مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی) المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

وهو یشتمل علی أقسامها ، وأحکامها.

أما الأول :

فدم الاستحاضة فی الأغلب أصفر بارد رقیق یخرج بفتور.

______________________________________________________

قوله : أما الأول ، فدم الاستحاضة فی الأغلب أصفر بارد رقیق یخرج بفتور.

الاستحاضة فی الأصل استفعال من الحیض ، یقال استحیضت علی وزن استقیمت بالبناء للمجهول ، فهی تستحاض لا تستحیض : إذا استمر بها الدم بعد أیامها فهی مستحاضة. کذا ذکره الجوهری (1) ، ومقتضاه عدم سماع المادة مبنیة لغیر المجهول ، ثم استعمل لفظ الاستحاضة فی دم فاسد یخرج من عرق فی أدنی الرحم یسمّی العاذل.

وما ذکره المصنف من الصفات خاصة مرکبة له ، وهی مستفادة من الأخبار. وأما الصفرة والبرودة فمن حسنة حفص بن البختری عن الصادق علیه السلام ، قال : « ودم الاستحاضة أصفر بارد » (2).

وأما الرقة فمن قوله علیه السلام فی خبر علی بن یقطین : « تدع الصلاة ما دامت تری

الاستحاضة

صفة دم الاستحاضة

ص: 7


1- الصحاح ( 3 : 1073 ).
2- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).

وقد یتفق بمثل هذا الوصف حیضا ، إذ الصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض ، وفی أیام الطهر طهر.

______________________________________________________

الدم الغلیط ، فإذا رقّ وکانت صفرة اغتسلت » (1).

وأما الخروج بفتور ، أی ضعف وتثاقل فلم أقف له علی مستند.

قال المصنف فی المعتبر : وإنما قیّدنا بالأغلب لأنه قد یتفق الأصفر حیضا ، کما إذا رأته فی العادة (2). وهو غیر جید ، فإنّ القید إنما تعلق بدم الاستحاضة ، لا بالدم الأصفر.

والأولی أن یقال : إن فائدته التنبیه علی أنّ دم الاستحاضة قد یکون أسود أو أحمر ، کالموجود بعد أکثر الحیض والنفاس ، فإنه یحکم بکونه استحاضة ، وإن کان بصفة الحیض.

وینبغی أن یعلم أنه لما ثبت أنّ دم الاستحاضة هو ما کان جامعا للأوصاف المذکورة وجب الاقتصار فی إلحاق ما عداه به علی مورد النصّ خاصة ، وکلام الأصحاب فی هذه المسألة غیر منقح (3).

قوله : وقد یتفق بمثل هذا الوصف حیضا ، إذ الصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض ، وفی أیام الطهر طهر.

قال الشارح - رحمه الله - : المراد بأیام الحیض : ما یحکم علی الدم الواقع فیها بأنه حیض ، سواء کانت أیام العادة أو غیرها ، فتدخل المبتدئة ومن تعقب عادتها دم بعد أقل

دم الحیض قد یکون بصفة دم الاستحاضة

ص: 8


1- التهذیب ( 1 : 174 - 497 ) الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (16).
2- المعتبر ( 1 : 241 ).
3- فی « س » : واضح.

وکل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة أیام ولم یکن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة. وکذا ما یزید عن العادة ویتجاوز العشرة ، أو یزید عن أیام النفاس ، أو یکون مع الحمل علی الأظهر ، أو مع الیأس ، أو قبل البلوغ.

______________________________________________________

الطهر. وضابطه ما أمکن کونه حیضا ، وربما فسرت بأیام العادة (1). هذا کلامه رحمه الله تعالی.

وأقول : إن هذا التفسیر أولی ، إذ الظاهر اعتبار الأوصاف فی غیر العادة مطلقا ، کما بیناه.

قوله : وکل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة ولم یکن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة.

هذه الکلیة إنما تتم إذا استثنی دم النفاس ، ومع ذلک فلا بد من تقییدها بما إذا کان الدم بصفة دم الاستحاضة ، إلا فیما دلّ الدلیل علی خلافه کما تقدم.

قوله : وکذا ما یزید عن العادة ویتجاوز العشرة.

قد تقدم الکلام فی ذلک ، وأنّ المستفاد من الأخبار أنّ ما تجده المرأة بعد العادة وأیام الاستظهار فهو استحاضة مطلقا. وأما أنه مع التجاوز یکون ما تجده فی أیام الاستظهار استحاضة ، حتی أنه یجب علیها قضاء ما أخلت به فیها من العبادات فلم أقف علی دلیله ، ولا ریب أنه أحوط.

قوله : أو یکون مع الحمل علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة فذهب الأکثر الی أنّ الحامل قد تحیض

ما قل عن ثلاثة وما تجاوز العشرة فهو استحاضة

حکم ما اجتمع مع الحمل من الدم

ص: 9


1- المسالک ( 1 : 10 ).

______________________________________________________

کالحائل (1) ، وهو اختیار أبی جعفر بن بابویه (2) والسید المرتضی (3).

قال الشیخ فی النهایة وکتابی الأخبار : وما تجده المرأة الحامل فی أیام عادتها یحکم بکونه حیضا. وما تراه بعد عادتها بعشرین یوما فلیس بحیض (4).

وقال فی الخلاف : إنه حیض قبل أن یستبین الحمل لا بعده. ونقل فیه الإجماع (5).

وقال المفید (6) - رحمه الله - وابن الجنید (7) - رحمه الله - : لا یجتمع حیض مع حمل.

ویدفع هذا القول صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، إنه سئل عن الحبلی تری الدم أتترک الصلاة؟ قال : « نعم ، إنّ الحبلی ربما قذفت الدم » (8).

وفی الصحیح عن صفوان ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحبلی تری الدم

ص: 10


1- الحائل : کل حامل ینقطع عنها الحمل سنة أو سنوات ( لسان العرب 11 : 189 ).
2- المقنع : (16).
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (191).
4- النهایة : (25) ، التهذیب ( 1 : 388 ) ، الاستبصار ( 1 : 140 ).
5- الخلاف ( 1 : 74 ).
6- نقله فی منتهی المطلب ( 1 : 96 ) ، والمعتبر ( 1 : 200 ).
7- نقله فی المختلف : (36).
8- الکافی ( 3 : 97 - 5 ) التهذیب ( 1 : 386 - 1187 ) ، الإستبصار ( 1 : 138 - 474 ) ، الوسائل ( 2 : 576 ) أبواب الحیض ب (30) ح (1).

______________________________________________________

ثلاثة أیام أو أربعة أیام أتصلی؟ قال : « تمسک عن الصلاة » (1).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن الحبلی تری الدم کما کانت تری أیام حیضها مستقیما فی کل شهر؟ قال : « تمسک عن الصلاة کما کانت تصنع فی حیضها ، فإذا طهرت صلّت » (2).

وروی الکلینی فی الحسن عن سلیمان بن خالد ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ، الحبلی ربما طمثت ، فقال : « نعم ، وذلک أنّ الولد فی بطن امه غذاؤه الدم فربما کثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفعته ، فإذا دفعته حرمت علیها الصلاة » (3).

قال : وفی روایة أخری : إذا کان کذلک تأخّر الولادة (4). وبهذه الروایات احتج القائلون بأنّ الحامل تحیض کالحائل.

احتج الشیخ فی کتابی الأخبار علی القول الثانی بصحیحة الحسین بن نعیم الصحاف ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنّ أم ولدی تری الدم وهی حامل کیف تصنع بالصلاة؟ فقال : « إذا رأت الحامل الدم بعد ما یمضی عشرون یوما من الوقت الذی کانت تری فیه الدم فی الشهر الذی کانت تقعد فیه فإنّ ذلک لیس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ ولتحتش وتصلّ ، فإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذی

ص: 11


1- التهذیب ( 1 : 387 - 1193 ) ، الإستبصار ( 1 : 139 - 478 ) ، الوسائل ( 2 : 577 ) أبواب الحیض ب (30) ح (4).
2- الکافی (3) : 97 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 387 - 1194 ) ، الإستبصار ( 1 : 139 - 479 ) ، الوسائل ( 2 : 578 ) أبواب الحیض ب (30) ح (7).
3- الکافی ( 3 : 97 - 6 ) ، الوسائل ( 2 : 579 ) أبواب الحیض ب (30) ح (14).
4- الکافی ( 3 : 97 - 6 ) ، الوسائل ( 2 : 579 ) أبواب الحیض ب (30) ح (15).

وإذا تجاوز الدم عشرة أیام وهی ممّن تحیض فقد امتزج حیضها بطهرها فهی إما مبتدئة ، وإما ذات عادة ، مستقرة أو مضطربة.

______________________________________________________

کانت تری فیه الدم بقلیل أو فی الوقت من ذلک الشهر فإنه من الحیضة » (1). وهی مع صحتها صریحة فی المدعی فیتجه (2) العمل بها ، وإن کان القول الأول لا یخلو من قوة.

وأما القول الثالث فلم أقف له علی مستند.

احتج المفید - رحمه الله - بروایة السکونی عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « قال النبی صلی الله علیه و آله : ما کان الله لیجعل حیضا مع حبل » (3) وصحیحة حمید بن المثنی ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحبلی تری الدفعة والدفعتین من الدم فی الأیام وفی الشهر والشهرین ، فقال : « تلک الهراقة ، لیس تمسک هذه عن الصلاة » (4).

والجواب أن الروایة الأولی ضعیفة السند ، والثانیة فی غیر موضع النزاع ، لأن الدم المذکور لم یجمع شرائط الحیض.

قوله : وإذا تجاوز الدم عشرة أیام وهی ممّن تحیض فقد امتزج حیضها بطهرها ، فهی إما مبتدئة وإما ذات عادة مستقرة أو مضطربة.

قد تقدم الکلام فی ذات العادة. والمبتدئة بکسر الدال وفتحها اسم فاعل أو اسم مفعول : هی التی ابتدأت الحیض ، أو ابتدأ بها الحیض. وفسرها المصنف فی المعتبر بأنها

حکم الحائض إذا تجاوز دمها العشرة

ص: 12


1- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 388 - 1197 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 577 ) أبواب الحیض ب (30) ح (3).
2- فی « ح » : فیتعین.
3- التهذیب ( 1 : 387 - 1196 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 481 ) ، الوسائل ( 2 : 579 ) أبواب الحیض ب (30) ح (12).
4- التهذیب ( 1 : 387 - 1195 ) ، الإستبصار ( 1 : 139 - 480 ) ، الوسائل ( 2 : 578 ) أبواب الحیض ب (3) ح (8).

______________________________________________________

التی رأت الدم أول مرة. وفسر المضطربة بأنها التی لم تستقر لها عادة ، وجعل الناسیة للعادة قسیما لهما (1).

ویظهر من کلام المصنف فی هذا الکتاب أن المبتدئة من لم تستقر لها عادة ، والمضطربة من استقر لها عادة ثم اضطرب علیها الدم ونسیتها ، وهو الذی صرح به العلامة (2) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (3). والاختلاف فی ذلک لفظی.

وما قیل من أنّ فائدته رجوع هذا النوع من المبتدئة ، أعنی التی لم تستقر لها عادة إلی الأقارب والأقران ، فإنه إنما یکون علی الثانی دون الأول (4) فضعیف جدا ، لأن الحکم فی النصوص الواردة بذلک لیس منوطا بالمبتدئة لیرجع إلی تفسیرها ، ویختلف الحکم باختلافه کما ستقف علیه إن شاء الله تعالی.

إذا تقرر ذلک فنقول : إذا تجاوز الدم العشرة فقد امتزج الحیض بالطهر ، ولا یخلو إما أن تکون المرأة مبتدئة ، أو ذات عادة عددیة ووقتیة ، أو عددیة فقط ، أو وقتیة کذلک ، أو مضطربة ناسیة للوقت والعدد ، أو للعدد خاصة مع ذکر أول الوقت أو وسطه أو آخره أو وقت منه فی الجملة ، أو ناسیة للوقت خاصة ، وعلی هذا فالعدد المحفوظ إما أن یتحقق له إضلال فی وقت یقصر نصفه من العدد أو لا. وعلی التقادیر فإما أن یتحقق لها تمییز أو لا. فهذه أقسام المستحاضات ، وسیجی ء أحکامها مفصلة إن شاء الله تعالی.

ص: 13


1- المعتبر ( 1 : 204 ).
2- کما فی المختلف : (37).
3- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 10 ).
4- کما فی الروضة البهیة ( 1 : 104 ).

فالمبتدئة : ترجع إلی اعتبار الدم ، فما شابه دم الحیض فهو حیض وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة ، بشرط أن یکون ما شابه دم الحیض لا ینقص عن ثلاثة ولا یزید عن عشرة.

______________________________________________________

قوله : فالمبتدئة ترجع إلی اعتبار الدم ، فما شابه دم الحیض فهو حیض ، وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة ، بشرط أن یکون ما شابه دم الحیض لا ینقص عن ثلاثة ولا یزید عن عشرة.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، قاله فی المعتبر (1) ، واستدل علیه بالروایات المتضمنة لأوصاف الحیض ، کقوله علیه السلام فی روایة إسحاق بن جریر (2) : « إنّ دم الحیض لیس به خفاء ، هو دم حار تجد له حرقة » (3) وفی روایة حفص بن البختری :« إنّ دم الحیض حار عبیط أسود وله دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد. فإذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (4).

واشترط المصنف (5) وغیره (6) فی العمل بالتمییز أن لا یقصر ما شابه دم الحیض عن أقله ، ولا یتجاوز أکثره ، واشتراطهما ظاهر. ویعتبر فیه أیضا توالی الأیام الثلاثة علی مذهب من یعتبر التوالی.

حکم المبتدئة رجوع المبتدئة إلی التمییز

ص: 14


1- المعتبر ( 1 : 204 ).
2- الروایة هکذا فی « ق » « م » والکافی ، وفی التهذیب الروایة عن إسحاق بن جریر عن حریز. والظاهر أن الصحیح ما أثبتناه ، لعدم ثبوت روایة إسحاق بن جریر عن حریز ( راجع معجم رجال الحدیث 3 : 2. 41 ).
3- الکافی ( 3 : 91 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 431 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (3).
4- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).
5- المعتبر ( 1 : 205 ).
6- منهم العلامة فی نهایة الأحکام ( 1 : 134 ).

فإن کان لونا واحدا أو لم یحصل فیه شریطتا التمیز رجعت إلی عادة نسائها إن اتفقن ،

______________________________________________________

وهل یعتبر فیه بلوغ الدم الضعیف مع أیام النقاء أقلّ الطهر؟ وجهان : أحدهما نعم ، وبه قطع العلامة فی النهایة (1) ، لأنا إذا جعلنا القوی حیضا کان الضعیف طهرا ، لأنه مقابله. والثانی لا ، للعموم ، وضعفه ظاهر. فلو رأت خمسة أسود ثم أربعة أصفر ثم عاد الأسود عشرة فعلی الأول لا تمییز لها ، وعلی الثانی حیضها خمسة.

ثم إنّ المشابهة تحصل باللون ، فالأسود قوی الأحمر ، وهو قوی الأشقر ، وهو قوی الأصفر. والقوام ، فالثخین قوی الرقیق. والرائحة ، فالمنتن قوی بالنسبة إلی غیره. ومتی اجتمع فی دم خصلة وفی آخر ثنتان فهو أقوی. ولو استوی العدد مع الاختلاف ، کما لو کان فی أحدهما الثخانة وفی الآخر الرائحة فلا تمییز لها.

فرعان : الأول : لا یشترط فی التمییز التکرار ، لأنه علامة الحیض ، فیکفی امتیازه بخلاف العادة. وظاهر المنتهی أنه موضع وفاق بین العلماء (2) ، فلو رأت فی شهر ثلاثة أسود ( وفی آخر أربعة ) (3) وفی آخر خمسة ، فما هو بالصفة حیض والباقی طهر.

الثانی : العادة کما تحصل بالأخذ والانقطاع کذا تحصل بالتمییز ، فلو مرّ بها شهران رأت فیهما سواء ، ثم اختلف الدم فی باقی الأشهر رجعت إلی عادتها فی الشهرین ، ولا تنظر إلی اختلاف الدم ، لأنّ الأول صار عادة.

قوله :فإن کان لونا واحدا أو لم یحصل فیه شرطا التمیز رجعت الی عادة نسائها إن اتفقن.

المراد بالنساء هنا : الأقارب من الأبوین أو أحدهما ، ولا یعتبر العصبة ، لأنّ المعتبر

رجوع المبتدئة إلی عادة نسائها أو أقرانها عند فقد التمییز

ص: 15


1- نهایة الأحکام ( 1 : 135 ).
2- منتهی المطلب ( 1 : 104 ).
3- بین القوسین لیست فی « م ».

______________________________________________________

الطبیعة ، وهی جاذبة (1) من الطرفین.

وهذا الحکم أعنی رجوع المبتدئة مع فقد التمییز إلی عادة نسائها هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وعزاه فی المعتبر إلی الخمسة وأتباعهم.

واحتج علیه بأنّ الحیض یعمل فیه بالعادة وبالأمارة ، کما یرجع إلی صفات الدم ، ومع اتفاقهن یغلب أنها کإحداهن ، إذ من النادر أن تشذ واحدة عن جمیع الأهل (2).

وبما رواه الشیخ عن سماعة ، قال : سألته عن جاریة حاضت أول حیضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهی لا تعرف أیام أقرائها ، قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن کان نساؤها مختلفات فأکثر جلوسها عشرة أیام ، وأقله ثلاثة أیام » (3).

وعن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدی بأقرائها ثم تستظهر علی ذلک بیوم » (4).

وفی الروایتین قصور من حیث السند. أما الأولی فبالإرسال ، والإضمار ، واشتمال سندها علی عدة من الواقفیة (5).

ص: 16


1- فی « س » حادثة.
2- المعتبر ( 1 : 207 ).
3- التهذیب ( 1 : 380 - 1181 ) ، الإستبصار ( 1 : 138 - 471 ) ، الوسائل ( 2 : 547 ) أبواب الحیض ب (8) ح (2) وقد رواها فی الکافی ( 3 : 79 - 3 ).
4- التهذیب ( 1 : 401 - 1252 ) ، الإستبصار ( 1 : 138 - 472 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (5).
5- منهم زرعة بن محمد راجع رجال النجاشی : ( 176 - 466 ) ، وسماعة بن مهران راجع رجال الصادق ( ع ) (351) ، والواقفیة هم الذین وقفوا علی موسی بن جعفر علیه السلام وقالوا أنه الإمام القائم وأنه راجع فرق الشیعة للنوبختی : (81).

وقیل : أو عادة ذوات أسنانها من بلدها ،

______________________________________________________

وأما الثانیة فلأن فی طریقها علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی ، وأیضا فإنها تتضمن الرجوع إلی بعض نسائها ، وهو خلاف الفتوی. لکن الشیخ فی الخلاف نقل علی صحة الروایة الأولی إجماع الفرقة (1) ، فإن تمّ فهو الحجة ، وإلاّ أمکن التوقف فی هذا الحکم لضعف مستنده.

ومقتضی کلام المصنف هنا وفی المعتبر أنّ رجوعها إلی نسائها مشروط باتفاقهن (2) ، وبه صرح العلامة فی النهایة وقال : حتی لو کنّ عشرا فاتفق فیهن تسع رجعت إلی الأقران (3).

ورجح الشهید - رحمه الله - اعتبار الأغلب مع الاختلاف (4). وهو ضعیف جدا ، لأنه إن استند فی الحکم إلی مقطوعة سماعة وجب القطع بالانتقال عن نسائها بمجرد الاختلاف کما هو منطوق الروایة ، وإن استند إلی روایة زرارة ومحمد بن مسلم وجب القول برجوعها إلی بعض نسائها مطلقا ولا قائل به.

قوله : وقیل ، أو عادة ذوات أسنانها من بلدها.

هذا الحکم ذکره الشیخ فی المبسوط (5) ، وجمع من الأصحاب. قال المصنف فی المعتبر : ونحن نطالب بدلیله ، فإنه لم یثبت. ولو قال کما یغلب فی الظن أنها کنسائها

ص: 17


1- راجع رجال النجاشی : ( 257 - 676 ). والفطحیة : هم الذین قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر الأفطح بعد أبیه جعفر بن محمد الصادق 7. وسمی الأفطح لأنه کان أفطح الرأس. ( راجع فرق الشیعة للنوبختی : 77 ).
2- الخلاف ( 1 : 73 ).
3- المعتبر ( 1 : 208 ).
4- نهایة الأحکام ( 1 : 139 ).
5- کما فی الذکری : (30).

تحیض المبتدئة بسبعة أیام عند اختلاف نسائها

فإن کنّ مختلفات جعلت حیضها فی کل شهر سبعة أیام ، أو عشرة من شهر وثلاثة من الآخر ، مخیّرة فیهما ، وقیل : عشرة ، وقیل : ثلاثة ، والأول أظهر

______________________________________________________

مع اتفاقهن یغلب فی الأقران منعنا ذلک ، فانّ ذوات القرابة بینها مشابهة فی الطباع والجنسیة والأصل ، فقوی الظن مع اتفاقهن بمساواتها لهن ، ولا کذا الأقران ، إذ لا مناسبة تقتضیه لأنا نری النسب یعطی شبها ولا نری المقارنة لها أثر فیه (1).

واعترضه الشهید - رحمه الله - فی الذکری بأنّ لفظ نسائها دالّ علیه ، لأن الإضافة تصدق بأدنی ملابسة ، قال : ولما لا بسنها فی السن والبلد صدق علیهن النساء ، وأما المشاکلة فمع اتحاد السن واتحاد البلد تحصل غالبا (2). وهذا کلامه - رحمه الله . ولا یخلو من نظر ، لأن ذلک خلاف المتبادر من اللفظ ، ولأن اللازم مما ذکره الاکتفاء باتحاد البلد أو السن ، لصدق الملابسة معه ، ولا قائل به.

هذا کله علی تقدیر العمل بالخبرین الأولین ، وإلاّ فالبحث ساقط من أصله.

قوله : فإن کنّ مختلفات جعلت حیضها فی کل شهر سبعة أیام ، أو عشرة من شهر وثلاثة من الآخر ، مخیّرة فیهما ، وقیل : عشرة ، وقیل : ثلاثة ، والأول أظهر.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ فی الجمل فی المبتدئة : إذا فقدت الأقارب والأقران ، أو اختلفن إنها تترک الصلاة فی الشهر الأول أقل أیام الحیض ، وفی الشهر الثانی أکثر أیام الحیض ، أو تترک الصلاة فی کل شهر سبعة أیام (3). ونحوه قال

ص: 18


1- المعتبر ( 1 : 208 ).
2- الذکری : (30).
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163) ، لکن الموجود فی النسخة التی عندنا هذه العبارة فقط : فلتترک الصلاة فی کل شهر سبعة أیام مخیرة فی ذلک.

______________________________________________________

فی المبسوط (1). وقال فی موضع آخر منه : إنها مع استمرار الدم تتحیض عشرة أیام ، ثم تجعل طهرا عشرة أیام ، ثم حیضا عشرة أیام وهکذا (2).

وحکی فی المعتبر عن بعض فقهائنا أنها تجلس فی کل شهر عشرا وهو أکثر أیام الحیض ، لأنه زمان یمکن أن یکون حیضا (3).

وقال المرتضی - رحمه الله - : تجلس من ثلاثة إلی عشرة (4).

وقال ابن الجنید - رحمه الله - : إنها تترک الصلاة فی کل شهر ثلاثة أیام ، وتصلی سبعة وعشرین یوما (5).

احتج الشیخ ومن تبعه علی التحیّض بالسبعة بمرسلة یونس عن الصادق علیه السلام : قال : « وتحیضی فی کل شهر فی علم الله سبعة أیام أو ستة أیام » (6) ومقتضاها التخییر بین الستة والسبعة ، فلا وجه للاقتصار علی السبعة.

واستدلوا علی تحیّضها بالثلاثة والعشرة بما رواه الشیخ عن الحسن بن علی بن فضّال ، عن عبد الله بن بکیر ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « المرأة إذا رأت الدم فی أول حیضها واستمر الدم ترکت الصلاة عشرة أیام ثم تصلی عشرین یوما ، فإن استمر بها الدم بعد ذلک ترکت الصلاة ثلاثة أیام وصلّت سبعة وعشرین یوما » قال الحسن ، وقال

ص: 19


1- المبسوط ( 1 : 47 ).
2- المبسوط ( 1 : 46 ).
3- المعتبر ( 1 : 209 ).
4- نقله عنه فی التنقیح الرائع ( 1 : 104 ).
5- نقله عنه فی المختلف : (38).
6- الکافی ( 3 : 83 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 381 - 1183 ) ، الوسائل ( 2 : 547 ) أبواب الحیض ب (8) ح (3).

______________________________________________________

ابن بکیر : هذا مما لا یجدون منه بدا (1).

وعن عبد الله بن بکیر أیضا قال : فی الجاریة أول ما تحیض یدفع علیها الدم فتکون مستحاضة إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلی حتی یمضی أکثر ما یکون من الحیض ، فإذا مضی ذلک وهو عشرة أیام فعلت ما تفعله المستحاضة ، ثم صلّت فمکثت تصلی بقیة شهرها ، ثم تترک الصلاة فی المرة الثانیة أقل ما تترک امرأة الصلاة وتجلس أقلّ ما یکون من الطمث وهو ثلاثة أیام ، فإن دام علیها الحیض صلّت فی وقت الصلاة التی صلت وجعلت وقت طهرها أکثر ما یکون من الطهر وترکها الصلاة أقل ما یکون من الحیض (2).

والأخبار الواردة فی هذا الباب کلها ضعیفة السند ، کما اعترف به المصنف فی المعتبر (3) ، والعلامة فی المختلف (4). ومع ذلک فمقتضی روایتی ابن بکیر التحیّض بالثلاثة دائما فی غیر الدور الأول ، ولا دلالة لهما علی التحیّض بالعشرة بعد الثلاثة کما ذکره الشیخ (5) وأتباعه (6).

قال المصنف فی المعتبر بعد أن حکم بضعف الروایات الواردة فی هذا الباب : والوجه عندی أن تتحیض کل واحدة منهما - یعنی المبتدئة والمضطربة بالتفسیر الذی ذکره - ثلاثة أیام ، لأنه المتیقن فی الحیض ، وتصلی وتصوم بقیة الشهر استظهارا ،

ص: 20


1- التهذیب ( 1 : 381 - 1182 ) ، الإستبصار ( 1 : 137 - 469 ) ، الوسائل ( 2 : 549 ) أبواب الحیض ب (8) ح (6).
2- التهذیب ( 1 : 400 - 1251 ) ، الإستبصار ( 1 : 137 - 470 ) ، الوسائل ( 2 : 549 ) أبواب الحیض ب (8) ح (5).
3- المعتبر ( 1 : 210 ).
4- المختلف : (38).
5- الاستبصار ( 1 : 137 ) ، والمبسوط ( 1 : 47 ) ، والنهایة : (25).
6- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 37 ).

- حکم ذات العادة

وذات العادة تجعل عادتها حیضا وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها مع العادة تمییز ، قیل : تعمل علی العادة ، وقیل : علی التمییز ، وقیل : بالتخییر والأول أظهر.

______________________________________________________

وعملا بالأصل فی لزوم العبادة (1). هذا کلامه - رحمه الله . ولا یخلو من قوة ، ویؤیده الروایتان المتقدمتان والإجماع ، فإن الخلاف إنما وقع فی الزائد عن الثلاثة.

واعلم أنّ مقتضی مرسلة یونس المتقدمة (2) : تخییرها بین الستة والسبعة ، وبه قطع فی المعتبر بناء علی العمل بالروایة. وقوّی العلامة فی النهایة وجوب العمل بما یؤدی اجتهادها إلیه ، لئلاّ یلزم التخییر فی السابع بین وجوب الصلاة وعدمه (3). وهو منقوض بأیام الاستظهار. وقال فی المعتبر : إنه لا مانع من ذلک ، إذ قد یقع التخییر فی الواجب ، کما یتخیر المسافر بین الإتمام والقصر فی بعض المواضع (4).

ومتی اختارت عددا کان لها وضعه حیث شاءت من الشهر ، ولا یتعین أوله وإن کان أولی.

ومقتضی خبری ابن بکیر أخذ الثلاثة بعد العشرة ، ثم أخذها بعد السبعة والعشرین دائما ، ولا ریب أنه أولی.

قوله : وذات العادة تجعل عادتها حیضا وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها مع العادة تمییز ، قیل : تعمل علی العادة ، وقیل : علی التمییز ، وقیل بالتخییر ، والأول أظهر.

إذا اجتمعت العادة والتمییز فإن توافقا فی الوقت ، أو مضی بینهما أقلّ الطهر فلا

ص: 21


1- المعتبر ( 1 : 210 ).
2- فی ص (19).
3- نهایة الأحکام ( 1 : 138 ).
4- المعتبر ( 1 : 211 ).

______________________________________________________

بحث. وإن اختلفا ولم یمکن الجمع بینهما ، کما إذا رأت فی العادة صفرة وقبلها أو بعدها بصفة الحیض وتجاوز المجموع العشرة أو لم یتخلل بینهما أقلّ الطهر ، فقال الشیخ فی الجمل ، والمبسوط : ترجع إلی العادة (1) ، وهو مذهب المفید ، والمرتضی (2) ، وأتباعهم. وقال فی النهایة : ترجع إلی التمییز (3). وحکی المصنف هنا قولا بالتخییر ، ولم یذکره فی المعتبر ولا غیره من الأصحاب. والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار الکثیرة الدالة علی اعتبار العادة مطلقا من غیر تقیید بانتفاء التمییز ، کقوله علیه السلام فی صحیحة الحسین الصحاف : « فلتمسک عن الصلاة عدد أیامها » (4).

وفی صحیحة محمد بن عمرو بن سعید : « تنتظر عدة ما کانت تحیض ، ثم تستظهر بثلاثة أیام ، ثم هی مستحاضة » (5).

احتج الشیخ - رحمه الله - علی الرجوع إلی التمییز بقوله علیه السلام فی حسنة حفص بن البختری : « إن دم الحیض حار عبیط أسود » (6) وغیر ذلک من الأخبار المتضمنة لبیان الأوصاف (7).

ص: 22


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163) ، والمبسوط ( 1 : 49 ).
2- نقله عنهما فی المختلف : (39).
3- النهایة : (24).
4- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 388 - 1197 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 543 ) أبواب الحیض ب (5) ح (6).
5- التهذیب ( 1 : 172 - 491 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 515 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (10).
6- المتقدمة فی ص (14).
7- الوسائل ( 2 : 534 ، 535 ) أبواب الحیض ب ( 1 ، 2 ).

وهاهنا مسائل :

الأولی : إذا کانت عادتها مستقرة عددا ووقتا. فرأت ذلک العدد متقدما علی ذلک الوقت أو متأخرا عنه تحیّضت بالعدد وألغت الوقت ، لأن العادة تتقدم وتتأخر ، وسواء رأته بصفة دم الحیض أو لم یکن.

الثانیة : رأت الدم قبل العادة وفی العادة ، فإن لم یتجاوز العشرة فالکل

______________________________________________________

والجواب : أنّ صفة الدم یسقط اعتبارها مع العادة ، لأن العادة أقوی فی الدلالة ، ولما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری الصفرة والکدرة فی أیامها ، قال : « لا تصل حتی تنقضی أیامها ، فإن رأت الصفرة فی غیر أیامها توضأت وصلّت » (1).

ورجح المحقق الشیخ علی - رحمه الله - تقدیم العادة المستفادة من الأخذ والانقطاع ، دون المستفادة من التمییز ، حذرا من لزوم زیادة الفرع علی أصله (2). وهو ضعیف.

قوله : الأولی ، إذا کانت عادتها مستقرة عددا ووقتا فرأت ذلک العدد متقدما علی ذلک الوقت أو متأخرا عنه تحیّضت بالعدد وألقت الوقت ، لأن العادة تتقدم وتتأخر ، سواء رأته بصفة دم الحیض أو لم یکن.

إطلاق العبارة یقتضی عدم وجوب الاحتیاط إلی الثلاثة فی ذات العادة مطلقا ، وربما قیل بوجوبه علی من تقدم دمها العادة إلی أن تمضی الثلاثة ، أو یحضر الوقت. وهو ضعیف. وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ص: 23


1- الکافی ( 3 : 78 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 396 - 1230 ) ، الوسائل ( 2 : 540 ) أبواب الحیض ب (4) ح (1).
2- جامع المقاصد ( 1 : 39 ).

حیض ، وإن تجاوز جعلت العادة حیضا ، وکان ما تقدّمها استحاضة. وکذا لو رأت فی وقت العادة وبعدها. ولو رأت قبل العادة وفی العادة وبعدها ، فإن لم یتجاوز فالجمیع حیض ، وإن زاد علی العشرة فالحیض وقت العادة والطرفان استحاضة.

الثالثة : لو کانت عادتها فی کل شهر مرة واحدة عددا معینا فرأت فی شهر مرتین بعدد أیام العادة کان ذلک حیضا. ولو جاء فی کل مرة أزید من العادة لکان ذلک حیضا إذا لم یتجاوز العشرة ، فإن تجاوز تحیّضت بقدر عادتها وکان الباقی استحاضة.

- حکم المضطربة رجوع المضطربة إلی التمییز

والمضطربة العادة ترجع إلی التمییز فتعمل علیه ،

______________________________________________________

قوله : والمضطربة العادة ترجع إلی التمییز فتعمل علیه.

یلوح من قول المصنف : فإن فقدت التمییز. أنّ المضطربة هی التی اضطرب علیها الدم ونسیت عادتها. وصرح فی المعتبر (1) فی هذه المسألة بأنّ المضطربة من لم تستقر لها عادة. والأظهر رجوعها بتفسیریها إلی التمییز ، لعموم الأدلة الدالة علی ذلک.

قال بعض المحققین - وقد تقدم - : إن المضطربة من نسیت عادتها إما عددا ، أو وقتا ، أو عددا ووقتا. والحکم برجوعها إلی التمییز مطلقا لا یستقیم (2) ، لأن ذاکرة العدد الناسیة للوقت لو عارض تمییزها عدد أیام العادة لم ترجع إلی التمییز ، بناء علی ترجیح العادة علی التمییز ، وکذا القول فی ذاکرة الوقت ناسیة العدد. ویمکن الاعتذار عنه بأنّ المراد برجوعها إلی التمییز ما إذا طابق تمییزها العادة ، بدلیل ما ذکر من ترجیح العادة علی التمییز (3). هذا کلامه رحمه الله .

ص: 24


1- المعتبر ( 1 : 204 ).
2- فی « ق » ، « م » ، « س » ، والمصدر : لا یستمر.
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 39 ).

ولا تترک هذه الصلاة إلا بعد مضی ثلاثة أیام علی الأظهر ، فإن فقدت التمیز فهنا مسائل ثلاث :

الأولی : ذکرت العدد ونسیت الوقت ، قیل : تعمل فی الزمان کلّه ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کل وقت یحتمل انقطاع الدم فیه ، وتقضی صوم عادتها.

______________________________________________________

ولا یخفی أنه علی هذا الاعتذار لا یظهر لاعتبار التمییز فائدة. ویمکن أن یقال باعتبار التمییز فی الطرف المنسی خاصة ، أو تخصیص المضطربة بالناسیة للوقت والعدد (1).

قوله : ولا تترک هذه الصلاة إلا بعد مضی ثلاثة أیام علی الأظهر.

الضمیر یعود إلی المضطربة الشاملة لأقسامها الثلاثة. والحکم بوجوب الاحتیاط علیها إنما یتم فی ناسیة الوقت ، أما ذاکرته فإنها تتحیض برؤیة الدم قطعا. وقد تقدم أنّ الأظهر تحیّض الجمیع برؤیة الدم إذا کان بصفة الحیض.

قوله : فإن فقدت التمییز فهنا مسائل ثلاث ، الأولی : ذکرت العدد ونسیت الوقت قیل : تعمل فی الزمان کلّه ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کل وقت یحتمل انقطاع الدم فیه ، وتقضی صوم عادتها.

القائل بذلک : هو الشیخ فی المبسوط (2) ، ولم یکتف بذلک بل أوجب علیها أیضا اجتناب ما تجتنبه الحائض ، أخذا بمجامع الاحتیاط. وذهب الأکثر إلی أنها تتخیر فی وضع عددها فی أی وقت شاءت من الشهر.

وموضع الخلاف ما إذا لم یحصل لها وقت معلوم فی الجملة ، بأن تضل العدد فی وقت

حکم ذاکرة العدد ناسیة الوقت إذا فقدت التمییز

ص: 25


1- فی « ح » زیادة : ولعل هذا أولی.
2- المبسوط ( 1 : 51 ).

الثانیة : ذکرت الوقت ونسیت العدد ، فإن ذکرت أول حیضها أکملته ثلاثة ،

______________________________________________________

یزید نصفه عن ذلک العدد ، أو یساویه. أما لو زاد العدد علی نصف الزمان الذی تعلق به الإضلال ، فإنه یتعین کون الزائد وضعفه حیضا بیقین ، وحینئذ فلا تعمل فی الجمیع عمل المستحاضة.

مثال الأول : إذا أضلّت خمسة أو أربعة فی عشرة ، فإنه لا حیض لها بیقین ، لمساواة العدد لنصف الزمان أو نقصانه عنه.

ومثال الثانی : ما إذا أضلّت ستة فی العشرة ، فإن الخامس والسادس حیض بیقین ، لاندراجهما بتقدیر تقدم الحیض وتأخره وتوسطه.

ومن هنا یعلم أحکام مسائل المزج ، فمنها ما لو قالت : الحیض ستة وکنت أمزج أحد نصفی الشهر بالآخر بیوم ، فهذه أضلت ستة فی العشرة الأواسط ، فلها یومان حیض بیقین ، وهما الخامس عشر والسادس عشر. والعشرة الاولی من الشهر طهر بیقین ، ویتعلق احتمال الانقطاع بالسادس عشر إلی العشرین ، فعلی الاحتیاط تجمع فی الأربعة الأولی (1) بین أفعال المستحاضة وتروک الحائض ، وفی الأربعة الثانیة (2) بینهما وبین غسل الانقطاع عند کل صلاة. وعلی المشهور تضمّ إلی الیومین بقیة العدد متقدما أو متأخرا أو بالتفریق. ورتّب علی ذلک ما یرد علیک من نظائر هذه الأمثلة.

قوله : الثانیة : ذکرت الوقت ونسیت العدد ، فإن ذکرت أول حیضها أکملته ثلاثة.

لتیقن کونها حیضا ، ویبقی الزائد عنها إلی تمام العشرة مشکوکا فیه ، فعلی الاحتیاط تجمع بین التکالیف الثلاثة ، وعلی القول برجوعها إلی الروایات تأخذ منها

حکم ذاکرة العدد ناسیة الوقت إذا فقدت التمییز

ص: 26


1- أی : من الیوم الحادی عشر إلی الرابع عشر.
2- أی : من الیوم السابع عشر إلی العشرین.

وإن ذکرت آخره جعلته نهایة الثلاثة ، وعملت فی بقیة الزمان ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کل زمان یفرض فیه الانقطاع ، وتقضی صوم عشرة أیام احتیاطا ، ما لم یقصر الوقت الذی عرفته.

______________________________________________________

ما تختاره ویکون الباقی استحاضة. ورجح المصنف فی المعتبر الاقتصار علی الثلاثة ، والتعبّد فی باقی الشهر ، أخذا بالمتیقن (1). وهو حسن.

قوله : وإن ذکرت آخره جعلته نهایة الثلاثة ، وعملت فی بقیة الزمان ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کل زمان تفرض فیه الانقطاع.

الکلام فیه کما سبق فی ذاکرة الأول ، غیر أنها تقتصر فی السبعة المتقدمة علی أفعال المستحاضة ، لعدم إمکان الانقطاع.

ولو علمت وسط الحیض ، وهو ما بین الطرفین ، فإن ذکرت یوما واحدا حفّته بیومین حیضا متیقنا. ولو ذکرت یومین حفتهما بآخرین ، وکان الحکم فی بقیة الزمان کما تقدم.

ولو ذکرت وقتا فی الجملة فهو الحیض المتیقن ، فعلی الاحتیاط تکمّله عشرة ، تجمع فیها بین التکالیف الثلاثة ، أو تجعله نهایة عشرة تجمع فیها بین تکلیفی الحائض والمستحاضة خاصة. وعلی القول برجوعها إلی الروایات تجعله إحداهما (2) إن قصر عنها ، قبله أو بعده ، أو بالتفریق ، وإن ساوی إحداها (3) کان لها الاقتصار علیه.

قوله : وتقضی صوم عشرة أیام احتیاطا ، ما لم یقصر الوقت الذی عرفته عن العشرة.

کما لو تیقّنت أنّ حیضها یکون فی کل شهر فی التسعة الأولی ، فإنه لا یجب قضاء

ص: 27


1- المعتبر ( 1 : 220 ).
2- قد تقرأ فی بعض النسخ : إحداهما.
3- فی « م » ، « س » ، « ح » : إحداهما.

الثالثة : نسیتهما جمیعا ، فهذه تتحیض فی کل شهر سبعة أیام أو ستة ، أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ، ما دام الاشتباه باقیا.

______________________________________________________

العاشر ، أو فی الثمانیة الاولی ، فلا تقضی التاسع ، وهکذا. هذا إذا علمت انتفاء الکسر ، وإلاّ تعیّن علیها قضاء أحد عشر ، وزیادة یوم علی العدد المحفوظ ، لاحتمال التلفیق فیفسد الیومان.

قوله : الثالثة ، نسیتهما جمیعا فهذه تتحیض فی کل شهر سبعة أیام أو ستة ، أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ، ما دام الاشتباه باقیا.

هذه هی المشهورة بین الفقهاء بالمتحیرة ، والقول برجوعها إلی الروایات هو المعروف من المذهب ، ونقل علیه فی الخلاف الإجماع (1) ، مع أنه أفتی فی المبسوط (2) بوجوب الاحتیاط علیها ، والجمع بین التکالیف. وکلا القولین مشکل.

أما الأول : فلضعف مستنده (3) بالإرسال ، وبأنّ فی طریقه محمد بن عیسی عن یونس (4). قال فی الذکری : والشهرة فی النقل والإفتاء بمضمونه حتی عدّ إجماعا تدفعهما (5). ویؤیده أنّ حکمة الباری أجلّ من أن یدع أمرا مبهما تعم به البلوی ، فی کل زمان ومکان ، ولم یبینه علی لسان صاحب الشرع.

وأما الثانی : فلما فیه من العسر والحرج المنفیین بالآیة (6) والروایة (7).

