مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی) المجلد 3

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

کتاب الصلاة والعلم بها یستدعی بیان أربعة أرکان :

الرکن الأوّل : فی المقدمات ، وهی سبع :

الأولی : فی أعداد الصلاة

______________________________________________________

کتاب الصلاة

الصلاة لغة : الدعاء. قال الجوهری : والصلاة من الله : الرحمة ، والصلاة : واحدة الصلوات المفروضات (1). وفی نهایة ابن الأثیر ذکر لها معانی منها : أنها العبادة المخصوصة (2). والظاهر أنّ هذا المعنی لیس بحقیقة لغة ، لأن أهل اللغة لم یعرفوا هذا المعنی إلاّ من قبل الشرع ، وذکرهم له فی کتبهم لا یقتضی کونه حقیقة فیه ، لأن دأبهم جمع المعانی التی استعمل فیها اللفظ ، سواء کانت حقیقیة أم مجازیة. نعم هو حقیقة عرفیة ، وفی کونه حقیقة شرعیة خلاف تقدمت الإشارة إلیه فی الطهارة (3).

وهذه العبادة تارة تکون ذکرا محضا کالصلاة بالتسبیح ، وتارة فعلا محضا

کتاب الصلاة

تعریف الصلاة


1- الصحاح 6 : 2402.
2- النهایة لابن الأثیر 3 : 50.
3- فی ج 1 ص 6.

______________________________________________________

کصلاة الأخرس ، وتارة تجمعهما کصلاة الصحیح ، ووقوعها علی هذه الموارد بالتواطؤ أو التشکیک. وهی أشهر من أن یتوقف فهم معناها علی تعریف لفظی.

والصلاة من أفضل العبادات وأهمها فی نظر الشرع ، فروی الکلینی - رضی الله تعالی عنه - فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن أفضل ما یتقرب به العباد إلی ربهم ، وأحبّ ذلک إلی الله عزّ وجلّ ما هو؟ فقال : « ما أعلم شیئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا تری أنّ العبد الصالح عیسی بن مریم صلی الله علی نبینا وعلیه قال ( وَأَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَالزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا ) (1) » (2).

وفی الصحیح ، عن أبان بن تغلب ، قال : صلّیت خلف أبی عبد الله علیه السلام المغرب بالمزدلفة ، فلما انصرف أقام الصلاة فصلّی العشاء الآخرة ولم یرکع بینهما (3) ، ثم صلیت معه بعد ذلک بسنة فصلّی المغرب ، ثم قام فتنفّل بأربع رکعات ، ثم قام فصلّی العشاء ، ثم التفت إلیّ فقال : « یا أبان هذه الصلوات الخمس المفروضات من أقامهن وحافظ علی مواقیتهن لقی الله یوم القیامة وله عنده عهد یدخله به الجنة ، ومن لم یصلّهن لمواقیتهن ولم یحافظ علیهن فذلک إلیه إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه » (4).

وعن عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط ، إذا ثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء ، وإذا انکسر العمود لم ینفع طنب ولا وتد ولا غشاء » (5).

أهم

أهمیة الصلاة

ص: 6


1- مریم : 31.
2- الکافی 3 : 264 - 1 ، الوسائل 3 : 25 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 10 ح 1.
3- أی لم یصلّ بینهما ، تسمیة للکل باسم الجزء.
4- الکافی 3 : 267 - 2 ، الوسائل 3 : 78 أبواب المواقیت ب 1 ح 1.
5- الکافی 3 : 266 - 9 ، الوسائل 3 : 21 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 8 ح 6.

______________________________________________________

وعن أبی بصیر قال : ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلاة فریضة خیر من عشرین حجّة ، وحجّة خیر من بیت ذهب یتصدق منه حتی یفنی » (1).

وعقاب ترکها عظیم ، فروی الشیخ فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « بینا رسول الله صلی الله علیه و آله جالس فی المسجد إذ دخل رجل فقام فصلّی ، فلم یتم رکوعه ولا سجوده ، فقال صلی الله علیه و آله : نقر کنقر الغراب ، لإن مات هذا وهکذا صلاته لیموتن علی غیر دینی » (2).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إنّ تارک الفریضة کافر » (3).

وروی الصدوق فی الصحیح ، عن برید بن معاویة العجلی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما بین المسلم وبین أن یکفر إلاّ أن یترک الصلاة الفریضة متعمدا ، أو یتهاون بها فلا یصلّیها » (4).

وعن مسعدة بن صدقة أنه قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام ما بال الزانی لا تسمیه کافرا وتارک الصلاة تسمیه کافرا؟ وما الحجة فی ذلک؟ فقال : « لأن الزانی وما أشبهه إنما یفعل ذلک لمکان الشهوة لأنها تغلبه ، وتارک الصلاة لا یترکها إلا استخفافا بها ، وذلک لأنک لا تجد الزانی یأتی المرأة إلاّ وهو مستلذ لإتیانه إیاها قاصدا إلیها ، وکل من ترک الصلاة قاصدا لترکها فلیس یکون قصده لترکها اللذة ، فإذا نفیت اللذة وقع الاستخفاف ، وإذا وقع الاستخفاف

ص: 7


1- الکافی 3 : 265 - 7 ، الوسائل 3 : 26 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 10 ح 4.
2- التهذیب 2 : 239 - 948 ، الوسائل 3 : 20 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 8 ح 2.
3- التهذیب 2 : 7 - 13 ، الوسائل 3 : 28 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11 ح 1.
4- عقاب الأعمال : 274 - 1 ، المحاسن 1 : 80 - 8 ، الوسائل 3 : 29 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11 ح 6.

والمفروض منها تسع :

صلاة الیوم واللیلة ، والجمعة ، والعیدین ، والکسوف ، والزلزلة ، والآیات ، والطواف ، والأموات ، وما یلتزمه الإنسان بنذر وشبهه. وما عدا ذلک مسنون.

وصلاة الیوم واللیلة خمس ، وهی سبع عشرة رکعة فی الحضر : الصبح رکعتان ، والمغرب ثلاثا ، وکل واحدة من البواقی أربع. ویسقط من کل رباعیة فی السفر رکعتان.

______________________________________________________

وقع الکفر » (1) والأخبار الواردة فی ذلک أکثر من أن تحصی.

قوله : ( والمفروض منها تسع : صلاة الیوم واللیلة ، والجمعة ، والعیدین ، والکسوف ، والزلزلة ، والآیات ، والطواف ، والأموات ، وما یلتزمه الإنسان بنذر وشبهه ).

الصلاة تنقسم بالقسمة الأولی إلی واجبة ومندوبة ، لأن العبادة لا تکون إلا راجحة ، وللمندوبة أقسام کثیرة سیجی ء الکلام فیها عند ذکر المصنف - رحمه الله - لها.

وأما الواجبة فأقسامها تسعة بالحصر المستفاد من تتبع الأدلة الشرعیة. وکان الأولی جعلها سبعة بإدراج الکسوف والزلزلة فی الآیات کما أدرج النذر ، والعهد ، والیمین ، والتحمل عن الغیر ، فی الملتزم. ویندرج فی الیومیة الأداء والقضاء وصلاة الاحتیاط.

وربما ظهر من التقسیم وقوع اسم الصلاة علی صلاة الأموات حقیقة عرفیة ، وهو بعید ، والأصح أنه علی سبیل المجاز العرفی ، إذ لا یفهم عند الإطلاق من لفظ الصلاة عند أهل العرف إلاّ ذات الرکوع والسجود أو ما قام

أعداد الصلاة

الصلوات المفروضة

ص: 8


1- الکافی 2 : 386 - 9 ، الفقیه 1 : 132 - 616 ، قرب الإسناد : 22 ، علل الشرائع : 339 - 1 ، الوسائل 3 : 28 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11 ح 2.

ونوافلها فی الحضر أربع وثلاثون رکعة علی الأشهر :

أمام الظهر ثمان ، وقبل العصر مثلها ، وبعد المغرب أربع ، وعقیب العشاء رکعتان من جلوس تعدّان برکعة ، وإحدی عشرة صلاة اللیل مع رکعتی الشّفع والوتر ، ورکعتان للفجر.

______________________________________________________

مقامهما ، ولأن کل صلاة یجب فیها الطهارة وقراءة الفاتحة ، لقوله علیه السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » (1) و « لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب » (2) وصلاة الجنازة لا یعتبر فیها ذلک إجماعا.

ولا یخفی أنّ بعض هذه الأنواع قد یکون مندوبا کالیومیة المعادة ، وصلاة العیدین فی زمن الغیبة علی المشهور ، وصلاة الکسوف بعد فعلها أولا ، وصلاة الطواف المستحب ، والصلاة علی المیت الذی لم یبلغ الست علی المشهور.

وقد أجمع علماء الإسلام علی وجوب الصلوات الخمس ونفی الزائد عنها. نعم نقل عن أبی حنیفة وجوب الوتر (3) ، وأخبارنا ناطقة بنفیه (4). وحکی عن بعض العامة أنه قال : قلت لأبی حنیفة : کم الصلاة؟ قال : خمس ، قلت : فالوتر؟ قال : فرض ، قلت : لا أدری تغلط فی الجملة أو فی التفصیل (5).

قوله : ( ونوافلها فی الحضر أربع وثلاثون رکعة علی الأشهر : أمام الظهر ثمان ، وقبل العصر مثلها ، وبعد المغرب أربع ، وعقیب العشاء رکعتان من جلوس تعدّان برکعة ، وإحدی عشرة صلاة اللیل مع رکعتی الشّفع والوتر ، ورکعتا الفجر ).

نوافل الصلوات

ص: 9


1- التهذیب 1 : 49 - 144 ، الإستبصار 1 : 55 - 160 ، الوسائل 1 : 256 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
2- غوالی اللآلی 1 : 196 - 2 ، المستدرک 1 : 274 أبواب القراءة ب 1 ح 6.
3- کما فی عمدة القاری 7 : 11 ، والمغنی والشرح الکبیر 1 : 411 ، وبدایة المجتهد 1 : 91.
4- الوسائل 3 : 5 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 2.
5- کما فی المنتهی 1 : 194.

______________________________________________________

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، ونقل فیه الشیخ - رحمه الله تعالی - الإجماع (1).

والمستند فیه علی الجملة ما رواه الشیخان : الکلینی والطوسی - رحمهما الله تعالی - فی الحسن ، عن فضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الفریضة والنافلة إحدی وخمسون رکعة ، منها رکعتان بعد العتمة جالسا تعدّان برکعة ، والنافلة أربع وثلاثون رکعة » (2).

وعلی التفصیل ما رواه الشیخان أیضا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علیّ بن حدید ، عن علیّ بن النعمان ، عن الحارث النضری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « صلاة النهار ست عشرة رکعة : ثمان إذا زالت ، وثمان بعد الظهر ، وأربع رکعات بعد المغرب ، یا حارث لا تدعها فی سفر ولا حضر ، ورکعتان بعد العشاء کان أبی یصلّیهما وهو قاعد وأنا أصلّیهما وأنا قائم ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی ثلاث عشرة رکعة من اللیل » (3) وفی الطریق علیّ بن حدید ، وقال الشیخ فی الاستبصار : إنه ضعیف جدّا لا یعول علی ما ینفرد به (4). وقد روی هذه الروایة الشیخ فی التهذیب بطریق آخر ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علیّ بن النعمان (5) ، وعلی هذا فتکون صحیحة ، لکن قیل : إنّ مثل ذلک یمسی اضطرابا وإنه مضعف للخبر. وفیه بحث لیس هذا محله.

وقد روی نحو هذه الروایة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : قلت لأبی

ص: 10


1- الخلاف 1 : 199.
2- الکافی 3 : 443 - 2 ، التهذیب 2 : 4 - 2 ، الإستبصار 1 : 218 - 772 ، الوسائل 3 : 32 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 3.
3- الکافی 3 : 446 - 15 ، التهذیب 2 : 4 - 5 ، الوسائل 3 : 33 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 9.
4- الاستبصار 3 : 95.
5- التهذیب 2 : 9 - 16 ، الوسائل 3 : 33 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 9.

______________________________________________________

الحسن علیه السلام : إن أصحابنا یختلفون فی صلاة التطوع ، بعضهم یصلّی أربعا وأربعین ، وبعضهم یصلّی خمسین ، فأخبرنی بالذی تعمل به أنت کیف هو حتی أعمل بمثله؟ فقال علیه السلام : « أصلّی واحدة وخمسین رکعة » ثم قال : « أمسک - وعقد بیده - الزوال ثمانیة ، وأربعا بعد الظهر ، وأربعا قبل العصر ، ورکعتین بعد المغرب ، ورکعتین قبل العشاء الآخرة ، ورکعتین بعد العشاء من قعود تعد برکعة من قیام ، وثمان صلاة اللیل ، والوتر ثلاثا ، ورکعتی الفجر ، والفرائض سبع عشرة ، فذلک إحدی وخمسون رکعة » (1) وعلی هذه الروایات عمل الأصحاب.

وقد روی فی غیر المشهور أنها ثلاث وثلاثون بإسقاط الرکعتین بعد العشاء ، روی ذلک جماعة من أصحابنا منهم الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة رسول الله صلی الله علیه و آله بالنهار ، فقال : « ومن یطیق ذلک؟! » ثم قال : « ألا أخبرک کیف أصنع أنا؟ » فقلت : بلی ، فقال : « ثمانی رکعات قبل الظهر وثمان رکعات بعدها » قلت : فالمغرب؟ قال : « أربع بعدها » قلت : فالعتمة؟ قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی العتمة ثم ینام » وقال بیده هکذا فحرکها ، قال ابن أبی عمیر : ثم وصف کما ذکر أصحابنا (2).

وروی الحلبی فی الحسن ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شی ء؟ فقال : « لا ، غیر أنی أصلّی بعدها رکعتین ولست أحسبهما من صلاة اللیل » (3).

وروی أنها تسع وعشرون : ثمان للظهر ، ورکعتان بعدها ، ورکعتان قبل

ص: 11


1- الکافی 3 : 444 - 8 ، التهذیب 2 : 8 - 14 ، الوسائل 3 : 33 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 7.
2- التهذیب 2 : 5 - 7 ، الوسائل 3 : 35 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 15.
3- الکافی 3 : 443 - 6 ، التهذیب 2 : 10 - 19 ، الوسائل 3 : 68 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 27 ح 1.

______________________________________________________

العصر ، ورکعتان بعد المغرب ، ورکعتان قبل العشاء ، واللیلیة مع الوتر ورکعتی الفجر ثلاث عشرة رکعة ، رواه الشیخ عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التطوع باللیل والنهار ، فقال : « الذی یستحب أن لا یقصر عنه : ثمان رکعات عند زوال الشمس ، وبعد الظهر رکعتان ، وقبل العصر رکعتان ، وبعد المغرب رکعتان ، وقبل العتمة رکعتان ، ومن السحر ثمان رکعات ، ثم یوتر والوتر ثلاث رکعات مفصولة ، ثم رکعتان قبل صلاة الفجر » (1).

وروی أنها سبع وعشرون بإسقاط الرکعتین قبل العشاء ، رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنی رجل تاجر أختلف وأتجر فکیف لی بالزوال ، والمحافظة علی صلاة الزوال ، وکم تصلّی؟ قال : « تصلّی ثمان رکعات إذا زالت الشمس ، ورکعتین بعد الظهر ، ورکعتین قبل العصر ، فهذه اثنتا عشرة رکعة ، وتصلّی بعد المغرب رکعتین ، وبعد ما ینتصف اللیل ثلاث عشرة رکعة منها الوتر ومنها رکعتا الفجر ، فتلک سبع وعشرون رکعة سوی الفریضة ، وإنما هذا کله تطوع ولیس بمفروض ، إن تارک الفریضة کافر ، وإن تارک هذا لیس بکافر ولکنها معصیة ، لأنه یستحب إذا عمل الرجل عملا من الخیر أن یدوم علیه » (2) ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا تصلّ أقل من أربع وأربعین رکعة » (3).

ولا تنافی بین هذه الروایات ، إذ لا دلالة فیما تضمن الأقل علی نفی استحباب الزائد ، وإنما یدل علی أن ذلک العدد آکد استحبابا من غیره ، وربما

ص: 12


1- التهذیب 2 : 6 - 11 ، الإستبصار 1 : 219 - 777 ، الوسائل 3 : 42 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 2.
2- التهذیب 2 : 7 - 13 ، الوسائل 3 : 42 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 1.
3- التهذیب 2 : 6 - 9 ، الإستبصار 1 : 219 - 775 ، الوسائل 3 : 43 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 4.

______________________________________________________

کان فی قوله علیه السلام (1) : « لا تصلّ أقل من أربع وأربعین رکعة » إشعار باستحباب الزائد.

وهنا فوائد :

الأولی : المشهور بین الأصحاب أن نافلة الظهر ثمان رکعات قبلها ، ونافلة العصر ثمان رکعات قبلها. وقال ابن الجنید : یصلی قبل الظهر ثمان رکعات ، وثمان رکعات بعدها ، منها رکعتان نافلة العصر (2). ومقتضاه أن الزائد لیس لها ، وربما کان مستنده روایة سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلاة النافلة ثمان رکعات حین تزول الشمس قبل الظهر ، وست رکعات بعد الظهر ، ورکعتان قبل العصر » (3) وهی لا تعطی کون الست للظهر ، مع أنّ فی روایة البزنطی إنه یصلی أربع بعد الظهر ، وأربع قبل العصر (4).

وبالجملة : فلیس فی الروایات دلالة علی التعیین بوجه ، وإنما المستفاد منها استحباب صلاة ثمان رکعات قبل الظهر ، وثمان بعدها ، وأربع بعد المغرب ، من غیر إضافة إلی الفریضة ، فینبغی الاقتصار فی نیتها علی ملاحظة الامتثال بها خاصة.

قیل : وتظهر فائدة الخلاف فی اعتبار إیقاع الست قبل القدمین أو المثل إن جعلناها للظهر ، وفیما إذا نذر نافلة العصر ، فإن الواجب الثمان علی المشهور ، ورکعتان علی قول ابن الجنید (5).

ویمکن المناقشة فی الموضعین ، أما الأول : فبأن مقتضی النصوص اعتبار

فوائد تتعلق بالنوافل

نوافل الظهر والعصر

ص: 13


1- فی « ح » زیادة : فی صحیحة ابن سنان.
2- نقله عنه فی المختلف : 123.
3- التهذیب 2 : 5 - 8 ، الوسائل 3 : 35 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 16.
4- المتقدمة فی ص 10.
5- کما فی المهذب البارع 1 : 280.

______________________________________________________

إیقاع الثمان التی قبل الظهر قبل القدمین أو المثل ، والثمان التی بعدها قبل الأربعة أو المثلین ، سواء جعلنا الست منها للظهر أم العصر.

وأما الثانی فلأن النذر یتبع قصد الناذر ، فإن قصد الثمانی أو الرکعتین وجب ، وإن قصد ما وظفه الشارع للعصر أمکن التوقف فی صحة النذر ، لعدم ثبوت الاختصاص کما بیناه.

الثانیة : یکره الکلام بین المغرب ونافلتها ، لما رواه الشیخ ، عن أبی الفوارس ، قال : نهانی أبو عبد الله علیه السلام أن أتکلم بین الأربع رکعات التی بعد المغرب (1). وکراهة الکلام بین الأربع یقتضی کراهة الکلام بینها وبین المغرب بطریق أولی. ویشهد له أیضا ما رواه الشیخ عن أبی العلاء الخفاف ، عن جعفر بن محمد علیه السلام ، قال : « من صلّی المغرب ثم عقّب ولم یتکلم حتی یصلّی رکعتین کتبنا له فی علیتین ، فإن صلّی أربعا کتبت له حجة مبرورة » (2).

وذکر المفید - رحمه الله - فی المقنعة : أنّ الأولی القیام إلی نافلة المغرب عند الفراغ منها قبل التعقیب ، وتأخیره إلی أن یفرغ من النافلة (3). واحتج له فی التهذیب بهذه الروایة ، وهی إنما تعطی استحباب فعل النافلة قبل الکلام بما لا یدخل فی التعقیب ، لا استحباب فعلها قبل التعقیب.

وقال الشهید - رحمه الله - فی الذکری : الأفضل المبادرة بها - یعنی نافلة المغرب - قبل کل شی ء سوی التسبیح (4). ونقل عن المفید - رحمه الله - مثله (5) ، واستدل علیه بأن النبی صلی الله علیه و آله فعلها کذلک ، فإنه لما بشّر بالحسن علیه السلام صلّی رکعتین بعد المغرب شکرا ، فلما بشّر بالحسین

آداب نافلة المغرب

ص: 14


1- التهذیب 2 : 114 - 425 ، الوسائل 4 : 1057 أبواب التعقیب ب 30 ح 1.
2- التهذیب 2 : 113 - 422 ، الوسائل 4 : 1057 أبواب التعقیب ب 30 ح 2.
3- المقنعة : 18.
4- الذکری : 124.
5- المقنعة : 19.

______________________________________________________

علیه السلام صلّی رکعتین ولم یعقب حتی فرغ منها (1). ومقتضی هذه الروایة أولویة فعلها قبل التسبیح أیضا ، إلاّ أنها مجهولة السند ، ومعارضة بالأخبار الصحیحة المتضمنة للأمر بتسبیح الزهراء علیهاالسلام قبل أن یثنی المصلّی رجلیه من صلاة الفریضة (2).

الثالثة : روی ابن بابویه - رحمه الله تعالی - فی من لا یحضره الفقیه ، فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من قال فی آخر سجدة من النافلة بعد المغرب لیلة الجمعة ، وإن قال کل لیلة فهو أفضل : اللهم إنی أسألک بوجهک الکریم واسمک العظیم أن تصلّی علی محمد وآل محمد وأن تغفر لی ذنبی العظیم ، سبع مرات انصرف وقد غفر له » (3) وذکر الشهید - رحمه الله - فی الذکری (4) أن محل هذا الدعاء السجدة الواقعة بعد السبع ، ولا یبعد أن یکون وهما.

الرابعة : قال فی المنتهی (5) : سجود الشکر فی المغرب ینبغی أن یکون بعد نافلتها ، لما رواه الشیخ عن حفص الجوهری ، قال : صلّی بنا أبو الحسن علیه السلام صلاة المغرب فسجد سجدة الشکر بعد السابعة ، فقلت له : کان آباؤک یسجدون بعد الثلاثة فقال : « ما کان أحد من آبائی یسجد إلاّ بعد السبعة » (6) وفی السند ضعف ، مع أنه روی جهم بن أبی جهم ، قال : رأیت أبا الحسن موسی علیه السلام وقد سجد بعد الثلاث الرکعات من

ص: 15


1- الفقیه 1 : 289 - 1319 ، التهذیب 2 : 113 - 424 ، علل الشرائع : 324 - 1 ، الوسائل 3 : 64 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 24 ح 6.
2- الوسائل 4 : 1021 أبواب التعقیب ب 7.
3- الفقیه 1 : 273 - 1249 ، الوسائل 5 : 76 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 46 ح 1.
4- الذکری : 113.
5- المنتهی 1 : 196.
6- التهذیب 2 : 114 - 426 ، الإستبصار 1 : 347 - 1308 ، الوسائل 4 : 1058 أبواب التعقیب ب 31 ح 1.

______________________________________________________

المغرب ، فقلت له : جعلت فداک رأیتک سجدت بعد الثلاث فقال : « ورأیتنی؟ » فقلت : نعم ، قال : « فلا تدعها فإن الدعاء فیها مستجاب » (1) والظاهر أنّ المراد به سجدة الشکر. والکل حسن إن شاء الله تعالی.

الخامسة : ذکر جمع من الأصحاب أنّ الجلوس فی الرکعتین اللتین بعد العشاء أفضل من القیام ، لورود النص علی الجلوس فیهما فی الروایات الکثیرة ، کقوله علیه السلام فی حسنة الفضیل بن یسار : « منها رکعتان بعد العتمة جالسا تعدّان برکعة » (2) وفی روایة البزنطی : « ورکعتین بعد العشاء من قعود تعدّ برکعة من قیام » (3).

ویمکن القول بأفضلیة القیام فیهما ، لقوله علیه السلام فی روایة سلیمان بن خالد : « ورکعتان بعد العشاء الآخرة تقرأ فیهما مائة آیة قائما أو قاعدا ، والقیام أفضل » (4) وفی الطریق عثمان بن عیسی وهو واقفی (5).

ویشهد له أیضا قوله علیه السلام فی روایة الحارث النضری : « ورکعتان تصلیهما بعد العشاء کان أبی یصلیهما وهو قاعد وأنا أصلیهما وأنا قائم » (6) فإن مواظبته علیه السلام علی القیام فیهما تدل علی رجحانه ، وجلوس أبیه علیه السلام ربما کان للمشقة ، فإنه علیه السلام کان رجلا جسیما یشق علیه القیام فی النافلة علی ما ورد فی بعض الأخبار (7) ، لکن فی السند نظر تقدمت

آداب نافلة العشاء

ص: 16


1- الفقیه 1 : 217 - 967 ، التهذیب 2 : 114 - 427 ، الإستبصار 1 : 347 - 1309 ، الوسائل 4 : 1058 أبواب التعقیب ب 31 ح 2 وفیه الراوی : جهم بن أبی جهیمة.
2- المتقدمة فی ص 10.
3- المتقدمة فی ص 10.
4- التهذیب 2 : 5 - 8 ، الوسائل 3 : 35 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 16.
5- کما فی رجال النجاشی : 300 - 817.
6- الکافی 3 : 446 - 15 ، التهذیب 2 : 4 - 5 ، الوسائل 3 : 33 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 9. بتفاوت یسیر.
7- الکافی 3 : 410 - 1 ، التهذیب 2 : 169 - 674 ، 170 - 677 ، الوسائل 4 : 696 أبواب القیام ب 4 ح 1.

______________________________________________________

الإشارة إلیه (1).

السادسة : المستفاد من الروایات الصحیحة المستفیضة أنّ الوتر اسم للرکعات الثلاثة ، لا الرکعة الواحدة الواقعة بعد الشفع کما یوجد فی بعض عبارات المتأخرین (2).

والمعروف من مذهب الأصحاب أن الرکعة الثالثة مفصولة عن الأولیین بالتسلیم ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « والوتر ثلاث رکعات مفصولة » (3).

وفی الصحیح ، عن أبی ولاّد حفص بن سالم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التسلیم فی الرکعتین فی الوتر ، فقال : « نعم ، فإن کان لک حاجة فاخرج واقضها ثم عد فارکع رکعة » (4).

وفی الصحیح عن أبی ولاّد أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یصلّی الرجل الرکعتین من الوتر ثم ینصرف فیقضی حاجته » (5).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال لی : « إقرأ فی الوتر فی ثلاثتهن بقل هو الله أحد ، وسلّم فی الرکعتین توقظ الراقد وتأمر بالصلاة » (6).

وقد ورد فی عدة أخبار التخییر بین الفصل وعدمه ، کصحیحة یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التسلیم فی رکعتی الوتر ،

آداب صلاة اللیل

ص: 17


1- فی ص 10.
2- منهم الشهید الأول فی الذکری : 112 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 175.
3- التهذیب 2 : 6 - 11 ، الإستبصار 1 : 219 - 777 ، الوسائل 3 : 42 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 2.
4- الکافی 3 : 449 - 29 ، التهذیب 2 : 127 - 487 ، المحاسن : 325 - 71 ، الوسائل 3 : 45 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 1.
5- الفقیه 1 : 312 - 1420 ، التهذیب 2 : 128 - 489 ، الوسائل 3 : 46 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 8.
6- التهذیب 2 : 128 - 488 ، الوسائل 3 : 46 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 7.

______________________________________________________

فقال : « إن شئت سلّمت وإن شئت لم تسلّم » (1) وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : [ أسلّم ] (2) فی رکعتی الوتر؟ فقال : « إن شئت سلّمت وإن شئت لم تسلّم » (3).

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب تارة بالحمل علی التقیة ، وتارة بأن السلام المخیّر فیه هو : السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته الواقعة بعد : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، لأن بالسلام علینا یتحقق الخروج من الصلاة ، فإن شاء أتی بالصیغة الأخری وإن شاء ترکها. وتارة بأن المراد بالتسلیم ما یستباح به من الکلام وغیره تسمیة للمسبب باسم السبب (4). وکل ذلک خروج عن الظاهر من غیر ضرورة ، ولو قیل بالتخییر بین الفصل والوصل ، واستحباب الفصل کان وجها قویا.

السابعة : یستحب أن یقرأ فی الرکعتین الأولیین من الوتر بالتوحید أو المعوذتین بعد الحمد ، وفی الرکعة الثالثة بالتوحید مرة واحدة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القراءة فی الوتر ، فقال : « کان بینی وبین أبی باب فکان إذا صلّی یقرأ بقل هو الله أحد فی ثلاثتهن ، وکان یقرأ قل هو الله أحد فإذا فرغ منها قال : کذلک الله أو کذلک الله ربی » (5).

وفی الصحیح ، عن یعقوب بن یقطین ، قال : سألت العبد الصالح عن القراءة فی الوتر ، وقلت : إن بعضا روی قل هو الله أحد فی الثلاث ، وبعضا

ص: 18


1- التهذیب 2 : 129 - 494 ، الإستبصار 1 : 348 - 1315 ، الوسائل 3 : 48 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 16.
2- أثبتناه من المصدر.
3- التهذیب 2 : 129 - 495 ، الإستبصار 1 : 349 - 1316 ، الوسائل 3 : 48 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 17.
4- التهذیب 2 : 129.
5- التهذیب 2 : 126 - 481 ، الوسائل 4 : 798 أبواب القراءة فی الصلاة ب 56 ح 2.

______________________________________________________

روی [ فی الأولیین ] (1) المعوذتین ، وفی الثالثة قل هو الله أحد فقال : « اعمل بالمعوذتین وقل هو الله أحد » (2).

الثامنة : یستحب القنوت فی الرکعة الثالثة من الوتر ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان فی القنوت : « وفی الوتر فی الرکعة الثالثة » (3).

ومحله قبل الرکوع ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ما أعرف قنوتا إلاّ قبل الرکوع » (4) وروی معاویة بن عمار فی الصحیح : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن القنوت فی الوتر قال : « قبل الرکوع » قال : فإن نسیت أقنت إذا رفعت رأسی؟ قال : « لا » (5).

ویستحب الدعاء فیه بما سنح للدین والدنیا ، لصحیحة إسماعیل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عما أقول فی وتری ، فقال : « ما قضی الله علی لسانک وقدّره » (6).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سأله عن القنوت فی الوتر هل فیه شی ء موقت یتبع ویقال؟ فقال : « لا ، أثن علی الله عزّ وجلّ ، وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله ، واستغفر لذنبک العظیم » ثم قال : « کل ذنب عظیم » (7).

ومن المستحبات الأکیدة فیه الاستغفار سبعین مرة ، فروی معاویة بن عمار

ص: 19


1- أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 2 : 127 - 483 ، الوسائل 4 : 798 أبواب القراءة فی الصلاة ب 56 ح 5.
3- التهذیب 2 : 89 - 332 ، الاستبصار 1 : 338 - 1273 وفیه : عن ابن مسکان ، الوسائل 4 : 900 أبواب القنوت ب 3 ح 2.
4- الکافی 3 : 340 - 13 ، الوسائل 4 : 901 أبواب القنوت ب 3 ح 6.
5- الفقیه 1 : 312 - 1421 ، الوسائل 4 : 916 أبواب القنوت ب 18 ح 5.
6- التهذیب 2 : 130 - 499 ، الوسائل 4 : 908 أبواب القنوت ب 9 ح 3.
7- الکافی 3 : 450 - 31 ، التهذیب 2 : 130 - 502 ، الوسائل 4 : 908 أبواب القنوت ب 9 ح 2.

______________________________________________________

فی الصحیح ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی قول الله عزّ وجلّ ( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ ) (1) : « فی الوتر فی آخر اللیل سبعین مرة » (2).

وروی عمر بن یزید فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من قال فی وتره إذا أوتر : أستغفر الله وأتوب إلیه سبعین مرة ، وواظب علی ذلک حتی تمضی سنة کتبه الله عنده من المستغفرین بالأسحار ، ووجبت له المغفرة من الله عزّ وجلّ » (3).

وروی عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « استغفر الله فی الوتر سبعین مرة ، تنصب یدک الیسری وتعدّ بالیمنی الاستغفار ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یستغفر الله فی الوتر سبعین مرة ویقول : هذا مقام العائذ بک من النار سبع مرات » (4).

وروی عن علی بن الحسین سید العابدین علیه السلام أنه کان یقول : العفو العفو ثلاثمائة مرة فی السحر (5).

ویستحب الدعاء فیه لإخوانه بأسمائهم ، وأقلّهم أربعون ، فروی الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « دعاء المرء لأخیه بظهر الغیب یدرّ الرزق ویدفع المکروه » (6) وفی الحسن ، عن

ص: 20


1- الذاریات : 18.
2- التهذیب 2 : 130 - 498 ، علل الشرائع 364 - 1 بتفاوت یسیر ، الوسائل 4 : 910 أبواب القنوت ب 10 ح 7.
3- الفقیه 1 : 309 - 1408 ، وفی المحاسن : 53 - 80 ، وفیهما وفی الوسائل : استغفر الله ربی وأتوب إلیه. والخصال :3. 3 ، وثواب الأعمال : 205 - 1 ، بتفاوت یسیر ، الوسائل 4 : 909 أبواب القنوت ب 10 ح 2 ، 3.
4- الفقیه 1 : 309 - 1409 ، علل الشرائع : 364 - 2 ، الوسائل 4 : 911 أبواب القنوت ب 11 ح 1.
5- الفقیه 1 : 310 - 1411 ، الوسائل 4 : 910 أبواب القنوت ب 10 ح 5 ، بتفاوت یسیر.
6- الکافی 2 : 507 - 2 ، الوسائل 4 : 1145 أبواب الدعاء ب 41 ح 1.

______________________________________________________

هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من قدّم أربعین من المؤمنین ثم دعا استجیب له » (1).

وروی عن أبی الحسن الأول علیه السلام : أنه کان یقول إذا رفع رأسه من آخر رکعة الوتر : « هذا مقام من حسناته نعمة منک ، وشکره ضعیف ، وذنبه عظیم ، ولیس لذلک إلاّ رفقک ورحمتک ، فإنک قلت فی کتابک المنزل علی نبیک المرسل صلی الله علیه و آله ( کانُوا قَلِیلاً مِنَ اللَّیْلِ ما یَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ ) (2) طال هجوعی وقلّ قیامی ، وهذا السحر وأنا أستغفرک لذنوبی استغفار من لا یجد لنفسه ضرّا ولا نفعا ولا موتا ولا حیاة ولا نشورا » ثم یخرّ ساجدا (3).

وروی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أنت انصرفت من الوتر فقل : سبحان الله ربی الملک القدّوس العزیز ، الحکیم ثلاث مرات ، ثم تقول : یا حیّ یا قیّوم ، یا برّ یا رحیم ، یا غنیّ یا کریم ارزقنی من التجارة أعظمها فضلا ، وأوسعها رزقا ، وخیرها لی عاقبة ، فإنه لا خیر فیما لا عاقبة له » (4).

التاسعة : من فاتته صلاة اللیل فقام قبل الفجر فصلّی الوتر وسنّة الفجر کتبت له صلاة اللیل ، روی ذلک معاویة بن وهب فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام أنه سمعه یقول : « أما یرضی أحدکم أن یقوم قبل الصبح ویوتر ویصلّی رکعتی الفجر فتکتب له صلاة اللیل » (5) والمراد بالوتر الرکعات الثلاثة کما بیناه.

العاشرة : روی الشیخ فی المصباح ، عن هشام بن سالم ، عن أبی

صلاة الغفیلة

ص: 21


1- الکافی 2 : 509 - 5 ، الوسائل 4 : 1154 أبواب الدعاء ب 45 ح 1.
2- الذاریات : 17 ، 18.
3- الکافی 3 : 325 - 16 ، البحار 84 : 281 - 73. بتفاوت یسیر.
4- الفقیه 1 : 313 - 1425 ، البحار 84 : 287 - 80.
5- التهذیب 2 : 337 - 1391 ، الوسائل 3 : 187 أبواب المواقیت ب 46 ح 3.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام ، قال : « من صلّی بین العشاءین رکعتین قرأ فی الأولی : الحمد ، وقوله تعالی ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ) إلی قوله ( وَکَذلِکَ نُنْجِی الْمُؤْمِنِینَ ) (1) وفی الثانیة : الحمد ، وقوله ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیْبِ لا یَعْلَمُها ) (2) إلی آخر الآیة ، فإذا فرغ من القراءة رفع یدیه وقال : اللهم إنی أسألک بمفاتح الغیب التی لا یعلمها إلاّ أنت أن تصلّی علی محمد وآل محمد ، وأن تفعل بی کذا وکذا ، ویقول : اللهم أنت ولیّ نعمتی ، والقادر علی طلبتی ، تعلم حاجتی فأسألک بحق محمد وآله علیه وعلیهم السلام لمّا قضیتها لی ، وسأل الله حاجته إلا أعطاه » (3).

الحادیة عشرة : قال فی الذکری (4) : قد تترک النافلة لعذر ومنه الهمّ والغمّ ، لروایة علی بن أسباط ، عن عدّة منّا : إنّ الکاظم علیه السلام کان إذا اهتم ترک النافلة (5). وعن معمر بن خلاد ، عن الرضا علیه السلام مثله : إذا اغتم (6). وفی الروایتین قصور من حیث السند.

والأولی أن لا تترک النافلة بحال ، للحثّ الأکید علیها فی النصوص المعتمدة ، وقول أبی جعفر علیه السلام : « وإن تارک هذا - یعنی النافلة - لیس بکافر ولکنها معصیة ، لأنه یستحب إذا عمل الرجل عملا من الخیر أن یدوم علیه » (7) وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة ابن سنان الواردة فی من فاته شی ء من النوافل : « إن کان شغله فی طلب معیشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شی ء علیه ، وإن کان شغله لدنیا تشاغل بها عن الصلاة فعلیه

ما یترک لاجله النافلة

ص: 22


1- الأنبیاء : 87 ، 88.
2- الأنعام : 59.
3- مصباح المتهجد : 94.
4- الذکری : 166.
5- الکافی 3 : 454 - 15 ، التهذیب 2 : 11 - 24 ، الوسائل 3 : 49 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 16 ح 5.
6- التهذیب 2 : 11 - 23 ، الوسائل 3 : 49 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 16 ح 4.
7- التهذیب 2 : 7 - 13 ، الوسائل 3 : 42 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 1.

______________________________________________________

القضاء ، وإلاّ لقی الله عزّ وجلّ وهو مستخف متهاون مضیّع لحرمة رسول الله صلی الله علیه و آله » (1).

الثانیة عشر : استفاضت الروایات بأن الإتیان بالنوافل یقتضی تکمیل ما نقص من الفرائض بترک الإقبال بها ، فمن ذلک صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن العبد لیرفع له من صلاته ثلثها ونصفها وربعها وخمسها ، فما یرفع له إلاّ ما أقبل علیه منها بقلبه ، وإنما أمروا بالنوافل لیتم لهم ما نقصوا من الفریضة » (2).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الصحیح قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنّ عمار الساباطی روی عنک روایة قال : « وما هی؟ » قلت : إن السنة فریضة ، قال : « أین یذهب أین یذهب؟! لیس هکذا حدثته ، إنما قلت له : من صلّی فأقبل علی صلاته لم یحدّث نفسه فیها ، أو لم یسه فیها أقبل الله علیه ما أقبل علیها ، فربما رفع نصفها أو ربعها أو ثلثها أو خمسها ، وإنما أمروا بالسنة لیکمل بها ما ذهب من المکتوبة » (3).

وروی أبو حمزة الثمالی قال : رأیت علیّ بن الحسین علیه السلام یصلی فسقط رداؤه عن منکبه قال : فلم یسوّه حتی فرغ من صلاته ، قال : فسألته عن ذلک فقال : « ویحک أتدری بین یدی من کنت؟! إنّ العبد لا یقبل منه صلاة إلاّ ما أقبل منها » فقلت : جعلت فداک هلکنا فقال : « کلاّ إنّ الله یتمم ذلک بالنوافل » (4).

الثالثة عشرة : أفضل الرواتب صلاة اللیل ، لکثرة ما ورد فیها من

أفضل الرواتب

ص: 23


1- الکافی 3 : 453 - 13 ، الفقیه 1 : 359 - 1577 ، التهذیب 2 : 11 - 25 ، الوسائل 3 : 55 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 18 ح 2.
2- الکافی 3 : 363 - 2 ، التهذیب 2 : 341 - 1413 ، علل الشرائع : 328 - 2 ، الوسائل 3 : 52 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 17 ح 3.
3- الکافی 3 : 362 - 1 ، الوسائل 3 : 51 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 17 ح 2 بتفاوت یسیر.
4- التهذیب 2 : 341 - 1415 ، علل الشرائع : 231 - 8 ، الوسائل 4 : 688 أبواب أفعال الصلاة ب 3 ح 6.

______________________________________________________

الثواب ، ولقول النبیّ صلی الله علیه و آله فی وصیته لعلیّ علیه السلام : « وعلیک بصلاة اللیل » ثلاثا ، رواه معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام (1).

ثم صلاة الزوال ، لقوله صلی الله علیه و آله فی الوصیة بعد ذلک : « وعلیک بصلاة الزوال » ثلاثا (2).

ثم نافلة المغرب ، لقوله علیه السلام فی روایة الحارث بن المغیرة : « أربع رکعات لا تدعهن فی حضر ولا سفر » (3).

ثم رکعتا الفجر ، لما روی عن علیّ علیه السلام أنه قال فی قوله تعالی : ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کانَ مَشْهُوداً ) (4) : « رکعتا الفجر تشهدهما ملائکة اللیل وملائکة النهار » (5) وفی السند والدلالة نظر.

وقال الشیخ فی الخلاف : رکعتا الفجر أفضل من الوتر بإجماعنا (6). وقال ابن بابویه : أفضل هذه الرواتب رکعتا الفجر ، ثم رکعة الوتر ، ثم رکعتا الزوال ، ثم نافلة المغرب ، ثم تمام صلاة اللیل ، ثم تمام نوافل النهار (7). ولم نقف لهما علی دلیل یعتد به.

جواز الجلوس فی النافلة

ص: 24


1- الفقیه 1 : 307 - 1402 ، المقنعة : 19 ، الوسائل 5 : 268 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 39 ح 1.
2- الکافی 8 : 79 - 33 ، الوسائل 3 : 69 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 28 ح 1.
3- المتقدمة فی ص 10.
4- الإسراء : 78.
5- رواها فی الکافی 3 : 282 - 2 ، والتهذیب 2 : 37 - 116 ، والاستبصار 1 : 275 - 995 ، والوسائل 3 : 155 أبواب المواقیت ب 28 ح 1 ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، ومثلها عن علی بن الحسین علیه السلام فی تفسیر العیاشی 2 : 309 ، وکذا عن أحدهما علیهماالسلام فی تفسیر العیاشی 2 : 309 ، والبرهان 2 : 437.
6- الخلاف 1 : 198.
7- الفقیه 1 : 314.

______________________________________________________

الرابعة عشرة : یجوز الجلوس فی النافلة مع الاختیار ، قال فی المعتبر : وهو إطباق العلماء (1). وقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه مخالفا (2). وکأنهما لم یعتبرا خلاف ابن إدریس رحمه الله ، حیث منع من الجلوس فی النافلة فی غیر الوتیرة اختیارا (3) ، وهو محجوج بإطباق العلماء قبله وبعده ، والأخبار الکثیرة ، کصحیحة الحسن بن زیاد الصیقل قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « إذا صلّی الرجل جالسا وهو یستطیع القیام فلیضعّف » (4).

وحسنة سهل بن الیسع (5) : إنه سأل أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یصلی النافلة قاعدا ولیست به علة فی سفر أو حضر ، قال : « لا بأس به » (6).

وصحیحة حماد بن عثمان ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی وهو جالس فقال : « إذا أردت أن تصلّی وأنت جالس ویکتب لک صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا کنت فی آخر السورة فقم فأتمها وارکع ، فتلک تحسب لک بصلاة القائم » (7).

وفی جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة علی القیام قولان ، أظهرهما العدم ، لتوقف العبادة علی النقل ، وعدم ثبوت التعبد به. وقیل بالجواز ، لأن

ص: 25


1- المعتبر 2 : 23.
2- المنتهی 1 : 197.
3- السرائر : 68.
4- التهذیب 2 : 166 - 656 ، الإستبصار 1 : 293 - 1081 ، الوسائل 4 : 697 أبواب القیام ب 5 ح 4.
5- فی جمیع النسخ ، سهل بن الحسن وهو تصحیف.
6- الفقیه 1 : 238 - 1047 ، التهذیب 3 : 232 - 601 ، الوسائل 4 : 696 أبواب القیام ب 4 ح 2.
7- التهذیب 2 : 170 - 676 ، الوسائل 4 : 701 أبواب القیام ب 9 ح 3.

ویسقط فی السفر نوافل الظهر والعصر والوتیرة علی الأظهر.

______________________________________________________

الکیفیة تابعة للأصل ، فلا تجب کالأصل (1). وضعفه ظاهر ، لأن الوجوب هنا بمعنی الشرط ، کالطهارة فی النافلة ، وترتیب الأفعال فیها.

قوله : ( وتسقط فی السفر نافلة الظهر والعصر ، والوتیرة علی الأظهر ).

أما سقوط نافلة الظهرین فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الصلاة فی السفر رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء ، إلاّ المغرب » (2).

وفی الصحیح ، عن حذیفة بن منصور ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « الصلاة فی السفر رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء » (3).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الصلاة فی السفر رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء ، إلاّ المغرب فإن بعدها أربع رکعات ، لا تدعهن فی حضر ولا سفر » (4).

وفی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی یحیی الحناط ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة النافلة بالنهار فی السفر ، فقال : « یا

سقوط النافلة فی السفر سوی الأماکن الأربعة

ص: 26


1- کما فی إیضاح الفوائد 1 : 100.
2- التهذیب 2 : 13 - 31 ، الإستبصار 1 : 220 - 778 ، الوسائل 3 : 60 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 3 وفیها : إلا المغرب ثلاث.
3- التهذیب 2 : 14 - 34 ، المحاسن : 371 - 138 ، الوسائل 3 : 60 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 2.
4- الکافی 3 : 439 - 3 ، التهذیب 2 : 14 - 36 ، الوسائل 3 : 61 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 7.

______________________________________________________

بنیّ لو صلحت النافلة فی السفر تمت الفریضة » (1).

وأما الوتیرة فذهب الأکثر إلی سقوطها أیضا ، ونقل فیه (2) ابن إدریس الإجماع (3) ، وقال الشیخ فی النهایة : یجوز فعلها (4). وربما کان مستنده ما رواه ابن بابویه ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « إنما صارت العشاء مقصورة ، ولیس تترک رکعتاها ، لأنها زیادة فی الخمسین تطوعا لیتم بها بدل کل رکعة من الفریضة رکعتین من التطوع » (5) وقوّاه فی الذکری ، قال : لأنه خاص ومعلل ، وما تقدم خال منهما ، إلاّ أن ینعقد الإجماع علی خلافه (6). وهو جیّد لو صح السند ، لکن فی الطریق عبد الواحد بن عبدوس ، وعلیّ بن محمد القتیبی ، ولم یثبت توثیقهما ، فالتمسک بعموم الأخبار المستفیضة الدالة علی السقوط أولی.

تفریع : قال فی الذکری : یستحب صلاة النوافل المقصورة فی الأماکن الأربعة ، لأنه من باب إتمام الصلاة المنصوص علیه ، ونقله الشیخ نجیب الدین محمد بن نما عن شیخه محمد بن إدریس. ولا فرق بین أن یتم الفریضة أو لا ، ولا بین أن یصلّی الفریضة خارجا عنها والنافلة فیها أو یصلیهما معا فیها (7).

قلت : ما ذکره - رحمه الله تعالی - من استحباب النافلة فی تلک الأماکن جیّد ، أما مع التمام فظاهر.

ص: 27


1- الفقیه 1 : 285 - 1293 ، التهذیب 2 : 16 - 44 ، الإستبصار 1 : 221 - 780 ، الوسائل 3 : 60 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 4.
2- فی « س » زیادة : عن.
3- السرائر : 39.
4- النهایة : 57.
5- الفقیه 1 : 290 - 1320 بتفاوت یسیر ، الوسائل 3 : 70 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 29 ح 3.
6- الذکری : 113.
7- الذکری : 260.

والنوافل کلّها رکعتان بتشهد وتسلیم بعدهما ، إلا الوتر وصلاة الأعرابی.

وسنذکر تفصیل باقی الصلوات فی مواضعها إن شاء الله تعالی.

______________________________________________________

وأما مع القصر فلأن الروایات المتضمنة لکون الصلاة فی السفر رکعتین لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء مخصوصة بغیر تلک الأماکن ، سواء قلنا بتعین الإتمام أو جوازه ، فتبقی الروایات المتضمنة لفعل النافلة قبل تلک الفرائض أو بعدها سالمة من المعارض.

أما تسویته بین صلاة الفریضة خارجا عنها والنافلة فیها وصلاتهما معا فیها فمشکل خصوصا مع تأخر النافلة عن الفریضة ، لتعین قصر الفریضة مع وقوعها فی غیر تلک الأماکن المقتضی لسقوط النافلة.

قوله : ( والنوافل کلها رکعتان بتشهد وتسلیم بعدهما ، إلاّ الوتر وصلاة الأعرابی ).

مقتضی العبارة عدم جواز الاقتصار علی الرکعة الواحدة فی غیر الوتر ، والزیادة علی الاثنین فی غیر صلاة الأعرابی ، وبه قطع فی المعتبر من غیر استثناء لصلاة الأعرابی ، ونقله عن الشیخ فی المبسوط والخلاف (1) ، وبه قطع ابن إدریس (2) وسائر المتأخرین. وهو المعتمد ، لأن الصلاة وظیفة شرعیة فیقف تقدیرها علی مورد الشرع ، ولم ینقل عن النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام التطوع بأکثر من الرکعتین ولا بما دونهما إلاّ فی الوتر. ویؤیده روایة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلّی النافلة هل یصلح له أن یصلّی أربع رکعات لا یفصل بینهن؟ قال : « لا ، إلا أن یسلم بین کل رکعتین » (3).

واستثناء الوتر مجمع علیه بین الأصحاب ، وقد تقدم مستنده (4) ، وأما

النوافل رکعتان إلا الوتر

ص: 28


1- المعتبر 2 : 18.
2- السرائر : 39.
3- قرب الإسناد : 90 ، الوسائل 3 : 45 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 2.
4- فی ص 17.

______________________________________________________

صلاة الأعرابی فإنها عشر رکعات ، کالصبح والظهرین کیفیة وترتیبا ، ووقتها یوم الجمعة عند ارتفاع النهار ، ولم یثبت لها طریق فی أخبارنا.

* * *

ص: 29

الثانیة : فی المواقیت ، والنظر فی مقادیرها ، وأحکامها.

أما الأول : فما بین زوال الشمس إلی غروبها وقت للظهر والعصر.

وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها ، وکذلک العصر من آخره ، وما بینهما من الوقت مشترک.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة : فی المواقیت والنظر فی مقادیرها وأحکامها. أما الأول فما بین زوال الشمس إلی غروبها وقت للظهر والعصر. وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها وکذلک العصر من آخره. وما بینهما من الوقت مشترک ).

هذه المسألة من المهمات ، والأقوال فیها منتشرة ، والنصوص بحسب الظاهر مختلفة ، وتحقیق المقام فیها یتم برسم مسائل :

الأولی : أجمع علماء الإسلام کافة علی أن کل صلاة من الصلوات الخمس موقتة بوقت معین مضبوط لا یسوغ للمکلف بها تقدیمها علیه ولا تأخیرها عنه.

وقد نصّ الثلاثة (1) وأتباعهم (2) علی أنّ لکل صلاة وقتین ، سواء فی ذلک المغرب وغیرها ، والمستند فی ذلک صحیحة معاویة بن عمار أو ابن وهب قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله » (3).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لکل

مواقیت الصلاة

لکل صلاة وقتان

ص: 30


1- المفید فی المقنعة : 14 ، والسید المرتضی فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 193 ، والشیخ فی النهایة : 58 ، والخلاف 1 : 87 ، والمبسوط 1 : 72 ، 75.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 69 ، وأبی الصلاح فی الکافی فی الفقه : 137 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 670 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 60.
3- الکافی 3 : 274 - 4 ، التهذیب 2 : 40 - 125 ، الإستبصار 1 : 244 - 871 ، الوسائل 3 : 89 أبواب المواقیت ب 3 ح 11.

______________________________________________________

صلاة وقتان وأول الوقتین أفضلهما » (1).

وحکی ابن البراج عن بعض الأصحاب قولا بأن للمغرب وقتا واحدا عند غروب الشمس (2) ، وربما کان مستنده صحیحة زید الشحام ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت المغرب ، فقال : « إن جبرائیل علیه السلام أتی النبی صلی الله علیه و آله لکل صلاة بوقتین غیر صلاة المغرب فإن وقتها واحد ، ووقتها وجوبها » (3).

وصحیحة زرارة والفضیل قالا ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إن لکل صلاة وقتین غیر المغرب فإن وقتها واحد ، ووقتها وجوبها ، ووقت فوتها غیبوبة الشفق » (4) وهو محمول علی المبالغة فی تأکد استحباب المبادرة بها ، لاختلاف الأخبار فی آخر وقتها کما اختلف فی أوقات سائر الفرائض.

قال الکلینی - رضی الله تعالی عنه - بعد نقل هذه الروایة : وروی أیضا أن لها وقتین ، آخر وقتها سقوط الشفق ، ولیس هذا مما یخالف الحدیث الأول : إن لها وقتا واحدا ، لأن الشفق هو الحمرة ، ولیس بین غیبوبة الشمس وغیبوبة الشفق إلاّ شی ء یسیر ، وذلک أنّ علامة غیبوبة الشمس بلوغ الحمرة القبلة ، ولیس بین بلوغ الحمرة القبلة وبین غیبوبتها إلاّ قدر ما یصلّی الإنسان صلاة المغرب ونوافلها إذا صلاّها علی تؤدة (5) وسکون ، وقد تفقدت ذلک غیر مرّة ، ولذلک صار وقت المغرب ضیّقا (6).

ص: 31


1- التهذیب 2 : 39 - 123 ، الإستبصار 1 : 276 - 1003 ، الوسائل 3 : 87 أبواب المواقیت ب 3 ح 4.
2- المهذب 1 : 69.
3- الکافی 3 : 280 - 8 ، التهذیب 2 : 260 - 1036 ، الإستبصار 1 : 270 - 975 ، الوسائل 3 : 136 أبواب المواقیت ب 18 ح 1.
4- الکافی 3 : 280 - 9 ، الوسائل 3 : 137 أبواب المواقیت ب 18 ح 2.
5- تؤدة : وزان رطبة تقول : هو یمشی علی تؤدة أی : تثبّت - المصباح المنیر : 78.
6- فی « ح » زیادة : هذا کلامه ولا یخلو من نظر.

______________________________________________________

واختلف الأصحاب فی الوقتین ، فذهب الأکثر ومنهم المرتضی (1) ، وابن الجنید (2) ، وابن إدریس (3) ، والمصنف (4) ، وسائر المتأخرین إلی أنّ الأول للفضیلة والآخر للإجزاء.

وقال الشیخان : الأول للمختار ، والآخر للمعذور والمضطر (5). والأصح الأول ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « وأول الوقتین أفضلهما » (6) والمفاضلة تقتضی الرجحان مع التساوی فی الجواز.

قال الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط : والعذر أربعة : السفر ، والمطر ، والمرض ، وشغل یضر ترکه بدینه أو دنیاه ، والضرورة خمسة : الکافر یسلم ، والصبی یبلغ ، والحائض تطهر ، والمجنون والمغمی علیه یفیقان (7).

وروی الشیخ فی الصحیح عن عبد الله بن سنان قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله ، ولیس لأحد أن یجعل آخر الوقتین وقتا إلاّ من عذر أو علة » (8) والعذر أعم من ذلک کلّه ، وقوله علیه السلام : « ولیس لأحد أن یجعل آخر الوقتین وقتا إلاّ من عذر » سلب للجواز الذی لا کراهة فیه ، توفیقا بین صدر الروایة وآخرها ، ویدل علیه تجویز التأخیر لمجرد العذر ، ولو امتنع التأخیر اختیارا لتقید بالضرورة.

الثانیة : أول وقت الظهر زوال الشمس - وهو عبارة عن میلها عن وسط

أول وقت الظهر

ص: 32


1- المسائل الناصریات ( الجوامع الفقهیة ) : 194.
2- نقله عنه فی المختلف : 66.
3- السرائر : 40.
4- المعتبر 2 : 26.
5- المفید فی المقنعة : 14 ، والشیخ فی النهایة : 58 ، والخلاف 1 : 87 ، والمبسوط 1 : 72.
6- المتقدمة فی ص 30.
7- المبسوط 1 : 72.
8- التهذیب 2 : 39 - 124 ، الإستبصار 1 : 244 - 870 ، الوسائل 3 : 89 أبواب المواقیت ب 3 ح 13 وفی الجمیع : إلا من عذر فی غیر علة.

______________________________________________________

السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار - بإجماع العلماء ، قاله فی المعتبر (1). وقال فی المنتهی : أول وقت الظهر زوال الشمس بلا خلاف بین أهل العلم (2). والأصل فی ذلک قوله تعالی ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ ) (3) والدلوک هو الزوال علی ما نصّ علیه جماعة من أهل اللغة (4) ، ودلت علیه صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عما فرض الله من الصلاة ، فقال : « خمس صلوات فی اللیل والنهار » فقلت : فهل سمّاهن الله وبیّنهنّ فی کتابه؟ فقال : « نعم ، قال الله عزّ وجلّ لنبیه صلی الله علیه و آله ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ ) ودلوکها : زوالها ، ففیما بین زوال الشمس إلی غسق اللیل أربع صلوات سمّاهنّ وبیّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق اللیل : انتصافه » (5) والحدیث طویل ، وفیه : إن الصلاة الوسطی هی صلاة الظهر ، وإنها أول صلاة صلاّها رسول الله صلی الله علیه و آله .

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان : الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان : المغرب والعشاء الآخرة » (6) والأخبار الواردة فی ذلک أکثر من أن تحصی.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن إسماعیل بن عبد الخالق قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت الظهر ، فقال : « بعد الزوال

ص: 33


1- المعتبر 2 : 27.
2- المنتهی 1 : 198.
3- الإسراء : 78.
4- منهم ابن الأثیر فی النهایة 2 : 130 ، والجوهری فی الصحاح 4 : 1584 ، وابن منظور فی لسان العرب 10 : 427.
5- الکافی 3 : 271 - 1 ، الفقیه 1 : 124 - 600 ، التهذیب 2 : 241 - 954 ، علل الشرائع : 354 - 1 ، معانی الأخبار : 332 - 5 ، الوسائل 3 : 5 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 2 ح 1.
6- الفقیه 1 : 140 - 648 ، الوسائل 3 : 91 أبواب المواقیت ب 4 ح 1.

______________________________________________________

بقدم أو نحو ذلک ، إلاّ فی یوم الجمعة ، أو فی السفر ، فإن وقتها حین تزول » (1).

وعن سعید الأعرج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : « بعد الزوال بقدم أو نحو ذلک ، إلاّ فی السفر ، أو یوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت » (2) لأنهما محمولتان علی من یصلّی النافلة ، فإن التنفل جائز حتی یمضی الفی ء ذراعا ، فإذا بلغ ذلک بدأ بالفریضة وترک النافلة ، لکن لو فرغ من النافلة قبل الذراع بادر إلی الفریضة.

یبین ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن حائط مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله کان قامة ، وکان إذا مضی من فیئه ذراع صلّی الظهر ، وإذا مضی من فیئه ذراعان صلّی العصر » ثم قال : « أتدری لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لم جعل ذلک؟ قال : « لمکان النافلة ، لک أن تتنفل ما بین زوال الشمس إلی أن یمضی الفی ء ذراعا فإذا بلغ فیئک ذراعا من الزوال بدأت بالفریضة وترکت النافلة » (3).

وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن الحارث بن المغیرة وعمر بن حنظلة ومنصور به حازم قالوا : کنا نقیس الشمس بالمدینة بالذارع ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « ألا أنبئکم بأبین من هذا؟ إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلاّ أن بین یدیها سبحة (4) ، وذلک إلیک إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت » (5).

وما رواه الشیخ الصحیح ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أبی

ص: 34


1- التهذیب 2 : 21 - 59 ، الإستبصار 1 : 247 - 885 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 11.
2- التهذیب 2 : 244 - 970 ، الإستبصار 1 : 247 - 884 ، الوسائل 3 : 106 أبواب المواقیت ب 8 ح 17.
3- الفقیه 1 : 140 - 653 ، الوسائل 3 : 103 أبواب ب 8 ح 3 ، 4. بتفاوت یسیر.
4- السبحة : التطوع من الذکر والصلاة ، تقول : قضیت سبحتی - الصحاح 1 : 372.
5- الکافی 3 : 276 - 4 ، الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5 ح 1.

______________________________________________________

الحسن علیه السلام أنه کتب إلی بعض أصحابه : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتین ، وبین یدیها سبحة وهی ثمان رکعات فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثم صلّ الظهر ، فإذا فرغت کان بین الظهر والعصر سبحة وهی ثمان رکعات إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثم صلّ العصر » (1).

وفی معنی هذه الروایات أخبار کثیرة (2) ویستفاد منها أنه لا یستحب تأخیر الظهر عن الزوال إلاّ بمقدار ما یصلّی النافلة خاصة.

وقال ابن الجنید : یستحب للحاضر أن یقدّم بعد الزوال شیئا من التطوع إلی أن تزول الشمس قدمین أو ذراعا من وقت زوالها ، ثم یأتی بالظهر (3) وما ذهب إلیه ابن الجنید هو قول مالک من العامة (4) ، وبهذا الاعتبار یمکن حمل أخبار الذراع علی التقیة ، وکیف کان فلا ریب أنّ المبادرة إلی إیقاع الفریضة بعد النافلة وإن کان قبل مضی القدمین أولی ، لکثرة الأخبار الدالة علیه (5) ، وعموم ما دل علی أفضلیة أول الوقت (6).

الثالثة : المعروف من مذهب الأصحاب اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ، واختصاص العصر من آخره کذلک. ونقل عن ظاهر عبارة ابن بابویه اشتراک الوقت من الزوال بین الفرضین (7) ، ونقله المرتضی فی جواب المسائل الناصریة عن الأصحاب حیث قال : یختص أصحابنا بأنهم یقولون : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا إلاّ أن الظهر قبل العصر ، قال : وتحقیق هذا الموضع أنه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر بمقدار ما

اختصاص الظهر بأول الوقت

ص: 35


1- التهذیب 2 : 249 - 990 ، الإستبصار 1 : 254 - 913 ، الوسائل 3 : 98 أبواب المواقیت ب 5 ح 13.
2- الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5.
3- نقله عنه فی المختلف : 71.
4- المدونة الکبری 1 : 55.
5- الوسائل 3 : 91 أبواب المواقیت ب 4 وص 96 ب 5.
6- الوسائل 3 : 86 أبواب المواقیت ب 3.
7- الفقیه 1 : 139.

______________________________________________________

یؤدی أربع رکعات ، فإذا خرج هذا المقدار اشترک الوقتان ، ومعنی ذلک : أنه یصح أن یؤدی فی هذا الوقت المشترک الظهر والعصر بطوله ، والظهر مقدمة ، ثم إذا بقی للغروب مقدار أربع خرج وقت الظهر وخلص للعصر (1). قال فی المختلف : وعلی هذا التفسیر الذی ذکره السید یزول الخلاف (2).

وکیف کان : فالأصح اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ، واختصاص العصر من آخره بذلک.

لنا : علی الحکم الأول : أنه لا معنی لوقت الفریضة إلاّ ما جاز إیقاعها فیه ولو علی بعض الوجوه ، ولا ریب أنّ إیقاع العصر عند الزوال علی سبیل العمد ممتنع ، وکذا مع النسیان علی الأظهر ، لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، وانتفاء ما یدل علی الصحة مع المخالفة ، وإذا امتنع وقوع العصر عند الزوال مطلقا انتفی کون ذلک وقتا لها. ویؤیده روایة داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتی یمضی مقدار ما یصلّی المصلّی أربع رکعات ، فإذا مضی ذلک فقد دخل وقت الظهر والعصر حتی یبقی من الشمس مقدار ما یصلّی أربع رکعات ، فإذا بقی مقدار ذلک فقد خرج وقت الظهر وبقی وقت العصر حتی تغیب الشمس » (3).

وأما اختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها فیدل علیه مضافا إلی هذه الروایة روایة الحلبی : فیمن نسی الظهر والعصر ثم ذکر عند غروب الشمس ، قال : « إن کان فی وقت لا یخاف فوت إحداهما فلیصلّ الظهر ثم لیصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فلیبدأ بالعصر ولا یؤخرها فیکون قد

ص: 36


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 193.
2- المختلف : 66.
3- التهذیب 2 : 25 - 70 ، الإستبصار 1 : 261 - 936 ، الوسائل 3 : 92 أبواب المواقیت ب 4 ح 7.

______________________________________________________

فاتتاه جمیعا » (1)

وصحیحة ابن سنان ، عن الصادق علیه السلام فیمن نام أو نسی أن یصلّی المغرب والعشاء الآخرة واستیقظ قبل الفجر ، قال : « وإن خاف أن تفوته إحداهما فلیبدأ بالعشاء » (2) ومتی ثبت ذلک فی العشاءین ثبت فی الظهرین ، إذ لا قائل بالفصل.

وقد ورد فی عدة أخبار اشتراک الوقت من أوله بین الفرضین ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (3) وصحیحة عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « منها صلاتان ، أول وقتهما من عند زوال الشمس إلی غروب الشمس إلاّ أن هذه قبل هذه » (4).

وأوّلها المصنف - رحمه الله تعالی - فی المعتبر بأن المراد بالاشتراک ما بعد الاختصاص ، لتضمن الخبر : « إلاّ أن هذه قبل هذه » ولأنه لما لم یتحصل للظهر وقت مقدر ، لأنها قد تصلّی بتسبیحتین ، وقد یدخل علیه فی آخرها ظانا فیصلی العصر بعدها عبّر بما فی الروایة ، قال : وهو من ألخص العبارات وأحسنها (5).

ص: 37


1- التهذیب 2 : 269 - 1074 ، الإستبصار 1 : 287 - 1052 ، الوسائل 3 : 94 أبواب المواقیت ب 4 ح 18.
2- التهذیب 2 : 270 - 1076 ، الاستبصار 1 : 288 - 1053 وفیه : عن ابن مسکان ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 4.
3- الفقیه 1 : 140 - 648 ، التهذیب 2 : 19 - 54 ، الوسائل 3 : 91 أبواب المواقیت ب 4 ح 1.
4- التهذیب 2 : 25 - 72 ، الإستبصار 1 : 261 - 938 ، الوسائل 3 : 115 أبواب المواقیت ب 10 ح 4.
5- المعتبر 2 : 35.

______________________________________________________

الرابعة : اختلف علماؤنا فی آخر وقت الظهر ، فقال السید المرتضی علم الهدی - رضی الله تعالی عنه - : یمتد وقت الفضیلة إلی أن یصیر ظل کل شی ء مثله ، ووقت الإجزاء إلی أن یبقی للغروب مقدار أربع رکعات فیخلص الوقت للعصر (1). وهو اختیار ابن الجنید (2) ، وسلاّر (3) ، وابن زهرة (4) ، وابن إدریس (5) ، وسائر المتأخرین.

وقال الشیخ فی المبسوط بانتهاء وقت الاختیار بصیرورة ظل کل شی ء مثله ، وبقاء وقت الاضطرار إلی أن یبقی للغروب مقدار أربع رکعات (6) ، ونحوه قال فی الجمل والخلاف (7) ، وقال فی النهایة : آخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا صارت الشمس علی أربع أقدام - وهی أربعة أسباع الشخص - ثم قال : هذا إذا لم یکن له عذر ، فإن کان له عذر فهو فی فسحة من هذا الوقت إلی آخر النهار (8). ونحوه قال فی موضع من التهذیب (9) ، واختاره المرتضی فی المصباح (10).

وقال المفید فی المقنعة : وقت الظهر من بعد الزوال إلی أن یرجع الفی ء سبعی الشخص (11). وفی نسخة أخری : فی الانتهاء ، ومعنی هذا أن یزید الفی ء علی ما انتهی إلیه من النقصان بسبعی الشخص الذی اعتبر به عند الزوال.

آخر وقت الظهر

ص: 38


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 193.
2- نقله عنه فی المختلف : 67.
3- المراسم : 62.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
5- السرائر : 39.
6- المبسوط 1 : 72.
7- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 174 ، الخلاف 1 : 82.
8- النهایة : 58.
9- التهذیب 2 : 39.
10- نقله عنه فی المعتبر 2 : 30.
11- المقنعة : 13.

______________________________________________________

والمعتمد الأول ، أما امتداد وقت الإجزاء إلی الغروب فیدل علیه ظاهر قوله تعالی : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ ) (1) فإن الدلوک هو الزوال علی ما بیناه (2) ، واللام للتوقیت مثل : لثلاث خلون ، والمعنی - والله أعلم - : أقم الصلاة من وقت دلوک الشمس ممتدا ذلک إلی غسق اللیل ، فتکون أوقاتها موسعة.

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « ففیما بین زوال الشمس إلی غسق اللیل أربع صلوات سمّاهنّ وبیّنهنّ ووقّتهنّ » (3) ومقتضی ذلک امتداد وقت الظهرین أو العصر خاصة إلی الغروب ، لیتحقق کون الوقت المذکور ظرفا للصلوات الأربع ، بمعنی أن یکون کل جزء من أجزائه ظرفا لشی ء منها. قال فی المنتهی : وکل من قال بأن وقت العصر یمتد إلی غروب الشمس فهو قائل بامتداد الظهر إلی ما قبل ذلک (4).

وعن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن الضحاک بن زید ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله تعالی ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ ) قال : « إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلی انتصاف اللیل ، منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلی غروب الشمس إلاّ أن هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلی انتصاف اللیل إلاّ أن هذه قبل هذه » (5) ولیس فی طریق هذه الروایة من قد یتوقف فی شأنه إلاّ الضحاک بن زید ، فإنه غیر مذکور فی کتب الرجال بهذا العنوان ، لکن الظاهر أنه أبو مالک

ص: 39


1- الإسراء : 78.
2- فی ص 33.
3- المتقدم فی ص 33.
4- المنتهی 1 : 199.
5- التهذیب 2 : 25 - 72 ، الاستبصار 1 : 261 - 938 ولکن فیه الضحاک بن یزید ، الوسائل 3 : 115 أبواب المواقیت ب 10 ح 4.

______________________________________________________

الثقة کما یستفاد من النجاشی (1) فیکون السند صحیحا ، ومتنها صریح فی المطلوب.

ویشهد لهذا القول أیضا روایتا داود بن فرقد والحلبی المتقدمتان (2) ، وروایة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « أحب الوقت إلی الله عزّ وجلّ أوله ، حین یدخل وقت الصلاة فصلّ الفریضة ، وإن لم تفعل فإنک فی وقت منهما (3) حتی تغیب الشمس » (4).

وروایة عبید بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت الظهر والعصر ، فقال : « إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جمیعا إلاّ أن هذه قبل هذه ، ثم أنت فی وقت منهما حتی تغیب الشمس » (5).

وموثقة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن طهرت فی آخر اللیل فلتصلّ المغرب والعشاء » (6).

ویشهد له أیضا صحیحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « إن من الأمور أمورا مضیّقة وأمورا موسعة ، وإن الوقت وقتان ، والصلاة مما فیه السعة ، فربما عجّل رسول الله صلی الله علیه و آله وربما أخّر ، إلاّ صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة من الأمر المضیق ، إنما لها وقت واحد حین

ص: 40


1- رجال النجاشی : 205 - 546.
2- فی ص 36.
3- فی « م » ، « ح » : منها.
4- التهذیب 2 : 24 - 69 ، الإستبصار 1 : 260 - 935 ، الوسائل 3 : 87 أبواب المواقیت ب 3 ح 5.
5- الفقیه 1 : 139 - 647 ، التهذیب 2 : 24 - 68 ، الإستبصار 1 : 260 - 934 ، الوسائل 3 : 95 أبواب المواقیت ب 4 ح 21.
6- التهذیب 1 : 390 - 1204 ، الإستبصار 1 : 143 - 490 ، الوسائل 2 : 600 أبواب الحیض ب 49 ح 10.

______________________________________________________

تزول الشمس » (1) وقریب منها روایة الفضیل بن یسار ، عن أبی جعفر علیه السلام (2).

وأما انتهاء وقت الفضیلة بصیرورة ظل کل شی ء مثله فیدل علیه صحیحة أحمد بن عمر ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر والعصر ، فقال : « وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلی أن یذهب الظل قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلی قامتین » (3).

وصحیحة أحمد بن محمد ، قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر ، فکتب : « قامة للظهر ، وقامة للعصر » (4) وإنما حملناهما علی وقت الفضیلة ، لأن إجراءهما علی ظاهرهما أعنی کون ذلک آخرا لوقت الظهر مطلقا ممتنع إجماعا ، فلا بد من حملهما إما علی وقت الفضیلة أو الاختیار ، ولا ریب فی رجحان الأول ، لمطابقته لظاهر القرآن (5) ، ولصراحة الأخبار المتقدمة فی امتداد وقت الإجزاء إلی الغروب ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقتین أفضلهما » (6).

احتج الشیخ فی الخلاف (7) علی ما ذهب إلیه من انتهاء وقت الاختیار بصیرورة ظل کل شی ء مثله بأن الإجماع منعقد علی أنّ ذلک وقت للظهر ، ولیس علی ما زاد علیه دلیل ، وبما رواه عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت صلاة الظهر فی القیظ فلم یجبنی ، فلما أن کان بعد ذلک

ص: 41


1- التهذیب 2 : 13 - 46 ، الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 3.
2- الکافی 3 : 274 - 2 ، الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 1.
3- التهذیب 2 : 19 - 52 ، الإستبصار 1 : 247 - 883 ، الوسائل 3 : 104 أبواب المواقیت ب 8 ح 9.
4- التهذیب 2 : 21 - 61 ، الإستبصار 1 : 248 - 890 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 12.
5- الإسراء : 78.
6- المتقدمة فی ص 30.
7- الخلاف 1 : 82.

______________________________________________________

قال لعمرو بن سعید بن هلال : « إن زرارة سألنی عن وقت صلاة الظهر فی القیظ فلم أخبره فحرجت من ذلک ، فاقرأه منی السلام وقل له : إذا کان ظلک مثلک فصلّ الظهر ، وإذا کان ظلک مثلیک فصلّ العصر » (1) وبروایتی أحمد بن عمر ، وأحمد بن محمد المتقدمتین (2).

والجواب عن الأول أنا قد بیّنّا الدلالة علی کون الزائد وقتا للظهر. وعن الروایة الأولی بمنع الدلالة علی المدعی ، بل هی بالدلالة علی نقیضه أشبه ، لأن أمره علیه السلام بالصلاة بعد المثل یدل علی عدم خروجه به. وعن الروایتین الأخیرتین بالحمل علی وقت الفضیلة کما بیّنّاه (3).

احتج الشیخ فی التهذیب علی ما ذهب إلیه فیه من اعتبار الأربعة الأقدام بما رواه عن إبراهیم الکرخی ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام : متی یدخل وقت الظهر؟ قال : « إذا زالت الشمس » فقلت : متی یخرج وقتها؟ فقال : « من بعد ما یمضی من زوالها أربعة أقدام ، إن وقت الظهر ضیق لیس کغیره » قلت : فمتی یدخل وقت العصر؟ قال : « إن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر » قلت : فمتی یخرج وقت العصر؟ فقال : « وقت العصر إلی أنّ تغرب الشمس ، وذلک من علة ، وهو تضییع » فقلت له : لو أنّ رجلا صلّی الظهر من بعد ما یمضی من زوال الشمس أربعة أقدام أکان عندک غیر مؤد لها؟ فقال : « إن کان تعمد ذلک لیخالف السنة والوقت لم تقبل منه ، کما لو أن رجلا أخّر العصر إلی قرب أن تغرب الشمس متعمدا من غیر علة لم تقبل منه » (4).

ص: 42


1- التهذیب 2 : 22 - 62 ، الإستبصار 1 : 248 - 891 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 13.
2- فی ص 41.
3- فی ص 41.
4- التهذیب 2 : 26 - 74 ، الإستبصار 1 : 258 - 926 ، الوسائل 3 : 109 أبواب المواقیت ب 8 ح 32.

______________________________________________________

وعن الفضل بن یونس ، قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام ، قلت : المرأة تری الطهر قبل غروب الشمس کیف تصنع بالصلاة؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما یمضی من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّی إلاّ العصر ، لأن وقت الظهر دخل علیها وهی فی الدم وخرج عنها الوقت وهی فی الدم » (1).

والجواب عن الروایتین بالطعن فی السند :

أما الأولی : فبجهالة إبراهیم الکرخی ، مع أن فیها ما أجمع الأصحاب علی خلافه وهو قوله : « إنّ آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر » ومن المعلوم أن أوله عند الفراغ منها لا بعد مضی أربعة أقدام.

وأما الثانیة : فبالفضل بن یونس فإنه واقفی (2) ، مع أنها معارضة بموثقة عبد الله بن سنان المتقدمة عن الصادق علیه السلام (3) ، وهی أوضح سندا من هذه الروایة ، إذ لیس فی طریقها من یتوقف فیه إلاّ علیّ بن الحسن بن فضال ، وقال النجاشی - رحمه الله تعالی - فی تعریفه : إنه کان فقیه أصحابنا بالکوفة ، ووجههم ، وثقتهم ، وعارفهم بالحدیث ، والمسموع قوله فیه ، سمع منه شیئا کثیرا ، ولم یعثر له علی زلة فیه (4).

احتج العلاّمة - رحمه الله تعالی - فی المختلف (5) ، للمفید - رضی الله عنه - علی اعتبار القدمین بما رواه ابن بابویه والشیخ فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار وزرارة بن أعین وبکیر بن أعین ومحمد بن مسلم وبرید بن معاویة العجلی ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « وقت

ص: 43


1- الکافی 3 : 102 - 1 ، التهذیب 1 : 389 - 1199 ، الإستبصار 1 : 142 - 485 ، الوسائل 2 : 598 أبواب الحیض ب 49 ح 2.
2- راجع رجال الشیخ : 357 - 2.
3- فی ص 40.
4- رجال النجاشی : 257 - 676.
5- المختلف : 68.

______________________________________________________

الظهر بعد الزوال قدمان ، ووقت العصر بعد ذلک قدمان ، وهذا أول الوقت إلی أن تمضی أربعة أقدام للعصر » (1).

وما رواه الشیخ عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، فقال : « ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر ، فذلک أربعة أقدام من زوال الشمس » (2).

والجواب منع دلالة الروایتین علی خروج وقت الظهر بذلک. بل مقتضی صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام استحباب تأخیر الظهر إلی أن یصیر الفی ء علی قدمین من الزوال ، فإنه علیه السلام قال : « إن حائط مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله کان قامة ، وکان إذا مضی من فیئه ذراع صلّی الظهر ، وإذا مضی من فیئه ذراعان صلّی العصر » ثم قال : « أتدری لم جعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلک؟ قال : « لمکان النافلة ، لک أن تتنفل من زوال الشمس إلی أن یمضی الفی ء ذراعا ، فإذا بلغ فیئک ذراعا من الزوال بدأت بالفریضة وترکت النافلة ».

والظاهر أنّ ذلک هو مراد المفید - رحمه الله - وإن کانت عبارته مجملة ، وهو الذی فهمه منه الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب ، فإنه قال بعد نقل کلامه : وقت الظهر علی ثلاثة أضرب : من لم یصلّ شیئا من النوافل فوقته حین تزول الشمس بلا تأخیر ، ومن صلّی النافلة فوقتها حین صارت علی قدمین أو سبعین وما أشبه ذلک ، ووقت المضطر یمتد إلی اصفرار الشمس (3).

ثم استدل علی الضرب الثانی بروایة زرارة وما فی معناها.

ص: 44


1- الفقیه 1 : 140 - 649 ، التهذیب 2 : 255 - 1012 ، الإستبصار 1 : 248 - 892 ، الوسائل 3 : 102 أبواب المواقیت ب 8 ح 1 ، 2 ، وفی التهذیب والوسائل : وقت ، بدل الوقت.
2- التهذیب 2 : 19 - 55 ، الإستبصار 1 : 250 - 899 ، الوسائل 3 : 103 أبواب المواقیت ب 8 ح 3 ، 4.
3- التهذیب 2 : 18.

______________________________________________________

وبالجملة فالقول بخروج وقت الظهر بصیرورة الفی ء علی قدمین مقطوع بفساده.

الخامسة : أول وقت العصر عند الفراغ من فرض الظهر بإجماع علمائنا ، قاله فی المعتبر والمنتهی (1). وقد تقدم من الروایات ما یدل علیه (2) ، ویزیده بیانا ما رواه الکلینی - رضی الله تعالی عنه - عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ذریح المحاربی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : متی أصلّی الظهر؟ فقال : « صلّ الزوال ثمانیة ، ثم صلّ الظهر ، ثم صلّ سبحتک طالت أم قصرت ، ثم صلّ العصر » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : بین الظهر والعصر حدّ معروف؟ فقال : « لا » (4).

ویستفاد من روایة ذریح وغیرها أنه لا یستحب تأخیر العصر عن الظهر إلاّ بمقدار ما یصلّی النافلة ، ویؤیده الروایات المستفیضة الدالة علی أفضلیة أول الوقت ، کقول الصادق علیه السلام فی صحیحة قتیبة الأعشی : « إن فضل الوقت الأول علی الآخر کفضل الآخرة علی الدنیا » (5).

وقول الرضا علیه السلام فی صحیحة سعد بن سعد : « یا فلان إذا دخل الوقت علیک فصلّهما ، فإنک ما تدری ما یکون » (6).

وذهب جمع من الأصحاب إلی استحباب تأخیر العصر إلی أن یخرج وقت فضیلة الظهر وهو المثل أو الأقدام ، وممن صرح بذلک المفید فی المقنعة ، فإنه

أول وقت العصر

ص: 45


1- المعتبر 2 : 35 ، المنتهی 1 : 201.
2- الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5.
3- الکافی 3 : 276 - 3 ، الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5 ح 3.
4- التهذیب 2 : 255 - 1013 ، الوسائل 3 : 92 أبواب المواقیت ب 4 ح 4.
5- الکافی 3 : 274 - 6 ، التهذیب 2 : 40 - 129 ، ثواب الأعمال : 62 - 2 رواه مرسلا ، الوسائل 3 : 89 أبواب المواقیت ب 3 ح 15.
6- التهذیب 2 : 272 - 1082 ، الوسائل 3 : 87 أبواب المواقیت ب 3 ح 3.

______________________________________________________

قال فی باب عمل الجمعة : والفرق بین الصلاتین فی سائر الأیام مع الاختیار وعدم العوارض أفضل ، قد ثبتت السنة به ، إلاّ فی یوم الجمعة فإن الجمع بینهما أفضل (1).

وقریب من ذلک عبارة ابن الجنید ، فإنه قال : لا یختار أن یأتی الحاضر بالعصر عقیب الظهر التی صلاّها مع الزوال إلاّ مسافرا ، أو علیلا ، أو خائفا ما یقطعه عنها ، بل الاستحباب للحاضر أن یقدّم بعد الزوال وقبل فریضة الظهر شیئا من التطوع إلی أن تزول الشمس قدمین أو ذراعا من وقت زوالها ، ثم یأتی بالظهر ، ویعقبها بالتطوع من التسبیح أو الصلاة لیصیر الفی ء أربعة أقدام أو ذراعین ، ثم یصلّی العصر (2).

هذا کلامه - رحمه الله - وهو مضمون روایة زرارة (3) ، إلاّ أن أکثر الروایات یقتضی استحباب المبادرة بالعصر عقیب نافلتها من غیر اعتبار للإقدام والأذرع (4).

وجزم الشهید فی الذکری باستحباب التفریق بین الفرضین ، واحتج علیه بأنه معلوم من حال النبی صلی الله علیه و آله ، ثم قال : وبالجملة ، کما علم من مذهب الإمامیة جواز الجمع بین الصلاتین مطلقا علم منه استحباب التفریق بینهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلک (5). وهو حسن ، لکن یمکن أن یقال : إن التفریق یتحقق بتعقیب الظهر وفعل نافلة العصر.

ثم قال فی الذکری : وأورد علی المحقق نجم الدین تلمیذه جمال الدین یوسف بن حاتم الشامی المشغری ، وکان تلمیذ السید ابن طاوس : أن النبی صلی الله علیه و آله إن کان یجمع بین الصلاتین فلا حاجة إلی الأذان للثانیة ، إذ

ص: 46


1- المقنعة 27.
2- نقله عنه فی الذکری : 119.
3- المتقدمة فی ص 44.
4- الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5.
5- الذکری : 119.

______________________________________________________

هو للإعلام ، وللخبر المتضمن أنه عند الجمع بین الصلاتین یسقط الأذان (1) ، وإن کان یفرق فلم ندبتم إلی الجمع وجعلتموه أفضل. فأجابه المحقق : إن النبی صلی الله علیه و آله کان یجمع تارة ویفرق أخری ، قال : وإنما استحببنا الجمع فی الوقت الواحد إذا أتی بالنوافل والفرضین فیه ، لأنه مبادرة إلی تفریغ الذمة من الفرض حیث ثبت دخول وقت الصلاتین (2).

ویمکن الجواب عنه أیضا بأن الأذان إنما یسقط مع الجمع بین الفرضین إذا لم یأت المکلف بالنافلة بینهما ، أما مع الإتیان بها فیستحب الأذان للثانیة (3) ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله (4).

السادسة : اختلف الأصحاب فی آخر وقت العصر ، فقال المرتضی - رضی الله عنه - فی الجمل : یمتد وقت الفضیلة إلی أن یصیر الفی ء قامتین ، ووقت الإجزاء إلی الغروب (5). وهو اختیار ابن الجنید (6) ، وابن إدریس (7) ، وابن زهرة (8) ، وعامة المتأخرین.

وقال المفید فی المقنعة : یمتد وقتها إلی أن یتغیر لون الشمس باصفرارها للغروب ، وللمضطر والناسی إلی مغیبها (9).

وقال الشیخ فی أکثر کتبه : یمتد وقت الاختیار إلی أن یصیر ظل کل شی ء

آخر وقت العصر

ص: 47


1- الفقیه 1 : 186 - 885 ، التهذیب 3 : 18 - 66 ، الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان والإقامة ب 36 ح 2.
2- فی « ح » زیادة : قلت ما ذکره جید.
3- فی « س » ، « م » ، « ح » زیادة : ولا ینحصر وجهه فی الإعلام.
4- فی ج 3 ص 265.
5- نقله عنه فی المعتبر 2 : 37.
6- نقله عنه فی المختلف : 68.
7- السرائر : 39.
8- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
9- المقنعة : 14.

______________________________________________________

مثلیه ، ووقت الاضطرار إلی الغروب (1). واختاره ابن البراج (2) ، وابن حمزة (3) ، وأبو الصلاح (4).

وقال المرتضی فی بعض کتبه : یمتد حتی یصیر الظل بعد الزیادة مثل ستة أسباعه (5).

المختار والمعتمد ما ذهب إلیه المرتضی - رضی الله عنه - أولا ، وقد تقدم مستنده (6). ومنه یعلم احتجاج الشیخ علی اعتبار المثلین للمختار وجوابه. ویؤکد ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معمر بن یحیی ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « وقت العصر إلی غروب الشمس » (7) وهو یتناول المختار وغیره.

وروی سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « العصر علی ذراعین ، فمن ترکها حتی یصیر علی ستة أقدام فذلک المضیّع » (8).

وروی سلیمان بن جعفر قال ، قال الفقیه : « آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف » (9).

وروی أبو بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن تضییع العصر هو

ص: 48


1- المبسوط 1 : 72 ، والخلاف 1 : 83.
2- المهذب 1 : 69 ، وشرح الجمل : 66.
3- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 670.
4- الکافی فی الفقه : 137.
5- نقله عنه فی المعتبر 2 : 38.
6- فی ص 38.
7- التهذیب 2 : 25 - 71 ، الإستبصار 1 : 261 - 937 ، الوسائل 3 : 113 أبواب المواقیت ب 9 ح 13.
8- التهذیب 2 : 256 - 1016 ، الإستبصار 1 : 259 - 928 ، الوسائل 3 : 111 أبواب المواقیت ب 9 ح 2.
9- التهذیب 2 : 256 - 1016 ، الإستبصار 1 : 259 - 928 ، الوسائل 3 : 111 أبواب المواقیت ب 9 ح 6.

وکذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب ، وتختصّ من أوله بمقدار ثلاث رکعات ، ثم تشارکها العشاء حتی ینتصف اللیل.

وتختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع.

______________________________________________________

أن یدعها حتی تصفر الشمس وتغیب » (1).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : وهذا الاختلاف دلالة الترخیص وأمارة الاستحباب (2). والله أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( وکذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب ، ویختص من أوله بمقدار ثلاث رکعات ، ثم تشارکها العشاء حتی ینتصف اللیل. وتختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع رکعات ).

الکلام فی الاختصاص هنا کما تقدم فی الظهرین (3) ، وقد تضمنت هذه العبارة أربع مسائل خلافیة :

الأولی : إنّ أول وقت المغرب غروب الشمس ، قال فی المعتبر : وهو إجماع العلماء (4).

وإنما اختلفوا فیما یتحقق به الغروب ، فذهب الشیخ فی المبسوط والاستبصار (5) ، وابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام (6) ، وابن الجنید (7) ، والسید المرتضی فی بعض مسائله (8) إلی أنه یعلم باستتار القرص

أول وقت المغرب وما یتحقق به الغروب

ص: 49


1- الفقیه 1 : 141 - 654 بتفاوت ، التهذیب 2 : 256 - 1018 ، الإستبصار 1 : 259 - 930 ، الوسائل 3 : 111 أبواب المواقیت ب 9 ح 1.
2- المعتبر 2 : 39.
3- فی ص 35.
4- المعتبر 2 : 40.
5- المبسوط 1 : 74. واختار فی الاستبصار القول الآتی.
6- علل الشرائع : 350.
7- نقله عنه فی المختلف : 72.
8- المسائل المیافارقیات ( رسائل المرتضی 1 ) : 274.

______________________________________________________

وغیبته عن العین مع انتفاء الحائل بینهما. وذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی التهذیب والنهایة إلی أنه إنما یعلم بذهاب الحمرة المشرقیة (1). وقال ابن أبی عقیل : أول وقت المغرب سقوط القرص ، وعلامته أن یسودّ أفق السماء من المشرق ، وذلک إقبال اللیل (2).

احتج الأولون بصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها » (3).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (4).

وصحیحة أخری لزرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأیته بعد ذلک وقد صلّیت أعدت الصلاة ، ومضی صومک ، وتکف عن الطعام إن کنت أصبت منه شیئا » (5).

وموثقة أبی أسامة زید الشحام قال : قال رجل لأبی عبد الله علیه السلام : أؤخر المغرب حتی تستبین النجوم؟ فقال : « خطّابیّة (6) ، إن جبرائیل علیه السلام نزل بها علی محمد صلی الله علیه و آله حین سقط القرص » (7).

ص: 50


1- التهذیب 2 : 29 ، والنهایة : 59.
2- نقله عنه فی المختلف : 72.
3- الکافی 3 : 279 - 7 ، التهذیب 2 : 28 - 81 ، الإستبصار 1 : 263 - 944 ، الوسائل 3 : 130 أبواب المواقیت ب 16 ح 16.
4- الفقیه 1 : 140 - 648 ، التهذیب 2 : 19 - 54 ، الوسائل 3 : 134 أبواب المواقیت ب 17 ح 1.
5- الکافی 3 : 279 - 5 ، التهذیب 2 : 261 - 1039 ، الإستبصار 1 : 115 - 376 ، الوسائل 3 : 130 أبواب المواقیت ب 16 ح 17.
6- أی : بدعة ومنسوبة إلی أبی الخطاب البرّاد الأجذع الأسدی ، ویکنی أیضا أبا إسماعیل ویکنی أیضا أبا الظبیان وهو مذموم فی غایة الذم - مجمع الرجال 5 : 106.
7- التهذیب 2 : 28 - 80 ، الاستبصار 1 : 262 - 943 ، رجال الکشی 2 : 576 - 510 ، علل الشرائع : 350 - 3 ، الوسائل 3 : 139 أبواب المواقیت ب 18 ح 18.

______________________________________________________

احتج الشیخ فی التهذیب علی اعتبار ذهاب الشفق المشرقی بما رواه عن علی بن أحمد بن أشیم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدری کیف ذاک؟ قلت : لا ، قال : « لأن المشرق مطلّ (1) علی المغرب هکذا » ورفع یمینه فوق یساره « فإذا غابت ها هنا ذهبت الحمرة من ها هنا » (2).

وعن برید بن معاویة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا غابت الحمرة من هذا الجانب - یعنی من المشرق - فقد غابت الشمس من شرق الأرض ومن غربها » (3).

وعن محمد بن علیّ قال : صحبت الرضا علیه السلام فی السفر فرأیته یصلّی المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق یعنی السواد (4). ولعل هذه الروایة مستند ابن أبی عقیل فیما اعتبره من إقبال السواد من المشرق ، وفی الجمیع قصور من حیث السند :

أما الروایة الأولی فبالإرسال ، وجهالة المرسل وهو علیّ بن أحمد بن أشیم ، وقد حکم المصنف فی المعتبر بضعفه (5).

وأما الثانیة فبأن من جملة رجالها القاسم بن عروة ، ولم ینص علیه الأصحاب بمدح ولا قدح ، وأیضا فإنها لا تدل علی المطلوب صریحا ، إذ أقصی

ص: 51


1- فی النسخ الخطیة : مظل.
2- الکافی 3 : 278 - 1 ، التهذیب 2 : 29 - 83 ، الإستبصار 1 : 265 - 959 ، الوسائل 3 : 126 أبواب المواقیت ب 16 ح 3.
3- الکافی 3 : 278 - 2 ، التهذیب 2 : 29 - 84 ، الإستبصار 1 : 265 - 957 ، الوسائل 3 : 126 أبواب المواقیت ب 16 ح 1.
4- التهذیب 2 : 29 - 86 ، الإستبصار 1 : 265 - 958 ، الوسائل 3 : 128 أبواب المواقیت ب 16 ح 8.
5- المعتبر 2 : 52.

______________________________________________________

ما تدل علیه توقف غیبوبة الشمس من المشرق والمغرب علی ذهاب الحمرة المشرقیة ، وهو خلاف المدعی.

وأما الثالثة فباشتراک راویها ، وهو محمد بن علیّ بین جماعة منهم الضعیف ، مع أنها قاصرة عن إفادة التوقیت ، إذ یجوز أن یکون تأخیره علیه السلام الصلاة إلی ذلک الوقت لطلب الفضیلة ، کتأخیر العشاء إلی ذهاب الشفق ، لا لعدم دخول الوقت قبل ذلک. وتشهد له روایة جارود ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « قلت لهم : مسّوا (1) بالمغرب قلیلا فترکوها حتی اشتبکت النجوم ، فأنا الآن أصلّیها إذا سقط القرص » (2).

وقد ورد فی بعض الروایات اعتبار رؤیة النجوم ، کصحیحة بکر بن محمد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سأله سائل عن وقت المغرب ، قال : « إن الله یقول فی کتابه لإبراهیم علیه السلام ( فَلَمّا جَنَّ عَلَیْهِ اللَّیْلُ رَأی کَوْکَباً ) (3) فهذا أول الوقت ، وآخر ذلک غیبوبة الشفق » (4). وحملها الشیخ فی التهذیب علی حالة الضرورة ، أو علی مدّها حتی تظهر النجوم فیکون فراغه منها عند ذلک ، وهو بعید جدا.

ویمکن حملها علی وقت الاشتباه کما تشعر به روایة علیّ بن الریّان ، قال : کتبت إلیه : الرجل یکون فی الدار تمنعه حیطانها النظر إلی حمرة المغرب ، ومعرفة مغیب الشفق ، ووقت صلاة العشاء الآخرة متی یصلّیها؟ وکیف یصنع؟ فوقّع علیه السلام : « یصلّیها إذا کان علی هذه الصفة عند قصر النجوم ، والعشاء

ص: 52


1- أی : أخّروها وأدخلوها فی المساء - مجمع البحرین 1 : 393 ، الوافی 2 : 47.
2- التهذیب 2 : 259 - 1032 ، الوسائل 3 : 129 أبواب المواقیت ب 16 ح 15.
3- الأنعام : 76.
4- الفقیه 1 : 141 - 657 ، التهذیب 2 : 30 - 88 ، الإستبصار 1 : 264 - 953 ، الوسائل 3 : 127 أبواب المواقیت ب 16 ح 6.

______________________________________________________

عند اشتباکها وبیاض مغیب الشفق » (1) وذکر الشیخ فی التهذیب أن معنی قصر النجوم بیانها.

ویمکن حملها أیضا علی أنّ المراد بها بیان وقت الفضیلة کما تشعر به صحیحة إسماعیل بن همام ، قال : رأیت الرضا علیه السلام وکنا عنده لم یصلّ المغرب حتی ظهرت النجوم ثم قام فصلّی بنا علی باب دار ابن أبی محمود (2). وروایة شهاب بن عبد ربّه قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « یا شهاب إنی أحب إذا صلّیت المغرب أن أری فی السماء کوکبا » (3).

ولا ریب أن الاحتیاط للدین یقتضی اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم ، وإن کان القول بالاکتفاء بغروب الشمس لا یخلو من قوة. قال فی التذکرة : وهو - أی الغروب - ظاهر فی الصحاری ، وأما فی العمران والجبال فیستدل علیه بأن لا یبقی شی ء من الشعاع علی رؤس الجدران وقلل الجبال (4). وهو حسن.

الثانیة : امتداد وقت المغرب إلی أن یبقی لانتصاف اللیل قدر أداء العشاء ، وهو اختیار السید المرتضی علم الهدی رضوان الله علیه (5) ، وابن الجنید (6) ، وابن زهرة (7) ، وابن إدریس (8) ، والمصنف (9) ، وابن عمه

أخر وقت المغرب

ص: 53


1- الکافی 3 : 281 - 15 وفیه والمغرب بدل والعشاء ، التهذیب 2 : 261 - 1038 ، الإستبصار 1 : 269 - 972 ، الوسائل 3 : 150 أبواب المواقیت ب 24 ح 1.
2- التهذیب 2 : 30 - 89 ، الإستبصار 1 : 264 - 954 ، الوسائل 3 : 143 أبواب المواقیت ب 19 ح 9.
3- التهذیب 2 : 261 - 1040 ، الاستبصار 1 : 268 - 971 ، علل الشرائع : 350 - 2 ، الوسائل 3 : 128 أبواب المواقیت ب 16 ح 9.
4- التذکرة 1 : 76.
5- المسائل المیافارقیات ( رسائل المرتضی 1 ) : 274.
6- نقله عنه فی المختلف : 69.
7- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
8- السرائر : 39.
9- المعتبر 2 : 40.

______________________________________________________

نجیب الدین (1) ، وسائر المتأخرین. وقال الشیخ فی أکثر کتبه : آخره غیبوبة الشفق المغربی للمختار ، وربع اللیل مع الاضطرار (2). وبه قال ابن حمزة (3) ، وأبو الصلاح (4). وقال فی الخلاف : آخره غیبوبة الشفق ، وأطلق (5) ، وحکی فی المبسوط عن بعض علمائنا قولا بامتداد وقت المغرب والعشاء إلی طلوع الفجر (6).

والمعتمد : امتداد وقت الفضیلة إلی ذهاب الشفق ، والإجزاء للمختار إلی أن یبقی للانتصاف قدر العشاء ، وللمضطر إلی أن یبقی ذلک من اللیل ، وهو اختیار المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (7).

لنا علی الحکم الأول : صحیحة إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن وقت المغرب ، قال : « ما بین غروب الشمس إلی سقوط الشفق » (8).

وصحیحة علیّ بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل تدرکه صلاة المغرب فی الطریق ، أیؤخرها إلی أن یغیب الشفق؟ قال : « لا بأس بذلک فی السفر ، فأما فی الحضر فدون ذلک شیئا » (9).

وهما محمولان إما علی وقت الفضیلة ، أو الاختیار ، إذ لا قائل بأن ذلک آخر

ص: 54


1- الجامع للشرائع : 60.
2- التهذیب 2 : 259 ، 260 ، والنهایة : 59 ، والاقتصاد : 256.
3- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 670.
4- الکافی فی الفقه : 137.
5- الخلاف 1 : 84.
6- المبسوط 1 : 75.
7- المعتبر 2 : 40.
8- التهذیب 2 : 258 - 1029 ، الإستبصار 1 : 263 - 950 ، الوسائل 3 : 133 أبواب المواقیت ب 16 ح 29.
9- التهذیب 2 : 32 - 97 ، الإستبصار 1 : 267 - 967 ، الوسائل 3 : 144 أبواب المواقیت ب 19 ح 15.

______________________________________________________

الوقت مطلقا ، والدلیل علی إرادة الفضیلة قوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقتین أفضلهما » (1) وظهور تناول الروایات المتضمنة لامتداد الوقت إلی الانتصاف (2) للمختار وغیره ، وامتداد وقت المضطر إلی آخر اللیل علی ما سنبینه ، فلا یمکن حمل روایات الانتصاف علیه.

ولنا علی الحکم الثانی - أعنی امتداد وقت الإجزاء للمختار إلی أن یبقی للانتصاف قدر العشاء - : قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ففیما بین زوال الشمس إلی غسق اللیل أربع صلوات سمّاهنّ الله وبیّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق اللیل انتصافه » (3).

وصحیحة عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلی انتصاف اللیل ، إلاّ أن هذه قبل هذه » (4).

وروایة داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتی یمضی مقدار ما یصلّی المصلّی ثلاث رکعات ، فإذا مضی ذلک فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتی یبقی من انتصاف اللیل مقدار ما یصلّی المصلّی أربع رکعات ، فإذا بقی ذلک فقد خرج وقت المغرب وبقی وقت العشاء الآخرة إلی انتصاف اللیل » (5) وهی نص فی المطلوب.

ویؤیده ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن داود

ص: 55


1- المتقدمة فی ص 30.
2- الوسائل 3 : 134 أبواب المواقیت ب 17.
3- المتقدمة فی ص 33.
4- التهذیب 2 : 25 - 72 ، الإستبصار 1 : 261 - 938 ، الوسائل 3 : 115 أبواب المواقیت ب 10 ح 4.
5- التهذیب 2 : 28 - 82 ، الإستبصار 1 : 263 - 945 ، الوسائل 3 : 134 أبواب المواقیت ب 17 ح 4.

______________________________________________________

الصرمی ، قال : کنت عند أبی الحسن الثالث علیه السلام یوما فجلس یحدّث حتی غابت الشمس ، ثم دعا بشمع وهو جالس یحدّث ، فلما خرجت من البیت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن یصلّی المغرب ، ثم دعا بالماء فتوضّأ وصلّی (1).

وفی الصحیح ، عن عمر بن یزید قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أکون فی جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أرید المنزل ، فإن أخرت الصلاة حتی أصلّی فی المنزل کان أمکن لی وأدرکنی المساء ، أفأصلّی فی بعض المساجد؟ قال : « صلّ فی منزلک » (2) وهی دالّة بإطلاقها علی جواز تأخیر المغرب اختیارا إلی أن یغیب الشفق ، ومتی ثبت ذلک وجب القول بامتداده إلی النصف ، للدلائل المتقدمة.

ولنا علی الحکم الثالث - أعنی امتداد وقتها للمضطر إلی أن یبقی من اللیل قدر العشاء - : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن نام رجل ، أو نسی أن یصلّی المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استیقظ قبل الفجر قدر ما یصلّیهما کلتیهما فلیصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فلیبدأ بالعشاء ، وإن استیقظ بعد الفجر فلیصلّ الصبح ، ثم المغرب ، ثم العشاء قبل طلوع الشمس » (3).

وأجاب العلاّمة فی المنتهی عن هذه الروایة بحمل القبلیة علی ما قبل الانتصاف (4) ، وهو بعید جدا ، لکن لو قیل باختصاص هذا الوقت بالنائم والناسی کما هو مورد الخبر کان وجها قویا.

احتج القائلون بانتهائه بذهاب الشفق للمختار بما تلوناه سابقا من

ص: 56


1- التهذیب 2 : 30 - 90 ، الإستبصار 1 : 264 - 955 ، الوسائل 3 : 143 أبواب المواقیت ب 19 ح 10.
2- التهذیب 2 : 31 - 92 ، الوسائل 3 : 144 أبواب المواقیت ب 19 ح 14.
3- التهذیب 2 : 270 - 1076 ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 4.
4- المنتهی 1 : 206.

______________________________________________________

الأخبار (1). وبربع اللیل للمضطر : بما ورد من استحباب تأخیر المغرب للمفیض من عرفات إلی المزدلفة وإن صار ربع اللیل (2) ، وبروایة عمر بن یزید ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت المغرب ، قال : « إذا کان أرفق بک وأمکن لک فی صلاتک وکنت فی حوائجک فلک أن تؤخرها إلی ربع اللیل » (3).

والجواب عن الأول : إن الأمر بتأخیر الصلاة فی ذلک المحل إلی تلک الغایة أعنی ما بعد الربع لا یقتضی خروج الوقت فی غیر ذلک المحل بمضی الربع ، بل ربما کان فیه دلالة علی خلافه ، وإلاّ لما ساغ ذلک ، مع أن المروی فی صحاح أخبارنا الأمر بتأخیر المغرب إلی المزدلفة وإن ذهب ثلث اللیل (4).

وعن الروایة : بالطعن فی السند ، والحمل علی وقت الفضیلة ، جمعا بین الأدلة.

الثالثة : إن أول وقت العشاء إذا مضی من الغروب قدر صلاة المغرب ، وبه قال السید المرتضی (5) - رضوان الله علیه - وابن الجنید (6) ، وأبو الصلاح (7) ، وابن البراج (8) ، وابن زهرة (9) ، وابن حمزة (10) ، وابن

أول وقت العشاء

ص: 57


1- فی ص 54.
2- الوسائل 10 : 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5.
3- التهذیب 2 : 259 - 1034 ، الإستبصار 1 : 267 - 964 ، الوسائل 3 : 142 أبواب المواقیت ب 19 ح 8.
4- الوسائل 10 : 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5.
5- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 194 ، المسائل المیافارقیات ( رسائل السید المرتضی 1 ) : 274.
6- نقله عنه فی المختلف : 69.
7- الکافی فی الفقه : 137.
8- المهذب 1 : 69 ، شرح الجمل : 66.
9- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
10- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 670.

______________________________________________________

إدریس (1) ، وسائر المتأخرین.

وقال الشیخان : أول وقتها سقوط الشفق ، وهو الحمرة المغربیة (2). وهو اختیار ابن أبی عقیل (3) ، وسلاّر (4). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (5).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلی انتصاف اللیل ، إلاّ أن هذه قبل هذه » (6).

وفی الموثق ، عن عبید الله وعمران ابنی علیّ الحلبیین قالا : کنا نختصم فی الطریق فی الصلاة : صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، وکان منا من یضیق بذلک صدره ، فدخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، فقال : « لا بأس بذلک » (7).

وفی الصحیح ، عن أبی عبیدة قال ، سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا کانت لیلة مظلمة وریح ومطر صلّی المغرب ، ثم مکث قدر ما یتنفل الناس ، ثم أقام مؤذنه ، ثم صلّی العشاء

ص: 58


1- السرائر : 40.
2- المفید فی المقنعة : 14 ، والشیخ فی النهایة : 59 ، والخلاف 1 : 85 ، والمبسوط 1 : 75 ، والاقتصاد : 256.
3- نقله عنه فی المختلف : 69.
4- المراسم : 62.
5- الفقیه 1 : 140 - 648 ، الوسائل 3 : 134 أبواب المواقیت ب 17 ح 1.
6- المتقدم فی ص 55 ، ولکن عن أبی عبد الله علیه السلام .
7- التهذیب 2 : 34 - 105 ، الإستبصار 1 : 271 - 979 ، الوسائل 3 : 148 أبواب المواقیت ب 22 ح 6.

______________________________________________________

ثم انصرفوا » (1).

وفی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن تؤخر المغرب فی السفر حتی یغیب الشفق ، ولا بأس أن تعجل العتمة فی السفر قبل أن یغیب الشفق » (2).

وجه الدلالة : أنه لولا دخول وقت العشاء قبل ذهاب الشفق لما جاز تقدیمها علیه مطلقا ، کما لا یجوز تقدیم المغرب علی الغروب.

احتج الشیخان بصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام متی تجب العتمة؟ قال : « إذا غاب الشفق ، والشفق : الحمرة » (3).

وصحیحة بکر بن محمد ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلی غسق اللیل : نصف اللیل » (4).

والجواب بالحمل علی وقت الفضیلة ، جمعا بین الأدلة.

الرابعة : إن وقت العشاء یمتد إلی نصف اللیل ، وهو مذهب الأکثر. وقال المفید فی المقنعة ، والشیخ فی جملة من کتبه : آخره ثلث اللیل (5). وقال فی المبسوط : آخره ثلث اللیل للمختار ، ونصف اللیل للمضطر. وحکی عن بعض علمائنا امتداد الوقت للمضطر إلی طلوع الفجر (6).

آخر وقت العشاء

ص: 59


1- التهذیب 2 : 35 - 109 ، الإستبصار 1 : 272 - 985 ، الوسائل 3 : 148 أبواب المواقیت ب 22 ح 3.
2- التهذیب 2 : 35 - 108 ، الإستبصار 1 : 272 - 984 ، الوسائل 3 : 147 أبواب المواقیت ب 22 ح 1.
3- الکافی 3 : 280 - 11 ، التهذیب 2 : 34 - 103 ، الإستبصار 1 : 270 - 977 ، الوسائل 3 : 149 أبواب المواقیت ب 23 ح 1.
4- الفقیه 1 : 141 - 657 ، التهذیب 2 : 30 - 88 ، الإستبصار 1 : 264 - 953 ، الوسائل 3 : 127 أبواب المواقیت ب 16 ح 1. وفی التهذیب والوسائل : یعنی نصف اللیل.
5- المقنعة : 14 ، والخلاف 1 : 85 ، والنهایة : 59 ، والاقتصاد : 256.
6- المبسوط 1 : 75.

______________________________________________________

والمعتمد : امتداد وقت الإجزاء للمختار إلی الانتصاف ، وللمضطر إلی طلوع الفجر ، وقد تقدم مستند الحکمین (1) ، ولا یبعد انتهاء وقت الفضیلة بالثلث ، لروایة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « آخر وقت العشاء ثلث اللیل » (2). ومثلها روایة یزید بن خلیفة ، عن الصادق علیه السلام (3) ، وفی الروایتین قصور من حیث السند (4).

احتج الشیخ فی الخلاف بأن الثلث مجمع علی کونه وقتا للعشاء فیقتصر علیه ، أخذا بالمتیقن (5).

والجواب : أنا قد بیّنا امتداد الوقت إلی الانتصاف بما نقلناه من الأدلة.

وربما ظهر من بعض الروایات عدم استحباب المبادرة بالعشاء بعد ذهاب الشفق ، کروایة أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لولا أنی أخاف أن أشقّ علی أمتی لأخرت العتمة إلی ثلث اللیل ، وأنت فی رخصة إلی نصف اللیل ، وهو غسق اللیل » (6).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، وسمعته یقول : « أخر رسول الله صلی الله علیه و آله لیلة من اللیالی العشاء الآخرة ما شاء الله ، فجاء عمر فدقّ الباب فقال : یا رسول الله صلی الله علیه و آله نام

ص: 60


1- فی ص 55.
2- التهذیب 2 : 262 - 1045 ، الإستبصار 1 : 269 - 973 ، الوسائل 3 : 114 أبواب المواقیت ب 10 ح 3.
3- الکافی 3 : 279 - 6 ، التهذیب 2 : 31 - 95 ، الإستبصار 1 : 267 - 965 ، الوسائل 3 : 114 أبواب المواقیت ب 10 ح 2.
4- أما الأولی فلأن فی طریقها موسی بن بکر وهو الواسطی ، وقال الشیخ فی رجاله إنه واقفی ( راجع رجال الشیخ : 359 ، ومعجم رجال الحدیث 19 : 27 ) وأما الثانیة فلأن راویها واقفی ( راجع رجال الشیخ : 364 ).
5- الخلاف 1 : 85.
6- الکافی 3 : 281 - 13 وفیه : صدر الحدیث ، التهذیب 2 : 261 - 1041 ، الاستبصار 1 : 272 - 986 ، وفیه عن أبی عبد الله 7.

وما بین طلوع الفجر الثانی المستطیر فی الأفق إلی طلوع الشمس وقت للصبح.

______________________________________________________

النساء ، نام الصبیان ، فخرج رسول الله صلی الله علیه و آله فقال : لیس لکم أن تؤذونی ولا تأمرونی ، إنما علیکم أن تسمعوا وتطیعوا » (1).

قوله : ( وما بین طلوع الفجر الثانی المستطیر فی الأفق إلی طلوع الشمس وقت الصبح ).

أجمع العلماء کافة علی أنّ أول وقت الصبح طلوع الفجر الثانی المستطیر فی الأفق أی : المنتشر الذی لا یزال فی زیادة ، ویسمی الصادق ، لأنه یصدق من رآه عن الصبح ، ویسمی الأول الکاذب وذنب السرحان ، لخروجه مستدقا مستطیلا کذنب السرحان.

والمستند فی ذلک الأخبار المستفیضة ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی رکعتی الصبح وهی الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا » (2).

وحسنة علیّ بن عطیة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الصبح هو الذی إذا رأیته معترضا کأنه بیاض سوری » (3).

وروایة الحصین بن أبی الحصین أنه کتب إلی أبی جعفر علیه السلام یسأله عن وقت صلاة الفجر ، فکتب إلیه بخطه علیه السلام : « الفجر - یرحمک الله - الخیط الأبیض ، ولیس هو الأبیض صعدا ، ولا تصلّ فی سفر ولا حضر حتی

وقت صلاة الصبح

ص: 61


1- التهذیب 2 : 28 - 81 ، الوسائل 3 : 145 أبواب المواقیت ب 21 ح 1.
2- التهذیب 2 : 36 - 111 ، الإستبصار 1 : 273 - 990 ، الوسائل 3 : 154 أبواب المواقیت ب 27 ح 5.
3- سوری علی وزن بشری : موضع بالعراق من أرض بابل ، والمراد ببیاضها نهرها کما فی روایة هشام بن الهذیل عن الکاظم علیه السلام وقد سأله عن وقت صلاة الصبح فقال : « حین یعترض الفجر فتراه کأنه نهر سوری » ، ( معجم البلدان 3 : 278 ، الحبل المتین : 144 ).

______________________________________________________

تتبینه رحمک الله » (1).

واختلف الأصحاب فی آخره ، فذهب المفید - رحمه الله - فی المقنعة (2) ، والشیخ فی جملة من کتبه (3) ، والمرتضی (4) ، وأبو الصلاح (5) ، وابن البراج (6) ، وابن زهرة (7) ، وابن إدریس (8) ، إلی أنه طلوع الشمس.

وقال الشیخ فی الخلاف : وقت المختار إلی أن یسفر الصبح ، ووقت المضطر إلی طلوع الشمس (9). وقال ابن أبی عقیل : آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقیة ، وللمضطر طلوع الشمس (10). والمعتمد الأول.

لنا : أصالة عدم تضیّق الواجب قبل طلوع الشمس ، وما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یفوّت الصلاة من أراد الصلاة ، لا یفوّت صلاة النهار حتی تغیب الشمس ، ولا صلاة اللیل حتی یطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتی تطلع الشمس » (11).

وعن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وقت صلاة الغداة ما بین

ص: 62


1- الکافی 3 : 282 - 1 وفیه : کتب أبو الحسن بن الحصین إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام ، التهذیب 2 : 36 - 115 ، الإستبصار 1 : 274 - 994 ، الوسائل 3 : 153 أبواب المواقیت ب 27 ح 4.
2- المقنعة : 14.
3- الاقتصاد : 256 ، والرسائل العشر : 174.
4- نقله عنه فی المختلف : 70.
5- الکافی فی الفقه : 138.
6- المهذب 1 : 69 ، وشرح الجمل : 66.
7- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
8- السرائر : 39.
9- الخلاف 1 : 86.
10- نقله عنه فی المختلف : 70.
11- التهذیب 2 : 256 - 1015 ، الإستبصار 1 : 260 - 933 ، الوسائل 3 : 116 أبواب المواقیت ب 10 ح 9. وفی الوسائل والاستبصار : لا تفوت.

______________________________________________________

طلوع الفجر إلی طلوع الشمس » (1).

وعن الأصبغ بن نباتة قال ، قال أمیر المؤمنین علیه السلام : « من أدرک من الغداة رکعة قبل طلوع الشمس فقد أدرک الغداة تامة » (2).

ویمکن أن یستدل له أیضا بصحیحة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل لا یصلّی الغداة حتی یسفر ، وتظهر الحمرة ولم یرکع رکعتی الفجر ، أیرکعهما أو یؤخرهما؟ قال : « یؤخرهما » (3).

وجه الدلالة أن ظاهر الخبر امتداد الوقت إلی ما بعد الإسفار وظهور الحمرة ، وکل من قال بذلک قال بامتداده إلی طلوع الشمس.

احتج الشیخ - رحمه الله - علی انتهائه للمختار بالإسفار بما رواه فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وقت الفجر حین ینشق الفجر إلی أن یتجلل الصبح السماء ، ولا ینبغی تأخیر ذلک عمدا ، ولکنه وقت لمن شغل أو نسی أو نام » (4).

وفی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقتین أفضلهما ، ووقت الفجر حین ینشق الفجر ذلک عمدا ، ولکنه وقت من شغل أو نسی أو سها أو نام » (5) إلی أن یتجلل الصبح السماء ، ولا ینبغی تأخیر.

والجواب : منع دلالة الروایتین علی خروج وقت الاختیار بذلک ، فإن

ص: 63


1- التهذیب 2 : 36 - 114 ، الإستبصار 1 : 275 - 998 ، الوسائل 3 : 152 أبواب المواقیت ب 26 ح 6.
2- التهذیب 2 : 38 - 119 ، الإستبصار 1 : 275 - 999 ، الوسائل 3 : 158 أبواب المواقیت ب 30 ح 2.
3- التهذیب 2 : 340 - 1409 ، الوسائل 3 : 193 أبواب المواقیت ب 51 ح 1.
4- الکافی 3 : 283 - 5 ، التهذیب 2 : 38 - 121 ، الإستبصار 1 : 276 - 1001 ، الوسائل 3 : 151 أبواب المواقیت ب 26 ح 1.
5- التهذیب 2 : 39 - 123 ، الإستبصار 1 : 276 - 1003 ، الوسائل 3 : 151 أبواب المواقیت ب 26 ح 5.

ویعلم الزوال بزیادة الظل بعد نقصانه ، أو بمیل الشمس إلی الحاجب الأیمن لمن یستقبل القبلة. والغروب باستتار القرص ، وقیل : بذهاب الحمرة من المشرق ، وهو الأشهر.

وقال آخرون : ما بین الزوال حتی یصیر ظل کل شی ء مثله وقت للظهر. وللعصر من حین یمکن الفراغ من الظهر حتی یصیر الظل مثلیه

______________________________________________________

لفظ : « لا ینبغی » ظاهر فی الکراهة ، وجعل ما بعد الإسفار وقتا لمن شغل یقتضی عدم فوات وقت الاختیار بذلک ، فإن الشغل أعم من الضروری ، وبالجملة : فأقصی ما یدلان علیه خروج وقت الفضیلة بذلک ، لا وقت الاختیار ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( ویعلم الزوال بزیادة الظل بعد نقصانه ، أو بمیل الشمس إلی الحاجب الأیمن لمن یستقبل القبلة ).

وقد ذکر المصنف ، وغیره (1) أنه یعلم بأمرین :

أحدهما : زیادة الظل بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ، کما یتفق فی بعض البلاد کمکّة وصنعاء فی بعض الأزمنة ، وذلک لأن الشمس إذا طلعت وقع لکل شاخص قائم علی الأرض ظلّ طویل فی جانب المغرب ، ثم لا یزال ینقص کلما ارتفعت الشمس حتی تصل إلی دائرة نصف النهار - وهی دائرة عظیمة موهومة تفصل بین المشرق والمغرب - فهناک ینتهی نقصان الظل المذکور ، أو ینعدم فی بعض البلاد فی بعض الأزمنة ، فإذا مالت الشمس عن دائرة نصف النهار إلی المغرب فإن لم یکن قد بقی ظل عند الاستواء حدث الفی ء فی جانب المشرق ، وإن کان قد بقی فحینئذ یزید متحولا إلیه. فإذا أرید معاینة ذلک ینصب مقیاس ، ویقدّر ظلّه عند قرب الشمس من الاستواء ، ثم یصبر قلیلا ویقدّر ، فإن کان دون الأول أو بقدره فإلی الآن لم تزل ، وإن زاد فقد زالت.

وقد ورد هذا الاعتبار فی عدة أخبار کروایة سماعة قال ، قلت لأبی

ما یعلم به الزوال

ص: 64


1- منهم الشهید الأول فی الدروس : 22 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 175 ، 178.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام : جعلت فداک متی وقت الصلاة؟ فأقبل یلتفت یمینا وشمالا کأنه یطلب شیئا ، فلما رأیت ذلک تناولت عودا فقلت : هذا تطلب؟ قال : « نعم » فأخذ العود فنصبه بحیال الشمس ، ثم قال : « إن الشمس إذا طلعت کان الفی ء طویلا ، ثم لا یزال ینقص حتی تزول ، فإذا زالت زادت ، فإذا استبنت الزیادة فصلّ الظهر ، ثم تمهّل قدر ذراع وصلّ العصر » (1).

وروایة علیّ بن أبی حمزة ، قال : ذکر عند أبی عبد الله علیه السلام زوال الشمس قال ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبین ، فیقام ، فما دام تری الظل ینقص فلم تزل ، فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت » (2).

وینضبط ذلک بالدائرة الهندسیة ، وبها یستخرج خط نصف النهار الذی إذا وقع ظل الشاخص المنصوب فی مرکز الدائرة علیه کان وقت الاستواء ، وإذا مال عنه إلی الجانب الذی فیه المشرق کان أول الزوال.

