الحاشیة علی مدارک الأحکام المجلد 1

هوية الکتاب

المؤلف: محمّد باقر الوحید البهبهانی

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاریخ النشر : 1419 ه-.ق

ISBN (ردمک): 964-319-169-9

ص: 1

اشارة

 المکتبة الإسلامیة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

وبه نستعین

الحمد لله رب العالمین ، وصلی الله علی محمّد وآله الطاهرین.

اللهمّ وفّقنی لما تحب وترضی ، واهدنی الطریقة المثلی ، وأیّدنی ، وسدّدنی ، وأعنّی علی إتمامه ، وانفعنی وإخوانی المؤمنین منه من بدوه إلی ختامه ، بمحمّد وآله ، صلواتک علیه وعلیهم.

قوله : واعلم أن المعروف. ( 1 : 9 ).

بل نقل جمع من الفقهاء الإجماع ، مثل العلاّمة فی التذکرة (1) ، والمحقق الشیخ علی (2) ، والشهید الثانی (3).

ویدل علیه - مضافا إلی ما ذکره - أصالة عدم التکلیف ، واستصحاب الحالة السابقة ، والإجماع المنقول ، علی القول بحجیة مثله ، کما هو المشهور والمحقق فی الأصول.

الوضوء واجب

الوضوء واجب غیری

ص: 5


1- التذکرة 1 : 148.
2- نقله عنه فی الذخیرة : 2.
3- روض الجنان : 51.

بل لا یبعد کونه واقعا ، بملاحظة أن المعهود من فقهاء الشیعة ( بل وغیرهم أیضا ) (1) ، فی کل عصر ومصر ، عدم الالتزام والإلزام برفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة ، وعدم أمرهم بالوضوء للمقاربین للاحتضار من المرضی مع المکنة ، والتیمم مع عدمها ، أو أن یوضّأ المحتضرون ، أو ییمّموا. وکذا المشرفون علی الغرق أو القتل أو الحرق وأمثال ذلک. وهذه طریقتهم المستمرة المعروفة بحیث لا یشوبها شائبة ریبة.

مضافا إلی عدم إشارة أحد منهم فی مبحث الاحتضار إلی وضوء أو تیمم للوفاة ، مع ذکرهم لمثل الوصیة ، وذکر الله تعالی ، وحسن الظن ، والتلقین ، وغیر ذلک من آداب أخر.

مع أن رفع الحدث لو کان واجبا لکان ذکره أهم ، سیما مع کثرة الحدث المقتضیة للاهتمام التامّ والمبالغة فی الملاحظة.

بل لم نجد فی الأخبار أیضا إشارة ، مع غایة اهتمامهم بالمستحبّات والآداب ، فضلا عن الواجبات.

وأیضا : لم نجد فی الأخبار ولا کلام أحد من الفقهاء فی مقام ذکر الواجبات ، مثل الصلاة والزکاة وأمثالهما ، ذکرا للوضوء ، بل والغسل أیضا ، فضلا عن التیمم ، بل ادّعی الإجماع علی عدم وجوبه بالخصوص أیضا ، کما سیجی ء ، فهو مؤیّد لعدم وجوب الوضوء أیضا ، لحکایة عموم البدلیّة ، کما سیجی ء (2).

وأیضا : لم نجد إشارة إلی مظنّة الوفاة واعتبارها. وفهمها من مجرّد الأوامر بالوضوء ممّا لا یکاد یتفطّن به الحذّاق الماهرون فضلا عن العوام ، بل

ص: 6


1- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
2- یأتی فی ص 17.

سنذکر بطلان الفهم ، فافهم.

قوله : فإنّه مجاز مستفیض. ( 1 : 9 )

فیه : أنّه علی هذا یکون أمره تعالی بالوضوء لأجل خصوص القیام ، دون مثل الرکوع والسجود من أجزاء الصلاة.

إلاّ أن یقول : المراد بالقیام نفس الصلاة.

وفیه : أنّه کیف یصیر المراد من لفظ القیام تارة إرادته مجازا ، إطلاقا لاسم المسبّب علی السبب ، وتارة نفس الصلاة ، إطلاقا لاسم الجزء علی الکلّ؟! علی تقدیر تسلیم کون المجموع مرکّبا حسّیّا وینتفی بانتفاء القیام ( عرفا ) (1) أیضا ، فتدبّر.

وأیضا : لا بدّ حینئذ من عنایة لإدخال صلاة غیر القائم.

وأیضا : یلزم أن یکون قوله تعالی ( إِلَی الصَّلاةِ ) (2) لغوا ، بل لا یتصوّر له حینئذ معنی.

مع أنّ کلامه غیر متلائم ، إذ یظهر من قوله : إطلاقا لاسم المسبّب علی السبب ، أنّ المجاز مرسل ، ومن قوله : بل المراد. ، أنّ المجاز بالحذف ، فتدبّر.

مع أنّه کیف یکون المراد حینئذ : إذا أردتم القیام إلی الصلاة ، کما ذکره؟! بل یکون المراد : إذا أردتم الصلاة ، وأردتم القیام ، معا من العبارة الواحدة.

علی أنّ ما ذکره إنّما یکون إذا کان قوله تعالی هکذا : إذا قمتم فی الصلاة ، أو : إذا قمتم للصلاة ، علی تأمّل فی الأخیر أیضا ، ومعلوم أنّه فرق

بیان المراد من القیام فی قوله تعالی : ( إذا قمتم ... )

ص: 7


1- ما بین القوسین أثبتناه من « و ».
2- سورة المائدة : 6.

بین القیام فی الشی ء ، والقیام إلی الشی ء ، والقیام للشی ء ، فتدبّر.

قوله : والمشروط عدم. ( 1 : 10 ).

هذا مضافا إلی ظهور معنی التجدّد والحدوث فی لفظ « وجب » ، لترتّبه علی المشروط بکلمة « إذا » ، فتدبر.

قوله : ویتوجه علی الأول. ( 1 : 10 ).

فیه : أنّ هذا الإیراد مبنی علی الاشتباه بین القیام إلی الشی ء ، والقیام فی الشی ء ، کما مر ، وغیر خفیّ أنّه لا یقام إلی الشی ء عادة وعرفا إلاّ بعد التمکّن منه من دخول وقت وغیره ، ولا تطلق هذه العبارة إلاّ فی مثل هذه الحالة. مضافا إلی أنّه أقرب إلی الحقیقة.

سلّمنا أنّ المراد من القیام إلی الصلاة القیام فی الصلاة ، ویراد به الإرادة ، لکن نقول : المراد أقرب المجازات ، وهی إرادة متی تحقّقت فکأنّه تحقّق نفس القیام. بل نقول : مجاز المشارفة أولی وأقرب ممّا ذکرت ، والوجوب فی أول الوقت - وإن لم یتحقّق الشرط - یثبت بدلیل آخر ، ولا یضرّ ، کما أنّ الأدلّة الشرعیّة الفقهیّة غالبا أخصّ من المدّعی ، وهو یثبت من أزید من واحد.

علی أنّ اشتراط وجوب الوضوء للصلاة مدّعی - وهو المطلوب فی المقام - ووجوبه بعد دخول الوقت مدعی آخر ، والأوّل ثبت ، ولا یتضرّر دلیلنا هذا بالآخر إلاّ علی القول بعموم مفهوم الشرط ، وهو ممنوع عند الشارح - رحمه الله - وغیر واحد من المحققین.

ولو سلّم فمعلوم أنّ الأمر بالوضوء إنما هو بعد الأمر بالصلاة ، فکأنّه

ص: 8

تعالی قال : أقم الصلاة من الزوال إلی الغروب ، ثمّ قال : إذا قمتم إلی الصلاة فتوضؤوا. فظهر من الأخیر أنّ الوضوء یجب للصلاة ، ومن الأول أنّها فی جمیع الوقت واجبة ، فظهر من المجموع أنّ الوضوء فی جمیع الوقت واجب للصلاة.

والحاصل أنّه تعالی قال : القیام واجب موسّع ، ویجب له الوضوء إذا فعل ، فیلزم کون الوضوء واجبا لغیره بوجوب موسّع ، فمعنی المفهوم : إذا لم تقوموا من حیث إنّه لم یجب لم یجب علیکم کذا وکذا ، لا أنّه مع وجوب القیام أیضا لم یجب الوضوء إذا لم یفعل القیام.

علی أنّ الوضوء واجب للقیام ، فتأمّل.

علی أنّ العموم مخصّص بدلیل آخر ، ولا یلزم منه رفع الید عن حجّیّة نفس المفهوم ، فإنّ العامّ المخصص حجة فی الباقی ، وعموم المفهوم أضعف من نفسه.

علی أنّ « إذا » من أدوات الإهمال ، فلا عموم فی الآیة یقتضی وجوب الوضوء عند إرادة القیام مهما تحققت حتّی یرد أنّ الإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، والإهمال لا یضرّ المستدلّ ، لأنّ الفرض کون الوجوب للغیر لا غیر ، فتدبّر.

سلّمنا ، لکن کلمة « إذا » من أدوات الإهمال کما قلنا ، ومسلّم عند الشارح - رحمه الله - أیضا ، فلا عموم بحسب اللفظ ، وأمّا بحسب القرینة والفهم العرفی فإنّما هو من حیث عدم رجحان وقت علی وقت ، فتأمّل.

سلمنا ، لکن خرج ما خرج بالوفاة ، إذ لم یقل أحد بالوجوب للغیر قبل الوقت أیضا. مع أنّ الشارح یدّعی القطع بانتفاء وجوب الشرط قبل وجوب (1) المشروط ، کما سیجی ء ، وهو یکفی للتخصیص وعدم الضرر فی إطلاق

ص: 9


1- فی « ا » : وجود.

الحکم وتعمیم اللفظ.

واعترض أیضا بأنّ حجیة المفهوم فیما إذا لم یکن للشرط فائدة سوی تخصیص الحکم بالشرط ، فلعلّها هاهنا بیان أنّه واجب للصلاة وإن کان واجبا لنفسه ، فیکون الغرض نفی الوجوب العارض (1).

ولا یخفی فساده أیضا ، لأنّ هذا الاحتمال یتمشّی فی جمیع المفاهیم ، فیقتضی عدم الحجّیّة إلاّ أن یظهر انتفاؤه ، وهو بعینه قول منکری الحجّیّة ، إذ لا نزاع فی أنّ الفائدة تخصیص الحکم إذا لم تکن فائدة أخری ، بل لا یتصور النزاع ، إنّما النزاع فی أنّ الفائدة هل هی التخصیص إلاّ أن یظهر خلافه أم هو من المحتملات؟ ولا نجد فرقا بین ما نحن فیه وبین قوله : إن جاءک زید فأکرمه ، وإن جاءکم فاسق بنبإ. ، وغیر ذلک.

والحل (2) أنّ المستفاد من ظاهر العبارة أنّ الإکرام المطلق معلّق علی المجی ء ، واستفادة کونه لأجله غیر مانع.

وأیضا : فرق بین وجوب شی ء لأجل شی ء ، ووجوب شی ء بشرط تحقّق شی ء ، وإن کان الثانی یستفاد منه الأول أیضا ، لکن لیس هو هو ، فکیف یجعل الأول فقط مفاد الثانی من دون زیادة مدلول مطلقا؟! فتدبّر.

قوله : وإلاّ لما کان الوضوء. ( 1 : 10 ).

فیه أنّ وجوبه لیس لأجل الإرادة حتی یلزم عدم اعتبار المقارنة ، إذ لو لم یرد یکون علیه واجبا أیضا من دون تفاوت ، مضافا إلی ما مر من الجواب عنه مفصّلا.

ص: 10


1- کذا فی نسخ الحاشیة ، لکن فی ذخیرة المعاد للمحقّق السبزواری : 2 فیکون الغرض متعلّقا بالوجوب العارض ، وهو الأنسب.
2- فی « ب » و « ج » و « د » : والحقّ.

قوله : وعلی الثانی. ( 1 : 10 ).

الواو لیست حقیقة فی المعیّة ، فمقتضاها مشارکة الطهور للصلاة فی الحکم الشرعی (1) ، بل تعلّق أولا بالطهور ، فالصلاة تابعة له فیه.

علی أنّ المقرر عند أهل العربیة أنّ العطف فی قوة تکریر العامل ، وأنّه لاختصار العبارة ، بل المعطوف عندهم فی حکم المعطوف علیه.

مع أنّه یلزم علی ما ذکره عدم الدلالة علی اشتراط الوقت للصلاة أیضا ، وفیه ما فیه.

وإرجاعه لخصوص الصلاة - مع مخالفته لما ذکره - مستلزم للفصل بالأجنبی فی هذا الحکم. مضافا إلی استلزام الاستدراک فیه. وجعل الفائدة بالنسبة إلی ما هو خارج عن الحکم الذی لیس مفاد العبارة إلاّ هو ، فیه ما فیه.

وربما یقال : المنفی بالنسبة إلی الطهور أهمیة الوجوب ، وإلی الصلاة نفسه ، وفیه ما فیه.

أو : الوجوب للغیر خاصّة فیه ، ومطلقا فیها ، ولا یخفی بعده ، مع عدم قائل به ، کما یظهر من کلام القائل بالوجوب لنفسه.

ومما ذکر ظهر الفساد علی تقدیر حمل کلام الشارح علی الاستغراق الأفرادی أیضا (2). مضافا إلی بعده.

قوله : وحکی الشهید. ( 1 : 10 ).

ربما قیل بأنّ القول لیس من علماء الشیعة ، للإجماعات المنقولة (3) ، بل نقل الشهید أیضا الإجماع فی غیر الذکری (4) ، مع أنّه سیجی ء فی

القول بوجوب الطهارات بحصول أسبابها والمناقشة فیه.

ص: 11


1- فی « ب » و « و » : الشرطی.
2- انظر ذخیرة المعاد : 2.
3- راجع ص 6.
4- انظر القواعد والفوائد 2 : 63.

مبحث التیمم نقل الإجماع فیه بخصوصه (1).

ولا یخفی أنّ مقتضی مذهبه أنّ کلّ واحد واحد من الطهارات عقیب کلّ حدث یکون واجبا ، وأنّ المکلّف لو لم یتطهر من أوّل عمره إلی آخره لم یکن تارکا لواجب أصلا بالنسبة إلی الوجوب النفسی إلاّ فی صورة نادرة وهی حصول ظنّ الموت والتمکّن ، فمع الترک فی هذه النادرة علیه عقاب واحد ، ومع الفعل لا عقاب أصلا.

ولو تطهر عقیب کل حدث حدث فبنیّة الوجوب ، لوجوبه علیه ، فیتأتّی واجبات لا تعد ولا تحصی ، کل واحد واحد منها واجب ، ولیس علی ترک واحد منها عقاب أصلا ، ومع ترک الجمیع یکون تارکا لواجب واحد فی صورة واحدة نادرة ، ومع الفعل فیها خاصة لا یکون تارکا أصلا ، کما قلنا.

وأما الوجوب للصلاة فربما یظهر من عبارته الوجوب الشرطی لا الشرعی ، إلاّ أن یکون قائلا بوجوب مقدمة الواجب مطلقا ، أو الشرط الشرعی ، فیجتمع وجوبان : نفسی وللغیر ، ویتأدی أحدهما بالآخر ، ویتضیق الأخیر خاصة بتضیق وقت العبادة.

ولا یخفی أنّ هذا المذهب - مع ما فیه من الفساد ، من أنّ الواجب ما یکون علی ترک نفسه العقاب فی الجملة لا علی ترک نظیره ، ومع ما فیه من القیود وتعدد طریق الوجوب فیها ، وتأدی أحدهما بالآخر ، وغیر ذلک - جعله نفس مدلول الأخبار والظاهر منها فیه ما فیه. سیما مع ما فیها من الإیجابات ، وبلوغها غایة الکثرة.

وجعل تلک الإیجابات الکثیرة بالنسبة إلی کل واحد واحد من الأحداث من أول العمر إلی آخره ، بالنسبة إلی کل واحد واحد من

ص: 12


1- انظر المدارک 2 : 208 و 209.

المکلفین ، بالنسبة إلی أحد الوجوبین خاصة ، وإلی تضیق العبادة بالنسبة إلی الآخر.

وجعل البناء علی أنّ جمیع هذه الإیجابات التی لا عدّ لها ولا حصر من جهة إثم واحد بترک تکلیف واحد فی آخر العمر ، علی فرض نادر غایة الندرة وهو ظنّ الموت حال التمکن من الفعل من دون إشارة إلی نفس الظنّ ولا إلی اعتباره فی خبر من هذه الأخبار ولا غیرها مما أشرنا إلیه ، بل وظهور الأخبار وغیرها فی خلاف ذلک ، کما عرفت. مع أنّ هذه الاخبار متطابقة علی الایجابات علی الإطلاق.

وأمّا بالنسبة إلی الوجوب الآخر فلا یکون أیضا علی الترک عقاب إلاّ عند تضیّقات علی ترک کل واحد واحد عقاب لترک مشروط. هذا مع تأدّی أحدهما بالآخر. لعله لا یخفی فساده. فتأمّل.

وبالجملة : إذا توضّأ محدث للنوم ، أو وطء الحامل ، أو جاریة بعد أخری ، أو مع عزمه علی إحداث حدث بعده قبل أن یصلّی وقبل مظنّة الموت ، أو جزمه بوقوع الحدث بعد وضوئه قبل الصلاة ومظنّة الموت ، أو ظنّه بوقوع الحدث کذلک ، أو شکّه ، فجمیع هذه الوضوءات لا عقاب علی ترکه أصلا وبوجه من الوجوه عند القائل ، مع حکمه بوجوبه وأنّه یفعل بقصد الوجوب ، عجیب.

مع أنّه کیف یمکن لعاقل أن یقصد وجوب فعل معیّن مشخّص مع جزمه بأنّه لا عقاب أصلا ورأسا علی ترک هذا الفعل ، وأنّه لو ترکه لا یکون مؤاخذا بوجه من الوجوه؟!

قوله : ویشهد له إطلاق الآیة. ( 1 : 10 ).

ظاهر الآیة هو الوجوب للغیر ، فکیف ینفع إطلاقه له ، لأنّ الأمر فیها

ص: 13

وإن لم یقیّد بوقت ، إلاّ انّه مقید بإرادة الصلاة ومشروط بها ، وهو فی فساد الوجوب النفسی أظهر ، فیکون المراد من المطلق هو الوجوب (1) المشروط لا المطلق.

وأیضا : ذلک الإطلاق نشأ من أنّ الإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، وهو فرع التعلیق علی الإرادة ومبتن علیه ، فکیف یمکن التمسک بالفرع علی فساد الأصل ، وبالمبتنی علی بطلان المبتنی علیه؟!.

وأیضا : عدم الوجوب قبل الوقت مطلب للمشهور ، وکون الوجوب للغیر مطلب آخر ، وما نحن فیه هو الثانی ، والإطلاق لو سلّم رجوعه إلی العموم یضر الأول.

والقائل بالوجوب النفسی لم یقل إلاّ أنّ الوضوء واجب بحصول السبب ، ولازم ذلک جواز وجوب الوضوء الذی لأجل حصول السبب قبل الوقت ، لا وجوبه الذی لأجل إرادة الصلاة.

فالآیة تدلّ علی نفس مذهب المشهور المطلوب فی المقام ، ولا دلالة لها علی نفس مذهب القائل ولا علی لازمه ، فکیف یستدلّ بها علی إثبات مذهبه وإبطال مذهبهم؟!.

وأیضا : کما أنّها مطلقة بالنسبة إلی الوقت فکذا بالنسبة إلی حصول السبب.

فإن قلت : لم یقل أحد بهذا الإطلاق.

قلت : لم یقل أحد بالإطلاق الذی ذکرت.

مع أنّ المقامین ناقشوا فیهما : أمّا الأول فسیجی ء فی بحث وجوب الوضوء مع الأحداث وغیره ، وأمّا الثانی ففی وجوب الغسل للصوم.

ص: 14


1- فی « ج » و « د » و « ب » : الواجب.

مع أنّ الفرد الغالب هو الإرادة بعد دخول الوقت ، وأما توطین النفس فعلی القول بالوجوب فمن حین اختیار الإسلام ، وحمل الآیة علیه فیه ما فیه ، فیمنع رجوع الإطلاق إلی العموم.

مع أنّ دلالة الآیة علی أنّ المأمور به هو لأجل الصلاة واضحة.

وعندک (1) أنه لا معنی لوجوب الشرط ولمّا یجب المشروط ، فتدل علی عدم الوجوب قبل الوقت بالالتزام. ولئن تنزلنا نمنع الرجوع إلی العموم ، لمکان احتماله أیضا.

هذا مضافا إلی ما مر فی الحاشیة السابقة بأسرها.

قوله : وکثیر من الأخبار. ( 1 : 10 ).

لا یخفی أنّ الإطلاق ینصرف إلی الافراد الشائعة ، کما سیصرح الشارح مرارا ، والأفراد الشائعة للوضوء المترتب علی الأحداث لا عقاب علی ترکها بالنسبة إلی الوجوب النفسی عند القائل به ، ولیس فیها إلاّ مجرد ترتب الثواب علی الفعل ، وهذا بعینه هو الاستحباب ( النفسی ) (2) الذی یقول به المشهور.

وأمّا العقاب فلیس إلاّ علی ترک النادر ، وهو ما إذا حصل ظنّ الموت مع التمکن من الوضوء وعدم الظن بحصول حدث بعد الوضوء قبل خروج الروح.

فقضیّة لزوم صرف الإطلاق إلی غیر النادر تقتضی حمل الوجوب فی الإطلاقات الکثیرة إمّا علی الاستحباب النفسی أو الوجوب الغیری ، فلا بدّ من أن یرفع الید عن الوجوب أو عن کونه نفسیا ، ولا یجتمعان معا.

ص: 15


1- فی « و » : وعندی.
2- لیس فی « ج » و « د ».

فإن قیل : ما ذکر وارد علی الوجوب الغیری أیضا بعد دخول الوقت ، قلنا : سیجی ء الکلام فیه فی بحث وجوب الغسل للصوم.

ثم نقول - مع قطع النظر عما ذکرنا - : إنّا نمنع تبادر الوجوب لنفسه بالنسبة إلی الأمور التی وجوبها للغیر وشرطیتها له معروفة شائعة حاضرة عند الأذهان ، بل نقول : المطلقات فی مثلها تنصرف إلیه ، کما هو الحال فی مثل الأمر بغسل الثیاب والبدن والظروف وغیرها.

وهذه الأخبار صادرة بعد مدة مدیدة من ظهور الشرع وأحکامه وتأسیسها وانتشارها ، لعموم البلوی وشدة الحاجة. حتی أنّ جمیع آحاد المکلفین الکثیرین غایة الکثرة - بل وغیرهم أیضا - فی کل یوم یحتاجون إلیه غالبا مرات متعددة للصلاة وغیرها أیضا.

هذا کله مع طول المدة ، وکون الاشتراط للصلاة من ضروریات الدین ، بل وأظهر الضروریات. والرواة کانوا یسألون عن إحداث خاصة وقع فی المسلمین شبهة فیها ، وما کانوا یسألون عن کل شی ء ، فأجیبوا بأنّه إذا وقع فتوضأ ، أو أنّه إذا وصل إلی هذا الحد ، أو أنّه لا ینقض إلاّ کذا وکذا.

فظهر من الروایات أنهم کانوا عارفین وما کانوا جاهلین قطعا (1) ، إلاّ أنّه إذا وقع شبهة خاصة سألوا عن حالها. وکذا حالهم فی سائر الأحکام الفقهیة ، کما لا یخفی علی من تتبع الأخبار وتأمل.

وبالتأمّل یظهر أنّه لیس مدّ نظرهم وجوب الوضوء لنفسه أو لغیره ، فحمل الإطلاق علی أزید مما یرفع شبهتهم وصرفه إلی العموم - مع أنه لیس موضوعا له - محل نظر.

علی أنّ الإطلاق إنما یرجع إلی العموم حیث یکون الحمل علی

ص: 16


1- فی « ه » : مطلقا.

بعض دون بعض ترجیحا من غیر مرجّح ، مع کون المقام مقام إفادة حکم تلک الأفراد ، فبعد التسلیم الرجحان ظاهر ، کما عرفت وستعرف.

ومما ینبّه علی ذلک حال زماننا وما تقدّمه إلی زمان الصادق (1) علیه السلام أیضا بالنسبة إلی المستفتین عن الأمور المذکورة ، بل والمفتین أیضا ، إذ نحن فی مقام الجواب لا یخطر ببالنا سوی ما أشرنا ، مع أننا سمعنا القول بالوجوب النفسی ، واشتهر عندنا الخلاف فیه ، بل السائلون أیضا کثیر منهم سمعوا ، ومع ذلک لا یخطر ببالنا وبالهم فی مقام الجواب والسؤال وغیر ذلک من مقامات المحاورات عند الإطلاقات سوی ذلک.

ومما یؤید ، أنهم علیهم السلام فی کثیر من المواضع ذکروا أنّ أمر کذا ناقض من غیر تعرّض لوجوب الوضوء ، وربما یحتمل فی الظن أن الأمر بالوضوء إنما هو کنایة عن الناقضیة ، فتأمّل فی الأخبار.

ومما یؤید أنّهم ربما تعرضوا لذکر الصلاة فی السؤال والجواب بأن قالوا : « ولیتوضأ لما یستقبل » (2) ، یعنی : الصلاة الآتیة ، أو قالوا : « لیتوضأ لصلاة کذا » أو : « یتوضأ » أو : « یصلی » ، إلی غیر ذلک ، فتتبع وتأمل.

وأمّا صحیحة عبد الرحمن ونظائرها فمحمولة علی الاستحباب قطعا ، للإجماع والأخبار علی جواز النوم. مع أنه لو حمل علی الوجوب یلزم الفور أو الوجوب للنوم ، وفیه ما فیه.

بل یمکن أن یقال بمثل ذلک فی باقی ما أورده من الأخبار ، لمکان الفاء ، بناء علی إفادتها الفوریّة ، وعدم تسلیم ما ذکرنا سابقا ، إذ الظاهر حینئذ لیس باقیا علی حاله ، والحاجة إلی الحمل تمنع عن الاحتجاج. إلاّ

ص: 17


1- فی « و » : المعصوم.
2- الوسائل 1 : 317 أبواب أحکام الخلوة ب 10 ح 1.

أن یثبت أقربیة نافعة له ، وفیه إشکال.

وبعد اللتیا والتی ، حمل هذه الأخبار علی ما ذکرنا أولی مما ارتکبه فی حجة المشهور قطعا ، سیما مع المرجحات لها والمبعدات لما ذکر ، لو لم نقل بکون الأول حجة مستقلة ، والثانی مانعا معلوما.

ووردت فی الخبر فی الجنب التی حاضت فی المغتسل : « لا تغتسل ، قد جاءها ما یفسد الصلاة » (1).

وفی غیر واحد من أخبار الاستحاضة : أنها تغتسل لکل صلاتین وتتوضأ لکل صلاة (2) ، وغیر ذلک.

وفی بحث التیمم : « إذا وجد الماء ( فلا قضاء علیه ) (3) ولیتوضأ لما یستقبل » (4).

مع أنّ وجوب الغسل لنفسه أشد إشکالا ، بملاحظة ما ذکرنا ، من أنّ وجوبه حینئذ لا یتضیق إلاّ بظن الموت مع التمکن منه ، إذ مع الظن لا یتمکن منه عادة ، ومع عدم الظن لا عقاب علی الترک قطعا.

وحکایة تضیّقه بتضیّق وقت العبادة قد عرفت حالها ، فتأمّل.

ولا یخفی أنّ النزاع إنما هو فی الوجوب لنفسه ، أما الرجحان لنفسه فوفاقی منصوص علیه فی کلام الفقهاء ، وظاهر من کلام الشارح - رحمه الله - أیضا.

ص: 18


1- الکافی 3 : 83 / 1 ، التهذیب 1 : 370 / 1128 ، وفی 395 / 1224 ، الوسائل 2 : 314 أبواب الحیض ب 22 ح 1 ، بتفاوت یسیر.
2- الوسائل 2 : 371 أبواب الاستحاضة ب 1.
3- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » و « و » : فلا وضوء علیه.
4- الکافی 3 : 63 / 1 ، التهذیب 1 : 192 / 555 ، الاستبصار 1 : 159 / 548 ، وفی 165 / 574 ، الوسائل 3 : 366 أبواب التیمم ب 14 ح 3.

قوله : ویؤیده خلوّ الأخبار. ( 1 : 11 ).

دعوی الخلوّ بأسرها عن تفصیل القوم ، مع ورود صحیحة زرارة وما یؤدی مؤداها ، والتزامه - رحمه الله - عدم الخلوّ عن تفصیل القائل وقیوده ، مع عدم ظهور توسعة منها فضلا عن توسعته ، وغیر ذلک مما عرفت ، فیه ما فیه.

سیما بعد ملاحظة عدم الفرق بحسب الواقع بین الوجوب الموسع الذی یدعیه وما یدعیه القوم من الرجحان النفسی ، فرقا مهما معتدا به فی نظر الشرع ، حتی یجعله مناطا للفعل بعنوان الوجوب وعدمه ، وإلزام المکلف بأحدهما ، مع عدم ظهور تنبیه منه بمحطّ الفرق ومعیاره ، بل وظهور العدم ، کما مر.

وخصوصا بعد ملاحظة طریقته من الأمر الواجب والمستحب معا بصیغة واحدة ، کما ینبه علیه قوله : إن هذا هو السر. ، فبین قولیه لعله تدافع.

مع أنّ ثمرة التفصیل غیر منحصرة فی النیة ، فکان علیه أن ینبه علی موضع الحظر. نعم ربما کان قلة الحاجة صارت منشأ لعدم التنبیه ، فغایة الندرة تصیر منشأ لعدم الاعتداد أولی ، فتأمّل.

قوله : وتدل علیه روایات. ( 1 : 11 ).

الشارح - رحمه الله - ربما یتأمل فی إفادة الجملة الخبریة الوجوب.

ومع ذلک غایة ما یثبت شرطیته للطواف الواجب. إلاّ أن یقال : وجوب الوضوء لأجل الإعادة ظاهر فی الوجوب. ولعل استناده إلی الإجماع فی تتمیم الدلالة.

وقوله : ومتنه مجمل. هاهنا قاعدة سیجی ء ذکرها والکلام فیها.

قوله : مبنی علی القول. ( 1 : 12 ).

وکذا علی القول بأنّ ما لا یتم الواجب إلاّ به واجب مطلقا ، أو إذا کان

وجوب الوضوء للطواف الواجب

وجوب الوضوء لمس القرآن

ص: 19

شرطا شرعیا ، أما القائل بالعدم مطلقا - سوی السبب أو مطلقا - فلعلّ مراده من الوجوب فی شروط الواجبات وأجزائها هو المطلوبیة شرعا ، مع عقاب علی ترکه فی الجملة ، فإن المشروط الخالی عن الشرط لیس مطلوبا ، بل هما مطلوب واحد من قبیل أجزاء الواجب.

ثم المس أعم من أن یکون بالکف أو غیره ، مما تحله الحیاة ومما لا تحله الحیاة ، مثل الظفر والشعر ، احتیاطا إذا صدق علیه اسم المس.

ویجتنب أیضا إذا أتی ببعض الوضوء ، وإن کان بما غسله.

وکذا عن مس أبعاض القرآن فی أیّ موضع کان ، لظهور الشمول.

والصبی لا یحرم علیه. مع احتمال عدم حرمة تمکین الولی ومثل الولی. والأحوط منعهم إیاه عنه ، فتأمّل.

قوله : لأنّ الاستحباب. ( 1 : 13 ).

الحکم شرعی ، وعقلی ، وعادی. والأخیران لا مانع منهما ، بأن یقال : عقلا کذا ، أو عادة کذا ، ولا مانع من متابعتهما ، سیما العقلی. ولذا تری الشارح - رحمه الله - مع حکمه بأن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی یأمر به مهما أمکن ، ودیدنه ذلک. وبالجملة : لا مانع من متابعتهما ما لم یدخلهما فی الشرع ، بل أمر بهما ، ونهی عن خلافهما.

وربما قیل بإدخال العقلی فی الشرعی ، بناء علی تطابقهما.

ومنّا من أنکر مع القول بالتطابق.

ولا شک فی اعتبارهما فی موضوع الحکم. نعم لو کان من العبادات فحکمه حکم نفس الحکم.

وهو بعنوان الجزم یتوقف علی دلیل قطعی ، والظن علی الظنیّ ، والاحتمال علی أمارة مورثة له ، مثل الخبر الضعیف متنا أو سندا أو دلالة ، أو تعارض الأدلة ، أو قول الفقهاء - لا إجماعهم - أو فقیه أیضا ، أو حکم العقل

الوضوء المندوب

التسامح فی أدلّة السنن

ص: 20

علی القول الآخر.

فالأول لا شک فی اعتباره ، والثانی من المجتهد إما مطلقا أو إذا کان علیه بخصوصه دلیل شرعی. وأما الثالث فلا مانع له من مجرد القول مطلقا ، وأما العمل فلا مانع منه إذا کان احتیاطا ، ولا شک فی حسنه عقلا ونقلا ، فظهر وجه تسامح القوم فی السنة والمکروه.

مضافا إلی حدیث : « من بلغه شی ء من الثواب علی عمل ، فعمل ذلک التماس الثواب ، أوتیه وإن لم یکن الحدیث علی ما بلغه » (1).

لا یقال : ما ذکر أوّلا یتم فی محتمل الضرر مثل الوجوب والحرمة ، لا ما یفید الاستحباب أو الکراهة ، والحدیث غایة ما یثبت مجرد الثواب لا الاستحباب.

لأنا نقول : الاحتیاط یتحقق عقلا وعرفا فی جانب المنفعة أیضا.

مضافا إلی أنّ ( الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ ) .

مع أنّ ثواب الله أعظم من الدرهم والدینار ، ویتحقق فیهما أیضا.

بل من بذل جهده فی جمیع ما هو مطلوب السید ، حتی المحتمل کونه مطلوبه ، فإنه عند العقل والعرف - بل لعله عند الشرع أیضا - لیست مرتبته مساویة لمرتبة المقتصر علی القدر الثابت. وهذا أیضا طریق آخر للمسامحة.

بل من ارتکب مباحا من حیث إنّ السید أباحه ، وانه مباحه ، لعله یصیر حسنا عند السید ، ووسیلة لقربه ، جالبا لمحبته ، فإذا کان ما هو مقطوع عدم رجحانه کذلک فما ظنک بما نحن فیه. وهذا أیضا طریق آخر.

وأیضا ربما یرتکب من حیث إنه نسب إلی السید أنه یحبه ویستحسنه.

ص: 21


1- انظر الوسائل 1 : 80 أبواب مقدمة العبادات ب 18.

وهذا أیضا طریق آخر.

وأما الجواب للحدیث فبأن الطریقة المسلمة المعهودة المقررة أنّهم یحکمون باستحباب الفعل بمجرد أن یرد من الشرع بإزائه ثواب. وذلک إما لأنهم یریدون من المستحب ما یکون بإزائه ثواب ، والثواب الذی فیه یکفی لرجحانه ، أو لأن الثواب عندهم لا یکون إلاّ برجحان فیه ، فلا یکون بغیر رجحان ، لمنافاته الحکمة ، ولزوم الترجیح بلا مرجح ، والمرجح ربما کان وجوها واعتبارات یمکن أن یکون مما أشرنا الیه أو غیره ، مما یمکن أو لا یمکن درکه.

واعترض أیضا أن المراد من العمل هو الراجح شرعا ، وعدم اشتراط صدق الحدیث إنما هو لحکایة الثواب خاصة (1).

وفیه : أنّه تقیید من غیر دلیل.

واعترض أیضا بأن بینه وبین آیة ( إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ ) . (2) تعارضا من وجه ، ویمکن تخصیص کل واحد بالآخر (3).

ویمکن الجواب بأن ظاهر الحدیث أنه تعالی یعطی الثواب بمجرد أن ینسب إلیه أنه یعطی ، کما هو شأن الکریم البالغ فی الکرم ، ولا عنایة له فی صدق النسبة ، بل صریح کلامه عدم اعتبار الصدق ، ومقتضی الآیة العنایة فی صدق النبإ بکونه عن غیر الفاسق ، ویشهد له قوله ( أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ) (4).

وبالجملة : اشتراط عدم الفسق لا وجه له بعد التصریح بأنه یعطی وإن

ص: 22


1- مشارق الشموس : 34.
2- الحجرات 49 : 6.
3- مشارق الشموس : 34.
4- الحجرات 49 : 6.

کان الحدیث کذبا ولا أصل له مطلقا ، مع أن المستفاد من الآیة کون اشتراط العدالة لأجل عدم الکذب.

سلمنا ، لکن الأظهر تقییدها به ، کما لا یخفی. ولذا فهم الأصحاب کذلک ، ولا یتبادر إلی الذهن إلا ذلک. بل لو لم یسمع هذا الاعتراض لم یلتفت الذهن إلی الاحتمال أبدا.

سلمنا ، لکن بمجرد جواز تخصیص کل بالآخر لا یثبت اشتراط العدالة بالنسبة إلی أدلة السنن ، وهذا القدر یکفی. ولیس دلیل حجیة خبر الواحد هذه الآیة فقط ، بل لعلها لیست دلیلا أصلا. نعم هی دلیل اشتراط العدالة ، وقد عرفت أنه فی الجملة.

ومما ذکر ظهر شمول الحدیث للثواب الصریحی والالتزامی فی المستحب والواجب. نعم الواجب لا یصیر بمجرد الحدیث الضعیف واجبا ، وإن کان ینزل منزلة المستحب. وهذا هو مرادهم من قولهم : لضعف السند یحمل علی الاستحباب.

ومما یؤید الاستحباب (1) ما ورد عنهم : « شهر رمضان فریضة من فرائض الله تعالی ، لا تؤدوه بالتظنی » (2) ، وغیر ذلک.

فإن قلت : الوضوء عبادة ، فیحتمل التشریع.

قلت : بسبب أنه یفعل للاحتیاط لا یتأتی التشریع ، وإلا لینسد بابه جلاّ ، لو لم نقل : کلاّ. بل ربما یتأتی تشریعان أو أکثر لو کان الاحتیاط تشریعا.

ص: 23


1- فی « ب » و « ه » و « و » : الأصحاب.
2- التهذیب 4 : 160 / 451 ، الوسائل 10 : 289 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 10. بتفاوت یسیر.

فإن قلت : منع الشرع من الاعتداد بخبر الفاسق ، والاحتیاط نوع اعتداد به.

قلت : لم یثبت المنع إلی هذا الحد. ولذا لو أخبر فاسق بأن فی الطریق أسدا یقتل ویهلک ، أو قطاع الطریق ، أو أعداء یقتلون وینهبون ، لزم عقلا عدم السفر إلی هذا الطریق مهما أمکن ، بل الشرع أیضا منع.

والأمر بالتبین فی الآیة لیس مجرد تعبد ، بل لعلّة ظاهرة غیر منافیة للاحتیاط ، لأنها فیما إذا کان فی العمل ندم وخطر ، ولا شک فی أنه ربما کان فی ترک العمل ذلک الندم والخطر قطعا أو ظنا ، بل لا نسلم ذلک فیما إذا ساوی الفعل والترک فیهما ، وانسد باب التبین.

مع أن القدماء والوسائط لعلهم تبینوا ، بل هذا هو الظاهر منهم ، فعلی تقدیر أن لا ینفعنا تبینهم فی إثبات التکلیف لا تأمل فی حسن الاحتیاط منه.

ودخول مثل هذه الأخبار فی الآیة محل تأمّل ، فتأمّل.

قوله : کقوله علیه السلام فی صحیحة. ( 1 : 14 ).

لعلّ وجه الاستدلال أنّ المستفاد منها ناقضیّة الحدث للوضوء ، فلا یجتمع معه.

وفیه : أنّه لا نزاع فی النقض ، بل فی أنّ الوضوء المشروع (1) هل یستلزم رفع الحالة المانعة من الصلاة أم لا؟ لا الحدث الصادر ، والحدث مشترک لفظا بین المعنیین. ومع ذلک کونه أمرا واحدا فی الصلاة وغیرها محتاج إلی الثبوت. إلاّ أن یدّعی التلازم بین المعنیین ، وهذا أول الکلام.

أو أنّ الظاهر من قوله : « لا ینقضه إلاّ حدث » أنّه لا یحتاج إلی وضوء آخر ، کما أنّ لازم قوله : ناقض أنّه یحتاج إلی وضوء ، وهذا أیضا محل

هل یجوز الدخول فی العبادة الواجبة بالوضوء المندوب؟

ص: 24


1- فی « ج » و « د » : المشروط.

تأمّل.

قوله : ویؤیده. ( 1 : 14 ).

یمکن المناقشة بأنّ الحدیث لم یبق علی ظاهره علی ما ذکره ، لاستحباب التجدید وغیره ، فلعلّ المراد المنع عن نقض السابق الیقینی بالشک اللاحق ، وإحداث الوضوء من هذه الجهة ، کما یشعر به قوله علیه السلام : « حتی تستیقن. » ، بل وقوله : « إذا استیقنت » سیما العدول عن عبارة : محدث بلفظ « أحدثت » ، فربما ظهر أو احتمل أن یکون المراد أنه متی حصل الیقین یستصحب إلی حصول الیقین ، کما ورد فی الأخبار (1).

ویمکن الاستدلال بالإطلاقات - فلا تتقید إلاّ بدلیل - وأصالة عدم زیادة التکلیف ، وأصالة البراءة ، علی تقدیر جریانهما (2) فی العبادات ، والظاهر جریانهما (3) هاهنا ، لأنّ الوضوء صحیح خارج عن الصلاة جزما. وتمام التحقیق فی مبحث نیة الوضوء.

قوله : بإطلاق الروایات. ( 1 : 15 ).

شمول الإطلاق لها مع عدم صدق الحائض علیها لغة وعرفا فاسد ، لأنّ الظاهر منه ما دامت حائضا. إلاّ أن یکون المستدلّ قائلا بالحقیقة الشرعیّة ( علی وجه یشملها وإن کان من جهة عدم اشتراط بقاء المبدأ ، ولا بدّ من التأمّل.

قوله : وقوّی بعض. ( 1 : 15 ).

مبناه علی عدم حجیة الاستصحاب ، وعدم ثبوت الحقیقة الشرعیّة (4) بالنسبة إلی الحائض.

الغسل الواجب

وجوب الغسل لما یجب له الوضوء

ص: 25


1- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
2- فی « ج » و « د » : جریانها.
3- فی « ج » و « د » : جریانها.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

قوله : لانتفاء التسمیة. ( 1 : 15 ).

ویقربه أنّ الغسل ورفع الحدث به أمران شرعیان ، فلا وجه لاعتبارهما فی اصطلاحهما.

قوله : إلاّ أنّ المشهور. ( 1 : 16 ).

لعل وجه أقربیته ثبوت الحقیقة الشرعیة عنده فیه ، أو أنّه یظهر من الأخبار أنّ منع دخولها من جهة حدثها - کما هو الحال بالنسبة إلی الجنب - لا من الدم.

قوله : قولان. ( 1 : 16 ).

منشؤهما أنه حدث یرتفع بالطهارة فلا تکون مطهّرة ، وأنّ المحدث بالأصغر یحرم علیه ، فبالأکبر بطریق أولی ، ومن أنّ الحدث بالنسبة إلی الصلاة والطواف لا یستلزم أن یکون حدثا بالنسبة إلی غیرهما.

قوله : ما یقتضی اشتراطه. ( 1 : 16 ).

والأحوط مراعاته ، لما مرت الإشارة إلیه عند احتجاج الشارح - رحمه الله - لوجوب الوضوء لنفسه. مضافا إلی التأمّل فی موجبات الوضوء والغسل الذی هو شرط للصلاة ، وکذا التأمّل فی ما سنذکره هاهنا.

قوله : ولا مانع. ( 1 : 16 ).

کون جمیع إطلاقات أوامر الوضوء والأغسال والتیمم وغسل الثیاب والبدن وغیرها محمولا علی الوجوب للغیر - علی حسب ما مر - واستثناء خصوص ما ورد فی المس من بین الجمیع ، وإلحاقه بغسل الجمعة والإحرام المستحب بمقتضی الأدلة والمعروف بین الأصحاب - وإن سلّم وجود قول شاذّ - محل تأمّل.

مع أنّ غسلهما لتحصیل الطهارة فیهما ، وهما وقتان معینان یفوت الواجب بفوتهما ، بخلاف هذا الغسل ، فإنّه لیس بطهارة عنده ، لما مرّ ، ولا

ص: 26

وقت معین له.

مع أنّ المسّ لو لم یکن حدثا کیف یکون موجبا للطهارة ، سیما فی وقت غیر معیّن؟!.

إلاّ أنّ یقال بعدم کونه طهارة أصلا ، بأنّ الغرض إمساس الجسد بالماء ، من غیر أن یکون المقصود منه حصول طهارة ونظافة بوجه من الوجوه.

أو أنّه طهارة من خباثة غیر منافیة للصلاة ولا غیرها ، بل ولا یستحبّ رفعها لهما (1) ، بل ولا اهتمام فی المسارعة فی رفعها کالحدث الأصغر والأکبر ، ومع ذلک یجب رفعها فی أیّام الحیاة.

والاحتمالان لا یخلوان عن غرابة.

ومع ذلک یتوجّه ما قلناه فی الوضوء من أنّه لو کان واجبا لنفسه لزم تحقق واجبات لا تحصی بعقاب واحد ، فی فرض نادر ، بل وأندر ( بل وخلاف العادة ) (2) ، وحمل المطلقات علیه ، مع لزوم الحمل علی الشائع ، وعدم التنبیه فی ما ورد فی الاحتضار وغسل المیت ، وغیر ذلک مما مر.

مع أنّ المفسدة هنا أشدّ ، إذ لا وجوب عند تضیق وقت العبادة هنا.

ولأنّ التمکّن من الغسل حین ظنّ الموت أندر وأندر ، بل وخلاف العادة ، فتدبّر.

قوله : نعم إن ثبت. ( 1 : 16 ).

لأنّه علی هذا حدث ، إذ لا ینقض الوضوء إلاّ الحدث ، ولیس من موجبات الوضوء علی ما یظهر من الأخبار والفقهاء ، ورفعه واجب للأمور.

فظهر أنّ الغسل الوارد فی الاخبار یکون طهورا ، أو أنّه لو توضأ من غیر

ص: 27


1- فی « ج » و « د » : لها.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

غسل فهو محدث أیضا ، إذ لا یتأتّی الصلاة بغیر طهارة ، وهذا الوضوء لا ینفعه ، لأنه حین الاغتسال یجب علیه الوضوء علی ما سیجی ء ، وهو دلیل کونه محدثا ، إذ متی شرع الوضوء کان رافعا للحدث ، علی حسب ما مر ، فتأمّل.

قوله : مع عدم صحّة سنده. ( 1 : 16 ).

السند لا یقصر عن الصحة ، کما بیناه فی الرجال (1) ، ومن المسلمات أیضا أنّ مراسیل ابن أبی عمیر حکمه حکم المسانید ، ویظهر وجهه من الرجال. مضافا إلی الشهرة بین الأصحاب هنا.

قوله : غیر صریح. ( 1 : 16 ).

فیه : أنه یکفی الظهور ، والظاهر ظهور القدر المشترک بین الوجوب الاصطلاحی والشرطی ، وهو یکفی للمستدل. مع أنه لیس بظاهر فی الندب أیضا ، ولعله یکفی للاستدلال ، لمنعهم إحداث الوضوء إلاّ مع تیقّن الحدث (2) ، فأمرهم بالوضوء دلیل التیقن ، خرج ما خرج بالدلیل ، فتأمّل.

ویشهد لما ذکرناه ما ورد من أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام اغتسل حین غسل الرسول صلی الله علیه و آله معلّلا بجریان السنة ، وإلاّ فهو صلی الله علیه و آله کان طاهرا مطهرا (3) ، إذ فیه إشارة إلی کون المس حدثا یحتاج إلی المطهر ، لا أنّ الغسل له مجرد تعبد.

ویظهر من الفقه الرضوی أنّ الوضوء الذی یکون قبل کل غسل إنّما

ص: 28


1- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 275.
2- الکافی 3 : 33 / 1 ، التهذیب 1 : 102 / 268 ، الوسائل 1 : 247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 7.
3- التهذیب 1 : 469 / 1541 ، الاستبصار 1 : 99 / 323 ، الوسائل 3 : 291 أبواب غسل المس ب 1 ح 7.

هو لأجل الصلاة (1) ، کما هو المشهور عند فقهائنا ، فیلزم أن یکون الغسل أیضا کذلک ، والاحتیاط واضح.

قوله : ومعارض بما هو أصحّ. ( 1 : 16 ).

فیه : أنّ المعارض یتضمن عبارة ، وهی « أیّ وضوء أطهر من الغسل » ، أو « أنقی من الغسل » (2) ، ومقتضی ظاهرها أنه لو کان وضوء مع الغسل لکان منحصرا فی أنه لتحصیل الطهارة ، مع أنها حاصلة بالغسل ، بل أکمل وأشمل ، فمن هذه الجهة لا حاجة إلی الوضوء ، لا أنّ المغتسل قبل اغتساله طاهر فی نفسه لا حاجة له إلی المطهر ، والأمر بالغسل محض تعبّد ، کما یقول به الشارح. مع أنّ جلّ الأغسال الواجبة ومعظمها لأجل التطهیر قطعا ، فکیف یکون محض تعبد؟! فحینئذ الغسل نائب عن الوضوء وأقوی منه وأشمل ، والمس یحتاج إلی الطهور الذی یرفع ما یرفعه الوضوء وما یرفعه الغسل ، ولا یکفی الوضوء ، فضلا عن أن لا یحتاج إلی رافع.

علی أنّه مر عن الشارح - رحمه الله - أنه متی حصل وضوء لا یجامع الحدث الأکبر یترتب علیه جمیع آثاره إلی أن یتیقّن الحدث ، فما ظنک بالمتطهر بالوضوء إذا عرض له المس.

فإذا کان هذا الغسل طهارة لکان داخلا فی عموم قوله : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (3) ، ویکون مثل سائر الطهارات بالنسبة إلی قوله : « لا صلاة إلا بطهور » (4) ، وغیر ذلک ، فإذن لا یکون تفاوت بینه وبینها ،

ص: 29


1- فقه الرضا : 82 «. فإن اغتسلت ونسیت الوضوء فتوضأ وأعد الصلاة » ، المستدرک 1 : 476 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
2- الوسائل 2 : 244 أبواب الجنابة ب 33 وفی 2 : 247 ب 34 ح 4.
3- الفقیه 1 : 22 / 67 ، التهذیب 2 : 140 / 546 ، الوسائل 1 : 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.
4- الفقیه 1 : 22 / 67 ، التهذیب 2 : 140 / 546 ، الوسائل 1 : 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.

فتأمّل جدّا.

مع أنّ هذه الطهارة طهارة الحدث لا الخبث قطعا ، والحدث لیس إلاّ الحالة المانعة من الصلاة مثلا. وباقی الکلام یأتی إن شاء الله تعالی.

قوله (1) : وکأنّه أراد. ( 1 : 17 ).

لا شک فی أنه أراد الوجوب الاصطلاحی ، وعبارته فی غایة الصراحة والإصرار.

قوله : وإلاّ فالوجوب بالمعنی المصطلح منتف. ( 1 :17 ).

لا یخفی أنه ظهر ممّا ذکره المعاصر - رحمه الله - عدم الانتفاء.

فإن کان منشأ قطعه ما ذکره سابقا من أنه لا یتصور وجوب الشرط لمشروط غیر واجب ، ففیه : أن المشروط واجب وإن لم یکن الآن واجبا ، ویکفی هذا ، وإلاّ لم یتصور وجوبه فی المضیق الذی ذکره المصنف - رحمه الله - أیضا.

فإن قال بأن الظن حاصل بالإدراک حینئذ ، ففیه : أنّ ظن الإدراک غیر وجوب المشروط. مع أنه حاصل من أول اللیل أیضا ، ولا دلیل علی أن المعتبر هو الأقوی ، سیما وأن یکون بحیث یعارض إطلاقات الأخبار وغیرها بل ویترجح علیها ، علی أنه ربما یکون الظن فی أول اللیل أقوی.

فإن قیل : کیف یکون واجبا ولا عقاب علی ترکه فی هذا الوقت؟

قلت : الواجب الموسع کله کذلک ، والاتصاف بالوجوب حینئذ لتحقق امتثال الواجب فیه ، والوجوب للغیر غیر مضرّ بعد کفایة ظنّ الإدراک ، فإن أدرک انکشف الوجوب واقعا ، وإلا انکشف عدمه.

وجوب الغسل لصوم الواجب

ص: 30


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».

نعم ، لو أراد الجنابة بعد الغسل أو حصل ظنه بها لا یتأتی منه نیة الوجوب ، لا للغیر ولا للنفس ، وعدم التأتی فی الثانی أظهر ، لأنّ الوجوب النفسی عند القائل به تکلیف واحد شخصی موسع إلی ظنّ الموت ، کما أشرنا سابقا.

وأما الطهور للصلاة فبعد دخول الوقت یجب بالنص وإن لم یقصد به فعل الصلاة ، عند القائل بعدم وجوبه لنفسه علی ما هو المعروف منه ، بأن یقول : بعد دخول الوقت یجب الشرط والمشروط معا وجوبا موسعا ، ولا یسقط وجوب الشرط عند عدم قصد إیقاع المشروط به ، فإذا تحقق المشروط بهذا الطهور فقد تحقق الشرط الواجب ، وإن تحقق بغیره فهو أیضا متصف بالوجوب.

ولا مانع من تحقق واجبات للغیر یجوز ترکها ، لأنّ الواجب للغیر لا یکون عقاب علی ترک نفسه ، بل العقاب علی ترک ذلک الغیر الذی هو مشروطه ، علی قیاس أجزاء الواجب ، فإنّ الجزء واجب لغیره وهو الکل والمجموع ، ولیس علی ترکه عقاب ، بل العقاب علی ترک الکل.

مثلا : لا نزاع فی وجوب الرکوع للصلاة ، ومعنی وجوبه أنه لو ترکه لم تتحقق الصلاة ، فیعاقب بترک الصلاة لا بترکه ، وإلاّ لزم أن یعاقب تارک الصلاة بعقابات لا تحصی ، کل عقاب یکون علی حدة ، مثل أن یعاقب بترک النیة عقابا ، وبترک الألف فی تکبیرة الإحرام عقابا آخر ، وبترک اللام الأول فیها عقابا آخر ، وبترک اللام الثانی عقابا آخر ، وهکذا إلی آخر الصلاة ، حتی أنه بإزاء کل جزء لا یتجزّأ من أجزاء حرکاتها وسکناتها یکون عقاب علی حدة ، وهکذا الحال بالنسبة إلی شروطها وترتیباتها وصفات الأجزاء.

وبالجملة : لا تأمّل عندهم فی أن الواجب للغیر لا یکون عقاب علی

وجوب الغسل لصوم المستحاضة

ص: 31

ترک نفسه ، بل یکون علی ترک ذلک الغیر ، فتأمّل.

قوله : بجهالة المکتوب إلیه. ( 1 : 20 ).

مثل علی بن مهزیار الوکیل الذی هو فی غایة مرتبة من الوثاقة والجلالة لا یکاتب غیر المعصوم علیه السلام ، ولعل طعنه بعنوان الجدل ، إذ یصرح کثیرا بعدم ضرر الإضمار فی أمثال هذه الأخبار.

قوله : بمخالفتها. ( 1 : 20 ).

من عمل بها بناؤه علی أنّ الخلل فی جزء حدیث لا یخرجه عن الحجیة بالنسبة إلی الجزء الذی لا خلل فیه ، کما هو طریقة جماعة.

علی أنّ أکثر الأخبار المعمول بها یحتاج إلی توجیه البتة ، مثل التخصیص وغیره ، وإرادة خلاف الحقیقة أو الظاهر من غیر قرینة خلل ، وظهورها من دلیل آخر لا یرفع الخلل عن نفس هذا الحدیث. نعم مراتب التوجیه متفاوتة قربا وبعدا. ومن أسباب الخلل وهم أحد الرواة أو النساخ أو غیر ذلک ، مما أشرنا إلیه فی رسالتنا فی الاجتهاد والأخبار وغیرها.

فعلی هذا ربما یکون زیادة « ولا » وهما ، أو یکون « ولاء » أی متتابعا ، کما قرئ. ویقربه ما فی مکاتبة الصفار من أنه یقضی عشرة أیام ولاء (1) ، والتقیید به رد علی من زعم أنّ قضاء الصوم یفرق فرقا بینه وبین الأداء ، أو یجمع ستا ویفرق الباقی ، أو غیرهما مما یظهر من الأخبار (2).

والحدیث مکاتبة ، فلعله کتب تحت قوله : « صومها » « تقضی صومها ولاء » وقوله : « صلاتها » « تقضی صلاتها ».

بحث حول مکاتبة علی بن مهزیار

ص: 32


1- الکافی 4 : 124 / 5 ، الفقیه 2 : 98 / 441 ، الوسائل 10 : 340 أبواب أحکام شهر رمضان ب 26 ح 1.
2- انظر الوسائل 10 : 340 أبواب أحکام شهر رمضان ب 26.

وأما المحقّق والشارح ومن وافقهما عندهم أنّ أمثال هذه الخلل ترفع الوثوق عن الحدیث بالمرة ، فالمذاق مختلف.

قوله : بأنّ فیه جمعا. ( 1 : 21 ).

أورد علیه بأنّه اعتراف منه باقتضاء صحیحة أبی حمزة العموم ، فلا یبقی حینئذ تمکن شرعی لاستعمال الماء ، فالشرط متحقّق (1).

وفیه : أن مراده من الجمع الجمع بالإطلاق والتقیید ، لأن المطلق فی نفسه - من دون ملاحظة أمر خارج - یقتضی العموم ، وبعد ملاحظة ما دل علی اشتراط عدم التمکن من المائیة یترجح فی الظن تقییده. بل وانّ الملاحظة المذکورة ترجح کون الإطلاق مبنیا علی الغالب.

ألا تری أنه لما ورد أن التیمم للصلاة فی صورة عدم التمکن ، فمتی لاحظنا موضعا أمروا فیه بالتیمم مطلقا للصلاة یترجح فی فهمنا أنه مبنی علی عدم التمکن ، إذ من هذا الأمر یفهم کون التیمم فی هذا الموضع صحیحا ، ومن الأول کبری کلیة ، والشکل بدیهی الإنتاج. ولیس کل موضع أمروا فیه بالتیمم قیدوه بعدم التمکن من المائیة ، بل جل المواضع غیر مقید ، مع أنه لا تأمل فی التقیید ، فتأمّل جدا.

قوله : فإنّا لم نقف. ( 1 : 21 ).

مراد جده - رحمه الله - من عدم الماء عدم التمکن من استعمال الماء.

ولعل کون الأصل فی التیمم أنه طهارة اضطراریة یظهر من التأمل فی الأدلة.

ومقتضی کلام الشارح جوازه مع التمکن من الماء فی الطواف والمس وغیرهما ، وأنه مخیر بینه وبین الماء فیهما ، وأنه عند عدم التمکن من التیمم والتمکن من الماء یخرج بغیر غسل أیضا ، ولا یخلو جمیع ذلک من غرابة ،

التیمم الواجب

وجوب التیمم لخروج الجنب فی أحد المسجدین

ص: 33


1- ذخیرة المعاد : 11.

سیما الأخیر ، بعد اعترافه بعموم تحریم الکون.

والقول بأن الغسل مشروط بعدم التمکن من التیمم غریب أیضا ، بل أشد غرابة.

قوله : وأیضا فقد ثبت. ( 1 : 21 ).

لم نجد ما ذکره أصلا ، بل الموجود تحریم الدخول والکون اختیارا.وادعاء الإطلاق هنا ومنع الاشتراط السابق لا یخلو من تعجب بالنظر إلی الأدلة.

سلمنا الإطلاق ، لکنه منصرف إلی الافراد الشائعة ، علی ما سیصرح به مرارا ، سیما والنادر یشبه أن یکون مجرد فرض.

علی أن مقتضی عموم تحریم الکون لزوم رفع الجنابة البتة ، لا استباحة المرور جنبا ، وکون الثانی هو المقتضی دون الأول خلاف ما علیه الأصحاب ، ولیس علیه دلیل ، کما سیجی ء.

مع أن إیجاب التیمم لرفع الحدث لعله یقتضی إیجاب الغسل لذلک بطریق أولی ، لأن المکث بقدر فعل التیمم لا بدّ منه ، فلو لم یزد مکث الغسل ولا یلزم مانع آخر أیضا فالغسل أرفع للحدث ، فلو زاد قدر التیمم علیه فالحال أظهر ، فتأمّل.

قوله : بالنص. ( 1 : 21 ).

کونه نصا بالقیاس إلی الفروض النادرة التی لا ینساق الذهن إلیها - سیما مثل هذا الفرض - فیه ما فیه.

قوله : وکما جاز. ( 1 : 21 ).

مجرد الاحتمال یضر العموم ، لعدم ما یدل علیه بالوضع حتی یقال : الأصل أن یکون مستعملا فیه حتی یثبت خلافه ، فمجرد الاحتمال غیر کاف.

ص: 34

مع أنه یتأمّل فی هذا أیضا ، بناء علی أن المدار فی الألفاظ التبادر والظهور ، لا هذا ، فإذا کان حال الوضع کذلک فما ظنک بما لیس موضوعا للعموم ، والأصل فیه عدمه ، وصرفه إلیه لعله یتوقف علی سد باب هذه الاحتمالات.

مع أن هذا الاحتمال لعله أرجح ، لمکان بداهة التعذر غالبا المستلزم لعدم التکلیف کذلک ، وعند التعذر الرجوع إلی التیمم ظاهر أیضا ، لعموم المنع من الکون جنبا ، وعموم بدلیة التیمم.

مع أنّ الاحتمال الآخر أیضا یرجع إلی التعذر ، لأنه سبب للتعذر ، وهو سبب للتیمم ، فما هو بلا واسطة أقرب. مع أنه خلاف الأصل والظاهر ، لعدم الثبوت شرعا ، فظهر ما فی قوله : وقد أطلق.

مع أنّ شمول إطلاقهم لما نحن فیه أیضا محل تأمّل.

قوله : مورد الخبر. ( 1 : 21 ).

عموم تحریم الکون یقتضی رفع الحدث مطلقا ، إما بالغسل ثم التیمم ، أو التیمم علی ما ذکره ، ویعضد الإطلاق أنّ من قال بوجوب التیمم قال مطلقا ، ومن أنکر فکذلک.

وربما یرجح کون التیمم لیس لخصوصیة الاحتلام بملاحظة العمومات المانعة من الدخول ، وخصوص هذا النص مع فتوی الفقهاء ، وما یشعر به فی النص من قوله : « فأصابته جنابة » بعد قوله : « فاحتلم » ثم التفریع بقوله : « فلیتیمم » وإلحاق الحائض فی المرفوعة ، مع ظهور اتحاد الروایتین ، وأنه فی کثیر من أمثال المقام یتعدون من باب تنقیح المناط ، حتی الشارح أیضا ، فتأمّل.

قوله : قیل الحائض. ( 1 : 22 ).

المراد أنها فی الحیض ، أما بعد انقطاع الدم فحکمها حکم الجنب

ص: 35

بغیر احتلام. وقوله : لا سبیل. ، تأیید لضعف الاحتجاج.

قوله : نعم إن لم یکن. ( 1 : 22 ).

فیه : أن الترابیة متعینة عندک ، فکیف یتأتّی التمکن من المائیة حال التیمم؟! فإن قلت : مقتضی العمومات صحة الغسل حینئذ أیضا ، نعم هو مکلف بالتیمم للخروج ، والأمر بالشی ء لا یقتضی النهی عن ضده.

قلت : إنما یتمشی ذلک إذا کان المفسدة فی ترک المأمور به خاصة دون فعل الضد ، بل لا بدّ أن تکون فیه مصلحة ، کالغسل عند اشتغال الذمة بالدین مثلا.

وکون ما نحن فیه من هذا القبیل محل تأمل ، إذ لعل المصلحة فی فعل الضد ، إذ کون الجنب فی المسجد حرام مطلقا ، والغسل لو لم یکن فیه مفسدة ومانع شرعا لرفع الجنابة ، ولو لم یرفع لم یکن متمکنا من استعماله ، لأن التمکن فرع صحته ، ولو کان صحیحا لما عین الشارع علیه التیمم لحصول الإباحة للخروج بالغسل أیضا.

مع أنه رافع للحدث جزما مطلقا ، بخلاف التیمم ، فإن إباحته لخصوص المرور الفوری ، وعلی تقدیر الرفع فیرفع فی الجملة وفی حال الاضطرار ، فلا جرم یکون فی الغسل مفسدة.

علی أنا نمنع أن یکون التمکن علی تقدیر فعل الحرام منشأ لفساد هذا التیمم الصحیح للصلاة ، فتأمّل.

قوله : والاستحباب فیه أولی. ( 1 : 23 ).

لا یخلو من إشکال ، لاستلزامه زیادة الکون غالبا. إلاّ أن یرید الفرد النادر.

قوله : لانتفاء الدلیل. ( 1 : 23 ).

التیمم المندوب

بحث حول التیمم المندوب

ص: 36

یمکن أن یقال : إضافة المنزلة إلی الماء فی الحدیث الآتی تفید العموم. إلا أن یقال : المعهود حکایة الطهوریة ، لکن لا بدّ من تأمّل. ولو ثبت لوجب لمثل مس المیت مما لیس طهورا ، کما مال إلیه الشارح فی المس ، فتأمّل.

قوله : مطلق الطهارة. ( 1 : 24 ).

إن أراد الأعم من الترابیة ففیه ما فیه ، وإن أراد الطبیعة اللابشرط ففیه : أنا لم نقف علی ما ذکرت ، فإن الصلاة تتوقف علی الوضوء فی صورة ، وعلی الغسل فی صورة أخری ، وعلی کلیهما فی صورة أخری علی المشهور ، والمراد من قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » لیس توقفها علیه من دون خصوصیة.

وقوله : وما ثبت. ، فیه : أن النوع الخاص طهارة أیضا ، لتوقف صحة الصوم علیه ، کما صرح به ، بل صرح بأنه طهارة حیث جعله نوعا منها ، والخصوصیة لا تخرجه عن کونه فردا للطهارة ، وهو - رحمه الله - یوجب التیمم للخروج من المسجدین ، کما ورد النص به ، بل ویوجبه لدخول المساجد عموما ، کما سیجی ء فی مبحث التیمم (1) ، بل ولعموم ما یستبیحه المائیّة لذلک.

قوله : أن ینذر الطهارة. ( 1 : 24 ).

النذر إنما یتعلق بالمراد من اللفظ ، والناذر أعرف به. ولعل مراده أن ینذر معنی لفظ الطهارة علی الإطلاق من غیر قرینة ، والأصل فیه الحقیقة ، وأن الصیغة شرط فی صحته ، وهی تؤثر بالقیاس إلی المستفاد من اللفظ إذا کان مقصودا.

فلو کان مما لا یدل علیه لم یصح نذره - والمراد هنا الصحیح - کما لو

مسألة : قد تجب الطهارة بالنذر وشبهه

ص: 37


1- مدارک الأحکام 2 : 249.

نذر وقف حمار ، مریدا به بلیدا من العبید مثلا لم یصح مطلقا ، أو من حیث إنّه لم یأت بقرینة فی الصیغة ، لکن علی هذا لم یستقم قوله : فإن قصد المعنی الشرعی. ، لأن الناذر من المتشرعة ، ومدلول کلامه لیس إلا المعنی العرفی ، وإطلاقه لا ینصرف إلا إلیه.

وإن بنی علی أنّه أیّ معنی حقیقی مخصوص یرید من اللفظ یصح وإن لم یأت بقرینة ، بناء علی أن الشرط مجرد لفظ ، ففیه - بعد تسلیم ذلک - یتعین مراده ، فلا وجه لما ذکره بقوله : والواجب. ، مع أنه لا نزاع فی ثبوت المعنی الشرعی ، فإن اللفظ صار حقیقة فیه علی أی حال ، لکن النزاع فی کونه حقیقة عند الشارع.

وإذا بنی علی أنّه یصح إذا أراد معنی حقیقیا - أیّ حقیقی یکون - وإن کان لم یأت بقرینة علی هذه الإرادة ، ففیه - بعد تسلیم صحته وتسلیم عدم صحة إرادة المعنی المجازی - : أنه لا ینحصر الحقیقة فی ما ذکره ، وأنّه ربما کان اللفظ حقیقة فی معنی باصطلاح ، مجازا فیه باصطلاح ، بل لا شک فی أن لفظ الطهارة کذلک.

وأیضا لا یستقیم قوله : فعلی الأولین یتخیر. ، إذ علی تقدیر الاشتراک لا یتعین المنذور ، فیبطل النذر. إلاّ أن یرید ما یطلق علیه اللفظ حقیقة ، فهو حینئذ معنی مجازی ، ومع ذلک یرجع إلی التواطؤ أو التشکیک.

علی أن التعیین حینئذ بید الناذر ، فلا وجه للبناء علی محل النزاع ، وکذا قوله : إذ الأصل.

وإن أراد أن الناذر إذا أراد من لفظ الطهارة ما یطلق علیه هذا اللفظ حقیقة فی المحاورات - أی محاورة کانت - یکون کذا وکذا ، لا أن یرید منه معناه فی صیغة نذره.

ففیه : أنّه - مع ما فیه من الحزازة الظاهرة - کیف جعل نذر الطهارة علی

ص: 38

الوجه الکلی منحصرا فی هذا الشکل الغریب ، حیث لم یرد من لفظ صیغته معناه الحقیقی فی اصطلاحه ، بل یرید أی حقیقة تکون فی أی محاورة ، ثم عین خصوص محاورة الشرع أو العرف ، من دون معرفته بثبوت الاصطلاح فی الأول ولا بتعینه ، ولا معرفته بالتعین فی الثانی ، حتی یبنی نذره علی الخلافات والترجیح بالأدلة الأصولیة مع عدم ترجیح تحقق مع معرفة الرجحان بأی معنی یکون.

قوله : إذ الأصل. ( 1 : 24 ).

فیه. أنّه أمارة ظنیة للظن بما فی الضمیر ، والناذر یعلم ما فیه ، ولا وجه للتمسک بالظنی إلاّ علی التوجیه الأخیر.

علی أنّ الناذر من المتشرعة ، واستعمل اللفظ مجردا ، فالأصل أن یکون فی معناه الاصطلاحی عنده ، فتأمّل.

قوله : فی الماء المطلق. ( 1 : 26 ).

المطلق العرفی أعم من ان یکون ماء بحتا أو ممزوجا بالمضاف ، بحیث لا یخرجه عن الإطلاق.

ولو کان عدیم الصفات ، کماء الورد المنقطع الرائحة ، فهل المعتبر أکثریة الماء ، ومع التساوی المنع ، أو الجواز ، أو الإطلاق العرفی ، أو تقدیر الصفة والبناء علیه؟ قال بکل قائل.

وإذا لم یکف الماء فهل یجب مزج مضاف لا یخرجه ویحصل الکفایة أم یجوز؟ مقتضی الأدلة الأوّل وقال الشیخ بالثانی (1).

قوله : أو کان ماء بحر. ( 1 : 26 ).

المیاه

الماء المطلق طاهر ومطهّر

ص: 39


1- المبسوط 1 : 9. وفی « ج » و « د » زیادة : وفیه ما فیه.

الظاهر أن الشارح لم یعتن بخلاف نادر (1) من العامة (2).

قوله : ویدل علیه. ( 1 : 27 ).

الأجود الاستدلال بالأخبار ، لظهور الدلالة فیها.

مثل ما ورد : « إن الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (3) ، وغیر ذلک.

وما ورد أن بنی إسرائیل کانوا یقرضون النجاسة ، وأنّ الله جعل الماء طهورا لکم ، قد وسع الله علیکم بأوسع ما بین السماء والأرض (4).

وورد : ماء الحمام کماء النهر یطهر بعضه بعضا (5).

وقوله تعالی ( لِیُطَهِّرَکُمْ ) الظاهر منه - سیما بملاحظة شأن نزول الآیة - المطهریة الشرعیة ، ویصلح أن یکون قرینة للآیة الثانیة.

مع أنّها علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة تدل علی الطهارة بالمطابقة ، وعلی القول بالعدم بالالتزام ، لأن إظهار الانعام والامتنان یدل علی جواز الانتفاع غالبا ، والنجاسة تقتضی المنع غالبا.

قوله : علی وجهین. ( 1 : 27 ).

فی القاموس جعل له معنی ثالثا ، وهو الطاهر المطهر (6). وکثیر من

معنی الطهور

ص: 40


1- فی « ج » و « د » : ما ورد.
2- نقله فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 36 ) وأحکام القرآن لابن العربی ( 3 : 1425 ) عن عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو العاص.
3- الفقیه 1 : 60 / 223 ، التهذیب 1 : 404 / 1264 ، الوسائل 1 : 133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 1.
4- الفقیه 1 : 9 / 13 ، التهذیب 1 : 356 / 1064 ، الوسائل 1 : 133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 4.
5- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.
6- القاموس 2 : 82.

الفقهاء فسر الآیة بذلک (1) ، ونسبه الشیخ إلی أهل اللغة (2) ، وحکی ذلک عن تغلب (3).

قوله : وهذا التوجیه. ( 1 : 27 ).

الاستدلال لا یمکن بالاحتمال ، فضلا عن أن یکون بعیدا أو توجیها ، ولعل مبنی استدلاله هو ما أشرنا ، بضمیمة عدم القول بالفصل بین السماء وغیره ، فیحتاج إلی الإجماع.

وما ارتکبه الصدوق من أن کل ماء من السماء (4) ، یتوقف علی الثبوت.

ومع ذلک المتبادر منه النازل منه الآن ، لا الذی نزل بالأصل ، فالتعدی مشکل ، سیما علی طریقة الشارح.

والتوجیه من بعض العامّة (5) ، ورجحه الشارح - رحمه الله - علی توجیه الشیخ ، وفیه نظر لا یخفی علی من أمعن النظر فی کلامه فی التهذیب ، فإنه لیس علی ما ذکره الشارح هاهنا.

قوله : یتناول الأمرین. ( 1 : 27 ).

ص: 41


1- منهم الشیخ فی التبیان 7 : 496 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 4 ، والشیخ البهائی فی مشرق الشمسین ( الحبل المتین ) : 347 ، والفاضل الجواد فی مسالک الأفهام 1 : 89.
2- التهذیب 1 : 214.
3- حکاه عنه فی الکشاف 3 : 284 والمصباح المنیر : 379 ومجمع البحرین 3 : 380 ومعجم مقاییس اللغة 3 : 428 ، وفیه عن ثعلب ، بالمثلثة ، والظاهر أنّه أحمد بن یحیی الشیبانی صاحب الفصیح فی اللغة ، ولقبه مردد بینهما فی کتب التراجم ، ولعل الصحیح أنه بالمثلّثة ، کما فی معجم الأدباء 5 : 102 ، الأعلام للزرکلی 1 : 267 ، الکنی والألقاب 2 : 115 ، وفیه : سمّی الرجل ثعلب لأنّه کان إذا سئل عن مسألة أجاب من هاهنا وهاهنا ، فشبّهوه بثعلب إذا أغار.
4- الفقیه 1 : 6.
5- التفسیر الکبیر للفخر الرازی 24 : 90.

أی الطاهریة والمطهریة للغیر ، فلا بدّ أولا من ثبوت الحقیقة الشرعیة. وثانیا ثبوتها فی الطهور الاسمی ، لأن الغسل - مثلا - یتحقق فیه الحقیقة الشرعیة أو المتشرعیة ، ولم یتحقق فی الغسول وکذا الوضوء. وثالثا ثبوتها بحیث یتناول الأمرین ، بناء علی عدم ثبوت الملازمة بینهما بإجماع أو غیره من الأدلة ، ولا هی من المسلمات ، کما سیجی ء فی بحث الغسالة ومطهریة الأرض وغیرهما. لکن فی الغسالة یظهر منه قبول التلازم.

لا یقال : الحمل علی الفرد الأکمل یغنی عن ثبوت الحقیقة الشرعیة علی الوجه المزبور ، لأن المطهر الطاهر الشرعی هو الفرد الأکمل.

لأنا نقول : لا یصلح ذلک للصرف عن الحقیقی وتعیین المجازی ، إذ الأول هو الأصل ، ولا یعدل عنه بمثل ذلک. ولهذا لا یحمل الآیة وغیرها مما هو فی معرض الامتنان علی أی مجاز یقتضی زیادة الامتنان ، نعم ذلک یصلح لترجیح أحد الاحتمالین.

قوله : والمراد بها اللون. ( 1 : 28 ).

قیل : لم نجد فی الأخبار الخاصیة ما یدل علی ذلک (1).

قلت : روی فی زیادات التهذیب بسنده عن العلاء بن الفضیل عن الصادق علیه السلام ، عن الحیاض یبال فیها ، قال : « لا بأس بها إذا غلب لون الماء لون البول » (2) ، وفی الفقه الرضوی ذکر نجاسة الماء بتغیر اللون مکررا (3).

الماء الجاری

نجاسة الماء الجاری بالتغیّر

ص: 42


1- قاله الشیخ البهائی فی الحبل المتین : 106 ، والمحقق السبزواری فی الذخیرة : 116.
2- التهذیب 1 : 415 / 1311 ، الاستبصار 1 : 22 / 53 ، الوسائل 1 : 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 7.
3- فقه الرضا علیه السلام : 91 ، المستدرک 1 : 199 ، 201 أبواب الماء المطلق ب 10 ، 13 ح 2 ، 3.

قوله : من حیث الاستثناء. ( 1 : 29 ).

الاستفادة من هذه الجهة فی غایة الظهور ، نعم الخفاء فی لفظ النجاسة والاستیلاء ، فالأولی أن یقول : الظاهر من النجاسة نجس العین ، والظاهر (1) کونه بالملاقاة.

وعن الشیخ - رحمه الله - تنجسه بتغیره من المتنجس أیضا (2) ، ولعله لعموم النص النبوی ، خرج ما خرج بالوفاق.

إلاّ أن یقال : الحدیث - فی الحقیقة - لیس بحجة ، والمعتبر الأخبار الخاصیة. أو : أن المراد شی ء من نجس العین بقرینة تلک الأخبار ، فتأمّل. أو یقال : إنه نکرة فی سیاق الإثبات فلا یعم ، والإطلاق فی مثله لا یرجع إلیه ، لأن رجوع المطلق إلیه فی صورة لم یفد الکلام بدون الرجوع ، وذکره هنا لبیان حکم آخر لا حکم نفسه ، وببیان ذلک ظهرت الفائدة. وأما کون « ما » نکرة فلکونها موصوفة معناها إلاّ شی ء یغیره ، بقرینة المستثنی منه. مع أنّ الاحتمال کاف. فتدبر.

وقوله : وهو کذلک ، هذا علی تقدیر بقاء الماء علی إطلاقه ، ووجهه :

الأصل ، والعمومات ، وأما إذا خرج عن الإطلاق فسیجی ء حکمه.

قوله : لأن التغیر حقیقة. ( 1 : 29 ).

لفظ التغیر موضع للانتقال من حال إلی حال فی الواقع ، لا مدخلیة للحس فیه ، نعم من شأنه أن یحس إذا کان من قبیل ما نحن فیه ، وظاهر أن هذا هو المراد ، والتقدیری لیس بانتقال حقیقة ، فلیس من شأنه أن یحس ،

هل یشترط فی التغیر أن یکون حسیّاً أم لا؟

ص: 43


1- کما فی « أ » وفی سائر النسخ : والاستیلاء.
2- حکاه عنه فی الذخیرة : 116.

فهو مجاز بدلیل صحة السلب.

لکن هذا إنما یتم لو کان الوارد مجرد لفظ التغیر ، والمستفاد من بعض الأخبار تضمن معنی الغلبة ، فلعل ذلک منشأ اختلاف الفهم ، فلا بدّ للشارح - رحمه الله - إما من منع التضمن أو إثبات عدم ضرره.

ثم اعلم أن اعتبار التقدیر فی مثل المیتة فی ماء البئر وما ماثل المیتة فاسد قطعا ، ولعل فی الجاری والراکد أیضا کذلک ، سیما بملاحظة ما ورد من أن المیتة مع وجود الرائحة لا تنجس إلا إذا غلب علی رائحة الماء (1) ، ولا یکاد یمکن حمل الریح علی التقدیری ، فلعل القائل بالتقدیری مطمح نظره مثل البول الممزوج بالماء.

فعلی هذا نقول : صور المسألة ثلاث :

الأولی : استهلاک النجاسة الماء بحیث یقال : إنّه بول.

الثانیة : عکس ذلک ، وهذه یتمشی فیها النزاع وثمرته.

الثالثة : أن لا یکون بولا فقط عرفا ، ولا ماء فقط ، أعم من أن یکون البول أکثر ، أو الماء ، أو تساویا ، فإذا کان المزج عرفا لا یجوز استعمال ذلک فی الشرب والتطهیر ، حتی الغسل ارتماسا ، لعدم صدق الارتماس فی الماء.

ولو قیل بعدم تحقق مرکب من مائعین ممزوجین : أحدهما نجس والآخر طاهر ، یکون الکل حینئذ نجسا.

بل الأحوط مراعاة التقدیر فی الصورة الثانیة أیضا ، وإن کان الأقوی ما ذکره الشارح ، فتدبر.

ص: 44


1- الوسائل 1 : 137 أبواب الماء المطلق ب 3.

قوله : یحمل علی حقیقته. ( 1 : 29 ).

هذا علی تقدیر بقاء الماء علی إطلاقه ، وعلی تقدیر استهلاکه بحیث یقال عرفا : إنه بول فنجس ، کما قال بعد هذا.

ولم یتعرض لذکر ما لیس هذا ولا ذاک ، ولعل بناؤه - رحمه الله - علی الانحصار فیهما ، وفیه تأمل ظاهر ، ومر فی الحاشیة السابقة. فظهر ما فی قوله : فإن المخالف یقول. ، فتدبر.

قوله : دائر مع الأوصاف. ( 1 : 29 ).

لا یخفی أنها مختلفة ، فلذا قیل باعتبار الأشد (1) ، وقیل باعتبار الأوسط (2) ، وقیل باعتبار الأضعف (3) ، تغلیبا لجانب الطهارة.

قوله : غایة الأمر. ( 1 : 30 ).

قد ظهر مما ذکرناه مراده من الحسی ، لکن یشکل الأمر هنا ، لإمکان أن یقال : لم یتغیر لمانع عنه ، أو أنه بعد بلونه السابق.

وبالجملة : لم یظهر أنه انتقل لونه إلی الحمرة بسبب الدم ، لعدم حصول تفاوت أصلا من جهة الدم. وما ذکره إنما یتم إذا تغیر من الدم ، وعرضته حمرة لاحقة تمنع عن إدراک السابقة. هذا.

فظهر مما ذکره هنا ما فی قوله السابق آنفا ، ویتوجه إلیه ما سبق ، إذ یمکن أن یقال : التغیر حینئذ هناک متحقق ، غایته أنه مستور عن الحس ، فإن ملوحة الماء تمنع مثلا عن ظهوره ، والفرق بین الصفات الطاریة والکائنة من

ص: 45


1- انظر الذکری : 8.
2- قاله المحقق الثانی فی جامع المقاصد 1 : 115.
3- حکاه صاحب الحدائق ( 1 : 185 ) : عن بعض فضلاء متأخری المتأخرین.

قبل النفس لا یخلو من إشکال.

قوله : لأنها مخلوقة. ( 1 : 30 ).

العلامة - رحمه الله - قائل بهذا الأصل بلا شک ، وثبوت عدم قبول الأشیاء الطاهرة بالأصل للنجاسة العارضة ، بهذا الأصل ، محل نظر. نعم یثبت بالاستصحاب ، ولیس بحجة عند الشارح ، - رحمه الله .

إلاّ أن یقال : کلامه إشارة إلی قوله تعالی ( خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ) (1) ، وهو فی معرض الامتنان ، فالحمل علی ما هو الأکمل أولی.

لکن إثبات الحکم الشرعی بأمثال ذلک لا یخلو عن مناقشة.

فالأولی التمسک بأصالة البراءة ، لأن النجاسة تکلیف بالتجنب.

وبقوله علیه السلام : « کل شی ء نظیف حتی تعلم أنه قذر » (2) ، وهی موثقة ، فتکون حجة ، کما بیناه فی موضعه ، مع أنّ مضمونها مقبول عند الأصحاب. وهما دلیلان لأصالة طهارة الأشیاء.

مضافا إلی ما یظهر من تتبع تضاعیف الأحادیث والأحکام الواردة فیها ، وطریقة المسلمین فی عملهم فی الأعصار والأمصار ، واتفاق فتاوی فقهائهم.

قوله : وصحیحة حریز. ( 1 : 31 ).

فی الصحة تأمل ، لأنّ الکلینی روی عنه عمن ذکره ، عن الصادق علیه السلام ، وهو أضبط من الشیخ. مع أنّ الراجح السقوط لا الزیادة. ویؤیده ما ذکره یونس من أنه ما سمع عن الصادق علیه السلام إلاّ حدیثین (3). مع أنه

عدم تنجسّ الماء الجاری قلیله وکثیره بالملاقاة

أدلّة القائلین بعدم تنجس الماء الجاری قلیله وکثیره بالملاقاة

إشارة إلی أنّ الکلینی أضبط من الشیخ.

ص: 46


1- البقرة : 29.
2- التهذیب 1 : 284 / 832 ، الوسائل 3 : 467 أبواب النجاسات ب 37 ح 4.
3- رجال النجاشی : 144 / 375.

تحقق الاضطراب المانع عن ثبوت الصحة. وإن کان الأظهر عندی حجیة أمثال هذه الأحادیث.

وقوله : الماء یمرّ به الرجل وهو نقیع.

الأظهر أنّه غیر الجاری. ولعل وجه الاستدلال أن وضع الظاهر موضع المضمر فی قوله علیه السلام : إن کان الماء. ، ظاهر فی أن ما ذکر حکم مطلق الماء.

لکن إن حمل علی ما یعم القلیل یشکل حمله علی خصوص الجاری ، وکذا علی الأعم والبناء علی إرادة خصوص الکثیر بالنسبة إلی الراکد ، والأعم إلی غیره ، لأنّ السؤال کان عن الراکد ، لأن البناء علی أن السؤال لما کان عن الکثیر منه - کما هو الظاهر - صح الحمل المذکور یوجب رفع الوثوق بالنسبة إلی عموم غیره أیضا ، فتأمّل.

قوله : إلی الماء القلیل. ( 1 : 31 ).

لعل الأظهر أنه الراکد ، إذ الغالب فی التعبیر عن الجاری بالعین أو الجاری. مع ندرة تحقق جار یکون مجموعه أقل من الکر ، سیما فی بلاد السائل والمسؤول ، وسیما مع أن یکون - مع کونه أقل منه - یغترف فیه الإناء.

إلاّ أن لا یکون المراد من القلیل هو الأقل ، فیسقط حینئذ عن الاحتجاج.

إلاّ أن یقال : فالجاری بطریق أولی ، أو أنه لم یقل أحد حتی العلامة - رحمه الله - باشتراط الکریة فی خصوص غیر الراکد ، لکنه یتوجه حینئذ أن الشارح - رحمه الله - غیر قائل بطهارة القلیل من الراکد ، إلاّ أن یقول : الحمل علی الجاری أقرب محامله ، وفیه ما فیه ، وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله تعالی.

قوله : جعل العلة فی عدم. ( 1 : 32 ).

لعله الأظهر ، ویؤیده ما سیجی ء فی ماء الحمام.

ص: 47

قوله : أو فی طهارته. ( 1 : 32 ).

علته أنه إذا کانت رافعة للنجاسة فکونها دافعة اولی ، بل لعله یفهم أن وجود المادة مع عدم التغیر سبب للطهارة مطلقا ، فتأمل.

وقوله : والعلة المنصوصة. ، لفهم ذلک عرفا ، فلا یضره المناقشات.

ثم لا یخفی أنه یمکن الاستدلال بما سیجی ء فی ماء الحمام من الاخبار ، ومنها ما سیذکره الشارح ، وما سنذکره أیضا ، مثل : « ماء الحمام کماء النهر یطهر بعضه بعضا » (1) ، لظهور أنه بمجرد الملاقاة وحین تحققها یطهر ، من دون تراخی زمان أصلا ، وهذا فی حکم عدم الانفعال.

مع أن الثمرة متحققة قطعا ، بل لعله کنایة عن عدم الانفعال.

قوله : لفقد اللفظ. ( 1 : 32 ).

ولأنه یکفی لتحقق فائدة الشرط تحقق المخالفة فی الجملة ، ولعدم فهم العموم فی المنطوق ، فلا داعی إلی اعتبار أزید من هذا.

ویمکن أن یستدل علی إفادته العموم بأن عدم الانفعال من حیث هو هو مشروط بالکریة ، کما هو ظاهر العبارة ، لا خصوص ماء ، والمشروط عدم عند عدم الشرط. ولأنّه لو لم یفد العموم لزم خلو حکم المفهوم عن الفائدة ، علی قیاس ما قیل فی المطلق وإفادته العموم.

علی أن غالب ما کان الرواة محتاجین إلیه هو المیاه القلیلة ، لغلبة وجودها عندهم ، فکیف یناسبها الإجمال فی حکمها؟! مضافا إلی أنّهم لما کانوا یسمعون هذه الأحادیث یقنعون ویسکتون.

ویؤیده أیضا أنه لو لم یکن الشرط بالنسبة إلی کل فرد فرد لزم أن لا یکون الکریة فقط شرطا ، بل کون الماء جاریا - مثلا - شرط آخر أو جزء

أدلّة القائلین بتنجس الماء الجاری بالملاقاة والجواب عنها

ص: 48


1- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.

الشرط ، فلم قال علیه السلام : إن کان کرا لا ینفعل؟! وأیضا فرق بین أن یقال : الماء طاهر ، وأن یقال : الماء لا ینجسه شی ء إن کان کرا ، وکما أن الأول یرجع إلی العموم فکذا الثانی ، فتأمل.

وبالجملة : الظاهر أنه لا وجه للتأمل فی إفادته العموم ، لکن بالنسبة إلی غیر الصورة النادرة ، کما أن الحال فی غالب المنطوقات فی إفادة العموم أیضا کذلک ، لو لم نقل : کلها ، فتأمّل.

ولعله لما ذکرنا ذهب أکثر فقهائنا (1) إلی عموم الانفعال فی الراکد ، وما وجد منهم تأمل فی إفادة المفهوم العموم ، مثل ما وجد من الشارح - رحمه الله - وغیره ممن وافقه علی عدم الإفادة فی أمثال زماننا وما یقرب منه.

ومما ذکرنا ظهر حال جمیع المفاهیم فی إفادة العموم وعدمها.

قوله : تعارضا من وجه. ( 1 : 32 ).

صحیحة محمّد بن إسماعیل تعارضها مع المفهوم وإن کان من وجه لکن کون القیاس المنصوص العلة منطوقا محل تأمل ، وبعد التسلیم کون مثله أقوی من المفهوم محل نظر کیف ومعظم المحققین علی أن المفهوم حجة ، بخلاف المنصوص العلة ، فإن الکثیر لم یذهبوا إلی حجیته.

إلاّ أن یکون مراده أنه أقوی من عموم المفهوم لا نفسه ، ولا بدّ من تأمل فیه. مضافا إلی أنّه خلاف ما یظهر من العبارة.

وأمّا غیر الصحیحة فالتعارض بحسب الظاهر لیس من وجه. إلاّ أن یکون مراده أنه مخصص ومختص بغیر الراکد القلیل ، لما سیجی ء من خصوص النصوص الواردة فی انفعال الراکد القلیل ، فیکون المراد من هذه العمومات أن غیر الراکد القلیل لا ینفعل ، والعام المخصص حجة فی

ص: 49


1- فی « ج » و « د » : الفقهاء.

الباقی ، ودلالته من باب المنطوق وإن کان مجازا ، فالمعارضة بینه وبین المفهوم ، لا المعنی الحقیقی ، لکونه غیر مراد.

لکنه یخدشه أنه موقوف علی ثبوت تقدم المنصوص بالخصوص علی المفهوم ، بل لم یوجد إلا عمومات مطلقات وخصوصات کذلک (1) ، وکل واحد ( أعم مطلقا و) (2) أخص مطلقا.

وبالجملة : غایة ما یثبت أن الراکد القلیل خارج منها ، ولا ینافی ذلک خروج غیرها ، نعم لو کان یظهر ذلک لکان الأمر کذلک ، فتأمّل.

ویمکن أن یقال : أقربیة المجازات ترجح عدم الخروج ، إلاّ أنّها لا تقاوم العمومات التی فی الخاص ، ولا توجب تخصیصا ، لأن بقاء هذا العام علی عمومه أقوی من أقربیة المجاز ، وإلا لیفسد الأمر فی العام والخاص المطلقین ، فتأمّل.

إلاّ أن یقول : إن عموم المفهوم ضعیف ، یعارضه ویقاومه الأقربیة ، وتترجح علیه أو تساویه ، وحینئذ یحصل الاحتمال المنافی للاستدلال ، لکن هذا یرد علی الشارح أیضا عند استدلاله بالمنطوقات العامة ، إلاّ ان الشارح التزم بما ذکر علی ذلک التقدیر فقال : عمومان تعارضا.

مع أن عموم المفهوم بالنسبة إلی القلیل الجاری أضعف البتة ، لندرة تحققه فی بلد السائل والمسؤول - وفیما بینهما أیضا - غایة الندرة ، بل غیر ظاهر التحقق. هذا.

والأولی فی الجواب أن یقال : إن اختار العلامة العموم من وجه فالأمر علی ما ذکره الشارح - رحمه الله - وإن اختار العموم المطلق ، کما هو مقتضی

ص: 50


1- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : أی مطلق لا من وجه.
2- ما بین القوسین أثبتناه من « ه ».

استدلاله ، نقول : الخاص مقدم إذا کان دلالته قویة ، بل وأقوی ، لأن عموم المفهوم - علی تقدیر تحققه - لیس بحیث یقاوم المنطوق ، فضلا عن أن یکون أقوی ، سیما مع اعتضاده بأمور کثیرة :

( منها الکثرة ) (1) ، ومنها العلة المنصوصة ، ومنها ما سنذکر فی ماء الحمام ، ومثل نفی البأس أصلا ورأسا فی البول فی الجاری ، کما ورد فی غیر واحد من الأخبار (2) ، سیما بملاحظة الحکم بالکراهة فی الراکد ، ومنها الإجماع المنقول ، ومنها اشتهار الفتوی ، وشذوذ الفتوی بالآخر ، ومنها الأصول المتعددة التی مرت ، ومنها الأوفقیة للشریعة السمحة السهلة ، والإطلاقات فی إزالة الأحداث والأخباث ، وقوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (3) ، ومنها وهن العموم فی المفهوم بما سیجی ء فی مباحث البئر وماء المطر وغیرهما ، ومنها الاعتضاد بظواهر القرآن.

فظهر عدم جواز التخصیص علی المذهب الآخر أیضا ، وهو کفایة المقاومة والمقابلة للخاص مع العام فی مقام التخصیص ، من دون اشتراط کون الخاص أقوی ، لکونه للجمع بین الأدلة. مضافا إلی أن الجمع غیر منحصر فی ما ذکر للعمل به فی الراکد القلیل ، لکونه مرادا علی أی تقدیر.

قوله : وقوة دلالة. ( 1 : 32 ).

فیه : أنّه قد ورد بعض ما دل بالمنطوق ، مثل ما ورد فی الصحیح من أن الدجاجة والحمامة إذا کانت تطأ العذرة وتدخل الماء لا یتوضأ منه إلاّ أن یکون کرا (4).

ص: 51


1- ما بین القوسین غیر موجود فی « ج » و « د ».
2- الوسائل 1 : 143 أبواب الماء المطلق ب 5.
3- النساء : 43 ، المائدة : 6.
4- التهذیب 1 : 419 / 1326 ، الاستبصار 1 : 21 / 49 ، مسائل علی بن جعفر : 193 / 1. الوسائل 1 : 159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 4.

لکن فی استفادة العموم منه سیما بحیث یقاوم ما أشرنا تأمل ، لأن الظاهر منه غیر الجاری ، لأن السابق إلی الذهن منه أنه الذی وطأته الدجاجة والحمامة ، والجاری غالبا لا یقف ، بل یذهب ویجی ء موضعه غیره ، ویکون کثیرا أزید من کر ، فضلا عن أن یکون أقل منه.

مع أن تحقق الجاری الأقل من الکر فی بلد السائل والمسؤول مما یکاد یحکم بعدمه ، بل ویحکم ، سیما وأن یکون فی الدور والمساکن ، بحیث تطأ الدجاجة والحمامة وتدخله.

ومما ذکر ظهر الوهن فی عموم المفهوم أیضا.

قوله : لو نقص. ( 1 : 33 ).

یعنی الذی یمتزج بالماء بعنوان الدفعة العرفیة ، لو شرطها ، أو مجموع ما بین المتغیر وأصل المنبع ، لو لم یشترط ، فتأمل. والمراد التدافع من قبل المنبع ، وعلی خصوص المتغیر ، فتأمل.

قوله : بجهالة بکر. ( 1 : 34 ).

لا یخفی أن مضمون الروایة لا تأمل فیه ، لما سنذکره ، فلا وجه للقدح فی سندها.

مضافا إلی أن المشایخ ذکروها علی سبیل الاعتماد والاعتداد ، ووافقها غیرها من المعتبرة. مع أن سندها إلی صفوان صحیح ، وهو عن منصور الثقة ، عنه ، وصفوان ممن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه ، وکذا ممن لا یروی إلاّ عن ثقة ، کما صرح به الشیخ فی العدة (1).

قوله : وعدم اعتبار. ( 1 : 34 ).

عدم انفعال الجاری إنما هو من جهة أن له مادة متصلة به ، وماء

ماء الحمّام

هل تشترط فی مادّته الکرّیّة أم لا؟

ص: 52


1- عدة الأصول 1 : 386.

الحمام حکم فیها بأنه بمنزلته ، مع أن المتعارف أن له مادة قطعا ، والجواب هو ما سیذکره.

لکن یمکن أن یستدل له بعموم المنزلة ، والظاهر أنّ وجه الاستدلال هو هذا ، وظاهر أنّ الجاری لم یعتبر فیه الکریة أصلا ، ولو کان من الأفراد النادرة. إلاّ أن یمنع الشارح - رحمه الله - عمومها ، وعلی فرض تمشی المنع فهو جواب آخر ، فتأمّل.

وبما قررنا ظهر أنّه لا حاجة إلی اعتبار المادة ، بل یکفی المنزلة ، فتأمّل.

قوله : لما سیجی ء. ( 1 : 34 ).

ما سیجی ء لیس إلاّ المفاهیم - ولا عموم لها عنده - وما ورد فی الموارد الخاصة ، وغیر خفی أنّها ظاهرة فی غیر الحمام ، ولم یثبت إجماع مرکب ینفع المقام حتی یستعین به ، سیما بعد ما اعترف بقوله : والحال یقتضی العکس ، کما صرحوا به ، فکیف یمکن بعده دعوی الإجماع المرکب ، وعدم جواز القول الثالث.

فلا یمکن دعوی تنقیح المناط أیضا ، سیما بعد ورود ظواهر من الأخبار أیضا ، منها ما ذکره ، ومنها ما ورد عنهم : « انّ ماء الحمام کماء النهر یطهر بعضه بعضا »(1).

وروی أیضا فی الصحیح : انّ ماء الحمام الذی فیه الجنب وغیره ینضح علی الرجل ، فقال علیه السلام : « ألیس هو بجار؟ » ، فقیل : بلی ، فقال : « لا بأس » (2).

ص: 53


1- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 ، أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.
2- الکافی 3 : 14 / 3 ، التهذیب 1 : 378 / 1169 ، الوسائل 1 : 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8. بتفاوت یسیر.

وعن أبی یحیی الواسطی (1) ، عن بعض أصحابه ، عن أبی الحسن الهاشمی : عن ماء الحمام یقوم علیه الرجال ، لا أعرف الیهودی من النصرانی ، والجنب من غیر الجنب ، قال : تغتسل منه ولا تغتسل من ماء آخر ، فإنه طهور (2).

وفی الفقه الرضوی : ماء الحمام سبیله سبیل الجاری إذا کان له مادة (3).

بل بعد تأمل لعله لا یبقی فرق معتد به بینه وبین الجاری ، بالنظر إلی الأدلة ، وحکایة عدم اشتراط الکریة ، وما استدل به الشارح - رحمه الله - علیه فی الجاری یمکن أن یستدل به أیضا فی المقام ، وما أورده یمکن أن یرد علیه هنا ، فتأمل.

قوله : ولأن المادة. ( 1 : 34 ).

لا یخلو بحسب الظاهر عن مصادرة ، إلاّ أن یکون مراده أنه کذلک بالقیاس إلی الأدلة والقواعد الشرعیة الممهدة. والفرق بینه وبین السابق أنه إشارة إلی ما یظهر منه المانع عن الانفعال ، والأول إلی ما دل علی الانفعال ، فتأمّل.

قوله : لعموم قوله. ( 1 : 35 ).

یعنی أنه یصدق علی المجموع أنّه قدر کر ، فیشمله العموم ، وإن لم یصدق علیه الوحدة عرفا ، کما سیصرح بذلک. لکن لا نزاع فی العموم ولا شموله لکل ماء واحد حقیقة ، وإنما الکلام فی دخول الکر المتصل فیه ، مع

هل تشترط کریّة ما فی الحیاض؟

ص: 54


1- فی النسخ : أبی الحسن الواسطی : والصحیح ما أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 1 : 378 / 1171 ، الوسائل 1 : 149 أبواب الماء المطلق ، ب 7 ح 6.
3- فقه الرضا : 86 ، المستدرک 1 : 194 ، أبواب الماء المضاف ب 7 ح 2.

عدم صدق الوحدة عرفا ، وسیجی ء الکلام فیه.

قوله : ومن العجب. ( 1 : 35 ).

لم نجد فیه تعجبا ، لأنّ اعتباره الکریة بناء علی ما هو الغالب فیه من النزول من مثل المیزاب ، وقد اعترف الشارح - رحمه الله - بعدم صدق الوحدة ، کما سیجی ء کلامه ، ومقتضی هذا الانفعال عندهم بالنسبة إلی ماء الحمام الذی هو عبارة عما فی الحیاض الصغار ، کما صرح به.

وأمّا عدم استشکاله فی الحمام فللأخبار المعمول بها ، وفتاوی الأصحاب ، بل الإجماع ، إذ لا شک فی عدم انفعال مثل هذا عند کافة المسلمین ، وأنّهم فی الأعصار والأمصار کانوا یتطهرون به. وبهذا یظهر وجه استشکاله [ فی ] انسحابه إلی غیره.

وأمّا تصریحه بتقوّی الأسفل فلعله فی صورة الانحدار ، بناء علی أنّه لما کانت النجاسة لا تسری إلی الفوق فکذا الطهارة.

لکن یرد علیه ما سیورده من انفعال النهر العظیم المنحدر (1). والأظهر أن رأیه تغیر ، وهو غیر عزیز من المجتهدین ، لأنّه شاهد علی تجدد النظر وتکراره والإمعان والدقة ، وعدم المساهلة والتقلید وجمود القریحة. ولذا جعل عدم التغیر قدحا فی الاجتهاد ، لکونه کاشفا عن المسامحة أو شائبة تقلید أو جمود القریحة ، إذ عادة لا یمکن استقرار الرأی مطلقا ، أما عند من اشترط التجدد فظاهر ، وأمّا عند من لم یشترط إذا اتفق التجدد ، مع أنّه لا تأمّل فی حسنه ، فتأمّل.

( ویمکن أن یکون حکمه فی الحمام بکریة المادة بناء علی ما هو المتعارف فیه من أخذ مائه فی استعماله وذهابه علی سبیل التدریج ، فلا یبقی

ص: 55


1- انظر المدارک 1 : 45.

قدر الکر ، وأنّ استعمالاته ربما تغیر شیئا منه ، وأمّا الغدیران فربما حکم فیه بمجرد الملاقاة ، فتأمّل ) (1).

قوله : إنّما هو لصیرورة. ( 1 : 36 ).

کونها علة لعدم قبول الوارد من الخارج ودفعه إیاها لا یستلزم علیتها لعدم قبوله للداخلة ورفعها إیاها ، وهل هو إلاّ قیاس مع الفارق؟! لأن الدفع أهون.

وقوله : امتزاج کل جزء. ، بناء علی أن المطهر لا بدّ أن یماس المطهر حتی یطهر ، إذ لا یکفی مماسة الجار.

وقوله : لعدم العلم. ، مبنی علی استصحاب النجاسة حتی یتحقق العلم بالمزیل ، وأنّ شرط الطهارة المماسة ، فالشک فیها یوجب الشک فیها ، وهو أیضا مبنی علی الاستصحاب ، وإلاّ فالأصل فی الماء الطهارة ، فیکفی الشک فی النجاسة لحصول الطهارة.

