإذا صح إلیه الطریق بناءً علی سلامة محمّد بن عیسی عُلِمَ صحة الحدیث ، للعلم الشرعی بأنّه من حدیثه ، وذلک کاف فی الصحة.

قلت : الذی نفیناه ، الصحة الاصطلاحیة ، وما ذکرته لا یخلو من وجه ، غیر أنّ الروایة یحتمل أنّ تکون لیست من أحادیثه بل من مرویاته ، وکونه صحیح الحدیث ، محتمل لأنّ یراد به أحادیثه الخاصة کالأصل.

وفی هذا نظر ؛ لأنّ الظاهر خلاف ذلک ، نعم یحتمل أنّ یراد بصحیح الحدیث نحو ما ذکرناه فی الإجماع علی تصحیح ما یصح عن الرجل ، کما سبق بیانه (3) ، وإن کان فیه أیضاً نوع تأمّل. وبالجملة فاحتمال تصحیح الحدیث من الوجه المذکور غیر بعید.

وأمّا الثانی : فلا ریب فی صحته عند مشایخنا ، بناءً علی صحة الطریق فی المشیخة إلی علی بن جعفر ، من حیث اشتماله علی أحمد بن

عمرو بن شمر ضعیف
إشارة إلی حال جابربن یزید الجعفی

ص: 196


1- رجال النجاشی : 427 / 1147 وفیه : محمّد بن عیسی بن عبید ، عن أبیه ، عن نصر بالصاد المهملة بن سوید بکتابه. وفی الفهرست : 171 / 750 روایة محمّد بن عیسی عنه بلا واسطة أبیه. ولمزید الاطّلاع، راجع معجم رجال الحدیث 19 : 152.
2- رجال النجاشی : 287 / 765.
3- راجع ص 59 60.

محمّد بن یحیی (1) وقد تقدم فیه القول (2).

المتن :

لا یخفی أنّه صریح فی الفأرة المیتة ، حیث قال علیه السلام : « إنّ الله حرّم المیتة من کل شی ء » ولا أدری الوجه فیما قاله الشیخ.

نعم : ظاهر قوله علیه السلام : « إنّ الله حرّم المیتة » لا یعطی التنجیس ، بل تحریم الأکل ، إلاّ أنّ التسدید هیّن.

وأمّا الخبر الذی استدل به الشیخ فهو صحیح علی المعروف من المتأخّرین ؛ لأنّ الطریق إلی علی بن جعفر : الحسین بن عبد الله ، عن أحمد ابن محمّد بن یحیی ، عن أبیه محمّد بن یحیی ، عن العمرکی ، عن علی بن جعفر. غیر أنّ معارضة موجود ، وهو ما رواه علی بن جعفر فی الصحیح أیضاً عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن الفأرة الرطبة ، قد وقعت فی الماء تمشی علی الثیاب أیصلی فیها؟ قال : « اغسل ما رأیت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء » (3).

والخبر المروی هنا ، یمکن حمله علی جواز البیع ، والادهان بالنجس ، کما ذکره بعض محققی المعاصرین (4) سلّمه الله ؛ إلاّ أنّ فی نظری القاصر عدم استقامة الحمل ، لما رواه الشیخ فی باب الأطعمة من التهذیب فی الصحیح عن سعید الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن

ص: 197


1- صحّحه العلاّمة فی الخلاصة : 276 ، وهو فی مشیخة التهذیب 10 : 86.
2- فی ص 99.
3- التهذیب 1 : 261 / 761 ، الوسائل 3 : 460 أبواب النجاسات ب 33 ح 2.
4- الشیخ البهائی فی الحبل المتین : 104.

الفأرة تقع فی السمن والزیت ثم تخرج منه حیّاً ، فقال : « لا بأس بأکله » (1) وقد أوضحت الحال فی حاشیة الفقیه.

قوله :

ولا ینافی ذلک ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی (2) ، عن إبراهیم ابن هاشم ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، أن علیاً علیه السلام سئل عن قِدر طبخت ، وإذا فی القِدر فأرة ، قال : « یهراق مرقها ویغسل اللحم ویؤکل ».

لأنّ المعنی فی هذا الخبر : إذا ماتت فیه یجب إهراق القدر.

فأما ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن وهیب بن حفص ، عن أبی بصیر ، قال : سألته عن حیة دخلت حبّا فیه ماء وخرجت منه ، فقال : « إن وجد ماء غیره فلیهرقه ».

فالوجه فیه : أنّ نحمله علی ضرب من الکراهیة مع وجود الماء المتیقن [ طهارته ] (3)ولأجل هذا أمره بإراقته إن وجد ماء غیره ، ولو کان نجساً لوجب إراقته علی کل حال.

السند

أمّا الأوّل : فالطریق إلی محمّد بن أحمد بن یحیی تکرّر القول فیه (4)

ص: 198


1- التهذیب 9 : 86 / 362 ، الوسائل 24 : 197 أبواب الأطعمة والأشربة ب 45 ح 1.
2- فی « د » : احمد بن محمّد بن یحیی.
3- أثبتناه من المصدر.
4- راجع ص 49 ، 80 ، 99.

وإبراهیم بن هاشم تقدم فیه کلام (1).

وأمّا النوفلی : فهو الحسین بن یزید ، وضعفه أشهر من أنّ یذکر.

والسکونی : لم نر توثیقه ، وهو عامی ، غیر أنّه نُقل عن المحقق فی الرسالة العزّیة : بأنه ثقة ، وأنّ الأصحاب أجمعوا علی العمل بروایته (2). وهذا إنّما یفید بتقدیر الخلوّ من النوفلی ، وإن کان فی البین کلام أیضاً ، وأظنه لا یخفی علی الممارس.

وأمّا الثانی : فمحمّد بن الحسین فیه هو ابن أبی الخطاب ( علی الظن الغالب ، وإن کان باب الاحتمال واسعاً.

وأمّا وهیب بن حفص : فهو ثقة واقفی کما ذکره النجاشی ، وقال : إنّ الراوی عنه محمّد بن الحسین (3) ، والمرتبة لابن أبی الخطاب ) (4) والفائدة قلیلة بعد ذکر أبی بصیر.

المتن :

فی الأول : ظاهر فی أنّ الفأرة میتة ، وبتقدیر احتمال الإجمال

النوفلی ضعیف
بحث حول السکونی
وهیب بن حفص ثقة واقفی

ص: 199


1- فی ص 52 ، 149.
2- نقله عنه فی الرواشح السماویّة : 57 ووثّقه فی المعتبر 1 : 380 والشیخ فی العدة 1 : 149 بعد توثیقه قال : إن الإمامیّة مجمعة علی العمل بما یرویه السکونی ، ووثّقه المحقق الداماد فی الرواشح السماویة : 56 58.
3- رجال النجاشی : 431 / 1159 وفیه : أنّ الراوی عنه الحسن بن سماعة ، إلاّ أنّ فی الفهرست : 173 / 758 روایة محمّد بن الحسین عنه.
4- ما بین القوسین ساقط من « د ».

فالحمل علی الاستحباب لوجود المعارض ممکن ، ما حمل غیره من الأخبار الصریحة فی حیاة الفأرة علی الاستحباب.

وفی الثانی : لا بُدّ من حمله علی الکراهة کما قال الشیخ ؛ لدلالة الخبر الأوّل المعدود من الصحیح علی نفی البأس عن الوضوء من الماء الذی یقع فیه الحیّة (1).

وقول الشیخ ؛ علی ضرب من الکراهیة ؛ محتمل لأنّ یراد به أنّ ما تقدم من الخبر الدال علی العقرب وشبهها ( أنّ الماء ) (2) یسکب منه ثلاث مرات ؛ یتناول الحیّة ، وحینئذ یحمل الإهراق علی نوع تأکّد استحباب الإهراق ، ویلزمه تأکّد الکراهة فی الاستعمال من دون الإهراق بالتقریب الذی تقدم ، إلاّ أنّ الظاهر عدم التناول للحیّة ، وباب الاحتمال غیر مسدود.

أمّا قول الشیخ ؛ ولو کان نجساً لوجب إراقته ؛ فقد یقال علیه : إن وجوب الإراقة لا ینحصر فی النجس ، بل الظاهر من النص خروجها بنفسها ، فلا تکون میتة فی الماء ، والنجاسة حینئذٍ لا وجه لاحتمالها إلاّ بتکلّف نجاسة الحیة ، ولم أعلم الآن القائل بها ، وغیر بعید أنّ یکون الإراقة لاحتمال وجود السم.

قوله :

باب سؤر ما یؤکل لحمه وما لا یؤکل من سائر الحیوان

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن عدّة من أصحابنا ، عن محمّد ابن یعقوب ، عن أحمد بن إدریس ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ،

حکم الماء إذا وقع فیه الحیّة

سؤر مایؤکل لحمه وما لایؤکل من سائر الحیوانات

اشارة

ص: 200


1- راجع ص 182.
2- بدل ما بین القوسین فی « رض » ؛ إذا وقع فی الماء.

عن أحمد ابن الحسن بن علی ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سُئل عمّا (1) یشرب منه الحمام ، فقال : « کلّ ما أُکل لحمه یتوضّأ من سؤره ویشرب ».

وممّا (2) یشرب منه بازی أو صقر أو عقاب ، فقال : « کلّ شی ء من الطیر (3) یتوضّأ ممّا یشرب منه إلاّ أنّ تری فی منقاره دماً فإنّ رأیت شیئاً فی منقاره فلا تشرب » (4).

وسئل عما (5) یشرب (6) منه الدجاجة ، فقال : « إن کان فی منقارها قذر لم تشرب ولم تتوضّأ منه ، وإن لم تعلم أنّ فی منقارها قذراً توضّأ منه واشرب ».

وهذا خبر عام فی جواز سؤر کلّ ما یؤکل لحمه من سائر الحیوان ، وأنّ ما لا یؤکل لحمه لا یجوز استعمال سؤره ، وقد بینا أیضاً فی کتاب تهذیب الأحکام ما یتعلق بذلک ، واستوفینا فیه الأخبار (7).

وما یتضمن هذا الخبر من جواز سؤر طیور لا یؤکل لحمها مثل البازی والصقر إذا عری منقارها من الدم مخصوص من بین ما لا یؤکل لحمه فی جواز استعمال سؤره.

ص: 201


1- فی الاستبصار 1 : 25 / 64 : عن ماء.
2- فی الاستبصار 1 : 25 / 64 : عن ماء.
3- فی الاستبصار 1 : 25 / 64 و « رض » : الطیور.
4- فی الاستبصار 1 : 25 / 64 : فإن رأیت فی منقاره دماً فلا تتوضأ منه ولا تشرب منه.
5- فی الاستبصار 1 : 25 / 64 : عن ماء.
6- فی الاستبصار 1 : 25 / 64 : شرب.
7- التهذیب 1 : 224.

وکذلک ما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام « أنّ أبا جعفر علیه السلام کان یقول : لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن یشرب منه ویتوضّأ منه ».

الوجه فیه أن نخصّه من بین ما لا یؤکل لحمه ، من حیث لا یمکن التحرز من الفأرة ویشق ذلک علی الإنسان ، فعفی لأجل ذلک عن سؤره.

السند

فیه العدة الذی یروی عنها الحسین بن عبید الله ، وسیأتی فی باب ترتیب الوضوء ذکرها ومن لا ارتیاب فیه (1) ، والظاهر اطّرادها.

وفی التهذیب روی بعض هذا الحدیث ، والسند : عن الشیخ أیّده الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن یعقوب ، عن أحمد ابن إدریس ؛ ومحمّد بن یحیی ، جمیعاً عن محمّد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن بن علی ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سئل عمّا یشرب منه الحمام قال : « ما أُکل لحمه یتوضّأ من سؤره ویشرب » (2) فالسند موثق ، ورواه مرّة ثانیة بهذا السند وزاد فیه ما هنا (3).

ص: 202


1- یأتی فی ص 438.
2- التهذیب 1 : 224 / 642 وفیه : کل ما یؤکل ، الوسائل 1 : 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2 ، بتفاوت یسیر.
3- التهذیب 1 : 228 / 660.

المتن :

کما تری مشتمل علی لفظ کلّ ما أُکل ، وفی التهذیب ذکر التوجیه بعد نقل الحدیث الذی ذکرناه عنه ، فقال : قوله : « کلّ ما یؤکل لحمه یتوضّأ بسؤره ویشرب » یدل علی أنّ ما لا یؤکل لحمه لا یجوز التوضّؤ به والشرب منه ؛ لأنّه إذا شرط فی استباحة سورة أنّ یُؤکل لحمه دل علی أنّ ما عداه بخلافه ، ویجری هذا مجری قول النبی صلی الله علیه و آله « فی سائمة الغنم الزکاة » (1) فی أنّه یدل علی أنّ المعلوفة لیس فیها الزکاة (2).

وأنت خبیر بأنّ الشیخ لو جعل توجیهه بعد الحدیث المتضمن للفظ « کلّ » کان أولی (3) ، لکن اعتماده علی ما ذکره بلفظ « کلّ » اقتضی اکتفاؤه بذلک کما نقله هنا.

وقد اعترض علیه شیخنا قدس سره فی بعض فوائده علی الکتاب ، وکذلک شیخنا المحقق میرزا محمّد أیّده الله بما حاصله : أنّه لو سلّم دلالته علی أنّ ما عداه بخلافه ؛ إنّما یدل علی أنّ غیر المأکول لا یثبت له الحکم کلّیاً کما ثبت للمأکول ، ونحن نقول بموجبه ، فإنّ سؤر بعض غیر المأکول نجس قطعاً.

وقد سبق إلی هذا العلاّمة فی المختلف ، فقال : إذا سلّمنا أنّ المفهوم حجة یکفی فی دلالته مخالفة المسکوت عنه للمنطوق فی الحکم الثابت

ص: 203


1- عوالی اللئالی 1 : 399.
2- التهذیب 1 : 224 / 642 ، 643.
3- لا یخفی أنّ الحدیث الذی نقله عن التهذیب مشتمل علی لفظ کلّ ، فتوجیه الشیخ فی محلّه ، والظاهر أنّه کان ساقطاً من نسخة صاحب الاستقصاء.

للمنطوق ، وهنا الحکم الثابت للمنطوق الوضوء بسؤر ما یُؤکل لحمه والشرب منه ، وهو لا یدل علی أنّ کلّ ما لا یؤکل لحمه لا یتوضّأ منه ولا یشرب ، بل جاز انقسامه إلی قسمین (1). وأطال الکلام والمحصل ما سبق.

واعترض الوالد (2) قدس سره علی العلاّمة بما ذکرته فی حاشیة التهذیب وغیرها ، وذکرت ما قد یتوجه علیه ، نظراً إلی أنّ الظاهر وجاهة الإشکال علی الشیخ.

والآن یخطر فی البال أنّ کلام الوالد قدس سره لا یخلو من وجه ، لأنّ حاصله : أنّ المنطوق هو مأکول اللحم من کل حیوان ، والحکم الثابت له جواز الوضوء من سؤره والشرب ، وغیر محل النطق ما انتفی عنه الوصف ، وهو عبارة عن غیر المأکول من کل حیوان ، فیدل علی انتفاء الحکم کلّیاً.

فإنّ قلت : إذا لوحظت الکلّیة فی المنطوق لا بُدّ أنّ یراد نفیها فی المفهوم ، وهو یتحقق بالجزئی.

قلت : إذا نظرنا إلی مفهوم الوصف وحجّیته یکون الغرض المطلوب من الکلام نفی الحکم الثابت لذی الوصف عمّا عداه ، فلا بُدّ أنّ یکون جمیع ما عداه منتفیاً عنه الحکم ، وإلاّ لما أفاد المفهوم ما هو المطلوب ؛ وذکر الکلّ فی المنطوق لا دخل له فی مفهوم الوصف ، بل لبیان شمول الأفراد علی سبیل التأکید ، وإلاّ فالعموم یستفاد من جهة أُخری.

ولو منع مانع استفادته أمکن أنّ یقال : إنّ الکلیة فی المنطوق استفیدت من لفظ کلّ ، والمفهوم یستفاد کلّیته من انتفاء محل الوصف ، فلو فرض للمفهوم قسمان یقال : إنّ تعین أحد القسمین وهو النفی کلّیاً لقرینة

بحث حول مفهوم الوصف

ص: 204


1- المختلف 1 : 65.
2- معالم الفقه : 153.

دلالة الوصف علی النفی عمّا عداه فلا ینافی القاعدة.

اللهُمَّ إلاّ أنّ یقال : إن مدخلیّة الوصف فی النفی عمّا عداه لیست من 0 جهة الوصف لا غیر ، بل بالوصف مع ملاحظة ما معه حتی الکلّیة ، ومعه لا یتم المطلوب ، والوجه فی اعتبار ما معه أنّ الکلام فی مفهوم الوصف مع ما یتضمن القضیة بشروطها ، ولا ریب أنّ الکلیة داخلة.

فإنّ قلت : دلالة الوصف علی النفی عمّا عداه لا دخل لها فی جمیع شرائط القضیة.

قلت : بل لا بُدّ من المدخلیة ؛ لأنّ الدلالة علی نفی الحکم عمّا عداه یقتضی السلب عمّا عدا القضیة المحکوم فیها بالإیجاب ، فلا بُدّ من اعتبار القضیة إیجاباً وسلباً.

والحاصل : أنّ مفهوم الوصف لا یکون حجة إلاّ مع الدلالة علی الحصر ، ومع الحصر لا بُدّ أنّ لا یشارک المنطوق المفهوم فی الحکم ، ومع المشارکة تنتفی حجّیة المفهوم ، واعتبر هذا بقوله : « فی سائمة الغنم زکاة » فإنّه لولا الحصر لما أفاد نفی الحکم عن المعلوفة ، فلیتأمّل.

وبهذا قد یترجّح اعتراض الوالد قدس سره غیر أنّ فی البین نوع کلام بعد ، إلاّ أنّ الأمر سهل ؛ فإنّ مفهوم الوصف غیر ثابت الحجّیة ، کما حررّناه فی الأُصول ، وذکرنا ما لا بُدّ منه فیه فی حاشیة التهذیب فی بحث وجوب السورة.

إذا عرفت هذا فما قاله الشیخ هنا ؛ من أنّ ما تضمنه الخبر من جواز سؤر طیور لا یؤکل لحمها مثل البازی والصقر مخصوص من بین ما لا یؤکل لحمه ؛ لا یخفی أنّه غیر مطابق للنص ؛ لأنّ مقتضاه أنّ کلّ شی ء من الطیر یتوضّأ ممّا یشرب منه ، وإنّما ذکر الصقر والبازی فی کلام السائل ،

ص: 205

والاعتبار بعموم الجواب لا بخصوص السؤال ، ولعل المراد بقول الشیخ مثل البازی والصقر المثلیّة فی کونه غیر مأکول.

وأمّا روایة إسحاق بن عمار : فهی مرسلة هنا ، وفی التهذیب فی باب زیادات الطهارة (1) ، وقد سمعت فیما سبق الأخبار الدالة علی سؤر السنّور والسباع ، بل ظاهر روایة أبی العباس أنّه لم یترک شیئاً إلاّ سأل عنه (2).

وأنت خبیر بأنّ کلام الشیخ هنا فی تخصیص الفأرة : لأنّها لا یمکن التحرز عنها ؛ یمکن أنّ یقال مثله فی السنّور.

أمّا السباع وغیرها المستفاد من الخبر المذکور سابقاً فالتخصیص إن وجد فیه فلا وجه لاقتصار الشیخ علی ما ذکره ، وإن لم یخصص فالمعارضة موجودة ، وهذا الکتاب موضوع للجمع بین الأخبار ، وما ذکرناه من المهم فی ذلک عند العامل بالجمیع کالشیخ ، ومن لا یعمل إلاّ بالصحیح فهو فی راحة من مشقّة الجمع فی المقام.

قوله :

باب ما لیس له نفس سائلة

یقع فی الماء فیموت فیه

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سئل عن الخنفساء والذباب

ما لیس له نفس سائله یقع فی الماء فیموت فیه

اشارة

ص: 206


1- التهذیب 1 : 419 / 1323 ، الوسائل 1 : 239 أبواب الأسآر ب 9 ح 2.
2- راجع ص 154.

والجراد والنملة وما أشبه ذلک تموت فی البئر والزیت والسمن وشبهه ، قال : « کل ما لیس له دم فلا بأس » (1).

وبهذا الإسناد عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أبی جعفر ، عن أبیه ، عن حفص بن غیاث ، عن جعفر بن محمّد علیه السلام قال : « لا یفسد الماء إلاّ ما کانت له نفس سائلة ».

أخبرنی الشیخ أبو عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن سنان ، عن ابن مسکان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « کل شی ء یسقط فی البئر لیس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلک فلا بأس ».

السند

أمّا الأوّل : فهو من الموثق کما تکرر القول فیه (2).

وأمّا الثانی : فأبو جعفر فیه هو أحمد بن محمّد بن عیسی ، وحاله مشهور ، إمّا أبوه محمّد بن عیسی فغیر موثق ، وحفص بن غیاث عامی علی ما قاله الشیخ فی الفهرست (3) وکتاب الرجال (4) ، والنجاشی لم یذکر کونه عامیا ولا مدحه (5).

وأمّا الثالث : فحال رجاله قد تکرر القول فیها بما یغنی عن

إشارة إلی حال أحمد بن محمد بن عیسی وأبیه
حفص بن غیاث عامی

ص: 207


1- فی الاستبصار 1 : 26 / 66 زیادة : به.
2- راجع ص 63 و 91 و 93.
3- الفهرست : 61 / 232.
4- رجال الطوسی : 175 / 176.
5- رجال النجاشی : 134 / 346.

الإعادة (1).

أمّا روایة ابن مسکان وهو عبد الله عن أبی عبد الله علیه السلام بغیر واسطة ، فهی تنافی ما قیل من أنّه لم یسمع من أبی عبد الله علیه السلام إلاّ حدیث : من أدرک المشعر (2) ، لکن الحدیث کما تری غیر صحیح ، بل وذلک القول محل کلام.

المتن :

فی الجمیع ظاهر فی أنّ ما لا نفس له ینجّس الماء ، والأخبار وإن لم تکن صحیحة ، إلاّ أنّ الأصل معها مؤیّد قوی.

وفی المنتهی : اتّفق علماؤنا علی أنّ ما لا نفس له سائله من الحیوانات لا ینجس بالموت ، ولا یؤثّر فی نجاسة ما یلاقیه (3).

وفی المعتبر : أنّ عدم نجاسة ما هذا شأنه وانتفاء التنجیس به مذهب علمائنا أجمع (4).

وحکی الوالد قدس سره عن الشیخ فی النهایة أنّه قال : کلّ ما لیس له نفس سائلة من الأموات فإنّه لا ینجّس الثوب ولا البدن ولا الشراب إذا وقع فیه ، سوی الوزغ والعقرب (5).

وقد علمت ممّا تقدم نقل العلاّمة الاحتجاج لنجاسة العقرب والجواب عنه (6).

کلمة حول عبدالله بن مسکان

ص: 208


1- راجع ص 40 ، 41 ، 69 ، 117 ، 162.
2- رجال الکشّی 2 : 680.
3- المنتهی 1 : 28.
4- المعتبر 1 : 101.
5- معالم الفقه : 233 ، وهو فی النهایة : 6.
6- راجع ص 167 168.

أمّا الوزغ فقد تقدم الخبر الدال علی أنّه لا یُنتفع بما یقع فیه ، وحمل الشیخ له علی الکراهة (1).

وفی المعتبر : ما یتولّد فی النجاسات کدود الحش وصراصره ففی نجاسته تردّد ، ووجه النجاسة أنّها کائنة عن النجاسة ، فتبقی علیها ، ووجه الطهارة الأحادیث الدالة علی طهارة ما مات فیه حیوان لا نفس له من غیر تفصیل ؛ وترک التفصیل دلیل إرادة الإطلاق ؛ ولأنّ تولّده فی النجاسة معلوم ، أمّا منها فغیر معلوم ، فلا یحکم بنجاسته ، وإن لاقی النجاسة إذا خلا من عینها (2). انتهی.

ولقائل أنّ یقول : إنّ ظاهر الکلام ینافی ما قرروه من أنّ استحالة الصورة النوعیة من المطهّرات ؛ فإنّ الاستحالة فی ما نحن فیه أظهر الأفراد ، إلاّ أنّ الذی صرّح به المحقق فی المعتبر علی ما نقله عنه أبی (3) عدم طهارة الخنزیر وشبهه إذا وقع فی المملحة وصار ملحاً ، وکذلک العذرة إذا وقعت فی البئر واستحالت حمأة (4).

وخصوص هذه المذکورات لا وجه له ، وحینئذٍ لا یتوجه علی المحقق شی ء.

نعم ذهب جماعة کالمحقق الشیخ فخر الدین (5) ، والشهید (6) ، وجدّی (7) قدّس سرهم إلی أنّ الاستحالة مطهّرة ؛ واختار ذلک والدی قدس سره -

حکم ما یتولد فی النجاسات
بحث حول مطهریّة الاستحالة

ص: 209


1- راجع ص 182.
2- المعتبر 1 : 102.
3- معالم الفقه : 407 ، وهو فی المعتبر 1 : 451.
4- الحمأة : طین أسود ، المصباح المنیر : 153.
5- إیضاح الفوائد 1 : 31.
6- الذکری 1 : 130 ، والدروس 1 : 125.
7- انظر الروضة 1 : 67 وروض الجنان : 170.

مستدلاً بأنّ الحکم بالنجاسة منوط بالاسم فیزول بزواله (1).

وقد ینظر فی هذا : بأنّ الاسم إذا تحققت الطهارة بزواله یشکل ، بأنه یقتضی طهارة کثیر من الأشیاء وإن لم تحصل الاستحالة ، والأمر لا یخلو من إشکال.

وإرادة زوال الصورة النوعیة من الاسم علی تقدیرها یوجب تطهیر متغیّر الصورة وإن لم یستحل ، ولا أظنّ القائلین یلتزمون ذلک.

وقد احتجّ المحقق (2) والعلاّمة (3) علی القول بعدم الطهارة : بأنّ ( النجاسة قائمة بالأجزاء لا بالأوصاف ، ولا تزول بتغیّر الأوصاف.

وأُجیب : بأنّ قیام ) (4) النجاسة بالأجزاء مسلّم ، لکن لا مطلقاً ، بل بشرط الوصف ؛ لأنّه المتبادر من تعلیق الحکم بالاسم ، والمعهود فی الأحکام الشرعیة ، ولا ریب فی انتفاء المشروط عند انتفاء شرطه (5).

والوالد قدس سره ذکر هذا الجواب أیضاً (6).

ولا یخلو من تأمّل فی نظری القاصر ؛ لأنّ اشتراط الوصف یقتضی بمجرد زواله الطهارة ، وقد سمعت القول فیه.

ومن العجیب أنّ الوالد (7) قدس سره ارتضی کلام المحقق فی الحیوان المتولّد فی النجس ، والحال أنّ مذهبه الطهارة بالاستحالة.

ص: 210


1- معالم الفقه : 407.
2- المعتبر 1 : 451.
3- المنتهی 1 : 179.
4- ما بین القوسین لیس فی « فض ».
5- انظر إیضاح الفوائد 1 : 31.
6- معالم الفقه : 408.
7- معالم الفقه : 407.

وجواب المحقق ؛ حیث ذکر فیه : أنّ الحیوان تولد فی النجاسة لا منها (1) ؛ لا یوافق کلام الوالد قدس سره فی الاستحالة ، ولعلّه قدس سره رأی أن الاستحالة لا یخلو فتح بابها من الإشکال ، فالاستدلال بغیرها أنسب وإن قال بها (2).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأخبار المبحوث عنها فی الأخیر منها حکم البئر خاصة ، والمفهوم من الشرط فیه وإن اقتضی حصول البأس فی ذی الدم ، إلاّ أنّ حمله علی ما لا ینافی غیر عَسِر.

واحتمال اختصاص البئر لکونه جاریاً بعدم تأثّره فلا وجه لذکره هنا ؛ لا یخلو من وجه ، إلاّ أنّ الظاهر من الشیخ إرادة کون البئر مساویاً للماء القلیل غیر الجاری ، کما سیأتی فی الخبر المنافی.

قوله :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الخنفساء تقع فی الماء أیتوضّأ منه؟ قال : « نعم لا بأس به » قلت : فالعقرب؟ قال : « أرقه ».

فالوجه فی هذا الخبر فیما یتعلق (3) بإراقة ما یقع فیه العقرب أن نحمله علی الاستحباب دون الحظر والإیجاب.

وأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن

ص: 211


1- المعتبر 1 : 102.
2- فی « رض » : قیل بها ، وفی « فض » : قاربها.
3- فی الاستبصار 1 : 27 زیادة : بالأمر.

عبد الحمید ، عن یونس بن یعقوب ، عن منهال قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : العقرب تخرج من البئر میتة ، قال : « استق عشر دلاء » قال ، قلت : فغیرها من الجیف ، قال : « الجیف کلّها سواء إلاّ جیفة قد أُجیفت ، فإنّ کانت جیفة قد أُجیفت فاستق منها مائة دلو ، فإن غلب علیه الریح بعد مائة دلو فانزحها کلّها ».

فالوجه فی هذا الخبر (1) ضرب من الاستحباب دون الإیجاب.

السند

فی الحدیث الأوّل تقدّم ما یغنی عن بیانه (2).

وأمّا الثانی : ففیه محمّد بن عبد الحمید ، والظاهر أنّه ابن سالم العطّار ؛ لأنّ الراوی عنه أحمد بن أبی عبد الله البرقی فی الفهرست (3) ، وعبد الله بن جعفر الحمیری فی النجاشی (4) ، ومرتبة محمّد بن أحمد بن یحیی تناسبه.

وفی رجال الشیخ : محمّد بن عبد الحمید فیمن لم یرو عن أحد من الأئمّة علیهم السلام روی عنه ابن الولید (5) ، ولا یخفی بُعد إرادته هنا.

ثمّ إنّ محمّد بن عبد الحمید اتّفق فی النجاشی أنّه قال : محمّد بن عبد الحمید بن سالم العطار أبو جعفر ، روی عبد الحمید عن أبی الحسن موسی علیه السلام وکان ثقة من أصحابنا الکوفیین (6).

بحث حول محمد بن عبدالحمید

ص: 212


1- فی الاستبصار 1 : 27 / 70 زیادة : أیضاً.
2- راجع ص 70 و 69 ، 70 ، 108 ، 72 و 83 و 125.
3- الفهرست : 153 / 675.
4- رجال النجاشی : 339 / 906.
5- رجال الطوسی : 492 / 6.
6- رجال النجاشی : 339 / 906.

فظن جدّی قدس سره أنّ الموثق الأب (1) ، وأراه لا یخلو من بُعد ؛ لأن العنوان لمحمّد وذکر الأب بالعارض ، فمن المستبعد توثیق الأب ، إلاّ أنّ الأمر لا یخلو من اشتباه.

وفی الخلاصة نقل [ فی (2) ] عبد الحمید ما هذه صورته : روی عن موسی وکان ثقة (3).

وکأنّه أخذه من النجاشی ظنّاً بأنّ الموثق الأب ، والذی رأیناه فی النجاشی فی عبد الحمید من دون توثیق.

وأمّا یونس بن یعقوب : فقد کان فطحیاً ورجع ، وهو ثقة ، ذکر ذلک النجاشی (4). والتوقف فی روایته واضح الوجه ، لعدم العلم بزمن الروایة.

وأمّا منهال : فهو مشترک فی الرجال بین من لا یزید علی الإهمال (5).

المتن :

فی الأوّل : علی تقدیر العمل بالخبر محمول کما ذکره الشیخ علی الاستحباب ، لکن لا لمعارضة الخبر المذکور فی هذا الباب ؛ لتضمن الخبر حکم العقرب إذا وقعت فی البئر ، ویجوز أنّ یکون للبئر حکم یغایر غیره من الماء الذی لا یکون له مادة لینافیه الخبر المبحوث عنه ، بل لِما تقدم من الخبر فی الباب المتقدم الدال علی أنّه یسکب من الماء ثلاث مرّات ثم

بحث حول یونس بن یعقوب
منهال مشترک مهمل

ص: 213


1- قال به فی فوائده علی خلاصة العلاّمة علی ما حکاه عنه فی تنقیح المقال 3 : 136.
2- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : عن ، والظاهر ما أثبتناه.
3- خلاصة العلاّمة : 116 / 3.
4- رجال النجاشی : 446 / 1207.
5- رجال الطوسی : 313 / 537 540.

یشرب منه (1) ، مع احتمال أنّ یقال بالتخییر بین الإراقة والسکب ثلاث مرّات.

وما قد یقال : إنّ الأخبار الدالة علی أنّ ما لیس له دم لا بأس به تتناول العقرب ، فیحتاج الحمل علی الاستحباب فی العقرب لذلک.

یمکن الجواب عنه بجواز تخصیص ذلک وتقییده ، مع احتمال أن یراد بنفی البأس عدم النجاسة وعدم التحریم ، فلا یتم المعارضة ، وفی هذا نظر ( ولا یخفی أنّ الجمع فرع العمل بالأخبار ) (2).

وأمّا الثانی : فما ذکره الشیخ فیه من الحمل علی الاستحباب لا بأس به بالنسبة إلی غیر الشیخ ، أمّا هو علی ما یظهر منه من وجوب النزح تعبّداً فلا مانع له من أنّ یحمل الخبر المتضمن لنفی البأس علی عدم النجاسة ، والأمر بالنزح علی الوجوب تعبّداً ، أو بزوال النفرة من السم عند غیر الشیخ مع الاحتمال المتقدم ؛ إلاّ أنّ فی مذهب الشیخ بالنسبة إلی النزح نوع خفاء ، کما سنبینه إن شاء الله (3).

أمّا ما تضمنه الخبر من قوله : « جیفة قد أُجیفت » فالمراد به میتة قد أنتنت ، والحمل علی الاستحباب فی بعض الحدیث والوجوب فی بعض محل إشکال.

وقوله علیه السلام : « فإنّ غلب الریح بعد مائة دلو فانزحها کلّها » لا یخلو من إجمال لا یتمّ بیانه إلاّ فی باب نزح المتغیّر من الآبار.

فإنّ قلت : ظاهر الخبر فی الجیفة الشمول للطاهرة کجیفة ما لا نفس

ص: 214


1- راجع ص 182.
2- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».
3- یأتی فی ص 231.

له ، والوجوب فیها لا یخلو من إشکال ، بل الاستحباب له وجه ، فلعل الخبر محمول علیها بخصوصها ، فیتم الاستحباب.

قلت : لا یخفی عدم تمامیّة هذا ، بل الظاهر أنّ المراد من الجیفة غیر العقرب وما ماثلها ممّا لیس له نفس سائلة ، غایة الأمر أنّ الحدیث علی نحو بعض الأخبار الواردة فی البئر ، من دخوله فی حیّز الإجمال ، والله تعالی أعلم بالحال.

قوله :

بَاب المَاء المستعمل

أخبرنی الشیخ أبو عبد الله رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علی ، عن أحمد بن هلال ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بأنّ یتوضّأ بالماء المستعمل » وقال : « الماء الذی یغسل به الثوب ، أو یغتسل به الرجل من الجنابة لا یجوز أنّ یتوضّأ منه وأشباهه ، وأمّا الذی یتوضّأ به الرجل فیغسل به وجهه ویده فی شی ء نظیف فلا بأس أنّ یأخذه غیره ویتوضّأ به ».

السند

فیه محمّد بن قولویه وقد تقدم القول فیه (1) ، والحسن بن علی : یحتمل أنّ یکون ابن النعمان ؛ لأنّ الراوی عنه فی النجاشی (2) الصفار ، وهو

الماء المستعمل

بحث حول الحسن بن علی

ص: 215


1- فی ص 111.
2- رجال النجاشی : 40 / 81.

فی مرتبة سعد ، وهذا الاحتمال لا یفید الجزم الذی یعوّل علیه.

واحتمال ابن فضال بعید ؛ لأنّ الراوی عنه أحمد بن محمّد بن عیسی فی الرجال (1) ، وکذلک الوشاء الراوی عنه من ذکر ، وعلی کل حال بعد وجود أحمد بن هلال الذی ذمّه الشیخ (2) رحمه الله غایة الذم لا ثمرة فی تحقیق الحسن بن علی.

والحسن بن محبوب وابن سنان حالهما غنیّة عن البیان.

المتن :

ظاهره جواز الوضوء بالماء المستعمل ، سواء کان مستعملاً فی الکبری أو الصغری.

وقوله علیه السلام فی آخر الحدیث : « فأمّا الذی یتوضّأ به الرجل » إلی آخره ، الظاهر أنّ المراد به غسل الوجه والیدین ، لا الوضوء الشرعی ، واحتمال إرادة الوضوء الشرعی لا یضر بالحال ، إلاّ من جهة التخصیص بوضوء غیر الغاسل وجهه ویده ، ومقتضی الأوّل جواز الاستعمال مطلقاً ، إلاّ أنّ الإجماع قد ادّعی فی المنتهی (3) والمعتبر (4) ، علی أنّ المستعمل فی رفع الأصغر طاهر مطهِّر ، من غیر فرق بین الذی رفع به الحدث وغیره ، مؤیّداً بأنّ الاستعمال لا یخرج الماء عن الإطلاق.

وهذا الذی ذکرناه فی الخبر علی تقدیر العمل به ، وعلی هذا التقدیر

أحمد بن هلال مذموم

ص: 216


1- رجال النجاشی : 34 / 72 والفهرست : 48.
2- الفهرست : 36 / 34.
3- المنتهی 1 : 22.
4- المعتبر 1 : 85.

فیه تخصیص ، لجواز الوضوء بالمستعمل ، أمّا الغُسل بالمستعمل فی الوضوء فظاهر النص لا یدلّ علیه.

وقوله علیه السلام : « الماء الذی یغسل به الثوب » إلی آخره ، لا یخلو من إجمال ، فإنّ ضمّ ما یغسل به الثوب إلی ما یغتسل به من الجنابة یقتضی المشارکة فی الحکم ، والحال أنّ ما یغسل به الثوب فیه خلاف فی النجاسة وعدمها ، ولم أعلم القول بأنّه یصیر مستعملاً ، وکذلک القول بأنّ المستعمل فی الجنابة نجس ، فإنّ کانت المشارکة فی کون الماءین مستعملان فالحال ما سمعت ، وکذلک إن کانا نجسین ، فالاستدلال علی المطلوب من عدم جواز استعمال المستعمل فی رفع الأکبر بالحدیث لا یخلو من غرابة.

مضافاً إلی اختصاصه بالوضوء من الرافع للجنابة ، والمدعی أعم.

وبالجملة فالحدیث لا یصلح للاستدلال سنداً ومتناً.

فإنّ قلت : قوله : « وأشباهه » ما المراد به؟

قلت : هو أیضاً فی حیّز الإجمال ؛ إذ یحتمل أنّ یراد أشباه غسل الجنابة من الأغسال المفروضات ، بل ربما یدّعی ظهوره من حیث إنّ « وأشباهه » مرفوعة عطفاً علی الماء.

ویحتمل الجرّ فیه ، عطفاً علی الضمیر المجرور ، لکنه مرجوح عند بعض ، والمعنی کالأوّل.

ویحتمل أنّ یکون عطفاً علی فاعل یجوز ، والمعنی یجوز أنّ یتوضأ ویجوز أشباه الوضوء ، ویراد المشابهة فی الاستعمال لغسل بعض الأعضاء.

وبُعد هذا واضح ، وبه قد یرتفع الإجمال من هذه الجهة.

نعم فی الفعل أعنی یتوضّأ احتمالان : البناء للمجهول والمعلوم ، ومع الاحتمال نوع إشکال.

ص: 217

وقد استدل علی المنع بصحیح محمّد بن مسلم ، عن أحدهما قال : سألته عن ماء الحمام ، فقال : « ادخله بإزار ، ولا تغتسل من ماء آخر إلاّ أن یکون فیه جنب أو یکثر أهله فلا تدری فیهم جنب أم لا » (1).

واعترض الوالد قدس سره علی الاستدلال بالروایة بأنّها غیر واضحة الدلالة ؛ لتضمنها عدم استعمال ماء الحمام إذا کثر الناس فیه ، ولم یعلم هل فیهم جنب أم لا ، والاتفاق واقع علی أنّ الشک فی حصول المقتضی غیر موجب للمنع ، فتکون الروایة مصروفة عن ظاهرها ، مراداً بها مرجوحیّة الاستعمال ، ولا ریب أنّ استعمال غیر المستعمل أولی ، انتهی (2).

ولقائل أنّ یقول : إنّ الشک فی حصول المقتضی إن أُرید به مقتضی المنع فمسلّم ، إلاّ أنّ الشرط إذا تحقق من الشارع ، وهو کون الماء المغتسل به غیر مستعمل ، فلا بُدّ من حصوله فی جواز الاغتسال ، والمفروض ذلک ، والشک فی مقتضی المنع لا ینفع.

وإن أُرید بالمقتضی غیر ذلک فغیر معلوم ، والاتّفاق المذکور فی المقام محل کلام ، بل التصریح واقع فی الاستدلال بالروایة.

اللهُمَّ إلاّ أنّ یقال : إن المفهوم من الشارع جواز الاغتسال بکلّ ماء إلاّ إذا علم استعماله ، وظاهر الروایة خلافه ، فکیف ترد الروایة لغیر المطلوب؟

نعم فی الروایة ما یدل علی عدم اللزوم ، وهو النهی عن الغُسل من ماء آخر ، فإنّه لا یناسب التحریم.

وفی الخبر أبحاث کثیرة ذکرناها فی محل آخر ، ولعل فی هذا القدر کفایة.

ص: 218


1- التهذیب 1 : 379 / 1175 ، الوسائل 1 : 149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 5.
2- معالم الفقه : 133.

قوله :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن سنان ، عن ابن مسکان ، قال : حدثنی صاحب لی ثقة أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل ینتهی إلی الماء القلیل فی الطریق ، فیرید أنّ یغتسل ، ولیس معه إناء ، والماء فی وهدة (1) ، فإنّ هو اغتسل (2) رجع غسله فی الماء ، کیف یصنع؟ قال : « ینضح بکفّ بین یدیه ، وکفّاً (3) من خلفه ، وکفّاً عن یمینه ، وکفّاً عن شماله ثم یغتسل ».

فلا ینافی الخبر الأول ؛ لأنه یجوز أنّ یکون المراد بالغسل هاهنا غیر غسل الجنابة من الأغسال المسنونات ؛ لأنّ الذی لا یجوز استعمال ما (4) اغتسل به إذا کان الغسل للجنابة فأمّا إذا کان مسنوناً فذلک یجری مجری الوضوء.

ویجوز أنّ یکون هذا مختصاً (5) بمن لیس علی بدنه شی ء من النجاسة ؛ لأنّه لو کان هناک نجاسة لنجس الماء ولم یجز استعماله علی حال.

السند

قد تقدم الکلام فیه بما یغنی عن الإعادة (6).

ص: 219


1- الوهدة : بالفتح فالسکون : المخفض من الأرض مجمع البحرین 3 : 167 ( وهد ).
2- فی الاستبصار 1 : 28 / 72 زیادة : به.
3- فی الاستبصار 1 : 28 / 72 : وکف.
4- فی الاستبصار 1 : 28 : ماء.
5- فی الاستبصار 1 : 28 زیادة : بحال الاضطرار ، ولا بُدّ أیضاً أنّ یکون مختصاً.
6- راجع ص 71 و 117 ، 162 و 196.

وقول ابن مسکان : حدثنی صاحب لی ثقة ، لا یفید شیئاً بعد ضعف الطریق ، وعلی تقدیر الصحة أیضاً ؛ فإنّ الثقة إذا لم یعلم اسمه لیبحث عنه من وجود الجارح وعدمه ( لا یثبت به صحّة الحدیث ، کما حرّر ) (1) فی الأُصول (2).

فإنّ قلت : ما تقرّر فی الأُصول لا یخلو من إشکال ؛ لأنّ توقف التوثیق علی انتفاء الجرح یقتضی أنّ یکون توثیق أصحاب الرجال إنّما یعتبر إذا لم یعارضه الجرح المعتبر ، والحال أنّ الاستدلال علی قبول توثیق الرجال هو قوله تعالی ( إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ ) (3) الآیة ؛ فإنّ مفهوم الشرط عدم التثبّت عند خبر العدل ، فالتوقف علی انتفاء الجرح یقتضی تخصیص الدلیل ، وموجبه غیر معلوم.

ولو سلّم فانتفاء الجرح فی الرجال لا یعلم الآن إلاّ من مراجعة الکشّی ، وهو لا یخلو من تصحیف ، وضعف أسانیده أکثر من صحتها ، وغیره لیس بموجود لیعتمد علیه ، فلو وقف التعدیل علی انتفاء الجرح لزم عدم قبول التعدیل غالباً ، والتزامه واضح الإشکال.

قلت : أمّا ما ذکرت من جهة الآیة فالأمر سهل ، من حیث إمکان التخصیص ، علی أنّ المفهوم من الآیة قبول العدل ، والعلم به لا یتحقق إلاّ مع انتفاء الجرح.

إلاّ أنّ یقال : إنّ الفرق حاصل بین من ثبتت عدالته بقول العدل کأصحاب الرجال ، وبین من علمت بالمعاشرة.

بحث حول الجرح والتعدیل

ص: 220


1- بدل ما بین القوسین فی « رض » : لا یفید قول الغیر ثبوته ، کما صرّح.
2- انظر معالم الأُصول : 214 216.
3- الحجرات : 6.

وفیه : أنّ إخبار العدل مجال القول فیه واسع ، بالنظر إلی إمکان أن یقال : إنّ الآیة لا تخلو من إجمال ، کما یعرف مما قرّرناه فی مواضع ، منها حاشیة التهذیب ، وحینئذ فالمرجع إلی الإجماع ، ومعه یشکل الحال بعد التصریح من البعض باعتبار ملاحظة الجرح (1) ، فلیتأمّل.

وأمّا من جهة الکشّی فالأمر کما ذکرت ، إلاّ أنّ التکلیف بالاطلاع علی غیره مع تعذّره منتف ، ولا مانع من الاکتفاء به ، علی أنّه یمکن استفادة الجرح من غیره ، ککتاب الشیخ ، وفهرسته ، وغیرهما ، فلیتدبّر.

فإنّ قلت : أصالة عدم الجرح ما المُخرج منها لیحتاج إلی البحث عن الجارح؟.

قلت : کأنّ الوجه فی البحث کثرة الجرح ، کما فی العام ؛ فإنّ أصالة عدم التخصیص موجودة إلاّ أنّه لمّا غلب التخصیص اعتبر الفحص عنه.

واحتمال الفرق بأنّه لما اشتهر أنّه ما من عامّ إلاّ وقد خصّ احتیج إلی البحث عن المخصص ، بخلاف الجرح.

قلت : الاعتبار فی العام لیس من جهة ما اشتهر ؛ بل لأنّ کثرة التخصیص اقتضت انتفاء الأصل ، علی معنی أنّ ظنّ بقاء العام یضعّف بالکثرة ، وهذا یأتی مثله فی الجرح.

فإنّ قلت : الأمر فی العام ممکن حیث اشتهر أنّه ما [ من ] عامّ إلاّ وقد خصّ ، لا من ثبوت هذا ؛ بل لأنّه یضعّف ظنّ العموم به إذا أُضیف إلی کثرة التخصیص ، بخلاف الجرح ؛ فإنّ موجب (2) ظنّ العدالة لا یضعّف بکثرة الجرح ؛ إذ لا مؤیّد له.

ص: 221


1- کما فی معالم الأُصول : 209.
2- لیس فی « د ».

قلت : التأیید مع عدم ثبوت ما ذکر محل کلام ، ولو نوقش فیه أمکن أنّ یقال : إنّ مفهوم آیة : ( إن جاءکم فاسق ) یقتضی تحقّق عدم الفسق ، والإخبار بالعدالة من دون البحث عن الجرح لا یفید عدم الفسق ، بل ظن العدالة ، وانتفاء الفسق بالأصل ، فلا یتحقق عدم الفسق (1) ، وحینئذ لا یتم العمل إلاّ بالبحث.

فإنّ قلت : هذا یقتضی حصول یقین عدم الفسق ، وتحققه واضح الإشکال ، بل المعتبر الظنّ بانتفائه.

قلت : إذا تحقق الإجماع علی الظنّ کفی فی المطلوب.

فإنّ قلت : ما ذکرته فی الآیة یقتضی العلم بالعدالة ، والحال أنّ اعتباره لا دلیل علیه.

قلت : اقتضاء ما ذکرته لا وجه له ، بل غایة المراد حصول ظن العدالة ، بحیث یحصل ظنّ عدم الفسق.

فإنّ قلت : إذا کان مفهوم الآیة عدم الفسق فلا بُدّ من العلم به ؛ لأنّ ظاهر : « إن جاءکم » من له صفة الفسق ، فلا بُدّ من حصول انتفاء صفة الفسق ، کما هو مفاد المفهوم ، وانتفاء صفة الفسق لا یتحقق إلاّ بالعلم.

قلت : انتفاء صفة الفسق یتحقق بالظن ؛ لتعذر العلم ، فلا یکلّف به.

فإنّ قلت : مع إخبار الثقة بالعدالة تحقق عدم الفسق ظنا ؛ نظراً إلی الأصل ، فأیّ حاجة إلی اعتبار البحث عن الجرح؟

قلت : وجه الاحتیاج أنّ ظاهر الآیة اعتبار انتفاء وصف الفسق علماً ، ولمّا تعذّر اعتبر ما یقرب منه ، وهو ظنّ الراجح الحاصل بالبحث عن الجرح.

ص: 222


1- فی « فض » زیادة : بل.

وما عساه یقال : إنّ مفاد الآیة : إن جاءکم من تعلمون فسقه ، فالمفهوم منها عدم العلم بالفسق ، وهو یتحقق مع الإخبار بالعدالة من دون البحث.

فالجواب عنه : ما ذکره الوالد (1) قدس سره : من أنّ الظاهر من الآیة اعتبار العلم بانتفاء وصف الفسق ، کما حقّقه فی الأصول ، موجِّها له بأنّ العلم أمر خارج عن مدلول اللفظ ، کما فی قولنا : أعط الفقیر مثلاً ، فإنّ المستفاد منه إعطاء من له صفة الفقر ، أمّا العلم بها أو الظنّ فمن خارج ، والآیة کذلک ، فتقدیر من علم فسقه لیکون المفهوم من لم یعلم فرع دخول العلم فی اللفظ.

ولو نوقش فی هذا (2) یمکن أنّ یقال : إنّ مرجع الاستدلال علی الاکتفاء بخبر العدل هو اتّفاق المتأخّرین ، ومع عدم البحث عن الجرح لا اتّفاق ، فلیتأمّل.

وإذا عرفت حقیقة الحال فاعلم أنّ من قبیل ما نحن فیه ما لو قال الثقة (3) : روی الشیخ مثلاً فی الصحیح ، فإنّ اکتفینا فی التوثیق بمجرد ( ذکر الثقة ) (4) من دون التصریح باسم الرجل یلزم الحکم بالصحة حینئذٍ من دون الرجوع إلی الأُصول ، وإن اعتبرنا التصریح لنبحث عن الجرح لزم عدم الاکتفاء بمجرد ما ذکر.

فإنّ قلت : الفرق ربما یوجّه بأنّ الصحة لا تستلزم التوثیق ، لجواز

ص: 223


1- معالم الأصول : 201.
2- فی « فض » زیادة : وإن أمکن دفعه.
3- فی « فض » : الفقیه.
4- فی « فض » : ذکره.

الاعتماد علی قرائن توجبها ، ومن ثم حکموا بصحة أحادیث غیر الموثقین ، نظراً إلی الإجماع علی تصحیح ما یصحّ عنهم.

قلت : الصحة بتقدیر الإطلاق یراد بها ما رواه الثقة ، وأمّا الصحة التی ذکرتها فهی عند المتقدمین ، والکلام فی اصطلاح المتأخّرین ، وسنذکر إن شاء الله فی الکتاب ما لا بُدّ منه فی ذلک (1).

وما عساه یقال : إنا قد وجدنا العلاّمة وصف أخباراً بالصحة فی المختلف والمنتهی ، مع أنّ فی الطرق رجالاً لم یذکر توثیقهم فی الخلاصة ، فکیف یُحکم بالتوثیق إذا وصف الروایة بالصحة؟.

قلت : لعل المکتفی بوصفه یجوّز أن یکون استفاد توثیق الرجل بعد الخلاصة ، وإن کان الحق أنّ فی المقام تأمّلاً ، کما سنوضح الوجه فیه (2).

أمّا ما ذهب إلیه البعض من أنّ العدل إذا قال : أخبرنی عدل ، لم یکن کافیاً فی التزکیة ؛ لأنّه قد یتجوّز بهذا ففیه نظر واضح.

کما أنّ ما قاله البعض ، من أنّ قول العدل : حدثنی بعض أصحابنا ، یفید تعدیل المروی عنه (3).

واضح الإشکال ، إلاّ بتقدیر ما قدّمناه ، من اعتناء الأصحاب بالروایة عن غیر الضعیف (4) ، فلیتأمّل (5).

المتن :

کأنّ الشیخ فهم منه المنافاة ، من حیث تقریر السائل علی قوله : فإن

ص: 224


1- انظر ج 2 : 172 173.
2- انظر ج 2 : 258 261.
3- معارج الأُصول : 151.
4- راجع ص : 49 51.
5- من قوله : فإن قلت ، فی ص 220 إلی هنا ساقط من « رض ».

اغتسل رجع غَسله بالفتح أی ماء الغسل ؛ فلولا أن رجوع الماء مضرّ لما کان لخوفه فائدة.

وأمره علیه السلام بنضح ما ذکره ، قد اختلفت فیه الآراء.

فقیل : إنّ متعلق النضح الأرض ، والحکمة اجتماع أجزائها ، فیمنع سرعة انحدار ما ینفصل عن البدن إلی الماء (1).

وقیل : إن متعلقه بدن المغتسِل ، والمقصود بلّه ، لتعجیل (2) الاغتسال قبل انحدار المنفصل عنه ، وعوده إلی الماء إلی الوهدة (3).

ویحکی عن ابن إدریس إنکار الأوّل ، محتجّاً بأنّ اشتداد الأرض بالرشّ یوجب إسراع نزول الماء إلی الوهدة (4) ؛ والحقّ أنّ الأرضین مختلفة فی ذلک.

أمّا الوجه الثانی : فهو یشعر بأنّ ما یتقاطر من البدن عن بعض الأعضاء یتحقق به الغسالة ؛ وإشکاله واضح ، والأخبار المعتبرة تدفع ذلک ، وقد أوضحنا الحال فی حاشیة الفقیه.

والذی یقال هنا : إنّ ظاهر النص إقرار السائل ، وأنّ خوفه یندفع بما ذکر ، وکأنّ الوجه الأول له قرب إلی ذلک ، غیر أنّ الأخبار الدالة علی عدم صیرورة الماء مستعملاً بالتقاطر من الأعضاء توجب حمل الخبر علی الاستحباب.

فمن الأخبار : صحیح الفضیل ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الجنب

ص: 225


1- انظر البیان : 104.
2- فی « فض » : لیعجل ، وفی « د » : لیتعجل.
3- حکاه عن الصهرشتی فی المعتبر 1 : 88 وانظر الذکری 1 : 12.
4- السرائر 1 : 94.

یغتسل فینضح من الأرض فی الإناء ، فقال : « لا بأس ، هذا ممّا قال الله ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) » (2) وغیر ذلک من الروایات (3) ، وحینئذٍ یحمل الخوف فی الروایة علی إرادة المرجوحیّة.

أمّا ما قاله الشیخ رحمه الله : من أنّ المراد بالغسل غیر غسل الجنابة.

قد یتوجّه علیه : أنّ مقتضی الخبر الأوّل أنّ الماء الذی یغتسل به من الجنابة لا یجوز أنّ یتوضأ به ، وأمّا عدم جواز الاغتسال به فلا یدل علیه إلاّ من حیث قوله : « لا بأس أنّ یتوضّأ بالماء المستعمل » فإنّه یدل علی عدم جواز غیر الوضوء بمفهوم لا یصلح حجّة ، وحینئذ لا وجه لحمل الشیخ هذا الخبر علی غیر غسل الجنابة من الأغسال المسنونات.

علی أنّ غیر الجنابة أعم من المسنون.

وکأنّ الشیخ فهم من قوله : « وأشباهه » أشباه غسل الجنابة وهی الواجبة ، لکن قد علمت أنّ الحدیث إنّما یتضمن المنع من الوضوء حسب ، والمفهوم لا یصلح لإثبات حکم.

ولعل الشیخ یحتجّ بهذا المفهوم ؛ لرجوعه إلی مفهوم الوصف ، لکن لا أفهم وجهه.

ویحتمل أنّ یکون الشیخ رحمه الله فهم من هذا الحدیث جواز استعمال الماء المستعمل ، من حیث إنّ النضح لا یمنع وصول الماء إلی الوهدة ، فإذا اکتفی بالنضح دل علی الجواز ، والخبر الأول دل علی المنع فی غسل الجنابة ، فیختص هذا بغیر غسل الجنابة ، ویضم إلی ذلک عدم القائل

ص: 226


1- الحج : 78.
2- التهذیب 1 : 86 / 225 ، الوسائل 1 : 211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 1.
3- الوسائل 1 : 211 أبواب الماء المضاف ب 9.

بالفصل بین الوضوء والغسل.

وممّا یؤیده قوله : ویجوز أنّ یکون هذا لمن لیس علی بدنه شی ء من النجاسة ؛ لأنّه لو کان هناک نجاسة لنجس الماء ، ولم یجز استعماله علی حال.

فإنّ هذا الکلام یقتضی أنّه غیر قائل بالمنع فی المستعمل فی الجنابة ، بل علی سبیل الاستحباب ، ومن ثَمّ حمل هذا الحدیث علی الخالی من النجاسة ، حیث إنّ النضح لا یخلو من إصابة الماء ، وقوله : ولو کان هناک نجاسة لنجس الماء ، صریح الدلالة علی أنّ النضح لا یمنع وصول الماء ، فلیتأمّل.

ومن هنا یعلم أنّ الحدیث الأول لو حمل الجنب فیه علی من بدنه لا یخلو من نجاسة لیساوی ماء المغسول به الثوب ، أمکن ، إلاّ أنّ تخصیص الوضوء غیر ظاهر الوجه ، والله تعالی أعلم بالحال.

قوله :

والذی یدل علی أنّه مخصوص بحال الاضطرار ، ما رواه أحمد ابن محمّد ، عن موسی بن القاسم البجلی وأبی قتادة ، عن علی بن جعفر ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام قال : سألته عن الرجل یصیب الماء فی ساقیة أو مستنقع أیغتسل (1) من الجنابة ، أو یتوضّأ منه للصلاة إذا کان لا یجد غیره ، والماء لا یبلغ صاعاً للجنابة ، ولا مُدّاً للوضوء ، وهو متفرّق ، فکیف یصنع ، وهو یتخوّف أنّ تکون السباع قد شربت

ص: 227


1- فی الاستبصار 1 : 28 / 73 زیادة : به.

منه؟ فقال : « إذا کانت یده نظیفة فلیأخذ کفّاً من الماء بید واحدة ، ولینضحه خلفه ، وکفّاً أمامه ، وکفّاً عن یمینه ، وکفّاً عن شماله ، فإنّ خشی أنّ لا یکفیه غسل رأسه ثلاث مرّات ثمّ مسح جلده بیده ، فإنّ ذلک یکفیه (1) ، وإن کان الوضوء غسل وجهه ویمسح (2) یده علی ذراعیه ورأسه ورجلیه ، وإن کان الماء متفرقاً وقدر أن یجمعه ، وإلاّ اغتسل من هذا وهذا (3) ، فإنّ کان فی مکان واحد وهو قلیل لا یکفیه لغسله فلا علیه أنّ یغتسل ویرجع الماء فیه ، فإنّ ذلک یجزیه ».

السند

صحیح کما تقدم فی ذکر الطریق إلی أحمد بن محمّد (4) ، وهو ابن عیسی ؛ لأنّه الراوی عن موسی بن القاسم فی النجاشی (5) ، ومن هنا یتّضح أنّ ما سبق من احتمال ابن خالد بعید.

وأمّا موسی بن القاسم ومن معه فلا ریب فی جلالة شأنهم.

المتن :

ظاهره بمعونة آخره أنّ النضح خوفاً من عود الماء المستعمل ؛ لأنّ قوله فی آخره : « فلا علیه أنّ یغتسل ویرجع الماء فیه » یدل علی حصول مرجوحیّة مع رجوع الماء.

إشارة إلی جلالة موسی بن القاسم وأبی قتادة

ص: 228


1- فی الاستبصار 1 : 29 / 73 : یجزیه.
2- فی الاستبصار 1 : 29 / 73 : ومسح.
3- فی الاستبصار 1 : 29 / 73 : ومن هذا ، وفی « د » : أو هذا.
4- راجع ص 175.
5- رجال النجاشی : 405 / 1073.

وما قاله الشیخ من أنّه مخصوص بحال الضرورة له وجه ، إلاّ أنّ عبارته لا تخلو من شی ء ؛ فإنّه لم یتقدم هذا الوجه من الحمل (1) ، وکأن مراده ذکر وجه الحمل علی الضرورة فی ضمن ما یدل علیه.

أمّا ما قاله شیخنا قدس سره فی بعض فوائده علی الکتاب : من أنّ الذی یظهر أنّ النضح للأرض لإلقاء الخبث المتوهم الحاصل فی وجه الماء ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی روایة الکاهلی : « إذا أتیت ماءً وفیه قلّة فانضح عن یمینک وعن یسارک وبین یدیک وتوضّأ » (2) وفی روایة أبی بصیر : « إن عرض فی قلبک منه شی ء فقل هکذا یعنی أفرج الماء بیدک ثم توضّأ » (3).

ففیه تأمّل یظهر ممّا قلناه فی الروایة.

وما ذکره من الروایتین لا دلالة فی الأُولی علی ما قاله.

أمّا الثانیة : ففیها دلالة علی تفریج الماء ، وهو أمر آخر ، علی أنّه لو سلّم یقال فی الخبر المبحوث عنه بجواز النضح للأمرین.

ثم الخبر فیه دلالة علی الاکتفاء بالمسح فی الغسل للضرورة ، اللهم إلاّ أنّ یکون المسح إضافیاً بالنظر إلی الرأس : ( لکن لا یخفی أنّه یدلّ علی تصادق الغَسل والمسح ) (4).

ص: 229


1- لا یخفی أنّه قد تقدم هذا الوجه من الحمل فی الاستبصار 1 : 28 / 72 ، والظاهر سقوطه من نسخة صاحب الاستقصاء ، راجع ص 207.
2- الکافی 3 : 3 / 1 ، الوسائل 1 : 218 أبواب الماء المضاف ب 10 ح 3.
3- التهذیب 1 : 417 / 1316 ، الوسائل 1 : 163 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 14.
4- بدل ما بین القوسین فی « رض » : لکن لا یخفی أنّه یدل علی تصادف الغسل والمسح ، ومن أوضح الأدلة قوله : ویمسح یده علی ذراعیه ، وفی « فض » : المراد أنّ مسح الجلد کنایة عن قدر مائة ، بالنسبة إلی أنّ الرأس زیادة مائة مطلوبة ، فالکلام فی الغسل ربما الترادف ، فیجوز کونه فی الغسل ویجوز فیه الوضوء منه.

قوله :

باب الماء یقع فیه شی ء ینجّسه

ویستعمل فی العجین وغیره

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمّد بن علی بن محبوب ، عن موسی بن عمر ، عن أحمد ابن الحسن المیثمی ، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله بن الزبیر (1) قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البئر ، تقع فیها الفأرة أو غیرها من الدواب ، فتموت ، فیعجن من مائها أیؤکل ذلک الخبر؟ قال : « إذا أصابته النار فلا بأس بأکله ».

وعنه ، عن محمّد بن الحسین ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عمّن رواه ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی عجین عُجن وخُبز ثم عُلم بأنّ الماء کان (2) فیه میتة ، قال : « لا بأس ، أکلت النار ما فیه ».

السند

أمّا الأوّل : فرجاله إلی محمّد بن علی بن محبوب قد تقدم فیهم القول (3).

وأمّا موسی بن عمر : فالظاهر انّه ابن یزید ؛ لأنّ الراوی عنه سعد بن عبد الله ، وسعد فی مرتبة محمّد بن علی بن محبوب ، بخلاف موسی بن

الماء یقع فیه شیء ینجّسه ویستعمل فی العجین وغیره

موسی بن عمر بن یزید لیس بثقة

ص: 230


1- فی الاستبصار 1 : 29 / 74 زیادة : « عن جدّه ».
2- لیس ی الاستبصار 1 : 29 / 75.
3- راجع ص 63 ، 91.

عمر بن بزیع ؛ فإنّ الراوی عنه حماد فمرتبته أبعد ، وابن یزید لیس بثقة.

وأما أحمد بن الحسن المیثمی : فهو ثقة علی ما فی النجاشی ، ونقل عن الکشیّ ما هذه صورته : قال أبو عمرو الکشّی : کان واقفاً ، وذکر هذا عن حمدویه ، عن الحسن بن موسی الخشاب ، قال : أحمد بن الحسن واقف ، وقد روی عن الرضا علیه السلام ، وهو علی کل حال ثقة صحیح الحدیث یعتمد علیه (1). انتهی.

ولا یخفی أنّ قول النجاشی : وهو علی کل حال ، ربما أشعر بارتضائه بنقل الکشی.

وفیه : أنّ الحسن بن موسی غیر ثقة ، بل قیل فیه : إنّه من وجوه أصحابنا (2) ، ولعل قول النجاشی اعتماداً علی الحسن بن موسی لکون لفظ « من وجوه أصحابنا » یفید التوثیق ، أو أنّ قوله : وعلی کل حال ، لا یقتضی الاعتراف بما نقل ، بل علی سبیل التسلیم.

وأمّا أحمد بن محمّد بن عبد الله بن الزبیر : فهو مجهول الحال.

وأمّا الثانی : فضمیر عنه فیه کأنّه راجع إلی محمّد بن علی بن محبوب ، بقرینة ما یأتی من الحدیث بعده ، وهذا غیر طریقة الشیخ رحمه الله إلاّ أنّ له نظائر.

ومراسیل ابن أبی عمیر قد تقدم الکلام فیها (3).

المتن :

فی الخبر الأول : لا یخفی أنّه لا یدل علی طهارة العجین النجس

بحث حول أحمد بن الحسن المیثمی
أحمد بن محمد بن عبدالله بن الزبیر مجهول
حکم العجین النجس إذا صار خبزاً

ص: 231


1- رجال النجاشی : 74 / 179 ، وهو فی رجال الکشّی 2 : 768 / 890.
2- رجال النجاشی : 42 / 85.
3- فی ص 99 100.

بالنار إذا صار خبزاً ، إلاّ بعد ثبوت نجاسة البئر بالملاقاة ، أو حصول التغیّر فی أحد الأوصاف ، وبدون ذلک لا یدل.

فإنّ قیل : لا بُدّ من حمل الخبر علی أنّ البئر ینجس ماؤها وإلاّ لکان قول الإمام علیه السلام : « إذا أصابته النار فلا بأس » لا فائدة فیه.

قلت : لعل الإمام علیه السلام أراد أنّ النفرة تزول بالنار ، لأنّ النار مطهِّرة له ، وهذا المعنی یستعمل فی البئر ، کما ینبّه علیه مراجعة الأخبار ، فالاستدلال به علی هذا الحکم أعنی طهارة العجین إذا صار خبزاً بالنار لا یخلو من تأمّل ، وظاهر المصنف فی هذا الکتاب القول بذلک ، کما یفهم من أول الکتاب فی المشی علی القاعدة ، وإن کان الشیخ مضطرباً فی هذه الحال ، وفی التهذیب لم یقل ذلک ، نعم فی باب المیاه من النهایة قال بالطهارة إذا صار خبزاً (1) ، وفی باب الأطعمة منها قال بعدم جواز أکل ذلک الخبز (2) ؛ فهو مضطرب الأقوال.

والخبر الثانی له ظهور فی الدلالة علی الطهارة ، فالعامل بمراسیل ابن أبی عمیر کأنّه لما نظر إلی المعارض الآتی الذی فیه روایة ابن أبی عمیر بإرسالٍ ربما یرجع إلی المسند رجّحه علی هذا الخبر ، وإلاّ فهو دلیل لا ینکر ظهوره ، ومن ثم نقل الوالد قدس سره : أنّ جمهور الأصحاب نفوا حصول الطهارة (3) ، مع أنّ الجمهور قائلون بقبول المراسیل من ابن أبی عمیر (4).

والاستدلال بأصالة النجاسة بعد الروایة لا وجه له ، إلاّ من حیث إنّ الخبرین المعتبرین لمّا تعارضا وکان مع أحدهما الأصل یرجّح علیه ،

ص: 232


1- النهایة : 8.
2- النهایة : 590.
3- معالم الفقه : 405.
4- انظر العدة 1 : 386 والذکری : 4.

والعجب من الشیخ أنّه لم یجعل هذا مرجّحاً ، ولعله یدل علی أنّ الأصل المذکور فی المؤیدات غیر الاستصحاب ، فتأمّل.

قوله :

فأمّا ما رواه محمّد بن علی بن محبوب ، عن محمّد بن الحسین ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا وما أحسبه إلاّ حفص بن البختری قال ، قیل لأبی عبد الله علیه السلام فی العجین یعجن من الماء النجس کیف یصنع به؟ قال : « یباع ممن یستحلّ أکل المیتة ».

عنه ، عن محمّد بن الحسین ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه (1) ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یدفن ولا یباع ».

فالوجه فی هذین الخبرین أنّ نحملهما علی ضرب من الاستحباب ، ویحتمل أنّ یکون المراد بالخبرین الماء الذی تغیّر أحد أوصافه ، والخبران الأوّلان متناولان لماء البئر الذی لیس ذلک حکمه ، ویمکن تطهیره بالنزح ؛ لأنّ ذلک أخفّ نجاسة من الماء المتغیّر بالنجاسة.

السند

أمّا الأول فلا یبعد من الصحة عند بعض متأخری الأصحاب النافین لقبول مراسیل ابن أبی عمیر ، بعد صحة الطریق إلی محمّد بن علی بن محبوب بواسطة أحمد بن محمّد بن یحیی ، وقد تقدم (2).

ص: 233


1- فی الاستبصار 1 : 29 / 76 : أصحابنا.
2- فی ص 63.