وطریقها : أن یسوّی موضعا من الأرض خالیا من ارتفاع وانخفاض تسویة صحیحة ، ثم یدار علیها دائرة بأی بعد کان ، وینصب علی مرکزها مقیاس مخروط محدّد الرأس یکون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقریبا ، نصبا مستقیما بحیث یحدث عن جوانبه زوایا قوائم - ویعلّم ذلک بأن یقدر ما بین رأس المقیاس ومحیط الدائرة بمقدار واحد من ثلاث نقط من المحیط - ویرصد رأس الظل عند وصوله إلی محیطها یرید الدخول فیها فیعلم علیه علامة ، ثم یرصده بعد الزوال قبل خروج الظل من الدائرة ، فإذا أراد الخروج عنه علّم علیه علامة ووصل ما بین العلامتین بخط مستقیم ، ثم ینصّف القوسان ، ویکفی تنصیف القوس الشمالی ، فیخرج من منتصفه خطا مستقیما یتصل بالمرکز ، فذلک خط نصف النهار ، فإذا ألقی المقیاس ظله علی هذا الخط الذی هو خط نصف النهار کانت

ص: 65


1- التهذیب 2 : 27 - 75 ، الوسائل 3 : 119 أبواب المواقیت ب 11 ح 1.
2- التهذیب 2 : 27 - 76 ، الوسائل 3 : 119 أبواب المواقیت ب 11 ح 2.

والمماثلة بین الفی ء الزائد والظل الأول ، وقیل : بل مثل الشخص.

وقیل : أربعة أقدام للظهر وثمان للعصر. هذا للمختار ، وما زاد علی ذلک حتی تغرب وقت لذوی الأعذار.

وکذا من غروب الشمس إلی ذهاب الحمرة للمغرب ، والعشاء من ذهاب الحمرة إلی ثلث اللیل للمختار ، وما زاد علیه حتی ینتصف اللیل للمضطر ، وقیل : إلی طلوع الفجر.

وما بین طلوع الفجر إلی طلوع الحمرة للمختار فی الصبح ، وما زاد علی ذلک حتی تطلع الشمس للمعذور. وعندی أن ذلک کله للفضیلة.

______________________________________________________

الشمس فی وسط السماء لم تزل ، فإذا ابتدأ رأس الظل یخرج عنه فقد زالت.

وثانیهما : میل الشمس إلی الحاجب الأیمن لمن یستقبل القبلة ، والمراد بها قبلة أهل العراق ، ولا بد من حمله علی أطراف العراق الغربیة التی قبلتها نقطة الجنوب ، فإن الشمس عند الزوال تکون علی دائرة نصف النهار المتصلة بنقطتی الجنوب والشمال فیکون حینئذ لمستقبل نقطة الجنوب بین العینین فإذا زالت مالت إلی طرف الحاجب الأیمن ، وأما أوساط العراق وأطرافه الشرقیة فقبلتهم تمیل عن نقطة الجنوب نحو المغرب کما سیأتی (1) ، فلا یعلم الزوال بصیرورة الشمس علی الحاجب الأیمن لمستقبلها إلاّ بعد مضی زمان طویل من أول الوقت.

قوله : ( والمماثلة بین الفی ء الزائد والظل الأول ، وقیل : مثل الشخص ).

المراد بالفی ء ما یحدث من ظل الشخص بعد الزوال ، وبالظل ما حدث منه قبله ، والمراد بالظل الأول الباقی منه عند الزوال ، والقول باعتبار المماثلة بین الفی ء الزائد والشخص المنصوب مذهب الأکثر ، قاله فی المعتبر (2) ، وهو الأظهر ، لأنه المستفاد من الروایات الدالة علی اعتبار المماثلة ، کموثقة زرارة ،

ص: 66


1- فی ص 129.
2- المعتبر 2 : 50.

______________________________________________________

عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال لعمرو بن سعید بن هلال : « قل له - یعنی زرارة - إذا صار ظلک مثلک فصلّ الظهر ، وإذا صار ظلک مثلیک فصلّ العصر » (1).

وصحیحة أحمد بن محمد ، قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فکتب : « قامة للظهر ، وقامة للعصر » (2).

وروایة یزید بن خلیفة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنک بوقت ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا لا یکذب علینا » قلت : ذکر أنک قلت : « إذا زالت الشمس لم یمنعک إلاّ سبحتک ، ثم لا تزال فی وقت إلی أن یصیر الظل قامة وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر ، فلم یزل وقت العصر حتی یصیر الظل قامتین وذلک المساء » قال : « صدق » (3) ولو کان المعتبر مماثلة الظل الأول لما اعتبرت القامة ، لأنه غیر منضبط.

وقال الشیخ فی التهذیب : المعتبر المماثلة بین الفی ء الزائد والظل الأول لا الشخص ، واستدل بما رواه صالح بن سعید ، عن یونس ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عما جاء فی الحدیث : أن صلّ الظهر إذا کانت الشمس قامة وقامتین ، وذراعا وذراعین ، وقدما وقدمین ، من هذا ومن هذا ، فمتی هذا وکیف هذا؟ وقد یکون الظلّ فی بعض الأوقات نصف قدم. قال : « إنما قال : ظلّ القامة ، ولم یقل : قامة الظلّ ، وذلک أن ظلّ القامة یختلف ، مرة یکثر ومرة یقلّ ، والقامة قامة أبدا لا تختلف. ثم

ص: 67


1- التهذیب 2 : 22 - 62 ، الإستبصار 1 : 248 - 891 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 13.
2- التهذیب 2 : 21 - 61 ، الإستبصار 1 : 248 - 890 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 12.
3- الکافی 3 : 275 - 1 ، التهذیب 2 : 20 - 56 ، الإستبصار 1 : 260 - 932 ، الوسائل 3 : 114 أبواب المواقیت ب 10 ح 1.

ووقت النوافل الیومیة :

للظهر من حین الزوال إلی أن تبلغ زیادة الفی ء قدمین. وللعصر أربعة أقدام ، وقیل : ما دام وقت الاختیار باقیا ، وقیل : یمتد وقتها بامتداد وقت الفریضة ، والأول أشهر.

______________________________________________________

قال : ذراع وذراعان وقدم وقدمان ، فصار ذراع وذراعان تفسیر القامة والقامتین فی الزمان الذی یکون فیه ظل القامة ذراعا وظلّ القامتین ذراعین ، فیکون ظلّ القامة والقامتین والذراع والذراعین متفقین فی کل زمان معروفین مفسرا أحدهما بالآخر مسددا به ، فإذا کان الزمان الذی یکون فیه ظلّ القامة ذراعا کان الوقت ذراعا من ظلّ القامة وکانت القامة ذراعا من الظلّ ، وإذا کان ظلّ القامة أقل وأکثر کان الوقت محصورا بالذراع والذراعین ، فهذا تفسیر القامة والقامتین والذراع والذراعین » (1).

وهذه الروایة ضعیفة بالإرسال وجهالة صالح بن سعید ، ومتنها متهافت مضطرب لا یدل علی المطلوب ، وأیضا : فإنّ قدر الظلّ الأول غیر منضبط وقد ینعدم فی بعض الأوقات ، فلو نیط الوقت به لزم التکلیف بعبادة موقتة فی غیر وقت أو فی وقت یقصر عنها ، وهو معلوم البطلان.

قوله : ( ووقت النوافل الیومیة للظهر من حین الزوال إلی أن تبلغ زیادة الفی ء قدمین ، وللعصر أربعة أقدام ، وقیل : ما دام وقت الاختیار باقیا ، وقیل : یمتد وقتها بامتداد وقت الفریضة ، والأول أشهر ).

اختلف الأصحاب فی آخر وقت نافلة الظهرین ، فقال الشیخ فی النهایة ، وجمع من الأصحاب : وقت نافلة الظهر من الزوال حتی تبلغ زیادة الظل قدمین ، والعصر إلی أربعة أقدام (2). وقال فی الجمل ، والمبسوط ، والخلاف : وقت نافلة الظهر من الزوال إلی أن یبقی لصیرورة الفی ء مثل الشخص بمقدار ما یصلی فیه فریضة الظهر ، والعصر بعد الفراغ من الظهر ، إلی أن یبقی لصیرورة

وقت نوافل الظهر والعصر

ص: 68


1- التهذیب 2 : 24 - 67 ، الوسائل 3 : 110 أبواب المواقیت ب 8 ح 34.
2- النهایة : 60.

______________________________________________________

الفی ء مثلیه مقدار ما یصلی العصر (1).

وحکی المصنف - رحمه الله - هنا قولا بامتداد وقتهما بامتداد وقت الفریضة ولم ینقله فی المعتبر ، ولا نقله غیره فیما أعلم ، وهو مجهول القائل (2). والمعتمد الأول.

لنا ما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی الصحیح عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إن حائط مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله کان قامة ، وکان إذا مضی من فیئه ذراع صلی الظهر ، وإذا مضی من فیئه ذراعان صلی العصر » ثم قال : « أتدری لم یجعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلک؟ قال : « لمکان النافلة ، لک أن تتنفل من زوال الشمس إلی أن یمضی ذراع ، فإذا بلغ فیئک ذراعا بدأت بالفریضة وترکت النافلة ، وإذا بلغ فیئک ذراعین بدأت بالفریضة وترکت النافلة » (3).

ومقتضی الروایة ترک النافلة بعد الذراع والذراعین والبدأة بالفریضة ثم الإتیان بالنافلة بعد ذلک.

وبهذه الروایة استدل المصنف فی المعتبر علی اعتبار المثل والمثلین ، فقال بعد نقلها : وهذا یدل علی بلوغ المثل والمثلین ، لأن التقدیر أن الحائط ذراع. قال : ویدل علیه ما روی علی بن حنظلة عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فی کتاب علی علیه السلام : القامة ذراع » (4) فبهذا الاعتبار یعود اختلاف کلام الشیخ لفظیا (5).

ویتوجه علیه أولا : منع ما ادعاه من کون القامة ذراعا ، والطعن فی سند

ص: 69


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 174 ، والمبسوط 1 : 76 ، والخلاف 1 : 199.
2- القائل هو الحلبی فی الکافی فی الفقه : 158.
3- الفقیه 1 : 140 - 653 ، الوسائل 3 : 103 أبواب المواقیت ب 8 ح 3.
4- التهذیب 2 : 251 - 995 ، الوسائل 3 : 107 أبواب المواقیت ب 8 ح 26.
5- المعتبر 2 : 48.

فإن خرج وقد تلبّس من النافلة ولو برکعة زاحم بها الفریضة مخففة.

______________________________________________________

الروایات المتضمنة لذلک.

وثانیا : أنه لو ثبت ذلک فی الجملة لم تصح إرادته هنا ، لأن قوله علیه السلام فی آخر الروایة : « فإذا بلغ فیئک ذراعا بدأت بالفریضة » صریح فی اعتبار قامة الإنسان.

ویمکن أن یستدل للقول الثالث بإطلاق النصوص المتضمنة لاستحباب فعل هذه النوافل قبل الفرضین (1).

وحسنة محمد بن عذافر قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلاة التطوع بمنزلة الهدیة متی ما أتی بها قبلت ، فقدّم منها ما شئت وأخّر ما شئت » (2).

ومرسلة علی بن الحکم ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال لی : « صلاة النهار ست عشرة رکعة أیّ النهار شئت ، إن شئت فی أوله ، وإن شئت فی وسطه ، وإن شئت فی آخره » (3).

والجواب أن هذه الروایات مطلقة ، وروایتنا مفصلة ، والمطلق یحمل علی المفصل.

واعلم أن ظاهر الروایة استئثار النافلة بجمیع الذراع والذراعین ، أو المثل والمثلین علی ما ذکره المصنف ، بمعنی أنه لو بقی من ذلک الوقت قدر النافلة خاصة أوقعها فیه وأخر الفریضة ، ومقتضی کلام الشیخ فی المبسوط والجمل استثناء قدر إیقاع الفریضتین من المثل والمثلین ، والأخبار لا تساعده.

قوله : ( وإن خرج الوقت وقد تلبس من النافلة ولو برکعة زاحم بها

ص: 70


1- الوسائل 3 : 31 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 3.
2- التهذیب 2 : 267 - 1066 ، الإستبصار 1 : 278 - 1010 ، الوسائل 3 : 170 أبواب المواقیت ب 37 ح 8.
3- التهذیب 2 : 267 - 1064 ، الإستبصار 1 : 278 - 1008 ، الوسائل 3 : 169 أبواب المواقیت ب 37 ح 6.

وإن لم یکن صلی شیئا بدأ بالفریضة.

______________________________________________________

الفریضة مخففة ، وإن لم یکن صلی شیئا بدأ بالفریضة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (1) وأتباعه (2). وربما کان مستنده روایة عمار بن موسی الساباطی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « للرجل أن یصلی من نوافل الزوال إلی أن یمضی قدمان ، فإن مضی قدمان قبل أن یصلی رکعة بدأ بالأولی ولم یصل الزوال إلاّ بعد ذلک ، وللرجل أن یصلی من نوافل العصر ما بین الأولی إلی أن یمضی أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم یصلّ من النوافل شیئا فلا یصلی النوافل ، وإن کان قد صلی رکعة فلیتم النوافل حتی یفرغ منها ثم یصلی العصر » (3) وهی صریحة فی المطلوب ، ولا تنافیها روایة زرارة المتقدمة (4) ، إذ الظاهر منها أن تقدیم الفریضة بعد الذراع والذراعین إنما هو مع عدم التلبس بشی ء من النافلة أصلا.

قال المصنف فی المعتبر : وهذه الروایة فی سندها جماعة من الفطحیة ، لکن یعضدها أنه محافظة علی سنة لم یتضیق وقت فریضتها (5). وهو جید ، ویعضدها أیضا أنّ مضمونها موافق للإطلاقات المعلومة ولیس لها معارض یعتد به ، فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالی.

وقد ذکر المصنف وغیره (6) أنه مع التلبّس من النافلة فی الوقت برکعة یتمها مخففة ، وذکروا أنّ المراد بتخفیفها : الاقتصار علی أقل ما یجزئ فیها ، کقراءة الحمد وحدها وتسبیحة واحدة فی الرکوع والسجود ، حتی قال بعض المتأخرین : إنه لو تأدی التخفیف بالصلاة جالسا آثره علی القیام لإطلاق الأمر بالتخفیف. والنصّ (7) الذی وقفت علیه خال من هذا القید وإن أمکن المصیر

ص: 71


1- النهایة : 60.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 71.
3- التهذیب 2 : 273 - 1086 ، الوسائل 3 : 178 أبواب المواقیت ب 40 ح 1 ، بتفاوت یسیر.
4- فی ص 69.
5- المعتبر 2 : 58.
6- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 20.
7- التهذیب 2 : 257 - 1019 ، الوسائل 3 : 88 أبواب المواقیت ب 3 ح 9.

ولا یجوز تقدیمها علی الزوال إلاّ یوم الجمعة. ویزاد فی نافلها أربع رکعات ، اثنتان منها للزوال.

______________________________________________________

إلی ما ذکروه محافظة علی المسارعة إلی فعل الواجب.

قوله : ( ولا یجوز تقدیمها علی الزوال إلاّ یوم الجمعة ).

الوجه فی ذلک أنّ الصلاة وظیفة شرعیة فیقف إثباتها علی مورد النقل ، والمنقول فعلها بعد الزوال فی غیر یوم الجمعة ، فلا یکون تقدیمها علیه مشروعا. ویؤیده ما رواه الشیخ ( فی الصحیح ) (1) عن ابن أذینة عن عدة : أنهم سمعوا أبا جعفر علیه السلام یقول : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام لا یصلی من النهار حتی تزول الشمس ، ولا من اللیل بعد ما یصلی العشاء حتی ینتصف اللیل » (2).

وقال الشیخ فی التهذیب : یجوز تقدیمها علی الزوال رخصة لمن علم أنه إن لم یقدمها اشتغل عنها ولم یتمکن من قضائها (3). واستدل بما رواه فی الصحیح عن إسماعیل بن جابر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أشتغل ، قال : « فاصنع کما أصنع ، صلّ ست رکعات إذا کانت الشمس فی مثل موضعها من صلاة العصر یعنی ارتفاع الضحی الأکبر ، واعتد بها من الزوال » (4).

وعن القاسم بن الولید الغسانی عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : جعلت فداک صلاة النهار صلاة النوافل کم هی؟ قال : « ست عشرة أیّ ساعات النهار شئت أن تصلیها صلیتها ، إلاّ أنک إذا صلیتها فی مواقیتها أفضل » (5).

جواز تقدیم النوافل علی الزوال یوم الجمعة

ص: 72


1- لیست فی « م ».
2- التهذیب 2 : 266 - 1060 ، الإستبصار 1 : 27 - 1004 ، الوسائل 3 : 167 أبواب المواقیت ب 36 ح 5.
3- التهذیب 2 : 266.
4- التهذیب 2 : 267 - 1062 ، الإستبصار 1 : 277 - 1006 ، الوسائل 3 : 169 أبواب المواقیت ب 37 ح 4.
5- التهذیب 2 : 267 - 1063 ، الإستبصار 1 : 27 - 1007 ، الوسائل 3 : 169 أبواب المواقیت ب 37 ح 5.

ونافلة المغرب بعدها إلی ذهاب الحمرة المغربیة ،

______________________________________________________

وعن سیف بن عبد الأعلی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن نافلة النهار ، قال : « ست عشرة رکعة متی ما نشطت ، إنّ علی بن الحسین علیه السلام کانت له ساعات من النهار یصلی فیها ، فإذا شغله ضیعة أو سلطان قضاها ، إنما النافلة مثل الهدیة متی ما أتی بها قبلت » (1).

( ویستفاد من هاتین الروایتین جواز التقدیم مطلقا وإن کان مرجوحا بالنسبة إلی إیقاعها بعد الزوال ) (2) وتدل علیه أیضا حسنة محمد بن عذافر قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلاة التطوع بمنزلة الهدیة متی ما أتی بها قبلت ، فقدّم منها ما شئت وأخّر ما شئت » (3). وهذه الروایة لا تقصر عن الصحیح.

وصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام : إنه قال : « ما صلی رسول الله صلی الله علیه و آله الضحی قط » فقلت له : ألم تخبرنی أنه کان یصلی فی صدر النهار أربع رکعات؟ قال : « بلی إنه کان (4) یجعلها من الثمان التی بعد الظهر » (5).

هذا کله فی غیر یوم الجمعة ، أما فیه فلا ریب فی جواز تقدیم النافلة علی الزوال بل رجحانه ، کما سیجی ء فی محله إن شاء الله تعالی.

قوله : ( ونافلة المغرب بعدها إلی ذهاب الحمرة المغربیة ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا. واستدل علیه فی المعتبر (6) بأن

وقت نافلة المغرب

ص: 73


1- التهذیب 2 : 267 - 1065 ، الإستبصار 1 : 278 - 1009 ، الوسائل 3 : 169 أبواب المواقیت ب 37 ح 7. إلا أن فیها سیف عن عبد الأعلی وهو الظاهر لعدم وجود سیف بن عبد الأعلی فی کتب الرجال.
2- ما بین القوسین لیس فی « س ».
3- التهذیب 2 : 267 - 1066 ، الإستبصار 1 : 278 - 1010 ، الوسائل 3 : 170 أبواب المواقیت ب 37 ح 8.
4- فی « ح » زیادة : یصلی و.
5- الفقیه 1 : 358 - 1567 ، الوسائل 3 : 170 أبواب المواقیت ب 37 ح 10.
6- المعتبر 2 : 53.

فإن بلغ ذلک ولم یکن صلی النافلة أجمع بدأ بالفریضة.

______________________________________________________

ما بین صلاة المغرب وذهاب الحمرة وقت یستحب فیه تأخیر العشاء فکان الإقبال فیه علی النافلة حسنا ، وعند ذهاب الحمرة یقع الاشتغال بالفرض فلا یصلح للنافلة. قال : ویدل علی أن آخر وقتها ذهاب الحمرة ما روی من منع النافلة فی وقت الفریضة ، روی ذلک جماعة منهم محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا دخل وقت الفریضة فلا تطوع » (1).

وفیه نظر ، إذ من المعلوم أنّ النهی عن التطوع وقت الفریضة إنما یتوجه إلی غیر الرواتب ، للقطع باستحبابها فی أوقات الفرائض وإلاّ لم تشرع نافلة المغرب عند من قال بدخول وقت العشاء بعد مضی مقدار ثلاث رکعات من أول وقت المغرب (2) ، ولا نافلة الظهرین عند الجمیع. وقوله : إنه عند ذهاب الحمرة یقع الاشتغال بالفرض فلا یصلح للنافلة ، دعوی خالیة من الدلیل ، مع أن الاشتغال بالفرض قد یقع قبل ذلک عند المصنف ومن قال بمقالته ، ومجرد استحباب تأخیر العشاء عن أول وقتها إلی ذهاب الحمرة لا یصلح للفرق.

ومن ثم مال شیخنا الشهید فی الذکری والدروس إلی امتداد وقتها بوقت المغرب ، لأنها تابعة لها کالوتیرة (3) ، وهو متجه. وتشهد له صحیحة أبان بن تغلب ، قال : صلیت خلف أبی عبد الله علیه السلام المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلی المغرب ثم صلی العشاء الآخرة ولم یرکع بینهما. ثم صلیت خلفه بعد ذلک بسنة فلما صلی المغرب قام فتنفل بأربع رکعات ثم أقام فصلی العشاء الآخرة (4).

قوله : ( فإن بلغ ذلک ولم یکن صلی النافلة أجمع بدأ بالفریضة ).

استدل علیه فی المعتبر بأن النافلة لا تزاحم غیر فریضتها ، لما روی أنه لا

ص: 74


1- التهذیب 2 : 247 - 982 ، الإستبصار 1 : 252 - 906 ، الوسائل 3 : 165 أبواب المواقیت ب 35 ح 3. بتفاوت یسیر.
2- حکاه العلامة فی المختلف : 69.
3- الذکری : 124 ، والدروس : 23.
4- الکافی 3 : 267 - 2 ، الوسائل 3 : 163 أبواب المواقیت ب 33 ح 1 بتفاوت.

والرکعتان من جلوس بعد العشاء ، ویمتدّ وقتهما بامتداد وقت الفریضة. وینبغی أن یجعلهما خاتمة نوافله.

______________________________________________________

تطوع فی وقت فریضة (1). ویتوجه علیه ما سبق.

وجزم الشهیدان بأن من کان قد شرع فی رکعتین منها ثم زالت الحمرة یتمهما سواء کانتا الأولتین أو الأخیرتین ، للنهی عن إبطال العمل (2) ، ولأن الصلاة علی ما افتتحت علیه (3). وهو حسن ، وأحسن منه إتمام الأربع بالتلبس بشی ء منها قبل ذهاب الشفق کما نقل عن ابن إدریس (4). وأولی من الجمیع الإتیان بالنافلة بعد المغرب متی أوقعها المکلف وعدم اعتبار شی ء من ذلک.

قوله : ( والرکعتان من جلوس بعد العشاء ، ویمتد وقتهما بامتداد وقت الفریضة ، وینبغی أن یجعلها خاتمة نوافله ).

أما امتداد وقتهما بامتداد وقت العشاء فلأنهما نافلة لها فتکون مقدرة بوقتها. قال فی المنتهی : وهو مذهب علمائنا أجمع (5).

وأما استحباب جعلهما خاتمة النوافل التی یرید أن یصلیها تلک اللیلة فذکره الشیخان (6) وأتباعهما (7) ، ولم أقف علی مستنده. نعم روی زرارة عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « ولیکن آخر صلاتک وتر لیلتک » (8) وهو لا یدل علی المدعی.

ویستحب القراءة فی هاتین الرکعتین بالواقعة والتوحید ، لما رواه الشیخ فی

وقت نافلة العشاء

ص: 75


1- المعتبر 2 : 54.
2- محمد : 33.
3- الشهید الأول فی الذکری : 124 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 181.
4- الذکری : 124.
5- المنتهی 1 : 208.
6- المفید فی المقنعة : 19 ، والشیخ فی النهایة : 60 ، 119 ، والمبسوط 1 : 76 ، 133.
7- منهم ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 671.
8- الکافی 3 : 453 - 12 ، التهذیب 2 : 274 - 1087 ، الوسائل 5 : 283 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 42 ح 5.

وصلاة اللیل بعد انتصافه ، وکلما قربت من الفجر کان أفضل.

______________________________________________________

الصحیح عن ابن أبی عمیر ، قال : کان أبو عبد الله علیه السلام یقرأ فی الرکعتین بعد العشاء الواقعة وقل هو الله أحد (1).

قوله : ( وصلاة اللیل بعد انتصافه ، وکلما قرب من الفجر کان أفضل ).

أما أن ما بعد الانتصاف وقت لصلاة اللیل فهو مذهب علمائنا أجمع ، ویدل علیه صحیحة فضیل عن أحدهما علیهماالسلام : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یصلی بعد ما ینتصف اللیل ثلاث عشرة رکعة » (2). وصحیحة ابن أذینة عن عدة إنهم سمعوا أبا جعفر علیه السلام یقول : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام لا یصلی من النهار حتی تزول الشمس ، ولا من اللیل بعد ما یصلی العشاء حتی ینتصف اللیل » (3).

وأما أنه کلما قرب من الفجر کان أفضل فاستدل علیه بقوله تعالی : ( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ ) (4) والسحر ما قبل الفجر علی ما نصّ علیه أهل اللغة (5). وقد صحّ عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إن المراد بالاستغفار هنا الاستغفار فی قنوت الوتر » (6).

وصحیحة إسماعیل بن سعد الأشعری ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن ساعات الوتر ، فقال : « أحبها إلیّ الفجر الأول » وسألته عن أفضل ساعات اللیل ، قال : « الثلث الباقی » (7).

وقت صلاة اللیل

ص: 76


1- التهذیب 2 : 116 - 433 ، الوسائل 4 : 784 أبواب القراءة فی الصلاة ب 45 ح 1.
2- التهذیب 2 : 117 - 442 ، الإستبصار 1 : 279 - 1012 ، الوسائل 3 : 180 أبواب المواقیت ب 43 ح 3.
3- الکافی 3 : 289 - 7 ، التهذیب 2 : 266 - 1060 ، الوسائل 3 : 167 أبواب المواقیت ب 36 ح 5.
4- الذاریات : 18.
5- کما فی الصحاح 2 : 678.
6- التهذیب 2 : 130 - 498 ، الوسائل 4 : 910 أبواب القنوت ب 10 ح 7. بلفظ آخر.
7- التهذیب 2 : 339 - 1401 ، الوسائل 3 : 197 أبواب المواقیت ب 54 ح 4.

______________________________________________________

وروایة مرازم عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : متی أصلی صلاة اللیل؟ فقال : « صلها آخر اللیل » قال : فقلت : فإنی لا أستنبه ، فقال : « تستنبه مرة فتصلیها وتنام فتقضیها ، فإذا اهتممت بقضائها بالنهار استنبهت » (1). وفی طریق هذه الروایة هارون ، وهو مشترک بین جماعة منهم الضعیف (2).

ولو قیل باستحباب تأخیر الوتر خاصة إلی أن یقرب الفجر دون الثمانی رکعات - کما تدل علیه صحیحة إسماعیل بن سعد المتقدمة - کان وجها قویا. ویؤیده ما رواه عمر بن یزید فی الصحیح أنه سمع أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إن فی اللیل لساعة لا یوافقها عبد مسلم یصلی ویدعو الله فیها إلاّ استجاب له فی کل لیلة » قلت : فأصلحک الله فأیة ساعة من اللیل؟ قال : « إذا مضی نصف اللیل إلی الثلث الباقی » (3).

وقال ابن الجنید (4) : یستحب الإتیان بصلاة اللیل فی ثلاثة أوقات ، لقوله تعالی ( وَمِنْ آناءِ اللَّیْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ ) (5) ولما رواه معاویة بن وهب فی الصحیح ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول - وذکر صلاة النبی صلی الله علیه و آله - قال : « کان یؤتی بطهور فیخمر عند رأسه ، ویوضع سواکه عند فراشه ، ثم ینام ما شاء الله ، فإذا استیقظ جلس ، ثم قلّب بصره فی السماء ثم تلا الآیات من آل عمران ( إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) الآیة ، ثم یستنّ ویتطهر ، ثم یقوم إلی المسجد فیرکع أربع رکعات ، علی قدر قراءته رکوعه ، وسجوده علی قدر رکوعه ، یرکع حتی یقال : متی یرفع رأسه ، ویسجد حتی یقال : متی یرفع رأسه ، ثم یعود إلی فراشه فینام ما شاء الله ، ثم

ص: 77


1- التهذیب 2 : 335 - 1382 ، الوسائل 3 : 186 أبواب المواقیت ب 45 ح 6.
2- راجع رجال النجاشی : 437 - 1176 - 1184.
3- التهذیب 2 : 117 - 441 ، الوسائل 4 : 1118 أبواب الدعاء ب 26 ح 1.
4- نقله عنه فی المختلف : 124.
5- طه : 130.

ولا یجوز تقدیمها علی الانتصاف ، إلا لمسافر یصدّه جده أو شاب تمنعه رطوبة رأسه ، وقضاؤها أفضل.

______________________________________________________

یستیقظ فیجلس فیتلو الآیات من آل عمران ویقلّب بصره فی السماء ، ثم یستنّ ویتطهر ویقوم إلی المسجد فیصلی أربع رکعات کما رکع قبل ذلک ، ثم یعود إلی فراشه فینام ما شاء الله ، ثم یستیقظ فیجلس فیتلو الآیات من آل عمران ویقلب بصره فی السماء ، ثم یستنّ ویتطهر ویقوم إلی المسجد فیوتر ویصلی الرکعتین ثم یخرج إلی الصلاة » (1). ومعنی یستنّ یستاک. ویستفاد من هذه الروایة استحباب فعل النافلة فی المسجد.

قوله : ( ولا یجوز تقدیمها علی الانتصاف ، إلاّ لمسافر یصدّه جده ، أو شاب تمنعه رطوبة رأسه ، وقضاؤها أفضل ).

ما اختاره المصنف من عدم جواز تقدیمها علی الانتصاف إلاّ فی السفر أو الخوف من غلبة النوم مذهب أکثر الأصحاب.

ونقل عن زرارة بن أعین المنع من تقدیمها علی الانتصاف مطلقا وأنه قال : کیف تقضی صلاة قبل وقتها؟ إن وقتها بعد انتصاف اللیل (2). واختاره ابن إدریس (3) - رحمه الله - علی ما نقل عنه ، والعلامة فی المختلف (4). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح عن لیث المرادی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی الصیف فی اللیالی القصار صلاة اللیل فی أول اللیل ، قال : « نعم ما رأیت ، نعم ما صنعت » قال : وسألته عن الرجل یخاف الجنابة فی السفر أو فی البرد فیجعل صلاة اللیل والوتر فی أول اللیل ،

ص: 78


1- التهذیب 2 : 334 - 1377 ، الوسائل 3 : 195 أبواب المواقیت ب 53 ح 1.
2- التهذیب 2 : 119 - 448 ، الإستبصار 1 : 280 - 1016 ، الوسائل 3 : 186 أبواب المواقیت ب 45 ح 7.
3- السرائر : 67.
4- المختلف : 74.

______________________________________________________

قال : « نعم » (1).

وفی الصحیح عن أبان بن تغلب ، قال : خرجت مع أبی عبد الله علیه السلام فیما بین مکة والمدینة ، فکان یقول : « أمّا أنتم فشباب تؤخّرون وأمّا أنا فشیخ أعجل ، فکان یصلی صلاة اللیل أول اللیل » (2).

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن خشیت أن لا تقوم فی آخر اللیل وکانت بک علة أو أصابک برد ، فصلّ وأوتر من أول اللیل فی السفر » (3).

وفی الصحیح عن یعقوب الأحمر ، قال : سألته عن صلاة اللیل فی الصیف فی اللیالی القصار فی أول اللیل ، فقال : « نعم ما رأیت ، ونعم ما صنعت » ثم قال : « إن الشابّ یکثر النوم فأنا آمرک به » (4).

والأخبار الواردة فی ذلک کثیرة جدا (5).

وربما ظهر من بعض الروایات جواز تقدیمها علی الانتصاف مطلقا (6) ، کصحیحة محمد بن عیسی ، قال : کتبت إلیه أسأله : یا سیدی روی عن جدک أنه قال : لا بأس أن یصلی الرجل صلاة اللیل فی أول اللیل ، فکتب : « فی أیّ وقت صلی فهو جائز إن شاء الله » (7).

ص: 79


1- التهذیب 2 : 118 - 446 ، الإستبصار 1 : 279 - 1014 ، الوسائل 3 : 181 أبواب المواقیت ب 44 ح 1.
2- الکافی 3 : 440 - 6 ، التهذیب 3 : 227 - 579 ، الوسائل 3 : 184 أبواب المواقیت ب 44 ح 18.
3- الفقیه 1 : 289 - 1315 ، التهذیب 3 : 227 - 578 ، الوسائل 3 : 181 أبواب المواقیت ب 44 ح 2.
4- التهذیب 2 : 168 - 669 ، الوسائل 3 : 184 أبواب القنوت ب 44 ح 17.
5- الوسائل 3 : 181 أبواب المواقیت ب 44.
6- فی « م » زیادة : وإن کان مرجوحا بالنسبة إلی إیقاعها بعده.
7- التهذیب 2 : 337 - 1393 ، الوسائل 3 : 183 أبواب المواقیت ب 44 ح 14.

وآخر وقتها طلوع الفجر ، فإن طلع ولم یکن تلبس منها بأربع بدأ برکعتی

______________________________________________________

وروایة الحسین بن علی بن بلال ، قال : کتبت إلیه فی وقت صلاة اللیل ، فکتب : « عند زوال اللیل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوله وآخره جائز » (1).

وروایة سماعة عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بصلاة اللیل من أول اللیل إلی آخره ، إلاّ أن أفضل ذلک إذا انتصف اللیل » (2).

وقد نصّ الأصحاب علی أنّ قضاء النافلة من الغد أفضل من التقدیم ، ورواه معاویة بن وهب فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : إن رجلا من موالیک من صلحائهم شکا إلیّ ما یلقی من النوم ، فقال : إنی أرید القیام للصلاة باللیل فیغلبنی النوم حتی أصبح ، فربما قضیت صلاتی الشهر المتتابع والشهرین أصبر علی ثقله ، قال : « قرة عین له والله » ولم یرخص له فی الصلاة فی أول اللیل ، وقال : « القضاء بالنهار أفضل » قلت : فإن من نسائنا أبکارا الجاریة تحب الخیر وأهله وتحرص علی الصلاة فیغلبها النوم حتی ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهی تقوی علیه أول اللیل ، فرخص لهن فی الصلاة أول اللیل إذا ضعفن وضیعن القضاء (3).

وروی محمد - وهو ابن مسلم - فی الصحیح عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت : الرجل من أمره القیام باللیل تمضی علیه اللیلة واللیلتان والثلاث لا یقوم ، فیقضی أحب إلیک أم یعجل الوتر أول اللیل؟ قال : « لا ، بل یقضی وإن کان ثلاثین لیلة » (4).

قوله : ( وآخر وقتها طلوع الفجر ، فإن طلع ولم یکن تلبس منها

ص: 80


1- التهذیب 2 : 337 - 1392 ، الوسائل 3 : 183 أبواب المواقیت ب 44 ح 13.
2- التهذیب 2 : 337 - 1394 ، الوسائل 3 : 183 أبواب المواقیت ب 44 ح 9.
3- الکافی 3 : 447 - 20 ، التهذیب 2 : 119 - 447 ، الإستبصار 1 : 279 - 1015 ، الوسائل 3 : 185 أبواب المواقیت ب 45 ح 1 ، 2.
4- التهذیب 2 : 338 - 1395 ، الوسائل 3 : 185 أبواب المواقیت ب 45 ح 5.

الفجر قبل الفریضة حتی تطلع الحمرة المشرقیة ، فیشتغل بالفریضة.

______________________________________________________

بأربع بدأ برکعتی الفجر قبل الفریضة حتی تطلع الحمرة المشرقیة فیشتغل بالفریضة ).

المراد بالفجر : الثانی لا الأول عند أکثر الأصحاب ، لأن به یتحقق زوال اللیل.

ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - فوات وقتها بطلوع الفجر الأول ، محتجا بأن ذلک وقت رکعتی الفجر ، وهما آخر صلاة اللیل (1).

والجواب ما سیجی ء إن شاء الله من أن محل رکعتی الفجر قبل الفجر الأول وعنده وبعده.

وقد قطع المصنف وغیره (2) بأن الفجر إذا طلع ولم یکن المکلف قد تلبس من صلاة اللیل بأربع ، أخّرها وبدأ برکعتی الفجر مع بقاء وقتها ثم صلی الفریضة. وقد روی ذلک إسماعیل بن جابر فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أوتر بعد ما یطلع الفجر؟ قال : « لا » (3). وإذا امتنع الوتر بعد الفجر امتنع ما قبله بطریق أولی.

وبإزاء هذه الروایة روایات کثیرة متضمنة للأمر بفعل اللیلة بعد الفجر وإن لم یحصل التلبس منها بأربع ، کصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة اللیل والوتر بعد طلوع الفجر ، فقال : « صلّها بعد الفجر حتی تکون فی وقت تصلی الغداة فی آخر وقتها ، ولا تعمد ذلک فی کل لیلة » وقال : « أوتر أیضا بعد فراغک منها » (4).

ص: 81


1- کما فی السرائر : 39 ، والذکری : 125.
2- منهم العلامة فی القواعد 1 : 25.
3- التهذیب 2 : 126 - 479 ، الإستبصار 1 : 281 - 1021 ، الوسائل 3 : 188 أبواب المواقیت ب 46 ح 6.
4- التهذیب 2 : 126 - 480 ، الإستبصار 1 : 282 - 1024 ، الوسائل 3 : 189 أبواب المواقیت ب 48 ح 1.

وإن کان قد تلبس بأربع تمّمها مخفّفة ولو طلع الفجر.

______________________________________________________

وصحیحة سلیمان بن خالد قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « ربما قمت وقد طلع الفجر ، فأصلی صلاة اللیل والوتر والرکعتین قبل الفجر ثم أصلی الفجر » قال ، قلت : أفعل أنا ذا؟ قال : « نعم ، ولا یکون منک عادة » (1).

وروایة إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أقوم وقد طلع الفجر ولم أصلّ صلاة اللیل ، فقال : « صلّ صلاة اللیل وأوتر وصلّ رکعتی الفجر » (2).

قال المصنف فی المعتبر : واختلاف الفتوی دلیل التخییر (3). یعنی بین فعلها بعد الفجر قبل الفرض وبعده ، وهو حسن.

قوله : ( وإن کان تلبس بأربع تممها مخففة ولو طلع الفجر ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ومستنده روایة أبی جعفر الأحول قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا أنت صلیت أربع رکعات من صلاة اللیل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أو لم یطلع » (4) وهی وإن کانت ضعیفة السند بجهالة أبی الفضل النحوی الراوی عن أبی جعفر الأحول لکنها مؤیدة بعمل الأصحاب والروایات المتقدمة.

ولا ینافی ذلک ما رواه یعقوب البزاز قال ، قلت له : أقوم قبل الفجر بقلیل فأصلی أربع رکعات ثم أتخوف أن ینفجر الفجر أبدأ بالوتر أو أتم الرکعات؟ قال : « لا ، بل أوتر وأخّر الرکعات حتی تقضیها فی صدر

ص: 82


1- التهذیب 2 : 339 - 1403 ، الوسائل 3 : 190 أبواب المواقیت ب 48 ح 3.
2- التهذیب 2 : 126 - 478 ، الإستبصار 1 : 281 - 1023 ، الوسائل 3 : 190 أبواب المواقیت ب 48 ح 6.
3- المعتبر 2 : 60.
4- التهذیب 2 : 125 - 475 ، الإستبصار 1 : 282 - 1025 ، الوسائل 3 : 189 أبواب المواقیت ب 47 ح 1.

ووقت رکعتی الفجر بعد طلوع الفجر الأول ، ویجوز أن یصلیهما قبل ذلک.

______________________________________________________

النهار » (1) لأنا نجیب عنها :

أولا بالطعن فی السند بالإضمار ، وبأن من جملة رجالها محمد بن سنان وهو ضعیف جدا (2).

وثانیا بإمکان الحمل علی الأفضلیة کما ذکره الشیخ فی التهذیب (3) ، والکل حسن إن شاء الله.

قوله : ( ووقت رکعتی الفجر بعد طلوع الفجر الأول ، ویجوز أن یصلیها قبل ذلک ).

اختلف الأصحاب فی أول وقت رکعتی الفجر. فقال الشیخ فی النهایة : وقتهما عند الفراغ من صلاة اللیل وإن کان ذلک قبل طلوع الفجر الأول (4). وهو اختیار ابن إدریس (5) ، والمصنف ، وعامة المتأخرین (6). لکن قال فی المعتبر : إن تأخیرهما حتی یطلع الفجر الأول أفضل (7). وقال المرتضی - رضی الله عنه : وقت رکعتی الفجر طلوع الفجر الأول (8). ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (9).

وقت نافلة الصبح

ص: 83


1- التهذیب 2 : 125 - 476 ، الإستبصار 1 : 282 - 1026 ، الوسائل 3 : 189 أبواب المواقیت ب 47 ح 2.
2- راجع رجال النجاشی : 328 - 888 ، ورجال الشیخ : 386.
3- التهذیب 2 : 125.
4- النهایة : 61.
5- السرائر : 39.
6- کالعلامة فی المختلف : 71 ، والشهید الأول فی الذکری : 126 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 182.
7- المعتبر 2 : 55.
8- نقله عنه فی المختلف : 71.
9- المبسوط 1 : 76.

______________________________________________________

والمعتمد جواز تقدیمها بعد الفراغ من صلاة اللیل ، وإن کان تأخیرها إلی أن یطلع الفجر الأول أفضل.

لنا علی جواز التقدیم : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن رکعتی الفجر ، قال : « احشوا بهما صلاة اللیل » (1).

وفی الصحیح عن ابن أبی یعفور ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رکعتی الفجر متی أصلیهما؟ فقال : « قبل الفجر ومعه وبعده » (2).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « صلّ رکعتی الفجر قبل الفجر وبعده وعنده » (3).

وفی الحسن عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : الرکعتان اللتان قبل الغداة أین موضعهما؟ فقال : « قبل طلوع الفجر ، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة » (4).

ویدل علی أن الأفضل تأخیرها حتی یطلع الفجر الأول صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلهما بعد ما یطلع الفجر » (5) وإنما حملنا لفظ الفجر علی الأول لتناسب الأخبار السالفة.

ص: 84


1- التهذیب 2 : 132 - 511 ، الإستبصار 1 : 283 - 1029 ، الوسائل 3 : 191 أبواب المواقیت ب 50 ح 1.
2- التهذیب 2 : 134 - 519 ، الإستبصار 1 : 284 - 1036 ، الوسائل 3 : 195 أبواب المواقیت ب 52 ح 2.
3- التهذیب 2 : 133 - 518 ، الإستبصار 1 : 284 - 1035 ، الوسائل 3 : 195 أبواب المواقیت ب 52 ح 4.
4- الکافی 3 : 448 - 25 ، التهذیب 2 : 132 - 509 و 336 - 1389 ، الاستبصار 1 : 282 - 1027 ، الوسائل 3 : 192 أبواب المواقیت ب 50 ح 7.
5- التهذیب 2 : 134 - 523 ، الإستبصار 1 : 284 - 1040 ، الوسائل 3 : 193 أبواب المواقیت ب 51 ح 5.

والأفضل إعادتهما بعده.

______________________________________________________

ولعل هذه الروایة مستند الشیخ والمرتضی فی جعلهما ذلک أول الوقت.

والجواب : المعارضة بالأخبار المستفیضة المتضمنة للأمر بفعلها مع صلاة اللیل من غیر تقیید بطلوع الفجر الأول ، مع إمکان القدح فی هذه الروایة ، لعدم وضوح مرجع الضمیر.

قوله : ( والأفضل إعادتهما بعده ).

أی : والأفضل لمن صلاهما قبل طلوع الفجر الأول إعادتهما بعد طلوعه. وهذا الحکم ذکره الشیخ (1) وجمع من الأصحاب ، واستدلوا علیه بصحیحة حماد بن عثمان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ربما صلیتهما وعلیّ لیل ، فإن نمت ولم یطلع الفجر أعدتهما » (2).

وموثقة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « إنی لأصلی صلاة اللیل فأفرغ من صلاتی وأصلی الرکعتین فأنام ما شاء الله قبل أن یطلع الفجر ، فإن استیقظت عند الفجر أعدتهما » (3).

ولا یخفی أنّ هاتین الروایتین إنما تدلان علی استحباب الإعادة لمن صلی هاتین الرکعتین وعلیه قطعة من اللیل إذا نام بعدهما ، فلا یتم الاستدلال بهما علی الاستحباب مطلقا.

وربما استفید منهما عدم کراهة النوم بعد صلاة اللیل ، وقطع الشیخ (4) ، والمصنف (5) بالکراهة ، لما رواه سلیمان بن حفص المروزی قال ، قال أبو الحسن الأخیر علیه السلام : « إیاک والنوم بین صلاة اللیل والفجر ، ولکن ضجعة بلا

ص: 85


1- المبسوط 1 : 132.
2- التهذیب 2 : 135 - 527 ، الإستبصار 1 : 285 - 1044 ، الوسائل 3 : 194 أبواب المواقیت ب 51 ح 8 ، وفی الجمیع : فإن قمت ولم یطلع الفجر.
3- التهذیب 2 : 135 - 528 ، الإستبصار 1 : 285 - 1045 ، الوسائل 3 : 194 أبواب المواقیت ب 51 ح 9.
4- التهذیب 2 : 137 ، والاستبصار 1 : 349.
5- المعتبر 2 : 55.

ویمتدّ وقتهما حتی تطلع الحمرة ، ثم تصیر الفریضة أولی.

______________________________________________________

نوم ، فإن صاحبه لا یحمد علی ما قدم من صلاته » (1) وفی الطریق ضعف (2) ، لکن العمل بمضمونها أولی.

قوله : ( ویمتد وقتهما حتی تطلع الحمرة ، ثم تصیر الفریضة أولی ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ومستنده قول الصادقین علیهماالسلام : « صلهما قبل الفجر ومعه وبعده » (3) والبعدیة تستمر إلی ما بعد الإسفار وطلوع الحمرة.

ویدل علی انتهاء الوقت بذلک صحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل لا یصلی الغداة حتی یسفر وتظهر الحمرة ولم یرکع رکعتی الفجر ، أیرکعهما أو یؤخرهما؟ قال : « یؤخرهما » (4).

وقال ابن الجنید : وقت صلاة اللیل والوتر والرکعتین من حین انتصاف اللیل إلی طلوع الفجر علی الترتیب (5). وظاهره انتهاء الوقت بطلوع الفجر الثانی ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی کتابی الأخبار ، واستدل بصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رکعتی الفجر ، قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : « قبل الفجر ، إنهما من صلاة اللیل ، ثلاث عشرة رکعة صلاة اللیل ، أترید أن تقایس؟ لو کان علیک من شهر رمضان أکنت تتطوع؟ إذا دخل علیک وقت الفریضة فابدأ بالفریضة » (6).

ویمکن التوفیق بین الروایات إما بحمل لفظ الفجر فی الروایات السابقة

ص: 86


1- التهذیب 2 : 137 - 534 ، الإستبصار 1 : 349 - 1319 ، الوسائل 4 : 1062 أبواب التعقیب ب 35 ح 1.
2- لعل وجهه أن علی بن محمد القاسانی فی الطریق وقد ضعفه الشیخ فی رجاله : 417.
3- المتقدم فی ص 84.
4- التهذیب 2 : 340 - 1409 ، الوسائل 3 : 193 أبواب المواقیت ب 51 ح 1.
5- نقله عنه فی المختلف : 71.
6- التهذیب 2 : 133 - 513 ، الإستبصار 1 : 283 - 1031 ، الوسائل 3 : 192 أبواب المواقیت ب 50 ح 3.

ویجوز أن یقضی الفرائض الخمس فی کل وقت ما لم یتضیق وقت حاضرة ، وکذا یصلی بقیّة الصلوات المفروضات.

ویصلی النوافل ما لم یدخل وقت فریضة ، وکذا قضاؤها.

______________________________________________________

علی الأول ، ویراد بما بعد الفجر ما بعد الأول وقبل الثانی ، أو بحمل الأمر فی هذه الروایة علی الاستحباب ، ولعل الثانی أرجح.

قوله : ( ویجوز أن یقضی الفرائض الخمس فی کل وقت ما لم یتضیق وقت حاضرة ، وکذا یصلی بقیة الصلوات المفروضات ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، ویدل علیه مضافا إلی الإجماع : صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال : « أربع صلوات یصلیها الرجل فی کل ساعة : صلاة فاتتک فمتی ذکرتها أدیتها ، وصلاة رکعتی طواف الفریضة ، وصلاة الکسوف ، والصلاة علی المیت. هذه یصلیهن الرجل فی الساعات کلها » (1).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الکسوف ، وإذا نسیت فصلّ إذا ذکرت ، علیه السلام یقول : « خمس صلوات لا تترک علی کل حال : إذا طفت بالبیت ، وصلاة الجنازة » (2).

قوله : ( ویصلی النوافل ما لم یدخل وقت فریضة ، وکذا قضاؤها ).

المراد بالنوافل : المطلقة ، أعنی غیر الراتبة ، وبقضائها قضاء مطلق النافلة وإن کانت راتبة ، علی ما صرح به المصنف - رحمه الله - وغیره (3).

جواز قضاء الفرائض فی کل وقت

وقت النوافل الغیر الراتبة

ص: 87


1- الفقیه 1 : 278 - 1265 ، الوسائل 3 : 174 أبواب المواقیت ب 39 ح 1.
2- الکافی 3 : 287 - 2 ، الوسائل 3 : 175 أبواب المواقیت ب 39 ح 4.
3- منهم العلامة فی التبصرة : 21.

______________________________________________________

وقد قطع الشیخان (1) ، وأتباعهما (2) ، والمصنف - رحمه الله - بالمنع من قضاء النافلة مطلقا ، وفعل ما عدا الراتبة من النوافل فی أوقات الفرائض ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (3).

واستدلوا علیه بروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « قال لی رجل من أهل المدینة : یا أبا جعفر ما لی لا أراک تتطوّع بین الأذان والإقامة کما یصنع الناس؟ » قال : « فقلت : إنا إذا أردنا أن نتطوع کان تطوعنا فی غیر وقت فریضة ، فإذا دخلت الفریضة فلا تطوع » (4).

وروایة سیف بن عمیرة ، عن أبی بکر ، عن جعفر بن محمد علیهماالسلام ، قال : « إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوّع » (5).

وروایة أدیم بن الحر ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا یتنفل الرجل إذا دخل وقت فریضة » قال ، وقال : « إذا دخل وقت فریضة فابدأ بها » (6).

وفی الجمیع قصور من حیث السند باشتمال سند الروایة الأولی والأخیرة علی الطاطری وعبد الله بن جبلة ، وهما واقفیان (7) ، وعدم ثبوت توثیق أبی بکر الحضرمی.

نعم روی زرارة فی الصحیح قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أصلی

ص: 88


1- المفید فی المقنعة : 23 ، والشیخ فی النهایة : 62 ، والمبسوط 1 : 76 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 175.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 127 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 671.
3- المعتبر 2 : 60.
4- التهذیب 2 : 167 - 661 و 247 - 982 ، الاستبصار 1 : 252 - 906 ، الوسائل 3 : 165 أبواب المواقیت ب 35 ح 3.
5- التهذیب 2 : 167 - 660 و 340 - 1405 ، الاستبصار 1 : 292 - 1071 ، الوسائل 3 : 166 أبواب المواقیت ب 35 ح 7.
6- التهذیب 2 : 167 - 663 ، الوسائل 3 : 165 أبواب المواقیت ب 35 ح 6.
7- حکاه النجاشی فی رجاله : 254 - 667 و 216 - 563 ، والشیخ الطوسی فی رجاله : 357 - 46.

______________________________________________________

نافلة وعلیّ فریضة أو فی وقت فریضة؟ قال : « لا ، إنه لا تصلی نافلة فی وقت فریضة ، أرأیت لو کان علیک من شهر رمضان أکان لک أن تتطوع حتی تقضیه؟ » قال ، قلت : لا ، قال : « فکذلک الصلاة » قال : فقایسنی وما کان یقایسنی (1).

ویمکن حمل هذه الروایات علی الأفضلیة ، کما تدل علیه حسنة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا دخل وقت الفریضة أتنفل أو أبدأ بالفریضة؟ فقال : « إن الفضل أن تبدأ بالفریضة ، وإنما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابین » (2).

وموثقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی المسجد وقد صلی أهله أیبتدئ بالمکتوبة أو یتطوع؟ فقال : « إن کان فی وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفریضة ، وإن خاف فوت الوقت من أجل ما مضی من الوقت فلیبدأ بالفریضة وهو حق الله ، ثم لیتطوع بما شاء » (3).

ویمکن الجمع بینهما أیضا بتخصیص النهی الواقع عن التنفل بعد دخول وقت الفریضة بما إذا کان المقیم قد شرع فی الإقامة ، کما تدل علیه صحیحة عمر بن یزید : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الروایة التی یروون أنه لا ینبغی أن یتطوع فی وقت فریضة ، ما حدّ هذا الوقت؟ قال : « إذا أخذ المقیم فی الإقامة » فقال له : الناس یختلفون فی الإقامة ، قال : « المقیم الذی یصلی معه » (4).

واختلف الأصحاب فی جواز التنفل لمن علیه فائتة ، فقیل بالمنع (5) ،

ص: 89


1- روض الجنان : 184 ، المستدرک 3 : 160 أبواب المواقیت ب 46 ح 3. والروایة فیهما غیر مسندة.
2- الکافی 3 : 289 - 5 ، الوسائل 3 : 167 أبواب المواقیت ب 26 ح 2 ، 3.
3- الکافی 3 : 288 - 3 ، التهذیب 2 : 264 - 1051 ، الوسائل 3 : 164 أبواب المواقیت ب 35 ح 1.
4- الفقیه 1 : 252 - 1136 بتفاوت یسیر ، التهذیب 3 : 283 - 841 ، الوسائل 3 : 166 أبواب المواقیت ب 35 ح 9.
5- کما فی التذکرة 1 : 82.

وأما أحکامها ، ففیه مسائل :

الأولی : إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة کالجنون والحیض

______________________________________________________

لصحیحة زرارة المتقدمة (1) ، وقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة الواردة فیمن فاته شی ء من الصلوات : « ولا یتطوع برکعة حتی یقضی الفریضة کلها » (2).

وقیل بالجواز ، وهو اختیار ابن بابویه (3) ، وابن الجنید (4) ، لما رواه الشیخ فی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله رقد ، فغلبته عیناه ، فلم یستیقظ حتی آذاه حرّ الشمس ، ثم استیقظ فرکع رکعتین ثم صلی الصبح » (5) والظاهر أن الرکعتین اللتین صلاهما أولا رکعتا الفجر ، وقد وقع التصریح بذلک فی صحیحة زرارة وفیها : إن النبی صلی الله علیه و آله قال : « یا بلال أذن ، فأذن فصلی رسول الله صلی الله علیه و آله رکعتی الفجر وأمر أصحابه فصلوا رکعتی الفجر ، ثم قام فصلی بهم الصبح » (6).

وأجاب عنها فی التهذیب بأن التطوع بالرکعتین إنما یجوز لیجتمع الناس الذین فاتتهم الصلاة لیصلوا جماعة ، کما فعل النبی صلی الله علیه و آله . قال : فأما إذا کان الإنسان وحده فلا یجوز له أن یبدأ بشی ء من التطوع أصلا علی ما قدمناه (7).

قوله : ( وأما أحکامها ، ففیه مسائل الأولی : إذا حصل أحد الأعذار

ص: 90


1- فی ص 88.
2- الکافی 3 : 292 - 3 ، التهذیب 2 : 172 - 685 و 266 - 1059 وج 3 : 159 - 341 ، الإستبصار 1 : 286 - 1046 ، الوسائل 3 : 206 أبواب المواقیت ب 61 ح 3.
3- المقنع : 33.
4- نقله عنه فی المختلف : 148.
5- التهذیب 2 : 265 - 1058 ، الإستبصار 1 : 286 - 1049 ، الوسائل 3 : 206 أبواب المواقیت ب 61 ح 1.
6- الذکری : 134 ، الوسائل 3 : 207 أبواب المواقیت ب 61 ح 6.
7- التهذیب 2 : 265.

وقد مضی من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفریضة وجب علیه قضاؤها ، ویسقط القضاء إذا کان دون ذلک علی الأظهر.

______________________________________________________

المانعة من الصلاة کالجنون والحیض وقد مضی من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفریضة وجب علیه قضاؤها ، ویسقط القضاء إذا کان دون ذلک علی الأظهر ).

أما وجوب القضاء إذا حصل العذر المانع من الصلاة بعد أن مضی من الوقت مقدار الصلاة وشرائها المفقودة من الطهارة وغیرها ، فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا.

ویدل علیه عموم ما دل علی وجوب قضاء الفوائت ، وروایة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل علیها قضاء تلک الصلاة؟ قال : « نعم » (1).

وموثقة یونس بن یعقوب عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : فی امرأة إذا دخل وقت الصلاة وهی طاهر فأخّرت الصلاة حتی حاضت قال : « تقضی إذا طهرت » (2).

وأما سقوط القضاء إذا کان حصول العذر قبل أن یمضی من الوقت مقدار ذلک فهو مذهب الأکثر ، ونقل علیه الشیخ فی الخلاف الإجماع (3).

وحکی عن ظاهر المرتضی (4) ، وابن بابویه (5) ، وابن الجنید (6) : اعتبار

أحکام المواقیت

حکم من حصل له مانع من الصلاة کالجنون والحیض فی الوقت

ص: 91


1- التهذیب 1 : 394 - 1221 ، الإستبصار 1 : 144 - 494 ، الوسائل 2 : 597 أبواب الحیض ب 48 ح 5.
2- التهذیب 1 : 392 - 1211 ، الإستبصار 1 : 144 - 493 ، الوسائل 2 : 597 أبواب الحیض ب 48 ح 4.
3- الخلاف 1 : 88.
4- جمل العلم والعمل : 67.
5- الفقیه 1 : 52 ، والمقنع : 17.
6- نقله عنه فی المختلف : 148.

ولو زال المانع فإن أدرک الطهارة ورکعة من الفریضة لزمه أداؤها.

______________________________________________________

خلو أول الوقت من العذر بمقدار أکثر الصلاة ، ولم نقف لهم علی مستند. والأصح السقوط مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل إلی أن یثبت المخرج عنه.

واستدل علیه فی المنتهی بأن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وهو منتف ، فإن التکلیف یستدعی وقتا ، وإلاّ لزم تکلیف ما لا یطاق (1).

وضعف هذا الاستدلال ظاهر ، فإن القضاء فرض مستأنف متوقف علی الدلالة ولا تعلق له بوجوب الأداء أصلا ، کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( ولو زال المانع فإن أدرک الطهارة ورکعة من الفریضة لزمه أداؤها ).

المراد بالأداء هنا : الإتیان بالفعل لا المعنی المقابل للقضاء. وفی حکم الطهارة غیرها من الشرائط. وتتحقق الرکعة برفع الرأس من السجدة الثانیة ، کما صرح به فی التذکرة (2). واحتمل الشهید فی الذکری الاجتزاء بالرکوع ، للتسمیة لغة وعرفا ولأنه المعظم (3) ، وهو بعید. وهذا الحکم - أعنی الاکتفاء فی آخر الوقت بإدراک رکعة مع الشرائط المفقودة - مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین أهل العلم (4).

والأصل فیه : ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الصلاة » (5). وعنه صلی الله علیه و آله : « من أدرک رکعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرک العصر » (6).

ومن طریق الأصحاب ما رواه الشیخ عن الأصبغ بن نباتة قال ، قال أمیر

ص: 92


1- المنتهی 1 : 423.
2- التذکرة 1 : 78.
3- الذکری : 122.
4- المنتهی 1 : 209.
5- صحیح البخاری 1 : 151 ، صحیح مسلم 1 : 423 - 161.
6- صحیح البخاری 1 : 151 ، صحیح مسلم 1 : 424 - 163.

ویکون مؤدیا علی الأظهر. ولو أهمل قضی.

______________________________________________________

المؤمنین علیه السلام : « من أدرک من الغداة رکعة قبل طلوع الشمس فقد أدرک الغداة تامة » (1).

وفی الموثق عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، إنه قال : « فإن صلی رکعة من الغداة ثم طلعت الشمس فلیتم الصلاة وقد جازت صلاته » (2).

وهذه الروایات وإن ضعف سندها إلاّ أن عمل الطائفة علیها ولا معارض لها فیتعین العمل بها.

والفرق بین أول الوقت وآخره واضح ، لتمکن المکلف فی آخر الوقت من إتمام الصلاة بغیر مانع بخلاف أول الوقت ، إذ لا سبیل إلی ذلک.

قوله : ( ویکون مؤدیا علی الأظهر ).

اختلف الأصحاب فی ذلک علی أقوال ثلاثة :

أحدها : ما اختاره المصنف - رحمه الله - من أنه یکون مؤدیا للجمیع ، وهو اختیار الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف ، ونقل فیه الإجماع ، واحتج علیه بظاهر قوله صلی الله علیه و آله : « من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الصلاة » (3) وفی لفظ آخر : « من أدرک من الوقت رکعة فقد أدرک الوقت » (4). قال : وإدراک الوقت إنما یتحقق بکون الصلاة الواقع منها رکعة فی الوقت أداء کالواقعة بأسرها فیه (5).

ص: 93


1- التهذیب 2 : 38 - 119 ، الإستبصار 1 : 275 - 999 ، الوسائل 3 : 158 أبواب المواقیت ب 30 ح 2.
2- التهذیب 2 : 38 - 120 ، الإستبصار 1 : 276 - 1000 ، الوسائل 3 : 157 أبواب المواقیت ب 30 ح 1.
3- المتقدم فی ص 92.
4- لم نعثر علی روایة بهذا اللفظ.
5- الخلاف 1 : 86 ، 88.

ولو أدرک قبل الغروب أو قبل انتصاف اللیل إحدی الفریضتین لزمته تلک لا غیر. وإن أدرک الطهارة وخمس رکعات قبل الغروب لزمه الفریضتان.

______________________________________________________

وثانیها : أنه یکون قاضیا للجمیع ، اختاره السید المرتضی - علی ما نقل عنه (1) - لأن آخر الوقت یختص بالرکعة الأخیرة ، فإذا وقعت فیه الأولی وقعت فی غیر وقتها ، ولا نعنی بقضاء العبادة إلاّ ذلک.

وثالثها : التوزیع علی معنی أن ما وقع فی الوقت یکون أداء وما وقع فی خارجه یکون قضاء ، لوجود معنی الأداء والقضاء فیهما.

وتظهر فائدة الخلاف فی النیة. وقال فی الذکری : إنها تظهر أیضا فی الترتب علی الفائتة السابقة ، فعلی القضاء یترتب دون الأداء (2). وهو ضعیف جدا ، إذ الإجماع منعقد علی وجوب تقدیم الصلاة التی قد أدرک من وقتها مقدار رکعة مع الشرائط علی غیرها من الفوائت.

قوله : ( ولو أدرک قبل الغروب أو قبل انتصاف اللیل إحدی الفریضتین لزمته تلک لا غیر ).

لاستحالة التکلیف بهما معا فی وقت لا یسعهما.

ثم إن قلنا بالاشتراک فاللازم هو الأولی لتقدمها ، وإلاّ فالثانیة وهو المعروف من المذهب ، وقد تقدم الکلام فیه.

قوله : ( وإن أدرک الطهارة وخمس رکعات قبل الغروب لزمه الفرضان ).

الوجه فی ذلک معلوم مما سبق. ومثله ما لو أدرک الخمس قبل الانتصاف ، ولا یکفی هنا الأربع وإن بقی منها للعشاء رکعة ، لاختصاص ذلک الوقت کله بالعشاء علی المذهب المختار.

ص: 94


1- الخلاف 1 : 86.
2- الذکری : 122.

الثانیة : الصبیّ المتطوّع بوظیفة الوقت إذا بلغ بما لا یبطل

______________________________________________________

ثم إن الرکعة الواحدة من الخمس للأولی بغیر إشکال ، وهل الثلاثة التی تتبعها لها ، أم للعصر ولکن تزاحمها الظهر فیها کما تزاحم العصر المغرب بثلاث لو أدرک من وقتها مقدار رکعة؟ قیل بالأول (1) ، لاستئثار الأولی بالسبق ، ووجوب تقدیمها عند إمکان الجمع. وقیل بالثانی ، وهو خیرة العلامة فی المختلف ، لأن الأربع وقت للعصر مع عدم الخامسة فکذا معها ، لاستحالة صیرورة ما لیس بوقت وقتا (2). وضعف هذا التوجیه ظاهر.

قیل : وفائدة الاحتمالین منتفیة فی الظهرین ، لأنهما تجبان علی التقدیرین ، وإنما تظهر فائدتهما فی العشاءین : فإن قلنا الأربع للظهر تجب العشاءان بإدراک أربع ، لأنهما حینئذ بمنزلة الخمس فی الظهرین ، وإن قلنا أنها للعصر وإنما زاحمتها الظهر فیها ، اختصت الأربع بالعشاء ، لأنها بقدرها (3).

وأقول : إن هذا الاختلاف ضعیف جدا ، لأن الحکم بتقدیم الأولی یستدعی کون ذلک القدر من الزمان الواقعة فیه وقتا لها قطعا وإن کان بعضه وقتا للعصر لولا إدراک الرکعة (4).

وما ذکره ذلک القائل من الفائدة أشد ضعفا ، لأن مقتضی القول بالاختصاص تعیّن إیقاع العشاء خاصة إذا أدرک من وقتها مقدار أربع فقط ، والبحث المتقدم إنما یجری علی تقدیر إدراک رکعة من وقت الأولی والمفروض عدمه ، کما هو واضح.

قوله : ( الثانیة : الصبی المتطوع بوظیفة الوقت إذا بلغ بما لا یبطل

إعادة الصبی المتطوع بالصلاة إذا بلغ فی الوقت

ص: 95


1- کما فی الذکری : 122.
2- المختلف : 75.
3- کما فی جامع المقاصد 1 : 78.
4- یرید أنه فی الفرض أدرک رکعة من آخر وقت الظهر فاستتبعت ثلاثا من وقت العصر ، لقوله صلی الله علیه و آله : « من أدرک. » کما أن العصر تستتبع ثلاثا من وقت المغرب لذلک ، لا أنه یرید کون مقدار الأربع للظهر مثلا محافظة علی الوقت المضروب لها شرعا إذ التحقیق أن الأربع الأخیرة للعصر وإن زاحمها الظهر بثلاث منها ( الجواهر 7 : 260 ).

الطهارة والوقت باق استأنف علی الأشبه. وإن بقی من الوقت دون الرکعة بنی علی نافلته ولا یجدّد نیّة الفرض.

______________________________________________________

الطهارة والوقت باق استأنف علی الأشبه ).

إذا بلغ الصبی المتطوع بالصلاة فی أثنائها بما لا یبطل الطهارة کالسنّ والإنبات ، وکان الوقت باقیا بحیث یسع رکعة فصاعدا مع الشرائط المفقودة ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف : یستأنف الصلاة (1) ، وبه قال أکثر الأصحاب ، لأنه بعد البلوغ مخاطب بالصلاة والوقت باق فیجب علیه الإتیان بها ، وما فعله أولا لم یکن واجبا فلا یقع به الامتثال.

وقال فی المبسوط : یتم الصلاة (2) ، وظاهره عدم وجوب الإعادة ، واستدل له فی المختلف بأنها صلاة شرعیة فلا یجوز إبطالها ، ولقوله تعالی ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ ) (3) وإذا وجب إتمامها سقط بها الفرض ، لأن امتثال الأمر یقتضی الإجزاء (4).

والجواب - بعد تسلیم دلالة الآیة علی تحریم إبطال مطلق العمل - : إن الإبطال هنا لم یصدر من المکلف بل من حکم الشارع ، سلّمنا وجوب الإتمام لکن لا نسلم سقوط الفرض بها ، والامتثال إنما یقتضی الإجزاء بالنسبة إلی الأمر الوارد بالإتمام ، لا بالنسبة إلی الأوامر الواردة بوجوب الصلاة.

وربما بنی الخلاف فی هذه المسألة علی أن عبادة الصبی شرعیة أو تمرینیة ، وهو غیر واضح. أما إعادة الطهارة فیتجه بناؤها علی ذلک ، لأن الحدث یرتفع بالطهارة المندوبة.

ولو بلغ فی الوقت بعد فراغه من الصلاة فکما لو بلغ فی الأثناء. وصرح

ص: 96


1- الخلاف 1 : 102.
2- المبسوط 1 : 73.
3- محمد : 33.
4- المختلف : 75.

الثالثة : إذا کان له طریق إلی العلم بالوقت لم یجز التعویل علی الظن ، فإن فقد العلم اجتهد ، فإن غلب علی ظنّه دخول الوقت صلی.

______________________________________________________

العلامة فی المنتهی بوجوب الإعادة هنا أیضا إذا أدرک رکعة من الوقت مع الشرائط المفقودة (1) ، وهو حسن.

قوله : ( الثالثة : إذا کان له طریق إلی العلم بالوقت لم یجز التعویل علی الظن ، فإن فقد العلم اجتهد ).

هنا مسألتان :

إحداهما : أن من کان له طریق إلی العلم بالوقت لا یجوز له التعویل علی الظن ، وهو مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا.

واستدل علیه فی المنتهی بأن العلم یؤمن معه الخطأ ، والظن لا یؤمن معه ذلک ، وترک ما یؤمن معه الخطأ قبیح عقلا (2). وهو ضعیف جدا ، إذ العقل لا یقضی بقبح التعویل علی الظن هنا ، بل لا یأباه لو قام علیه دلیل.

والأجود الاستدلال علیه بانتفاء ما یدل علی ثبوت التکلیف مع الظن للمتمکن من العلم ، ویؤیده عموم النهی عن اتباع الظن ، وخصوص روایة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : فی الرجل یسمع الأذان فیصلی الفجر ولا یدری أطلع الفجر أم لا ، غیر أنه یظن لمکان الأذان أنه طلع ، قال : « لا یجزیه حتی یعلم أنه قد طلع » (3).

ومقتضی الروایة عدم جواز التعویل علی الأذان. واستقرب المصنف فی المعتبر جوازه إذا وقع الأذان من ثقة یعرف منه الاستظهار ، لقوله علیه السلام : « المؤذن مؤتمن » (4) ولأن الأذان مشروع للإعلام ، فلو لم یجز تقلیده لما حصل

وجوب تحصیل الیقین بالوقت والا فالظن

ص: 97


1- المنتهی 1 : 210.
2- المنتهی 1 : 213.
3- الذکری : 129 ، الوسائل 3 : 203 أبواب المواقیت ب 58 ح 4.
4- التهذیب 2 : 282 - 1121 ، الوسائل 4 : 618 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 2.

______________________________________________________

الغرض به (1).

وقد یقال : إنه یکفی فی صدق الأمانة تحققها بالنسبة إلی ذوی الأعذار ، وشرعیة الأذان لتقلیدهم خاصة. أو یقال : إن فائدته تنبیه المتمکن علی الاعتبار (2).

نعم لو فرض إفادته العلم بدخول الوقت ، کما قد یتفق فی أذان الثقة الضابط الذی یعلم منه الاستظهار فی الوقت إذا لم یکن هناک مانع من العلم ، جاز التعویل علیه قطعا. وتدل علیه صحیحة ذریح المحاربی قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « صلّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شی ء مواظبة علی الوقت » (3) (4).

وثانیتهما : أن من لا طریق له إلی العلم یجوز له الاجتهاد فی الوقت بمعنی التعویل علی الأمارات المفیدة للظنّ ، ولا یکلف الصبر حتی یتیقن ، وهو أحد القولین فی المسألة وأشهرهما ، بل قیل : إنه إجماع (5). وقال ابن الجنید : لیس للشاک یوم الغیم ولا غیره أن یصلی إلاّ عند یقینه بالوقت ، وصلاته فی آخر الوقت مع الیقین خیر من صلاته مع الشک (6).

احتج الأولون بروایة سماعة ، قال : سألته عن الصلاة باللیل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم ، قال : « اجتهد رأیک وتعمد القبلة

ص: 98


1- المعتبر 2 : 63.
2- کما فی الذکری : 129.
3- التهذیب 2 : 284 - 1136 ، الوسائل 4 : 618 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 1.
4- فی « م » ، « ح » زیادة : وروایة محمد بن خالد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخاف أن أصلی الجمعة قبل أن تزول الشمس ، قال : « إنما ذاک علی المؤذنین ». وهی فی التهذیب 2 :4. 1137 ، الوسائل 4 : 618. أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 3.
5- التنقیح الرائع 1 : 171 کما استفاده منه فی الجواهر 7 : 269.
6- نقله عنه فی المختلف : 73.

______________________________________________________

جهدک » (1). قیل : وهذا یشمل الاجتهاد فی الوقت والقبلة (2).

ویمکن أن یستدل له أیضا بروایة أبی الصباح الکنانی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفی السماء علة فأفطر ، ثم إن السحاب انجلی فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تم صومه ولا یقضیه » (3) وإذا جاز التعویل علی الظن فی الإفطار جاز فی الصلاة ، إذ لا قائل بالفرق.

وصحیحة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأیته بعد ذلک وقد صلیت أعدت الصلاة ومضی صومک ، وتکف عن الطعام إن کنت أصبت منه شیئا » (4). وتقریب الاستدلال ما تقدم.

ویمکن المناقشة فی الروایتین الأولتین بضعف السند (5) ، وفی الثالثة بقصور الدلالة (6) والمسألة محل تردد ، وقول ابن الجنید لا یخلو من قوة.

وقد ورد فی بعض الروایات جواز التعویل فی وقت الزوال علی ارتفاع أصوات الدیکة وتجاوبها ، وأوردها الصدوق فی من لا یحضره الفقیه (7) ، وظاهره

ص: 99


1- الکافی 3 : 284 - 1 ، التهذیب 2 : 46 - 148 و 255 - 1009 ، الاستبصار 1 : 295 - 1088 ، الوسائل 3 : 223 أبواب القبلة ب 6 ح 2.
2- کما فی الذکری : 128.
3- الفقیه 2 : 75 - 326 ، التهذیب 4 : 270 - 816 ، وفیهما : وفی السماء غیم ، الإستبصار 2 : 115 - 374 ، الوسائل 7 : 88 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 51 ح 3.
4- الکافی 3 : 279 - 5 ، التهذیب 2 : 261 - 1039 وج 4 : 271 - 818 ، الإستبصار 2 : 115 - 376 ، الوسائل 3 : 130 أبواب المواقیت ب 16 ح 17.
5- أما الأولی فلاشتمالها علی بعض الواقفة ، وأما الثانیة فلأن فی طریقها محمد بن فضیل وهو ضعیف ( راجع رجال الشیخ : 360 ، ومعجم رجال الحدیث 17 : 144 ، 145 ).
6- فی « ح » زیادة : لاحتمال أن یراد بمضی الصوم فساده. وکذا فی « م » بزیادة : أو یفرق بین الصلاة والصوم مع عدم انکشاف فساد الظن کما حصل الفرق بینهما مع ظهور خلافه فتأمل.
7- الفقیه 1 : 143 - 668 و 144 - 669 ، الوسائل 3 : 124 أبواب المواقیت ب 14 ح 2 وص 125 ح 5.

فإن انکشف فساد الظن قبل دخول الوقت استأنف ، وإن کان الوقت دخل وهو متلبس ولو قبل التسلیم لم یعد علی الأظهر.

______________________________________________________

الاعتماد علیها ، ومال إلیه فی الذکری (1). وضعف سندها یمنع من التمسک بها.

قوله : ( فإن انکشف فساد الظن قبل دخول الوقت استأنف ، وإن کان الوقت قد دخل وهو متلبس ولو قبل التسلیم لم یعد علی الأظهر ).

إذا دخل المکلف فی الصلاة ظانا دخول الوقت وسوغنا ذلک ، ثم انکشف فساد ظنه ، فإن تبیّن وقوع الصلاة بأسرها قبل دخول الوقت وجب علیه الإعادة بإجماع العلماء ، لأنه أدی ما لم یؤمر به فلا یکون مجزیا ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل صلی الغداة بلیل غرّه من ذلک القمر ، ونام حتی طلعت الشمس ، فأخبر أنه صلی بلیل ، قال : « یعید صلاته » (2). وفی الموثق عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من صلی فی غیر وقت فلا صلاة له » (3).

وإن دخل الوقت وهو متلبس بها ولو قبل التسلیم قیل : أجزأه ، وهو اختیار الشیخ فی أکثر کتبه (4) ، وجمع من الأصحاب ، لأنه متعبد بظنه ، خرج منه ما إذا ما یدرک شیئا من الوقت بالإجماع فیبقی الباقی ، ولما رواه إسماعیل بن ریاح عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت وأنت تری أنک فی وقت ولم یدخل الوقت فدخل الوقت وأنت فی الصلاة فقد أجزأت عنک » (5).

حکم من انکشف له فساد الظن

ص: 100


1- الذکری : 128.
2- التهذیب 2 : 140 - 548 و 254 - 1008 ، الوسائل 3 : 122 أبواب المواقیت ب 13 ح 5.
3- التهذیب 2 : 254 - 1005 ، الإستبصار 1 : 244 - 868 ، الوسائل 3 : 123 أبواب المواقیت ب 13 ح 7.
4- المبسوط 1 : 74 ، النهایة : 62.
5- الکافی 3 : 286 - 11 ، الفقیه 1 : 143 - 666 ، التهذیب 2 : 35 - 110 و 141 - 550 ، الوسائل 3 : 150 أبواب المواقیت ب 25 ح 1.

ولو صلی قبل الوقت عامدا أو جاهلا أو ناسیا کانت صلاته باطلة.

______________________________________________________

والروایة واضحة المعنی ، لأن المراد من الرؤیة هنا الظن ، لکنها قاصرة من حیث السند بجهالة الراوی.

وقال السید المرتضی (1) ، وابن الجنید (2) ، وابن أبی عقیل (3) : یعید الصلاة کما لو وقعت بأسرها قبل دخول الوقت. واختاره فی المختلف (4) ، واحتج علیه بروایة أبی بصیر المتقدمة ، وبأنه مأمور بإیقاع الصلاة فی وقتها ولم یحصل الامتثال. وهو جید ، ولا ینافیه توجه الأمر بالصلاة بحسب الظاهر لاختلاف الأمرین ، کما لا یخفی علی المتأمل.

ویظهر من المصنف - رحمه الله - فی المعتبر التوقف فی هذه المسألة حیث قال : إن ما اختاره الشیخ أوجه بتقدیر تسلیم الروایة ، وما ذکره المرتضی أوجه بتقدیر اطراحها (5). هذا کلامه - رحمه الله - وهو حسن ، لکن اطراح الروایة متعین لضعف السند.

قوله : ( ولو صلّی قبل الوقت عامدا أو جاهلا أو ناسیا کانت صلاته باطلة ).

المراد بالجاهل : الجاهل بالوقت أو بوجوب المراعاة ، وبالناسی : ناسی مراعاة الوقت. وأطلقه فی الذکری علی من جرت منه الصلاة حال عدم خطور الوقت بالبال (6).

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین ما إذا وقعت الصلاة بأسرها قبل الوقت أو دخل وهو متلبس بها. والوجه فی الجمیع عدم صدق الامتثال المقتضی

حکم من صلی قبل الوقت

ص: 101


1- رسائل المرتضی 2 : 350.
2- نقله عنهما فی المختلف : 74.
3- نقله عنهما فی المختلف : 74.
4- المختلف : 74.
5- المعتبر 2 : 63.
6- الذکری : 128.

الرابعة : الفرائض الیومیة. مرتّبة فی القضاء.

______________________________________________________

لبقاء المکلف تحت العهدة ، وأیضا : فإنه منهی عن الشروع مع العمد ، والنهی فی العبادة یقتضی الفساد.

وقال الشیخ فی النهایة : ومن دخل فی الصلاة قبل الوقت عامدا أو ناسیا فإن دخل ولم یفرغ منها أجزأ (1). وهو مشکل جدا ، خصوصا مع تصریحه فیها بعدم جواز الدخول فی الصلاة مع انتفاء العلم والظن. وربما حمل کلامه علی أنّ المراد بالمتعمد الظانّ ، لأنه یسمی متعمدا للصلاة. ولا بأس به جمعا بین الکلامین.

ولو صادف الوقت صلاة الناسی أو الجاهل بدخول الوقت ، ففی الإجزاء نظر ، من حیث عدم الدخول الشرعی ، ومن مطابقة العبادة ما فی نفس الأمر وصدق الامتثال. والأصح الثانی ، وبه قطع شیخنا المحقق سلمه الله ، قال : وکذا البحث فی کل من أتی بما هو الواجب فی نفس الأمر وإن لم یکن عالما بحکمه ، ومثله القول فی الاعتقادات الکلامیة إذا طابقت نفس الأمر ، فإنها کافیة وإن لم تحصل بالأدلة المقررة ، کما صرح به سلطان المحققین نصیر الملة والدین (2). انتهی کلامه أطال الله بقاءه ، ولا بأس به.

قوله : ( الرابعة : الفرائض الیومیة مرتّبة فی القضاء ).

التقیید بالیومیة یشعر بعدم ترتیب غیرها ، فلا ترتیب بین الیومیة والفوائت الأخر ، ولا بین تلک الفوائت ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق. ونقل شیخنا الشهید فی الذکری عن بعض مشایخ الوزیر السعید مؤید الدین العلقمی وجوب الترتیب فیها أیضا (3) ، لعموم قوله علیه السلام : « فلیقضها کما فاتته » (4) وقوله علیه السلام : « یقضی ما فاته کما فاته » (5) وجعله العلاّمة فی

وجوب قضاء الفرائض مرتبا

ص: 102


1- النهایة : 62.
2- مجمع الفائدة والبرهان 2 : 54.
3- الذکری : 136.
4- غوالی اللآلی 3 : 107 - 150.
5- الکافی 3 : 435 - 7 ، التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.

فلو دخل فی فریضة فذکر أن علیه سابقه عدل بنیته ما دام العدول ممکنا ،

______________________________________________________

التذکرة احتمالا (1) ، ونفی عنه البأس فی الذکری (2) ، وهو أحوط وإن کان الأظهر عدم تعینه.

والمراد بترتب الفرائض الیومیة فی القضاء أنه إذا اجتمعت فرائض متعددة یقضی السابق مقدمات علی اللاحق ، ولا ریب فی وجوبه مع العلم بالسابق ، لورود الأمر به فی عدة أخبار (3). وحکی الشهید فی الذکری عن بعض الأصحاب ممن صنف فی المضایقة والمواسعة القول بعدم الوجوب ، وأنه حمل الأخبار وکلام الأصحاب علی الاستحباب ، قال : وهو حمل بعید مردود بما اشتهر بین الجماعة (4).

أما مع الجهل بالسابق فالأقرب سقوطه عملا بمقتضی الأصل ، وتفصیا من الحرج اللازم من التکلیف بالتکرار المحصل له ، والتفاتا إلی اختصاص الروایات المتضمنة لاعتبار الترتیب بالعالم فلا یثبت مع الجهل ، عملا بالأصل السالم من المعارض ، وسیجی ء تمام الکلام فی هذه المسألة إن شاء الله تعالی (5).

قوله : ( فلو دخل فی فریضة فذکر أن علیه سابقه عدل بنیته ما دام العدول ممکنا ).

هذا متفرع علی ما ذکره من الترتب السابق. والمراد بالعدول أن ینوی بقلبه أنّ هذه الصلاة مجموعها - ما مضی منها وما بقی - هی السابقة المعیّنة ، وباقی مشخصات النیة لا یجب التعرض له. وإنما یعدل مع الإمکان ، وذلک حیث لا یتحقق زیادة رکوع علی عدد السابقة علی ما قطع به المتأخرون ، فلو

ص: 103


1- التذکرة 1 : 81.
2- الذکری : 136.
3- الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63.
4- الذکری : 136.
5- فی ج 4 ص 293.

وإلا استأنف المرتّبة.

الخامسة : تکره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند قیامها ، وبعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر. ولا بأس بما له سبب کصلاة الزیارات ، والحاجة ، والنوافل المرتّبة.

______________________________________________________

کانت اثنتین أو ثلاثا فرکع فی الثالثة أو الرابعة ثم تذکر الفائتة امتنع العدول ، لزیادة الرکن ، بخلاف ما قبل الرکوع ، لاغتفار زیادة غیر الرکن سهوا کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (1). وربما ظهر من کلام المنتهی فوات محل العدول بزیادة الواجب مطلقا(2).

وقد ورد بالأمر بالعدول روایات کثیرة ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وإن ذکرت أنک لم تصلّ الأولی وأنت فی صلاة العصر وقد صلّیت منها رکعتین [ فانوها الاولی ] فصلّ الرکعتین الباقیتین وقم فصلّ العصر » ثم قال : « وإن کنت قد صلّیت من المغرب رکعتین ثم ذکرت العصر فانوها العصر ثم سلّم ثم صلّ المغرب » (3).

قوله : ( وإلاّ استأنف المرتبة ).

أی : السابقة ، والمراد أنه إن لم یکن العدول ممکنا وجب أن یستأنف السابقة بعد إکمال ما هو فیها ، ویغتفر الترتیب لعارض النسیان (4).

قوله : ( الخامسة : تکره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند قیامها ، وبعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر ، ولا بأس بما له سبب ، کصلاة الزیارات ، والحاجة ، والنوافل المرتبة ).

الأوقات التی یکره فیها ابتداء النوافل

ص: 104


1- فی ج 4 ص 229.
2- المنتهی 1 : 422.
3- الکافی 3 : 291 - 1 ، التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1. وما بین المعقوفین من المصدر.
4- فی « ح » زیادة : وعندی فی هذا الحکم توقف ، لعدم وضوح مستنده.

______________________________________________________

ما اختاره المصنف من کراهة النوافل المبتدأة دون ذوات السبب فی هذه الأوقات الثلاثة : عند طلوع الشمس إلی أن یذهب الشعاع والحمرة ، وعند غروبها ، أی : اصفرارها ومیلها إلی الغروب إلی أن تغرب ، وعند قیامها وهو وصولها إلی دائرة نصف النهار أو ما قاربها ، وبعد صلاتی الصبح والعصر ، مذهب أکثر الأصحاب ، وهو اختیار الشیخ فی المبسوط والاقتصاد (1). وحکم فی النهایة بکراهة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ، ولم یفرق بین ذی السبب وغیره (2). وفصّل فی الخلاف ، فقال فیما نهی عنه لأجل الوقت وهی المتعلقة بالشمس : لا فرق فیه بین الصلوات والبلاد والأیام ، إلاّ یوم الجمعة فإنه تصلّی عند قیامها النوافل. ثم قال فیما نهی عنه لأجل الفعل وهی المتعلقة بالصلاة : إنما یکره ابتداء الصلاة فیه نافلة ، فأما کل صلاة لها سبب فإنه لا بأس به (3).

وجزم المفید - رحمه الله - بکراهة النوافل المبتدأة وذوات السبب عند الطلوع والغروب ، وقال : إن من زار أحد المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخّر الصلاة حتی تذهب حمرة الشمس عند طلوعها ، وصفرتها عند غروبها (4).

وظاهر المرتضی - رضی الله عنه - المنع من الصلاة فی هذین الوقتین (5).

والأصل فی هذه المسألة الأخبار المستفیضة ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : قال : تصلّی علی الجنازة فی کل ساعة ، إنها لیست بصلاة رکوع وسجود ، وإنما تکره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التی

ص: 105


1- المبسوط 1 : 76 ، والاقتصاد : 256.
2- النهایة : 62.
3- الخلاف 1 : 197.
4- المقنعة : 35.
5- الانتصار : 50 ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 194.

______________________________________________________

فیها الخشوع والرکوع والسجود ، لأنها تغرب بین قرنی شیطان وتطلع بین قرنی شیطان » (1).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صلاة نصف النهار إلاّ یوم الجمعة » (2).

وروایة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صلاة بعد العصر حتی المغرب ، ولا صلاة بعد الفجر حتی تطلع الشمس » (3) وروی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام نحو ذلک (4).

وفی طریق هاتین الروایتین الطاطری ، وکان واقفیا شدید العناد کما نص علیه الشیخ (5) والنجاشی (6).

وهذه الروایات شاملة بإطلاقها لصلاة الفریضة والنافلة المبتدأة وغیرها ، وإنما حملت علی النافلة لورود الإذن فی صلاة الفرائض فی کل وقت ، کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « أربع صلوات یصلّیها الرجل فی کل ساعة » (7) وعدّ الصلاة الفائتة وصلاة الکسوف والطواف والأموات. وفی

ص: 106


1- الکافی 3 : 180 - 2 ، التهذیب 3 : 202 - 474 و 321 - 998 ، الاستبصار 1 : 470 - 1814 ، الوسائل 2 : 797 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.
2- التهذیب 3 : 13 - 44 ، الإستبصار 1 : 412 - 1576 ، الوسائل 5 : 18 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 6.
3- التهذیب 2 : 174 - 695 ، الإستبصار 1 : 290 - 1066 ، الوسائل 3 : 171 أبواب المواقیت ب 38 ح 2. وفی الأخیرین : حتی یصلی المغرب.
4- التهذیب 2 : 174 - 694 ، الإستبصار 1 : 290 - 1065 ، الوسائل 3 : 170 أبواب المواقیت ب 38 ح 1.
5- الفهرست : 92 - 380.
6- رجال النجاشی : 179.
7- الکافی 3 : 288 - 3 ، الفقیه 1 : 278 - 1265 ، الوسائل 3 : 174 أبواب المواقیت ب 39 ح 1.

______________________________________________________

صحیحة معاویة بن عمار : « خمس صلوات لا تترک علی کل حال » (1) وعدّ مع هذه الأربع صلاة الإحرام.

وأما التقیید بالمبتدأة فاستدل علیه فی الذکری (2) بتظافر الروایات بقضاء النافلة فی هذه الأوقات ، کحسنة الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اقض صلاة النهار أیّ ساعة شئت من لیل أو نهار کلّ ذلک سواء » (3).

وروایة علیّ بن بلال ، قال : کتبت إلیه فی قضاء النافلة من طلوع الفجر إلی طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلی أن تغیب الشمس ، فکتب : « لا یجوز ذلک إلاّ للمقتضی ، فأما لغیره فلا » (4).

وبأن شرعیة ذی السبب عامة ، وإذا تعارض العمومان وجب الجمع ، والحمل علی غیر ذوات الأسباب وجه جمع (5).

وقد یقال : إن أقصی ما تدل علیه هذه الروایات بعد سلامة سندها الإذن فی قضاء النافلة خاصة فی هذه الأوقات فإلحاق غیرها بها من ذوات الأسباب یحتاج إلی دلیل. وأما ما ذکره من الجمع فیمکن المناقشة فیه بأن التوفیق بین الأخبار کما یمکن بما ذکره کذا یمکن بتخصیص عموم ذوات السبب بما دل علی کراهة الصلاة فی تلک الأوقات ، لأن بینهما عموما من وجه فتقدیم أحدهما یحتاج إلی مرجح.

ص: 107


1- الکافی 3 : 287 - 2 ، التهذیب 2 : 172 - 683 ، الوسائل 3 : 175 أبواب المواقیت ب 39 ح 4.
2- الذکری : 127.
3- التهذیب 2 : 173 - 691 ، الإستبصار 1 : 290 - 1062 ، الوسائل 3 : 176 أبواب المواقیت ب 39 ح 13.
4- التهذیب 2 : 175 - 696 ، الإستبصار 1 : 291 - 1068 ، الوسائل 3 : 171 أبواب المواقیت ب 38 ح 3.
5- فی « م » : الجمع.

______________________________________________________

ویمکن الجواب عنه : بأنه یکفی فی المرجح تطرق التخصیص إلی عموم ما دل علی الکراهة بمطلق الفرائض وقضاء النوافل کما بیناه (1) ، واعتضاد عموم شرعیة ذی السبب بإطلاق ما دل علی رجحان الصلاة.

واعلم : أن ظاهر الصدوق - رحمه الله - التوقف فی هذا الحکم من أصله ، فإنه قال : وقد روی نهی عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لأن الشمس تطلع بین قرنی شیطان وتغرب بین قرنی شیطان ، إلاّ أنه روی لی جماعة من مشایخنا ، عن أبی الحسین محمد بن جعفر الأسدی - رضی الله عنه - أنه ورد علیه فیما ورد من جواب مسائله من محمد بن عثمان العمری - قدس الله روحه - : وأما ما سألت من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن کان کما یقول الناس : إن الشمس تطلع بین قرنی شیطان وتغرب بین قرنی شیطان ، فما أرغم أنف الشیطان بشی ء أفضل من الصلاة ، فصلّها وأرغم أنف الشیطان (2).

وقال الشیخ فی التهذیب بعد أن أورد الأخبار (3) المتضمنة للکراهة : وقد روی رخصة فی الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها (4). ونقل الروایة بعینها.

( ولو لا قطع الروایة ظاهرا لتعیّن المصیر إلی ما تضمنته ، وحمل أخبار النهی علی التقیة ) (5) لموافقتها لمذهب العامة وأخبارهم ، وقد أکثر الثقة الجلیل أبو جعفر محمد بن محمد (6) بن النعمان فی کتابه المسمی بأفعل لا تفعل من

ص: 108


1- فی ص 106.
2- الفقیه 1 : 315 ج 1430. الوسائل 3 : 172 أبواب المواقیت ب 38 ح 8.
3- فی « ح » زیادة : المستفیضة.
4- التهذیب 2 : 175.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : والظاهر أن هذه الروایة عن صاحب الأمر علیه السلام فیتعین حمل أخبار النهی علی التقیة.
6- کذا فی جمیع النسخ ، وبعض کتب الفقه والحدیث أیضا ، والظاهر « علی » فیکون المراد به أبا جعفر محمد بن علی بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق ، لأن الکتاب المذکور له ، لا لأبی عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفید - الذریعة 2 : 261.

السادسة : ما یفوت من النوافل لیلا یستحب تعجیله ولو فی النهار ، وما یفوت نهارا یستحب تعجیله ولو لیلا ، ولا ینتظر بها النهار.

______________________________________________________

التشنیع علی العامة فی روایتهم ذلک عن النبی صلی الله علیه و آله ، وقال : إنهم کثیرا ما یخبرون عن النبی صلی الله علیه و آله بتحریم شی ء وبعلّة تحریمه ، وتلک العلة خطأ لا یجوز أن یتکلم بها النبی صلی الله علیه و آله ، ولا یحرّم الله من قبلها شیئا ، فمن ذلک ما أجمعوا علیه من النهی عن الصلاة فی وقتین : عند طلوع الشمس حتی یلتئم طلوعها ، وعند غروبها ، فلولا أن علة النهی أنها تطلع وتغرب بین قرنی شیطان لکان ذلک جائزا ، فإذا کان آخر الحدیث موصولا بأوله وآخره فاسد فسد الجمیع ، وهذا جهل من قائله ، والأنبیاء لا تجهل ، فلما بطلت هذه الروایة بفساد آخر الحدیث ثبت أن التطوع جائز فیهما.

قوله : ( السادسة : ما یفوت من النوافل لیلا یستحب تعجیله ولو فی النهار ، وما یفوت نهارا یستحب تعجیله ولو لیلا ، ولا ینتظر النهار ).

ما اختاره المصنف من استحباب تعجیل فائتة النهار باللیل وفائتة اللیل بالنهار مذهب الأکثر ، لعموم قوله تعالی ( وَسارِعُوا إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ ) (1) وقوله تعالی ( وَهُوَ الَّذِی جَعَلَ اللَّیْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ) (2) فعنهم علیهم السلام أنهم قالوا : هو إن جعل علی نفسه شیئا من الخیر من صلاة أو ذکر فیفوته ذلک من اللیل فیقضیه بالنهار ، أو یشتغل بالنهار فیقضیه باللیل.

وروی ابن بابویه فی کتابه ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « کلما فاتک باللیل فاقضه بالنهار ، قال الله تبارک وتعالی ( وَهُوَ الَّذِی جَعَلَ اللَّیْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ یَذَّکَّرَ أَوْ أَرادَ شُکُوراً ) (3) یعنی أن یقضی الرجل ما فاته باللیل بالنهار وما فاته بالنهار باللیل » (4).

استحباب تعجیل ما یفوت باللیل نهارا وبالعکس

ص: 109


1- آل عمران : 133.
2- الفرقان : 62.
3- الفرقان : 62.
4- الفقیه 1 : 315 - 1428 ، الوسائل 3 : 200 أبواب المواقیت ب 57 ح 4.

______________________________________________________

وروی إسحاق بن عمار ، قال : لقیت أبا عبد الله علیه السلام بالقادسیة عند قدومه علی أبی العباس فأقبل حتی انتهینا إلی طرناباد فإذا نحن برجل علی ساقیة یصلّی ، وذلک [ عند ] (1) ارتفاع النهار ، فوقف علیه أبو عبد الله علیه السلام وقال : « یا عبد الله أیّ شی ء تصلّی؟ » فقال : صلاة اللیل فاتتنی أقضیها بالنهار ، فقال : « یا معتّب حطّ رحلک حتی نتغدّی مع الذی یقضی صلاة اللیل » فقلت : جعلت فداک تروی فیه شیئا؟ فقال : « حدثنی أبی ، عن آبائه علیهم السلام قال ، قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن الله یباهی بالعبد یقضی صلاة اللیل بالنهار ، یقول : یا ملائکتی انظروا إلی عبدی یقضی ما لم أفترض علیه » (2).

وروی محمد بن مسلم فی الموثق ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن علیّ بن الحسین علیهماالسلام کان إذا فاته شی ء من اللیل قضاه بالنهار ، وإن فاته شی ء من الیوم قضاه من الغد ، أو فی الجمعة ، أو فی الشهر ، وکان إذا اجتمعت علیه الأشیاء قضاها فی شعبان حتی یکمل له عمل السنة کلّها تامة » (3).

وقال ابن الجنید ، والمفید فی الأرکان : یستحب قضاء صلاة النهار بالنهار ، وصلاة اللیل باللیل (4). واحتج لهما فی المختلف (5) بصحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « اقض ما فاتک من صلاة النهار بالنهار ، وما فاتک من صلاة اللیل باللیل » (6).

ثم أجاب عنها بجواز إرادة الإباحة من الأمر ، لخروجه عن حقیقته وهی

ص: 110


1- أثبتناه من المصدر.
2- الذکری : 137 ، الوسائل 3 : 202 أبواب المواقیت ب 57 ح 15.
3- التهذیب 2 : 164 - 644 ، الوسائل 3 : 201 أبواب المواقیت ب 57 ح 8.
4- نقله عنهما فی الذکری : 137.
5- المختلف : 149.
6- الکافی 3 : 451 - 3 ، التهذیب 2 : 162 - 637 ، الوسائل 3 : 200 أبواب المواقیت ب 57 ح 6.

السابعة : الأفضل فی کل صلاة أن یؤتی بها فی أول وقتها ، إلا المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات ، فإن تأخیرها إلی المزدلفة أولی ولو صار إلی ربع اللیل ، والعشاء الأفضل تأخیرها حتی یسقط الشفق الأحمر ، والمتنفّل یؤخر الظهر والعصر حتی یأتی بنافلتهما ، والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب.

______________________________________________________

الوجوب إجماعا ، قال : ولیس استعمالها مجازا فی الندب أولی من استعمالها مجازا فی الإباحة.

وفیه نظر : إذ الواجب عند تعذر الحقیقة المصیر إلی أقرب المجازات ، والندب أقرب إلی الحقیقة من الإباحة قطعا. ولا ریب فی جواز کل من الأمرین وإن کان الأولی فعل ما تضمنته الروایة.

ویدل علیه أیضا صحیحة برید بن معاویة العجلی ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « أفضل قضاء صلاة اللیل فی الساعة التی فاتتک : آخر اللیل ، ولیس بأس أن تقضیها بالنهار وقبل أن تزول الشمس (1) وروایة إسماعیل الجعفی قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة اللیل باللیل ، وصلاة النهار بالنهار » (2).

قوله : ( السابعة : الأفضل فی کل صلاة أن یؤتی بها فی أول وقتها ، إلا المغرب والعشاء الآخرة لمن أفاض من عرفات ، فإن تأخیرهما إلی المزدلفة أولی ولو صار ربع اللیل ، والعشاء الأفضل تأخیرها حتی یسقط الشفق الأحمر ، والمتنفل یؤخر الظهر والعصر حتی یأتی بنافلتهما ، والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب ).

أجمع العلماء کافة علی استحباب المبادرة بالصلاة فی أول وقتها استحبابا مؤکدا. وربما ظهر من عبارة المفید - رحمه الله - فی المقنعة الوجوب حیث حکم

أفضلیة الصلاة فی أول الوقت الا ما استثنی

ص: 111


1- الفقیه 1 : 316 - 1433 ، الوسائل 3 : 200 أبواب المواقیت ب 57 ح 3.
2- الکافی 3 : 452 - 5 ، التهذیب 2 : 163 - 638 ، الوسائل 3 : 200 أبواب المواقیت ب 57 ح 7.

______________________________________________________

بأنه لو مات قبل أدائها فی الوقت کان مضیّعا لها ، وإن بقی حتی یؤدیها فی آخر الوقت ، أو فیما بین الأول والآخر عفی عن ذنبه (1).

واحتج له فی التهذیب بالأخبار المتضمنة لأفضلیة أول الوقت ، کقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار ، أو ابن وهب : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله » (2).

وفی صحیحة قتیبة الأعشی : « إن فضل الوقت الأول علی الآخر کفضل الآخرة علی الدنیا » (3).

وفی صحیحة محمد بن مسلم : « إذا دخل وقت صلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال ، فما أحب أن یصعد عمل أول من عملی ، ولا یکتب فی الصحیفة أحد أول منّی » (4).

ثم قال : ولیس لأحد أن یقول : إن هذه الأخبار إنما تدل علی أنّ أول الأوقات أفضل ، ولا تدل علی أنه تجب المبادرة بها فی أول الوقت. لأنا لم نرد بالوجوب هنا ما یستحق به العقاب ، بل ما یستحق به اللوم والعتب.

قیل (5) : ویمکن أن یحتج للمفید أیضا بقول الصادق علیه السلام : « أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله ، والعفو لا یکون إلاّ عن ذنب » (6).

والجواب - بعد تسلیم السند - : بجواز توجه العفو بترک الأولی مثل : عفا الله عنک.

ص: 112


1- المقنعة : 14.
2- الکافی 3 : 274 - 4 ، التهذیب 2 : 40 - 125 ، الإستبصار 1 : 244 - 871 ، الوسائل 3 : 89 أبواب المواقیت ب 3 ح 11.
3- الکافی 3 : 274 - 6 ، التهذیب 2 : 40 - 129 ، ثواب الأعمال : 62 - 2.
4- التهذیب 2 : 41 - 131 ، الوسائل 3 : 87 أبواب المواقیت ب 3 ح 2.
5- کما فی الذکری : 117.
6- الفقیه 1 : 140 - 651 ، الوسائل 3 : 90 أبواب المواقیت ب 3 ح 16.

______________________________________________________

وقد استثنی المصنف من هذه الکلیة أربعة مواضع :

الأول : المغرب والعشاء للمفیض من عرفة ، فإنه یستحب تأخیرهما إلی المزدلفة - بکسر اللام - وهی المشعر الحرام وإن مضی ربع اللیل ، ونقل فی المنتهی علی ذلک إجماع أهل العلم (1) ، وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا تصلّ المغرب حتی تأتی جمعا (2) وإن ذهب ثلث اللیل » (3).

الثانی : العشاء ، فإنه یستحب تأخیرها إلی أن یذهب الشفق الأحمر ، وقد تقدم دلیله.

الثالث : المتنفل یؤخر الفریضة حتی یأتی بالنافلة ، وقد تقدم مستنده.

الرابع : المستحاضة تؤخر الظهر والمغرب إلی آخر وقت فضیلتهما لتجمع بینهما وبین العصر والعشاء بغسل واحد ، ویدل علی ذلک روایات ، منها : قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار فی المستحاضة : « اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلا ، تؤخر هذه وتعجیل هذه » (4).

وقد ذکر (5) الأصحاب أنه یستحب التأخیر فی مواضع أخر ، منها : المشتغل بقضاء الفرائض ، یستحب له تأخیر الأداء إلی آخر وقته ، وفیه قول مشهور بالوجوب ، وسیجی ء الکلام فیه فی محله إن شاء الله (6).

ص: 113


1- المنتهی 2 : 723.
2- یقال للمزدلفة : جمع ، لاجتماع الناس فیها - الصحاح 3 : 1198.
3- التهذیب 5 : 188 - 625 ، الإستبصار 2 : 254 - 895 ، الوسائل 10 : 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 1.
4- الکافی 3 : 88 - 2 ، التهذیب 1 : 106 - 277 و 170 - 484 ، الوسائل 2 : 604 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.
5- فی « ح » توجد : أکثر.
6- فی ج 4 ص 296.

______________________________________________________

ومنها : إذا کان التأخیر مشتملا علی صفة کمال ، کانتظار الجماعة ، أو التمکن من استیفاء أفعالها علی الوجه الأکمل فإنه مستحب ما لم یخرج وقت الفضیلة ، وروی عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی المغرب : « إذا کان أرفق بک ، وأمکن لک فی صلاتک ، وکنت فی حوائجک ، فلک تأخیرها إلی ربع اللیل » (1).

ومنها : الظان دخول الوقت ولا طریق له إلی العلم ، یستحب له تأخیر الفریضة إلی أن یتحقق الوقت إن لم نقل بوجوبه لروایة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام وقد سأله عمّن صلّی الصبح مع ظن طلوع الفجر ، فقال : « لا یجزیه حتی یعلم أنه قد طلع » (2).

ومنها : المدافع للأخبثین ، یستحب له التأخیر إلی أن یخرجهما ، لصحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صلاة لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو فی ثیابه » (3).

ومنها : المغرب ، یستحب تأخیرها للصائم فی صورتیه المشهورتین (4).

ومنها : الظهر ، یستحب تأخیرها فی الحرّ لمن یصلی جماعة فی المسجد للإبراد بها ، لما رواه معاویة بن وهب فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان المؤذن یأتی النبی صلی الله علیه و آله [ فی الحر ] فی صلاة الظهر فیقول له رسول الله صلی الله علیه و آله : أبرد أبرد » (5) وأقل مراتب الأمر الاستحباب ، وقال الصدوق - رحمه الله - فی کتابه : إن معنی الإبراد تعجیلها والمسارعة فی فعلها. وهو محتمل.

ص: 114


1- التهذیب 2 : 31 - 94 و 259 - 1034 ، الاستبصار 1 : 267 - 964 ، الوسائل 3 : 142 أبواب المواقیت ب 19 ح 8.
2- الذکری : 129 ، الوسائل 3 : 203 أبواب المواقیت ب 58 ح 4.
3- التهذیب 2 : 323 - 1372 ، الوسائل 4 : 1254 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2.
4- الصائم الذی تتوق نفسه إلی الإفطار ، أو کان له من ینتظره ( الجواهر 7 : 313 ).
5- الفقیه 1 : 144 - 671 ، الوسائل 3 : 179 أبواب المواقیت ب 42 ح 1.

الثامنة : لو ظنّ أنه صلی الظهر فاشتغل بالعصر ، فإن ذکر وهو فیها عدل بنیّته.

______________________________________________________

وقال الشیخ فی الخلاف : تقدیم الظهر فی أول وقتها أفضل ، وإن کان الحرّ شدیدا جاز تأخیرها قلیلا رخصة (1). وهذا یشعر بعدم استحباب الإبراد ، فلو تحملوا المشقة وصلّوا فی أول الوقت کان أفضل ، وهو حسن ، لأن الخروج عن مقتضی الأخبار الصحیحة المستفیضة (2) بمثل هذا الخبر المجمل مشکل.

قوله : ( الثامنة : لو ظن أنه صلی الظهر فاشتغل بالعصر ، فإن ذکر وهو فیها عدل بنیته ).

یتحقق کونه فیها ببقاء جزء من الصلاة حتی التسلیم وإن قلنا باستحبابه ، لأنه جزء مستحب. ولا فرق فی جواز العدول بین وقوع الثانیة فی الوقت المختص بالأولی أو المشترک ، ومن ثم أطلق هنا وفصّل بعد ذلک. والأصل فی العدول - بعد الإجماع المنقول - روایات :

منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أمّ قوما فی العصر فذکر وهو یصلّی أنه لم یکن صلّی الأولی ، قال : « فلیجعلها الأولی التی فاتته ، ویستأنف بعد صلاة العصر ، وقد قضی القوم صلاتهم » (3).

وما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وإن نسیت الظهر حتی صلّیت العصر فذکرتها وأنت فی الصلاة أو بعد فراغک منها فانوها الأولی ثمّ صلّ العصر فإنما هی أربع مکان أربع » (4).

حکم من صلی العصر قبل الظهر

ص: 115


1- الخلاف 1 : 96.
2- الوسائل 3 : 78 أبواب المواقیت ب 1 وص 179 ب 41 ، 42.
3- الکافی 3 : 294 - 7 ، التهذیب 2 : 197 - 777 و 269 - 1072 ، الوسائل 3 : 213 أبواب المواقیت ب 63 ح 3.
4- الکافی 3 : 291 - 1 ، التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1.

وإن لم یذکر حتی فرغ ، فإن کان قد صلی فی أول وقت الظهر أعاد بعد أن یصلی الظهر علی الأشبه. وإن کان فی الوقت المشترک أو دخل وهو فیها أجزأته وأتی بالظهر.

______________________________________________________

قال الشیخ فی الخلاف : قوله علیه السلام : « أو بعد فراغک منها » المراد ما قارب الفراغ ولو قبل التسلیم (1). وهو بعید.

قوله : ( وإن لم یذکر حتی فراغ ، فإن کان قد صلی فی أول وقت الظهر أعاد بعد أن یصلی الظهر علی الأشبه ).

الحکم بالإعادة مبنی علی ما هو المشهور من اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها. وعلی قول ابن بابویه - من اشتراک الوقت من أوله إلی آخره بین الفرضین (2) - لا تجب إعادة العصر کما لو وقعت فی أثناء الوقت.

والأخبار الواردة بعدم الإعادة مطلقة ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « وإن کنت صلّیت العشاء الآخرة ونسیت المغرب فقم فصلّ المغرب » (3) وفی صحیحة صفوان وقد سأله عن رجل نسی الظهر حتی غربت الشمس وقد کان صلّی العصر : « إن أمکنه أن یصلّیها قبل أن یفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّی المغرب ثم صلاّها » (4). لکن لمّا کان نسیان الأولی فی أول الوقت مستبعدا جدا أشکل حمل النص علیه ، ومن هنا یترجح القول بالاختصاص ، لامتناع فعل الثانیة فی أول الوقت مطلقا کما بیّناه فیما سبق.

قوله : ( وإن کان فی الوقت المشترک أو دخل وهو فیها أجزأته وأتی بالظهر ).

ص: 116


1- الخلاف 1 : 134.
2- الفقیه 1 : 232 ، والمقنع : 32.
3- المتقدمة فی ص 115.
4- التهذیب 2 : 269 - 1073 ، الوسائل 3 : 210 أبواب المواقیت ب 62 ح 7.

______________________________________________________

أما الإجزاء مع وقوعها فی الوقت المشترک فلا إشکال فیه وقد تقدم مستنده. وإنما الخلاف فیما إذا دخل الوقت المشترک وهو فیها ، ومرجعه إلی الخلاف فیمن صلّی ظانا دخول الوقت فدخل وهو فی الأثناء ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ص: 117

المقدمة الثالثة

فی القبلة

والنظر فی : القبلة ، والمستقبل ، وما یجب له ، وأحکام الخلل.

الأول : القبلة ، هی الکعبة لمن کان فی المسجد ، والمسجد لمن کان فی الحرم ، والحرم لمن خرج عنه ، علی الأظهر.

______________________________________________________

قوله : ( القبلة : هی الکعبة لمن کان فی المسجد ، والمسجد لمن کان فی الحرم ، والحرم لمن خرج عنه ، علی الأظهر ).

أجمع العلماء کافة علی وجوب الاستقبال فی الصلاة المفروضة یومیة کانت أو غیرها ، قاله فی المعتبر (1) ، والأصل فیه قوله تعالی ( فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَیْثُ ما کُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (2).

ویسقط اشتراطه فی شدة الخوف ، لعدم التمکن ، وقوله تعالی ( فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (3) وقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة وفضیل الواردة فی صلاة الخوف : « یصلّی کل إنسان منهم بالإیماء حیث کان وجهه » (4) وفی صحیحة زرارة : « ولا یدور إلی القبلة ، ولکن أینما دارت دابته ، غیر أنه یستقبل القبلة بأول تکبیرة حین یتوجه » (5).

واختلف الأصحاب فیما یجب استقباله ، فذهب السید المرتضی (6) ،

القبلة

حقیقة القبلة

ص: 118


1- المعتبر 2 : 64.
2- البقرة : 150.
3- البقرة : 115.
4- الکافی 3 : 457 - 2 ، التهذیب 3 : 173 - 384 ، الوسائل 5 : 486 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 8.
5- الکافی 3 : 459 - 6 ، الفقیه 1 : 295 - 1348 ، التهذیب 3 : 173 - 383 ، الوسائل 5 : 484 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 8.
6- جمل العلم والعمل : 59 ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 195.

______________________________________________________

وجماعة منهم : المصنف فی النافع والمعتبر (1) ، والعلاّمة (2) ، وأکثر المتأخرین (3) إلی أنه الکعبة لمن یتمکن من العلم بها من دون مشقة کثیرة عادة کالمصلّی فی بیوت مکة ، وجهتها لغیره.

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف (4) ، وجماعة من الأصحاب منهم المصنف فی هذا الکتاب : إن الکعبة قبلة أهل المسجد ، والمسجد قبلة أهل الحرم ، والحرم قبله من کان خارجا عنه. والمعتمد الأول.

أمّا أنّ القریب فرضه استقبال العین فاستدل علیه فی المعتبر بإجماع العلماء کافة علی ذلک (5) ، فإن تم فهو الحجة وإلاّ أمکن المناقشة فیه ، إذ الآیة الشریفة إنما تدل علی وجوب استقبال شطر المسجد ، والروایات خالیة من هذا التفصیل.

وأما أنّ فرض البعید استقبال الجهة فیدل علیه قوله تعالی ( فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (6) والشطر لغة : الجهة والجانب والناحیة (7). وما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « لا صلاة إلاّ إلی القبلة » قلت له : أین حدّ القبلة؟ قال : « ما بین المشرق والمغرب قبلة کلّه » (8).

وأیضا : فإن التکلیف بإصابة الحرم یستلزم بطلان صلاة البلاد المتسعة بعلامة واحدة للقطع بخروج بعضهم عن الحرم ، واللازم باطل فالملزوم مثله ،

ص: 119


1- المختصر النافع : 23 ، والمعتبر 2 : 65.
2- القواعد 1 : 26 ، والمنتهی 1 : 217 ، وتحریر الأحکام 1 : 28.
3- کالشهید الأول فی البیان : 53 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 80 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 21 ، وروض الجنان : 189.
4- النهایة : 62 ، والمبسوط 1 : 77 ، والخلاف 1 : 98.
5- المعتبر 2 : 65.
6- البقرة : 150.
7- کما فی لسان العرب 4 : 408 ، ومجمع البحرین 3 : 345 ، ومختار الصحاح : 337.
8- الفقیه 1 : 180 - 855 ، الوسائل 3 : 217 أبواب القبلة ب 12 ح 9.

______________________________________________________

والملازمة ظاهرة ، مع أنّ المصنف - رحمه الله - فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی صرّحا بأن قبلة العراق وخراسان واحدة (1) ، ومعلوم زیادة التفاوت بینهما.

احتج الشیخ (2) - رحمه الله - بإجماع الفرقة ، وبما رواه عن عبد الله (3) بن محمد الحجال ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إنّ الله جعل الکعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنیا » (4) ومثله روی أبو الولید الجعفی ، عن أبی عبد الله علیه السلام (5) ، وبأن المحذور فی استقبال عین الکعبة لازم لمن أوجب استقبال جهتها ، لأن لکل مصلّ جهة ، والکعبة لا تکون فی الجهات کلها ، ولا کذا التوجه إلی الحرم ، لأنه طویل یمکن أن یکون کل واحد متوجها إلی جزء منه.

والجواب : أما الإجماع فممنوع فی موضع النزاع ، وأما الروایتان فضعیفتا السند جدا مخالفتان للاعتبار ، لأن قبلة کل إقلیم واحدة ، ومعلوم خروج سعتهم عن سعة الحرم. وحملهما الشهید فی الذکری علی أنّ المراد بالمسجد والحرم جهتهما ، وإنما ذکرهما علی سبیل التقریب إلی أفهام المکلفین إظهارا لسعة الجهة (6). ولا بأس به.

وقوله : إنّ المحذور یلزم فی إیجاب استقبال الجهة کما یلزم فی عین الکعبة ، ممنوع ، لأنا نعنی بالجهة السمت الذی فیه الکعبة لا نفس البنیة ، وذلک متسع یمکن أن یوازی جهة کلّ مصلّ ، علی أن الإلزام فی الکعبة لازم فی الحرم وإن کان طویلا.

ص: 120


1- المعتبر 2 : 65 ، المنتهی 1 : 218.
2- الخلاف 1 : 98.
3- فی التهذیب « عبید الله » وما فی المتن هو الصحیح ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 84 - 7499 ).
4- التهذیب 2 : 44 - 139 ، الوسائل 3 : 220 أبواب القبلة ب 3 ح 1.
5- التهذیب 2 : 44 - 140 ، الوسائل 3 : 220 أبواب القبلة ب 3 ح 2.
6- الذکری : 162.

وجهة الکعبة هی القبلة لا البنیّة ، فلو زالت البنیّة صلی إلی جهتها ، کما یصلی من هو أعلی موقفا منها.

______________________________________________________

واعلم أنّ للأصحاب اختلافا کثیرا فی تعریف الجهة ، ولا یکاد یسلم تعریف منها من الخلل ( وهذا الاختلاف قلیل الجدوی ، لاتفاقهم علی أن فرض البعید استعمال العلامات المقررة والتوجه إلی السمت الذی یکون المصلّی متوجها إلیه حال استعمالها فکان الأولی تعریفها بذلک.

ثم إن المستفاد من الأدلة الشرعیة سهولة الخطب فی أمر القبلة والاکتفاء بالتوجه ) (1) إلی ما یصدق علیه عرفا أنه جهة المسجد وناحیته ، کما یدل علیه قوله تعالی ( فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (2) وقولهم علیهم السلام : « ما بین المشرق والمغرب قبلة » (3) و « ضع الجدی فی قفاک وصلّ » (4) وخلو الأخبار مما زاد علی ذلک مع شدة الحاجة إلی معرفة هذه العلامات لو کانت واجبة وإحالتها علی علم الهیئة مستبعد جدا ، لأنه علم دقیق کثیر المقدمات ، والتکلیف به لعامة الناس بعید من قوانین الشرع ، وتقلید أهله غیر جائز ، لأنه لا یعلم إسلامهم فضلا عن عدالتهم. وبالجملة : فالتکلیف بذلک مما علم انتفاؤه ضرورة. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( وجهة الکعبة هی القبلة لا البنیة ، فلو زالت البنیة صلی إلی جهتها ، کما یصلی من هو أعلی موقفا منها ).

المراد : أن القبلة لیست نفس البنیة الشریفة ، بل محلها من تخوم الأرض إلی عنان السماء ، فلو زالت البنیة - والعیاذ بالله - صلّی إلی جهتها التی تشتمل علی العین کما یصلّی من هو أعلی موقفا منها کجبل أبی قبیس أو أخفض کالمصلّی

القبلة هی جهة الکعبة

ص: 121


1- بدل ما بین القوسین فی « س » و « ح » : ولیس لهم فی هذا الاختلاف دلیل نقلی یصلح للاستناد إلیه ولا اعتبار عقلی یعوّل علیه ، والمستفاد من الأدلة الشرعیة الاکتفاء بالتوجه إلی.
2- البقرة : 150.
3- الکافی 3 : 215 - 2 ، التهذیب 3 : 326 - 1021 ، الوسائل 2 : 812 أبواب صلاة الجنازة ب 35 ح 1.
4- التهذیب 2 : 45 - 143 ، الوسائل 3 : 222 أبواب القبلة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

فی سرداب تحت الکعبة ، وهذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، ویدل علیه ظاهر الآیة الشریفة ، وما رواه الشیخ عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل قال : صلّیت فوق أبی قبیس العصر فهل تجزی والکعبة تحتی؟ قال : « نعم ، إنها قبلة من موضعها إلی السماء » (1) وعن خالد أبی إسماعیل (2) قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یصلّی علی أبی قبیس مستقبل القبلة قال : « لا بأس » (3).

وقد صرح الأصحاب بأن المصلّی بمکة یجب علیه مشاهدة الکعبة لقدرته علی الیقین. ولو نصب محرابا بعد المعاینة جازت صلاته إلیه دائما لأنه یتیقن الصواب. وکذا الذی نشأ بمکة وتیقن الإصابة ، ولو شک وجبت المعاینة بالترقی إلی سطح الدار. ولا یکفی الاجتهاد هنا بالعلامات ، لأنه عدول من یقین إلی ظن مع قدرته علی الیقین وإنه غیر جائز. نعم لو تعذر علیه ذلک کالمحبوس جاز له الاجتهاد. وکذا من هو فی نواحی الحرم ، ولا یکلف الصعود إلی الجبال لیری الکعبة للحرج بخلاف الصعود إلی السطح. وأوجب الشیخ (4) ، والعلاّمة (5) فی بعض کتبهما صعود الجبل مع القدرة ، وهو بعید (6).

تنبیه : المستفاد من النصوص الصحیحة أنّ الحجر لیس من الکعبة ، فلا یجوز استقباله فی الصلاة وإن وجب إدخاله فی الطواف ، فمن ذلک صحیحة معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحجر أمن البیت هو

ص: 122


1- التهذیب 2 : 383 - 1598 ، الوسائل 3 : 247 أبواب القبلة ب 18 ح 1.
2- کذا فی النسخ ونسخة من الکافی ، وفی نسخة أخری منه : خالد عن أبی إسماعیل ، وفی التهذیب : خالد بن أبی إسماعیل.
3- الکافی 3 : 391 - 19 ، التهذیب 2 : 376 - 1565 ، الوسائل 3 : 247 أبواب القبلة ب 18 ح 2.
4- المبسوط 1 : 78.
5- التذکرة 1 : 102.
6- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : ولو قلنا بالاکتفاء باستقبال الجهة مطلقا سقط هذا البحث من أصله.

وإن صلی [ فی ] جوفها استقبل أیّ جدرانها شاء ، علی کراهة فی الفریضة.

______________________________________________________

أو فیه شی ء من البیت ، قال : « لا ، ولا قلامة من ظفر ، ولکن إسماعیل دفن أمّه فیه فکره أن توطأ فحجّر علیه حجرا ، وفیه قبور أنبیاء » (1).

وجزم العلاّمة فی النهایة بجواز استقباله ، لأنه من الکعبة (2) ، وحکاه الشهید فی الذکری عن ظاهر کلام الأصحاب ثم قال : وقد دل النقل علی أنه کان منها فی زمن إبراهیم وإسماعیل إلی أن بنت قریش الکعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه ، وکان کذلک فی عهد النبی صلی الله علیه و آله ، ونقل عنه صلی الله علیه و آله الاهتمام بإدخاله فی بناء الکعبة ، وبذلک احتج ابن الزبیر حیث أدخله فیها ، ثم أخرجه الحجاج وردّه إلی ما کان (3). هذا کلامه - رحمه الله - وما ادعاه من النقل لم أقف علیه من طرق الأصحاب.