اللهمّ الا أن یرید العلم بالعدم ، وفیه منع ظاهر ، إذ ربما یتحقق العلم العادی بالمماسة ، کما فی مثل السکنجبین.

لا یقال : لا بدّ من العلم بالوصول وهو متصل بالمادة.

لأنا نقول : یتحقق بالنسبة إلی الطبقة الأولیة ، ثم بعد طهارة تلک الطبقة یتحقق مزج تلک الطبقة مع ممزوجها بالطبقة الثانیة ، وهکذا. سیما مع أن الأصل فی الماء الطهارة حتی یتحقق العلم بنجاسته.

وقوله : لم یکن. أیضا قیاس مع الفارق ، لأن الاتصال المشوب بالمزج لیس مثل غیر المشوب فی الضعف.

وقوله : بعدم طهارته. أی البعض الأخر ، فیه أنه یلزم القول بعدم

طریق تطهیر ما فی الحیاض

ص: 56


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

الطهارة من الحین ، أما بعد مضی قدر استعمل فیه أسباب الخلط وإدخال البعض الأول مع الممزوج به فی هذا الآخر ، فإنه یتحقق العلم بالمزج فی غایة القرب ، لغلبته وکثرته الزائدة ، فتأمّل.

وقوله : انّ المداخلة ممتنعة. ، إن أراد التداخل الحکمی فلا شک فی امتناعه ، کما أنه لا شک فی عدم الداعی إلیه ، وإن أراد دخول البعض فی خلل البعض بحیث یتحقق المماسة التی أشرنا إلیها فلا شک فی عدم امتناعه ، إلاّ أن یرید امتناع العلم ، وفیه ما مر ، وکذا فی قوله : فالمعتبر.

قوله : اعتبار حسن. ( 1 : 36 ).

نبه بذلک علی فساد الأدلة السابقة ، ومع ذلک حسنه موقوف علی ثبوت العموم ، کما سیذکر (1).

قوله : وذلک یقتضی. ( 1 : 37 ).

فیه ما أشرنا فی بحث التغیر التقدیری ، مضافا إلی أصالة بقاء النجاسة ، وأصالة عدم الطهارة ، فتأمّل.

قوله : بأصالة عدم الطهارة. ( 1 : 37 ).

الظاهر أن مراده - رحمه الله - استصحاب النجاسة إلی أن یثبت المزیل ، والشارح غیر قائل بحجیة الاستصحاب ، لکن سیصرح فی زوال التغیر من قبل نفسه بأن مرجع هذا الاستصحاب إلی عموم الأدلة الدالة علی النجاسة وعلی المنع من الاستعمال ، مثل قوله : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنّه قذر » (2) ، إذ المستفاد منه أن غایة ما یجوز الحکم بطهارته حصول العلم بالنجاسة ، وأنّ الحکم بها مستصحب إلی ذلک الحین خاصة ، وبعده لا

ص: 57


1- فی « ه » : سنذکره.
2- الوسائل 1 : 133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 2 ، 5.

یجوز الحکم بها مطلقا ، بل الحکم بالنجاسة مطلقا ، ووجوب التنزه عنه بالمرة رأسا. ویؤیده ما ورد من الأمر بالتنزه عن الإنائین المشتبهین ، وبصب المیاه النجسة (1) ، وغیر ذلک.

علی أن الظاهر أن الطهارة والنجاسة من الأمثلة التی تظهر من تتبع تضاعیف الأحکام الواردة فی الأحادیث وأقوال الفقهاء فی الموارد والمقامات الخاصة أنها مستصحبة إلی أن یثبت خلافها ، بل فی المقام أیضا یظهر اتفاقهم علی الاستمرار إلی أن یثبت خلافها ، حتی أنه لو لم یکن الاتصال مطهرا شرعیا عند القائل به لکان قائلا بالنجاسة البتة ، وکون النجاسة مستصحبة إلی حین الاتصال ، مع عدم کونه مطهرا شرعیا ، خلاف ما یظهر من الأدلة وکلامهم. علی أنه سیظهر لک أن حجیة الاستصحاب قریبة.

ویحتمل أن یکون المراد من الأصل القاعدة ، وهی أن الطهارة الشرعیة تحتاج إلی دلیل شرعی ، ولا عموم للأصل والعمومات حتی یشمل ما نحن فیه ، فتأمّل.

قوله : لکن فی إثبات العموم نظر. ( 1 : 37 ).

استدل علیه بالإطلاقات الواردة فی ان الماء طهور ، ومضی الکلام فی أن المراد منه المطهریة ، ومنع رجوع مثل هذا الإطلاق إلی العموم.

ویمکن أن یستدل علیه بما فی بعض الأخبار من « ان ماء الحمام کماء النهر یطهر بعضه بعضا » (2) ، لإفادة شمول مطهریة الماء لنفسه أیضا ، وأنه بمجرد الملاقاة والاتصال ، حیث لم یشترط فیه المزج ، إذ لو کان شرطا لذکره ، إذ المقام یحتاج إلی ذلک ، ولیس الاستعمال حال الملاقاة بنادر التحقق حتی یقال بکفایة الندرة عن الحاجة إلی ذکر الشرط ، فتأمّل.

ص: 58


1- انظر الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 8.
2- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.

وهذا وإن ورد فی الحمام والجاری إلاّ أنّه یمکن أن یتمم بعدم القول بالفصل ، وما ورد فی بعض الأخبار من قوله علیه السلام : « ألیس هو بجار » (1). فتأمّل.

مضافا إلی عدم ظهور مآخذ القول بالمزج أصلا من الأخبار والأدلة ، إذ ما استدل له ظاهر الفساد ، ولم یدّع إجماع فیه ، ولا استند القائل به علیه. ومجرد الاتفاق هنا یکون إجماعا اصطلاحیا یحتاج إلی تأمّل.

وأیضا لم یعلم القدر المعین منه بحیث یکون هو مناطا للحکم. فتأمّل.

إلاّ أن یؤول کلامه إلی ما ذکرنا فی الحاشیة السابقة عند قوله : إنما هو لصیرورة. فتأمّل.

فإن قلت : ظاهر الخبر الاختصاص بالحمام والجاری ، حیث قال : « ماء الحمام کماء النهر ».

قلت : مفهوم اللقب لیس بحجة علی المشهور ، لما ذکر فی موضعه ، سیما بعد ما أشرنا هنا.

مضافا إلی أنّ منشأ التخصیص والتمثیل کونهما مقرونین مع المطهر ، وکونه من أنفسهما ، فلا یحتاج إلی کلفة ، بخلاف غیرهما ، لاحتیاجه إلی کلفة ، مع مهانة الماء غالبا ، وارتکاب مثل هذه الکلفة فی تحصیل هذا المهین مرجوح فی نظر الشارع ، إذ لا عنایة له بها فیه ، فتأمّل. والاحتیاط مراعاة الامتزاج.

قوله : ویلوح. ( 1 : 37 ).

مشکل ، لما فی ماء الحمام عندهم من الخصوصیة ، هذا مع ما

الماء المحقون

إشارة إلی أنّ مفهوم اللقب لیس بحجّة

ص: 59


1- الکافی 3 : 14 / 3 ، الوسائل 1 : 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8.

ستعرف.

قوله : أطبق علماؤنا. ( 1 : 38 ).

یشعر العبارة بأنّ ابن أبی عقیل ربما یکون مخالفا للإجماع ، ویؤیّده أن الصدوق - رحمه الله - فی خصاله قال : من دین الإمامیة الإقرار بأن الماء کله طاهر حتی تعلم أنه قذر ، ولا یفسد الماء إلاّ ما کانت له نفس سائلة (1) ویؤکده أیضا ما ستعرف.

قوله : والمعتمد. ( 1 : 38 ).

ما دل علی الانفعال نصا أو ظاهرا فی غایة الکثرة ، بل ربما یظهر من ملاحظة مجموع ما ورد فی مباحث المیاه ، مثل مبحث الجاری ، والحمام ، والبئر ، وتعیین الکر والأشبار (2) ، واشتباه الإنائین النجسین (3) ، والغسالة ، ومباحث النجاسات ، وتطهیر الأوانی سیما مبحث الولوغ ، والثیاب ، وإدخال مثل الجنب یده فی الماء القلیل ، ومبحث ماء المطر ، وبحث الوضوء ، وبحث الوضوء والغسل ، وقضاء الصلوات وإعادتها ، والأطعمة والأشربة ، ومتعلقات هذه المباحث ، ونصوصها وأدلتها ، وکذا غیر ذلک من المواضع. والحاصل أن أدلته وأخباره متواترة معنی.

مضافا إلی أن کثیرا منها اشتهر بها الفتوی من القدماء والمتأخرین ، بل ربما لا یظهر له مخالف ، بل ربما صرحوا بالإجماع ، وربما فرعوا تفریعات اعتنی بشأنها القدماء والمتأخرون ، فتتبع وتأمّل.

وصرح جدی العلامة المجلسی - رحمه الله - بما أشرنا إلیه من التواتر

نجاسة الماء القلیل بالملاقاة

أدلة القول بنجاسته

ص: 60


1- لم نعثر علیه فی الخصال ، ووجدناه فی الأمالی : 514.
2- فی « ه » : والأسآر.
3- فی « ه » : النجس.

بالمعنی (1). وممّن صرح بذلک أیضا صاحب المعالم فی معالم فروعه (2). بل وربما صرحوا بأن حدیث : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » من المتواترات.

وأمّا الدلالة علی الانفعال فمن جهة الکثرة ، وتضاعیف الأنحاء ، وتعاضد بعضها ببعض ، مضافا إلی فتاوی الجل بل کاد أن یکون الکل ، صارت بحیث لا مساغ للحمل علی الکراهة بأجمعها ، سیما وأن یکون کراهة بحیث لا مضایقة أصلا ورأسا من الاستعمال ، کما هو مقتضی جل أدلة الخصم وظاهر استدلاله وفتواه ، بل ربما یکون القول بالکراهة ، سیما المغلظة ، کما یرتکبه موافقوه الآن من الأقوال المستحدثة والخارجة عن مقتضی جل أدلة الطرفین ، بل کاد أن یکون الکل ، کما ستعرف ، فتأمّل.

مع أنّ کثیرا من الأخبار لا یکاد یقبل التوجیه ، مثل روایتی الإنائین (3) ، وروایة الولوغ (4) ، سیما بعد ملاحظة ما سیجی ء فی مبحثه.

وروایة عمار فی زیادات التهذیب عن الصادق علیه السلام : الرجل یجد فی الإناء فأرة ، وقد توضأ مرارا وغسل ثیابه واغتسل ، وهی متسلخة ، قال : إن رآها قبل الغسل والوضوء والغسل فعلیه أن یغسل ثیابه ، ویغتسل ، ویغسل کل ما أصابه الماء بعد الوضوء والصلاة. وإن کان رأی بعد ما فرغ فلا یمس من الماء شیئا ، ولیس علیه شی ء ، لأنه لا یعلم متی سقطت ، لعلها سقطت تلک الساعة (5).

ص: 61


1- روضة المتقین 1 : 54.
2- معالم الفقه : 5.
3- الکافی 3 : 10 / 6 ، التهذیب 1 : 248 / 712 ، 1 : 249 / 713 ، الاستبصار 1 : 21 / 48 ، الوسائل 1 : 155 ، 69 أبواب الماء المطلق ب 8 ، 12 ح 14 ، 1.
4- انظر المدارک 1 : 39.
5- التهذیب 1 : 418 / 1322 ، الوسائل 1 : 142 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 بتفاوت فی العبارات.

وفی الموثق کالصحیح عن محمّد ، عن الصادق علیه السلام : الکلب یشرب من الإناء ، قال : « اغسل الإناء » (1) ، وغیر ذلک من الأخبار ، فتأمّل.

قوله : لنا قوله. ( 1 : 38 ).

لا یقال : لم تثبت الحقیقة الشرعیة.

لأنا نقول : المتحقق فی موضعه أن حال کلام الصادقین علیهماالسلام ومن بعدهما حال المتشرعة. علی أن الحمل علی اللغوی لا یصح ، إذ لا یسأل عنه (2) الجهّال فضلا عن الفقهاء ، وسیما عنهم علیهم السلام .

وأیضا ولوغ الکلب وأمثاله لا دخل له فیه ، وکون الماء قدر کر لا ربط له فی عدمه ، وکذا کونه أقل لا دخل له فی وجوده.

وکون المراد أمرا شرعیا وهو الکراهة ، یأباه أن الصارف عن اللغوی یعین المصطلح علیه ، وهو مسلم عند المنکرین ، وعلیه المدار فی الفقه ، ووجهه القطع بکثرة استعمال الشارع فیه إلی أن وقع النزاع فی صیرورته حقیقة فیه عنده ، وقال به الأعاظم من الفحول ، وکونه حقیقة فی قرب من الزمان وفاقا ، فلیس من قبیل سائر المجازات سیما نادر الاستعمال ، وخصوصا إذا لم یظهر استعماله ولم یثبت.

مع أن القرائن ظاهرة من الأخبار علی أن مراد السائل ما کان السؤال عن الکراهة. مع أنّ غیر واحد من أخبارهم صریحة فی النجاسة ، أو ظاهرة غایة الظهور ، کما أشرنا. مع أن المشهور المعروف عند المسلمین کان

ص: 62


1- التهذیب 1 : 225 / 644 ، الاستبصار 1 : 18 / 39 ، الوسائل 1 : 225 ، أبواب الأسآر ب 1 ح 3.
2- فی « ج » و، « د » : عن.

الإشکال والاختلاف فی الانفعال وعدمه ، ولأجل هذا کان فقهاء أصحابهم : یسألونهم بأن الحق ما ذا ، ویریدون الحق عندهم : ، کما لا یخفی علی المتفطن.

قوله : ما دون الکر. ( 1 : 38 ).

بل نقلوا الإجماع علی حجیة هذا المفهوم بخصوصه (1).

قوله : وهو کنایة. ( 1 : 39 ).

ویؤیده ما ورد عنهم علیهم السلام من المنع عن صب فضلة الماء وعده إسرافا (2) ، وقد ورد الأمر بالإهراق فی ملاقاة النجاسة فی کثیر من الأخبار (3).

قوله : قد تواتر. ( 1 : 39 ).

یشبه أن یکون وقع لابن أبی عقیل اشتباه بین هذا المضمون وبین قولهم : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر » وأمثاله ، إذ لو کان هذا المضمون متواترا عنهم علیهم السلام فی عصره فلم لم یروه أحد ممن عاصره والمقاربین لعصره بطریق واحد فضلا عن التواتر؟ وما أشاروا الی ذلک فی مقام الاستناد والاستدلال ، سیما مع شدة جهدهم فی ضبط روایاتهم ، حتی الشواذ ، وغیر المعمول بها أو بظاهرها ، مع نهایة مهارتهم فیها ، بل بذلوا جهدهم فی ضبط روایات العامة عن النبی صلی الله علیه و آله ، وعلی علیه السلام وغیرهما ، مما یمکن أن یتأید به.

ولذا روی بعضهم هذا المضمون من طریق العامة عنه صلّی الله علیه

أدلّة القول بعدم النجاسة

ص: 63


1- لم نعثر علی ناقله.
2- الوسائل 5 : 51 أبواب أحکام الملابس ب 28.
3- الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 8.

وآله (1) ، ولم یشر أحد من الخاصة إلی ورود مثله عن الصادق علیه السلام ، أو غیره من الأئمة علیهم السلام فی موضع من المواضع ، مع أنّهم ربما یذکرون الروایة بهذا المضمون من طریق العامة عن النبیّ صلی الله علیه و آله ، ویظهر من علم الرجال أنه ربما یقع أمثال هذا الاشتباه من الرواة.

ولعل ما ذکرنا هو المنشأ لمخالفة سائر الشیعة من الفرقة الناجیة المعاصرین للأئمة علیهم السلام الکثیرین الخلطة لهم ، الراوین منهم ، الوکلاء عنهم ، وکذا قریبی العهد منهم المطلعین علی رأیهم ، بل وطریقة عملهم وعمل أهلهم وخواصهم ، وابن أبی عقیل لم یصل إلیهم ، ولم یستند إلا إلی أنّه قد تواتر عنهم - وفیه ما قد عرفت - وإلی ما روی عن الباقر علیه السلام ، علی تقدیر أنه هو استند إلیه ، لا أن العلامة ذکر له.

مع أنه یقرب فی الظن أن هذه الروایة مختصرة مضمون روایة زرارة عنهم علیهم السلام ، المتضمنة للنجاسة مع تفسخ المیتة دون عدم التفسخ ، وعدمها إذا کان الماء أکثر من راویة ، مع ضعف السند ، مع أنّ الروایة هکذا : قلت له : راویة من ماء سقطت فیها فأرة ، قال : « إذا تفسخ فلا تشرب ولا تتوضأ ، وإن کان غیر متفسخ فاشرب وتوضأ إذا أخرجتها طریة ، وکذلک الجرة ، وحب الماء ، والقربة ، وأشباه ذلک من أوعیة الماء »(2).

فظهر أن نفس هذه الروایة مضمونها ما ذکرناه ، فهی حجة علی ابن ابی عقیل ، لا أنها حجة له ، سیما بملاحظة قوله علیه السلام : وأشباه ذلک من أوعیة الماء ، إذ قال هکذا ولم یقل : وکذلک کل ماء ، أو کل قدر من الماء ، أو کل وعاء منه.

الجواب عن أدلّة القول بعدم النجاسة

ص: 64


1- سنن ابن ماجة 1 : 174 / 521.
2- التهذیب 1 : 412 / 1298 ، الاستبصار 1 : 7 / 7 ، الوسائل 1 : 139 ، أبواب الماء المطلق ب 3 ح 8. بتفاوت یسیر.

فهی تضرّ ابن أبی عقیل من جهتین :

الأولی : الانفعال من المتفسخ دون غیر المتفسخ ، ولم یقل به هو ولا غیره من الشیعة ، فلعله من مذاهب العامة ، فهذا مضعف آخر للروایة ، مانع عظیم للاستدلال ( ومقام التأویل غیر مقام الاستدلال ) (1).

والثانیة : مفهوم الروایة یدل علی انفعال أقل من القربة وأشباه ذلک ، والدلالة ظاهرة ، بل المفهوم مفهوم الحصر ظاهرا ، وأما منطوقها فهو أیضا لا یدل علی مذهبه ، بل علی عدم انفعال قدر خاص. إلاّ أن یراد النقض (2) ، أو التشبّث بعدم القول بالفصل ، وفیه : أنّه سیجی ء ما یظهر منه القائل به ، فالمناسب أن یؤتی بهذا الخبر فی مبحث قدر الکر ویتکلم فیه لا أن یؤتی به دلیلا لابن أبی عقیل.

مع أن المخالف لیس إلا هو ، فإن کان إجماع فهو مخالف ، وإلاّ فکیف یتأتّی له التشبث به؟! فهذا حال معاصریه والقریبی العهد لهم ، وأمّا فقهاؤنا المتقدمون والمتأخرون مع تبائن سلائقهم واختلاف مشربهم اتفقوا علی الانفعال کل الاتفاق ، بل وربما نسبوا ابن أبی عقیل إلی مخالفة الإجماع ، منه ما أشرنا.

وموثقة عمار وسماعة الواردتان فی أنّه إذا وقع فی أحد الإنائین قذر ولا یدری فیهراقان ویتیمّم (3) ، إذ اتفق الأصحاب علی العمل بمضمونها ، ونقل الاتفاق جمع ، منهم الفاضلان (4) ، ونقل الخلاف من خصوص الشافعی (5).

ص: 65


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- فی « أ » و « د » و « و » : النقص.
3- راجع ص 61.
4- المعتبر 1 : 103 ، نهایة الإحکام 1 : 248.
5- حکاه عنه فی الخلاف 1 : 197 وهو فی الأم 1 : 10.

وفی مسألة الولوغ ادعی الشیخ فی الخلاف ، والعلامة فی المنتهی ، والشهید فی الذکری (1) ، الإجماع علی الغسل ثلاثا ، أو لهن بالتراب ، والأصل فیه صحیحة أبی العباس (2) ، وسیجی ء المسألتان مع المباحث والمتعلقات.

وفی بحث قدر الکر نقل الإجماع (3) ، والأصل فیه مرسلة ابن أبی عمیر (4). وفی انفعال غسالة الحمام نقل الإجماع (5). وفی حجیة مفهوم الشرط فی قولهم : إذا کان الماء قدر کر نقل الاتفاق.

وبالجملة : تتبع کثیر من المسائل یشهد بعدم اعتنائهم أصلا بفتواه ، فتأمّل جیدا.

قوله : والجواب. ( 1 : 39 ).

یمکن الاستدلال بأخبار أخر ، إلاّ أن الکل مشترک فی عدم المقاومة ، إما من حیث السند أو الدلالة أو کلیهما ، مع ندرة القائل والمخالفة لما اشتهر بین الأصحاب غایة الشهرة ، لو لم نقل بالإجماع ومظنة اشتباهه.

وأنه لم یستند إلی هذه الأخبار ، ومستنده ، لم یرو فی أصول الشیعة ، ومظنة أن مستنده هی لا غیر ، والمعارضة مع ما هو أکثر بمراتب شتی - لو لم نقل بالتواتر - وأقوی دلالة ، مع صحة السند ، لو لم نقل بالقطع ، کما مر ، والموافقة لمذهب العامة المشهور فی زمان الصدور ، سیما فی الحجاز.

ص: 66


1- الخلاف 1 : 175 ، المنتهی 1 : 187 ، الذکری : 16.
2- التهذیب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 40 ، الوسائل 3 : 516 أبواب النجاسات ب 70 ح 1.
3- کما فی المعتبر 1 : 47 ، والغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 551.
4- انظر المدارک 1 : 47 ).
5- السرائر 1 : 91.

مع أن معارضها متضمن للأحکام الشائعة عند الشیعة المعمولة بینهم ، أو المختصة بهم ، مثل حد الکر وغیره.

مع أن عمدة أسباب الاختلاف التقیة.

وربما یؤیدها (1) اختلاف تحدید الکر ، ویضعف التأیید أن الاختلاف فی الجملة لا یخلو عنه الأحکام الفقهیة ، ولم یجعل الاختلاف مرجح عدم اللزوم أول مرة بالبدیهة ، بل المدار علی الترجیح ، ومع الیأس عنه علی الأصول ، وإلاّ لم یوجد حکم فقهی ، والرجحان ستعرفه. ومع الإغماض فخصوص الزائد محمول علی الاستحباب ، کما هو أحد الأقوال.

نعم لو کان الاختلاف من قبیل اختلاف النزح فالظاهر أنه مرجح ، ولو سلم فقد عرفت ما بإزائه من المرجحات.

فإن قلت : صحیحة زرارة عن الصادق علیه السلام ، عن الحبل یکون من شعر الخنزیر ، یستقی به الماء من البئر ، هل یتوضأ من ذلک الماء؟ قال : « لا بأس » (2) ، خالیة عن الوهن سندا ودلالة.

قلت : لیس کذلک ، لأن نجاسة شعر الخنزیر محل کلام ، مع احتمال کون المشار إلیه ماء البئر بقرینة « یستقی » المفیدة للاستمرار ، مع التعرض لذکر قوله : « من البئر » وتقیید یستقی به ، المشعر بمدخلیته فی السؤال.

وموثقة ابنه الحسین عنه ، عن الصادق علیه السلام : شعر الخنزیر یعمل حبلا ویستقی به من البئر التی یشرب منها ویتوضأ؟ ، قال : « لا بأس » (3).

ص: 67


1- فی « ج » و « د » : یؤیّده.
2- الکافی 3 : 6 / 10 ، التهذیب 1 : 409 / 1289 ، الوسائل 1 : 170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.
3- الکافی 6 : 258 / 3 ، الوسائل 1 : 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.

واحتمال عدم وصول الشعر إلی الماء وإن کان بعیدا ینفع لعدم العلم بالنجاسة ، وهو المعتبر فی موضوع الحکم ، سیما فی الماء عند معظم المحققین ، کما هو مقتضی الدلیل بالنظر إلی موضوع الحکم. وأمّا نفس الحکم فیکفی ظن المجتهد ، کما هو المحقّق والمسلّم ، مع أنّه لا محیص عنهما.

مع أن الأصل فی الأشیاء الطهارة حتی یحصل الیقین بأنه نجسها شی ء - وسیما الماء - بالأخبار الدالة وحکم الاستصحاب.

وسیجی ء التحقیق فی الفرق بین نفس الحکم وموضوعه فی ما ذکر ، فلاحظ.

فإن قلت : فی الحسن : الجنب ینتهی إلی الماء القلیل فی الطریق یرید أن یغتسل ویداه قذرتان؟ ، قال : « یضع یده ویتوضأ ویغتسل » (1) ، الحدیث.

قلت : غیر معلوم أن القلیل أقل من الکر ، ولا أن القذر هو النجس ، لعدم کونهما حقیقتین فیهما ، لا عند الشارع ولا المتشرعة ، ولا قرینة ظاهرة.

مع أنّ قوله : « یتوضأ » یشهد علی البناء علی التقیة ، لظهوره فی المعنی الاصطلاحی ، لثبوت الحقیقة الشرعیة فی کلام الصادقین علیهماالسلام ، کما مر ، مضافا إلی ظهوره من تتبع أحادیثهم ، مع مقارنته مع قوله : یغتسل ، فربما یکون الحدیث من الشواهد علی احتمال التقیة فی ما دل علی الطهارة ، کما مر.

ولعل قوله : لیس علیکم ، مؤید له ، بأن یکون إشارة إلی النجاسة ، وأنّها من جهة التقیة توجب الحرج ، وذلک لأن جواز استعمال النجس

ص: 68


1- الکافی 3 : 4 / 2 ، التهذیب 1 : 149 / 425 ، الاستبصار 1 : 128 / 438 ، الوسائل 1 : 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 5 ، بتفاوت فی العبارة.

اضطرارا خلاف الإجماع ، بل والضرورة ، والطاهر لا حرج فیه أصلا ، وإن کان مکروها ، سیما حال الاضطرار ، فالسؤال لیس عن الکراهة وعلاجها حال الاضطرار ، مضافا إلی بعده فی نفسه.

علی أنّه لو کان السؤال عن علاج الکراهة لتعین کون المراد من القذر معناه الحقیقی مع أنّه لا صارف عنه ، فلا دلالة له بوجه من الوجوه. فتأمّل.

قوله : وإمکان تأویلها. ( 1 : 40 ).

وإن کان بعیدا ، بناء علی أن الجمع أولی من الطرح ، حتی مثل الحمل علی التقیة ( بأن کان هناک قرینة یظهر منها ، وبذهابها صار بعیدا ، کما هو الحال فی جمیع الأخبار المؤولة ، مثل تخصیص العموم ، والحمل علی الاستحباب ، وغیرهما. والأقرب الحمل علی التقیة ) (1) لما مر.

لا یقال : کما یمکن تأویله یمکن تأویل مستند المشهور.

لأنا نقول : هذا موقوف علی تکافؤ الدلیلین ، وقد عرفت حاله ، لأن القاعدة المقررة المسلمة المنصوص علیها التی مدار الفقه علیها ، ولولاها لم یحصل الفقه ، أن المتعارضین إن کان أحدهما راجحا یتعین کونه هو الحجة دون المرجوح ، فلا یمکن تخریب الحجة وتأویلها بسبب المرجوح الذی لیس بحجة ، بل العکس متعین.

وأما الجمع مهما أمکن ، فلا دلیل علیه أصلا ورأسا ، بل خلاف المستفاد من النص ، فضلا عن أن یقدم علی تلک القاعدة المسلمة الثابتة من الأدلة العقلیة والنقلیة ، وأولویة الجمع بتأویل المرجوح إنّما هی لإرجاع ما لیس بحجة إلی الحجة ، وصونه عن مخالفة الحجة الموجبة للبطلان والطرح.

فإن قلت : أصل البراءة ، وأصل الطهارة ، والعمومات ترجح الخبرین.

ص: 69


1- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « ج » و « د » و « ه ».

قلت : لا ترجح إلاّ أحد المتکافئین ، إذ مفاد الأصل أنه لو لم یقتض مقتض یکون کذا ، والراجح مقتض ، کما أشرنا ، والعام یخصص بالراجح ، لأنه قرینة ، سیما بملاحظة شیوع التخصیص ، وعلی ما ذکر یکون المدار فی الفقه. علی أنّها لو کانت مرجحات مطلقا لم یحصل التکافؤ أیضا ، کما عرفت.

علی أن روایة الولوغ لا یمکن تأویلها ، بل وربما کان غیرها أیضا کذلک ، سیما بعد ملاحظة الإجماعات المنقولة ، والتفریعات ، والتعاضد ، وکون التواتر بالمعنی ، وغیر ذلک مما مرّ.

مع أنّه لو فرض إمکان الحمل فلا أقل من الوجوب تعبدا ، أو الکراهة المشددة غایة الشدة ، وشی ء منها لم یفت به ابن أبی عقیل ، بل لم یفت بکراهته أصلا ، فلو لم یعتبر وجود فتوی من القدماء ولم یضر المخالفة عندک لفتواهم فما الداعی لمثل هذا التوجیه الرکیک؟! ولم لا تقول بالانفعال فی هذه الموارد الخاصة ، إذ لا معارض لها بالخصوص ، وأمّا العمومات فالخاص مقدم.

مضافا إلی أنّه کما یظهر منها عدم الانفعال کذا یظهر عدم الکراهة ، فضلا عن تلک الکراهة والوجوب التعبدی ، فتأمّل.

ولا عبرة بعموم المفهوم عندک ، سیّما وأن یعارض المنطوق کما اعترفت. ولا ملازمة بین القول بالانفعال فی الموارد والقول بعموم المفهوم.

مع أنه علی تقدیر التسلیم وتسلیم رجحانه علی المنطوق العام أیضا فالخاص مقدم ، فیلزمه القول بعدم الانفعال فی هذا الخاص ، فإن تمسک بنفی القول الثالث فکذلک نتمسک بنفی القول بالکراهة ، سیما أن تکون مغلظة ، فتأمّل.

علی أن حمل قوله علیه السلام : « وإن لم یغلب فتوضأ واشرب » علی الجواز بکراهة شدیدة بعید أیضا ، فیلزم تخریب جمیع الأحادیث من

ص: 70

الطرفین ، وتخریب أحدهما أولی ، بل یلزم تخریب الصحاح وغیرها ، الصراح والقریبة إلی الصراحة ، وظاهرة الدلالة ، المعمول بها عند الفقهاء ، المتعاضدة بما أشرنا فی الحواشی السابقة ، بخلاف ظاهر خبر ضعیف مستجمع لأسباب الضعف الکثیرة ، مما أشرنا إلیها أیضا ، مضافا إلی عدم وجدان قائل به ، بل وربما یظهر العدم ، وفیه ما فیه.

قوله : لکن لا یخفی. ( 1 : 40 ).

ربما یوهم ظاهر کلامه فی هذا المبحث ورود اعتراض علیه ، بأنّک لو قلت بعموم المفهوم فلا وجه لما ذکرت هاهنا ، وإلا فلا وجه لاختیارک مذهب المشهور بخصوص حدیثین فی موردین مخصوصین ، أو ثلاثة فی ثلاثة ، وجعل روایة الباقر علیه السلام من المعارض ، ثم الطعن فی السند وارتکاب التعسف بإرجاعها إلی المشهور.

وجوابه أنّه - رحمه الله - اختار خلاف ابن أبی عقیل ، أی القدر المشترک بین المشهور ورأی الشیخ والسید ، واکتفاؤه بالحدیثین مبنی علی اعتماده علی عدم القول بالفصل ، أی الخارج عن الأقوال المذکورة ، أو علی الإجماع البسیط علی حسب ما أشرنا ، وإلاّ فالقول بعدم الانفعال فی خصوص الفأرة مما لا یجوز أن ینسب إلی مثله ، لمخالفته الإجماع ، بل وضروری الدین.

فالمنفی فی قوله ولا علی انفعاله. العموم الذی یشمل محل نزاع المشهور مع الشیخ ، لا مطلقا ، یظهر ذلک من تضاعیف أقواله فی هذا المبحث. وقوله : وهو متجه ، یشیر إلی ما ذکرنا ، (1) وإلی تأمله فی رأی الشیخ أیضا.

قوله : وقد استثنی الأصحاب. ( 1 : 40 ).

نبه بذلک علی أن الأصحاب قائلون بالانفعال کلیة إلاّ ما استثنوه ،

ص: 71


1- فی « ب » و « و » زیادة : بل.

ولعل مستندهم الإجماع البسیط الذی أشرنا أو المرکب.

وینبّه علی ذلک حالنا وحال الفقهاء فی کل عصر ومصر ، بأنّا بملاحظة حدیث فی موضع خاص ، مثل حدیث الولوغ ، یسبق إلی أذهاننا انفعال القلیل مطلقا من کل نجاسة ، من دون مدخلیة خصوص ولوغ الکلب مثلا ، سبقا لا تأمّل فیه ولا تزلزل ، ولو أطلعنا علی مثل ما روی عن الباقر علیه السلام مثلا یسبق إلی أذهاننا عدم الانفعال کذلک ، من دون مدخلیة موت الفأرة والجرة.

ثم من جهة السبقین یسبق إلی ذهننا التعارض بینهما ، بحیث نضطر إلی بذل الجهد التام فی استحصال المرجحات وحجیة تلک المرجحات ، ونضطرب فی ذلک ، ثم فی الجمع ولو بتعسفات شدیدة ، أو الطرح بعد الیأس بالمرة ، ولا یختلج بخاطرنا احتمال اختصاص کل بمورده ، حتی فی مقام تعسفات الجمع واضطراب القدح والطرح. مع أنّه لا تعارض أصلا ورأسا لو لا ما یرسخ فی الخاطر من الإجماع.

ولذا لا یوجد تفاوت أصلا فی ما ذکرنا بین القائل بحجیة المفهوم ومنکرها والقائل بعمومه ومنکره ، بل ربما لا یخطر بالبال أصلا فی المقامات المذکورة حدیث المفهوم فضلا عن العموم والإشکال ورفعه بتحصیل رجحان ما. مع أن عموم المفهوم لا یقاوم خصوص المنطوق إجماعا ، فضلا عن أن یترجح علیه وفاقا ، وخصوصا أن یحصل الاطمئنان التام (1) الذی أشرنا.

ومما یؤید قول الأصحاب تتبع تضاعیف الأحادیث الواردة فی المقامات الخاصة التی لا تحصی ، إذ بملاحظة جمیعها ربما یحصل العلم العادی بعدم مدخلیة خصوصیة مادة ، مثلا رأینا الشارع قال فی موضع : إذا شهد عدلان فاعتبروا ، وفی موضع آخر قال کذلک ، وهکذا إلی أن قال فی

ص: 72


1- فی « أ » و « و » زیادة : والیقین.

مواضع لا تحصی ، ربما یحکم بأن الشهادة حجة شرعیة کلیة حتی یثبت خلافه ، ولعله لهذا حکم الفقهاء بالکلیة ، فتأمّل.

ویقوّی ما أشرنا عمومات المفاهیم وأقوال الاعلام ، حتی أن الشیخ والسید استدلا لعدم الانفعال بخصوص دلیل تشبثوا به ، بحیث یظهر أنه لولا ذلک لکانا قائلین بالانفعال مطلقا ، وکذا الحال فی استثناء ماء الحمام وغیره ، فلاحظ وتأمّل (1).

ولنختم المبحث بذکر کلمات عن بعض من قال بعدم الانفعال - وإن ظهر مما سبق فسادها - مزیدا فی التوضیح.

الأولی : لو انفعل شی ء من القلیل لاستحال إزالة الخبث مطلقا ، والتالی باطل بالضرورة من الدین. بیان الملازمة : أن کل جزء من أجزائه الواردة علی المحل النجس إذا لاقاه نجس ، وما لم یلاقه لم یطهر ، والفرق بین ورود الماء علی النجاسة وورودها علیه تحکم. إلی آخر ما قال (2).

ولا یخفی ما فیه ، إذ لا یلزم من انفعال شی ء منه العموم حتی یلزم استحالة الإزالة.

مضافا إلی أنّه لو کان مراده أن العام مما لا یمکن تخصیصه ففساده فی غایة الوضوح ، بل بلغ التخصیص إلی حد الشهرة ، وتلقی بالقبول أنه ما من عام إلا وقد خص ، والحال فی المسائل الفقهیة لعله أزید مما ذکر ، کما لا یخفی ، مع أنه من أول الفقه إلی آخره بناؤه علی تخصیص العمومات.

وإن أراد أن المخصص غیر موجود ، ففیه أن ما ذکروه من الضرورة

ص: 73


1- فی « ألف » و « ب » و « و » زیادة : تذنیب : وممّا یرد علی القائل بعدم الانفعال : أنّه إن وقع کلب أو خنزیر فی الماء وخرج یجوز أن یعصر شعره لإخراج الماء الذی رسب فیه ، أو بطنه لإخراج ما دخل فی بطنه من حلقه ، وإن لم یکف ذلک للوضوء والشرب یبول فیه مقدار ما لا یخرج الماء عن کونه ماء - کما إذا دخل فیه ماء الورد وما ماثله ، وسیجی ء أنّه یجب ذلک عند تعذر الماء - ثم یتوضّأ أو یشرب وإن کان الماء موجودا وافرا ، وفیه ما فیه.
2- انظر مفاتیح الشرائع 1 : 82.

یکفی ، سیما والأخبار کثیرة فی الغسل والتطهیر معمول بها بین المسلمین ، بل من المتواترات المقبولة. مضافا إلی عدم تکلیف ما لا یطاق وعدم الحرج لاشتراط الإزالة فی الواجبات والأکل والشرب وغیرهما ، ولا یحصل بغیر الماء بالضرورة.

وإن أراد انه لو انفعل لکان العلة تنجیس النجاسة وقبول الماء لها من دون مدخلیة عدم إزالة الخبث البتة ، ولا یجوز تخلف المعلول عن علته ، ففساده أیضا کما تقدم ، لأنه قیاس حرام عند الشیعة ، بل وفاسد عند العامة أیضا ، لما ظهر من الفارق.

( مع أنّه لو تم لزم انسداد باب تخصیص العموم ، بجریانه فی کل عام وخاص متنافی الظاهر ) (1). مضافا إلی أن العلل الشرعیة یجوز فیها التخلف بالبدیهة ، سیما المستنبطة فی القیاس ، ولذا لا تعارض ما هو أقوی منه عند القائل به ، فکیف تعارض الظاهر (2) وغیرها مما ذکر.

وإن أراد الاستنباط من تتبع التضاعیف علی حسب ما أشرنا ، ففیه : أنه بعد التمامیة لا محیص من القول بالانفعال ، وإلا فلا اعتراض.

إلاّ أن یقال : لو حمل علی ظاهرها یلزم ذلک ، وفیه : أن القدر الثابت - علی القول به - الانفعال بخصوص ورود النجاسة علیه ، وفی غیر الإزالة لعدم استفادة أزید من ذلک من مجموع التضاعیف ، فدعوی حصول القطع بما یشملها (3) أیضا فاسد قطعا ، بل بملاحظة ما أشرنا من أدلة حصول الإزالة یحصل القطع بعدم الشمول.

ثم قوله : إن لاقاه نجس ، ممنوع ، بل مصادرة ، لعدم العموم فی المفهوم عنده وعند غیره ممن شارکه من المحققین ، وخصوصیات الموارد لا

ص: 74


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ه ».
2- فی « ا » : الضرورة.
3- فی « أ » و « و » : یشملهما.

شمول لها قطعا ، وضمیمة عدم القول بالفصل فاسد ، أما فی ورود الماء علی النجاسة فلقول السید وغیره أیضا ، وأما فی الإزالة فلقول جمع ، وهم بین قائل بالانفعال بعد الانفصال ، وقائل بعدمه مطلقا ، ومستند القولین عدم العموم. واختص الأولون بالاحتجاج بما ورد من الأمر بغسل المنفصل.

علی أنه لا مانع من القول بالانفعال بالوصول وحصول الإزالة ، کما قال آخرون ، تمسکا فی الانفعال بعموم المفهوم وغیر ذلک مما مر ، وحصول الإزالة بما مر آنفا ، وکون مباحث النجاسة والإزالة من أولهما إلی آخرهما تعبدیة محضة کما لا یخفی ، ولذا صرح بنظیره ، کما فی مطهریة أحجار الاستنجاء والأرض وغیرهما.

وأیضا عنده أنّ المتنجّس لا ینجّس ، (1) فلعل الطهارة تحصل بالغسلة الثانیة ، فیکون الغسالة کالمحل بعدها ، کما هو أحد الأقوال ، ذهب إلیه الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف (2) ، محتجا علی نجاسة الغسالة الأولی بأنه ماء قلیل لاقی نجاسة فوجب الحکم بنجاسته ، وعلی طهارة الثانیة بالأصل ، وانتفاء الدلیل علی النجاسة ، وسیجی ء تمام الکلام فیه فی مقامه إن شاء الله. فتدبر.

علی أنه لو تم ما ذکره لزم القول بعدم انفعال الجسم الرطب بالماء ، لأن رطوبته ماء فلا ینفعل ، والجسم فی نفسه لا ینفعل ، فتأمّل.

ویلزمه أیضا إن کان عنده ماء لا یفی بطهارته من الحدث أو الخبث أو شربه أن یبول فیه علی سبیل الوجوب بمقدار لا یخرج الماء عن الإطلاق ویصدق علیه أنه ماء عرفا ، علی قیاس ما قاله الأصحاب فی إدخال الماء المضاف فی الماء لأجل الوفاء للطهارة ، کما سیجی ء ، بل وإن کان ذلک الماء خرج عن حلق الکلب أو الخنزیر أو عن شعرهما بالعصر ، وغسل الیدین

ص: 75


1- انظر المفاتیح 1 : 75.
2- الخلاف 1 : 179.

من العصر من ذلک. بل یلزمه جواز أن یفعل جمیع ما ذکرناه علی تقدیر وجدان الماء الکثیر غایة الکثرة ، وفیه ما فیه.

الثانیة : قال : الأکثر علی نجاسة ما دون الکر ، لمفهومی الصحیحین ، وظاهر الآخرین - إلی أن قال : - لا یعارض المفهوم المنطوق ، ولا الظاهر النص (1). انتهی.

ولا یخفی ما فیه بعد الإحاطة بما سبق ، حیث حصر الأدلة فی الأربعة مع أنها لا تحصی ، إلا أن نظره لما کان مقتصرا علی المدارک ولم یذکر فیه فی المقام غیرها قال ما قال ، وهذا عیب عظیم فی المجتهد.

وأعظم من هذا أنه فی کتابه الحدیثی جمع فی حکمه بعدم الانفعال جمیع ما یمکن أن یستدل له وما یتراءی منه ذلک ، وما لا دخل له فیه ، مثل طهارة ماء الاستنجاء ، وغسالة الغسل وغیر ذلک ، وفی باب القدر الذی لا یتغیر بما یعتاد وروده من النجاسات أتی بقلیل مما دل علی الانفعال بدلالة ضعیفة ، أو محل خدشة (2) ، وأما باقی الأدلة الظاهرة والنصوص فقد شتته تشتیتا لا یعثر علیه طالب أدلة هذه المسألة ، فیظن الجاهل ندرة أدلة الانفعال مع ضعف الدلالة.

وقوله : ولا الظاهر النص ، أراد من أحد الظاهرین صحیحة الفضل فی الولوغ ، وقد عرفت أنه لا یمکن تأویله ، فکیف عده ظاهرا وغیر مقاوم للنص ، وأراد من النص العمومات وروایة الحسن السابقة ، فقد عرفت حالها.

انظر إلیه کیف جعل النص ظاهرا ، مع أن کونه نصا فی غایة الظهور ، بل لا یمکن تأویله کما عرفت سابقا ، وجعل الظاهر - علی تقدیر کونه ظاهرا - نصا. والعمومات لا شبهة فی کونها من الظواهر ، وروایة الحسن أیضا کذلک ، لو سلم الظهور فیها.

ص: 76


1- المفاتیح 1 : 83.
2- الوافی 6 : 15 و 31.

الثالثة : منع عموم المفهوم ، ثم حمله علی الانفعال فی صورة التغیر خاصة (1). ولا یخفی ما فیه ، لأن المراد من « شی ء » فی المنطوق الملاقاة لا التغیر أیضا ( للقطع بنجاسته به مطلقا ، والشرط وقع بالنسبة إلی المراد لا غیر المراد أیضا ) (2) ، فکیف یدخل فی المفهوم ما لیس داخلا فی المنطوق؟! سیما مع عدم إفادة المفهوم العموم عنده. وأعجب من ذلک أن یکون المراد خصوص ما لم یکن داخلا لیس إلاّ ، وفائدة الشرط منحصرة فیه ، فاعتبروا یا أولی الأبصار.

الرابعة : قال : فیکون - أی الکر - تحدیدا للقدر الذی لا یتغیر بالنجاسة غالبا (3).

وفیه : أن النجاسات التی سئل عن حالها فی الملاقاة وصدر الکر فی الجواب ثلاثة أقسام :

منها ما لا دخل له فی التغیر غالبا ، بل ومطلقا ، مثل الولوغ ، والید المساورة ، وغیرهما.

ومنها ما له دخل فی مقام الاستعمال ، إلاّ أن العادة تقضی بعدم الانضباط قطعا ، لبداهة التفاوت فی الاستعمال غالبا ، بل وکلیا ، فی عدد الاستعمال ، والحاجة إلیه ، ومقدار عین النجاسة ، وصفاتها المؤثرة ، وخلوص العین من غیرها مما له دخل فی التغیر ، مثل الوسخ وغیره ، ومشوبیتها به ، وتخلل الاستعمالات ( الطاهرة ) (4) التی لها دخل عظیم فی التأثر والتفاوت فیه وفی الکیفیة والکمیة علی قیاس ما ذکر.

وکذا الحال بالنسبة إلی القابل ، مضافا إلی الأمور الخارجة ، مثل

ص: 77


1- انظر مفاتیح الشرائع 1 : 83.
2- ما بین القوسین غیر موجود فی « ه ».
3- مفاتیح الشرائع 1 : 83.
4- بدل ما بین القوسین فی « و » : الظاهرة.

تفاوت الهواء حارا وباردا ورطبا ویابسا ، إلی غیر ذلک ، ومنه توالی الاستعمالات وتراخیها ، وطول المکث وقصره.

ومنها ما یرد ویقع فی الماء ، مثل الجیفة والدم وغیرهما ، وحاله حال السابق أیضا.

علی أن ما التزمه من أن عدم الانفعال بالملاقاة کان فی عصر صدور الروایات من جملة المعلومات عند کل أحد إلی حد لم یحتج إلی سؤال وجواب قطعا ینادی بفساده مشاهدة الأخبار وحال المسلمین فی الأعصار والأمصار ، سیما الشیعة حیث اتفقوا علی ما اتفقوا فی قرب عهد من الأئمة والرواة وبعده ، لو لم نقل فی زمانهم علیهم السلام أیضا ، بل لا شبهة فی کون زمانهم علیهم السلام کذلک ، فتدبر.

وکذا التزامه بأن الرواة کان سؤالهم عن خصوص التغیر ، من حیث إنهم کانوا یعلمون أنه هو المنجس لا غیر ، والسؤال کان عن أنه هل وقع التغیر أم لا ، یشهد بفساده أیضا الاعتبار ، وما یظهر من الأخبار ، إذ التغیر أمر محسوس یدرکه کل من له حس ، والمعتبر منه الحسی ، کما یدل علیه الأخبار ، وعلیه المعظم. فکیف کان الرواة یرکبون الجمال ویسافرون البعید ویسألون خصوص الإمام علیه السلام أن الماء الذی کان فی وقت فی بیتنا ووقع استعمال النجس هل تغیر أم لا؟! مع أنهم کانوا أصحاب الحواس والعقول.

وکذا جمیع أهل الکوفة ، وسیما ما هو من قبیل صحیحة علی بن جعفر ، فلاحظ. وخصوصا علی ما قاله من أنّهم حینما کانوا یستفهمون هل وقع التغیر أم لا؟ یجابون بأنه إذا کان قدر کر لم ینجسه شی ء ، وأنهم من هذا الجواب ما کانوا یفهمون إلا وقوع التغیر إن لم یکن کرا ، وعدمه إن کان.

علی أن التغیر أمر محسوس فکیف تستقیم الحوالة فیه إلی أمر مجهول موهم لخلاف المقصود ومقتض للاغراء بالجهل.

مع أن المعتبر لو کان التغیر الحاصل من عین النجس خاصة - کما

ص: 78

علیه المعظم وهو مقتضی الأدلة - فمحال تحققه بالاستعمالات الغالبة بالنسبة إلی ما ینقص عن الکر بشی ء یسیر ، سیما وأن یکون إذا لم ینقص هذا الیسیر لا یتغیر عادة أصلا ، فتدبر.

مع أن المتنجس عنده لا ینجس.

علی أن الماء طاهر کله حتی تعلم النجاسة ، فمع الشک یکون طاهرا شرعا ، فکیف یکون السؤال والجواب والسائلون فقهاء ، والأئمة صلوات الله علیهم فی أخبار کثیرة صرحوا بأن مع الشک یکون طاهرا ، بل وحذروا بقولهم : « إیاک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (1) ، وأمثاله.

علی أن أدلة طهارة الماء وطهارة الأشیاء واستصحابها إلی أن یحصل العلم فی غایة الوفور مع الظهور ، فکیف یکون حالهما أخفی عندهم من عدم الانفعال بالملاقاة.

علی أن السؤال علی ما ذکرت یکون عن موضوع الحکم ، وقد عرفت أن المعتبر فیه هاهنا العلم الیقینی ، بل بعض العلماء لم یکتف فیه بالعلم العادی بل اعتبر العقلی ، ومعلوم أن ما یحصل مما یعتاد وروده - علی تقدیر التسلیم - لیس أزید من المظنة. مع أن وقوع ذلک الاشتباه علی تقدیر التسلیم فی غایة الندرة ، فکیف یحمل مثل هذه الأخبار الکثیرة علیه؟! سیما وأن یکون السائلون الفحول من الرواة ، ویکون سؤالهم عنهم علیهم السلام ، فإن السؤال عن الموضوع بأنه هل تحقق التغیر أم لا؟ لا یتأتی من جاهل ، فکیف من مثل هؤلاء الفحول ، وسیما أن یکون یسألون عن المعصوم علیه السلام ، إذ لیس معرفة الموضوع شأن المجتهد والفقیه ، فکیف یسأل عن المعصوم علیه السلام ؟!

مع أنا قد أشرنا إلی أن القطع حاصل بأن السؤال کان عن الطهارة والنجاسة. ولإن تنزلنا فلا شبهة فی أن السؤال کان عن الحکم الشرعی

ص: 79


1- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.

بالبدیهة ، وخصوصا أن بناء توجیهک علی أن الاخبار محمولة علی الغالب المتعارف ، مع أنک عرفت ما فیه.

الخامسة : قال : إن اشتراط الکر مثار الوسواس (1).

وفیه : أنّ مثاره الحکم بالنجاسة بمجرد المظنة أو الاحتمال أو الوهم ، وقد عرفت أن الحکم بالنجاسة منحصر فی العلم والیقین ، بل وتأمل بعض فی الاکتفاء بالیقین العادی ، وعلی أیّ تقدیر الیقین اعتباره مسلم ثابت من الأدلة ، فلا محیص عنه ، للزوم الحرج أیضا ، کما لا یخفی علی الملاحظ فی أمر غیر الماء أیضا.

مع أنا لم نجد فرقا بین الماء وغیره من الثیاب ، والبدن ، والأوانی ، وغیرها فی حکایة الوسواس وحال الوسواسین ، بل ربما یوجد حالهم بالنسبة إلی غیر الماء أشد ، فالمناسب علی ما ذکرت عدم انفعال کل شی ء لا خصوص الماء ، لأنه لا ینفع ، بل نفس التکلیف مثاره علی ما توهمت ، فالمناسب أن لا یکون تکلیف بناء علیه.

علی أن الانفعال الذی اخترت أیضا مثاره قطعا ، حیث جعلت نسبة مقدار من النجاسة إلی مقدار من الماء فی التغیر والتأثیر ، ونسبة ضعفه إلی ضعفه کذلک ، وعلی هذا القیاس ، وجعلت الحکم بعدم الانفعال فی صورة الشک مخصوصا بما إذا بلغ کرا ، مع أنک جعلت حد الکر غیر منضبط.

مضافا إلی أن غالب ما کان الرواة وغیرهم یحتاجون إلی معرفة حکمه هو صورة الأقل من الکر ، مع أنه معترف بأنه غالب ما کان فی زمان الرواة الماء القلیل ، فلعل سؤالهم فی الحقیقة یکون عن حال القلیل.

فإن کان الجواب یکون بالنسبة إلی الکر فقط ففیه ما فیه ، وإن کان

ص: 80


1- الوافی 6 : 19.

بالنسبة إلی القلیل أیضا ، بأنه إذا نقص عن الکر ولو یسیرا یکون الحکم فیه عند الشک الانفعال التغیری مطلقا علی خلاف حکم الکر ، فکیف تقضی العادة بالحکمین عند الشک فی التغیر وتقضی عند عدم الشک بالمقایسة بین قدری الماء والنجاسة ، ویکون اختلاف الکر أیضا مبنیا علی ذلک علی ما ذکره ، ولا یخفی ما فیه من التدافع والدور والحزازات. مع أنه کیف یفهم هذه الأمور من المنطوقات والمفهومات؟!

وبالجملة : حکم أولا بانضباط قدر الکر ، بدعوی انضباط ما یرد علیه عادة ، فأوردنا علیه ما أوردنا ، وحکم آخرا بعدم الانضباط بسبب عدم انضباط مقدار النجاسة والماء ، فمع ما فیه من التدافع یلزم أن یکون أیّ قدر من الماء لم یتغیر من النجاسة یکون کرا ، وأی قدر تغیر یکون أقل من الکر.

فمع فساده فی نفسه کیف یجعله الشارع مزیلا لحیرة الراوی بأن قال : إذا کان قدر کر لم ینجسه شی ء ، وإذا لم یکن قدر کر فکذا مع أنه لیس قدرا معروفا ، مع أن الراوی لما سمع قنع وسکت ، فظهر أن قدره کان مضبوطا معروفا عندهم.

وظهر مما ذکر حال استشهاده باختلاف الأخبار فی حد الکر علی کون ما دل علی الانفعال مبنیا علی الکراهة حیث ارتکبه تارة أخری ، وکذا حال جعله نظیر اختلاف النزح. فتأمّل جدا.

قوله : فإنّه یکفی. ( 1 : 40 ).

لعله مجرد دعوی. إلاّ أن یقول بالتطهیر بمجرد الملاقاة ، منضما إلی ما اختاره سابقا فی ماء الحمام من الاکتفاء بکون المجموع من المائین کرا مع الاتصال مطلقا ، وقد ظهر منه بالنسبة إلی الأول تردد وتوقف ، وأمّا الثانی فقد أشرنا إلی وجه استشکال الأصحاب فیه.

وربّما یظهر منه أن حکم العلامة - رحمه الله - بالاکتفاء فی تطهیر الغدیر باتصاله بالکر یکون فی صورة تساوی السطح والانحدار أیضا لا إلقاء

کیفیّة تطهیر الماء القلیل

هل یطهر القلیل بإلقاء کرّ علیه؟

ص: 81

الکر والأنصاب من فوق ، ومن ثم استشکل فی جریان حکم الحمام فی غیره ، ولعل نظر الشیخ علی أیضا إلی ذلک ، لا إلی اعتبار الزیادة عن الکر ، بل لیس نظره إلیه قطعا ، إذ یرید الدفعة لا الزیادة.

وبالجملة : الأول عنده محل تأمّل وعند بعض الأصحاب ، والثانی وإن لم یتأمّل فیه لکن لا یکفی فی الاعتراض علیهم ، وتصریحهم وإن لم یکن حجة بنفسه لکن لا محیص عن اعتباره بناء علی ما اعترف من کون العموم محل نظر ، لأن الوفاق إنما تحقق فیه ، والماء محکوم بنجاسته شرعا ، ولا بد فی طهارته من دلیل شرعی ، فتأمّل جدا.

فإن قلت : لعل البالغ کرا یکفی للقول بالمزج وإن لم یعتبر فیه الدفعة ، بناء علی ما ذکره من أن انفعال الطاهر لیس أولی من طهارة النجس ، فإنه جار فی صورة المزج أیضا.

قلت : یکفی إذا کان الممزوج متصلا بما بقی ، لا مطلقا ، ومن أین یعلم اتصاله به ، ومع ذلک یکفی عند الشارح - رحمه الله - لا غیر ، لأن الاکتفاء بالمزج من غیر اعتبار الدفعة فی خصوص المقام أول الکلام ، وسیجی ء تمام الکلام عن قریب ، فتأمّل.

قوله : والإجماع المنقول. ( 1 : 43 ).

ما یظهر من کلامه لیس الإجماع الاصطلاحی ، بل الإجماع علی الروایة کما فهمه ، أو علی کونها صحیحة کما فهمت ، مع أن ما ذکره المحقق یورث الریبة أیضا فی ما ذکره.

مع أن قوله : ومعنی لم یحمل. ، لا یخلو من تأمّل - وإن صرح الجماعة - للتأمّل فی حجیة مثله. مع أن الانفعال بالملاقاة لیس شیئا یظهر فیه ، والتغیر لا دخل للکر فیه ، کما مر. علی أنه لا دخل له فی المقام ، فلعل معنی لم یحمل لم یقبل ، وهو الأوفق بظاهر العبارة ، وما ورد فی غیر واحد من الأخبار أنه لا ینجسه شی ء.

هل یطهر القلیل بإتمامه کرّاً؟

بحث حول الإجماع المنقول

ص: 82

وقوله : وهو ضعیف. ، فیه : أن نقله الإجماع لا یستلزم وقوعه فی زمانه ، بل عبارته ظاهرة فی خلاف ذلک ، کیف والشارح - رحمه الله - کثیرا ما ینقل الإجماع علی سبیل الاعتداد والاعتماد ، مع أنه قریب العهد.

نعم حجیة مثله محل نزاع معروف ، مع عدم النزاع فی کونه ظنیا ، قال بها من قال بعموم حجیة ظن المجتهد ، أو شمول ما اعتمد علیه من أدلة حجیّة خبر الواحد ، وأنکرها من أنکرهما ، فالعنایة بشأن الإنکار والإقرار لا ما ذکره ، فتأمّل.

وقوله : بدخول المعصوم. فیه : أنه لا حاجة إلی العلم بالدخول ، بل یکفی العلم بکون هذا رأیه ، وهو ممکن فی کل زمان ، وغیر الممکن بعد انتشار الإسلام هو العلم بإجماع کل المسلمین ، لا ما اعتبرناه من اتفاق جمع یحصل به العلم بقول المعصوم علیه السلام ، أو فعله أو تقریره أو رأیه ، وحمل کلامهم علی إرادة الشهرة فیه ما فیه.

وقوله : لانحصار الأدلة. ، لو تم ما ذکره لم یتم جل المسائل الفقهیة ، لأن دلیلها خصوص مورد ، والخاص لا یدل علی العام ، وفهم العموم إنما هو من الإجماع إلا فیما ندر.

مثلا : لم یرد فی نجاسة الأبوال والأرواث من غیر مأکول اللحم علی سبیل العموم سوی حدیث واحد ، وهو قولهم : « اغسل ثوبک من أبوال ما لا یؤکل لحمه » (1) ، غایة ما یثبت منه وجوب الغسل بالنسبة إلی الثوب لا البدن ، والبول لا الروث. مع أن بین نفس وجوب الغسل والنجاسة تفاوتا کثیرا.

مع أنّ تلک الأحادیث الخاصة کثیر منها لیست بصحیحة ، وهی لیست بحجّة عنده ، بل ربما یصرح بأن الشهرة لا یجبرها. مع أن جلها متعارضة

ص: 83


1- الکافی 3 : 57 / 3 ، التهذیب 1 : 264 / 770 ، الوسائل 3 : 405 أبواب النجاسات ب 8 ح 2.

بحیث لا یکون لجمعها أو ترجیحها کتاب أو سنة ، والمرجحات الواردة فی السنة متعارضة بحیث لا یمکن الجمع أو الترجیح بکتاب أو سنة. مع أنه - رحمه الله - لا یمشی علی المرجحات المنصوصة ، بل یمشی علی المظنونة.

مع أن المدار فی تصحیح الأخبار علی الظنون ، بل رجح - رحمه الله - التعدیل علی الجرح بظنون ، ومیز المشترک بظنون ضعیفة ، بل مداره فی ما ذکر وغیره علی الظنون.

علی أن خبر الواحد أیضا ظن من الظنون ، فإن اعتمد علیه بالإجماع ثبت المطلوب ، وإن اعتمد بالمعهود من الأدلة فنسبتها إلیه وإلی الإجماع المنقول بخبر الواحد علی السویة.

وما قیل من أن فی مثل هذه الإجماعات کثیرا ما نری المخالف (1) ، ففیه : أنّ ذلک غیر مضرّ فی إجماع الشیعة ، بل صرحوا بأنه لو خلا عن المائة لم یضر (2). وما قیل من أنه کثیرا ما نری التعارض فیها (3) ، ففیه : أنّ التعارض فی الأخبار أزید منه بمراتب شتی ، ومرجعها لا یجب أن یکون حکم الله الواقعی ، بل یکفی کونه فعلا أو قولا أو تقریرا ، مطابقا لحکم الله الواقعی أو لا.

وأیضا القرائن المجازیة واصطلاح زمان الشارع وأصالة عدم السقط أو التغییر أو غیر ذلک لیس علی حجیتها کتاب أو سنة ، ولو کان فرضا لشمل الإجماع المنقول ، فتأمّل جدا.

وبالجملة : مداره فی الفقه علی عدم القصر علی ما ذکره ، کما لا

ص: 84


1- انظر رسالة الشهید الثانی فی وجوب صلاة الجمعة ( المطبوعة مع عدة من رسائله ) : 91.
2- المعتبر 1 : 6.
3- انظر الحدائق 1 : 37.

یخفی ، فلاحظ من أول المدارک إلی آخره ، وغیره من تألیفاته. بل یصرح کثیرا بأنه لا قائل بالفصل ، منه فی باب نجاسة البول والغائط (1). وکثیرا ما یعتمد علی إجماع یدّعی ، فضلا عن إجماع یدعی هو ، منه فی الباب المذکور ، وباب نجاسة المنی (2) ، وغیر ذلک. والظاهر أن عبارته هنا فیها مسامحة.

وإنما قلنا بإمکان حصول العلم برأی المعصوم فی مثل زمان ابن إدریس أیضا ، لأن تحقق العلم من اجتماع الظنون وتعاضدها غیر عزیز ، کما فی الخبر المتواتر ، والواحد المحفوف بالقرائن وغیرهما ، بل هو فی غایة الکثرة ، ولا ینکره أحد من المسلمین وغیرهم ، إلا نادرا من الکفار ، لشبهته فی مقابل البدیهة.

وحصول الظن من فتوی فقیه ماهر عادل متق ، باذل للجهد فی استحصاله من الأدلة الشرعیة ، مستفرغ للوسع فی ملاحظة جمیع ماله دخل فی الأخذ والفهم ، موص للغیر فی الاحتیاط فی أخذ الحکم غایته ، لا ینکره قلب خال عن الشوائب والمعایب ، سیما إذا کان الفقیه من القدماء ، ثم إذا رأینا فقیها آخر مثله یشارکه حصل ظن آخر من قوله ، وقوة أخری من اجتماعهما ، وهکذا کلما رأینا فتوی حصل ظن منه ، وقوة من انضمامه ، واخری من انضمامین ، وعلی هذا القیاس ، إلی أن یحصل العلم من نفس ذلک.

أو بضمیمة ملاحظة أن أذهانهم مختلفة فی إدراک الأمور واستنباط المسائل ، ومشربهم متفاوت فی تأسیس المبانی وتأصیل الأصول ، ومع ذلک اتفقوا هذا الاتفاق ، وخصوصا بعد التفطن بما أشرنا إلیه آنفا.

وسیما إذا کان الحکم مما یعم به البلوی وتکثر إلیه الحاجة ، وخصوصا

ص: 85


1- المدارک 2 : 258.
2- المدارک 2 : 266.

بعد ملاحظة أن الأحکام الفقهیة عند الرواة وسائر الشیعة ما کانت مقصورة فی ما رووه فی ذلک الزمان ، لأن تلک الروایات وردت بعد ظهور الشرع وانتشاره فی الأقطار وامتداد ذلک فی الأعصار ، بحیث ما کان الرواة جاهلین ولا مستشکلین إلا فی أمور خاصة دعاهم إلی الجهل بها والاستشکال فیها أسباب معینة ، کما هو الحال فی أمثال زماننا. نعم فی أمثال زماننا حصل بعض ما کانت غیر حاصلة فی ذلک الزمان ، وإن خفی بعض ما کانت ظاهرة فیه.

والأئمة علیهم السلام ما کانوا یلقون إلیهم الأحکام من أولها إلی آخرها ، وما کانوا یعترضون علی الرواة حین استشکالهم فی أمر خاص بأن هذا الحکم من أین عرفت؟ ، ولم تسأل عن هذا الأمر الخاصّ دون نفس الأحکام وباقی متعلقاتها؟ ، وما ذکرنا ظاهر علی المتأمّل فی الأخبار.

وأیضا : الکلینی - رحمه الله - ما أتی بجمیع روایات الأحکام المسلمة عند الشیعة ، التی لا تأمّل فی وفاق کل الشیعة علیها ، بل الفقه لو کان مقصورا فی الروایات المرویة فی الکافی خاصة لعله لم یثبت کثیر منه ، وکذا الحال بالنسبة إلی غیر الکلینی - رحمه الله - من القدماء.

وبالجملة : بملاحظة جمیع ما ذکروا وما أشرنا إلیه لعله یحصل ما لا یقصر عن الخبر الواحد المحفوف بالقرائن ، سیما بملاحظة أنه باتفاق جمع من الصیارفة علی کون دینار زیوفا یحصل الیقین عادة مع عدم عدالتهم ، بل وظهور فسقهم ، وکذا الحال فی جمیع الصناعات وجمیع أهل الخبرة حتی العلوم.

وبالجملة : مرجع القطع فی الإجماع إلی الحدس ، فلا مانع من الحصول لبعض دون بعض ، ولا الحصول مع عدم العلم باجتماع الکل ، بل ومع خروج بعض أیضا ، کما صرح به المحقق - رحمه الله - وغیره من

ص: 86

المحققین (1) ، بل ولبعض علی نحو ولآخر علی خلافه ، کما ادعی السید الإجماع علی المنع من العمل بخبر الواحد (2) ، لما صرح به متکلموا الشیعة فی کتبهم الکلامیة ، والشیخ وغیره علی حجیة الخبر الواحد (3) ، لما یظهر من محدثیهم ، وغیر ذلک. بل ولا مانع من الحصول لبعض فی وقت دون وقت ، أو حصول القطع بالخلاف فی المسألة فی وقت آخر ، أو القطع بخلاف ذلک.

فلا یحسن الجرأة فی الاعتراض علی الفقهاء ، ولا توجیه کلامهم بإرادة الشهرة ، لکون ذلک نوع تدلیس منهم لما یظهر من کلماتهم ، حاشاهم عن ذلک. مع أن الحمل علی الشهرة لا یرفع التعارض ، لأن خلاف المشهور لیس بالمشهور.

مع أن أمثال هذه الاختلافات فی العلمیات واردة ، بل وأشد وأزید ، مثل ما ورد فی علم الکلام وغیره ، فلا یحسن حمل کلامهم علی إرادتهم الظن أو الشک أو الوهم من العلم ، فتأمّل.

والحاصل أن ذلک منهم لیس لتسامحهم فی أمر الدین ، لتفاوت الأمارات ظهورا وخفاء فی الأوقات والأحوال. ولیس مثل أدلة أصول الدین ، لکونها فی معرض العثور (4) للمجتهد.

هذا بالنسبة إلی أنفسهم ، وأما بالنسبة إلی حصول الظن لنا فقد عرفت أنه لا خلل ، إلاّ أنه وقع التعارض نادرا غایة الندرة ، وغیر خفی أن أخبار الآحاد وغیرها من الأدلة والأمارات لا یخلو عن التعارض غالبا ، سیما أخبار

ص: 87


1- انظر المعتبر 1 : 31 ، ومعالم الدین : 200.
2- رسائل الشریف المرتضی : المجموعة الأولی : 24 ، فی جوابات المسائل التبانیات ، وأیضا : 203 ، فی جوابات المسائل الموصلیات الثالثة.
3- عدة الأصول 1 : 337 ، مبادئ الوصول : 207.
4- فی « و » : القصور.

الآحاد ، سیّما العام والمطلق ، والأمر والنهی وأمثالها ، والجرح والتعدیل ، وغیر ذلک.

وقد أشرنا إلی أن مرجع الأحکام لیس الحکم الواقعی ، مع أن مرجعه مرجع الکتاب والسنة من دون فرق ، بل مستنده الکتاب والسنة ، کما أشرنا.

ویؤیده أیضا ما ورد عنهم : « أن المجمع علیه لا ریب فیه » (1) ، لأن الظاهر أن علة نفی الریب هی الإجماع.

( ویؤیده أیضا أن کثیرا من الأحکام نحن مطمئنون بکونها عند الشافعی - مثلا - کذا ، بحکم الشافعیة ، فتأمّل ) (2).

ویؤیده أیضا أن جلّ المستحبات ورد الأمر بها أو أشد منه ، ولا یخطر بالبال سوی الاستحباب.

وأیضا ورد الأمر بإعادة الیومیة لنجاسة معینة فی الثوب ، فیفهم البدن أیضا ، وکل نجاسة ، وکل فریضة من الصلاة ، بل وکل نافلة منها ، وقس علی ما ذکرنا سائر الأحکام ، وکون ظواهر القرآن ومظنونات الأخبار - کیفما کان الظهور - حجة ، إلی غیر ذلک ، فتأمّل جدا.

هذا بالقیاس إلی القاعدة ، وإلاّ ففی خصوص الموارد ربما یتحقق خصوصیات مؤکدة موضحة ، مثل طهارة الحدید (3) وغیرها ، فتأمّل.

قوله : لعدم صدق. ( 1 : 44 ).

هذا بإطلاقه لعله محل تأمّل ، کما أن الأولین أیضا بالإطلاق محل مناقشة.

ثم إن فی صورة عدم الصدق یصدق علی کل واحد أنه أقل من الکر ،

الماء الکرّ

هل یعتبر فی عدم انفعال الکرّ تساوی السطوح؟

ص: 88


1- الکافی 1 : 9 ، الوسائل 27 : 112 أبواب صفات القاضی ب 9 ح 19.
2- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
3- انظر الوسائل 3 : 528 أبواب النجاسات ب 83.

فیشمله عموم ما دل علی انفعاله ، علی القول بالعموم ، کما هو المشهور بین الأصحاب ، ولعله لذا اشترطوا الدفعة فی إلقاء الکر علی النجس. وأما علی القول بعدمه فدخوله تحت قوله علیه السلام : « إذا کان الماء. » محل تأمّل ، إذ ظاهر الماء الواحد لا المتعدد ، فدخول المتعدد العرفی فیه محل تأمّل ، نعم یمکن أن یقال : تشمله الأصول والعمومات.

ومن هنا یظهر قوة مختار جده ، وکذا رأی الشارح - رحمه الله - من أنه لا یحتاج إلی الدفعة ، لکن مقتضاه عدم الحاجة إلی إلقاء الکر بل یکفی اتصال الکر وإن انقطع فورا ، علی القول بالاتصال ، وعلی القول بالمزج فعلی قدر تحقق المزج وإن انقطع بعده.

فتطهیر المدّ من الماء لا یحتاج إلی مزج الکر ، بل وتطهیر الأزید منه بکثیر أیضا.

فما ظهر من الشارح - رحمه الله - من عدم الحاجة إلی خصوص الدفعة محل تأمّل علی رأیه وعلی رأی المشهور أیضا ، ومخالف لمقتضی الأدلة ، إذ علی القول بعموم مطهریة الماء لا حاجة إلی الإلقاء ، وعلی القول بعدم ثبوت التطهیر إلا من الوفاق یتعین الدفعة البتة.

قوله : وجزم العلامة. ( 1 : 45 ).

إذا کان الأعلی کرا فلا شک فی تقوّی الأسفل به فی ماء الحمام ، للنص والوفاق ، وأما غیر ماء الحمام فمحلّ إشکال عند العلامة ، کما مرّ ، وعند غیره حکمه حکم ماء الحمام ، بناء علی أنّ الظاهر عندهم عدم مدخلیة الحمام ، لقوله علیه السلام : « ألیس هو بجار » (1) وعدم حجیة مفهوم اللقب ، وذکر الحمام لشیوعه وندرة غیره لو تحقق ، مع عدم ظهور تحقّقه.

ص: 89


1- راجع ص 59.

مع أنه لا أقل من الشک فی المدخلیة فیتحقق الشک فی عموم المفهوم بالنسبة إلیه. ولیس دلالته علی العموم من قبیل الصیغ الموضوعة للعموم ، فیکفی الشک ، کما أشرنا سابقا.

مع أنه یمکن أن یقال بالقیاس بطریق أولی ، بأنه مع التساوی یتقوی ، فمع کونه أسفل أولی ، لقوة الأعلی وغلبته ، ولذا فرّقوا بین ورود الماء علی النجاسة وعکسه ، ولعل نظر من قال بتقوّی الأسفل بالأعلی دون العکس إذا کان المجموع کرا إلی هذا. ویمکن إرجاع کلام المحقق الثانی إلی هذا بضرب من العنایة.

قوله : ویلزمهم. ( 1 : 45 ).

فیه : أنّ المنحدر ماء واحد عرفا ، فلا یستشکلون فی دخوله تحت العموم ، وإن أردت المنصبّ فدعوی العلم بالبطلان مع الاعتراف بعدم الوحدة محل نظر. مع أنه لیس الوارد علیهم أزید ممّا ادعاه من الدخول تحت العموم ، فلا یلزمهم أمر معلوم الفساد مضافا إلی ذلک. وظهور شمول قولهم للمنحدر المتصل الذی هو ماء واحد عرفا ظهورا بینا محل تأمّل ، فتأمّل.

قوله : فإن کل ما ثبت. ( 1 : 46 ).

قیل : إنّ غالبه یدوم ، والظن یلحق بالأغلب ، وکل ظن للمجتهد حجة إلا ما ثبت المنع منه بخصوصه ، کالقیاس (1).

ومنع بعضهم هذه الغلبة بأن الدوام مختص بالقار الذات ، وهو غیر غالب. سلمنا ، لکن کون الحکم الشرعی منه ممنوع. مع أن کل دوام لیس علی حد واحد ، بل یتفاوت بتفاوت عادة الله تعالی ، فلا یمکن الحکم به إلی

عدم طهارة الکرّ بزوال التغیّر من نفسه

ص: 90


1- انظر معارج الأصول : 207 ، ومعالم الدین : 230.

أن یثبت خلافه (1). ومنع بعضهم حجّیّة مثل هذا الظن مع تسلیم تحققه (2) ، ولا یبعد تحققه ، بملاحظة أنّ الأحکام الشرعیة غالبها یدوم حتی یثبت خلافها.

واستدل أیضا بما فی غیر واحد من الأخبار من أنه لا ینقض الیقین بالشک أبدا (3) ، بناء علی أن المراد کل یقین وکل شک بعده (4). ومنع الدلالة بعضهم بأن الظاهر وروده فی موضع ثبت دوامه إلی حد معین ، وحصل الشک فی تحقق الحد حتی یتأتی أن یقال : الیقین نقض بالشک ، وإلا فالشک اللاحق لا یجامع الیقین السابق (5) ، وفیه نظر ، إذ الشک فی الحد یوجب رفع الیقین من الحین ، فالعبرة بالسابق.

وقال بعضهم بثبوت الاستصحاب فی موضوع الحکم الشرعی لا نفسه (6) ، یعنی ثبت منه بقاء الموضوع وعدمه لا بقاء الحکم السابق إلی أن یثبت حکم شرعی لشی ء. مثلا إذا لم یعلم أن الشی ء الذی تحقق هل هو ناقض للوضوء أم لا؟ لا یمکن إثبات عدم کونه حدثا بهذا الحدیث ، بل القدر الذی یثبت إثبات عدم تحقق الحدث المعلوم حکمه شرعا ، أی حکم الشارع بأنه یبنی علی عدم حدوثه. وادعی ظهور ما ذکره بتتبع موارد الأحادیث.

وربما منع بأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل (7). ولا یخلو عن

بحث فی حجیة الاستصحاب

ص: 91


1- انظر الإحکام للآمدی 1 : 368 ، 369.
2- انظر الفوائد المدنیة : 141.
3- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
4- انظر مشارق الشموس : 76 ، الوافیة للفاضل التونی : 203 ، ملاذ الأخیار 1 : 63.
5- ذخیرة المعاد للسبزواری : 114 ، 115.
6- الفوائد المدنیة : 143.
7- انظر الحدائق 1 : 145 ، الوافیة : 208.

قرب. نعم استصحاب الموضوع أظهر أفراده.

ویؤید ما ذکرناه ما أشرنا إلیه من غلبة الأحکام الفقهیة فی البقاء ، وطریقة الفقهاء أنهم إذا ثبت حکم شرعی یحتاجون فی حکمهم بخلاف ذلک إلی دلیل شرعی ، وأمرهم مقصور علی ذلک ، ولا یقولون فی موضع بعد تحقق حکمه أن هذا الآن حکمه کذا فقط ، وبعد ذلک الأصل عدمه ، فلیلاحظ کتبهم الاستدلالیة والفقهیة ، بل البقاء رسخ فی أذهان المتشرعة بحیث یصعب علیهم فهم خلافه.

نعم عند تغیر الموضوع بتغیر العلة أو الوصف المشعر بالعلیة یتأملون فی البقاء حینئذ ، مع أن ظاهر أکثرهم البقاء حینئذ أیضا ، فتأمّل.

وممّا ذکرنا لعله یظهر التأمّل فی فهم العموم من الأدلة الدالة علی النجاسة بالتغیر من حیث دلالة اللفظ ، فإن قوله علیه السلام : « فإذا تغیر الماء فلا تتوضأ » یحتمل أن یراد منه ما دام متغیرا. ورجوع الإطلاق إلی العموم الذی لیس ممّا وضع اللفظ له أزید مما ذکر لعله یحتاج إلی إثبات ، إذ لو قال : إذا فقدت الماء فتیمم وصل بذاک التیمم ، لا یفهم منه أن بعد وجود الماء بعد ذلک التیمم یجوز الصلاة به أیضا ، فتأمّل.

وبالجملة : لا بدّ من ملاحظة الأمثلة الشرعیة والعرفیة وغیرها والتأمّل فیها.

نعم ربما أمکن الفرق بین زوال العلة المؤثرة ، وما هو شرط فی تأثیر العلة ، کالقلة فی الانفعال بالملاقاة ، فإن زواله لا یوجب انتفاء المعلول ، لأنه لیس علة بل هو شرط لحصول التأثیر ، وقد حصل فهو متأثر مطلقا ، فتأمّل.

نعم قوله علیه السلام : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر » ظاهر العموم فی نجاسة الماء بعد العلم بها ، کما بیّنّاه.

ص: 92

قوله : کأصالة البراءة. ( 1 : 47 ).

جعله إیاها من الأدلة العقلیة خاصة محل تأمّل ونظر ، للنصوص الکثیرة الواردة فیها (1) ، مضافا إلی الإجماعات المنقولة (2) ، بل جعلها الصدوق من عقائد الإمامیة (3) ، وقد کتبنا فیها رسالة مبسوطة.

مع أن الاستصحاب هو أصالة عدم التکلیف ، وهی مما یقتضی براءة الذمة ، لا أنها هی هی ، وأصالة العدم تجری فی جمیع الأحکام ، أی عدم البروز من الشارع ، وأما أصل البراءة فإنما هو فی الواجب والحرام ، ودلیله لیس عدم التکلیف فقط ، بل الإجماع والنصوص أیضا.

ثم إنه - رحمه الله - یحکم بهذا الأصل فی الأحکام الشرعیة ، وعده سابقا أیضا من جملة الأدلة الشرعیة ، فلعل بناءه - رحمه الله - علی أن الشرع یثبت بأمثال هذه الأدلة العقلیة ، ولهذا یحکم بالاحتیاط کثیرا مع تصریحه بأنه حکم عقلی. فتأمّل.

قوله : الإجماع. ( 1 : 47 ).

قد مر ما فیه فی الکر المتمم ، فراجع (4).

قوله : لإرسالها. ( 1 : 47 ).

قد بسطنا الکلام فی الرجال فی أن مراسیله کالمسانید الصحیحة ، کما هو المشهور ، لأن المدار فی الصحة علی الظن ، وهو هنا حاصل البتة ، إذ احتمال کونه الضعیف عندنا خلاف الظاهر (5) ، فتأمّل.

بحث حول أصالة البراءة

إشارة إلی أنّ مراسیل ابن أبی عمیر کالمسانید

ص: 93


1- انظر الوسائل 15 : 369 أبواب جهاد النفس ب 56 ، وعقد السید شبّر فی الأصول الأصلیة : 212 بابا فی الآیات والروایات الواردة فی حجیة أصالة البراءة.
2- منها ما نقله المحقق فی معارج الأصول : 205.
3- انظر اعتقادات الصدوق : 107 ، المطبوعة مع شرح باب الحادی عشر.
4- راجع ص ، 81 - 82.
5- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 275.

قوله : علی الأشهر. ( 1 : 47 ).

لظاهر خبر إبراهیم بن محمّد الهمدانی (1) ، وما نقل عن الفقه الرضوی (2) ، وقیل : مائة وثمانیة وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم مطلقا ، وذهب إلیه جماعة منهم العلامة - رحمه الله - فی نصاب الزکاة خاصة (3).

قوله : لعموم قوله علیه السلام . ( 1 : 48 ).

نظرا إلی الحکم الظاهری ، لا أن المراد من الحدیث بیانه واقعا.

قوله : متیقن. ( 1 : 48 ).

أی متیقن اعتباره واشتراطه فی عدم الانفعال. والأصل إما عدم اشتراط الزائد ، وهو استصحاب حال العدم ، ولا یخفی أنه فرع حجّیّته ، وإما براءة الذمة ، بناء علی أنّ النجاسة تکلیف ، فیجب الطهارة به عند عدم غیره ، لعدم القول بالفصل ، لکن هذا الأصل لدفع التکلیف دائما لا لإثباته ، فتأمّل.

قوله : الصحیحة. ( 1 : 48 ).

سیناقش فی صحتها ، مع أن المدنی یناسب مستند المشهور ، أعنی خبر أبی بصیر.

قوله : بحملها. ( 1 : 48 ).

بأن یکون السؤال فی مکة فضبط الخبر علی ما صدر احترازا عن النقل

بیان مقدار الکرّ وزناً

اختلاف الأصحاب فی تعیین الأرطال

ص: 94


1- الکافی 4 : 172 / 9 ، الفقیه 2 : 115 / 493 ، التهذیب 4 : 83 / 243 ، معانی الأخبار : 249 / 2 ، عیون أخبار الرضا 1 : 241 / 73 ، الوسائل 9 : 340 أبواب زکاة الفطرة ب 7 ح 1.
2- فقه الرضا « ع » : 210 ، مستدرک الوسائل 7 : 143 أبواب زکاة الفطرة ب 7 ح 1.
3- التحریر 1 : 62 ، المنتهی 1 : 497.

بالمعنی ، إذ کان مشکلا عندهم ، کما یظهر من ملاحظة الأخبار ، واعتمادا علی القرینة ، وقد ذهبت من تقطیع الأحادیث أو غیره ، أو اتکالا علی فهمها بالقراءة علی الشیخ وأخذ الإجازة منه ، کما لا یخفی علی المطلع علی الرجال وغیره.

وربما یقربه أن ابن أبی عمیر روی عن ابن المغیرة یرفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام : « أن الکر ستمائة رطل » (1) ، وصحیحة ابن مسلم - تلک - عن ابن المغیرة ، عن الخزاز ، عن محمّد بن مسلم الغدیر فیه ماء مجتمع تبول فیه الدواب ، وتلغ فیه الکلاب ، ویغتسل فیه الجنب؟ ، قال : « إذا کان قدر کر لم ینجسه شی ء ، والکر ستمائة رطل » (2) ، فظهر أن الروایتین واحدة ، وأن ابن أبی عمیر رواها أیضا ، فلعله رواها تارة باللفظ ، وأخری بالمعنی ، فتدبر.

ولعل قوله فی الصحیحة : الغدیر فیه ماء مجتمع. یؤیّده أیضا ، لأن الغالب الاحتیاج إلی معرفة حاله فی الأسفار ، وأن الغالب تحققه فیها وفی الصحیح عن صفوان قال : سألت الصادق علیه السلام عن الحیاض التی بین مکة والمدینة تردها السباع ، وتلغ فیها الکلاب ، ویغتسل فیها الجنب (3)؟ الحدیث.

ص: 95


1- التهذیب 1 : 43 / 119 ، الاستبصار 1 : 11 / 16 ، الوسائل 1 : 168 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 2.
2- التهذیب 1 : 414 / 1308 ، الاستبصار 1 : 11 / 17 ، الوسائل 1 : 159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 5 ، وذیل الحدیث : « والکر ستمائة رطل » فی الوسائل 1 : 168 أبواب الماء المطلق ، ب 11 ح 3.
3- الکافی 3 : 4 / 7 ، التهذیب 1 : 417 / 1317 ، الاستبصار 1 : 22 / 54 ، الوسائل 1 : 162 ، أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12. بتفاوت.

قوله : لیس بدلیل. ( 1 : 48 ).

ورد من الشرع الأمر بالاحتیاط کلیة ، نعم هو مبنی علی الاستحباب عند المجتهدین. مع أنّ الأصل عنده أیضا حکم عقلی ، ویحکم به فی الفقه کثیرا.

ویمکن أن یکون مراده - رحمه الله - أن الاحتیاط لا یصیر دلیلا علی تعیین قدر الکر شرعا ، بل المدار فیه علی العمل بما هو أوثق ، ویتفاوت بتفاوت المواضع ، فربما یکون الأحوط الأکثر ، وربما یکون الأقل. سلمنا ، لکنه معارض بمثله وإن کان أقل تحققا منه.

قوله : ولا یبعد. ( 1 : 48 ).

هذا هو الظاهر ، لأن مشایخه ما کانوا من أهل المدینة ، کما هو الظاهر. مع أنه أثبته فی أصله لأهل العراق وللرواة عنه مع عدم التنبیه علی المراد. مع أن الاحتمال یکفی لمنع الاستدلال.

قوله : مجهول. ( 1 : 49 ).

الظاهر أن ابن یحیی زیادة ، کما یشهد به الکافی والاستبصار ، وهو ابن عیسی. ویحتمل أن یکون یحیی مصحف عیسی ، وعثمان أخباره معمول بها عند الشیعة ، کما یظهر من الکشی والعدة (1). مع أنه تاب ولم یمنع من روایاته. وأبو بصیر مشترک بین ثلاث ثقات ، کما حققناه. هذا مضافا إلی أن الشهرة جابرة.

وبالجملة : لا ینبغی القدح فی تلک الروایة من حیث السند.

لکن فی دلالتها علی المذهب المشهور نظر من حیث إهمال البعد الثالث. ولیس هو من قبیل قولهم : ثلاثة فی ثلاثة ، لشیوع الإطلاق وإرادة الضرب فی الأبعاد الثلاثة ، لوجود الفارق ، وهو عدم ذکر شی ء من الأبعاد

بحث رجالی حول عثمان بن عیسی وأنّ أبا بصیر مشترک بین ثلاث ثقات

ص: 96


1- اختیار معرفة الرجال 2 : 830 ، عدة الأصول 1 : 381.

بالخصوص فی المثال ، بخلاف الروایة ، حیث صرح ببعد العمق ، فیکون البعد الآخر هو القطر ، ویکون ظاهرا فی الدوری.

ویؤیده أن الکر مکیال ، کما هو الظاهر ، وفی القاموس : الکر مکیال للعراق (1) انتهی ، والمعهود منه هو الدوری. وکذا روایة ابن حی الواردة فی الرکی (2) ، إذ لا قائل بتفاوت الکرین ، فیکون الحاصل منهما کون الکر ثلاثة وثلاثین شبرا ( ونصفا وثمنا ونصف ثمن ) (3) ، ولا قائل به بخصوصه. مع أن الشیخ حمل روایة ابن حی علی التقیة ، فیترجح کون هذه الروایة أیضا علی التقیة ، فتبقی روایة إسماعیل بن جابر سالمة عن المعارض.

قوله : إلی من یدعی. ( 1 : 49 ).

هو ابن زهرة علی ما قیل (4).

قوله : قول القمیین. ( 1 : 49 ).

هذا هو الأظهر ، لصحة مستندهم ، وقوة دلالته ، وظهوره فی المربع کما مر ، وتقاربه من الخبر الآخر الآتی الظاهر فی الدوری ، لما أشرنا إلیه ، ولإشعار لفظة السعة أیضا ، فإنّه یکون علی هذا ثمانیة وعشرین شبرا وسبعی شبر ، ویکون نقل أحد الخبرین بالمعنی ، واقترابه أیضا من خبر أبی بصیر وابن حی علی ما ذکرنا.

فیکون الزائد مبنیا علی الاحتیاط ، أو علی أن الکر علی ما هو الظاهر تقریبی لا تحقیقی ، کما هو أحد القولین ، لاختلاف المیاه ثقلا وخفة ، وکذا الأشبار وما حددت به خلقة ومساحة ، ومن هنا اختلف الأخبار فی تحدیده.

بیان مقدار الکرّ مساحةً

ص: 97


1- القاموس المحیط 2 : 130.
2- الکافی 3 : 2 / 4 ، التهذیب 1 : 408 / 1282 ، الاستبصار 1 : 33 / 88 ، الوسائل 1 : 160 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 8.
3- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : وخمسة أثمان ونصف.
4- قاله المحقق السبزواری فی الذخیرة : 122 ، وهو فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 551.

ولو کان تحقیقا لشاع وذاع ، ولکان فی کل بلد وفی کل قریة بل لکل مکلف خصوصا فی الأسفار کر محدود معین موروث خلفا عن سلف ، وهو ظاهر البطلان. فتدبر.

قوله : لروایة إسماعیل. ( 1 : 50 ).

وفی بعض النسخ : لصحیحة إسماعیل ، ولعله الصحیح بعد ملاحظة قوله بعد : نعم یمکن المناقشة. ، وقوله : وضعفها المصنف.

قوله : ولا یخفی. ( 1 : 50 ).

هو ظاهر ، وقیل فی توجیهها أن ضمیر مثله راجع إلی ما دل علیه قوله :

ثلاثة أشبار ونصفا ، أی فی مثل ذلک المقدار ، إذ لا محصل فی إرجاعه إلی الماء ، وکذا ضمیر فی عمقه (1). وقیل فیه تکلف واضح. علی أنه لا یفید اعتبار ذلک المقدار فی العمق (2).

قوله : والجواب واحد. ( 1 : 50 ).

لیس کذلک ، لما أشرنا إلیه.

قوله : والذی یظهر. ( 1 : 50 ).

وهذا هو الظاهر ، ونبه علیه فی المنتقی أیضا (3).

قوله : ضعیفة. ( 1 : 50 ).

لیس کذلک ، لأنّ محمّدا ثقة ، وفاقا لجماعة منهم العلامة فی المختلف (4) ، وقد حققناه فی الرجال (5).

إشارة إلی أنّ محمد بن سنان ثقة

ص: 98


1- الحبل المتین : 108.
2- الذخیرة : 122.
3- منتقی الجمان 1 : 51.
4- مختلف الشیعة 7 : 31.
5- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 298.

قوله : إذ معنی. ( 1 : 51 ).

الظاهر أن هذا المعنی لیس له معنی ، بل هو وارد فی الدوری أیضا ، کما مر.

قوله : فی المعتبر. ( 1 : 51 ).

لکن لم یظهر بعد أنه فرضه فی المربع ، فتدبّر.

قوله : لم یعتبر التکسیر. ( 1 : 51 ).

لا یخفی ما فیه من التفاوت ، إذ ربما یصل إلی حد المشهور ، وربما یبعد عنه غایة البعد. وفرضها بعض المحققین علی ما یظهر من کلامه فیما لو کان طوله تسعة أشبار ، وعرضه شبرا ، وعمقه نصف شبر ، فإن مساحته أربعة أشبار ونصف ، إذ قال بعد ذلک ، فما ذکره الشارح الفاضل من أن أبعد الفروض عنها ما لو کان کل من عرضه وعمقه شبرا وطوله عشرة أشبار ونصفا محل تأمّل. مع أن المناسب أن یذکر فرضا لا یزید مجموع الأبعاد فیه علی عشرة ونصف ، ولیس ما ذکره کذلک (1).

قلت : وفی کلام المتأمّل أیضا تأمّل ، إذ المفروض فرض أبعد الفروض ، و [ أبعد ] (2) منه ما لو کان طوله عشرة ، وکل من عرضه وعمقه ربع شبر ، فالمساحة نصف شبر وثمنه.

قوله : وعن ابن الجنید. ( 1 : 52 ).

ما أشد التباین بین تحدیده هنا وفی الوزن ، حیث قال بالقلتین وفاقا للشافعی والحنبلی (3) ، وحد بالخمسمائة رطل ، ولعل ما هنا یبعد من تحدید أبی حنیفة أیضا ، حیث قال بعشرة فی عشرة بذراع الکرباس ، فی عمق لا یظهر الأرض بالاغتراف ، إذ یتأتی ذلک العمق فیما لو کان نصف شبر أو أقل ،

قال ابن الجنید : الکرّ ما بلغ تکسیره مائة شبر والمناقشة فیه

ص: 99


1- الذخیرة : 123.
2- أضفناه لاستقامة العبارة.
3- الشافعی فی الأم 1 : 4 ، وانظر المغنی والشرح الکبیر 1 : 52.

فلعل مستنده مستنده.

قوله : بکل ما روی. ( 1 : 52 ).

الظاهر أنه أراد الروایات المعلومة المعمولة بها ، فتأمّل.

قوله : وکأنه یحمل. ( 1 : 52 ).

فیه إشارة إلی احتمال وجه آخر ، ولعله اللزوم التخییری ، ویکون التعیین باختیار المکلف ، کما قیل فی بعض موارد النزح ، ومواضع التخییر بین القصر والإتمام ، فتأمّل.

قوله : إذا صح. ( 1 : 52 ).

فیه : ما أشرنا إلیه فی أوائل الکتاب من التسامح فی أدلة السنن.

قوله : عملا بالعمومات الدالة. ( 1 : 52 ).

وربما منع العموم ، لفقد ما یدل علیه ، فإن المفرد المحلی لیس موضوعا له ، بل اللام فی المقام إما مشترک بین الجنس ، والاستغراق ، والعهد الخارجی ، والذهنی ، أو مختص بالجنس ، لأنه موضوع للإشارة والتعریف ، ومدخولة موضوع واسم للجنس. ویمکن إثبات العموم علی التقدیرین.

أما علی الثانی - وهو الأظهر - : فلأن الحکم تعلق بالجنس فیدور معه ، کما تقول : التمر حلو ، والرجل خیر من المرأة ، وغیر ذلک. وظهور العموم بهذا النحو عرفا لعله لا تأمّل فیه.

وأمّا علی الأول : فلأنّ العهد الخارجی موقوف علی معهود مسبوق حینئذ ، والذهنی لا یفید فیخرج کلام الحکیم عن الفائدة ، مع أن الرواة بمجرد استماع اللفظ کانوا یقنعون ویسکتون ، فانحصر فی المعنیین الآخرین. فکیف کان تفید العموم.

ومن قال بأن الأحکام لا تتعلق بالطبائع إما یجعل ما ذکر قرینة علی إرادة الاستغراق وتعیینه ، أو إرادة عموم من دون کونه مما وضع اللفظ بإزائه ،

تساوی میاه الغُدران والحیاض والأوانی فی الحکم

ص: 100

فیقتصر فیه علی القدر السابق إلی الذهن ، الحاضر لدیه ، کما مر الإشارة إلیه مکررا.

لکن التعمیم بهذا النحو ربما یخدشه عدم معهودیة کون الإناء یسع کرا ، وهو علیه السلام قال : إذا کان کرا. فتأمّل.

ویمکن أن یکون مراد الشارح - رحمه الله - ما یعم قوله علیه السلام : کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر ، فتأمّل. والأصول تقتضی العموم.

قوله : وهو ضعیف جدا. ( 1 : 52 ).

لأن شموله للکر بعید جدا ، لکونه خلاف ما یظهر من الأخبار. مضافا إلی ندرة وجوده ، لو لم نقل بعدمه عادة ، مع أنّ الأخبار تحمل علی الأفراد الشائعة دون النادرة ، سیما مثل ما نحن فیه ، إذ لعله مجرد فرض أو فی غایة الشذوذ. مع أنه لا وجه للتعمیم بالنسبة إلی الحیاض ، خصوصا مع القول بعدم الانفعال فی الغدران ، فتأمّل.

مع أنّه علی تقدیر التسلیم ، کون الإطلاق بحیث یقاوم العمومات محل نظر ، فضلا عن أن یقدم علیها ، بل الأمر بالعکس ، کما ظهر وجهه مکررا. فتدبر.

علی أنه ورد النص فی الحیاض الملاقیة لولوغ الکلب وغیر ذلک أنه لا بأس باستعماله إذا کان کثیرا (1). نعم ورد فی بعض المنع من استعمال الکر (2). وحمل علی الاستحباب ، فلیلاحظ.

قوله : والحق أن مرادهما. ( 1 : 52 ).

لکن عبارة المقنعة لا تکاد تقبل هذا التوجیه ، نعم ربما یظهر من

ص: 101


1- الوسائل 1 : 158 أبواب الماء المطلق ب 9.
2- التهذیب 1 : 40 / 110 ، الاستبصار 1 : 8 / 8 ، الوسائل 1 : 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 5.

الشیخ بناء عبارته علیه (1) ، وقیل : إنّه أعرف بمقصود أستاده. فتأمّل.

قوله : إن ثبتت. ( 1 : 53 ).

بأن قال الشارع : وضعت هذا اللفظ بإزاء هذا المعنی ، وحیث استعمله أرید ذلک منه. لکن الظاهر أنّه لم یقع ذلک منه ، بل یمکن القطع بذاک ، لاقتضاء العادة تواتر مثل ذلک ، ولم یصل خبر واحد حتی بالنسبة إلی القریبین إلی عهده.

أو أنه نقل أول مرة إلی المعانی الحادثة إلا أنه أفهمها بالتردید بالقرائن ، فمقتضی ظاهر ذلک أنه لم یستعمله إلا فیها بمعونة القرائن حتی حصل التفهیم ، ثم استعمل بغیر قرینة أو بقرینة فی غیرها ، وقبل حصول التفهیم ما استعمل فی غیرها لا بقرینة ولا بغیر قرینة ، وإلا لاستحال التفهیم ولاحتاج إلی التنصیص. ولو فعل نادرا ولم یضر التفهیم لا یضر الحمل علی الحقیقة الشرعیة ، لأنه لا بدّ من أن یکون نادرا غایة الندرة ، لو سلم عدم ضرره ، والظن یلحق بالأغلب.

لکن هذه الطریقة أیضا بعیدة جدا لو لم نقل بالعلم بالعدم. نعم لو کانت فإنما تکون باستعماله وغلبته إلی أن یصیر حقیقة فی زمانه ، فالفرق بینه وبین عرف زمانهم أنه صارت حقیقة بسببهم علیهم السلام دون عرف زمانهم. إلاّ أن الحمل علیها علی تقدیر الثبوت أیضا مشکل ، لعدم معلومیة التاریخ (2).

ولعل هذا الإشکال بالنسبة إلی کلام الأئمة علیهم السلام - سیما الصادقین علیهماالسلام ومن بعدهما - غیر وارد ، کما أشرنا. نعم بالنسبة إلی القرآن وکلامه صلی الله علیه و آله یمکن أن یقال بأن الرواة والمفسرین

ماء البئر

بحث فی الحقیقة الشرعیة واللغویّة

ص: 102


1- انظر التهذیب 1 : 218 ، 229.
2- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : بل لعل هذا الإشکال وارد بالنسبة إلی الاحتمال الأول أیضا.

لما لم ینبهوا علی أن المراد المعنی المهجور ربما یظهر منه أن المراد هو غیر المهجور. فتأمّل.

قوله : فعلی عرف زمانهم. ( 1 : 53 ).

أعم من أن یکون عرفا عاما أو عرفا خاصا ، إن علم یقینا ، کالماء والضرب ، أو ظنا ، کالدرهم وأمثاله ، وإن لم یعلم فعلی اللغویة ، وإلا فعلی العرف العام وإن لم یعلم کونهما عرفه بخصوصه ، لأصالة عدم الوضع وعدم النقل.

ویمکن حمل العلم علی معناه الحقیقی وجعله بإزاء الأصل الذی هو ظنی ، ولعل الأول أولی (1). فتأمّل.

قوله : فعلی الحقیقة اللغویة. ( 1 : 53 ).

فی تقدیم اللغویة علی العرف العام تأمّل ، إذ ربما یظهر من ملاحظة الأحادیث أن طریقتهم طریقة أهل العرف. مضافا إلی استبعاد التغیر فی ألسن جمیع أهل العرف العام فی هذه المدة ، فتأمّل.

ومنشأ تقدیم اللغة أصالة تأخر الحادث ، وهو استمرار العدم الثابت إلی أن یثبت خلافه.

قوله : ولما لم یثبت. ( 1 : 53 ).

أقول : من عرف جمیع ما ذکره وعرف معناه فی العرف العام فلا حاجة له إلی التعریف ، وإلا فلا ینفع ما ذکره لدفع الإیراد علی التعریف.

مع أن ما ذکره إنما هو لفهم کلام الشارع ، والإیراد إنما هو علی التعریف ، وهو غیر کلام الشارع ، بل ولیس تعریفا لکلام الشارع ، بل تعریف لکلام الفقیه ، وکون اصطلاحهما واحدا محل تأمّل.

أما عند من أنکر الحقیقة الشرعیة فظاهر ، وأما عند من قال بها فإن

ص: 103


1- فی « د » : ولعله أولی.

اصطلاح الفقهاء لا یلزم أن یکون حقیقة عند المتشرعة ، بل کثیر من اصطلاحاتهم لیس کذلک ، منها اصطلاحاتهم فی العقود والإیقاعات وغیرها ، ولذا یثبت تلک الأمور بقیودها من مجرد الألفاظ الواردة فی النصوص ، فتأمّل.

إلاّ أن یقال : اصطلاحهما فی المقام واحد ، لکن لا بدّ من التنبیه علی ذلک. إلا أن یقال : الأصل الموافقة إلی أن یظهر المخالفة. علی أنه کان التعریف علی ما ذکره هو أنّ المراد من البئر المعنی العرفی فلا حاجة الی التطویل.

والأولی فی الجواب أن یقال : إنّ المتبادر من لفظ العرف مطلقا ومن دون ضمیمة هو العرف العام ، کما لا یخفی علی المطلع علی رویة القوم ، والتطویل لرفع التوهم. وذلک لأنه لما کان یطلق فی الشام والمشهد الغروی مثلا علی آبارهم لفظ البئر فلعله یتوهم متوهم جریان أحکام الفقهاء فیهما أیضا ، فقیّد للإخراج ، فدعی ذلک إلی القید الآخر ، إذ لعله یتوهم أن اصطلاح الفقهاء فی البئر سوی اصطلاح العرف ، لکون العیون التی لا تجری غالبا عندهم من أفراد بئرهم.

بل یمکن أن یقال : إنّه لما کان ظاهرا أنّ مثل هذه العیون لا تسمی بئرا فی عرف قال : عرفا ، من غیر تعیین ، فعلی هذا یکون کل واحد من القیود الثلاثة لا بدّ منه فی التعریف متمما له. فتأمّل.

قوله : وهو المشهور. ( 1 : 54 ).

بل نفی ابن إدریس الخلاف بین الفقهاء فی ذلک (1) ، وابن زهرة ادّعی الإجماع علی ذلک (2).

هل ینجس ماء البئر بملاقاة النجاسة؟

ص: 104


1- السرائر 1 : 69.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیّة ) : 551.

قوله : ذهب إلیه العلامة. ( 1 : 54 ).

لعل رأیه مخالف (1) للتهذیب من المنع من الاستعمال قبل النزح ، مع احتمال تجویزه الاستعمال أیضا قبله ، وأن النزح لا بدّ أن یتحقق فی وقت من الأوقات عینا أو کفایة ، لکنه بعید.

قوله : فإنّه قال : لا یجب. ( 1 : 54 ).