( والوجه فی القرب ) (1) أنّ الظاهر من قول ابن أبی عمیر : ولا أحسبه إلاّ حفص بن البختری ، أنّه اعتماد علی الظنّ ، وظاهرهم العمل به.

وفی نظری القاصر أنّه محلّ تأمّل ؛ لأنّ العمل بالظن موقوف علی الدلیل ، والذی هو مظنّة فی مثل هذا المقام الإجماع ، وتحقّقه فی غایة البُعد ، کما یعلم بالتأمّل الصادق.

وبتقدیر العمل بالظن فالرجل المذکور وهو حفص بن البختری قد وثّقه النجاشی ، وغیر بعید أنّ یکون التوثیق من أبی العباس ؛ لأنّه قال : کوفی ثقة روی عن أبی عبد الله علیه السلام ، وأبی الحسن علیه السلام ، ذکره أبو العباس ، وکان بینه وبین آل أعین نبوة فغمزوا علیه بلعب الشطرنج (2) (3) ، ویحتمل أن یرجع الذکر للروایة عن أبی عبد الله وأبی الحسن ، لا للتوثیق.

وأمّا توثیق العلاّمة (4) فهو تابع للنجاشی.

و (5) المعروف بین المتأخّرین عدم التوقف فی حال حفص (6) ، إلاّ المحقق فی المعتبر ، فإنّه حکم بضعفه فی مسألة شک الإمام مع حفظ المأموم (7).

بحث حول حفص بن البختری

ص: 234


1- فی « د » و « فض » : الوجه فی القرب من.
2- رجال النجاشی : 134 / 344.
3- فی « ض » زیادة : إلی أن قال : وقال ابن نوح : إلخ ، وهذا یدل علی أنّ الأوّل ابن عقدة ، غیر أنّ الأوّل یحتمل.
4- خلاصة العلاّمة : 58 / 3.
5- فی « رض » زیادة : العبارة التی حکیتها وجدتها فی نسخة للنجاشی ، إلاّ أنّ شیخنا المحقق أیده الله تعالی فی کتاب الرجال لم ینقلها ، أعنی قوله : وقال ابن نوح. وتحقیق الحال موقوف علی مراجعة النسخ المعتبرة ، إلاّ ان المعروف.
6- من هنا إلی قوله : شیخنا أیّده الله ، فی ص 223 ، ساقط من « رض ».
7- المعتبر 2 : 395.

ولا یبعد أنّ یکون نظره إلی ما ذکرناه ، من حیث اشتراک أبی العباس بین ابن نوح وابن عقدة الجارودی ، علی أنّ فی ابن نوح نوع کلام ، کما یظهر من الفهرست ، وإنّ کان دفعه ممکناً ؛ لأنّ الشیخ قال : إنّه حکی عنه مذاهب فاسدة مثل القول بالرؤیة (1). والحاکی غیر معلوم.

ویؤیّد هذا أنّ النجاشی لا یخفی علیه الحال ، ولم یتعرض لشی ء من ذلک.

فإنّ قلت : الذی ذکره الشیخ : أحمد بن محمّد بن نوح ، والنجاشی قال : أحمد بن علی بن نوح (2) ، فلعلّه غیره.

قلت : الظاهر الاتّحاد ، کما یعلم من المراجعة لکتاب شیخنا أیّده الله فی الرجال (3).

فإنّ قلت : لعل المحقق اعتمد فی الضعف علی ما قاله النجاشی : من أنّ آل أعین غمزوا علیه بما ذکر ، وآل أعین فیهم من هو ثقة.

قلت : لا یبعد أنّ یکون آل أعین لیس المراد جمیعهم ؛ لما هو الظاهر من أنّ سبب الغمز هو النبوة المقتضیة للمیل إلی الهوی ، وصدور هذا من الثقة بعید.

إلاّ أنّ یقال : إنّ إظهار الجرح بلعب الشطرنج سببه النبوة ، وإنّ کان الرامی ثقة ، والوجه فی ذلک أنّ الثقة قد یتحرّز عن القدح فی الفاسق من غیر سبب ، لکون الاحتیاط فیه ، بناءً علی جواز غیبة الفاسق ، ومع النبوة ترک الاحتیاط ، وهو لا یضر بحال الثقة. ویشکل الحال فی الثقة بأنّه

بحث حول ابن نوح

ص: 235


1- الفهرست : 37 / 107.
2- رجال النجاشی : 86 / 209 ، وفیه : احمد بن علی بن العباس بن نوح.
3- منهج المقال : 47.

لا یخرج عن اتّباع الهوی المقتضی لنوع ریب.

ویمکن الجواب : بأنّ القدح بما ذکر فی الثقة (1) محل تأمّل.

أما احتمال أنّ یقال : بأنّ لعب الشطرنج مع عدم الإصرار لا یضر بالحال ؛ ففیه : أنّ الظاهر الإصرار علی ما ذکر.

وبالجمله فالأمر من جهة الغمز لا یخلو من نظر.

وأمّا من جهة أبی العباس فلا یبعد ادعاء إرادة الروایة عن أبی عبد الله علیه السلام ، وبتقدیر إرادة ما یشمل التوثیق احتمال انصراف أبی العباس إلی ابن نوح قریب ؛ لأنّه شیخ النجاشی ، وابن عقدة بینه وبینه واسطة کما ذکره شیخنا أیّده الله (2) ، ( وفی البین کلام فلیتأمّل ) (3).

وأمّا الثانی : فهو من مراسیل ابن أبی عمیر ، ولیس فیه ارتیاب بعد ما تقدم ، إلاّ من جهة الإرسال.

المتن :

فی الخبر الأوّل ظاهر فی العجین إذا عُجن بالماء النجس ، وأنّه یباع من مستحلّ أکل المیتة ، ولا ریب أنّه ما لم یخبز بالنار نجس ، فحکمه فی البیع ما تضمنته الروایة ، وهذا لا ینافی الروایتین بتقدیر الدلالة علی الطهارة إذا خبز.

وکأنّ الشیخ رحمه الله فهم منه أنّ السؤال عن العجین إذا خبز بالنار فاحتاج إلی الحمل بما ذکره ، ونحن مشینا أوّلاً علی اعتقاد الشیخ ، فلم

حکم العجین النجس ما لم یخبز بالنار

ص: 236


1- فی « فض » : النهایة.
2- من قوله : إلاّ المحقق ، فی ص 221 ، إلی هنا ، ساقط من « رض ».
3- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « رض ».

نذکر هذا الوجه ، فلا یعترض علینا بما هو ظاهر.

والخبر الثانی : لا یبعد عن الأوّل فی إرادة نفس العجین ، والجمع بین الخبرین بالتخییر بین البیع ممّن یستحل أکل المیتة وبین الدفن ، ویحتمل ترجیح الدفن من حیث اشتمال الروایة علی النهی عن البیع.

أمّا ما قاله الشیخ رحمه الله من الحمل علی ضرب من الاستحباب فمجمل المرام ؛ لأنّه إنّ أراد به أنّ البیع والدفن کلاهما مستحب علی حد سواء ، ففیه : أنّ فی الثانیة ما یفید نوع رجحان ، کما أشرنا إلیه من النهی.

وإنّ أراد استحباب عدم الأکل سواء بیع أو دفن ، فالکلام لا یساعد علیه صریحاً ، ودلیل الاستحباب المذکور مدخول.

أمّا الحمل الآخر : فالذی یخطر بالبال من معناه أنّ یراد بالخبرین الأخیرین الماء الذی تغیّر بالنجاسة ، وهذا یباع ما عُجن به لمستحل المیتة أو یدفن ، والخبران الأوّلان یراد بالماء فیهما ماء البئر إذا لم یتغیّر ؛ لأنّ تطهیره بالنزح دلیل علی کونه أخفّ نجاسة من المتغیّر المتوقف علی نزح الجمیع علی اعتقاد الشیخ.

وبعد هذا التقریر فی کلام الشیخ أُمور :

الأوّل : قوله یراد بالخبرین تغیّر أحد أوصافه شامل للبئر مع التغیر ، ونزح الجمیع کنزح البعض فی کونه مطهّراً من دون احتیاج إلی ماءٍ آخر ، فإنّ کان حکم ماء البئر أخفّ لکون تطهیره بالنزح فهو حاصل بالجمیع.

واحتمال أنّ یقال : إنّ نزح جمیع الماء أبلغ المطهرات لا أنّه أخفّ.

فیه : أنّ نزح الجمیع قد یکون بالتراوح مع غزارة الماء ، فلا یکون أبلغ إذا أزالت النار تغیّره ، إلاّ أنّ یقال : إنّ النّار إنّما تجفّف الماء ولا تُزیل

ص: 237

التغیّر.

الثانی : أنّ الخبر الثانی من الأوّلین معلل بأنّ النار أکلت ما فیه ، وهو شامل للمتغیّر من الماء وغیره.

الثالث : أنّ الخبر الثانی من الأولین لیس فیه دلالة علی أنّه ماء بئر بوجه من الوجوه ، ولو فرض الحمل علیه من غیر قرینة فالباب أوسع من ذلک ، فإنّ ما ذکرناه فی ماء البئر من عدم النجاسة والتقریب من الإمام علیه السلام (1) أولی فی توجیه الحدیثین حینئذٍ.

الرابع : قوله لأنّ ذلک أخفّ نجاسةً إما أنّ تعود الإشارة إلی البئر ، أو إلی غیر المتغیّر من البئر وغیره.

فإنّ عادت إلی البئر یصیر غیر المتغیر من البئر أخفّ نجاسةً من المتغیّر منه ، والخبران الأخیران لیسا بتقدیر التغیّر خاصّین بالبئر.

وإنّ عادت إلی الأعم لم یتم التعلیل المطلوب إثباته ، کما هو واضح ، هذا.

وسیأتی من الشیخ فی حکم البئر ما یقتضی القول بأنّ البئر لا تنجس ، وإنّما یجب النزح ، وإنّ احتمل القول بالنجاسة أیضاً ، والکلام هنا أیضاً لا یخلو من مخالفة لما سیأتی ، وستعلم الحال إذا انتهی إلی هناک المقال (2).

قوله :

باب الماء الذی تسخنه الشمس

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن

الماء الذی تسخنه الشمس

اشارة

ص: 238


1- ص 219.
2- راجع ص 239 240.

أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن حمزة بن یعلی ، عن محمّد بن سنان ، قال : حدثنی بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس أنّ یتوضّأ بالماء الذی یوضع فی الشمس ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علی بن محبوب ، عن محمّد بن عیسی العبیدی ، عن درست ، عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : « دخل رسول الله صلی الله علیه و آله علی عائشة وقد وضعت قمقمتها (1)فی الشمس ، فقال : یا حمیراء ما هذا؟ قالت : أغسل رأسی وجسدی ، قال : لا تعودی فإنّه یورث البرص ».

فمحمول علی ضرب من الکراهیة دون الحظر.

السند

قد تقدم الأوّل (2) سوی حمزة بن یعلی ، وهو ثقة ، وفیه أیضاً إرسال.

وأمّا الثانی : فقد تقدم أیضاً (3) سوی درست ، وهو ابن أبی منصور واقفی غیر موثق.

وإبراهیم بن عبد الحمید ، قال الشیخ فی الفهرست : إنّه ثقة (4) ، وفی کتاب الرجال : إنّه واقفی (5) ؛ ولا منافاة فی کلام الشیخ ، والنجاشی لم یذکر الوقف ولا التوثیق (6).

حمزة بن یعلی ثقة
درست بن أبی منصور واقفی غیر موثق
إبراهیم بن عبدالحمید ثقة واقفی

ص: 239


1- القمقمة : وعاء من صفر یستصحبه المسافر مجمع البحرین 6 / 141 ( قمقم ).
2- راجع ص 111 ، 94.
3- راجع ص 64 ، 75 82 ، 124 125.
4- الفهرست : 7 / 12.
5- رجال الطوسی : 344 / 26.
6- رجال النجاشی : 20 / 27.

المتن :

وإنّ کان ظاهره فی الأوّل والثانی مجرد الوضع فی الشمس ، من غیر تسخین للماء ، إلاّ أنّ الشیخ فهم ذلک ، وکأنّه الظاهر من الروایتین.

مضافاً إلی دعوی الشیخ الإجماع فی الخلاف (1) علی الماء إذا سخنته الشمس ، مؤیّداً بروایة إسماعیل بن أبی زیاد ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : الماء الذی تسخنه الشمس لا تتوضّؤوا به ، ولا تغتسلوا به ، ولا تعجنوا به ، فإنّه یورث البرص » (2).

وذکر الوالد قدس سره : أنّ النهی فی هذه الروایة وروایة إبراهیم بن عبد الحمید إنّما حمل علی الکراهة مراعاةً للجمع بینه وبین روایة محمّد بن سنان ، کما ذکره الشیخ ، لکنه خص الروایتین المبحوث عنهما.

وزاد بعض فی توجیه الکراهة : بأنّ العلّة المذکورة راجعة إلی المصلحة الدنیویة ، وذلک قرینة کون النهی للإرشاد ، علی حد قوله تعالی ( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبایَعْتُمْ ) (3).

واعترض : بأنّ العود إلی المصلحة الدنیویّة لا یدل علی عدم التحریم ، کیف ووجوب دفع الضرر مما لا ریب فیه.

وأُجیب : بأنّ دفع الضرر إنما یجب مع العلم أو الظنّ ، وهما منفیان (4).

ص: 240


1- الخلاف 1 : 54.
2- الکافی 3 : 15 / 5 ، علل الشرائع : 281 / 2 ، التهذیب 1 : 379 / 1177 ، الوسائل 1 : 207 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 2.
3- البقرة : 282.
4- معالم الفقه : 172.

وفی نظری القاصر أنّ هذا الجواب لا یتم عند الشیخ ومن یعمل بالأخبار من غیر جهة الأسانید ووصفها المعتبر ، فالإشکال علی الشیخ ونحوه متوجه ، والمعارض غیر صریح فی کون الماء صار مسخناً.

نعم لو کان صریحاً أو استفید من ظاهره ذلک أمکن أن یقال : إنّ الحدیثین مع العمل بهما لا یصیر ظن الضرر متحققاً ، نظراً إلی المعارض بل یصیر شکاً ، وحینئذٍ یمکن الحمل علی الکراهة.

والعجب من الوالد قدس سره أنّه لم یتعرض لتحقیق الحال فی هذا ، ولعل العذر له ضعف الأخبار ، إلاّ أنّه ذکر الاعتراض والجواب قانعاً به ، فتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الشیخ فی الخلاف اشترط فی الحکم بالکراهة القصد إلی التسخین ، وجعل الإجماع مقیّداً به (1) ، وجماعة من الأصحاب لم یفرقوا (2) ، ووافق الشیخ جماعة علی اعتبار القصد (3).

والأخبار کما تری لا تصلح للاعتماد ، والإجماع المدعی من الشیخ خاص بالقصد ، وربما یستفاد من الخبر الذی رواه إبراهیم بن عبد الحمید القصد ، فیؤیّد الإجماع ، إلاّ أنّ العلّة ربما تأبی ذلک ، والأمر سهل.

ص: 241


1- الخلاف 1 : 54.
2- منهم العلاّمة فی نهایة الاحکام 1 : 226 ، والشهیدان فی البیان : 102 ، والذکری 1 : 78. وروض الجنان : 2. والمسالک 1 : 22 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 130.
3- منهم الحلی فی السرائر 1 : 95 ، ویحیی بن سعید الحلی فی الجامع للشرائع : 20.

أمّا لو زال التشمیس (1) فالعلاّمة فی التذکرة قال : احتمل بقاء الکراهة لعدم خروجه عن کونه مسخناً (2).

وفی الذکری قطع الشهید بالبقاء (3) ، وتبعه جماعة ؛ مستدلّین بالاستصحاب ، والتعلیل بخوف البرص ، وبصدق الاسم بعد الزوال ؛ إذ المشتق لا یشترط فیه بقاء أصله (4).

وفی الاستصحاب بحث ، وکذلک القول فی المشتق ؛ لأنّ عدم اشتراط البقاء إنّما یکره زواله بطریان وصفٍ وجودیٍ یضادّه ، وفی المقام قد تحقّق المضادّ.

وما أجاب به الوالد قدس سره عن هذا : بأنّ الاشتقاق هنا من التسخین لا من السخونة (5) ؛ ففیه نظر واضح.

وذکر بعض فضلاء المتأخّرین بأنّ الکراهة مشترطة بقلّة الماء (6) ، وظاهر جماعة من المتأخّرین عدم الفرق (7) ؛ لإطلاق النص والتعلیل ، وفی المقام کلام ، إلاّ أنّ ضعف المستند یسهل الخطب ، والله تعالی أعلم.

ص: 242


1- فی « د » : التسخین.
2- التذکرة 1 : 13.
3- الذکری 1 : 78.
4- منهم الشهید الثانی فی المسالک 1 : 22 ، وروض الجنان : 161. والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 4. والأردبیلی فی مجمع الفائدة 1 : 291.
5- معالم الفقه : 173.
6- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 292.
7- صرّح به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 22 ، واستظهره فی روض الجنان : 161 ، والکرکیّ فی جامع المقاصد 1 : 131.

قوله :

أبواب حکم الآبار

باب البئر یقع فیها ما یغیر أحد أوصاف الماء

إما اللون أو الطعم أو الرائحة

أخبرنی الشیخ أبو عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن محمّد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سمعته یقول : « لا یغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما یقع (1) فی البئر ، إلاّ أنّ ینتن ، فإنّ أنتن غسل (2) الثوب ، وأُعیدت الصلاة ، ونزحت البئر ».

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد (3) ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبی طالب عبد الله بن الصلت ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الفأرة تقع فی البئر فیتوضّأ الرجل منها ویصلّی ( ولا یعلم ) (4) أیُعید الصلاة ویغسل ثوبه؟ قال : « لا یعید الصلاة ولا یغسل ثوبه ».

السند

فی الأوّل : لیس فیه ارتیاب علی ما قدمناه فی أحمد بن محمّد بن الحسن بن الولید (5).

أبواب حکم الآبار

البئر یقع فیها ما یغیّر أحد أوصاف الماء

اشارة

ص: 243


1- فی الاستبصار 1 : 30 / 80 وقع.
2- فی « فض » زیادة : منه ، وفی « رض » : به.
3- فی الاستبصار 1 : 31 / 81 زیادة : ( ابن قولویه ).
4- ما بین القوسین لیس فی « رض » وفی الاستبصار 1 : 31 / 81 : وهو لا یعلم.
5- فی ص 39 41.

وفی التهذیب رواه عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه محمّد بن الحسن (1) ، وبیّنا فی حاشیته أنّ الأولی ما هنا من غیر نظرٍ إلی الاستبصار ، وبعد ما تری الذی هنا یتبیّن الصواب.

واعتراض المحقق فی المعتبر بأنّ حمّاداً مشترک بین موثق وغیره ، فلا یکون الخبر صحیحاً (2).

یدفعه : أنّ حمّاداً هو ابن عیسی علی الظاهر ، کما یعلم من مواضع متعددة ، وقد نبّه علی ما قلناه شیخنا قدس سره فی فوائده علی الکتاب.

وأمّا الثانی : فقد تقدم القول فی رجاله (3) ما عدا عبد الله بن الصلت ، وهو ثقة بغیر ریب ، والذی فی الفهرست أنّ الراوی عنه أحمد بن أبی عبد الله (4) ، فیکون هو أحمد بن محمّد ، لا ابن عیسی ، وفی أحمد بن أبی عبد الله نوع کلام (5).

المتن :

فی الأول ظاهره عدم نجاسة البئر بمجرد ملاقاة النجاسة ، والحصر فی النتن من الأوصاف لا یضر بالحال بعد ثبوت غیره.

وربما یستفاد من الحدیث عدم وجوب النزح ؛ لإطلاق عدم إعادة الصلاة.

وعلی ما یفهم من کلام الشیخ بنوع من الاحتمال أنّ إعادة الصلاة لا بُدّ منها إذا لم یتحقق النزح یدفعه الخبر ، وستستمع الکلام فی ذلک إن

عبدالله بن الصلت ثقة

ص: 244


1- التهذیب 1 : 233 / 670 ، الوسائل 1 : 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 10.
2- المعتبر 1 : 57.
3- راجع ص : 114 ، 139 ، 160.
4- الفهرست : 104 / 182.
5- قال النجاشی : کان ثقة فی نفسه ، یروی عن الضعفاء واعتمد المراسیل. رجال النجاشی : 76 / 183.

شاء الله (1).

ولفظة « من » فی قوله : « مما وقع » للسببیة.

وفی المختلف حکی عن الشیخ فی النهایة أنّه قائل بنزح الماء أجمع مع التغیر ، فإن تعذر نزح إلی أن یزول التغیر ، وأنّه احتج بهذه الروایة.

وأجاب العلاّمة : بأنّه لا بُدّ فی الحدیث من إضمار ، ولیس إضمار جمیع الماء بأولی ( منه بإضمار ) (2) بعضه ، المحمول علی ما یزول به التغیر (3).

وقد ذکرت فی حاشیة التهذیب ما یتوجه علی کلام العلاّمة بنوع تطویل ، ومحصّله : أنّ زوال التغیر لا ینحصر فی البعض ، فإضمار البعض الذی یزول به التغیر لا أولویة له ، بل الأولی علی تقدیر التغیر حمل قوله : « نزحت البئر » علی ما یزول به التغیر ؛ لأنّها لا تخرج عن الإطلاق وغیرها عن التقیید ، فلا یضمر الجمیع ولا البعض بخصوصهما.

فإن قلت : لفظ « نزحت البئر » حقیقة فی الجمیع ، ومجاز فی البعض ، فکیف یقول العلاّمة لیس بأولی؟.

قلت : لعل مراده أنّ « نزحت البئر » مجاز ، فلا بُدّ من إضمار ، ولیس إضمار الجمیع أولی من إضمار البعض.

وقد یقال : إنّ « نزحت البئر » قد صار حقیقة عرفیة فی نزح الجمیع ، ولو لم یکن حقیقة عرفیة فتقدیر ماء البئر کأنّه معلوم ، وظاهره الجمیع.

والحق أنّ الخبر بعد ورود غیره مما سنذکره (4) لا یخرج عن الإجمال.

ص: 245


1- فی ص : 237.
2- کذا فی النسخ ، والظاهر : من إضمار.
3- المختلف 1 : 27 29.
4- یأتی فی ص : 248.

ومن هنا یعلم أنّ ما ذکره الوالد قدس سره : من أنّا نحمله علی نزح الأکثر ؛ ( لتوقف زوال التغیّر علیه ، کما یشعر به قوله : إلاّ أنّ ینتن ، وإطلاق نزح البئر علی نزح أکثره ) (1) جائز ، ولو بطریق المجاز ، لضرورة الجمع (2).

محل بحث ؛ لأنّه إنّما یتم علی أنّ یکون تقدیر ماء البئر فی الحدیث معلوماً ، لیحمل علی الأکثر مجازاً ، أمّا لو جعل المجاز فی الإسناد فلا ، بل یرجع الإجمال ، فلیتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الوالد قدس سره احتجّ لنزح أکثر الأمرین من المقدّر وزوال التغیّر ، بأنّ الدلیل الدال علی نزح المقدر مع عدم التغیّر یدل علی وجوب المقدّر مع التغیّر بطریق أولی (3).

وفی نظری القاصر أنّه غیر تام ؛ لأنّ مفهوم الموافقة بتقدیر تمامه إنّما هو یصلح للاستدلال إذا لم یعارضه المنطوق ، وهو موجود فی الخبر الصحیح الدال علی أنّ زوال التغیّر مطهّر.

وما عساه یتوجه علی هذا من أنّ الخبر الدال علی أنّ زوال التغیّر کاف لا یخرج عن احتمال التقیید بما یدل علیه مفهوم الموافقة.

فیه : أنّ الظاهر خلاف ذلک ، وأنّ زوال التغیّر کاف ، والخبر هو صحیح ابن بزیع الآتی عن قریب (4) وما ذکرناه هنا علی سبیل الاختصار ، وفی غیر هذا الکتاب قد بسطنا الکلام ، ولعل فی هذا کفایة إنّ شاء الله تعالی.

ص: 246


1- ما بین القوسین ساقط من « د ».
2- منتقی الجمان 1 : 58 ، معالم الفقه : 33.
3- معالم الفقه : 33 ، منتقی الجمان 1 : 58.
4- الآتی فی ص 243.

بقی فی الحدیث شیئان ، أحدهما : أنّ العموم فی قوله : « مما وقع فی البئر » شامل للمنصوص الذی له مقدّر وغیره ، وعلی تقدیر الحکم بأکثر الأمرین فی المقدّر ینبغی الاکتفاء بزوال التغیّر فی غیر المنصوص ، لا أکثر الأمرین مما ثبت لغیر المنصوص وزوال التغیر ، کما هو أحد الأقوال ، وسیأتی إنّ شاء الله ذکر ما قیل فی الاستدلال لغیر المنصوص (1).

وثانیهما : أنّ الحکم بإعادة الصلاة مع التغیّر یتناول الوقت وخارجه ، کما یستفاد من الأخبار فی إطلاق الإعادة علی خارج الوقت ، والحکم وإن لم یکن إجماعیاً فی الإعادة مطلقاً إذا استعمل الماء المتغیّر فی الوضوء أو الغسل ؛ إذ العلاّمة نقل فی المختلف قولاً بعدم الإعادة فی خارج الوقت ، إذا کان الوضوء بغیر الماء الطاهر أو الغسل (2) ، غیر أنّ ظاهر المتأخّرین أنّه لا خلاف فی ذلک.

وسیأتی ذکر ما لا بُدّ منه فی ذلک إنّ شاء الله تعالی فی محله (3).

ولعل الإجماع متأخّر عن القائل ؛ فإنّ المنقول عن الشیخ ذلک (4) ، لکن ظاهر الحدیث المبحوث عنه الشمول لنجاسة الثوب والبدن ، والإعادة مطلقاً فیهما غیر سلیمة من المعارض ، وسیأتی أیضاً ، وحینئذٍ فالحدیث من هذه الجهة لا یخلو من إجمال.

وأمّا الخبر الثانی : فغیر خفیّ أنّ فیه احتمال کون عدم إعادة الصلاة وغسل الثوب لعدم العلم بالتقدم علی المباشرة ، وأصالة عدم التقدم یقتضی

ص: 247


1- الآتی فی ص 297 298.
2- المختلف 1 : 74.
3- انظر ص 239.
4- نقله عنه فی المختلف 1 : 74 وهو فی المبسوط 1 : 13 و 38.

ذلک ، إلاّ أنّ ترک الاستفصال من الإمام عن ظهور القرائن الدالة علی التقدم وعدمها عند السائل یفید العموم ، کما هو مقرّر فی الأُصول.

وربما یدعی أنّ قول السائل : ولا یعلم ، یفید خلاف ذلک. وفیه ما فیه.

ثم إنّ الفأرة لا ذکر فی الخبر لموتها ، فربما کان الحکم المذکور لعدم نجاسة عینها ، کما تقدم فیه القول (1) ، إلاّ أنّ ترک الاستفصال فی الخبر یفید العموم للموت.

قوله :

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمّد ، عن علی بن الحکم ، عن أبان بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سئل عن الفأرة تقع فی البئر لا یعلم بها إلاّ بعد ما یتوضّأ منها ، أتعاد الصلاة؟ قال : « لا ».

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسین ، عن جعفر بن بشیر ، عن أبی عیینة ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الفأرة تقع فی البئر ، قال : « إذا خرجت فلا بأس ، وإنّ تفسخت فسبع دلاء » قال : وسئل عن الفأرة تقع فی البئر فلا یعلم بها أحد إلاّ بعد ما یتوضّأ منها ، أیعید وضوءه وصلاته ، ویغسل ما أصابه؟ فقال : « لا ، قد استعمل أهل الدار (2) ورشّوا ».

ص: 248


1- راجع ص 183 190.
2- فی الاستبصار 1 : 31 / 83 : « بها ».

السند :

فی الأول : لا یخلو من خلل ، والصواب عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الصفار ، کما لا یخفی.

ورجال السند لا ارتیاب فیهم بعد ما قدمناه (1) ، سوی علی بن الحکم ؛ فإنّه قد یظن فیه الاشتراک بین موثق وغیره (2).

والحق علی تقدیر الاشتراک أنّ هذا هو الثقة ، بقرینة روایة أحمد بن محمّد بن عیسی عنه ، کما یستفاد من الرجال (3).

واحتمال أحمد بن محمّد لغیر ابن عیسی ، یدفعه الظهور ، نظراً إلی تکرّر ذلک ، لا من جهة أنّ الراوی عن ابن عیسی الصفار مع غیره ؛ لأنّ الصفار یروی عن أحمد بن أبی عبد الله أیضاً ، کما یعلم من الرجال (4).

وفی الثانی : لیس فیه من ینافی الصفحة بعد محمّد بن قولویه کما قدمناه (5) سوی أبی عیینة ؛ فإنّه مجهول الحال.

المتن :

فی الأوّل : حکمه ما تقدم فی السابق من جمیع ما ذکرناه.

وفی الثانی : دلالة علی أنّ الفأرة لا تؤثّر مع الحیاة فی البئر شیئاً ، ومع الموت إنّ تفسخت سبع دلاء.

بحث حول علی بن الحکم
أبو عیینة مجهول الحال

ص: 249


1- راجع ص 39 40 ، 196 ، 174.
2- انظر هدایة المحدثین : 216.
3- الفهرست : 87 / 366.
4- الفهرست : 22.
5- راجع ص 111 113.

وما تضمّنه من السؤال عن الفأرة التی تقع فی البئر ، ولا یعلم بها أحد إلاّ بعد الوضوء وما معه.

یمکن أنّ یقال فیه ما تقدم ، إلاّ أنّ الجواب منه علیه السلام بقوله : « قد استعمل أهل الدار ورشّوا » لا یوافق ذلک.

ولعل التوجیه : بأنّه تقریب لخاطر السائل لبُعد تنبّهه من جهة أنّ الأصل عدم التقدم فلا یلزم إعادة الوضوء.

ممکن ، إلاّ أنّ الإشکال المتقدم من احتمال وجود أمارات التقدم یأتی هنا.

ولعل الأولی فی التوجیه أنّ البئر لا تنجس بالملاقاة ، وإنّما النزح لحصول النفرة ، فإذا رفع من البئر لرشّ الدار حصل المطلوب من النزح ، غایة الأمر أنّ ذکر الاستعمال لا یوافق هذا.

ویحتمل أنّ یکون المراد بالاستعمال إخراج الماء للرشّ.

ویحتمل أنّ یراد أنّ استحباب النزح إنّما هو إذا لم یعارضه معارض ، واستعمال البئر فی الرشّ وغیره یسقط ذلک ؛ لحصول نوع حرج ، إلاّ أنّ هذا لا یلائم عدم النجاسة کما لا یخفی.

وأنت خبیر بأنّ ضعف الروایة یسهّل معه الخطب ، وباب الاحتمال واسع.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه سیجی ء من المصنف فی حکم الفأرة أنّ التسلخ یقتضی نزح سبع دلاء ؛ لروایة تأتی (1) ، وهو یدل علی أنّ التسلخ والتفسخ واحد.

ص: 250


1- الآتی فی ص 281 283.

وبُعده واضح ، بل الظاهر أنّ أحدهما یقتضی السبع علی تقدیر العمل بالخبرین ، وسیأتی إنّ شاء الله الکلام فی ذلک (1) ، إلاّ أنّ هذا الحدیث یفید بظاهره عدم الفرق بین التسلخ والتفسخ فی سقوط النزح مع الرشّ ، ولم یذکر المصنف الحدیث فیما سیأتی ، فلا أدری الوجه فی ذلک.

قوله :

وبهذا الاسناد عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن علی بن الحکم ، عن أبان ، عن أبی أُسامة وأبی یوسف یعقوب بن عثیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا وقع فی البئر الطیر والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء » قلنا : فما تقول فی صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثیابنا؟ فقال : « لا بأس به ».

أحمد بن محمّد بن أبی نصیر ، عن عبد الکریم ، عن أبی بصیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : بئر یستقی منها ویتوضّأ به وغسل منه الثیاب وعجن به ، ثم علم أنّه کان فیه میّت ، قال : « لا بأس ، ولا یغسل الثوب ، ولا تعاد منه الصلاة ».

قال محمّد بن الحسن : ما یتضمن هذه الأخبار من إسقاط الإعادة فی الوضوء والصلاة عمّن استعمل هذه المیاه لا یدل علی أنّ النزح غیر واجب مع عدم التغیّر ؛ لأنّه لا یمتنع أنّ یکون مقدار النزح فی کل شی ء یقع فیه واجباً وإنّ کان متی استعمله لم یلزمه إعادة الوضوء والصلاة ؛ لأنّ الإعادة فرض ثان ، فلیس لأحد أنّ یجعل ذلک

ص: 251


1- الآتی فی ص 281 و 283.

دلیلاً علی أنّ المراد بمقادیر النزح ضرب من الاستحباب.

علی أنّ الذی ینبغی أنّ یعمل علیه هو أنّه إذا استعمل هذه المیاه قبل العلم بحصول النجاسة فیها فإنّه لا یلزمه إعادة الوضوء والصلاة ، ومتی استعملها مع العلم بذلک لزمه إعادة الوضوء والصلاة.

السند

فی الأول : واضح ( فی غیر أبان ) (1) ، إذ لا ارتیاب فی رجاله بعد ما قدّمناه (2).

وأبو أُسامة : هو زید الشحام ، ثقة ، وجهالة أبی یوسف لا تضرّ بالحال.

( وأمّا أبان فلا یبعد ادّعاء ظهور کونه ابن عثمان عند الإطلاق ، إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع ) (3).

وفی الثانی : غیر واضح الصحة مع عدم ذکر الطریق إلی أحمد فی المشیخة ، مضافاً إلی أن عبد الکریم وهو ابن عمرو بقرینة روایة أحمد عنه واقفی ، وإنّ کان ثقة کما فی النجاشی (4) ، وأبو بصیر حاله قد سبق ذکرها مکرّراً (5).

المتن :

فی الأول : ظاهر فی نزح السبع للفأرة سواء تفسخت أم لا ، والخبر

أبو اُسامة ثقة
عبدالکریم بن عمرو واقفی ثقة

ص: 252


1- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « رض ».
2- راجع ص 153 ، 196 ، 235.
3- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « رض ».
4- رجال النجاشی : 245 / 645.
5- راجع ص 72 ، 83 ، 125.

السابق قد علمت تقییده ، فیحتمل حمل هذا علیه ، وما تضمنه من حکم الصلاة کالصریح فی أنّ البئر لا تنجس بالملاقاة ، وکلام الشیخ فیما یأتی ستسمع القول فیه (1).

والوالد قدس سره - ( فی المعالم ) (2) لم یوصف هذه الروایة بالصحة (3) ، ولا أدری وجهه ، إلاّ أنّ یکون أخذها من غیر هذا الکتاب ، فإنّ المعهود منه عدم التوقف فی محمّد بن قولویه ، ولا فی علی بن الحکم الراوی عنه أحمد بن محمّد بن عیسی ، ولا فی أبان.

وفی الثانی : کالأول فی ظهور عدم نجاسة البئر بالملاقاة ، والمیت فیه لا یضر إطلاقه ؛ للعلم بأنّ المراد النجس.

وما قاله الشیخ رحمه الله فی توجیه الأخبار فی غایة البعد ؛ لأنّ الإعادة إنّ أراد بها القضاء فالحق أنّها فرض ثان ، لکن تعیّن إرادة القضاء غیر معلوم.

ولو سلم أشکل الحال فی الثیاب ؛ فإنّ عدم غسلها غیر ظاهر الوجه ، مع تضمن بعض الأخبار ذکرها مع الوضوء.

وما قد یقال : من انّ الإعادة إذا اختل الوضوء لا ریب فیها فکیف یحکم الشیخ بعدمها؟

فقد قدّمنا نقل القول عن العلاّمة فی المختلف ، وأنّه حکاه عن الشیخ (4) ، والکلام هنا کالصریح فیه ، غیر أنّی لم أستثبت کون الشیخ ذاکراً

ص: 253


1- یأتی فی ص 240.
2- ما بین القوسین لیس فی « فض ».
3- معالم الفقه : 61.
4- راجع ص 233.

هنا مذهبه ؛ لأنّه مضطرب فی ذلک.

أمّا ما قاله الشیخ : من أنّ الذی ینبغی أنّ یعمل علیه ، قد أوضح الوالد قدس سره مرامه فیه بما هذا لفظه : والذی فهمته من کلامه فی الکتابین یعنی التهذیب والاستبصار أنّه یقول بعدم الانفعال بمجرد الملاقاة ، لکنه یوجب النزح ، فالمستعمِل لمائها بعد ملاقاة النجاسة له وقبل العلم لا یجب علیه الإعادة أصلاً ، سواءً فی ذلک الوضوء والصلاة وغسل النجاسات وغیرها ، والمستعمِل له بعد العلم بالملاقاة یلزمه إعادة الوضوء والصلاة ؛ لأنّه منهی عن استعماله قبل النزح ، والنهی یفسد العبادة ، فیقع الوضوء فاسداً ویتبعه فساد الصلاة ، وکذا غیرها من العبادات (1) ، انتهی کلامه قدس سره .

وفی نظری القاصر أنّ کلام الوالد قدس سره محل تأمّل ، أمّا فی عبارة التهذیب (2) فقد ذکرت ما فیه فی الحاشیة.

وأمّا عبارة الإستبصار فهو وإنّ لم یذکر فیها حکم الثیاب ، ففی التهذیب صرّح به فی کونه کالوضوء ، ومعه لا یتم کلام الوالد قدس سره .

ثم إنّ النهی عن الاستعمال قبل النزح غیر معلوم من الأخبار ، واحتمال کون النهی من جهة استلزام الأمر بالشی ء النهی عن ضدّه إنّما یتم علی تقدیر تضیق النزح ، ولم یعلم أیضاً.

إلاّ أنّ الحق عدم بعد عبارة الإستبصار عن قول الوالد قدس سره ، بخلاف عبارة التهذیب ، کما یعلمه من وقف علی کلامنا فی حاشیته.

أمّا ما یدل علیه قول الشیخ : من أنّ الإعادة فرض ثان ، فهو مناف لإطلاق الإعادة مع العلم ، إلاّ بتأویل متکلف ، کما أنّ العلم المذکور فی

ص: 254


1- معالم الفقه : 30.
2- معالم الفقه : 30.

کلامه بوقوع النجاسة لا یوافق المطلوب ؛ إذ الذی ینبغی العلم بوجوب النزح إلاّ بتکلف أیضاً ، فلیتأمّل.

قوله :

والذی یدل علی ذلک ما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل الذی یجد فی إنائه فأرة وقد توضّأ من ذلک الإناء مراراً ، وغسل منه ثیابه ، واغتسل منه ، وقد کانت الفأرة متسلخة (1) ، فقال : « إنّ کان رآها فی الإناء قبل أنّ یغتسل أو یتوضّأ أو یغسل ثیابه ، ثم فعل ذلک بعد ما رآها فی الإناء فعلیه أنّ یغسل ثیابه ، ویغسل کل ما أصابه ذلک الماء ، ویعید الوضوء والصلاة ، وإنّ کان إنّما رآها بعد ما فرغ من ذلک وفعله فلا یمسّ من الماء شیئاً ، ولیس علیه شی ء ؛ لأنّه لا یعلم متی سقط فیه » ثم قال : « لعله أنّ یکون إنّما سقطت فیه تلک الساعة التی رآها ».

السند

غیر مذکور فی المشیخة الطریق إلی إسحاق بن عمار فهو مرسل ، وإسحاق بن عمار فطحی ثقة علی قول الشیخ فی الفهرست (2) ، والنجاشی وثّقه من غیر ذکر کونه فطحیاً (3) ، وقد تقدم منا کلام فی مثل هذا (4).

بحث حول اسحاق بن عمّار

ص: 255


1- فی الاستبصار 1 : 32 / 86 : متفسخة.
2- الفهرست : 15 / 52.
3- رجال النجاشی : 71 / 169.
4- راجع ص 108.

وفی الفقیه روی هذه الروایة عن عمار بن موسی الساباطی (1) ، وطریقه إلیه من الموثق (2) ، فما أدری الشیخ سبق قلمه إلی إسحاق بن عمار ، أو هی روایة أُخری عن إسحاق.

( فإنّ قلت : قد ذکر الشیخ فی الفهرست أنّ لإسحاق أصلاً معتمداً علیه أخبرنا به الشیخ أبو عبد الله والحسین بن عبید الله ، عن أبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه ، عن محمّد بن الحسن بن الولید ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب ، عن ابن أبی عمیر ، عن إسحاق (3) ، وهذا الطریق صحیح.

قلت : إنّما تظهر فائدة الصحة لو علم أنّ الخبر من أصله ، واحتمال کونه من مرویاته حاصل ، فلا یفید غیره کما لا یخفی ) (4).

المتن :

صریح الدلالة فی أنّ مراد الشیخ غیر ما ذکره الوالد (5) قدس سره بل الذی یقتضیه النظر بعد ذکر الروایة أنّه یقول بنجاسة البئر ، ویعتبر العلم بالنجاسة وعدمه.

وإنّ کان غرضه غیر مدلول الروایة ، وإنّما أتی بها للاستدلال علی أنّ عدم العلم لا یؤثّر فی بطلان العبادة فی مثل الإناء ، وإنّ کان الفرق حاصلاً من حیث إنّ الإناء ینجس بخلاف البئر ، إلاّ أنّ المراد الاستشهاد علی أنّ

ص: 256


1- الفقیه 1 : 14 / 26.
2- مشیخة الفقیه ( الفقیه 4 ) : 4.
3- الفهرست : 15 / 52.
4- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « رض ».
5- معالم الفقه : 30.

المؤثّر العلم.

ففیه : أنّ هذا لا دخل له فی مطلوب الشیخ ، علی ما قرّره الوالد قدس سره من حیث النهی عن الاستعمال ، کما یعلم بالتأمّل الصادق ، والله تعالی هو أعلم بالحقائق.

إذا عرفت هذا فاعلم انّ شیخنا قدس سره قال فی بعض فوائده علی الکتاب : لا یخفی أنّ ما سبق من الروایات قد تضمن عدم إعادة غسل الثیاب ، وذلک لا یجامع الحکم بنجاسة الماء ، وارتکاب القول بنجاسته مع عدم وجوب غسل الثیاب التی غُسِلت به قبل العلم بالنجاسة بعید جدّاً ، خصوصاً مع انتفاء الدلیل علی ذلک. انتهی.

وفی نظری القاصر أنّ هذا الکلام إنّ کان علی قول الشیخ : ما یتضمن هذه الأخبار من إسقاط الإعادة فی الوضوء ، فالشیخ غیر مصرح بنجاسة الماء ، إلاّ من (1) حیث ذکر الروایة الأخیرة ، وقد علمت أنّها للاستدلال علی سبق العلم وعدمه ، وحینئذٍ عدم إعادة غسل الثیاب لعدم العلم بالنجاسة وبعدمها علی ما ظنه الشیخ.

وإنّ کان کلام شیخنا قدس سره علی قوله : علی أنّ الذی ینبغی ، فالحال ما سمعته.

وقول شیخنا قدس سره : إنّ ارتکاب القول بالنجاسة ، إلی آخره لا وجه له ؛ إذ لا یمکن القول بذلک علی ما فهمه قدس سره وکلام الشیخ فی جهة أُخری ، بتقدیر اعتماده علی المستفاد من خبر إسحاق ، فلیتأمّل.

ص: 257


1- فی « د » زیادة : قوله أخیراً : علی أنّ الذی ینبغی ، إلی آخره.

قوله : فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعیل ، عن الرضا علیه السلام قال : « ماء البئر واسع لا یفسده (1) شی ء ، إلاّ أنّ یتغیّر ریحه أو طعمه ، فینزح حتی یذهب الریح ویطیب طعمه ؛ لأنّ له مادّة ».

فالمعنی فی هذا الخبر أنّه لا یفسده شی ء إفساداً لا یجوز الانتفاع بشی ء منه ، إلاّ بعد نزح جمیعه ، إلاّ ما یغیّره ، فأمّا ما لم یتغیّر فإنّه ینزح منه مقدار ، وینتفع بالباقی علی ما بیّناه فی (2) تهذیب الأحکام.

السند

لیس فیه ارتیاب بعد ما قدّمناه : من أنّ طریق الشیخ إلی أحمد بن محمّد معتبر (3).

ومحمّد بن إسماعیل : هو ابن بزیع الثقة الجلیل.

المتن :

لا یخلو قوله علیه السلام : « ماء البئر واسع » من إجمال ، ولعل المراد حکم ماء البئر ، وحذفه للعلم به.

واحتمال کون الماء واسعاً باعتبار المادّة بخلاف المحقون ، یتوقف علی أنّ التعلیل راجع إلی ذلک ، وفیه احتمالات :

إشارة إلی جلالة محمد بن اسماعیل بن بزیع
تحقیق حول قوله ماء البئر واسع لا یفسده شیء

ص: 258


1- فی الاستبصار 1 : 33 / 87 : لا ینجسه.
2- فی الاستبصار 1 : 33 / 87 زیادة : کتاب.
3- راجع ص 175.

أحدها : وهو الذی فهمه جماعة منهم الوالد (1) قدس سره ، وشیخنا (2) قدس سره أنّ التعلیل لعدم الإفساد.

وثانیها : أنّه راجع إلی کون ماء البئر واسعاً ، وهذا یجامع التعلیل بعدم الإفساد کما لا یخفی.

وثالثها : أنّ یکون التعلیل راجعاً لذهاب الریح وطیب الطعم ، کما یقال : لازم غریمک حتی یعطیک حقک ، لأنّه یکره ملازمتک.

ورابعها : أنّ یعود إلی الجمیع.

وفی نظری القاصر أنّ العود إلی الأخیر خاصة وإنّ قرب ، إلاّ أنّ العود إلی الجمیع أعم فائدة کما لا یخفی ، غایة الأمر أنّ الاحتمال إذا انفتح بأنه للأخیر خاصة لا یبقی فی الحدیث صلاحیّة للاستدلال علی أنّ الماء الجاری إذا کان أقل من کرّ لا ینجس بالملاقاة ، کما یقوله بعض (3).

والوالد قدس سره عمدة استدلاله علی ردّ هذا القول بالتعلیل (4) ، کما ذکرناه فی موضعه من حاشیة الروضة.

أمّا ما قاله الشیخ رحمه الله من أنّ المراد بالحدیث لا یفسده إفساداً ، إلی آخره فمراده به أنّ المنفی إفساد خاص ، وهو الإفساد الذی لا ینتفع به إلاّ بنزح الجمیع ، أمّا الإفساد الذی یزول بنزح البعض فلیس بمنفی ، فقوله : إلاّ بعد نزح جمیعه ، من متعلقات الإفساد المنفی ، وقوله : إلاّ ما یغیّره ، استثناء من النفی.

ص: 259


1- معالم الفقه : 32.
2- مدارک الاحکام 1 : 55.
3- مدارک الاحکام 1 : 30.
4- انظر معالم الفقه : 32 و 111.

وما أورده علیه شیخنا قدس سره فی بعض فوائده علی الکتاب : من (1) أنّ عدم الانتفاع بشی ء من ماء البئر یتحقق مع عدم التغیّر فی کثیر من النجاسات عند القائلین بالتنجیس ، کما أنّه قد یجوز الانتفاع بالباقی إذا زال التغیّر بنزح البعض ، فإطلاق القول بعدم جواز الانتفاع بشی ء مع التغیّر ، وجوازه مطلقاً بدونه غیر مستقیم (2).

فیه نظر یعرف مما قرّرناه فی حلّ کلام الشیخ.

وما أورده قدس سره من بعض الصور ، لا یضرّ بحال الشیخ ؛ لأن التخصیص للعام واقع ، غیر أنّ معنی الحدیث کما قاله الشیخ ، بواسطة إرادة الجمع بینه وبین ما دل علی المقدّر.

نعم الحمل علی الاستحباب فی المقدّر أولی ، أمّا عدم استقامة کلام الشیخ ، ففیه ما عرفت.

وما قاله شیخنا قدس سره فی الفائدة أیضاً : من أنّ الروایة واضحة الدلالة علی عدم نجاسة البئر بدون التغیّر ؛ لأنّه نفی الإفساد عنه بدون التغیّر علی وجه العموم ، فتکون النجاسة منفیة ؛ لأنّها أقوی أنواع الإفساد ، بل الظاهر أنّ المراد بها النجاسة ، کما یقتضیه المقام والوصف بالسعة والاستثناء.

لا یخلو من وجاهة ، غیر أنّ السعة قد تقدم ذکر الإجمال فیها (3).

وما قد یتخیل من أنّ العموم لا صفة له فجوابه أنّ الفعل فی حکم النکرة.

أما ما قاله شیخنا قدس سره : من أنّ هذه الروایة تدل علی عدم وجوب

ص: 260


1- فی « فض » و « رض » زیادة : أنه یتوجّه علیه من.
2- العبارة موجودة فی مدارک الأحکام 1 : 56.
3- راجع ص 244 246.

النزح بدون التغیّر ؛ لأنّه علیه السلام اکتفی فی تطهیره مع التغیر بنزح ما یذهب الریح ویطیب الطعم ، ولو وجب نزح المقادیر المعیّنة لم یکن ذلک کافیاً ، إذا لم یحصل به استیفاء المقدر.

ففیه نظر ؛ لأنّ زوال التغیّر یجوز أنّ یکون کافیاً بدون المقدر ، کما سبق بیانه ، علی أنّه یجوز أیضاً أنّ تکون العلة فی الاکتفاء بزوال التغیّر ظهور النجاسة فی الماء ، فتأمّل.

قوله :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن صالح الثوری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا کان الماء فی الرکی (1) کرّاً لم ینجّسه شی ء » قلت : وکم الکرّ؟ قال : « ثلاثة أشبار ونصف طولها ، فی ثلاثة أشبار ونصف عمقها ، فی ثلاثة أشبار ونصف عرضها ».

فیحتمل هذا الخبر وجهین : أحدهما : أنّ یراد بالرکی المصنع الذی لا یکون له مادة بالنبع ، دون الآبار التی لها مادّة ، فإنّ ذلک هو الذی یراعی فیه الاعتبار بالکرّ علی ما بیّناه.

والثانی : أنّ یکون قد ورد ذلک مورد التقیة ؛ لأنّ من الفقهاء من سوّی بین الآبار والغُدران فی قلّتها وکثرتها ، فیجوز أنّ یکون الخبر ورد موافقاً لهم ، والذی یبیّن ذلک أنّ الحسن بن صالح راوی هذا الحدیث زیدیّ بُتْریّ متروک الحدیث فیما یختص به.

ص: 261


1- الرکیّة : بالفتح وتشدید الیاء : البئر ، والجمع رکایا کعطیة وعطایا مجمع البحرین 1 : 195 ( رکا ).

السند :

فیه الحسن بن صالح کما ذکره الشیخ ، وقد ذکره فی کتاب الرجال فی أصحاب الباقر علیه السلام ، وقال : إنّه زیدیّ ، وفی أصحاب الصادق علیه السلام ذکره من غیر ذکر أنّه زیدیّ (1).

وفی الکشیّ عدّ من البُتْریّة الحسن بن صالح بن حیّ ، وقال : إنّهم الذین دعوا إلی ولایة علی وخلطوها بولایة أبی بکر وعمر (2).

وفی النجاشی ذکر الحسن بن صالح الأحول ، وأنّ له کتاباً (3). ولعله غیر هذا ، أو هو هو ، وعلی کل حال الحدیث غیر صحیح.

المتن :

قد ذکر بعض الأصحاب أنّ هذه الروایة حجّة البصروی محمّد بن محمّد من أصحابنا علی اختصاص الانفعال بما نقص عن الکرّ (4) ، وفسّرت الرکیّ بالآبار ، واستدل له أیضاً بما دل علی اشتراط بلوغ الماء مقدار الکرّ فی عدم الانفعال (5).

وأُجیب عن الروایة بما سمعته.

وعن العموم أنّه مخصوص بخبر محمّد بن إسماعیل المعلّل بأنّ له

بحث حول الحسن بن صالح

ص: 262


1- رجال الطوسی : 113 / 6 ، 166 / 7.
2- رجال الکشّی 2 : 499 / 422.
3- رجال النجاشی : 50 / 107.
4- هو الشهید فی غایة المراد 1 : 72.
5- هو الشهید فی غایة المراد 1 : 72.

مادّة ، وهو یقتضی عدم الفرق بین القلیل والکثیر.

وأنت خبیر بعد ما قدّمناه فی احتمال التعلیل (1) أنّه لا یصلح للاستدلال حینئذٍ.

نعم ربما یقال : إنّ الأحادیث الدالة علی اعتبار الکرّیة (2) تدل بمفهومها علی نجاسة ما دون الکرّ ، وأخبار البئر (3) بعضها کالصریح فی عدم النجاسة وإنّ کان قلیلاً ، فیخص المفهوم بغیر البئر.

وفیه : أنّ أخبار البئر لا دلالة فیها إلاّ من حیث الإطلاق أو التعمیم ، ولا مانع من تخصیصه بالمفهوم.

فلعل الأولی أنّ یقال : إنّ التعلیل فی خبر ابن بزیع ظاهره العود إلی عدم الإفساد ، إمّا مع غیره أو وحده ، وفی البین کلام.

والذی یظهر من الشیخ عدم الخلاف فی اعتبار الکرّ فی ماء البئر.

وما قاله الشیخ رحمه الله : من أنّ الحسن بن صالح متروک الحدیث فیما یختص به إنّ أراد أنّه مختص بهذا الحدیث فنقله فی الکتاب غیر ظاهر الوجه ، إلاّ أنّ یکون لمجرد بیان ردّه ، کما یذکره فی غیره من الأخبار.

وما ذکر من الحمل علی التقیة ، ربما لا توافقه المساحة المذکورة فی الروایة ، والعامة وإنّ قالوا بالکرّ فی البئر (4) ، إلاّ أنّ المساحة المذکورة کأنهم لم یعتبروها ، والشیخ أعلم بذلک.

ص: 263


1- راجع ص 244 246.
2- الوسائل 1 : 158 أبواب الماء المطلق ب 9.
3- الوسائل 1 : 170 أبواب الماء المطلق ب 14.
4- انظر المغنی لابن قدامة 1 : 55.

قوله :

باب بول الصبی یقع فی البئر

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن عبد الحمید ، عن سیف بن عمیرة ، عن منصور (1) قال : حدثنی عدة (2)عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ینزح منها سبع دلاء إذا بال فیها الصبی أو وقعت (3) فأرة أو نحوها » فأمّا ما رواه محمّد بن احمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن علی بن الحکم ، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن بول الصبی الفطیم(4) یقع فی البئر ، فقال : « دلو واحد » قلت : بول الرجل ، قال : « ینزح منها أربعون دلواً ».

فلا ینافی الخبر الأوّل ؛ لأنّه یجوز أنّ یحمل علی بول صبی لم یأکل الطعام.

السند

أمّا الأوّل : فحال رجاله کررنا القول فیها (5) ما عدا سیف بن عمیرة ، وهو ثقة ، غیر أنّ محمّد بن شهرآشوب قال : إنّه واقفی (6) ؛ وحال محمّد

بول الصبی یقع فی البئر

سیف بن عمیرة ثقة
محمد بن شهرآشوب غیر معلوم الحال

ص: 264


1- فی الاستبصار 1 : 34 / 1 : منصور بن حازم.
2- فی الاستبصار 1 : 34 / 1 زیادة : من أصحابنا.
3- فی الاستبصار 1 : 34 / 1 زیادة : فیها.
4- الفطیم ککریم : هو الذی انتهت مدة رضاعه مجمع البحرین 6 : 131 ( فطم ).
5- راجع ص 63 و 196 و 99 ، 200 201.
6- معالم العلماء : 56 / 377.

غیر معلوم.

ومنصور ، وهو ابن حازم علی الظاهر ، کما یستفاد من تتبع الأخبار ، فإنّ فیها التصریح بهذا ، وإن کان فی الخبر المبحوث عنه لا فائدة فیه بعد الإرسال.

وأمّا الثانی : فرجاله فی تکرر القول کالأوّل (1) ، إلاّ علی بن أبی حمزة ، وهو محتمل لعلی بن أبی حمزة الثمالی الثقة علی ما قاله الکشّی عن حمدویه (2) وابن أبی حمزة البطائنی الواقفی کما ذکره النجاشی (3) والترجیح لا یخلو من إشکال.

وروایة البطائنی عن أبی عبد الله علیه السلام غیر مرجّحة ؛ لعدم العلم بتاریخ ابن أبی حمزة الثمالی.

نعم فی الرجال أنّ ابن البطائنی روی عن أبی الحسن موسی وأبی عبد الله علیهماالسلام ] (4) ، وابن أبی حمزة لم یذکر روایته عن أحد [ من (5) الأئمّة علیهم السلام ، إلاّ أنّ فی أخیه الحسین ذکر روایته عن أبی عبد الله علیه السلام (6) ، وهو مقترن معه فی التوثیق ، ولا یفید شیئاً.

المتن :

فی الأول : دالٌّ بظاهره علی نزح السبع لبول الصبی ، وهو منقول عن المفید وجماعة مع الشیخ (7).

بحث حول علی بن أبی حمزة

ص: 265


1- راجع ص 99 ، 196 ، 235.
2- رجال الکشی 2 : 707 / 761.
3- رجال النجاشی : 249 / 656.
4- رجال النجاشی : 249 / 656.
5- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
6- انظر جامع المقال : 62 ، وهدایة المحدثین : 14.
7- حکاه فی المختلف 1 : 42 ، عن المفید والطوسی وأبی الصلاح وابنی زهرة والبراج ، وهو فی المقنعة : 67 ، والمبسوط 1 : 12 ، والنهایة : 7 والکافی فی الفقه : 130 ، والغنیة ( الجوامع الفقهیة : 552 ) ، والمهذّب 1 : 22.

وفی الفقیه : إنّ بال فیها صبی قد أکل الطعام استقی منها ثلاثة دلاء (1).

وحکاه الوالد قدس سره عن المرتضی (2) ، ولم نقف علی حجّة هذا القول.

والروایة المنقولة هنا ربما یقال فیها بعد تسلیم العمل بها : إنّ الفأرة مقترنة مع البول. والسبع للفأرة مطلقاً معارض بما دل علی اشتراط التفسخ فی السبع ، کما تقدم (3) ، وبما دلّ علی الثلاث کما سیأتی (4). والتوفیق بین الأخبار یقتضی إما الحمل فی السبع علی الاستحباب ، أو حمل الفأرة هنا علی التفسخ ، وقد ینافی هذا لفظ الوقوع. وفیه ما فیه.

نعم یمکن ترجیح الاستحباب بتعدّد أخبار الثلاث واعتبارها ، وعدم صلاحیّة أخبار السبع للمعارضة.

وفیه : أنّه خروج عن القول بتقدیر العمل کما لا یخفی ، غیر أنّ الحق علی تقدیر اعتبار الصحة هذا ، وحینئذ یستبعد الوجوب فی بول الصبی والاستحباب فی الفأرة ، وإنّ أمکن بناءً علی جواز تخصیص بعض الخبر بمخصص دون البعض. هذا کله علی تقدیر وجوب النزح.

وفی صحیح معاویة بن عمار نزح الجمیع إذا بال فیها صبی (5) ، وحمل علی حصول التغیّر ، وفیه کلام ذکرته فی محلّ آخر.

ص: 266


1- الفقیه 1 : 13.
2- معالم الفقه : 64.
3- راجع ص 235.
4- الآتی فی ص 280.
5- التهذیب 1 : 241 / 696 ، الوسائل 1 : 182 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 7.

أمّا حمل الشیخ الروایة الثانیة ففی غایة البعد ، بل وصفه بالفطیم یضادّه ، إلاّ أنّ یحمل علی أوّل مراتب الفطام ، وفیه تکلّف تام.

والحمل علی قریب الفطام لا یخلو من وجه ، لکن لم أرَ علیه موافقاً. ولعل مقام الاستحباب واسع ، إلاّ أنّ الإشکال فی روایة معاویة بن عمار قوی ، والله تعالی أعلم بالحال.

وما تضمنه متن الثانیة من نزح أربعین لبول الرجل إلیه استند القائلون من الأصحاب بذلک ، بل قیل : إنّه المشهور (1) ، والخبر کما تری.

وفی المعتبر ما قد یدل علی أنّ علی بن أبی حمزة هو البطائنی ، فإنّه قال بعد ذکرها وغیرها : والترجیح بجانب الأُولی یعنی روایة علیّ بن أبی حمزة لاشتهارها فی العمل وشذوذ غیرها بین المفتین. لا یقال : علیّ ابن أبی حمزة واقفی ؛ لأنّا نقول : تغیّره إنّما هو فی [ موت ] (2) موسی علیه السلام فلا یقدح فیما قبله ، علی أنّ هذا الوهن لو کان حاصلاً وقت الأخذ عنه لانجبرت بعمل الأصحاب وقبولهم لها (3). انتهی.

وفیه نظر ؛ إذ لیس الاعتبار فی عدالة الراوی بحال التحمل بل بزمان الروایة ، وکیف یعلم ذلک کما هو واضح.

نعم ما ذکره من الانجبار بالشهرة لا یخلو من وجه.

وإنّما قلنا : قد یدل کلامه علی أنّه البطائنی ؛ لعدم الصراحة ، من حیث إنّه یجوز أنّ یکون قوله : علی بن أبی حمزة واقفی ، ( لجواز ) (4) أن

ص: 267


1- کما فی روض الجنان : 150 ، ومعالم الفقه : 52.
2- فی النسخ : زمن ، وما أثبتناه من المصدر.
3- المعتبر 1 : 68.
4- بدل ما بین القوسین فی « رض » و « فض » : انه یجوز.

یکون هو ، ( والاشتراک کافٍ فی الردّ ) (1) غیر أنّ الظاهر خلاف ذلک ( والیقین ) (2) هو أعلم به ، هذا.

وفی معتبر الأخبار مثل صحیح معاویة بن عمار نزح الجمیع ، إذا بال فیها صبی أو صب فیها بول.

وفی صحیح ابن بزیع : دلاء للقطرات من البول (3) ، ولعل هذا أسهل الأمر.

قال :

باب البئر یقع فیها البعیر أو الحمار

أو ما أشبههما أو یصب فیها الخمر

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن محمّد بن علی بن محبوب ، عن أحمد ، عن أبیه ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن عمر بن یزید قال : حدثنی عمرو بن سعید بن هلال قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عمّا یقع فی البئر ما بین الفأرة والسنّور إلی الشاة فقال : کل ذلک یقول : « سبع دلاء » (4) حتی بلغت الحمار والجمل فقال : « کرّ من ماء ».

السند

ما تقدم منه لا حاجة إلی إعادته ، وأحمد المطلق فیه هو ابن عیسی

البئر یقع فیها البعیر أو الحمار أو ما اشبههما أو یصب فیها الخمر

اشارة

ص: 268


1- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « رض ».
2- بدل ما بین القوسین فی « رض » و « فض » ما یمکن أنّ یقرأ : التعبیر ، أو : التغیّر.
3- الکافی 3 : 5 / 1 ، التهذیب 1 : 244 / 705 ، الوسائل 1 : 176 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 21.
4- فی الاستبصار 1 : 34 / 91 زیادة : قال.

علی الظاهر ، کما قدمناه أیضاً (1) ، وأبوه غیر موثق ، واحتمال أحمد بن محمد بن خالد بعید.

وعمر بن یزید کأنّه ابن محمّد بن یزید الذی ذکره النجاشی (2) ، والشیخ ذکر عمر بن یزید مکرراً (3) ، وفیهم غیر موثق ، ومع الاتحاد لا إشکال ، أمّا مع التغایر فلا یبعد الاتحاد فیمن ذکره الشیخ ویکون هو الثقة ، ویظهر من العلاّمة الاتحاد السابق (4) ، وقد أوضحت الحال فیما أفردته فی الرجال.

وأمّا عمرو بن سعید بن هلال فقد قال المحقق فی المعتبر بعد ذکر الروایة رادّاً لها : إنّه فطحی (5) ؛ وتبعه العلاّمة فی المنتهی والمختلف (6) ، والشهید فی الذکری (7).

وفیه نظر ؛ لأنّ الذی ذکر فی کتب الرجال من طریق ضعیف أنّه فطحی : عمرو بن سعید المدائنی من أصحاب الرضا علیه السلام ، وهذه الروایة عن الباقر علیه السلام ، والراوی عن عمرو بن سعید کما تری عمر بن یزید ، وهو من أصحاب الصادق والکاظم علیهماالسلام ، لکن لا یخفی أنّ الردّ للروایة علی کل حال حاصل بجهالة الرجل.

محمد بن عیسی غیر موثق
بحث حول عمر بن یزید
بحث حول عمرو بن سعید بن هلال

ص: 269


1- راجع ص 196.
2- رجال النجاشی : 283 / 751 ، وص 286 / 763.
3- رجال الطوسی : 251 / 450 ، 457 ، 458.
4- خلاصة العلاّمة : 119 / 1.
5- المعتبر 1 : 58.
6- المنتهی 1 : 12 ، المختلف 1 : 31.
7- الذکری 1 : 92.

المتن :

قوله : ما بین الفأرة ، یحتمل أنّ تکون الفأرة غیر داخلة ، وکذلک السنّور ، إلاّ أنّ الفأرة قد سبق فی الأخبار أنّ لها سبعاً ، فدخولها لا مانع فیه ، وکونه یوجب السبع فی السنّور لا ضیر فی ذلک ؛ فإنّ الصدوق قال : إنّه روی فی السنّور سبع دلاء (1). وکأنّه فهم هذا من الروایة ، أو هو موجود فی غیرها.

أما الشاة فالظاهر خروجها ، ویحتمل دخولها لتصریح الصدوق فی المقنع بأنّ لها سبع دلاء (2).

ویحتمل خروج الفأرة والسنّور والشاة والسؤال حینئذٍ عما بینها ، لوجود المعارض فی الجمیع ، أمّا الفأرة فستأتی الأخبار (3) فیها ، وأمّا الشاة فستأتی الروایة الدالة علی التسع والعشر (4) ، والسنّور سیأتی فی روایة أنّ له خمس دلاء (5) ، وفی روایة اخری أنّ للسنّور عشرین أو ثلاثین ، وفی روایة غیر ذلک (6) ، وسیأتی الکلام فی ذلک إنّ شاء الله تعالی ، وإنّما الغرض هنا بیان الاحتمال.

وأمّا الحمار والجمل فمقتضی الروایة الکرّ من الماء ، وحکم الحمار معروف بین الأصحاب ، بل قال الوالد قدس سره : إنّه لا یعلم فیه خلافاً ، وفی

ص: 270


1- الفقیه 1 : 12.
2- المقنع : 10.
3- فی ص 270 ، 280.
4- فی ص 214.
5- فی ص 275.
6- فی ص 270 ، 280.

المنتهی أنّه مذهب أکثر الأصحاب (1).

وفی المعتبر نسبه إلی الشیخین والمرتضی وابنی بابویه وأتباعهم ، قال : والمستند روایة عمرو بن سعید عن أبی جعفر علیه السلام ، وإنّ ضعف سندها فالشهرة تؤیّدها ، فإنّی لم أعرف من الأصحاب رادّاً لها فی هذا الحکم.

والطعن فیها بالتسویة بین الحمار والجمل غیر لازم ؛ لأنّ حصول التعارض فی بعض مدلولها لا یُسقِط استعمالها فی الباقی ، قال : وقد أجاب بعض الأصحاب بأنّه من الجائز أنّ یکون الجواب وقع عن الحمار دون الجمل ، إلاّ أنّ هذا ضعیف ؛ لأنّه یلزم منه التعمیة فی الجواب وهو ینافی حکمه المجیب (2). انتهی.

ولقائل أنّ یقول : إنّ التعمیة التی أوردها علی المجیب بعینها ترد علیه.

إلاّ أنّ یقال : إنّ مع وجود المعارض یحتمل أنّ یکون السائل فهمه وقت الحاجة بخلاف الجواب عن البعض.

وفیه : أنّ احتمال فهم السائل بقرینة ممکن أیضاً.

ثم لا یخفی أنّ فی نسبة المحقق القول إلی المذکورین ثم قوله : إنّه لا یعرف الخلاف بین الأصحاب ، تدافعا.

( ویمکن التسدید بأنّ المنقول عنهم وقع التصریح منهم بالقول ، وغیرهم لم یصرّح بردّ الروایة ولم یقل بمضمونها ، فتأمّل ) (3).

ص: 271


1- المنتهی 1 : 13.
2- المعتبر 1 : 61.
3- ما بین القوسین ساقط من « رض » و « فض ».

قوله :

فأمّا ما رواه محمّد بن یعقوب ، عن أحمد بن إدریس ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسکان ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا سقط فی البئر شی ء صغیر فمات فیها فانزح منها دلاء ، وإنّ وقع فیها جنب فانزح منها سبع دلاء ، وإنّ مات فیها بعیر أو صب فیها خمر فلینزح الماء کله ».

وما رواه الحسین بن سعید ، عن النضر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إنّ سقط فی البئر دابّة صغیرة أو نزل فیها جنب نزح منها سبع دلاء ، وإنّ مات فیها ثورٌ أو صبّ فیها خمرٌ نزح الماء کله ».

فما تضمن هذان الخبران من وجوب نزح الماء کله عند وقوع البعیر هو الذی أعمل علیه وبه افتی.

ولا ینافی ذلک الخبر الأول من قوله : « کرّ من ماء » عند سؤال السائل عن الحمار والجمل ؛ لأنّه لا یمتنع أنّ یکون علیه السلام أجاب بما یختص حکم الحمار ، وعوّل فی حکم الجمل علی ما سمع منه من وجوب نزح الماء کله.

فأمّا الخمر فإنّه ینزح ماء البئر کلها إذا وقع فیها شی ء منه علی ما تضمن الخبران.

السند

فی الأول لیس فیه ارتیاب ، وابن مسکان هو عبد الله ، والحلبی هو

ص: 272

محمّد بن علی ، والراوی عنه فی النجاشی ابن مسکان (1).

وکون ابن مسکان عبد الله لتصریح النجاشی أیضاً بأنّ عبد الله بن مسکان أکثر روایته عن محمّد الحلبی (2) ، وبالجملة لا ارتیاب عند الممارس فی ذلک.

وفتح باب الاحتمالات فی إطلاق الحلبی وإطلاق ابن مسکان سدّه أولی بعد ما ذکرناه.

وفی الثانی أیضاً معلوم مما تقدّم (3) ، والنضر هو ابن سوید ؛ لأن الراوی عنه الحسین بن سعید علی ما فی الفهرست (4).