حکم ناسیة الوقت والعدد إذا فقدت التمییز

ص: 28


1- الخلاف ( 1 : 76 ).
2- المبسوط ( 1 : 51 ).
3- الذی یظهر أنّ مستنده هو روایة یونس الطویلة.
4- قال فی رجال النجاشی : ( 333 - 896 ) : وذکر أبو جعفر بن بابویه ، عن ابن الولید أنه قال : ما تفرد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه.
5- الذکری : (32).
6- الحج : (78).
7- التهذیب ( 1 : 37 - 100 ) ، الإستبصار ( 1 : 20 - 46 ) ، الوسائل ( 1 : 175 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (11).

وأما الأحکام فنقول :

دم الاستحاضة إما أن لا یثقب الکرسف ، أو یثقبه ولا یسیل ، أو یسیل.

وفی الأول : یلزمها تغییر القطنة ، وتجدید الوضوء عند کل صلاة ، ولا تجمع بین صلاتین بوضوء واحد.

وفی الثانی : یلزمها مع ذلک تغییر الخرقة ، والغسل لصلاة الغداة.

وفی الثالث : یلزمها مع ذلک غسلان ، غسل للظهر والعصر تجمع بینهما ، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بینهما.

______________________________________________________

ورجح المصنف فی المعتبر أنها تتحیض بثلاثة أیام ، وتصلی وتصوم بقیة الشهر استظهارا ، وعملا بالأصل فی لزوم العبادة (1). وهو متجه.

قوله : وأما أحکامها فنقول : دم الاستحاضة إما أن لا یثقب الکرسف ، أو یثقبه ولا یسیل ، أو یسیل ، وفی الأول یلزمها تغییر القطنة وتجدید الوضوء عند کل صلاة ولا تجمع بین الصلاتین بوضوء واحد ، وفی الثانی یلزمها مع ذلک تغییر الخرقة والغسل لصلاة الغداة وفی الثالث یلزمها مع ذلک غسلان ، غسل للظهر والعصر تجمع بینهما ، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بینهما.

المشهور بین الأصحاب أنّ لدم الاستحاضة ثلاث مراتب : القلة ، والتوسط ، والکثرة ، فیجب علی المستحاضة أن تعتبر نفسها ، فإن لطّخ الدم باطن القطنة ولم یثقبها إلی ظاهرها ، فالاستحاضة قلیلة ، وإن غمسها ظاهرا وباطنا ولم یسل منها إلی غیرها فمتوسطة ، وإلاّ فکثیرة. فهنا مسائل ثلاث :

الاولی : أن لا یثقب الدم الکرسف إلی ظاهره ، وقد ذکر المصنف أنه یجب علیها

أقسام الاستحاضة وأحکامها

- أقسام الاستحاضة

الاستحاضة القلیلة

ص: 29


1- المعتبر ( 1 : 210 ).

______________________________________________________

تغییر القطنة ، والوضوء لکل صلاة.

أما وجوب تغییر القطنة : فعلّل بعدم العفو عن هذا الدم فی الصلاة ، قلیله وکثیره.

وهو غیر جید لما سیجی ء - ان شاء الله تعالی - من العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فیه مطلقا. ویظهر من العلامة - رحمه الله - فی المنتهی دعوی الإجماع علی ذلک ، فإنه قال : ولا خلاف عندنا فی وجوب الإبدال (1) ، ولعله الحجة.

وأما الوضوء لکل صلاة : فقال فی المعتبر : إنه مذهب الخمسة وأتباعهم. وقال ابن أبی عقیل : لا یجب فی هذه الحالة وضوء ولا غسل (2). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام فی المستحاضة ، قال : « تصلی کل صلاة بوضوء ما لم ینفذ الدم » (3).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وإن کان الدم لا یثقب الکرسف توضأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت کل صلاة بوضوء » (4).

واحتج ابن أبی عقیل - علی ما نقل عنه - بصحیحة ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلی الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب ، وتصلی المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح ، وتصلی الفجر » (5). قال : وترک الوضوء یدل علی عدم وجوبه (6).

ص: 30


1- منتهی المطلب ( 1 : 120 ).
2- المعتبر ( 1 : 242 ).
3- التهذیب ( 1 : 169 - 483 ) ، الوسائل ( 2 : 607 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (9).
4- الکافی ( 3 : 88 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 107 - 277 ) ، ( 170 - 484 ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 171 - 487 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4).
6- نقله عنه فی المختلف : (40).

______________________________________________________

والجواب : أنّ هذه الروایة إنما تدل علی سقوط الوضوء مع الاغتسال ، وهو غیر محل النزاع.

وقوله - رحمه الله - : ولا تجمع بین صلاتین بوضوء تأکید للکلام السابق.

قال الشارح - قدس سره - : وفیه ردّ علی المفید - رحمه الله - حیث اکتفی بوضوء واحد للظهرین ، ووضوء للعشاءین کالغسل (1). وفیه نظر فإن المفید لا یقول بالاجتزاء بالوضوء الواحد للظهرین والعشاءین فی هذا القسم ، وإنما اجتزأ به مع الغسل ، کما هو صریح عبارة المقنعة (2) وسیجی ء الکلام فیه.

الثانیة : أن یثقب الدم الکرسف ولا یسیل. وذکر المصنف أنه یجب علیها مع ذلک تغییر الخرقة ، والغسل لصلاة الغداة. أما تغییر الخرقة فالکلام فیه کما سبق.

وأما الغسل لصلاة الغداة ، والوضوء للصلوات الأربع ، فقال فی المعتبر : إنه مذهب شیخنا المفید - رحمه الله - فی المقنعة ، والطوسی فی النهایة والمبسوط والخلاف ، والمرتضی ، وابنی بابویه (3).

ونقل عن ابن الجنید ، وابن أبی عقیل : أنهما سویّا بین هذا القسم وبین الثالث فی وجوب ثلاثة أغسال (4). وبه جزم المصنف فی المعتبر ، فقال : والذی ظهر لی : أنه إن ظهر الدم علی الکرسف وجب ثلاثة أغسال ، وإن لم یظهر لم یکن علیها غسل ، وکان علیها الوضوء لکل صلاة (5). ورجحه العلامة فی المنتهی أیضا (6). وإلیه ذهب شیخنا

الاستحاضة المتوسطة

ص: 31


1- المسالک ( 1 : 11 ).
2- المقنعة : (7).
3- المعتبر ( 1 : 243 ).
4- (4) نقله عنهما فی المختلف : (40)
5- المعتبر ( 1 : 245 ).
6- منتهی المطلب ( 1 : 120 ).

______________________________________________________

المعاصر (1). وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المستحاضة تنتظر أیامها فلا تصلی فیها ولا یقربها بعلها ، فإذا جازت أیامها ورأت الدم یثقب الکرسف اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلا ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وتغتسل للصبح » (2).

وما رواه الکلینی - رحمه الله - فی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلی الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب ، فتصلی المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح فتصلی الفجر ، ولا بأس أن یأتیها بعلها إذا شاء ، إلاّ أیام حیضها فیعتزلها زوجها ، قال ، وقال : لم تفعله امرأة احتسابا إلا عوفیت من ذلک » (3). وهی مطلقة فی وجوب الأغسال الثلاثة ، خرج منها من لم یثقب دمها الکرسف بالنصوص المتقدمة فیبقی الباقی مندرجا فی الإطلاق.

ومثلها صحیحة صفوان بن یحیی ، عن أبی الحسن علیه السلام قال ، قلت له : جعلت فداک إذا مکثت المرأة عشرة أیام تری الدم ثم طهرت ، فمکثت ثلاثة أیام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلک ، أتمسک عن الصلاة؟ قال : « لا ، هذه مستحاضة ، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة ، وتجمع بین صلاتین بغسل ، ویأتیها زوجها إذا أراد » (4).

ص: 32


1- مجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 155 ).
2- التهذیب ( 1 : 106 - 277 ) ، و ( 170 - 484 ) ( بتفاوت یسیر ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (1). رواها أیضا فی الکافی ( 3 :2. 2 ).
3- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4) ، رواها أیضا فی التهذیب ( 1 : 171 - 487 ).
4- الکافی ( 3 : 90 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 170 - 486 ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (3).

______________________________________________________

احتج المفصلون بصحیحة الحسین بن نعیم الصحاف ، عن أبی عبد الله علیه السلام حیث قال فیها : « ثم لتنظر ، فإن کان الدم فیما بینها وبین المغرب لا یسیل من خلف الکرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت کل صلاة ما لم تطرح الکرسف ، فإن طرحت الکرسف عنها وسال الدم وجب علیها الغسل. وإن طرحت الکرسف ولم یسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا غسل علیها. قال : وإن کان الدم إذا أمسکت الکرسف یسیل من خلف الکرسف صبیبا لا یرقی فإنّ علیها أن تغتسل فی کل یوم ولیلة ثلاث مرات » (1).

وصحیحة زرارة قال ، قلت : النفساء متی تصلی؟ قال : « تقعد قدر حیضها وتستظهر بیومین ، فإن انقطع الدم وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، فإن جاز الدم الکرسف تعصبت واغتسلت ، ثم صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم یجز الکرسف صلّت بغسل واحد » (2).

والجواب عن الروایة الاولی : أنّ موضع الدلالة فیها قوله علیه السلام : « فإن طرحت الکرسف عنها وسال الدم وجب علیها الغسل ». وهو غیر محل النزاع ، فإنّ موضع الخلاف ما إذا لم یحصل السیلان ، مع أنّه لا إشعار فی الخبر بکون الغسل للفجر ، فحمله علی ذلک تحکم ، ولا یبعد حمله علی الجنس ، ویکون تتمة الخبر کالمبیّن له.

وعن الروایة الثانیة : أنها قاصرة من حیث السند بالإضمار ، ومن حیث المتن : بأنها لا تدل علی ما ذکروه نصا ، فإنّ الغسل لا یتعیّن کونه لصلاة الفجر ، بل ولا للاستحاضة ، لجواز أن یکون المراد به غسل النفاس ، فیمکن الاستدلال بها علی المساواة بین القسمین.

ص: 33


1- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 168 - 482 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 606 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (7).
2- الکافی ( 3 : 99 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (5).

______________________________________________________

الثالثة : أن یسیل الدم ، بأن یتعدّی الکرسف إلی غیره بنفسه. وقد أجمع الأصحاب علی وجوب الأغسال الثلاثة فی هذا القسم ، وإنما الخلاف فی وجوب الوضوء معها ، وتعدّده بتعدد الصلاة ، فاقتصر الشیخ فی النهایة والمبسوط علی الأغسال (1) ، وکذا المرتضی (2) ، وابنا بابویه (3) ، وابن الجنید (4). وقال المفید - رحمه الله - : تصلی بوضوئها وغسلها الظهر والعصر معا علی الاجتماع ، وتفعل مثل ذلک فی المغرب والعشاء ، وتفعل مثل ذلک لصلاة اللیل والغداة (5).

ونقل عن ابن إدریس أنه أوجب علی هذه مع الأغسال الثلاثة الوضوء لکل صلاة (6) ، وإلیه ذهب عامة المتأخرین ، تمسکا بعموم قوله تعالی : ( إذا قمتم إلی الصلاة فاغسلوا ) (7). وهو متمسک ضعیف ، إذ من المعلوم تقیید الأمر بمن کان محدثا ، ولم یثبت کون الدم الخارج بعد الغسل علی هذا الوجه حدثا ، لأن ذلک إنما یستفاد بتوقیف الشارع ، وهو منتف.

وقد بالغ المصنف فی المعتبر فی نفی هذا القول والتشنیع علی قائله فقال : وظنّ غالط من المتأخرین أنه یجب علی هذه مع هذه الأغسال وضوء مع کل صلاة ، ولم یذهب إلی ذلک أحد من طائفتنا. ویمکن أن یکون غلطه لما ذکره الشیخ فی المبسوط والخلاف : إنّ المستحاضة لا تجمع بین فرضین بوضوء ، فظن انسحابه علی مواضعها ، ولیس علی ما ظن ،

الاستحاضة الکثیرة

ص: 34


1- النهایة : (28) ، المبسوط : ( 1 : 67 ).
2- کما فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (188).
3- الفقیه ( 1 : 50 ) ، المقنع : (15) ، ونقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 247 ).
4- نقله عنه فی المختلف : (40) ، والمعتبر ( 1 : 244 ).
5- کما فی المقنعة : (7).
6- السرائر : (30).
7- المائدة : (6).

______________________________________________________

بل ذلک مختص بالموضع الذی یقتصر فیه علی الوضوء (1).

ویدل علی الاجتزاء بالأغسال هنا مضافا إلی العمومات الدالة علی ذلک ظاهر قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « فإن جاز الدم الکرسف تعصّبت واغتسلت ثم صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل » (2). وفی صحیحة ابن سنان : « تغتسل عند صلاة الظهر وتصلی. » (3).

ولم أقف لمن أوجب الوضوء هنا علی حجة سوی عموم قوله علیه السلام : « فی کل غسل وضوء الا غسل الجنابة » (4) وقد تقدم الکلام علیه متنا وسندا (5).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : اعتبار الجمع بین الصلاتین إنما هو لیحصل الاکتفاء بغسل واحد ، فلو أفردت کل صلاة بغسل جاز قطعا ، وجزم فی المنتهی باستحبابه (6).

الثانی : اشترط جماعة من الأصحاب فی صحة صلاتها معاقبتها للغسل ، وهو حسن. ولا یقدح فی ذلک الاشتغال بنحو الاستقبال والأذان والإقامة من مقدمات الصلاة.

وفی اعتبار معاقبة الصلاة للوضوء قولان ، أحدهما : نعم ، لاستمرار الحدث (7).

ص: 35


1- المعتبر ( 1 : 247 ).
2- الکافی ( 3 : 99 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 171 - 487 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 143 - 403 ) ، ( 303 - 881 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (2).
5- فی ج 1 ص (358).
6- منتهی المطلب ( 1 : 122 ).
7- کما فی السرائر : (30) ، والمبسوط ( 1 : 68 ).

______________________________________________________

والثانی : لا ، للأصل ، وهو خیرة المختلف (1).

الثالث : قیل : المعتبر فی قلة الدم وکثرته بأوقات الصلاة ، وهو خیرة الشهید فی الدروس (2). وقیل : إنه کغیره من الأحداث ، متی حصل کفی فی وجوب موجبه ، واختاره الشهید فی البیان (3) ، وقواه جدی فی روض الجنان (4) ، تمسکا بإطلاق الروایات المتضمنة لکون الاستحاضة موجبة للوضوء أو الغسل (5) ، وبقوله علیه السلام فی خبر الصحاف : « فلتغتسل وتصلی الظهرین ثم لتنظر ، فإن کان الدم لا یسیل فیما بینها وبین المغرب فلتتوضأ ولا غسل علیها ، وإن کان إذا أمسکت یسیل من خلفه صبیبا فعلیها الغسل » (6).

وذکر شیخنا الشهید فی الذکری : إن هذه الروایة مشعرة باعتبار وقت الصلاة (7). وهو غیر واضح ، ولا ریب أنّ الأول أحوط (8).

ویتفرع علیهما : ما لو کثر قبل الوقت ثم طرأت القلة ، فعلی الثانی یجب الغسل للکثرة المتقدمة ، وعلی الأول لا غسل علیها ما لم یوجد فی الوقت متصلا أو طارئا ، ولو تجددت الکثرة بعد صلاة الظهرین وانقطعت قبل الغروب وجب علیها الغسل علی الثانی دون الأول.

ص: 36


1- المختلف : (41).
2- الدروس : (7).
3- البیان : (21).
4- روض الجنان : (85).
5- الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1).
6- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 168 - 482 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 606 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (7).
7- الذکری : (30).
8- فی « م » : أجود.

وإذا فعلت ذلک صارت بحکم الطاهر.

______________________________________________________

الرابع : لم یتعرض الأصحاب لبیان زمان اعتبار الدم ولا لقدر القطنة ، مع أنّ الحال قد یختلف بذلک. والظاهر أنّ المرجع فیهما إلی العادة.

قوله : وإذا فعلت ذلک کانت بحکم الطاهرة.

الظاهر أنّ المشار إلیه بذلک : جمیع ما تقدم من الغسل والوضوء وتغییر القطنة والخرقة بحسب اختلاف حال الدم.

والمراد من کونها بحکم الطاهر : أنّ جمیع ما یصحّ من الطاهر من الأمور المشروطة بالطهارة یصح منها ، فتصح صلاتها وصومها ودخولها المساجد مطلقا ، ویأتیها زوجها إن شاء. وهذا مما لا خلاف فیه بین العلماء. والأظهر جواز دخولها المساجد بدون ذلک.

وفی جواز إتیانها قبله أقوال ، أظهرها : الجواز مطلقا ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (1) ، لعموم قوله تعالی ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (2) ، وقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « ولا بأس أن یأتیها بعلها متی شاء إلاّ فی أیام حیضها » (3) ، وفی صحیحة صفوان بن یحیی : « ویأتیها زوجها إذا أراد » (4).

وقیل بتوقفه علی الغسل خاصة (5) ، لقوله علیه السلام فی روایة عبد الملک بن أعین :

- أحکام المستحاضة

اشارة

ص: 37


1- المعتبر ( 1 : 249 ).
2- البقرة : (222).
3- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 171 - 487 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4).
4- الکافی ( 3 : 90 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 170 - 486 ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (3).
5- کما فی الهدایة : (22).

وإن أخلّت بذلک لم تصحّ صلاتها ، وإن أخلّت بالأغسال لم یصحّ صومها.

______________________________________________________

فی المستحاضة : « ولا یغشاها حتی یأمرها بالغسل » (1) وفی السند ضعف (2) ، وفی المتن احتمال لأن یکون الغسل المأمور به غسل الحیض.

وقیل باشتراط الوضوء أیضا (3) لقوله علیه السلام فی روایة زرارة وفضیل : « فإذا أحلت لها الصلاة حلّ لزوجها أن یغشاها » (4) وهی مع ضعف سندها (5) وخلوها من ذکر الوضوء لا تدل علی المطلوب ، بل ربما دلّت علی نقیضه ، إذ الظاهر أنّ المراد من حلّ الصلاة : الخروج من الحیض ، کما یقال : لا تحلّ الصلاة فی الدار المغصوبة ، فإذا خرجت حلّت ، فان معناه : زوال المانع الغصبی ، وإن افتقر بعد الخروج منها إلی الطهارة وغیرها من الشرائط.

قوله : وإن أخلّت بذلک لم تصحّ صلاتها.

وذلک لأنها إما محدثة أو ذات نجاسة لم یعف عنها. وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : وإن أخلّت بالأغسال لم یصحّ صومها.

هذا مذهب الأصحاب ، والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح عن علی بن مهزیار ، قال ، کتبت إلیه : امرأة طهرت من حیضها أو نفاسها من أول شهر رمضان ، ثم استحاضت وصلّت وصامت شهر رمضان من غیر أن تعمل ما تعمله المستحاضة : من

عدم صحة صلاة المستحاضة لو أخلت بما علیها

حکم صوم المستحاضة لو أخلت بالأغسال

ص: 38


1- التهذیب ( 1 : 402 - 1257 ) ، الوسائل ( 2 : 609 ) أبواب الاستحاضة ب (3) ح (1). ( والموجود هو روایة علی بن رئاب عن مالک بن أعین والظاهر هو الصواب. ( راجع معجم رجال الحدیث ( 12 : 18 ) وجامع الرواة 2 : 37 ).
2- لعل وجه الضعف هو وقوع علی بن الحسن بن فضال فی طریقها وهو فطحی ، وطریق الشیخ إلیه ضعیف بعلی بن محمد بن الزبیر ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 337 ).
3- کما فی المبسوط ( 1 : 67 ).
4- التهذیب ( 1 : 401 - 1253 ) ، الوسائل ( 2 : 608 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (12).
5- الوجه المتقدم فی هامش (2).

______________________________________________________

الغسل لکل صلاتین ، فهل یجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فکتب : « تقضی صومها ولا تقضی صلاتها ، لأن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یأمر فاطمة علیهاالسلام والمؤمنات من نسائه بذلک » (1). وهی مع کونها مضمرة ، متروکة الظاهر ، من حیث تضمّنها إیجاب قضاء الصوم دون الصلاة.

قال الشیخ فی التهذیب : قال محمد بن الحسن : لم یأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ علیها لکل صلاتین غسلا ، ولا تعلم ما یلزم المستحاضة ، فأما مع العلم بذلک والترک له علی العمد یلزمها القضاء (2).

وفیه إنه إن بقی الفرق بین الصوم والصلاة فالإشکال بحاله ، وإن حکم بالمساواة بینهما ونزل قضاء الصوم علی حالة العلم وعدم قضاء الصلاة علی حالة الجهل فتعسف ظاهر. وحملها شیخنا المعاصر علی أنّ المراد أنه لا یجب علیها قضاء جمیع الصلوات ، لأن منها ما کان واقعا فی الحیض (3) ، وهو بعید أیضا.

ویظهر من الشیخ فی المبسوط التوقف فی هذا الحکم ، حیث أسنده إلی روایة الأصحاب (4) ، وهو فی محله.

واعلم أنّ إطلاق العبارة یقتضی أنّ إخلال المستحاضة بشی ء من الأغسال مقتض لفساد الصوم ( وهو مشکل ، وقیدها الشارحون (5) بالأغسال النهاریة ، وقطعوا بعدم

ص: 39


1- الکافی ( 4 : 136 - 6 ) ، التهذیب ( 4 : 310 - 937 ) ، الفقیه ( 2 : 94 - 419 ) ، الوسائل ( 2 : 590 ) أبواب الحیض ب (41) ح (7) ( بتفاوت یسیر ).
2- التهذیب ( 4 : 311 ).
3- مجمع الفائدة والبرهان ( 5 : 48 ).
4- المبسوط ( 1 : 68 ).
5- کما فی المسالک ( 1 : 11 ).

______________________________________________________

توقف صوم الیوم علی غسل اللیلة المستقبلة وترددوا فی غسل اللیلة الماضیة ) (1).

وفصّل جدی فی روض الجنان فقال : والحق أنها إن قدّمت غسل الفجر لیلا أجزأها عن غسل العشاءین بالنسبة إلی الصوم ، وإن أخّرته إلی الفجر بطل الصوم هنا ( وإن لم نبطله لو لم یکن غیره ) (2) (3).

والمسألة محل توقف ، فإنّ الروایة مع تسلیم سندها إنما تدل علی فساد الصوم بترک الأغسال کلها ، فإثبات هذه الأحکام (4) مشکل. وکیف کان فیجب القطع بعدم وجوب تقدیم غسل الفجر علیه ، بل یکفی فعله للصلاة ، وأنّ الإخلال بما یجب علیها من الأغسال إنما یوجب القضاء خاصة ، والله أعلم.

وهنا مباحث :

الأول : نقل عن الشیخ أنه حکم بأنّ انقطاع دم الاستحاضة موجب للوضوء (5).

وقیّده بعض الأصحاب بکونه انقطع للبرء ، أی الشفاء (6). وهو حسن ، لکن لا یخفی أنّ الموجب له فی الحقیقة هو الدم السابق علی الانقطاع ، لا نفس الانقطاع ، وأنّ دم الاستحاضة یوجب الوضوء تارة والغسل أخری ، فإسناد الإیجاب إلی الانقطاع ،

بعض أحکام المستحاضة

ص: 40


1- بدل ما بین القوسین فی « س » : وربما قیل باختصاص الحکم بالأغسال النهاریة. دون اللیلیة. وصرح جدی - قدس سره - فی جملة من کتبه بعدم توقف الصوم الماضی علی غسل اللیلة المستقبلة لسبق.
2- روض الجنان : (87).
3- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « ق » ، « ح » : وإن کان تقدیم الغسل علی الفجر هنا غیر واجب لولا ذلک. وما أثبتناه هو المطابق للمصدر. ومعناها : وإن لم نقل بأنّ تأخیر غسل الفجر خاصة موجب لبطلان الصوم.
4- فی « س » : ما زاد علی ذلک.
5- المبسوط ( 1 : 68 ).
6- کما فی التحریر ( 1 : 16 ).

______________________________________________________

والاقتصار علی إیجاب الوضوء خاصة لا یستقیم.

قال فی الذکری : وهذه المسألة لم نظفر فیها بنص من قبل أهل البیت علیهم السلام ، ولکن ما أفتی به الشیخ هو قول العامة ، بناء منهم علی أنّ حدث الاستحاضة یوجب الوضوء لا غیر ، فإذا انقطع بقی علی ما کان علیه ، ولما کان الأصحاب یوجبون به الغسل فلیکن مستمرا (1). هذا کلامه - رحمه الله . ومحصله أنّ الحدث هو دم الاستحاضة ، فینبغی أن یترتب علیه مسببه ، وضوءا کان أو غسلا. ولو قلنا إنّ المعتبر فیه وقوعه فی أوقات (2) الصلاة وجب اعتباره هنا.

الثانی : لو توضأت ودمها بحاله ، فانقطع بعد الطهارة قبل الدخول فی الصلاة ، قال فی المبسوط (3) : استأنفت الوضوء ، لأن دمها حدث وقد زال العذر وظهر حکم الحدث ، ولو انقطع بعد الدخول فی الصلاة لم یجب الاستیناف ، لأنها دخلت فی الصلاة دخولا مشروعا ولا دلیل علی إیجاب الخروج. وفی الفرق نظر ، إذ الوجه المقتضی لوجوب الاستئناف فی الصورة الأولی موجود فی الثانیة ، لأن الحدث کما یمنع من ابتداء الدخول فی الصلاة یمنع من استدامتها ، والتمسک بالاستصحاب ضعیف کما سبق تقریره مرارا.ومال فی المعتبر إلی عدم وجوب الاستئناف مطلقا (4) ، لأن خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه ، فلم یکن مؤثرا فی نقضها ، والانقطاع لیس بحدث. وهو متجه.

وما أورده علیه فی الذکری (5) ، من أنّ العفو عن الدم الخارج بعد الطهارة إنما هو مع

ص: 41


1- الذکری : (31).
2- فی « س » و « ح » : فی أول أوقات.
3- المبسوط ( 1 : 68 ).
4- المعتبر ( 1 : 250 ).
5- الذکری : (31).

الفصل الرابع : فی النفاس

النفاس : دم الولادة ،

______________________________________________________

استمرار الدم لا مع الانقطاع ، مدفوع بعموم الإذن لها فی الصلاة بعد الوضوء ، المقتضی للعفو عما یخرج منها من الدم بعد ذلک مطلقا.

الثالث : یجب علی المستحاضة الاستظهار فی منع الدم من التعدی بقدر الإمکان ، کما یدل علیه الأمر فی الأخبار بالاحتشاء والاستثفار. وکذا یلزم من به السلس والبطن ، لقوله علیه السلام وقد سئل عن الرجل یقطر منه البول : « یجعل خریطة إذا صلی » (1).

قال فی المعتبر : ولا یجب علی من به السلس أو جرح لا یرقی أن یغیر الشداد عند کل صلاة ، وإن وجب ذلک فی المستحاضة ، لاختصاص الاستحاضة بالنقل ، والتعدی قیاس (2).

قوله : النفاس دم الولادة.

النفاس بالکسر : ولادة المرأة ، یقال : نفست المرأة ، ونفست ، بضم النون وفتحها ، وفی الحیض ، بالفتح لا غیر ، قاله الهروی فی الغریبین (3).

وهو مأخوذ إما من النفس : وهو الدم أو الولد ، أو من تنفس الرحم بالدم. وقد نقله الفقهاء عن معناه اللغوی إلی معنی آخر ، وهو الدم الخارج من الرحم عقیب الولادة أو معها ، قاله الشیخ فی المبسوط والخلاف (4). وقال المرتضی فی المصباح : النفاس هو

النفاس

بیان النفاس

ص: 42


1- التهذیب ( 1 : 351 - 1037 ) ، الوسائل ( 1 : 211 ) أبواب نواقض الوضوء ب (19) ح (5).
2- المعتبر ( 1 : 251 ).
3- الغریبین « نفس ».
4- المبسوط ( 1 : 68 ) ، الخلاف ( 1 : 78 ).

______________________________________________________

الدم الذی تراه المرأة عقیب الولادة. ونحوه کلام الشیخ فی الجمل (1).

ومقتضی ذلک أنّ الخارج مع الولادة لا یکون نفاسا. وهو بعید ، لحصول المعنی المشتق منه ، وخروجه بسبب الولادة ، فیتناوله إطلاق النصوص.

قال المصنف فی المعتبر بعد إیراد القولین : والتحقیق أنّ ما تراه مع الطلق لیس بنفاس ، وکذا ما تراه عند الولادة قبل خروج الولد ، أما ما یخرج بعد ظهور شی ء من الولد فهو نفاس (2). وکأنه - رحمه الله - أراد بذلک رفع الخلاف ، وبه صرح فی المختلف فإنه قال : والظاهر أنه لا منافاة بینهما ، فإن کلام الشیخ فی الجمل محمول علی الغالب ، لا أنّ النفاس یجب أن یکون عقیب الولادة (3). وهو حسن.

وتصدق الولادة بخروج جزء مما یعدّ آدمیا ، أو مبدأ نشوء آدمی ، ولو کان مضغة مع الیقین ، علی ما قطع به المصنف وغیره. أما العلقة والنطفة فقد قطع المصنف فی المعتبر (4) ، والعلامة فی المنتهی (5) بعدم ترتب الحکم علیهما.

وقال فی الذکری : إنه لو فرض العلم بکونه مبدأ نشوء إنسان بقول أربع من القوابل کان نفاسا (6). وتوقف فیه بعض المحققین ، لانتفاء التسمیة (7). واعترضه جدی : بأنّه لا وجه للتوقف بعد فرض العلم (8). وفیه : إنّ منشأ التوقف عدم صدق الولادة عرفا ، وإن علم أنه علقة ، فالتوقف فی محله.

ص: 43


1- الجمل والعقود « الرسائل العشر » : (165).
2- المعتبر ( 1 : 252 ).
3- المختلف : (41).
4- المعتبر ( 1 : 252 ).
5- منتهی المطلب ( 1 : 123 ).
6- الذکری : (33).
7- منهم المحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 47 ).
8- روض الجنان : (88).

ولیس لقلیله حدّ ، فجائز أن یکون لحظة واحدة. ولو ولدت ولم تر دما لم یکن لها نفاس. ولو رأت قبل الولادة کان طهرا.

______________________________________________________

قوله : ولیس لقلیله حدّ ، فجائز أن یکون لحظة واحدة.

هذا مذهب علمائنا وأکثر العامة ، لأن الشرع لم یقدره ، فیرجع فیه إلی الوجود ، ولما رواه علی بن یقطین فی الصحیح عن أبی الحسن علیه السلام ، إنه سأله عن النفساء ، قال : « تدع الصلاة ما دامت تری الدم العبیط » (1).

قوله : ولو ولدت ولم تر دما لم یکن لها نفاس.

المراد أنها لم تر دما فی الأیام المحکوم بکون الدم الموجود فیها نفاسا. وقد أجمع الأصحاب علی أنّ النفاس لا یکون إلاّ مع الدم ، لأصالة البراءة مما لم یقم دلیل علی ثبوته.

وخالف فی ذلک بعض العامة ، فأوجب الغسل بخروج الولد (2) ، وجعله بعضهم حدثا أصغر (3). وکلاهما باطل ، لأنه إیجاب شی ء لا دلیل علیه. وحکی المصنف فی المعتبر : أنّ امرأة ولدت علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فلم تر دما ، فسمّیت الجفوف (4).

قوله : ولو رأت قبل الولادة کان طهرا.

لأنه لیس بنفاس إجماعا ، ولا حیض عند المصنف ومن قال بمقالته (5). وعلی ما اخترناه یجب الحکم بکونه حیضا مع إمکانه.

وفی اشتراط تخلّل أقل الطهر بینه وبین النفاس قولان ، أظهرهما : العدم ، وهو خیرة

أقل النفاس

حکم من ولدت ولم تر دما

حکم من تری الدم قبل الولادة

ص: 44


1- التهذیب ( 1 : 174 - 497 ) ، الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (16).
2- منهم الزهری فی السراج الوهاج : (33).
3- منهم المرداوی فی الإنصاف ( 1 : 386 ).
4- المعتبر ( 1 : 253 ).
5- أی : من قال بعدم اجتماع الحیض مع الحمل.

وأکثر النفاس عشرة أیام علی الأظهر.

______________________________________________________

العلامة فی التذکرة والمنتهی(1)

قوله : وأکثر النفاس عشرة أیام علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ فی النهایة : ولا یجوز لها ترک الصلاة ولا الصوم إلاّ فی الأیام التی کانت تعتاد فیها الحیض - ثم قال بعد ذلک - : ولا یکون حکم نفاسها أکثر من عشرة أیام(2) ، ونحوه قال فی الجمل والمبسوط(3)

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : وأکثر النفاس ثمانیة عشر یوما - ثم قال - : وقد جاءت الأخبار المعتمدة أن أقصی مدة النفاس عشرة أیام ، وعلیها أعمل لوضوحها عندی (4)

وقال المرتضی : أکثر أیام النفاس ثمانیة عشر یوما (5). وهو اختیار ابن الجنید(6) ، وابن بابویه فی کتابه(7). وقال ابن أبی عقیل فی کتابه المتمسک(8) : أیامها عند آل الرسول صلی الله علیه و آله أیام حیضها ، وأکثره أحد وعشرون یوما ، فإن انقطع دمها فی تمام حیضها صلّت وصامت ، وإن لم ینقطع صبرت ثمانیة عشر یوما ، ثم استظهرت

أکثر النفاس

ص: 45


1- التذکرة ( 1 : 36 ) ، ومنتهی المطلب ( 1 : 97 ).
2- النهایة : (29).
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (165) ، المبسوط ( 1 : 69 ).
4- المقنعة : (7).
5- الانتصار : (35).
6- نقله عنه فی المختلف : (41).
7- الفقیه ( 1 : 55 ).
8- قال فی رجال النجاشی : ( 48 - 100 ) فی معرض ترجمة ابن أبی عقیل ما نصه : الحسن بن علی بن أبی عقیل : أبو محمد العمانی الحذاء ، فقیه متکلم ثقة له کتب فی الفقه والکلام منها : کتاب المتمسک بحبل آل الرسول کتاب مشهور فی الطائفة ، وقیل ما ورد حاج من خراسان إلا طلب واشتری منه نسخ.

______________________________________________________

بیوم أو یومین. وإن کانت کثیرة الدم صبرت ثلاثة أیام ثم اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت (1).

وذهب جماعة منهم : العلامة فی جملة من کتبه (2) ، والشهید فی الذکری (3) إلی أنّ ذات العادة المستقرة فی الحیض تتنفس بقدر عادتها ، والمبتدئة بعشرة أیام. واختار فی المختلف أنّ ذات العادة ترجع إلی عادتها ، والمبتدئة تصبر ثمانیة عشر یوما (4).

والأخبار الواردة فی هذه المسألة (5) مختلفة جدا علی وجه یشکل الجمع بینها ، فمنها : ما یدل علی أن أیام النفاس هی أیام الحیض ، وهی کثیرة ، فمن ذلک : ما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « النفساء تکفّ عن الصلاة أیامها التی کانت تمکث فیها ، ثم تغتسل کما تغتسل المستحاضة » (6).

وفی الصحیح أیضا عن زرارة قال ، قلت له : النفساء متی تصلی؟ قال : « تقعد بقدر حیضها ، وتستظهر بیومین ، فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت » (7).

وفی الحسن عن الفضیل بن یسار وزرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « النفساء تکفّ عن الصلاة أیام أقرائها التی کانت تمکث فیها ، ثم تغتسل وتعمل کما

ص: 46


1- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 253 ).
2- المختلف : (41) ، والقواعد ( 1 : 16 ).
3- الذکری : (33).
4- المختلف : (41).
5- الوسائل ( 2 : 611 ) أبواب النفاس ب (3).
6- التهذیب ( 1 : 173 - 495 ) ، الوسائل ( 2 : 611 ) أبواب النفاس ب (3) ح (1).
7- الکافی ( 3 : 99 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 173 - 496 ) ، الوسائل ( 2 : 616 ) أبواب النفاس ب (3) ح (2).

______________________________________________________

تعمله المستحاضة » (1).

وفی الصحیح ، عن یونس بن یعقوب ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « النفساء تجلس أیام حیضها التی کانت تحیض ، ثم تستظهر وتغتسل وتصلی » (2).

وعن مالک بن أعین ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء یغشاها زوجها وهی فی نفاسها من الدم؟ قال : « نعم إذا مضی لها منذ یوم وضعت بقدر عدة أیام حیضها ثم تستظهر بیوم فلا بأس بعد أن یغشاها زوجها ، یأمرها فتغتسل ثم یغشاها إن أحب » (3).

قال الشیخ فی التهذیب والاستبصار : وقد روینا عن ابن سنان أن أیام النفاس مثل أیام الحیض (4). ولم نقف علی هذه الروایة فی الکتابین.

ومنها : ما یدل علی أنّ أیام النفاس ثمانیة عشر یوما کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : کم تقعد النفساء حتی تصلّی؟ قال : « ثمانی عشرة سبع عشرة ، ثم تغتسل وتحتشی وتصلی » (5).

وصحیحة أخری له أیضا عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن النفساء

ص: 47


1- الکافی ( 3 : 97 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 175 - 499 ) ، الاستبصار ( 1 : 150 - 519 ) ، وفی الوسائل ( 2 : 611 ) أبواب النفاس ب (3) ح (1) ( بتفاوت فی المتن ).
2- الکافی ( 3 : 99 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 175 - 500 ) ، الإستبصار ( 1 : 150 - 520 ) ، الوسائل ( 2 : 613 ) أبواب النفاس ب (3) ح (8).
3- التهذیب ( 1 : 176 - 505 ) ، الإستبصار ( 1 : 152 - 525 ) ، الوسائل ( 2 : 612 ) أبواب النفاس ب (3) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 178 ) ، والاستبصار ( 1 : 153 ).
5- التهذیب ( 1 : 177 - 508 ) ، الإستبصار ( 1 : 152 - 528 ) ، الوسائل ( 2 : 614 ) أبواب النفاس ب (3) ح (12).

______________________________________________________

کم تقعد؟ فقال : « إن أسماء بنت عمیس أمرها رسول الله أن تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس أن تستظهر بیومین » (1).

وصحیحة ابن سنان قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « تقعد النفساء تسع عشرة لیلة ، فإن رأت دما صنعت کما تصنع المستحاضة » (2).

وأجاب المصنف فی المعتبر عن هذه الروایات وما فی معناها : بأنها لا تصلح لمعارضة الأخبار المتضمنة للرجوع إلی العادة ، لأنها أکثر ، والکثرة أمارة الرجحان ، ولأن العمل بها أحوط للعبادة ، وأشبه بمقتضی الدلیل (3). وهو حسن.

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی (4) الأخبار بوجوه أقربها الحمل علی التقیة.

ویمکن الجمع بینهما أیضا بحمل الأخبار الواردة بالثمانیة عشر علی المبتدئة کما اختاره فی المختلف (5) ، أو بالتخییر بین الغسل بعد انقضاء العادة والصبر إلی انقضاء الثمانیة عشر.

وکیف کان ، فلا ریب فی أن للمعتادة الرجوع إلی العادة ، لاستفاضة الروایات الواردة بذلک وصراحتها. وإنما یحصل التردد فی المبتدئة خاصة من الروایات الواردة بالثمانیة عشر ، ومن أن مقتضی رجوع المعتادة إلی العادة کون النفاس حیضا فی المعنی ، فیکون أقصاه عشرة ، وطریق الاحتیاط بالنسبة إلیها واضح.

ص: 48


1- التهذیب ( 1 : 178 - 511 ) ، الإستبصار ( 1 : 153 - 531 ) ، الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (15) ، ( بتفاوت یسیر ).
2- التهذیب ( 1 : 177 - 510 ) ، الإستبصار ( 1 : 152 - 530 ) ، الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (14).
3- المعتبر ( 1 : 254 ).
4- التهذیب ( 1 : 178 ) ، والاستبصار ( 1 : 153 ).
5- المختلف : (41).

ولو کانت حاملا باثنین وتراخت ولادة أحدهما کان ابتداء نفاسها من الأول ، وعدد أیامها من وضع الأخیر.

______________________________________________________

وقد ورد فی المسألة روایات أخر دالة علی اعتبار ما زاد علی ذلک کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تقعد النفساء إذا لم ینقطع عنها الدم ثلاثین أربعین یوما إلی خمسین یوما » (1).

وصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن الماضی عن النفساء وکم یجب علیها ترک الصلاة؟ قال : « تدع الصلاة ما دامت تری الدم العبیط إلی ثلاثین یوما ، فإذا رقّ وکانت صفرة اغتسلت وصلّت إن شاء الله » (2).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی التقیة (3) ، وهو حسن.

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : والأخبار التی رویت فی قعودها أربعین یوما وما زاد إلی أن تطهر معلولة کلها ، وردت للتقیة ، لا یفتی بها إلا أهل الخلاف (4).

قوله : ولو کانت حاملا باثنین وتأخرت ولادة أحدهما کان ابتداء نفاسها من وضع الأول ، وعدد أیامها من وضع الأخیر.

الظاهر أن ما تراه المرأة من الدم بعد الولادة کل منهما یحکم بکونه نفاسا مستقلا لتعدد العلة فیعطی کل نفاس حکمه ، فتکون نفساء من وضع الأول ، ومع ولادة الثانی یتحقق لها نفاس آخر فیعتبر العدد من وضعه. ویمکن تخلل الطهر بینهما کما إذا کانت ولادة الثانی بعد مضی أکثر النفاس من وضع الأول ، وإن کان بعیدا.

حکم الحامل باثنین

ص: 49


1- التهذیب ( 1 : 177 - 509 ) ، الإستبصار ( 1 : 152 - 529 ) ، الوسائل ( 2 : 614 ) أبواب النفاس ب (3) ح (13).
2- التهذیب ( 1 : 174 - 497 ) ، الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (16).
3- التهذیب ( 1 : 178 ) ، والاستبصار ( 1 : 153 ).
4- الفقیه ( 1 : 56 ).

ولو ولدت ولم تر دما ثم رأت فی العاشر کان ذلک نفاسا.

ولو رأت عقیب الولادة ثم طهرت ثم رأت العاشر أو قبله کان الدمان وما بینهما نفاسا.

ویحرم علی النفساء ما یحرم علی الحائض ، وکذا ما یکره لها.

______________________________________________________

قوله : ولو لم تر دما ثم رأت فی العاشر کان ذلک نفاسا.

هذا التفریع جید علی ما ذهب إلیه المصنف من اعتبار العشرة مطلقا ، والمتجه تفریعا علی ما اخترناه تقییدها بما إذا کانت عادتها عشرة أو دونها وانقطع علی العاشر علی ما ذکره المصنف (1) وغیره (2).

واعلم ، أن هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وهو محل إشکال ، لعدم العلم بإسناد هذا الدم إلی الولادة ، وعدم ثبوت الإضافة إلیها عرفا.

قوله : ویحرم علی النفساء ما یحرم علی الحائض.