هذا محمول علی صورة الجهل ، کما یشیر إلیه کلامه فی الاستبصار (2) ، أو یکون النهی عنده غیر مقتض للفساد ، لأن مآله إلی النهی عن الخارج عن العبادة عنده أو مطلقا ، فتأمّل.

قوله : کما ذکره جدی ، رحمه الله . ( 1 : 54 ).

قیل : إنّ الشیخ صرح بالنجاسة فی باب الزیادات (3).

أقول : لعل مراده من النجاسة المنع عن الاستعمال قبل النزح ، والطهارة رفع المنع ، یشیر إلی ذلک کلامه فی منع ارتماس الجنب فی الراکد (4) ، وفی منع الطهارة بالماء المستعمل فی الحدث الأکبر (5) ، وکلام شیخه أیضا ، وکذا فی النزح لارتماس الجنب (6) ، وغیره مما هو ظاهر عندهما ، وکلام شیخه فی آخر باب النزح ، وهو قوله : لأن المتوضی والمغتسل (7). ، والشیخ قرره ، وکلامه فی باب تطهیر المیاه ، وهو قوله : والذی یدل علی ذلک أنه مأمور (8). ، وغرضه الاستدلال علی نجاسة

بیان الأقوال فی المسألة

ص: 105


1- کما فی « ه » ، وفی سائر النسخ : موافق.
2- الاستبصار 1 : 32.
3- قاله المحقق السبزواری فی الذخیرة : 127 ، وهو فی التهذیب 1 : 408.
4- التهذیب 1 : 149.
5- التهذیب 1 : 221.
6- التهذیب 1 : 243.
7- التهذیب 1 : 247.
8- التهذیب 1 : 232.

المتغیر خاصة ، کما لا یخفی علی من أمعن النظر فیه وفی ما قبله.

وأیضا : القدماء ربما کانوا یذکرون لفظا علی طبق ما ورد فی الحدیث ، أو وفقه ، مریدین منه ما أراد المعصوم علیه السلام لا المصطلح عند المتشرعة ، کما لا یخفی علی من لا حظ کلام الصدوق والکلینی - رحمهما الله - وغیرهما.

وبالجملة : الظاهر أن مراده عدم جواز الاستعمال قبل النزح مع العلم بالملاقاة ، علی ما یستفاد من کلامه فی الاستبصار. فتأمّل.

قوله : إن بلغ ماؤه کرا. ( 1 : 54 ).

فی الفقه الرضوی : « کل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف فی مثلها سبیلها سبیل الماء الجاری ، إلا أن یتغیر لونها أو طعمها أو ریحها ، فإن تغیرت نزحت حتی تطیب» (1).

قوله : فی مطلق الجاری. ( 1 : 55 ).

لا یخلو من تأمّل ، حیث أطلق القول بالطهارة هنا وشرط الکریة فی الجاری ، وکونه من أنواعه فیه ما فیه. نعم یمکن أن یقال : مقتضی دلیله ذلک ، بل اشتراط الکریة فی الجاری یستلزم الاشتراط فی البئر بطریق أولی ، بملاحظة الأدلة ، فتأمّل فیه.

قوله : مضافا إلی الأصل. ( 1 : 55 ).

أقول : بل الأصول ، کما تقدم.

قوله : والعمومات الدالة. ( 1 : 55 ).

علی حسب ما تقدم الإشارة إلیها فی صدر مبحث المیاه ، ومبحث الجاری ، وغیرهما.

ص: 106


1- فقه الرضا « ع » : 91 ، المستدرک 1 : 201 أبواب الماء المطلق ب 13 ح 3.

قوله : علی وجه العموم. ( 1 : 55 ).

لشمول لفظ « شی ء » للنجس شرعا ، أی حتی المتنجسات ، أو لأن الإطلاق ینصرف إلی العموم ، فتأمّل.

قوله : کما یقتضیه المقام. ( 1 : 55 ).

لأن الظاهر أن الشارع یرید حکما شرعیا ، وأنه النجاسة ، بناء علی ما اشتهر وظهر من أن البئر هل ینجس بالملاقاة أم لا ، ویعیّن ذلک بتتبع الأحادیث فی مبحث البئر ، ویعیّنه أیضا استثناء التغیر ، وأما الروایة الثانیة فأظهر دلالة فی المعنی.

قوله : والوصف بالسعة. ( 1 : 55 ).

لظهور أن المراد منه أمر شرعی ، والسعة شرعا ظاهرة فی عدم الضیق والتکلیف شرعا ، فیظهر منه الطهارة ، فتدبر.

قوله : قال : ماء البئر واسع. ( 1 : 55 ).

فیها تأکیدات : الوصف بالسعة ، والنکرة فی سیاق النفی ، والحصر فی التغیر ، والنزح إلی أن یذهب التغیر خاصة ، والتعلیل بأن له مادة ، وهذه التأکیدات تشهد علی کون الحکم بحسب الواقع لا التقیة ، ولا أمر آخر مثل ما ذکره الشیخ فی التوجیه ، ولعل عدم الانفعال فی نفسه مخالف للتقیة.

قوله : لأن له مادة. ( 1 : 55 ).

قد مر فی مبحث الجاری الکلام فیه ، وأنه علی أی تقدیر یدل علی عدم الانفعال.

قوله : فیما یجب فیه ذلک قطعا. ( 1 : 56 ).

الحکم القطعی لعله لا یخلو عن مناقشة ، فالأولی أن یقال : بطریق أولی ، فتأمّل.

ص: 107

قوله (1) : لا یجوز الانتفاع. ( 1 : 56 ).

بل قال : ینزح حتی یزول التغییر ، وأنه یکفی مطلقا.

قوله : عند القائلین بالتنجیس. ( 1 : 56 ).

لا شک فی أن الشیخ کان یعرف هذا ، بل هو عین مذهبه فی منع الاستعمال أو النجاسة ، فمراده أنه مخصص من دلیل من الخارج ، والعام المخصص حجة ، سیما وأن المخصص قلیل جدا فی جنب غیره ، وکلامه فی توجیه الحدیث ، لا الاستدلال لمذهبه منه.

قوله : کما أنه قد یجوز. ( 1 : 56 ).

فیه : أن الظاهر أن مراد الشیخ من المستثنی بیان حکم تغیر الجمیع ، وأنّه فهم کذلک (2) ، وهو محتمل من الحدیث ، لإضافة الریح أو الطعم إلی نفس البئر ، وعلی تقدیر فهمه العموم وبنائه علیه هو قائل به لا محالة ، فلا نقض علیه.

فالأولی فی النقض علیه أن ظاهر قوله : ینزح حتی یطیب یقتضی جواز الاستعمال إذا طاب بنزح بعض منه. فتأمّل.

ثم لا یخفی أن النقض علی قول الشیخ بأن القائل بالتنجیس لا یجوز الانتفاع فی کثیر من النجاسات فیه ما فیه ، إذ الشیخ غیر قائل بالتنجیس علی ما ظهر مما ذکر فی محل النزاع.

علی أن الظاهر أن رأیه فی الاستبصار بعینه هو رأیه فی التهذیب ، بل صرح فی الاستبصار بأن جوابه ذلک إنما هو علی ما بینه فی کتاب تهذیب الأحکام ، بل ما فی الاستبصار أدل علی وجوب النزح من دون الحکم بالنجاسة ، هو قرینة علی أن ما فی التهذیب أیضا کذلک.

ص: 108


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».
2- فی « ج » و « د » : وأنهم فهموا کذلک.

قوله : والخاص مقدم. ( 1 : 56 ).

تقدیمه إنّما یکون إذا کان أقوی من العام دلالة ، علی الأصح ، أو التساوی ، علی غیر الأصح ، ولیس ما نحن فیه کذلک ، فإن دلالة العام فی غایة القوة ، کما عرفت ، والخاص فی غایة الضعف ، کما ستعرف.

نعم ربما یکون السند مکاتبته إلی المعصوم علیه السلام ، لورود الروایة عن محمّد بن إسماعیل بهذا المتن مکاتبة ، لکن الظاهر أنها غیر مضرة لحصول الظن.

هذا مع أن القول بالتفصیل بین النجاسات فی التنجیس وعدمه من جهتها منفی فی المسلمین.

قوله : فإنّ الحصر المستفاد. ( 1 : 56 ).

هذا مشترک الورود فی غالب ما ورد من الأخبار الخاصیة فی انفعال الماء بالتغیر ، ولم یجعل ذلک قدحا بالنسبة إلی شی ء منها ، فکأنه صار المتعارف التعبیر عن التغیر المنجس شرعا بذکر الوصفین ، ولعله علی سبیل المثال ، من جهة أن الغالب التغیر بالجیف ، والغالب فیه التغیر بالریح والطعم ، ولما کان الریح أغلب اقتصر فی بعض الأخبار بذکره ، وصار ذکر أغلب الأفراد وأظهرها کنایة عن نفس التغیر ، وهو متعارف.

وبالجملة : هذا لیس مخصوصا بالمقام ، بل متحقق فی المقامات المسلمة عند الخصم ، ولم یحکم فیها بمتروکیة الظاهر بسببه ، بل لم یجعل ذلک حزازة أصلا ورأسا.

قوله : وعلیه یحمل. ( 1 : 57 ).

لعل مراده أنه وإن کان ظاهرا فی النجاسة إلا أنه محمول علی ما ذکرنا ، بالسبب الذی سیأتی ، فلا یکون هو أیضا دالاّ علی النجاسة ، لکن لا وجه للتخصیص بروایة علی بن یقطین ، ولا التزام کلفة إنکار الدلالة فی

ص: 109

النزح ، إذ کیفما کان لا دلالة له علی حسب ما ذکر فی التطهیر ( بأنه لا یدل علی کون المحل نجسا ، کما تقدم بیانه فی کلام الشیخ ) (1).

قوله : ومع ثبوت الملازمة. ( 1 : 57 ).

یمکن أن یقال : الاحتمال کاف لا یحتاج إلی الثبوت ، إذ الخبر الصحیح حجة ، ولم یثبت ما یخرجه عن الحجیة بل الاحتمال المرجوح أیضا لعله یکفی ، کما مر فی مسألة وجوب الغسل لصوم المستحاضة. لکن یلزم من الملازمة کون ذکر اللون لغوا ، والمستفاد من کلام الأصحاب أن کل واحد من التغیرات لخصوصیاتها مدخلیة فی النجاسة ، کما سنشیر إلیه. إلاّ أن یکون مراده التلازم غالبا ، والخبر ورد مورد الغالب ، کما هو الشأن فی غالب الأخبار. فتأمّل.

قوله : لأنّه أظهر فی الانفعال. ( 1 : 57 ).

لا یخفی أن الانفعال من حیث هو انفعال لا یقتضی النجاسة ، وإلا لزم النجاسة بتغیر الصفات الأخر ، وقد مر أنه لیس کذلک ، بل وخصوصیة الانفعال وکونه بحسب الصفات الثلاثة سبب للنجاسة ، ولها دخل فیها ، فتأمّل.

قوله : بأنا لم نقف. ( 1 : 57 ).

قد أشرنا إلی الحدیث الذی یدل ، وسنده وإن لم یکن صحیحا إلاّ أنّ اتفاق العمل والفتوی من الأصحاب یکفی. مضافا إلی ما نقلناه عن الفقه الرضوی (2) ، ومع ذلک تأمله فی هذا الحکم ومناقشته لیس بمکانه ، للإجماع من المسلمین کافة ، کما اعترف مکررا.

ص: 110


1- ما بین القوسین لا یوجد فی « ب » و « ج » و « د » و « ه ».
2- راجع ص 42.

قوله (1) : بئر وقع فیها زنبیل. ( 1 : 57 ).

روی عمار فی الموثق عن الصادق علیه السلام : البئر تقع فیها زنبیل عذرة یابسة أو رطبة ، فقال : « لا بأس إذا کان فیها ماء کثیر » (2).

قوله : إلا أن المراد. ( 1 : 58 ).

لا یخفی أنه فی الطاهر أظهر ، لأن المتعارف سرقین مثل الحمار ، والبغل ، والخیل ، والأنعام. وسیجی ء فی مبحث النجاسات ما یدفع هذا الاستبعاد ، حیث قال جمع بنجاسة بول الدواب ، واحتمل الشارح نجاسة سرقینهم أیضا (3). نعم سأل عن صلاحیة الوضوء ، وکونه فقیها بحیث ما کان له إشکال أصلا فی صلاحیة الوضوء لا بدّ من ثبوته ، لأن الفقه لهم ولنا إنما حصل من سؤالهم عن المعصوم ، ولم یکونوا مفطورین علی الفقه ، فالأولی أن یقال : الدلالة من جهة العذرة ، وهی تکفی ، أو یقال : ترک الاستفصال یفید العموم ، لکن هذا فرع عدم الأظهریة.

قوله : یستلزم وصول ما فیه. ( 1 : 58 ).

سیما مع کون العذرة رطبة ، کما سأله عنها ، وخصوصا أن الرطبة أعم من اللینة ، ولم یستفصل فی الجواب.

قوله : من تأخیر البیان. ( 1 : 58 ).

بناء علی أنّ الظاهر أنّ وقت السؤال هو وقت الحاجة. لکن لا یخفی أن الحال فی جمیع الأخبار التی أولها الشارح وغیرها ووجوهها مثل ما نحن فیه. والمعترض یدری أن أمثال هذه الأجوبة احتمالات مخالفة للظاهر ، إلاّ أنه لما ترجح عنده ما دل علی النجاسة شرع فی توجیه المعارض بالحمل

ص: 111


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
2- التهذیب 1 : 416 / 1312 ، الاستبصار 1 : 42 / 117 ، الوسائل 1 : 174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 15.
3- انظر المدارک 2 : 303.

علی خلاف الظاهر رفعا للتعارض.

وهذه هی الطریقة المقررة المسلمة عند الفقهاء من أول الفقه إلی آخره ، فمآل التوجیهات إلی أن وقت السؤال ما کان وقت الحاجة ، أو کان فی الأخبار قرائن حالیة أو مقالیة انعدمت من تقطیع الأحادیث أو غیره من السوانح ، أو ان الخبر الواحد یمکن أن یکون المراد منه معناه الظاهری بالنسبة إلی السائل ، وخلاف الظاهر بالنسبة إلی المطلع علی الصارف والقرینة ، ویکون ذلک أقرب إلی الصواب ( بل حکم الله الواقعی ، والأول الظاهری ، کما هو الشأن بالنسبة إلی المجتهدین والفقهاء ومقلدیهم ) (1).

فحقیقة الجواب أن توجیه المعارض بالحمل علی الکراهة واستحباب النزح أولی وأقرب ، وعلی تقدیر التساوی یترجح ایضا ذلک بموافقة الأصول وغیرها.

أو یقال : ما دل علی عدم الانفعال أرجح ، لموافقته الأصول والعمومات ، علی حسب ما أشرنا ، وکذا موافقته للشریعة السهلة ، وغیر ذلک ممّا أشرنا إلیه فی بحث عدم اشتراط کریة الجاری ، وتعیین الکر ، وغیرهما ، وللمرجحات التی سنذکر.

فإذا کان أرجح یتعین أن یکون هو الحجة ، فیتعین أن یکون التوجیه فی مخالف الحجة ، کما مر ، وغیر خفی تحقق الأمور الثلاثة جمیعا فی المقام ، وهی أقربیة التوجیه فی التعارض ، وأرجحیته ، وأرجحیة ما دل علی عدم الانفعال ، فی کونه حجة ، بل وتعینه فیها.

قوله : هو ابن عیسی الثقة ( 1 : 58 ).

الظاهر أنه عند المحقق أیضا ظاهر فی الثقة ، ولهذا لا یقدح فیه إلا

حمّاد بن عیسی ثقة

ص: 112


1- ما بین القوسین لا یوجد فی « ه ».

فی مقام التوجیه ، دفعا للتعارض.

قوله : کما یظهر للمتتبع. ( 1 : 59 ).

ولأن المطلق ینصرف إلی الکامل المشهور المعروف ، وهو إما ابن عیسی أو ابن عثمان الثقتان الجلیلان ، وهذه هی الطریقة المتعارفة سیما (1) فی سند الأحادیث.

قوله : وهو لا یعلم. ( 1 : 59 ).

ویؤیده أنه لو کانت خرجت ولم تمت فیها لکان یذکر ، ولما اکتفی بذکر الوقوع خاصة ، کما هو المناسب لمقتضی المقام. علی أن ترک الاستفصال فی مقام الاحتمال یفید العموم.

وفی الصحیح عن أبان عن الصادق علیه السلام ، عن الفأرة تقع فی البئر لا یعلم بها إلا بعد ما یتوضأ منها ، إیعاد الوضوء؟ فقال : « لا » (2) ، وأبان ممن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه ، بل الظاهر أنه من الثقات الأجلة ، کما ذکرنا فی الرجال (3). ولذا حکم الشارح بصحة روایة أبی أسامة وأبی یوسف مع أن الراوی عنهما أبان ، لکن لم یظهر وجه عدم ذکره لهذه الروایة.

وفی الصحیح عن جعفر بن بشیر الذی یروی عن الثقات ویروون عنه ، عن أبی عیینة عن الصادق علیه السلام ، عن الفأرة تقع فی البئر ، فقال : « إذا خرجت فلا بأس ، وإن تفسخت فسبع دلاء » ، قال : وسئل عن الفأرة تقع فی البئر ، فلا یعلم بها أحد إلا بعد ما یتوضأ منها ، أیعید وضوءه وصلاته ویغسل

ص: 113


1- لیس فی « ج ».
2- التهذیب 1 : 233 / 672 ، الاستبصار 1 : 31 / 82 ، الوسائل 1 : 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 11.
3- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 18.

ما أصابه؟ فقال : « لا ، فقد استقی أهل الدار منها ورشوا » (1). وهذه قرینة أخری علی أن المراد فی الصحیحین السابقین الفأرة المیتة. وربما یظهر من العلة أن تنجس البئر بالملاقاة ربما یکون سببا للحرج المنفی.

وفی الموثق عن الصادق علیه السلام ، أنه قال له : بئر یستقی منها ویتوضأ به ویغسل منه الثیاب ویعجن به ، ثم یعلم أنه کان فیه میتة؟ قال : فقال : « لا بأس ولا یغسل منه الثوب ولا یعید منه الصلاة » (2). وورد بعض الأخبار الصریحة فی الطهارة ، وبعض آخر ظاهرة (3).

قوله : والترجیح فی جانبها. ( 1 : 60 ).

وبما أشرنا إلیه من المرجحات ، ومما یرجح بل یدل ما فی کثیر من الأخبار من الأمر بنزح دلاء ، ودلاء یسیرة (4) ، مما یدل بظاهره علی المسامحة ، وکذا الاختلاف الفاحش فی مقادیر النزح ، والجمع بین الطاهر والنجس فی مقداره فی غیر واحد من الأخبار ، وورود الأمر بالنزح للأمور الطاهرة ، ووروده للأمور النجسة ، وورود التخییر بین مقادیر النزح فی کثیر من الأخبار ، وعدم انضباط الدلو عند القائل بالتنجیس ، وکذا فی الأخبار ، وإن ضبط فی الفقه الرضوی بأنه الذی یسع ثلاثین رطلا (5) ( علی ما هو ببالی ) (6).

ص: 114


1- التهذیب 1 : 233 / 673 ، الاستبصار 1 : 31 / 82 ، الوسائل 1 : 174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 13 وفی النسخ : استسقی أهل الدار.
2- التهذیب 1 : 234 / 677 ، الاستبصار 1 : 32 / 85 ، الوسائل 1 : 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 5. بتفاوت یسیر.
3- انظر الوسائل 1 : الباب 14 و 16 و 17 من أبواب الماء المطلق.
4- الکافی 3 : 6 / 8 ، التهذیب 1 : 409 / 1288 ، الوسائل 1 : 193 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.
5- الموجود فی فقه الرضا « ع » : 92 ، والمستدرک 1 : 204 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2 : أربعون دلوا.
6- لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

وممّا یؤید أیضا أنّه لا یکاد یتحقق روایة فی النزح لا تکون مشتملة علی ما یقول به القائل بالانفعال أو وجوب النزح. وأیضا الحکم بنجاسة الدلو والرشا وما یسقط من الدلو ثم الطهارة لعله لا یخلو عن التأیید لعدم الانفعال. ویؤیده أیضا أن الکر من الماء لا ینفعل قطعا ، فالکر منه مع انضمام المادة ( کیف ینفعل؟! ) (1). مع أنه لا یخلو عن الحرج غالبا کما مرّ الإشارة. ویؤید الطهارة أیضا عدم أمرهم بکون الدلو خالیا عن النقوب والثقوب والتمزق ، مع عدم خلو الدلو عنها غالبا. ویؤید أیضا عدم أمرهم بالاحتیاط مهما أمکن فی النزح ، بأن لا ینصب منه فی البئر ، مع أن کیفیة النزح مختلفة فی هذا المعنی. فتأمّل.

قوله : علی المعنی اللغوی. ( 1 : 60 ).

الحمل فاسد قطعا ، لأن اللغوی یعرفه کل أحد ، لا أنه لا یعرفه سوی المعصوم ، ولذا لم یعرفه الراویان الجلیلان ولا من بحضرتهما ولا أهل بلدهما ولا غیرهم ، ولذا اقتصر فی السؤال عن المعصوم وبعث المکتوب إلی بلد بعید ، مع أن النزح لا دخل له فیه ، فضلا عن خصوص نزح.

وأیضا المنع الشرعی کان معهودا معروفا بین جماعة من المسلمین ، بل وأکثرهم ، فلا شبهة فی أن السؤال کان عن هذه الجهة.

قوله : احتج الموجبون. ( 1 : 61 ).

الظاهر أن منشأ ترجیحهم هو الشهرة بین القدماء.

قوله : وحجة القول الرابع. ( 1 : 61 ).

مر موثقة عمار الظاهرة فی هذا القول ، وروایة الحسین بن صالح بن

ص: 115


1- کما فی « أ » و « و » ، وبدل ما بین القوسین فی « ه » : ینفعل بعید جدّا ، والعبارة فی سائر النسخ مغلقة.

حی فی مبحث الکر (1) ، وعبارة الفقه الرضوی (2) ، والاستبعاد الذی أشرنا هاهنا ، والقدماء یعملون بأمثال هذه الاخبار ، سیما مع تأییدها بما أشرنا.

وربما یؤیده أیضا أن الأغلب فی البئر عدم القصور عن الکر ، فربما یؤید جمیع ما ذکر عموم المفهوم وشموله لما نحن فیه ، إلاّ أنّه یبعده العلة المنصوصة ، وترک الاستفصال بالمرة ، وما أشرنا إلیه من المرجحات الکثیرة ، مضافا إلی الأصول ، فبهذا یظهر استبعاد جعل هذا المذهب وجه جمع بین الأخبار ، مضافا إلی بعده فی نفسه ، فتأمّل.

قوله : بنزح جمیعه. ( 1 : 62 ).

نقل ابن زهرة (3) وابن إدریس (4) الإجماع علی ذلک.

قوله : عشرین دلوا. ( 1 : 63 ).

وفی روایة کردویه ورد « ثلاثین دلوا » (5).

قوله : وبین سائر المسکرات. ( 1 : 63 ).

لعل بعض الفقهاء اعتقد أن الخمر حقیقة فی کل مسکر ، کما هو عند بعض اللغویین (6) ، ولعل نظر من احتج بالإطلاق علیه فی الأخبار إلی ذلک أیضا ، بأنه حقیقة فی کل مسکر بالاشتراک المعنوی ، بأنّ الأصل عنده فی الإطلاق الحقیقة ، وأن المجاز والاشتراک کلاهما خلاف الأصل ، واستعمال اللفظ الکلی فی فرده حقیقة جائز بل شائع.

منزوحات

البئر ما ینزح لوقوع المسکر فیها

ص: 116


1- راجع ص 81 - 82.
2- راجع ص 54.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 552.
4- السرائر 1 : 70.
5- التهذیب 1 : 241 / 698 ، الاستبصار 1 : 35 / 95 ، الوسائل 1 : 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2.
6- انظر إیضاح الفوائد 4 : 156 ، والقاموس المحیط 2 : 32.

ولو قال بالاشتراک اللغوی اللفظی فلا یمکنه الاحتجاج ، لأن الجمع بین معنیی المشترک فی إطلاق واحد غیر جائز علی الأصح ، فضلا عن أن یکون ظاهرا فیهما ، وخصوصا فی ما نحن فیه ، لأن بین المعنیین عموما وخصوصا مطلقا ، فتأمّل.

ویمکن أن یکون مراده الإطلاق مجازا ، کما هو ظاهر قولهم ، فیثبت له حکمه ، وذلک لأن العلاقة لیست إلا الحکم الشرعی ، کما هو ظاهر ، فحیث لم یعین تکون العلاقة جمیع الأحکام الشرعیة ، مثل حرمة الشرب ولزوم الحد علی الشارب ، وشدة التحریم ، ونزح البئر ، وغیرها ، مثل حرمة التداوی وغیرها.

نعم یمکن أن یقال : حرمة الشرب هی المتداول ، بل وشدة التحریم أیضا ، وذلک لأن المشبه به إذا اشتهر فی حکم من الأحکام یکون ذلک منساقا إلی الذهن فقط ، فلا داعی إلی التعمیم ، وإلا فلعل التعمیم له وجه ، کما هو الحال فی المطلقات وحکایة المنزلة ، فتأمّل.

ولعل الظاهر من القدماء التعمیم مطلقا ، مع أن القائل بانفعال البئر بالملاقاة ربما یستدل بما سننقل عن المحقق فی المنی وغیره.

قوله : فإن الإطلاق أعم من الحقیقة. ( 1 : 63 ).

لا یقال : قد مرّ عن الشارح أن اللفظ یحمل علی الحقیقة.

لأنا نقول : ذلک فی موضع عرف الحقیقة من المجاز ، واستعمل اللفظ مجردا عن القرینة ، ولا یعلم أنه مستعمل فی الحقیقی أم المجازی ، فإنه یحمل حینئذ علی الحقیقی قطعا ووفاقا ، وبرهن علی ذلک بأربع حجج فی موضعه. وأمّا إذا علم الاستعمال ولم یعلم أن المستعمل فیه حقیقة أو مجاز ففیه مذاهب : الأول : أنّه حقیقة بناء علی أنّ الأصل الحقیقة ، وغیر مرضی هذا عند المحققین المتأخرین وجمع من القدماء ، وهذا الأصل عندهم لا أصل له إما مطلقا أو إذا تعدد المستعمل فیه ، لأن المجاز عندهم خیر من

الاستعمال أعم من الحقیقة

ص: 117

الاشتراک ، ومما ذکر ظهر المذهب الثانی والثالث. والرابع : أنه مجاز ، لأنه الأصل فی کلام العرب ، بمعنی أنه الظاهر ، لأن الغالب فی معانیهم المجاز.

قوله : تمسکا بمقتضی. ( 1 : 65 ).

کان الأولی أن یقول فیه أیضا مثل ما قال فی قطرة الخمر ، وما نقل فی المسکر والفقاع وارد فی العصیر أیضا ، بل وأشد ، یظهر ذلک من الأخبار الواردة فی علة (1) حرمة الخمر ، فلاحظ الکافی وغیره (2). وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله تعالی.

قوله : أو منی. ( 1 : 65 ).

نقل ابن زهرة وابن إدریس الاتفاق من الأصحاب علیه (3). واستدل المحقق بأنه ماء محکوم بنجاسته ولم یثبت طهارته ، فیجب نزح الجمیع (4) ، وهذا یناسب القائل بالتنجیس.

قوله : علی قول مشهور. ( 1 : 65 ).

نقل ابن زهرة الإجماع ، وابن إدریس الوفاق ، واحتج فی المختلف بمثل ما مر عن المحقق فی المنی (5).

قوله : ثور أو نحوه. ( 1 : 66 ).

فی شموله للبقرة تأمّل ، إذ لو کان المراد ما یعمها لکان یقول : إن مات فیها البقر ، فتأمّل.

ما ینزح لوقوع الفقاع فیها

ما ینزح لوقوع المنی أو أحد الدماء الثلاثة فیها

ما ینزح لموت البعیر فیها

ص: 118


1- لیست فی « أ » و « و ».
2- الکافی 6 : 393 ، علل الشرائع : 475 ، الوسائل 25 : 282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 552 ، السرائر 1 : 70.
4- المعتبر 1 : 59.
5- المختلف 1 : 35.

قوله : ثم یقام. ( 1 : 67 ).

قیل : هو بفتح الثاء ، وقیل : هو زائد ، ویؤیده أن المحقق لم یأت به عند ذکر الروایة (1) وربما یکون المراد تقدیر کلمة « قال » بعد « ثم » ، بل ورد فی بعض النسخ ذکر هذه الکلمة بعده صریحا ، وهو الأظهر. ویمکن أن یکون المراد الترتیب الخارجی ، وأن یکون من کلام عمار ، کما هو دأبه فی ازدیاد أمثال هذه ، سیما لفظ ثم بخصوصه ، فلیتتبع روایاته ولیتأمّل.

وبالجملة : بعد اتفاق الأصحاب علی الفهم وعدم تأمّل أحد منهم ، مع أنهم هم الماهرون المطلعون الشاهدون ، لا وجه للتأمل من هذه الجهة. فتأمّل.

قوله : أعیان مخصوصة. ( 1 : 67 ).

لم یقل أحد بالاختصاص ، وربما کان خلاف الإجماع لو لم یحتمل مخالفة الظاهر.

وبالجملة : حال المقام حال سائر المقامات التی یتعدی الشارح - رحمه الله - من خصوص المورد. مع أنهم حملوها علی صورة التغیر من تلک الأعیان ، جمعا بین الأخبار ، وعلما منهم بأن نزح الجمیع لموت الفأرة - بل ومثل الکلب أیضا - فاسد. وتعدیهم فی التراوح عن صورة التغیر بناء علی القیاس بطریق أولی ، وعدم القائل بالفصل.

قوله : بروایته وأمثاله. ( 1 : 68 ).

ویؤیده اشتهار العمل بخصوص هذه بین الأصحاب ، بل وعدم الخلاف بین القائلین بالتنجیس ، فتأمّل.

قوله : من القائلین بالتنجیس. ( 1 : 68 ).

بل ونری القائلین بالطهارة أیضا حکموا به.

ص: 119


1- المعتبر 1 : 59.

قوله : ولا بأس به. ( 1 : 68 ).

فیه تأمّل ، لأن مسألة التراوح حکم شرعی ، فلا دخل لمعرفة العرف ، وظاهر الخبر أنه یمتد النزح إلی اللیل ، والغالب فیه جانب التعبد ، ولذا لا یکفی نزح اللیل ، ولا لیلا ونصف الیوم ، واعتبر کون النازح اثنین ، وأنه لا بدّ من تراوحهما.

قوله : وهو حسن. ( 1 : 68 ).

هذا أیضا لا یخلو من تأمّل ، لما عرفت.

قوله : فی المنتهی الإجزاء. ( 1 : 69 ).

هذا أیضا محل نظر ، لما عرفت.

قوله : کما هو المتعارف. ( 1 : 69 ).

لعل الأولی أن یقول : کما هو ظاهر الخبر ، من أن الاثنین ینزحان ، إذ لم یوجد تعارف فی نزح البئر بمتعدد. ولعل مراده أنه بعد اعتبار التعدد ووقوعه یکون المتعارف کذلک. وکیف کان ، الأجود ما ذکرناه.

ومقتضی ما ذکره أنه مع عدم الحاجة إلی الاثنین یکفی الواحد ، إذ فی الصورة النادرة ربما لا یمکن الإعانة ( لضیق الموضع ، أو یمکن لکن یتحقق ببطء معتد به لذلک ، مع أن المتعارف عدم الحاجة إلی الاثنین فی الإعانة ، بل ) (1) وربما یحصل منه بطء ، بل لعله الغالب. ولعله لذا ذکر جده ما ذکر ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف له. ( 1 : 69 ).

لعل مستنده روایة عمرو بن سعید الآتیة (2) ، کما ستعرفه.

ما ینزح لموت الدابة فیها

ص: 120


1- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
2- انظر المدارک 1 : 74.

قوله : بدخولها. ( 1 : 69 ).

لا یخفی أنهم ما عملوا بهذه الصحیحة ، ولهذا ألحقه بما لا نص فیه.

قوله : فیبقی الباقی. ( 1 : 70 ).

أی استثنیا من هذا الحکم الإبل والثور ، ویرید (1) مع ذلک الفأرة والکلب والطیر أیضا ، بدلیل من کلام أو قرینة ذهبت من تقطیع الأحادیث أو غیره من السوانح ، والمعارض کاشف عنه ، أو ما کان مقام السؤال مقام الحاجة.

والمراد من قوله : أیضا المساواة. ، أنهما سوّیا بین ما ذکر بإرادة نزح مطلق الدلاء بالنسبة إلی هؤلاء الرواة ووقت سؤالهم ، بناء علی أنه کان وقت الحاجة لهم ، إلا أنهم کانوا یریدون الکثرة بالنسبة إلی بعض ما سأل عنه ، والقلة بالنسبة إلی بعض آخر ، لکن ما بینوا لهم وقت سؤالهم ، لوجود مصلحة ، وبینوا بعد ذلک لهم أو لغیرهم ، فکان الحکم الظاهری فی حقهم وحق من لم یطلع علی البیانات التسویة ، والحکم الواقعی فی حق المطلع التفصیل. فالمراد بالإرادة الأولی إرادة الحکم الظاهری ، والثانیة الحکم الواقعی ( أو لم یکن المقام مقام الحاجة ، أو ذهبت القرینة ) (2) ، وقد عرفت أن الوجوه الثلاثة هی الوجوه فی اختلاف الأخبار ، والمصحح للجمع بینها ، فتدبر.

قوله : لا یقال. ( 1 : 70 ).

دفع إیراد لأجل تصحیح معنی الحدیث بحسب الواقع لا بحسب تمحله الذی ارتکبه ، لأن إرادة الکر من الدلاء یوجب کون المراد من الدلاء معنی مجازیا ، فکیف یتحقق الجمع بین الحقیقة والمجاز؟! وتخصیص

توضیح ما قاله العلاّمة فی المقام

ص: 121


1- فی « ب » و « ج » و « ه » : أو یرید ، وفی « د » : أو یزید.
2- ما بین القوسین أثبتناه من « أ » و « و ».

الإیراد بصورة کون الحقیقة هی القلة ، والمجاز الکثرة ، فاسد من وجوه ظاهرة علی الفطن. مع أنه کما ورد المقید فی جانب الکثرة کذا ورد فی جانب القلة ، بل هو أقوی وأظهر.

وممّا ینادی علی ما ذکرناه من أن التصحیح بحسب الواقع لا بحسب التمحل ، قوله : لکن إن حمل. ، فإن إرادة مطلق الجمع تنافی إرادة خصوص الکر ، وأیضا لا ربط له بحکایة الافتراق بالقلة والکثرة.

فإن قلت : لعل مراده من مطلق الجمع مجموع جمع القلة والکثرة ، علی أن یکون کل واحد منهما بخصوصه مرادا ، کما فهمه الشارح فأورد علیه بما أورد.

قلت : هذا فاسد من وجوه :

الأول : أن إرادة کل واحد منهما بخصوصه هی التی استحالها ( المعترض فمنع استحالتها ) (1) ، فکیف یقول بعد تسلیم استحالتها إن حمل علی إرادته لم یلزم ما ذکرتم؟! إذ الاستحالة ظاهرة ، واللزوم واضح ، بل هو هو بعینه.

الثانی : أن لفظ مطلق الجمع ظاهر بل حقیقة فی الجمع من حیث إنه جمع ، من غیر قید خصوصیة وملاحظة ذلک القید.

الثالث : أن قوله : علی أن لنا فی کون. ، ظاهر فی أن المراد إثبات مطلق الجمع ، لا مجموع الجمعین علی ما ذکره الشارح.

الرابع : قد عرفت مما ذکرناه أنه غیر خالص من الاعتراض السابق ، من أنه لا یتحقق هنا معنی حقیقی ، فتأمّل.

الإیراد الذی أورده الشارح ، بأن إطلاق الأرض علی مجموع السماء والأرض فی غایة الشناعة والفظاعة ، لا یرتکبه مرتکب له فی العلم نصیب ،

ص: 122


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

بل ولو لم یکن له نصیب ، فإن العوام أیضا یشمئزون منه.

قوله : وکلام الجوهری. ( 1 : 71 ).

فیه نظر ، لأن الجوهری قال : اسم لکل ما یرکب ، وظاهر لفظ الاسم کونه حقیقة ، إذ المجاز لا یقال له : اسم للمعنی المجازی ، والأسد لیس اسما إلا للحیوان المفترس ، وإطلاقه علی الرجل الشجاع مستعار.

( ویؤیده أنه لا تأمّل فی کون ما یدبّ علی الأرض معنی حقیقیا لغة ، فیظهر أن المراد بالاسم هو المعنی الحقیقی. وأیضا : الجمع بین ما یرکب وما یدب بعبارة واحدة ونسق واحد یؤید کون ما یرکب معنی حقیقیا لما یدب ، بل قال فی القاموس : الدابة ما دب من الحیوان ، وغلب علی ما یرکب (1) ، فیظهر منه أنه عند الإطلاق یحمل علی ما یرکب.

ثم لا یخفی أن الشارح دیدنه التمسک قول اللغوی ومجرد إطلاقه ، کما لا یخفی علی المتتبع ، فکیف یتأمّل مع التصریح بأنّه اسم لکذا ، بل ومع تکراره وعدم الاکتفاء بالعطف ) (2).

قوله : فإنّ الإطلاق. ( 1 : 71 ).

لا یخفی أن ذلک لیس من المسلمات عند الفقهاء سیما القدماء ، بل لعل الظاهر من أکثرهم - لو لم نقل بالکل - أن الأصل فی الإطلاق الحقیقة.

سلمنا ، لکن یظهر من کلام الجوهری أن المعنی منحصر فی المعنیین ، موافقا لما فی القاموس ، فإذا کان قرینة صارفة عن أحدهما یتعین الثانی ، کما هو الشأن والطریقة فی تعیین المعانی اللغویة وغیرها عند الفقهاء وغیرهم من العلماء ، وهی الطریقة الشائعة المتعارفة فی فهم المعانی والاستدلال بالألفاظ علیها.

ص: 123


1- القاموس المحیط 1 : 67.
2- ما بین القوسین أثبتناه من « ه » و « و ».

علی أنک قد عرفت فیما سبق أنه إذا تعذر الحقیقة فالمجاز المشهور المعروف متعین ، وعرفت وجهه فلاحظ.

قوله : مع أنه قد اشتهر. ( 1 : 71 ).

فیه : أنه قد تقدم منه فی صدر مبحث البئر أن اللغة تقدم علی العرف (1) ، ( وربما کان رأی کثیر من الفقهاء ذلک ، بل وربما یظهر ذلک من طریقة القدماء ، والدلیل ما أتی به لهم ) (2) ، وحمل الألفاظ علی المتعارف لیس مسألة وفاقیة ، بل ربما یظهر من القدماء الحمل علی جمیع ما یصدق علیه ما وضع له حقیقة.

وغرض العلامة أن المشهور من القدماء هو نزح الکر ، فلعل نظرهم إلی ذلک ، أی الذی أتی به لهم ، بناء علی أن ذلک یکون مذهبا لهم ، کما لا یخفی علی من اطلع علی طریقة العلامة فی التشبث لأحکام الفقهاء بما یمکن أن یکون نظرهم إلیه ، وإن لم یکن مرضیا عنده. وقوله : أن لقائل. ، وقوله : ویمکن التمحل. یشهدان علی ما ذکرنا ، وکذا قوله : فإما أن تکون للعموم. ، إذ القدماء یبنون علی العموم جزما ، فلعل رأیهم رأی الجبائیین ، فتأمّل.

ثم لا یخفی أن ما ذکره الشارح هنا سد لباب التمسک بقول اللغوی مطلقا ، إذ لا یصرحون بأن المعنی الحقیقی ما ذا ، بل ولا یظهر منهم أیضا ذلک بوجه من الوجوه ، بعد منع دلالة مثل لفظ « اسم لکذا » علی الحقیقة ، وصرح بأن المجاز لیس بحجة ، والإطلاق أعم من الحقیقة والمجاز ، بل غالب إطلاقاتهم المجاز ، فما أدری بأی عذر یتمسک هو وغیره بقولهم وما ذکروه فی کتبهم ، من دون أن یثبت من الخارج کونه حقیقة؟! بل ومع الثبوت

ص: 124


1- مدارک الأحکام 1 : 53.
2- ما بین القوسین أثبتناه من « ه » و « و ».

من الخارج لعله لا یحتاج إلی کتبهم وأقوالهم ، فتأمّل.

قوله : علی المعنی المتعارف. ( 1 : 71 ).

ربما یقال : إنه من باب تقدیم العرف علی اللغة ، وقد مر الکلام فیه.

وأما الجوهری فلعل مراده ما یرکب وإن رکب نادرا ، کالدابة ، لا أنّه اسم لما یرکب متعارفا ، کما أن الدابة لیس اسما لما یدب متعارفا ، بل مطلق ما یدب ( بالقیاس إلی المعنی الأول ، فإنه لا یخرج عن مفهومها ) (1) ، فتأمّل.

قوله : لو تم ما ذکره لاقتضی. ( 1 : 71 ).

لا یخفی أن مراده أن لفظ الدابة اسم لجنس ما یرکب ، وهو ظاهر ، والألف واللام وضع للتعریف ، فیکون المراد تعریف الجنس والإشارة إلیه ، فیکون حقیقة فی الجنس. وهذا هو المذهب الحق ، کما حقق فی موضعه.

فعلی هذا إذا علق حکم علی الجنس والطبیعة مثل أن یقال : البیع حلال ، لا جرم یکون المراد أن هذه الطبیعة من حیث هی هی حلال ، علی ما هو المذهب الحق من أنّ الطبائع تصیر متعلقة للأحکام ، فإذا کان متعلق الحکم الطبیعة من حیث هی هی یکون فی کل فرد یتحقق الطبیعة یتحقق الحکم ، فلو تحقق فرد لم یکن فیه الحکم یلزم منه أن لا یکون الطبیعة متعلق الحکم ، لوجودها بدونه ، والمفروض أنّ الحکم تعلق علیها حیث قال : الطبیعة حلال ، مثلا.

وهذه الطریقة ( هی الحق ) (2) فی إفادة المفرد المحلی باللام للعموم. ونفس الإفادة مسلمة بین الفقهاء ، إلا أنهم یختلفون فی وجه الإفادة ، کما أشرنا إلیه سابقا.

ص: 125


1- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
2- ما بین القوسین لیس فی « ب ».

لکن لا یقتضی الإفادة مطلقا ، فلو قال المولی لعبده : أوجد البیع ، أو افعل البیع ، أو بع ، لا یلزم منه أن یکون الواجب علیه الإتیان بجمیع أفراد البیع ، بل یکفی إیجاد الطبیعة فی ضمن فرد مّا ، کما هو المحقق عند معظم المحققین.

والفرق بین ذلک وبین المقام ظاهر واضح ، لأن الطبیعة تکون متصفة بوصف متعلقة لحکم ، وإذا کانت کذلک تقتضی أن لا تنفک عن الوصف أینما وجدت ، وإلاّ لم تکن من حیث هی هی متعلقة الحکم ، بل یکون لأمر آخر مدخلیة وسببیة فی تحقق الحکم فی الطبیعة ، وهو مثل خصوصیة تشخص فرد ، أو فصل ، أو نوع ، أو ممیز صنف ، أو فصل أنواع ، أو ممیز أصناف ، فلا یکون حینئذ الطبیعة من حیث هی هی متعلقة الحکم ، بل بشرط وجودها فی فرد ، أو نوع ، أو أصناف ، أو أفراد. فیکون المراد من العلیة ما أشرنا إلیه.

وأیضا : تعلیق الحکم علی الوصف ظاهر فی علیة الوصف ودورانه معه ، فکذا تعلیقه علی الماهیة یقتضی علیتها ودورانه معها ، مثلا : إذا قال : الإبل السائمة فیها الزکاة یقتضی أن یکون کل سائمة فیها الزکاة ، وإذا قال : الإبل فیها الزکاة یقتضی أن یکون کل إبل فیها الزکاة.

وأیضا : معنی تعلیق الحکم علی الماهیة أنه منوط بها ، فالماهیة مناط ، والمراد من العلة هو المناط.

وبالجملة : لا شبهة فی حقیة ما قال ، وهو مختار معظم المحققین ، وظهر أیضا أن إفادة العموم لیست علی الإطلاق ، علی حد الصیغ الموضوعة للعموم ، وهو - رحمه الله - ینکر هذا ، لا أنها لا تفید العموم فی أمثال المقام ، کیف والاستدلال بالعموم فیها طریقته وطریقة غیره من الفقهاء.

قوله : علی حکم الثور. ( 1 : 71 ).

لا یخفی أن الأصحاب أعرضوا عن حکم نحو الثور بالمرة ، فکیف

ص: 126

یجعله مخرجا ، والبناء فی باب النزح قد عرفت ، فتأمّل.

قوله : علی حکم مثله. ( 1 : 71 ).

فیه : ما أشرنا من أن شمول نحوه لمثل البقرة محل تأمّل ، ولذا ما فهم الأصحاب الشمول ، وما بنوا الأمر علیه ، علی أنا قد أشرنا إلی أن مراده الإتیان بما یحتمل أن یکون مستمسکهم ، ولا شک أن الأصحاب لم یقولوا بالشمول لداع دعاهم إلی ذلک قطعا ، کما أن قولهم بالکر فی البقرة لداع عندهم وفی معتقدهم قطعا ، فیحتمل أن یکون هو الذی ذکره ، لأن بعض مقدماته حق ، ( وبعضها حق عندهم ) (1) ، وبعضها حق عند بعض الفقهاء ، ولعل رأیهم رأیه ، فتأمّل.

قوله : من الألفاظ العامة. ( 1 : 72 ).

فی الغالب کذلک لا مطلقا ، وبحسب اللغة یصدق علی خروج بعض أجزاء الحدیث واستثنائه ، ولم یثبت اصطلاح ووضع جدید ، کیف والمستثنی هو المخرج من متعدد. سلمنا ، لکن القرینة هاهنا واضحة ، ولا مشاحة فی الاستعمال ولا مانع منه ، فتدبر.

قوله : والأمور المتعددة. ( 1 : 72 ).

فیه : أنه لا شک فی صحة الاستثناء فی الجواب بأن یقال : ینزح دلاء إلا للکلب فینزح أربعون ، وصحته من أمارات العموم. علی أنه لا شبهة فی أن الحکم لم یتعلق بکل واحد علی انفراده نصا ، والمطابقة بین السؤال والجواب لا یقتضی أزید من الظهور ، فلا یمتنع من الاستثناء متصلا أو منفصلا إذا وجد.

ص: 127


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « ه ».

قوله : تعارض الخبران. ( 1 : 72 ).

لا یخفی أن طریقة الشیخ وغیره أیضا أنه إذا حصل المانع عن العمل ببعض أجزاء الخبر لا یخرج بمجرد هذا عن الحجیة أصلا ورأسا ، بل یعملون بالباقی ، وقد أشرنا فی مسألة الغسل لصوم المستحاضة (1) وغیره إلی ذلک. علی أن طریقة الکل فی حکایة النزح ذلک ، بل لیس عمل القدماء فیه إلا ذلک ، کما لا یخفی علی المتتبع المتأمّل.

قوله : لزم الإغراء بالجهل. ( 1 : 72 ).

لا یخفی أن المدار فی الجمع بین الأخبار حمل ماله ظاهر علی خلاف الظاهر ، فعلی ما ذکره لزم أن لا یکون توجیه آیة ولا حمل خبر جائزا أصلا ، وهو خلاف ما اتفق علیه جمیع العلماء (2).

وهو - رحمه الله - من أول الکتاب إلی آخره شغله وطریقته ذلک ، وقد أشرنا إلی وجه الجواز ( ومبناه فلاحظ ) (3).

قوله : یلحق بالهذر والهذیان. ( 1 : 72 ).

لا یخفی أنه - رحمه الله - صرح بأنه تمحل ، وما ذکره الشارح هو وجه کونه تمحلا ، فلا وجه للاعتراض علیه بوجه من الوجوه ، سیما بهذا الوجه الذی لا یناسب الأدب.

علی أن الدلاء جمع کثرة ، وصیغة الجمع موضوعة للثلاثة فما فوقها بلغ ما بلغ ، أو الأزید من العشرة کذلک ، ولا یجب أن یکون استعماله منحصرا فی أقل مرتبة من مراتبه ، بل کل مرتبة من مراتبه تکون معنی حقیقیا

ص: 128


1- راجع ص 32.
2- فی « ب » و « ج » و « د » : الفقهاء.
3- ما بین القوسین لیس فی « ه ».

لها وإن بلغت ما بلغت ، فیقتضی ذلک جواز الاستعمال فی کل مرتبة قطعا ، غایة الأمر أن إفادة تلک المرتبة بخصوصها تحتاج إلی القرینة ، والمقید الذی ادعاه یکفی لکونه قرینة ، کما اعترف به ، وإن أراد أنه کذلک إن ثبتت القرینة فهذا بعینه هو ما ذکره بقوله : ومع ذلک کله فالمقید. ، فلا وجه لإیراد آخر ، ولا ما قاله بقوله : ومع ذلک کله. ، ومع ذلک سنشیر إلی مقیده.

ثم ما ذکره بقوله : یکاد أن یلحق. ، إن أراد أنه مع القرینة أیضا لا یجوز الإرادة ففساده قد عرفت ، وإن أراد أنه بلا قرینة لا یجوز ، ففیه : أنّه تعالی تکلم بالمتشابه ، کما صرح بقوله ( مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ ) . (1) ، الآیة ، وکذلک الحجج صلوات الله علیهم ، کما ورد فی الحدیث : « إنّ أحادیثنا فیها محکم کمحکم الکتاب ، ومتشابه کمتشابهه » (2) ، الحدیث ، والتتبع أیضا کاشف عن ذلک ، والحکماء أیضا یتکلمون بالمتشابهات علی حسب المصالح ، بل أکثر الآیات القرآنیة کذلک ( مع أن جمیع الأحکام فی القرآن ولا نعرفه منه ) (3) ، فالقول بأنه یکاد یلحق بالهذر والهذیان فیه ما فیه.

وأیضا : إن أراد أن القرینة لا بدّ أن تکون موجودة فی نفس الحدیث ففساده واضح وقد أشرنا إلیه ، وإن أراد أنّه لا بد أن تکون قرینة حالیة أو مقالیة للمخاطب ولیس فی ما نحن فیه ، ففیه : أن عدم الوجدان لا تدل علی العدم واقعا. والحکم بمجرد أصالة العدم بکون الکلام هذرا وهذیانا ، فیه ما فیه ، وغایته أنا لسنا مکلفین بما لا نفهم الآن لو انسد باب الفهم من الأخبار وکلام

ص: 129


1- آل عمران : 7.
2- عیون الأخبار 1 : 226 / 39 ، الوسائل 27 : 115 أبواب صفات القاضی ب 9 ح 22.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».

القدماء ، والقدماء فهموا من روایة عمرو بن سعید (1) کون الکر لخصوص الحمار ، لمعارضة أخبار أخر ، وطریقتهم فی أخبار النزح کذلک ، کما أشرنا ، والشیخ صرح بما ذکرنا.

ولما کان الحمار مما یرکب یمکن أن یکونوا جعلوا حکمه قرینة معینة علی إرادة الکر من الدلاء للدابة ، وإن کان هذا تمحلا عند العلامة أیضا ، إلا أنه - رحمه الله - لما لاحظ طریقتهم فی حکایة النزح ، وأن بناءهم علی التفریق بین المجتمع فی الحدیث ، والجمع بین متفرق فی الأحادیث ، وجعل بعضها شاهدا علی بعض ، ومانعا وصارفا عن بعض ، ومع ذلک حکموا فی البقرة بنزح الکر ، فیشبه أن یکون حکمهم هذا من جملة أحکامهم ، فلذا ذکر - رحمه الله - ما ذکر ، فتدبر.

وبالجملة : أقصی ما یرد فی هذا الاعتراض أن المقید الذی یکون خالصا عن جمیع الإیرادات سالما من جمیع الوجوه ، تحققه فی المقام غیر معلوم علی الشارح وأمثاله ، والعلامة - رحمه الله - یظهر من کلامه أنّ الأمر کذلک ، حیث صرح بالتمحلیة ، فلا وجه للإیراد الذی أورده ، سیما مع التطویل والتشدید ، بعبارات رکیکة غیر مناسبة إلی الأقل من العلامة - رحمه الله - آیة الله فی العالمین ، فضلا عنه ، خصوصا مع کون ما ذکره ظاهر الفساد علی حسب ما عرفت.

نعم یتوجه علیه أنه إذا عرفت أنه تمحل فلا وجه للاستدلال لهم ثم التصریح بأنه تمحل ، لکن قد عرفت وجه اندفاع هذا الإیراد أیضا عنه ، مع أنه لعله ظهر له أنهم تمسکوا بمثل هذه الروایة فی حکم البقرة.

ص: 130


1- التهذیب 1 : 235 / 679 ، الاستبصار 1 : 34 / 91 ، الوسائل 1 : 180 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5 ، وانظر المدارک 1 : 74.

قوله : وفیه بحث. ( 1 : 73 ).

فلا وجه للاعتراض علیه ( بل لا وجه لهذا الاعتراض علیه ) (1) أیضا ، وقد أشرنا إلی وجهه.

قوله : وتمام تحقیق المسألة. ( 1 : 73 ).

لا یخفی ما فیه ، لأن مطلق الجمع جزء جمع القلة والکثرة ، وکلی بالنسبة إلیهما ، فهو من قبیل استعمال لفظ الکل وإرادة الجزء ، بل الفرد وإرادة الکلی ، بل ما ذکره العلامة - رحمه الله - هو بعینه عموم المجاز الذی صرح الأصولیون بجوازه فی المسألة المزبورة ، وعدم نزاع فیه منهم أصلا.

قوله : فی المعتبر. ( 1 : 74 ).

لفظ البغل موجود فی بعض نسخ التهذیب بعنوان النسخة ، فلیلاحظ.

قوله : أما أولا. ( 1 : 74 ).

أما علی القول باستحباب النزح - وهو الأظهر - فلا وجه لأمثال هذه الإیرادات ، من جهة تسامحهم وقد عرفت الجهة (2) ، وأما علی القول بالوجوب فلعل الشهرة فی الفتاوی تجبره ، فتأمّل. مع أن أمثال هذه الاعتراضات غیر واردة علی القدماء أصلا ، کما لا یخفی.

قوله : من إیجاب النزح. ( 1 : 75 ).

وإیجاب السبع لما بین السنور إلی الشاة ، بل وما بین الفأرة إلی السنور أیضا.

ما ینزح لموت الحمار أو البقرة فیها

ص: 131


1- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
2- راجع ص 114 ، 115.

قوله : غیر معقول. ( 1 : 75 ).

فیه ما أشرنا إلیه فی بحث وجوب الغسل لصوم المستحاضة (1) ، وفی المبحث السابق بتمامه.

قوله (2) : دون الجمل. ( 1 : 75 ).

فیه تأمل نبهنا علیه هناک.

قوله : والأجود إلحاق البقرة. ( 1 : 75 ).

أقول : قوله : حتی بلغت الحمار والبغل ، بعد قوله : ففی کل ذلک یقول : سبع ، شاهد علی أنه کان یسأل عن حیوان حیوان بترتیب الجثة فی الصغر والکبر ، فیکون قوله : حتی بلغت الحمار والبغل ، فی قوة أن یقال : حتی بلغت إلی هذه الجثة ، ولعله لذلک فهم الثلاثة الکر فی البقرة أیضا ، کما یظهر من الشیخ - رحمه الله - ذلک ، فلاحظ.

قوله (3) : لاندراجهما. ( 1 : 75 ).

فیه أیضا تأمّل.

قوله : وإلا فللتوقف. ( 1 : 75 ).

لعله لیس فی موضعه ، لما حققناه فی الرجال (4) ، مضافا إلی ما مر آنفا.

قوله : فتکون للاستغراق. ( 1 : 75 ).

یمکن المناقشة فی تبادر الشمول للکافر ، بل ویدعی تبادر المسلم ، کما أن المتبادر من لفظ الجنب الذی یقع فی البئر أو یغتسل فیه هو المسلم ،

ما ینزح لموت انسان فیها

عدم الفرق بین المسلم والکافر فی النزح

ص: 132


1- راجع ص 121.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
3- هذه الحاشیة توجد فی « ه » فقط.
4- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 6 ، 11 ، 243.

مع أنّ الیهود والمجوس والصابئ وغیرهم أیضا یغتسلون. والأصحاب أیضا ظاهرهم عدم الاکتفاء بسبع دلاء للکافر.

قوله : وخالف فی ذلک ابن إدریس. ( 1 : 76 ).

لا شک فی تناول الإنسان للجنب والملوث بالنجاسة کالمنی والعذرة ، وظاهر أنهم لا یقولون بالاجتزاء فیها وإن قال بعضهم بالتداخل.

قوله : فلا یزول. ( 1 : 76 ).

وله أن یتمسک باستصحاب نفس النجاسة ، فتدبر.

قوله : منصوص مدفوع. ( 1 : 76 ).

لا شک فی أن نجاسة الکفر أمر علی حدة ، ونجاسة الموت أمر علی حدة ، بل بینهما تبائن کلی ، وقصاری ما یتوهم العموم من وجه ، والمعصوم علیه السلام تعرض لحکم نجاسة الموت خاصة ، فکیف یتأتی أن یقال : إنّه تعرض لحکم نجاسة الکفر أیضا ، ویجعل داخلا فی المنصوص خارجا عما لا نص فیه ، ولذا لو تعرض لحکم نجاسته وصرح بأن حکمها نزح الجمیع لم یعد الکلامان والحکمان متنافیین أصلا ، لا بحسب الظاهر ولا بحسب الواقع ، وإن قال ذلک فی موت الکافر فی البئر.

علی أنّا نقول : أهل العرف لا یفهمون من الحکم المعلّق علی الطبیعة أزید من أنه حکم الطبیعة من حیث هی هی ، أینما وجدت وفی أی فرد معین تحققت ، فتدبر.

قوله : وإذا ثبت الاکتفاء. ( 1 : 76 ).

یمکن لابن إدریس أن یقول : المستفاد من النص أن السبعین للنجاسة الموتیة للإنسان من حیث هو إنسان ، وأما النجاسات الأخر فلا یظهر منه ،

ص: 133

ولذا لو کان متلوثا بالمنی أو غیره (1) لم یظهر من النص نفی مقدرة حینئذ ، مع أن استفادة العموم بحیث یشمل الکافر لا یخلو من تأمّل أشرنا إلی وجهه.

قوله : وظاهر کلام العلامة. ( 1 : 76 ).

لیس کذلک ، بل کلامه صریح فی کون محل النزاع موت الکافر فی البئر ، نعم هو حقق تحقیقا من قبل نفسه وعمم التحقیق ، ووجه التعمیم أن الفقهاء عندهم بحسب الظاهر أنه لا فرق بین الموت فی البئر ووقوع المیت ، لأن علة النجاسة هی الموت ، فتأمّل ( کلامه ) (2).

قوله : وأما ثانیا. ( 1 : 77 ).

الجمع بین هذا الاعتراض وما سبق لیس بجید ، إذ لو کان محل النزاع الوقوع میتا لا جرم یکون احتجاجه بمفهوم الموافقة. إلاّ أن یقال : مع قطع النظر عن کون محل النزاع الوقوع حیا احتجاجه فی غایة الظهور ، لکن العلامة صرح بأن دلیل ابن إدریس هو الملاقاة حال الحیاة ، وعدم اقتضاء الموت التطهیر ، ومنعه نجاسته للکفر ، بناء علی ما حققه ، کما أشرنا.

قوله : مرجعه إلی الأدلة. ( 1 : 77 ).

أی ما دل علی نجاسة الکافر ، لکن هذا علی القول باشتراط بقاء المبدء فی صدق المشتق فاسد ، وعلی القول الآخر موقوف علی کون الکافر المیت من الأفراد الشائعة المتبادرة من لفظ الکافر ، مضافا إلی أن المعتقد هو الروح ، ولعله لذا أمر بالتأمّل.

قوله : ویمکن. ( 1 : 78 ).

فیه إشارة إلی أنه - رحمه الله - یأتی بالنکتة لاختیارهم خصوص

ما ینزح لوقوع العذرة إذا ذابت

ص: 134


1- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : کما إذا کان جنبا غیر متلوث.
2- لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

الخمسین فی فتواهم ، وهی أنهم یختارون الأکثر للاحتیاط وتحصیل البراءة الیقینیة ، ولا یخفی علی المتأمّل أن هذه طریقتهم فی حکایة النزح ، ومراعاة ما ذکره - من أنّ التخییر بین الأقل والأکثر یقتضی عدم وجوب الزائد - تحقق مذهب الشارح - رحمه الله - من أن البناء علی الاستحباب مطلقا ، إذ ما یقتضی عدم وجوب الزیادة غیر مختص بالخصوصیة التی ذکرها ، بل هی منها ، بل شدة اختلاف الأخبار والحکم بنزح دلاء علی الإطلاق وغیر ذلک مما أشرنا إلیه فی ترجیح عدم انفعال البئر أیضا یقتضی الاستحباب ، بل وأظهر من الاقتضاء. مع أن هذا التخییر أیضا غیر مختص بالمقام.

وبالجملة : مراعاة ما ذکره یهدم بنیان بنائهم من الأساس ، فلا یناسب جعله اعتراضا فی خصوص المقام. فتأمّل.

قوله : إیجاب أحدهما. ( 1 : 78 ).

لعل مراده أن إیجاب أحدهما فی الواقع یستلزم إیجاب الأکثر بحسب الحکم الظاهری ، لأنه مقتضی الدلیل ، لأن النجاسة ثابتة حتی یثبت المطهر ، وبالاحتمال لا یثبت ، والتردید لعله لأجل مصلحة اقتضاها المقام.

وکون المراد إیجاب أحدهما تخییرا فی الواقع یأباه أن الواجب التخییری عند الشیعة مجموع الأمرین من حیث المجموع ، إلاّ أنّه بفعل أحدهما یسقط الآخر ، وأما وجوب أحدهما مبهما فهو رأی الأشاعرة ، وقد أبطلته الشیعة والمعتزلة ، وزیفوه ، وشنعوا علیهم ، کما قرر فی محله.

وأیضا : هذا التوجیه إنما ذکره العلامة لأجل القائلین بأن النزح لیس إلا لرفع النجاسة أو للوجوب تعبدا ، فلا معنی للتخییر فی ذلک بین الأقل والأکثر ، والحمل علی ما ذکره الشارح یناسب مذاقه لا مذاقهم والتوجیه لهم ، لأن العلامة - رحمه الله - أیضا موافق للشارح ، وعلی تقدیر المناسبة ما ذکره العلامة أنسب لمذاقهم ، وعلی تقدیر التساوی ما ذکره - رحمه الله - لازم

ص: 135

علیهم أیضا ، وعلی تقدیر رجحان ما لعلهم ما قنعوا بمجرده فی مقام تحصیل البراءة ، ولیس ذلک ببعید عن القدماء ، فتأمّل.

قوله : واختلاف الآبار. ( 1 : 79 ).

لا یخلو عن بعد ، لعدم الاستفصال ، والجمع بین المختلفات فی روایة واحدة ، والمسامحة فی تعیین مقدار النزح ، وغیر ذلک مما هو أمارة الاستحباب ، ولو تم ما ذکره لم یکن الاختلاف دلیلا علی الاستحباب.

قوله : قلت بول الرجل. ( 1 : 82 ).

الشیخ ادعی إجماع الإمامیة علی العمل بروایة علی بن أبی حمزة (1) ، مضافا إلی أن هذه الروایة منجبرة بالشهرة ، وعلی القول باستحباب النزح لا کلام ولا ضرر أصلا ، ولعل غرض المحقق أنّ الأصحاب یعملون بروایته ، مع أن عادتهم عدم الاتفاق علی العمل بروایة من أنکر الحق عنادا ، وأکل أموال الکاظم علیه السلام ظلما وعدوانا (2) ، فالظاهر أنهم أخذوا الروایة عنه قبل أن یصدر عنه ما صدر ، فتأمّل.

قوله : وأکثر عدد. ( 1 : 83 ).

هذا علی ما فهمه المحقق فاعترض علیه أن الثلاثة إلی العشرة تمییزها بالجمع المجرور ، وما فوقها بالمفرد المنصوب. وربما اعترض علیه أیضا بأن کلامه مبنی علی أن الدلاء جمع قلة ، لکن فی الاستبصار صرح بأنه جمع کثرة ، وهو ما زاد علی العشرة ، فی ما ورد فی الکلب من أنه ینزح له دلاء (3).

ویمکن توجیه کلامه بأن الدلاء وإن کان جمع کثرة إلاّ أنّ تقییده هنا بلفظ

ما ینزح لوقوع بول الرجل فیها

ما ینزح لوقوع قلیل الدم فیها

ص: 136


1- عدة الأصول 1 : 381.
2- انظر اختیار معرفة الرجال 2 : 705.
3- الاستبصار 1 : 37 / 100 ، 101.

« یسیرة » الذی یؤدی مؤدی القلة قرینة علی إرادة القلة منه هاهنا ، وربما یؤیده قوله : هذا الجمع.

وأما ما ذکره من أن أکثر عدد ینسب إلی هذا الجمع عشرة فلما ظهر لک فیما سبق آنفا ، فتأمّل. ولعله لهذا لم یعترض علیه المحقق بمنع أن یؤخذ بالأکثر.

وبما ذکر یظهر ما فی قول الشارح - رحمه الله - اعتراضا علی العلامة بأنه لا یلزم من عدم التقدیر تأخیر البیان.

قوله : وإلا لزم تأخیر البیان. ( 1 : 83 ).

بناء علی رأی الموجبین للنزح ، علی حسب ما أشرنا إلیه ، فتأمّل.

قوله : هی أقل ما یصلح. ( 1 : 83 ).

هذا لا یناسب قول الشیخ ، لأنه جعل العشرة أکثر عدد یضاف. إلاّ أن یکون مراده تتمیم الإیراد علی المحقق ، فتأمّل.

قوله : وفیه نظر. ( 1 : 84 ).

أقول : مراده رفع الإیراد الذی أورده المحقق علی الشیخ ، لا أنه لا یرد علی الشیخ إیراد أصلا ، کیف وهو - رحمه الله - رأیه مخالف لرأی الشیخ فی وجوب النزح ، وإن فرض کونه موافقا فی المقدار ، بناء علی تسامحه فی أدلة السنن ، وأما المحقق فرأیه موافق للشیخ فی الأمرین ، ومع ذلک لم یورد علیهم بهذا الإیراد ، وکان إضافة العشرة مسلمة عنده علی تقدیر لزوم الإضافة.

والحاصل أن المحقق لما سلم الأخذ بالأکثر أخذا بالمتیقن - أی تحصیلا للبراءة الیقینیة - وسلم عدم جواز الأخذ بالأقل لعدم الدلیل ، کما

ص: 137

أشرنا من أنه الظاهر من کلامه ، إلا أنه منع تحقق البراءة بالعشرة فی المقام ، لأن قول القائل : عندی دراهم لا یعلم منه أنه لا یخبر عن زیادة عن العشرة ، إنما کان ذلک إذا کان إضافة ولیس فی المقام إضافة ، أجاب العلامة - رحمه الله - بأن البناء علی عدم الإضافة یوجب الإجمال ، لعدم تحقق حد فی جانب الأکثر ینتهی إلیه ویجعل محصلا للبراءة الیقینیة ، فیلزم علی هذا تقدیر الإضافة حتی لا یتحقق تأخیر البیان ، والعشرة هی أقل ما یصلح تقدیره ، بناء علی وجوب الأخذ بالأکثر فی الدلاء المجردة.

وفی بعض نسخ المنتهی لفظ « الأکثر » موضع الأقل ، فلا إشکال ، وقوله : وحوالة علی أصالة البراءة ، تأیید لتقدیر الإضافة وتعیین المجهول ، وما ذکرنا هو الظاهر من المنتهی ، فلاحظ.

لا یقال : فی المنتهی قائل بوجوب النزح ، فکیف قلت : رأیه مخالف؟

قلت : لا یظهر منه مخالفة لرأیه فی غیر المنتهی ، بل ربما تظهر الموافقة ، مع أن رأیه فی المنتهی مخالف لرأی الشیخ فی نزح العشرة ، بل اختار رأی الصدوق فی نزح دلاء یسیرة ، وجعله خلاف رأی الشیخ.

قوله : مع أن فی ثبوت ما ذکره. ( 1 : 84 ).

هذا بعینه ( کلام العلامة ) (1) - رحمه الله - وقد مر فی بحث الدابة (2) وهنا فی مقام التوجیه للشیخ ، وقد عرفت أنه مصرح بالفرق ، فلا وجه لهذا الإیراد علی العلامة ، رحمه الله .

قوله : فی وقوع الفأرة. ( 1 : 85 ).

لا یخفی أن الصحیحتین المذکورتین هکذا : « ینزح منه ثلاث دلاء » ، فلفظ الثلاث مذکور فیهما صریحا ، لکن لا یظهر منهما موته فیها ، فیمکن

ما ینزح لموت الفأرة إذا انتفخت أو تفسخت

ص: 138


1- بدل ما بین القوسین فی « و » : کلامه.
2- مدارک الأحکام 1 : 70.

الحمل علی عدم الموت. ویومئ إلیه روایة هارون بن حمزة الغنوی (1).

وعلی تقدیر الحمل علی الموت وشمولها لحالتی التفسخ والانتفاخ لا یقاوم دلالتهما علی هذا العموم دلالة ما دل علی السبع ، مثل روایة سماعة حیث قال علیه السلام فیها : « إن أدرکته قبل أن ینتن نزحت منها سبع دلاء » ، فإنها أظهر شمولا لحالتی الانتفاخ والتفسخ ، سیما بعد ملاحظة روایة أبی عیینة المذکورة ، وروایة أبی سعید المکاری عن الصادق علیه السلام : « الفأرة إذا وقعت فی البئر فتسلخت - علی نسخة - أو تفسخت - علی نسخة اخری - فانزح منها سبع دلاء » (2) ، فالجمع بإدخال ما دل علی السبع أولی وأظهر ، ولعل هذا مستند إلحاق الانتفاخ.

والقائلون بالنجاسة أو وجوب النزح تعبدا یحملون مثل الصحیحتین علی الموت البتة ، ووجهه ظاهر.

قوله : لدلالة الأخبار. ( 1 : 88 ).

لعل المتبادر من النزول والدخول للجنب أنه لأجل اغتساله.

قوله : والمطلق یحمل علی المقید. ( 1 : 88 ).

یمکن أن یکون حمله لیس من جهة التعارض ، بل من جهة أنه لما رأی الأمر بنزح سبع للوقوع ، وهو فی نفسه لا وجه لأن یصیر منشأ للنزح ، وسیعترف به فی قوله : والحق أن إجراء هذه الأخبار علی ظاهرها مشکل (3) ، ووجد هذا الحکم بعینه لاغتسال الجنب ، وهو یصلح لأن یکون منشأ ، ووجد

ما ینزح لاغتسال الجنب فیها

ص: 139


1- التهذیب 1 : 238 / 690 ، الاستبصار 1 : 41 / 113 ، الوسائل 1 : 188 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 5.
2- التهذیب 1 : 239 / 691 ، الاستبصار 1 : 39 / 110 ، الوسائل 1 : 187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 1.
3- المدارک 1 : 91.

أنه لم یصر سببا لتفاوت أصلا ، ووجد غالب ورود الجنب فی الماء لأجل الاغتسال ، ترجح فی نظره أن نزح سبع للاغتسال مطلقا. ولعله لهذا فهم المحقق أیضا کذلک ، بل وغیره أیضا.

والحاصل : أن الشهید الثانی - رحمه الله - ومن وافقه ممن حصل له من تتبع تضاعیف ما ورد فی نزح البئر أن النزح لا یکون تعبدا ، بل لا بدّ من تأثیر وتأثر فی الماء ، ووجدوا ما ورد من المنع عن غسالة الجنب ، ولم یجدوا ما یصلح للتأثیر فی مجرد مباشرة جسد الجنب ، ووجدوا هذا الحکم من دون تفاوت أصلا فی اغتسال الجنب ، مضافا إلی وجدان غلبة ورود الجنب لأجل الاغتسال ، ووجدوا أن أبا بصیر سأل هکذا : الجنب یدخل فی البئر فیغتسل منها ، وهذا ربما یشعر بأن الراوی یعتقد بأن حکم الاغتسال غیر حکم مجرد الدخول ، والمعصوم ربما یظهر أنه قرره علی معتقده حیث لم یقل : لم فرقت بین الأمرین؟ ولم یأمر بنزح سبع بمجرد الدخول اغتسل أو لم یغتسل.

لعله بملاحظة المجموع ترجح عندهم ما ترجّح ، ویکون هذا من باب القرینة ، فلا یجب أن یتحقق تعارض ، فتأمّل.

قوله : والعلامة فی المختلف. ( 1 : 88 ).

لیس مذهبهما سلب الطهوریة ، بل ذکرا ذلک نکتة لغیرهم ، إذ مرادهم سلب کمال الطهوریة.

وبالجملة : ما ادعوا أن وجوب النزح یدل علیه ، بل من الخارج.

قوله : من عدم الطهوریة. ( 1 : 88 ).

وهو وإن کان کذلک إلاّ أن ملاحظة ما ورد من المنع عن غسالة الجنب وفتاوی القدماء ربما یشعر بأن العلة هی عدم الطهوریة علی القول به ، أو الکراهة علی القول بها ، لا أنه مجرد تعبد ، فتأمّل.

ص: 140

قوله : قد حقق فیما سبق. ( 1 : 90 ).

فیه تأمّل أیضا ، إذ مراده الوقوع الواقع فی ما دل علی نزح سبع دلاء لا (1) مطلقا ، ولا ملازمة ، والفرق واضح.

قوله : إلیه خاصة. ( 1 : 90 ).

لا یخلو من تأمل بعد ملاحظة النهی بسبب الإفساد ، فتأمّل.

قوله : ولیس بعد تحققه. ( 1 : 90 ).

لو تم ما ذکره لزم أن لا یتحقق تکلیف بمسبب أصلا ، بل یکون التکلیف بسببه ، وهو فاسد ، کما حقق فی محله. وأیضا لو تم ما ذکره لعله یلزم أن لا یتعلق التکلیف بترک شی ء ، وهو أیضا خلاف التحقیق.

قوله : مع نفس الوقوع. ( 1 : 90 ).

مجرد المعیة غیر مضر ، وکون نفس الغسل أو جزئه شخصا من أشخاص الوقوع المنهی عنه مما لا یکاد یتحقق ، إذ فی أیّ صورة اتفق الوقوع یتحقق المنهی عنه قبل تحقق الغسل أو جزءه ، ولعله لهذا أمر بالتأمّل ، فتأمّل.

قوله (2) : واعترض علیه. ( 1 : 91 ).

شناعة هذا الاعتراض علی العلامة - رحمه الله - واضحة ، لأنّه صرح بأن علة عدم الاشتراط عدم وجوب شی ء عنده فی ما لا نص فیه من جهة عدم الدلیل ، وعنده وعند غیره أن الأصل العدم ، ولازم هذا کون السبع لمجرد دخول الجنب للاغتسال. ومما ذکر ظهر ما فی قول الشارح - رحمه الله - وجوابه ، إذ ما سبق منه مع فساده - کما عرفت - لا یلائم کلام العلامة ، بل

ص: 141


1- لیس فی « ب » و « ج » و « د » و « ه ».
2- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

وینافیه ، فکیف یصیر جوابا له! فتدبر.

قوله : وهذا أقرب. ( 1 : 91 ).

فیه تأمّل ظاهر ، إذ خصوص کون سبع دلاء یزیل ثوران الحمأة فی کل ثوران فی کل بئر فاسد ، بل ربما یکون النزح مزیدا للعلة موجبا لزیادة الثوران.

علی أنه لو تم ما ذکره لزم أن لا یکون لخصوصیة الجنب مدخل فی وجوب نزح السبع أو استحبابه ، بل کل من نزل فی البئر أو کل شی ء وقع فی البئر ینزح له سبع ، کما أنّه لو لم یقع ثوران من نزول الجنب لم یحتج إلی نزح أبدا ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف علی نص. ( 1 : 92 ).

الظاهر أن المفید - رحمه الله (1) - ومثله ممن حکم بهذا الحکم کان لهم نص ، إلاّ أن الشیخ - رحمه الله - لم یتفطن ، کما ینبه علیه ما سنذکر فی بول الصبی (2) ونجاسة عرق الجنب من الحرام (3) وغیرهما.

قوله : بعدم ورود. ( 1 : 93 ).

روی عمار عن الصادق علیه السلام : أن کل شی ء وقع فی البئر ولیس له دم سائل فلا بأس به (4).

قوله : والأجود قصر الحکم. ( 1 : 93 ).

لعل فی الروایة ما یشیر إلی ما فهمه القوم ، من أن المراد العصفور وما

ما ینزح لذرق الدجاج الجلال

ما ینزح لموت الحیّة فیها

ما ینزح لموت العصفور فیها

ص: 142


1- المقنعة : 68.
2- فی ص 143.
3- فی ص 205 - 207.
4- التهذیب 1 : 230 / 665 ، الاستبصار 1 : 26 / 66 ، الوسائل 1 : 241 أبواب الأسار ب 10 ح 1 ، بتفاوت فی العبارة.

أشبهه فی الجثة ، فلیلاحظ.

ونقل عن الراوندی استثناء الخفاش عن هذا الحکم (1) ، ولعله لما فی بعض الأخبار من أنه مسخ (2) ، لکن إن قال بنجاسة المسوخ فله وجه وإلا فلا ، فتأمّل.

قوله : اختلف الأصحاب. ( 1 : 94 ).

بعد اختلافهم الشدید فی تفسیر هذا الصبی ، ففسره بعضهم بمن لم یأکل بعد (3) ، وآخر بمن یغتذی باللبن فی الحولین أو یغلب علیه (4) ، وبعضهم بمن لم یغتذ بالطعام فی الحولین اغتذاء غالبا أو مساویا (5) ، وبعضهم بمن کان فی الحولین مطلقا (6) ، وبعضهم قید الرضیع بکونه ابن المسلم (7).

قوله : والظاهر أنه - رحمه الله . ( 1 : 94 ).

لعل استدلاله بها بناء علی حمل الصبی الفطیم علی معناه المجازی ، وهو المشارف للفطام ، جمعا بینها وبین روایة منصور المتقدمة (8) فی حکم بول الصبی المفسر بالمفطوم ، المفتی بها بین الأصحاب ، المتضمنة لسبع دلاء ، کما أنهم یحملون اللفظ الذی هو حقیقة فی الوجوب علی الاستحباب ، بسبب معارضة خبر ، ویستدلون به علی الاستحباب ،

ما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام

ص: 143


1- نقله عنه فی المعتبر 1 : 74.
2- الوسائل 24 : 109 ، 111 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 12 ، 15.
3- کالشیخ فی المبسوط 1 : 12.
4- کالشهید فی الذکری : 11.
5- کالشهید الثانی فی روض الجنان : 155.
6- کابن إدریس فی السرائر 1 : 78 ، لکنه عبر بالرضیع ، وکذا عبارة المبسوط والذکری.
7- کالشهید فی البیان : 100.
8- المدارک 1 : 86.

وکذا الحال فی جل وجوه الجمع ، فإنهم یحملون علی المجاز ویستدلون ، والحمل علی تفاوت مراتب الاستحباب لا یلائم طریقتهم ، لقولهم بالوجوب ، ولذا فعلوا فی باب النزح ما فعلوا.

مع أن الأخبار الواردة فیها فی غایة الاضطراب ، وحمل هذه علی الوجوب وتلک علی الاستحباب وإن کان ممکنا لکنه أیضا لا یوافق طریقتهم المسلوکة فی سائر أخبار هذا الباب غالبا ، بناء علی أن المنع من الاستحباب یقینی عندهم ، فجواز الاستعمال موقوف علی دلیل ثابت ، ومجرد الاحتمال لا یکفی.

( وکون الجمع بالحمل علی الاستحباب مجرد احتمال عندهم ، إذ لیس علیه دلیل شرعی وإن شاع ذلک بین فقهاء أمثال زماننا ، بحیث صارت من المتعینات عندهم ) (1).

وما ذکرناه یظهر من کلام الشیخ فی التهذیب وغیره (2) ، فتأمّل.

هذا ، لکن فی الفقه الرضوی : « وإن بال الصبی وقد أکل الطعام استقی منها ثلاثة دلاء ، وإن کان رضیعا استقی منها دلو واحد » (3) ، وهذا هو مستند المفید - رحمه الله - البتة ، وإن کان الشیخ استدل بالروایة المذکورة ، لأنه - رحمه الله - حین التألیف لم یکن متفطنا لأصل المستند ومتذکرا له ، فأتی بها له ، کما وقع منه - رحمه الله - مکررا ، کما لا یخفی علی المطلع.

ص: 144


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- التهذیب 1 : 243 ، الاستبصار 1 : 34.
3- فقه الرضا « ع » : 94 ، 95 ، المستدرک 1 : 203 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2 ، بتفاوت یسیر.

قوله (1) : ولم أقف لهما. ( 1 : 94 ).

ادعی ابن زهرة إجماع الأصحاب علیه.

قوله (2) : فی بول الصبی. ( 1 : 94 ).

ربما حمل علی صورة التغیر ، وفیه تأمل ، لکن مر فی بول الرجل ما یأبی عن العمل بظاهرها علی سبیل الوجوب (3).

قوله : وإن کانت مبخرة. ( 1 : 95 ).

بضم المیم وکسر الخاء ، أی منتنة ، أو بفتحهما ، أی مکان البخر ، کذا عن الشهید (4) - رحمه الله - ولعل ضمیر « کانت » راجع إلی الأمور المذکورة ، أی الواقعة فی الماء ، فتأمّل ، أو یکون راجعا إلی البئر ، ولا یضر ، لعدم معلومیة کون البخر من خصوص النجس ، فتدبّر.

قوله : وهو کردویه. ( 1 : 95 ).

إلاّ أن الراوی عنه هو ابن أبی عمیر ، وهو ممن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنهم ، بل هو ممن لا یروی إلاّ عن الثقات ، کما فی عدة الشیخ (5) ، بل دائما هو یروی عن کردویه ، وفیه شهادة واضحة علی وثاقته ، مضافا إلی حکایة إجماع العصابة. مع أنه علی القول بالاستحباب تسامح فی الحکم ، کما عرفت ، فتأمّل.

قوله : غیر موثق. ( 1 : 95 ).

إلاّ أنه من الحسان علی المشهور ، والشارح یعمل بالحسان. وحسنه

ما ینزح لماء المطر وفیه البول و

بحث رجالی حول کردویه

ص: 145


1- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د ».
3- انظر المدارک 1 : 82.
4- انظر غایة المراد 1 : 78.
5- عدة الأصول 1 : 386.

لا تأمّل فیه عندهم ، وعند الشارح أیضا لعله کذلک.

قوله : إلی العرف العام. ( 1 : 96 ).

العرف فی ذلک غیر منضبط ، بل لکل بئر دلو (1) ، وکذا فی کل بلدة عادة. نعم لم تجر العادة بدلو یسع مثقالا أو مثاقیل قلیلة ، ولعله لا یسمی مثله دلوا ، نعم الغالب فی الدلاء أنها تسع قدرا معتدا به فی الجملة ، ولعله مراد الشارح - رحمه الله - فتأمّل. لکن کونه مخالفا لما ذکره المصنف محل تأمّل ، فتدبر.

قوله : المراد بالدلو. ( 1 : 96 ).

لعله مأخوذ من الفقه الرضوی (2). ویمکن التأیید بأن الأحکام وألفاظها أنما ترد بالقیاس إلی اصطلاح بلد حاکم الشرع ، کما هو العادة عند الإطلاق فی المحاورات ، أو أنّ حمله علی بلد السائل یوجب عدم انضباط الحکم ، ( ومع ذلک ربما یشکل الاستناد إلیه ، بل ظاهر الأخبار خلافه ، فتأمّل ) (3).

قوله : القدر من الماء. ( 1 : 96 ).

سیما (4) مع أمنه من انصباب الماء النجس عن الدلو فی البئر إلاّ نادرا ، والأمر بالعدد وارد مورد الغالب ، فتأمّل.

قوله : ولأن الحکمة. ( 1 : 96 ).

لعل مراده أن الحکمة فی زوال النجاسة تعلقت بالعدد البتة ، وحصول تلک الحکمة بالعدد الحقیقی معلوم ، وأمّا حصولها بالعدد الحکمی فغیر ظاهر ، فالحکم باق ، لعدم ثبوت المطهر شرعا ، فتدبر.

بیان المراد من الدلو التی ینزح بها

ص: 146


1- لیس فی « أ » و « ه ».
2- فقه الرضا « ع » : 92 ، المستدرک 1 : 204 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2.
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
4- لیس فی « ه ».

ویؤید المحقق أنهم أمروا بنزح العدد من غیر تفصیل بین الدلو الصغیر والکبیر ، مع أن الغالب التفاوت بین الدلاء بکثیر ، فتأمّل.

قوله : لأن الظاهر. ( 1 : 96 ).

لا یخفی أن ما ذکره لا کلام فیه ، وإنّما الکلام والشبهة فی أنه إذا کان الماء سابقا علی الغور نجسا لا جرم یکون الملاقی له من أرض البئر متنجسا ، والمعروف من القائلین بالتنجیس انفعال الماء من أی نجس یکون ، ولو کان متنجسا ، إذ لم یفرق بین الأمرین عند الفقهاء.

مع أن الرطوبة لم تنعدم بالمرة ، إذ لم یعلم انعدامها ، والأصل بقاؤها حتی یعلم الانعدام ، إلاّ أن یکون مفروض المسألة العلم بالانعدام والزوال عن أرض البئر مطلقا ، لکن الفرض لعله بعید ، مضافا إلی البعد عن ظاهر العبارة.

وکیف کان لا تنحسم مادة الشبهة ، لما عرفت.

إلاّ أن المنقول عن دلیل المصرحین بالطهارة بالغور لیس مقصورا فی ما ذکره الشارح ، بل له مقدمة أخری (1) حذفها الشارح لعله لعدم اعتقاده بها ، وهی أن المقتضی للطهارة لیس إلاّ ذهاب الماء ، وهو یحصل بالغور کما یحصل بالنزح ، یعنی أن الغرض هو إخراج الماء ، وهو کما یحصل بالإخراج من الفوق کذا یحصل بالإخراج من التحت ، مثل أن تنقب البئر من التحت بعنوان قناة أو غیره فیخرج الماء من النقب ، وخصوصیة کون الإخراج من جهة الفوق لا یعقل أن یکون لها مدخل فی التطهیر ، بل إنما وردت مورد الغالب ، علی قیاس ما ذکره العلامة - رحمه الله - فی النزح بإناء عظیم ، وکذا علی قیاس ما مر عن العلامة وغیره من الاکتفاء بنزح النساء فی التراوح ونزح ما دون

ص: 147


1- نقلها عنهم فی الذخیرة : 137.

الأربعة فاستحسنها الشارح (1).

ثم لا یخفی أنه لا فرق بین الإخراج والخروج ، لأن النیة غیر معتبرة فی المقام اتفاقا من الفقهاء.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه لو سلمت تلک المقدمة یکون دلیلهم تماما وافیا بمطلوبهم ، وإلاّ فلا ، فحذف الشارح إیاها لا فائدة فیه ( بل ضرره أعظم ، لما عرفت من أن ما ذکره لا ربط له لدفع الشبهة ، إذ لیس الشبهة فی المقام إلا ما أشرنا إلیه ، فتأمّل ) (2).

وتحقیق ذلک سیصرح الشارح - رحمه الله - فی بحث ما لا نص فیه (3) من أن مطهر نفس البئر هو الإجماع ، جوابا للاعتراض بأن نزح الجمیع غیر مقتض للقطع بجواز الاستعمال ، فتأمّل.

قوله : فروع ثلاثة. ( 1 : 97 ).

وتتمّ بفروع أخر :

الأوّل : لا یعتبر فی النزح النیة ، وظاهرهم الاتفاق علیه ، فلو اتفق وقوعه لا بنیة التطهیر بل بقصود أخر یکفی ، کما أنه لا یحتاج إلی قصد القربة ، نعم هو شرط ترتب الثواب.

الثانی : لا یعتبر بلوغ النازح ولا عقله ولا إسلامه لو لم یباشر الماء ، بل لا یعتبر کونه إنسانا ، فلو نزح الدلاء بثور ونحوه یکفی ، نعم حکایة التراوح أمر آخر وقد مرّ.

الثالث : یجب إخراج النجاسة قبل الشروع فی النزح ، والظاهر أنه اتفاق بین القائلین بالتنجیس ، بل لعله عند القائلین بعدمه أیضا کذلک.

فروع

عدم اعتبار النیّة فی النزح

عدم اعتبار بلوغ النازح ولا عقله ولا إسلامه

وجوب إخراج عین النجاسة قبل النزح

ص: 148


1- المدارک 1 : 68 ، 69.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
3- المدارک 1 : 99.

وأمّا الشعر فإن کان من نجس العین فکذلک علی القول بنجاسته ، کما هو المشهور والحق.

قال فی الذکری : نزح الماء حتی یظن خروجه ، فإن استمر الخروج استوعب ، فإن تعذر لم یکف التراوح ما دام الشعر ، لقیام النجاسة ، والنزح بعد خروجها أو استهلاکها ، وکذا لو تفتت اللحم ، وأما شعر طاهر العین فأمکن الإلحاق بمجاورته النجس مع رطوبته ، وعدمه لطهارته وأصله (1). انتهی کلامه.

الرابع : هل طریق التطهیر منحصر بالنزح أم یجوز تطهیرها بإلقاء الکر ، أو ممازجة الجاری ، أو نزول الغیث؟ یظهر من کلام المصنف فی المعتبر (2) الأوّل ، بل ظاهر هذا الکتاب أیضا ذلک ، بل الظاهر أنه هو الظاهر من فقهائنا ، وخالفهم فی ذلک العلامة (3) ، والشهید أیضا علی تفصیل (4) ، ولا یخفی أن ظاهر الأخبار هو الأول ، فتأمّل.

هذا علی القول بانفعال البئر ، وأمّا علی القول بوجوب النزح تعبدا فلعله لا وجه للتأمّل فی الانحصار ، فتأمّل ، وأما علی القول باستحباب النزح فالظاهر أنه أیضا کذلک ، فتأمّل.

الخامس : یحکم بطهارة جوانب البئر التی أصابها الماء فی حال النزح عند مفارقة آخر الدلاء. والمتساقط من الدلو الأخیر معفو عنه للمشقة العظیمة ، ولأن الطهارة معلقة علی النزح وقد حصل.

لکن الظاهر أن المعفو عنه هو المتساقط العادی ، فلو خرج عن العادة

هل طریق التطهیر منحصر بالنزح؟

طهارة جوانب البئر التی أصابها الماء فی حال النزع

ص: 149


1- الذکری : 11.
2- المعتبر 1 : 79.
3- المنتهی 1 : 18 ، التحریر 1 : 5 ، القواعد 1 : 6.
4- الذکری : 10 ، الدروس 1 : 120.

مثل أن یکون فی الدلو خرق ومزق بما یزید عن العادة لم یکن معفوا عنه ، بل لم یکن الدلو محسوبا من العدد. وکذا لو تحرک الدلو بما هو زائد عن المعتاد فانصب منه کثیر.

علی أن فی مطلق الخرق والتمزق إشکالا ، لأنّ المتبادر من الدلو هو الصحیح السالم. نعم ما یخرج من مسلمات (1) الدلو ومخارق الإبر لا یضر إذا کان الدلو من الدلاء المتعارفة.

السادس : الظاهر عندهم أن الدلو والرشاء وید المستسقی حالها حال جوانب البئر.

السابع : لو لم یکن دلو وکان سطل أو غیره مما هو مثل الدلو هل یکفی النزح به؟ الظاهر نعم ، بل الظاهر الاکتفاء به مع وجود الدلو أیضا ، فتأمّل.

الثامن : صرح بعض الفقهاء بأن طهارة جوانب البئر والدلو والرشاء وید النازح عند مفارقة آخر الدلاء من أمارات عدم انفعال البئر بالملاقاة (2).

وهذا یقتضی أن لا یکون الحکم فی صورة التغیر کذلک ، کما هو الحال فی غسالة الاستنجاء وما ماثلها ، فإن الدلیل وإن اقتضی بظاهره العفو مطلقا إلاّ أنه یتقید بصورة عدم التغیر ، لأن المتغیر نجس بالضرورة من الدین ، فکیف یناسبه العفو ، مع أنه متغیر. ومجرد هذه الظواهر لا یکفی لمقاومة ما هو ضروری ، بل فی بعض الصور عین النجس موجودة.

فعلی هذا یمکن أن یقال : یکفی لطهارة الجوانب سقوط القطرات من الدلاء الطاهرة علیها ، لأنّها تغسلها ، فلا یمکن الحکم بنجاسة ما یلاقی تلک الجوانب. وأما فی غیر الجوانب من الأمور المذکورة فیغسل إن لم یتحقق

ص: 150


1- السمّ : الثقب. ومسامّ الجسد : ثقبه. القاموس 4 : 133.
2- انظر : مجمع الفائدة 1 : 258.

جریان علیها بحیث یغسلها ، وإن کان أقل جریان من الدلو الأخیر ، فتأمّل.

التاسع : یکفی فی الدلو المعتبر ملؤه العادی ، وهل یکفی نصفاه - مثلا - عن واحد؟ محتمل ، لکن الأحوط عدم الکفایة.

العاشر : فی صورة نزح العدد لو صب أحد الدلاء فی الماء ینزح عوضه ، ولا یوجب ذلک زیادة نزح عن العدد. والعلامة - رحمه الله - استوجه إلحاق صب الدلو الأخیر بما لا نص فیه ، لأن البئر بعد انفصاله یطهر (1). وفی الفرق تأمّل.

قوله : أو البولیة موجودة. ( 1 : 97 ).

لعله قاس ذلک علی النجاسات الواردة علی مثل الثوب والبدن ، وفیه تأمّل ظاهر ، فتأمّل. مع أنّه لا یلائم مختاره فی عدم الإجزاء فی مسألة النزح بإناء عظیم وأمثالها ، لکن المنقول عن المعتبر أنه لیس علی ما ذکره الشارح ، بل ذکر ذلک لأحد شقی تردیده ، فإنه متردد فیه أیضا ، فتأمّل.

قوله : لامتثال الأمرین. ( 1 : 98 ).

لعله لا یخلو عن المصادرة ، إذ تحقق الامتثال العرفی غیر ظاهر ، کما لا یخفی علی من راجع الأمر فی ذلک إلی أهل العرف. وتنظیره علی الأغسال والغسلات لعله لا یخلو عن قیاس ، فتأمّل.

قوله : فیجب القطع. ( 1 : 98 ).

هذه الدعوی مشکلة بالنسبة إلی بول رجال متعددة کثیرین ، نعم یمکن دعوی الظن فی بول رجل واحد إذا قطعه فی الأثناء ثم خلاه فی موضعه ، أما دعوی القطع فمحتملة أیضا ، مع أنها أیضا لا تخلو عن إشکال ، فتأمّل.

اختلاف أنواع النجاسة موجب لتضاعف النزح

ص: 151


1- المنتهی 1 : 18.

قوله : فلا ریب فی. ( 1 : 98 ).

فیه ما عرفت وستعرف.

قوله : لا ریب فی عدم زیادة. ( 1 : 98 ).

هذا أیضا محل إشکال ، إذ لا نری دلیلا غیر القیاس بطریق الأولویة ، فلعل مثل المقام یتحقق العلم بالمناط ، وکونه فی الفرع أولی ، لأن الشارح یشترط ما ذکر فی حجیة القیاس بطریق أولی ، ومر أن بناء البئر علی جمع المتباینات وتفریق المتماثلات ، واستجوده الشارح إذا کان النص صحیحا (1).

ولا یستحیل فی نظرنا ورود نص صحیح علی أن مثل الهرة المیتة المضمحلة المتفرقة الأجزاء التی تظهر بالاضمحلال ما فی أمعائها من عذراتها وما فی جوفها وعروقها من دمائها وقروحها وصدیدها وتکون جائفة إذا وقعت فی البئر ، أن یزید نزحها عن نزح الهرة التی وقعت فی البئر فماتت فیها.

بل لا یحصل القطع بعدم التفاوت بین الحی الواقع فیموت فی البئر وبین المیت خارجا فیقع ، بل مر عن الشارح - رحمه الله - التأمّل فی اتحاد حکمهما شرعا (2) ، فکیف یدعی هنا هذا القطع ، إذ ما ذکره بقوله : لا یعقل. إنّما یتم إذا کان حکم المیت خارجا ثم وقع حکم الحی الواقع ثم یموت قطعا ، وقد عرفت أن الشارح - رحمه الله - متأمّل فی ذلک ، نعم الظاهر عند الفقهاء الاتحاد ، لاستنباطهم أن الظاهر أن العلة هی الموت ، فتأمّل.

قوله : إذ لا یعقل زیادة. ( 1 : 98 ).

فیه - مضافا إلی ما سبق - أن [ فی ] (3) بعض الأحکام الشرعیة ربما

حکم سقوط أبعاض المقدّر لها

ص: 152


1- مدارک الأحکام 1 : 95 ، 77.
2- مدارک الأحکام 1 : 95 ، 77.
3- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

تتحقق زیادة حکم الجزء علی الکل ، مثل أحکام الدیات ، وأحکام الصید فی الإحرام أو الحرم ، وغیر ذلک.

قوله : والمفروض عدمه. ( 1 : 99 ).

المفروض عدمه علی سبیل الخصوص لا مطلقا ، کیف والفریقان الأخیران یتمسکون بالنص ، سیما والقائلون بالاستحباب یسامحون فی دلیله ، والقائل بوجوبه تعبدا الشیخ والعلامة - رحمهما الله - وهما یتمسکان بالنص.

علی أن الحکم بعدم الجریان بالاستدلال فیه تأمّل ، إذ لعلهم یقولون بها بدلیل غیر ورود الأمر ، وإن کان مدخولا ، فتأمّل.

قوله : ویمکن دفعه ( 1 : 99 ).

یظهر منه تأمله فی هذا الجواب أیضا ، وأین هذا مما ذکره سابقا بقوله :

ولو غارت. (1) ، إذ لم یذکر ذلک إلا للقائلین بالنجاسة ، وکذا أین هذا من قوله : وأما فیها فلا ریب فی التداخل. (2) ، وهو - رحمه الله - کثیرا ما یتأمّل فی هذه الإجماعات ، ولم یدع أحد فی مسألة الغور ولا فی مسألة التداخل الإجماع ، ولم یظهر الوفاق ، بل الظاهر خلاف ذلک ، فتأمّل.

قوله : فظاهر الفساد ( 1 : 100 ).

دعوی ظهور الفساد محل تأمّل ، إذ دعوی القطع بعدم حصول ظن أصلا مما ذکر محل تأمّل ، سیما دعواه بالنسبة إلی کل الفقهاء.

فإن قلت : لعله لا یمنع حصول ظن منه إلاّ أنه یمنع حجیة مثله.

قلت : عندهم أن ظن المجتهد حجة ، واستدلوا علی ذلک ، والشارح أیضا یحصّل الظن ویعتمد علیه ، فکیف یمکنه دعوی ظهور القطع بعدم

حکم النجاسات التی لم یقدر لها

ص: 153


1- مدارک الأحکام 1 : 96 ، 98.
2- مدارک الأحکام 1 : 96 ، 98.

الحجیة ، فتأمّل.

فإن قلت : لما کان من المسلمات عندهم ثبوت عدالة الراوی ولم یثبت هنا ادعی الظهور.

قلت : العادل أخبر بأنّ الشارع قال کذا ، فلا ینبغی التثبت.

فإن قلت : من المسلمات عندهم عدم حجیة مراسیل العدول.

قلت : أما القدماء فبناء عملهم علی القرائن ، والصحة عندهم غیر مقصورة علی العدالة ، ولا یخفی ذلک علی أحد ممن له أدنی فهم.

وأما المتأخرون فمن لم یعمل بأمثال هذه المراسیل فعدم عمله إنما هو فی غیر المستحبات ، وأما فیها فیعملون بأدنی منها وأخس ، لتسامحهم ، وقد مر وجهه.

فالاعتراض غیر وارد أصلا. إلاّ أن یکون اعتراضه علی خصوص من تمسک بأن الشیخ ثقة ثبت. ، لکن من قال ذلک یعتمد علیه فلا اعتراض علیه ، کما أشرنا. بل یحکم بأن المرسل من ثقة أقوی من المسند ، لأنه فی مقام الإرسال کان فی غایة الاطمئنان ، ولأجل ذلک أسند إلی الشارع من غیر تأمّل ولا تزلزل ، وأما فی مقام الإسناد فاعتماده علی السند ، ولذا جعل الحوالة إلیه ، فتأمّل.

وبالجملة : دعوی ظهور الفساد فی أمثال هذه المسائل الخلافیة محل تأمّل.

قوله : فیثبت الأربعون. ( 1 : 100 ).

قیل : إنّ الأقوال منحصرة فی الثلاثة ، فإذا بطل الأول تعین الثانی ، لأن النجاسة ثابتة شرعا یحتاج الحکم برفعها إلی دلیل شرعی ، ولم یثبت فی الثلاثین فتعین الأربعون ، إذ علی أی تقدیر یحصل الطهارة جزما ، بخلاف الاکتفاء بالثلاثین. واحتمال الأزید من الأربعین الذی لم یکن نزح الجمیع

ص: 154

خلاف المتفق علیه بین الشیعة ، فتأمّل.

ویرد علیه أن بطلان الأوّل غیر ظاهر ، إما لأن القائل بالتنجیس لا یکتفی بزوال التغیر ، أو یکتفی لکن لا یقول بالقیاس بطریق الأولویة التی ادعیت ، لأن بانصباب الخمر مثلا یحکم بوجوب نزح الجمیع ، والمذاهب المنقولة عنهم متفقة فی عدم الاکتفاء ، فلاحظ. ولعله إلی ما ذکرنا أشار بقوله : وفیه ما فیه ، فتأمّل.

قوله : ویطیب الطعم. ( 1 : 100 ).

لا یخفی أنها ظاهرة فی عدم انفعال البئر ، ولذلک استدل الشارح بها له ، وأقوی أدلته هی ، فکیف یتمسک بظاهرها للقائل بالتنجیس ، سیما وهم متفقون علی عدم الاکتفاء بزوال التغیر ، فتدبر.

وفی الفقه الرضوی : « وإن تغیر الماء وجب أن ینزح الماء کله ، فإن کثر أو صعب نزحه وجب أن یکتری علیه أربعة رجال یستقون منها علی التراوح من الغدوة إلی اللیل»(1).

قوله : والأقوی تفریعا. ( 1 : 101 ).

أشار بقوله : الأقوی. إلی احتمال وجوب نزح الجمیع حینئذ أیضا ، لوروده فی الأخبار (2) ، ولأنّه ماء محکوم بنجاسته یقینا ، فلا بدّ للحکم بالطهارة من دلیل تام مثبت لا تأمّل فیه ، والاکتفاء بنزح ما یزول به التغیر لعله لا یخلو عن إشکال ، لمکان التعارض وعدم ترجیح یرتفع به الیقین بشغل الذمة ووجه کونه أقوی عند الشارح ظاهر ، کما لا یخفی علی المطلع بطریقته ، والظاهر أن الأمر کما ذکره ، وإن کان نزح الجمیع لا یخلو عن

حکم البئر إذا تغیر أحد أوصاف مائها بالنجاسة

ص: 155


1- فقه الرضا « ع » : 94 ، المستدرک 1 : 207 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.
2- الوسائل 1 : أبواب الماء المطلق الباب 14 ح 10 وب 19 ح 4 وب 22 ح 7 وب 23.

احتیاط ، وأما کونه مطلوبا فیظهر من الأخبار صریحا ، فتأمّل.

قوله : فإنها صریحة. ( 1 : 101 ).

وأمّا استیفاء المقدر وجوبا أو استحبابا فیحتمل أن یکون باقیا علی حاله ، ویحتمل التداخل بنزح أکثر الأمرین من استیفاء المقدر وما یزول به التغیر ، جمعا بین الواجب والمستحب ، فتأمّل.

قوله : ویحتمل قویا. ( 1 : 101 ).

هذا الاحتمال أکثر القائلین بالتنجیس عنه متحاشون ، والتعلیل بقوله :

لأن الخروج عنه. علیل ، لأن عدم الخروج عنه یوجب القول بعدم الانفعال ، وهم لا یرضون به بالسبب الذی مرّ.

ومذاهبهم فی المقام ثمانیة :

الأوّل : وجوب نزح الجمیع ، ومع التعذر التراوح (1).