المتن :

مجمل فی الأول فی الشی ء الصغیر وفی الدلاء ، إلاّ أنّ المعروف فی الدلاء الحمل علی الثلاثة ؛ لأنّها المتیقّن وسیأتی فیها کلام.

وما تضمنه الثانی من أنّ الدابّة الصغیرة ینزح لها سبع دلاء یحتمل أنّ یقیّد به الدلاء والشی ء الصغیر ، إلاّ أنّ فیه ما فیه. وحینئذٍ یحتمل الاستدلال بالأوّل علی غیر ما یختص بالدلیل فی الأشیاء الصغیرة ، بل وبالثانی أیضاً فی الدابّة الصغیرة ؛ فإنّ الظاهر إرادة العموم من الدابّة فی المقام ، إلاّ أنّ الفائدة فی هذا هیّنة کما یعلم من أخبار البئر.

ثم إنّ الخبر الأوّل صریح فی نزح الجمیع للبعیر ، فیخالف ما تقدّم ،

الحلبی وابن مسکان عند الإطلاق

ص: 273


1- رجال النجاشی : 325 / 885.
2- رجال النجاشی : 214 / 559.
3- راجع ص 69 71 ، 185 ، 117.
4- الفهرست : 171 / 750.

وأمّا الثانی فلا أدری وجه المخالفة فیه.

وقد صرّح الشیخ کما تری بأنّ الخبرین تضمنا وجوب نزح الجمیع للبعیر ، مع أنّ الثانی إنّما فیه الثور ، وکأنّ الشیخ رأی أن الثور إذا ثبت له الجمیع فللبعیر بطریق أولی ، لزیادة البعیر بکِبَر الحجم.

والنظر فیه واضح ؛ لأنّا لو سلّمنا حجیّة المفهوم فالمنطوق إذا دل علی الکرّ صریحاً لا سبیل معه علی الاستدلال بالمفهوم.

وفی التهذیب رواه بزیادة ، وهی لفظ « ونحوه » بعد قوله : « فیها ثور » (1) ویحتمل أنّ تکون سقطت سهواً من قلم الشیخ أو الناسخ ، والشیخ بناؤه علیها والإشکال فی ذلک أیضاً علی نحو ما قدمناه.

وأمّا ما ذکره المحقق سابقاً عن بعض الأصحاب (2) فکأنّه عنی به الشیخ ، وقد عرفت ما یتوجه علی المحقق ، ویتم به کلام الشیخ فی الجملة.

وربما یقال : إنّ الحدیث الثانی لا معارضة فیه کما سمعت.

والأول ، وإنّ کان یقتضی المعارضة إلاّ أنّ فیه احتمالاً وهو أنّ یکون قوله : « أو مات فیها بعیر أو صب فیها خمر » شکاً من الراوی فی أیّ اللفظین وقع ، والواقع إنّما هو الخمر.

وهذا الاحتمال وإنّ بَعُد لیس بأبعد من تأویلات الشیخ ، ولو لم یعمل إلاّ بالصحیح فالمعارض المتقدّم مطروح ، ویزول تکلّف القول.

وکذلک علی تقدیر القول باستحباب النزح وقبول الحدیث الأول لا مانع من استحباب الجمیع ، علی معنی أنّه الأکمل وإنّ استحب

ص: 274


1- التهذیب 1 : 241 / 695 ، الوسائل 1 : 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.
2- راجع ص 255.

الکرّ.

وما قاله الشیخ رحمه الله : من دلالة الخبرین علی الخمر وأنّه ینزح ماء البئر کلها إذا وقع فیها شی ء منه.

ففیه نظر واضح ؛ لأنّ مضمون الروایتین انصباب الخمر ، فلا یتناولان قلیله.

وقد فرّق الصدوق فی المقنع فحکم بأنّه ینزح للقطرة من الخمر عشرون (1) ، وهو مروی عن زرارة وکردویه کما یأتی (2).

ویظهر من المحقق فی المعتبر المیل إلی العمل بالروایتین فی القطرة ، والفرق ببینها وبین الصب (3).

وما ناقشه به العلاّمة فی المنتهی : من أنّ الروایة یعنی روایة زرارة اشتملت علی حکم التغیر کما ستسمعه (4) ومن المستبعد بل المحال حصول التغیّر من القطرة ، ومن أنّه لم یفرّق أحد من أصحابنا بین قلیل الخمر وکثیره إلاّ من شذّ (5).

لا یخفی علی المتأمّل عدم ورود ما ذکره :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الروایة قد تضمنت غیر الخمر ، والتغیّر المذکور فیها لا یختص بالخمر حینئذٍ.

وأمّا ثانیاً : فالإجماع إذا لم ینعقد لا تضرّ المخالفة ، وهذا واضح.

أمّا ما تضمنته الروایتان من حکم الجنب إذا سقط فی البئر وإذا نزل -

حکم البئر إذا دخل فیها الجنب

ص: 275


1- المقنع : 11.
2- فی ص 266.
3- المعتبر 1 : 58.
4- الآتی فی ص 267 و 268.
5- المنتهی 1 : 12.

فالظاهر منه أنّ مجرد ذلک هو السبب فی نزح السبع ، ولعله لحصول النفرة من الماء بواسطة کونه جنباً ، واحتمال کون البدن غیر خال من النجاسة ، وللأصحاب فی هذا اضطراب ، ومجال القول فیه واسع ، وقد ذکرنا ما لا بُدّ منه فی حاشیة التهذیب ، غیر أنّا نذکر هنا جملة من المقال.

فاعلم أنّ الذی وقفت علیه من الروایات غیر هاتین الروایتین صحیح محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « إذا دخل الجنب البئر ینزح منها سبع دلاء » (1).

وروایة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یدخل البئر فیغتسل فیها (2) ، قال : « ینزح منها سبع دلاء » (3).

والأخبار کما تری لیس فیها قید الاغتسال إلاّ فی الأخیرة.

وبعض الأصحاب حمل الأخبار الخالیة من القید علی الاغتسال ؛ لأنّها مطلقة والأخیرة مقیّدة (4).

وفیه : أنّه لا منافاة تدعو إلی الجمع بل الغسل من أفراد العام ، مضافاً إلی حال أبی بصیر وغیره أیضاً ، هکذا ذکره الوالد قدس سره - (5).

وقد یقال : إنّ الجمع بین المطلق والمقید لو اشترط فیه المنافاة لم یتم الحکم فی کثیر من مسائل المطلق والمقید ؛ فإنّ الأمر بعتق رقبة ثم الأمر بعتق رقبة مؤمنة مع اتحاد المورد یوجب حمل المطلق علی المقید مع عدم المنافاة ؛ لأنّ المؤمنة أحد الأفراد ، ولو لوحظ أنّ المؤمنة تقتضی عدم

ص: 276


1- التهذیب 1 : 244 / 704 ، الوسائل 1 : 195 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 2.
2- فی « د » : منها.
3- التهذیب 1 : 244 / 702 ، الوسائل 1 : 195 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.
4- کالشهید الثانی فی روض الجنان : 154.
5- معالم الفقه : 68.

إجزاء غیرها فینافی المطلق ، یقال فیما نحن فیه کذلک.

والجواب : أنّ ما نحن فیه من کلام السائل ، وهو فرد من أفراد العام قد سئل عنه فأجاب علیه السلام عنه بما یوافق العام ، بخلاف ما إذا تضمن الجواب التقیید المقتضی لنفی ما عداه ؛ فإنّ المنافاة حاصلة.

وربما یقال : إنّ التقیید بوصف لا یقتضی النفی عمّا عداه عند البعض ، فکیف یطلق القائل بذلک وغیره الحکم فی المطلق والمقید؟ بل ذِکر الحکم فیهما قرینة علی أنّ مفهوم الوصف حجّة ، واحتمال أنّ یکون ذکر الوصف لغیر النفی عما عداه یقتضی عدم المنافاة المقتضیة لعدم جواز حمل المطلق علی المقید.

( ولم أَرَ من تنبّه لهذا من الأُصولیین مع ظهور التنافی بین الأمرین ، وإنّما ذکرنا ما قلناه بالعارض ، وإنّ لم یکن ما نحن فیه من مواد الإشکال ، بل هو ) (1) من حیث سؤال السائل عن بعض أفراد المطلق ، وهذا لا یوجب حمل المطلق علیه.

نعم ربما یدل علی خصوص الاغتسال صحیح عبد الله بن أبی یعفور الآتی ، وستسمع القول فیه إنّ شاء الله تعالی (2).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ للأصحاب خلافاً فی أنّ نزح السبع للجنب هل هو لسلب الطهوریة ، أم لنجاسة البئر ، أم هو تعبّد ، أم هو مستحب؟ ذهب إلی کلّ قائل.

واعترض شیخنا قدس سره علی القول الأوّل : بأنّ قصاری ما تدل علیه

ص: 277


1- بدل ما بین القوسین فی « د » : وتحقیق الجواب عن هذا محلّه الأُصول فإنّ ما نحن فیه لیس من هذا القبیل بل.
2- انظر ج 3 : 173. لم نعثر علی غیره.

الأخبار وجوب النزح ، وهو أعم من عدم الطهوریة ، وبأنّ ذلک إنّما یتم لو کان الحکم معلّقاً علی الاغتسال (1) ، وبأنّ المحقق صرح فی نکت النهایة (2) وغیره بأنّ الماء الذی ینفعل بالاستعمال عند من قال به إنّما هو القلیل غیر الجاری فیکون هذا مخالفاً لما یقول به المحقق فی المعتبر من سلب الطهوریة (3).

ولقائل أنّ یقول : إنّ الجواب عن الأخیر غیر سهل بعد معرفة أحکام البئر ، غیر أنّه موقوف علی الدلیل ، فالمطالبة به کافیة ، وأمّا بقیة الإشکالات فوجه الأوّل ظاهر.

وأمّا الثانی : فقد سمعت القول فیه غیر أنّه ینبغی أنّ یعلم أنّ الخلاف أیضاً واقع فی صحة الغسل من الجنب یرتفع عنه الحدث بناء علی انّ الحکم معلق علی الاغتسال ، والمنقول عن الشیخ القول بعدم ارتفاع الحدث به (4).

وناقشه العلاّمة بأنّ المقتضی لسلب الطهوریة عن الماء تحمّله للنجاسة الحکمیة عن الجنب ، وهو إنّما یحصل بارتفاع حدث الجنابة (5) ، واستحسن الوالد قدس سره هذه المناقشة (6).

وقد یقال : إنّ غرض الشیخ بیان سبب النهی ، وهو سلب الطهوریة عن الماء ، والنهی إنّما یقتضی الفساد مع العلم به ، وهو غیر لازم لکل

ص: 278


1- مدارک الأحکام 1 : 88.
2- نکت النهایة 1 : 232.
3- المعتبر 1 : 88.
4- المبسوط 1 : 12.
5- المختلف 1 : 55.
6- منتقی الجمان 1 : 58.

أحد ، إذ یجوز وقوع الغسل من الجاهل وذلک کاف ، وفیه نوع تأمّل ، إلاّ أنّ باب التسدید واسع ، وفی المقام أبحاث طویلة ذکرتها فی حاشیة التهذیب ولعل فی هذا القدر کفایة.

قوله :

ویؤیّد ذلک ما رواه محمّد بن علی بن محبوب ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی البئر یبول فیها الصبی أو یصب فیها بول أو خمر ، قال : « ینزح الماء کله ».

فما تضمن هذا الخبر من ذکر البول مع الخمر محمول علی أنّه إذا تغیّر أحد أوصاف الماء ، لأنّه إذا لم یتغیّر فإنّ له قدراً بعینه ینزح علی ما نبیّنه فیما بعد.

السند

واضح لیس فیه ارتیاب بعد ملاحظة ما قدّمناه من الطریق إلی محمّد بن علی بن محبوب.

المتن :

ظاهر فی انصباب الخمر ، وقد ذکرنا سابقاً حقیقة الحال فیه ، أمّا هذا الحدیث فالإشکال فیه من جهة البول من الصبی قوی ، والحمل علی التغیّر یضر بحال تأیید الخبر لمطلوب الشیخ فی الخمر ، لأنّ مع التغیّر یخرج عن محل الاستدلال ، ولو خصّ بالتغیّر من جهة بول الصبی فقط کان أشدّ

حکم البئر إذا یقع فیها بول الإنسان

ص: 279

إشکالاً ، إلاّ أنّ یجاب عن ذلک بنحو ما قدمناه (1) عن إیراد المحقق علی الشیخ وإنّ کان متکلفاً.

وینبغی أنّ یعلم أنّ أکثر الأصحاب [ فرّقوا ] (2) فی نزح الأربعین للبول بین الرجل والمرأة نظراً إلی اختصاص روایة علی بن أبی حمزة بالرجل ، وهی معتمدهم ، وابن إدریس ساوی بینهما فی الأربعین محتجاً بتناول لفظ الإنسان لها (3).

والمحقق اعترض علیه بأنّا (4) نسلّم تناول الإنسان لها (5) ونطالبه بالدلیل المعلق علی بول الإنسان.

والعلاّمة فی المختلف نقل عن ابن إدریس أنّه قال : وإنّما أوجبنا الأربعین لأنّ الأخبار المتواترة عن الأئمة وردت بأن ینزح لبول الإنسان أربعون (6) ، وهو یطلق علی الذکر والأنثی ، ثم قال العلاّمة : وما أدری الأخبار المتواترة التی ادّعاها (7) ، وکذلک فی المنتهی (8) أنکر ذلک ، وفی التحریر قال : والأقرب عدم الفرق بین الذکر والأُنثی (9).

وهذا کله ممّا یوجب التعجب ، غیر أنّه یمکن أنّ یقال : إنّ الأحکام الشرعیة المتعلقة بالرجال لا تختص بهم إلاّ فیما ثبت التخصیص ، وفیه أنّ

ص: 280


1- فی ص 255.
2- فی النسخ : لم یفرّقوا ، والظاهر ما أثبتناه.
3- السرائر 1 : 78.
4- فی النسخ یوجد : لا ، حذفناها لاستقامة المعنی.
5- المعتبر 1 : 68 ، وفیه : ونحن نسلم أنها إنسان.
6- المختلف 1 : 44.
7- المختلف 1 : 44.
8- المنتهی 1 : 15.
9- تحریر الاحکام 1 : 5.

عدم الفرق إنّما هو للإجماع علی عدم الفرق ، ولا إجماع فی موضع النزاع ، واحتمال أنّ یقال : إنّ الفرق یحتاج إلی الدلیل محل کلام.

ثم الفارقون اختلفوا : فالمحقق فی المعتبر أُوجب لها نزح ثلاثین لروایة کردویه الآتیة (1) ، وجماعة ألحقوها بما لا نص فیه (2) ، والوالد قدس سره قال : وعلی ما ذکرناه من العمل بروایة معاویة بن عمار ومحمّد بن إسماعیل لا فرق بینهما لإطلاق البول فی الروایتین (3) ، وعنی بروایة معاویة الروایة المبحوث عنها ، ( وبروایة محمّد بن إسماعیل ما رواه صحیحاً من نزح الدلاء للقطرات من البول.

وأنت خبیر بما فی الروایة المبحوث عنها ) (4) من الإشکال إذا عمّم البول للرجل والمرأة ، بعد معارضة روایة علی بن أبی حمزة المؤیّدة بالشهرة المتضمنة للأربعین لبول الرجل ، لکن الوالد قدس سره لا یلتفت إلی الشهرة مع ضعف الروایة ، وأمّا روایة محمّد بن إسماعیل فهی مشتملة علی القطرات ، فإطلاق المساواة للرجل إنّ کان فی القطرات أمکن توجیهه ، وإن حصل ارتیاب فی الجملة من حیث إمکان تناول الصبّ للقطرات ، إلاّ أنّ التسدید لیس بالبعید ، وإنّ أُرید بالمساواة فی مطلق البول ففیه نظر واضح ، فلیتأمّل فی المقام.

قوله :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن محمّد بن زیاد ، عن کردویه

ص: 281


1- المعتبر 1 : 68.
2- منهم المحقق الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 142 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 1 : 38 ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 1 : 272.
3- معالم الفقه : 54.
4- ما بین القوسین لیس فی « رض ».

قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن البئر یقع فیها قطرة من (1) دم أو نبیذ مسکر أو بول أو خمر؟ قال : « ینزح منها ثلاثون دلواً ».

وما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أبی إسحاق ، عن نوح ابن شعیب الخراسانی ، عن بشیر ، عن حریز ، عن زرارة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : بئر قطر فیها قطرة دم أو خمر ، قال : « الدم والخمر والمیت ولحم الخنزیر فی ذلک کله واحد ینزح منه (2) عشرون دلواً ، فإنّ غلب الریح نزحت حتی تطیب ».

فإنّ هذین الخبرین غیر معمول علیهما ، لأنهما من أخبار آحاد لا یعارض بهما الأخبار التی قدّمناها ، ولأنّ النجاسة معلومة بحصول الخمر فیها ، ولیس یعلم (3) یقیناً طهارتها إلاّ بنزح جمیع ماء البئر فینبغی أنّ یکون العمل علیه ، ویحتمل أنّ یکون الخبر مختصاً بحکم البول ، لأنّ بول الرجل یوجب نزح أربعین دلواً علی ما بیّناه فی کتاب (4) تهذیب الأحکام (5) وکذلک حکم الدم والمیتة ولحم الخنزیر فیکون اضافة الخمر إلی ذلک وهماً من الراوی.

السند

فی الأوّل محمّد بن زیاد مشترکة بین جماعة مهملین ، وبعض موثق (6).

محمد بن زیاد مشترک

ص: 282


1- فی الاستبصار 1 : 35 / 95 لا یوجد : من.
2- الإستبصار 1 : 35 / 96 فی « ج » : منها.
3- فی الاستبصار 1 : 35 / 96 ذ. ح : نعلم.
4- فی الاستبصار 1 : 35 / 96 ذ. ح لا یوجد : کتاب.
5- التهذیب 1 : 243 / 700 ، الوسائل 1 : 181 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 2.
6- هدایة المحدثین : 237.

وکردویه مجهول الحال ، وقد اعترف بذلک بعض الأصحاب (1) ، وما یحکی عن الشهید : من أنّ کردویه هو مسمع کردین (2). لم یثبت ، وعلی تقدیره لم أعلم توثیق مسمع علی وجه یعتمد علیه.

وفی الثانی أبو إسحاق وهو مشترک بین مهمل وموثق (3) ، ونوح بن شعیب الخراسانی غیر مذکور فی الرجال ، بل فیهم ابن شعیب البغدادی مهملاً.

المتن :

فی الأول : قد تقدم احتمال الاختصاص بالقطرة من المذکورات فی الروایة ، غایة الأمر أنّ بول الصبی فی القطرة منه نوع إشکال ، لأنّ بوله فی الخبر السابق له دلاء ، فکیف یکون للقطرة منه عشرون (4). ولعل بول الصبی خُصّ ، إلاّ أنّ یقال : إنّ الخبر الدال علی الجمیع لبول الصبی کما فی الخبر القریب یناسب کون ما تضمنه هذا الخبر للقطرة منه ، إلاّ أنّ ذلک الخبر مجمل المرام ، کما تقدم فیه الکلام ، هذا بتقدیر العمل بالخبر المبحوث عنه ، وبدونه فالأمر سهل.

وأمّا الثانی : فالأمر فیه واضح الإشکال نظراً إلی أنّ السؤال عن القطرة ، فیحتمل أنّ یکون الجواب مقیّداً بها فی الدم والخمر ، أمّا المیت فلا وجه لها فیه إلاّ بتکلّف إرادة القطعة الصغیرة ، وفیه ما فیه ، وقد تقدم إیراد العلاّمة علی المحقق فی هذا الخبر وجوابه (5).

کردویه مجهول الحال
أبو إسحاق مشترک
نوح بن شعیب الخراسانی غیر مذکور فی الرجال

ص: 283


1- کالعلاّمة فی المختلف 1 : 34 ، الشهید الثانی الروضة البهیة 1 : 39.
2- حکاه عنه فی الحاوی 4 : 331.
3- هدایة المحدثین : 270.
4- هکذا فی النسخ والظاهر : ثلاثون.
5- فی ص 255 256.

وکلام الشیخ هنا لا یخلو من نظر فی مواضع :

الأوّل : أنّه قد سبق منه ما یقتضی أنّ الخبر لا یردّه مع إمکان التأویل ، والتأویل هنا مذکور ، ومراده بخبر الآحاد ( هنا غیر المحفوف بالقرائن کما هو واضح ، ولعلّ الکلام السابق إنّما هو فی الردّ بالطعن فی الإسناد من جهة الرجال لا من جهة کونه ) (1) غیر محفوف بالقرائن. وفیه تکلّف.

الثانی : قوله : إنّ النجاسة معلومة بحصول الخمر. فیه أنّ النجاسة بتقدیر تسلیمها لا تبقی بعینها بعد نزح ما ورد فی الأخبار إنّ کان العمل بها مسلّماً ، والاحتیاج إلی الیقین فی الطهارة محل بحث ، بل رفع یقین النجاسة یحتمل الاکتفاء به ، کما سبق فیه کلام ، ویؤیّده أنّا لو اعتبرنا الیقین فی الطهارة نافی ما صرح به الشیخ فی هذا الکتاب والتهذیب من بعض الأخبار وإنّ کان فی التهذیب له کلام شبه (2) هذا (3) ، وذکرنا ما لا بُدّ (4) فیه فی حاشیته ، اللهم إلاّ أنّ یقال : إنّ یقین النجاسة یتوقف علی ما أعدّه الشارع ، ولم یعلم من الأوّل ، وفیه ( ما لا یخفی بعد ) (5) ما قدّمناه.

الثالث : قوله : ویحتمل أنّ یکون الخبر مختصاً. یحتمل أنّ یرید به الخبر الأوّل ، إذ الثانی لا ذکر للبول فیه.

ثم إنّ أراد بالاختصاص خروج بول الرجل منه لاختصاصه بالأربعین والخبر قد تضمن الثلاثین أمکن ، إلاّ أنّ فیه عدم وجه اختصاص الرجل بل

ص: 284


1- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
2- فی « فض » بسند.
3- التهذیب 1 : 242.
4- ما بین القوسین لیس فی « فض » و « د ».
5- ما بین القوسین لیس فی « رض ».

الصبی کذلک ، علی أنّ العبارة لا تساعد علی هذا ، وإنّ أراد أنّ القطرة من بول الرجل لها (1) ثلاثون ، لأنّ لبوله أربعین ویحصل الجمع فالحکم فی الخمر کذلک ، نظراً إلی إمکان الفرق أیضاً ، وإنّ أراد اختصاص الجواب بالبول وذکر غیره وهمٌ من الراوی کما ( نبّه ) (2) علیه آخر الکلام. فلا وجه له.

هذا إذا رجع إلی الأوّل ، وإنّ رجع إلی الأخیر علی معنی أنّ الروایة وقع السؤال فیها عن البول وهو بول الرجل ، والوهم فی الخبر من الراوی ، فالحدیث لیس فیه نزح الأربعین وخصوص بول الرجل لا وجه له.

وقوله : وکذلک حکم الدم. غیر واضح المرام فیه ، وفیه احتمالات وهو أعلم بمراده قدس سره ، ولو لا خوف صرف الوقت فیما لا ینفع ذکره لأطلت المقال علی حسب مقتضی الحال.

بقی شی ء : وهو أنّ ظاهر کلام الشیخ فی التوجیه أنّه قائل بنجاسة البئر بالملاقاة ، فیشکل ما نقلناه عن الوالد قدس سره سابقاً ، ولعل مراد الشیخ بالنجاسة عدم صحة العبادة مع عدم النزح حال العلم بوجوب النزح ، وفیه تکلف ظاهر.

قوله :

باب البئر یقع فیها الکلب والخنزیر وما أشبههما

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن القاسم ، عن علی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفأرة تقع فی البئر؟ قال : « سبع

البئر یقع فیها الکلب والخنزیر وما أشبههما

اشارة

ص: 285


1- فی « رض » : بها.
2- فی « رض » ینبّه.

دلاء » قال : وسألته عن الطیر والدجاجة تقع فی البئر؟ قال : « سبع دلاء ، والسنّور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلواً والکلب وشبهه ».

وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفأرة تقع فی البئر أو الطیر؟ قال : « إنّ أُدرکت قبل أنّ ینتن نزحت منه سبع دلاء ، وإنّ کانت سنّوراً أو أکبر منه نزحت منه ثلاثین دلواً أو أربعین دلواً ، وإنّ أنتن حتی یوجد ریح النتن فی الماء نزحت البئر حتی یذهب النتن من الماء ».

السند

فی الأوّل القاسم ، وهو ابن محمّد الجوهری بغیر ارتیاب عند الممارس ، وعلی تقدیر توهّم الاشتراک (1) فدفعه بتصریح النجاشی (2) بروایة الحسین بن سعید عنه ، وکذلک الشیخ (3) فی رجال من لم یرو عن الأئمّة علیهم السلام ، والقاسم بن عروة فی النجاشی (4) أنّ الحسین بن سعید یروی عنه بواسطة النضر ، وما فی الفهرست (5) من روایة الحسین عنه بغیر واسطة أظنّه سهواً ، علی أنّ القاسم بن عروة لا یفید صحة الحدیث علی ما أظنّه کالقاسم ابن محمّد ، وإنّ فارقه من جهة القول بالوقف فی القاسم بن محمّد من الشیخ ، وکلام النجاشی خال من ذلک.

وعلیٌّ هذا ابن أبی حمزة البطائنی ، والقول فی تعینه کالقاسم ،

بحث حول القاسم بن محمد الجوهری والقاسم بن عروة

ص: 286


1- هدایة المحدثین : 132.
2- رجال النجاشی : 315 / 862.
3- رجال الطوسی : 490 / 5.
4- رجال النجاشی : 314 / 860.
5- الفهرست : 127 / 566.

وتصریح الشیخ فی الفهرست بروایة القاسم عن علی بن أبی حمزة وإنّ لم یفد ذلک لکنه مؤید فی الجملة.

وأمّا السند الثانی فحاله معلوم مما تقدم.

المتن :

دلالة الأول علی السبع فی الفأرة ظاهرة ، والمعارض موجود کما تقدّم ویأتی ، وکذلک دلالته علی الطیر والدجاجة ، وذکر جدّی قدس سره ان الطیر الحمامة فما فوقها (1). وقیل : إلی النعامة ، ودلالته علی أنّ للسنّور والکلب أحد الثالثة ظاهرة (2) ، وذکر الشیخان (3) من الشبه الخنزیر والثعلب والشاة والغزال ، واستدل فی التهذیب (4) بهذه الروایة ، وللکلام مجال واسع ، وسیأتی بقیة القول بعد ذکر المعارض.

وأمّا دلالة الخبر الثانی فهی ظاهرة أیضاً من وجه مجملة من وجه ، ومشقّة القول فیها مع عدم الصحة لا طائل تحتها ، غیر أنّه ینبغی أنّ یعلم أن مفاد الخبر الثانی الاکتفاء بزوال النتن ، والشیخ یقول بنزح الجمیع ، فهو مخالف له ، ولعلّ الشیخ یقول : إنّه مطلق وغیره ممّا دلّ علی نزح الجمیع مقید. وفیه ما فیه.

قال : فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أُذینة ، عن زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وبرید بن معاویة العجلی ، عن

ص: 287


1- الروضة البهیة 1 : 40.
2- کما فی قواعد الاحکام 1 : 187 ، ومجمع الفائدة والبرهان 1 : 273.
3- المفید فی المقنعة : 66 ، والشیخ فی النهایة : 6.
4- التهذیب 1 : 235 / 680.

أبی عبد الله وأبی جعفر علیهماالسلام ، فی البئر یقع فیها الدابّة والفأرة والکلب والطیر فیموت ، قال : « یخرج ثم ینزح من البئر دلاء ثم اشرب(1) وتوضّأ ».

وعنه ، عن القاسم ، عن أبان ، عن أبی العباس الفضل البقباق قال : قال أبو عبد الله علیه السلام فی البئر تقع فیها الفأرة أو الدابّة أو الکلب أو الطیر فیموت قال : « یخرج ثم ینزح من البئر دلاء ثم یشرب منه ویتوضّأ ».

وروی سعد بن عبد الله ، عن أیوب بن نوح النخعی ، عن محمّد بن أبی حمزة ، عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی بن جعفر 8 قال : سألته عن البئر یقع فیها الحمامة أو (2) الدجاجة أو الفأرة أو الکلب أو الهرة؟ فقال : « یجزؤک أنّ تنزح منها دلاء فإنّ ذلک یطهّرها إنّ شاء الله ».

فالوجه فی هذه الأخبار أحد شیئین : إمّا أنّ یکون (3) أجاب عن حکم بعض ما تضمّنه السؤال من الفأرة والطیر وعوّل فی حکم الباقی علی المعروف من مذهبه أو غیره من الأخبار التی شاعت عنهم علیهم السلام .

والثانی أنّ لا یکون فی ذلک تناف ، لأنّ قوله : ( منها دلاء ) (4) جمع الکثرة ، وهو ما زاد علی العشرة ، ولا یمتنع أنّ یکون المراد به أربعین دلواً حسب ما تضمنته الأخبار الأوّلة ، ولو کان المراد بها دون

ص: 288


1- فی الاستبصار 1 : 36 / 99 یوجد : منه.
2- فی الاستبصار 1 : 37 / 101 : و.
3- فی الاستبصار 1 : 37 / 101 یوجد : علیه السلام .
4- فی الاستبصار 1 : 37 / 101 یوجد : فإنّه.

العشر لکان جمعه یأتی علی أفعلة دون فعال ، علی أنّه قد حصل العلم بحصول النجاسة ، وبنزح أربعین دلواً یزول حکم النجاسة أیضاً ، وذلک معلوم ، وما دون ذلک طریقة أخبار الآحاد فینبغی أنّ یکون العمل علی ما قلناه (1).

السند

فی الأول لا ریب فیه علی الظاهر بین المتأخّرین ، کما أنّ الظاهر کون ابن أُذینة هو عمر بن أُذینة الذی ذکره الشیخ ووثّقه (2) بقرینة روایة ابن أبی عمیر عنه ، وما فی النجاشی من عمر بن محمّد بن عبد الرحمن بن أُذینة ولم یوثقه (3) لا یبعد اتحاده ، بل جدی قدس سره جزم به (4) ، والراوی عنه ابن أبی عمیر فی النجاشی (5) فیتأیّد الاتحاد ، واحتمال التغایر واتحاد الراوی عنهما لا یخلو من بعد.

وفی الثانی القاسم بن محمّد الجوهری وقد تقدم فیه القول (6).

وفی الثالث محمّد بن أبی حمزة والظاهر أنّه الثمالی ، وقد نقل الکشّی توثیقه عن حمدویه (7). والعلاّمة وثقه (8). والنجاشی لم یوثقه (9)

بحث حول عمر بن اُذینة
بحث حول محمد بن أبی حمزة الثمالی

ص: 289


1- فی الاستبصار 1 : 37 / 101 : قلنا ، وفی « رض » : قدّمناه.
2- رجال الطوسی : 353 / 8 ، الفهرست : 113 / 492.
3- رجال النجاشی : 283 / 752.
4- حواشی الشهید علی الخلاصة ( المخطوطة ) : 20.
5- رجال النجاشی : 283 / 752.
6- فی ص 270 ، 271.
7- رجال الکشی 2 : 707 / 761.
8- خلاصة العلاّمة : 152 / 71.
9- رجال النجاشی : 358 / 961.

واحتمال التیملی بعید مع احتمال الاتحاد.

وطریق الشیخ إلی سعد لا ارتیاب فیه ، وهو ما رواه عن الشیخ المفید عن محمّد بن علی بن الحسین ، عن أبیه.

المتن :

ظاهر فی الأوّل بالنسبة إلی المذکورات فیه جمیعاً ، والدلاء مطلقة غیر أنّ المعارض إذا وجد وکافأه أمکن التأویل ، وستسمع القول فی ذلک.

والثانی یؤیّده ، وکذلک الثالث ، إلاّ أنّ فیه دلالة بحسب ظاهره علی نجاسة البئر بالملاقاة ، فإنّ التطهیر لا یکون إلاّ للنجس ، وبه استدل القائلون بالانفعال مع غیره من الأخبار (1).

وأُجیب عنه باحتمال إرادة المعنی اللغوی من الطهارة (2).

واعترض بأنّ ثبوت الحقیقة الشرعیة یمنع من الحمل علی اللغویة (3).

وفیه نظر ، لأنّه لو سلّم ثبوت الحقیقة الشرعیة لکن الطهارة الشرعیة لا تتناول إزالة النجاسة ، وقد یقال : إنّ عدم التناول حقیقة لا یمنع المجاز ولا ریب أنّ إرادة النظافة فی المقام بعد السؤال عن التطهیر الشرعی غیر مناسب کما لا یخفی.

ویمکن الجواب بأنّ معلومیة السؤال عن المطهّر الشرعی غیر واضحة ، وفیه ما فیه.

والحقّ أنّ وجود المعارض هو الموجب للحمل علی اللغوی ، وإلاّ

طریق الشیخ إلی سعد

ص: 290


1- منهم المحقّق فی المعتبر 1 : 54 ، 55 ، والشهید فی الذکری 1 : 87.
2- المختلف 1 : 26.
3- روض الجنان : 146.

فالأمر لا یخلو من إشکال.

وما ذکره الشیخ رحمه الله محل نظر من وجوه.

الأوّل قوله : إنّ الجواب عن بعض ما تضمنه السؤال. قد تقدم توجیهه بما یدفع عنه منافاة الحکمة ، أمّا الاختصاص بالفأرة والطیر من أین علم؟ وبتقدیره فالطیر له سبع والفأرة قد اختلفت فیها الأخبار ، فالإجمال فی الدلاء إن أُحیل علی غیره کان الجمیع سواء فی الإحالة فلا وجه للتخصیص.

الثانی : قوله : إنّ دلاء جمع کثرة ، إلی آخره ، مسلّم ، لکن الجواب إمّا عن الجمیع أو عن البعض ، فإنّ کان عن الجمیع لم یستقم ما ذکره فی الدلاء ، لأنّ أقلّ جمع الکثرة أحد عشر ولا شی ء من المذکورات له هذا القدر ، وإنّ کان عن البعض وهو الکلب أمکن ، إلاّ أنّه لا وجه لتخصیصه.

فإنّ قلت : تخصیصه لأنّ غیره لا یتحقق فیه جمع الکثرة قلیله ولا کثیره.

قلت : إذا جاز إرادة الأربعین بقرینة غیره یجوز إرادة السبعة ولو مجازاً بقرینة الأخبار فی غیر الکلب ، علی أنّ باب المجاز إذا انفتح صلح الجواب عن الجمیع.

الثالث : أنّ الکلب لم یتعین له الأربعون (1) فی الخبرین السابقین.

الرابع : ما ذکره : من حصول العلم. قد تقدم فیه القول. وقوله : إنّ ما دون ذلک طریقة أخبار الآحاد. خروج عن التأویل ، فلیتأمّل.

قال :

فأما ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل

ص: 291


1- فی « رض » : لم تعین له الأربعین.

ابن دراج ، عن أبی أُسامة (1) ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الفأرة والسنور والدجاجة والکلب والطیر فقال : « إذا لم ینفسخ (2) أو (3) یتغیر طعم الماء فیکفیک (4) خمس دلاء ، وإنّ تغیّر الماء فخذ منه حتی یذهب الریح ».

فهذا الخبر أیضاً یحتمل وجهین : أحدهما : هو الذی ذکرناه فی الأخبار الأوّلة ، وهو أنّ یکون أجاب عن حکم الدجاجة والطیر ، والثانی : أنّ نحمله علی ما إذا وقع فیها الکلب وخرج منها حیاً ، فإنّه ینزح منها هذا المقدار إلی سبع دلاء ، ولیس فی الخبر أنّه مات فیها.

والذی یدل علی ذلک :

ما أخبرنی به الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمّد بن علی بن محبوب ، عن العباس بن معروف ، عن عبد الله بن المغیرة (5). قال : حدثنا جعفر علیه السلام قال : « کان أبو جعفر علیه السلام یقول : إذا مات الکلب فی البئر نزحت » وقال جعفر علیه السلام : « إذا وقع فیها ثم أُخرج (6) حیاً نزح منها سبع دلاء ».

قوله علیه السلام : « إذا مات فی البئر الکلب (7) نزحت » محمول علی أنّه یتغیّر معه أحد أوصاف الماء فإنّ ذلک یوجب نزح جمیعه ، وإذا لم یتغیّر کان الحکم فیه ما قدمناه.

ص: 292


1- فی الاستبصار 1 : 37 / 102 یوجد : زید الشحام.
2- فی الاستبصار 1 : 37 / 102 : یتفسخ.
3- فی الاستبصار 1 : 37 / 102 یوجد : لم.
4- فی الاستبصار 1 : 38 / 102 : أنّه.
5- فی الاستبصار 1 : 38 / 103 یوجد : عن أبی مریم.
6- فی الاستبصار 1 : 38 / 103 یوجد : منها.
7- فی الاستبصار 1 : 38 / 103 : إذا مات الکلب فی البئر.

السند :

فی الخبرین لیس فیه ارتیاب بعد ما قدمناه ، وأبو أسامة هو زید الشحام الثقة علی ما فی الفهرست (1) ، وللعلاّمة (2) فیه توهّم علی ما أظن ، والتصریح فی العباس بابن معروف ینبّه علی أنّ المطلق فی بعض الأخبار هو ابن معروف.

المتن :

فی الحدیث الأوّل ظاهر فی الدلالة علی الخمس دلاء فی الکلب ، وتأویل الشیخ السابق لا یتم فیه ، کما یظهر بأدنی تأمّل ، والوجه الآخر لا یوافقه ذکر الخمس ، والحمل علی التخییر وجه آخر یخالف ما سبق ، إلاّ أنّه سهل التسدید ، وقول الشیخ : إنّه لیس فی الخبر أنّه مات فیها (3). غریب.

والخبر الثانی صریح فی السبع مع الحیاة ، وحمل الشیخ النزح فیه علی التغیر ینافیه الاکتفاء فی الخبر الأوّل بذهاب الریح ، إلاّ أنّ یقال ما تقدم ، وفیه ما فیه. وبالجملة فکلام الشیخ هنا واضح الاختلال ، والله تعالی أعلم بالحال ، وفی الظنّ أنّ هذه الأخبار قرینة الاستحباب.

قال :

فأما ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن

أبو اُسامة زید الشحام ثقة

ص: 293


1- الفهرست : 71 / 288.
2- خلاصة العلاّمة : 73 / 3.
3- فی النسخ فیه ، وما أثبتناه من الإستبصار 1 : 38.

علی بن فضال ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن بئر یقع فیها کلب أو فأرة أو خنزیر ، قال : « ینزح (1) کلها ».

فالوجه فی هذا الخبر وفی حدیث أبی مریم من قوله : « إذا مات الکلب فی البئر نزحت » أنّ نحملها علی أنّه إذا تغیّر أحد أوصاف الماء من اللون أو (2) الطعم أو (3) الرائحة ، وأمّا مع عدم ذلک فالحکم ما ذکرناه.

السند

موثّق وبیانه تکرّر.

المتن :

ظاهر فی نزح البئر کلها لأحد الثلاثة غیر أنّ وجود المعارض فی الکلب والفأرة یقتضی الحمل علی الاستحباب إنّ قیل بوجوب النزح ، وعلی الأکملیة إنّ قیل بالاستحباب.

أمّا الحمل علی تغیّر الماء کما ذکره الشیخ فیشکل أوّلاً بالأخبار الدالة علی الاکتفاء بزوال التغیر ، وثانیاً إنّ الخنزیر لا معارض یوجب فیه ذلک سوی ما ظنه الشیخ من أنّه شبه الکلب ، وفیه ما فیه.

والذی یمکن أنّ یقال فیه : إنّ الخنزیر داخل فی حدیث عبد الله بن

ص: 294


1- فی الاستبصار 1 : 38 / 104 فی « د » و « ج » : ینزف.
2- فی الاستبصار 1 : 38 / 104 : و.
3- فی الاستبصار 1 : 38 / 104 : و.

سنان علی ما فی التهذیب (1) من زیادة لفظ « ونحوه » بعد الثور ، غایة الأمر أنّه قد یفرق بین صغیر الخنزیر والثور ، من حیث إنّ الثور فی صدقه علی الصغیر تأمّل لما صرّحوا به من أنّه مأخوذ من إثارة الأرض ، کما ذکرناه فی حاشیة الروضة.

ثم إنّ الخنزیر فی هذا الخبر المبحوث عنه إذا حمل علی أنّ الجمیع له وجوباً أشکل الحال فی الوجوب لما معه ، لوجود المعارض ، إلاّ ان یقال : إنّ اللفظ الدال علی نزح الجمیع یراد الوجوب والاستحباب ، ولا مانع منه بقرینة المعارض.

وإن أشکل بأنّ المستبعد إرادة ذلک فی خبر واحد أمکن دفعه بالنظائر ، ولو حمل النزح فی الخنزیر علی الاستحباب بناءً علی استحباب أصل النزح أمکن أن یقال باستعماله فی أصل الاستحباب وکماله بالنظر إلی الخنزیر وما معه ، والحال ربما کانت علی تقدیر الاستحباب أهون ، کما یعرف بالنظر الصحیح.

أمّا ما ذکره الشیخ فی حدیث أبی مریم فلم یتقدم له خبر ، إلاّ أنّه فی التهذیب (2) روی خبر ابن المغیرة عن أبی مریم ، فکأنّه سقط سهواً من قلمه قدس سره وأبو مریم عبد الغفار بن القاسم الأنصاری الثقة کما فی النجاشی (3) ، فلا یضر بالحال وجوده.

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن الحسن بن موسی

أبومریم عبد الغفار بن القاسم الأنصاری ثقة

ص: 295


1- التهذیب 1 : 241 / 695 ، الوسائل 1 : 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.
2- التهذیب 1 : 237 / 687 ، الوسائل 1 : 182 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 1.
3- رجال النجاشی : 246 / 649.

الخشّاب ، عن غیاث بن کلوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبیه : ( انّ علیاً علیه السلام کان یقول : الدجاجة ومثلها تموت فی البئر نزح (1) منها دلوان أو ثلاثة ، وإذا کانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة ).

فلا ینافی ما قدّمناه لأنّ هذا الخبر شاذّ وما قدمناه مطابق للأخبار کلها ، ولأنّا إذا عملنا علی تلک الأخبار نکون قد عملنا علی ( هذه الأخبار ، لأنها داخلة ) (2) فیها ، وإنّ عملنا علی هذا الخبر احتجنا أنّ [ تسقط ] (3) تلک جملةً ، ولأنّ العلم یحصل بزوال النجاسة مع العمل بتلک الأخبار ولا یحصل مع العمل بهذا الخبر.

السند

فیه الحسن بن موسی الخشاب ، والذی فی النجاشی : إنّه من وجوه أصحابنا مشهور کثیر العلم (4).

وغیاث بن کلوب مهمل فی الرجال ، بل له کتاب. وإسحاق بن عمار تقدم القول فیه (5).

المتن :

ظاهر الدلالة إلاّ أنّ الکلام فیه مع عدم صحة السند لا فائدة فیه.

وما قاله الشیخ من الشذوذ قد تقدم فیه کلام.

إشارة إلی حال الحسن بن موسی الخشاب
غیاث بن کلوب مهمل

ص: 296


1- فی الاستبصار 1 : 38 / 105 : ینزح.
2- کذا فی النسخ ، والأنسب : هذا الخبر لأنه داخل.
3- فی النسخ : تسقط ، وما أثبتناه من الاستبصار 1 : 39 / 105.
4- رجال النجاشی : 42 / 85.
5- فی ص 241 242.

أمّا قوله : إنّ ما قدمه مطابق للأخبار کلها. فأنت خبیر بالحال ، وقد سبق منّا نقل القول عن الصدوق فی الفقیه (1) بمدلول روایة إسحاق بن عمار ، والشذوذ ، الشیخ أعلم به ، وتقدم أیضاً فی روایة عمرو بن سعید : السبع للشاة. وأنّ الصدوق فی المقنع قائل به (2).

والعجب من المحقق أنّه رجّح العمل بروایة إسحاق بن عمار علی روایة عمرو معللاً بأنّه ضعیف (3) ، والحال أنّ الضعف مشترک ، ولعله استفاد توثیق غیاث بن کلوب.

وحکی المحقق عن الشیخین والمرتضی إیجاب نزح الأربعین للشاة ، وأنّ الشیخ احتجّ بالمشابهة للکلب ، وردّه بأنّ الاحتجاج بالمشابهة لیس بصریح فالصریح أولی (4) ، وروایة المشابهة لا یفید تفسیر الأربعین ، فما أدری الوجه فی تعیّنها ، غیر أنّ ضعف الروایة یسهل الخطب.

قال :

باب البئر یقع فیها الفأرة والوزغة والسام أبرص

أخبرنی الشیخ أبو عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد وفضالة ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفأرة والوزغة تقع فی البئر ، قال : « ینزح منها ثلاث دلاء ».

البئر یقع فیها الفأرة والوزغة والسام أبرص

اشارة

ص: 297


1- الفقیه 1 : 15.
2- المقنع : 10.
3- المعتبر 1 : 69.
4- المعتبر 1 : 69.

وعنه ، عن فضالة ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام مثله.

السند :

فی الحدیثین غنیّ عن البیان لتکرّر القول فی ذلک بحسب الإمکان.

المتن :

ظاهر فی الخبرین بالنظر إلی الثلاث دلاء ، أمّا فی الموت فربما کان ظاهراً ، ولو حمل علی کون کل منهما حیّاً أمکن دفع التنافی بحمل السبع فی الفأرة حالة الموت والثلاث مع الحیاة ، ولا بُعد فی ذلک مع الطهارة کما تقدم من أنّ الفأرة طاهرة الجسم ، إلاّ أنّ الأخبار المعتبرة تدل علی استحباب الاجتناب ، بل فیها تصریح بغَسل الثیاب إذا حصلت المباشرة فیها برطوبة ، والبئر حکمه لا یأبی ذلک ، إلاّ أنّ الظاهر ما تقدم.

اللغة :

الوزغة محرّکة سام أبرص سُمّیت بذلک لخفتها وسرعة حرکتها ، الجمع وزغ ، قاله فی القاموس (1) ، وفی المغرب قال الکسائی : وهو یخالف العقرب لأنّ له دماً سائلاً (2).

قال :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن القاسم ، عن علیّ قال

ص: 298


1- القاموس المحیط 3 : 119 ( وزغ ).
2- المغرب 2 : 248 ( وزغ ).

سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفأرة تقع فی البئر قال : « سبع » (1).

وعنه ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة قال : سألته عن الفأرة تقع فی البئر أو الطیر ، قال : « إنّ أدرکته قبل أنّ ینتن نزحت منه سبع دلاء ».

فالوجه فی هذین الخبرین أنّ نحملهما علی أنّ الفأرة إذا کانت قد تفسخت فإنّه ینزح منها سبع دلاء ، والخبران الأوّلان نحملهما علی أنّها أُخرجت قبل أنّ تنفسخ.

والذی یدل علی هذا التفصیل :

ما أخبرنی به الشیخ (2) ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن علی بن الحکم ، عن عثمان بن عبد الملک ، عن أبی سعید المکاری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا وقعت الفأرة فی البئر فتسلّخت (3) فانزح منها سبع دلاء ».

فجاء هذا الخبر مفسّراً للأخبار کلها.

السند

فی الجمیع تکرّر القول فیه ، سوی عثمان بن عبد الملک ، وأبی سعید المکاری فلم یتقدّما ، والأول مجهول الحال ، لعدم ذکره فیما رأیته من کتب الرجال ، والثانی اسمه هاشم ، وقیل : هشام بن حیان ، وهو مهمل فی الرجال (4).

عثمان بن عبدالملک مجهول
أبو سعید المکاری مهمل

ص: 299


1- فی الاستبصار 1 : 39 / 108 یوجد : دلاء.
2- فی الاستبصار 39 / 110 یوجد : رحمه الله .
3- الإستبصار 1 : 39 / 110 فی « ب » : فتفسخت.
4- کما فی رجال الطوسی : 330 / 21.

والخبر الثانی کما تری مضمر إلاّ أنّ الأمر سهل.

المتن :

ظاهر فی السبع فی الفأرة ، والأخیر مقید بالتسلّخ ، وکأنّ الشیخ فهم أنّ التسلّخ والتفسّخ متحدان ، ولا نعلم وجهه ، وقد تقدم قول فی هذا أیضاً لنوع مناسبة.

والمفید قال : وإنّ تفسخت أو انتفخت ولم یتغیر الماء بذلک نزح منها سبع دلاء (1). وفی الفقیه : وإذا تفسخت فسبع دلاء (2). وفی روایة أبی عیینة : « وإنّ تفسخت فسبع دلاء » (3).

والجمع بینها وبین روایة أبی سعید وبین الأخبار الأُخر یقتضی حمل المطلق علی المقید ، بمعنی أنّه متی حصل أحد الأمرین فالسبع ، لا ما یفهم من کلام الشیخ : إنّ التفسّخ هو التسلّخ ، وکأنّه غفل عن روایة أبی عیینة ، وهی مذکورة فیما یأتی.

لکن لا یخفی أنّ الأخبار المعتبرة لا یصلح لتقییدها غیر المکافئ ، وقد تقدم خبر أبی أُسامة الدال علی السبع فی الفأرة والطیر ، وهو معتبر ، وحینئذٍ فالجمع بین الأخبار بحمل السبع علی التفسخ أو التسلخ ویستشهد له بالخبرین المرویین عن أبی سعید وأبی عیینة لا یخلو من وجه.

أمّا الخبر الدال علی الخمس فی الفأرة کما تقدم مقیداً بعدم التفسخ فقد یؤید کون السبع للتفسخ ، ویحمل علی الاستحباب ، أو الأکملیة بالنسبة إلی الثلاث ، فلیتأمّل.

ص: 300


1- المقنعة : 66.
2- الفقیه 1 : 12.
3- التهذیب 1 : 233 / 673 ، الوسائل 1 : 174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 13.

قال :

فأما ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسن (1) ، عن عبد الرحمن بن أبی هاشم ، عن أبی خدیجة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن الفأرة تقع فی البئر ، قال : « إذا ماتت ولم تنتن فأربعین دلواً ، فإذا انتفخت فیه وأنتنت نزح الماء کله ».

فالوجه فیما تضمن هذا الخبر : من الأمر بنزح أربعین دلواً إذا لم تنتن. محمول علی ضرب من الاستحباب دون الفرض والإیجاب لأنّ الوجوب فی هذا المقدار لم یعتبره أحد من أصحابنا.

السند

الظاهر أنّ محمّد بن الحسن الواقع فیه لیس هو الصفّار ، فإنّ محمّد ابن أحمد بن یحیی یبعد أنّ یروی عنه کما یعلم بالممارسة ، وغیر الصفار لیس بمعلوم ، وأظن أنّه محمّد بن الحسین ابن أبی الخطاب ، وقد وجدته فی بعض النسخ أیضاً.

وأمّا عبد الرحمن بن أبی هاشم فهو فی الفهرست (2) لکن غیر موثق ، والنجاشی ذکر عبد الرحمن بن محمّد بن أبی هاشم ، ووثّقه (3) ، ولا یبعد الاتحاد ، کما ذکره شیخنا المحقق میرزا محمّد أیّده الله (4).

بحث حول محمد بن الحسن
بحث حول عبدالرحمن بن أبی هاشم

ص: 301


1- الإستبصار 1 : 40 / 111 فی « ب » ونسخة فی « ج » : الحسین.
2- الفهرست : 109 / 466.
3- رجال النجاشی : 236 / 623.
4- منهج المقال : 191.

وأمّا أبو خدیجة فهو سالم بن مکرم ، وقد وثقه النجاشی (1) ، والشیخ له فیه اضطراب ، فضعّفه فی موضع (2) ووثّقه فی آخر (3) ، وقد قدمنا ما یتضح به الحال.

المتن :

لا مجال لإبقائه علی ظاهره ، لنقل الشیخ عدم القول بذلک ، ووجود أخبار معتبرة علی خلافه ، والاستحباب وجه حسن

للجمع ، والله أعلم.

قال :

فأما ما رواه أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن علی بن حدید ، عن بعض أصحابنا قال : کنت مع أبی عبد الله علیه السلام فی طریق مکة فصرنا إلی بئر فاستقی غلام أبی عبد الله علیه السلام دلواً فخرج فیه فأرة (4) فقال أبو عبد الله علیه السلام : « أرقه » فاستقی آخر فخرجت فیه فأرة فقال أبو عبد الله علیه السلام : « أرقه » قال (5) فاستقی الثالث فلم یخرج فیه شی ء ، قال : « صبّه فی الإناء » فصبّه فی الإناء.

فأوّل ما فی هذا الخبر أنّه مرسل ، وراویه ضعیف وهو علی بن حدید ، وهذا یضعّف الاحتجاج بخبره.

ویحتمل مع تسلیمه أنّ یکون المراد بالبئر المصنع الذی فیه من

بحث حول أبی خدیجة سالم بن مکرم

ص: 302


1- رجال النجاشی : 188 / 501.
2- الفهرست : 79 / 327.
3- حکاه عنه العلاّمة فی الخلاصة : 227.
4- فی الاستبصار 1 : 40 / 112 : فاردَان.
5- فی الاستبصار 1 : 40 / 112 لا یوجد : قال.

الماء ما یزید مقداره علی الکرّ ، فلا یجب نزح شی ء منه ، وذلک هو المعتاد فی طریق مکة ، مع أنّه لیس فی الخبر أنّه توضّأ بذلک الماء ، بل قال لغلامه : « صب (1) فی الإناء » ، ولیس فی ذلک دلیل علی جواز استعمال ما هذا حکمه فی الوضوء ، ویجوز أنّ یکون إنّما أمره بالصب فی الإناء لاحتیاجهم إلیه لسقی الدوابّ والإبل والشرب (2) عند الضرورة الداعیة إلیه ، وذلک سائغ ، ویحتمل أیضاً أنّ تکون الفأرتان خرجتا حیّتین ، وإذا کان کذلک جاز استعمال ما بقی من الماء لأنّ ذلک لا ینجّس الماء ، علی ما تقدم فیما مضی.

السند

ما ذکره الشیخ فیه فیه کفایة.

المتن :

علی القول بعدم انفعال البئر لا حاجة إلی تکلّف القول إلاّ من حیث إنّ المستحب یبعد ترکه من الإمام علیه السلام ، وقد یقال : إنّ ترک النزح للضرورة ، أو لقیام الاحتمال (3) فی الفأرة کما لا یخفی.

وأمّا علی القول بالانفعال فالحمل علی البئر غیر النابع له وجه وجیه ، وبقیة الوجوه فی غایة التکلف.

ولا یذهب علیک أنّ الشیخ خالف ما ذکره فی أوّل الکتاب من أنّه

ص: 303


1- فی الاستبصار 1 : 40 / 112 : صبه.
2- فی الاستبصار 1 : 40 / 112 : أو للشرب.
3- أی : احتمال الحیاة.

لا یردّ الحدیث من جهة السند إلاّ بعد انتفاء التأویل.

قال :

ویزیده بیاناً ما أخبرنی به الشیخ أبو عبد الله (1) ، عن أبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه ، عن أبیه ، عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن أحمد (2) ، عن محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب والحسن ابن موسی الخشاب جمیعاً ، عن یزید بن إسحاق شَعَر (3) ، عن هارون بن حمزة الغنوی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلک یقع فی الماء فیخرج حیّاً هل یشرب من ذلک الماء ویتوضّأ منه؟ قال : « یسکب ثلاث مرّات وقلیله وکثیره بمنزلة واحدة ثم یشرب منه ویتوضّأ منه ، غیر الوزغ فإنّه لا ینتفع بما یقع فیه » وهذا الخبر قد تکلّمنا علیه فیما مضی.

السند

قد تقدم أیضاً الکلام فیه ، إلاّ أنّه مروی فیما مضی عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، وطریقه فی المشیخة (4) إلیه لیس فیه محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه ، ولا یضرّ بالحال لو سلم من یزید بن إسحاق ، وتصحیح

إشارة إلی حال یزید بن اسحاق

ص: 304


1- فی الاستبصار 1 : 41 / 113 یوجد : رحمه الله .
2- فی الاستبصار 1 : 41 / 113 یوجد : بن یحیی.
3- لیس فی الاستبصار 1 : 41 / 113.
4- الاستبصار 4 : 323.

العلاّمة (1) طریق الصدوق إلی هارون بن حمزة وهو فیه لا یخلو من تأمّل فی إفادة الصحة.

ثم إنّ روایة محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسین یؤیّد ما قدّمناه : من أنّ محمّد بن الحسن الراوی عنه محمّد بن أحمد هو محمّد ابن الحسین علی ما أظن.

المتن :

مضی الکلام فیه ، وذِکر الشیخ لهذا الحدیث هنا ظنّاً منه لتناول الماء للبئر ، وقد یناقش فی ذلک : إلاّ أنّ الأمر سهل.

قال :

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن محمّد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن علی بن الحکم ، عن أبان ، عن یعقوب بن عثیم ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : سام أبرص وجدته (2) قد تفسخ فی البئر ، قال : « إنّما علیک أنّ تنزح منها سبع دلاء ».

فأمّا ما رواه جابر بن یزید الجعفی قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن السام أبرص یقع فی البئر قال : « لیس بشی ء حرِّک الماء بالدلو » (3).

فلا ینافی الخبر الأوّل ، لأنّ الخبر الأوّل محمول علی

ص: 305


1- خلاصة العلاّمة : 279.
2- فی الاستبصار 1 : 41 / 114 : وجدناه.
3- فی الاستبصار 1 : 41 / 115 یوجد : فی البئر ، وفی الهامش : لیس فی « ج ».

الاستحباب ، وهذا الخبر مطابق لما قدّمناه من الأخبار من أنّ ما لیس له نفس سائلة لا یفسد بموته الماء ، والسام أبرص من ذلک.

السند

الأوّل لیس فیه من یتوقف فی شأنه سوی یعقوب بن عثیم ، فإنّه مجهول الحال ، وقد تقدم أیضاً القول فیه ، ولقبه أبو یوسف فی الخبر السابق (1).

والثانی فیه أنّ الطریق إلی جابر غیر مذکور فی المشیخة ، والطرق فی الفهرست (2) مختلفة ، ولا نفع لها هنا إلاّ علی وجه بعید ، فالکلام فی جابر قلیل الفائدة حینئذٍ ، فتدبّر.

المتن :

علی تقدیر العمل به یمکن حمل مطلقه علی المقیّد السابق ، وهو ما إذا لم یتفسّخ ، وما ذکره الشیخ من الحمل علی الاستحباب لا وجه له بعد ما ذکرناه ، وإنّ کان الحمل علی الاستحباب له وجه من جهة أُخری.

وما قاله رحمه الله : من أنّ ما لیس له نفس سائلة لا یفسد الماء مقبول. والإفساد لا ینحصر فی النجاسة.

والصدوق أوجب النزح لسام أبرص (3) ، ویظهر من الشیخ فی التهذیب ذلک أیضاً (4) ، وزاد فی روایة یعقوب قلت : فثیابنا التی صلینا فیها

یعقوب بن عثیم مجهول
کلمة حول طرق الشیخ إلی جابر بن یزید الجعفی

ص: 306


1- فی « د » زیادة : أمّا أبان فقد یدّعی ظهور کونه ابن عثمان ، وقد قدّمنا القول فیه.
2- الفهرست : 45 / 147.
3- الفقیه 1 : 15.
4- التهذیب 1 : 245.

نغسلها ونعید الصلاة؟ قال : « لا » وقال بعد ذلک : وسأل جابر بن یزید وذکر الروایة ، ثم قال : قال محمّد بن الحسن : المعنی فیه إذا لم یکن تفسّخ ، لأنه إذا تفسّخ نزح منها سبع دلاء علی ما بیناه فی الخبر الأول (1).

وفی المنتهی بعد أنّ ذکر الروایتین حمل روایة یعقوب علی الاستحباب ، أمّا أوّلاً فلروایة جابر ، وأمّا ثانیاً فلأنّها لو کانت نجسة لما أُسقط عنه غسل الثوب (2).

وفی کلامه نظر واضح ، لأنّ مذهبه وجوب النزح تعبّداً ، فلا ینافی عدم وجوب غسل الثوب وجوب النزح.

اللغة :

قال فی الصحاح : سام أبرص من کبار الوزغ ، وهو معرفة إلاّ أنّه تعریف جنس ، وهما اسمان جعلا واحداً ، إنّ شئت أعربت الأول وأضفته إلی الثانی ، وإنّ شئت بنیت الأول علی الفتح وأعربت الثانی بإعراب ما لا ینصرف ، وتقول فی التثنیة : هذان سامّا أبرَصَ ، وفی الجمع : هؤلاء سوام أبرص ، ( وإنّ شئت قلت : هؤلاء السوام ، ولا یذکر أبرص ) (3) وإن شئت قلت : هؤلاء البرصة والأبارص ، ولا تذکر سام (4). انتهی.

وظاهره أنّه صنف من الوزغ وهو أکبره ، وظاهر العلاّمة فی المختلف ذلک لأنّه قال :

بحث لغوی حول کلمة سام أبرص

ص: 307


1- التهذیب 1 : 245 / 708 ، الوسائل 1 : 176 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 19.
2- المنتهی 1 : 16.
3- ما بین القوسین لیس فی الصحاح.
4- الصحاح 3 : 1029 ( برص ).

مسألة :

قال الشیخان : ینزح لموت الوزغة ثلاث دلاء ، وبه قال ابن البراج ، وابن حمزة ، والشیخ أبو جعفر بن بابویه ، وقال سلاّر وأبو الصلاح الحلبی دلو واحد ، وابن إدریس منع من ذلک ولم یوجب شیئاً. احتجّ الشیخ بما رواه معاویة بن عمار وذکر الروایة السابقة المتضمنة للفأرة والوزغة ثم قال : وروی یعقوب بن عثیم وذکر الروایة وروایة جابر ثم قال : احتجّ أبو الصلاح وسلاّر بما رواه ابن بابویه قال : سأل یعقوب بن عثیم أبا عبد الله علیه السلام قال له : بئر ماء فی مائها ریح یخرج منه قطع جلود ، قال : « لیس بشی ء إنّ الوزغ ربما طرح جلده ، إنّما یکفیک من ذلک دلو واحد » (1) (2).

وهذا الکلام یعطی اتحاد الوزغ والسام أبرص ، وقد قدمنا عن القاموس ما یدل علی الاتحاد أیضاً (3) ، إلاّ أنّ الوالد قدس سره جعل لکل واحد بالانفراد مسألة (4) ، وظاهر الشیخ فی العنوان المغایرة ، والأمر سهل.

قال :

باب البئر تقع فیها العذرة الیابسة والرطبة

أخبرنی الشیخ أبو عبد الله (5) ، عن أحمد بن محمّد ، عن ( الحسین بن سعید ، و) (6) سعد بن عبد الله ، والصفار ، جمیعاً عن أحمد

البئر تقع فیها العذرة الیابسة والرطبة

اشارة

ص: 308


1- المختلف 1 : 46.
2- المختلف 1 : 47 ، بتفاوت یسیر ، الوسائل 1 : 189 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 9.
3- القاموس المحیط 2 : 306 ( برص ).
4- معالم الدین : 71 / 76.
5- فی الاستبصار 1 : 41 / 116 یوجد : رحمه الله .
6- فی الاستبصار 1 : 41 / 116 بدل ما بین القوسین یوجد : أبیه عن ، وفی حاشیة الإستبصار 1 : 41 / 116 : فی « ج » و « د » : فی ترتیب رجال السند اختلاف من النساخ.

ابن محمّد ، عن الحسین بن سعید ، عن عبد الله بن یحیی (1) ، عن ابن مسکان قال : حدثنی أبو بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن العذرة تقع فی البئر ، قال : « ینزح منها عشر دلاء ، فإنّ ذابت فأربعون أو خمسون » (2).

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن البئر یقع فیها زنبیل عذرة یابسة أو رطبة ، فقال : « لا بأس إذا کان فیها ماء کثیر ».

وما رواه محمّد بن علی بن محبوب ، عن محمّد بن الحسین ، عن موسی بن القاسم ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی (3) علیه السلام قال : سألته عن بئر ماء وقع فیها زنبیل من عذرة رطبة أو یابسة (4) أو زنبیل من سرقین ، أیصلح الوضوء منها؟ قال : « لا بأس ».

فالوجه فی هذین الخبرین أحد شیئین : أحدهما : أنّ یکون المراد (5) أنّه لا بأس به بعد نزح خمسین دلواً حسب ما تضمنه الخبر الأول ، والثانی : أنّ یکون المراد بالبئر المصنع الذی یکون فیه الماء (6) أکثر من کرّ ، ولأجل هذا قال : « لا بأس به إذا کان فیه کثیر ماء » (7) لأنّ

ص: 309


1- الإستبصار 1 : 42 / 116 : فی « ب » : بحر.
2- فی الاستبصار 1 : 42 / 116 یوجد : دلواً.
3- فی الاستبصار 1 : 42 / 118 یوجد : بن جعفر.
4- فی الاستبصار 1 : 42 / 118 : یابسة أو رطبة.
5- فی الاستبصار 1 : 42 / 118 یوجد : به.
6- فی الاستبصار 1 : 42 / 118 یوجد : من الماء.
7- فی الاستبصار 1 : 42 / 118 یوجد : فیها ماء کثیر.

ذلک هو الذی یعتبر فیه القلة والکثرة دون الآبار المعیّنة.

السند

فی الخبر الأول لا یخلو من خلل کما یعرفه الممارس ، فإن أحمد بن محمّد الذی یروی عنه الشیخ المفید : أحمد بن محمّد بن الحسن بن الولید ، کما تقدم القول فیه ، وهو إنّما یروی عن الحسین بن سعید بواسطة أبیه ، وأحمد بن محمّد بن عیسی ، کما یعرف من الطریق الثانی فی الحدیث ، ثمّ سعد إنّ عطف علی أحمد لم یستقم ، لأنّ المفید لا یروی عن سعد ضرورة.

والذی فی التهذیب : عن الشیخ أیّده الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، ومحمّد بن الحسن ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسین بن سعید (1).

ثمّ عبد الله بن یحیی فی التهذیب (2) عبد الله بن بحر ، والمتن : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یدخل البئر فیغتسل فیها ، قال : « ینزح منها سبع دلاء » قال : وسألته عن العذرة (3) إلخ ، وکأنّ الشیخ اختصره.

وأمّا عبد الله بن یحیی : فهو الکاهلی علی الظاهر ، لأنّ الراوی عنه فی الفهرست (4) أحمد بن محمّد بن أبی نصر ، وهو فی مرتبة الحسین بن سعید

بحث حول عبدالله یحیی

ص: 310


1- التهذیب 1 : 244 / 702.
2- التهذیب 1 : 244 / 702.
3- التهذیب 1 : 244 / 702 ، الوسائل 1 : 191 أبواب الماء المطلق ب 20 ح 1 ، وص 194 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.
4- الفهرست : 102 / 430.

فی الجملة ، واحتمال غیره ممکن لوجود مجهول فی رجال الکاظم علیه السلام بهذا الاسم ، إلاّ أنّ الأظهر أنّه (1) عبد الله بن بحر کما فی التهذیب ، لما یستفاد من الرجال أنّ عبد الله بن بحر یروی عن أبی بصیر (2) ، وإنّ کان هنا بواسطة ابن مسکان ، وعلی کل حال السند لا یعتمد علیه بواسطة أبی بصیر أیضاً.

وفی الخبر الثانی من علم حاله مراراً ، فهو موثق.

وسند الثالث لا ریب فیه بعد ما قدّمناه ، ومحمّد بن الحسین فیه : هو ابن أبی الخطاب علی ما أظنّه ، وإنّ کان باب الاحتمال واسعاً.

المتن :

ظاهر فی نزح العشر للعذرة إذا لم تذب ، ومع الذوبان ینزح لها الأربعون أو الخمسون ، وأنّ المنقول عن الشیخ نزح الخمسین للعذرة الرطبة (3) ، وفی المقنعة : وإنّ کانت العذرة رطبة أو ذابت وتقطعت فیها نزح منها خمسون دلواً (4).

والمحقق اختار التخییر فی المعتبر بین الأربعین والخمسین فی الذائبة ، واحتجّ بروایة أبی بصیر المذکورة (5) ، ولا یخفی علیک حال الروایة.

قیل : والمراد بالذوبان تحلّل الأجزاء وشیوعها فی الماء بحیث یستهلکها ؛ واحتمل بعض ذوبان بعض الأجزاء نظراً إلی أنّ القلّة والکثرة

ص: 311


1- فی « رض » : هو ، مکان : أنّه.
2- خلاصة العلاّمة : 238.
3- نقله عنه فی المختلف 1 : 45.
4- المقنعة : 67.
5- المعتبر 1 : 65.

غیر معتبرة ، فلو سقط مقدار البعض الذائب منفرداً وذاب لأثّر ، فانضمام غیره إلیه لا یمنعه التأثیر (1). ولا یخلو من وجه.

وفی المنتهی بعد أنّ ذکر هذه الروایة قال : ویمکن التعدیة إلی الرطبة للاشتراک فی شیاع الأجزاء ولأنّها تصیر حینئذٍ رطبة انتهی (2).

وقد یقال : إنّ الرطوبة لا یقتضی شیوع الأجزاء مطلقاً ، نعم هی أقرب (3) ، ولو حصل الذوبان فلا حاجة إلی غیره ، فلیتأمّل.

وما تضمّنه خبر عمار من عدم تأثّر البئر من وقوع الزنبیل إذا کان فیها ماء کثیر ربما دل علی اشتراط الکرّیّة فی البئر ، وقد تقدم نقل القول بذلک ، إلاّ أنّ الشیخ لمّا ادعی الإجماع سابقاً علی نفیه احتاج إلی تأویل الخبر بما ذکره ، وبعد (4) تأویله غنی عن البیان.

وعلی تقدیر العمل بالخبر یمکن أنّ یوجّه بأنّ الماء الکثیر لا یتغیّر ( غالباً بدون ) (5) جمیع الأجزاء التی تحلها (6) ، والکثرة إضافیة لا أنّها کرّ.

وربما یقال : إنّ أجزاء العذرة علی تقدیر شیوعها فی الماء یشکل الشرب منها. ویجاب بأنّ العلم بشرب شی ء من الأجزاء غیر معلوم ، وذلک کاف.