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال فی المعتبر : إنه مذهب أهل العلم کافة (3). ولعله الحجة ، وذکر جمع من الأصحاب (4) أن النفساء کالحائض فی جمیع الأحکام ، واستثنی من ذلک أمور :

الأول : الأقل ، إجماعا.

الثانی : الأکثر ، فإن فی أکثر النفاس خلافا مشهورا بخلاف الحیض.

الثالث : إن الحیض قد یدل علی البلوغ بخلاف النفاس.

حکم من لم تر الدم إلا فی العاشر

أحکام النفساء

ص: 50


1- المعتبر ( 1 : 256 ).
2- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : (91).
3- المعتبر ( 1 : 257 ).
4- منهم ابن إدریس فی السرائر : (30) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (90) ، والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 170 ).

ولا یصحّ طلاقها. وغسلها کغسل الحائض سواء.

______________________________________________________

الرابع : انقضاء العدة بالحیض دون النفاس غالبا ، ولو حملت من زنا ورأت قرائن فی زمان الحمل حسب النفاس قرءا آخر وانقضت العدة به.

الخامس : أنه لا یشترط فی النفاسین مضی أقل الطهر کما فی التوأمین بخلاف الحیض.

السادس : أن النفساء لا ترجع إلی عادتها فی النفاس ولا إلی عادة نسائها بخلاف الحیض.

قوله : وغسلها کغسل الحائض سواء.

هذا مذهب العلماء کافة قاله فی المعتبر (1) ، ویدل علیه إطلاق الأمر بالغسل ، والکلام فی اکتفائها بالغسل عن الوضوء کما تقدم فی غسل الحیض (2).

غسل النفساء

ص: 51


1- المعتبر ( 1 : 257 ).
2- فی ج ( 1 ( ص ) 256 ).

الفصل الخامس

فی أحکام الأموات

وهی خمسة :

الأول : فی الاحتضار

ویجب فیه توجیه المیت إلی القبلة ، بأن یلقی علی ظهره ویجعل وجهه وباطن رجلیه إلی القبلة.

______________________________________________________

قوله : الفصل الخامس فی أحکام الأموات ، وهی خمسة ، الأول : الاحتضار.

الاحتضار : هو السوق - أعاننا الله علیه وثبتنا بالقول الصادق لدیه - سمّی به إما لحضور الملائکة عنده ، أو لحضور أهله وأقاربه ، أو لحضور المؤمنین عنده لیشیعوه ، أو لاستحضاره عقله کما ورد فی الحدیث (1).

قوله : ویجب فیه توجیه المیت إلی القبلة ، بأن یلقی علی ظهره ویجعل وجهه وباطن قدمیه إلی القبلة.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، قال جدّی - رحمه الله - : ومستنده من الأخبار السلیمة سندا ومتنا ما رواه محمد بن یعقوب الکلینی - رحمه الله - عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن سلیمان بن خالد ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام قال : « إذا مات لأحدکم میّت فسجّوه تجاه القبلة ، وکذلک إذا

أحکام الأموات

- الاحتضار

توجیه المحتضر إلی القبلة

ص: 52


1- الفقیه ( 1 : 79 - 7 ) ، علل الشرائع : ( 297 - 1 ) ، ثواب الأعمال : (231) ، الوسائل ( 2 : 662 ) أبواب الاحتضار ب (35) ح (6).

______________________________________________________

غسل یحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة ، فیکون مستقبل باطن قدمیه ووجهه إلی القبلة » (1) وأما غیره من الأخبار التی استدل بها علی الوجوب فلا یخلو من شی ء إما فی السند أو الدلالة (2). هذا کلامه - رحمه الله .

ویمکن المناقشة فی هذه الروایة من حیث السند بإبراهیم بن هاشم حیث لم ینص علماؤنا علی توثیقه ، وبأن راویها وهو سلیمان بن خالد فی توثیقه کلام (3). ومن حیث المتن بأنّ المتبادر منها أنّ التسجیة تجاه القبلة إنما یکون بعد الموت لا قبله ، ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب (4) منهم المصنف فی المعتبر (5) إلی الاستحباب ، استضعافا لأدلة الوجوب ، وهو متجه.

وکیفیة التوجیه ما ذکره المصنف - رحمه الله - من أنه یلقی علی ظهره ویجعل وجهه وباطن قدمیه إلی القبلة بحیث لو جلس لکان مستقبلا ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة : منها : روایة سلیمان بن خالد المتقدمة. وما رواه الشیخ عن إبراهیم الشعیری ، عن غیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی توجیه المیت قال : « تستقبل بوجهه القبلة

کیفیة التوجیه إلی القبلة

ص: 53


1- الکافی ( 3 : 127 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 661 ) أبواب الاحتضار ب (35) ح (2) ورواها فی التهذیب ( 1 : 286 - 835 ). إلا أنّ فیها : مستقبلا بباطن.
2- روض الجنان : (93).
3- لعل منشأ هذا الکلام عنده هو ما رواه الکشی فی اختیار معرفة الرجال ( 2 : 641 - 662 ). ولأن أبا داود ذکره فی قسم الضعفاء فی کتاب الرجال : (3. 221 ).
4- منهم الشیخ فی الخلاف ( 1 : 279 ) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 173 ).
5- المعتبر ( 1 : 258 ).

وهو فرض کفایة ، وقیل : هو مستحب.

______________________________________________________

وتجعل قدمیه مما یلی القبلة » (1).

ویسقط الاستقبال به مع اشتباه القبلة ، لعدم إمکان توجیهه فی حالة واحدة إلی الجهات المختلفة.

وهل یسقط بالموت أو یجب دوام الاستقبال به حیث یمکن؟ یحتمل الأول ، لصدق الامتثال ، وأصالة البراءة من الزائد. والثانی ، لإطلاق روایة سلیمان بن خالد المتقدمة وغیرها من الأخبار (2).

وقال فی الذکری : إنّ ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بموته ، وأنّ الواجب أن یموت إلی القبلة ، قال : وفی بعضها احتمال دوام الاستقبال ، ونبّه علیه ذکره حالة الغسل ووجوبه حال الصلاة والدفن ، وإن اختلفت الهیئة عندنا (3).

ولم أقف علی ما ذکره - رحمه الله - من الأخبار المتضمنة للسقوط. وکیف کان فالأولی دوام الاستقبال به ، وینبغی أن یکون کحالة الاحتضار ، لأنه المستفاد من الروایات المتضمنة لذلک.

قوله : وهو فرض علی الکفایة.

اعلم : أنّ غرض الشارع قد یتعلق بتحصیل الفعل من کل واحد من المکلفین بعینه ،

عدم سقوط التوجیه بالموت

التوجیه فرض کفایة

ص: 54


1- الکافی ( 3 : 126 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 285 - 833 ) ، الوسائل ( 2 : 662 ) أبواب الاحتضار ب (35) ح (3).
2- الوسائل ( 2 : 661 ) أبواب الاحتضار ب (35).
3- الذکری : (37) ، وذکر هیئته حال الصلاة والدفن فی ص ( 61 ، 64 ).

ویستحب تلقینه الشهادتین ، والإقرار بالنبی والأئمة علیهم السلام ، وکلمات الفرج ،

______________________________________________________

ویسمی وجوبا علی الأعیان کالصلاة والصوم ، وقد یتعلق بتحصیله لا من مباشر معیّن ، ویسمی وجوبا علی الکفایة. وهل یجب علی الجمیع ویسقط بفعل البعض أو یجب علی البعض خاصة؟ قیل بالأول (1) ، لأن الجمیع إذا ترکوه یأثمون ، وقیل بالثانی ، لأنه لو وجب علی الجمیع لما سقط بفعل البعض ، وتحقیق المسألة فی الأصول. والظاهر بقاء الوجوب إلی أن یثبت وقوع الفعل شرعا ، وربما قیل بسقوطه بظن قیام الغیر به مطلقا (2) ، وهو ضعیف.

قوله : ویستحب تلقینه الشهادتین والإقرار بالنبی والأئمة علیهم السلام .

لا یخفی أن تلقینه الإقرار بالنبی صلی الله علیه و آله فی العبارة مکرر ، لأنه داخل فی تلقینه الشهادتین. ویدل علی هذا الحکم روایات : منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا حضرت المیت قبل أن یموت فلقنه شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شریک له ، وأن محمدا عبده ورسوله » (3).

وفی خبر أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « لقنوا موتاکم عند الموت شهادة أن لا إله إلاّ الله والولایة » (4).

قوله : وکلمات الفرج.

استحباب تلقین المحتضر

ص: 55


1- کما فی المنتهی ( 1 : 443 ).
2- کما فی معارج الأصول : (75) ، ومبادئ الأصول : (111).
3- الکافی ( 3 : 121 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 286 - 836 ) ، الوسائل ( 2 : 662 ) أبواب الاحتضار ب (36) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 123 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 287 - 838 ) ، الوسائل ( 2 : 665 ) أبواب الاحتضار ب (37) ح (2).

ونقله إلی مصلاه ،

______________________________________________________

روی زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أدرکت الرجل عند النزع فلقّنه کلمات الفرج : لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، لا إله إلا الله العلی العظیم ، سبحان الله رب السماوات السبع ، ورب الأرضین السبع ، وما فیهن وما بینهن ورب العرش العظیم ، والحمد لله رب العالمین » (1).

ویستحب للمحتضر متابعة الملقّن فی ذلک ، لما رواه الحلبی فی الحسن ، عن الصادق علیه السلام : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله دخل علی رجل من بنی هاشم وهو یقضی ، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله : قل ذلک ، یعنی هذه الکلمات فقالها ، فقال رسول الله : الحمد لله الذی استنقذه من النار » (2).

ویستحب للمحتضر أن یقول : اللهم اغفر لی الکثیر من معاصیک ، واقبل منی الیسیر من طاعتک ، وروی عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إذا حضرتم میتا فقولوا له هذا الکلام لیقوله » (3).

ولیکن آخر کلامه : لا إله إلا الله ، فقد روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال : « من کان آخر کلامه لا إله إلا الله دخل الجنة » (4).

قوله : ونقله إلی مصلاه.

وهو الموضع الذی کان یکثر الصلاة فیه أو علیه ، وإنما یستحب ذلک إذا تعسّر علیه الموت واشتد به النزع لا مطلقا ، لما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن الصادق علیه

استحباب نقل المحتضر إلی مصلاه

ص: 56


1- الکافی ( 3 : 122 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 288 - 839 ) ، الوسائل ( 2 : 666 ) أبواب الاحتضار ب (38) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 124 - 9 ) ، الفقیه ( 1 : 77 - 346 ) ، الوسائل ( 2 : 666 ) أبواب الاحتضار ب (38) ح (2) بتفاوت یسیر.
3- الکافی ( 3 : 124 - 10 ) ، الوسائل ( 2 : 667 ) أبواب الاحتضار ب (39) ح (1).
4- الفقیه ( 1 : 78 - 348 ) ، الوسائل ( 2 : 664 ) أبواب الاحتضار ب (36) ح (6).

ویکون عنده مصباح إن مات لیلا ، ومن یقرأ القرآن. وإذا مات غمّضت عیناه ، وأطبق فوه ،

______________________________________________________

السلام ، قال : « إذا عسر علی المیت موته ونزعه قرّب إلی مصلاه الذی کان یصلی فیه » (1).

وما رواه زرارة فی الحسن ، قال : « إذا اشتد علیه النزع فضعه فی مصلاه الذی کان یصلی فیه أو علیه » (2).

قوله : ویکون عنده مصباح ان مات لیلا.

ذکره الشیخان (3) ، واستدل علیه فی التهذیب بما روی أنه لما قبض أبو جعفر علیه السلام أمر أبو عبد الله علیه السلام بالسراج فی البیت الذی کان یسکنه حتی قبض أبو عبد الله علیه السلام (4).

واعترضه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - بأنّ ما دل علیه الحدیث غیر المدعی ، قال : إلاّ أن اشتهار الحکم بینهم کاف فی ثبوته ، للتسامح فی أدلة السنن (5).

وقد یقال : إنّ ما تضمنه الحدیث یندرج فیه المدعی ، أو یقال : إنّ استحباب ذلک یقتضی استحباب الإسراج عند المیت بطریق أولی ، فالدلالة واضحة ، لکن السند ضعیف جدا.

قوله : وإذا مات غمّضت عیناه ، وأطبق فوه.

لئلا یقبح منظره ، ولروایة أبی کهمش ، قال : حضرت موت إسماعیل بن جعفر

استحباب الاسراج عند المیت لیلا

استحباب تغمیض عینی المحتضر وطبق فیه

ص: 57


1- الکافی ( 3 : 125 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 427 - 1356 ) ، الوسائل ( 2 : 669 ) أبواب الاحتضار ب (40) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 126 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 427 - 1357 ) ، الوسائل ( 2 : 669 ) أبواب الاحتضار ب (40) ح (2).
3- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی النهایة : (30).
4- التهذیب ( 1 : 289 - 843 ) ، الوسائل ( 2 : 673 ) أبواب الاحتضار ب (45) ح (1).
5- جامع المقاصد ( 1 : 48 ).

ومدّت یداه إلی جنبیه ، وغطی بثوب. ویعجّل تجهیزه إلا أن یکون حاله مشتبهة ، فیستبرأ بعلامات الموت ، أو یصبر علیه ثلاثة أیام.

ویکره أن یطرح علی بطنه حدید ،

______________________________________________________

علیه السلام وأبوه جالس عنده فلما حضره الموت شدّ لحییه ، وغمّضه ، وغطی علیه الملحفة (1).

قوله : ومدّت یداه إلی جنبیه.

ذکره الأصحاب ، قال فی المعتبر : ولا أعرف فیه نقلا عن أئمتنا علیهم السلام ، لکن لیکون أطوع للغاسل وأسهل للإدراج (2).

قوله : ویعجّل تجهیزه.

لا خلاف فی استحباب التعجیل ، وقد روی جابر عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : یا معشر الناس لا ألفینّ رجلا مات له میت لیلا فانتظر به الصبح ، ولا رجلا مات له میت نهارا فانتظر به اللیل ، لا تنتظروا بموتاکم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجّلوا بهم إلی مضاجعهم رحمکم الله تعالی ، قال الناس : وأنت یا رسول الله یرحمک الله » (3).

وهذا فی غیر من اشتبه موته ، أما من اشتبه فیجب التربص به إلی أن یتحقق موته ، وقد ذکر من علاماته : انخساف صدغیه ، ومیل أنفه ، وامتداد جلدة وجهه ، وانخلاع کفه من ذراعه ، واسترخاء قدمیه ، إلی غیر ذلک من العلامات.

قوله : ویکره أن یطرح علی بطنه حدید.

ذکره المفید - رحمه الله - (4) ، وقال الشیخ فی التهذیب : سمعنا ذلک مذاکرة من

استحباب مد یدی المحتضر

کراهة طرح حدیدة علی بطن المیت

ص: 58


1- التهذیب ( 1 : 289 - 842 ) ، الوسائل ( 2 : 672 ) أبواب الاحتضار ب (44) ح (3).
2- المعتبر ( 1 : 261 ).
3- الکافی ( 3 : 137 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 85 - 389 ) ، التهذیب ( 1 : 427 - 1359 ) ، الوسائل ( 2 : 674 ) أبواب الاحتضار ب (47) ح (1).
4- المقنعة : (11).

وأن یحضره جنب أو حائض. الثانی : فی التغسیل

وهو فرض علی الکفایة ، وکذا تکفینه ودفنه والصلاة علیه. وأولی الناس به أولاهم بمیراثه.

______________________________________________________

الشیوخ رحمهم الله (1).

قوله : وأن یحضره جنب أو حائض.

قال المصنف فی المعتبر : إنما أخرنا هذا الحکم وهو متقدم فی الترتیب ، لما وضعنا علیه قاعدة الکتاب من البدأة فی کل قسم بالواجب ، واتباعه بالندب ، وتأخر المکروه ، فاقتضی ذلک تأخیر هذا الحکم ، وبکراهة ذلک قال أهل العلم (2).

ویدل علیه روایات ، منها : روایة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تحضر الحائض المیت ولا الجنب عند التلقین ، ولا بأس أن یلیا غسله » (3) وعلل فی بعض الأخبار بأنّ الملائکة تتأذی بذلک (4).

قوله : الثانی ، التغسیل ، وهو فرض علی الکفایة وأولی الناس به أولاهم بمیراثه.

المراد أنّ من یرث أولی ممن لا یرث ، فالطبقة الاولی متقدمة علی الثانیة وهکذا ، ویمکن أن یراد بالأولویة فی المیراث کثرة النصیب فیه ، إذ یصدق علی الأکثر نصیبا أنه أولی بالمیراث ، لکن لم یعتبر الأصحاب ذلک کما سیجی ء تحقیقه.

کراهة حضور الجنب والحائض عند المحتضر

- التغسیل

أولاهم بمیراثه أولاهم بتغسیله

ص: 59


1- التهذیب ( 1 : 290 ).
2- المعتبر ( 1 : 263 ).
3- التهذیب ( 1 : 428 - 1362 ) ، الوسائل ( 2 : 671 ) أبواب الاحتضار ب (43) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 138 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 428 - 1361 ) ، قرب الإسناد : (129) ، علل الشرائع : ( 298 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 671 ) أبواب الاحتضار ب (43) ح ( 1 ، 3 ).

وإذا کان الأولیاء رجالا ونساء فالرجال أولی ، والزوج أولی بالمرأة من کل أحد فی أحکامه کلّها.

______________________________________________________

والأصل فی هذه المسألة روایة غیاث بن إبراهیم الرزامی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علی علیهم السلام ، قال : « یغسل المیت أولی الناس به » (1) وهی مع ضعف سندها غیر دالة علی أنّ المراد بالأولویة الأولویة فی المیراث ، ولا یبعد أن یراد بالأولی بالمیت هنا أشد الناس به علاقة ، لأنه المتبادر ، والمسألة محل توقف.

قوله : وإذا کان الأولیاء رجالا ونساء فالرجال أولی.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی هذا الحکم بین کون المیت رجلا أو امرأة ، وبهذا التعمیم جزم المتأخرون ، وذکروا أنه لو کان المیت امرأة لا یمکن الولی الذکر مباشرة تغسیلها أذن للمماثل ، فلا یصح فعله بدون ذلک. وقیل : إن ذلک مخصوص بالرجل ، أما النساء فالنساء أولی بغسلهن (2). ورده جدی - رحمه الله - بعدم ثبوت مستنده (3).

وقد یقال : إنّ الروایة المتقدمة التی هی الأصل فی هذا الحکم إنما تتناول من یمکن وقوع الغسل منه ، ومتی انتفت دلالتها علی العموم وجب الرجوع فی غیر ما تضمنته إلی الأصل والعمومات.

قوله : والزوج أولی بالمرأة من کل أحد فی أحکامها کلّها.

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الزوج أحق بالمرأة حتی یضعها فی قبرها » (4).

الزوج أولی بالمرأة

ص: 60


1- التهذیب ( 1 : 431 - 1376 ) ، الوسائل ( 2 : 718 ) أبواب غسل المیت ب (26) ح (1).
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 49 ، 56 ).
3- روض الجنان : (96).
4- الکافی ( 3 : 194 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 325 - 949 ) ، الوسائل ( 2 : 715 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (9).

______________________________________________________

قال فی المعتبر : ومضمون الروایة متفق علیه (1).

قلت : إن کانت المسألة إجماعیة فلا بحث ، وإلاّ أمکن المناقشة فیها ، لضعف المستند ، ولأنه معارض بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أیهما یصلی علیها؟ فقال : « أخوها أحق بالصلاة علیها » (2) وأجاب الشیخ عن هذه الروایة بالحمل علی التقیة (3) ، وهو إنما یتم مع التکافؤ فی السند کما لا یخفی.

واختلف الأصحاب فی جواز تغسیل کل من الزوجین الآخر فی حال الاختیار ، فقال السید المرتضی فی شرح الرسالة (4) ، والشیخ فی الخلاف (5) ، وابن الجنید ، والجعفی (6) : یجوز لکل منهما تغسیل الآخر مجردا ، مع وجود المحارم وعدمهم. وقال فی النهایة بالجواز أیضا إلا أنه اعتبر فیه کونه من وراء الثیاب (7) ، وقال فی کتابی الأخبار : إن ذلک مختص بحال الاضطرار دون الاختیار (8).

والأظهر جواز تغسیل کل منهما الآخر مجردا وإن کان الأفضل کونه من وراء القمیص کما فی مطلق التغسیل.

ص: 61


1- المعتبر ( 1 : 264 ).
2- التهذیب ( 3 : 205 - 486 ) ، الإستبصار ( 1 : 486 - 1885 ) ، الوسائل ( 2 : 802 ) أبواب صلاة الجنازة ب (24) ح (4).
3- التهذیب ( 3 : 205 ).
4- لم نعثر علی ناقل عن شرح الرسالة ولکن نقله عن المرتضی فی الذکری : (38).
5- الخلاف ( 1 : 282 ).
6- نقله عنهما فی الذکری : (38).
7- النهایة : (42).
8- التهذیب ( 1 : 440 ) ، الاستبصار ( 1 : 199 ). واعتبر فیهما الغسل من وراء الثیاب أیضا فی التهذیب ( 1 : 438 ) ، الاستبصار ( 1 : 198 ).

______________________________________________________

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلح له أن ینظر إلی امرأته حین تموت؟ أو یغسلها إن لم یکن عندها (1) من یغسلها ، وعن المرأة هل تنظر إلی مثل ذلک من زوجها حین یموت؟ فقال : « لا بأس بذلک ، إنما یفعل ذلک أهل المرأة کراهة أن ینظر زوجها إلی شی ء یکرهونه » (2).

وفی الصحیح عن منصور قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل یخرج فی السفر ومعه امرأته [ فتموت ] یغسلها؟ قال : « نعم وامه وأخته ونحو هذا ، یلقی علی عورتها خرقة » (3) وفی الحسن ، عن محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل یغسل امرأته؟ قال : « نعم ، إنما یمنعها أهلها تعصبا » (4).

ویدل علی أن الأفضل کونه من وراء الثیاب روایات کثیرة ، منها : صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الرجل یموت ولیس عنده من یغسّله إلاّ النساء قال : « تغسله امرأته أو ذو قرابة إن کانت له ، وتصبّ النساء الماء علیه صبّا ، وفی المرأة إذا ماتت یدخل زوجها یده تحت قمیصها فیغسلها » (5).

وصحیحة محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل یغسل امرأته؟ قال : « نعم من

ص: 62


1- فی « ق » وبعض المصادر : عنده.
2- الکافی ( 3 : 157 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 86 - 401 ) ، التهذیب ( 1 : 439 - 1417 ) ، الإستبصار ( 1 : 198 - 698 ) ، الوسائل ( 2 : 713 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (1). فیما عدا التهذیب : یکرهونه منها.
3- الکافی ( 3 : 158 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 439 - 1418 ) ، الإستبصار ( 1 : 199 - 699 ) ، الوسائل ( 2 : 705 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 158 - 11 ) ، التهذیب ( 1 : 439 - 1419 ) ، الإستبصار ( 1 : 199 - 700 ) ، الوسائل ( 2 : 714 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (4).
5- الکافی ( 3 : 157 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 437 - 1410 ) ، الإستبصار ( 1 : 196 - 689 ) ، الوسائل ( 2 : 714 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (3).

______________________________________________________

وراء الثوب » (1).

وصحیحة أبی الصباح الکنانی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل یموت فی السفر فی أرض لیس معه إلا النساء؟ قال : « یدفن ولا یغسل ، والمرأة تکون مع الرجل بتلک المنزلة تدفن ولا تغسل ، إلاّ أن یکون زوجها معها ، فإن کان زوجها معها غسلها من فوق الدرع » (2).

والجمع بین الأخبار وإن أمکن بتقیید الأخبار المطلقة بهذه الأحادیث ، إلاّ أن حمل هذه علی الاستحباب أولی ، لظهور تلک الأخبار فی الجواز مطلقا ، وثبوت استحباب ذلک فی مطلق التغسیل علی ما سنبینه.

واعلم أنّ إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الزوجة بین الحرة والأمة ، ولا بین الدائم والمنقطع. والمطلقة رجعیة زوجة بخلاف البائن.

قال فی الذکری : ولا عبرة بانقضاء عدة المرأة عندنا ، بل لو نکحت جاز لها تغسیله وإن کان الفرض بعیدا (3). وهو کذلک أخذا بالإطلاق.

ویجوز تغسیل السید لأمته قطعا ، والأظهر عدم جواز العکس مطلقا ، لانتقالها إلی غیره فحرم علیها النظر إلیه ، وربما فرّق بین أم الولد وغیرها ، لما روی من إیصاء زین العابدین علیه السلام أن تغسّله أم ولده (4) ، وفی الطریق ضعف.

ص: 63


1- الکافی ( 3 : 157 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 438 - 1411 ) ، الإستبصار ( 1 : 196 - 690 ) ، الوسائل ( 2 : 714 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 438 - 1414 ) ، الإستبصار ( 1 : 197 - 693 ) ، الوسائل ( 2 : 716 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (12).
3- الذکری : (40).
4- التهذیب ( 1 : 444 - 1437 ) ، الإستبصار ( 1 : 200 - 704 ) ، الوسائل ( 2 : 717 ) أبواب غسل المیت ب (25) ح (1).

ویجوز أن یغسل الکافر المسلم إذا لم یحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم.

وکذا تغسل الکافرة المسلمة إذا لم تکن مسلمة ولا ذو رحم.

______________________________________________________

قوله : ویجوز أن یغسل الکافر المسلم إذا لم یحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم. وکذا تغسل الکافرة المسلمة إذا لم تکن مسلمة ولا ذو رحم.

هذا الحکم ذکره الشیخان (1) وأتباعهما (2) ، واستدل علیه فی التهذیب بروایة عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فإن مات رجل مسلم ولیس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوی قرابته ، ومعه رجال نصاری ونساء مسلمات لیس بینه وبینهنّ قرابة ، قال : « یغتسل النصاری ثم یغسّلونه فقد اضطر » وعن المرأة المسلمة تموت ولیس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوی قرابتها ، ومعها نصرانیة ورجال مسلمون؟ قال : « تغتسل النصرانیة ثم تغسّلها » (3).

وروی عمرو بن خالد ، عن زید بن علی ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام ، قال : « أتی رسول الله صلی الله علیه و آله نفر فقالوا : إنّ امرأة توفت معنا ولیس معها ذو محرم؟ فقال : کیف صنعتم؟ فقالوا : صببنا علیها الماء صبا فقال : أما وجدتم امرأة من أهل الکتاب تغسلها؟ فقالوا : لا ، قال : أفلا یمّمتموها؟ » (4) وهما ضعیفتا السند جدا.

ومن ثم توقف فی هذا الحکم المصنف فی المعتبر (5) ، واستقرب الدفن من غیر غسل ، لأن الغسل مفتقر إلی النیة ، والکافر لا تصح منه نیة القربة.

الکافر یغسل المسلم إذا لم یکن مسلم

ص: 64


1- المفید فی المقنعة : (13) ، والشیخ فی النهایة : (42).
2- منهم سلار فی المراسم : (50) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (63).
3- التهذیب ( 1 : 340 - 997 ) ، الوسائل ( 2 : 704 ) أبواب غسل المیت ب (19) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 443 - 1433 ) ، الإستبصار ( 1 : 203 - 718 ) ، الوسائل ( 2 : 710 ) أبواب غسل المیت ب (22) ح (4).
5- المعتبر ( 1 : 326 ).

ویغسل الرجل محارمه من وراء الثیاب إذا لم تکن مسلمة. وکذا المرأة.

ولا یغسل الرجل من لیست له بمحرم

______________________________________________________

والحق أنه متی ثبت نجاسة الذمی ، أو توقف الغسل علی النیة تعین المصیر إلی ما قاله فی المعتبر ، وإن نوزع فیهما أمکن إثبات هذا الحکم بالعمومات لا بخصوص هذین الخبرین.

قوله : ویغسل الرجل محارمه من وراء الثیاب إذا لم تکن مسلمة ، وکذا المرأة.

المراد بالمحرم : من حرم نکاحه مؤبدا بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة. ومقتضی العبارة المنع من تغسیل الرجل محارمه فی حال الاختیار ، وجوّزه فی المنتهی من فوق الثیاب (1) ، والأظهر الجواز مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وصحیحة منصور ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یخرج فی السفر ومعه امرأته [ فتموت ] یغسلها؟ قال : « نعم ، وامه وأخته ونحو هذا ، یلقی علی عورتها خرقة » (2).

والعجب أنّ العلامة فی المنتهی (3) استدل بهذا الخبر علی جواز الغسل من فوق الثیاب ، مع صراحته فی جواز التغسیل مجردا مع ستر العورة.

قوله : ولا یغسل الرجل من لیست بمحرم.

هذا الحکم مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، ونقل علیه المصنف فی المعتبر الإجماع (4). وصرح الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف بسقوط التیمم والحال هذه

یغسل الرجل محارمه فقط

ص: 65


1- المنتهی ( 1 : 437 ).
2- الکافی ( 3 : 158 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 439 - 1418 ) ، الإستبصار ( 1 : 199 - 699 ) ، الوسائل ( 2 : 705 ) أبواب غسل المیت ب (20) ح (1).
3- المنتهی ( 1 : 437 ).
4- المعتبر ( 1 : 323 ).

______________________________________________________

أیضا (1) ، وبه قطع فی المعتبر ، قال : لأن المانع من الغسل مانع من التیمم وإن کان الاطلاع مع التیمم أقل ، لکن النظر محرّم قلیله وکثیره (2). وحکی عن المفید - رحمه الله - أنه أوجب التغسیل من وراء الثیاب (3) ، وعن ابن زهرة أنه شرط تغمیض العینین (4). والمعتمد سقوط الغسل والتیمم مع انتفاء المماثلة والمحرمیة مطلقا.

لنا : ما رواه الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سأله عن المرأة تموت فی سفر ولیس معها ذو محرم ولا نساء؟ قال : « تدفن کما هی بثیابها » وعن الرجل یموت ولیس معه ذو محرم ولا رجال؟ قال : « یدفن کما هو فی ثیابه » (5).

وما رواه عبد الله بن أبی یعفور فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یموت فی السفر مع النساء لیس معهن رجل کیف یصنعن به؟ قال : « یلففنه لفّا فی ثیابه ویدفنه ولا یغسّلنه » (6).

وما رواه أبو الصباح الکنانی فی الصحیح أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قال فی الرجل یموت فی السفر فی أرض لیس معه إلاّ النساء ، قال : « یدفن ولا یغسل ، والمرأة تکون مع الرجال بتلک المنزلة تدفن ولا تغسل » (7) وهذه الأخبار صریحة فی سقوط

ص: 66


1- النهایة : (42) ، المبسوط ( 1 : 175 ) ، الخلاف ( 1 : 282 ).
2- المعتبر ( 1 : 325 ).
3- حکاه فی الذکری : (39). والموجود فی المقنعة : 3. ما نصه : فإن ماتت صبیة بین رجال مسلمین لیس لها فیهم محرم - الی أن قال - وإن کانت أکثر من ثلاث سنین غسلوها فی ثیابها وصبوا علیها الماء صبا.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (563).
5- الفقیه ( 1 : 94 - 430 ) ، التهذیب ( 1 : 440 - 1423 ) ، الإستبصار ( 1 : 200 - 706 ) ، الوسائل ( 2 : 708 ) أبواب غسل المیت ب (21) ح (1).
6- الفقیه ( 1 : 94 - 429 ) ، التهذیب ( 1 : 441 - 1424 ) ، الإستبصار ( 1 : 201 - 707 ) ، الوسائل ( 2 : 708 ) أبواب غسل المیت ب (21) ح (2).
7- التهذیب ( 1 : 438 - 1414 ) ، الإستبصار ( 1 : 201 - 709 ) ، الوسائل ( 2 : 709 ) أبواب غسل المیت ب (21) ح (4).

إلا ولها دون ثلاث سنین - وکذا المرأة - ویغسلها مجرّدة.

______________________________________________________

التغسیل ، وظاهرها سقوط التیمم أیضا وإلاّ لذکر ، إذ المقام مقام البیان.

وفی مقابل هذه الروایات روایتان ضعیفتا السند جدّا ، تضمنت إحداهما : « إن المرأة إذا ماتت بین رجال أجانب یصبّون علیها الماء من وراء الثیاب » (1). وتضمنت الأخری : « أنهم یغسلون منها ما أوجب الله تعالی علیه التیمم » (2). وضعفهما مع وجود المعارض السلیم یمنع من العمل بهما ، وحملهما الشیخ فی التهذیب علی الاستحباب (3) ، وهو مشکل.

قوله : إلا ولها دون ثلاث سنین ، وکذا المرأة.

أی : لا تغسل من لیس لها بمحرم إلاّ من کان له دون ثلاث سنین. وهذا الحکم مستثنی من منع تغسیل غیر المماثل ، وإطلاق العبارة یقتضی جواز ذلک اختیارا ، وشرط الشیخ فی النهایة فیه عدم المماثل (4) ، وجوز المفید (5) وسلار (6) للمرأة تغسیل ابن خمس سنین مجردا ، والصدوق بنت أقل من خمس سنین مجردة (7) ، ومنع المصنف فی المعتبر من تغسیل الرجل الصبیة مطلقا ، وجوز للمرأة تغسیل ابن الثلاث اختیارا أو اضطرارا ، فارقا بینهما بأن الشرع أذن فی اطلاع النساء علی الصبی ، لافتقاره إلیهن فی التربیة ، ولیس

یغسل الرجل من لها دون ثلاث سنین

ص: 67


1- التهذیب ( 1 : 442 - 1427 ) ، الإستبصار ( 1 : 202 - 712 ) ، الوسائل ( 2 : 711 ) أبواب غسل المیت ب (22) ح (5).
2- التهذیب ( 1 : 442 - 1429 ) ، الإستبصار ( 1 : 202 - 714 ) ، الوسائل ( 2 : 709 ) أبواب غسل المیت ب (22) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 442 ).
4- النهایة : (42).
5- المقنعة : (13).
6- المراسم : (50).
7- المقنع : (19).

______________________________________________________

کذلک الصبیة ، قال : والأصل حرمة النظر (1). وفیه نظر.

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار ما رواه الکلینی - رحمه الله - عن أبی (2) النمیر مولی الحارث بن المغیرة النضری قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : حدثنی عن الصبی إلی کم تغسّله النساء؟ فقال : « إلی ثلاث سنین » (3).

وما رواه الشیخ فی التهذیب عن محمد بن أحمد بن یحیی مرسلا ، قال : روی فی الجاریة تموت مع الرجل ، فقال : « إذا کانت بنت أقل من خمس سنین أو ست دفنت ولم تغسل » (4) وقال ابن طاوس : إن لفظة « أقل » هنا وهم (5).

وحکی فی الذکری أنّ الموجود فی جامع محمد بن الحسن : إذا کانت بنت أکثر من خمس أو ست دفنت ولم تغسل ، فإن کانت بنت أقل من خمس غسّلت (6).

وکیف کان فالروایتان ضعیفتا السند جدا ، فلا یجوز التمسک بهما. ومع ذلک فلا بأس بالعمل بمضمونهما ، لاعتضادهما بالأصل والعمومات ، مضافا إلی عدم ثبوت تحریم اللمس والنظر إلی الصغیر والصغیرة. ومن هنا تظهر قوة القول بالتحدید بالخمس.

وبالجملة فینبغی أن یکون ذلک تابعا لجواز النظر واللمس ، ولتحقیق المسألة محل آخر.

ص: 68


1- المعتبر ( 1 : 324 ).
2- فی الکافی : ابن.
3- الکافی ( 3 : 160 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 712 ) أبواب غسل المیت ب (23) ح (1). ورواها فی الفقیه ( 1 :3. 431 ) ، والتهذیب ( 1 : 341 - 998 ).
4- التهذیب ( 1 : 341 - 999 ) ، الوسائل ( 2 : 713 ) أبواب غسل المیت ب (23) ح (3).
5- نقل کلامه فی الذکری : (39).
6- الذکری : (39).

وکل مظهر للشهادتین وإن لم یکن معتقدا للحق یجوز تغسیله ، عدا الخوارج والغلاة. والشهید الذی قتل بین یدی الإمام ومات فی المعرکة لا یغسل ولا یکفن ، ویصلّی علیه.

______________________________________________________

قوله : وکل مظهر للشهادتین وإن لم یکن معتقدا للحق یجوز تغسیله ، عدا الخوارج والغلاة.

خالف فی ذلک المفید - رحمه الله - فی المقنعة ، فقال : ولا یجوز لأحد من أهل الإیمان أن یغسل مخالفا للحق فی الولایة ، ولا یصلی علیه إلاّ أن تدعوه ضرورة إلی ذلک من جهة التقیة (1).

واستدل له الشیخ فی التهذیب بأن المخالف لأهل الحق کافر ، فیجب أن یکون حکمه حکم الکفار إلاّ ما خرج بالدلیل. وإذا کان غسل الکافر لا یجوز فیجب أن یکون غسل المخالفین أیضا غیر جائز. ثم قال : والذی یدل علی أنّ غسل الکافر لا یجوز إجماع الأمة ، لأنه لا خلاف بینهم فی أنّ ذلک محظور فی الشریعة (2).

والمسألة قویة الإشکال ، وإن کان الأظهر عدم وجوب تغسیل غیر المؤمن.

ویلحق بالمسلم : الطفل المتولد منه ، والمجنون ، ومسبیّة فی قول مشهور ، ولقیط دار الإسلام. قیل : وکذا دار الکفر إذا أمکن تولده من مسلم (3) ، وللنظر فی هذا مجال.

قوله : والشهید الذی قتل بین یدی الإمام ومات فی المعرکة لا یغسل ولا یکفن ویصلّی علیه.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المعتبر : إنه إجماع أهل العلم خلا

جواز تغسیل المسلم

عدم تغسیل الشهید

ص: 69


1- المقنعة : (13).
2- التهذیب ( 1 : 335 ).
3- کما فی اللمعة الدمشقیة ( 1 : 120 ) ، وروض الجنان : (92).

______________________________________________________

سعید بن المسیب والحسن ، فإنهما أوجبا غسله ، لأن المیت لا یموت حتی یجنب. قال : ولا عبرة بکلامهما (1).

وقد أطلقت الشهادة فی الأخبار علی المقتول دون أهله وماله ، وعلی المطعون (2) والغریق وغیرهم. والمراد بها هنا ما هو أخص من ذلک. وفسره المصنف بأنه المقتول بین یدی الإمام إذا مات فی المعرکة. والمراد بقتله بین یدی الإمام : قتله فی عسکره ، وبموته فی المعرکة : موته فی موضع القتال.

والأصل فی هذه المسألة من طریق الأصحاب ما رواه الشیخ فی الحسن عن أبان بن تغلب ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « الذی یقتل فی سبیل الله یدفن فی ثیابه ، ولا یغسّل إلاّ أن یدرکه المسلمون وبه رمق ثم یموت بعد ، فإنه یغسّل ویکفّن ویحنّط. إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کفّن حمزة علیه السلام فی ثیابه ولم یغسله ولکنه صلی علیه » (3).

وفی الحسن عن إسماعیل بن جابر وزرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : کیف رأیت الشهید یدفن بدمائه؟ قال : « نعم فی ثیابه بدمائه ، ولا یحنّط ولا یغسّل ویدفن کما هو » (4) وفی هاتین الروایتین مخالفة لما ذکره المصنف فی هذا الکتاب وغیره من الأصحاب من وجهین :

أحدهما : أنهما متناولتان لکل مقتول فی سبیل الله ، فیشمل من قتل بین یدی الإمام وغیره ممن قتل فی عسکر المسلمین إذا دهمهم عدو یخاف منه علی بیضة الإسلام

ص: 70


1- المعتبر ( 1 : 309 ).
2- فی « ح » : المبطون.
3- التهذیب ( 1 : 332 - 973 ) ، الوسائل ( 2 : 700 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (9).
4- الکافی ( 3 : 211 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 331 - 970 ) ، الإستبصار ( 1 : 214 - 756 ) ، الوسائل ( 2 : 700 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (8).

وکذا من وجب علیه القتل یؤمر بالاغتسال قبل قتله ، ثم لا یغسل بعد ذلک.

______________________________________________________

واضطروا إلی قتاله ، فلا وجه لقصر الحکم علی من قتل بین یدی الإمام. وبما ذکرناه قطع المصنف فی المعتبر ، فإنه قال بعد أن عزی اشتراط ذلک إلی الشیخین : والأقرب اشتراط الجهاد السائغ حسب ، فقد یجب الجهاد وإن لم یکن الإمام علیه السلام موجودا. ثم قال : واشتراط ما ذکره الشیخان زیادة لم تعلم من النص (1).

وثانیهما : أن ظاهر الروایة الاولی أنّ وجوب التغسیل فی الشهید منوط بإدراک المسلمین إیاه وبه رمق ، وأن من لم یدرک کذلک یسقط تغسیله وإن لم یمت فی المعرکة ، وهو خلاف ما ذکره الأصحاب من إناطة الفرق بالموت فی المعرکة وعدمه.

واعلم أنّ إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی هذا الحکم بین الصغیر والکبیر ، ولا بین المقتول بالحدید وغیره ، ولا بین من عاد سلاحه إلیه فقتله وغیره (2).

وفی الفرق بین الجنب وغیره قولان ، أظهرهما : العدم ، لإطلاق النص. ونقل عن المرتضی - رحمه الله - أنه أوجب تغسیل الجنب (3) ، وهو ضعیف.

قوله : وکذا من وجب علیه القتل یؤمر بالاغتسال قبل قتله ثم لا یغسل بعد ذلک.

المراد أمره بأن یغتسل غسل الأموات ثلاثا مع الخلیطین ، وکذا یجب أمره بالحنوط

کفایة اغتسال من یجب علیه القتل

ص: 71


1- المعتبر ( 1 : 311 ).
2- الجواهر ( 4 : 91 ). بل وکذا لو داسته خیول المسلمین أو رمته فرسه فی نهر أو بئر بسبب جهاد الکفار ، لصدق کونه قتیلا فی سبیل الله.
3- فی المعتبر ( 1 : 31 ) ، والذکری : (41).

وإذا وجد بعض المیت ، فإن کان فیه الصدر أو الصدر وحده غسّل وکفّن وصلّی علیه ودفن.

______________________________________________________

کما صرح به الشیخ (1) وأتباعه (2). وزاد ابنا بابویه (3) والمفید (4) - رحمهم الله - تقدیم التکفین أیضا.

والمستند فی ذلک کله روایة مسمع کردین ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المرجوم والمرجومة یغسّلان ویحنطان ویلبسان الکفن قبل ذلک ، ثم یرجمان ویصلی علیهما. والمقتص منه بمنزلة ذلک ، یغتسل ویتحنط ویلبس الکفن ویصلی علیه » (5).

وهی ضعیفة السند جدا. لکن قال فی المعتبر : إنّ الخمسة وأتباعهم أفتوا بذلک ، وإنه لا یعلم فیه للأصحاب خلافا (6).