الثانی : نزح الجمیع فإن تعذر فما یزول به التغیر ، وهو مذهب الشیخ - رحمه الله - (2) ، لکن الظاهر أنه قائل بعدم الانفعال.

الثالث : النزح حتی یزول التغیر ، إن کان القائل قائلا بعدم الانفعال (3).

الرابع : نزح أکثر الأمرین من المقدر وزوال التغیر (4).

الخامس : نزح أکثر الأمرین من المقدر وزوال التغیر إن کان له مقدر ،

ص: 156


1- ذهب إلیه الصدوق فی الفقیه 1 : 13 ، والشیخ فی التهذیب 1 : 242.
2- النهایة : 7 ، المبسوط 1 : 11.
3- ذهب إلیه العلاّمة فی القواعد 1 : 6 ، والمختلف 1 : 28 ، والمنتهی 1 : 17.
4- هو مذهب ابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 552 ، وابن إدریس فی السرائر 1 : 70 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 19 ، والشهید فی الذکری : 9.

وإلا فالجمیع ، ومع التعذر فالتراوح (1).

السادس : نزح الجمیع ، فإن غلب فأکثر الأمرین من المقدر وزوال التغیر (2).

السابع : نزح ما یزول به التغیر أوّلا ، ثم نزح المقدر ، وإلا فالجمیع ، فإن تعذر فالتراوح (3).

الثامن : أکثر الأمرین إن کان له مقدر وإلاّ فزوال التغیر (4).

قوله : علی المختار. ( 1 : 102 ).

مراده من المختار القول بعدم الانفعال ، وأنه مع التغیر یکفی ما یزول به التغیر ، ومراده من القول الآخر ما یقابله من القول بالانفعال أو عدم الانفعال ، إلاّ أنه لا بدّ من نزح الجمیع فی صورة التغیر.

ویحتمل أن مراده من المختار خصوص کفایة نزح مزیل التغیر ، وغیر المختار وجوب الجمیع ، أعم من القول بالانفعال أو عدمه ، فتأمّل.

وکیف کان علی مختاره أیضا یحتمل نزح الجمیع ، لعدم الأولویة ، أو ما یزول به التغیر علی تقدیر بقائه ، وذلک لأن الشارع حکم بأن طهارته بنزح ما یزول به التغیر ، ولم یوجد ، فتأمّل.

قوله : لمکان المادة ( 1 : 102 ).

ولعله لا یخلو عن إشکال ، أما علی القول بأنه لا بدّ من المزج وعدم کفایة الملاقاة فظاهر ، وأمّا علی القول الآخر فلأنّ المستفاد من الأخبار أنّ تطهیر البئر عن التغیر یحتاج إلی النزح ، وأن التطهیر ینحصر فیه ، والأخبار

حکم ما لو زال تغیر البئر بغیر النزح ونحوه من المطهرات

ص: 157


1- ذهب إلیه الشهید الثانی فی المسالک 1 : 3.
2- ذهب إلیه المحقق فی المعتبر 1 : 76 ، والشهید فی الدروس 1 : 120.
3- نقله الشیخ حسن فی معالم الفقه : 88 عن بعض مشایخه المعاصرین.
4- اختاره السبزواری فی الذخیرة : 126.

ظاهرة فی هذا المعنی کادت أن تبلغ حد التواتر ، وربما یکون ما ذکره اجتهادا فی مقابل النصوص ، فتأمّل.

وأیضا لا شک فی أنّه حال التغیر حکم بنجاسته شرعا ، فلا بدّ فی الحکم بالطهارة من دلیل شرعی ولم یثبت غیر النزح.

ولأنه حال التغیر حکم بأن مطهره النزح ، وأنه ما لم ینزح لم یطهر ، فما الذی أزال هذا الحکم بعد زوال التغیر؟! أمّا علی القول بالاستصحاب فظاهر ، وأما علی القول بعدم الاستصحاب فلإطلاق وعموم الأدلة.

ولأنّه لو کان مجرد زوال التغیر کافیا لکان المعصوم علیه السلام یقول فی الأخبار - ولا أقل فی خبر واحد وموضع من المواضع - : إنّ المطهر زوال التغیر ، ولم یقل أبدا ، مع أنه أخصر ، وأظهر ، وأعم ، وأسهل علی المکلفین ، وأوسع من خصوص ذکر النزح ، مع ما فیه من المشقة الشدیدة ، لأن ماءه المنزوح المتغیر نجس إجماعا ، بل بالضرورة من الدین وثابت من الأخبار علی النص والیقین ، فیستلزم نجاسة المواضع التی یلاقیها ویسری فیها وما یلاقی ما یلاقیها ، فتأمّل.

ومما یؤید ما ذکرنا من التأمّل أنّه وقع النزاع بین الفقهاء فی أنّه هل ینحصر طریق تطهیر البئر فی النزح حیث یحکم بنجاستها أم تشارک غیرها من المیاه فی الطهارة بممازجة الجاری وإلقاء الکرّ ونزول الغیث ، فبعضهم ذهب إلی الانحصار ، وبعضهم إلی المشارکة فی الأمور المذکورة (1) ، ورجّح الأول بأنّ ظاهر الأخبار هو الانحصار. علی أنّ الذی ظهر من السابق تأمّله فی کون مجرد الملاقاة مطهرا.

فإن قلت : حکم الشارح فی المقام لیس من اختیار المطهریة بمجرد

ص: 158


1- راجع ص 147.

الملاقاة ، بل للعلة المنصوصة ، وهی قوله : « لأنّ له مادّة ».

قلت : علی تقدیر تسلیم ثبوت کون العلة کفایة النزح حتی یزول التغیر لم یکن علة منصوصة لأجل عدم الحاجة إلی النزح لحصول التطهیر ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، فتأمّل. وعلی تقدیر التسلیم کونها بحیث تقاوم المنطوقات وترجح لا بدّ من التأمّل فیه ، فتأمّل.

وبالجملة : لیس البئر بأقوی من الجاری البتة ، وقد مرّ عن الشارح - رحمه الله - فی الجاری ما مر (1) ، ومر فی بحث أنه هل یشترط الامتزاج أم یکفی الملاقاة فی التطهیر عن الشارح التردد بل والمیل إلی اشتراط المزج (2) ، کما لا یخفی علی المتأمّل.

وبالجملة : الجاری لیس بأضعف من البئر قطعا لو لم یکن أقوی منه. قال فی الذخیرة : تتوقف طهارة الجاری من نفسه علی تدافع المیاه وتکاثره علیه حتی یستهلکه إن اعتبرنا الامتزاج ، وأما علی القول بالاکتفاء بالملاقاة فالمنقول عن ظاهر بعضهم توقفه علی ذلک أیضا ، لأن الاتصال المعتبر فی التطهیر هو الحاصل بطریق العلو علی النجس أو المساواة ، والمادة هنا لا یکون إلاّ الأسفل منه ، ویظهر من کلام العلامة - رحمه الله - أن النزح متعین وإن أمکن إزالة التغیر بغیره (3) ، فتأمّل.

قوله : ویحتمل الاکتفاء. ( 1 : 102 ).

هذا الاحتمال ضعیف عند القائل بالنجاسة کما مر ، فتدبر ، ولعل المناط فی التقدیر منحصر فی العلم والیقین.

قوله : من باب مفهوم الموافقة. ( 1 : 102 ).

کونه من باب القیاس بطریق أولی لا إشکال فیه ، وأمّا کونه من باب

ص: 159


1- انظر المدارک 1 : 33 ، 37.
2- انظر المدارک 1 : 33 ، 37.
3- الذخیرة : 120.

مفهوم الموافقة ربما یحتاج إلی تأمّل ، وعندی فرق بین المقامین ، فتأمّل.

قوله : مع مهب الشمال. ( 1 : 103 ).

وذلک لأن الشمال مشرف علی الجنوب بحسب وضع الأرض ، لأن کرة الأرض واقعة فی البحر ، وثلثاها فی الماء ، وثلثها خارج ، وقبة الأرض ورأسها محاذ للقطب الشمالی ، فالماء بالطبع یمیل إلی الجنوب ، سواء کان فوق الأرض أو ساریا فی أعماق الأرض ، وکیفما کان مائل إلی مرکزه ، ومرکزه فی طرف الجنوب ، ولو کان خلاف ذلک فمن القاسر ، والکلام إنما هو بحسب الأصل ما لم یظهر خلافه ، فتأمّل.

وفی روایة قدامة ذکر عقیب ما نقله الشارح : ثم قال : « الماء یجری إلی القبلة إلی یمین ، ویجری من القبلة إلی یسار القبلة ، ویجری من یسار القبلة إلی یمین القبلة ، ولا یجری من القبلة إلی دبر القبلة » (1) ، فتأمّل.

( والمراد من قوله : إلی القبلة إلی یمین ، أن القبلة یعنی قبلة أهل العراق الذین هم الرواة یمین الجنوب بشی ء یسیر ، واعتبارهم القبلة لمعروفیتها عند عامة الناس مع عدم تفاوت مضر. فالمراد أن الماء من جهة میله إلی مرکزه شغله المیل إلی الجنوب ، لأنّ البحر فی الجنوب ، فإلی أی جهة یمیل یصل إلی البحر ، إلی القبلة أو یمینها أو یسارها ، بخلاف دبر القبلة ، فإنه لا یمیل إلی خلاف المرکز ، فتأمّل ) (2).

قوله : یجری البول. ( 1 : 105 ).

ربما یظهر أن السؤال وقع فی مکة المشرفة ، وأنّ المقام مقام یظهر من

المسافة التی تکون بین البئر والبالوعة

ص: 160


1- الکافی 3 : 8 / 3 ، التهذیب 1 : 410 / 1291 ، الوسائل 1 : 198 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 2.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

القرینة وصول النجاسة إلی الماء بالملاقاة بعنوان السرایة فی الأرض والنشر فیها فی الصورة المنهی عنها ، فتکون الروایة من جملة أدلة انفعال البئر بالملاقاة. ویمکن حملها علی صورة یظهر تغیر الماء عادة ، وإن کان تغیر بعض البئر بسبب امتداد الزمان وطول المدة ، فتأمّل.

قوله : ولو اشتبه. ( 1 : 107 ).

فی الفقه الرضوی : « وإن کان إناءان وقع فی أحدهما ما ینجس الماء ولم یعلم فی أیهما وقع فلیهریقهما جمیعا ولیتیمم » (1).

قوله : وهی ضعیفة السند. ( 1 : 107 ).

وفیه ما عرفت مرارا أنّ الصحة والضعف عند القدماء لیس مما ذکره ، فلا اعتراض علیهم ، وأمّا المتأخرون فمن قال بحجّیة الموثق فلا اعتراض علیه أیضا ، ومن لم یقل بها یقول بحجیة أمثال هذه الأخبار المنجبرة بالشهرة بین الأصحاب سیّما مثل هذه الشهرة ، بل الشارح اعترف بأنّه مذهب جمیع الأصحاب ، فإنّ فروع هذه المسألة مشتهرة بین القدماء والمتأخرین ، فضلا عن نفسها.

وغیر خفی أنّ فتوی القدماء إنّما هی من هذه الروایة ، وروایة سماعة أیضا (2) المتضمنة لهذا الحکم ، والفقه الرضوی ، بل ظاهر المتأخرین أیضا کذلک ، بل صرح العلامة بذلک فی المنتهی (3).

ونقل الإجماع فی هذه المسألة غیر واحد من الفقهاء ، منهم

إشارة إلی اختلاف القدماء والمتأخرین فی الخبر الصحیح

ص: 161


1- فقه الرضا « ع » : 93 ، المستدرک 1 : 196 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 3.
2- الکافی 3 : 10 / 6 ، التهذیب 1 : 249 / 713 ، 229 / 662 ، الاستبصار 1 : 21 / 49 ، الوسائل 1 : 151 ب 8 ح 2.
3- المنتهی 1 : 29.

الفاضلان (1) ، بل ما نقلوا خلافا إلاّ عن الشافعی بأنه قال : یجتهد المکلف فی تحصیل الأمارات المرجحات ، ومع العجز یجتنب (2) ، فالظاهر أنها وفاقی بین المسلمین جمیعا ، ومع ذلک مضمونها موافق للأصول ، کما ستعرف.

قوله : مع تحققه. ( 1 : 107 ).

لا یخفی أن النجاسة الشرعیة لیست إلاّ تکلیف الشارع بالاجتناب والتنزه وغسل الملاقی مثلا ، ولم یعرف من الشارع إلاّ أمثال ما ذکر ، وسیجی ء عن الشارح فی مبحث النجاسات (3) الاعتراف بما ذکر ، بل نقول : نجاسة الماء لا تثبت غالبا إلا من النهی عن الوضوء والشرب والأمر بالصب مثلا ، ومقتضی ذلک أن النجس یحرم الوضوء والشرب منه مثلا ، فعلی هذا حکم الشارع بالنجاسة وعدم وجوب الاجتناب کما تری ، بل لعله تناقض.

وأیضا إن کان العلم الإجمالی کافیا فی وجوب الاجتناب فالأمر کما ذکره العلامة ، وإن کان شرط الوجوب تحقق العلم بعینه کما ذکره فلا یجب اجتناب واحد منهما مطلقا وإن استعمل أحدهما أولا ، لأن استعمال الثانی یوجب العلم باستعمال النجس الإجمالی ، لا أن الثانی بعینه نجس.

فإن قلت : یمکن أن یکون مراده أن المحکوم بالنجاسة هو أحد الإناءین ، والمحکوم بعدم وجوب الاجتناب هو کل واحد منهما بعینه.

قلت : إن أراد أن النجس هو أحدهما لا بعینه ، وغیر النجس هو کل واحد منهما بعینه ، فیکون تعیین النجس باختیار المکلف ، ففساده ضروری ، لمخالفته لضروری الدین ومقتضی دلیل النجاسة ، لأن الدلیل هو

حکم الإناءین المشتبهین

ص: 162


1- المعتبر 1 : 103 ، التذکرة 1 : 89 ، المختلف 1 : 81.
2- حکاه عنه فی الناصریات ( الجوامع الفقهیة ) : 180 ، والخلاف 1 : 197 ، وانظر الأم 1 : 11.
3- انظر المدارک 2 : 259.

وقوع النجس فی أحد الإناءین بعینه ، فإن صار نجسا یکون النجس متعینا ، وإلاّ فلا نجاسة.

وإن أراد أن النجس - یعنی ما أمرنا بالاجتناب عنه - هو أحدهما بعینه فی الواقع ، وغیر النجس - أعنی الذی ما أمرنا الشارع بالاجتناب عنه بل وجوز لنا المباشرة والطهارة به - هو کل واحد منهما بعینه بحسب الظاهر عندنا ففیه من التدافع ما لا یخفی ، لأنّا لو کنّا مأمورین بالاجتناب عن خصوص النجس المعین المشخص فی الواقع لکان الواجب عینا الاجتناب عنهما جمیعا ، إذ لو باشرنا واحدا منهما لعله یکون هو الذی أمرنا بالاجتناب عنه ، فلا یتحقق الامتثال ، فإذا کان حال مباشرة أحدهما کذلک فکیف یکون حال مباشرة کل واحد منهما بخصوصه علی حدة.

وبالجملة : حال النجاسة فی هذا التقدیر حال السمّ المهلک الواقع فی أحد الإناءین المشتبهین ، ولم یأمر الشارع باجتناب الإناءین فیه بخصوصه ، بل أمر بحفظ النفس عن التهلکة ، فتدبّر.

وإن أراد أنّ ما أمرنا بالاجتناب عنه هو خصوص المعین المشخص الواقعی إلاّ أنّه ما أمرنا بالاجتناب عنه مطلقا بل أمرنا بالاجتناب عنه إذا عیّن وشخّص ، فنجاسته الشرعیة بالفعل إنما هو فی صورة التشخیص ، فقبلها نجاسة بالقوة وطهارة بالفعل ، فجوز المباشرة والطهارة منه ، والتشخیص لا یتحقق إلاّ بمباشرة جمیع ما وقع فیه الاشتباه ، وهو الظاهر من کلامه ، لکن یرد علیه : أنه قبل حصول الاشتباه کان مشخصا ، إذ حین ملاقاة النجاسة کان معلوما ، والاشتباه حصل بعدها ، فحینما کان معینا تعلق به الحکم بوجوب الاجتناب ، وبحصول الاشتباه بعد ذلک کیف یرفع الحکم الثابت المتیقن؟! فإن قلت : الشارح لا یقول بالاستصحاب.

ص: 163

قلت : عموم قولهم علیهم السلام : « لا تنقض الیقین بالشک » (1) فإن الشارح ربما یتمسک به ، مع أنه یقول بالعموم والإطلاق.

فإن قلت : لعله یمنع العموم أیضا ، بادعائه أن المراد ما دام معلوما ، بناء علی أن الأصل والعمومات الأخر مثل « کل ماء طاهر حتی تعلم أنّه قذر » (2) یقتضیان حصول العلم للحکم بالنجاسة.

قلت : لو تم ذلک لم یکن للشارح إثبات بقاء النجاسة فی موضع من المواضع الخلافیة ، مثل الکر المتغیر بالنجاسة إذا زال تغیره بنفسه ، والماء القلیل النجس إذا صار کرا بالقلیل النجس الآخر أو مطلقا ، إلی غیر ذلک.

بل لا یمکنه إثبات بقائها فی موضع لم یتحقق فیه إجماع ، بل لا یمکنه إثبات البقاء من عموم الأدلة أصلا ، وقد صرح - رحمه الله کثیرا بالإثبات منه.

مع أنه فی نفسه غلط ، لأن الأصل لا یعارض العموم ، ومثل کل ماء طاهر. یؤید العموم ، بل ویوافقه فی الدلالة ، لأن الظاهر منه أن منتهی الحکم بالطهارة حصول العلم بالنجاسة ، وبعده یکون نجسا مطلقا.

( مع أن الکلام إنما هو فی کون النجس الشرعی هو عین ما وقع فیه النجاسة ، فیکون مأمورا بالاجتناب عنه بخصوصه ، إلاّ أنّه لا یتم الاجتناب عنه إلاّ بالاجتناب عن الکل ، ومقدمة الواجب المطلق واجب عند الشارح (3) ، مع أن لزوم ارتکابهما (4) لا نزاع فیه ، فتأمّل جدا ) (5).

فإن قلت : لعل الشارع یمنع العموم فی المقام.

ص: 164


1- التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.
2- الوسائل 1 : 134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5.
3- فی « أ » و « ه » : المشهور.
4- فی « ه » : ارتکابها.
5- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

قلت : هذا فاسد ، لأن دلیل الانفعال فی المقام لیس إلاّ ما دل علی انفعال القلیل بالملاقاة أو بالتغیر ، فکیف یمکنه إنکار عمومه ، مع أنه دائما یدعیه ، مضافا إلی ظهوره ، مع أنه لو لم یدع عموما فمن أین یقول بالنجاسة فی صورة التشخیص؟ بل لا وجه لحکمه ببقاء نجاسة أصلا ، فیکون الإناءان طاهرین مطلقا ، لأن أقوال الفقهاء بالنجاسة ووجوب اجتنابهما معا مطلق ، فتأمّل.

فإن قلت : لعل کلام الشارح فی صورة یکون الاشتباه متحققا حین الملاقاة ، کما یومئ إلیه قوله فی البحث الأوّل ، مع تأمّل فیه أیضا ، لأنه جعله من المحتمل.

قلت : ذلک لعله یکون نادرا ، وتخصیص کلام الفقیه بصورة غیر الشائع ثم الاعتراض علیه بما لا خصوصیة له بصورة النادر فیه ما فیه.

ومع ذلک نقول : حین وقوع النجاسة إما أن یکون تعلق به الحکم بالنجاسة أو لا ، والثانی باطل بالضرورة ، والأول إمّا أن یکون تعلقه بخصوص ما وقعت فیه أو لا بخصوصه ، والثانی باطل بالضرورة وقد عرفت ، والأوّل إمّا أن یکون تعلقه تعلقا مطلقا أو مقیدا بصورة العلم والتشخیص ، والثانی باطل ، لما عرفت من أن دلیل النجاسة والمقتضی لوجوب الاجتناب إما قول الفقهاء أو الأخبار الدالة علی الانفعال ، ولیس فی شی ء منهما ذلک التقیید ، وقول الفقهاء وجوب اجتنابهما معا ، والأخبار مطلقة ، ومطلقها عام ، ولو لم تکن مطلقة أو لم ینفع إطلاقها یلزم طهارة ذلک مطلقا ، فتأمّل جدا.

فإذا کان واجب الاجتناب مطلقا لزم ما ذکره العلامة - رحمه الله - فیکون حکمه حکم ذی السم القاتل ، ولا خصوصیة لوجوب المقدمة بصورة الاستصحاب ، والکلام مبنی علی وجوبها.

فإن قلت : الأمر وإن کان علی ما ذکرت إلاّ أنّ عموم مثل قوله

ص: 165

صلی الله علیه و آله : « رفع عن أمتی. ما لا یعلمون » (1) شامل لأحدهما بعینه ، فتجوز المباشرة وتصح الطهارة إلی أن یتحقق العلم بالمنع ، وهو ما إذا باشر الجمیع.

قلت : شموله للتکلیف المعلوم المتردد بین احتمالین لا ترجیح لأحدهما علی الآخر بوجه من الوجوه لا شرعا ولا عقلا ، والمکلف به یکون واحدا مشخصا معینا لا تخییر فیه أصلا ، ممنوع.

علی أن من قال بوجوب مقدمة الواجب یقول بثبوت العلم بوجوب اجتنابهما معا ، فیکون خارجا من العموم البتة ، والکلام مبنی علی وجوبها ، کما مرّ.

قوله : وقد ثبت نظیره. ( 1 : 108 ).

لا یخفی ما فیه ، لأن التکلیف فی الإناءین ثابت بالنص والإجماع ، بخلاف واجدی المنی ، فإنه لا تکلیف أصلا بالنص والإجماع.

قوله : فی غیر المحصور. ( 1 : 108 ).

قد عرفت أنّ النجاسة تکلیف بالاجتناب ، وهو محال بالنسبة إلی کثیر من غیر المحصور وحرج بالنسبة إلی کثیر ، والله لا یکلف بما لا یطاق ولا بما هو حرج ، هذا مضافا إلی الإجماع بل وضروری الدین فی غیر المحصور ، وطریقة المسلمین فی الأعصار والأمصار وما یظهر من الأخبار (2) ، فما ذکره من عدم الوضوح غیر واضح ، فتأمّل.

قوله : لم ینجس الماء. ( 1 : 108 ).

فیه ما ذکرنا فی واجدی المنی من عدم التکلیف بالنص والإجماع.

ص: 166


1- الفقیه 1 : 36 / 132 ، الخصال : 417 / 9 ، الوسائل 8 : 249 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 30 ح 2.
2- انظر الوسائل 25 : 117 أبواب الأطعمة المباحة ب 61.

قوله : هنا أبحاث. ( 1 : 108 ).

الأوّل : لا فرق بین الإناءین وأکثر منهما ، صرح بذلک الشیخان والفاضلان (1) ، والحدیثان وردا فی الإناءین إلاّ أنه لا فرق کما عرفت من الضابطة ، مضافا إلی أن الظاهر أن الإجماع غیر مخصوص بالأوّل ، مع أن الظاهر دلالة الحدیثین علی الثانی أیضا من باب تنقیح المناط ، فتدبر.

الثانی : نقل عن الشیخین والصدوقین وجوب إهراق الماء (2) ، کما هو مورد الحدیث ، والظاهر أن مستندهم الحدیث.

وقال بعضهم بوجوب الإراقة لیصح التیمم (3) ، وفیه ما فیه.

وقال ابن إدریس والفاضلان بعدم وجوب الإراقة (4) ووجه الحدیث فی المعتبر بأن الأمر بالإراقة کنایة عن النجاسة تفهیما للمنع (5) ، کما ورد الأمر بها فی کثیر من الأخبار (6) ، مع أنه لم یقل بالوجوب فیهما أحد.

الثالث : لو انقلب أحد المشتبهین ثم اشتبه الآخر بمتیقن الطهارة حکم العلامة - رحمه الله - بوجوب الاجتناب حینئذ أیضا (7) ، واستشکل

فروع فی الإناءین المشتبهین

ص: 167


1- المقنعة : 69 ، المبسوط 1 : 8 ، المعتبر 1 : 104 ، التحریر 1 : 6.
2- حکاه عنهم فی معالم الفقه : 160 ، وانظر المقنعة : 69 ، النهایة : 6 ، الفقیه 1 : 7.
3- حکاه عن ظاهر الصدوقین فی معالم الفقه : 160.
4- السرائر 1 : 85 ، المعتبر 1 : 104 ، المنتهی 1 : 29.
5- المعتبر 1 : 104.
6- انظر الوسائل 1 : 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2 ، 4 ، 7 ، 10 ، 11 ، 14.
7- المنتهی 1 : 30.

بعضهم ذلک (1) ، وبالتأمّل لما ذکرنا یظهر الحال.

الرابع : هل المظنون النجاسة حکمه حکم متیقن النجاسة أم لا؟

قیل : نعم مطلقا (2) وقیل : لا مطلقا (3) ، وهو الظاهر من أخبار کثیرة (4) ، واضحة الدلالة ، فلا یعارضها دلیل القول الأول من أن الفقه ظنیات ، وأن ترجیح المرجوح علی الراجح باطل.

وقیل بقبول شهادة عدلین (5) ، وقیل بقبول شهادة عدل واحد (6) ، وقیل بقبول قول المالک وإن کان فاسقا (7) ، وقیل بقبول قول ذی الید کذلک (8) ، واشترط بعضهم قبول شهادة العدلین بذکرهما سبب الحکم بالنجاسة لوقوع الخلاف ، إلاّ أن یعلم الوفاق (9) ، وجماعة منهم قیدوا الحکم بقبول إخبار الغیر بنجاسة مائه إذا کان الإخبار قبل الاستعمال ، (10) فلو کان بعده لم یقبل بالنظر إلی نجاسة المستعمل له ، فإنه فی الحقیقة إخبار بنجاسة الغیر ، ولا یکفی فیه الواحد وإن کان عدلا ، ولا بخروج الماء عن ملکه بالاستعمال.

ص: 168


1- معالم الفقه : 162.
2- انظر نهایة الشیخ : 96 ، والکافی فی الفقه : 140.
3- المهذب 1 : 30 ، جواهر الفقه : 9.
4- انظر الوسائل 1 : 142 أبواب الماء المطلق ب 4 ، و 3 : 466 أبواب النجاسات ب 37 ، و 3 : 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.
5- السرائر 1 : 86 ، المعتبر 1 : 54.
6- انظر نهایة الإحکام 1 : 252.
7- کشف الالتباس 1 : 117.
8- کشف الالتباس 1 : 117.
9- التذکرة 1 : 93 ، معالم الفقه : 163.
10- التذکرة 1 : 24.

والمشهور بین المتأخرین قبول شهادة العدلین ، لأنّهما حجة شرعیة ، وکذا قبول قول ذی الید.

قوله : والفرق بینهما. ( 1 : 108 ).

إن أراد مجرد الاحتمال یتوجه علیه جمیع ما أوردنا علیه سابقا ، وإن أراد الظهور لم یرد علیه إلا ما أوردنا علیه فی شق حصول الاشتباه من حین العلم بوقوع النجاسة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : الناقل عنه. ( 1 : 108 ).

غایة ما ثبت من الاستصحاب وجوب الاجتناب عن خصوص ما وقع فیه النجاسة ، وأمّا کونه معلوما بعینه فلا ، وهذا بعینه متحقق فی الصورة الأولی ، لما عرفت من أن المحکوم بالنجاسة شرعا لیس إلا خصوص ما وقع فیه النجاسة فیکون هو المأمور بالاجتناب عنه.

وبالجملة : ما ذکرت من أنّ الاجتناب لا یجب إلا مع تحققه بعینه ، إن أردت التحقق عندنا فهو غیر حاصل فی الصورة الثانیة أیضا ، لأن الاستصحاب لا یحققه بعینه ، وإن أردت فی نفس الأمر فهو متحقق فی الأولی أیضا ، فتأمّل.

قوله : أن المشتبه بالنجس. ( 1 : 109 ).

لعل دلیل العلاّمة - رحمه الله - أن الشارع أمرنا بالتجنب عن خصوص ما وقع فیه النجاسة وحکم بأنه نجس ، فإذا کان التکلیف بذی المقدمة تکلیفا بالمقدمة - کما هو المشهور - لا جرم یکون حال المقدمة حال ذی المقدمة فی جمیع التکلیفات التی تعلقت بذی المقدمة وأرید امتثالها ، ولم یتحقق الامتثال إلاّ بالمقدمة.

( وذو المقدمة هنا اجتنابات کثیرة ، وهی الاجتناب فی الشرب والطهارات وغیرهما ، ومنها اجتناب الملاقی ، والتکلیف هنا هو الأمر بتلک الاجتنابات ،

ص: 169

والامتثال کما یتوقف علی المقدمة بالنسبة إلی الشرب کذلک یتوقف بالنسبة إلی الملاقی ، کما هو الحال فی الإناءین إذا وقع فی أحدهما سم قاتل وقال المولی لعبده : اجتنب السم من الإناءین وما یلاقی السم أیضا ، کان علی العبد اجتناب ما وقع فی أحد الإنائین أیضا)(1).

ومن المعلوم أنه لو وقع فی عین ما هو نجس طاهر یصیر فی الواقع نجسا.

وبالجملة : المنجسیة أیضا من أحکام ذی المقدمة کالنجاسة من دون تفاوت ، فإذا کان تکلیف الشارع بذی المقدمة تکلیفا بالمقدمة أیضا لزم مراعاة ما اعتبر فی ذی المقدمة أیضا.

والحاصل : أن حکم الشارع بالنجاسة التی من أحکامها المنجسیة للغیر إنما تعلق بعین ما وقع فیه النجاسة من غیر مدخلیة علم المکلف أو جهله فیه ، کما مرّ.

وأیضا إذا عرف بعینه یکون منجسا للغیر جزما ، ولیس ذلک إلاّ بحکم الشارع بأنه نجس ، وهذا الحکم بعینه من دون تفاوت موجود فی ما نحن فیه ، بل هو هو بعینه ، فتأمّل جدا.

ووجوب المقدمة لو کان حکما شرعیا لم یعارضه الاستصحاب ، لأن الحکم مستصحب ما لم یثبت خلافه شرعا ، وإن لم یکن حکما شرعیا أو لم یکلف بذی المقدمة لتطرق الإشکال فی مباشرة أحد الإناءین أیضا ، کما مر عن الشارح - رحمه الله - (2) لأنه کان طاهرا قطعا قبل عروض الاشتباه.

فإن قلت : المستفاد من الأخبار أن الأصل الطهارة حتی یستیقن

ص: 170


1- ما بین القوسین أثبتناه من « ه ».
2- فی قوله : وفیه نظر. 1 : 107.

النجاسة.

قلت : یرد ذلک فی أحد الإناءین أیضا ، ( فلا مانع من أن یکون طاهرا وواجب الاجتناب من باب المقدمة ، فإنّ أحد الإناءین طاهر جزما ) (1) فتأمّل.

ویمکن أن یقال بأن المشتبه بالنجس فی حکم النجس من حیث المنع من المباشرة برطوبة عالما عامدا مختارا (2) ، لکن لا یصیر الملاقی نجسا ، لأصالة طهارته وعدم العلم بانفعاله ، ( ومقتضی الطهارة عدم وجوب الاجتناب ، ووجوب الاجتناب عن الملاقی للنجس إنما هو من جهة الحکم بنجاسته بتحقق کونه ملاقیا للنجس ، ودخول اجتناب الملاقی فی اجتناب النجس المعلوم غیر المعین مسلم ، لکن تحقق الملاقی من أین؟! ) (3) فتأمّل.

قوله : عند الأصحاب. ( 1 : 109 ).

وهو المستفاد من ظاهر موثقتی عمار وسماعة. إلاّ أن یقال : هما محمولان علی الصور الشائعة ، وما نحن فیه من الفروض النادرة ، ولا بدّ من تأمّل.

قوله : وفیه ما فیه. ( 1 : 109 ).

ویمکن أن یقال : یلزم ارتکاب الصلاة بغیر طهور یقینا ، وکذا مع النجاسة ، وهو حرام ، وفیه تأمّل.

قوله : هو ما علم کونه ماء مطلقا. ( 1 : 109 ).

لا یخفی أن المأمور به هو الوضوء بالماء ، أی ما هو ماء واقعا ، والعلم

اشتباه المضاف بالمطلق

ص: 171


1- ما بین القوسین أثبتناه من « ه » ، بدله فی سائر النسخ : لکن بعد محل تأمل.
2- لیس فی « أ » و « ه ».
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

وعدمه لا دخل لهما فی المعنی الحقیقی للماء ، ولا مانع فیه من التکلیف به ما أمکن امتثاله ، ولو بارتکاب مقدمة ، وشغل الذمة الیقینی یستدعی البراءة یقینا.

علی أن الامتثال العرفی لا بدّ منه قطعا ، لأنا مکلفون بالإطاعة ، وهی امتثال الأمر ، والمرجع فیه إلی العرف ، ولا شک فی عدم تحققه إلاّ بارتکاب الوضوءین أو الوضوء والتیمم ( للأمر بالطهور للصلاة ) (1) ، و (2) لأن الطهور شرط لصحة الصلاة ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط.

ولا یمکن الاستناد إلی مثل « رفع عن أمتی ما لا یعلمون » ، لتحقق العلم ، مضافا إلی عدم شموله لمثل ما نحن فیه ، لاستلزامه إما رفع التکلیف بالمرة ، أو الحکم بالترجیح بلا مرجح شرعی فی التعیین شرعا ، وکلاهما فاسدان ، أو رجوع الواجب المعین إلی المخیر ، وهو خلاف مقتضی الدلیل.

علی أنه لو کان الماء الذی یجب استعماله هو ما علم کونه ماء مطلقا یلزم من ذلک أنه لو کان المستعمل متیقنا بکون شی ء ماء ولهذا توضأ به ثم انکشف له أنه لم یکن ماء یکون وضوؤه ذلک صحیحا مجزیا لصحة الصلاة ، لأنه حین وضوئه کان عنده أنه معلوم المائیة ، ولا یخفی فساده.

وأما الإجزاء لو لم ینکشف إلی یوم القیامة فلأجل أنه عنده ماء واقعا ( ولا تقصیر له فی ذلک ، و ( لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) ، فالإجزاء إنما هو لأجل أنه عنده ماء واقعا ) (3) لا لأجل أن الماء هو معلوم المائیة.

لا یقال : لعل وجوب الإعادة یکون لظهور عدم المطابقة التی هی

ص: 172


1- ما بین القوسین أثبتناه من « أ » و « ه ».
2- أثبتناه من « ه ».
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « د ».

مأخوذة (1) فی مفهوم العلم.

قلت : لا شک أن اتفاق المطابقة وعدمه لیسا تحت اختیار المکلف حتی یکون مکلفا بهما ، فالمعتبر هو اعتقاد المطابقة ، فاللازم أن یکون هو مناط التکلیف ( مع أنه علی هذا یرجع إلی ما ذکرنا من أن المراد ما هو ماء واقعا ) (2).

قوله : کما هو واضح. ( 1 : 109 ).

لعل حکمة المراعاة حکایة الضیق فی وقت التیمم ، کما هو الشأن فی غیر هذه المواضع ، فتأمّل.

قوله : ولنا علیه وجوه. ( 1 : 110 ).

ویمکن الاستدلال أیضا بأن الطهارة شرط للصلاة ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط.

قوله : وفیه نظر. ( 1 : 111 ).

لا یخفی أن الاستدلال بأمثال ما ذکر إنما هو لأجل التقویة ، کما هو طریقة غیره أیضا فی المقامات الکثیرة ، ومنهم الشارح فإنه کثیرا ما یفعل ذلک ، کما مر منه فی بحث عدم اشتراط الکریة فی الجاری (3) ، وغیره سیجی ء أیضا کثیرا.

قوله : أن التخصیص بالذکر. ( 1 : 111 ).

لا یخفی أن نظره لیس إلی حجیة مفهوم الوصف ، لأنه غیر قائل بها ، ولأجل هذا تمسک بحکایة معرضیة الامتنان ، وأولویة العموم ، وهو مسلم عند الشارح ، لأنه کثیرا ما یستدل هکذا ، وقد عرفت الوجه.

الماء المضاف

الماس المضاف طاهر لا یزیل حدثاً

ص: 173


1- الموجود فی النسخ : الذی هو مأخوذ.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- مدارک الأحکام 1 : 30.

قوله : وهو ضعیف. ( 1 : 111 ).

هذا الاعتراض غیر وارد علی الصدوق وغیره من القدماء الذین کان مدارهم فی الأخبار علی القرائن وصحة الأصول عند الشیعة والمعمولیة عندهم ، وأما غیرهم فربما یرد علیه لو کان قائلا بضعفه وضعف روایة محمّد ابن عیسی عن یونس ، وأما من لم یقل بهما فلا ، وقد بیّنّا فی الرجال عدم الضعف بشی ء منهما (1) ، فلاحظ.

قوله : وهو عامی. ( 1 : 111 ).

فیه توهم ظاهر ، والظاهر أنه من الناسخ أو من سهو القلم.

قوله : بشذوذ هذه الروایة. ( 1 : 112 ).

هذا هو الحق فی الجواب.

قوله : بأن یکون المراد. ( 1 : 112 ).

ربما وجه بأنّ المراد ماء الورد ، أی النوبة ، وهی النصیب من الماء ، وهو أیضا لا یخلو من بعد.

قوله : من المائعات. ( 1 : 112 ).

أقول : إنّ الشهید فی الذکری نبه علی أن الظاهر من ابن أبی عقیل تجویز استعمال غیر الماء من المائعات عند الضرورة (2) ، فلاحظ.

قوله : المرتضی. ( 1 : 112 ).

أقول : نسب إلی ابن أبی عقیل أیضا التجویز اضطرارا (3).

قوله : لورود الأمر. ( 1 : 112 ).

وکذا فی غسل مخرج البول ، والجسد ، والظروف ، والأرض ، وغیر

إشارة إلی حال سهل بن زیاد

الماء المضاف لا یزیل خبثاً

ص: 174


1- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 176 و 313.
2- الذکری : 7.
3- نقله عنه فی المختلف 1 : 57.

ذلک ، بل وفی بعضها تصریح بعدم إجزاء غیر الماء ، مثل قولهم علیهم السلام : « ولا یجزی من البول إلاّ الماء » (1) ، وقولهم علیهم السلام : « کیف یطهر من غیر ماء » (2) ، وبعضها له ظهور تام ، مثل حکایة الولوغ (3).

وفی الصحیح عن الحلبی عن الصادق علیه السلام ، عن رجل أجنب فی ثوب ولیس معه غیره ، قال : « یصلی فیه إلی حین وجدان الماء » (4). إلی غیر ذلک ، فلاحظ.

ویمکن الاستدلال أیضا بأن النجاسة مستصحبة إلی أن یثبت المطهر شرعا ، ولا یثبت فی غیر الماء.

وأیضا : إطلاق المنع بالنجاسة مقید بالغسل بالماء ، ولم یثبت القید الآخر.

وأیضا : طهارة الثوب والبدن شرط فی الصلاة مثلا ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط.

وأیضا : ورد أن الماء یطهر (5) ، وهو مشعر بأن الطهارة مختصة به ، فتأمّل.

وأیضا : قال تعالی ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ ) إلی أن قال : ( فَإن لَمْ

ص: 175


1- التهذیب 1 : 50 / 147 ، الاستبصار 1 : 57 / 166 ، الوسائل 1 : 316 أبواب أحکام الخلوة ب 9 ح 6.
2- التهذیب 1 : 273 / 805 ، الاستبصار 1 : 193 / 678 ، الوسائل 3 : 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 7.
3- انظر الوسائل 1 : 226 ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ح 5.
4- الفقیه 1 : 40 / 155 ، الوسائل 3 : 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 1 بتفاوت یسیر.
5- الکافی 3 : 1 / 1 ، الفقیه 1 : 6 / 2 ، التهذیب 1 : 215 / 618 ، الوسائل 1 : 133 ، 134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 3 ، 6.

تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (1) ، وفیه إشعار بأن الغسل إنما یکون بالماء.

وأیضا : ورد فی أخبار کثیرة أنّ الثوب النجس مثلا یصلی فیه إلی أن یتمکن من الماء فیغسله (2) ، منها صریح ومنها ظاهر ، فلاحظ وتتبع.

مع أن المکلف متمکن من البصاق وغیره من المائعات غالبا وغیر غالب ، بل ورد : « امسح ذکرک بریقک ، فإذا وجدت بلة فقل : هذا من ذاک » (3) ، إلاّ أن یکون المراد غیر مثل الریق من المیاه المضافة ، لکن المستفاد من الأدلّة وأقوال الفقهاء أن المراد هو الأعم.

ومع ذلک ترک الاستفصال یفید العموم ، ومجرد الندرة لا یکفی لعدم الاستفصال ، لأن السائلین کانوا جاهلین بالمسائل ، فلعلهم کانوا متمکنین من المضاف ، مع أن ولایة الحجاز کثیرا من الأوقات ما کانوا متمکنین من الماء فی وقت البول والغائط وأمثال ذلک ، مع أن فی بیوتهم کان الخل وماء الورد وأمثالهما ، أو فی بلادهم کانت ، ومن ذهب إلی مکة المشرفة تنکشف له حقیقة ما ذکرنا ، مع أن أمثال زماننا قد کثر إحداث المبرک وغیره فی مکة والمدینة وغیرهما ، فتأمّل.

وأیضا : ربما کان منشأ الصلاة فی النجس التضرر من الاستعمال وهو لا یحصل من بعض المضافات ، فتأمّل.

وأیضا : ربما یکون الغسل بالماء لا یزیل النجاسة إلاّ بتعب شدید أو بواسطة مثل الصابون وغیره ، بخلاف الإزالة من بعض المضافات ، مع أنه مشهور زوال الدم بالبصاق ، فتأمّل.

ص: 176


1- المائدة : 6.
2- الوسائل 3 : 484 أبواب النجاسات ب 45.
3- الکافی 3 : 20 / 4 ، الفقیه 1 : 41 / 160 ، التهذیب 1 : 348 / 1022 ، الوسائل 1 : 284 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 7.

ومما یدل علی ذلک ما ورد فی الصحیح عن الصادق علیه السلام :

« أن بنی إسرائیل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم ، وقد وسع الله علیکم بأوسع ما بین السماء والأرض وجعل لکم الماء طهورا فانظروا کیف تکونون » (1). فلو کان کل مائع مطهرا لما خص الماء بالذکر البتة ، مع ما فی الروایة من التوکید فی التوسعة ، فتدبر.

وأیضا : ورد عن زرارة : علمت أثره إلی أن أصیب الماء (2) ، والمعصوم علیه السلام قرره ، مع أنه کان فقیها.

وأیضا : ورد فی کیفیة تطهیر الإناء إنه یصب فیه الماء ، إلی أن قال : « وقد طهر » (3) ، فتأمّل.

قوله : کما هو مقرر فی الأصول. ( 1 : 112 ).

اعترض علیه فی الذخیرة أنه کما یمکن الجمع بحمل المطلق علی المقید کذا یمکن بالحمل علی الاستحباب ، أو علی ما هو الغالب من أنه لا یستعمل فی الإزالة غیر الماء ، یعنی یکون قید الماء واردا مورد الغالب ، فلا یکون مفهومه معتبرا ، فلا بدّ فی الترجیح من مرجح (4).

والجواب عنه أنه بعد تسلیم أن الغالب فی الاستعمال هو الماء لا یبقی للمطلق عموم حتی تحصل المعارضة ، لأن المطلق ینصرف إلیه ، کما هو

بحث أصولی فی المطلق والمقیّد

ص: 177


1- الفقیه 1 : 9 / 13 ، التهذیب 1 : 356 / 1064 ، الوسائل 1 : 133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 4. بتفاوت یسیر.
2- التهذیب 1 : 421 / 1335 ، الاستبصار 1 : 183 / 641 ، علل الشرائع : 361 ب 80 ، الوسائل 3 : 402 أبواب النجاسات ب 7 ح 2.
3- التهذیب 1 : 284 / 832 ، الوسائل 3 : 497 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.
4- الذخیرة : 112.

المسلم عند المعترض وجماعة من المحققین.

إلاّ أن یکون مراده أنه کما یضر المطلق یضر المقید أیضا ، فلا بدّ فی إثباته من دلیل.

لکن یرد علیه أن النجاسة کانت ثابتة ولا بدّ من ثبوت المطهر شرعا ، ولا یثبت ، وکذا لا یثبت تحقق المشروط.

مضافا إلی ما عرفت من کمال الظهور فی القید - بل والصراحة - بأنه لا یجزی غیر الماء ، ولا قائل بالفصل ، مع أن السیّد غیر قائل بالفصل ، ویکفی الدلیل ردا علیه.

( ولو تأمّل أحد لزمه التأمّل فی اشتراط رفع الحدث بالماء أیضا ) (1) ، مع أن الظاهر من عمل المسلمین وطریقتهم فی الأعصار والأمصار الاقتصار فی التطهیر الشرعی علی الماء ، سیّما مع ما أشرنا إلیه من أنه فی بعض الأوقات یکون المضاف أسهل تحققا من الماء ، أو أسهل إزالة منه ، أو خالیا من الضرر الذی یکون فی الماء ، مع أن الجمیع مجتمع فی البصاق ، وهذا یرجح الحمل علی التقیید.

مضافا إلی أن المدار فی الفقه غالبا علی تقیید المطلق واختیار هذا الجمع ، وإن أمکن بغیره ، فظاهرهم ترجیحه علی غیره ، ومع المانع أو المرجوحیة یرجعون إلی غیره ، مع أنه لعله یرجع إلی تخصیص العام ، ولا شک فی رجحانه بالنسبة إلی غیره ، بل وتعیینه عند الفقهاء بسبب غلبة شیوعه إلی أن قالوا : وما من عام إلاّ وقد خص ، ولأنه الظاهر عند معاملات أهل العرف ، فتأمّل.

وأیضا : رجوع المطلق إلی المتعارف لیس بحمل ولا توجیه أصلا ، إذ

ص: 178


1- ما بین القوسین لا یوجد فی « ب » و « ج » و « د ».

لیس مقتضی المطلق أزید من ذلک ، إذ لا عموم فیه لغة ولا عرفا ولا من القرینة سوی ما أشرنا إلیه ، وهذا بخلاف القول بأن القید وارد مورد الغالب أو محمول علی الاستحباب ، إذ الثانی لا شک فی أنه توجیه وتأویل وارتکاب خلاف الظاهر ، وأما الأول فالظاهر أیضا أنه کذلک ، للزوم کون القید لغوا محضا لا فائدة فیه أصلا فی کلام الحکیم ، سیما مع ما اشتهر عند أهل العلوم اللغویة من أن النفی والإثبات والحکم راجعة إلی خصوص القید ، ولعله الظاهر أیضا من محاورات أهل العرف ، فتأمّل.

هذا مضافا إلی ما مر من المرجحات الأخر ، فتدبر.

ومما یرجح أن النجاسات من الأمور التی تعم بها البلوی غایة العموم ، إذ منه البول الذی فی الیوم الواحد یصدر مرات متعددة من الرجال والنساء والأطفال وغیرهم ، فلو کان التطهیر بغیر الماء جائزا شرعا لشاع وذاع ووصل إلی حد لا یکاد یقبل الاستتار بمقتضی العادة ، فکیف وقد حصل الاقتصار علی الماء فی الأعصار والأمصار بحیث لا یکاد یقبل الاستتار ، فتدبر.

قوله : لا تلحقه عبادة. ( 1 : 113 ).

یعنی أن العبادات لما کانت توقیفیة لا ترجع ألفاظها إلی اللغة والعرف ، لعدم فهمهم لمعانیها وحقائقها من غیر جهة الشرع ، بخلاف غیر العبادات مثل الأمر بالغسل والقیام والقعود ، فإن معرفة أهل العرف وتحقق الصدق العرفی یکفی ، فتدبر.

وبالجملة : مقتضی الأصل والقاعدة الرجوع فی معرفة معانی الألفاظ إلی اللغة والعرف إلی أن یمنع مانع ، ولم یثبت المانع فی ما نحن فیه.

قوله : بالمنع. ( 1 : 113 ).

کونه مانعا مع کونه مستدلا بناء علی أن الأصل الحقیقة ، والتخصیص

ص: 179

لا بدّ له من دلیل ، فقوله : ولو کان کذلک. سند لمنعه ، فتأمّل.

قوله : من تساوی المفهومین شرعا. ( 1 : 113 ).

لا یخفی ما فیه ، إذ من الأصول الظاهرة والقواعد المسلمة من الکل أن الألفاظ مرجعها إلی العرف واللغة ، وهما الحکم عند وقوع النزاع إلی أن یمنع مانع ، مثل ما علم أن المعنی اللغوی (1) غیر مراد البتة ، کما فی العبادات مثل الوضوء والصلاة ، لأنها وظیفة الشارع.

ولا شبهة أن الطهارة العرفیة حاصلة ولم یثبت اعتبار غیر ذلک ، فما ثبت من اعتبار قید أو شرط یتعبد به ، وما لم یثبت فالأصل عدمه ، کما هو الحال فی غیر العبادات من المعاملات وغیرها ، مثل غسل الوجه فی الوضوء والقیام فی الصلاة وغیر ذلک ، فمنعه لیس فی موضعه.

قوله : وقد اشترط هو ، رحمه الله . ( 1 : 113 ).

لا ضرر فیه أصلا. نعم یمکن منع کون المراد فی قوله تعالی :

( وَثِیابَکَ فَطَهِّرْ ) (2) الغسل ، بل ورد فی الأخبار أن المراد قصر الثوب (3).

ویمکن المنع أیضا للقائل بثبوت الحقیقة الشرعیة ، فتأمّل.

قوله : أجمع علماؤنا. ( 1 : 113 ).

لا یخفی أنه استدل بروایة غیاث عن الصادق علیه السلام ، قال : « لا بأس بغسل الدم بالبصاق » (4). وأجاب المحقق أنها ضعیفة ، ولو صحت نزلت

ص: 180


1- فی « أ » و « ب » و « ه » زیادة : والعرفی.
2- المدثر : 4.
3- الکافی 6 : 457 / 10 ، الوسائل 5 : 39 أبواب أحکام الملابس ب 22 ح 5 ، ومجمع البیان 5 : 385 ، الوسائل 5 : 41 أبواب أحکام الملابس ب 22 ح 10.
4- التهذیب 1 : 425 / 1350 ، الوسائل 1 : 205 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 2.

علی جواز الاستعانة بالبصاق ، ویظهر من الاستدلال والجواب أن السید - رحمه الله - قائل بالتطهیر به. علی أن ابن الجنید نسب إلیه صریحا أنه قائل بتطهیر الدم بالبصاق (1). سلمنا ، لکن یرد علی الشارح ما سیورد علی السید بقوله : لم یقدح. ، فتدبّر.

قوله : علی ألسنة أهل العرف. ( 1 : 114 ).

بناء علی أنّ تتبع الأحادیث کاشف عن أنّ طریقة مخاطبات الشرع طریقة العرف ، والعرف ینصرف إلی المعتاد. أو أنّ الأصل إنما یعتبر لو لم یخالف المتبادر.

قوله : قال المصنف فی المعتبر. ( 1 : 114 ).

أقول : وکذا العلامة - رحمه الله - فی التذکرة والمنتهی ، والشهیدان (2).

قوله : موجبة لنجاسة ما لاقته. ( 1 : 114 ).

إن کان من جهة الرطوبة التی هی شرط فی انفعال شی ء بملاقاة النجاسة ، فمع أنّ مستنده الإجماع أیضا إلاّ أنه إجماع آخر ، یلزم سرایة النجاسة فی غیر المائعات أیضا ، مثل السمن الجامد ، والبطیخ المکسور ، وأمثال ذلک ، فهو فاسد بإجماع الشیعة ، وإن کان من جهة میعانه فلعله مصادرة ، إلا أن یستند إلی الإجماع فیکون هو الدلیل ، وما ذکره من فروعات المسألة. هذا مضافا إلی ما مر فی تطهیر الماء القلیل.

قوله : وصیرورته. ( 1 : 114 ).

تغیر بالمضاف أم لا ، علی المشهور ، خلافا للشیخ فی الأول (3) ، وقد

نجاسة الماء المضاف بملاقاة النجاسة

ص: 181


1- نسبه إلیه الشهید فی الذکری : 16.
2- التذکرة 1 : 33 ، المنتهی 1 : 22 ، الذکری : 7 ، روض الجنان : 133 ، الروضة 1 : 45.
3- المبسوط 1 : 5.

مرّ الکلام فی ذلک فی صدر الکتاب.

والمستفاد من کلام الشارح - رحمه الله - أنه ما لم یصر ماء مطلقا یکون نجسا ، فیکون المجموع نجسا ، لخروجه عن الإطلاق وصیرورته ماء مضافا ، ودلیله استصحاب نجاسة المضاف ، وعدم ثبوت المطهر الشرعی.

وربما قیل بالطهارة (1) ، لأنّ الماء کان طاهرا ولم یثبت نجاسته شرعا ، إذ لعله طهر المضاف قبل أن یصیر مضافا.

وفیه : أنّ الحکم بطهارة الماء ، بالاستصحاب إنما هو ما دام کونه ماء مطلقا ، فإذا خرج منه فلا یبقی للاستصحاب أثر ، ولذا یحکم بأنّ الاستحالة من المطهرات للنجس ، وأما المضاف النجس فهو بعد علی طبیعته وحقیقته. سلمنا ، لکن نقول : غایة الأمر أنه تعارض الاستصحابان ، فیبقی الحکم بمطهریة النجس شرعا من غیر دلیل ، فالأصل عدمه ، فتأمّل.

مع أن العادة تحکم بأنّ سریان الماء فی أعماق المضاف بحیث یبقی علی ماهیته حتی یطهر محال ، سیما مع اشتراط اتصال أجزائه ، لأنه شرط فی الطهارة والمطهریة ، فتأمّل.

قوله : من اعتبار الاسم. ( 1 : 115 ).

لا یخلو تحققه من إشکال ، فإنّ إطلاق الجاهل بالحال لا عبرة به ، والعالم به لم نجد له فی العرف ضابطة معرفة لصحة الإطلاق. نعم حال الاستهلاک لا شبهة فیه ، فتأمّل.

قوله : لا تعودی. ( 1 : 116 ).

بتخفیف الواو ، من العود ، أو بتشدیدها ، من الاعتیاد ، وکیف کان ،

لو مُزج المضاف بطاهر

کراهة الطهارة بالماء المسخن بالشمس

ص: 182


1- قال به فی المنتهی 1 : 22 ، والقواعد 1 : 5.

دلالتها علی المطلوب یحتاج إلی التأمّل ، ومع ذلک فهی فی غایة الظهور فی عدم الحرمة سیما إذا کانت مشددة ، فقوله بعد ذلک : وحملها الأصحاب. ، فیه ما فیه.

قوله : لضعف سندهما. ( 1 : 117 ).

مرّ فی صدر الکتاب وجه الحمل ومعنی الحمل (1) ، فتأمّل.

قوله : ولما روی عن الصادق علیه السلام . ( 1 : 117 ).

وقد عرفت أنّ روایة إبراهیم تدل علی الحرمة ، فهی أیضا سبب للحمل علی الکراهة.

قوله : وسواء کانت الآنیة. ( 1 : 117 ).

أقول : وسواء کان قلیلا أو کثیرا ، وسواء کان بإشراق الشمس أو الوضع قریبا منها ، إلاّ أن یدعی الظهور فی الأوّل ، والظاهر الظهور فی الأول فی المسألة الأولی أیضا ، لأنّ الروایة وردت عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، والماء الکثیر کان فی ذلک الزمان نادرا.

قوله : سواء قصد إلی. ( 1 : 117 ).

والروایة علی ما نقلها لا ظهور لها فی هذا العموم ، نعم هی فی کتب الأخبار رویت کذلک : « الماء الذی تسخنه الشمس لا یتوضأ به » (2) ، وهی دالة علی العموم ، فتأمّل. وربما یظهر منه عموم آخر ، وهو أعم من أن تکون السخونة باقیة أم لا ، وإن قلنا بأنّ المشتق لا بدّ فی صدقه من بقاء مبدأه ، لأن هاهنا فعل مضارع ، ویؤیده الاستصحاب.

ص: 183


1- راجع ص 20 - 21.
2- الکافی 3 : 153 / 5 ، علل الشرائع : 281 ب 94 ح 2 ، الوسائل 1 : 207 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2 ، وفیها : « لا تتوضؤوا به ».

قوله : واعلم أن المراد بالمکروه. ( 1 : 117 ).

هذا ینافی ما اختاره من أن الشی ء لا یمکن أن یصیر مأمورا به ومنهیا عنه ، لأن التضاد لیس منحصرا بین الواجب والحرام ، بل الأحکام الخمسة کلها متضادة ، وسیجی ء عن الشارح فی مکان المصلی بسط الکلام فی الجملة ، وامتناع الاجتماع بین الأولین (1) ، ومراد من قال بأنها بمعنی أقلیّة الثواب أنها أقلّ ثوابا من الثواب المقرر علی العبادة من حیث هی ، لا الثوابات العارضة الخارجیة ( لأنها لیست ثواب العبادة ، بل ثواب الأمور العارضة ) (2) فتأمّل. مع أنّ الفقهاء کثیرا ما یطلقون الکراهة علی خلاف المستحب أیضا ، فتأمّل.

وما قیل من أن الکراهة راجعة إلی الوصف الخارج عن ذات الفرد بخلاف الحرمة فیه ما فیه ، ونحن صححنا المقام فی الفوائد الحائریة ، من أراد الاطلاع فلیرجع إلیها (3).

قوله : ولو خشی. ( 1 : 118 ).

فی الفقه الرضوی : « ولا یسخن له الماء إلاّ أن یکون الماء باردا جدا ، فتوقّی المیت بما توقّی به منه نفسک ، ولا یکون حارا شدیدا ، ولکن یکون فاترا » (4).

قوله : وهو قوی. ( 1 : 119 ).

فی المراد من المکروه

کراهة تغسیل الأموات بالماء المسخن بالنار

ص: 184


1- انظر مدارک الأحکام 3 : 217.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- انظر الفوائد الحائریة القدیمة ، الفائدة الرابعة عشرة ( المخطوطة ).
4- فقه الرضا « ع » : 167 ، المستدرک 2 : 174 أبواب غسل المیت ب 10 ح 1.

قال فی المعالم : وظاهر الشهید فی الذکری ، ووالدی فی شرح الإرشاد المیل إلی الطهارة ، وصرح باختیاره الشیخ علی ما فی بعض فوائده ، ویعزی إلی جماعة من متقدمی الأصحاب المصیر إلیه أیضا (1).

قوله : ولم أقف. ( 1 : 119 ).

لکن فی المعالم نسب إلی ابن إدریس موافقته للمرتضی (2).

قوله : کما بیناه فیما سبق. ( 1 : 120 ).

أی من منع العموم فی المفهوم (3) ، وأمّا المنطوق فلم یرد بعنوان العموم ، نعم یظهر من بعض المنطوقات النجاسة فی حال الغسل ، مثل إدخال الید النجسة فی الماء (4) ، فلو کان إجماع مرکب یلزم منه العموم لکان معارضا بما هو أقوی دلالة ، وهو جواز غسل الثوب النجس فی المرکن (5) ، إلاّ أن یقولا (6) : لا دلیل علی أن النجس لا یطهر مطلقا ، وسیجی ء الخلاف فی بحث مطهریة الأرض وغیرها ، مثل حجر الاستنجاء ، فإنه یطهر مع انفعاله بالملاقاة ، سیما علی القول بالاکتفاء بمجرد النقاء ، کما اختاره الشارح (7).

وبالجملة : العقل لا طریق له فی أمثال هذه الأحکام ، والنقل منحصر فی الإجماع والآیة والحدیث ، ولا إجماع ولا کتاب ولا سنة یثبت بها

الماء المستعمل

حکم الماء المستعمل فی رفع الخبث

ص: 185


1- معالم الفقه : 123.
2- معالم الفقه : 123.
3- إشارة إلی منع عموم المفهوم فی قوله علیه السلام : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء ».
4- انظر الوسائل 1 : الباب 8 من أبواب الماء المطلق الأحادیث 3 ، 4 ، 7 ، 10 ، 11.
5- الوسائل 3 : 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.
6- أی المحقق والعلامة ، وفی « ا » : نقول.
7- انظر مدارک الأحکام 1 : 165.

الحکم ، وما بقی فی الثوب بعد العصر عفو مطلقا وإن لاقی شیئا آخر.

وفیه أن الظاهر من لفظ النجس أنه یجب التنزه عنه ، فکیف یجتمع هذا مع العفو مطلقا. إلاّ أن یقال : الإجماع اقتضی الطهارة والعفو المطلق ، وفی تحققه فی المرکن تأمّل.

قوله : وأمّا الروایتان. ( 1 : 120 ).

أمّا الکلام فی السند فقد مرّ مکررا ، وأما قصور الدلالة فالظاهر أنّ الجملة المثبتة (1) دلالتها ظاهرة سواء رجعت إلی الأمر أم لا ، لأنّ الظاهر أن المراد أن الحکم الشرعی فیه أنه یغسل ، نعم ما یثبت من الروایة هو النجاسة بعد الانفصال ، کما هو أحد الاحتمالات فی هذه المسألة ، ( وسیجی ء ذلک عن الشارح ) (2) فی مسألة غسل الثیاب ، قائلا أنّ القدر الذی یثبت من الروایات المنع من الاستعمال بعد ملاقاة النجاسة خاصة لا حال الملاقاة (3) ، وسینبه علیه الآن أیضا.

قوله : لأن النجس لا یطهر. ( 1 : 121 ).

لا یخفی أنّ دلیله أعم من مدعاه ، إذ غایة ما یثبت منه جواز الغسل بالقلیل ، أمّا أنه لا بدّ من أن یکون بعنوان ورود الماء علی النجاسة وأنه شرط فلا یظهر منه بوجه من الوجوه. إلاّ أن یقال : التطهیر بعنوان الورود علیها یثبت من هذا الدلیل ، وأمّا أزید منه فلا ، لتأدی الفرض وعدم بقاء أمر یوجب العلم بعد ذلک ، وفیه ما لا یخفی.

قوله : لأن ذلک یقتضی. ( 1 : 121 ).

لا یخفی أنه ما أظهر أنّ العلة ما هی حتی یعترض علیه بذلک.

ص: 186


1- فی « ج » و « د » : الفعلیة.
2- بدل ما بین القوسین فی « ه » : وسیجی ء خلاف ذلک عن الشهید.
3- انظر مدارک الأحکام 2 : 330.

فإن قلت : السیّد - رحمه الله - صرح بأنه لو تنجس حال الملاقاة لزم عدم تطهیر الثوب ، فمنع الملازمة لا یکون إلاّ أن یحکم بالانفعال حال الملاقاة وتطهیر الثوب ، لکن لما قال : والنجاسة فی الماء بعد انفصاله عن المحل ، لزم منه ذلک الاقتضاء.

قلت : لو تمّ ما ذکرت لزم التناقض فی کلامه ، وأنّ الإیراد علیه هو لا ما ذکرت ، وغیر خفی أنه ما منع الملازمة الأخیرة ، بل الظاهر أنها مسلمة عنده ، لتقییده النجاسة بما بعد الانفصال ، بل منع الملازمة الأولی التی هی نفس الدلیل ، وذلک لأنه استدل هکذا : لو حکمنا بنجاسة القلیل الوارد علی النجاسة لأدی إلی عدم التطهیر بالقلیل ، ولم یقید بکونه حال الملاقاة ، بل الظاهر منه الحکم فی الجملة ، والظاهر منه أخذ التنافی بین الانفعال فی الجملة والتطهیر.

بل لعله لا یمکن حمل کلامه إلا علی هذا ، لأن مطلوبه عدم الانفعال حال الورود مطلقا ، فنقیضه الانفعال فی الجملة لا الانفعال مطلقا ، ولذا نسب الشارح وغیره إلیه القول بعدم الانفعال مطلقا حال ورود الماء علی النجاسة ، ولذلک منع العلامة - رحمه الله - ، بأنه لا مانع من الحکم بالتطهیر والانفعال فی الجملة ، وهو ما إذا کان بعد الانفصال.

فإن قلت : التقیید فی الملازمة الثانیة کاشفة عن التقیید فی الأولی أیضا ، لأنها بیانها.

قلت : فرق بین البیان والمبین ، فلو کان الأمر علی ما ذکرت لکانت الثانیة راجعة إلی الأولی.

والحاصل أن السید - رحمه الله - لما کان معتقدا انحصار العلة فی الملاقاة وعدم جواز تخلف مثل هذه العلة أیضا عن المعلول بین الملازمة العامة بالملازمة الخاصة. فعلی هذا ، منع العلامة الملازمة الأولی لا یرجع

ص: 187

إلی منع الثانیة ، سیما مع ما عرفت من تقییده النجاسة بخصوص کونها بعد الانفصال.

وبالجملة : کلامه یرجع إلی ما ذکره الشارح بقوله : نعم یمکن.

ومعلوم أن المجیب لا یجب أن یکون جوابه موافقا لمذهبه ، بل ولا لمذهب ، ما لم یخالف الإجماع.

وأولی من ذلک أنّ منعه قدر مشترک بین منع انحصار العلة ، ومنع عدم جواز تخلف معلول أمثال هذه العلل التی هی من باب الأمارات ، ومنع أن کون الشی ء نجسا یجب أن یکون جمیع أحکام النجاسات موجودة فیه علی حسب ما مر ، وأما منع انحصار العلة فسنده الروایة التی مرت ، بل الروایتان عند العلاّمة.

قوله : لا تتناول ذلک صریحا. ( 1 : 122 ).

لیس کذلک ، بل تتناوله ، کما أشرنا. إلاّ أن یقال : إنه بسبب التعارض لا یبقی المعارض سالما ، إن وقع التعارض.

قوله : ولا بأس به. ( 1 : 122 ).

فیه : أنه مخالف لما ذکره آنفا ، من أن الروایات لا تتناول ذلک. إلاّ أن یکون مراده خصوص الموضع الذی حکم الشیخ بالطهارة ، ولکن یبقی التأمّل فی التخصیص بعد ملاحظة ما ذکرناه فی منع کلیة الکبری. إلاّ أن یکون مراده الإثبات فیه لا النفی فی غیره ، کما یظهر من قوله : وربما ظهر. ، فتأمّل.

قوله : وهو مشکل. ( 1 : 122 ).

فیه ما لا یخفی ، لأنّه إذا مال إلی الطهارة مطلقا واستوجه عدم اعتبار الورود یلزم من ذلک عدم النجاسة مطلقا فی صورة الغسل.

ص: 188

قوله : علی ما نقله المصنف. (1).

غایة ما یثبت منه الظن ، فالحکم بالقطع فیه ما فیه. مع أنه - رحمه الله - متأمّل فی مثل هذه الإجماعات ، بل ونسب إلی الشهید ظهور الخلاف فی ذلک. ولعله لذلک وجد فی بعض النسخ الضرب علی ما ذکر ، والکتابة موضعه : ان المحقق فی المعتبر نقل الإجماع علی عدم رفع الحدث.

قوله : أو تلاقیه. ( 1 : 123 ).

کلمة « أو » هاهنا بمعنی : إلی أن ، أو : إلاّ أن ، وإنما فعل المصنف کذلک تنبیها علی الفرق بین القیدین ، بأن القید الثانی خارج عن المسألة وأجنبی بالنسبة إلیها ، لأن مفروضها حکم الغسالة من حیث أنها غسالة ، بأنها هل تنجس بسبب النجاسة التی هی غسلتها وإزالتها أم لا؟ ولهذا وقع النزاع فی نجاسة غسالة الأخباث ، مع أنه لا نزاع بینهم إذا وصلتها النجاسة من الخارج فتدبر (2).

قوله : ماء الاستنجاء من الحدثین. ( 1 : 123 ).

الاستنجاء لعله حقیقة لغة فی تطهیر موضع النجو ، ویظهر من بعض الأخبار الإطلاق علیه ، مثل صحیحة زرارة (3) ، لکن لعله تحقق حقیقة شرعیة ، أو سببه أن الظاهر من الأخبار وقوع غسالة البول أیضا ، لبعد انفکاک غسالة الغائط عنها ، فتأمّل.

قوله : لما فی إیجاب. ( 1 : 123 ).

حکم الماء الاستنجاء

ص: 189


1- فی « أ » و « ه » و « و » : کما نقله. ولم نعثر علی هذه العبارة فی المدارک.
2- لیس فی « ج ».
3- التهذیب 1 : 49 / 144 ، و 209 / 605 ، الاستبصار 1 : 55 / 160 ، الوسائل 1 : 315 أبواب أحکام الخلوة ب 9 ح 1.

لعل أمثال هذه الاستدلالات منهم من باب التأیید ، کما لا یخفی علی الفطن المطلع بأحوالهم ، فتأمّل.

قوله : وأنا جنب. ( 1 : 123 ).

قیل : فی قوله : وأنا جنب دلالة علی أن استنجاءه کان من المنی أو منه ومن غیره [ ویحتمل أن یکون مختصا بغیره ] وذکر الجنابة لتوهم سرایة النجاسة الحدثیة إلی الماء ، انتهی (1).

والاستنجاء حقیقة فی غسل المخرجین من الحدثین ، فحمله علی غیره یحتاج إلی قرینة واضحة ، ومجرد ذکر ذلک لیس قرینة ، فالحمل الأخیر متعین ، فتأمّل.

قوله : وشرط المصنف. ( 1 : 124 ).

لیس المراد بالشرطیة معناها المعروف ، لأن الشک فی الشرط یوجب الشک فی المشروط ، فیلزم ندرة الغسالة الطاهرة ، بل المراد أنه إن علم التغیر أو غیره مما ذکر ینجس ، ولا یجوز حمل الأخبار وکلام الأخیار (2) علی الفروض النادرة ، سیما فی ما نحن فیه ، بل نقول : لا یظهر من کلام المحقق الاشتراط ، فتأمّل.

قوله : وإن کان للتوقف فیه. ( 1 : 124 ).

واشترط بعضهم (3) عدم وضع الید علی النجاسة قبل الماء فی الغسل ، لأنه یصیر حینئذ من قبیل النجاسة الخارجیة ، وفیه ما فیه ، لأن الملاقاة لازمة علی أی حال ، والنص مطلق ، وکلام الأصحاب أیضا کذلک ، نعم بغیر قصد الغسل لو وضعه لکان الأمر کما قال.

ص: 190


1- الوافی 6 : 24 وما بین المعقوفین أضفناه من المصدر
2- فی « ه » : الفقهاء.
3- کالفاضل الهندی فی کشف اللثام 1 : 32.

قوله : کالتغیر. ( 1 : 124 ).

لا نفس التغیر ، فإن هذا التغیر عندهم غیر معتبر ، ولعل وجهه أن الزیادة تدل علی وجود عین النجاسة ، وفیه ما فیه ، أو تدل علی مقهوریته ، وهذا أوفق بعبارته ، مع أنه أیضا فیه ما فیه.

قوله : ویدل علی الطهارة. ( 1 : 125 ).

دلالة روایة عبد الملک علی الطهارة ظاهرة ، سواء قلنا بثبوت الحقیقة الشرعیة أم لا ، لما مر ، وأما روایة الأحول فلعلها من أن البأس المنفی (1) نکرة فی سیاق النفی ، وهذا لا یخلو عن تأمّل ، أو لأنّ المتبادر من أمثاله فی أمثال المقام الطهارة ، وفیه تأمّل.

قوله : ویشهد له. ( 1 : 127 ).

فی شهادته تأمّل ، بل ربما کان شهادته علی الخلاف أشبه ، فتأمّل.

نعم تدل علیه صحیحة علی بن جعفر المرویة فی التهذیب ، حیث قال فی آخرها : « فإن کان فی مکان واحد وهو قلیل لا یکفیه لغسله فلا علیه أن یغتسل ویرجع فإن ذلک یجزیه » (2). إلاّ أنّ الصحیحة متضمنة لبعض أحکام یکون محلا للتأمّل ، بل یشکل الأمر فیها ، فلاحظ.

قوله : وأشباهه. ( 1 : 127 ).

إما عطف علی أن یتوضأ ، أو علی ضمیر منه علی القول بجواز ذلک ، أو منصوب ، وکیف کان یحتاج التقریب والتتمیم إلی التمسک بعدم القول بالفصل ، لکن فی ذیل الروایة ما یشیر إلی کونه منصوبا ، أو کونه معطوفا علی

حکم الماء المستعمل فی رفع الحدث الأکبر

ص: 191


1- لیس فی « ج » و « د ».
2- التهذیب 1 : 416 / 1315 و 1 : 367 / 1115 ، قرب الاسناد : 181 / 667 ذیل الحدیث ، الوسائل 1 : 216 أبواب الماء المضاف ب 10 ح 1 ، بتفاوت یسیر.

الضمیر ، حیث قال علیه السلام : « وأما الماء الذی یتوضأ به الرجل فیغسل وجهه ویدیه فی شی ء نظیف فلا بأس بأن یؤخذ ویتوضأ ».

إذ التعرض لخصوص هذا وعدم التعرض لغسالة الحیض ومثله شاهد علی ذلک ، ولو کان المنع مختصا بغسل الجنب لکان التعرض لها أولی بل وأهم ، فالحدیث یدل علی العموم فی کل حدث أکبر ، مضافا إلی عدم القول بالفصل.

قوله : وقد تقدم. ( 1 : 127 ).

وقد تقدم الکلام فی هذا الطعن مرارا ، فلاحظ. مع أن مضمونها موافق لأخبار متعددة ، مثل ما ورد فی الصحیح فی ماء الحمام : « ولا یغتسل من ماء آخر ، إلاّ أن یکون فیهم جنب ، أو یکثر أهله فلا یدری فیهم جنب أم لا » (1).

وما ورد فیه أیضا : « ولا یغتسل فی البئر التی یجتمع فیها ماء الحمام ، فإنّه یسیل فیها ماء یغتسل الجنب وولد الزنا والناصب لنا » (2).

وما رواه أبو بصیر عن الصادق علیه السلام : عن الجنب یحمل الرکوة فیدخل فیه إصبعه - إلی أن قال - : « فلیغتسل منه ، هذا مما قال الله تعالی :

( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (3) ». فلو لا المنع من مستعملة لم یکن لقوله : لیس علیکم من حرج وجه ، وغیر ذلک من الأخبار :

منها ما یظهر منه النجاسة (4) ، مع أنّه طاهر بإجماع الأصحاب ، علی ما

ص: 192


1- التهذیب 1 : 379 / 1175 ، الوسائل 1 : 149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 5.
2- التهذیب 1 : 373 / 1143 ، الوسائل 1 : 218 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 1.
3- التهذیب 1 : 38 / 103 ، الوسائل 1 : 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11 والآیة فی الحج : 78.
4- انظر الوسائل 1 : 218 أبواب الماء المضاف ب 11.

حکاه المصنف ، والعلاّمة ، وابن إدریس (1) ، فلا یکون الوجه إلاّ سلب الطهوریة.

ومنها ما ورد من الأمر بالنزح لاغتساله فی البئر (2).

وبالجملة : بملاحظة مجموع أخبار کثیرة یظهر أن فی مستعملة منع البتة ، وأنه لیس بحیث یؤثر فیه استعماله أصلا ، کما هو مذهب المرتضی وغیره ، ویؤیده اشتهار ذلک بین قدماء الأصحاب الذین هم أعرف وهم الشهود ، ویظهر الاشتهار من خلاف الشیخ حیث نسبه إلی أکثر الأصحاب (3) ، فتأمّل.

وربما یجاب بأن قوله : « لا یجوز » محمول علی الکراهة ، لأن الماء الذی یغسل به الثوب أعم من أن یکون الثوب نجسا أم لا ، والماء أعم من القلیل والکثیر.

وهذا الجواب لیس بشی ء ، لأن صدر الروایة أنه علیه السلام قال : « لا بأس أن یتوضأ بالماء المستعمل » ، وأیضا لم یقل أحد بالکراهة فی الثوب الطاهر أو الکثیر ، والتسویة بینه وبین النجس والقلیل ، ولم یفهم أحد منها الکثیر ، لظهورها فی القلیل.

ویمکن الجواب بالحمل علی الجنب الذی یده نجسة حملا علی الغالب ، لکن ذیل الروایة ربما یأبی عن ذلک حیث قال علیه السلام : « وأما الذی یتوضأ به الرجل ویغسل وجهه ویده فی شی ء نظیف فلا بأس أن یأخذه غیره ویتوضأ به ».

وأما الأخبار الأخر فبعضها لیس دالا علی المنع التحریمی ، وبعضها له معارض ، مثل ما ورد فی جواز الغسل بماء الحمام الذی یغتسل به

ص: 193


1- المعتبر 1 : 86 ، المنتهی 1 : 22 ، السرائر 1 : 163.
2- الوسائل 1 : 195 أبواب الماء المطلق ب 22.
3- الخلاف 1 : 172.

الجنب (1) ، مع إمکان الجمع بحمل المانع علی ما إذا لم یکن المستعمل متصلا بالمادة وجاریا ، کما یشعر به قولهم علیهم السلام : « هو بمنزلة الجاری » (2) ، وأنّه « یطهر بعضه بعضا » (3) ، و « ألیس هو بجار؟ » (4) ، ویؤیده ظهور عدم البأس ، أصلا ورأسا فی هذه الصورة.

وبالجملة : لا شک أن الاحتیاط التجنب ، وإن کان الحکم بسلب الطهوریة لا یخلو من إشکال.

قوله : بعد تمام ارتماسه. ( 1 : 127 ).

لا وجه لهذا القید ، لأن غسل الارتماس لا یتحقق إلا دفعة ، کما سیجی ء فی مسألة وقوع الحدث فی أثناء الغسل (5) ، فما لم یتحقق من الغسل شی ء لا یصیر الماء مستعملا فیه ، فتدبر.

قوله : وهو غیر جید. ( 1 : 128 ).

الظاهر أن مرادهم أن السؤر المبحوث عنه فی کتب الفقهاء فی المقام هو ماء قلیل باشره جسم حیوان ، وربما یظهر ذلک من کتب الفقهاء فی فتاویهم واستدلالاتهم ، بل ومن بعض أدلتهم ، مثل موثقة العیص بن القاسم : قال : سألت الصادق علیه السلام عن سؤر الحائض ، قال : « توضأ منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا کانت مأمونة ، وتغسل یدها قبل أن یدخلها

الأسئار

تعریف السؤر

ص: 194


1- الوسائل 1 : 148 أبواب الماء المطلق ب 7.
2- التهذیب 1 : 378 / 1170 ، الوسائل 1 : 148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1.
3- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.
4- الکافی 3 : 14 / 3 ، التهذیب 1 : 378 / 1169 ، الوسائل 1 : 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8.
5- یأتی فی ص 345.

الإناء ، وقد کان رسول الله صلی الله علیه و آله یغتسل هو وعائشة فی إناء واحد » (1) ، فتأمل ذلک وغیر ذلک.

قوله : فی التعلیل إشعار. ( 1 : 131 ).

أقول : وإیماء إلی أن الأمر فی السباع لیس کذلک ، فلعله الکراهة ، کما یظهر من أخبار متعددة وسنشیر إلیها.

قوله : وضعفها بالإرسال. ( 1 : 131 ).

فیه ما عرفت مرارا من أنه لا بأس بالتسامح فی أمثال المقام.

ویؤیده أیضا ما رواه الکلینی بسند لا یقصر عن الصحیح - بل فی الحقیقة صحیح - عن الصادق علیه السلام : قال : « لا بأس أن یتوضأ مما یشرب منه ما یؤکل لحمه » (2).

وما رواه فی الموثق عن سماعة ، قال : سألته هل یشرب من سؤر شی ء من الدواب ویتوضأ منه؟ فقال : « أما الإبل والبقر والغنم فلا بأس » (3).

وما رواه الشیخ بسنده عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، وما رواه الصدوق عنه علیه السلام : أنه قال : « کل شی ء یجترّ فسؤره حلال ولعابه حلال » (4).

کراهة سؤر الجلال وما أکل الجیف

ص: 195


1- الکافی 3 : 10 / 2 ، التهذیب 1 : 222 / 633 ، الاستبصار 1 : 17 / 31 ، الوسائل 1 : 234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1 ، بتفاوت یسیر.
2- الکافی 3 : 9 / 1 ، الوسائل 1 : 231 أبواب الأسآر ب 5 ح 1.
3- الکافی 3 : 9 / 3 ، الوسائل 1 : 232 أبواب الأسآر ب 5 ح 3.
4- التهذیب 1 : 228 / 658 ، الفقیه 1 : 8 / 9 ، الوسائل 1 : 232 أبواب الأسآر ب 5 ح 5. وقوله : یجترّ هو من الاجترار ، وهو أن یجرّ البعیر من الکرش ما أکل إلی الفم فیمضغه مرة ثانیة ( مجمع البحرین 3 : 244 ).

وموثقة عمار الآتیة ، ورواه الشیخ فی الموثق ، والصدوق - رحمه الله - عنه عن الصادق علیه السلام : أنه قال : « کل ما یؤکل لحمه فلیتوضأ من سؤره ویشرب » (1) ، ( بل ربما یحصل الدلالة بملاحظة تعاضد الأخبار الکثیرة ، فتأمّل ) (2) ، لکن الطیر مستثنی فیها.

قوله : فی کتابی الأخبار. ( 1 : 131 ).

فی ظهور ذلک منه نظر ، کیف وظهر منه خلاف ذلک فی مواضع متعددة ، هذا علی فرض أن یکون یظهر منه ( فی الکتابین ) (3) فی أمثال هذه المواضع مذهب ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فإن الأدلة علی ذلک. ( 1 : 132 ).

الأدلة هی آیة ( إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ) (4) ، وآیة ( فَلَوْ لا نَفَرَ ) (5) ، والإجماع وانسداد باب العلم.

والأولی موقوفة علی حجیة مفهوم الصفة ، أو کون المفهوم مفهوم الشرط ، وموقوفة علی عموم المفهوم ، والأخیر غیر مسلم عند الشارح.

والثانیة موقوفة علی کون ما نحن فیه داخلا فی التفقه ، إذ لا کلام فی رجوع العامی إلی الفقیه ، والفقاهة تتفاوت فی الأزمنة بحسب الحاجة إلی الشروط ، وبحسب العلم والظن.

والدلیل الرابع لعل المحقق لا یرضی به ، لتوقفه علی انسداد باب

طهارة الأسئار إلاّ سؤر نجس العین

ص: 196


1- الفقیه 1 : 10 / 18 ، التهذیب 1 : 284 / 832 ، الوسائل 1 : 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » « ج » « د » « ه ».
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » « ج » « د » « ه ».
4- الحجرات : 6.
5- التوبة : 122.

العلم.

والإجماع علی حجیة خبر الواحد موجود ، ولعل مراده من عمل الأصحاب هو الإجماع ، لأنه ربما یقرره به ، وربما یصرح بأن دلیل حجیة خبر الواحد هو الإجماع والتتبع الکاشف عن أن الشیعة کما کانوا یعملون بأخبار العدول کذلک یعملون بأخبار هؤلاء ، لکنه ربما کان فی موضع آخر - ردا علی الشیخ القائل بحجیة هذا الإجماع - صرح بعدم معلومیة عمل الأصحاب بأخبار هؤلاء کما ذکره الشارح ، لکن تجدد الرأی من المحقق وأمثاله غیر عزیز ، مع أنه یحتمل أن یرید من هؤلاء رواة الروایتین ، علی بعد ، فتأمّل.

قوله : کما قرره. ( 1 : 132 ).

ما قرره أنه لیس بحجة فی نفسه ، أما أنه لا یصیر منشأ لحجیة الخبر فلا ، قال الصادق علیه السلام : « خذ بما اشتهر بین أصحابک » (1) ، فتدبر.

وأیضا : الظاهر أنه نوع تثبت بل أقوی أنواعه.

قوله : والقرائن. ( 1 : 132 ).

هی قرائن علی حقیة الخبر فکیف یستغنی عنه.

قوله : وإلاّ فلا فائدة. ( 1 : 132 ).

فیه : أنّ الفائدة حصول الوثوق.

قوله : التعبد به. ( 1 : 133 ).

لم یقل : إنّ التعبد محال ، بل قال : العقل یمنع من حیث إنّه یحتمل الخطاء ، فربما کان الخطاء أمرا لا یرضی به العقل أو الشرع ، فیحصل من

ص: 197


1- عوالی اللئالی 4 : 133 / 229 ، مستدرک الوسائل 17 : 303 أبواب صفات القاضی ب 9 ح 2.

الشارع ضرر ، ولا یرضی به العقل أیضا ، فتأمّل.

قوله : بروایة هؤلاء. ( 1 : 133 ).

لعل مراده بروایة هؤلاء فی موارد خاصة لا مطلقا ، وإن کان خلاف الظاهر ، صونا لکلامه عن التنافی ، فتأمّل.

قوله : من السباع طهارتها. ( 1 : 133 ).

غایة ما یظهر منها أنها لا ینجس الغیر بمجرد زوال العین ، إلاّ أن ینضم إلیه أن المتنجس ینجس قطعا فی کل موضع ، لکن الظاهر أنه لا دلیل علی هذه الکلیة سوی الإجماع ، وقد مر عن الشیخ الخلاف فی بعض الموارد ، إلاّ أن یقال : إنّهم فی هذا الموضع متفقون ، أو إنّ الشیخ خارج معلوم النسب ، فتأمّل.

قوله : لأنها لا تکاد تنفک. ( 1 : 133 ).

لا یخفی أن الفأرة تبول وتروث قطعا بالبدیهة ، ومع ذلک فی أخبار کثیرة أنها إذا وقعت فی دهن أو غیره ثم خرجت حیة فهی لا تنجس الدهن وأمثاله (1) ، فتدبر.

قوله : إلی الفرد النادر. ( 1 : 133 ).

مضافا إلی أن ترک الاستفصال فی أمثال هذه المقامات یفید العموم ، ویدل علیه موثقة عمار أنه سأل الصادق علیه السلام عن ماء تشرب منه الدجاجة ، قال : « إن کان فی منقارها قذر لم یتوضأ منه ولم یشرب ، وإن کان لم یعلم أن فی منقارها قذرا فتوضأ منه واشرب » إلی أن قال : وعن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب (2) ، إلی آخر الحدیث ، وقد مرّ آنفا ، فتدبر.

ص: 198


1- انظر الوسائل 1 : 238 أبواب الأسآر ب 9.
2- الغیبة 1 : 10 / 18 ، التهذیب 1 : 284 / 832 ، بتفاوت یسیر ، الوسائل 1 : 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

قوله : للأصل وعدم ثبوت. ( 1 : 134 ).

بناء علی عدم حجیته الاستصحاب ، وعدم إطلاق یشمل صورة الزوال ، إلا أن الأول خلاف ظاهر الأصحاب فی أمثال المقامات ، والثانی خلاف طریقته ، کما عرفت سابقا ، فلیتأمل. والظاهر أن دلیلهم هو ما ذکره بقوله مقتضی الأخبار

قوله : وهو مشکل

إن کان وجه الإشکال استصحاب الحکم بالنجاسة أو الإطلاق ، والإطلاق شامل لهذا الحال ، فیتوجه علیه أن الحال فی غیر الآدمی أیضا کذلک ، مع أنک استندت هناک بالأصل ، وإلاّ فلا وجه للإشکال هنا أیضا ، فتأمّل.

قوله : لنا أن فیه جمعا. ( 1 : 134 ).

ورد فی بعض الأخبار عبارة « لا أحب » (1) ، وهی ظاهرة فی الکراهة.

قوله : ویشهد لما ذکرناه. ( 1 : 135 ).

جعلها شاهدة لا حجة لیس من جهة السند ، لأن الأخبار السابقة لیست بصحاح ، بل من حیث الدلالة ، فإنّ فضل الوضوء مغایر للسؤر.

ولکن یتوجه علیه أنه - رحمه الله - لا یعمل بالأخبار الموثقة ، مع أنّ موثقة عنبسة لیست بموثقة ، بل هی موثقة إلی عنبسة ، وهو ضعیف ، ولا یسامح فی أدلة السنن وغیرها ، وبعد تسلیم العمل والحجیة لا وجه لما ذکر من الجمع ، لأن موثقة العیص مضطربة ، بل الظاهر أن ما فی الکافی أصح عبارة ، مضافا إلی أن الکلینی أضبط ، کما لا یخفی علی المطلع.

ویؤیده أن فی التهذیب نقلها مرة أخری بذلک السند موافقا للکافی ،

کراهة سؤر الحائض غیر المأمونة

ص: 199


1- التهذیب 1 : 222 / 637 ، الوسائل 1 : 238 أبواب الأسآر ب 8 ح 8.

علی ما قیل (1) ، وبعد اللتیا والتی لا یظهر منها القید أصلا. وموثقة ابن یقطین ظهر حالها ، مضافا إلی أن المقید لا بدّ أن یکون أقوی من المطلق حتی یقدم علیه ، وفی المقام الأمر بالعکس ، لأنه أضعف دلالة ، بل وسندا أیضا ، لأن ما فی الکافی یقرب من الصحة ، مضافا إلی أنه یظهر منها أن القید غیر معتبر فی الحائض بل معتبر فی الجنب ، فتدبر.

مع أن روایة الحسین وردت بطریقین : أحدهما صحیح إلی الحسین ، والآخر موثق کالصحیح ، والحسین من الأجلة ، وربما یعد من الثقات. نعم موثقة ابن یقطین علی ما فی التهذیب لیس فیها لفظ الوضوء ، فالظاهر منها السؤر أو ما یشمله.

لکن الظاهر من بعض الأخبار اتحاد حکم السؤر وفضله فی الطهارة ، حیث استشهد فیه لعدم البأس عن سؤر الحائض بأن رسول الله صلی الله علیه و آله وعائشة اغتسلا من إناء واحد (2) ، بل ربما یشعر هذا بأن السؤر فی المقام هو ما باشره جسم حیوان ، کما عرّفه الشهید - رحمه الله - ومن تأخر عنه (3) ، مضافا إلی ملاحظة حال الفقهاء فی هذا المقام فی فتاویهم واستدلالاتهم ، فتأمّل.

وفی البیان ألحق بالحائض المتهمة کل متهم ، واختاره الشهید الثانی وغیره من بعض المتأخرین (4) ، ولا بدّ من تأمّل ، لا (5) ما ذکره الشارح من أنه غیر جید ، فتأمّل.

ص: 200


1- لم نعثر علی نقلها فی التهذیب ولا علی قائله.
2- راجع ص 195.
3- انظر المدارک 1 : 128.
4- البیان : 101 ، الروضة 1 : 47 ، کشف اللثام 1 : 31.
5- فی « و » : إلی.

قوله : فی ضمن من لا یعلم. ( 1 : 136 ).

عد من لا یعلم حالها فی جملة غیر المأمونة ربما یکون محل تأمل بملاحظة طریقة الشرع ، فتأمّل.

قوله : نحن نطالبهم. ( 1 : 136 ).

قد مرّ ما یتعلق بالمقام (1).

قوله : فانضحه بالماء. ( 1 : 137 ).

ربما یظهر منه الکراهة لا أقل ، وأمّا النجاسة فلا ، لمعارضة أخبار أخر دالة علی الطهارة.

قوله : والأظهر عدم الکراهة. ( 1 : 137 ).

هذا مخالف لما اختاره من أن السؤر بقیة المشروب ، ومع ذلک ما سیجی ء منه فی العقرب والوزغ ، مع أن الکراهة من حیث الطب ربما تدل علی کراهة سؤر الحیة أیضا ، سیما إذا کان المراد من السؤر البقیة.

ومستند الشیخ وأتباعه روایة أبی بصیر : عن حیة دخلت حبّا فیه ماء فخرجت منه ، قال : « إن وجد ماء غیره فلیهرقه » (2) ، ومثل هذا الحدیث حجة عندهم سیما مع تسامحهم فی أدلة السنن ، فتأمّل.

قوله : بکراهة سؤرها. ( 1 : 138 ).

أقول : المعنی بذلک والمنصوص هو ما مات فیه أحدهما ، وهو غیر السؤر قطعا ، وإن قلنا بأن السؤر ما باشره جسم حیوان ، لأن الموت فیه أمر زائد علی ذلک.

حکم سؤر البغال والحمیر والفأرة

حکم سؤر الحیّة وحکم ما مات فیه الوزع والعقرب

ص: 201


1- راجع ص 195.
2- الکافی 3 : 73 / 15 ، التهذیب 1 : 413 / 1302 ، الاستبصار 1 : 25 / 63 ، الوسائل 1 : 239 أبواب الأسآر ب 9 ح 3 ، باختلاف یسیر.

ومن ذلک ظهر أنه لا معارضة بین ما ورد من النهی منه وصحیحة علی ابن جعفر ، بل ربما یشعر بأن حالة الموت غیر حالة الحیاة ، حیث قید مثل علی بن جعفر الفقیه بعدم الموت وأقرّه المعصوم علیه السلام ، ولم یقل : لا فرق بین ما قیدته وغیره ، فإنهم ربما یعتبرون مفهوم مثل هذا ، مثل ما رواه علی بن جعفر فی العصیر الزبیبی الذی غلی حتی ذهب ثلثاه (1) ، فتأمّل.

قوله : موضع وفاق. ( 1 : 138 ).

أقول : فی هذا الکلام أیضا إشعار بأن الشارح نسب ابن أبی عقیل إلی مخالفة الإجماع ، کما مر فی بحث أنّ القلیل ینفعل بالملاقاة (2) ، فتأمّل.

قوله : لا یکاد یدرکه. ( 1 : 139 ).

أقول : حمل کلام الشیخ والروایة علی ذلک علی تقدیر شمولها لا یخلو من إشکال ، لأن الظاهر منها عدم الدرک مطلقا ، فلعله یصل من غایة الصغر إلی حد لم یدرکه البصر فی الماء ، وإن کان له لون.

هذا مع أن مفروض المسألة أن الطرف لم یدرکه مع العلم بالدخول فی الماء ، وان کان الفرض فی غایة البعد ، فتأمّل.

قوله : کما فی الإنائین المشتبهین. ( 1 : 140 ).

لا یخفی أن منشأ وجوب اجتناب الإنائین هو القطع بوجوب اجتناب أحدهما ، وانه لا یتم إلاّ باجتنابهما معا ، بالتقریر الذی مر ، وما نحن فیه غیر معلوم أنّه من قبیل الإنائین ، لأن نجاسة الظرف ووجوب اجتنابه قطعی علی

حکم ما لا یدرکه الطرف من الدم

ص: 202


1- الکافی 6 : 421 / 10 ، الوسائل 25 : 295 أبواب الأشربة المحرمة ب 8 ح 2.
2- مدارک الأحکام 1 : 38.

أیّ تقدیر ، فوجوب اجتنابه بخصوصه قطعی ، والتکلیف به یقینی ، والأصل عدم زیادة التکلیف. وغیر معلوم أن بعد تحقق هذا التکلیف الیقینی یبقی تکلیف آخر غیره ویکون زائدا عنه ، حتی یقال إنّه لا یتم هذا التکلیف الزائد إلاّ باجتناب الماء والإناء معا ، فیکون هناک ثلاثة تکالیف : أحدها بالأصالة وبالخصوص ، والثانی بالأصالة لا بالخصوص ، والثالث من باب المقدمة ، فتدبر.

قوله : لما لم یکن. ( 1 : 140 ).

أقول : یعنی أن السائل لم یسأل إلاّ عن العلم بالوصول إلی الإناء ، أعنی القدر المشترک بین الوصول إلی الماء والظرف ، أما العلم بالوصول إلی خصوص الماء فلم یتعرض له أصلا ، فالجواب إنّما هو بالنسبة إلی الذی سأل الراوی لا الذی لم یسأل ، مع أن الأصل عدمه.

وجواب المعصوم وإن کان مطلقا ، والمطلق یرجع فی الأحکام الشرعیة إلی العموم ، والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل ، إلاّ أن المطلق ینصرف إلی الغالب الشائع المتعارف ، والغالب أنّه إذا وقع الدم فی الماء یدرکه البصر ، وإذا لم یدرکه لم یکن واقعا فی الماء ، لشدة حمرة الدم وصفاء لون الماء ، والدم الذی یعلم وقوعه فی الماء ولا یدرکه البصر علی فرض وجوده یکون نادرا ، وحمل المطلق وصرفه إلی ما یعم الفروض النادرة فیه ما فیه.

ومما ذکرنا ظهر ما فی قول الشارح : ولقائل أن یقول.

قوله : ولقائل أن یقول. ( 1 : 140 ).

أقول : لو تم ما ذکره أوّلا لم یبق لهذا القول مجال ، وإلاّ فلا وجه للجواب الأول ، والحق أنه بملاحظة الأخبار الدالة علی انفعال القلیل

ص: 203

بالملاقاة ، والأخبار الدالة علی نجاسة النجاسات ومنجسیتها من دون فرق بین الصغیرة والکبیرة ، وکذا أقوال الفقهاء وطریقة الشرع فی عدم القول بالفصل فی أمثال المقام جمیعا غیر هذا الموضع ، یترجح ما قال أولا ، ویبعد ما قال ثانیا.

وبالجملة : لیس دلالتها علی حسب ما ذکره بحیث یقاوم ما أشرنا إلیه ویغلب علیه ، فالأقوی القول بالنجاسة ، کما هو أحوط. هذا علی تسلیم دلالتها ، وقد عرفت الکلام فیها.

قوله : ومقتضی الروایة أن الریح. ( 1 : 142 ).

أقول : یمکن أن تکون محمولة علی الوسواس ، بقرینة الروایة السابقة وغیرها ، وأفهام الفقهاء والإجماع الظاهر من کلامهم وفتاویهم وعدم نقل خلاف أصلا. مع غایة ظهور الأخبار فی العموم ، منه روایة زرارة الصحیحة التی سنذکرها فی بحث ناقضیة النوم (1) ، والروایة التی سنذکرها عن العلل فی بحث ناقضیة الجنون والسکر (2) ، فتدبر.

مع أن القیدین ربما واردین مورد الغالب وخارجین مخرجه ، فلا عبرة بمفهومهما. أو یکون الفائدة ثبوت خروج الریح وتیقنه وعدم کفایة المظنة فی المقام. مع أن الشارح لا یقول بحجیة مفهوم القید حتی یتحقق المعارضة بین هذه الروایة وغیرها من العمومات والإطلاقات. مع أنه علی تقدیر حجیة مثل هذا المفهوم ففی مقاومته للمنطوقات من العمومات والإطلاقات المطابقة لفتاوی الأصحاب نظر. وکون ما نحن فیه مفهوم الحصر محل نظر بعد ملاحظة ما ذکرناه ، فتأمّل.

نواقض الوضوء

خروج البول والغائط والریح

ص: 204


1- انظر ص 207.
2- انظر ص 209.

مع أن الأحوط مراعاة فتوی الأصحاب إلاّ فی صورة عدم وجدان الطهور.

وفی الفقه الرضوی : « فإن شککت فی ریح أنها خرجت منک فلا تنقض من أجلها الوضوء ، إلاّ أن تسمع صوتها أو نجد ریحها ، وإن استیقنت أنها خرجت منک فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع ، وشممت ریحها أو لم تشم » (1). انتهی ، وهذه مع قوتها فی نفسها ومطابقتها لفتاوی الأصحاب والعمومات والإطلاقات صریحة الدلالة ، فلا یعارضها الروایتان ، لاحتمال ما ذکرناه ، أو أن المراد ما من شأنه أن یسمع ویشم ، للعلة المذکورة ، فتأمّل.

قوله : بإطلاقها. ( 1 : 144 ).

أقول : الاعتماد إنما هو علی الوفاق ، وإلاّ فالإطلاق محمول علی الشائع المتعارف ، کما صرح به مرارا ، فتدبر.

قوله : وفیه نظر. ( 1 : 145 ).

وسیجی ء منا کلام ، فلاحظ.

قوله : ونقل عن أبیه. ( 1 : 145 ).

لکن ( الشیخ ادعی فی التهذیب إجماع المسلمین علی ناقضیة النوم فی الجملة (2) ، والصدوق (3) ذکر فی الأمالی (4) : أن من دین الإمامیة الإقرار بأنه لا ینقض الوضوء إلاّ ما خرج من الطرفین من بول أو غائط أو ریح أو منی ، والنوم الغالب علی الحاستین : السمع والبصر ، ومزیل العقل (5) ، انتهی.

النوم الغالب علی الحاستین

ص: 205


1- فقه الرضا « ع » : 67 ، المستدرک 1 : 227 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.
2- التهذیب 1 : 5.
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
4- کما فی « ه » ، وفی سائر النسخ : الخصال.
5- أمالی الصدوق : 514.

ومنه یظهر عدم الخلاف منه ولا من أبیه ، کما لا یخفی علی من لاحظ ما ذکره فی الأمالی (1) وما ذکره فی دیباجة الفقیه (2) ، واعتقاده بالنسبة إلی فتاوی أبیه.

( وینادی لما ذکرنا من أن الصدوق - رحمه الله - معتقد بأن النوم المذهب للعقل ناقض أنه قال فی الفقیه أیضا : باب ما ینقض الوضوء : سأل زرارة أبا جعفر وأبا عبد الله علیهماالسلام عما ینقض الوضوء - إلی أن قال - : « والنوم حتی یذهب العقل » ثم قال بلا فصل : « ولا ینقض الوضوء ما سوی ذلک من القی ء » (3) ، إلی آخر ما قال ، ثم ذکر الخبرین المذکورین ، فغایة ما یظهر منه أنه جعل مضمونها من جملة ما سوی ذلک ، نظیر القی ء والقلس وغیره ) (4).

وربما یظهر منه الخلاف فی کون السمع أعم الحواس ، مع تأمّل فیه أیضا ، إذ ربما یعتقد أن السمع حینئذ یکون باقیا ، وعلی تقدیر التسلیم لا یکون الخلاف حینئذ منحصرا فیه ، بل الشارح أیضا مخالف ، وکذا غیره ممن اعتبر ذهاب العقل وعبر الناقض بمذهب العقل ، منهم الشیخ ، فإنّه حمل الخبرین علی نوم لا یغلب العقل ، ونفی عنه البعد فی الذخیرة (5) ، لأنّه الغالب فی حال القعود. واستشهد الشیخ لحمله بما رواه عن الکنانی عن الصادق علیه السلام : الرجل یخفق فی الصلاة ، فقال : « إن کان لا یحفظ حدثا منه - إن کان - فعلیه الوضوء وإعادة الصلاة ، وان کان یستیقن أنه لم یحدث

ص: 206


1- فی النسخ : الخصال ، والصحیح ما أثبتناه.
2- الفقیه 1 : 3.
3- الفقیه 1 : 37.
4- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
5- الذخیرة : 14.

فلیس علیه الوضوء والإعادة » (1) ، لکن الحمل علی التقیة لعله أولی.

والظاهر عدم الخلاف بین من جعل الحد ذهاب العقل ، ومن جعله ذهاب السمع والبصر ، کما سنذکر ، فتأمّل.

قوله : لجواز أن یراد بعضها. ( 1 : 147 ).

إن أراد بعضها بعنوان الخصوص فهو خلاف ما یظهر من الخبر ، کما سیعترف به ، وإن أراد لا بالخصوص فهو متحقق فی النوم.

والحاصل : کما أن الحدث طبیعة کلیة کذلک فرد من الحدث أیضا طبیعة کلیة ، والمستفاد من الخبر هو هذا ، وهذا ربما یرجع إلی المحصورة بنوع من الاعتبار ، ویصیر قضیة کلیة ، فیرجع إلی ما ذکره الشارح بقوله :

ویمکن أن یقال. ، وربما لا یرجع إلی المحصورة ، بل یقال : إنّ المستفاد أن الناقض وما هو سبب النقض کونه فردا من الحدث ، وهذا موجود فی النوم أیضا ، إذ خصوصیات الأفراد لیست فردا من الحدث ، فلا مدخل لها فی العلة ، لأصالة عدم مدخلیتها. مع أن الحکم المعلق علی الفرد ربما کان من جهة الطبیعة من حیث هی ، فیرجع إلی ما ذکره العلامة - رحمه الله - بنوع من التوجیه ، فتأمّل.

قوله : واعلم أن المستفاد. ( 1 : 148 ).

فیه : أن المستفاد من معتبرة اخری تعلیق الحکم بذهاب السمع ، مثل صحیحة معمر بن خلاد الآتیة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما ینقض الوضوء؟ فقال : « ما یخرج من طرفیک الأسفلین من الذکر والدبر من الغائط والبول أو منی أو ریح ، والنوم

ص: 207


1- التهذیب 1 : 7 / 8 ، الاستبصار 80 / 250 ، الوسائل 1 : 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 6. بتفاوت یسیر.

حتی یذهب العقل ، وکل النوم یکره إلاّ أن یکون یسمع الصوت » (1).