وأمّا خبر علی بن جعفر فدلالته علی عدم نجاسة البئر بالملاقاة ظاهرة ، إلاّ أنّ یقال : إنّ أخبار النزح مقیّدة وهو مطلق ، وفیه ما لا یخفی.

ص: 312


1- کما فی معالم الفقه : 52.
2- المنتهی 1 : 14.
3- کما فی معالم الفقه : 52.
4- فی « رض » : ویعد.
5- بدل ما بین القوسین فی « فض » و « رض » : وتذوب.
6- فی « رض » : تحللها.

وما یقال : من أنّ العذرة والسرقین أعمّ من النجس ، والوقوع المسئول عنه للزنبیل المشتمل علی ما ذکر ، فلا یلزم وقوع النجاسة. فالثانی ممّا لا ینبغی ذکره فی المقام ، والأول له نوع وجه ، إلاّ أنّ علی بن جعفر لا یسأل عن غیر النجس ، کما لا یخفی.

أمّا توجیه الشیخ فهو وإنّ کان بعیداً ، إلاّ أنّه یمکن تسدیده بأنّ المطلق یحمل علی المقیّد.

وما قاله شیخنا قدس سره : من أنّ فی توجیه الشیخ الألغاز وتأخیر البیان عن وقت الحاجة (1). محل بحث ، لأنّ ذلک لازم له فی کل مطلق ومقید وعام وخاص ، والجواب الجواب؟

والحق أنّ تأخیر البیان عن أصحاب الأخبار غیر معلوم.

وقول شیخنا : إنّ حمل البئر علی المصنع خروج عن حقیقة اللفظ. فیه : أنّه لا یضر بالحال ، لأنّ الشیخ بصدد الجمع بین الأخبار فلا مانع من الخروج عن الحقیقة ، غایة الأمر أنّ باب التأویل لا ینحصر فیما قاله الشیخ ، فإنّ حمل أخبار النزح علی الاستحباب ممکن ، ویندفع به کثیر من التکلّفات الذی ذکرها الشیخ.

اللغة :

قال الهروی : العذرة أصلها فناء الدار ، وسمیت عذرة الناس بهذا لأنّها کانت تلقی فی الأفنیة فکُنّی عنها باسم الفناء (2). وربما ظن من هذا

بحث لغوی حول کلمة العذرة والسرقین والزنبیل

ص: 313


1- مدارک الأحکام 1 : 58.
2- غریب الحدیث 2 : 137.

الاختصاص ، وفیه کلام.

وأیّد شیخنا قدس سره الاختصاص بدلالة العرف (1). وفی الأخبار ما لا یساعد علی مقتضی العرف فلا نفع له فی إثبات المطلوب ، وقد أوضحنا ذلک فی محل آخر ، غیر أنّ ما ذکرناه لا یضر بالحال ، فإنّ المراد بالعذرة هنا النجسة کما هو واضح.

والسرقین بکسر السین معرب سرگین بکسر السین وفتحها.

والزنبیل بکسر الزای ، والفتح خطأ ، فإنّ شرطه حذف النون ، فإذا حذفتها فلا بُدّ من تشدید الباء علی ما فی الحبل المتین (2).

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن موسی بن الحسن ، عن أبی القاسم عبد الرحمن بن حماد (3) الکوفی ، عن أبی (4)بشیر ، عن أبی مریم الأنصاری قال : کنت مع أبی عبد الله علیه السلام فی حائط (5) فحضرت الصلاة فنزح دلواً للوضوء من رکیّ له فخرج علیه قطعة (6) عذرة یابسة فأکفأ رأسه وتوضّأ بالباقی.

فیحتمل هذا الخبر أیضاً شیئین(7) : أحدهما : ما ذکرناه فی

ص: 314


1- مدارک الأحکام 1 : 58.
2- الحبل المتین : 117.
3- الإستبصار 1 : 42 / 119 فی « ج » : أبی حماد.
4- فی الاستبصار 1 : 42 / 119 لا یوجد : أبی.
5- فی الاستبصار 1 : 42 / 119 یوجد : له.
6- فی الاستبصار 1 : 42 / 119 یوجد : من.
7- فی الاستبصار 1 : 43 / 119 : شیئین أیضاً.

الخبر (1) من أنّ یکون المراد بالرکیّ المصنع الذی یکون فیه الماء الکثیر. والثانی أن تحمل العذرة علی أنّها کانت عذرة ما یؤکل لحمه ، وذلک لا ینجّس الماء علی (2) حال.

السند

موسی بن الحسن الواقع فیه لا یبعد أنّ یکون ابن الحسن بن عامر الأشعری ، لأنّ الحمیری یروی عن أبیه عنه ، کما فی النجاشی (3) ، وهی فی مرتبة سعد بن عبد الله ، والرجل وثّقه النجاشی (4).

وأمّا أبو القاسم عبد الرحمن بن حماد فذکر شیخنا قدس سره فی فوائده علی الکتاب أنّ الموجود فی کتب الرجال ابن أبی حماد أبو القاسم الکوفی ، وکأنّه هو هذا ، ولفظة : أبی ، سقطت من نسخة المصنف ، وعلی کل حال فهو ضعیف ، والأمر کما قال.

وأمّا أبو بشیر فمجهول ، وأبو مریم الأنصاری ثقة ، وقد تقدم.

المتن :

ظاهر فی أنّه علیه السلام توضّأ من بقیة ماء الدلو الذی علیه العذرة بعد إکفائه رأسه ، فلا وجه لحمل الشیخ الرکیّ علی المصنع ، ولو حمل الدلو علی کونه کرّاً فما زاد لزمه تمام الاستبعاد.

بحث حول موسی بن الحسن
بحث حول أبی القاسم عبدالرحمان بن حمّاد
أبوبشیر مجهول
أبومریم الأنصاری ثقة

ص: 315


1- فی الاستبصار 1 : 43 / 119 : الخبرین.
2- فی الاستبصار 1 : 43 / 119 زیادة : کل.
3- رجال النجاشی : 406 / 1078.
4- رجال النجاشی : 406 / 1078.

نعم الحمل الثانی لا یخلو من وجاهة ، وقول شیخنا قدس سره فی فوائد الکتاب : إنّه بعید لأنّ العذرة لغة وعرفاً فضلة الإنسان. فیه نظر.

أمّا أوّلاً : فلمنع الاختصاص ، والسند وجود إطلاقها علی غیر فضلة الإنسان فی الأخبار.

وأمّا ثانیاً : فلو سلّم المنع حقیقة ، إمّا بواسطة المعارض لا مانع من الحمل مجازاً ، والضرورة هنا بتقدیر العمل بالخبر داعیة إلی الجمع.

ولو حمل علی أنّ العذرة علی جانب الدلو ، ویؤیّده قوله : یابسة. وحینئذٍ یحتمل کونها من غیر الماء ، وإکفاؤه علیه السلام لإزالتها عنه ، وکون الرکیّ بئراً وتکون العذرة منه علی تقدیر القول بعدم نجاسته بالملاقاة أمکن لکنه بعید.

ولعلّ الحمل علی عدم تحقق کونها عذرة من إنسان وإنّما توهّم الراوی ذلک أولی ، ومن لم یعمل بالخبر الضعیف فهو فی راحة من هذا التکلّف.

اللغة :

قال الجوهری : کفأتُ الإناء قلبته ، وزعم ابن الأعرابی أنّ أکفأته لغة (1). وظاهر هذا الکلام أنّ اللغة الثابتة : الاولی ، وأنّ « أکفأ » لم یثبت ، وفی الخبر المذکور « أکفأ رأسه » وکذلک فی غیره من الأخبار ، إلاّ أنّ الکلام فی الثبوت ولم یحضرنی الآن خبر صحیح ، غیر أنّی أظنّ أنّ الوالد قدس سره ذکر ذلک فی منتقی الجمان (2).

بحث لغوی حول کلمة : کفأ

ص: 316


1- الصحاح 1 : 68 ( کفأ ).
2- منتقی الجمان 1 : 48.

قال :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن کردویه قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن بئر یدخلها ماء المطر ، فیه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرؤ الکلاب ، قال : « ینزح منها ثلاثون دلواً وإن (1) کانت مبخرة ».

فلا ینافی هذا الخبر ما حدّدنا به من نزح خمسین دلواً ، لأنّ هذا الخبر مختص بماء المطر الذی یختلط به أحد هذه الأشیاء من النجاسات ثم تدخل البئر فحینئذٍ یجوز استعماله بعد نزح الأربعین ، والخبر الذی قدّمناه یتناول (2) إذا کانت العذرة نفسها تقع فی البئر فلا تنافی بینهما علی حال.

السند

کردویه الراوی فیه مجهول الحال ، وقد قدمنا النقل عن الشهید (3) أنّه مسمع کردویه ، ووجدت الآن فی فوائد شیخنا قدس سره علی الکتاب ما هذه صورته : قیل : وجد بخط الشهید نقلاً عن یحیی بن سعید أن کردویه وکردین اسمان لمسمع بن عبد الملک ، وقیل : ابن مالک وهو ممدوح. انتهی.

ولا یخفی علیک الحال فی المدح إذا لاحظت الرجال.

بحث حول کردویه

ص: 317


1- فی الاستبصار 1 : 43 / 120 : ولو.
2- فی الاستبصار 1 : 43 / 120 : لا یوجد : ما.
3- فی ص 204.

المتن :

کما تری صریح فی نزح الثلاثین ، والشیخ ذکر فی التوجیه الأربعین ، فالأمر لا یخلو من غرابة.

ونقل الوالد قدس سره عن المبسوط أنّ الشیخ قال فیه فی بیان حکم غیر المنصوص من النجاسات الواقعة فی البئر : الاحتیاط یقتضی نزح جمیع الماء ، وإنّ قلنا بجواز أربعین دلواً منها ، لقولهم علیهم السلام : « ینزح منها أربعون دلواً ، وإنّ صارت مبخّرة » کان سائغاً غیر أنّ الأحوط الأول (1).

وهذا الکلام یدل علی أنّ الروایة بالأربعین ، وکان السهو من قلم الشیخ فی نقل الروایة إنّ کانت هذه.

وفی المختلف بعد النقل عن الشیخ فی المبسوط ما حکیناه : وأمّا النقل الذی ادعاه الشیخ فلم یصل إلینا وإنّما الذی بلغنا فی هذا الباب یعنی باب ما لا نص فیه حدیث واحد وذکر هذه الروایة المبحوث عنها ثمّ قال : وهو یدلّ (2) علی وجوب الثلاثین ، أمّا الأربعون دلواً کما قال الشیخ فلا ، ومع ذلک فکردویه لا أعرف حاله ، فإنّ کان ثقة فالحدیث صحیح (3).

وهذا الکلام من العلاّمة یتعجب منه ، فإنّ باب ما لا نص فیه أیّ دخل للحدیث فیه ، وقد صرح فی موضع آخر بالاستدلال به علی حکم البول (4) ، وهو غریب بعد ردّ الحدیث بالجهالة.

ص: 318


1- معالم الفقه : 92.
2- لیس فی « فض ».
3- المختلف 1 : 51.
4- المختلف 1 : 29.

والوالد قدس سره نقل عن بعض الأصحاب أنّه قال : إنّ الشیخ ثبت ثقة فلا یضر إرساله (1).

وأراد بهذا الکلام أنّ حکایة الشیخ الروایة فی المبسوط (2) کافیة فی ثبوت الأربعین ، ودفعه أظهر من أنّ یخفی.

وما قاله الوالد قدس سره : من أنّ فی متن حدیث الشیخ المنقول فی المبسوط قصوراً ، لأنّ متعلق نزح الأربعین غیر مذکور ، والدلالة موقوفة علیه (3). فمراده به أنّ الصراحة فی غیر المنصوص غیر معلومة لا أنّ الأشیاء التی ینزح لها الأربعون غیر معلومة ، فإنّ الأشیاء إذا ذکرت تکون منصوصة ، والکلام فی غیر المنصوص. هذا.

وما قاله الشیخ فی الحدیث : إنّه مختص بماء المطر الذی یختلط به أحد هذه الأشیاء. محل نظر ، لأنّ ظاهر النص مخالطة الجمیع ، وقول الشیخ : لا ینافی ما حددّناه من الخمسین. غریب ، لأنّ الخبر السابق لیس فیه تعین الخمسین.

ونقل شیخنا قدس سره فی المدارک عن المختلف أنّ فیه : ویمکن أن یقال : إیجاب أحدهما یستلزم إیجاب الأکثر ، لأنّه مع الأقل غیر متیقن للبراءة ، وإنّما یعلم الخروج عن العهدة بفعل الأکثر (4).

واعترض علیه قدس سره بأنّه غیر مستقیم ، فإنّ التخییر بین الأقل والأکثر یقتضی عدم وجوب الزائد عیناً ، وإلاّ لم یکن للتخییر معنی ، فیجب أن

ص: 319


1- معالم الفقه : 93.
2- المبسوط 1 : 12.
3- معالم الفقه : 93.
4- مدارک الاحکام 1 : 78.

یحصل یقین البراءة بالأقل ویکون الزائد مستحباً. انتهی کلامه (1) قدس سره

وفی نظری القاصر أنّ کلام العلاّمة مبنیّ علی أنّ الراوی شکّ فی أنّ الإمام قال : أربعون ، أو خمسون ، لا أنّه خیّر بین الأمرین ، وحینئذٍ کلام العلاّمة متوجه ، والشیخ رحمه الله کأنّه فهم ذلک أیضاً ، غایة الأمر أنّ یقال : إنّ تعیّن إرادة الشک غیر معلوم ، فیجاب بأنّ التخییر کذلک ، إلاّ أنّ یدعی الظهور ، وفیه ما فیه.

أمّا ما قاله شیخنا قدس سره : من أنّ الزائد مستحب (2). ففیه نظر ، لأن التخییر بین فردین أحدهما کذلک لا یقتضی أنّ الزیادة مستحبة مطلقاً بل إذا اختار الأقل ، أمّا لو اختار الأکثر من الأول فلا ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، وفی الحدیث أبحاث طویلة ذکرناها فی موضع آخر ، والمهم ما ذکرناه هنا.

اللغة :

قال فی القاموس : البخر بالتحریک النتن فی الفم وغیره ، بخر کفرح (3) ، وذکر بعض أنّه وجد بخط الشیخ فی نسخة الاستبصار مبخرة بضم المیم وسکون الباء وکسر الخاء ، ومعناها المنتنة ، ویروی بفتح المیم والخاء ومعناها موضع النتن.

قال :

باب الدجاجة وما أشبهها تموت فی البئر

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن

معنی کلمة : مبخرة

الدجاجة وما أشبهها تموت فی البئر

اشارة

ص: 320


1- مدارک الأحکام 1 : 78.
2- مدارک الاحکام 1 : 78.
3- القاموس المحیط 1 : 382 ( بخر ).

الحسین بن الحسن ابن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن القاسم ، عن علی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفأرة تقع فی البئر قال : « سبع دلاء » قال : وسألته عن الطیر والدجاجة تقع فی البئر قال : « سبع دلاء ».

فأما ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن الحسن بن موسی الخشاب ، عن غیاث بن کلوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام عن أبیه « إنّ علیّاً علیه السلام کان یقول فی الدجاجة ومثلها تموت فی البئر ینزح منها دلوان وثلاث (1) ، فإذا کانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة ».

فالوجه فی هذا الخبر أنّ نحمله علی الجواز ، والأوّل علی الفضل والاستحباب ، ویکون العمل علی الأول أولی ، لأنّا متی عملنا علی الخبر الأوّل دخل هذا الخبر فیه ، ویکون قد عملنا بالاحتیاط وتیقّنا الطهارة ، وإذا عملنا بهذا لم نکن واثقین بالطهارة ، ویمکن (2) أنّ یکون الأوّل المعنی فیه : إذا تفسخ ، والثانی إذا مات فاخرج فی الحال.

السند

فی الخبرین قد تقدم فیه ما یغنی عن الإعادة.

المتن :

ما قاله الشیخ فی الثانی من الحمل علی الجواز ، کأنّ مراده به الإجزاء أو جواز الاقتصار علیه ، والاستحباب فی الأوّل کأنّه أحد الفردین الواجبین

ص: 321


1- فی الاستبصار 1 : 43 / 122 : أو ثلاثة.
2- فی الاستبصار 1 : 44 / 122 یوجد : أیضاً.

عند الشیخ ، ویحتمل الاستحباب فی الزیادة ، ولا یخفی اشتمال الثانی علی دلوین وثلاث ، فلا یتم إطلاق الشیخ ، وبقیة کلامه مضی فی مثلها القول.

أمّا الحمل الثانی فیشکل بأنّ صحیح زید الشحام ینافیه حیث قال فیه : فی الفأرة والسنور والدجاجة والکلب والطیر « إذا لم یتفسخ یکفیک خمس دلاء » (1) فإنّ ظاهره الخمس إذا لم یحصل التفسخ ، ومقتضی الخبر المبحوث عنه اعتبار الدلوین والثلاث ، نعم اعتبار السبع للتفسخ ربما یوافقه صحیح زید.

وفی بعض الأخبار المعتبرة أنّ الطیر ینزح له دلاء (2) والجمع بینها وبین ما نحن فیه سهل بحمل المطلق علی المقید لو صحت الأخبار من الجانبین ، فلا ینبغی الغفلة عن ذلک.

قال :

باب البئر یقع فیها الدم القلیل أو الکثیر

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد بن یحیی ، عن أبیه محمّد بن یحیی (3) ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی الأشعری ، عن العمرکی ، عن علیّ بن جعفر ، ( عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ) (4) قال : سألته عن رجل ذبح شاة فاضطربت ووقعت فی بئر ماء وأوداجها تشخب دماً هل یتوضّأ من ذلک البئر؟ قال : « ینزح منها ما بین الثلاثین

البئر یقع فیها الدم القلیل أو الکثیر

اشارة

ص: 322


1- التهذیب 1 : 237 / 684 ، الوسائل 1 : 184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 7.
2- التهذیب 1 : 236 / 682 ، 237 / 685 ، 237 / 686 ، الوسائل 1 : 182 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2 ، ص 184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 6.
3- فی الاستبصار 1 : 44 / 123 لا یوجد : محمّد بن یحیی.
4- الاستبصار 1 : 44 / 123 : زیادة فی « ج ».

إلی الأربعین دلواً ویتوضّأ ولا بأس » (1) قال : وسألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت فی بئر هل یصلح أنّ یتوضّأ منها؟ قال : « ینزح منه دلاء یسیرة ثم یتوضّأ منها » وسألته عن رجل یستقی من بئر فرعف فیها هل یتوضّأ منها؟ قال : « ینزح منها دلاء یسیرة ».

السند

لیس فیه ارتیاب بعد ما قدّمناه.

المتن :

ظاهر صدره نزح ما بین الثلاثین إلی الأربعین لدم ذبح الشاة ، واحتمال الاختصاص بمورد النص لا یخلو من وجه ، إلاّ أنّی لا أعلم القائل بذلک.

والمنقول عن الشیخ القول بالخمسین للدم الکثیر (2) ، وصریح کلام الشیخ هنا فیما یأتی أنّ الدم الکثیر له هذا المقدر (3) ، واعتبار الخمسین لم أقف علی دلیله.

والمفید صرح فی المقنعة : بأنّ الدم الکثیر ینزح له عشر دلاء (4). واستدل له الشیخ فی التهذیب بروایة محمّد بن إسماعیل الدالة علی نزح الدلاء موجّهاً بأنّ أکثر عدد یضاف إلی هذا الجمع عشرة ، فیجب أنّ نأخذ

ص: 323


1- فی الاستبصار 1 : 44 / 123 یوجد : به.
2- المبسوط 1 : 12.
3- فی « رض » : المقدار.
4- المقنعة : 67.

به ؛ إذ لا دلیل علی ما دونه (1).

واعترض علیه بوجوه.

منها : ما یذکره المصنف فیما بعد من دلالته علی الدم القلیل.

ومنها : أنّه مبنیّ علی کون الدلاء جمع قلة کما یدل علیه قوله : وأکثر عدد یضاف إلی هذا الجمع. ولیس الأمر کذلک ، لانحصار جموع القلة فیما لیس هذا منه ، فیکون من جموع الکثرة ، وقد ذکر فی التهذیب : أنّه یدل علی ما فوق العشرة فی موت الکلب وشبهه.

ومنها : أنّ حمل الدلاء علی جمع القلة یقتضی الاجتزاء بأقلّ مدلولاته وهو الثلاثة ، لأنّ إطلاق اللفظ ، یدلّ علی أن المطلوب تحصیل بالماهیة ، فإذا حصل بالأقل کان الزائد منفیّاً بالأصل.

وهذه الاعتراضات ارتضاها الوالد (2) قدس سره ، وفی نظری القاصر أنّها محل بحث.

أمّا أوّلاً : فلأنّ مطلوب الشیخ إضافة العشرة إلی هذا الجمع تقدیراً ، لا أنّ العشرة تراد من الدلاء من دون الإضافة ، وما ذکر فی الاعتراض یتم مع الثانی ، نعم یتوجه علی الشیخ أنّ التقدیر لا دلیل علیه ، وهذا أمر آخر.

وأمّا ثانیاً : فما ذکر : من أنّ جمع القلة یحمل علی أقل مدلولاته وهو الثلاثة. فیه : أنّ هذا علی اصطلاح النحاة ، أمّا الأُصولیون فالخلاف بینهم فی أنّ أقل الجمع ثلاثة أو اثنان ، لا تقیید (3) فیه بجمع القلة والکثرة ، فهو اصطلاح لهم ، وخلط الاصطلاح بغیره لا وجه له ، علی أنّ الکلام مع

تحقیق حول أقل الجمع

ص: 324


1- التهذیب 1 : 245 / 705 ذ. ح الوسائل 1 : 194 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 3.
2- معالم الفقه : 50.
3- فی « فض » : لا یفسد.

التقدیر للمضاف فلا دخل للأقل حینئذٍ ، وبتقدیر تسلیم ما ذکر فالشیخ أشار إلی دفعه بأنّه لا دلیل علی ما دونه.

واحتمال کون الدلیل تحقّق الماهیة بالأقل یعارضه أنّ النجاسة محقّقة ، وزوالها یتوقّف علی ما أعدّه الشارع ، ومع احتمال الدلاء للأقل والأکثر لا یبقی الأصل بعد تحقق اشتغال الذمّة.

اللهم إلاّ أنّ یقال : إنّ الخروج عن الأصل وهو عدم التکلیف لم یتحقّق مطلقاً ، بل إذا لم ینزح منها الأقل ، أمّا معه فلا.

وفیه : أن براءة الذمة من التکلیف إذا زالت یتوقف عودها علی الدلیل ، ولم یعلم أنّ الأقل یتحقق به البراءة ، وهو قول الشیخ : لا دلیل علی ما دونه.

وقد یقال : إنّ زوال الیقین الحاصل بالملاقاة کاف فی الطهارة ، ولا حاجة إلی یقین الطهارة ، بل یکفی زوال یقین النجاسة ، کما قدمنا فیه القول ، والحق أنّ التسدید فی المقام غیر بعید للاکتفاء بالأقل ، وقد أوضحت الحال أکثر من هذا فی محلّ آخر.

أمّا ما اعترض به المحقق فی المعتبر علی الشیخ : بأنّا نسلّم أنّ أکثر عدد یضاف إلی الجمع عشر لکن لا نسلّم أنّه إذا جرّد عن الإضافة یکون حاله کذلک (1). ففیه أنّ التجرّد علی دعوی الشیخ لفظاً وفی التقدیر موجود ، فالبحث ینبغی أنّ یکون فی دلیل التقدیر.

وما اعترض به العلاّمة فی المنتهی علی المحقق : بأنّ الإضافة وإن جرّدت لفظاً إلاّ أنّها مقدّرة وإلاّ لزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة (2). فلیس بشی ء ؛ لأنّ تأخیر البیان لو لم یکن للفظ معنی بدون التقدیر ، والحال

ص: 325


1- المعتبر 1 : 66.
2- المنتهی 1 : 14.

أنّ للجمع معنی کغیره من الجموع الواقعة فی هذه المقامات ، وهو أیّ مقدار کان ممّا یصدق علیه ، هکذا قال الوالد قدس سره - (1) وقد ذکرت ما یحتمل أنّ یقال فیه فی حاشیة التهذیب.

وما تضمنه الحدیث من نزح الدلاء الیسیرة فی ذبح الدجاجة والحمامة ودم الرعاف ، ربما یقال : إنّ لفظ یسیرة قرینة علی اعتبار الأقل فی الجمع أو ما قرب منه ، وسیأتی من الشیخ التوجیه فی الأخبار المنافیة ، ولم یفرق بین هذه الروایة وبین ما یخالفها ، ولا وجه له إنّ کان یعتبر للدم القلیل العشرة کما فی التهذیب (2) ، فإنّ توجیهه فی العشرة لا یتم مع وصف الیسیرة فلیتأمّل.

قال رحمه الله :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعیل بن بزیع قال : کتبت إلی رجل أسأله (3) أنّ یسأل أبا الحسن (4) علیه السلام عن البئر تکون فی المنزل للوضوء فیقطر فیها قطرات من بول أو دم أو یسقط فیها شی ء من غیره کالبعرة ونحوها (5) ، ما الذی یطهّرها حتی یحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقّع علیه السلام فی کتابی بخطه : « ینزح منها دلاء ».

فالوجه فی هذا الخبر أنّ نحمله علی أنّه إذا کان الدم قلیلاً لأنّه کذا سأله ، ألا تری أنّه قال : یقطر فیها قطرات من دم. وذلک یستفاد

ص: 326


1- معالم الفقه : 51.
2- التهذیب 1 : 245 / 705.
3- فی « فض » و « رض » : یسأله.
4- فی الاستبصار 1 : 44 / 124 یوجد : الرضا.
5- فی الاستبصار 1 : 44 / 124 : أو نحوها.

منه (1) القلّة ، وما تضمّن الخبر من الثلاثین إلی الأربعین دلواً محمول علی أنّه إذا کثر الدم ، ولأجل ذلک قرنه بذبح شاة وقعت فی البئر وهی تشخب دماً ، والمعتاد من ذلک الکثیر (2) ، ولمّا قلّ ذلک فی (3) الدجاجة والحمامة والرعاف (4) أجاز أن ینزح (5) دلاء یسیرة ، وذلک مفصّل فی الخبر الأوّل مشروح.

السند

لا ارتیاب فیه ، وقول بعض : إنّ المکاتبة فیها توقف (6) لا أعلم وجهه ، وصریح الروایة أنّ محمّد بن إسماعیل رأی خط الإمام علیه السلام .

المتن :

ظاهر فی أنّ الدم والبول مشترکان فی القطرات ، والأخبار فی البول قد تقدّم فیها کلام ، ولفظ ( غیره ) فی النسخ التی وقفت علیها ، وفی التهذیب ( من عذرة ) (7) ، وربّما دلّ قوله : کالبعرة. علی إطلاق العذرة علی فضلة غیر الإنسان ، إلاّ أن یکون التشبیه بالبعرة للصغر.

ص: 327


1- فی الاستبصار 1 : 45 / 124 : به.
2- فی الاستبصار 1 : 45 / 124 : الکثرة.
3- فی الاستبصار 1 : 45 / 124 یوجد : ذبح.
4- فی الاستبصار 1 : 45 / 124 : أو الحمامة أو الرعاف.
5- فی الاستبصار 1 : 45 / 124 : منها.
6- کما فی المعتبر 1 : 56.
7- التهذیب 1 : 245.

ثم الحدیث استدل به القائلون بنجاسة البئر بالملاقاة (1) ، فإنّ مثل ابن بزیع لا یسأل عن الطهارة اللغویّة. وبتقدیر إرادة الشرعیة بحسب اعتقاده وأنّه غیر مؤثّر یشکل بتقریر الإمام علیه السلام له علی اعتقاده.

وغایة ما یجاب به أنّ المعارض یحوج إلی التأویل سیما وهو الراوی لحدیث « ماء البئر واسع » ، وقد ادعی صراحته بالنسبة إلی هذا.

وفیه : أنّ حدیثه ذاک لا ینافی وجوب النزح ، إلاّ أنّ نفی الإفساد بدون التغیّر ثم الاکتفاء فی الطهارة بزواله له نوع منافاة للنجاسة بالملاقاة علی ما قیل ، ولو کان لا یخلو من نظر ، وقد تقدمت إلیه إشارة ، وحینئذٍ یراد بحل الوضوء زوال المرجوحیة.

وما ذکره الشیخ فی توجیه إرادة الدم القلیل له نوع وجه ، إلاّ أنّ ما قدّمناه من أنّ الوصف بالیسیرة یقتضی زیادة عما قاله الشیخ فی التوجیه ویوجب نوع إشکال من جهة البول والعذرة علی ما فی التهذیب ، ولا أدری وجه عدم تعرض الشیخ لذلک ، ولا وجه عدم بیان ما للدّم القلیل ، وکأنّه اکتفی لما فی التهذیب ، والبون بین الکتابین ظاهر فإنّ (2) الجهة مختلفة.

والمفید فی المقنعة قال : إنّ کان الدم قلیلاً نزح منها خمس دلاء (3) ، والله تعالی أعلم بحقائق الأُمور.

قال :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن محمّد بن زیاد ، عن کردویه

ص: 328


1- حکاه عنهم الشیخ حسن بن الشهید الثانی فی منتقی الجمان 1 : 57 ، والشیخ البهائی فی مشرق البحرین : 396.
2- فی « رض » : بأنّ.
3- المقنعة : 67.

قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن البئر یقع فیها قطرة دم أو نبیذ مسکر أو بول أو خمر ، قال : « ینزح منها ثلاثون دلواً ».

فهذا الخبر شاذّ نادر قد (1) تکلّمنا علیه فیما تقدم ، لأنّه تضمن ذکر الخمر والنبیذ المسکر الذی یوجب نزح جمیع الماء ، مضافاً إلی ذکر الدم ، وقد بینا الوجه فیه ، ویمکن أنّ یحمل (2) ما (3) یتعلق بقطرة دم أنّ نحمله علی ضرب من الاستحباب وما قدمناه من الأخبار علی الوجوب لئلاّ تتناقض الأخبار.

السند

قد یظن أنّ فیه جهالة محمّد بن زیاد لاشتراکه بین جماعة (4) ، بل الجمیع غیر موثقین عند التحقیق ، وإنّ نقل ابن داود توثیق بعض (5) ، والظاهر أنّه محمّد بن أبی عمیر لأنّ اسم أبی عمیر زیاد ، وقد تقدم (6) روایة ابن أبی عمیر عن کردویه ، غیر أنّ شیخنا المحقق میرزا محمّد أیده الله نقل عن بعض توثیقه بروایة ابن أبی عمیر عنه وتنظّر فیه ، والنظر فی محله.

المتن :

قد ذکرنا ما فیه سابقاً ، وکلام الشیخ هنا فیه محل نظر ، لأن

بحث حول محمد بن زیاد

ص: 329


1- فی الاستبصار 1 : 45 / 125 : وقد.
2- فی الاستبصار 1 : 45 / 125 فی « ب » : نحمل وفی « ج » : نحمله.
3- فی الاستبصار 1 : 45 / 125 : فیما.
4- هدایة المحدثین : 237.
5- رجال ابن داود : 159 / 1272.
6- فی ص 297.

الاستحباب فی قطرة الدم فقط غیر واضح الوجه ، ومشارکة البول له کذلک کما لا یخفی.

والحق أنّ هذا الخبر إن صحّ من أکبر الشواهد علی عدم نجاسة البئر بالملاقاة واستحباب النزح ، والله تعالی أعلم.

قال :

باب مقدار ما یکون بین البئر والبالوعة.

أخبرنی الشیخ أبو عبد الله (1) ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن الحسن ابن رباط ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن البالوعة تکون فوق البئر قال : « إذا کانت أسفل من البئر فخمسة أذرع ، وإذا کانت فوق البئر فسبعة أذرع من کل ناحیة وذلک کثیر ».

أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعیل ، عن أبی إسماعیل السرّاج ، عن عبد الله بن عثمان ، عن قدامة بن أبی زید الجمّال ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته کم أدنی ما یکون بین البئر والبالوعة : فقال : « إن کان سهلاً فسبعة أذرع وإن کان جبلاً فخمسة أذرع » ثم قال : « یجری الماء إلی القبلة إلی یمین ، ویجری عن یمین القبلة إلی یسار القبلة ، ویجری عن یسار القبلة إلی یمین القبلة ، ولا یجری من القبلة إلی دبر القبلة ».

مقدار ما یکون بین البئر والبالوعة

اشارة

ص: 330


1- فی الاستبصار 1 : 45 / 126 یوجد : رحمه الله .

السند :

فی الأوّل فیه محمّد بن سنان ، وقد تقدم ، والحسن ابن رباط ، مهمل فی الرجال (1).

وفی الثانی أبو إسماعیل السراج ، واسمه عبد الله بن عثمان کما وقع التصریح به فی الکافی فی باب البئر والبالوعة أیضاً وصلاة الحوائج (2) ، وفی الظنّ أنّه أخو حماد بن عثمان الثقة.

وفی بعض نسخ النجاشی : فی عبد الله بن عثمان أخی حماد أبی إسماعیل السراج ، غیر أنّ الاعتماد علیها مشکل لعدم معلومیة الصحة.

وعلی کل حال الظاهر أنّ لفظ ( عن ) هنا سهو ، بل عبد الله بن عثمان عطف بیان کما یعلم من الکافی (3).

وأمّا قدامة بن أبی زید فهو مجهول ، ومع هذا فی الروایة إرسال.

المتن :

فی الأوّل والثانی استدلوا به للمشهور : من استحباب التباعد بین البئر والبالوعة بمقدار خمس أذرع إنّ کانت البئر فوق البالوعة أو کانت الأرض صلبة ، وإلاّ فسبع (4).

ووجّهوا الاحتجاج بأنّ فی کل من الروایتین إطلاقاً وتقییداً فیجمع

الحسن بن رباط مهمل
بحث حول أبی اسماعیل السراج
قدامة بن أبی زید مجهول

ص: 331


1- کما فی رجال ابن داود : 73 / 413.
2- الکافی 3 : 8 / 3 و 478 / 6.
3- الکافی 3 : 8 / 3 و 478 / 6.
4- کما فی معالم الفقه : 106.

بینهما بحمل المطلق علی المقید ، وذلک أنّ التقدیر بالسبع فیهما مطلق فیقیّد فی الأولی بالرخاوة ، لدلالة الثانیة علی الاکتفاء بالخمس مع الجبلیة التی هی الصلابة ، ویقیّد فی الثانیة بعدم فوقیة البئر لدلالة الأُولی علی إجزاء الخمس مع أسفلیة البالوعة.

وفی نظری القاصر أنّ فی کل من الروایتین إطلاقاً من وجه وتقییداً من آخر ، فالجمع بحمل المطلق علی المقید مطلقاً محلّ تأمّل ، کما یعرف بإعطاء النظر حقه فی الروایتین ، إلاّ أنّ ضعف السندین یستغنی به عن الإطناب فی ذلک (1) الإطلاقین والتقییدین.

قال الوالد قدس سره : والظاهر أنّ قوله فی الروایة الاولی : « من کل ناحیة » یراد به أنّه لا یکفی البُعد بهذا المقدار من جانب واحد من جوانب البئر إذا کان البُعد بالنظر إلیها متفاوتاً ، وذلک مع استدارة البئر فربما تبلغ المسافة السبع إذا قیس إلی جانب ، ولا یبلغه بالقیاس إلی آخر ، فالمعتبر حینئذٍ البعد بذلک المقدار فما زاد ، بالقیاس إلی الجمیع ، کما ذکره بعض الأصحاب (2) انتهی.

وفیه ما لا یخفی.

ویحتمل أنّ یکون قوله : « لکل ناحیة » إشارة إلی الجهات الأربع ، وفیه بعد.

أمّا قوله : « وذلک کثیر » فیحتمل أنّ یکون الإشارة إلی السبعة بتأویل المقدار ، ویحتمل أنّ یکون إشارة إلی فوقیة البئر یعنی أنّ الأکثر الفوقیة.

وما تضمّنه الحدیث الثانی : من قوله : « یجری الماء إلی القبلة » إلخ.

ص: 332


1- فی « رض » : ذکر.
2- معالم الفقه : 108.

فالظاهر أنّ المقصود منه عدم جریان الماء إلی دبر القبلة ، وهو یتحقق بأنواع کثیرة منها : ما ذکر فی الروایة ، والیمین والیسار بالنسبة إلی المتوجه إلیها.

ثم الفوقیة المراد بها کون القرار أعلی فی کل من البئر والبالوعة.

وفسّر جدّی قدس سره البالوعة فی الروضة : بما یرمی فیها ماء النزح (1). وتبعه شیخنا قدس سره - (2) ، والذی یظهر من الصدوق أنّها الکنیف (3) ، کما فی بعض الأخبار الآتیة ، ولعلّه أولی.

قال :

وأخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أبی محمّد الحسن بن حمزة العلوی ، عن علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن حماد ، عن حریز ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وأبی بصیر ، قالوا : قلنا له : بئر یتوضّأ منها یجری البول قریباً منها أینجّسها؟ قال (4) : فقال : « إنّ کانت البئر فی أعلی الوادی والوادی یجری فیه البول من تحتها وکان بینهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ینجّس ذلک (5) شی ء ، وإنّ کانت البئر فی أسفل الوادی ویجری (6) الماء علیها وکان بین البئر وبینه سبعة أذرع لم ینجّسها ، وما کان أقل من ذلک لم یتوضّأ منه ) قال زرارة : فقلت

تفسیر البالوعة

ص: 333


1- الروضة البهیة 1 : 47.
2- مدارک الاحکام 1 : 102.
3- المقنع : 11.
4- فی الاستبصار 1 : 46 / 128 : قالوا.
5- فی الاستبصار 1 : 46 / 128 یوجد : البئر.
6- فی الاستبصار 1 : 46 / 128 : ویمر.

له : فإنّ کان یجری بلزقها وکان لا یلبث علی الأرض ، فقال : « ما لم یکن له قرار فلیس به بأس وإن استقر منه قلیل فإنّه لا یثقب الأرض ولا یغوله حتی یبلغ إلیه ولیس علی البئر منه بأس فتوضّأ منه ، إنّما ذلک إذا استنقع الماء کلّه ».

السند

فیه الحسن بن حمزة العلوی المرعشی من الأجلاّء وعدم توثیقه لا یضرّ بالحال ، لأنّه من الشیوخ ، نعم فی السند إبراهیم ابن هاشم فهو حسن.

المتن :

ذکر الوالد قدس سره أنّه یدل بظاهره من جهات علی حصول التنجّس بالتقارب (1) ، فیدل علی انفعال البئر بالملاقاة ، لکن لما دلّت الأخبار علی نفیه فلا بُدّ من التأویل.

وقد ذکر شیخنا قدس سره إمکان التأویل بإرادة المعنی اللغوی من النجاسة والنهی عن الوضوء للتنزیه (2).

والوالد قدس سره قال بعد نقل الروایة وذکر دلالتها علی التنجیس : ویشکل بأنّه إنّما یتم علی القول بالانفعال بالملاقاة ، وقد بیّنّا أنّ التحقیق خلافه ، سلّمنا ولکن الاتفاق واقع من القائلین بالانفعال علی عدم التنجیس بالتقارب الکثیر ، حکاه العلاّمة فی المنتهی ، وقد طعن فیها بعض الأصحاب

الحسن بن حمزة العلوی من الأجلاء
إبراهیم بن هاشم : حسن

ص: 334


1- معالم الدین : 105.
2- مدارک الأحکام 1 : 106.

بأنّ رواتها لم یسندوها إلی إمام ، فیجوز أنّ یکون قولهم : قلنا له ، إشارة إلی بعض العلماء (1).

ثم قال الوالد قدس سره : والأولی عندی أنّ یفتح للدخول فیها غیر هذا الباب ، فنقول : إنّ الظاهر من سوقها کونها مفروضة فی محل یکثر ورود النجاسات علیه ، ویظن فیه النفوذ ، وما هذا شأنه لا یبعد إفضاؤه مع القرب إلی تغیّر الماء (2) ، وأطال قدس سره الکلام فی التوجیه.

وأنت خبیر بما فیه ، والحق أنّ ( الخبر لا یدل صریحاً علی النجاسة ، بل المفهوم فیه قد یعطی ذلک ، ومع معارضة منطوق الأخبار المعتبرة ینتفی المفهوم ، نعم هو صریح فی عدم الوضوء بما ذکر فی الروایة ، وهو أعم من النجاسة ، بل احتمال الکراهة قریب ، وعلی تقدیر الصراحة أو الظهور ) (3) مع وجود المعارض الحمل علی النجاسة اللغویة لا بُدّ منه ، وغیره متکلّف ، هذا بتقدیر العمل بالحسن ، ومن لم یعمل به فهو فی راحة من التکلّف ، علی أنّه بتقدیر العمل الرجحان لغیر الخبر بقوة الإسناد ، ولا یخفی علی من أعطی الروایة حق النظر ما فی متنها من الإجمال وعدم الصراحة فی علوّ القرار وعدمه ، بل ظاهرة فی خلافه ، والله تعالی أعلم بالحال.

قال :

وأخبرنی الشیخ أبو عبد الله ، عن أبی محمّد الحسن بن حمزة العلوی ، عن أحمد بن إدریس عن محمّد بن أحمد (4) بن یحیی ، عن

ص: 335


1- معالم الفقه : 105.
2- معالم الفقه : 105 ، بتفاوت یسیر.
3- ما بین القوسین ساقط من « فض ».
4- الاستبصار 1 : 46 / 129 : لیست فی « ب ».

عباد بن سلیمان ، عن سعد بن سعد ، عن محمّد بن القاسم ، عن أبی الحسن علیه السلام فی البئر یکون بینها وبین الکنیف خمسة (1) وأقلّ وأکثر یتوضّأ منها؟ قال : « لیس یکره من قرب ولا بعد ، یتوضّأ منها ویغتسل ما لم یتغیر الماء ».

قال الشیخ (2) محمّد بن الحسن : هذا الخبر یدل علی أنّ الأخبار المتقدمة کلّها محمولة علی الاستحباب دون الحظر والإیجاب.

السند

فیه عباد بن سلیمان وهو مهمل فی کتب الرجال (3) ، وسعد بن سعد هو الأشعری الثقة ، والراوی عنه عباد بن سلیمان فی النجاشی (4) ، ومحمّد بن القاسم مشترک بین من وثّقه النجاشی وهو ابن القاسم بن الفضیل بن یسار (5) وبین مهمل ، ولا یبعد أنّ یکون هو ابن الفضیل ، إلاّ أنّ الفائدة منتفیة هنا.

المتن :

ظاهر فی أنّ البئر لا ینجس إلاّ مع التغیّر بالنجاسة ، وقول الشیخ : إنّ هذا الخبر یدل علی أنّ الأخبار المتقدمة محمولة علی الاستحباب. مراده به أنّ المقادیر المذکورة فی الأخبار محمولة علی الاستحباب ، لاقتضاء هذا الخبر

عباد بن سلیمان مهمل
سعد بن سعد الأشعری ثقة
محمد بن القاسم مشترک

ص: 336


1- فی الاستبصار 1 : 46 / 129 یوجد : أذرع.
2- فی الاستبصار 1 : 47 / 129 لا یوجد : الشیخ.
3- کما فی رجال الطوسی : 484 / 43.
4- رجال النجاشی : 179 / 470.
5- رجال النجاشی : 362 / 973.

أنّ الکنیف قرب أو بعد لا یضر بالحال ، ولا یقتضی کراهة الاستعمال.

ولا یخفی أنّ فی الحدیث مخالفة لما یظهر من مذهبه ، حیث تضمّن اعتبار التغیّر ، نعم علی تقدیر أنّ یقول الشیخ بأنّ النزح تعبّد وأنّ الماء لا ینجس بالملاقاة. لا منافاة ، وکلام الشیخ فی هذا لا یخلو من اضطراب ، وقد تقدم ما یغنی عن الإعادة.

ومن هنا یعلم أنّ ما قد یتوجه علی الشیخ من إطلاق قوله : إنّ الأخبار محمولة علی الاستحباب. من أنّ بعض الأخبار فیها لا یتم فیه الاستحباب. یمکن دفعه بما قرّرناه من العود إلی المقادیر ، ویحتمل أنّ یتناول الوضوء المنفی فی بعضها ، فتأمّل.

وینبغی أنّ یعلم أنّ جماعة من الأصحاب (1) صرحوا باعتبار الفوقیة بالجهة حیث یستوی القراران بناءً علی أنّ جهة الشمال أعلی فحکموا بفوقیة ما یکون فیها منها ، ودلیل ذلک روایة (2) غیر سلیمة السند ولا واضحة الدلالة علی ما أفهمه ، ومن ثَمَّ لم یتعرض لها هنا.

قال :

باب استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط

أخبرنی الشیخ ( أبو عبد الله ) (3) ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن علی بن محبوب ، عن محمّد بن

استقبال القبلة واستد بارها عند البول والغائط

اشارة

ص: 337


1- منهم الشیخ حسن بن الشهید الثانی فی معالم الفقه : 106 ، 107 ، وصاحب المدارک 1 : 103 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 156.
2- التهذیب 1 : 410 ، الوسائل 1 : 200 أبواب ماء المطلق ب 24 ح 6.
3- فی الاستبصار 1 : 47 / 130 بدل ما بین القوسین یوجد : رحمه الله .

الحسین ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن عیسی بن عبد الله الهاشمی ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن علی علیه السلام قال : « قال النبیّ صلی الله علیه و آله : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولکن شرّقوا أو غرّبوا ».

وبهذا الإسناد عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن عبد الحمید بن أبی العلاء ، أو غیره ، رفعه قال : سئل الحسن بن علی علیهماالسلام ما حدّ الغائط؟ قال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الریح ولا تستدبرها ».

السند

فی الأول جهالة بعیسی بن عبد الله وأبیه فإنّهما مهملان فی الرجال.

وأمّا محمّد بن عبد الله بن زرارة فأفاد شیخنا المحقق میرزا محمّد أیده الله أنّه ممدوح کما یعلم من کتابه فی الرجال (1).

وفی الثانی عبد الحمید وهو مهمل ، مضافاً إلی التردّد وجهالة الغیر ، مع کونه مرفوعاً ، والإجماع علی تصحیح ما یصح عن ابن أبی عمیر محل کلام.

المتن :

ظاهر النهی فی الحدیثین لو صحّا التحریم علی تقدیر کونه حقیقة فیه شرعاً ، وإنّ کان للبحث فیه مجال ، وقد قیل : إنّ الحدیثین دلیل

عیسی بن عبدالله وأبوه مهملان
محمد بن عبدالله بن زرارة ممدوح
عبدالحمید مهمل

ص: 338


1- منهج المقال : 303.

المشهور بین علمائنا من القول بالتحریم فی البول والغائط فی الصحاری والبنیان (1) ، لکن عرفت حال السند ، والشهرة مؤیّدة عند بعض.

وزاد العلاّمة فی المختلف أنّ القبلة محل التعظیم ، ولهذا وجب استقبالها فی حال الصلاة ، وأنّ فی ذلک تعظیماً لشعائر الله (2). وتبعه الشهید فی الذکری فی الوجه الأخیر (3).

وفی إثبات التحریم بمثل ذلک نظر.

وفی المقنعة : لا یستقبل القبلة ولا یستدبرها ولکن یجلس علی استقبال المشرق إنّ شاء أو المغرب ، ثمّ قال : وإذا دخل الإنسان داراً وقد بنی فیها مقعد للغائط علی استقبال القبلة واستدبارها لم یضرّه ذلک ، وإنّما یکره ذلک فی الصحاری والمواضع الذی یمکن فیها الانحراف عن القبلة (4).

وفی رسالة سلاّر : ولیجلس غیر مستقبل القبلة ولا مستدبرها ، فإن کان فی موضع قد بنی علی استقبالها واستدبارها فلینحرف فی قعوده ، هذا إذا کان فی الصحاری والفلوات ، وقد رخّص ذلک فی الدور ، وتجنبه أفضل (5).

وفی مختصر ابن الجنید : یستحب للإنسان إذا أراد التغوّط فی الصحراء أنّ یجتنب استقبال القبلة (6).

والأقوال فی المسألة کثیرة ، إلاّ أنّ المستند ما سمعته ، وسیأتی البقیة.

الأقوال فی حکم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلّی

ص: 339


1- کما فی معالم الفقه : 427.
2- المختلف 1 : 100.
3- الذکری 1 : 163.
4- المقنعة : 41.
5- المراسم : 32.
6- نقله عنه فی المختلف 1 : 99.

وما تضمنته الروایة الاولی من الأمر بالتشریق والتغریب لا ریب أنّه فی غیر البلاد التی قبلتها موافقة للمشرق والمغرب.

وربما یستفاد من قوله : « إذا دخلت المخرج » أنّ یکون ذلک فی البناء.

والنهی فی الثانیة عن استقبال الریح واستدبارها محمول علی الکراهة فی الاستقبال علی ما وجدناه فی کلام الأصحاب (1) ، ولم أرَ القول بالتحریم ، وأمّا الاستدبار فالأکثر لم یذکره.

وفی نهایة العلاّمة : الظاهر أنّ المراد بالنهی عن الاستدبار حالة خوف الردّ إلیه (2) ، والشهید فی الذکری جزم بعدم الفرق (3).

وأنت خبیر بأنّ اشتمال الروایة علی نهی الکراهة یقرّب کون غیره من المناهی کذلک ، ولم أر من ذکر هذا فی مقام الاستدلال بالخبر ، فلیتدبّر.

ولا یخفی اختصاص الروایة الثانیة بالغائط ، واللازم منه اختصاص الکراهة فی الریح به ، وعلی ما سمعته من کلام النهایة یقتضی الشمول للبول ، والروایة هی المستند علی ما قیل ، ولا تعرض فیها للبول.

وفی کلام بعض : أنّ الغائط کنایة عن التخلی (4). وفیه ما فیه.

ثم إنّ القبلة عند الإطلاق منصرفة إلی الکعبة المشرّفة أو جهتها.

وفی المنتهی : یکره استقبال بیت المقدس لأنّه قد کان قبلة ، ولا یحرم للنسخ (5). وهو أعلم بما قاله.

حکم استقبال الریح واستدبارها عند التخلّی
إشارة إلی حکم استقبال بیت المقدس عند التخلّی

ص: 340


1- منهم الشهید الأول فی الدروس 1 : 89 ، والشیخ حسن بن الشهید الثانی فی معالم الفقیه : 431 ، وصاحب المدارک 1 : 179.
2- نهایة الأحکام 1 : 82.
3- الذکری 1 : 164.
4- منهم الشیخ حسن بن الشهید الثانی فی معالم الفقه : 432.
5- المنتهی 1 : 40.

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن علی بن محبوب ، عن الهیثم بن أبی مسروق (1) ، عن محمّد بن إسماعیل قال : دخلت علی أبی الحسن الرضا علیه السلام وفی منزله کنیف مستقبل القبلة.

فلا ینافی هذا الخبر الخبرین الأوّلین ؛ لأنّه لیس فیه أکثر من أنّه شاهد کنیفاً قد بُنی علی هذا الوجه ، ولم یذکر أنّه شاهده علیه قاعداً ، أو سوّغ ذلک ، أو أمر ببنائه علی هذا الوجه ، ویجوز أنّ یکون قد انتقل الدار إلیه وقد بنی کذلک ، فإنّه إذا کان الأمر علی ذلک لجاز الجلوس علیه.

السند

فیه الهیثم بن أبی مسروق ، ولا أعلم من حاله إلاّ أنّ النجاشی قال : إنه قریب الأمر (2) ، والکشیّ نقل عن حمدویه عن أشیاخه : أنه فاضل (3).

ومحمّد بن إسماعیل هو ابن بزیع علی الظاهر.

المتن :

جعله فی المختلف دلیل سلاّر مع أصالة الجواز ، وأجاب عن الروایة بأنّها لا تدل علی أنّه کان یجلس علیه ، ولو سلّم ذلک فجاز أنّ یکون قد

بحث حول الهیثم بن أبی مسروق

ص: 341


1- فی « فض » زیادة : عن محمّد.
2- رجال النجاشی : 437 / 1175.
3- رجال الکشّی 2 : 670 / 696.

انتقل إلیه الملک علی هذه الحالة ، وکان ینحرف عند جلوسه (1).

وهذا الجواب قد یتعجب منه ، لأنّه اختار المشهور من التحریم ، واستدل علیه بالروایتین والتقریب السابق ، ونقل عن سلاّر القول بالانحراف فی البناء ، والجواب یعطی الانحراف عند الجلوس ، وکأنّ المراد الانحراف عن القبلة غیر الانحراف الذی یقول به سلاّر.

ومن هنا یعلم ما قد یتوجه علی الشیخ أیضاً ، فإنّه تقدم العلاّمة ، واقتفی أثره فی الجواب ، لکن الشیخ أطلق جواز الجلوس فی الدار المستقبلة من دون الانحراف ، ولعلّ مراد الشیخ أنّه لا یلزم من البناء جواز الجلوس ، والعبارة قاصرة إذ لم ینقل عن الشیخ هذا القول ، ولیس العذر کون الاستبصار لا یعتمد الشیخ فیه علی الفتوی ، لأنّ العلاّمة یحکم بمذهب الشیخ فی الاستبصار ، بل وغیره حتی الوالد قدس سره ، ولا یخلو من تأمّل علی الإطلاق ، نعم قد یوجد نادراً.

وحکی الوالد قدس سره کلام المختلف فی جوابه ثم قال : ولهذا الکلام وجه لو کانت حجة المشهور ناهضة بإثباته (2).

وقد یقال : إنّ حجة المشهور وإنّ لم تنهض بالتحریم ، إلاّ أنّ الکراهة لا خلاف فیها إلاّ من عبارة المفید ، حیث قال : لا یضره ذلک (3). ولا یبعد أنّ یکون مراده عدم التحریم ، وحینئذٍ لا بُدّ من حمل الحدیث علی الانحراف وجوباً أو استحباباً ، إلاّ أنّ یدّعی عدم الإجماع علی الکراهة.

وأمّا ابن الجنید احتمل الوالد قدس سره أنّ یکون مستنده الأصل ،

ص: 342


1- المختلف 1 : 100.
2- معالم الفقه : 428.
3- المقنعة : 41.

والاستحباب للأخبار اعتماداً علی التساهل فی أدلة السنن ، ولما ذکره العلاّمة من الاعتبارین (1) ، هذا.

ویبقی فی المسألة من الأحادیث روایة علی بن إبراهیم رفعه إلی أبی الحسن موسی علیه السلام حین سأله أبو حنیفة - وهو غلام - : یا غلام أین یضع الغریب ببلدکم؟ فقال فی جملة جوابه : « لا یستقبل القبلة بغائط ولا بول » (2) ، وحال الحدیث غیر خفی.

وفی خبر آخر معدود من الحسن ، عن محمّد بن إسماعیل ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام أنّه سمعه یقول : « من بال حذاء القبلة ثم ذکر فانحرف عنها إجلالاً للقبلة وتعظیماً لها لم یقم من مقعده ذلک حتی یغفر له » (3).

وهذا الحدیث لا یدل علی التحریم کما هو ظاهر ، غیر أنّه یؤیّد الانحراف فی البناء إذا استقبل ، کما قاله العلاّمة ، وإنّ کان ظنّه التحریم ، ویتحقق حینئذٍ عدم تمامیة إطلاق الوالد قدس سره فلیتأمّل.

بقی شی ء وهو أنّ بعض المحققین قال : إنّ الواجب نفس التشریق والتغریب وأنّه لا یجوز استقبال ما بین المشرق والمغرب والقبلة تمسکاً بظاهر الأمر فی الخبر الأوّل ، وأیّده بقوله علیه السلام : « ما بین المشرق والمغرب قبلة » (4) ، وأنّ قبلة البعید هی الجهة وفیها اتساع (5).

وفیه : أنّ الروایة قاصرة السند ، وحدیث « ما بین المشرق والمغرب

ص: 343


1- معالم الفقه : 428.
2- الکافی 3 : 16 / 5 ، التهذیب 1 : 30 / 79 ، الوسائل 1 : 301 أبواب أحکام الخلوة ب 2 ح 1.
3- التهذیب 1 : 352 / 1043 ، الوسائل 1 : 303 أبواب أحکام الخلوة ب 2 ح 7.
4- الفقیه 1 : 180 / 855 ، الوسائل 4 : 314 أبواب القبلة ب 10 ح 2.
5- حکاه المدارک 1 : 160 أیضاً عن بعض المحققین ولم نعثر علی قائله.

قبلة » فی وجه خاص لا مطلقاً ، واتساع الجهة لا یقتضی ما ذکره ، إذ اللازم منه جواز الصلاة اختیاراً مع تحقق الجهة واتساعها ، مضافاً إلی ما یظهر من الأصحاب القائلین بالانحراف فی البناء ، فإنّ المراد به الانحراف المتعارف فی المحالّ المبنیّة ، والروایة المتضمنة للانحراف عن القبلة إجلالاً مطلقة أیضاً ، فالظاهر أنّ القول لا وجه له بعد ضعف الخبر.

قال :

باب من أراد الاستنجاء وفی یده الیسری

خاتم علیه اسم من أسماء الله تعالی

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن أحمد بن إدریس ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه قال : « لا یمسّ الجنب درهماً ولا دیناراً علیه اسم الله ، ولا یستنجی وعلیه خاتم فیه اسم الله ، ولا یجامع وهو علیه ، ولا یدخل المخرج وهو علیه ».

السند

موثق کما تقدم القول فیه.

المتن :

ظاهره أنّ الجنب لا یمسّ الدرهم الذی علیه الاسم ، ولا یستنجی وعلیه الخاتم الذی فیه الاسم ، وکذا لا یجامع ولا یدخل المخرج.

من أراد الاستنجاء وفی یده الیسری خاتم علیه اسم من أسماء الله تعالی

اشارة

ص: 344

والذی فی کلام من رأینا کلامه ما اقتضاه العنوان فی الاستنجاء فی الیسار (1) ، ولعلّه المراد من الروایة ، ولولاه لأمکن جریان الکراهة فی غیر الصورة المذکورة بقرینة ذکر المجامع ودخول المخرج.

وأمّا مسّ الدینار : فالاحتمال من ظاهره حاصل ، إلاّ أنّ الذی صرّح به البعض هو مسّ نفس الاسم.

وفی الفقیه : ولا یجوز للرجل أنّ یدخل إلی الخلاء ومعه خاتم علیه اسم الله أو مصحف فیه القرآن (2).

قال : فأما ما رواه أحمد بن محمّد ، عن البرقی ، عن وهب بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کان نقش خاتم أبی : العزّة لله جمیعاً ، وکان فی یساره یستنجی بها ، وکان نقش خاتم أمیر المؤمنین علیه السلام : الملک لله ، وکان فی یده الیسری ویستنجی بها ».

فهذا الخبر محمول علی التقیة ، لأنّ راویه وهب بن وهب وهو عامی ضعیف متروک الحدیث فیما یختص به ، علی أنّ ما قدمناه من آداب الطهارة ، ولیس من واجباتها.

والذی یدل علی ذلک :

ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن سهل بن زیاد ، عن علی بن الحکم ، عن أبان بن عثمان ، عن أبی القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له : الرجل یرید الخلاء وعلیه خاتم فیه اسم الله تعالی قال

ص: 345


1- کما فی مدارک الاحکام 1 : 181.
2- الفقیه 1 : 20.

« ما أُحبّ ذلک » قال : فیکون اسم محمّد صلی الله علیه و آله قال : « لا بأس ».

السند

فی الأوّل ما ذکره الشیخ فی وهب : من أنّه عامی.

وفی النجاشی : أنّه کذاب (1).

أمّا البرقی ففی القدح به کلام.

وفی الثانی سهل بن زیاد کاف فی الردّ ، أمّا اشتراک علی بن الحکم ففیه : أنّ الوالد قدس سره حکم بالاتحاد (2) وهو الثقة ، واحتمله شیخنا المحقق سلّمه الله (3).

وأبو القاسم أظنّه معاویة بن عمار.

المتن :

کما قاله الشیخ محمول علی التقیة ، ولا یبعد أنّ یکون الواو الذی فی قوله : « ویستنجی بها » الأخیر أسقط من : « یستنجی بها » الاولی ، وحینئذٍ لا یدلّ علی أنّه کان یستنجی فی حال وجود الخاتم فیها.

أمّا ما قاله الشیخ : من أنّ ما قدّمه من آداب الطهارة ، فهو حق ، إلاّ أن ظاهر « کان » الدوام ، کما صرحوا به ، والمداومة علی المکروه من الأئمة علیهم السلام غیر واقعة.

والحدیث الذی ذکره إنّ أراد به التأیید من حیث قوله : « لا أُحب » فله وجه ، إلاّ أنّه وارد فی دخول الخلاء والخاتم علیه ، لا فی الاستنجاء ،

وهب بن وهب عامی کذّاب
إشارة إلی ضعف سهل بن زیاد
علی بن الحکم ثقة

ص: 346


1- رجال النجاشی : 430 / 1155.
2- منتقی الجمان 1 : 38.
3- منهج المقال : 232.

والعنوان له ، إلاّ أنّ یقال : إنّ مراد الشیخ مدلول الحدیث الأوّل لا العنوان.

وما تضمنه الخبر المؤیّد : من أنّه لا بأس باسم محمّد ، لا ینافی ما ذکره جماعة من إلحاق اسم الأنبیاء (1) ، لاحتمال الحدیث لغیر اسم النبی صلی الله علیه و آله خصوصه ، بل اسم الشخص محمّد ، ولئن استبعد ذلک أمکن تخصیصه بجواز الدخول به للخلاء لا الاستنجاء.

باب (2) الاستبراء قبل الاستنجاء من البول

أخبرنی الشیخ رحمه الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسین بن سعید ، ومحمّد بن خالد البرقی ، عن ابن أبی عمیر ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یبول قال : « ینتره ثلاثاً ، ثم إنّ سال حتی یبلغ الساق فلا یبالی ».

وأخبرنی (3) الحسین بن عبید الله ، عن عدة من أصحابنا ، عن محمّد ابن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد ، عن حریز ، عن ابن مسلم قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل بال ولم یکن معه ماء قال : « یعصر أصل ذکره إلی رأس (4) ذکره ثلاث عصرات وینتر

الاستبراء قبل الاستنجاء من البول

اشارة

ص: 347


1- منهم العلاّمة فی المنتهی 1 / 41 ، والشهید فی الدروس 1 : 89 ، وصاحب المدارک 1 : 181.
2- فی الاستبصار 1 : 48 یوجد : وجوب.
3- الإستبصار 1 : 49 / 137 فی « ج » : الشیخ الحسین.
4- الاستبصار 1 49 / 137 لیست فی « ب » و « د ».

طرفه ، فإنّ خرج بعد ذلک شی ء فلیس من البول ولکنّه من الحبائل » (1).

السند

فی الأوّل واضح ، وفی الثانی فیه العدّة وهی مجهولة ، وفی الکافی رواه بالطریق فیکون حسناً (2).

المتن :

ظاهر الأوّل الاکتفاء بالنتر ثلاثاً ، والإجمال واقع فی الثلاثة ، إذ یحتمل أنّ یکون المرّتان منها من المقعدة إلی أصل القضیب والواحدة بعد ذلک ، ویحتمل العکس ، وقد یمکن ترجیح الأوّل بأنّ إخراج المتخلّف إلی أصل القضیب مطلوب فیه التعدد بخلاف بعده ، وفیه : أنّ العکس له نوع وجهٍ أیضاً.

ثم الحدیث الثانی فی ظاهره مخالفة للأوّل من حیث الاکتفاء بالثلاثة فی الأوّل وزیادة النتر فی الثانی.

وفی الکافی : « أصل ذکره إلی طرفه » ولا یخلو أیضاً من إجمال ، ولعلّ روایة الشیخ مبنیة علی إرادة الطرف بنوع تقریب.

ویمکن أنّ یجمع بین الخبرین المبحوث عنهما بحمل المطلق علی المقید أو التخییر ، نظراً إلی ما ذکره شیخنا قدس سره من أنّهما واردان فی مقام البیان المنافی للإجمال (3) ، وإنّ کان فیه نوع تأمّل ، إلاّ أنّه قابل للتسدید.

کیفیّة الاستبراء

ص: 348


1- الحبائل : عروق ظهر الإنسان ، وحبال الذکر عروقه مجمع البحرین 50 : 347 348 ( حبل ).
2- الکافی 3 : 19 / 1 ، الوسائل 1 : 225 أبواب أحکام الخلوة ب 11 ح 2.
3- مدارک الأحکام 1 : 301.

وفی المنتهی ذکر العلاّمة فی بیان الکیفیة أنّها المسح بالید من عند المقعدة إلی أصل القضیب ثلاثاً ، ومنه إلی رأسه ثلاثاً ، وینتره ثلاثاً (1) ، واحتجّ بالروایة الثانیة ، ولا یخفی أنّها غیر وافیة بمرامه.

وینقل عن ابن الجنید أنّه قال : یستحب له أنّ ینتر ذکره من أصله ثلاث مرّات لیخرج شی ء إنّ کان بقی فی المجری (2).

وحکی العلاّمة فی المنتهی عن المرتضی نحوه ، وأنّه احتجّ بالروایة الثانیة ، وأجاب بأنّه لا تنافی بین الحدیثین ، لأنّ المستحب الاستظهار بحیث لا یتخلّف شی ء من أجزاء البول فی القضیب ، وذلک قابل للشدة والضعف ، ومتفاوت بقوة المثانة وضعفها (3).

ولا یخفی علیک الحال.

اللغة :

قال فی القاموس : النتر الجذب ، واستنتر بوله اجتذبه واستخرج بقیته (4).

قال :

فأمّا ما رواه الصفار ، عن محمّد بن عیسی قال : کتب إلیه رجلٌ : هل یجب الوضوء ممّا خرج من الذکر بعد الاستبراء؟ فکتب : « نعم ».

فالوجه (5) أنّ نحمله علی ضرب من الاستحباب دون الوجوب ، أو

معنی النتر

ص: 349


1- المنتهی 1 : 42.
2- نقله عنه فی معالم الفقه : 440.
3- المنتهی 1 : 42.
4- القاموس المحیط 2 : 143 ( نتر ).
5- فی الاستبصار 1 : 49 / 138 زیادة : فیه.

نحمله علی ضرب من التقیة ، لأنّه موافق لمذهب أکثر العامة.

السند

طریق المصنف فی المشیخة إلی الصفار الشیخ أبو عبد الله ، والحسین بن عبید الله ، وأحمد بن عبدون کلهم ، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الولید ، عن أبیه ، وأبو الحسین بن أبی جید ، عن محمّد بن الحسن بن الولید ، عن الصفار (1).

ومحمّد بن عیسی قد تقدم ذکره أیضاً (2) ، والکلام فی المکاتبة کذلک (3).

المتن :

ما ذکره الشیخ فیه متّجه ، ویمکن حمله علی ما یخرج من البول بالاستبراء ، أو یراد بالبعدیّة ذلک ، ولا یخلو من بُعد ، إلاّ أنّه لیس بأبعد من محامل الشیخ رحمه الله .

قال :

باب مقدار ما یجزی من الماء

فی الاستنجاء من البول

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد

طریق الشیخ إلی الصفار

مقدار ما یجزی من الماء فی الاستنجاء من البول

اشارة

ص: 350


1- مشیخة التهذیب ( التهذیب 10 ) : 73.
2- فی ص 75 82.
3- فی ص 89.

ابن عبد الله ، عن الهیثم بن أبی مسروق (1) ، عن مروک بن عبید ، عن نشیط بن صالح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته کم یجزی من الماء فی الاستنجاء من البول؟ فقال : « مِثلاً ما علی الحشفة من البلل ».

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، ویعقوب بن یزید ، عن مروک بن عبید ، عن نشیط ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یجزی من البول أنّ تغسله بمثله ».

فلا ینافی الخبر الأوّل ، لأنّ قوله « یجزی أنّ تغسله بمثله » یحتمل أن یکون راجعاً إلی البول (2) وذلک أکثر من الذی اعتبرناه من مثلی ما علیه.

السند

فیه الهیثم بن أبی مسروق ، وقد تقدم فیه القول (3).

ومروک بن عبید ، ولم یوثقه سوی الکشّی (4) نقلاً عن علی بن الحسن ابن فضال ، والحال غیر خفیة.

ونشیط بن صالح وثقه النجاشی (5) ، وتبعه العلاّمة فی الخلاصة (6).

المتن :

لا ریب فی التنافی بین الحدیثین ، وما ذکره الشیخ فی الجمع فیه بعد

حال مروک بن عبید
حال نشیط بن صالح

ص: 351


1- فی الاستبصار 1 : 49 / 139 زیادة : النهدی.
2- الاستبصار 1 : 50 / 140 یوجد : لا إلی ما بقی.
3- فی ص 319.
4- رجال الکشّی 2 : 835 / 1063.
5- رجال النجاشی : 429 / 1153.
6- خلاصة العلاّمة : 176 / 3.

ظاهر.

وذکر بعض المتأخرین أنّ المماثلة بین الماء المغسول به وبین القطرة المتخلّفة علی الحشفة بعد خروج البول ، فإنّ تلک القطرة یمکن إجراؤها علی المخرج ، وأغلبیتها علی البلل الذی یکون علی حواشیه [ ظاهر ] (1). وفیه ما فیه.

وفی نظری القاصر احتمال أنّ یراد فی الحدیث الثانی بالمثل الماء ، والمعنی أنّه یجزی أنّ یغسل بالماء لا بالأحجار ، واستعمال الإجزاء غیر مستبعد فی هذا المعنی ؛ لضرورة الجمع.

وللشیخ رحمه الله فی التهذیب کلام فی ردّ الروایة من جهة أنّ الراوی رواها تارة بواسطة وتارة بغیرها (2) وقد ذکرت فی حاشیته : أنّ الظاهر عدم قدح هذا ، بل ربما دل علی أنّ المثل قد رواه غیره فأشار إلی ذلک ، ولا یبعد حینئذٍ علی تقدیر العمل بالروایتین أنّ تحمل الاولی علی أنّ المثلین کنایة عن الغسلة الواحدة لاشتراط الغلبة ، وهو قول البعض (3) ، والروایة الثانیة تحمل علی ما قدّمناه ، أمّا إذا اعتبرنا التعدد فی مخرج البول ، کما هو قول الأکثر (4) فلا یتم ما ذکرناه.

والعلاّمة فی المنتهی اقتصر فی المرّتین علی الثوب ، وکذلک فی التحریر (5).