قوله : ( وإن صلّی فی جوفها استقبل أیّ جدرانها شاء ، علی کراهة فی الفریضة ).

أجمع العلماء کافة علی جواز صلاة النافلة فی جوف الکعبة مطلقا ، والفریضة فی حال الاضطرار. وإنما اختلفوا فی صلاة الفریضة فیها اختیارا ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة والاستبصار إلی الجواز علی کراهة (4) ، وقال فی الخلاف بالتحریم (5) ، وتبعه ابن البراج (6).

احتج المجوزون (7) بأن القبلة لیس مجموع البنیة بل نفس العرصة وکل

حکم المصلی فی جوف الکعبة

ص: 123


1- الکافی 4 : 210 - 15 ، الوسائل 9 : 429 أبواب الطواف ب 30 ح 1.
2- نهایة الأحکام 1 : 392.
3- الذکری : 164.
4- النهایة : 101 ، والاستبصار 1 : 299.
5- الخلاف 1 : 159.
6- المهذب 1 : 76.
7- منهم العلامة فی المنتهی 1 : 218 ، والشهید الأول فی الذکری : 162 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 202.

______________________________________________________

جزء من أجزائها ، إذ لا یمکن محاذاة المصلّی بإزائها منها إلاّ قدر بدنه ، والباقی خارج عن مقابلته ، وهذا المعنی یتحقق مع الصلاة فیها کما یتحقق مع الصلاة خارجها ، وبما رواه یونس بن یعقوب فی الموثق قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا حضرت الصلاة المکتوبة وأنا فی الکعبة أفأصلّی فیها؟ قال : « صلّ » (1).

احتج الشیخ فی الخلاف بإجماع الفرقة. وبأن القبلة هی الکعبة لمن شاهدها فتکون القبلة جملتها ، والمصلّی فی وسطها غیر مستقبل للجملة. وبما رواه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تصلّ المکتوبة فی الکعبة » (2) وفی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا تصلح صلاة المکتوبة فی جوف الکعبة » (3).

وأجیب (4) عن الأول بمنع الإجماع علی التحریم ، کیف وهو فی أکثر کتبه قائل بالکراهة (5).

وعن الثانی بعدم تسلیم کون القبلة هی الجملة ، لاستحالة استقبالها بأجمعها ، بل المعتبر التوجه إلی جزء من أجزاء الکعبة بحیث یکون مستقبلا ببدنه ذلک الجزء.

وعن الروایتین بالحمل علی الکراهة. ویمکن المناقشة فی هذا الحمل

ص: 124


1- التهذیب 5 : 279 - 955 ، الإستبصار 1 : 298 - 1103 ، الوسائل 3 : 246 أبواب القبلة ب 17 ح 6.
2- التهذیب 2 : 382 - 1596 وج 5 : 279 - 953 ، الإستبصار 1 : 298 - 1101 ، الوسائل 3 : 246 أبواب القبلة ب 17 ح 3.
3- التهذیب 5 : 279 - 954 ، الإستبصار 1 : 298 - 1102 ، الوسائل 3 : 246 أبواب القبلة ب 17 ح 4.
4- کما فی المعتبر 2 : 67.
5- النهایة : 101 ، والاستبصار 1 : 299 ، والاقتصاد : 259 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 178.

ولو صلی علی سطحها أبرز بین یدیه منها ما یصلی إلیه ، وقیل : یستلقی علی ظهره ویصلی إلی البیت المعمور ، والأول أصحّ ، ولا یحتاج إلی أن ینصب بین یدیه شیئا. وکذا لو صلی إلی بابها وهو مفتوح.

______________________________________________________

بقصور الروایة الأولی عن مقاومة هذین الخبرین من حیث السند فیشکل الخروج بها عن ظاهرهما ، وإن کان الأقرب ذلک ، لاعتبار سند الروایة ، وشیوع استعمال النهی فی الکراهة ، وظهور لفظ : « لا یصلح » فیه کما لا یخفی.

قوله : ( ولو صلّی علی سطحها أبرز بین یدیه منها ما یصلی إلیه ، وقیل : یستلقی علی ظهره ویصلی إلی البیت المعمور ، والأول أصح ).

القولان للشیخ - رحمه الله - أولهما فی المبسوط (1) ، وثانیهما فی الخلاف (2) ( والأصح الأول ) (3) عملا بمقتضی الأدلة القطعیة الدالة علی وجوب القیام والاستقبال والرکوع والسجود.

احتج الشیخ فی الخلاف علی ما ذکره بإجماع الفرقة. وبما رواه عن علیّ بن محمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن عبد السلام ، عن الرضا علیه السلام : قال فی الذی تدرکه الصلاة وهو فوق الکعبة فقال : « إن قام لم یکن له قبلة ولکن یستلقی علی قفاه ویفتح عینیه إلی السماء ویعقد بقلبه القبلة التی فی السماء البیت المعمور ویقرأ ، فإذا أراد أن یرکع غمض عینیه ، وإذا أراد أو یرفع رأسه من الرکوع فتح عینیه ، والسجود علی نحو ذلک » (4).

حکم من صلی علی سطح الکعبة

ص: 125


1- المبسوط 1 : 85.
2- الخلاف 1 : 160.
3- بدل ما بین القوسین فی « م » و « ح » : لکن عبارة المبسوط لا تخلو من قصور فإنه قال : فإن صلّی کما یصلّی فی جوفها کانت صلاته ماضیة ، سواء کان للسطح سترة من نفس البناء أو مفروضا فیه ، وسواء وقف علی سطح البیت أو علی خارجه ( حائطه ) إلاّ أن یقف علی الحائط بحیث لا یبقی بین یدیه جزء من البیت. وما فصّله حسن إلا أن مقتضی کلامه عدم تعین ذلک وهو مشکل ، والأصح ما اختاره المصنف من وجوب الصلاة علی سطحها کما یصلّی داخلها.
4- الکافی 3 : 392 - 21 ، التهذیب 2 : 376 - 1566 ، الوسائل 3 : 248 أبواب القبلة ب 19 ح 2.

ولو استطال صف المأمومین فی المسجد حتی خرج بعضهم عن سمت الکعبة بطلت صلاة ذلک البعض. وأهل کل إقلیم یتوجّهون إلی سمت الرکن الذی علی جهتهم ، فأهل العراق إلی العراقی ، وهو الذی فیه الحجر ، وأهل الشام إلی الشامیّ ، والمغرب إلی المغربی ، والیمن إلی الیمانی.

______________________________________________________

والجواب : أما الإجماع فقد تقدم الکلام فیه مرارا ، وأما الروایة فضعیفة السند جدا (1) فلا تصلح لتخصیص عموم الأمر بالقیام والاستقبال والرکوع والسجود مع القدرة ، وأیضا فإنه یلزم من قوله : « إن قام لم یکن له قبلة » عدم تحقق الاستقبال ممّن هو أرفع من الکعبة کالمصلی علی جبل أبی قبیس ، وهو معلوم البطلان.

قوله : ( ولو استطال صف المأمومین فی المسجد حتی خرج بعضهم عن سمت الکعبة بطلت صلاة ذلک البعض ).

لأن فرض القریب الذی یتمکن من المشاهدة استقبال العین ، بخلاف البعید ، لأن فرضه التوجه إلی الجهة کما بیناه فیما سبق ، قال فی الذکری : ولو استداروا صحّ ، للإجماع علیه عملا فی کل الأعصار السالفة ، نعم یشترط أن لا یکون المأموم أقرب إلی الکعبة من الإمام (2). وهو حسن (3).

قوله : ( وأهل کل إقلیم یتوجهون إلی سمت الرکن الذی علی جهتهم ، فأهل العراق إلی العراقی ، وهو الذی فیه الحجر ، وأهل الشام إلی الشامی ، والمغرب إلی المغربی ، والیمن إلی الیمانی ).

قد تقدم أنّ المعتبر عند المصنف فی البعید استقبال الحرم ، وعند آخرین

حکم صلاة الجماعة فی المسجد

توجه أهل کل إقلیم إلی الرکن الذی یلیهم

ص: 126


1- لأن إسحاق بن محمد ضعیف ( راجع خلاصة العلامة : 201 ، ورجال النجاشی : 73 - 177 ).
2- الذکری : 162.
3- فی « ح » زیادة : لاستلزام القرب التقدم کما لا یخفی.

وأهل العراق ومن والأهم یجعلون الفجر علی المنکب الأیسر ، والمغرب علی الأیمن ، والجدی محاذی المنکب الأیمن ، وعین الشمس عند زوالها علی الحاجب الأیمن.

______________________________________________________

الجهة (1) ، وهما أوسع من ذلک فلا یتم الحکم بوجوب التوجه إلی سمت الرکن نفسه.

وقال فی المعتبر : وکل إقلیم یتوجهون إلی سمت الرکن الذی یلیهم ، لما بیناه من وجوب استقبال الکعبة ما أمکن ، والذی یمکن أن یستقبل أهل کل إقلیم الرکن الذی یلیهم (2). وهو غیر جید أیضا ، إذ الذی سبق منه وجوب استقبال جهة الکعبة للبعید لا نفس الکعبة.

قوله : ( وأهل العراق ومن والأهم یجعلون الفجر علی المنکب الأیسر ، والمغرب علی الأیمن ، والجدی محاذی المنکب الأیمن ، وعین الشمس عند زوالها علی الحاجب الأیمن ).

اعلم أنّ أکثر هذه العلامات التی ذکرها الأصحاب فی معرفة القبلة مأخوذ من کلام أهل الهیئة ، والظاهر أنّ أکثر أهل ذلک العلم مقلدون لغیرهم ، لأن معرفتهم بذلک موقوفة علی ملاحظة الإرصاد والعلم بعروض البلاد وأطوالها وهو مشکل جدا ، إلا أنّ الاعتبار یشهد لها ، مع ما أشرنا إلیه سابقا من سهولة الخطب فی ذلک والاکتفاء باستقبال ما یصدق علیه أنه جهة المسجد الحرام.

والذی وقفت علیه فی هذا الباب من النصوص روایتان ضعیفتا السند :

إحداهما روایة الطاطری ، عن جعفر بن سماعة ، عن علاء بن رزین ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن القبلة ، قال : « ضع الجدی فی قفاک وصلّ » (3).

علامات قبلة العراق

ص: 127


1- فی ص 118.
2- المعتبر 2 : 69.
3- التهذیب 2 : 45 - 143 ، الوسائل 3 : 222 أبواب القبلة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

والثانیة رواها ابن بابویه فی کتابه مرسلا ، قال ، قال رجل للصادق علیه السلام : إنی أکون فی السفر ولا أهتدی إلی القبلة باللیل ، قال : « أتعرف الکوکب الذی یقال له جدی؟ » قلت : نعم ، قال : « اجعله علی یمینک ، وإذا کنت فی طریق الحج فاجعله بین کتفیک » (1) وهما مؤیدتان لما ذکرناه.

وقد ذکر الأصحاب لأهل العراق ثلاث علامات :

الأولی : جعل الفجر أی المشرق علی المنکب الأیسر ، والمغرب علی الأیمن. والظاهر أنّ المراد بهما الاعتدالیان ، لعدم انضباط ما عداهما (2). والمنکب مجمع العضد والکتف.

الثانیة : جعل الجدی بحذاء المنکب الأیمن. والجدی مکبر ، وربما صغر لیتمیز عن البرج ، وهو نجم مضی ء یدور مع الفرقدین حول قطب العالم الشمالی. والقطب نقطة موهومة یقابلها مثلها من الجنوب.

قال الشارح قدس سره : وأقرب الکواکب إلیها نجم خفی لا یکاد یدرکه إلاّ حدید البصر ، یدور حولها کل یوم ولیلة دورة لطیفة لا تکاد یدرک ، ویطلق علی هذا النجم القطب مجازا لمجاورته القطب الحقیقی ، وهو علامة لقبلة العراقی إذا جعله المصلی خلف منکبه الأیمن ، ویخلفه الجدی فی العلامة إذا کان فی غایة الارتفاع أو الانخفاض ، وإنما اشترط ذلک لکونه فی تلک الحال علی دائرة نصف النهار وهی مارة بالقطبین وبنقطة الجنوب والشمال ، فإذا کان القطب مسامتا لعضو من المصلی کان الجدی مسامتا له ، لکونهما علی دائرة واحدة ، بخلاف ما لو کان منحرفا نحو المشرق والمغرب (3).

قلت : ما ذکره - رحمه الله - مشهور بین الأصحاب ، وممن صرح به :

ص: 128


1- الفقیه 1 : 181 - 860 ، الوسائل 3 : 222 أبواب القبلة ب 5 ح 2.
2- الجواهر 7 : 361. لشدة التفاوت فیهما باختلاف الفصول المقتضی لعدم کون العلامة مطلق المشرق والمغرب ، ولو کان کل منهما من فصل تفاوت ذلک أشد تفاوت.
3- المسالک 1 : 22.

______________________________________________________

المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی ، والشهید فی الذکری (1).

ونقل شیخنا المحقق المدقق مولانا أحمد - المجاور بالمشهد المقدس الغروی علی ساکنه السلام - عن بعض محققی أهل ذلک الفن أنّ هذا الشرط غیر جید ، لأن الجدی فی جمیع أحواله أقرب إلی القطب الحقیقی من ذلک النجم الخفی ، ولهذا کان أقل حرکة منه کما یظهر بالامتحان. وهذه الحرکة الظاهرة إنما هی للفرقدین لا للجدی فإن حرکته یسیرة جدا (2). وقد اعتبرنا ذلک فوجدناه کما أفاد.

واعتبر المصنف فی المعتبر لأهل المشرق أولا جعل الجدی خلف المنکب الأیمن ثم قال : إنّ الجدی ینتقل ، والدلالة القویة القطب الشمالی ، فإذا حصله العراقی جعله خلف أذنه الیمنی دائما فإنه لا یتغیر وإن تغیر کان یسیرا (3). وبین الکلامین تخالف ، واعتبار محراب مسجد الکوفة یساعد علی الأول.

الثالثة : جعل الشمس علی الحاجب الأیمن عند الزوال ، لأن الشمس عند الزوال تکون علی دائرة نصف النهار المتصلة بنقطتی الجنوب والشمال فتکون حینئذ لمستقبل نقطة الجنوب بین العینین ، فإذا زالت مالت إلی طرف الحاجب الأیمن.

ولا یخفی أن مقتضی العلامة الأولی والثالثة استقبال نقطة الجنوب ، والعلامة الثانیة تقتضی انحرافا بیّنا عنها نحو المغرب ، کما إنّ جعل الجدی خلف الکتف الأیسر لأهل الشام یقتضی الانحراف عنها نحو المشرق ، فبین هذه العلامات تدافع. والأولی حمل العلامة الأولی والثالثة علی أطراف العراق الغربیة (4) ، وحمل الثانیة علی أوساط العراق ، کالکوفة وبغداد. وأما أطرافه

ص: 129


1- المعتبر 2 : 69 ، والمنتهی 1 : 219 ، والذکری : 162.
2- مجمع الفائدة 2 : 72.
3- المعتبر 2 : 69.
4- فی « ح » زیادة : کسنجار وما والاها.

ویستحب لهم التیاسر إلی یسار المصلی منهم قلیلا.

______________________________________________________

الشرقیة کالبصرة وما ساواها فیحتاج فیها إلی زیادة انحراف نحو المغرب. وکذا القول فی بلاد خراسان ، وذکر المصنف (1) والعلامة (2) أنّ قبلة خراسان والکوفة واحدة. وهو بعید جدا. والله تعالی أعلم.

قوله : ( ویستحب لهم التیاسر إلی یسار المصلی منهم قلیلا ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وظاهر عبارة الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف یعطی الوجوب (3) ، واستدل علیه فی الخلاف بإجماع الفرقة ، وما رواه المفضل بن عمر أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن التحریف لأصحابنا ذات الیسار عن القبلة ، وعن السبب فیه فقال : « إنّ الحجر الأسود لما أنزل من الجنة ووضع فی موضعه جعل أنصاب الحرم من حیث یلحقه النور نور الحجر ، فهی عن یمین الکعبة أربعة أمیال ، وعن یسارها ثمانیة أمیال ، کله اثنا عشر میلا ، فإذا انحرف الإنسان ذات الیمین خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات الیسار لم یکن خارجا من حد القبلة » (4) وروی الکلینی عن علی بن محمد رفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام نحو ذلک (5).

والروایتان ضعیفتا السند جدا ، والعمل بهما لا یؤمن معه الانحراف الفاحش عن حد القبلة وإن کان فی ابتدائه یسیرا.

والحکم مبنی علی أنّ البعید یستقبل الحرم کما ذکره المصنف فی النافع ، والعلامة فی المنتهی (6) ، واحتمل فی المختلف اطراد الحکم علی القولین (7). وهو

استحباب التیاسر لأهل العراق

ص: 130


1- المعتبر 1 : 65.
2- المنتهی 1 : 218.
3- النهایة : 63 ، والمبسوط 1 : 78 ، والخلاف 1 : 98.
4- الفقیه 1 : 178 - 842 ، التهذیب 2 : 44 - 142 ، علل الشرائع : 318 - 1 ، الوسائل 3 : 221 أبواب القبلة ب 4 ح 2.
5- الکافی 3 : 487 - 6 ، الوسائل 3 : 221 أبواب القبلة ب 4 ح 1 ، ورواه فی التهذیب 2 : 44 - 141.
6- المختصر النافع : 24 ، والمنتهی 1 : 219.
7- المختلف : 76.

الثانی : فی المستقبل ، ویجب الاستقبال فی الصلاة مع العلم بجهة القبلة ، فإن جهلها عوّل علی الأمارات المفیدة للظن.

______________________________________________________

بعید ، إذا العلامات المنصوبة للجهة لا تقتضی وقوع الصلاة علی نفس الحرم.

هذا وقد نقل عن أفضل المحققین نصیر الملة والدین قدس الله روحه (1) : أنه حضر مجلس المصنف یوما فجری فی درسه هذه المسألة فأورد علیها إشکالا حاصله : إنّ التیاسر أمر إضافی لا یتحقق إلا بالإضافة إلی صاحب یسار متوجه إلی جهة ، فإن کانت تلک الجهة محصّلة لزم التیاسر عما وجب التوجه إلیه وهو حرام لأنه خلاف مدلول الآیة ، وإن لم تکن محصلة لزم عدم إمکان التیاسر ، إذ تحققه موقوف علی تحقق الجهة التی یتیاسر عنها فکیف یتصور الاستحباب.

وأجابه المصنف فی الدرس بما اقتضاه الحال ثم کتب فی ذلک رسالة استحسنها المحقق الطوسی.

وحاصل الجواب : إنّ التیاسر عن تلک الجهة المحصلة المقابلة لوجه المصلی حال استعمال تلک العلامات المنصوبة لذلک استظهار فی مقابلة الحرم ، لأن قدر الحرم عن یمین الکعبة یسیر وعن یسارها متسع کما دلت علیه الروایة التی استند إلیها الأصحاب فی ذلک (2). وحیث ظهر ضعف هذا المستند وما بنی علیه کان الإعراض عن هذا الحکم وتحریره أقرب إلی الصواب.

قوله : ( ویجب الاستقبال فی الصلاة مع العلم بجهة القبلة ، فإن جهلها عوّل علی الأمارات المفیدة للظن ).

أما وجوب الاستقبال فی الصلاة مع العلم بجهة القبلة فظاهر ، لقوله تعالی ( فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (3) والعلم یتحقق بالمعاینة (4) ، والشیاع ،

حکم الجاهل بالقبلة

ص: 131


1- المهذب البارع 1 : 312.
2- المتقدمة فی ص 130.
3- البقرة : 144 ، 150.
4- فی الأصل وباقی النسخ الخطیة : بالمعاشرة. وفی « ح » : بالمعاشرة فیه وما أثبتناه من نسخة فی حاشیة « م ».

وإذا اجتهد فأخبره غیره بخلاف اجتهاده قیل : یعمل علی اجتهاده ، ویقوی عندی أنه إذا کان ذلک الخبر أوثق فی نفسه عوّل علیه.

______________________________________________________

والخبر المحفوف بالقرائن ، ومحراب المعصوم.

وقد یتحقق فی غیره أیضا ، وباستعمال العلامات المفیدة لذلک ، کالجدی ونحوه علی بعض الوجوه.

وأما وجوب التعویل لفاقد العلم علی الأمارات المفیدة للظن (1) ، فقال المصنف فی المعتبر : إنه اتفاق أهل العلم (2). ویدل علیه صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یجزی التحری أبدا إذا لم یعلم أین وجه القبلة » (3) وموثقة سماعة ، قال : سألته عن الصلاة باللیل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم قال : « تجتهد رأیک وتعمد القبلة جهدک » (4).

وقد ذکر من الأمارات المفیدة للظن : الریاح الأربع ، ومنازل القمر ، فإنه یکون لیلة سبعة من الشهر فی قبلة العراقی أو قریبا منها عند المغرب ، ولیلة الرابع عشر منه نصف اللیل ، ولیلة الحادی والعشرین منه عند الفجر ، وذلک کله تقریبی.

قوله : ( وإذا اجتهد فأخبره غیر بخلاف اجتهاده قیل : یعمل علی اجتهاده ، ویقوّی عندی أنه إذا کان ذلک الخبر أوثق فی نفسه عوّل علیه ).

المراد بالاجتهاد هنا : بذل الوسع فی تحصیل الأمارات المفیدة للظن

ص: 132


1- غیر الأمارات الشرعیة التی قد عرفت عدم تقیید العمل بها علی الظاهر بعدم العلم ( الجواهر 7 : 386 ).
2- المعتبر 2 : 70.
3- الکافی 3 : 285 - 7 ، التهذیب 2 : 45 - 146 ، الإستبصار 1 : 295 - 1087 ، الوسائل 3 : 223 أبواب القبلة ب 6 ح 1.
4- الکافی 3 : 284 - 7 ، التهذیب 1 : 45 - 147 ، الإستبصار 1 : 295 - 1088 ، الوسائل 3 : 223 أبواب القبلة ب 6 ح 2.

ولو لم یکن له طریق إلی الاجتهاد فأخبره کافر ، قیل : لا یعمل بخبره ، ویقوّی أنه إن أفاده الظن عمل به.

ویعوّل علی قبلة البلد إذا لم یعلم أنها بنیت علی الغلط.

______________________________________________________

بالجهة. والقول بالعمل بالاجتهاد والحال هذه للشیخ (1) وأتباعه (2) ، نظرا إلی أنّ الرجوع إلی الغیر تقلید فلا یسوغ للمجتهد المصیر إلیه. والأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - من وجوب التعویل علی الخبر إذا کان أوثق فی نفسه ، فإنّ المسألة إذا کانت ظنیة یجب التعویل فیها علی أقوی الظنین ، ویؤیده عموم قوله علیه السلام : « یجزی التحری أبدا إذا لم یعلم أین وجه القبلة » والاستخبار ممن یفید قوله الظن نوع من التحری.

قوله : ( ولو لم یکن له طریق إلی الاجتهاد فأخبره کافر ، قیل : لا یعمل بخبره ، ویقوّی أنه إنه إن أفاد الظن عمل به ).

القول للشیخ رحمه الله ، نظرا إلی وجوب التثبّت عند خبر الکافر. والأظهر ما اختاره المصنف - رحمه الله - من جواز التعویل علیه إذا أفاد الظن لأنه نوع من التحری.

قوله : ( ویعول علی قبلة البلد إذا لم یعلم أنها بنیت علی الغلط ).

قبلة البلد تشمل المحاریب المنصوبة فی المساجد والطرق والقبور وغیرها. والمراد بالبلد بلد المسلمین ، فلو وجد محراب فی بلد لا یعلم أهله لم یجز التعویل علیه.

وهذا الحکم أعنی جواز التعویل علی قبلة المسلمین إجماعی بین الأصحاب ، قاله فی التذکرة (3). وإطلاق کلامهم یقتضی أنه لا فرق فی ذلک بین ما یفید العلم بالجهة أو الظن ، ولا بین أن یکون المصلی متمکنا من معرفة

ص: 133


1- المبسوط 1 : 78.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 85 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
3- التذکرة 1 : 102.

ومن لیس متمکّنا من الاجتهاد کالأعمی یعوّل علی غیره.

______________________________________________________

القبلة بالعلامات المفیدة للعلم أو الاجتهاد المفید للظن أو ینتفی الأمران.

وربما ظهر من قولهم : فإن جهلها عوّل علی الأمارات المفیدة للظن ، عدم جواز التعویل علیها للمتمکن من العلم إلا إذا أفادت الیقین. وهو کذلک ، لأن الاستقبال علی الیقین ممکن فیسقط اعتبار الظن.

وقد قطع الأصحاب بعدم جواز الاجتهاد فی الجهة والحال هذه ، لأن الخطأ فی الجهة مع استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع. أما فی التیامن والتیاسر فالأظهر جوازه لعموم الأمر بالتحری (1). وربما قیل بالمنع منه (2) ، لأن احتمال إصابة الخلق الکثیر أقرب من احتمال إصابة الواحد ، ومنعه ظاهر. قال فی الذکری : وقد وقع فی زماننا اجتهاد بعض علماء الهیئة فی قبلة مسجد دمشق وإنّ فیه تیاسرا عن القبلة مع انطواء الأعصار الماضیة علی عدم ذلک (3).

قوله : ( ومن لیس متمکنا من الاجتهاد کالأعمی یعول علی غیره ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین من کان عالما بالأمارات لکنه ممنوع منها لعارض کغیم ونحوه ، أو جاهلا بها مع عدم القدرة علی التعلّم کالعامی مع ضیق الوقت ، أو غیر متمکن من الاجتهاد أصلا کالأعمی. وبهذا التعمیم قطع الشیخ فی المبسوط (4) ، وابن الجنید (5). وظاهر کلامه فی الخلاف (6) المنع من التقلید للأعمی وغیره ، ووجوب الصلاة إلی الجهات الأربع مع السعة ، والتخییر مع الضیق. والمعتمد الأول.

حکم الغیر المتمکن من الاجتهاد

ص: 134


1- الوسائل 3 : 223 أبواب القبلة ب 6.
2- کما فی نهایة الأحکام 1 : 393. قال : ولو اجتهد فأداه اجتهاده إلی خلافها ( یعنی المحاریب ) فان کانت بنیت علی القطع لم یجز العدول إلی اجتهاده وإلاّ جاز.
3- الذکری : 163.
4- المبسوط 1 : 79.
5- نقله عنه فی المختلف : 77.
6- الخلاف 1 : 100.

ومن فقد العلم والظن ، فإن کان الوقت واسعا صلی الصلاة إلی أربع جهات ، لکل جهة مرّة.

______________________________________________________

لنا : إنّ قول العدل أحد الأمارات المفیدة للظن فکان العمل به لازما مع انتفاء العلم ، وعدم إمکان تحصیل ظن أقوی منه ، لقوله علیه السلام : « یجزی التحری أبدا إذا لم یعلم أین وجه القبلة » (1).

احتج الشیخ فی الخلاف بأن الأعمی ومن لا یعرف أمارات القبلة إذا صلّیا إلی أربع جهات برئت ذمتهما بالإجماع ، ولیس علی براءة ذمتهما إذا صلّیا إلی واحدة دلیل. ثم استدل علی التخییر مع الضرورة بأن وجوب القبول من الغیر لم یقم علیه دلیل ، والصلاة إلی الجهات الأربع منفی بکون الحال حال ضرورة فثبت التخییر (2). وجوابه معلوم مما ذکرناه.

والمراد بالتقلید هنا قبول قول الغیر سواء کان مستندا إلی الاجتهاد أو الیقین. وإنما یسوغ تقلید المسلم العدل العارف بالعلامات ، فإن تعذر العدل فالمستور (3) ، فإن تعذر فغیره وإن کان کافرا إذا أفاد قوله الظن.

وبالجملة : فحیث ثبت جواز التعویل علی الظن فی هذا الباب وجب دوران الحکم معه ، لکن کما یجب تقدیم العلم علی الظن کذا یجب تقدیم أقوی الظنین علی الآخر.

ومن هنا یعلم أن المکفوف لو وجد محرابا فهو أولی من التقلید ، وکذا الرکون إلی المخبر عن علم أولی من الرکون إلی المجتهد ، وکذا الکلام مع الاختلاف فی العدالة والضبط والتعدد.

قوله : ( ومن فقد العلم والظن ، فإن کان الوقت واسعا صلی الصلاة إلی أربع جهات ، لکل جهة مرة ).

حکم فاقد الظن بالقبلة

ص: 135


1- المتقدم فی ص 132.
2- الخلاف 1 : 100.
3- یعنی : المجهول الحال.

______________________________________________________

هذا الحکم مشهور بین الأصحاب ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الاتفاق علیه (1). وقال ابن أبی عقیل : لو خفیت علیه القبلة لغیم ، أو ریح ، أو ظلمة فلم یقدر علی القبلة صلّی حیث شاء ، مستقبل القبلة وغیر مستقبلها ، ولا إعادة علیه إذا علم بعد ذهاب وقتها أنه صلّی لغیر القبلة (2). وهو الظاهر من اختیار ابن بابویه (3) ، ونفی عنه البعد فی المختلف (4) ، ومال إلیه فی الذکری (5) ، وقواه شیخنا المعاصر (6) ، وهو المعتمد.

لنا : أصالة البراءة مما لم یقم دلیل علی وجوبه ، وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « یجزی المتحیر أبدا أینما توجّه إذا لم یعلم أین وجه القبلة » (7).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار : أنه سأله عن الرجل یقوم فی الصلاة ، ثم ینظر بعد ما فرغ فیری أنه قد انحرف عن القبلة یمینا أو شمالا فقال : « قد مضت صلاته ، فما بین المشرق والمغرب قبلة ، ونزلت هذه الآیة فی قبلة المتحیر : ( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (8) » (9).

وما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قبلة المتحیر ، فقال : « یصلی

ص: 136


1- المعتبر 2 : 70.
2- نقله عنهما فی المختلف : 77.
3- نقله عنهما فی المختلف : 77.
4- المختلف : 78.
5- الذکری : 166.
6- مجمع الفائدة والبرهان 2 : 67.
7- الفقیه 1 : 179 - 845 ، الوسائل 3 : 226 أبواب القبلة ب 8 ح 2.
8- البقرة : 115.
9- الفقیه 1 : 179 - 846 ، التهذیب 2 : 48 - 157 ، الإستبصار 1 : 297 - 1095 ، الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 10 ح 1.

______________________________________________________

حیث یشاء » (1) وهی (2) صریحة فی المطلوب.

احتج الشیخ (3) - رحمه الله - ومن تبعه (4) بما رواه خراش ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : جعلت فداک إنّ هؤلاء المخالفین علینا یقولون إذا أطبقت علینا أو أظلمت فلم نعرف السماء کنا وأنتم سواء فی الاجتهاد ، فقال : « لیس کما یقولون إذا کان ذلک فلیصلّ لأربع وجوه » (5) وهذه الروایة ضعیفة السند بالإرسال ، وجهالة المرسل والراوی عنه وهو إسماعیل بن عباد ، متروکة الظاهر من حیث تضمنها سقوط الاجتهاد بالکلیة ، فلا تعویل علیها.

واستدل فی المعتبر علی هذا القول أیضا بأن الاستقبال بالصلاة واجب ما أمکن ، ولا یتحصل الاستقبال إلاّ کذلک فیجب (6).

والجواب : إنا لا نسلم وجوب الاستقبال مع الجهل بالقبلة ، والسند ما تقدم.

ونقل عن السید الجلیل رضی الدین بن طاوس استعمال القرعة هنا (7) ، ولا بأس به.

وعلی المشهور فیعتبر فی الجهات الأربع کونها علی خطین مستقیمین وقع أحدهما علی الآخر بحیث یحدث عنهما زوایا قائمة ، لأنه المتبادر من النص (8) ،

ص: 137


1- الکافی 3 : 286 - 10 ، الوسائل 3 : 226 أبواب القبلة ب 8 ح 3.
2- فی « م » ، « ح » زیادة : مع اعتبار سندها.
3- التهذیب 2 : 46 ، والاستبصار 1 : 295.
4- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 85 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
5- التهذیب 2 : 45 - 144 ، الإستبصار 1 : 295 - 1085 ، الوسائل 3 : 226 أبواب القبلة ب 8 ح 5.
6- المعتبر 2 : 70.
7- کما فی الروضة البهیة 1 : 201.
8- الوسائل 3 : 225 أبواب القبلة ب 8.

وإن ضاق عن ذلک صلی من الجهات ما یحتمله الوقت ، وإن ضاق إلا عن صلاة واحدة صلاّها إلی أی جهة شاء.

والمسافر یجب علیه استقبال القبلة ، ولا یجوز له أن یصلی شیئا من الفرائض علی الراحلة ، إلا عند الضرورة ویستقبل القبلة ، فإن لم یتمکن استقبل القبلة بما أمکنه من صلاته ، وینحرف إلی القبلة کلّما انحرفت الدابة. وإن لم یتمکن استقبل بتکبیرة الإحرام ، ولو لم یتمکن من ذلک أجزأته الصلاة وإن لم یکن مستقبلا.

______________________________________________________

وربما قیل بالاجتزاء بالأربع کیف اتفق ، وهو بعید جدا.

واشترط الشهید فی البیان التباعد بینها بحیث لا یکون بین کل واحدة وبین الأخری ما یعد قبلة واحدة لقلة الانحراف (1). وهو غیر واضح أیضا.

قوله : ( وإن ضاق عن ذلک صلی من الجهات من یحتمله الوقت ، وإن ضاق إلاّ عن صلاة واحدة صلاها إلی أی جهة شاء ).

المراد أنه مع ضیق الوقت عن الصلاة إلی الجهات الأربع یجب علیه أن یأتی بالممکن وهو ما یتسع له الوقت مرتین أو ثلاثا ، ولو ضاق إلا عن مرة اقتصر علیها وکان مخیرا فی الجهات ، لأن التقدیر تساوی الاحتمالات فیسقط الترجیح. قال فی المعتبر : وکذا لو منعت ضرورة من عدو أو سبع أو مرض (2).

قوله : ( والمسافر یجب علیه استقبال القبلة ، ولا یجوز له أن یصلی شیئا من الفرائض علی الراحلة إلاّ عند الضرورة ویستقبل القبلة ، فإن لم یتمکن استقبل القبلة بما أمکنه من صلاته ، وینحرف إلی القبلة کلما انحرفت الدابة ، وإن لم یتمکن استقبل بتکبیرة الإحرام ، وإن لم یتمکن من ذلک أجزأته الصلاة وإن لم یکن مستقبلا ).

حکم الصلاة علی الراحلة وفی حال المشی والمطاردة

ص: 138


1- البیان : 56 ویحتمل إجزاء أربع کیف اتفق ، لأن الغرض إصابة جهة القبلة لا عینها وهو حاصل ، نعم یشترط التباعد فی الجهات بحیث لا یکون بین الجهة الأولی والثانیة ما یعدّ قبلة واحدة.
2- المعتبر 2 : 71.

______________________________________________________

أما عدم جواز صلاة الفریضة علی الراحلة فی حال الاختیار فقال فی المعتبر : إنه مذهب العلماء کافة ، سواء فی ذلک الحاضر والمسافر (1). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یصلی علی الدابة الفریضة إلا مریض یستقبل القبلة وتجزیه فاتحة الکتاب ، ویضع بوجهه فی الفریضة علی ما أمکنه من شی ء ویومئ فی النافلة إیماء » (2).

وفی الموثق عن عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیصلی الرجل شیئا من المفروض راکبا؟ قال : « لا ، إلاّ من ضرورة » (3).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی الصلاة المفروضة بین الیومیة وغیرها ، ولا بین ما وجب بالأصل وبالعارض ، وبه صرح فی الذکری وقال : إنه لا فرق فی ذلک بین أن ینذرها راکبا أو مستقرا علی الأرض ، لأنها بالنذر أعطیت حکم الواجب (4).

ویمکن القول بالفرق واختصاص الحکم بما وجب بالأصل خصوصا مع وقوع النذر علی تلک الکیفیة ، عملا بمقتضی الأصل وعموم ما دل علی وجوب الوفاء بالنذر. ویؤیده روایة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل جعل لله علیه أن یصلی کذا وکذا ، هل یجزیه أن یصلی ذلک علی دابته وهو مسافر؟ قال : « نعم » (5). وفی الطریق محمد بن أحمد العلوی ولم یثبت توثیقه ، وسیأتی تمام البحث فی ذلک إن شاء الله تعالی.

ص: 139


1- المعتبر 2 : 75.
2- التهذیب 3 : 308 - 952 ، الوسائل 3 : 236 أبواب القبلة ب 14 ح 1. وفیهما : یستقبل به.
3- التهذیب 3 : 308 - 954 ، الوسائل 3 : 237 أبواب القبلة ب 14 ح 4.
4- الذکری : 167.
5- التهذیب 3 : 231 - 596 ، الوسائل 3 : 238 أبواب القبلة ب 14 ح 6.

______________________________________________________

وأما الجواز مع الضرورة فأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الاتفاق علیه (1).

وتدل علیه الروایتان المتقدمتان (2) ، وصحیحة جمیل بن دراج ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « صلی رسول الله صلی الله علیه و آله الفریضة فی المحمل یوم وحل ومطر » (3).

وصحیحة الحمیری ، قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام : روی - جعلنی الله فداک - موالیک عن آبائک علیهم السلام : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله صلی الفریضة علی راحلته فی یوم مطر ، ویصیبنا المطر ونحن فی محاملنا والأرض مبتلة والمطر یؤذی ، فهل یجوز لنا یا سیدی أن نصلی فی هذه الحال فی محاملنا أو علی دوابنا الفریضة إن شاء الله؟ فوقع : « یجوز ذلک مع الضرورة الشدیدة » (4).

وصحیحة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الذی یخاف اللصوص والسبع یصلی صلاة المواقفة إیماء علی دابته » ثم قال : « ویجعل السجود أخفض من الرکوع ، ولا یدور إلی القبلة ولکن أینما دارت دابته ، غیر أنه یستقبل القبلة بأول تکبیرة حین یتوجه » (5).

ویستفاد من هذه الروایة عدم وجوب الاستقبال إلا بتکبیرة الإحرام خاصة. وذکر المصنف (6) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (7) : أنه یجب علیه أن

ص: 140


1- المعتبر 2 : 75.
2- فی ص 139.
3- التهذیب 3 : 232 - 602 ، الوسائل 3 : 238 أبواب القبلة ب 14 ح 9.
4- التهذیب 3 : 231 - 600 ، الوسائل 3 : 237 أبواب القبلة ب 14 ح 5.
5- الکافی 3 : 459 - 6 ، الفقیه 1 : 295 - 1348 ، التهذیب 3 : 173 - 383 ، الوسائل 5 : 484 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 8.
6- المعتبر 2 : 75.
7- کالشهید الأول فی الذکری : 168.

وکذا المضطر إلی الصلاة ماشیا مع ضیق الوقت.

______________________________________________________

یستقبل القبلة بما أمکن من صلاته ، لقوله تعالی ( فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (1) وهو حسن.

وعلی هذا فیجب علیه أن یحرف الدابة لو انحرفت عن القبلة مع المکنة. ولو حرفها عنها عامدا لغیر ضرورة بطلت صلاته.

ولو تعذر علیه الاستقبال قیل : یجب علیه تحری الأقرب إلی جهة القبلة فالأقرب (2) ، وکأن وجهه أنّ للقرب أثرا عند الشارع ، ولهذا افترقت الجهات فی الاستدراک لو ظهر خطأ الاجتهاد. وقیل بالعدم للخروج عن القبلة فتتساوی الجهات ، ولو قیل یجب تحری ما بین المشرق والمغرب دون باقی الجهات لتساویها فی الاستدراک لو ظهر خطأ الاجتهاد ، ولقولهم علیهم السلام « ما بین المشرق والمغرب قبلة » (3) کان قویا.

وقال العلامة فی النهایة : ولو لم یتمکن من الاستقبال جعل صوب الطریق بدلا عن القبلة ، لأن المصلی لا بد أن یستمر علی جهة واحدة لئلا یتوزع فکره ، ولما کان الطریق فی الغالب لا ینفک من معاطف یلقاها السالک یمنة ویسرة فیتبعه کیف کان للحاجة (4). وهو حسن إلا أنّ وجهه لا یبلغ حد الوجوب.

قوله : ( وکذا المضطر إلی الصلاة ماشیا مع ضیق الوقت ).

أی تجوز له الصلاة ماشیا ویستقبل القبلة بما أمکنه من صلاته ویسقط مع العجز. أما جواز الصلاة ماشیا فلقوله تعالی ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُکْباناً ) (5) ویؤیده صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال : سألت أبا عبد الله

ص: 141


1- البقرة : 150.
2- کما فی الذکری : 168.
3- المتقدم فی ص 136.
4- نهایة الأحکام 1 : 405.
5- البقرة : 239.

ولو کان الراکب بحیث یتمکن من الرکوع والسجود وفرائض الصلاة ، هل تجوز له الفریضة علی الراحلة اختیارا؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

علیه السلام عن الرجل یخاف من سبع أو لصّ کیف یصلی؟ قال : « یکبر ویومئ برأسه » (1).

وإطلاق الآیة والخبر وکلام أکثر الأصحاب یقتضی عدم الفرق بین سعة الوقت وضیقه ، إلا أنّ المصنف اعتبر الضیق ، وهو أحوط.

وأما وجوب الاستقبال مع المکنة فلقوله تعالی ( وَحَیْثُ ما کُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (2).

وأما السقوط مع العجز فظاهر لسقوط التکلیف معه ، ولو أمکن الرکوب والمشی فی الفریضة مع عدم إمکان الاستقرار احتمل التخییر لظاهر قوله تعالی : ( فَرِجالاً أَوْ رُکْباناً ) وترجیح المشی لحصول رکن القیام ، وترجیح الرکوب لأن الراکب مستقر بالذات وإن تحرک بالعرض بخلاف الماشی. والأجود تقدیم أکثرهما استیفاء للأفعال ، ومع التساوی فالتخییر.

قوله : ( ولو کان الراکب بحیث یتمکن من الرکوع والسجود وفرائض الصلاة ، هل تجوز له الفریضة علی الراحلة اختیارا؟ قیل نعم وقیل لا ، وهو الأشبه ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، واحتجوا علیه بصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله المتقدمة (3) ، قال الشارح قدس سره : وهی عامة ، ووجه عمومها الاستثناء المذکور (4). وفیه إنّ هذا العموم إنما هو فی الفاعل خاصة ، أما الدابة

ص: 142


1- التهذیب 3 : 173 - 382 ، الوسائل 5 : 484 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 9.
2- البقرة : 150.
3- فی ص 139.
4- المسالک 1 : 23.

______________________________________________________

فمطلقة ، ولا یبعد حملها علی ما هو الغالب ، أعنی التی لا یتمکن علیها من استیفاء الأفعال.

واحتج علیه فخر المحققین (1) أیضا بقوله تعالی ( حافِظُوا عَلَی الصَّلَواتِ ) (2) قال : والمراد بالمحافظة علیها المداومة وحفظها من المفسدات والمبطلات ، وإنما یتحقق ذلک فی مکان اتخذ للقرار عادة ، فإن غیره کظهر الدابة فی معرض الزوال ، وبقوله علیه السلام : « جعلت لی الأرض مسجدا » (3) أی مصلی ، فلا یصح إلا فیما فی معناها ، وإنما عدّیناه إلیه بالإجماع ، وغیره لم یثبت.

وضعف الاستدلالین ظاهر ، والأقرب الجواز کما اختاره العلامة فی النهایة (4) ، إذ المفروض التمکن من استیفاء الأفعال والأمن من زواله عادة فی ثانی الحال. وقریب من ذلک الکلام فی الأرجوحة المعلقة فی الحبال ونحوها.

ویشهد للجواز أیضا صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل هل یصلح له أن یصلی علی الرف المعلق بین نخلتین؟ قال : « إن کان مستویا یقدر علی الصلاة علیه فلا بأس » (5).

واعلم أنّ المصنف - رحمه الله - لم یتعرض فی هذا الکتاب لحکم الصلاة فی السفینة ، وقد اختلف فیه کلام الأصحاب ، فذهب ابن بابویه (6) وابن حمزة (7) - علی ما نقل عنهما - إلی جواز الصلاة فیها فرضا ونفلا مختارا ، وهو

ص: 143


1- إیضاح الفوائد 1 : 79.
2- البقرة : 239.
3- الفقیه 1 : 155 - 724 ، الوسائل 3 : 593 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 8.
4- نهایة الأحکام 1 : 404.
5- التهذیب 2 : 373 - 1553 ، قرب الإسناد : 86 ، الوسائل 3 : 467 أبواب مکان المصلی ب 35 ح 1.
6- المقنع : 37.
7- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 678.

______________________________________________________

ظاهر اختیار العلامة - رحمه الله - فی أکثر کتبه (1).

ونقل عن أبی الصلاح (2) وابن إدریس (3) : أنهما منعا من الصلاة فیها إلا لضرورة ، واستقربه الشهید فی الذکری (4).

وحکی عن کثیر من الأصحاب : أنهم نصوا علی الجواز إلا أنهم لم یصرحوا بکونه علی وجه الاختیار (5).

والمعتمد الأول تمسکا بمقتضی الأخبار الصحیحة الدالة علیه ، کصحیحة جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه قال له أکون فی سفینة قریبة من الجد (6) ، فأخرج وأصلی؟ قال : « صلّ فیها ، أما ترضی بصلاة نوح علیه السلام » (7).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة الفریضة فی السفینة وهو یجد الأرض یخرج إلیها غیر أنه یخاف السبع واللصوص ویکون معه قوم لا یجتمع رأیهم علی الخروج ولا یطیعونه ، وهل یضع وجهه إذا صلی أو یومئ إیماء؟ أو قاعدا أو قائما؟ فقال : « إن استطاع أن یصلی قائما فهو أفضل ، فإن لم یستطع صلی جالسا » وقال : « لا علیه أن لا یخرج ، فإنّ أبی سأله عن مثل هذه المسألة رجل فقال : أترغب عن صلاة نوح؟! » (8).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن

ص: 144


1- القواعد 1 : 26 ، والمنتهی 1 : 407 ، والتذکرة 1 : 104.
2- الکافی فی الفقه : 147.
3- السرائر : 75.
4- الذکری : 168.
5- منهم العلامة فی المنتهی 1 : 407 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 83.
6- الجدّ بالضم : شاطئ النهر - النهایة لابن الأثیر 1 : 245.
7- الفقیه 1 : 291 - 1323 ، الوسائل 3 : 233 أبواب القبلة ب 13 ح 3.
8- التهذیب 3 : 295 - 893 ، الوسائل 4 : 705 أبواب القیام ب 14 ح 4.

______________________________________________________

الصلاة فی السفینة فقال : « تستقبل القبلة بوجهک ثم تصلی کیف دارت ، تصلی قائما ، فإن لم تستطع فجالسا ، یجمع الصلاة فیها إن أراد ، ویصلی علی القیر والقفر ویسجد علیه » (1).

وحسنة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، إنه سئل عن الصلاة فی السفینة فقال : « یستقبل القبلة ، فإذا دارت فاستطاع أن یتوجه إلی القبلة فلیفعل ، وإلا فلیصلّ حیث توجهت به ، قال : فإن أمکنه القیام فلیصلّ قائما ، وإلا فلیقعد ثم یصلی » (2).

احتج المانعون (3) بأن القرار رکن فی القیام (4) وحرکة السفینة تمنع من ذلک ، وبأن الصلاة فیها مستلزمة للحرکات الکثیرة الخارجة عن الصلاة فلا یصار إلیها إلا لضرورة.

وبما رواه الشیخ عن حماد بن عیسی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یسأل عن الصلاة فی السفینة فیقول : « إن استطعتم أن تخرجوا إلی الجدد (5) فاخرجوا ، فإن لم تقدروا فصلوا قیاما ، فإن لم تستطیعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة » (6).

وعن علی بن إبراهیم ، قال : سألته عن الصلاة فی السفینة ، قال : « یصلی وهو جالس إذا لم یمکنه القیام فی السفینة ، ولا یصلی فی السفینة وهو یقدر علی الشط » (7).

ص: 145


1- التهذیب 3 : 295 - 895 ، الوسائل 4 : 706 أبواب القیام ب 14 ح 8.
2- الکافی 3 : 441 - 2 ، التهذیب 3 : 297 - 903 ، الوسائل 3 : 235 أبواب القبلة ب 13 ح 13.
3- منهم الشهید الأول فی الذکری : 168.
4- فی « ح » : المقام.
5- الجدد : الأرض الصلبة - الصحاح 2 : 452.
6- الکافی 3 : 441 - 1 ، التهذیب 3 : 170 - 374 ، الإستبصار 1 : 454 - 1761 ، الوسائل 3 : 235 أبواب القبلة ب 13 ح 14.
7- التهذیب 3 : 170 - 375 ، الإستبصار 1 : 455 - 1762 ، الوسائل 3 : 234 أبواب القبلة ب 13 ح 8.

الثالث : ما یستقبل له ، ویجب الاستقبال فی فرائض الصلاة مع الإمکان ، وعند الذبح ، وبالمیت عند احتضاره ودفنه والصلاة علیه.

وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها ، ویجوز أن یصلی علی الراحلة سفرا أو حضرا ، وإلی غیر القبلة علی کراهة ، متأکدة فی الحضر.

______________________________________________________

وأجیب عن الأول بأن الحرکة بالنسبة إلی المصلی عرضیة لأنه ساکن (1).

ویمکن الجواب عنه أیضا بأن ذلک مغتفر بالنص ، وهو الجواب عن الثانی.

وعن الروایتین بعد سلامة السند بحمل الأمر فی الأولی علی الاستحباب ، والنهی فی الثانیة علی الکراهة جمعا بین الأدلة.

قوله : ( الثالث ، فیما یستقبل له : ویجب الاستقبال فی فرائض الصلاة مع الإمکان ، وعند الذبح ، وبالمیت عند احتضاره ودفنه والصلاة علیه ).

وجوب الاستقبال فی هذه المواضع قد علم بعضه فیما سبق ، وسیجی ء الباقی فی محله إن شاء الله تعالی.

واعلم أنّ الاستقبال یتصف بالأحکام الأربعة ، فیجب فی هذه المواضع ، ویحرم فی حالة التخلی عند الأکثر ، ویکره فی حالة الجماع ، ویستحب فیما عدا ذلک ، ولا تکاد تتحقق فیه الإباحة بالمعنی الأخص.

قوله : ( وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها ، ویجوز أن یصلی علی الراحلة سفرا أو حضرا ، وإلی غیر القبلة علی کراهة ، متأکدة فی الحضر ).

أما أفضلیة الاستقبال بالنوافل فموضع وفاق.

ص: 146


1- نقله عن الفاضل فی الذکری : 168.

______________________________________________________

ویدل علیه التأسی ، وعموم قولهم علیهم السلام : « أفضل المجالس ما استقبل به القبلة » (1).

ویستفاد من حکمه بأفضلیة الاستقبال بالنوافل وإطلاق کراهتها إلی غیر القبلة فی الحضر : جواز فعلها إلی غیر القبلة وإن کان المصلی مستقرا علی الأرض. وهو بعید جدا ، لأن العبادات متلقاة من الشارع ولم ینقل فعل النافلة إلی غیر القبلة مع الاستقرار فیکون فعلها کذلک تشریعا محرما.

وأما جواز صلاة النافلة علی الراحلة سفرا فقال فی المعتبر : إنه اتفاق علمائنا ، طویلا کان السفر أو قصیرا (2).

وأما الجواز فی الحضر فقد نصّ علیه الشیخ فی المبسوط والخلاف (3) ، ومنعه ابن أبی عقیل (4).

والأصح جواز التنفل للماشی والراکب حضرا وسفرا مع الضرورة والاختیار ، للأخبار المستفیضة الدالة علیه ، کصحیحة الحلبی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة النافلة علی البعیر والدابة فقال : « نعم حیث کان متوجها ، وکذلک فعل رسول الله صلی الله علیه و آله » (5).

وصحیحة معاویة بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « کان أبی یدعو بالطهور فی السفر وهو فی محمله فیؤتی بالتور فیه الماء

ص: 147


1- الشرائع 4 : 73 ، الوسائل 8 : 475 أبواب أحکام العشرة ب 76 ح 3.
2- المعتبر 2 : 75.
3- المبسوط 1 : 80 ، والخلاف 1 : 99.
4- نقله عنه فی المختلف : 79.
5- الکافی 3 : 440 - 5 ، التهذیب 3 : 228 - 581 ، الوسائل 3 : 240 أبواب القبلة ب 15 ح 6.

______________________________________________________

فیتوضأ ثم یصلی الثمانی والوتر فی محمله ، فإذا نزل صلی الرکعتین والصبح » (1).

وصحیحة یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی السفر وأنا أمشی ، قال : « أوم إیماء ، واجعل السجود أخفض من الرکوع » (2).

وصحیحة حماد بن عثمان ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام : فی الرجل یصلی النافلة وهو علی دابته فی الأمصار قال : « لا بأس » (3).

وحسنة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبی الحسن علیه السلام : فی الرجل یصلی النوافل فی الأمصار وهو علی دابته حیث توجهت به ، قال : « نعم » (4).

ویستحب الاستقبال بتکبیرة الإحرام خاصة ، لصحیحة عبد الرحمن بن أبی نجران ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصلاة باللیل فی السفر فی المحمل ، قال : « إذا کنت علی غیر القبلة فاستقبل القبلة ثم کبر وصل حیث ذهب بک بعیرک » (5).

وقطع ابن إدریس بوجوب الاستقبال بالتکبیر ، ونقله عن جماعة من الأصحاب إلا من شذ (6). ویدفعه إطلاق الأخبار المتقدمة.

ویکفی فی الرکوع والسجود الإیماء ، ولیکن السجود أخفض من الرکوع. ولا یجب فی الإیماء للسجود وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه ، لقوله

ص: 148


1- التهذیب 3 : 232 - 604 ، الوسائل 3 : 241 أبواب القبلة ب 15 ح 11.
2- التهذیب 3 : 229 - 588 ، الوسائل 3 : 244 أبواب القبلة ب 16 ح 3.
3- التهذیب 3 : 229 - 589 ، الوسائل 3 : 240 أبواب القبلة ب 15 ح 10.
4- الکافی 3 : 440 - 8 ، الفقیه 1 : 285 - 1298 ، وفیهما : عن أبی عبد الله ، التهذیب 3 : 230 - 591 ، الوسائل 3 : 239 أبواب القبلة ب 15 ح 1 بتفاوت.
5- التهذیب 3 : 233 - 606 ، الوسائل 3 : 241 أبواب القبلة ب 15 ح 13.
6- السرائر : 75.

ویسقط فرض الاستقبال فی کل موضع لا یتمکن منه ، کصلاة المطاردة ، وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردّیة بحیث لا یمکن صرفها إلی القبلة.

الرابع : فی أحکام الخلل ، وهی مسائل :

الأولی : الأعمی یرجع إلی غیره لقصوره عن الاجتهاد ، فإن عوّل

______________________________________________________

علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله : « ویضع بوجهه فی الفریضة علی ما أمکنه من شی ء ، ویومئ فی النافلة إیماء » (1).

ولو رکع الماشی وسجد مع الإمکان کان أولی لصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بأن یصلی الرجل صلاة اللیل فی السفر وهو یمشی ، ولا بأس إن فاتته صلاة اللیل أن یقضیها بالنهار وهو یمشی ، یتوجه إلی القبلة ثم یمشی ویقرأ ، فإذا أراد أن یرکع حول وجهه إلی القبلة ورکع وسجد ثم مشی » (2).

والأفضل الصلاة مع الاستقرار ، لما رواه عبد الرحمن بن الحجاج فی الصحیح ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة النافلة فی الحضر علی ظهر الدابة إذا خرجت قریبا من أبیات الکوفة أو کنت مستعجلا بالکوفة فقال : « إن کنت مستعجلا لا تقدر علی النزول وتخوفت فوت ذلک إن ترکته وأنت راکب فنعم ، وإلاّ فإن صلاتک علی الأرض أحب إلی » (3).

قوله : ( ویسقط فرض الاستقبال فی کل موضع لا یتمکن منه ، کصلاة المطاردة ، وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردیة بحیث لا یمکن صرفها إلی القبلة ).

هذا الحکم ثابت بإجماع العلماء ، والأخبار به مستفیضة ، وسیجی ء تحقیقه فی محله إن شاء الله.

قوله : ( الرابع ، فی أحکام الخلل وهی مسائل ، الأولی : الأعمی

أحکام الاخلال بالاستقبال

حکم الأعمی المخل بالاستقبال

ص: 149


1- التهذیب 3 : 308 - 952 ، الوسائل 3 : 236 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
2- التهذیب 3 : 229 - 585 ، الوسائل 3 : 244 أبواب القبلة ب 16 ح 1.
3- التهذیب 3 : 232 - 605 ، الوسائل 3 : 241 أبواب القبلة ب 15 ح 12.

علی رأیه مع وجود المبصر لأمارة وجدها وإلا فعلیه الإعادة.

الثانیة : إذا صلی إلی جهة إما لغلبة الظن أو لضیق الوقت ثم تبیّن

______________________________________________________

یرجع إلی غیره لقصوره عن الاجتهاد ، فإن عوّل علی رأیه مع وجود المبصر لأمارة وجدها صح ، وإلا فعلیه الإعادة ).

جواب الشرط محذوف یدل علیه ما بعده ، أی : فإن عوّل علی رأیه مع وجود المبصر لأمارة وجدها فلا إعادة علیه ، وإن لم یکن لأمارة بل اقتراحا فعلیه الإعادة. والمراد بالأمارة نحو محراب المسجد وعلامة القبر. وإنما یتم الحکم بعدم الإعادة مع التعویل علی الإمارة إذا کانت أقوی من إخبار الغیر أو مساویة له ، وإلا وجبت الإعادة کما لو لم یکن لأمارة ، إذ الواجب مع تعذر العلم التعویل علی أقوی الظنین وقد بینا ذلک فیما سبق.

وإطلاق العبارة یقتضی أنه لا إعادة علی الأعمی مع التعویل علی الأمارة مطلقا وإن تبین الخطأ ، فیکون التفصیل الآتی مخصوصا بغیر الأعمی.

ویشکل بعموم الأخبار المتضمنة للإعادة مع الخطأ (1) المتناول للأعمی وغیره ، وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أعمی صلی علی غیر القبلة فقال : « إن کان فی وقت فلیعد ، وإن کان قد مضی الوقت فلا یعد » (2).

ویمکن حمل النفی المدلول علیه بالسیاق فی العبارة علی نفی الإعادة مطلقا أی فی جمیع الأحوال بقرینة أنّ الإعادة فی الصورة الثانیة - وهی ما إذا عول علی رأیه من دون أمارة - ثابتة علی کل حال وإن ظهرت المطابقة ، لدخوله فی الصلاة دخولا منهیا عنه ، وحینئذ فلا ینافیه ثبوت الإعادة فی الصورة الأولی علی بعض الوجوه.

قوله : ( الثانیة : إذا صلی إلی جهة إما لغلبة الظن أو لضیق الوقت

حکم تبین الخلل بالاستقبال

ص: 150


1- الوسائل 3 : 229 أبواب القبلة ب 11.
2- الفقیه 1 : 179 - 844 ، الوسائل 3 : 231 أبواب القبلة ب 11 ح 8.

خطأه ، فإن کان منحرفا یسیرا فالصلاة ماضیة ، وإلا أعاد فی الوقت ، وقیل : إن بان أنه استدبر أعاد وإن خرج الوقت ، والأول أظهر.

______________________________________________________

ثم تبیّن خطأه ، فإن کان منحرفا یسیرا فالصلاة ماضیة ، وإلاّ أعاد فی الوقت ، وقیل : إن بان أنه استدبر أعاد وإن خرج الوقت ، والأول أظهر ).

من صلی إلی جهة ظانا أنها القبلة ، أو لضیق الوقت عن الصلاة إلی الجهات الأربع ، أو لاختیار المکلف لها إن قلنا بتخییر المتحیّر ، ثم تبین الخطأ بعد فراغه من الصلاة ، فإن کان منحرفا یسیرا بأن کانت صلاته بین المشرق والمغرب فالصلاة ماضیة ، ولا یجب علیه الإعادة بإجماع العلماء ، حکی ذلک جماعة منهم المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی (1) ، ویدل علیه صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : الرجل یقوم فی الصلاة ثم ینظر بعد ما فرغ فیری أنه قد انحرف عن القبلة یمینا وشمالا قال : « قد مضت صلاته ، وما بین المشرق والمغرب قبلة » (2).

ولو بان أنه صلی إلی المشرق أو المغرب أعاد فی الوقت دون خارجه ، وهو إجماعی أیضا.

أما الإعادة فی الوقت فلأنه أخلّ بشرط الواجب مع بقاء وقته والإتیان به علی شرطه ممکن فیجب (3).

وأما سقوط القضاء فلأنه فرض مستأنف فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة ، وتدل علیه أیضا صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت وأنت علی غیر القبلة واستبان لک أنک صلیت

ص: 151


1- المعتبر 2 : 72 ، والمنتهی 1 : 223.
2- الفقیه 1 : 179 - 846 ، التهذیب 2 : 48 - 157 ، الإستبصار 1 : 297 - 1095 ، الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 10 ح 1.
3- فی « ح » زیادة : کما لو أخلّ بطهارة الثوب.

______________________________________________________

وأنت علی غیر القبلة وأنت فی وقت فأعد ، وإن فاتک الوقت فلا تعد » (1).

وصحیحة سلیمان بن خالد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یکون فی قفر من الأرض فی یوم غیم فیصلی لغیر القبلة ثم تصحی فیعلم أنه صلی لغیر القبلة کیف یصنع؟ فقال : « إن کان فی وقت فلیعد صلاته ، وإن کان مضی الوقت فحسبه اجتهاده » (2).

ولا ینافی ذلک ما رواه معمر بن یحیی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی علی غیر القبلة ثم تبینت القبلة وقد دخل فی صلاة أخری ، قال : « یعیدها قبل أن یصلی هذه التی دخل وقتها » (3). لأنا نجیب عنه أولا بالطعن فی السند فإن فی طریقها الطاطری ، وقال النجاشی إنه کان واقفیا شدید العناد (4).

وثانیا بإمکان الحمل علی من صلی إلی جهة واحدة مع سعة الوقت وعدم أمارة تدل علی الجهة التی استقبلها.

وإن تبین أنه استدبر القبلة فقال الشیخان : یعید لو کان الوقت باقیا ، ویقضی لو کان خارجا (5). وقال المرتضی : لا یقضی لو علم بعد خروج الوقت (6). وهو الأصح عملا بمقتضی الأصل وإطلاق الروایات المتقدمة.

احتج الشیخ (7) بما رواه عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام :

ص: 152


1- الکافی 3 : 284 - 3 ، التهذیب 2 : 47 - 151 ، الإستبصار 1 : 296 - 1090 ، الوسائل 3 : 229 أبواب القبلة ب 11 ح 1.
2- الکافی 3 : 285 - 9 ، التهذیب 2 : 47 - 152 ، الإستبصار 1 : 296 - 1091 ، الوسائل 3 : 230 أبواب القبلة ب 11 ح 6.
3- التهذیب 2 : 46 - 150 ، الاستبصار 1 : 297 - 1099 بتفاوت یسیر ، الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 9 ح 5.
4- رجال النجاشی : 179.
5- المفید فی المقنعة : 14 ، والشیخ فی المبسوط 1 : 80.
6- جمل العلم والعمل : 53.
7- الاستبصار 1 : 298 ، والخلاف 1 : 101.

فأما إن تبیّن الخلل وهو فی الصلاة فإنه یستأنف علی کل حال ، إلا أن یکون منحرفا یسیرا فإنه یستقیم ولا إعادة.

______________________________________________________

فی رجل صلی علی غیر القبلة فیعلم وهو فی الصلاة قبل أن یفرغ من صلاته ، قال : « إن کان متوجها فیما بین المشرق والمغرب فلیحول وجهه حین یعلم ، وإن کان متوجها إلی دبر القبلة فلیقطع ثم یحول وجهه إلی القبلة ثم یفتتح الصلاة » (1).

والجواب أولا بالطعن فی السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة.

وثانیا بالمنع من الدلالة علی موضع النزاع فإن مقتضی الروایة أنه علم وهو فی الصلاة ، وهو دال علی بقاء الوقت ونحن نقول بموجبه ، إذ النزاع إنما هو فیما إذا علم بعد خروجه.

وهل المصلی إلی جهة ناسیا کالظان فی الأحکام ، قیل : نعم (2) ، وبه قطع الشیخ - رحمه الله - فی بعض کتبه (3) ، لعموم : رفع عن أمتی الخطأ والنسیان (4) ، ولشمول خبر عبد الرحمن بن أبی عبد الله (5) له - وقیل : لا (6) ، لأن خطأه مستند إلی تقصیره بخلاف الظان. وکذا الکلام فی جاهل الحکم.

والأقرب الإعادة فی الوقت خاصة ، لإخلاله بشرط الواجب ، دون القضاء ، لأنه فرض مستأنف.

قوله : ( فأما إن تبین الخلل وهو فی الصلاة فإنه یستأنف علی کل حال ، إلا أن یکون منحرفا یسیرا فإنه یستقیم ولا إعادة ).

ص: 153


1- الکافی 3 : 285 - 8 ، التهذیب 2 : 48 - 159 و 142 - 555 ، الوسائل 3 : 229 أبواب القبلة ب 10 ح 4.
2- صرح به فی المقنعة : 14.
3- النهایة : 64.
4- الفقیه 1 : 36 - 132 ، الخصال : 417 - 9 ، الوسائل 11 : 295 أبواب جهاد النفس وما یناسبه ب 56 ح 1.
5- المتقدم فی ص 151.
6- کما فی المختلف : 79.

الثالثة : إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخری ، فإن تجدد عنده شک استأنف الاجتهاد ، وإلا بنی علی الأول.

______________________________________________________

أما أنه یستقیم مع الانحراف الیسیر فلقولهم علیهم السلام : « ما بین المشرق والمغرب قبلة » (1) وهو إجماع.

وأما الاستئناف فیما عدا ذلک فلإخلاله بشرط الواجب مع بقاء وقته ، والإتیان به ممکن فیجب ، ولأنه إذا تبین الخلل علی هذا الوجه بعد الفراغ استأنف فکذا إذا علم فی الأثناء ، لأن ما یفسد الکل یفسد الجزء. وتؤیده روایة القاسم بن الولید ، قال : سألته عن رجل تبین له وهو فی الصلاة أنه علی غیر القبلة ، قال : « یستقبلها إذا ثبت ذلک ، وإن کان فرغ منها فلا یعیدها » (2).

فرع : لو تبین فی أثناء الصلاة الاستدبار وقد خرج الوقت فالأقرب أنه ینحرف ولا إعادة ، وهو اختیار الشهیدین 0 (3) ، لا لما ذکراه من استلزام القضاء المنفی ، لانتفاء الدلالة علی بطلان اللازم ، بل لأنه دخل دخولا مشروعا ، والامتثال یقتضی الإجزاء ، والإعادة إنما تثبت إذا تبین الخطأ فی الوقت علی ما هو منطوق روایتی عبد الرحمن وسلیمان بن خالد (4).

قوله : ( الثالثة : إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخری ، فإن تجدد عنده شک استأنف الاجتهاد ، وإلا بنی علی الأول ).

خالف فی ذلک الشیخ فی المبسوط (5) ، فأوجب التجدید دائما لکل صلاة ما لم تحضره الأمارات (6) لأن الاجتهاد الثانی إن خالف الأول وجب المصیر إلیه ،

وجوب استئناف الاجتهاد عند الشک

ص: 154


1- الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 10.
2- التهذیب 2 : 48 - 158 ، الإستبصار 1 : 297 - 1096 ، الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 10 ح 3.
3- الشهید الأول فی الذکری : 166 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 23.
4- المتقدمتان فی ص 151 ، 152.
5- المبسوط 1 : 81.
6- فی « م » زیادة : للسعی فی إصابة الحق و.

______________________________________________________

لأن تغیر الاجتهاد لا یکون إلاّ لأمارة أقوی من الأولی ، وأقوی الظنین أقرب إلی الیقین ، وإن وافقه تأکد الظن. وهو جید إن احتمل تغیر الأمارات.

وموضع الخلاف تجدید الاجتهاد لصلاة أخری سواء کان وقت الثانیة قد دخل وقت الاجتهاد للأولی کما یتفق فی الظهرین أم لا ، فلو قال : ولا یتعدد الاجتهاد بتعدد الصلاة کما صنع غیره لکان أشمل.

فروع :

الأول : لو تغیر اجتهاد المجتهد فی أثناء الصلاة انحرف وبنی إن کان لا یبلغ موضع الإعادة وإلاّ أعاد. ولو تغیر اجتهاده بعد الصلاة لم یعد ما صلاة إلا مع تیقن الخطأ ، قال فی المنتهی : ولا نعلم فیه خلافا (1).

الثانی : لو خالف المجتهد اجتهاده وصلی فصادف القبلة لم تصح صلاته ، لعدم إتیانه بالمأمور به. وقال الشیخ فی المبسوط بالإجزاء (2) ، لأن المأمور به هو التوجه إلی القبلة وقد أتی به. وهو ممنوع ، إذ المعتبر البناء علی اجتهاده ولم یفعل فیبقی فی عهدة التکلیف.

الثالث : لو قلد مجتهدا فأخبره بالخطإ استدار إن کان توجهه إلی ما بین المشرق والمغرب ، وإلا استأنف. ولو صلی بقول واحد فأخبره آخر بخلافه فإن تساویا عدالة مضی فی صلاته ، وإلا عمل بأعدلهما.

الرابع : لو اختلف المجتهدون لم یأتم بعضهم ببعض عند الشیخ (3) والمصنف (4) وأکثر الأصحاب ، لأن کل واحد یعتقد خطأ الآخر. واحتمل العلامة فی التذکرة الصحة (5) ، لأن فرض کل منهم التعبد بظنه فکانوا

ص: 155


1- المنتهی 1 : 220.
2- نقله عنه فی التذکرة 1 : 101.
3- المبسوط 1 : 79.
4- المعتبر 2 : 72.
5- التذکرة 1 : 102.

______________________________________________________

کالقائمین حول الکعبة یستقبل کل واحد منهم جهة غیر جهة الآخر مع صحة صلاة الجمیع جماعة.

وربما فرّق بینهما بتعدد الجهة فی المصلین حول الکعبة ، بخلاف المجتهدین ، للقطع بخطإ أحدهم.

ویمکن دفعه بأن الخطأ إنما هو فی مصادفة الصلاة لجهة الکعبة لا للجهة التی یجب استقبالها ، للقطع بأن فرض کل منهم استقبال ما أدی إلیه الاجتهاد وإن کانت خلاف جهة الکعبة.

ص: 156

المقدمة الرابعة

فی لباس المصلی ،

وفیه مسائل :

الأولی : لا تجوز الصلاة فی جلد المیتة ولو کان مما یؤکل لحمه ، سواء دبغ أو لم یدبغ.

______________________________________________________

قوله : ( الأولی لا تجوز الصلاة فی جلد المیتة ولو کان مما یؤکل لحمه ، سواء دبغ أو لم یدبغ ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة. فروی الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن غیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی المیتة ، قال : « لا تصل فی شی ء منه ولا شسع » (1).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عن جلد المیتة أیلبس فی الصلاة إذا دبغ؟ قال : « لا ولو دبغ سبعین مرة » (2).

وعن علی بن المغیرة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ، المیتة ینتفع بشی ء منها؟ قال : « لا » (3).

وذکر جمع من الأصحاب : أنّ الصلاة کما تبطل فی الجلد مع العلم بکونه

لباس المصلی

حکم الصلاة فی الجلد

ص: 157


1- التهذیب 2 : 203 - 793 ، الوسائل 3 : 249 أبواب لباس المصلی ب 1 ح 2.
2- الفقیه 1 : 160 - 750 ، التهذیب 2 : 203 - 794 ، الوسائل 3 : 249 أبواب لباس المصلی ب 1 ح 1.
3- الکافی 3 : 398 - 6 ، التهذیب 2 : 204 - 799 ، الوسائل 2 : 1080 أبواب النجاسات ب 61 ح 2.

______________________________________________________

میتة أو فی ید کافر کذا تبطل مع الشک فی تذکیته ، لأصالة عدم التذکیة. وقد بینا فیما سبق (1) أن أصالة عدم التذکیة لا تفید القطع بالعدم ، لأن ما ثبت جاز أن یدوم وجاز أن لا یدوم ، فلا بد لدوامه من دلیل سوی دلیل الثبوت.

وبالجملة فالفارق بین الجلد والدم المشتبهین استصحاب عدم التذکیة فی الجلد دون الدم ، ومع انتفاء حجیته یجب القطع بالطهارة فیهما معا ، لأصالة عدم التکلیف باجتنابهما وعدم نجاسة الملاقی لهما.

وقد ورد فی عدة أخبار الإذن فی الصلاة فی الجلود التی لا یعلم کونها میتة (2) ، وهو مؤید لما ذکرناه.

ویکفی فی الحکم بذکاة الجلد الذی لا یعلم کونه میتة وجوده فی ید مسلم ، أو فی سوق المسلمین ، سواء أخبر ذو الید بالتذکیة أم لا ، وسواء کان ممن یستحل المیتة بالدبغ أو ذباحة أهل الکتاب أم لا ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (3).

ومنع العلامة فی التذکرة والمنتهی من تناول ما یوجد فی ید مستحل المیتة بالدبغ وإن أخبر بالتذکیة ، لأصالة العدم (4). واستقرب الشهید فی الذکری والبیان القبول إن أخبر بالتذکیة لکونه زائدا علیه ، فیقبل قوله فیه کما یقبل فی تطهیر الثوب النجس (5). والمعتمد جواز استعماله مطلقا إلا أن یخبر ذو الید بعدم التذکیة.

لنا : إنّ الأصل فی الأشیاء کلها الطهارة ، والنجاسة متوقفة علی الدلیل ،

ص: 158


1- فی ج 2 385.
2- الوسائل 3 : 332 أبواب لباس المصلی ب 55.
3- المعتبر 2 : 78.
4- التذکرة 1 : 94 ، والمنتهی 1 : 226.
5- الذکری : 143 ، والبیان : 57.

______________________________________________________

ومع انتفائه تکون الطهارة ثابتة بالأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الخفاف التی تباع فی السوق فقال : « اشتر وصلّ فیها حتی تعلم أنه میت بعینه » (1).

وفی الصحیح عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الخفّاف یأتی السوق فیشتری الخف لا یدری أذکی هو أم لا ، ما تقول فی الصلاة فیه وهو لا یدری أیصلی فیه؟ قال : « نعم أنا أشتری الخف من السوق ، ویصنع لی ، وأصلی فیه ، ولیس علیکم المسألة » (2).

وفی روایة أخری له عنه علیه السلام أنه قال بعد ذلک : « إنّ أبا جعفر علیه السلام کان یقول : إنّ الخوارج ضیّقوا علی أنفسهم بجهالتهم ، إن الدین أوسع من ذلک » (3).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن سلیمان بن جعفر الجعفری : إنه سأل العبد الصالح موسی بن جعفر علیه السلام عن الرجل یأتی السوق فیشتری جبة فراء لا یدری أذکیة هی أم غیر ذکیة ، أیصلی فیها؟ فقال : « نعم ، لیس علیکم المسألة ، إنّ أبا جعفر علیه السلام کان یقول : إن الخوارج ضیّقوا علی أنفسهم بجهالتهم ، إن الدین أوسع من ذلک » (4).

وفی الحسن عن جعفر بن محمد بن یونس : إن أباه کتب إلی أبی الحسن علیه السلام یسأله عن الفرو والخف ألبسه وأصلی فیه ولا أعلم أنه ذکی ، فکتب : « لا بأس به » (5).

وهذه الروایات ناطقة بجواز الأخذ بظاهر الحال ، وشاملة للأخذ من

ص: 159


1- التهذیب 2 : 234 - 920 ، الوسائل 3 : 310 أبواب لباس المصلی ب 38 ح 2.
2- التهذیب 2 : 371 - 1545 ، قرب الإسناد : 170 ، الوسائل 2 : 1072 أبواب النجاسات ب 50 ح 6.
3- التهذیب 2 : 368 - 1529 ، الوسائل 3 : 332 أبواب لباس المصلی ب 55 ح 1.
4- الفقیه 1 : 167 - 787 ، الوسائل 3 : 332 أبواب لباس المصلی ب 55 ح 1.
5- الفقیه 1 : 167 - 789 ، الوسائل 3 : 333 أبواب لباس المصلی ب 55 ح 4.

______________________________________________________

المستحل وغیره ، وهی مع صحة سندها معتضدة بأصالة الطهارة السالمة من المعارض ، ومؤیدة بعمل الأصحاب وفتواهم بمضمونها ، فالعمل بها متعین.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی الفراء فقال : « کان علی بن الحسین علیهماالسلام رجلا صردا (1) فلا تدفئه فراء الحجاز ، لأن دباغها بالقرظ ، فکان یبعث إلی العراق فیؤتی بالفرو فیلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقی القمیص الذی یلیه ، فکان یسأل عن ذلک فیقول : إنّ أهل العراق یستحلون لباس الجلود المیتة ، ویزعمون أن دباغه ذکاته » (2).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أدخل سوق المسلمین ، أعنی هذا الخلق الذین یدّعون الإسلام فأشتری منهم الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : ألیس هی ذکیة؟ فیقول : بلی ، فهل یصلح لی أن أبیعها علی أنها ذکیة؟ فقال : « لا ، ولکن لا بأس أن تبیعها وتقول : قد شرط الذی اشتریتها منه أنها ذکیة » قلت : وما أفسد ذلک؟ قال : « استحلال أهل العراق للمیتة ، وزعموا أنّ دباغ جلد المیتة ذکاته ، ثم لم یرضوا أن یکذبوا فی ذلک إلا علی رسول الله صلی الله علیه و آله » (3).

لأنا نجیب عنهما أولا بالطعن فی السند باشتمال سند الأولی علی عدة من الضعفاء ، منهم محمد بن سلیمان الدیلمی ، وقال النجاشی : إنه ضعیف جدا لا یعول علیه فی شی ء (4) ، وقال فی ترجمة أبیه : وقیل کان غالیا کذابا وکذلک ابنه محمد لا یعمل بما انفردا به من الروایة (5). وبأن فی طریق الثانیة عدة من المجاهیل.

ص: 160


1- صرد الرجل فهو صرد : یجد البرد سریعا - الصحاح 2 : 496.
2- التهذیب 2 : 203 - 796 ، الوسائل 3 : 338 أبواب لباس المصلی ب 61 ح 2.
3- الکافی 3 : 398 - 5 ، التهذیب 2 : 204 - 798 ، الوسائل 2 : 1081 أبواب النجاسات ب 61 ح 4.
4- رجال النجاشی : 365 - 987.
5- رجال النجاشی : 182 - 482.

وما لا یؤکل لحمه وهو طاهر فی حیاته مما یقع علیه الذکاة إذا ذکی کان طاهرا ، ولا یستعمل فی الصلاة.

______________________________________________________

وثانیا بعدم الدلالة علی ما ینافی الأخبار السابقة.

إما الروایة الأولی ، فلأن أقصی ما تدل علیه : أنه علیه السلام کان ینزع عنه فرو العراق حال الصلاة ، وجاز أن یکون علی سبیل الاستحباب ، بل لبسها فی غیر الصلاة یقتضی کونها لیست میتة ، وإلا لامتنع لبسها مطلقا.

وأما الثانیة ، فلأنها إنما تضمّنت النهی عن بیع ما أخبر بذکاته علی أنه ذکی ، ونحن نقول بموجبه ، ونمنع دلالته علی تحریم الاستعمال.

واعلم أنّ مقتضی کلام المصنف فی المعتبر (1) ، والعلامة فی المنتهی (2) وغیرهما (3) اختصاص المنع بمیتة ذی النفس ، وهو کذلک ، للأصل وانتفاء ما یدل علی عموم المنع.

ولا فرق فی الثوب بین کونه ساترا للعورة أم لا ، بل الظاهر تحریم استصحاب غیر الملبوس أیضا ، لقوله علیه السلام : « لا تصل فی شی ء منه ولا شسع » (4).

قوله : ( وما لا یؤکل لحمه - وهو طاهر فی حیاته مما یقع علیه الذکاة - إذا ذکی کان طاهرا ولا یستعمل فی الصلاة ).

أما الطهارة فللأصل السالم من المعارض ، المعتضد بالأخبار الصحیحة المستفیضة ، وهو إجماع. وأما عدم جواز استعماله فی الصلاة فهو إجماعی أیضا علی ما نقله جماعة (5) ، ویدل علیه ما رواه إسماعیل بن سعد الأحوص فی

ص: 161


1- المعتبر 2 : 77.
2- المنتهی 2 : 225.
3- منهم الشهید الأول فی الذکری : 142 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 212.
4- المتقدم فی ص 157.
5- منهم العلاّمة فی نهایة الأحکام 1 : 373 ، والمحقق الشیخ علی فی جامع المقاصد 1 : 86. والشهید الثانی فی روض الجنان : 213.

______________________________________________________

الصحیح ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الصلاة فی جلود السباع فقال : « لا تصل فیها » (1).

وما رواه ابن بکیر ، قال : سأل زرارة أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی الثعالب والفنک والسنجاب وغیره من الوبر ، فأخرج کتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلی الله علیه و آله : « إنّ الصلاة فی (2) کل شی ء حرام أکله فالصلاة فی وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وکل شی ء منه فاسد ، لا تقبل تلک الصلاة حتی یصلی فی غیره مما أحل الله أکله » (3).

قال فی المعتبر : وابن بکیر وإن کان ضعیفا إلا أنّ الحکم بذلک مشهور عن أهل البیت علیهم السلام (4). ثم استدل علیه أیضا بأن خروج الروح من الحی سبب الحکم بموته الذی هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد ، ولا تنهض الذباحة مبیحة ما لم یکن المحل قابلا.

واعترض علی نفسه بجواز استعماله فی غیر الصلاة ، وأجاب بإمکان استعداده بالذبح لذلک دون الصلاة ، لعدم تمامیة الاستعداد له. وهو غیر جید أما أولا : فلأن الذکاة إن صدقت فیه أخرجته عن المیتة ، وإلا لم یجز الانتفاع به مطلقا.

وأما ثانیا : فلأن الذکاة عبارة عن قطع العروق المعیّنة علی الوجه المعتبر شرعا ، وإطلاق الروایات یقتضی خروج الحیوان عن کونه میتة بذلک إلا فیما دل الدلیل علی خلافه ، کما سیجی ء تحقیقه إن شاء الله.

وبالجملة فهذا الاعتبار قاصر ، والروایات لا تخلو من ضعف فی سند أو

ص: 162


1- الکافی 3 : 400 - 12 ، التهذیب 2 : 205 - 801 ، الوسائل 3 : 257 أبواب لباس المصلی ب 6 ح 1.
2- فی « ح » والمصدر زیادة : وبر.
3- الکافی 3 : 397 - 1 ، التهذیب 2 : 209 - 818 ، الإستبصار 1 : 383 - 1454 ، الوسائل 3 : 250 أبواب لباس المصلی ب 2 ح 1.
4- المعتبر 2 : 79.

وهل یفتقر استعماله فی غیرها إلی الدباغ؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه علی کراهیة.

الثانیة : الصوف والشعر والوبر والریش مما یؤکل لحمه طاهر ، سواء جزّ من حیّ مذکّی أو میت ، وتجوز الصلاة فیه.

______________________________________________________

قصور فی دلالة. والمسألة محل إشکال. وقد استثنی من هذه الکلیة أشیاء سیجی ء الکلام فیها عند ذکر المصنف لها (1).

قوله : ( وهل یفتقر استعماله فی غیرها إلی الدباغ؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه علی کراهة ).

القول بعدم جواز استعماله قبل الدباغ للشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف (2) ، والمرتضی فی المصباح (3). واحتج علیه فی الخلاف بأن الإجماع واقع علی جواز الاستعمال بعد الدباغ ولا دلیل قبله. وضعفه ظاهر ، فإن کل ما دل علی جواز الاستعمال شامل للأمرین. قال فی المعتبر : وإنما قلنا الأشبه کراهة استعماله قبل الدباغ تفصیا من الخلاف (4). وفیه ما فیه.

قوله : ( الثانیة ، الصوف والشعر والوبر والریش مما یؤکل لحمه طاهر ، سواء جزّ من حیّ أو مذکی أو میت ، وتجوز الصلاة فیه ).

المستند فی ذلک بعد الإجماع المنقول من جماعة (5) روایات کثیرة :

منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا بأس بالصلاة فیما کان من صوف المیتة ، إنّ الصوف

حکم الصلاة فی الصوف والشعر وسائر ما لا تحله الحیاة من المیتة

ص: 163


1- فی ص 170.
2- النهایة : 586 ، والمبسوط 1 : 15 ، والخلاف 1 : 6.
3- نقله عنه فی المعتبر 1 : 466.
4- المعتبر 1 : 466.
5- منهم العلاّمة فی المنتهی 1 : 230 ، والمحقق فی المعتبر 2 : 83 ، والمحقق الشیخ علی فی جامع المقاصد 1 : 85.

ولو قلع من المیتة غسل منه موضع الاتصال. وکذا کل ما لا تحلّه الحیاة من المیت إذا کان طاهرا فی حال الحیاة ، وما کان نجسا فی حال حیاته فجمیع ذلک منه نجس علی الأظهر. ولا تصحّ الصلاة فی شی ء من ذلک إذا کان مما لا یؤکل لحمه ولو أخذ من مذکّی ،

______________________________________________________

لیس فیه روح » (1) والتعلیل یقتضی جواز الصلاة فی غیر الصوف مما لا روح فیه مطلقا.

قوله : ( ولو قلع من المیتة غسل منه موضع الاتصال ).

خالف فی ذلک الشیخ رحمه الله ، فاعتبر فی جواز استعمال المأخوذ من المیتة : الجزء (2). قال فی المعتبر : وکأنه نظر إلی أنّ نزعه یستصحب شیئا من مادته وهی نجسة ، فلهذا اشترطنا نحن غسله إن لم یجز أو یقطع منه موضع الاتصال (3).

قوله : ( وکذا کل ما لا تحله الحیاة من المیت إذا کان طاهرا فی حال الحیاة ، وما کان نجسا فی حال حیاته فجمیع ذلک منه نجس علی الأظهر ).

قد تقدم الکلام فی هذه المسألة مفصلا فی باب النجاسات فلیراجع هناک (4).

قوله : ( ولا تصح الصلاة فی شی ء من ذلک إذا کان مما لا یؤکل لحمه ولو أخذ من مذکی ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا منهم ، وتدل علیه روایة ابن

ص: 164


1- التهذیب 2 : 368 - 1530 ، الوسائل 3 : 333 أبواب لباس المصلی ب 56 ح 1.
2- الخلاف 1 : 7.
3- المعتبر 2 : 84.
4- فی ج 2 ص 271.

______________________________________________________

بکیر المتقدمة (1) ، وروایة الحسن بن علی الوشاء ، قال : کان أبو عبد الله علیه السلام یکره الصلاة فی وبر کل شی ء لا یؤکل لحمه (2).

وروایة أحمد بن إسحاق الأبهری ، قال ، کتبت إلیه : جعلت فداک عندنا جوارب وتکک تعمل من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة فی وبر الأرانب من غیر ضرورة ولا تقیة؟ فکتب : « لا تجوز الصلاة فیها » (3).

وروایة علی بن مهزیار ، قال : کتب إلیه إبراهیم بن عقبة : عندنا جوارب وتکک تعمل علی وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة فی وبر الأرانب من غیر ضرورة ولا تقیة؟ فکتب علیه السلام : « لا تجوز الصلاة فیها » (4).

وروایة إبراهیم بن محمد الهمدانی قال : کتبت إلیه : یسقط علی ثوبی الوبر والشعر مما لا یؤکل لحمه من غیر تقیة ولا ضرورة ، فکتب : « لا تجوز الصلاة فیه » (5).

قال فی المعتبر : وهذه الأخبار وإن کانت ما بین مرسل أو ضعیف لکن الفتوی بها مشهورة بین فقهاء أهل البیت اشتهارا ظاهرا فالعمل بها لازم (6).

وهنا فوائد :

الأولی : الظاهر اختصاص المنع من الصلاة فی هذه الأشیاء ( بالملابس ،

ص: 165


1- فی ص 162.
2- التهذیب 2 : 209 - 820 ، علل الشرائع : 342 - 2 ، الوسائل 3 : 251 أبواب لباس المصلی ب 2 ح 5.
3- التهذیب 2 : 206 - 805 ، الإستبصار 1 : 383 - 1452 ، الوسائل 3 : 259 أبواب لباس المصلی ب 7 ح 5.
4- الکافی 3 : 399 - 9 ، التهذیب 2 : 206 - 806 ، الإستبصار 1 : 383 - 1451 ، الوسائل 3 : 258 أبواب لباس المصلی ب 7 ح 3.
5- التهذیب 2 : 209 - 819 ، الإستبصار 1 : 384 - 1455 ، الوسائل 3 : 277 أبواب لباس المصلی ب 17 ح 1.
6- المعتبر 2 : 82.

______________________________________________________

فلو کانت غیرها ) (1) کالشعرات الملقاة علی الثوب لم تمنع الصلاة فیه ، وبه قطع الشهید فی الذکری (2) ، وجدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (3) ، ویدل علیه - مضافا إلی الأصل السالم عما یصلح للمعارضة - صحیحة محمد بن عبد الجبار ، قال : کتبت إلی أبی محمد علیه السلام أسأله هل یصلی فی قلنسوة علیها وبر ما لا یؤکل لحمه؟ أو تکة حریر؟ أو تکة من وبر الأرانب؟ فکتب : « لا تحل الصلاة فی الحریر المحض ، وإن کان الوبر ذکیا حلت الصلاة فیه إن شاء الله » (4).

وصحیحة علی بن الریان ، قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام : هل تجوز الصلاة فی ثوب یکون فیه شعر من شعر الإنسان وأظفاره من قبل أن ینفضه ویلقیه عنه؟ فوقع : « یجوز » (5).

وربما ظهر من کلام بعض الأصحاب المنع من ذلک مطلقا (6) ، لروایة إبراهیم بن محمد الهمدانی ، وهی ضعیفة جدا (7) فلا یمکن التعویل علیها.

الثانیة : اختلف الأصحاب فی التکة والقلنسوة المعمولتین من وبر غیر المأکول ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة إلی المنع منهما (8) ، لما سبق فی

ص: 166


1- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » ، « ح » : بالثوب المنسوج من ذلک ولو ممتزجا بغیره ، فلو لم یکن کذلک.
2- الذکری : 146.
3- روض الجنان : 214 ، والمسالک 1 : 23.
4- التهذیب 2 : 207 - 810 ، الإستبصار 1 : 383 - 1453 ، الوسائل 3 : 273 أبواب لباس المصلی ب 14 ح 4.
5- التهذیب 2 : 367 - 1526 ، الوسائل 3 : 277 أبواب لباس المصلی ب 18 ح 2.
6- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 86.
7- [7] لأن من جملة رجالها عمر بن علی بن عمر بن یزید ولم ینص الأصحاب علی توثیقه ، ولأن راویها إبراهیم بن محمد الهمدانی لم یثبت توثیقه.
8- النهایة : 98.

إلا الخزّ الخالص.

______________________________________________________

الجلود ، وقال فی غیر النهایة بالکراهة (1) ، ومال إلیه فی المعتبر (2) ، تعویلا علی الأصل ، وروایة محمد بن عبد الجبار السابقة (3) ، واستضعافا للأخبار المانعة ، وهو غیر بعید إلا أن المنع أحوط.

الثالثة : ذکر العلامة فی المنتهی : أنه لو شک فی کون الصوف أو الشعر والوبر من مأکول اللحم لم تجز الصلاة فیه ، لأنها مشروطة بستر العورة بما یؤکل لحمه ، والشک فی الشرط یقتضی الشک فی المشروط (4).

ویمکن أن یقال أنّ الشرط ستر العورة ، والنهی إنما تعلق بالصلاة فی غیر المأکول فلا یثبت إلا مع العلم بکون الساتر کذلک ، وتؤیده صحیحة عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « کل شی ء یکون فیه حرام وحلال فهو لک حلال أبدا حتی تعرف الحرام بعینه » (5) ولا ریب أنّ الأحوط التنزه عنه.

قوله : ( إلا الخزّ الخالص ).

اختلف کلام الأصحاب فی حقیقة الخز ، فقیل : إنه دابة بحریة ذات أربع ، تصاد من الماء وتموت بفقده (6) ، وقد روی ذلک ابن أبی یعفور عن الصادق علیه السلام بطریق فیه محمد بن سلیمان الدیلمی ، وفی الروایة : « إنّ الله أحله وجعل ذکاته موته » (7) وضعّفها المصنف فی المعتبر بمحمد بن سلیمان ،

حکم الصلاة فی الخز

ص: 167


1- المبسوط 1 : 83.
2- المعتبر 2 : 83.
3- فی ص 166.
4- المنتهی 1 : 231.
5- الکافی 5 : 313 - 39 ، الفقیه 3 : 216 - 1002 ، التهذیب 9 : 79 - 337 ، السرائر : 481 ، الوسائل 12 : 59 أبواب ما یکتسب منه ب 4 ح 1.
6- کما فی جامع المقاصد 1 : 85.
7- الکافی 3 : 399 - 11 ، التهذیب 2 : 211 - 828 ، الوسائل 3 : 261 أبواب لباس المصلی ب 8 ح 4.

______________________________________________________

وبمخالفتها لما اتفقوا علیه من أنه لا یؤکل من حیوان البحر إلا السمک ، ولا من السمک إلا ما له فلس ، ثم قال : وحدثنی جماعة من التجار أنه القندس ولم أتحققه (1). وحکی الشهید فی الذکری عن بعض الناس أنه کلب الماء (2).

وأجود ما وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال سأل أبا عبد الله علیه السلام رجل وأنا عنده عن جلود الخز فقال : « لیس بها بأس » فقال الرجل : جعلت فداک إنها فی بلادی وإنما هی کلاب تخرج من الماء ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « فإذا خرجت من الماء تعیش خارجة من الماء؟ » فقال الرجل : لا ، قال : « لا بأس » (3).

وقد أجمع علماؤنا علی جواز الصلاة فی وبره ، حکاه فی المعتبر (4) ، ویدل علیه روایات کثیرة منها صحیحة سلیمان بن جعفر الجعفری ، قال : رأیت أبا الحسن الرضا علیه السلام یصلی فی جبة خز (5).

وموثقة معمر بن خلاّد ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الصلاة فی الخز فقال : « صلّ فیه » (6).

وروایة علی بن مهزیار ، قال : رأیت أبا جعفر الثانی علیه السلام یصلی الفریضة وغیرها فی جبة خز طار (7) ، وکسانی جبة خز وذکر أنه لبسها علی بدنه

ص: 168


1- المعتبر 2 : 84.
2- الذکری : 144.
3- الکافی 6 : 451 - 3 ، علل الشرائع : 357 - 1 ، الوسائل 3 : 263 أبواب لباس المصلی ب 10 ح 1.
4- المعتبر 2 : 84.
5- الفقیه 1 : 170 - 802 ، التهذیب 2 : 212 - 832 ، الوسائل 3 : 260 أبواب لباس المصلی ب 8 ح 1.
6- التهذیب 2 : 212 - 829 ، الوسائل 3 : 261 أبواب لباس المصلی ب 8 ح 5.
7- فی « م » والمصدر : طارونی.

وفی المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روایتان ، أصحهما المنع.

______________________________________________________

وصلی فیها وأمرنی بالصلاة فیها (1).

والأظهر جواز الصلاة فی جلده أیضا ، وهو اختیار المصنف فی المعتبر بعد التردد (2) ، عملا بمقتضی الأصل ، ویؤیده صحیحة سعد بن سعد عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن جلود الخز فقال : « هو ذاک الخز یلبس » فقلت : ذاک الوبر جعلت فداک ، قال : « إذا حل وبره حل جلده » (3).

قوله : ( وفی المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روایتان ، أصحهما المنع ).

أما الروایة المانعة فرواها محمد بن یعقوب ، عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « فی الخز الخالص أنه لا بأس به ، فأما الذی یخلط فیه وبر الأرانب وغیر ذلک مما یشبه هذا فلا تصل فیه » (4) وبمعناها روی أیوب بن نوح مرفوعا إلی الصادق علیه السلام (5).

وأما المبیحة فرواها داود الصرمی ، قال : سألته عن الصلاة فی الخز یغش بوبر الأرانب فکتب : « یجوز ذلک » (6).

والروایات من الطرفین ضعیفة الإسناد لکن قال فی المعتبر : إن الوجه ترجیح الروایتین الأولیین وإن کانتا مقطوعتین لاشتهار العمل بهما بین الأصحاب ودعوی أکثرهم الإجماع علی مضمونهما (7).

ص: 169


1- الفقیه 1 : 170 - 803 ، الوسائل 3 : 260 أبواب لباس المصلی ب 8 ح 2.
2- المعتبر 2 : 85.
3- الکافی 6 : 452 - 7 ، التهذیب 2 : 372 - 1547 ، الوسائل 3 : 265 أبواب لباس المصلی ب 10 ح 14 بتفاوت یسیر.
4- الکافی 3 : 403 - 26 ، الوسائل 3 : 262 أبواب لباس المصلی ب 9 ح 1 ، وأوردها فی التهذیب 2 : 212 - 830 ، الاستبصار 1 : 387 - 1469.
5- التهذیب 2 : 212 - 831 ، الاستبصار 1 : 387 - 1470 علل الشرائع : 357 - 2 ، الوسائل 3 : 262 أبواب لباس المصلی ب 9 ح 1.
6- الفقیه 1 : 170 - 805 ، التهذیب 2 : 212 - 833 ، الإستبصار 1 : 387 - 1471 ، الوسائل 3 : 262 أبواب لباس المصلی ب 9 ح 2.
7- المعتبر 2 : 85.

الثالثة : تجوز الصلاة فی فرو السنجاب فإنه لا یأکل اللحم ، وقیل : لا تجوز ، والأول أظهر ،

______________________________________________________

قوله : ( الثالثة ، تجوز الصلاة فی فرو السنجاب فإنه لا یأکل اللحم ، وقیل : لا تجوز ، والأول أظهر ».

التعلیل بکونه لا یأکل اللحم موجود فی بعض الروایات ، وکأن المراد : أنه لیس بسبع یأکل اللحم فیمنع الصلاة فی جلده. والقول بجواز الصلاة فی فرو السنجاب للشیخ فی المبسوط والخلاف (1) ، وظاهره فی المبسوط دعوی الإجماع علیه فإنه قال : فأما السنجاب والحواصل فلا بأس بالصلاة فیهما بلا خلاف.

ویدل علی الجواز صحیحة أبی علی بن راشد. قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما تقول فی الفراء أی شی ء یصلی فیه؟ قال : « أی الفراء؟ » قلت : الفنک والسنجاب والسمور ، قال : « فصل فی الفنک والسنجاب فأما السمور فلا تصل فیه » (2).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه فقال : « لا بأس بالصلاة فیه » (3).

وروایة مقاتل بن مقاتل ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصلاة فی السمور والسنجاب والثعالب فقال : « لا خیر فی ذا کله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأکل اللحم » (4).

جواز الصلاة فی فرو السنجاب

ص: 170


1- المبسوط 1 : 82 ، والخلاف 1 : 6 و 193.
2- الکافی 3 : 400 - 14 ، التهذیب 2 : 210 - 822 ، الإستبصار 1 : 384 - 1457 ، الوسائل 3 : 253 أبواب لباس المصلی ب 3 ح 5.
3- التهذیب 2 : 210 - 825 ، الإستبصار 1 : 384 - 1459 ، الوسائل 3 : 254 أبواب لباس المصلی ب 4 ح 2.
4- الکافی 3 : 401 - 16 ، التهذیب 2 : 210 - 821 ، الإستبصار 1 : 384 - 1456 ، الوسائل 3 : 252 أبواب لباس المصلی ب 3 ح 2.

______________________________________________________

ویمکن المناقشة فی الروایة الأخیرة من حیث السند باشتماله علی عدة من المجاهیل ، وفی الأولتین من حیث المتن لتضمنهما جواز الصلاة فی غیر السنجاب أیضا من غیر المأکول ولا نعلم به قائلا ، إلا أنّ ذلک غیر قادح عند التحقیق کما بیناه مرارا.

والقول بالمنع للشیخ فی کتاب الأطعمة من النهایة (1) ، والسید المرتضی (2) ، وابن إدریس (3) ، والعلامة فی المختلف (4). واستدلوا علیه بموثقة ابن بکیر المتقدمة فی صدر الباب (5).

وأجاب عنها فی المعتبر بأن خبر أبی علی بن راشد خاص والخاص مقدم علی العام ، وبأن ابن بکیر مطعون فیه ولیس کذلک أبو علی بن راشد (6).

ویتوجه علی الأول أنّ روایة ابن بکیر وإن کانت عامة إلا أنّ ابتناءها علی السبب الخاص - وهو السنجاب وما ذکر معه - یجعلها کالنص فی المسئول عنه ، وحینئذ یتحقق التعارض ویصار إلی الترجیح.

والمسألة محل تردد وإن کان الجواز لا یخلو من قرب ، للأصل السالم عما یصلح للمعارضة ، وتخرج الأخبار الواردة بالجواز شاهدا. وإنما تجوز الصلاة فیه مع تذکیته ، لأنه ذو نفس قطعا.

قال فی الذکری : وقد اشتهر بین التجار والمسافرین أنه غیر مذکی ، ولا عبرة بذلک حملا لتصرف المسلمین علی ما هو الأغلب (7). ولا ریب فی ذلک ،

ص: 171


1- النهایة : 587.
2- نقله عنه فی المختلف : 79.
3- السرائر : 56.
4- المختلف : 79.
5- فی ص 162.
6- المعتبر 2 : 86.
7- الذکری : 144.

وفی الثعالب والأرانب روایتان ، أصحهما المنع.

______________________________________________________

لأن متعلق الشهادة إذا کان غیر محصور لا تسمع ، نعم لو علم بذلک حرم استعماله.

قوله : ( وفی الثعالب والأرانب روایتان ، أصحهما المنع ).

اختلفت الروایات ظاهرا فی جواز الصلاة فی جلود الثعالب والأرانب ، فروی علی بن مهزیار ، قال : کتب إلیه إبراهیم بن عقبة : عندنا جوارب وتکک من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة فیها من غیر ضرورة ولا تقیة؟ فکتب علیه السلام : « لا تجوز الصلاة فیها » (1).

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، قال : « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن جلود الثعالب فقال : « ما أحب أن یصلی فیها » (2).

وبإزاء هاتین الروایتین أخبار کثیرة دالة علی الجواز ، کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه ، قال : « لا بأس بالصلاة فیه » (3).

وصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا عبد الله (4) علیه السلام عن لباس الفراء والسمور والفنک والثعالب وجمیع الجلود ، قال : « لا بأس بذلک » (5).

وصحیحة جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة

حکم الصلاة فی جلود الثعالب والأرانب

ص: 172


1- المتقدمة فی ص 165.
2- التهذیب 2 : 205 - 803 ، الإستبصار 1 : 381 - 1443 ، الوسائل 3 : 258 أبواب لباس المصلی ب 7 ح 1.
3- المتقدمة فی ص 170.
4- فی « س » ، « ح » والمصدر : أبا الحسن.
5- التهذیب 2 : 211 - 826 ، الإستبصار 1 : 385 - 1460 ، الوسائل 3 : 255 أبواب لباس المصلی ب 5 ح 1.

الرابعة : لا یجوز لبس الحریر المحض للرجال ولا الصلاة فیه ، إلا فی الحرب ، وعند الضرورة کالبرد المانع من نزعه ،

______________________________________________________

فی جلود الثعالب فقال : « إذا کانت ذکیة فلا بأس » (1).

قال المصنف فی المعتبر : واعلم أنّ المشهور فی فتوی الأصحاب المنع مما عدا السنجاب ووبر الخز ، والعمل به احتیاط فی الدین (2). ثم قال بعد أن أورد روایتی الحلبی وعلی بن یقطین : وطریق هذین الخبرین أقوی من تلک الطرق ، ولو عمل بهما عامل جاز ، وعلی الأول عمل الظاهرین من الأصحاب ، منضما إلی الاحتیاط للعبادة (3).

قلت : ومن هنا یظهر أنّ قول المصنف : أصحهما المنع ، غیر جید ، ولو قال أشهرهما المنع کما ذکره فی النافع (4) کان أولی. والمسألة قویة الإشکال من حیث صحة أخبار الجواز واستفاضتها ، واشتهار القول بالمنع بین الأصحاب ، بل إجماعهم علیه بحسب الظاهر ، وإن کان ما ذکره فی المعتبر لا یخلو من قرب.

قوله : ( الرابعة ، لا یجوز لبس الحریر المحض للرجال ولا الصلاة فیه ، إلاّ فی الحرب ، أو عند الضرورة کالبرد المانع من نزعه ).

أما تحریم لبسه للرجال فعلیه علماء الإسلام. وأما بطلان الصلاة فیه فهو مذهب علمائنا ، ووافقنا بعض العامة إذا کان ساترا للعورة (5) ، وأطبق الباقون علی صحتها (6) ، والأخبار الواردة بتحریم اللبس من الطرفین مستفیضة (7).

حکم لبس الحریر

ص: 173


1- التهذیب 2 : 206 - 809 ، الإستبصار 1 : 382 - 1447 ، الوسائل 3 : 259 أبواب لباس المصلی ب 7 ح 9.
2- المعتبر 2 : 86.
3- المعتبر 2 : 87.
4- المختصر النافع : 24.
5- منهم ابن قدامة فی المغنی 1 : 505.
6- کالشافعی فی کتاب الأم 1 : 91 ، وابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 119.
7- الوسائل 3 : 266 أبواب لباس المصلی ب 11 ، 12 ، سنن أبی داود 4 : 46 - 4040 ، 4041 ، 4043 ، سنن النسائی 8 : 200 ، سنن ابن ماجة 2 : 1187 - 3588 - 3591.

______________________________________________________

أما البطلان فهو علی تقدیر کونه ساترا للعورة ظاهر ، لاستحالة اجتماع الواجب والحرام فی الشی ء الواحد.

وأما إذا کانت العورة مستورة بغیره فللنهی عن الصلاة فیه وهو یقتضی الفساد.

أما الثانیة فلاستحالة کون الفعل الواحد مأمورا به منهیا عنه ، فمتی کان منهیا عنه لا یکون مأمورا به وهو معنی الفساد.

وأما الأولی فلقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن عبد الجبار : « لا تحل الصلاة فی حریر محض » (1) وغیر ذلک من الأخبار.

ولا ینافی ذلک ما رواه محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصلاة فی ثوب دیباج فقال : « ما لم یکن فیه التماثیل فلا بأس » (2) لأنا نجیب عنه بالحمل علی غیر المحض ، أو علی حال الحرب کما ذکره الشیخ فی التهذیب (3).

وقد قطع الأصحاب بجواز لبسه فی حال الضرورة والحرب وقال فی المعتبر : إنه اتفاق علمائنا (4).

أما الضرورة کالبرد الشدید فلسقوط التکلیف معها.

وأما فی الحرب فاستدل علیه المصنف بأنه یحصل به قوة القلب ، ومنع لضرر الزرد (5) عند الحرکة فجری مجری الضرورة ، وبروایة سماعة ، قال :

ص: 174


1- المتقدمة فی ص 166.
2- التهذیب 2 : 208 - 815 ، الإستبصار 1 : 386 - 1465 ، الوسائل 3 : 268 أبواب لباس المصلی ب 11 ح 10.
3- التهذیب 2 : 208.
4- المعتبر 2 : 88.
5- الزرد : تداخل حلق الدرع بعضها فی بعض - الصحاح 2 : 480.

______________________________________________________

سألت أبا عبد الله علیه السلام عن لباس الحریر والدیباج فقال : « أما فی الحرب فلا بأس وإن کان فیه تماثیل » (1) ثم قال : وسماعة وإن کان واقفیا لکنه ثقة ، فإذا سلم خبره عن المعارض عمل به (2). وهو غیر جید کما بیناه فیما سبق.

وقد أجمع الأصحاب ودلت الأخبار علی أنّ المحرّم إنما هو الحریر المحض ، أما الممتزج بغیره فالصلاة فیه جائزة سواء کان الخلیط أقل أو أکثر ، ولو کان عشرا - کما نص علیه فی المعتبر (3) - ما لم یکن مستهلکا بحیث یصدق علی الثوب أنه إبریسم محض. ولو خیط الحریر بغیره لم یخرج عن التحریم. وأظهر فی المنع ما لو کانت البطانة حریرا وحدها أو الظهارة.

أما الحشو بالإبریسم فقد قطع المصنف بتحریمه ، لعموم المنع (4). واستقرب الشهید - رحمه الله - فی الذکری الجواز (5) ، لما رواه الحسین بن سعید ، قال : قرأت فی کتاب محمد بن إبراهیم إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام یسأله عن الصلاة فی ثوب حشوه قزّ ، فکتب إلیه وقرأته : « لا بأس بالصلاة فیه » (6) وضعفها المصنف فی المعتبر باستناد الراوی إلی ما وجده فی کتاب لم یسمعه من محدث (7). وهو مشکل ، لأن المکاتبة المجزوم بها فی قوة المشافهة.

وحملها الصدوق فی الفقیه علی قز الماعز دون قز الإبریسم (8) ، وهو بعید.

ص: 175


1- الکافی 6 : 453 - 3 ، الفقیه 1 : 171 ، التهذیب 2 : 208 - 816 ، الإستبصار 1 : 386 - 1466 ، الوسائل 3 : 270 أبواب لباس المصلی ب 12 ح 3.
2- المعتبر 2 : 88.
3- المعتبر 2 : 90.
4- المعتبر 2 : 91.
5- الذکری : 145.
6- التهذیب 2 : 364 - 1509 ، الوسائل 3 : 323 أبواب لباس المصلی ب 47 ح 1.
7- المعتبر 2 : 91.
8- الفقیه 1 : 171 - 807.

ویجوز للنساء مطلقا.

______________________________________________________

والجواز محتمل ، لصحة الروایة ، ومطابقتها لمقتضی الأصل ، وتعلق النهی فی أکثر الروایات بالثوب الإبریسم (1) ، وهو لا یصدق علی الإبریسم المحشو قطعا.

قوله : ( ویجوز للنساء مطلقا ).

أی ویجوز لبس الحریر للنساء مطلقا سواء کان محضا أو ممتزجا ، وسواء کان فی حال الضرورة أو الاختیار. ویمکن أن یرید بالإطلاق : جواز لبسهن له علی کل حال ، فیتناول حال الصلاة.

أما جواز لبسهن له فی غیر الصلاة مع الاختیار فهو قول العلماء کافة ، قاله فی المعتبر والمنتهی (2).

وأما جواز صلاتهن فیه فهو اختیار الأکثر ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وإطلاق الأمر بالصلاة فلا یتقید إلا بدلیل.

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : النهی عن الصلاة فی الحریر المحض مطلق فیتناول المرأة بإطلاقه (3). ولعله أشار بذلک إلی روایة محمد بن عبد الجبار المتقدمة (4) ، وروایة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام ینهی عن لباس الحریر للرجال والنساء إلا ما کان من حریر مخلوط بخز ، لحمته أو سداه خز أو کتان أو قطن ، وإنما یکره الحریر المحض للرجال والنساء (5).

والجواب ، أما روایة زرارة فضعیفة الإسناد ، لأن من جملة رجالها

ص: 176


1- الوسائل 3 : 266 أبواب لباس المصلی ب 11.
2- المعتبر 2 : 89 ، والمنتهی 1 : 228.
3- الفقیه 1 : 171.
4- فی ص 166.
5- التهذیب 2 : 367 - 1524 ، الإستبصار 1 : 386 - 1468 ، الوسائل 3 : 272 أبواب لباس المصلی ب 13 ح 5.

______________________________________________________

موسی بن بکر وهو واقفی (1) ، ومتنها مخالف لما اتفق الناس علی جوازه. وحملها علی حال الصلاة بعید جدا ، إذ لا إشعار فی الروایة به.

وأما روایة محمد بن عبد الجبار فلأنها وإن کانت بإطلاقها متناولة للرجل والمرأة إلا أنّ ابتناءها علی السبب الخاص وهو القلنسوة التی هی من ملابس الرجال قرینة علی اختصاص الحکم بهم ، ویؤید ذلک تعلق السؤال فی أکثر الروایات بصلاتهم فیه ، ولو کان المنع متناولا للنساء لکان السؤال عن حکمهن فی ذلک أولی ، لجواز لبسهن له فی غیر الصلاة.

ویشهد له أیضا موثقة عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « النساء یلبسن الحریر والدیباج إلا فی الإحرام » (2) وقریب منها روایة إسماعیل بن الفضل (3).

والمسألة محل تردد وإن کان الجواز لا یخلو من قرب ، لأن مثل هذا الإطلاق لا یکفی فی تقیید إطلاق الأوامر القرآنیة والأدلة المقطوع بها ، وإن کان المصیر إلی ما ذکره ابن بابویه أحوط للعبادة.

فروع :

الأول : هل یحرم علی الخنثی لبس الحریر؟ قیل : نعم (4) ، أخذا بالاحتیاط ، وقیل : لا ، لاختصاص التحریم بالرجال ، والخنثی لیست رجلا علی الیقین.

الثانی : الأصح أنه لا یحرم علی الولی تمکین الصبی من لبس الحریر ، لانتفاء الدلیل علیه ، وکون الصبی لیس محلا للتکلیف ، وهو اختیار المصنف فی

ص: 177


1- راجع رجال الطوسی : 359.
2- الکافی 6 : 454 - 8 ، الوسائل 3 : 275 أبواب لباس المصلی ب 16 ح 3.
3- الکافی 4 : 346 - 8 ، الوسائل 9 : 43 أبواب الإحرام ب 33 ح 10.
4- کما فی التذکرة 1 : 94 ، والذکری : 145.

وفیما لا تتم الصلاة فیه منفردا کالتکّة والقلنسوة تردد ، والأظهر الکراهة.

______________________________________________________

المعتبر (1) ومن تأخر عنه (2). وقیل (3) : لقوله علیه السلام : « حرام علی ذکور أمتی » (4) وقول جابر : کنا ننزعه عن الصبیان ونترکه علی الجواری (5). وضعفه ظاهر ، لأن الصبی لیس بمکلف فلا یتناوله الخبر ، وفعل جابر یمکن أن یکون للتنزه والمبالغة فی التورع.

الثالث : لو لم یجد المصلی إلاّ الحریر ولا ضرورة (6) فی التعری صلی عاریا عندنا ، لأن وجود المنهی عنه کعدمه. ولو وجد النجس والحریر تعیّن لبس النجس لورود الإذن فی لبسه علی ما بیناه فیما سبق.

قوله : ( وفیما لا تتم الصلاة فیه منفردا کالتکة والقلنسوة تردد ، والأظهر الکراهة ).

هذا قول الشیخ فی النهایة والمبسوط (7) ، وابن إدریس (8) ، وأبی الصلاح (9) ، ومستنده روایة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « کلما لا تجوز الصلاة فیه وحده فلا بأس بالصلاة فیه ، مثل التکة الإبریسم والقلنسوة والخف والزنار یکون فی السراویل ویصلی فیه » (10) وفی الطریق أحمد بن هلال وهو ضعیف جدا (11).

ص: 178


1- المعتبر 2 : 91.
2- کالعلامة فی المنتهی 1 : 229 ، والشهید الأول فی الذکری : 145.
3- کما فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 664.
4- سنن ابن ماجة 2 : 1189 - 3595.
5- سنن أبی داود 4 : 50 - 4059.
6- کذا فی جمیع النسخ والأنسب أن یکون : ولا ضرر.
7- النهایة : 98 ، والمبسوط 1 : 84.
8- السرائر : 56.
9- الکافی فی الفقه : 140.
10- التهذیب 2 : 357 - 1478 ، الوسائل 3 : 273 أبواب لباس المصلی ب 14 ح 2.
11- راجع الفهرست : 36 - 97.

ویجوز الرکوب علیه وافتراشه علی الأصحّ.

______________________________________________________

ونقل عن المفید (1) وابن الجنید (2) وابن بابویه (3) أنهم لم یستثنوا شیئا. وبالغ الصدوق فی من لا یحضره الفقیه فقال : ولا تجوز الصلاة فی تکة رأسها من إبریسم (4). ویدل علیه عموم الأخبار المانعة من الصلاة فی الحریر (5) ، وصحیحة محمد بن عبد الجبار ، قال : کتبت إلی أبی محمد علیه السلام أسأله هل یصلی فی قلنسوة حریر محض أو قلنسوة دیباج؟ فکتب : « لا تحل الصلاة فی حریر محض » (6). وروی محمد بن عبد الجبار فی الصحیح أیضا : أنه کتب إلیه علیه السلام یسأله عن الصلاة فی التکة المعمولة من الحریر ، فأجابه بذلک (7).

وأجیب عنه بأن هذا الخبر عام وخبر الحلبی خاص والخاص مقدم. وهو غیر جید لما ذکرناه فیما سبق من أنّ ابتناء العام علی السبب الخاص یجعله کالخاص فی الدلالة علی ذلک السبب ، وحینئذ فیتحقق التعارض ویصار إلی الترجیح ، وهو مع الروایة المانعة ، لسلامة سندها وضعف الروایة المنافیة لها.

قوله : ( ویجوز الرکوب علیه وافتراشه علی الأصح ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل السالم من المعارض صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : وسألته عن فراش حریر ومثله من الدیباج ومصلی حریر ومثله من الدیباج یصلح للرجل النوم علیه والتکأة والصلاة؟ قال : « یفترشه ویقوم علیه ولا یسجد علیه » (8).

جواز الجلوس علی الحریر

ص: 179


1- المقنعة : 25.
2- نقله عنه فی المختلف : 80.
3- المقنع : 24.
4- الفقیه 1 : 172.
5- الوسائل 3 : 266 أبواب لباس المصلی ب 11.
6- المتقدمة فی ص 166.
7- التهذیب 2 : 207 - 810 ، الإستبصار 1 : 383 - 1453 ، الوسائل 3 : 273 أبواب لباس المصلی ب 14 ح 4.
8- الکافی 6 : 477 - 8 ، التهذیب 2 : 373 - 1553 ، قرب الإسناد : 86 ، الوسائل 3 : 274 أبواب لباس المصلی ب 15 ح 1 ، البحار 10 : 282.

وتجوز الصلاة فی ثوب مکفوف به. وإذا مزج بشی ء مما تجوز فیه الصلاة حتی خرج عن کونه محضا جاز لبسه والصلاة فیه ، سواء کان أکثر من الحریر أو أقل منه.

______________________________________________________

وحکی العلامة فی المختلف عن بعض المتأخرین القول بالمنع (1). وهو مجهول القائل والدلیل ، وعلله المصنف فی المعتبر بعموم تحریمه علی الرجال (2).

وهو ضعیف ، فإنّ النهی إنما تعلق بلبسه ، ومنع اللبس لا یقتضی منع الافتراش لافتراقهما فی المعنی. وفی حکم الافتراش التوسد علیه والالتحاف به ، أما التدثر به فالأظهر تحریمه لصدق اسم اللبس علیه.

قوله : ( وتجوز الصلاة فی ثوب مکفوف به ).

بأن یجعل فی رؤوس الأکمام والذیل وحول الزیق (3) ، وألحق به اللبنة ، وهی الجیب. وقدّر نهایة عرض ذلک بأربع أصابع مضمومة من مستوی الخلقة. وأعلم أنّ هذا الحکم مقطوع به فی کلام المتأخرین (4) ، واستدل علیه فی المعتبر (5) بما رواه العامة عن عمر : إنّ النبی صلی الله علیه و آله نهی عن الحریر إلا فی موضع إصبعین أو ثلاث أو أربع (6).

ومن طریق الأصحاب ما رواه جرّاح المدائنی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه کان یکره أن یلبس القمیص المکفوف بالدیباج (7). وهذه الروایة - مع قصور سندها بعدم توثیق جراح المدائنی والراوی عنه وهو

جواز الصلاة فی المکفوف بالحریر

ص: 180


1- المختلف : 80.
2- المعتبر 2 : 90.
3- زیق القمیص بالکسر : ما أحاط بالعنق ( من قدس سره ).
4- منهم العلامة فی التذکرة 1 : 96 ، والشهید الأول فی الذکری : 145 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 86.
5- المعتبر 2 : 90.
6- صحیح مسلم 3 : 1643 - 15 ، سنن أبی داود 4 : 47 - 4042.
7- الکافی 3 : 403 - 27 وج 6 : 454 - 6 ، التهذیب 2 : 364 - 1510 ، الوسائل 3 : 268 أبواب لباس المصلی ب 11 ح 9.

الخامسة : الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فیه.

______________________________________________________

القاسم بن سلیمان - غیر دالة علی الجواز نصا لأن الکراهة کثیرا ما تستعمل فی الأخبار بمعنی التحریم.

وربما ظهر من عبارة ابن البراج المنع من ذلک (1) (2) والمسألة محل تردد ، لعموم قوله علیه السلام : « لا تحل الصلاة فی حریر محض » (3) الشامل للتکة والقلنسوة نصا ، والاحتیاط للعبادة یقتضی اجتناب ذلک مطلقا.

قوله : ( الخامسة ، الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فیه ).

لا خلاف فی تحریم لبس الثوب المغصوب فی الصلاة وغیرها ، وإنما الکلام فی بطلان الصلاة بذلک ، فأطلق الشیخ (4) وجماعة (5) البطلان ، ونص العلامة (6) ومن تأخر عنه (7) علی أنه لا فرق فی الثوب بین کونه ساترا للعورة أو غیر ساتر ، حتی أنّ الشهید - رحمه الله - قال فی البیان : ولا یجوز فی الثوب المغصوب ولو خیطا ، فتبطل الصلاة مع علمه بالغصب (8).

واحتجوا علیه بأنّ الحرکات الواقعة فی الصلاة منهی عنها لأنها تصرف فی المغصوب ، والنهی عن الحرکة نهی عن القیام والقعود والسجود وهو جزء الصلاة فیفسد ، لأن النهی فی العبادة یقتضی الفساد فتکون الصلاة فاسدة لفساد جزئها.

وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه ورده إلی مالکه ، فإذا افتقر إلی فعل کثیر

حرمة الصلاة فی الثوب المغصوب

ص: 181


1- المهذب 1 : 74.
2- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : وبه قطع المرتضی - رضی الله عنه - فی بعض رسائله.
3- الکافی 3 : 399 - 10 ، التهذیب 2 : 207 - 812 ، الإستبصار 1 : 385 - 1462 ، الوسائل 3 : 267 أبواب لباس المصلی ب 11 ح 2.
4- الخلاف 1 : 192 ، والمبسوط 1 : 82.
5- منهم یحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 65 ، والعلامة فی القواعد 1 : 27 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 86.
6- المنتهی 1 : 229.
7- منهم الشهید الأول فی الدروس : 26 ، والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة 2 : 78.
8- البیان : 58.

ولو أذن صاحبه لغیر الغاصب أو له جازت الصلاة مع تحقق الغصبیة.