ومنه یظهر وجه الجمع أیضا ، فإن ذهاب العقل یظهر من ذهاب السمع ، مضافا إلی أن ذهاب العقل یحتاج معرفته إلی معرف عند عامة الناس.

ومما یدل علی اعتبار ذهاب السمع الموثق کالصحیح عن ابن بکیر ، وهذا هو الذی احتج به الشارح فی المقام ، إذ فی آخره : قلت : ینقض النوم الوضوء؟ قال : « نعم إذا کان یغلب علی السمع ولا یسمع الصوت ».

وما رواه الکلینی - رحمه الله - بسنده الصحیح عنده ، والضعیف عند المشهور ، عن سعد ، عن الصادق علیه السلام : قال : « أذنان وعینان ، تنام العینان ولا تنام الأذنان ، وذلک لا ینقض الوضوء ، فإذا نامت العینان والأذنان انتقض الوضوء » (2).

وفی الصحیح عن زرارة ، قال : « یا زرارة ، قد تنام العین ولا ینام القلب والأذن ، فإذا نامت العین والأذن والقلب وجب الوضوء » (3) ، وفی قوله : « قد تنام العین ولا ینام القلب والأذن » شهادة واضحة علی أن الأذن والقلب متلازمان. ثم قال : قلت : فإن حرک شی ء علی جنبه ولم یعلم به؟ قال : « لا حتی یستیقن أنه قد نام ، حتی یجی ء من ذلک أمر بین ، وإلاّ فإنّه علی یقین من وضوئه ، ولا ینقض الیقین بالشک ، ولکنه ینقضه بیقین آخر » ، وفیه دلالة علی ما سینقله عن التذکرة ، ویدل علیه أخبار أخر أیضا.

ویدل علی تعلیق الحکم بالسمع الإجماع الذی ظهر من کلام

ص: 208


1- التهذیب 1 : 9 / 15 ، الوسائل 1 : 249 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 2. وفیهما عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام وبتفاوت یسیر.
2- الکافی 3 : 37 / 16 ، الوسائل 1 : 247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 8.
3- التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

الصدوق - رحمه الله - فی أمالیه ، کما مر (1). وأما ذکر الفقهاء البصر أیضا فلبنائه علی أن النوم أولا وبالذات یتعلق بالبصر فیصیر مقهورا بأدنی نوم ، فالمعتبر هو السمع ، لأن النوم بغیر مغلوبیة البصر لا یتحقق ، فتدبر.

قوله : بالإغماء والسکر بطریق أولی. ( 1 : 149 ).

أقول : الظاهر أن مستنده واعتماده علی فتاوی الأصحاب والإجماع المنقول ، وما مر عن الصدوق فی کتاب الأمالی أن من دین الإمامیة أن مذهب العقل ناقض مطلقا ، وإلاّ فمثل هذا القیاس بطریق أولی غیر حجة عند غیره فضلا عنه ، إذ الظاهر منه ومن غیره ومن الأخبار أن النوم فی نفسه حدث لا من جهة احتمال الحدث ، مع أن احتمال الحدث غیر ناقض بالوفاق والنصوص ، ومنها ما مر فی خصوص النوم ، مع أن الأولویة أیضا موضع نظر ظاهر ، سیما بالنسبة إلی کثیر من أفراد السکر بل أکثرها وبعض أفراد الإغماء.

نعم ، روی فی عیون أخبار الرضا علیه السلام فی جملة علل الفضل : فإن قال : فلم وجب الوضوء ممّا خرج من الطرفین خاصة ومن النوم دون سائر الأشیاء ، قیل - إلی أن قال : - وأمّا النوم فإن النائم إذا غلب علیه النوم ینفتح کل شی ء منه ، وکان أغلب الأشیاء فی الخروج عنه الریح ، فیجب علیه الوضوء لهذه العلة (2) ، ویؤیده روایة الکنانی التی ذکرناها عند قول المصنف : والنوم الغالب علی الحاستین (3) ، وکذا ما ورد فی الأخبار من قولهم علیهم السلام :

ما أزال العقل من الجنون والإغماء

ص: 209


1- راجع ص 205.
2- عیون أخبار الرضا « ع » 2 : 103 ، الوسائل 1 : 255 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 13 ، بتفاوت یسیر.
3- راجع ص 205 ، 205.

« والنوم حتی یذهب العقل » وما یؤدی مؤدّاه ) مما مر ، فتأمّل. ویمکن أن یکون استدلال الشارح (1) أیضا راجعا إلی هذا ، فتأمّل.

قوله : ومن المذی. ( 1 : 151 ).

أقول : قال ابن الجنید : المذی علی قسمین قسم بحسب الخلقة ، وقسم عقیب الشهوة (2).

قوله : فأمرنی بالوضوء. ( 1 : 151 ).

أقول : هذه الروایة بحسب ظاهرها تشیر إلی عدم اشتراط قصد الوجوب أو الندب ، أو أنه لا یضر إتیان المستحب بقصد الوجوب. ویمکن أن یکون المراد من الوضوء معناه اللغوی ، فلا یکون فیه إشارة ، لکن فیه بعد.

قوله : یحکم علی المطلق. ( 1 : 152 ).

أقول : فیه : أن تحقق المذی من غیر شهوة غیر ظاهر ، وعلی تسلیمه ففی غایة الندرة ، وحمل المطلقات الکثیرة المخالفة لمذهب العامة (3) علی الفروض النادرة فیه ما فیه ، سیما مثل هذا الخبر الموافق لمذهب العامة. مع أن الراوی علی بن یقطین ، والمناسب بالنسبة إلیه الاتقاء.

مع أن روایات الکاظم علیه السلام أقرب إلی التقیة من روایات الباقر والصادق علیهماالسلام ، کما حققنا ، وسیجی ء فی بحث الجهر والإخفات فی القراءة وغیره (4) ، بل ومثل الرضا علیه السلام ومن بعده أیضا.

عد ناقضیة المذی

ص: 210


1- کما فی « و » ، وفی سائر النسخ : الشیخ.
2- حکاه عنه فی المختلف 1 : 304.
3- انظر المغنی والشرح الکبیر 1 : 191 ، 194 ، ونیل الأوطار 1 : 62.
4- یأتی فی ج 3 : 53 - 57.

مع أن المطلقات أوفق للإطلاقات والعمومات ، مع أن روایة ابن أبی عمیر عندنا صحیحة ، سیما مثل هذه ، بل وأصح من کثیر من الصحاح ، لأنها أقوی منها بمراتب. والاعتماد عندی وعند المتأخرین والقدماء علی الاعتداد والاعتماد والوثوق ، کما أثبتناه فی تعلیقاتنا علی رجال المیرزا (1).

نعم ، العدالة عندهم طریقة اعتماد علی سبیل القاعدة.

هذا مع ما عرفت من فتاوی الأصحاب ، ونقل علیه الإجماع.

وحمل هذه الأخبار علی الشهوة الزائدة یوجب الخروج عن ظاهرها ، وظاهرها هو الحجة ، مع أن ابن الجنید لا یقول بهذا ، کما أشرنا ، فتأمّل.

وفی صحیحة یعقوب بن یقطین عن الکاظم علیه السلام : « أن المذی منه الوضوء ، خرج بشهوة أو غیر شهوة (2) ، وحمل علی الاستحباب أو التقیة أو التعجب ، وخیرها أوسطها.

قوله : وهو غیر ناقض. ( 1 : 152 ).

إذا حصل قبل الوضوء استبراء ، جمعا بین هذه الروایات وصحیحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام : « إنّ الودی منه الوضوء لأنه یخرج من دریرة البول ، والمذی لیس فیه وضوء ، إنّما هو بمنزلة النخامة » (3) ، وغیرها من الأخبار المرویة فی الاستبراء وحکمه (4) ، وسیجی ء تمام الکلام فیه

عدم ناقضیة الودی

ص: 211


1- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 275.
2- التهذیب 1 : 21 / 53 ، الاستبصار 1 : 95 / 306 ، الوسائل 1 : 281 أبواب نواقض الوضوء ، ب 12 ح 16 ، بتفاوت فی العبارة.
3- التهذیب 1 : 20 / 49 ، الاستبصار 1 : 94 / 302 ، الوسائل 1 : 281 أبواب نواقض الوضوء ، ب 12 ح 14 ، بتفاوت یسیر.
4- انظر الوسائل 1 : 282 أبواب نواقض الوضوء ب 13 و 1 : 320 أبواب أحکام الخلوة ب 11.

فانتظر.

قوله (1) : بروایة أبی بصیر. ( 1 : 154 ).

هذه الروایة لا تصیر مستندهما ، لأن مقتضاها أن مس الفرج ناقض لا باطن الفرج ، نعم موثقة عمار الساباطی صریحة فی مس باطن الفرجین ، فقوله : وقریب منها روایة عمار ، فیه ما فیه ، فتأمّل.

قوله : العورة عورتان. ( 1 : 156 ).

نعم ، ورد فی بعض الأخبار (2) أنهم علیهم السلام کانوا یستترون من السرة إلی الرکبة فی الحمام وحال التنوّر ، وأمروا الراوی أن یفعل کذلک ، وحمل علی الاستحباب ، ولا شک فی أولویته ، لأنه أقرب إلی الحیاء ، بل والمروءة أیضا.

قوله : وهذه الأخبار کلها. ( 1 : 158 ).

هذا الإیراد غیر متوجه علی القدماء ، لأنّ الصحیح عندهم لیس هو الصحیح عند المتأخرین ، فأما المتأخرون فالظاهر منهم اشتهار الفتوی بالتحریم بین الفقهاء ، والشهرة عندهم جابرة للضعف ، مع أن الشارح لا یتسامح فی أدلة السنن والمکروهات ، فلا وجه للحمل عنده أیضا.

وأما إشعار الروایتین ففیه أیضا إشکال ، لأن ذکر الواجب فی جملة المستحبات ، والمکروه فی المحرمات ، فی الآیات والأخبار من الشیوع بمکان لعله لا یکاد یقبل الإحصاء ، مثل ما ورد فی تکبیرات الصلاة ، وذکر الرکوع والسجود. وکذا بالنسبة إلی باقی أفعال الصلاة ، وکذا الزکاة والصوم

عدم ناقضیة مسّ الذکر والدُبر والقبل

أحکام الخلوة

وجوب ستر العورة

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّی

ص: 212


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « ب » و « ج » و « د ».
2- الکافی 6 : 501 / 22 ، الوسائل 2 : 35 أبواب آداب الحمام ب 5 ح 1 ، و 2 : 67 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 1.

والحج والغسل وغیر ذلک ، بل کثیرا ما ورد الواجب والمستحب بلفظ واحد ، مثل : « کبر سبع تکبیرات » (1) ، و « سبح ثلاث تسبیحات » (2) ، و « صلّوا کما رأیتمونی أصلی » (3) ، وغیر ذلک ، فتأمّل.

وبالجملة : هذا الإشعار الذی ادعاه والذی ذکره بعد ذلک کونهما بحیث یفیان بحمل ما هو حقیقة فی الوجوب والحرمة علی خلافه محل نظر ، وقد تقدم الکلام فیه.

مع أن تخصیص ذکر الثواب بمن بال ناسیا ربما یکون فیه إیماء إلی أن فعل ذلک لا ینبغی أن ینسب إلی عامد ، تفخیما لقبحه ، فتأمّل.

قوله : من غیر انحراف. ( 1 : 159 ).

وإن کان مشعرا بذلک لکن لا یکفی ذلک لتخصیص العمومات ، مع أن قوله علیه السلام : إذا دخلت المخرج فی الروایة الأولی التی هی الأصل فی هذا الباب ظاهر فی البنیان.

مع أن فی الإشعار المذکور إشکالا من حیث إنّهم علیهم السلام حثوا ما حثوا وأکدوا ما أکدوا فی تعظیم القبلة فی غیر المقام فضلا عن المقام ، حتی منعوا من لبس السراویل (4) ، والجماع (5) الذی هو من المستحبات الأکیدة وغیر ذلک (6) ، وفی المقام أکدوا فی حال النسیان أیضا ، سیما بالنحو

ص: 213


1- انظر الوسائل 6 : 20 أبواب تکبیرة الإحرام ب 7.
2- الوسائل 6 : 299 أبواب الرکوع ب 4.
3- عوالی اللآلی 1 : 197 / 8 ، صحیح البخاری 1 : 162.
4- مکارم الأخلاق 1 : 226 / 663 ، الوسائل 5 : 109 أبواب أحکام الملابس ، ب 68 ح 4.
5- الوسائل 20 : 137 أبواب مقدمات النکاح ب 69.
6- مثل ما روی فی حدیث الأربعمائة : « لا یتفل المؤمن فی القبلة » الخصال : 613 ، الوسائل 6 : 352 أبواب السجود ب 7 ح 9.

الذی نبهنا علیه ، وکذا فی حال الاستنجاء أیضا ، فکیف مع جمیع ذلک کانوا یبولون ویتغوطون هم وجمیع أهالیهم وخدمهم وحشمهم مواجهین للقبلة دائما علی طریقة الاستمرار.

وحاشاهم من أن یأمروا الناس بالبر ویفعلوا خلاف ذلک ، سیّما وأن یأمروا کذلک ویفعلوا کذلک ، وکیف کانوا یقولون ما لا یفعلون؟! إلی غیر ذلک من التهدیدات والتشنیعات الکثیرة الواردة عن الله تعالی وعنهم علیهم السلام .

ولعل المنزل لم یکن منهم علیهم السلام ، بل کان نازلا فیه من جدید فی سفر أو غیره ، مثل سفر خراسان ، ویشعر لفظ المنزل بذلک. وربما کان محمّد بن إسماعیل متوهما ، والله یعلم.

قوله : فی جمیع أبواب الفقه. ( 1 : 159 ).

یظهر من الأخبار أن عدم الاستقبال والاستدبار إنما هو تعظیما للقبلة ، فکل ما ینافیه لعله داخل ، فلو کان مستقبل الشرق أو الغرب بالبدن لکن یبول أو یتغوط إلی سمت القبلة لعله منافاة التعظیم فیه تکون أزید. مع أن قوله علیه السلام : ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول فی تلک الروایة ربما یکون ظاهرا فی ما ذکره ، فتدبر. ولعل الأولی أن لا یواجه القبلة بالبدن ، ولا بالعورة ، ولا برأس الذکر حال التخلی ، والله أعلم.

قوله : فلقصور الروایة. ( 1 : 160 ).

لا یخفی أنّه لا وقع لهذا الطعن بعد ما طعن به أوّلا ، لأن الکلام مبنی علی حجیة هذا الخبر ، وأنّه إذا کان حجة یکون مقتضاه وجوب التشریق والتغریب أیضا (1) ، لا الفرق بین الأمرین وتخصیص التحریم بالاستقبال

یراد بالاستقبال والاستدبار ما هو المتعارف

استحباب التشریق أو التغریب حال التخلّی

ص: 214


1- لیس فی « ج » و « د » و « ه ».

والاستدبار ، دون عدم الکون علی المشرق والمغرب ، مع أنّک عرفت أن هذا الخبر حجة عندهم بسبب الاشتهار المذکور ، والمفید قد أفتی بمضمون هذا الخبر جزما (1) ، وإن لم یعلم أن بناءه علی الحرمة أو الکراهة ، ولعل هذا القدر کاف عند هذا المحقق ، أو اعتقد أن فتواه بعنوان الحرمة ، وعبارته قابلة.

ونسب إلی المفید القول بالتحریم بسبب هذه العبارة العلامة فی المنتهی والتذکرة ، والمحقق فی المعتبر ، والشهید فی الدروس (2) ، فتأمّل.

علی أنّه سیجی ء فی کتاب الصلاة فی مسألة فاقد العلم والظن بالقبلة ما یظهر أن اتساع القبلة یصل إلی ربع الدائرة وأزید عند الفقهاء ، وهو الظاهر من الخبر المعمول به عندهم أیضا ، فإذا کان استقبال القبلة واستدبارها حراما یلزم منه وجوب استقبال جهة المشرق والمغرب ، فإن اتساع هاتین الجهتین یکون أیضا إلی ربع الدائرة ، لعدم الفرق ، والجهات عندهم أربع ، والظاهر من کلام هذا المحقق أن مراده هو هذا.

علی أنّه سیجی ء من الشارح القول بأن اتساعها هو ما بین المشرق والمغرب (3).

فقوله : وأمّا ثالثا. فیه ما فیه.

مضافا إلی أنّ الروایة لا تأمل فی صحتها ، لأن الصدوق - رحمه الله - رواها بطریق صحیح (4).

ص: 215


1- المقنعة : 39.
2- المنتهی 1 : 39 ، التذکرة 1 : 118 ، المعتبر 1 : 122 ، الدروس 1 : 88.
3- انظر المدارک 3 : 137.
4- یعنی روایة : ما بین المشرق والمغرب قبلة.

وقوله فی الروایة : « ولکن شرقوا أو غربوا » بلفظ « لکن » الظاهر فی الاستدراک یشعر بما ذکره هذا المحقق من أن المنهی عنه هو استقبال القبلة المتسعة التی إذا انحرف عنها یصیر الإنسان مواجها للمشرق والمغرب ، فتأمّل.

وبالجملة : لا شک فی أن الأحوط هو ما ذکره هذا المحقق ، والله یعلم.

قوله : وهو قریب. ( 1 : 160 ).

فیه تأمّل ظاهر.

قوله : أجمع علماؤنا. ( 1 : 161 ).

سواء قلنا بأن الغسل منحصر بالماء ، کما هو المشهور ، أو أنه یتحقق بالماء المضاف أیضا ، کما هو رأی السید. هذا وما ذکره بعد ذلک بقوله : إذ الإجماع منعقد علی عدم طهارة المحل ، ربما یفید أن السید - رحمه الله - فی هذا المقام یقول بعدم إجزاء غیر الماء ، لکن ما تقدم فی باب المضاف یدل علی خلاف ذلک (1) ، وأنّه یکتفی بالمضاف مطلقا. وعلی هذا روایة برید ابن معاویة وغیرها حجة علیه. وقد أشرنا إلی هذا فی ذلک الباب ، فتأمّل.

ویمکن أن یکون مراده أن السید خارج عن الإجماع ، لکنه بعید.

قوله : أو أن المراد نفی کون. ( 1 : 162 ).

لا یخفی أنه إن وقع الاستبراء فلا یکون ناقضا مطلقا ، فلا حاجة إلی مسح الذکر بالریق ، ولا قول : إنّ هذا من ذاک ، وإن لم یقع الاستبراء فلا ینفع المسح والقول ، بل لا بدّ من الأمر بالاستبراء ، کما یظهر من التأمّل فی

الاستنجاء

وجوب غسل مخرج البول بالماء

ص: 216


1- انظر المدارک 1 : 112.

الأخبار الواردة فی الاستبراء (1) ، وفتاوی الفقهاء فیه. وکیف کان ، کان الأولی أن یأمره بالاستبراء بدلا عن المسح والقول.

علی أنّه لو کان مجرد المسح کافیا عن الاستبراء ویکون البناء علی التخییر بینهما لکان فی صورة وجود الماء وغسل المحل لا حاجة إلی الاستبراء أصلا ، ولا إعادة الوضوء ، ولا غسل المحل مطلقا ، إذ یکفی أن یقول : هذا من ذاک. والبناء علی أنه فی صورة الغسل لا یکفی ، وفی صورة عدم الغسل یکفی الرطوبة بدلا عن الاستبراء ، فیه ما فیه. مع أن التخییر خلاف فتوی جمیع (2) الفقهاء.

والظاهر أنّ المراد مسح غیر مخرج البول بالریق ، حتی لو أحس ببلل یقول : هذا من ذاک ، لأن الرطوبة الخارجة من الإحلیل ینجس البدن والثوب ، فیشتد ذلک علی الرجل ، فتأمّل.

والروایة دالة علی أن المتنجس ینجس ، وأن الریق لا یطهر النجاسة ، وأن غیر الماء أیضا لا یطهرها ، وأنّه لا یحصل التکلیف بالتجسس فی استکشاف تحقق النجاسة بوجود أمارة مورثة للتهمة واحتمال تحققها فیدل علی عدم وجوب معرفة حصول النجاسة والبحث والفحص عنه ، وجواز الحیلة فی منع ظهورها علی المکلف.

ومما ذکر ظهر أنّ الحمل علی التقیة أیضا غیر جید.

قوله : إلی ما ذکره. ( 1 : 162 ).

ربما یظهر ذلک من کلام الشیخین أیضا (3).

ص: 217


1- الوسائل 1 : 282 أبواب نواقض الوضوء ب 13 و 1 : 320 أبواب أحکام الخلوة ب 11.
2- لا توجد فی « و ».
3- المقنعة : 61 ، التهذیب 1 : 48 ، المبسوط 1 : 17.

قوله : وتخفیف النجاسة. ( 1 : 162 ).

نعم ، لو کان عدم التخفیف والتجفیف موجبا لنجاسة المواضع الطاهرة أمکن الحکم بالوجوب من هذه الجهة.

ونظر المحقق إلی ما روی عن الرسول صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (1).

وعن علی علیه السلام : « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، و « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (3). وهی منجبرة بالشهرة وتلقی الفحول بالقبول ، لکن الشأن فی دخول المقام فیها ، فتأمّل.

قوله : واختلف الأصحاب. ( 1 : 163 ).

فیه إشعار بأن هذه الروایة معمول بها عندهم ، فیکون ضعفها منجبرا بهذا.

قوله : مع أن راوی هذه الروایة. ( 1 : 163 ).

یعنی أنه علی تقدیر ان یکون المراد بالغسل بالمثلین الغسل مرتین - کما ادعاه هذا القائل - یتحقق التعارض بین روایتیه ، وإلا فالظاهر أن الغسل بالمثل لا یتحقق کما ذکره ، فیتعین التأویل فی هذه الروایة (4).

فیمکن أن یکون وقع الاشتباه للکتّاب بخفاء مرکز الیاء ، وکتبوه کذا سهوا من قلمهم ، أو أن المراد عدم الحاجة إلی الدلک وغیره ، بل یکفی صب الماء ، لأن البول ماء ، کما ورد هذا المضمون فی بعض الأخبار ، حیث سأله

بیان أقل ما یجزی من الماء فی إزالة البول

ص: 218


1- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، سنن البیهقی 1 : 215 ، بتفاوت یسیر.
2- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، وفیه : قال النبی صلی الله علیه و آله : « لا یترک المیسور بالمعسور ».
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 207.
4- فی هامش « ه » : أی الروایة الثانیة.

علیه السلام عن البول یصیب الجسد ، فقال : « صب علیه الماء مرتین فإنما هو ماء » (1).

أو أنه رفع توهم وجوب الجمع بین الماء والأحجار مثلا ، أو توهم انحصار الفضل فی الجمع ، بل یجزی فی الفضل أن یغسل بالماء خاصة.

أو أنّه سقط کلمة « لا » بأنه کان « لا یجزئ » موافقا لما فی روایته الأولی ، ومثله غیر عزیز فی الأخبار ، منه ما مر فی کراهة سؤر الحائض (2) ، أو أنه استفهام إنکاری ، أو أنّ المراد بالمثل ما یقاربه فی المقدار ، وهو أقل ما یتحقق به الجریان والاستیعاب ، والله یعلم.

قوله : والخروج من الخلاف. ( 1 : 164 ).

ولما ورد فی غسل البول من الجسد أنّه یصبّ علیه الماء مرّتین.

والظاهر من المصنف نقل الإجماع علی ذلک ، کما سیجی ء فی مبحث النجاسات (3) ، ولعدم قوة دلالة الإطلاقات ، ولا حسنة ابن المغیرة ، لأن فیها بعد ما ذکره الشارح منها : قلت : فإنه ینقی ما ثمة ویبقی الریح ، قال : « الریح لا ینظر إلیها » إذ بملاحظته ربما لا یبقی وثوق بشموله للبول ، مضافا إلی أن الاستنجاء لغة تطهیر مخرج النجو ، ویظهر ذلک من النص أیضا ، مثل صحیحة زرارة السابقة (4) ، ولذلک قال الشارح : ویشهد له إطلاق.

قوله : لا یوجد. ( 1 : 165 ).

کلام حق لا غبار علیه.

ص: 219


1- الکافی 3 : 55 / 1 ، التهذیب 1 : 249 / 714 ، الوسائل 3 : 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 4.
2- مدارک الأحکام 1 : 134.
3- مدارک الأحکام 2 : 336.
4- راجع ص 189.

قوله : لم یشترط الفصل قطعا. ( 1 : 165 ).

ووجهه أنّه إذا کان عوض الفصل الذی هو عدم الغسل غسلا فلا معنی لأن یکون الغسل سببا لعدم طهارة المغسول ، وعدم الغسل یصیر سببا للطهارة ، إذ غایة الأمر مساواة الغسل وعدمه فی الحکم.

قوله : دلیل علی وجود العین. ( 1 : 165 ).

غایة ما یثبت مما ذکرت وجود الأجزاء الجوهریة ، ولا یلزم منه وجود العین یعنی الغائط ، إذ لا نسلم أن کل جزء جوهری حکمی یکون مسمّی بالغائط لغة وعرفا ، بل لا نسلم کونه فی الحقیقة غائطا ، فتأمّل.

قوله : کما فی الرائحة. ( 1 : 165 ).

وهم یقولون بذلک بالنسبة إلیها.

قوله : وهو غیر واضح. ( 1 : 165 ).

ما ذکره - رحمه الله - غیر واضح ، لأن الاعتبار شاهد علی أن المسح والتنشیف وإن بولغ فیه غایة المبالغة یبقی بعد ذلک أثر لو غسل بعد ذلک بالماء یعلم بقاء هذا الأثر فیه غالبا ، ولا أقل فی بعض الموارد والأوقات فی الخلل والفرج. ومعلوم من عدم وجوب الغسل علی التعیین ، وکون البناء علی التخییر مطلقا ، أن بقاء هذا الأثر عند المسح معفو عنه مطلقا ، وأنه لو اختار الغسل لا یکفی للطهارة ذهاب القدر الذی یذهب بالمسح مع بقاء الأثر أی القدر الذی لا یذهب بالمسح أصلا ، بل ولا بدّ من ذهاب الجمیع حتی یحصل نقاء ما ثمة عرفا وعندهم ، یشیر إلی ذلک ما سنذکره من قوله صلی الله علیه و آله : « مری نساء المؤمنین یستنجین بالماء فإنه مطهرة للحواشی » (1).

ومما ذکر ظهر أن مرادهم من الأثر هو هذا المعنی لا غیر. وفی

وجوب غسل مخرج الغائط حتّی یزول العین والأثر

ص: 220


1- انظر ص 109.

المصباح المنیر : استنجیت : غسلت موضع النجو ، أو مسحته بحجر أو مدر ، والأول مأخوذ من استنجیت الشجر ، إذا قطعته من أصله ، لأن الغسل یزیل الأثر ، والثانی مأخوذ من استنجیت النخلة ، إذا التقطت رطبها ، لأن المسح لا یقطع النجاسة بل یبقی أثرها (1). انتهی.

وبالجملة : المراد بالأثر الأجزاء اللطیفة العالقة بالمحل التی لا تزول إلا بالماء ، کما قیل (2). وهو موافق لما نقله الشارح ، کما لا یخفی ، فتدبر.

ووضوح إرادة ذلک أیضا غیر خفی ، لأنهم إذا قالوا فی المقام : بقی أثره ، أو لم یذهب أثره بالمرة ، یریدون هذا. مع أن صحة المأخذ وظهور الحکم قرینة واضحة علی الإرادة ، کما أن ذلک قرینة فی سائر کلماتهم فی الفقه ، فتأمّل.

ثم إن سلار قال : حد الاستنجاء حصول الصریر فی الموضع (3) ، والظاهر أن مراده أن حصول النقاء فی الاستنجاء حده الصریر ، فإن کان نظره إلی الغالب فالأمر کما ذکره ، وإن کان مراده أنه مطلقا حده کذا فمحل نظر ظاهر ، لاختلاف المیاه والفصول وحال الموضع فی حصول الصریر ، فربما یحصل قبل النقاء ، وربما یحصل بعده ، وربما لا یحصل ، فتأمّل.

قوله : إن کان محلها. ( 1 : 166 ).

وإن لم یعلم شی ء من الأمرین کما هو الغالب والمتعارف فالأصل الطهارة وبراءة الذمة ، ولعله لهذا ورد النص والفتوی بالعفو مطلقا ، سیما بعد ما مضی من أنّه لا یجب تحصیل معرفة حصول النجاسة والتجسس عن

عدم وجوب إزالة الرائحة

ص: 221


1- المصباح المنیر : 595.
2- انظر المسالک 1 : 5.
3- حکاه عنه فی المعتبر 1 : 129.

استکشافه (1) ، بل ورد فی بعض الأخبار المنع عنه (2) ، فتدبر.

قوله : إشعار بذلک. ( 1 : 167 ).

یدل علی ذلک بعض الاخبار ، مثل قوله صلی الله علیه و آله : « مری نساء المؤمنین أن یستنجین بالماء ، فإنه مطهرة للحواشی ومذهبة للبواسیر » (3).

وفی بعض الأخبار أیضا أن الله تعالی قد أکثر الثناء علی الأنصار بسبب استنجائهم بالماء (4) ، ولیس متن الحدیث ببالی. وکذا ورد أن الاستنجاء بالماء خلق کریم فأمر به رسول الله علیه وآله ، وأنزل فیه آیة ( إِنَّ اللهَ یُحِبُّ التَّوّابِینَ وَیُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ ) (5).

قوله : فإن أرید. ( 1 : 167 ).

لعله یقول بأن قید الحیثیة مأخوذ فی التعاریف ، وهاهنا اجتمع تکلیفان متغایران لکل منهما حکم فی نفسه ، فمن حیث الاستنجاء العینی یجوز ترکه لا إلی بدل ، وإن کان من حیث الوجوب لا یجوز ترکه کذلک.

قوله : وصحیحة زرارة. ( 1 : 169 ).

فی الاستدلال بها نظر ، إذ لا دلالة فیها علی أنه کیف کان یتمسح ،

التخییر بین الماء والأحجار إذا لم تتعدّ النجاسة المخرج

لا یجزی فی الاستنجاء أقلّ من ثلاثة أحجار

ص: 222


1- راجع ص 217.
2- انظر الوسائل 24 : 70 أبواب الذبائح ب 29 ح 1 ، 24 : 161 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 1 ، 24 : 179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 1.
3- الکافی 3 : 18 / 12 ، الفقیه 1 : 21 / 62 ، علل الشرائع : 286 / 2 ، التهذیب 1 : 44 / 125 ، الاستبصار 1 : 51 / 147 ، الوسائل 1 : 316 أبواب الاستنجاء ب 9 ح 3 وفی المصادر :. أن یستنجین بالماء ویبالغن.
4- الوسائل 1 : 354 أبواب أحکام الخلوة ب 34 ، الآیة : البقرة : 222.
5- الوسائل 1 : 354 أبواب أحکام الخلوة ب 34 ، الآیة : البقرة : 222.

فضلا عن أن یکون اکتفی بأقل من الثلاثة ، سیما بعد ما ذکر من أن الثلاثة محمولة علی أن الغالب لا یحصل النقاء بأقل منها ، بل (1) وما ذکر من الحمل علی الاستحباب.

قوله : ویمکن. ( 1 : 169 ).

هذا الحمل بعید جدا ، إذ یوجب صرف الحدیث إلی الفروض النادرة ، إذ غالبا لا یتحقق النقاء بأقل من ثلاثة حتی یحمل الثلاثة علی الاستحباب.

فالأولی الحمل الثانی ، لکن یخدشه أن کیفیة المسح متفاوتة فی حصول النقاء تفاوتا فاحشا ، بالزیادة والنقصان من جهة الحجر ، وقدر استعماله ، والقوة فی وضعه علی الموضع ، وغمضه ، وخشونة الحجر وملاسته ، والمبالغة فی أخذ النجاسة به والمسامحة فیه ، والاحتیاط وعدمه حال إدارته ، ولزوجة النجاسة وعدمها ، وغلظتها وعدمها ، والمسارعة إلی الرفع وعدمها ، ومقدار الممسوح ، سیما علی ما اختاره المصنف من إجزاء التوزیع ، وکذا حال کیفیة شرح الدبر بحسب العکنة (2) والخشانة والملاسة.

وربما یؤید ذلک ما رواه العامة عن النبی صلی الله علیه و آله : « لا یستنجی أحدکم دون ثلاثة أحجار » (3) ، فتأمّل.

إلاّ أن یقال : المراد أنه فی تحقق المبالغة بالمسح یکفی ثلاثة أحجار غالبا ، ولا یحتاج إلی أزید منها ، بأن بالثلاثة یذهب عین القذر ورطوبته ، ویظهر نقاء المحل فی الثالث ، أو أن أواسط الأمور المذکورة هو الفرد الشائع

ص: 223


1- لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
2- العکنة : بالضمّ والسکون : الطیّ فی البطن من السمن ، مجمع البحرین 6 : 282.
3- سنن النسائی 1 : 44 ، سنن البیهقی 1 : 103.

الغالب ، وأنه یحصل النقاء بثلاثة أحجار ، لکن لا بدّ من ملاحظة ما ذکروا والتأمّل فیه.

ویمکن أن یقال : المطهر هو النقاء واقعا ، إلاّ أنه لا یمکن العلم به عادة ، بل غایة ما یحصل الظن بتحققه ، لأنه لا یمکن للمکلف أن یری مقعده ، نعم یری الحجر نقیا لیس علیه شی ء من أجزاء النجاسة ، ولا یحصل من هذا قطعه بزوال النجاسة بالمرة وحصول النقاء ، إذ لعله یکون بعد متلوثا یابسا ، ولعل الشارع لا یرضی بکل ظن یکون ، بل بالظن الحاصل بعد الأحجار ، کما أنه لا یرضی فی کثیر من المواضع إلاّ بشهادة عدلین مثلا ، فتأمّل. وحسنة ابن المغیرة سیجی ء الجواب عنها وطریق حملها.

قوله : أنّها واردة فی صورة. ( 1 : 169 ).

فیه : أنه لا قائل بالفصل ، وطریقة الشارح دائما التمسک بعدم القول بالفصل فی نظائر ما نحن فیه ، فتأمّل.

مع أن ازالة النجاسة حکم شرعی یتوقف علی الثبوت ، ولم یثبت فیما دون الثلاثة ، فلو استند فی ذلک إلی العموم یلزم جواز ذلک فی الحجر أیضا ، وإخراج الحجر من العموم یوجب صرف الحدیث إلی الفرد الغیر الغالب ، لأن الغالب هو استعمال الحجر ، إذ هو أغلب استعمالا من الثوب.

مع إمکان الجمع بحمل الحسنة علی الاستنجاء بالماء. هذا علی تقدیر معارضة الحسن للصحیح ومقاومته له. ویقرب الجمع المذکور أن الراوی سأل عن حال بقاء الریح مع أنه أقل ما یبقی الریح ، ویصعب الاطلاع علیه ویسهل الإشکال فیه.

بل لعله لا یبقی إشکال بعد حکمه أن حد الاستنجاء أن ینقی ما ثمة ، إذ الظاهر أن المراد نقاء العین ، بل الراوی أیضا فهم کذلک حیث قال : فإنه ینقی ما ثمّة ویبقی الریح ، ومع جمیع ذلک سأل عن حال الریح ولم یسأل

ص: 224

عن حال بقاء الأجزاء اللطیفة العالقة التی لا شک فی بقائها غالبا ، لو لم نقل : کلیا ، ویطلع علیه البتة بالعرق ووصول الماء إلیه ، ویصعب الإشکال فیه ، لأنّه من تتمة العین ، فلم یتحقق النقاء من العین والأثر بالمرة وحقیقة.

مع أنّ الاطلاع بالنقاء علی سبیل العلم صعب ، بل غایة ما یکون خروج الحجر نقیا ، فکیف یحکم بالنقاء ویستشکل الأمر فی بقاء الریح ، ولا یسأل عن أن مجرد خروج الحجر نقیّا یستلزم نقاء الموضع واقعا أم لا ، مع أنّه فی مقام السؤال عن حد الاستنجاء؟ فتأمّل.

وأمّا موثقة یونس فالموثق عند الشارح - رحمه الله - لیس بحجة فضلا عن أن یقاوم ویرجح علیه ، مع أنّ دلالة الموثقة لیست بمرتبة دلالة الصحیحة ، فضلا عن أن ترجح علیها ، فتأمّل.

وکیف کان فالأحوط والأولی عدم الاکتفاء بأقل من ثلاثة ، حجرا کان أم غیره ، سیما بعد ملاحظة بقاء الأثر جزما ، فکیف یکتفی لعفوه بدلیل مشوب بالشبهة؟! مضافا إلی بقاء النجاسة شرعا إلی أن یثبت خلافه ، ( وأنّ استعمال الحجر ومثله مخالف للأصل ، ورخصة ، فیقتصر علی مورد الثبوت. فتأمّل ) (1).

قوله : إلاّ بعد قطعه. ( 1 : 169 ).

الفرق بین الثوب المتصل والحجر المتصل فی الاستبعاد المذکور مستبعد جدا ، مع أنه فی المقام بصدد إثبات عدم الحاجة إلی تثلیث المسحات مطلقا ، لا أنّه یکفی ذو الجهات ، فتأمّل.

هذا مع أن الحجر مع ما فیه من الصلاة إذا کان لا یکفی للتطهیر حتی

ص: 225


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

یتحقق ثلاث مسحات فکیف یکفی أقل من ثلاثة فی مثل الثوب مع ما فیه من الرخاوة؟! فتأمّل.

ویؤیده ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله من الأمر بثلاث مسحات (1).

قوله : إذ لا دلیل. ( 1 : 170 ).

لا یخفی أنه علی تقدیر العمل بروایات الأحجار الثلاثة ، والبناء علی الوجوب ، ظاهرها استیعاب المحل بالنحو المتعارف ، والتوزیع المذکور لا شک فی أنه من الأفراد النادرة ، بل الأمور المفروضة للفقهاء ، وحمل الأخبار علی ذلک فیه ما فیه. نعم علی القول بمجرد النقاء یکفی ذلک ، لکن لا فرق حینئذ بین ما إذا کان الحجر ثلاثا أو أزید أو أنقص.

قوله : قد عرفت. ( 1 : 170 ).

قد عرفت أن المراد من الأثر ما ذا ، وأنه یکفی حینئذ زوال العین دون الأثر.

قوله : والغالب. ( 1 : 172 ).

ربما یخدشه ما اختاره الشارح فی مبحث التراوح وغیره ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : علی المشهور. ( 1 : 172 ).

فیه تنبیه علی أن منشأ الإشکال فی کفایة ذی الجهات هو هذا ، ولولاه لأمکن دعوی العلم بعدم الفرق بین المتصل والمنفصل ، فیکون هذا قرینة علی أن المراد ثلاث مسحات مطابقا لظاهر الحدیث النبوی ویصیر موافقا لما شبه به من عشرة أسواط ، لکن هذا حق لو قیل بأن وجوب الإکمال لأجل

وجوب إمرار کلّ حجر علی موضع النجاسة وکفایة زوال العین

حکم استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات

ص: 226


1- عوالی اللآلی 2 : 185 / 59 ، مجمع الزوائد 1 : 211.

حصول الطهارة فی الواقع ، أما لو قیل بأنه لأجل حصول الظن المعتبر شرعا فلا یمکن التوجیه ، وکیف کان ، الأحوط عدم الاکتفاء.

ونظیر ذی الجهات ما لو استعمل حجرا ثم کسر ما نجس منه أو حکّه. أما لو استجمر ثم کسر ثم استجمر ثم کسر ثم استجمر بحیث خرج الحجر عن اسم الواحد ودخل فی الثلاث فالظاهر الاکتفاء ، مع احتمال احتیاط فیه أیضا.

قوله : تمسکا بالعموم. ( 1 : 172 ).

فیه ما مر ، فتذکر.

قوله : بل الأظهر. ( 1 : 172 ).

إذا تحقق عدد الثلاثة علی الرأی المشهور ، ومطلقا علی الرأی الآخر.

قوله : إذا کان طاهرا. ( 1 : 172 ).

واشترط العلامة فی کتبه جفاف الحجر وإدارته کی لا تتعدی النجاسة من موضع إلی موضع ، وعدم وضع الحجر علی النجاسة ، بل یوضع فی محل طاهر قریبا من النجس ، ثم ذکر کیفیة الإدارة وجعلها أحسن وأحوط (1).

ولم نجد شیئا من ذلک فی شی ء من النصوص ، بل هی - علی ما تری - مطلقة ، وشی ء من هذه القیود لیس مما یتیسر للعالم أن یتفطن له ، فضلا عن العوام ، فضلا عن الأعراب وأهل البوادی ، وفضلا عن النساء وغیرهم ممن کلف بالمسح بالأحجار.

نعم ، إذا کان البلل کثیرا یمکن الاستشکال فی المطهریة ، لعدم کونه من الأفراد الشائعة ، ولانفعال القلیل بالملاقاة ، ولعدم الاطمئنان بإزالة النجاسة ، بل ربما یوجب زیادة التلویث والانتشار ، والله یعلم.

حکم استعمال الحجر المستعمل

ص: 227


1- انظر نهایة الإحکام 1 : 88 ، 92 ، والتذکرة 1 : 130.

قوله : ویدل علیه. ( 1 : 172 ).

فی الدلالة تأمّل ، سیما علی رأی القائل بکفایة مجرد النقاء ، مثل الشارح - رحمه الله - وخصوصا علی القول بجواز المستعمل الطاهر. إلاّ أن یدعی تبادر الطاهر من لفظ البکر ، فتأمّل.

قوله : بملاقاة الحجر. ( 1 : 172 ).

لعل مستنده الإجماع ویمکن أن یقال أیضا : إنّ التطهیر حکم شرعی یتوقف علی الثبوت ، ولا یثبت من الإطلاقات جواز النجس أیضا ، لعدم انصراف الذهن إلیه ، فتأمّل.

وعلی تقدیر الاستعمال ففی حکم المحل احتمالات :

أحدها : تحتم الماء ، والثانی بقاء المحل علی حاله ، والثالث إذا کان النجاسة بغیر الغائط تعین الماء ، وإلاّ فلا ، قال بکل قائل (1).

ووجّه الأول بأن الاستجمار رخصة فلا یتعدی عن مورد النص. ووجه الثانی أن (2) النجس لا یتأثر بالنجاسة. ووجه الثالث ظاهر.

لکن الإشکال فی ما وجه به الأول ، لأن القائل بعدم تحتم الماء یقول بالدخول تحت مورد النص ، ولعل المراد أنه لیس من الأفراد الشائعة ، ویجب قصر النص علیها.

ومما ذکر ظهر حال عروض النجاسة للمحل مطلقا بحیث لا یتعداه ، وإن کان دم القروح والبواسیر. إلاّ أن یدعی الدخول تحت الأفراد الشائعة بالنسبة إلی البواسیر ، لکن لا بدّ من تأمّل ، فتأمّل.

ص: 228


1- قال بالأول الشهید فی الذکری : 21 ، واحتمل الثانی العلامة فی النهایة 1 : 88 ، وقال بالثالث فی القواعد 1 : 4.
2- فی « ا » : بأن.

قوله : ولا الروث. ( 1 : 172 ).

الظاهر من العبارة أنه یکفی ویجوز کل شی ء یزیل النجاسة سوی ما استثنی ، وهو رأی الشیخ ومن تبعه ، وادعی فی الخلاف الإجماع علیه (1) ، وکذا ابن زهرة (2) ، والمحکی عن سلار أنه لا یجزئ إلاّ ما کان أصله الأرض (3).

وعن ابن الجنید : إن لم یحضر الأحجار یمسح بالکرسف وما قام مقامه ، ثم قال : ولا اختار الاستطابة بالآجرّ والخزف إلاّ إذا لابسه طین أو تراب یابس (4). ولعل نظره إلی قوله صلی الله علیه و آله : « جعلت لی الأرض مسجدا وترابها طهورا » (5).

وعن المرتضی - رحمه الله - أنه جوز بالأحجار وما قام مقامها من المدر والخزف (6). ولعل نظره إلی أن الوارد فی الأخبار هو هذه الثلاثة.

ومستند المشهور بعد الإجماع المنقول من الفقیهین موثقة یونس بن یعقوب ، وروایة لیث المرادی ، لأنه قال علیه السلام : « وأما العظم والروث فطعام الجن » ، إذ لو کان منحصرا فی الشرع فی الحجر والکرسف والمدر لما أجاب بما أجاب.

قوله : بما یحصل النقاء. ( 1 : 173 ).

حکم الاستنجاء بالروث والعظم والمطعوم

حکم الاستنجاء بصیقل یزلق عن النجاسة

ص: 229


1- الخلاف 1 : 106.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 549.
3- المراسم : 32.
4- انظر الذکری : 21 ، والذخیرة : 18.
5- عوالی اللآلی 2 : 13 / 26 و 208 / 130 ، المعتبر 2 : 116 ، الوسائل 5 : 118 أبواب مکان المصلی ب 1 ح 5 ، المستدرک 2 : 530 أبواب التیمّم ب 5 ح 8.
6- حکاه عنه فی المعتبر 1 : 131 ، وفیه وفی « ا » : « الخرق » بدل « الخزف ».

هذه العبارة تشعر بأن مراده حسنة ابن المغیرة ، وفی دلالتها نظر ، لمکان کلمة « حتّی » فتدبر.

نعم ، ظاهر موثقة یونس ذلک حیث اکتفی فیها بإذهاب الغائط مطلقا ، إن لم یناقش بأنها محمولة علی الأفراد الشائعة ، لکن ظاهر روایة لیث المرادی حصول الطهارة ، لأنه علل فیها بکونهما طعام الجن ، وأنه لذاک لا یصلح ، فلو کانا غیر مطهرین شرعا لکان التعلیل بعدم التطهیر أولی.

وبالجملة : لما لم یظهر عدم التطهیر وعلل بما علل یظهر فی النظر ما ذکرناه ، فتأمّل.

إلاّ أن ابن زهرة ادعی الإجماع علی عدم إجزاء العظم والروث والمطعوم ، فلعل الأحوط عدم الاکتفاء.

وأما الصیقل فلو اتفق حصول النقاء به یطهر ، لأن المانع لم یکن إلا عدم الإذهاب والإنقاء ، وهو العلة فی المنع ، فتأمّل.

قوله : قال فی المعتبر. ( 1 : 174 ).

علل فی المعتبر تقدیم الیمنی فی دخول المسجد والیسری فی الخروج بأن الیمنی أشرف فیدخل بها إلی المواضع الشریفة ، وبعکسه الیسری ، وربما علل بعض ما نحن فیه بکونه عکس المسجد.

قوله : والأصح اختصاصه. ( 1 : 175 ).

وأثبته جماعة للأنثی (1) ، فتستبرء عرضا ، ونفاه العلامة للأصل (2) ، فلا

مندوبات التخلّی

تغطیة الرأس

الاستبراء

ص: 230


1- أثبت ابن الجنید التنحنح للأنثی ، علی ما حکاه عنه فی الذکری : 20 ، ونسب فی کشف اللثام 1 : 22 تعمیم الاستبراء لها إلی العلامة فی المنتهی 1 : 42 ، ونهایة الإحکام 1 : 81.
2- انظر القواعد 1 : 4 ، والتحریر 1 : 7.

حکم للخارج المشتبه منها ، للأصل ، وتأمل فی ذلک بعض المحققین (1) ، ولعل تأمّله لیس فی موضعه ، لأن الأصل فی الأشیاء الطهارة حتی یحصل العلم ، فمع الاشتباه لا یحصل البتة ، وقیاسها علی الرجل لعله قیاس مع الفارق. مع أنّ الأمر عام البلوی ، فالسکوت عنه بالمرة یؤید ذلک ویشیر إلیه ، فتأمّل.

قوله : واتباع الأصحاب. ( 1 : 175 ).

هذا یخالف طریقته ، إلاّ أن [ یکون ] (2) مراده متابعتهم بحسب الفعل والعمل لا الفتوی ، ویکون مراده من الحسن الحسن العقلی لا الشرعی ویبنی علی انفکاک العقلی عن الشرعی فی أمثال المقام. ولا یخفی التکلف. فالأظهر المسامحة فی أدلة السنن ، کما هو المشهور ، وقد سبق فی أول الکتاب الکلام فی ذلک (3) ، فراجع.

قوله : لأن المرفوعة. ( 1 : 176 ).

فیه تنبیه علی أن الکراهة إذا کان الموضع مملوکا أو مباحا لا ملکا لغیره ، فإنه لا یجوز بغیر إذنه ، ومع الإذن یکون مکروها أیضا ، وهذا بالنسبة إلی جمیع المواضع المکروهة.

لکن لا یخفی أن الأخبار التی استدلوا بها علی الکراهة ظاهرها الحرمة ، للفظ النهی ، والجملة الخبریة ، ولفظ الأمر. ولعل حملهم علی الکراهة للإجماع. لکن الصدوق قال : لا یجوز التغوط فی فی ء النزال ، وتحت الأشجار المثمرة (4) ، ویؤید الحرمة أن ذلک أذیة للمؤمنین ، فتأمّل.

تقدیم الیمنی عند الخروج

مکروهات التخلّی

الجلوس فی الشوارع والمشارع

الجلوس تحت الأشجار المثمرة

ص: 231


1- الذخیرة : 21.
2- أضفناه لاستقامة العبارة.
3- راجع ص 20.
4- الهدایة : 15.

إلاّ أن یقال : لیس بأذیة بالفعل والنیة ، بل ربما یکون أذیة ، وأنه لهذا حمل الأصحاب علی الکراهة ( لکن لا بدّ من تأمّل ) (1).

قوله : مواضع اللعن. ( 1 : 176 ).

لعل المراد لعن أصحاب الدور ، لا لعن الملائکة أو الله تعالی أیضا ، لأنه دلیل علی الحرمة البتة ، فتأمّل.

قوله : بل من شأنها ذلک. ( 1 : 176 ).

لا یخفی أنه ما علل بذلک فقط ، بل قال : لإطلاق الخبر ، ولأن المشتق. ، ولا یتمسک بالإطلاق إلاّ بالنسبة إلی الافراد الحقیقة ، والمشتق فی ما سیأتی مجاز اتفاقا.

وأشار بإطلاق الخبر إلی ما ورد فی بعض الأخبار من النهی عن تحت الأشجار المثمرة (2) ، وهذا عند الشیعة والمعتزلة شامل لما أثمرت فی الماضی ، وما یکون الثمر فیها بالفعل فقط ، علی ما صرحوا فی علم الأصول حین ضربوا المثل بهذا الخبر ، بل التعلیل بذلک أیضا شاهد ، لقوله : بقاء أصله ، لأن البقاء لا یتحقق ما لم یتحقق المبدء. ولأن التعلیل ورد لصدقه علی الماضی خاصة ، کما فی علم الأصول ، ولا شک فی أنّ ما ذکره فی المقام إشارة إلی ما ذکروه فی الأصول.

وما ذکره من أن مقتضی هذه. ، فیه : أنّ مفهوم الوصف لیس بحجة عند المشهور ، وعلی تقدیر الحجیة فمعارضتها للمنطوق محل إشکال. إلاّ أن یقال : یکون مثل هذا المفهوم أقوی من مثل ذلک المنطوق ، فتأمّل.

ص: 232


1- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
2- الفقیه 4 : 2 / 1 ، أمالی الصدوق : 344 / 1 ، الوسائل 1 : 327 أبواب أحکام الخلوة ب 15 ح 10.

وبالجملة : عموم الکراهة محتمل ، بل ومتعین علی طریقة الشارح وغیره من المتأخرین من أن الخبر غیر الصحیح لا یعارض الصحیح ، وسیما علی طریقة الشارح من عدم التسامح فی أدلة السنن والکراهة ، إذ خبر عاصم بن حمید صحیح ، ومضمونه المنع من تحت الأشجار المثمرة ، فتأمّل.

قوله : ویشهد أیضا ما رواه الصدوق. ( 1 : 177 ).

هذا بعد ما قال : إنّه لا یجوز التغوط فی فی ء النزال وتحت الأشجار المثمرة ، ولعل مراده من عدم الجواز ما یشمل الکراهة ، فتأمّل.

قوله : ویمکن أن یراد. ( 1 : 177 ).

بأن یکون ذکر أبواب الدور علی سبیل المثال ، وربما وقع نظیر ذلک فی الأخبار.

قوله : واستقبال الشمس. ( 1 : 178 ).

المفید فی المقنعة قال : لا یجوز استقبال قرصیهما فی بول ولا غائط (1).

قوله : بالنسبة إلی الحدثین وإلی. ( 1 : 179 ).

موافقا لما صرح به غیره (2) ، وفی الفقیه : وسئل الحسن علیه السلام : ما حد الغائط؟ فقال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الریح ولا تستدبرها » ، وفی خبر آخر قال : « ولا تستقبل الهلال ولا تستدبره » (3).

ویؤیده المساواة فی عدم الاحترام لو فعل ، والاحترام لو لم یفعل ،

الجلوس فی مواطن النزال ومواضع اللعن

استقبال الشمس والقمر بفرجه

استقبال الریح بالبول

ص: 233


1- المقنعة : 42.
2- کالشهید الثانی فی الروضة 1 : 85.
3- الفقیه 1 : 18 / 47 ، 48 ، الوسائل 1 : 301 أبواب أحکام الخلوة ب 2 ح 2.

( ولذا احتمل الشهیدان کراهة استدبارها أیضا (1) ، إلاّ أن یقال : الاستدبار فی البول لا ینافی الاحترام ) (2) ، ولذا لم یرد فی خبر ، فلیتأمّل ، لأن المراد بالغائط فی خبر الحسن بن علی أعم من البول والغائط ، علی حسب ما یقول به الشارح وفهمه الأصحاب ، حیث حکموا بکراهة البول مستقبل الریح ، والظاهر أن مستندهم هو هذا الخبر ، ولأن (3) المنع عن استقبال الریح یناسب البول غالبا ، فتدبر.

قوله : تعمد إلی مکان مرتفع. ( 1 : 179 ).

لعل ارتفاعه قلیل حتی لا ینافی ما ورد من النهی عن تطمیح البول.

قوله : ولأنه لا یؤمن. ( 1 : 179 ).

هذه العلة تقتضی المنع عن التغوط أیضا.

قوله : فقد حکی. ( 1 : 179 ).

تفریعه (4) علی ما تقدم لا یخلو من تأمّل ، فلعل المراد ما یشمل الجن الذی یظهر فی صورة حیوان ، ولذا قیل : إنها مساکن الجن (5) ، فتأمّل.

قوله : أن سعد بن عبادة. ( 1 : 179 ).

هذا من الشارح عجیب ، حیث اعتقد بهذه الحکایة ، حتی أنه ذکرها فی المقام ، ولا شک فی کذب الحکایة ، وأنها مجعولة ممن قتل سعدا بتحریک بعض حتی یهدر دمه ولا یتحقق فتنة ، حتی ابن ابی الحدید أیضا صرح بأن قاتله لم یکن من الجن ، بل کان من الإنس ، وأنّ الحکایة لا أصل

إشارة إلی حکایة قتل سعد بن عبادة

ص: 234


1- الذکری : 20 ، روض الجنان : 26.
2- ما بین القوسین لا یوجد فی « ا ».
3- کما فی « أ » ، وفی غیره : لأن.
4- الموجود فی النسخ : فی تفریعه.
5- قاله من العامة ابن قدامة فی المغنی 1 : 188.

لها (1).

وبالجملة : ما ذکرناه محقق فی موضعه ، فلیلاحظ.

قوله : لورود النهی عنه. ( 1 : 180 ).

وعن ظاهر علی بن بابویه عدم الکراهة فی غیر الراکد (2) ، وورد فی کثیر من الاخبار عدم البأس مع البأس فی الراکد (3) ، لکن ورد فی الجاری أیضا النهی عن البول فیه إلاّ لضرورة ، معللا بأن للماء أهلا.

قوله : بأن للماء أهلا. ( 1 : 180 ).

ربما یقتضی هذا التعلیل النهی عن التغوط أیضا ، کما قال به بعض الأصحاب ، واستدل بأن النهی عن البول یقتضی النهی عن الغائط بطریق أولی (4) ، وفیه تأمّل. وربما یتوهم عدم الکراهة إذا بال الإنسان فی ظرف ثم یصب فی الماء ، وفیه إشکال ، فتدبر.

فرع : فی بعض الروایات ورد المنع عن البول قائما ، وفی بعض آخر المنع من تطمیح البول من السطح ، أو من الشی ء المرتفع (5) ، وفی بعض آخر التغوط فی أفنیة المساجد ، بل وربما یعم البول أیضا (6) ، وبعض الأصحاب کره أفنیة الدور (7).

البول فی الماء الجاری والراکد

ص: 235


1- انظر شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2 : 540 ، الجزء 10.
2- حکاه عنه فی الذکری : 20.
3- الوسائل 1 : 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح.
4- الذکری : 20.
5- الوسائل 1 : 351 أبواب أحکام الخلوة ب 33.
6- الکافی 3 : 16 / 5 ، الوسائل 1 : 324 أبواب أحکام الخلوة ب 15 ح 2.
7- المفید فی المقنعة : 41.

قوله : لآکلها إذا خرجت. ( 1 : 180 ).

ربما یظهر منه الکراهة فی بیت الخلاء مطلقا ، فتأمّل.

قوله : السواک علی الخلاء. ( 1 : 181 ).

ربما یظهر منه حال الجلوس علی الخلاء ، فتأمّل.

قوله : ولا یدخل المخرج. ( 1 : 181 ).

قال الصدوق - رحمه الله - : ولا یجوز أن یدخل الخلاء ومعه خاتم علیه اسم الله أو مصحف فیه القرآن (1).

قوله : وهو حسن. ( 1 : 181 ).

لکن فی بعض الأخبار کراهة الدخول وعلیه خاتم فیه اسم الله تعالی ، وعدم الکراهة إذا کان اسم محمّد صلی الله علیه و آله (2) ، فتدبر.

واعلم أنه یکره طول الجلوس فی الخلاء ، وورد أنه یورث الباسور (3).

قوله : الأول النیة. ( 1 : 184 ).

ادعی الشیخ فی الخلاف الإجماع ، وکذا العلامة فی التذکرة ، وابن زهرة فی الغنیة (4).

قوله : ولم أعرف لقدمائنا. ( 1 : 184 ).

قاعدتهم أنّهم یذکرون لزوم النیة ووجوب کون العمل لله تعالی خالصا

الأکل والشرب والسواک حال التخلّی

الاستنجاء بالیسار وفیها خاتم علیه اسم الله سبحانه

کیفیة الوضوء

فروض الوضوء

النیّة

ص: 236


1- الفقیه 1 : 20.
2- التهذیب 1 : 32 / 84 ، الاستبصار 1 : 48 / 135 ، الوسائل 1 : 332 أبواب أحکام الخلوة ب 17 ح 6.
3- الوسائل 1 : 336 أبواب أحکام الخلوة ب 20.
4- الخلاف 1 : 71 ، التذکرة 1 : 139 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 552.

فی موضع واحد علی سبیل القاعدة الکلیة ، وبالنسبة إلی جمیع الأعمال ، لا إلی کل عمل عمل.

قوله (1) : إنّما الأعمال بالنیات. ( 1 : 184 ).

فإن قیل : کما یمکن حمل النفی علی نفی الصحة لأنه أقرب إلی الحقیقة ، کذا یمکن الحمل علی نفی الکمال ، والأول وإن کان أقرب المجازات إلاّ أنّه یوجب التخصیص فی الأعمال ، وبقاء العام علی العموم الذی هو حقیقته أولی من ارتکاب أقرب المجازات.

قلت : ( قوله علیه السلام فی تلک الروایة : ولا عمل إلاّ بإصابة السنة یمنع من الحمل علی نفی الکمال ، وأیضا ) (2) لما کان الکلام من الشارع عرفنا أن مراده نفی الحکم الشرعی والأمر الشرعی ، فالظاهر منه نفی حقیقة ذلک الحکم والأمر ، أی الأمر الذی هو منصب الشرع ووظیفته ، وهذا فی النظر مرجح للتخصیص فی الأعمال ، لأنه قرینة مخصصة ، سیما مع شیوع التخصیص إلی أن قیل : ما من عام إلاّ وقد خص.

مضافا إلی أن التخصیص ضروری وقطعی عند آحاد المخاطبین ، سیما المخاطبین بتلک الأخبار ، فکان حاضرا لدیهم عند سماعهم الأخبار ، فلا حاجة إلی العنایة فی تقدیر القرینة.

وأیضا هذه العبارة وأمثالها من الشارع شائعة فی نفی الحکم الشرعی رأسا ، وهی أیضا من المرجحات ، ولعله لهذا فهم الفقهاء نفی الصحة ، ولم یتفطن أحد إلی هذا الاحتمال ، سیما وأن یجعله مساویا ، وخصوصا أن یجعله أولی. نعم بعض المحققین ممن قارب عصرنا أتی بهذه الشبهة (3).

أدلّة وجوب النیّة

ص: 237


1- الظاهر أنّ هذه الحاشیة متعلقة بقوله : « لا عمل إلاّ بنیّة ».
2- ما بین القوسین لا یوجد فی « ا ».
3- انظر الذخیرة : 23.

ومما یقرب ما ذکرنا أیضا أن العبادة لا شبهة فی احتیاجها إلی النیة وتوقفها علیها کما ستعرف ، ومعلوم أن العبادات فی الشرع فی غایة الکثیرة.

وبالجملة : احتمال نفی الکمال مما لا یتفطن به أهل العرف والفقهاء ، ولا یخطر بخاطر إلا بعد الاطلاع بما ذکره ، فتأمّل.

هذا کله علی القول بأن لفظ العبادة اسم للأعم من الصحیحة ، أما علی القول بأنه اسم لخصوص الصحیحة فلا وجه للإیراد المذکور أصلا ، کما لا یخفی.

قوله : واعلم أن الفرق. ( 1 : 184 ).

لا یخفی أن الواجب ما یکون علی ترکه العقاب ، فإن کان عبادة فیکون علی فعله الثواب أیضا ، وإلا فلا. والعبادة إما أن تکون بالذات عبادة أو بواسطة النیة.

والأول مثل الصلاة والصوم ، والعبادة فی اصطلاح الفقهاء عبارة عن هذا القسم ، وربما یعرفونه بالذی لا یصح فعله بغیر النیة ، وهذا لا تعرف ماهیته إلا من الشرع ، کما لا تعرف شرائطه وأحکامه الشرعیة إلا منه ، وکذا لا تعرف المصلحة فی إیجابه بصورته المخصوصة وشرائطه المخصوصة.

والقسم الثانی مثل إنقاذ الغریق وإطفاء الحریق ونظائرهما من الواجبات العینیة أو الکفائیة ، ومن الواجبات العینیة والکفائیة فی هذا القسم الصناعات والتجارات والزراعات ونظائرها مما یتوقف علیه انتظام العالم ، وربما صارت عینیة أیضا ، وربما کان واجبا للغیر مثل قطع الطریق للحج ، سواء قلنا بوجوبه شرعا أو عقلا ، ومثل غسل النجاسات من الظروف والثیاب وغیرهما للإجماع علی عدم الوجوب لنفسه ، بل للصلاة والأکل وغیرهما.

وهذا القسم لا یتوقف صحته علی النیة ، نعم صیرورته عبادة تتوقف علیها ، إذ لو أخرج الغریق أو أنقذ لا لقصد الامتثال بل لأنه ابنه أو غریمه أو غیر

بیان المراد من الوجب

ص: 238

ذلک ، من دون نیة إطاعة الله تعالی أصلا ورأسا ، یکون صحیحا مؤدیا للواجب خارجا عن العهدة ، ولا یجب علیه أن یغرقه ثانیا لأن ینقذه لله تعالی ، بل هو حرام.

بل لو أنقذ لقصد حرام أو وجه حرام مع التمکن من غیره لکان صحیحا أیضا وإن کان معاقبا من جهة الحرام. وهذا یجتمع فیه الأمر والنهی عند المعتزلة والشیعة أیضا ، لأنّ إیجابه لیس إلاّ للتوصل إلی مصلحة مسببة عنه کقطع المسافة للحج علی القول بوجوب مقدمة الواجب ، للاتفاق علی عدم وجوب الإعادة لو وقع بوجه منهی عنه.

والفرق أن الأمر تعلق بنفس الإنقاذ ، وفی الحج تعلق بالحج وبمقدمته للتوصل إلیه ، وهذا بخلاف القسم الأول فإن إیجابه لیس بمحض التوصل إلی مصلحة مسببة بل لکونه فی نفسه مطلوبا محبوبا ، والمصلحة تکون فیه.

وظاهر أنّ الأمر بإزالة النجاسة من القسم الثانی من قبیل قول الشارع : اقطع الطریق حتی تصل إلی الحج ، إذ مع قطع النظر عن الإجماع وعمل المسلمین فی الأعصار والأمصار نقول : إذا قال : أزل النجاسة ، نعرف معناها جزما ، لأن الإزالة معناها معلوم لغة وعرفا ، فنحکم بکفایة المعنی العرفی ، فإن شرط شرطا نحکم باعتباره شرعا ، وإن لم یشترط نحکم بعدم اعتباره.

ثم إن الإجماع واقع علی عدم وجوبها لنفسها ، بل کونه لغیرها مثل الصلاة ، وبعد ما لاحظنا الصلاة نجد أنّ المعتبر فیها أن لا تکون نجاسة معلومة للمصلی حال الصلاة ، علمنا من ملاحظة المجموع أن إیجاب الإزالة لیس إلاّ للتوصل إلی مصلحة هی انعدام النجاسة المعلومة فی الواقع أعمّ من أن یکون ذلک الانعدام من جهة صاحب الثوب المصلی أو غیره ، حتی أنّه لو انعدم بالمطر أو لوقوعه فی الکر أو الجاری من غیر مباشرة أحد لکفی.

ص: 239

وأمّا الوضوء والغسل والتیمم فهی عندهم من القسم الأوّل تحتاج إلی النیّة ، لعدم معلومیة الماهیة إلاّ من الشرع ، وعدم معرفة المصلحة فی الإیجاب بالخصوصیة المعلومة ، وعدم ظهور کون الإیجاب لمحض التوصل إلی أمر معلوم ، إذ لا نعرف أنّ الحدث ما ذا؟ وأنّ الرفع بأیّ نحو؟ وماهیة الرافع ما هی؟ فضلا عن شرائطه. بل ظاهر الأمر أنّه واجب شرعا وإن کان الواجب لغیره ، فالمطلوبیة والمصلحة إنما تتحققان فیه نفسه وإن کانتا للغیر.

وفرق بین هذا وبین ما لو علم أن وجوبه لمحض التوصل إلی مصلحة خارجة ، وهذا حاله حال مثل الصلاة والصوم ، وإن الفارق بینهما هو الوجوب للنفس والوجوب للغیر ، لکن کلا الوجوبین شرعیان ، فتأمّل جدا.

والله تعالی أوجب علینا إطاعته وإطاعة رسوله ، والإطاعة الواجبة هی امتثال الأمر ، والمرجع فی هذا اللفظ العرف کسائر الألفاظ ، فما یکون فی العرف امتثالا یکون الواجب هو لا غیر ، والامتثال العرفی لا یتحقق إلاّ بقصد ما هو مطلوب للآمر وارتکابه لأجل أن الآمر أمر ، لا بشهوة نفسه أو شهوة غیر الآمر.

مثلا : لو أمر السید عبده بإتیان أمر ، وقال آخر للعبد : لو أتیت بمطلوب سیدک لقتلت سیدک ، فأتی العبد ذلک المطلوب لا لأجل أن السیّد طلب بل لأجل أنّ السیّد یقتل لا شک فی کونه عاصیا وإن أتی بما هو مطلوب السیّد ، وکذا لو أتی به بشهوة نفسه لا لشهوة سیده. والبیان الوارد فی الطهارات مثل البیان الوارد فی الصلاة لا یظهر کونه بیانا لتمام ماهیتها وشرائطها ، بل الظاهر خلاف ذلک ، ولا ینفع التمسک بالأصل بعد العلم بوجوب الإطاعة والامتثال.

ومما یدل علی کون الطهارة مثل الصلاة فی کونها فی نفسها عبادة قوله

ص: 240

علیه السلام : « الصلاة ثلث طهور ، وثلث رکوع ، وثلث سجود » (1) وأنّه ورد الأجر العظیم فی فعلها حتی فی قطرات مائها وبقاء بللها وغیر ذلک ، وسنذکر بعضا ، فتأمّل.

ومما یشهد أیضا أنه إذا دخل الوقت وجب الطهور ، مع أنّه قبل الوقت صحیح وسنة ، فظهر أنّ وجوبها لیس بمحض تحقق الصلاة عقیبها ، فتأمّل.

قوله : ملتبس جدا. ( 1 : 185 ).

قد ذکرنا فرقا ونذکر أیضا فرقا آخر ، وهو أنّ العبادة لا بدّ فیها من قصد الفعل للمعبود المعین المعلوم ، وإلاّ لم تکن عبادة له ، ووقع الإجماع علی وجوب النیة فی العبادات ، والأخبار کثیرة فی لزوم فعلها لله تعالی ، والإخلاص وترک الشرک بالله وحرمة الریاء ، والقرآن أیضا دالّ ، ولذا لم یتأمّل أحد فی الوجوب للصلاة ونظائرها.

وکون الوضوء عبادة یظهر من الحدیث ، مثل قول الرضا علیه السلام حین منع من صب الماء : « تؤجر أنت وأوزر أنا » (2). واستشهد بقوله تعالی : ( فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (3) ، لکن فیه تأمّل ، إذ ربما یظهر منه خلاف ذلک ، فلاحظ وتأمّل.

ومما یفرق أیضا الإجماع فی إزالة النجاسة بعدم اشتراط النیة بالتقریب الذی مر فی الحاشیة ، والإجماع فی الطهارات بالاشتراط لما

ص: 241


1- الکافی 3 : 273 / 8 ، التهذیب 2 : 140 / 544 ، الفقیه 1 : 22 / 66 ، الوسائل 6 : 310 أبواب الرکوع ب 9 ح 1.
2- الکافی 3 : 69 / 1 ، التهذیب 1 : 365 / 1107 ، الوسائل 1 : 477 أبواب الوضوء ب 47 ح 1.
3- الکهف : 110.

نقلنا. مضافا إلی عمل المسلمین فی الأعصار والأمصار ، فلیتأمّل.

قوله : وأنّ المعتبر فیها تخیل المنوی. ( 1 : 185 ).

إن أراد مجرد تخیل المنوی فهو مناف لما سیذکره من اعتبار قصد القربة والإخلاص ، وإن أراد مع قصدها ففی الحکم بسهولة الخطب مطلقا تأمّل لا یخفی علی من لاحظ الأخبار وکلام المحققین فی مقام تخلیص العمل عن الریاء وغیرها من الدواعی المنافیة للإخلاص.

وما ذکره بعض الفضلاء لیس هذه النیة قطعا ، لأنه لا یمکن التکلیف به کما اعترف به ، وهذه النیة واجبة یمکن (1) تخلّفها قطعا ، بل وربما یکون من أصعب الواجبات والتکلیفات کما أشرنا. فتأمّل.

قوله : علی أن الأمر المذکور. ( 1 : 187 ).

أی مضافا إلی الاستصحاب ، إذ لم یثبت نسخ الجمیع ، بل نسخ البعض ، بل الثابت عدم نسخ الجمیع لما یظهر من الآیات والأخبار : منها هذه الآیة ، ومنها ما یدل علی متابعة ملة إبراهیم وبقائها فی الجملة ، ومنها ما ذکر فی الأمم السابقة مدحا وترغیبا لهذه الأمّة ، ومنها ما یدلّ علی أنّ بعض الأفعال فی نفسه حسن ممدوح لا دخل للزمان وغیره فیه ، فتأمّل جدّا بعد ملاحظة المآخذ.

قوله : فهذا الاستدلال لا محصّل له. ( 1 : 188 ).

ولا یخفی أنّ قوله فی ما سبق : لا یتم إلاّ بذلک ، إشارة إلی أنّ قصد الوجوب أو الندب مقدمة لحصول المطلوب الشرعی الذی هو عبادة وتوقیفیة ، فلعل قصد التعیین شطره أو شرطه شرعا ، والواجب علینا أن نأتی بالفعل علی الوجه المطلوب ولا یتم ذلک إلاّ بقصده ، إذ بدون ذلک لا یعلم

اشتراط القربة فی النیّة

اشتراط قصد الوجوب أو الندب

ص: 242


1- فی غیر « أ » : لا یمکن.

حصول المطلوب ، إذ لیس هو أمرا عقلیا أو عرفیا أو أمثال ذلک ، حتی یرجع إلیها فی معرفته.

وأمّا الشرع فلا إجماع ولا نص ینفع ، إذ مثل قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ ) . (1) لم یذکر فیه إلاّ نفس الأجزاء المختصة بالوضوء ، أمّا الکیفیة المخصوصة والأمور العامة المشترکة بینه وبین جمیع العبادات سواء أنّها أیضا أجزاؤه أو شروطه مثل النیة والإیمان وعدم الغصب وغیر ذلک فلم یذکر فیه ، بل لم یرد فی نص من النصوص الواردة فی بیان کیفیة عبادة من العبادات ذکر أمر من الأمور العامة ، بل تلک الأمور ثابتة فی مقام آخر بعنوان الضابطة الکلیة والقاعدة العامة من غیر خصوصیة بمکان دون مکان.

ولذا قدماؤنا أیضا لم یذکروا فی عبادة من العبادات أمرا من الأمور العامة لما أثبتوها فی موضعه المختص به. وأمّا المتأخرون فهم أیضا لم یذکروا سوی النیة ، وربما یذکر بعض منهم بعضا آخر مثل عدم الغصبیّة.

ومعلوم أن النزاع فی کیفیة النیة بعد فرض وجوب أصلها وتسلیمه ، فعلی هذا نقول : کیف یثبت من مجرد قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ ) - الآیة - مثلا عدم دخول قصد الوجوب والندب فی النیة التی هی من الأمور العامة جزما ، وغیر مختصة بالوضوء أصلا ، وثابتة من الدلیل الخارج قطعا سیما ومن أدلتها « لا عمل إلاّ بنیة » (2) ، وأمثالها الدالة علی اشتراط مطلق النیة ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط. مع أنّ من الأدلة قوله علیه السلام : « إنما لکل امرئ ما نوی » (3) وربما یظهر منه أن ما لم ینو لیس له ، فتأمّل ، إلاّ أن یثبت الشارح

ص: 243


1- المائدة : 6.
2- انظر الوسائل 1 : 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.
3- أمالی الطوسی : 629 ، الوسائل 1 : 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

عدم الدخول وعدم الحاجة إلی المقدمة لتحصیل العلم بالبراءة بالأصل ، وجریانه فی العبادات معرکة لآراء الفقهاء.

ومع ذلک ، الشارح أیضا ربما لا یعتدّ بالأصل فی العبادات ولا یثبت کیفیتها به ، إلاّ أن یثبت أنّ النیة خارجة عن ماهیة العبادات ، وهو خلاف المشهور ، ویثبت أیضا أنّ معرفة ماهیة النیة من باب معرفة غیر العبادات.

ومع ذلک لما کان الشارح من المنکرین للحقیقة الشرعیة وبمجرد الصارف عن المعنی اللغوی لا یکتفی بالرجوع إلی الحقیقة عند المتشرعة ربما یشکل الأمر بالنسبة إلیه من هذه الجهة أیضا.

ومع ذلک قوله : هذا الاستدلال لا محصل له ، فیه ما فیه ، لأنّه تمام علی قاعدة جماعة کثیرة من الفقهاء. فتأمّل.

ویمکن أن یقال : إنّ النیة من الأمور التی یعم بها البلوی ویکثر إلیها الحاجة وتشتد ، لأنّ أقسام العبادات من الواجبات والمستحبات بالأصالة أو بالعرض فی غایة الکثرة ، وجمیع المکلفین یحتاجون ، والاحتیاج فی غایة الکثرة ، بل فی الیوم مرات کثیرة بالنسبة إلی مثل مستحبات الخلاء والوضوء ومستحباته ، والصلاة من الأذان إلی آخرها ، والتعقیبات وأدعیة الساعات ، وقراءة القرآن إلی غیر ذلک ، فلو کان قصد الوجوب أو الندب معتبرا فیها لأکثر الشارع من الأمر بالعمل والتعلیم والتعلم ( وکثر العمل والتعلیم والتعلم ) (1) ، وشاع فی الأعصار والأمصار ، واشتهر غایة الشهرة ، ومع ذلک لم یصل خبر ولا أثر ، بل وربما وصل ما یفید خلاف ذلک ، مثل أنهم صلوات الله علیهم ربما أمروا بفعل أمور بعضها واجب وبعضها مستحب ، مثل کبّر سبع

ص: 244


1- ما بین القوسین لیس فی « و » و « ج » و « د ».

تکبیرات ، وسبّح ثلاث تسبیحات (1) وغیر ذلک ( ولم یأمروا بقصد التعیین.

ویؤیده أیضا أنهم کثیرا ما أمروا الواجب والمستحب بلفظ افعل ، وما ورد من أنّ غسل الجمعة یصیر عوضا عن غسل الجنابة فی ناسی غسلها فی الصوم الواجب (2).

ویؤیده أیضا الأدلة الدالة علی أصالة البراءة ما لم یثبت التکلیف.

ویؤیده عدم إشارة إلی أنّ المکلف فی صورة لم یعلم خصوص الوجوب أو الندب ما ذا یصنع.

نعم ، ببالی أنّه ورد فی بعض الأخبار ما یشیر إلی اعتبار قصد الوجوب أو الندب مثل من دخل فی الصلاة وشکّ أنّه هل نوی النافلة أو الفریضة (3) وغیر ذلک ) (4) وسیجی ء من الشارح ما یظهر منه أنّه أیضا اعتبر فی أمثال المقامات ، لکن ربما کان جمیع ذلک منحصرا فی صورة یکون کل واحد من الوجوب والندب من مشخصات الفعل وممیزاته ، ویکون حینئذ اعتبارهما من جهة لزوم قصد التعیین لتحقق الإطاعة والامتثال کما مر ، وسیجی ء فی الحاشیة الآتیة أیضا.

والاتفاق واقع فی لزوم قصد التعیین مضافا إلی الأدلة التی مرت الإشارة إلیها ، مثل عمل کافة المسلمین فی الأعصار والأمصار ، وأن کلّ أحد یعلم أنّه لا بدّ من الإطاعة ، وأنّها لا تتحقق إلاّ بقصد المطلوب ، وأنّ المکلّف أمر ولأجله أفعل ، وغیر ذلک مما مر وسیجی ء.

ص: 245


1- انظر الوسائل 6 : 20 أبواب تکبیرة الإحرام ب و: 299 أبواب الرکوع ب 4.
2- الوسائل 10 : 238 أبواب من یصح منه الصوم ب 30 ح 2.
3- الوسائل 6 : 6 أبواب النیة ب 2.
4- ما بین القوسین لیس فی « ه ».

ولکن الأحوط قصد الوجوب أو الندب أیضا ، لما مر وسیجی ء ، وإن کان الظاهر عدم الوجوب ، لکن الاحتیاط فی موضع یعلم الوجوب أو الاستحباب ، أمّا إذا لم یعلم مثل الوضوء فی الوقت المشکوک فیه وغسل الجمعة بالنسبة إلی من لم یعلم الوجوب أو الاستحباب ومتحیّر فیهما فلا حاجة إلی الاحتیاط أیضا ، نعم لعلّ الأحوط قصدهما حینئذ علی سبیل التردید.

ومع ذلک (1) یکفی قصد الوجوب الوصفی والقیدی ولا یحتاج إلی قصد التعلیل بأن یقول : لوجوبه ، إلاّ أن یرید الاحتیاط عما ذکره العدلیة فی کتبهم الکلامیة (2) ، فتدبر. والله أعلم بحقائق أحکامه.

هذا ، ویمکن أن یجعل مراد المستدل أنّ العبادة تقع علی وجوه متعددة : الوجوب ، والندب ، والکراهة ، والحرمة ، فإن قصد وجها معیّنا وکان هو المطلوب ثبت المطلوب ، وإن کان غیره لم یتحقق الامتثال ، لأنّه الإتیان بالمطلوب ، وإن قصد غیر المعیّن لم یتحقّق الامتثال أیضا ، لأنّ غیر المعیّن یتحقّق فی ضمن کلّ فرد ، وجمیع الأفراد متساویة فیه ، فلا خصوصیة له بالمطلوب ، وحینئذ یکون الفرق بین هذا الدلیل والدلیل الثانی أنّه أعمّ منه.

قوله : کما ذکره المتأخرون. ( 1 : 188 ).

یمکن أن یکون مراده أنّه یمکن للمکلف أن یوقع الفعل علی وجه الوجوب تارة وعلی الندب أخری ، بأنّه عنده کذلک وإن لم یکن فی الواقع ، إذ لا بدّ أن یمتثل هو ویعلم أنه ممتثل ، ولو لم یعلم لم یکن بعد ممتثلا عرفا لأنه اعتقد أنّه غیر ممتثل ولا یرید الامتثال ولم یقصد إتیان ما طلب منه ،

ص: 246


1- فی « و » : بل ومع ذلک.
2- انظر الاقتصاد : 109 ( للشیخ الطوسی ) ، وکشف المراد : 407.

فکیف یکون ممتثلا؟! فإذا علم أنّه عبادة والعبادة لا تخلو عن الرجحان وتوهم أنه علی قسمین أو جاز ذلک عنده فلا بدّ أن یأتی بالممیز.

هذا حال الجاهل أو المتوقف فی عدم جواز الاجتماع کالشارح ، وأمّا المعتقد له لتمکنه أن یقصد مستحبا فی مقام الواجب وبالعکس - وإن لم یکن مشروعا کقصد الریاء والتبرید محضا وأمثالهما - فیجب علیه عدم قصد المخالف للحق ، لما عرفت.

وقصد التعیین واجب قطعا ، لأنّه یکون به ممتثلا کما عرفت ، وهو إمّا قصد الوجوب أو الندب أو قصد الوضوء الذی ذمتی مشغولة بما یتوقف علیه أو فارغة عنه وهما یستلزمان الوجوب والندب عادة ، بل ربما کانا رجعا إلیهما فی المعنی.

نعم إن نوی ما أراده الشارع منه ، بعد أن یعتقد أنه لیس إلاّ واحدا معینا ، ولم یتذکر أیهما هو فالظاهر أنّه یکفی ، لکن لعله من الفروض النادرة ، فتأمّل.

قوله : لکن امتثال الأوامر. ( 1 : 188 ).

لا یخفی أن الإطاعة لا تتحقق عرفا إلا بقصد تعیین المطلوب فیما إذا کان المطلوب أمرین متغایرین یتمیز أحدهما عن الآخر فی نظر المأمور أیضا ، فإذا أتی بأحدهما فلا بدّ من تعیینه بملاحظة ما به الامتیاز.

مثلا : عند الصبح مکلف برکعتین فریضة ، ورکعتین نافلة ، فلا بدّ للمکلف من أن یعین أحدهما حتی یکون ممتثلا ، سیما إذا أراد امتثال أحدهما معینا ، فلو صلی رکعتین من دون تعیین کونهما فریضة أو نافلة لا یعد ممتثلا ، لا بالنسبة إلی الفریضة ، ولا بالنسبة إلی النافلة.

نعم ، إذا تمیز الفریضة عن النافلة بالماهیة أو بلازم آخر سوی الوجوب أمکن الاکتفاء بقصد الماهیة أو اللازم الآخر ، ومعلوم أنّ ما نحن فیه لیس

ص: 247

کذلک.

مع أنّ الحکم بوجوب الطهور إذا دخل الوقت لا بدّ له من ثمر یثمر بالنسبة إلی المکلف ، إذ بمجرد دخول الوقت لا یترتب العقاب علی ترکه ، والصحة والمشروعیة کانت حاصلة قبل الوقت أیضا ، وکونها شرطا لصحة الصلاة لا دخل له فی دخول الوقت ، فضلا عن الوجوب ، للإجماع علی صحّة الصلاة بالوضوء المندوب مثلا ، والحاصل قبل دخول الوقت ، واشتراطها للصلاة لا یفهم من هذا الخبر ، بل لا بدّ من أن یکون مفهوما من الخارج ، وکونها واجبة بالأصالة بعد دخول الوقت باطل قطعا ، ومرّ أنّ ثمرة النزاع فی الوجوب للغیر والوجوب للنفس تظهر فی نیة الوجوب والاستحباب ، فتأمّل.

ویؤیده ما ذکره العدلیة فی کتبهم الکلامیة من أنه یشترط فی استحقاق الثواب علی فعل الواجب أن یوقع بوجوبه أو وجه وجوبه ، وفی المندوب أیضا کذلک.

قوله : ولم تکن النیة. ( 1 : 189 ).

لا شبهة فی أنّ الناوی کذلک مخطئ علی أی حال ، بل وفاعل حرام لو قصد کونه کذلک شرعا أو اعتقد ، إنّما الکلام فی أنّه هل یؤثّر فی قبح الفعل أم لا ، فإذا سلّم أن له حقیقة فلا وجه لتأمّله فی قبح وضوئه ودعوی کونه مخطئا فی نیته فقط ، فتأمّل.

قوله : فی غایة الجودة. ( 1 : 189 ).

جیّد فی صورة نوی الذی أراده الله تعالی منه فی الوقت الذی یفعله ، وکان ما أراده واحدا معینا ، وأمّا إذا کان متعدّدا متمیزا وما به التمییز خصوص الوجوب والندب فقد عرفت حاله ، وکذا إذا لم یکن متعددا لکن المکلّف یزعم التعدد ونوی غیر الذی أراده الله تعالی منه ، فهو بالنسبة إلی المجتهد

ص: 248

یمکن أن یکون حکما ظاهریا صحیحا بالنسبة إلی ما یزعم تحققه لا بالنسبة إلی المتحقق ، فتأمّل.

وکذا یشکل الحکم فی غیر المجتهد ، لأنّ خطاءه غیر معذور ولا معفوّ عنه ، فتأمّل جدا.

وبالجملة : یکون ممتثلا إذا نوی الذی أراده الله تعالی وعیّنه بوجه من الوجوه ، فلا یضرّ خطاؤه فی اعتقاده باتصافه بالصفة التی لیست فیه ، بل ویکون ضدّها فیه.

قوله : واحتج علیه المشترط. ( 1 : 189 ).

استدلاله لیس کذلک ، بل قال : إنّ المفهوم وجوب إیقاع الغسل والمسح لأجل الصلاة ، ولا معنی لهذا إلاّ أنّه لأجل أن یبیح له فعل الصلاة ، کما أنّ المفهوم فی المثالین کذلک.

ولذا لو قال المولی لعبده : إذا لقیت الأمیر فخذ أهبتک ، فأخذ العبد الأهبة لا لأجل لقاء الأمیر بل وصرّح العبد بأنّی لم آخذ تهیأ للقاء الأمیر بل لأمر آخر لا یکون ممتثلا ومطیعا للمولی فی ما أمره به ، سیما إذا صرّح العبد بأنّه لو لا الأمر الآخر ما کنت آخذ الأهبة أبدا.

وکذا الحال فی قوله لعبده : أعط الحاجب درهما لیأذن لک ، إذ لم یجوّز تحصیل إذنه بغیر الدرهم ، حتی یصیر شرطا شرعیا ، وأمّا إذا کان مراده تحصیله کیف کان - والدرهم مقدمة عقلیة کما هو الظاهر من القرینة - فلا دخل له فی ما نحن فیه ، ولذا لو رضی الحاجب بغیر درهم یکون العبد ممتثلا وإن لم یعط درهما أصلا ، بل ربما کان عاصیا إن اعطی.

وکذلک الحال فی المثالین الآخرین لو ادعی قرینة علی مراد المولی ، بأنّ مراده کون العبد مع الهبة أو السلاح حین اللقاء کیف کان ، نظیر طهارة الثوب والبدن للصلاة.

اشتراط نیّة الرفع أو الاستباحة

ص: 249

وبالجملة : فرق بین أن یقال : لا بدّ من الوضوء حین الصلاة وأمثال هذه العبارة وأن یقال : اغسل وجهک للصلاة ، ولذا لم یستدل المستدل بمثل : « لا صلاة إلا بطهور » (1) مع صراحة دلالته علی الاشتراط.

ومما ذکرنا یشکل ورود الإیراد الذی أورد فی الذخیرة علی المستدل : بأنّ غایة ما یلزم من الدلیل کون الوجوب لأجل الصلاة علی أن یکون الظرف قیدا للوجوب لا وجوب الوضوء لأجل الصلاة علی أن یکون قیدا للوضوء. انتهی (2).

وذلک لأنّه إن أراد الوجوب الشرطی ففیه أنّه معنی مجازی للأمر ، وإن أراد الشرعی فعلی تقدیر تصحیح خلو الظرف عن الوضوء الذی هو غسل الوجه. یتم دلیل المستدل أیضا ، کما ذکره ، فتأمّل جدّا.

قوله : لا یقتضی وجوب إحضار النیة. ( 1 : 189 ).

فیه : أنّ الأدلة التی استدل بها علی وجوب نیة القربة لا تدل علی وجوب إحضارها عند فعلها ، وبالجملة کون النیة هی المخطر بالبال أو الداعی علی الفعل کلام آخر لیس المقام مقامه ، فتأمّل.

قوله : فإنّه یکفی إعطاؤه. ( 1 : 189 ).

فیه اعتراف بأنّ وجوب الإعطاء توصلی لا شرط شرعی ، فلا وجه لتمسّکه به وجعله مماثلا لوجوب الغسل والمسح الذی هو عبارة عن وجوب الوضوء ، فتأمّل.

قوله : لعدم الأولویّة. ( 1 : 191 ).

هل یصح الوضوء لو ضمّ إلی نیّة التقرب إرادة التبرّد أو غیر ذلک فیه أم لا؟

ص: 250


1- التهذیب 1 : 49 / 144 ، الاستبصار 1 : 55 / 160 ، الوسائل 1 : 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
2- ذخیرة المعاد : 24.

لو کان کل واحد منهما علة مستقلة للفعل وتداخل لأمکن القول بالصحة ، أما لو کان جزء العلة له وکان لو لم ینضم الآخر لما فعل لبطل کما قال ، لکن یشکل الأمر فی ضم الراجح أیضا ، فإن من صام شهر رمضان بضم الحمیة بحیث لو لم یکن الحمیة لما صام لا یعد ممتثلا لصوم شهر رمضان ومطیعا لله تعالی فی ذلک عرفا ، فتأمّل.

قوله : ومتی أخلّ بالاستدامة. ( 1 : 192 ).

لا یخفی أنّ النیة علی المشهور هی صورة مخطرة بالبال ، لأنها الداعیة علی الفعل ، فلا بدّ أن تکون موجودة فی الذهن بحیث تؤثر فی الإیجاد ، فلو لم تکن موجودة لا تؤثر قطعا ، فکذا لو کانت فی الحافظة ، إذ حال النسیان لا تؤثر قطعا.

والذی دعاهم إلی ذلک ما عهد من حصر القوی الباطنة فی الخمسة المشهورة المعهودة ، ولهذا شرطوا المقارنة للوضوء والصلاة وغیرهما ، لتحقق مفاد التلبس المستفاد من الأدلّة.

وکذا اعتبروا الاستدامة الحکمیة دون الفعلیة لتحقق الحرج مطلقا والتعذر فی بعض الأحیان ، إذ ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ ) ، فإذا توجه إلی إحضار الصورة فکیف یتأتی أن یتوجه إلی إصدار الفعل.

والحق أنّ المؤثر غیر منحصر فی المخطر علی ما نشاهد فی وجداننا ، فإنّا کثیرا ما نفعل الأفعال الاختیاریة من غیر إخطار ، بل ومع غایة توغل النفس فی الأفکار ، أو المکالمات والمخاصمات ، أو الصناعات والحرف ، أو المشی ، أو غیر ذلک.

ولذا بعد الصلاة بلا فصل نشتغل بالأوراد والأدعیة والقرآن ، سیما وکل واحد واحد مغایر للآخر غایة المغایرة نأتی بالکل من دون إخطار أصلا بالنسبة إلی کل واحد واحد ، ولا بالنسبة إلی المجموع ، بل والفکر فی غایة التوغل

ص: 251

فی أمور أخر ، کما هو حال صلاتنا ، مع أنّ کل واحد واحد من أفعال الصلاة یصدر عنا ، سیما مع مضادّتها وکمال مغایرتها مع الآخر. ومن البدیهیات أنّ الفعل الاختیاری لا یمکن صدوره من غیر قصد وداع.

فالحق ما قاله الشهید من اعتبار الاستدامة الفعلیة ، لأنّ العدم لا یؤثر قطعا ، ونحن نرکع ونسجد مثلا علی قیاس ما نقرأ الدعاء فی التعقیب والأوراد من دون تفاوت أصلا ، وحکایة انحصار القوی غیر مضرّة ، إذ لا شکّ فی أنّ مراتب القوة الحافظة ودرجاتها متفاوتة ، فلعل أوائل الحافظة تکون بحیث تؤثر ، بل المدرک بالوجدان أنّ الأمر کذلک ، فتدبر.

قوله : وفی البناء نظر. ( 1 : 192 ).

لجواز التمسک بمجرد الاستدامة الحکمیة من دون اعتبار لفعلیة النیة فی الاستدراک ، فتأمّل.

قوله : لکن تحققه مشکل. ( 1 : 192 ).

إذ کیف یفعل البعض بقصد القربة مع عدم انضمام البعض الآخر ، وعدم اعتباره وملاحظته ، مع أنّه لیس بعبادة إلاّ بانضمامه واعتباره معه ، فتأمّل.

قوله : هو بعینه معنی الاستدامة الفعلیة. ( 1 : 193 ).

فإنّه - رحمه الله - قال : مقتضی الدلیل الاستدامة ، لکن لمّا تعسّر ذلک أو تعذّر اکتفی بالاستدامة الحکمیة ، ثم فسرها بالبقاء علی حکمها والعزم علی مقتضاها ، والذی نفاه أوّلا هو الأمر الذی تعذّر أو تعسّر استدامته ، کما صرّح به ، وهو مرکّب من صور متعددة مترتبة ، کل واحدة منها مخطرة بالبال ، والذی أثبته هو الأمر البسیط الإجمالی ، وهو مجرد العزم علی ما قصد أوّلا.

ولعلّ مراده أنّه لیس مخطرا بالبال ، لأنّ استدامة إخطاره متعذّر أو متعسّر أیضا ، بل هو فی أوائل الحافظة ، کما أشرنا ، فبین المنفی والمثبت

ص: 252

فرق من وجهین : الإجمال والتفصیل ، والمخطریة وعدمها ، بل وکون المنفی العزم علی نفس العبادة ، والمثبت العزم علی ما عزم به أوّلا ، فتأمّل.

واعترض علیه بأنّه لا دلیل علی الاستدامة الفعلیة ، إذ القدر الثابت أنّ العبادة لا بدّ أن تکون متلبسة بالنیة فی الجملة (1).

وهذا الاعتراض فی غایة السخافة ، إذ لا شبهة فی أنّ مقتضی الأدلّة کون العمل بجمیع أجزائه لا بدّ وأن یکون خالصا لله ، وأن یکون بالنیة ، وأن یکون المکلف ممتثلا فیه.

لکن یرد علیه أنّ مقتضی الدلیل إن کان مراعاة الاستدامة الفعلیة ، فإذا تعذرت أو تعسرت فأیّ دلیل یدل علی الاکتفاء بالحکمیة ومراعاتها ووجوب اعتبارها؟ إلاّ أن یقال : المرتبة الإجمالیة جزء المرتبة التفصیلیة ، أو یتحقق فیها ما هو جزؤها ، و « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) و « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (3) ، وهما مرویّان عن علی علیه السلام ، وللاستصحاب ، فتأمّل.

نعم یتوجه علیه أنّه لا وجه لجعل النیة خصوص المرکب التفصیلی دون البسیط الإجمالی ، إذ لا دلیل علی وجوب التفصیل وتعین هذا الوجودی دون الوجودی الآخر ، وجعل الوجودی بدلا اضطراریّا.

واعلم أنّ بین المخطر بالبال والداعی علی الفعل عموما من وجه ، إذ ربما یکون الداعی سوی ما یخطر صورته غفلة.

ص: 253


1- ذخیرة المعاد : 25.
2- انظر عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 و 207.
3- انظر عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 و 207.

قوله : عبادة الذاهل. ( 1 : 193 ).

إن أراد الذهول عن صورة العزم ونقشه فلیس ذلک بمقتض لبطلان عبادة هذا الذاهل قطعا ، وإن أراد عدم عزمه لفعل ما بقی لله تعالی ولم یفعل الباقی بقصد القربة والإخلاص وعزم الامتثال ، فدعوی قطعیة البطلان باطلة ، سیما بملاحظة ما ذکره ابن زهرة من أنّ الفرض الثالث استمرار حکم النیة إلی حین الفراغ ، وذلک بأن یکون ذاکرا لها غیر فاعل لنیة تخالفها ، بالإجماع (1). انتهی.

قوله : الثالث أنّ ما ذکره. ( 1 : 193 ).

لم أفهم کلام الشهید - رحمه الله - بأن مراده من الباقی والمؤثر ما ذا ، والاحتیاج فی أی شی ء حتی أفهم اعتراض الشارح ، وأنه وارد علیه أم لا.

والذی یظهر من کلامه أن مراده من الباقی هو أجزاء العبادة التی یرید المکلف أن یأتی بها بعد النیة ، ومراده من المؤثر هو النیة التی هی علة غائیة فی وجودها.

وهو فی غایة الفساد ، لأنّ الأجزاء لم تکن موجودة ولا تکون باقیة بالبدیهة ، وما ادّعی أحد ولا توهم متوهم ولا یمکن أن یتوهم ، لأنّها معدومة حال النیة بالبدیهة ، تحدث شیئا فشیئا بعد النیة وتخرج من العدم إلی الوجود ، وبعد الوجود تعدم ولم یکن لها بقاء أصلا حتی یقال : إنّها فی حال الوجود یحتاج إلی المؤثر دون حال البقاء ، فتأمّل.

والأظهر أنّ مراده من الباقی أثر النیة أعنی الصحة. وفیه : أنّه لم یظهر بعد (2) نفس الأثر فکیف بقاؤه ، مع أنّه - رحمه الله - اعترف بأنّ مقتضی الدلیل اعتبار الاستدامة الفعلیة ، وهذا یقتضی أن یکون بدونها غیر

ص: 254


1- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 553.
2- لیس فی « ه ».

صحیحة ، فتأمّل.

قوله : والوجه فیه صدق الامتثال. ( 1 : 193 ).

فیه تأمّل ، لأنّ مقتضی الدلیل أنّ کلا من [ الأحداث ] (1) علّة مستقلة ، وأهل العرف لا یفهمون من مثل هذا کون المعلول واحدا إذا وقع عقیب علل متعددة حتی یحکم بتحقق الامتثال عندهم ، بل لا یبعد أن یقال : إنّ الظاهر عندهم التعدد إلاّ أن یصرح الآمر بکفایة الواحد ، وإن شئت معرفة صدق ما قلناه بدّل الحدث والوضوء بأمر عرفی ثم تأمّل.

نعم ، المتشرعة یفهمون کما ذکره ، بل ویوجبون کون الوضوء واحدا ولا یرضون بالوضوء لکل حدث علی حدة ، ولیس ذلک إلاّ من وقوع الإجماع کذلک ، بخلاف الغسل کما سنذکر ، مع أن مفهوم العبارة بحسب العرف فی الوضوء والغسل واحد ، بل وغیرهما من الأمور التی لا تأمل لأحد فی ظهور التعدد ، فتأمّل.

قوله : إلی صدق الامتثال. ( 1 : 194 ).

فیه - مضافا إلی ما سبق - : أن التداخل عبارة عن صیرورة شی ء أو أشیاء شیئا واحدا ، أو کفایة شی ء عن شیئین أو عن أشیاء ، ولا شک فی کون هذا خلاف الأصل ، فلا یمکن أن یقال به إلاّ بدلیل ، وصدق الامتثال العرفی کیف یجوز أن یصیر دلیلا؟ لأن أهل العرف کیف یمکنهم أن یحکموا بصیرورة شیئین شرعیین شیئا واحدا وکفایة واحد شرعی عن متعدد شرعی؟! إلاّ أن یرید من التداخل کون المکلف به شیئا واحدا لا تعدد فیه أصلا وإن کانت أسبابه متعددة ، لأنها من قبیل الأمارات والمعرّفات ، لکن قد عرفت أن الظاهر من الأدلة تعدد المسببات وإن کانت من قبیل المعرفات

- کفایة وضوء واحد بنیّة التقرب عن أسباب متعددة

تداخل الأغسال الواجبة

ص: 255


1- فی النسخ : الحدث ، والأنسب ما أثبتناه.

یجوز اجتماعها علی معلول واحد ، لأن الجواز لا کلام فیه ، وإنما الکلام فی الظهور ، إذ لا نسلم الظهور فی الواحد بل ندعی الظهور فی التعدد کما مر.

بل الأخبار التی یستدل بها هاهنا أیضا ظاهرة فی التعدد ، حیث قال : « إذا اجتمعت علیک حقوق » فإن الحقوق ظاهر بل صریح فی التعدد ، وکذا قوله علیه السلام : « أجزأک عنها » لأنه صریح فی الکفایة عن المتعدد ، لا أنه لا تعدد أصلا ، فإن حجة الإسلام مثلا تکلیف واحد لا یمکن أن یقال یجزئ عن حجتین للإسلام أو ثلاث حجج ، إذ لا تعدد فی حجة الإسلام أصلا.

وأیضا : غسل الجنابة له ثواب خاص ، وهو من الفرائض ویرفع الحدث الأکبر والأصغر قطعا ولا یجوز معه الوضوء ، وغسل مس المیت له ثواب خاص ، ووجوبه من السنة ، وغیر معلوم أنه یرفع الحدث الأصغر ، بل الشارح - رحمه الله - ادعی أن مسّ المیت لیس بحدث أصلا (1) ، ومع ذلک یجوز معه الوضوء ، بل ویجب الوضوء مع غسل الحیض ومعه أیضا.

فکیف یمکن أن یقال : جمیع الأغسال الواجبة شخص واحد لا تعدد فیه أصلا ، وأنّ المکلف لا یثاب إلا بثواب شخص واحد؟ إذ لا شک فی بطلانه إذ مع التداخل أیضا یثاب المکلف بثواب الأغسال التی کانت علیه.

ودعوی اتحاد الأغسال المستحبة أظهر فسادا منها ، وأظهر فسادا منهما دعوی اتحاد الواجب والمستحب سیما الواجبات والمستحبات.

وهذا أیضا ینافی استشکاله فی صورتی التعیین وتفریقه بین صورتی التعیین وبین غیرهما ، بل یلزم منه عدم التفاوت أصلا بین من قصد امتثال جمیع الأغسال وبین من لم یقصد امتثال الجمیع ومن قصد عدم الامتثال بالنسبة إلی بعضها ، بل ومن بنی علی العصیان بالنسبة إلی البعض ، فتأمّل.

تداخل الأغسال المستحبّة

ص: 256


1- انظر مدارک الأحکام 1 : 16.

قوله : والأظهر التداخل. ( 1 : 194 ).

الامتثال إذا تحقق فی عبادة اقتضی استحقاق ثوابها والاستئهال له ، فإذا لم یکن مقصود المکلف الإتیان بتلک العبادة أصلا ولم یرد إطاعة الله فیها مطلقا بل وربما أعرض عنها صفحا کیف یکون مستحقا لثوابها؟ بل قد مرّ أن الامتثال فی العبادات یتوقف علی قصد التعیین والإطاعة ، وغیر العبادة لا یتوقف ، ومن جملته الواجبات الشرطیة التی لیست بعبادة ، وبعض الأغسال وإن کان شرطا للعبادة إلاّ أنه فی نفسه عبادة.

فعلی هذا نقول : الغسل من حیث هو هو لیس بمستحب ، بل إنما استحب لفعل خاص أو زمان خاص أو مکان خاص عیّنه الشارع ، فلو لم یقصد سوی الغسل من حیث هو هو کیف یکون آتیا بالمستحب؟.

اللهمّ إلاّ أن ینوی الغسل الذی أراده الشارع أی بهذا العنوان ، وهذا علی صور ثلاث : قصد العموم ، والخصوص ، ولا هذا ولا ذاک ، والأولی صحیحة مجزیة للامتثال ، ومثلها قصد التداخل شرعا ، والثانیة صحیحة بالنسبة إلی الخاص المعین دون غیره ، لعدم إرادة إتیانه وامتثاله ، أو لإرادة عدم إتیانه وإطاعته ، والثالثة صحتها لا تخلو عن الإشکال ، لاشتراط قصد التعیین فی الامتثال ، کما قلنا.

ثم إن استحباب الغسل لفعل أو زمان أو مکان ورد فی الأخبار علی صورتین : الأولی : الأمر بفعله له ، وهذه حکمها مر. والثانیة : افعل ذلک الفعل وأنت علی غسل ، أو ذلک الفعل شرطه أن یکون مع الغسل ، وأمثال هذین ، وهذه یتحقق الامتثال فیها بتحقق الفعل مع الغسل مطلقا ، سواء قصد حین الاغتسال أم لا.