وفی بحث الاستنجاء من المنتهی والنهایة اکتفی بالمرّة إذا زالت العین (6).

معنی المثل والمثلین

ص: 352


1- جامع المقاصد 1 : 94 ، وما بین المعقوفین أضفناه من المصدر لاستقامة المتن.
2- التهذیب 1 : 35.
3- جامع المقاصد 1 : 94.
4- منهم المفید فی المقنعة : 42 ، والشیخ فی المبسوط 1 : 17 ، والمحقق فی المعتبر 1 : 126.
5- المنتهی 1 : 175 ، وتحریر الأحکام 1 : 24.
6- المنتهی 1 : 44 ، ونهایة الأحکام 1 : 91.

وفی المختلف اکتفی بذلک وحکی القول به عن أبی الصلاح وابن إدریس ، ووجّهه بعدم نهوض الأخبار بإثبات التعدّد ، وإطلاق الأمر بغسل البول فی الأخبار الواردة فی الاستنجاء (1).

قال الوالد قدس سره : وهذا القول متّجه لولا ما یشعر به کلام المحقق من دعوی الإجماع علی التعدّد (2). والذی نقله عن المحقق فی المعتبر أنّه جمع بین الثوب والبدن وقال : إنّ التعدّد مذهب أصحابنا لکنه جعل المرّتین فی الثوب غَسلاً وفی البدن صبّاً (3).

ولا یخفی أنّ هذا الکلام من المحقق لا یدلّ صریحاً علی أنّ البدن یراد به ما یتناول الاستنجاء ، بل الظاهر إرادة غیر محل الاستنجاء ، فإنّه فی بحث الاستنجاء حکی عن أبی الصلاح أنّه قال : أقلّ ما یجزی ما أزال عین البول عن رأس فرجه (4).

ثم احتجّ المحقق لاعتبار مثلی ما علی الحشفة بوجهین :

الأوّل : روایة نشیط ، مؤیّداً بما روی : أنّ البول إذا أصاب الجسد یصبّ علیه الماء مرّتین (5).

والثانی : أنّ غَسل النجاسة بمثلها لا یحصل معه الیقین بغلبة المطهر علی النجاسة ، ولا کذلک لو غسلت بمثلیها ، وأشار بعد هذا إلی روایة نشیط الدالة علی المثل ، وقال : إنّها مقطوعة السند (6).

اعتبار التعدّد وعدمه فی غسل موضع البول

ص: 353


1- المختلف 1 : 106.
2- معالم الفقه : 321.
3- معالم الفقه : 320.
4- المعتبر 1 : 126.
5- الکافی 3 : 20 / 7 ، التهذیب 1 : 249 / 714 ، الوسائل 1 : 343 أبواب أحکام الخلوة ب 26 ح 1.
6- المعتبر 1 : 126.

وأنت خبیر بأنّ هذا یدل علی أنّ الإجماع المدّعی منه فی غیر محل الاستنجاء ، وإلاّ لکان أحق بالذکر فی الاستدلال.

وما قاله فی الدلیل الثانی : من أنّ یقین الغلبة یقتضی أنّ المثلین غَسل واحد ، کما یظهر فی نظری القاصر ، فالقول منه بالتعدّد إنّ أراد به تعدّد الغَسل أشکل بأنّ کل مثل لیس فیه أغلبیة ، فلا یتحقق تعدّد الغَسل.

والعجب من جزم شیخنا قدس سره بردّ القول فی توجیه الروایة بأنّ المثلین لبیان أقل ما یجزی قائلاً : إنّ المثلین إذا اعتبرا غسلتین کان المثل الواحد غسلة ، وقد ثبت أنّ الغسلة لا بُدّ فیها من أغلبیة مائها علی النجاسة (1).

ولا یذهب علیک أنّ الثبوت محتاج إلی البیان إنّ کان من النص أو الإجماع ، وعلی ظاهر کلام المحقق کما سمعته لا إجماع ، والنص لا أعلمه الآن ، ودلالة العرف محل خفاء ، والأخبار الدالة علی التعدّد لا یقتضی ذلک بتقدیر شمولها لمحل الاستنجاء ، وبالجملة فالمقام محل کلام ، إلاّ أنّه لا خروج عن قول العلماء الأعلام.

قال :

باب غسل الیدین قبل إدخالهما

الإناء عند واحد من الأحداث

أخبرنی الحسین بن عبید الله (2) ، عن أحمد بن محمّد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد ، عن الحلبی قال : سألته عن الوضوء کم یفرغ الرجل علی یده الیمنی قبل أنّ یدخلها فی الإناء؟

غسل الیدین قبل إدخالهما الإناء عند واحد من الأحداث

اشارة

ص: 354


1- مدارک الأحکام 1 : 163.
2- فی النسخ : عبد الله ، وما أثبتناه من الاستبصار 1 : 50 / 141.

قال : « واحدة من حدث البول واثنتان من الغائط وثلاث من الجنابة ».

وبهذا الإسناد عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن علی بن السندی ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « یغسل الرجل یده من النوم مرّة ، ومن الغائط والبول مرّتین ومن الجنابة ثلاثاً ».

السند

فی الأوّل فیه محمّد بن عیسی الأشعری ولم یوثّق ، واحتمال کون أحمد بن محمّد هو ابن خالد بعید ، لأنّ وجود مثل هذه الروایة فی روایة محمّد بن أحمد ، عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن أبیه أکثر من أنّ یحصی.

وفی الثانی : علی بن السندی وهو مجهول ، وما فی الخلاصة فی علی بن إسماعیل (1) وأنّ إسماعیل یلقّب بالسندی لا یخلو من توهم کما یعلم من کتاب شیخنا أیّده الله فی الرجال (2).

المتن :

فی الخبرین لا یدلّ إلاّ علی غَسل الید فقط لا غسل الیدین کما فی العنوان ، وإطلاق الید فی الثانی یحمل علی المقیّد الأوّل.

ثم إنّ الخبر الثانی ظاهره غَسل الید من البول والغائط مرّتین ، فإنّ کان التعدد راجعاً إلی کل من الغائط والبول نافی الأوّل ، وإنّ کان کل واحد له مرّة نافی الأوّل فی الغائط ، ولا یبعد أنّ یحمل علی حالة اجتماع البول

محمد بن عیسی الأشعری لم یوثق
علی بن السندی مجهول

ص: 355


1- خلاصة العلاّمة : 96 / 28 ، وفیه : السری بدل السندی.
2- منهج المقال : 226.

والغائط ، إلاّ أنّ عدم تعرض الشیخ لذلک لا یخلو من غرابة بعد الظهور.

قال :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن صفوان بن یحیی ، وفضالة ابن أیوب ، عن العلاء بن رزین ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن الرجل یبول ولا تمس یده الیمنی شیئاً (1) أیغمسها فی الماء؟ قال : « نعم وإنّ کان جنباً ».

فالوجه فی هذا الخبر رفع الحظر عن ذلک ، لأنّ ذلک من الآداب دون الواجبات ، وإنما الواجب إذا کان علی یده نجاسة تفسد الماء.

والذی یدل علی ذلک :

ما رواه الحسین بن سعید ، عن أخیه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إنّ أصابت الرجل جنابة فأدخل یده فی الإناء فلا بأس إنّ لم یکن أصاب یده شی ء من المنی ».

السند

فی الأوّل واضح ، وفی الثانی زرعة وسماعة فهو موثق عند المتأخرین ، وفی سماعة نوع کلام تقدم (2).

المتن :

کأنّ الشیخ فهم من الأوّل ماء الوضوء ، وظاهره السؤال عن مباشرة

إشارة إلی حال زرعة وسماعة

ص: 356


1- فی الاستبصار 1 : 50 / 143 : ولا یمس یده الیمنی شی ء. وفی التهذیب : ولم تمس یده الیمنی شیئاً.
2- فی : 108.

المحدث بالبول للماء هل تؤثّر شیئاً ، فأجابه علیه السلام بأنّه وإنّ کان جنباً یغمسها فلا یؤثّر ، وهو وإنّ اقتضی العموم یخصّ بغیر الوضوء فإنّ إناءه یؤثّر فیه فعل خلاف الأولی ، ولو حمل علی عدم التنجیس أو عدم تغیره عن حالة جواز الوضوء به جاز ، وکلام الشیخ فیه واضح ، والاستدلال علیه بالروایة لا یناسبه ، بل یؤیّد ما قلناه ، والأمر سهل.

قال :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن سنان ، وعثمان بن عیسی ، جمیعاً عن ابن مسکان ، عن لیث المرادی أبی بصیر ، عن عبد الکریم بن عتبة الکوفی الهاشمی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یبول ولم یمسّ یده الیمنی شی ء أیدخلها فی وَضوئه قبل أنّ یغسلها؟ قال : « لا حتی یغسلها » قلت : فإن استیقط من نومه فلم یبل أیدخل یده فی وَضوءه قبل أنّ یغسلها؟ قال : لا ، لأنّه لا یدری أین (1)باتت یده فلیغسلها.

فالوجه فی هذا الخبر أنّ نحمله علی ضرب من الاستحباب دون الوجوب ، لدلالة ما قدّمناه من الأخبار.

السند

فیه محمّد بن سنان وعثمان بن عیسی وقد تقدم (2) حالهما ، أمّا عبد الکریم فقد وثقه الشیخ فی رجال الکاظم علیه السلام (3).

عبدالکریم بن عتبة الکوفی ثقة

ص: 357


1- الإستبصار 1 : 51 / 145 فی « د » : حیث کانت.
2- فی ص 117 118 ، 70 72.
3- رجال الطوسی : 354 / 13.

وظن شیخنا قدس سره من تقیید أبی بصیر بلیث أنّ روایة ابن مسکان قرینة علی ذلک دائماً ، وفیه : أنّ الوالد قدس سره حکی أنّه رأی روایة ابن مسکان عن یحیی بن القاسم ) (1).

المتن :

ما ذکره الشیخ فیه من الاستحباب ، علیه الأصحاب (2) ، بل قیل : إنّه مذهب علمائنا (3).

أمّا ما ذکره من أنّ الأخبار المتقدمة دالة علی الاستحباب ، ففیه تأمّل ، لأنّ الأخبار منها ما یدل علی الغَسل ، ومنها ما یدل علی أنّه لا بأس بغمسها فی الماء ، ولا صراحة فیها فی الوضوء ، وبتقدیر حمل الخبرین الأولین علی الوضوء کما هو الظاهر منهما لا دلالة لها علی الاستحباب ، والخبر الآخر غیر مقید بالوضوء کما قدّمناه ، والخبر المبحوث عنه خاص بالوضوء ، لکن ما ذکرناه من اتفاق الأصحاب یسهل الخطب.

ثم إنّ ظاهر التعلیل فی الأخیر یقتضی الاختصاص بالماء القلیل ، والأخبار الواردة فی الإناء ظاهرة فی أنّه إذا کان الاغتراف منه ، واختصاصه بالقلیل غیر بعید ، لأنّه الغالب ، وجدّی قدس سره جزم بالتعمیم رعایة لجانب التعبّد (4). وفیه ما فیه.

نعم یمکن أن یقال : بعدم التزام کون الماء القلیل فی الإناء الصغیر ، فلیتأمّل.

ص: 358


1- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
2- منهم المحقق فی المعتبر 1 : 165 ، والعلاّمة فی المنتهی 1 : 48 ، 49 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 1 : 78.
3- کما فی المعتبر 1 : 165.
4- روض الجنان : 41.

اللغة :

الوَضوء بالفتح ما یتوضّأ به ، کالوقود لما یوقد به ، فقول السائل : أیدخلها فی وضوئه ، المراد به ذلک.

قال :

باب وجوب الاستنجاء من الغائط والبول

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن إبراهیم بن أبی محمود ، عن الرضا علیه السلام قال : سمعته یقول فی الاستنجاء : « یغسل ما ظهر علی الشرج ولا یدخل فیه الأنملة ».

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن محمّد بن علی بن محبوب ، وعن إبراهیم بن محمّد ، عن أبیه ، عن محمّد بن علی بن محبوب ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زیاد ، عن جعفر بن محمّد علیهماالسلام ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال لبعض نسائه : « مُری نساء المؤمنین أنّ یستنجین بالماء ویبالغن فإنّه مطهرة للحواشی ومُذهبة للبواسیر ».

السند

فی الأوّل : واضح بعد ما قدمناه (1).

معنی الوضوء

وجوب الاستنجاء من الغائط والبول

اشارة

ص: 359


1- فی ص 111 112.

و فی الثانی : هارون بن مسلم ، فهو وإن کان ثقة إلاّ أنّه کان له مذهب فی الجبر والتشبیه (1) ، ولعله غیر مضر بالحال ، کما یظهر من متأخّری الأصحاب.

وأمّا مسعدة بن زیاد فهو ثقة ، أمّا جهالة حال إبراهیم وأبیه فغیر مضرّرة ، کما لا یخفی.

المتن :

ظاهر الأول عدم وجوب غَسل الباطن ، وما تضمنه الثانی من الأمر بالمبالغة کأنّه لا یراد به غَسل الباطن ، بل المبالغة فی الماء.

اللغة : الشرج محرّکة فرج المرأة ، قاله فی القاموس (2) ، وفی المغرب شرج الدبر حلقته (3).

والحواشی جمع حاشیة وهی الجانب ، أی مطهرة لجانب المخرج.

والمطهرة بفتح المیم وکسرها ، والفتح [ هو الأفصح (4) ] موضوعة فی الأصل للأوانی جمعها مطاهر ، ویراد بها هاهنا المطهرة أی المزیلة للنجاسة ، مثل : « السواک مطهرة للفم » (5) أی مزیل لدنس الفم ، کما ذکره

بحث حول هارون بن مسلم
مسعدة بن زیاد ثقة
إشارة إلی جهالة إبراهیم بن محمد وأبیه
عدم وجوب غسل الباطن
معنی الشرج والحاشیة والطهرة

ص: 360


1- رجال النجاشی : 438 / 1180.
2- القاموس المحیط 1 : 202 ( شرج ).
3- المغرب 1 : 278 ( شرج ).
4- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المتن من مجمع البحرین 3 : 382 ( طهر ).
5- المحاسن 2 : 562 / 951 ، البحار 73 : 133 / 36.

الشهید فی بعض فوائده (1).

قال :

وبهذا الإسناد عن محمّد بن علی بن محبوب ، عن محمّد بن الحسین ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن عیسی بن عبد الله ، عن أبیه ، عن جده ، عن علی علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « إذا استنجی أحدکم فلیوتر بها وتراً إذا لم یکن الماء ».

وبهذا الإسناد عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن ( بن علی ) (2) بن فضّال ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل ینسی أنّ یغسل دبره بالماء حتی صلّی إلاّ أنّه قد تمسح بثلاثة أحجار ، قال : « إنّ کان فی وقت تلک الصلاة فلیعد الصلاة ولیعد الوضوء ، وإنّ کان قد خرجت تلک الصلاة التی صلی فقد جازت صلاته ولیتوضّأ لما یستقبل من الصلاة » وعن الرجل یخرج منه الریح علیه أنّ یستنجی؟ قال : « لا » وقال : « إذا بال الرجل ولم یخرج منه شی ء غیره فإنّما علیه أنّ یغسل إحلیله وحده ولا یغسل مقعدته ، وإنّ خرج من مقعدته شی ء ولم یبل فإنّما علیه أنّ یغسل المقعدة وحدها ولا یغسل الإحلیل » وقال : « إنّما علیه أنّ یغسل ما ظهر منها ولیس علیه أنّ یغسل باطنها ».

ص: 361


1- حکاه فی البحار 77 : 199 عن الشهید فی أربعینه.
2- أثبتناه من الاستبصار 1 : 52 / 149.

السند :

فی الأوّل : قد تقدم القول فیه.

وفی الثانی : قوله : وبهذا الإسناد. عائد إلی الحدیث الثانی من أوّل الباب ، والأسناد عن الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد ، ولا یخفی ما فیه من البعد ، والسند موثّق کما سبق.

المتن :

فی الأوّل فیه الأمر بالوتر ، والضمیر فی « بها » غیر ظاهر المرجع ، ویحتمل العود إلی الأحجار لاشتهارها ، وحینئذٍ فالأمر للوجوب بناء علی تعین الثلاثة کما قاله جماعة (1).

ویحتمل العود إلی آلة الاستجمار فإنّ قلنا بالتعدد فی غیر الحجر کما ظنه بعض (2) فالحکم کالحجر ، وإنّ لم نقل به احتمل الأمر أنّ یراد به الوجوب والاستحباب ، إمّا باستعماله فی حقیقته ومجازه أو فی القدر المشترک.

ومن هنا یعلم أنّ الاستدلال بالخبر علی أنّه یستحب أنّ لا یقطع إلاّ علی وتر إذا لم ینق المحل بالثلاثة محل تأمّل ، وقول المحقق فی المعتبر بعد الاستدلال بالروایة : إنّها من المشاهیر (3) ، غیر مفید للمطلوب إذا أعطاها

هل ینحصر الاستنجاء فی الأحجار؟

ص: 362


1- منهم ابن إدریس فی السرائر 1 : 96 ، والمحقق فی المعتبر 1 : 131 ، والشهیدان فی الروضة 1 : 83.
2- الروضة البهیة 1 : 83.
3- المعتبر 1 : 130.

المتأمّل حق النظر.

ثم القائلون بالثلاثة الأحجار استدلوا مع الإجماع المدّعی بروایات :

منها : صحیح زرارة الآتی ، وسیأتی فیه الکلام إنّ شاء الله (1).

وأمّا غیر الأحجار فاختلف العلماء فیه ، فجمهور المتأخّرین إلی إجزاء کل جسم طاهر مزیل للنجاسة (2) ، وادّعی الشیخ فی الخلاف إجماع الفرقة (3) ، وقال سلار : لا یجزی فی الاستنجاء إلاّ ما کان أصله الأرض (4) وقال ابن الجنید : إن لم یحضر الأحجار یمسح بالکرسف أو ما قام مقامه ، ثم قال : ولا اختار الاستطابة الآجر والخزف إلاّ إذا لبس طین أو تراب یابس (5) ، ونقل عن المرتضی فی المصباح أنّه جوز الاستنجاء بالأحجار وما قام مقامها (6).

والأخبار التی وقفنا علیها فی هذا الباب صحیح زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : ( کان الحسین بن علی یتمسّح من الغائط بالکرسف ولا یغسل ) (7).

وصحیح حریز عن زرارة قال : کان یستنجی من البول ثلاث مرّات ، ومن الغائط بالمدر والخزف (8).

ص: 363


1- فی ص 353.
2- منهم العلاّمة فی المختلف 1 : 100 ، والشهید فی الدروس 1 : 89 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 95.
3- الخلاف 1 : 106.
4- المراسم : 32.
5- نقله عنه فی الذکری 1 : 171.
6- المعتبر 1 : 131.
7- التهذیب 1 : 354 / 1055 ، الوسائل 1 : 358 أبواب أحکام الخلوة ب 35 ح 3.
8- التهذیب 1 : 354 / 1054 ، الوسائل 1 : 357 أبواب أحکام الخلوة ب 35 ح 2.

وظنّ جدی قدس سره دلالة هذه الروایة علی التعدّد (1) ، وفی نظری القاصر أنّها لا تدل علی أنّ کل مرّة کان استنجاؤه بذلک لیدل علی التعدّد ، کما لا یخفی علی المتأمّل.

ثم القائلون (2) بعدم التعدّد حتی فی الأحجار احتجّوا بحسنة ابن المغیرة وقد سأله هل للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتی ینقی ما ثّمة » (3).

والاستنجاء یطلق علی غَسل الموضع ومسحه کما یشهد به الأخبار وکلام أهل اللغة ، ففی القاموس : استنجی غَسل بالماء أو تمسح بالحجر (4). وفی الصحاح : استنجی غَسل موضع النجوی أو مسحه (5).

وفی موثقة یونس بن یعقوب : « ویذهب بالغائط » (6).

وفی صحیح زرارة السابق : « یتمسح من الغائط بالکرسف » (7).

وحملوا روایة الأحجار الثلاثة علی الاستحباب.

وفی الاستدلال بحث ، أمّا أوّلاً : فلأنّ روایة ابن المغیرة محتملة لأن یراد بها الغَسلات أو المسحات التی لا یجب علی المکلّف الإتیان بما یزید علیها ، وروایة زرارة المتضمنة للثلاثة الأحجار محتملة لأنّ یراد بها بیان أقل المراتب ، بل هو الظاهر من الإجزاء.

هل یعتبر التعدّد فی الاستنجاء؟
معنی الاستنجاء

ص: 364


1- روض الجنان : 25.
2- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 105 ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 1 : 92 ، وصاحب المدارک 1 : 169.
3- الکافی 3 : 17 / 9 ، الوسائل 1 : 322 أبواب أحکام الخلوة ب 13 ح 1 ، وص 252 ب 35 ح 6.
4- القاموس 4 : 396 ( نجا ).
5- الصحاح 6 : 2502 ( نجا ).
6- التهذیب 1 : 47 / 134 ، الوسائل 1 : 316 أبواب أحکام الخلوة ب 9 ح 5.
7- فی ص 338.

وأمّا ثانیاً : فالأخبار المطلقة لا تأبی التقیید ، وفی نظری القاصر أنّ التقیید إنّما یکون للأحجار لا لغیرها ، إذ لا جامع للمطلق والمقید بالأحجار ، فلا یدخل فیه مثل الکرسف کما ظنه بعض ، فلیتأمّل ، ولو نظرنا إلی معتبر الأخبار الصالح للعمل تخفّ المؤنة کما یعلمه من راجعها فی مظانّها ، ولو لا خوف الخروج عمّا نحن بصدده لذکرت جمیعها ، والله الموفق.

ثم إنّ الحدیث الثانی لا یخلو ظاهره من إشکال بتقدیر العمل به ، فإنّه یقتضی أنّ المتمسّح بثلاثة أحجار إذا نسی أنّ یغسل دبره بالماء یعید الصلاة والوضوء ، وإنّ خرج الوقت یعید الوضوء لما یستقبل من الصلاة ، وغیر خفیّ أنّ الاستجمار بالثلاثة قد یکون مطهِّراً إذا حصل النقاء مع شرائط الأحجار ، ولعل المراد به عدم حصول النقاء لکن إعادة الوضوء غیر ظاهرة الوجه ، ولا یبعد الحمل علی حصول النقاء والإعادة علی سبیل الاستحباب ، فتکون إعادة الوضوء قرینة علی الاستحباب إذ لا مجال لوجوب إعادة الوضوء کما لا یخفی.

وما تضمنته من عدم الاستنجاء من الریح لا خلاف فیه. وفی صحیح سلیمان بن جعفر الجعفری قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام یستیقظ من نومه ولا یستنجی وقال علیه السلام - کالمتعجب من رجل سمّاه - : « بلغنی انه إذا خرجت منه ریح یستنجی » (1).

وما تضمنه ظاهر الخبر الأوّل من قوله : « إذا لم یکن الماء » یدل بالمفهوم أنّ الماء إذا کان لا یستحب الوتر علی تقدیر إرادة الاستحباب من الخبر علی ظاهر الأصحاب من الاستدلال به علی الاستحباب (2) ، وعلی

عدم وجوب إعادة الصلاة والوضوء علی من تمسّح بثلاث أحجارونسی الغسل بالماء
عدم وجوب الاستنجاء من الریح

ص: 365


1- الفقیه 1 : 22 / 65 ، التهذیب 1 : 44 / 124 ، الوسائل 1 : 345 أبواب أحکام الخلوة ب 27 ح 1 وفیها : أبا الحسن علیه السلام .
2- منهم الشیخ فی المبسوط 1 : 16 ، والمحقق فی المعتبر 1 : 130 ، والعلاّمة فی قواعد الأحکام 1 : 180.

ما احتملناه من إرادة الوجوب والندب من الأمر فما یوجد فی کلام الأصحاب الذی رأینا کلامهم من استحباب الجمع بین الماء والأحجار (1) لا یقتضی انسحاب استحباب الوتر فی الأحجار إلیه.

وقد احتجّوا علی کون الجمع أفضل : بأنّه جمع بین مطهّرین (2) ، وبما رواه الشیخ عن أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابنا رفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام قال : « جرت السنة فی الاستنجاء بثلاثة أحجار أبکار ویتبع بالماء » (3).

ولا یخفی ما فی إثبات الاستحباب بهذا من النظر ، إلاّ أنّه قابل للتسدید بسبب عدم الخلاف ، کما قیل (4).

وما قد یقال : من أنّ ظاهر الخبر المرفوع بقاء حکم الوتر فی الأحجار مع الماء فلا تبقی دلالة مفهوم الخبر المبحوث عنه سالمة ، ربما یجاب عنه : بأنّ مقتضی الخبر المرفوع اعتبار الثلاثة الأحجار فقط ، أمّا استحباب الوتر بالأحجار مطلقاً فلا تتحقق فیه المعارضة ، علی أنّ الظاهر إمکان أنّ یقال : بعدم القائل بالفرق ، فیتم الإیراد علی تقدیر العمل بالأخبار ، وبدونه فالأمر سهل ، وما ذکرناه مشیاً علی کلام من رأیناه من الأصحاب فإنّهم أهملوا هذا التفصیل ، والله الهادی إلی سواء السبیل.

بقی شی ء وهو أنّ ما تضمنته الأخبار من عدم غسل الباطن ظاهر فی الدبر.

استحباب الوتر فی الأحجار

ص: 366


1- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 40 ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 127 ، والمحقق فی المعتبر 1 : 136.
2- منهم المحقق فی المعتبر 1 : 136 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 24 ، وصاحب المدارک 1 : 168.
3- التهذیب 1 : 46 / 130 ، الوسائل 1 : 349 أبواب أحکام الخلوة ب 30 ح 4.
4- انظر المدارک 1 : 168.

لکن قال الشهید فی الذکری : إنّه لا فرق فی عدم غَسل الباطن بین الرجل والمرأة بکراً أو ثیّباً ، نعم لو علمت الثّیب وصول البول إلی مدخل الذکر ومخرج الولد وجب غسل ما ظهر منه عند الجلوس علی القدمین (1).

وقد تبع فی هذا الکلام أثر العلاّمة فی التذکرة (2) ، ولم نقف فیه علی نص.

وما قاله الوالد قدس سره : من أنّ مدرکه العرف (3). إنّما یظهر تمامیته لو کان الظاهر المأمور بغسله متناولاً لغیر الدبر.

إلاّ أن یقال : إنّ حدیث إبراهیم بن أبی محمود بتقدیر تفسیر القاموس یدل علی ذلک بنوع تقریب (4) ، أمّا حدیث مسعدة بن زیاد الدالّ علی المبالغة للنساء یدلّ علیه (5).

وفیه : أنّ العمل به حینئذٍ یوجب زیادة الإشکال فی لفظه ومعناه ، مضافاً إلی أنّ الوالد قدس سره نفی النص الدال علی ما قاله الشهید کما نقلناه ، فلیتأمّل.

قال :

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أیوب بن نوح ، عن صفوان بن یحیی ، قال : حدثنی عمرو بن أبی نصر قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أبول وأتوضّأ وأنسی

عدم وجوب غسل الباطن

ص: 367


1- الذکری 1 : 174.
2- التذکرة 1 : 134.
3- معالم الفقه : 445.
4- المتقدم فی ص : 359 360.
5- المتقدم فی ص : 359.

استنجائی ثم أذکر بعد ما صلیت ، قال : « اغسل ذکرک وأعد صلاتک ولا تعد وضوؤک ».

وعن الصفار ، عن سندی بن محمّد ، عن یونس بن یعقوب قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الوضوء الذی افترضه الله علی العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال : « یغسل ذکره ویذهب بالغائط ثم یتوضّأ مرّتین مرّتین ».

السند

فی الأوّل : واضح بعد ما قدّمناه ، وعمرو بن أبی نصر ثقة.

وفی الثانی : موثق بیونس ، والسندی بن محمّد ثقة.

المتن :

فی الأول : صریح فی عدم إعادة الوضوء إذا نسی الاستنجاء ، فیتأیّد حمل الإعادة فی الخبر السابق علی الاستحباب.

ثم إنّ إطلاق عدم الإعادة یتناول ناسی الاستبراء مع وجود بلل وعدمه ، إلاّ أنّ غیره من الأخبار یقیّده.

ومن هنا یعلم احتمال أنّ یقال : بأنّ إعادة الوضوء فی الخبر السابق لعدم الاستبراء مع وجود بلل ، غیر أنّ الإطلاق ربما یظن أنّه یستلزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، وفیه ما قدمناه من احتمال وجود البیان لمن له الخطاب.

وما تضمنه الخبر : من إطلاق الإعادة الشامل لما بعد الوقت ، قد یدفعه انصراف الإعادة للوقت ، وفیه ما فیه ، إلاّ أنّ وجود الأخبار المقیدة

عمرو بن أبی نصرثقة
یونس بن یعقوب موثق
السندی بن محمد ثقة
استحباب إعادة الوضوء لناسی الاستنجاء

ص: 368

تسهل الخطب ، وستسمعها فی بابها إنّ شاء الله ، وإنّ کان فی الظنّ جواز أنّ یکون لترک الاستنجاء حکم آخر ، کما سیأتی القول فیه.

والخبر الثانی : استدل به القائلون بالاکتفاء بإذهاب الغائط من دون اعتبار العدد ، وقد أشرنا إلیه سابقاً مع جوابه (1).

وما تضمنه الجواب بعد السؤال عن الوضوء : من ذکر غسل الذکر وإذهاب الغائط ، قد یتخیّل منه اشتراط الوضوء بغسل الذکر والإذهاب فیؤیّد ما دل علی إعادة الوضوء من دون ذلک ، إلاّ أنّ وجود المعارض یدفع هذا.

وقوله علیه السلام : « ثم یتوضّأ مرّتین مرّتین » دلیل القائل بتعدد الغَسل فی الوضوء استحباباً ، وستسمع القول فیه إنّ شاء الله.

وربما یستفاد من الخبر بمعونة ذکر المرّتین وکونها مستحبة أنّ غَسل الذکر وإذهاب الغائط علی سبیل الاستحباب ، وفیه نوع تأمّل ، إلاّ أنّ الأمر سهل ، واستدل به القائل بالمرّة فی غسل مخرج البول ، وقد تقدم فیه قول (2).

فإنّ قلت : السؤال فی الخبر تضمن طلب بیان المفروض ، ولا یناسبه ذکر المرتین ، لأنّها مستحبة ، وکذلک الغسل المطلق والإذهاب علی تقدیر وجوب المرّتین والعدد.

قلت : الظاهر أنّ ذکر غسل الذکر وإذهاب الغائط لا یضرّ بالحال. إذ لیس هو محل السؤال ، فالإطلاق فیه لا ینافی التقیید ، وأمّا ذکر المرّتین فالأمر فیه أشدّ إشکالاً علی تقدیر الحمل علی إرادة الغَسل مرّتین ، أمّا لو أُرید به ما قیل (3) فی الأخبار الواردة فی الوضوء ، بأنّه مثنی مثنی (4) ، بمعنی

معنی قوله یتوضأ مرّتین مرّتین

ص: 369


1- فی ص 338 340.
2- فی ص 329.
3- کما فی حبل المتین : 35.
4- الوسائل 1 : 441 أبواب الوضوء ب 31 ح 28 ، 29 ، 30.

غسلین ومسحین ولو بنوع تکلّف ، أمکن الموافقة للسؤال ، فلیتأمّل.

وما تضمنه الخبر الثانی من إطلاق جعل الوضوء بعد ما ذکر من دون اعتبار الغایة لعلّه سهل التوجیه ، وإنّ کان القول منقولاً بوجوب الوضوء لنفسه ، کما حرّرناه فی موضع آخر.

قال :

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الحسین بن سعید ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن عمر بن أُذینة ، عن زرارة ، قال : توضّأت ولم أغسل ذکری ثم صلّیت فسألت أبا عبد الله علیه السلام عن ذلک ، فقال : « اغسل ذکرک وأعد صلاتک ».

وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن فضالة بن أیوب ، عن حسین بن عثمان عن سماعة ، عن أبی بصیر قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا (1) أهرقت الماء ونسیت أنّ تغسل ذکرک حتی صلّیت فعلیک إعادة الوضوء (2)وغَسل ذکرک ».

فهذا الخبر محمول علی أنّه لم یکن توضّأ ، فأمّا إذا توضّأ ونسی غَسل الذکر لا غیر لم یجب علیه إعادة الوضوء ، وإنّما یجب علیه غَسل الموضع حسب.

والذی یدل علی ذلک :

ما أخبرنی به الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن

ص: 370


1- فی الاستبصار 1 : 53 / 153 : إنّ.
2- فی « رض » : الصلاة.

الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أُذینة (1)قال ذکر أبو مریم الأنصاری أنّ الحکم بن عتیبة (2) بال یوماً ولم یغسل ذکره متعمّداً فذکرت ذلک لأبی عبد الله ، علیه السلام فقال : « بئس ما صنع ، علیه أنّ یغسل ذکره ویعید صلاته ولا یعید وضوءه ».

السند

أمّا الأوّل : فلیس فیه من یرتاب فی شأنه إلاّ محمّد بن عیسی الأشعری.

والثانی : فیه من ذکر ، وأبو بصیر وسماعة بتقدیر الوقف.

والثالث : قد تقدم فیه القول فیمن لم ینص علی توثیقه مع اعتباره بین المتأخّرین (3).

المتن :

ظاهر الأوّل إعادة الصلاة مع نسیان غسل الذکر ، والأکثر علی أنها علی الوجوب فی الوقت وخارجه (4) ، وقد یتوقف فی وجوب إعادة ناسی النجاسة فی الوقت. لما رواه الشیخ فی الصحیح عن العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یصیب ثوبه الشی ء ینجّسه فینسی أن

محمد بن عیسی الأشعری مرتاب فیه
إشارة إلی حال أبی بصیر وسماعة
حکم ناسی النجاسة إذا ذکرها فی الوقت أو خارجه

ص: 371


1- الإستبصار 1 : 53 / 154 فی « ج » : عمر بن أذینة.
2- الإستبصار 1 : 53 / 154 فی « د » : عیینة.
3- راجع ص 39 43.
4- منهم الشیخ فی المبسوط 1 : 24 ، والمحقق فی المعتبر 1 : 125 ، 174 ، والعلاّمة فی المختلف 1 : 103.

یغسله فیصلّی فیه ثم یذکر أنّه لم یکن غسله أیعید الصلاة؟ قال : « لا یعید قد مضت الصلاة وکتبت له » (1).

وما قد یقال : من احتمال الفرق بین نجاسة الثوب ومحل البول ، ممکن لو وجد القائل به ، مع احتمال ما فی المقام.

وربما یقال : إنّ الخبر المنقول عن الشیخ لا یخرج عن کونه مطلقاً ، وغیره من الأخبار الدالة علی الإعادة فی الوقت دون خارجه (2) موجود ، کما سیأتی من المصنف ویأتی إنّ شاء الله بیانه ، وحینئذٍ یحمل هذا الخبر المبحوث عنه علی الإعادة فی الوقت ، بل ربما کانت الإعادة تدل علیه.

فإنّ قلت : قد نقل عن ابن إدریس دعوی الإجماع علی إعادة الناسی مطلقاً (3) فکیف [ یحمل هذا الخبر علی الإعادة (4) ] فی الوقت فقط؟

قلت : لا یخلو مثل هذا الإجماع من إشکال ، کیف وقد نقل العلاّمة فی التذکرة عن الشیخ فی بعض أقواله عدم وجوب الإعادة مطلقاً (5) وسیأتی من الشیخ ما یدل علی الإعادة فی الوقت ، إلاّ أنّ الاعتماد علی القول فی هذا الکتاب لا یخلو من تأمّل.

نعم یظهر من المعتبر علی ما حکاه شیخنا قدس سره العمل بمضمون الخبر المتقدم عن العلاء ، لأنّه قال بعدها : وعندی أنّ هذه الروایة حسنة والأُصول تطابقها لأنّه صلّی صلاة مشروعة مأموراً بها فیسقط الفرض بها ،

ص: 372


1- التهذیب 1 : 423 / 1345 ، الوسائل 3 : 480 أبواب النجاسات ب 42 ح 3.
2- الوسائل 3 : 479 أبواب النجاسات ب 43.
3- السرائر 1 : 271.
4- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ ، یحتمل الوقت ، بالإعادة ، غیّرناه لاستقامة المعنی.
5- التذکرة 2 : 490.

ویؤیّد ذلک قوله علیه السلام : « غفر لأُمتی الخطأ والنسیان » (1) انتهی (2).

ومراده بحسن الروایة غیر المعنی المصطلح علیه لأنّها فی أعلی مراتب الصحة علی ما قاله شیخنا (3) قدس سره وسیجی ء إنّ شاء الله تحقیق القول فی ذلک.

فإنّ قلت : قد تقدم من الشیخ نقل خبر عمار الساباطی الدال علی أنّ الناسی یعید فی الوقت دون خارجه (4) فکیف لم یذکر أنّ هذا الخبر مناف لما سبق؟.

قلت : لا یبعد أنّ یکون الشیخ حمل الإعادة علی الوقت ، ومن ثم لم یتعرض للمنافاة ودفعها ، علی أنّ الخبر السابق عن عمار قد تقدم القول (5) فی احتمال حمله علی الاستحباب ، نظراً إلی أنّ ظاهره حصول الاستجمار (6) بثلاثة أحجار.

ویخطر الآن فی البال أنّ فیه احتمال تصحیف لفظ « دبره » فی قوله : ینسی أنّ یغسل دبره بالماء ، وإنّما هو « ذکره » والتصحیف قریب إلی هذا اللفظ ، ویندفع به الإشکال فی متن الروایة ، وهی فی التهذیب (7) کما هنا.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الروایة الثانیة ما ذکره الشیخ فیها غیر تامّ ، لأنّ من لم یتوضّأ کیف یقال له علیک إعادة الوضوء؟.

ص: 373


1- ورد مؤدّاه فی سنن ابن ماجة 1 : 659.
2- المعتبر 1 : 441 ، 442 بتفاوت یسیر ، مدارک الأحکام 2 : 346.
3- مدارک الأحکام 2 : 346 بتفاوت یسیر.
4- فی ص 336.
5- فی ص 337 342.
6- فی « فض » : الاستحجار.
7- التهذیب 1 : 45 / 127 ، الوسائل 1 : 317 أبواب أحکام الخلوة ب 10 ح 1.

ثمّ إنّ السؤال تضمّن الصلاة ولم یقع فی الجواب ما یدل علیها صریحاً ، غیر أنّه یحتمل لزوم إعادتها لإعادة الوضوء ، وفیه : أنّ إعادة الوضوء إنّ حملت علی الظاهر من أنّه توضّأ وصلّی ناسیاً فهی مستحبة لدلالة الأخبار علی صحة الوضوء ، وإعادة الصلاة قد سمعت القول فیها سابقاً ، وإنّ حملت علی قول الشیخ فإعادة الصلاة مطلقاً محتملة اللزوم لإعادة الوضوء ، ومحتملة للاختصاص بالوقت لما یظهر من العلاّمة فی المختلف أنّ فی البین خلافاً (1) ، غیر أنّ المنقول فیه عن الشیخ أنّه قائل بأنّ المتوضّی بالماء النجس إذا لم یعلم بالنجاسة یعید فی الوقت فقط (2) ، وکذلک نقل عن ابن الجنید (3) ، وحینئذٍ ربما یختص الحکم بالوضوء بالماء النجس دون الصلاة مع عدم الوضوء ، ولو نظر فی القول إلی أنّ القضاء یتوقف علی أمر جدید أمکن الاتحاد فی الأمرین ، إلاّ أنّه محل بحث.

وقول الشیخ رحمه الله هنا : أمّا إذا توضّأ ونسی غسل الذکر لا غیر لم یجب علیه إعادة الوضوء. لا یخفی أنّ خبر عمار السابق ینافیه ، لتضمنه إعادة الوضوء ، وکان علی الشیخ التنبیه علی دفع المنافاة.

وأمّا الخبر الذی استدل به علی عدم إعادة الوضوء (4) فلا یخلو متنه من إجمال ، بل الظاهر أنّ فیه نقصاً ، لأنّ السؤال لم یتضمن ذکر الوضوء والصلاة ، فإنّ کان المراد فعلهما عمداً فإعادة الصلاة یراد بها مطلقاً ، وإلاّ

ص: 374


1- المختلف 1 : 74.
2- المختلف 1 : 74.
3- المختلف 1 : 76.
4- المتقدم فی ص 345.

فالحکم ما تقدم ، والروایة فی التهذیب (1) کما هنا.

والحکم بن عتیبة المذکور عامیّ ، وعتیبة بالعین المهملة المضمومة والتاء الفوقانیة والیاء المثناة من تحت والباء الموحدة.

قال :

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أیوب بن نوح ، عن محمّد بن أبی حمزة عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال : سألته عن الرجل یبول فلا یغسل ذکره حتی یتوضّأ وضوء الصلاة ، فقال : « یغسل ذکره ولا یعید وضوءه ».

سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن العباس بن معروف ، عن علی ابن مهزیار ، عن محمّد بن یحیی الخزاز ، عن عمرو بن أبی نصر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یبول فینسی أنّ یغسل ذکره ویتوضّأ ، قال : « یغسل ذکره ولا یعید وضوءه ».

السند :

فی الأوّل : قد تقدم ، وذکرنا أنّ محمّد بن أبی حمزة هو ابن الثمالی علی الظاهر (2).

وأمّا الثانی : ففیه محمّد بن یحیی الخزاز ولم یتقدم له ذکر وهو ثقة.

الحکم بن عتیبة عامی
محمد بن یحیی الخزاز ثقة

ص: 375


1- التهذیب 1 : 48 / 137 ، الوسائل 1 : 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 4.
2- فی ص 14 141.

المتن :

فی الخبرین ظاهر الدلالة علی عدم إعادة الوضوء ، غیر أنّ حکم الاستبراء وخروج شی ء أم لا ، لا تعرض فی الخبرین له ، فلا یخرج عن الإطلاق ، والمقید موجود کما سیأتی.

قال :

فأمّا ما رواه سعد (1) ، عن موسی بن الحسن ، والحسن بن علی ، عن أحمد بن هلال ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یتوضّأ وینسی أنّ یغسل ذکره وقد بال ، فقال : « یغسل ذکره ولا یعید الصلاة ».

فهذا الخبر یمکن أنّ یحمل (2) علی من نسی غَسل ذکره بالماء ثم ذکر وقد عَدُم الماء جاز أنّ یستبیح الصلاة بما تقدم من الاستنجاء بالأحجار ولا یلزمه إعادة الصلاة (3) یصلیها بعد ذلک والحال علی ما وصفناه ، فإذا وجد الماء وجب علیه إعادة غسل الموضع ( ولا یجب علیه ) (4) إعادة الصلاة التی صلاّها عند عدم الماء.

السند

فیه موسی بن الحسن ، والظاهر أنّه ابن عامر الثقة لأنّه فی هذه

بحث حول موسی بن الحسن

ص: 376


1- الاستبصار 1 : 54 / 157 « ج » : وسعد بن عبد الله.
2- فی الاستبصار 1 : 54 / 157 : نحمله.
3- فی الاستبصار 1 : 54 / 157 : صلاة.
4- فی الاستبصار 1 : 54 / 157 بدل ما بین القوسین یوجد : ولا یلزمه.

المرتبة ، وفی الرجال غیره لیس بموثق إلاّ أنّه بعید عن هذا ، والفائدة قلیلة بعد وجود أحمد بن هلال فإنّ حاله بالضعف غنیة عن البیان.

وأمّا الحسن بن علی فهو مشترک (1) ، ولا یبعد أنّ یکون ابن علی بن النعمان ، لأنّ الراوی عنه الصفار وهو فی مرتبة سعد ، إلاّ أنّ احتمال غیره قائم.

المتن :

علی تقدیر العمل به یدل علی أنّ الناسی لا إعادة علیه کما تقدم القول فیه ، وبتقدیر عدم العمل فهو مؤیّد ، وکلام الشیخ فی توجیهه لا یخرج عن ربقة التکلّف التّام ، وما ذکره من الاستنجاء بالأحجار غیر ظاهر الوجه ، فإنّ عدم القدرة علی إزالة النجاسة إذا أباح الصلاة لا فرق بین الأحجار وغیرها ، إلاّ أنّ الشیخ سیأتی منه ما یدل علی أنّ الأحجار لها نوع خصوصیة ، وستسمع القول فی ذلک.

قال :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی جعفر علیه السلام فی الرجل یتوضّأ فینسی غَسل ذکره ، قال : « یغسل ذکره ثم یعید الوضوء ».

فمحمول علی الاستحباب والندب بدلالة الأخبار المتقدمة التی تضمنت أنّه لا یجب علیه إعادة الوضوء ، ولا یجوز التناقض فی

أحمد بن هلال ضعیف
الحسن بن علی مشترک

ص: 377


1- هدایة المحدثین : 190.

أقوالهم.

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسین بن أبی الخطاب ، عن جعفر بن بشیر البجلی ، عن حماد بن عثمان ، عن عمار ابن موسی قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لو أنّ رجلاً نسی أنّ یستنجی من الغائط حتی یصلّی لم یعد الصلاة ».

فالوجه فی هذا الخبر أنّه نسی أنّ یستنجی بالماء وإنّ کان قد استنجی بالأحجار إنّه إذا کان کذلک لم (1) یلزمه إعادة الصلاة.

السند

فی الأول : لیس فیه ارتیاب إلاّ من جهة سلیمان بن خالد ، إلاّ أنّ من عاصرناه من مشایخنا (2) لم یتوقف فیه ، واحتمال کونه غیر ابن خالد الأقطع بعید ، بل یکاد أنّ یقطع بنفیه ، وغیر ابن خالد الأقطع قد ذکره الشیخ فی رجال الکاظم علیه السلام من کتابه مهملاً (3).

ویخطر الآن فی البال إمکان أنّ یقال : إنّ سلیمان بن خالد الأقطع لا یضر بحاله خروجه مع زید ، إذ خروج زید علی ما یظهر من بعض الأخبار أنّه لم یخالف المشروع :

فقد روی الکلینی فی الروضة عن علی بن إبراهیم ، عن صفوان بن یحیی ، عن عیص بن القاسم ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « علیکم بتقوی الله » إلی أنّ قال : « ولا تقولوا خَرَجَ زید ، فإنّ زیداً کان عالماً وکان

بحث حول سلیمان بن خالد
کلمة حول زید بن علی وخروجه

ص: 378


1- فی الاستبصار 1 : 55 / 159 : لا.
2- انظر منهج المقال : 173.
3- رجال الطوسی : 351 / 14.

صدوقاً ولم یدعکم إلی نفسه إنّما دعاکم إلی الرضا من آل محمّد ولو ظهر لَوَفی بما دعاکم إلیه ، إنّما خرج إلی سلطان مجتمع لینقضه » (1).

وهذا الحدیث فی ظاهر الحال لا ریب فیه ، غیر أنّ الاعتبار یشهد بأنّ روایة علی بن إبراهیم عن صفوان بعیدة جدّاً ، بل الظاهر أنّ الروایة بواسطة أبیه ، لکن الذی رأیته من النسخة ما ذکرته ، وعلی تقدیر الأب فالروایة حسنة.

وفی البال أنّ فی الجزء الأوّل من الکافی حدیثاً صحیحاً دالاًّ علی أنّ زیداً ادّعی الإمامة أو خطرت فی نفسه (2) ، فالتعارض موجود ، والحسنة علی تقدیر ما ذکرناه لا تکافئ الصحیحة.

ولو بنینا علی ظاهر الروایة التی نقلناها من الروضة تعارضت الصحیحتان ، وغیر بعید توجیه الجمع بأنّ زیداً فی أوّل الأمر خطر فی باله الشک ثم زال ، ووقت الخروج لم یکن ذلک الشک.

وفی الثانی : فیه عمار بن موسی فهو موثق علی ما تقدم (3).

المتن :

فی الأوّل : کما قاله الشیخ محمول علی الاستحباب.

وفی الثانی : ما ذکره الشیخ غیر تامّ فیه ، لأنّ من استنجی بالأحجار الجامعة للشرائط لا وجه لقول الإمام ابتداءً فیه ما قاله ، ومع فقد الشرائط أو

عمّار بن موسی موثق

ص: 379


1- الروضة من الکافی 8 : 264 / 381 ، الوسائل 15 : 50 أبواب جهاد العدو وما یناسبه ب 13 ح 1.
2- أُصول الکافی 1 : 356 / 16.
3- المتقدمة فی ص 77 78.

بعضها لا تأثیر للأحجار ، واحتمال أنّ یرید علیه السلام التنبیه علی أنّ الأحجار مطهرة لا یقتضی التعبیر بهذا النحو کما هو واضح.

ولعلّ الأولی حمله علی ظاهره من عدم الإعادة ، وما دلّ علی الإعادة یحمل علی الاستحباب ، أو یحمل عدم الإعادة علی خارج الوقت ، ولا یخفی بعده.

وذکر شیخنا المحقق میرزا محمّد أیّده الله فی فوائده علی الکتاب ما هذا لفظه : ینبغی قراءة « أنّ » فی : وأنّ کان ، بفتح الهمزة وإنّ کان ترکه أولی فافهم. انتهی. وینبغی اتباع أمره.

قال :

ویزید ذلک بیاناً. ما رواه الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « لا صلاة إلاّ بطهور ویجزؤک من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلک جرت السنة من رسول الله صلی الله علیه و آله ، وأمّا البول فلا بُدّ (1) من غسله ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسی بن القاسم ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیهماالسلام قال : سألته عن رجل ذکر وهو فی صلاته أنّه لم یستنج من الخلاء ، قال : « ینصرف ویستنجی من الخلاء ویعید الصلاة ، وإنّ ذکر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلک ولا إعادة علیه ».

فالوجه فیه أیضاً ما ذکرناه من أنّه إذا ذکر أنّه لم یستنج بالماء

ص: 380


1- فی الاستبصار 55 / 160 : فإنّه لا بُدّ.

وإنّ کان قد استنجی بالحجر فحینئذٍ یستحب له الانصراف من الصلاة ما دام فیها ویستنجی بالماء ویعید الصلاة ، وإذا انصرف منها لم یکن علیه شی ء ، ولو کان لم یستنج أصلاً لکان علیه إعادة الصلاة علی کل حال انصرف أو لم ینصرف علی ما بیناه.

السند

فی الخبرین لیس فیه ارتیاب بعد ما قدّمناه.

المتن :

فی الأول استدل به القائلون باعتبار العدد فی الأحجار (1) ، وبعض القائلین بالاکتفاء بما یحصل به النقاء حمله علی الاستحباب ، أو علی أنّ الغالب عدم حصول النقاء بما دون الثلاثة (2) وقد تقدم کلام فی هذا (3).

والظاهر أنّ الإجزاء الوارد فی هذا الخبر بالنسبة إلی الماء ، واستدل به علی أکملیة الماء علی الأحجار ، وله وجه ، وإنّ کان للمناقشة فی ثبوت الاستحباب بمجرد هذا مجال.

ثم القائلین بالتعدد صرح بعضهم بأنّ ، النقاء لو حصل بدون الثلاثة وجب الإکمال تعبّداً (4).

اعتبار العدد فی الأحجار وعدمه

ص: 381


1- نقله عنهم السیّد العاملی فی مدارک الأحکام 1 : 168.
2- منهم العلاّمة فی المختلف 1 : 101 ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 1 : 92 ، وصاحب المدارک 1 : 169.
3- فی ص 338 340.
4- منهم الحلی فی السرائر 1 : 96 ، والمحقق فی الشرائع 1 : 11 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 24.

ونقل فی المختلف عن الشیخ أنّه قال : إذا طهر المحل بدون الثلاثة استعمل الثلاثة سنّةً ، وقال فی المبسوط : الثلاثة عبادة ، ونقل ابن إدریس عن المفید جواز الاقتصار علی الواحد لو نقی المحل به ، وأوجب ابن إدریس استعمال الثلاثة وإنّ نقی بدونها. هذه عبارة المختلف ، ثم قال : والوجه اختیار الشیخ إنّ قصد الاستحباب کما ذهب إلیه المفید ، لنا أنّ القصد إزالة النجاسة وقد حصل فلا یجب الزائد ، ولأنّ الزائد لا یفید تطهیراً. لأنّ الطهارة حصلت بالإزالة لعین النجاسة الحاصلة بالحجر الأوّل فلا معنی لإیجاب الزائد (1). انتهی.

وأنت خبیر بما فی هذا الاستدلال من النظر.

ولا یخفی صراحة الخبر المبحوث عنه فی الثلاثة أحجار ، فلو استعمل ذو الجهات الثلاثة لا یصدق علیه الثلاثة أحجار.

وذهب العلاّمة فی المختلف إلی الإجزاء ، مستدلاً بأنّ المراد ثلاث مسحات کما لو قیل : اضربه عشر ضربات بسوط ؛ ولأنّ المقصود إزالة النجاسة وقد حصل ؛ ولأنّها لو انفصلت لأجزأت فکذا مع الاتصال (2). انتهی ملخصاً ، وجوابه أظهر من أنّ یخفی.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأصحاب الذین رأینا کلامهم ذکروا أنّه یعتبر فی أداة الاستجمار الطهارة فلا یجزئ النجس.

قال فی المنتهی : إنّ هذا الاعتبار عند علمائنا أجمع ، واحتجّ له مع ذلک بقول أبی عبد الله علیه السلام فی روایة مرسلة : « جرت السنّة فی الاستنجاء

عدم إجزاء ذی الجهات الثلاثة
اعتبار الطهارة فی الأحجار

ص: 382


1- المختلف 1 : 102 بتفاوت یسیر.
2- المختلف 1 : 101.

بثلاثة أحجار أبکار » (1).

قال : وهذه الروایة وإنّ کانت مرسلة إلاّ أنّها موافقة للمذهب لأنّه إزالة للنجاسة فلا یحصل بالنجس (2) انتهی.

وکأنّه فهم من الأبکار غیر النجسة ، وربما یظن أنّها غیر المستعملة وإنّ کانت طاهرة ، ولعلّه لا إشکال فی الاستعمال مع الطهارة وإنّ استعمل ، فإنّ العلاّمة قال فی المنتهی : لو استجمر بحجر ثم غسله جاز الاستجمار به ثانیاً ؛ لأنّه حجر یجزئ غیره الاستجمار به فأجزأه کغیره قال : ویحتمل علی قول الشیخ عدم الإجزاء (3). وأراد رحمه الله بقول الشیخ اعتبار التعدّد لا کونه مستعملاً ، کما یظهر من کلامه لمن راجعه.

واعتبر أیضاً فی الأداة أنّ تکون جافّة ، کما ذکره جماعة (4) ، واحتجّ له العلاّمة فی النهایة بأنّه مع الرطوبة ینجس البلل الذی علیها بإصابة النجاسة له ، ویعود شی ء منه إلی محل النجو ، فیحصل علیه نجاسة أجنبیة ، فیکون قد استعمل النجس - إلی أنّ قال - : ویحتمل الإجزاء ، لأنّ البلل ینجس بالانفصال کالماء الذی یغسل به النجاسة لا بإصابة النجاسة (5).

وفی هذا الوجه نظر واضح ، وأمّا الوجهان الأوّلان ففیهما أنّ عود شی ء من البلل إلی محل النجو إنّما یکون مع زیادة الرطوبة.

اعتبار الجفاف فی الأحجار

ص: 383


1- التهذیب 1 : 46 / 130 ، الوسائل 1 : 349 أبواب أحکام الخلوة ب 30 ح 4.
2- المنتهی 1 : 46 بتفاوت یسیر.
3- المنتهی 1 : 46 بتفاوت یسیر.
4- منهم العلاّمة فی المنتهی 1 : 46 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 1 : 83 ، وصاحب معالم الفقه : 449.
5- نهایة الإحکام 1 : 88 بتفاوت یسیر.

وفی التذکرة وجّه اشتراط الجفاف بأنّ الرطب لا ینشف المحل (1).

وفیه : أنّه لا یتم فی غیر المسحة الأخیرة ، لأنّ الرطوبة حینئذٍ موجودة إلاّ أنّ یقال : إنّ الرطوبة الخارجیة هی المضرة بالحال ، فتأمّل.

قال :

ویزید ذلک بیاناً ما رواه محمّد بن یعقوب ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن محمّد بن عیسی ، عن یونس ، عن زرعة ، عن سماعة قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا دخلت الغائط فقضیت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضّأت ونسیت أنّ تستنجی فذکرت بعد ما صلّیت فعلیک الإعادة ، فإنّ کنت أهرقت الماء فنسیت أنّ تغسل ذکرک حتی صلّیت فعلیک إعادة الوضوء والصلاة وغَسل ذکرک لأنّ البول مثل البراز ».

السند

قد تکرر القول فیه بما یغنی عن الإعادة.

المتن :

قوله : « فلم تهرق الماء » یراد به البول ، ولا یخفی دلالة الحدیث علی غیر مطلوب الشیخ من وجه وإنّ دل من وجه آخر ، فإنّ إعادة الوضوء لمن لم یستنج من البول لا یقول به الشیخ بل یحمله علی الاستحباب ، وإذا دل

إعادة الوضوء والصلاة لمن نسی الاستنجاء

ص: 384


1- التذکرة 1 : 127.

علی الاستحباب یقرب دلالته علی الاستحباب فی إعادة الصلاة أیضاً ، واحتمال أنّ یقال : إنّ إعادة الوضوء إنّما حملت علی الاستحباب للمعارض ، یقال مثله فی الصلاة ، فالتأیید غیر واضح.

أمّا قوله : « إنّ البول مثل البراز » فلم یتضح معناه ، بل الظاهر أنّه لیس مثل البراز ، کما یستفاد من سیاق الروایة إنّ أُرید بالبراز الغائط (1) ، وإنّ أُرید غیره فلم أعلمه الآن.

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علی بن عبد الله بن المغیرة ، عن العباس بن عامر القصبانی ، عن المثنی الحناط ، عن عمرو بن أبی نصر قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنّی صلّیت فذکرت أنّی لم أغسل ذکری بعد ما صلّیت أفأُعید؟ قال : « لا ».

فالوجه فی قوله علیه السلام « لا » أنّ نحمله علی أنّه لا یجب علیه إعادة الوضوء ، لأنّه إنّما یجب (2) إعادة غَسل الموضع ، ولیس فی الخبر أنّه لا یجب علیه إعادة الصلاة ، والذی یدل علی هذا التأویل ما تقدم من الأخبار.

ویزید ذلک بیاناً.

ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن عمر بن أُذینة ، عن زرارة قال : توضّأت یوماً ولم أغسل ذکری ثم صلّیت فسألت أبا عبد الله علیه السلام ، فقال : « اغسل ذکرک وأعد صلاتک ».

فأوجب إعادة الصلاة وغَسل الموضع علی ما فصّلناه.

ص: 385


1- کتاب العین 7 : 364 ( برز ).
2- فی الاستبصار 1 : 56 / 163 : یجب علیه.

السند :

فی الأوّل کما تری الحسن بن علی بن عبد الله بن المغیرة فی بعض النسخ وهو ثقة ، وفی بعض النسخ عن الحسن بن علی عن عبد الله بن المغیرة ، والحسن حینئذٍ مشترک (1).

والمثنی الحناط مشترک بین ابن عبد السلام وابن الولید ، وهو غیر موثق علی التقدیرین (2).

المتن :

ظاهر فی عدم إعادة الصلاة ، وفیه تأیید لما قدّمناه من الحمل علی الاستحباب فیما یتضمن الإعادة.

وما قاله الشیخ فی تأویله من إرادة إعادة الوضوء ، فی غایة البعد ؛ وما ذکره من الروایة الدالة علی تأویله قد تقدم القول فیها.

وقول الشیخ : إنّها دالة علی وجوب إعادة الصلاة. متوجه لو سلمت من المعارض ، وقد مضی منه ما فیه کفایة.

وبالجملة : فأمر الشیخ فی هذه المسألة غریب کما یعلم بالتأمّل الصادق ، والله سبحانه العالم بالحقائق.

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن علی بن محبوب ، عن الهیثم بن أبی

الحسن بن علی بن عبدالله بن المغیرة ثقة
المثّنی الحناط مشترک غیر موثق

ص: 386


1- هدایة المحدثین : 190.
2- هدایة المحدثین : 136.

مسروق النهدی ، عن الحکم بن مسکین ، عن سماعة قال : قلت لأبی الحسن (1) علیه السلام : إنّی أبول ثم أتمسح بالأحجار فیجی ء منّی من البلل ما یفسد سراویلی ، قال : « لیس به بأس ».

فلیس بمناف لما قلناه : من أنّ البول لا بُدّ من غسله. لشیئین :

أحدهما : أنّه یجوز أنّ یکون ذلک مختصاً بحال لم یکن فیها واجداً للماء ، فجاز له حینئذٍ الاقتصار علی الأحجار.

والثانی : أنّه لیس فی الخبر أنّه قال : یجوز له استباحة الصلاة بذلک وإنّ لم یغسله ، وإنّما قال : « لیس به بأس » یعنی بذلک البلل الذی یخرج منه بعد الاستبراء ، وذلک صحیح لأنّه المذی ، وذلک طاهر علی ما نبیّنه فیما بعد إنّ شاء الله.

السند

فیه الهیثم وقد تقدم القول فیه وأنّه غیر ثقة (2) ، والحکم بن مسکین مهمل فی الرجال (3).

المتن :

ما ذکره الشیخ فیه لا یخلو من تأمّل ، أمّا أوّلاً : فلما تقدم من الخبر عن زرارة : أنّ البول لا بُدّ من غسله ، (4) والخبر الآتی کذلک ، حیث دل علی

الهیثم بن أبی مسروق النهدی غیر ثقة
الحکم بن مسکین مهمل

ص: 387


1- فی الاستبصار 1 : 56 / 165 یوجد : موسی.
2- فی ص 319.
3- رجال النجاشی : 136 / 350 ، رجال ابن داود : 83 / 514.
4- فی ص 358.

أنّه لا یجزئ من البول إلاّ الماء (1).

وأمّا ثانیاً : فلأنّ الاستدلال علی الاکتفاء بالأحجار للضرورة إنّ کان بهذا الخبر ففیه احتمال أنّ یراد بنفی البأس عدم نقض الوضوء لا الطهارة للماء الخارج.

وأمّا ثالثاً : فقوله فی الوجه الثانی : إنّ المذی طاهر. مسلّم لکن احتمال النجاسة لعدم طهارة المحل ، ولو سلّم طهارة المحل بالأحجار تمّ الأوّل ، فلا وجه لعدم استباحة الصلاة.

وقد روی الشیخ فی الصحیح عن العیص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بال فی موضع لیس فیه ماء فمسح ذکره بحجر وقد عرق ذکره وفخذاه ، قال : « یغسل ذکره وفخذیه » (2).

وهذا الخبر ربما یظنّ أنّه مناف لما قاله الشیخ رحمه الله هنا غیر أنّ احتمال أنّ یقال : العلّة فی غسل الفخِذ المسح بحجر واحد ، فلا یدلّ علی حکم المسح بالأحجار ، له وجه.

وقد ذکر المحقق فی المعتبر والعلاّمة فی المنتهی (3) : أنّه إذا لم یجد الماء لغَسل مخرج البول أو تعذر استعماله لمانع کالجرح أجزأه مسحه بما یزیل عین النجاسة کالحجر والخرق والکرسف وشبهه ، لأنّه یجب إزالة النجاسة وأثرها ، وإذا تعذرت إزالة النجاسة بقیت إزالة العین.

وهذا الکلام محل نظر ، لکنه لا یدل علی الطهارة بالحجر ونحوه لمحل البول ، بل العلاّمة صرّح فی المنتهی بأنّه لو وجد الماء بعد ذلک

عدم طهارة محل البول بالأحجار

ص: 388


1- فی ص 361.
2- التهذیب 1 : 421 / 1333 ، الوسائل 3 : 441 أبواب النجاسات ب 26 ح 1.
3- المعتبر 1 : 126 ، المنتهی 1 : 43.

غسله. وکون مذهب الشیخ ما ذکره هنا محل تأمّل ؛ لما کرّرنا فیه القول من اضطراب الشیخ فی هذا الکتاب.

قال :

والذی یدل علی أنّه لا بُدّ فی البول من الماء زائداً علی ما تقدم :

ما رواه الحسین بن سعید ، عن القاسم بن محمّد ، عن أبان بن عثمان ، عن برید بن معاویة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال : « یجزئ من الغائط المسح بالأحجار ، ولا یجزئ من البول إلاّ الماء ».

والذی یدل علی التأویل الأوّل :

ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن محمّد بن خالد ، عن عبد الله بن بکیر قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یبول ولا یکون عنده الماء فیمسح ذکره بالحائط ، قال : « کل شی ء یابس ذکی ».

السند

فی الأوّل : فیه القاسم بن محمّد الجوهری وقد کررنا ذکره (1).

والثانی : فیه محمّد بن خالد وهو مشترک (2) ، ( وعبد الله بن بکیر مشهور ، قال الشیخ رحمه الله : إنّه ثقة فطحی (3). والنجاشی لم یذکر الأمرین (4) ،

محمّد بن خالد مشترک
بحث حول عبدالله بن بکیر

ص: 389


1- فی ص 173 ، 270.
2- هدایة المحدثین : 237.
3- الفهرست : 106.
4- رجال النجاشی : 222.

وفی الکشی نقل الإجماع علی تصحیح ما یصح عنه (1) ، وفی ظنی أنّ عدم تعرّض النجاشی لشی ء ممّا ذکر فیه منه (2) عدم ثبوته عنده وهو ثبت فی الرجال ، فلیتأمّل ) (3).

المتن :

فی الأوّل : ظاهره تعیّن الماء للبول ، فهو مؤیّد لغیره من الأخبار.

وأمّا الثانی : ففی دلالته علی مطلوب الشیخ نظر إنّ عنی الطهارة ، وإن قصد عدم تنجیس غیر محل البول مع الجفاف کما یدل علیه کلامه أوّلاً حیث لم یجوّز الصلاة مع استعمال الحجر وإنّ کان آخر کلامه یدل علی خلافه أمکن تسلیم دلالة الخبر علی ذلک ، لأنّ قوله : « کل شی ء یابس ذکیّ » لا وجه لأنّ یراد أنّ کل یابس مطهِّر أو طاهر ؛ ضرورة أنّ الأعیان النجسة والمنجّسة لا تطهّر ، بل الظاهر من کونه ذکیا أنّه لا ینجّس غیره مع الجفاف بنوع من التجوز.

ومن هنا یعلم أنّ ما ذکره الوالد قدس سره : من أنّ [ عدم (4) ] طهارة البول بالأحجار لیس بموضع خلاف بین الأصحاب معروف. لا یتوجه علیه أنّ کلام الشیخ ینافی ذلک ، فلیتأمّل.

اللغة :

قال فی النهایة فی حدیث محمّد بن علی « ذکاة الأرض یبسها » :

معنی الذکاة

ص: 390


1- رجال الکشی 2 : 673.
2- کذا ، ولعل الأنسب : قرینة.
3- ما بین القوسین ساقط من « فض » و « رض ».
4- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المعنی ، فإنّ المتفق علیه عدم الطهارة ، راجع معالم الفقه : 447.

یرید طهارتها من النجاسة ، جعل یبسها من النجاسة الرطبة فی التطهیر بمنزلة تذکیة الشاة فی الإحلال ، لأنّ الذبح یطهّرها ویحلّ أکلها (1).

قال :

باب النهی عن استقبال الشعر فی غسل الأعضاء

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عیسی ، عن ابن أُذینة (2) ، عن بکیر وزرارة ابنی أعین أنّهما سألا أبا جعفر علیه السلام عن وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، فدعا بطشت أو بتور (3) فیه ماء فغسل کفیه ثم غمس کفه الیمنی فی التور فغسل وجهه بها واستعان بیده الیسری بکفه علی غسل وجهه ، ثم غمس کفه الیمنی فی الماء فاغترف بها من الماء فغسل یده الیمنی من المرفق إلی الأصابع لا یرد الماء إلی المرفقین ، ثم غمس کفه الیمنی فی الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه علی یده الیسری من المرفق إلی الکف لا یرد الماء إلی المرفق کما صنع بالیمنی ، ثم مسح رأسه وقدمیه إلی الکعبین بفضل کفیه لم یجدّد ماءً.

السند

فیه عثمان بن عیسی المانع من وصفه بالموثق ، کما بینا وجهه فیما سبق (4).

أحکام الوضوء

النهی عن استقبال الشعر فی غسل الأعضاء

إشارة إلی عدم وثاقة عثمان بن عیسی

ص: 391


1- النهایة لابن الأثیر 2 : 164 ( ذکا ).
2- الإستبصار 1 : 57 / 168 فی « ج » : عمر بن أذینة.
3- التور : بالفتح والسکون : إناء صغیر من صفر أو حجارة کالاجانة وقد یتوضأ منه النهایة لابن الأثیر 1 : 199 ( تور ).
4- فی ص 70 72.

( وینبغی أنّ یعلم أنّ الثقة الجلیل محمّد بن یعقوب روی هذا الحدیث عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن عمر ابن أُذینة ، عن زرارة وبکیر أنّهما سألا أبا جعفر علیه السلام وذکر الحدیث ، وزاد فیه بعد ما نقلناه مع مغایرة فی المتن المذکور هنا لا تضرّ بالحال ، والزیادة طویلة ، والمهم (1) منها أنّه قال علیه السلام : « فإذا مسح بشی ء من رأسه أو بشی ء من قدمیه ما بین الکعبین إلی أطراف الأصابع فقد أجزأه » قال : فقلنا : أیّ (2) الکعبان؟ قال : « ها هنا » یعنی المفصل دون عظم الساق ، فقلنا : هذا ما هو؟ فقال : « هذا من عظم الساق والکعب أسفل من ذلک » فقلنا : أصلحک الله فالغرفة الواحدة تجزی للوجه وغرفة للذراع؟ قال : « نعم إذا بالغت (3) ، والثنتان تأتیان علی ذلک کله » (4).

وسیجی ء من الشیخ روایة ما تضمنه الحدیث من الأحکام بطرق أُخر فروی قوله علیه السلام : « إذا مسح بشی ء من رأسه » عن الشیخ ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید ، وأبیه محمّد بن عیسی ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن عمر بن أُذینة ، عن زرارة وبکیر (5).

وروی قوله : فقلنا أصلحک الله فالغرفة الواحدة ، بطریقه عن محمّد ابن یعقوب ، وبسائر الطریق المتقدم عن الکافی (6).