وأما عدم وجوب تغسیل من هذا شأنه بعد ذلک فظاهر ، لعدم مشروعیة التعدد.

وفی وجوب الغسل بمسه بعد الموت تردد ، أقربه : العدم ، لأن الغسل إنما یجب بمس المیت قبل غسله ، وهذا قد غسل.

قوله : وإذا وجد بعض المیت فإن کان فیه الصدر أو الصدر وحده غسّل وکفّن وصلّی علیه ودفن.

هذا الحکم ذکره الشیخ (7) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب. وأطلق العلامة

حکم أبعاض المیت

ص: 72


1- المبسوط ( 1 : 181 ) ، والنهایة : (40).
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 55 ).
3- الصدوق فی المقنع : (20) ، ونقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 347 ).
4- المقنعة : (13).
5- الکافی ( 3 : 214 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 96 - 443 ) ، التهذیب ( 1 : 334 - 978 ) ، وفیه : یغتسلان ویتحنطان ، الوسائل ( 2 : 703 ) أبواب غسل المیت ب (17) ح (1).
6- المعتبر ( 1 : 347 ).
7- المبسوط ( 1 : 182 ).

______________________________________________________

- رحمه الله - فی جملة من کتبه أنّ صدر المیت کالمیت فی جمیع أحکامه (1).

واستدل علیه بروایة الفضل بن عثمان الأعور عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یقتل فیوجد رأسه فی قبیلة ، قال : « دیته علی من یوجد فی قبیلته صدره ویداه ، والصلاة علیه » (2).

ومرسلة أحمد بن محمد بن عیسی رفعه ، قال : « المقتول إذا قطع أعضاؤه یصلّی علی العضو الذی فیه القلب » (3) وهاتان الروایتان - مع ضعف سندهما - إنما تدلان علی وجوب الصلاة علی الصدر والیدین ، أو العضو الذی فیه القلب خاصة ، واستلزام ذلک لوجوب الغسل والتکفین ممنوع.

واعلم أنا لم نقف فی حکم الأبعاض علی شی ء من النصوص التی یعتمد علیها سوی روایتین : روی إحداهما علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یأکله السبع والطیر فیبقی عظامه بغیر لحم کیف یصنع به؟ قال : « یغسّل ویکفّن ویصلی علیه ویدفن ، وإذا کان المیت نصفین صلی علی النصف الذی فیه القلب » (4).

والأخری رواها محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا قتل قتیل فلم یوجد إلاّ لحم بلا عظم لم یصل علیه ، فإن وجد عظم بلا لحم صلی

ص: 73


1- المختلف : (46) ، وتحریر الأحکام ( 1 : 17 ).
2- الفقیه ( 1 : 104 - 484 ) ، التهذیب ( 3 : 329 - 1030 ) ، الوسائل ( 2 : 815 ) أبواب صلاة الجنازة ب (38) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
3- المعتبر ( 1 : 317 ) ، الوسائل ( 2 : 817 ) أبواب صلاة الجنازة ب (38) ح (12) ، وفیه : البزنطی عن بعض أصحابنا رفعه.
4- الکافی ( 3 : 212 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 336 - 983 ) ، الوسائل ( 2 : 816 ) أبواب صلاة الجنازة ب (38) ح (6).

وإن لم یکن وکان فیه عظم غسل ولفّ فی خرقة ودفن ،

______________________________________________________

علیه » (1).

ومقتضی الروایة الأولی أن الباقی جمیع عظام المیت ، لأن إضافة الجمع تفید العموم ، وأن الصلاة إنما تجب علی النصف الذی فیه القلب. وظاهر الثانیة وجوب الصلاة علی مطلق العظم ، ویمکن حملها علی الاستحباب.

والأجود : إلحاق عظام المیت به فی جمیع الأحکام إلاّ الحنوط لعدم ذکره فی الخبر ، ووجوب الصلاة علی النصف الذی فیه القلب خاصة. وإلحاق ما فیه القلب مطلقا أو الصدر والیدان بذلک - کما ذکره فی المعتبر (2) - أحوط ، لورود الأمر بالصلاة علیهما فی الخبرین الأولیین (3) وإن ضعف سندهما.

قوله : وإن لم یکن وکان فیه عظم غسل ولف فی خرقة ودفن.

هذا الحکم ذکره الشیخان (4) وأتباعهما (5). واحتج علیه فی الخلاف (6) بإجماع الفرقة. واعترف جمع من الأصحاب بعدم الوقوف فی ذلک علی نص. لکن قال جدی - قدس سره - : إنّ نقل الإجماع من الشیخ کاف فی ثبوت الحکم ، بل ربما کان أقوی من النص (7). وهو مناف لما صرح به - رحمه الله - فی عدة مواضع من التشنیع علی مثل هذا الإجماع والمبالغة فی إنکاره. وقد تقدم منا البحث فی ذلک مرارا.

ص: 74


1- الکافی ( 3 : 212 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 336 - 984 ) ، الوسائل ( 2 : 816 ) أبواب صلاة الجنازة ب (38) ح (8).
2- المعتبر ( 1 : 317 ).
3- المتقدمین فی ص (73).
4- المفید فی المقنعة : (13) ، والشیخ فی النهایة : (40) ، والمبسوط ( 1 : 182 ).
5- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 55 ) ، وسلار فی المراسم : (46).
6- الخلاف ( 1 : 291 ).
7- روض الجنان : (112).

وکذا السقط إذا کان له أربعة أشهر فصاعدا.

______________________________________________________

قال فی الذکری : ویلوح ما ذکره الشیخان من خبر علی بن جعفر (1) ، لصدق العظام علی التامة والناقصة (2). وهو غیر جید ، لما بیناه من وجوب حملها علی التامة. علی أنه لو سلم تناولها للناقصة لم یتم الاستدلال بها علی ما ذکره الشیخان ، لتضمنها وجوب الصلاة وتصریحهما بنفیها.

وظاهر العبارة أنّ الحکم مقصور علی المبانة من المیت خاصة ، وبه صرح فی المعتبر وقطع بدفن المبانة من الحی بغیر غسل محتجا بأنها من جملة لا تغسل ولا تصلی علیها (3).

واستقرب الشهید - رحمه الله - فی الذکری مساواتها للمبانة من المیت ، وأجاب عن حجة المعتبر بأن الجملة لم یحصل فیها الموت بخلاف القطعة (4). وهو ضعیف وجوابه قاصر.

قوله : وکذا السقط إذا کان له أربعة أشهر فصاعدا.

أی یجب تغسیله الغسل المعهود ولفّه فی خرقة ودفنه. وأوجب الشهید (5) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (6) تکفینه بالقطع الثلاث وتحنیطه أیضا.

والمستند فی ذلک مرفوعة أحمد بن محمد ، قال : « إذا تم للسقط أربعة أشهر غسل » (7).

وموثقة سماعة عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن السقط إذا استوت

حکم السقط

ص: 75


1- المتقدم فی ص (73).
2- الذکری : (40).
3- المعتبر ( 1 : 319 ).
4- الذکری : (40).
5- الذکری : (40) ، والدروس : (9).
6- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 12 ). والمحقق الثانی فی جامع المقاصد ( 1 : 48 ).
7- التهذیب ( 1 : 328 - 960 ) ، الوسائل ( 2 : 695 ) أبواب غسل المیت ب (12) ح (2).

وإن لم یکن فیه عظم اقتصر علی لفّه فی خرقة ودفنه ، وکذا السقط إذا لم تلجه الروح.

______________________________________________________

خلقته یجب علیه الغسل واللحد والکفن؟ قال : « نعم کل ذلک یجب إذا استوی » (1).

قال فی المعتبر : ولا یطعن علی الروایتین بانقطاع سند الاولی وضعف سماعة فی طریق الثانیة ، لأنه لا معارض لهما مع قبول الأصحاب لهما (2). وفیه ما فیه.

ثم لا یخفی أنّ الحکم فی الروایة الثانیة وقع معلقا علی استواء الخلقة لا علی بلوغ الأربعة ، اللهم إلاّ أن یدعی التلازم بین الأمرین ، وإثباته مشکل. ومقتضاها وجوب التکفین بالقطع الثلاثة ، لأنه المتبادر من الکفن عند الإطلاق.

أما الصلاة علیه فإنها غیر واجبة ولا مستحبة باتفاق علمائنا ، قاله فی المعتبر (3).

قوله : فإن لم یکن فیه عظم اقتصر علی لفّه فی خرقة ودفنه.

الأظهر عدم وجوب اللف کما اختاره فی المعتبر (4) ، لانتفاء الدلیل علیه رأسا.

قوله : وکذا السقط إذا لم تلجه الروح.

أی یجب لفه فی خرقة ودفنه. وینبغی أن یکون المرجع فی معرفة ذلک إلی قول أهل الخبرة. وذکر الشارح - رحمه الله - أنّ المراد بمن لم تلجه الروح من نقص سنّه عن أربعة أشهر (5). وهو ظاهر المصنف هنا وفی النافع (6) وصریح المعتبر ، فإنه قال فیه : ولو کان للسقط أقل من أربعة أشهر لم یغسل ولم یکفن ولم یصل علیه بل یلف فی خرقة ویدفن ، ذکر ذلک الشیخان ، وهو مذهب العلماء خلا ابن سیرین ولا عبرة فی خلافه ،

ص: 76


1- الکافی ( 3 : 258 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 329 - 962 ) ، الوسائل ( 2 : 695 ) أبواب غسل المیت ب (12) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 319 ).
3- المعتبر ( 1 : 319 ).
4- المعتبر ( 1 : 319 ).
5- المسالک ( 1 : 12 ).
6- المختصر النافع : (15).

وإذا لم یحضر المیت مسلم ولا کافر ولا محرم من النساء دفن بغیر غسل ، ولا تقربه الکافرة. وکذا المرأة. وروی أنهم یغسلون وجهها ویدیها.

______________________________________________________

لأن المعنی الموجب للغسل وهو الموت مفقود هنا (1). ثم استدل علیه من طریق الأصحاب بما رواه الشیخ عن محمد بن الفضیل ، قال : کتبت إلی أبی جعفر علیه السلام أسأله عن السقط کیف یصنع به؟ قال : « السقط یدفن بدمه فی موضعه » (2). وهذه الروایة مع ضعف سندها خالیة من ذکر اللف فی الخرقة ، بل الظاهر أنه یدفن مجردا.

قوله : وإذا لم یحضر المیت مسلم ولا کافر ولا محرم من النساء دفن بغیر غسل ، ولا تقربه الکافرة ، وکذا المرأة ، وروی أنهم یغسّلون وجهها ویدیها.

قد تقدم البحث فی ذلک ، وأنّ الأظهر أنه متی تعذر المماثل والمحرم وجب الدفن بغیر غسل ولا تیمم.

وأما الروایة التی أشار إلیها المصنف فهی روایة المفضل بن عمر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ما تقول فی امرأة تکون فی السفر مع الرجال لیس معهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة ، فتموت المرأة ، ما یصنع بها؟ قال : « یغسل منها ما أوجب الله علیه التیمم ، ولا تمس ولا یکشف لها شی ء من محاسنها التی أمر الله بستره » قلت : وکیف یصنع بها؟ قال : « یغسل بطن کفیها ، ثم یغسل وجهها ، ثم یغسل ظهر کفیها » (3) وهی ضعیفة السند جدا ، وفی مقابلها أخبار صحیحة دالة علی خلاف ما تضمنته هی (4) ، فوجب اطراحها رأسا.

عدم تغسیل الأجنبیة الرجل

ص: 77


1- المعتبر ( 1 : 320 ).
2- الکافی ( 3 : 208 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 329 - 961 ) ، الوسائل ( 2 : 696 ) أبواب غسل المیت ب (12) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 159 - 13 ) ، الفقیه ( 1 : 95 - 438 ) ، التهذیب ( 1 : 342 - 1002 ) ، الإستبصار ( 1 : 202 - 714 ) ، الوسائل ( 2 : 709 ) أبواب غسل المیت ب (22) ح (1).
4- الوسائل ( 2 : 708 ) أبواب غسل المیت ب (21).

ویجب إزالة النجاسة عن بدنه أولا ،

______________________________________________________

قوله : ویجب إزالة النجاسة أولا.

أی قبل الشروع فی الغسل. وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب بل قال فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین العلماء (1). ویدل علیه روایات منها : قوله علیه السلام فی روایة الکاهلی : « ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات » (2).

وفی روایة یونس : « واغسل فرجه وانقه ، ثم اغسل رأسه بالرغوة » (3).

وقد یناقش فی هذا الحکم بأنّ اللازم منه طهارة المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة ، وهو غیر معقول.

ویجاب بعدم الالتفات إلی هذا الاستبعاد بعد ثبوت الحکم بالنص والإجماع. أو یقال : إنّ النجاسة العارضة إنما تطهر بما یطهر غیرها من النجاسات ، بخلاف نجاسة الموت ، فإنما تزول بالغسل وإن لم یکن مطهرا لغیرها من النجاسات ، فاعتبر إزالتها أولا لتطهّر المیت بالغسل. وهذا أولی مما ذکره فی المعتبر من أنّ تقدیم الإزالة لئلاّ ینجس ماء الغسل بملاقاتها ، أو لأنه إذا وجب إزالة الحکمیة فالعینیة أولی (4).

قال جدی - قدس سره - : وهذا الإشکال منتف علی قول السید المرتضی - رضی الله عنه - لأنه ذهب إلی کون بدن المیت لیس بخبث ، بل الموت عنده من قبیل

غسل المیت

- کیفیة غسل المیت

اشارة

ص: 78


1- المنتهی ( 1 : 428 ).
2- الحرض : الأشنان ، وهو شجر یستعمل هو أو رماده فی غسل الثیاب والأیدی ( الإفصاح 1 : 387 ).
3- الکافی ( 3 : 140 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 298 - 873 ) ، الوسائل ( 2 : 681 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (5).
4- الکافی ( 3 : 142 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 301 - 877 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (3).

ثم یغسل بماء السدر ، یبدأ برأسه ثم بجانبه الأیمن ثم الأیسر ،

______________________________________________________

الأحداث کالجنابة ، فحینئذ یجب إزالة النجاسة الملاقیة لبدن المیت کما إذا لاقت بدن الجنب (1). هذا کلامه - رحمه الله - ، ومقتضاه أنه لا یجب تقدیم الإزالة علی الشروع فی الغسل ، بل یکفی طهارة کل جزء من البدن قبل غسله ، وهو خلاف ما صرحوا به هنا. مع أنّ فی تحقق الخلاف فی نجاسة بدن المیت نظرا ، فإن المنقول عن المرتضی - رحمه الله - عدم وجوب غسل المس (2) ، لا عدم نجاسة المیت. بل حکی المصنف فی المعتبر عنه فی شرح الرسالة التصریح بنجاسته (3). وعن الشیخ فی الخلاف أنه نقل علی ذلک إجماع الفرقة (4). وسیجی ء تتمة الکلام فیه إن شاء الله.

قوله : ثم یغسل بماء السدر ، یبدأ برأسه ثم بجانبه الأیمن ثم الأیسر.

مذهب الأصحاب - خلا سلاّر (5) - : أنه یجب تغسیل المیت ثلاث غسلات : بماء السدر ، ثم بماء الکافور ، ثم بماء القراح. وحجتهم فی ذلک الأخبار المستفیضة عن أئمة الهدی علیهم السلام . فمن ذلک ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت غسل المیت فاجعل بینک وبینه ثوبا یستر عورته ، إما قمیصا أو غیره ، ثم تبدأ بکفیه وتغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ، ثم سائر جسده ، وابدأ بشقه الأیمن. فإذا أردت أن تغسل فرجه فخذ خرقة نظیفة فلفّها علی یدک الیسری ، ثم ادخل یدک من تحت الثوب الذی علی فرج المیت فاغسله من غیر أن تری عورته ، فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخری بماء وکافور وشی ء من حنوط ، ثم اغسله بماء بحت غسلة

تغسیله بماء السدر

ص: 79


1- روض الجنان : (98).
2- فی المعتبر ( 1 : 351 ).
3- المعتبر ( 1 : 348 ).
4- الخلاف ( 1 : 283 ).
5- المراسم : (47).

______________________________________________________

أخری » (1).

وما رواه ابن مسکان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المیت فقلت : أغسله بماء وسدر؟ ثم أغسله علی أثر ذلک غسلة اخری بماء وکافور وذریرة إن کانت؟ وأغسله المرة الثالثة بماء قراح ثلاث غسلات لجسده کله؟ قال : « نعم ». قلت : یکون علیه ثوب إذا غسّل؟ قال : « إن استطعت أن یکون علیه قمیص تغسله من تحته » (2). والأخبار فی ذلک کثیرة جدا.

واحتجاج سلار (3) علی وجوب المرة الواحدة بالقراح خاصة بالأصل ، وبقوله علیه السلام - وقد سئل عن المیت یموت وهو جنب - : « یغسل غسلا واحدا » (4) ضعیف.

والأظهر وجوب الترتیب فی الغسلات وبینها. وقول ابن حمزة (5) باستحباب الترتیب بینها ضعیف.

وذکر جماعة من المتأخرین (6) أنه یسقط الترتیب فی الغسل بغمس المیت فی الماء غمسة واحدة ، تعویلا علی روایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال :

ص: 80


1- الکافی ( 3 : 138 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 299 - 874 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 139 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 300 - 875 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
3- نقل احتجاجه فی المختلف : (42) ، والذکری : (45).
4- الکافی ( 3 : 154 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 432 - 1384 ) ، الإستبصار ( 1 : 194 - 680 ) ، الوسائل ( 2 : 721 ) أبواب غسل المیت ب (31) ح (1).
5- الوسیلة : (64).
6- منهم فخر المحققین فی إیضاح الفوائد ( 1 : 60 ) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 12 ).

______________________________________________________

« غسل المیت مثل غسل الجنب » (1). وهی ضعیفة السند (2) ، فالخروج بها عن مقتضی الأخبار المستفیضة الواردة فی کیفیة الغسل مشکل.

ویجب فی هذا الغسل النیة کغیره من الأغسال عند أکثر الأصحاب. ونقل عن المرتضی - رحمه الله - التصریح بعدم الوجوب (3) ، لأن هذا الغسل تطهیر للمیت من نجاسة الموت ، فکان کغسل الثوب. وتردد فی المعتبر (4). وهو فی محله.

وکیف کان ، فینبغی القطع بالاکتفاء بنیة واحدة للأغسال الثلاثة ، لأنه فی الحقیقة فعل واحد مرکب منها.

ویعتبر فی النیة وقوعها من الغاسل ، أعنی الصابّ للماء ، لأنه الغاسل حقیقة. ولو اشترک جماعة فی غسله ، فإن ترتبوا بأن غسل کل واحد بعضها اعتبرت النیة من کل واحد عند أول فعله ، لامتناع ابتناء فعل مکلف علی نیة مکلف آخر. وإن اجتمعوا فی الصبّ فالظاهر اعتبار النیة من الجمیع ، لأن الغسل مستند إلی جمیعهم ولا أولویة ولو کان بعضهم یصبّ الماء والبعض یقلب اعتبرت نیة الصابّ ، واکتفی فی الذکری بنیة المقلب (5). وهو بعید (6).

ص: 81


1- الفقیه ( 1 : 122 - 586 ) ، التهذیب ( 1 : 447 - 1447 ) ، الوسائل ( 2 : 685 ) أبواب غسل المیت ب (3) ح (1).
2- لعل وجهه وقوع إبراهیم بن مهزیار فی السند ولم یوثقه النجاشی والشیخ - رجال النجاشی : ( 16 - 17 ) ، رجال الطوسی : ( 410 - 10 ).
3- نقله عنه فی مجمع الفائدة ( 1 : 182 ).
4- المعتبر ( 1 : 265 ).
5- الذکری : (44) وعلله فیه : بأن الصاب کالآلة.
6- الجواهر ( 4 : 121 ). لظهور أن الغسل هو إجراء الماء ولا مدخلیة للمقلب فیه.

وأقلّ ما یلقی فی الماء من السدر ما یقع علیه الاسم ، وقیل : مقدار سبع ورقات وبعده بماء الکافور علی الصفة ، وبماء القراح أخیرا کما یغتسل من الجنابة.

______________________________________________________

قوله : وأقلّ ما یلقی فی الماء من السدر ما یقع علیه الاسم ، وقیل : مقدار سبع ورقات ، وبعده بماء الکافور علی الصفة المذکورة. وبماء القراح أخیرا ، کما یغتسل من الجنابة.

المشهور بین الأصحاب أنه یکفی من الخلیط أعنی السدر والکافور مسماه وقدّر المفید (1) - رحمه الله - السدر برطل ، وابن البراج برطل ونصف (2) ، واعتبر بعضهم سبع ورقات (3). والأصح اعتبار ما یصدق علیه الاسم ، أعنی ما یتحقق معه کون ذلک الماء ماء سدر وماء کافور. فلو کان السدر ورقا غیر مطحون ولا ممروس لم یجز ، وکذا لو کان قلیلا علی وجه لا یصدق علی الماء الذی قد وضع فیه الاسم المذکور.

ولو خرج الماء بالخلیط عن کونه مطلقا ففی جواز التغسیل به قولان. وإطلاق الأخبار واتفاق الأصحاب علی ترغیة السدر - کما نقله فی الذکری (4) - یقتضیان الجواز.

والمراد بالقراح هنا : الماء المطلق ، واعتبر بعضهم خلوه من السدر والکافور وإن بقی الإطلاق (5). وربما قیل باشتراط خلوه من کل شی ء حتی التراب (6) ، ولا وجه له.

مقدار السدر

تغسیله بماء الکافور

تغسیله بماء القراح

ص: 82


1- المقنعة : (11).
2- المهذب ( 1 : 56 ).
3- منهم العلامة فی التذکرة ( 1 : 38 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (99).
4- الذکری : (46).
5- کالشهید الثانی فی روض الجنان : (99).
6- کما فی السرائر : (32).

وفی وضوء المیت تردد ، والأشبه أنه لا یجب. ولا یجوز الاقتصار علی أقل من الغسلات المذکورة ، إلا عند الضرورة.

______________________________________________________

قوله : وفی وضوء المیت تردد ، والأشبه أنه لا یجب.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل. النقل المستفیض عن أهل البیت علیهم السلام فی کیفیة الغسل وانتقالهم من تلیین أصابعه وغسل یدیه إلی غسل رأسه وجسده ، ومن غسله إلی تکفینه من غیر ذکر الوضوء (1). بل صحیحة یعقوب ابن یقطین کالصریحة فی ذلک ، فإنه قال : سألت العبد الصالح علیه السلام عن غسل المیت ، أفیه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال : « غسل المیت : یبدأ بمرافقه فیغسل بالحرض ، ثم یغسل وجهه ورأسه بالسدر » إلی أن قال : « ثم یغسل الذی غسله یده قبل أن یکفنه إلی المنکبین ، ثم إذا کفنه اغتسل » (2).

ونقل عن ظاهر أبی الصلاح القول بالوجوب (3) ، لمرسلة ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فی کل غسل وضوء إلاّ غسل الجنابة » (4).

وأجاب عنها المصنف فی المعتبر بعدم الصراحة فی الوجوب ، فإنه کما یحتمله کذا یحتمل الاستحباب (5). ولا یخفی أنّ هذا الجواب مناف لاستدلاله بهذه الروایة علی وجوب الوضوء مع الغسل فی غیر موضع کما بیناه.

استحباب توضیة المیت

ص: 83


1- الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2).
2- التهذیب ( 1 : 446 - 1444 ) ، الإستبصار ( 1 : 208 - 731 ) ، الوسائل ( 2 : 683 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (7).
3- الکافی فی الفقه : (134).
4- الکافی ( 3 : 45 - 13 ) ، التهذیب ( 1 : 143 - 403 ) ، ( 303 - 881 ) ، الإستبصار ( 1 : 209 - 733 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
5- المعتبر ( 1 : 267 ).

ولو عدم الکافور والسّدر غسل بالماء. وقیل : لا تسقط الغسلة بفوات ما یطرح فیها ، وفیه تردد.

______________________________________________________

والأولی الطعن فیها من حیث السند بالإرسال وإن کان المرسل لها ابن أبی عمیر.وقد بینا ذلک کله فیما سبق.

نعم یمکن أن یستدل لأبی الصلاح بصحیحة حریز ، قال : أخبرنی أبو عبد الله علیه السلام ، قال : « المیت یبدأ بفرجه ثم یوضأ وضوء الصلاة » (1) الحدیث ، فإن الجملة الخبریة هنا بمعنی الأمر وهو حقیقة فی الوجوب. ویجاب بالحمل علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

قوله : ولو عدم الکافور والسّدر غسل بالماء القراح. وقیل : لا تسقط الغسلة بفوات ما یطرح فیها ، وفیه تردد.

منشأ التردد : من تعذر المأمور به - أعنی تغسیله بماء السدر وماء الکافور - المقتضی لسقوط التکلیف به ، ومن أنه مأمور بالغسلات الثلاث علی هیئتها ، وهی کون الاولی بماء السدر ، والثانیة بماء الکافور ، والثالثة بالقراح ، فیکون مطلق الغسلات واجبا ، ضرورة استلزام وجوب المرکب وجوب أجزائه. ویتوجه علی هذا أنّ المتحقق فی ضمن المقید حصة من المطلق مقومة له لا نفس الماهیة کما هو الظاهر. ومن هنا یظهر قوة القول بالاکتفاء بالغسلة الواحدة ، کما جزم به فی المعتبر (2).

ولو وجد الخلیطان قبل الدفن ففی وجوب إعادة الغسل وجهان : أحوطهما ذلک ، وأظهرهما العدم لتحقق الامتثال ، المقتضی للإجزاء.

التغسیل بالقراح عند عدم السدر أو الکافور

ص: 84


1- التهذیب ( 1 : 302 - 879 ) ، الاستبصار ( 1 : 207 - 727 ) ، بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 689 ) أبواب غسل المیت ب (6) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 266 ).

ولو خیف من تغسیله تناثر جلده - کالمحترق والمجدور - یتیمم بالتراب کما یؤمم الحی العاجز.

______________________________________________________

قوله : ولو خیف من تغسیله تناثر جلده - کالمحترق والمجدور - یمّم بالتراب.

هذا مذهب الأصحاب ، قال الشیخ فی التهذیب : وبه قال جمیع الفقهاء إلاّ الأوزاعی (1). واستدل علیه بما رواه عن عمرو بن خالد ، عن زید بن علی ، عن آبائه ، عن علی علیه السلام قال : « إن قوما أتوا رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا : یا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور فإن غسلناه تسلّخ ، فقال : یمّموه » (2). وهی ضعیفة السند باشتمالها علی جماعة من الزیدیة. فإن کانت المسألة إجماعیة علی وجه لا یجوز مخالفته فلا بحث ، وإلاّ أمکن التوقف فی ذلک ، لأن إیجاب التیمم زیادة تکلیف ، والأصل عدمه. خصوصا إن قلنا أن الغسل إزالة نجاسة ، کما یقوله المرتضی - رحمه الله - (3).

وربما ظهر من بعض الروایات عدم الوجوب أیضا ، کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الجنب والمحدث والمیت إذا حضرت الصلاة ولم یکن معهم من الماء إلاّ بقدر ما یکفی أحدهم ، قال : « یغتسل الجنب ، ویدفن المیت (4) ، ویتیمم الذی هو علی غیر وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فریضة وغسل المیت سنة ، والتیمم للآخر جائز » (5). ومع ذلک فالعمل علی المشهور. وینبغی القطع

تیمیم المیت إذا کان جلده یتناثر بالغسل

ص: 85


1- لم نعثر علیه فی التهذیب ، بل وجدناه فی الخلاف ( 1 : 291 ).
2- التهذیب ( 1 : 333 - 977 ) ، الوسائل ( 2 : 702 ) أبواب غسل المیت ب (16) ح (3).
3- المتقدم فی ص (81).
4- فی الفقیه والوسائل زیادة : بتیمم.
5- الفقیه ( 1 : 59 - 222 ) ، التهذیب ( 1 : 109 - 285 ) ، الإستبصار ( 1 : 101 - 329 ) ، الوسائل ( 2 : 987 ) أبواب التیمم ب (18) ح (1) ، فی جمیع المصادر : عبد الرحمن بن أبی نجران. ولعل ما فی المتن سهو منه ، ویؤیده أنه نقل الروایة بعینها عن عبد الرحمن بن أبی نجران فی ص 5. من نفس الکتاب ، وأشار الی ذلک فی الحدائق ( 3 : 473 ).

وسنن الغسل أن یوضع علی ساجة مستقبل القبلة ،

______________________________________________________

بالاکتفاء بتیمم واحد ، واحتمال التعدد بتعدد الغسلات بعید (1).

قوله : وسنن الغسل أن یوضع علی ساجة.

والمراد بالساجة هنا مطلق اللوح. وإنما استحب ذلک لما فیه من صیانة المیت عن التلطخ. وینبغی کونه علی مرتفع ، وأن یکون مکان الرجلین أخفض حذرا من اجتماع الماء تحته.

قوله : مستقبل القبلة.

هذا قول الشیخ (2) وأکثر الأصحاب ، بل قال فی المعتبر : إنه اتفاق أهل العلم (3). للأمر به فی عدة روایات ، وإنما حمل علی الندب جمعا بینها وبین ما رواه یعقوب بن یقطین فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن المیت کیف یوضع علی المغتسل ، موجها وجهه نحو القبلة؟ أو یوضع علی یمینه ووجهه نحو القبلة؟ قال : « یوضع کیف تیسر » (4).

ونقل عن ظاهر الشیخ فی المبسوط وجوب الاستقبال (5) ، ورجحه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - محتجا بورود الأمر به. ثم قال : ولا ینافیه ما سبق - یعنی خبر یعقوب بن یقطین - لأن ما تعسر لا یجب (6). وهو غیر جید ، لأن مقتضی الروایة أجزاء أیّ جهة اتفقت ، فالمنافاة واضحة ، وحمل الأمر علی الاستحباب متعیّن.

- سنن الغسل

تغسیله علی ساجة مستقبل القبلة

ص: 86


1- الجواهر ( 4 : 143 ). ینبغی القطع به إذا جعلنا التطهیر بماء القراح.
2- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (165).
3- المعتبر ( 1 : 269 ).
4- التهذیب ( 1 : 298 - 871 ) ، الوسائل ( 2 : 688 ) أبواب غسل المیت ب (5) ح (2).
5- المبسوط ( 1 : 77 ).
6- جامع المقاصد ( 1 : 51 ).

وأن یغسل تحت الظلال ، وأن تجعل للماء حفیرة ویکره إرساله فی الکنیف ، ولا بأس بالبالوعة

______________________________________________________

قوله : وأن یغسل تحت الظلال.

لصحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن المیت یغسل فی الفضاء؟ قال : « لا بأس ، وإن یستتر فهو أحب إلی » (1).

قوله : وأن یجعل للماء حفیرة ، ویکره إرساله فی الکنیف ، ولا بأس بالبالوعة.

الکنیف : الموضع المعد لقضاء الحاجة. والبالوعة : ما یعد لإراقة الماء ونحوه فی المنزل.

ویدل علی کراهة صب الماء فی الکنیف دون البالوعة : صحیحة محمد بن الحسن الصفار ، قال : کتبت إلی أبی محمد علیه السلام : هل یغسل المیت وماؤه الذی یصب علیه یدخل فی بئر کنیف؟ فوقّع : « یکون ذلک فی البلالیع » (2).

وإنما کانت الحفیرة أولی من البالوعة لقوله علیه السلام فی حسنة سلیمان بن خالد : « وکذلک إذا غسل یحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة ، فیکون مستقبل باطن قدمیه ووجهه القبلة » (3).

تغسیله تحت الظلال

إرسال الماء فی حفیرة

ص: 87


1- الکافی ( 3 : 142 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 86 - 400 ) ، التهذیب ( 1 : 431 - 1379 ) ، قرب الإسناد : (85) ، الوسائل ( 2 : 720 ) أبواب غسل المیت ب (30) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
2- الکافی ( 3 : 150 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 431 - 1378 ) ، الوسائل ( 2 : 720 ) أبواب غسل المیت ب (29) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 127 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 123 - 591 ) رواه مرسلا وبتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 286 - 835 ) ، الوسائل ( 2 : 661 ) أبواب الاحتضار ب (35) ح (2). الا ان فیها : مستقبلا بباطن.

وأن یفتق قمیصه وینزع من تحته ، وتستر عورته ،

______________________________________________________

قوله : وأن یفتق قمیصه ، وینزع من تحته.

ذکر ذلک الشیخان (1) وأتباعهما (2). وإنما استحب ذلک لأن إخراج القمیص علی هذا الوجه أسهل علی المیت ، ولئلاّ یکون فیه نجاسة تلطخ أعالی بدنه. ولا خفاء فی أن ذلک مشروط بإذن الورثة ، فلو تعذر لصغر أو غیبة لم یجز.

وهل الأفضل تجریده من القمیص وتغسیله عاریا مستور العورة؟ أو تغسیله فی قمیصه؟ الأظهر الثانی ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسکان : « وإن استطعت أن یکون علیه قمیص فغسله من تحته » (3).

وفی حسنة سلیمان بن خالد : « وإن استطعت أن یکون علیه قمیص یغسل من تحت القمیص » (4).

وفی صحیحة یعقوب بن یقطین : « ولا تغسله إلاّ فی قمیص » (5). وظاهر هذه الأخبار طهارة القمیص وإن لم یعصر.

قوله : وأن تستر عورته.

لما فیه من أمن المغسل من النظر المحرم ، ولدلالة الأخبار علیه أیضا (6).

فتق قمیصه ونزعه

ستر عورته

ص: 88


1- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 178 ) ، والنهایة : (33).
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 57 ) ، وسلار فی المراسم : (48) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (65).
3- الکافی ( 3 : 139 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 108 - 282 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 446 - 1443 ) ، الوسائل ، ( 2 : 682 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (6).
5- التهذیب ( 1 : 446 - 1444 ) بتفاوت یسیر ، الإستبصار ( 1 : 208 - 731 ) ، الوسائل ( 2 : 683 ) أبواب غسل المیت به (2) ح (7).
6- الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2). قال صاحب الجواهر ( 4 : 149 ). لا یوجد ما یقتضی الوجوب کما لو کان المغسل أعمی.

وتلیّن أصابعه برفق.

ویغسل رأسه برغوة السدر أما الغسل ، ویغسل فرجه بالسدر والحرض ،

______________________________________________________

قوله : وتلیّن أصابعه.

لقوله علیه السلام فی خبر الکاهلی : « ثم تلین مفاصله » (1). ونقل علیه فی المعتبر الإجماع (2).

وقیل بالمنع (3) ، لقوله علیه السلام فی خبر طلحة بن زید : « ولا تغمز له مفصلا » (4) ونزله الشیخ علی ما بعد الغسل (5) ، وهو حسن.

قوله : ویغسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل.

المستفاد من الأخبار : أنّ تغسیل الرأس برغوة السدر محسوب من الغسل الواجب ، لا أنه مستحب متقدم علیه. فروی الحلبی فی الحسن عن الصادق علیه السلام ، قال : « إذا أردت غسل المیت فاجعل بینک وبینه ثوبا یستر عورته إما قمیصا وإما غیره ، ثم تبدأ بکفیه ، وتغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ، ثم سائر جسده وابدأ بشقه الأیمن » (6).

وروی الکاهلی عن الصادق علیه السلام أنه قال : « استقبل بباطن قدمیه القبلة حتی یکون وجهه مستقبل القبلة ، ثم تلیّن مفاصله ، فإن امتنعت علیک فدعها ، ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض ، فاغسله ثلاث غسلات ، وأکثر من الماء ، وامسح بطنه

تلیین أصابعه

غسل رأسه برغوة السدر

ص: 89


1- المتقدم فی ص (78).
2- المعتبر ( 1 : 272 ).
3- نقله عن ابن أبی عقیل فی المختلف : (42).
4- الکافی ( 3 : 156 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 323 - 941 ) ، الوسائل ( 2 : 694 ) أبواب غسل المیت ب (11) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
5- الخلاف ( 1 : 281 ).
6- الکافی ( 3 : 138 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 299 - 874 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (2).

وتغسل یداه ، ویبدأ بشقّ رأسه الأیمن ، ویغسل کل عضو منه ثلاث مرّات فی کل غسلة ، ویمسح بطنه فی الغسلتین الأولتین إلاّ أن یکون المیت امرأة حاملا ، وأن یکون الغاسل منه علی الجانب الأیمن ، ویغسل الغاسل یدیه مع کل غسلة ،

______________________________________________________

مسحا رفیقا ، ثم تحوّل إلی رأسه فابدأ بشقه الأیمن من لحیته ورأسه ثم تثنی بشقه الأیسر من رأسه ولحیته ووجهه فاغسله برفق ، وإیاک والعنف ، واغسله غسلا ناعما ، ثم أضجعه علی شقه الأیسر لیبدو لک الأیمن ، فاغسله بماء من قرنه إلی قدمه » (1) الحدیث.

وفی روایة یونس : « ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ فی ذلک ، واجتهد أن لا یدخل الماء منخریه ومسامعه ثم أضجعه علی جانبه الأیسر وصبّ الماء من نصف رأسه إلی قدمیه ثلاث مرات » (2) الحدیث.

قوله : وتغسل یداه.

أی یدا المیت ثلاثا إلی نصف الذراع ، لخبر یونس عن الصادق علیه السلام .

قوله : ویبدأ بشقّ رأسه الأیمن ، ویغسل کل عضو ثلاث مرّات ، ویمسح بطنه فی الغسلتین الأولتین.

هذه الأحکام کلها مستفادة من روایتی الکاهلی (3) ویونس عنهم علیهم السلام . وفی روایة یونس : أنه یستحب للغاسل غسل یدیه من المرفقین بعد الغسلتین الأولیین.

قوله : إلا أن تکون المرأة حاملا.

حذرا من الإجهاض ، قال فی البیان : ولو أجهضت بذلک فعلیه عشر دیة أمه (4).

غسل یدی المیت

البدأة بالأیمن والتثلیث ومسح بطه

ص: 90


1- المتقدمة فی ص (78).
2- الکافی ( 3 : 141 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 301 - 877 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (3).
3- المتقدمة فی ص (78).
4- قال فی جامع المقاصد ( 1 : 51 ) ولا یمسح بطن الحامل التی مات ولدها حذرا من الإجهاض ، ولو أجهضت فعشر دیة أمه ، نبه علی ذلک فی البیان انتهی. ولم نجده فی البیان وإنما قال فی ص : 4. ، إلا الحامل وقد مات ولدها.

ثم ینشفه بثوب بعد الفراغ.

ویکره أن یجعل المیت بین رجلیه ، وأن یقعده ، وأن یقصّ أظفاره ، وأن یرجّل شعره ، وأن یغسل مخالفا ، فإن اضطرّ غسله غسل أهل الخلاف.

______________________________________________________

قوله : ویکره أن یجعل المیت بین رجلیه.

لقوله علیه السلام فی خبر عمار : « ولا یجعله بین رجلیه فی غسله ، بل یقف من جانبه » (1).

قوله : وأن یقعده.

نقل الشیخ فی الخلاف علی هذا الحکم إجماع الفرقة وعملهم (2). وقد ورد فی عدة روایات الأمر بإقعاده (3) ، وحملها الشیخ علی التقیة. ومال فی المعتبر إلی العمل بمضمونها ، فقال : وأنا أقول : لیس العمل بهذه الأخبار بعیدا ، ولا معنی لتنزیلها علی التقیة ، لکن لا بأس أن یعمل بما ذکره الشیخ من تجنب ذلک ، والاقتصار علی ما اتفق علی جوازه (4).

قوله : وأن یقصّ أظفاره ویرجّل شعره.

لورود النهی عنهما فی مرسلة ابن أبی عمیر ، عن الصادق علیه السلام (5). وقیل بالمنع منهما (6) أخذا بظاهر النهی ، وهو أحوط.

قوله : وأن یغسل مخالفا ، فإن اضطرّ غسله غسل أهل الخلاف.

- مکروهات الغسل

جعل الغاسل المیت بین رجلیه

اقعاده وقص أظفاره وترجیل شعره

کراهة تغسیل المخالف

ص: 91


1- المعتبر ( 1 : 277 ).
2- الخلاف ( 1 : 280 ).
3- منها المروی فی التهذیب ( 1 : 446 - 1442 ) ، الإستبصار ( 1 : 206 - 724 ) ، الوسائل ( 2 : 683 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (9).
4- المعتبر ( 1 : 278 ).
5- الکافی ( 3 : 155 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 323 - 940 ) ، الوسائل ( 2 : 694 ) أبواب غسل المیت ب (11) ح (1).
6- کما فی الوسیلة : (65).

الثالث : فی تکفینه

ویجب أن یکفّن فی ثلاثة أقطاع : مئزر وقمیص وإزار.

______________________________________________________

المراد بالکراهة هنا معناها المتعارف فی العبادات إن ثبت وجوب تغسیل المخالف ،وإلاّ کان تغسیله مکروها بالمعنی المصطلح أو محرما. وقد تقدم الکلام فی ذلک.

وأما تغسیله غسل أهل الخلاف فربما کان مستنده ما اشتهر من قولهم علیهم السلام : « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم » (1). ولا بأس به.

قوله : ویجب أن یکفّن فی ثلاث قطع : مئزر وقمیص وإزار.

هذا هو المشهور بین الأصحاب بل قال فی المعتبر : إنه مذهب فقهائنا أجمع خلا سلار ، فإنه اقتصر علی ثوب واحد (2).

والمستند فی ذلک موثقة سماعة ، قال : سألته عما یکفن به المیت ، فقال : « ثلاثة أثواب ، وإنما کفّن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : ثوبین صحاریین وثوب حبرة - والصحاریة تکون بالیمامة - وکفن أبو جعفر علیه السلام فی ثلاثة أثواب » (3).

ومرسلة یونس عن بعض رجاله عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهماالسلام ، قال : « الکفن فریضته للرجال ثلاثة أثواب ، والعمامة والخرقة سنة ، وأما النساء ففریضته خمسة أثواب » (4).

وحسنة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کتب أبی فی وصیته أن أکفنه بثلاثة أثواب : أحدها رداء له حبرة کان یصلی فیه یوم الجمعة ، وثوب آخر ،

التکفین

- واجبات التکفین

التکفین بثلاث قطع

ص: 92


1- التهذیب ( 9 : 322 - 1156 ) ، الإستبصار ( 4 : 148 - 555 ) ، الوسائل ( 17 : 485 ) أبواب میراث الاخوة والأجداد ب (4) ح (5) ، بتفاوت یسیر.
2- المعتبر ( 1 : 279 ).
3- التهذیب ( 1 : 291 - 850 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (6).
4- التهذیب ( 1 : 291 - 851 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (7).