نعم ، لا بدّ أن یکون الغسل فی نفسه متحققا بإحدی الصور الصحیحة التی أشرنا إلیها ، مضافا إلی أن فاعل ذلک لا بدّ أن یکون عالما

تداخل الأغسال المستحبّة

ص: 257

بالمسألة وعالما بأنه علی غسل ، علی الرأی المشهور من عدم صحة عبادة الجاهل وإن وافقت الواقع ، وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله ، وقس علی الفعل حال الزمان والمکان ، وعلی الأغسال المستحبة الأغسال الواجبة ، أو التی بعضها واجب وبعضها مستحب.

فإن قلت : الإمام علیه السلام لم یتوجه فی الأخبار الدالة علی التداخل إلی قصد التعیین مطلقا.

قلت : لم یتوجه فی تکلیف من التکالیف إلیه ولا إلی قصد الامتثال والقربة ، فالدلیل المقتضی لاعتبارهما یشمل ما نحن فیه ، فتأمّل.

ثم اعلم أن ما ذکرناه إنما هو بالقیاس إلی حصول الثواب ، وأما استباحة الفعل المشروط بالغسل ، فهی حاصلة وإن لم یقصد إلاّ رفع بعض الأحداث ، بناء علی أن الحدث معنی واحد ، بل وإن لم یقصد الرفع ولا الاستباحة ، بناء علی عدم وجوب قصدهما ، ویظهر ذلک من الأخبار ، مثل مرسلة جمیل (1) وما رواه ( الصدوق فی ) (2) الفقیه (3) وغیرهما ، وفی دلالة المرسلة إشکال ، وإذا قصد رفع بعض وعدم رفع بعض فمشکل صحة مثله.

ثم اعلم أیضا أن المطابق لقواعدهم أنه إن قصد الجنابة لا یتوضأ مع الغسل ، وإن قصد الحیض یتوضأ ، وإن قصدهما لا یتوضأ ، والأحوط والأولی قصد الجمیع ، إلاّ أن یکون غافلا أو جاهلا ویکون بحیث لو لم یکن غافلا أو جاهلا لأتی بما غفل عنه أو جهله ، فلا یبعد أن یقال : إنه تعالی یعطیه ثوابه أیضا ، ویکون داخلا فی التداخل ، فتأمّل.

ص: 258


1- الکافی 3 : 41 / 2 ، الوسائل 2 : 263 أبواب الجنابة ب 43 ح 2.
2- بدل ما بین القوسین فی « ج » و « د » : فی الکافی و.
3- الفقیه 1 : 44 / 173 ، و: 93 / 25.

قوله : وقد ذکر فی أوّل الکتاب. ( 1 : 197 ).

لا یخفی أنّ الحدیث الغیر الصحیح لیس بحجة عند الشارح وإن انجبر بفتوی الأصحاب ، ویقول : فتاویهم إن وصلت إلی حدّ الإجماع فهی حجة ولا حاجة إلی الخبر (1) ، وإلا فلا فائدة. فکیف یکتفی بفتوی واحد منهم ، فإذا اجتمع فتاوی سائر الفقهاء مع فتواه یخرج عن الاعتداد جمیعها ، وإن انفرد فتواه ولم یوافقه سائر الفقهاء یصیر حجة ومفیدا؟! وهذا من العجائب.

( مع أن انجبار الحدیث بفتاوی الأصحاب أمر ظاهر ، لأنه نوع من التبین المأمور به فی الآیة بالنسبة إلی خبر الفاسق ، بل أقوی أنواعه ، بل به یتبین حقیة خبره ، لأن التبیّن تجسّس الأمر إلی ظهور الحال ، مع أن الظن کما یکفی فی العدالة المعتبرة کذا یکفی فی التبین ، لاتحاد الحال ووحدة المقتضی والمانع فیهما ) (2).

( هذا مع أن البقاء علی الجنابة عمدا غیر مضر عند الصدوق (3) ، وأما باقی الفقهاء فلا یضر عندهم البقاء علی الجنابة نسیانا ، بل المضر هو البقاء عمدا ) (4).

قوله : إن زاد علیه. ( 1 : 197 ).

أی بغیر قصد التشریع.

قوله : وإن نقص منه أثم. ( 1 : 197 ).

ای وإن کان باطلا أیضا.

غسل الوجه

حدّ الوجه الذی یجب غسله

ص: 259


1- فی « ج » و « د » : الجبر.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- انظر المقنع : 60 ، وفی « و » و « ه » زیادة : علی ما مضی.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

قوله : أنه لا إجمال. ( 1 : 200 ).

لم یرد أنه بیان للغسل ، بل أراد أنه بیان للوضوء ، ولا شک فی أنه مجمل فی أعلی درجات الإجمال ، لأنه عبادة توقیفیة ، ووظیفة الشارع بیانها ، لأنها کیفیة استحدثها الشارع.

إلا أن یدعی الشارح أنه لم یقع التکلیف بالوضوء إلاّ من قوله تعالی : ( إِذا قُمْتُمْ ) . وإن ثبت بعض الأجزاء الأخر وبعض واجباته من دلیل آخر ، مثل الترتیب والموالاة وغیرهما. لکن هذا محل نظر ، لأنّ الوضوء کان واجبا قبل نزول هذه الآیة فی أول بعثته صلی الله علیه و آله ، والآیة نزلت فی آخر عمره صلی الله علیه و آله ، فلا یمکن أن یدعی أن هذه الآیة بیان للوضوء. مع أن البیان یستوفی جمیع ما هو جزء وداخل فی الکیفیة ، والآیة لیست کذلک.

وأیضا زرارة ونظراؤه کانوا من الفقهاء والعارفین بمدلول عبارات الآیة ، فلو کان الأمر علی ما ذکرت فلم کانوا یسألون عن وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله دون أمیر المؤمنین أو غیره من الأئمة علیهم السلام ، ولم أجیبوا بالإتیان بجمیع الواجبات دون المستحبات مثل المضمضة والاستنشاق وغیرهما؟! فتأمّل.

ومما ذکر ظهر أنّه یمکن الاستدلال علی الوجوب أیضا بتوقف حصول الامتثال العرفی علی الغسل من الأعلی ، وبأن شغل الذمة یقینی وهو مستصحب حتی یثبت خلافه وهو البراءة ، ولقوله علیه السلام : « لا تنقض الیقین إلاّ بیقین مثله » (1) وقوله علیه السلام « دع ما یریبک إلی ما لا یریبک » (2).

وجوب غسل الوجه من الأعلی إلی الأسفل

ص: 260


1- ورد مؤداه فی التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.
2- جوامع الجامع 1 : 13 ، الوسائل 27 : 167 أبواب صفات القاضی ب 12 ح 43.

ویمکن الاستدلال أیضا بأنه ثبت وجوب البدأة من الأعلی فی الید ، کما ستعرف ، فکذا الوجه ، لعدم القول بالفصل ، ویؤیده الشهرة العظیمة ، بل ربما صار شعارا للشیعة ، کما أنّ المنکوس صار شعارا للعامّة ، فربما یشمله العمومات الدالة علی الأخذ بما خالفهم ، وأن الرشد فی خلافهم ، وغیر ذلک ، فتأمّل.

قوله : مع أن أکثر الأخبار. ( 1 : 200 ).

لا یخفی أن عدم الذکر فی بعضها لا یعارض الذکر فی بعضها ، وإن أراد أن هذا مشعر بعدم فهم راوی البعض الوجوب أو کونه أمرا لا یهم به ففیه أیضا نظر ، لأن المقامات مختلفة.

قوله : فمرسل. ( 1 : 200 ).

لکن نقله الصدوق فی الفقیه مع أنه قال فی أوّل الفقیه ما قال ، وربما یظهر من الشارح الاعتماد علیه ، منه ما مرّ فی بحث التداخل فی الأغسال (1) ، مع أن موافقته لما اشتهر بین الأصحاب یکفی لانجباره ، فتأمّل.

قوله : والمستند فی ذلک. ( 1 : 202 ).

فیه : أن الغرفة الواحدة تجزی للغسل فی غسل الرأس فکیف لا تجزئ فی الوضوء؟! والأولی الاستدلال عوض هذا بصدق الامتثال العرفی ، وأصالة عدم زیادة التکلیف.

وفی کشف الغمة فی ما کتب الکاظم علیه السلام إلی علی بن یقطین اتقاء : « اغسل وجهک وخلل شعر لحیتک. » ، ثم کتب إلیه : « توضأ کما أمر الله : اغسل وجهک مرة فریضة واخری إسباغا » إلی أن قال : « فقد زال ما

عدم وجوب تخلیل اللحیة

ص: 261


1- المدارک 1 : 197.

کنا نخاف علیک » (1) ، ولم یتعرض فی هذه المرتبة إلی تخلیل الشعر ، وفیه شهادة علی کونه من بدع العامة.

قوله : نظرا إلی أن المواجهة. ( 1 : 203 ).

لم أفهم هذا ولا اعتراض الشارح ، فتأمّل.

قوله : وأیدیکم إلی المرافق. ( 1 : 203 ).

ذکر الشیخ فی الخلاف أنه ثبت عن أهل البیت أن « إلی » بمعنی « مع » هنا (2).

قوله : وهو مذهب أهل البیت. ( 1 : 204 ).

ویظهر من العلامة فی المنتهی أن وجوب غسله بالأصالة إجماعی عند الشیعة ، وما نقله الشارح من المنتهی خلاف ما فی المنتهی (3) ، فلاحظ.

قوله : توفیقا بین الآیة والأخبار. ( 1 : 204 ).

فی کشف الغمة عن الکاظم علیه السلام : « الوضوء کما أمر الله تعالی : اغسل وجهک مرة فریضة وأخری إسباغا ویدیک من المرفقین کذلک » (4) الحدیث ، وورد أیضا أن الآیة هکذا ، أی من المرافق (5) ، وضعف السند غیر مضر بعد عمل الأصحاب بمضمونه ، مع أن ما فی کشف الغمة لا تأمّل فی صحته ، فتأمّل.

قوله : للأصل. ( 1 : 205 ).

غسل الیدین

ما یجب غسله من الیدین

وجوب الابتداء من المرفق فی غسل الیدین

ص: 262


1- إرشاد المفید 2 : 227 ، کشف الغمة 2 : 226 - 227 ، الوسائل 1 : 444 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.
2- الخلاف 1 : 78.
3- قال فی المنتهی ( 1 : 58 ) : یجب غسل الیدین بالإجماع والنص ، وأکثر أهل العلم علی وجوب إدخال المرفقین فی الغسل ، خلافا لبعض أصحاب مالک ، وابن داود ، وزفر.
4- کشف الغمة 2 : 226.
5- الکافی 3 : 28 / 5 ، الوسائل 1 : 405 أبواب الوضوء ب 19 ح 1.

لعل مراده من الأصل القاعدة الناشئة من قوله صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (1) ، وقول علی علیه السلام : « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، وقوله : « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (3).

وروایة رفاعة مع عدم الصحة لا دلالة لها علی ما نحن فیه ، بل ظاهرها أن من قطعت یده من المفصل أو رجله من الکعب یغسل موضع القطع ، وهو مذهب الشافعی ، ولعله للتقیة قال : یغسل ذلک المکان. مع احتمال أنه علیه السلام ما أجاب عن المسح بل بنی الأمر علی المعلومیة بالمقایسة.

وأما روایة ابن مسلم فمع الضعف قال : « یغسلهما » ، وهو فی غایة الوضوح فی وجوب غسل موضع المسح ، ففی الاستدلال به إشکال واضح ، وإن کان الضعف منجبرا بعمل الأصحاب ، فالدلیل فی الحقیقة هو الإجماع ، والاستصحاب والقاعدة.

قوله : وهو حسن. ( 1 : 206 ).

لعل تحسینه بناء علی عدم ظهور الوجوب ، وفیه تأمّل ، وإنما قلنا ذلک لبعد ذلک من طریقة الشارح.

وبالجملة : لا تأمّل فی أن الاحتیاط غسله ، بل یشکل الاکتفاء بغیر غسله.

قوله : وفی الثالث إلی قوله : یسقط غسله. ( 1 : 206 ).

هذا علی تفسیره المرفق بما فسره مشکل ، ولعل حکم المصنف بسقوط فرض غسلها بناء علی هذا.

نعم ، لا إشکال فیه علی التفسیر الآخر ، وهو أنه العظمان المتداخلان ، فظاهر أن المراد رأسهما ، فإذا ذهب أحدهما وجب غسل

حکم من قطع بعض یده

ص: 263


1- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، 205 ، 207.
2- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، 205 ، 207.
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، 205 ، 207.

الآخر ، لما ذکر فی غسل بعض ید الأقطع.

قوله : لأنه کالجزء من الید. ( 1 : 206 ).

لعل مراده أنّ تحت هذه الأشیاء أجزاء من الید یجب غسل ظواهرها ، وظاهرها صارت الآن ظواهر هذه الأشیاء.

قوله : لم یجب غسلها قطعا. ( 1 : 207 ).

لأن ما أمر الله بوجوب غسله من الأیدی هو الذی یکون له مرفق ، ووجوب غسل الید الأصلیة وان لم یکن لها مرفق إنما هو بالإجماع ، فتأمّل.

قوله : احتج العلامة فی المختلف. ( 1 : 208 ).

وفی الکشی ، فی ترجمة حریز بن عبد الله - فی الصحیح عن یونس بن عبد الرحمن - قال : قلت لحریز یوما : یا أبا عبد الله کم یجزیک أن تمسح من شعر رأسک فی وضوئک؟ قال : بقدر ثلاث أصابع ، وأومأ بالسبابة والوسطی والثالثة (1).

قوله : واحتجوا علیه. ( 1 : 210 ).

الحدیث فی الکافی فی باب علة الأذان حدیث صحیح طویل فی آخره : « ثم أوحی الله تعالی إلیّ : یا محمّد ، ادن من صاد فاغسل مساجدک وطهرها وصل لربک ، فدنی رسول الله صلی الله علیه و آله من صاد ، وهو ماء یسیل من ساق العرش الأیمن » إلی أن قال : « ثم امسح رأسک بفضل ما بقی فی یدیک من الماء ، ورجلیک إلی کعبیک » (2).

وفی کشف الغمة أن الکاظم علیه السلام کتب إلی علی بن یقطین :

حکم من کان له ذراعان أو کان له ید زائدة

مسح الرأس

الواجب فی المسح مسمّاه

اشتراط کونا لمسح بنداوة الوضوء

ص: 264


1- رجال الکشی 2 : 627 / 616 ، المستدرک 1 : 316 أبواب الوضوء ب 22 ح 1.
2- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 1 : 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.

« توضأ ثلاثا ثلاثا » ، ثم کتب إلیه : « توضأ کما أمر الله ، اغسل وجهک واحدة فریضة واخری إسباغا ، وکذلک المرفقین ، وامسح بمقدم رأسک وظاهر قدمیک من فضل نداوة وضوئک فقد زال ما کنا نخاف علیک » (1).

وفیه أیضا عنه علیه السلام : أنّه کتب إلیه أن أصحابنا اختلفوا فی مسح الرجل ، بعضهم روی أنه من الأصابع إلی الکعب ، وبعضهم روی بالعکس ، فکتب علیه السلام إلیه : « توضأ کما أمر الله ، اغسل وجهک مرة فریضة واخری إسباغا ، ویدیک من المرفقین کذلک ، وامسح بمقدم رأسک وظاهر قدمیک بنداوة وضوئک » (2).

وفی الفقه الرضوی : « وروی أن جبرئیل علیه السلام هبط إلی رسول الله صلی الله علیه و آله بغسلتین ومسحتین : غسل الوجه والذراعین بکف کف ، ومسح الرأس والرجلین بفضل النداوة التی بقیت فی یدیک من وضوئک » (3).

وتدل علی ذلک أیضا روایة مالک بن أعین عن الصادق علیه السلام : « من نسی مسح رأسه ثم ذکر ، إن کان فی لحیته بلل فلیأخذ ویمسح به ، وإلاّ فلینصرف ولیعد الوضوء » (4) إذ الظاهر منها أنه لو لم یکن بلل یأخذ ویمسح به یعید الوضوء ، أعم من أن لا یکون بلل أصلا ، أو یکون لکن لیس بحیث یؤخذ ویمسح به الرأس والرجلان.

وتدل علیه أیضا مرسلة خلف بن حماد عن الصادق علیه السلام :

جواز مسح الرأس مدبرا

ص: 265


1- راجع ص 261.
2- راجع ص 261.
3- فقه الرضا : 80 ، المستدرک 1 : 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
4- التهذیب 2 : 201 / 788 ، الوسائل 1 : 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 7 ، بتفاوت فی العبارة.

الرجل ینسی مسح رأسه وهو فی الصلاة ، قال : « إن کان فی لحیته بلل فلیمسح به » قلت : فإن لم یکن له لحیته ، قال : « یمسح من حاجبیه ، أو من أشفار عینیه » (1) فإن الظاهر منها انحصار وجوب المسح ببقیة البلل ، والظاهر منها أنه لو لم یکن بلل یعید ، فلا ینفعه هذا الوضوء ، فلو جاز المسح بالجدید لنبّه علیه السلام علی ذلک.

وتدل علیه أیضا روایة زرارة القویة عن الصادق علیه السلام فی نسیان مسح الرأس : أنه إن کان فی لحیته بلل فلیفعل (2).

وروایة أبی بصیر عنه علیه السلام فی ذلک : أنه علیه السلام أمر بالمسح من بلّة لحیته (3).

وما رواه فی الفقیه مرسلا عنه علیه السلام (4) ، وهی صریحة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : إذ من الجائز. ( 1 : 210 ).

لعلّه لا یخلو عن بعد ذکرنا وجهه فی حاشیتنا علی الذخیرة ، فلیلاحظ ، مضافا إلی أن العبادات توقیفیة لا یمکن الاکتفاء فیها بلیت ولعل ، بل لا بدّ فیها من الاقتصار علی المنقول من فعله ، کما سیصرح به الشارح مرارا. مع أن البیان القولی مفقود ، کما عرفت ، فانحصر فی الفعلی. مع أن جمیع المواضع التی اعترف الشارح بوجوب الاقتصار فیها علی المنقول من

ص: 266


1- التهذیب 1 : 59 / 165 ، الاستبصار 1 : 59 / 175 ، الوسائل 1 : 407 أبواب الوضوء ب 21 ح 1.
2- التهذیب 1 : 89 / 235 ، الوسائل 1 : 408 أبواب الوضوء ب 21 ح 3.
3- الفقیه 1 : 36 / 135 ، الوسائل 1 : 410 أبواب الوضوء ب 21 ح 9.
4- الفقیه 1 : 36 / 134 ، الوسائل 1 : 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 8.

فعله وردت فیها إطلاقات ، مثل « کبّر » فی تکبیرة الإحرام ، وغیر ذلک.

قوله : فإن الجملة الخبریة. ( 1 : 211 ).

فیه نظر ، لأن الظاهر أن قوله : « وتمسح » عطف علی « ثلاث غرفات » ومثل هذا العطف شائع. وکونه أمرا عطفا علی الخبر بعید ، کما لا یخفی ، وکذا کون الواو للاستئناف. مع أنه یلزم أن یکون من واجبات الوضوء المسح ببقیة بلة الیمنی بالیمنی ، والیسری بالیسری ، ولم یظهر فتاویلهم بذلک ، سیما الشارح لکن تقدیر « أن » مخالف للأصل ، وکذا کون الواو بمعنی « مع » وعطفا فاسد ، ومع قطع النظر عن المعیة یفسد المعنی ، لأن قوله : « فقد یجزیک » متفرع علی کون الله وترا یحب الوتر ، وکون المسح ببقیة البلة کیف یتفرع علی کون الله وترا یحب الوتر ، مع أن الإجزاء یستعمل فی أقل الواجب ، ویشعر بأن غیره أولی ، ولیس کذلک عند ابن الجنید ، بل ظاهر کلامه کون الأمر بالعکس ، فتأمّل ) (1).

قوله : إنهم معترفون بصحة. ( 1 : 212 ).

ویمکن أن یکون مراد المعصوم علیه السلام من إشارته أن لا یسأل الراوی أمثال هذه السؤالات ، لکون المقام مقام التقیة ، فلم یتفطن الراوی ، وتوهم أن المراد النهی عن المسح ببقیة البلل ، فسأل ثانیا ما سأل فأجاب علیه السلام : « نعم » ، لکونه مناسبا لمذهبهم ، فتأمّل.

قوله (2) : للأصل. ( 1 : 212 ).

الأصل لا یجری فی ماهیة العبادات ، لکونها توقیفیة موقوفة علی النص لا علی الأصول والأدلة ، وهو ظاهر ، وحققناه فی الفوائد الحائریة (3) ،

ص: 267


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « ا ».
3- مخطوطة.

والإطلاقات تنصرف إلی المتبادر الشائع الغالب المطابق لأصل العدم.

مع أن الأمر إنما هو بالمسح ببقیة البلل ، والمتبادر البقیة خاصة لا ممزوجة ، کقول المولی : ائتنی بالعسل ، فالمتبادر منه غیر الممزوج بالخل أو غیره ، فلا یتحقق الامتثال بالسکنجبین ، فلذا لو مزج ماء الوضوء بالماء الجدید لا یکون ممتثلا بلا تأمّل ، ولو تحقق به الامتثال لصح مسح العامة لأنهم یصبون علی أیدیهم الماء الجدید ، وأیدیهم لا تنفک عن ماء الوضوء ، وإن کان الغالب الماء الجدید ، بل هذا أولی مما ذکره من المسح علی الرجلین وهو فی الماء.

قوله : وفیه منع. ( 1 : 213 ).

مرادهما أن المسح بالممزوج بالماء الجدید ، وبقیة البلل غیر الممزوج مع الجدید ، لأن المرکب من الداخل والخارج خارج ، کالعسل والسکنجبین ، وبقیة البلل غیر الممزوج من البقیة والجدید ، وفرق بین المسح ببقیة البلل والمسح بشی ء فیه بقیة البلل.

هذا ، ویحتمل أن یکون مرادهما أنه یصدق علیه المسح بماء جدید کما یصدق علیه المسح بالبقیة من غیر ترجیح ، فالحکم بأنه مسح بالبقیة ولیس مسحا بالماء الجدید تحکم ، بل المرکب من الداخل والخارج خارج ، ومسح العامة کذلک.

قوله : وهو حسن. ( 1 : 213 ).

والأحوط الاجتناب مطلقا ، إلاّ أن یکون مجرد نداوة لا یتحقق الامتزاج بسببها ( لأن الغلبة تفید الصدق المجازی ، إلاّ أنّ مراده الاستهلاک ، لتحقق الصدق الحقیقی العرفی ) (1) فتأمل.

ص: 268


1- ما بین القوسین لا یوجد فی « ا ».

قوله : غیر واضح. ( 1 : 213 ).

لا یخلو عن إشکال ، لأن مجرد الغمس یتحقق بسببه الغسل من غیر توقف علی الخروج ، بل والبقاء بعده آنا ما ، فربما یصدق عرفا أنه مسح بماء غیر ماء الغسل ، فتأمّل.

قوله : والتعلیق. ( 1 : 213 ).

ظاهر التعلیق عدم کونه لأجل الخروج مخرج الغالب ، کما اقتضاه دلیلهم وطریقتهم ، مع أنه لا معنی للخروج مخرج الغالب فی المقام إذا کان الأخذ مطلقا جائزا ، والرخصة من الشرع حاصلة کذلک ، فتأمّل جدا.

قوله (1) : مخرج الغالب. ( 1 : 213 ).

هؤلاء لیس عادتهم نقل متون الأخبار ، بل التحقیق والإفتاء بما حققوا ، فلو کان الظاهر علیهم عدم اشتراط الجفاف لصرحوا بذلک وأفتوا کذلک ، لا أن تکون عبارتهم صریحة فی الاشتراط ، سیما فی العبادات التوقیفیة ، لتوقفها علی بیان الشارع ، فإن کان بیانه بما ذکره من الأدلة علی وجوب کون المسح ببقیة البلة لتعین وجوب کون المسح بخصوص ما بقی فی الید لا غیر ، وما دل علی الأخذ من مثل اللحیة مشروط بالجفاف ، فلا وجه لما ذکره من الخروج مخرج الغالب ، وکذلک الحال فی أکثر ما ذکرنا من الأخبار ، نعم فی نادر منها المسح بنداوة الوضوء ، وکیف یغلب الغالب مع کونه مطلقا والغالب مقیدا.

علی أنه کما یجوز ما ذکره کذا یجوز ما ذکرنا ، ومجرد الاحتمال لا یکفی فی بیان ماهیة العبادة ، فکیف تحکم بما ذکرت فی عبارات الأصحاب مع ما عرفت من الأدلة والأخبار أیضا.

ص: 269


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».

قوله : لا بأس. ( 1 : 214 ).

ربما تکون هذه الروایة متحدة مع الروایة الآتیة فی مسح الرجلین عن حماد بن عثمان (1) ، فتأمّل جدا.

قوله : وهو ضعیف. ( 1 : 214 ).

فیه : أنّ حال المقام حال وجوب البدأة بالأعلی والمرفق فی الغسل وأنه لا ضعف أصلا فی ما ذکراه ، لأنّ الامتثال هو الإتیان بما أمر به ولا یتحقق إلاّ أن یعلم أنه أتی به ، وللاستصحاب ، وقولهم علیهم السلام : لا تنقض الیقین إلاّ بیقین مثله (2) ، وغیر ذلک ، والعلم لا یتحقق فی موضع الخلاف ، ومعلوم بالضرورة أنه لا یوجد نص یبین مجموع ماهیة الوضوء ، وماهیة العبادة توقیفیة ، وکون ماهیة المسح معلومة لا یکفی لمعلومیة ماهیة الوضوء ، کما أنّ معلومیة ماهیة الغسل لا یکفی ، ومن قال بوجوب البدأة لا یقول بأنه داخل فی ماهیة الغسل والمسح ، بل یقول : داخل فی الوضوء ، کالترتیب وغیره ، والتمسک بأصل العدم موقوف علی حجیة الاستصحاب ، لأنه نوع منه ، والشارح لا یقول به. ومع ذلک جریانه فی ماهیة العبادات خلاف ما حقق فی محله.

قوله (3) : لا نفس الخلاف. ( 1 : 214 ).

نعم ، الخلاف یورث شبهة ، والتجنب عن الشبهة مستحب ، وارتکابها مرجوح.

قوله : والأظهر. ( 1 : 215 ).

فیه إشکال یظهر علی من لاحظ الأخبار ، وکلام الأصحاب ، والنزاع

عدم جواز غسل موضع المسح

ص: 270


1- انظر المدارک 1 : 221.
2- التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 ، بتفاوت.
3- هذه الحاشیة أثبتناها من « ه ».

العظیم الذی بینهم وبین العامة.

ویظهر من بعض الأخبار أن من غسل رجله وأضمر أنه مفروض لم یقبل وضوؤه (1) ، یظهر منه فساد وضوئه لو قصد وجوب الغسل ، ویظهر من مفهومه أنه لو قصد أن الغسل غیر واجب وتحقق المسح یکون وضوؤه صحیحا.

وهذا یصحح التعلیل الذی ذکره الشهید - رحمه الله - أخیرا ، مع صحته فی نفسه ، لأن الأعمال بالنیات ، فإذا لم یکن الغسل مقصودا بل یکون المقصود هو المسح فلا مانع من الصحة ، کما إذا مسح ببقیة النداوة القلیلة الغیر الجاریة أصلا إلاّ أنه یمطر علی الموضع مطر أو یصل ماء من الخارج من غیر أن یقصد الإیصال والإجراء علی الموضع.

کما أن المسح فی الغالب یدخل فی غسل الأعضاء ، للاستعانة فی الجریان من غیر قصد کونه معتبرا (2) أو داخلا فی الوضوء وجزءا منه ، فلو نوی المکلف کونه جزءا ، بأن المطلوب فی غسل الوجه - مثلا - الغسل والمسح معا أثم ، وإن نوی أن المطلوب هو الغسل خاصة امتثل ، فتأمّل جدا.

فهذا یؤکد التباین ویصححه لا العموم من وجه ، فتأمّل.

قوله : ونقل علیه المرتضی. ( 1 : 216 ).

وهکذا نقل الإجماع الشیخ الطبرسی (3) وابن زهرة (4) ، وأسند ذلک ابن

مسح الرجلین

تحقیق معنی الکعبین لغةً وشرعاً

ص: 271


1- انظر الکافی 3 : 31 / 8 ، التهذیب 1 : 65 / 186 ، الوسائل 1 : 420 أبواب الوضوء ب 25 ح 12.
2- فی « ه » : معتبرا فی غسل الأعضاء وداخلا.
3- مجمع البیان : 2 : 167.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 553.

الأثیر إلی الشیعة (1) ، وکذا غیره من العامة (2) ، والعلامة - رحمه الله - أیضا فی المنتهی فسّره کذلک ناقلا اتفاق الأصحاب علیه (3).

قوله : والظاهر أنه رحمه الله . ( 1 : 217 ).

لا یخفی بعده ، بل الظاهر أنه فهم منه ما نسبه إلی فقهاء أهل البیت علیهم السلام ، لا ما یخالف مذهبهم ، کما أنّ الشیخ - رحمه الله - أیضا فهم کذلک (4) ، وکذا الشهید فی الذکری (5) ، وقال ابن أبی جمهور فی کتاب الغوالی عند ذکر هذا الحدیث : وهذا یدل علی أن الکعب هو مفصل القدم الذی عند وسطه فی قبة القدم (6). انتهی.

بل وربما کان غیرهم أیضا فهم کذلک. والذی یشهد علی صحة فهمهم أن قول الراویین : دون عظم الساق ، بعد قولهما : یعنی المفصل ، شاهد واضح علی أن المراد من المفصل لیس المفصل بین الساق والقدم إذ عظم الساق متصل بنفس القدم من غیر أن یکون بینهما واسطة وحیلولة وامتداد ، فمفصل العظم وسطحه المتصل بالقدم لیس بینهما مغایرة وتفاوت بحیث یکون الإشارة إلی أحدهما دون الإشارة إلی الآخر فی مثل المقام حتی یقول : الکعب لیس سطح العظم بل مفصل ذلک السطح عن القدم ، مع أنه إذا بلغ المسح إلی المفصل فقد بلغ إلی عظم الساق قطعا ، والمطلوب أن حد المسح إلی أین؟.

ص: 272


1- النهایة 4 : 187.
2- کالفیومی فی المصباح المنیر : 535.
3- المنتهی 1 : 64.
4- انظر الخلاف 1 : 92.
5- الذکری : 88.
6- عوالی اللآلی 2 : 196.

ومما یشهد علی ما ذکرناه أیضا أن فی الکافی بعد هذا الکلام قال علیه السلام : « والکعب أسفل من ذلک » قال هذا عقیب قوله : « هذا عظم الساق » (1) جوابا عن سؤالهما عنه ، فعلی هذا لعل مرادهما من المفصل المفصل الشرعی الذی منه یقطع السارق.

وروی الشیخ فی التهذیب والکلینی فی الکافی بسندهما عن سماعة عن الصادق علیه السلام : « إذا أخذ السارق قطعت یده من وسط الکف ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم» (2).

وفی الفقیه بسنده الصحیح عن زرارة عن الباقر علیه السلام قال : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام إذا قطع الید قطعها دون المفصل ، وإذا قطع الرجل قطعها من الکعب » (3).

وفی الکافی ، والفقیه ، والتهذیب بسندهم عن الصادق علیه السلام : قلت له أخبرنی إلی أن قال : وکیف یقوم وقد قطعت رجلیه؟ فقال علیه السلام : « إن القطع لیس من حیث رأیت ، إنما یقطع الرجل من الکعب ، ویترک له من قدمه ما یقوم علیه یصلی ویعبد الله » (4) الحدیث.

وفی الفقه الرضوی : « یقطع من المفصل ویترک العقب یطأ علیه » (5).

ص: 273


1- الکافی 3 : 25 / 5 ، التهذیب 1 : 76 / 191 ، الوسائل 1 : 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
2- الکافی 7 : 223 / 8 ، التهذیب 10 : 103 / 400 ، الوسائل 28 : 252 أبواب حد السرقة ب 4 ح 3.
3- الفقیه 4 : 46 / 157 ، الوسائل 28 : 254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 8.
4- الکافی 7 : 225 / 17 ، الفقیه 4 : 49 / 171 ، التهذیب 10 : 103 / 401 ، الوسائل 28 : 257 أبواب حد السرقة ب 5 ح 8.
5- لم نعثر علیه فی الفقه الرضوی ، ورواه فی البحار 76 : 192 عن نوادر الحسین بن سعید عن أبی عبد الله علیه السلام .

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : القطع عندنا فی الرجل من معقد الشراک من عند الناتئ علی ظهر القدم ویترک ما یمشی علیه ، وعندهم المفصل الذی بین الساق والقدم (1).

وقال المرتضی : یقطع من صدر القدم ویبقی له العقب ، وخالف باقی الفقهاء (2).

وقال أبو الصلاح : یقطع مشط رجله من المفصل دون مؤخر القدم والعقب (3).

وقال ابن حمزة : من الناتئ فی ظهر القدم ویترک العقب (4).

ویظهر من الشیخ فی الاستبصار أیضا عدم الخلاف فی هذه المسألة (5) أی مسألة قطع الرجل ، وکذا یظهر من غیر واحد من المتأخرین ، فما یظهر من الشیخ وشیخه المفید - رحمهما الله - فی بعض کتبهما (6) من أنه یقطع من أصل الساق ویترک العقب لعله محمول علی ما یوافق ما ذکرناه ، فتأمّل.

وحکی عن صدر الأفاضل من العامة : الکعب فی روایة هشام ، عن محمّد هو المفصل الذی فی وسط القدم عند معقد الشراک (7).

ص: 274


1- المبسوط 8 : 35 ، الخلاف 2 : 469.
2- الانتصار : 262.
3- الکافی فی الفقه : 411.
4- الوسیلة : 420.
5- لأنّه ألّف الاستبصار فی ما اختلف من الأخبار ، ولم یذکرها فیه.
6- الشیخ فی النهایة : 717 ، والمفید فی المقنعة : 802.
7- انظر الذخیرة : 32.

وربما یؤکد ما ذکرناه الإجماعات التی ذکرها الشارح - رحمه الله - وذکرناها أیضا ، وکذا اتفاق سائر أحادیث أهل البیت علی ما یظهر منه أنه العظم الناتئ فی وسط القدم ، والتأویلان الآتیان عن الشارح - رحمه الله - بعیدان ، فتدبر.

ومما یؤکد ، ( بل ویعین ) (1) ، قوله علیه السلام : « والکعب أسفل من ذلک » لأن مفصل عظم الساق الذی یمسح علیه لیس بأسفل قطعا ، بل هو أعلی ، کما لا یخفی.

وبالجملة : إن أرید من المفصل خصوص القدر الذی فی وسط القدم ومن عظم الساق خصوص الظنبوب فمع أنه خلاف مقتضی إطلاق اللفظین لا یلائمه ما ذکرنا من قوله : « والکعب أسفل منه » وإن أرید منهما مقتضی إطلاق لفظهما لا تلائمه الإشارة إلی أحدهما دون الآخر ، وجعل حکمهما متعددا ، سیما وأن یکون نزاعا عظیما بین الخاصة والعامة ، فتأمّل.

وجعل النزاع خصوص الاکتفاء فی المسح بالوصول إلی جزء الکعب الذی هو فی ظهر القدم لا النزاع فی نفس الکعب ، فمع فساده لا یلائمه ظاهر الروایتین.

ومما یؤید ما ذکر أن أهل اللغة والعرف لا یقولون بکون هذا المفصل کعبا ، وسیجی ء اعتراف العلامة - رحمه الله - بالنسبة إلی اللغة ، بل والعرف أیضا ، وما قیل من أن أهل اللغة ذکروا إطلاق الکعب علی المفصل فمدخول ، یظهر ذلک بمطالعة الذخیرة وشرح الدروس للمحقق الخونساری (2).

ص: 275


1- بدل ما بین القوسین فی « ب » : ویبین.
2- الذخیرة : 32 ، مشارق الشموس : 119.

قوله : بما رواه الشیخ. ( 1 : 217 ).

وجه دلالة الصحیحة أن الغایة خارجة عن المغیّا ، کما حقق فی محله وظاهر من العبارة ، مع أن التعبیر عن المفصل بظهر القدم فیه ما فیه ، سیما وأن یکون هو ظهرا دون الظنبوب ، إذ لا فرق بینهما فی الظهریة وعدمها. مع أنّه إذا وصل المسح إلی المفصل فقد وصل إلی الظنبوب قطعا علی تقدیر الاستیعاب العرضی ، إذ فی هذه الروایة عقیب ما ذکر : قلت : جعلت فداک ، لو أنّ رجلا قال : بإصبعین من أصابعه هکذا؟ قال : « لا إلاّ بکفه » وعلی تقدیر عدم الاستیعاب العرضی أیضا ظاهر أن المفصل لیس خصوص القدر الذی فی الفوق دون القدر الذی فی الجانبین.

ووجه دلالة الحسنة ظهر مما ذکر.

مضافا إلی أن کلمة « فی » ظرفیة ، فیظهر منه کون ظهر القدم محیطا بالکعب وهو فی وسطه ، وظاهر أن المفصل خارج عن القدم ، لأنه موصل القدم بالساق ، ولهذا لا خصوصیة له بالقدم ، ونسبته إلیه وإلی الساق علی سواء ، ومع ذلک لا خصوصیة بالظهر دون الجانبین والخلف.

ومما ذکر ظهرت دلالة الروایة الأخری ، فإن التصریح بالفرق بینه وبین الظنبوب وکونه أسفل العرقوب صریح فی أن الکعب لیس إلا ظهر القدم لا منتهی القدم ، ومع ذلک لا خصوصیة للمفصل بالظهر ، ومع ذلک لا فرق بین المفصل والظنبوب فی الظهریة وعدمها ، إلی غیر ذلک مما عرفت.

قوله : ویؤیده الأخبار. ( 1 : 218 ).

بل هی أدلة حقیقة ، لما ستعرف من ظهور وجوب الاستیعاب الطولی ، وعلی تقدیر عدم الظهور فالتأیید أیضا محل مناقشة ، إلاّ أن یقال : العلاّمة - رحمه الله - قائل بوجوب الاستیعاب ، ویستثنی الشراکین وهو بعید ، فتأمّل.

قوله : وذهب العلاّمة - رحمه الله . ( 1 : 218 ).

ص: 276

قال - رحمه الله - فیه : والمراد من الکعبین هنا المفصل بین الساق والقدم (1) ، تنبیها علی أن الکعب فی الوضوء غیر الکعب فی غیره ، وهو خلاف ما ثبت من الأخبار ، کما لا یخفی.

قوله : وهو المفصل الذی قدام العرقوب. ( 1 : 218 ).

قیل : هذه العبارة صریحة فی مدعی العلامة - رحمه الله - (2).

وفیه تأمّل ، إذ جعل الضمیر راجعا إلی الکعب لا یلائم ما ذکره من أنه فی ظهر القدم ، لأنه إن أراد أنه فی ظهره لا فی طرفه - کما یقول العامة - فلا یناسب تحدیده بأنه قدام العرقوب ، لأن الذی فی الطرفین قدّام العرقوب قطعا ، وخصوص مفصلهما - أی الذی تحتهما - لیس کعبا قطعا ، ولا فی ظهر القدم البتة ، وإن أراد مجموع المفصل - أی من الظهر إی تمام ما تحت الناشزین فی الطرفین الذین هما الکعب عند العامة - فلا وجه لجعل المجموع فی ظهر القدم ، مع أن العظم فی الطرفین ، إذ من ابتداء العرقوب إلی ابتداء ظهر القدم من کل طرف ما هو أکثر منه مما هو فی الظهر.

ومع ذلک ، الحکم بکون المجموع کعبا - أی حتی إلی العرقوب - لعله یرفع النزاع بین العامة والخاصة ، إذ بالوصول إلی مفصل الناشزین یتحقق الوصول إلیهما البتة ، سواء کان من التحت أو من طرف الظهر ، إلاّ أن یقال : نزاعهم فی الاکتفاء بجزء المفصل الذی هو فی وسط الظهر خاصة ، وهو بعید.

ففی العبارة المذکورة حزازة ، ولعلّ لفظ « المفصل » سهو من قلم

ص: 277


1- المختلف 1 : 125.
2- انظر الحبل المتین : 19 ، ومشارق الشموس : 122.

العلامة - رحمه الله - أو من النساخ ، لأن العلامة - رحمه الله - أتی بعبارته فی جملة العبارات التی هی ظاهرة فی خلاف مطلوبه ، ومفیدة للاشتباه علی غیر المحصل فی ظنه ، ولذا وجد أثر النسخة ورمزها علیه. ویمکن أن یکون الضمیر راجعا إلی عظم الساق بضرب من التجوز ، ذکره تنبیها علی أن المراد من عظم الساق الرأس المتصل بالمفصل ، فتأمّل.

وقیل : إن قوله : وهو المفصل من کلام المصنف لا أنه تتمة ، ولذا لم یذکره الشهید (1). وهو أیضا بعید ، إلاّ أنه لعله أولی من جعله تتمة ، والأظهر أن العبارة لا تخلو عن سقم.

قوله : ویمکن حمل. ( 1 : 219 ).

لا یقال : کما یمکن حمل ذلک کذا یمکن حمل مستند المشهور.

لأنا نقول : لیس کذلک ، لأن مستندهم راجح بکثرة العدد ، وعلو السند ، وقوة الدلالة ، والشهرة بین الأصحاب - لو لم نقل بالإجماع - والموافقة لقول اللغویین ، وغیر ذلک ، فتعین أن یکون حجة ، وانحصرت الحجیة فیه ، لأن : الطرف المقابل یصیر مرجوحا ، والمرجوح موهوم ، فلا یمکن أن یصیر حجة ، وفی الحمل یجب إرجاع ما لیس بحجة إلی ما هو حجة لا العکس ، إذ لا شک فی حرمته وعدم جوازه.

ومن مضعفات الذی فهم العلامة والشارح - رحمهما الله - من روایة زرارة أن الباقر علیه السلام أشار حیث قال : « هاهنا » ، فلعلّ الراوی توهّم لأنّ الإشارة إلی أمرین متقاربین جدا کثیرا ما یصیر موردا للتوهم.

وأیضا الأقل متیقن ، والزائد مشکوک فیه فیجب نفیه بالأصل ، فتأمّل.

ص: 278


1- الذخیرة : 32.

وصرح ابن أبی جمهور فی الغوالی بأن المفصل الذی ذکر فی روایة ابن بکیر هو مفصل القدم الذی عند وسطه فی قبة القدم.

قوله : بالمنع من دلالتها (1). ( 1 : 219 ).

فی صحیحة زرارة فی نسیان المسح : « فإن أصبت فی لحیتک بللا فامسح بها علیه ، وعلی ظهر قدمیک » (2) فتأمّل. وفی صحیحة زرارة أیضا :

« وتمسح ببلة یمناک رأسک ، وما بقی ظهر قدمک الیمنی ، وببلة یسراک ظهر قدمک الیسری » (3).

قوله : ومع التعارض. ( 1 : 219 ).

لا یخفی أن جعله معارضا بعید جدا ، إذ غایة الأمر عدم ظهور الاستیعاب لا ظهور العدم ، بل الظاهر الاستیعاب ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، إذ علی تقدیر أن لا یکون کلمة « ما » بدلا عن « شی ء » یکون ظاهرا أیضا فی الاستیعاب ، لأن التعرض له فی الرجلین مع عدم التعرض لمثله فی الرأس قرینة علی ما ذکرنا ، إذ المعنی : شی ء من رأسک أیّ شی ء یکون أو شی ء من قدمیک لکن لا مطلقا بل ما یکون بین الکعبین إلی أطراف الأصابع ، وعبّر بلفظ : « إلی » ولم یقل أطراف أصابعک ، مع أن الرأس أولی بذکر موضع مسحه ، لظهور الخلاف من العامّة ، ووقوع الإشکال عند الشیعة بسببه ، کما یظهر من سؤالاتهم.

ص: 279


1- فی نسخة فی « و » : لکنها معارضة.
2- الکافی 3 : 33 / 2 ، التهذیب 1 : 100 / 261 ، الوسائل 1 : 469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.
3- الکافی 3 : 25 / 4 ، الوسائل 1 : 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2 ، بتفاوت.

علی أنّه فی المقام فی مقام ذکر الاکتفاء بشی ء فی المسح ، فلم یکن المقام مقام الذکر إلی الکعبین ، بل لا یناسب ، لأنه یوهم خلاف المقصود.

وبالجملة : یظهر مما ذکرنا أن « ما بین. » قید للمسح لا (1) للممسوح إظهارا للفائدة.

وفی حسنة ابن أذینة - رواها الکلینی فی علة الأذان ، بل (2) وهی صحیحة عند الشارح - قال : « ثم امسح بفضل ما بقی فی یدیک من الماء رأسک ورجلیک إلی الکعبین » (3) الحدیث.

وصحیحة ابن أبی نصر المذکورة أیضا ظاهرة فی الاستیعاب ، إلاّ أن یقال : تتمة الصحیحة محمولة علی الاستحباب ، وهی الأمر بمسح کلّ الکف ، ومرّ الکلام فی نظیره مرارا ، فتأمّل ، وسیجی ء عن الشارح ما یشیر إلی الالتزام به ، بل إلی القول بوجوبه.

هذا ، والعلامة - رحمه الله - ادعی الإجماع علی الاستیعاب الطولی (4) ، والمحقق نسبه إلی فتوی الأصحاب (5).

بل مما ذکرنا ظهر أنّ الآیة الشریفة أیضا ظاهرة ، بل وبعید غایة البعد أنه تعالی یتعرض لذکر أحد حدّی مسح موضع الرجل ولم یتعرض للحدّ الآخر ، ولم یتعرض لحدّ موضع مسح الرأس أصلا وقطعا ، مع أن موضعه أیضا محدود

ص: 280


1- کما فی « أ » و « و » ، وفی سائر النسخ : « أو » بدل « لا ».
2- بدلها فی « أ » و « و » : قیل.
3- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 1 : 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5 ، بتفاوت یسیر.
4- المنتهی 1 : 563.
5- المعتبر 1 : 150.

معین.

فظهر أنه لما ذکر المسح بالباء ذکر قوله : « إلی الکعبین » إظهارا لغایة الاعتناء بالاستیعاب ، وعدم جعله مثل مسح الرأس ، فتأمّل.

وشغل الذمة بالعبادة التوقیفیة أیضا یرشد إلیه ، والطریقة المستمرة بین الماسحین فی الأعصار والأمصار ربما (1) تعضده ، لأن الوضوء مما تعمّ به البلوی وتکثر الحاجة إلیه ، فلو کان الاستیعاب غیر واجب لشاع بمقتضی العادة ، لا أنه یکون الأمر علی خلافه فتوی من الفقهاء وعملا من المسلمین ، وظاهر أن النبیّ صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام أیضا ما کانوا یکتفون بغیر الاستیعاب ، فتأمّل.

وأیضا ما ورد من أن أمیر المؤمنین علیه السلام مسح ولم یستبطن الشراکین (2) ، وأمثال ذلک ظاهرة فی الاستیعاب ، إذ لو لم یکن لازما لما کان لذکرها فائدة ، فتدبر.

ویمکن حمل کلام الشارح علی نفی وجوب الاستیعاب العرضی ، فتأمّل.

قوله : وإن ادعی العامّة. ( 1 : 220 ).

والمستفاد من مجموع أحادیث أهل البیت حتی صحیحة الأخوین (3) التی هی مستند العلامة - رحمه الله - تکذیب العامة فی دعواهم ، وأن ما

ص: 281


1- بدلها فی « ا » : مما.
2- انظر المدارک 1 : 218.
3- فی بعض النسخ : الآخرین ، وفی بعضها : الآخرتین ، والصحیح ما أثبتناه ، کما عبر به فی المدارک 1 : 221 ، والمراد صحیحة ابنی أعین المذکورة فی المدارک 1 : 217.

ادعوه لیس کعبا أصلا لا أنه أحد المعانی ، والظاهر منها أنه لیس کعبا فی العرف واللغة ، بل الظاهر منها أنّ الکعب لیس له إلاّ معنی واحد ، لا أنّ الکعب فی الوضوء کذا وإنّ کان فی غیر الوضوء شیئا آخر ، وهو ظاهر علی من له أدنی تأمّل.

ومن التأمّل فی ما ذکر هاهنا منضما إلی ما ذکرنا سابقا یتضح غایة الاتضاح أن المفصل فی صحیحة الأخوین (1) هو المفصل الشرعی ، مع احتمال توهم منهما أو تجوز ، ولا یخفی علی المتأمل المنصف أنّ الأول أظهر ، فتدبر.

قوله : فیه وجهان. ( 1 : 220 ).

علی تقدیر أن یکون الممسوح ظاهره کون المجموع ممسوحا لا شی ء منه ، کما هو الحال فی الیدین ، فظاهره أیضا الإیصال والاستیعاب ، هذا مضافا إلی ما مر فی الحاشیة السابقة المکتوبة علی قوله : لکنها معارضة بما رواه الشیخ (2) ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : لصحة الخبر وصراحته. ( 1 : 221 ).

ربما لا یلائم هذا ما ذکره سابقا فی بحث مسح الرأس ، من أنه هل یکفی المسمی أم لا بدّ من مقدار ثلاث أصابع ، حیث قال : یجوز حمل المطلق علی المقید ویجوز حمل المقید علی الاستحباب ، ثم رجح الثانی بقوة دلالة المطلق علی الاکتفاء بالمسمی (3) ، وهنا یقول بإجمال دلالته وصراحة دلالة المعارض ، مع أن دلالته لیست إلا بالنهی ، وهو ظاهر فی

ص: 282


1- راجع ص 281 رقم (3).
2- راجع ص 279.
3- المدارک 1 : 209.

الحرمة لا صریح فیها ، مع أنّه ورد فی أخبار أهل البیت علیهم السلام الکراهة إلی حدّ تأمل متأمّل فی الحمل علی الحرمة ، والتأمّل وإن کان لیس فی موضعه ، إلاّ أنّ حصول الوهن فی الجملة لا شبهة فیه ، بل نقول استعمال الإجزاء فی أقل المستحب أقل من استعمال النهی فی الکراهة بمراتب شتّی ، فتأمّل ، هذا مع تأیّد الکراهة بالأصل ، فتأمّل.

قوله : جواز المعیة. ( 1 : 222 ).

لورود خبر فی ذلک ، وهو فی الاحتجاج - علی ما أظن - فی التوقیعات الواردة عن القائم علیه السلام (1).

قوله : فی الصحیح. ( 1 : 222 ).

حکم فی مسح الرأس بحسنه ، وفی المقام بصحته ، ومع ذلک معارض لظاهر الآیة والأخبار الکثیرة (2) الظاهرة فی عدم الترتیب ، وبعض الأخبار الصریحة فی عدم هذا الترتیب ، ومرّت صحیحة البزنطی (3) التی هی فی غایة الظهور ، فتأمّل.

قال المصنف : وإذا قطع بعض موضع المسح مسح علی ما بقی

أقول : لما ورد عن الرسول صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (4) ، وعن أمیر المؤمنین علیه السلام : « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (5) ، وعنه علیه السلام : « المیسور لا یسقط بالمعسور » (6) وللأصل (7).

عدم التریب بین الرجلین

ص: 283


1- الاحتجاج : 492 ، الوسائل 1 : 450 أبواب الوضوء ب 34 ح 5.
2- انظر الوسائل 1 : 387 أبواب الوضوء ب 15.
3- المدارک : 1 : 217.
4- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، 206 ، 207.
5- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، 206 ، 207.
6- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، 206 ، 207.
7- لیس فی « أ » و « و ».

قوله : قال فی التذکرة. ( 1 : 223 ).

لا یخفی أنّ أصل الحکم فاسد ، فضلا عن الفرع ، لأنّ مقتضی الآیة والأخبار المتواترة کون المسح علی الرجل لا علی شی ء آخر ، والشراک لیس برجل قطعا بل هو شی ء آخر ، بلا شبهة. وما ورد فی بعض الأخبار من عدم استبطان الشراک لعل المراد إظهار عدم وجوب استیعاب عرض الرجل فی المسح ، فإنّ الشراک کما هو حائل فی الطول کذلک حائل فی العرض أیضا.

ویحتمل أن یکون المراد إظهار عدم وجوب مسح نفس الکعب ، دفعا لتوهم من توهم وجوبه ، أبناء علی اعتقاده بدخول الغایة فی المغیا ، أو کون « إلی » بمعنی « مع » ، علی النحو الذی مرّ فی غسل المرفق ، ولا دلالة فیه علی أنّه علیه السلام مسح علی الشراک ، لأنّ النعلین غیر الشراک.

مع أنّ الوجوب غیر ظاهر ، لاحتمال الاستحباب ، أو الوقوع اتفاقا ، لأنّ تحقق استیعاب المسح بدون مسح الشراک لعله لا یخلو عن صعوبة مّا ، مع أنّه لا شک فی کونه أسهل ، فلعله لهذا کان علیه السلام یفعل ، لعدم منع أصلا.

وبالجملة : لا دلالة فی بعض الاخبار علی ما ذکره ، فضلا عن أن یکون مقاوما للآیة والأخبار المتواترة ، وخصوصا أن یترجح علیها فیحکم بسببه بتقدیمه علیها.

ومما ذکرنا ظهر وجه ما ذکرنا سابقا من أن أمثال هذه الأخبار حجة علی العلامة - رحمه الله - وأدلّة ( حقیقة علی فساد ) (1) ما ذهب إلیه من کون الکعب المفصل ، فتأمّل.

قوله : لا أتقی فیها أحدا. ( 1 : 223 ).

وجوب المسح علی بشرة القدمین

جواز المسح علی حائل عند التقیة والضرورة

ص: 284


1- بدل ما بین القوسین فی « ج » و « د » : علی حقیقة فساد.

إما أنّه علیه السلام ما کان یتقی فیها ، أو أنّ الغالب لا تقیة فیها.

قوله : واستدلوا علیه. ( 1 : 224 ).

فی الفقه الرضوی (1) أیضا ما یوافق هذه الروایة ، وعمل الأصحاب جابر للضعف ، مع أنّ فی الطریق من أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنه (2) ، مع أنّ أبا الورد لعلّه من الحسان.

قوله : محتمل ، لتعذر. ( 1 : 224 ).

لا یخفی أنّ هذا موقوف علی ثبوت کبری کلیة لا بدّ من بیانها ، مع أنها لو ثبتت یلزم منها أنّ مقطوع موضع المسح ینتقل إلی التیمم ، لا أنه یکتفی بما بقی ، سیما من قطع من الکعب ، وهو خلاف ما صرح به فی المبحث المتقدم ، فتأمّل.

إلاّ أن یقول : الأخبار تدل فی أقطع الرجل ، لکن قد عرفت أنها تدل علی غسل الرجل المقطوعة ، إلاّ أن یستند إلی الإجماع ، فتأمّل.

قوله : یقتضی الإجزاء. ( 1 : 224 ).

إن أراد الأجزاء حال الاضطرار فمسلّم ، وإن أراد حال الاختیار أیضا فالمنع ظاهر.

قوله : فإن ذلک محل النزاع. ( 1 : 224 ).

الظاهر مما ذکرت فی قول المصنف : ویجب المسح علی بشرة القدمین ، وأشرت إلیه من الأخبار التی کادت تبلغ حد التواتر عدم صحة هذه الطهارة ، وعدم جوازها لصلاة من الصلوات مثلا ، خرج منها ما أجازوا

ص: 285


1- فقه الرضا علیه السلام : 68 ، مستدرک الوسائل 1 : 331 أبواب الوضوء ب 33 ح 1.
2- وقع فی طریق الروایة حماد بن عثمان وفضالة بن أیوب ، والأوّل من أصحاب الإجماع وکذلک الثانی علی قول بعضهم ، راجع رجال الکشی 2 : 673 / 705 و 830 / 1050.

للضرورة والاضطرار ، وبقی الباقی ، ولا یظهر مما أجازوا أزید من حال الاضطرار ، بل ربما کان الظاهر منه الاختصاص بحال الاضطرار.

ومما ذکرنا ظهر ما فی قوله : والإعادة علی خلاف الأصل ، مضافا إلی أنه لا یقول بحجیة الاستصحاب ، فتأمّل.

قوله : والأصل عدمه. ( 1 : 228 ).

قد مر أن التکلیف إذا کان بالوضوء الذی هو توقیفی یشکل التمسک فیه بالأصل ، فتأمّل.

قوله : والجواب. ( 1 : 228 ).

فیه أیضا ما عرفت ، نعم الإجماع المنقول لیس بحجة علی من لا یقول به من القدماء ، وأمّا نحن فربما تحصل لنا الریبة بملاحظة کلماتهم وربما لا تحصل ، فیصیر من قبیل خبر واحد یعارضه الخبران الصحیحان المتقدمان ، والمعارضة واضحة ، فیترجحان فی النظر ، وکذا الکلام فی الجواب عن الثانی فتأمّل جدا.

قوله : [ لأن الأخبار الواردة ] (1) إلی قوله : وضوئی. ( 1 : 230 ).

یلزم صحة وضوء من غسل وجهه - مثلا - قبل طلوع الشمس ، ثم جفّفه تجفیفا تاما ، ثم غسل یده الیمنی نصف اللیل أو بعد ذلک ، ثم جففها تجفیفا تاما ، ثم غسل الیسری من الغد أو بعد ذلک ، ما لم یتحقق حدث ، إلاّ أن یقول بالمقدر التقدیری ، أو یلتزم صحة ذلک وفیه بعد شدید ، فتأمّل.

قوله : فما ذکره الشهید. ( 1 : 230 ).

إنّ الظاهر أنّه - رحمه الله - فهم من الأخبار أن المضر للوضوء هو

الموالاة

ص: 286


1- فی النسخ : لأن مورد الأخبار.

الجفاف ، ولیس ببعید ، فتأمّل مجموع الأخبار الواردة فی بطلان الوضوء عند جفاف الجمیع.

قوله : لعدم المطابقة. ( 1 : 231 ).

أی عدم المطابقة بین نیته وفعله ، وکان الذی فعل فعل بغیر نیة ، ونیته تحققت بغیر فعل.

لکن لا یخفی ما فیه ، إذ مجرّد أن لا یفعل التتابع لا یقتضی أن یکون فعله بغیر نیة ، إذ لو کان کذلک لزم بطلان صلاة من نوی الفریضة الکاملة أی المستجمعة لجمیع المستحبات المعروفة إذا نسی المستحبات أو شیئا منها ولو کان واحدا ، وهو فاسد قطعا.

بل نقول : لو ترک کل المستحبات عمدا کانت صلاته صحیحة بلا شبهة ، لأنه وإن کان قصد حین الدخول الإتیان بالکاملة ، إلاّ أنه بدا له ، وهذا غیر مضر بلا تأمّل ، فکذلک الحال فی صورة النذر ، لأن الوضوء المتتابع لا یصیر منذورا إلا أن یکون فی نفسه مع قطع النظر عن النذر راجحا شرعا ، إذ لو لم یکن راجحا لم ینعقد نذره ، فبمجرد الإخلال بالتتابع لا یخرج عن الرجحان النفسی ، وکذا مع قصد المتتابع ، والإخلال به عمدا أو سهوا لا یخرج عن الرجحان ، ولا یکون بلا نیة ، لأن المعتبر منها قصد التقرب والتعیین ، والأول موجود قطعا ، وکذا الثانی ، لأنه ترک شیئا من المعین لا یضر ترکه ولا یضر صیرورته بسبب ذلک فردا آخر ، کما هو الحال فی مستحبات الفرائض ، فتأمّل جدا.

قوله : ونقل علیه ابن إدریس الإجماع. ( 1 : 231 ).

وکذا یظهر من المرتضی فی الانتصار (1) ، وابن زهرة أیضا (2) ، وخروج

عدد الغسلات

ص: 287


1- الانتصار : 28.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 554.

معلوم النسب غیر مضر للإجماع عندنا ، فلا یضر الإجماع المنقول بخبر الواحد ، فعلی تقدیر حجیته لا إشکال ولا کلام.

وعلی تقدیر القول بعدم حجیته نقول : لا تأمل فی کونه مشهورا ، کما قال الشارح - رحمه الله - وغیره : إنه قول معظم الأصحاب ، والشهرة تجبر عدم صحة الأخبار الکثیرة الصریحة الدلالة فی الاستحباب ، أو الواضحة الدلالة ، وسنذکر کثیرا منها ، مع انجبار تلک الأخبار بأمور أخر أیضا ، منها موافقتها لظواهر الصحاح ، ( ومنها کثرتها وتعاضد بعضها ببعض ، ومنها استبعاد کون جزء العبادة متصفا بالإباحة ) (1) ومنها قوة السند فی کثیر منها من الجهات التی تظهر علی من لاحظ وتأمّل ، سیما علی (2) من لا حظ ما کتبناه فی علم الرجال ، ومنها موافقتها للأخبار الکثیرة الواردة فی أن الوضوء بمدّ والغسل بصاع (3) ، وتلک الأخبار متفق علیها عند جمیع الفقهاء والمحدثین ، ومنها ورود مضمونها فی کتب العامة ، رووه عن النبیّ صلی الله علیه و آله (4) ، وإن اتفقوا علی ترک العمل به لأنهم ینکرون أخبار التثنیة ، ولعلهم لا ینکرون أخبار الوحدة حملا لها علی الفریضة.

ومن هذا ظهر فساد الحمل علی التقیة ، کما احتمله بعض (5) ، بناء علی أنّ العامة یروون وإن کانوا متفقین علی الرد ، کیف والعامّة ذکروا الروایات الدالة علی حقیة ما هو مذهب الشیعة أصولا وفروعا ، إلی أن لا یکاد یتحقق مذهب منهم إلاّ وحقیته مرویة فی کتبهم ، ومع ذلک کان اللازم علی الشیعة

ص: 288


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- أثبتناه من « و ».
3- انظر الوسائل 1 : 481 أبواب الوضوء ب 5.
4- صحیح البخاری 1 : 62.
5- راجع منتقی الجمان 1 : 148.

التقیة منهم ، وکانوا یتقون البتة ، فکیف یکون الأمر بالعکس؟!

هذا مضافا إلی [ أنّ ] (1) الأخبار الدالة علی التقیة أکثرها فی غایة الظهور فی خلاف التقیة ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، هذا وأمّا الأخبار التی تعارضها فمتفقة فی ( عدم الصحة و) (2) عدم الصراحة وعدم وضوح الدلالة ، لأن کون وضوء رسول الله - صلی الله علیه و آله - مرة مرة کیف یقاوم تصریحهم باستحباب الزیادة بالنسبة إلینا أو وضوح الدلالة ، بل ویظهر من بعضها أن التثنیة بالنسبة إلی غیرهم علیهم السلام ، کما ستعرف ، مضافا إلی ما ستعرف ، فتأمّل.

هذا مع المضعفات الأخر التی تظهر مما ذکرنا وسنذکر ، فتأمّل.

ومن المقویات للاستحباب والمضعفات لعدمه ما ذکرناه فی صدر الکتاب فی إثبات التسامح فی أدلة السنن ، فلاحظ ، بل بملاحظته یتعین ما ذکرنا.

قوله : هذا وضوء من لم یحدث حدثا. ( 1 : 232 ).

لا یخفی أن الوضوء لما کان من الفرائض کان کثیرا ما یطلق ویراد منه ما هو الفرض ، إذ المراد من الحدث خصوص بدع العامة ، لا أنّه لا یجوز التعدی عن الکیفیة التی فعلها أصلا ، بأن لا یتمضمض ، ولا یستنشق ، ولا یقول بسم الله وغیرها من الأدعیة ، ولا یصب غرفتین أصلا ، ولا یغسل عضوا بعنوان التبعض وغیر ذلک.

وبالجملة : لا یعارض ذلک ما ذکرناه وما سنذکره.

ویظهر من کثیر من الأخبار أنّ المضمضة والاستنشاق من الوضوء ،

ص: 289


1- أضفناه لاستقامة العبارة.
2- ما بین القوسین لا یوجد فی « د ».

فمعارضها محمول علی أنهما لیسا من فرائضه ، لعین ما ذکرنا ، فتأمّل.

قوله : وعندی فی هذا الجمع نظر. ( 1 : 233 ).

ستعرف دفع النظر ، مضافا إلی أن الإمام ربما کان یترک المستحب لغرض ، کما ورد فی صوم یوم عرفة (1).

قوله : أخذ بأحوطهما. ( 1 : 233 ).

هذا مخالف لما یظهر من أحواله صلی الله علیه و آله فی عباداته ودعواته وغیرها ، بل کان کثیرا ما یقتصر علی الواجبات توسعة أو لغرض آخر ، وإن کان صلی الله علیه و آله فی جمیع أوقاته مستغرقا فی ذکره تعالی ومحبته وشوقه.

قوله : قال الصدوق. ( 1 : 233 ).

وصرح فی الأمالی بجواز المرتین ، ونسبه إلی عقائد الإمامیة (2) ، فما نسب إلیه من القول بالمنع فاسد (3).

قوله (4) : ومقتضی کلام. ( 1 : 233 ).

فظهر من کلام هؤلاء أیضا کون الثانیة غیر حرام إن کانت جزءا للوضوء وغیر خارجة عنه ، فیقتضی کونها مستحبة ، إذ لا معنی لکون جزء (5) العبادة جائزا ، کما ستعرف ، فظهر من اتفاق الجمیع علی عدم الحرمة ، ومما ذکرنا عن الأمالی ، ومن الأخبار الکثیرة التی سنذکرها ، ومما أشرنا فی الحاشیة السابقة الطویلة ، والإجماعات عدم إمکان حمل أخبار التثنیة علی التقیة.

قوله : وعلی هذا فیمکن. ( 1 : 233 ).

ص: 290


1- انظر الوسائل 10 : 464 أبواب الصوم المندوب ب 23.
2- أمالی الصدوق : 515.
3- نسبه إلیه فی السرائر 1 : 100.
4- هذه الحاشیة لیست فی « د ».
5- هذه الحاشیة لیست فی « د ».

فیه نظر من وجوه :

الأول : أن الحمل إنما هو بعد مقاومة المعارض بحسب السند ، وهی مفقودة ، لأن النصوص التی ذکرها لیس فیها صحیح یقاوم أحد الصحاح ، فکیف یقاوم الصحاح ، سیما علی طریقته - رحمه الله -؟!

الثانی : أنّ فی بعضها : « الوضوء مثنی مثنی ، من زاد لم یؤجر علیه ».

وقال ابن أبی عقیل : السنة إتیان الماء علی الأعضاء مرتین ، الفرض من ذلک مرة ، والاثنتان سنة ، ولئلا یکون قد قصر ( المتوضئ فی المرة ، فیکون یأتی (1) علی تقصیره ، فإن تعدی المرتین لا یؤجر علی ذلک ، بذلک ( جاء التوقیع ) (2) عنهم علیهم السلام ، وصرح بمضمون فتواه ابن الجنید والمفید (3).

وسند الحدیث وإن کان فیه القاسم بن عروة إلا أنه یجبره ما ذکرناه ، مضافا إلی أن حدیث القاسم قوی ، کما حققناه فی الرجال (4) ، مع أنک قد عرفت أن المعارض لیس بصحیح ، وتلک الزیادة لا تلائم ما ذکره من الحمل ، مضافا إلی بعده فی نفسه ، بل ومستبعد جدّا بملاحظة أن جزء العبادة کیف یتصف بالإباحة؟! إذ المقصود أن الغسل الثانی جزء للوضوء ویفعل بقصد الوضوء لا بقصد عدم الوضوء بل للاستبراد أو لغوا أو غیر ذلک ، إذ مع کون ذلک غیر مورد المسألة لا مانع فیه أصلا وإن زاد علی المرتین عندهم ( سوی کون المسح بغیر نداوة الوضوء وهو مشترک بین المرتین - لو

ص: 291


1- فی « ب » و « ج » و « د » : الثانی.
2- فی « ا » : جاء التوقیف ، وفی « و » : جاز التوقیف.
3- انظر المختلف 1 : 118 ، والمقنعة : 48.
4- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 263.

کان إحداهما خارجة - وما زاد عن المرتین ) (1).

والخبر المذکور محمول علی أن الزیادة عن الاثنین خارجة عن الوضوء البتة ، ولذا ورد أیضا أنها بدعة ، ویصدق علیها أنها لا یؤجر علیها ، بل عدم الأجر فی العبادة کنایة عن البدعة ، إذ العبادة لا تخلو عن الأجر کما نبهنا.

وأیضا : الغسل الثانی لا بدّ أن یکون بقصد القربة والامتثال وهو فرع الرجحان ، أو هوی النفس فلا یلائمه قوله تعالی ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللهَ ) (2) الآیة ، وغیر ذلک من الأدلة.

وأمّا مرسلة ابن أبی عمیر فمحمولة علی ما ذکره الشارح ، لما ذکره ، وأما مع عدم استیقان أن الواحدة تجزی فلعله یحبط أجره ، لا أنه لیس بمستحب ، کیف والمفهوم یدل علی أن مع الاستیقان یؤجر دلالة لائحة غیر خفیة علی الفطن ، وهذا من جملة ما یدل علی صحة الحمل المشهور ، واستحباب الغسل الثانی.

ویدل علیها أیضا ما ورد من أن المرتین إسباغ (3) ، ویظهر من الأخبار رجحان الإسباغ (4) ، ویدل أیضا دلالة صریحة الروایتان اللتان ذکرناهما فی مبحث کون المسح بنداوة الوضوء (5).

وفی عیون أخبار الرضا علیه السلام فی ما کتبه من محض الإسلام :

ص: 292


1- ما بین القوسین أثبتناه من « أ » و « و ».
2- البینة : 5.
3- انظر الوسائل 1 : 439 ، 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 20 و 23.
4- انظر الوسائل 1 : 487 أبواب الوضوء ب 54.
5- راجع ص 264 ، 265.

« الوضوء مرة مرة فریضة واثنتان إسباغ » (1) ، وما کتبه علیه السلام کله محض الحق.

وفی رجال الکشی فی داود بن زربی : قال : قلت للصادق علیه السلام : کم عدة الطهارة؟ قال علیه السلام : « ما أوجبه الله تعالی فواحدة ، وأضاف إلیها رسول الله أخری لضعف الناس ، ومن توضأ ثلاثا فلا صلاة له » - إلی أن قال - : « یا داود توضأ مثنی مثنی ، ولا تزیدن (2) علیه » (3).

وفی ما کتب القائم علیه السلام إلی العریضی من أولاد الصادق علیه السلام : الوضوء کما أمر الله تعالی غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین واحد ، واثنان إسباغ الوضوء ، وإن زاد علی الاثنین أثم (4).

( وفی ما کتب الرضا علیه السلام إلی المأمون : واحد فریضة والثانی استحباب ، ومن زاد علی الاثنین أثم ) (5).

ومما ذکرناه عن الکشی یظهر وجه الجمع بین ما ورد من أن وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام کان واحدة واحدة ، وبین ما دل علی أنّ المرتین مستحب ، وفیه إشارة إلی ما ذکره ابن أبی عقیل : ولئلا یکون قد قصر. فإنهما علیهماالسلام کانا منزهین عن الضعف والتقصیر ، وإن احتمل أن الرسول صلی الله علیه و آله ربما توضأ مرتین مرتین

ص: 293


1- عیون أخبار الرضا 2 : 125 / 2 ، الوسائل 1 : 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 23.
2- فی النسخ : ولا تزدنّ ، والصحیح ما أثبتناه من المصدر.
3- رجال الکشی 2 : 600 / 564 ، الوسائل 1 : 443 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.
4- لم نعثر علیه.
5- انظر تحف العقول : 311. وما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».

لاقتداء الناس ، لما رواه عمرو بن أبی المقدام عن الصادق علیه السلام : « إنی لأعجب ممن یرغب أن یتوضأ اثنین اثنین » (1).

وحمل الصدوق - رحمه الله - هذه علی التجدید بعید لا یلائمه تکرر لفظ اثنین ، وسیما مرتین ، مع أن کون التجدید منحصرا فی مرة واحدة خلاف ما یظهر من الأخبار ، مع أن المقام لیس مقام التوجه إلی ذکر الانحصار ، مع أن الراغب عن التجدید غیر مأنوس من ملاحظة الأخبار ، وما ورد من أن وضوءه صلی الله علیه و آله ما کان إلا مرة مرة لعله محمول علی عادته الجاریة فی وضوئه ، وهذه الروایة علی أنه توضأ نادرا لأجل ترغیب الناس وعدم تنفرهم ، علی ما یومئ إلیه لفظة الماضی المؤکدة بلفظ « قد » ، فتفطن.

وممّا یدل أیضا علی مذهب المشهور وحملهم : ما رواه الصدوق - رحمه الله - فی الفقیه عن الصادق علیه السلام : « فرض الله الوضوء واحدة واحدة ، ووضع رسول الله صلی الله علیه و آله للناس اثنتین اثنتین » (2) ، وحمل الصدوق علی الإنکار فاسد.

وهذا الخبر یشیر إلی أن الخبر المتقدم وارد فی تکرار الغسل لا فی التجدید ، وهذا الخبر مضمونه مضمون ما رویناه عن الکشی ، وقال فی الفقیه : وروی فی المرتین أنه إسباغ (3) ، وفی التهذیب فی الصحیح عن الصادق علیه السلام : « أسبغ الوضوء إن وجدت ماء » (4).

ص: 294


1- الفقیه 1 : 25 / 80 ، الوسائل 1 : 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 16.
2- الفقیه 1 : 25 / 77 ، الوسائل 1 : 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 15.
3- الفقیه 1 : 25 / 80 ، الوسائل 1 : 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 20.
4- التهذیب 1 : 138 / 388 ، الوسائل 1 : 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 4.

هذا کله مضافا إلی ما ذکرناه فی الحواشی السابقة.

قوله : ویشهد له صحیحة زرارة. ( 1 : 233 ).

هذا الاستشهاد لا یخلو من غرابة سیما بعد ملاحظة ما سنذکره من عدم تحریم الغرفة الثانیة ، وأن المحرم هو الغسلة الثالثة.

قوله : والأخبار إنما تدل. ( 1 : 234 ).

فیه تأمل ظاهر علی من لاحظ الأخبار وتأمل فیها ، سیما التی ذکرناها فی الحاشیة.

قوله : من لم یستیقن. ( 1 : 234 ).

فیه دلالة علی استحباب الثانیة ، کما نبهنا.

قوله : ولا ریب فی تحریم الغسلة الثالثة. ( 1 : 234 ).

هذا الحکم علی طریقة الشارح - رحمه الله - لا یخلو عن إشکال ، لورود ما ذکره فی العنوان السابق فیه وهو صدق الامتثال مع عدم دلیل علی الحرمة علی طریقته ، ویظهر من طریقته فی العنوان أن حال المرتین حال الثالثة ، فتأمّل.

وبالجملة : هو لا یعمل بالأخبار المرسلة وغیر الصحیحة ، ولا یعتمد علی أمثال هذه الاتفاقات من الفقهاء ، وتحقق الامتثال بالمرة یقتضی کون الثانیة أیضا بدعة ، ولم یظهر خلاف ذلک منه فی العنوان السابق ، فتأمّل فیه.

ونقل فی المختلف عن ابن الجنید وابن ابی عقیل والمفید - رحمهم الله - تجویز الثالثة وعدم کونها بدعة ، وعن المشهور کونها بدعة ، وعن أبی الصلاح بطلان الوضوء أیضا ، واستقربه (1) ، وهو جید یظهر وجهه من ملاحظة ما ذکرناه فی الحاشیة السابقة الطویلة ، فراجع.

الغسلة الثالثة بدعة

ص: 295


1- المختلف 1 : 118 ، وانظر المقنعة : 48 - 49 ، والکافی فی الفقه : 133.

قوله : تمسکا بالإطلاق. ( 1 : 235 ).

هذا مناف لما ذکره سابقا من أن نهایة الجواز الغرفة الثانیة ، واختیاره فی الجمع بین الأخبار.

قوله : أجمع. ( 1 : 235 ).

لولا الإجماع لکان ذلک محل تأمّل ، لعموم ما دل علی التکرار ، لکن ما ورد فی أنه إسباغ ، وأنه زید لضعف الناس وأمثالهما یشعر بکون المراد الغسل ، لأن المطلوب فی المسح تقلیل الماء مع عدم الاستیعاب ( فیه ، فتأمّل.

مع أن ما ذکرناه فی کون المسح بنداوة الوضوء فی غایة الظهور فی عدم التکرار فی المسح ، وکون هذا مستند الإجماع یکفی ، سیما مع الإشعار الواضح ، بل الظاهر الدلالة ، بل لو لم یکن الإجماع أیضا یکفی ) (1).

قوله : وقد یقال : إنه لا مانع. ( 1 : 235 ).

إن أراد أنه لا مانع من أن یقال : لا یجب تحقق الغسل فی الوضوء ، بل یکفی المسح فی المغسول والممسوح جمیعا فلا یخلو عن غرابة ، لمخالفته للإجماع ، بل والضرورة وکذا مخالفته للمستفاد من الأخبار المتواترة بعد الآیة ، سیما ما ورد من أن الوضوء مسحتان وغسلتان.

وإن أراد أن الغسل لا یحتاج فی تحققه إلی جریان بل یکفی فی تحققه إمرار الید برطوبة مّا فهو أیضا غریب ، لأن الغسل عرفا ولغة لا یتحقق بغیر جریان مّا.

وأعجب من ذلک أن الشارح - رحمه الله - تأمل فی تحقق الغسل

لا تکرار فی المسح

إجزاء ما یسمّی به غاسلاً فی الوضوء

ص: 296


1- ما بین القوسین أثبتناه من « و ».

العرفی بجریان مّا ، فکیف إذ لم یتحقق جریان أصلا ، مع أنه علی هذا لا یتحقق فرق بین الغسل والمسح ، وهو مخالف لما ذکرناه من الإجماع والآیة والأخبار.

وبالجملة : حمل هذه الأخبار علی ما ذکره جده - قدس سره - من کونه علی جهة المجاز مبالغة فی الاجتزاء بالجریان القلیل متعین.

قوله : وتشهد له. ( 1 : 236 ).

هذا لا یخلو من غرابة ، إذ لا شهادة فیها أصلا ، مضافا إلی دلالة الأخبار المعتبرة علی أفضلیة الإسباغ.

قوله : وهو ضعیف. ( 1 : 237 ).

فیه تأمّل ، فتأمّل ، وإن کان الأحوط إزالته.

قوله : استظهارا للعبادة. ( 1 : 237 ).

إن لم یحصل العلم بالوصول فلا بدّ من التحریک أو النزع تحصیلا للعلم بالامتثال والبراءة الیقینیة ، لعدم ثبوت حجیة الظن فی هذا الموضع مع تیسر العلم وحصوله بلا حرج ، وإن حصل العلم فکیف یتأتی الاستظهار. إلاّ أن یقال : مرتبة العلم متفاوتة ، وحصول الأقوی أولی لکونه أوثق وأحوط ، لکن هذا لا یلائم طریقة الشارح - رحمه الله - لأنّه لا یجوّز التسامح فی أدلة السنن ، ولا یجعل نفس الاحتیاط دلیلا شرعیا ، فضلا من الأحوطیة ، فضلا عن مثل هذه ، فتأمّل.

قوله : ویدل علیه (1).

وفی الصحیح عن کلیب الأسدی ، عن الصادق علیه السلام : عن الرجل

وضوء الجبیرة

ص: 297


1- لم نعثر علی هذه العبارة فی المدارک ، ولعلّها عبارة أخری عن قوله : وقد ورد بذلک روایات 1 : 237.

إذا کان کسیرا کیف یصنع بالصلاة؟ قال : « إن کان یتخوف علی نفسه فلیمسح علی جبائره ولیصل » (1) ، وحمل هذه علی الاستحباب بعید جدا.

وکذا حسنة الوشاء ، عن أبی الحسن علیه السلام : إذا کان الدواء علی یدی الرجل أیجزیه أن یمسح علیه؟ قال : « نعم یجزیه أن یمسح علیه » (2) ، والإجزاء ظاهر فی الوجوب.

وعن عبد الأعلی ، عن الصادق علیه السلام : انقطع ظفری فجعلت علی إصبعی مرارة ، فقال علیه السلام : « ( ما جَعَلَ ) الله ( عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) ، امسح علیه » (3).

وأما صحیحة ابن الحجاج فلا تدل إلاّ علی أنه لا یجب غسل ما لا یستطیع غسله ، لا أنّه لا یجب مسحه أیضا ، وإن کان ظاهرها ذلک ، إلاّ أنّ هذا الظاهر یکون مقاوما للأدلة الدالة علی الوجوب المعتضدة بفتاوی الأصحاب لا یخلو عن الإشکال ، بل الظاهر عدم المقاومة والرجحان. وعلی تقدیر عدم الإجماع أیضا یکون الأمر کما ذکرنا. مع أنّ القول بالاستحباب لا وجه له إلاّ بعد دعوی الإجماع علی عدم الفرق بین القرحة وغیرها ، ولعله لا یعرف إلاّ من فتاوی الفقهاء بوجوب غسل ما حولهما ، والمسح علی جبیرتهما ، ( وفیه ما فیه ) (4) ، فتأمّل.

ص: 298


1- التهذیب 1 : 363 / 1100 ، الوسائل 1 : 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 8.
2- التهذیب 1 : 364 / 1105 ، الوسائل 1 : 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 9 ، بتفاوت یسیر.
3- الکافی 3 : 33 / 4 ، التهذیب 1 : 363 / 1097 ، الاستبصار 1 : 77 / 240 ، الوسائل 1 : 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.
4- ما بین القوسین أثبتناه من « و ».

و (1) یعضد الإجماع وفتاوی الأصحاب والتصریح بالوجوب فی الأخبار الکثیرة ما ورد عن علی علیه السلام : « ما لا یدرک کله لا یترک کله » و « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، وعن الرسول صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (3).

بل احتمل العلامة فی النهایة وجوب أقلّ مسمی الغسل فی المسح (4) ، بل ربما کان هذا هو الظاهر من الأخبار ، بل وکلام الفقهاء أیضا ، لأنّ المسح هو إمرار الید مع الرطوبة من غیر قید عدم الجریان ولو خفیفا ، کما مر من أنّ بین الغسل والمسح عموما من وجه ، سیما المسح الوارد فی هذه الأخبار ، إذ الظاهر أنّ مراد المعصوم علیه السلام أنّه إن لم یمکنه إمرار الید حال الغسل علی ما تحت الجبیرة یمرّ یده علی ما فوقها دفعا للحرج ، لا أنّه تجفف کفّه الماسحة حتی لا یتحقق جریان أصلا.

نعم ، لو کان الجریان یضرّه یجفّف من هذه الجهة ، وهذا أمر یظهر من الخارج لا من الأخبار.

ومما ذکر ارتفع التعارض بین صحیحة عبد الرحمن وما ذکرنا من الأخبار ، لجواز أن یکون المراد من قوله علیه السلام : « ما وصل إلیه الغسل » أعمّ من البشرة وما فوق الجبیرة ، بل هذا أنسب إلی کلمة « ما » المفیدة للعموم بلا تأمّل ، بل وأنسب إلی قوله : « وصل الیه الغسل » ، إذ لو کان المراد ما ذکره الشارح کان یقول : یغسل ما حولها ، فالعدول منه إلی ما ذکر ظاهر فی ما

ص: 299


1- من هنا إلی آخر هذه الحاشیة أثبتناه من « و ».
2- انظر عوالی اللآلی 4 : 58 / 207 ، 205.
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، سنن البیهقی 1 : 215 ، بتفاوت فی العبارة.
4- نهایة الأحکام 1 : 65.

ذکر ، یعنی أنّ کلّ شی ء یصل إلیه ماء الغسل عند إمراره یده علیه علی طریقة غسله المتعارف من صبّ الماء وإمرار الید علی الباقی یجب غسله بصب الماء وإمرار الید علی البشرة ، وعلی الجبیرة موضع البشرة ، فتأمّل.

قوله : واعلم أنّ فی کلام الأصحاب. ( 1 : 238 ).

ربما یظهر من کلامهم فی مبحث التیمم أنه طهارة اضطراریة لا یصح ولا یتحقق إلاّ بعد العجز عن الطهارة المائیة ، فإذا ظهر من کلامهم فی المقام بل وتصریحهم أنّ الوضوء بغسل ما حول الجبیرة والمسح علیها صحیح قطعا ، بل ویظهر منهم فیه وجوبه وتعیینه یظهر من ذلک أنّ ما ذکروه فی باب التیمم إنّما هو بعد العجز عن هذا الوضوء الصحیح ، بل الواجب والمعین ، فتأمّل.

قوله : أو بالتخییر. ( 1 : 239 ).

فی البناء علی التخییر إشکال ، لأنّ شغل الذمة الیقینی یستدعی (1) البراءة الیقینیة ، أو الظنیة المعتبرة الاجتهادیة ، وشی ء من ذلک غیر متحقق بمجرد الاحتمال ، ولو قلنا بأنّه غیر مرجوح بل مساو. مع الإشکال فیه أیضا ، لما ذکرنا فی صدر الکتاب فی مسألة تیمم الجنب للخروج عن المسجدین من أنّ التیمم بدل اضطراری عن الطهارة المائیة (2) ، فحیث ثبت من الأخبار وکلام الأصحاب ( ووفاقهم ) (3) صحة الطهارة المائیة قطعا ، بل ووجوبها عینا - علی الظاهر منها - یکون ذلک قرینة واضحة علی الجمع الأول وتعیینه (4) ، فتدبر.

ص: 300


1- فی « أ » و « و » : یقتضی.
2- راجع ص 15.
3- بدل ما بین القوسین فی « ب » : وورد.
4- فی « ب » و « ج » و « د » : بعینه.

وأشکل مما ذکر الاکتفاء بالتیمم علی الجبیرة مع التمکن من الوضوء بغسل ما حولها أو المسح علیها. بل مع قطع النظر مما ذکرنا یبعد حمل الأخبار الواردة بالتیمّم علی التیمم علی الجبیرة ، فتأمّل.

قوله : الأظهر. ( 1 : 240 ).

فیه ما ذکرنا فی المسح علی الخفین ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وتتعلق النیة. ( 1 : 240 ).

فیه : أنّ الحاجة إلی النیة إنما هی من جهة کون الفعل عبادة مطلوبة من الفاعل ، ولا شکّ فی أنّ الوضوء لیس وضوء المباشر ، فلا یمکن أن یصلی به أو یطوف مثلا ، بل الوضوء وضوء الآمر بلا شبهة ، والعبادة عبادته ، وهو مطلوب منه لا من المباشر ، بل المباشر من قبیل الآلة لتحقق المطلوب ، فلا وجه للحکم بتعلق النیة به ، وخصوصا مع عدم التعلق بالآمر ، والظاهر أنّ المباشرة غیر واجبة إلاّ علی المملوک والأجیر ، لأصالة البراءة ، ووجوبها علی المملوک والأجیر لیس من قبیل العبادات بل هو من باب المعاملات ، وعلی تقدیر کونه من العبادات یکون علیهما النیة من جهة تکلیفهما لا من جهة التکلیف بالوضوء ، فتأمّل.

قوله : وتمکین غیره منها کان أولی. ( 1 : 240 ).

( بل هو متعین ) (1) ، بل هو أولی بالنیة من ( المباشر ، لأنّ العبادة عبادته ، فتأمّل.

قوله : إذا قلنا : إنّ الضمیر عائد إلی القرآن. ( 1 : 241 ).

ربما یکون أقرب بقرینة ( لا یَمَسُّهُ ) ، إذ المسّ (2) حقیقة فی

عدم جواز تولیة الغیر أفعال الوضوء اختیارا

حرمة مس المحدث کتابة القرآن

ص: 301


1- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د » ، وما بین القوسین لیس فی « ب ».
2- فی النسخ زیادة : لیس ، حذفناها لاستقامة المعنی.

الإمساس الجسدی البدنی ، مضافا إلی أنّه تعالی فی مقام وصف القرآن وأحواله. مع أنّ قوله تعالی ( تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ ) صفة القرآن ، فلا وجه للفصل بأجنبیّ. مع أنّ قوله ( مَکْنُونٍ ) مطلق ، فالظاهر أنّه مکنون مطلقا ، لظهور بقاء المطلق علی إطلاقه ، وأصالة عدم التقیید ، وعدم تعلق الاستثناء به.

وأیضا نقل عن الشیخ والطبرسی - رحمهما الله - أنّهما قالا فی التبیان ومجمع البیان : وعندنا أنّ الضمیر یعود إلی القرآن (1).

وأیضا یظهر من أخبار متعددة عن الأئمة علیهم السلام أنّ الضمیر راجع إلی القرآن (2).

ومما ذکرنا یظهر أیضا أنّ الجملة الخبریة بمعنی النهی ، کما لا یخفی علی من تأمّل أدنی تأمّل.

وأما المطهّر فعلی تقدیر ثبوت الحقیقة الشرعیة فظاهر رجحانه فی الطهارة الرافعة ، وعلی تقدیر عدم الثبوت فالحمل علی المعنی اللغوی أی الحقیقی منه فی المقام بعید ، بل لم یقل به أحد بعد ملاحظة کون الجملة بمعنی النهی ، والإمساس بمعناه الحقیقی ، فتعین أن یکون المراد غیره. فبعد القرینة الصارفة یتعین المعنی الاصطلاحی ، لکثرة استعمال الشرع فیه إلی أن وقع النزاع فی صیرورته حقیقة عنده وفی اصطلاحه.

ولورود الأخبار الکثیرة فی المنع عنه ، وکذا فتاوی الفقهاء.

وأمّا النهی عن غیره فغیر معروف من الأخبار وکلام الأخیار ، بل ویظهر من بعض أخبار الأئمة تفسیرها بالطهارة الرافعة ، مثل ما روی فی القویّ عن

ص: 302


1- التبیان 9 : 510 ، مجمع البیان 5 : 226.
2- راجع الوسائل 1 : 384 أبواب الوضوء ب 12.

أبی الحسن علیه السلام : « المصحف لا تمسّه علی غیر طهر ، ولا جنبا ، ولا تمسّ خطه (1) ، ولا تعلقه ، إنّ الله تعالی یقول ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (2).

إلاّ أن یقال : یظهر منه دخول التعلیق مثلا فیه أیضا ، ولم یقل أحد بحرمته أیضا ، لکن سیجی ء فی مبحث الجنابة أنّ السید - رحمه الله - عامل بمضمون هذه الروایة (3).

مع أنّه غیر مضرّ ، لأنّ الغرض هنا إثبات کون الطهارة بالمعنی الاصطلاحی ، لا الدلالة علی الحرمة أیضا ، إذ بملاحظة الأدلة الخارجة یظهر أنّ النهی هنا مستعمل فی القدر المشترک.

وأمّا الآیة فیظهر من الأدلّة - مضافا إلی ظاهرها - الحرمة ، فیمکن أن یکون التعلیل فی الخبر بالنسبة إلی مس القرآن ، لا مثل التعلیق ، کما هو المستفاد من قوله ( لا یَمَسُّهُ ) . أو یکون التعلیق من بطون القرآن ، فلا یمنع التمسک بالظاهر ، فتدبّر.

قوله : ویتوجه علی الروایتین. ( 1 : 241 ).

هاتان الروایتان وإن کانتا مطعونا فی سندهما إلاّ أنّ مضمونهما منجبر بعمل الأصحاب ، کما عرفت مرارا.

مع أنّ الروایة الأولی لیس فیها إلاّ الحسین بن مختار ، وقد وثقه المفید فی إرشاده (4) ، وعلی بن الحسن بن فضال علی ما نقله ابن عقدة (5) ، وقال

إشارة إلی أن حسین بن مختار ثقة وإشارة إلی مقبولیّة مراسیل حماد بن عیسی

ص: 303


1- فی بعض نسخ المصادر : خیطه.
2- التهذیب 1 : 127 / 344 ، الاستبصار 1 : 113 / 378 ، الوسائل 1 : 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 3.
3- المدارک 1 : 287.
4- الإرشاد 2 : 248.
5- انظر الخلاصة : 215.

الصادق علیه السلام له : « رحمک الله » (1) ، إلی غیر ذلک مما ذکرناه فی تعلیقتنا علی رجال المیرزا (2). وأما أبو بصیر فمشترک بین ثقات لیس إلاّ ، کما حقّقناه فیها (3).

والثانیة فیها حماد بن عیسی ، وهو ممن أجمعت العصابة. فلا یضر الإرسال الذی بعده ، کما حقّقناه أیضا (4) ، مع أنّ الظاهر أنّ حمادا أخذه من کتاب حریز ، وکتابه معتمد معتبر لا تأمّل فیه ، ویظهر من روایة حماد (5) المشهورة فی کیفیة الصلاة اعتباره.

قوله : عدم الدلالة علی المدعی صریحا. ( 1 : 241 ).

فیه ، إشارة إلی دلالة مّا ، وهو کذلک ، لأنّ الکتابة لا تکاد تنفک عن المماسة غالبا ، والأخبار واردة مورد الغالب.

ومع الإغماض عن الدلالة لا شک فی أنّ الحمل علی ذلک أولی وأقرب من الحمل علی الکراهة ، سیّما مع موافقته لغیره من الأخبار الظاهرة فی الحرمة.

وکذا ظاهر الآیة علی حسب ما مرّ ، فتدبر.

وفی الفقه الرضوی : « ولا تمس القرآن إذا کنت جنبا أو علی غیر وضوء ، ومس الورق » (6).

إشارة إلی أن حسین بن مختار ثقة وإشارة إلی مقبولیّة مراسیل حماد بن عیسی

ص: 304


1- الکافی 1 : 67 / 8.
2- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 116 و 371 و 6.
3- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 116 و 371 و 6.
4- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 116 و 371 و 6.
5- الکافی 3 : 311 / 8 ، الوسائل 5 : 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
6- فقه الرضا علیه السلام : 85 ، مستدرک الوسائل 1 : 464 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.

قوله : وإمکان حملها. ( 1 : 241 ).

لا یخفی أنّ الشارح اختار کون الحدیث الصحیح حجة وإن لم یوجد بمضمونه قائل ، ولا یشترط فی حجیته ذلک ، وصرح بذلک.

قوله : وهو متّجه. ( 1 : 242 ).

فیه : أنّه إذا لم یکن دلیل فلا وجه للحکم فی الکراهة أیضا.

نعم ، لو بنی علی التسامح فی أدلة الکراهة والسنة لأمکن ، لکنه خلاف رأی الشارح ، وإن کان الحق التسامح ، کما حققناه فی أوّل الکتاب ، فلاحظ.

قوله : لکل صلاة ، مراعاة. ( 1 : 242 ).

هذا موقوف علی أحکام ثلاثة :

الأول : کون الصلاة واجبة علیه فی هذه الحالة.

الثانی : أنّ الطهارة شرط حینئذ أیضا ، لأنّها شرط مطلقا بمقتضی النص.

الثالث : أنّ فعل الطهارة فی أثناء الصلاة مبطل لها ، فإنّ الحدث إذا کان ناقضا مطلقا ، والطهارة تکون شرطا مطلقا یقتضی ذلک سقوط الصلاة.

نعم ، إذا ثبت أنّها لیست بساقطة یکون الأمر کما ذکره ، والظاهر أنّ عدم السقوط إجماعی.

قوله : وظاهر کلامه أنّ البول. ( 1 : 242 ).

لا مطلقا ، بل الذی یخرج قطرة قطرة من غیر قصد وإرادة ، أمّا غیر ذلک فلا ، فلعل نظره إلی عدم عموم فی الأخبار الدالة علی النقض بحیث یشمل الفروض النادرة ، فتأمّل.

حکم المبطون والمسلوس

ص: 305

وموثقة سماعة أو مضمرته : عن رجل أخذه تقطیر من فرجه ، إمّا دم وإمّا غیره ، قال : « فلیصنع خریطة ولیتوضأ ولیصلّ ، فإنّما ذلک بلاء ابتلی به ، فلا یعیدن إلاّ من الحدث الذی یتوضأ منه » (1) ، فتأمّل.

قوله : فإنّ الجمع بین الفریضتین. ( 1 : 243 ).

سیما فی المقام ، لأنّه فی صدد الإشکال فی حکایة دوام الحدث المانع من الطهارة ، فتدبر.

قوله : وأنّ العمل بها. ( 1 : 243 ).

والصدوق - رحمه الله - روی هذه الروایة بطریق فیه علی بن أحمد بن عبد الله البرقی ، وأبوه أحمد (2) ، فلعل الشهید بنی علی ما ذکر فی علم الرجال من أنّه رجع عن القول بعبد الله کل الشیعة إلاّ عمار وطائفته (3) ، أو بنی علی حکایة إجماع العصابة (4) ، أو علی تصحیح العلاّمة - رحمه الله - هذه الروایة (5) ، فتأمّل.

قوله : وهو مصادرة. ( 1 : 243 ).

لیس فیه مصادرة ، لأنّه یثبت فی مقامه اشتراط الاستمرار بالأخبار وغیرها ، وعلی تقدیر المناقشة فی دلیله لا یقال : إنّه مصادرة.

ص: 306


1- التهذیب 1 : 349 / 1027 ، الوسائل 1 : 266 أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 9.
2- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 1 : 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.
3- انظر رجال الکشی 2 : 565 / 502 ، والإرشاد 2 : 223.
4- انظر رجال الکشی 2 : 673 / 705.
5- کما فی المختلف : 28.

وبالجملة : أنّه مبنی علی مقدمة مسلّمة عند الأکثرین ، کما سیجی ء وسیجی ء استدلالهم علیها ، وهی أنّ الطهارة شرط ، ومع زوال الشرط یزول المشروط ، وأنّ الإجماع حاصل علی أنّ الفعل الکثیر مبطل ، وبروایتین ستذکران ، استدلوا بذلک ردّا علی من قال : إن الحدث سهوا لا یبطل الصلاة ، فلو تمّ أدلّتهم علیه للزمهم القول بالبطلان هنا لو قالوا بأنّه حدث ، فالنقض منه وارد علی المعظم ، مع أنّه یعتقد تمامیة الدلیل مثلهم ، فلا وجه للحکم بالمصادرة بوجه من الوجوه ، فتأمّل.

قوله : فی موضع النزاع. ( 1 : 243 ).

النزاع لا ینافی الإجماع عندنا (1) ، مع أنّ ضروری المذهب مثل حرمة القیاس وقع فیه النزاع ، فما ظنک بالإجماع ، وسیما المنقول بخبر الواحد ، فإن قال بحجیته فلا وجه للمنع وإلاّ فلا وجه لمنع الإجماع أصلا ، ولا للاستناد إلی النزاع ، بل الوجه علی هذا أن یمنع حجیته خاصّة ، ومع ذلک ، المنع غیر المصادرة ، وعدم ثبوت الإجماع عند الشارح - رحمه الله - لا یضر المستدل ، فتأمّل.

قوله : المعتضدة بالأصل. ( 1 : 244 ).

لا بدّ من التأمّل فی هذا الأصل ، إذ لم نجد له أصلا ، بل لم نجد العمومات أیضا ، إذ العبادة ماهیتها غیر معلومة إلاّ من الشرع ، وثبوت کون مثل هذه الصلاة من جملة ما أمر الله تعالی به محل تأمّل ، سیما بعد ملاحظة قوله صلی الله علیه و آله : « صلّوا کما رأیتمونی أصلّی » (2) وأنّه صلّی الله علیه

ص: 307


1- لیس فی « أ » و « ج » و « د ».
2- عوالی اللآلی 1 : 197 / 8 ، السنن الکبری للبیهقی 2 : 124.

وآله ما صلّی کذلک قطّ ، وکذا ملاحظة « لا صلاة إلاّ بطهور » (1) ، لأنّه من قبیل : لا صلاة إلاّ بطهارة الثوب ، أو طهارة الجسد ، فإنّ الظاهر منه کون مجموع الصلاة من أوّلها إلی آخرها کذلک ، وکذا ملاحظة الإجماع والأخبار الواردة فی إبطال الفعل الکثیر ، فتأمّل.

وبالجملة : العمدة ما ذکره من اعتبار السند وعمل الأصحاب ، وهذا القدر یکفی لإثبات الحکم.

قوله : أمکن فی الاستعمال. ( 1 : 244 ).

لو تم هذا لاقتضی استحباب الوضع علی الیسار أیضا فی بعض الأوانی ، مع أنّ کون مثل هذا دلیلا علی الاستحباب الشرعی محل تأمّل.

قوله : وهو حسن. ( 1 : 244 ).

لو تمّ الدلیلان لعمّا غیر ما نحن فیه من جمیع الأمور ، ولم یفت الأصحاب فی غیر الوضوء حتّی الغسل وغسل النجاسة ونظائرهما ، نعم ، فی حسنة ابن أذینة التی رواها الکلینی فی علة الأذان ، وهی صحیحة أو کالصحیحة ، سیما عند الشارح - رحمه الله - مع أنّ المقام مقام الاستحباب ، مع أنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، ومضمون الحسنة أنّه علیه السلام قال : « فتلقی رسول الله صلی الله علیه و آله الماء بیده الیمنی ، فمن أجل ذلک صار الوضوء بالیمین - فی نسخة - وبالیمنی - فی نسخة - » (2) فتأمّل جدّا.

قوله : والاغتراف بها. ( 1 : 245 ).

سنن الوضوء

وضوء الإناء علی الیمین والاغتراف بها

ص: 308


1- التهذیب 1 : 49 / 144 و 209 / 605 ، الوسائل 1 : 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1 و 6.
2- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 1 : 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.

أی لغسل الجمیع لا لغسل الوجه والید الیسری خاصة. والأولی أن یستدل الشارح بالخبر المتضمن للاغتراف صریحا ، وکذا الغمس ، کما مر.

قوله : إذا وضعت. ( 1 : 245 ).

ویظهر من بعض الأخبار (1) استحباب التسمیة عند صب الماء علی الوجه أیضا.

قوله : منعنا ذلک. ( 1 : 246 ).

فیه ما فیه ، لأنّ الأصحاب کانوا یعملون ، ویظهر من ذلک اعتبارها عندهم ، وهذا لا یقصر عن الصحیح ، لو لم یکن أحسن منه ، وتمام التحقیق فی ما کتبناه فی الرجال (2).

قوله : مقتضی الروایتین. ( 1 : 247 ).

هذا الحصر بالنسبة إلی الثانیة محل تأمّل ، لمکان التعلیل ، فتأمّل.

قوله : وجزم الشارح رحمه الله . ( 1 : 247 ).

یعنی أنّ الشارع طلب غسل الید من الأمور المذکورة ، مطلقا من غیر تقیید بکون الید مظنونة النجاسة أو متهمة النجاسة ، ولذلک أفتی الأصحاب کذلک ، فعلم أنّ الغسل لیس إلاّ للتعبد المحض ، فهذا یناسب التعمیم ویقتضیه ، إذا کان طلبه مطلقا غیر مقید أو مشروط بشی ء ، وهو کذلک ، کما ستعرف.

قوله : وهو ضعیف. ( 1 : 247 ).

لا یخفی أنّ نظره - رحمه الله - إلی ما رواه الشیخ فی الصحیح - أو

التسمیة والدعاء بالمأثور

غسل الیدین قبل إخالهما الإناء

ص: 309


1- الکافی 3 : 25 / 4 ، الوسائل 1 : 378 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
2- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 275.

کالصحیح - عن الباقر علیه السلام ، قال : « یغسل الرجل یده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتین ، ومن الجنابة ثلاثا » (1).

وما رواه فی الفقیه عن الصادق علیه السلام : « اغسل یدک من البول مرة ، ومن الغائط مرتین ، ومن الجنابة ثلاثا » وقال : « اغسل یدک من النوم مرة » (2).

ولا تعارضهما صحیحة الحلبی ، لأنّ قید الإناء کان فی کلام الراوی ، وإثبات الحکم فی ما سأله لا ینفی الحکم فی ما عداه ، ولا یقتضی تقییدا فیه ولا اشتراطا.

ومثله الکلام فی روایة عبد الکریم مع ضعف سندها ، والتعلیل المذکور فیها لا یقتضی التخصیص والتقیید ، لأنّه إنما هو بالنسبة إلی ما سأله ، ولا یقتضی أن یکون علة الحکم مطلقا هو ما ذکر ، کیف وهذه إنّما هی للوضوء من النوم فقط دون البول وغیره ، مع أنّ هذه الروایة رواها فی التهذیب هکذا : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یبول ولم یمس یده الیمنی [ شی ء ] (3) ، أیدخلها فی وضوئه قبل أن یغسلها؟ قال : « لا ، حتی یغسلها » ، قلت : فإنه استیقظ من نومه ولم یبل ، أیدخل یده فی وضوئه (4)؟. إلاّ أن یدعی تبادر القلیل من الوضوء ، لکن لا شبهة فی اختصاص التعلیل بالنوم فی الصورة المسؤولة عنها ، فتأمّل.