______________________________________________________

کان مضادا للصلاة ، والأمر بالشی ء یقتضی النهی عن ضده فیفسد.

ویتوجه علی الأول أنّ النهی إنما یتوجه إلی التصرف فی المغصوب الذی هو لبسه ابتداء واستدامة ، وهو أمر خارج عن الحرکات من حیث هی حرکات ، أعنی القیام والقعود والسجود فلا یکون النهی متناولا لجزء الصلاة ولا لشرطها ، ومع ارتفاع النهی ینتفی البطلان.

وعلی الثانی ما بیناه مرارا من أنّ الأمر بالشی ء إنما یقتضی النهی عن الضد العام الذی هو نفس الترک أو الکف ، لا الأضداد الخاصة الوجودیة.

والمعتمد ما اختاره المصنف فی المعتبر من بطلان الصلاة إن کان الثوب ساترا للعورة (1) ، لتوجه النهی إلی شرط العبادة فیفسد ویبطل المشروط بفواته.

وکذا إذا قام فوقه أو سجد علیه ، لأن جزء الصلاة یکون منهیا عنه وهو القیام والقعود (2) حیث أنه نفس الکون المنهی عنه ، أما لو لم یکن کذلک لم یبطل لتوجه النهی إلی أمر خارج عن العبادة.

ولا یخفی أنّ الصلاة إنما تبطل فی الثوب المغصوب مع العلم بالغصب ، فلو جهله لم تبطل الصلاة ، لارتفاع النهی. ولا یبعد اشتراط العلم بالحکم أیضا ، لامتناع تکلیف الغافل فلا یتوجه إلی النهی المقتضی للفساد.

قوله : ( ولو أذن صاحبه لغیر الغاصب أو له جازت الصلاة فیه مع تحقق الغصبیة ).

لا ریب فی جواز الصلاة للمأذون له من المالک ، سواء کان هو الغاصب أو غیره ، لارتفاع النهی ، لکن الظاهر عدم تحقق الغصبیة فی حال الصلاة مع تعلق الإذن بالغاصب ، لأن استیلاءه فی تلک الحالة لا عدوان فیه کما هو ظاهر.

ص: 182


1- المعتبر 2 : 87 ، 92.
2- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : من.

ولو أذن مطلقا جاز لغیر الغاصب علی الظاهر.

السادسة : لا تجوز الصلاة فیما یستر ظهر القدم کالشمشک ، ویجوز فیما له ساق کالجورب والخف.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أذن مطلقا جاز لغیر الغاصب علی الظاهر ).

المراد بالمطلق هنا ما یشمل العام ، وإنما لم یدخل الغاصب فی الإطلاق أو العموم الظاهر الحال المستفاد من العادة بین أغلب الناس من الحقد علی الغاصب ومیل النفس إلی مؤاخذته والانتقام منه ، فیکون هذا الظاهر بمنزلة المقید العقلی للمطلق أو المخصص للعام ، ولو فرض انتفاء ذلک وجب العمل بمقتضی الإطلاق.

قوله : ( السادسة ، لا تجوز الصلاة فیما یستر ظهر القدم کالشمشک ، وتجوز فیما له ساق کالخف والجورب ).

أما جواز الصلاة فی الساتر لظهر القدم ذی الساق (1) - أی الساتر لشی ء منه وإن قل کالخف والجورب - فقال فی التذکرة : إنه موضع وفاق بین العلماء (2). وأما المنع من الساتر لظهر القدم کله غیر ذی الساق - کالشمشک بضم الشین وکسر المیم - فهو اختیار المفید فی المقنعة (3) ، والشیخ فی النهایة (4) ، وابن البراج (5) ، وسلار (6) ، والمصنف.

واستدل علیه فی المعتبر (7) ، بفعل النبی صلی الله علیه و آله ، وعمل

حرمة الصلاة فیما یستر ظهر القدم

ص: 183


1- المراد من کون الساق له : أن یغطی بعض الساق لکن یکفی فیه مسمی تغطیة بعض الساق لا أنّ المراد وضعه علی أن له ساقا ( الجواهر 8 : 157 ).
2- التذکرة 1 : 98.
3- المقنعة : 25.
4- النهایة : 98.
5- المهذب 1 : 75.
6- المراسم : 65.
7- المعتبر 2 : 93.

ویستحب فی النعل العربیّة.

______________________________________________________

الصحابة والتابعین ، فإنهم لم یصلوا فی هذا النوع.

وهو استدلال ضعیف ، أما أولا : فلأنه شهادة علی نفی غیر محصور فلا یسمع ، ثم لو سلمنا ذلک لم یدل علی عدم الجواز ، لجواز أن یکون ترکه لکونه غیر معتاد لهم لا لتحریم لبسه.

وأما ثانیا : فلأن هذا الاستدلال لو تم لاقتضی تحریم الصلاة فی کل ما لم یصلّ فیه النبی صلی الله علیه و آله ، وهو معلوم البطلان.

والأصح الجواز فی الجمیع کما هو ظاهر اختیار الشیخ فی المبسوط (1) ، وابن حمزة (2) ، وأکثر المتأخرین ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وإطلاق الأمر بالصلاة ، فلا یتقید إلا بدلیل. نعم یمکن القول بالکراهة تفصّیا من ارتکاب المختلف فیه.

قوله : ( ویستحب فی النعل العربیة ).

المستند فی ذلک ورود الأمر بالصلاة فیها فی عدة أخبار ، کصحیحة عبد الله بن المغیرة ، قال : « إذا صلیت فصل فی نعلیک إذا کانت طاهرة ، فإن ذلک من السنة » (3).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت فصل فی نعلیک إذا کانت طاهرة ، فإنه یقال ذلک من السنة » (4).

وروی معاویة بن عمار ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یصلی فی نعلیه غیر مرة ولم أره ینزعهما قط (5).

استحباب الصلاة فی النعل العربیة

ص: 184


1- المبسوط 1 : 83.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.
3- التهذیب 2 : 233 - 917 ، الوسائل 3 : 309 أبواب لباس المصلی ب 37 ح 7.
4- التهذیب 2 : 233 - 919 ، الوسائل 3 : 309 أبواب لباس المصلی ب 37 ح 5.
5- التهذیب 2 : 233 - 916 ، الوسائل 3 : 308 أبواب لباس المصلی ب 37 ح 4.

السابعة : کل ما عدا ما ذکرناه تصحّ الصلاة فیه بشرط أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ،

______________________________________________________

ومقتضی هذه الروایات استحباب الصلاة فی النعل مطلقا ، وربما کان الوجه فی حملها علی العربیة أنها هی المتعارفة فی ذلک الزمان ، ولعل الإطلاق أولی.

قوله : ( السابعة ، کل ما عدا ما ذکرناه تصح الصلاة فیه بشرط أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ).

ینبغی أن یراد بالمملوک مملوک العین والمنفعة ، أو المنفعة خاصة کالمستأجر ، والمحبس ، والموصی بمنفعته. وبالمأذون فیه ، خصوصا أو عموما ، منطوقا أو مفهوما.

ولو أفادت القرائن الحالیة العلم برضا المالک لم یبعد الاکتفاء بذلک هنا کما فی المکان وهو المراد بشاهد الحال.

ومنع الشارح - قدس سره - من الاجتزاء بشاهد الحال هنا اقتصارا فیما خالف الأصل - وهو التصرف فی مال الغیر بغیر إذنه - علی محل الوفاق (1). وهو غیر جید (2) ( والحق أنه إن اکتفی فی شاهد الحال بإفادة القرائن الظن ) (3) کما صرح به بعض الأصحاب اتجه المنع منه مطلقا ، وإن اعتبر ( فیه ) (4) إفادة الیقین کما ذکرناه اتجه الاکتفاء به فی الجمیع ، إذ غایة ما یستفاد من الأدلة العقلیة والنقلیة المنع من التصرف فی مال الغیر ( مع عدم العلم برضاه کما لا یخفی علی المتتبع ، والمنبئ عن الرضا لا ینحصر فی اللفظ ) (5).

اشتراط الملکیة أو الاذن والطهارة فی لباس المصلی

ص: 185


1- المسالک 1 : 24.
2- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : علی إطلاقه.
3- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : والحق أنهم إن أرادوا بشاهد الحال القرائن المفیدة للظن برضا المالک.
4- فی « س » ، « ح » : فی القرائن.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : بغیر رضاه فمتی علم الرضا انتفی التحریم سواء استند العلم إلی إذن المالک أو إلی غیره من الوجوه المفیدة للعلم والله تعالی أعلم.

وأن یکون طاهرا وقد بیّنا حکم الثوب النجس. ویجوز للرجل أن یصلی فی ثوب واحد.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یکون طاهرا وقد بینا حکم الثوب النجس ).

قد تقدم الکلام فی ذلک فی باب إزالة النجاسات (1).

قوله : ( ویجوز للرجل أن یصلی فی ثوب واحد ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل الأخبار المستفیضة کصحیحة عبید بن زرارة ، عن أبیه ، قال : صلی بنا أبو جعفر علیه السلام فی ثوب واحد (2).

وصحیحة زیاد بن سوقة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یصلی أحدکم فی الثوب الواحد وأزراره محلولة ، إن دین محمد صلی الله علیه و آله حنیف » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی فی قمیص واحد أو قباء طاق أو قباء محشو ولیس علیه إزار فقال : « إذا کان القمیص صفیقا والقمیص لیس بطویل الفرج ، والثوب الواحد إذا کان یتوشح به ، والسراویل بتلک المنزلة ، کل ذلک لا بأس به ، ولکن إذا لبس السراویل جعل علی عاتقه شیئا ولو حبلا » (4).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الصحیح ، قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام صلی فی إزار واحد لیس بواسع قد عقده علی عنقه فقلت له : ما تری للرجل یصلی فی قمیص واحد؟ فقال : « إذا کان کثیفا فلا بأس به ،

جواز الصلاة فی ثوب واحد للرجل دون المرأة

ص: 186


1- فی ج 2 ص 303.
2- التهذیب 2 : 216 - 848 ، الوسائل 3 : 284 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 6.
3- الکافی 3 : 395 - 8 ، الفقیه 1 : 174 - 823 ، التهذیب 2 : 216 - 850 ، الإستبصار 1 : 392 - 1492 ، الوسائل 3 : 285 أبواب لباس المصلی ب 23 ح 1.
4- الکافی 3 : 393 - 1 وفیه عن أحدهما علیهماالسلام وبتفاوت یسیر ، التهذیب 2 : 216 - 852 ، الوسائل 3 : 283 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 2.

ولا یجوز للمرأة إلا فی ثوبین : درع وخمار ، ساترة جمیع جسدها عدا الوجه

______________________________________________________

والمرأة تصلی فی الدرع والمقنعة إذا کان الدرع کثیفا » یعنی إذا کان ستیرا ، قلت : رحمک الله الأمة تغطی رأسها إذا صلت؟ فقال : « لیس علی الأمة قناع » (1).

ویکفی فی الثوب کونه ساترا للعورة إجماعا. ویعتبر فیه کونه صفیقا یحول بین الناظر وبین البشرة ، فلو کان رقیقا یحکی لون البشرة من سواد وبیاض لم تجز الصلاة فیه لعدم حصول الستر به ، ولمفهوم قوله علیه السلام : فی القمیص : « إذا کان کثیفا فلا بأس به ».

وهل یعتبر فیه کونه ساترا للحجم ، قیل : لا (2). وهو الأظهر ، واختاره المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی التذکرة (3) ، للأصل وحصول الستر. وقیل : یعتبر (4) ، لمرفوعة أحمد بن حماد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تصل فیما شف أو صف » یعنی الثوب المصقل (5). کذا فیما وجدناه من نسخ التهذیب ، وذکر الشهید فی الذکری : أنه وجده کذلک بخط الشیخ أبی جعفر رحمه الله ، وأنّ المعروف : أو وصف بواوین ، قال ، ومعنی شفّ : لاحت منه البشرة ، ووصف : حکی الحجم (6). وهذه الروایة مع ضعف سندها لا تدل علی المطلوب صریحا ، فیبقی الأصل سالما عن المعارض.

قوله : ( ولا یجوز للمرأة إلا فی ثوبین : درع وخمار ، ساترة جمیع

ص: 187


1- الکافی 3 : 394 - 2 ، التهذیب 2 : 217 - 855 ، الوسائل 3 : أبواب لباس المصلی ب 21 ح 1 ، ب 29 ح 1.
2- کما فی الذکری : 146.
3- المعتبر 2 : 95 ، والتذکرة 1 : 93.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 88.
5- التهذیب 2 : 214 - 837 ، الذکری : 146 ، الوسائل 3 : 282 أبواب لباس المصلی ب 21 ح 4.
6- الذکری : 146.

والکفین وظاهر القدمین ، علی تردد فی القدمین.

______________________________________________________

جسدها عدا الوجه والکفین وظاهر القدمین ، علی تردد فی القدمین ).

اختلف الأصحاب فیما یجب ستره من المرأة فی الصلاة ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة والمبسوط إلی أنّ الواجب ستر جسدها کله عدا الوجه والکفین وظاهر القدمین (1).

وقال فی الاقتصاد : وأما المرأة الحرة فإنّ جمیعها عورة یجب علیها ستره فی الصلاة ولا تکشف غیر الوجه فقط (2). وهذا یقتضی منع کشف الیدین والقدمین.

وقال ابن الجنید : الذی یجب ستره من البدن العورتان ، وهما القبل والدبر من الرجل والمرأة ، ثم قال : ولا بأس أن تصلی المرأة الحرة وغیرها وهی مکشوفة الرأس حیث لا یراها غیر ذی محرم لها (3). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن أدنی ما تصلی فیه المرأة ، قال : « درع وملحفة تنشرها علی رأسها وتجلل (4) بها » (5).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « والمرأة تصلی فی الدرع والمقنعة إذا کان الدرع کثیفا » (6) وهذه الروایة کما تدل علی وجوب ستر الرأس والجسد تدل علی استثناء الوجه والکفین والقدمین ، لأنه علیه السلام اجتزأ بالدرع وهو القمیص ، والمقنعة وهی للرأس ، فدل علی أنّ

ص: 188


1- النهایة : 98 ، والمبسوط 1 : 87.
2- الاقتصاد : 258.
3- نقله عنه فی المختلف : 83.
4- تجلّل : تغطی.
5- التهذیب 2 : 217 - 853 ، الإستبصار 1 : 388 - 1478 ، الوسائل 3 : 295 أبواب لباس المصلی ب 28 ح 9.
6- المتقدم فی ص 186.

______________________________________________________

ما عدا ذلک غیر واجب ، والدرع لا یستر الیدین ولا القدمین بل ولا العقبین غالبا.

وأما احتجاج الشیخ فی الاقتصاد علی وجوب الستر بأن بدن المرأة کله عورة ، فإن أراد بکونه عورة وجوب ستره عن الناظر المحترم فمسلّم ، وإن أراد وجوب ستره فی الصلاة فهو مطالب بدلیله.

احتج ابن الجنید (1) بما رواه عبد الله بن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلی وهی مکشوفة الرأس » (2).

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب بالحمل علی الصغیرة أو علی حالة الضرورة (3). وقال فی المعتبر : إنّ هذه الروایة مطّرحة ، لضعف عبد الله بن بکیر فلا تترک لخبره الأخبار الصحیحة المتفق علی مضمونها (4) ، وهو حسن.

واعلم أنه لیس فی العبارة کغیرها من عبارات أکثر الأصحاب تعرض لوجوب ستر الشعر ، بل ربما ظهر منها أنه غیر واجب ، لعدم دخوله فی مسمی الجسد. ویدل علیه إطلاق الأمر بالصلاة (5) فلا یتقید إلا بدلیل ولم یثبت ، إذ الأخبار لا تعطی ذلک.

واستقرب الشهید فی الذکری الوجوب (6) ، لما رواه ابن بابویه ، عن الفضیل ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « صلت فاطمة صلوات الله علیها

ص: 189


1- نقله عنه فی المختلف : 83.
2- التهذیب 2 : 218 - 857 ، الإستبصار 1 : 389 - 1481 ، الوسائل 3 : 297 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 5.
3- التهذیب 2 : 218.
4- المعتبر 2 : 102
5- الإسراء : 78.
6- الذکری : 140.

ویجوز أن یصلی الرجل عریانا إذا ستر قبله ودبره علی کراهیة.

______________________________________________________

فی درع وخمار لیس علیها أکثر مما وارت به شعرها وأذنیها » (1) وهی مع تسلیم السند لا تدل علی الوجوب. نعم یمکن الاستدلال بها علی عدم وجوب ستر العنق ، وفی روایة زرارة المتقدمة (2) إشعار به أیضا.

قوله : ( ویجوز أن یصلی الرجل عریانا إذا ستر قبله ودبره علی کراهة ).

تضمنت هذه العبارة أحکاما ثلاثة :

الأول : وجوب ستر العورة فی الصلاة ، وهو قول علماء الإسلام ، قاله (3) فی المعتبر (4) ، وعندنا وعند الأکثر أنه شرط فی الصحة مع الإمکان ، ویدل علیه روایات کثیرة ، منها صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل قطع علیه أو غرق متاعه فبقی عریانا وحضرت الصلاة ، کیف یصلی؟ قال : « إن أصاب حشیشا یستر به عورته أتم صلاته بالرکوع والسجود ، وإن لم یصب شیئا یستر به عورته أومأ وهو قائم » (5) وجه الدلالة أنه علیه السلام أسقط عن العاری الذی لا یتمکن من تحصیل الساتر الرکوع والسجود ، ولولا کونه شرطا فی الصحة لما ثبت ذلک.

وهل شرطیته ثابتة مع المکنة علی الإطلاق أو مقیدة بالعمد؟ الأصح الثانی ، وهو اختیار المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی (6) ، تمسکا بمقتضی الأصل وما رواه الشیخ ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی وفرجه خارج لا یعلم به ، هل علیه الإعادة؟ قال : « لا

جواز الصلاة عاریاً للرجل

ص: 190


1- الفقیه 1 : 167 - 785 ، الوسائل 3 : 293 أبواب لباس المصلی ب 28 ح 1.
2- فی 188.
3- فی « ح » : قال.
4- المعتبر 2 : 99 ، 103.
5- التهذیب 2 : 365 - 1515 ، البحار 10 : 278 ، الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 1.
6- المعتبر 2 : 106 ، والمنتهی 1 : 238.

______________________________________________________

إعادة علیه وقد تمت صلاته » (1).

واستقرب الشهید فی الذکری والبیان الفرق بین نسیان الستر ابتداء وعروض التکشف فی الأثناء ، والصحة فی الثانی دون الأول (2). وهو حسن.

واختلف الأصحاب فی العورة التی یجب سترها علی الرجل فی الصلاة وعن الناظر المحترم ، فذهب الأکثر إلی أنها القبل والدبر.

والظاهر أنّ المراد بالقبل : القضیب والأنثیان ، وبالدبر : نفس المخرج. ونقل عن ابن البراج أنه قال : هی من السرة إلی الرکبة (3) ، وعن أبی الصلاح أنه جعلها من السرة إلی نصف الساق (4) ، مع أنّ المصنف - رحمه الله - قال فی المعتبر : ولیست الرکبة من العورة بإجماع علمائنا (5). والأصح الأول ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق. ویؤیده روایة أبی یحیی الواسطی ، عن بعض أصحابه ، عن أبی الحسن الماضی علیه السلام ، قال : العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالألیین ، فإذا سترت القضیب والبیضتین فقد سترت العورة » (6).

وروایة محمد بن حکیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الفخذ لیس من العورة » (7) ولم نقف لأبی الصلاح وابن البراج هنا علی حجة یعتد بها.

الثانی : إنه لا یجب علی الرجل ستر ما عدا العورة ، وهو موضع وفاق بین العلماء ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة علی بن جعفر المتقدمة : « إن

ص: 191


1- التهذیب 2 : 216 - 851 ، الوسائل 3 : 293 أبواب لباس المصلی ب 27 ح 1.
2- الذکری : 141 ، والبیان : 60.
3- المهذب 1 : 83.
4- الکافی فی الفقه : 139.
5- المعتبر 2 : 100.
6- الکافی 6 : 501 - 26 ، التهذیب 1 : 374 - 1151 ، الوسائل 1 : 365 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2.
7- التهذیب 1 : 374 - 1150 ، الوسائل 1 : 364 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 1.

وإذا لم یجد ثوبا سترهما بما وجده ولو بورق الشجر.

______________________________________________________

أصاب حشیشا یستر به عورته أتم صلاته بالرکوع والسجود » (1). ولا ینافی ذلک ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « أدنی ما یجزیک أن تصلی فیه بقدر ما یکون علی منکبیک مثل جناحی الخطاف » (2) لأنه محمول علی الفضیلة والکمال جمعا بین الأدلة.

الثالث : إنه یکره للرجل الصلاة فی غیر الثوب الساتر لما یعتاد ستره من الجسد ، ویدل علیه صحیحة زرارة المتقدمة ، وصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل لیس معه إلا سراویل فقال : « یحل التکة منه فیضعها علی عاتقه ویصلی » (3).

وتتأکد الکراهة للإمام ، بل یکره له الصلاة فی القمیص وحده ، لما رواه الشیخ فی الصحیح عن سلیمان بن خالد ، قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أمّ قوما فی قمیص لیس علیه رداء ، قال : « لا ینبغی إلا أن یکون علیه رداء أو عمامة یرتدی بها » (4) وروی أیضا فی الصحیح عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل هل یصلح له أن یؤم فی سراویل وقلنسوة ، قال : « لا یصلح » (5) وهی محمولة علی الکراهة.

قوله : ( وإذا لم یجد ثوبا سترهما بما وجده ولو بورق شجر ).

مفهوم الشرط توقف الاجتزاء بالورق علی فقد الثوب ، وهو کذلک لعدم فهمه من الساتر عند الإطلاق ، وقوله علیه السلام فی صحیحة علی بن جعفر وقد سأله عن العاری الذی لا یجد الساتر : « إن أصاب حشیشا یستر به عورته

حکم من لا یجد ثوباً یستر به العورة

ص: 192


1- فی ص 190.
2- الفقیه 1 : 166 - 783 ، الوسائل 3 : 330 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 6.
3- الفقیه 1 : 166 - 782 ، التهذیب 2 : 366 - 1519 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 3.
4- التهذیب 2 : 366 - 1521 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 1.
5- التهذیب 2 : 366 - 1520 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 2.

ومع عدم ما یستر به یصلی عریانا قائما إن کان یأمن أن یراه أحد ، وإن

______________________________________________________

أتم صلاته بالرکوع والسجود » (1) وربما قیل بجوازه اختیارا لحصول مقصود الستر (2) ، وهو ضعیف.

ولو لم یجد الحشیش وأمکن وضع طین یحصل به الستر فقد قطع المصنف (3) والعلامة بوجوبه ، بل ظاهر التذکرة والمنتهی مساواته للورق (4) ، وهو بعید.

قال فی المعتبر : ولو وجد وحلا أو ماءا راکدا بحیث لو نزله ستر عورته لم یجب نزوله لأن فیه ضررا ومشقة (5). وهو کذلک.

ولو أمکن العاری ولوج حفیرة والصلاة فیها قائما بالرکوع والسجود قیل : یجب (6) ، لمرسلة أیوب بن نوح ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « العاری الذی لیس له ثوب إذا وجد حفیرة دخلها فسجد فیها ورکع » (7). وقیل : لا ، استضعافا للروایة ، والتفاتا إلی عدم انصراف لفظ الساتر إلیه.

ومقتضی العبارة الانتقال مع تعذر الستر بالورق إلی الإیماء ، وهو المعتمد.

قوله : ( ومع عدم ما یستر به یصلی عریانا قائما إن کان یأمن أن یراه

ص: 193


1- التهذیب 2 : 365 - 1515 ، الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 1.
2- کما فی مجمع الفائدة والبرهان 2 : 80.
3- المعتبر 2 : 104.
4- التذکرة 1 : 93 ، والمنتهی 1 : 238.
5- المعتبر 2 : 106.
6- کما فی جامع المقاصد 1 : 89.
7- التهذیب 2 : 365 - 1517 ، الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 2.

لم یأمن صلی جالسا ، وفی الحالین یومئ عن الرکوع والسجود.

______________________________________________________

أحد ، وإن لم یأمن صلی جالسا ، وفی الحالین یومئ للرکوع والسجود ).

أجمع العلماء کافة علی أنّ الصلاة لا تسقط مع عدم الساتر ، وإنما اختلفوا فی کیفیة صلاة العاری. فذهب الأکثر إلی أنه یصلی قائما إن أمن المطلع ، وجالسا مع عدمه ، ویومئ فی الحالین للرکوع والسجود. وقال المرتضی رضی الله عنه : یصلی جالسا مومئا وإن أمن (1). وقال ابن إدریس : یصلی قائما مومئا فی الحالین (2). والمعتمد الأول.

لنا : إن فیه جمعا بین ما دل علی وجوب القیام مطلقا کصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، حیث قال فیها : « وإن لم یصب شیئا یستر به عورته أومأ وهو قائم » (3) وما دل علی الجلوس کذلک کحسنة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل خرج من سفینة عریانا ، أو سلب ثیابه ولم یجد شیئا یصلی فیه فقال : « یصلی إیماء ، وإن کانت امرأة جعلت یدها علی فرجها ، وإن کان رجلا وضع یده علی سوأته ثم یجلسان فیومئان إیماء ولا یرکعان ولا یسجدان فیبدو ما خلفهما ، تکون صلاتهما إیماء برؤسهما » (4).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، قال : « یتقدمهم الإمام برکبتیه ویصلی بهم جلوسا وهو جالس » (5) والحکم بالجلوس مع الجماعة یقتضی جوازه مطلقا ، إذ لا یعقل ترک الرکن لتحصیل الفضیلة خاصة.

ویدل علی هذا التفصیل صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن مسکان ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یخرج

ص: 194


1- جمل العلم والعمل : 80.
2- السرائر : 55.
3- المتقدمة فی ص 190.
4- الکافی 3 : 396 - 16 ، التهذیب 2 : 364 - 1512 ، الوسائل 3 : 327 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 6.
5- التهذیب 2 : 365 - 1513 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 1.

______________________________________________________

عریانا فتدرکه الصلاة ، قال : « یصلی عریانا قائما إن لم یره أحد ، فإن رآه أحد صلّی جالسا » (1).

واحتمل المصنف فی المعتبر التخییر بین الأمرین استضعافا للروایة المفصلة (2). وهو حسن وإن کان المشهور أحوط وأولی.

ویجب الإیماء فی الحالین للرکوع والسجود بالرأس إن أمکن وإلا فبالعینین ، وأوجب الشهید فی الذکری الانحناء فیهما بحسب الممکن بحیث لا تبدو معه العورة ، وأن یجعل السجود أخفض محافظة علی الفرق بینه وبین الرکوع ، واحتمل وجوب وضع الأعضاء السبعة فی السجود علی الکیفیة المعتبرة فیه (3). وکل ذلک تقیید للنص من غیر دلیل.

نعم لا یبعد وجوب رفع شی ء یسجد علیه ، لقوله علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن الواردة فی صلاة المریض : « ویضع بوجهه فی الفریضة علی ما أمکنه من شی ء » (4).

وینبغی التنبه لأمور :

الأول : المستفاد من الأخبار (5) وکلام الأصحاب أن الإیماء فی حالتی القیام والجلوس علی وجه واحد فیجعلهما من قیام مع القیام ومن جلوس مع الجلوس. وحکی الشهید فی الذکری عن شیخه السید عمید الدین أنه کان یقوی جلوس القائم لیومئ للسجود جالسا استنادا إلی کونه حینئذ أقرب إلی هیئة الساجد فیدخل تحت « فآتوا منه بما استطعتم » (6). وهو مستند ضعیف ،

ص: 195


1- التهذیب 2 : 365 - 1516 ، الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 3.
2- المعتبر 2 : 105.
3- الذکری : 142.
4- التهذیب 3 : 308 - 952 ، الوسائل 3 : 236 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
5- الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50.
6- الذکری : 142.

______________________________________________________

لأن الواجب والحال هذه الإیماء لا السجود فلا معنی للتکلیف بالإتیان بالممکن منه.

الثانی : لو صلی العاری بغیر إیماء بطلت صلاته ، وکذا لو أتی بالرکوع والسجود ، سواء کان متعمدا أو جاهلا أو ناسیا ، لأن ذلک خلاف فرضه. وربما قیل بالصحة فی الناسی لعدم توجه النهی إلیه ، وهو ضعیف.

الثالث : صرح الشیخ - رحمه الله - فی النهایة بجواز صلاة العاری مع سعة الوقت (1). وقال المرتضی (2) وسلار (3) : یجب أن یؤخرها رجاء لحصول السترة ، ومال فی المعتبر إلی وجوب التأخیر مع ظن تحصیل السترة والتعجیل بدونه (4) ، وهو حسن.

الرابع : یجب شراء الساتر بثمن مثله أو أزید إذا لم یستضر به علی الأقرب ، ولو أعیر وجب القبول إجماعا ، وکذا لو وهب منه علی الأظهر لتمکنه من الستر. ومنعه العلامة فی التذکرة لما فیه من المنة (5) ، وهو ضعیف.

الخامس : لو لم یجد إلا ثوب حریر صلی عاریا ولم یجز له الصلاة فیه ، لتعلق النهی به فکان کالمعدوم. وجوزه العامة ، بل أوجبوه (6) ، لأن ذلک من الضرورات (7).

ولو وجد النجس والحریر واضطر إلی لبس أحدهما فالأقرب (8) لبس

ص: 196


1- النهایة : 55.
2- نقله عنه فی المختلف : 84.
3- المراسم : 76.
4- المعتبر 2 : 108.
5- التذکرة 1 : 94.
6- منهم الشوکانی فی نیل الأوطار 2 : 71.
7- فی « ح » : الضروریات.
8- فی « ح » : فالأقوی.

______________________________________________________

النجس ، لأن مانعه عرضی ، ولورود الأمر بالصلاة فیه مع الضرورة ، وإطلاق النهی عن لبس الحریر.

السادس : لو وجد السترة فی أثناء صلاته فإن أمکنه الستر من غیر فعل المنافی وجب ، ولو توقف علی فعل المنافی کالفعل الکثیر أو الاستدبار بطلت صلاته إن کان الوقت متسعا ولو برکعة وإلا استمر. ویحتمل وجوب الاستمرار مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل وعموم قوله تعالی ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ ) (1).

السابع : الستر یراعی من الجوانب الأربع ومن فوق ، ولا یراعی من تحت ، فلو کان علی طرف سطح تری عورته من تحت أمکن الاکتفاء بذلک ، لأن الستر إنما یلزم من الجوانب التی جرت العادة بالنظر إلیها ، وعدمه ، لأن الستر من تحت إنما لا یراعی إذا کان علی وجه الأرض.

الثامن : لو کان فی الثوب خرق فإن لم یحاذ العورة فلا بحث ، وإن حاذاها بطلت ، ولو جمعه بیده بحیث یتحقق الستر بالثوب صح. ولو وضع یده علیه فالأقرب البطلان إن کان الستر مستندا إلی یده ، لعدم فهم الستر ببعض البدن من إطلاق اللفظ. وکذا لو وضع غیر المصلی یده علیه فی موضع یجوز له الوضع.

التاسع : لیس الستر معتبرا فی صلاة الجنازة ، لأن اسم الصلاة لا یقع علیها إلا بطریق المجاز. وقیل بالوجوب ، لإطلاق الاسم علیها (2) ، وهو ضعیف.

العاشر : تستحب الجماعة للعراة رجالا کانوا أو نساء ، ویصلون صفا واحدا جلوسا یتقدمهم الإمام برکبتیه کما یدل علیه صحیحة ابن سنان (3).

ص: 197


1- محمد ( ص ) : 32.
2- الذکری : 58.
3- التهذیب 2 : 365 - 1513 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 1.

والأمة والصبیّة تصلیان بغیر خمار.

______________________________________________________

قال فی المعتبر : وکیف یصلون؟ فیه قولان ، أحدهما : بالإیماء جمیعا ، اختاره علم الهدی ، والآخر : یومئ الإمام ویرکع من خلفه ویسجد ، اختاره فی النهایة ، وتشهد له روایة إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یتقدمهم إمامهم فیجلس ویجلسون خلفه یومئ الإمام بالرکوع والسجود ویرکعون ویسجدون خلفه علی وجوههم » (1). قال : وهذه حسنة ولا یلتفت إلی من یدعی الإجماع علی خلافها (2).

وأقول : إنّ فی طریق هذه الروایة عبد الله بن جبلة وکان واقفیا ، وإسحاق بن عمار وکان فطحیا ، فلا یحسن وصفها بالحسن ، وما تضمنته من رکوع المأموم وسجوده مشکل جدا بعد الحکم بوجوب الإیماء علی المنفرد (3).

والوجه اطراح الروایة لضعف رجالها ، وقصورها عن معارضة الأخبار السلیمة المتفق علی العمل بمضمونها بین الأصحاب.

قوله : ( والأمة والصبیة تصلیان بغیر خمار ).

المراد أنه لا یجب علیهما ستر رأسهما فی الصلاة ، قال فی المعتبر : وهو إجماع علماء الإسلام عدا الحسن البصری ، فإنه أوجب علی الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه (4).

ویدل علی ذلک مضافا إلی الأصل صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « لیس علی الإماء أن یتقنّعن فی الصلاة » (5) وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : رحمک الله

الأمة والصبیة تصلی بدون خمار

ص: 198


1- التهذیب 2 : 365 - 1514 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 2.
2- المعتبر 2 : 107.
3- فی « ح » زیادة : إذ لا فرق بینه وبین المنفرد.
4- المعتبر 2 : 103.
5- التهذیب 2 : 217 - 854 ، الوسائل 3 : 297 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 2.

______________________________________________________

الأمة تغطی رأسها إذا صلت ، قال : « لیس علی الأمة قناع » (1).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی الأمة بین القن والمدبّرة وأم الولد والمکاتبة المشروطة والمطلقة التی لم تؤد شیئا.

ویحتمل إلحاق أم الولد مع حیاة ولدها بالحرة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : الأمة تغطی رأسها؟ فقال : « لا ، ولا علی أم الولد أن تغطی رأسها إذا لم یکن لها ولد » (2) وهو یدل بمفهومه علی وجوب تغطیة الرأس مع الولد ، ومفهوم الشرط حجة کما حقق فی محله. ویمکن حمله علی الاستحباب إلا أنه یتوقف علی وجود المعارض.

وهل یستحب للأمة القناع؟ أثبته فی المعتبر لما فیه من الستر والحیاء ، واعترف بعدم ورود نص فیه (3). والأظهر العدم ، لعدم ثبوت ما یقتضیه ، ولما رواه أحمد بن محمد بن خالد البرقی فی کتاب المحاسن بإسناده إلی حماد اللحام ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المملوکة تقنّع رأسها إذا صلت؟ قال : « لا ، قد کان أبی إذا رأی الخادم تصلی مقنّعة ضربها لتعرف الحرة من المملوکة » (4).

ویجب علی الأمة ستر ما عدا الرأس مما یجب ستره علی الحرة ، تمسکا بعموم الأدلة. والأقرب تبعیة العنق للرأس لأنه المستفاد من نفی وجوب التقنّع علیهن ، ولعسر ستره من دون الرأس.

ص: 199


1- الکافی 3 : 394 - 2 ، التهذیب 2 : 217 - 855 ، الوسائل 3 : 297 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 1.
2- التهذیب 2 : 218 - 859 ، الإستبصار 1 : 390 - 1483 ، الوسائل 3 : 297 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 4.
3- المعتبر 2 : 103.
4- المحاسن : 318 - 45 ، الوسائل 3 : 298 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 9.

فإن أعتقت فی أثناء الصلاة وجب علیها ستر رأسها ، فإن افتقرت إلی فعل کثیر استأنفت. وکذا الصبیّة إذا بلغت فی أثناء الصلاة بما لا یبطلها.

______________________________________________________

قوله : ( وإن أعتقت الأمة فی أثناء الصلاة وجب علیها ستر رأسها ).

لصیرورتها حرة فیثبت لها أحکامها. ولو أعتق بعضها فکذلک ، لخروجها عن کونها أمة. وقال بعض العامة : لا یجب علی المبعّضة الستر (1) ، لأنه من أمارات الحریة وعلامات الکمال ، وهی قاصرة عن ذلک. وهو معلوم البطلان.

قوله : ( فإن افتقرت إلی فعل کثیر استأنفت ).

الأصح أنّ الاستیناف إنما یثبت إذا أدرکت بعد القطع رکعة فی الوقت وإلا وجب الاستمرار ، لأن الستر شرط مع القدرة علیه فی الوقت لا مطلقا. وقال الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف : تستمر المعتقة ، وأطلق (2) ، لأن دخولها کان مشروعا والصلاة علی ما افتتحت علیه ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (3) ، ولا یخلو من قوة ، لأن الستر إنما ثبت وجوبه إذا توجه التکلیف به قبل الشروع فی الصلاة لا مطلقا.

قوله : ( وکذا الصبیة إذا بلغت فی أثناء الصلاة بما لا یبطلها ).

أی یجب علیها الستر ، فإن افتقر إلی فعل کثیر استأنفت. ولا یخفی أنّ الحکم بالاستمرار مع عدم الافتقار إلی الفعل الکثیر مناف لما سبق فی باب المواقیت من بطلان صلاة الصبی المتطوع بالبلوغ فی أثنائها بغیر المبطل. والأصح الاستئناف هنا مطلقا إلا أن یقصر الباقی من الوقت عن قدر الطهارة ورکعة فتستمر.

ص: 200


1- کما فی الإنصاف 1 : 454.
2- الخلاف 1 : 140.
3- المعتبر 2 : 103.

الثامنة : تکره الصلاة فی الثیاب السود ما عدا العمامة والخف ،

______________________________________________________

قوله : ( الثامنة ، تکره الصلاة فی الثیاب السود ، عدا العمامة والخف ).

یدل علی ذلک ما رواه الکلینی عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یکره السواد إلا فی ثلاثة : الخف والعمامة والکساء » (1).

وتتأکد الکراهة فی القلنسوة السوداء ، لما رواه الشیخ وابن بابویه ، عن الصادق علیه السلام : إنه سئل عن الصلاة فیها فقال : « لا تصل فیها فإنها لباس أهل النار » (2).

وظاهر العبارة عدم کراهة ما عدا السواد من الألوان ، وقال فی المعتبر : یکره للرجال الصلاة فی المزعفر والمعصفر والأحمر (3) ، لروایة عبد الله بن المغیرة ، عمن حدثه ، عن یزید بن خلیفة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه کره الصلاة فی المشبع بالعصفر (4) ، والمصرج بالزعفران (5).

وروایة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تکره الصلاة فی الثوب المصبوغ المشبع المفدم » (6) والمفدم بکسر الدال : المصبوغ بالحمرة المشبع ، قاله الجوهری (7).

ومقتضی الروایتین کراهة المشبع من هذه الألوان خاصة. ونقل عن

ما یکره الصلاة فیه من اللباس

ص: 201


1- الکافی 3 : 403 - 29 ، الوسائل 3 : 278 أبواب لباس المصلی ب 19 ح 1.
2- الفقیه 1 : 162 - 765 ، التهذیب 2 : 213 - 836 ، الوسائل 3 : 280 أبواب لباس المصلی ب 20 ح 1.
3- المعتبر 2 : 94.
4- العصفر بالضم : نبات أصفر اللون یصبغ به.
5- التهذیب 2 : 373 - 1550 ، الوسائل 3 : 336 أبواب لباس المصلی ب 59 ح 3.
6- الکافی 3 : 402 - 22 ، التهذیب 2 : 373 - 1549 ، الوسائل 3 : 336 أبواب لباس المصلی ب 59 ح 2.
7- الصحاح 5 : 2001.

وفی ثوب واحد رقیق للرجال ، فإن حکی ما تحته لم یجز. ویکره أن یأتزر فوق القمیص ،

______________________________________________________

الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (1) ، وابن الجنید (2) ، وابن إدریس (3) ، القول بکراهة الصلاة فی الثیاب المفدمة بلون من الألوان ، أی المشبعة بالصبغ. قال الجوهری : ویقال صبغ مفدم أی خاثر مشبع (4). ویدل علیه روایة حماد المتقدمة إن لم یخصص لفظ المفدم بالأحمر کما هو أحد الإطلاقین. وهذه الروایات کلها قاصرة من حیث السند إلا أنّ المقام مقام کراهة وتنزیه فلا یضر فیه ضعف السند.

قوله : ( وفی ثوب واحد رقیق للرجال ، فإن حکی ما تحته لم یجز ).

المراد حکایة اللون خاصة ، لا الحجم کما صرح به فی المعتبر (5) ، وإنما کرهت الصلاة فی الثوب الرقیق غیر الحاکی تحصیلا لکمال الستر والتفاتا إلی مفهوم قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم. وقد سأله عن الصلاة فی القمیص الواحد : « إذا کان کثیفا فلا بأس به » (6).

ومقتضی النص وکلام الأصحاب أنّ الثوب إذا کان کثیفا لا تکره الصلاة فیه وحده ، وهو کذلک ، بل الظاهر عدم کراهة ترک الرداء معه للإمام کما یدل علیه قول أبی جعفر علیه السلام - لمّا أمّ أصحابه فی قمیص بغیر رداء وسألوه عن ذلک - : « إنّ قمیصی کثیف فهو یجزی أن لا یکون علیّ إزار ولا رداء » (7).

قوله : ( ویکره أن یأتزر فوق القمیص ).

ص: 202


1- نقله عنه فی الذکری : 147.
2- نقله عنه فی المختلف : 80.
3- السرائر : 56.
4- الصحاح 5 : 2001.
5- المعتبر 2 : 95.
6- الکافی 3 : 394 - 2 ، التهذیب 2 : 217 - 855 ، الوسائل 3 : 281 أبواب لباس المصلی ب 21 ح 1.
7- التهذیب 2 : 280 - 1113 ، الوسائل 3 : 284 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 7.

______________________________________________________

هذا الحکم ذکره المفید - رحمه الله - فی المقنعة (1) وجمع من الأصحاب (2).

واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن محمد بن إسماعیل ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهم علیهم السلام ، قال : « الارتداء فوق التوشح فی الصلاة مکروه ، والتوشح فوق القمیص مکروه » (3) وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا ینبغی أن تتوشح بإزار فوق القمیص إذا أنت صلیت ، فإنه من زیّ الجاهلیة » (4).

وهو استدلال ضعیف فإن مقتضی الروایتین مع ضعف سندهما کراهة التوشح فوق القمیص وهو خلاف الائتزار ، قال الجوهری : یقال توشح الرجل بثوبه وسیفه إذا تقلد بهما (5). ونقل عن بعض أهل اللغة أنّ التوشح بالثوب هو إدخاله تحت الید الیمنی وإلقاؤه علی المنکب الأیسر کما یفعل المحرم (6).

والأصح عدم کراهة الائتزار فوق القمیص کما اختاره فی المعتبر (7) ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن موسی بن القاسم البجلی ، قال : رأیت أبا جعفر الثانی علیه السلام یصلی فی قمیص قد ائتزر فوقه بمندیل وهو یصلی (8).

وفی الصحیح عن موسی بن عمر بن بزیع قال ، قلت للرضا

ص: 203


1- المقنعة : 25.
2- منهم ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة : 672 ).
3- التهذیب 2 : 214 - 839 ، الإستبصار 1 : 387 - 1472 ، الوسائل 3 : 288 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 3 ، إلا أن فیه : عن أحدهما.
4- الکافی 3 : 395 - 7 التهذیب 2 : 214 - 840 ، الإستبصار 1 : 388 - 1473 ، الوسائل 3 : 287 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 1.
5- الصحاح 1 : 415.
6- منهم ابن منظور فی لسان العرب 2 : 633.
7- المعتبر 2 : 96.
8- التهذیب 2 : 215 - 843 ، الإستبصار 1 : 388 - 1476 ، الوسائل 3 : 288 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 6.

وأن یشتمل الصمّاء ،

______________________________________________________

علیه السلام : أشد الإزار والمندیل فوق قمیصی فی الصلاة فقال : « لا بأس به » (1).

أما شد المئزر تحت القمیص فغیر مکروه إجماعا ، ولا یبعد عدم کراهة التوشح أیضا لما رواه حماد بن عیسی فی الحسن ، قال : کتب الحسن بن علی بن یقطین إلی العبد الصالح علیه السلام : هل یصلی الرجل الصلاة وعلیه إزار متوشح به فوق القمیص؟ فکتب : « نعم » (2).

قال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه - بعد أن روی الکراهة - : وقد رویت رخصة فی التوشح بالإزار فوق القمیص عن العبد الصالح علیه السلام ، وعن أبی الحسن الثالث علیه السلام ، وعن أبی جعفر الثانی علیه السلام وبها آخذ وأفتی (3).

قوله : ( وأن یشتمل الصماء ).

أجمع العلماء کافة علی کراهة اشتمال الصماء ، واختلفوا فی تفسیره ، فقال فی القاموس : اشتمال الصماء أن یردّ الکساء من قبل یمینه علی یده الیسری وعاتقه الأیسر ، ثم یردّه ثانیة من خلفه علی یدیه الیمنی وعاتقه الأیمن فیغطیهما جمیعا ، أو أن یشتمل بثوب واحد لیس علیه غیره ثم یرفعه من أحد جانبیه فیضعه علی منکبه فیبدو منه فرجة (4) ، وهذا هو المنقول عن أبی عبید (5).

قال الهروی فی الغریبین : من فسّره بما قاله أبو عبید فکراهته للتکشف وإبداء العورة ، ومن فسّره بتفسیر أهل اللغة فإنه کره أن یتزمل به شاملا جسده

ص: 204


1- الفقیه 1 : 166 - 780 ، التهذیب 2 : 214 - 842 ، الإستبصار 1 : 388 - 1475 ، الوسائل 3 : 288 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 5 بتفاوت.
2- التهذیب 2 : 215 - 844 ، الإستبصار 1 : 388 - 1477 ، الوسائل 3 : 288 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 7.
3- الفقیه 1 : 169.
4- القاموس المحیط 4 : 142.
5- کما فی لسان العرب 12 : 346 ، والصحاح 5 : 1968.

أو یصلی فی عمامة لا حنک لها.

______________________________________________________

مخافة أن یدفع منها إلی حالة سادّة لنفسه فیهلک (1). قال القتیبی : وإنما قیل صماء لأنه إذا اشتمل به سدّ علی یدیه ورجلیه المنافذ کلها کالصخرة الصماء.

والأولی الاعتماد فی ذلک علی ما رواه زرارة فی الصحیح قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إیاک والتحاف الصماء » قلت : وما التحاف الصماء؟ قال : « أن تدخل الثوب من تحت جناحک فتجعله علی منکب واحد » (2) وبمضمونها أفتی الشیخ فی المبسوط (3) ، والمصنف فی المعتبر (4) ، وتتحقق الکراهة وإن کان تحته غیره لعموم النهی.

قوله : ( أو یصلی فی عمامة لا حنک لها ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (5). والمستفاد من الأخبار کراهة ترک الحنک فی حالة الصلاة وغیرها ، فروی الشیخ فی الحسن عن ابن أبی عمیر ، عمن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من تعمم ولم یتحنک فأصابه داء لا دواء له فلا یلومن إلا نفسه » (6).

وعن عیسی بن حمزة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من اعتم ولم یدر العمامة تحت حنکه فأصابه ألم لا دواء له فلا یلومن إلا نفسه » (7).

وروی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه فی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من خرج فی سفر فلم یدر العمامة تحت

ص: 205


1- نقله عنه فی الذکری : 148.
2- الکافی 3 : 394 - 4 ، الفقیه 1 : 168 - 792 ، التهذیب 2 : 214 - 841 ، الإستبصار 1 : 388 - 1474 ، الوسائل 3 : 289 أبواب لباس المصلی ب 25 ح 1.
3- المبسوط 1 : 83.
4- المعتبر 2 : 97.
5- المعتبر 2 : 97.
6- التهذیب 2 : 215 - 846 ، الوسائل 3 : 291 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 1.
7- الکافی 6 : 461 - 7 ، التهذیب 2 : 215 - 847 ، المحاسن : 378 - 157 ، الوسائل 3 : 291 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 2.

______________________________________________________

حنکه فأصابه ألم لا دواء له فلا یلومن إلا نفسه » (1).

وروی أیضا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « ضمنت لمن خرج من بیته معتما [ تحت حنکه ] (2) أن یرجع إلیهم سالما » (3).

وقال علیه السلام : « إنی لأعجب ممن یأخذ فی حاجة وهو علی وضوء کیف لا تقضی حاجته ، وإنی لأعجب ممن یأخذ فی حاجة وهو معتم تحت حنکه کیف لا تقضی حاجته » (4).

وروی أیضا عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « الفرق بین المسلمین والمشرکین التلحی بالعمامة » (5).

ثم قال رحمه الله : وذلک فی أول الإسلام وابتدائه ، وقد نقل عنه صلی الله علیه و آله أهل الخلاف أیضا أنه أمر بالتلحی ونهی عن الاقتعاط. والمراد بالتلحی : تطویق العمامة تحت الحنک ، والاقتعاط : شد العمامة علی الرأس من غیر إدارة تحت الحنک علی ما نص علیه جماعة من أهل اللغة منهم الجوهری (6) وغیره (7).

قال ابن بابویه فی کتابه : وسمعت مشایخنا - رضی الله عنهم - یقولون : لا تجوز الصلاة فی الطابقیة (8) ولا یجوز للمعتم أن یصلی إلا وهو متحنک (9).

ص: 206


1- الفقیه 1 : 173 - 814 ، الوسائل 3 : 292 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 5.
2- أثبتناه من المصدر.
3- الفقیه 1 : 173 - 815 ، الوسائل 3 : 292 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 6.
4- الفقیه 1 : 173 - 816 ، الوسائل 1 : 262 أبواب الوضوء ب 6 ح 2 وذکر ذیله فی الوسائل 3 : 292 أبواب لباس المصلی ب 27 ح 7.
5- الفقیه 1 : 173 - 817 ، الوسائل 3 : 292 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 8.
6- الصحاح 3 : 1154.
7- کالفیروزآبادی فی القاموس المحیط 2 : 395.
8- الطابقیة : العمامة التی لا حنک لها - مجمع البحرین 5 : 204.
9- الفقیه 1 : 172.

ویکره اللثام للرجل والنقاب للمرأة ، وإن منع القراءة حرم.

______________________________________________________

ولا ریب فی ضعف هذا القول. وحکی عنه العلامة فی المختلف (1) ومن تأخر عنه (2) القول بذلک ، وهو غیر جید.

والمراد بالتحنک إدارة جزء من العمامة تحت الحنک سواء کان طرف العمامة أو وسطها ، وفی تأدی السنة بإدارة غیرها وجهان ، أظهرهما العدم ، لمخالفته للمعهود ونص الشارع وأهل اللغة.

قوله : ( ویکره اللثام للرجل والنقاب للمرأة ، وإن منع القراءة حرم ).

لا ریب فی تحریمهما إذا منعا القراءة أو غیرها من الأذکار الواجبة ، والمشهور الکراهة بدون ذلک ، لصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أیصلی الرجل وهو متلثم؟ فقال : « أما علی الأرض فلا ، وأما علی الدابة فلا بأس » (3).

وروایة سماعة ، قال : سألته عن الرجل یصلی فیتلو القرآن وهو متلثم فقال : « لا بأس به ، وإن کشف عن فیه فهو أفضل » قال : وسألته عن المرأة تصلی متنقبة ، قال : « إذا کشفت عن موضع السجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل » (4).

وأطلق المفید فی المقنعة المنع من اللثام للرجل (5) ، قال فی المعتبر (6) : والظاهر أنه یرید الکراهة ، لما رواه الحلبی فی الصحیح ، قال : سألت

ص: 207


1- المختلف : 83.
2- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 90 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 210.
3- الکافی 3 : 408 - 1 ، التهذیب 2 : 229 - 900 ، الإستبصار 1 : 397 - 1516 ، الوسائل 3 : 306 أبواب لباس المصلی ب 35 ح 1.
4- التهذیب 2 : 230 - 904 ، الوسائل 3 : 307 أبواب لباس المصلی ب 35 ح 6.
5- المقنعة : 25.
6- المعتبر 2 : 99.

وتکره الصلاة فی قباء مشدود ، إلا فی الحرب ، وأن یؤمّ بغیر رداء ،

______________________________________________________

أبا عبد الله علیه السلام ، هل یقرأ الرجل فی صلاته وثوبه علی فیه؟ فقال : « لا بأس بذلک إذا سمع الهمهمة » (1).

ویستفاد من هذه الروایة تحریم اللثام إذا منع سماع القراءة ، وبه أفتی المصنف فی المعتبر (2) ، والعلامة فی التذکرة (3) ، وهو حسن.

قوله : ( وتکره الصلاة فی قباء مشدود ، إلا فی الحرب ).

هذا الحکم مشهور بین الأصحاب ولم أقف له علی مستند. وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : ولا یجوز لأحد أن یصلی وعلیه قباء مشدود إلا أن یکون فی الحرب فلا یتمکن من أن یحله فیجوز ذلک للاضطرار (4). قال الشیخ فی التهذیب بعد نقل هذه العبارة : ذکر ذلک علی بن الحسین بن بابویه ، وسمعناه من الشیوخ مذاکرة ، ولم أعرف به خبرا مسندا (5). وحاول الشهید فی الذکری (6) الاستدلال علیه بما رواه العامة عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لا یصلی أحدکم وهو متحزم » (7) وهو فاسد لأنّ شد القباء غیر التحزم.

قوله : ( وأن یؤم بغیر رداء ).

الرداء : الثوب الذی یجعل علی المنکبین. وقال الجوهری : الرداء الذی

ص: 208


1- الکافی 3 : 315 - 15 ، التهذیب 2 : 229 - 903 ، الإستبصار 1 : 398 - 1519 ، الوسائل 3 : 307 أبواب لباس المصلی ب 35 ح 3 ورواه فی الفقیه 1 : 173 - 818 عن الحلبی وعبد الله بن سنان.
2- المعتبر 2 : 99.
3- التذکرة 1 : 98.
4- المقنعة : 25.
5- التهذیب 2 : 232.
6- الذکری : 148.
7- مسند أحمد 2 : 458 بتفاوت.

______________________________________________________

یلبس (1). وفی القاموس : إنه ملحفة (2). وهذا الحکم - أعنی کراهة الإمامة بغیر رداء - مشهور بین الأصحاب ، واحتجوا علیه (3) بصحیحة سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أمّ قوما فی قمیص لیس علیه رداء ، قال : « لا ینبغی إلا أن یکون علیه رداء أو عمامة یرتدی بها » (4) وهی إنما تدل علی کراهة الإمامة بدون الرداء فی القمیص وحده لا مطلقا ، ویؤکد هذا الاختصاص قول أبی جعفر علیه السلام لما أمّ أصحابه فی قمیص بغیر رداء : « إنّ قمیصی کثیف ، فهو یجزی أن لا یکون علیّ إزار ولا رداء » (5).

قال جدی قدس سره : وکما یستحب الرداء للإمام یستحب لغیره من المصلین ، وإن کان للإمام آکد (6) ، واحتج علیه بتعلیق الحکم علی مطلق المصلی فی عدة أخبار ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « أدنی ما یجزیک أن تصلی فیه بقدر ما یکون علی منکبیک مثل جناحی الخطاف » (7).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل لیس معه إلا سراویل فقال : « یحل التکة منه فیضعها علی عاتقه ویصلی ، وإن کان معه سیف ولیس معه ثوب فلیتقلد السیف ویصلی قائما » (8).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : « إذا

ص: 209


1- الصحاح 6 : 2355.
2- القاموس المحیط 4 : 335.
3- کما فی المعتبر 2 : 97.
4- الکافی 3 : 394 - 3 ، التهذیب 2 : 366 - 1521 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 1.
5- التهذیب 2 : 280 - 1113 ، الوسائل 3 : 284 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 7.
6- روض الجنان : 211.
7- الفقیه 1 : 166 - 783 ، الوسائل 3 : 330 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 6.
8- الفقیه 1 : 166 - 782 ، التهذیب 2 : 366 - 1519 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلّی ب 53 ح 3.

وأن یصحب شیئا من الحدید بارزا ،

______________________________________________________

لبس السراویل فلیجعل علی عاتقه شیئا ولو حبلا » (1).

ولا یخفی ما فی هذا الاستدلال من الضعف ، لاختصاص الروایتین الأخیرتین بالعاری ، وعدم ذکر الرداء فی الروایة الأولی ، بل أقصی ما تدل علیه استحباب ستر المنکبین ، سواء کان بالرداء أم بغیره.

وبالجملة فالأصل فی هذا الباب روایة سلیمان بن خالد ، وهی إنما تدل علی کراهة الإمامة بدون الرداء فی القمیص وحده ، فإثبات ما زاد علی ذلک یحتاج إلی دلیل.

وینبغی الرجوع فی الرداء إلی ما یصدق علیه الاسم عرفا ، وإنما تقوم التکة ونحوها مقامه مع الضرورة کما تدل علیه روایة ابن سنان. أما ما اشتهر فی زماننا من إقامة غیره مقامه مطلقا فلا یبعد أن یکون تشریعا.

قوله : ( وأن یصحب شیئا من الحدید بارزا ).

ما اختاره المصنف من کراهة استصحاب الحدید البارز فی الصلاة قول أکثر الأصحاب ، وقال الشیخ فی النهایة : ولا تجوز الصلاة إذا کان مع الإنسان شی ء من حدید مشتهر مثل السکین والسیف ، وإن کان فی غمد أو قراب فلا بأس بذلک (2). والمعتمد الکراهة.

لنا : علی الجواز الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا یتقید إلا بدلیل ، وعلی الکراهة ما رواه الشیخ ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لا یصلی الرجل وفی یده خاتم حدید » (3).

ص: 210


1- الکافی 3 : 393 - 1 ، التهذیب 2 : 216 - 852 ، الوسائل 3 : 283 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 2.
2- النهایة : 98.
3- التهذیب 2 : 227 - 895 ، الوسائل 3 : 303 أبواب لباس المصلی ب 32 ح 1.

وفی ثوب یتهم صاحبه.

______________________________________________________

وعن موسی بن أکیل النمیری (1) ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الحدید أنه حلیة أهل النار ، قال : « وجعل الحدید فی الدنیا زینة الجن والشیاطین ، فحرم علی الرجل المسلم أن یلبسه فی الصلاة إلا أن یکون فی قتال عدو فلا بأس به ، ولا بأس بالسیف وکل آلة السلاح فی الحرب ، وفی غیر ذلک لا تجوز الصلاة فی شی ء من الحدید فإنه نجس ممسوخ » (2) والمراد بالنجاسة هنا : الاستخباث وکراهة استصحابه فی الصلاة کما ذکره فی المعتبر (3) ، لأنه لیس بنجس بإجماع الطوائف.

قال المصنف رحمه الله : وتسقط الکراهة مع ستره ، وقوفا بالکراهة علی موضع الاتفاق ممن کرهه (4). وهو حسن ، ویدل علیه ما رواه الشیخ ، عن عمار الساباطی : « أنّ الحدید إذا کان فی غلاف فلا بأس بالصلاة فیه » (5) بل ویمکن القول بانتفاء الکراهة مطلقا لضعف المستند.

قوله : ( وفی ثوب یتهم صاحبه ).

أی بعدم التوقی من النجاسات ، کما صرح به فی المعتبر (6). وإنما کرهت الصلاة فی ثوب المتهم بالنجاسة احتیاطا للصلاة ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبی أبا عبد الله علیه السلام عن الذی یعیر ثوبه لمن یعلم أنه یأکل الجرّی ویشرب الخمر فیرده ، أیصلی فیه قبل أن یغسله؟ قال : « لا یصلی فیه حتی یغسله » (7).

قال الشیخ رحمه الله : هذا الخبر محمول علی الاستحباب ، لأن الأصل فی

ص: 211


1- فی « ح » : النمری.
2- التهذیب 2 : 227 - 894 ، الوسائل 3 : 304 أبواب لباس المصلی ب 32 ح 6.
3- المعتبر 2 : 98.
4- المعتبر 2 : 98.
5- التهذیب 2 : 227.
6- المعتبر 2 : 98.
7- التهذیب 2 : 361 - 1494 ، الإستبصار 1 : 393 - 1498 ، الوسائل 2 : 1095 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.

وأن تصلی المرأة فی خلخال له صوت.

______________________________________________________

الأشیاء کلها الطهارة. ولا یجب غسل شی ء من الثیاب إلا بعد العلم بأن فیها نجاسة (1). ثم استدل علی ذلک بما رواه فی الصحیح أیضا ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبی عبد الله علیه السلام وأنا حاضر : إنی أعیر الذمی ثوبی وأنا أعلم أنه یشرب الخمر ویأکل لحکم الخنزیر ، فیرده علیّ فأغسله قبل أن أصلی فیه؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام : « صل فیه ولا تغسله من أجل ذلک فإنک أعرته إیاه وهو طاهر ولم تستیقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلی فیه حتی تستیقن أنه نجّسه » (2).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الثیاب السابریة یعملها المجوس وهم أخباث یشربون الخمر ونساؤهم علی تلک الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلی فیها؟ قال : « نعم » قال معاویة : فقطعت له قمیصا وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من السابری ثم بعثت بها إلیه فی یوم جمعة حین ارتفع النهار ، فکأنه عرف ما أرید فخرج فیها إلی الجمعة (3).

وفی الصحیح عن عبید الله بن علی الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی ثوب المجوسی ، قال : « یرش بالماء » (4).

قوله : ( وأن تصلی المرأة فی خلخال له صوت ).

احترز به عن الأصم فإنه لا تکره الصلاة فیه. ویدل علی الحکمین معا ما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام أنه سأله عن الخلاخل ، هل یصلح لبسها للنساء والصبیان؟ قال : « إن کانت صما فلا بأس ، وإن کان لها صوت فلا یصلح » (5).

ص: 212


1- التهذیب 2 : 361.
2- التهذیب 2 : 361 - 1495 ، الإستبصار 1 : 392 - 1497 ، الوسائل 2 : 1095 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.
3- التهذیب 2 : 362 - 1497 ، الوسائل 2 : 1093 أبواب النجاسات ب 73 ح 1.
4- التهذیب 2 : 362 - 1498 ، الوسائل 2 : 1093 أبواب النجاسات ب 73 ح 3.
5- الکافی 3 : 404 - 33 ، الفقیه 1 : 164 - 775 ، الوسائل 3 : 338 أبواب لباس المصلی ب 62 ح 1.

وتکره الصلاة فی ثوب فیه تماثیل ، أو خاتم فیه صورة.

______________________________________________________

وقال ابن البراج : لا تصح الصلاة فی خلاخل النساء إذا کان لها صوت (1). والروایة قاصرة عن إفادة التحریم.

قوله : ( وتکره الصلاة فی ثوب فیه تماثیل ، أو خاتم فیه صورة ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین مثال الحیوان وغیره کصور الشجر والنبات ، وبه صرح فی المختلف (2) ، وأسنده إلی الأصحاب ، واستدل علیه بإطلاق الأخبار کصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع : أنه سأل الرضا علیه السلام عن الثوب المعلم ، فکره ما فیه التماثیل (3).

وموثقة عمار بن موسی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی ثوب فی علمه مثال طیر أو غیر ذلک ، قال : « لا » وعن الرجل یلبس الخاتم فیه نقش مثال الطیر أو غیر ذلک ، قال : « لا تجوز الصلاة فیه » (4).

وخص ابن إدریس الکراهة بصور الحیوان (5). وقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط : والثوب إذا کان فیه تمثال وصورة لا تجوز الصلاة فیه (6). وهما ضعیفان.

ولو کانت الصور مستورة خفّت الکراهة ، لما رواه حماد بن عثمان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الدراهم السود التی فیها التماثیل أیصلی الرجل وهی معه؟ قال : « لا بأس إذا کانت مواراة » (7).

ص: 213


1- المهذب 1 : 75.
2- المختلف : 81.
3- الفقیه 1 : 172 - 810 ، الوسائل 3 : 318 أبواب لباس المصلی ب 45 ح 4.
4- الفقیه 1 : 165 - 776 ، التهذیب 2 : 372 - 1548 ، الوسائل 3 : 320 أبواب لباس المصلی ب 45 ح 15.
5- السرائر : 56.
6- المبسوط 1 : 83.
7- الکافی 3 : 402 - 20 ، التهذیب 2 : 364 - 1508 ، الوسائل 3 : 319 أبواب لباس المصلی ب 45 ح 8.

______________________________________________________

وترتفع الکراهة بتغییر الصورة (1) ، لصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا بأس أن تکون التماثیل فی الثوب إذا غیرت الصورة منه » (2).

ص: 214


1- تغییر الصورة بقطع عضو منه أو تشویهه.
2- التهذیب 2 : 363 - 1503 ، الوسائل 3 : 320 أبواب لباس المصلی ب 45 ح 13.

المقدمة الخامسة

فی مکان المصلی

الصلاة فی الأماکن کلّها جائزة ، بشرط أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ، والإذن قد تکون بعوض کالأجرة وشبهها ، وبالإباحة. وهی إما صریحة کقوله : صلّ فیه ، أو بالفحوی کإذنه فی الکون فیه ، أو بشاهد الحال کما إذا کان هناک إمارة تشهد أن المالک لا یکره.

______________________________________________________

قوله : ( المقدمة الخامسة : فی مکان المصلی ).

عرّف المحقق الشیخ فخر الدین فی شرح القواعد المکان الذی تعتبر إباحته بأنه ما یستقر علیه المصلی ولو بوسائط ، وما یلاقی بدنه وثیابه ، وما یتخلل بین مواضع الملاقاة من موضع الصلاة کما یلاقی مساجده ویحاذی بطنه وصدره (1). ویشکل بأنه یقتضی بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب ، وکذا واضع الثوب المغصوب الذی لا هواء له بین الرکبتین والجبهة ، وهو غیر واضح.

والأجود فی تعریفه باعتبار الإباحة : أنه الفراغ الذی یشغله بدن المصلی أو یستقر علیه ولو بوسائط.

وباعتبار الطهارة : بما یلاقی بدن المصلی أو ثوبه کما سیجی ء بیانه إنشاء الله تعالی.

قوله : ( الصلاة فی الأماکن کلها جائزة ، بشرط أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ، والإذن قد تکون بعوض کالأجرة وشبهها ، وبالإباحة وهی إما صریحة کقوله : صل فیه ، أو بالفحوی کإذنه فی الکون فیه ، أو بشاهد الحال کما إذا کان هناک إمارة تشهد أن المالک لا یکره ).

مکان المصلی

اشتراط الإباحة فی مکان المصلی

ص: 215


1- إیضاح الفوائد 1 : 86.

______________________________________________________

أجمع العلماء کافة علی جواز الصلاة فی الأماکن کلها إذا کانت مملوکة أو مأذونا فیها. وینبغی أن یراد بالمملوک : مملوک المنفعة إما منفردة أو مع ملک العین ، فیندرج فیه مملوک العین والمنفعة ، والمستأجر ، والموصی بمنفعته ، والمحبس ، والمسکون. وبالمأذون فیه : الأعم من المأذون فیه خصوصا أو عموما ، منطوقا أو مفهوما أو بشاهد الحال.

وبالجملة فالمعتبر فی غیر المباح والمملوک للمصلی علمه برضاء المالک ، سواء کان الدال علی الرضا لفظا أو غیره.

وفی عبارة المصنف نظر من وجوه :

الأول : أنه جعل المستأجر من أقسام المأذون فیه الذی هو قسیم للمملوک ، وهو غیر جید ، لأن الإجارة تقتضی ملک المنفعة ، فکان الأولی إدراج المستأجر فی المملوک کما فعله غیره من الأصحاب.

الثانی : تمثیله - رحمه الله - للفحوی بالإذن فی الکون غیر واضح ، إذ المعهود من اصطلاحهم أنّ دلالة الفحوی هی مفهوم الموافقة ، وهو التنبیه بالأدنی علی الأعلی ، أی کون الحکم فی غیر المذکور أولی منه فی المذکور. باعتبار المعنی المناسب المقصود من الحکم ، کالإکرام (1) فی منع التأفیف. وقد مثل له هنا بإدخال الضیف فی المنزل للضیافة ، وهو إنما یتم مع ظهور المعنی المناسب المقصود من الإدخال وکونه فی غیر المذکور وهو الصلاة مثلا أتم منه فی المذکور.

الثالث : اکتفاؤه - رحمه الله - فی شاهد الحال بأن تکون هناک أمارة تشهد أنّ المالک لا یکره ، غیر مستقیم ، لأن الأمارة تصدق علی ما یفید الظن أو منحصرة فیه ، وهو غیر کاف هنا ، بل لا بد من إفادتها العلم کما بیناه.

ولا یقدح فی جواز الصلاة فی المکان بشاهد الحال جهالة المالک إن فرض

ص: 216


1- فی « س » : کالإلزام.

والمکان المغصوب لا تصحّ الصلاة فیه للغاصب ، ولا لغیره ممن علم الغصب ، فإن صلی عامدا عالما کانت صلاته باطلة.

______________________________________________________

العلم برضاه مع عدم تعینه ، بل قیل : إنه لا یقدح فی الجواز کون المکان لمولّی علیه (1) ، وهو کذلک ، إذ المفروض عدم تخیل ضرر بذلک التصرف عاجلا أو آجلا بحیث یسوغ للولی الإذن فیه ، ومتی ثبت جواز الإذن من الولی وجب الاکتفاء بإفادة القرائن الیقین برضاه ، کما لو کان المال لمکلف.

قوله : ( والمکان المغصوب لا تصح فیه الصلاة للغاصب ، ولا لغیره ممن علم بالغصب ، فإن صلی کانت صلاته باطلة ).

أجمع العلماء کافة علی تحریم الصلاة فی المکان المغصوب مع الاختیار. وأطبق علماؤنا علی بطلانها أیضا ، لأن الحرکات والسکنات الواقعة فی المکان المغصوب منهی عنها کما هو المفروض فلا یکون مأمورا بها ، ضرورة استحالة کون الشی ء الواحد مأمورا به ومنهیا عنه. وخالف فی ذلک أکثر العامة (2) ، فحکموا بصحتها بناء علی جواز کون الشی ء الواحد مأمورا به ومنهیا عنه ، واستدلوا علیه بأن السید إذا أمر عبده بخیاطة ثوب ونهاه عن الکون فی مکان مخصوص ثم خاطه فی ذلک المکان فإنه یکون مطیعا عاصیا لجهتی الأمر بالخیاطة والنهی عن الکون.

وجوابه أنّ المأمور به فی هذا المثال غیر المنهی عنه ، إذ المأمور به الخیاطة ، والمنهی عنه الکون ، وأحدهما غیر الآخر ، بخلاف الصلاة الواقعة فی المکان المغصوب فإن متعلق الأمر والنهی فیها واحد ، وهو الحرکات والسکنات المخصوصة.

فإن قلت : الکون فی الخیاطة واجب من باب المقدمة ، فإذا تعلق به النهی اجتمع الواجب والحرام فی الشی ء الواحد وهو الذی أنکرتموه.

ص: 217


1- کما فی الذکری : 150.
2- نقله عن أبی حنیفة ومالک وأحد قولی الشافعی ابن قدامة فی المغنی 1 : 758.

______________________________________________________

قلت : هذا الاجتماع إنما یقتضی فساد ذلک الکون خاصة لا الخیاطة ، ووجوبه علی تقدیر تسلیمه إنما هو من باب المقدمة ، والغرض من المقدمة التوصل إلی الواجب وإن کانت منهیا عنها ، لسقوط الطلب عندها ، کما فی سلوک الطریق المغصوب إلی المیقات عند وجوب الحج. فتأمل.

ومن هنا یظهر رجحان القول بصحة الطهارة الواقعة فی المکان المغصوب ، کما قطع به فی المعتبر (1) ، لأن الکون لیس جزءا منها ولا شرطا فیها فلا یؤثر تعلّق النهی به فی فسادها.

ولا فرق فی بطلان الصلاة فی المکان المغصوب بین مغصوب العین والمنفعة ، ولا فی الصلاة بین الیومیة وغیرها. وقال بعض العامة : یصلی الجمعة والعید والجنازة فی الموضع المغصوب ، لأن الإمام إذا صلی فی موضع مغصوب فامتنع الناس فاتتهم الصلاة ، ولهذا أبیحت الجمعة خلف الخوارج والمبتدعة (2). وهو غلط فاحش.

ولو أذن المالک للغاصب أو لغیره فی الصلاة ارتفع المنع قطعا لارتفاع النهی. وقال الشیخ فی المبسوط : لو صلی فی مکان مغصوب مع الاختیار لم تجز الصلاة فیه ، ولا فرق بین أن یکون هو الغاصب أو غیره ممن أذن له فی الصلاة ، لأنه إذا کان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فیه (3). والظاهر أنّ مراده - رحمه الله - بالآذن الغاصب کما ذکره العلامة رحمه الله (4) - وإن کان الوهم لا یذهب إلی احتمال الجواز مع إذنه - إذ لا تستقیم إرادة المالک للقطع بجواز الصلاة مع إذنه وإن بقی الغصب فی الجملة. وقال فی المعتبر : إنّ مراده بالآذن هنا المالک (5) وهو بعید جدا ، إذ لا وجه للبطلان علی هذا التقدیر.

ص: 218


1- المعتبر 2 : 109.
2- کما فی المغنی 1 : 758.
3- المبسوط 1 : 84.
4- التذکرة 1 : 87.
5- المعتبر 2 : 109.

وإن کان ناسیا أو جاهلا بالغصبیة صحّت صلاته ، ولو کان جاهلا بتحریم المغصوب لم یعذر. إذا ضاق الوقت وهو آخذ فی الخروج صحّت صلاته. ولو صلی ولم یتشاغل بالخروج لم تصحّ.

ولو حصل فی ملک غیره بإذنه ثم أمره بالخروج وجب

______________________________________________________

ووجهه الشهید فی الذکری بأن المالک لما لم یکن متمکنا من التصرف لم تفد إذنه الإباحة ، کما لو باعه فإن البیع یکون باطلا ولا یجوز للمشتری التصرف فیه (1). ولا ریب فی بطلان هذا التوجیه لمنع الأصل وبطلان القیاس.

قوله : ( وإن کان ناسیا أو جاهلا بالغصب صحت صلاته ، وإن کان جاهلا بتحریم المغصوب لم یعذر ).

أما صحة صلاة الجاهل بالغصب فموضع وفاق بین العلماء ، لأن البطلان تابع للنهی ، وهو إنما یتوجه إلی العالم. والأصح أنّ الناسی کذلک ، لارتفاع النهی بالنسبة إلیه ، ولهذا اتفق الکل علی عدم تأثیمه. أما الجاهل بالحکم فقد قطع الأصحاب بأنه غیر معذور لتقصیره فی التعلم ، وقوی بعض مشایخنا المحققین إلحاقه بجاهل الغصب لعین ما ذکر فیه (2) ، ولا یخلو من قوة.

قوله : ( وإذا ضاق الوقت وهو آخذ فی الخروج صحت صلاته ).

لأنهما حقان مضیقان فیجب الجمع بینهما بحسب الإمکان. ولا یخفی أنّ الخروج من المکان المغصوب واجب مضیق ولا معصیة فیه إذا خرج بما هو شرط فی الخروج من السرعة وسلوک أقرب الطرق وأقلها ضررا ، إذ لا معصیة بإیقاع المأمور به الذی لا نهی عنه. وذهب شاذ من الأصولیین إلی استصحاب حکم المعصیة علیه. وهو غلط إذ لو کان کذلک لم یمکن الامتثال فیلزم التکلیف بالمحال.

قوله : ( ولو حصل فی ملک غیره بإذنه ثم أمره بالخروج وجب

ص: 219


1- الذکری : 150.
2- مجمع الفائدة 2 : 110.

علیه. فإن صلی والحال هذه کانت باطلة. ویصلی وهو خارج إن کان الوقت ضیّقا.

ولا یجوز أن یصلی وإلی جانبه امرأة تصلی أو أمامه ، سواء صلّت بصلاته أو کانت منفردة ، وسواء کانت محرما أو أجنبیّة ، وقیل : ذلک مکروه ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

علیه ، ویصلی وهو خارج إن کان الوقت ضیقا ).

إذا حصل إنسان فی ملک غیره بإذنه علی وجه یسوغ له الدخول فی الصلاة ثم أمره بالخروج وجب علیه المبادرة إلی ذلک علی الفور لمنع التصرف فی مال الغیر بغیر إذنه فکیف مع تصریحه بما یقتضی النهی. ثم إن کان الوقت واسعا أخّر الصلاة إلی أن یخرج ، وإن تضیق الوقت خرج متشاغلا بالصلاة جمعا بین الحقین کما تقدم.

هذا إذا کان الأمر بالخروج قبل التلبس بالصلاة ، وإن کان بعده ففیه أوجه ، أظهرها القطع مع السعة والخروج متشاغلا مع الضیق.

وقوی الشهید فی الذکری والبیان الإتمام مع الاستقرار ، تمسکا بمقتضی الاستصحاب ، وأن الصلاة علی ما افتتحت علیه (1).

ویضعف بتوجه النهی المنافی للصحة ، وابتناء حق العباد علی التضییق.

وفصّل الشارح - قدس سره - فأوجب الاستمرار مطلقا إن کانت الإذن صریحة ، والقطع مع السعة ، والخروج متشاغلا مع الضیق إن کانت مطلقة (2). ویشکل بأن المفروض وقوع الإذن فی الاستقرار بقدر الصلاة وإلا لم یکن الدخول فیها مشروعا.

قوله : ( ولا یجوز أن یصلی وإلی جانبه امرأة تصلی أو أمامه ، سواء صلت بصلاته أو کانت منفردة ، وسواء کانت محرما أو أجنبیة ، وقیل : ذلک مکروه ، وهو الأشبه ).

حرمة صلاة الرجل وإلی جانبه أو أمامه امرأة تصلی

ص: 220


1- الذکری : 150 ، والبیان : 64.
2- المسالک 1 : 24.

______________________________________________________

ضمیر یصلی لا مرجع له ظاهرا ، ولا بد من إرجاعه إلی الرجل بمعونة المقام ، والحکم بالکراهة أو التحریم کما یتعلق بالرجل کذا یتعلق بالمرأة فلا وجه لقصره علی الرجل. وتحریر البحث أنه هل یجوز لکل من الرجل والمرأة أن یصلی إلی جانب الآخر؟ أو مع تقدم المرأة بحیث لا یکون بینهما حائل أو بعد عشرة أذرع؟ فیه قولان ، أظهرهما الجواز علی کراهة ، وهو اختیار المرتضی فی المصباح (1) ، وابن إدریس (2) ، وأکثر المتأخرین.

وقال الشیخان : لا یجوز أن یصلی الرجل وإلی جنبه امرأة تصلی ، سواء صلت بصلاته مقتدیة به أو لا ، فإن فعلا بطلت صلاتهما ، وکذا إن تقدمته (3) ، وهو اختیار ابن حمزة (4) وأبی الصلاح (5).

لنا : الأصل ، وإطلاق الأمر بالصلاة فلا یتقید إلا بدلیل ، وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یصلی الرجل بحذاء المرأة وهی تصلی » (6).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا کان بینها وبینه قدر ما یتخطی أو قدر عظم الذراع فلا بأس » (7).

وفی الصحیح عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سأله عن الرجل والمرأة یصلیان فی بیت واحد ، فقال : « إذا کان بینهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس » (8).

ص: 221


1- کما نقله عنه فی المعتبر 2 : 110.
2- السرائر : 57.
3- المفید فی المقنعة : 25 ، والشیخ فی النهایة : 100 ، والخلاف 1 : 152.
4- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.
5- الکافی فی الفقه : 120 لکن لم یتعرض فیه لذکر تقدمها علیه.
6- الفقیه 1 : 159 - 749 ، الوسائل 3 : 426 أبواب مکان المصلی ب 4 ح 4.
7- الفقیه 1 : 159 - 748 ، الوسائل 3 : 428 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 8.
8- الفقیه 1 : 159 - 747 ، الوسائل 3 : 428 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 7.

______________________________________________________

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أصلی والمرأة إلی جنبی وهی تصلی فقال : « لا ، إلا أن تتقدم هی أو أنت ، ولا بأس أن تصلی وهی بحذاک جالسة أو قائمة » (1).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن المرأة تصلی عند الرجل ، فقال : « لا تصلی المرأة بحیال الرجل إلا أن یکون قدامها ولو بصدره » (2).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی المرأة تصلی عند الرجل ، قال : « إذا کان بینهما حاجز فلا بأس » (3).

وفی الصحیح عن العلاء عن محمد ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی فی زاویة الحجرة وامرأته أو ابنته تصلی بحذاه فی الزاویة الأخری ، قال : « لا ینبغی ذلک فإن کان بینهما ستر أجزأه » (4) ولفظ لا ینبغی ظاهر فی الکراهة ، والظاهر أنّ الستر بالسین المهملة والتاء المثناة من فوق ، وقال الشیخ فی التهذیب : إنّ المعنی أنه إذا کان الرجل متقدما للمرأة بشبر أجزأ (5). وهو بعید.

ووجه الدلالة فی هذه الأخبار اشتراکها فی عدم اعتبار الحائل أو التباعد بالعشر ، وإذا انتفی ذلک ثبت الجواز مطلقا ، إذ لا قائل بالفصل. وعلی هذا فیجب حمل الأخبار المقیدة علی الاستحباب صونا للأخبار عن التنافی ، ولا ینافی ذلک اختلاف القیود ، لأن مراتب الفضیلة مختلفة. وبالجملة فهذا الاختلاف قرینة الاستحباب.

ص: 222


1- التهذیب 2 : 231 - 909 ، الوسائل 3 : 428 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 5.
2- التهذیب 2 : 379 - 1582 ، الإستبصار 1 : 399 - 1525 ، الوسائل 3 : 430 أبواب مکان المصلی ب 6 ح 2.
3- التهذیب 2 : 379 - 1580 ، الوسائل 3 : 431 أبواب مکان المصلی ب 8 ح 2.
4- الکافی 3 : 298 - 4 ، التهذیب 2 : 230 - 905 ، الإستبصار 1 : 398 - 1520 ، الوسائل 3 : 427 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 1 ، وفیها : شبر أجزأه.
5- التهذیب 2 : 230.

______________________________________________________

احتج المانعون (1) بموثقة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یستقیم له أن یصلی وبین یدیه امرأة تصلی؟ قال : « لا یصلی حتی یجعل بینه وبینها أکثر من عشرة [ أذرع ] (2) ، وإن کانت عن یمینه ویساره جعل بینه وبینها مثل ذلک ، فإن کانت تصلی خلفه فلا بأس وإن کانت تصیب ثوبه ، وإن کانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة فی غیر صلاة فلا بأس حیث کانت » (3).

وصحیحة محمد ، عن أحدهما علیهماالسلام . قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل فی المحمل ، أیصلیان جمیعا؟ فقال : « لا ، ولکن یصلی الرجل فإذا فرغ صلت المرأة » (4).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن إمام کان فی الظهر فقامت امرأته بحیاله تصلی معه وهی تحسب أنها العصر ، هل یفسد ذلک علی القوم؟ وما حال المرأة فی صلاتها معهم وقد کانت صلت الظهر؟ قال : « لا یفسد ذلک علی القوم وتعید المرأة » (5).

والجواب بحمل النهی فی الروایتین الأولتین علی الکراهة ، وحمل الأمر بالإعادة فی الروایة الأخیرة علی الاستحباب ، صونا للأخبار عن التنافی ، مع أنّ الأمر بالإعادة لا یتعین کونه بسبب المحاذاة ، لاحتمال أن یکون وجهه اقتداءها فی صلاة العصر بمن یصلی الظهر مع اعتقادها أنها العصر ، فلا یدل علی أحد الأمرین نصا.

ص: 223


1- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 153.
2- کذا فی جمیع النسخ ، وفی المصادر : عشرة أذرع.
3- التهذیب 2 : 231 - 911 ، الإستبصار 1 : 399 - 1526 ، الوسائل 3 : 430 أبواب مکان المصلی ب 7 ح 1. أثبتناه من المصدر.
4- الکافی 3 : 298 - 4 ، التهذیب 2 : 231 - 907 ، الإستبصار 1 : 399 - 1522 ، الوسائل 3 : 427 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 2.
5- التهذیب 2 : 379 - 1583 ، الوسائل 3 : 432 أبواب مکان المصلی ب 9 ح 1.

ویزول التحریم أو الکراهیة إذا کان بینهما حائل أو مقدار عشرة أذرع.

______________________________________________________

وأعلم أنه یشترط فی تعلق الحکم بکل منهما کراهة وتحریما صحة صلاة الآخر لولا المحاذاة ، إذ الفاسدة (1) کالعدم. نعم لا بد من العلم بفسادها قبل الشروع ولو بالإخبار ، ولو وقع بعده لم یعتد به ، للحکم ببطلان الصلاة ظاهرا بالمحاذاة وإن ظهر خلافه بعده.

ولو لم یعلم أحدهما بالآخر إلا بعد الصلاة صحت الصلاتان ، وفی الأثناء یستمر مطلقا علی الأظهر. وینبغی القطع بصحة الصلاة المتقدمة لسبق انعقادها وفساد المتأخرة خاصة ، ومع الاقتران تبطل الصلاتان ، لعدم الأولویة. هذا کله مع الاختیار ، أما مع الاضطرار فلا کراهة ولا تحریم.

قوله : ( ویزول التحریم أو الکراهة إذا کان بینهما حائل أو مقدار عشرة أذرع ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی المعتبر (2). أما زوالهما بالحائل فظاهر ، للأصل واختصاص الروایات المانعة بما إذا لم یکن هناک حائل. ویعتبر فیه کونه جسما کالحائط والستر ، ولا یعتد بنحو الظلمة وفقد البصر منهما ، ولا بتغمیض الصحیح عینه قطعا.

وأما زوالهما بالتباعد المذکور ، فاستدلوا علیه بموثقة عمار المتقدمة (3) ، وهی إنما تعطی اعتبار التباعد بأکثر من العشر ، ولا یضر ضعف سندها لأنها مطابقة لمقتضی الأصل وسالمة مما یصلح للمعارضة ، ومبدأ التقدیر من موقف المصلی ، ویحتمل اعتباره من موضع السجود.

ولو کان أحدهما علی مرتفع بحیث لا یبلغ من موقف الآخر إلی أساس ذلک المرتفع عشرة أذرع ولو قدّر إلی موقفه إما مع الحائط مثلا أو ضلع المثلث

ص: 224


1- لفقد طهارة مثلا ( الجواهر 8 : 313 ).
2- المعتبر 2 : 111.
3- فی ص 223.

ولو کانت وراءه بقدر ما یکون موضع سجودها محاذیا لقدمه سقط المنع. ولو حصلا فی موضع لا یتمکنان من التباعد صلی الرجل أولا. ولا بأس أن یصلی فی الموضع النجس إذا کانت نجاسته لا تتعدی إلی ثوبه ولا إلی بدنه وکان موضع الجبهة طاهرا.

______________________________________________________

الخارج من موقفه إلی موقف الآخر بلغه ففی اعتبار أیّها نظر. ویحتمل قویا سقوط المنع مع عدم التساوی فی الموقف.

قوله : ( ولو حصلا فی موضع لا یتمکنان من التباعد صلی الرجل أولا ).

المستند فی ذلک ما رواه محمد - وهو ابن مسلم - فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل فی المحمل ، أیصلیان جمیعا؟ فقال : « لا ، ولکن یصلی الرجل فإذا فرغ صلت المرأة » (1) ولو کان المکان ملک المرأة لم یجب علیها التأخر قطعا. نعم یمکن القول باستحبابه. ولو ضاق الوقت سقط الوجوب والاستحباب.

قوله : ( ولا بأس أن یصلی الرجل فی الموضع النجس إذا کانت نجاسته لا تتعدی إلی ثوبه ولا إلی بدنه وکان موضع الجبهة طاهرا ).

ما اختاره المصنف من عدم اشتراط طهارة المکان ما عدا موضع الجبهة إذا لم تکن نجاسته متعدیة إلی بدن المصلی أو ثوبه قول أکثر الأصحاب ، ونقل عن أبی الصلاح أنه اعتبر طهارة موضع المساجد السبعة (2) ، وعن المرتضی أنه اعتبر طهارة جمیع مکان المصلی (3) ، والمعتمد الأول.

لنا علی طهارة موضع السجود : اتفاق العلماء ، فإن کل من اعتبر الطهارة فی الصلاة اعتبر طهارة موضع السجود. وإن اختلفوا فیما عداه ، حکی ذلک

اشتراط طهارة موضع السجود

ص: 225


1- المتقدم فی ص 223.
2- الکافی فی الفقه : 140.
3- نقله عنه فی إیضاح الفوائد 1 : 90 ، والذکری : 150.

______________________________________________________

المصنف فی المعتبر (1) ، فإن تمّ فهو الحجة ، وإلا أمکن المناقشة فی هذا الحکم ، لعدم الظفر بدلیله.

ولنا علی عدم اعتبار طهارة غیره مع عدم التعدی : الأصل ، والإطلاقات المعلومة السالمة مما یصلح للتقیید ، وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : أنه سأله عن البیت والدار لا تصیبهما الشمس ویصیبهما البول ویغتسل فیهما من الجنابة ، أیصلی فیهما إذا جفا؟ قال : « نعم » (2) وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الشاذکونة یکون علیها الجنابة ، أیصلی علیها فی المحمل؟ فقال : « لا بأس بالصلاة علیها » (3).

احتج القائلون (4) باعتبار طهارة المکان بنهیه علیه السلام عن الصلاة فی المجزرة والمزبلة والحمامات (5) ، وهی مواطن النجاسة فتکون الطهارة معتبرة.

وأجیب عنه - بعد تسلیم التعلیل - بجواز أن تکون علة النهی ما فی هذه الأماکن من الاستخباث والاستقذار الدال علی مهانة نفس من یستقر بها. وإذا اختصت بمزید الاستقذار والاستهانة لم یلزم من المنع من الصلاة فیها المنع من غیرها مما لا ینتهی فی الاستقذار إلی حدها ، مع أنّ النهی عن الصلاة فی هذه الأماکن للکراهة لا للتحریم. ولم أقف لأبی الصلاح فی اعتبار طهارة مواضع المساجد علی حجة.

ولا یخفی أنه یجب تقیید المنع من الصلاة فی الموضع النجس مع تعدی نجاسته إلی المصلی بکون تلک النجاسة غیر معفو عنها ، إذ لا منع مع العفو ، وقد صرح بذلک الشهید فی الذکری فقال : ولو کان المکان نجسا بما عفی عنه

ص: 226


1- المعتبر 1 : 433.
2- الفقیه 1 : 158 - 736 ، قرب الاسناد : 90 ، الوسائل 2 : 1043 أبواب النجاسات ب 30 ح 1.
3- الفقیه 1 : 158 - 739 ، التهذیب 2 : 369 - 1537 ، الإستبصار 1 : 393 - 1499 ، الوسائل 2 : 1044 أبواب النجاسات ب 30 ح 3.
4- نقله عن المرتضی فی إیضاح الفوائد 1 : 92.
5- سنن ابن ماجة 1 : 246 - 746.

وتکره الصلاة فی الحمام ،

______________________________________________________

کدون الدرهم دما ویتعدی فالظاهر أنه عفو ، لأنه لا یزید علی ما هو علی المصلی (1).

ونقل المحقق الشیخ فخر الدین فی شرح القواعد عن والده أنه قال : الإجماع منا واقع علی اشتراط خلو المکان من نجاسة متعدیة وإن کانت معفوا عنها فی الثوب والبدن (2). وهو غیر واضح ، والإجماع ممنوع مع أنّ تعلیله فی التذکرة والمنتهی یقتضی الاشتراط (3).

قوله : ( وتکره الصلاة فی الحمام ).

لورود النهی عنه فی روایة عبد الله بن الفضل ، عمن حدثه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « عشرة مواضع لا یصلی فیها : الطین ، والماء ، والحمام ، والقبور ، ومسان الطرق ، وقری النمل ، ومعاطن الإبل ، ومجری الماء ، والسبخ ، والثلج » (4) وهی مع ضعف سندها معارضة بما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام : أنه سأله عن الصلاة فی بیت الحمام فقال : « إذا کان الموضع نظیفا فلا بأس » (5).

ونقل عن أبی الصلاح أنه منع من الصلاة فی الحمام وتردد فی الفساد (6) ، وهو ضعیف جدا.

وهل المسلخ من الحمام؟ احتمله فی التذکرة (7) وبنی الاحتمال علی علة

الأماکن التی تکره فیها الصلاة

ص: 227


1- الذکری : 150.
2- إیضاح الفوائد 1 : 90.
3- یعنی به اشتراط عدم کونه معفوا عنه کما یستفاد ذلک من استدلاله فی التذکرة 1 : 78 ، والمنتهی 1 : 242.
4- الکافی 3 : 390 - 12 ، الفقیه 1 : 156 - 725 ، الخصال : 434 - 21.
5- الفقیه 1 : 156 - 727 ، الوسائل 3 : 466 أبواب مکان مکان المصلی ب 34 ح 1.
6- الکافی فی الفقه : 141.
7- التذکرة 1 : 88.

وبیوت الغائط ، ومبارک الإبل ،

______________________________________________________

النهی ، فإن کانت النجاسة لم تکره ، وإن کان کشف العورة فیکون مأوی الشیاطین کرهت ، وهو مبنی ضعیف ، لجواز أن لا یکون الحکم معللا ، أو تکون العلة غیر ما ذکره. أما سطح الحمام فلا تکره الصلاة فیه قطعا.

قوله : ( وبیوت الغائط ).

أی المواضع المعدّة لذلک ، لأنها مظنة النجاسة ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مروان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إنّ جبرائیل علیه السلام أتانی فقال : إنّا معاشر الملائکة لا ندخل بیتا فیه کلب ، ولا تمثال جسد ، ولا إناء یبال فیه » (1) وعن عمرو بن خالد ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال جبرائیل علیه السلام : یا رسول الله إنّا لا ندخل بیتا فیه صورة إنسان ، ولا بیتا یبال فیه ، ولا بیتا فیه کلب » (2) ونفور الملائکة منه یؤذن بکونه لیس موضع رحمة ، فلا یصلح أن یتخذ للعبادة.

وقال المفید فی المقنعة : لا تجوز الصلاة فی بیوت الغائط (3). والظاهر أنه یرید بذلک الکراهة.

قوله : ( ومبارک الإبل ).

مبارک الإبل : هی مواضعها التی تأوی إلیها للمقام والشرب. وإطلاق عبارات الأصحاب یقتضی کراهة الصلاة فی المبارک سواء کانت الإبل غائبة عنها أم حاضرة. والمستند ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إذا أدرکتکم الصلاة وأنتم فی أعطان الإبل فاخرجوا منها وصلوا فإنها جن من جن

ص: 228


1- التهذیب 2 : 377 - 1570 ، الوسائل 3 : 464 أبواب مکان المصلی ب 33 ح 1.
2- الکافی 3 : 393 - 26 ، التهذیب 2 : 377 - 1569 ، المحاسن : 615 - 4.
3- المقنعة : 25.

ومساکن النمل ، ومجری المیاه ،

______________________________________________________

خلقت ، ألا ترونها إذا نفرت کیف تشمخ بأنفها » (1) وما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة فی مرابض الغنم فقال : « صل فیها ولا تصل فی أعطان الإبل إلا أن تخاف علی متاعک الضیعة ، فاکنسه ورشه بالماء وصل » (2).

وقد صرح المصنف (3) والعلامة (4) بأن المراد بأعطان الإبل مبارکها ، ومقتضی کلام أهل اللغة أنها أخص من ذلک ، فإنهم قالوا : معاطن الإبل مبارکها حول الماء لتشرب عللا بعد نهل (5). والعلل : الشرب الثانی ، والنهل : الشرب الأول ، لکن الظاهر عدم تعقل الفرق بین موضع الشرب وغیره ، وینبه علیه التعلیل المستفاد من الحدیث النبوی.

ونقل عن أبی الصلاح أنه منع من الصلاة فی أعطان الإبل (6) ، وهو ظاهر اختیار المفید فی المقنعة (7) ، أخذا بظاهر النهی ، ولا ریب أنه أحوط.

قوله : ( ومساکن النمل ومجری المیاه ).

لورود النهی عنهما فی مرسلة عبد الله الفضل (8) ، والمراد بمجری المیاه : الأمکنة المعدة لجریانها فیها.

وقیل : تکره الصلاة فی بطون الأودیة التی یخاف فیها هجوم السیل (9) ،

ص: 229


1- سنن البیهقی 3 : 449 - 5.
2- الفقیه 1 : 157 - 729 ، التهذیب 2 : 220 - 865 ، الوسائل 3 : 443 أبواب مکان المصلی ب 17 ح 2.
3- المعتبر 2 : 112.
4- المنتهی 1 : 245.
5- قاله الجوهری فی الصحاح 6 : 2165 ، والفیروزآبادی فی القاموس المحیط 4 : 250.
6- الکافی فی الفقه : 141.
7- المقنعة : 25.
8- المتقدمة فی ص 227.
9- کما فی الذکری : 152.

وأرض السبخة ، والثلج ، وبین المقابر إلا أن یکون حائل ولو عنزة أو بینه وبینها عشر أذرع ،

______________________________________________________

قال فی النهایة : فإن أمن السیل احتمل بقاء الکراهة اتباعا لظاهر النهی ، وعدمها لزوال موجبها (1). ولم أقف علی ما ادعاه من الإطلاق.

قوله : ( وأرض السبخة والثلج ).

لعدم کمال تمکن الجبهة من الأرض فیهما ، ولقوله علیه السلام فی حسنة الحلبی : « وکره الصلاة فی السبخة إلا أن یکون مکانا لینا تقع علیه الجبهة مستویة » (2). وفی روایة داود الصرمی : « إن أمکنک أن لا تسجد علی الثلج فلا تسجد ، وإن لم یمکنک فسوّه واسجد علیه » (3).

قوله : ( وبین المقابر إلا أن یکون حائل ولو عنزة ، أو بینه وبینها عشر أذرع ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی بین القبور ، قال : « لا یجوز ذلک إلا أن یجعل بینه وبین القبور إذا صلی عشرة أذرع من بین یدیه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن یمینه ، وعشرة أذرع عن یساره ، ثم یصلی إن شاء » (4) وهی محمولة علی الکراهة ، جمعا بینها وبین ما دل علی الجواز مطلقا کصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن الماضی علیه السلام

ص: 230


1- نهایة الأحکام 1 : 344.
2- الکافی 3 : 388 - 5 ، الفقیه 1 : 157 - 729 ، الوسائل 3 : 446 أبواب مکان المصلی ب 20 ح 1. ولکن الذی یظهر منها أنه من کلام الراوی وهو الأصح وإلا کان الأولی أن یقول : وتکره.
3- الکافی 3 : 390 - 14 ، الفقیه 1 : 169 - 798 ، التهذیب 2 : 310 - 1256 ، الوسائل 3 : 457 أبواب مکان المصلی ب 28 ح 3.
4- التهذیب 2 : 227 - 896 ، الإستبصار 1 : 397 - 1513 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 6 ، 7

______________________________________________________

عن الصلاة بین القبور ، هل تصلح؟ قال : « لا بأس » (1) وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنه سأله عن الصلاة بین القبور ، هل تصلح؟ قال : « لا بأس » (2).

وقال المفید فی المقنعة : ولا تجوز الصلاة إلی شی ء من القبور حتی یکون بینه وبینه حائل ولو قدر لبنة ، أو عنزة منصوبة ، أو ثوب موضوع (3).

واحتج له فی المختلف (4) بروایة معمر بن خلاد ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة بین المقابر ما لم یتخذ القبر قبلة » (5).

والجواب أولا بالطعن فی السند باشتماله علی معاویة بن حکیم ، وقیل : إنه کان فطحیا (6).

وثانیا بقصورها عن إفادة التحریم فإن البأس أعم من المحرم ، والتوجه إلی القبر لا یستلزم اتخاذه قبلة.

وبالجملة فهذه الروایة لا تصلح لتخصیص الأخبار الصحیحة المطابقة للإطلاقات المعلومة.

وقد قطع الأصحاب بزوال الکراهة والتحریم بالحائل أو التباعد المذکور ، ولا بأس به ، قصرا لما خالف الأصل علی موضع الوفاق ، ونظرا إلی أنّ ظاهر الأخبار المانعة (7) ارتفاع الحائل بین المصلی والقبر. نعم فی الاکتفاء فیه بالعنزة

ص: 231


1- التهذیب 2 : 374 - 1555 ، الإستبصار 1 : 397 - 1515 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 4.
2- الفقیه 1 : 158 - 737 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 1.
3- المقنعة : 25.
4- المختلف : 84.
5- التهذیب 2 : 228 - 897 ، الإستبصار 1 : 397 - 1514 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 3.
6- کما فی رجال الکشی 2 : 835 - 1062 ، ورجال ابن داود : 191 - 1585.
7- الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25.

وبیوت النیران ،

______________________________________________________

ونحوها نظر ، لانتفاء التسمیة وعدم الظفر بما یدل علیه علی الخصوص.

قال المفید فی المقنعة : وقد روی أنه لا بأس بالصلاة إلی قبلة فیها قبر إمام ، والأصل ما قدمناه (1) ، وأشار بالروایة إلی ما رواه شیخ هذه الطائفة وعالمها محمد بن أحمد بن داود ، عن والده الثقة الصدوق ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحمیری ، قال : کتبت إلی الفقیه أسأله عن الرجل یزور قبور الأئمة : هل یجوز أن یسجد علی القبر أم لا؟

وهل یجوز لمن صلی عند قبورهم أن یقوم وراء القبر ویجعل القبر قبلة ویقوم عند رأسه ورجلیه؟

وهل یجوز أن یتقدم القبر ویصلی ویجعله خلفه أم لا؟

فأجاب وقرأت التوقیع ومنه نسخت : « أما السجود علی القبر فلا یجوز فی نافلة ولا فریضة ولا زیارة ، بل یضع خده الأیمن علی القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه یجعله الإمام ، ولا یجوز أن یصلی بین یدیه لأن الإمام لا یتقدم » (2).

ولا بأس بالعمل بهذه الروایة لصحتها ومطابقتها لمقتضی الأصل والعمومات ، وذکر المصنف فی المعتبر أنها ضعیفة شاذة (3). وهو غیر واضح.

قوله : ( وبیوت النیران ).

المراد ببیوت النیران : ما أعدت لإضرام النار فیها عادة کالفرن والأتون وإن لم تکن مواضع عادتها. وإنما کرهت الصلاة فی هذه الأماکن لأن فی الصلاة فیها تشبها بعبادتها ، کذا ذکره العلامة فی جملة من کتبه (4) ، وهو ضعیف جدا ، والأصح اختصاص الکراهة بمواضع عباد النیران ، لأنها لیست موضع رحمة فلا تصلح لعبادة الله تعالی.

ص: 232


1- المقنعة : 25.
2- التهذیب 2 : 228 - 898 ، الوسائل 3 : 454 أبواب مکان المصلی ب 26 ح 1 ، 2.
3- المعتبر 2 : 115.
4- التذکرة 1 : 88 ، والمنتهی 1 : 247.

وبیوت الخمور إذا لم تتعد إلیه نجاستها ، وجوادّ الطرق ،

______________________________________________________

قوله : ( وبیوت الخمور إذا لم تتعد إلیه نجاستها ).

لقوله علیه السلام فی موثقة عمار : « ولا تصل فی بیت فیه خمر أو مسکر » (1). ومنع الصدوق فی من لا یحضره الفقیه من الصلاة فی بیت فیه خمر محروز فی آنیة (2) مع أنه حکم بطهارة الخمر ، واستبعده المتأخرون لذلک ، ولا بعد فیه ورود النص به.

قوله : ( وجوادّ الطرق ).

جواد الطرق هی العظمی منها ، وهی التی یکثر سلوکها. والحکم بکراهة الصلاة فیها مذهب الأکثر ، ومستنده صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یصلی بین الظواهر ، وهی الجوادّ ، جواد الطرق ، ویکره أن یصلی فی الجواد » (3).

وقال المفید فی المقنعة : لا تجوز الصلاة علی جوادّ الطرق (4). وربما کان مستنده صحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی السفر فقال : « لا تصلّ علی الجادة واعتزل علی جانبیها » (5) وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن الصلاة فی ظهر الطریق فقال : « لا بأس بأن تصلی فی الظواهر التی بین الجواد ، فأما الجواد فلا تصل فیها » (6).

ص: 233


1- الکافی 3 : 392 - 24 ، التهذیب 2 : 377 - 1568 ، الوسائل 3 : 449 أبواب مکان المصلی ب 21 ح 1.
2- الفقیه 1 : 43 ، 159.
3- الکافی 3 : 389 - 10 ، التهذیب 2 : 375 - 1560 ، الوسائل 3 : 444 أبواب مکان المصلی ب 19 ح 1.
4- المقنعة : 25.
5- التهذیب 2 : 221 - 869 ، الوسائل 3 : 445 أبواب مکان المصلی ب 19 ح 5.
6- الکافی 3 : 388 - 5 ، التهذیب 2 : 220 - 865 ، الوسائل 3 : 445 أبواب مکان المصلی ب 19 ح 2.

وبیوت المجوس ، ولا بأس بالبیع والکنائس.

______________________________________________________

والأجود حمل النهی علی الکراهة جمعا بین الأدلة ، ولو فرض تعطیل المارة (1) بالصلاة وجب القول بفسادها إذا کانت الطریق موقوفة لا محیاة لأجل المرور ، ویحتمل عدم الفرق.

قوله : ( وبیوت المجوس ).

عللت الکراهة بعدم انفکاکها من النجاسة. وقد قطع الأصحاب بزوال الکراهة برش الأرض ، ویدل علیه صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة فی البیع والکنائس وبیوت المجوس قال : « رشه وصلّ » (2).

قوله : ( ولا بأس بالبیع والکنائس ).

المراد أنه تجوز الصلاة فیهما من غیر کراهة ، وتدل علیه صحیحة ابن سنان المتقدمة ، وصحیحة العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البیع والکنائس یصلی فیها؟ فقال : « نعم » قال : وسألته هل یصلح نقضها مسجدا؟ فقال : « نعم » (3).

ونقل عن ابن إدریس (4) وابن البراج (5) أنهما کرها الصلاة فی البیع والکنائس محتجین بعدم انفکاکها من النجاسة ، وهو ضعیف.

واعلم أن إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی جواز الصلاة فی البیع والکنائس مطلقا ، واحتمل الشهید فی الذکری توقفها علی إذن أهل الذمة تبعا لغرض الواقف وعملا بالقرینة (6).

ص: 234


1- فی « ح » زیادة : الجادة.
2- التهذیب 2 : 222 - 875 ، الوسائل 3 : 438 أبواب مکان المصلی ب 13 ح 2.
3- التهذیب 2 : 222 - 874 ، الوسائل 3 : 438 أبواب مکان المصلی ب 13 ح 1 وفیه : بعضها بدل نقضها.
4- السرائر : 58.
5- المهذب 1 : 76.
6- الذکری : 152.

ویکره أن تکون بین یدیه نار مضرمة علی الأظهر ،

______________________________________________________

وهو مدفوع بإطلاق النصوص مع عدم ثبوت جریان ملکهم علیها وأصالة عدم احترامها ، مع أنه لو ثبتت مراعاة غرض الواقف اتجه المنع مطلقا ، إلا أن تعلم إناطة ذلک برأی الناظر فیتجه اعتبار إذنه خاصة.

قوله : ( ویکره أن تکون بین یدیه نار مضرمة ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی والسراج موضوع بین یدیه فی القبلة فقال : « لا یصلح له أن یستقبل النار » (1).

وفی الموثق عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یصلی الرجل وفی قبلته نار أو حدید » قلت : أله أن یصلی وبین یدیه مجمرة شبه؟ قال : « نعم ، فإن کان فیها نار فلا یصلی حتی ینحیها عن قبلته » وعن الرجل یصلی وبین یدیه قندیل معلق فیه نار إلا أنه بحیاله ، قال : « إذا ارتفع کان أشرّ ، لا یصلی بحیاله » (2).

وقال أبو الصلاح : لا یجوز التوجه إلی النار (3) ، أخذا بظاهر الروایتین.

والأولی حملهما علی الکراهة لضعف الثانیة من حیث السند وعدم صراحة الأولی فی التحریم.

قال الصدوق فی کتابه بعد أن أورد روایة علی بن جعفر : هذا هو الأصل الذی یجب أن یعمل به. فأما الحدیث الذی یروی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا بأس أن یصلی الرجل والنار والسراج والصورة بین یدیه ، لأن الذی یصلی له أقرب إلیه من الذی بین یدیه » فهو حدیث یروی عن ثلاثة من المجهولین بإسناد منقطع - إلی أن قال - : ولکنها رخصة اقترنت بها علة صدرت

ص: 235


1- الفقیه 1 : 162 - 763 ، التهذیب 2 : 225 - 889 ، الإستبصار 1 : 396 - 1511 ، الوسائل 3 : 459 أبواب مکان المصلی ب 30 ح 1.
2- التهذیب 2 : 225 - 888 ، الوسائل 3 : 459 أبواب مکان المصلی ب 30 ح 2.
3- نقله فی المختلف : 85.

أو تصاویر. وکما تکره الفریضة [ فی ] جوف الکعبة تکره علی سطحها. وتکره فی مرابط الخیل والحمیر والبغال ،

______________________________________________________

عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولین والانقطاع ، فمن أخذ بها لم یکن مخطئا بعد أن یعلم أن الأصل هو النهی وأن الإطلاق هو رخصة والرخصة رحمة (1). وربما کان فی هذا الکلام شهادة منه بصحة الروایة ، ولا ریب أنّ الاحتیاط یقتضی تجنب استقبال النار مضرمة کانت أم لا ، ولا وجه للتقیید بالمضرمة لعموم الجواب.

قوله : ( أو تصاویر ).

أی وتکره الصلاة إذا کان بین یدی المصلی تصاویر ، وتدل علی ذلک صحیحة محمد بن مسلم قال « ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أصلی والتماثیل قدامی وأنا أنظر إلیها فقال : « لا ، اطرح علیها ثوبا ، ولا بأس بها إذا کانت عن یمینک أو شمالک أو خلفک أو تحت رجلک أو فوق رأسک ، وإن کانت فی القبلة فألق علیها ثوبا وصلّ » (2) وصحیحة الحلبی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ربما قمت أصلی وبین یدی الوسادة فیها تماثیل طیر فجعلت علیها ثوبا » (3).

قوله : ( وکما تکره الفریضة فی جوف الکعبة تکره علی سطحها ).

لما رواه ابن بابویه ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن أمیر المؤمنین علیهم السلام : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله نهی عن الصلاة فی أماکن وعدّ منها الصلاة علی ظهر الکعبة » (4) وفی الطریق ضعف (5).

قوله : ( وتکره فی مرابض الخیل والحمیر والبغال ).

ص: 236


1- الفقیه 1 : 162 - 764 ، الوسائل 3 : 459 أبواب مکان المصلی ب 30 ح 4.
2- التهذیب 2 : 226 - 891 ، الإستبصار 1 : 394 - 1502 ، الوسائل 3 : 461 أبواب مکان المصلی ب 32 ح 1.
3- التهذیب 2 : 226 - 892 ، الوسائل 3 : 461 أبواب مکان المصلی ب 32 ح 2.
4- الفقیه 4 : 5 - 1 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 2.
5- لأن طریق الصدوق إلی شعیب بن واقد ضعیف بحمزة بن محمد إذ لم یوثق وبعبد العزیز بن محمد فإنه مجهول ( راجع معجم رجال الحدیث 9 : 34 ).

ولا بأس بمرابض الغنم ، وفی بیت فیه مجوسی ، ولا بأس بالیهودی والنصرانی. وتکره وبین یدیه مصحف مفتوح ،

______________________________________________________

لعدم انفکاکها من النجاسة غالبا ، ولما رواه الشیخ عن سماعة ، قال : سألته عن الصلاة فی أعطان الإبل وفی مرابض البقر والغنم فقال : « إن نضحته بالماء وقد کان یابسا فلا بأس بالصلاة فیها ، فأما مرابض الخیل والبغال فلا » (1) ونقل عن أبی الصلاح أنه منع من الصلاة فی هذه الأماکن (2) ، وهو ضعیف.

قوله : ( ولا بأس بمرابض الغنم ).

المراد أنه لا تکره الصلاة فیها ، وقد روی الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة فی مرابض الغنم فقال : « صل فیها » (3) وأقل مراتب الأمر الإباحة.

قوله : ( وفی بیت فیه مجوسی ، ولا بأس بالیهودی والنصرانی ).

روی ذلک الکلینی - رضی الله عنه - عن أبی أسامة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تصل فی بیت فیه مجوسی ، ولا بأس أن تصلی وفیه یهودی أو نصرانی » (4).

قوله : ( وتکره وبین یدیه مصحف مفتوح ).

لروایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی وبین یدیه مصحف مفتوح فی قبلته قال : « لا » قلت : فإن کان فی غلاف قال : « نعم » (5).

ص: 237


1- التهذیب 2 : 220 - 867 ، الإستبصار 1 : 395 - 1506 ، الوسائل 3 : 443 أبواب مکان المصلی ب 17 ح 4.
2- الکافی فی الفقه : 141.
3- الکافی 3 : 388 - 5 ، الفقیه 1 : 157 - 729 ، التهذیب 2 : 220 - 865 ، الوسائل 3 : 443 أبواب مکان المصلی ب 17 ح 2.
4- الکافی 3 : 389 - 6 ، الوسائل 3 : 442 أبواب مکان المصلی ب 16 ح 1.
5- الکافی 3 : 390 - 15 ، الفقیه 1 : 165 - 776 ، التهذیب 2 : 225 - 888 ، الوسائل 3 : 456 أبواب مکان المصلی ب 27 ح 1.

أو حائط ینز من بالوعة یبال فیها ، وقیل : تکره إلی إنسان مواجه أو باب مفتوح.

______________________________________________________

وألحق به الشارح کل مکتوب ومنقوش (1) ، وهو جید للمسامحة فی أدلة السنن ، وإن کان للمناقشة فی أمثال هذه المعانی المستنبطة مجال.

قوله : ( أو حائط ینز من بالوعة ).

لأن ذلک مناف لتعظیم الصلاة ، ولما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عمن سأل أبا عبد الله علیه السلام : عن المسجد ینز حائط قبلته من بالوعة یبال فیها فقال : « إن کان نزّه من البالوعة فلا تصل فیه ، وإن کان نزّه من غیر ذلک فلا بأس به » (2) ولا ریب أنّ الغائط أفحش من البول فالکراهة فیه أولی. وروی الفضیل بن یسار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أقوم فی الصلاة فأری قدامی فی القبلة العذرة فقال : « تنح عنها ما استطعت » (3).

قوله : ( وقیل تکره إلی إنسان مواجه أو باب مفتوح ).

القائل بذلک أبو الصلاح الحلبی رحمه الله (4) ، ولم نقف علی مأخذه ، قال فی المعتبر : وهو أحد الأعیان فلا بأس باتباع فتواه (5).

فائدة : یستحب للمصلی السترة فی قبلته إجماعا منا ، وحکاه فی المنتهی عن عامة أهل العلم (6). وتتحقق فی البناء بالقرب من الحائط والساریة ونحوهما ، وفی الصحراء بنصب شاخص ونحوه.

ص: 238


1- المسالک 1 : 25.
2- الکافی 3 : 388 - 4 ، الوسائل 3 : 444 أبواب مکان المصلی ب 18 ح 2.
3- الکافی 3 : 391 - 17 ، التهذیب 2 : 376 - 1563 ، الوسائل 3 : 460 أبواب مکان المصلی ب 31 ح 1.
4- نقله عنه فی التذکرة 1 : 88.
5- المعتبر 2 : 116.
6- المنتهی 1 : 247.

______________________________________________________

وقد ورد بذلک أخبار کثیرة ، فروی معاویة بن وهب فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یجعل العنزة بین یدیه إذا صلی » (1).

وروی أبو بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان طول رحل رسول الله صلی الله علیه و آله ذراعا ، وکان إذا صلی وضعه بین یدیه یستتر به ممن یمر بین یدیه » (2) وقال علیه السلام : « لا یقطع الصلاة شی ء ، کلب ولا حمار ولا امرأة ولکن استتروا بشی ء ، فإن کان بین یدیک قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت » (3).

وروی عبد الله بن المغیرة ، عن غیاث ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إنّ النبی صلی الله علیه و آله وضع قلنسوة وصلی إلیها » (4).

وروی محمد بن إسماعیل ، عن الرضا علیه السلام فی الرجل یصلی ، قال : « یکون بین یدیه کومة من تراب أو یخط بین یدیه بخط » (5).

ویستحب الدنو من السترة بمربض عنز إلی مربض فرس ، قاله الأصحاب.

وسترة الإمام سترة لمن خلفه.

ص: 239


1- الکافی 3 : 296 - 1 ، التهذیب 2 : 322 - 1316 ، الإستبصار 1 : 406 - 1548 ، الوسائل 3 : 436 أبواب مکان المصلی ب 12 ح 1.
2- الکافی 3 : 296 - 2 ، التهذیب 2 : 322 - 1317 ، الإستبصار 1 : 406 - 1549 ، الوسائل 3 : 437 أبواب مکان المصلی ب 12 ح 2.
3- الکافی 3 : 297 - 3 ، التهذیب 2 : 323 - 1317 ، الإستبصار 1 : 406 - 1551 ، الوسائل 3 : 435 أبواب مکان المصلی ب 11 ح 10.
4- التهذیب 2 : 379 - 1578 ، الإستبصار 1 : 406 - 1550 ، الوسائل 3 : 437 أبواب مکان المصلی ب 12 ح 5.
5- التهذیب 2 : 378 - 1574 ، الإستبصار 1 : 407 - 1555 ، الوسائل 3 : 437 أبواب مکان المصلی ب 12 ح 3.

______________________________________________________

ومکة - شرفها الله تعالی - کغیرها فی ذلک ، وبه قطع فی المنتهی (1). وقال فی التذکرة : لا بأس أن یصلی فی مکة بغیر سترة ، لأن النبی صلی الله علیه و آله صلی هناک ولیس بینه وبین الطواف سترة ، ولأن الناس یزدحمون هناک فلو منع المصلی من یجتاز بین یدیه ضاق علی الناس (2).

ص: 240


1- المنتهی 1 : 247.
2- التذکرة 1 : 89.

المقدمة السادسة :

فی ما یسجد علیه

لا یجوز السجود علی ما لیس بأرض ، کالجلود والصوف والشعر.

______________________________________________________

قوله : ( المقدمة السادسة ، لا یجوز السجود علی ما لیس بأرض ، کالجلود والصوف والشعر ).

أجمع الأصحاب علی أنه لا یجوز السجود علی ما لیس بأرض ولا نباتها.

ویدل علیه الأخبار المستفیضة کصحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال له : أخبرنی عما یجوز السجود علیه وعمار لا یجوز؟ قال : « السجود لا یجوز إلا علی الأرض أو علی ما أنبتت الأرض إلا ما أکل أو لبس » فقال له : جعلت فداک ما العلة فی ذلک؟ قال : « لأن السجود خضوع لله عزّ وجلّ فلا ینبغی أن یکون علی ما یؤکل ویلبس ، لأن أبناء الدنیا عبید ما یأکلون ویلبسون ، والساجد فی سجوده فی عبادة الله عزّ وجلّ فلا ینبغی أن یضع جبهته فی سجوده علی معبود أبناء الدنیا الذین اغتروا بغرورها » (1).

وصحیحة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « السجود علی ما أنبتت الأرض إلا ما أکل أو لبس » (2).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أسجد علی

ما یسجد علیه

عدم جواز السجود علی ما لیس بأرض

ص: 241


1- الفقیه 1 : 177 - 840 ، علل الشرائع : 341 - 1 ، الوسائل 3 : 591 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 1.
2- الفقیه 1 : 174 - 826 ، التهذیب 2 : 234 - 924 ، علل الشرائع : 341 - 3 ، الوسائل 3 : 592 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 2.

______________________________________________________

الزفت یعنی القیر؟ فقال : « لا ، ولا علی الثوب الکرسف ، ولا علی الصوف ، ولا علی شی ء من الحیوان ، ولا علی طعام ، ولا علی شی ء من ثمار الأرض ، ولا علی شی ء من الریاش » (1).

واعلم أنّ السجود علی الأرض أفضل من السجود علی النبات ، لأنه أبلغ فی الخضوع والتواضع لله تعالی ، ولما رواه الشیخ عن إسحاق بن الفضل : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن السجود علی الحصر والبواری فقال : « لا بأس ، وإن تسجد علی الأرض أحب إلیّ ، فإنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یحب أن یمکن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لک ما کان رسول الله صلی الله علیه و آله یحبه » (2).

والأفضل السجود علی التربة الحسینیة صلوات الله علی مشرفها ، فروی الشیخ - رحمه الله - فی المصباح ، عن معاویة بن عمار ، قال : کان لأبی عبد الله علیه السلام خریطة دیباج صفراء فیها تربة أبی عبد الله علیه السلام ، فکان إذا حضرته الصلاة صبه علی سجادته وسجد علیه ، ثم قال : « إنّ السجود علی تربة أبی عبد الله علیه السلام یخرق الحجب » (3).

و (4) عن عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال : « لا یخلو المؤمن من خمسة : سواک ومشط وسجادة وسبحة فیها أربع

ص: 242


1- الکافی 3 : 330 - 2 ، التهذیب 2 : 303 - 1226 ، الإستبصار 1 : 331 - 1242 ، الوسائل 3 : 594 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 1.
2- التهذیب 2 : 311 - 1263 ، الوسائل 3 : 609 أبواب ما یسجد علیه ب 17 ح 4.
3- مصباح المتهجد : 677 ، الوسائل 3 : 608 أبواب ما یسجد علیه ب 16 ح 3.
4- فی « س » ، « م » ، « ح » زیادة : ویستحب التسبیح بها استحبابا مؤکدا ، فروی الشیخ فی التهذیب فی الصحیح ، عن أبی عبد الله بن جعفر الحمیری ، قال : کتبت إلی الفقیه علیه السلام أسأله ، هل یجوز أن بسبح الرجل بطین القبر؟ وهل فیه فضل؟ فأجاب وقرأت التوقیع ومنه نسخت : « سبح به فما فی شی ء من التسبیح أفضل منه ، ومن فضله أن المسبح ینسی التسبیح ویدیر السبحة فیکتب له ذلک التسبیح ، وروی الشیخ فی المصباح.

ولا علی ما هو من الأرض إذا کان معدنا ، کالملح والعقیق والذهب والفضة والقبر ، إلا عند الضرورة.

______________________________________________________

وثلاثون حبة وخاتم عقیق » (1).

وروی أیضا عن الصادق علیه السلام ، قال : « من أدار الحجیر من تربة الحسین علیه السلام فاستغفر ربه مرة واحدة کتب الله له سبعین مرة ، فإن مسک السبحة ولم یسبح بها ففی کل حبة منها سبع مرات » (2).

قوله : ( ولا علی ما هو من الأرض إذا کان معدنا ، کالملح والعقیق والذهب والفضة والقیر ، إلا عند الضرورة ).

الوجه فی ذلک الحصر المستفاد من قوله علیه السلام : « السجود لا یجوز إلا علی الأرض أو علی ما أنبتت الأرض » (3) والمعدن لا یطلق علیه اسم الأرض وإن کان یستخرج منها. ویدل علیه أیضا روایة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تسجد علی الذهب ولا الفضة » (4) وصحیحة محمد بن الحسین : إنّ أبا الحسن علیه السلام : کتب إلی بعض أصحابه : « لا تصل علی الزجاج ، وإن حدثتک نفسک أنه مما أنبتت الأرض ، ولکنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (5).