______________________________________________________

وقمیص. فقلت لأبی : لم تکتب هذا؟ فقال : أخاف أن یغلبک الناس ، فإن قالوا :کفّنه فی أربعة أو خمسة فلا تفعل » وقال : « وعممه بعد بعمامة ، ولیس تعد العمامة من الکفن إنما یعدّ ما یلفّ به الجسد » (1).

وصحیحة أبی مریم الأنصاری ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « کفن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة ، وثوبین أبیضین صحاریین » (2).

وصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : العمامة للمیت من الکفن؟ قال : « لا ، إنما الکفن المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه یواری فیه جسده کله ، فما زاد فهو سنة إلی أن یبلغ خمسة ، فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنة » (3). کذا فی کثیر من نسخ التهذیب ، وقد نقله کذلک المصنف فی المعتبر (4) ، والعلامة فی جملة من کتبه (5).

وفی بعض نسخ التهذیب : « ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقل منه » وحمله الشهید فی الذکری علی التقیة ، أو علی أنه من باب عطف الخاص علی العام (6) ، وهو بعید.

ولم نقف لسلار علی حجة یعتد بها. واحتج له فی الذکری بهذه الروایة ، وهو إنما یتم إذا کانت الواو بمعنی أو ، لیفید التخییر بین الأثواب الثلاثة والثوب التام ، وهو غیر

ص: 93


1- الکافی ( 3 : 144 - 7 ) ، الفقیه ( 1 : 93 - 423 ) ، التهذیب ( 1 : 293 - 857 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (10). الا أن فی الکافی والتهذیب : وعممنی.
2- التهذیب ( 1 : 296 - 869 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (3).
3- التهذیب ( 1 : 292 - 854 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (1) ولکن فیهما : ثلاثة أثواب أو ثوب تام.
4- المعتبر ( 1 : 279 ) وفیه : ثلاثة أثواب أو ثوب تام.
5- التذکرة ( 1 : 43 ) ، ونهایة الأحکام ( 2 : 244 ).
6- الذکری : (46).

______________________________________________________

واضح.

وبالجملة الأخبار الواردة بالأثواب الثلاثة مستفیضة ولا معارض لها ، فیتعین العمل بها.

ویستفاد من هذه الروایات التخییر فی الواجب بین الأثواب الثلاثة وبین القمیص والثوبین ، وهو اختیار ابن الجنید (1) ، والمصنف فی المعتبر (2). وقال الشیخان (3) ، والمرتضی (4) ، وابن بابویه (5) : یتعین القمیص ، لوصیة الباقر علیه السلام به (6) ، ولما رواه الشیخ عن الحسن بن محبوب ، عن أبی أیوب ، عن حمران بن أعین ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فالکفن؟ قال : « تؤخذ خرقة فلیشدّ بها سفله ، ویضم فخذیه بها لیضم ما هناک ، وما یصنع من القطن أفضل ، ثم یکفن بقمیص ولفافة وبرد یجمع فیه الکفن » (7) وهو محمول علی الاستحباب ، کما یدل علیه روایة محمد بن سهل ، عن أبیه ، عن أبی الحسن علیه السلام قال ، قلت : یدرج فی ثلاثة أثواب؟ قال : « لا بأس به ، والقمیص أحب إلی » (8).

وأما المئزر ، فقد ذکره الشیخان (9) وأتباعهما (10) وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة

ص: 94


1- نقله عنه المحقق فی المعتبر ( 1 : 279 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 43 ).
2- المعتبر ( 1 : 279 ).
3- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی النهایة : (31) ، والمبسوط ( 1 : 176 ) ، والخلاف ( 1 : 284 ).
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 297 ).
5- المقنع : (18) ، الفقیه ( 1 : 92 ).
6- المتقدمة فی ص (92).
7- التهذیب ( 1 : 447 - 1445 ) ، الإستبصار ( 1 : 205 - 723 ) ، الوسائل ( 2 : 745 ) أبواب التکفین ب (14) ح (5).
8- التهذیب ( 1 : 292 - 855 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (5).
9- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی النهایة : (31) ، والمبسوط ( 1 : 176 ) ، والخلاف ( 1 : 284 ).
10- منهم القاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 60 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (237).

ویجزی عند الضرورة قطعة. ولا یجوز التکفین بالحریر.

______________________________________________________

المفروضة. ولم أقف فی الروایات علی ما یعطی ذلک ، بل المستفاد منها اعتبار القمیص والثوبین الشاملین للجسد ، أو الأثواب الثلاثة ، وبمضمونها أفتی ابن الجنید فی کتابه فقال : لا بأس أن یکون الکفن ثلاثة أثواب یدرج فیها إدراجا ، أو ثوبین وقمیصا (1).

وقریب منه عبارة الصدوق فی من لا یحضره الفقیه ، فإنه قال : والکفن المفروض ثلاثة : قمیص وإزار ولفافة ، سوی العمامة والخرقة فلا تعدان من الکفن. وذکر قبل ذلک : أنّ المغسل للمیت قبل أن یلبسه القمیص یأخذ شیئا من القطن ، وینثر علیه ذریرة ، ویجعل شیئا من القطن علی قبله ، ویضم رجلیه جمیعا ، ویشد فخذیه إلی ورکه بالمئزر شدا جیدا لئلا یخرج منه شی ء (2). ومقتضاه أنّ المئزر عبارة عن الخرقة المشقوقة التی یشد بها الفخذان.

والمسألة قویة الإشکال ، ولا ریب أنّ الاقتصار علی القمیص واللفافتین ، أو الأثواب الثلاثة الشاملة للجسد مع العمامة والخرقة التی یشد بها الفخذان أولی.

قوله : ویجزی عند الضرورة قطعة.

وذلک لأن الضرورة تجوّز دفنه بغیر کفن فبعضه أولی.

قوله : ولا یجوز التکفین بالحریر.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا قاله فی المعتبر (3). ویدل علیه روایة الحسن بن راشد ، قال : سألته عن ثیاب تعمل بالبصرة علی عمل العصب الیمانی من قز وقطن ، هل یصلح أن یکفن فیها الموتی؟ قال : « إذا کان القطن أکثر من القزّ فلا بأس » (4) وجه الدلالة

کفایة قطعة عند الضرورة

حرمة التکفین بالحریر

ص: 95


1- نقله عنه المحقق فی المعتبر ( 1 : 297 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 43 ).
2- الفقیه ( 1 : 92 ).
3- المعتبر ( 1 : 280 ).
4- الکافی ( 3 : 149 - 12 ) ، الفقیه ( 1 : 90 - 415 ) ، التهذیب ( 1 : 435 - 1396 ) ، الإستبصار ( 1 : 211 - 744 ) ، الوسائل ( 2 : 752 ) أبواب التکفین ب (23) ح (1). إلا أنّ الراوی فی الکافی هو :الحسین بن راشد ، وما فی المتن هو الموافق للتهذیب ، وهو الصحیح ( راجع معجم رجال الحدیث 5 : 234 )

ویجب أن یمسح مساجده بما تیسّر من الکافور ،

______________________________________________________

أنه علیه السلام شرط فی رفع البأس أن یکون القطن أکثر ، فعلم منه أنه لو کان القزّ صرفا لم یجز. قال فی المعتبر : والعصب ضرب من برود الیمن ، سمّی بذلک لأنه یصبغ بالعصب وهو نبت بالیمن (1).

وإطلاق الخبر وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین الرجل والمرأة ، واحتمل العلامة فی النهایة کراهته للمرأة ، لإباحته لها فی حال الحیاة (2) ، وهو ضعیف.

والأظهر عدم جواز التکفین بالجلد ، لأن الثوب إنما یطلق فی العرف علی المنسوج. أما الشعر والوبر فمنعه ابن الجنید (3) ، وأجازه فی المعتبر (4) ، لصدق اسم الثوب علیه ، وانتفاء المانع منه ، والاجتناب أولی.

قوله : ویجب أن یمسح مساجده بما تیسّر من الکافور.

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل علیه (5) الشیخ فی الخلاف إجماع الفرقة (6) ، وأضاف المفید إلی المساجد السبعة : طرف الأنف الذی کان یرغم فی السجود (7) ، وألحق الصدوق : السمع ، والبصر ، والفم ، والمغابن ، وهی الآباط وأصول الأفخاذ (8). والأخبار فی ذلک مختلفة جدا ، فروی عبد الله بن سنان فی الصحیح ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : کیف یصنع بالحنوط؟ قال : « تضع فی فمه ،

وجوب مسح مساجده بالکافور

ص: 96


1- المعتبر ( 1 : 281 ).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 242 ).
3- نقله عنه المحقق فی المعتبر ( 1 : 280 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 43 ).
4- المعتبر ( 1 : 280 ).
5- فی « م » : عن.
6- الخلاف ( 1 : 285 ).
7- المقنعة : (11).
8- الفقیه ( 1 : 91 ) ، المقنع : (18).

إلا أن یکون المیت محرما ، فلا یقر به الکافور. وأقل الفضل فی مقدار درهم.

وأفضل منه أربعة دراهم ، وأکمله ثلاثة عشر درهما وثلثا. وعند الضرورة یدفن

______________________________________________________

ومسامعه ، وآثار السجود من وجهه ویدیه ورکبتیه » (1).

وروی الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أردت أن تحنط المیت فاعمد إلی الکافور فامسح به آثار السجود منه ، ومفاصله کلها ، ورأسه ، ولحیته ، وعلی صدره من الحنوط » وقال : « الحنوط للرجل والمرأة سواء » (2).

وروی یونس عنهم علیهم السلام قال : « ثم اعمد إلی کافور مسحوق فضعه علی جبهته موضع سجوده ، وامسح بالکافور علی جمیع مغابنه من الیدین والرجلین ، ومسّ وسط راحتیه » (3) وینبغی العمل علی الروایة الأولی ، لصحة سندها.

قوله : إلا أن یکون المیت محرما فلا یقربه الکافور.

أی فی غسل ولا حنوط ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، قال : سألتهما عن المحرم کیف یصنع به إذا مات؟ قال : « یغطی وجهه ویصنع به کما یصنع بالحلال غیر أنه لا یقرب طیبا » (4).

قوله : وأقل الفضل فی مقدار درهم ، وأفضل منه أربعة دراهم ، وأکمله ثلاثة عشر درهما وثلثا.

ص: 97


1- التهذیب ( 1 : 307 - 891 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 749 ) ، الوسائل ( 2 : 747 ) أبواب التکفین ب (16) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 143 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 307 - 890 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 746 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 143 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 307 - 888 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) ، أبواب التکفین ب (14) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
4- التهذیب ( 1 : 330 - 965 ) ، الوسائل ( 2 : 697 ) أبواب غسل المیت ب (13) ح (4).

بغیر کافور. ولا یجوز تطییبه بغیر الکافور والذریرة.

______________________________________________________

اختلف الأصحاب فی تقدیر الأفضل ، فقال الشیخان (1) وابن بابویه (2) - رحمهم الله - : أقله مثقال ، وأوسطه أربعة دراهم ، وأکمل منه وزن ثلاثة عشر درهما وثلث. وقال الجعفی : أقله مثقال وثلث (3). وقال ابن الجنید : أقله مثقال ونصف ، وأوسطه أربعة مثاقیل (4).

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار ، فروی ابن أبی نجران عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أقل ما یجزی من الکافور للمیت مثقال » (5).

وروی أیضا عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أقل ما یجزی من الکافور للمیت مثقال ونصف » (6).

وروی الکاهلی وحسین بن المختار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الفضل من ذلک أربعة مثاقیل » (7).

وروی علی بن إبراهیم رفعه قال : « السنة فی الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أکثره (8) » (9).

مقدار الکافور المندوب

ص: 98


1- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 177 ) ، والنهایة : (32) ، والخلاف ( 1 : 285 ).
2- الفقیه ( 1 : 91 ) ، والمقنع : (18).
3- نقله عنه فی الذکری : (46).
4- نقله عنه فی الذکری : (46).
5- الکافی ( 3 : 151 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 291 - 846 ) ، الوسائل ( 2 : 730 ) أبواب التکفین ب (3) ح (2).
6- التهذیب ( 1 : 291 - 849 ) ، الوسائل ( 2 : 731 ) أبواب التکفین ب (3) ح (5).
7- الکافی ( 3 : 151 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 291 - 847 ) ، الوسائل ( 2 : 730 ) أبواب التکفین ب (3) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
8- لفظة : أکثره ، لیست فی « س ».
9- الکافی ( 3 : 151 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 290 - 845 ) ، الوسائل ( 2 : 730 ) أبواب التکفین ب (3) ح (1).

وسنن هذا القسم :

أن یغتسل الغاسل قبل تکفینه ، أو یتوضأ وضوء الصلاة.

وأن یزاد الرجل حبرة عبریّة غیر مطرّزة بالذهب ،

______________________________________________________

قال فی المعتبر بعد أن أورد هذه الأخبار : وفی الروایات کلها ضعف ، فإذا الواجب الاقتصار علی ما یحصل به الامتثال ، ویحمل ذلک علی الفضیلة (1). ونقل عن ابن إدریس أنه فسر المثاقیل الواردة فی الروایات بالدراهم ، نظرا إلی قول الأصحاب (2). وطالبه ابن طاوس بالمستند (3).

واختلف الأصحاب فی مشارکة الغسل للحنوط فی هذه المقادیر ، فنفاها الأکثر ، لمرفوعة علی بن إبراهیم المتقدمة ، وحکی ابن إدریس عن بعض الأصحاب المشارکة ، وقال : إن الأظهر بینهم خلافه (4).

قوله : وسنن هذا القسم أن یغتسل الغاسل قبل تکفینه أو یتوضأ وضوء الصلاة.

بل الأولی تقدیم التکفین علی الغسل ، لقوله علیه السلام فی صحیحة محمّد بن مسلم : « یغسل یدیه من العاتق ثم یکفنه ثم یغتسل » (5).

وأما الوضوء فلیس فی النص ما یدل علیه أصلا فضلا عن تقدیمه أو تأخیره.

قوله : وان یزاد الرجل حبرة عبریّة غیر مطرزّة بالذهب.

الحبرة بکسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة : ثوب یمنیة ، من التحبیر وهو التحسین

سنن التکفین

اغتسال الغاسل قبل التکفین

إضافة حبرة للرجل

ص: 99


1- المعتبر ( 1 : 281 ).
2- السرائر : (32).
3- نقله عنه فی الذکری : (46).
4- السرائر : (32).
5- الکافی ( 3 : 160 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 428 - 1364 ) ، الوسائل ( 2 : 760 ) أبواب التکفین ب (35) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

والتزیین. وعبریة منسوبة إلی العبر : وهو جانب الوادی ، قاله فی المعتبر ، ثم قال : وهذا - یعنی استحباب زیادة الحبرة - مذهب علمائنا وأنکرها من عداهم (1) ، واستدل علیه بما رواه أبو مریم الأنصاری فی الصحیح ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « کفّن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة ، وثوبین أبیضین صحاریین » ثم قال ، وقال : « إن الحسن بن علی علیهماالسلام کفّن أسامة بن زید فی برد أحمر حبرة ، وإن علیّا علیه السلام کفّن سهل بن حنیف فی برد أحمر حبرة » (2).

وما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کتب أبی فی وصیته : أن أکفنه بثلاثة أثواب أحدها : رداء له حبرة کان یصلی فیه یوم الجمعة ، وثوب آخر وقمیص ، فقلت لأبی : لم تکتب هذا؟ فقال : أخاف أن یغلبک الناس فإن قالوا : کفّنه فی أربعة أو خمسة فلا تفعل ، قال : وعمّمه بعد بعمامة ، ولیس تعد العمامة من الکفن ، إنّما یعد ما یلفّ به الجسد » (3).

وما رواه سماعة فی الموثق ، قال : سألته عما یکفن به المیت؟ فقال : « ثلاثة أثواب ، وإنما کفن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : ثوبین صحاریین ، وثوب حبرة ، والصحاریة تکون بالیمامة » (4).

وأنت خبیر بأن هذه الروایات إنما تدل علی استحباب کون الحبرة إحدی الأثواب الثلاثة ، لا علی استحباب جعلها زیادة علی الثلاثة کما ذکرها المتأخرون ، وبما ذکرناه

ص: 100


1- المعتبر ( 1 : 282 ).
2- التهذیب ( 1 : 296 - 869 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 144 - 7 ) ، الفقیه ( 1 : 93 - 423 ) ، التهذیب ( 1 : 293 - 857 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (10) ، إلا أن فی الکافی والتهذیب : وعممنی.
4- التهذیب ( 1 : 291 - 850 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (6).

وخرقة لفخذیه ، یکون طولها ثلاثة أذرع ونصفا فی عرض شبر تقریبا ، ویشدّ طرفاها علی حقویه ، ویلف بما استرسل منها فخذاه لفّا شدیدا ، بعد أن یجعل بین إلیتیه شی ء من القطن ، وإن خشی خروج شی ء فلا بأس أن یحشی فی دبره ،

______________________________________________________

صرح ابن أبی عقیل فی کتابه المتمسک علی ما نقل عنه فإنه قال : السنة فی اللفافة أن تکون حبرة یمانیة ، فإن أعوزهم فثوب بیاض (1). وقریب منه عبارة أبی الصلاح فإنه قال : الأفضل أن تکون اللفافة ثلاثا إحداهن حبرة یمانیة (2). وهذا هو المعتمد.

قال فی المعتبر : وإنما شرطنا أن لا یکون مطرزة بالذهب ولا الحریر ، لأنه تضییع غیر مأذون فیه ، وقد ذکر الفتوی بذلک الشیخ فی المبسوط والنهایة (3).

قوله : وخرقة لفخذیه یکون طولها ثلاثة أذرع ونصفا فی عرض شبر تقریبا ، فیشدّ طرفاها علی حقویه ، ویلف بما استرسل منها فخذاه لفّا شدیدا ، بعد أن یجعل بین إلیتیه شی ء من القطن ، وإن خشی خروج شی ء فلا بأس أن یحشی فی دبره قطنا.

هذه الخرقة تسمّی الخامسة (4) ، وقد قطع الأصحاب باستحبابها ، والمستند فیها ما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المیت یکفن فی ثلاثة ، سوی العمامة والخرقة یشد بها ورکیه لکیلا یبدو منه شی ء ، والخرقة والعمامة لا بد منهما ولیستا من الکفن » (5).

إضافة خرقة للرجل

ص: 101


1- نقله عنه فی الذکری : (48).
2- الکافی فی الفقه : (237).
3- المعتبر ( 1 : 282 ) ، وفیه : تصنیع بدل تضییع.
4- الجواهر ( 4 : 202 ). لأنها خامسة الأکفان المشترکة بین الرجل والمرأة.
5- الکافی ( 3 : 144 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 293 - 856 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (12).

وعمامة یعمّم بها محنّکا ، یلف رأسه بها لفا ویخرج طرفاها من تحت الحنک ، ویلقیان علی صدره.

______________________________________________________

وعن یونس عنهم علیهم السلام ، قال : « واحش القطن فی دبره ، لئلا یخرج منه شی ء ، وخذ خرقة طویلة عرضها شبر فشدها من حقویه ، وضمّ فخذیه ضمّا شدیدا ولفها فی فخذیه ، ثم اخرج رأسها من تحت رجلیه إلی الجانب الأیمن وأغمزها فی الموضع الذی لففت فیه الخرقة ، وتکون الخرقة طویلة ، تلفّ فخذیه من حقویه إلی رکبتیه لفا شدیدا » (1).

وعن عبد الله الکاهلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ثم أذفره بالخرقة ویکون تحتها القطن تذفره بها إذفارا قطنا کثیرا ، ثم تشد فخذیه علی القطن بالخرقة شدا شدیدا حتی لا یخاف أن یظهر شی ء » (2).

وهذه الروایات وإن کانت ما بین ضعیف ومرسل إلاّ أنها مؤیّدة بعمل الأصحاب ، فلا تقصر عن إثبات حکم مستحب. وقد ظهر من مجموعها أنّ صورة وضع هذه الخرقة أن یربط أحد طرفیها فی وسط المیت إما بأن یشق رأسها ، أو بأن یجعل فیها خیط ونحوه ، ثم یدخل الخرقة بین فخذیه ، ویضم بها عورته ضما شدیدا ویخرجها من تحت الشداد الذی علی وسطه ، ثم یلف حقویه وفخذیه بما بقی لفا شدیدا ، فإذا انتهت فأدخل طرفها تحت الجزء الذی انتهت عنده منها.

قوله : وعمامة یعمّم بها محنّکا ، یلف رأسه بها لفا ، ویخرج طرفاها من تحت الحنک ، ویلقیان علی صدره.

تعمیم الرجل

ص: 102


1- الکافی ( 3 : 141 - 5 ) ، التهدیب ( 1 : 301 - 877 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 140 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 298 - 873 ) ، الوسائل ( 2 : 681 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (5) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

أما استحباب العمامة للمیت ، فقال فی المعتبر : إنه متفق علیه بین الأصحاب (1). وهو مروی فی عدة أخبار کحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وعممه بعد بعمامة ، ولیس تعدّ العمامة من الکفن ، إنّما یعدّ ما یلفّ به الجسد » (2).

وصحیحة زرارة قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : العمامة للمیت من الکفن هی؟ قال : « لا ، إنما الکفن المفروض ثلاثة أثواب » ثم قال : « والعمامة سنة » وقال : « أمر النبی صلی الله علیه و آله بالعمامة ، وعمم النبی صلی الله علیه و آله » (3).

وأما استحباب التحنیک ، فیدل علیه ما رواه ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی العمامة للمیت ، قال : « حنّکه » (4).

وأما استحباب إخراج طرفی العمامة من تحت الحنک وإلقائهما علی صدره ، فمستنده روایة یونس عنهم علیهم السلام ، قال : « ثم یعمم ویؤخذ وسط العمامة فیثنی علی رأسه بالتدویر ، ثم یلقی فضل الأیمن علی الأیسر ، والأیسر علی الأیمن ، ویمد علی صدره » (5).

وقد ورد فی ذلک کیفیات أخر : ففی روایة معاویة بن وهب ، عن الصادق علیه السلام : « وعمامة یعتم بها ، ویلقی فضلها علی وجهه » (6).

ص: 103


1- المعتبر ( 1 : 283 ).
2- الکافی ( 3 : 144 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 293 - 857 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (10) ، بتفاوت یسیر.
3- التهذیب ( 1 : 292 - 854 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 145 - 10 ) ، التهذیب ( 1 : 308 - 895 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 143 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 306 - 888 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (3).
6- الکافی ( 3 : 145 - 11 ) ( بتفاوت یسیر ) ، التهذیب ( 1 : 310 - 900 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (13).

وتزاد المرأة علی کفن الرجل لفافة لثدییها ونمطا ،

______________________________________________________

وفی روایة عثمان النوّاء ، عن الصادق علیه السلام : « وإذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابی - قلت : کیف أصنع؟ - قال : خذ العمامة من وسطها وانشرها علی رأسه ، ثم ردها إلی خلفه واطرح طرفیها علی ظهره » (1).

وفی صحیحة عبد الله بن سنان : « وعمامة یعصب بها رأسه ویرد فضلها علی رجلیه » (2). والروایة الأولی هی المشهورة بین الأصحاب.

وذکر الشارح - قدس سره - : أنه لا مقدّر للعمامة شرعا ، فیعتبر فی طولها ما یؤدی هذه الهیئة ، وفی عرضها ما یطلق معه علیها اسم العمامة (3).

قوله : وتزاد للمرأة علی کفن الرجل لفافة لثدییها.

هذا الحکم ذکره الشیخان فی المقنعة ، والنهایة والمبسوط (4) ، وأتباعهما (5) ، ومستنده روایة سهل بن زیاد ، عن بعض أصحابه رفعه ، قال : سألته کیف تکفن المرأة؟ قال : « کما یکفن الرجل ، غیر أنه یشد علی ثدییها خرقة تضم الثدی إلی الصدر وتشد إلی ظهرها » (6) وهذه الروایة ضعیفة جدا ، إلاّ أنی لا أعلم لها رادا.

قوله : ونمطا.

النمط لغة : ضرب من البسط ، أو ثوب فیه خطط ، مأخوذ من الأنماط ، وهی

إضافة لفافة للمرأة ونمطا

ص: 104


1- الکافی ( 3 : 144 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 309 - 899 ) ، الوسائل ( 2 : 747 ) أبواب التکفین ب (16) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
2- الکافی ( 3 : 144 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 308 - 894 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (8).
3- المسالک ( 1 : 13 ).
4- المقنعة : (12) ، النهایة : (41) ، المبسوط ( 1 : 176 ).
5- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 61 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (237) ، وسلار فی المراسم : (47) ، وابن حمزة فی الوسیلة : ص (66).
6- الکافی ( 3 : 147 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 324 - 944 ) ، الوسائل ( 2 : 729 ) أبواب التکفین ب (2) ح (16).

ویوضع لها بدلا عن العمامة قناع.

وأن یکون الکفن قطنا ،

______________________________________________________

الطرائق ، ونقل عن ابن إدریس أنه فسره بالحبرة (1) ، لدلالة الاسمین علی الزینة ، وظاهر الأکثر مغایرته لها. وقد قطع الأصحاب باستحبابه للمرأة ، واستدلوا علیه بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یکفن الرجل فی ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا کانت عظیمة فی خمسة : درع ، ومنطق ، وخمار ، ولفافتین » (2) ولیس فیها دلالة علی المطلوب بوجه ، فإن المراد بالدرع القمیص. والمنطق بکسر المیم : ما یشد به الوسط ، ولعل المراد به هنا ما یشد به الثدیان. والخمار : القناع ، لأنه یخمر به الرأس ، ولیس فیها ذکر للنمط ، بل ولا دلالة علی استحباب زیادة المرأة لفافة عن کفن الرجل ، لما بیناه فیما سبق من أنّ مقتضی الروایات اعتبار الدرع واللفافتین أو ثلاث لفائف فی مطلق الکفن.

قوله : ویوضع لها بدلا من العمامة قناع.

هذا مذهب الأصحاب ، ومستنده صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة ، وغیرها من الأخبار (3).

قوله : وأن یکون الکفن قطنا.

هذا مذهب العلماء کافة ، قاله فی المعتبر (4) ، ویدل علیه روایات : منها : روایة أبی خدیجة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الکتان کان لبنی إسرائیل یکفنون

إضافة قناع للمرأة

کون الکفن من القطن

ص: 105


1- السرائر : (31).
2- الکافی ( 3 : 147 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 324 - 945 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (9).
3- الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2).
4- المعتبر ( 1 : 284 ).

وتنثر علی الحبرة واللفافة والقمیص ذریرة.

______________________________________________________

به ، والقطن لامة محمد صلی الله علیه و آله » (1).

ویستحب کونه أبیض إلاّ الحبرة ، لقول أبی جعفر علیه السلام : « کفن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة ، وثوبین أبیضین صحاریین » (2).

قوله : وتنثر علی الحبرة واللفافة والقمیص ذریرة.

الذریرة : هی الطیب المسحوق ، قاله فی المعتبر (3) ، والظاهر أنّ المراد به طیب خاص معروف بهذا الاسم الآن فی بغداد وما والاها ، وقال الشیخ فی التبیان : هی فتات قصب الطیب ، وهو قصب یجاء به من الهند کأنه قصب النشاب (4). وقال فی المبسوط : یعرف بالقمّحة بضم القاف وتشدید المیم المفتوحة والحاء المهملة (5).

قال فی المعتبر : وقد اتفق العلماء کافة علی استحباب تطییب الکفن بالذریرة (6) ، ویدل علیه روایات ، منها : قوله علیه السلام فی روایة عمار الساباطی : « ویجعل علی کل ثوب شیئا من الکافور ، ویطرح علی کفنه ذریرة » (7).

وفی روایة سماعة : « إذا کفنت المیت فذر علی کل ثوب شیئا من ذریرة » (8).

قال الشیخ فی المبسوط : ویجعل الذریرة أیضا علی القطن الذی یوضع علی

نثر الذریرة علی الکفن

ص: 106


1- الکافی ( 3 : 149 - 7 ) ، الفقیه ( 1 : 89 - 414 ) ، التهذیب ( 1 : 434 - 1392 ) ، الإستبصار ( 1 : 210 - 741 ) ، الوسائل ( 2 : 751 ) أبواب التکفین ب (20) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 296 - 869 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (3).
3- المعتبر ( 1 : 284 ).
4- التبیان ( 1 : 448 ).
5- المبسوط ( 1 : 177 ).
6- المعتبر ( 1 : 285 ).
7- التهذیب ( 1 : 305 - 887 ) ، الوسائل ( 2 : 745 ) أبواب التکفین ب (14) ح (4).
8- الکافی ( 3 : 143 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 307 - 889 ) ، الوسائل ( 2 : 746 ) أبواب التکفین ب (15) ح (1).

وتکون الحبرة فوق اللفافة ، والقمیص باطنها. ویکتب علی الحبرة والقمیص والإزار والجریدتین اسمه ، وأنه یشهد الشهادتین ، وإن ذکر الأئمة علیهم السلام وعدّدهم إلی آخرهم کان حسنا ، ویکون ذلک بتربة الحسین علیه السلام ، فإن لم توجد فبالإصبع. فإن فقدت الحبرة تجعل بدلها لفافة أخری.

______________________________________________________

الفرجین (1). ولم نقف علی مستنده.

قوله : ویکتب علی الحبرة والقمیص والإزار والجریدتین اسمه ، وأنه یشهد الشهادتین ، وإن ذکر الأئمة : وعدّدهم إلی آخرهم کان حسنا ، ویکون ذلک بتربة الحسین علیه السلام ، فإن لم توجد فبالإصبع.

الأصل فی هذه المسألة ما رواه أبو کهمش ، قال : حضرت موت إسماعیل وأبو عبد الله علیه السلام جالس عنده ، فلما حضره الموت شد لحییه وغمضه وغطی علیه الملحفة ، ثم أمر بتهیئته ، فلما فرغ من أمره دعا بکفنه فکتب فی حاشیة الکفن :إسماعیل یشهد أن لا إله إلا الله (2).

وزاد الأصحاب فی المکتوب والمکتوب علیه ، ولا بأس به ، وإن کان الاقتصار علی ما ورد به النقل أولی.

وذکر المصنف هنا أن الکتابة تکون بتربة الحسین علیه السلام ، فإن لم یوجد فبالإصبع ، وقال فی المعتبر : إنها تکون بالطین والماء (3). وأسند ما اختاره هنا إلی الشیخین ، والنص خال من تعیین ما یکتب به ، ولا ریب أنّ الکتابة بتربة الحسین علیه

کتابة الشهادتین علی الکفن

ص: 107


1- المبسوط ( 1 : 179 ).
2- التهذیب ( 1 : 289 - 842 ) ، إکمال الدین : (72) ، الوسائل ( 2 : 757 ) أبواب التکفین ب (29) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 285 ).

وأن یخاط الکفن بخیوط منه ، ولا یبلّ بالریق ، ویجعل معه جریدتان من سعف النخل ،

______________________________________________________

السلام أولی.

والظاهر اشتراط التأثیر فی الکتابة ، لأنه هو المعهود ، وأما الکتابة بالإصبع مع تعذر التربة أو الطین فذکره الشیخان (1) ، ولا أعرف مأخذه.

قوله : وأن یخاط الکفن بخیوط منه ، ولا یبلّ بالریق.

ذکر ذلک الشیخ (2) وأتباعه (3) ، ولا أعرف المستند ، قال المصنف فی المعتبر - بعد أن عزی کراهة بلّ الخیوط بالریق إلی الشیخ - : ورأیت الأصحاب یجتنبونه ولا بأس بمتابعتهم ، لإزالة الاحتمال ، ووقوفا علی موضع الوفاق (4).

أما بلّها بغیر الریق فالظاهر عدم کراهته ، للأصل ، ولإشعار التخصیص بالریق بإباحة غیره.

قوله : ویجعل معه جریدتان من سعف النخل.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ولم یستحبه من عداهم ، قال الشیخ المفید فی المقنعة : والأصل فی وضع الجریدة مع المیت أن الله لما أهبط آدم علیه السلام من جنته إلی الأرض استوحش ، فسأل الله تعالی أن یؤنسه بشی ء من أشجار الجنة ، فأنزل الله إلیه النخلة ، فکان یأنس بها فی حیاته ، فلما حضرته الوفاة قال لولده : إنی کنت آنس بها فی حیاتی وأرجو الأنس بها بعد وفاتی ، فإذا متّ فخذوا منها جریدا ، وشقّوه بنصفین ، وضعوهما معی فی أکفانی ، ففعل ولده ذلک ، وفعلته الأنبیاء بعده ، ثم اندرس ذلک فی

خیاطة الکفن بخیوطه وعدم بله بالریق

جعل جریدتین فی الکفن

ص: 108


1- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 177 ).
2- المبسوط ( 1 : 177 ).
3- منهم ابن حمزة فی الوسیلة : ص (66).
4- المعتبر ( 1 : 289 ).

______________________________________________________

الجاهلیة فأحیاه النبی صلی الله علیه و آله وفعله ، وصارت سنة متبعة (1).

والروایات الواردة بذلک من الطرفین مستفیضة ، فمن ذلک صحیحة زرارة ، قال :قلت لأبی جعفر علیه السلام : أرأیت المیت إذا مات لم یجعل معه الجریدة؟ فقال : « یتجافی عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا ، إنما الحساب والعذاب کله فی یوم واحد فی ساعة واحدة قدر ما یدخل القبر ویرجع القوم ، وإنما جعلت السعفتان لذلک فلا یصیبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله » (2).

وحسنة الحسن بن زیاد الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یوضع للمیت جریدة واحدة فی الیمین ، والأخری فی الیسار » قال : « فإن الجریدة تنفع المؤمن والکافر » (3).

وحسنة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال : قیل لأبی عبد الله علیه السلام : لأی شی ء یکون مع المیت الجریدة؟ قال : « إنه یتجافی عنه العذاب ما دامت رطبة » (4).

قال المرتضی - رحمه الله - : والتعجب من ذلک کتعجب الملاحدة من الطواف والرمی وتقبیل الحجر ، بل من غسل المیت وتکفینه مع سقوط التکلیف عنه ، وکثیر من الشرائع مجهولة العلل (5).

ص: 109


1- المقنعة : (12).
2- الکافی ( 3 : 152 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 89 - 410 ) ، علل الشرائع : ( 302 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 736 ) أبواب التکفین ب (7) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 151 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 89 - 409 ) ، التهذیب ( 1 : 327 - 954 ) ، الوسائل ( 2 : 737 ) أبواب التکفین ب (7) ح (6) ، بتفاوت یسیر.
4- الکافی ( 3 : 153 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 327 - 955 ) ، الوسائل ( 2 : 737 ) أبواب التکفین ب (7) ح (7).
5- الانتصار : (36).

فإن لم یوجد فمن السدر ، فإن لم یوجد فمن الخلاف ، وإلا فمن شجر رطب ،

______________________________________________________

قوله : فإن لم یوجد فمن السدر ، فإن لم یوجد فمن الخلاف ، وإلا فمن شجر رطب.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وإلیه ذهب الشیخ فی النهایة والمبسوط (1) ، وقال فی الخلاف : یستحب أن یوضع مع المیت جریدتان خضراوان من النخل أو غیرها من الأشجار (2). ونحوه قال ابن إدریس (3) ، وقدم المفید الخلاف علی السدر (4).

والمستند فی ذلک ما رواه سهل بن زیاد ، عن غیر واحد من أصحابه ، قالوا : قلنا له : جعلنا فداک إن لم نقدر علی الجریدة؟ فقال : « عود السدر » قلنا : فإن لم نقدر؟ قال : « عود الخلاف » (5) وهذه الروایة کما فی النهایة.

وروی علیّ بن بلال فی الحسن أنه کتب إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام : الرجل یموت فی بلاد لیس فیها نخل فهل یجوز مکان الجریدة شی ء من الشجر غیر النخل؟ فأجاب : « یجوز من شجر آخر رطب » (6) وهذه الروایة معتبرة السند ، والروایة الاولی وإن کانت ضعیفة لکنها مطابقة لمدلول هذه الروایة وهی مفصلة ، فکان العمل بمضمونها أولی.

ص: 110


1- النهایة : (32) ، المبسوط ( 1 : 177 ).
2- الخلاف ( 1 : 285 ).
3- السرائر : (32).
4- المقنعة : (11).
5- الکافی ( 3 : 153 - 10 ) ، التهذیب ( 1 : 294 - 859 ) ، الوسائل ( 2 : 739 ) أبواب التکفین ب (8) ح (3).
6- الفقیه ( 1 : 88 - 407 ) ، الوسائل ( 2 : 738 ) أبواب التکفین ب (8) ح (1).

ویجعل إحداهما من جانبه - الأیمن مع ترقوته ، یلصقها بجلده ، والأخری من الجانب الیسار بین القمیص والإزار.

______________________________________________________

قوله : ویجعل إحداهما من جانبه الأیمن مع ترقوته یلصقها بجلده ، والأخری من الجانب الأیسر بین القمیص والإزار.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ذهب إلیه المفید فی المقنعة (1) ، وابن بابویه فی المقنع (2) ، والشیخ فی النهایة والمبسوط (3) ، ومستنده حسنة الحسن بن زیاد المتقدمة (4) ، وحسنة جمیل بن دراج قال ، قال : « إنّ الجریدة قدر شبر ، توضع واحدة من عند الترقوة إلی ما بلغت مما یلی الجلد الأیمن ، والأخری فی الأیسر من عند الترقوة إلی ما بلغت من فوق القمیص » (5).

وقال الصدوقان : تجعل الیمنی مع ترقوته ملصقة بجلده ، والیسری عند ورکه بین القمیص والإزار (6). ولم نقف علی مأخذهما.

وقال ابن أبی عقیل : واحدة تحت إبطه الیمنی (7).

وقال الجعفی : إحداهما تحت إبطه الأیمن ، والأخری نصف مما یلی الساق ونصف مما یلی الفخذ (8). وهو بعینه روایة یونس عنهم علیهم السلام (9).

ص: 111


1- المقنعة : (11).
2- المقنع : (18).
3- النهایة : (36) ، المبسوط ( 1 : 179 ).
4- فی ص (109).
5- الکافی ( 3 : 152 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 309 - 897 ) ، الوسائل ( 2 : 740 ) أبواب التکفین ب (10) ح (2).
6- الفقیه ( 1 : 91 ) ، ونقله عن والد الصدوق فی المختلف : (44).
7- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 288 ).
8- نقله عنه فی الذکری : (49).
9- الکافی ( 3 : 143 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 740 ) أبواب التکفین ب (10) ح (5).

وأن یسحق الکافور بیده ، ویجعل ما یفضل عن مساجده علی صدره ،

______________________________________________________

قال المصنف - بعد أن ضعف الروایات الواردة بذلک - : ومع اختلاف الروایات والأقوال یجب الجزم بالقدر المشترک بینها وهو استحباب وضعها مع المیت فی کفنه أو فی قبره بأیّ هذه الصور شئت (1). وهو حسن.

ولم یتعرض المصنف فی هذا الکتاب لذکر قدر الجریدة ، وقد اختلف فیه الأصحاب ، فقال الشیخان : یکون طولهما قدر عظم الذراع (2). وقال ابن أبی عقیل : مقدار کل واحدة أربع أصابع إلی ما فوقها (3). وقال الصدوق : طول کل واحدة قدر عظم الذراع ، وإن کانت شبرا فلا بأس (4).

والروایات فی ذلک مختلفة أیضا ، ففی حسنة جمیل أنها قدر شبر ، وفی روایة یونس قدر ذراع ، والکل حسن ، لثبوت الشرعیة مع عدم القاطع علی قدر معین.

وهل تشق أو تکون صحیحة؟ الأظهر الثانی ، نظرا إلی التعلیل ، واستضعافا لروایة الشق (5). وذکر الأصحاب استحباب وضع القطن علی الجریدتین ، ولعله لاستبقاء الرطوبة.

قوله : وأن یسحق الکافور بیده ، ویجعل ما یفضل من مساجده علی صدره.

أما اختصاص السحق بالید فذکره الشیخان (6) وأتباعهما (7) ، قال فی المعتبر : ولم أتحقق مستنده (8). وأما وضع ما یفضل من الکافور عن المساجد علی صدره فذکره

سحق الکافور بالید

جعل ما یفضل من الکافور علی الصدر

ص: 112


1- المعتبر ( 1 : 288 ).
2- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی التهذیب ( 1 : 293 ).
3- نقله عنه فی المختلف : (44).
4- الفقیه ( 1 : 87 ).
5- الفقیه ( 1 : 88 - 405 ) ، الوسائل ( 2 : 741 ) أبواب التکفین ب (11) ح (4).
6- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 179 ).
7- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 61 ) ، وسلار فی المراسم : (49).
8- المعتبر ( 1 : 286 ).

وأن یطوی جانب اللفافة الأیسر علی الأیمن ، والأیمن علی الأیسر.

ویکره تکفینه فی الکتان ،

______________________________________________________

جماعة من الأصحاب ، ویمکن أن یستدل علیه بحسنة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت أن تحنط المیت فاعمد إلی الکافور فامسح به آثار السجود منه ، ومفاصله کلها ، ورأسه ، ولحیته ، وعلی صدره من الحنوط » (1) لکن لا یخفی أنّ هذه الروایة إنما تضمنت الأمر بوضع شی ء من الکافور علی الصدر ، لا اختصاصه بالفاضل (2).

قوله : وأن یطوی جانب اللفافة الأیسر علی الأیمن ، والأیمن علی الأیسر.

المراد بالأیمن الذی یطوی جانب اللفافة علیه أیمن المیت ، وبالثانی جانب اللفافة الأیمن ، ولم أقف فی هذا الحکم علی أثر ، ولعل وجهه التیمن بالیمین.

قوله : ویکره تکفینه فی الکتان.

هو بفتح الکاف ، والمشهور بین الأصحاب کراهة التکفین فیه ، وقال ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : ولا یجوز أن یکفن المیت فی کتان ولا إبریسم ولکن فی القطن (3). والأصل فی ذلک نهی الصادق علیه السلام فی مرسلة یعقوب بن یزید عن تکفین المیت فی الکتان (4) ، وقوله علیه السلام : « الکتان کان لبنی إسرائیل یکفنون به ، والقطن لامة محمد صلی الله علیه و آله » (5) وضعف السند مقتض للحمل

طوی جانب اللفافة

- مکروهات التکفین

التکفین بالکتان

ص: 113


1- الکافی ( 3 : 143 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 307 - 890 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 746 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (1).
2- فی « س » ، « م » ، « ح » : لا علی اختصاصه.
3- الفقیه ( 1 : 89 ).
4- (4) التهذیب ( 1 : 451 - 1465 ) ، الإستبصار ( 1 : 211 - 745 ) ، الوسائل ( 2 : 751 ) أبواب التکفین ب (20) ح (2)
5- الکافی ( 3 : 149 - 7 ) ، الفقیه ( 1 : 89 - 414 ) ، التهذیب ( 1 : 434 - 1392 ) ، الإستبصار ( 1 : 210 - 741 ) ، الوسائل ( 2 : 751 ) أبواب التکفین ب (20) ح (1).