قوله : ولو تداخلت. ( 1 : 247 ).

ص: 310


1- التهذیب 1 : 36 / 97 ، الاستبصار 1 : 50 / 142 ، الوسائل 1 : 427 أبواب الوضوء ب 27 ح 2.
2- الفقیه 1 : 29 / 91 و 92 ، الوسائل 1 : 428 أبواب الوضوء ب 27 ح 4 و 5.
3- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
4- التهذیب 1 : 39 / 106.

نظره فی ما ذکره إلی ما ذکره فی بحث تداخل الوضوء والغسل ، وقد عرفت أنّه محل تأمّل (1) ، نعم یمکن أن یستند هنا إلی الصحیحة التی ذکرناها عن الباقر علیه السلام ، بضمیمة عدم القول بالفصل ، لکنه أیضا یحتاج إلی التأمّل.

قوله (2) : اقتصارا علی المتیقن. ( 1 : 247 ).

لکن فی الجنابة ورد استحباب غسل بعض الذراع أیضا (3) ، وفی بعض الروایات کل الذراع (4) ، علی ما هو ببالی.

قوله : والمضمضة. ( 1 : 247 ).

نقل عن الشیخ فی المبسوط : ولا یلزم أن یدیر الماء فی لهواته ، ولا أن یجذبه بأنفه (5).

قوله : والاستنشاق. ( 1 : 247 ).

قال الشارح الفاضل : ولیکونا بالیمین ویجذب الماء بخیاشیمه إن لم یکن صائما ، والأفضل مجّ الماء من فیه ، وإن ابتلعه کان جائزا (6) ، انتهی.

قوله : لم أقف له علی شاهد. ( 1 : 248 ).

وفی ما کتب أمیر المؤمنین علیه السلام إلی أهل مصر مع محمّد بن أبی بکر : « المضمضة ثلاثا والاستنشاق ثلاثا » (7) فلاحظ (8).

المضمضة والاستنشاق والدعاء عندهما

ص: 311


1- راجع ص 255.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
3- التهذیب 1 : 132 / 364 ، الوسائل 2 : 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.
4- التهذیب 1 : 131 / 363 ، الاستبصار 1 : 123 / 419 ، الوسائل 2 : 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 6.
5- المبسوط 1 : 20.
6- روض الجنان : 42.
7- الغارات 1 : 244 ، مستدرک الوسائل 1 : 305 أبواب الوضوء ب 15 ح 8.
8- لیس فی « أ ».

وفی کشف الغمة أنّ الکاظم علیه السلام کتب إلی علی بن یقطین :

« تمضمض ثلاثا ، ثم استنشق ثلاثا ، وتغسل وجهک ثلاثا » إلی أن قال : ثم کتب : « توضأ کما أمر الله تعالی : اغسل وجهک واحدة فریضة واخری إسباغا ، وکذلک المرفقین ، وامسح مقدم رأسک وظاهر قدمیک بفضل نداوة وضوئک ، فقد زال ما کنا نخاف علیک » (1) ، فإنّ تغییر خصوص غسل الوجه والیدین وإبقاء المضمضة والاستنشاق بحالهما دلیل علی استحباب التثلیث ، کما أفتی به الأصحاب.

وفی الکافی عن الصادق علیه السلام فی من نسی الاستیاک ، قال : « یستاک ، ثم یتمضمض ثلاث مرات » (2).

وفی الفقه الرضوی : وقد روی أن یتمضمض ویستنشق ثلاثا ، وروی مرة مرة یجزئه ، وقال : الأفضل الثلاثة (3).

قوله : والکل حسن. ( 1 : 248 ).

بل الأولی تقدیم المضمضة مطلقا علی الاستنشاق ، لما ظهر من بعض الأخبار ، بل الأحوط الاقتصار علیه لذلک.

قوله : والدعاء. ( 1 : 248 ).

فی الفقه الرضوی : « أیما مؤمن قرأ إنّا أنزلناه فی وضوئه خرج من ذنوبه کهیئة ولدته امّه » (4) انتهی ، وفی الأخبار ورد بعد تمام الوضوء (5) ، فتأمّل.

ص: 312


1- کشف الغمة 2 : 226.
2- الکافی 3 : 23 / 6 ، الوسائل 2 : 18 أبواب السواک ب 4 ح 1.
3- فقه الرضا علیه السلام : 81 ، المستدرک 1 : 468 أبواب الجنابة ب 6 ح 1.
4- فقه الرضا علیه السلام : 70 مستدرک الوسائل 1 : 320 أبواب الوضوء ب 24 ح 4.
5- راجع البحار 77 : 328.

قوله (1) : من الفرق بین الغسلة الأولی والثانیة. ( 1 :249 ).

موافق للشیخ فی المبسوط (2) ووافقهما العلاّمة (3) أیضا ، ولعل نظرهم إلی أن غسل خصوص الظاهر من دون شی ء من الباطن حتی یتحقق الابتداء بغسله مما لا یکاد یتحقّق ، لأن بصب الماء علی الظاهر یغسل من الباطن أیضا قدر معتد به ، لجریان الماء إلیه بالقدر المذکور عادة ، ومع ذلک غسل جمیع الظاهر بحیث لا یشذ عنه شی ء مقدما علی الباطن یتوقف علی اهتمام تام ، ولعله خلاف ظواهر الأخبار الواردة فی بیان الوضوء ، وخلاف الطریقة المتعارفة بین الشیعة.

وحمل الحدیث علی أن المراد من الغسل قصد الغسل لا نفسه بعید ومخالف للفتاوی ، فلا جرم یکون المراد الابتداء بالصبّ ، مع أن لفظ الغسل غیر موجود فی الحدیث والصب غسل بعنوان خاص ، فإذا کان ما فیه من الخصوصیة متعلق الابتداء لا جرم ذلک القید یکون متعلق الانتهاء ، فإذا کان المراد الابتداء بالصب لا جرم منه یتحقق صب آخر مغایر للأول حتی یکون مؤخرا عنه ونهایة له ، ولا ریب فی عدم تحققه إلاّ فی الغسلة الثانیة فیصیر مؤخرا فی الظاهر ، کما أن یکون الرجل ابتداء صبه بالظاهر ومؤخره بالباطن ، فتأمّل.

لکن عبارة المحقق ربما لا یلائمها ما ذکرنا ، لأنه قال : وأن یبدأ فی الأولی بغسل ظاهر ذراعیة فإنه أیضا ظاهر فی غسل مجموع خصوص الظاهر

ابتداء الرجل بظاهر الذراع والمرأة بباطنه

ص: 313


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».
2- المبسوط 1 : 20.
3- کما فی القواعد 1 : 11 ، والتذکرة 1 : 202 ، ونهایة الأحکام 1 : 57.

فیکون مورد الاعتراضین.

نعم ، عبارة العلاّمة - رحمه الله - لا تأبی عما ذکرناه ، لأنه قال : وبدأة الرجل بظاهر ذراعیه فی الأولی والباطن فی الثانیة. إذ کون الابتداء فی الغسلة الأولی بالظاهر لا یقتضی کون غسل مجموع الظاهر مقدما علی الباطن حتی یتوجه الإیرادان ، بل فی تلک الغسلة یکون الابتداء والشروع بظاهر الذراع ، فتأمّل جدا.

ویمکن أن یکون مراد المحقق أیضا ذلک إلاّ أنه وقع فی عبارته مسامحة أو غفلة ، لکن یمکن أن نقول : المراد من الحدیث ربما یکون هذا المذکور من دون حاجة إلی تقدیر الصب فی الکلام بحیث یظهر بالدلالة الالتزامیة وجود صب آخر حتی یثبت ما ذکروا.

لا یقال : إن أردت أنّ غسل ابتداء ظاهر المرفق یکفی ففیه أنّ الشروع بعد ذلک بغسل مجموع الباطن من غسل ما بعد المرفق من الظاهر خلاف فتوی الفقهاء ودلیلهم ، وإن أردت أن الظاهر مقدم فی الغسل علی الباطن یعود المحذوران.

لأنا نقول : نرید الثانی ونقول الابتداء بالظاهر علی قسمین :

الأول : أن یکون الظاهر یغسل ابتداء ، وبعد یشرع فی غسل الباطن ، وفیه المحذوران.

والثانی : أن یکون کل جزء من الظاهر مقدم علی ما یوازیه وما یحاذیه من الباطن ، وهذا لیس فیه شی ء من المحذورین أصلا ، فتدبر.

قوله : وفی السند إسحاق بن إبراهیم. ( 1 : 250 ).

هو أخو علی بن إبراهیم ولعله من مشایخ الإجازة فیکون الحدیث قویا.

إشارة إلی أنّ إسحاق بن إبراهیم من مشایخ الإجازة

ص: 314

مع أن ابن بابویه رواها فی الفقیه مرسلا (1) وفیه أیضا شهادة علی القوّة والاعتبار ، مضافا إلی الاشتهار بین الأصحاب ، فینجبر الضعف ، ولعل عملهم بها للتسامح ، فیکون الفرض محمولا علی الاستحباب ، لا أن المراد منه الاستحباب ، بل ینزل حکمه منزلة الاستحباب کما مرّ فی صدر الکتاب ، وللإجماع حملوا علی أنّ المراد شدة الاستحباب ، وبملاحظة تتبع تضاعیف الأخبار الکثیرة الواردة فی مقام البیان وجواب سؤال السائلین عن الوضوء ، حتی أنهم تعرضوا لکون الابتداء من المرفق وغیره ولم یتعرضوا لوجوب الابتداء من الظهر أو البطن مع أنّه أخفی ، فلاحظ وتأمّل. وسیجی ء عن الشارح فی مبحث استحباب البول للجنب نظیر هذا (2).

قوله : قال الشهید فی الذکری. ( 1 : 250 ).

قال بعض المحققین : هذا إنّما یتمشّی علی القول بعدم استحباب الغسلة الثانیة ، وعدم کون المضمضة والاستنشاق من الوضوء الکامل ، وأمّا علی القول بذلک فلا (3). وصدّقه غیره من المحققین أیضا (4).

قوله : والمستند فیه. ( 1 : 252 ).

لا یخفی أنّ التشبّه بالعامة لعله أمر مکروه عندهم صلوات الله علیهم ، والخبر منجبر بعمل الأصحاب ، والمخالف غیر معلوم صریحا ، وقول الشیخ لا بدّ من ملاحظته.

قوله : ویشهد له. ( 1 : 253 ).

الوضوء بمدّ

مکروهات الوضوء

التمندل بعد الوضوء

ص: 315


1- الفقیه 1 : 30 / 100.
2- انظر المدارک 1 : 298.
3- الحبل المتین : 27.
4- ذخیرة المعاد : 42.

وجه الشهادة وعدم الدلالة أنّ عدم البأس لا ینفی الکراهة ، سیما إذا کان مرادهم ترک المستحب ، مع أنّ حکایة الوضوء غیر مذکورة.

وفی زیادات التهذیب ، فی الموثق عن إسماعیل بن الفضل أنّ الصادق علیه السلام توضّأ ثمّ مسح وجهه بأسفل قمیصه ، ثم قال : « یا إسماعیل افعل کذا ، فإنّی أفعل کذا » (1).

وفیه : أنّه إن کان الأمر محمولا علی ظاهره فالأظهر التقیّة ، وإن کان المراد نفی الحظر فلا ینافی الکراهة ، سیما بالمعنی المذکور ، فتأمّل.

مع أنّ المسح بالقمیص لعله ورد ذمّه فی الأخبار (2).

قوله : وقد توضأ. ( 1 : 253 ).

هذا أیضا لا ینافی الکراهة ، سیما إذا کان مرادهم خلاف الاستحباب ، مع أنّه لعله کان هناک عذر.

قوله : وهو قوی. ( 1 : 253 ).

بل ضعیف ، إذ یظهر من الأخبار استحباب بقاء الرطوبة ، وأنّها متی کانت باقیة یکون المتوضئ یعود إلیه الثواب ، وقوله علیه السلام « حتی یجف » إشعاره بمکانه.

قوله : لا ینافی الشک. ( 1 : 253 ).

إذا اعتبرت کون زمان الطهارة بعد زمان الحدث فلا مانع من أن یجعل الحدث بمعنی الأثر الحاصل البتة ، کیف وهذا المعنی لازم للمعنی الأول لا ینفک عنه إلی أن تتحقق الطهارة ، فالإیراد من أصله فاسد ، فإن قولک :

أحکام الوضوء

حکم من تیقن الحدث وشکّ فی الطهارة

ص: 316


1- التهذیب 1 : 357 / 1069 ، الوسائل 1 : 474 أبواب الوضوء ب 45 ح 3.
2- انظر البحار 73 : 315 و 317 و 321 و 323.

فی زمان واحد ، إن جعلته متعلقا بقولک : وجود ، فهو فاسد قطعا ، وإن جعلت الحدث بالمعنی الأول ، لأنه أیضا مناف للطهارة قطعا یمتنع اجتماعهما فی زمان واحد ، وإن جعلته متعلقا بقولک : اجتماعهما ، فلا مانع أصلا ، لأن الحدث المتیقن مقدم علی الطهارة المشکوک فیها قطعا ، فتدبر.

قوله : أو تیقنهما. ( 1 : 254 ).

وفی الفقه الرضوی : « وإن کنت علی یقین من الوضوء والحدث ولا تدری أیهما أسبق فتوضأ » (1) ، انتهی. وأیضا الوضوء شرط لصحة الصلاة ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط ، فلا یتحقق الامتثال الیقینی بل العرفی أیضا.

قوله : فإن عبارته. ( 1 : 256 ).

بل صرح بهذا الجواب حینما اعترض البیضاوی علی عبارته فی القواعد (2) : ولو تیقنهما. إلی قوله : استصحبه ، بأن الاستصحاب انقطع یقینا ، فالموافق للقواعد مراعاة الیقین الحاصل المضاد للحالة السابقة لا الحالة السابقة ، فأجاب بأنی ما استدللت بالاستصحاب ، إلی آخر ما أجاب (3).

وما أورد علیه الشارح أیضا غیر وارد ، لأن المسألة تتصور بصورتین :

الأولی : أن یکون الحدث الناقض والطهارة الرافعة الواقعة کل واحد منهما واحدا غیر متعدد علی الیقین.

حکم من تیقنهما وشکّ فی المتأخّر

ص: 317


1- فقه الرضا علیه السلام : 67 المستدرک 1 : 342 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.
2- قواعد الأحکام 1 : 12.
3- انظر ریاض العلماء 1 : 382.

والثانیة : وقوع کل واحد منهما علی الیقین فی الجملة بأن القدر المتیقن واحد مع احتمال الزیادة ، باحتمال أن یکونا متحدین أو متعددین لا یقین فی واحد منهما.

فکأنّ الشارح حمل عبارته فی المختلف علی الصورة الأولی ، وغفل عن أنّه یلزم علی هذا أن یکون قوله - رحمه الله - : ونقض الطهارة الثانیة مشکوک فیه ، فلا یزول الیقین بالشک ، وکذا قوله : والطهارة بعد نقضها مشکوک فیها ، لغوا محضا ، بل ویفیدان خلاف المطلوب ، لأنّ القولین صریحان فی التمسک بالاستصحاب.

وغیر خفیّ أن مراده هو الصورة الثانیة ، والیقین الحاصل بوقوع حدث ناقض فی الجملة وطهارة رافعة کذلک لا ینفع إلاّ بضمیمة الاستصحاب ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، ویکون ما ذکره - رحمه الله - قولا فی أصل المسألة بالقیاس إلی أحد شقوقها ، فتأمّل.

قوله : فسرها بالمتابعة. ( 1 : 256 ).

لم یفسرها أحد بالمتابعة فی حال عدم الاختیار أیضا ، بل من فسرها إنما فسرها بها فی حال الاختیار ، خاصة وما نحن فیه من أقوی أنواع عدم الاختیار ، ولذا لم یقل أحد بالبطلان بفواتها.

قوله : فإذا قمت وفرغت. ( 1 : 256 ).

الظاهر أنّه عطف تفسیری ، والحال الأخری أعم من الجلوس لغیر الوضوء ، والسکون الذی هو خارج عنه وواقع بعد الفراغ منه ، إذ لا بدّ أن یکون المکلف مشتغلا بکون ، فتأمّل.

قوله : قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة. ( 1 : 257 ).

وورد أیضا أنّه قیل لواحد من الأئمة علیهم السلام - ولعله الصادق علیه السلام - : إن فلانا رجل عاقل إلاّ أنه مبتلی فی طهارته ، فقال : کیف یکون

حکم من تیقّن ترک غسل عضو أو مسحه

حکم من شکّ فی شیء من أفعال الوضوء قبل فوات المحل

ص: 318

عاقلا وهو یعلم أنّه مطیع للشیطان ، فقیل له کیف یعلم أنّه مطیع له؟ قال علیه السلام : لأنّه لو سئل عنه : لم تفعل کذلک؟ یقول هو من الشیطان لا یخلینی (1) ، ومتن الروایة لیس ببالی.

قوله : والأولی تدارکه. ( 1 : 258 ).

بل متعین ، لعدم الامتثال الیقینی بدونه ، بل العرفی أیضا ، فیبقی تحت العهدة.

قوله : فلأن نیتها إنما تکون. ( 1 : 260 ).

لا یخفی أن هذا الشرط خلاف مقتضی دلیل اعتبارها ، وخلاف إطلاق قول القائل به ، فلا وجه لما ذکره ، ولم یظهر من الشیخ فی المبسوط أنّه یقول بما ذکره الشارح ، إذ لعل بناءه علی أن هذا الشک داخل فی الشک بعد الفراغ أو غیر ذلک ، وهذا أنسب بکلامه حیث اعتبر فی النیة الرفع أو الاستباحة مطلقا ، مع أنّه لو قال بما ذکره لکان موردا للاعتراض بأنّ الدلیل لو تم لاقتضی الاعتبار مطلقا وإلاّ فلا مطلقا ، فتأمّل.

قوله : ولأن الظاهر. ( 1 : 260 ).

لو تم هذا بحیث یجعل مستند حصول البراءة الیقینیة أو الامتثال العرفی بالنسبة إلی شغل الذمة الیقینی ، لکان دلیلا علی عدم لزوم الإعادة لا علی عدم لزومها علی تقدیر القول باعتبار الاستباحة مع القول بفساد هذا القول ، والکلام إنما هو علی تقدیر القول بهذا الفاسد ، فلا وجه للتمسک بدلالة الأخبار ، مع أن فی الدلالة أیضا تأمّل.

وبالجملة : علی فرض تمامیتها تکون دالة علی أن قصد الاستباحة

حکم من جدّد وضوءاً بنیّة الندب وذکر أنّه أخلّ بعضو من إحدی الطهارتین

ص: 319


1- الکافی 1 : 12 / 10 ، الوسائل 1 : 63 أبواب مقدمة العبادات ب 10 ح 1.

لیس بشرط علی ما یقول القائل به ، لا أنّه علی هذا القول أیضا لا یجب الإعادة ، فتأمّل.

قوله : تلافیا لما عساه. ( 1 : 260 ).

استشهاده بأمثال ما ذکره ، واستناده إلیها لتحصیل البراءة الیقینیة أو العرفیة فی ما نحن فیه فی غایة الغرابة ، فتأمّل.

قوله : مع احتمال الصحة. ( 1 : 261 ).

هذا الاحتمال لیس بشی ء ، لأن الدلیل الذی استدل به علی اعتبار قصد الوجه لو تم لاقتضی الوجه الذی لم یظهر علی المکلف خلافه ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : الرابعة. ( 1 : 262 ).

ولو توضأ قبل دخول الفریضة ندبا ثم دخل وقت الفریضة فصلّی ثم ذهل عن الوضوء فتوضأ ندبا للتأهب لفریضة أخری ففیه إشکال ینشأ من أنه لو کان الخلل فی الوضوء الأول لم تبرأ ذمته عن الصلاة الواجبة التی صلی به فلم یکن الوضوء الثانی مشتملا علی الوجه الواقعی ، من اشتماله علی الوجه الذی أعتقده.

قوله : لصدق الامتثال. ( 1 : 263 ).

فإن قصد التعیین إنما اعتبر لتحقق الامتثال العرفی ، وهو متحقق فی قصد ما هو معین فی الواقع ، وإن کان مترددا فیه عند المکلف ، فلا یحتاج الامتثال هنا إلی صلاة أخری تکون مقدمة له.

لکن یشکل الأمر من جهة الجهر والإخفات علی القول بوجوبهما ومن طرف الدلیل المقتضی له ، فعلی هذا یحتاج إلی صلاة أخری تحصیلا للبراءة. والمشهور قائلون بوجوبهما ، ومنهم المصنف.

قوله : وفی هذا نظر. ( 1 : 264 ).

حکم من أحدث عقیب طهارة منهما ولم یعلمها بعینه

ص: 320

یعنی أن العلة لم تظهر أنها ما هی ، فضلا عن أن تکون یقینیة ، حتی یصیر تنقیح المناط الذی هو حجة عند الشیعة أیضا. إلاّ أن یقال : العلة صدق الامتثال بالتردید ، فیرجع إلی الدلیل الأول.

ویمکن أن یکون المنقح هو الإجماع المرکب ، بأن من قال بالخمس قال هنا بالصلاتین ، ومن اکتفی بالثلاث اکتفی هنا بواحدة. ویمکن أن یتمسک به من أول الأمر من دون توسیط تنقیح العلة ، لکن لا بدّ من التأمّل فی ثبوت الإجماع.

قوله : والامتثال یقتضی الإجزاء. ( 1 : 264 ).

لو تم ما ذکره لزم عدم وجوب الإعادة فی صورة من صور المسألة ، مع أنّه - رحمه الله - علّل وجوب الإعادة بتحصیل الیقین بالبراءة.

وبالجملة : لا دلیل علی کون مثل هذا الامتثال مقتضیا للإجزاء والخروج عن العهدة مع الکشف عن کون المکلف به لیس هذا بل غیره فی الواقع.

إلاّ أن یکون نظره إلی ما ذکره سابقا من احتمال کون المکلف به قصد الوجه فی الجملة ، وکون المکلف مأمورا بإیقاع الطهارة علی ذلک الوجه بحسب الظاهر عنده ، لکن قد عرفت ما فیه ، فتأمّل.

قوله : ویتخیر فی الفریضة. ( 1 : 265 ).

فیه إشکال ظهر وجهه مما ذکرناه سابقا ، إذ لم نجد دلیلا علی الاکتفاء بواحدة عن ثلاث سوی صدق الامتثال بالتردید ، وهو لا یتم بالقیاس إلی الجهر والإخفات ، نعم فی صورة النسیان یکون الأمر کذلک ، لورود النص المنجبر بالشهرة ، ومقتضی ذلک النص التخییر ، فتأمّل.

قوله : وبین الأداء والقضاء. ( 1 : 265 ).

لا یتصور التخییر بینهما ، بل غایته النیة المرددة علی تقدیر وجوب

حکم من صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنّه أحدث عقیب أحدهما

ص: 321

قصد الأداء والقضاء ، وهو غیر واجب ، کما سیجی ء (1).

قوله : وتدل علیه. ( 1 : 266 ).

فی استدلاله بهذه الأخبار علی العموم المذکور نظر ، إذ العموم لو کان فإنما هو بالنسبة إلی الأفراد الشائعة ، کما اعترف الشارح وصرح مرارا ، مع أن بعضها لا عموم فیها ، فتأمّل.

إلاّ أن الحکم إجماعی بل الظاهر أنّه ضروری.

قوله : لأنها صفات لازمة. ( 1 : 266 ).

یتوجه علی دلیله هذا ما ذکره - رحمه الله - ردّا علی جماعة من الأصحاب من جواز عموم الوصف ، إلاّ أن یدعی الیقین بکون هذه الصفات من خواص المنی ، لکن یتوجه علیه صورة فقدها ، فتأمّل.

قوله : وهو مشکل. ( 1 : 267 ).

لا شبهة فی أن الغالب اتصاف المنی بالوصفین المذکورین ، فیحصل المظنة من جهتهما.

نعم ، فی اعتبار المظنة إشکال ، بل مقتضی الأدلة عدم اعتبارها مطلقا إلاّ أن یدل علی اعتباره دلیل شرعی ، وإن کان مقتضی الدلیل الأول الذی ذکره الشارح اعتبارها عند الاشتباه. والحق أنه لیس بدلیل ، بل الدلیل هو صحیحة علی بن جعفر ، نعم هو یصلح للتأیید.

وما اشتهر من أن المرء متعبد بظنه لم نجد له أصلا بعنوان الإطلاق والکلیة ، نعم ظن المجتهد حجة ، ولیس هذا منه ، لأنه من ظنون المکلفین من حیث هم مکلفون لا من ظنون المجتهدین من حیث هم مجتهدون ، والفرق بینهما واضح ، والدلیل الذی یدل علی حجیة ظن المجتهد لا یشمل

غسل الجنابة

لغسل الجنابة سببان

الأول : الإنزال

صفات المنی

ص: 322


1- انظر المدارک 3 : 311.

هذا ، لأنه یدل علی أن التکلیف بشی ء إذا کان یقینیا وذلک الشی ء غیر متیقن أنه ما ذا ، وطریق العلم به یکون مسدودا والطریق إلی معرفته یکون منحصرا فی الظن من حیث هو ظن ، وأین هذا مما نحن فیه ، لأن التکلیف لیس بیقینی ، والأصل براءة الذمة ، والطهارة السابقة مستصحبة ، فتأمّل جدا.

قوله : مع التحقق. ( 1 : 269 ).

أی مع تحقق أنه منی ، ومقتضی کلام العلاّمة - رحمه الله - أن المنی لا یصیر منیا حتی یستحیل من مرتبة کونه دما إلی مرتبة کونه منیا ، فمقتضی کلامه - رحمه الله - أیضا أن مع تحقق کونه منیا یجب فیه الغسل ، إلاّ أنّه ما دام هو علی لون الدم لم یصر منیا.

ونقل الشارح الإجماع علی وجوب الغسل إذا تیقن أن الخارج منی ، فالواجب فی ما نحن فیه الرجوع إلی العرف ، ومراعاة أمارات الحقیقة والمجاز.

والأحوط الغسل مع حصول الاشتباه بعد الرجوع والمراعاة ، وإن کان الأصل براءة الذمة عنه حینئذ وعدم الوجوب.

قوله : ولا بأس به. ( 1 : 271 ).

اختار هنا جواز الاحتیاط ، وفی مبحث الوضوء اختار عدمه (1) وحالهما متقارب بالنظر إلی الأدلة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ویمکن الاکتفاء. ( 1 : 272 ).

لیس بشی ء ، لأن الصحیحة محمولة علی الغالب ، کما مر وجهه مرارا ، سیما مع کونها مقیدة بالأخبار والإجماع فتأمّل. نعم الأحوط مراعاته.

قوله : والمسألة محل تردد. ( 1 : 274 ).

کفایة الشهوة وقتور الجسد فی المریض

الثانی : الجماع

حکم من جامع فی الدبر

ص: 323


1- انظر المدارک 1 : 257.

لا یخفی أن الأصل براءة الذمة ، وعدم الوجوب ، وبقاء الطهارة السابقة ، فإن کان دلیل الوجوب محل نظر عنده فکیف یقرب الوجوب؟! إلاّ أن یقول : النظر ضعیف ، وهو کذلک ، لأن الخبر وإن کان مرسلا إلاّ أنّه منجبر بالشهرة ، والإجماع المنقول ، والآیة تؤیده ، وکذا ما ذکره من الأخبار هذا مع أنّ الشیخ رجع عن قوله (1) ، لأنّ باقی تصانیفه متأخرة عن النهایة والاستبصار ، فتأمّل.

قوله : وهذا مما لا سبیل إلیه. ( 1 : 275 ).

لا یخفی علی المطلع أنّ الشارح - رحمه الله - والشهید والمحقق وغیرهم من الفقهاء فی کثیر من المسائل یتمسکون بالإجماع علی وجه الاعتماد والاعتداد ، بحیث لا یبقی شبهة ولا ریبة ولا تأمّل أصلا علی الملاحظ ، والکثرة بمکان لا یمکن التعداد.

مع أنّ أمثال ما ذکروه شبهة فی مقابل البدیهة ، کما حقق فی الأصول ، وکیف لا یکون کذلک مع أن ضروری الدین والمذهب لا یحصل العلم بهما من حیث الفطرة ، لأنّهما لیسا من الفطریات قطعا بل حصوله بملاحظة حال المسلمین والمؤمنین قطعا من غیر شک وشبهة ، مع أن أمثال ما ذکر من الشبهات واردة فیه أیضا.

وبالجملة : إذا کان منشأ العلم هو الحدس فکما یحصل بالضرورة من دون مصادمة الشبهة کذا یجوز حصوله من الکسب من دون المصادمة ، بل بطریق أولی. نعم فی کثیر من المواضع لا یحصل العلم بل یحصل الظن ،

حکم من وطأ غلاماً

ص: 324


1- المبسوط 4 : 243 ، وانظر المبسوط 1 : 27 ، والخلاف 1 : 116 ، والتهذیب 4 : 319.

فما دل علی حجیة ظن المجتهد علی سبیل العموم یشمل هذا. والتزام أن کل واحد واحد من الظنون التی یعتمدون علیها علیه دلیل قطعی بخصوصه سوی أمثال ما نحن فیه لعله جزاف وخروج عن الإنصاف ، وغیر خفی علی الملاحظ المتأمّل الفطن ، فتأمّل.

قوله : بأن ذلک یخرج الخبر. ( 1 : 275 ).

دخوله فی المرسل إنما یکون إذا کان الناقل للإجماع لا یکون هو مطلعا علی الإجماع وعالما به وإنما نقله بواسطة أو وسائط وأسقط الواسطة ، ولیس کذلک ، بل عبارات الناقلین فی غایة الوضوح فی دعواهم الاطلاع ، لا أنّه لا اطلاع لهم ، بل أخبرهم مخبر عن مخبر لم یذکروه وأخبروا علی سبیل الخبر وکون العهدة علی المخبر ، بل هذا فاسد قطعا.

ودعوی عدم إمکان حصول الاطلاع لهم فی غایة الفساد ، کیف ونحن الآن فی کثیر من المسائل حصل لنا العلم والاطلاع ، وادعی الشارح - رحمه الله - الإجماع فی کثیر من المواضع علی سبیل الاستناد والاحتجاج ، کما لا یخفی علی المطلع ، منها فی بحث نجاسة المنی (1) وغیر ذلک مما لا یحصی کثرة.

والناقلون للإجماع أقرب عهدا من الشارح وأعرف وأشدّ مهارة وأزید اطلاعا بمراتب ، بل العوام حصل لهم الیقین بوجود « رستم » وأمثاله مع أنهم ما سمعوا وجودهم إلاّ من قلیل من الناس ، وما اطلعوا علی ذلک إلاّ من نادر من الکتب من دون أن یطلعوا علی أن الناقلین ممن سمعوا ، فضلا عن أن یطلعوا علی أن من سمعوه منه کان بعدد التواتر ، وهکذا إلی زمان رستم ، بل طریق علمهم التظافر والتسامع والتحدس والتفرس ، فلو أخبر العامی بوجود

بحث فی الإجماع المرکب

ص: 325


1- انظر المدارک 2 : 266.

رستم مثلا لا یکون خبرا مرسلا ، کما لو أخبر بوجود الرسول صلی الله علیه و آله ، وکذا فی ادعائه الرسالة وأمثال ذلک.

علی أن الوسائط فی نقل الإجماع لو کانت فإنما هم الفقهاء الفحول والأجلة ، ولیس هذا شأن غیرهم بلا شبهة ، فالخبر فی حکم المسند الصحیح.

مع أنّه أی فرق بین أمثال زماننا وزمان الحضور فی حصول العلم بقول کل مجتهد مجهول ، مع أن الشیعة لم یعتبروا کون الاتفاق فی عصر واحد فی تحقق الإجماع.

مع أن فی الضروری یحصل العلم بقول کل مجهول ، فأی مانع فی النظری؟ مع أن الناقل یمکن أن یکون مراده الإجماع الضروری ، إذ ربما یکون ضروریا عند الأولین نظریا عند الآخرین ، ولا هذا ولا ذاک عند بعض ، مع أنّا حققنا أنّه لا یحتاج فی العلم بالإجماع إلی قول مجهول النسب ، فتأمّل.

قوله (1) : ما شاءا إلاّ السجدة. ( 1 : 278 ).

لا یخفی أن السجدة بنفسها لا تقرأ ، لأنها وضع الجبهة ، فلا تمکن إرادة نفسها. فإما أن یراد منها سببها وموجبها من قبیل إطلاق السبب علی المسبب ، أو یضمر لفظ العبارة والکلام ونحوهما ، أو یکون المراد منها سورة السجدة ، کما یقال : أقرأ البقرة ، أو آل عمران ، أو الأنعام ، أو الحمد ، أو الرحمن أو الواقعة ، إلی غیر ذلک ، کما هو الحال فی جمیع سور القرآن من أولها إلی آخرها أنه یطلق اللفظ الذی ذکر من السورة ویراد منه نفس السورة إذا کانت تلک السورة تعرف بذلک اللفظ المذکور فیها.

أحکام الجنب

المحرمات

قراءه سورة العزائم

ص: 326


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».

مثلا سورة البقرة تذکر بلفظ البقرة علی الإطلاق کما تذکر بإضافة لفظ السورة إلیها ، فإذا قیل : لا تقرأ البقرة ، لیس المراد خصوص قوله تعالی : بقرة فی قوله تعالی ( إِنَّ اللهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) ، وکذلک قوله لا تقرأ الحمد أو آل عمران وغیرهما.

وکذلک السجدة لیس المراد نفس السجدة المذکورة فی الأمر بها بل سورتها ، کما یراد من لفظ سورة السجدة ، فإذا قیل : لا تقرأ السجدة یکون المراد سورة السجدة ، کما یقال : لا تقرأ سورة السجدة ، فإن المتعارف المعهود بین المتشرعة إرادة سورة السجدة من إطلاق السجدة ، کما هو الحال فی ما ذکرنا من السور إلی آخر القرآن ، مثل الفیل ، وقریش ، والکافرون ، والفتح ، إلی غیر ذلک ، فإذا قیل : اقرأ القرآن إلاّ الکافرون لیس المراد فی لفظ قل یا أیها الکافرون.

قوله : ولیس فی هاتین الروایتین. ( 1 : 278 ).

فی الفقه الرضوی : « ولا بأس بذکر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلا العزائم التی تسجد فیها ، وهی ألم تنزیل ، وحم السجدة ، والنجم ، وسورة اقرأ ، ولا تمس القرآن إذا کنت جنبا أو علی غیر وضوء ومسّ الأوراق » (1) ، انتهی.

قوله : لا تخلو من ضعف. ( 1 : 279 ).

فیه ما ذکرنا فی مبحث الوضوء (2).

قوله : مع أن أبا الربیع. ( 1 : 280 ).

مس کتابة القرآن أو شیء علیه اسم الله

ص: 327


1- فقه الرضا علیه السلام : 84 ، المستدرک 1 : 465 أبواب الجنابة ب 12 ح 1.
2- راجع ص 303.

یمکن الجمع بحمل هذه علی مسّ غیر الاسم ، علی ما یومئ إلیه قوله : وفیها اسم الله ، فتأمّل.

قوله : لنا قوله تعالی. ( 1 : 280 ).

فی الاستدلال به إشکال ظاهر.

قوله : والضرائح المقدسة. ( 1 : 282 ).

ورد فی بعض الأخبار فی المنع عن دخول بیوت الأئمة علیهم السلام جنبا ، فلاحظ ، حیث قال للراوی معترضا علیه : أهکذا تدخل بیوت الأنبیاء (1)؟ ، علی ما هو ببالی ، فلاحظ.

قوله : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب. ( 1 : 282 ).

وفی الفقه الرضوی : « ولیس للحائض والجنب أن یضعا فی المسجد شیئا ، لأنّ ما فیه لا یقدران علی أخذه من غیره ، وهما قادران علی وضع ما معهما فی غیره » (2).

قوله (3) : وروی أن الأکل. ( 1 : 283 ).

وروی الحلبی عن الباقر علیه السلام : « إذا کان الرجل جنبا لم یأکل ولم یشرب حتی یتوضأ » (4).

قوله : علی کراهة الأکل. ( 1 : 284 ).

دلیل الکراهة هو الخبران المذکوران عن الصدوق ، المنجبران بعمل

الجلوس فی المساجد ووضع شیء فیها

المکروهات

الأکل والشرب

ص: 328


1- رجال الکشی 1 : 399 / 288 ، الوسائل 2 : 212 أبواب الجنابة ب 16 ح 5.
2- فقه الرضا علیه السلام : 85 ، المستدرک 1 : 463 أبواب الجنابة ب 10 ح 1 ، بتفاوت یسیر.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
4- الفقیه 1 : 47 / 181 ، الوسائل 2 : 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 4.

الأصحاب ، مضافا إلی المسامحة فی أدلة السنن والمکروهات ، وقد مر وجهها فی صدر الکتاب ، والصحیحان المذکوران یؤیدان أیضا.

وفی الموثق کالصحیح عن الصادق 7 : « الجنب یأکل ویشرب ویقرأ ویذکر الله تعالی ما شاء » (1).

قوله : لضعف سند الروایة. ( 1 : 287 ).

لیس فی سندها إلاّ ضعیف واحد مشارکا مع مجهول ، فانضمامهما معا یوجب قوة ، مع أن السید الذی لا یقول بحجیة أخبار الآحاد إذا قال بحجیتها یظهر منه کونها من الأخبار المتواترة ، أو المحفوفة بالقرینة القطعیة ، ویحصل من هذا ظن فی غایة القوة ، والمدار عند الشارح أیضا فی تصحیح الأخبار علی الظنون ، بل والظنون الضعیفة ، کما لا یخفی علی ( المطلع ، فتأمّل )(2).

قوله : فإن الحدث الذی یمکن. ( 1 : 290 ).

سیجی ء فی مبحث التیمم فساد ما ذکره الشارح (3) ، فلاحظ.

قوله : أنه یجب تخلیل الشعور. ( 1 : 291 ).

فی الفقه الرضوی : « ومیز شعرک بأناملک عند غسل الجنابة ، فإنه روی عن النبیّ صلی الله علیه و آله أن تحت کل شعرة جنابة ، فبلغ الماء تحتها فی أصول الشعر کلها ، وانظر أن لا یبقی شعرة من رأسک ولحیتک إلاّ وتدخل تحتها الماء » (4).

مسّ المصحف والنوم ما لم یتوضّأ

واجبات غسل الجنابة

النیّة

غسل البشرة

ص: 329


1- الکافی 3 : 50 / 2 ، الوسائل 2 : 215 أبواب الجنابة ب 19 ح 2.
2- بدل ما بین القوسین فی « ا » : المتأمّل.
3- راجع ج 2 : 123 ، 124.
4- فقه الرضا علیه السلام : 83 ، المستدرک 1 : 479 أبواب الجنابة ب 29 ح 3.

قوله : ونقل الشیخ فی الخلاف فیه الإجماع. ( 1 :293 ).

وکذا المرتضی ، وابن زهرة ، وابن إدریس والعلاّمة (1).

قوله (2) : وروایة زرارة. ( 1 : 294 ).

لکن تدل علی أن أجزاء الغسل ثلاثة : صبّ علی الرأس ، وصبّ علی المنکب الأیمن ، وصب علی المنکب الأیسر ، لا أن له جزئین : صبا للرأس ، وصبا للجسد ، بل تدل علی أن کل واحد من الأجزاء الثلاثة یجب تحققه لتحقق ماهیة الغسل للأمر بکل واحد منها فی مقام بیان الغسل ، لا أن الواجب هو الصب علی الرأس والصب علی مجموع الجسد ، کما نسب إلی الشاذّ منا ، فیثبت المطلوب بضمیمة عدم القول بالفصل.

مضافا إلی أن الواجبین الآخرین لا یمکن تحققهما دفعة ، بل لا بدّ من تقدم أحدهما وکونه المتحقق عقیب الواجب الأول.

فإمّا أن یکون نسبة هذا المعنی إلی کل واحد منهما علی السواء من دون رجحان أصلا ، أو یکون الرجحان لوجوب الصب علی الأیمن ، والثانی هو الأرجح والأظهر بحسب فهم العرف.

فإن الظاهر والمتبادر من قوله علیه السلام : « ثم صب علی منکبه الأیمن » بعد قوله : « ثم صب علی رأسه » بلا فصل ، کون الصب علی الأیمن بعد الصب علی الرأس وکذلک المتبادر من قوله : « وعلی منکبه الأیسر » بعد ذکر قوله : « علی منکبه الأیمن » فی ضمن السیاق المزبور کون الصب علی الأیسر بعد الصب علی الأیمن ، سیما بعد ملاحظة ما ورد من أنّ الله تعالی

الترتیب

ص: 330


1- الانتصار : 30 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 554 ، السرائر 1 : 135 ، التذکرة 1 : 231.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».

یحب التیامن فی کل شی ء (1) ، وما ورد من أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله کان إذا اغتسل بدأ بمیامنه (2).

مضافا إلی أن فعله علیه السلام فی مقام بیان ماهیة العبادة ومعرفتها حجة ، کما حقق.

مع أن الترتیب الذکری فی مقام بیان الأمور التوقیفیة یرجح فی نظر العرف کون الفعل بذلک الترتیب ، فلاحظ طریقة فهمهم ومکالمات الأطباء فی مقام المعالجة وأمثال ذلک حتی یظهر علیک.

ومثل الحسنة المزبورة موثقة زرارة کالصحیحة عن الباقر علیه السلام : سألته عن غسل الجنابة؟ فقال : « أفض علی رأسک ثلاث أکف ، وعن یمینک ، وعن یسارک ، إنما یکفیک مثل الدهن » (3).

مضافا إلی أن الإفاضة علی الرأس مقدمة علی الإفاضة علی الیمین قطعا ، فیظهر من السیاق أن الإفاضة علی الیمین أیضا مقدمة علی الإفاضة علی الیسار ، سیما بملاحظة قوله علیه السلام : « إنما یکفیک » ، لأن الظاهر منه أنّه علیه السلام فی صدد بیان أقل ما یتحقق به الغسل ، ومع ذلک أمر بالإفاضة علی الیمین علی حدة ، وبالإفاضة علی الیسار علی حدة. ومثل هذا الکلام فی قوله علیه السلام : « فما جری » فی حسنة زرارة.

قوله : لورودها فی مقام البیان. ( 1 : 295 ).

لعل المراد أن اشتراک المجموع فی عدم بیان الترتیب بین الجانبین یدل علی عدم اشتراطه ووجوبه ، لکن لا یخفی أن الأخبار التی هو أتی بها

ص: 331


1- عوالی اللآلی 2 : 200 / 101.
2- صحیح مسلم 1 : 256 / 43.
3- التهذیب 1 : 137 / 384 ، الوسائل 2 : 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 6.

ظاهرة فی عدم الترتیب مطلقا ، والأخبار الأولة فی وجوبه بین الرأس والبدن ، وکیف التعارض فی مقام البیان! فظهر أن ما أتی به لیس فی مقام البیان البتة ، لمنافاته الإجمال. مع أن الظاهر منها - خصوصا الآخرین - أن المراد بیان أنّه لا وضوء فیه ، کما یقول به العامة (1) ، کما لا یخفی علی المتأمّل المنصف.

ومما یومئ أنّه توجه علیه السلام فی أوله إلی الآداب والمستحبات ، إلی أن وصل إلی نفس الغسل ، فلم یذکر إلاّ أنّه یغسل جسده ولا وضوء فیه ، من غیر توجه إلی مستحبات وآداب مع أن فیه آداب ومستحبات البتة.

وأهم من ذلک عدم ذکر تقدیم الرأس ، إذ لا أقل من أنّه مستحب فی غایة الشدة ونهایة التأکید.

ثم لا یخفی أن غرض الشارح إن کان نفی ثبوت الترتیب بین خصوص الجانبین ، وإن وجب بین الرأس والجسد ، کما یظهر من قوله : بین الجانبین ، ففیه ما عرفت وستعرف ، وإن کان نفی الترتیب مطلقا فمع کونه خلاف ظاهر کلامه - مضافا إلی ما عرفت أیضا - أنّه إحداث قول ثالث ، والشارح بأضعف من هذا ربما یتمسک ، فتأمّل.

وبالجملة : الأخبار الأخیرة هو لا یقول بمضمونها ، والأولة لم یقل به أحد من الفقهاء بما یظهر منها علی تقدیر تسلیم ظهور التفصیل ، بل إما حملت علی الاستحباب ، أو طرحت ، أو قیل بأن المراد منها وجوب الترتیب مطلقا ، سکت المعصوم علیه السلام عن التنصیص بالنسبة إلی الجانبین ، بناء علی ظهور أن الترتیب هو کذلک ، وکانوا یعرفون من الطریقة المستمرة بین المسلمین ، فتأمّل.

ص: 332


1- انظر بدایة المجتهد 1 : 44 ، والمغنی لابن قدامة 1 : 249.

مع أنّه ورد فی الأخبار الکثیرة أنّ غسل المیت یترتب بین الجانبین.

وروی فی الاستبصار حدیثا ظاهره الصحة ، عن محمّد بن مسلم ، عن الباقر علیه السلام ، قال : « غسل المیت ) (1) مثل غسل الجنب » (2). ویؤیده أیضا ما فی الأخبار من أن غسل المیت من جهة أنّه یخرج منه النطفة التی خلق منها (3). ویعضده أیضا أنّ المیت الجنب یغسل غسلا واحدا (4) ، فتأمّل ، بل صرح علیه السلام فی بعضها أنّه یغسل غسل الجنابة (5).

وفی کتاب العلل فی الصحیح إلی ابن أبی نصر - وهو ممن أجمعت العصابة ، وممن لا یروی إلاّ عن ثقة - عن عبد الرحمن بن حماد عن الکاظم علیه السلام ، عن المیت لم یغسل غسل الجنابة؟ قال : « إن الله. » (6) ، وذکر وجهه.

ومرّ الإجماعات التی نقلناها مع عدم ظهور مخالف وثبوته ، مع أنّه علی تقدیر الثبوت خروج معلوم النسب ضرره غیر ظاهر.

وربما کان فی حسنة زرارة أیضا إیماء إلی ذلک.

وبالجملة : مع ملاحظة جمیع ما ذکرنا - مضافا إلی أنّ العبادة توقیفیة - ربما یشکل الاکتفاء بترتیب الرأس دون الجانبین ، سیما مع مشاهدة عمل المسلمین فی الأعصار والأمصار من عدم الاقتصار علی ترتیب الرأس ، ولعله غیر مأنوس من طریقتهم ، مع أن الغسل من الأمور التی یعم بها البلوی ، فلو

ص: 333


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- الاستبصار 1 : 208 / 732.
3- انظر الوسائل 2 : 486 أبواب غسل المیت ب 3.
4- انظر الوسائل 2 : 539 الباب 31 من أبواب غسل المیت ب 31.
5- انظر الهامش 3.
6- علل الشرائع : 300 / 5 ، الوسائل 2 : 488 أبواب غسل المیت ب 3 ح 8.

کان خصوص هذا الترتیب واجبا دون غیره لشاع ذلک ، ولا أقل من أن یکون مذهبا شائعا من المذاهب ، بل ولا أقل من أن یکون مذهبا معروفا من أحد من القدماء ، بل ولم نجد من المتأخرین أیضا من یفتی بذلک ، فکیف یخفی مثل هذا العام البلوی ، الکثیر الحاجة ، المتوفر الدواعی علی المعرفة والضبط علی جمیع الفقهاء من المتأخرین والقدماء؟! فتأمّل.

وأیضا (1) : کما أنّ الوضوء ماهیة واحدة فکذلک الغسل ، ولذا وردت وضوءات کثیرة واجبة ومستحبة ولم یتأمّل أحد فی ماهیة واحد منها وأنها بأی هیئة ، وکذلک الغسل ، فإنّ الأغسال الواجبة کثیرة والمستحبة أکثر وأکثر ، ولم یتوقف أحد فی واحد منها بأنها بأی کیفیة ، ولم یرد فی خبر من الأخبار لا کیفیة الواجب ولا المستحب أصلا سوی غسل الجنابة ببعض الوجوه وغسل المیت ، وأما باقی الأغسال فلم یذکر ماهیتها أصلا ورأسا ، والبناء لیس إلاّ علی کون الکل بهیئة واحدة ، وعرفت أن غسل المیت ورد فیه الترتیب بین الیمین والیسار کثیرا بحیث لم یبق مجال التوهم فیه ، ولا أقل فی کون الغسل المذکور ( فی موضع من المواضع الواجبة والمستحبة ) (2) هل هو بهیئة غسل الجنابة أو بهیئة غسل المیت ، إذ لم یتوقف أحد فی ذلک قطعا.

علی أن الشارح فی مبحث تداخل الأغسال اختار وحدة الجمیع من جهة صدق الامتثال (3) ، ولیس هذا إلاّ من جهة أن جمیع الأغسال بهیئة واحدة لا تفاوت فیها أصلا.

وأیضا : ترتیب الغسل وارتماسه وعدم وجوب الموالاة فیه وغیر ذلک

ص: 334


1- من هنا إلی آخر الحاشیة لیس فی « أ ».
2- ما بین القوسین لیس فی « و ».
3- أنظر المدارک 1 : 194.

إنّما ورد فی الأحادیث فی خصوص غسل الجنابة فقط ، مع أنّه یفهم منه أن جمیع الأغسال هکذا ، واتفقت الفتاوی والأفهام علی ذلک ، ولیس ذلک إلاّ من بداهة اتحاد الهیئة ، وفی غسل المیت اتفق الأفهام والفتاوی والأخبار علی الترتیب بین الیمین والیسار.

قوله : ولو قیل بسقوط الترتیب بالمرة. ( 1 : 296 ).

کما یقول به المشهور ، والمراد هنا إظهار الفائدة بین قول المشهور وقول القائل ، وکذا فی قوله : وفیما لو نذر. ، فإنّه یبرأ علی قول القائل بمجرد الارتماس ( لا الارتماس ) (1) الذی یجعله بالقصد مرتبا.

وإنما قیده کذلک لإظهار الفائدة والفرق بین المعنیین أیضا ( وبأنه کما تظهر الفائدة بین المشهور وبین القائل تظهر الفائدة بین المعنیین أیضا ) (2).

وقوله : لأنّه ذکره. تعلیل لحصول تلک الفائدة إذا کان مراد القائل المعنی الآخر الذی تحت لفظ عبارته ، وحصول الترتیب فیه حکما وکونه فی حکم المترتب واحد لا فرق بینهما ، فتأمّل.

قوله (3) : لعدم الوحدة المذکورة. ( 1 : 296 ).

الظاهر اتفاق الأصحاب علی اشتراط الوحدة المذکورة فی الارتماس کاتفاقهم علی اشتراط الترتیب فی الترتیبی ، والشرط المذکور شرط للصحة والإجزاء ، أو تحقق الماهیة علی القول بکون ألفاظ العبادات أسامی للصحیحة منها.

والدلیل علی الشرط المذکور ما ورد فی الأخبار : « إذا ارتمس ارتماسة

سقوط الترتیب فی الغسل الارتماسی

ص: 335


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د » و « و ».
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».

واحدة أجزأه عن غسله » ، فما لم یتحقق الشرط لم یتحقق الإجزاء والصحة ، فیکون باطلا.

وأیضا : الترتیب شرط ، کما ثبت ، فلو لم یتحقق فی الترتیبی بطل ، وإذا ارتمس بالوحدة المذکورة أجزأ عن الترتیب ، فلو لم یتحقق تلک الوحدة بطل قطعا ، لعدم تحقق الترتیب ولا ما هو مسقط للترتیب.

بل الأصحاب یجعلون الأصل فی الغسل هو الترتیبی ، لأنهم یذکرون أنّ من شرائط الغسل هو الترتیب ، ثم یذکرون أنّه إذا ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه عن الترتیب وسقط ، والسقوط لا یکون إلاّ فی ما هو ثابت ، والإجزاء لا یکون إلاّ بالنسبة إلی ما هو أصل ، بل فی الأخبار أن الارتماسة الواحدة تجزئ عن غسله.

ویظهر من الأخبار أن المتعارف فی ذلک الزمان کان هو الترتیبی ، مع أن فی تلک الروایة أنّه أجزأه ما جری الماء قلیله وکثیره ، وفیه شهادة علی إرادة الترتیبی ، إذ لا مناسبة لقلة الماء وکثرته فی الماء الجاری علی جسده فی الارتماسی ، مع أن الظاهر الإجزاء عن الدلک ، کما ستعرف ، ولا دلک فی الارتماسی ، فتأمّل.

ومما ذکر ظهر فساد ما اختاره فی القواعد ، من کفایة غسل تلک اللمعة المغفلة فی الارتماسی (1) ، وجعله أوسع من الترتیبی ، من جهة أن الترتیبی یجب فیه غسل تلک اللمعة مع ما بعدها إن لم تکن فی طرف الیسار. والظاهر أنّه استند فی حکمه فی الارتماسی إلی قول الصادق علیه السلام : « الجنب ما جری علیه الماء من جسده قلیله وکثیره فقد أجزأه » (2).

ص: 336


1- قواعد الأحکام 1 : 14.
2- الکافی 3 : 21 / 4 ، التهذیب 1 : 137 / 380 ، الاستبصار 1 : 123 / 416 ، الوسائل 2 : 240 أبواب الجنابة ب 31 ح 3.

وفیه : أن المطلق ینصرف إلی الشائع المتعارف ، وهو الترتیبی ، کما عرفت ، مع أن المطلق یحمل علی المقید ، وقد عرفت أنّ الارتماسی شرطه الوحدة المذکورة ، وأنّ هذا الشرط موضع الترتیب فی الترتیبی ، وأنّه مسقط للترتیب الذی هو شرط للصحة إجماعا ، ولذا لو غسل من الیمین شیئا قبل غسل الرأس یکون باطلا عندهم قطعا ، بل الظاهر البطلان واقعا ، کما عرفت ، وهذا کیف یجتمع مع ما ذکره من الإجزاء فی الأجزاء من دون تحقق الوحدة التی هی شرط نصا ووفاقا ، بل هما متنافیان بالبدیهة فکیف یجتمعان؟! ولا یمکن منع اشتراط الوحدة المذکورة أیضا.

مع أنّه لم یرض بکونه ترتیبا حکما فکیف رضی بما ذکر؟! لأن إجزاء بعض الأجزاء قبل بعض ترتیبی حقیقی ، فإن أکثر الأجزاء تطهّر ، وغسل ، وأجزأه غسله مع عدم غسل اللمعة وعدم الإجزاء فیها ، بل یصیر ترتیبیا بترتیبات لا یمکن عدها من الکثرة ، بل بعکس ترتیب الترتیبی ، لأن العادة فی الارتماس بتأخیر الرأس عن الجسد ، والإطلاق ینصرف إلی ما هو المعتاد والمتعارف ، فیصیر هذا المعتاد والمتعارف شرطا ، لأنهم علیهم السلام جعلوه شرطا بقولهم : « إذا ارتمس » ، إذ کلمة « إذا » لیست من أدوات العموم فیکون المطلق باقیا علی إطلاقه ، فتأمّل جدا.

علی أن ظاهر قوله علیه السلام : « فما جری علیه الماء » فاسد ، لأن الضمیر فی أجزأه یرجع إلی الجنب ، فیصیر المعنی أنه أیّ قدر من جسده جری علیه الماء أجزأه فی غسله ولا یحتاج إلی أمر آخر ، وفیه ما فیه. وتأویله بما أراده لیس بأولی من تأویله بأن المراد : إذا جری فی جسده الماء سواء کان قلیل الماء أو کثیرة أجزأه عن الدلک ، کما یظهر من غیره من الأخبار.

ص: 337

علی أن ما أراده - علی فرض ظهوره - لیس بحیث یقاوم ما ذکرنا من الأخبار والوفاق ، فضلا عن أن یغلب علیهما ، سیما وأن یکتفی فی مقام تحصیل البراءة الیقینیة لشغل الذمة الیقینی.

هذا مضافا إلی ما ستعرفه فی مبحث وقوع الحدث فی الأثناء.

ولما ذکرنا اعتبر المحقق الشیخ علی قصر الزمان فی غسل اللمعة ، وأنّه لو طال یجب علیه الإعادة (1) ، والظاهر أن ما اعتبره لأجل الوحدة التی هی شرط.

لکن إن کان مراده غسلها تحت الماء حال الارتماس فلا فرق بین الطول والقصر وخرج عن محل النزاع ، وإن أراد بعد ما خرج عن الماء ففیه منع تحقق الوحدة العرفیة علی سبیل الحقیقة لا المجاز ، سیما بملاحظة أنّه علیه السلام قال : « إذا ارتمس أجزأ » والارتماس هو الدخول تحت الماء ، فمقتضاه تحقق الإجزاء حین ما هو داخل ولم یخرج ، لا أنّه لم یتحقق الإجزاء إلاّ بعد الخروج وبعد غسل اللمعة بعد ما خرج ، وأین هذا من ذاک ، فکیف یکون داخلا فی الأخبار الدالة علی إجزاء الارتماسة الواحدة؟!.

ومما ذکر ظهر فساد ما قاله فی الذخیرة (2) من کفایة الارتماسة الواحدة وإن لم یتحقق شمول الماء لجمیع الجسد إلا بعد ما خرج ، وغسل تلک اللمعة خارجا عن الماء وإن طال الزمان أیضا.

قوله : لا علی معنی الاعتقاد المذکور. ( 1 : 296 ).

یعنی أنّه بمجرد الارتماس یصیر بریئا وإن لم یصدر منه الاعتقاد

ص: 338


1- جامع المقاصد 1 : 280.
2- الذخیرة : 57.

المذکور ، لأن القائل ذکره. ، یعنی أن مقتضی کلامه أن الغسل الارتماسی غسل ترتیبی حکما وإن لم یکن ترتیبیا فعلا ، والناذر نذر الغسل مرتبا بحسب الشرع من غیر تقیید بالفعلی. أما لو کان مراده أنّه یعتقد الترتیب حال الارتماس فلا یبرأ إلاّ بعد الاعتقاد ، وبغیر الاعتقاد لا یصیر ترتیبیا.

هذا علی ما أفهمه مما نقله فی هذا الکتاب ، ولیس عندی الذکری. وعدم الفرق بین ما هو فی حکم الترتیب وما هو ترتیبی حکما (1) یحتاج إلی التأمّل ، سیّما فیما إذا نذر الاغتسال مرتبا ، فإن الظاهر منه الترتیب الفعلی إلاّ أن یکون ناویا المعنی الأعم ، فتأمّل.

مع أن کون الفائدة ما ذکره فی وجود اللمعة أیضا محل نظر ظاهر (2).

قوله : لما فیه من الاستظهار. ( 1 : 298 ).

وهو مستحب ، لقوله علیه السلام : « دع ما یریبک إلی ما لا یریبک » (3) ، وأمثاله ، هذا علی تقدیر تحقق الامتثال العرفی بدونه ، وإلاّ فهو واجب ، فتأمّل.

قوله : وإن لم یدلک جسده. ( 1 : 298 ).

فی دلالته علی استحباب الدلک فی صورة وصول الماء بدونه نظر ، وأما فی صورة عدم الوصول بدونه فلا شبهة فی الوجوب ، والدلیل علی استحباب الإمرار هو اتفاق الأصحاب ، کما نقله بعض (4).

مسنونات غسل الجنابة

إمرار الید علی الجسد

البول أمام الغسل

ص: 339


1- فی « د » زیادة : لا.
2- لیس فی « ب ».
3- عوالی اللآلی 1 : 394 / 40 ، 3 : 330 / 214.
4- انظر المعتبر 1 : 185.

قوله : لما فیها من الإسراع. ( 1 : 298 ).

ولأن البقاء علی الجنابة مکروه شرعا إلاّ فی صورة قصد الإعادة ، مع أنّ الظاهر من الأخبار استحباب عدم البقاء حینئذ أیضا.

ومن جملة الأدلة علی استحباب الموالاة الأسوة بالنبیّ والأئمة صلوات الله علیهم ، فإنها هی المعروفة عنهم.

قوله : ولا بأس بالوجوب. ( 1 : 298 ).

أی البناء فی العمل علیه ، نظیر ما سیذکره الشارح فی الاستبراء (1) ، ولقوله : لا بأس ، فتأمّل. وکذا لما یظهر من أدلته ، فتأمّل ولعل مراد الشیخ من الوجوب أیضا ذلک ، فتأمّل.

قوله : وهو خلاف المدعی. ( 1 : 299 ).

بل یدل علی عدم الوجوب ، من جهة أنهم علیهم السلام ما أنکروا علی السائلین فی ترک البول ، مع أنّه یظهر من تلک الروایات أن المغتسلین کانوا یترکون البول علی عدم وجوبه علیهم ، فهم علیهم السلام قرروهم علی اعتقادهم ، فلاحظها حتی یظهر علیک ما قلناه.

قوله : وخلو الأخبار. ( 1 : 299 ).

لم یدّع أحد أنه داخل فی ماهیة الغسل ، فالأخبار الواردة فی بیان ماهیة الغسل وکیفیته لا دخل لها فی عدم وجوبه ، وأمّا عدم الصراحة فغیر مضر بعد تسلیم الظهور ، کما یشعر به کلامه هنا ، وصرح به مرارا لأن الظهور یکفی ، مضافا إلی أنّه فی مقام بیان الغسل.

ولعل مراده أنّه وإن کان ظاهرا فیه إلاّ أن خلو الأخبار فی بیان الغسل ظاهر فی خلافه ، وقد عرفت حالها.

ص: 340


1- المدارک 1 : 300.

فالأولی أن یقول : « تغسل یدک » مبنی علی الاستحباب قطعا ، فلا یبقی وثوق فی الدلالة علی الوجوب فی قوله : « وتبول. » ، والأخبار المتضمنة للإعادة تدل علی الاستحباب أیضا ، وکذا ما رواه عن النبیّ صلی الله علیه و آله والأخبار الواردة فی بیان الغسل مؤیدة ، فتأمّل.

قوله (1) : وهو اختیار المصنف فی النافع. ( 1 : 300 ).

ووافقهما علی ذلک ابن بابویه ، وابن زهرة ، وابن حمزة ، وابن إدریس ، والمفید إلاّ أنه قال : تمسح مرة أو مرتین أو ثلاثا (2).

وقال فی الذخیرة : إن ما ذکره فی المبسوط أیضا قریب مما ذکره فی النهایة (3).

أقول : الظاهر عدم المخالفة بین ما ذکره القدماء والمتأخرون ، لأن مرادهم إخراج بقیة البول بمسح ما بین المقعدة إلی الذکر ثلاثا ، ومن أول الذکر إلی آخره ثلاثا ، والمتقدمون جعلوا الغایة داخلة فی المغیا ، فیصیر المسح ستا ، والمتأخرون جعلوها خارجة ، فیصیر تسعا ، وهذا القدر من التفاوت لعله سهل. مع أن طریقة المتأخرین أسهل ، وغرض الکل إخراج البول من الذکر.

ویمکن أن یکون مراد المرتضی أیضا ذلک ، بأن جعل أصل الذکر من المقعدة إلی الأنثیین ، کما یومئ إلی ذلک کلام ابن زهرة ، وحدیث ابن مسلم بالنحو الذی رواه فی التهذیب والاستبصار ، من جهة أن الغرض إخراج بقیة

الاستبراء

ص: 341


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
2- انظر الهدایة : 16 ، والغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 549 ، والوسیلة : 47 ، والسرائر 1 : 96 ، والمقنعة : 40 ، وفی نسخة منها : مرتین أو ثلاثا.
3- الذخیرة : 20.

البول مهما أمکن ، وهو لا یتحقق إلاّ بمسح ما بین المقعدة إلی الأنثیین أیضا ، لأنّه من قبیل القضیب المدور المجوف یخرج منه البول والمنی ، وهو ممرّهما ، وکثیرا ما یبقیان فیه وبأدنی حرکة یخرج قطعا ، ولذا ورد فی الأخبار صریحا خرط بین المقعدة والأنثیین ، والأصحاب اتفقوا علی الفتوی به :

فقد روی فی الصحیح عن ابن أبی عمیر - وهو ممن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه ، وممن لا یروی إلاّ عن الثقة - عن جمیل بن صالح ، عن عبد الملک بن عمرو ، عن الصادق علیه السلام : فی الرجل یبول ، ثم یستنجی ، ثم یجد بللا بعد ذلک ، فقال : « إذا بال فخرط ما بین المقعدة والأنثیین ثلاثا ، وغمز ما بینهما ، ثم استنجی ، فإن سال حتی یبلغ السوق فلا یبالی » (1).

والشیخ روی حسنة ابن مسلم فی التهذیب والاستبصار کما ذکره الشارح ، وهذه أیضا ظاهرة فی ما ذکرنا ، ومعلوم قطعا أن الغرض لیس جمع الماء فی الإحلیل وجرّه مما بین المقعدة والإحلیل ، وإبقاؤه فی الإحلیل ، بل لا شک فی لزوم الإخراج ، للقطع بأن الغرض إخراج بقیة البول ثم الاستنجاء ، لا الجمع فی الإحلیل ثم الاستنجاء ، لأنّه حینئذ یکون أسرع خروجا ، وعدم الخرط یکون أولی.

فیکون المراد من قوله علیه السلام : « إلی [ طرف ] (2) ذکره » تمام ذکره ، بجعل الغایة داخلة فی المغیا ، کما هو أحد الأقوال ، أو مجازا علی القول بعدم الدخول ، لعدم النزاع فی تحقق الاستعمال ، مضافا إلی القرینة التی أشرنا

ص: 342


1- التهذیب 1 : 20 / 50 ، الاستبصار 1 : 94 / 303 ، الوسائل 1 : 282 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 2.
2- ما بین المعقوفین أثبتناه من التهذیب وفی الاستبصار : رأس.

إلیها.

ولقوله علیه السلام بعد ذلک : « وینتر طرفه » ، ولعل المراد النتر ثلاثا ، ولم یقید به اکتفاء بقرینة المقایسة (1) ، لأن الغرض لیس إلاّ الإخراج ، ولا فرق بین الإخراج من الطرف والإخراج من الأصل.

ولقوله علیه السلام فی صحیحة حفص : « ینتره ثلاثا » ، ولا شک فی دخول الرأس فیه. والحمل علی التخییر فاسد قطعا ، لأن الغرض إخراج البقیة قطعا ، فلا معنی له.

وقس علی ما ذکرناه فی الحسنة روایة عبد الملک ، فإن المراد مما بینهما هو الذکر ، وهو مجموعه من حیث المجموع ، ولم یصرح باسمه لقبح ذکره بالاسم. مع أن التأسیس هو الأصل والتأکید خلافه ، لما عرفت من أنّه لا معنی لجمع الماء فی الإحلیل فی مقام تحصیل القطع بأن الغرض إخراجه لا إبقاؤه وجعله فی معرض الخروج ، إذ هو ضد الغرض قطعا. وکذا الکلام فی کون المراد ثلاث غمزات.

علی أنا نقول : الأخبار متعارضة ، والجمع بینهما ممکن ، ووجه الجمع أیضا ظاهر ، والبناء علی التخییر مقطوع بفساده ، وجل الأحکام الفقهیة من الجمع بین الأخبار ، وروایة عبد الملک غیر قاصرة عن أکثر الصحاح عند الفقهاء المشهورین ، کما حققناه فی موضعه ، وکذا حسنة ابن مسلم. علی أن الغرض لما کان إخراج البقیة قطعا أخذ الفقهاء جمیع ما ورد فی الأخبار مما هو سبب للإخراج ، فحکموا به ، سیما والمقام مقام الاستحباب ، والأخذ بما هو أکمل ، فتأمّل.

قوله : وما رواه الکلینی. ( 1 : 301 ).

ص: 343


1- فی « ج » و « د » : المقام.

جعله دلیلا للسید محل نظر.

قوله : البیان المنافی للإجمال. ( 1 : 301 ).

فیه - مضافا إلی ما عرفته - : أن الحسن لا یقاوم الصحیح عندک. مع ذلک ، التخییر أیضا مناف للتعیین ، وما ورد فی مقام البیان هو المعین ، والجواب بعدم الضرر فیه إذا کان لمصلحة مشترک. مع أنک قد عرفت فساد التخییر فی هذا المقام.

قوله : لما فیه من المبالغة. ( 1 : 301 ).

جعله دلیلا لخصوص التسع محل نظر وتأمّل ، ولا إجماع علی عدم الزیادة ، للقول بالتنحنح مطلقا أو ثلاثا عن سلار ، والعلاّمة ، والشهید ، والصبر هنیئة عن العلاّمة (1).

قوله : وهو جید. ( 1 : 305 ).

علی تقدیر الصحة أیضا مشکل ، للمخالفة للقاعدة الشرعیة الثابتة من الأدلة الکثیرة الموافقة لطریقة المسلمین فی الأعصار والأمصار ، فتأمّل ، ولمخالفتها للأخبار الصحیحة الکثیرة التی أفتی الفقهاء بمضمونها ، ولأخبار کثیرة لم یفتوا بمضمونها.

قوله : بإطلاق روایتی. ( 1 : 305 ).

إطلاق هذه وما وافقها غیر نافع ، لأن الظاهر منها عدم الاستبراء أیضا ، إذ لو کان استبراء لکان یذکر عند السؤال ، لأنه أوقعه من جهة إخراج البقیة ، فکیف لا یذکره فی هذا المقام ویکتفی بذکر أن یبول خاصة؟!

مضافا إلی أن الأصل العدم ، نعم صحیحة ابن مسلم نافعة ، لأن

أحکام الجنابة

حکم البلل الخارج بعد الغسل

ص: 344


1- المراسم : 32 ، التذکرة 1 : 131 ، الدروس 1 : 89.

الظاهر منها الحصر ، فتأمّل.

قوله : وهذه الروایة. ( 1 : 306 ).

نعم ، تدل علیه روایة أخری ، وهی ما رواه أحمد بن هلال : قال سألته عن رجل اغتسل قبل أن یبول؟ ، فکتب : « إن الغسل بعد البول ، إلاّ أن یکون ناسیا ، فلا یعید منه الغسل » (1) ، رواها الشیخ أیضا.

قوله : وهو مجهول. ( 1 : 306 ).

أقول : بل هو ثقة - علی ما حقق - فالأولی أن یقال : ( إنّ هذه الأخبار لا تعارض الأخبار الصحیحة من جهة قبول الفقهاء أو المشهور منهم ، وکثرتها مع الصحة ، وموافقتها للإجماع المنقول ، ولأخبار أخر قویة ومعتبرة.

قوله : فی حسنة حفص. ( 1 : 306 ).

أقول : هو سهو ، لأنّها صحیحة قطعا ، کما نقلها سابقا (2) ، ودلالتها علی ما نحن فیه محل تأمّل.

قوله : أما وجوب الإتمام فلأن. ( 1 : 307 ).

فیه : أن هذا إنما یتم لو ثبت من الأدلة وجود غسل للجنابة یرفع الأکبر دون الأصغر ، وأن غسل الجنابة علی ضربین : ضرب یرفع الأکبر والأصغر معا بدون وضوء ، بل وانضمام الوضوء معه حرام ، وضرب یرفع الأکبر خاصة ، وانضمام الوضوء معه لیس بحرام ، بل واجب لرفع الأصغر.

وثبوت ما ذکر من الأدلة لا یخلو من الإشکال ، إذ المستفاد من الأدلة والظاهر منها أن غسل الجنابة یرفع الحدثین من دون حاجة إلی الوضوء ، بل

حکم من أحدث أثناء الغسل

علی بن سندی ثقة

ص: 345


1- التهذیب 1 : 145 / 410 ، الاستبصار 1 : 120 / 407 ، الوسائل 2 : 252 أبواب الجنابة ب 1236.
2- انظر المدارک 1 : 300.

ومع المنع منه. فلو بنی علی أن الإطلاق والعموم منصرفان إلی المتبادر - وهو ما إذا لم یقع فی الأثناء حدث ، وأمّا إذا وقع فیه الحدث فغیر ظاهر حکمه منهما - ففیه : أنّ جمیع الإطلاقات الواردة حکمها کذلک ، فمن أین أثبت وجود غسل یرفع الأکبر خاصة؟.

فعلی هذا نقول : القدر الذی فعله من الغسل قبل الحدث لا یرفع الجنابة قطعا ، والجنابة باقیة محتاجة إلی رافع البتة ، فالرافع للأکبر إن کان رافعا للأصغر فالأمر کما اختاره ابن إدریس ومن وافقه ، وإلا فالحکم برفع الأکبر یحتاج إلی دلیل یطمئن إلیه النفس ، وما ذکر ذلک الدلیل ولا أشار إلیه.

ولا یخفی أن الحکم برفع الحدثین علی وجه یطمئن به النفس إنما یتحقق بإعادة الغسل ، وضم الوضوء معه لحصول الشک فی وجود غسل جنابة یرفع الأکبر خاصة ، والشک فی وجود جزء غسل للجنابة یرفع الحدثین معا ، والشک فی أن الغسل الذی وقع فی أثنائه الحدث یرفع شیئا من الحدثین بدون الإعادة ، کما سنشیر ، فتأمّل.

قوله : لیس موجبا للغسل. ( 1 : 307 ).

لم یدّع أحد أنّه موجب للغسل ، بل یدّعون أنّه مبطل له ، ودعوی القطع بعدم الإبطال فاسد قطعا. والاستناد إلی أصالة العدم - مع أنّها ظنیة - موقوفة علی جریانها فی ماهیة العبادات أیضا ، ومع ذلک یعارضها أصالة عدم رفع الحدث بمثل هذا الغسل ، وأصالة بقاء الجنابة ، وأصالة عدم زیادة التکلیف بالوضوء.

قوله : وهو إما الغسل بتمامه. ( 1 : 307 ).

هذا الحصر مصادرة ، فإن بنی علی أنّ القدر الثابت هو أحد الأمرین خاصة وغیرهما لم یثبت ، ففیه : أنّ القدر الثابت هو رفع الأکبر بغسل لم یقع فی أثنائه حدث ، وإن استند إلی العموم والإطلاق فی الأخبار ففیه : أن الظاهر

ص: 346

منها عدم الحاجة إلی الوضوء أصلا ، والبناء علی عدم العموم من هذه الجهة والعموم من تلک الجهة فیه ما فیه.

ویمکن أن یستدل لعدم وجوب الإعادة بما ورد فی الأخبار الواردة فی کیفیة الغسل : « ما جری علیه الماء فقد طهر » (1) ، وما ورد : « کل شی ء أمسسته الماء فقد أنقیته » (2) ، وأن یستدل لخصوص قول ابن إدریس ومن وافقه بإطلاق ما ورد فی جواز تفریق أجزاء الغسل وعدم موالاتها (3) ، فلاحظ وتأمّل ، إلاّ أن الأحوط ما ذکرناه ، لما مرو یأتی ، فتأمّل.

قوله : وهو باطل. ( 1 : 308 ).

الحکم به إن کان من جهة الإجماع ، ففیه : أنّه لا إجماع ، وإن کان من جهة الأخبار ، ففیه : أنّه لا فرق بین القلیل والکثیر بالنسبة إلیها ، وإن کان من جهة العقل ، ففیه : أنّه لا طریق للعقل إلی أمثال هذه التعبدیات ، کیف والعبادات توقیفیة ووظیفة الشرع وفاقا ، فتأمّل.

قوله (4) : ففساده ظاهر. ( 1 : 308 ).

فیه : أن المستدل استدل بالأولویة ، ومنعها مکابرة ، لأنّه یلزم أن یکون من یغسل من رأسه فی غسله مقدار شعرة فقط من أول عمره ، ولم یغسل الباقی إلی آخر عمره ویصدر منه الأحداث التی لا تعد ولا تحصی فی هذه المدة ، أن لا یرفع جمیع هذه الأحداث أثر ذلک المقدار القلیل غایة القلة ، ثم بعد إتمام غسله یصدر منه مقدار رأس شعرة ریح أو بول فیبطل أثر الجمیع

ص: 347


1- الوسائل 2 : 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1 ، وتقدم فی المدارک 1 : 291 و 293.
2- الوسائل 2 : 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.
3- الوسائل 2 : 237 أبواب الجنابة ب 29.
4- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».

فی استباحة الصلاة وأمثالها ، ورفع الحدث منها.

فکیف یکون جمیع الأحداث التی لا تحصی لا ترفع أثر مقدار شعرة من الغسل ، ویکون مقدار رأس شعرة من الریح مثلا یرفع أثر جمیع هذه الغسلات التی هی بالنسبة إلی مقدار شعرة من قبیل القطرة بالنسبة إلی البحار؟!

ولو لم یف مجموع الأحداث التی لا تحصی لرفع أثر شعرة من الغسل فکیف یفی شعرة من الحدث لرفع أثر مجموع الشعرات من الغسل التی لا یمکن عدها ولا یحصیها إلاّ الله تعالی؟! مع أنّ البعض أضعف من الکلّ ، سیما فی المقام ، لعدم استحالة رفع أثر البعض من الحدث فی الأثناء ، بحیث یعود إلی الجنابة فیحتاج إلی إعادة الغسل ، کما اختاره جماعة ، بل الأکثر ، بل المشهور ، کما قاله المحقق الشیخ علی فی شرح الألفیة (1) ، وورد فی الخبرین ، واقتضاه الأصل والقاعدة من بقاء الجنابة حتی یثبت الرافع ، واقتضاه الأولویة المذکورة وغیر ذلک ، ولا کذلک الحدث الواقع بعد کمال الغسل ، للقطع برفع الجنابة بالمرة إلاّ أنّه یرتفع خصوص الاستباحة ، ولیس ذلک إلاّ من جهة أن الجزء والبعض أضعف من الجمیع بالبدیهة.

بل الجماعة الذین یقولون بوجوب الوضوء یکون الجزء عندهم أضعف من الکل بالبدیهة ، لقطعهم بارتفاع حدث الجنابة والحدث الأصغر جمیعا بالمرة بالغسل من دون وضوء ، وارتفاع الاستباحة بالمرة بالحدث الواقع بعد الغسل ، وظنهم ببقاء الحدث الأصغر وارتفاع الأکبر بالحدث فی الأثناء وأنّه ما لم یتوضأ لم یرتفع الأصغر.

بل عند ابن إدریس ومن وافقه أیضا لا یکون الجزء بقوة الکل ، إذ

ص: 348


1- شرح الألفیة ( رسائل المحقق الکرکی 3 ) : 203.

بمجموع الغسل وکماله یحصل القطع عندهم أیضا بارتفاع الأکبر والأصغر إلی أن یحدث الأصغر ، فیحصل المنع من جهته بما هو مقتضاه ، وأما إذا حصل الجزء فلا یحصل الرفع والاستباحة یقینا ، بل له مدخلیة فیهما ، وأین المدخلیة من التمام والکمال! ومع ذلک لیس إلاّ بظن اجتهادی ، فعلی هذا إذا ارتفع أثر المجموع والأقوی فی الاستباحة فارتفاع الأضعف بطریق أولی.

هذا ، مع أنّ الرفع والاستباحة موقوفان علی الکمال ، وقبله لم یتحققا ، وعدم تحققهما مستصحب حتی یثبت خلافه ، وثبوته من الوضوء بعد إتمام الغسل - کما قال السید رضی الله عنه - غیر ظاهر ، لعدم الدلیل ، بل ظهور العدم ، إذ ظهر ارتفاع الاستباحة مما تقدم علی الحدث فلا عبرة به شرعا ولا یرتفع الحدث من الجنابة ولا یحصل الاستباحة من جهتها إلاّ بالغسل جزما ، والأجزاء السابقة یسقط اعتبارها شرعا من الأصل والقاعدة والقیاس (1) بطریق أولی.

فالعبرة بما تأخر عن الحدث بحسب الشرع ، فلا بدّ من الإعادة ، فابتداء الغسل من الشروع فی الإعادة ، والعبرة به شرعا لا یکون إلاّ بما أعاده ، فهو الغسل الرافع للجنابة ، فلا یجوز معه الوضوء ، لورود النهی فی الأخبار (2) ، وللإجماع ، وهو موافق لمضمون الخبرین ، ویجبر سندهما - مضافا إلی الشهرة وغیرها - بما تقدم.

قوله : لمنع کونه ناقضا. ( 1 : 308 ).

لا یخفی أن مجرد المنع لا یکفی لحصول الطهارة حتی یثبت بدلیل ، فإن کان استناده إلی العموم والإطلاق فقد أشرنا إلی ما فیهما ، فتأمّل ، سیما

ص: 349


1- لیس فی « و ».
2- الوسائل 2 : 246 أبواب الجنابة ب 34.

مع وجود مثل هذه الروایة التی اعتمد علیها جماعة من فحول الفقهاء الماهرین فی معرفة الأحادیث ، فتأمّل.

قوله (1) : إلی أن یتّضح السند. ( 1 : 308 ).

لا یخفی أنها منجبرة بأمور : منها الأوفقیة إلی القاعدة الشرعیة ، کما عرفت. ومنها الموافقة للفقه الرضوی (2) ، فإنّه أیضا صریح فی ذلک ، وقد عرفت اعتباره فی الجملة. ومنها الموافقة للشهرة ، فإن المحقق الشیخ علی ادعی الشهرة فی هذا (3). ومنها الموافقة لما ذکر من أنّ ناقض المجموع ناقض للأبعاض بطریق أولی ، بل المجموع لیس إلاّ کل واحد واحد من الأبعاض ، إلاّ أنّه إذا خلا عن الجنابة بالمرة یجب الوضوء ، وأمّا مع بقاء الجنابة البتة فحینئذ یکون الوضوء رافعا غیر ظاهر ، مع ما عرفت من الحاشیة الأولی ، وما ورد فی الأخبار أن من لم یتمکن من الغسل وهو متمکن من الوضوء لا یتوضأ ، لأن الله جعل علیه نصف الوضوء ، یعنی التیمم (4) ، فتأمّل.

قوله : ویتصور ذلک فی غسل الارتماس. ( 1 : 309 ).

لا مدخلیة للنیة هنا ، لأن الحدث لو تحقق بینها وبین الغسل تجب إعادتها ، لوجوب المقارنة عندهم ، ولا ربط لهذا النزاع به ، بل لیس إلاّ فی وقوع الحدث فی أثناء غسل الأعضاء ، فتأمّل.

فعلی هذا نقول : إن وقع فی الارتماس امتداد - بناء علی ما ذکره من أن الارتماس شمول الماء للبدن دفعة بالدفعة العرفیة - وتخلل الحدث بین

إشارة إلی الأشیاء التی تنجبر بها ضعف السند

ص: 350


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
2- فقه الرضا علیه السلام : 85 ، المستدرک 1 : 474 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.
3- راجع ص 348.
4- الوسائل 3 : 386 أبواب التیمم ب 24 ح 1.

غسل الأعضاء ، فربما یخدش هذا صدق الوحدة العرفیة ، إذ یصدق عرفا أن بعض غسل الأعضاء قبل الحدث وبعض آخر بعده ، فوقع بینهما ترتیب عرفی ، فهو ینافی الدفعة المعتبرة ، فتأمّل.

وإن لم یقع فیه امتداد ، کما هو الظاهر من الشهید - رحمه الله - فلا یتحقق حینئذ وقوع الحدث فی الأثناء.

مع أن ما اختاره الشارح أشد إشکالا من جهة أنّه لم یرد الغسل الارتماسی إلاّ فی حدیثین متضمنین إجزاءه عن الغسل ، فإن هذا الغسل إن کان یجزئ عن الوضوء فالحق مع ابن إدریس.

وإن بنی علی أنّه لا عموم فیهما یشمل محل النزاع فمن أین یثبت کون محل النزاع داخلا فی الارتماسی ومجزیا؟ سیما وتحقق الارتماسی الذی هو محل النزاع فی غایة الندرة ، بل لا یکاد یتحقق ، وعلی تقدیر إمکان التحقق فجعله داخلا فی إطلاق الحدیثین غیر داخل فیه أشد فسادا.

وإن کان هذا الغسل لا یجزئ عن الوضوء یلزم صرف الحدیث عن الفروض المتعارفة الشائعة إلی الفرض النادر ، سیما مثل هذه الندرة ، وفیه ما فیه ، والظاهر المتبادر أنّه مجز عن الغسل المتعارف الغالب ، وأنّه لا یحتاج معه إلی وضوء للصلاة ، فتأمّل.

قوله : الحکمی القصدی. ( 1 : 309 ).

إن أراد أنه یقصد أولا رأسه ثم بعده یمینه ثم بعده یساره فما ذکره صحیح ، لکن حمل کلامه - رحمه الله - علیه بعید ، بل ربما یکون هذا ترتیبا فعلیا ، وإن أراد ما هو الظاهر من کلامه ففیه نظر ، فتدبر.

قوله : اطرد الخلاف وإلاّ تعین إتمامه. ( 1 : 309 ).

فیه تأمل ، لجریان کلام القائل بالإعادة هنا أیضا من دون تفاوت ، نعم القول بالاکتفاء بمجرد الإتمام لا یجزئ هنا ، بل معلوم أنّه غیر قائل هنا ،

ص: 351

لصراحة کلامه ودلیله فی أنّه فی خصوص غسل الجنابة.

قوله : فالحیض هو الدم. ( 1 : 311 ).

لا یخفی أن دم الحیض لیس من الأمور التی بمحض اعتبار الشرع وإحداثه ، بل هو من الأمور العادیة الواقعیة ، مثل البول والغائط والمنی ، خلقه الله تعالی فی المرأة عند بلوغها أو بعده ، لأجل تکوّن الولد کالمنی ، بل تکوّنه من الحیض أکثر منه بمراتب.

وشی ء منه یصیر لبنا وغذاء له ، وشی ء منه یجتمع فی الرحم حول الولد یصیر حامیا له من ملاقاة المصادمات.

وهو یجتمع فی الرحم شیئا فشیئا ، ثم تعتاد قذفه فی کل شهر غالبا.

وله أقل معروف وأکثر معروف عند الأطباء أیضا ، وإن وقع الاختلاف بینهم.

ولیس کل دم فی المرأة فیه تلک الخواص ، أو خاصیة واحدة منها. وفساده یداوی عند الأطباء ، ویحصل منه المفاسد ، وهو عیب یوجب الرد شرعا.

والشارع اعتبر له أحکاما کثیرة : منها ما ذکر فی هذا الباب ، ومنها ما سیجی ء فی کتاب النکاح والطلاق ، مثل أنّه سبب براءة الرحم ، وموجب لانقضاء العدة إلی غیر ذلک ، مثل ما سیجی ء فی مبحث النجاسات من عدم العفو عنه ، وفی باب الصیام والصلاة وغیرهما.

وکل لغة تعبر عنه بلفظ ، فالعرب بلفظ دم الطمث والقرء والحیض ، أما الأولان فلا شک فیهما ، وأمّا الأخیر فبملاحظة العرف العام واللغة أیضا :

ففی المجمل : الحیض حیض المرأة (1). وفی المغرب : حاضت المرأة حیضا ومحیضا خرج الدم من رحمها (2). وفی القاموس : حاضت المرأة

الحیض

تعریف دم الحیض

ص: 352


1- المجمل 2 : 127.
2- المغرب 1 : 145.

إذا سال دمها (1). وقال الجوهری : حاضت المرأة تحیض حیضا (2).

والظاهر أن لفظ الطمث والقرء والحیض حقیقة فی خروج هذا الدم عرفا ولغة ، أما العرف فغیر خفی ، وأما اللغة فیظهر بالتأمّل فی ما أشرنا وما ذکروا ، وإن کان أکثر اللغات مجازات ، فتأمّل.

وکیف کان فلا شک فی أن الوارد فی عبارة الشارع والفقهاء لیس إلاّ هذا المعنی. ولذا متی قال الشارع : لا تجامعوا الحائض ، والحائض لا تصلی ولا تصوم ولا تدخل المساجد والمسجدین ، إلی غیر ذلک من الأحکام الکثیرة الصادرة عنه فیها ، کان الرواة والسامعون لهذه الأحکام یعرفون المراد من الحیض والحائض بلا تأمّل وریبة ، وما کانوا یسألون أبدا أن الحیض ما ذا؟ والحائض من هی؟ وأن الحیض بأی کیفیة؟ کما کانوا لا یسألون عن المنی والبول وغیرهما عند استماع الأحکام الواردة فیها بأن المراد من البول والمنی مثلا ما ذا؟ وأنهما بأی شی ء یتحققان أو یعرفان.

نعم ، ربما یحصل الاشتباه مثلا بسبب التعدی عن الأحکام المعهودة المعتادة أو غیر ذلک ، فکانت النساء یسألن عن علاج الاشتباه شرعا فأجبن بما أجبن ، فکنّ یقلن : لو کان امرأة ما زاد علی هذا ، أو یقلن : أفرأیت کان امرأة مرّة ، أو غیر ذلک ، فهذه صریحة فی أنهن کن عارفات بالحیض وصفاته ، فالصفات معتبرة فی حالة الاشتباه کاعتبار صفات المنی حالة الاشتباه ، والبول بالاستبراء وعدمه ، کما مرّ فی الجنابة والبول ، فتأمّل.

ومما ینبه إلی ما أشرنا أن الیهود یعتزلون الحائض بالمرة ، والنصاری یباشرونهن ویجامعونهن ، والمجوس یفعلون ما هو المعهود منهم من ترک

ص: 353


1- القاموس 2 : 341.
2- الصحاح 3 : 1073.

الاشتغال وغیر ذلک حال حیض نسائهم ، فتأمّل.

قوله : لأن الحمرة. ( 1 : 312 ).

الإتیان بلفظ التعلیل یوهم انحصار فائدة القید فی ما ذکره ، ولیس کذلک ، کما لا یخفی علی المتأمّل فی ما سیجی ء ، مضافا إلی ما ذکرناه فی الحاشیة السابقة ، فتأمّل.

قوله : أن هذه الأوصاف. ( 1 : 313 ).

فیه تأمّل من وجوه :

الأول : أن الروایات المذکورة فی الأوصاف مختلفة جدا ، فبعضها اکتفی فیه بالحرارة ، وبعضها الحرارة والحرقة ، وبعضها اللون أیضا ، وفی بعضها السواد ، وفی بعضها الحمرة ، إلی غیر ذلک من الاختلاف ، فلیلاحظ الکل ، ولیتأمّل فیها. والبناء علی تقیید کل واحد بالآخر فی غایة البعد ، بل لعله لا یمکن ، والبناء علی أن کل واحد من الأوصاف یستلزم الآخر ، فلأجل هذا اقتصر فی البعض بذکر البعض واکتفی بواحد بدلا عن الآخر ، ففیه : أنّه علی هذا لم تکن الصفات خاصة مرکبة ، مضافا إلی أنّ فی بعضها تضادّا ، وأنّ الظاهر عدم التلازم أیضا.

الثانی : الخاصة عبارة عن صفة واقعیة مختصة غیر مشترکة ، وغیر خفی أن الصفات یتحقق فی غیر الحیض کثیرا ، مثل دم النفاس والقروح والجروح ، وما تراه قبل التسع وبعد الیأس ، وما تراه أقل من ثلاثة وأکثر من عشرة ، وما لیس بینه وبین الحیض أقل الطهر ، وما خرج من الجانب الأیمن أو الأیسر علی الخلاف ، وفی حال الحمل علی الخلاف ، ودم العذرة وغیر ذلک.

وأیضا : إذا کانت خاصة شاملة فلا وجه لتخلفه ، وإذا کانت غیر شاملة فلا وجه للحکم بأنّه متی وجدت حکم بکونه حیضا إلاّ أن یمنع مانع.

صفات دم الحیض

ص: 354

وبالجملة : المستفاد من الأدلة أن الصفات لیست بصفات الحیض إلاّ بشروط کثیرة ، مثل کونه بعد التسع وقبل الیأس ، ولا یکون فی أیام العادة ولا فی أیام النفاس ، ولا أقل من ثلاثة ، إلی غیر ذلک مما یظهر مما أشرنا ، فکیف یعبر عنها بالخاصة ، سیما والشک فی الشرط یوجب الشک فی المشروط ، بل الأصل العدم إذا کان الشرط من الأمور الحادثة ، فتدبر.

الثالث : إن قلت : إنّ الحیض أمر واقعی والصفات صفاته فی الواقع ففیه - مضافا إلی ما مر - : أن معرفة أیام الحیض والعادة وضبطها کیف یصیر منشأ لتحقق الحیض بغیر الصفات ، وعدم المعرفة والضبط منشأ لعدم تحققه بغیر الصفات واقعا؟ وقس علی الوقوع فی أیام العادة وعدمه حال غیره وتأمّل جدا ، وإن أردت أن الحیض أمر اعتبره الشارع ، فلذا جعل لما اعتبره قاعدة أنه کذا وکذا إلاّ ما أخرجه دلیله ، فقد عرفت فی الحاشیة السابقة فساد ذلک.

ویزیده بیانا : أنّ الظاهر من قوله علیه السلام : « أقل الحیض ثلاثة وأکثره عشرة » أن أقل الحیض واقعا ثلاثة ، وأکثره واقعا عشرة ، لا أنه وإن أمکن أنه أقل من ثلاثة واقعا إلاّ أنی لا اعتبره حتی یکون ثلاثة.

وکذا الحال فی الأکثر من عشرة ، حتی أنّه علیه السلام صرح بأن ما زاد عن العشرة أو عن أیام العادة فهو من عرق ، أو من آفة أو من قرح أو من رکضة الشیطان ، ولیس بحیض.

وکذا یدل علیه قوله علیه السلام : « دم الحیض لیس به خفاء » ، وقوله علیه السلام : « الحیض والاستحاضة لیس یخرجان من مکان واحد » ، إلی غیر ذلک مما یحصل من تتبع الأخبار.

وأیضا : الظاهر من قوله علیه السلام : « قبل التسع لا تری الحیض ، وکذا بعد الیأس » أنّه لیس بحیض واقعا ، لا أنّی لا اعتبره حیضا ، إلی غیر ذلک ، فتتبع وتأمّل.

ص: 355

وبالجملة : الأمور التوقیفیة علی الشرع إما نفس الأحکام الشرعیة أو موضوعاتها إذا کانت عبادة ، وأمّا غیرها فلیس بتوقیفی ، بل یرجع فیه إلی اللغة أو العرف أو غیرهما ، إلاّ أن یقع من العرف اشتباه أو شبهة أو اختلاف ، فیرفع الشرع جمیع ذلک.

ومعلوم أن الحیض لیس بحکم شرعی ولا من العبادات ، بل من القسم الثالث ، والشرع لرفع الاختلاف مثلا قال : أقل الحیض ثلاثة وأکثره عشرة ، ولرفع الشبهة والاشتباه قال : دم الحیض لیس به خفاء ، هو دم حارّ. ، علی أن غالب الحیض لما کان بالصفات المتلازمة بعضها مع بعض - إلا ما شذّ وندر - اعتبرها ، لأن الغلبة مظنة وأمارة مرجحة ، وکم من أمارات ظنیة اعتبرها الشرع فی أبواب الفقه ، ومنها وقوع الدم فی أیام العادة وإن کان أصفر باردا ، بل وکدرة ، فإن المظنون کونه حیضا ، بل هو أقوی من الصفات فی الاعتبار والشرع ، کما سیجی ء.

ومنها خروجه من الجانب الأیسر ، علی الأظهر کما ستعرف ، بل لعل الغالب والراجح والظاهر أنّ المرأة التی بلغت مبلغ النساء فی الحیض وشرعت فی رؤیة الدم أنّه حیض ، لأنه الأمر العادی الخلقی الغالب فی النساء ، وأما الدماء الأخر فهی علی خلاف ذلک ، بل وموقوفة علی حوادث ، والأصل عدمها ، إلاّ أن تکون أمارة دالة علیها.

ولعله لما ذکرنا ذهب الأصحاب إلی أن ما أمکن أن یکون حیضا فهو حیض وادعوا الإجماع. ویؤیده ملاحظة کثیر من الأخبار حیث رجح الشارع طرف الحیض فی ما احتمله وغیره ، ولم یکن أمارة علی غیره. بل وربما یعلل للحکم بکون الدم حیضا باحتمال التقدم والتأخر ، کما سنشیر.

ولعله لما ذکرنا أیضا ما اعتبروا هذه الصفات إلا فیما إذا استمر الدم ، إذ لا یمکن الحکم بأن المجموع حیض.

ص: 356

قوله : ومتی انتفت انتفی. ( 1 : 313 ).

هذا فرع عموم المفهوم ، والشارح لا یقول به ، مع أنّه لا یقول بحجیة مفهوم الوصف ، فکیف یتمسک به ثم بعمومه؟! فتدبر.

قوله : إلا بدلیل. ( 1 : 313 ).

فیه - مضافا إلی ما سبق : - أن الشارع قال : دم الحیض حارّ أسود مثلا ، ولم یقل : إنّ کل دم حارّ أسود فهو حیض.

فإن قلت : اعتبرت الصفات لأجل التمیز.

قلت : نعم اعتبرها لأجل التمیز بینه وبین خصوص الاستحاضة فیما إذا دار الاحتمال بینهما خاصة ، ولذا فی کل حدیث قال ذلک ضم إلیه قوله :

« ودم الاستحاضة بارد » أو قوله : « لیس یخرجان من مکان واحد » مثلا.

وبالجملة : لا یخفی ذلک علی من أمعن النظر فی الأخبار وتحقق ذلک أیضا أن کل موضع وقع الالتباس بین الحیض وغیر الاستحاضة مثل القرحة والعذرة لم یعتبر الصفات أصلا ، بل اعتبر ممیزا آخر ، لو کان ، والأغلب جانب الحیض ، کما لا یخفی علی من أمعن النظر ، فتأمّل جدا.

فاللام فی قوله : « فإذا کان للدم حرارة » لم یثبت إفادته العموم ، لأنه یفید حیث لا عهد ، وظاهر أن المراد الدم المسؤول عنه ، فتأمّل.

قوله : لاعتبار سند الخبرین. ( 1 : 314 ).

هذا التعلیل لا یخفی ما فیه ، وکذا قوله : ومطابقتهما. ، فإن بنی علی أنّ الظاهر من السائل التردد فی کون الدم المسؤول عنه عذرة أو حیضا فقط من دون احتمال مثل القرحة أیضا ، فمثل هذا لا بدّ أن یکون بصفة الحیض ، وإلا فلا وجه لاحتمال کونه حیضا ، ولا لانحصار الاحتمال فیه وفی العذرة فقط ، ففیه ما لا یخفی.

مع أنّ مقتضی الروایات أن دم الحیض حارّ أسود ، ودم الاستحاضة

تمییز دم الحیض عن دم العذرة

ص: 357

بارد ، فعند الاشتباه والتردد فی کونه حیضا أو استحاضة وعدم أمارة أحدهما وخاصة یعتبر التمیز ، لا أنّ کل دم تراه المرأة ویکون حارّا أسود فهو حیض البتة ، مع أنّه خلاف الواقع جزما. مضافا إلی أنه لا وجه حینئذ للحکم باعتبار القطنة ، وأنّها لو خرجت مطوقة فهو من العذرة ، وکذا فیما لو خرج من الجانب الأیمن ، إلی غیر ذلک مما أشرنا ، فتأمّل.

مع أنّه علی هذا یظهر الجواب عن اعتراضه ، إذ لعله - رحمه الله - فرض المسألة أعم من مورد الحدیثین ، کما سنشیر ، فتأمّل.

قوله : لا عبرة بلونه. ( 1 : 314 ).

لا یخفی أن الجمع بین هذا الاعتراض والاعتراض الأول غیر جید ، لأنّه لو کان رأیه أن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض فلا وجه للاعتراض الأول ، وإلاّ فلا وجه لهذا الاعتراض ، بل المتعین هو هذا الاعتراض ، لکن قوله رحمه الله : ما لم یعلم أنّه لقرح یکشف عن أن المسألة مفروضة عنده أعم من مورد الحدیثین ، إذ ظاهرهما عدم التردد فی کونه دم قرحة ، بل وانحصار التردد فی الحیض والعذرة ، کما مرت الإشارة إلیه ، ودأب الفقیه وطریقته تعمیم المسألة ، وعدم الاقتصار علی مورد الحدیث غالبا ، فتأمّل.

علی أنا قد أشرنا سابقا أن الشارع یغلب جانب الحیض غالبا فیما إذا لم یمکن استعلام کونه غیر الحیض من أماراته ، فلا حاجة إلی دعوی کون مورد الحدیثین ما إذا کان الدم بصفة الحیض مع ما فیها من العنایة ، وکذا دعوی انحصار تردد السائل فی الحیض والعذرة فقط ، فتأمّل.

فلعلّ مراد المحقق أن الاستنقاع لیس من صفات الحیض ولا خصوصیة له به ، ولم یعدّ أحد من الفقهاء ذلک من جملة صفاته ، حتی أن منهم من ذکر الخروج من الأیسر من صفاته ، ولم یذکر أحد الاستنقاع منها ، وإن کان فی مقام إمکان کونه حیضا یحکم بکونه حیضا من هذه الجهة لا من

ص: 358

جهة الاستنقاع ، فعدم تعرضه لحکم الاستنقاع فی هذا الکتاب وفی النافع من هذه الجهة لا من جهة توقفه کما ذکره ، فإن حکم الاستنقاع داخل تحت القاعدة لا حاجة إلی ذکره هنا ، وإنما المحتاج ذکر حکم التطوق ، لأنه مخالف للقاعدة.

وأمّا کلامه فی المعتبر فمراده منه أن التطوق دلیل علی کونه من العذرة فی الواقع بخلاف الاستنقاع ، لعدم دلالته علی الحیضیة أصلا ، کما أشرنا ، بل یعد فی مقام الاحتمال ، نعم للاحتمال حکم شرعی وقاعدة شرعیة سیذکر ، فتأمّل.

قوله : إذ المفروض. ( 1 : 314 ).

فیه ما عرفت من أن المفروض لیس عدم العلم بکونه قرحة ، بل یحتمل أن یکون ذکرهما علی سبیل المثال ، وإلاّ فربما یعلم أنه استحاضة مثل أن تراه فی حال الیأس أو الحمل علی الأظهر عنده ، أو لم یکن بینه وبین الحیض أقل الطهر ، أو غیر ذلک ، فتأمّل ، ولیس عندی عبارته حتی ألاحظ ، فلاحظ.

قوله : وأجیب عنه. ( 1 : 316 ).

هذا الإشکال ینحل علی طریقة المشهور ، لأن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض عندهم ، وأمّا علی طریقة الشارح - رحمه الله - فالانحلال لا یخلو عن إشکال ، لأن ما تراه قبل التسع لیس بحیض لا قبل ثبوت التسع ، فتأمّل.

قوله : وکذا قیل فی ما یخرج. ( 1 : 316 ).

فی الفقه الرضوی : « فإن اشتبه علیها الحیض ودم القرحة فعلیها أن تستلقی علی قفاها وتدخل أصابعها ، فإن خرج الدم من الجانب الأیمن فهو

حکم الدم الذی تراه الصبیّة قبل البلوغ

حکم الدم الذی یخرج من الجانب الأیمن

ص: 359

من القرحة ، وإن خرج من الأیسر فهو من الحیض » (1).

والظاهر أن الصدوق - رحمه الله - حکم بمضمون الفقه الرضوی ، کما هو طریقته غالبا ، وأمّا الشیخ وأتباعه فموافقتهم له لیست من جهة الفقه الرضوی ، کما لا یخفی علی المطلع ، بل من جهة الحدیث الذی رواه سیما کتابه النهایة ، فإن فتاویه فیه علی طبق أحادیث التهذیب ، کما لا یخفی علی المطلع ، فهذا دلیل علی أن نسخة التهذیب لیست علی ما ذکره الشهید وابن طاوس ، ویظهر من کلام الشارح أن نسخ التهذیب الموجودة الآن علی وفق ما نقله ، ولعله کذلک ، فهو دلیل آخر علی ما ذکرنا ، وکذا کون الروایة فی الفقه الرضوی کذلک من الأمارات والأدلة ، وکذا اتفاق من تأخر عنه علی الفتوی کذلک ، مع وجود الروایة فی الکافی علی خلافه ، وکذا فتوی ابن الجنید ، وکذا ما ذکره ابن طاوس وغیره ، فإنه أیضا من الأدلة والأمارات ، مع أن المشتهر عند النساء أیضا أنه کذلک ، وسألت أنا عن المتدینة منهن عن ذلک فصرحت بأنه کذلک ، فاسأل واستعلم.

ومما یؤید أیضا أن ابن طاوس لم ینقل عنه مخالفة المشهور وموافقة ابن الجنید ، وأمّا الشهید فتصنیفه البیان متأخر عن الدروس والذکری ، وهو دلیل رجوعه ، وهو دلیل علی ظهور الأمر علیه ، فتأمّل.

قوله : فی کثیر من نسخ التهذیب. ( 1 : 318 ).

لکن اتفاق نسخ التهذیب علی خلاف ذلک علی ما نجد الآن ، وکونه هو الظاهر من غیره من الفقهاء ، کما لا یخفی علی المتأمّل المطلع ، یبعّد ما ذکره ، بل ربما یأبی عنه.