واختلفت الروایة فی جواز السجود علی القیر ، ففی صحیحة زرارة

عدم جواز السجود علی المعدن

ص: 243


1- مصباح المتهجد : 678 ، الوسائل 4 : 1033 أبواب التعقیب ب 16 ح 5 وفیهما عن عبید الله والظاهر اتحادهما ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 77 - 7486 ).
2- مصباح المجتهد : 678 ، الوسائل 4 : 1033 أبواب التعقیب ب 16 ح 6.
3- الفقیه 1 : 177 - 840 ، التهذیب 2 : 234 - 925 ، علل الشرائع : 341 - 1 ، الوسائل 3 : 591 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 1.
4- الکافی 3 : 332 - 9 ، التهذیب 2 : 304 - 1229 ، الوسائل 3 : 604 أبواب ما یسجد علیه ب 12 ح 2.
5- الکافی 3 : 332 - 14 ، التهذیب 2 : 304 - 1231 ، علل الشرائع : 342 - 5 ، الوسائل 3 : 604 أبواب ما یسجد علیه ب 12 ح 1.

______________________________________________________

المتقدمة (1) النهی عنه ، وفی صحیحة معاویة بن عمار الواردة فی الصلاة فی السفینة : « وتصلی علی القیر وتسجد علیه » (2).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار (3) ، والمصنف فی المعتبر (4) بالحمل علی حال الضرورة ، وهو بعید. ولو قیل بالجواز وحمل النهی علی الکراهة أمکن إن لم ینعقد الإجماع علی خلافه.

وقد قطع الأصحاب بجواز السجود علی الخزف حتی إنّ العلامة - رحمه الله - فی التذکرة استدل علی عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود علیه (5). وقال المصنف فی المعتبر بعد أن منع من التیمم علیه لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض : ولا یعارض بجواز السجود لأنه قد یجوز السجود علی ما لیس بأرض کالکاغذ (6). وفیه نظر بیناه فیما سبق. والأولی اجتنابه لما ذکره المصنف من خروجه بالطبخ عن اسم الأرض ، وإن أمکن توجه المنع إلیه ، فإن الأرض المحترقة یصدق علیها اسم الأرض عرفا.

ویمکن أن یستدل علی الجواز أیضا بما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی الحسن علیه السلام : أنه سأله عن الجص یوقد علیه بالعذرة وعظام الموتی ثم یجصص به المسجد أیسجد علیه؟ فکتب إلیه بخطه : « إنّ الماء والنار قد طهراه » (7).

وجه الدلالة أنها تدل بظاهرها علی جواز السجود علی الجص ، والخزف

ص: 244


1- فی ص 241.
2- التهذیب 3 : 295 - 895 ، الوسائل 3 : 600 أبواب ما یسجد علیه ب 6 ح 6.
3- التهذیب 2 : 303 ، والاستبصار 1 : 334.
4- المعتبر 2 : 119.
5- التذکرة 1 : 54.
6- المعتبر 1 : 375.
7- الفقیه 1 : 175 - 829 ، التهذیب 2 : 304 - 1227 ، الوسائل 3 : 602 أبواب ما یسجد علیه ب 10 ح 1.

ولا علی ما ینبت من الأرض إذا کان مأکولا بالعادة ، کالخبز والفواکه ، وفی القطن والکتان روایتان أشهرهما المنع.

______________________________________________________

فی معناه ، وتؤیده الأخبار الکثیرة المتضمنة لجواز السجود علی القرطاس (1) ، وصحیحة معاویة بن عمار المتضمنة لجواز السجود علی القیر (2).

قوله : ( ولا علی ما أنبتت الأرض إذا کان مأکولا بالعادة ، کالخبز والفواکه ).

المراد بکونه مأکولا فی العادة أن یطّرد أکله ، فلو أکل نادرا أو فی محل الضرورة کالعقاقیر التی تجعل فی الأدویة من النباتات التی لم یکثر أکلها لم یعدّ مأکولا. ولو أکل شائعا فی قطر دون غیره امتنع السجود علیه مطلقا ، ویحتمل قویا اختصاص کل قطر بمقتضی عادته. ولو کان له حالتان یؤکل فی إحداهما دون الأخری جاز السجود علیه فی إحداهما ومنع فی الأخری. ولا یعتبر فی المأکول کونه بحیث ینتفع به بالفعل بل یکفی القوة القریبة منه.

وجوز العلاّمة فی التذکرة والمنتهی السجود علی الحنطة والشعیر قبل الطحن ، وعلله فی المنتهی بأنهما غیر مأکولین ، وفی التذکرة بأن القشر حاجز بین المأکول والجبهة (3).

وضعف الوجهین ظاهر ، لأن المأکول لا یخرج عن کونه مأکولا بافتقاره إلی العلاج ، ولجریان العادة بأکلهما غیر منخولین خصوصا الحنطة ، علی أن النخل (4) لا یأتی علی جمیع الأجزاء ، لأن الأجزاء الصغیرة تنزل مع الدقیق فتؤکل ، ولا یقدح أکلها تبعا فی کونها مأکولة ، فالأصح عدم جواز السجود علیهما مطلقا.

قوله : ( وفی القطن والکتان روایتان ، أشهرهما المنع ).

عدم جواز السجود علی المأکول

حکم السجود علی القطن والکتان

ص: 245


1- الوسائل 3 : 600 أبواب ما یسجد علیه ب 7.
2- المتقدمة فی ص 244.
3- التذکرة 1 : 92 ، والمنتهی 1 : 251.
4- فی « م » ، « س » ، « ح » : المنخل.

______________________________________________________

المشهور بین الأصحاب تحریم السجود علی القطن والکتان : سواء کان قبل النسج أم بعده (1). ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - أنه قال فی بعض رسائله : یکره السجود علی الثوب المنسوج من قطن أو کتان کراهیة تنزه وطلب فضل ، لا أنه محظور ومحرّم ، مع أنه ذهب فی الجمل والانتصار إلی المنع ونقل فیه إجماع الطائفة (2). وهو المعتمد.

لنا : قوله علیه السلام فی صحیحة حماد : « السجود علی ما أنبتت الأرض إلا ما أکل أو لبس » (3).

وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أسجد علی الزفت یعنی القیر؟ فقال : « لا ، ولا علی الثوب الکرسف » (4).

وفی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام أنه قال : « لا بأس بالسجود علی الثیاب فی حال التقیة » (5) دلت الروایة علی ثبوت البأس فی السجود علی الثیاب مع عدم التقیة ، وهی تتناول المعمول من القطن والکتان.

ویدل علیه صریحا روایة الفضل بن عبد الملک قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تسجد إلاّ علی الأرض أو ما أنبتت الأرض ، إلاّ القطن والکتان » (6).

احتج المرتضی - رضی الله عنه - بأنه لو کان السجود علی الثوب المنسوج

ص: 246


1- فی « ح » زیادة : بل قال فی المختلف : إنه قول علمائنا أجمع.
2- نقله عنه فی المختلف : 86.
3- المتقدمة فی ص 241.
4- المتقدمة فی ص 241.
5- الفقیه 1 : 176 - 831 ، التهذیب 2 : 235 - 930 ، الإستبصار 1 : 332 - 1244 ، الوسائل 3 : 596 أبواب ما یسجد علیه ب 3 ح 1.
6- الکافی 3 : 330 - 1 ، التهذیب 2 : 303 - 1225 ، الإستبصار 1 : 331 - 1241 ، الوسائل 3 : 592 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 6.

______________________________________________________

من القطن والکتان محرّما محظورا لجری فی القبح ووجوب إعادة الصلاة واستئنافها مجری السجود علی النجاسة ، ومعلوم أن أحدا لا ینتهی إلی ذلک (1).

ویتوجه علیه أولا منع الملازمة ، وثانیا منع بطلان اللازم وإن ادعی أن أحدا لم یذهب إلیه.

ویدل علی الجواز ما رواه الشیخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن داود الصرمی ، قال : سألت أبا الحسن الثالث علیه السلام ، هل یجوز السجود علی القطن والکتان من غیر تقیة؟ فقال : « جائز » (2).

وعن منصور بن حازم ، عن غیر واحد من أصحابه قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنا نکون بأرض باردة یکون فیها الثلج أفنسجد علیه؟ فقال : « لا ، ولکن اجعل بینک وبینه شیئا قطنا أو کتانا » (3).

وعن الحسین بن علیّ بن کیسان الصنعانی قال : کتبت إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام أسأله عن السجود علی القطن والکتان من غیر تقیة ولا ضرورة ، فکتب إلیّ : « ذلک جائز » (4).

وعن یاسر الخادم قال : مرّ بی أبو الحسن علیه السلام وأنا أصلّی علی الطبری (5) وقد ألقیت علیه شیئا أسجد علیه فقال لی : « ما لک لا تسجد علیه؟! ألیس هو من نبات الأرض؟ » (6).

ص: 247


1- رسائل الشریف المرتضی 1 : 174.
2- التهذیب 2 : 307 - 1246 ، الإستبصار 1 : 332 - 1246 ، الوسائل 3 : 595 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 6.
3- التهذیب 2 : 308 - 1247 ، الإستبصار 1 : 332 - 1247 ، الوسائل 3 : 597 أبواب ما یسجد علیه ب 4 ح 7.
4- التهذیب 2 : 308 - 1248 ، الإستبصار 1 : 333 - 1253 ، الوسائل 3 : 595 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 7.
5- الطبری : لعلّه کتان منسوب إلی طبرستان - مجمع البحرین 3 : 376.
6- الفقیه 1 : 174 - 827 ، التهذیب 2 : 308 - 1249 ، الاستبصار 1 : 331 - 1243 ، علل الشرائع : 341 - 4 ، الوسائل 3 : 595 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 5.

ولا یجوز السجود علی الوحل ، فإن اضطرّ أومأ ،

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن الفضیل بن یسار وبرید بن معاویة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا بأس بالقیام علی المصلّی من الشعر والصوف إذا کان یسجد علی الأرض ، فإن کان نبات الأرض فلا بأس بالقیام علیه والسجود علیه » (1).

وأجاب الشیخ عن جمیع هذه الأخبار بالحمل علی حالة الضرورة أو التقیة (2). ورده المصنف فی المعتبر بأن فی روایة الحسین الصنعانی التنصیص علی الجواز مع انتفاء التقیة والضرورة ، واستحسن حمل الأخبار المانعة علی الکراهة (3). وهو محتمل لکن هذه الأخبار لا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة ، فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحیحة الدالة بظاهرها علی المنع (4) المؤیدة بعمل الأصحاب.

قوله : ( ولا یجوز السجود علی الوحل ، فإن اضطر أومأ ).

أما أنه لا یجوز السجود علی الوحل فظاهر ، لخروجه بامتزاجه بالماء عن اسم الأرض ، ولما رواه عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن حد الطین الذی لا یسجد علیه ما هو؟ فقال : « إذا غرقت الجبهة ولم تثبت علی الأرض » (5).

وأما الاکتفاء بالإیماء مع الاضطرار فیدل علیه مضافا إلی أدلة نفی الحرج والضرر روایة عمار أیضا : إنه سأله عن الرجل یصیبه المطر وهو لا یقدر أن

حرمة السجود علی الوحل

ص: 248


1- الکافی 3 : 331 - 5 ، التهذیب 2 : 305 - 1236 ، الإستبصار 1 : 335 - 1260 ، الوسائل 3 : 592 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 5.
2- التهذیب 2 : 308 ، والاستبصار 1 : 331.
3- المعتبر 2 : 119.
4- الوسائل 3 : 594 أبواب ما یسجد علیه ب 2.
5- الکافی 3 : 390 - 13 ، الفقیه 1 : 286 - 1301 ، التهذیب 2 : 312 - 1267 الوسائل 3 : 442 أبواب مکان المصلی ب 15 ح 9.

ویجوز السجود علی القرطاس ،

______________________________________________________

یسجد فیه من الطین ولا یجد موضعا جافا ، قال : « یفتتح الصلاة ، فإذا رکع فلیرکع کما یرکع إذا صلّی ، فإذا رفع رأسه من الرکوع فلیوم بالسجود إیماء وهو قائم (1) ومقتضی الروایة عدم وجوب الجلوس للسجود. لکنها ضعیفة السند ، فالأولی وجوب الجلوس والإتیان من السجود بالممکن ، إذ لا یسقط المیسور بالمعسور.

قوله : ( ویجوز السجود علی القرطاس ).

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل علیه جدی - قدس سره - فی الشرح الإجماع (2) ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل والعمومات صحیحة علیّ بن مهزیار قال : سأل داود بن فرقد أبا الحسن علیه السلام عن القراطیس والکواغذ المکتوبة ، هل یجوز السجود علیها أم لا؟ فکتب : « یجوز » (3).

وصحیحة جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه کره أن یسجد علی قرطاس علیه کتابة (4). ره حتی الإبریسم واعتبر العلاّمة فی التذکرة فیه کونه مأخوذا من غیر الإبریسم ، لأنه لیس بأرض ولا من نباتها (5). وهو تقیید لإطلاق النص من غیر دلیل.

جواز السجود علی القرطاس

ص: 249


1- التهذیب 2 : 312 - 1266 ، الوسائل 3 : 440 أبواب مکان المصلی ب 15 ح 4.
2- المسالک 1 : 26.
3- الفقیه 1 : 176 - 830 ، التهذیب 2 : 309 - 1250 ، الإستبصار 1 : 334 - 1257 ، الوسائل 3 : 601 أبواب ما یسجد علیه ب 7 ح 2.
4- الکافی 3 : 332 - 12 ، التهذیب 2 : 304 - 1232 ، الإستبصار 1 : 334 - 1256 ، الوسائل 3 : 601 أبواب ما یسجد علیه ب 7 ح 3.
5- التذکرة 1 : 92.

ویکره إذا کان فیه کتابة. ولا یسجد علی شی ء من بدنه ، فإن منعه الحرّ عن السجود علی الأرض سجد علی ثوبه ، وإن لم یتمکن فعلی کفّه.

______________________________________________________

ویظهر من الشهید - رحمه الله - فی الذکری التوقف فی هذا الحکم فإنه قال : وفی النفس من القرطاس شی ء من حیث اشتماله علی النورة المستحیلة إلاّ أن نقول : الغالب جوهر القرطاس ، أو نقول : جمود النورة یردّ إلیها اسم الأرض (1).

ولا یخفی ما فی هذین الجوابین من التکلف المستغنی عنه بعد ثبوت الحکم بالروایات الصحیحة المطابقة لمقتضی الأصل ، علی أنه یمکن المناقشة فی عدم جواز السجود علی النورة ، لاقتضاء روایة الحسن بن محبوب الجواز علی الجص (2) ، وهی فی معناه.

قوله : ( ویکره إذا کان فیه کتابة ).

لورود النهی عنه فی صحیحة جمیل بن دراج ، وإنما یکره إذا وقعت الجبهة علی شی ء من القرطاس الخالی من الکتابة إذا کانت بما لا یصح السجود علیه ، ولا عبرة باللون ، ولا فرق فی ذلک بین المبصر وغیره ، لإطلاق النص.

قوله : ( ولا یسجد علی شی ء من بدنه ، فإن منعه الحر عن السجود علی الأرض سجد علی ثوبه ، وإن لم یتمکن فعلی کفیه ).

قد تقدم أنه یعتبر فی المسجد أن یکون أرضا أو نباتها فیجب تحصیلهما مع الإمکان ، ومع الحرّ المانع من ذلک یسجد علی ثوبه إذا لم یجد شیئا یصلح للسجود علیه ، ولو بأن یأخذ شیئا من التراب بیده إلی أن یبرد. ولو لم یکن معه ثوب سجد علی ظهر کفه ، ویدل علی ذلک صحیحة القاسم بن الفضیل قال ، قلت للرضا علیه السلام : جعلت فداک الرجل یسجد علی کمّه من أذی الحرّ والبرد ،

کراهة الصلاة علی المکتوب

حکم السجود علی شئ من البدن

ص: 250


1- الذکری : 160.
2- الکافی 3 : 330 - 3 ، الفقیه 1 : 175 - 829 ، التهذیب 2 : 235 - 928 ، الوسائل 3 : 602 أبواب ما یسجد علیه ب 10 ح 1.

والذی ذکرناه إنما یعتبر فی موضع الجبهة ، لا فی بقیة المساجد.

______________________________________________________

قال : « لا بأس به » (1).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أکون فی السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء علی وجهی کیف أصنع؟ قال : « تسجد علی بعض ثوبک » قلت : لیس علیّ ثوب یمکننی أن أسجد علی طرفه ولا ذیله ، قال : « اسجد علی ظهر کفک فإنها أحد المساجد » (2).

قوله : ( والذی ذکرناه إنما یعتبر فی مسجد الجبهة ، لا فی بقیة المساجد ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة : فروی الفضیل بن یسار وبرید بن معاویة فی الحسن ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا بأس بالقیام علی المصلّی من الشعر والصوف إذا کان یسجد علی الأرض ، فإن کان من نبات الأرض فلا بأس بالقیام علیه والسجود علیه » (3).

وروی حمران فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « کان أبی یصلّی علی الخمرة (4) یجعلها علی الطنفسة (5) ویسجد علیها ، فإذا لم تکن خمرة جعل حصی علی الطنفسة حیث یسجد » (6).

ص: 251


1- التهذیب 2 : 306 - 1241 ، الإستبصار 1 : 333 - 1250 ، الوسائل 3 : 597 أبواب ما یسجد علیه ب 4 ح 2.
2- التهذیب 2 : 306 - 1240 ، الإستبصار 1 : 333 - 1249 ، الوسائل 3 : 597 أبواب ما یسجد علیه ب 4 ح 5.
3- المتقدمة فی ص 248.
4- الخمرة بالضم : سجادة صغیرة تعمل من سعف النخل وتزمّل بالخیوط ، وفی النهایة هی مقدار ما یضع الرجل علیه وجهه فی سجوده ولا تکون خمرة إلاّ هذا المقدار - مجمع البحرین 3 : 292.
5- الطنفسة : هی بکسرتین ، وفی لغة بکسر الطاء والفاء وبضمهما وبکسر الطاء وفتح الفاء : السباط الذی له خمل رقیق ( مجمع البحرین 4 : 82 ).
6- الکافی 3 : 332 - 11 ، التهذیب 2 : 305 - 1234 ، الإستبصار 1 : 335 - 1259 ، الوسائل 3 : 594 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 2.

ویراعی فیه أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ، وأن یکون خالیا من نجاسة.

وإذا کانت النجاسة فی موضع محصور کالبیت وشبهه وجهل موضع النجاسة لم یسجد علی شی ء منه.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا کانت النجاسة فی موضع محصور کالبیت وشبهه وجهل موضع النجاسة لم یسجد علی شی ء منه ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واحتجوا علیه بأن المشتبه بالنجس قد امتنع فیه التمسک بأصالة الطهارة ، للقطع بحصول النجاسة فیما وقع فیه الاشتباه ، فیکون حکمه حکم النجس فی أنه لا یجوز السجود علیه ، ولا الانتفاع به فی شی ء مما یشترط فیه الطهارة.

وفیه نظر ، أما أولا : فلأن أصالة الطهارة إنما امتنع التمسک بها بالنسبة إلی مجموع ما وقع فیه الاشتباه ، لا فی کل جزء من أجزائه ، فإن أیّ جزء فرض من الأجزاء التی وقع فیها الاشتباه مشکوک فی نجاسته بعد أن کان متیقن الطهارة ، والیقین إنما یخرج عنه بیقین مثله ، وقد روی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (1).

وأما ثانیا فلأن ذلک بعینه آت فی غیر المحصور ، فلو تم لاقتضی عدم جواز الانتفاع به فیما یفتقر إلی الطهارة ، وهو معلوم البطلان.

ومن العجب ذهاب جمع من الأصحاب إلی بقاء الملاقی لبعض المحل المشتبه من المحصور علی الطهارة لعدم القطع بملاقاته النجاسة ، وإطباقهم علی المنع من السجود علیه ، مع انتفاء ما یدل علی طهارة محل السجود کما بیناه فیما سبق (2).

حکم اشتباه الموضع النجس بغیره

ص: 252


1- التهذیب 1 : 421 - 1335 ، الاستبصار 1 : 183 : 641 ، علل الشرائع : 361 - 1 ، الوسائل 2 : 1061 أبواب النجاسات ب 41 ح 1.
2- فی ص 225.

ویجوز فی المواضع المتسعة ، دفعا للمشقة.

______________________________________________________

وبالجملة : فالمتجه جواز السجود علی ما لم تعلم نجاسته بعینه ، وعدم نجاسة الملاقی ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

قوله : ( ویجوز فی المواضع المتسعة ، دفعا للمشقة ).

أشار بقوله : « دفعا للمشقة » إلی انتفاء النص علی الفرق بین المواضع المتسعة وغیرها ، وأن عدم وجوب الاجتناب فی المواضع المتسعة إنما هو للمشقة اللازمة من التکلیف باجتنابه. ویشکل بانتفاء المشقة فی کثیر من الصور ، وبأن الدلیل المتقدم الدال علی وجوب الاجتناب فی المحصور جار فی غیره کما بیناه (1) ، والمشقة بمجردها لا تقتضی طهارة ما دل الدلیل علی نجاسته.

والذی یقتضیه النظر عدم الفرق بین المحصور وغیره ، وأنه لا مانع من الانتفاع بالمشتبه فیما یفتقر إلی الطهارة إذا لم یستوعب المباشرة لجمیع ما وقع فیه الاشتباه.

ثم إن قلنا بالفرق فالمراد بغیر المحصور ما کان کذلک فی العادة بمعنی تعسر حصره وعدّه ، لا ما امتنع حصره ، لأن کل ما یوجد من الأعداد فهو قابل للعدّ والحصر. والله تعالی أعلم.

ص: 253


1- فی ص 25.

المقدمة السابعة

فی الأذان والإقامة

والنظر فی أربعة أشیاء :

______________________________________________________

قوله : ( المقدمة السابعة ، فی الأذان والإقامة ).

الأذان لغة : الإعلام ، وفعله : أذن یأذن ، ثم مدّ للتعدیة.

وشرعا : أذکار مخصوصة موضوعة للإعلام بدخول أوقات الصلاة. والإقامة مصدر أقام بالمکان ، والتاء عوض من عین الفعل ، لأن أصله إقوام ، أو مصدر أقام الشی ء بمعنی أدامه ومنه ( یُقِیمُونَ الصَّلاةَ ) .

وشرعا : الأذکار المعهودة عند القیام إلی الصلاة.

وهما من وکید السنن اتفاقا وثوابهما عظیم ، فروی الکلینی فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أذّنت وأقمت صلّی خلفک صفّان من الملائکة ، وإذا أقمت صلّی خلفک صفّ من الملائکة » (1).

وروی الصدوق - رحمه الله - مرسلا : « إن حدّ الصف ما بین المشرق والمغرب » (2).

الأذان والإقامة

استحباب الأذان والإقامة

ص: 254


1- الکافی 3 : 303 - 8 ، الوسائل 4 : 620 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 3.
2- الفقیه 1 : 186 - 887 ، الوسائل 4 : 620 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 6.

______________________________________________________

وروی أیضا عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : « من صلّی بأذان وإقامة صلّی خلفه صفّان من الملائکة لا یری طرفاهما ، ومن صلّی بإقامة صلّی خلفه ملک » (1).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من أذّن فی مصر من أمصار المسلمین سنة وجبت له الجنة » (2).

وفی الصحیح ، عن محمد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « المؤذن یغفر له مدّ صوته ویشهد له کل شی ء سمعه » (3).

وقد أجمع الأصحاب علی أنّ الأذان والإقامة وحی من الله تعالی علی لسان جبرئیل علیه السلام کسائر العبادات ، وأخبارهم به ناطقة.

فروی الکلینی فی الحسن ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لما هبط جبرئیل علیه السلام بالأذان علی رسول الله صلی الله علیه و آله کان رأسه فی حجر علیّ علیه السلام ، فأذّن جبرئیل علیه السلام وأقام ، فلما انتبه رسول الله صلی الله علیه و آله قال : یا علیّ سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : ادع بلالا فعلّمه ، فدعا علیّ علیه

ص: 255


1- الفقیه 1 : 186 - 889 ، ثواب الأعمال : 58 - 1 ، الوسائل 4 : 620 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 5.
2- التهذیب 2 : 283 - 1126 ، الوسائل 4 : 613 أبواب الأذان والإقامة ب 2 ح 1.
3- الکافی 3 : 307 - 28 ، التهذیب 2 : 52 - 175 ، الوسائل 4 : 615 أبواب الأذان والإقامة ب 2 ح 11.

الأول : فیما یؤذن له ویقام ، وهما مستحبان فی الصلوات الخمس المفروضة ، أداء وقضاء ، للمنفرد والجامع ، للرجل والمرأة ، لکن یشترط أن تسرّ ، وقیل : هما شرط فی الجماعة ، والأول أظهر.

______________________________________________________

السلام بلالا فعلّمه » (1).

وفی الحسن ، عن زرارة أو الفضیل ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لما أسری برسول الله صلی الله علیه و آله إلی السماء فبلغ البیت المعمور وحضرت الصلاة ، فأذّن جبرئیل علیه السلام وأقام ، فتقدّم رسول الله صلی الله علیه و آله وصفّ الملائکة والنبیون خلف محمد صلی الله علیه و آله » (2).

وقد أطبق العامة علی نسبته إلی رؤیا عبد الله بن زید فی منامه (3). ولا ریب فی بطلانه ، لأن النزر من الأمور المشروعة مستفاد من الوحی الإلهی فما ظنک بالمهم منها. وقال ابن أبی عقیل : أجمعت الشیعة علی أن الصادق علیه السلام لعن قوما زعموا أن النبی صلی الله علیه و آله أخذ الأذان من عبد الله بن زید فقال : « ینزل الوحی علی نبیکم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زید » (4).

قوله : ( وهما مستحبان فی الصلوات الخمس المفروضة ، أداء وقضاء ، للمنفرد والجامع ، للرجل والمرأة لکن یشترط أن تسرّ ، وقیل : هما شرط فی الجماعة ، والأول أظهر ).

أجمع العلماء کافة علی مشروعیة الأذان والإقامة فی الصلوات الخمس ،

ص: 256


1- الکافی 3 : 302 - 2 ، الوسائل 4 : 612 أبواب الأذان والإقامة ب 1 ح 2.
2- الکافی 3 : 302 - 1 ، التهذیب 2 : 60 - 210 ، الإستبصار 1 : 305 - 1134 ، الوسائل 4 : 612 أبواب الأذان والإقامة ب 1 ح 1.
3- منهم البیهقی فی سننه 1 : 390 ، وابن قدامة فی المغنی 1 : 449.
4- نقله عنه فی الذکری : 168 ، والوسائل 4 : 612 أبواب الأذان والإقامة ب 1 ح 3.

______________________________________________________

واختلف الأصحاب فی استحبابهما أو وجوبهما ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی الخلاف (1) ، والمرتضی فی جواب المسائل الناصریة (2) ، وابن إدریس (3) ، وسلاّر (4) إلی الاستحباب.

وقال الشیخان (5) ، وابن البراج (6) ، وابن حمزة (7) بوجوبهما فی صلاة الجماعة. قال فی المبسوط : ومتی صلّی جماعة بغیر أذان وإقامة لم تحصل فضیلة الجماعة والصلاة ماضیة. وقال أبو الصلاح : هما شرط فی الجماعة (8). وقال المرتضی فی الجمل : تجب الإقامة علی الرجال فی کل فریضة ، والأذان علی الرجال والنساء فی الصبح والمغرب والجمعة ، وعلی الرجال خاصة فی الجماعة (9). وقال ابن أبی عقیل : یجب الأذان فی الصبح والمغرب ، والإقامة فی جمیع الخمس (10). وقال ابن الجنید : یجبان علی الرجال جماعة وفرادی ، سفرا وحضرا ، فی الصبح والمغرب والجمعة ، وتجب الإقامة فی باقی المکتوبات قال : وعلی النساء التکبیر والشهادتان فقط (11). والمعتمد الاستحباب مطلقا.

لنا : التمسک بالأصل فإن مقتضاه عدم الوجوب ، وما روی فی الصحیح من تعلیم الصادق علیه السلام لحمّاد الصلاة ، وإنه علیه السلام قام مستقبل القبلة منتصبا ، واستقبل بأصابع رجلیه جمیعا القبلة وقال بخشوع : « الله أکبر »

ص: 257


1- الخلاف 1 : 92.
2- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 191.
3- السرائر : 43.
4- المراسم : 67.
5- المفید فی المقنعة : 15 ، والشیخ فی النهایة : 64 ، والمبسوط 1 : 95.
6- المهذب 1 : 88 ، وشرح الجمل : 79.
7- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.
8- الکافی فی الفقه : 143.
9- جمل العلم والعمل : 57.
10- نقله عنه فی التذکرة 1 : 108.
11- نقله عنه فی المختلف : 87.

______________________________________________________

ثم قرأ الحمد بترتیل ، الحدیث (1). ولو کان الأذان والإقامة واجبین لذکرا فی مقام البیان.

ویدل علی استحباب الأذان صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : إنه سأله عن رجل نسی الأذان والإقامة حتی دخل فی الصلاة ، قال : « فلیمض علی صلاته فإنما الأذان سنة » (2) والظاهر من معنی السنة : الندب.

وصحیحة عبید الله بن علیّ الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن أبیه : « إنه کان إذا صلّی وحده فی البیت أقام إقامة ولم یؤذّن » (3).

وروی الحلبی أیضا فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل ، هل یجزیه فی السفر والحضر إقامة لیس معها أذان؟ قال : « نعم لا بأس به » (4).

وصحیحة عمر بن یزید قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الإقامة بغیر أذان فی المغرب فقال : « لیس به بأس ، وما أحب أن یعتاد » (5).

ومقتضی هذه الروایات استحباب الأذان فی کل المواطن. قال فی المختلف : وإذا کان الأذان مستحبا فی کل موضع فکذا الإقامة ، وإلاّ لزم خرق الإجماع (6).

ص: 258


1- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، أمالی الصدوق : 337 - 13 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
2- التهذیب 2 : 285 - 1139 ، الإستبصار 1 : 304 - 1130 ، الوسائل 4 : 656 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 1.
3- التهذیب 2 : 50 - 165 ، الوسائل 4 : 622 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 6.
4- التهذیب 2 : 51 - 171 ، الوسائل 4 : 622 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 3.
5- التهذیب 2 : 51 - 169 ، الإستبصار 1 : 300 - 1108 ، الوسائل 4 : 624 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 6.
6- المختلف : 88.

______________________________________________________

احتج الشیخ فی التهذیب علی وجوب الأذان فی الجماعة بما رواه عن القاسم بن محمد ، عن علیّ بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته أیجزی أذان واحد؟ قال : « إذا صلّیت جماعة لم یجز إلاّ أذان وإقامة ، وإن کنت وحدک تبادر أمرا تخاف أن یفوتک یجزئک إقامة إلاّ الفجر والمغرب فإنه ینبغی أن تؤذّن فیهما وتقیم ، من أجل أنه لا یقصر فیهما کما یقصر فی سائر الصلوات » (1).

والجواب أولا بالطعن فی السند ، فإن القاسم بن محمد ، وعلیّ بن أبی حمزة واقفیان ، بل قال النجاشی : إن علیّ بن أبی حمزة أحد عمد الواقفیة (2). وقال ابن الغضائری : إنه أصل الوقف وأشد الخلق عداوة للرضا علیه السلام (3). وأبو بصیر هذا هو یحیی بن القاسم وهو ضعیف (4) ، وما هذا شأنه لا یمکن التمسک به فی إثبات حکم مخالف للأصل ، خصوصا فیما نحن فیه ، فإنه مما تعم به البلوی وتدعو الحاجة إلیه.

وثانیا بأنه یحتمل تنزیلها علی الاستحباب ، فإن الإجزاء کما یجوز أن یکون المراد به الإجزاء فی الصحة یحتمل الإجزاء فی الفضیلة ، ودل علی ذلک قوله : « وإن کنت وحدک تبادر أمرا تخاف أن یفوتک یجزئک إقامة » وهذا التنزیل لازم للشیخ - رحمه الله - حیث لا یقول بوجوب الإقامة.

وقد أجمع الأصحاب علی مشروعیة الأذان للنساء ، ویدل علیه ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، قال : « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال : « حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تکبّر

ص: 259


1- الکافی 3 : 303 - 9 ، التهذیب 2 : 50 - 163 ، الإستبصار 1 : 299 - 1105 ، الوسائل 4 : 624 أبواب الأذان والإقامة ب 7 ح 1.
2- رجال النجاشی : 175.
3- نقله عنه العلامة فی خلاصته : 232.
4- راجع رجال الطوسی : 333 ، 364 ، وخلاصة العلامة : 264.

______________________________________________________

وأن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله » (1).

ولا یتأکد فی حقهن ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة أعلیها أذان وإقامة؟ فقال : « لا » (2). وفی الصحیح ، عن زرارة ، قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : النساء علیهن أذان؟ فقال : « إذا شهدت الشهادتین فحسبها » (3).

ویجوز أن تؤذّن للنساء ویعتددن به ، قال فی المعتبر : وعلیه علماؤنا ، لما روی من جواز إمامتها لهن (4) ، وإذا جاز أن تؤمهن جاز أن تؤذّن لهنّ ، لأن منصب الإمامة أتم (5).

ولو أذّنت للمحارم فکالأذان للنساء فی الاعتداد ، لجواز الاستماع. أما الأجانب فقد قطع الأکثر بأنهم لا یعتدّون به ، لأنها إن أجهرت فهو منهی عنه ، والنهی یدل علی الفساد ، وإن أخفت عنهم لم یجتزأ به لعدم السماع. وظاهر المبسوط الاعتداد به ، قال : لأنه لا مانع منه (6). وکأنه بناء علی أن صوتها لیس بعورة فلا یحرم علی الأجانب سماعه.

ویمکن تطرّق الإشکال إلی اعتداد الرجال بأذانهن علی هذا التقدیر أیضا ، لتوقف العبادة علی التوقیف ، وعدم ورود النقل بذلک.

وقول المصنف : « بشرط أن تسرّ به » یرید به أن لا تسمع صوتها الأجانب ، فلو أجهرت علی وجه لا یحصل معه ذلک فلا محذور فیه.

ص: 260


1- التهذیب 2 : 58 - 202 ، الوسائل 4 : 637 أبواب الأذان والإقامة ب 14 ح 1.
2- الکافی 3 : 305 - 18 ، التهذیب 2 : 57 - 200 ، الوسائل 4 : 637 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 3.
3- التهذیب 2 : 57 - 201 ، الوسائل 4 : 637 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 2.
4- التهذیب 3 : 31 - 111 ، الإستبصار 1 : 426 - 1644 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 11.
5- المعتبر 1 : 126.
6- المبسوط 1 : 97.

ویتأکدان فیما یجهر فیه ، وأشدهما فی الغداة والمغرب. ولا یؤذّن لشی ء من النوافل ، ولا لشی ء من الفرائض عدا الخمس ، بل یقول المؤذن : الصلاة ثلاثا.

______________________________________________________

قال فی الذکری : وفی حکم المرأة الخنثی فیؤذن للمحارم من الرجال والنساء ، ولأجانب النساء لا لأجانب الرجال (1).

قوله : ( ویتأکدان فیما یجهر به ، وأشدهما فی الغداة والمغرب ).

أما تأکدهما فی الجهریة فلم نقف علی مستنده ، وأسنده فی المعتبر إلی الشیخ ، ووجّهه بأن فی إیجاب الجهر دلالة علی اعتناء الشارع بالتنبیه علیها ، وفی الأذان زیادة تنبیه فیتأکد فیها (2). ولا یخفی ما فیه.

وأما التأکد فی الغداة والمغرب فلقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « یجزیک فی الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة والمغرب » (3) وفی روایة الصباح بن سیابة : « لا تدع الأذان فی الصلوات کلها ، فإن ترکته فلا تترکه فی المغرب والفجر فإنه لیس فیهما تقصیر » (4).

قوله : ( ولا یؤذن لشی ء من النوافل ، ولا لشی ء من الفرائض عدا الخمس ، بل یقول المؤذن : الصلاة ثلاثا ).

أما أنه لا یؤذّن لغیر الخمس فقال فی المعتبر : إنه مذهب علماء الإسلام (5). ویدل علیه أن الأذان وظیفة شرعیة فتتوقف کیفیته ومحله علی توقیف الشارع ، والمنقول عنه فعله فی الصلوات الخمس فیکون منفیا فی غیرها.

سقوط الأذان فیما عدا الفرائض الخمس

ص: 261


1- الذکری : 172.
2- المعتبر 2 : 135.
3- التهذیب 2 : 51 - 168 ، الإستبصار 1 : 300 - 1107 ، الوسائل 4 : 624 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 4.
4- التهذیب 2 : 49 - 161 ، الإستبصار 1 : 299 - 1104 ، الوسائل 4 : 623 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 3.
5- المعتبر 2 : 135.

وقاضی الصلاة الخمس یؤذّن لکل واحدة ویقیم ، ولو أذّن للأولی من ورده ثمّ أقام للبواقی کان دونه فی الفضل.

______________________________________________________

وأما استحباب قول المؤذن فی غیر الخمس (1) : « الصلاة » ثلاثا فلم نقف علی روایة تدل علیه ، والذی وقفت علیه فی ذلک من الأخبار روایة إسماعیل الجعفی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أرأیت صلاة العیدین هل فیهما أذان وإقامة؟ قال : « لیس فیهما أذان ولا إقامة ، ولکنه ینادی : الصلاة ثلاث مرات » (2) وهی کما تری مختصة بصلاة العیدین فتعمیم الاستحباب مشکل ، لأن العبادات إنما تستفاد بتوقیف الشارع وإلاّ کانت بدعة.

ویجوز فی لفظ : « الصلاة » الأولی والثانیة النصب علی حذف العامل وهو احضروا وشبهه ، والرفع علی حذف المبتدأ أو الخبر.

قوله : ( وقاضی الصلوات الخمس یؤذّن لکل واحدة ویقیم ، ولو أذّن للأولی من ورده ثم أقام للبواقی کان دونه فی الفضل ).

أما استحباب الأذان والإقامة لکل صلاة فاستدل علیه فی المنتهی (3) بقوله علیه السلام : « من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته » (4) وقد کان من حکم الفائتة استحباب تقدیم الأذان والإقامة علیها فکذا قضاؤها. وبروایة عمار الساباطی قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل یعید الأذان والإقامة؟ قال : « نعم » (5). وفی الروایتین ضعف فی السند ، وقصور من حیث الدلالة.

ص: 262


1- فی « ح » زیادة : من الفرائض والنوافل.
2- الفقیه 1 : 322 - 1473 ، التهذیب 3 : 290 - 873 ، الوسائل 5 : 101 أبواب صلاة العید ب 7 ح 1.
3- المنتهی 1 : 260.
4- الکافی 3 : 435 - 7 ، التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلاة ب 6 ح 1.
5- التهذیب 3 : 167 - 367 ، الوسائل 5 : 361 أبواب قضاء الصلاة ب 8 ح 2.

ویصلی یوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة ، والعصر بإقامة ،

______________________________________________________

وأما الاجتزاء بالأذان والإقامة للأولی ثم الإقامة للبواقی فلقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا نسیت صلاة أو صلّیتها بغیر وضوء وکان علیک قضاء صلوات فابدأ بأوّلهن وأذّن لها وأقم ثم صلّها ، ثم صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لکل صلاة » (1).

وحکی الشهید فی الذکری (2) قولا بأن الأفضل ترک الأذان لغیر الأولی ، لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله شغل یوم الخندق عن أربع صلوات فأمر بلالا فأذّن للأولی وأقام ، ثم أقام للبواقی من غیر أذان (3). وهو حسن. بل لو قیل بعدم مشروعیة الأذان لغیر الأولی من الفوائت مع الجمع بینها کان وجها قویا ، لعدم ثبوت التعبد به علی هذا الوجه.

وذکر الشهید فی الدروس أن استحباب الأذان للقاضی لکل صلاة ینافی سقوطه عمن جمع فی الأداء (4). وهو غیر جید ، لعدم المنافاة بین الحکمین لو ثبت دلیلهما. ثم احتمل کون الساقط مع الجمع أذان الإعلام دون الأذان الذکری. وهو احتمال بعید ، لأن الأذان عبادة مخصوصة مشتملة علی الأذکار وغیرها ، ولا ینحصر مشروعیته فی الإعلام بالوقت ، إذ قد ورد فی کثیر من الروایات أنّ من فوائده دعاء الملائکة إلی الصلاة (5). وکیف کان فهو وظیفة شرعیة فیتوقف علی النقل ، ومتی انتفی سقط التوظیف مطلقا ، وأما الفرق بین الأذان الذکری وغیره فلا أعرف له وجها.

قوله : ( ویصلّی یوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة والعصر بإقامة ).

اختلف الأصحاب فی أذان العصر یوم الجمعة ، فأطلق الشیخ فی المبسوط

سقوط الأذان لعصر الجمعة وعرفة

ص: 263


1- الکافی 3 : 291 - 1 ، التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1.
2- الذکری : 174.
3- مسند أحمد 1 : 375 ، سنن النسائی 2 : 17.
4- الدروس : 32.
5- الوسائل 4 : 619 أبواب الأذان والإقامة ب 4.

______________________________________________________

سقوطه (1) ، وهو ظاهر اختیار المفید - رحمه الله - فی المقنعة علی ما نقله الشیخ فی التهذیب (2). وقال فی النهایة : إنه غیر جائز (3). وقال ابن إدریس : إنما یسقط أذان العصر عمن صلّی الجمعة دون من صلّی الظهر ، ونقل عن ابن البراج ، والمفید فی الأرکان أنهما استحبا الأذان لعصر یوم الجمعة کغیره من الأیام (4). وهو اختیار المفید فی المقنعة علی ما وجدته فیها ، فإنه قال بعد أن أورد تعقیب الأولی : ثم قم فأذّن للعصر وأقم الصلاة (5). وإلی هذا القول ذهب شیخنا المعاصر سلمه الله (6) ، وهو المعتمد ، لإطلاق الأمر الخالی من التقیید.

احتج الشیخ فی التهذیب علی ما حکاه من کلام المقنعة المتضمن للسقوط بما رواه فی الصحیح ، عن ابن أذینة ، عن رهط منهم الفضیل وزرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله جمع بین الظهر والعصر بأذان وإقامتین ، وجمع بین المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتین » (7) وعن حفص بن غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : « الأذان الثالث یوم الجمعة بدعة » (8).

ویتوجه علیه أن الروایة الأولی إنما تدل علی جواز ترک الأذان للعصر والعشاء مع الجمع بین الفرضین فی یوم الجمعة وغیره ، وهو خلاف المدعی.

وأما الروایة الثانیة فضعیفة السند (9) ، قاصرة المتن ، فلا تصلح لمعارضة

ص: 264


1- المبسوط 1 : 151.
2- التهذیب 3 : 18.
3- النهایة : 107.
4- السرائر : 67.
5- المقنعة : 26.
6- مجمع الفائدة 2 : 165.
7- التهذیب 3 : 18 - 66 ، الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان والإقامة ب 36 ح 2.
8- الکافی 3 : 421 - 5 ، التهذیب 3 : 19 - 67 ، الوسائل 5 : 81 أبواب صلاة الجمعة ب 49 ح 1.
9- لأن حفص بن غیاث عامی ( راجع رجال الشیخ : 118 ، والفهرست : 61 ).

______________________________________________________

الأخبار الصحیحة المتضمنة لمشروعیة الأذان فی الصلوات الخمس (1). وقد حملها المصنف (2) وغیره (3) علی أن المراد بالأذان الثالث الأذان الثانی للجمعة ، لأن النبی صلی الله علیه و آله شرّع للصلاة أذانا وإقامة ، فالزیادة ثالث (4).

احتج ابن إدریس بأن الإجماع منعقد علی استحباب الأذان لکل صلاة من الخمس ، خرج عنه المجمع علیه وهو من صلّی الجمعة ، فیبقی الباقی علی العموم (5).

ویرد علیه منع الإجماع علی السقوط مع صلاة الجمعة ، لتصریح بعض الأصحاب بالاستحباب مطلقا کما نقلناه ، واحتمال المشارک له فی الفتوی.

ولو جمع المسافر أو الحاضر بین الفرضین کان له ترک الأذان للثانیة ، لروایة الرهط المتقدمة. وقیل : إن الجمع إن کان فی وقت فضیلة الأولی أذّن لها وأقام ، ثم أقام للثانیة من غیر أذان ، وإن کان فی وقت فضیلة الثانیة أذّن لها ثم أقام للأولی وصلاّها ثم أقام للثانیة (6).

والروایات لا تعطی هذا التفصیل ، بل المستفاد منها سقوط الأذان للثانیة مطلقا (7) ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی المبسوط (8). وذکر الشهید فی الذکری : إن الساقط مع الجمع الغیر المستحب أذان الإعلام ویبقی أذان الذکر والإعظام (9). وهو غیر واضح کما بیناه.

ص: 265


1- الوسائل 4 : 619 أبواب الأذان والإقامة ب 4.
2- المعتبر 2 : 296.
3- کالعلامة فی المنتهی 1 : 336.
4- فی « ح » زیادة : وهو تکلف مستغن عنه.
5- السرائر : 67.
6- کما فی الذکری : 174 ، وجامع المقاصد 1 : 100.
7- الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان والإقامة ب 36.
8- المبسوط 1 : 96.
9- الذکری : 174.

وکذا الظهر والعصر بعرفة.

ولو صلی الإمام جماعة وجاء آخرون لم یؤذنوا ولم یقیموا [ علی ] کراهیّة ، ما دامت الأولی لم تتفرق ، فإن تفرقت صفوفهم أذّن الآخرون وأقاموا.

______________________________________________________

قوله : ( وکذا الظهر والعصر بعرفة ).

أی : یصلّی الظهر بأذان وإقامة ، والعصر بإقامة. وقد ورد بذلک روایات ، منها : ما رواه ابن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « السنة فی الأذان یوم عرفة أن یؤذّن ویقیم للظهر ثم یصلّی ، ثم یقوم فیقیم للعصر بغیر أذان ، وکذلک المغرب والعشاء بمزدلفة » (1).

وهل سقوط الأذان هنا علی سبیل الرخصة أو الکراهة أو التحریم؟ أوجه ذهب إلی کلّ منها ذاهب. والأصح التحریم کما اختاره العلاّمة فی المنتهی (2) ، والشهید فی البیان (3) ، لأنه مخالف للسنة فیکون بدعة ، وقد صح عن الصادق علیه السلام أنه قال : « کل بدعة ضلالة ، وکل ضلالة سبیلها إلی النار » (4).

قوله : ( ولو صلی الإمام جماعة وجاء آخرون لم یؤذنوا ولم یقیموا ما دامت الأولی لم تتفرق ، فإن تفرقت صفوفهم أذّن الآخرون وأقاموا ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (5) وجمع من الأصحاب ، واستدلوا علیه بروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : الرجل یدخل المسجد وقد صلّی القوم أیؤذّن ویقیم؟ قال : « إن کان دخل ولم یتفرق الصف صلّی بأذانهم وإقامتهم ، وإن کان تفرق الصف أذّن وأقام » (6) والحکم بسقوط الأذان

سقوط الأذان والإقامة عمن أدرک الجماعة

ص: 266


1- التهذیب 2 : 282 - 1122 ، الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان والإقامة ب 36 ح 1.
2- المنتهی 1 : 261.
3- البیان : 72.
4- الکافی 1 : 56 - 8 ، الوسائل 11 : 512 أبواب الأمر والنهی ب 40 ح 10.
5- النهایة : 65 ، والمبسوط 1 : 98.
6- التهذیب 2 : 281 - 1120 ، الوسائل 4 : 653 أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 2.

وإذا أذّن المنفرد ثم أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة.

______________________________________________________

عن المصلّی الثانی وقع فی الروایة معلّقا علی عدم تفرق الصف ، وهو إنما یتحقق ببقاء جمیع المصلین.

وقیل (1) : یکفی فی سقوط الأذان عن المصلّی الثانی بقاء معقّب واحد من المصلین ، لما رواه الشیخ ، عن الحسین بن سعید ، عن أبی علیّ ، قال : کنا عند أبی عبد الله علیه السلام فأتاه رجل فقال : جعلت فداک صلینا فی المسجد الفجر وانصرف بعضنا وبقی بعض فی التسبیح فدخل علینا رجل فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلک ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « أحسنت ادفعه عن ذلک وامنعه أشد المنع » فقلت : فإن دخلوا فأرادوا أن یصلّوا فیه جماعة؟ قال : « یقومون فی ناحیة المسجد ولا یبدر بهم إمام » (2).

وعندی فی هذا الحکم من أصله توقف ، لضعف مستنده باشتراک راوی الأولی بین الثقة والضعیف ، وجهالة راوی الثانیة ، فلا یسوغ التعلق بهما. ثم لو سلمنا العمل بهما لوجب اختصاص الحکم بالصلاة الواقعة فی المسجد کما ذکره فی النافع (3) والمعتبر (4) ، لأنه مدلول الروایتین ، ولجواز أن تکون الحکمة فی السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترک ما یوجب الحث علی الاجتماع ثانیا.

قوله : ( ولو أذّن المنفرد ثم أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ فی النهایة والمبسوط (5) ، وأتباعه ، واستدلوا علیه بروایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسئل عن الرجل یؤذّن ویقیم لیصلّی وحده فیجی ء رجل آخر فیقول له : نصلّی جماعة ، هل یجوز

إعادة الأذان والإقامة لمن عدل إلی الصلاة جماعة

ص: 267


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 100 ، وروض الجنان : 241.
2- التهذیب 3 : 55 - 190 ، الوسائل 5 : 466 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 2.
3- المختصر النافع : 27.
4- المعتبر 2 : 136.
5- النهایة : 65 ، المبسوط 1 : 98.

______________________________________________________

أن یصلیا بذلک الأذان والإقامة؟ قال : « لا ، ولکن یؤذّن ویقیم » (1) وهی ضعیفة السند بجماعة من الفطحیة ، لکن قال فی المعتبر : إن مضمونها استحباب تکرار الأذان والإقامة ، وهو ذکر الله ، وذکر الله حسن (2). ثم استقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة الواقعتین بنیة الانفراد ، وأید ذلک بما رواه صالح بن عقبة ، عن أبی مریم الأنصاری ، قال : صلّی بنا أبو جعفر علیه السلام فی قمیص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فلما انصرف قلت له : عافاک الله صلّیت بنا فی قمیص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة؟ فقال : « إن قمیصی کثیف فهو یجزئ أن لا یکون علیّ إزار ولا رداء ، وإنی مررت بجعفر وهو یؤذّن ویقیم فلم أتکلم فأجزأنی ذلک » (3) قال : وإذا اجتزأ بأذان غیره مع الانفراد فبأذانه أولی.

وأجاب عنه فی الذکری بأن ضعف السند لا یضر مع الشهرة فی العمل والتلقی بالقبول ، قال : والاجتزاء بأذان غیره لکونه صادف نیة السامع للجماعة فکأنه أذان للجماعة بخلاف الناوی بأذانه الانفراد (4).

ویشکل بما بیناه مرارا من أنّ مثل هذه الشهرة لا یقتضی تسویغ العمل بالخبر الضعیف ، وأن ظاهر الخبر ترتب الإجزاء علی سماع الأذان من غیر مدخلیة لما عدا ذلک فیه ، لکن الروایة ضعیفة جدا بصالح بن عقبة فقد قیل : إنه کان کذّابا غالیا لا یلتفت إلیه (5). ومع ذلک فلیس فیها تصریح بکون جعفر علیه السلام منفردا.

ص: 268


1- الکافی 3 : 304 - 13 ، الفقیه 1 : 258 - 1168 ، التهذیب 2 : 277 - 1101 ، الوسائل 4 : 655 أبواب الأذان والإقامة ب 27 ح 1.
2- المعتبر 2 : 137.
3- التهذیب 2 : 280 - 1113 ، الوسائل 4 : 659 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 2.
4- الذکری : 174.
5- کما فی خلاصة العلامة : 230.

الثانی : فی المؤذن ، ویعتبر فیه : الإسلام ، والذکورة.

______________________________________________________

والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم کما اختاره فی المعتبر (1) ، ولعل الإعادة أولی.

قوله : ( الثانی : فی المؤذّن ویعتبر فیه : العقل ، والإسلام ).

هذا مذهب العلماء کافة ، لأن المجنون لا حکم لعبارته (2) ، والکافر لیس أهلا للأمانة ، والمؤذنون أمناء ، لقول النبی صلی الله علیه و آله : « الإمام ضامن ، والمؤذّن مؤتمن » (3) ولما رواه عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یجوز أن یؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف » (4).

ولا منافاة بین الحکم بالکفر وتلفظه بالشهادتین ، لأن المتلفظ بهما قد لا یکون عارفا بمعناهما کالأعجمی ، أو یکون مستهزئا ، أو حاکیا ، أو متأولا عدم عموم النبوة. ولو علم اعتقاده مضمون کلمتی الشهادة حکم بإسلامه قطعا ، ولا یعتد بذلک الأذان ، لوقوع أوله فی الکفر.

والأصح اشتراط الإیمان أیضا ، لبطلان عبادة المخالف ، ولروایة عمار السابقة ، فإن الظاهر أن المراد بالمعرفة الواقعة فیها الإیمان.

قوله : ( والذکورة ).

جعل الذکورة من جملة الشرائط المعتبرة فی المؤذّن غیر مستقیم علی إطلاقه ، لأن أذان المرأة صحیح اتفاقا ، وتعتد به النساء والمحارم ، بل والأجانب أیضا علی ما قطع به فی المبسوط (5) ، وإن کان الأظهر خلافه ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ما یعتبر فی المؤذن

ص: 269


1- المعتبر 2 : 137.
2- فی « م » ، « س » : عبادته.
3- مسند أحمد 2 : 232 ، سنن أبی داود 1 : 143 - 517.
4- الکافی 3 : 304 - 13 ، التهذیب 2 : 277 - 1101 ، الوسائل 4 : 654 ، أبواب الأذان والإقامة ب 26 ح 1.
5- المبسوط 1 : 97.

ولا یشترط البلوغ بل یکفی کونه ممیزا.

ویستحب أن یکون عدلا ، صیّتا ، مبصرا ، بصیرا بالأوقات ، متطهرا ، قائما علی مرتفع.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یشترط البلوغ ، بل یکفی کونه ممیزا ).

أی لا یشترط فی الاعتداد بالأذان فی الصلاة ، وقیام الشعار به فی البلد صدوره من بالغ ، بل یکفی کونه ممیزا ، وهو اتفاق علمائنا ، قاله فی المعتبر (1) ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « ولا بأس أن یؤذّن الغلام الذی لم یحتلم » (2) أما غیر الممیز فلا یعتد بأذانه قطعا ، لأنه لا حکم لعبارته (3).

والمرجع فی التمییز إلی العرف ، لأنه المحکّم فی مثله ، وذکر جدی - قدس سره - فی روض الجنان أن المراد بالممیز من یعرف الأضرّ من الضارّ والأنفع من النافع إذا لم یحصل بینهما التباس بحیث یخفی علی غالب الناس (4). وهو مع عدم وضوح مأخذه رد إلی الجهالة.

قوله : ( ویستحب أن یکون عدلا ، صیّتا ، مبصرا ، بصیرا بالأوقات ، متطهرا ، قائما علی مرتفع ).

یستحب فی المؤذّن المنصوب فی البلد أن یکون متصفا بأمور :

أحدها : العدالة ، لقوله صلی الله علیه و آله : « یؤذّن لکم خیارکم » (5) وقوله علیه السلام : « المؤذن مؤتمن » (6) ولأنه ربما قلده ذوو الأعذار إذا کان

ص: 270


1- المعتبر 2 : 125.
2- التهذیب 2 : 280 - 1112 ، الوسائل 4 : 661 أبواب الأذان والإقامة ب 32 ح 1.
3- فی « م » ، « ح » : لعبادته.
4- روض الجنان : 243.
5- الفقیه 1 : 185 - 880 ، الوسائل 4 : 640 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 3.
6- التهذیب 2 : 282 - 1121 ، الوسائل 4 : 618 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 2.

______________________________________________________

کذلک (1) ، بل قیل بجواز التعویل علیه مطلقا (2) (3). وقد قطع ( المصنف وأکثر ) (4) الأصحاب بالاعتداد بأذان الفاسق ، لأنه یصح منه الأذان الشرعی لنفسه ، لکونه عاقلا کاملا فیعتبر أذانه ، عملا بإطلاق الأمر بالأذان والاعتداد به للسامع. ونقل عن ابن الجنید أنه منع من الاعتداد بأذان الفاسق (5) ، وهو ضعیف.

ثانیها : أن یکون صیّتا لیعم النفع به ویتم الغرض المقصود منه. ویستحب مع ذلک أن یکون حسن الصوت لتقبل القلوب علی سماعه ، وروی عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان حائط مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله قامة ، فکان علیه السلام یقول لبلال : « إذا دخل الوقت اعل فوق الجدار وارفع صوتک بالأذان ، فإن الله عزّ وجلّ قد وکّل بالأذان ریحا ترفعه إلی السماء ، فإن الملائکة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا : هذه أصوات أمة محمد صلی الله علیه و آله بتوحید الله عزّ وجلّ ، ویستغفرون لأمة محمد صلی الله علیه و آله حتی یفرغوا من تلک الصلاة » (6).

ثالثها : أن یکون مبصرا ، لیتمکن من معرفة الأوقات. ولو أذّن الأعمی بمسدّد جاز واعتد به ، لما روی أنّ ابن أمّ مکتوم الأعمی کان یؤذّن للنبی صلی الله علیه و آله ، وکان لا ینادی حتی یقال له : أصبحت أصبحت (7).

رابعها : أن یکون بصیرا بالأوقات عارفا بها لیأمن الغلط ، ولو أذّن

ص: 271


1- فی « ح » زیادة : عند المصنف ومن قال بمقالته.
2- کما فی التذکرة 1 : 107 ، وجامع المقاصد 1 : 100.
3- فی « ح » زیادة : وأفاد قوله العلم مع انضمام القرائن أو مطلقا.
4- ما بین القوسین لیس فی « س ».
5- المختلف : 90.
6- الکافی 3 : 307 - 31 ، التهذیب 2 : 58 - 206 ، المحاسن : 48 - 67 ، الوسائل 4 : 640 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 7.
7- الدعائم 1 : 147 ، صحیح البخاری 1 : 160.

______________________________________________________

الجاهل فی الوقت جاز واعتد به إجماعا (1).

خامسها : أن یکون متطهرا من الحدثین ، لقوله علیه السلام : « حق وسنّة أن لا یؤذّن أحد إلاّ وهو طاهر » (2) ولأنه من سنن الصلاة فاستحب فیه الطهارة کالتوجه ، قال فی المعتبر : وعلیه فتوی العلماء (3). ولا یجب ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « لا بأس أن تؤذّن وأنت علی غیر طهر ، ولا تقیم إلاّ وأنت علی وضوء » (4).

ویستفاد من هذه الروایة اشتراط الطهارة فی الإقامة ، وهو اختیار المرتضی - رضی الله عنه - فی المصباح (5) ، والعلاّمة فی المنتهی (6). وقال فی التذکرة بعدم الاشتراط تمسکا بمقتضی الأصل (7).

سادسها : أن یکون قائما علی مرتفع ، لأنه أبلغ فی رفع الصوت فیکون النفع به أعم ، ولما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه کان یقول لبلال : « إذا دخل الوقت اعل فوق الجدار وارفع صوتک بالأذان » (8) والظاهر عدم استحباب فعله فی المنارة علی الخصوص ، لعدم ورود النقل به ، ولما رواه علیّ بن جعفر ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الأذان فی المنارة أسنّة هو؟ فقال : « إنما کان یؤذّن للنبی صلی الله علیه و آله فی الأرض ولم تکن یومئذ منارة » (9).

ص: 272


1- فی « س » : وأعتد به مطلقا.
2- کنز العمال 8 : 343 - 23180.
3- المعتبر 2 : 127.
4- التهذیب 2 : 53 - 179 ، الوسائل 4 : 627 أبواب الأذان والإقامة ب 9 ح 3 ، بتفاوت یسیر بین المصادر.
5- نقله عنه فی المعتبر 2 : 128.
6- المنتهی 1 : 258.
7- التذکرة 1 : 107.
8- المتقدمة فی ص 271.
9- التهذیب 2 : 284 - 1134 ، الوسائل 4 : 640 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 6.

ولو أذّنت المرأة للنساء جاز. ولو صلی منفردا ولم یؤذن ساهیا رجع إلی الأذان مستقبلا صلاته ما لم یرکع ، وفیه روایة أخری.

______________________________________________________

وقیل : یستحب ، لأنه قد ثبت وضع المنارة فی الجملة ، ولولا الأذان فیها لکان عبثا (1). ویتوجه علیه منع حصول الوضع ممن یعتد بفعله.

قوله : ( ولو صلّی منفردا ولم یؤذن ساهیا رجع إلی الأذان مستقبلا صلاته ما لم یرکع ، وفیه روایة أخری ).

اختلف الأصحاب فی تارک الأذان والإقامة حتی یدخل فی الصلاة ، فقال السید المرتضی فی المصباح (2) ، والشیخ فی الخلاف (3) ، وأکثر الأصحاب : یمضی فی صلاته إن کان متعمدا ، ویستقبل صلاته ما لم یرکع إن کان ناسیا.

وقال الشیخ فی النهایة بالعکس (4) ، واختاره ابن إدریس (5). وأطلق فی المبسوط الاستئناف ما لم یرکع (6). والمعتمد الأول.

أما وجوب الاستمرار مع العمد فلعموم ما دل علی تحریم قطع الصلاة ، ترک العمل به مع النسیان ، عملا بما سنورده من الأخبار ، فیبقی فی العمد سلیما عن المعارض.

ولنا أیضا ما تقدم من استحباب الأذان وجواز ترکه اختیارا ، ولو قلنا بوجوبه لم یتوجه الاستئناف أیضا وإن أثم بالإخلال به ، لخروجه عن حقیقة الصلاة.

وأما أنه یستقبل مع النسیان إذا ذکر قبل الرکوع فیدل علیه صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا افتتحت الصلاة فنسیت أن

رجوع تارک الأذان سهوا

ص: 273


1- کما فی المختلف : 88.
2- نقله عنه فی المعتبر 2 : 129 ، وإیضاح الفوائد 1 : 97.
3- نقله عنه فی المعتبر 2 : 129.
4- النهایة : 65.
5- السرائر : 43.
6- المبسوط 1 : 95.

______________________________________________________

تؤذّن وتقیم ثم ذکرت قبل أن ترکع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن کنت قد رکعت فأتّم علی صلاتک » (1).

ویدل علی أنّ ذلک علی سبیل الاستحباب ما رواه عبید بن زرارة فی الصحیح ، عن أبیه ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل نسی الأذان والإقامة حتی دخل فی الصلاة ، قال : « فلیمض فی صلاته ، فإنما الأذان سنة » (2).

وقول المصنف : « وفیه روایة أخری » یمکن أن یکون إشارة إلی ما رواه علیّ بن یقطین فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل ینسی أن یقیم الصلاة وقد افتتح الصلاة ، قال : « إن کان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته ، وإن لم یکن فرغ من صلاته فلیعد » (3). وحملها العلاّمة فی المختلف علی أن المراد بما قبل الفراغ ما قبل الرکوع ، لأن المطلق یحمل علی المقید. وهو بعید جدا (4). ونزّلها الشیخ فی التهذیب علی الاستحباب (5) ، قال فی المعتبر : وما ذکره محتمل لکن فیه تهجم علی إبطال الفریضة بالخبر النادر (6).

ویمکن أن یکون أشار بالروایة إلی ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی الرجل ینسی الأذان والإقامة حتی یدخل فی الصلاة ، قال : « إن کان ذکر قبل أن یقرأ فلیصلّ علی النبی صلی الله علیه

ص: 274


1- التهذیب 2 : 278 - 1103 ، الإستبصار 1 : 304 - 1127 ، الوسائل 4 : 657 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 3.
2- التهذیب 2 : 285 - 1139 ، الإستبصار 1 : 304 - 1130 ، الوسائل 4 : 656 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 1.
3- التهذیب 2 : 279 - 1110 ، الإستبصار 1 : 303 - 1125 ، الوسائل 4 : 656 أبواب الأذان والإقامة ب 28 ح 4.
4- المختلف : 89.
5- التهذیب 2 : 279.
6- المعتبر 2 : 130.

______________________________________________________

وآله ولیقم ، وإن کان قد قرأ فلیتم صلاته » (1) ونحوه روی زید الشحام فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام (2).

وروی الحسین بن أبی العلاء فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یستفتح صلاة المکتوبة ثم یذکر أنه لم یقم ، قال : « فإن ذکر أنه لم یقم قبل أن یقرأ فلیسلّم علی النبی صلی الله علیه و آله ثم یقیم ویصلّی ، وإن ذکر بعد ما قرأ بعض السورة فلیتم الصلاة » (3).

وهذه الروایات محمولة علی تأکد الرجوع إلی الأذان والإقامة قبل القراءة دون ما بعدها وإن کان الرجوع إلیهما سائغا قبل الرکوع علی ما بیناه. والظاهر أنّ الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله ، والسلام علیه إشارة إلی قطع الصلاة ، ویمکن أن یکون ذلک نفسه قاطعا ویکون ذلک من خصوصیات هذا الموضع ، لأن ذلک لا یقطع الصلاة فی غیر هذا المحل.

واعلم أنّ هذه الروایات إنما تعطی استحباب الرجوع لاستدراک الأذان والإقامة ، أو الإقامة وحدها ، ولیس فیها ما یدل علی جواز القطع لاستدراک الأذان مع الإتیان بالإقامة ، ولم أقف علی مصرح به سوی المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب ، وابن أبی عقیل علی ما نقل عنه (4). وحکی فخر المحققین فی الشرح الإجماع علی عدم الرجوع إلیه مع الإتیان بالإقامة (5).

وعکس الشارح - قدس سره - فحکم بجواز الرجوع لاستدراک الأذان وحده دون الإقامة (6). وهو غیر واضح.

ص: 275


1- الکافی 3 : 305 - 14 ، التهذیب 2 : 1102 ، الإستبصار 1 : 303 - 1126 ، الوسائل 4 : 657 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 4.
2- الفقیه 1 : 187 - 893 ، الوسائل 4 : 658 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 9.
3- التهذیب 2 : 278 - 1105 ، الإستبصار 1 : 304 - 1129 ، الوسائل 4 : 657 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 5.
4- فی المختلف : 88.
5- إیضاح الفوائد 1 : 97.
6- المسالک 1 : 27.

ویعطی الأجرة من بیت المال إذا لم یوجد من یتطوع به.

______________________________________________________

بقی هنا شی ء وهو أن إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی المصلّی بین الإمام والمنفرد ، فتقییده بالمنفرد کما فعله المصنف - رحمه الله - یحتاج إلی دلیل.

قوله : ( ویعطی الأجرة من بیت المال إذا لم یوجد من یتطوع به ).

اختلف الأصحاب فی جواز أخذ الأجرة علی الأذان ، فقال الشیخ فی الخلاف (1) ، وجمع من الأصحاب : لا یجوز أخذ الأجرة علیه ، لما رواه السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علیّ علیهم السلام ، قال : « آخر ما فارقت علیه حبیب قلبی أن قال : یا علیّ إذا صلیت فصلّ صلاة أضعف من خلفک ، ولا تتخذن مؤذّنا یأخذ علی أذانه أجرا » (2).

وقال السید المرتضی : إن ذلک مکروه (3). وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (4) ، والشهید فی الذکری (5) ، ولا بأس به ، للأصل ، وانتفاء دلالة الخبر المتقدم علی التحریم ، مع ضعف سنده بالسکونی وغیره.

واقتصر المصنف فی هذا الکتاب علی إثبات الجواز ، وربما حمل کلامه علی أن المراد بالأجرة : الارتزاق من بیت المال ، ولا مقتضی له.

والظاهر أن الإقامة کالأذان. وحکم العلاّمة فی النهایة بعدم جواز الاستیجار علیها وإن قلنا بجواز الاستیجار علی الأذان ، فارقا بینهما بأن الإقامة لا کلفة فیها بخلاف الأذان فإن فیه کلفة بمراعاة الوقت (6). وهو غیر جید ، إذ لا یعتبر فی العمل المستأجر علیه اشتماله علی الکلفة ، هذا کله فی الأجرة.

المؤذن یعطی من بیت المال

ص: 276


1- الخلاف 1 : 96.
2- الفقیه 1 : 184 - 870 ، التهذیب 2 : 283 - 1129 ، الوسائل 4 : 666 أبواب الأذان والإقامة ب 38 ح 1.
3- نقله عنه فی المعتبر 2 : 134 ، والذکری : 173.
4- المعتبر 2 : 133.
5- الذکری : 173.
6- نهایة الأحکام 1 : 428.

الثالث : فی کیفیة الأذان ، ولا یؤذّن إلا بعد دخول الوقت ، وقد رخّص تقدیمه علی الصبح ، لکن یستحب إعادته بعد طلوعه.

______________________________________________________

أما الارتزاق من بیت المال فلا ریب فی جوازه إذا اقتضته المصلحة ، لأنه معدّ للمصالح ، والأذان والإقامة من أهمها.

قوله : ( ولا یؤذّن إلا بعد دخول الوقت ، وقد رخص تقدیمه علی الصبح ، لکن یستحب إعادته بعد طلوعه ).

أما عدم جواز الأذان للفریضة قبل دخول وقتها فی غیر الصبح فعلیه علماء الإسلام ، لأنه وضع للإعلام بدخول الوقت فلا یقع قبله.

وأما جواز تقدیمه فی الصبح قبل طلوع الفجر مع استحباب إعادته بعده فهو اختیار الشیخ (1) ، وأکثر الأصحاب : قال ابن أبی عقیل (2) : الأذان عند آل الرسول علیهم السلام للصلوات الخمس بعد دخول وقتها إلاّ الصبح فإنه جائز أن یؤذّن لها قبل دخول وقتها ، بذلک تواترت الأخبار عنهم (3) ، وقالوا : کان للرسول صلی الله علیه و آله مؤذنان أحدهما بلال ، والآخر ابن أمّ مکتوم وکان أعمی ، وکان یؤذّن قبل الفجر ، وبلال إذا طلع الفجر ، وکان صلی الله علیه و آله یقول : « إذا سمعتم أذان بلال فکفوا عن الطعام والشراب » (4).

ومنع ابن إدریس من تقدیمه فی الأصبح أیضا (5) ، وهو ظاهر اختیار المرتضی فی المسائل الناصریة (6) ، وابن الجنید (7) ، وأبی الصلاح (8) ،

الأذان بعد دخول الوقت سوی الصبح

ص: 277


1- النهایة : 66 ، والمبسوط 1 : 96 ، والخلاف 1 : 87.
2- نقله عنه فی المختلف : 89.
3- الوسائل 4 : 625 أبواب الأذان والإقامة ب 8.
4- الفقیه 1 : 189 - 905 ، الوسائل 4 : 625 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 2 ، 3 وص 626 ح 4.
5- السرائر : 43.
6- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 192.
7- نقله عنه فی الذکری : 175.
8- الکافی فی الفقه : 121.

______________________________________________________

والجعفی (1). والمعتمد الأول.

لنا : الروایة المتقدمة عن النبی صلی الله علیه و آله (2) ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إن لنا مؤذّنا یؤذّن بلیل ، فقال : « أما إن ذلک ینفع الجیران لقیامهم إلی الصلاة ، وأما السنة فإنه ینادی مع طلوع الفجر ، ولا یکون بین الأذان والإقامة إلاّ الرکعتان » (3) وروی ابن سنان فی الصحیح أیضا قال : سألته عن النداء قبل طلوع الفجر ، فقال : « لا بأس » ، وأما السنة مع الفجر ، وإن ذلک لینفع الجیران یعنی قبل الفجر » (4).

ویستفاد من قوله علیه السلام : « وأما السنة مع الفجر » أن الأذان المتقدم علیه لمجرد التنبیه فلا یعتد به فی الصلاة ، وهو کذلک.

احتج المرتضی - رضی الله عنه - بأن الأذان دعاء إلی الصلاة ، وعلم علی حضورها ففعله قبل وقتها وضع للشی ء فی غیر موضعه ، وبأنه روی أن بلالا أذّن قبل طلوع الفجر فأمره النبی صلی الله علیه و آله أن یعید الأذان (5).

وأجیب عن الأول بالمنع من حصر فائدة الأذان فی الإعلام ، فإن له فوائد أخر کالتأهّب للصلاة ، واغتسال الجنب ، وامتناع الصائم من الأکل والجماع ، ونحو ذلک (6).

وعن الروایة بالقول بالموجب ، إذ لا خلاف فی استحباب إعادة الأذان بعد طلوع الفجر ، وإنما النزاع فی جواز فعله قبله.

ص: 278


1- نقله عنه فی الذکری : 175.
2- فی ص 277.
3- التهذیب 2 : 53 - 177 ، الوسائل 4 : 626 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 7.
4- التهذیب 2 : 53 - 178 ، الوسائل 4 : 626 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 8.
5- سنن أبی داود 1 : 146 - 532.
6- کما فی المختلف : 90.

والأذان علی الأشهر ثمانیة عشر فصلا : التکبیر أربع ، والشهادة بالتوحید ، ثم بالرسالة ، ثم یقول : حیّ علی الصلاة ، ثم حیّ علی الفلاح ثم حیّ علی خیر العمل ، والتکبیر بعده ، ثم التهلیل. کل فصل مرّتان.

______________________________________________________

ولا حدّ لهذا التقدیم عندنا ، وتقدیره بسدس اللیل أو نصفه تحکّم. وینبغی أن یجعل فی ذلک ضابطا لیعتمد علیه الناس وتترتب علیه الفائدة. ولا فرق بین رمضان وغیره عندنا ، ولا بین کون المؤذّن واحدا أو اثنین وإن کان الأولی تغایرهما لتحصل الفائدة باختلاف الصوت ، کما فعل النبی صلی الله علیه و آله .

قوله : ( والأذان علی الأشهر ثمانیة عشر فصلا : التکبیر أربع ، والشهادة بالتوحید ، ثم بالرسالة ، ثم یقول : حیّ علی الصلاة ، ثم حیّ علی الفلاح ، ثم حیّ علی خیر العمل ، والتکبیر بعده ، ثم التهلیل ، کل فصل مرتان ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، والمستند فیه ما رواه ابن بابویه ، والشیخ - رضی الله عنهما - عن أبی بکر الحضرمی وکلیب الأسدی ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه حکی لهما الأذان فقال : « الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله ، لا إله إلاّ الله ، والإقامة کذلک » (1).

وعن إسماعیل الجعفی ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا » فعدّ ذلک بیده واحدا واحدا ، الأذان

فصول الأذان

ص: 279


1- الفقیه 1 : 188 - 897 ، التهذیب 2 : 60 - 211 ، الإستبصار 1 : 306 - 1135 ، الوسائل : 644 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 9.

______________________________________________________

ثمانیة عشر حرفا ، والإقامة سبعة عشر حرفا (1).

وفی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قال : « یا زرارة تفتتح الأذان بأربع تکبیرات وتختمه بتکبیرتین وتهلیلتین » (2).

وأشار المصنف بقوله : « علی الأشهر » إلی ما رواه الشیخ بسنده إلی الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الأذان ، فقال : « تقول : الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله ، لا إله إلاّ الله » (3).

وروی زرارة والفضیل ، عن أبی عبد الله (4) علیه السلام نحو ذلک ، وقال فی آخر الروایة : « والإقامة مثلها إلاّ أن فیها قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، بین حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، وبین الله أکبر » (5).

وأجاب عنهما الشیخ فی التهذیب بجواز أن یکون إنما اقتصر علیه السلام فیهما علی التکبیر مرتین لأنه قصد إلی إفهامه السائل کیفیة التلفظ به ، وکان

ص: 280


1- الکافی 3 : 302 - 3 ، التهذیب 2 : 59 - 208 ، الإستبصار 1 : 305 - 1132 ، الوسائل 4 : 642 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 1.
2- الکافی 3 : 303 - 5 ، التهذیب 2 : 61 - 213 ، الإستبصار 1 : 307 - 1137 ، الوسائل 4 : 642 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 2.
3- التهذیب 2 : 59 - 209 ، الإستبصار 1 : 305 - 1133 ، الوسائل 4 : 643 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 5.
4- کذا فی جمیع النسخ والموجود فی المصادر : عن أبی جعفر.
5- التهذیب 2 : 60 - 210 ، الإستبصار 1 : 305 - 1134 ، الوسائل 4 : 644 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 8.

والإقامة فصولها مثنی مثنی ، ویزاد فیها قد قامت الصلاة مرّتین ، ویسقط من التهلیل فی آخرها مرّة واحدة.

______________________________________________________

المعلوم له أنه لا یجزی ما دون الأربع (1) (2).

وحکی الشیخ فی الخلاف عن بعض الأصحاب تربیع التکبیر فی آخر الأذان (3). وهو شاذ مردود بما تلوناه من الأخبار.

فائدة :

یجوز فی السفر وعند العذر نقص الأذان والإقامة بأفراد فصولهما ، لما رواه أبو عبیدة الحذاء فی الصحیح ، قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام یکبر واحدة واحدة فی الأذان ، فقلت : لم تکبر واحدة واحدة؟ فقال : « لا بأس به إذا کنت مستعجلا » (4) وما رواه برید بن معاویة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الأذان یقصر فی السفر کما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة » (5) وروی نعمان الرازی قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « یجزیک من الإقامة طاق طاق فی السفر » (6).

قوله : ( والإقامة فصولها مثنی مثنی ، ویزاد فیها قد قامت الصلاة مرتین ، ویسقط التهلیل من آخره مرة واحدة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وعزاه فی المعتبر إلی السبعة

فصول الإقامة

ص: 281


1- التهذیب 2 : 61.
2- فی « م » ، « ح » زیادة : وهو بعید جدا.
3- الخلاف 1 : 90.
4- التهذیب 2 : 62 - 216 ، الإستبصار 1 : 307 - 1140 ، الوسائل 4 : 650 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 4.
5- التهذیب 2 : 62 - 219 ، الإستبصار 1 : 308 - 1143 ، الوسائل 4 : 650 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 2.
6- التهذیب 2 : 62 - 220 ، الإستبصار 1 : 308 - 1144 ، الوسائل 4 : 650 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 5.

والترتیب شرط فی صحة الأذان والإقامة.

______________________________________________________

وأتباعهم (1) ، واستدل علیه بما رواه صفوان بن مهران الجمّال قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « الأذان مثنی مثنی ، والإقامة مثنی مثنی » (2) وهی قاصرة عن إفادة المدعی لتضمنها تثنیة التهلیل فی آخر الإقامة.

نعم یمکن الاستدلال علیه بروایة إسماعیل الجعفی المتقدمة حیث قال فیها : « والإقامة سبعة عشر حرفا » (3) فإن ذلک إنما ینطبق علی هذا التفصیل.

وحکی الشیخ فی الخلاف عن بعض الأصحاب أنه جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان ، وزاد فیها : قد قامت الصلاة مرتین (4) ، ویدل علیه روایتا أبی بکر الحضرمی ، وزرارة والفضیل المتقدمتان (5).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الأذان مثنی مثنی ، والإقامة واحدة » (6).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الإقامة مرة مرة إلاّ قوله : الله أکبر ، الله أکبر ، فإنه مرتان » (7).

وأجاب عنهما فی التهذیب بالحمل علی حال التقیة أو عند العجلة (8) ، ولا بأس به.

قوله : ( والترتیب شرط فی صحة الأذان والإقامة ).

اشتراط الترتیب فی الأذان والإقامة

ص: 282


1- المعتبر 2 : 139.
2- الکافی 3 : 303 - 4 ، التهذیب 2 : 62 - 217 ، الإستبصار 1 : 307 - 1141 ، الوسائل 4 : 643 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 4.
3- فی ص 279.
4- الخلاف 1 : 91.
5- فی ص 279 ، 280.
6- التهذیب 2 : 61 - 214 ، الإستبصار 1 : 307 - 1138 ، الوسائل 4 : 649 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 1.
7- التهذیب 2 : 61 - 215 ، الإستبصار 1 : 307 - 1139 ، الوسائل 4 : 650 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 3.
8- التهذیب 2 : 62.

ویستحب فیهما سبعة أشیاء : أن یکون مستقبل القبلة ،

______________________________________________________

لا ریب فی اشتراط الترتیب بینهما وبین فصولهما ، لأن الآتی بهما علی خلاف الترتیب لا یکون آتیا بالسنة ، لأنها عبادة متلقاة عن صاحب الشرع فیقتصر علی صفتها المنقولة.

ویدل علیه أیضا ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من سها فی الأذان فقدّم أو أخّر أعاد علی الأول الذی أخّره حتی یمضی علی آخره » (1).

ومعنی اشتراط الترتیب فیهما عدم اعتبارهما بدونه ، فلا یعتد بهما فی الصلاة ، ویأثم بفعلهما أیضا کالصلاة من دون طهارة.

قوله : ( ویستحب فیهما سبعة أشیاء : أن یکون مستقبل القبلة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه قوله علیه السلام : « خیر المجالس ما استقبل فیه القبلة » (2) ویتأکد الاستقبال فی الشهادتین والإقامة ، لقول أحدهما علیهماالسلام فی صحیحة محمد بن مسلم : وقد سأله عن الرجل یؤذّن وهو یمشی : « نعم ، إذا کان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » (3) وفی روایة سلیمان بن صالح : « ولیتمکن فی الإقامة کما یتمکن فی الصلاة فإنه إذا أخذ فی الإقامة فهو فی صلاة » (4).

ونقل عن السید المرتضی أنه أوجب الاستقبال فی الأذان والإقامة (5). وهو ضعیف.

مستحبات الأذان والإقامة

ص: 283


1- الکافی 3 : 305 - 1 ، التهذیب 2 : 280 - 1115 ، الوسائل 4 : 662 أبواب الأذان والإقامة ب 33 ح 1.
2- الشرائع 4 : 73 ، الوسائل 8 : 475 أبواب أحکام العشرة ب 76 ح 3.
3- الفقیه 1 : 185 - 878 ، التهذیب 2 : 56 - 196 ، الوسائل 4 : 635 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 7.
4- الکافی 3 : 306 - 21 ، التهذیب 2 : 56 - 197 ، الوسائل 4 : 636 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 12.
5- جمل العلم والعمل : 58 قال : والأذان یجوز بغیر وضوء ولا استقبال القبلة ولا یجوز ذلک فی الإقامة. ولکن نقله عنه فی الذکری : 170.

وأن یقف علی أواخر الفصول ، ویتأنّی فی الأذان ، ویحدر فی الإقامة ،

______________________________________________________

ویکره الالتفات به یمینا وشمالا ، سواء کان علی المنارة أم علی الأرض. وقال بعض العامة : یستحب أن یدور بالأذان فی المئذنة (1). ویرده ما رووه أن مؤذّنی النبی صلی الله علیه و آله کانوا یستقبلون القبلة (2) ، والالتواء خروج عن القبلة.

قوله : ( وأن یقف علی أواخر الفصول ).

استحباب الوقف علی أواخر الفصول من الأذان والإقامة ثابت بإجماع الأصحاب ، ویدل علیه ما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه ، عن خالد بن نجیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الأذان والإقامة مجزومان » قال : وفی خبر آخر : موقوفان (3). وفی روایة أخری لخالد بن نجیح ، عن الصادق علیه السلام إنه قال : « التکبیر جزم فی الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف » (4) وروی الشیخ فی الحسن ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (5).

قال جدی - قدس سره - : ولو أعربهما فعل مکروها وأجزأ ، وفی حکم الإعراب : الروم والإشمام والتضعیف (6).

قوله : ( ویتأنی فی الأذان ویحدر فی الإقامة ).

الحدر : الإسراع ، والمراد به تقصیر الوقف لا ترکه أصلا ، وقد ورد

ص: 284


1- المغنی والشرح الکبیر 1 : 472.
2- المغنی والشرح الکبیر 1 : 472.
3- الفقیه 1 : 184 - 874 ، الوسائل 4 : 639 أبواب الأذان والإقامة ب 15 ح 4 ، 5.
4- الفقیه 1 : 184 - 871 ، التهذیب 2 : 58 - 204 ، الوسائل 4 : 639 أبواب الأذان والإقامة ب 15 ح 3.
5- التهذیب 2 : 58 - 203 ، الوسائل 4 : 652 أبواب الأذان والإقامة ب 24 ح 2.
6- المسالک 1 : 27 ، والروضة البهیة 1 : 247. والروم : حرکة مختلسة مختفاة ، وهی أکثر من الإشمام لأنها تسمع ( الصحاح 5 : 1938 ).

وأن لا یتکلم فی خلالهما ،

______________________________________________________

بالحکمین روایات کثیرة ، منها : روایة زرارة السابقة ، وروایة الحسن بن السری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الأذان ترتیل والإقامة حدر » (1) وصحیحة معاویة بن وهب : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الأذان فقال : « اجهر وارفع به صوتک ، فإذا أقمت فدون ذلک ، لا تنتظر بأذانک وإقامتک إلاّ دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتک حدرا » (2).

قوله : ( ولا یتکلم فی خلالهما ).

أما کراهة الکلام فی أثناء الأذان فلما فیه من تفویت الإقبال المطلوب فی العبادة.

وأما کراهته فی أثناء الإقامة فلما رواه عمرو بن أبی نصر فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیتکلم الرجل فی الأذان؟ قال : « لا بأس » قلت : فی الإقامة؟ قال : « لا » (3) وإنما حملنا النهی فی هذه الروایة علی الکراهة ، لما رواه حماد بن عثمان فی الصحیح : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یتکلم بعد ما یقیم الصلاة ، قال : « نعم » (4).

وظاهر الشیخین فی المقنعة والتهذیب المنع من الکلام فی خلال الإقامة مع الاختیار مطلقا (5) ، وهو ضعیف.

وتتأکد الکراهة بعد قول المقیم : قد قامت الصلاة ، وقال الثلاثة

ص: 285


1- الکافی 3 : 306 - 26 ، التهذیب 2 : 65 - 232 ، الوسائل 4 : 653 أبواب الأذان والإقامة ب 24 ح 3.
2- الفقیه 1 : 185 - 876 ، الوسائل 4 : 625 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 1.
3- الکافی 3 : 304 - 10 ، التهذیب 2 : 54 - 182 ، الإستبصار 1 : 300 - 1110 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 4.
4- التهذیب 2 : 54 - 187 ، الإستبصار 1 : 301 - 1114 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 9.
5- المفید فی المقنعة : 15 ، والشیخ فی التهذیب 2 : 55.

ویفصل بینهما برکعتین أو سجدة ، إلا فی المغرب ، فإن الأولی أن یفصل بینهما بخطوة أو سکتة ،

______________________________________________________

بتحریمه (1) ، وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله (2).

قوله : ( ویفصل بینهما برکعتین أو سجدة ، إلا فی المغرب ، فإن الأولی أن یفصل بینهما بخطوة أو سکتة ).

هذا التفصیل مشهور بین الأصحاب ، وعزاه فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الاتفاق علیه (3).

أما استحباب الفصل بالرکعتین فیدل علیه صحیحة سلیمان بن جعفر الجعفری قال ، سمعته یقول : « افرق بین الأذان والإقامة بجلوس أو برکعتین » (4).

وصحیحة أحمد بن محمد قال ، قال : « القعود بین الأذان والإقامة فی الصلوات کلها إذا لم یکن قبل الإقامة صلاة تصلّیها » (5).

وما رواه ابن أبی عمیر فی الصحیح ، عن أبی علی صاحب الأنماط ، عن أبی عبد الله علیه السلام أو أبی الحسن علیه السلام قال ، قال : « یؤذّن للظهر علی ست رکعات ، ویؤذّن للعصر علی ست رکعات بعد الظهر » (6).

ویفهم من الروایتین الأوّلتین استحباب الفصل بینهما بالجلوس ، وعدم الفرق فی ذلک بین صلاة المغرب وغیرها.

ویدل علی استحباب الفصل بین أذان المغرب وإقامتها بالجلوس علی

ص: 286


1- المفید فی المقنعة : 15 ، والسید المرتضی نقله فی المعتبر 2 : 143 ، والشیخ فی النهایة : 66 ، والمبسوط 1 : 99.
2- فی ص 843.
3- المعتبر 2 : 142.
4- التهذیب 2 : 64 - 277 ، الوسائل 4 : 631 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 2.
5- الکافی 3 : 306 - 24 ، التهذیب 2 : 64 - 228 ، الوسائل 4 : 631 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 3.
6- التهذیب 2 : 286 - 1144 ، الوسائل 4 : 667 أبواب الأذان والإقامة ب 39 ح 5.

______________________________________________________

الخصوص ما رواه الشیخ عن إسحاق الجریری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال : « من جلس فیما بین أذان المغرب والإقامة کان کالمتشحط بدمه فی سبیل الله » (1).

ویدل علی استحباب الفصل بینهما فی المغرب بالسکتة ما رواه سیف بن عمیرة ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « بین کل أذانین قعدة إلاّ المغرب ، فإن بینهما نفسا » (2) ولعل ذلک هو المراد بالسکتة.

وأما استحباب الفصل بینهما بالسجدة فی غیر المغرب ، والخطوة فیها ، فلم أجد به حدیثا.

وروی عمار الساباطی فی الموثق ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا قمت إلی الصلاة الفریضة فأذّن وأقم ، وافصل بین الأذان والإقامة بقعود أو بکلام أو تسبیح » وقال : سألته کم الذی یجزی بین الأذان والإقامة من القول؟ قال : « الحمد لله » (3).

وروی عبد الله بن مسکان فی الصحیح ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام أذّن وأقام من غیر أن یفصل بینهما بجلوس (4).

وروی جعفر بن محمد بن یقطین رفعه إلیهم ، قال : « یقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس : اللهم اجعل قلبی بارّا ، ورزقی دارّا ، واجعل لی عند رسول الله صلی الله علیه و آله قرارا ومستقرا » (5).

ص: 287


1- التهذیب 2 : 64 - 231 ، الاستبصار 1 : 309 ، المحاسن : 50 - 70 ، الوسائل 4 : 632 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 10.
2- التهذیب 2 : 64 - 229 ، الإستبصار 1 : 309 - 1150 ، الوسائل 4 : 632 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 7.
3- الفقیه 1 : 185 - 877 ، التهذیب 2 : 49 - 162 وفیه صدر الحدیث ، والوسائل 4 : 631 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 4.
4- التهذیب 2 : 285 - 1138 ، الوسائل 4 : 632 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 9.
5- الکافی 3 : 308 - 32 ، التهذیب 2 : 64 - 230 ، الوسائل 4 : 634 أبواب الأذان والإقامة ب 12 ح 1 ، وفیها وفی « س » : واجعل لی عند قبر.

وأن یرفع الصوت به إذا کان ذکرا :

______________________________________________________

ومعنی البارّ : المطیع والمحسن ، ومعنی کون الرزق دارّا : زیادته وتجدده شیئا فشیئا کما یدرّ اللبن.

والقرار والمستقر قیل : إنهما مترادفان (1). وقیل : المستقر فی الدنیا ، والقرار فی الآخرة (2). کأنه یسأل أن یکون مقامه فی الدنیا والآخرة فی جواره صلی الله علیه و آله ، واختص الدنیا بالمستقر ، لقوله تعالی ( وَلَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) (3) والآخرة بالقرار ، لقوله تعالی ( وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِیَ دارُ الْقَرارِ ) (4).

قوله : ( وأن یرفع الصوت به إذا کان ذکرا ).

المستند فی ذلک الأخبار المستفیضة : کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « لا یجزیک من الأذان إلاّ ما أسمعت نفسک أو فهمته ، وأفصح بالألف والهاء ، وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله کلّما ذکرته أو ذکره ذاکر عندک فی أذان وغیره ، وکلما اشتد صوتک من غیر أن تجهد نفسک کان من یسمع أکثر ، وکان أجرک فی ذلک أعظم » (5).

وروایة محمد بن راشد ، قال : حدثنی هشام بن إبراهیم أنه شکی إلی الرضا علیه السلام سقمه وأنه لا یولد له ، فأمره أن یرفع صوته بالأذان فی منزله ، قال : ففعلت فأذهب الله عنی سقمی وکثر ولدی. قال محمد بن راشد : وکنت دائم العلة ما أنفک منها فی نفسی وجماعة خدمی ، فلما سمعت ذلک من هشام عملت به فأذهب الله عنی وعن عیالی العلل (6).

ص: 288


1- کما فی جمع الفائدة 2 : 179.
2- کما فی روض الجنان : 245.
3- البقرة : 36.
4- المؤمن : 39.
5- الفقیه 1 : 184 - 875 ، الوسائل 4 : 640 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 2.
6- الکافی 3 : 308 - 33 ، الفقیه 1 : 189 - 903 ، التهذیب 2 : 59 - 207 ، الوسائل 4 : 641 أبواب الأذان والإقامة ب 18 ح 1.

وکل ذلک یتأکد فی الإقامة.

ویکره الترجیح فی الأذان ، إلا أن یرید الإشعار.

______________________________________________________

قوله : ( ویتأکد ذلک فی الإقامة ).

یستثنی من ذلک رفع الصوت فإنه غیر مسنون فی الإقامة.

قوله : ( ویکره الترجیع فی الأذان ، إلا أن یرید الإشعار ).

اختلف الأصحاب (1) فی حقیقة الترجیع ، فقال الشیخ فی المبسوط : إنه تکرار التکبیر والشهادتین فی أول الأذان (2). وقال الشهید فی الذکری : إنه تکرار الفصل زیادة علی الموظف (3). وذکر جماعة من أهل اللغة : إنه تکرار الشهادتین جهرا بعد إخفاتهما (4). وهو قول الشافعی (5) فإنه استحب الترجیع بهذا المعنی تعویلا علی أن النبی صلی الله علیه و آله أمر أبا محذورة بذلک (6).

وردّ بما رواه العامة أیضا : إن النبی صلی الله علیه و آله إنما خص أبا محذورة بالشهادتین سرّا ثم بالترجیع جهرا لأنه لم یکن مقرا بهما (7).

واختلف الأصحاب أیضا فی حکم الترجیع ، فقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : إنه غیر مسنون (8). وقال ابن إدریس (9) وابن حمزة (10) : إنه محرّم.

مکروهات الأذان والإقامة

ص: 289


1- فی « س » ، « ح » : العلماء.
2- المبسوط 1 : 95.
3- الذکری : 169.
4- قاله ابن الأثیر فی النهایة 2 : 202 ، والفیروزآبادی فی القاموس المحیط 3 : 29 ، وصاحب أقرب الموارد 1 : 391.
5- کتاب الأم 1 : 84.
6- سنن ابن ماجة 1 : 234 - 708 ، المغنی والشرح الکبیر 1 : 450.
7- المغنی والشرح الکبیر 1 : 451.
8- المبسوط 1 : 95 ، والخلاف 1 : 95.
9- السرائر : 43.
10- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.

وکذا یکره قول : الصلاة خیر من النوم.

______________________________________________________

وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (1). وذهب آخرون إلی کراهته (2). والمعتمد التحریم ، لأن الأذان سنة متلقاة من الشارع کسائر العبادات فتکون الزیادة فیه تشریعا محرّما کما تحرم زیادة : أن محمدا وآله خیر البریة ، فإن ذلک وإن کان من أحکام الإیمان إلاّ أنه لیس من فصول الأذان.

ولو دعت إلی الترجیع حاجة إشعار المصلّین. فقد نص الشیخ فی المبسوط (3) ، ومن تأخر عنه علی جوازه ، واستدلوا علیه بما رواه علیّ بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لو أن مؤذّنا أعاد فی الشهادة ، أو فی حیّ علی الصلاة ، أو حیّ علی الفلاح المرتین والثلاث أو أکثر من ذلک إذا کان إماما یرید القوم لیجمعهم لم یکن به بأس » (4) وهی ضعیفة الإسناد ، لکن ظاهر العلاّمة فی المختلف الاتفاق علی العمل بمضمونها (5) ، فإن تمّ فهو الحجة وإلاّ ثبت المنع بما ذکرناه آنفا من الدلیل.

قوله : ( وکذا یکره قول : الصلاة خیر من النوم ).

هذا هو المعبر عنه بالتثویب علی ما نص علیه الشیخ فی المبسوط (6) ، وأکثر الأصحاب ، وصرح به جماعة من أهل اللغة منهم ابن الأثیر فی النهایة وقال : إنه إنما سمی تثویبا ، لأنه من ثاب یثوب إذا رجع ، فإن المؤذّن إذا قال : حیّ علی الصلاة فقد دعاهم إلیها ، فإذا قال بعدها : الصلاة خیر من النوم فقد رجع إلی کلام معناه المبادرة إلیها (7).

ص: 290


1- النهایة : 67.
2- المحقق الحلی فی المعتبر 2 : 143 ، والعلامة فی القواعد 1 : 30 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 246.
3- المبسوط 1 : 95.
4- الکافی 3 : 308 - 34 ، التهذیب 2 : 63 - 225 ، الإستبصار 1 : 309 - 1149 ، الوسائل 4 : 652 أبواب الأذان والإقامة ب 23 ح 1.
5- المختلف : 89.
6- المبسوط 1 : 95.
7- النهایة 1 : 226.

______________________________________________________

وقال الشیخ فی النهایة : التثویب تکریر الشهادتین والتکبیر (1). وقال ابن إدریس : التثویب تکریر الشهادتین دفعتین ، لأنه مأخوذ من ثاب : إذا رجع (2). وفسره بعضهم بما یقال بین الأذان والإقامة من الحیعلتین مثنی فی أذان الصبح (3) (4).

واختلف الأصحاب فی حکم التثویب فی الأذان الذی هو عبارة عن قوله : الصلاة خیر من النوم ، بعد اتفاقهم علی إباحته للتقیة ، فقال ابن إدریس (5) وابن حمزة (6) بالتحریم ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (7) سواء فی ذلک أذان الصبح وغیره.

وقال الشیخ فی المبسوط ، والمرتضی فی الانتصار بکراهته (8). وقال ابن الجنید : إنه لا بأس به فی أذان الفجر خاصة (9). وقال الجعفی : تقول فی أذان صلاة الصبح بعد قولک : حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل : الصلاة خیر من النوم مرتین ، ولیستا من أصل الأذان (10). والمعتمد التحریم.

لنا : أن الأذان عبادة متلقاة من صاحب الشرع فیقتصر فی کیفیتها علی المنقول ، والروایات المنقولة عن أهل البیت علیهم السلام خالیة من هذا اللفظ ، فیکون الإتیان به تشریعا محرّما.

ص: 291


1- النهایة : 67.
2- السرائر : 43.
3- نقله عن أبی حنیفة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 433.
4- فی « ح » زیادة : والنزاع لفظی.
5- السرائر : 44.
6- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.
7- النهایة : 67.
8- المبسوط 1 : 95 ، الانتصار : 39.
9- نقله عنه فی الذکری : 169
10- نقله عنه فی الذکری : 169 ، 175.

الرابع : فی أحکام الأذان ، وفیه مسائل :

الأولی : من نام فی خلال الأذان أو الإقامة ثم استیقظ استحب له استئنافه ، ویجوز البناء ، وکذا إن أغمی علیه.

______________________________________________________

وحکی المصنف فی المعتبر أن فی کتاب أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی من أصحابنا ، قال : حدثنی عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « الأذان : الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله » وقال فی آخره : لا إله إلاّ الله مرة ثم قال : « إذا کنت فی أذان الفجر فقل : الصلاة خیر من النوم بعد حیّ علی خیر العمل ، وقل بعده : الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله ، ولا تقل فی الإقامة : الصلاة خیر من النوم إنما هو فی الأذان ». ثم نقل عن الشیخ فی الإستبصار أنه حمل ذلک علی التقیة ، وقال : لست أری هذا التأویل شیئا ، فإن فی جملة الأذان : حیّ علی خیر العمل ، وهو انفراد الأصحاب فلو کان للتقیة لما ذکره ، لکن الأوجه أن یقال : فیه روایتان عن أهل البیت أشهرهما ترکه (1).

ویمکن الجواب عنه بأنه لیس فی الروایة تصریح بأنه یقول : حیّ علی خیر العمل جهرا ، فیحتمل أن یکون المراد أنه إذا قال ذلک سرّا یقول بعده : الصلاة خیر من النوم ، لکن هذه الروایة مخالفة لما علیه الأصحاب من تربیع التکبیر فی أول الأذان وتثنیة التهلیل فی آخره. وکیف کان ، فالمذهب ترک التثویب مطلقا.

قوله : ( الرابع : فی أحکام الأذان ، وفیه مسائل ، الأولی : من نام فی خلال الأذان والإقامة ثم استیقظ استحب له استئناف ویجوز البناء ، وکذا إن أغمی علیه ).

إنما یجوز البناء مع عدم الإخلال بالموالاة : فإنها شرط فی الأذان والإقامة ، إذ لم ینقل عنهم علیهم السلام الفصل بین فصولهما ، والعبادة سنة متلقاة من

أحکام الأذان

ص: 292


1- المعتبر 2 : 145 ، الوسائل 4 : 648 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 19.

الثانیة : إذا أذّن ثم ارتدّ جاز أن یعتدّ به ویقیم غیره ، ولو ارتدّ فی أثناء الأذان ثم رجع استأنف علی قول.

الثالثة : یستحب لمن سمع الأذان أن یحکیه مع نفسه.

______________________________________________________

الشارع فیجب الاقتصار فیها علی ما ورد به النقل

وقد یناقش فی استحباب الاستئناف مع بقاء الموالاة ، لعدم الظفر بدلیله. ولو طال النوم أو الإغماء فقد نص الشیخ (1) وأتباعه علی أنه یجوز لغیر ذلک المؤذّن البناء علی ذلک الأذان ، لأنه تجوز صلاة واحدة بإمامین ففی الأذان أولی. وفیه إشکال ، منشؤه توقف ذلک علی النقل ، ومنع الأولویة.

قوله : ( الثانیة ، إذا أذّن ثم ارتد جاز أن یعتد به ویقیم غیره ).

الأولی قراءة الفعل هنا مبنیا للمجهول ، ویستفاد منه جواز اعتداده هو به بعد العود إلی الإسلام ، لاندراجه فی الإطلاق. وإنما جاز الاعتداد به لاجتماع شرائط الصحة فیه حال فعله ، وکونه بالنسبة إلی ذلک من قبیل الأسباب التی لا تبطل بالردة وإن سلّم بطلان العبادات بها ، وفیه بحث لیس هذا محله.

قوله : ( ولو ارتد فی أثناء الأذان ثم رجع استأنف علی قول ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (2) ، والأقرب البناء مع بقاء الموالاة ، لعد إبطال الردة ما مضی من الأذان کما لا تبطله کله.

قوله : ( الثالثة ، یستحب لمن سمع الأذان أن یحکیه مع نفسه ).

هذا مذهب العلماء کافة حکاه فی المنتهی (3) ، ویدل علیه روایات کثیرة : کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا سمع المؤذّن قال مثل ما یقوله فی کل شی ء » (4).

ص: 293


1- المبسوط 1 : 96.
2- المبسوط 1 : 96.
3- المنتهی 1 : 263.
4- الکافی 3 : 307 - 29 ، الوسائل 4 : 671 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 1.

______________________________________________________

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال له : « یا محمد بن مسلم لا تدع ذکر الله علی کل حال ، ولو سمعت المنادی ینادی بالأذان وأنت علی الخلاء فاذکر الله عزّ وجلّ وقل کما یقول » (1) قال ابن بابویه : وروی أن من سمع الأذان فقال کما یقول المؤذّن زید فی رزقه (2).

وهنا فوائد :

الأولی : الحکایة لجمیع ألفاظ الأذان حتی الحیّعلات ، کما تدل علیه هذه الروایات. وقال الشیخ فی المبسوط : روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لا تقول إذا قال : حیّ علی الصلاة : لا حول ولا قوة إلاّ بالله » (3) وهذه الروایة مجهولة الإسناد.

الثانیة : قال الشیخ فی المبسوط : من کان خارج الصلاة قطع کلامه وحکی قول المؤذّن ، وکذا لو کان یقرأ القرآن قطع وقال کقوله ، لأن الخبر علی عمومه (4).

ومقتضی کلامه أنه لا یستحب حکایته فی الصلاة ، وبه قطع العلاّمة فی التذکرة (5) ، وکأنه لفقد العموم المتناول لحال الصلاة ، ولو حکاه لم یبطل صلاته إلا أن یحیعل.

الثالثة : لو فرغ من الصلاة ولم یحک الأذان فالظاهر سقوط الحکایة ، لفوات محلها وهو ما بعد الفصل بغیر فصل أو معه. وقال العلاّمة فی التذکرة : إنه یکون مخیرا بین الحکایة وعدمها (6). وقال الشیخ فی الخلاف : یؤتی به لا من حیث کونه أذانا ، بل من حیث کونه ذکرا (7). وهما ضعیفان.

ص: 294


1- الفقیه 1 : 187 - 892 ، علل الشرائع : 284 - 2 ، الوسائل 4 : 671 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 2.
2- الفقیه 1 : 189 - 904 ، الوسائل 4 : 672 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 4.
3- المبسوط 1 : 97.
4- المبسوط 1 : 97.
5- التذکرة 1 : 108.
6- التذکرة 1 : 108.
7- وجدناه فی المبسوط 1 : 97.

الرابعة : إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ، کره الکلام کراهیة مغلّظة ، إلا ما یتعلق بتدبیر المصلّین.

______________________________________________________

الرابعة : إنما یستحب حکایة الأذان المشروع ، ومنه المقدّم قبل الفجر ، وأذان الجنب فی المسجد وإن حرم السکون ، وکذا أذان من أخذ علیه أجرا ، لأن المحرّم أخذ الأجرة لا الأذان ، فلا یحکی أذان المجنون والکافر والمرأة إذا سمعها الأجنبی ، وأذان عصر الجمعة وعرفة وعشاء المزدلفة عند من حرّمه.

الخامسة : روی ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحارث بن المغیرة النضری ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من سمع المؤذّن یقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله أشهد أن محمدا رسول الله فقال مصدقا محتسبا : وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله ، اکتفی بهما عمن أبی وجحد ، وأعین بهما من أقرّ وشهد ، کان له من الأجر عدد من أنکر وجحد وعدد من أقرّ وشهد » (1) وروی أیضا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « من قال حین یسمع أذان الصبح : اللهم إنی أسألک بإقبال نهارک وإدبار لیلک وحضور صلواتک وأصوات دعاتک أن تتوب علیّ إنک أنت التواب الرحیم ، وقال مثل ذلک حین یسمع أذان المغرب ثم مات من یومه أو لیلته مات تائبا » (2).

قوله : ( الرابعة ، إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، کره الکلام کراهة مغلّظة ، إلا ما یتعلق بتدبیر المصلین ).

القول بالکراهة مذهب الأکثر وقال الشیخان فی النهایة والمقنعة ، والسید المرتضی فی المصباح : إذا قال الإمام : قد قامت الصلاة حرم الکلام إلاّ ما یتعلق بالصلاة من تسویة صفّ أو تقدیم إمام (3). واستدلوا علیه بصحیحة ابن أبی عمیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یتکلم فی الإقامة ، قال : « نعم ، فإذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة فقد حرم الکلام علی أهل

ص: 295


1- الفقیه 1 : 187 - 891 ، الوسائل 4 : 671 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 3.
2- الفقیه 1 : 187 - 890 ، الوسائل 4 : 669 أبواب الأذان والإقامة ب 43 ح 1.
3- المقنعة 15 ، النهایة : 66 ، ونقله عن المصباح فی المعتبر 2 : 143.

الخامسة : یکره للمؤذن أن یلتفت یمینا وشمالا ، لکن یلزم سمت القبلة فی أذانه.

______________________________________________________

المسجد إلاّ أن یکونوا قد اجتمعوا من شتّی ولیس لهم إمام فلا بأس أن یقول بعضهم لبعض : تقدم یا فلان » (1) وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا أقیمت الصلاة حرم الکلام علی الإمام وأهل المسجد إلاّ فی تقدیم إمام » (2) ونحوه روی سماعة فی الموثق ، عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

والوجه تنزیل هذه الأخبار علی الکراهة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل أیتکلم بعد ما یقیم الصلاة؟ قال : « نعم » (4) وعن الحسن بن شهاب قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا بأس أن یتکلم الرجل وهو یقیم الصلاة وبعد ما یقیم إن شاء » (5).

ویستحب لمن تکلّم بعد الإقامة أن یستأنفها ، لما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تتکلم إذا أقمت الصلاة فإنک إذا تکلمت أعدت الإقامة » (6).

قوله : ( الخامسة ، یکره للمؤذن أن یلتفت یمینا وشمالا ، لکن یلزم سمة القبلة فی أذانه ).

ص: 296


1- التهذیب 2 : 55 - 189 ، الإستبصار 1 : 301 - 1116 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 7.
2- الفقیه 1 : 185 - 879 ، الوسائل 4 : 628 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 1.
3- التهذیب 2 : 55 - 190 ، الإستبصار 1 : 302 - 1117 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 5.
4- التهذیب 2 : 54 - 187 ، الإستبصار 1 : 301 - 1114 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 9.
5- التهذیب 2 : 55 - 188 ، الاستبصار 1 : 301 - 1115 وفیه : عن الحسین بن شهاب ، السرائر : 483 ، الوسائل 4 : 630 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 10.
6- التهذیب 2 : 55 - 191 ، الاستبصار 1 : 301 - 1112 وفیه : إذا أقمت للصلاة ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 3.

السادسة : إذا تشاحّ الناس فی الأذان قدّم الأعلم ، ومع التساوی یقرع بینهم.

السابعة : إذا کان جماعة جاز أن یؤذنوا جمیعا ، والأفضل إن کان الوقت متسعا أن یؤذن واحدا بعد واحد.

______________________________________________________

ردّ بذلک علی الشافعی حیث استحب أن یلتفت عن یمینه عند قوله : حیّ علی الصلاة ، وعن یساره عند قوله : حیّ علی الفلاح (1) ، وعلی أبی حنیفة حیث استحب أن یدار بالأذان فی المئذنة (2).

قوله : ( السادسة ، إذا تشاحّ الناس فی الأذان قدم الأعلم ، ومع التساوی یقرع بینهم ).

أی لو اجتمع اثنان فصاعدا کل منهم یرید الأذان قدّم الأعلم بأحکام الأذان التی من جملتها الأوقات ، لأمن الغلط ، فإن تساووا فی العلم أقرع بینهم. أما تقدیم الأعلم فظاهر ، لأن الأعلمیة صفة راجحة موجبة للتقدیم ، وأما القرعة ، فلما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لو یعلم الناس ما فی الأذان والصف الأول لم یجدوا إلا أن یسهموا علیه » (3) وهو دلیل جواز الإسهام فیه. وقیل : إن القرعة إنما تثبت مع التساوی فی الأوصاف المعتبرة فی المؤذّن (4). وهو أولی ، وعلی هذا فیقدم الجامع للصفات علی فاقد بعضها ، وجامع الأکثر علی جامع الأقل. وإنما یتحقق التشاح للارتزاق من بیت المال حیث لا یحتاج إلی التعدد ، وإلاّ أذّن الجمیع.

قوله : ( السابعة ، إذا کان جماعة جاز أن یؤذنوا جمیعا ، والأفضل إذا کان الوقت متسعا أن یؤذن واحدا بعد واحد ).

إذا اجتمع جماعة وأرادوا الأذان فقد قطع المصنف بأنه یجوز لهم أن یؤذّنوا

ص: 297


1- نقله عنه فی المهذب فی فقه الإمام الشافعی 1 : 57.
2- نقله عنه فی بدائع الصنائع 1 : 149 ، والمغنی والشرح الکبیر 1 : 472.
3- المبسوط 1 : 98 ، مستدرک الوسائل 1 : 249 أبواب الأذان والإقامة ب 2 ح 5.
4- کما فی روض الجنان : 246.

______________________________________________________

دفعة واحدة ، ومترتبین بأن یبتدئ کل واحد منهم بعد فراغ الآخر ، وأن الأفضل الترتیب مع سعة الوقت ، لفوات الإقبال المطلوب فی العبادة مع الاجتماع. والظاهر أن المراد بسعة الوقت هنا عدم اجتماع الأمر المطلوب فی الجماعة من الإمام ومن یعتاد حضوره من المأمومین لا اتساع وقت الإجزاء ، فإن تأخیر الصلاة عن أول وقتها لأمر غیر موظف شرعا مستبعد جدا.

وقال الشیخ فی الخلاف : لا ینبغی الزیادة علی اثنین (1). واستدل بإجماع الفرقة علی ما رووه من أن الأذان الثالث بدعة (2). وقال ولده الشیخ أبو علی فی شرح نهایة والده : الزائد علی اثنین بدعة بإجماع أصحابنا (3). وقال الشیخ فی المبسوط : یجوز أن یکون المؤذّنون اثنین اثنین إذا أذّنوا فی موضع واحد فإنه أذان واحد ، فأما إذا أذّن واحد بعد الآخر فلیس ذلک بمسنون ولا مستحب (4).

وفسر المصنف فی المعتبر أذان الواحد بعد الآخر بأن یبنی کل واحد علی فصول الآخر (5) ، وهو المعبر عنه بالتراسل. وفیه بعد ، فإن المتبادر من کلامه أن یقع مجموع الأذان الثانی بعد الأول. وعللت کراهته بأنه یتضمن تأخیر الصلاة عن أول وقتها من غیر موجب (6) ، وهو حسن.

والمعتمد کراهة الاجتماع فی الأذان مطلقا ، لعدم ورود الشرع به ، وکذا أذان الواحد بعد الواحد فی المحل الواحد. أما مع اختلاف المحل وسعة الوقت بالمعنی المتقدم فلا مانع منه ، بل الظاهر استحبابه ، لعموم الأدلة الدالة علی مشروعیة الأذان والترغیب فیه.

ص: 298


1- الخلاف 1 : 95.
2- التهذیب 3 : 19 - 67 ، الوسائل 5 : 81 أبواب صلاة الجمعة ب 49 ح 1.
3- نقله عنه فی الذکری : 172.
4- المبسوط 1 : 98.
5- المعتبر 2 : 133.
6- کما فی التذکرة 1 : 107.

الثامنة : إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن یجتزئ به فی الجماعة وإن کان ذلک المؤذن منفردا.

______________________________________________________

قوله : ( الثامنة ، إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن یجتزئ به فی الجماعة وإن کان ذلک المؤذن منفردا ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واحتجوا علیه بفعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ومن بعدهم ، وما رواه الشیخ عن عمرو بن خالد ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : کنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال : « قوموا » فقمنا فصلّینا معه بغیر أذان ولا إقامة قال : « یجزیکم أذان جارکم » (1) وعن أبی مریم الأنصاری ، قال : صلّی بنا أبو جعفر علیه السلام فی قمیص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له : عافاک الله صلّیت بنا فی قمیص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فقال : « إن قمیصی کثیف فهو یجزی أن یکون علیّ رداء ، وإنی مررت بجعفر وهو یؤذّن ویقیم فلم أتکلم فأجزأنی ذلک » (2).

وفی طریق الروایتین ضعف (3) ، لکن قال الشهید فی الذکری : أنهما مؤیدتان بعمل السلف (4). وفیه ما فیه.

ویمکن الاستدلال علی ذلک أیضا بما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت ترید أن تصلّی بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه » (5) فإنه یدل علی الاجتزاء بسماع الأذان المتروک منه بعض الفصول مع الإتیان بالمتروک کما هو ظاهر.

ص: 299


1- التهذیب 2 : 285 - 1141 ، الوسائل 4 : 659 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 3.
2- التهذیب 2 : 280 - 1113 ، الوسائل 4 : 659 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 2.
3- أما الأولی فلأن راویها لم یوثق ، وأما الثانیة فلأن من جملة رجالها صالح بن عقبة والظاهر أنه صالح بن عقبة بن قیس بن سمعان ونقل ابن داود فی رجاله : 250 عن ابن الغضائری أنه قال : لیس حدیثه بشی ء کذاب غال کثیر المناکیر.
4- الذکری : 173.
5- التهذیب 2 : 280 - 1112 ، الوسائل 4 : 659 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 1.

______________________________________________________

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی المؤذن بین کونه مؤذّن مصر أو مسجد أو منفردا. وجزم الشارح - قدس سره - باختصاص الحکم بمؤذّن الجماعة والمصر ، ومنع من الاجتزاء بسماع أذان المنفرد بأذانه وهو ما عدا مؤذّن الجماعة والمصر ، وحمل قول المصنف : « وإن کان منفردا » علی أنّ المراد بالمنفرد : المنفرد بصلاته لا بأذانه (1) ، وهو بعید جدا.

وهنا مباحث :

الأول : الظاهر أنه لا فرق فی هذا الحکم بین الإمام والمنفرد وإن کان المفروض فی عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام ، لأنه إذا ثبت اجتزاء الإمام بسماع الأذان فالمنفرد أولی.

الثانی : یستفاد من الروایتین الأوّلتین الاجتزاء بالإقامة أیضا مع السماع ، لکن مقتضی روایة أبی مریم اشترط ذلک بعدم الکلام بعد سماع الإقامة. وهو حسن ، لأن الکلام من المقیم بعد الإقامة مقتض لإعادتها. وهذه الإقامة أضعف حکما فبطلانها بالکلام بعدها أولی.

الثالث : هل یستحب تکرار الأذان والإقامة للسامع؟ یحتمل ذلک خصوصا مع اتساع الوقت ، تمسکا بعموم ما دل علی مشروعیة الأذان ورجحانه ، وربما کان فی صحیحة ابن سنان المتقدمة دلالة علی ذلک ، حیث قال فیها : « إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت ترید أن تصلّی بأذانه » (2) فإن مقتضاه التخییر بین اجتزاء السامع به مع إتیانه بالمتروک ، وبین عدم اعتداده به وأذانه لنفسه ، وکیف کان فیجب أن یستثنی من ذلک : المؤذّن للجماعة ، والمقیم لهم ، فإنه لا یستحب معه الأذان والإقامة لهم قطعا ، لإطباق المسلمین کافة علی ترکه ، ولو کان مستحبا لما أطبقوا علی الإعراض عنه.

الرابع : قال الشیخ فی المبسوط : إذا أذّن فی مسجد جماعة دفعة لصلاة

ص: 300


1- المسالک : 28.
2- فی ص 299.

التاسعة : من أحدث فی أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنی ، والأفضل أن یعید الإقامة.

العاشرة : من أحدث فی الصلاة تطهّر وأعادها ، ولا یعید الإقامة إلا أن یتکلم.

______________________________________________________

بعینها کان ذلک کافیا لکل من یصلّی تلک الصلاة فی ذلک المسجد (1). ولم نعرف مأخذه.

قوله : ( التاسعة ، من أحدث فی أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنی ، والأفضل أن یعید الإقامة ).

الظاهر أن البناء یسوغ مع بقاء الموالاة وإلاّ تعین الاستئناف.

وأما أفضلیة إعادة الإقامة والحال هذه فاستدل علیه الشارح - قدس سره - بتأکد استحباب الطهارة فیها (2). وهو لا یستلزم المدعی ، نعم یمکن الاستدلال علیه بقول الصادق علیه السلام فی روایة أبی هارون المکفوف : « لإقامة من الصلاة » (3) ومن حکم الصلاة الاستئناف بطروّ الحدث فی أثنائها فتکون الإقامة کذلک. ویعلم من أفضلیة إعادة الإقامة بالحدث فی أثنائها أفضلیة إعادتها بالحدث فی أثناء الصلاة أیضا.

قوله : ( العاشرة ، من أحدث فی أثناء الصلاة تطهر وأعادها ، ولا یعید الإقامة إلا أن یتکلم ).

أما أنه لا یعید الإقامة بدون الکلام ، فلأن الإعادة حکم مستأنف فیتوقف علی الدلالة ، وهی منتفیة.

وأما الإعادة مع الکلام فتدل علیه روایات ، منها : صحیحة محمد بن

ص: 301


1- المبسوط 1 : 98. ولکن لیس فیه لفظ : جماعة.
2- المسالک 1 : 28.
3- الکافی 3 : 305 - 20 ، التهذیب 2 : 54 - 185 ، الإستبصار 1 : 301 - 1111 ، الوسائل 4 : 630 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 12.

الحادیة عشرة : من صلی خلف إمام لا یقتدی به أذّن لنفسه وأقام. فإن خشی فوات الصلاة اقتصر علی تکبیرتین وعلی قوله قد قامت الصلاة.

______________________________________________________

مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تتکلم إذا أقمت الصلاة ، فإنک إذا تکلمت أعدت الإقامة » (1).

وربما ظهر من العبارة عدم استحباب إعادة الإقامة بدون التکلم ، وهو مناف لما ذکره فی المسألة السابقة ، إلاّ أن یفرق بین الحدث فی أثناء الإقامة وأثناء الصلاة ، وهو بعید (2).

قوله : ( الحادیة عشرة ، من صلی خلف إمام لا یقتدی به أذّن لنفسه وأقام ).

إنما استحب له الأذان لنفسه والإقامة لما سبق من عدم الاعتداد بأذان المخالف وإقامته (3) ، ولقول الصادق علیه السلام فی روایة محمد بن عذافر : « أذّن خلف من قرأت خلفه » (4).

قوله : ( فإن خشی فوت الصلاة اقتصر علی تکبیرتین وقوله قد قامت الصلاة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (5) ، وجمع من الأصحاب ، واستدلوا علیه بروایة معاذ بن کثیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخل الرجل المسجد وهو لا یأتم بصاحبه وقد بقی علی الإمام آیة أو اثنتان فخشی إن هو أذّن وأقام

ص: 302


1- التهذیب 2 : 55 - 191 ، الاستبصار 1 : 301 - 1112 ، وفیه : إذا أقمت للصلاة. الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 3.
2- نقل هذه العبارة فی الجواهر 9 : 142 عنه بزیادة : بل عن ظاهر ثانی المحققین والشهیدین الحکم بعدم الفرق.
3- فی ص 269.
4- الفقیه 1 : 251 - 1130 ، التهذیب 3 : 56 - 192 ، الوسائل 4 : 664 أبواب الأذان والإقامة ب 34 ح 2.
5- النهایة : 66.

وإن أخلّ بشی ء من فصول الأذان استحب للمأموم التلفظ به.

______________________________________________________

أن یرکع فلیقل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله ، ولیدخل فی الصلاة » (1) وینبغی العمل علی صورة الروایة ، وعبارات الأصحاب قاصرة عن إفادة ما تضمنته فصولا وترتیبا ، مع أنها ضعیفة السند ، ومتضمنة لتقدیم الذکر المستحب علی القراءة الواجبة ، وهو مشکل جدا.

ومن ثم حمل جدی - قدس سره - فی بعض حواشیه عبارة المصنف رحمه الله - علی أن المراد بفوات الصلاة فوات ما یعتبر فی الرکعة من القراءة وغیرها. وهو مع مخالفته للظاهر بعید عن مدلول الروایة ، إلا أنه لا بأس بالمصیر إلیه.