وأن یعمل للأکفان المبتدأة أکمام ، وأن یکتب علیها بالسواد ، وأن یجعل فی سمعه أو بصره شیئا من الکافور.

______________________________________________________

علی الکراهة.

قوله : وأن یعمل للأکفان المبتدأة أکمام.

یدل علی ذلک ما رواه محمد بن سنان ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : الرجل یکون له القمیص أیکفن فیه؟ فقال : « اقطع أزراره » قلت : وکمّه؟ قال : « لا ، إنما ذاک إذا قطع له وهو جدید لم یجعل له کمّا ، فأما إذا کان ثوبا لبیسا فلا یقطع منه إلاّ الأزرار » (1).

ویشهد لانتفاء الکراهة فی غیر الأکفان المبتدأة : صحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام أن یأمر لی بقمیص أعدّه لکفنی ، فبعث به إلیّ ، فقلت : کیف أصنع؟ فقال : « أنزع أزراره » (2).

قوله : وأن یکتب علیها بالسواد.

ذکر ذلک الشیخ فی النهایة (3) والمبسوط (4) ، قال فی المعتبر : وهو حسن ، لأن فی ذلک نوع استبشاع ، ولأن وظائف المیت متلقاة توقیفا فیتوقف علی الدلالة (5).

قوله : وأن یجعل فی سمعه أو بصره شیئا من الکافور.

هذا قول الأکثرین ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی روایة یونس : « ولا تجعل فی

عمل أکمام للکفن والکتابة علیه بالسواد

جعل الکافور فی مسامع المیت

ص: 114


1- الفقیه ( 1 : 90 - 418 ) ، التهذیب ( 1 : 305 - 886 ) ، الوسائل ( 2 : 756 ) أبواب التکفین ب (28) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 304 - 885 ) ، الوسائل ( 2 : 756 ) أبواب التکفین ب (28) ح (1).
3- النهایة : (32).
4- المبسوط ( 1 : 177 ).
5- المعتبر ( 1 : 290 ).

______________________________________________________

منخریه ولا فی بصره ومسامعه ولا وجهه قطنا ولا کافورا » (1).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قال : « لا تجعل فی مسامع المیت حنوطا » (2) وفی الروایة الأولی إرسال ، وفی الثانیة قطع.

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ویجعل الکافور علی بصره ، وأنفه ، وفی مسامعه ، وفیه ، ویدیه ، ورکبتیه ، ومفاصله کلها ، وعلی أثر السجود منه (3).

ولعل مستنده صحیحة عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : کیف أصنع بالحنوط؟ قال : « تضع فی فمه ، ومسامعه ، وآثار السجود من وجهه ویدیه ورکبتیه » (4) وقوله علیه السلام فی روایة سماعة : « إذا کفّنت المیت فذر علی کل ثوب شیئا من الذریرة والکافور ، واجعل شیئا من الحنوط علی مسامعه ومساجده » (5) وفی خبر عمّار : « واجعل الکافور فی مسامعه ، وأثر السجود منه ، وفیه » (6).

وحمل المصنف فی المعتبر هذه الروایات علی الجواز ، وتلک علی الکراهة (7) ، وهو بعید ، لأن الأمر ظاهر فی الوجوب أو الاستحباب.

ص: 115


1- الکافی ( 3 : 143 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 306 - 888 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (3).
2- التهذیب ( 1 : 308 - 893 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 748 ) ، الوسائل ( 2 : 747 ) أبواب التکفین ب (16) ح (4).
3- الفقیه ( 1 : 91 ).
4- التهذیب ( 1 : 307 - 891 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 749 ) ، الوسائل ( 2 : 747 ) أبواب التکفین ب (16) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 435 - 1399 ) ، الوسائل ( 2 : 746 ) أبواب التکفین ب (15) ح (2).
6- التهذیب ( 1 : 305 - 887 ) ، الوسائل ( 2 : 745 ) أبواب التکفین ب (14) ح (4).
7- المعتبر ( 1 : 290 ).

مسائل ثلاث :

الأولی : إذا خرج من المیت نجاسة بعد تکفینه ، فإن لاقت جسده غسلت بالماء ، وإن لاقت کفنه فکذلک ، إلا أن یکون بعد طرحه فی القبر فإنها تقرض. ومنهم من أوجب قرضها مطلقا ، والأوّل أولی.

______________________________________________________

قوله : الأولی ، إذا خرج من المیت نجاسة بعد تکفینه ، فإن لاقت جسده غسلت بالماء ، وإن لاقت کفنه فکذلک ، إلا أن یکون بعد طرحه فی القبر فإنها تقرض ، ومنهم من أوجب قرضها مطلقا ، والأوّل أولی.

إذا خرج من المیت نجاسة بعد الغسل ، فإن لاقت ظاهر جسده وجب غسلها ولم یجب إعادة الغسل مطلقا عند الأکثر. أما وجوب الغسل فاحتج علیه فی الذکری بوجوب إزالة النجاسة عن بدن المیت (1) ، وهو إعادة للمدعی. نعم یمکن الاستدلال علیه بما رواه الشیخ ، عن روح بن عبد الرحیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن بدا من المیت شی ء بعد غسله فاغسل الذی بدا منه ولا تعد الغسل » (2) وفی السند ضعف.

وأما عدم وجوب إعادة الغسل فلصدق الامتثال المقتضی لخروج المکلف عن العهدة.

وقال ابن أبی عقیل : فان انتقض منه شی ء استقبل به الغسل استقبالا (3). واحتج له فی المختلف بأن الحدث ناقض للغسل فوجب إعادته. وضعفه ظاهر.

وإن لاقت النجاسة الکفن قال الصدوقان (4) وأکثر الأصحاب : وجب غسلها ما لم یطرح المیت فی القبر ، وقرضها بعده. وهو حسن ، لأن فی القرض إتلافا للمال وهو منهی

- بعض مسائل التکفین

حکم النجاسة الخارجة من المیت

ص: 116


1- الذکری : (45).
2- التهذیب ( 1 : 449 - 1456 ) ، الوسائل ( 2 : 723 ) أبواب غسل المیت ب (32) ح (1).
3- نقله عنه فی المختلف : (43).
4- الصدوق فی الفقیه ( 1 : 92 ) ، ونقله عن والده فی المختلف : (43).

الثانیة : کفن المرأة علی زوجها وإن کانت ذات مال ، لکن لا یلزمه زیادة علی الواجب.

______________________________________________________

عنه ، فیقتصر فیه علی موضع الوفاق.

ونقل عن الشیخ أنه أطلق وجوب قرض المحل (1) ، وربما کان مستنده روایة عبد الله بن یحیی الکاهلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا خرج من منخر المیت الدم أو الشی ء بعد الغسل فأصاب العمامة أو الکفن قرض بالمقراض » (2).

وروایة ابن أبی عمیر وأحمد بن محمد ، عن غیر واحد من أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا خرج من المیت شی ء بعد ما یکفّن فأصاب الکفن قرض من الکفن » (3).

والجواب أولا : بالطعن فی السند بإرسال الثانیة ، وعدم توثیق الکاهلی.

وثانیا : بالمعارضة بروایة روح المتقدمة المتضمنة للغسل ، ولو لا تخیل الإجماع علی هذا الحکم لأمکن القول بعدم وجوب القرض والغسل مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل ، واستضعافا للروایات الواردة بذلک.

قوله : الثانیة ، کفن المرأة علی زوجها وإن کانت ذات مال ، لکن لا یلزمه زیادة علی الواجب.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، ونقل فیه الشیخ فی الخلاف الإجماع (4) ، واحتج علیه فی المعتبر (5) : بأن الزوجیة باقیة إلی حین الوفاة ، ومن ثم حلّ تغسیلها

کفن المرأة علی الزوج

ص: 117


1- المبسوط ( 1 : 181 ).
2- الکافی ( 3 : 156 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 449 - 1457 ) ، الوسائل ( 2 : 723 ) أبواب غسل المیت ب (32) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 450 - 1458 ) ، الوسائل ( 2 : 754 ) أبواب التکفین ب (24) ح (4).
4- الخلاف ( 1 : 287 ).
5- المعتبر ( 1 : 307 ).

______________________________________________________

ورؤیتها وجاز میراثها فتجب مؤنتها لأنها من أحکام الزوجیة ، والکفن من جملة ذلک ، وبما رواه السکونی عن الصادق عن آبائه علیهم السلام : « إنّ علیّا علیه السلام قال : علی الزوج کفن امرأته إذا ماتت » (1) وفی الدلیلین نظر.

والأجود الاستدلال علی ذلک بما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الکفن من جمیع المال » وقال علیه السلام : « کفن المرأة علی زوجها إذا ماتت » (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی الزوجة بین الدائم والمستمتع بها ، ولا بین المطیعة والناشزة ، ولا بین الحرة والأمة ، ویحتمل اختصاصه بالدائم ، لأنها التی ینصرف إلیها الذهن عند الإطلاق.

والحکم مختص بالزوج الموسر فیما قطع به الأصحاب ، ویحتمل شموله لغیره أیضا مع الإمکان ، لإطلاق النص.

والحق بالکفن بقیة المؤن الواجبة ، کماء الغسل والسدر والکافور ، وفیه توقف.

ولا یلحق واجب النفقة بالزوجة ، تمسکا بمقتضی الأصل ، إلاّ المملوک فإن کفنه علی مولاه ، للإجماع علیه وإن کان مدبّرا ، أو مکاتبا مشروطا ، أو مطلقا لم یتحرر منه شی ء ، أو أم ولد. وإن تحرر منه شی ء فبالنسبة. ولو أوصت بالکفن فهو من الثلث ، ومع النفوذ یسقط عنه.

ص: 118


1- التهذیب ( 1 : 445 - 1439 ) ، الوسائل ( 2 : 759 ) أبواب التکفین ب (32) ح (2).
2- الفقیه ( 4 : 143 - 490 ، 491 ) ، الوسائل ( 2 : 758 ) أبواب التکفین ب (31) ح (1) ، وص (759) أبواب التکفین ب (32) ح (1).

ویؤخذ کفن الرجل من أصل ترکته ، مقدما علی الدیون والوصایا ، فإن لم یکن له کفن دفن عریانا ، ولا یجب علی المسلمین بذل الکفن ، بل یستحب.

______________________________________________________

قوله : ویؤخذ کفن الرجل من أصل ترکته ، مقدما علی الدیون والوصایا. هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، والمستند فیه روایات ، منها : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الکفن من جمیع المال » (1).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل مات وعلیه دین وخلف قدر ثمن کفنه ، قال : « یجعل ما ترک فی ثمن کفنه ، إلا أن یتّجر علیه إنسان یکفّنه ، ویقضی دینه مما ترک » (2).

وعن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أول شی ء یبدأ به من المال الکفن ، ثم الدین ، ثم الوصیة ، ثم المیراث » (3).

وإطلاق تقدیم الکفن علی الدین فی الأخبار وکلام الأصحاب یقتضی تقدیمه علی حق المرتهن وغرماء المفلس ، وهو کذلک. وإنما یقدم الکفن الواجب ، أما المندوب فمع الوصیة به یکون من الثلث إلا مع الإجازة.

قوله : فإن لم یکن له کفن دفن عریانا ، ولا یجب علی المسلمین بذل کفنه ، بل یستحب.

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، أما انتفاء الوجوب فللأصل السالم عن

کفن الرجل من الترکة

ص: 119


1- المتقدم فی ص (118).
2- الکافی ( 7 : 23 - 2 ) ، الفقیه ( 4 : 143 - 492 ) ، التهذیب ( 9 : 171 - 697 ) ، الوسائل ( 13 : 98 ) أبواب الدین والقرض ب (13) ح (1).
3- الکافی ( 7 : 23 - 3 ) ، الفقیه ( 4 : 143 - 488 ) ، التهذیب ( 9 : 171 - 698 ) ، الوسائل ( 13 : 98 ) أبواب الدین والقرض ب (13) ح (2).

______________________________________________________

المعارض ، وأما استحباب البذل فیدل علیه روایات ، منها : حسنة سعد بن طریف (1) ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « من کفن مؤمنا کان کمن ضمن کسوته إلی یوم القیامة » (2).

وذکر جمع من الأصحاب أنه یجوز تکفین المیت من الزکاة مع احتیاجه إلی ذلک ، بل صرّح بعضهم بالوجوب (3) ، لما رواه الشیخ عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الفضل بن یونس الکاتب ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام فقلت له : ما تری فی رجل من أصحابنا یموت ولم یترک ما یکفن به ، أشتری له کفنه من الزکاة؟ فقال : « أعط عیاله من الزکاة قدر ما یجهّزونه فیکونون هم الذین یجهّزونه » قلت : فإن لم یکن له ولد ولا أحد یقوم بأمره فأجهّزه أنا من الزکاة؟ قال : « إن أبی کان یقول : إن حرمة بدن المؤمن میتا کحرمته حیا ، فوار بدنه وعورته ، وجهّزه ، وکفّنه ، وحنّطه ، واحتسب بذلک من الزکاة » (4).

وعندی فی هذا الحکم توقف ، لنص الشیخ علی أن الفضل بن یونس کان واقفیا (5) ، إلا أن یقال : إن جواز قضاء الدین عن المیت الذی لم یترک ما یوفّی منه دینه

ص: 120


1- فی « م » : سعد بن ظریف ، وفی « س » : سعید بن طریف ، وما أثبتناه من « ق » هو الموافق للمصادر وهو الأرجح - « راجع معجم رجال الحدیث 708 ، 120 ).
2- الکافی ( 3 : 164 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 92 - 419 ) مرسلا ، التهذیب ( 1 : 450 - 1461 ) ، الوسائل ( 2 : 754 ) أبواب التکفین ب (26) ح (1).
3- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 442 ) ، والکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 55 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (110).
4- التهذیب ( 1 : 445 - 1440 ) ، قرب الإسناد : (129) ، الوسائل ( 2 : 759 ) أبواب التکفین ب (33) ح (1).
5- رجال الشیخ : (357).

وکذا ما یحتاج إلیه المیت من کافور وسدر وغیره.

الثالثة : إذا سقط من المیت شی ء من شعره أو جسمه وجب أن یطرح معه فی کفنه.

______________________________________________________

من الزکاة یقتضی جواز تکفینه منها بطریق أولی. وفیه ما فیه (1).

قوله : وکذا ما یحتاج إلیه المیت من کافور وسدر وغیره.

أی : یجب من أصل المال مقدما علی الدیون ، وأنه مع انتفاء ذلک لا یجب علی المؤمنین بذله بل یستحب. أما الوجوب من أصل المال فظاهر ، لأن الوجوب متحقق ، ولا محل له سوی الترکة إجماعا. وأما انتفاء الوجوب مع فقد الترکة واستحباب البذل حینئذ فوجهه معلوم مما سبق (2).

قوله : الثالثة ، إذا سقط من المیت شی ء من شعره أو جسده وجب أن یطرح معه فی کفنه.

هذا مذهب العلماء کافة ، نقله فی التذکرة (3) ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یمس من المیت شعر ولا ظفر ، وإن سقط منه شی ء فاجعله فی کفنه » (4).

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المیت یکون علیه الشعر فیحلق عنه أو یقلم؟ قال : « لا یمس منه شی ء ، اغسله وادفنه » (5).

حکم ما یسقط من المیت

ص: 121


1- زیادة من « ح ».
2- فی ص (119).
3- التذکرة ( 1 : 45 ).
4- الکافی ( 3 : 155 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 323 - 940 ) ، الوسائل ( 2 : 694 ) أبواب غسل المیت ب (11) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 156 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 323 - 942 ) ، الوسائل ( 2 : 694 ) أبواب غسل المیت ب (11) ح (3).

الرابع : فی مواراته فی الأرض

وله مقدّمات مسنونة کلها : أن یمشی المشیّع وراء الجنازة ، أو إلی أحد جانبیها ،

______________________________________________________

قوله : الرابع ، فی مواراته فی الأرض ، وله مقدّمات مسنونة کلها : أن یمشی المشیّع وراء الجنازة أو إلی أحد جانبیها.

أجمع العلماء کافة علی استحباب تشییع الجنازة (1) ، وفیه ثواب جسیم وأجر عظیم ، فروی جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من شیّع میتا حتی یصلی علیه کان له قیراط من الأجر ، ومن بلغ معه إلی قبره حتی یدفن کان له قیراطان من الأجر ، والقیراط مثل جبل أحد » (2).

وروی أیضا عنه علیه السلام قال : « إذا دخل المؤمن قبره نودی : ألا إنّ أول حبائک الجنة ، ألا وأول حباء من تبعک المغفرة » (3).

وروی میسر ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « من تبع جنازة مسلم أعطی یوم القیامة أربع شفاعات ، ولم یقل شیئا إلاّ وقال الملک : ولک مثل ذلک » (4).

وروی داود الرقی ، عن رجل من أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من شیّع جنازة مؤمن حتی یدفن فی قبره وکلّ الله عزّ وجلّ به سبعین ملکا من المشیعین

الدفن

- التشییع

استحباب المشی خلف الجنازة

ص: 122


1- الجواهر ( 4 : 264 ). الظاهر المنساق من الأخبار : أنّ استحباب التشییع إنما هو فیما إذا کان محل الدفن محتاجا إلی النقل ، أما إذا لم یکن کذلک ، کما لو کان مثلا فی محل تجهیزه ، فلا یستحب إخراجه ونقله للتشییع، ثم إرجاعه إلیه.
2- الکافی ( 3 : 173 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 823 ) أبواب الدفن ب (3) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 172 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 99 - 460 ) ، الوسائل ( 2 : 820 ) أبواب الدفن ب (2) ح (3).
4- الکافی ( 3 : 173 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 99 - 456 ) ، التهذیب ( 1 : 455 - 1483 ) ، أمالی الصدوق : ( 181 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 820 ) أبواب الدفن ب (2) ح (1).

______________________________________________________

یشیعونه ویستغفرون له إذا خرج من قبره إلی الموقف » (1) والأخبار الواردة فی ذلک (2) أکثر من أن تحصی.

والمعروف من مذهب الأصحاب أنّ مشی المشیع وراء الجنازة أو أحد جانبیها أفضل من المشی أمامها. ونصّ فی المعتبر علی أنّ تقدمها لیس بمکروه بل هو مباح (3) ، وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن کثیر من الأصحاب أنه یری کراهة المشی أمامها (4).

وقال ابن أبی عقیل : یجب التأخر خلف جنازة المعادی لذی القربی (5) ، لما ورد من استقبال ملائکة العذاب إیاه (6).

وقال ابن الجنید : یمشی صاحب الجنازة بین یدیها ، والباقون وراءها (7) ، لما روی من أنّ الصادق علیه السلام : تقدم سریر ابنه إسماعیل بلا حذاء ولا رداء (8).

واستدل فی المعتبر (9) علی أفضلیة التبع لها ، أو المشی إلی جانبیها بما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المشی خلف الجنازة أفضل من المشی بین

ص: 123


1- الکافی ( 3 : 173 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 99 - 458 ) ، أمالی الصدوق : ( 180 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 822 ) أبواب الدفن ب (3) ح (2).
2- الوسائل ( 2 : 820 ) أبواب الدفن ب ( 2 ، 3 ).
3- المعتبر ( 1 : 293 ).
4- الذکری : (52).
5- نقله عنه فی الذکری : (52).
6- الوسائل ( 2 : 825 ) أبواب الدفن ب (5).
7- نقله عنه فی الذکری : (52).
8- الکافی ( 3 : 204 - 5 ) ، الفقیه ( 1 : 112 - 524 ) ، التهذیب ( 1 : 463 - 1513 ) ، الوسائل ( 2 : 654 ) أبواب الاحتضار ب (27) ح (3).
9- المعتبر ( 1 : 293 ).

______________________________________________________

یدیها ، ولا بأس أن یمشی بین یدیها » (1).

وما رواه سدیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من أحب أن یمشی مشی الکرام الکاتبین فلیمش جنبی السریر » (2).

والدلالة واضحة لکن فی السند ضعف ، مع أنّ الشیخ - رحمه الله - روی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن المشی مع الجنازة ، فقال : « بین یدیها ، وعن یمینها ، وعن شمالها ، وخلفها » (3) وهذه الروایة أصح ما بلغنا فی هذا الباب.

ویستحب للمشیع أن یحضر قلبه التفکر فی مآله ، والتخشع والاتعاظ بالموت ، ویکره له الضحک واللهو ، لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله أو علیّا علیه السلام شیّع جنازة فسمع رجلا یضحک فقال له : « کأنّ الموت فیها علی غیرنا کتب » (4) الحدیث (5).

ویکره للمشیع الجلوس قبل أن یوضع المیت فی لحده ، لما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی لمن شیّع جنازة أن لا یجلس

کراهة الجلوس للمشیع

ص: 124


1- الکافی ( 3 : 169 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 100 - 464 ) وفیه عن أبی جعفر علیه السلام مع تفاوت فی اللفظ ، التهذیب ( 1 : 311 - 902 ) ، الوسائل ( 2 : 824 ) أبواب الدفن ب (4) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 170 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 311 - 904 ) ، الوسائل ( 2 : 825 ) أبواب الدفن ب (4) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 169 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 100 - 467 ) ، الوسائل ( 2 : 825 ) أبواب الدفن ب (5) ح (1).
4- نهج البلاغة ( 3 : 179 - 122 ) ، مستدرک الوسائل ( 2 : 377 ) أبواب الدفن ب (53) ح (2).
5- قال الصادق علیه السلام فی خبر عجلان أبی صالح : یا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فاذکر کأنک المحمول ، وکأنک سألت الرجوع الی الدنیا ففعل فانظر ماذا تستأنف؟ قال ثم قال : عجیب لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثم نودی فیهم بالرحیل وهم یلعبون الکافی ( 3 : 258 - 29 ) ، الوسائل ( 2 : 883 ) أبواب الدفن ب (59) ح (1).

وأن تربّع الجنازة ، ویبدأ بمقدمها الأیمن ، ثم یدور من ورائها إلی الجانب الأیسر.

______________________________________________________

حتی یوضع فی لحده ، فإذا وضع فی لحده فلا بأس » (1) وظاهر الشیخ فی الخلاف (2) ، وابن الجنید (3) انتفاء الکراهة ، وهو ضعیف.

قوله : وأن تربّع الجنازة ، ویبدأ بمقدمها الأیمن ، ثم یدور من ورائها إلی الجانب الأیسر.

التربیع : حمل الجنازة من جوانبها الأربعة. وقد أجمع الأصحاب علی استحبابه ، قال فی الذکری : ولیس فیه دنوة ولا سقوط مروة ، فقد حمل النبی صلی الله علیه و آله جنازة سعد بن معاذ ، ولم یزل الصحابة والتابعون علی ذلک ، لما فیه من البر والإکرام للمؤمن (4).

وفیه فضل عظیم ، فروی جابر فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر [ الله ] (5) له أربعین کبیرة » (6).

وروی سلیمان بن خالد ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أخذ بقائمة السریر غفر الله له خمسا وعشرین کبیرة ، وإذا ربّع خرج من الذنوب » (7).

استحباب تربیع الجنازة

ص: 125


1- التهذیب ( 1 : 462 - 1509 ) ، الوسائل ( 2 : 871 ) أبواب الدفن ب (45) ح (1).
2- الخلاف ( 1 : 292 ).
3- نقله عنه فی المختلف : (122).
4- الذکری : (51).
5- أثبتناها من المصدر.
6- الکافی ( 3 : 174 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 454 - 1479 ) ، الوسائل ( 2 : 827 ) أبواب الدفن ب (7) ح (1).
7- الکافی ( 3 : 174 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 99 - 462 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 828 ) أبواب الدفن ب (7) ح (4).

______________________________________________________

والمراد بالتربیع حمل السریر من جوانبه الأربعة کیف اتفق بأربعة رجال ، وأفضله أن یبدأ بمقدم السریر الأیمن ، ثم یمرّ علیه إلی مؤخره ، ثم بمؤخر السریر الأیسر ، ویمرّ علیه إلی مقدمه دور الرّحی ، ذکر ذلک الشیخ فی المبسوط والنهایة (1) ، وادعی علیه الإجماع ، وقال فی الخلاف : یحمل بمیامنه مقدم السریر الأیسر ، ثم یدور حوله حتی یرجع إلی المقدم (2).

والروایات الواردة فی ذلک مختلفة ، فروی العلاء بن سیابة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یبدأ فی حمل السریر من الجانب الأیمن ، ثم یمر علیه من خلفه إلی الجانب الآخر ، ثم یمر حتی یرجع إلی المقدم ، کذلک دوران الرحی علیه » (3).

ومثله روی الفضل (4) بن یونس ، عن الکاظم علیه السلام ، قال : « فإن لم تکن تتقی فیه فإن تربیع الجنازة التی جرت به السنة أن تبدأ بالید الیمنی ، ثم بالرجل الیمنی ، ثم بالرجل الیسری ، ثم بالید الیسری حتی تدور حولها » (5) وعلی هاتین الروایتین عمل الشیخ فی النهایة والمبسوط (6).

وروی علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال : سمعته یقول :

ص: 126


1- المبسوط ( 1 : 183 ) ، والنهایة : (37).
2- الخلاف ( 1 : 292 ).
3- الکافی ( 3 : 169 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 453 - 1474 ) ، الإستبصار ( 1 : 216 - 763 ) ، الوسائل ( 2 : 830 ) أبواب الدفن ب (8) ح (5).
4- فی « س » : الفضیل ، وفی التهذیب : المفضل ، والصحیح ما أثبتناه - ( راجع معجم رجال الحدیث 18 : 309 ).
5- الکافی ( 3 : 168 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 452 - 1473 ) ، الوسائل ( 2 : 829 ) أبواب الدفن ب (8) ح (3).
6- النهایة : (37) ، والمبسوط ( 1 : 183 ).

______________________________________________________

« السنة فی حمل الجنازة أن تستقبل جانب السریر بشقک الأیمن فتلزم الأیسر بکفک (1) الأیمن ، ثم تمر علیه إلی الجانب الآخر وتدور من خلفه إلی الجانب الثالث من السریر ، ثم تمر علیه إلی الجانب الرابع مما یلی یسارک » (2) وبهذه الروایة أخذ الشیخ فی الخلاف (3).

وقال الشهید فی الذکری : ویمکن حمله علی التربیع المشهور ، لأن الشیخ ادّعی علیه الإجماع فکیف یخالف دعواه ، ولأنه قال فی الخلاف : یدور دور الرحی کما فی الروایة ، وهو لا یتصور إلاّ علی البدأة بمقدم السریر الأیمن والختم بمقدم الأیسر ، والإضافة هنا قد تتعاکس (4). هذا کلامه - رحمه الله - وما ذکره من الجمع بین الکلامین مشکل جدّا.

والروایات کلّها قاصرة من حیث السند ، مع أن ابن بابویه روی فی الصحیح عن الحسین بن سعید : أنه کتب إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام یسأله عن سریر المیت یحمل ، إله جانب یبدأ به فی الحمل من جوانبه الأربع؟ أو ما خفّ علی الرجل یحمل من أیّ الجوانب شاء؟ فکتب : « من أیّها شاء » (5).

وروی جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « السنة أن یحمل السریر من جوانبه الأربع ، وما کان بعد ذلک من حمل فهو تطوع » (6).

ص: 127


1- فی « م » والکافی : بکتفک.
2- الکافی ( 3 : 168 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 453 - 1475 ) ، الإستبصار ( 1 : 216 - 764 ) ، الوسائل ( 2 : 830 ) أبواب الدفن ب (8) ح (4).
3- الخلاف ( 1 : 292 ).
4- الذکری : (51).
5- الفقیه ( 1 : 100 - 465 ) ، التهذیب ( 1 : 453 - 1477 ) ، الإستبصار ( 1 : 216 - 766 ) ، الوسائل ( 2 : 829 ) أبواب الدفن ب (8) ح (1).
6- الکافی ( 3 : 168 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 453 - 1476 ) ، الإستبصار ( 1 : 216 - 765 ) ، الوسائل ( 2 : 828 ) أبواب الدفن ب (7) ح (2).

ویعلم المؤمنون بموت المؤمن. وأن یقول المشاهد للجنازة : الحمد لله الذی لم یجعلنی من السواد المخترم.

______________________________________________________

قوله : وأن یقول المشاهد للجنازة : الحمد لله الذی لم یجعلنی من السواد المخترم.

المستند فی ذلک ما رواه أبو حمزة ، قال : کان علیّ بن الحسین علیهماالسلام إذا رأی جنازة قد أقبلت قال : « الحمد لله الذی لم یجعلنی من السواد المخترم » (1) وقد روی ذلک أیضا من فعل الباقر علیه السلام (2). والسواد : الشخص ، والمخترم : المستأصل أو الهالک.

ولا ینافی هذا حبّ لقاء الله ، لأنه غیر مقید بوقت فیحمل علی حال الاحتضار ، لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، ومن کره لقاء الله کره الله لقاءه » فقیل له صلی الله علیه و آله : إنا لنکره الموت؟ فقال : « لیس ذلک ، ولکن المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله تعالی وکرامته ، فلیس شی ء أحب إلیه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وأنّ الکافر إذا حضره الموت بشّر بعذاب الله ، فلیس شی ء أکره إلیه مما أمامه ، کره لقاء الله فکره الله لقاءه » (3).

وبقیة عمر المؤمن نفیسة لا ثمن لها ، کما ورد فی الخبر عن أمیر المؤمنین علیه السلام .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : « لا یتمنّ أحدکم الموت ، ولا یدع به من قبل أن

استحباب إعلام المؤمنین بموت المؤمن

ص: 128


1- الکافی ( 3 : 167 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 113 - 525 ) ، التهذیب ( 1 : 452 - 1472 ) ، الوسائل ( 2 : 830 ) أبواب الدفن ب (9) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 167 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 831 ) أبواب الدفن ب (9) ح (3).
3- سنن النسائی ( 4 : 9 ).

وأن یضع الجنازة علی الأرض إذا وصل إلی القبر مما یلی رجلیه ، والمرأة مما یلی القبلة ، وأن ینقله فی ثلاث دفعات ،

______________________________________________________

یأتیه ، إنه إذا مات انقطع عمله ، وأنه لا یزید المؤمن عمره إلا خیرا » (1).

ویستحب أن یقول المشاهد للجنازة : الله أکبر ، هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، اللهم زدنا إیمانا وتسلیما ، الحمد لله الذی تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت. فعن الصادق علیه السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله قال : من قال ذلک لم یبق فی السماء ملک إلا بکی رحمة لصوته » (2).

قوله : وأن یضع الجنازة علی الأرض إذا وصل إلی القبر مما یلی رجلیه ، والمرأة ما یلی القبلة.

علّل بأن ذلک أیسر فی فعل ما هو الأولی من إرسال الرجل سابقا برأسه ، والمرأة عرضا ، واختیار جهة القبلة لشرفها ، ولم أقف فی ذلک علی نص بالخصوص.

قوله : وأن ینقله فی ثلاث دفعات.

ظاهر العبارة أنّ النقل ثلاثا بعد وصوله إلی القبر ، فعلی هذا یکون إنزاله إلیه فی ثلاث دفعات. وذکر ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : أنه یوضع قریبا من القبر ویصبر علیه هنیئة ، ثم یقرّب قلیلا ویصبر علیه هنیئة لیأخذ أهبته ، ثم یقدّم إلی شفیر القبر ویدخل فیه (3). ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (4). والظاهر أن ذلک هو مراد المصنف کما صرّح به فی المعتبر (5) ، وإن کانت العبارة قاصرة عن تأدیة المطلوب.

استحباب وضع الجنازة إذا وصل القبر

ص: 129


1- صحیح مسلم ( 4 : 2065 - 2682 ) ، السنن الکبری للبیهقی ( 3 : 377 ).
2- الکافی ( 3 : 167 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 452 - 1471 ) ، الوسائل ( 2 : 830 ) أبواب الدفن ب (9) ح (2).
3- الفقیه ( 1 : 107 ).
4- المبسوط ( 1 : 186 ).
5- المعتبر ( 1 : 297 ).

وأن یرسله إلی القبر سابقا برأسه ، والمرأة عرضا ،

______________________________________________________

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الروایات صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی أن یوضع المیت دون القبر هنیئة ثم واره » (1).

ومرسلة محمد بن عطیة ، قال : « إذا أتیت بأخیک القبر فلا تفدحه به ، ضعه أسفل من القبر بذراعین أو ثلاثة حتی یأخذ أهبته ، ثم ضعه فی لحده » (2).

وروایة محمد بن عجلان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تفدح میتک بالقبر ، ولکن ضعه أسفل منه بذراعین أو ثلاثة ودعه حتی یأخذ أهبته » (3).

ولا یخفی انتفاء دلالة هذه الروایات علی ما ذکره الأصحاب ، بل إنما تدل علی استحباب وضعه دون القبر هنیئة ثم دفنه ، وبمضمونها أفتی ابن الجنید (4) ، والمصنف فی آخر کلامه فی المعتبر (5) ، وهو المعتمد.

قوله : وأن یرسله إلی القبر سابقا برأسه ، والمرأة عرضا.

المستند فی ذلک مرفوعة عبد الصمد بن هارون قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام :« إذا أدخلت المیت القبر : إن کان رجلا سلّ سلاّ (6) ، والمرأة تؤخذ عرضا ، فإنه أستر » (7).

وأکثر الأخبار واردة بسلّ المیت من قبل الرجلین من غیر فرق بین الرجل والمرأة ،

کیفیة إرسال المیت فی القبر

ص: 130


1- التهذیب ( 1 : 313 - 908 ) ، الوسائل ( 2 : 837 ) أبواب الدفن ب (16) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 312 - 907 ) ، الوسائل ( 2 : 838 ) أبواب الدفن ب (16) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 191 - 1 ) ، علل الشرائع : ( 306 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 838 ) أبواب الدفن ب (16) ح (5).
4- نقله عنه فی الذکری : (65).
5- المعتبر ( 1 : 298 ).
6- السّلّ : انتزاعک الشی ء وإخراجه برفق ومنه حدیث المیت فی إدخاله القبر « یسلّ سلالا » ( مجمع البحرین 5 : 398 ).
7- التهذیب ( 1 : 325 - 950 ) ، الوسائل ( 2 : 865 ) أبواب الدفن ب (38) ح (1).

وأن ینزل من یتناوله حافیا ، ویکشف رأسه ، ویحلّ أزراره. ویکره أن یتولی ذلک الأقارب ، إلا فی المرأة.

______________________________________________________

کحسنة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أتیت بالمیت القبر فسلّه من قبل رجلیه ، فإذا وضعته فی القبر فاقرأ آیة الکرسی » (1) الحدیث ، وروایة محمد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن المیت فقال : « تسلّه من قبل الرجلین » (2).

قوله : وأن ینزل من یتناوله حافیا ، ویکشف رأسه ، ویحلّ أزراره.

هذا مذهب الأصحاب ، ومستنده حسنة علی بن یقطین ، قال : سمعت أبا الحسن علیه السلام یقول : « لا تنزل فی القبر وعلیک العمامة والقلنسوة ، ولا الحذاء ولا الطیلسان ، وحلّ أزرارک ، وبذلک سنّة رسول الله صلی الله علیه و آله جرت » (3).

وروایة ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا ینبغی لأحد أن یدخل القبر فی نعلین ، ولا خفین ، ولا عمامة ، ولا رداء ، ولا قلنسوة » (4) وفی روایة سیف بن عمیرة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فالخف؟ قال : « لا بأس بالخف ، فإن فی خلع الخف شناعة » (5).

قوله : ویکره أن یتولی ذلک الأقارب إلا فی المرأة.

قال المصنف فی المعتبر : أما فی الرجل فلأن ذلک یقسّی القلب ، والرحمة صفة مرادة لله تعالی. وأما فی المرأة فیستحب للرحم ، لأنها عورة (6).

استحباب تحفی النازل فی القبر

کراهة تولی الأقارب دفن المیت

ص: 131


1- الکافی ( 3 : 194 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 315 - 915 ) ، الوسائل ( 2 : 845 ) أبواب الدفن ب (21) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 195 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 315 - 916 ) ، الوسائل ( 2 : 848 ) أبواب الدفن ب (22) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 192 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 480 ) أبواب الدفن ب (18) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
4- الکافی ( 3 : 192 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 314 - 913 ) ، الوسائل ( 2 : 840 ) أبواب الدفن ب (18) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 313 - 910 ) ، الوسائل ( 2 : 841 ) أبواب الدفن ب (18) ح (5).
6- المعتبر ( 1 : 297 ).

ویستحب أن یدعو عند إنزاله القبر.

______________________________________________________

ویدل علیه مضافا إلی ذلک حسنة حفص بن البختری ، وغیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یکره للرجل أن ینزل فی قبر ولده » (1).

وروایة السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : مضت السنة من رسول الله صلی الله علیه و آله أنّ المرأة لا یدخل قبرها إلا من کان یراها فی حیاتها » (2).

وقد ورد فی بعض الروایات نفی البأس عن دفن الولد أباه (3) ، وحمل علی نفی الکراهة المؤکّدة ، وهو إنما یتم مع ثبوت المعارض.

ولو تعذر المحرم للمرأة فامرأة صالحة ، ثم أجنبی صالح ، وإن کان شیخا فهو أولی.

ویدخل القبر من شاء الولی ، إن شاء شفعا وإن شاء وترا ، روی ذلک زرارة عن الصادق علیه السلام (4).

قوله : ویستحب : أن یدعو عند إنزاله فی القبر.

قد ورد فی کیفیة الدعاء روایات ، منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أتیت بالمیت القبر فسلّه من قبل رجلیه ، فإذا وضعته فی القبر فاقرأ آیة الکرسی ، وقل : بسم الله [ وبالله ] وفی سبیل الله ، وعلی ملة رسول الله ، اللهم صلّ علی محمد وآله ، اللهم افسح له فی قبره وألحقه بنبیه صلی الله علیه و آله ، وقل کما قلت فی الصلاة علیه مرة واحدة من عند : اللهم إن کان محسنا فزد فی إحسانه ، وإن کان مسیئا

استحباب الدعاء عند إنزال المیت القبر

ص: 132


1- الکافی ( 3 : 193 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 851 ) أبواب الدفن ب (25) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 193 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 325 - 948 ) ، الوسائل ( 2 : 853 ) أبواب الدفن ب (26) ح (1).
3- الوسائل ( 2 : 851 ) أبواب الدفن ب (25).
4- الکافی ( 3 : 193 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 314 - 914 ) ، الوسائل ( 2 : 850 ) أبواب الدفن ب (24) ح (1).

وفی الدفن فروض وسنن :

فالفرض أن یواری فی الأرض مع القدرة.

______________________________________________________

فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، واستغفر له ما استطعت » قال : « وکان علی بن الحسین علیهماالسلام إذا دخل القبر قال : اللهم جاف الأرض عن جنبیه ، وصاعد عمله ، ولقّه منک رضوانا » (1).

قوله : وفی الدفن فروض وسنن ، فالفرض أن یواری فی الأرض مع القدرة.

أجمع العلماء کافة علی وجوب الدفن ، لأمر النبی صلی الله علیه و آله به ، وفعله. وقد قطع الأصحاب (2) وغیرهم (3) بأن الواجب وضعه فی حفیرة تستر عن الإنس ریحه وعن السباع بدنه ، بحیث یعسر نبشها غالبا ، لأن فائدة الدفن إنما تتم بذلک ، وظاهرهم تعیّن الحفیرة فلا یجزی التابوت والأزج (4) الکائنان علی وجه الأرض ، وبه قطع فی الذکری (5) ، لأنه مخالف لما أمر به النبی صلی الله علیه و آله من الحفر ، ولأنه علیه السلام دفن ودفن کذلک ، وهو عمل الصحابة والتابعین.

واحترز بالقدرة عما لو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو کثرة الثلج ونحو ذلک ، فإنه یجزی مواراته بحسب الإمکان ، ویجب مراعاة تحصیل الغرض من الدفن بجمع الوصفین إن أمکن وإلا سقط. ولو دفن بالتابوت فی الأرض جاز لکنه مکروه إجماعا نقله فی

فروض الدفن المواراة فی الأرض

ص: 133


1- الکافی ( 3 : 194 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 315 - 915 ) ، الوسائل ( 2 : 845 ) أبواب الدفن ب (21) ح (1).
2- منهم العلامة فی القواعد ( 1 : 21 ) ، والشهید الأول فی الدروس : (13) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 14 ).
3- منهم الشافعی فی الأم ( 1 : 276 ) ، وابن حزم فی المحلی ( 5 : 116 ، 132 ) ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 2 : 375 ).
4- الأزج بالتحریک : ضرب من الأبنیة وهو بیت یبنی طولا ، وجمعه : أزآج ، مثل سبب وأسباب. : وأزجّ أیضا - مجمع البحرین ( 2 : 275 ).
5- الذکری : (65).

وراکب البحر یلقی فیه ، إما مثقلا أو مستورا فی وعاء کالخابیة أو شبهها مع تعذر الوصول إلی البر ،

______________________________________________________

المبسوط (1) ، وقیل : إنه لا فرق فی الکراهة بین أنواع التابوت (2).

قوله : وراکب البحر یلقی فیه ، إما مثقلا أو مستورا فی وعاء کالخابیة ونحوها مع تعذر الوصول إلی البر.

المراد بالتعذر ما یشق معه الوصول إلی البر عادة ، وقد قطع الشیخ (3) وأکثر الأصحاب (4) : بأن من مات فی سفینة فی البحر یغسّل ، ویحنّط ، ویکفّن ، ویصلّی علیه ، وینقل إلی البرّ مع المکنة ، فإن تعذّر لم یتربّص به بل یوضع فی خابیة أو نحوها ویشذ (5) رأسها ویلقی ، أو یثقّل لیرسب فی الماء ثم یلقی فیه. وظاهر المفید فی المقنعة (6) ، والمصنف فی المعتبر (7) جواز ذلک ابتداء وإن لم یتعذّر البرّ.

وقد ورد بالأول أعنی الوضع فی الإناء صحیحة أیوب بن الحر قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل مات وهو فی السفینة فی البحر کیف یصنع به؟ قال : « یوضع فی خابیة ویوکأ رأسها ویطرح فی الماء » (8).

وبالثانی ما رواه أبان ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی الرجل

کیفیة دفن راکب البحر

ص: 134


1- المبسوط ( 1 : 187 ).
2- کما فی الذکری : (65).
3- المبسوط ( 1 : 181 ).
4- منهم ابن إدریس فی السرائر (34) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 21 ).
5- فی « م » و « ق » : ویسد.
6- المقنعة : (13).
7- المعتبر ( 1 : 291 ).
8- الکافی ( 3 : 213 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 442 ) : مرسلة ، التهذیب ( 1 : 340 - 996 ) ، الإستبصار ( 1 : 215 - 762 ) ، الوسائل ( 2 : 866 ) أبواب الدفن ب (40) ح (1).