ص: 360


1- فقه الرضا علیه السلام : 193 ، المستدرک 2 : 14 أبواب الحیض ب 14 ح 1.

وأمّا ما نسب إلی ابن طاوس فلا شبهة فی کونه خلاف الواقع ، إذ اندراس جمیع النسخ وتبدلها بالمرة بنسخة أخری مضادة لها مع کون النسخ عند الفقهاء غالبا وفی نظرهم وانتشارها فی الأقطار مما یحکم العادة بفساده ویحصل القطع بأنّه لیس کذلک ، مضافا إلی أنّه کیف اطلع ابن طاوس علی جمیع النسخ کلها ، فظاهر کلامه لیس مراده قطعا.

هذا کله مضافا إلی ما ذکرناه فی الحاشیة السابقة ، والمحقق فی المعتبر قال : احتمل أن یکون ما فی الکافی سهوا (1).

قوله : لضعفها وإرسالها. ( 1 : 318 ).

الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، سیما مثل هذا العمل ، لاتفاق القدماء والمتأخرین من الفقهاء والمحدثین فی الإفتاء والاعتبار.

وأمّا الاضطراب فمندفع بما أشرنا إلیه من المرجح بل المرجحات ، سیما مع غایة وضوح بعضها لو لم نقل بحصول العلم ، وجلّ أدلة الفقه مضطربة ، والبناء علی ترجیح مّا ، فکیف مثل هذا الترجیح ، بل الذی وجدنا عن المحقق أنّه حکم بکون ما فی الکافی وهما.

وأمّا مخالفة الاعتبار فهذا من المحقق فی غایة الغرابة ، لأنه صرح بأنّ کل ما تراه المرأة من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ما لم یعلم أنّه لعذرة أو لقرحة (2) ، فلو خرج من الجانب الأیمن فهو قرحة ، ولو خرج من الأیسر وإن احتمل القرحة إلاّ أنّه یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، وادعی علی ما ذکره الإجماع ، یعنی أنّ الشارع حکم کذلک وما نحن فیه من جملته ، فالشارع حکم کذلک البتة فکیف یعترض بما یعترض ،

ص: 361


1- المعتبر 1 : 199.
2- المعتبر 1 : 203.

مع أن خلقة النساء ربما تکون بحیث لو استلقین علی أظهرهن ورفعن الرجلین یقع الرحم علی الجانب الأیسر بحیث لو کان قرحة لخرج دمها من الجانب الأیمن ، فتأمّل.

وأمّا الشارح فقد ذکر فی ما سبق : کل دم یکون بصفة الحیض یکون حیضا إلاّ أن یدل دلیل علی أنّه لیس بحیض (1). وما نحن فیه منه إذا کان بالصفة ، وکذا لو کان فی أیام العادة ، ومرّ فی اشتباه الحیض بالعذرة الصحیحتان الدالتان علی أنه بمجرد الاستنقاع حیض البتة (2) ، مع أنّه یتوجه علیهما أنّه لعله یکون دما آخر ، کما صرح به المحقق فی المعتبر (3) ، فتأمّل.

قوله : وظاهر کلام المصنف. ( 1 : 318 ).

یمکن أن یقال : لعل الغالب الخروج من الجانب ، کما هو الحال فی باقی الصفات وإنّما الغلبة یکفی للتمییز.

قوله : وهل یشترط التوالی. ( 1 : 319 ).

فی الفقه الرضوی : « فإن رأت یوما أو یومین فلیس ذلک من الحیض ما لم تر ثلاثة أیام متوالیات » (4).

قوله : فلم یسقط التکلیف. ( 1 : 320 ).

إن أراد منه الاستصحاب فمع أنه غیر قائل به یتوجه علیه أنه إن أراد من التکلیف کونها فی معرض التکلیف ، ففیه : أن الحائض أیضا کذلک ، وإن أراد من التکلیف کونها بالفعل ، ففیه : أن ذلک إنما یتم إذا دخل وقت العبادة

هل یشترط التوالی فی الثلاثة؟

ص: 362


1- المدارک 1 : 313.
2- المدارک 1 : 313 ، 314.
3- المعتبر 1 : 198.
4- فقه الرضا علیه السلام : 192 ، المستدرک 2 : 12 أبواب الحیض ب 10 ح 1.

ومضی منه مقدارها فرأت الدم ، وأمّا إذا رأت قبل ذلک فالأمر بالعکس ، والاستصحاب یقتضی عدم التکلیف ، والتمسک بعدم القول الثالث مشترک بین الطرفین ، نعم یمکن التمسک بأنّها کانت طاهرة فتستصحب الطهارة ، إلاّ أنّه معارض بعمومات کثیرة وغیرها مما ستعرف.

وإن أراد منه العمومات ، ففیه : أنّها مخصصة بالحائض لا بما علم حیضها ، والحیض اسم لما فی نفس الأمر ، مثل الفاسق فی قوله تعالی : ( إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ ) (1) وغیر ذلک ، فمن أین علم أنّها داخلة فی الحائض أو فی غیر الحائض؟! إذ الأول هو المستثنی ، والثانی هو المستثنی منه.

فإن قلت : إن المستثنی منه هو المکلف أی البالغة العاقلة ، وهذه لا شک فی دخولها فیها ، وأمّا دخولها فی الحائض فمشکوک فیه.

قلت : لو کانت داخلة فی المستثنی منه قطعا یلزم من ذلک خروجها من المستثنی قطعا.

وإن أردت أن قبل الاستثناء کانت داخلة قطعا وبعد الاستثناء یحصل الشک فی خروجها فالأصل بقاؤها علی حالها.

قلت : إن أردت أن الحکم تعلق بالجمیع ثم خرج البعض فما علم خروجه یحکم بالخروج ، وما شک فالأصل بقاؤه ، فلا شک فی فساد ذلک ، إذ لیس هذا من العموم والتخصیص فی شی ء بل هو نسخ وتمسک بالاستصحاب ، إذ حکم العام لا یتعلق بالأفراد إلاّ بعد خروج الخاص فیتعلق بما بقی ، فالأصل عدم التعلق إلاّ بما علم تحققه به ، وکونها بالغة عاقلة لا یکفی للعلم بالتعلق ، لأنّه لم یبق علی إطلاقه وعمومه قطعا ، لخروج

ص: 363


1- الحجرات : 6.

الحائض جزما ، ولا یدری هل هی حائض أم لا ، وخروج الحائض عن العموم والإطلاق تقیید وتخصیص بغیر الحائض البتة ، وما دل علی أنّ الحائض تفعل کذا وکذا أیضا عام ، إلاّ أن یبنی علی أنّه عند الشک یکون المظنون إلحاق الشی ء بالأعم الأغلب ، لکنه - رحمه الله - لم یعتبر ذلک ، لأن اعتماده علی العمومات الدالة علی الصفات والوقوع فی أیّام العادة لیس إلاّ ، ولا یعتمد علی إلحاق الشی ء بالأعم الأغلب ، فلاحظ کلماته وتأمّل.

علی أنّا نقول : عموم ما دل علی اعتبار الصفة واعتبار العادة یقتضی الحکم بکونها حائضا ، فلا وجه للشک حتی یستند لرفعه إلی إلحاق الشی ء بالأعم الأغلب لو کان الدم بالصفة أو فی العادة ، ولو لم یکن کذلک فقد ادعوا الإجماع علی أن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، مع ما مر فی الحواشی السابقة فی أول المبحث إذ یظهر من ذلک أنّه لو اتفق أن امرأة اعتادت برؤیة الدم متفرقة فی ضمن العشرة فی کل شهر من أول عمرها إلی آخره فالظاهر أن أهل العرف والطب یحکمون بأنّه حیض ، ولا یقولون أن مثل هذه المرأة ممن لم تحض قط ، سیما إذا وقع الحمل واللبن من هذا الدم ، فإنه حینئذ مثل المنی المسلوب الصفات المعلوم کونه منیا ، فتأمّل.

ومما ذکر ظهر أن الدلیل لرأی الشیخ غیر منحصر فی ما ذکره ، فتدبر.

قوله : أن المتبادر من قولهم. ( 1 : 320 ).

لا یخفی أن ما ذکره إنما ینفع لو کان الشیخ فی النهایة قائلا بکون النقاء المتخلل طهرا کما ذکره جدّه - رحمه الله - ومع ذلک فالأولی الاستدلال علی بطلانه بعموم ما دل علی أنّ أقل الطهر عشرة ، لأنّه أدل علی المطلوب ، لکنه - رحمه الله - یزیف کلام جده بما سیجی ء ، مع أنّ عبارة النهایة علی ما رأیتها لا یظهر منها ما ذکره جده - رحمه الله .

ص: 364

نعم ، ببالی أن ابن البراج شریک الشیخ فی عدم اعتبار التوالی (1) ، فلعل عبارته تکون ظاهرة وأنا لم أطلع علیها ، ومع ذلک فلا بدّ من رفع الید عن الظاهر لو کانت ظاهرة ، کما سیذکره الشارح - رحمه الله - ، ولعل نسبة جدّه ذلک إلی قائله من أنّ مستنده روایة یونس وهی ظاهرة فیه ، وهو تمسک بها من دون تعرض إلی توجیه لکنه محل تأمّل ظاهر ، سیما بعد حکمه بأنّ أقلّ الطهر مطلقا عشرة.

فعلی هذا نقول : لو کان رأیه أن النقاء المتخلل حیض - کما یقول به الشارح وغیره - فلا وجه لهذا الاستدلال علیه ، لأن الحیض المتفرق من المحالات عنده ، فکیف یبطل مذهبه بدعوی تبادر توالی الحیض ، فإنّ المذکور فی الأخبار لیس إلاّ لفظ الحیض.

فإن بنی الأمر علی أنّ المتبادر من لفظ الحیض هو الدم فبعد التسلیم قوله علیه السلام : « وأکثره عشرة » ربما یأبی عن دعوی التبادر ، لأنّ العشرة التی لم یتوال فیها الدم لا تأمّل فی کونها من أفراد الأکثر ، بل وأکثر الأفراد. وبعد التسلیم لا شبهة فی أنّ أقل الحیض عند الشیخ أیضا - مثلا - منحصر فی رؤیة الدم ثلاثة أیام متوالیات ، إذ بعد تفرقة الدم لا یکون أقل الحیض البتة ، مثلا لو رأت الدم فی الأول والخامس والعاشر یکون الجمیع حیضا ، وأکثر الحیض عشرة أیام ، فیکون من أکثر الحیض لا أقل الحیض.

علی أنّه لو کان المتبادر من الحیض الدم یکون جمیع ما ورد وتضمن أنّ الحائض تفعل کذا وکذا یشمل ما نحن فیه ، فیظهر دلیل آخر للشیخ ومن وافقه ، فتدبر.

نعم ، دلیل المشهور هو عبارة الفقه الرضوی ، کما أشرنا إلیه ، متأیدا

ص: 365


1- المهذب 1 : 34.

بظن الإلحاق بالأغلب.

قوله : ضعیفة مرسلة. ( 1 : 321 ).

لکن الکلینی روی هذه الروایة ، مع أنّه صرح فی أول الکافی بأن جمیع ما رواه فیه ، من الأخبار الصحیحة الصادرة عن المعصومین علی الیقین (1) ، وربما یظهر من هذا أن الکلینی - رحمه الله - أیضا موافق للشیخ ، لأن مذهبه هو مضمون أخباره.

وأیضا ملاحظة ما ذکر فی الرجال فی ترجمة یونس هذا یشیر إلی صحة الاحتجاج بأمثال هذه الروایات عنه. هذا مع تأیّدها بما مر فی الحاشیتین السابقتین ، إلاّ أن صراحة ما نقلناه عن الفقه الرضوی وانجباره بالشهرة ربما یعارضها ، والاحتیاط واضح.

قوله : لأنه إن کان حیضا. ( 1 : 321 ).

فی هذا التعلیل شی ء لا یخفی علی المتأمّل.

قوله : وهو بعید. ( 1 : 322 ).

هذا کالمتقدم علیه ، فتأمّل.

قوله : ومن تبعه معترفین. ( 1 : 322 ).

ذکر الشهید فی الذکری : أنّ المفید - رحمه الله - ذکر النبطیة من جهة الروایة (2) ، فقوله : معترفین. غیر مستقیم ، فلعل بعض المتأخرین ذکر عدم النص غفلة ، أو أراد منه عدم عثوره علیه مسندا ، فتبعه الشارح غفلة ، فنسب إلی الکل ما نسب ، فتأمّل.

قوله : واختلفوا فی تعیینها. ( 1 : 322 و 323 ).

لا حیض بعد سنّ الیأس

ص: 366


1- الکافی 1 : 9.
2- الذکری : 28.

وقد ذکرت الأقوال فی رسالتی فلاحظ.

قوله : وهی مع قصور سندها. ( 1 : 323 ).

أمّا القصور ففیه : ما مر مرارا وسیجی ء من أنه لا قصور أصلا ، مضافا إلی أن الصدوق - رحمه الله - رواها ثم أفتی بها (1) ، والکلینی أیضا رواها ، ویظهر منه أیضا أنّه أفتی بها ، ولذا قال : وروی ستون (2).

وأمّا الدلالة فیکفی فیها عدم قول بین المسلمین - فضلا عن الشیعة - بأنّه غیر الستین ، بل لا شبهة فی أنّه لو کان غیر الخمسین فهو الستون لیس إلاّ ، ویظهر ذلک من الخبر أیضا ، إذ لم یرد خبر فی کون الحد غیر ذلک ، بل ورد أن الحدّ ستون ویتأید ذلک بما ذکرنا ، فتدبر.

ولا تعارضها صحیحة عبد الرحمن (3) ، لأنّ المطلق یحمل علی المقید ، والعام علی الخاص ، سیما إذا کان الإطلاق ، لأنه ینصرف إلی الغالب ، فتأمّل.

وربما کان مستند القول بالستین مطلقا روایة عبد الرحمن الأخیرة ، وما قال فی الکافی : « وروی ستون سنة » ، والعمومات الدالة علی اعتبار الصفة (4) ، والعمومات الدالة علی اعتبار العادة (5) ، والإجماع الذی ادعی

ص: 367


1- الفقیه 1 : 51 / 198.
2- الکافی 3 : 107 / 2.
3- الکافی 3 : 107 / 4 ، التهذیب 1 : 397 / 1237 ، الوسائل 2 : 335 أبواب الحیض ب 31 ح 1.
4- انظر الوسائل 2 : 275 أبواب الحیض ب 3.
5- انظر الوسائل 2 : 281 أبواب الحیض ب 5.

علی أن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیضا (1) ، خرج الستون بالإجماع والأخبار وبقی الباقی ، ویؤیدها استصحاب کونها ممن تحیض ، وغیره مما مرّ.

قوله : کما هو. ( 1 : 324 ).

هذا علی تقدیر کون الانتساب بالأب ، وإلا فالأغلب فی الشیعة الآن انتسابهم بالأم ، کما لا یخفی.

قوله : فالأصل یقتضی. ( 1 : 324 ).

الظاهر أنّ الأصل هو الراجح ، بناء علی أن الشی ء یلحق بالأعم الأغلب.

قوله : ویعضده. ( 1 : 324 ).

أقول : فیه ما عرفت.

قوله : وقال فی المعتبر : إنه إجماع. ( 1 : 324 ).

قد تقدم الکلام فیه ، ویدل علی ذلک أیضا التعلیل الوارد عنهم بأنه ربما تعجل بها الوقت فیحکم بکونه حیضا ، کما سیجی ء فی موثقة سماعة (2) ، فإن احتمال التعجیل کیف یکفی للحکم بالحیضیة لو لم یکن الإمکان والاحتمال کافیا ، فتدبر.

ومرّ فی حسنة ابن مسلم : « إذا رأت الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی ، وإن رأت بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة » (3) وکذا

قاعدة الإمکان

ص: 368


1- المعتبر 1 : 203.
2- الکافی 3 : 77 / 2 ، التهذیب 1 : 158 / 453 ، الوسائل 2 : 300 أبواب الحیض ب 13 ح 1. وسیأتی فی المدارک 1 : 328.
3- الکافی 3 : 77 / 1 ، التهذیب 1 : 159 / 454 ، الوسائل 2 : 298 أبواب الحیض ب 11 ح 3.

یشهد علیه کل ما ورد من أنها تحیض بمجرد رؤیة الدم (1).

قوله : من حیث ترک المعلوم. ( 1 : 324 ).

قد عرفت الکلام فی هذا أیضا.

قوله : تعویلا علی مجرد الإمکان. ( 1 : 324 ).

بل علی الإجماع. وأمّا المجمعون فلعلهم اطلعوا علی المستند ، وبکون الإجماع واقعیا ، والمظنون صحة دعوی الإجماع وحقیته ، مع ما عرفت مما یمکن أن یصیر مستندا لهم ، وطریق الاحتیاط واضح.

قوله : وهو غیر بعید (2). ( 1 : 327 ).

لعل مراده أن مقدار العادة والمتقدم والمتأخر یکون المجموع حیضا إلی عشرة أیام ، وما زاد عنها فاستحاضة ، یعنی لا یجب الاقتصار علی العادة فی الحکم بکونه حیضا ، ولا جعل نفسها حیضا ، بل المتقدم والمتأخر أیضا حیض ، بشرط أن لا یزید علی العشرة ، فلیلاحظ عبارة المبسوط.

قوله : وتشهد له. ( 1 : 328 ).

فی شهادتها له نظر ، بل الکل یشهد للمصنف.

قوله : موضع الخلاف. ( 1 : 328 ).

لیس کذلک ، بل هو أعم ، کما صرح به ابن إدریس والشهید ، وعبارة المحقق التی سیذکرها فی المقام صریحة أیضا فی ذلک ، وأمّا کلام المختلف فلا صراحة بل ولا ظهور فیه لما ذکره ، غایة ما فیه أنّه أتی بالأخبار المتضمنة لاعتبار الأوصاف دلیلا علی المدعی ، بعد جعله المدعی أعم کغیره ، وغیر خفی أن دلیل الفقیه ربما یکون أخص من المدعی ، ویتمون

أحکام الحیض

ذات العادة تترک الصلاة ولصوم برؤیة الدم

متی تترک المبتدأة العبادة

ص: 369


1- انظر الوسائل 2 : 291 أبواب الحیض ب 8 ح 5 و 6.
2- انظر المدارک 1 : 327 الهامش (5).

المدعی بضمیمة عدم القول بالفصل ، وربما کان المراد إبطال مذهب الخصم.

ومما یشهد علی ما ذکرنا عدم تعرضه کغیره لحال الدم الذی لا یکون بصفة الحیض ، وأنّها إذا رأته ما ذا تصنع ، وحوالته علی ظهور کون الأمر بالنسبة إلیها الاحتیاط ، فیها ما لا یخفی علی المطلع بأحوال الفقهاء ، سیما أحواله ، فتأمّل.

قوله : قال : المرأة إذا رأت الدم. ( 1 : 329 ).

أمثال هذه الأخبار تدل علی التحیّض بمجرد الرؤیة مطلقا ، بصفة الحیض یکون الدم أم لا ، ومر ما یکفی للتأیید والاعتضاد فی المباحث السابقة.

قوله : بل یکفی ظهوره. ( 1 : 329 ).

الأولی أن یقول : بل یکفی الظهور الذی اقتضته الأدلة الشرعیة.

قوله : قلنا : الفرق أن الیوم. ( 1 : 330 ).

لا یقال : هذا مخالف لما ذکره من أنّ ما رأته من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض.

لأنه شرط تحقق الثلاثة المتوالیة فی الحکم بالحیضیة ، فبعد تحقق الشرط کلما یمکن أن یکون حیضا من أول الثلاثة إلی آخر العشرة فهو حیض ، لا أنّه من آخر الثلاثة إلی آخر العشرة حیض.

وبالجملة : مدار حکمه علی الأصل ، فقبل تحقق الثلاثة یکون الأصل العدم ، وبعد تحققها یکون التجاوز مانعا فی الصورة التی ذکرها ، والأصل عدمه ، وأمّا غیر الصورة وهو أن یکون الدم المتجاوز من أوله إلی آخره بلون واحد فمقدار الثلاثة حیض ، لکونه المتیقن ، والزائد منها یبنی علی فعل العبادة ، کما سیجی ء عن المعتبر.

ص: 370

والأقوی أنّها بمجرد الرؤیة تترک ، کما هو الظاهر من الأخبار ، إلاّ أن یقال : إطلاقات الأخبار محمولة علی الغالب ، وهو ما إذا کان بصفة الحیض ، فیرجع إلی ما ذکره الشارح - رحمه الله - ویصح لو لم یکن خرقا للإجماع المرکب ، فتأمّل.

قوله : أما الدمان فظاهر. ( 1 : 330 ).

بناء علی اتصافهما بصفة الحیض فیشملهما العموم وأمّا إذا لم یکونا بصفته فلا یکونان حیضا عند الشارح ، وکذا إذا لم یکن أحدهما بصفته لا یکون حیضا عنده ، وأمّا علی رأی المصنف وسائر الفقهاء فهما حیض مطلقا للکلیة المدعاة فی إجماعهم المنقول بخبر الواحد ، وعموم الأخبار وإطلاقها ، وخصوص حسنة ابن مسلم ، ویؤیده ما سیجی ء من أن ذات العادة إذا رأت ما زادت علی عادتها تستظهر مطلقا ، إذ العادة أمارة کون الزائد عنها غیر حیض ، ومع ذلک حکموا بالاستظهار ، فمع عدم العادة بطریق أولی ، وکل هذه یؤید الکلیة المدعاة ، فتأمّل.

قوله (1) : تحیضی أیام أقرائک. ( 1 : 334 ).

لا یخفی أنه خطاب للمرأة الدامیة المستمرة الدم المتجاوز دمها عن عادتها وصار مستمرا ، کما لا یخفی علی من تأمّل حدیثه وسابقه ولا حقه.

وأمّا صحیحة معاویة وروایة ابن ابی یعفور وأمثالهما مما قالوا علیهم السلام : المستحاضة بمجرد مضی الأیام تغتسل فمعلوم أن المستحاضة معناها : التی استمر بها خروج الدم بعد حیضها ، فهی أیضا المرأة الدامیة السابقة ، ولا تأمل فی أن المرأة إذا جاوز دمها عن العشرة وتکون ذات العادة ترجع إلی عادتها البتة ، وتجعل کل ما زاد عن عادتها استحاضة ، والمستحاضة تغتسل وتصلی بلا شبهة ، إذ لا تدری أن دمها یدوم ویتجاوز

حکم من تری الدم ثلاثة ثم ینقطع ثم یعود قبل العاشر

وجوب الاستظهار أو استحبابه؟

ص: 371


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».

عن العشرة فیکون استحاضة وتصیر من قبیل المرأة الدامیة ، أو ینقطع علی العاشر فلا یکون استحاضة ، وإذا لم یکن استحاضة یکون حیضا ، إذ لا ثالث ، وعرفت أن الاستظهار طلب ظهور الحال فی کون الدم حیضا أو طهرا أی استحاضة ، إذ لا حدث من الدم سواهما ، والمظهر للاستحاضة التجاوز عن العشرة ، وللحیض هو الانقطاع علی العاشر ، وهو وفاقی عند الأصحاب ، ولیس لهم فیه ارتیاب ، کما سیجی ء ، فظهر أن بین الأخبار لا تعارض أصلا ، وأن المظهر هو الذی ذکره الفقهاء ، وسیجی ء بسط الکلام.

فالأولی أن یقال : إنّ اختلاف أخبار الاستظهار فی قدره وأکثرها وارد بکلمة ( أو ) المفیدة للتخییر والتردید لا یلائم الوجوب ، مع أنّه یظهر من بعض الأخبار جواز دخول الزوج بها بعد العادة ، وغیر ذلک مما سنشیر.

قوله : ویمکن الجمع بینها أیضا بحمل أخبار. ( 1 : 334 ).

هذا مع ما بعده (1) ینافیه بعض الأخبار وفهم الفقهاء. والأخبار مثل موثقة سعید بن یسار عن الصادق علیه السلام : « إنها إذا رأت بعد الطهر الشی ء من الدم الرقیق تستظهر بیومین أو ثلاثة ثم تصلی » (2).

وصحیحة عبد الرحمن عن الکاظم علیه السلام فی النفساء إذا طهرت بعد ثلاثین یوما ثم تری الدم أو الصفرة « إنه إن کان صفرة فلتغتسل ولتصل ولا تمسک عن الصلاة ، وإن کان دما لیس بصفرة فلتمسک عن الصلاة أیام قرئها ثم تغتسل وتصلی » (3).

ص: 372


1- فی « ج » و « د » : ما بعده.
2- التهذیب 1 : 172 / 490 ، الاستبصار 1 : 149 / 513 ، الوسائل 2 : 302 أبواب الحیض ب 13 ح 8.
3- التهذیب 1 : 176 / 503 ، الاستبصار 1 : 151 / 523 ، الوسائل 2 : 393 أبواب الحیض ب 5 ح 2.

قوله : ثم إن قلنا بالاستحباب. ( 1 : 334 ).

لا یخفی أنها فی الواقع إما طاهرة فیکون فرضها إتیان الصلاة ، أو حائض فیکون فرضها ترکها ، ولما کان أمرها مترددا بین الأمرین رخّصها الشارع وخیّرها فی اختیار أی الحالین شاءت إلی أن یظهر بالمظهر أمرها ، فإن اختارت حالة الطهر وصلّت وصامت بعد هذا الاختیار ثم انکشف أنها کانت طاهرة تمضی هذه الصلاة والصوم ، وإلاّ یظهر کون الصلاة والصوم لغوا ، فهی مخیرة فی الاختیار ، وبعد الاختیار یکون ما فعلت عبادة مراعی إلی وقت الانکشاف ، ولما کان الیوم والیومان - مثلا - قریبا من الحیض والعادة ، والغالب أن الحیض یزید عن العادة بهذا المقدار ویکون هذا مرجحا للحیضیة ، جعل الشارع الأولی بالنسبة إلیها اختیار حالة الحیض ، ثم بعد ذلک لما کان یبعد کونه حیضا ویقرب کونه طهرا جعل الأولی أن تختار جانب الطهر إلی أن یظهر بالکاشف أمرها ، هذا علی طریقة الفقهاء ، فتأمّل.

قوله : فیجب علیها قضاء ما أخلّت به. ( 1 : 336 ).

استشکله العلامة فی النهایة ، وسیجی ء حکمه.

قوله : لعدم الظفر بما یدل علیها من النصوص. ( 1 :336 ).

أقول : فی مرسلة داود عن الصادق علیه السلام : المرأة تحیض ویمضی طهرها وهی تری الدم فقال : « تستظهر بیوم إن کان حیضها دون العشرة أیام ، فإن استمر الدم فهی مستحاضة ، وإن انقطع الدم اغتسلت وصلّت » (1).

ص: 373


1- الکافی 3 : 90 / 7 ، التهذیب 2 : 172 / 494 ، الوسائل 2 : 301 أبواب الحیض ب 13 ح 4.

ویظهر منها أنها إذا استمر دمها تکون مستحاضة ، وظاهر الاستمرار التجاوز عن العشرة ، والظاهر أن بالاستمرار یظهر کونها مستحاضة بالنسبة إلی مجموع الدم الذی رأت فی الطهر ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، وأیضا لم یتعرض لحکم المستحاضة أصلا ، وتعرض لحکم حال الانقطاع ، فظهر أنّ هذا الانقطاع غیر انقطاع الاستحاضة ، حیث جعله فی مقابل الاستحاضة التی لم یتعرض لحالها ووکل إلی الظهور من خارج ، وهذه الروایة رواها فی الکافی مع زیادة تؤکد ما ذکرنا ، فتأمّل.

قوله : والمستفاد من الأخبار أن ما بعد أیام الاستظهار استحاضة. ( 1 : 336 ).

لیس کذلک قطعا ، لأن المستفاد من أکثر الأخبار أن ما بعد أیام العادة استحاضة ، بل ربما کانت متواترة ، مثل صحیحة معاویة المتقدمة (1) وما وافقها من أخبار کثیرة صحیحة ومعتبرة (2) ، ومثل الحسن کالصحیح عن ابن سنان أنه « لا بأس أن یأتیها بعلها إلاّ أیام حیضها » (3) ، وما وافق من الأخبار.

ومثل ما ورد أن کل ما رأت بعد أیام حیضها فلیس من الحیض (4) ، وما ورد أن المستحاضة تصوم رمضان إلاّ أیام حیضها ثم تقضیها (5).

إلی غیر ذلک مما دل علی اعتبار العادة فی الحیض

ص: 374


1- فی المدارک 1 : 334.
2- الوسائل 2 : 281 ، الباب 5 من أبواب الحیض ، والوسائل 2 : 371 أبواب الاستحاضة ب 1.
3- الکافی 3 : 90 / 5 ، التهذیب 1 : 171 / 487 ، الوسائل 2 : 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4.
4- الوسائل 2 : 278 أبواب الحیض ب 4.
5- الوسائل 2 : 378 أبواب الاستحاضة ب 2.

والنفاس ، ورجوع المرأة إلیها فیهما ، وعدم وجوب الاستبراء.

ومن الأخبار ما تدل علی أنها بعد تمامیة عشرة أیام تصیر مستحاضة (1).

وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله عن الصادق علیه السلام : المستحاضة أیطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبیت؟ قال : « تقعد قرءها الذی کانت تحیض فیه ، فإن کان قرؤها مستقیما فتأخذه ، وإن کان فیه خلاف فلتحتط بیوم أو یومین ولتغتسل » (2).

فمع جمیع ما ذکر کیف یقول : المستفاد من الأخبار أن ما بعد أیام الاستظهار استحاضة.؟!.

مع أن الأخبار (3) التی یظهر منها ما ذکره مختلفة جدا ، منها ما یظهر أن بعد یوم استحاضة ، ومنها ما یظهر بعد یومین ، ومنها ما یظهر بعد ثلاثة ، ومنها ما یظهر بعد العشرة ، ومنها ما یتضمن التردید بیوم أو یومین وغیر ذلک ، مع أن التردید لا وجه له ، لأن الاستحاضة اسم دم یخرج من عرق العاذل ، ومن موضع غیر موضع الحیض ، کما علیه أهل اللغة والفقهاء ، ویظهر من الأخبار.

وأیضا إن قال بأن دم أیام الاستظهار حیض واقعا ، فهو مخالف للأخبار المتواترة وما علیه جمیع المسلمین ومنهم الشارح.

وإن قال : إنه لیس بحیض ولا استحاضة ، فهو أیضا مخالف لما یظهر من الأخبار المتواترة وما علیه جمیع المسلمین من انحصار الدم الذی هو حدث

ص: 375


1- الوسائل 2 : 303 أبواب الاستحاضة ب 13 ح 11 و 12.
2- التهذیب 5 : 400 / 1390 ، الوسائل 2 : 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.
3- انظر الوسائل 2 : 300 أبواب الحیض ب 13.

مانع من الصلاة والصوم فی الدماء الثلاثة.

وإن قال بأنه مردد بین الاستحاضة والحیض والنفاس ، کما ذکرنا فی ما سبق وظهر من کلامه ، ففیه أیضا : أن قضاء الصوم لازم علی أیّ تقدیر ، لعموم ما دلّ علی قضائه ، وأمّا قضاء الصلاة فقد وقع التصریح فی الأخبار بلفظ الاستظهار وهو طلب ظهور الحال فی کون الدم حیضا أو طهرا ، فإن ظهر کونه حیضا یکون حکمه حکم الحیض ، لعموم ما دل علی حکم الحیض ، وکذا ان ظهر کونه استحاضة ، فحینئذ یجب قضاء الصلاة أیضا ، لعموم ما دل علیه ، مع أن جلّ روایات الاستحاضة لم یتعرض فیها لذکر القضاء أصلا ، بل جلّ مواضع قضاء الفوائت ، والمستند فی الکل العموم ، فتکون الأخبار دالة علی قضاء الصوم والصلاة بالدلالة الالتزامیة ، لأن معنی تستظهر طلب ظهور الحال وکونه حیضا ، فلازمه وجوب قضاء الصوم قطعا ، أو استحاضة فلازمها وجوب قضاء الصوم والصلاة معا ، فکیف یقول : المستفاد من الأخبار أنّه لا یجب قضاء ما فات؟!

قوله : وأنه لا یجب. ( 1 : 336 ).

فیه : أنه علی هذا لم یبق للاستظهار - مع وروده فی کثیر من الأخبار وکونه مجمعا علیه - معنی ، إذ سبق منه آنفا أنه طلب ظهور الحال فی کون الدم طهرا أو حیضا یعترف بالعموم أیضا ، ولا وجه للاستفادة کما عرفت ، سیّما مع کون الصوم مثل الصلاة فی عدم التعرض لقضائه. مع أنّ ثبوت کونه طهرا ممّا مرّ فی المرسلة.

مضافا إلی أنّ الدم الموجود بعد العشرة طهر یقینا ، فالموجود فی الدقیقة الخارجة عن العشرة إذا کان طهرا علی الیقین یکون الموجود فی الدقیقة المتصلة بتلک الدقیقة طهرا أیضا علی الیقین ، لأنّ الوجدان حاکم بأنّ الدم الموجود فی الدقیقتین المتصلتین دم واحد من نوع واحد ولا یجوز أن یکون

ص: 376

بعضه حیضا - وهو الموجود فی الدقیقة الداخلة فی العشرة - وبعضه طهرا - وهو الموجود فی الدقیقة الخارجة عن العشرة - مع أنّهما نوعان مختلفان فی الماهیة مختلفان فی المخرج ، لأن الطهر عن عرق العاذل والحیض من قعر الرحم ، ولذا اختلف حکمهما وعلاماتهما ، ثم ننقل الکلام إلی الدقیقة المتصلة بالدقیقة الداخلة ، وهکذا إلی أن یتصل بدم العادة ، فیحکم بأنّه من العادة بمقتضی العادة وغیرها من الأدلة.

علی أنّهم علیهم السلام أمروا بالاستظهار فی کثیر من الأخبار ، والتکلیف لا یکون إلاّ بشی ء موجود یتمکن المکلف من تحصیله فلا بدّ من مظهر وکاشف یظهر الحال ، فإذا ظهر کونه حیضا فلا بدّ من جریان حکمه ، وکذا لو ظهر کونه طهرا ، ثم إنه غیر خفی أنه لیس هاهنا کاشف قطعا ووفاقا سوی ما ذکره الفقهاء ، ولم یشر أحد إلی شی ء آخر أصلا ، فتعین أن یکون هو الذی قرروه علی قیاس ما قرر فی غسل المتوسطة ، مع أنّهم ربما یبنون فی بیان المجملات وتقریرها علی ما قرره الفقهاء وبینوه من قبیل ما مر فی وقت غسل المتوسطة ، وما سیجی ء فی باب الإقامة أنها سبعة عشر أنّ النقص من التهلیل الآخر ، وغیر ذلک.

ولکن التفصیل الذی ذکروه لم یظهر من الأخبار ، أمّا أخبار الاستظهار فکما أشار إلیه الشارح ، وأمّا غیرها فیظهر من بعضها أن ما زاد استحاضة مطلقا (1) ، ومن بعضها أنه حیض کذلک مثل حسنة ابن مسلم (2) ، ومرسلة یونس عن بعض رجاله عن الصادق علیه السلام حیث قال فیها : « فإذا

ص: 377


1- الوسائل 2 : 283 أبواب الحیض ب 5 ح 2 و 5.
2- الکافی 3 : 77 / 1 ، التهذیب 1 : 59 / 454 ، الوسائل 2 : 298 أبواب الحیض ب 11 ح 3.

حاضت المرأة وکان حیضها خمسة أیام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإذا رأت بعد ذلک الدم ولم یتم لها من یوم طهرت عشرة أیام فذلک من الحیض تدع الصلاة ، فإن رأت الدم من أول ما رأته الثانی الذی رأته تمام العشرة أیام ودام علیها عدت من أول ما رأت الدم الأول والثانی عشرة أیام ، ثم هی مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة » (1).

وأیضا استصحاب الحالة السابقة یقتضی ذلک ، وکذا الکلیة المدعاة وهی أن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، وأدلة تلک الکلیة أیضا تقتضی ذلک وقد مرت الإشارة ، فلاحظ.

وأیضا إطلاق الأخبار الدالة علی أن أکثر الحیض عشرة یقتضی ذلک ، وأیضا ما ذکره من أنّه لا یجب قضاء ما فاتها فی أیام الاستظهار یقتضی ذلک ، إذ لو کان الدم استحاضة لوجب القضاء البتة ، لأن المستحاضة طاهرة قطعا ودمها طهر جزما.

وفی قویة یونس أنّه قال علیه السلام : « ألا تری أن أیامها لو کانت أقل من سبع وکانت خمسا أو أقل ما قال لها : تحیّضی سبعا ، فیکون قد أمرها بترک الصلاة أیامها وهی مستحاضة غیر حائض » ، الحدیث (2).

فظهر مما ذکر أن الأدلة فی کون الزائد إلی العشرة طهرا أو حیضا متعارضة ، فإما أن یبنی علی الترجیح ولا مرجح بحسب الظاهر ، أو یبنی علی التخییر وإن کان الأولی اختیارها جانب الحیض فی أیام الاستظهار ، کما

ص: 378


1- الکافی 3 : 76 / 5 ، التهذیب 1 : 157 / 452 ، الوسائل 2 : 299 أبواب الحیض ب 12 ح 2.
2- الکافی 3 : 83 / 1 ، التهذیب 1 : 381 / 1183 ، الوسائل 2 : 288 أبواب الحیض ب 8 ح 3.

اختاره الشارح - رحمه الله .

وأمّا المفصّل فلعله جعل التفصیل وجه الجمع ، ویکون استناده فی هذا الوجه إلی ما أشرنا إلیه من شهادة المرسلة ، وظهور معنی الاستظهار ، وانحصار المظهر فی ما ذکروه إجماعا ، وأن هذا الدم یحتمل أن یکون حیضا وهو الفطری الخلقی الذی هی مفطورة به ، وتقرؤه ثم تدفعه ، بأن زاد ما قرأته أو تأخر دفعه فیکون بقیة ما جاء فی العادة ، وبحسب العادة ربما یزید ، کما أنّه ربما ینقص ، وتعارف ذلک بین النساء واشتهر بینهن ، بل قلّ ما یتفق أن لا یزید ولا ینقص أصلا ، بل لعله لا یکاد یتحقق ما یکون أخذه فی آن أخذ السابق ، وانقطاعه فی آن انقطاعه. ویحتمل أن یکون طهرا بأن یکون من فساد وحدوث عیب وعروض آفة ، فإذا انقطع علی العاشر ترجح کونه حیضا : لأصالة الصحة وعدم العیب وعدم حدوث آفة ، ولأنه الفطری الخلقی ، مضافا إلی کثرة وقوع الزیادة والنقیصة وتعارفه ، وأمّا إذا تجاوز فلا شک فی حدوث العیب والآفة والخروج عن الصحة والخلقة المفطورة ، ویبعد غایة البعد أنّه إلی آن تمام العشرة یکون بقیة الحیض والفطری الصحیح ، وأنّه بعد ذلک الآن بلا فصل حدث العیب والآفة فخرج ( بسببه ) (1) ، مع أنّه متصل واحد فی النظر.

ویعضده مقتضی عادة ذات العادة ، ویحمل ما دل علی أنّه استحاضة علی صورة التجاوز ، کما یحمل ما دل علی أن المستحاضة علیها الغسل ثلاثا أو لکل صلاتین علی غیر القلیلة أو المتوسطة أیضا ، ونظائر تلک الأخبار.

مع أنّه ربما یظهر من بعض الأخبار - موافقا للغة - أن الاستحاضة

ص: 379


1- کما فی « أ » و « و » ، وفی سائر النسخ : بشبهة.

استحاضة إذا استمر الدم (1) ، فلاحظ.

وکیف کان الأحوط قضاء ما فات ، لکثرة ما دل علی أنّه استحاضة ، وأنّ المستحاضة لا تسقط عنها الصلاة ، وهو إجماعی أیضا. هذا ، مضافا إلی قول القائلین بالتفصیل والمؤیدات لهم ، والله أعلم.

قوله : قضاء ما فاتها فی أیام الاستظهار مطلقا. ( 1 :336 ).

لم نجد الاستفادة إلاّ من جهة عدم تعرض المعصوم علیه السلام لقضائه. ویمکن أن یقال : إنه علیه السلام فی هذا المقام لعله لیس بصدد التعرض للقضاء ، لأنه علیه السلام لم یتعرض لقضاء الصوم أیضا مع أنّه واجب قطعا ، ویؤیده أیضا أنه علیه السلام لم یتعرض لقضاء أیام الحیض أیضا. مع أنّ ما دل علی عموم قضاء الفوائت یشمل ما نحن فیه ، ولم یخرج من العموم إلاّ صلاة الحائض ، وأیام الاستظهار عند الشارح - رحمه الله - غیر أیام الحیض ، وعند المشهور أیضا ، إلاّ أن یظهر کونه حیضا. والمعصوم علیه السلام فی غالب صور القضاء لم یتعرض لذکره بخصوصه فی خبر من الأخبار ، بل اکتفی بالعمومات ، ومسلم عند الشارح هذا.

قوله : کما قرأ به السبعة. ( 1 : 337 ).

ویشهد علی ذلک ما ورد فی الأخبار من أنّ غسل الحیض سنّة (2) ، فتأمّل.

لکن یتوقف الاستدلال علی بطلان الحقیقة الشرعیة ، ویمکن أن یقال : لا دلیل علی ثبوتها فی کلام الله تعالی وکلام الرسول صلی الله علیه و آله ،

جواز وطء الحائض قبل أن تغتسل

ص: 380


1- انظر الوسائل 2 : 373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.
2- انظر الوسائل 2 : 174 و 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 4 و 11.

وأیضا ترجیح هذه القراءة لا بدّ له من مرجح ، فإذا وقعت المخالفة فی القراءة فالمشهور التخییر لا الترجیح ، لأنّ الترجیح إنّما یطلب فی موضع یراد أنّ الأمر فی الواقع کیف هو ، وغیر ظاهر کون ما نحن فیه منه ، لأنّ الشرع أمضی کلّ هذه القراءات مع أنّ الحق واحد منها ، بل ربما کان الحق القراءة المنسوبة إلی أهل البیت علیهم السلام ، فالشرع جعل هذه القراءات ممّا یجوز لنا التمسک به ، فالعبرة بتجویز الشرع لا بکونها موافقة للواقع.

مع أن قوله تعالی ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ ) (1) قراءة الجمیع من حیث لا یشذ عنهم أحد ، فهو أرجح البتة ، وظاهرها یخالف ظاهر هذه القراءة ، مع أنّها أقوی سندا ، بل ربما کانت أقوی دلالة أیضا ، لموافقتها لقراءة یطّهّرن بالتشدید ، علی أنّه لا أقل من التساوی ، والترجیح بأصل الإباحة یعارضه استصحاب الحرمة ، وکیف کان فالعبرة بالأخبار.

وعلی تقدیر رجحان قراءة یطّهّرن علی حسب ما ذکرنا فالمراد من الطهارة المعنی الذی هو حقیقة عند المتشرعة ، وهو مما یکثر استعمال الشارع اللفظ فیها إلی أن توهموا أو (2) قالوا : إنه حقیقة ، فتأمل (3).

قوله : ویدل علی الجواز. ( 1 : 338 ).

فی استدلاله بها عجب ، لأنها تدل علی خلاف مختاره ، ووردت هذه الروایة بطریقین موثقین عن ابن مسلم عن الباقر علیه السلام ، وأما الروایات الأخر فغیر صحیحة ، وهو لا یعمل بها فلا تکون حجة عنده ، والحق أنّها حجة ، لانجبارها بالشهرة ، فمن هذه الجهة تقاوم الصحیحة ،

ص: 381


1- البقرة : 222.
2- فی « ج » و « د » : و.
3- لیس فی « أ » و « و ».

والشارح - رحمه الله - لا یرضی بالانجبار بها ویقول : إن وصلت الشهرة إلی حدّ الإجماع ، فهی حجة ، وإلاّ فلا تنفع.

ومما یعضد المشهور کون تلک الروایات أکثرها موثقة ، ومع ذلک توافقها العمومات الدالة علی حلیة وطء النساء ، من الآیة والأخبار ، والروایات الدالة علی الکفارة فی وطء الحائض فی أول الحیض أو وسطه أو آخره ، فإنها ظاهرة فی عدم الحرمة بعد ذلک ، إذ لو کان حراما لکان یتوجه إلیه ویأمر بالاستغفار وغیر ذلک.

والأحوط أن لا یجامع إلاّ أن یکون شبقا ، بل الأحوط الترک مطلقا.

قوله : وبما رواه الشیخ. ( 1 : 339 ).

وورد فی النفساء أیضا أنّه بعد الطهارة یأمرها بالغسل ثم یجامع (1) ، والسند قوی.

قوله : بمقتضی الأصل السالم. ( 1 : 341 ).

هذا بناء علی دعوی فهم مضی مقدار الطهارة والصلاة عند ما تحیض من الروایتین الموثقة والمضمرة ، أو عدم حجیتهما وما ماثلهما ، بل الحجة ما دل علی عموم قضاء الفوائت ، والفوت لا یتحقق إلاّ بالنسبة إلی شی ء له وقت معین وقد مضی ذلک الوقت ولم یفعل ذلک الفعل فیه.

وفیه : أنّه إن أراد الوقت الذی تعلق وجوب ذلک فیه وصح فعله فیه شرعا فلا یتحقق هذا المعنی فی مثل قضاء صلاة النائم وصوم الحائض ، بل وما ترک نسیانا أو غفلة أو لعذر من الأعذار ، وینحصر فی ما یترک عصیانا ، وإلاّ فلا شک فی شمولها للفائت الذی لم تدرک مقدار الطهارة والصلاة ، بل ولم تدرک شیئا من الوقت حال الطهارة أصلا.

حکم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة

بحث فی أنّ القضاء تابع للأداء أو فرض مستأنف

ص: 382


1- التهذیب 1 : 176 / 505 ، الوسائل 2 : 395 أبواب النفاس ب 7 ح 1.

وبالجملة : دلالة الروایات علی مضی المقدار بخصوصه کما تری.

والعلامة - رحمه الله - فی المنتهی لم یقل ما نسبه إلیه ، بل صرح فیه أن القضاء لیس تابعا للأداء ، إلاّ أنّه ذکر فی هذه المسألة أنّه لا بدّ من مضی مقدار الطهارة والصلاة حتی یتحقق شرط الوجوب والتکلیف ، یعنی أن الفوت والقضاء لا یصدقان ولا یتحققان إلاّ بعد مضی هذا المقدار من الوقت.

ولذا لو مات المکلف قبل دخول وقت الفریضة لم یصدق علیه أنه فاتته الفریضة وأنّ علیه قضاء ، إذ لم یرد منه فریضة أصلا إلاّ بعد دخول الوقت ، فکیف یصدق علیه فی ذلک الآن - أی قبل الوقت - أنّه فاتت منه الفریضة وأن علیه قضاءها ، فإن القضاء عبارة عن تدارک ما فات ، لا أنّه عبارة عن تکلیف مبتدأ ، ولذا لا یقال : إنّ صلاة الظهر مثلا عند دخول وقتها أو فی أول وقتها قضاء وفائتة ، بل أداء وحاضرة.

فمراده - رحمه الله - أنه ما لم یمض المقدار المذکور لا یصدق فائتة الطاهرة وقضاء صلاة الطاهرة حتی یجب علیها القضاء ، بل یصدق فائتة الحائض وقضاء صلاة الحائض ، ولا شک أن الحائض لا تقضی الصلاة بل تقضی الصوم ، فعرفت أن ما ذکره حق لا محیص عنه ، لصدق الحکم المذکور ، وإلاّ فالعمومات کیف تکفی من دون ملاحظة ما ذکره ، فتدبر.

والحاصل أن الأصل السالم إنّما یکون سالما إذا لم تشمل العمومات الدالة علی وجوب قضاء الفوائت ما نحن فیه ، وعدم الشمول إنما یظهر مما ذکره وإلاّ فالعموم لا یقاومه الأصل.

قوله : ومتی انتفی انتفی. ( 1 : 342 ).

قد عرفت أن القضاء هو تدارک ما فات ، وأن الفوت لا یتحقق إلاّ فی المطلوب الموقت الذی کان فی ذلک الوقت مطلوبا وفات ، والفوت یتحقق

ص: 383

بالترک عمدا أو بعروض مانع من تحقق المطلوب أحیانا ، وبعروضه یسقط التکلیف الثابت ، والسقوط ما دام عروض المانع موجودا ودائر معه ، وفرق واضح بین عدم تحقق طلب أصلا وبین تحققه إلاّ أنه عرض مانع عن وجود المطلوب أحیانا لا یتمکن المکلف بسببه من إیجاده ، فیسقط بسببه إلزام المکلف الحکیم بإیجاده ومؤاخذته بترکه ، بل ویقبح طلبه حینئذ ، والمانع أمر خارجی عقلی ، کالنوم والنسیان وأمثالهما ، وذلک المانع قسمان : قسم یکون مانعا عن تحقق نفس المطلوب ، وقسم یکون مانعا من تحقق شرط المطلوب ، مثل الطهور للصلاة ، فإنه ربما لا یتحقق ما یتطهر به ، وهو الماء والتراب ، وربما لا یتمکن من استعماله أصلا ، وربما لا یتحقق نفس الطهارة أصلا بأن کانت حائضا مثلا ، إذا عرفت هذا فلا بدّ من حمل کلام الشارح علی ما یوافق ما ذکرنا.

قوله : قال بعض المحققین. ( 1 : 344 ).

لا یخفی أن مراد بعض المحققین أنه لم یکن لتأخیر الغسل فی الصورة المذکورة فی الخبر معنی ، یعنی أن المعصوم علیه السلام علل النهی عن اغتسالها بمجی ء ما یفسد الصلاة ، فلو لا وجوبه للصلاة لم یکن لتأخیره من هذه الجهة معنی ، ولا تأمّل فی الظهور ، لأن معنی الحدیث أنها یمکنها الغسل إلاّ أنّه لا یجب علیها ، لأن الوجوب لأجل الصلاة ، ولا یمکنها أن تصلی ، فتکون هذه الروایة موافقة لموثقة عمار ، ویکون معنی قوله علیه السلام : « فلا تغتسل » لا یجب علیها ، لأنه نهی ورد مورد توهم الإیجاب ، کما حقق فی الأصول ، ویمکن أن یکون غسلها إنما هو لرفع الحالة المانعة عن الصلاة ، فإذا لم یرتفع فلا تغتسل ، بناء علی أنّ الحدث حالة واحدة ، کما مر فی بحث تداخل الأغسال من أنّهم قالوا : إذا اغتسل مغتسل بقصد رفع حدث معین یرتفع الجمیع ، فلاحظ وتأمّل.

أحکام الحائض

عدم ارتفاع حدثها بالطهارة

ص: 384

قوله : قال علیه السلام : إن طهرت بلیل من حیضها. ( 1 : 345 ).

لا یخفی أن هذه الروایة موثقة فی غایة القوة ، بل موثقة کالصحیحة ، والموثق حجة - کما حققناه فی محله - فضلا عن مثلها ، وسیما بملاحظة انجبارها بالشهرة ، وتأیدها بأن الغالب مساواة حکم الجنب والحائض ، ومنع بعضهم دلالتها علی الوجوب ، ولیس بشی ء ، لظهور کلمة « علی » فی اللزوم ، ویؤیده أیضا أن المستحاضة تقضی صومها إذا أخلت بالأغسال کما سیجی ء ، ووجه التأیید ظاهر ، فتأمّل.

قوله : فکیف یکون سببا. ( 1 : 347 ).

إن أراد أن ذلک محرم عند العلاّمة - رحمه الله - فبعد تسلیم ذلک فی هذا الموضع من الکتاب أیضا فعدم ضرره ظاهر ، لأنّه صرح بعدم وقوفه علی حجة ، إنما یأتی بذلک نکتة (1) للشیخ ومن تبعه ، وإن أراد أنه عند الشیخ ومن تبعه حرام فغیر معلوم أنّه حرام عندهم ، بل رأیت نهایة الشیخ فظهر لی أنه غیر قائل بالحرمة ، بل الذی یظهر من الکل أنّهم قائلون بجواز مرور الحائض ، بل ربما یظهر أنّهم یقولون ذلک فی الجنب الذی بدنه ملوث أیضا ، والأخبار صریحة فی مرور الحائض ، ولم یتأمّل أحد فیها ولم یوجهها.

نعم ، ربما یرد علی العلاّمة - رحمه الله - أنّه علی التقدیر الثانی أیضا لا وجه للتخصیص بالحائض ، فتأمّل.

قوله : ولعله لزیادة. ( 1 : 347 ).

لا یخفی أنّ العلة هی الروایة المذکورة ، فهی منجبرة بالشهرة ، مضافا إلی قوة فی نفس السند ، والتأیید بما ذکره ، فالتوقف لعله لیس فی محله.

عدم صحّة الصوم منها

حرمة دخول المساجد إلاّ اجتیازاً

ص: 385


1- فی « ج » و « د » : لکونه.

قوله : وهو غیر جید. ( 1 : 347 ).

قال فی المعتبر : إن الحکم بالکراهة مذهب علمائنا لا یختلفون فی ذلک (1). ولا یخفی أن ما ذکره کاف للحکم بالکراهة ، لتسامحهم فیه ، بل کاف فی الوجوب والحرمة أیضا ، لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة ، سیما بعد ملاحظة أن الأصحاب کلهم أفتوا بالکراهة ، مضافا إلی أن الجنب والحائض فی الغالب حکمهما واحد فی أمثال المقام ، مع أنّه ربما یظهر من الأخبار الدالة علی جواز القراءة (2) لها (3) أن حالهما واحد فی الجواز ، فلو ظهر أن الجنب جوازه بعنوان الکراهة إلاّ فی صورة واحدة خاصة یکون حال الحائض أیضا کذلک ، وهذا صالح للتأیید والتقویة کسابقه ، إن لم نقل بأنه دلیل آخر ، فتأمّل.

نعم ، ربما یظهر ما استحسنه الشارح. إلاّ أن یقال : القدر الذی ظهر من الأخبار أنّها کقراءة الجنب فی الجملة ، لا إلی حد یشمل الصورة الواحدة ، لعدم الوثوق فی الظهور إلی هذا الحد ، والأظهر أن اعتماده علی الإجماع ، وما ذکر مؤید.

قوله : فلتسجد إذا سمعتها. ( 1 : 348 ).

وروی فی الموثق أیضا عن الصادق علیه السلام أنّ « الحائض تسجد إذا سمعت السجدة » (4) ، لکن لا یخفی أنه لیس بین الروایات تعارض ، لأن

حرمة قراءه العزائم وکراهة غیرها علیها

وجوب السجدة علیها إذا قرأت أو سمعت آیة السجدة

ص: 386


1- المعتبر 1 : 233.
2- انظر الوسائل 2 : 215 أبواب الجنابة ب 19.
3- فی « ب » و « ج » و « د » : لهما
4- الکافی 3 : 318 / 4 ، التهذیب 2 : 291 / 1168 ، الاستبصار 1 : 320 / 1192 ، الوسائل 2 : 341 أبواب الحیض ب 36 ح 3.

مقتضی صحیحة أبی عبیدة وجوب السجدة علیها إذا سمعت ، وروایة عبد الرحمن أنه لا یجب إذا سمعت ، لأنّ النهی إذا ورد فی مقام توهم الوجوب لا یکون باقیا علی حقیقته ، ویکون المراد عدم الوجوب ، کما حقق فی محله.

وأمّا روایتا أبی بصیر فمحمولتان علی الاستحباب أو علی صورة الاستماع ، لما ظهر من الخارج أن السجدة إنما تجب بمجرد السماع ، واستثناء الحائض لا وجه له ، بل هی أولی بعدم الوجوب.

قوله : بما رواه فی الصحیح. ( 1 : 349 ).

فی طریقها أبان بن عثمان ، والشارح - رحمه الله - ربما یحکم بصحة حدیثه وربما یتأمّل - علی ما أظن - وإن الظاهر أن حدیثه کالصحیح ، لما حققناه فی الرجال (1).

قوله : وفیه کلام مشهور. ( 1 : 350 ).

الکلام لیس إلاّ من الصدوق - رحمه الله - وشیخه ، وأمّا باقی الفقهاء والمحدّثین وعلماء الرجال فلم یذکروا ذلک أصلا ، بل ظاهرهم الاتفاق علی عدم الضرر من هذه الجهة ، مع أنّ الأصل براءة الذمة ، والإطلاقات ربما تکون واردة مورد الأغلب من أنّ السماع بعد الاستماع ، بل لم نجد إطلاقا سوی مضمرة أبی بصیر ، مع ضعفها بقاسم بن محمّد الجوهری وعلی بن أبی حمزة ، وإن کان ممن قال الشیخ إنّه ممن أجمعت العصابة علی العمل بروایته (2) ، إلاّ أنّه لا یقاوم یونس ولا عبد الله بن سنان.

إشارة إلی أنّ حدیث أبان بن عثمان کالصحیح

بحث حول ما ذکره الصدوق من عدم العمل بما رواه محمّد بن عیسی عن یونس متفرّداً

ص: 387


1- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 17 ، 18.
2- عدة الأصول 1 : 381.

وبالجملة : هذه الروایة أقوی سندا قطعا وکذلک أقوی دلالة ، ومتأیدة بالأصل وموثقة عمار عن الصادق علیه السلام ، فی الرجل یسمع السجدة قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر ، فقال : « لا تسجد » (1) للإجماع علی أن کراهة الوقت لا یسقط الوجوب الفوری ، ویؤیدها أیضا روایة عبد الرحمن ، کما عرفت.

قوله : الخامس یحرم علی زوجها وطؤها. ( 1 : 350 ).

کما یحرم علی الرجل یحرم علی المرأة أیضا وتعزر مثل الرجل ، أمّا الکفارة فلیس علیها وفاقا.

ولو اتفق الحیض فی أثناء الجماع وعلم به الرجل وجب النزع ، وکذا لو أخبرت المرأة ، لما ستعرف.

قوله : فالظاهر وجوب القبول. ( 1 : 350 ).

ویمکن الاستدلال بروایة السکونی عن الصادق علیه السلام « إن علیا علیه السلام قال فی امرأة ادعت أنها حاضت فی شهر ثلاث حیض : کلفوا نسوة من بطانتها أن حیضها فی ما مضی کان کذلک ، فإن شهدت صدقت ، وإلاّ فهی کاذبة » (2) ، لکنها علی طریقة الشارح یشکل العمل بها.

قوله : ولو لا وجوب القبول. ( 1 : 351 ).

فیه : أنّه علی تقدیر تسلیم شمول ما خلق الله لدم الحیض ، مقتضی ما ذکرت وجوب قبول ما أخبرت من أنّ الله خلق فی رحمی ، لا أنّ الدم خرج من رحمی ، وإلاّ فلا شبهة فی أنّ الدم کان مخلوقا فی رحمها قبل خروجه.

حرمة وطء الحائض

حجّیة قول المرأة فی دعوی الحیض

ص: 388


1- التهذیب 2 : 393 / 1177 ، الوسائل 6 : 243 أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 2.
2- التهذیب 1 : 398 / 1242 ، الاستبصار 1 : 148 / 511 ، الوسائل 2 : 358 أبواب الحیض ب 47 ح 3.

قوله : إذا ادعت صدقت. ( 1 : 351 ).

وفی الصحیح : « العدة والحیض إلی النساء » (1).

وإطلاق هذین الخبرین یشمل جمیع الصور ما لم یعلم کذبها ، واختاره العلاّمة - رحمه الله - فی النهایة ، وقیل ما لم یظن أیضا ، واختاره الشهید الثانی ، والأول أوفق للإطلاق فی المقام ، وللعمومات الدالة علی عدم العمل بالظن.

قوله : بأصالة الإباحة. ( 1 : 351 ).

أی باستصحاب الإباحة ، أو عموم ما دل علیها ، والمجموع دلیل.

قوله : فإنهم غیر ملومین. ( 1 : 351 ).

فی دلالتها علی الاستمتاع کیف کان نظر ، لأن الظاهر محافظة الفرج عن الزنا ، وورد الخبر (2) بأن هذا هو المراد ولا عموم ، بل مطلق فینصرف إلی المعهود ، فتأمّل.

قوله : وقد وردت بذلک روایات کثیرة ، کموثقة عبد الله بن بکیر. ( 1 : 351).

أقول : غیر الصحیحة منجبرة بالشهرة ، مع أنّ الموثقة حجة ، والصحیحة منجبرة بعدم القول بالفصل ، مع أنّ قوله : « ما بین » عام و « لا یوقب » مطلق ، فلعله منصرف إلی المعهود ، فتأمّل.

جواز الاستمتاع بما عدا القُبل

ص: 389


1- التهذیب 1 : 398 / 1243 ، الاستبصار 1 : 148 / 510 ، الوسائل 2 : 358 من أبواب الحیض ب 47 ح 2.
2- الوسائل 1 : 300 أبواب أحکام الخلوة ب 1 ح 3.

قوله : موافق لمذهب العامة. ( 1 : 353 ).

وببالی أنّه ورد هکذا فی أحادیثهم (1) أیضا.

قوله : جمعا بین الأدلة. ( 1 : 353 ).

لا یخفی أن الأمر علی الشارح - رحمه الله - مشکل ، لأنه لا یعمل بالخبر الذی لیس بصحیح ، والآیة علی تقدیر سلامتها عن معارضة الآیة الأخری فالخبر الصحیح یخصصها ، فإنه یخصص الآیة بمثله ، وأمّا صحیحة عمر بن یزید فیحتاج تتمیمها إلی ثبوت إجماع مرکب ، وهو أیضا مشکل عنده ، کما مر ، إلاّ أن یقول : إن الصحیحین تعارضا فیبقی الأصل والآیة بحالهما.

قوله : هذا التقدیر مستفاد من مرسلة. ( 1 : 354 ).

وفی الفقه الرضوی (2) کما فی هذه الروایة المرسلة من أوّلها إلی آخرها ، والأصحاب اتفقوا علی الکفارة ، إلاّ أنّ الخلاف فی الوجوب والاستحباب.

وأمّا قدر الکفارة بالنحو الذی ذکره المصنف هو المعروف بین القدماء والمتأخرین ، سوی الصدوق فی المقنع ، فإنه قال : یتصدق علی مسکین بقدر شبعه (3).

مقدار الکفّارة بوطء الحائض

ص: 390


1- سنن أبی داود 1 : 55 / 212 ، 213.
2- فقه الرضا علیه السلام : 236 ، المستدرک 2 : 21 أبواب الحیض ب 23 ح 1.
3- المقنع : 16.

والأظهر الاستحباب ، والأحوط الوجوب ، لا لأن الأخبار ضعیفة ، لأنها منجبرة بعمل الأصحاب ، بل للاختلاف الذی بینها ، وکذا بینها وبین صحیحة العیص ، ولعل مراده علیه السلام : لا أعلم واجبا علیه سوی الاستغفار.

ولا فرق فی المرأة بین الزوجة الدائمة والمنقطعة ، بالإجماع والإطلاق ، وأمّا الأمة لو وطأها سیدها فالمشهور أیضا کذلک ، وقال الشیخ والصدوق : یتصدق السید بثلاثة أمداد (1) ، لما ورد فی بعض الروایات (2).

وأمّا الزنا ووطئ الشبهة فربما یکون الأمر فیهما کذلک ، لعموم الروایات وإطلاقها ، ویحتمل العدم ، لکونهما من الفروض النادرة ( مع أن الکفارة لتکفیر الذنب ، فمع شدّة الذنب ربما لا یکفر بل ینتقم الله منه ، فتأمّل ) (3).

قوله : والأصح عدم التکرر. ( 1 : 356 ).

الأظهر عدم التداخل مطلقا ، کما یفهمه أهل العرف ، وإن کان علل الشرع معرفات ، إذ مقتضی ذلک جواز التداخل لا لزومه ، بل الظاهر عدمه ، لما ذکر ، ولأصالة العدم ، فتأمّل.

مع أنّه علی ما ذکره یلزم التخییر بین فعل واجب وترکه إذا أراد الحرام ثانیا ، وکذا الحال إذا أراد ثالثا ، وهکذا ، لأن الواطئ بفعل الحرام أوّلا وجبت علیه الکفارة قطعا علی القول بالوجوب ، والواجب ترکه حرام موجب

هل تتکرر الکفّارة بتکرّر الوطء؟

ص: 391


1- الفقیه 1 : 53 ، النهایة : 572.
2- الفقیه 1 : 53 / 200.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».

للعقاب.

إلاّ أن یقول بأنّه واجب موسع ، وبعد التأخیر وفعل الحرام ثانیا تکفی کفارة واحدة ، لصدق الامتثال.

لکن یرد ما قلناه من أنّه إذا کفّر قبل الحرام الثانی یکون واجبا قطعا ، والواجب علی ترکه العقاب ، ویجب أیضا بعد الحرام الثانی کفارة أخری ، هی أیضا واجبة قطعا علی ترکها العقاب ، فیکون المکلف مخیرا بین أن یفعل واجبا واحدا أو واجبات متعددة ، وقد صرح فی بحث نزح خمسین للعذرة أنه لا معنی للتخییر بین الأقل والأکثر.

إلاّ أن یقول : بعد الفعل صار واجبا ، وقبله لم یکن واجبا ، وفیه ما فیه.

أو یقول بمجرد إرادة التکفیر واختیاره صار واجبا ، وقبلها لم یکن ، وفیه أیضا ما فیه.

أو یقول : الکفارة الأولی والثانیة والثالثة وهکذا لیست بواجبة ما لم تکن الکفارة الأخیرة ، لأن الواجب هی الأخیرة خاصة ، وفیه أیضا ما فیه.

أو یقول : إن الکفارة الأخیرة أسقطت عقاب الکفارات الأول ، وهو محتمل إلاّ أنّه خلاف مدلول کلامه ، لأن مدلول کلامه أنّه حینئذ لم یکن علیه إلاّ کفارة واحدة ، والواجب منحصر فی الواحد ، وأنّه من باب تعدد الأسباب لمسبب واحد ، فلا یدفع عنه ما اعترضنا علیه من أنّه یلزم تخییر المکلف بین أن یجعل واجبه أقل أو أکثر ، فتدبر ، ولیس اعتراضی مخصوصا بل کلما هو نظیره مما اختاره یرد علیه ، وکذا إن اختاره غیره ، فتأمّل.

قوله : فإیقاع هذه الأغسال الواجبة. ( 1 : 357 ).

لا یخفی أن هذه الأغسال لیس علی ترکها عقاب عندهم ما لم یتضیق وقت العبادة ، کما هو المشهور ، أو یحصل الظن بحصول الموت أیضا ، کما هو عند القائل بالوجوب لنفسه ، فالطرفان متفقان علی عدم العقاب فی غیر

وجوب الغسل علی الحائض إذا طهرت

ص: 392

الصورتین مع رجحان الفعل ، وهذا بعینه مذهب المشهور من قولهم بالاستحباب لنفسه ، فأیّ معنی للحکم بإیقاعه بنیة الوجوب ، وأن الظاهر من الوجوب الوارد فی الاخبار هو هذا ، مع أنّه لیس فی الأخبار إشارة إلی النیة أصلا ، وقصد الوجوب لیس معناه إلاّ أنّه لو لم یفعل هذا الفعل لکان معاقبا ، وبعد العلم بعدم عقاب أصلا کیف ینوی أن هذا الفعل واجب علیه ، إذ ما لم یتضیق لم یکن عقاب أصلا ، فشرط العقاب تحقق الضیق ، وهو یعلم أنّه لا یضیق ، وأمّا الواجب لغیره فالعقاب علی ترک الغیر ، کما صرحوا به ، فلا ضرر فیه.

( وأمّا الواجب الموسع لو ترک فی مجموع الوقت یکون علیه عقاب البتة ، وهذا الغسل لیس کذلک ، إذ لو اغتسل بقصد أن یوقع بعده حدثا لا یکون علی ترکه العقاب ، لأنه لو لم یفعل لا یکون علیه بأس أصلا ، إنّما البأس إذا ترک عقیب الحدث الأخیر ، وهذا واضح إن لم یکن غفلة ) (1) وتمام الکلام مر فی أول الکتاب (2).

قوله : أجمع علماؤنا. ( 1 : 357 ).

فی الفقه الرضوی : « ولیس فی غسل الجنابة وضوء ، والوضوء فی کل غسل ما خلاف الجنابة ، لأن غسل الجنابة فریضة تجزئه عن [ الفرض ] الثانی ، ولا یجزئه سائر الأغسال عن الوضوء ، لأن الغسل سنة والوضوء فریضة ، ولا تجزئ سنة عن فرض ، وغسل الجنابة والوضوء فریضتان ، فإذا اجتمعا فأکبرهما یجزئ عن أصغرهما ، وإذا اغتسلت بغیر جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل ، ولا یجزئک الغسل عن الوضوء ، فإن اغتسلت ونسیت الوضوء فتوضأ

غسل الحیض

لزوم الوضوء مع غسل الحیض

ص: 393


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
2- راجع ص 30 و 31.

وأعد الصلاة » (1) انتهی.

والصدوق فی الفقیه ذکر ذلک بعینه (2) ، وغیر خفی أنّه أخذه منه ، وأفتی به ، وذکر فی أول الفقیه ما ذکر ، فتدبر وقال فی أمالیه : إن من دین الإمامیة الإقرار بأن کل غسل فیه وضوء فی أوّله ، إلاّ غسل الجنابة فإنه فریضة (3).

وفی الغوالی ، عن النبی صلی الله علیه و آله : « کل الأغسال لا بدّ فیها من الوضوء إلاّ الجنابة» (4).

قوله : ولا جعل الثانیة من الحسن. ( 1 : 358 ).

إذا کان فی الروایة من لیس من الحسان بل کلهم من الصحاح کان اللازم أن یذکر فی الصحیح عن حماد ، وظهر أن مراده من الحسن لیس المعنی الاصطلاحی ، وهو غیر بعید بالنسبة إلی العلامة - رحمه الله - فتأمّل.

قوله : وأجیب عنه بأن الآیة. ( 1 : 359 ).

تخصیص الکتاب علی تقدیر تسلیم جوازه بأخبار الآحاد یشکل بمثل هذه الأخبار المعارضة لأخبار أخر معمول بها عند الأصحاب ومشتهرة بینهم فی الروایة والعمل. ویؤید عموم الکتاب عمومات الأخبار الکثیرة الواردة فی أن من أحدث الأصغر علیه الوضوء. فتأمّل جدا.

وأمّا المخصص فالضعیف لیس بحجة أصلا فضلا عن أن یقاوم الکتاب والأخبار الموافقة له المنجبرة بعمل الأصحاب وغیره ، وأما الصحیح

ص: 394


1- فقه الرضا : 82 ، المستدرک 1 : 476 أبواب الجنابة ب 26 ، وما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
2- الفقیه 1 : 49.
3- الأمالی : 515.
4- العوالی 2 : 203 / 110 ، المستدرک 1 : 477 أبواب الجنابة ب 26 ح 3.

فتضعفه مخالفة الکتاب والأخبار التی وردت بحد التواتر : أنّ ما خالف الکتاب لیس بحجة ، بل ورد أن ما لم یوافقه لیس بحجة (1) ، وکذا تضعفه الأخبار الموافقة للکتاب ، وکذا تضعفه مخالفة الشهرة بین الأصحاب ، والأخبار الواردة فی الأمر بأخذ ما اشتهر وترک الشاذّ النادر (2) ، وما فیه من التعلیل بعلة عقلیة ظاهرة.

ومع جمیع ذلک لیس فیه ما یدل علی العموم فی الغسل ، إذ مسلم عنده کغیره أن المفرد المحلی باللام لا یفید العموم من حیث اللغة ، وما ذکره من القرینة موجودة فی الآیة أیضا ، فلا وجه لمنعه العموم فیها ودعواه العموم فی الخبر. علی أنّه ستعرف الوهن فیما ذکره ، وبعد التسلیم یکون حاله کحال عموم الکتاب ، والخاص إنما یقدم علی العام لکونه أقوی دلالة ، ومع ذلک عام الکتاب إنما یخصص ( بما تکون ) (3) دلالته قطعیة ، علی ما یظهر من کلام من یجوّز تخصیص الکتاب به ، حیث قال : الخاص وإن کان ظنی السند إلاّ أنّه قطعی الدلالة ، فیقاوم ( قطع الکتاب ) (4) علی أنّه لا أقل من أن تکون الدلالة قویة غایة القوة ، ( وأین هذا مما نحن فیه ، لما عرفت ) (5).

ومما یضعف ( عموم الغسل فی الصحیح ) (6) - مضافا إلی ما مرّ وسیجی ء - ملاحظة الأخبار الواردة فی التیمم وغیره ، أنهم حینما کانوا یریدون بیان حال الغسل کانوا یقولون : والغسل من الجنابة کذا ، فلاحظ

ص: 395


1- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
2- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
3- فی « ب » و « ج » و « د » : بالخاص الذی تکون.
4- فی « ب » و « ج » و « د » : الکتاب الذی هو قطعی المتن وظنّی الدلالة.
5- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».
6- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».

وتأمّل.

قوله : وإن کان المرسل لها. ( 1 : 359 ).

لا وجه للطعن بالإرسال ، لما ذکره علماء الرجال فی الرجال ، وذکرنا أیضا ، ولیس هذا موضع البسط ، لأن طریقة الفقهاء تسلیم مرسلاته وقبولها ، سیما فی المقام ، لأن المشهور قالوا بمضمونها ، بل غیر خفی أنّهم اعتمدوا علیها ، أو هی معظم معتمدهم ، کما لا یخفی علی من تتبع أحوالهم وکلماتهم ، والروایة لو کانت ضعیفة لکانت منجبرة بالشهرة ، فضلا عن أن تکون مرسلة ابن أبی عمیر ، ومع ذلک هی موافقة للکتاب وما نقلناه من الفقه الرضوی والأمالی ، ومخالفة لمذهب العامة أیضا (1) ، وموافقة لما رواه علی ابن یقطین ، عن الکاظم علیه السلام : « إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل » (2).

قوله : لأنا نقول. ( 1 : 359 ).

لا یخفی أن ظاهرها الثبوت واللزوم ، وکون المراد أن فی کل غسل یستحب أن یتوضأ والأولی أن یتوضأ بعید ، والأخبار المعارضة لهذا الخبر ربما یظهر منها عدم الاستحباب المؤکد ، وهذا الخبر علی تقدیر تسلیم دلالته علی الاستحباب فظاهر أنّه مستحب مؤکّد ، بل وغایة التأکید ، بل

بحث فی مراسیل ابن أبی عمیر

ص: 396


1- لعل المراد مخالفة ذیل المرسلة لمذهب العامة ، لأنهم قالوا باستحباب الوضوء مع غسل الجنابة وحکی عن بعضهم وجوبه ، کما فی المغنی لابن قدامة 1 : 251 ، وأمّا وجوب الوضوء مع سائر الأغسال فالظاهر أنّه موافق لأکثر العامة ولم نجد خلافه فی کتبهم الموجودة عندنا ، غیر ما حکی عن بعضهم کالزرقانی فی شرحه علی مختصر أبی الضیاء - فی فقه مالک - 1 : 105.
2- التهذیب 1 : 141 / 401 ، الاستبصار 1 : 127 / 434 ، الوسائل 2 : 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 3.

ویظهر من الأخبار المعارضة حرمة الوضوء وأنّه بدعة ، وأین هذا من الاستحباب فضلا عن المستحب المؤکد.

قوله : وما رواه الشیخ. ( 1 : 359 ).

لیس فیها صراحة بأنّه یجزئ عن الوضوء للصلاة ، إذ ربما کان المراد أنّه مجز عنه لتحقق الغسل ، سیما علی القول بوجوبه لنفسه ، فتأمّل.

قوله : والتعریف فی الغسل. ( 1 : 359 ).

یمکن إثبات عموم الآیة بمثل ما ذکره ، إذ لا فرق بین أدوات الإهمال وتعریف المفرد باللام ، فتأمّل.

قوله : فیکون للاستغراق. ( 1 : 359 ).

فیه منع ظاهر ، لأن الحمل علی الاستغراق فرع تساوی نسبة الکامل وغیره ، ألا تری أن لفظ الصلاة والزکاة والصوم وغیرها لا ینصرف إلا إلی الواجبات منها ، وکذا فرع تساوی نسبتها فی الأغلبیة ، ولذا لو قیل : بع بالنقد ، ینصرف إلی الغالب خاصة ، وکذلک الصلاة إلی الیومیة ، والزکاة إلی غیر الفطرة ، وأمثالها.

قوله : إذ لا خصوصیة لغسل. ( 1 : 360 ).

فربما یظهر منه أنّ من أحدث الأصغر مخیّر بین الوضوء والغسل مطلقا ، بل والغسل أفضل فردی الواجب التخییری ، ولعله مخالف لما علیه الفقهاء ، وما هو المستفاد من الأخبار الواردة فی رفع الحدث الأصغر ، إذ ظاهر أن الفقهاء لا یرضون بأن من بال مثلا یجوز له أن یتوضأ للبول أو یغتسل للبول ، بل ویغتسل لرفع حدث البول یکون أولی وأبلغ وألطف ، ولو احتاج إلی التیمم یکون مخیرا بین جعله بدلا عن الوضوء أو عن الغسل ، بل وجعله بدلا عن الغسل أولی ، وکذا الحال بالنسبة إلی الأخبار.

أدلّة القائلین بعدم وجوب الوضوء مع غسل الحیض والمناقشة فیها

ص: 397

والعلاّمة - رحمه الله - ادعی أن الظاهر عند إطلاق لفظ الغسل هو غسل الجنابة ، وحمل کل مطلق فی المقام علی ذلک ، وحمل الأخبار المعینة علی عدم الوضوء لتحقق الغسل لا لأجل الصلاة ، وحمل روایة الهمدانی الآتیة علی أنّه لیس فی غسل الجمعة وضوء لأجل الصلاة إذا تحقق قبل دخول الوقت ، کما هو الغالب المتعارف.

فلو حمل علی غسل الجنابة - بناء علی ما قیل : إن المفرد المحلی باللام إذا أمکن حمله علی المعهود لم یجب حمله علی العموم ، والمطلق ینصرف إلی الکامل والغالب ، ولعل غسل الجنابة کذلک ، لحصول سببه فی أکثر الأحیان ، وکثرة الاحتیاج إلیه ، وکونه فرضا لازم الحصول بالنسبة إلی الرجال والنساء جمیعا ، فصار بمنزلة الحاضر المعهود فی الذهن - لارتفع هذا الإشکال ، وکذا إشکال التعارض بینه وبین روایتی ابن أبی عمیر وغیرهما مما مرّ. ( وورد عنهم علیهم السلام : إن أحادیثنا تفسر بعضها بعضا (1) ، وظهر علینا ذلک ، بل بناء الفقه علیه ) (2). وسیجی ء عن الشارح أیضا أن إطلاق لفظ الصلاة ینصرف إلی الفریضة الیومیة ، وغیر ذلک من نظائر ما نحن فیه ، فتأمّل.

وأمّا مرسلة حماد فمعارضة بما ذکرنا ، ولذا حملها من حملها ، ویمکن حملها علی أنّه لا یحتاج فی تحقق الغسل لیوم الجمعة إلی الوضوء ، لا أنّه یکفی لاستباحة الصلاة.

علی أنّه ورد فی علة الأمر بغسل الجمعة : « إنّ الله تعالی أتمّ وضوء

ص: 398


1- لم نعثر علیه.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

الفریضة بغسل الجمعة ما کان فیها من تقصیر » (1) فتأمّل.

نعم ، مجهولة إبراهیم بن محمّد الهمدانی أنه « لا وضوء للصلاة فی غسل الجمعة ولا غیره » (2) ، والعمل بها مشکل ، لما عرفت من ثبوت الوضوء البتة من روایتی ابن أبی عمیر وغیرهما ، ولا تقاوم هذه الروایة تلک الروایات بوجه من الوجوه یظهر ذلک للمتأمّل فی ما ذکرناه.

وبالجملة : الأحوط أن لا یکتفی بأمثال هذه الظواهر من هذه الأخبار مع ما قد عرفت مما هو فیها.

ومما یقرب حمل صحیحة ابن مسلم علی غسل الجنابة ملاحظة روایته الأخری عن الباقر علیه السلام أیضا قال : إن أهل الکوفة یروون عن علی علیه السلام أنّه کان یأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ، قال : « کذبوا علی علی علیه السلام » إلی أن قال : « قال الله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (3).

( ثم اعلم أنّ الشارح - رحمه الله - إن أراد من قوله : إذ لا خصوصیة.

بحسب الشرع فمصادرة ، وإن أراد بحسب طهارة الجسد ونظافته ففیه ما کتبناه فی الحاشیة السابقة ، فتأمّل.

علی أنّ اتصاف غسل الجنابة مسلم ثابت وغیره مشکوک فیه ، والأصل

ص: 399


1- الکافی 3 : 42 / 4 ، التهذیب 1 : 366 / 1111 ، المحاسن : 313 / 30 ، الوسائل 3 : 313 ، أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.
2- التهذیب 1 : 141 / 397 ، الاستبصار 1 : 126 / 431 ، الوسائل 2 : 244 أبواب الجنابة ب 34 ح 2.
3- التهذیب 1 : 139 / 389 ، الاستبصار 1 : 125 / 426 ، الوسائل 2 : 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 5.

عدمه فتأمّل ) (1).

قوله : وقد ورد هذا التعلیل بعینه فی غسل الجمعة فی مرسلة حماد بن عثمان. ( 1 : 360 ).

هذه - مع أنها مرسلة - فیها اشتراک أیضا ، فکیف تقاوم ما مر مما عرفت ، وروایة علی بن یقطین أقوی من هذه الروایة.

قوله : وتقریب الاستدلال ما ذکرناه. ( 1 : 360 ).

دلالة هذا أضعف ، لأن الغسل المحلی باللام لعله غسل الجنابة المذکور سابقا ، فکیف یبقی الوثوق بإفادته العموم؟! مع أن أداة العموم مفقودة ، والضابطة أن المفرد المحلی باللام إذا تکرر یکون الثانی عین الأول ، فتأمّل.

قوله : ویشهد لهذا القول أیضا. ( 1 : 361 ).

لا یخفی أن المتداول بین الفقهاء وغیرهم التعبیر بلفظ خصوص الغسل ، مثل : أن تغتسل للحیض والاستحاضة والنفاس ، و: یجب فی مس المیت الغسل ، و: یجب غسل المیت ، و: هل یجوز جماع الحائض قبل الغسل أم لا. إلی غیر ذلک من أوّل الکتاب إلی آخره.

وکذا لو سألت عنا فی المقامات نقول لها : اغتسلی ، من غیر تعرض لذکر الوضوء فی مقام من المقامات.

وکذا الحال فی الأغسال المستحبة فنقول : غسل الجمعة سنة ، أو : اغتسل للجمعة ، وهکذا فی سائر الأغسال ، من غیر إشارة إلی الوضوء.

وکذا الفقهاء فی کتبهم من غیر تعرض لذکر الوضوء أصلا ، مع أنّه لا شبهة عندنا أنّا نرید الوضوء مع الغسل ، وکذا الحال فی سائر الأغسال.

فالمقام لیس مقام ذکر الوضوء حتی یقال : مع عدم ذکره ظاهر فی عدم

استحباب الوضوء للحائض وذکر الله وقت کل فریضة

ص: 400


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

وجوبه ، لأنّا یقینا نرید الوضوء ونعتبره کالفقهاء جزما ولا نشیر أبدا. مع أنّ رفع الحدث لعله کان مرکوزا فی طباع السائلین والرواة ، فلذا لم ینبهوا ، فتأمّل ، وقد بسطنا الکلام فی تحقیق المقام فی صدر الکتاب ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ولفظ ینبغی ظاهر فی الاستحباب. ( 1 : 362 ).

وإن کان بحسب اللغة ومفهوم اللفظ أعم ، لأن الواجب لا تناسبه التأدیة بأمثال هذه العبارات من جهة عدم إفادة الوجوب ، بل المناسب فی الوجوب التصریح والتوضیح.

قوله (1) : ونقل عن ابن بابویه القول بالوجوب. ( 1 : 362 ).

وهو ظاهر الشیخ فی النهایة (2).

قوله : لحسنة زرارة. ( 1 : 362 ).

والطریق الآخر صحیح علی المشهور ، من جهة محمّد بن إسماعیل البندقی.

قوله : وهو مع عدم صراحته فی الوجوب محمول علی الاستحباب جمعا بین الأدلة. ( 1 : 363 ).

یعنی وإن لم یکن صریحا لکنه ظاهر ، والظاهر یحمل علی الاستحباب بسبب وجود معارض مقاوم ، والأصل عدم الوجوب یعنی أصل البراءة لا أصل العدم ، لأن لکل من الواجب والمستحب قیدا زائدا علی الرجحان ، إلاّ أن یقال : رجحان الواجب أزید من رجحان المستحب بوصوله إلی حد لم یجز بسببه ترکه.

ومما یدل علی الاستحباب أن الظاهر من الأخبار سقوط الصلاة عنها رأسا عند الحیض ، ووجوبها عند الطهر ، لا أن الواجب علیها إحدی

ص: 401


1- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د ».
2- انظر النهایة : 25.

العبادتین : الصلاة حالة الطهر ، والذکر حالة الحیض.

وأیضا لو کان الذکر واجبا علیها لکان یشیع فی الأعصار والأمصار ، سیما عند العلماء والصلحاء فی النسوة اللاتی فی بیوتهم ، سیما الصالحات منهن ، لعموم البلوی وشدة الحاجة وتوفر الدواعی إلی النقل والفتوی والعمل مع أنّ الأمر بالعکس ، لأنا لا نری بیتا یلتزم ، والفقهاء اتفقوا علی عدم الوجوب إلاّ ما شذ. والظاهر أن البیوت والنساء کانت کما ذکرنا فی الأعصار والأمصار ، ولعله شذ بیت أو امرأة کانت تفعل ، ومع ذلک لعله لیس بعنوان الالتزام ، فتأمّل.

قوله : ولو لم تتمکن من الوضوء. ( 1 : 363 ).

وإذا لم تتمکن من الوضوء والتیمم فلتفعل ما بقی من الذکر واستقبال القبلة والموضع الطاهر أو قریبا من المسجد - کما فی بعض الأخبار (1) - لما ورد من أن « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، وما ورد من أن « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (3) کلاهما عن علی علیه السلام .

ثم لا یخفی أن الوضوء والذکر وکونهما فی وقت کل صلاة ورد فی کل الأخبار ، وأمّا استقبالها للقبلة فقد ورد فی أکثر الأخبار ، وفی بعض الأخبار لم یذکر ، وأمّا کون الذکر بقدر الصلاة فقد ورد فی بعض الأخبار ، وأما غیره فمطلق ، وفی بعض الأخبار ذکر الموضع الطاهر ، وأکثر الأخبار خالیة عنه ، وکذا الجلوس قریبا من المسجد ، وفی بعض الأخبار ضم تلاوة القرآن مع الذکر.

قوله : ففی مشروعیة التیمم. ( 1 : 363 ).

دلیل مشروعیة التیمم عموم کونه بمنزلة الوضوء ، ودلیل عدمها أن الشارع قال : یتوضأ ، ومر الکلام فی أمثال المقام فی أول الکتاب.

استحباب الوضوء للحائض وذکر الله وقت کل فریضة

ص: 402


1- انظر الوسائل 2 : 345 أبواب الحیض ب 40 ح 1 ، 2.
2- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 و 207 ، والظاهر أنّه رواهما عن النبیّ صلی الله علیه و آله .
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 و 207 ، والظاهر أنّه رواهما عن النبیّ صلی الله علیه و آله .

فهرس الموضوعات

الوضوء الواجب

الوضوء واجب غیری....................................................... 5

بیان المراد من القیام فی قوله تعالی : ( إذا قمتم ... )........................... 7

القول بوجوب الطهارات بحصول أسبابها والمناقشة فیه......................... 11

- وجوب الوضوء للطواف الواجب........................................ 19

- وجوب الوضوء لمس القرآن............................................. 19

التسامح فی أدلّة السنن.................................................... 20

هل یجوز الدخول فی العبادة الواجبة بالوضوء المندوب؟........................ 24

الغسل الواجب

- وجوب الغسل لما یجب له الوضوء........................................ 25

- وجوب الغسل لصوم الواجب........................................... 30

- وجوب الغسل لصوم المستحاضة......................................... 32

ص: 403

بحث حول مکاتبة علی بن مهزیار.......................................... 32

التیمم الواجب

وجوب التیمم لخروج الجنب فی أحد المسجدین.............................. 33

التیمم المندوب

بحث حول التیمم المندوب................................................. 36

مسألة : قد تجب الطهارة بالنذر وشبهه..................................... 37

المیاه

الماء المطلق طاهر ومطهّر................................................... 39

معنی الطهور.............................................................. 40

الماء الجاری

نجاسة الماء الجاری بالتغیّر.................................................. 42

هل یشترط فی التغیر أن یکون حسیّاً أم لا؟.................................. 43

عدم تنجسّ الماء الجاری قلیله وکثیره بالملاقاة................................. 46

أدلّة القائلین بعدم تنجس الماء الجاری قلیله وکثیره بالملاقاة..................... 46

إشارة إلی أنّ الکلینی أضبط من الشیخ....................................... 46

أدلّة القائلین بتنجس الماء الجاری بالملاقاة والجواب عنها........................ 48

ماء الحمّام

هل تشترط فی مادّته الکرّیّة أم لا؟.......................................... 52

هل تشترط کریّة ما فی الحیاض؟........................................... 54

طریق تطهیر ما فی الحیاض................................................. 56

ص: 404

الماء المحقون

إشارة إلی أنّ مفهوم اللقب لیس بحجّة....................................... 59

نجاسة الماء القلیل بالملاقاة................................................... 60

أدلة القول بنجاسته....................................................... 60

أدلّة القول بعدم النجاسة................................................... 63

الجواب عن أدلّة القول بعدم النجاسة........................................ 64

کیفیّة تطهیر الماء القلیل.................................................... 81

هل یطهر القلیل بإلقاء کرّ علیه؟............................................ 81

هل یطهر القلیل بإتمامه کرّاً؟............................................... 82

بحث حول الإجماع المنقول................................................. 82

الماء الکرّ

هل یعتبر فی عدم انفعال الکرّ تساوی السطوح؟.............................. 88

عدم طهارة الکرّ بزوال التغیّر من نفسه...................................... 90

بحث فی حجیة الاستصحاب............................................... 91

بحث حول أصالة البراءة................................................... 93

إشارة إلی أنّ مراسیل ابن أبی عمیر کالمسانید................................. 93

بیان مقدار الکرّ وزناً...................................................... 94

اختلاف الأصحاب فی تعیین الأرطال....................................... 94

بحث رجالی حول عثمان بن عیسی وأنّ أبا بصیر مشترک بین ثلاث ثقات....... 96

بیان مقدار الکرّ مساحةً................................................... 97

إشارة إلی أنّ محمد بن سنان ثقة............................................ 98

قال ابن الجنید : الکرّ ما بلغ تکسیره مائة شبر والمناقشة فیه.................... 99

تساوی میاه الغُدران والحیاض والأوانی فی الحکم............................ 100

ص: 405

ماء البئر

بحث فی الحقیقة الشرعیة واللغویّة......................................... 102

هل ینجس ماء البئر بملاقاة النجاسة؟...................................... 104

بیان الأقوال فی المسألة................................................... 105

حمّاد بن عیسی ثقة...................................................... 112

منزوحات

البئر ما ینزح لوقوع المسکر فیها.......................................... 116

الاستعمال أعم من الحقیقة............................................... 117

ما ینزح لوقوع الفقاع فیها............................................... 118

ما ینزح لوقوع المنی أو أحد الدماء الثلاثة فیها.............................. 118

ما ینزح لموت البعیر فیها................................................. 118

ما ینزح لموت الدابة فیها................................................. 120

توضیح ما قاله العلاّمة فی المقام............................................ 121

ما ینزح لموت الحمار أو البقرة فیها........................................ 131

ما ینزح لموت انسان فیها................................................. 132

عدم الفرق بین المسلم والکافر فی النزح.................................... 132

ما ینزح لوقوع العذرة إذا ذابت.......................................... 134

ما ینزح لوقوع بول الرجل فیها........................................... 136

ما ینزح لوقوع قلیل الدم فیها............................................. 136

ما ینزح لموت الفأرة إذا انتفخت أو تفسخت............................... 138

ما ینزح لاغتسال الجنب فیها............................................. 139

ما ینزح لذرق الدجاج الجلال............................................ 142

ما ینزح لموت الحیّة فیها.................................................. 142

ما ینزح لموت العصفور فیها.............................................. 142

ص: 406

ما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام.................................. 143

ما ینزح لماء المطر وفیه البول و ........................................... 145

بحث رجالی حول کردویه................................................ 145

بیان المراد من الدلو التی ینزح بها.......................................... 146

فروع

عدم اعتبار النیّة فی النزح................................................. 148

عدم اعتبار بلوغ النازح ولا عقله ولا إسلامه............................... 148

وجوب إخراج عین النجاسة قبل النزح.................................... 148

هل طریق التطهیر منحصر بالنزح؟........................................ 149

طهارة جوانب البئر التی أصابها الماء فی حال النزع........................... 149

اختلاف أنواع النجاسة موجب لتضاعف النزح............................ 151

حکم سقوط أبعاض المقدّر لها............................................ 152

حکم النجاسات التی لم یقدر لها.......................................... 153

حکم البئر إذا تغیر أحد أوصاف مائها بالنجاسة............................ 155

حکم ما لو زال تغیر البئر بغیر النزح ونحوه من المطهرات..................... 157

المسافة التی تکون بین البئر والبالوعة....................................... 160

إشارة إلی اختلاف القدماء والمتأخرین فی الخبر الصحیح...................... 161

حکم الإناءین المشتبهین.................................................. 162

فروع فی الإناءین المشتبهین............................................... 167

اشتباه المضاف بالمطلق................................................... 171

الماء المضاف

الماس المضاف طاهر لا یزیل حدثاً......................................... 173

إشارة إلی حال سهل بن زیاد............................................. 174

الماء المضاف لا یزیل خبثاً................................................ 174

ص: 407

بحث أصولی فی المطلق والمقیّد............................................. 177

نجاسة الماء المضاف بملاقاة النجاسة........................................ 181

لو مُزج المضاف بطاهر.................................................. 182

کراهة الطهارة بالماء المسخن بالشمس..................................... 182

فی المراد من المکروه...................................................... 184

کراهة تغسیل الأموات بالماء المسخن بالنار................................. 184

الماء المستعمل

حکم الماء المستعمل فی رفع الخبث......................................... 185

حکم الماء الاستنجاء..................................................... 189

حکم الماء المستعمل فی رفع الحدث الأکبر.................................. 191

الأسئار

تعریف السؤر.......................................................... 194

کراهة سؤر الجلال وما أکل الجیف....................................... 195

طهارة الأسئار إلاّ سؤر نجس العین........................................ 196

کراهة سؤر الحائض غیر المأمونة.......................................... 199

حکم سؤر البغال والحمیر والفأرة......................................... 201

حکم سؤر الحیّة وحکم ما مات فیه الوزع والعقرب........................ 201

حکم ما لا یدرکه الطرف من الدم....................................... 202

نواقض الوضوء

- خروج البول والغائط والریح.......................................... 204

- النوم الغالب علی الحاستین............................................ 205

- ما أزال العقل من الجنون والإغماء...................................... 209

عد ناقضیة المذی........................................................ 210

ص: 408

عدم ناقضیة الودی...................................................... 211

عدم ناقضیة مسّ الذکر والدُبر والقبل..................................... 212

أحکام الخلوة

وجوب ستر العورة...................................................... 212

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّی............................... 212

یراد بالاستقبال والاستدبار ما هو المتعارف................................. 214

استحباب التشریق أو التغریب حال التخلّی................................ 214

الاستنجاء

وجوب غسل مخرج البول بالماء........................................... 216

بیان أقل ما یجزی من الماء فی إزالة البول................................... 218

وجوب غسل مخرج الغائط حتّی یزول العین والأثر.......................... 220

عدم وجوب إزالة الرائحة................................................ 221

التخییر بین الماء والأحجار إذا لم تتعدّ النجاسة المخرج....................... 222

لا یجزی فی الاستنجاء أقلّ من ثلاثة أحجار................................ 222

وجوب إمرار کلّ حجر علی موضع النجاسة وکفایة زوال العین.............. 226

حکم استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات............................. 226

حکم استعمال الحجر المستعمل........................................... 227

حکم الاستنجاء بالروث والعظم والمطعوم.................................. 229

حکم الاستنجاء بصیقل یزلق عن النجاسة................................. 229

مندوبات التخلّی

- تغطیة الرأس......................................................... 230

- الاستبراء............................................................ 230

- تقدیم الیمنی عند الخروج.............................................. 231

ص: 409

مکروهات التخلّی

- الجلوس فی الشوارع والمشارع......................................... 231

- الجلوس تحت الأشجار المثمرة.......................................... 231

- الجلوس فی مواطن النزال ومواضع اللعن................................. 233

- استقبال الشمس والقمر بفرجه........................................ 233

- استقبال الریح بالبول................................................. 233

إشارة إلی حکایة قتل سعد بن عبادة....................................... 234

- البول فی الماء الجاری والراکد.......................................... 235

- الأکل والشرب والسواک حال التخلّی.................................. 236

- الاستنجاء بالیسار وفیها خاتم علیه اسم الله سبحانه....................... 236

کیفیة الوضوء

فروض الوضوء

- النیّة................................................................ 236

أدلّة وجوب النیّة........................................................ 237

بیان المراد من الوجب.................................................... 238

اشتراط القربة فی النیّة................................................... 242

اشتراط قصد الوجوب أو الندب.......................................... 242

اشتراط نیّة الرفع أو الاستباحة............................................ 249

هل یصح الوضوء لو ضمّ إلی نیّة التقرب إرادة التبرّد أو غیر ذلک فیه أم لا؟... 250

وجوب استدامة حکم النیّة إلی الفراغ..................................... 251

- کفایة وضوء واحد بنیّة التقرب عن أسباب متعددة....................... 255

تداخل الأغسال الواجبة.................................................. 255

تداخل الأغسال المستحبّة........................................... 256،257

ص: 410

- غسل الوجه......................................................... 259

حدّ الوجه الذی یجب غسله.............................................. 259

وجوب غسل الوجه من الأعلی إلی الأسفل................................. 260

عدم وجوب تخلیل اللحیة................................................ 261

- غسل الیدین......................................................... 262

- ما یجب غسله من الیدین.............................................. 262

وجوب الابتداء من المرفق فی غسل الیدین.................................. 262

حکم من قطع بعض یده................................................. 263

حکم من کان له ذراعان أو کان له ید زائدة.............................. 264

- مسح الرأس......................................................... 264

الواجب فی المسح مسمّاه................................................. 264

اشتراط کونا لمسح بنداوة الوضوء......................................... 264

جواز مسح الرأس مدبراً................................................. 265

عدم جواز غسل موضع المسح............................................ 270

- مسح الرجلین........................................................ 271

تحقیق معنی الکعبین لغةً وشرعاً........................................... 271

عدم التریب بین الرجلین................................................. 283

وجوب المسح علی بشرة القدمین......................................... 284

جواز المسح علی حائل عند التقیة والضرورة................................ 284

- الموالاة.............................................................. 286

عدد الغسلات.......................................................... 287

الغسلة الثالثة بدعة...................................................... 295

لا تکرار فی المسح....................................................... 296

إجزاء ما یسمّی به غاسلاً فی الوضوء...................................... 296

- وضوء الجبیرة........................................................ 297

عدم جواز تولیة الغیر أفعال الوضوء اختیاراً................................. 301

ص: 411

حرمة مس المحدث کتابة القرآن........................................... 301

إشارة إلی أن حسین بن مختار ثقة وإشارة إلی مقبولیّة مراسیل حماد بن عیسی 303 - 304

- حکم المبطون والمسلوس............................................... 305

سنن الوضوء

- وضوء الإناء علی الیمین والاغتراف بها................................. 308

- التسمیة والدعاء بالمأثور............................................... 309

- غسل الیدین قبل إخالهما الإناء......................................... 309

- المضمضة والاستنشاق والدعاء عندهما.................................. 311

- ابتداء الرجل بظاهر الذراع والمرأة بباطنه................................ 313

إشارة إلی أنّ إسحاق بن إبراهیم من مشایخ الإجازة........................ 314

- الوضوء بمدّ.......................................................... 315

مکروهات الوضوء

- التمندل بعد الوضوء.................................................. 315

أحکام الوضوء

حکم من تیقن الحدث وشکّ فی الطهارة................................... 316

حکم من تیقنهما وشکّ فی المتأخّر......................................... 317

حکم من تیقّن ترک غسل عضو أو مسحه.................................. 318

حکم من شکّ فی شیء من أفعال الوضوء قبل فوات المحل.................... 318

حکم من جدّد وضوءاً بنیّة الندب وذکر أنّه أخلّ بعضو من إحدی الطهارتین.. 319

حکم من أحدث عقیب طهارة منهما ولم یعلمها بعینه....................... 320

حکم من صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنّه أحدث عقیب أحدهما....... 321

ص: 412

غسل الجنابة

لغسل الجنابة سببان...................................................... 322

الأول : الإنزال......................................................... 322

صفات المنی............................................................. 322

کفایة الشهوة وقتور الجسد فی المریض..................................... 323

الثانی : الجماع.......................................................... 323

حکم من جامع فی الدبر................................................. 323

حکم من وطأ غلاماً..................................................... 324

بحث فی الإجماع المرکب................................................. 325

أحکام الجنب

المحرمات :

- قراءه سورة العزائم................................................... 326

- مس کتابة القرآن أو شیء علیه اسم الله................................ 327

- الجلوس فی المساجد ووضع شیء فیها................................... 328

المکروهات :

- الأکل والشرب...................................................... 328

- مسّ المصحف والنوم ما لم یتوضّأ...................................... 329

واجبات غسل الجنابة

- النیّة................................................................ 329

- غسل البشرة......................................................... 329

- الترتیب............................................................. 330

سقوط الترتیب فی الغسل الارتماسی....................................... 335

ص: 413

مسنونات غسل الجنابة

- إمرار الید علی الجسد................................................ 339

- البول أمام الغسل..................................................... 339

- الاستبراء............................................................ 341

أحکام الجنابة

حکم البلل الخارج بعد الغسل............................................ 344

حکم من أحدث أثناء الغسل............................................. 345

علی بن سندی ثقة...................................................... 345

إشارة إلی الأشیاء التی تنجبر بها ضعف السند............................... 350

الحیض

تعریف دم الحیض....................................................... 352

صفات دم الحیض....................................................... 354

تمییز دم الحیض عن دم العذرة............................................ 357

حکم الدم الذی تراه الصبیّة قبل البلوغ.................................... 359

حکم الدم الذی یخرج من الجانب الأیمن................................... 359

هل یشترط التوالی فی الثلاثة؟............................................. 362

لا حیض بعد سنّ الیأس................................................. 366

قاعدة الإمکان.......................................................... 368

أحکام الحیض

ذات العادة تترک الصلاة ولصوم برؤیة الدم................................ 369

متی تترک المبتدأة العبادة.................................................. 369

حکم من تری الدم ثلاثة ثم ینقطع ثم یعود قبل العاشر....................... 371

ص: 414

وجوب الاستظهار أو استحبابه؟.......................................... 371

جواز وطء الحائض قبل أن تغتسل........................................ 380

حکم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة................................. 382

بحث فی أنّ القضاء تابع للأداء أو فرض مستأنف........................... 382

أحکام الحائض

عدم ارتفاع حدثها بالطهارة.............................................. 384

عدم صحّة الصوم منها................................................... 385

حرمة دخول المساجد إلاّ اجتیازاً.......................................... 385

حرمة قراءه العزائم وکراهة غیرها علیها................................... 386

وجوب السجدة علیها إذا قرأت أو سمعت آیة السجدة...................... 386

إشارة إلی أنّ حدیث أبان بن عثمان کالصحیح............................. 387

بحث حول ما ذکره الصدوق من عدم العمل بما رواه محمّد بن عیسی عن یونس متفرّداً 387

حرمة وطء الحائض..................................................... 388

حجّیة قول المرأة فی دعوی الحیض........................................ 388

جواز الاستمتاع بما عدا القُبل............................................. 389

مقدار الکفّارة بوطء الحائض............................................. 390

هل تتکرر الکفّارة بتکرّر الوطء؟......................................... 391

وجوب الغسل علی الحائض إذا طهرت.................................... 392

غسل الحیض

لزوم الوضوء مع غسل الحیض............................................ 393

بحث فی مراسیل ابن أبی عمیر............................................. 396

أدلّة القائلین بعدم وجوب الوضوء مع غسل الحیض والمناقشة فیها............. 397

استحباب الوضوء للحائض وذکر الله وقت کل فریضة............. 400 - 402

ص: 415

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.