قوله : ( ولو أخلّ بشی ء من فصول الأذان استحب للمأموم التلفظ به )

سیاق العبارة یقتضی أن هذا الحکم من تتمة المسألة السابقة وهی من صلّی خلف من لا یقتدی به ، لکن الحکم باستحباب تلفظ المأموم بالفصل المتروک هنا مشکل ، أما أولا : فلأنه خلاف مدلول النص ، وهو صحیحة ابن سنان المتقدمة حیث قال فیها : « إذا نقص المؤذّن الأذان وأنت ترید أن تصلّی بأذانه فأتم ما نقص من أذانه » (2).

وأما ثانیا : فلما صرح به الأصحاب ودلت علیه الأخبار من عدم الاعتداد بأذان المخالف (3) ، فلا فائدة فی إتیان المأموم بما ترکه الإمام من الفصول. اللهم ألاّ أن یقال أن ذلک مستحب برأسه وإن کان الأذان غیر معتد به ، وهو حسن لو ثبت دلیله.

واحتمل الشارح - قدس سره - جعل هذه المسألة منفصلة عن الکلام

ص: 303


1- الکافی 3 : 306 - 22 ، التهذیب 2 : 281 - 1116 ، الوسائل 4 : 663 أبواب الأذان والإقامة ب 34 ح 1.
2- فی ص 299.
3- الوسائل 4 : 663 أبواب الأذان والإقامة ب 34.

______________________________________________________

السابق وأنها محمولة علی غیر المخالف ، کناسی بعض فصول الأذان أو تارکه أو تارک الجهریة تقیة (1). وهو جید من حیث المعنی لکنه بعید من حیث اللفظ. والله أعلم.

ص: 304


1- المسالک 1 : 28.

الرکن الثانی

فی أفعال الصلاة

وهی واجبة مسنونة ،

فالواجبات ثمانیة :

______________________________________________________

قوله : ( الرکن الثانی ، فی أفعال الصلاة : وهی واجبة ومسنونة ، فالواجبات ثمانیة ).

المراد بالأفعال ما تشتمل علیه الماهیة من الأمور الوجودیة المتلاحقة التی أولها النیة أو التکبیر ، وآخرها التشهد أو التسلیم. ولنورد هنا حدیثین صحیحین مشهورین یشتملان علی معظم أفعال الصلاة :

أحدهما : رواه الصدوق فی من لا یحضره الفقیه فی الصحیح ، والشیخان فی الکافی والتهذیب ، فی الحسن عن الثقة الصدوق حماد بن عیسی قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام یوما : « یا حماد تحسن أن تصلی؟ » قال ، فقلت : یا سیدی أنا أحفظ کتاب حریز فی الصلاة. قال : « لا علیک یا حماد ، قم فصلّ » قال : فقمت بین یدیه متوجها إلی القبلة ، فاستفتحت الصلاة فرکعت وسجدت ، فقال : « یا حماد لا تحسن أن تصلی ، ما أقبح بالرجل منکم یأتی علیه ستون سنة أو سبعون سنة فلا یقیم صلاة واحدة بحدودها تامة ».

قال حماد : فأصابنی فی نفسی الذل ، فقلت : جعلت فداک ، فعلمنی الصلاة ، فقام أبو عبد الله علیه السلام مستقبل القبلة منتصبا ، فأرسل یدیه جمیعا علی فخذیه قد ضم أصابعه ، وقرّب بین قدمیه حتی کان بینهما قدر ثلاث أصابع منفرجات ، واستقبل بأصابع رجلیه جمیعا القبلة لم یحرفها عن القبلة ، وقال بخشوع : الله أکبر. ثم قرأ الحمد بترتیل وقل هو الله أحد ، ثم صبر هنیئة بقدر ما یتنفس وهو قائم ثم رفع یدیه حیال وجهه وقال : الله أکبر ، وهو قائم.

ص: 305

______________________________________________________

ثم رکع وملأ کفیه من رکبتیه منفرجات ، وردّ رکبتیه إلی خلفه ، ثم استوی ظهره حتی لو صبّ علیه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه وغمض عینیه ، ثم سبح ثلاثا بترتیل فقال : سبحان ربی العظیم وبحمده. ثم استوی قائما ، فلما استمکن من القیام قال : سمع الله لمن حمده. ثم کبر وهو قائم ورفع یدیه حیال وجهه.

ثم سجد وبسط کفیه مضمومتی الأصابع بین یدی رکبتیه حیال وجهه فقال : سبحان ربی الأعلی وبحمده ثلاث مرات ، ولم یضع شیئا من جسده علی شی ء منه ، وسجد علی ثمانیة أعظم : الکفین ، والرکبتین (1) ، وأنامل إبهامی الرجلین ، والجبهة ، والأنف. وقال : « سبع منها فرض یسجد علیها وهی التی ذکرها الله عزّ وجلّ فی کتابه وقال ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (2). وهی الجبهة ، والکفان ، والرکبتان ، والإبهامان. ووضع الأنف علی الأرض سنة ».

ثم رفع رأسه من السجود ، فلما استوی جالسا قال : الله أکبر. ثم قعد علی فخذه الأیسر قد وضع قدمه الأیمن علی بطن قدمه الأیسر ، وقال : استغفر الله ربی وأتوب إلیه. ثم کبر وهو جالس وسجد سجدة الثانیة ، وقال کما قال فی الأولی ، ولم یضع شیئا من بدنه علی شی ء منه فی رکوع ولا سجود ، وکان مجنحا ، ولم یضع ذراعیه علی الأرض ، فصلی رکعتین علی هذا. ویداه مضمومتا الأصابع وهو جالس فی التشهد ، فلما فرغ من التشهد سلم ، فقال : « یا حماد هکذا صلّ » (3).

والثانی : رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا قمت فی الصلاة فلا تلصق قدمک بالأخری ، ودع

ص: 306


1- فی الفقیه و « م » : عینی الرکبتین.
2- الجنّ : 18.
3- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 بتفاوت یسیر ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 وص 675 ح 2.

______________________________________________________

بینهما فصلا إصبعا أقل ذلک إلی شبر أکثره ، واسدل منکبیک وأرسل یدیک ، ولا تشبک أصابعک ، ولتکونا علی فخذیک قبالة رکبتیک ، ولیکن نظرک إلی موضع سجودک.

فإذا رکعت فصفّ فی رکوعک بین قدمیک تجعل بینهما قدر شبر ، وتمکن راحتیک من رکبتیک ، وتضع یدک الیمنی علی رکبتک الیمنی قبل الیسری ، وبلّغ بأطراف أصابعک عین الرکبة ، وفرج أصابعک إذا وضعتها علی رکبتیک ، فإن وصلت أطراف أصابعک فی رکوعک إلی رکبتیک أجزأک ذلک ، وأحبّ إلیّ أن تمکن کفیک من رکبتیک فتجعل أصابعک فی عین الرکبة وتفرج بینهما ، وأقم صلبک ، ومدّ عنقک ، ولیکن نظرک إلی ما بین قدمیک.

فإذا أردت أن تسجد فارفع یدیک بالتکبیر وخرّ ساجدا ، وابدأ بیدیک تضعهما علی الأرض قبل رکبتیک تضعهما معا ، ولا تفترش ذراعیک افتراش السبع ذراعیه ، ولا تضعنّ ذراعیک علی رکبتیک وفخذیک ، ولکن تجنح بمرفقیک ، ولا تلزق کفیک برکبتیک ، ولا تدنهما من وجهک ، بین ذلک حیال منکبیک ، ولا تجعلهما بین یدی رکبتیک ولکن تحرفهما عن ذلک شیئا ، وأبسطهما علی الأرض بسطا ، واقبضهما إلیک قبضا ، وإن کان تحتهما ثوب فلا یضرک ، وإن أفضیت بهما إلی الأرض فهو أفضل. ولا تفرجن بین أصابعک فی سجودک ولکن اضممهن إلیک جمیعا ».

قال : « فإذا قعدت فی تشهدک فألصق رکبتیک بالأرض وفرج بینهما شیئا ، ولیکن ظاهر قدمک الیسری علی الأرض وظاهر قدمک الیمنی علی باطن قدمک الیسری وألیتاک علی الأرض وطرف إبهامک الیمنی علی الأرض ، وإیاک والقعود علی قدمیک فتتأذی بذلک ، ولا تکون قاعدا علی الأرض فیکون إنما قعد بعضک علی بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء » (1).

ص: 307


1- التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

الأوّل : النیة ،

وهی رکن فی الصلاة ، ولو أخلّ بها عامدا أو ناسیا لم تنعقد صلاته.

______________________________________________________

قوله : ( الأول ، النیة وهی رکن فی الصلاة ، ولو أخل بها عامدا أو ناسیا لم تنعقد صلاته ).

أجمع العلماء کافة علی اعتبار النیة فی الصلاة بحیث تبطل بالإخلال بها عمدا وسهوا ، علی ما نقله جماعة (1).

وإنما الخلاف بینهم فی أنها جزء من الصلاة کالرکوع والسجود ، أو شرط خارج عن الماهیة کالطهارة والستر.

والأصح الثانی ، وهو خیرة المصنف فی النافع (2) والمعتبر (3) ، لأن الأصل عدم دخولها فی الماهیة ، وتوقف الصلاة علیها أعم من الجزئیة ، ولأن المستفاد من النصوص الواردة فی کیفیة الصلاة وأحکامها أن أول أفعالها التکبیر (4) ، ولأن النیة تتعلق بالصلاة فلو کانت جزءا منها لتعلق الشی ء بنفسه.

واستدل علیه بأنها لو کانت جزءا لافتقرت إلی نیة أخری ویتسلسل. وفی الملازمة منع. وبأن قوله صلی الله علیه و آله : « إنما الأعمال بالنیات » (5) یدل علی مغایرة العمل للنیة. وضعفه ظاهر ، لأن المغایرة حاصلة بین جزء الماهیة وکلها ضرورة ، ولا تلزم منها الشرطیة.

وقیل بالأول ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی هذا الکتاب ، لأن حقیقة الصلاة تلتئم منها فلا تکون شرطا ، ولأنه یعتبر فیها ما یعتبر فی الصلاة من

أفعال الصلاة

النیة

اشارة

ص: 308


1- منهم العلامة فی المنتهی 1 : 266 ، والتذکرة 1 : 110 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 28.
2- المختصر النافع : 29.
3- المعتبر 2 : 149.
4- الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1.
5- التهذیب 1 : 83 - 218 ، الوسائل 4 : 711 أبواب النیة ب 1 ح 2.

وحقیقتها : استحضار صفة الصلاة فی الذهن والقصد بها إلی أمور أربعة : الوجوب أو الندب ، والقربة ، والتعیین ، وکونها أداء أو قضاء.

______________________________________________________

القیام والستر والاستقبال وغیر ذلک.

ویرد علی الأول أنه مصادرة علی المطلوب. وعلی الثانی منع الاشتراط (1) ، کما اختاره المصنف (2) وجمع من الأصحاب ، لانتفاء الدلیل علیه رأسا.

وربما قیل : إن اشتراط ذلک فی النیة لأجل المقارنة المعتبرة بینها وبین التکبیر لا لأجل النیة نفسها (3). وهو جید لو ثبت توقف المقارنة علی ذلک.

وهذه المسألة لا جدوی لها فیما یتعلق بالعمل ، لأن القدر المطلوب - وهو اعتبارها فی الصلاة بحیث تبطل بالإخلال بها عمدا وسهوا - ثابت علی کل من القولین.

وإنما تظهر الفائدة نادرا فیما لو نذر الصلاة فی وقت معین فاتفق مقارنة التکبیر لأوله ، فإن جعلناها شرطا بری ء ، وإلاّ فلا.

قوله : ( وحقیقتها استحضار حقیقة الصلاة فی الذهن والقصد بها إلی أمور أربعة : الوجوب أو الندب ، والقربة ، والتعیین ، وکونها أداء أو قضاء ).

اعلم أن النیة عبارة عن أمر واحد بسیط ، وهو القصد إلی الفعل. لکن لما کان القصد إلی الشی ء المعین موقوفا علی العلم به وجب لقاصد الصلاة إحضار ذاتها فی الذهن وصفاتها التی یتوقف علیها التعیین ، ثم القصد إلی هذا الفعل المعلوم طاعة لله تعالی وامتثالا لأمره.

ولقد أحسن شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری حیث قال - بعد أن

حقیقة النیة

ص: 309


1- فی « م » : الاشتراک.
2- المعتبر 2 : 149.
3- کما فی روض الجنان : 255.

______________________________________________________

ذکر نحو ذلک - : وتحقیقه أنه إذا أرید نیة الظهر - مثلا - فالطریق إلیها إحضار المنوی بممیزاته عن غیره فی الذهن ، فإذا حضر قصد المکلف إلی إیقاعه تقربا إلی الله ، ولیس فیه ترتیب بحسب التصور ، وإن وقع ترتیب فإنما هو بحسب التعبیر عنه بالألفاظ إذ من ضرورتها ذلک ، فلو أن مکلفا أحضر فی ذهنه الصلاة الواجبة المؤداة ثم استحضر قصد فعلها تقربا وکبّر کان ناویا (1).

إذا عرفت ذلک فنقول : إنه یعتبر فی نیة الصلاة : القربة وهی الطاعة لله تعالی وامتثال أمره ، والتعیین إجماعا.

أما القربة فلقوله تعالی ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ ) (2) والإخلاص هو نیة التقرب.

وأما التعیین فلأن الفعل إذا کان مما یمکن وقوعه علی وجوه متعددة افتقر اختصاصه بأحدها إلی النیة ، وإلاّ لکان صرفه إلی البعض دون البعض ترجیحا من غیر مرجح.

وقد قطع المصنف وغیره (3) بأنه یعتبر مع نیة القربة والتعیین الوجوب أو الندب ، والأداء أو القضاء. واستدلوا علیه بأن جنس الفعل لا یستلزم وجوهه إلاّ بالنیة ، فکلما أمکن أن یقع علی أکثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلی النیة. فینوی الظهر مثلا لتتمیز عن بقیة الصلوات ، والفرض لیتمیز عن إیقاعها ندبا کمن صلی منفردا ثم أدرک الجماعة ، وکونها أداء لتتمیز عن القضاء.

وهو استدلال ضعیف ، فإن صلاة الظهر مثلا لا یمکن وقوعها من المکلف فی وقت واحد علی وجهی الوجوب والندب لیعتبر تمیز أحدهما من الآخر ، لأن

ص: 310


1- الذکری : 176.
2- سورة البینة : 5.
3- کالشهید الأول فی الذکری : 177.

______________________________________________________

من صلی الفریضة ابتداء لا تکون صلاته إلاّ واجبة ، ومن أعادها ثانیا لا تقع إلاّ مندوبة.

وقریب من ذلک الکلام فی الأداء والقضاء. نعم لو کانت ذمة المکلف مشغولة بکل منهما اتجه اعتبار ملاحظة أحدهما لیتخصص بالنیة. ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکروه.

وقد قطع الأصحاب بأنه لا یعتبر فی النیة قصد القصر أو الإتمام وإن کان المکلف مخیرا بینهما ، کما فی أماکن التخییر. وهو کذلک ، أما مع لزوم أحد الأمرین فظاهر لتعیّن الفرض ، وأما مع التخییر فلأنه لا یتعین أحدهما بالنیة ، بل یجوز للمکلف مع نیة القصر الاقتصار علی الرکعتین والإتمام ، کما نصّ علیه فی المعتبر (1) ، فلا حاجة إلی التعیین.

وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الشرعیة سهولة الخطب فی النیة ، وأن المعتبر فیها قصد الفعل المعین طاعة لله تعالی خاصة. وهذا القدر أمر لا یکاد ینفک منه عاقل متوجه إلی إیقاع العبادة. ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو کلف الله بالصلاة أو غیرها من العبادات بغیر نیة کان تکلیف ما لا یطاق. وقال بعض المحققین : لولا قیام الأدلة علی اعتبار القربة ، وإلاّ لکان ینبغی أن یکون هذا من باب « اسکتوا عما سکت الله عنه ».

وذکر الشهید فی الذکری : أن المتقدمین من علمائنا ما کانوا یذکرون النیة فی کتبهم الفقهیة ، بل یقولون : أول واجبات الوضوء - مثلا - غسل الوجه ، وأول واجبات الصلاة تکبیرة الإحرام ، وکأن وجهه أن القدر المعتبر من النیة أمر لا یکاد یمکن الانفکاک عنه ، وما زاد عنه فلیس بواجب (2).

ومما یؤید ذلک عدم ورود النیة فی شی ء من العبادات علی الخصوص ، بل خلو الأخبار الواردة فی صفة وضوء النبی صلی الله علیه و آله وغسله وتیممه من

ص: 311


1- المعتبر 2 : 150.
2- الذکری : 80.

ولا عبرة باللفظ.

______________________________________________________

ذلک (1) ، وکذا الروایة المتضمنة لتعلیم الصادق علیه السلام لحماد الصلاة ، حیث قال فیها : إنه علیه السلام قام واستقبل القبلة وقال بخشوع : الله أکبر (2). ولم یقل : فکّر فی النیة ولا تلفظ بها ولا غیر ذلک من هذه الخرافات المحدثة.

ویزیده بیانا ما رواه الشیخان - رضی الله عنهما - فی الکافی والتهذیب عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا افتتحت الصلاة فارفع کفیک ، ثم ابسطهما بسطا ، ثم کبر ثلاث تکبیرات ، ثم قل : اللهم أنت الملک الحق ( لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ، سُبْحانَکَ ) إنی ظلمت نفسی ، فاغفر لی ذنبی ، إنه لا یغفر الذنوب إلاّ أنت. ثم کبر تکبیرتین ، ثم قل : لبیک وسعدیک ، والخیر فی یدیک ، والشر لیس إلیک ، والمهدی من هدیت ، لا ملجأ منک إلاّ إلیک ، سبحانک وحنانیک ، تبارکت وتعالیت ، سبحانک رب البیت ، ثم کبر تکبیرتین ، ثم تقول : ( وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، - ( عالِمِ الْغَیْبِ وَالشَّهادَةِ ) ، - ( حَنِیفاً مُسْلِماً ) - ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ ) . ( إِنَّ صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیایَ وَمَماتِی لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ، لا شَرِیکَ لَهُ وَبِذلِکَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمین » کذا فی الکافی (3) ، واقتصر فی التهذیب علی قوله : ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ ) (4).

ویستفاد من هذه الروایة أحکام کثیرة تظهر لمن تأملها ، والله الموفق.

قوله : ( ولا عبرة باللفظ ).

لأنه خارج عن مفهوم النیة ، لما عرفت من أنها أمر قلبی لا دخل للّسان

ص: 312


1- الوسائل 1 : 271 أبواب الوضوء ب 15.
2- الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
3- الکافی 3 : 310 - 7 ، الوسائل 4 : 723 أبواب تکبیرة الإحرام ب 8 ح 1.
4- التهذیب 2 : 67 - 244 ، الوسائل 4 : 723 أبواب تکبیرة الإحرام ب 8 ح 1.

ووقتها عند أول جزء من التکبیر. ویجب استمرار حکمها إلی آخر الصلاة ، وهو أن لا ینقض النیّة الأولی. ولو نوی الخروج من : الصلاة لم

______________________________________________________

فیها ، فیکون التلفظ بها عبثا بل إدخالا فی الدین ما لیس منه. فلا یبعد أن یکون الإتیان به علی وجه العبادة تشریعا محرما.

قوله : ( ووقتها عند أول جزء من التکبیر ).

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا علیه أکثر العامة (1) ، وقال بعضهم : یجوز أن یتقدم علی التکبیر بزمان یسیر کالصوم (2). وهو قیاس مع الفارق.

ولا یجب استحضار النیة إلی انتهاء التکبیر ، لعسر ذلک ، ولأن الأصل براءة الذمة من هذا التکلیف.

وقیل : یجب ، وهو اختیار العلامة فی التذکرة (3) ، والشهید فی الذکری (4) ، لأن الدخول فی الصلاة إنما یتحقق بتمام التکبیر ، بدلیل أن المتیمم لو وجد الماء قبل إتمامه وجب علیه استعماله ، بخلاف ما لو وجده بعد الإکمال ، والمقارنة معتبرة فی النیة فلا تتحقق من دونها.

وردّ بأن آخر التکبیر کاشف عن الدخول فی الصلاة من اوله. وهو تکلف مستغنی عنه ، بل الحق أن الدخول فی الصلاة یتحقق بالشروع فی التکبیر ، لأنه جزء من الصلاة بإجماعنا. فإذا قارنت النیة أوله فقد قارنت أول الصلاة ، لأن جزء الجزء جزء ولا ینافی ذلک توقف التحریم علی انتهائه ووجوب استعمال الماء قبله ، لأن ذلک حکم آخر لا ینافی المقارنة.

قال فی الذکری : ومن الأصحاب من جعل النیة بأسرها بین الألف والراء ، وهو مع العسر مقتض لحصول أول التکبیر بغیر نیة (5).

قوله : ( ویجب استمرار حکمها إلی آخر الصلاة ، وهو أن لا ینقض

وقت النیة

وجوب الاستمرار علی حکم النیة

ص: 313


1- منهم الشافعی فی الأم 1 : 99 ، والغزالی فی إحیاء علوم الدین 1 : 153.
2- کما فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 529.
3- التذکرة 1 : 112.
4- الذکری : 177.
5- الذکری : 177.

تبطل علی الأظهر. وکذا لو نوی أن یفعل ما ینافیها ،

______________________________________________________

النیة الأولی. ولو نوی الخروج من الصلاة لم تبطل علی الأظهر ، وکذا لو نوی أن یفعل ما ینافیها ).

تضمنت هذه العبارة مسائل ثلاثا :

الأولی : أنه یجب استمرار حکم النیة إلی آخر الصلاة ، بمعنی أن لا ینقضها بنیة القطع ، وهو ثابت بإجماعنا ، قاله فی التذکرة (1). لأن العزم علی فعل المحرم محرم ، ولأن نیة القطع تبطل النیة السابقة ، فیکون ما بعدها من الأفعال واقعا بغیر نیة فلا یکون معتبرا فی نظر الشرع.

قال فی التذکرة : ولا یجب استصحاب النیة إلی آخر الصلاة فعلا ، إجماعا ، لما فیه من العسر (2). وهو حسن ، بل قیل : إن ذلک غیر مستحب (3) ، لانعقاد الصلاة بدونه وعدم ثبوت التعبد به.

الثانیة : أن المصلی إذا شرع فی الصلاة بنیة صحیحة ثم نوی الخروج منها فی أثناء الصلاة لم تبطل صلاته بذلک ، وهو أحد القولین فی المسألة ، ذهب إلیه الشیخ فی الخلاف وجمع من الأصحاب. واستدل علیه فی الخلاف بأن إبطال الصلاة بذلک حکم شرعی ، فیتوقف علی الدلیل وهو منتف (4).

وقیل : تبطل (5) ، لأن نیة الخروج تقتضی وقوع ما بعدها من الأفعال بغیر نیة فلا یکون مجزیا ، ولأن الاستمرار علی حکم النیة السابقة واجب إجماعا کما تقدم ، ومع نیة الخروج أو التردد فیه یرتفع الاستمرار.

ویتوجه علی الأول : أنه لا یلزم من حصول نیة القطع وقوع ما بعدها من

حکم نیة قطع الصلاة.

ص: 314


1- التذکرة 1 : 112.
2- التذکرة 1 : 112.
3- کما فی روض الجنان : 257.
4- الخلاف 1 : 103.
5- کما فی الذکری : 178 ، وجامع المقاصد 1 : 108.

فإن فعله بطلت ، وکذا لو نوی بشی ء من أفعال الصلاة الریاء أو غیر الصلاة.

______________________________________________________

الأفعال بغیر نیة ، إذ من الجائز رفض تلک النیة والرجوع إلی مقتضی النیة الأولی قبل الإتیان بشی ء من أفعال الصلاة.

وعلی الثانی : أن وجوب الاستدامة أمر خارج عن حقیقة الصلاة ، فلا یکون فواته مقتضیا لبطلانها ، إذ المعتبر وقوع الصلاة بأسرها مع النیة کیف حصلت. وقد اعترف الأصحاب بعدم بطلان ما مضی من الوضوء بنیة القطع إذا جدّد النیة لما بقی منه من الأفعال قبل فوات الموالاة ، والحکم فی المسألتین واحد. والفرق بینهما بأن الصلاة عبادة واحدة فلا یصح تفریق النیة علی أجزائها بخلاف الوضوء ضعیف جدا ، فإنه دعوی مجردة عن الدلیل. والمتجه تساویهما فی الصحة مع تجدید النیة لما بقی من الأفعال ، لکن یعتبر فی الصلاة عدم الإتیان بشی ء من أفعالها الواجبة قبل تجدید النیة ، لعدم الاعتداد به ، واستلزام إعادته الزیادة فی الصلاة.

الثالثة : عدم بطلان الصلاة بنیة فعل المنافی إذا لم یفعله ، وهو اختیار الشیخ (1) وأکثر الأصحاب ، لما تقدم. وقیل بالبطلان هنا أیضا ، للتنافی بین إرادتی الضدین (2). وهو ضعیف ، لأن تنافی الإرادتین - بعد تسلیمه - إنما یلزم منه بطلان الأولی بعروض الثانیة ، لا بطلان الصلاة مع تجدید النیة الذی هو موضع النزاع.

قوله : ( وإن فعل بطلت ، وکذا لو نوی بشی ء من أفعال الصلاة الریاء أو غیر الصلاة ).

أما بطلان الصلاة بفعل المنافی فلا ریب فیه ، وسیجی ء تفصیل الکلام فیه فی محله إن شاء الله تعالی (3).

حکم نیة الریاء

ص: 315


1- المبسوط 1 : 102.
2- کما فی روض الجنان : 257.
3- فی ص 455.

ویجوز نقل النیّة فی موارد : کنقل الظهر یوم الجمعة إلی النافلة لمن نسی قراءة الجمعة وقرأ غیرها ، وکنقل الفریضة الحاضرة إلی سابقه علیها مع سعة الوقت.

______________________________________________________

وأما بطلانها إذا نوی بشی ء من أفعالها الریاء أو غیر الصلاة - کما لو قصد بالتکبیر تنبیه غیره علی شی ء ، وبالهوی إلی الرکوع أخذ شی ء ونحو ذلک - فلانتفاء التقرب بذلک الجزء ، ویلزم من فواته فوات الصلاة ، لعدم جواز استدراکه. کذا علله المصنف رحمه الله ، وهو إنما یتم إذا اقتضی استدراک ذلک الجزء الزیادة المبطلة لا مطلقا.

ومن هنا یظهر أنه لو قصد الإفهام خاصة بما یعد قرآنا بنظمه وأسلوبه لم تبطل صلاته ، لأن ذلک لا یخرجه عن کونه قرآنا ، وإن لم یعتد به فی الصلاة لعدم التقرب به. وکذا الکلام فی الذکر.

ویدل علی جواز الإفهام بالذکر - مضافا إلی الأصل وعدم خروجه بذلک عن کونه ذکرا - روایات منها : صحیحة الحلبی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یرید الحاجة وهو یصلی ، فقال : « یومئ برأسه ویشیر بیده ویسبح » (1).

قوله : ( ویجوز نقل النیة فی موارد : کنقل الظهر یوم الجمعة إلی النافلة لمن نسی قراءة الجمعة وقرأ غیرها ، وکنقل الفریضة الحاضرة إلی سابقه علیها مع سعة الوقت ).

اعلم أن کلا من الفریضة المنقول منها وإلیها إما أن تکون واجبة أو مندوبة ، مؤداة أو مقضیة ، فالصور ستة عشرة حاصلة من ضرب أربعة فی أربعة. ولما کان النقل کیفیة للعبادة وجب الاقتصار فیه علی موضع النقل کسائر الوظائف الشرعیة ، ومع انتفائه یکون الجواز منفیا بالأصل.

موارد جواز نقل النیة

ص: 316


1- الکافی 3 : 365 - 7 ، الفقیه 1 : 242 - 1075 ، التهذیب 2 : 324 - 1328 ، الوسائل 4 : 1256 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 2.

الثانی : تکبیرة الإحرام ،

ولا تصحّ الصلاة من دونها ولو أخلّ بها نسیانا.

______________________________________________________

وقد ثبت جواز العدول من الفرض إلی الفرض إذا اشتغل بلاحقة ثم ذکر السابقة ، سواء کانتا مؤداتین أو مقضیتین أو المعدول منها حاضرة والمعدول إلیها فائتة.

أما العدول من الفائتة إلی الحاضرة فغیر جائز ، لعدم ورود التعبد به. وقیل بجوازه فیما إذا شرع فی فائتة ثم ذکر فی أثنائها ضیق الوقت عن الحاضرة (1). وبه قطع فی البیان (2).

ویجوز النقل من الفرض إلی النفل مطلقا لخائف فوت الرکعة مع الإمام وهو فی فریضة فیعدل بها إلی النافلة ، وفی ناسی قراءة سورة الجمعة فی الجمعة کما سیجی ء بیانه (3).

أما النقل من النفل إلی الفرض فغیر جائز ، لأن القوی لا یبنی علی الضعیف ، قال فی الذکری : وللشیخ قول بجوازه فی الصبی یبلغ فی أثناء الصلاة (4). وقد یقال : إن من هذا شأنه یجدد نیة الفرض بالباقی علی قول الشیخ وهو خلاف معنی النقل ، إذ معناه جعل الجمیع - ما مضی منه وما بقی - علی ذلک الوجه.

وصرح الأصحاب بجواز النقل من النفل إلی النفل إذا شرع فی نافلة لاحقة ثم ذکر السابقة. ویمکن القول بجوازه أیضا فی ناسی الموقتة إلی أن یتضیق وقتها. وللتوقف فی غیر المنصوص مجال. والله تعالی أعلم.

قوله : ( الثانی ، تکبیرة الإحرام ، ولا تصح الصلاة من دونها ولو أخل بها نسیانا ).

تکبیرة الاحرام

اشارة

ص: 317


1- التذکرة 1 : 82.
2- البیان : 78.
3- فی ج 4 ص 88.
4- الذکری : 178.

______________________________________________________

أجمع الأصحاب بل أکثر علماء الإسلام علی أن تکبیرة الإحرام جزء من الصلاة ورکن فیها ، بمعنی بطلان الصلاة بترکها عمدا وسهوا. والمستند فی ذلک روایات کثیرة کصحیحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل ینسی تکبیرة الافتتاح ، قال : « یعید » (1).

وصحیحة محمد - وهو ابن مسلم - عن أحدهما علیهماالسلام : فی الذی یذکر أنه لم یکبر فی أول صلاته ، فقال : « إذا استیقن أنه لم یکبر فلیعد ، ولکن کیف یستیقن؟! » (2).

وصحیحة الفضل بن عبد الملک وابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی ولم یفتتح بالتکبیر ، هل یجزیه تکبیرة الرکوع؟ قال : « لا » (3).

وفی مقابل هذه الروایات روایات أخر دالة علی أن الناسی لا یعید ، کصحیحة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل نسی أن یکبر حتی دخل فی الصلاة فقال : « ألیس کان من نیته أن یکبر؟ » قلت : نعم. قال : « فلیمض علی صلاته » (4).

وفی بعضها الاجتزاء بتکبیرة الرکوع إذا لم یذکر حتی کبر له ، کصحیحة البزنطی عن الرضا علیه السلام قال ، قلت له : رجل نسی أن یکبر تکبیرة

ص: 318


1- الکافی 3 : 347 - 1 ، التهذیب 2 : 143 - 557 ، الإستبصار 1 : 351 - 1326 ، الوسائل 4 : 715 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 1.
2- التهذیب 2 : 143 - 558 ، الإستبصار 1 : 351 - 1327 ، الوسائل 4 : 716 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 2.
3- الکافی 3 : 347 - 2 ، التهذیب 2 : 143 - 562 ، الإستبصار 1 : 352 - 1333 ، الوسائل 4 : 718 أبواب تکبیرة الإحرام ب 3 ح 1.
4- الفقیه 1 : 226 - 999 ، التهذیب 2 : 144 - 565 ، الإستبصار 1 : 352 - 1330 ، الوسائل 4 : 717 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 9.

وصورتها أن یقول : الله أکبر ، ولا تنعقد بمعناها ، ولو أخلّ بحرف منها لم تنعقد صلاته.

______________________________________________________

الافتتاح حتی کبر للرکوع ، قال : « أجزأه » (1).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی من لا یتیقن الترک بل شک فیه (2). وفیها ما یأبی هذا الحمل ، إلاّ أن مخالفة ظاهرها لإجماع الأصحاب بل إجماع العلماء إلاّ من شذّ توجب المصیر إلی ما ذکره.

قوله : ( وصورتها أن یقول : الله أکبر ، ولا تنعقد بمعناها ، ولو أخلّ بحرف منها لم تنعقد صلاته ).

لما کانت العبادات إنما تستفاد بتوقیف الشارع ، وجب اتّباع النقل الوارد ببیانها ، حتی لو خالف المکلف ذلک کان تشریعا محرما ولم یخرج عن عهدة الواجب.

ولا شبهة فی أن المنقول عن النبی صلی الله علیه و آله هو أنه کبّر باللفظ المخصوص (3) ، وکذا عن الأئمة علیهم السلام (4). فیجب الاقتصار علیه ، والحکم بعدم انعقاد الصلاة بغیره. وتتحقق المخالفة بالزیادة عن اللفظ المخصوص ، وبالإخلال بحرف منه ولو بوصل إحدی الهمزتین :

أما همزة أکبر فظاهر ، لأنها همزة قطع. وأما همزة الله ، فإنها وإن کانت همزة وصل عند المحققین إلاّ أن المنقول من صاحب الشرع قطعها ، حیث إنها فی ابتداء الکلام ، لما تقدم من کون النیة إرادة قلبیة لا دخل للّسان فیها. ومن

صورة تکبیرة الاحرام

ص: 319


1- الفقیه 1 : 226 - 1000 ، التهذیب 2 : 144 - 566 ، الوسائل 4 : 718 أبواب تکبیرة الإحرام ب 3 ح 2.
2- التهذیب 2 : 144 ، الاستبصار 1 : 353.
3- الفقیه 1 : 200 - 921 ، الوسائل 4 : 715 أبواب تکبیرة الإحرام ب 1 ح 11.
4- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

فإن لم یتمکن من التلفظ بها کالأعجم لزمه التعلم ولا یتشاغل بالصلاة مع سعة الوقت ، فإن ضاق أحرم بترجمتها. والأخرس ینطق بها علی قدر الإمکان ، فإن عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة.

______________________________________________________

هنا ینقدح تحریم التلفظ بها مع الدرج ، لاستلزامه إما مخالفة أهل اللغة أو مخالفة الشارع.

وما قیل من أن الآتی بالکلام السابق آت بما لم یعتدّ به فلا یخرجها عن القطع (1) ، فغیر معتدّ به ، إذ المقتضی للسقوط کونها فی الدرج سواء کان ذلک الکلام معتبرا عند الشارع أم لا ، کما هو واضح.

قوله : ( وإن لم یتمکن من التلفظ بها کالأعجمی لزمه التعلم ولا یتشاغل بالصلاة ، فإن ضاق الوقت أحرم بترجمتها ).

لما کان النطق بالعربیة واجبا - وقوفا مع المنقول - کان التعلم لمن لا یعرف واجبا من باب المقدمة. فإن تعذر وضاق الوقت أحرم بلغته مراعیا المعنی العربی. فیقول الفارسی : خدا بزرگتر است. وهذا مذهب علمائنا وأکثر العامة (2). وقال بعضهم : یسقط التکبیر عمن هذا شأنه ، کالأخرس (3). وهو محتمل. ویفهم من قول المصنف رحمه الله : فإن ضاق الوقت أحرم بترجمتها ، عدم جوازها مع السعة ، وهو إنما یتجه مع إمکان التعلم لا مطلقا.

قوله : ( والأخرس ینطق بها علی قدر الإمکان ، فإن عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة ).

لیس المراد بمعناها المعنی المطابقی ، لأن تصور ذلک غیر واجب علی غیر الأخرس ، بل یکفی قصد کونه تکبیرا لله وثناءا علیه. والمراد بالإشارة الإشارة

حکم الأعجمی والأخرس

ص: 320


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 110.
2- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 542 ، 543 ، والغمراوی فی السراج والوهاج : 42.
3- کما فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 543.

والترتیب فیها واجب. ولو عکس لم تنعقد الصلاة.

والمصلی بالخیار فی التکبیرات السبع أیّها شاء جعلها تکبیرة الافتتاح. ولو کبّر ونوی الافتتاح ثم کبّر ونوی الافتتاح بطلت صلاته ، فإن کبّر ثالثة

______________________________________________________

بالإصبع. وأضاف بعضهم إلی ذلک تحریک اللسان (1).

أما عقد القلب بمعناها ، فلأن الإشارة لا اختصاص لها بالتکبیر ، فلا بدّ لمریده من مخصص ، ولا یتحقق بدون ذلک.

وأما الإشارة وتحریک اللسان ، فاستدل علیه بما رواه السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « تلبیة الأخرس وتشهده وقراءته القرآن فی الصلاة تحریک لسانه وإشارته بإصبعه » (2). وبأن تحریک اللسان کان واجبا مع القدرة علی النطق ، فلا یسقط بالعجز عنه ، إذ لا یسقط المیسور بالمعسور.

وفی الدلیلین نظر ، والقول بسقوط الفرض للعجز عنه - کما ذکره بعض العامة (3) - محتمل ، إلاّ أن المصیر إلی ما ذکره الأصحاب أولی.

قوله : ( والمصلی بالخیار فی التکبیرات السبع أیها شاء جعلها تکبیرة الافتتاح ).

سیأتی فی کلام المصنف - رحمه الله - أنه یستحب للمصلی التوجه بستّ تکبیرات مضافة إلی تکبیرة الإحرام بینها دعاءان. والمصلی بالخیار إن شاء جعلها الأخیرة وأتی بالست قبلها ، وإن شاء جعلها الأولی وأتی بالست بعدها ، وإن شاء جعلها الوسطی. والکل حسن ، لأن الذکر والدعاء لا ینافی الصلاة. وذکر الشهید فی الذکری أن الأفضل جعلها الأخیرة (4). ولا أعرف مأخذه.

قوله : ( ولو کبر ونوی الافتتاح ثم کبّر ونوی الافتتاح بطلت

بطلان الصلاة بإعادة التکبیرة.

ص: 321


1- منهم العلامة فی المنتهی 1 : 268.
2- الکافی 3 : 315 - 17 ، الوسائل 4 : 801 أبواب القراءة فی الصلاة ب 59 ح 1.
3- راجع ص 320.
4- الذکری : 179.

ونوی الافتتاح انعقدت الصلاة أخیرا. ویجب أن یکبّر قائما ، فلو کبر قاعدا مع القدرة أو وهو آخذ فی القیام لم تنعقد صلاته.

______________________________________________________

صلاته ، فإن کبّر ثالثة ونوی الافتتاح انعقدت الصلاة أخیرا ).

إنما قید التکبیر بنیة الافتتاح لیصیر رکنا تبطل الصلاة بزیادته. ولا فرق فی بطلان الصلاة بذلک بین أن ینوی الخروج من الصلاة قبله أم لا ، لأن ذلک غیر مبطل عند المصنف رحمه الله . وإنّما تنعقد الصلاة بالثالثة مع مقارنة النیة له.

ویمکن المناقشة فی هذا الحکم - أعنی البطلان بزیادة التکبیر - إن لم یکن إجماعیا ، فإن أقصی ما یستفاد من الروایات بطلان الصلاة بترکه عمدا وسهوا (1) ، وهو لا یستلزم البطلان بزیادته.

قوله : ( ویجب أن یکبّر قائما ، فلو کبّر قاعدا مع القدرة أو وهو آخذ فی القیام لم تنعقد صلاته ).

أجمع علماؤنا وأکثر العامة (2) علی أن هذا التکبیر جزء من الصلاة ، فیجب فیه کلما یجب فیها من الطهارة والستر والاستقبال والقیام وغیر ذلک ، فلو کبر وهو آخذ فی القیام ، أو أتمه وهو هاو إلی الرکوع - کما یتفق للمأموم - لم یصح.

قال فی الذکری : وهل تنعقد الصلاة والحال هذه نافلة؟ الأقرب المنع ، لعدم نیتها ، ووجه الصحة حصول التقرب والقصد إلی الصلاة والتحریم بتکبیرة لا قیام فیها ، وهی من خصائص النافلة (3). وضعف هذا التوجیه ظاهر.

ونقل عن الشیخ - رحمه الله - أنه جوّز الإتیان بالتکبیر فی حال الانحناء (4). ولا نعرف مأخذه.

وجوب التکبیر قائما

ص: 322


1- الوسائل 4 : 715 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2.
2- منهم الشافعی فی کتاب الأم 1 : 101 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 543.
3- الذکری : 178.
4- المبسوط 1 : 105.

والمسنون فیها : أن یأتی بلفظ الجلالة من غیر مدّ بین حروفها ، وبلفظ أکبر علی وزن أفعل ، وأن یسمع الإمام من خلفه تلفظه بها ،

______________________________________________________

قال جدی - قدس سره - : وکما یشترط القیام وغیره من الشروط فی التکبیر ، کذا یشترط فی النیة ، فإذا کبر قاعدا أو وهو آخذ فی القیام وقعت النیة أیضا علی تلک الحالة ، فعدم الانعقاد مستند إلی کل منهما ولا یضر ذلک ، لأن علل الشرع معرفات لا علل حقیقیة (1).

وفیه نظر ، لانتفاء ما یدل علی اعتبار هذه الشرائط فی النیة علی الخصوص کما تقدم تحقیقه (2) ، إلاّ أن المقارنة المعتبرة للتکبیر ربما تنفی فائدة هذا الاختلاف (3).

قوله : ( والمسنون فیها أربعة : أن یأتی بالجلالة من غیر مدّ بین حروفها ).

المراد به مدّ الألف الذی بین اللام والهاء زیادة علی القدر الطبیعی. ولو خرج بذلک عن وضع اللفظ أو أسقطه بطل. ولا عبرة فی ذلک بصورة الکتابة ، ولا باللغة الضعیفة بالسقوط. ولو مدّ همزة الله صار بصورة الاستفهام ، فإن قصده بطلت الصلاة ، وإلاّ ففیه وجهان ، أصحهما البطلان ، لخروجه بذلک عن صیغة الأخبار.

قوله : ( وبلفظة أکبر علی وزن أفعل ).

مفهومه جواز الخروج عن الوزن ، ولا بدّ من تقییده بما إذا لم یبلغ الزیادة حرفا ، وإلاّ بطل وإن لم یقصد معناه علی الأظهر ، لخروجه بذلک عن المنقول.

قوله : ( وأن یسمع الإمام من خلفه تلفظه بها ).

المستند فی ذلک روایات کثیرة ، منها : صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله

مستحبات تکبیرة الاحرام

ص: 323


1- المسالک 1 : 29.
2- فی ص 311.
3- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : ومع ذلک فالثابت فی المعرفات المرتبة إنما یستند إلی الأول خاصة کما لا یخفی.

وأن یرفع المصلی یدیه بها إلی أذنیه.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « وإذا کنت إماما فإنه یجزیک أن تکبر واحدة تجهر فیها وتسرّ ستا » (1).

ویستحب للمأموم الإسرار ، لقوله علیه السلام : « ولا ینبغی لمن خلف الإمام أن یسمعه شیئا مما یقول » (2). ویتخیر المنفرد. ونقل عن الجعفی أنه أطلق استحباب رفع الصوت بها (3). وهو ضعیف.

قوله : ( وأن یرفع المصلی یدیه بها الی أذنیه ).

أما استحباب الرفع ، فقال فی المعتبر : إنه لا خلاف فیه بین العلماء (4). ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - أنه أوجبه فی تکبیرات الصلاة کلها ، واحتج بإجماع الفرقة (5). وهو أعلم بما ادعاه.

واختلف الأصحاب فی حدّه ، فقال الشیخ - رحمه الله - یحاذی بیدیه شحمتی أذنیه (6). وقال ابن أبی عقیل : یرفعهما حذو منکبیه أو حیال خدیه لا یجاوز بهما أذنیه (7). وقال ابن بابویه : یرفعهما إلی النحر ولا یجاوز بهما الأذنین حیال الخد (8). والکل متقارب ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة ، ومنها : صحیحة معاویة بن عمار ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام حین افتتح الصلاة یرفع یدیه أسفل من وجهه قلیلا (9).

وصحیحة صفوان بن مهران الجمال ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام

ص: 324


1- التهذیب 2 : 287 - 1151 ، الوسائل 4 : 730 أبواب تکبیرة الإحرام ب 12 ح 1.
2- التهذیب 2 : 102 - 383 ، الوسائل 4 : 994 أبواب التشهد ب 6 ح 2.
3- نقله عنه فی الذکری : 179.
4- المعتبر 2 : 156.
5- الانتصار : 44.
6- المبسوط 1 : 103.
7- نقله عنه فی الذکری : 179.
8- الفقیه 1 : 198.
9- التهذیب 2 : 65 - 234 ، الوسائل 4 : 725 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 2.

الثالث : القیام ،

______________________________________________________

إذا کبر فی الصلاة یرفع یدیه حتی یکاد یبلغ أذنیه (1).

وصحیحة ابن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قول الله عزّ وجلّ : ( فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ ) قال : « هو رفع یدیک حذاء وجهک » (2).

ویستحب أن تکونا مبسوطتین ، ویستقبل بباطن کفیه القبلة ، لصحیحة منصور بن حازم ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام افتتح الصلاة فرفع یدیه حیال وجهه واستقبل القبلة ببطن کفیه (3).

ولتکن الأصابع مضمومة کما یستفاد من روایة حماد فی وصف صلاة الصادق علیه السلام (4).

وینبغی الابتداء بالرفع مع ابتداء التکبیر والانتهاء بانتهائه ، لأن الرفع بالتکبیر لا یتحقق إلاّ بذلک. قال فی المعتبر : ولا أعرف فیه خلافا (5).

قوله : ( الثالث : القیام ).

قال المصنف فی المعتبر : إنما أخر القیام عن النیة وتکبیرة الإحرام لأنه لا یصیر جزءا من الصلاة إلاّ بهما ، وعلة الشی ء سابقه علیه (6). وهو حسن ، وإن کان لتقدیمه علیهما - کما فعله الشیخ فی المبسوط (7) - وجه أیضا ، لأنه شرط فیهما ، والشرط متقدم علی المشروط.

القیام

اشارة

ص: 325


1- التهذیب 2 : 65 - 235 ، الوسائل 4 : 725 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 1.
2- التهذیب 2 : 66 - 237 ، الوسائل 4 : 725 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 3.
3- التهذیب 2 : 66 - 240 ، الوسائل 4 : 726 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 6.
4- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
5- المعتبر 2 : 200.
6- المعتبر 2 : 158.
7- المبسوط 1 : 100.

وهو رکن مع القدرة ، فمن أخلّ به عمدا أو سهوا بطلت صلاته.

______________________________________________________

قوله : ( وهو رکن مع القدرة ، فمن أخلّ به عمدا أو سهوا بطلت صلاته ).

هذا مذهب العلماء کافة ، قاله فی المعتبر (1). ویدل علیه أن من أخل بالقیام مع القدرة لا یکون آتیا بالمأمور به علی وجهه ، فیبقی تحت العهدة إلی أن یتحقق الامتثال.

ویشکل بأن ناسی القراءة أو أبعاضها صلاته صحیحة مع فوات بعض القیام المستلزم لفوات المجموع من حیث هو کذلک.

ومن ثم ذهب جمع من المتأخرین (2) إلی أن الرکن من القیام هو القدر المتصل منه بالرکوع ، ولا یتحقق نقصانه إلاّ بنقصان الرکوع (3).

وذکر الشهید فی بعض فوائده : أن القیام بالنسبة إلی الصلاة علی أنحاء ، فالقیام فی النیة شرط کالنیة ، والقیام فی التکبیر تابع له فی الرکنیة ، والقیام فی القراءة واجب غیر رکن ، والقیام المتصل بالرکوع رکن ، فلو رکع جالسا بطلت صلاته وإن کان ناسیا ، والقیام من الرکوع واجب غیر رکن إذ لو هوی من غیر رفع وسجد ساهیا لم تبطل صلاته ، والقیام فی القنوت تابع له فی الاستحباب (4). وهو تفصیل حسن (5).

واستشکل ذلک المحقق الشیخ علی بأن قیام القنوت متصل بقیام القراءة ، فهو فی الحقیقة کله قیام واحد ، فکیف یوصف بعضه بالوجوب وبعضه

ص: 326


1- المعتبر 2 : 158.
2- منهم الشهید الثانی فی المسالک 1 : 29.
3- فی « ح » زیادة : وهو حسن.
4- نقله عنه فی جامع المقاصد 1 : 104.
5- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : إلا أن فی تبعیة القیام للنیة فی الشرطیة نظرا تقدمت الإشارة إلیه.

وإذا أمکنه القیام مستقلا وجب ، وإلا وجب أن یعتمد علی ما یتمکن معه من القیام ، وروی جواز الاعتماد علی الحائط مع القدرة.

______________________________________________________

بالاستحباب (1)؟!

( وهو مدفوع بوجود خاصتی الوجوب والندب فی الحالین ) (2).

قوله : ( وإذا أمکنه القیام مستقلا وجب ، وإلا وجب أن یعتمد علی ما یتمکن معه من القیام ، وروی جوازا الاعتماد علی الحائط مع القدرة ).

المراد من الاستقلال هنا الإقلال ، بمعنی أن لا یکون معتمدا علی شی ء بحیث لو رفع السناد لسقط. وقد قطع أکثر الأصحاب بوجوبه اختیارا ، للتأسی ، وقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « لا تستند بخمرک وأنت تصلی ، ولا تستند إلی جدار إلاّ أن تکون مریضا » (3).

والروایة التی أشار إلیها المصنف - رحمه الله - هی صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل هل یصلح له أن یستند إلی حائط المسجد وهو یصلی أو یضع یده علی الحائط وهو قائم من غیر مرض ولا علة؟ فقال : « لا بأس » (4) ونحوه روی سعید بن یسار (5) ، وعبد الله بن بکیر (6) عن الصادق علیه السلام .

ونقل عن أبی الصلاح أنه أخذ بظاهر هذه الأخبار ، وعدّ الاعتماد علی ما

وجوب الاستقلال بالقیام

ص: 327


1- جامع المقاصد 1 : 104.
2- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » ، « ح » : وهو استشکال ضعیف ، فإن القیام بعد إتمام القراءة یجوز ترکه لا إلی بدل فلا یکون واجبا ، واستمراره فی حال القنوت مطلوب من الشارع فیکون مستحبا. أما القیام فی حال الإتیان بالمستحبات الواقعة قبل القراءة وفی أثنائها فالظاهر وصفه بالوجوب.
3- التهذیب 3 : 176 - 394 ، الوسائل 4 : 702 أبواب القیام ب 10 ح 2. وفیهما : لا تمسک بخمرک.
4- الفقیه 1 : 237 - 1045 ، التهذیب 2 : 326 - 1339 ، قرب الإسناد : 94 ، الوسائل 4 : 701 أبواب القیام ب 10 ح 1 ، بحار الأنوار 1 : 275.
5- التهذیب 2 : 327 - 1340 ، الوسائل 4 : 702 أبواب القیام ب 10 ح 3.
6- التهذیب 2 : 327 - 1341 ، قرب الإسناد : 79 ، الوسائل 4 : 702 أبواب القیام ب 10 ح 4.

ولو قدر علی القیام بعض الصلاة وجب أن یقوم بقدر مکنته ، وإلا صلی قاعدا. وقیل : حدّ ذلک أن لا یتمکن من المشی بقدر زمان صلاته ، والأول أظهر.

______________________________________________________

یجاور المصلی من الأبنیة مکروها (1). وهو غیر بعید.

والأقرب وجوب الاعتماد علی الرجلین معا فی القیام ، ولا یجوز تباعدهما بما یخرج به عن حدّه ، ولا الانحناء ، ولا المیل إلی أحد الجانبین. ولا یخل بالانتصاب إطراق الرأس وإن کان الأفضل إقامة النحر ، لقوله علیه السلام فی مرسلة حریز : « النحر : الاعتدال فی القیام أن یقیم صلبه ونحره » (2).

قوله : ( ولو قدر علی القیام بعض الصلاة وجب أن یقوم بقدر مکنته ).

سواء کان منتصبا أم منحنیا ، مستقلا أو معتمدا. وربما ظهر من إطلاق العبارة أن من أمکنه القیام وعجز عن الرکوع قائما أو السجود لم یسقط عنه فرض القیام. وهو کذلک ، لأن الجلوس مشروط بالعجز عن القیام فلا یجوز بدونه ، وعلی هذا فیجب علیه الإتیان بما قدر علیه منهما ، فإن تعذر أومأ برأسه وإلاّ فبطرفه.

قوله : ( وإلاّ صلی قاعدا ، وقیل : حدّ ذلک أن لا یتمکن من المشی بمقدار زمان صلاته ، والأول أظهر ).

أی : وإن عجز عن القیام أصلا صلی قاعدا.

وقیل : حدّ العجز المسوغ للجلوس أن لا یقدر علی المشی مقدار صلاته. وهذا القول منقول عن المفید - رحمه الله - فی بعض کتبه (3). وربما کان مستنده

حکم العاجز عن القیام

ص: 328


1- الکافی فی الفقه : 125.
2- الکان 3 : 336 - 9 ، التهذیب 2 : 84 - 309 ، الوسائل 4 : 694 أبواب القیام ب 2 ح 3.
3- المقنعة : 36.

والقاعد إذا تمکن من القیام للرکوع وجب ،

______________________________________________________

روایة سلیمان المروزی قال ، قال الفقیه علیه السلام : « المریض إنما یصلی قاعدا إذا صار بالحال التی لا یقدر فیها أن یمشی مقدار صلاته إلی أن یفرغ قائما » (1) وهی ضعیفة السند بجهالة الراوی ، وما تضمنته من التحدید غیر مطابق للاعتبار ، فإن المصلی قد یتمکن أن یقوم بقدر صلاته ولا یتمکن من المشی بقدر زمانها ، وقد یتمکن من المشی ولا یتمکن من الوقوف. وربما کان ذلک کنایة عن العجز عن القیام.

وکیف کان ، فالأصح عدم جواز الجلوس إلاّ مع العجز عن القیام بمعنی المشقة اللازمة منه ، لأصالة عدم سقوط التکلیف بالقیام إلاّ مع العجز عنه. ویؤیده حسنة جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ما حدّ المرض الذی یصلی صاحبه قاعدا؟ قال : « إن الرجل لیوعک (2) ویحرج ، ولکنه أعلم بنفسه إذا قوی فلیقم » (3).

والأقرب تقدیم الجلوس علی القیام ماشیا ، لتوقف العبادة علی النقل ، والمنقول هو الجلوس ، ولأنه أقرب إلی حالة الصلاة من الاضطراب.

ورجح الشارح - قدس سره - تقدیم القیام ماشیا ، لأنه إنما یفوت معه وصف من أوصاف القیام وهو الاستقرار ، والجلوس یفوت معه أصل القیام ، وفوات الوصف أولی من فوات الأصل بالکلیة (4). وجوابه معلوم مما قررناه.

قوله : ( والقاعد إذا تمکن من القیام للرکوع وجب ).

أی وجب القیام إلی الهوی لیرکع عن قیام ، فإن القدر المتصل بالرکوع من القیام رکن کما سبق ، فیجب الإتیان به مع القدرة حتی لو رکع ساهیا مع

ص: 329


1- التهذیب 3 : 178 - 402 ، الوسائل 4 : 699 أبواب القیام ب 6 ح 4.
2- أی : یحمّ ، والوعک : الحمّی وقیل : ألمها - مجمع البحرین 5 : 298.
3- الکافی 3 : 410 - 3 ، التهذیب 3 : 177 - 400 ، الوسائل 4 : 698 أبواب القیام ب 6 ح 3.
4- المسالک 1 : 29.

وإلا رکع جالسا. وإذا عجز عن القعود صلی مضطجعا ،

______________________________________________________

القدرة بطلت صلاته. ولا تجب الطمأنینة فی هذا القیام ، لأن وجوبها إنما کان لأجل القراءة وقد أتی بها. واحتمل فی الذکری الوجوب ، لضرورة کون الحرکتین المتضادتین فی الصعود والهبوط بینهما سکون (1). ( وهو خروج عن محل النزاع ) (2). وأما القراءة فلا تجب إعادتها قطعا بل ولا تستحب.

قوله : ( وإلاّ رکع جالسا ).

قد ذکر فی کیفیة رکوع الجالس وجهان.

أحدهما : أن ینحنی حتی یصیر بالإضافة إلی القاعد المنتصب کالراکع قائما بالإضافة إلی القائم.

والثانی : أن ینحنی بحیث تحاذی جبهته موضع سجوده ، وأقله أن ینحنی قدر ما یحاذی وجهه ما قدّام رکبتیه. وهما متقاربان. ولا ریب أن کلا منهما محصل لیقین البراءة.

ولو قدر القاعد علی الانحناء إلی أقل ما یتحقق به الرکوع ولم یقدر علی الزیادة علیه (3) ، لم یکن له أن ینقص منه فی الرکوع ، ویسقط الفرق بینه وبین السجود. نعم لو قدر علی أکمل حالات الرکوع کان الأولی له الاقتصار علی الأقل وإیثار السجود بالزیادة تحصیلا للفرق. والظاهر عدم تعینه.

قوله : ( وإذا عجز عن القعود صلی مضطجعا ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء. ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله الله عزّ وجلّ ( الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللهَ قِیاماً وَقُعُوداً ) (4) قال : « الصحیح یصلی قائما ( وَقُعُوداً )

حکم العاجز عن القعود

ص: 330


1- الذکری : 182.
2- بدل ما بین القوسین « س » ، « ح » : وضعفه ظاهر فإن ذلک لو تمّ لخرج عن موضع النزاع.
3- وهو لا یتمکن من السجود. أی : فی صورة عدم التمکن من السجود.
4- آل عمران : 191.

______________________________________________________

المریض یصلی جالسا ( وَعَلی جُنُوبِهِمْ ) الذی یکون أضعف من المریض الذی یصلی جالسا » (1).

وإطلاق الروایة یقتضی التخییر بین الجانب الأیمن والأیسر ، وهو ظاهر اختیار المصنف - رحمه الله - هنا ، وفی النافع (2). وقال فی المعتبر : ومن عجز عن القعود صلی مضطجعا علی جانبه الأیمن مومئا ، وهو مذهب علمائنا. ثم قال : وکذا لو عجز عن الصلاة علی جانبه صلی مستلقیا (3). ولم یذکر الأیسر. ونحوه قال فی المنتهی (4). وظاهرهما تعین الجانب الأیمن. وقال فی التذکرة - بعد أن ذکر الاضطجاع علی الجانب الأیمن - : ولو اضطجع علی شقه الأیسر مستقبلا فالوجه الجواز (5). وظاهره التخییر أیضا. وبه قطع فی النهایة ، لکنه قال : إن الأیمن أفضل (6).

وجزم الشهید (7) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (8) بوجوب تقدیم الأیمن علی الأیسر. ویدل علیه ما رواه ابن بابویه مرسلا عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « المریض یصلی قائما ، فإن لم یستطع صلی جالسا ، فإن لم یستطع صلی علی جنبه الأیمن ، فإن لم یستطع صلی علی جنبه الأیسر ، فإن لم یستطع استلقی وأومأ إیماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده أخفض من رکوعه » (9).

وما رواه الشیخ ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المریض إذا لم یقدر أن یصلی قاعدا کیف قدر صلی ، إما أن یوجه

ص: 331


1- التهذیب 3 : 176 - 396 ، الوسائل 4 : 689 أبواب القیام ب 1 ح 1.
2- المختصر النافع : 30.
3- المعتبر 2 : 160.
4- المنتهی 1 : 265.
5- التذکرة 1 : 109.
6- نهایة الأحکام 1 : 440.
7- الذکری : 181 ، والدروس : 34.
8- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 105 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 29.
9- الفقیه 1 : 236 - 1037 ، الوسائل 4 : 692 أبواب القیام ب 1 ح 15.

فإن عجز صلی مستلقیا ، والأخیران یومیان لرکوعهما وسجودهما.

______________________________________________________

فیومئ إیماء. وقال : یوجه کما یوجه الرجل فی لحده وینام علی جانبه الأیمن ثم یومئ بالصلاة. قال : فإن لم یقدر أن ینام علی جنبه الأیمن فکیف ما قدر فإنه جائز ، ویستقبل بوجهه القبلة ثم یومئ بالصلاة إیماء » (1).

ولا ریب أن ما تضمنته هاتان الروایتان من تقدیم الأیمن أولی ، وإن کان الأظهر التخییر بین الجانبین لضعف ما دل علی اعتبار الترتیب.

قوله : ( فإن عجز صلی مستلقیا ).

أی فإن عجز عن الاضطجاع علی أحد الجانبین صلی مستلقیا علی قفاه. وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه. وربما وجد فی بعضها أنه ینتقل إلی الاستلقاء بالعجز عن الجلوس (2) وهو متروک.

وروی الشیخ (3) فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل والمرأة یذهب بصره فیأتیه الأطباء فیقولون : نداویک شهرا أو أربعین لیلة مستلقیا ، کذلک یصلی؟ فرخص فی ذلک ، وقال ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ ) (4).

قوله : ( والأخیران یومیان لرکوعهما وسجودهما ).

المراد بالأخیرین المضطجع والمستلقی. وفی حکمهما الجالس بل والقائم أیضا إذا تعذر علیهما الرکوع والسجود. وإنما یجزئ الإیماء إذا لم یمکن أن یصیر بصورة الساجد بأن یجعل مسجده علی شی ء مرتفع ویضع جبهته علیه.

ویجب أن یکون الإیماء بالرأس إن أمکن ، وإلاّ فبالعینین ، لقوله

ص: 332


1- التهذیب 3 : 175 - 392 ، الوسائل 4 : 691 أبواب القیام ب 1 ح 10.
2- الکافی 3 : 411 - 12 ، الفقیه 1 : 235 - 1033 ، التهذیب 2 : 169 - 671 ، الوسائل 4 : 691 أبواب القیام ب 1 ح 13.
3- وجدناه فی الکافی 3 : 410 - 4 ، وعنه فی الوسائل 4 : 699 أبواب القیام ب 7 ح 1.
4- البقرة : 173.

ومن عجز عن حالة فی أثناء الصلاة انتقل إلی ما دونها مستمرا ،

______________________________________________________

علیه السلام فی حسنة الحلبی - وقد سأله عن المریض الذی لا یستطیع القیام والجلوس - : « یومئ برأسه إیماء ، وإن یضع جبهته علی الأرض أحب إلیّ » (1).

ویستفاد من هذه الروایة استحباب وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه حال الإیماء. ویدل علیه أیضا صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن المریض ، قال : « یسجد علی الأرض أو علی مروحة أو علی سواک یرفعه ، هو أفضل من الإیماء » (2).

وقیل بالوجوب ، لأن السجود عبارة عن الانحناء وملاقاة الجبهة ما یصح السجود علیه ، فإذا سقط الأول لتعذره بقی الثانی ، لأن المیسور لا یسقط بالمعسور (3). ویؤیده مضمرة سماعة ، قال : سألته عن المریض لا یستطیع الجلوس ، قال : « فلیصل وهو مضطجع ولیضع علی جبهته شیئا إذا سجد ، فإنه یجزی عنه ، ولن یکلف الله ما لا طاقة له به » (4) وفی التعلیل نظر ، وفی الروایة ضعف ، إلاّ أن العمل بما تضمنته أحوط.

قوله : ( ومن عجز عن حالة فی أثناء الصلاة انتقل إلی ما دونها مستمرا ).

أی من غیر استئناف لأن الإتیان بالمأمور به یقتضی الإجزاء. ویمکن أن یرید بالاستمرار استمراره علی الأفعال التی یمکن وقوعها حالة الانتقال کالقراءة ، فلا یترک القراءة فی حالة الانتقال إلی الأدنی ، لأن تلک الحالة أقرب إلی ما کان علیه. بخلاف من وجد خفّا (5) فی حالة دنیا ، فإنه یجب علیه ترک

ص: 333


1- الکافی 3 : 410 - 5 ، الوسائل 4 : 689 أبواب القیام ب 1 ح 2.
2- الفقیه 1 : 236 - 1039 ، التهذیب 3 : 177 - 398 ، الوسائل 3 : 606 أبواب ما یسجد علیه ب 15 ح 1.
3- کما فی الذکری : 181.
4- التهذیب 3 : 306 - 944 ، الوسائل 4 : 690 أبواب القیام ب 1 ح 5.
5- من خفّ یخف خفة وخفّا ( القاموس المحیط 3 : 140 ).

کالقائم یعجز فیقعد ، أو القاعد یعجز فیضطجع ، أو المضطجع یعجز فیستلقی. وکذا بالعکس. ومن لا یقدر علی السجود یرفع ما یسجد علیه ، فإن لم یقدر أومأ.

والمسنون فی هذا الفصل شیئان : أن یتربّع المصلی قاعدا فی حال قراءته ، ویثنی رجلیه فی حال رکوعه.

______________________________________________________

القراءة فی حال انتقاله إلی المرتبة العلیا ، لإمکان الإتیان بالقراءة فی حال القیام فیجب.

وقیل : یجب علیه ترک القراءة فی الحالین إلی أن یطمئن ، لأن الاستقرار شرط مع القدرة (1). وهو حسن.

قوله : ( وکذا بالعکس ).

أی یجب علی العاجز الانتقال إلی الحالة العلیا إذا تجددت قدرته إلی أن یبلغ أعلی المراتب أعنی القیام مستقلا ( مستقرا ) (2) ولا یعد انتقاله فعلا کثیرا لأنه من أفعال الصلاة.

قوله : ( والمسنون فی هذا الفصل شیئان : أن یتربع المصلی قاعدا فی حال قراءته ، ویثنی رجلیه فی حال رکوعه ).

هذا قول علمائنا (3) ، وأکثر العامة (4) ، ویدل علیه صحیحة حمران بن أعین ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « کان أبی علیه السلام إذا صلی جالسا تربع ، وإذا رکع ثنی رجلیه » (5).

مسنونات بحث القیام.

ص: 334


1- کما فی الذکری : 182.
2- لیست فی « س ».
3- فی « ح » زیادة : أجمع.
4- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 808 ، 812 ، والغمراوی فی السراج والوهاج : 42.
5- الفقیه 1 : 238 - 1049 ، التهذیب 2 : 171 - 679 ، الوسائل 4 : 703 أبواب القیام ب 11 ح 4.

وقیل : ویتورّک فی حال تشهده.

الرابع : القراءة

______________________________________________________

قال فی المنتهی : ولیس هذا علی الوجوب بالإجماع (1) ، ولما رواه ابن بابویه عن معاویة بن میسرة : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام أیصلی الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلین؟ فقال : « لا بأس بذلک » (2). وروی أیضا عن الصادق علیه السلام أنه قال فی الصلاة فی المحمل : « صلّ متربعا وممدود الرجلین وکیف ما أمکنک » (3).

قوله : ( وقیل : یتورک فی حال تشهده ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (4) ، وجماعة. وربما ظهر من حکایة المصنف له بلفظ « قیل » التوقف فی هذا الحکم ، ولا وجه له ، لثبوت استحباب التورک فی مطلق التشهد ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : ( الرابع : القراءة ).

أجمع العلماء کافة علی وجوب القراءة فی الصلاة إلاّ من شذّ (5).

والأصل فیه : فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیه السلام ، والأخبار المستفیضة کصحیحة محمد بن مسلم : عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الرکوع والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترک القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسی القراءة فقد تمت صلاته » (6).

القراءة

اشارة

ص: 335


1- المنتهی 1 : 266.
2- الفقیه 1 : 238 - 1050 ، التهذیب 2 : 170 - 678 ، الوسائل 4 : 703 أبواب القیام ب 11 ح 3.
3- الفقیه 1 : 238 - 1051 ، الوسائل 4 : 703 أبواب القیام ب 11 ح 5.
4- المبسوط 1 : 100.
5- وهو الحسن بن صالح کما فی الخلاف 1 : 111.
6- الکافی 3 : 347 - 1 ، التهذیب 2 : 146 - 569 ، الوسائل 4 : 767 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27 ح 2.

وهی واجبة ، ویتعیّن بالحمد فی کل ثنائیة ، وفی الأولیین من کل رباعیة وثلاثیة.

______________________________________________________

ویستفاد من هذه الروایة عدم رکنیة القراءة ، وهو المشهور بین الأصحاب ، وادعی الشیخ فیه الإجماع (1). وحکی فی المبسوط عن بعض أصحابنا قولا برکنیتها (2) ، وربما کان مستنده صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الذی لا یقرأ فاتحة الکتاب فی صلاته ، قال : « لا صلاة له إلاّ أن یقرأ بها فی جهر أو إخفات » (3).

ویجاب بالحمل علی العامد جمعا بین الأدلة.

قوله : ( وتتعین بالحمد فی کل ثنائیة ، وفی الأولین من کل رباعیة وثلاثیة ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة (4) ، ویدل علیه مضافا إلی الإجماع والتأسی الأخبار الکثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم المتقدمة ، وروایة أبی بصیر. قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أمّ القرآن ، قال : « إن کان لم یرکع فلیعد أم القرآن » (5) وروایة سماعة قال : سألته عن الرجل یقوم فی الصلاة فینسی فاتحة الکتاب ، قال : « فلیقل : أستعیذ بالله من الشیطان الرجیم إن الله هو السمیع العلیم ، ثم لیقرأها ما دام لم یرکع فإنه لا قراءة حتی یبدأ بها فی جهر أو إخفات ، فإنه إذا رکع أجزأه » (6).

وهل تتعین الفاتحة فی النافلة؟ الأقرب ذلک ، لأن الصلاة کیفیة متلقاة

تعیین قراءة الحمد فی الأولی والثانیة

ص: 336


1- الخلاف 1 : 114.
2- المبسوط 1 : 105.
3- الکافی 3 : 317 - 28 ، التهذیب 2 : 146 - 573 ، الإستبصار 1 : 354 - 1339 ، الوسائل 4 : 767 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27 ح 4.
4- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 555 ، 556 ، والأشعری المکی فی الفتوحات الربانیة 2 : 190 ، والشوکانی فی نیل الأوطار 1 : 230.
5- الکافی 3 : 347 - 2 ، الوسائل 4 : 768 أبواب القراءة فی الصلاة ب 28 ح 1.
6- التهذیب 2 : 147 - 574 ، الوسائل 4 : 768 أبواب القراءة فی الصلاة ب 28 ح 2.

ویجب قراءتها أجمع ، ولا یصحّ الصلاة مع الإخلال ولو بحرف واحد منها عمدا ، حتی التشدید ، وکذا إعرابها.

______________________________________________________

من الشارع فیجب الاقتصار فیها علی موضع النقل.

وقال العلامة فی التذکرة : لا تجب قراءة الفاتحة فیها للأصل (1). فإن أراد الوجوب بالمعنی المصطلح فحق ، لأن الأصل إذا لم یکن واجبا لا تجب أجزاؤه ، وإن أراد ما یعم الوجوب الشرطی بحیث تنعقد النافلة من دون قراءة الحمد فهو ممنوع.

قوله : ( وتجب قراءتها أجمع ، ولا تصح الصلاة مع الإخلال ولو بحرف منها ، حتی التشدید ).

لا ریب فی بطلان الصلاة مع الإخلال بشی ء من الفاتحة ولو بحرف واحد منها ، لأن الإتیان بها إنما یتحقق مع الإتیان بجمیع أجزائها ، فیلزم أن یکون الإخلال بالجزء إخلالا بها. ومن الحرف التشدید فی مواضعه ، بدلیل أن شدة راء الرحمن ودال الدین أقیمت مقام اللام ، وکذا المدّ المتصل. أما المنفصل فمستحب ، وکذا أوصاف القراءة من الهمس ، والجهر ، والاستعلاء ، والإطباق ، والغنّة ، وغیرها (2) ، کما صرح به محققو هذا الفن.

قوله : ( وکذا إعرابها ).

ص: 337


1- التذکرة 1 : 113.
2- حروف الهمس : ت ، ث ، ح ، خ ، س ، ش ، ص ، ف ، ه ، ک ، سمی الحرف مهموسا لأنه أضعف الاعتماد فی موضعه حتی جری معه النفس.

______________________________________________________

المراد بالإعراب ما یشمل حرکات البناء توسعا. وصرح المصنف بأنه لا فرق فی بطلان الصلاة بالإخلال بالإعراب بین کونه مغیرا للمعنی ، ککسر کاف إیاک ، وضم تاء أنعمت ، أو غیر مغیر کضم هاء الله ، لأن الإعراب کیفیة للقراءة ، فکما وجب الإتیان بحروفها وجب الإتیان بالإعراب المتلقی عن صاحب الشرع ، وقال : إن ذلک قول علمائنا أجمع (1).

وحکی عن بعض الجمهور أنه لا یقدح فی الصحة الإخلال بالإعراب الذی لا یغیر المعنی ، لصدق القراءة معه ، وهو منسوب إلی المرتضی فی بعض مسائله (2) ، ولا ریب فی ضعفه.

ولا یخفی أن المراد بالإعراب هنا ما تواتر نقله فی القرآن ، لا ما وافق العربیة ، لأن القراءة سنة متبعة. وقد نقل جمع من الأصحاب الإجماع علی تواتر القراءات السبع. وحکی فی الذکری عن بعض الأصحاب أنه منع من قراءة أبی جعفر ، ویعقوب ، وخلف ، وهی کمال العشر. ثم رجح الجواز لثبوت تواترها کتواتر السبع (3).

قال المحقق الشیخ علی - رحمه الله - بعد نقل ذلک : وهذا لا یقصر عن ثبوت الإجماع بخبر الواحد ، فتجوز القراءة بها (4). وهو غیر جید ، لأن ذلک رجوع عن اعتبار التواتر.

وقد نقل جدی - قدس سره - عن بعض محققی القراء أنه أفرد کتابا فی أسماء الرجال الذین نقلوا هذه القراءات فی کلّ طبقة ، وهم یزیدون عما یعتبر فی التواتر (5).

ص: 338


1- المعتبر 2 : 167.
2- رسائل السید المرتضی 2 : 387.
3- الذکری : 187.
4- جامع المقاصد 1 : 112.
5- روض الجنان : 264.

والبسملة آیة منها یجب قراءتها معها ،

______________________________________________________

ثم [ إنه ] (1) حکی عن جماعة من القراء أنهم قالوا لیس المراد بتواتر السبع والعشر أن کل ما ورد من هذه القراءات متواتر ، بل المراد انحصار التواتر الآن فی ما نقل من هذه القراءات ، فإن بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن غیرهم. وهو مشکل جدا ، لکن المتواتر لا یشتبه بغیره کما یشهد به الوجدان.

قال فی المنتهی : وأحبّ القراءات إلیّ ما قرأه عاصم من طریق أبی بکر بن عیاش ( وطریق أبی عمرو بن العلاء فإنها أولی ) (2) من قراءة حمزة والکسائی ، لما فیهما من الإدغام والإمالة وزیادة المدّ وذلک کله تکلف ، ولو قرأ به صحت صلاته بلا خلاف (3).

قوله : ( والبسملة آیة منها یجب قراءتها معها ).

هذا قول علمائنا أجمع ، وأکثر أهل العلم. وقد ورد بذلک روایات کثیرة کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن السبع المثانی والقرآن العظیم هی الفاتحة؟ قال : « نعم ». قلت : بسم الله الرحمن الرحیم من السبع؟ قال : « نعم هی أفضلهن » (4) وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا قمت إلی الصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحیم فی فاتحة الکتاب؟ قال : « نعم » قلت : فإذا قرأت فاتحة الکتاب أقرأ بسم الله الرحمن الرحیم مع السورة؟ قال : « نعم » (5).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون إماما فیستفتح بالحمد ولا یقرأ

البسملة آیة من کل سورة

ص: 339


1- أضفناها لاستقامة العبارة.
2- کذا فی النسخ ، وفی المصدر : وقراءة أبی عمرو بن العلاء فإنهما أولی.
3- المنتهی 1 : 273.
4- التهذیب 2 : 289 - 1157 ، الوسائل 4 : 745 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 2.
5- الکافی 3 : 312 - 1 ، التهذیب 2 : 69 - 251 ، الإستبصار 1 : 311 - 1155 ، الوسائل 4 : 746 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 5.

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحیم ، فقال : « لا یضره ولا بأس به » (1). لأنا نجیب عنه بالحمل علی حال التقیة ، کما تدل علیه روایة زکریا بن إدریس القمی ، قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یصلی بقوم یکرهون أن یجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ، فقال : « لا یجهر » (2).

وهل هی آیة من کل سورة؟ قال الشیخ فی المبسوط والخلاف : نعم (3). وبه قطع عامة المتأخرین.

وقال ابن الجنید : هی من غیرها افتتاح لها (4) ، وربما کان مستنده صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یفتتح القراءة فی الصلاة ، یقرأ بسم الله الرحمن الرحیم؟ قال : « نعم إذا افتتح الصلاة فلیقلها فی أول ما یفتتح ثم یکفیه ما بعد ذلک » (5) وصحیحة عبید الله بن علی وأخیه محمد بن علی الحلبیین ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنهما سألاه عمن یقرأ بسم الله الرحمن الرحیم حین یرید یقرأ فاتحة الکتاب ، قال : « نعم إن شاء سرا وإن شاء جهرا » فقالا : أفیقرأها مع السورة الأخری؟ فقال : « لا » (6).

وأجاب عنهما الشیخ فی التهذیب بالحمل علی من کان فی صلاة النافلة وقد

ص: 340


1- التهذیب 2 : 68 - 247 ، الإستبصار 1 : 312 - 1159 ، الوسائل 4 : 749 أبواب القراءة فی الصلاة ب 12 ح 5.
2- التهذیب 2 : 68 - 248 ، الإستبصار 1 : 312 - 1160 ، الوسائل 4 : 747 أبواب القراءة فی الصلاة ب 12 ح 1.
3- المبسوط 1 : 105 ، الخلاف 1 : 112.
4- نقله عنه فی الذکری : 186.
5- التهذیب 2 : 69 - 250 ، الإستبصار 1 : 313 - 1162 ، الوسائل 4 : 748 أبواب القراءة فی الصلاة ب 12 ح 3.
6- التهذیب 2 : 68 - 249 ، الإستبصار 1 : 312 - 1161 ، الوسائل 4 : 748 أبواب القراءة فی الصلاة ب 12 ح 2.

ولا یجزی المصلی ترجمتها.

______________________________________________________

قرأ من السورة الأخری بعضها ویرید أن [ یقرأ باقیها ] (1) فحینئذ لا یقرأ بسم الله الرحمن الرحیم (2) (3).

( والحق أن هذه الروایات إنما تدل علی عدم وجوب قراءة البسملة عند قراءة السورة وربما کان الوجه فیه ) (4) عدم وجوب قراءة السورة کما هو أحد قولی الأصحاب ، ولا دلالة لها علی کونها لیست آیة من السورة ، کما هو ظاهر کلام ابن الجنید. وکیف کان فلا ریب فی ضعف ما ذکره ، لأن إثباتها فی المصاحف کذلک - مع محافظتهم علی تجریده عما هو خارج عنه - ینفی ذلک صریحا.

قوله : ( ولا یجزی المصلی ترجمتها ).

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا علیه أکثر العامة (5) ، لقوله تعالی : ( إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا ) (6) ولأن الترجمة مغایرة للمترجم وإلاّ لکانت ترجمة الشعر شعرا.

وقال أبو حنیفة : یجزئ الترجمة لقوله تعالی ( لِأُنْذِرَکُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (7) وإنما ینذر کل قوم بلسانهم (8). وهو باطل ، لأن الإنذار بالقرآن لا یستلزم نقل اللفظ بعینه ، إذ مع إیضاح المعنی یصدق أنه أنذرهم به بخلاف صورة النزاع.

عدم إجزاء ترجمة الحمد

ص: 341


1- فی النسخ : یقرأها ، وما أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 2 : 69.
3- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : وهو جیّد.
4- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » : وربما کان الوجه فی قوله علیه السلام فی الروایة الأولی « ثم یکفیه ما بعد ذلک ».
5- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 562 ، 567 ، والأشعری المکی فی الفتوحات الربانیة 2 : 199.
6- یوسف : 2.
7- الأنعام : 19.
8- نقله عنه فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 562.

ویجب ترتب کلماتها وآیها علی الوجه المنقول ، فلو خالف عمدا أعاد. وإن کان ناسیا استأنف القراءة ما لم یرکع. وإن رکع مضی فی صلاته - ولو ذکر.

ومن لا یحسنها یجب علیه التعلم ، فإن ضاق الوقت قرأ ما تیسّر منها ، وإن تعذّر قرأ ما تیسّر من غیرها ، أو سبّح الله وهلله وکبّره بقدر القراءة ، ثم یجب علیه التعلم.

______________________________________________________

قوله : ( ویجب ترتیب کلماتها وآیها علی الوجه المنقول ، فلو خالف عمدا أعاد ).

لا ریب فی وجوب الترتیب - فیما یجب قراءته - بین الکلمات والآیات ، لأن الأمر بالقراءة ینصرف إلی المنزل علی ترتیبه ، فلا یتحقق الامتثال بدونه. ولو خالف عمدا أعاد الصلاة علی ما قطع به المصنف - رحمه الله - وغیره (1). وهو جید إن لم یتدارکها قبل الرکوع لا مطلقا ، لأن المقروء علی خلاف الترتیب وإن لم یصدق علیه اسم السورة لکن قد لا یخرج بذلک عن کونه قرآنا.

قوله : ( وإن کان ناسیا استأنف القراءة ما لم یرکع ).

إنما یستأنف القراءة إذا لم یمکن البناء علی السابق ولو لفوات الموالاة ، وإلاّ بنی علیه کما لو قرأ آخر الحمد ثم قرأ أولها.

قوله : ( ومن لا یحسنها یجب علیه التعلم ، فإن ضاق الوقت قرأ ما تیسر منها ، فإن تعذر قرأ ما تیسر من غیرها ، أو هلل الله وکبره وسبحه بقدر القراءة ).

لا ریب فی وجوب التعلم علی الجاهل مع سعة الوقت ، لتوقف الواجب علیه. ومع ضیقه یجب علیه إما الائتمام إن أمکنه ، أو القراءة فی المصحف إن أحسنه. وقیل بجواز القراءة فی المصحف مطلقا (2) ، لإطلاق الأمر ، وروایة

وجوب قراءة الحمد مرتبة

ص: 342


1- کالشهید الأول فی الذکری : 187.
2- کما فی المنتهی 1 : 274.

والأخرس یحرک لسانه بالقراءة ویعقد بها قلبه.

______________________________________________________

الحسن الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له : ما تقول فی الرجل یصلی وهو ینظر فی المصحف یقرأ ویضع السراج قریبا منه؟ قال : « لا بأس » (1).

وإن انتفی الأمران وعلم شیئا من الفاتحة وجب علیه الإتیان به إجماعا. وفی وجوب التعویض عن الفائت قولان ، أصحهما العدم ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

وإن لم یعلم منها شیئا فقد قطع المصنف - رحمه الله - بأنه یجب علیه قراءة ما تیسر من غیرها ، أو تهلیل الله وتکبیره وتسبیحه بقدر القراءة.

وقیل : إن الذکر إنما یجزئ مع الجهل بقراءة الفاتحة وغیرها مطلقا (2) ، وربما کان فی صحیحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام دلالة علیه ، فإنه قال : « إن الله فرض من الصلاة الرکوع والسجود ، ألا تری لو أن رجلا دخل فی الإسلام ولا یحسن أن یقرأ القرآن أجزأه أن یکبر ویسبح ویصلی » (3) ومقتضی الروایة الاجتزاء فی التعویض بمطلق التکبیر والتسبیح. والأحوط اختیار ما یجزئ فی الأخیرتین ، ولا یتعین کونه بقدر الفاتحة کما قطع به المصنف فی المعتبر ، قال : وقولنا بقدر القراءة نرید به الاستحباب ، لأن القراءة إذا سقطت لعدم القدرة سقطت توابعها ، وصار ما تیسر من الذکر والتسبیح کافیا (4).

قوله : ( والأخرس یحرک لسانه بالقراءة ویعقد بها قلبه ).

أی ینوی بحرکة اللسان کونها بدلا عن القراءة لأنها لا تتمحض بدلا إلاّ مع النیة ، وقد نبه علی هذا فی المعتبر (5).

حکم الأخرس

تخیر المصلی بین الحمد والتسبیح فی الثالثة والرابعة

ص: 343


1- التهذیب 2 : 294 - 1184 ، الوسائل 4 : 780 أبواب القراءة فی الصلاة ب 41 ح 1.
2- کما فی المبسوط 1 : 107.
3- التهذیب 2 : 147 - 575 ، الوسائل 4 : 735 أبواب القراءة فی الصلاة ب 3 ح 1.
4- المعتبر 2 : 169.
5- المعتبر 2 : 171.

والمصلی فی کل ثالثة ورابعة بالخیار ، إن شاء قرأ الحمد وإن شاء سبّح ، والأفضل للإمام القراءة.

______________________________________________________

قوله : ( والمصلی فی کل ثالثة ورابعة بالخیار ، إن شاء قرأ الحمد وإن شاء سبّح ، والأفضل للإمام القراءة ).

أما ثبوت التخییر للمصلی بین الحمد والتسبیح فی کل ثالثة ورابعة فهو قول علمائنا أجمع ، والنصوص الواردة به مستفیضة (1).

والمشهور بین الأصحاب أنه لا فرق فی ذلک بین ناسی القراءة فی الرکعتین الأولتین وغیره ، لعموم الروایات الدالة علی التخییر ، وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : الرجل یسهو عن القراءة فی الرکعتین الأولتین فیذکر فی الرکعتین الأخیرتین أنه لم یقرأ ، قال : « أتم الرکوع والسجود؟ » قلت : نعم ، قال : « إنی أکره أن أجعل آخر صلاتی أولها » (2).

وقال الشیخ فی الخلاف (3) : من نسی القراءة فی الأولتین یتعین علیه قراءة الحمد فی الأخیرتین ، لعموم قوله علیه السلام : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب » (4) وهو محمول علی العامد ، لقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم : « ومن نسی القراءة فقد تمت صلاته ولا شی ء علیه » (5).

واختلف الأصحاب فی أن الأفضل للمصلی القراءة أو التسبیح. فقال الشیخ فی الاستبصار : إن الأفضل للإمام القراءة ، وإنهما متساویان بالنسبة إلی المنفرد (6).

ص: 344


1- الوسائل 4 : 781 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42.
2- التهذیب 2 : 146 - 571 ، الإستبصار 1 : 354 - 1337 ، السرائر : 484 ، الوسائل 4 : 770 أبواب القراءة فی الصلاة ب 30 ح 1.
3- الخلاف 1 : 117.
4- عوالی اللئالی 1 : 196 - 2.
5- الکافی 3 : 347 - 1 ، التهذیب 2 : 146 - 569 ، الوسائل 4 : 767 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27 ح 2.
6- الاستبصار 1 : 322.

______________________________________________________

وقال فی النهایة والمبسوط : هما سواء للمنفرد والإمام (1). وأطلق ابنا بابویه ، وابن أبی عقیل أفضلیة التسبیح (2).

احتج الشیخ فی الاستبصار علی أفضلیة القراءة للإمام بما رواه فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت إماما فاقرأ فی الرکعتین الأخیرتین بفاتحة الکتاب ، وإن کنت وحدک فیسعک ، فعلت أو لم تفعل » (3).

وعلی التساوی للمنفرد بما رواه عن عبد الله بن بکیر ، عن علی بن حنظلة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرکعتین الأخیرتین ما أصنع فیهما؟ فقال : « إن شئت فاقرأ فاتحة الکتاب وإن شئت فاذکر الله فهو سواء » قال ، قلت : فأیّ ذلک أفضل؟ فقال : « هما والله سواء ، إن شئت سبحت وإن شئت قرأت » (4).

وهذا الجمع جید لو کانت الأخبار متکافئة من حیث السند ، لکن الروایة الأخیرة ضعیفة جدا بجهالة الراوی ، وبأن من جملة رجالها الحسن (5) بن فضال ، وعبد الله بن بکیر ، وهما فطحیان (6).

( ولو قیل بأفضلیة القراءة مطلقا کما یدل علیه ظاهر صحیحة منصور بن حازم لم یکن بعیدا من الصواب ) (7).

ص: 345


1- النهایة : 76 ، والمبسوط 1 : 106.
2- الصدوق فی الهدایة : 31 ، ونقله عن والده فی المقنع : 34 ، ونقله عن ابن أبی عقیل فی المختلف : 92.
3- الإستبصار 1 : 322 - 1202 ، الوسائل 4 : 794 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 11.
4- التهذیب 2 : 98 - 369 ، الإستبصار 1 : 321 - 1200 ، الوسائل 4 : 781 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 3.
5- فی « م » ، « ح » زیادة : ابن علی.
6- راجع رجال النجاشی : 35 ، والفهرست : 106.
7- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : أما روایة منصور بن حازم فصحیحة السند ، لکن ربما لاح منها أن القراءة أفضل للمنفرد أیضا وهو غیر بعید. وقریب منها فی الدلالة ما رواه الشیخ فی الصحیح أیضا عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القراءة خلف الإمام فی الرکعتین الأخیرتین ، فقال : « الإمام یقرأ فاتحة الکتاب ، ومن خلفه یسبح ، فإذا کنت وحدک فاقرأ فیهما وإن شئت فسبح ».

______________________________________________________

وتؤیده روایة محمّد بن حکیم (1) ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام أیما أفضل القراءة فی الرکعتین الأخیرتین أو التسبیح؟ فقال : « القراءة أفضل » (2).

وروایة جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عما یقرأ الإمام فی الرکعتین فی آخر الصلاة ، فقال : « بفاتحة الکتاب ولا یقرأ الذین خلفه ، ویقرأ الرجل إذا صلی وحده فیهما بفاتحة الکتاب » (3).

وصحیحة ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجزیک التسبیح فی الأخیرتین » قلت : أی شی ء تقول أنت؟ قال : « أقرأ فاتحة الکتاب » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه عبید الله الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قمت فی الرکعتین الأخیرتین لا تقرأ فیهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أکبر » (5).

لأنا نجیب عنها بالحمل علی أنّ « لا » نافیة ، وتکون جملة « لا تقرأ » حالیة ، والمعنی : إذا قمت فی الرکعتین الأخیرتین وأنت غیر قار فیهما

ص: 346


1- فی الأصل وباقی النسخ الخطیة : حکم بن حکیم. والصحیح ما - أثبتناه - راجع معجم رجال الحدیث 16 : 2. 34.
2- التهذیب 2 : 98 - 370 ، الإستبصار 1 : 322 - 1201 ، الوسائل 4 : 794 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 10.
3- التهذیب 2 : 295 - 1186 ، الوسائل 4 : 782 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 4.
4- التهذیب 3 : 35 - 124 ، الوسائل 4 : 794 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 10.
5- التهذیب 2 : 99 - 372 ، الإستبصار 1 : 322 - 1203 ، الوسائل 4 : 793 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 7.

وقراءة سورة کاملة بعد الحمد فی الأولیین واجب فی الفرائض مع سعة الوقت وإمکان التعلم للمختار ، وقیل : لا یجب ، والأول أحوط.

______________________________________________________

فقل : کذا وکذا. أو یقال : إنها ناهیة ، والنهی إنما توجه إلی القراءة مع اعتقاد أن غیر القراءة لا یجوز ، کما ذکره الشیخ فی الإستبصار.

وبالجملة فهذه روایة واحدة فلا تترک لأجلها الأخبار المستفیضة السلیمة السند المؤیدة بعمل الأصحاب.

قوله : ( وقراءة سورة کاملة بعد الحمد فی الأولیین واجب فی الفرائض مع سعة الوقت وإمکان التعلم للمختار ، وقیل : لا یجب ، والأول أحوط ).

لا خلاف بین الأصحاب فی جواز الاقتصار علی الحمد فی النوافل مطلقا ، وفی الفرائض فی حال الاضطرار ، کالخوف ، ومع ضیق الوقت بحیث إن قرأ السورة خرج الوقت ، ومع عدم إمکان التعلم.

وإنما الخلاف فی وجوب السورة مع السعة ، والاختیار ، وإمکان التعلم. فقال الشیخ - رحمه الله - فی کتابی الحدیث (1) ، والسید المرتضی (2) ، وابن أبی عقیل (3) ، وابن إدریس (4) بالوجوب. وقال ابن الجنید (5) وسلار (6) ، والشیخ فی النهایة (7) ، والمصنف فی المعتبر (8) بالاستحباب ، ومال إلیه فی المنتهی (9) ، وهو متجه.

وجوب قراءة سورة بعد الحمد

ص: 347


1- التهذیب 2 : 71 ، والاستبصار 1 : 314.
2- الانتصار : 44.
3- نقله عنه فی المختلف : 91.
4- السرائر : 46.
5- نقله عنه فی المختلف : 91.
6- المراسم : 69.
7- النهایة : 75.
8- المعتبر 2 : 173
9- المنتهی 1 : 272.

______________________________________________________

لنا : إن إیجاب السورة زیادة تکلیف والأصل عدمه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن رئاب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال ، سمعته یقول : « إن فاتحة الکتاب تجوز وحدها فی الفریضة » (1) وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنّ فاتحة الکتاب تجوز وحدها وتجزی فی الفریضة » (2) والتعریف فی الفریضة لیس للعهد ، لعدم تقدم معهود ، ولا للحقیقة لاستحالة إرادته ، ولا للعهد الذهنی لانتفاء فائدته ، فیکون للاستغراق.

ویدل علیه أیضا الأخبار الکثیرة المتضمنة لجواز التبعیض کصحیحة سعد بن سعد ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن رجل قرأ فی کل رکعة الحمد ونصف سورة ، هل یجزیه فی الثانیة أن لا یقرأ الحمد ویقرأ ما بقی من السورة؟ قال : « یقرأ الحمد ثم یقرأ ما بقی من السورة » (3).

وصحیحة زرارة ، قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل قرأ سورة فی رکعة فغلط ، أیدع المکان الذی غلط فیه ویمضی فی قراءته؟ أو یدع تلک السورة ویتحول منها إلی غیرها؟ فقال : « کل ذلک لا بأس به ، وإن قرأ آیة واحدة فشاء أن یرکع بها رکع » (4).

وصحیحة إسماعیل بن الفضل ، قال : صلی بنا أبو عبد الله علیه السلام فقرأ بفاتحة الکتاب وآخر سورة المائدة ، فلما سلم التفت إلینا وقال : « إنما أردت أن أعلمکم » (5).

ص: 348


1- التهذیب 2 : 71 - 259 ، الإستبصار 1 : 314 - 1169 ، الوسائل 4 : 734 أبواب القراءة فی الصلاة ب 2 ح 1.
2- التهذیب 2 : 71 - 260 ، الوسائل 4 : 734 أبواب القراءة فی الصلاة ب 2 ح 3 ، بتفاوت.
3- التهذیب 2 : 295 - 1191 ، الإستبصار 1 : 316 - 1177 ، الوسائل 4 : 737 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 6.
4- التهذیب 2 : 293 - 1181 ، الوسائل 4 : 737 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 7.
5- التهذیب 2 : 294 - 1183 ، الإستبصار 1 : 316 - 1176 ، الوسائل 4 : 738 أبواب القراءة فی الصلاة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

وصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن تبعیض السورة ، فقال : « أکره ، ولا بأس به فی النافلة » (1).

احتج الموجبون : بعموم قوله تعالی ( فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ ) (2) فإن الأمر حقیقة فی الوجوب ، و « ما » للعموم إلاّ ما أخرجه الدلیل ، ولا تجب القراءة فی غیر الصلاة إجماعا.

وروایة منصور بن حازم : قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تقرأ فی المکتوبة بأقل من سورة ولا بأکثر » (3).

وروایة یحیی بن [ أبی ] عمران الهمدانی : إنه کتب إلی أبی جعفر علیه السلام یسأله عمن ترک البسملة فی السورة ، فکتب : « یعید » (4).

وروایة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجوز للمریض أن یقرأ فاتحة الکتاب وحدها ، ویجوز للصحیح فی قضاء صلاة التطوع باللیل والنهار » (5).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یقرأ الرجل فی الفریضة بفاتحة الکتاب فی الرکعتین الأولتین إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شیئا » (6).

ص: 349


1- التهذیب 2 : 296 - 1192 ، الإستبصار 1 : 316 - 1178 ، الوسائل 4 : 737 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 4.
2- المزمل : 20.
3- الکافی 3 : 314 - 12 ، التهذیب 2 : 69 - 253 ، الإستبصار 1 : 314 - 1167 ، الوسائل 4 : 736 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 2.
4- الکافی 3 : 313 - 2 ، التهذیب 2 : 69 - 252 ، الإستبصار 1 : 311 - 1156 ، الوسائل 4 : 746 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 6.
5- الکافی 3 : 314 - 9 ، التهذیب 2 : 70 - 256 ، الإستبصار 1 : 315 - 1171 ، الوسائل 4 : 734 أبواب القراءة فی الصلاة ب 2 ح 5 ، بتفاوت.
6- التهذیب 2 : 71 - 261 ، الإستبصار 1 : 315 - 1172 ، الوسائل 4 : 734 أبواب القراءة فی الصلاة ب 2 ح 2.

______________________________________________________

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من غلط فی سورة فلیقرأ قل هو الله أحد ثم لیرکع » (1).

هذا أقصی ما یمکن الاستدلال به علی الوجوب ، وفی الجمیع نظر :

أما الآیة الشریفة فلا دلالة لها علی المدعی بوجه ، لأن موردها التهجد لیلا کما یدل علیه السیاق ، ولأن الظاهر أن « ما » لیست اسما موصولا بل نکرة تامة فلا یفید العموم ، بل یکون حاصل المعنی : اقرأوا مقدار ما أردتم وأحببتم.

وأما الروایات فلا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة :

أما الروایة الأولی ، فلأن فی طریقها محمد بن عبد الحمید ، وهو غیر موثق (2). مع أن النهی فیها وقع عن قراءة الأقل من سورة والأکثر ، وهو فی الأکثر محمول علی الکراهة علی ما سنبینه ، فیکون فی الأقل کذلک حذرا من استعمال اللفظ فی حقیقته ومجازه.

وأما الروایة الثانیة ، فلأن من جملة رجالها یحیی بن [ أبی ] عمران الهمدانی ، وهو مجهول.

وأما الثالثة ، فلأن دلالتها علی المنع من اجتزاء الصحیح بالفاتحة فی الفریضة إنما هو بالمفهوم الضعیف. مع أن فی طریقها محمد بن عیسی عن یونس ، وقد نقل الصدوق عن شیخه ابن الولید أنه قال : ما تفرد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعمل به (3).

ص: 350


1- التهذیب 2 : 295 - 1187 ، الوسائل 4 : 783 أبواب القراءة فی الصلاة ب 43 ح 1.
2- قال النجاشی فی کتابه ص 339 : محمد بن عبد الحمید بن سالم العطار أبو جعفر ، روی عبد الحمید عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، وکان ثقة من أصحابنا الکوفیین. له کتاب النوادر ....
3- نقله عنه النجاشی فی رجاله : 333 - 896.

ولو قدّم السورة علی الحمد أعادها أو غیرها بعد الحمد.

ولا یجوز أن یقرأ فی الفرائض شیئا من سور العزائم ،

______________________________________________________

وأما الرابعة ، فغیر دالة علی المطلوب صریحا ، بل هی بالدلالة علی نقیضه أشبه ، إذ مقتضاها جواز الاقتصار علی الفاتحة إذا أعجل المصلی حاجة ، والحاجة أعم من الضرورة ، مع أنها إنما تدل علی ثبوت البأس مع انتفاء الشرط ، وهو أعم من المحرم.

وأما الروایة الخامسة ، فمتروکة الظاهر ، إذ لا قائل بوجوب قراءة التوحید والحال هذه ، فیمکن حملها علی الاستحباب. مع أنها معارضة بصحیحة زرارة المتقدمة (1).

والمسألة محل إشکال ، والاحتیاط للدین یقتضی أن لا یترک السورة بحال. والله أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( ولو قدم السورة علی الحمد أعادها أو غیرها بعد الحمد ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین العامد والناسی ، وهو کذلک. وجزم الشارح - قدس سره - ببطلان الصلاة مع العمد (2) وهو غیر واضح.

وربما ظهر من العبارة عدم وجوب إعادة الحمد ، وهو کذلک أیضا ، لأنها إذا وقعت بعد السورة کانت قراءتها صحیحة فلا مقتضی لوجوب إعادتها. وربما قیل بوجوب الإعادة (3) ، وهو ضعیف.

قوله : ( ولا یجوز أن یقرأ فی الفرائض شیئا من سور العزائم ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واحتجوا علیه بأن ذلک مستلزم لأحد محذورین : إما الإخلال بالواجب إن نهیناه عن السجود ، وإما زیادة سجدة فی

عدم جواز قراءة سور العزائم

ص: 351


1- فی ص 348.
2- المسالک 1 : 30.
3- کما فی التذکرة 1 : 115 ، ونهایة الأحکام 1 : 463.

______________________________________________________

الصلاة متعمدا إن أمرناه به. ولا یخفی أن هذا - مع ابتنائه علی وجوب إکمال السورة وتحریم القران - إنما یتم إذا قلنا بفوریة السجود مطلقا ، وأن زیادة السجدة مبطلة کذلک ، وکل هذه المقدمات لا یخلو من نظر.

واستدلوا علیه أیضا بما رواه الشیخ عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا تقرأ فی المکتوبة بشی ء من العزائم ، فإن السجود زیادة فی المکتوبة » (1) وفی الطریق القاسم بن عروة وهو مجهول ، وعبد الله بن بکیر وهو فطحی.

وبإزائها أخبار کثیرة دالة بظاهرها علی الجواز ، کحسنة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یقرأ بالسجدة فی آخر السورة ، قال : « یسجد ثم یقوم فیقرأ فاتحة الکتاب ثم یرکع ویسجد » (2).

وصحیحة محمد عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل یقرأ السجدة فینساها حتی یرکع ویسجد ، قال : « یسجد إذا ذکر إذا کانت من العزائم » (3).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن یسجد کیف یصنع؟ قال : « یقدم غیره فیتشهد ویسجد وینصرف هو وقد تمت صلاتهم » (4).

ویمکن الجمع بینها وبین روایة زرارة المتقدمة بحملها علی الکراهة. کما تشهد به روایة علی بن جعفر : إنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن الرجل یقرأ

ص: 352


1- التهذیب 2 : 96 - 361 ، الوسائل 4 : 779 أبواب القراءة فی الصلاة ب 40 ح 1.
2- الکافی 3 : 318 - 5 ، التهذیب 2 : 291 - 1167 ، الإستبصار 1 : 319 - 1189 ، الوسائل 4 : 777 أبواب القراءة فی الصلاة ب 37 ح 1.
3- التهذیب 2 : 292 - 1176 ، الوسائل 4 : 778 أبواب القراءة فی الصلاة ب 39 ح 1.
4- التهذیب 2 : 293 - 1178 ، قرب الإسناد : 94 ، الوسائل 4 : 780 أبواب القراءة فی الصلاة ب 40 ح 5.

______________________________________________________

فی الفریضة سورة والنجم ، أیرکع بها أو یسجد ثم یقوم فیقرأ بغیرها؟ قال : « یسجد ثم یقوم فیقرأ فاتحة الکتاب ویرکع ، ولا یعود یقرأ فی الفریضة بسجدة » (1).

وقال ابن الجنید : لو قرأ سورة من العزائم فی النافلة سجد ، وإن کان فی فریضة أومأ ، فإذا فرغ قرأها وسجد (2). وهو مشکل ، لفوریة السجود. وربما حمل کلامه علی أن المراد بالإیماء ترک قراءة السجدة ، وهو مناسب لما ذهب إلیه ابن الجنید من عدم وجوب السورة (3) ، لکن إطلاق الإیماء علی ترک قراءة السجدة بعید.

والحق أن الروایة الواردة بالمنع ضعیفة جدا فلا یمکن التعلق بها ، فإن ثبت بطلان الصلاة بوقوع هذه السجدة فی أثنائها وجب القول بالمنع من قراءة ما یوجبه من هذه السور ، ویلزم منه المنع من قراءة السورة کلها إن أوجبنا قراءة السورة بعد الحمد وحرمنا الزیادة ، وإن أجزنا أحدهما اختص المنع بقراءة ما یوجب السجود خاصة. وإن لم یثبت بطلان الصلاة بذلک - کما هو الظاهر - اتجه القول بالجواز مطلقا ، وتخرج الأخبار الواردة بذلک شاهدا.

ومن هنا یظهر أن ما ذکره الشارح - قدس سره - من بطلان الصلاة بمجرد الشروع فی هذه السور (4) غیر جید. مع أنا لو سلمنا أن النهی عن قراءة هذه السور للتحریم لم یلزم منه البطلان ، لأن تعلق النهی بذلک لا یخرجه عن کونه قرآنا ، وإنما یتم مع الاعتداد به فی الصلاة بناء علی القول بوجوب السورة ، لاستحالة اجتماع الواجب والحرام فی الشی ء الواحد.

وذکر الشارح - قدس سره - أیضا أن من قرأ شیئا من هذه السور ناسیا ثم

ص: 353


1- قرب الإسناد : 93 ، الوسائل 4 : 780 أبواب القراءة فی الصلاة ب 40 ح 4 ، البحار 10 : 285.
2- نقله عنه فی المعتبر 2 : 175.
3- نقله عنه فی المختلف : 91.
4- المسالک 1 : 30.

ولا ما یفوت الوقت بقراءته ، ولا أن یقرن بین سورتین ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

ذکر رجع إلی غیرها وإن تجاوز النصف ، ولو لم یذکر حتی قرأ السجدة أومأ لها ثم قضاها بعد الصلاة (1).

وکلا الحکمین مشکل : أما الأول فلإطلاق الأخبار المانعة من جواز العدول من سورة إلی أخری بعد تجاوز النصف (2).

وأما الثانی فلفوریة السجود ، وانتفاء الدلیل علی سقوطه بالإیماء ، مع صراحة الأخبار المتقدمة فی وجوب إیقاعه فی أثناء الصلاة (3).

قوله : ( ولا ما یفوت الوقت بقراءته ).

لأن اللازم منه الإخلال بالصلاة أو بعضها حتی یخرج الوقت عمدا ، وهو غیر جائز. لکن لا یخفی أن ذلک إنما یتم إذا قلنا بوجوب السورة وحرمنا الزائد ، وإن أجزنا أحدهما لم یتجه المنع.

قوله : ( ولا أن یقرن بین سورتین ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب فی القران بین السورتین فی الفرائض. فقال الشیخ فی النهایة والمبسوط : إنه غیر جائز (4). بل قال فی النهایة : إنه مفسد للصلاة. وقال فی الاستبصار : إنه مکروه (5). واختاره ابن إدریس (6) ، وسائر المتأخرین (7) ، وهو المعتمد.

حکم ما یفوت الوقت بقراءته والقران بین سورتین

ص: 354


1- المسالک 1 : 30.
2- الوسائل 4 : 776 أبواب القراءة فی الصلاة ب 36.
3- فی ص 252.
4- النهایة : 76 ، والمبسوط 1 : 307.
5- الاستبصار 1 : 317.
6- السرائر : 45.
7- منهم المحقق الحلی فی المعتبر 2 : 174 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 81 ، والشهید الأول فی الذکری : 190.

______________________________________________________

لنا : الأصل ، والعمومات ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن القران بین السورتین فی المکتوبة والنافلة ، قال : « لا بأس » (1).

وفی الموثق عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إنما یکره أن یجمع بین السورتین فی الفریضة ، فأما النافلة فلا بأس » (2).

قال ابن إدریس - رحمه الله - : الإعادة وبطلان الصلاة یحتاج إلی دلیل ، وأصحابنا قد ضبطوا قواطع الصلاة وما یوجب الإعادة ولم یذکروا ذلک فی جملتها والأصل صحة الصلاة ، والإعادة والبطلان یحتاج إلی دلیل (3).

احتج القائلون بالتحریم بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل یقرأ السورتین فی رکعة فقال : « لکل سورة رکعة » (4).

وروایة منصور بن حازم قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تقرأ فی المکتوبة بأقل من سورة ولا بأکثر » (5).

والجواب بالحمل علی الکراهة جمعا بین الأدلة.

أما البطلان ، فاحتج علیه فی المختلف بأن القارن بین السورتین غیر آت بالمأمور به علی وجهه ، فیبقی فی عهدة التکلیف (6). وهو ضعیف ، فإن

ص: 355


1- التهذیب 2 : 296 - 1192 ، الإستبصار 1 : 317 - 1181 ، الوسائل 4 : 742 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 9.
2- التهذیب 2 : 72 - 267 ، الإستبصار 1 : 317 - 1180 ، الوسائل 4 : 741 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 2.
3- السرائر : 45.
4- التهذیب 2 : 70 - 254 ، الإستبصار 1 : 314 - 1168 ، الوسائل 4 : 740 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 1.
5- الکافی 3 : 314 - 12 ، التهذیب 2 : 69 - 253 ، الإستبصار 1 : 314 - 1167 ، الوسائل 4 : 736 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 2.
6- المختلف : 93.

ویجب الجهر بالحمد والسورة فی الصبح وفی أولتی المغرب والعشاء ، والإخفات فی الظهرین وثالثة المغرب والأخیرتین من العشاء.

______________________________________________________

الامتثال حصل بقراءة السورة الواحدة ، والنهی عن الزیادة - لو سلمنا أنه للتحریم - فهو أمر خارج عن العبادة ، فلا یترتب علیه الفساد.

واعلم أن ظاهر العبارة وغیرها أن محل الخلاف الجمع بین السورتین فی الرکعة الواحدة بعد الحمد ، وهو الذی تعلق به النهی فی صحیحة محمد بن مسلم. وذکر الشارح - قدس سره - أن القران یتحقق بقراءة أزید من سورة وإن لم تکمل الثانیة ، بل بتکرار السورة الواحدة (1). وربما کان مستنده إطلاق النهی عن قراءة ما زاد علی السورة الواحدة فی روایة منصور بن حازم ، وهی ضعیفة الإسناد.

وکیف کان فموضع الخلاف قراءة الزائد علی أنه جزء من القراءة المعتبرة فی الصلاة ، إذ الظاهر أنه لا خلاف فی جواز القنوت ببعض الآیات ، وإجابة المسلّم بلفظ القرآن ، والإذن للمستأذن بقوله : ادخلوها بسلام ، ونحو ذلک.

قوله : ( ویجب الجهر بالحمد والسورة فی الصبح وفی الأولیین من المغرب والعشاء ، والإخفات فی الظهرین وثالثة المغرب والأخیرتین من العشاء ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل فیه الشیخ فی الخلاف الإجماع (2). وقال المرتضی - رحمه الله - فی المصباح : إن ذلک من السنن الأکیدة (3). وقال ابن الجنید : لو جهر بالقراءة فیما یخافت بها أو خافت فیما یجهر بها جاز ذلک ، والاستحباب أن لا یفعله (4).

احتج الشیخ بما رواه عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال ،

مواضع وجوب الجهر

ص: 356


1- المسالک 1 : 30.
2- الخلاف 1 : 113.
3- نقله عنه فی المعتبر 2 : 176 ، والمختلف : 93.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 176 ، والمختلف : 93 ، والذکری : 189.

______________________________________________________

قلت له : رجل جهر بالقراءة فیما لا ینبغی أن یجهر فیه ، أو أخفی فیما لا ینبغی الإخفاء فیه ، فقال : « أیّ ذلک فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعلیه الإعادة ، فإن فعل ذلک ناسیا أو ساهیا أو لا یدری فلا شی ء علیه » (1).

وجه الدلالة : قوله علیه السلام : « أیّ ذلک فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعلیه الإعادة » فإن نقض الصلاة - بالضاد المعجمة - کنایة عن البطلان ، والإعادة إنما تثبت مع اشتمال الأولی علی نوع من الخلل.

واحتج الشهید فی الذکری علی الوجوب أیضا بفعل النبی صلی الله علیه و آله ، والتأسی به واجب (2). وهو ضعیف جدا ، فإن التأسی فیما لا یعلم وجهه مستحب لا واجب ، کما قرر فی محله.

احتج القائلون بالاستحباب بأصالة البراءة من الوجوب ، وقوله تعالی : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَیْنَ ذلِکَ سَبِیلاً ) (3).

وجه الدلالة : أن النهی لا یجوز تعلقه بحقیقة الجهر والإخفات ، لامتناع انفکاک الصوت عنهما. بل المراد - والله أعلم - ما ورد عن الصادق علیه السلام فی تفسیر الآیة (4) ، وهو تعلق النهی بالجهر العالی الزائد عن المعتاد ، والإخفات الکثیر الذی یقصر عن الأسماع ، والأمر بالقراءة المتوسطة بین الأمرین ، وهو شامل للصلوات کلها.

وما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی من الفرائض ما یجهر فیه بالقراءة ، هل علیه أن لا یجهر؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم یجهر » (5).

ص: 357


1- التهذیب 2 : 162 - 635 ، الإستبصار 1 : 313 - 1163 ، الوسائل 4 : 766 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 1.
2- الذکری : 189.
3- الإسراء : 110.
4- تفسیر القمی 2 : 30 ، الوسائل 4 : 774 أبواب القراءة فی الصلاة ب 33 ح 6.
5- التهذیب 2 : 162 - 636 ، الاستبصار 1 : 313 - 1164 ، قرب الإسناد : 94 ، الوسائل 4 : 765 أبواب القراءة فی الصلاة ب 25 ح 6.

وأقل الجهر أن یسمعه القریب الصحیح السمع إذا استمع ، والإخفات أن یسمع نفسه إن کان یسمع. ولیس علی النساء جهر.

______________________________________________________

وأجاب عنها الشیخ بالحمل علی التقیة لموافقتها لمذهب العامة (1). قال المصنف - رحمه الله - : وهو تحکّم من الشیخ ، فإن بعض الأصحاب لا یری وجوب الجهر بل یستحبه مؤکدا (2).

والتحقیق أنه یمکن الجمع بین الخبرین بحمل الأول علی الاستحباب أو حمل الثانی علی التقیة ، ولعل الأول أرجح ، لأن الثانیة أوضح سندا وأظهر دلالة ، مع اعتضادها بالأصل وظاهر القرآن.

قوله : ( وأقل الجهر أن یسمع القریب الصحیح السمع إذا استمع ، والإخفات أن یسمع نفسه إن کان یسمع ).

هذا الضابط ربما أوهم بظاهره تصادق الجهر والإخفات فی بعض الأفراد ، وهو معلوم البطلان ، لاختصاص الجهر ببعض الصلوات والإخفات ببعض وجوبا أو استحبابا. والحق أن الجهر والإخفات حقیقتان متضادتان یمتنع تصادقهما فی شی ء من الأفراد ، ولا یحتاج فی کشف مدلولهما إلی شی ء زائد علی الحوالة علی العرف.

قوله : ( ولیس علی النساء جهر ).

أی : لا یجب علیهن الجهر فی موضع الجهر ، بل یکفیهن إسماع أنفسهن تحقیقا أو تقدیرا. قال فی الذکری : وهو إجماع من الکل. ثم حکم بجواز الجهر لهن إذا لم یسمعهن الأجانب ، وقال : إنها لو أجهرت فسمعها الأجنبی فالأقرب الفساد مع علمها ، لتحقق النهی فی العبادة (3). وهو جید لو ثبت

عدم جهر النساء

ص: 358


1- التهذیب 2 : 162.
2- المعتبر 2 : 177.
3- الذکری : 190

والمسنون فی هذا القسم الجهر بالبسملة فی موضع الإخفات ، فی أول الحمد وأول السورة ،

______________________________________________________

النهی ، وللکلام فی ذلک محل آخر.

قوله : ( والمسنون فی هذا القسم الجهر بالبسملة فی موضع الإخفات ، فی أول الحمد وأول السورة ).

اختلف الأصحاب فی الجهر بالبسملة فی موضع الإخفات ، فذهب الأکثر إلی استحبابه فی أولی الحمد والسورة فی الرکعتین الأولتین والأخیرتین للإمام والمنفرد. وقال ابن إدریس : المستحب إنما هو الجهر فی الرکعتین الأولتین دون الأخیرتین ، فإنه لا یجوز الجهر فیهما (1). وقال ابن الجنید باختصاص ذلک بالإمام (2).

وقال ابن البراج : یجب الجهر بها فیما یخافت فیه ، وأطلق (3). وقال أبو الصلاح : یجب الجهر بها فی أولتی الظهر والعصر من الحمد والسورة (4). والمعتمد الأول.

لنا : أصالة البراءة مما لم یقم دلیل علی وجوبه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان ، قال : صلیت خلف أبی عبد الله علیه السلام أیاما فکان یقرأ فی فاتحة الکتاب : بسم الله الرحمن الرحیم ، فإذا کانت صلاة لا یجهر فیها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحیم ، وأخفی ما سوی ذلک » (5).

وفی الحسن عن عبد الله بن یحیی الکاهلی ، قال : « صلی بنا أبو عبد الله علیه السلام فی مسجد بنی کاهل ، فجهر مرتین ببسم الله الرحمن الرحیم » (6).

مستحبات القراءة

ص: 359


1- السرائر : 45.
2- نقله عنه فی الذکری : 191.
3- المهذب 1 : 97.
4- الکافی فی الفقه : 117.
5- التهذیب 2 : 68 - 246 ، الإستبصار 1 : 310 - 1154 ، الوسائل 4 : 745 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 1.
6- التهذیب 2 : 288 - 1155 ، الإستبصار 1 : 311 - 1157 ، الوسائل 4 : 745 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 4.

______________________________________________________

وقد تقرر فی الأصول استحباب التأسی فیما لا یعلم وجوبه بدلیل من خارج.

والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالإمام وإن کان ذلک مورد الروایتین ، ( لأن المشهور من شعار الشیعة الجهر بالبسملة لکونها بسملة ) (1) حتی قال ابن أبی عقیل : تواترت الأخبار عنهم علیهم السلام أن لا تقیة فی الجهر بالبسملة (2). وروی الشیخ فی المصباح عن أبی الحسن الثالث علیه السلام أنه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة الخمسین ، وزیارة الأربعین ، والتختم فی الیمین ، وتعفیر الجبین ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحیم » (3).

احتج ابن إدریس بأنه لا خلاف فی وجوب الإخفات فی الأخیرتین ، فمن ادعی استحباب الجهر فی بعضها وهو البسملة فعلیه الدلیل (4).

والجواب أن کل ما دل علی استحباب الجهر بالبسملة فهو شامل للأولتین والأخیرتین.

احتج ابن الجنید بأن الأصل وجوب المخافتة بالبسملة فیما یخافت به ، لأنها بعض الفاتحة ، خرج عنه الإمام بالنص أو الإجماع ، فیبقی المنفرد علی الأصل (5).

والجواب أنا لا نسلم أن مقتضی الأصل وجوب المخافتة ، بل قضیة الأصل عدمه ، وروایة زرارة التی هی الأصل فی هذا الباب (6) لا تدل علی الوجوب ، إذ لم یثبت کون الجهر بالبسملة مما لا ینبغی ترکه ، بل المدعی

ص: 360


1- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : کما لا خصوصیة لکونه علیه السلام إماما ، الأصل فی ذلک لأن الجهر بالبسملة صار شعارا للشیعة.
2- نقله عنه فی الذکری : 191.
3- مصباح المتهجد : 730 ، الوسائل 10 : 373 أبواب المزار وما یناسبه ب 56 ح 1.
4- السرائر : 45.
5- نقله عنه فی الذکری : 191.
6- المتقدمة فی ص 356.

وترتیل القراءة ، والوقف علی مواضعه ،

______________________________________________________

أولویته ورجحانه کما لا یخفی.

احتج الموجبون بأنهم علیهم السلام کانوا یداومون علی الجهر بالبسملة علی ما دلت علیه الأخبار ، ولو کان مسنونا لأخلّوا به فی بعض الأحیان.

والجواب المنع من ذلک ، فإنهم علیهم السلام یحافظون علی المسنون کما یحافظون علی الواجبات.

قوله : ( وترتیل القراءة ).

أجمع العلماء کافة علی استحباب ترتیل القراءة فی الصلاة وغیرها ، قال الله تعالی ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلاً ) (1) وقال الصادق علیه السلام : « ینبغی للعبد إذا صلی أن یرتل قراءته » (2).

والترتیل لغة : الترسّل ، والتبیین ، وحسن التألیف (3). وفسره فی الذکری بأنه حفظ الوقوف وأداء الحروف (4). وعرفه فی المعتبر بأنه تبیین الحروف من غیر مبالغة. قال : وربما کان واجبا إذا أرید به النطق بالحروف من مخارجها بحیث لا یدمج بعضها فی بعض (5). وهو حسن.

قوله : ( والوقوف علی مواضعه ).

أی المواضع المقررة عند القراء ، فیقف علی التام ثم الحسن ثم الجائز ، تحصیلا لفائدة الاستماع ، إذ به یسهل الفهم ویحسن النظم.

ولا یتعین الوقف فی موضع ولا یقبح ، بل متی شاء وقف ومتی شاء وصل مع المحافظة علی النظم. وما ذکره القرّاء واجبا أو قبیحا لا یعنون به معناه الشرعی کما صرح به محققوهم.

ص: 361


1- المزمل : 4.
2- التهذیب 2 : 124 - 471 ، الوسائل 2 : 753 أبواب القراءة فی الصلاة ب 18 ح 1.
3- الصحاح 4 : 1704 ، القاموس 3 : 392.
4- الذکری : 192.
5- المعتبر 2 : 181.

وقراءة سورة بعد الحمد فی النوافل ، وأن یقرأ فی الظهرین والمغرب بالسور القصار کالقدر والجحد ، وفی العشاء بالأعلی والطارق وما شاکلهما ، وفی الصبح بالمدثر والمزمل وما ماثلهما.

______________________________________________________

وروی علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام : فی الرجل یقرأ فاتحة الکتاب وسورة أخری فی النفس الواحد ، قال : « إن شاء قرأ فی نفس واحد وإن شاء غیره » (1).

قوله : ( وقراءة سورة بعد الحمد فی النوافل ).

استحباب قراءة السورة بعد الحمد فی النوافل مجمع علیه بین العلماء ، قاله فی المعتبر (2).

وتجوز الزیادة فیها علی السورة الواحدة ، لقوله علیه السلام فی روایة ابن أبی یعفور : « لا بأس أن تجمع فی النافلة من السور ما شئت » (3) وروی الحسین بن سعید ، عن محمد بن القاسم ، قال : سألت عبدا صالحا ، هل یجوز أن یقرأ فی صلاة اللیل بالسورتین والثلاث؟ فقال : « ما کان فی صلاة اللیل فاقرأ بالسورتین والثلاث ، وما کان من صلاة النهار فلا تقرأ إلاّ بسورة سورة » (4).

قوله : ( وأن یقرأ فی الظهرین والمغرب بالسور القصار کالقدر والجحد ، وفی العشاء بالأعلی والطارق ، وما شاکلهما ، وفی الصبح بالمدثر والمزمل وما ماثلهما ).