ص: 392


1- فی « رض » : والمقصود.
2- فی الکافی 3 : 26 / 5 : أین.
3- فی الکافی 3 : 26 / 5 یوجد : فیها.
4- الکافی 3 : 25 / 5 ، الوسائل 1 : 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
5- الاستبصار 1 : 61 / 182.
6- الاستبصار 1 : 71 / 216.

وهذا قد یتعجب من وقوعه من الشیخ ، حیث فرّق الحدیث بأسانید مختلفة ، مع أنّه فی الکافی بطریق واحد.

لکن الذی یظهر من الشیخ رحمه الله أنّه لا ینظر إلی صحة الطریق ، بل إلی المتن ، وإنّما یذکر الطریق لئلاّ یدخل الخبر فی حیّز الإرسال ، ولو لا هذا لکان طریق الکافی أولی فی الذکر من بعض الطرق المذکورة هنا کالمبحوث عنه.

ولا یخفی علی الناظر فیما قلنا أنّ الخبر یمکن إرجاعه إلی سند معتبر ، فلا یضر ضعف بعض الطرق ، وهذا فی کلام الشیخ کثیر ، إلاّ أنّه موقوف علی زیادة تتبّع وقد [ ضاعت بسببه (1) ] أحادیث کثیرة من کتابی الشیخ بسبب ضعف الإسناد وإثبات (2) الشیخ للطریق الضعیف ) (3).

المتن :

لا ریب أنّ ما تضمنه من کونه علیه السلام دعا بطست یدل علی أنّ الاستدعاء لیس مکروهاً ، لتنزههم علیهم السلام عن فعل المکروه ، إلاّ أنّ یقال : إنّ فعله لبیان الجواز.

والموجود فی کلام من رأینا کلامه کراهة الاستعانة ، وظاهرها طلب الإعانة ، إلاّ أنّ شُرّاح مثل هذه العبارة قالوا : ویتحقق الإعانة بصبّ الماء فی الید لیغسل المتوضّئ به (4). وهذا لا یفید الحصر.

إیراد علی الشیخ حول روایته بعض الأحادیث بطرق ضعاف مع أنّ له طریق معتبر
کراهة الاستعانة فی الوضوء

ص: 393


1- فی « رض » : صاعت ستة ، وفی « فض » : صاعت شسه ، والظّاهر ما أثبتناه.
2- فی « رض » : وإیثار.
3- ما بین القوسین ساقط من « د ».
4- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : 42 ، وصاحب المدارک 1 : 251 ، والشیخ البهائی فی الحبل المتین : 11.

وصرح شیخنا قدس سره فی المدارک بأنّ الاستعانة تتحقق بنحو إحضار الماء (1).

وقد یتوجه علیه أنّ الأخبار المعتبرة وردت باستدعاء الماء وإنّ لم یکن هذا الخبر منها ، ولعلّ ما قلناه من بیان الجواز هو الجواب.

ثم ما تضمّنه الخبر من غسل الکفّین یدل علی ما قاله المتأخّرون : من استحباب غسل الیدین قبل إدخالهما الإناء (2) ، والأخبار المعتبرة التی تقدمت إنّما دلّت علی غَسل الیمنی (3).

ولا یخفی عدم صلاحیة هذه الروایة إلاّ بتقدیر التساهل فی أدلّة السنن.

وما قد یقال : إنّ هذه الروایة تدل علی غَسل الکفّین أمّا أنّه قبل إدخالهما الإناء فلا. فدفعه أنّ الظاهر من قوله : ثم غمس کفه الیمنی فی التور ، أنّ غَسل الکفّین لم یکن إلاّ بالإدخال فی التور ، وإنّ کان باب الاحتمال واسعاً.

أمّا ما تضمّنه من الاستعانة بالید الیسری ففیه مخالفة للأخبار المعتبرة (4) وما علیه الأصحاب (5).

ولا أدری الوجه فی عدم تعرض الشیخ لذلک ، أمّا من لا یعمل بالخبر فهو فی راحة من التوجیه ، ولعل المراد بالاستعانة بالیسری وضع

استحباب غسل الیدین قبل إدخالهما الإناء
ما المراد بالاستعانة بالید الیسری

ص: 394


1- مدارک الأحکام 1 : 251.
2- منهم العلاّمة فی المنتهی 1 : 48 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 41 ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 1 : 117.
3- راجع ص 332.
4- الوسائل 1 : 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2 10.
5- منهم المحقق فی المعتبر 1 : 164 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 229 ، وصاحب المدارک فیه 1 : 245.

الکف فوق الکف لا الغَسل بالکفّین ، إلاّ أنّ الخبر عرفت حاله ، فالکلام فیه أکثر من هذا لا فائدة فیه.

اللغة :

قال ابن الأثیر (1) فی کتاب أحکام الأحکام : التور بالتاء المثناة هو الطست ، والطست بکسر الطاء وفتحها وبإسقاط التاء لغات. وفی الحبل المتین : یروی بالسین والشین المعجمة (2).

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن العباس ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبراً ».

فهذا الخبر مخصوص بمسح الرِّجلین ، لأنّه یجوز استقبالهما واستدبارهما والذی یدل علی ذلک :

ما رواه محمّد بن یعقوب ، عن أحمد بن إدریس ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن عیسی ، عن یونس قال : أخبرنی من رأی أبا الحسن علیه السلام بمنی یمسح ظهر قدمیه من أعلی القدم إلی الکعب ومن الکعب إلی أعلی القدم.

السند

فی الأوّل : لا ریب فیه علی الظاهر ، لما تقدم من أنّ العباس هو

معنی التور والطست

ص: 395


1- فی « د » : قال بعض محقّقی المخالفین.
2- الحبل المتین : 18.

الثقة (1) ، وفی الثانی : محمّد بن عیسی عن یونس ، وجهالة الرائی لأبی الحسن علیه السلام .

المتن :

ظاهر الأوّل جواز المسح مقبلاً ومدبراً فی الوضوء الشامل للرأس والرِّجلین.

والخبر المفتتح به الباب لا ینافیه بوجه.

والذی استدل به الشیخ علی تخصیص الرِّجلین لا یدل علی ذلک ، بل هو دال علی ما یوافق بعض مدلولات الخبر المعتبر ، ولا أدری کیف اشتبه الحال علی الشیخ مع الظهور.

وفی خبر معدود من الصحیح عن حماد أیضاً عنه علیه السلام أنّه قال : « لا بأس بمسح القدمین مقبلاً ومدبراً » (2).

وینقل عن ظاهر ابن بابویه والمرتضی وجوب الابتداء من رؤوس الأصابع (3).

وعن ابن إدریس أنّه قطع به جعلاً ل- ( إلی ) فی الآیة الشریفة لإنهاء المسح لا الممسوح (4).

وفیه : أنّه لا دلیل علی تعیّن إنهاء المسح فی الآیة ، بل احتمال الممسوح قائم إذا قطع النظر عن الأخبار.

جواز مسح الرأس والرجلین مقبلاً ومدبراً

ص: 396


1- فی ص 64.
2- التهذیب 1 : 83 / 217 ، الوسائل 1 : 406 أبواب الوضوء ب 20 ح 2.
3- حکاه فی المختلف 1 : 127.
4- السرائر 1 : 99.

وفی المختلف نقل عن ابن إدریس أنّه قال : إنّ الاستقبال مکروه. وعن ابن حمزة أنّه أوجب ترک الاستقبال. وعن السیّد المرتضی أنّه قال : الفرض مسح مقدم الرأس من غیر استقبال الشعر.

ثم استدل العلاّمة علی جواز الأمرین بخبر حماد ، وبصدق الامتثال ، ثم قال : احتجّوا بأنّه مستقبل للشعر فیکون منهیاً عنه.

وأجاب بما حاصله تسلیم المنع فی شعر الیدین ، أمّا مسح الرأس فلا.

ونقل عن السیّد أنّه احتجّ بأنّ من مسح مقدم رأسه من غیر استقبال الشعر مزیل للحدث ، والخلاف واقع فی العدول عنه فیجب فعل المتیقن (1) ، ولا یخفی حال هذا الاستدلال ، وبالجملة فالحکم لا ریب فیه ، والله تعالی أعلم.

ثم إنّ الروایة الأخیرة لا یخلو قوله فیها : من أعلی (2) القدم إلی الکعب ومن الکعب إلی أعلی القدم ، من خلل غیر خفیّ ، وکأنّ المراد من الکعب إلی الأصابع ، لکن الحدیث حاله معلومة.

قال :

باب النهی عن استعمال الماء

الجدید لمسح الرأس والرِّجلین.

أخبرنی أبو الحسین بن أبی جید القمی ، عن محمّد بن الحسن بن الولید ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر وفضالة ، عن جمیل ، عن زرارة بن أعین قال :

النهی عن استعمال الماء الجدید لمسح الرأس والرجلین

اشارة

ص: 397


1- المختلف 1 : 124 بتفاوت یسیر.
2- فی « رض » زیادة : من.

حکی لنا أبو جعفر علیه السلام وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله فدعا بقدح من ماء فأدخل یده الیمنی فأخذ کفّاً من ماء فأسدلها علی وجهه من أعلی الوجه ثم مسح بیده (1)الجانبین جمیعاً ، ثم أعاد الیسری فی الإناء فأسدلها علی الیمنی ثم مسح جوانبها ، ثم أعاد الیمنی فی الإناء ثم صبّها علی الیسری وصنع بها کما صنع بالیمنی ، ثم مسح ببلّة ما بقی فی یدیه رأسه ورجلیه ولم یعدهما فی الإناء.

وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، وفضالة بن أیوب ، عن فضیل بن عثمان ، عن أبی عبیدة الحذّاء قال : وضّأت أبا جعفر علیه السلام بجمع (2) وقد بال فناولته [ ماءً ] (3) فاستنجی ، ثم صببت علیه کفاً فغسل وجهه وکفّاً غسل بها (4) ذراعه الأیمن وکفّاً غسل بها (5) ذراعه الأیسر ، ثم مسح بفضل الندی رأسه ورجلیه.

السند

فی الأوّل معدود فی الصحیح نظراً إلی ما قلناه سابقاً.

وفی الثانی الفضیل بن عثمان ، والنجاشی إنّما ذکر الفضل بن عثمان ووثقه (6).

بحث حول الفضیل بن عثمان

ص: 398


1- فی الاستبصار 1 : 58 / 171 یوجد : الیمنی ، وفی الهامش : زیادة فی « د ».
2- فی المصباح المنیر 1 : 108 : ویقال لمزدلفة : جمع ، وفی القاموس المحیط 3 : 14 : وبلا لام المزدلفة ، ویوم جمع یوم عرفة ، وأیام جمع أیام منی.
3- ما بین المعقوفین أضفناه من الاستبصار.
4- فی الاستبصار 1 : 58 / 172 : به.
5- فی الاستبصار 1 : 58 / 172 : به.
6- رجال النجاشی : 308 / 841.

وابن داود قال : إنّه رأی بخط الشیخ فی کتاب الرجال : الفضیل مصغّراً ، وأنّه ابن أُخت علی بن میمون المعروف بأبی الأکراد (1).

والنجاشی ذکر فی الفضل هذا الذی قاله ابن داود (2). والظاهر الاتحاد.

المتن :

لا یخفی أنّ ظاهر قوله فی الخبر الأوّل : وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله . المراد به الوضوء الذی کان مستمراً علیه صلی الله علیه و آله ، وحینئذٍ یندفع بعض الإشکالات الواردة علی الاستدلال بالحدیث للبدأة بالأعلی فی الوجه والیدین من جواز أنّ یکون البدأة بالأعلی لکونها أحد أفراد الکلّی المأمور به ، إلاّ أنّ یقال : إنّ فعل الإمام علیه السلام لذلک ویتم المطلوب من الإشکال ، وفیه نوع تأمّل ، وکذلک الإشکال فی المسح ببقیة البلل ، فلیتأمّل.

وما تضمنه قوله : فدعا بقدح. من لزوم الاستعانة المکروهة قد قدّمنا فیه الکلام (3).

وعدم غسله علیه السلام یده الیمنی أو یدیه لأنّه بصدد تعلیم الوضوء الواجب ، ولزوم وجوب إمرار الید علی الجانبین مسحاً وکذا مسح کل من جوانب الیدین سهل التوجیه.

وقوله : ثم أعاد الیسری. من باب المشاکلة علی ما فی الحبل المتین (4).

ص: 399


1- رجال ابن داود : 152 / 1203.
2- رجال النجاشی : 308 / 841.
3- فی ص 365.
4- الحبل المتین : 12.

وقوله : مسح بیده الجانبین. هو الموجود فی النسخ التی رأیناها (1) ، وفی بعض نسخ التهذیب « الحاجبین » بدل « الجانبین » (2) وعلی الموجود هنا قیل : یمکن أنّ یستدل به لابن الجنید علی وجوب إمرار الید علی الوجه (3) ، وفیه ما فیه.

وما تضمنه الخبر من اتحاد الغرفة لا یدل علی مرجوحیة الثانیة ، لما قدمناه من أنّ المقصود منه تعلیم الواجب حسب.

اللغة :

الإسدال إرخاء الستر وطرف العمامة ونحوهما ، ومنه السدیل وهو ما یرخی علی الهودج ، ففی الکلام استعارة تبعیّة کما فی الحبل المتین (4).

وما تضمنه الخبر الثانی من قوله : وضّأت ، إلی آخره ، یرید به مجرد مناولة ماء الوضوء کما ینبئ عنه الخبر ، وقوله : فناولته. الفاء فیه فاء التعقیب من عطف المفصّل علی المجمل ، کما فی الحبل المتین (5). وما قیل : من أنّ فی کلام الراوی إشعاراً بأنّ ماء الاستنجاء محسوب من الوضوء (6). محل تأمّل بعد ما قررناه ، فلیتأمّل.

قال :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن معمر بن خلاّد

معنی الإسدال

ص: 400


1- الاستبصار 1 : 58 / 171.
2- التهذیب 1 : 55 / 157.
3- کما فی الحبل المتین : 12.
4- الحبل المتین : 12.
5- الحبل المتین : 13.
6- کما فی الحبل المتین : 13.

قال : سألت أبا الحسن علیه السلام أیجوز للرجل أنّ یمسح قدمیه بفضل رأسه؟ فقال برأسه : لا ، فقلت : أبماء جدید؟ فقال برأسه : نعم.

وما رواه الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن شعیب ، عن أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مسح الرأس ، قلت : أمسح بما فی یدی من الندی رأسی؟ فقال : « لا ، بل تضع یدک فی الماء ثم تمسح ».

فالوجه فی هذین الخبرین أنّ نحملهما علی ضرب من التقیة ، لأنهما موافقان لمذاهب (1) العامة ، ویحتمل أنّ یکون المراد بهما إذا جفّت أعضاء الطهارة بتفریط من جهته ، فیحتاج ( إلی تجدید ) (2) غسلها فیأخذ ماءً جدیداً ویکون الأخذ لها أخذاً للمسح حسب ما تضمّنه الخبر الأوّل.

وأمّا الخبر الثانی فیحتمل أنّ یکون المراد بقوله : « بل تضع یدک فی الماء » إنّما أراد به الماء الذی بقی فی لحیته أو حاجبیه ولیس فیه أنّ یضع یده فی الماء الذی فی الإناء أو غیره ، فإذا احتمل ذلک لم یعارض ما قدمناه من الأخبار (3).

والذی یدل علی التأویل الذی ذکرناه : ما أخبرنی به الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن موسی بن جعفر ابن وهب ، عن الحسن بن علیّ الوشّاء ، عن خلف بن حمّاد ، عمّن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له : الرجل ینسی مسح

ص: 401


1- فی الاستبصار 1 : 59 / 174 زیادة : کثیر من.
2- فی الاستبصار 1 : 59 / 174 : أنّ یجدد.
3- فی ص 369.

رأسه وهو فی الصلاة ، قال : « إنّ کان فی لحیته بلل فلیمسح به » قلت : فإنّ لم یکن له لحیة؟ قال : « یمسح من حاجبیه أو من أشفار عینیه ».

السند

فی الأوّل لیس فیه ارتیاب ، وفی الثانی أبو بصیر وهو معلوم بما قدمناه (1) ، وفی الثالث موسی بن جعفر مهمل فی الرجال (2) ، وخلف ابن حماد ثقة کما فی النجاشی (3) ، وقول ابن الغضائری فیه غیر مسموع.

المتن :

فی الخبر الأوّل ظاهر فی السؤال عن مسح القدمین ، وأهل الخلاف لا یقولون بالمسح فالحمل علی التقیة قد ینکر ، وجوابه أنّ بعضهم نقل شیخنا أیّده الله عنه (4) القول بالمسح بماء جدید. أمّا الحمل علی أنّ فی زعمهم الفاسد أنّ الغَسل یسمی مسحاً علی بعض الوجوه. ففی غایة البعد.

نعم قد یشکل الحمل الأوّل بما إذا لم یکن المذهب مشهوراً ، وقول الشیخ : إنّهما موافقان لمذاهب العامة. لا یناسبه أیضاً ، وفی نسخة لمذاهب کثیر من العامة (5).

ثم إنّ الخبرین الأوّلین وإنّ لم یدلاّ علی عدم جواز الاستئناف صریحاً

موسی بن جعفر مهمل
خلف بن حمّاد ثقة

ص: 402


1- فی ص 72 ، 83.
2- رجال النجاشی : 406 / 1076 ، ورجال ابن داود : 193 / 1612.
3- رجال النجاشی : 152 / 399.
4- فی « فض » زیادة : فی المخ. وهو رمز مختصر الوسیط للمیرزا محمّد بن علی بن إبراهیم الأسترآبادی ، ولم یوجد لدینا.
5- الإستبصار 1 : 59 / 174.

لیحتاج الشیخ إلی الجمع کما أورده علیه شیخنا قدس سره (1) وشیخنا المحقق میرزا محمّد أیّده الله أیضاً ، إلاّ أنّه ربما یقال ما قدّمناه من أنّ حکایة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله تقتضی إرادة وضوئه دائماً (2).

ولئن اعترض بمنع ذلک أوّلاً ، واحتمال مواظبته علی الراجح وهو المسح بالبلل ، أمکن أنّ یقال : إنّ ظاهر الخبرین رجحان استئناف الماء ، والقائل عندنا بجواز الاستئناف ابن الجنید ، وهو یخص ذلک بما إذا لم یبق مع المتوضّئ نداوة ، کما حکاه فی المختلف (3) ، بل ظاهر الشیخ هنا القول بما یناسبه إنّ تم کونه قولاً للشیخ رحمه الله وحینئذٍ فالخبران مخالفان للإجماع ، مضافاً إلی أنّ کمال المسح بالبقیة لا ریب فیه عند الأصحاب (4) ، والخبران دالاّن علی خلاف ذلک.

نعم علی هذا التقدیر لیست المنافاة للخبرین الأولین ، کما هی عادة الشیخ فی الکتاب.

وما قد یستفاد من کلام زرارة : من أنّه لم یعدهما فی الإناء الدال علی عدم الاستئناف. فیه أنّ حکایة زرارة لا تفید إلاّ ما شاهده ، وهو لا یدلّ علی المطلوب ، اللهم إلاّ أنّ یقال : إنّه فهم ذلک من الإمام بالفحوی ، وفیه ما لا یخفی ، ولعل ما قلناه أوّلاً فی الجواب أولی.

وما ذکره الشیخ فی توجیه الخبرین فما یتوجه علیه أظهر من أنّ نبیّن :

ص: 403


1- مدارک الأحکام 1 : 212.
2- فی ص 370.
3- المختلف 1 : 128.
4- منهم المحقق فی المعتبر 1 : 146 ، والعلاّمة فی المختلف 1 : 129 ، وصاحب المدارک 1 : 212.

أمّا أوّلاً : فلأنّ الخبر الأوّل تضمّن أنّه علیه السلام قال برأسه : لا ، لمّا سأله عن مسح القدمین بفضل الرأس ، وأین هذا من الجفاف؟.

وقوله : فقلت أبماءٍ جدید. إذا تعلق بالجفاف لم یبق له تعلق بالسؤال الأوّل ، ومثل هذا لا یلیق ذکره.

وأمّا ثانیاً : فما ذکره فی الخبر الثانی من أنّ المراد أنّ یضع یده فی الماء [ الذی بقی فی لحیته أو حاجبیه ] (1) لا یعتریه شوب الریب فی أنّ المراد به الاستئناف ، وإرادة غیره لا تفهم منه ، وضرورة الجمع لا تبیح مثل هذا إذا أمکن غیره.

وأمّا ثالثاً : فلأن الخبر الذی استدل به لا دخل له بمراده ، ولئن سلّم دلالته علی جواز المسح بالبقیة لا یتم الدلالة علی الأکملیة کما هو مفاد الخبرین ، ولو سلّم ذلک فالخبر لا یخلو ظاهره من إشکال ؛ لأنّ مسح الرأس إذا نسیه الإنسان بطلت الصلاة ، وظاهر النص عدمه ، ولئن وجّه بإرادة استئناف الصلاة أشکل بأنّه لا بُدّ من مسح الرّجلین أیضاً ، ولو سلّم إرادة ذلک أشکل باشتراط عدم جفاف الأعضاء أو العضو ، وبلل اللحیة إذا لم تکن داخلة فی الوجه محل کلام ، غیر أنّ تسدید هذا ممکن.

وفی فوائد شیخنا المحقق سلّمه الله تعالی علی الکتاب : أنّ المراد نسی فلا یدری مسح أو لا ، وإلاّ استأنف الصلاة وقیل : الظاهر استأنف الوضوء. فتدبّر.

ومن لطیف التوجیهات فی حدیث معمر احتمال أنّ یکون قول الإمام علیه السلام برأسه : « لا » نهیاً عن سؤال معمر خوفاً من غیر المأمون فی

ص: 404


1- ما بین المعقوفین أضفناه من الإستبصار ( 1 : 59 ) لاستقامة المتن.

المجلس ، فظن معمر خلاف ذلک ، ولمّا أعاد السؤال وتنبه الحاضرون أمره علیه السلام بما ذکر ، فالتقیة لیست إلاّ فی الماء الجدید ، فلیتأمّل فی ذلک من حیث إنّه لا یدفع جمیع الشبهات عن الخبر.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الاستدلال فی کلام من رأینا کلامه لعدم جواز الاستئناف لا یخلو من قصور ، غیر أنّ شیخنا قدس سره وجّه الاستدلال بصحیح زرارة علی اعتقاده ، وإلاّ فهو حسن بإبراهیم بن هاشم علی ما رأیته فی زیادات التهذیب من کتاب الطهارة ، حیث قال فیه : « وتمسح ببلّة یمناک ناصیتک » (1) قال : والجملة الخبریة فیه بمعنی الأمر وهو للوجوب (2).

وتنظّر فیه فی الحبل المتین (3) من حیث إنّ الخبر یجوز فیه العطف علی قوله : « فقد یجزیک » إذ فی أول الروایة : « إنّ الله وتر یحب الوتر فقد یجزیک من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعین وتمسح ببلّة یمناک » الحدیث.

والاعتراض فی محله ، غیر أنّه ذکر فی آخر الکلام أنّ ما ذکره بعض الأصحاب من أنّ أولویة مسح القدم الیمنی بالیمنی والیسری بالیسری غیر ظاهر. محل کلام ، لأنّ أوّل الحدیث یدل علی الرجحان فی جمیع ما ذکر فیه ، إلاّ أنّ یقال ما لا یخلو من تکلّف ، وأوّل الخبر : « إنّ الله وتر یحب الوتر فقد یجزیک من الوضوء ثلاث غرفات واحدة للوجه واثنتان للذراع وتمسح » إلی آخره. فلیتأمّل.

وما قد یقال : من أنّ الأولی الاستدلال بحدیث المعراج الذی رواه

ص: 405


1- التهذیب 1 : 360 / 1083 ، الوسائل 1 : 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.
2- مدارک الاحکام 1 : 211.
3- الحبل المتین : 17.

محمّد بن یعقوب فی الحسن وقد تضمّن تعلیم الوضوء وأمره علیه السلام بمسح الرأس بالبقیة (1). ففیه : أنّ التأسّی لا یجب إلاّ فیما یعلم وجهه ، وإذا علم زال الإشکال ، فلا تغفل.

قال :

باب کیفیة المسح علی الرأس والرجلین.

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن أحمد بن محمّد بن یحیی (2) ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر عن أبی أیوب ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « مسح الرأس علی مقدّمه ».

وأخبرنی الشیخ رحمه الله قال : أخبرنی جعفر بن محمّد بن قولویه ، عن محمّد بن یعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن شاذان بن الخلیل النیشابوری ، عن معمر بن عمر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « یجزئ من مسح الرأس موضع ثلاث أصابع ، وکذلک الرِّجل ».

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن العباس بن معروف ، عن علی بن مهزیار ، عن حماد بن عیسی ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما علیهماالسلام فی الرجل یتوضّأ وعلیه العمامة قال : « یرفع العمامة بقدر ما یدخل إصبعه فیمسح علی مقدّم رأسه ».

کیفیّة المسح علی الرأس والرجلین

اشارة

ص: 406


1- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 1 : 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.
2- فی الاستبصار 1 : 60 / 176 لا یوجد : بن یحیی.

السند :

فی الأول : لا یخلو من خلل بالنسبة إلی قوله : عن أحمد بن محمّد ابن یحیی. فإنّ الصواب : عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، وهذا کثیراً ما یقع فی کلام الشیخ رحمه الله بسبب العجلة ، ولو لا أنّه فی النسخ التی رأیناها لأمکن الإصلاح لاحتمال کونه من غیر الشیخ ؛ وقد ینظر فی روایة محمّد ابن أحمد عن الحسین بن سعید بغیر واسطة. ودفعه ممکن ، وما عدا هذا حاله معلوم ممّا قدمناه.

الثانی : فیه شاذان بن الخلیل ، وهو مهمل فی الرجال (1) ، ومعمر بن عمر کذلک (2).

والثالث : مرسل.

المتن :

فی الأول : ظاهر فی أنّ المسح علی مقدّم الرأس ، ولم ینقل خلاف فی ذلک ، وفی الثانی : دلالة علی إجزاء مسح الرأس موضع ثلاث أصابع ، والثالث : لا ینافیه لأنّ الإصبع إذا مسحت عرضاً تحقق مقدار الثلاث ، إلاّ أنّ الخبرین کما تری غیر سلیمین.

وما قد یقال : إنّ خبر معمر تضمّن الإجزاء لا أنّه أقل ما یجزئ.

شاذان بن الخلیل مهمل
معمربن عمر مهمل
موضع المسح مقدّم الرأس ومقداره ثلاث أصابع

ص: 407


1- رجال الطوسی : 402 / 1 ، منهج المقال : 178 ، ولکن ظاهر قول الکشی فی ترجمة محمّد بن سنان أنّه من العدول والثقات من أهل العلم ، وظاهر قول النجاشی فی ترجمة ابنه الفضل بن شاذان أنّه کان ثقة ، وعدّ العلاّمة إیّاه فی القسم الأوّل یکشف عن اعتماده علیه. رجال الکشی 2 : 796 / 1. رجال النجاشی : 306 / 840 ، خلاصة العلاّمة : 87 / 3.
2- رجال الطوسی : 316 / 575 ، منهج المقال : 339.

ففیه : أنّه لو أجزأ الأقل من ذلک لما ناسب لفظ الإجزاء ، إلاّ أنّ یقال : إنّ الإجزاء بالنسبة إلی اعتبار الثلاث أصابع آلة ، کما هو مختار ابن بابویه فی الفقیه حیث قال : وحدّ مسح الرأس أنّ یمسح بثلاث أصابع مضمومة (1). ولم أقف علی ما یصلح دلیلاً له.

وفی الحبل المتین نقل خبراً صحیحاً لزرارة قال : قال أبو جعفر علیه السلام : « المرأة یجزیها من مسح الرأس أنّ تمسح مقدّمه مقدار ثلاث أصابع ولا تلقی عنها خمارها » (2).

ثم قال : ویمکن أنّ یستدل به للشیخ فی النهایة وابن بابویه من وجوب المسح بثلاث أصابع وعدم إجزاء الأقل مع الاختیار ، ویؤیّده روایة معمر وذکر الروایة المبحوث عنها (3).

وفی نظری القاصر أنّه لا یخلو من غرابة ، لأنّ مضمون الخبرین موضع ومقدار ، وأین هذا من عبارة المقیّد کما لا یخفی.

وفی الکتاب أیضاً : ویمکن حملها علی الاستحباب ، عملاً بالمشهور بین الأصحاب المعتضد بالأخبار الصحیحة الصریحة (4).

وقد یقال : إنّ الأخبار الصحیحة لا تزید لا تزید عن کونها مطلقة والمقیّد موجود. وهو الخبر المذکور عن زرارة ، واختصاصه بالمرأة لا قائل به علی ما رأیت ، والإجزاء المذکورة فیه بالنسبة إلی عدم إلقاء الخمار ، والشهرة بین الأصحاب محل کلام بعد وجود الخلاف.

ص: 408


1- الفقیه 1 : 28.
2- الوسائل 1 : 416 أبواب الوضوء ب 24 ح 3.
3- الحبل المتین : 15 ، 16.
4- الحبل المتین : 16.

وقد سبق إلی الاستدلال للشیخ شیخنا قدس سره بصحیح زرارة ، موجّهاً بأنّ الأجزاء یستعمل فی أقلّ الواجب (1) ؛ ومراده أنّه لم یبق أکثر الواجب إلاّ المسح بثلاث أصابع ، وفیه ما قدمناه من احتمال الإجزاء بالنسبة إلی إلقاء الخمار ، هذا.

والذی وقفت علیه من خبر زرارة یرویه (2) إبراهیم بن هاشم ، علی ما فی التهذیب (3) ، فإمّا أنّ یکون من غیر التهذیب ، أو اعتماد من صَحّحه علی توثیق إبراهیم ، إلاّ أنّ العادات مضطربة بالنظر إلی الناقلین ، وهم أعلم بالحال.

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعیل بن بزیع ، عن ظریف بن ناصح ، عن ثعلبة بن میمون ، عن عبد الله بن یحیی ، عن الحسین بن عبد الله قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یمسح رأسه من خلفه وعلیه عمامة بإصبعه أیجزیه ذلک؟ فقال : « نعم ».

فلا ینافی ما قدّمناه من أنّه ینبغی أنّ یکون المسح بمقدّم الرأس ، لأنّه لیس یمتنع أنّ یدخل الإنسان إصبعه من خلفه ومع ذلک فیمسح بها مقدّم الرأس ، ویحتمل أنّ یکون الخبر خرج مخرج التقیّة ، لأنّ ذلک مذهب بعض العامة.

ص: 409


1- مدارک الأحکام 1 : 208 ، 209.
2- فی « رض » : بروایة.
3- التهذیب 1 : 77 / 195.

السند :

فیه جهالة الحسین بن عبد الله ، لاشتراکه بین مهملین فی الرجال (1).

أمّا ثعلبة بن میمون فهو ممدوح فی غیر الکشی (2) ، وفیه نقلاً عن حمدویه عن محمّد بن عیسی : أنّه ثقة (3).

وعبد الله بن یحیی أظنّه الکاهلی وهو معدود من الممدوحین.

المتن :

ما ذکره الشیخ فیه لا یخلو من وجه لو تمّ عند بعض أهل الخلاف المسح بإصبع ، والشیخ أعلم بذلک ، ولعلّ الثانی أقرب من الحمل الأوّل علی هذا التقدیر ، وفی صحاح أخبارهم : إنّ النبیّ صلی الله علیه و آله أدخل یده فی التور فمسح رأسه فأقبل بها وأدبر (4). قال ابن الأثیر فی شرح الحدیث : من الناس من قال یبدأ بمؤخّر رأسه ویمرّ إلی جهة الوجه ثم یرجع إلی المؤخّر.

قال :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن علیّ بن الحکم ، عن الحسین ابن أبی العلاء قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المسح علی الرأس

الحسین بن عبدالله مشترک بین مهملین
ثعلبة بن میمون ممدوح أو ثقة
عبدالله بن یحیی الکاهلی ممدوح

ص: 410


1- رجال الطوسی : 169 / 60 ، 171 / 94 ، وهدایة المحدثین : 194.
2- رجال النجاشی : 117 / 302 ، خلاصة العلاّمة : 30 / 1.
3- رجال الکشی 2 : 711 / 776.
4- صحیح البخاری 1 : 58 ، سنن أبی داود 1 : 29 / 117.

فقال : « کأنّی أنظر إلی عکنة فی قفاء أبی یمرّ علیها یده » وسألته عن الوضوء یمسح الرأس مقدّمه ومؤخّره قال : « کأنّی أنظر إلی عکنة فی رقبة أبی یمسح علیها ».

فالوجه فی هذا الخبر ما ذکرناه أخیراً من حمله علی التقیة ، لا غیر.

وأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، رفعه إلی أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی مسح القدمین ومسح الرأس فقال : « مسح الرأس واحدة من مقدّم الرأس ومؤخّره ، ومسح القدمین ظاهرهما وباطنهما ».

فالوجه فی هذا الخبر أیضاً التقیة ؛ لأنّ فی الفقهاء من یقول بمسح الرِّجلین ویقول مع ذلک باستیعاب العضو ظاهراً وباطناً ، ویحتمل أنّ یکون أراد ظاهرهما وباطنهما یعنی (1) مقبلاً ومدبراً علی ما بیّنّا القول فیه.

السند

فی الأوّل حسن علی ما أظنّ ، وقد تقدم الوجه فیه ؛ وفی الثانی حاله غیر خفیة.

المتن :

فی الخبرین ظاهر فی التقیة کما أشرنا إلیه من کلام بعض أهل

ص: 411


1- فی الاستبصار 1 : 61 / 181 : أعنی.

الخلاف (1).

وما ذکره الشیخ فی الثانی من الاحتمال لا وجه له ، سیّما بعد تضمّن (2) الخبر مسح الرأس من مقدّمة ومؤخّره.

ولا یخفی ما فی قوله علیه السلام ، « کأنّی أنظر » إلی آخره من اللطف فی العبارة المندفع به شرّ المخالفین مع الصدق فی إطلاق مسح العکنة ، إذ لا ینحصر فی الوضوء ، کما یعرف بالتأمّل فی سیاق الکلام.

اللغة :

العُکنة : الطیّ الذی فی البطن ، وجمعه عکن وأعکان (3).

قال :

باب مقدار ما یمسح من الرأس والرِّجلین

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید وأبیه محمّد ابن عیسی ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن عمر بن أُذینة ، عن زرارة وبکیر ابنی أعین ، عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال : « فی المسح تمسح علی النعلین ، ولا تدخل یدک تحت الشراک ، وإذا مسحت بشی ء من رأسک أو بشی ء من قدمیک ما بین کعبک إلی أطراف الأصابع فقد أجزأک ».

معنی اُلعنکة

مقدار ما یمسح من الرأس والرجلین

اشارة

ص: 412


1- المتقدم فی ص 380.
2- فی « فض » : نصّ.
3- مجمع البحرین 6 : 282 ( عکن ).

عنه ، عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن شاذان بن الخلیل النیشابوری ، عن یونس ، عن حماد ، عن الحسین قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل توضّأ وهو معتمّ وثقل علیه نزع العمامة لمکان البرد ، فقال : « لیدخل إصبعه ».

السند

فی الأوّل واضح ، ولفظ أبیه عطف علی الحسین ابن سعید ، وقد قدمنا کلاماً فی قطع الشیخ متن هذا الحدیث وجعل لکل حکم سنداً.

وفی الثانی شاذان بن الخلیل ، وقد تقدم القول فیه (1) ؛ والحسین المذکور علی ما یظهر أنّه الحسین بن المختار ، لأنّ الراوی عنه حمّاد علی ما فی الفهرست والنجاشی (2) ؛ وحماد هو ابن عیسی (3) ( لأنّ الراوی عنه فی الفهرست (4) الحسین بن سعید ) (5) ، والحسین المذکور واقفی ، ووجدت فی التهذیب روایةً للشیخ مصرحة بالحسین بن المختار والراوی عنه حماد (6) ، وقد یحتمل أنّ یکون الحسین بن عبد الله السابق فی الأخبار القریبة العهد ، وعلی کل حال الحدیث غیر صحیح.

الحسین بن المختار واقفی

ص: 413


1- فی ص 377.
2- الفهرست : 55 / 295 ، رجال النجاشی : 54 / 123.
3- فی رض : عثمان.
4- الموجود فی الفهرست : 55 / 195 روایة الحسن بن سعید عن حماد عن الحسین بن المختار.
5- کذا فی النسخ ، ولعل الأنسب هکذا : لأنّه الراوی عن الحسین بن المختار.
6- التهذیب 1 : 87 / 229 ، الوسائل 1 : 214 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 12.

المتن :

ظاهر قوله : « ولا تدخل یدک تحت الشراک » عدم مسح ما تحته ، فإمّا أنّ یکتفی بإیصال المسح إلیه ، أو یتجاوز عنه إلی الکعبین ، فهو مجمل ، وربما دل قوله : « أو بشی ء من قدمیک ما بین کعبک إلی أطراف الأصابع فقد أجزأک » علی عدم وجوب الإیصال إلی الکعبین ، ولا البدأة من الأصابع ، والظاهر منه أیضاً عدم وجوب إدخال الکعبین ، کما ذهب إلیه بعض (1).

والعلاّمة فی المنتهی ذهب إلی الوجوب ، مجیباً عن الحدیث بأنّ مثل ذلک قد یستعمل فیما یدخل فیه المبدأ ، کقولک : له عندی ما بین واحد إلی عشرة (2).

وفیه نظر واضح ؛ لأنّ العرف فی مثل هذا دالّ علیه ، دون ما نحن فیه ؛ وما تضمّنه من الاکتفاء بمسح شی ء من الرأس لا یأبی حمله علی المقیّد وقد سبق فیه القول.

ثم إنّ الاکتفاء بالمسمّی فی الرِّجلین ادّعی علیه الإجماع المحقق فی المعتبر (3) ، کما حکاه شیخنا قدس سره واستدل علیه أیضاً بإطلاق الأخبار مثل المبحوث عنه وغیره.

قال شیخنا قدس سره : ولو لا ذلک لأمکن القول بوجوب المسح بالکفّ کلّها ؛ لصحیحة أحمد بن محمّد بن أبی نصر ، فإنّ المقید یحکّم علی المطلق (4). وسیأتی إنّ شاء الله الروایة.

هل یجب مسح الکعبین؟
الاکتفاء بالمسمّی فی مسح الرجلین

ص: 414


1- المحقق فی المعتبر 1 : 152.
2- کالمنتهی 1 : 64 ، 65.
3- المعتبر 1 : 150.
4- مدارک الأحکام 1 : 221.

وما ذکره من حمل المطلق علی المقید یتوجه علیه فی الرأس مع ذهابه إلی المسمّی ، ولا إجماع هناک.

ثم ما نقله عن المحقق من الإجماع علی الاجتزاء بالمسمّی ولو بإصبع واحدة قد ذکر المحقق بعده ما حاصله : أنّ المسح علی القدم هل هو کالرأس أو یجب إیصاله إلی الکعبین؟ وجهان ملتفتان إلی أنّ التحدید فی الرِّجلین للممسوح أو للمسح (1)؟.

والعلاّمة فی المختلف اتّفق له الاستدلال علی البدأة بالأصابع بالآیة ، قال : وموضوع ( إلی ) الغایة ولا خلاف فی أنّ الأمر هنا للوجوب (2). وهو غریب بعد احتمال ما ذکره المحقق فی الآیة.

واستدل أیضاً بخبر بکیر وزرارة السابق فی حکایة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله حیث قال : ثم مسح رأسه وقدمیه إلی الکعبین ، وقد عرفت حال سند الحدیث ، واستدل أیضاً بصحیح أحمد بن محمّد ابن أبی نصر الآتی ، وستسمع القول فیه بما ینافی الاستدلال.

وأمّا الخبر الثانی المبحوث عنه فقد تقدم القول فی مسح الرأس بما فیه کفایة ، مضافاً إلی ضعف الروایة.

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن یعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن أبی نصر (3) ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال

ص: 415


1- المعتبر 1 : 152.
2- المختلف 1 : 127.
3- فی الاستبصار 1 : 62 / 184 : عن أحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبی نصر.

سألته عن المسح علی القدمین کیف هو؟ فوضع کفّه علی الأصابع فمسحها إلی الکعبین إلی ظاهر القدم ، فقلت : جعلت فداک لو أنّ رجلاً قال بإصبعین من أصابعه (1)؟ فقال : « لا إلاّ بکفّه » (2) فمحمول علی الفضل والاستحباب دون الفرض والإیجاب.

السند

لا یخلو من خلل ، لأنّ الصواب عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن أبی نصر ، کما فی الکافی والتهذیب (3).

المتن :

ظاهره تعیّن المسح المذکور فیه ، لکن الإجماع قد سمعت نقله ، غایة الأمر أنّ الإجماع علی المسمّی ، أمّا علی عدم الإیصال إلی الکعب ولو بإصبع فغیر معلوم ، بل ظاهر ما نقلناه عن المحقق من الوجهین یعطی عدم الإجماع (4).

فما ذکره الشیخ : من أنّ الحدیث محمول علی الاستحباب. یحتاج إلی تفصیل ، وقدّمنا احتجاج العلاّمة به فی المختلف علی الابتداء من الأصابع ، مع أنّه محمول علی الاستحباب عند الأصحاب (5) ، حتی العلاّمة

ص: 416


1- فی الاستبصار 1 : 62 / 184 یوجد : ألا یکفیه.
2- الإستبصار 1 : 62 / 184 فی « ب » : إلاّ بکفیه.
3- الکافی 3 : 30 / 6 ، التهذیب 1 : 91 / 243 ، الوسائل 1 : 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 4.
4- المتقدم فی ص 384.
5- انظر المختلف 1 : 123.

صرّح به فی المنتهی قائلاً : إنّ قوله : « لا إلاّ بکفّه » من قبیل لا صلاة لجار المسجد إلاّ فیه (1) ، کما ذکره الشیخ فی التهذیب (2) ، وأنت خبیر بأنّ الاستحباب ینافی الاستدلال.

وفی نظری القاصر أنّ العلاّمة کأنّه احتمل أنّ یقال : إنّ الإجماع علی المسمّی یقتضی حمل المسح بالکفّ علی الاستحباب ، لا أنّ البدأة بالأصابع کذلک.

وفیه أولاً : أنّ ما قدّمه (3) من الأخبار فی الاستدلال مع الآیة لا یدلّ علی البدأة من الأصابع ، أمّا الآیة فظاهرة ، وأمّا خبر زرارة وبکیر فإنما یدل علی أنّه مسح قدمیه إلی الکعبین ، أمّا البدأة فغیر معلومة ، نعم لا یبعد أنّ یقال : إنّ الظاهر ذلک ، لکن الحدیث لا یصلح للاستدلال.

وأمّا ثانیاً : فلأنّ خبر أحمد بن محمّد بن أبی نصر إذا حمل علی الاستحباب لم یبق فیه دلالة علی وجوب البدأة بالأصابع من نفسه ، والغیر لم یصلح لذلک ، وخبر زرارة وبکیر الصحیح فی أوّل الباب یدلّ علی أنّ المسح فیما بین الکعبین إلی الأطراف ، وقول العلاّمة فی المنتهی (4) إنّما هو فی الغایة ، وقد عرفت ما فیه.

نعم روی الشیخ حدیثاً فی باب المسح علی الجبائر ، لکن طریقه غیر سلیم ، کما سیأتی ، ومتنه : قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : عثرت فانقطع ظفری فجعلت علی إصبعی مرارة فکیف أصنع بالوضوء؟ قال : « یعرف

ص: 417


1- المنتهی 1 : 64.
2- التهذیب 1 : 92 / 244 ، الوسائل 5 : 194 أبواب أحکام المساجد ب 2 ح 1.
3- فی ص 384.
4- راجع ص 381 و 383.

هذا وأشباهه من کتاب الله عزّ وجلّ ، قال الله تعالی ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) امسح علیه » (2).

وهذا الخبر کما تری یدلّ علی استیعاب المسح علی الأصابع ، لکن الکلام فی صحة السند ، وقد یمکن حمله علی الاستحباب ، إلاّ أنّه بعید عن الظاهر.

وبالجملة فالمقام واسع البحث ، ولم أجد تحریره فی کلام المتأخّرین ، بل إنّما أشار المحقق إلی ما سبق عنه (3) ، فینبغی عدم الغفلة عنه.

وقول السائل فی الخبر المبحوث عنه : قال بإصبعین ، بمعنی فعل ، کما هو واضح.

نعم یحتمل أنّ یراد بالکفّ ما یتناول الأصابع ، ویحتمل إرادة غیرها ، بل هو الظاهر من قوله : فوضع کفّه ، وقوله فی نفی قول السائل عن الإصبعین لا یدلّ علی مجموع الأصابع ، کما لا یخفی ، وما تضمّنه الخبر من المسح إلی ظاهر القدم واضح الدلالة علی أنّ الکعب غیر المفصل إلاّ بتکلّف التوجیه ، فتأمّل.

قال :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن بکر بن صالح ، عن الحسن (4) بن محمّد بن عمران ، عن زرعة ، عن سماعة بن مهران ، عن

ص: 418


1- الحج : 78.
2- التهذیب 1 : 363 / 1097 ، الوسائل 1 : 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.
3- المتقدم فی ص 301.
4- الإستبصار 1 : 62 / 185 فی « ج » : الحسین.

أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا توضّأت فامسح قدمیک ظاهرهما وباطنهما » ثم قال : هکذا : فوضع یده علی الکعب وضرب الأُخری علی باطن قدمه (1) ثم مسحهما إلی الأصابع.

فالوجه فی هذا الخبر ما ذکرناه فی الباب الذی قبل هذا من حمله علی التقیّة(2) ، لأنّه موافق لمذهب بعض العامة ممّن یری المسح علی الرِّجلین ویقول باستیعاب الرِّجل ، وهو خلاف الحق ، کما بیّناه.

السند

فیه بکر بن صالح وهو ضعیف ، والحسن بن عمران لم یعلم من أوصافه إلاّ ما یفهم من الکشّی أنّه کان وصیّاً لزکریا بن آدم (3) ، وغیرهما لا یخفی حاله.

المتن :

یتعین فیه ما ذکره الشیخ علی تقدیر الالتفات للحدیث.

قال :

والذی یدلّ علی ما قلناه أیضاً :

ما رواه محمّد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ؛ ومحمّد ابن إسماعیل ، عن الفضل بن شاذان جمیعاً ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن زرارة ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : ألا

بکر بن صالح ضعیف
الحسن بن عمران کان وصیّاً لزکریا بن آدم

ص: 419


1- فی الاستبصار 1 : 62 / 185 : قدمیه.
2- تقدم فی ص : 380 381.
3- رجال الکشی 2 : 858 / 1114.

تخبرنی من أین علمت وقلت : إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرِّجلین؟ فضحک ، ثم قال : « یا زرارة قاله رسول الله صلی الله علیه و آله ونزل به الکتاب من الله ، لأنّ الله یقول ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ ) (1) فعرفنا أنّ الوجه کله ینبغی (2) أنّ یغسله ، ثم قال ( وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) (3) ثم فصّل بین الکلامین ، فقال ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ ) فعرفنا حین قال ( بِرُؤُسِکُمْ ) أنّ المسح ببعض الرأس لمکان الباء ، ثم وصل الرِّجلین بالرأس ، کما وصل الیدین بالوجه ، فقال ( وَأَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ ) فعرفنا حین وصلهما بالرأس أنّ المسح ببعضهما (4) ، ثم بیّن (5) رسول الله صلی الله علیه و آله ذلک للناس فضیّعوه ، ثم قال ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ مِنْهُ ) فلما وضع الوضوء عمّن لم یجد الماء أثبت مکان (6) الغَسل مسحاً لأنّه قال ( بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ مِنْهُ ) ثم وصل بها ( وَأَیْدِیَکُمْ ) ثم قال ( مِنْهُ ) أی من ذلک التیمم ، لأنّه علم أنّ ذلک (7) لا یجری علی الوجه ، لأنّه یعلق من ذلک (8) ببعض الکف ولا یعلق ببعضها ، ثم قال (9) ( ما یُرِیدُ اللهُ لِیَجْعَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَرَجٍ ) والحرج : الضیق ».

ص: 420


1- المائدة : 6.
2- فی الاستبصار 1 : 63 / 186 یوجد : له.
3- فی الفقیه 1 : 56 / 212 زیادة : فوصل الیدین إلی المرفقین بالوجه فعرفنا انه ینبغی لهما ان یغسلا إلی المرفقین.
4- الإستبصار 1 : 63 / 186 فی « د » : علی بعضها.
5- فی الاستبصار 1 : 63 / 186 : سنّ.
6- فی الاستبصار 1 : 63 / 186 : بعض ، وفی « ج » : لبعض.
7- فی الاستبصار 1 : 63 / 186 یوجد : أجمع.
8- فی الاستبصار 1 : 63 / 186 زیادة : الصعید.
9- فی الاستبصار 1 : 63 / 186 لا یوجد : الله. ویوجد فی الدین بعد قوله : علیکم.

السند :

لا ریب فیه بعد ملاحظة ما قدّمناه.

المتن :

لا قدح فی زرارة لتوهّم إساءة الأدب فی قوله : ألا تخبرنی ، لأنّ الضرورة بمخالطة أهل الخلاف دعته إلی ذلک ، والتعبیر بما قاله اعتماداً علی رسوخ ولایته ، کما فی الحبل المتین (1).

وما فیه من دلالة الخبر علی أنّ الباء تأتی للتبعیض ، فیدفع به قول سیبویه : إنّ الباء لم تجئ للتبعیض (2).

قد یقال علیه : إنّ إفادة التبعیض تجوز کونها مجازاً ، والقرینة بیان الرسول صلی الله علیه و آله والإمام علیه السلام حیث قال فی أول الخبر : « قاله رسول الله صلی الله علیه و آله ونزل به الکتاب ».

ولئن استبعد ذلک من حیث إنّ قول الرسول لا ینحصر فی البیان أمکن أنّ تکون القرینة أخیراً من قوله علیه السلام : « بیّن رسول الله صلی الله علیه و آله ذلک للناس » مضافاً إلی [ أنّ ] مثل زرارة لا یخفی علیه الحال لو کانت فی الآیة للتبعیض ، إلاّ أنّ یقال : إنّها مشترکة بین معان ، فالبیان لأحد المعانی لا یقتضی المجاز ، ولذلک سأل زرارة ، فلیتأمّل.

وقوله علیه السلام : « فعرفنا أنّ الوجه کله ینبغی أنّ یغسله » ربما (3) یسأل عن وجه استفادة هذا المعنی من الآیة ، مع أنّ المأمور به غسل جمیع الوجوه ،

ص: 421


1- الحبل المتین : 16.
2- الحبل المتین : 16.
3- فی « رض » : إنّما.

لا جمیع کل وجه.

ومن ثم یخطر فی البال الکلام علی أهل الخلاف القائلین بأنّ الباء لیست للتبعیض فی مثل ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ ) کما یظهر من کلام الشیخ من التهذیب (1) ، إنّ کان إشارة إلیهم ، وإنّ کان دفع احتمال أورده فالکلام فی جوابه.

وحاصل الأمر أنّ الشیخ رحمه الله قال فی مسألة مسح الرأس بعد الروایة الدالة علی مقدار ثلاث أصابع :

فإنّ قیل : کیف یمکنکم التعلق بهذا الخبر مع أنّ ظاهر القرآن یدفعه ؛ لأنّ الله تعالی قال ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ ) والباء هاهنا للإلصاق ، وإنّما دخلت لتعلق المسح بالرؤوس ، لا أنّ تفید التبعیض ، لأنّ إفادتها للتبعیض غیر موجود فی کلام العرب ، وإذا کان هکذا فالظاهر یقتضی مسح جمیع الرأس.

وأجاب رحمه الله بما فیه طول ، وحاصله توجیه کونها للتبعیض (2).

والذی یمکن أنّ یقال علی نحو ما قلناه هنا ، إنّ الآیة إنّما تدل بتقدیر عدم التبعیض علی مسح جمیع الرؤوس لا جمیع الرأس ، فلا یشکل الحال بأنّ جواب الشیخ لا یخلو من کلام من جهات أشرنا إلیها فی حاشیة التهذیب.

غیر أنّه ربما یقال فی الخبر المبحوث عنه : إنّ المسح ببعض الرؤوس لا یدل علی المسح ببعض کل رأس.

والجواب : أنّ کلام الإمام علیه السلام کشف الغموض فی الآیة ، بأنّ المراد

هل الباء فی قوله تعالی : ( وامسحوا برؤسکم ) تفید التبعیض؟

ص: 422


1- التهذیب 1 : 60.
2- التهذیب 1 : 60 ، 61.

بعض کل رأس وغسل کل وجه ، فیرتفع الارتیاب ، ویتحقق غموض مقصد زرارة فی السؤال ، ویتضح أنّ الاستدلال بالخبر علی کون الباء للتبعیض بمجردها غیر کاف فی المطلوب.

ثم ما تضمنه الخبر من قوله : « ثمّ فصّل بین الکلامین » قیل : إنّه یراد به : غایر به بینهما (1).

وما تضمنه من حکم التیمّم سیأتی إنّ شاء الله تعالی القول فیه فی محله (2) ، إذ فیه دلالة علی أنّ الصعید التراب ، ولم أَرَ من ذکره فی الاستدلال لذلک ، ولا یخفی أنّ دلالة الخبر علی التبعیض فی الرأس لا یخرج عن الإطلاق ، وحینئذٍ لا مانع من تقییده بما دل علی مقدار الثلاث أصابع ، وقد أشرنا إلی ذلک سابقاً ، والله تعالی أعلم بحقائق الأُمور.

قال :

باب الأُذنین هل یجب مسحهما مع الرأس أم لا؟

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضال ، عن ابن بکیر ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام أنّ أُناساً یقولون إنّ (3) الأُذنین من الوجه وظهرهما من الرأس ، فقال : « لیس علیهما غَسل ولا مسح ».

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن یونس ، عن علی بن رئاب ،

الاُذنین هل یجب مسحهما مع الرأس أم لا؟

اشارة

ص: 423


1- قال به فی الحبل المتین : 16.
2- یأتی فی ج 3 : 13.
3- فی الاستبصار 1 : 63 / 187 زیادة : بطن.

قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام الأُذنان من الرأس؟ قال : « نعم » قلت : وإذا (1)مسحتُ رأسی مسحتُ اذنی؟ قال : « نعم ، کأنّی أنظر إلی أبی فی عنقه عُکنة (2) وکان یحفی رأسه إذا جزّه ، کأنّی أنظر والماء یجری علی عاتقه » (3)

فمحمول علی التقیّة ، لأنّه موافق لمذهب العامّة ، ومناف لظاهر القرآن ، علی ما بیّناه فی کتاب تهذیب الأحکام (4).

السند

فی الأوّل ابن فضال وابن بکیر ، وهما غیر خفیّین.

وفی الثانی یونس ، وأمره ملتبس ، إذ یونس بن عبد الرحمن لم أجد فی غیر هذا الموضع روایة الحسین بن سعید عنه ، ویونس بن یعقوب محتمل ، وحاله مشهور ، وغیره أیضاً محتمل.

وبالجملة فالخبر غیر معلوم الصحة.

المتن :

فی الأوّل : صریح فی أنّ الأُذنین لیس علیهما غَسل ولا مسح ، وهو إجماع أیضاً.

وفی الثانی : ما قاله الشیخ فیه هو المتعیّن ، غیر أنّ قوله : وإنّ

ص: 424


1- فی الاستبصار 1 : 64 / 188 : فإذا.
2- تقدم معناه فی ص 299.
3- فی الاستبصار 1 : 64 / 188 : ینحدر علی عنقه.
4- التهذیب 1 : 60.

مسحت رأسی مسحت اذنی. لا یخلو من إجمال ؛ لأنّ مسح الرأس إنّ اعتبر جمیعه کان مسح الأُذنین لازماً ، وإنّ لم یعتبر فالحکم بمسحهما لکونهما من الرأس غیر ظاهر الوجه ، ولعل مذهب أهل الخلاف یوافق ذلک ، أمّا قوله علیه السلام : « کأنّی أنظر » إلی آخره ، ففیه من اللطف ما لا یخفی.

اللغة :

أحفی شاربه : بالغ فی جزّه ، قاله فی المغرب (1).

قال :

باب وجوب المسح علی الرِّجلین.

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الحسین ابن الحسن بن أبان ، ومحمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد جمیعاً ، عن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن سالم ، وغالب بن هذیل قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المسح علی الرِّجلین ، فقال : « هو الذی نزل به جبرائیل » (2).

وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن العلاء (3) ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن المسح علی الرِّجلین؟ فقال : « لا بأس ».

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن

معنی أحفی

وجوب المسح علی الرجلین

اشارة

ص: 425


1- المغرب 1 : 131.
2- فی الاستبصار 1 : 64 / 189 : جبرئیل علیه السلام .
3- فی الاستبصار 1 : 64 / 190 زیادة : عن محمّد.

محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن الحکم ابن مسکین ، عن محمّد بن سهل ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « یأتی علی الرجل ستون وسبعون سنة ما قَبِل الله منه صلاة » قلت : وکیف ذلک؟ قال : « لأنّه یغسل ما أمر الله بمسحه ».

وأخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمّد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبی همام ، عن أبی الحسن علیه السلام فی وضوء الفریضة فی کتاب الله قال : « المسح والغسل فی الوضوء للتنظیف ».

الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عن زرارة ، قال : قال لی : « لو أنّک توضّأت فجعلت مسح الرِّجلین (1) غَسلاً ثم أضمرتَ أنّ ذلک من المفروض (2) لم یکن ذلک بوضوء » ثم قال : « ابدأ بالمسح علی الرِّجلین فإن بذلک غَسلٌ فغسلته فامسح بعده ، لیکون آخر ذلک المفروض ».

السند

فی الأوّل : فیه سالم ، وهو مشترک (3) ، وغالب بن هذیل غیر مذکور فیما وقفت علیه من الرجال.

وفی الثانی : لیس فیه ارتیاب ، إلاّ أنّ روایة العلاء عن أحدهما محلّ تأمّل ؛ لأنّ العلاء لا یروی عن الباقر علیه السلام ، کما ذکره شیخنا المحقق میرزا

سالم مشترک
غالب بن هذیل غیر مذکور فی الرجال
العلاء لا یروی عن الباقر

ص: 426


1- فی الاستبصار 1 : 65 / 193 : الرِّجل.
2- فی الاستبصار 1 : 65 / 193 : الفروض.
3- هدایة المحدثین : 69.

محمّد أیّده الله فی فوائده علی الکتاب ، وفی بعض النسخ کما ذکره أیضاً العلاء عن محمّد. وهو الذی ینبغی ، ولعلّ محمّداً ساقط بعد العلاء سهواً من قلم الشیخ ، لأنّه المتکثّر فی الأخبار.

وفی الثالث : الحکم بن مسکین ، وهو مهمل فی الرجال (1) ؛ ومحمّد ابن سهل ، ولیس هو ابن سهل بن الیسع علی ما ظهر ، لأنّه من رجال الرضا علیه السلام ، وإنّ لم تکن ثمرة هذا مهمّة لإهماله فی الرجال (2) ، وغیره مهمل أیضاً.

وفی الرابع : لا ارتیاب کما تقدم.

وفی الخامس کذلک.

المتن :

فی الأوّل صریح فی أنّ المسح هو الذی نزل به جبرئیل ، والإجماع علی ذلک واقع أیضاً.

وفی الثانی : نوع إبهام ، ولعلّه للخوف من بعض المعاندین فی المذهب.

والثالث : صریح ، وکذا الرابع والخامس.

وما یوهمه من أنّ إضمار کونه من المفروض هو الموجب لعدم کونه وضوءاً ، یدفعه أنّ المراد به علی الظاهر من الأخبار السابقة أنّ الغَسل لغیر الوضوء لا ضیر فیه ، لا أنّ (3) الغَسل بغیر نیة الفرض یجعله وضوءاً

الحکم بن مسکین مهمل
محمد بن سهل مهمل
الفرق بین الغسل والمسح

ص: 427


1- رجال النجاشی : 136 / 350.
2- رجال الطوسی : 289 / 148 150.
3- فی « رض » : إلاّ أنّ ، وفی « د » : لأنّ.

فلا (1) واسطة ، کما یظهر بالتأمّل.

ثم إنّ الأصحاب قد اختلفوا فی الفرق بین الغَسل والمسح ، فقیل : إن بینهما تبایناً کلّیاً فی الصدق والمفهوم (2).

وقیل : بینهما عموم وخصوص من وجه باعتبار الصدق ، وتباین بحسب المفهوم (3).

أمّا الأوّل فالاجتماع مع إمرار الید والجریان الیسیر ، وتحقق الغسل خاصة مع انتفاء الأوّل ، والمسح مع انتفاء الثانی.

وربما ظنّ بعض المتأخّرین الفرق باعتبار القصد (4) ، ولعلّه نظر إلی هذا الخبر ، ودفعه غیر خفی بعد ما قررناه ، وغیر بعید أنّ یکون المراد فی الخبر بالغَسل استئناف الماء ، وإنّ أمکن فیه احتمالات أُخر ذکرناه فی حاشیة التهذیب ، منها : إیصال بلّة الوضوء بالتقطیر من غیر واسطة الید ؛ ومنها : وضع الید ورفعها من غیر إمرار ؛ ومنها : کثرة المأخوذ من البلل ؛ والفضل للأوّل ، کما أنّ القصور فی المتأخّر.

والاستدلال المذکور للتباین صدقاً ومفهوماً دلالة الأخبار علی اختصاص أعضاء الوضوء بالغَسل فی بعض ، والمسح فی آخر ، والتفصیل قاطع للشرکة ، وعدم قصد الغَسل مع تحققه لا یخرجه عن کونه غَسلاً ، إذ الاسم یتبع الحقیقة لا النیة ، وکونه ماء الوضوء لا یخرجه عن ذلک أیضاً ، وإلاّ لزم من صبّ الماء علی العضو ثم غَسل عضو آخر عدم الجواز ، وفی البین کلام.

ص: 428


1- فی « رض » : إذ لا.
2- المعتبر 1 : 148.
3- مدارک الأحکام 1 : 215.
4- کالأردبیلی فی مجمع الفائدة 1 : 104.

وقد صرح شیخنا قدس سره بأظهریة العموم والخصوص من وجه (1).

وفی الذکری : لا یقدح قصد إکثار الماء لأجل المسح ، لأنّه من بلل الوضوء ، وکذا لو مسح بماءٍ جارٍ علی العضو وإنّ أفرط فی الجریان ؛ لصدق الامتثال ؛ ولأنّ الغَسل غیر مقصود (2) ، وفیه نظر واضح.

وبالجملة : فللکلام فی المقام مجال ، واحتمال الحوالة علی العرف ممکن ، إنّ لم تثبت الحقیقة الشرعیة واللغویة.

فإن قلت : مع انتفاء الشرع واللغة لا بُدّ من العرف ، فکیف یقال بالإمکان؟

قلت : إنّما ذکرت ذلک لاحتمال عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة ( وإرادة معنی مجازی من الأخبار بقرینة ، إذ مرجع کلامنا إلی مدلول الخبر الأخیر ، وإنّما ذکرنا الفرق فی مطلق الغَسل والمسح بالعارض ، فلیتأمّل فی هذا ) (3) فإنّه لا یخلو من غموض.

ثم إنّ الخبر الأخیر قد یستفاد منه جواز المسح مع بقیة نداوة الغَسل ، حیث قال : « فإنّ بدا لک غَسل فغسلته فامسح بعده » وإلیه ذهب بعض ؛ للأصل ؛ وإطلاق ؛ الأمر ؛ وصدق الامتثال.

بل صرّح المحقق بأنه لو کان فی ماء وغسل وجهه ویدیه ثم مسح رأسه ورجلیه جاز ، لأنّ یدیه لا تنفک عن ماء الوضوء ، ولم یضرّه ما کان علی قدمیه من الماء (4).

ص: 429


1- مدارک الأحکام 1 : 215.
2- الذکری 2 : 143.
3- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
4- المعتبر 1 : 160.

والعلاّمة فی المختلف نقل عن ابن إدریس أنّه قال : من کان قائماً فی الماء وتوضّأ ثم أخرج رجلیه من الماء ومسح علیها من غیر أنّ یدخل یده فی الماء فلا حرج علیه ، لأنّه ماسحٌ إجماعاً ، والظواهر من الآیات والأخبار متناولة له.

ثم قال العلاّمة : وکان والدی یمنع ذلک کله ، ولا یجیز مسح الرِّجلین وعلیهما رطوبة ، ولیس بعیداً من الصواب ؛ لأنّ المسح یجب بنداوة الوضوء ویحرم التجدید ، ومع رطوبة الرجلین یحصل المسح بماء جدید (1). انتهی.

والظاهر أنّ مراد المحقق ما قاله ابن إدریس لا ما یقتضیه ظاهر کلامه ، واستدلال ابن إدریس بظواهر الآیات والأخبار یمکن توجیهه ، سیّما الخبر الذی نحن بصدده.

وربما کان أوضح منه ما رواه الشیخ فیما یأتی عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن الرجل لا یکون علی وضوء فیصیبه المطر حتی یبتلّ رأسه ولحیته وجسده ویداه ورجلاه ، أیجزیه ذلک عن الوضوء؟ قال : « إنّ غسله فإنّ ذلک یجزیه » (2).

فإنّ قلت : هذا الخبر إنّما یدل علی الإجزاء فی الأعضاء المغسولة ، لقوله : « إنّ غسله » والمطلوب الإجزاء فی المسح.

قلت : لِما ذکرت وجه ، إلاّ أنّ ترک الإمام علیه السلام الإعلام بتجفیف موضع المسح دلیل علی الجواز ، إلاّ أنّ یقال : إنّ الإمام لم یترک ذلک بل بیّنه بأنّ الغَسل یجزئ ، وهو یدل علی عدم إجزاء المسح ، وفیه ما فیه.

أمّا ما قاله العلاّمة فی المختلف : من أنّ الماسح فوق البلل ماسح

هل یجوز المسح مع رطوبة موضعة؟

ص: 430


1- المختلف 1 : 136 و 137 ، وهو فی السرائر 1 : 104.
2- التهذیب 1 : 359 / 1082 ، الوسائل 1 : 454 أبواب الوضوء ب 36 ح 1.

بالماء الجدید. فقد یقال علیه : إنّ تحقق المسح بالماء الجدید ممنوع ، بل هو ماسح بالبلل ، غایة الأمر أنّ البلل لیس مستقلا ، کما أنّ الماء الجدید غیر مستقل.

والأخبار الدالة علی المسح بالبلل تدل علی أنّ المسح بمصاحبة البلل أو الاستعانة به ، وکلاهما حاصل ، ولم أجد فی کلام الأصحاب تحریر هذا المقام.

وما قاله الشهید فی الذکری : من أنّه لو غلب ماء المسح رطوبة الرِّجلین ارتفع الإشکال (1) ؛ محل بحث ، لأنّ الإشکال باق ، کما یعلم ممّا قررناه.

والعجب من شیخنا قدس سره أنّه استحسن قول الشهید رحمه الله ومنع قول العلاّمة السابق (2) ، مقتصراً علی ذلک ، والله سبحانه ولیّ التوفیق.

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عمرو بن سعید المدائنی ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یتوضّأ الوضوء کله إلاّ رجلیه ثم یخوض الماء بهما خوضاً قال : « أجزأه ذلک ».

فهذا الخبر محمول علی حال التقیة ، فأمّا مع الاختیار فلا یجوز إلاّ المسح علیهما علی ما بیّناه.

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أیوب

ص: 431


1- الذکری 2 : 153.
2- مدارک الأحکام 1 : 213.

ابن نوح قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام أسأله عن المسح علی القدمین ، فقال : « الوضوء بالمسح ولا یجب فیه إلاّ ذاک ومن غَسل فلا بأس ».

قوله علیه السلام : « ومن غسل فلا بأس » محمول علی التنظیف ، لأنّه قد ذکر قبل ذلک فقال : « الوضوء بالمسح ، ولا یجب إلاّ ذاک » فلو کان الغَسل أیضاً من الوضوء لکان واجباً ، وقد فصّل ذلک فی روایة أبی همام التی قدّمناها حیث قال فی وضوء الفریضة فی کتاب الله : « المسح ، والغَسل فی الوضوء للتنظیف ».

السند

فی الأول موثق ، وفی الثانی صحیح.

المتن :

فی الخبرین کلام الشیخ لا غبار علیه ، وفیه تنبیه علی ما أشرنا إلیه سابقاً فی حدیث زرارة (1).

وما عساه یقال : إنّ مثل أیوب بن نوح کیف یسأل عن المسح والحال أنّه معلوم ضرورة من مذهب الإمامیّة ، فإنّ کان السؤال عن کیفیة المسح فالجواب لا یوافقه ، وإنّ کان عما یوافق الجواب فالحال ما سمعت.

یمکن الجواب عنه بأنّ السؤال لا یتعیّن فائدته للسائل ، بل قد یکون لدفع الریب عن قاصر ، وعلی تقدیر الاختصاص یجوز کون الوجه دفع

ص: 432


1- راجع ص 389 390.

احتمال ، والأمر سهل بعد ثبوت جلالة السائل.

قال : فأمّا ما رواه محمّد بن الحسن الصفار ، عن عبد الله (1) ابن المنبه ، عن الحسین بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زید بن علی ، عن آبائه ، عن علی علیه السلام قال : « جلست أتوضّأ فأقبل رسول الله صلی الله علیه و آله حین ابتدأت بالوضوء ، فقال لی : تمضمض واستنشق واستنّ (2) ، ثم غسلت وجهی (3) ثلاثاً ، فقال : قد یجزیک من ذلک المرتّان » قال (4) : « فغسلت ذراعیّ ومسحت برأسی مرّتین ، فقال : قد یجزیک من ذلک المرّة ، وغسلت قدمیّ ، فقال (5) : یا علی خلل بین الأصابع لا تخلل بالنار ».

فهذا خبر موافق للعامة ، وقد ورد مورد التقیّة ؛ لأنّ المعلوم الذی لا یختلج (6) فیه الشک من مذاهب أئمّتنا علیهم السلام القول بالمسح علی الرِّجلین ، وذلک أشهر من أنّ یدخل فیه شک أو ارتیاب ، یبین (7) ذلک أنّ رواة هذا الخبر کلهم عامّة ورجال الزیدیّة ، وما یختصّون بروایته لا یعمل به علی ما بیّن فی غیر موضع.