______________________________________________________

یموت مع القوم فی البحر فقال : « یغسّل ، ویکفّن ، ویصلی علیه ، ویثقّل ، ویرمی به فی البحر » (1).

ومثلها مرفوعة سهل بن زیاد (2) ، وروایة أبی البختری عن الصادق علیه السلام (3).

وهذه الأخبار کلّها ضعیفة السند ، کما اعترف به المصنف فی المعتبر حیث قال : وأما التثقیل ففیه أحادیث فیها ضعف ، لکن العمل بها یتضمن ستر المیت وصیانته عن بقائه بین ظهرانی صحبه (4).

وقد یقال : إن الستر لا یتعین أن یکون بالتثقیل ، لتحققه مع الوضع فی الإناء کما تضمنته صحیحة أیوب بن الحر ، فکان الاقتصار علی العمل بمضمونها أولی.

وینبغی استقبال القبلة به حالة الإلقاء ، وأوجبه ابن الجنید (5) والشهیدان (6) ، لأنه دفن حیث یحصل به مقصود الدفن ، وهو أحوط.

وأوجب بعض العامة (7) جعله بین لو حین رجاء لوصوله البر فیدفنه المسلمون ، وهو باطل ، لأن فیه تعریضا لهتک معلوم بإزاء أمر موهوم.

ص: 135


1- الکافی ( 3 : 214 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 339 - 993 ) ، الإستبصار ( 1 : 215 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 867 ) أبواب الدفن ب (40) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 214 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 339 - 994 ) ، الإستبصار ( 1 : 215 - 760 ) ، الوسائل ( 2 : 867 ) أبواب الدفن ب (40) ح (4).
3- الفقیه ( 1 : 96 - 441 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 339 - 995 ) ، الإستبصار ( 1 : 215 - 761 ) ، الوسائل ( 2 : 866 ) أبواب الدفن ب (40) ح (2).
4- المعتبر ( 1 : 292 ).
5- نقله عنه فی الذکری : (64).
6- الشهید الأول فی الدروس : (13) ، والذکری : (64) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 15 ) ، وروض الجنان : (316).
7- منهم الشافعی فی الأم ( 1 : 266 ) ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 2 : 377 ).

وأن یضجعه علی جانبه الأیمن مستقبل القبلة ، إلا أن تکون امرأة غیر مسلمة حاملا من مسلم فیستدبر بها القبلة.

______________________________________________________

قوله : وأن یضجعه علی جانبه الأیمن مستقبل القبلة.

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا منهم ، سوی ابن حمزة حیث عدّ ذلک مستحبا (1) ، والأصل فی هذا الحکم التأسّی بالنبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، وما رواه معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان البراء بن معرور التمیمی الأنصاری بالمدینة ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله بمکة ، وإنه حضره الموت وکان رسول الله صلی الله علیه و آله والمسلمون یصلّون إلی بیت المقدس فأوصی البراء إذا دفن أن یجعل وجهه إلی رسول الله صلی الله علیه و آله إلی القبلة فجرت به السنّة ، وأنه أوصی بثلث ماله فنزل به الکتاب وجرت به السنّة » (2).

قوله : إلا أن تکون امرأة غیر مسلمة حاملا من مسلم فیستدبر بها القبلة.

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء قاله فی التذکرة (3) ، وإنما وجب الاستدبار بها لیکون وجه الولد إلی القبلة ، لأن وجهه إلی ظهرها ، وهو المقصود بالدفن ، وقد صرح الشیخان (4) وأتباعهما (5) بأنها تدفن فی مقابر المسلمین إکراما للولد ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه أحمد بن أشیم ، عن یونس ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل تکون له الجاریة الیهودیة والنصرانیة فیواقعها فتحمل ، ثم یدعوها إلی أن تسلم فتأبی علیه ، فدنی ولادتها فماتت وهی تطلق والولد فی بطنها ومات الولد ، أیدفن معها علی

اضجاع المیت علی الجانب الأیمن مستقبل القبلة

الاستدبار بغیر المسلمة الحاملة من مسلم

ص: 136


1- الوسیلة : (68).
2- الکافی ( 3 : 254 - 16 ) ، الفقیه ( 4 : 137 - 479 ) ، التهذیب ( 9 : 192 - 771 ) ، علل الشرائع ( 2 : 566 - 1 ) ، الوسائل ( 13 : 361 ) أبواب فی أحکام الوصایا ب 10 ح 1.
3- التذکرة ( 1 : 52 ، 56 ).
4- المفید فی المقنعة : (13) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 180 ) ، والخلاف ( 1 : 297 ) ، والنهایة : (42).
5- منهم ابن حمزة فی الوسیلة : (68).

والسنن : أن یحفر القبر قدر القامة أو إلی الترقوة ،

______________________________________________________

النصرانیة؟ أو یخرج منها ویدفن علی فطرة الإسلام؟ فکتب : « یدفن معها » (1).

قال فی المعتبر : ولست أری فی هذا حجة ، أما أولا : فلأن ابن أشیم ضعیف جدا علی ما ذکره النجاشی فی کتاب المصنفین ، والشیخ - رحمه الله . وأما ثانیا : فلأن دفنه معها لا یتضمن دفنها فی مقبرة المسلمین ، بل ظاهر اللفظ یدل علی أنه یدفن معها حیث تدفن هی ، ولا إشعار فی الروایة بموضع دفنها.

والوجه أنّ الولد لما کان محکوما له بأحکام المسلمین لم یجز دفنه فی مقابر أهل الذمة ، وإخراجه مع موتهما غیر جائز ، فیتعین دفنها معه (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو حسن. وقال بعض العامة : إنها تدفن بین مقبرة المسلمین والنصاری ویستدبر بها (3) ، وقال آخرون کما قلناه (4).

قوله : والسنن أن یحفر القبر قدر قامة أو إلی الترقوة.

هذا مذهب الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه مرسلا عن الصادق علیه السلام ، قال : « حد القبر إلی الترقوة » (5).

وما رواه الشیخ عن سعد بن عبد الله ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « حد القبر إلی الترقوة » (6) ، وقال بعضهم إلی الثدی ، وقال بعضهم قامة الرجل حتی یمدّ الثوب علی رأس من فی القبر ، وأما اللحد فبقدر ما یمکن فیه الجلوس والظاهر أنّ هذا من محکی ابن أبی عمیر ، لأن

- سنن الدفن

حفر القبر قدر قامة

ص: 137


1- التهذیب ( 1 : 334 - 980 ) ، الوسائل ( 2 : 866 ) أبواب الدفن ب (39) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 292 ).
3- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 2 : 416 ، 423 ).
4- منهم ابن حزم فی المحلی ( 5 : 142 ، 143 ).
5- الفقیه ( 1 : 107 - 498 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (14) ح (2).
6- التهذیب ( 1 : 451 - 1469 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (14) ح (2).

ویجعل له لحد مما یلی القبلة.

ویحلّ عقد الأکفان من قبل رأسه ورجلیه ،

______________________________________________________

الإمام لا یحکی قول أحد ، والکلینی أسنده إلی سهل بن زیاد ، قال - یعنی سهل - : روی أصحابنا أنّ حدّ القبر إلی آخره (1).

وروی السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام : « أنّ النبی صلی الله علیه و آله نهی أن یعمّق القبر فوق ثلاثة أذرع » (2).

قوله : ویجعل له لحد مما یلی القبلة.

قال المصنف فی المعتبر (3) : معناه أن الحافر إذا انتهی إلی أرض القبر حفر مما یلی القبلة حفیرا واسعا قدر ما یجلس فیه الجالس ، وإنما استحب ذلک لقوله علیه السلام : « اللحد لنا والشق لغیرنا » (4) ولروایة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « أن رسول الله صلی الله علیه و آله لحّد له أبو طلحة الأنصاری » (5) ولو کانت الأرض رخوة لا تحمل اللحد یعمل له شبه اللحد من بناء تحصیلا للفضیلة ، قاله فی المعتبر (6).

قوله : ویحلّ عقد الأکفان من قبل رأسه ورجلیه.

المستند فی ذلک بعد الإجماع ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی حمزة قال ، قلت لأحدهما علیهماالسلام : یحلّ کفن المیت؟ قال : « نعم ، ویبرز وجهه » (7).

عمل اللحد مما یلی القبلة

حل عقد الأکفان

ص: 138


1- الکافی ( 3 : 165 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (14) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 166 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 451 - 1466 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (14) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 296 ).
4- سنن البیهقی ( 3 : 408 ).
5- الکافی ( 3 : 166 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 451 - 1467 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (15) ح (1).
6- المعتبر ( 1 : 296 ).
7- التهذیب ( 1 : 457 - 1491 ) ، الوسائل ( 2 : 841 ) أبواب الدفن ب (19) ح (1).

ویجعل معه شی ء من تربة الحسین علیه السلام ،

______________________________________________________

وعن محفوظ الإسکاف ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت أن تدفن المیت فلیکن أعقل من ینزل فی قبره عند رأسه ، ولیکشف عن خدّه الأیمن حتی یفضی به إلی الأرض » (1) ومقتضی الروایتین أنه یستحب مع حلّ العقد إبراز الوجه والإفضاء بالخد إلی الأرض.

وروی ابن أبی عمیر فی الصحیح ، عن غیر واحد من أصحابه ، وعن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یشق الکفن من عند رأس المیت إذا أدخل قبره » (2) قال فی المعتبر : وهذه الروایة مخالفة لما علیه الأصحاب ، ولأن ذلک إفساد للمال علی وجه غیر مشروع (3). وقد یقال : إنّ مخالفة الخبر لما علیه الأصحاب لا یقتضی رده إذا سلم السند من الطعن. والإفساد غیر ضائر ، فإن الجمیع ضائع ، خصوصا مع إذن الشرع فیه.

وأجاب عنه فی الذکری : بإمکان أن یراد بالشق الفتح لیبدو وجهه ، فإن الکفن کان منضمّا ، قال : فعلی هذا فلا مخالفة ولا إفساد (4). وهو غیر بعید ، فإن مثل هذا الإطلاق مستعمل عند أهل العرف.

قوله : ویجعل معه شی ء من تربة الحسین علیه السلام .

ذکر ذلک الشیخان (5) ( ولم أقف لهما علی مأخذ سوی التبرک بها ، ولعلّه کاف فی

جعل شئ من تربة الحسین مع المیت

ص: 139


1- الکافی ( 3 : 195 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 317 - 923 ) ، الوسائل ( 2 : 843 ) أبواب الدفن ب (20) ح (4).
2- الکافی ( 3 : 196 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 317 - 921 ) ، وص ( 458 - 1493 ) ، الوسائل ( 2 : 842 ، 841 ) أبواب الدفن ب (19) ح ( 6 ، 2 ).
3- المعتبر ( 1 : 301 ).
4- الذکری : (66).
5- نقله عن الشیخ المفید فی السرائر : (33) ، والمعتبر ( 1 : 301 ) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 186 ) ، والنهایة : (38) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (167).

ویلقّنه ویدعو له ،

______________________________________________________

ذلک ) (1) واختلف قولهما فی موضع جعلها ، فقال المفید فی المقنعة : یوضع تحت خدّه (2). وقال الشیخ - رحمه الله - : تلقاء وجهه (3). وقیل : فی کفنه (4). قال فی المختلف : والکل عندی جائز ، لأن التبرک موجود فی الجمیع (5).

ونقل أنّ امرأة قذفها القبر مرارا لأنها کانت تزنی وتحرق أولادها ، وأن أمّها أخبرت الصادق علیه السلام بذلک فقال : « إنها کانت تعذب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا معها شیئا من تربة الحسین علیه السلام فاستقرّت » (6) قال الشیخ نجیب الدین فی درسه : یصلح أن یکون هذا متمسکا ، حکاه فی الذکری (7) ، وفیه ما فیه (8).

قوله : ویلقّنه ، ویدعو له.

یستحب لملحد المیت أن یلقّنه الشهادتین ، وأسماء الأئمة علیهم السلام ، ویدعو له ، والأخبار بذلک مستفیضة ، بل قال فی الذکری : إنها تکاد أن تبلغ التواتر (9). فروی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قال : « إذا وضعت المیت فی لحده فقل : بسم الله ، وفی سبیل الله ، وعلی ملة رسول الله صلی الله علیه و آله ، واقرأ آیة الکرسی ،

تلقین المیت

ص: 140


1- ما بین القوسین لیس فی « س ».
2- نقله عن المقنعة فی الذکری : (66).
3- الاقتصاد : (250).
4- کما فی الذکری : (66).
5- المختلف : (121).
6- المنتهی ( 1 : 461 ) ، الوسائل ( 2 : 742 ) أبواب التکفین ب (12) ح (2).
7- الذکری : (66).
8- فی « س » ، « ح » زیادة : ویدل علی استحباب جعل التربة مع المیت صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن جعفر الحمیری قال : کتبت إلی الفقیه أسأله عن طین القبر یوضع مع المیت فی قبره هل یجوز ذلک أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقیع ومنه نسخت : « یوضع مع المیت فی قبره ویخلط بحنوطه انّ شاء الله » وینبغی خلط الحنوط بالتربة کما تضمنته الروایة.
9- الذکری : (66).

ثم یشرج اللبن ،

______________________________________________________

واضرب بیدک علی منکبه الأیمن ثم قال : یا فلان ابن فلان قل : رضیت بالله ربّا ، وبالإسلام دینا ، وبمحمّد رسولا ، وبعلیّ إماما ، وتسمی إمام زمانه » (1).

وروی محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « إذا وضع المیت فی لحده فقل : بسم الله ، وفی سبیل الله ، وعلی ملة رسول الله صلی الله علیه و آله ، عبدک ابن عبدک نزل بک وأنت خیر منزول به ، اللهم افسح له فی قبره ، وألحقه بنبیه ، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خیرا وأنت أعلم به. فإذا وضعت علیه اللّبن فقل : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، واسکن إلیه من رحمتک رحمة تغنیه عن رحمة من سواک. وإذا خرجت من قبره فقل : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ ) ، والحمد لله رب العالمین ، اللهم ارفع درجته فی أعلی علیین ، واخلف علی عقبه فی الغابرین ، یا ربّ العالمین » (2).

قوله : ثم یشرج اللبن.

أی : تنضده بالطین وشبهه علی وجه یمنع وصول التراب إلی المیت ، وقد أجمع الأصحاب علی استحبابه ، ورواه جماعة منهم إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ثم تضع الطین واللّبن ، فما دمت تضع الطین واللّبن تقول : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، واسکن إلیه من رحمتک رحمة تغنیه بها عن رحمة من سواک ، فإنما رحمتک للظالمین » (3). وروی أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله لحد رجلا فرأی فرجة فسواها بیده ، ثم قال : « إذا عمل أحدکم عملا فلیتقن » (4).

شرج اللبن

ص: 141


1- الکافی ( 3 : 196 - 7 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 457 - 1490 ) ، الوسائل ( 2 : 844 ) أبواب الدفن ب (20) ح (6).
2- الکافی ( 3 : 196 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 316 - 920 ) ، الوسائل ( 2 : 845 ) أبواب الدفن ب (21) ح (2).
3- التهذیب ( 1 : 457 - 1492 ) ، الوسائل ( 2 : 847 ) أبواب الدفن ب (21) ح (6).
4- الکافی ( 3 : 262 - 45 ) ، الوسائل ( 2 : 883 ) أبواب الدفن ب (60) ح (1) بتفاوت یسیر.

ویخرج من قبل رجلی القبر ، ویهیل الحاضرون التراب بظهور الأکفّ قائلین ، إنّا لله وإنا إلیه راجعون ،

______________________________________________________

قوله : ویخرج من قبل رجلی القبر.

احتراما للمیت ، ولقول النبی صلی الله علیه و آله : « إنّ لکل بیت بابا ، وإن باب القبر من قبل الرجلین » (1) وقول الصادق علیه السلام : « من دخل القبر فلا یخرج إلا من قبل الرجلین » (2) وإطلاق الروایات یقتضی عدم الفرق بین الرجل والمرأة ، وبه قال أکثر الأصحاب.

وقال ابن الجنید : فی المرأة یخرج من عند رأسها (3) ، ولم نقف فیه علی أثر ولعله للبعد عن العورة.

قوله : ویهیل الحاضرون علیه التراب بظهور الأکفّ ، قائلین : إنّا لله وإنا إلیه راجعون.

قال فی القاموس : هال علیه التراب یهیل هیلا ، وإهالة فانهال ، وهیّله فتهیّل : صبّه فانصبّ (4).

ویدل علی استحباب الإهالة روایات کثیرة ، منها : حسنة داود بن النعمان ، قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام یقول : « ما شاء الله لا ما شاء الناس » فلمّا انتهی إلی القبر تنحی فجلس ، فلما ادخل المیت لحده قام فحثا علیه التراب ثلاث مرات بیده (5).

الخروج من قبل رجلی القبر

إهالة التراب بظهور الأکف

ص: 142


1- الکافی ( 3 : 193 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 316 - 918 ) ، الوسائل ( 2 : 849 ) أبواب الدفن ب (22) ح ( 4 ، 7 ).
2- الکافی ( 3 : 193 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 316 - 917 ) ، الوسائل ( 2 : 850 ) أبواب الدفن ب (23) ح (1).
3- نقله عنه فی المختلف : (121).
4- القاموس المحیط ( 4 : 73 ).
5- الکافی ( 3 : 198 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 854 ) أبواب الدفن ب (29) ح (1).

ویرفع القبر مقدار أربع أصابع ، ویربّع ،

______________________________________________________

وحسنة عمر بن أذینة ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یطرح التراب علی المیت فیمسکه ساعة فی یده ثم یطرحه ، ولا یزید علی ثلاثة أکف ، قال : فسألته عن ذلک فقال : « یا عمر کنت أقول : إیمانا بک وتصدیقا ببعثک ، هذا ما وعدنا الله ورسوله - إلی قوله - : تسلیما ، هکذا کان یفعل رسول الله صلی الله علیه و آله ، وبه جرت السنة » (1).

وروایة السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا حثوت التراب علی المیت فقل : إیمانا بک وتصدیقا ببعثک ، هذا ما وعدنا الله ورسوله » قال : « وقال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : من حثا علی میت وقال هذا القول أعطاه الله بکل ذرة حسنة » (2).

وذکر الأصحاب استحباب کون الإهالة بظهور الأکف ، والترجیع فی تلک الحالة ، ولم أقف فیها علی أثر.

قوله : ویرفع القبر مقدار أربع أصابع ، ویربّع.

یدل علی ذلک مضافا إلی إجماع الأصحاب روایة محمد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن المیت ، فقال : « تسلّه من قبل الرجلین ، وتلزق القبر بالأرض إلاّ قدر أربع أصابع مفرجات ، وتربّع قبره » (3).

رفع القبر مقدار أربع أصابع

ص: 143


1- الکافی ( 3 : 198 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 854 ) أبواب الدفن ب (29) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 198 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 319 - 926 ) ، الوسائل ( 2 : 855 ) أبواب الدفن ب (29) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 195 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 315 - 916 ) ، و ( 458 - 1494 ) ، الوسائل ( 2 : 848 ) أبواب الدفن ب (22) ح (2).

ویصب علیه الماء من قبل رأسه ، ثم یدور علیه ، فإن فضل من الماء شی ء ألقاه علی وسط القبر ،

______________________________________________________

قوله : ویصبّ علیه الماء من قبل رأسه ، ثم یدور علیه ، فإن فضل من الماء شی ء ألقاه علی وسط القبر.

لا خلاف فی استحباب رشّ القبر بالماء بعد الفراغ منه ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة ، منها : حسنة زرارة قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا فرغت من القبر فانضحه ، ثم ضع یدک عند رأسه وتغمز بیدک بعد النضح » (1).

وحسنة حمّاد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن أبی قال لی ذات یوم فی مرضه : یا بنیّ أدخل أناسا من قریش من أهل المدینة حتی أشهدهم ، قال : فأدخلت علیه أناسا منهم ، فقال : یا جعفر إذا أنا متّ فغسّلنی وکفّنّی وارفع قبری أربع أصابع ورشّه بالماء ، فلمّا خرجوا قلت : یا أبة لو أمرتنی بهذا صنعته ولم ترد أن ادخل علیک قوما تشهدهم؟ فقال : یا بنیّ أردت أن لا تنازع » (2).

وروایة ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رشّ الماء علی القبر ، قال : « یتجافی عنه العذاب ما دام الندی فی التراب » (3).

ومقتضی هذه الروایات إجزاء النضح کیف اتفق ، لکن الأولی فی کیفیته ما رواه موسی بن أکیل النمیری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « السنة فی رشّ الماء علی القبر أن یستقبل القبلة ویبدأ من عند الرأس إلی عند الرجل ، ثم یدور علی القبر من

صب الماء علی القبر

ص: 144


1- الکافی ( 3 : 200 - 8 ) ، الوسائل ( 2 : 859 ) أبواب الدفن ب (32) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
2- الکافی ( 3 : 200 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 320 - 933 ) ، الوسائل ( 2 : 857 ) أبواب الدفن ب (31) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 200 - 6 ) ، علل الشرائع : ( 307 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 859 ) أبواب الدفن ب (32) ح (2).

وتوضع الید علی القبر ، ویترحم علی المیت ، ویلقنه الولی بعد انصراف الناس بأرفع صوته ،

______________________________________________________

الجانب الآخر ، ثم یرش علی وسط القبر فذلک السنة » (1) ولا یخفی قصور العبارة عن تأدیة هذا المعنی.

قوله : وتوضع الید علی القبر ، ویترحم علی المیت.

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه محمد بن مسلم ، قال : کنت مع أبی جعفر علیه السلام فی جنازة رجل من أصحابنا فلمّا دفنوه قام علیه السلام إلی قبره فحثا علیه مما یلی رأسه ثلاثا بکفه ، ثم بسط کفّه علی القبر ، ثم قال : « اللهم جاف الأرض عن جنبیه ، واصعد إلیک روحه ، ولقّه منک رضوانا ، واسکن قبره من رحمتک ما تغنیه به عن رحمة من سواک » ثم مضی (2).

قوله : ویلقنه الولی بعد انصراف الناس بأرفع صوته.

هذا هو التلقین الثالث ، قال فی المعتبر : واستحبابه مذهب علمائنا أجمع ، وأنکر ذلک من سواهم من الفقهاء الأربعة (3).

ویدل علی ذلک أخبار کثیرة ، منها : ما رواه جابر بن یزید ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ما علی أحدکم إذا دفن میّته وسوی علیه وانصرف عن قبره أن یتخلّف عند قبره ثم یقول : یا فلان ابن فلان أنت علی العهد الذی عهدناک به من شهادة أنّ لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا رسول الله صلی الله علیه و آله ، وأنّ علیّا أمیر المؤمنین علیه السلام إمامک وفلان حتی یأتی علی آخرهم ، فإنه إذا فعل ذلک قال أحد الملکین

وضع الید علی القبر والترحم علی المیت

تلقین الولی المیت بعد انصراف الناس

ص: 145


1- التهذیب ( 1 : 320 - 931 ) ، الوسائل ( 2 : 859 ) أبواب الدفن ب (32) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 198 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 319 - 927 ) ، الوسائل ( 2 : 855 ) أبواب الدفن ب (29) ح (3).
3- المعتبر ( 1 : 303 ).

والتعزیة مستحبة ، وهی جائزة قبل الدفن وبعده ، ویکفی أن یراه صاحبها

______________________________________________________

لصاحبه : قد کفینا الوصول إلیه ومسألتنا إیاه فإنه قد لقّن ، فینصرفان عنه ولا یدخلان إلیه » (1).

ولم یتعرض المصنف لکیفیة وقوف الملقّن ، وقال ابن إدریس : إنه یستقبل القبلة والقبر (2). وقال أبو الصلاح ، وابن البراج ، والشیخ یحیی بن سعید : یستدبر القبلة ، والقبر أمامه (3). والکل حسن إنّ شاء الله ، لإطلاق الروایات المتناولة لذلک ولغیره.

قوله : والتعزیة مستحبة ، وهی جائزة قبل الدفن وبعده.

التعزیة تفعلة من العزاء وهو الصبر ، والمراد به : طلب التسلی عن المصاب بإسناد الأمر إلی الله تعالی ، ونسبته إلی عدله وحکمته ، وذکر ما أوعد الله علی الصبر ، مع الدعاء للمیت. وأقلّها أن یراه صاحب المصیبة. وقد أجمع العلماء کافة علی استحبابها ، وثوابها عظیم ، فعن الصادق علیه السلام أنه قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من عزّی حزینا کسی فی الموقف حلة یحبی بها » (4) وعنه صلی الله علیه و آله أنه قال : « من عزّی مصابا کان له مثل أجره من غیر أن ینقص من أجر المصاب شی ء » (5).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : « من عزّی الثکلی أظلّه الله فی ظلّ عرشه یوم لا ظلّ إلا ظلّه » (6).

التعزیة

ص: 146


1- التهذیب ( 1 : 459 - 1496 ) ، الوسائل ( 2 : 863 ) أبواب الدفن ب (35) ح (2).
2- السرائر : (33).
3- أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (239) ، وابن البراج فی المهذب ( 1 : 64 ) ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : (55).
4- الکافی ( 3 : 226 - 2 ) ، ثواب الأعمال : ( 235 - 2 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 872 ) أبواب الدفن ب (46) ح (4).
5- الکافی ( 3 : 205 ، 227 - 2 ، 4 ) ، قرب الاسناد : (72) ، ثواب الأعمال : ( 236 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 871 ) أبواب الدفن ب (46) ح (2).
6- الکافی ( 3 : 227 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 872 ) أبواب الدفن ب (46) ح (5).

ویکره فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة ،

______________________________________________________

وقال أبو جعفر علیه السلام : « کان فیما ناجی به موسی ربه فقال : یا ربّ ما لمن عزّی الثکلی؟ قال : أظلّه فی ظلّی یوم لا ظلّ إلا ظلّی » (1).

وتجوز قبل الدفن وبعده ، لما رواه هشام بن الحکم فی الصحیح ، قال : رأیت موسی بن جعفر علیه السلام یعزی قبل الدفن وبعده (2). والأفضل کونها بعد الدفن عند الشیخ (3) والمصنف (4) وأکثر الأصحاب ، لما رواه ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « التعزیة لأهل المصیبة بعد ما یدفن » (5).

وذکر الشیخ فی المبسوط : أنه یکره الجلوس للتعزیة یومین وثلاثة إجماعا (6). ومنعه ابن إدریس وقال : أیّ کراهة فی جلوس الإنسان فی داره للقاء إخوانه والتسلیم علیهم واستجلاب الثواب لهم فی لقائه وعزائه (7). وهو حسن ، إلاّ أن یتضمن ذلک الجزع وترک الصبر فیکره لذلک.

قوله : ویکره فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة.

أمّا الکراهة مع انتفاء الضرورة فلأنه إتلاف للمال غیر مأذون فیه من الشرع فیکون مرجوحا ، وأمّا انتفاء الکراهة مع الضرورة فلما رواه علی بن محمد القاسانی قال : کتب

- مکروهات الدفن

فرش القبر بالساج

ص: 147


1- الکافی ( 3 : 226 - 1 ) ، ثواب الأعمال : (231) ، الوسائل ( 2 : 871 ) أبواب الدفن ب (46) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 205 - 9 ) ، الفقیه ( 1 : 110 - 503 ) ، التهذیب ( 1 : 463 - 1516 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 769 ) ، الوسائل ( 2 : 873 ) أبواب الدفن ب (47) ح (1).
3- الخلاف ( 1 : 297 ).
4- المعتبر ( 1 : 342 ).
5- الکافی ( 3 : 204 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 463 - 1512 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 770 ) ، الوسائل ( 2 :873 ) أبواب الدفن ب (48) ح (1).
6- المبسوط ( 1 : 189 ).
7- السرائر : (34).

وأن یهیل ذو الرحم علی رحمه ،

______________________________________________________

علیّ بن بلال إلی أبی الحسن علیه السلام : أنّه ربما مات المیّت عندنا وتکون الأرض ندیّة فنفرش القبر بالساج أو نطبق علیه فهل یجوز ذلک؟ فکتب : « ذلک جائز » (1).

قال فی الذکری (2) : أمّا وضع الفرش علیه والمخدّة فلا نصّ فیه ، نعم روی ابن عباس من طرقهم أنه جعل فی قبر النبیّ صلی الله علیه و آله قطیفة حمراء (3).

قلت : وقد روی الکلینی - رحمه الله - بسنده إلی یحیی بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام نحو ذلک ، فإنه قال : « ألقی شقران مولی رسول الله صلی الله علیه و آله فی قبره القطیفة » (4).

قوله : وأن یهیل ذو الرحم علی رحمه.

ذکر ذلک الشیخان (5) وأتباعهما (6) ، قال فی المعتبر : وعلیه فتوی الأصحاب (7). ویدل علیه موثقة عبید بن زرارة ، قال : مات لبعض أصحاب أبی عبد الله علیه السلام ولد ، فحضر أبو عبد الله علیه السلام فلمّا الحد تقدم أبوه فطرح علیه التراب فأخذ أبو عبد الله علیه السلام بکفّیه وقال : « لا تطرح علیه التراب ، ومن کان منه ذا رحم فلا یطرح علیه التراب ، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله نهی أن یطرح الوالد أو ذو رحم علی میّته التراب » فقلنا : یا بن رسول الله ، أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال : « أنها کم أن

إهالة ذی الرحم علی رحمه

ص: 148


1- الکافی ( 3 : 197 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 456 - 1488 ) ، الوسائل ( 2 : 853 ) أبواب الدفن ب (27) ح (1).
2- الذکری : (66).
3- السیرة النبویة لابن کثیر ( 4 : 534 ).
4- الکافی ( 3 : 197 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 853 ) أبواب الدفن ب (27) ح (2).
5- المفید فی المقنعة : (12) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 187 ) ، والنهایة : (39).
6- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 65 ) ، وسلار فی المراسم : (51) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (68).
7- المعتبر ( 1 : 300 ).

وتجصیص القبور

______________________________________________________

تطرحوا التراب علی ذوی أرحامکم ، فإن ذلک یورث القسوة فی القلب ومن قسا قلبه بعد من ربه » (1).

قوله : وتجصیص القبور.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، قاله ( الشیخ فی المبسوط (2) والعلامة ) (3) فی التذکرة (4) ، ویدل علیه ما رواه علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن البناء علی القبر والجلوس علیه هل یصلح؟ فقال : « لا یصلح البناء علی القبر ولا الجلوس ، ولا تجصیصه ، ولا تطیینه » (5).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی کراهة التجصیص بین وقوعه ابتداء أو بعد الاندراس ، وقال الشیخ (6) - رحمه الله - : لا بأس بالتجصیص ابتداء ، وإنما المکروه إعادتها بعد اندراسها ، لما روی من أنّ الکاظم علیه السلام أمر بعض موالیه بتجصیص قبر ابنة له ماتت بفید وهو قاصد إلی المدینة ، وکتابة اسمها علی لوح ، وجعله فی القبر (7). وسند الروایتین قاصر.

تجصیص القبور

ص: 149


1- الکافی ( 3 : 199 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 319 - 928 ) ، علل الشرائع : ( 304 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 855 ) أبواب الدفن ب (30) ح (1).
2- المبسوط ( 1 : 187 ).
3- ما بین القوسین من « ح ».
4- التذکرة ( 1 : 56 ).
5- التهذیب ( 1 : 461 - 1503 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 767 ) ، الوسائل ( 2 : 869 ) أبواب الدفن ب (44) ح (1).
6- المبسوط ( 1 : 187 ) ، والنهایة : (44).
7- الکافی ( 3 : 202 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 461 - 1501 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 768 ) ، الوسائل ( 2 : 864 ) أبواب الدفن ب (37) ح (2). وفید : منزل بطریق مکة ( الصحاح 2 : 521 ).

وتجدیدها ،

______________________________________________________

وکیف کان فیستثنی من ذلک قبور الأنبیاء والأئمة علیهم السلام ، لإطباق الناس علی البناء علی قبورهم من غیر نکیر ، واستفاضة الروایات بالترغیب فی ذلک ، بل لا یبعد استثناء قبور العلماء والصلحاء أیضا ، استضعافا لخبر المنع ، والتفاتا إلی أنّ فی ذلک تعظیما لشعائر الإسلام ، وتحصیلا لکثیر من المصالح الدینیة کما لا یخفی.

قوله : وتجدیدها.

أی بعد اندراسها. والمستند ما روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : « من جدّد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج من الإسلام » (1).

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : واختلف مشایخنا فی معنی هذا الخبر فقال محمد بن الحسن الصفّار : هو جدّد بالجیم لا غیر ، وکان شیخنا محمّد بن الحسن بن الولید یحکی عنه أنّه قال : لا یجوز تجدید القبر ولا تطیین جمیعه بعد مرور الأیام وبعد ما طیّن فی الأوّل ، ولکن إذا مات میت فطیّن قبره ، فجائز أن یرمّ سائر القبور من غیر أن تجدّد. وذکر عن سعد بن عبد الله أنه کان یقول : إنما هو من حدّد قبرا بالحاء غیر المعجمة یعنی به : من سنّم قبرا. وذکر عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی أنه قال : إنما هو جدّث قبرا ، وتفسیر الجدث بالقبر فلا ندری ما عنی به. والذی أذهب إلیه أنه جدّد بالجیم ومعناه : نبش قبرا ، لأن من نبش قبرا فقد جدّده ، وأحوج إلی تجدیده ، وقد جعله جدثا محفورا.

وأقول : إنّ التجدید علی المعنی الذی ذهب إلیه محمد بن الحسن الصفّار ، والتحدید بالحاء غیر المعجمة الذی ذهب إلیه سعد بن عبد الله ، والذی ذهب إلیه البرقی کلّه داخل فی معنی الحدیث ، وإن من خالف الإمام علیه السلام فی التجدید والتسنیم

تجدید القبور

ص: 150


1- الفقیه ( 1 : 120 - 579 ) ، التهذیب ( 1 : 459 - 1497 ) ، الوسائل ( 2 : 868 ) أبواب الدفن ب (43) ح (1).

ودفن میتین فی قبر واحد ،

______________________________________________________

والنبش واستحلّ شیئا من ذلک فقد خرج من الإسلام (1). هذا کلامه - رحمه الله . وفیه نظر من وجوه.

ولقد أحسن المصنف فی المعتبر حیث قال : وهذا الخبر رواه محمّد بن سنان ، عن أبی الجارود ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علیّ علیه السلام ، ومحمّد بن سنان ضعیف ، وکذا أبو الجارود فإذا الروایة ساقطة فلا ضرورة إلی التشاغل بتحقیق متنها (2).

قوله : ودفن میتین فی قبر واحد.

لقولهم علیهم السلام : « لا یدفن فی قبر واحد اثنان » نقله الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط مرسلا (3). ومع الضرورة تزول الکراهة قطعا ، وقد روی عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنه قال للأنصار یوم أحد : « احفروا وأوسعوا وعمّقوا واجعلوا الاثنین والثلاثة فی القبر الواحد » (4).

هذا إذا دفنا ابتداء ، أمّا إذا دفن أحدهما ثم أرید نبشه ودفن آخر فیه فقال فی المبسوط بکراهته أیضا (5) ، وقیل بالمنع ، لتحریم النبش ، ولأنّ القبر صار حقا للأول بدفنه فیه فلم یجز مزاحمة الثانی (6).

ویرد علی الأول : أنّ الکلام فی إباحة الدفن نفسه لا النبش ، وأحدهما غیر الآخر.

وعلی الثانی : أنّا لا نسلّم ثبوت حق للأوّل فی ذلک المحل ینافی دفن الثانی فیه.

دفن میتین فی قبر واحد

ص: 151


1- الفقیه ( 1 : 120 ).
2- المعتبر ( 1 : 304 ).
3- المبسوط ( 1 : 187 ).
4- مسند أحمد بن حنبل ( 4 : 19 ) ، سنن ابن ماجة ( 1 : 497 - 1560 ) ، سنن النسائی ( 4 : 83 ).
5- المبسوط ( 1 : 187 ).
6- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 62 ).

وأن ینقل المیت من بلد إلی آخر إلا إلی أحد المشاهد ، وأن یستند إلی قبر أو یمشی علیه.

______________________________________________________

هذا کلّه فی غیر السّرب (1) ، أمّا فیه فیجوز مطلقا ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق.

قوله : وأن ینقل المیت من بلد إلی آخر إلا إلی أحد المشاهد.

أمّا کراهة نقل المیت إلی غیر بلد موته فی غیر المشاهد المشرفة فقال فی المعتبر : إنّ علیه العلماء أجمع ، واستدل علیه بقول النبی صلی الله علیه و آله : « عجّلوهم إلی مضاجعهم » (2) وهو دلیل علی الاقتصار علی المواضع القریبة المعهودة بالدفن (3).

وأما جواز النقل إلی المشاهد المشرفة بل استحبابه ، فقال : إنه مذهب علمائنا خاصة قال : وعلیه عمل الأصحاب من زمن الأئمة علیهم السلام إلی الآن ، وهو مشهور بینهم لا یتناکرونه ، ولأنه یقصد بذلک التمسک بمن له أهلیة الشفاعة ، وهو حسن فی الأحیاء توصّلا إلی فوائد الدنیا ، فالتوصل إلی فوائد الآخرة ، أولی. وهو جیّد ، لانتفاء المعارض.

قال فی الذکری : ولو کان هناک مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء استحب النقل إلیها أیضا لیناله برکتهم (4). ولا بأس به.

قوله : وأن یستند إلی قبر أو یمشی علیه.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، بل قال الشیخ فی الخلاف : إنه قول العلماء أجمع (5) ، واستدلّ بقوله علیه السلام : « لإن یجلس أحدکم علی جمر فیحرق ثیابه

نقل المیت إلی بلد آخر

الاستناد إلی القبر والمشی علیه

ص: 152


1- السّرب : بیت فی الأرض ( الصحاح 1 : 147 ).
2- الکافی ( 3 : 137 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 85 - 389 ) ، التهذیب ( 1 : 427 - 1359 ) ، الوسائل ( 2 : 674 ) أبواب الاحتضار ب (47) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 307 ).
4- الذکری : (65).
5- الخلاف ( 1 : 287 ).

الخامس : فی اللواحق ، وهی مسائل أربع :

الاولی : لا یجوز نبش القبور ،

______________________________________________________

فتصل النار إلی بدنه أحبّ إلیّ من أن یجلس علی قبر » (1) وبقول الکاظم علیه السلام : « لا یصلح البناء علی القبر ولا الجلوس » (2).

ویتوجّه علیه أنّ النهی فی هاتین الروایتین إنما تعلّق بالجلوس خاصّة فینبغی قصر الکراهة علیه ، مع أن ابن بابویه - رحمه الله - روی فی کتابه مرسلا عن الکاظم علیه السلام أنه قال : « إذا دخلت المقابر فطأ القبور ، فمن کان مؤمنا استراح ومن کان منافقا وجد ألمه » (3) وحمله الشهید - رحمه الله - فی الذکری علی القاصد زیارتهم بحیث لا یتوصل إلی قبر إلاّ بالمشی علی آخر (4). وهو یتوقف علی المعارض.

قوله : الخامس : فی اللواحق ، وهی مسائل أربع ، الاولی : لا یجوز نبش القبور.

لا ریب فی تحریم النبش ، لأنه مثلة بالمیت وهتک له ، قال فی المعتبر : وعلی تحریم نبشه إجماع المسلمین إلاّ فی صور نذکرها ، وعدّ أربعا :

الأولی : إذا وقع فی القبر ما له قیمة فإنه یجوز نبشه لأخذه صیانة للمال عن الإضاعة.

الثانیة : إذا غصبت أرض ودفن فیها فلمالکها قلعه ، لأنه عدوان فیجب إزالته ، وکذا لو کفّن فی الثوب المغصوب.

- لواقح

حرمة نبش القبور

ص: 153


1- سنن البیهقی ( 4 : 79 ) ، بتفاوت یسیر.
2- التهذیب ( 1 : 461 - 1503 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 767 ) ، الوسائل ( 2 : 869 ) أبواب الدفن ب (44) ح (1).
3- الفقیه ( 1 : 115 - 539 ) ، الوسائل ( 2 : 885 ) أبواب الدفن ب (62) ح (1).
4- الذکری : (69).

ولا نقل الموتی بعد دفنهم ،

______________________________________________________

الثالثة : لو دفن ولم یغسّل ، قال الشافعی : نبش وغسّل وصلی علیه إذا لم یخش فساده فی نفسه. وقال الشیخ فی الخلاف : لا ینبش ، وهو الوجه ، لأنّ النبش مثلة فلا یستدرک الغسل بالمثلة.

الرابعة : لو دفن ولم یکفّن ولم یصلّ علیه ، فالوجه أنّه لا ینبش ، لأن الصلاة تستدرک بالصلاة علی قبره ، والکفن أغنی عنه الدفن ، لحصول الستر به (1). هذا کلامه - رحمه الله .

والذی یظهر قوّة ما ذهب إلیه الشافعی من وجوب النبش لاستدراک الغسل والتکفین إذا لم یخش فساد المیت ، لتوقف الواجب علیه ، والمثلة مع عدم خوف الفساد لم یثبت کونها مسقطة لذلک.

قوله : ولا نقل الموتی بعد دفنهم.

هذا قول الشیخ (2) وأکثر الأصحاب ، قال الشیخ - رحمه الله - : وقد ورد روایة بجواز نقله إلی بعض مشاهد الأئمة علیهم السلام سمعناها مذاکرة ، والأصل ما ذکرناه (3). وقال ابن إدریس : لا یجوز نقله ، وهو بدعة فی شریعة الإسلام ، سواء کان النقل إلی مشهد أو غیره (4). وجعله ابن حمزة مکروها (5) ، وقال ابن الجنید : لا بأس بتحویل الموتی من الأرض المغصوبة علیها ، ولصلاح یراد بالمیت (6).

ولم أقف للمانعین من النقل علی مستند سوی توقفه علی النبش المحرّم ، واستدعائه الهتک.

حرمة نقل الموتی بعد الدفن

ص: 154


1- المعتبر ( 1 : 308 ).
2- النهایة : (44).
3- النهایة : (44).
4- السرائر : (34).
5- الوسیلة : (69).
6- نقله عنه فی المختلف : (123). وفیه : المغصوب علیها.

ولا شقّ الثوب علی غیر الأب والأخ.

الثانیة : الشهید یدفن بثیابه ، وینزع عنه الخفّان أصابهما الدم أو لم یصبهما علی الأظهر ، ولا فرق بین أن یقتل بحدید أو بغیره.

______________________________________________________

ویرد علی الأول : أنه خروج عن موضع النزاع ، مع أنّ النبش قد یتحقق بغیر فعل المکلف ، أو بفعله خطأ أو نسیانا.