المشهور بین الأصحاب أنه یستحب القراءة فی الصلاة بسور المفصل (5) ،

ص: 362


1- التهذیب 2 : 296 - 1193 ، قرب الإسناد : 93 ، الوسائل 4 : 785 أبواب القراءة فی الصلاة ب 46 ح 1 ، البحار 10 : 276.
2- المعتبر 2 : 181.
3- التهذیب 2 : 73 - 270 ، الوسائل 4 : 741 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 7.
4- التهذیب 2 : 73 - 269 ، الوسائل 4 : 741 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 4.
5- قیل : سمی به لکثرة ما یقع فیه من فصول التسمیة بین السور ، وقیل : لقصر سوره - مجمع البحرین 5 : 441.

______________________________________________________

وهی من سورة محمد صلی الله علیه و آله إلی آخر القرآن ، فیقرأ مطولاته فی الصبح وهی من سورة محمد صلی الله علیه و آله إلی عمّ ، ومتوسطاته فی العشاء وهی من سورة عمّ إلی الضحی ، وقصارة فی الظهرین والمغرب وهی من الضحی إلی آخر القرآن ، ولیس فی أخبارنا تصریح بهذا الاسم ولا تحدیده ، وإنما رواه الجمهور عن عمر بن الخطاب (1).

والذی ینبغی العمل علیه ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : القراءة فی الصلاة فیها شی ء موقت؟ قال : « لا ، إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقین » فقلت له : فأی السور تقرأ فی الصلوات؟ قال : « أما الظهر والعشاء والآخرة تقرأ فیهما سواء ، والعصر والمغرب سواء ، وأما الغداة فأطول ، فأما الظهر والعشاء الآخرة فسبح اسم ربک الأعلی ، والشمس وضحاها ، ونحوهما ، وأما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله ، وألهاکم التکاثر ، ونحوهما ، وأما الغداة فعمّ یتساءلون وهل أتاک حدیث الغاشیة ولا أقسم بیوم القیامة وهل أتی علی الإنسان حین من الدهر » (2).

وقال ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : وأفضل ما یقرأ فی الصلوات فی الیوم واللیلة فی الرکعة الأولی : الحمد وإنا أنزلناه ، وفی الثانیة : الحمد وقل هو الله أحد إلاّ فی صلاة العشاء الآخرة لیلة الجمعة (3) إلی آخره. ثم قال : وإنما یستحب قراءة القدر فی الأولی ، والتوحید فی الثانیة ، لأن القدر سورة النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام فیجعلهم المصلّی وسیلة إلی الله لأنه بهم وصل إلی معرفته ، وأما التوحید فالدعاء علی أثرها مستجاب وهو القنوت (4). هذا کلامه رحمه الله .

ص: 363


1- لم نعثر علیه.
2- الکافی 3 : 313 - 4 ، التهذیب 2 : 95 - 354 ، الوسائل 4 : 788 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 1.
3- الفقیه 1 : 201.
4- الفقیه 1 : 207.

وفی غداة الاثنین والخمیس بهل أتی ، وفی المغرب والعشاء لیلة الجمعة بالجمعة والأعلی ،

______________________________________________________

ویشهد له أیضا ما رواه الکلینی ، عن أبی علیّ بن راشد قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : جعلت فداک إنک کتبت إلی محمد بن الفرج تعلّمه أن أفضل ما یقرأ فی الفرائض إنا أنزلناه وقل هو الله أحد ، وإن صدری لیضیق بقراءتهما فی الفجر ، فقال علیه السلام : « لا یضیق صدرک بهما ، فإن الفضل والله فیهما » (1).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بعد أن أورد شیئا من ذلک : ولا خلاف أن العدول عن ذلک إلی غیره جائز ، وعلیه فتوی العلماء وعمل الناس کافة (2).

قوله : ( وفی غداة الخمیس والاثنین بهل أتی ).

ذکره الشیخ (3) ، وأتباعه وزاد الصدوق فی من لا یحضره الفقیه قراءة الغاشیة فی الرکعة الثانیة وقال : من قرأهما فی صلاة الغداة یوم الاثنین ویوم الخمیس وقاه الله شر الیومین (4).

قوله : ( وفی المغرب والعشاء لیلة الجمعة بالجمعة والأعلی ).

هذا قول الشیخ فی النهایة والمبسوط (5) ، والمرتضی (6) ، وابن بابویه (7) ، وأکثر الأصحاب. ومستنده روایة أبی بصیر قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « اقرأ فی لیلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربک الأعلی ، وفی

ص: 364


1- الکافی 3 : 315 - 19 ، الوسائل 4 : 760 أبواب القراءة فی الصلاة ب 23 ح 1.
2- المعتبر 2 : 182.
3- النهایة : 78 ، المبسوط 1 : 108.
4- الفقیه 1 : 200 - 922 ، الوسائل 4 : 791 أبواب القراءة فی الصلاة ب 50 ح 1.
5- النهایة : 78 ، والمبسوط 1 : 108.
6- الانتصار : 54.
7- الفقیه 1 : 201.

وفی صبحها بها وبقل هو الله أحد ،

______________________________________________________

الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد » (1) وقد روی ذلک أیضا عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتابه قرب الإسناد ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، عن الرضا علیه السلام أنه قال : « تقرأ فی لیلة الجمعة : الجمعة وسبح اسم ربک الأعلی ، وفی الغداة : الجمعة وقل هو الله أحد » (2).

وقال الشیخ فی المصباح والاقتصاد : یقرأ فی ثانیة المغرب قل هو الله أحد (3) ، لما رواه أبو الصباح الکنانی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا کان لیلة الجمعة فاقرأ فی المغرب سورة الجمعة وقل هو الله أحد ، وإذا کان العشاء الآخرة فاقرأ الجمعة وسبح اسم ربک الأعلی ، فإذا کان صلاة الغداة یوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة وقل هو الله أحد » (4).

وقال ابن أبی عقیل : یقرأ فی ثانیة العشاء الآخرة لیلة الجمعة سورة المنافقین (5) ، لما رواه حریز وربعی رفعاه إلی أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن کانت لیلة الجمعة یستحب أن یقرأ فی العتمة سورة الجمعة وإذا جاءک المنافقون ، وفی صلاة الصبح مثل ذلک ، وفی صلاة الجمعة مثل ذلک ، وفی صلاة العصر مثل ذلک » (6) وهذا المقام مقام استحباب فلا مشاحة فی اختلاف الروایات فیه.

قوله : ( وفی صبحها بها وبقل هو الله أحد ).

هذا قول الشیخین (7) ، وأتباعهما (8). وقال ابن بابویه فی من لا یحضره

ص: 365


1- الکافی 3 : 425 - 2 ، التهذیب 3 : 6 - 14 ، الوسائل 4 : 788 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 2.
2- قرب الإسناد : 158.
3- مصباح المتهجد : 230 ، والاقتصاد : 262.
4- التهذیب 3 : 5 - 13 ، الوسائل 4 : 789 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 4.
5- نقله عنه فی المختلف : 94.
6- التهذیب 3 : 7 - 18 ، الإستبصار 1 : 414 - 1585 ، الوسائل 4 : 789 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 3.
7- المفید فی المقنعة : 26 ، والشیخ فی النهایة : 78.
8- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 152.

وفی الظهرین بها وبالمنافقین - ومنهم من یری وجوب السورتین فی الظهرین ولیس بمعتمد - ،

______________________________________________________

الفقیه (1) ، والمرتضی فی الانتصار (2) : یقرأ المنافقین فی الثانیة. وربما کان مستندهما مرفوعة حریز وربعی المتقدمة ، والأصح الأول ، لصحة مستنده.

قوله : ( وفی الظهرین بها وبالمنافقین. ومنهم من یری وجوب السورتین فی الظهرین ، ولیس بمعتمد ).

القائل بذلک ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه الکبیر(3) علی ما نقله فی المعتبر (4) ، وهذه عبارته : واقرأ فی صلاة العشاء الآخرة لیلة الجمعة : سورة الجمعة وسبّح ، وفی صلاة الغداة والظهر والعصر : سورة الجمعة والمنافقین ، فإن نسیتهما أو واحدة منهما فی صلاة الظهر وقرأت غیرهما ثم ذکرت فارجع إلی سورة الجمعة والمنافقین ما لم تقرأ نصف السورة ، فإن قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلها رکعتین نافلة وسلّم فیهما وأعد صلاتک بسورة الجمعة والمنافقین ، ولا بأس أن تصلّی العشاء والغداة والعصر بغیر سورة الجمعة والمنافقین إلاّ أن الفضل فی أن تصلّیها بالجمعة والمنافقین. هذا کلامه رحمه الله .

وهو صریح فی اختصاص الوجوب بالظهر ، وکأن المصنف - رحمه الله - راعی أول الکلام وغفل عن آخره.

وقال المرتضی - رضی الله عنه - : إذا دخل الإمام فی صلاة الجمعة وجب أن یقرأ فی الأولی بالجمعة ، وفی الثانیة بالمنافقین ، یجهر بهما ، ولا یجزیه غیرهما (5).

ص: 366


1- الفقیه 1 : 201.
2- الانتصار : 54.
3- الظاهر أن المراد به کتاب « مدینة العلم » وهو خامس الأصول الأربعة القدیمة للشیعة الإمامیة وهو أکبر من کتاب « من لا یحضره الفقیه » کما صرح به الشیخ فی الفهرست إلاّ أنه مفقود من زمان والد الشیخ البهائی إلی زماننا هذا - الذریعة 20 : 251.
4- المعتبر 2 : 183.
5- جمل العلم والعمل : 72.

______________________________________________________

والمعتمد استحباب قراءتهما فی الجمعة خاصة ، لما رواه الشیخ ( فی الصحیح ) (1) عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : القراءة فی الصلاة فیها شی ء موقت؟ قال : « لا ، إلاّ فی الجمعة یقرأ بالجمعة والمنافقین » (2) والأمر المستفاد من الجملة الخبریة هنا محمول علی الاستحباب کما یدل علیه صحیحة علیّ بن یقطین : قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یقرأ فی صلاة الجمعة بغیر سورة الجمعة متعمدا ، قال : « لا بأس بذلک » (3) وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول فی صلاة الجمعة : « لا بأس بأن تقرأ فیها بغیر الجمعة والمنافقین إذا کنت مستعجلا » (4).

وأما الاستحباب فی صلاة الظهر فلم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علیه ، نعم روی عمر بن یزید فی الحسن قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « من صلّی الجمعة بغیر الجمعة والمنافقین أعاد الصلاة فی سفر أو حضر » (5) والثابت فی السفر إنما هو الظهر لا الجمعة.

قال الشیخ فی التهذیب : المراد بهذا الخبر الترغیب ، واستدل علی ذلک بروایة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الجمعة فی السفر ما أقرأ فیهما؟ قال : « اقرأ فیهما بقل هو الله أحد » (6) وهو حسن.

ص: 367


1- لیست فی « م ».
2- التهذیب 3 : 6 - 15 ، الإستبصار 1 : 413 - 1581 ، الوسائل 4 : 788 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 1.
3- التهذیب 3 : 7 - 19 ، الإستبصار 1 : 414 - 1586 ، الوسائل 4 : 817 أبواب القراءة فی الصلاة ب 71 ح 1.
4- الفقیه 1 : 268 - 1225 ، التهذیب 3 : 242 - 653 ، الإستبصار 1 : 415 - 1591 ، الوسائل 4 : 817 أبواب القراءة فی الصلاة ب 71 ح 3.
5- الکافی 3 : 426 - 7 ، التهذیب 3 : 7 - 21 ، الوسائل 4 : 818 أبواب القراءة فی الصلاة ب 72 ح 1.
6- الفقیه 1 : 268 - 1224 ، التهذیب 3 : 8 - 23 ، الإستبصار 1 : 415 - 1590 ، الوسائل 4 : 817 أبواب القراءة فی الصلاة ب 71 ح 2.

وفی نوافل النهار بالسور القصار ویسرّ بها ، وفی اللیل بالطوال ویجهر بها ، ومع ضیق الوقت یخفف ، وأن یقرأ قل یا أیها الکافرون فی المواضع السبعة ، ولو بدأ فیها بسورة التوحید جاز ،

______________________________________________________

وأما استحباب قراءتهما فی العصر فیدل علیه مرفوعة حریز وربعی المتقدمة (1) ، وهی ضعیفة بالإرسال إلاّ أن هذا المقام یکفی فیه مثل ذلک.

قوله : ( وفی نوافل النهار بالسور القصار ویسر بها ، وفی اللیل بالطوال ویجهر بها ).

أما استحباب الإجهار فی نوافل اللیل والإخفات فی نوافل النهار فقال فی المعتبر : إنه قول علمائنا أجمع (2) ویدل علیه ما رواه الحسن بن علیّ بن فضال ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « السنّة فی صلاة النهار الإخفات ، والسنّة فی صلاة اللیل الإجهار » (3).

قال المصنف : والروایة وإن کانت ضعیفة السند مرسلة لکن عمل الأصحاب علی ذلک.

وأما استحباب قراءة السور القصار فی نوافل النهار ، والطوال فی نوافل اللیل فلم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علیه ، وربما أمکن الاستدلال علیه بفحوی صحیحة محمد بن القاسم ، قال : سألت عبدا صالحا هل یجوز أن یقرأ فی صلاة اللیل بالسورتین والثلاث؟ فقال : « ما کان من صلاة اللیل فاقرأ بالسورتین والثلاث ، وما کان من صلاة النهار فلا تقرأ إلاّ بسورة سورة » (4).

قوله : ( وأن یقرأ قل یا أیها الکافرون فی المواضع السبعة ، ولو بدأ بسورة التوحید جاز ).

ص: 368


1- فی ص 365.
2- المعتبر 2 : 184.
3- التهذیب 2 : 289 - 1161 ، الإستبصار 1 : 313 - 1165 ، الوسائل 4 : 759 أبواب القراءة فی الصلاة ب 22 ح 2.
4- التهذیب 2 : 73 - 269 ، الوسائل 4 : 741 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 4.

ویقرأ فی أوّلتی صلاة اللیل : قل هو الله أحد ثلاثین مرة

______________________________________________________

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد وقل یا أیها الکافرون فی سبع مواطن : فی الرکعتین قبل الفجر ، ورکعتی الزوال ، ورکعتین بعد المغرب ، ورکعتین فی أول صلاة اللیل ، ورکعتی الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها ، ورکعتی الطواف » (1).

قال الشیخ فی التهذیب : وفی روایة أخری : إنه یقرأ فی هذا کله بقل هو الله أحد ، وفی الثانیة بقل یا أیها الکافرون إلاّ فی الرکعتین قبل الفجر فإنه یبدأ بقل یا أیها الکافرون ثم یقرأ فی الثانیة قل هو الله أحد (2).

هذا کلامه - رحمه الله - ولا ریب أن العمل بالروایة المفصلة أولی.

قوله : ( ویقرأ فی أولتی صلاة اللیل قل هو الله أحد ثلاثین مرة ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ وابن بابویه : أن من قرأ فی الرکعتین الأوّلتین من صلاة اللیل فی کل رکعة منها الحمد مرّة وقل هو الله أحد ثلاثین مرة انفتل ولیس بینه وبین الله عزّ وجلّ ذنب إلاّ غفر له (3).

قال الشارح - قدس سره - : وقد تقدم استحباب أن یقرأ فیها بالجحد ، لأنها أحد السبعة ، وطریق الجمع إمّا بأن یکون قراءة کل واحدة من السورتین سنّة فیتخیر المصلّی ، أو بالجمع بینهما لجواز القران فی النافلة ، أو بحمل صلاة اللیل علی الرکعتین المتقدمتین علی الثمان کما ورد فی بعض الأخبار. وعلی ما روی من أن الجحد فی الثانیة لا إشکال ، فإن قراءة التوحید فی الأولی ثلاثین مرة محصل لقراءة التوحید فیها فی الجملة (4).

ص: 369


1- التهذیب 2 : 74 - 273 ، الوسائل 4 : 751 أبواب القراءة فی الصلاة ب 15 ح 1.
2- التهذیب 2 : 74.
3- الفقیه 1 : 307 - 1403 ، التهذیب 2 : 124 - 470 ، الوسائل 4 : 796 أبواب القراءة فی الصلاة ب 54 ح 1.
4- المسالک 1 : 30.

وفی البواقی بطوال السّور ، ویسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم یبلغ العلوّ ، وکذا الشهادتین استحبابا ، وإذا مرّ المصلی بآیة رحمة سألها ، أو آیة نقمة استعاذ منها.

______________________________________________________

قلت : الأولی فی الجمع ما ذکره - رحمه الله - أولا ، لأن الجمع بین السورتین خروج عن المنصوص ، وحمل صلاة اللیل علی الرکعتین المتقدمتین علیها خلاف الظاهر ، وما ذکره - رحمه الله - آخرا من انتفاء الإشکال إن جعلت قراءة الجحد فی الثانیة غیر جید ، لأن المروی قراءة التوحید ثلاثین مرة فی کل من الرکعتین کما تقدم ، فالإشکال بحاله.

قوله : ( ویسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم یبلغ العلو ، وکذا الشهادتین استحبابا ).

هذا الحکم موضع وفاق بین العلماء. والمستند فیه ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه کل ما یقول ، ولا ینبغی لمن خلفه أن یسمعه شیئا مما یقول » (1) ویؤیده أن المأموم لا قراءة علیه وإنما وظیفته الاستماع فاستحب للإمام إسماعه تحصیلا للغرض المطلوب منه.

وإنما قید استحباب الجهر بعدم العلو ، لظاهر قوله تعالی ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (2) ولما رواه الکلینی - رحمه الله - عن عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : علی الإمام أن یسمع من خلفه وإن کثروا؟ فقال : « لیقرأ قراءة وسطا یقول الله تبارک وتعالی ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (3) ولا یخفی أن المتصف بالاستحباب فی الجهر بالقراءة عند من أوجبه القدر الزائد علی ما یتحقق به أصل الجهر.

قوله : ( وإذا مرّ بآیة رحمة سألها ، أو بآیة نقمة استعاذ منها ).

ص: 370


1- التهذیب 3 : 49 - 170 ، الوسائل 5 : 451 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
2- الإسراء : 110.
3- الکافی 3 : 317 - 27 ، الوسائل 4 : 773 أبواب القراءة فی الصلاة ب 33 ح 3.

مسائل سبع :

الأولی : لا یجوز قول آمین آخر الحمد ، وقیل : هو مکروه.

______________________________________________________

المستند فی ذلک عموم الإذن فی الدعاء فی أثناء الصلاة ، وخصوص قوله علیه السلام فی موثقة سماعة : « ینبغی لمن یقرأ القرآن إذا مرّ بآیة من القرآن فیها مسألة أو تخویف أن یسأل عند ذلک خیر ما یرجو ویسأله العافیة من النار ومن العذاب » (1) وفی مرسلة البرقی : « ینبغی للعبد إذا صلّی أن یرتل فی قراءته ، وإذا مرّ بآیة فیها ذکر الجنة وذکر النار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار » (2).

قال المصنف فی المعتبر : ولو أطال الدعاء فی خلال القراءة کره وربما أبطل إن خرج عن نظم القراءة المعتادة (3). وهو حسن. وکما یستحب للقارئ سؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة إذا مرّ بآیتیهما کذا یستحب للمأموم ، لما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون مع الإمام فیمرّ بالمسألة أو بآیة فیها ذکر جنة أو نار ، قال : « لا بأس بأن یسأل عند ذلک ، ویتعوّذ من النار ، ویسأل الله الجنة » (4).

قوله : ( مسائل سبع ، الأولی : لا یجوز قول آمین فی آخر الحمد ، وقیل : هو مکروه ).

اختلف الأصحاب فی قول : آمین ، فی أثناء الصلاة ، فقال الشیخ فی الخلاف : قول آمین یقطع الصلاة سواء کان ذلک سرّا أو جهرا ، آخر الحمد أو قبلها ، للإمام والمأموم ، وعلی کل حال (5). ونحوه قال المفید (6) ،

حرمة قول آمین

ص: 371


1- الکافی 3 : 301 - 1 ، التهذیب 2 : 286 - 1147 ، الوسائل 4 : 828 أبواب قراءة القرآن ب 3 ح 2.
2- التهذیب 2 : 124 - 471 ، الوسائل 4 : 753 أبواب القراءة فی الصلاة ب 18 ح 1.
3- المعتبر 2 : 181.
4- الکافی 3 : 302 - 3 ، الوسائل 4 : 753 أبواب القراءة فی الصلاة ب 18 ح 3.
5- الخلاف 1 : 113.
6- المقنعة : 16.

______________________________________________________

والمرتضی (1) ، وادّعوا علی ذلک الإجماع. وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ولا یجوز أن یقال بعد فاتحة الکتاب : آمین ، لأن ذلک کان یقوله النصاری (2).

ونقل عن ابن الجنید أنه جوّز التأمین عقیب الحمد وغیرها (3) ، ومال إلیه المصنف فی المعتبر (4) ، وشیخنا المعاصر (5).

احتج الشیخ فی الخلاف علی التحریم والإبطال بإجماع الفرقة (6) ، فإنهم لا یختلفون فی أن ذلک یبطل الصلاة. وبقول النبی صلی الله علیه و آله : « إن هذه الصلاة لا یصلح فیها شی ء من کلام الآدمیین » (7) وقول آمین من کلامهم ، لأنها لیست بقرآن ولا دعاء وإنما هی اسم للدعاء ، والاسم غیر المسمی. وبما رواه فی الحسن ، عن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت خلف إمام فقرأ الحمد ففرغ من قراءتها فقل أنت : الحمد لله رب العالمین ، ولا تقل : آمین » (8) وعن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال له : أقول إذا فرغت من فاتحة الکتاب : آمین؟ قال : « لا » (9).

وفی کل من هذه الأدلة نظر :

ص: 372


1- الانتصار : 42.
2- الفقیه 1 : 255.
3- جامع المقاصد 1 : 112.
4- المعتبر 2 : 186.
5- مجمع الفائدة 2 : 234.
6- الخلاف 1 : 196.
7- عوالی اللآلی 1 : 196 - 4 ، سنن البیهقی 2 : 249 بتفاوت یسیر.
8- الکافی 3 : 313 - 5 ، التهذیب 2 : 74 - 275 ، الإستبصار 1 : 318 - 1185 ، الوسائل 4 : 752 أبواب القراءة فی الصلاة ب 17 ح 1.
9- التهذیب 2 : 74 - 276 ، الإستبصار 1 : 318 - 1186 ، الوسائل 4 : 752 أبواب القراءة فی الصلاة ب 17 ح 3.

______________________________________________________

أما الإجماع فقد تقدم الکلام فیه مرارا.

وأما أن آمین من کلام الآدمیین لأنها اسم للدعاء ولیست دعاء فلتوجه المنع إلی ذلک ، بل الظاهر أنها دعاء کقولک : اللهم استجب ، وقد صرح بذلک المحقق نجم الأئمة الرّضی - رضی الله عنه - فقال : ولیس ما قال بعضهم إن صه مثلا اسم للفظ اسکت الذی هو دال علی معنی الفعل ، فهو (1) علم للفظ الفعل لا لمعناه بشی ء ، لأن العربی القحّ ربما یقول : صه ، مع أنه ربما لا یخطر فی باله لفظ اسکت وربما لم یسمعه أصلا ، ولو قلت : إنه اسم لا صمت ، أو امتنع ، أو کف عن الکلام ، أو غیر ذلک مما یؤدی هذا المعنی لصح ، فعلمنا منه أن المقصود المعنی لا اللفظ (2). انتهی.

وأما الروایتان فمع سلامة سندهما إنما تضمنتا النهی عن هذا اللفظ فیکون محرّما ، ولا یلزم من ذلک کون مبطلا للصلاة ، لأن النهی إنما یفسد العبادة إذا توجه إلیها أو إلی جزء منها أو شرط لها ، وهو هنا إنما توجه إلی أمر خارج عن العبادة فلا یقتضی فسادها.

ونقل عن السید ابن زهرة أنه احتج علی الإبطال بأن قول آمین عمل کثیر خارج عن الصلاة ، وبأنه إنما یکون علی أثر دعاء تقدّمه ، والقاری لا یجب علیه قصد الدعاء مع القراءة فلا معنی لها حینئذ ، وإذا انتفی جوازها عند عدم القصد انتفی عند قصد القراءة والدعاء ، لأن أحدا لم یفرق بینهما (3).

ویتوجه علی الأول : منع کون التأمین فعلا کثیرا ، فإنه دعوی مجردة عن الدلیل.

وعلی الثانی : أن الدعاء بالاستجابة لا یقتضی أن یکون متعلقا بما قبله ،

ص: 373


1- فی « ح » بل هو. ومدلولهما واحد.
2- شرح الکافیة : 178.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 558.

______________________________________________________

ولو تعلّق به لجاز ، سواء قصد به الدعاء أم لا ، لأن عدم القصد بالدعاء لا یخرجه عن کونه دعاء.

قال المصنف فی المعتبر : ویمکن أن یقال بالکراهة (1). ویحتج بما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن قول الناس فی الصلاة جماعة حین یقرأ فاتحة الکتاب : آمین ، قال : « ما أحسنها ، واخفض الصوت بها » (2).

ویتوجه علیه أن هذه الروایة لا تعطی ما ذکره من الکراهة ، بل هی دالة علی نقیضه ، فإن أقل مراتب الاستحسان : الاستحباب ، مع أن راویها وهو جمیل روی النهی أیضا. والأولی حمل هذه الروایة علی التقیة ، لموافقتها لمذهب العامة ، وتشهد له صحیحة معاویة بن وهب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أقول : آمین إذا قال الإمام : غیر المغضوب علیهم ولا الضالین فقال : « هم الیهود والنصاری » (3) فإن عدوله علیه السلام عن الجواب إلی تفسیر الآیة قرینة علی ذلک.

وقد ظهر من ذلک کله : أن الأجود التحریم دون الإبطال وإن کان القول بالکراهة محتملا ، لقصور الروایتین عن إثبات التحریم من حیث السند ، وکثرة استعمال النهی فی الکراهة خصوصا مع مقابلته بأمر الندب.

واعلم : أن المصنف فی المعتبر (4) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (5) استدلا علی أن التأمین مبطل للصلاة بأن معناها : اللهم استجب ، ولو نطق بذلک

ص: 374


1- المعتبر 2 : 186.
2- التهذیب 2 : 75 - 277 ، الإستبصار 1 : 318 - 1187 ، الوسائل 4 : 753 أبواب القراءة فی الصلاة ب 17 ح 5.
3- التهذیب 2 : 75 - 278 ، الإستبصار 1 : 319 - 1188 ، الوسائل 4 : 752 أبواب القراءة فی الصلاة ب 17 ح 2.
4- المعتبر 2 : 185.
5- نهایة الأحکام 1 : 466 ، والتذکرة 1 : 118.

الثانیة : الموالاة فی القراءة شرط فی صحتها ، فلو قرأ خلالها من غیرها استأنف القراءة.

______________________________________________________

أبطل صلاته فکذا ما قام مقامه. وهو ضعیف جدا فإن الدعاء فی الصلاة جائز بإجماع العلماء ، وهذا دعاء عام فی طلب استجابة جمیع ما یدعی به فلا وجه للمنع منه.

قوله : ( الثانیة ، الموالاة فی القراءة شرط فی صحتها ، فلو قرأ خلالها من غیرها استأنف القراءة ).

أما اشتراط الموالاة فی القراءة فللتأسی بالنبی صلی الله علیه و آله ، فإنه کان یوالی فی قراءته وقال : « صلّوا کما رأیتمونی أصلّی » (1).

وأما فواتها بقراءة شی ء فی خلال السورة من غیرها فلا یتم علی إطلاقه ، إذ القدر الیسیر من ذلک لا تفوت به الموالاة قطعا. والأصح الرجوع فی ذلک إلی العرف فمتی حصل الإخلال بالموالاة استأنف القراءة ، عمدا کان أو نسیانا.

وقطع الشهید فی الذکری ببطلان الصلاة مع العمد ، لتحقق المخالفة المنهی عنها (2). ویتوجه علیه منع کون ذلک مقتضیا للبطلان.

وقال الشیخ فی المبسوط : یستأنف القراءة مع العمد ، ویبنی مع النسیان (3). وهو مشکل أیضا ، لفوات الموالاة الواجبة مع العمد والنسیان فلا یتحقق الامتثال.

وقد نص الشیخ (4) - رحمه الله - وغیره (5) علی أنه لا یقدح فی الموالاة الدعاء بالمباح ، وسؤال الرحمة ، والاستعاذة من النقمة عند آیتیهما ، وردّ

وجوب الموالاة فی القراءة

ص: 375


1- صحیح البخاری 1 : 162.
2- الذکری : 188.
3- المبسوط 1 : 106.
4- المبسوط 1 : 109.
5- کالشهید الأول فی اللمعة الدمشقیة : 33 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 30.

وکذا لو نوی قطع القراءة وسکت ، وفی قول یعید الصلاة. أما لو سکت فی خلال القراءة لا بنیّة القطع أو نوی القطع ولم یقطع مضی فی صلاته.

السلام ، والحمد عند العطسة ، وتسمیت العاطس ، ونحو ذلک. ولا ریب فیه ، وهو مؤید لما ذکرناه من عدم فوات الموالاة بمجرد قراءة شی ء فی خلال السورة من غیرها.

قوله : ( وکذا لو نوی قطع القراءة وسکت ، وفی قول یعید الصلاة ).

أی : وکذا یستأنف القراءة لو نوی قطعها وسکت. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی نیة القطع بین أن ینوی قطعها أبدا أو بنیة العود ، وفی السکوت بین الطویل والقصیر ، وهو مشکل علی إطلاقه.

والقول بإعادة الصلاة بذلک للشیخ فی المبسوط (1) ، مع أنه ذهب فیه إلی عدم بطلان الصلاة بنیة فعل المنافی (2) ، واعتذر عنه فی الذکری بأن المبطل هنا نیة القطع مع القطع ، فهو فی الحقیقة نیة المنافی مع فعله (3). وهو غیر جید ، لأن السکوت بمجرده ( غیر مبطل للصلاة إذا لم یخرج به عن کونه مصلّیا.

والأصح أن قطع القراءة بالسکوت ) (4) غیر مبطل لها ، سواء حصل معه نیة القطع أم لا ، إلاّ أن یخرج بالسکوت عن کونه قارئا فتبطل القراءة ، أو مصلّیا فتبطل الصلاة. ولو نوی القطع لا بنیة العود فهو فی معنی نیة قطع الصلاة وقد تقدم الکلام فیه (5).

قوله : ( أما لو سکت فی خلال القراءة لا بنیة القطع أو نوی القطع ولم یقطع مضی فی صلاته ).

حکم نیة قطع القراءة

ص: 376


1- المبسوط 1 : 105.
2- المبسوط 1 : 102.
3- الذکری : 188.
4- ما بین القوسین لیس فی « م ».
5- فی ص 214.

الثالثة : روی أصحابنا أن الضحی وأ لم نشرح سورة واحدة. وکذا الفیل والإیلاف. فلا یجوز إفراد إحداهما من صاحبتها فی کل رکعة ، ولا یفتقر إلی البسملة بینهما علی الأظهر.

______________________________________________________

إنما یمضی فی صلاته مع السکوت إذا لم یخرج به عن کونه قارئا أو مصلّیا وإلاّ بطلت القراءة أو الصلاة. والمراد بنیة القطع : الأعم من قطع القراءة أبدا أو بنیة العود ، لأن الصلاة لا تبطل عنده بنیة القطع کما تقدم.

قوله : ( الثالثة ، روی أصحابنا أن « الضحی » و « ألم نشرح » سورة واحدة ، وکذا « الفیل » و « الإیلاف » فلا یجوز إفراد إحداهما من صاحبتها فی کل رکعة ، ولا یفتقر إلی البسملة بینهما علی الأظهر ).

ما ذکره المصنف من روایة الأصحاب أن : « الضحی » و « ألم نشرح » سورة واحدة ، وکذا « الفیل » و « لإیلاف » لم أقف علیه فی شی ء من الأصول ، ولا نقله ناقل فی کتب الاستدلال ، والذی وقفت علیه فی ذلک روایتان : روی إحداهما زید الشحام فی الصحیح ، قال : صلی بنا أبو عبد الله علیه السلام فقرأ الضحی وأ لم نشرح فی رکعة (1). والأخری رواها المفضل ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا تجمع بین سورتین فی رکعة واحدة إلاّ الضحی وأ لم نشرح ، وسورة الفیل ولإیلاف » (2).

ولا دلالة لهما علی ما ذکروه من الاتحاد ، بل ولا علی وجوب قراءتهما فی الرکعة. أما الأولی فظاهر ، لأنها إنما تضمنت أنه علیه السلام قرأهما فی الرکعة ، والتأسی فیما لم یعلم وجهه مستحب لا واجب. وأما الثانیة فلأنها مع ضعف سندها إنما تضمنت استثناء هذه السور من النهی عن الجمع بین السورتین فی الرکعة ، والنهی هنا للکراهة علی ما بیناه فیما سبق (3) ، فیکون

الضحی وألم نشرح سورتان وکذا الفیل والایلاف

ص: 377


1- التهذیب 2 : 72 - 266 ، الإستبصار 1 : 317 - 1182 ، الوسائل 4 : 743 أبواب القراءة فی الصلاة ب 10 ح 1.
2- مجمع البیان 5 : 544 ، المعتبر 2 : 188 ، الوسائل 4 : 744 أبواب القراءة فی الصلاة ب 10 ح 5.
3- فی ص 355.

الرابعة : إن خافت فی موضع الجهر أو عکس جاهلا أو ناسیا لم یعد.

الخامسة : یجزیه عوضا عن الحمد اثنتا عشرة تسبیحة ،

______________________________________________________

الجمع بین هذه السور مستثنی من الکراهة ، وانتفاء الکراهة أعم من الوجوب.

والذی ینبغی القطع بکونهما سورتین لإثباتهما فی المصاحف کذلک کغیرهما من السور ، فتجب البسملة بینهما إن وجب قراءتهما معا ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر فإنه قال بعد أن منع دلالة الروایتین علی وجوب قراءتهما فی الرکعة : ولقائل أن یقول : لا نسلّم أنهما سورة واحدة ، بل لم لا یکونان سورتین وإن لزم قراءتهما فی الرکعة الواحدة علی ما ادعوه ، ونطالب بالدلالة علی کونهما سورة واحدة ، ولیس قراءتهما فی الرکعة الواحدة دالة علی ذلک ، وقد تضمنت روایة المفضل تسمیتهما سورتین ، ونحن فقد بینا أن الجمع بین السورتین فی الفریضة مکروه فتستثنیان من الکراهة (1). وهو حسن.

قوله : ( الرابعة ، إن خافت فی موضع الجهر أو عکس جاهلا أو ناسیا لم یعد ).

هذا مذهب الأصحاب ، ویدل علیه أن الإعادة فرض مستأنف ، فیتوقف علی الدلالة ، ولا دلالة. وقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة الواردة فیمن جهر فی موضع الإخفات أو عکس : « وإن فعل ذلک ناسیا أو ساهیا أو لا یدری فلا شی ء علیه وقد تمت صلاته » (2).

ویستفاد من هذه الروایة عدم وجوب تدارکهما ولو قبل الرکوع ، وأنه لا یجب بالإخلال بهما سجود السهو ، وهو کذلک.

قوله : ( الخامسة ، یجزیه عوضا عن الحمد اثنتا عشرة تسبیحة ،

حکم الاخلال بالجهر والاخفات

ص: 378


1- المعتبر 2 : 188.
2- الفقیه 1 : 227 - 1003 ، التهذیب 2 : 162 - 635 ، الإستبصار 1 : 313 - 1163 ، الوسائل 4 : 766 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 1.

صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثلاثا. وقیل : یجزیه عشر ، وفی روایة تسع ، وفی أخری أربع ، والعمل بالأول أحوط.

______________________________________________________

صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثلاثا ، وقیل : یجزیه عشر ، وفی روایة تسع ، وفی أخری أربع والعمل بالأول أحوط ).

أجمع الأصحاب علی أنه یجزئ بدل الحمد فی الثالثة من المغرب والأخیرتین من الظهرین والعشاء التسبیح ، وإنما اختلفوا فی قدره : فقال الشیخ فی النهایة والاقتصاد : إنه اثنتا عشرة تسبیحة صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر ثلاثا (1). وهو الظاهر من کلام ابن أبی عقیل فإنه قال : السنة فی الأواخر التسبیح ، وهو أن یقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر سبعا أو خمسا وأدناه ثلاث فی کل رکعة (2).

وقال الشیخ فی الجمل والمبسوط (3) ، والمرتضی فی المصباح (4) ، وابن إدریس (5) : الواجب عشر تسبیحات بإسقاط التکبیر فی غیر الثالثة. ولم نقف له علی مستند لهذین القولین.

وحکی المصنف - رحمه الله - فی المعتبر ، عن حریز بن عبد الله السجستانی أنه قال : الواجب تسع تسبیحات صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاثا (6) ، وبه قال ابن بابویه رحمه الله (7) ، وأبو الصلاح (8). والمستند ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « لا تقرأ فی

صورة التسبیح فی الثالثة والرابعة

ص: 379


1- النهایة : 76 ، والاقتصاد : 261.
2- نقله عنه فی المختلف : 92.
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 181 ، والمبسوط 1 : 106.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 189.
5- السرائر : 46.
6- المعتبر 2 : 189.
7- الفقیه 1 : 256.
8- الکافی فی الفقه : 117.

______________________________________________________

الرکعتین الأخیرتین من الأربع الرکعات المفروضات شیئا إماما کنت أو غیر إمام ». قلت : فما أقول فیهما؟ قال : « إن کنت إماما أو وحدک فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرات تکمل تسع تسبیحات ، ثم تکبر وترکع » (1).

وقال المفید فی المقنعة : تجزئ أربع تسبیحات صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر (2). واحتج له فی التهذیب بما رواه عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما یجزئ من القول فی الرکعتین الأخیرتین؟ قال : « تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، وتکبر وترکع » (3) وفی الطریق : محمد بن إسماعیل الذی یروی عن الفضل بن شاذان ، وهو مشترک بین جماعة منهم الضعیف ، ولا قرینة علی تعیینه. وربما ظهر من کلام الکشیّ أن محمد بن إسماعیل هذا یعرف بالبندقی وأنه نیسابوری (4) فیکون مجهولا. لکن الظاهر أن کتب الفضل - رحمه الله - کانت موجودة بعینها فی زمن الکلینی - رضی الله عنه - وأن محمد بن إسماعیل هذا إنما ذکر لمجرد اتصال السند فلا یبعد القول بصحة روایاته کما قطع به العلاّمة (5) ، وأکثر المتأخرین.

وقال ابن الجنید : والذی یقال مکان القراءة ، تحمید وتسبیح وتکبیر یقدم ما یشاء (6). ولعل مستنده صحیحة عبید بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرکعتین الأخیرتین من الظهر ، قال : « تسبح وتحمد الله

ص: 380


1- الفقیه 1 : 256 - 1158 ، الوسائل 4 : 791 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 1.
2- المقنعة : 18.
3- التهذیب 2 : 98 - 367 ، الوسائل 4 : 782 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 5.
4- رجال الکشی 2 : 818 - 1024.
5- المختلف : 92.
6- نقله عنه فی المختلف : 92.

______________________________________________________

وتستغفر لذنبک ، وإن شئت فاتحة الکتاب فإنها تحمید ودعاء » (1) وصحیحة عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قمت فی الرکعتین الأخیرتین لا تقرأ فیهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أکبر » (2).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر نقل هذه الروایات : والوجه عندی القول بالجواز فی الکل ، إذا لا ترجیح ، وإن کانت الروایة الأولی أولی (3). وأشار بالأولی إلی روایة زرارة المتضمنة للأربع (4) ، وکأن وجه الأولویة ذهاب المفید (5) ومن تبعه (6) إلی العمل بمضمونها ، وإلاّ فقد عرفت أنها لیست نقیة الإسناد.

والأولی الجمع بین التسبیحات الأربع والاستغفار وإن کان الکل مجزئا إن شاء الله. وهنا مباحث.

الأول : استقرب المصنف - رحمه الله - فی المعتبر عدم ترتیب الذکر لاختلاف الروایة فی تعیینه (7). وهو غیر بعید ، وإن کان الأحوط اتباع ما ورد به النقل بخصوصه.

الثانی : ذکر جمع من الأصحاب أنه یجب الإخفات فی هذا الذکر تسویة بینه وبین المبدل ، ونفاه ابن إدریس ، للأصل ، وفقد النص (8). وأجاب عنه

ص: 381


1- التهذیب 2 : 98 - 368 ، الإستبصار 1 : 321 - 1199 ، الوسائل 4 : 781 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 1.
2- التهذیب 2 : 99 - 372 ، الإستبصار 1 : 322 - 1203 ، الوسائل 4 : 793 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 7.
3- المعتبر 2 : 190.
4- المتقدمة فی ص 380.
5- المقنعة : 18.
6- کالعلامة فی المختلف : 92.
7- المعتبر 2 : 190.
8- السرائر : 46.

السادسة : من قرأ سورة من العزائم فی النوافل یجب أن یسجد فی موضع السجود. وکذا إن قرأ غیره وهو یستمع ، ثم ینهض ویقرأ ما تخلف منها ویرکع. وإن کان السجود فی آخرها یستحب له قراءة الحمد لیرکع عن قراءة.

______________________________________________________

فی الذکری بأن عموم الإخفات فی الفریضة کالنص (1). وهو غیر واضح وإن کان الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکره.

الثالث : إذا شرع فی القراءة أو التسبیح فالظاهر جواز العدول من کل منهما إلی الآخر خصوصا مع کون المعدول إلیه أفضل ، ومنعه بعضهم (2) ، لما فیه من إبطال العمل. وهو ضعیف.

الرابع : یجوز أن یقرأ فی رکعة ویسبح فی أخری ، لأن التخییر فی الرکعتین تخییر فی کل واحدة منهما ، وربما کان فی بعض الروایات إشعار به.

الخامس : لو شک فی عدد التسبیحات بنی علی الأقل ، ولو ذکر الزیادة لم یکن به بأس.

السادس : ظاهر الأصحاب أنه لا یستحب الزیادة علی الاثنتی عشرة ، وقال ابن أبی عقیل : یقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر سبعا ، أو خمسا ، وأدناه ثلاث فی کل رکعة (3). قال فی الذکری : ولا بأس باتباع هذا الشیخ العظیم الشأن فی استحباب ذکر الله تعالی (4).

قوله : ( السادسة ، من قرأ سورة من العزائم فی النوافل یجب أن یسجد فی موضع السجود ، وکذا إن قرأ غیره وهو یستمع ، ثم ینهض ویقرأ ما تخلف منها ویرکع ، وإن کان السجود فی آخرها یستحب له قراءة الحمد لیرکع عن قراءة ).

حکم من قرأ العزیمة فی النافلة

ص: 382


1- الذکری : 189.
2- کالشهید الأول فی الذکری : 189.
3- نقله عنه فی المختلف : 92.
4- الذکری : 189.

السابعة : المعوّذتان من القرآن ، ویجوز أن یقرأ بهما فی الصلاة فرضها ونفلها.

______________________________________________________

أما وجوب السجود مع القراءة أو الاستماع فمستنده عموم الأدلة الدالة علی ذلک ، وخصوص بعضها.

وأما استحباب قراءة الحمد بعد القیام من السجود إذا کانت السجدة فی آخر السورة التی قرأها المصلّی فتدل علیه حسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه سئل عن الرجل یقرأ بالسجدة فی آخر السورة ، قال : « یسجد ثم یقوم فیقرأ فاتحة الکتاب ویرکع ثم یسجد » (1) وحملت علی الاستحباب لروایة أبی البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن آبائه ، عن علیّ علیهم السلام ، قال : « إذا کان آخر السورة السجدة أجزأک أن ترکع بها » (2) وظاهر الشیخ فی کتابی الحدیث وجوب قراءة السورة والحال هذه (3) ، ولا بأس به.

قوله : ( السابعة ، المعوّذتان من القرآن ، ویجوز أن یقرأ بهما فی الصلوات فرضها ونفلها ).

هذا مذهب العلماء کافة حکاه فی المنتهی ، قال : وخلافه الآحاد انقرض (4).

ویدل علی جواز القراءة بهما فی الصلاة المفروضة علی الخصوص ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن صفوان أن الجمّال ، قال : صلّی بنا أبو عبد الله علیه السلام المغرب فقرأ المعوذتین فی الرکعتین (5).

المعوذتان من القرآن

ص: 383


1- الکافی 3 : 318 - 5 ، التهذیب 2 : 291 - 1167 ، الإستبصار 1 : 319 - 1189 ، الوسائل 4 : 777 أبواب القراءة فی الصلاة ب 37 ح 1.
2- التهذیب 2 : 292 - 1173 ، الإستبصار 1 : 319 - 1190 ، الوسائل 4 : 777 أبواب القراءة فی الصلاة ب 37 ح 3.
3- التهذیب 2 : 292 ، والاستبصار 1 : 319.
4- المنتهی 1 : 278.
5- الکافی 3 : 314 - 8 ، الوسائل 4 : 786 أبواب القراءة فی الصلاة ب 47 ح 1.

الخامس : الرکوع

وهو واجب فی کل رکعة مرة ، إلا فی الکسوف والآیات.

ورکن فی الصلاة ، تبطل بالإخلال به عمدا وسهوا علی تفصیل سیأتی.

______________________________________________________

وعن صابر مولی بسّام ، قال : أمّنا أبو عبد الله علیه السلام فی صلاة المغرب فقرأ المعوذتین ثم قال : « هما من القرآن » (1).

قوله : ( الخامس ، الرکوع ، وهو واجب فی کل رکعة مرة ، إلا فی الکسوف والآیات فإنه یجب فی کل رکعة منها خمس رکوعات ).

وهذان الحکمان ثابتان بالنص والإجماع.

قوله : ( ورکن فی الصلاة ، تبطل بالإخلال به عمدا وسهوا علی تفصیل سیأتی ).

سیأتی القول برکنیته مطلقا علی وجه تبطل الصلاة بالإخلال به عمدا وسهوا ( وهذا ) (2) مذهب أکثر الأصحاب.

وقال الشیخ فی المبسوط : هو رکن فی الصبح ، والمغرب ، وصلاة السفر ، وفی الرکعتین الأوّلتین من الرباعیات خاصة ، نظرا إلی أن الناسی فی الرکعتین الأخیرتین یحذف السجود ویعود إلیه (3). ولو فسر الرکن بأنه ما تبطل الصلاة بترکه بالکلیة لم یکن منافیا لذلک ، لأن الآتی بالرکوع بعد السجود لم یترکه فی جمیع الصلاة وسیجی ء تحقیق ذلک فی محله إن شاء الله (4).

والظاهر أن التفصیل الذی أشار إلیه المصنف هو أن بطلان الصلاة.

الرکوع

اشارة

ص: 384


1- الکافی 3 : 317 - 26 ، التهذیب 2 : 96 - 357 ، الوسائل 4 : 786 أبواب القراءة فی الصلاة ب 47 ح 2.
2- أثبتناه من « ح ».
3- المبسوط 1 : 109.
4- فی ج 4 ص 209.

والواجب فیه خمسة أشیاء :

[ الأول ] : أن ینحنی فیه بقدر ما یمکن وضع یدیه علی رکبتیه.

______________________________________________________

( بترکه فی بعض الصور مجمع علیه وفی بعض آخر مختلف فیه ، وإلا فهو قائل برکنیته مطلقا ) (1).

قوله : ( والواجب فیه خمسة أشیاء ، [ الأول ] : أن ینحنی فیه بقدر ما یمکن وضع یدیه علی رکبتیه ).

أما وجوب الانحناء فلا ریب فیه ، لأنه عبارة عن الرکوع لغة (2) وعرفا. وأما التحدید المذکور فقال فی المعتبر (3) : إنه قول العلماء کافة عدا أبی حنیفة ، لأن النبی صلی الله علیه و آله کان یرکع کذلک (4) فیجب التأسی به ، ولما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « فإذا رکعت فصفّ فی رکوعک بین قدمیک ، تجعل بینهما قدر شبر ، وتمکّن راحتیک من رکبتیک ، وتضع یدک الیمنی علی رکبتک الیمنی قبل الیسری ، وبلّغ بأطراف أصابعک عین الرکبة ، وفرّج أصابعک إذا وضعتها علی رکبتیک ، فإن وصلت أطراف أصابعک فی رکوعک إلی رکبتیک أجزأک ذلک ، وأحبّ إلیّ أن تمکّن کفیک من رکبتیک فتجعل أصابعک فی عین الرکبة وتفرج بینهما ، وأقم صلبک ، ومدّ عنقک ، ولیکن نظرک إلی ما بین قدمیک » (5) وفی صحیحة حمّاد : إن الصادق علیه السلام لما علّمه الصلاة رکع وملأ کفیه من رکبتیه منفرجات ، وردّ رکبتیه إلی خلفه ، ثم سوّی ظهره حتی لو صبّ علیه قطرة من ماء أو دهن لم تزل

واجبات الرکوع خمسة

ص: 385


1- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : بالإخلال به إنما بتحقق إذا لم یذکره حتی سجد ، وأما قبله فیجب تدارکه ، وربما قیل : إن المراد به أن الحکم برکنیته فی بعض الصور مجمع علیه وفی بعض آخر مختلف فیه ، وهو بعید.
2- راجع معجم مقاییس اللغة 2 : 434.
3- المعتبر 2 : 193.
4- سنن البیهقی 2 : 85.
5- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

وإن کانت یداه فی الطول ، بحیث تبلغ رکبتیه من غیر انحناء انحنی کما ینحنی مستوی الخلقة. وإذا لم یتمکن من الانحناء لعارض أتی بما یتمکّن منه. فإن عجز أصلا اقتصر علی الإیماء. ________________________________________________

لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه ، وغمض عینیه ، ثم سبّح ثلاثا بترتیل فقال : سبحان ربی العظیم وبحمده (1). وهذان الخبران أحسن ما وصل إلینا فی هذا الباب.

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : وقوله : قدر أن یصل کفاه رکبتیه ، إشارة إلی أن وضع الیدین علی الرکبتین غیر واجب ، بل ذلک بیان لکیفیة الانحناء (2).

قوله : ( وإن کانت یداه فی الطول بحیث تبلغ رکبتیه من غیر انحناء انحنی کما ینحنی مستوی الخلقة ).

حملا لألفاظ النصوص علی الغالب المتعارف ، ورعایة لصدق الاسم عرفا ، وکذا الکلام فی قصیرهما ومقطوعهما.

قوله : ( وإذا لم یتمکن من الانحناء لعارض أتی بما تمکّن منه ).

لا ریب فی وجوب الإتیان بالممکن ، لقوله علیه السلام : « لا یسقط المیسور بالمعسور » (3) ولأن الزیادة إلی العاجز عنها ممتنعة فیسقط التکلیف بها ویجب الإتیان بالمقدور خاصة ، لأنه بعض الواجب. والمراد بالانحناء : المذکور سابقا وهو ما بلغ فیه الکفّان الرکبتین.

قوله : ( فإن عجز أصلا اقتصر علی الإیماء ).

أی : فإن عجز عن الانحناء بکل وجه اقتصر علی الإیماء بالرأس إن

ص: 386


1- الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، المجالس : 337 - 13 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
2- المعتبر 2 : 193.
3- عوالی اللآلی 4 : 58 - 205.

ولو کان کالراکع خلقه أو لعارض وجب أن یزید لرکوعه یسیر انحناء لیکون فارقا.

الثانی : الطمأنینة فیه بقدر ما یؤدی واجب الذکر مع القدرة.

______________________________________________________

أمکن وإلاّ فبالعینین ، لأنه القدر الممکن فیتعین ، ولما رواه الشیخ ، عن إبراهیم الکرخی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل شیخ لا یستطیع القیام إلی الخلاء ولا یمکنه الرکوع والسجود ، قال : « لیوم برأسه إیماء ، وإن کان له من یرفع الخمرة (1) إلیه فلیسجد ، فإن لم یمکنه ذلک فلیوم برأسه نحو القبلة إیماء » (2).

قوله : ( ولو کان کالراکع خلقة أو لعارض وجب أن یزاد رکوعه یسیر انحناء لیکون فارقا ).

الأظهر أن هذه الزیادة علی سبیل الاستحباب کما اختاره فی المعتبر (3) ، لأن ذلک حد الرکوع فلا یلزم الزیادة علیه. وقیل بالوجوب ، لیتحقق الفرق بین القیام والرکوع (4). وضعفه ظاهر ، لأنا نمنع وجوب الفرق علی العاجز.

قوله : ( الثانی ، الطمأنینة فیه بقدر ما یؤدی واجب الذکر مع القدرة ).

المراد بالطمأنینة : استقرار الأعضاء وسکونها فی حد الرکوع ، وهی واجبة بقدر ما یؤدّی الذکر الواجب باتفاق علمائنا ، قاله فی المعتبر (5). وقال الشیخ فی الخلاف : إنها رکن (6). ومقتضی ذلک بطلان الصلاة بترکها عمدا وسهوا وهو غیر واضح لما سنبین إن شاء الله من أن الصلاة لا تبطل بترکها نسیانا (7).

ص: 387


1- الخمرة : الحصیر الصغیر الذی یسجد علیه - لسان العرب 4 : 258.
2- التهذیب 3 : 307 - 951 ، الوسائل 4 : 976 أبواب السجود ب 20 ح 1.
3- المعتبر 2 : 194.
4- کما فی القواعد 1 : 34 ، وتحریر الأحکام 1 : 39 ، والمسالک 1 : 31.
5- المعتبر 2 : 194.
6- الخلاف 1 : 120.
7- فی ج 4 ص 230.

ولو کان مریضا لا یتمکن سقطت عنه ، کما لو کان العذر فی أصل الرکوع.

الثالث : رفع الرأس منه ، فلا یجوز أن یهوی للسجود قبل انتصابه منه ، إلا مع عذر ، ولو افتقر فی انتصابه إلی ما یعتمده وجب.

الرابع : الطمأنینة فی الانتصاب ، وهو أن یعتدل قائما ویسکن ولو یسیرا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کان مریضا لا یتمکن سقطت عنه ، کما لو کان العذر فی أصل الرکوع ).

لا ریب فی السقوط مع التعذر ، إذ لا تکلیف بالممتنع ، والأولی فی هذه الصورة مجاوزة الانحناء عن أقل الواجب ، والابتداء بالذکر عند بلوغ حده وإکماله قبل الخروج عنه ، لأن الذکر فی حال الرکوع واجب والطمأنینة واجب آخر ولا یسقط أحد الواجبین بتعذر الآخر.

قوله : ( الثالث ، رفع الرأس منه ، فلا یجوز أن یهوی للسجود قبل انتصابه منه ، إلا مع عذر ).

هذا مذهب علمائنا أجمع ، ویدل علیه التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله (1) ، وورود الأمر به فی کثیر من الروایات ، وقوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر : « إذا رفعت رأسک من الرکوع فأقم صلبک ، فإنه لا صلاة لمن لا یقیم صلبه » (2).

قوله : ( ولو افتقر فی انتصابه إلی ما یعتمده وجب ).

لا ریب فی وجوب تحصیله ولو بالأجرة المقدورة من باب المقدمة کما فی مطلق القیام.

قوله : ( الرابع ، الطمأنینة فی الانتصاب ، وهو أن یعتدل قائما ویسکن یسیرا ).

ص: 388


1- علل الشرائع : 334 - 1 ، الوسائل 4 : 681 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 11.
2- الکافی 3 : 320 - 6 ، التهذیب 2 : 78 - 290 ، الوسائل 4 : 939 أبواب الرکوع ب 16 ح 2.

الخامس : التسبیح فیه ، وقیل : یکفی الذکر ولو کان تکبیرا أو تهلیلا ، وفیه تردد. وأقل ما یجزی للمختار تسبیحة تامة ، وهی سبحان ربی العظیم وبحمده ، أو یقول : سبحان الله ثلاثا ، وفی الضرورة واحدة صغری.

______________________________________________________

لا خلاف بین الأصحاب فی وجوب الطمأنینة فی هذا القیام ، لظاهر الأمر والتأسی ، وجعلها الشیخ فی الخلاف رکنا (1) ، ومقتضی ذلک بطلان الصلاة بالإخلال بها عمدا وسهوا. ویدفعه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (2).

والظاهر عدم الفرق فی وجوب الرفع والطمأنینة بین الفریضة والنافلة.

وقال العلاّمة فی النهایة : لو ترک الاعتدال فی الرکوع أو السجود فی صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته ، لأنه لیس رکنا فی الفرض فکذا فی النفل (3). وهو ضعیف ، ودلیله مزیّف.

قوله : ( الخامس ، التسبیح فیه ، وقیل : یکفی الذکر ولو کان تکبیرا أو تهلیلا ، وفیه تردد ، وأقل ما یجزی للمختار تسبیحة تامة. وهی سبحان ربی العظیم وبحمده ، أو یقول : سبحان الله ثلاثا ، وفی الضرورة واحدة صغری ).

أجمع الأصحاب علی وجوب الذکر فی الرکوع ، وإنما اختلفوا فی تعیینه ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط : والتسبیح فی الرکوع أو ما یقوم مقامه من الذکر واجب تبطل بترکه متعمدا الصلاة ، والذکر فی السجود فریضة من ترکه

ص: 389


1- الخلاف 1 : 120.
2- الفقیه 1 : 225 - 991 ، التهذیب 2 : 152 - 597 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 10 ح 5.
3- نهایة الأحکام 1 : 483.

______________________________________________________

متعمدا بطلت صلاته (1).

ومقتضی ذلک الاجتزاء بمطلق الذکر ، وبه صرّح ابن إدریس - رحمه الله - فی سرائره فقال : الواجب الذکر مطلقا کقوله : لا إله إلاّ الله والله أکبر (2). وبالجملة : کل ذکر یتضمن الثناء علی الله. والمستند فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قلت له : یجزی أن أقول مکان التسبیح فی الرکوع والسجود : لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أکبر؟ فقال : « نعم کل هذا ذکر الله » (3) وروی أیضا فی الصحیح عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام نحوه (4).

وفی قوله علیه السلام : « کل هذا ذکر الله » معنی التعلیل فیدل علی إجزاء مطلق الذکر المتضمن للثناء ، ویؤیده أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی نجران ، عن مسمع أبی سیّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجزیک من القول فی الرکوع والسجود ثلاث تسبیحات أو قدرهن مترسّلا (5) ، ولا کراهة أن یقول : سبح سبح سبح » (6).

وقال الشیخ فی النهایة : أقل ما یجزئ من التسبیح فی الرکوع تسبیحة واحدة وهو أن یقول : سبحان ربی العظیم وبحمده ، وأقل ما یجزئ من التسبیح فی السجود أن یقول : سبحان ربی الأعلی وبحمده (7).

ویدل علیه ما رواه الشیخ ، عن هشام بن سالم ، قال : سألت أبا

ص: 390


1- المبسوط 1 : 111.
2- السرائر : 46.
3- التهذیب 2 : 302 - 1217 ، الوسائل 4 : 929 أبواب الرکوع ب 7 ح 1.
4- التهذیب 2 : 302 - 1218 ، الوسائل 4 : 929 أبواب الرکوع ب 7 ح 2.
5- ترسل فی قراءته : إذا تمهّل فیها ولم یعجّل - مجمع البحرین 5 : 383.
6- التهذیب 2 : 77 - 286 ، الوسائل 4 : 925 أبواب الرکوع ب 5 ح 1.
7- النهایة : 81.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام عن التسبیح فی الرکوع والسجود ، فقال : « یقول فی الرکوع : سبحان ربی العظیم (1) ، وفی السجود : سبحان ربی الأعلی (2) ، الفریضة من ذلک تسبیحة ، والسنّة ثلاث ، والفضل فی سبع » (3).

وذهب الشیخ فی التهذیب إلی وجوب تسبیحة کبری ، وهی : سبحان ربی العظیم وبحمده ، أو ثلاث تسبیحات نواقص ، وهی : سبحان الله (4) ، وهو الظاهر من کلام ابنی بابویه (5).

ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : ما یجزی من القول فی الرکوع والسجود؟ فقال : « ثلاث تسبیحات فی ترسّل ، وواحدة تامة تجزی » (6) وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخفّ ما یکون من التسبیح فی الصلاة؟ قال : « ثلاث تسبیحات مترسّلا تقول : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله » (7).

ونقل عن أبی الصلاح أنه أوجب التسبیح ثلاث مرات علی المختار ، وتسبیحة علی المضطر وقال : أفضله سبحان ربی العظیم وبحمده ، ویجوز سبحان الله (8). وظاهره أن المختار لو قال : سبحان ربی العظیم وبحمده ثلاثا کانت واجبة ، وربما کان مستنده ما رواه الشیخ ، عن عثمان بن عبد الملک ،

ص: 391


1- فی « ح » زیادة : وبحمده. لکن المصادر والنسخ الخطیة خالیة منها.
2- فی « ح » زیادة : وبحمده. لکن المصادر والنسخ الخطیة خالیة منها.
3- التهذیب 2 : 76 - 282 ، الإستبصار 1 : 322 - 1204 ، الوسائل 4 : 923 أبواب الرکوع ب 4 ح 1.
4- التهذیب 2 : 80.
5- الصدوق فی المقنع : 28 ، والهدایة : 32 ، ونقل عنه وعن والده فی الذکری : 197.
6- التهذیب 2 : 76 - 283 ، الإستبصار 1 : 323 - 1205 ، الوسائل 4 : 923 أبواب الرکوع ب 4 ح 2.
7- التهذیب 2 : 77 - 288 ، الإستبصار 1 : 324 - 1212 ، الوسائل 4 : 925 أبواب الرکوع ب 5 ح 2.
8- الکافی فی الفقیه : 118.

______________________________________________________

عن أبی بکر الحضرمی قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أیّ شی ء حد الرکوع والسجود؟ قال : « تقول : سبحان ربی العظیم وبحمده ثلاثا فی الرکوع ، وسبحان ربی الأعلی وبحمده ثلاثا فی السجود ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص اثنتین نقص ثلثی صلاته ، ومن لم یسبّح فلا صلاة له » (1) (2).

والذی یقتضیه الجمع بین هذه الروایات القول بالاجتزاء بمطلق الذکر المتضمن للثناء کما تضمنته صحیحتا الهشامین (3) ، وحمل ما تضمن الزیادة علی الفضیلة والاستحباب ، ویشهد له أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام ، قال : سألته عن الرکوع والسجود کم یجزی فیه من التسبیح؟ فقال : « ثلاث ویجزیک واحدة إذا أمکنت جبهتک من الأرض » (4).

واعلم : أن کثیرا من الأخبار لیس فیها لفظ : وبحمده فی تسبیحی الرکوع والسجود ، کحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا سجدت فکبّر وقل : اللهم لک سجدت - إلی آخره - ثم قل : سبحان ربی الأعلی ثلاث مرات » (5) وروایة هشام بن سالم عنه علیه السلام قال : « یقول فی الرکوع : سبحان ربی العظیم ، وفی السجود : سبحان ربی الأعلی » (6). وقد

ص: 392


1- التهذیب 2 : 80 - 300 ، الإستبصار 1 : 324 - 1213 ، الوسائل 4 : 924 أبواب الرکوع ب 4 ح 5.
2- فی « س » ، « زیادة » : وهذه الروایة ضعیفة بأبی بکر وعثمان ، فإن أبا بکر مذکور فی کتب الرجال لکن لم یرد فیه مدح یعتد به ، وعثمان بن عبد الملک مجهول.
3- المتقدمتان فی ص 390.
4- التهذیب 2 : 76 - 284 ، الإستبصار 1 : 323 - 1206 ، الوسائل 4 : 923 أبواب الرکوع ب 4 ح 3.
5- الکافی 3 : 321 - 1 ، التهذیب 2 : 79 - 295 ، الوسائل 4 : 951 أبواب السجود ب 2 ح 1 ، إلاّ أن فیها : سبحان ربی الأعلی وبحمده.
6- المتقدمة فی ص 390.

______________________________________________________

تضمنته صحیحتا زرارة (1) وحماد (2) عن الباقر والصادق علیهماالسلام ( فالقول باستحبابه أولی ، ذهب الشهید (3) والمحقق الشیخ علی (4) إلی الوجوب مع اجتزائهما بمطلق الذکر وهو عجیب ) (5).

تفسیر : معنی سبحان ربی : تنزیها له عن النقائص وصفات المخلوقین.

قال فی القاموس : وسبحان الله : تنزیها له من الصاحبة والولد معرفة ، ونصب علی المصدر أی : أبرّئ الله من السوء براءة (6).

وقال سیبویه : التسبیح هو المصدر ، وسبحان واقع موقعه یقال : سبّحت الله تسبیحا ، وسبحانا فهو علم المصدر ، ولا یستعمل غالبا إلاّ مضافا کقولنا : سبحان الله ، وهو مضاف إلی المفعول به أی : سبّحت الله ، لأنه المسبّح المنزّه. وجوّز أبو البقاء أن یکون مضافا إلی الفاعل ، لأن المعنی : تنزّه الله ، وعامله محذوف کما فی نظائره.

والواو فی : وبحمده قیل : زائدة ، والباء للمصاحبة ، والحمد مضاف إلی المفعول ، ومتعلق الجار عامل المصدر أی : سبّحت الله حامدا ، والمعنی : نزّهته عمّا لا یلیق به وأثبت له ما یلیق به. ویحتمل کونها للاستعانة ، والحمد

ص: 393


1- الکافی 3 : 319 - 1 ، التهذیب 2 : 77 - 289 ، الوسائل 4 : 920 أبواب الرکوع ب 1 ح 1.
2- الکافی 3 : 311 - 8 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
3- الذکری : 198.
4- جامع المقاصد 1 : 118.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : ومقتضی ذلک الاستحباب ، وبه قطع فی المعتبر وأسنده إلی الأصحاب مؤذنا بدعوی الإجماع علیه. وقال الشهید فی الذکری : إن الأولی وجوبها لثبوتها فی خبر حماد ، مع اعترافه بخلو أکثر الأخبار منها ، وترجیحه الاجتزاء بمطلق الذکر. وهو عجیب.
6- القاموس المحیط 1 : 234.

وهل یجب التکبیر للرکوع؟ فیه تردد ، والأظهر الندب.

والمسنون فی هذا القسم أن یکبّر للرکوع قائما ، رافعا یدیه بالتکبیر ، محاذیا أذنیه ، ویرسلهما ثم یرکع ،

______________________________________________________

مضاف إلی الفاعل أی : سبحته بما حمد به نفسه ، إذ لیس کل تنزیه محمودا.

وقیل : إن الواو عاطفة ومتعلق الجار محذوف (1) أی : وبحمده سبّحته لا بحولی وقوّتی فیکون مما أقیم فیه المسبب مقام السبب. ویحتمل تعلق الجار بعامل المصدر علی هذا التقدیر أیضا ویکون المعطوف علیه محذوفا یشعر به العظیم ، وحاصله : أنزّه تنزیها ربی العظیم بصفات عظمته وبحمده.

والعظیم فی صفته تعالی : من یقصر عنه کل شی ء سواه ، أو من اجتمعت له جمیع صفات الکمال ، أو من انتفت عنه صفات النقص.

قوله : ( وهل یجب التکبیر للرکوع؟ فیه تردد ، والأظهر الندب ).

منشأ التردد : من ورود الأمر به فی عدة أخبار کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا أردت أن ترکع فقل وأنت منتصب : الله أکبر ، ثم ارکع » (2) وفی صحیحة أخری له عنه علیه السلام : « ثم تکبّر وترکع » (3) ومن أصالة البراءة من الوجوب ، واشتمال ما فیه ذلک الأمر علی کثیر من المستحبات ، وموثقة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن أدنی ما یجزی من التکبیر فی الصلاة؟ قال : « تکبیرة واحدة » (4) والمسألة محل إشکال إلاّ أن المعروف من مذهب الأصحاب هو القول بالاستحباب.

قوله : ( والمسنون فی هذا القسم أن یکبّر للرکوع قائما رافعا یدیه بالتکبیر محاذیا أذنیه ویرسلهما ثم یرکع ).

حکم التکبیر للرکوع

مسنونات الرکوع

ص: 394


1- کما فی روض الجنان : 272.
2- الکافی 3 : 319 - 1 ، التهذیب 2 : 77 - 289 ، الوسائل 4 : 920 أبواب الرکوع ب 1 ح 1.
3- الفقیه 1 : 256 - 1158 ، الوسائل 4 : 791 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 1.
4- التهذیب 2 : 66 - 238 ، الوسائل 4 : 714 أبواب تکبیرة الإحرام ب 1 ح 5.

______________________________________________________

أما استحباب کون التکبیر للرکوع فی حال القیام فهو مذهب الأصحاب ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا أردت أن ترکع فقل وأنت منتصب : الله أکبر ، ثم ارکع » وفی صحیحة حماد فی صفة صلاة الصادق علیه السلام : إنه رفع یدیه حیال وجهه وقال : الله أکبر وهو قائم ثم رکع (1). وقال الشیخ فی الخلاف : ویجوز أن یهوی بالتکبیر (2). ولا ریب فی الجواز إلاّ أن التکبیر فی القیام أفضل.

وأما استحباب رفع الیدین به حذاء الأذنین فهو قول معظم الأصحاب ، وقال المرتضی - رضی الله عنه - فی الانتصار : انفردت الإمامیة بوجوب رفع الیدین فی تکبیرات الصلاة کلها (3). قال فی المعتبر : ولا أعرف ما حکاه رحمه الله (4).

ویدل علیه الاستحباب صحیحة حمّاد المتقدمة ، وصحیحة صفوان بن مهران الجمّال ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام إذا کبّر فی الصلاة رفع یدیه حتی تکاد تبلغ أذنیه (5).

وصحیحة معاویة بن عمّار قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یرفع یدیه إذا رکع ، وإذا رفع رأسه من الرکوع ، وإذا سجد ، وإذا رفع رأسه من السجود (6).

وصحیحة ابن مسکان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : فی الرجل

ص: 395


1- الکافی 3 : 311 - 8 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
2- الخلاف 1 : 120.
3- الانتصار : 44.
4- المعتبر 2 : 199.
5- التهذیب 2 : 65 - 235 ، الوسائل 4 : 725 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 1.
6- التهذیب 2 : 75 - 279 ، الوسائل 4 : 921 أبواب الرکوع ب 2 ح 2.

وأن یضع یدیه علی رکبتیه مفرجات الأصابع ، ولو کان بأحدهما عذر وضع الأخری ، ویرد رکبتیه إلی خلفه ، ویسوّی ظهره ، ویمدّ عنقه موازیا ظهره. وأن یدعو أمام التسبیح.

______________________________________________________

یرفع یده کلّما أهوی للرکوع والسجود ، وکلما رفع رأسه من رکوع أو سجود؟ قال : « هی العبودیة » (1).

ویستفاد من هاتین الروایتین استحباب رفع الیدین عند رفع الرأس من الرکوع کما هو مذهب ابنی بابویه (2) وصاحب الفاخر ، وربما ظهر منهما عدم تقیید الرفع بالتکبیر ، بل لو ترک التکبیر استحب الرفع.

قوله : ( وأن یضع یدیه علی رکبتیه مفرجات الأصابع ، ولو کان بأحدهما عذر وضع الأخری ، ویرد رکبتیه إلی خلفه ، ویسوّی ظهره ، ویمد عنقه موازیا ظهره. وأن یدعو أمام التسبیح ).

المستند فی ذلک روایات کثیرة ، منها : ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أردت أن ترکع فقل وأنت منتصب : الله أکبر ، ثم ارکع وقل : رب لک رکعت ، ولک أسلمت ، وبک آمنت ، وعلیک توکلت ، وأنت ربی ، خشع لک سمعی وبصری وشعری وبشری ولحمی ودمی ومخّی وعصبی وعظامی وما أقلّته قدمای ، غیر مستنکف ولا مستکبر ولا مستحسر ، سبحان ربی العظیم وبحمده ثلاث مرات فی ترسّل ، وتصفّ فی رکوعک بین قدمیک تجعل بینهما قدر شبر ، وتمکّن راحتیک من رکبتیک ، وتضع یدک الیمنی علی رکبتک الیمنی قبل الیسری ، وتلقم بأطراف أصابعک عین الرکبة ، وفرّج أصابعک إذا وضعتها علی رکبتیک ، وأقم صلبک ، ومدّ عنقک ، ولیکن نظرک بین قدمیک ثم قل : سمع الله لمن حمده - وأنت منتصب قائم - الحمد لله رب العالمین ، أهل الجبروت والکبریاء والعظمة ، الحمد لله رب

ص: 396


1- التهذیب 2 : 75 - 280 ، الوسائل 4 : 921 أبواب الرکوع ب 2 ح 3.
2- الصدوق فی الهدایة : 39 ، ونقله عنهما فی الذکری : 199.

وأن یسبّح ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا فما زاد.

______________________________________________________

العالمین ، تجهر بها صوتک ، ثم ترفع یدیک بالتکبیر وتخر ساجدا » (1).

قوله : ( وأن یسبح ثلاثا أو خمسا أو سبعا ).

ظاهر هذه العبارة وکثیر من العبارات أن السبع نهایة الکمال ، وتشهد له روایة هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « یقول فی الرکوع : سبحان ربی العظیم ، وفی السجود : سبحان ربی الأعلی ، الفریضة من ذلک تسبیحة ، والسنة ثلاث ، والفضل فی سبع » (2).

وفی الطریق ضعف ، مع أن الشیخ - رحمه الله - روی فی الصحیح ، عن أبان بن تغلب ، قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام وهو یصلّی فعدّدت له فی الرکوع والسجود ستین تسبیحة (3).

وروی الکلینی - رضی الله عنه - عن حمزة بن حمران والحسن بن زیاد قالا : دخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام وعنده قوم فصلّی بهم العصر وقد کنّا صلّینا فعددنا له فی رکوعه سبحان ربی العظیم أربعا أو ثلاثا وثلاثین مرة. وقال أحدهما فی حدیثه : « وبحمده » فی الرکوع والسجود سواء (4).

قال المصنف فی المعتبر : والوجه استحباب ما یتسع له العزم ولا یحصل به السأم إلاّ أن یکون إماما فإن التخفیف ألیق ، لئلا یلحق السأم ، وقد روی أن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا صلّی بالناس خفف بهم (5) ، إلاّ أن یعلم منهم الانشراح لذلک (6). وهو حسن.

ص: 397


1- الکافی 3 : 319 - 1 ، التهذیب 2 : 77 - 289 ، الوسائل 4 : 920 أبواب الرکوع ب 1 ح 1 ، وفیه وفی الکافی ، بتفاوت.
2- التهذیب 2 : 76 - 282 ، الإستبصار 1 : 322 - 1204 ، الوسائل 4 : 923 أبواب الرکوع ب 4 ح 1.
3- التهذیب 2 : 299 - 1205 ، الوسائل 4 : 926 أبواب الرکوع ب 6 ح 1.
4- الکافی 3 : 329 - 3 ، الوسائل 4 : 927 أبواب الرکوع ب 6 ح 2.
5- سنن البیهقی 3 : 117.
6- المعتبر 2 : 202.

وأن یرفع الإمام صوته بالذکر فیه. وأن یقول بعد انتصابه : سمع الله لمن حمده ، ویدعو بعده.

______________________________________________________

ویشهد له أیضا ما رواه سماعة فی الموثق قال ، قلت له : کیف حدّ الرکوع والسجود؟ فقال : « أما ما یجزیک من الرکوع فثلاث تسبیحات تقول : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله ثلاثا ، ومن کان یقوی علی أن یطوّل الرکوع والسجود فلیطوّل ما استطاع یکون ذلک فی تسبیح الله وتحمیده وتمجیده والدعاء والتضرع ، فإن أقرب ما یکون العبد إلی ربه وهو ساجد ، فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ینبغی أن یطوّل بهم فإن فی الناس الضعیف ومن له الحاجة » (1).

قوله : ( وأن یرفع الإمام صوته بالذکر ).

لقوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر : « ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه کلما یقول ، ولا ینبغی لمن خلف الإمام أن یسمعه شیئا مما یقول » (2).

قوله : ( وأن یقول بعد انتصابه : سمع الله لمن حمده ، ویدعو بعده ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین الإمام والمأموم والمنفرد ، وبه صرّح فی المعتبر (3) ، وأسنده إلی علمائنا ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ثم قل : سمع الله لمن حمده - وأنت منتصب قائم - الحمد لله رب العالمین أهل الجبروت والکبریاء والعظمة ، الحمد لله رب العالمین ، تجهر بها صوتک ، ثم ترفع یدیک بالتکبیر وتخر ساجدا » (4) وفی هذه الروایة ردّ علی أبی

ص: 398


1- التهذیب 2 : 77 - 287 ، الإستبصار 1 : 324 - 1211 أورد صدر الحدیث ، الوسائل 4 : 927 أبواب الرکوع ب 6 ح 4.
2- التهذیب 3 : 49 - 170 ، الوسائل 5 : 451 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
3- المعتبر 2 : 203.
4- الکافی 3 : 319 - 1 ، التهذیب 2 : 77 - 289 ، الوسائل 4 : 920 أبواب الرکوع ب 1 ح 1.

______________________________________________________

الصلاح (1) ، وابن زهرة (2) ، حیث ذهبا إلی أنه یقول : « سمع الله لمن حمده » فی حال ارتفاعه من الرکوع.

ولو قیل باستحباب التحمید خاصة للمأموم کان حسنا ، لما رواه الکلینی - رضی الله عنه - فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، قلت : ما یقول الرجل خلف الإمام إذا قال : سمع الله لمن حمده؟ قال : « یقول : الحمد لله رب العالمین ویخفض من الصوت » (3) قال الشیخ : ولو قال : « ربنا ولک الحمد » لم تفسد صلاته (4). لأنه نوع تحمید ، لکن المنقول عن أهل البیت علیهم السلام أولی.

وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری أن الحسین بن سعید روی بإسناده عن محمد بن مسلم ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده قال من خلفه : ربنا لک الحمد » (5) ثم شهد بصحة الخبر ، والکل حسن إنشاء الله.

وعدّی « سمع » باللام مع أنه متعد بنفسه ، لأنه ضمن معنی : استجاب فعدّی بما تعدّی به ، کما أن قوله تعالی ( لا یَسَّمَّعُونَ إِلَی الْمَلَإِ الْأَعْلی ) (6) ضمن معنی : یصغون فعدّی بإلی. وهذه الکلمة أعنی : « سمع الله لمن حمده » محتملة بحسب اللفظ للدعاء والثناء ، وفی روایة المفضّل ، عن الصادق علیه السلام تصریح بکونها دعاء فإنه قال ، قلت له : جعلت فداک علمنی دعاء جامعا ، فقال لی : « احمد الله فإنه لا یبقی أحد یصلّی إلاّ دعا لک یقول : سمع الله لمن حمده » (7).

ص: 399


1- الکافی فی الفقه : 142.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 559.
3- الکافی 3 : 320 - 2 ، الوسائل 4 : 940 أبواب الرکوع ب 17 ح 1.
4- المبسوط 1 : 112.
5- الذکری : 199 ، الوسائل 4 : 940 أبواب الرکوع ب 17 ح 4.
6- الصافات : 8.
7- الکافی 2 : 503 - 1 ، الوسائل 4 : 940 أبواب الرکوع ب 17 ح 2.

ویکره أن یرکع ویداه تحت ثیابه.

السّادس : السجود

وهو واجب ، فی کل رکعة سجدتان ، وهما رکن فی الصلاة ، تبطل بالإخلال بهما من کل رکعة عمدا وسهوا.

______________________________________________________

قوله : ( ویکره أن یرکع ویداه تحت ثیابه ).

هذا الحکم ذکره الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط وقال : إنه یستحب أن تکون یداه بارزتین أو فی کمّه (1).

وقال ابن الجنید : لو رکع ویداه تحت ثیابه جاز ذلک إذا کان علیه مئزر أو سراویل (2). وتشهد له روایة عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یدخل یدیه تحت ثوبه ، قال : « إن کان علیه ثوب آخر فلا بأس » (3).

وقال أبو الصلاح : یکره إدخال الیدین فی الکمین أو تحت الثیاب (4). وأطلق ، ویدفعه صریحا ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام : قال : سألته عن الرجل یصلّی ولا یخرج یدیه عن ثوبه ، قال : « إن أخرج یدیه فحسن وإن لم یخرج فلا بأس » (5).

قوله : ( السادس ، السجود ، وهو واجب ، فی کل رکعة سجدتان ، وهما رکن فی الصلاة ، تبطل بالإخلال بهما فی کل رکعة عمدا وسهوا ).

السجود

اشارة

ص: 400


1- المبسوط 1 : 112.
2- نقله عنه فی الذکری : 198.
3- الکافی 3 : 395 - 10 ، التهذیب 2 : 356 - 1475 ، الإستبصار 1 : 392 - 1494 ، الوسائل 3 : 314 أبواب لباس المصلی ب 40 ح 4.
4- الکافی فی الفقه : 125.
5- الفقیه 1 : 174 - 822 ، التهذیب 2 : 356 - 1474 ، الإستبصار 1 : 391 - 1491 ، الوسائل 3 : 313 أبواب لباس المصلی ب 40 ح 1.

ولا تبطل بالإخلال بواحده سهوا.

______________________________________________________

أما وجوب السجدتین فی کل رکعة فمتفق علیه بین المسلمین ، بل الظاهر أنه من ضروریات الدین.

وأما أنهما رکن فی الصلاة بمعنی أنها تبطل بالإخلال بهما عمدا وسهوا فقال فی المعتبر : إنه مذهب العلماء کافة (1). والوجه فیه أن الإخلال بالسجود مقتض لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه فیبقی المکلف تحت العهدة إلی أن یتحقق الامتثال.

ویدل علیه أیضا ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (2).

وربما ظهر فی کلام الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (3) أنهما رکن فی الأوّلتین وثالثة المغرب خاصة ، نظرا إلی أن ناسیهما فی الرکعتین الأخیرتین من الرباعیة یحذف الرکوع ویعود إلیهما ، وسیجی ء البحث فی ذلک مفصلا إن شاء الله تعالی (4).

قوله : ( ولا تبطل بالإخلال بواحدة منهما سهوا ).

هذا مذهب أکثر الأصحاب ، وادعی علیه فی الذکری الإجماع (5). والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل نسی أن یسجد سجدة (6) الثانیة حتی قام فذکر وهو قائم أنه لم یسجد ، قال : « فلیسجد ما لم یرکع ، فإذا رکع فذکر بعد

عدم بطلان الصلاة بالاخلال بسجدة سهوا

ص: 401


1- المعتبر 2 : 206.
2- الفقیه 1 : 225 - 991 ، التهذیب 2 : 152 - 597 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 10 ح 5.
3- المبسوط 1 : 120.
4- فی ج 4 ص 214.
5- الذکری : 200.
6- فی « س » : السجدة.

______________________________________________________

رکوعه أنه لم یسجد فلیمض علی صلاته حتی یسلّم ، ثم یسجدها فإنها قضاء » (1) وما رواه ابن بابویه فی الصحیح أیضا ، عن عبد الله بن مسکان ، عن أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یسجد واحدة وذکرها وهو قائم ، قال : « یسجدها إذا ذکرها ولم یرکع ، فإن کان قد رکع فلیمض علی صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها ولیس علیه سهو » (2).

ویشهد لهما أیضا صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا نسیت شیئا من الصلاة رکوعا أو سجودا أو تکبیرا ثم ذکرت فاقض الذی فاتک سهوا » (3).

وصحیحة حکم بن حکیم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی من صلاته رکعة أو سجدة أو الشی ء منها ثم یذکر بعد ذلک فقال : « یقضی ذلک بعینه » فقلت : أیعید الصلاة؟ فقال : « لا » (4).

ونقل عن ظاهر بن أبی عقیل أن نسیان السجدة الواحدة مبطل وإن کان سهوا (5) ، وربما کان مستنده ما رواه علیّ بن إسماعیل ، عن رجل ، عن معلّی بن خنیس ، قال : سألت أبا الحسن الماضی علیه السلام عن الرجل ینسی السجدة من صلاته ، قال : « إذا ذکرها قبل رکوعه سجدها وبنی علی صلاته ، ثم سجد سجدتی السهو بعد انصرافه ، وإن ذکرها بعد رکوعه أعاد الصلاة ، ونسیان السجدة فی الأولتین والأخیرتین سواء » (6) واستدل له المتأخرون أیضا

ص: 402


1- التهذیب 2 : 153 - 602 ، الإستبصار 1 : 359 - 1361 ، الوسائل 4 : 968 أبواب السجود ب 14 ح 1.
2- الفقیه 1 : 228 - 1008 ، الوسائل 4 : 969 أبواب السجود ب 14 ح 4.
3- الفقیه 1 : 228 - 1007 ، وفی التهذیب 2 : 350 - 1450 ، والوسائل 5 : 341 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 26 ح 1 : فاصنع بدل فاقض.
4- التهذیب 2 : 150 - 588 ، الإستبصار 1 : 357 - 1350 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 11 ح 1.
5- المختلف : 131 ، والذکری : 200.
6- التهذیب 2 : 154 - 606 ، الإستبصار 1 : 359 - 1363 ، الوسائل 4 : 969 أبواب السجود ب 14 ح 5.

وواجبات السجود ستة :

الأول : السجود علی سبعة أعضاء : الجبهة ، والکفّان ، والرکبتان وإبهاما الرجلین.

______________________________________________________

بأن الإخلال بالسجدة إخلال بالرکن (1) ، فإن الإخلال بأی جزء کان من الماهیة المرکبة یقتضی الإخلال بالماهیة.

والجواب عن الروایة بالطعن فی السند بالإرسال وغیره ، وحملها الشیخ فی التهذیب علی أن المنسی السجدتان (2) ، وهو بعید.

وعن الثانی بأن انتفاء الماهیة هنا غیر مؤثر کما بیناه. وأجاب عنه الشهید رحمه الله (3) ، ومن تأخر عنه (4) بوجوه ضعیفة. والحق أن هذا الإشکال غیر مختص بهذه المسألة ، بل هو آت فی الإخلال بحرف واحد من القراءة ، لفوات الماهیة المرکبة - أعنی الصلاة بفواته. والجواب عن الجمیع واحد ، وهو إثبات الصحة بدلیل من خارج. وسیجی ء تمام الکلام فی هذه المسألة فی باب السهو إنشاء الله تعالی.

قوله : ( وواجبات السجود ستة ، الأول : السجود علی سبعة أعظم : الجبهة ، والکفان ، والرکبتان ، وإبهاما الرجلین ).

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع إلاّ المرتضی فإنه جعل عوض الکفین المفصل عند الزندین (5).

والأصل فی ذلک من طرق الأصحاب ما رواه زرارة فی الصحیح قال ،

واجبات السجود

ص: 403


1- الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 120.
2- التهذیب 2 : 154.
3- الذکری : 200.
4- کالشهید الثانی فی روض الجنان : 275.
5- التذکرة : 120.

______________________________________________________

قال أبو جعفر علیه السلام : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : السجود علی سبعة أعظم : الجبهة ، والیدین ، والرکبتین ، والإبهامین ، وترغم بأنفک إرغاما ، فأما الفرض فهذه السبعة ، وأما الإرغام بالأنف فسنّة من النبی صلی الله علیه و آله » (1).

وما رواه حمّاد بن عیسی فی الصحیح أن الصادق علیه السلام لمّا علّمه الصلاة سجد علی ثمانیة أعظم : الکفین ، والرکبتین ، وأنامل إبهامی الرجلین ، والجبهة ، والأنف ، وقال : « سبع منها فرض ووضع الأنف علی الأرض سنة » (2) وهما نص فی المطلوب.

إذا تقرر ذلک فأعلم أنه یکفی فی الکفین والرکبتین وإبهامی الرجلین ما یقع علیه الاسم منها ، ولا نعرف فی ذلک خلافا.

والاعتبار فی الکفین بباطنهما للتأسی ، ولم نقف للمرتضی (3) فی اعتبار المفصل علی حجة.

ولا یتعین فی إبهامی الرجلین رؤسهما وإن کان أولی ، لظاهر روایة حماد المتقدمة. وقال فی المبسوط : لو وضع بعض أصابع رجلیه أجزأه (4). وهو ضعیف.

واختلف کلام الأصحاب فیما یجب وضعه من الجبهة ، فاکتفی الأکثر بما یصدق علیه الاسم منها کغیرها ، لأن الأمر بالمطلق یقتضی الاکتفاء بما یصدق علیه الاسم ، ولما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : الرجل یسجد وعلیه قلنسوة أو عمامة فقال : « إذا مسّ شی ء من

ص: 404


1- التهذیب 2 : 299 - 1204 ، الاستبصار 1 : 327 - 1224 ، الخصال : 349 - 23 ، الوسائل 4 : 954 أبواب السجود ب 4 ح 2.
2- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
3- جمل العلم والعمل : 60.
4- المبسوط 1 : 112.

______________________________________________________

جبهته الأرض فیما بین حاجبه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه » (1).

وروی أیضا فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « اسجد علی المروحة أو علی عود أو سواک » (2).

وقال ابن بابویه (3) ، وابن إدریس (4) : یجب مقدار الدرهم. ولعل مستندهما ما رواه زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الجبهة کلها من قصاص شعر الرأس إلی الحاجبین موضع السجود فأیّما سقط من ذلک إلی الأرض أجزأک مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة » (5) والإجزاء إنما یستعمل فی أقل الواجب.

واحتج لهما جدّی - قدس سره - فی روض الجنان (6) بصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها علی الأرض وبعض یغطیه الشعر هل یجوز ذلک؟ قال : « لا حتی تضع جبهتها علی الأرض » (7) وهی غیر دالة علی مطلوبهم. وما تضمنته من السجود علی جمیع الجبهة محمول علی الاستحباب ، إذ لا قائل بوجوبه. ( والأجود حمل الروایة الأولی ) (8) علی الاستحباب أیضا جمعا بین

ص: 405


1- الفقیه 1 : 176 - 833 ، التهذیب 2 : 85 - 314 ، الوسائل 4 : 962 أبواب السجود ب 9 ح 1.
2- الفقیه 1 : 236 - 1039 ، التهذیب 2 : 311 - 1264 ، الوسائل 3 : 606 أبواب ما یسجد علیه ب 15 ح 1.
3- المقنع : 26.
4- السرائر : 47.
5- الکافی 3 : 333 - 1 ، الوسائل 4 : 963 أبواب السجود ب 9 ح 5.
6- روض الجنان : 275.
7- التهذیب 2 : 313 - 1276 ، قرب الإسناد : 101 ، الوسائل 3 : 606 أبواب ما یسجد علیه ب 14 ح 5.
8- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « م » ، « ح » : ومقتضی الروایة الأولی الاکتفاء بمقدار طرف الأنملة وهو دون الدرهم والأجود حملها.

الثانی : وضع الجبهة علی ما یصحّ السجود علیه ، فلو سجد علی کور العمامة لم یجز.

الثالث : أن ینحنی للسجود حتی یساوی موضع جبهته موقفه ، إلا أن یکون علوّا یسیرا بمقدار لبنة لا أزید.

______________________________________________________

الأخبار ، وبه قطع الشهید فی الذکری فی باب المکان (1) ، مع أنه رجع عنه بعد ذلک وقال : والأقرب أن لا ینقص فی الجبهة عن درهم ، لتصریح الخبر ، وکثیر من الأصحاب به ، فیحمل المطلق من الأخبار وکلام الأصحاب علی المقید (2). وهو غیر جید کما لا یخفی.

قوله : ( الثانی ، وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه ، فلو سجد علی کور العمامة لم یجز ).

کور العمامة بفتح الکاف : دورها والمانع من السجود علیه عندنا کونه من غیر جنس ما یصح علیه السجود غالبا لا کونه محمولا.

وأطلق الشیخ فی المبسوط المنع من السجود علی ما هو حامل له ککور العمامة (3). قال فی الذکری : فإن قصد لکونه من جنس ما لا یسجد علیه فمرحبا بالوفاق ، وإن جعل المانع نفس الحمل کمذهب العامة طولب بدلیل المنع (4).

قوله : ( الثالث ، أن ینحنی للسجود حتی یساوی موضع جبهته موقفه ، إلا أن یکون علوا یسیرا بمقدار لبنة لا أزید ).

اللبنة بفتح اللام وکسر الباء ، أو بکسر اللام وسکون الباء ، والمراد بها المعتادة فی زمن صاحب الشرع علیه السلام ، وقدّرت بأربع أصابع مضمومة

ص: 406


1- الذکری : 160.
2- الذکری : 201.
3- المبسوط 1 : 112.
4- الذکری : 159.

______________________________________________________

تقریبا. والحکم بعدم جواز ارتفاع موضع السجود عن الموقف بما یزید عن اللبنة هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (1).

وقال المصنف فی المعتبر : ولا یجوز أن یکون موضع السجود أعلی من موقف المصلّی بما یعتد به مع الاختیار وعلیه علماؤنا ، لأنه یخرج بذلک عن الهیئة المنقولة عن صاحب الشرع ، وقدّر الشیخ حدّ الجواز بلبنة ومنع ما زاد (2). هذا کلامه - رحمه الله - ومقتضاه أن هذا التقدیر مختص بالشیخ رحمه الله .

وربما کان مستنده ما رواه عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن السجود علی الأرض المرتفعة فقال : « إذا کان موضع جبهتک مرتفعا عن موضع یدیک قدر لبنة فلا بأس » (3).

وجه الدلالة أنه علیه السلام علّق نفی البأس علی الارتفاع بقدر اللبنة فیثبت مع انتفاء الشرط ، وهو حجة لکن یمکن المناقشة فی سند الروایة بأن من جملة رجالها : النهدی ، وهو مشترک بین جماعة منهم من لم یثبت توثیقه. مع أن عبد الله بن سنان روی فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن موضع جبهة الساجد أیکون أرفع من مقامه؟ قال : « لا ، ولیکن مستویا » (4) ومقتضاها المنع من الارتفاع مطلقا ، وتقییدها بالروایة الأولی مشکل.

وألحق الشهید (5) - رحمه الله - بالارتفاع : الانخفاض ، وهو حسن ، وتشهد له موثقة عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المریض یقوم علی فراشه ویسجد علی الأرض؟ فقال : « إذا کان الفراش غلیظا قدر آجرة أو أقلّ

ص: 407


1- المنتهی 1 : 288.
2- المعتبر 2 : 207.
3- التهذیب 2 : 313 - 1271 ، الوسائل 4 : 964 أبواب السجود ب 11 ح 1 ، فیهما : موضع یدیک.
4- الکافی 3 : 333 - 4 ، التهذیب 2 : 85 - 315 ، الوسائل 4 : 963 أبواب السجود ب 10 ح 1.
5- البیان : 87.

______________________________________________________

استقام له أن یقوم علیه ویسجد علی الأرض ، وإن کان أکثر من ذلک فلا » (1) واعتبر - رحمه الله - ذلک فی بقیة المساجد أیضا (2) ، وهو أحوط. ولا فرق فی ذلک بین الأرض المنحدرة وغیرها ، لإطلاق النص.

فرع : لو وقعت جبهته علی موضع مرتفع بأزید من اللبنة فقد قطع المصنف ، وغیره (3) بأنه یرفع رأسه ویسجد علی المساوی ، لعدم تحقق السجود معه ، ولروایة الحسین بن حمّاد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أسجد فتقع جبهتی علی الموضع المرتفع قال : « ارفع رأسک ثم ضعه » (4). وفی السند ضعف (5).

والأولی جرّها مع الإمکان ، لصحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا وضعت جبهتک علی نبکة فلا ترفعها ولکن جرّها علی الأرض » (6) والنبکة - بالنون والباء الموحدة مفتوحتین - : واحدة النبک وهی أکمة محدّدة الرأس. وقیل : النباک التلال الصغار (7).

وجمع المصنف فی المعتبر بین الروایتین بحمل هذه الروایة علی مرتفع یصح معه السجود فیجب السحب لئلا یزید فی السجود (8) ، وهو بعید.

ص: 408


1- الکافی 3 : 411 - 13 ، التهذیب 3 : 307 - 949 ، الوسائل 4 : 964 أبواب السجود ب 11 ح 2.
2- الذکری : 202.
3- کالعلامة فی المنتهی 1 : 288 ، والشهید الأول فی الذکری : 160.
4- التهذیب 2 : 302 - 1219 ، الإستبصار 1 : 330 - 1237 ، الوسائل 4 : 961 أبواب السجود ب 8 ح 4.
5- لجهالة الحسین بن حماد وقال البعض إنه الحسین بن عثمان الأحمسی الثقة ولم یظهر وجهه.
6- الکافی 3 : 333 - 3 ، التهذیب 2 : 302 - 1221 ، الإستبصار 1 : 330 - 1238 ، الوسائل 4 : 960 أبواب السجود ب 8 ح 1.
7- کما فی الصحاح 4 : 1612.
8- المعتبر 2 : 212.

فإن عرض ما یمنع عن ذلک اقتصر علی ما یتمکن منه. وإن افتقر إلی رفع ما یسجد علیه وجب. وإن عجز عن ذلک کلّه أومأ إیماء.

الرابع : الذکر فیه ، وقیل : یختص بالتسبیح ، کما قلناه فی الرکوع.

الخامس : الطمأنینة إلا مع الضرورة المانعة.

______________________________________________________

ولو وقعت الجبهة علی ما لا یصح السجود علیه جرّها إلی ما یسجد علیه ولا یرفعها مع الإمکان ، ومع التعذر یرفعها ولا شی ء علیه.

قوله : ( فإن عرض ما یمنع من ذلک اقتصر علی ما یتمکن منه ، وإن افتقر إلی رفع ما یسجد علیه وجب ، وإن عجز عن ذلک کله أومأ إیماء ).

قد بینا فیما سبق فی باب القیام والرکوع ما یعلم منه هذه الأحکام ، وظاهر المصنف فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی أنها کلّها إجماعیة (1).

قوله : ( الرابع ، الذکر فیه ، وقیل : ویختص بالتسبیح ، کما قلناه فی الرکوع ).

البحث فی هذه المسألة کما تقدم فی الرکوع خلافا واستدلالا ومختارا.

قوله : ( الخامس ، الطمأنینة ، إلا مع الضرورة المانعة ).

أما وجوب الطمأنینة فیه بقدر الذکر الواجب فهو قول علمائنا أجمع ، ویدل علیه مضافا إلی التأسی روایتا حریز ، وزرارة المتقدمتان (2). وقال الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف : إنها رکن (3). وهو ضعیف ، لما سیجی ء إن شاء الله من عدم بطلان الصلاة بفواتها سهوا.

ص: 409


1- المعتبر 2 : 208 ، المنتهی 1 : 288.
2- لم نعثر علیهما ولم تتقدما ، وقال فی الحدائق 8 : 290. وأما ما ذکره من الروایتین المشار إلیهما فلم تتقدما فی کلامه والظاهر أنه من سهو رؤوس أقلامه.
3- الخلاف 1 : 125.

السادس : رفع الرأس من السجدة الأولی حتی یعتدل مطمئنا. وفی وجوب التکبیر للأخذ فیه والرفع منه تردد ، والأظهر الاستحباب.

ویستحب فیه أن یکبر للسجود قائما ، ثم یهوی للسجود سابقا بیدیه إلی الأرض ،

______________________________________________________

وأما سقوطها مع الضرورة المانعة منها فظاهر ، لسقوط التکلیف مع الضرورة ویبقی وجوب الذکر بحسب الإمکان. وربما قیل بسقوط الذکر هنا (1) ، وهو بعید جدا.

قوله : ( السادس ، رفع الرأس من السجدة الأولی حتی یعتدل مطمئنا ).

هذا مذهب علمائنا کافة ، ووافقنا علیه أکثر العامة (2) ، ومستنده النصوص قولا وفعلا.

قوله : ( وفی وجوب التکبیر للأخذ فیه والرفع منه تردد ، والأظهر الاستحباب ).

الکلام فی هاتین التکبیرتین کما سبق فی تکبیر الرکوع ، والأصح الاستحباب.

قوله : ( ویستحب أن یکبر للسجود قائما ).

لما رواه حمّاد فی الصحیح : أن الصادق علیه السلام کبّر وهو قائم ورفع یدیه حیال وجهه ، ثم سجد (3).

قوله : ( ثم یهوی للسجود سابقا بیدیه إلی الأرض ).

مستحبات السجود

ص: 410


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 120. قال : فیه تردد.
2- منهم الشافعی فی کتاب الأم 1 : 161 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 598 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 47.
3- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

وأن یکون موضع سجوده مساویا لموقفه أو أخفض ، وأن یرغم بأنفه ،

______________________________________________________

روی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « فإذا أردت أن تسجد فارفع یدیک بالتکبیر وخرّ ساجدا ، وابدأ بیدیک فضعهما علی الأرض قبل رکبتیک تضعهما معا ، ولا تفترش ذراعیک افتراش السبع ذراعه ، ولا تضعن ذراعیک علی رکبتیک وفخذیک ولکن تجنح بمرفقیک ، ولا تلزق کفیک برکبتیک ، ولا تدنهما من وجهک ، بین ذلک حیال منکبیک ، ولا تجعلهما بین یدی رکبتیک ولکن تحرفهما عن ذلک شیئا وأبسطهما علی الأرض بسطا واقبضهما إلیک قبضا ، وإن کان تحتهما ثوب فلا یضرک وإن أفضیت بهما إلی الأرض فهو أفضل ، ولا تفرّجن بین أصابعک فی سجودک ولکن اضممهن إلیک جمیعا » (1).

قوله : ( وأن یکون موضع سجوده مساویا لموقفه أو أخفض ).

بل الأظهر استحباب المساواة خاصة ، لأنها أنسب بالاعتدال المراد فی السجود ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « ولیکن مستویا » (2) وأقل مراتب الأمر الاستحباب.

قوله : ( وأن یرغم بأنفه ).

الإرغام : إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب. وقد أجمع علماؤنا علی أنه من السنن الأکیدة ، وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه : الإرغام سنة فی الصلاة فمن ترکه متعمدا فلا صلاة له (3).

ویدل علی استحبابه مضافا إلی الإجماع صحیحتا زرارة وحمّاد المتقدمتان (4) ، وموثقة عمّار ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن علیّ علیهم السلام أنه قال : « لا

ص: 411


1- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
2- الکافی 3 : 333 - 4 ، التهذیب 2 : 85 - 315 ، الوسائل 4 : 963 أبواب السجود ب 10 ح 1.
3- الفقیه 1 : 197 ، 205.
4- ص 404.

ویدعو ، ویزید علی التسبیحة الواحدة ما تیسر ، ویدعو بین السجدتین ، وأن یقعد متورکا ،

______________________________________________________

تجزی صلاة لا یصیب الأنف ما یصیب الجبین » (1) وهی محمولة علی نفی الإجزاء الکامل.

وقیل : إن السنة فی الإرغام تتأدی بوضع الأنف علی ما یصح السجود علیه وإن لم یکن ترابا (2). وهو غیر بعید.

وتجزئ إصابة الأنف المسجد بأی جزء اتفق. واعتبر المرتضی إصابة الجزء الأعلی منه وهو الذی یلی الحاجبین (3) ، ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( ویدعو ، ویزید علی التسبیحة الواحدة ما تیسر ، ویدعو بین السجدتین. وأن یقعد متورکا ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سجدت فکبّر وقل : اللهم لک سجدت وبک آمنت ولک أسلمت وعلیک توکلت وأنت ربی ، سجد وجهی للذی خلقه وشق سمعه وبصره ، والحمد لله رب العالمین ، تبارک الله أحسن الخالقین. ثم قل : سبحان ربی الأعلی ثلاث مرات. فإذا رفعت رأسک فقل بین السجدتین : اللهم أغفر لی وارحمنی واجبرنی وادفع عنی وعافنی ، إنی لما أنزلت إلیّ من خیر فقیر ، تبارک الله رب العالمین » (4).

وفی صحیحة حمّاد : إن الصادق علیه السلام لما علّمه الصلاة رفع رأسه من السجود ، فلما استوی جالسا قال : الله أکبر ، وقعد علی فخذه الأیسر قد

ص: 412


1- التهذیب 2 : 298 - 1202 ، الإستبصار 1 : 327 - 1223 ، الوسائل 4 : 954 أبواب السجود ب 4 ح 4.
2- کما فی المسالک 1 : 32 ، ومجمع الفائدة 2 : 264.
3- جمل العلم والعمل : 60.
4- الکافی 3 : 321 - 1 ، التهذیب 2 : 79 - 295 ، الوسائل 4 : 951 أبواب السجود ب 2 ح 1 ، بتفاوت یسیر.

وأن یجلس عقیب السجدة الثانیة مطمئنا ،

______________________________________________________

وضع قدمه الأیمن علی بطن قدمه الأیسر وقال : أستغفر الله ربی وأتوب إلیه ، ثم کبّر وهو جالس وسجد ».

ویستحب الدعاء فی السجود للدین والدنیا کما ورد فی الخبر ، وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، قال : صلّی بنا أبو بصیر فی طریق مکة فقال وهو ساجد ، وقد کانت ضلّت ناقة لجمّالهم : « اللهم ردّ علی فلان ناقته » قال محمد : فدخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فأخبرته فقال : « وفعل؟ » قلت : نعم ، قال : فسکت قلت : فأعید الصلاة؟ قال : « لا » (1).

قوله : ( وأن یجلس عقیب السجدة الثانیة مطمئنا ).

استحباب هذه الجلسة مذهب الأکثر ، وأوجبها المرتضی فی الانتصار محتجا بالإجماع والاحتیاط (2) ، واستدل له فی المختلف (3) بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا رفعت رأسک من السجدة الثانیة فی الرکعة الأولی حین ترید أن تقوم فاستو جالسا ثم قم » (4) فإن ظاهر الأمر الوجوب ، وهو معارض بما رواه الشیخ ، عن زرارة ، قال : رأیت أبا جعفر وأبا عبد الله علیهماالسلام إذا رفعا رؤسهما من السجدة الثانیة نهضا ولم یجلسا (5). والسندان متقاربان.

ویدل علی الاستحباب مضافا إلی ما سبق صحیحة عبد الحمید بن عواض أنه رأی أبا عبد الله علیه السلام إذا رفع رأسه من السجدة الثانیة من الرکعة

ص: 413


1- الکافی 3 : 323 - 8 ، التهذیب 2 : 300 - 1208 ، الوسائل 4 : 973 أبواب السجود ب 17 ح 1.
2- الانتصار : 46.
3- المختلف : 96.
4- التهذیب 2 : 82 - 303 ، الإستبصار 1 : 328 - 1229 ، الوسائل 4 : 956 أبواب السجود ب 5 ح 3.
5- التهذیب 2 : 83 - 305 ، الإستبصار 1 : 328 - 1231 ، الوسائل 4 : 956 أبواب السجود ب 5 ح 2.

ویدعو عند القیام ،

______________________________________________________

الأولی جلس حتی یطمئن ثم یقوم (1).

قوله : ( ویدعو عند القیام ).

صورة الدعاء ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قمت من السجود قلت : اللهم ربی بحولک وقوتک أقوم وأقعد ، وإن شئت قلت : وأرکع وأسجد » (2) وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا جلست فی الرکعتین الأوّلتین فتشهّدت ثم قمت فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد » (3).

ویستفاد من هذه الروایة وغیرها عدم مشروعیة التکبیر عند القیام من التشهد ، وهو اختیار الشیخ (4) وأکثر الأصحاب.

وقال المفید - رحمه الله - إنه یقوم بالتکبیر (5). وهو ضعیف. أما أوّلا فلما أوردناه من النقل. وأما ثانیا فلأن تکبیرات الصلاة منحصرة فی خمس وتسعین (6) : خمس للافتتاح ، وخمس للقنوت ، والبواقی للرکوع والسجود ، فلو قام إلی الثالثة بالتکبیر لزاد أربعا. ویدل علی هذا العدد روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « التکبیر فی صلاة الفرض فی الخمس صلوات خمس وتسعون تکبیرة ، منها تکبیرة القنوت خمس » (7).

ص: 414


1- التهذیب 2 : 82 - 302 ، الإستبصار 1 : 328 - 1128 ، الوسائل 4 : 956 أبواب السجود ب 5 ح 1.
2- التهذیب 2 : 86 - 320 ، الوسائل 4 : 966 أبواب السجود ب 13 ح 1.
3- الکافی 3 : 338 - 11 ، التهذیب 2 : 88 - 326 ، الوسائل 4 : 966 أبواب السجود ب 13 ح 3.
4- التهذیب 2 : 88 ، الاستبصار 1 : 337.
5- نقله عنه فی الذکری : 184.
6- المراد : مجموع تکبیرات الصلوات الخمس المفروضات.
7- التهذیب 2 : 87 - 323 ، الإستبصار 1 : 336 - 1264 ، الوسائل 4 : 719 أبواب تکبیرة الإحرام ب 5 ح 1.

ویعتمد علی یدیه سابقا برفع رکبتیه.

ویکره الإقعاء بین السجدتین.

______________________________________________________

قوله : ( ویعتمد بیدیه سابقا برفع رکبتیه ).

هذا مذهب الأصحاب ، ویدل علیه روایات ، منها : ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یضع یدیه قبل رکبتیه إذا سجد ، وإذا أراد أن یقوم رفع رکبتیه قبل یدیه (1).

قوله : ( ویکره الإقعاء بین السجدتین ).

الإقعاء ، هو أن یعتمد بصدور قدمیه علی الأرض ویجلس علی عقبیه ، قاله فی المعتبر ، ونقل عن بعض أهل اللغة أنه الجلوس علی ألییه ناصبا فخذیه مثل إقعاء الکلب ، قال : والمعتمد الأول ، لأنه تفسیر الفقهاء وبحثهم علی تقدیره (2).

وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فذهب الأکثر إلی کراهته ، وادعی علیه الشیخ فی الخلاف الإجماع (3) ، ونقله المصنف فی المعتبر عن معاویة بن عمار ومحمد بن مسلم من القدماء (4).

ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تقع بین السجدتین إقعاء » (5).

وفی الصحیح عن الحلبی ، وابن مسلم ، وابن عمار قالوا ، قال : « لا

کراهة الاقعاء بین السجدتین

ص: 415


1- التهذیب 2 : 78 - 291 ، الإستبصار 1 : 325 - 1215 أورد صدر الحدیث ، الوسائل 4 : 950 أبواب السجود ب 1 ح 1.
2- المعتبر 2 : 218.
3- الخلاف 1 : 125.
4- المعتبر 2 : 218.
5- التهذیب 2 : 301 - 1213 ، الإستبصار 1 : 327 - 1225 ، الوسائل 4 : 957 أبواب السجود ب 6 ح 1.

مسائل ثلاث :

الأولی : من به ما یمنع من وضع الجبهة علی الأرض کالدمّل إذا لم یستغرق الجبهة یحتفر حفیرة لیقع السلیم من جبهته علی الأرض.

______________________________________________________

تقع فی الصلاة بین السجدتین کإقعاء الکلب » (1).

ویمکن الاستدلال علیه أیضا بقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إیاک والقعود علی قدمیک فتتأذی بذلک ، ولا تکون قاعدا علی الأرض فتکون إنما قعد بعضک علی بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء » (2) فإن العلة التی ذکرها فی التشهد تحصل فی غیره فیتعدی الحکم إلیه.

وقال الشیخ فی المبسوط (3) ، والمرتضی (4) - رضی الله عنه - : إنه لیس بمکروه. وربما کان مستندهما ما رواه الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا بأس بالإقعاء بین السجدتین » (5) ویمکن حمل البأس هنا علی التحریم جمعا بین الأدلة.

قوله : ( مسائل ثلاث ، الأولی : من به ما یمنع وضع الجبهة علی الأرض کالدمل إذا لم یستغرق الجبهة یحتفر حفیرة لیقع السلیم من جبهته علی الأرض ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، لأن مقدمة الواجب المطلق واجبة ، ولما رواه الشیخ ، عن مصادف قال : خرج بی دمل فکنت أسجد علی جانب فرأی فی أبو عبد الله علیه السلام أثره فقال : « ما هذا؟ » فقلت : لا أستطیع

حکم من بجبهته دمل

ص: 416


1- التهذیب 2 : 83 - 306 ، الإستبصار 1 : 328 - 1227 ، الوسائل 4 : 957 أبواب السجود ب 6 ح 2.
2- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
3- المبسوط 1 : 113.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 218 ، والمنتهی 1 : 290.
5- التهذیب 2 : 301 - 1212 ، الإستبصار 1 : 327 - 1226 ، الوسائل 4 : 957 أبواب السجود ب 6 ح 3.

فإن تعذّر سجد علی أحد الجبینین ، فإن کان هناک مانع سجد علی ذقنه.

______________________________________________________

أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا فقال : « لا تفعل ذلک احتفر حفیرة واجعل الدمل فی الحفیرة حتی تقع جبهتک علی الأرض » (1).

ولا یختص هذا الحکم بالدمل ، بل الجرح والورم ونحوهما إذا لم یمکن وضع الجبهة معهما کذلک. ولا یخفی أن الحفیرة غیر متعینة ، فلو اتخذ آلة مجوفة من طین أو خشب ونحوهما أجزأه.

قوله : ( وإن تعذر سجد علی أحد الجبینین ، فإن کان هناک مانع سجد علی ذقنه ).

أما السجود علی أحد الجبینین فهو قول علمائنا وأکثر العامة (2) ، واحتج علیه فی المعتبر بأنهما مع الجبهة کالعضو الواحد فیقوم أحدهما مقامها للعذر ، وبأن السجود علی أحد الجبینین أشبه بالسجود علی الجبهة من الإیماء ، وبأن الإیماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبین أولی (3).

وأما السجود علی الذقن مع تعذر الجبینین فاستدل علیه بما رواه الکلینی مرسلا عن الصادق علیه السلام ، أنه سئل عمن بجبهته علة لا یقدر علی السجود علیها ، قال : « یضع ذقنه علی الأرض ، إن الله عزّ وجلّ یقول : ( یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (4) » (5) وهذه الروایة وإن ضعف سندها إلاّ أن مضمونها مجمع علیه بین الأصحاب.

ولا ترتیب بین الجبینین لکن الأولی تقدیم الأیمن ، خروجا من خلاف ابن بابویه حیث أوجب تقدیمه (6).

ص: 417


1- التهذیب 2 : 86 - 317 ، الوسائل 4 : 965 أبواب السجود ب 12 ح 1.
2- منهم الشافعی فی الأم 1 : 114 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 591.
3- المعتبر 2 : 209.
4- الإسراء : 107.
5- الکافی 3 : 334 - 6 ، الوسائل 4 : 965 أبواب السجود ب 12 ح 2.
6- المقنع : 26.

الثانیة : سجدات القرآن خمس عشرة. أربع منها واجبة وهی فی سجدة أ ل م وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربک. وإحدی عشرة مسنونة وهی فی : الأعراف ، والرعد ، والنحل وبنی إسرائیل ، ومریم ، والحج فی موضعین ، والفرقان والنمل ، وص ، وإذا السماء انشقت.

______________________________________________________

والمراد بالذقن مجمع اللحیین ، ولا یجب کشفه من شعر اللحیة لإطلاق الخبر. ولو تعذر جمیع ذلک أومأ ، وینبغی رفع ما یسجد علیه کما تقدم تحقیقه.

قوله : ( الثانیة ، سجدات القرآن خمس عشرة ، أربع واجبة ، وهی سجدة الم وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربک. وإحدی عشرة مسنونة إلی آخره ).

أجمع الأصحاب علی وجوب سجود التلاوة فی العزائم الأربع.

والأصل فیه قول أمیر المؤمنین علیه السلام : « عزائم السجود أربع » (1). وعدّدها.

وما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال ، قال : « إذا قرئ شی ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن کنت علی غیر وضوء ، وإن کانت جنبا ، وإن کانت المرأة لا تصلّی ، وسائر القرآن أنت فیه بالخیار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد » (2).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قرأت شیئا من العزائم التی یسجد فیها فلا تکبر قبل سجودک ولکن تکبر حین ترفع رأسک ، والعزائم أربعة : حم السجدة ، وتنزیل ، والنجم ، واقرأ باسم ربک » (3).

سجدات القرآن

ص: 418


1- الخلاف 1 : 154 ، المستدرک علی الصحیحین 2 : 529 ، سنن البیهقی 2 : 315.
2- التهذیب 2 : 291 - 1171 ، الوسائل 4 : 880 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 2.
3- الکافی 3 : 317 - 1 ، التهذیب 2 : 291 - 1170 ، الوسائل 4 : 880 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.

والسجود واجب فی العزائم الأربع للقارئ والمستمع ، ویستحب للسامع علی الأظهر. وفی البواقی یستحب علی کل حال.

______________________________________________________

وأما استحباب السجود فی غیر هذه الأماکن الأربعة من المواضع الخمس عشرة فمقطوع به فی کلام الأصحاب مدعی علیه الإجماع ، ولم أقف فیه علی نص یعتد به.

قوله : ( والسجود واجب فی العزائم الأربع علی القاری والمستمع ، ویستحب للسامع علی الأظهر ).

أما الوجوب علی القاری والمستمع فثابت بإجماع العلماء ، وإنما الخلاف فی السامع بغیر إنصات فقیل : یجب السجود علیه أیضا (1). وبه قطع ابن إدریس مدعیا علیه الإجماع (2). ویدل علیه إطلاق کثیر من الروایات کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یعلّم السورة من العزائم فتعاد علیه مرارا فی المقعد الواحد ، قال : « علیه أن یسجد کل ما سمعها ، وعلی الذی یعلّمه أیضا أن یسجد » (3) وموثقة أبی عبیدة الحذاء ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الطامث تسمع السجدة ، قال : « إن کانت من العزائم تسجد إذا سمعتها » (4).

وقال الشیخ فی الخلاف : لا یجب علیه السجود (5). واستدل بإجماع الفرقة ، وبما رواه عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل سمع السجدة تقرأ ، قال : « لا یسجد إلاّ أن یکون منصتا لقراءته مستمعا لها ، أو یصلّی بصلاته ، فأما أن یکون یصلّی فی ناحیة وأنت فی أخری

ص: 419


1- کما فی المسالک 1 : 32.
2- السرائر : 47.
3- التهذیب 2 : 293 - 1179 ، الوسائل 4 : 884 أبواب قراءة القرآن ب 45 ح 1.
4- الکافی 3 : 106 - 3 ، التهذیب 1 : 129 - 353 ، الإستبصار 1 : 115 - 385 ، الوسائل 2 : 584 أبواب الحیض ب 36 ح 1.
5- الخلاف 1 : 156.

ولیس فی شی ء من السجدات تکبیر ولا تشهد ولا تسلیم. ولا یشترط فیها الطهارة ولا استقبال القبلة علی الأظهر.

______________________________________________________

فلا تسجد إذا سمعت » (1).

وهذه الروایة واضحة الدلالة لکن فی طریقها محمد بن عیسی ، عن یونس ، وقد نقل الصدوق - رحمه الله - عن شیخه ابن الولید أنه قال : ما تفرّد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه ، قال : ورأیت أصحابنا ینکرون هذا القول ویقولون : من مثل أبی جعفر محمد بن عیسی (2). وأنا فی هذه المسألة من المتوقفین.

قوله : ( ولیس فی شی ء من السجدات تکبیر ولا تشهد ولا تسلیم ).

التکبیر المنفی هو تکبیرة الافتتاح ، وقد أجمع الأصحاب علی عدم مشروعیته فیه کما لا یشرع التشهد ولا التسلیم ، لأن الأمر إنما وقع بالسجود فیکون ما عداه منفیا بالأصل. نعم یستحب التکبیر عند الرفع من السجود کما تضمنته صحیحة ابن سنان ، عن الصادق علیه السلام (3).

قوله : ( ولا یشترط فیها الطهارة ولا استقبال القبلة علی الأظهر ).

هذا هو الأجود ، لعدم دلیل یدل علی الاشتراط. وکذا لا یشترط الستر ، ولا خلو البدن أو الثوب من النجاسة التی لا یعفی عنها فی الصلاة. وفی اشتراط وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه ، والسجود علی الأعضاء السبعة ، واعتبار المساواة بین الموقف والمسجد نظر ، ولا ریب أن اعتبار ذلک أحوط.

وینبغی الذکر فیه ، بما رواه أبو عبیدة الحذاء فی الصحیح ، عن أبی

ص: 420


1- الکافی 3 : 318 - 3 ، التهذیب 2 : 291 - 1169 ، الوسائل 4 : 882 أبواب القراءة القرآن ب 43 ح 1.
2- نقله عنه النجاشی فی رجاله : 333 - 896.
3- المتقدمة فی ص 418.

ولو نسیها أتی بها فیما بعد.

الثالثة : سجدتا الشکر مستحبتان عند تجدد النعم ودفع النقم وعقیب الصلوات ،

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قرأ أحدکم السجدة من العزائم فلیقل فی سجوده : سجدت لک تعبدا ورقّا ، لا مستکبرا عن عبادتک ولا مستنکفا ولا متعظما ، بل أنا عبد ذلیل خائف مستجیر » (1).

قوله : ( ولو نسیها أتی بها فیما بعد ).

أجمع الأصحاب علی أن سجود التلاوة واجب علی الفور ، وصرحوا أیضا بأنه لا یسقط بالتأخیر.

وتدل علیه صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن الرجل یقرأ السجدة فینساها حتی یرکع ویسجد ، قال : « یسجد إذا ذکر إذا کانت من العزائم » (2).

ولو أتی بها فیما بعد فهل ینوی فیها القضاء أم الأداء؟

قیل بالأول (3) ، لأنها واجبة علی الفور فوقتها وجود السبب ، فإذا أتی بها بعد فواته فقد فعلت فی غیر وقتها وذلک معنی القضاء.

وقیل بالثانی ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (4) ، لعدم التوقیت.

والأظهر عدم التعرض لشی ء منهما ، لأنهما من توابع الوقت المضروب شرعا ، وهو منتف هنا.

قوله : ( الثالثة ، سجدتا الشکر مستحبتان عند تجدد النعم ودفع النقم وعقیب الصلاة ).

سجدتا الشکر

ص: 421


1- الکافی 3 : 328 - 23 ، الوسائل 4 : 884 أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 1.
2- التهذیب 2 : 292 - 1176 ، الوسائل 4 : 778 أبواب القراءة فی الصلاة ب 39 ح 1.
3- کما فی المبسوط 1 : 114 ، والذکری : 215.
4- المعتبر 2 : 274.

______________________________________________________

أما استحباب هذا السجود عند تجدد النعم ودفع النقم فهو قول علمائنا وأکثر العامة (1) ، لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا أتاه أمر یسرّ به خرّ ساجدا (2). وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من سجد سجدة (3) الشکر وهو متوض کتب الله له بها عشر صلوات ومحی عنه عشر خطایا عظام » (4).

وأما استحبابها عقیب الصلاة شکرا علی التوفیق لأدائها فقال فی التذکرة : إنه مذهب علمائنا أجمع (5). خلافا للجمهور (6). ویدل علیه روایات کثیرة : منها ما رواه الشیخ ، وابن بابویه فی الصحیح ، عن مرازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « سجدة الشکر واجبة علی کل مسلم ، تتم بها صلاتک ، وترضی بها ربک ، وتعجب الملائکة منک ، وإن العبد إذا صلّی ثم سجد سجدة الشکر فتح الرب تعالی الحجاب بین العبد وبین الملائکة فیقول : یا ملائکتی انظروا إلی عبدی أدّی فرضی وأتم عهدی ثم سجد لی شکرا علی ما أنعمت به علیه ، ملائکتی ماذا له؟ قال : فتقول الملائکة : یا ربنا رحمتک ، ثم یقول الرب تعالی : ثم ما ذا له؟ فتقول الملائکة : یا ربنا جنتک ، فیقول الرب تعالی : ثم ماذا؟ فتقول الملائکة : یا ربنا کفایة مهمه ، فیقول الرب تعالی : ثم ما ذا؟ فلا یبقی شی ء من الخیر إلاّ قالته الملائکة ، فیقول الله تعالی : یا ملائکتی ثم ماذا؟ فتقول الملائکة : یا ربنا لا علم لنا ، فیقول الله تعالی : لأشکرنّه کما شکرنی وأقبل إلیه بفضلی وأریه رحمتی » (7).