ص: 433


1- فی الاستبصار 1 : 65 / 196 : عبید الله.
2- استن : الاستنان : استعمال السواک النهایة لابن الأثیر 2 : 411 ( سنن ).
3- فی الاستبصار 1 : 66 / 196 لا یوجد : وجهی.
4- فی الاستبصار 1 : 66 / 196 لا یوجد : قال.
5- فی الاستبصار 1 : 66 / 196 یوجد : لی.
6- فی الاستبصار 1 : 66 / 196 : لا یتخالج.
7- فی الاستبصار 1 : 66 / 196 : بین.

السند :

کما تری یعطی کلام الشیخ أنّ رواته من العامة والزیدیة ، غیر أنّ عبد الله بن المنبّه لم أقف علی حاله من أیّ النوعین ، إذ هو غیر موجود فی الرجال ، بل الموجود المنبّه بن عبد الله روی عنه الصفار (1) ؛ أمّا الحسین بن علوان : فقد قیل : إنّه عامیٌّ (2).

وعمرو بن خالد : قال الکشیّ فی روایة : إنّه من کبار الزیدیّة (3). وأمّا الشیخ فإنّه فی رجال الباقر علیه السلام قال : إنّه بتریّ ، وأتی به بغیر واو (4) ، وذکر النجاشی : أنّه یروی عن زید (5) ، ومن هنا یعلم شخصه وإلاّ ففی الرجال غیره ثقة (6).

المتن :

أمارات الوضع علیه لائحة ، وما قاله الشیخ من الحمل علی التقیة لم یتّضح لی حقیقة الحال فیه ؛ لأنّ الحاکی لزید من آبائه عن علی علیه السلام إذا اقتضی المقام تقیّة کیف یصدر منه هذا الکلام مع اندفاع التقیة بما دونه ، واحتمال کون التقیة ألجأت إلی هذا فی غایة البعد ، إلاّ أنّ باب الإمکان واسع.

عبدالله بن المنّبة غیر موجود فی الرجال
الحسین بن علوان قیل إنه عامی
بحث حول عمر بن خالد
التدافع بین ردّ الخبر وحمله علی التقیّه

ص: 434


1- رجال النجاشی : 421 / 1129.
2- رجال ابن داود : 240 / 144.
3- رجال الکشی 2 : 498 / 419.
4- رجال الطوسی : 131 / 69.
5- رجال النجاشی : 288 / 771.
6- رجال ابن داود : 145 / 119.

ولا یخفی أنّ فی کلام الشیخ نوع تدافع ؛ لأنّ الحمل علی التقیة یقتضی قبول الخبر ، وقوله : إنّه لا یعمل بما یختصون به. یقتضی ردّ الخبر ، وإرادة عدم العمل به مع قبوله بأن یحمل علی التقیّة لا وجه له ، کما هو ظاهر.

ویمکن الجواب : بأنّ مراد الشیخ بعدم العمل عدم فعل ما تضمّنه الخبر لا قبوله ، والظاهر أنّ هذا هو غرض الشیخ ، فتدبّر.

ثم إنّه یستفاد من کلام الشیخ هنا أنّ روایات الزیدیة والعامة لا یعمل بها إلاّ إذا کانت معتضدة بروایات غیرهم ، أو قرائن تدل علی الصحّة ، وهو الذی یظهر منه فی العدّة الأُصولیّة علی ما حکاه الوالد (1) قدس سره .

وما نقله المحقق عن الشیخ : من أنّه أجاز العمل بخبر الفطحیّة ومن ضارعهم ، بشرط أنّ لا یکون متّهماً بالکذب ، محتجّاً بأن الطائفة عملت بخبر عبد الله بن بکیر ، وسماعة ، وعلی بن أبی حمزة ، وعثمان بن عیسی (2). لا یخلو من منافاة لما ذکره هنا وحکاه الوالد (3).

ولعل مراد الشیخ أنّ عمل الطائفة قرینة عاضدة ، وفیه بحث حررّناه فی محله ، والغرض هنا هو الإشارة إلی المنافرة بین الکلامین ، لیعلم الناظر الاضطراب ، ویتحری معرفة طریق الصواب.

اللغة :

قال ابن الأثیر فی النهایة فی حدیث السواک : إنّه کان یستنّ بعود من

اضطراب الشیخ حول العمل بروایات غیر الإمامی
معنی الاستنان

ص: 435


1- معالم الأُصول : 200.
2- معارج الأُصول : 149 وهو فی العدة 1 : 150.
3- معالم الأُصول : 200.

أراک ، الاستنان : استعمال السواک ، وهو افتعال من الأسنان : أی یمرّه علیها (1).

قوله :

باب المضمضة والاستنشاق

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الحسین ابن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة قال : سألته عنهما ، قال : « هما من السنة فإنّ نسیتهما لم یکن علیک إعادة ».

وبهذا الإسناد عن عثمان بن عیسی ، عن ابن مسکان ، عن مالک بن أعین قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمّن توضأ ونسی المضمضة والاستنشاق ، ثم ذکر بعد ما دخل فی صلاته ، قال : « لا بأس ».

وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « المضمضة والاستنشاق لیسا من الوضوء ».

قال محمّد بن الحسن : معنی قوله علیه السلام : « لیسا من الوضوء » أی لیسا من فرائض الوضوء وإنّ کانا من سننه ، یدل علی ذلک الخبر الأوّل الذی رویناه عن سماعة ، ویؤکد ذلک أیضاً :

ما أخبرنی به الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن أحمد بن إدریس ، عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن الحسین بن

المضمضة والاستنشاق

اشارة

ص: 436


1- النهایة لابن الأثیر 2 : 411 ( سن ).

سعید ، عن حماد ، عن شعیب ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عنهما ، فقال : « هما من الوضوء ، فإنّ نسیتهما فلا تعد ».

السند

فیما عدا الثالث غیر سلیم ، أمّا الأوّل : فواضح الضعف ، والثانی : فیه مالک بن أعین أیضاً ، وقیل : إنّه کان مخالفاً (1). وقیل : کان مرجئاً.

وفی الرابع : أبو بصیر ، والثالث معلوم الحال.

المتن :

ظاهر فی الأوّل والثانی ، وأمّا الثالث فما ذکره الشیخ فی توجیهه بعید ، بل الظاهر فی التوجیه أنّهما مستحبّان خارجان عن حقیقته ، بل هما من الحنیفیة ، علی ما رواه ابن بابویه (2) ، غایة الأمر استحباب فعلهما قبل الوضوء.

وعلی ظاهر قول الشیخ : إنّهما لیسا من الفرائض ، بل من المستحبات الداخلة فی ماهیته ، وقد یمکن توجیه کلام الشیخ بما یرجع إلی ما قلناه ، والأمر سهل.

أمّا ما قاله : من أنّ خبر سماعة یدل علی أنّهما لیسا من الفرائض. فهو صحیح ، غیر أنّه مجمل ، لأنّ خبر سماعة محتمل لأنّ یراد بالسنّة ما قابل الفرض ، فیشمل الواجب ، إذ المراد بالسنّة فی أخبارنا قد یکون

مالک بن أعین مخالف أو مرجئ

ص: 437


1- انظر الخلاصة : 261.
2- الهدایة ( المقنع والهدایة ) : 17.

ما ثبت بالسنّة لا بالقرآن.

وقوله علیه السلام فی خبر سماعة : « فإنّ نسیتهما » إلی آخره. لا یدلّ علی عدم الوجوب ، لأنّ الإعادة فیه ظاهرة فی الوضوء ، وإذا لم یکونا من أجزاء الوضوء لا یلزم إعادته بالإخلال بهما ، إلاّ أنّ عدم القائل بالوجوب علی ما یظهر من المختلف (1) یؤیّد کلام الشیخ.

اللغة :

قال ابن الأثیر فی کتاب أحکام الأحکام فی المضمضة : إنّ أصل هذه اللفظة مشعر بالتحریک ، ومنه مضمض النعاس فی عینیه ، واستعملت فی الوضوء لتحریک الماء فی الفم ؛ وزاد فی توجیه استحباب المضمضة والاستنشاق أنّ صفات الماء ثلاثة : اللون یدرک بالبصر ، والطعم یدرک بالذوق ، والریح یدرک بالشم ، فقدّمت هاتان السنّتان لیختبر حال الماء قبل استعماله فی الفرض ؛ ولا بأس به.

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن علی بن محبوب ، عن العباس بن معروف ، عن القاسم بن عروة ، عن ابن بکیر ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « لیس المضمضة والاستنشاق فریضة ولا سنّة ، إنّما علیک أن تغسل ما ظهر ».

فالوجه فی هذا الخبر أنّهما لیسا من السنّة التی لا یجوز ترکها ،

معنی المضمضة

ص: 438


1- المختلف 1 : 111.

فأمّا أنّ یکون فعلهما(1) بدعة فلا یدلّ علی ذلک :

ما رواه الشیخ عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن ابن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المضمضة والاستنشاق ممّا سنّ رسول الله صلی الله علیه و آله ».

السند

فی الأول والثانی القاسم بن عروة ، ولا أعلم مدحه ، بل ربما أشعر قول بعض علماء الرجال بنوع ذمّ (2) کما یظهر من المراجعة.

المتن :

فی الأول جعله العلاّمة فی المختلف من جملة الأدلة لابن أبی عقیل القائل بأن المضمضة والاستنشاق لیسا بفرض ولا سنّة ، علی ما حکاه عنه.

وأجاب العلاّمة أولاً بالمنع من صحة السند ، فإنّ فی طریقه القاسم ابن عروة قال : ولا یحضرنی الآن حاله ، وابن بکیر وهو فطحیّ ، ومع ذلک فهو محتمل للتأویل ، وذکر کلام الشیخ فی تأویله.

ثم قال : ویؤیّد هذا التأویل أنّهما سنّة ، لا سنّة الوضوء ، لأنّ الوضوء فریضة ، ولکنهما من الحنیفیة التی قال الله تعالی لنبیه علیه السلام ( وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً ) (3) انتهی (4).

القاسم بن عروة مذموم

ص: 439


1- فی النسخ : فعله ، وما أثبتناه من الإستبصار 1 : 67 / 201.
2- انظر حاوی الأقوال 4 : 196 / 1979.
3- النساء : 125.
4- المختلف 1 : 111 و 112.

ولا یخفی علیک ما فی کلام العلاّمة والشیخ من جهة التأویل ، فإنّ إرادة الواجب من السنّة فی غایة البعد ، مع إمکان الدخول فی الحدیث من باب آخر ، وهو إرادة عدم کونهما من ماهیّته وجوباً واستحباباً ، وکلام العلاّمة وإنّ أفهم فی التأیید هذا ، إلاّ أنّ قوله : لأنّ الوضوء فریضة. محل کلام ، بل الوضوء ملتمّ من فروض ومستحبات ، وقوله : ولکنهما من الحنیفیة. مجمل المرام ، بل لا یخلو من اختلال ، والله تعالی أعلم بالحال.

وما قاله الشیخ رحمه الله من أنّ روایة عبد الله بن سنان تدل علی تأویله ، محل کلام ؛ لأنّ الخبر یدل علی أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله سنّ المضمضة والاستنشاق ، أمّا کونهما من سنن الوضوء فلا یدلّ علیه.

وبالجملة : لا یبعد أنّ یکون مراد ابن أبی عقیل نفی کونهما من فرائض الوضوء وسننه الداخلة فیه ، إنّ کان الاستدلال بالخبر منه ، لأنّ قوله علیه السلام : « إنّما علیک أنّ تغسل ما ظهر » یدلّ علی ما قلناه ، وإنّ کان الاستدلال من العلاّمة له ، فمطلوبه غیر واضح ، بل عبارته المنقولة من العلاّمة تفید نفی المضمضة والاستنشاق مطلقاً.

وهذه عبارة العلاّمة : المشهور عند علمائنا استحباب المضمضة والاستنشاق ، وقال ابن أبی عقیل : إنّهما لیسا عند آل الرسول صلی الله علیه و آله بفرض ولا سنّة. لنا أنّهما من العشرة الحنیفیة ، وما رواه الشیخ ، وذکر روایة عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه حکی وضوء أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال : « ثم یمضمض » إلی آخر الروایة (1) (2).

ص: 440


1- التهذیب 1 : 53 / 153 ، الوسائل 1 : 401 أبواب الوضوء ب 16 ح 1.
2- المختلف 1 : 111.

والذی نقله الصدوق فی الفقیه (1) أنّ الحنیفیة عشر سنن ، خمس فی الرأس وخمس فی الجسد ، فأمّا التی فی الرأس فالمضمضة والاستنشاق والسواک وقصّ الشارب ، وذکر الباقی ، ولم یعیّن المضمضة بالوضوء ، فإن کان العلاّمة استفاد ذلک من خبر آخر فالأولی ذکره ، ولعلّ المعلومیة أغنت عن الذکر ، غیر أنّ المقام مجمل المرام ، فلیراجع ما هو مظنة توضیح هذه الأحکام.

قال :

باب التسمیة علی حال الوضوء

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن الحسن بن علی ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن العیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من ذکر اسم الله تعالی علی وضوئه فکأنّما اغتسل ».

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الحسین ابن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا سمّیت فی الوضوء طهر جسدک کلّه ، وإذا لم تسمّ لم یطهر من جسدک إلاّ ما مرّ علیه الماء ».

وبهذا الإسناد عن محمّد بن الحسن بن الولید ، عن أحمد بن محمّد ، عن علی بن الحکم ، عن داود العجلی مولی أبی المعزی ، عن

التسمیة علی حال الوضوء

اشارة

ص: 441


1- الفقیه 1 : 33 والهدایة ( المقنع والهدایة ) : 17.

أبی بصیر قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « یا أبا محمّد ، من توضّأ فذکر اسم الله طهر جمیع جسده ، ومن لم یسمّ لم یطهر من جسده إلاّ ما أصابه الماء ».

السند

فی الأوّل کما تری : الحسن بن علی ، عن عبد الله بن المغیرة ، وهو فی النسخ التی رأیناها ، وفی فوائد شیخنا قدس سره علی الکتاب ، أنّ الظاهر ابن عبد الله بن المغیرة.

وقال شیخنا المحقّق سلّمه الله فی فوائده : الحسن بن علی هو ابن فضال ، وروایة أحمد عنه معلومة ، کروایته عن عبد الله بن المغیرة ، فما أدری ما الباعث علی توهّم أنّه الحسن بن عبد الله بن المغیرة ، بعد أنّ اتفقت النسخ ، مع أنّ العیص أعلی مرتبة من أنّ یروی عنه الحسن بن عبد الله بن المغیرة ، فالحسن بن علی بن فضال لشهرته وکثرة روایته جدیر بالإطلاق. انتهی.

ولما قاله وجه ظاهر.

وفی الثانی إرسال ، وقد تقدم القول فیه.

وفی الثالث داود العجلی ، ولم أقف علیه الآن فی الرجال ، وأبو بصیر معلوم الحال.

المتن :

فی الأوّل دال علی مجرّد ذکر اسم الله ، وفی الثانی ظاهر فی أنّ

ما المراد بالحسن بن علی عند الإطلاق

ص: 442

التسمیة المعهودة هی المرادة ، للانصراف إلیها (1) ، والثالث کالأوّل.

وفی روایة زرارة المعتبرة عن الباقر علیه السلام : « إذا وضعت یدک فی الماء ، فقل : بسم الله وبالله اللهم اجعلنی من التوّابین ، واجعلنی من المتطهّرین » (2).

وفی روایة عن (3) أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه کان یقول : « بسم الله وبالله وخیر الأسماء کلها لله » إلی آخر الدعاء (4).

ویمکن حمل المطلق علی المقید ، أو یقال : إنّ هذا من جملة الأفراد ، فلا منافاة. وفیه ما فیه ، وکذا القول فی الأخبار المبحوث عنها بالنسبة إلی بعضها ، کما أشرنا إلیه ، والأمر سهل بعد ما عرفت الحال.

قال :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه (5) ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إنّ رجلاً توضّأ وصلّی ، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله : أعد صلاتک ووضوءک ، ففعل وتوضّأ وصلّی ، فقال له النبی صلی الله علیه و آله : أعد وضوءک وصلاتک (6) ، فأتی أمیر المؤمنین علیه السلام فشکی ذلک إلیه ، فقال : هل سمّیت حین توضّأت؟ فقال : لا ، قال

ص: 443


1- فی « د » زیادة : وفی کتاب الحجّ من الفقیه خبر معتبر یدلّ علی ذلک.
2- التهذیب 1 : 76 / 192 ، الوسائل 1 / 423 أبواب الوضوء ب 26 ح 2.
3- فی « رض » : علی.
4- الفقیه 1 : 27 / 87 ، الوسائل 1 : 424 أبواب الوضوء ب 26 ح 7.
5- فی « رض » : أصحابنا.
6- فی الاستبصار 1 : 68 / 206 یوجد ففعل وتوضّأ وصلّی فقال له النبی علیه السلام : أعد وضوئک وصلاتک.

سمّ علی وضوءک ، فسمّی وصلّی ، ( ثم أتی ) (1) النبی صلی الله علیه و آله فلم یأمره أنّ یعید ».

فالوجه فی هذا الخبر أنّ نحمل التسمیة فیه علی النیة التی ثبت وجوبها ، فأما ما عداها من الألفاظ فإنّما هی مستحبة دون أنّ تکون واجبة فرضاً ، یدلّ علی ذلک قوله علیه السلام فی الخبرین الأولین : « إنّ من لم یسمّ طهر من جسده ما مرّ علیه الماء » فلو کانت فرضاً لکان من ترکها لم یطهر شی ء من جسده علی حال ، لأنّه لا یکون قد تطهّر.

السند

غیر خفی بعد تکرّر القول سابقاً.

المتن :

ما ذکره الشیخ فیه لا یخلو من بعدٍ ، بل غیر تامّ ، لأنّ أمره علیه السلام بالإعادة من دون بیان الواجب وهو النیة لا یلیق بالحکمة ، لأنّ الإعادة من دون العلم إنّ وجبت فلا وجه للإعادة ثانیاً ، وإنّ لم تجب لا وجه للأمر بها ثانیاً.

واحتمال الاستحباب إنّما یتم بعد العلم ، کما لا یخفی ، ولو حملت التسمیة علی حقیقتها ، والإعادة علی الاستحباب یوجّه المحذور بنوع من التقریب ، فلیتأمّل.

ص: 444


1- فی الاستبصار 1 : 68 / 206 : فأتی.

قال :

باب کیفیة استعمال الماء فی غسل الوجه.

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمّد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن معاویة بن حکیم ، عن ابن المغیرة ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا توضّأ الرجل فلیصفق ( فی وجهه الماء ) (1) ، فإنّه إنّ کان ناعساً فزع واستیقظ ، وإنّ کان برداً فزع ولم یجد البرد ».

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن ابن المغیرة عن السکونی ، عن جعفر علیه السلام قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا تضربوا وجوهکم بالماء إذا توضّأتم ، ولکن شنّوا الماء شنّاً ».

فالوجه فی الجمع بینهما أنّ نحمل أحدهما علی الندب والاستحباب ، والآخر علی الجواز ، والإنسان مخیّر فی العمل بهما.

السند

فی الأوّل مع الإرسال فیه معاویة بن حکیم ، وقد قال الکشی : إنّه فطحی (2). والنجاشی لم یذکر ذلک ، بل قال : إنّه ثقة جلیل (3). وهذا یوجب الارتیاب فی کونه فطحیّاً ، إلاّ أنّ تحقیق الحال هنا لا یظهر له ثمرة بعد الإرسال.

کیفیّة استعمال الماء فی غسل الوجه

بحث حول معاویة بن حکم

ص: 445


1- فی الاستبصار 1 : 69 / 207 : وجهه بالماء.
2- رجال الکشی 2 : 835 / 1062.
3- رجال النجاشی : 412 / 1098.

وکذلک الحال فی ابن المغیرة ، والإجماع علی تصحیح ما یصح عن ابن المغیرة (1) قد یظن أنّه یدفع الوهن من جهة الإرسال لو زال الریب عن معاویة بن حکیم ، إلاّ أنّ ما قدمناه فی أوّل الکتاب فی معنی هذا الإجماع (2) یشکل معه الاعتماد.

وفی الثانی : السکونی وحاله قد ذکرناه سابقاً (3).

المتن :

لا ریب أنّ الأمر فی الأوّل بصفق الوجه بالماء ، والنهی عن ضرب الوجه بالماء [ فی الثانی ] (4) یقتضی المنافاة ظاهراً.

وما ذکره الشیخ لا یخلو من إجمال ، لأنّ حمل أحد الخبرین علی الاستحباب والآخر علی الجواز ، إنّ أراد به أنّ ما ورد بالأمر بالصفق نحمله علی الجواز ، وما ورد بالنهی نحمله علی الکراهة واللازم منها استحباب عدم فعله ، ففیه : أنّ إرادة الجواز من الأمر بعیدة ، والتزامها بسبب المعارض ممکن لو تعیّن وجه الجمع ، وفیه ما فیه ، وإرادة الکراهة لا یستلزم الاستحباب ، کما قدّمنا فیه قولاً.

وإنّ أراد أنّ صفق الوجه مستحب وعدمه جائز لوجود النهی ، فما فیه أظهر من أنّ یخفی.

وإنّ أراد أنّ الأمر بشنّ الماء شنّاً للاستحباب ، والأمر بالصفق للجواز ،

کلمة حول ابن المغیرة

ص: 446


1- رجال الکشی 2 : 830 / 1050.
2- فی ص 41.
3- فی ص 141.
4- ما بین المعقوفین أضفناه لاقتضاء السیاق.

ففیه مع ما تقدم فیه عدم التعرض للنهی عن الضرب ، وهو غیر مناسب.

وستسمع ما ذکره شیخنا المحقق سلمه الله فی التوجیه بعد حکایة کلام بعض أهل اللغة ، ویخطر فی البال أنّ الأمر بالصفق یراد به الضرب بالید مع الماء علی الوجه ، والنهی عن الضرب یراد به رمی الماء من غیر إیصال الکفّ إلی الوجه.

وأظنّ أنّ الصفق یناسب ما قلناه فی الأوّل ، فإنّ المنقول عن بعض أهل اللغة أنّ الصفق : الضرب الذی له صوت (1).

وما عساه یقال : إنّ الحدیث الأوّل مع الإرسال لا ینبغی الاعتناء به ، وکذلک الثانی مع السکونی. ففیه : أنّ الصدوق فی الفقیه نقل متن الروایة الأُولی مرسلاً (2) ، ولمراسیله اعتبار ظاهر لمن راجع کلامه فی الکتاب (3) وإنّ أمکن أنّ یقال : إنّ قوله لا یفید إلاّ أن (4) ما یذکر فیه حجة فیما بینه وبین ربه ، وهذا من باب الاجتهاد ، فلا یصلح للاعتماد بالنسبة إلی غیر مقلّدیه ، إلاّ أنّ الحق کون المنقول من روایاته المرسلة لا ینقص عن توثیق الرجال الموجود فی الکتب ، لأنّه لا یخرج عن الاجتهاد إلاّ بتکلف أنّ یقال : إنّهم ناقلون التوثیق عن المتقدّمین.

وفیه : أنّ الاختلاف فی الجرح والتعدیل الواقع فی الرجال یوجب الاجتهاد فی الجزم بالتوثیق ، فیرجع إلی الاجتهاد ، کما یعلم من ملاحظة کتب الرجال بعین العنایة ، وهذا علی سبیل البحث ، وإلاّ فالظاهر حصول

ص: 447


1- مجمع البحرین 5 : 202 ( صفق ).
2- الفقیه 1 : 31 / 106 ، الوسائل 1 : 434 أبواب الوضوء ب 30 ح 1.
3- الفقیه 1 : 3.
4- لیست فی « فض ».

الفرق بین توثیق أصحاب الرجال وکلام الصدوق فی الجملة.

اللغة :

قال ابن الأثیر فی النهایة : فی الحدیث : « إذا حُمّ أحدکم فلیَشُنّ علیه الماء » أی فلیرشّه علیه رشّاً متفرّقاً ، الشنّ : الصبّ المنقطع ، والسنّ : الصبّ المتصل ، ومنه حدیث ابن عمر : کان یسنّ الماء علی وجهه ولا یشنّه ، أی یجریه علیه ولا یفرّقه (1).

وفی کلام غیر ابن الأثیر : شنّ الماء علی الشراب فرّقه علیه ، ومنه قولهم : شنّ علیهم الغارة وأشنّها : فرّقها علیهم من کل وجه (2).

قال شیخنا أیّده الله فی فوائده علی الکتاب بعد نقل کلام النهایة : قیل : الظاهر علی هذا أنّ یکون الشنّ بالمهملة ، مع أنّ الموجود فی کتابی الشیخ والکافی بالمعجمة ؛ ولا یخفی علیک أنّ موافقة حدیثنا لحدیث ابن عمر غیر لازم ، وأنّ الجمع بین الروایتین یمکن علی وجهین : أحدهما : أن یراد بهما إیراد الماء علی الوجه بسرعة وشدّة علی وجه یتفرّق علیه وهو الرشّ ، والآخر الضرب علی وجه یتفرّق الماء علی الوجه ، والمنفی الضرب علی وجه لا یوجب التفرّق ، وربما یکون المراد فی الحدیث الأوّل صفق الوجه بالماء (3) قبل الوضوء. انتهی کلامه سلّمه الله فینبغی تأمّله حق التأمّل ، والله تعالی أعلم.

معنی الشنّ والسنّ

ص: 448


1- النهایة لابن الأثیر 2 : 507 ( شنن ).
2- الصحاح 5 : 2145 ، 2146 ( شنن ).
3- فی « رض » : فی الماء.

قال :

باب عدد مرّات الوضوء

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن الحسین ابن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، وفضالة بن أیوب ، عن فضیل بن عثمان ، عن أبی عبیدة الحذّاء قال : وضّأت أبا جعفر علیه السلام بجمع (1) وقد بال : فناولته ماءً فاستنجی ، ثم أخذ کفاً فغسل به وجهه ، وکفاً غسل به ذراعه الأیمن ، وکفاً غسل به ذراعه الأیسر ، ثم مسح بفضلة النَّدی رأسه ورجلیه.

وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن علی بن أبی المغیرة ، عن میسرة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « الوضوء واحدة واحدة ، ووصف الکعب فی ظهر القدم ».

وأخبرنی الشیخ رحمه الله عن أبی القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد ابن یعقوب ، عن محمّد بن الحسن ، وغیره ، عن سهل بن زیاد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رباط ، عن یونس بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوضوء للصلاة فقال : « مرّة مرّة ».

وبهذا الإسناد عن سهل بن زیاد ، عن أحمد بن محمّد ، عن عبد الکریم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوضوء ، فقال : « ما کان وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله إلاّ مرّة مرّة ».

عدد مرّات الوضوء

اشارة

ص: 449


1- فی المصباح المنیر 1 : 108 : ویقال لمزدلفة : جمع ، وفی القاموس المحیط 3 : 14 : وبلا لام المزدلفة ، ویوم جمع یوم عرفة ، وأیّام جمع أیّام منی.

السند :

فی الأوّل : قد تقدم غیر بعید (1).

والطریق إلی الحسین بن سعید : ابن أبی جید ، عن محمّد بن الحسن ابن الولید ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، وذکرنا ما لا بُدّ منه فیه (2).

وفی الثانی : علی بن المغیرة وهو ثقة ذکره النجاشی فی ابنه الحسن (3) ، وأمّا میسرة فإنّه مشترک بین مهملین فی الرجال (4).

والثالث : حاله غیر خفیّة ، ومحمّد بن الحسن فیه : هو الصفار علی ما فهمته من شیخنا سلّمه الله تعالی (5) وابن محبوب : هو الحسن ؛ وابن رباط : هو الحسن ، ولم یوثق فی الرجال (6) ، وإنّما ذکرنا أنّ ابن محبوب هو الحسن لأنّ النجاشی ذکر أنّ الحسن بن رباط له کتاب یرویه عنه الحسن بن محبوب (7) ، وأمّا یونس بن عمار : هو مهمل فی رجال الشیخ رحمه الله (8).

والرابع : فیه مع سهل بن زیاد عبد الکریم ، والظاهر أنّه ابن عمرو ، وهو واقفی وإنّ کان ثقة ، والراوی عنه فی الفهرست أحمد بن محمّد ابن أبی نصر (9) ، والظاهر أنّ أحمد بن محمّد هنا هو ابن أبی نصر ، إلاّ أنّ روایة

طریق الشیخ إلی الحسین بن سعید
علی بن المغیرة ثقة
میسرة مشترک بین مهملین
الحسن بن رباط لم یوثق
یونس بن عمّار مهمل
عبد الکریم بن عمر واقفی ثقة

ص: 450


1- فی ص 369.
2- فی ص 69.
3- رجال النجاشی : 49 / 106.
4- منهج المقال : 351.
5- منهج المقال : 291.
6- منهج المقال : 99.
7- رجال النجاشی : 46 / 94.
8- رجال الطوسی : 337 / 67.
9- الفهرست : 109.

سهل عنه فی الظنّ أنها نادرة ، والأمر فی الخبر سهل بوجود سهل.

المتن :

فی الجمیع ما عدا الأوّل ظاهره أنّ الوضوء مرّة مرّة (1) ، وصریح الأوّل أنّه علیه السلام غسل وجهه بکف (2) وکلاً من ذراعیه بکف ، وحینئذ لا یبعد أنّ یکون ( المراد بالإطلاق ) (3) فی غیره إرادة الکف الواحد والغسلة الواحدة ، إلاّ أنّ هذا علی تقدیر الاکتفاء بالکف الواحد ، فلو لم یکف وجب ما یحصل الاکتفاء به ، غیر أنّه ینبغی عدم الزیادة علی الاثنین للغسلة ، کما یأتی بیانه فی الخبر الآتی (4).

وعلی هذا لا یتوجه أنّ الأخبار الدالة علی أنّ الوضوء مثنی مثنی یراد بها الغُرفتان لا الغسلتان.

فإنّ قلت : ما ذکرته لا یدفع الاحتمال ، لأنّ غیر الخبر الأوّل لا دلالة فیه علی غیر المرّة ، فإذا أُرید بها الغسلة لا ینفی الغرفتین ، والخبر الأوّل الدال علی الغرفة یدل علی أنّها أحد الأفراد ، وحینئذٍ تحمل الأخبار الدالة علی أنّ الوضوء مثنی مثنی علی الاستحباب فی الغرفات لا فی الغسل.

قلت : إذا رجع الأمر إلی الاستحباب یقع ما یأتی ذکره من أنّ الإمام کیف یترک المستحب مع أنّ المعلوم منهم المواظبة علی المستحبات؟ فالإشکال الذی یذکر فی إرادة الغسلات یأتی هنا ، فلا ینفع الفرار بإرادة

ص: 451


1- فی « رض » : مرّة بدون التکرار.
2- لیس فی « رض ».
3- فی « رض » : الإطلاق.
4- فی ص 419 427.

الغرفات ، فلیتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة فی المختلف قال : إنّه لا خلاف فی وجوب غَسل الوجه والیدین مستوعباً للجمیع ، فلو لم یکف الکفّ الأوّل وجب الثانی ، ولو لم یکفیا وجب الثالث ، وهکذا ، ولا یتقدّر الوجوب بقدر معیّن ، وأمّا إذا حصل الوجوب بالکفّ الأوّل والمرّة الاولی هل یستحب الثانیة فی غَسل الوجه والیدین؟ أکثر علمائنا علی استحبابها - إلی أنّ قال - : وقال أبو جعفر - یعنی ابن بابویه - : الثانیة لا یؤجر علیها ، وقال ابن إدریس : إنّ الثانیة لا تجوز ، ثم أخذ فی الاستدلال لاستحباب الثانیة (1) ، وسنذکر ما لا بُدّ منه بعد ذکر الأخبار الآتیة إن شاء الله تعالی (2).

قال رحمه الله :

وأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن معاویة ابن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوضوء؟ فقال : « مثنی مثنی ».

وما رواه أحمد بن محمّد ، عن صفوان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الوضوء مثنی مثنی ».

فالوجه فی هذین الخبرین أنّ نحملهما علی السنّة ، لأنّه لا خلاف بین المسلمین أنّ الواحدة هی الفریضة ، وما زاد علیه سنّة ، وأیضاً فقد قدّمنا من الأخبار ما یدل علی ذلک ، ویزیده بیاناً :

ما رواه الحسین بن سعید ، عن القاسم بن عروة ، عن ابن بکیر ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الوضوء مثنی مثنی ، ومن زاد

ص: 452


1- المختلف 1 : 114 وهو فی الفقیه 1 : 29.
2- فی ص 426.

لم یؤجر علیه » وحکی لنا وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، فغسل وجهه مرّة واحدة وذراعیه مرّة واحدة ، ومسح رأسه بفضله ورجلیه.

قال محمّد بن الحسن : حکایته لوضوء رسول صلی الله علیه و آله مرّة مرّة یدل علی أنّه أراد بقوله (1) : « مثنی مثنی » السنّة ، لأنّه لا یجوز أنّ یکون الفریضة مرّتین ، والنبی صلی الله علیه و آله یفعل مرّة (2) ، مع إجماع المسلمین علی أنّه مشارک لنا فی الوضوء وکیفیته.

السند

فی الأوّل لا ریب فیه علی ما أظنّ ، والاشتراک (3) فی معاویة بن وهب بین [ ثقة و] (4) من لیس بثقة ، یدفعه أنّ الإطلاق ینصرف إلی المعروف المتکثر.

وفی الثانی : لا یبعد أنّ یکون أحمد بن محمّد هو ابن أبی نصر ، لأنّ روایة ابن عیسی عن صفوان قد یظن أنّها مستبعدة ، لکن سیأتی فی باب الجبائر (5) ما یقربها إنّ کان صفوان بن یحیی ، وإنّ کان ابن مهران فهو أقرب ، کما یعرف بالممارسة ، والطرق إلی صفوان فی النجاشی (6) والفهرست (7).

معاویة بن وهب عند الإطلاق ینصرف إلی الثقة
بحث حول أحمد بن محمد

ص: 453


1- فی الاستبصار 1 : 70 / 215 : الوضوء.
2- فی الاستبصار 1 : 70 / 215 : مرة مرة.
3- هدایة المحدثین : 260.
4- أضفناه لاستقامة العبارة.
5- فی ص 453 ، 454.
6- رجال النجاشی : 197 ، 198 / 524 ، 525.
7- الفهرست : 83 ، 84 / 346 ، 347.

المتن :

قد اختلف العلماء فی المراد بقوله : « مثنی مثنی » علی أقوال :

الأوّل : ما یظهر من کلام الشیخ أنّ المراد الغسل مرّتین فی کل عضو من أعضاء الغسل ، ویکون علی سبیل الاستحباب ، لدلالة الأخبار الأوّلة علی المرّة.

وقول الشیخ : إنّه لا خلاف بین المسلمین أنّ الواحدة هی الفریضة ، وما زاد علیه سنّة ، لا ینافیه نقل العلاّمة عن ابن إدریس القول : بأنّ الثانیة لا تجوز (1). لجواز أنّ یکون ابن إدریس لم یعمل بنقل الشیخ الإجماع.

وما تضمنه الأخبار الأولة (2) من أنّ وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله لم یکن إلاّ مرّة مرّة ، وکذلک وضوء علیّ ، لا ینافی حمل الشیخ علی الاستحباب فی الثانیة ، لأنّ مفاد الأخبار حصر الواجب فی المرّة ، وذلک لا ینافی فعل الثانیة مستحبّةً ، إذ حاصل معنی تلک الأخبار [ أنّه (3) ] لم یکن وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله الواجب إلاّ مرّة ، لا أنّه لم یکن وضوءه مطلقاً إلاّ مرّة.

غایة الأمر أنّه یتوجه علیه أنّ فعل أبی جعفر علیه السلام فی الحدیث الأوّل من الباب ینافی ما ذکره الشیخ من الحمل علی الاستحباب ؛ إذ لا یلیق من الإمام علیه السلام ترک المستحب.

وقد یجاب عنه : بأنّ فعله علیه السلام المرّة للتنبیه علی أنّها الواجبة ، خوفاً من توهّم (4) أبی عبیدة وجوبها (5) ، کما یعلم من الاطلاع علی الأخبار

القول الأول فی المراد بقوله مثنی مثنی
حکم المرّة الثانیة فی الوضوء

ص: 454


1- راجع ص 416.
2- المتقدمة فی ص 417.
3- أضفناه لاستقامة العبارة.
4- فی « د » زیادة : غیر.
5- ای وجوب المرة الثانیة. ویحتمل ان تکون الکلمة : وجوبهما.

الواردة فی أفعالهم علیهم السلام لدفع الوهم.

ومن هنا یعلم أنّ ما أورده شیخنا قدس سره علی الشیخ فی فوائد الکتاب : من أنّ هذا الحمل بعید جدّاً ، لأنّ المرّة الثانیة لو کانت مستحبّة لم یقتصر النبی صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام علی المرّة فی وضوءهما ، خصوصاً مع مداومتهما علی ذلک ، کما یدل علیه الأخبار المرویة فی وصف وضوء رسول صلی الله علیه و آله ، وقول الصادق علیه السلام : « ما کان وضوء رسول الله إلاّ مرّة مرّة » (1) وقول الشیخ : إنّه لا خلاف بین المسلمین أنّ الواحدة هی الفریضة ، وما زاد علیه سنّة. غیر جیّد ؛ لأنّ الخلاف فی استحباب الثانیة متحقق ، وکذا قوله : قدّمنا من الأخبار ما یدل علی ذلک ، لا یخلو من نظر ؛ إذ لم یسبق منه ما یدل علی استحباب المرّتین. وأعجب من ذلک قوله : حکایته لوضوء رسول الله صلی الله علیه و آله مرّة مرّة یدل علی أنّه أراد بقوله : « الوضوء مثنی مثنی » السنّة. والأجود الحکم بأفضلیّة المرّة وحمل ما تضمن المرّتین علی الجواز کما ذکره الکلینی (2).

محل بحث :

أمّا أوّلاً : فلما قرّرناه.

وأمّا ثانیاً : فلأنّ ما قاله من أنّ الأخبار الواردة فی وصف وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله تدل علی المداومة یشکل علیه بأنّه استدل علی عدم الوجوب بالأعلی بجواز أنّ یکون الواقع فی الحکایة لأحد أفراد الکلی.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الجواز الذی اعتمد علیه إنّ أُرید به الإباحة فلا وجه لها فی المقام بعد ورود قوله علیه السلام : « مثنی مثنی » وإنّ أُرید الإباحة الشرعیة ،

ص: 455


1- الفقیه 1 : 25 / 76 ، الوسائل 1 : 438 أبواب الوضوء ب 31 ح 10.
2- الکافی 3 : 27.

علی معنی أنّ الشارع أباح الفعل والترک ، فمن لوازمه الثواب علی الفعل لیفارق مباح الأصل ، وغیر خفیّ أنّ هذا لا یخرج عن الاستحباب ، إلاّ أن یقال : إنّ ثوابه أقل ، وذلک لا یضرّ بالحال.

وما عساه یقال : إنّ مباح الشرع لو أُرید به تساوی الفعل والترک فی الثواب أشکل بأنّ الترک لا یلیق بحکمة الشارع مساواته فی الثواب للفعل ، وإنّ لم یتحقق الثواب فی الترک فهو المستحب ، ولا وجه لجعل المباح شرعیاً.

فله وجه ، غیر أنّی لم أقف علی من کشف قناع هذا الإشکال ، فینبغی تأمّل ذلک.

وقد وجدت فی کتاب الصوم من التهذیب حدیثاً یدل علی التخییر بین الفعل والترک فی السحور لغیر شهر رمضان ، فإنّ فیه الأمر بالسحور لشهر رمضان ، ثم قال : « ومن صام غیره فإنّ شاء فلیسحر وإنّ شاء لم یفعل » (1).

غیر أنّ الإشکال الذی ذکرناه لا مدفع له علی ما أظنّ إلاّ بأن یقال : إنّ الثواب الحاصل فی الفعل إذا کان الإنسان مخیّراً أقل من ثواب المستحب ، للتمیّز عنه ، وفائدة هذا سهلة فیما نحن فیه ، إذ الغسلة الثانیة فی الوضوء إذا تحقق فیها الثواب لکنّه أقل من کونها مستحبة ، فالعدول من الجمع بالحمل علی الاستحباب [ إلی الحمل (2) ] علی الجواز لا یفید دفع المحذور ، من عدم فعل النبی علیه السلام لما فیه الثواب مداومة ، وکذلک علی علیه السلام ، ولو أُرید مباح الأصل فلا أظنّه فی المقام لائقاً ، بعد ورود الأخبار التی سمعتها.

مباح الشرع ومباح الأصل والفرق بینهما

ص: 456


1- التهذیب 4 : 197 / 565 ، الوسائل 10 : 143 أبواب آداب الصائم ب 4 ح 5.
2- فی النسخ : للحمل ، غیّرناه لاستقامة العبارة.

وما ذکره شیخنا قدس سره عن الکلینی ففیه : أنّ کلام الکلینی لا یخلو من إجمال کما یعلمه من راجعه ، والعجب من شیخنا المحقق سلّمه الله أنّه فی فوائد الکتاب وافق شیخنا قدس سره فی الإیراد علی الشیخ ، ولم ینبه علی الإشکال فی ذلک ، مع أنّه کثیر التفحص عن مثل هذا.

وبالجملة : فکلام الشیخ وإنّ کان محل نظر من وجه أسلفناه ، وغیره وهو ذکر الحدیث الذی ظنّ أنّه یزید ما قدّمه بیاناً ، فإنّ سنده لا یخلو من قصور بالقاسم بن عروة ، کما قدّمناه فی هذا الموضع (1) ، واکتفینا به عن الإعادة ، وحاصل الأمر فی الخبر أنّه یدل علی أنّ من زاد لم یؤجر ، مع أنّ الظاهر کون الثالث بدعة ، فینبغی أن یقال : إنّ من زاد یأثم ، وسیأتی منه حدیث تضمّن أنّ من فعل الغسلتین لا یؤجر ، وحمله علی اعتقاد الفرض ، ( مع أنّ اعتقاد الفرض ) (2) یعطی الإثم لا عدم الأجر.

واحتمال أنّ یقال : إنّ عدم الأجر لا ینافی الإثم. ینافیه الحکم فی الحدیث بأن الثالث بدعة ، ومن لوازم البدعة الإثم ، فلو کان فی الثانیة الإثم لَما صلح التقسیم ، کما لا یخفی ، وسیجی ء القول فیه.

والغرض هنا أنّ استدلال الشیخ بالحدیث لا یخلو من خلل ، مضافاً إلی تضمّنه حکایة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ( واحدة واحدة ، فإنّ هذا ینافی قول الشیخ ، لأنّ غایة ما ذکرناه سابقاً فی توجیهه أنّ وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ) (3) الواجب لم یکن إلاّ مرّة ، وهو لا ینافی الزیادة مستحبة ، وهذا الخبر یقتضی أنّ فعله علیه السلام کان مرّة ، ویمکن الجواب بأن الفعل وقع لدفع احتمال

ص: 457


1- فی ص 405.
2- ما بین القوسین لیس فی « رض ».
3- ما بین القوسین لیس فی « رض ».

وجوب الغسلتین ، وهذا فی حق الرسول صلی الله علیه و آله أشد ، کما یعلم من الأخبار ، والله تعالی أعلم بالحال.

الثانی : أنّ الأحادیث المتضمنة لکون الوضوء مثنی مثنی ، یراد بها أن الوضوء غسلان ومسحان ، وهذا حکاه الشیخ فی التهذیب (1) ، وحینئذٍ فالاخبار المتضمنة لأنّ الوضوء مرّة مرّة تبقی علی مقتضاها.

وممّا یدل علی التوجیه المذکور موثق یونس بن یعقوب ، قال : قلت : لأبی عبد الله علیه السلام الوضوء الذی افترضه الله علی العباد لمن جاء من الغائط أو بال ، قال : « یغسل ذکره ، ویُذهب الغائط ، ثم یتوضّأ مرّتین مرّتین » (2) وقد تقدم.

وتوجیه دلالته أنّ السؤال عن الوضوء المفروض ، فلا یمکن أنّ یکون المرّتان للاستحباب.

فإنّ قلت : المأمور به فی الآیة الغَسل ، وهو کما یتحقّق بالمرّة یتحقق بالمرّتین ، فیکون المرّتان أحد الفردین ، ویجوز حینئذٍ أنّ یلاحظ الاستحباب باعتبار أنّه أفضل الفردین الواجبین تخییراً ، فلا یکون هذا التوجیه مغایراً للأوّل ، إلاّ من حیث إنّ القائلین بأن الثانیة مستحبة (3) ، ظاهر کلامهم أنّها مستحبة لا علی هذا الوجه ، والشیخ رحمه الله من جملة القائلین ، وکلامه لا یأبی هذا ، لأنّ قوله : الواحدة هی الفریضة وما زاد علیه سنّة ؛ فی أوّل الکلام ، وقوله فی آخره : حکایته لوضوء رسول الله صلی الله علیه و آله إلی آخره ،

القول الثانی فیه

ص: 458


1- التهذیب 1 : 63 / 176.
2- التهذیب 1 : 47 / 134 ، الوسائل 1 : 316 أبواب أحکام الخلوة ب 9 ح 5.
3- منهم ابنا عقیل والجنید والشیخان واتباعهم علی ما حکاه عنهم فی المختلف 1 : 114 والمحقق فی الشرائع 1 : 23 وصاحب المدارک 1 : 230.

فیه الاحتمال المذکور ، ویکون حکایة وضوئه علیه السلام أحد أفراد الوضوء ، لا الفرد الکامل.

قلت : هذا لا یتم ، کما یقتضیه السیاق ، وصرّح به العلاّمة (1) أیضاً (2) ، والأخبار یأباه إذا تأمّلها الإنسان بعین الاعتبار ، وقول الشیخ أخیراً : إنّه لا یجوز أنّ یکون الفریضة مرّتین والنبی صلی الله علیه و آله یفعل مرّة مرّة ؛ ینادی بخلافه.

فإنّ قلت : قول الشیخ بعد هذا : مع إجماع المسلمین علی أنّه مشارک لنا فی الوضوء وکیفیته. ما المراد به؟ والحال أنّ الکلام فی تحقیق وضوئه علیه السلام بأیّ وجه فکیف یقال : الإجماع واقع علی مشارکته لنا؟

قلت : مقصود الشیخ أنّ کون المرتین فرضاً یقتضی أنّ الفرض علینا المرّتان ، والإجماع علی أنّه حکمه حکمنا یفید أنّ المرتین فرض علیه ، والحال أنّ وضوءه کان مرّة مرّة ، فلا یجوز أنّ یکون المرّتان هی الفریضة فی الأخبار.

وإذا تمّ هذا لا یمکن أنّ یحمل الأخبار الواردة فی أنّ الوضوء مثنی مثنی علی الفرض ، وعلی ما احتملناه من کون المرّة أحد الأفراد لا یتمّ فی حق النبی صلی الله علیه و آله ، لأنّ ترک الأفضل علی المداومة غیر جائز.

الثالث : ما ذکره الصدوق فی الفقیه : أنّ الأخبار التی رویت فی أنّ الوضوء مرّتین مرّتین ، فأحدها بإسناد منقطع یرویه أبو جعفر الأحول ، عمّن رواه (3) - إلی أنّ قال - : وفی ذلک حدیث آخر بإسناد منقطع رواه

القول الثالث فیه

ص: 459


1- فی « فض » : العلماء.
2- المختلف 1 : 116.
3- الفقیه 1 : 25 / 77 ، الوسائل 1 : 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 15.

عمرو بن أبی المقدام ، قال : حدثنی من سمع أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إنی لأعجب ممّن یرغب أنّ یتوضأ اثنتین اثنتین ، وقد توضّأ رسول الله صلی الله علیه و آله اثنتین اثنتین ، فإنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یجدّد الوضوء لکل فریضة وکل صلاة » فمعنی الحدیث هو أنّی لأعجب ممّن یرغب عن تجدید الوضوء وقد جدّده النبی صلی الله علیه و آله ، ثم قال : وکذا ما روی : أنّ مرّتین أفضل ، معناه التجدید ، وکذلک ما روی فی مرّتین أنّه إسباغ (1). انتهی.

وظاهره حمل ما تضمّن المرّتین علی التجدید والإسباغ ، إلاّ أنّ کلامه فی الأخبار أنها منقطعة مع روایة الشیخ بأسانید متّصلة لما یضاهیها فی الجملة لا یخلو من إجمال.

والشهید فی الذکری ردّ قوله : بأنّ الأخبار التی رویناها بالمرّتین فی التهذیب متصلة صحیحة الإسناد ، والحمل علی التجدید خلاف الظاهر (2).

ولا یخفی علیک أنّ الأحادیث التی ذکرها الصدوق مقتصراً علیها وردّها بما قاله فی الکتاب لا یستبعد فیها قوله ، والذی حمله علی التجدید منها له نوع قرب.

وما ذکره الشهید لعلّه فی أخبار التهذیب ، إذ لا شک فی أنّ الحمل علی التجدید فیها خلاف الظاهر ، غیر أنّ ضرورة الجمع بین الأخبار ینتج العدول عن الظاهر ، فلو قال الشهید رحمه الله : إنّ الحمل علی غیر التجدید له قرب ، کان أولی.

ثم ما ذکره الصدوق من الإسباغ ربما کان قابلاً للتوجیه ، إلاّ أنّ الذی وقفت علیه من الأخبار لا یدل علی ما قاله ، وهو أعلم بالحال ، وستسمع

ص: 460


1- الفقیه 1 : 25 / 80 ، الوسائل 1 : 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 16 20.
2- الذکری 2 : 183.

الخبر الذی رواه الشیخ فی الغرفتین المحتمل لإرادة الإسباغ منها ، وهو غیر المرّتین المذکورتین فی کلام الصدوق ، واحتمال إرادته الغرفتین للإسباغ لا یتم کما لا یخفی.

والعلاّمة فی المختلف بعد أنّ ذکر قول ابن بابویه ، أجاب بما لا فائدة فی ذکره ، سوی ما ذکره فی الجواب عن الحمل علی التجدید ، من أنّه لا ینسحب علی الحدیث الذی رواه زرارة وبکیر عن الباقر علیه السلام (1).

وعنی بالحدیث ما رواه الشیخ فیما یأتی (2) ، وقد أشرنا إلیه ، والمطلوب منه قولهما : فقلنا : أصلحک الله الغرفة الواحدة تجزی للوجه وغرفة للذراع؟ فقال : « نعم إذا بالغت فیها ، والثنتان یأتیان علی ذلک کله » (3) وهذا لا أعلم وجه عدم انسحاب التجدید إلیه ، فإنّ مفاد الحدیث کون الغرفتین إذا فعلهما الإنسان یأتیان علی ذلک کلّه ، وأین هذا من الغسلتین.

ولعلّ العلاّمة فهم من الغرفتین الغسلتین ، أو أنّ الحدیث مطلق فی الغرفتین ، بحیث یتناول ما لو تمّت الغسلة الأُولی بغرفة ، وأنت خبیر بأنّ إطلاقه یقیّد بغیره ، وحینئذٍ لا یخفی علیک الحال.

إذا عرفت هذا کلّه وتحققته وفی صحیفة خاطرک کتبته فاعلم أنّ الذی رأیته فی نسخ المختلف ما نقلته أوّلاً : من القول بعدم جواز الثانیة عن ابن إدریس (4).

ص: 461


1- المختلف 1 : 117.
2- فی ص 427.
3- التهذیب 1 : 81 / 211 ، الوسائل 1 : 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
4- راجع ص 416.

وفی الحبل المتین نقلاً عن السرائر ما هذا لفظه : المرّتان فضیلة بإجماع المسلمین ، ثم قال : ولا یلتفت إلی خلاف من خالفه من أصحابنا بأنّه لا یجوز المرّة الثانیة ، لأنّه إذا تعین المخالف وعرف اسمه ونسبه فلا یعتد بخلافه (1).

وشیخنا قدس سره فی المدارک نقل عن ابن إدریس أیضاً أنّه ادّعی الإجماع علی استحباب الثانیة (2).

وعلی هذا فالظاهر أنّ نقل العلاّمة لا یخلو من خلل ، ولعلّ هذا لا یضرّ بحال الکلام السابق ، لجواز تأخّر القائل عن الشیخ ، وعدم اعتباره نقله للإجماع ، وفیه نوع تأمّل.

وحکی شیخنا قدس سره عن ابن إدریس أیضاً ، أنّه حکی عن أحمد ابن أبی نصر البزنطی أنّه قال فی نوادره : واعلم أنّ الفضل فی واحدة واحدة ، ومن زاد علی اثنتین لم یؤجر. وقال الکلینی فی الکافی بعد أنّ أورد روایة عبد الکریم السابقة : هذا دلیل علی أنّ الوضوء إنّما هو مرّة مرّة ، لأنّه صلی الله علیه و آله کان إذا ورد علیه أمران کلاهما طاعة لله أخذ بأحوطهما وأشدّهما علی بدنه ، وأنّ الذی جاء عنهم أنّه قال : « الوضوء مرّتان » أنّه هو لمن لم یقنعه مرّة فاستزاده ، فقال : « مرّتان » ثم قال : « ومن زاد علی مرّتین لم یؤجر » وهو أقصی غایة الحدّ فی الوضوء الذی من تجاوزه أثِم ولم یکن له وضوء (3). انتهی.

ولا یخفی إجمال کلام الثقة الجلیل محمّد بن یعقوب کما قدّمنا إلیه

قول ابن إدریس فی حکم المرّة الثانیة

ص: 462


1- الحبل المتین : 24 وهو فی السرائر 1 : 100.
2- مدارک الأحکام 1 : 231.
3- مدارک الأحکام 1 : 233.

الإشارة (1).

قال :

ویؤکد ذلک أیضاً ما رواه محمّد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أُذینة (2) ، عن زرارة وبکیر ، أنهما سألا أبا جعفر علیه السلام عن وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، فدعا بطشت ، وذکر الحدیث إلی أنّ قال : فقلنا : أصلحک الله فالغرفة الواحدة تجزی للوجه وغرفة للذراع؟ قال : « نعم إذا بالغت فیها والثنتان تأتیان علی ذلک کله ».

السند

حسن بإبراهیم بن هاشم ، وقد قدّمنا ما وقع للشیخ فی تفریق هذا الحدیث (3).

المتن :

قد تقدم فیه کلام ، ویبقی أنّ قوله : « تأتیان علی ذلک کله » لا یخلو من إجمال ، من حیث إنّ الإشارة محتملة العود إلی الغَسل ، ویراد حینئذٍ به عدم الاحتیاج إلی المبالغة المذکورة فی الغرفة ، ویحتمل العود إلی محل الغَسل من الوجه والیدین.

معنی قوله (تأتیان علی ذلک کلّه)

ص: 463


1- فی ص 421.
2- الاستبصار 1 : 71 / 216 : عمر بن أذینة.
3- فی ص 364.

ویحتمل أن یراد بالثنتین الغرفة التی للوجه والغرفة التی للذراع مع المبالغة یأتی علی المحل کله ، فیفید الخبر عدم الاحتیاج إلی غرفة اخری لکل منهما ، کما یفیده فعل الإمام علیه السلام فی روایة أبی عبیدة (1) ، إذ لو کان المراد الغرفتین فی کل من الأعضاء المغسولة لأفاد الاستحباب ، وإخلاله علیه السلام به غیر لائق ، سیّما وقد ذکر بعض احتمال أن یکون الثانیة إسباغاً (2) ، وهو مؤکّد فی الوضوء.

وفی نظری القاصر أنّ هذا الاحتمال له نوع رجحان ، فیندفع به ما قیل فی الحدیث : إنّ الثانیة للإسباغ ، فلیتأمّل.

أمّا قوله علیه السلام : « إذا بالغت فیها » فالمراد به علی الظاهر إملاء الکفّ من الماء ، ویحتمل إرادة المبالغة فی استیعاب العضو بإمرار الید علی جمیع العضو وإن لم یکن الکفّ مملوّاً من الماء ، مع احتمال إرادة الأمرین ، ولا یخفی دلالة الحدیث حینئذ علی الاکتفاء فی الغَسل بنحو الدهن.

ولا یرد علیه أنّ الغَسل لا یتحقق حینئذٍ ، بل هو مسح.

لإمکان أن یقال : إنّ الفرق بین الغَسل والمسح بکون الغَسل لا یشترط فیه المشابهة للدهن بخلاف المسح ؛ أو یقال : إنّ الغَسل فی العضو باعتبار الأغلب فیه وإن کان فی بعضه مشابهة للمسح ، بخلاف المسح.

فیندفع حینئذٍ ما قیل : إنّ الفرق بین العضو المغسول والممسوح لا یتحقق ، علی أنّ الغرفتین فی کل عضو لا ینفک بعض أجزائه عن المشابهة للمسح ، فلا بُدّ من أحد الاعتبارین الذین ذکرناهما ، ( أو غیرهما ) (3) ممّا

هل یکتفی فی الغسل بنحو الدهن

ص: 464


1- المتقدّمة فی ص 423 414.
2- راجع : ص 424.
3- لیست فی « رض ».

تقدم.

فإنّ قلت : کیف یلیق من زرارة وبکیر أنّ یسألا عن الغرفة الواحدة ، مع أنّ الحدیث تضمّن أنّه علیه السلام غسل کل عضو بکفّ من ماء ، کما سبق فی الروایة إنّ کانت هی المرادة هنا؟

قلت : الظاهر أنّ الروایة هی المتقدمة ، وإنّ اختلف السند ، ولعل السؤال منهما لدفع احتمال کون فعله علیه السلام أحد أفراد وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، فأُرید بالسؤال عن الإجزاء دائماً ، وإنّ لم یدل اللفظ علیه ، لکن بمعونة ما ذکر ، وفیه نوع تأمّل ، والأمر سهل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ جدّی قدس سره فی المسالک قال : إنّ التشبیه بالدهن فی کلام المحقق فی الشرائع مبالغة فی الاجتزاء (1) بالجریان القلیل علی جهة المجاز لا الحقیقة.

وقد یقال علیه : إنّ مثل هذا الخبر الدال علی الاکتفاء بالغرفة ظاهر الدلالة علی الاکتفاء بالدهن حقیقة ، وأدلّ منه صحیح زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إنّما الوضوء حدّ من حدود الله ، لیعلم الله من یطیعه ومن یعصیه ، وإنّ المؤمن لا ینجّسه شی ء ، إنّما یکفیه مثل الدهن » (2).

فإنّ قلت : ظاهر روایة زرارة ومحمّد أنّ الذی یجزئ مثل الدهن ، لا الدهن ، والمطلوب الثانی ، فلا یتمّ الدلالة.

قلت : الظاهر أنّ الدهن المشبّه به ما کان بغیر الماء من الأدهان ، والتشبیه للماء به ، ومن هنا یعلم أنّ ما أورده شیخنا قدس سره علی جدّی قدس سره -

ص: 465


1- فی المسالک 1 : 41 الإجزاء.
2- التهذیب 1 : 138 / 387. الوسائل 1 : 483 أبواب الوضوء ب 52 ح 1.

من أنّه لا مانع من کون التشبیه حقیقة (1). مجمل المرام ، وکشفه بما ذکرناه بعد التأمّل فیه حق التأمّل ، والله تعالی أعلم.

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسی بن إسماعیل بن زیاد ، والعباس بن السندی ، عن محمّد بن بشیر ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الوضوء واحدة فرض واثنتان لا یؤجر والثالثة بدعة ».

فالوجه فی قوله علیه السلام : « واثنتان لا یؤجر » أنّه إذا اعتقد أنّهما فرض لا یؤجر علیهما ، فأما إذا اعتقد أنهما سنّة فإنّه یؤجر علی ذلک ، والذی یدل علی ما قلناه :

ما أخبرنی به الشیخ رحمة الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عیسی ، عن زیاد بن مروان القندی ، عن عبد الله بن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من لم یستیقن أنّ واحدة من الوضوء تجزیه لم یؤجر علی الثنتین » (2).

السند

فی الأوّل موسی بن إسماعیل : مجهول الحال ، والمذکور فی الرجال بهذا الاسم مهمل (3) ، لکنه غیر معلوم کونه هذا ، إذ لیس ابن زیاد مذکوراً ،

موسی بن إسماعیل مجهول

ص: 466


1- مدارک الاحکام 1 : 235.
2- فی النسخ : اثنتین ، وما أثبتناه من الاستبصار 1 : 71 / 218.
3- رجال النجاشی : 410 / 1091.

والعباس بن السندی : لم أجده فی الرجال ؛ ومحمّد بن بشیر : مشترک بین ثقة وغیره (1).

وفی الثانی زیاد بن مروان : وهو واقفی غیر موثق.

المتن :

قد قدّمنا ما فی الأوّل من الإشکال فی توجیه الشیخ له بالاعتقاد ، فإنّ اللازم منه حصول الإثم ، وکون عدم الأجر لا ینافیه وإنّ کان صحیحاً ، إلاّ أنّ جعل الثالثة بدعة یدل علی أنّ فعل الثنتین لیس بدعة ، ومع الاعتقاد یکون بدعة ، ومن لوازمها الإثم.

واستدلال الشیخ بالخبر الثانی فیه الإشکال أیضاً ، إلاّ أنّه أخفّ باعتبار تحقق عدم الأجر (2) فیما فیه الإثم ، إلاّ أنّ التعبیر غیر واضح الوجه ، والأمر سهل بعد ضعف الروایة.

فإنّ قلت : ربما یستفاد من الروایة الأخیرة أنّ من لم یستیقن إجزاء الواحدة ( لم یؤجر ) (3) علی الواحدة ، والحال أنّه لیس کذلک. قلت : لا یبعد ذلک ، إلاّ أنّ الکلام فی ذلک خال من الفائدة بعد ما أشرنا إلیه.

قال :

فأمّا ما رواه الصفار عن یعقوب بن یزید ، عن الحسن بن علی الوشاء ، عن داود بن زربی ، قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوضوء ،

العباس بن السندی لم یوجد فی الرجال
محمد بن بشیر مشترک بین ثقة وغیره
زیاد بن مروان واقفی غیر موثق

ص: 467


1- هدایة المحدثین : 229.
2- فی « رض » : الاجزاء.
3- فی « رض » : یؤجر ، وفی « فض » : ثم یؤجر.

فقال لی : « توضّأ ثلاثاً ثلاثاً » قال : ثم قال : « ألیس تشهد بغداد وعساکرهم؟ » قلت : بلی ، قال : کنت یوماً أتوضّأ فی دار المهدی فرآنی بعضهم وأنا لا أعلم به ، فقال : کذب من زعم أنّک فلانی وأنت تتوضّأ هذا الوضوء ، قال : فقلت (1): لهذا والله أمرنی.

فإنّه صریح فی التقیّة ، وإنّما أمره اتقاءً علیه وخوفاً علی نفسه ، بحضوره مواضع الخوف ، فأمره أنّ یستعمل ما تسلم معه نفسه (2) وماله.

السند

فیه داود بن زربی ، وقد نقل العلاّمة فی الخلاصة عن النجاشی توثیقه عن ابن عقدة (3) ، ولم نر توثیقه فی النسخ التی وقفنا علیها من النجاشی (4) ، وعلی تقدیر الثبوت عن النجاشی فابن عقدة حاله معلوم.

المتن :

واضح الدلالة علی ما قاله الشیخ ، غیر أنّ الکشی روی روایة عن داود الرقی قال : دخلت علی أبی عبد الله فقلت له : کم عدّة الطهارة؟ فقال : « ما أوجبه الله فواحدة ، وأضاف رسول الله صلی الله علیه و آله واحدة لضعف الناس ، ومن توضّأ ثلاثاً فلا صلاة له » أنا معه فی ذا حتی جاء داود بن زربی وأخذ زاویة من البیت ، فسأله عمّا سألته فی عدّة الطهارة ، فقال له : « ثلاثاً ثلاثاً من نقص عنه فلا صلاة له » قال : فارتعدت فرائصی ، وکاد أنّ یدخلنی

بحث حول داود بن زربی
حکایة داود بن زربی مع أبی جعفر المنصور

ص: 468


1- فی الاستبصار 1 : 71 / 219 : قلت.
2- فی الاستبصار 1 : 72 / 219 زیادة : وأهله.
3- خلاصة العلاّمة : 69.
4- رجال النجاشی : 160 / 424.

الشیطان ، فأبصر أبو عبد الله علیه السلام إلیّ وقد تغیّر لونی ، فقال : « أسکن یا داود هذا هو الکفر أو ضرب الأعناق » قال : فخرجنا من عنده ( وکان ابن زربی إلی جوار أبی جعفر ) (1) المنصور ، وکان قد القی إلی أبی جعفر أمر داود بن زربی وأنّه رافضی یختلف إلی جعفر بن محمّد ، فقال أبو جعفر المنصور : إنّی مطلع علی طهارته ، فإن هو توضّأ وضوء جعفر بن محمّد فإنّی لأعرف طهارته ، حققت علیه القول وقتلته ، فاطّلع وداود یتهیّأ للصلاة من حیث لا یراه ، فأسبغ داود بن زربی الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ، کما أمره أبو عبد الله علیه السلام ، فما تمّ وضوءه حتی بعث إلیه أبو جعفر المنصور فدعاه ، فقال (2) داود : فلمّا أنّ دخلت علیه رحّب بی ، وقال : یا داود قیل فیک شی ء باطل وما أنت کذلک ، وقد اطّلعت علی طهارتک ولیس طهارتک طهارة الرافضة. الحدیث (3).

ولو لا أنّ فی سنده جهالة لدل علی أمر غیر خفی من زیادة الواحدة لضعف الناس ، وربما لخّص الشیخ الحدیث من هذا ، وقد یظن من التقیة التی ذکرها الشیخ خلاف ما یفهم من هذه الروایة ، ودفعه ظاهر.

قال :

باب وجوب الموالاة فی الوضوء

أخبرنی الشیخ رحمة والله عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن أحمد

وجوب المولاة فی الوضوء

اشارة

ص: 469


1- بدل ما بین القوسین فی الکشی هکذا : وکان بیت ابن زربی إلی جوار بستان أبی جعفر.
2- فی الکشی : قال فقال.
3- رجال الکشی 2 : 600.

ابن إدریس ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسین بن سعید ، عن فضالة بن أیوب ، عن الحسین بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا توضّأت بعض وضوئک فعرضت لک حاجة حتی یبس وضوؤک فأعد وضوءک ، فإنّ الوضوء لا یتبعّض ».

وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن معاویة بن عمار ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ربما توضّأتُ فنفد الماء فدعوت الجاریة فأبطأت علیّ بالماء فیجفّ وضوئی ، قال : « أعد ».

السند

فی الحدیثین واضح الحال بعد ما قدّمناه مراراً ، غیر أنّ روایة الحسین بن سعید عن معاویة بن عمار فی الثانی بغیر واسطة

لیس بمعهود ، وغالباً ما یکون فضالة ونحوه ، وحینئذٍ فالحدیث محل ارتیاب من هذه الجهة. والأولی من أبی بصیر وسماعة.

المتن :

فی الخبرین ظاهره أنّ الوضوء إذا جفّ جمیع السابق قبل إکماله وجبت إعادته ، وهو أحد الأقوال لعلمائنا ، علی معنی أنّ الحکم بالإعادة یتوقف علی الجفاف المذکور ، فلو جفّ البعض لم تجب الإعادة (1). وقیل : باشتراط بقاء جمیع الأعضاء السابقة مبتلّة إلی مسح الرِّجلین ، وهو منقول عن ابن الجنید (2). ونقل عن المرتضی وابن إدریس

روایة الحسین بن سعید عن معاویة بن عمّار بدون واسطة غیر معهود
حکم ما لو جفّ جمیع أعضاء الوضوء أو بعضها قبل إکماله

ص: 470


1- کما فی المعتبر 1 : 157 ، والمدارک 1 : 229.
2- نقله عنه الشهید فی الذکری 2 : 170.

اعتبار بقاء البلل علی العضو السابق علی ما هو فیه (1).

والخبران کما تری دلاّ علی البطلان بجفاف الجمیع کما یظهر منهما ، واحتمال شمولهما للبعض بعید ، وعلی الأوّل فلو بقی بعض بغیر جفاف لم یبطل الوضوء.

واحتجّ المحقق فی المعتبر علی هذا القول أیضاً باتّفاق الأصحاب علی أنّ الناسی للمسح یأخذ من شعر لحیته وأجفانه ، وإنّ لم یبق فی یده نداوة (2) ؛ وفیه نظر ، لاحتمال الاختصاص بالناسی ، أو حال الضرورة.

وفی نظری القاصر إمکان الاستدلال بالآیة الشریفة ، فإنّ الامتثال یحصل بالوضوء بأیّ وجه اتّفق ، فإذا خرج جفاف الجمیع بالإجماع بقی الباقی ، هذا علی تقدیر عدم العمل بالخبر الأوّل ، ولو عملنا به احتمل أن یستفاد من قوله علیه السلام : « إنّ الوضوء لا یتبعّض » اشتراط بقاء جمیع البلل ، إلاّ أنّ المنقول عن ابن الجنید القائل باعتبار بقاء جمیع البلل أنّه قیّده بغیر الضرورة ، والنص مطلق ، ولعلّ الأمر فی هذا سهل.

غیر أنّ الحدیث قد یحتمل غیر ما ذکرناه وهو أنّ یراد بعدم تبعّضه وجوب الموالاة ، بمعنی أنّ یوالی بین غَسل الأعضاء ولا یؤخّر بعضها عن بعض ، والخلاف فی الموالاة واقع بین الأصحاب ، فالمنقول عن الشیخ فی الجمل أنّه قال : الموالاة أنّ یوالی بین غَسل الأعضاء ولا یؤخّر بعضها من بعض بمقدار ما یجفّ ما تقدم (3) ، ویعبّر عن هذا بمراعاة الجفاف. وهذا

الأقوال فی معنی الموالاة

ص: 471


1- نقله عنهما الشهید فی الذکری 2 : 170 وهو فی الناصریات ( الجوامع الفقهیة ) : 185 ، والسرائر 1 : 103.
2- المعتبر 1 : 157.
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 159.

القول محکیّ من جماعة أیضاً (1).

ونقل عن الشیخ فی الخلاف أنّه قال : الموالاة إنّ تتابع بین أعضاء الطهارة ولا یفرق بینها إلاّ لعذر (2) ، بانقطاع الماء ، ثم یعتبر إذا وصل إلیه الماء فإنّ جفّت أعضاء طهارته أعاد الوضوء ، وإنّ بقی فی یده نداوة بنی علیه.