ص: 422


1- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 828 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 63.
2- سنن ابن ماجة 1 : 446 - 1394 ، سنن الترمذی 3 : 69 - 1626 بتفاوت یسیر.
3- فی « م » : سجدتی.
4- الفقیه 1 : 218 - 971 ، الوسائل 4 : 1070 أبواب سجدتی الشکر ب 1 ح 1.
5- التذکرة 1 : 124.
6- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 690.
7- الفقیه 1 : 220 - 978 ، التهذیب 2 : 110 - 415 ، الوسائل 4 : 1071 أبواب سجدتی الشکر ب 1 ح 5.

______________________________________________________

ویستحب فیها الدعاء ، وأفضله المأثور عن أهل البیت علیهم السلام .

وروی الأصحاب أن أدنی ما یجزئ فیه أن یقول : شکرا لله ثلاثا (1). وروی ابن بابویه ، عن الصادق علیه السلام : « إن العبد إذا سجد فقال : یا رب یا رب حتی ینقطع نفسه قال له الرب عز وجل : لبیک ما حاجتک » (2).

وروی الشیخ وابن بابویه فی الحسن ، عن الثقة الصدوق عبد الله بن جندب ، قال : سألت أبا الحسن الماضی علیه السلام عما أقول فی سجدتی الشکر ، فقد اختلف أصحابنا فیه ، فقال : « قل وأنت ساجد : اللهم إنی أشهدک وأشهد ملائکتک وأنبیاءک ورسلک وجمیع خلقک أنک الله ربی ، والإسلام دینی ، ومحمّد نبیی ، وعلیّ وفلان وفلان إلی آخرهم أئمتی بهم أتولّی ومن عدوهم أتبرّأ ، « اللهم إنی أنشدک دم المظلوم » ثلاثا ، اللهم إنی أنشدک بإیوائک علی نفسک لأولیائک لتظفرنّهم بعدوک وعدوهم أن تصلی علی محمد وآل محمد وعلی المستحفظین من آل محمد ، « اللهم إنی أسألک الیسر بعد العسر » ثلاثا ، ثم ضع خدک الأیمن بالأرض وتقول : یا کهفی حین تعیینی المذاهب وتضیق علیّ الأرض بما رحبت ویا بارئ خلقی رحمة بی وکان عن خلقی غنیا صلّ علی محمد وآل محمد وعلی المستحفظین من آل محمد ، ثم تضع خدک الأیسر وتقول : « یا مذلّ کل جبّار ویا معزّ کل ذلیل قد وعزتک بلغ مجهودی » ثلاثا ، ثم تقول : « یا حنان یا منان یا کاشف الکرب العظیم » ثلاثا ، ثم تعود إلی السجود فتقول مائة مرة : شکرا شکرا ، ثم تسأل الله حاجتک إن شاء الله » (3).

ویستحب فی هذا السجود أن یفترش ذراعیه بالأرض وأن یلصق جؤجؤه - بضم الجیمین والهمزة وهو صدره - بها ، لما رواه الشیخ فی التهذیب بإسناده إلی

ص: 423


1- منهم الشهید الأول فی الذکری : 213.
2- الفقیه 1 : 219 - 975 ، الوسائل 4 : 1079 أبواب سجدتی الشکر ب 6 ح 3.
3- الفقیه 1 : 217 - 966 ، التهذیب 2 : 110 - 416 ، الوسائل 4 : 1078 أبواب سجدتی الشکر ب 6 ح 1 ، فیه وفی الفقیه بتفاوت.

ویستحب بینهما التعفیر.

______________________________________________________

جعفر بن علیّ ، قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعیه وألصق جؤجؤه بالأرض فی ثیابه (1). وعن یحیی بن عبد الرحمن ، قال : رأیت أبا الحسن الثالث علیه السلام سجد سجدة الشکر فافترش ذراعیه وألصق صدره وبطنه فسألته عن ذلک فقال : « کذا یجب » (2) والمراد به شدة الاستحباب.

ویستحب أن تکون هذه السجدة عقیب تعقیبه بحیث تجعل خاتمته ، وروی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : إن أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام کان یسجد بعد ما یصلّی فلا یرفع رأسه حتی یتعالی النهار (3).

قوله : ( ویستحب بینهما التعفیر ).

أی تعفیر الجبینین ، وهو وضعهما علی العفر - بالفتح - وهو التراب وبه یتحقق تعدد السجود ، وهو مستحب باتفاقنا ، لما رواه الشیخ ، عن أبی الحسن الثالث علیه السلام أنه قال : « إن علامات المؤمن خمس » وعدّ منها تعفیر الجبین (4).

وکذا یستحب تعفیر الخدین أیضا ، لما رواه الشیخ ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « کان موسی بن عمران علیه السلام إذا صلّی لم ینفتل حتی یلصق خدّه الأیمن وخدّه الأیسر بالأرض » قال إسحاق : رأیت من یصنع ذلک. قال محمد بن سنان : یعنی موسی بن جعفر علیه السلام فی الحجر فی جوف اللیل (5).

ص: 424


1- التهذیب 2 : 85 - 311 ، الوسائل 4 : 1076 أبواب سجدتی الشکر ب 4 ح 3.
2- الکافی 3 : 324 - 15 ، التهذیب 2 : 85 - 312 ، الوسائل 4 : 1076 أبواب سجدتی الشکر ب 4 ح 2.
3- الفقیه 1 : 218 - 970 ، الوسائل 4 : 1073 أبواب سجدتی الشکر ب 2 ح 1.
4- التهذیب 6 : 52 - 122 ، الوسائل 10 : 373 أبواب المزار وما یناسبه ب 56 ح 1 وفیهما : عن الحسن العسکری علیه السلام .
5- التهذیب 2 : 109 - 414 ، الوسائل 4 : 1075 أبواب سجدتی الشکر ب 3 ح 3 وفیهما : رأیت من آبائی من یصنع ذلک ، قال محمد بن سنان : یعنی موسی فی الحجر.

السّابع : التشهد

وهو واجب فی کل ثنائیة مرة وفی الثلاثیة والرباعیّة مرتین ، ولو أخل بهما أو بأحدهما عامدا بطلت صلاته.

والواجب فی کل واحد منهما خمسة أشیاء : الجلوس بقدر التشهد ، والشهادتان ، والصلاة علی النبی ، وعلی آله علیهم السلام .

______________________________________________________

ویستحب لمن أصابه همّ إذا رفع رأسه من السجود أن یمسح یده علی موضع سجوده ثم یمرها علی وجهه من جانب خده الأیسر وعلی جبهته إلی جانب خدّه الأیمن ویقول : « بسم الله الذی لا إله إلاّ هو ، عالم المغیب والشهادة ، الرحمن الرحیم ، اللهم أذهب عنی الغم والحزن » ثلاثا ، رواه ابن بابویه ، عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن الصادق علیه السلام (1).

قوله : ( السابع ، التشهد : وهو واجب فی کل ثنائیة مرة وفی الثلاثیة والرباعیة مرتین ، ولو أخل بهما أو بأحدهما عمدا بطلت صلاته ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ویدل علیه مضافا إلی فعل النبی صلی الله علیه و آله له فی بیان الواجب وأمره به روایات کثیرة ستجی ء فی غضون هذا الباب إنشاء الله.

قوله : ( والواجب فی کل واحد منهما خمسة أشیاء : الجلوس بقدر التشهد ).

لا ریب فی وجوب ذلک ، للإجماع والتأسی ، والأخبار المستفیضة (2).

قوله : ( والشهادتان ، والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام .

التشهد

واجبات التشهد

ص: 425


1- الفقیه 1 : 218 - 968 ، الوسائل 4 : 1077 أبواب سجدتی الشکر ب 5 ح 1.
2- الوسائل 4 : 987 أبواب التشهد ب 1.

وصورتهما : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، ثم یأتی بالصلاة علی النبی وآله. ومن لم یحسن التشهد وجب علیه الإتیان بما یحسن منه مع ضیق الوقت ، ثم یجب علیه تعلم ما لم یحسن منه.

______________________________________________________

وصورتهما : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، ثم یأتی بالصلاة علی النبی وآله ).

المشهور بین الأصحاب انحصار الواجب من التشهد فیما ذکره المصنف - رحمه الله - وأنه لا یجب ما زاد عنه ولا یجزئ ما دونه.

واقتصر الصدوق فی المقنع علی الشهادتین ولم یذکر الصلاة علی محمد وآل محمد. ثم قال : وأدنی ما یجزئ من التشهد أن یقول الشهادتین أو یقول : « بسم الله وبالله » ثم یسلّم (1). وقال فی کتاب من لا یحضره الفقیه : إذا رفعت رأسک من السجدة الثانیة تشهّد وقل : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، والأسماء الحسنی کلها لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشیرا ونذیرا بین یدی الساعة. ثم انهض إلی الثالثة (2).

وقال ابن الجنید : تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من الصلاة علی محمد وآل محمد فی أحد التشهدین (3).

وقیل : إن الواجب فی التشهد أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلّ علی محمد وآل محمد (4). وهذه الصورة مجزئة بالإجماع ، وقد وردت فی روایة عبد الملک بن عمرو ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « التشهد فی الرکعتین الأوّلتین : الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،

ص: 426


1- المقنع : 29.
2- الفقیه 1 : 209.
3- نقله عنه فی الذکری : 204.
4- کما فی القواعد 1 : 35.

ومسنون هذا القسم : أن یجلس متورّکا ، وصفته : أن یجلس علی ورکه الأیسر ، ویخرج رجلیه جمیعا ، فیجعل ظاهر قدمه الأیسر إلی الأرض ، وظاهر قدمه الأیمن إلی باطن الأیسر.

______________________________________________________

اللهم صلّ علی محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته (1) وارفع درجته » (2).

لکن فی طریق هذه الروایة عبد الله بن بکیر وهو فطحی ، وراویها وهو عبد الملک بن عمرو ذکره العلاّمة فی الخلاصة فی القسم الأول (3) ولم یورد فیه سوی حدیث واحد عنه : إن الصادق علیه السلام قال له : « إنی لأدعو لک حتی أسمّی دابتک » أو قال : « أدعو لدابتک » وهو شهادة لنفسه.

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار المعتبرة روایتان صحیحتا السند ، روی إحداهما محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : التشهد فی الصلاة قال : « مرتین » قال ، قلت : وکیف مرتین؟ قال : « إذا استویت جالسا فقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف » (4).

والأخری رواها زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما یجزی من القول فی التشهد فی الرکعتین الأوّلتین؟ قال : « أن تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له » قلت : فما یجزی من تشهد الرکعتین الأخیرتین؟ قال : « الشهادتان » (5).

ومقتضی هاتین الروایتین عدم وجوب الصلوات علی محمد وآل محمد ،

ص: 427


1- فی « س » ، « ح » زیادة : فی أمته.
2- التهذیب 2 : 92 - 344 ، الوسائل 4 : 989 أبواب التشهد ب 3 ح 1.
3- خلاصة العلامة : 115.
4- التهذیب 2 : 101 - 379 ، الإستبصار 1 : 342 - 1289 ، الوسائل 4 : 992 أبواب التشهد ب 4 ح 4.
5- التهذیب 2 : 100 - 374 ، الإستبصار 1 : 341 - 1284 ، الوسائل 4 : 991 أبواب التشهد ب 4 ح 1.

وأن یقول ما زاد علی الواجب من تحمید ودعاء.

______________________________________________________

وقد نقل المصنف - رحمه الله - فی المعتبر الإجماع علی وجوبها (1) واستدل علیه من طریق الأصحاب بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی بصیر وزرارة قالا ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إن من تمام الصوم إعطاء الزکاة کما أن الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله من تمام الصلاة ، لأنه من صام ولم یؤدّ الزکاة فلا صوم له إذا ترکها متعمدا ، ولا صلاة له إذا ترک الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله » (2).

وقد یقال : إن أقصی ما تدل علیه الروایة وجوب الصلاة علی محمد وآله فی الصلاة ، أما فی کونها فی کل من التشهدین فلا ، علی أنّ هذا التشبیه ربما اقتضی توجه النفی إلی الفضیلة والکمال لا الصحة ، للإجماع علی عدم توقف صحة الصوم علی إخراج الزکاة.

والغرض من ذلک تحریر الأدلة وإلاّ فلا ریب فی رجحان الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله فی جمیع الأحوال ، بل لا یبعد وجوبها إذا ذکر ، لما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « وصل علی النبی صلی الله علیه و آله کلّما ذکرته أو ذکره ذاکر عندک » (3).

وروی عبد الله بن سنان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یذکر النبی صلی الله علیه و آله وهو فی الصلاة المکتوبة إمّا راکعا وإمّا ساجدا فیصلّی علیه وهو علی تلک الحال؟ فقال : « نعم إن الصلاة علی نبیّ الله صلی الله علیه و آله کهیئة التکبیر والتسبیح ، وهی عشر حسنات یبتدرها ثمانیة عشر ملکا أیّهم یبلغها إیاه » (4).

ص: 428


1- المعتبر 2 : 226.
2- التهذیب 2 : 159 - 625 ، الاستبصار 1 : 343 - 1292 ، وفیها : أبو بصیر عن زرارة. الوسائل 4 : 999 أبواب التشهد ب 10 ح 2. بتفاوت یسیر.
3- الفقیه 1 : 184 - 875 ، الوسائل 4 : 669 أبواب الأذان والإقامة ب 42 ح 1.
4- الکافی 3 : 322 - 5 ، التهذیب 2 : 299 - 1206 ، الوسائل 4 : 943 أبواب الرکوع ب 20 ح 1.

الثامن : التسلیم

وهو واجب علی الأصحّ ، ولا یخرج من الصلاة إلا به.

______________________________________________________

وأعلم : أن فی مقابل هذه الروایات أخبار أخر تدل علی الاجتزاء فی التشهد بما دون ذلک ، کروایة حبیب الخثعمی ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه » (1).

وروایة بکر بن حبیب ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التشهد فقال : « لو کان کما یقولون واجبا علی الناس هلکوا ، إنما کان القوم یقولون أیسر ما یعلمون ، إذا حمدت الله أجزأک » (2) وعلی هذه الروایات ونحوها اقتصر الکلینی فی الکافی (3) ، ویمکن حملها علی حالة الضرورة أو التقیة. والله أعلم.

قوله : ( الثامن ، التسلیم : وهو واجب علی الأصح ، ولا یخرج من الصلاة إلا به ).

اختلف الأصحاب فی التسلیم ، هل هو واجب أو مستحب؟ فقال المرتضی فی المسائل الناصریة والمحمدیة (4) ، وأبو الصلاح (5) ، وسلار (6) ، وابن أبی عقیل (7) ، وابن زهرة (8) ، بالوجوب.

وقال الشیخان (9) وابن البراج (10) وابن إدریس (11) وأکثر المتأخرین

التسلیم

اشارة

ص: 429


1- التهذیب 2 : 101 - 376 ، الإستبصار 1 : 341 - 1286 ، الوسائل 4 : 993 أبواب التشهد ب 5 ح 2.
2- الکافی 3 : 337 - 1 ، التهذیب 2 : 101 - 378 ، الإستبصار 1 : 342 - 1288 ، الوسائل 4 : 993 أبواب التشهد ب 5 ح 3.
3- الکافی 3 : 337 - 1.
4- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 195.
5- الکافی فی الفقه : 119.
6- المراسم : 69.
7- نقله عنه فی المختلف : 97.
8- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 558.
9- المفید فی المقنعة : 23 ، والشیخ فی النهایة : 89.
10- المهذب 1 : 99.
11- السرائر : 48.

______________________________________________________

بالاستحباب ، وهو المعتمد.

لنا : إنّ الوجوب زیادة تکلیف والأصل عدمه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا استویت جالسا فقل أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شریک له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف » (1).

وفی الصحیح عن الفضیل وزرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا فرغ من الشهادتین فقد مضت صلاته ، فإن کان مستعجلا فی أمر یخاف أن یفوته فسلم وانصرف أجزأه » (2) والمراد بالإجزاء : الإجزاء فی حصول الفضیلة والکمال کما یقتضیه أول الخبر.

وفی الصحیح عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : وقد سأله عن المأموم ، یطوّل الإمام فتعرض له الحاجة فقال : « یتشهد وینصرف ویدع الإمام » (3).

وفی الموثق عن یونس بن یعقوب قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : صلیت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسیت أن أسلم علیهم فقالوا : ما سلمت علینا ، فقال : « ألم تسلم وأنت جالس؟ » قلت : بلی ، قال : « لا بأس علیک ولو نسیت حتی قالوا ذلک استقبلتهم بوجهک فقلت السلام علیکم » (4).

ویمکن أن یستدل علیه أیضا بصحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو

ص: 430


1- التهذیب 2 : 101 - 379 ، الإستبصار 1 : 342 - 1289 ، الوسائل 4 : 992 أبواب التشهد ب 4 ح 4.
2- التهذیب 2 : 317 - 1298 ، الوسائل 4 : 1004 أبواب التسلیم ب 1 ح 5.
3- الفقیه 1 : 261 - 1191 ، التهذیب 2 : 349 - 1446 ، قرب الإسناد : 95 الوسائل 5 464 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
4- التهذیب 2 : 348 - 1442 ، قرب الإسناد : 128 ، الوسائل 4 : 1011 أبواب التسلیم ب 3 ح 5.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام : « إذا فرغت من طوافک فأت مقام إبراهیم فصل رکعتین واجعله أمامک واقرأ فی الأولی منهما : قل هو الله أحد ، وفی الثانیة : قل یا أیها الکافرون ، ثم تشهد واحمد الله وأثن علیه وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله واسأله أن یتقبل منک » (1) الحدیث. فإن ظاهره عدم وجوب التسلیم فی رکعتی الطواف ولا قائل بالفصل.

ویدل علیه أیضا أنه لو وجب التسلیم لبطلت الصلاة بتخلل المنافی بینه وبین التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله. أما الملازمة فإجماعیة ، وأما بطلان اللازم فلما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام : أنه سأله عن الرجل یصلی ثم یجلس فیحدث قبل أن یسلم ، قال : « تمت صلاته » (2) وما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا التفتّ فی صلاة مکتوبة من غیر فراغ فأعد الصلاة إذا کان الالتفات فاحشا ، وإن کنت قد تشهدت فلا تعد » (3) وما رواه غالب بن عثمان فی الموثق ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی المکتوبة فیقضی ویتشهد ثم ینام قبل أن یسلم ، قال : « تمت صلاته وإن کان رعافا غسله ثم رجع فسلم » (4).

احتج الموجبون بوجوه :

الأول : وهو الذی صدر به الاستدلال فی المنتهی (5) قوله تعالی : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً ) (6) والأمر للوجوب ، ولا یجب فی غیر الصلاة بالإجماع

ص: 431


1- الکافی 4 : 423 - 1 ، التهذیب 5 : 136 - 450 ، الوسائل 9 : 479 أبواب الطواف ب 71 ح 3.
2- التهذیب 2 : 320 - 1306 ، الإستبصار 1 : 345 - 1301 ، الوسائل 4 : 1011 أبواب التسلیم ب 3 ح 2.
3- الکافی 3 : 365 - 10 ، التهذیب 2 : 323 - 1322 ، الإستبصار 1 : 405 - 1547 ، الوسائل 4 : 1011 أبواب التسلیم ب 3 ح 4.
4- التهذیب 2 : 319 - 1304 ، الوسائل 4 : 1012 أبواب التسلیم ب 3 ح 6.
5- المنتهی 1 : 295.
6- الأحزاب : 56.

______________________________________________________

فیجب فیها قطعا.

وجوابه المنع من الدلالة علی المدعی ، إذ المتبادر من الآیة أنّ المراد من التسلیم الانقیاد للنبی صلی الله علیه و آله فی الأمور کما ورد فی بعض الأخبار (1) ، أو التسلیم علی النبی صلی الله علیه و آله بقرینة العطف وهو خلاف المدعی.

الثانی : مداومة النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام علی فعله ، وهو امتثال الأمر المطلق فیکون بیانا له.

وجوابه منع المقدمتین ، ولیس ذلک بأبلغ من المواظبة علی رفع الیدین بتکبیرة الإحرام مع استحبابه إجماعا کما حکاه فی المعتبر (2).

الثالث : ما رواه الشیخ والمرتضی وابن بابویه مرسلا عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : مفتاح الصلاة الطهور وتحریمها التکبیر وتحلیلها التسلیم » (3) وقد رواه الکلینی مسندا عن علی بن محمد بن عبد الله ، عن سهل بن زیاد ، عن جعفر بن محمد الأشعری ، عن القداح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال رسول الله صلی الله علیه و آله (4) الحدیث.

وجه الاستدلال : أنّ التسلیم وقع خبرا عن التحلیل فیجب کونه مساویا للمبتدإ أو أعم منه ، فلو وقع التحلیل بغیره کان المبتدأ أعم ، وأیضا : فإن الظاهر إرادة حصر التحلیل فیه لأنه مصدر مضاف إلی الصلاة فیتناول کل تحلیل یضاف إلیها ، ولأن الخبر إذا کان مفردا کان هو المبتدأ بمعنی أنّ الذی صدق

ص: 432


1- البرهان فی تفسیر القرآن 3 : 334.
2- المعتبر 2 : 156.
3- الشیخ فی الخلاف 1 : 132 ، والمرتضی فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 196 ، وابن بابویه فی الفقیه 1 : 23 - 68 ، ولکن لم یسنده إلی الرسول صلی الله علیه و آله ، وأورده فی الوسائل 4 : 1005 أبواب التسلیم ب 1 ح 8.
4- الکافی 3 : 69 - 2 ، الوسائل 4 : 1003 أبواب التسلیم ب 1 ح 1.

______________________________________________________

علیه أنه تحلیل للصلاة یصدق علیه التسلیم ، کذا قرره فی المعتبر (1).

وجوابه أولا بضعف هذا الحدیث ، وما قیل من أنّ هؤلاء الثلاثة هم العمدة فی ضبط الأحادیث ولولا علمهم بصحته لما أرسلوه (2) فظاهر الفساد.

وثانیا إن ما قرر فی إفادة الحصر غیر تام ، لأن مبناه علی دعوی کون الإضافة للعموم ، وهو ممنوع فإن الإضافة کما تکون للاستغراق تکون للجنس والعهد الذهنی والخارجی کما قرر فی محله.

الرابع : ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی رجل صلّی الصبح فلما جلس فی الرکعتین قبل أن یتشهد رعف ، قال : « فلیخرج فلیغسل أنفه ثم لیرجع فلیتم صلاته فإن آخر الصلاة التسلیم » (3).

والجواب أولا بالطعن فی السند باشتراک أبی بصیر بین الثقة وغیره ، وبأن من جملة رجاله عثمان بن عیسی وسماعة وهما واقفیان (4).

وثانیا بمنع الدلالة ، فإن کون التسلیم آخر أفعال الصلاة لا یقتضی وجوبه ، فإن الأفعال تشمل الواجب والمندوب.

وثالثا بأنه متروک الظاهر ، إذ لا نعلم بمضمونه قائلا من الأصحاب.

الخامس : لو لم یجب التسلیم لما بطلت صلاة المسافر بالإتمام ، والتالی باطل فالمقدم مثله ، والملازمة ظاهرة.

وأجیب عنه بالمنع من الملازمة ، فإن فعل الرکعتین بقصد الإتمام یقتضی

ص: 433


1- المعتبر 2 : 233.
2- المنتهی 1 : 295.
3- التهذیب 2 : 320 - 1307 ، الإستبصار 1 : 345 - 1302 ، الوسائل 4 : 1004 أبواب التسلیم ب 1 ح 4.
4- راجع الفهرست : 120 - 534 ، ورجال الشیخ : 351.

وله عبارتان ، إحداهما أن یقول : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، والأخری أن یقول : السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته. وبکل منهما یخرج من الصلاة. وبأیهما بدأ کان الثانی مستحبا.

______________________________________________________

الزیادة فی الصلاة ، والبطلان لذلک لا لعدم التسلیم (1). وفیه نظر ، إذ الظاهر من مذهب القائل بالاستحباب أنّ آخر أفعال الصلاة التشهد فلا یضر فعل المنافی بعده ، کما صرح به الشیخ فی الاستبصار (2) ، وابن إدریس فی مسألة من زاد فی صلاته رکعة بعد التشهد (3) ، حیث اعترفا بعدم بطلان الصلاة بذلک بناء علی استحباب التسلیم ، وحینئذ یقوی الإشکال فی الفرق بین هذه المسألة وبین مسألة الإتمام.

ویمکن أن یقال أنّ صلاة المسافر إنما تبطل بالإتمام إذا أوقعها المکلف أو شیئا من أفعالها الواجبة علی ذلک الوجه ، لا مع تجدده بعد الفراغ من الأفعال. وسیجی ء تمام تحقیق المسألة إن شاء الله تعالی (4).

قوله : ( وله عبارتان ، إحداهما أن یقول : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، والأخری أن یقول : السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته ، وبکل منهما یخرج من الصلاة ، وبأیهما بدأ کان الثانی مستحبا ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الأکثر إلی تعیّن ( السلام علیکم ) للخروج ، قال الشهید فی الدروس : وعلیه الموجبون (5). وذکر فی البیان : أن « السلام علینا » لم یوجبها أحد من القدماء ، وأنّ القائل بوجوب التسلیم یجعلها مستحبة کالتسلیم علی الأنبیاء والملائکة غیر مخرجة من الصلاة ، والقائل بندب التسلیم یجعلها مخرجة (6).

صورة التسلیم

ص: 434


1- روض الجنان : 280.
2- الاستبصار 1 : 377.
3- السرائر : 52.
4- فی ج 4 ص 473.
5- الدروس : 40.
6- البیان : 94.

______________________________________________________

وذهب المصنف - رحمه الله - فی کتبه الثلاثة إلی التخییر بین الصیغتین (1). وأنکره الشهید فی الذکری ، وقال إنه قول محدث فی زمان المصنف - رحمه الله - أو قبله بیسیر (2).

وربما ظهر من کلام الفاضل یحیی بن سعید فی الجامع وجوب السلام علینا وتعیّنها للخروج فإنه قال : والتسلیم الواجب الذی یخرج به من الصلاة ، السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین (3). قال فی الذکری : وفی هذا القول خروج عن الإجماع من حیث لا یشعر قائله (4).

والکلام فی هذه المسألة یقع فی مقامین :

أحدهما : أنّ الخروج من الصلاة بما ذا یقع؟ والأظهر أنه یقع بکل من الصیغتین :

أما السلام علیکم فبإجماع الأمة ، فإنهم لا یختلفون فی ذلک کما ( حکاه فی المعتبر (5) ) (6).

أما السلام علینا فبالأخبار الکثیرة ، کصحیحة الحلبی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « کلما ذکرت الله عزّ وجلّ به ، والنبی صلی الله علیه و آله فهو من الصلاة ، وإن قلت : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین فقد انصرفت » (7).

ص: 435


1- المعتبر 2 : 234 ، المختصر النافع : 33 ، الشرائع 1 : 89.
2- الذکری : 207.
3- الجامع للشرائع : 84.
4- الذکری : 208.
5- المعتبر 2 : 235.
6- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « م » ، « ح » : نقله جماعة منهم المصنف فی المعتبر ، فإنه قال : وأما أنه لو لم یقل ذلک یعنی : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین - وقال السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته کان خروجا جائزا ، نقله علماء الإسلام کافة لا یختلفون فیه ، وإنما الخلاف فی تعیّنه للخروج.
7- الکافی 3 : 337 - 6 ، التهذیب 2 : 316 - 1293 ، الوسائل 4 : 1012 أبواب التسلیم ب 4 ح 1.

______________________________________________________

وحسنة میسر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « شیئان یفسد الناس بهما صلاتهم : قول الرجل تبارک اسمک وتعالی جدّک ولا إله غیرک ، وإنما [ هو ] (1) شی ء قالته الجن بجهالة فحکی الله عنهم ، وقول الرجل السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین » (2).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت إماما فإنما التسلیم أن تسلّم علی النبی علیه وعلی آله السلام وتقول : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، فإذا قلت ذلک فقد انقطعت الصلاة ، ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام علیک » (3) وفی طریق هذه الروایة محمد بن سنان ، وهو ضعیف (4).

وثانیهما : أنّ الواجب علی القول بوجوب التسلیم أیّ الصیغتین؟ والأظهر أنه : السلام علیکم ، لأن الأخبار المتضمنة للسلام علینا إنما تدل علی کونها قاطعة للصلاة خاصة (5) ، وهو لا یستلزم الوجوب ، وما تضمن الأمر بها فضعیف السند قاصر الدلالة.

واحتجاج المصنف - رحمه الله - علی وجوب إحدی الصیغتین تخییرا بصدق التسلیم علیهما فیتناولهما عموم قوله علیه السلام : « وتحلیلها التسلیم » (6) ضعیف ، لأن التعریف للعهد والمعروف منه بین الخاصة والعامة ( السلام علیکم ) کما یعلم من تتبع الأحادیث ، حیث تذکر فیها ألفاظ السلام المستحبة

ص: 436


1- أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 2 : 316 - 1290 ، الخصال : 50 - 59 ، الوسائل 4 : 1000 أبواب التشهد ب 12 ح 1.
3- التهذیب 2 : 93 - 349 ، الإستبصار 1 : 347 - 1307 ، الوسائل 4 : 1008 أبواب التسلیم ب 2 ح 8.
4- راجع رجال النجاشی : 328 - 888 ، 424 - 1140 ، ورجال الشیخ : 386 ، والفهرست : 143 - 609.
5- الوسائل 4 : 1008 أبواب التسلیم ب 2 ح 8 ، وص 1012 ب 4 ح 2 ، 5.
6- المعتبر 2 : 234.

______________________________________________________

والسلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ثم یقال : ویسلّم.

وأما ما ذکره الفاضل یحیی بن سعید من وجوب السلام علینا خاصة فلا ریب فی ضعفه.

وذکر الشهید - رحمه الله - فی الذکری أنّ الاحتیاط للدین الإتیان بالصیغتین ، جمعا بین القولین ، قال : ولیس ذلک بقادح فی الصلاة بوجه من الوجوه ، بادئا بالسلام علینا وعلی عباد الله الصالحین لا بالعکس ، فإنه لم یأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوی ما فی بعض کتب المحقق - رحمه الله - ویعتقد ندب السلام علینا وجوب الصیغة الأخری ، وإن أبی المصلی إلا إحدی الصیغتین فالسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته مخرجة بالإجماع (1). انتهی کلامه رحمه الله ، وهو جید ( لکن قد یتطرق إلی تقدیم السلام علینا إشکال من حیث أنه غیر واجب بالإجماع کما اعترف به ، وقد ثبت کونه قاطعا للصلاة ، فمع تقدیمه یکون فاصلا بین أجزاء الصلاة علی القول بوجوب التسلیم. والأمر فی ذلک هیّن بعد وضوح المأخذ ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه ) (2).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : الأظهر أنّ الواجب علی القول بوجوب التسلیم : السلام علیکم خاصة ، وبه قال ابن بابویه (3) ، وابن أبی عقیل (4) ، وابن الجنید (5). وقال أبو الصلاح : الفرض أن یقول السلام علیکم ورحمة الله (6) ، ولعل مستنده ما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، قال : رأیت إخوتی موسی وإسحاق ومحمد بنی جعفر یسلمون فی الصلاة علی الیمین والشمال السلام علیکم ورحمة الله ،

ص: 437


1- الذکری : 208.
2- لیس فی « س ».
3- الفقیه 1 : 210 ، المقنع : 29.
4- نقله عنهما فی المنتهی 1 : 296.
5- نقله عنهما فی المنتهی 1 : 296.
6- الکافی فی الفقه : 119.

ومسنون هذا القسم أن یسلم المنفرد إلی القبلة تسلیمة واحدة ، ویومئ بمؤخر عینیه إلی یمینه ،

______________________________________________________

السلام علیکم ورحمة الله (1). وهو لا یفید الوجوب ، قال العلامة فی المنتهی : ولو قال السلام علیکم ورحمة الله جاز ، وإن لم یقل وبرکاته بلا خلاف (2).

الثانی : الأجود أنه لا تجب نیة الخروج من الصلاة بالتسلیم ، للأصل وانتفاء المخرج عنه ، وربما قیل بالوجوب ، لأنه لیس جزءا من الصلاة ، ولأنه محلل فیحتاج إلی النیة کالمحلل فی الحج والعمرة (3) ، وهو ضعیف ودلیله مزیف.

الثالث : یستحب أن یقصد المصلی بالتسلیم : التسلیم علی الأنبیاء والأئمة والحفظة ، ویزید الإمام المأمومین ، والمأموم الرد علی الإمام ومن علی جانبیه ، وفی الأخبار دلالة علی ذلک (4).

قوله : ( ومسنون هذا القسم أن یسلم المنفرد إلی القبلة تسلیمة واحدة ، ویومئ بمؤخر عینیه إلی یمینه ).

أما اکتفاء المنفرد بالتسلیمة الواحدة إلی القبلة فهو مذهب الأصحاب ، ویدل علیه صحیحة عبد الحمید بن عواض ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن کنت تؤم قوما أجزأک تسلیمة واحدة عن یمینک ، وإن کنت مع إمام فتسلیمتین ، وإن کنت وحدک فواحدة مستقبل القبلة » (5).

وأما الإیماء بمؤخر العین إلی الیمین ، والمؤخر کمؤمن : طرفها الذی یلی

مسنونات التسلیم

ص: 438


1- التهذیب 2 : 317 - 1297 ، الوسائل 4 : 1007 أبواب التسلیم ب 2 ح 2.
2- المنتهی 1 : 296.
3- کما فی جامع المقاصد 1 : 124.
4- الوسائل 4 : 1007 أبواب التسلیم ب 2.
5- التهذیب 2 : 93 - 345 ، الإستبصار 1 : 346 - 1303 ، الوسائل 4 : 1007 أبواب التسلیم ب 2 ح 3.

والإمام بصفحة وجهه ، وکذا المأموم. ثم إن کان علی یساره غیره أومأ بتسلیمة أخری إلی یساره بصفحة وجهه أیضا.

______________________________________________________

الصدغ ، فعزاه فی المعتبر (1) إلی الشیخ فی النهایة (2) ، قال : وربما أیده روایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت وحدک فسلم تسلیمة واحدة عن یمینک » (3) وفی السند ضعف ، وفی الدلالة نظر.

قوله : ( والإمام بصفحة وجهه ).

المستفاد من الروایة المتقدمة أنّ الإمام یسلم تسلیمة واحدة عن الیمین.

وفی روایة أبی بصیر « ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة السلام علیکم » (4) وفی الطریق محمد بن سنان وهو ضعیف.

قوله : ( وکذا المأموم ، ثم إن کان علی یساره غیره أومأ بتسلیمة أخری إلی یساره بصفحة وجهه ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن منصور قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « الإمام یسلم واحدة ومن ورائه یسلم اثنتین ، فإن لم یکن علی شماله أحد سلم واحدة » (5).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فإذا کنت فی جماعة فقل مثل ما قلت وسلم علی من علی یمینک وشمالک ، فإن لم یکن علی شمالک أحد فسلم علی الذی علی یمینک » (6) ولیس فی هاتین الروایتین ولا فی غیرهما مما وقفت علیه دلالة علی الإیماء بصفحة الوجه.

ص: 439


1- المعتبر 2 : 237.
2- النهایة : 72.
3- المعتبر 2 : 237 ، الوسائل 4 : 1009 أبواب التسلیم ب 2 ح 12.
4- التهذیب 2 : 93 - 349 ، الإستبصار 1 : 347 - 1307 ، الوسائل 4 : 1008 أبواب التسلیم ب 2 ح 8.
5- التهذیب 2 : 93 - 346 ، الإستبصار 1 : 346 - 1304 ، الوسائل 4 : 1007 أبواب التسلیم ب 2 ح 4.
6- تقدم فی الهامش 4.

وأما المسنون فی الصلاة فخمسة :

الأول : التوجه. بستة تکبیرات مضافة إلی تکبیرة الافتتاح ، بأن یکبّر ثلاثا ثم یدعو ، ثم یکبر اثنتین ویدعو ، ثم یکبّر اثنتین ویتوجه. وهو مخیّر فی السبع أیّها شاء أوقع معه نیّة الصلاة ، فیکون ابتداء الصلاة عندها.

______________________________________________________

ونقل عن ابنی بابویه - رضی الله عنهما - أنهما جعلا الحائط عن یسار المصلی کافیا فی استحباب التسلیمتین (1) ، قال فی الذکری : ولا بأس باتباعهما ، لأنها جلیلان لا یقولان إلا عن ثبت (2) ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( وأما المسنون فی الصلاة فخمسة ، الأول : التوجه بست تکبیرات مضافة إلی تکبیرة الافتتاح ، بأن یکبر ثلاثا ثم یدعو ، ثم یکبر اثنتین ویدعو ، ثم یکبر اثنتین ویتوجه ، وهو مخیر فی السبع أیها شاء أوقع معه نیة الصلاة ، فیکون ابتداء الصلاة عندها ).

إطلاق العبارة یقتضی استحباب التوجه للمصلی بست تکبیرات مضافة إلی تکبیرة الافتتاح فی جمیع الصلوات ، وبه صرح المصنف فی المعتبر (3) ، وابن إدریس فی سرائره ، ونص علی الاستحباب فی جمیع الصلوات المفروضات والمسنونات (4). ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - فی المسائل المحمدیة أنه خصها بالفرائض دون النوافل (5).

وقال المفید فی المقنعة : یستحب التوجه فی سبع صلوات (6) ، قال الشیخ فی التهذیب : ذکر ذلک علی بن الحسین فی رسالته ، ولم أجد بها خبرا مسندا.

مستحبات الصلاة

استحباب التوجه بست تکبیرات

ص: 440


1- الفقیه 1 : 210 ، المقنع : 29 ، ونقله عنهما فی الذکری : 208.
2- الذکری : 208.
3- المعتبر 2 : 155.
4- السرائر : 45.
5- نقله عنها فی المختلف : 99.
6- المقنعة : 16.

______________________________________________________

وتفصیلها ما ذکره : أول کل فریضة ، وأول رکعة من صلاة اللیل ، وفی المفردة من الوتر ، وفی أول رکعة من رکعتی الزوال ، وفی أول رکعة من نوافل المغرب ، وفی أول رکعة من رکعتی الإحرام ، فهذه الستة مواضع ذکرها علی بن الحسین ، وزاد الشیخ - یعنی المفید - الوتیرة (1). والأصح ما أطلقه المصنف - رحمه الله - تمسکا بإطلاق الأحادیث ، وقد تقدم طرف منها فیما سبق (2).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن زید الشحام قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الافتتاح؟ فقال : « تکبیرة تجزیک » قلت : فالسبع؟ قال : « ذلک الفضل » (3).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « خرج رسول الله صلی الله علیه و آله إلی الصلاة وقد کان الحسین علیه السلام أبطأ عن الکلام حتی تخوفوا أنه لا یتکلم وأن یکون به خرس ، فخرج به علیه السلام حامله علی عاتقه وصفّ الناس خلفه فأقامه علی یمینه ، فافتتح رسول الله صلی الله علیه و آله الصلاة ، فکبر الحسین علیه السلام ، فلما سمع رسول الله صلی الله علیه و آله تکبیره عاد ، فکبر الحسین علیه السلام ، حتی کبر رسول الله صلی الله علیه و آله سبع تکبیرات وکبر الحسین علیه السلام فجرت السنة بذلک » (4).

وروی الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا افتتحت الصلاة فارفع یدیک ثم أبسطهما بسطا ثم کبر ثلاث تکبیرات ثم قل : اللهم أنت الملک الحق ، لا إله إلا أنت ، سبحانک إنی ظلمت نفسی فاغفر لی ذنبی إنه لا یغفر الذنوب إلا أنت ، ثم کبر تکبیرتین ثم

ص: 441


1- التهذیب 2 : 94.
2- فی ص 321.
3- التهذیب 2 : 66 - 241 ، الوسائل 4 : 713 أبواب تکبیرة الإحرام ب 1 ح 2.
4- الفقیه 1 : 199 - 918 ، علل الشرائع : 332 - 2 ، الوسائل 4 : 722 أبواب تکبیرة الإحرام ب 7 ح 4.

الثانی : القنوت ، وهو فی کل ثانیة قبل الرکوع وبعد القراءة.

______________________________________________________

قل : لبیک وسعدیک والخیر فی یدیک ، والشر لیس إلیک ، والمهدی من هدیت لا ملجأ منک إلا إلیک ، سبحانک وحنانیک ، تبارکت وتعالیت ، سبحانک رب البیت ، ثم تکبر تکبیرتین ثم تقول : ( وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) - ( عالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهادَةِ ) - ( حَنِیفاً مُسْلِماً ) - ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ ) - ( إِنَّ صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیایَ وَمَماتِی لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ، لا شَرِیکَ لَهُ وَبِذلِکَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمین ، ثم تعوّذ من الشیطان الرجیم ثم اقرأ فاتحة الکتاب » (1).

قوله : ( الثانی : القنوت ، وهو فی کل ثنائیة قبل الرکوع وبعد القراءة ).

القنوت لغة : الطاعة ، والسکون ، والدعاء ، والقیام فی الصلاة ، والإمساک عن الکلام ، نص علیه فی القاموس (2). والمراد به هنا ذکر مخصوص فی موضع معیّن من الصلاة.

وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فذهب الأکثر إلی استحبابه ، وقال ابن بابویه فی کتابه : والقنوت سنة واجبة ، من ترکه عمدا أعاد (3). ونحوه قال ابن أبی عقیل (4). والمعتمد الأول.

لنا علی الاستحباب روایات ، منها : صحیحة صفوان الجمال ، قال : صلیت خلف أبی عبد الله علیه السلام أیاما فکان یقنت فی کل صلاة یجهر فیها أو لا یجهر فیها (5).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « القنوت فی کل

القنوت

ص: 442


1- الکافی 3 : 310 - 7 ، التهذیب 2 : 67 - 244 ، الوسائل 4 : 723 أبواب تکبیرة الإحرام ب 8 ح 1.
2- القاموس المحیط 1 : 161.
3- الفقیه 1 : 207.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 243 والمختلف : 96.
5- الکافی 3 : 339 - 2 ، الفقیه 1 : 209 - 943 ، التهذیب 2 : 89 - 329 ، الإستبصار 1 : 338 - 1270 ، الوسائل 4 : 896 أبواب القنوت ب 1 ح 3.

______________________________________________________

صلاة ، فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع » (1).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن القنوت فقال : « فی کل صلاة فریضة ونافلة » (2).

ویدل علی انتفاء الوجوب - مضافا إلی الأصل السالم مما یصلح للمعارضة - صحیحة البزنطی ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : « قال أبو جعفر علیه السلام فی القنوت : إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت » قال أبو الحسن علیه السلام : « وإذا کانت التقیة فلا تقنت ، وأنا أتقلد هذا » (3).

احتج ابن بابویه بقوله تعالی ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِینَ ) (4) قال : یعنی داعین مطیعین (5).

واستدل له المتأخرون (6) أیضا بروایة وهب بن عبد ربه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من ترک القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » (7).

والجواب عن الآیة أنّ القنوت یجی ء فی اللغة لمعان منها الطاعة ، فلعله المراد هنا ، سلمنا أنّ المراد به الدعاء لکن الامتثال یحصل بالدعاء فی حالة القیام مطلقا فلا یدل علی القنوت المخصوص.

وعن الروایة بالطعن فی السند وجواز أن یکون المنفی فیها الفضیلة

ص: 443


1- الکافی 3 : 340 - 7 ، التهذیب 2 : 89 - 330 ، الإستبصار 1 : 338 - 2171 ، الوسائل 4 : 900 أبواب القنوت ب 3 ح 1.
2- الکافی 3 : 339 - 5 ، الوسائل 4 : 897 أبواب القنوت ب 1 ح 8.
3- التهذیب 2 : 91 - 340 ، الإستبصار 1 : 340 - 1281 ، الوسائل 4 : 901 أبواب القنوت ب 4 ح 1.
4- البقرة : 238.
5- الفقیه 1 : 207.
6- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 243 ، والشهید فی الذکری : 183 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 282.
7- الکافی 3 : 339 - 2 ، الوسائل 4 : 897 أبواب القنوت ب 1 ح 11.

ویستحب أن یدعو فیه بالأذکار المرویّة ، وإلا فیما شاء ، وأقلّه ثلاثة تسبیحات :

______________________________________________________

والکمال لا الصحة والإجزاء ، وأیضا : فإن ما تضمنته من الترک رغبة أخص من الدعوی ، إذ تعمد الترک قد یکون رغبة عنه وقد لا یکون.

وقد أجمع علماؤنا علی أنّ محله بعد القراءة وقبل الرکوع ، حکاه فی المنتهی (1) ، ویدل علیه صحیحة زرارة المتقدمة (2) ، وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ما أعرف قنوتا إلا قبل الرکوع » (3).

وما المصنف فی المعتبر إلی التخییر بین فعله قبل الرکوع وبعده وإن کان الأول أفضل (4) ، لروایة إسماعیل الجعفی ومعمر بن یحیی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « القنوت قبل الرکوع ، وإن شئت بعده » (5) وفی السند القاسم بن محمد الجوهری وهو ضعیف (6).

قوله : ( ویستحب أن یدعو فیه بالأذکار المرویة ، وإلا فبما شاء ، وأقله ثلاث تسبیحات ).

أفضل ما یقال فی القنوت الدعاء المأثور عن النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، فروی سعد بن أبی خلف فی الحسن ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « یجزیک فی القنوت : اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا فی الدنیا والآخرة إنک علی کل شی ء قدیر » (7).

ص: 444


1- المنتهی 1 : 299.
2- فی ص 442.
3- الکافی 3 : 340 - 13 ، الوسائل 4 : 901 أبواب القنوت ب 3 ح 6.
4- المعتبر 2 : 245.
5- التهذیب 2 : 92 - 343 ، الإستبصار 1 : 341 - 1283 ، الوسائل 4 : 900 أبواب القنوت ب 3 ح 4.
6- راجع رجال الشیخ : 358.
7- الکافی 3 : 340 - 12 ، التهذیب 2 : 87 - 322 ، الوسائل 4 : 906 أبواب القنوت ب 7 ح 1.

______________________________________________________

وروی أبو بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « القنوت یوم الجمعة فی الرکعة الأولی بعد القراءة ، تقول فی القنوت : لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، لا إله إلا الله العلی العظیم ، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرضین السبع وما فیهن وما بینهن وما تحتهن ورب العرش العظیم ، والحمد لله رب العالمین ، اللهم صلّ علی محمد وآل محمد کما هدیتنا به ، اللهم صلّ علی محمد وآل محمد کما أکرمتنا به ، اللهم اجعلنا ممن اخترته لدینک وخلقته لجنتک ، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدیتنا وهب لنا من لدنک رحمة إنک أنت الوهاب » (1).

وذکر الشیخ (2) وأکثر الأصحاب أنّ أفضل ما یقال فیه کلمات الفرج ، وقال ابن إدریس : وروی أنها أفضله (3). ولم أقف علی ما نقله من الروایة. لکن لا ریب فی استحباب القنوت بها لأنها ثناء وذکر.

وصورتها : لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، لا إله إلا الله العلی العظیم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضین السبع وما فیهن وما بینهن ورب العرش العظیم ، والحمد لله رب العالمین ، روی ذلک زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام (4).

وذکر المفید - رحمه الله - وجمع من الأصحاب أنه یقول قبل التحمید : وسلام علی المرسلین (5).

وسئل عنه المصنف فی الفتاوی فجوّزه ، لأنه بلفظ القرآن ، ولا ریب فی

ص: 445


1- الکافی 3 : 426 - 1 ، التهذیب 3 : 18 - 64 ، الوسائل 4 : 906 أبواب القنوت ب 7 ح 4 ، بتفاوت یسیر.
2- الاقتصاد : 263.
3- السرائر : 48.
4- الکافی 3 : 122 - 3 ، التهذیب 1 : 288 - 839 ، الوسائل 2 : 666 أبواب الاحتضار ب 38 ح 1.
5- المقنعة : 16.

وفی الجمعة قنوتان ، فی الأولی قبل الرکوع ، وفی الثانیة بعد الرکوع.

______________________________________________________

الجواز لکن جعله فی أثناء کلمات الفرج مع خروجه عنها لیس بجید.

ویجوز الدعاء فی القنوت بما سنح للدین والدنیا ، لصحیحة إسماعیل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القنوت وما یقال فیه ، فقال : « ما قضی الله علی لسانک ولا أعلم فیه شیئا موقتا » (1).

وروی الحلبی فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القنوت فیه قول معلوم؟ فقال : « أثن علی ربک وصلّ علی نبیک واستغفر لذنبک » (2).

واختلف الأصحاب فی جواز الدعاء فی القنوت بالفارسیة ، فمنعه سعد بن عبد الله (3) ، وأجازه محمد بن الحسن الصفار (4) وابن بابویه (5) ، لصحیحة علی بن مهزیار ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یتکلم فی صلاة الفریضة بکل شی ء یناجی به ربه؟ قال : « نعم » (6).

قال ابن بابویه بعد نقل هذه الروایة ولو لم یرد هذا الخبر لکنت أجیزه بالخبر الذی روی عن الصادق علیه السلام أنه قال : « کل شی ء مطلق حتی یرد فیه نهی » والنهی عن الدعاء بالفارسیة فی الصلاة غیر موجود والحمد لله (7).

قوله : ( وفی الجمعة قنوتان ، فی الأولی قبل الرکوع ، وفی الثانیة بعد الرکوع ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن

ص: 446


1- الکافی 3 : 340 - 8 ، التهذیب 2 : 314 - 1281 ، الوسائل 4 : 908 أبواب القنوت ب 9 ح 1.
2- الفقیه 1 : 207 - 933 ، الوسائل 4 : 908 أبواب القنوت ب 9 ح 4.
3- الفقیه 1 : 208.
4- الفقیه 1 : 208.
5- الفقیه 1 : 208.
6- الفقیه 1 : 208 - 936 ، التهذیب 2 : 326 - 1337 ، الوسائل 4 : 917 أبواب القنوت ب 9 ح 1.
7- الفقیه 1 : 208 ، الوسائل 4 : 917 أبواب القنوت ب 19 ح 3.

ولو نسیه قضاه بعد الرکوع.

______________________________________________________

أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « کل القنوت قبل الرکوع إلا الجمعة فإن الرکعة الأولی القنوت فیها قبل الرکوع والأخیرة بعد الرکوع » (1) وهی ضعیفة السند باشتراک أبی بصیر بین الثقة والضعیف.

وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه بعد أن أورد القنوت فی الرکعتین علی هذا الوجه : تفرد بهذه الروایة حریز عن زرارة ، والذی استعمله وأفتی به ومضی علیه مشایخی - رحمهم الله - هو أن القنوت فی جمیع الصلوات ، فی الجمعة وغیرها ، فی الرکعة الثانیة بعد القراءة وقبل الرکوع (2). وما ذکره - رحمه الله - من روایة زرارة یصلح مستندا للقول الأول لو کانت متصلة.

وقال المفید - رحمه الله - وجمع من الأصحاب : إنّ فی الجمعة قنوتا واحدا فی الرکعة الأولی قبل الرکوع (3). وهو المعتمد ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه. کصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی قنوت الجمعة : « إذا کان إماما قنت فی الرکعة الأولی ، وإن کان یصلی أربعا ففی الرکعة الثانیة قبل الرکوع » (4).

وصحیحة سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « القنوت یوم الجمعة فی الرکعة الأولی » (5) ویؤیده قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ما أعرف قنوتا إلا قبل الرکوع » (6).

قوله : ( ولو نسیه قضاه بعد الرکوع ).

ص: 447


1- التهذیب 2 : 90 - 334 ، الوسائل 4 : 904 أبواب القنوت ب 5 ح 12.
2- الفقیه 1 : 266.
3- المقنعة : 27.
4- الکافی 3 : 427 - 2 ، التهذیب 3 : 16 - 59 ، الإستبصار 1 : 417 - 1603 الوسائل 4 : 902 أبواب القنوت ب 5 ح 1.
5- التهذیب 3 : 16 - 56 ، الإستبصار 1 : 417 - 1600 ، الوسائل 4 : 903 أبواب القنوت ب 5 ح 6.
6- الکافی 3 : 340 - 13 ، الوسائل 4 : 901 أبواب القنوت ب 3 ح 6.

الثالث : شغل النظر. فی حال قیامه إلی موضع سجوده ،

______________________________________________________

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. ویدل علیه روایات کثیرة ، منها : صحیحة محمد بن مسلم وزرارة بن أعین ، قالا : سألنا أبا جعفر علیه السلام عن الرجل ینسی القنوت حتی یرکع ، قال : « یقنت بعد الرکوع فإن لم یذکر فلا شی ء علیه » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القنوت ینساه الرجل فقال : « یقنت بعد ما یرکع ، وإن لم یذکر حتی ینصرف فلا شی ء علیه » (2).

قال المفید فی المقنعة : ولو لم یذکر القنوت حتی رکع فی الثالثة قضاه بعد الفراغ (3).

وقد روی استحباب الإتیان به بعد الانصراف أبو بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل إذا سها قی القنوت : « قنت بعد ما ینصرف وهو جالس » (4) وروی زرارة فی الصحیح قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل نسی القنوت فذکره وهو فی بعض الطریق فقال : « یستقبل القبلة ثم لیقله - ثم قال - : إنی لأکره للرجل أن یرغب عن سنة رسول الله صلی الله علیه و آله أو یدعها » (5).

قوله : ( الثالث ، شغل النظر فی حال قیامه إلی موضع سجوده ،

محال شغل النظر فی الصلاة

ص: 448


1- التهذیب 2 : 160 - 628 ، الإستبصار 1 : 344 - 1295 ، الوسائل 4 : 916 أبواب القنوت ب 18 ح 1.
2- التهذیب 2 : 160 - 629 ، الإستبصار 1 : 344 - 1296 ، الوسائل 4 : 916 أبواب القنوت ب 18 ح 2.
3- المقنعة : 23.
4- التهذیب 2 : 160 - 631 ، الإستبصار 1 : 345 - 1298 ، الوسائل 4 : 915 أبواب القنوت ب 16 ح 2.
5- الکافی 3 : 340 - 10 ، التهذیب 2 : 315 - 1283 ، الوسائل 4 : 915 أبواب القنوت ب 16 ح 1.

وفی حال القنوت إلی باطن کفیه ، وفی حال الرکوع إلی ما بین رجلیه ، وفی حال السجود إلی طرف أنفه ، وفی حال تشهده إلی حجره.

______________________________________________________

وفی حال القنوت إلی باطن کفیه ).

أما استحباب شغل النظر فی حال القیام إلی موضع سجوده فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ولیکن نظرک إلی موضع سجودک » (1).

وأما استحباب النظر فی حال القنوت إلی باطن الکفین فلم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علیه.

واستدل له فی المعتبر بأن النظر إلی السماء مکروه ، لقوله علیه السلام فی حسنة زرارة : « اجمع بصرک ولا ترفعه إلی السماء » (2) ، والتغمیض مکروه لروایة مسمع ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله نهی أن یغمّض الرجل عینیه فی الصلاة » (3) فیتعین شغله بالنظر إلی باطن الکفین ، ولا بأس به.

قوله : ( وفی حال الرکوع إلی ما بین رجلیه ).

لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ولیکن نظرک إلی ما بین قدمیک » (4) ومقتضی صحیحة حماد بن عیسی استحباب تغمیض العینین (5) ، والجمع بینهما بالتخییر بین الأمرین.

قوله : ( وفی حال السجود إلی طرف أنفه ، وفی حال التشهد إلی حجره ).

ص: 449


1- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 710 أبواب القیام ب 17 ح 2 ، وص 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
2- المعتبر 2 : 246 ، الوسائل 4 : 709 أبواب القیام ب 16 ح 3.
3- التهذیب 2 : 314 - 1280 ، الوسائل 4 : 1252 أبواب قواطع الصلاة ب 6 ح 1.
4- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
5- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

الرابع : شغل الیدین. بأن یکونا فی حال قیامه علی فخذیه بحذاء رکبتیه ، وفی حال القنوت تلقاء وجهه ،

______________________________________________________

ذکر ذلک الأصحاب ولا بأس به لما فیه من الخشوع والإقبال علی عبادة الله تعالی.

قوله : ( الرابع ، شغل الیدین بأن یکونا فی حال قیامه علی فخذیه بحذاء رکبتیه ، وفی حال القنوت تلقاء وجهه ).

أما استحباب جعلهما فی حال القیام علی الفخذین بحذاء الرکبتین فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا قمت فی الصلاة فلا تلصق قدمیک بالأخری ، دع بینهما فصلا ، إصبعا أقل ذلک إلی شبر أکثره ، واسدل منکبیک ، وأرسل یدیک ، ولا تشبک أصابعک ، ولیکونا علی فخذیک قبالة رکبتیک » (1).

وأما استحباب جعلهما فی حال القنوت تلقاء وجهه ، فربما کان مستنده قوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان الواردة فی قنوت الوتر : « وترفع یدیک فی الوتر حیال وجهک وإن شئت تحت ثوبک » (2).

ویستحب أن تکونا مبسوطتین یستقبل ببطونهما السماء وظهورهما الأرض ، وحکی المصنف فی المعتبر قولا بجعل بطونهما إلی الأرض ثم قال : وکلا الأمرین جائز (3).

وقیل : یستحب أن یمسح بهما وجهه عند الفراغ (4) ، والموجود فی التوقیع

وضع الیدین فی الصلاة

ص: 450


1- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
2- الفقیه 1 : 309 - 1410 ، التهذیب 2 : 131 - 504 ، الوسائل 4 : 911 أبواب القنوت ب 12 ح 1.
3- المعتبر 2 : 247.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 125.

وفی حال الرکوع علی رکبتیه ، وفی حال السجود بحذاء أذنیه ، وفی التشهد علی فخذیه.

______________________________________________________

المنسوب إلی الحمیری - رضی الله عنه - استحباب ذلک فی قنوت النافلة خاصة (1).

قوله : ( وفی حال الرکوع علی رکبتیه ).

ینبغی تفریج الأصابع وإیصالها إلی عین الرکبة ووضع الیمنی قبل الیسری ، والمستند فی ذلک کله صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام (2).

قوله : ( وفی حال السجود بحذاء أذنیه ).

رواه حماد عن فعل الصادق علیه السلام (3) ، وفی صحیحة زرارة : « ولا تلزق کفیک برکبتیک ، ولا تدنهما من وجهک ، بین ذلک حیال منکبیک ، ولا تجعلهما بین یدی رکبتیک ولکن تحرفهما عن ذلک شیئا » (4) والعمل بکل من الروایتین حسن إنشاء الله.

فائدة : ذکر الشیخ - رحمه الله - وجمع من الأصحاب أنّ حکم المرأة فی الصلاة حکم الرجل إلا فی الجهر فی القراءة ، فإنه لا جهر علیها (5). والأولی لها اعتماد ما رواه زرارة فی الحسن ، قال : « إذا قامت المرأة فی الصلاة جمعت بین قدمیها ولا تفرج بینهما وتضم یدیها إلی صدرها لمکان ثدییها ، فإذا رکعت وضعت یدیها فوق رکبتیها علی فخذیها لئلا تطأطأ کثیرا فترتفع عجیزتها ، فإذا جلست فعلی إلیتیها لیس کما یقعد الرجل ، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالرکبتین قبل الیدین ثم تسجد لاطئة بالأرض ، فإذا کانت فی جلوسها ضمت فخذیها ورفعت رکبتیها من الأرض ، فإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع

ص: 451


1- الاحتجاج 2 : 486 ، الوسائل 4 : 919 أبواب القنوت ب 23 ح 1.
2- تقدمت الإشارة إلیها فی ص 450 ه 1.
3- تقدم فی ص 449.
4- تقدمت الإشارة إلیها فی ص 450 ه 1.
5- النهایة : 80.

الخامس : التعقیب ، وأفضله تسبیح الزهراء علیهاالسلام ، ثم بما روی من الأدعیة ، وإلا فیما تیسّر.

______________________________________________________

عجیزتها أولا » (1) ولا قدح فی هذه الروایة بالإضمار کما بیناه مرارا.

قوله : ( الخامس ، التعقیب ، وأفضله تسبیح الزهراء علیهاالسلام ، ثم بما روی من الأدعیة ).

قال الجوهری : التعقیب فی الصلاة الجلوس بعد أن یقضیها لدعاء أو مسألة (2).

وقد أجمع العلماء کافة علی استحبابه ، وفضله عظیم وثوابه جسیم فروی زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الدعاء بعد الفریضة أفضل من الصلاة تنفلا » (3).

وروی الولید بن صبیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « التعقیب أبلغ فی طلب الرزق من الضرب فی البلاد » (4) یعنی بالتعقیب الدعاء بعقب الصلوات.

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : « الدعاء دبر المکتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع کفضل المکتوبة علی التطوع » (5).

وأفضل الأذکار فی التعقیب تسبیح الزهراء علیهاالسلام ، فروی صالح بن عقبة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « ما عبد الله بشی ء من

التعقیب

ص: 452


1- الکافی 3 : 335 - 2 ، التهذیب 2 : 94 - 350 ، علل الشرائع : 355 - 1 الوسائل 4 : 676 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4.
2- الصحاح 1 : 186.
3- الکافی 3 : 342 - 5 ، التهذیب 2 : 103 - 389 ، الفقیه 1 : 216 - 962 ، الوسائل 4 : 1020 أبواب القنوت ب 5 ح 2.
4- التهذیب 2 : 104 - 391 ، الوسائل 4 : 1013 أبواب التعقیب ب 1 ح 1.
5- التهذیب 2 : 104 - 392 ، الوسائل 4 : 1019 أبواب التعقیب ب 4 ح 1.

______________________________________________________

التمجید أفضل من تسبیح فاطمة علیهاالسلام ، ولو کان شی ء أفضل منه لنحله رسول الله صلی الله علیه و آله فاطمة علیهاالسلام » (1).

وروی أبو خالد القماط فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « تسبیح فاطمة علیهاالسلام فی کل یوم ، دبر کل صلاة أحب إلیّ من صلاة ألف رکعة فی کل یوم » (2).

وروی ابن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من سبح تسبیح فاطمة الزهراء علیهاالسلام قبل أن یثنی رجلیه من صلاة الفریضة غفر له ، ویبدأ بالتکبیر » (3).

ولیکن التسبیح بهذا الترتیب : یکبر أربعا وثلاثین ، ثم یحمد ثلاثا وثلاثین ، ثم یسبح ثلاثا وثلاثین ، وقد ورد ذلک فی عدة روایات ، منها : صحیحة محمد بن عذافر ، قال : دخلت مع أبی علی أبی عبد الله علیه السلام ، فسأله أبی عن تسبیح فاطمة علیهاالسلام فقال : « الله أکبر حتی أحصی أربعا وثلاثین مرة ، ثم قال الحمد لله حتی بلغ سبعا وستین ، ثم قال سبحان الله حتی بلغ مائة یحصیها بیده جملة واحدة » (4) وربما ظهر من کلام ابن بابویه تقدیم التسبیح علی التحمید (5) ، ولم نقف علی مأخذه.

ویستحب أن یتبع تسبیح الزهراء بلا إله إلا الله ، لما روی عن الصادق علیه السلام أنه قال : « من سبح الله دبر الفریضة تسبیح فاطمة الزهراء

ص: 453


1- الکافی 3 : 343 - 14 ، التهذیب 2 : 105 - 398 ، الوسائل 4 : 1024 أبواب التعقیب ب 9 ح 1.
2- الکافی 3 : 343 - 15 ، التهذیب 2 : 105 - 399 ، ثواب الأعمال : 197 - 3 ، الوسائل 4 : 1024 أبواب التعقیب ب 9 ح 2.
3- الکافی 3 : 342 - 6 ، الفقیه 1 : 210 - 946 ، التهذیب 2 : 105 - 395 ، ثواب الأعمال : 197 - 4 ، الوسائل 4 : 1021 أبواب التعقیب ب 7 ح 1.
4- الکافی 3 : 342 - 8 ، التهذیب 2 : 105 - 400 ، المحاسن : 36 - 35 ، الوسائل 4 : 1024 أبواب التعقیب ب 10 ح 1.
5- الفقیه 1 : 210.

______________________________________________________

علیهاالسلام المائة وأتبعها بلا إله إلا الله غفر له » (1).

وروی محمد بن مسلم فی الحسن ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التسبیح فقال : « ما علمت شیئا موظفا غیر تسبیح فاطمة صلوات الله علیها ، وعشر مرات بعد الغداة تقول : لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، له الملک وله الحمد یحیی ویمیت ویمیت ویحیی بیده الخیر وهو علی کل شی ء قدیر ، ولکن الإنسان یسبح ما شاء تطوعا » (2).

وروی زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « أقل ما یجزیک من الدعاء بعد الفریضة أن تقول : اللهم إنی أسألک من کل خیر أحاط به علمک ، وأعوذ بک من کل شر أحاط به علمک ، اللهم إنی أسألک عافیتک فی أموری کلها ، وأعوذ بک من خزی الدنیا وعذاب الآخرة » (3).

والدعوات الواردة فی ذلک أکثر من أن تحصی ، ولأصحابنا رضوان الله علیهم فی ذلک کتب مبسوطة ، من أرادها وقف علیها. والله الموفق.

ص: 454


1- الکافی 3 : 342 - 7 ، التهذیب 2 : 105 - 396 ، المحاسن : 36 - 34 ، الوسائل 4 : 1021 أبواب التعقیب ب 7 ح 3.
2- الکافی 3 : 345 - 25 ، وج 2 : 533 - 34 ، الوسائل 4 : 1048 أبواب التعقیب ب 25 ح 4 ، وص 1021 ب 7 ح 2.
3- الکافی 3 : 343 - 16 ، الفقیه 1 : 212 - 948 ، التهذیب 2 : 107 - 407 ، معانی الأخبار : 394 - 46 ، الوسائل 4 : 1043 أبواب التعقیب ب 24 ح 1.

خاتمة :

قواطع الصلاة قسمان ، أحدهما : یبطلها عمدا وسهوا ، وهو کل ما یبطل الطهارة ، سواء دخل تحت الاختیار أو خرج ، کالبول والغائط وما شابههما من موجبات الوضوء ، والجنابة والحیض وما شابههما من موجبات الغسل. وقیل : لو أحدث ما یوجب الوضوء سهوا تطهّر وبنی ، ولیس بمعتمد.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة : قواطع الصلاة قسمان : أحدهما یبطلها عمدا وسهوا ، وهو کل ما یبطل الطهارة سواء دخل تحت الاختیار أو خرج ، کالبول والغائط وما شابههما من موجبات الوضوء ، والجنابة والحیض وما شابههما من موجبات الغسل ، وقیل : لو أحدث ما یوجب الوضوء سهوا تطهر وبنی ، ولیس بمعتمد ).

أجمع العلماء کافة علی أنّ من أحدث فی الصلاة عامدا بطلت صلاته ، سواء کان الحدث أصغر أم أکبر ، وإنما الخلاف فیما لو أحدث ما یوجب الوضوء سهوا ، فذهب الأکثر إلی أنه مبطل للصلاة أیضا.

ونقل عن الشیخ (1) والمرتضی (2) أنهما قالا : یتطهر ویبنی علی ما مضی من صلاته.

وفرق المفید فی المقنعة بین المتیمم وغیره ، فأوجب البناء فی المتیمم إذا سبقه الحدث ووجد الماء ، والاستئناف فی غیره (3). واختاره الشیخ فی النهایة

قواطع الصلاة

بطلان الصلاة بما یبطل الطهارة

ص: 455


1- الخلاف 1 : 146.
2- نقله عنه وعن الشیخ فی المعتبر 2 : 250.
3- المقنعة : 8.

______________________________________________________

والمبسوط (1) ، وابن أبی عقیل (2) ، وقواه فی المعتبر (3).

احتج القائلون بوجوب الاستئناف مطلقا (4) بأن الطهارة شرط فی الصلاة ومع زوال الشرط یزول المشروط.

وبأن الإجماع واقع علی أنّ الفعل الکثیر مبطل للصلاة ، وهو حاصل هنا بالطهارة الواقعة فی أثناء الصلاة.

وبروایة أبی بکر الحضرمی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، وأبی عبد الله علیه السلام أنهما قالا : « لا یقطع الصلاة إلا أربع : الخلاء ، والبول ، والریح ، والصوت » (5) وروایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یکون فی صلاته فیخرج منه حب القرع ، قال : « إن کان ملطخا بالعذرة فعلیه أن یعید الوضوء ، وإن کان فی صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة » (6).

ویتوجه علی الأول أنّ اللازم منه عدم وقوع الصلاة أو شی ء من أجزائها بغیر طهارة ، وهو خلاف المدعی.

وعلی الثانی ما بیناه مرارا من منع الإجماع فی موضع النزاع.

وعلی الروایتین أنهما ضعیفتا السند فلا یتم التعلق بهما فی إثبات حکم

ص: 456


1- النهایة : 94 ، المبسوط 1 : 117.
2- نقله عنه فی المختلف : 53.
3- المعتبر 2 : 250.
4- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 251. والعلامة فی التذکرة 1 : 130.
5- الکافی 3 : 364 - 4 ، التهذیب 2 : 331 - 1362 ، الإستبصار 1 : 400 - 1530 ، الوسائل 4 : 1240 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 2.
6- التهذیب 1 : 206 - 597 ، الإستبصار 1 : 82 - 258 ، الوسائل 1 : 184 أبواب نواقض الوضوء ب 5 ح 5.

______________________________________________________

مخالف للأصل.

نعم یمکن الاستدلال علی هذا القول بأن الصلاة وظیفة شرعیة فیجب الاقتصار فی کیفیتها علی ما ورد به الشرع ، والمنقول الإتیان بها علی هذا النظم المعین والوجه المخصوص ، فلا یحصل الامتثال بدونه.

احتج القائلون (1) بالبناء مطلقا بصحیحة الفضیل بن یسار قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أکون فی الصلاة فأجد غمزا فی بطنی أو أذی أو ضربانا فقال : « انصرف ثم توضأ وابن علی ما مضی من صلاتک ما لم تنقض الصلاة بالکلام متعمدا ، وإن تکلمت ناسیا فلا شی ء علیک فهو بمنزلة من تکلم فی الصلاة ناسیا » قلت : فإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال : « نعم وإن قلب وجهه عن القبلة » (2).

قال المرتضی رضی الله عنه : لو لم یکن الأذی والغمز ناقضا للطهارة لم یأمره بالانصراف والوضوء (3).

وأجیب عنه بأنه لیس فی الخبر أنه أحدث ، والأذی والغمز لیس بحدث إجماعا ، وإنّ الأمر بالوضوء محمول علی الاستحباب (4) ، وهو بعید جدا ، فإن التعبیر عن قضاء الحاجة بالانصراف سائغ (5) ، والحکم باستحباب الوضوء مع بقاء الطهارة والبناء علی ما مضی من الصلاة أعظم محذورا مع ما فیه من إخراج اللفظ عن حقیقته.

ص: 457


1- نقل احتجاجهم فی الخلاف 1 : 146 ، والمعتبر 2 : 251.
2- الفقیه 1 : 240 - 1060 ، التهذیب 2 : 332 - 1370 ، الإستبصار 1 : 401 - 1533 ،
3- الوسائل 4 : 1242 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9.
4- کما فی المعتبر 2 : 252 ، والمنتهی 1 : 307.
5- فی « س » ، « ح » : شائع.

______________________________________________________

ویشهد لهذا القول روایة أبی سعید القماط ، قال : سمعت رجلا یسأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل وجد غمزا فی بطنه أو أذی أو عصرا من البول وهو فی الصلاة المکتوبة فی الرکعة الأولی أو الثانیة أو الثالثة أو الرابعة ، قال ، فقال : « إذا أصاب شیئا من ذلک فلا بأس بأن یخرج لحاجته تلک فیتوضأ ثم ینصرف إلی مصلاه الذی کان یصلی فیه فیبنی علی صلاته من الموضع الذی خرج منه لحاجته ما لم ینقض الصلاة بکلام » قال ، قلت : وإن التفت یمینا وشمالا أو ولّی عن القبلة؟ قال : « نعم ، کل ذلک واسع إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف فی رکعة أو رکعتین أو ثلاثة من المکتوبة ، فإنما علیه أن یبنی علی صلاته » (1).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یحدث بعد أن یرفع رأسه من السجدة الأخیرة وقبل أن یتشهد ، قال : « ینصرف ویتوضأ فإن شاء رجع إلی المسجد ، وإن شاء ففی بیته ، وإن شاء حیث شاء قعد فیتشهد ثم یسلم ، وإن کان الحدث بعد الشهادتین فقد مضت صلاته » (2).

وتأویل هذه الأخبار بما یطابق المشهور مشکل ، واطراحها مع سلامة سندها ومطابقتها لمقتضی الأصل أشکل.

احتج الشیخان علی البناء فی المتیمم بما رویاه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : رجل دخل فی الصلاة وهو متیمم فصلی رکعة ثم أحدث فأصاب الماء ، قال : « یخرج ویتوضأ ثم یبنی علی ما مضی من صلاته التی صلی بالتیمم » (3).

ص: 458


1- التهذیب 2 : 355 - 1468 ، الوسائل 4 : 1243 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11.
2- الکافی 3 : 347 - 2 ، التهذیب 2 : 318 - 1301 ، الإستبصار 1 : 343 - 1291 ، الوسائل 4 : 1001 أبواب التشهد ب 13 ح 1.
3- التهذیب 1 : 204 - 594 ، الوسائل 4 : 1242 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ذ. ح 10.

والثانی : لا یبطلها إلا عمدا ، وهو وضع الیمین علی الشمال ، وفیه تردد ،

______________________________________________________

وفی الصحیح عن زرارة قال ، قلت له : رجل دخل فی الصلاة وهو متیمم فصلی رکعة وأحدث فأصاب ماءا ، قال : « یخرج ویتوضأ ویبنی علی صلاته التی صلی بالتیمم » (1).

وأجاب عنهما فی المختلف بحمل الرکعة علی الصلاة ، إطلاقا لاسم الجزء علی الکل ، قال وقوله : « یخرج ویتوضأ ثم یبنی علی ما مضی من صلاته » إشارة إلی الاجتزاء بتلک الصلاة السابقة علی وجدان الماء (2) ، ولا یخفی ما فی ذلک من التعسف.

قال المصنف فی المعتبر بعد أن نقل عن الشیخین القول بالبناء : وما قالاه حسن لأن الإجماع علی أنّ الحدث عمدا یبطل الصلاة فیخرج من إطلاق الروایة ویتعین حملها علی غیر صورة العمد ، لأن الإجماع لا تصادمه الروایة ، ولا بأس بالعمل بها علی الوجه الذی ذکره الشیخان فإنها روایة مشهورة (3). هذا کلامه رحمه الله ، وقوته ظاهرة.

قوله : ( والثانی ، ما لا یبطلها إلا عمدا ، وهو وضع الیمین علی الشمال ، وفیه تردد ).

القول بالبطلان هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل الشیخ (4) والمرتضی (5) فیه الإجماع ، واحتجوا علیه بالاحتیاط ، وبأن أفعال الصلاة متلقاة من الشارع ولا شرع هنا ، وبأنه فعل کثیر خارج عن الصلاة ، وبصحیحة محمد بن

بطلان الصلاة بالتکفیر

ص: 459


1- التهذیب 2 : 205 - 595 ، الإستبصار 1 : 167 - 580 ، الوسائل 4 : 1242 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 10.
2- المختلف : 53.
3- المعتبر 1 : 407.
4- الخلاف 1 : 109.
5- الانتصار : 41.

______________________________________________________

مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت : الرجل یضع یده فی الصلاة الیمنی علی الیسری ، قال : « ذاک التکفیر فلا تفعل » (1) ومرسلة حریز عن الصادق علیه السلام ، قال : « لا تکفر ، إنما یصنع ذلک المجوس » (2).

وخالف فی ذلک ابن الجنید حیث جعل ترکه مستحبا (3) ، وأبو الصلاح حیث جعل فعله مکروها (4) ، واستوجهه فی المعتبر لمخالفة التکفیر لما دلت علیه الأحادیث من استحباب وضع الیدین علی الفخذین محاذیین للرکبتین ، قال : واحتجاج علم الهدی بالإجماع غیر معلوم لنا ، خصوصا مع وجود المخالف من أکابر الفضلاء ، ولا نعلم من رواه من الموافق ، کما لا یعلم أنه لا موافق له ، وقوله : وهو فعل کثیر ، فی نهایة الضعف ، لأن وضع الیدین علی الفخذین لیس بواجب ولم یتناول النهی وضعهما فی موضع معین فکان للمکلف وضعهما کیف شاء.

وأما احتجاج الطوسی بأن أفعال الصلاة متلقاة ، قلنا : حق لکن کما لم یثبت تشریع وضع الیمین علی الشمال لم یثبت تحریمه فصار للمکلف وضعهما کیف شاء ، وعدم تشریعه لا یدل علی تحریمه ، وقوله : الاحتیاط یقتضی طرح ذلک ، قلنا : متی؟ إذا لم یوجد ما یدل علی الجواز أو إذا وجد؟ لکن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها علی عدم المنع.

ثم قال : وأما الروایة فظاهرها الکراهة لما تضمنته من التشبه بالمجوس (5). هذا کلامه رحمه الله ، وهو جید لکن فی اقتضاء التشبّه ظهور

ص: 460


1- التهذیب 2 : 84 - 310 ، الوسائل 4 : 1264 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.
2- الکافی 3 : 336 - 9 ، التهذیب 2 : 84 - 309 ، الوسائل 4 : 1264 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 3.
3- نقله عنه فی المختلف : 100.
4- الکافی فی الفقه : 125.
5- المعتبر 2 : 257.

والالتفات إلی ما وراءه ،

______________________________________________________

الروایة فی الکراهة نظر ، مع أنّ روایة ابن مسلم المتضمنة للنهی خالیة من ذلک.

وبالجملة فحمل النهی علی الکراهة مجاز لا یصار إلیه إلا مع القرینة وهی منتفیة ، فإذن المعتمد التحریم دون الإبطال.

وینبغی قصر التحریم علی وضع الیمین علی الشمال لأنه مورد الخبر ، ولا یبعد اختصاصه بوضع الکف علی ظهر الکف لأنه المتعارف.

وینتفی التحریم فی حال التقیة قطعا ، بل قد یجب. ولو خالف لم تبطل صلاته ، لتوجه النهی إلی أمر خارج عن العبادة بخلاف ما لو مسح رجلیه فی موضع یجب فیه الغسل فإن الظاهر بطلان الوضوء لتوجه النهی إلی جزء العبادة.

قوله : ( والالتفات إلی ما وراءه ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین ما لو کان الالتفات بکل البدن أو بالوجه خاصة ، ولا ریب فی بطلان الصلاة بذلک ، لفوات الشرط وهو الاستقبال ، ولحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا التفت فی صلاة مکتوبة من غیر فراغ فأعد الصلاة إذا کان الالتفات فاحشا » (1)

ویستفاد من العبارة أن الالتفات إلی أحد الجانبین لا یبطل الصلاة ، ویشکل بإطلاق الروایة ، فإن الظاهر تحقق التفاحش بذلک.

وحکی الشهید فی الذکری عن بعض مشایخه المعاصرین أنه کان یری أن

بطلان الصلاة بالالتفات

ص: 461


1- الکافی 3 : 365 - 10 ، التهذیب 2 : 323 - 1322 ، الإستبصار 1 : 405 - 1547 ، الوسائل 4 : 1248 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.

والکلام بحرفین فصاعدا ،

______________________________________________________

الالتفات بالوجه یقطع الصلاة مطلقا (1) ، وربما کان مستنده إطلاق الروایات المتضمنة لذلک ، کحسنة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا استقبلت القبلة بوجهک فلا تقلب وجهک عن القبلة فتفسد صلاتک ، فإن الله تعالی یقول لنبیّه ( فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَیْثُ ما کُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (2) » (3).

وحملها الشهید فی الذکری علی الالتفات بکل البدن (4) ، لما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الالتفات یقطع الصلاة إذا کان بکله » (5).

وقد یقال : إن هذا المفهوم مقید بمنطوق قوله علیه السلام فی روایة الحلبی : « أعد الصلاة إذا کان الالتفات فاحشا » (6) فإن الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة إلی أحد الجانبین.

هذا کلّه مع العمد ، أما لو وقع سهوا ، فإن کان یسیرا لا یبلغ حد الیمین والیسار لم یضر ، وإن بلغه وأتی بشی ء من الأفعال فی تلک الحال أعاد فی الوقت وإلا فلا إعادة.

قوله : ( والکلام بحرفین فصاعدا ).

بطلان الصلاة بالکلام

ص: 462


1- الذکری : 217.
2- البقرة : 144.
3- الکافی 3 : 300 - 6 ، الفقیه 1 : 180 - 856 ، التهذیب 2 : 199 - 782 ، الإستبصار 1 : 405 - 1545 ، الوسائل 3 : 227 أبواب القبلة ب 9 ح 3.
4- الذکری : 217.
5- التهذیب 2 : 199 - 780 ، الإستبصار 1 : 405 - 1543 ، الوسائل 4 : 1248 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 3.
6- تقدمت فی ص 461.

______________________________________________________

أجمع الأصحاب علی بطلان الصلاة بتعمد الکلام بما لیس بقرآن ولا ذکر ولا دعاء ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة. کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وإن تکلم فلیعد صلاته » (1).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، حیث قال فیها : « فإن لم یقدر حتی ینصرف بوجهه أو یتکلم فقد قطع صلاته » (2).

وقد قطع الأصحاب بعدم بطلان الصلاة بالکلام بالحرف الواحد ، لأنه لا یسمی کلاما فی العرف ، بل ولا فی اللغة أیضا ، لاشتهار الکلام لغة فی المرکب من الحرفین کما ذکره الرضی رضی الله عنه ، وإن ذکر بعضهم أنه جنس لما یتکلم به ، سواء کان علی حرف واحد أو أکثر (3) ، لأن الإطلاق أعم من الحقیقة.

وفی الحرف المفهم وجهان. أظهرهما أنه مبطل ، لأنه یسمی کلاما لغة وعرفا.

ولا یلحق بالکلام إیماء الأخرس قطعا ، لأنه لا یسمی کلاما حقیقة ، وفیه وجه ضعیف بالبطلان ، لأنه کلام مثله.

وینبغی القطع بعدم بطلان الصلاة بالتنحنح مطلقا ، لأنه لا یسمی کلاما لغة ولا عرفا ، ولما رواه عمار الساباطی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یسمع صوتا بالباب وهو فی الصلاة فیتنحنح لیسمع جاریته وأهله لتأتیه فیشیر إلیها بیده لیعلمها من بالباب لتنظر من هو ، قال : « لا بأس به » (4).

ص: 463


1- الکافی 3 : 365 - 9 ، التهذیب 2 : 323 - 1323 ، الإستبصار 1 : 403 - 1536 ، الوسائل 4 : 1244 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4.
2- الکافی 3 : 364 - 2 ، التهذیب 2 : 200 - 783 ، الإستبصار 1 : 404 - 1541 ، الوسائل 4 : 1245 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 6.
3- کما فی الصحاح 5 : 2023 ، والمعتبر 2 : 253.
4- الفقیه 1 : 242 - 1077 ، الوسائل 4 : 1256 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 4.

والقهقهة ،

______________________________________________________

هذا کله فی العامد أما الناسی فلا تبطل صلاته إجماعا ، وفی المکره وجهان : أحوطهما الإعادة.

قوله : ( والقهقهة ).

القهقهة : هی الترجیع فی الضحک ، أو شدة الضحک ، کذا فی القاموس (1) ، وقال فی الصحاح : القهقهة فی الضحک معروف ، وهو أن یقول : قه قه (2).

وقد أجمع العلماء کافة علی أنّ تعمّد القهقهة مبطل للصلاة ، حکاه المصنف فی المعتبر (3) ، والعلامة فی المنتهی (4) ، وتدل علیه روایات کثیرة : کحسنة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (5).

وروایة ابن أبی عمیر عن رهط سمعوه یقول : « التبسم فی الصلاة لا یقطع الصلاة ولا ینقض الوضوء ، وإنما یقطع الضحک الذی فیه القهقهة » (6) یرید بذلک قطع الصلاة دون الوضوء ، لأن القطع إنما یطلق علی الصلاة ولم تجر العادة باستعماله فی الوضوء.

وموثقة سماعة ، قال : سألته عن الضحک ، هل یقطع الصلاة؟ قال : « أما التبسم فلا یقطع الصلاة ، وأما القهقهة فهی تقطع الصلاة » (7) والمراد

بطلان الصلاة بالقهقهة

ص: 464


1- القاموس المحیط 4 : 293.
2- الصحاح 6 : 2246.
3- المعتبر 2 : 254.
4- المنتهی 1 : 310.
5- الکافی 3 : 364 - 6 ، التهذیب 2 : 324 - 1324 ، الوسائل 4 : 1252 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 1.
6- التهذیب 1 : 12 - 24 ، الإستبصار 1 : 86 - 274 ، الوسائل 4 : 1253 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 3.
7- الکافی 3 : 364 - 1 ، التهذیب 2 : 324 - 1325 ، الوسائل 4 : 1253 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 2.

وأن یفعل فعلا کثیرا لیس من الصلاة ،

______________________________________________________

بالتبسم ما لا صوت فیه ، وهو غیر مبطل للصلاة سواء وقع عمدا أو سهوا باتفاق العلماء ، حکاه فی المنتهی أیضا (1). ولا ریب فی کراهته لمنافاته الخشوع المطلوب فی العبادة.

قوله : ( وأن یفعل فعلا کثیرا لیس من الصلاة ).

لا خلاف بین علماء الإسلام فی تحریم الفعل الکثیر فی الصلاة وبطلانها به إذا وقع عمدا ، حکاه فی المنتهی (2). واستدل علیه بأنه یخرج به عن کونه مصلیا ، ثم قال : والقلیل لا یبطل الصلاة بالإجماع. ولم یحد الشارع القلة والکثرة ، فالمرجع فی ذلک إلی العادة ، وکل ما ثبت أن النبی والأئمة علیهم السلام فعلوه فی الصلاة أو أمروا به فهو فی حیز القلیل کقتل البرغوث والحیة والعقرب ، وکما روی الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله أنه کان یحمل أمامة بنت أبی العاص فکان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها (3). انتهی.

وقد ورد فی أخبارنا استثناء قتل الحیة والعقرب ، وحمل الصبی الصغیر وإرضاعه (4). وروی زکریا الأعور ، قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام یصلی قائما وإلی جانبه رجل کبیر یرید أن یقوم ومعه عصا له ، فأراد أن یتناولها ، فانحط أبو الحسن علیه السلام وهو قائم فی صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلی صلاته (5).

وروی الحلبی فی الحسن عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصیبه الرعاف وهو فی الصلاة ، فقال : « إن قدر علی ماء عنده یمینا أو شمالا بین یدیه وهو مستقبل القبلة فلیغسله عنه ثم لیصل ما بقی من صلاته ،

ص: 465


1- المنتهی 1 : 310.
2- المنتهی 1 : 310.
3- صحیح البخاری 1 : 370.
4- الوسائل 4 : 1269 أبواب قواطع الصلاة ب 19 وص 1274 ب 24.
5- الفقیه 1 : 243 - 1079 ، التهذیب 2 : 332 - 1369 ، الوسائل 4 : 704 أبواب القیام ب 12 ح 1.

والبکاء لشی ء من أمور الدنیا ،

______________________________________________________

وإن لم یقدر علی ماء حتی ینصرف بوجهه أو یتکلم فقد قطع صلاته » (1).

ولم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علی بطلان الصلاة بالفعل الکثیر ، لکن ینبغی أن یراد به ما تنمحی به صورة الصلاة بالکلیة کما هو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (2) ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق ، وأن لا یفرق فی بطلان الصلاة به بین العمد والسهو.

قوله : ( والبکاء لشی ء من أمور الدنیا ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (3) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب ، وظاهرهم أنه مجمع علیه.

واستدلوا علیه بأنه فعل خارج عن الصلاة فیکون قاطعا کالکلام. وهو قیاس محض.

وبروایة النعمان بن عبد السلام ، عن أبی حنیفة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البکاء فی الصلاة أیقطع الصلاة؟ قال : « إن بکی لذکر جنة أو نار فذلک هو أفضل الأعمال فی الصلاة ، وإن کان لذکر میت له فصلاته فاسدة » (4). وهی ضعیفة السند باشتماله علی عدة من الضعفاء ، فیشکل الاستناد إلیها فی إثبات حکم مخالف للأصل ، ومن ثم توقف فی هذا الحکم شیخنا المعاصر (5) ، وهو فی محله.

وینبغی أن یراد بالبکاء ما کان فیه انتخاب وصوت لا مجرد خروج

بطلان الصلاة بالبکاء

ص: 466


1- الکافی 3 : 364 - 2 ، التهذیب 2 : 200 - 783 ، الإستبصار 1 : 404 - 1541 ، الوسائل 4 : 1245 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 6.
2- المعتبر 2 : 255.
3- المبسوط 1 : 118.
4- التهذیب 2 : 317 - 1295 ، الإستبصار 1 : 408 - 1558 ، الوسائل 4 : 1251 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 4.
5- مجمع الفائدة 3 : 73.

والأکل والشرب علی قول ،

______________________________________________________

الدمع ، اقتصارا علی المتیقن (1).

هذا کله إذا کان البکاء لشی ء من أمور الدنیا کذلک میت أو ذهاب مال ینتفع بهما فی دنیاه. أما البکاء خوفا من الله تعالی وخشیة من عقابه فهو من أفضل الأعمال. فقد صح عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال لأمیر المؤمنین علیه السلام فی جملة وصیته له : « والرابعة ، کثرة البکاء لله یبنی لک بکل دمعة ألف بیت فی الجنة » (2).

وروی ابن بابویه ، عن منصور بن یونس بزرج : أنه سأل الصادق علیه السلام عن الرجل یتباکی فی الصلاة المفروضة حتی یبکی ، قال : « قرة عین والله » وقال : « إذا کان ذلک فاذکرنی عنده » (3).

وروی أنه « ما من شی ء إلاّ وله کیل ووزن إلا البکاء من خشیة الله عزّ وجلّ ، فإن القطرة منه تطفئ بحارا من النیران ، ولو أن باکیا بکی فی أمة لرحموا ، وکل عین باکیة یوم القیامة إلا ثلاث أعین : عین بکت من خشیة الله ، وعین غضّت عن محارم الله ، وعین باتت ساهرة فی سبیل الله » (4).

قوله : ( والأکل والشرب علی قول ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی المبسوط والخلاف (5) ، وادعی علیه الإجماع ، ومنعه المصنف فی المعتبر وطالبه بالدلیل علی ذلک ، واستقرب عدم البطلان بهما إلاّ مع الکثرة کسائر الأفعال الخارجة عن الصلاة (6). وهو حسن.

قال فی المنتهی : ولو ترک فی فیه شیئا یذوب کالسکر فذاب فابتلعه لم

بطلان الصلاة بالأکل والشرب

ص: 467


1- فی « س » ، « ح » : علی موضع الوفاق إن تمّ.
2- الکافی 8 : 79 - 33 ، البحار 74 : 68 - 8.
3- الفقیه 1 : 208 - 940 ، الوسائل 4 : 1250 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 1.
4- الفقیه 1 : 208 - 942 ، الوسائل 4 : 1251 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 3.
5- المبسوط 1 : 118 ، والخلاف 1 : 147.
6- المعتبر 2 : 259.

إلا فی صلاة الوتر لمن أصابه عطش وهو یرید الصوم فی صبیحة تلک اللیلة ، لکن لا یستدبر القبلة ، وفی عقص الشعر للرجل تردد ، والأشبه الکراهیّة.

______________________________________________________

تفسد صلاته عندنا ، وعند الجمهور تفسد ، لأنه یسمی أکلا. أما لو بقی بین أسنانه شی ء من بقایا الغذاء فابتلعه فی الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا ، لأنه لا یمکن التحرز عنه (1).

قوله : ( إلا فی صلاة الوتر لمن أصابه عطش وهو یرید الصوم فی صبیحة تلک اللیلة ، لکن لا یستدبر القبلة ).

المستند فی هذا الاستثناء ما رواه الشیخ عن سعید الأعرج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أبیت وأرید الصوم فأکون فی الوتر فأعطش ، فأکره أن أقطع الدعاء وأشرب ، وأکره أن أصبح وأنا عطشان ، وأمامی قلة بینی وبینها خطوتان أو ثلاثة ، قال : « تسعی إلیها وتشرب منها حاجتک وتعود إلی الدعاء » (2).

وهذا الاستثناء إنما یتم إذا قلنا أن المبطل من الأکل والشرب مسماهما کما ذکره الشیخ (3) ، أو قلنا أن مطلق الشرب فعل کثیر ، وعلی هذا فیقتصر فیه علی مورد النص ، وإلا فلا استثناء ولا قصر ، وهذا هو الأظهر.

قوله : ( وفی عقص الشعر للرجل تردد ، والأشبه الکراهة ).

عقص الشعر هو جمعه فی وسط الرأس ( وضفره ) (4) ولیّه. والقول بتحریمه فی الصلاة وبطلانها به للشیخ (5) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب.

ص: 468


1- المنتهی 1 : 312.
2- التهذیب 2 : 329 - 1354 ، الوسائل 4 : 1273 أبواب قواطع الصلاة ب 23 ح 1.
3- الخلاف 1 : 147 ، والمبسوط 1 : 118.
4- لیست فی « س ».
5- النهایة : 95 ، والخلاف 1 : 192 ، والمبسوط 1 : 119.

ویکره الالتفات یمینا وشمالا ، والتثاؤب ، والتمطی ، والعبث ، ونفخ موضع السجود ، والتنخّم ، وأن یبصق ، أو یفرقع أصابعه ،

______________________________________________________

واستدل علیه بإجماع الفرقة ، وبروایة مصادف ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل صلی صلاة فریضة وهو معقوص الشعر ، قال : « یعید صلاته » (1).

وهو استدلال ضعیف ، لمنع الإجماع وضعف الروایة. ومن ثم ذهب المصنف وأکثر الأصحاب إلی الکراهة ، وهو المعتمد. والحکم مختص بالرجل ، فلا کراهة ولا تحریم فی حق المرأة إجماعا.

قوله : ( ویکره الالتفات یمینا وشمالا ، والتثاؤب ، والتمطیّ ، والعبث ، ونفخ موضع السجود ، والتنخم ، وأن یبصق ، أو یفرقع أصابعه ).

المستند فی ذلک روایات کثیرة منها : ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا قمت فی الصلاة فعلیک بالإقبال علی صلاتک فإنما یحسب لک منها ما أقبلت علیه ، ولا تعبث فیها بیدک ولا برأسک ولا بلحیتک ، ولا تحدث نفسک ، ولا تتثاءب ، ولا تمتخط (2) ، ولا تکفّر ، فإنما یفعل ذلک المجوس ، ولا تلثم (3) ، ولا تفرج کما یتفرج البعیر ، ولا تقع علی قدمیک ، ولا تفترش ذراعیک ، ولا تفرقع أصابعک ، فإن ذلک کله نقصان فی الصلاة ، ولا تقم إلی الصلاة متکاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنهن (4) من خلال النفاق ، فإن الله تعالی نهی المؤمنین أن یقوموا إلی الصلاة وهم سکاری یعنی سکر النوم ، وقال للمنافقین : ( وَإِذا قامُوا إِلَی الصَّلاةِ قامُوا کُسالی یُراؤُنَ

مکروهات الصلاة

ص: 469


1- الکافی 3 : 409 - 5 ، التهذیب 2 : 232 - 914 ، الوسائل 3 : 308 أبواب لباس المصلی ب 36 ح 1.
2- فی المصدر : تتمطّ.
3- فی « س » ، « ح » والمصدر زیادة : ولا تحتفز.
4- فی المصدر : فإنها.

أو یتأوّه ، أو یئنّ بحرف واحد ، أو یدافع البول أو الغائط أو الریح.

______________________________________________________

النّاسَ وَلا یَذْکُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِیلاً ) (1) » (2).

وروی محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قلت : الرجل ینفخ فی الصلاة موضع جبهته؟ قال : « لا » (3).

قوله : ( أو یتأوه ، أو یئنّ بحرف واحد ).

الضابط فی کراهة التأوه والأنین أن لا یظهر منهما ما یعد کلاما وإلا حرما وأبطلا الصلاة.

لکن یمکن المناقشة فی الکراهة مع انتفاء الکلام ، لعدم الظفر بدلیله.

واستحسن المصنف فی المعتبر جواز التأوه بالحرفین للخوف من الله عند ذکر المخوفات. وهو حسن قال : وقد نقل عن کثیر من الصلحاء التأوه فی الصلاة ، ووصف إبراهیم بذلک یؤذن بجوازه (4).

قوله : ( أو یدافع البول أو الغائط أو الریح ).

لما فی ذلک من سلب الخشوع والإقبال المطلوب فی العبادة ، وتدل علیه أیضا صحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صلاة لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو فی ثیابه » (5).

قال فی المنتهی : ولو صلی کذلک صحت صلاته إجماعا ، لأنه أتی بالمأمور

ص: 470


1- النساء : 142.
2- الکافی 3 : 299 - 1 ، علل الشرائع : 358 - 1 ، الوسائل 4 : 677 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5.
3- الکافی 3 : 334 - 8 ، التهذیب 2 : 302 - 1222 ، الإستبصار 1 : 329 - 1235 ، الوسائل 4 : 958 أبواب السجود ب 7 ح 1.
4- المعتبر 2 : 254.
5- التهذیب 2 : 333 - 1372 ، المحاسن 1 : 83 - 15 ، الوسائل 4 : 1254 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2.

وإن کان خفّه ضیّقا استحب له نزعه لصلاته.

مسائل أربع :

الأولی : إذا عطس الرجل فی الصلاة یستحب له أن یحمد الله.

______________________________________________________

به فیکون خارجا عن عهدة الأمر (1) ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یصیبه الغمز فی بطنه وهو یستطیع أن یصبر علیه أیصلی علی تلک الحال أو لا یصلی؟ قال ، فقال : « إن احتمل الصبر ولم یخف إعجالا عن الصلاة فلیصل ولیصبر » (2).

ولو عرضت المدافعة فی أثناء الصلاة فلا کراهة فی الإتمام ، بل یجب الصبر.

قوله : ( وإن کان خفه ضیقا استحب له نزعه لصلاته ).

لما فی لبسه حالة الصلاة من سلب الخشوع والمنع من التمکن فی السجود.

قوله : ( مسائل أربع ، الأولی ، إذا عطس الرجل فی الصلاة استحب له أن یحمد الله ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة. ویدل علیه مضافا إلی العمومات خصوص صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا عطس الرجل فی صلاته فلیحمد الله » (3).

ویستحب له الحمد إذا عطس غیره ، لروایة أبی بصیر قال ، قلت له : أسمع العطسة فأحمد الله وأصلی علی النبی صلی الله علیه و آله وأنا فی الصلاة؟

استحباب الحمد للعاطس فی الصلاة وتسمیت غیره

ص: 471


1- المنتهی 1 : 313.
2- الکافی 3 : 364 - 3 ، الفقیه 1 : 240 - 1061 ، التهذیب 2 : 324 - 1326 ، الوسائل 4 : 1253 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.
3- الکافی 3 : 366 - 2 ، الوسائل 4 : 1268 أبواب قواطع الصلاة ب 18 ح 2.

وکذا إن عطس غیره یستحب له تسمیته.

______________________________________________________

قال : « نعم ، وإن کان بینک وبین صاحبک الیم » (1).

فائدة : روی الکلینی - رضی الله عنه - عن الحسن بن راشد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من عطس ثم وضع یده علی قصبة أنفه ثم قال : الحمد لله رب العالمین کثیرا کما هو أهله وصلی الله علی محمد النبی وآله وسلم ، خرج من منخره الأیسر طائر أصغر من الجراد وأکبر من الذباب حتی یصیر تحت العرش یستغفر الله له إلی یوم القیامة » (2).

قوله : ( وکذا إذا عطس غیره یستحب له تسمیته ).

قال الجوهری : تسمیت العاطس أن یقول له : یرحمک الله ، بالسین والشین جمیعا. قال ثعلب : الاختیار بالسین لأنها مأخوذة من السمت وهو القصد والمحجة. وقال أبو عبید : الشین أعلی فی کلامهم وأکثر (3).

وقال فی القاموس : إن التسمیت بالسین والشین : الدعاء للعاطس (4).

وإنما استحب التسمیت فی الصلاة لأنه دعاء وقد سبق جوازه فی الصلاة (5) ، ولأن الأمر بالتسمیت مطلق فیتناول حالة الصلاة.

وهل یجب علی العاطس الرد؟ الأظهر لا ، لأنه لا یسمی تحیة والأولی فی کیفیة الرد اعتماد ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن سعد بن أبی خلف ، قال : کان أبو جعفر علیه السلام إذا عطس فقیل له : یرحمک الله ، قال : یغفر الله لکم ویرحمکم » وإذا عطس عنده إنسان قال : « یرحمک الله عزّ وجلّ » (6).

ص: 472


1- الکافی 3 : 366 - 3 ، الفقیه 1 : 239 - 1058 ، التهذیب 2 : 332 - 1368 ، الوسائل 4 : 1268 أبواب قواطع الصلاة ب 18 ح 4.
2- الکافی 2 : 657 - 22 ، الوسائل 8 : 465 أبواب أحکام العشرة ب 63 ح 4.
3- الصحاح 1 : 254 ونقله عن ثعلب وأبو عبید.
4- القاموس المحیط 1 : 156.
5- فی ص 463.
6- الکافی 2 : 655 - 11 ، الوسائل 8 : 460 أبواب أحکام العشرة ب 58 ح 1.

الثانیة : إذا سلّم علیه یجوز أن یردّ مثل قوله : سلام علیکم ، ولا یقول : وعلیکم علی روایة.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة ، إذا سلّم علیه یجوز أن یرد مثل قوله : سلام علیکم ، ولا یقول : وعلیکم علی روایة ).

رد السلام واجب علی الکفایة فی الصلاة وغیرها إجماعا ، حکاه فی التذکرة (1). والأصل فی قوله تعالی ( وَإِذا حُیِّیتُمْ بِتَحِیَّةٍ فَحَیُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (2). والتحیة لغة : السلام ، علی ما نصّ علیه أهل اللغة (3) ودلّ علیه العرف.

ویدل علی کون الوجوب کفائیا - مضافا إلی الإجماع - روایات ، منها : موثقة غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا ردّ واحد أجزأ عنهم » (4).

ومرسلة عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا مرت الجماعة بقوم أجزأهم أن یسلّم واحد منهم ، وإذا سلّم علی القوم وهم جماعة أجزأهم أن یرد واحد منهم » (5).

ویدل علی وجوب الرد فی الصلاة صریحا أخبار کثیرة ، کموثقة سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یسلم علیه وهو فی الصلاة ، قال : « یرد بقوله : سلام علیکم ، ولا یقول : وعلیکم السلام » (6) وهذه هی الروایة التی أشار إلیها المصنف رحمه الله .

موارد رد السلام فی الصلاة

ص: 473


1- التذکرة 1 : 131.
2- النساء : 86.
3- منهم الفیومی فی المصباح المنیر : 160 ، وابن منظور فی لسان العرب 12 : 289.
4- الکافی 2 : 647 - 3 ، الوسائل 8 : 450 أبواب أحکام العشرة ب 46 ح 2.
5- الکافی 2 : 647 - 1 ، الوسائل 8 : 450 أبواب أحکام العشرة ب 46 ح 3.
6- الکافی 3 : 366 - 1 ، التهذیب 2 : 328 - 1348 ، الوسائل 4 : 1265 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2.

______________________________________________________

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : دخلت علی أبی جعفر علیه السلام وهو فی الصلاة فقلت : السلام علیک فقال : « السلام علیک » فقلت کیف أصبحت؟ فسکت ، فلما انصرف قلت : أیرد السلام وهو فی الصلاة؟ قال : « نعم ، مثل ما قیل له » (1).

وموثقة عمار الساباطی : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن التسلیم علی المصلی ، فقال : « إذا سلم علیک رجل من المسلمین وأنت فی الصلاة فردّ علیه فیما بینک وبین نفسک ، ولا ترفع صوتک » (2).

وقد قطع الأصحاب بأنه یجب الرد فی الصلاة بالمثل ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسلم المتقدمة : « نعم ، مثل ما قیل له » ولا یبعد جواز الرد بالأحسن أیضا ، لعموم الآیة (3) ، وعدم دلالة الروایة علی الحصر.

وهل یجب علی المجیب إسماع المسلّم تحقیقا أو تقدیرا؟ قیل : نعم ، لعدم صدق التحیة عرفا ولا الرد بدونه (4). وقیل : لا (5) ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (6) ، وقواه شیخنا المعاصر (7) ، لروایة عمار المتقدمة ، وروایة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سلم علیک رجل وأنت تصلی قال : ترد علیه خفیا کما قال » (8) وفی الروایتین قصور من حیث السند فلا تعویل علیهما.

ص: 474


1- التهذیب 2 : 329 - 1349 ، الوسائل 4 : 1265 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1.
2- الفقیه 1 : 240 - 1064 ، التهذیب 2 : 331 - 1365 ، الوسائل 4 : 1266 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 4.
3- النساء : 86.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 128 ، والمسالک 1 : 33.
5- کما فی مجمع الفائدة 3 : 119.
6- المعتبر 2 : 264.
7- مجمع الفائدة 3 : 119.
8- الفقیه 1 : 241 - 1065 ، التهذیب 2 : 332 - 1366 ، الوسائل 4 : 1245 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 3.

______________________________________________________

ویتحقق الامتثال برد واحد ممن یجب علیه الرد.

وفی الاکتفاء برد الصبی الممیز وجهان ، أظهرهما العدم وإن قلنا أن عبادته شرعیة ، لعدم امتثال الأمر المقتضی للوجوب. ولو کان المسلّم صبیا ممیزا ففی وجوب الرد علیه وجهان ، أظهرهما ذلک تمسکا بظاهر الأمر.

وهل یجوز رد المصلی بعد قیام غیره بالواجب؟ قیل : نعم ، لإطلاق الأمر (1). وقیل : لا ، لتحقق الامتثال ، وعدم ثبوت استحباب الرد بعد سقوط الوجوب (2).

ولو ترک المصلی الرد فهل تبطل صلاته؟ فیه احتمالات ثالثها : البطلان إن أتی بشی ء من الأذکار وقت توجه الخطاب بالرد ، لتحقق النهی عنه المقتضی للفساد ، وهو مبنی علی أن الأمر بالشی ء یقتضی النهی عن ضده الخاص ، وقد تقدم الکلام فیه مرارا.

ولا یجب رد غیر السلام من الدعوات ، لعدم ثبوت إطلاق اسم التحیة علیه ، وهو خیرة المعتبر ، لکنه قال - ونعم ما قال - نعم لو دعا له وکان مستحقا وقصد الدعاء لا الرد لم أمنع منه ، لما ثبت من جواز الدعاء لنفسه ولغیره فی أحوال الصلاة بالمباح (3).

وذکر جمع من الأصحاب أنه لا یکره السلام علی المصلی للعموم (4). ویمکن القول بالکراهة لما رواه عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتابه قرب الإسناد عن الصادق علیه السلام أنه قال : « کنت أسمع أبی یقول : إذا دخلت المسجد والقوم یصلون فلا تسلّم علیهم وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله ثم أقبل علی

ص: 475


1- کما فی روض الجنان : 339.
2- کما فی مجمع الفائدة 3 : 118.
3- المعتبر 2 : 264.
4- العلامة فی المنتهی 1 : 314 ، والشهید الأول فی الذکری : 217 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 33.

الثالثة : یجوز أن یدعو بکلّ دعاء یتضمن تسبیحا أو تحمیدا أو طلب شی ء مباح من أمور الدنیا والآخرة ، قائما وقاعدا وراکعا وساجدا ، ولا یجوز أن یطلب شیئا محرّما ، ولو فعل بطلت صلاته.

______________________________________________________

صلاتک. وإذا دخلت علی قوم جلوس وهم یتحدثون فسلّم علیهم » (1).

قوله : ( الثالثة ، یجوز أن یدعو بکل دعاء یتضمن تسبیحا أو تحمیدا أو طلب شی ء مباح من أمور الدنیا والآخرة ، قائما وقاعدا وراکعا وساجدا ).

هذا مذهب العلماء کافة. والأصل فیه : عموم قوله تعالی ( ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ ) (2) وقوله عزّ وجلّ ( قُلْ ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ ) (3).

وخصوص صحیحة علی بن مهزیار : إنه سأله علیه السلام عن الرجل یتکلم فی الفریضة بکل شی ء یناجی ربه؟ قال : « نعم » (4).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : صلی بنا أبو بصیر فی طریق مکة فقال وهو ساجد - وقد کانت ضلت ناقة لجمّالهم - : اللهم ردّ علی فلان ناقته. قال محمد : فدخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فأخبرته ، فقال : وفعل؟ فقلت : نعم ، قال : فسکت ، قلت : أفأعید الصلاة؟ قال : « لا » (5).

قوله : ( ولا یجوز أن یطلب شیئا محرما ).

لا ریب فی ذلک ، والظاهر أنه مبطل للصلاة مع العلم والجهل ، لما بیناه

جواز الدعاء فی الصلاة

ص: 476


1- قرب الإسناد : 45 ، الوسائل 4 : 1267 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 2 وفیه : إذا دخلت المسجد الحرام.
2- غافر : 60.
3- الفرقان : 77.
4- التهذیب 2 : 326 - 1337 ، الوسائل 4 : 1262 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 1.
5- الکافی 3 : 323 - 8 ، التهذیب 2 : 300 - 1208 ، الوسائل 4 : 973 أبواب السجود ب 17 ح 1.

الرابعة : یجوز للمصلی أن یقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فرار غریم ، أو تردّی طفل وما شابه ذلک. ولا یجوز قطع الصلاة اختیارا.

______________________________________________________

فیما سبق من أن الجهل لیس عذرا فی الصحة والبطلان وإن أمکن کونه عذرا فی الإثم والعقاب ، لاستحالة تکلیف الغافل.

قوله : ( الرابعة ، یجوز للمصلی أن یقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فوات غریم أو تردّی طفل وما شابه ذلک ، ولا یجوز قطع الصلاة اختیارا ).

أما أنه لا یجوز قطع الصلاة اختیارا فهو مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ولم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علیه.

وأما جوازه للحاجة فتدل علیه روایات منها : روایة حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت فی صلاة الفریضة فرأیت غلاما لک قد أبق ، أو غریما لک علیه مال ، أو حیّة تخافها علی نفسک فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو غریما لک واقتل الحیّة » (1).

وروایة سماعة عن الصادق علیه السلام : إنه سأله عن الرجل یکون فی الصلاة الفریضة قائما فینسی کیسه أو متاعا یخاف ضیعته أو هلاکه ، قال : « یقطع صلاته ویحرز متاعه » (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الحاجة بین المضر فوتها وغیرها.

وقال الشارح - قدس سره - : المراد بالجواز فی عبارة المصنف هنا معناه الأعم المشترک بین ما عدا الحرام. فإنّ قطعها لحفظ الصبی المتردی إذا کان

ص: 477


1- الکافی 3 : 367 - 5 ، الفقیه 1 : 242 - 1073 ، التهذیب 2 : 331 - 1361 ، الوسائل 4 : 1271 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 1.
2- الکافی 3 : 367 - 3 ، الفقیه 1 : 241 - 1071 ، التهذیب 2 : 330 - 1360 ، الوسائل 4 : 1272 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 2.

______________________________________________________

محترما واجب ، وکذا حفظ المال المضر فوته بحاله. وقطعها لإحراز المال الیسیر الذی لا یضر فوته مباح ، ولإحراز المال الیسیر الذی لا یبالی بفواته کالحبّة والحبّتین من الحنطة مکروه. وهذه الأقسام الثلاثة داخلة فی العبارة من جهة الإطلاق. وقد یستحب القطع لأمور تقدم بعضها کناسی الأذان والإقامة ، فقطع الصلاة ینقسم إلی الأحکام الخمسة (1). انتهی کلامه رحمه الله .

ویمکن المناقشة فی جواز القطع فی بعض هذه الصور ، لانتفاء الدلیل علیه ، إلا أنه یمکن المصیر إلیه لما أشرنا إلیه من انتفاء دلیل التحریم.

وذکر الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) أنّ من أراد القطع فی موضع جوازه یتحلل بالتسلیم ، لعموم قوله علیه السلام : « وتحلیلها التسلیم » (3) وفی السند والدلالة نظر.

ص: 478


1- المسالک 1 : 33.
2- الذکری : 215.
3- الکافی 3 : 69 - 2. الوسائل 4 : 1003 أبواب التسلیم ب 1 ح 1.

الفهرست

کتاب الصلاة

تعریف الصلاة............................................................. 5

أهمیة الصلاة............................................................... 6

أعداد الصلاة

الصلوات المفروضة.......................................................... 8

نوافل الصلوات............................................................. 9

فوائد تتعلق بالنوافل

نوافل الظهر والعصر...................................................... 13

آداب نافلة المغرب........................................................ 14

آداب نافلة العشاء........................................................ 16

آداب صلاة اللیل......................................................... 17

صلاة الغفیلة............................................................. 21

ما یترک لاجله النافلة...................................................... 22

أفضل الرواتب........................................................... 23

جواز الجلوس فی النافلة.................................................... 24

ص: 479

سقوط النافلة فی السفر سوی الأماکن الأربعة................................ 26

النوافل رکعتان إلا الوتر................................................... 28

مواقیت الصلاة

لکل صلاة وقتان......................................................... 30

أول وقت الظهر.......................................................... 32

اختصاص الظهر بأول الوقت............................................... 35

آخر وقت الظهر.......................................................... 38

أول وقت العصر......................................................... 45

آخر وقت العصر......................................................... 47

أول وقت المغرب وما یتحقق به الغروب..................................... 49

أخر وقت المغرب......................................................... 53

أول وقت العشاء......................................................... 57

آخر وقت العشاء......................................................... 59

وقت صلاة الصبح........................................................ 61

ما یعلم به الزوال......................................................... 64

وقت نوافل الظهر والعصر................................................. 68

جواز تقدیم النوافل علی الزوال یوم الجمعة................................... 72

وقت نافلة المغرب......................................................... 73

وقت نافلة العشاء......................................................... 75

وقت صلاة اللیل.......................................................... 76

وقت نافلة الصبح......................................................... 83

جواز قضاء الفرائض فی کل وقت.......................................... 87

وقت النوافل الغیر الراتبة................................................... 87

أحکام المواقیت

حکم من حصل له مانع من الصلاة کالجنون والحیض فی الوقت................ 91

ص: 480

إعادة الصبی المتطوع بالصلاة إذا بلغ فی الوقت............................... 95

وجوب تحصیل الیقین بالوقت والا فالظن.................................... 97

حکم من انکشف له فساد الظن.......................................... 100

حکم من صلی قبل الوقت............................................... 101

وجوب قضاء الفرائض مرتبا.............................................. 102

الأوقات التی یکره فیها ابتداء النوافل...................................... 104

استحباب تعجیل ما یفوت باللیل نهارا وبالعکس............................ 109

أفضلیة الصلاة فی أول الوقت الا ما استثنی................................. 111

حکم من صلی العصر قبل الظهر.......................................... 115

القبلة

حقیقة القبلة............................................................ 118

القبلة هی جهة الکعبة................................................... 121

حکم المصلی فی جوف الکعبة............................................ 123

حکم من صلی علی سطح الکعبة......................................... 125

حکم صلاة الجماعة فی المسجد........................................... 126

توجه أهل کل إقلیم إلی الرکن الذی یلیهم................................. 126

علامات قبلة العراق..................................................... 127

استحباب التیاسر لأهل العراق............................................ 130

حکم الجاهل بالقبلة..................................................... 131

حکم الغیر المتمکن من الاجتهاد.......................................... 134

حکم فاقد الظن بالقبلة.................................................. 135

حکم الصلاة علی الراحلة وفی حال المشی والمطاردة......................... 138

أحکام الاخلال بالاستقبال

حکم الأعمی المخل بالاستقبال........................................... 149

حکم تبین الخلل بالاستقبال.............................................. 150

ص: 481

وجوب استئناف الاجتهاد عند الشک..................................... 154

لباس المصلی

حکم الصلاة فی الجلد................................................... 157

حکم الصلاة فی الصوف والشعر وسائر ما لا تحله الحیاة من المیتة............. 163

حکم الصلاة فی الخز.................................................... 167

جواز الصلاة فی فرو السنجاب........................................... 170

حکم الصلاة فی جلود الثعالب والأرانب................................... 172

حکم لبس الحریر....................................................... 173

جواز الجلوس علی الحریر................................................ 179

جواز الصلاة فی المکفوف بالحریر......................................... 180

حرمة الصلاة فی الثوب المغصوب......................................... 181

حرمة الصلاة فیما یستر ظهر القدم........................................ 183

استحباب الصلاة فی النعل العربیة......................................... 184

اشتراط الملکیة أو الاذن والطهارة فی لباس المصلی........................... 185

جواز الصلاة فی ثوب واحد للرجل دون المرأة.............................. 186

جواز الصلاة عاریاً للرجل................................................ 190

حکم من لا یجد ثوباً یستر به العورة....................................... 192

الأمة والصبیة تصلی بدون خمار........................................... 198

ما یکره الصلاة فیه من اللباس............................................ 201

مکان المصلی

اشتراط الإباحة فی مکان المصلی.......................................... 215

حرمة صلاة الرجل وإلی جانبه أو أمامه امرأة تصلی......................... 220

اشتراط طهارة موضع السجود............................................ 225

الأماکن التی تکره فیها الصلاة............................................ 227

ص: 482

ما یسجد علیه

عدم جواز السجود علی ما لیس بأرض.................................... 241

عدم جواز السجود علی المعدن........................................... 243

عدم جواز السجود علی المأکول.......................................... 245

حکم السجود علی القطن والکتان........................................ 245

حرمة السجود علی الوحل............................................... 248

جواز السجود علی القرطاس............................................. 249

کراهة الصلاة علی المکتوب.............................................. 250

حکم السجود علی شئ من البدن......................................... 250

حکم اشتباه الموضع النجس بغیره.......................................... 252

الأذان والإقامة

استحباب الأذان والإقامة................................................. 254

سقوط الأذان فیما عدا الفرائض الخمس................................... 261

سقوط الأذان لعصر الجمعة وعرفة........................................ 263

سقوط الأذان والإقامة عمن أدرک الجماعة................................. 266

إعادة الأذان والإقامة لمن عدل إلی الصلاة جماعة............................ 267

ما یعتبر فی المؤذن........................................................ 269

رجوع تارک الأذان سهوا................................................ 273

المؤذن یعطی من بیت المال................................................ 276

الأذان بعد دخول الوقت سوی الصبح..................................... 277

فصول الأذان........................................................... 279

فصول الإقامة........................................................... 281

اشتراط الترتیب فی الأذان والإقامة........................................ 282

مستحبات الأذان والإقامة................................................ 283

ص: 483

مکروهات الأذان والإقامة................................................ 289

أحکام الأذان........................................................... 292

أفعال الصلاة

النیة..................................................................... 308

حقیقة النیة............................................................. 309

وقت النیة.............................................................. 313

وجوب الاستمرار علی حکم النیة.................................... 313(ش)

حکم نیة قطع الصلاة............................................... 314(ش)

حکم نیة الریاء......................................................... 315

موارد جواز نقل النیة.................................................... 316

تکبیرة الاحرام........................................................... 317

صورة تکبیرة الاحرام.................................................... 319

حکم الأعجمی والأخرس................................................ 320

بطلان الصلاة بإعادة التکبیرة............................................. 321

وجوب التکبیر قائما..................................................... 322

مستحبات تکبیرة الاحرام................................................ 323

القیام ................................................................... 325

وجوب الاستقلال بالقیام................................................. 327

حکم العاجز عن القیام................................................... 328

حکم العاجز عن القعود.................................................. 330

مسنونات بحث القیام.................................................... 334

ص: 484

القراءة .................................................................. 335

تعیین قراءة الحمد فی الأولی والثانیة........................................ 336

البسملة آیة من کل سورة................................................ 339

عدم إجزاء ترجمة الحمد.................................................. 341

وجوب قراءة الحمد مرتبة................................................ 342

حکم الأخرس.......................................................... 343

تخیر المصلی بین الحمد والتسبیح فی الثالثة والرابعة........................... 344

وجوب قراءة سورة بعد الحمد............................................ 347

عدم جواز قراءة سور العزائم............................................. 351

حکم ما یفوت الوقت بقراءته والقران بین سورتین.......................... 354

مواضع وجوب الجهر.................................................... 356

عدم جهر النساء........................................................ 358

مستحبات القراءة....................................................... 359

حرمة قول آمین......................................................... 371

وجوب الموالاة فی القراءة................................................. 375

حکم نیة قطع القراءة.................................................... 376

الضحی وألم نشرح سورتان وکذا الفیل والایلاف.......................... 377

حکم الاخلال بالجهر والاخفات.......................................... 378

صورة التسبیح فی الثالثة والرابعة.......................................... 379

حکم من قرأ العزیمة فی النافلة............................................ 382

المعوذتان من القرآن..................................................... 383

الرکوع.................................................................. 384

واجبات الرکوع خمسة.................................................. 385

حکم التکبیر للرکوع................................................... 394

ص: 485

مسنونات الرکوع....................................................... 394

السجود................................................................. 400

عدم بطلان الصلاة بالاخلال بسجدة سهوا................................ 401

واجبات السجود........................................................ 403

مستحبات السجود...................................................... 410

کراهة الاقعاء بین السجدتین............................................. 415

حکم من بجبهته دمل.................................................... 416

سجدات القرآن......................................................... 418

سجدتا الشکر.......................................................... 421

التشهد ................................................................. 425

واجبات التشهد......................................................... 425

التسلیم.................................................................. 429

صورة التسلیم.......................................................... 434

مسنونات التسلیم....................................................... 438

مستحبات الصلاة ........................................................ 440

استحباب التوجه بست تکبیرات.......................................... 440

القنوت................................................................ 442

محال شغل النظر فی الصلاة............................................... 448

وضع الیدین فی الصلاة................................................... 450

التعقیب................................................................ 452

ص: 486

قواطع الصلاة

بطلان الصلاة بما یبطل الطهارة........................................... 455

بطلان الصلاة بالتکفیر................................................... 459

بطلان الصلاة بالالتفات................................................. 461

بطلان الصلاة بالکلام................................................... 462

بطلان الصلاة بالقهقهة.................................................. 464

بطلان الصلاة بالبکاء.................................................... 466

بطلان الصلاة بالأکل والشرب........................................... 467

مکروهات الصلاة....................................................... 469

استحباب الحمد للعاطس فی الصلاة وتسمیت غیره.......................... 471

موارد رد السلام فی الصلاة.............................................. 473

جواز الدعاء فی الصلاة.................................................. 476

ص: 487

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.