ونقل عن الشیخ أیضاً أنّ الموالاة هی المتابعة مع الاختیار ، فإن خالف لم یجزه (3).

وقد احتجوا لهذه الأقوال بوجوه ، ولم یذکروا فیها الروایة ، وکأنّ الوجه فی ذلک عدم تعیّن الاحتمال ، وبتقدیر التعیّن یفید الإبطال مطلقاً ، والقول به غیر معلوم ، وقد یقال : إنّ التقیید بالإجماع ممکن ، فالأولی الاعتماد علی عدم تعین الاحتمال ، فلیتأمّل.

اللغة :

قوله فی الخبر الثانی : نفِد بالفاء المکسورة والدال المهملة : فنی ، والوضوء فی قوله : فیجفّ وَضوئی ، فی الخبر الثانی أیضاً بفتح الواو بمعنی ماء الوضوء ، وکذلک الوَضوء الواقع فاعلاً فی الخبر الأوّل ، ونقل فی الحبل المتین عن بعض أهل اللغة أنّه یفهم منه أنّ الوضوء بالضم یجی ء بمعنی ماء الوضوء (4).

معنی : نفد
معنی الوضوء

ص: 472


1- حکاه عنهم فی المدارک 1 : 226 و 227.
2- المعتبر 1 : 157 ، الخلاف 1 : 93.
3- حکاه عنه فی المدارک 1 : 227 وهو فی المبسوط 1 : 23.
4- الحبل المتین : 23.

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن حریز ، فی الوضوء یجفّ قال : قلت : فإنّ جفّ الأوّل قبل أنّ أغسل الذی یلیه؟ قال : « جفّ أو لم یجفّ اغسل الذی بقی » (1)قلت : وکذلک غسل الجنابة؟ قال : « هو بتلک المنزلة وابدأ بالرأس ثم أفِض علی سائر جسدک » قلت : وإنّ کان بعض یوم؟ قال : « نعم ».

فالوجه فی هذا الخبر أنّه إذا لم یقطع المتوضّئ وضوءه وإنّما تجفّفه الریح الشدیدة أو الحرّ العظیم فعند ذلک لا یجب علیه إعادته ، وإنّما تجب علیه الإعادة فی تفریق الوضوء مع اعتدال الوقت والهواء ، ویحتمل أیضاً أن یکون ورد مورد التقیة ، لأنّ ذلک مذهب کثیر من العامة.

السند

فیه محمّد بن عیسی الأشعری ولم أجد توثیقه فی الرجال.

المتن :

ما ذکره الشیخ فیه (2) لا یتم بعد قوله : وکذلک غسل الجنابة ، فإنّ ما ذکره فی الوضوء لا یشترط فی الغسل ، إلاّ أنّ یقال : إنّ تقیید الوضوء

ص: 473


1- فی الاستبصار 1 : 72 / 222 : اغسل ما بقی.
2- لیس فی « رض ».

لا یقتضی تقیید غیره ، وإنّ اشتمل الحدیث الواحد علیهما. وفیه ما فیه.

وقد یقال : إنّ الحدیث یدل علی أنّه إذا جفّ الأوّل قبل أنّ یغسل الذی یلیه لا یؤثّر ، فلا اعتبار ببقاءِ نداوته وجفافها ، وهذا لا ینافی الخبر الدال علی أنّ جفاف جمیع الأعضاء مبطل ، وحینئذٍ لا تعارض إلاّ إذا کان فی صورة جفاف الوجه قبل غسل الید الیمنی ، فتحمل علی غیر هذه الصورة ، غایة الأمر أنّه مطلق فیقیّد الشمول لما یخالف الأوّل ، وتقییده بغیره ممکن ، کما لا یخفی ، نعم لمّا (1) کان عند الشیخ اشتراط بقاء جمیع البلل کما یفهم من ذکر منافاة هذه الروایة لما تقدم ، فمن ثم احتاج إلی التأویل الذی قاله ، وفیه ما فیه ، والحمل علی التقیة متعین بتقدیر تمامیّة اعتقاده ، فلیتأمّل فی ذلک.

قال :

باب وجوب الترتیب فی الأعضاء الأربعة (2).

أخبرنی الحسین بن عبید الله ، عن عدّة من أصحابنا ، منهم أبو غالب أحمد بن محمّد الزراری ، وأبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه ، وأبو محمّد هارون بن موسی التلّعُکبری ، وأبو عبد الله بن أبی رافع الصیمری (3) وأبو المفضل الشیبانی کلهم ، عن محمّد بن یعقوب الکلینی ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، ومحمّد بن إسماعیل ، عن الفضل ابن شاذان جمیعاً ، عن حماد ابن عیسی ، عن حریز ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر علیه السلام : « تابع بین الوضوء ، کما قال الله عزّ وجلّ ، ابدأ بالوجه

وجوب الترتیب فی الأعضاء

اشارة

ص: 474


1- لیس فی « رض ».
2- لیس فی الاستبصار 1 : 73.
3- فی الاستبصار 1 : 73 / 223 : وأبو عبد الله الحسین بن أبی الرافع الصیمری.

ثم بالیدین ثم امسح الرأس والرِّجلین ، ولا تقدّمنّ شیئاً بین یدی شی ء تخالف ما أمرت به ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد علی الذراع ، وإنّ مسحت الرِّجل قبل الرأس فامسح علی الرأس قبل الرِّجل ثم أعد علی الرِّجل ، ابدأ بما بدأ الله عزّ وجلّ ».

وأخبرنی ابن أبی جید القمی ، عن محمّد بن الحسن بن الولید ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن ابن أُذینة ، عن زرارة قال : سُئل أحدهما عن رجل بدأ بیده قبل وجهه ، وبرجلیه قبل یدیه ، قال : « یبدأ بما بدأ الله به ، ولیُعِد (1) ما کان فعل ».

وبهذا الإسناد عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن منصور ابن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یتوضّأ فیبدأ بالشمال قبل الیمین ، قال : « یغسل الیمین ویعید الیسار ».

السند

فی الأوّل أبو غالب الزراری من الأجلاّء ، والشیخ وثّقه فیمن لم یرو عن أحد من الأئمّة علیهم السلام (2) ؛ وأبو القاسم معلوم مما تقدم (3) ؛ وأبو محمّد هارون بن موسی وثّقه النجاشی والشیخ فی کتاب الرجال (4) ؛ وأما ابن أبی رافع فلم أعرف الآن اسمه فی الرجال ، وکتبه غیر مذکورة أیضاً ؛ وأبو المفضّل هو محمّد بن عبد الله ، وفیه کلام ؛ وبقیّة السند معلومة.

أبو غالب الزراری ثقة جلیل
ابو محمد هارون بن موسی ثقة
ابوالمفضّل محمد بن عبدالله فیه کلام

ص: 475


1- فی النسخ زیادة : علی ، وما أثبتناه من الاستبصار 1 : 73 / 224.
2- رجال الطوسی : 443 / 34.
3- فی ص 111 113.
4- رجال النجاشی : 439 / 1184 ، رجال الطوسی : 516 / 1.

وفی الثانی : قد تقدّم القول فیه ، وهو معدود من الصحیح ؛ وکذلک الثالث.

المتن :

فی الثلاثة دال علی الترتیب فیما عدا الرِّجلین بالنسبة إلی تقدیم الیمنی علی الیسری ، وقد روی الکلینی فی الحسن بإبراهیم بن هاشم ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الأُذنان لیسا من الوجه ولا من الرأس » قال : وذکر المسح ، فقال : « امسح علی مقدم رأسک وامسح علی القدمین وابدأ بالشق الأیمن » (1) وقد وصفها شیخنا قدس سره بالصحة ، وحکم بوجوب الترتیب بینهما (2) ، والأمر کما تری.

ثم إنّ المتابعة المذکورة فی الخبر الأوّل یراد بها المتابعة بین الأفعال ، بمعنی جعل بعض أفعاله تابعاً أی مؤخّراً وبعضها متبوعاً أی مقدّماً ، کما فی الحبل المتین (3) ، وحینئذٍ لا دلالة للخبر علی المتابعة التی هی الموالاة عند بعض العلماء (4) ، کما هو واضح.

وربما یتخیل عدم وفاء الأحادیث الثلاثة بالدلالة علی الترتیب فی جمیع الأعضاء ما عدا الرِّجلین ، إلاّ أنّ التأمّل یدفع ذلک.

وقوله علیه السلام فی الخبر الأوّل : « ابدأ بما بدأ الله به » یراد به البدأة الحقیقیة والإضافیة ؛ وقوله فی الخبر الثانی : « ولیعد علی ما کان فعل » یراد به أنّه یعید ما کان قدّمه لا جمیع الوضوء ، کما لا یخفی.

معنی المتابعة فی قوله : تابع بین الوضوء

ص: 476


1- الکافی 3 : 29 / 2 ، الوسائل 1 : 418 أبواب الوضوء ب 25 ح 1.
2- مدارک الأحکام 1 : 222.
3- الحبل المتین : 22.
4- منهم الشیخ فی المبسوط 1 : 22 و 23 ، والنهایة : 15 ، والعلاّمة فی المختلف 1 : 134 ، وجعله أحوط فی الحبل المتین : 23.

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسی ابن القاسم وأبی قتادة ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیهماالسلام قال : سألته عن رجل توضّأ ونسی غَسل یساره؟ فقال : « یغسل یساره وحدها ، ولا یعید وضوء شی ء غیرها ».

فلا ینافی ما قدّمناه من الترتیب ، لأنّ معنی قوله علیه السلام : « لا یعید شیئاً من وضوئه » أنّه لا یعید شیئاً ممّا تقدم من أعضائه قبل غسل یساره ، وإنّما یجب علیه إتمام ما یلی هذا العضو.

والذی یدل علی ذلک :

ما رواه محمّد بن یعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسین بن سعید ، عن فضالة بن أیوب ، عن الحسین بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إنّ نسیت فغسلت ذراعیک قبل وجهک فأعد غَسل وجهک ثم اغسل ذراعیک بعد الوجه ، فإنّ بدأت بذراعک الأیسر فأعد علی الأیمن ثم اغسل الیسار ، وإنّ نسیت مسح رأسک حتی تغسل رجلیک فامسح علی (1)رأسک ثم اغسل رجلیک ».

وعنه ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا نسی الرجل أنّ یغسل یمینه فغسل شماله ومسح رأسه ورجلیه فذکر بعد ذلک غَسَل یمینَه

ص: 477


1- فی الاستبصار 1 : 74 / 227 لا یوجد : علی.

وشماله ومسح رأسه ورجلیه ، وإنّ کان إنّما نسی شماله فلیغسل الشمال ولا یعید (1) علی ما کان توضّأ » وقال : « اتبع وضوءک بعضه بعضاً » (2).

الحسین بن سعید (3) ، عن القاسم بن عروة ، عن بکیر (4) ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل ینسی مسح رأسه حتی یدخل فی الصلاة ، قال : « إنّ کان فی لحیته بلل بقدر ما یمسح رأسه ورجلیه فلیفعل ذلک ولیصلِّ » قال : « وإنّ نسی شیئاً من الوضوء المفروض فعلیه أنّ یبدأ بما نسی ویعید ما بقی لتمام الوضوء ».

عنه عن صفوان ، عن منصور ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمّن نسی أنّ یمسح رأسه حتی قام فی الصلاة قال : « ینصرف فیمسح رأسه ورجلیه ».

السند

فی الأوّل واضح ؛ وفی الثانی فیه أبو بصیر ، وسماعة قد تقدم فیه القول (5) ، والثالث حسن ، والرابع فیه القاسم بن عروة ولم أَرَ توثیقه ولا مدحه ؛ وفی الخامس واضح.

المتن :

ما ذکره الشیخ فی الأوّل لا یخفی بُعده ، وبتقدیر تمامه فالحکم بعدم إعادة ما تقدم مقیّد بما إذا لم یجفّ السابق ، کما هو مقرّر عند الأصحاب

ص: 478


1- فی الاستبصار 1 : 74 / 228 : ولا یُعد.
2- فی « رض » : ببعض.
3- فی الاستبصار 1 : 74 / 229 لا یوجد : بن سعید.
4- فی الاستبصار 1 : 74 / 229 یوجد : ابن بکیر.
5- فی ص 72 و 83 ، 108 و 110.

الذین رأینا کلامهم (1).

وما تضمنه الثانی : من غسل الرِّجلین لم یتوجه الشیخ إلی بیان الوجه فیه ، ولعلّ المراد به المسح ، وإطلاق الغَسل علی المسح حینئذٍ یدل علی عدم التباین بینهما فی الجملة ، والحمل علی التقیّة مشکل ، کما لا یخفی ، إلاّ أنّ یکون علی بعض مذاهب العامة من وجوب الترتیب (2).

الثالث : واضح المتن.

والرابع : یراد بالصلاة المأمور بها الاستئناف ، ولا بُدّ من تقیید الخبرین بما قدّمناه ؛ وکذلک الخامس.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحدیث الثالث استدل به العلاّمة فی المختلف علی وجوب الموالاة ، بمعنی المتابعة علی الوجه الذی یذکره العلاّمة ، حیث قال بعد الخبر : والمفهوم من المتابعة فعل کل واحد عقیب الآخر (3).

وفیه نظر ؛ إذ الظاهر من سیاق الخبر أنّ المراد بالاتباع الترتیب لا المتابعة.

ونقل فی المختلف عن ابن إدریس أنّ الموالاة مراعاة الجفاف ، وحکی عنه أنّه قال : یجوز تأخیر غَسل الید الیمنی عن الوجه ما دام الوجه رطباً ، ولا یجوز تأخیره حتی تجفّ رطوبته ، وأنّه یحتجّ بأنّ الأمر بالغَسل ورد مطلقاً ، والأصل براءة الذمّة من المبادرة ؛ لما ثبت أنّ الأمر لا یقتضی الفور.

وأجاب العلاّمة بأنّه قد بیّن وجوب المتابعة.

کلام العلاّمة فی معنی المتابعة والموالاة والمناقشة فیه

ص: 479


1- المتقدم فی ص 434 435.
2- کما فی مغنی المحتاج 1 : 54.
3- المختلف 1 : 134.

والذی قاله هو الاستدلال بالأمر فی الآیة وهو للفور ؛ وبأنّه أحوط ؛ وبقوله تعالی ( وَسارِعُوا إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ ) (1) وقوله تعالی ( فَاسْتَبِقُوا الْخَیْراتِ ) (2) وبأنه تعالی أوجب غَسل الوجه والیدین والمسح عقیب إرادة القیام إلی الصلاة بلا فصل ، وفعل الجمیع دفعة متعذّر ، فتحمل علی الممکن ، وهو المتابعة ؛ وبروایة أبی بصیر المتقدمة المتضمّنة لقوله علیه السلام : « إنّ الوضوء لا یتبعّض » (3) وهو صادق مع الجفاف وعدمه ؛ وبالروایة المبحوث عنها هنا.

وفی الجمیع نظر :

أمّا الأوّل : فلمنع دلالة الأمر علی الفور کما حرّر فی الأُصول (4) ، ودعوی بعض الإجماع علی أنّ الأمر للفور فی الآیة (5) محل کلام.

وأمّا الاحتیاط فلا یصلح دلیلاً للوجوب مطلقاً.

وآیة المسارعة والاستباق فیها کلام أنهیناه فی الأُصول.

وإیجاب الجمیع عقیب الإرادة أوّل المدعی.

وروایة أبی بصیر قد تقدم القول فیها (6).

وروایة الحلبی علمت حالها فی الدلالة.

وفی المعتبر بعد أن حکم بوجوب المتابعة مع الاختیار واحتج علیها ، قال : إذا أخلّ بالمتابعة اختیاراً لم یبطل الوضوء إلاّ مع جفاف

ص: 480


1- آل عمران : 133.
2- البقرة : 148.
3- فی ص : 343.
4- معالم الأُصول : 51 53.
5- انظر المدارک 1 : 228.
6- فی ص 343 436.

الأعضاء ، لأنّه یتحقق الامتثال مع الإخلال بالمتابعة بغسل المغسول ومسح الممسوح فلا یکون قادحاً فی الصحة (1).

وفیه نظر واضح ، لأنّ المأمور به علی تقدیر ثبوت المتابعة لم یؤت به علی وجهه فیبقی فی العهدة.

إلاّ أن یقال : إنّ الأخبار الدالة علی أنّه لا بطلان إلاّ مع الجفاف تدل علی الصحة مع عدمه.

وفیه : أنّ الأخبار لا تصلح لإثبات الحکم کما تقدم ، وعلی تقدیر الاعتماد علیها إنما تقتضی البطلان مع الجفاف ، ومع عدمه فالصحة لا تستفاد منها إلاّ بتکلف غیر تام.

وما استدل به بعض علی وجوب المتابعة بأنّه علیه السلام تابع فی الوضوء البیانی تفسیراً للأمر الإجمالی فیجب التأسّی به (2).

ففیه : عدم ثبوت الوضوء البیانی ، وجواز کون المتابعة وقعت اتفاقاً ، وقد بسطنا القول فی هذه المسألة فی محل آخر والمجمل ما ذکرناه هنا.

قال :

فأما ما رواه محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن موسی بن القاسم ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیهماالسلام (3) قال : سألته عن الرجل لا یکون علی وضوء فیصیبه المطر حتی یبتل رأسه ولحیته وجسده ویداه ورجلاه أیجزیه (4) ذلک

قول المحقّق بعد مبطلیّه الإخلال بالمتابعة والمناقشة فیه

ص: 481


1- المعتبر 1 : 157.
2- المعتبر 1 : 156 وانظر المدارک 1 : 228.
3- فی الاستبصار 1 : 75 / 231 : علیه السلام .
4- فی الاستبصار 1 : 75 / 231 : هل یجزیه.

عن الوضوء؟ قال : « إن غسله فإن ذلک یجزیه ».

فلا ینافی ما قدمناه ، لأن الوجه فیه أن من یصیبه المطر فیغسل أعضاءه علی ما یقتضیه ترتیب الوضوء جاز له أن یستبیح به الصلاة ، وإذا لم یغسل واقتصر علی نزول المطر (1) لم یکن ذلک مجزیاً ، ولأجل ذلک قال حین سأل السائل : « إن غسله فإنّ ذلک یجزیه ».

السند

واضح.

المتن :

لا یخلو من إجمال ، وما قاله الشیخ فیه کذلک ، لأنّه إن أراد بتغسیل الأعضاء إمرار الکف علی العضو کما ینقل عن ابن الجنید أنه یستفاد من ظاهر کلامه وجوب إمرار الید (2) ، وربما یستفاد من بعض الأخبار الواردة فی تعلیم الوضوء من الإمام علیه السلام ، حیث تضمنت أنه علیه السلام مسح بیده الجانبین وأمرّها علی ساعده أمکن ، إلاّ أنّ النص لا یعیّنه ، بل یجوز أن یراد بقوله : « إن غسله » إن استوعبه الماء.

وإن أراد الشیخ بالغَسل فی قوله : فیغسل أعضاءه ، القصد إلی غَسلها أمکن أیضا ، لحصول الفرق بین الوضوء وغیره.

وإن أراد رحمه الله الترتیب قصداً ، فهو بعید الاستفادة من العبارة.

وأمّا النص : فالضمیر فی قوله : « إن غسله » یحتمل العود إلی محالّ

الوضوء بنزول المطر

ص: 482


1- فی الاستبصار 1 : 75 / 231 یوجد : علیه.
2- حکاه عنه فی المختلف 1 : 119.

الوضوء المغسول علی معنی کل محل ، أو إلی الجزء ، أی کل جزء ؛ ویحتمل أن یعود إلی ماء المطر ، والمعنی : إن غسل الإنسان ماء المطر أجزأه ، وغسله یراد به إمرار الید ، وفیه ما لا یخفی.

أمّا من جهة مواضع المسح فقد قدّمنا فیها القول سابقاً مما یغنی عن الإعادة ، وغیر بعید أن یستفاد من الخبر وکلام الشیخ إرادة إمرار الید واستیعاب العضو ، وربما یستفاد من الخبر أنّ الترتیب یحصل بالقصد أو بإمرار الید علی العضو بعد العضو ، فلیتأمل.

قال :

باب المسح علی الرأس وعلیه الحِنّاء.

أخبرنی (1) الحسین بن عبید الله ، عن أحمد بن محمد بن یحیی ، عن أبیه ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن محمد بن الحسین (2) ، عن جعفر بن بشیر ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر بن یزید ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یخضب رأسه بالحِنّاء ، ثم یبدو له فی الوضوء ، قال : « یمسح فوق الحِنّاء ».

وبهذا الإسناد ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل یحلق رأسه ثم یطلیه بالحناء ثم یتوضّأ للصلاة ، فقال : « لا بأس بأن یمسح رأسه والحِنّاء علیه ».

المسح علی الرأس وعلیه الحنّاء

اشارة

ص: 483


1- فی « رض » زیادة : الشیخ.
2- الإستبصار 1 : 75 / 332 فی « ج » الحسن.

السند :

فی الخبرین واضح ، والحسین فی الثانی هو ابن سعید ، وعمر بن یزید فی الأول هو ابن محمد بن یزید ، علی ما جزم به مشایخنا (1).

المتن :

ظاهر الشیخ بمعونة الکلام الآتی فی الخبر المعارض أنّه حمل هذین الخبرین علی المسح فوق جسم الحِناء ، وستسمع القول فیه.

وقد یحتمل أن یراد هنا منه السؤال عن المسح فوق لون الحناء. وقوله : یخضب رأسه بالحناء ، لا یتوقف علی أن یراد به اللون لیحتاج إلی إثبات صحة الإطلاق لغة ، بل یراد بالخضاب الجسم ، لکن یبدو له بعد ذلک الوضوء.

ویحتمل أن یراد الخضاب بماء الحنّاء والمسح فوقه ، وفیه الإشکال من حیث إنّ المسح بالبلل الباقی من الوضوء لم یتحقق حینئذ ، لخروجه عن الإطلاق ، إلاّ أن یقال بعدم خروجه بذلک قبل المسح ؛ ولا یخفی بُعد أصل الاحتمال ، فضلاً عن الإشکال.

ونقل عن المفید أنّه علّل کراهة الاختضاب للجنب بأنّ اللون یمنع وصول الماء إلی البشرة (2). وهذا التعلیل یحقق السؤال علی وجه یعتد به.

وقال المحقّق فی المعتبر : لعلّه نظر إلی أنّ اللون عرض وهو لا ینتقل ، فیلزم حصول الأجزاء من الحِنّاء فی محل اللون لیکون وجود اللون

ما المراد من المسح فوق جسم الحنّاء

ص: 484


1- منهم صاحب منهج المقال : 252.
2- حکاه عنه فی المعتبر 1 : 192 وهو فی المقنعة : 58.

بوجودها ، لکنها حقیقة لا تمنع الماء منعاً تامّاً فکراهته لذلک (1).

وأنت خبیر بأنّ الخبرین ربما ظهر منهما إرادة الجسم من الحِنّاء ، فیحتمل أن یراد المسح علی الحِنّاء بحیث یصل إلی البشرة ، غیر أنّ إطلاق الخبرین لا یفید ذلک ، ولعلّ التقیید من خارج.

ویحتمل أن یکون المسح للضرورة فوق الحنّاء ، کما یحتمل أن یکون محل المسح فی المقدم خالیاً. والجمیع متکلّفة کما لا یخفی.

قال :

فأما ما رواه محمد بن یحیی رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یخضب رأسه بالحناء ثم یبدو له فی الوضوء قال : « لا یجوز حتی یصیب بشرة رأسه الماء ».

فأوّل ما فیه : أنّه مرسل مقطوع الإسناد ، وما هذا حکمه لا یعارض به الأخبار المسندة ، ولو سلّم لأمکن حمله علی أنّه إذا أمکن إیصال الماء إلی البشرة فلا بد من إیصاله ، وإذا لم یمکن ذلک أو لحقه مشقة فی إیصاله لم یجب علیه.

ویؤکد ذلک : ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علی الوشاء ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام ، عن الدواء إذا کان علی یدی الرجل ، أیجزیه أن یمسح علی طلاء الدواء؟ قال : « نعم یجزیه أن یمسح علیه ».

ص: 485


1- المعتبر 1 : 192.

السند :

فی الأول کما قال الشیخ مقطوع ، وفی الثانی حسن بالوشاء.

المتن :

غیر خفی دلالته علی وجوب إیصال ماء المسح إلی البشرة ، والخبران المتقدمان وإن کان ظاهرهما المسح فوق جسم الحناء ، إلاّ أنّ تأویلهما بما یوافقه ممکن کما تقدم (1).

وما ذکره الشیخ فی تأویل الخبر یدل علی أنّه حمل الخبرین الأولین علی المسح فوق جسم الحناء ، غیر أنّ قوله : وإذا لم یمکن أو لحقه مشقة فی إیصاله لم یجب علیه ، یدل علی أنّ الخبرین الأوّلین محمولان علی المشقة فی إیصال الماء إلی البشرة ، ولا یخفی أنّه وإن کان وجهاً للحمل ، إلاّ أنّه بعید عن ظاهرهما ، وما قدمناه من الاحتمالات أقرب منه ، بل ربما یشکل جمع الشیخ بأنّه یعیّن إرادة جسم الحِنّاء والتقیید فیه ظاهر.

وما ذکره من أنّ الخبر المذکور أخیراً یؤکد ذلک ، یشکل ، بأنّ مورد الخبر الطلاء للدواء ، وهذا بعید عن مدلول الخبرین ، والشیخ أعلم بما قاله.

ثم إنّ ما ذکره من إیصال الماء إلی البشرة لا یخلو من تأمل ، لأنّ المسح لا بد فیه من ملاصقة الماء للممسوح إلاّ للضرورة ، أما تعین إیصال الماء إلی البشرة کما هو مدلول الروایة کأنّه محمول علی الرأس المحلوق ، أو أنّ إیصال الماء إلی البشرة لا الید ، فلیتأمل.

ص: 486


1- فی ص 446.

ثم إنّ ردّ الخبر بالقطع من الشیخ مع إمکان التأویل خلاف ما یفهم منه فی أول الکتاب. وبالجملة فالحکم فی هذا الباب لا یخلو من اضطراب.

قال :

باب جواز التقیّة فی المسح علی الخفین.

أخبرنی الشیخ رحمه الله عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن الحسین بن الحسن بن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن محمد بن النعمان ، عن أبی الورد قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنّ أبا ظبیان حدثنی أنّه رأی علیاً علیه السلام أراق الماء ثم مسح علی الخفین ، فقال : « کذب أبو ظبیان ، أما بلغک قول علی علیه السلام فیکم : سبق الکتاب الخفین » فقلت : فهل فیهما رخصة؟ فقال : « لا ، إلاّ من عدوّ تتقیه أو ثلج تخاف علی رجلیک ».

السند

فیه أبو الورد ، وهو مهمل فی رجال الباقر علیه السلام من کتاب الشیخ (1) ، وفی الکافی حدیث معتبر عن سلمة بن محرز وهو مهمل یقتضی مدحا ما فی أبی الورد (2) ، إلاّ أنّ حال الحدیث قد سمعته ، وهذا الخبر قد ینافیه بعد التأمّل فیه.

وأمّا أبو ظبیان المحکی عنه فهو من أصحاب علی علیه السلام کما نقله

جواز التقیّة فی المسح علی الخفیّن

بحث حول أبی الورد
بحث حول أبی الظبیان

ص: 487


1- رجال الطوسی : 141 / 1.
2- الکافی 4 : 263 ح 46 ، الوسائل 11 : 101 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 38 ح 24.

العلاّمة فی الخلاصة عن البرقی (1) ، ونقل فی جامع الأُصول أنّ اسمه حصین بن جندب ، وظبیان بکسر الظاء المعجمة ، وأکثر أصحاب الحدیث واللغة علی الفتح (2). انتهی.

المتن :

ظاهر فی إنکار المسح من علی علیه السلام علی الخفین ، أمّا قوله : « أما بلغکم قول علی علیه السلام فیکم » فربما یدل علی أنّ أبا الورد لم یکن علی الطریق المستقیم ، وقوله : « إلاّ من عدوّ تتقیه » قد ینافی ذلک فی الجملة ، والأمر فی الحدیث مریب. لأنّ الظاهر من قوله : « سبق الکتاب الخفین » أنّ المسح علیهما کان مشروعاً ثم نسخ بالکتاب ، وحینئذ یراد بسبق الکتاب أنّ حکمه مقدم ، وفی بعض الأخبار ما یدل علی ما قلناه من المشروعیة أوّلاً (3) ، إلاّ أنّ تحقیق الحال فی ذلک لا ثمرة له.

وقد قطع الأصحاب علی ما حکاه شیخنا قدس سره بجواز المسح علی الحائل للتقیة إذا لم تتأدّ بالغسل (4).

وفی المختلف : یجوز المسح علی الخفین عند التقیة والضرورة إجماعاً ، فإذا زالت الضرورة أو نزع الخف قال الشیخ رحمه الله : یجب علیه استئناف الوضوء. والوجه عندی أنّه لا یستأنف. لنا : أنّه ارتفع حدثه بالطهارة الاولی فلا ینتقض بغیر النواقض المنصوص علیها ، احتج الشیخ

عدم وجوب الاستئناف عند زوال الضرورة والتقیّة

ص: 488


1- خلاصة العلاّمة : 194.
2- جامع الأُصول : 13 : 352.
3- الفقیه 1 : 25 / 75 ، الوسائل 1 : 460 أبواب الوضوء ب 38 ح 13.
4- المدارک 1 : 223.

بأنّها طهارة ضروریة فتقدر بقدر الضرورة کالتیمم. والجواب بالفرق ، فإنّ الطهارة رفعت الحدث بخلاف التیمم (1). انتهی.

ولا یخفی علیک وجاهة استدلاله ، أمّا جوابه عن کلام الشیخ ففیه أنّ الرفع حصل فی الأمرین ، غایة الأمر أنّ التیمم إلی غایة وهو وجود الماء أو الحدث ، والوضوء إلی غایة وهو الحدث. وما وقع فی کلام جماعة من أنّ التیمم رفع المنع ، والوضوء رفع المانع ، فهو مجرد قول لا دلیل علیه. إذا تأملت ما قلناه لم یظهر الفرق إلاّ بما أشرنا إلیه.

ثم إنّ الحدیث الدال علی أنّه « لا ینقض الوضوء إلاّ حدث » (2) یتناول ما نحن فیه فی الظاهر ، فالأولی الاستدلال به ، غیر أنّ فیه بحثاً یأتی الکلام فیه إنشاء الله.

إذا عرفت هذا : فاعلم أنّه قد تقدم (3) فی خبر زرارة وبکیر أنّه قال علیه السلام فی المسح علی النعلین : « ولا تدخل یدک تحت الشراک ».

وشیخنا قدس سره قال فی هذا المبحث من المدارک - عند قول المحقق : ولا یجوز علی حائل من خف أو غیره - : ویستثنی من ذلک الشراک إن أوجبنا المسح إلی المفصل (4).

وظاهر کلامه أنّ المسح یجب أن یکون فوق الشراک ، ولا أعلم الآن مأخذه.

ثم إنّ للأصحاب خلافاً فی أنّه هل یشترط فی جواز التقیة عدم

جواز المسح علی الشراک

ص: 489


1- المختلف 1 : 137 وهو فی المبسوط 1 : 22.
2- التهذیب 1 : 6 / 5 ، الوسائل 1 : 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 4.
3- فی ص 381.
4- مدارک الأحکام 1 : 223.

المندوحة أم لا؟ فقیل بالثانی ، لإطلاق النص (1) ؛ وقیل بالاشتراط ، لانتفاء الضرر مع وجودها فیزول المقتضی (2).

وأنت خبیر بأنّ النص المطلق إن أرید به هذا فحاله غیر خفیة ، وإن أرید الأخبار الواردة بمطلق التقیة ، ففیه : أنّ فی بعض الأخبار ما یقتضی اشتراط الضرورة ، وإن کان لی فی دلالة ما ذکر من الأخبار تأمل ، والاحتیاط فی الإعادة أولی.

قال :

فأما ما رواه الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن حریز ، عن زرارة قال ، قلت له : هل فی مسح الخفین تقیة؟ فقال : « ثلاثة لا أتقی فیهن أحداً : شرب المسکر ، ومسح الخفین ، ومتعة الحج ».

فلا ینافی الخبر الأول لوجوه :

أحدها : أنّه أخبر عن نفسه أنّه لا یتقی فیه أحداً ، ویجوز أن یکون إنّما أخبر بذلک لعلمه بأنّه لا یحتاج إلی ما یتقی فیه فی ذلک ، ولم یقل : لا تتقوا فیه أنتم أحداً ، وهذا وجه ذکره زرارة بن أعین.

والثانی : أن یکون أراد لا أتقی فیه أحداً فی الفتیا بالمنع من جواز المسح علیهما دون الفعل ، لأنّ ذلک معلوم من مذهبه ، فلا وجه لاستعمال التقیة فیه.

والثالث : أن یکون أراد لا أتقی فیه [ أحداً ] (3) إذا لم یبلغ الخوف

هل یشترط فی جواز التقیّة عدم المندوحه أم لا؟

ص: 490


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 222 ، وروض الجنان : 37.
2- مدارک الأحکام 1 : 223.
3- أثبتناه من الاستبصار 1 : 77 / 237.

علی النفس والمال وإن لحقه أدنی مشقة احتمله ، وإنّما یجوز التقیة فی ذلک عند الخوف الشدید علی النفس أو المال.

السند

واضح.

المتن :

ما ذکره الشیخ فیه عن زرارة ینبغی الاعتماد علیه لأنّه الراوی ، إن کان استفاد المعنی من الإمام علیه السلام ، وإن کان باجتهاد أمکن التوقف فیه ، لعدم مطابقة الجواب للسؤال کما لا یخفی ، إلاّ أن یراد من السؤال تقیة الإمام علیه السلام ، وغیر خفی رجوع هذا إلی تفسیر زرارة.

ثم ما ذکره الشیخ بقوله : ویجوز أن یکون ، یحتمل أنّه من کلام زرارة ، وفیه ما فیه. وإن کان من کلام الشیخ ، وقول زرارة إنّما هو ما تقدم علی هذا ، ففیه : أنّ نفی الاحتیاج إلی ما یتقی فیه لا یطابق السؤال ، کما هو ظاهر.

وأما الوجه الثانی : فأوّله واضح ، إلاّ أنّ قوله : دون الفعل ، لأنّ ذلک معلوم من مذهبه ، فلا وجه لاستعمال التقیة فیه ؛ لا یخلو من تأمّل ، فإنّ معلومیة کونه من مذهبه لا یقتضی سقوط التقیة ، بل التقیة مطلوبة مطلقاً ، علی أنّ المناسبة بین قوله : دون الفعل ، والتعلیل غیر ظاهرة ، لأنّه علیه السلام إذا لم یتق فی الفتیا أحداً بل یحکم بالمنع فلا وجه للتوقف فی الفعل ؛ ولو رجع التعلیل إلی قوله : لا أتقی فی الفتیا والمعنی أنّ عدم الاتقاء لکونه معلوماً من مذهبه ، وقوله : دون الفعل ، أی لم یرد الاتقاء فی الفعل أمکن ،

ص: 491

غیر أنّه لا یخلو من الإشکال ، وهو أعلم بمراده.

أمّا الوجه الثالث : ففیه أنّ الاختصاص بالثلاثة لا وجه له ، والخبر قد تضمّن التخصیص.

قال :

باب المسح علی الجبائر.

أخبرنی الشیخ رحمه الله ، عن أبی القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن یعقوب ، عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسن (1) ، عن صفوان بن یحیی ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الکسیر تکون علیه الجبائر أو تکون به الجراحة ، کیف یصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال : « یغسل ما وصل إلیه الغِسل ممّا ظهر ممّا لیس علیه الجبائر ویدع ما سوی ذلک ممّا لا یستطیع غسله ولا ینزع الجبائر ولا یعبث بجراحته ».

عنه ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنّه سئل عن الرجل یکون به القرحة فی ذراعه أو غیر ذلک من موضع الوضوء فیعصبها بالخرقة ویتوضّأ ویمسح علیها إذا توضأ ، فقال : « إن کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة ، وإن کان لا یؤذیه الماء فلینزع الخرقة ثم یغسلها » قال : وسألته عن الجرح کیف یصنع به فی غسله؟ قال : « اغسل ما حوله ».

أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن علی بن الحسن بن رباط ،

المسح علی الجبائر

اشارة

ص: 492


1- فی الاستبصار 1 : 77 / 238 : الحسین.

عن عبد الأعلی مولی آل سام قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : عثرت فانقطع ظفری فجعلت علی إصبعی مرارة فکیف أصنع بالوضوء؟ قال : « تعرف هذا وأشباهه من کتاب الله عز وجل (1) ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (2) امسح علیه ».

السند :

فی الأوّل کما تری محمد بن الحسن ، وأظنّه محمد بن الحسین بن أبی الخطاب ، لکن النسخ التی وقفت علیها ما ذکرته ، ومحمد بن الحسن علی تقدیره الظاهر أنّه غیر الصفار ، لأنّ الصفار فی مرتبة محمد بن یحیی ، وإن جاز روایة محمد بن یحیی عنه ، أمّا روایته عن صفوان بن یحیی فبعیدة ، کما یعلم من کتب الرجال ، وممّا ینبّه (3) علی هذا أنّ روایة محمد ابن یعقوب عن الصفار بغیر واسطة واقعة ، فإذا روی عن صفوان بن یحیی کانت روایته عن أبی عبد الله بواسطتین لأنّ صفوان من أصحابه ، غیر أنه لا مانع منه إنّما هو مستبعد ، ثم إنّ غیر الصفار کثیر فی الرجال ، وقد عدّ بعض المتأخرین الخبر من الصحیح (4).

وفی الثانی : حسن بإبراهیم بن هاشم.

والثالث : فیه عبد الأعلی مولی آل سام ، ولم یعلم توثیقه بل ولا مدحه.

بحث حول مرتبة محمد بن یحیی والصفّار
عبد الأعلی مولی آالی سام یعلم توثیقه ولا مدحه

ص: 493


1- فی الاستبصار 1 : 78 / 240 زیادة : قال الله تعالی.
2- الحج : 78.
3- فی « رض » : نبّه.
4- کصاحب المدارک 1 : 238.

المتن :

لا یبعد أن یراد بقوله : « ویدع ما سوی ذلک ممّا لا یستطیع غسله » عدم غسل (1) الجبیرة لا ما یتناول مسحها ، وبتقدیر التناول ظاهراً یخص بحدیث الحلبی الدالّ علی مسح الخرقة.

واحتمال أن یقال بتقدیر التناول : أنّه یجوز حمل المسح علی الاستحباب ، لا یخلو من تأمل ، لأنّ الخبر الأوّل لا یخرج عن الإجمال والآخر مبین له.

نعم : یحتمل أن یخص خبر الحلبی بالخرقة ، ومورد خبر عبد الرحمن الجبیرة ، وفیه ما فیه.

هذا إن عملنا بالحسن ، وإلاّ فالخبر الأول لا معارض له.

ومن هنا یعلم أنّ ما فی الحبل المتین من أنّ قوله علیه السلام : « ویدع ما سوی ذلک » ربما یعطی بظاهره عدم وجوب المسح علی الجبیرة ، والمعروف بین فقهائنا وجوب المسح ، کما یدل علیه الحدیث الثانی عشر ، یعنی خبر الحلبی (2) ، محل کلام ، فلیتأمّل.

وما تضمنه خبر الحلبی : من أنّه « إذا کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة » مطلق بالنسبة إلی الطهارة وعدمها ، والمسح علیها بالاستیعاب وعدمه ، وربما قیل بالاستیعاب (3) ؛ لأنّ الأصل یجب استیعابه. واعتبار الطهارة مذکورة فی کلام من رأینا کلامه.

وما تضمنه الخبر الثالث : من المسح علیه ، یدل علی أنّ القدم فی

ص: 494


1- فی « رض » : غسله.
2- الحبل المتین : 26.
3- الحبل المتین : 26.

الوضوء تمسح أصابعه ولا یکتفی بالمسمی ، وقد تقدم ما یعارضه.

وینبغی أن یعلم أنّ فی کلام الأصحاب هنا إجمالاً ، فإنّهم صرّحوا بإلحاق الجرح والقرح بالجبیرة سواء کان علیها خرقة أم لا ، ونص بعضهم علی أنّه لا فرق بین أن تکون الجبیرة مختصة بعضو أو شاملة للجمیع ، وفی التیمم جعلوا من أسبابه الخوف من استعمال الماء بسبب القرح والجرح ، ولم یشترط أکثرهم تعذر وضع شی ء علیها والمسح علیه (1) ، والأخبار لا تخلو من اختلاف ، کما یعلم من تأمّلها.

أمّا المذکور هنا : فدلالته غیر خفیة ، وقد احتمل شیخنا قدس سره التخییر بین الأمرین ، مع احتمال حمل أخبار التیمم علی ما إذا تضرّر بغسل ما حولها ؛ ثم قال قدس سره : وکیف کان فینبغی الانتقال إلی التیمم فیما خرج عن مورد النص ، کما فی العضو المریض. وهو خیرة المعتبر ، تمسکاً بعموم قوله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی ) (2) (3).

اللغة :

الجبیرة : الخرقة مع العیدان التی تُشدّ علی العظام المکسورة (4).

والغِسل : بکسر الغین فی قوله علیه السلام : « یغسل ما وصل إلیه الغِسل » (5) وربما جاء فیه الضم علی ما فی الحبل المتین (6).

معنی الجبیرة

ص: 495


1- صاحب المدارک 1 : 239.
2- المائدة : 6.
3- مدارک الأحکام 1 : 239.
4- لسان العرب 4 : 115 ( جبر ).
5- الغِسل : الماء الذی یغتسل به ( مجمع البحرین 5 : 434 ).
6- الحبل المتین : 26.

قال :

فأما ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن الرجل ینقطع ظفره هل یجوز له أن یجعل علیه علکاً؟ قال : « لا ، ولا یجعل علیه إلاّ ما یقدر علی أخذه منه (1) عند الوضوء ، ولا یجعل علیه ما لا یصل إلیه الماء ».

فالوجه فی هذا الخبر : أنّه لا یجوز ذلک مع الاختیار ، فأمّا مع الضرورة فلا بأس به ، حسب ما تضمنه الخبر الأول.

السند

موثق.

المتن :

ما ذکره الشیخ فیه متجه ، وإن کان خلاف الظاهر ، لضرورة الجمع.

وقد یمکن أن یحمل علی أنّ وضع العَلِک موضع الظفر بعد الصحة طلباً لبقاء صورة الظفر من العَلِک ، وهذا الحمل وإن بعد لیس بأبعد من غیره.

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن علی ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن

ص: 496


1- فی الاستبصار 1 : 78 / 241 : عنه.

موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال (1) : الرجل ینکسر ساعده ، أو موضع من مواضع الوضوء ، فلا یقدر أن یحلّه لحال الجبر إذا أجبر کیف یصنع؟ قال : « إذا أراد أن یتوضّأ فلیضع إناءً فیه ماء ویضع موضع الجبر فی الماء حتی یصل الماء إلی جلده ، وقد أجزأه ذلک من غیر أن یحلّه ».

فالوجه فی هذا الخبر : أن نحمله علی ضرب من الاستحباب إذا أمکن ذلک ولا یؤدی إلی ضرر ، فأمّا إذا خاف من الضرر من ذلک فلا یلزم أکثر من المسح علی الجبائر علی ما بیناه.

السند:

موثق أیضاً.

المتن :

ظاهره أنّ الکسر جبر ، وإنّما یخاف من حلّه أن یتغیر الجبر ، وحینئذ فمورد الروایة انتفاء الضرر ، وقول الشیخ : إنّه محمول علی ضرب من الاستحباب ، یرید أن وضع الإناء بالصورة المذکورة مستحب ، إذ الواجب إیصال الماء بأیّ وجه اتفق.

أمّا قوله : فأمّا إذا خاف الضرر فلا یلزم أکثر من المسح علی الجبائر ، فلم یتقدم منه البیان ، بل الأخبار السابقة مختلفة ، وکأنّه رحمه الله نظر إلی ما قلناه سابقاً فلیتدبر.

ص: 497


1- فی الاستبصار 1 : 78 / 241 : فی ، بدل قال.

ولا یخفی أنّ مضمون الروایة المبحوث عنها ما یتناول موضع المسح من الوضوء ، والاکتفاء بإیصال الماء إلی المحل خلاف

ما قرره المتأخرون ، ولعل الروایة ممکنة الحمل علی ما لا یخالفهم ، والله أعلم.

ص: 498

فهرس الموضوعات

مقدمة المؤلّف

الفوائد

الفائدة الاولی : فی الخبر والحدیث.... 7

ما هی النسبة بین الخبر والحدیث؟....... 7

هل الخبر ضروری لایحدّ؟...... 8

تعریف الخبر........ 10

الخبر المتواتر......... 10

التواتر یفید العلم.... 10

الفائدة الثانیة : فی الخبر المحفوظ بالقرآئن..... 12

الفائدة الثالثة: مطابقة الخبر لأدلّة العقل ومقتضاه..... 13

الفائدة الرابعة: مطابقة الخبر لظاهر القرآن... 16

الفائدة الخامسة: مطابقة الخبر للسنة المقطوع بها...... 17

الفائدة السادسة: مطابقة الخبر للإجماع...... 18

الفائدة السابعة: حول العمل بخبر الواحد..... 21

الفائدة الثامنة :الاستدلال بوجوب دفع الضرر المظنون علی العمل بخبر الواحد... 26

الفائدة التاسعة: التخییر فی العمل بالمتعارضین......... 31

ص: 499

الفائدة العاشرة : العمل بالخبرین المختلفین خطراً واباحة....... 32

الفائدة الحادیة عشرة: المرجحات... 34

الفائدة الثانیة عشرة: فقد الإجماع علی بطلان المتعارضین...... 35

کتاب الطهارة

أبواب المیاه وأحکامها

مقدار الماء الذی لا ینجّسه شیء.... 39

بحث رجالی حول أحمد بن محمد بت الحسن بن الولید... 39

بحث الرجالی حول الحسین بن الحسن بن أبان.......... 41

قول ابن عقیل بعدم نجاسة القیل بالملاقات والجواب عنه ......... 43

هل یستفاد من حدیث محمد بن مسلم نجاسة أبوال الدوبّ؟ ..... 45

المراد بالجنب فی قوله : یغتسل فیه الجنب مع نجاسة بدنه ........ 46

بحث رجالی حول محمد بن اسماعیل ... 46

بحث رجالی حول إبراهیم بن هاشم ... 53

قول البصروی باشتراط الکرّیة فی البئر والجواب عنه .... 54

بحث رجالی حول حریزه .... 56

بحث رجالی حول زرارة ..... 57

ما المراد بالروایة؟ ... 57

المعتبر هو التغییر الحسّی...... 58

بحث رجالی حول عبدالله بن المغیرة .... 60

بحث رجالی حول أصحاب الإجماع.... 60

ما المراد الحبّ؟...... 63

طریق الشیخ إلی محمد بن علی بن محبوب ...... 64

بحث رجالی حول الحسین بن عبیدالله الغضائری ........ 64

وثاقة العباس بن عامر والعباس بن معروف ..... 65

إشارة إلی حال محمد بن الحسین....... 67

ص: 500

بحث حول علی بن حدید .... 67

مقدار الروایة........ 67

حکم الماء إذا وقعت فیه فأرة أو جرذ أوصعوة ......... 68

بحث حول النسخ فی الأخبار ......... 69

طریق الشیخ إلی الحسین بن سعید .... 70

بحث حول أحمد بن عبدون .......... 71

إشارة إلی حال أبی الحسین بن أبی جید ........ 71

بحث حول عثمان بن عیسی ......... 71

بحث حول أبی بصیر ........ 73

الإضمار فی الحدیث ......... 73

دلالة خبر أبی بصیر علی نجاسة بول الحمار والبغل ...... 74

تغّیر الأوصاف الثلاثة المقتضیة لنجاسة الکرّ.... 74

التغّیر التقدیری ..... 75

بحث حول محمدبن عیسی ... 76

إشارة إلی حال عمار بن موسی ....... 79

إشارة إلی حال یاسین الضریر ........ 84

إشارة إلی حال أبی بصیر ..... 84

تغّیر الأوصاف ..... 84

بحث حول إبراهیم بن عمر الیمانی .... 85

بحث حول ابن الغضائری .... 86

بحث حول أبی خالد القماط ......... 88

بحث حول المکاتبة .......... 90

حکم ماء الغدیر الذی یستنجی ویغتسل فیه ... 91

کمیّة الکرّ....... 92

بحث حول أحمد بن محمد بن یحیی .... 92

ص: 501

أبعاد الکّر بالذراع والشبر ... 94

بحث حول محمد بن خالد البرقی ..... 95

روایة ابن مسکان عن أبی بصیر ...... 97

أبعاد الکّر عند المتأخرین .... 98

الکریّة شرط لعدم النفعال الماء بالملاقاة ....... 100

طریق الشیخ إلی محمد بن أحمد بن یحیی ..... 101

بحث حول مراسیل ابن أبی عمیر .... 102

کمّیة الکرّ بالوزن ........ 103

طریق الشیخ إلی محمد بن أبی عمیر .......... 106

عدم وثاقة جعفر بن محمد العلوی ... 106

طریق الشیخ إلی محمد بن علی بن محبوب .... 107

تعیین الأرطال الواردة فی کمّیة الکّر......... 107

حکم الماء الکثیر إذا تغیّر أحد أوصافه..... 110

بحث رجالی حول سماعة ... 110

بحث حول محمد بن قولویه.......... 114

بحث حول الفاظ التعدیل .......... 115

اعتبار اللون ...... 116

تغیّر الماء بمجاورة النجاسة .......... 117

تغیّر الماء الآجن ... 118

معنی الکراهة فی العبادات .......... 118 _ 119

البول فی الماء الجاری .... 119

بحث حول ابن سنان ...... 121

بحث حول عنبسة بن مصعب ...... 122

بحث حول ربعی .......... 123

ص: 502

حکم البول فی الماء الراکد ......... 124

ابن بکیر فطحی ثقة ....... 125

علی بن الریان ثقة ........ 126

الحسن مشترک بین جماعة .......... 126

مسمع مجهول ..... 127

حکم الغائط فی الماء........ 127

المواضع المبنیّة علی الماء...... 127

حکم المیاه المضافة....... 128

بحث حول محمد بن عیسی بن عبید.......... 129

یاسین الضریر مهمل....... 130

أبوبصیر مشترک... 130

حکم الوضوءبالمضاف...... 130

علی بن محمد علان ثقة .... 134

بحث حول سهل بن زیاد... 134

حکم الغسل والوضوء بماءالورد...... 135

بحث حول الخبر الشاذّ...... 136

الوضوء بنبیذ التمر...... 137

بحث حول عبدالله بن المغیرة......... 139

بحث حول عبارة: عن بعض الصادقین ، فی سند الحدیث....... 139

الحسین بن محمد ثقة....... 141

معلّی بن محمد مضطرب الحدیث والمذهب.... 141

من هم العدّة التی روی الکلینی عنهم عن سهل بن زیاد......... 141

علی بن محمد علان ثقة..... 141

ص: 503

بحث حول محمد بن أبی عبدالله...... 141

محمد بن علی الهمدانی ضعیف....... 143

بحث حول الکلبی.......... 143

استعمال فضل وضوء الحائض والجنب وسؤرهما.... 145

بحث حول علی بن محمد بن الزبیر... 145

علی بن الحسن ثقة فطحی.......... 146

بحث حول محمد بن أبی حمزة ....... 146

إشارة إلی جلالة علی بن یقطین وعبدالرحمن بن أبی نجران وصفوان والعیص...... 147

معنی الفضل والسؤر........ 147

إشارة إلی جلالة صفوان بن یحیی ومنصور بن حازم.... 152

معاویة بن حکیم ثقة جلیل.......... 152

بحث حول الحسین بن أبی العلاء .... 152

علی بن أسباط ثقة فطحی ......... 153

حال یعقوب بن سالم الأحمر ........ 153

أبو هلال مجهول .......... 154

حال حجاج الخشاب ...... 154

استعمال أسآرالکفار.... 155

إبراهیم بن هاشم :حسن ... 155

بحث حول سعید الأعرج .......... 155

بحث حول الوشاء ......... 156

سؤر ولد الزناء ... 159

طریق الشیخ إلی سعد بن عبدالله .... 160

حکم الماء إذا ولغ فیه الکلب..... 161

حکم فضل السنّور ........ 163

ص: 504

کیفیّة غسل الإناء من ولوغ الکلب.......... 164

إشارة إلی جلالة أیوب بن نوح وصفوان ..... 168

معاویة بن شریح غیر موثق.......... 168

أحمد بن الحسن بن علی بن فضال وعبدالله بن بکیر فطحیان ثقتان ...... 168

بحث حول ابن مسکان .... 170

ما المراد بأبی جعفر الذی یروی عنه سعد بن عبدالله ... 171

حکم لطع الکلب الإناء بلسانه ..... 172

بحث حول مفهوم الموافقة .......... 172

الماء القلیل یحصل فیه شیء من النجاسة ... 173

الحسن بن سعید ثقة ....... 174

زرعة ثقة واقفی .......... 174

العمرکی بن علی البوفکی ثقة ...... 176

عدم النجاسة العقرب ...... 176

حکم الإناء ین المشتبهین ... 177

القاسم بن محمد الجوهری واقفی غیر موثق ... 182

علی بن أبی حمزة البطائنی واقفی مذموم ...... 183

زکار بن فرقد غیر معلوم الحال ..... 183

عثمان بن زیاد مشترک مهمل ....... 183

بحث حول أبان بن عثمان .......... 183

بحث حول طریق الشیخ إلی أحمد بن محمد بن عیسی .......... 184

الحسین بن عثمان مشترک .......... 185

قول ابن عقیل بعدم نجاسة القلیل بالملاقاة والجواب عنه ........ 186

محمد بن أحمد العلوی مهمل ........ 188

علی بن أحمد العلوی العقیقی مذموم ........ 188

ص: 505

حکم الفأرة والوزغة والحیّة والعقرب إذا وقع فی الماء وخرج منه حیّاً.......... 191

بحث حول الحسن بن موسی الخشاب ....... 192

بحث حول یزید بن إسحاق ........ 192

هارون بن حمزة الغنوی ثقة ........ 193

حکم الماء إذا وقع فیه الوزغ ....... 193

النضر بن سوید ثقة ....... 195

عمرو بن شمر ضعیف ...... 196

إشارة إلی حال جابربن یزید الجعفی ......... 196

النوفلی ضعیف ... 199

بحث حول السکونی ....... 199

وهیب بن حفص ثقة واقفی ........ 199

حکم الماء إذا وقع فیه الحیّة ......... 200

سؤر مایؤکل لحمه وما لایؤکل من سائر الحیوانات ......... 200

بحث حول مفهوم الوصف ......... 204

ما لیس له نفس سائله یقع فی الماء فیموت فیه ...... 206

إشارة إلی حال أحمد بن محمد بن عیسی وأبیه ........ 207

حفص بن غیاث عامی ..... 207

کلمة حول عبدالله بن مسکان ...... 208

حکم ما یتولد فی النجاسات ........ 209

بحث حول مطهریّة الاستحالة ...... 209

بحث حول محمد بن عبدالحمید ..... 212

بحث حول یونس بن یعقوب ....... 213

منهال مشترک مهمل ....... 213

ص: 506

الماء المستعمل .......... 215

بحث حول الحسن بن علی ......... 215

أحمد بن هلال مذموم ...... 216

بحث حول الجرح والتعدیل ......... 220

إشارة إلی جلالة موسی بن القاسم وأبی قتادة ......... 228

الماء یقع فیه شیء ینجّسه ویستعمل فی العجین وغیره ....... 230

موسی بن عمر بن یزید لیس بثقة ... 230

بحث حول أحمد بن الحسن المیثمی .......... 231

أحمد بن محمد بن عبدالله بن الزبیر مجهول .... 231

حکم العجین النجس إذا صار خبزاً ......... 231

بحث حول حفص بن البختری ..... 234

بحث حول ابن نوح ....... 235

حکم العجین النجس ما لم یخبز بالنار ....... 236

الماء الذی تسخنه الشمس ....... 238

حمزة بن یعلی ثقة ......... 239

درست بن أبی منصور واقفی غیر موثق ...... 239

إبراهیم بن عبدالحمید ثقة واقفی .... 239

أبواب حکم الآبار

البئر یقع فیها ما یغیّر أحد أوصاف الماء ... 242

عبدالله بن الصلت ثقة ..... 244

بحث حول علی بن الحکم .......... 249

أبو عیینة مجهول الحال ..... 249

أبو اُسامة ثقة ..... 252

ص: 507

عبدالکریم بن عمرو واقفی ثقة ..... 252

بحث حول اسحاق بن عمّار ........ 255

إشارة إلی جلالة محمد بن اسماعیل بن بزیع ... 258

تحقیق حول قوله ماء البئر واسع لا یفسده شیء ...... 258

بحث حول الحسن بن صالح ........ 262

بول الصبی یقع فی البئر .......... 264

سیف بن عمیرة ثقة ....... 264

محمد بن شهرآشوب غیر معلوم الحال ........ 264

بحث حول علی بن أبی حمزة ....... 265

البئر یقع فیها البعیر أو الحمار أو ما اشبههما أو یصب فیها الخمر .... 268

محمد بن عیسی غیر موثق .......... 269

بحث حول عمر بن یزید ... 269

بحث حول عمرو بن سعید بن هلال ........ 269

الحلبی وابن مسکان عند الإطلاق ... 273

حکم البئر إذا دخل فیها الجنب ..... 275

حکم البئر إذا یقع فیها بول الإنسان ........ 279

محمد بن زیاد مشترک ...... 282

کردویه مجهول الحال ...... 283

أبو إسحاق مشترک ....... 283

نوح بن شعیب الخراسانی غیر مذکور فی الرجال ...... 283

البئر یقع فیها الکلب والخنزیر وما أشبههما ........ 285

بحث حول القاسم بن محمد الجوهری والقاسم بن عروة ....... 286

بحث حول عمر بن اُذینة ... 289

ص: 508

بحث حول محمد بن أبی حمزة الثمالی ........ 289

طریق الشیخ إلی سعد ..... 290

أبو اُسامة زید الشحام ثقة .......... 293

أبومریم عبد الغفار بن القاسم الأنصاری ثقة .......... 295

إشارة إلی حال الحسن بن موسی الخشاب .... 296

غیاث بن کلوب مهمل .... 296

البئر یقع فیها الفأرة والوزغة والسام أبرص ........ 297

عثمان بن عبدالملک مجهول ......... 299

أبو سعید المکاری مهمل ... 299

بحث حول محمد بن الحسن ......... 301

بحث حول عبدالرحمن بن أبی هاشم ......... 301

بحث حول أبی خدیجة سالم بن مکرم......... 302

إشارة إلی حال یزید بن اسحاق ..... 304

یعقوب بن عثیم مجهول .... 306

کلمة حول طرق الشیخ إلی جابر بن یزید الجعفی .... 306

بحث لغوی حول کلمة سام أبرص .......... 307

البئر تقع فیها العذرة الیابسة والرطبة ...... 308

بحث حول عبدالله یحیی .... 310

بحث لغوی حول کلمة العذرة والسرقین والزنبیل ..... 313

بحث حول موسی بن الحسن ....... 315

بحث حول أبی القاسم عبدالرحمان بن حمّاد ... 315

أبوبشیر مجهول .... 315

أبومریم الأنصاری ثقة ..... 315

بحث لغوی حول کلمة : کفأ ...... 316

ص: 509

بحث حول کردویه ........ 317

معنی کلمة : مبخرة ....... 320

الدجاجة وما أشبهها تموت فی البئر ....... 320

البئر یقع فیها الدم القلیل أو الکثیر ....... 322

تحقیق حول أقل الجمع ..... 324

بحث حول محمد بن زیاد ... 329

مقدار ما یکون بین البئر والبالوعة ........ 330

الحسن بن رباط مهمل ..... 331

بحث حول أبی اسماعیل السراج ..... 331

قدامة بن أبی زید مجهول ... 331

تفسیر البالوعة .... 333

الحسن بن حمزة العلوی من الأجلاء ......... 334

إبراهیم بن هاشم : حسن .......... 334

عباد بن سلیمان مهمل ..... 336

سعد بن سعد الأشعری ثقة ........ 336

محمد بن القاسم مشترک ... 336

استقبال القبلة واستد بارها عند البول والغائط ..... 337

عیسی بن عبدالله وأبوه مهملان ..... 338

محمد بن عبدالله بن زرارة ممدوح .... 338

عبدالحمید مهمل .......... 338

الأقوال فی حکم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلّی ........ 339

حکم استقبال الریح واستدبارها عند التخلّی ......... 340

إشارة إلی حکم استقبال بیت المقدس عند التخلّی ..... 340

ص: 510

بحث حول الهیثم بن أبی مسروق .... 341

من أراد الاستنجاء وفی یده الیسری خاتم علیه اسم من أسماء الله تعالی ........ 344

وهب بن وهب عامی کذّاب ....... 346

إشارة إلی ضعف سهل بن زیاد ..... 346

علی بن الحکم ثقة ........ 346

الاستبراء قبل الاستنجاء من البول ........ 347

کیفیّة الاستبراء ... 348

معنی النتر ........ 349

طریق الشیخ إلی الصفار ... 350

مقدار ما یجزی من الماء فی الاستنجاء من البول .... 350

حال مروک بن عبید ....... 351

حال نشیط بن صالح ...... 351

معنی المثل والمثلین .......... 352

اعتبار التعدّد وعدمه فی غسل موضع البول .......... 352 _ 353

غسل الیدین قبل إدخالهما الإناء عند واحد من الأحداث .... 354

محمد بن عیسی الأشعری لم یوثق ... 355

علی بن السندی مجهول .... 355

إشارة إلی حال زرعة وسماعة ....... 356

عبدالکریم بن عتبة الکوفی ثقة ...... 357

معنی الوضوء ..... 359

ص: 511

وجوب الاستنجاء من الغائط والبول ...... 359

بحث حول هارون بن مسلم ........ 360

مسعدة بن زیاد ثقة ........ 360

إشارة إلی جهالة إبراهیم بن محمد وأبیه ...... 360

عدم وجوب غسل الباطن .......... 360

معنی الشرج والحاشیة والطهرة ...... 360

هل ینحصر الاستنجاء فی الأحجار؟ ......... 362

هل یعتبر التعدّد فی الاستنجاء؟ ..... 364

معنی الاستنجاء ... 364

عدم وجوب إعادة الصلاة والوضوء علی من تمسّح بثلاث أحجارونسی الغسل بالماء 365

عدم وجوب الاستنجاء من الریح ... 365

استحباب الوتر فی الأحجار ........ 366

عدم وجوب غسل الباطن ......... 366 _ 367

عمرو بن أبی نصرثقة ...... 368

یونس بن یعقوب موثق .... 368

السندی بن محمد ثقة ...... 368

استحباب إعادة الوضوء لناسی الاستنجاء .... 368

معنی قوله یتوضأ مرّتین مرّتین ...... 369

محمد بن عیسی الأشعری مرتاب فیه......... 371

إشارة إلی حال أبی بصیر وسماعة .... 371

حکم ناسی النجاسة إذا ذکرها فی الوقت أو خارجه .......... 371

الحکم بن عتیبة عامی ...... 375

محمد بن یحیی الخزاز ثقة ... 375

بحث حول موسی بن الحسن ....... 376

ص: 512

أحمد بن هلال ضعیف ..... 377

الحسن بن علی مشترک .... 377

بحث حول سلیمان بن خالد ........ 378

کلمة حول زید بن علی وخروجه ... 378

عمّار بن موسی موثق ...... 379

اعتبار العدد فی الأحجار وعدمه .... 381

عدم إجزاء ذی الجهات الثلاثة ...... 382

اعتبار الطهارة فی الأحجار ......... 382

اعتبار الجفاف فی الأحجار ......... 383

إعادة الوضوء والصلاة لمن نسی الاستنجاء ... 384

الحسن بن علی بن عبدالله بن المغیرة ثقة ...... 386

المثّنی الحناط مشترک غیر موثق ...... 386

الهیثم بن أبی مسروق النهدی غیر ثقة ........ 387

الحکم بن مسکین مهمل ... 387

عدم طهارة محل البول بالأحجار .... 388

محمّد بن خالد مشترک ..... 389

بحث حول عبدالله بن بکیر ......... 389

معنی الذکاة ...... 390

أحکام الوضوء

النهی عن استقبال الشعر فی غسل الأعضاء ........ 391

إشارة إلی عدم وثاقة عثمان بن عیسی ....... 391

إیراد علی الشیخ حول روایته بعض الأحادیث بطرق ضعاف مع أنّ له طریق معتبر 393

کراهة الاستعانة فی الوضوء ........ 393

استحباب غسل الیدین قبل إدخالهما الإناء ... 394

ما المراد بالاستعانة بالید الیسری .... 394

ص: 513

معنی التور والطست ....... 395

جواز مسح الرأس والرجلین مقبلاً ومدبراً..... 396

النهی عن استعمال الماء الجدید لمسح الرأس والرجلین ....... 396

بحث حول الفضیل بن عثمان ....... 398

معنی الإسدال ..... 400

موسی بن جعفر مهمل ..... 402

خلف بن حمّاد ثقة ........ 402

کیفیّة المسح علی الرأس والرجلین ........ 406

معمربن عمر مهمل ....... 407

موضع المسح مقدّم الرأس ومقداره ثلاث أصابع ....... 407

الحسین بن عبدالله مشترک بین مهملین ....... 410

ثعلبة بن میمون ممدوح أو ثقة ....... 410

عبدالله بن یحیی الکاهلی ممدوح ..... 410

معنی اُلعنکة ...... 412

مقدار ما یمسح من الرأس والرجلین ....... 412

الحسین بن المختار واقفی ... 413

هل یجب مسح الکعبین؟ ... 414

الاکتفاء بالمسمّی فی مسح الرجلین .......... 414

بکر بن صالح ضعیف ...... 419

الحسن بن عمران کان وصیّاً لزکریا بن آدم .......... 419

هل الباء فی قوله تعالی : ( وامسحوا برؤسکم ) تفید التبعیض؟ ......... 422

ص: 514

الاُذنین هل یجب مسحهما مع الرأس أم لا؟........ 423

معنی أحفی ....... 425

وجوب المسح علی الرجلین ...... 425

سالم مشترک ...... 426

غالب بن هذیل غیر مذکور فی الرجال ...... 426

العلاء لا یروی عن الباقر .......... 426

الحکم بن مسکین مهمل ... 427

الفرق بین الغسل والمسح ... 427

هل یجوز المسح مع رطوبة موضعة؟ .......... 430

عبدالله بن المنّبة غیر موجود فی الرجال ....... 434

الحسین بن علوان قیل إنه عامی ..... 434

بحث حول عمر بن خالد .......... 434

التدافع بین ردّ الخبر وحمله علی التقیّه ....... 434

اضطراب الشیخ حول العمل بروایات غیر الإمامی .... 435

معنی الاستنان ..... 435

المضمضة والاستنشاق .......... 436

مالک بن أعین مخالف أو مرجئ .... 437

معنی المضمضة .... 438

القاسم بن عروة مذموم .... 439

التسمیة علی حال الوضوء ....... 441

ما المراد بالحسن بن علی عند الإطلاق ....... 442

ص: 515

کیفیّة استعمال الماء فی غسل الوجه ....... 445

بحث حول معاویة بن حکم ........ 445

کلمة حول ابن المغیرة ...... 446

معنی الشنّ والسنّ ......... 448

عدد مرّات الوضوء ..... 449

طریق الشیخ إلی الحسین بن سعید ... 450

علی بن المغیرة ثقة ......... 450

میسرة مشترک بین مهملین ......... 450

الحسن بن رباط لم یوثق ... 450

یونس بن عمّار مهمل ..... 450

عبد الکریم بن عمر واقفی ثقة ...... 450

معاویة بن وهب عند الإطلاق ینصرف إلی الثقة ...... 453

بحث حول أحمد بن محمد .......... 453

القول الأول فی المراد بقوله مثنی مثنی ........ 454

حکم المرّة الثانیة فی الوضوء ........ 454

مباح الشرع ومباح الأصل والفرق بینهما ... 455 _ 456

القول الثانی فیه ... 458

القول الثالث فیه .......... 459

قو ابن إدریس فی حکم المرّة الثانیة .......... 462

معنی قوله (تأتیان علی ذلک کلّه).... 463

هل یکتفی فی الغسل بنحو الدهن ... 464

موسی بن إسماعیل مجهول .......... 466

العباس بن السندی لم یوجد فی الرجال....... 467

محمد بن بشیر مشترک بین ثقة وغیره ........ 467

ص: 516

زیاد بن مروان واقفی غیر موثق ..... 467

بحث حول داود بن زربی .......... 468

حکایة داود بن زربی مع أبی جعفر المنصور ... 468

وجوب المولاة فی الوضوء ........ 469

روایة الحسین بن سعید عن معاویة بن عمّار بدون واسطة غیر معهود..... 470

حکم ما لو جفّ جمیع أعضاء الوضوء أو بعضها قبل إکماله ... 470

الأقوال فی معنی الموالاة ..... 471

معنی : نفد ....... 472

معنی الوضوء ..... 472

وجوب الترتیب فی الأعضاء ..... 474

أبو غالب الزراری ثقة جلیل ....... 475

ابو محمد هارون بن موسی ثقة ...... 475

ابوالمفضّل محمد بن عبدالله فیه کلام ......... 475

معنی المتابعة فی قوله : تابع بین الوضوء ...... 476

کلام العلاّمة فی معنی المتابعة والموالاة والمناقشة فیه ..... 479

قول المحقّق بعد مبطلیّه الإخلال بالمتابعة والمناقشة فیه ... 481

الوضوء بنزول المطر ....... 482

المسح علی الرأس وعلیه الحنّاء ... 483

ما المراد من المسح فوق جسم الحنّاء ......... 484

جواز التقیّة فی المسح علی الخفیّن ......... 487

بحث حول أبی الورد ...... 487

بحث حول أبی الظبیان ..... 487

ص: 517

عدم وجوب الاستئناف عند زوال الضرورة والتقیّة ... 488

جواز المسح علی الشراک ... 489

هل یشترط فی جواز التقیّة عدم المندوحه أم لا؟....... 489 _ 490

المسح علی الجبائر ...... 492

بحث حول مرتبة محمد بن یحیی والصفّار ..... 493

عبد الأعلی مولی آالی سام یعلم توثیقه ولا مدحه ...... 493

معنی الجبیرة ...... 495

ص: 518

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.