وعلی الثانی : إجمال الصغری وعدم کلیّة الکبری ، والأصل یقتضی الجواز إلی أن یثبت دلیل المنع.

قوله : ولا شقّ الثوب علی غیر الأب والأخ.

أی : ولا یجوز شقّ الثوب علی غیر الأب والأخ. أمّا علیهما فیجوز ، وعلی ذلک فتوی الأصحاب. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین الرجل والمرأة ، وقیل بجواز ذلک للنساء مطلقا (1) ، وهو اختیار العلاّمة فی النهایة (2) ، وفی روایة الحسن الصیقل : « لا ینبغی الصیاح علی المیت ولا شقّ الثیاب » (3) وهو ظاهر فی الکراهة ، ومقتضی الأصل الجواز إن لم یثبت النهی عن إضاعة المال علی وجه العموم.

قوله : الثانیة ، الشهید یدفن بثیابه ، وینزع عنه الخفّان ، أصابهما الدم أو لم یصبهما علی الأظهر.

أجمع العلماء کافة علی أنّ الشهید یدفن مع جمیع ثیابه أصابها الدم أو لم یصبها ، والأصل فیه قول النبیّ صلی الله علیه و آله : « ادفنوهم بثیابهم » (4) وقول الصادق علیه

حرمة شق الثوب

- حکم الشهید

ص: 155


1- کما فی الذکری : (72) ، والبیان : (32).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 290 ).
3- الکافی ( 3 : 225 - 8 ) ، الوسائل ( 2 : 916 ) أبواب الدفن ب (84) ح (2) ، وفیهما : عن امرأة الحسن الصیقل. وهو الصحیح ( راجع معجم رجال الحدیث 23 : 3. وج 5 : 164 ).
4- دعائم الإسلام ( 1 : 229 - 6 ) بتفاوت یسیر ، مستدرک الوسائل ( 2 : 178 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (2) ، مسند أحمد بن حنبل ( 1 : 247 ) ، سنن البیهقی ( 4 : 14 ).

______________________________________________________

السلام فی روایة أبان بن تغلب وقد سأله عن الشهید : « یدفن کما هو فی ثیابه » (1).

وما رواه زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال ، قلت له : کیف رأیت ، الشهید یدفن بدمائه؟ قال : « نعم فی ثیابه بدمائه » ثم قال : « دفن رسول الله صلی الله علیه و آله عمّه حمزة فی ثیابه بدمائه التی أصیب فیها ، وزاده النبیّ بردا فقصر عن رجلیه فدعی له بإذخر (2) فطرحه علیه » (3).

واختلف الأصحاب فیما یجب نزعه عنه ، فقال الشیخ فی الخلاف : لا ینزع عنه إلاّ الجلود (4). وقال فی المبسوط : یدفن معه جمیع ما علیه إلاّ الخفّین (5). وقال المفید فی المقنعة : ینزع عنه السراویل والفرو والقلنسوة إذا لم یصبها دم ، فإن أصابها دم دفنت معه (6). وهو روایة عمرو بن خالد ، عن زید بن علیّ ، عن آبائه علیهم السلام (7).

والمعتمد وجوب نزع ما لم یصدق علیه اسم الثوب ، لأنّ دفن ما عدا الثیاب تضییع لم یعتبره الشرع. وإنما یحصل الإشکال فی الثوب المعمول من الجلد ، من صدق التسمیة ، ومن أنّ المعهود فی العرف من الثیاب المنسوجة ، فینصرف إلیها الإطلاق.

ص: 156


1- الکافی ( 3 : 210 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 97 - 447 ) ، التهذیب ( 1 : 331 - 969 ) ، الإستبصار ( 1 : 214 - 755 ) ، الوسائل ( 2 : 700 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (7).
2- الإذخر : حشیش طیّب الریح أطول من الثیل ( لسان العرب 4 : 303 ).
3- الکافی ( 3 : 211 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 331 - 970 ) ، الاستبصار ( 1 : 214 - 756 ) ، بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 700 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (8).
4- الخلاف ( 1 : 288 ).
5- المبسوط ( 1 : 181 ).
6- المقنعة : (12).
7- الکافی ( 3 : 211 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 97 - 449 ) ، التهذیب ( 1 : 332 - 972 ) ، الوسائل ( 2 : 701 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (10).

الثالثة : حکم الصبیّ والمجنون إذا قتلا شهیدین حکم البالغ العاقل.

الرابعة : إذا مات ولد الحامل قطع واخرج ،

______________________________________________________

قوله : الثالثة ، حکم الصبیّ والمجنون إذا قتلا شهیدین حکم البالغ العاقل.

الوجه فی ذلک التمسک بإطلاق اللفظ ، وما روی من أنّه کان فی قتلی بدر وأحد أطفال کحارثة بن النعمان وعمر بن أبی وقّاص (1) ، وقتل مع الحسین علیه السلام ولده الرضیع ، ولم ینقل فی ذلک کلّه غسل.

قوله : الرابعة ، إذا مات ولد الحامل قطّع واخرج.

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل فیه الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف الإجماع (2) ، واستدل علیه بروایة وهب بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی المرأة یموت فی بطنها الولد فیتخوّف علیها ، قال : لا بأس أن یدخل الرجل یده فیقطعه ویخرجه إذا لم ترفق به النساء » (3).

قال المصنف فی المعتبر : ووهب هذا عامیّ ضعیف لا یعمل بما یتفرد به ، والوجه أنه إن أمکن التوصّل إلی إسقاطه صحیحا بشی ء من العلاجات ، وإلاّ توصّل إلی إخراجه بالأرفق فالأرفق ، ویتولّی ذلک النساء ، فإن تعذّر النساء فالرجال المحارم ، فإن تعذّر جاز أن یتولاّه غیرهم دفعا عن نفس الحیّ (4). وهو حسن ، والروایة لا تنافی ذلک (5).

- تقطیع الحمل وإخراجه إذا مات

ص: 157


1- طبقات ابن سعد ( 2 : 18 ) ، أعلام الوری : ( 77 ، 78 ).
2- الخلاف ( 1 : 297 ).
3- الکافی ( 3 : 155 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 344 - 1008 ) ، قرب الإسناد : (64) ، الوسائل ( 2 : 673 ) أبواب الاحتضار ب (46) ح (3).
4- المعتبر ( 1 : 316 ).
5- دفع بهذا الکلام توهم المصنف فی المعتبر منافاة ذلک لإطلاق الروایة ، کما هو مستفاد من کلامه.

وإن ماتت هی شقّ جوفها وانتزع ، وخیط الموضع.

______________________________________________________

قوله : وان ماتت هی شقّ جوفها من الجانب الأیسر وانتزع وخیط الموضع.

إذا ماتت الامّ وبقی الولد فی جوفها حیّا علی الیقین فالمشهور بین الأصحاب أنه یجب شقّ جوفها وإخراجه ، توصّلا إلی بقاء الحیّ ، ولا عبرة بکونه ممّا یعیش عادة کما نصّ علیه المصنف (1) وغیره (2) ، تمسکا بالإطلاق. نعم لو علم موته حال القطع انتفی وجوبه.

وقد ورد بذلک روایات ، منها : صحیحة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن المرأة تموت وولدها فی بطنها یتحرک ، قال : « یشق عن الولد » (3).

وإطلاق الروایات یقتضی عدم الفرق فی الجانب بین الأیمن والأیسر. وقیّده الشیخان فی المقنعة والنهایة وابن بابویه بالأیسر (4) ، ولا أعرف وجهه. وأمّا خیاطة المحل بعد القطع فقد نص علیه المفید فی المقنعة ، والشیخ فی المبسوط (5) ، وأتباعهما (6) ، وهو روایة ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة (7) ، وردّها المصنف فی المعتبر بالقطع ، وبأنه لا ضرورة إلی ذلک ، فإنّ المصیر إلی البلاء (8). وهو حسن ، لکن الخیاطة أولی ، لما فیها من ستر المیت وحفظه عن التبدّد ، وهو أولی من وضع القطن علی الدبر.

شق بطن الحامل واخراج الحمل إذا ماتت

ص: 158


1- المعتبر ( 1 : 316 ).
2- کالشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 15 ).
3- التهذیب ( 1 : 343 - 1004 ) ، الوسائل ( 2 : 674 ) أبواب الاحتضار ب (46) ح (6).
4- المقنعة : (13) ، والنهایة : (42) ، والفقیه ( 1 : 97 ).
5- المقنعة : (13) ، والمبسوط ( 1 : 180 ).
6- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 55 ) ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : (49).
7- التهذیب ( 1 : 344 - 1007 ) ، الوسائل ( 2 : 674 ) أبواب الاحتضار ب (46) ح (7).
8- المعتبر ( 1 : 316 ).

وأما الأغسال المسنونة ، فالمشهور منها ثمانیة وعشرون غسلا :

ستة عشر للوقت :

وهی غسل یوم الجمعة ،

______________________________________________________

قوله : وأما الأغسال المسنونة فالمشهور منها ثمانیة وعشرون غسلا :

استحباب هذه الأغسال مشهور فی الأخبار وکلام الأصحاب ، وقد ورد فی بعض الأخبار استحباب الغسل لغیر ذلک (1) وذکر الشهید - رحمه الله - فی النفلیّة أنها خمسون (2).

قوله : وهی : غسل الجمعة.

أجمع العلماء کافة علی مشروعیة غسل الجمعة ورجحانه ، وإنما الخلاف بینهم فی استحبابه ووجوبه ، فذهب الأکثر إلی الاستحباب ، وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : وغسل یوم الجمعة واجب علی الرجال والنساء فی السفر والحضر ، إلاّ أنه رخّص للنساء فی السفر لقلّة الماء ، ثم قال بعد ذلک : وغسل یوم الجمعة سنة واجبة (3).

والمعتمد الاستحباب ، لنا : أصالة البراءة ممّا لم یقم دلیل علی وجوبه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الغسل فی الجمعة ، والأضحی ، والفطر ، قال : « سنّة ولیس بفریضة » (4).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن غسل

الأغسال المسنونة

- أغسال الوقت

غسل الجمعة

ص: 159


1- الوسائل (2) أبواب الأغسال المسنونة ب ( 19 ، 22 ، 26 ، 30 ).
2- النفلیة : (8).
3- الفقیه ( 1 : 61 ).
4- التهذیب ( 1 : 112 - 295 ) ، الإستبصار ( 1 : 102 - 333 ) ، الوسائل ( 2 : 944 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (9).

______________________________________________________

الجمعة ، فقال : « سنّة فی السفر والحضر إلاّ أن یخاف المسافر علی نفسه القرّ » (1) والمفهوم فی اللغة والعرف من السنّة المستحب ، ومن الفریضة الواجب. وحمل السنّة هنا علی ما ثبت بالسنّة بعید جدّا ، إذ السؤال إنما وقع عن تحتّم فعله وعدمه ، لا عن مأخذ حکمه کما هو ظاهر.

احتج ابن بابویه بحسنة عبد الله بن المغیرة ، عن أبی الحسن الرّضا علیه السلام ، قال : سألته عن الغسل یوم الجمعة ، فقال : « واجب علی کلّ ذکر وأنثی من عبد أو حرّ » (2).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الغسل واجب یوم الجمعة » (3).

وصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الغسل یوم الجمعة علی الرجال والنساء فی الحضر ، وعلی الرجال فی السفر » (4).

والجواب عن الروایتین الأولیین منع الدلالة ، لعدم ثبوت کون الوجوب حقیقة شرعیة فی المعنی المصطلح علیه بین الفقهاء والأصولیین ، ولإن سلّمنا ذلک فلا نسلّم إرادته هنا ، لاقتضائه التنافی بین الأخبار ، فیتعیّن حمله علی الاستحباب جمعا بین الأدلّة ، وکذا الکلام فی الروایة الثالثة.

ومع ذلک فالاحتیاط للدین یقتضی المواظبة علی هذه السنة الأکیدة وعدم ترکها

ص: 160


1- التهذیب ( 1 : 112 - 296 ) ، الإستبصار ( 1 : 102 - 334 ) ، الوسائل ( 2 : 945 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (10).
2- الکافی ( 3 : 41 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 111 - 291 ) ، الإستبصار ( 1 : 103 - 336 ) ، الوسائل ( 2 : 943 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 417 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 943 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (5).
4- الکافی ( 3 : 42 - 3 ) ، ( 417 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 943 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (1).

ووقته ما بین طلوع الفجر إلی زوال الشمس ، وکلّما قرب من الزوال کان أفضل ،

______________________________________________________

بحال ، للحثّ العظیم علی فعلها ، وکثرة اللوم والتعنیف علی إهمالها وترکها ، فقد روی عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « غسل یوم الجمعة طهر وکفّارة لما بینهما من الذنوب من الجمعة إلی الجمعة » (1).

وعن الکاظم علیه السلام أنّه قال : « إنّ الله تعالی أتمّ صلاة الفریضة بصلاة النافلة ، وأتمّ صیام الفریضة بصیام النافلة ، وأتمّ وضوء الفریضة بغسل الجمعة ما کان فی ذلک من سهو أو تقصیر أو نقصان » (2).

وعن الأصبغ قال : کان أمیر المؤمنین علی علیه السلام إذا أراد أن یوبّخ الرّجل یقول له : « والله لأنت أعجز من تارک الغسل یوم الجمعة ، فإنه لا یزال فی طهر إلی یوم الجمعة الأخری » (3) والأخبار فی ذلک أکثر من أن تحصی (4).

قوله : ووقته ما بین طلوع الفجر إلی زوال الشمس ، وکلّما قرب من الزوال کان أفضل.

أمّا أن أوّل وقته طلوع الفجر فیدل علیه أنّ الغسل وقع مضافا إلی الیوم وهو یتحقق بطلوع الفجر ، ویؤیّده ما رواه زرارة والفضیل فی الصحیح قالا ، قلنا : أیجزی إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ قال : « نعم » (5).

وقت غسل الجمعة

ص: 161


1- الفقیه ( 1 : 61 - 239 ) ، الوسائل ( 2 : 945 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (14).
2- الکافی ( 3 : 42 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 111 - 293 ) ، ( 366 - 1111 ) ، المحاسن : ( 313 - 30 ) ، علل الشرائع : ( 285 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 944 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (7).
3- الکافی ( 3 : 42 - 5 ) ، التهذیب ( 3 : 9 - 30 ) ، المقنعة : (26) ، علل الشرائع : ( 285 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 947 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (7) ح (2).
4- الوسائل ( 2 : 943 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ، وص (947) ب (7).
5- الکافی ( 3 : 418 - 8 ) ، التهذیب ( 3 : 236 - 621 ) ، السرائر : 480 ، الوسائل 2 : 950 أبواب الأغسال المسنونة ب (11) ح (1).

ویجوز تعجیله یوم الخمیس لمن خاف عوز الماء ،

______________________________________________________

وأمّا اختصاصه بما قبل الزوال فقال فی المعتبر : إنّ علیه إجماع الناس (1). ویدل علیه حسنة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « لا تدع الغسل یوم الجمعة فإنّه سنّة ، وشمّ الطیب ، والبس صالح ثیابک ، ولیکن فراغک من الغسل قبل الزوال ، فإذا زالت فقم وعلیک السکینة والوقار » (2).

وقال الشیخ فی الخلاف : یمتدّ إلی أن یصلّی الجمعة (3). وهو حسن ، تمسّکا بمقتضی الإطلاق ، والتفاتا إلی أنّ ذلک محصّل للغرض المطلوب من الغسل ، وحملا للأمر بإیقاعه قبل الزوال فی الروایة السابقة علی ( تأکد ) (4) الاستحباب ( کما فی الأوامر المتقدمة علیه والمتأخرة عنه ) (5).

وأما أنه کلّما قرب من الزوال کان أفضل فعلل بتأکد الغرض ، ولا یخفی ما فیه.

قوله : ویجوز تعجیله یوم الخمیس لمن خاف عوز الماء.

المستند فی ذلک ما رواه أحمد بن محمد ، عن الحسین بن موسی ، عن امّه ، وأمّ أحمد بن موسی بن جعفر ، قالتا : کنّا بالبادیة ونحن نرید بغداد ، فقال لنا یوم الخمیس : « اغتسلا الیوم لغد یوم الجمعة ، فإنّ الماء غدا بها قلیل » فاغتسلنا یوم الخمیس لیوم الجمعة (6).

وما رواه محمد بن الحسین ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه قال

جواز تعجیله یوم الخمیس

ص: 162


1- المعتبر 1 : 354.
2- الکافی 3 : 417 - 4 ، الوسائل 2 : 943 أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (5).
3- الخلاف 1 : 242.
4- لیست فی « ق » ، « م ».
5- ما بین القوسین لیس فی « س ».
6- الکافی 3 : 42 - 6 ، الفقیه 1 : 61 - 227 ، التهذیب 1 : 365 - 1110 ، الوسائل 2 : 949 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 2.

وقضاؤه یوم السبت ،

______________________________________________________

لأصحابه : « إنّکم تأتون غدا منزلا لیس فیه ماء فاغتسلوا الیوم لغد » فاغتسلنا یوم الخمیس للجمعة (1).

وجوّز الشیخ - رحمه الله - التقدیم مع خوف الفوات مطلقا (2) ، واختاره جدّی - قدس سره - فی أکثر کتبه (3) ، ومستنده غیر واضح ، ولو لا ما اشتهر من التسامح فی أدلّة السنن لأمکن المناقشة فی هذا الحکم من أصله ، لضعف مستنده.

والظاهر أنّ لیلة الجمعة کیوم الخمیس فلا یجوز تقدیمه فیها إلاّ إذا خاف عوز الماء ، وبه قطع فی الخلاف مدّعیا علیه الإجماع (4).

ولو تمکّن من قدّم غسله یوم الخمیس من الإتیان به یوم الجمعة استحب له ذلک ، کما صرح به الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (5) ، وغیره (6) ، تمسکا بالإطلاق.

قوله : وقضاؤه یوم السبت.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین کون الفوات عمدا ونسیانا ، لعذر وغیره ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (7) ، وقال ابن بابویه فی کتابه : ومن نسی الغسل أو فاته

جواز قضائه یوم السبت

ص: 163


1- التهذیب 1 : 365 - 1109 ، الوسائل 2 : 948 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ج 1.
2- الخلاف 1 : 242 ، والمبسوط 1 : 40.
3- المسالک 1 : 15 ، وروض الجنان : 17.
4- الخلاف 1 : 242.
5- الفقیه 1 : 61.
6- کالعلامة فی المنتهی 1 : 129.
7- النهایة : 104.

وستة فی شهر رمضان : أول لیلة منه ،

______________________________________________________

لعذر فلیغتسل بعد العصر أو یوم السبت (1). فشرط العذر والأخبار مطلقة. فروی سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : وقد سئل عن الرجل لا یغتسل یوم الجمعة فی أول النهار ، قال : « یقضیه من آخر النهار ، فإن لم یجد فلیقضه یوم السبت » (2) وفی معناها روایة عبد الله بن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

ومقتضی الروایات (4) استحباب قضائه من وقت فوات الأداء إلی آخر السبت ، فلا وجه لإخلال المصنف بذلک.

ویمکن المناقشة فی هذا الحکم بضعف سنده ، وبأنّه معارض بما رواه الشیخ فی التهذیب ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسین ، عن معاویة بن حکیم ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن ذریح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل هل یقضی غسل الجمعة؟ قال : « لا » (5) ومقتضاه عدم مشروعیة القضاء مطلقا ، وهو أوضح سندا من الخبرین السابقین ، إلاّ أنّ عمل الأصحاب علیهما.

قوله : وستة فی شهر رمضان : أول لیلة منه.

لما رواه سماعة ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « وغسل أوّل لیلة من شهر رمضان یستحب » (6).

أغسال شهر رمضان

ص: 164


1- الفقیه 1 : 61 ، والهدایة : 23.
2- التهذیب 1 : 113 - 300 ، الإستبصار 1 : 104 - 340 ، الوسائل 2 : 949 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 3.
3- التهذیب 1 : 113 - 301 ، الوسائل 2 : 950 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 4.
4- الوسائل 2 : 949 أبواب الأغسال المسنونة - ب 10.
5- التهذیب 3 : 241 - 646 ، الوسائل 2 : 950 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 5.
6- الکافی 3 : 40 - 2 ، الفقیه 1 : 45 - 176 ، التهذیب 1 : 104 - 270 ، الوسائل 2 : 937 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

ولیلة النصف ، وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدی وعشرین ، وثلاث وعشرین.

______________________________________________________

قوله : ولیلة النصف.

استحباب الغسل فی هذه اللیلة مذهب الثلاثة (1) وأتباعهم (2) ، ولم أقف فیه علی نص ، قال فی المعتبر : ولعلّه لشرف تلک اللیلة فاقترانها بالطهر حسن (3). وقیل باستحباب الغسل فی فرادی شهر رمضان مطلقا (4).

قوله : وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدی وعشرین ، وثلاث وعشرین. المستند فی ذلک روایات کثیرة ، منها : صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « الغسل فی سبعة عشر موطنا : لیلة سبع عشرة من شهر رمضان وهی لیلة التقی الجمعان ، ولیلة تسع عشرة وفیها یکتب الوفد وفد السّنة ، ولیلة إحدی وعشرین ، وهی اللیلة التی أصیب فیها أوصیاء الأنبیاء ، وفیها رفع عیسی بن مریم ، وقبض موسی علیه السلام ، ولیلة ثلاث وعشرین یرجی فیها لیلة القدر ، ویوم العیدین » (5) الحدیث.

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام أنّه قال : « یغتسل فی ثلاث لیال من شهر رمضان : فی تسع عشرة ، وإحدی وعشرین ، وثلاث وعشرین » وقال : « الغسل أوّل اللیل وهو یجزی إلی آخره » (6).

وروی زرارة وفضیل فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الغسل فی

ص: 165


1- المفید فی المقنعة : 50 ، ونقله عن السید المرتضی فی المعتبر 1 : 355 ، والشیخ فی الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 168.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 33 ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 135 ، وسلار فی المراسم : 52 ، وابن حمزة فی الوسیلة : (54).
3- المعتبر 1 : 355.
4- کما فی الذکری : 24.
5- التهذیب 1 : 114 - 302 ، الوسائل 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
6- الکافی 4 : 154 - 4 ، الفقیه 2 : 100 - 446 ، الوسائل 2 : 942 أبواب الأغسال المسنونة ب 4 ح 1.

ولیلة الفطر ، ویومی العیدین ، ویوم عرفة ،

______________________________________________________

شهر رمضان عند وجوب الشمس قبیله ، ثم یصلّی ویفطر » (1).

قوله : ولیلة الفطر.

لروایة الحسن بن راشد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما ینبغی لنا أن نعمل فی لیلة الفطر؟ فقال : « إذا غربت الشمس فاغتسل ، فإذا صلّیت الثلاث رکعات فارفع یدیک وقل » (2) تمام الحدیث.

قوله : ویومی العیدین.

استحباب الغسل فی هذین الیومین مذهب العلماء کافّة ، ویدلّ علیه صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة (3) ، وصحیحة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الغسل فی الجمعة والأضحی والفطر ، قال : « سنّة ولیس بفریضة » (4).

والظاهر امتداد وقت هذا الغسل بامتداد الیوم ، عملا بإطلاق اللفظ. قال فی الذکری : ویتخرج من تعلیل الجمعة أنه إلی الصلاة أو إلی الزوال الذی هو وقت صلاة العید ، وهو ظاهر الأصحاب (5).

قوله : وعرفة.

استحباب الغسل فی یوم عرفة مجمع علیه بین الأصحاب ، وهو مرویّ فی عدّة أخبار ، منها : ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال :

غسل العیدین وعرفة

ص: 166


1- الکافی 4 : 153 - 1 ، الفقیه 2 : 100 - 448 ، الوسائل 2 : 952 أبواب الأغسال المسنونة ب 13 ح 2. ووجبت الشمس : ای غابت ( الصحاح 1 : 232 )
2- الکافی 4 : 167 - 3 ، الفقیه 2 : 109 - 466 ، التهذیب 1 : 115 - 303 ، علل الشرائع : 388 - 1 ، الوسائل 2 : 954 أبواب الأغسال المسنونة - ب 15 ح 1.
3- فی ص (165).
4- التهذیب 1 : 112 - 295 ، الإستبصار 1 : 102 - 333 ، الوسائل 2 : 955 أبواب الأغسال المسنونة ب 16 ح 1.
5- الذکری : 24.

ولیلة النصف من رجب ، ویوم السابع والعشرین منه ، ولیلة النصف من شعبان ، ویوم الغدیر ،

______________________________________________________

« الغسل من الجنابة ویوم الجمعة ویوم الفطر ویوم الأضحی ویوم عرفة عند زوال الشمس » (1).

قوله : ولیلة النصف من رجب ، ویوم السابع والعشرین منه.

ذکرهما الشیخ فی الجمل والمصباح (2). قال المصنف : وربما کان لشرف الوقتین ، والغسل مستحب مطلقا فلا بأس بالمتابعة فیه (3).

قوله : ولیلة النصف من شعبان.

لما رواه الشیخ عن هارون بن موسی ، بسنده إلی أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صوموا شعبان واغتسلوا لیلة النصف منه » (4) وفی سند هذه الروایة أحمد بن هلال ، وهو ضعیف (5).

قوله : ویوم الغدیر.

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل فیه الشیخ فی التهذیب إجماع الفرقة (6) ، وفی روایة علیّ بن الحسین العبدی قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « من صلّی فیه رکعتین یغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة » وساق الحدیث إلی قوله : « ما سأل الله حاجة من حوائج الدنیا والآخرة إلاّ قضیت له کائنة

أغسال شهر رجب وشعبان

غسل یوم الغدیر

ص: 167


1- التهذیب 1 : 110 - 290 ، الوسائل : 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 10.
2- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 167 ، مصباح المتهجد : 11.
3- المعتبر 1 : 356.
4- التهذیب 1 : 117 - 308 ، الوسائل 2 : 959 أبواب الأغسال المسنونة ب 23 ح 1.
5- راجع رجال الشیخ : 410 ، والفهرست : 36 - 97.
6- التهذیب 1 : 114.

ویوم المباهلة.

وسبعة للفعل :

وهی غسل الإحرام ،

______________________________________________________

ما کانت » (1).

قوله : ویوم المباهلة.

وهو رابع عشرین ذی الحجة (2) ، وقیل : خامس عشرین (3). ویدل علی استحباب الغسل فیه روایة سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « غسل المباهلة واجب » (4) والمراد تأکّد الاستحباب.

قوله : وسبعة للفعل ، وهی غسل الإحرام.

هذا قول معظم الأصحاب ، وقال الشیخ فی التهذیب : إنه سنّة بغیر خلاف (5).

ونقل عن ابن أبی عقیل أنّه واجب (6) ، والمعتمد الاستحباب.

لنا : أصالة البراءة مما لم یثبت وجوبه ، وما رواه معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انتهیت إلی العقیق من قبل العراق ، أو إلی وقت من هذه المواقیت وأنت ترید الإحرام إن شاء الله فانتف إبطیک ، وقلّم أظفارک ، وخذ من شاربک » إلی أن قال : « ثم استک واغتسل والبس ثوبیک » (7) والظاهر أنّ الأمر

غسل یوم المباهلة

- أغسال الفعل

غسل الاحرام

ص: 168


1- التهذیب 3 : 143 - 317 ، الوسائل 2 : 961 أبواب الأغسال المسنونة ب 28 ح 1.
2- کذا فی جمیع النسخ.
3- کما فی المعتبر 1 : 357.
4- الفقیه 1 : 45 - 176 ، التهذیب 1 : 104 - 270 ، الوسائل 2 : 937 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
5- التهذیب 1 : 113.
6- المختلف : 28.
7- الکافی 4 : 326 - 1 ، الفقیه 2 : 200 - 914 ، الوسائل 9 : 9 أبواب الإحرام ب 6 ح 4.

وغسل زیارة النبیّ صلی الله علیه و آله ، والأئمة علیهم السلام ، وغسل المفرّط فی صلاة الکسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها علی الأظهر ،

______________________________________________________

بالغسل للاستحباب کما یشعر به الأوامر المتقدمة علیه فإنّها للندب بغیر خلاف.

قال المصنف - رحمه الله - : ولعلّ القائل بالوجوب استند إلی ما رواه محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الغسل فی سبعة عشر موطنا : الفرض ثلاثة : غسل الجنابة ، وغسل من غسّل میّتا ، والغسل للإحرام » (1) ومحمّد بن عیسی ضعیف ، وما یرویه عن یونس لا یعمل به ابن الولید کما ذکره ابن بابویه ، مع أنّه مرسل فسقط الاحتجاج به (2).

قوله : وغسل زیارة النبیّ صلی الله علیه و آله ، والأئمة علیهم السلام .

لقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم الواردة فی تعداد الأغسال : « ویوم الزیارة » (3) وروی سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وغسل الزیارة واجب » (4) وهو محمول علی تأکّد الاستحباب.

قوله : وغسل المفرّط فی صلاة الکسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی غسل قاضی الکسوف ، فقال الشیخ فی الجمل باستحبابه إذا

غسل الزیارة

غسل تارک صلاة الکسوف

ص: 169


1- التهذیب 1 : 105 - 271 ، الإستبصار 1 : 98 - 316 ، الوسائل : 2 : 930 أبواب غسل المسّ ب 1 ح 17.
2- المعتبر 1 : 358.
3- الفقیه 1 : 44 - 172 ، التهذیب 1 : 114 - 302 ، الوسائل 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
4- الکافی 3 : 40 - 2 ، الفقیه 1 : 45 - 176 ، التهذیب 1 : 104 - 270 ، الوسائل 2 : 937 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

______________________________________________________

احترق القرص کلّه وترک الصلاة متعمّدا (1) ، واقتصر المفید فی المقنعة (2) ، والمرتضی فی المصباح (3) علی الترک متعمّدا ولم یذکرا استیعاب الاحتراق ، وقال سلاّر بوجوب الغسل والحال هذه (4).

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار روایتان ، روی إحداهما حریز ، عمّن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انکسف القمر فاستیقظ الرجل ولم یصلّ فلیغتسل من غد ولیقض الصلاة ، وإن لم یستیقظ ولم یعلم بانکساف القمر فلیس علیه إلاّ القضاء بغیر غسل » (5).

والثانیة : رواها محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، وهی طویلة قال فی آخرها : « وغسل الکسوف ، إذا احترق القرص کلّه فاغتسل » (6) ولیس فی هذه الروایة إشعار بکون الغسل للقضاء ، بل المستفاد من ظاهرها أنّ الغسل للأداء.

والروایة الأولی قاصرة من حیث السند ، وخالیة من قید الاستیعاب ، لکن سیجی ء إن شاء الله تعالی : أنّ القضاء إنما یثبت مع ذلک ، والأحوط الغسل للقضاء مع تعمّد الترک أخذا بظاهر الروایة المتقدمة وإن ضعف سندها.

أمّا الغسل للأداء مع استیعاب الاحتراق ( فلا ریب فی استحبابه لصحة

ص: 170


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 168.
2- المقنعة : 6.
3- نقله عنه فی المعتبر 1 : 358.
4- المراسم : 81.
5- التهذیب 1 : 117 - 309 ، الإستبصار 1 : 453 - 1758 ، الوسائل 2 : 960 أبواب الأغسال المسنونة ب 25 ح 1.
6- التهذیب 1 : 114 - 302 ، الوسائل 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

وغسل التوبة سواء کان عن فسق أو کفر ، وصلاة الحاجة ، وصلاة الاستخارة.

وخمسة للمکان :

وهی غسل دخول الحرم ، والمسجد الحرام ، والکعبة ، والمدینة ، ومسجد النبی صلی الله علیه و آله .

______________________________________________________

مستنده ) (1).

قوله : وغسل التوبة ، سواء کان عن فسق أو کفر.

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی التهذیب مرسلا عن الصادق علیه السلام : أنه قال لمن ذکر أنه یستمع الغناء من جوار مغنیات : « قم فاغتسل وصلّ ما بدا لک ، واستغفر الله ، واسأله التوبة » (2) قال المصنف : وهذه مرسلة ، وهی متناولة صورة معینة فلا تتناول غیرها ، والعمدة فتوی الأصحاب ، منضمّا إلی أنّ الغسل خیر فیکون مرادا ، ولأنّه تفأل بغسل الذنب والخروج من دنسه (3).

قوله : وصلاة الحاجة ، وصلاة الاستخارة.

لیس المراد أیّ صلاة أوقعها المکلّف لأحد الأمرین ، بل صلوات مخصوصة ورد النص باستحباب الغسل قبلها ، ولها مظانّ فلیطلب منها.

قوله : وخمسة للمکان ، وهی : غسل دخول الحرم والمسجد الحرام والکعبة والمدینة ومسجد النبی صلی الله علیه و آله .

یدل علی ذلک قول الصادق علیه السلام فی صحیحة محمّد بن مسلم : « وإذا دخلت

غسل التوبة

- أغسال المکان

غسل دخول الحرم والمسجد والکعبة

غسل دخول المدینة ومسجدها

ص: 171


1- بدل ما بین القوسین فی « س » و « ح » : فالأولی أن لا یترک بحال ، لصحة مستنده وتضمنه الأمر بالغسل مع انتفاء ما یقتضی الحمل علی الاستحباب ، والله أعلم.
2- التهذیب 1 : 116 - 304 ، الوسائل 2 : 957 أبواب الأغسال المسنونة ب 18 ح 1.
3- المعتبر 1 : 359.

مسائل أربع :

الأولی : ما یستحب للفعل والمکان یقدّم علیهما ، وما یستحب للزمان یکون بعد دخوله.

______________________________________________________

الحرمین ، ویوم تدخل البیت » (1) وفی روایة أخری « وإذا أردت دخول البیت الحرام ، وإذا أردت دخول مسجد الرسول صلی الله علیه و آله » (2).

قوله : الأولی ، ما یستحب للفعل أو المکان یقدّم علیهما ، وما یستحب للزمان یکون بعد دخوله.

لا یخفی أنّ ما یستحب للمکان فی معنی ما یستحب للفعل ، لأنّه یستحب لدخوله ، ولا ریب فی اعتبار تقدیم ما یستحب للفعل علیه ، لیحصل به الغرض المطلوب من الغسل ، وهو إیقاع ذلک الفعل الذی شرّع لأجله الغسل علی الوجه الأکمل ، ولأنه المستفاد من النص. أمّا ما یستحب للزمان فیعتبر إیقاعه فیه ، لأنّ معنی استحبابه للزمان استحبابه فیه.

واستثنی بعض الأصحاب (3) من ذلک غسل تارک صلاة الکسوف بالقیدین ، وغسل التوبة ، وغسل السعی إلی رؤیة المصلوب ، وغسل قتل الوزغ ، فإنّ الغسل فی هذه المواضع للفعل مع تأخّره عنه. وهو غیر جید ، لأنّ الظاهر أنّ اللام فی قوله : « للفعل » للغایة ، والمراد أنّ الغسل الذی یکون غایته الفعل یقدّم علیه ، وحینئذ فلا استثناء ، لأنّ غسل تارک الکسوف إنما هو لأجل القضاء ، وغسل التوبة للصلاة التی یوقعها المکلّف بعده کما یدل علیه الروایة. وأمّا رؤیة المصلوب وقتل الوزغ فإنّها أسباب للغسل لا غایات

- مسائل

محل الغسل

ص: 172


1- الفقیه 1 : 44 - 172 ، التهذیب 1 : 114 - 302 ، الخصال 2 : 508 ، الوسائل 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
2- التهذیب 1 : 105 - 272 ، الوسائل 2 : 940 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 12 بتفاوت یسیر.
3- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 3.

الثانیة : إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تکفی نیة القربة ما لم ینو السبب. وقیل : إذا انضمّ إلیها غسل واجب کفاه نیّة القربة ، والأوّل أولی.

الثالثة والرابعة : قال بعض فقهائنا بوجوب غسل من سعی إلی مصلوب لیراه عامدا بعد ثلاثة أیام.

______________________________________________________

له (1) ، واستحباب الغسل لنفسه ، فیکون خارجا من القسمین کما هو ظاهر.

قوله : الثانیة ، إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تکفی نیة القربة ما لم ینو السبب ، وقیل : ان انضمّ إلیها غسل واجب کفاه نیته ، والأوّل أظهر.

القول للشیخ - رحمه الله - (2) ، والمعتمد تداخل الأغسال الواجبة والمندوبة مطلقا ، والاکتفاء فیها بنیة القربة وإن کان التعرض لنیّة السبب أولی ، وقد تقدّم البحث فی ذلک مفصّلا فلا نعیده.

قوله : الثالثة والرابعة ، قال بعض فقهائنا بوجوب غسل من سعی إلی مصلوب لیراه عامدا بعد ثلاثة أیام.

القول بالوجوب لأبی الصّلاح (3) علی ما نقل عنه ، والظاهر أنّ مجرّد السعی إلی الرؤیة لا یکفی فی الوجوب أو الاستحباب کما قد توهمه العبارة ، بل السعی مع الرؤیة.والمستند فی ذلک ما رواه ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه مرسلا : « أن من قصد إلی مصلوب فنظر إلیه وجب علیه الغسل عقوبة » (4) ولم أقف فی ذلک علی نصّ سوی هذه

تداخل الأغسال

حکم غسل السعی لرؤیة المصلوب

ص: 173


1- کذا والأنسب أن یکون : فإنهما سببان للغسل لا غایتین له.
2- المبسوط : 40.
3- الکافی فی الفقه : 135.
4- الفقیه 1 : 45 - 175 ، الوسائل : 2 : 958 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 3.

وکذلک غسل المولود. والأظهر الاستحباب.

______________________________________________________

الروایة ، وهی ضعیفة بالإرسال وجهالة المرویّ عنه ، ولا بأس بالمصیر إلی الاستحباب ، تمسّکا بمقتضی البراءة الأصلیة ، وموافقة لفتوی فضلاء الأصحاب.

قوله : وکذلک غسل المولود ، والأظهر الاستحباب.

المستند فی ذلک روایة سماعة ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « وغسل النفساء واجب ، وغسل المولود واجب ، وغسل المیّت واجب » (1) وهی ضعیفة السند بعثمان بن عیسی وسماعة ، فإنهما واقفیان ، والمعتمد الاستحباب ، ووقته حین الولادة.

حکم غسل المولود

ص: 174


1- الکافی 240:3 الفقیه 45:1 176 ، التهذیب 104:1 270 ، الوسائل : 937:2 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

الرّکن الثالث :

فی الطهارة الترابیة ،

والنظر فی أطراف أربعة :

______________________________________________________

قوله : الرّکن الثالث فی الطهارة الترابیة.

الطهارة تنقسم إلی قسمین مائیّة وترابیّة ، وتسمّی الاولی : اختیاریة ، والثانیة : اضطراریة. والطهارة الترابیة هی التیمم ، وهو لغة : القصد قال الله تعالی ( وَلا تَیَمَّمُوا الْخَبِیثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (1) أی : لا تقصدوا الردی ء من المال تنفقون منه ، وقال عزّ وجلّ : ( فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً ) (2) أی : اقصدوا. ونقل فی الشرع إلی الضرب علی الأرض والمسح بالوجه والیدین علی وجه القربة.

وهو ثابت بالکتاب والسنّة والإجماع :

قال الله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ ) (3) ذکر جمع (4) من المفسرین أنّ أو فی قوله تعالی ( أَوْ جاءَ ) بمعنی الواو ، کقوله ( وَأَرْسَلْناهُ إِلی مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ یَزِیدُونَ ) (5). یعنی : وجاء أحدکم من الغائط ، لأنّ المجی ء من الغائط

التیمم

معنی التیمم

ص: 175


1- البقرة : 267.
2- المائدة : 6.
3- النساء : 43 ، المائدة : 6.
4- منهم الطبرسی فی مجمع البیان 2 : 52 ، والقرطبی فی الجامع لأحکام القرآن 5 : 220.
5- الصافات : 147.

______________________________________________________

لیس من جنس المرض والسفر حتی یصح عطفه علیهما فإنّهما سبب لإباحة التیمم ، والمجی ء من الغائط سبب لإیجاب الطهارة.

وقال القاضی البیضاوی : وجه هذا التقسیم أنّ المترخص بالتیمم إمّا محدث أو جنب ، والحال المقتضیة له فی غالب الأمر مرض أو سفر ، والجنب لمّا سبق ذکره اقتصر علی بیان حاله ، والمحدث لمّا لم یجر ذکره ذکر أسبابه وما یحدث بالذات وما یحدث بالعرض ، واستغنی عن تفصیل أحواله بتفصیل حال الجنب وبیان العدد مجملا ، فکأنّه قیل : وإن کنتم جنبا مرضی أو علی سفر أو محدثین جئتم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتیمموا (1).

وهو جیّد لو لا ما ثبت عندنا من أنّ الملامسة کنایة عن الجماع.

وأمّا الأخبار فکثیرة جدّا ، منها : قول النبیّ صلی الله علیه و آله : « الصعید الطیّب طهور المسلم وإن لم یجد الماء عشر سنین » (2).

وقول الصادق علیه السلام : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (3).

وأمّا الإجماع فمن المسلمین کافّة.

ص: 176


1- تفسیر البیضاوی 2 : 89.
2- سنن أبی داود 1 : 91 - 332 ، سنن البیهقی 1 : 212.
3- الفقیه 1 : 60 - 223 ، التهذیب 1 : 404 - 1264 ، الوسائل 2 : 995 أبواب التیمم ب 24 ح 2. وصدرها فی الکافی 3 :3. 3.

الأوّل : ما یصح معه التیمم ، وهو ضروب :

الأول : عدم الماء.

______________________________________________________

قوله : الأوّل ، فی ما یصح معه التیمم ، وهو ضروب :

ذکر المصنف أنّ مسوغات التیمم ثلاثة : عدم الماء ، وعدم الوصلة إلیه ، والخوف من استعماله ، ومرجعها إلی أمر واحد : وهو العجز عن استعمال الماء. وجعل العلاّمة فی المنتهی أسباب العجز ثمانیة : فقد الماء ، والخوف من استعماله ، والاحتیاج إلیه للعطش ، والمرض والجرح ، وفقد الآلة التی یتوصّل بها إلی الماء ، والضعف عن الحرکة ، وخوف الزحام یوم الجمعة أو عرفة ، وضیق الوقت عن استعمال الماء (1).

ولا یخفی اندراج الجمیع فی الأسباب الثلاثة التی ذکرها المصنف عدا ضیق الوقت ، وقد صرّح المصنف فی المعتبر بأنّه غیر مسوّغ للتیمم (2) ، وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله.

قوله : الأول ، عدم الماء.

أجمع العلماء کافّة إلاّ من شذّ علی وجوب التیمم للصلاة مع فقد الماء ، سواء فی ذلک الحاضر والمسافر. ویدل علیه مضافا إلی الآیة الشریفة روایات کثیرة ، کصحیحة ابن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا لم یجد الرجل طهورا وکان جنبا فلیمسح من الأرض ولیصلّ ، فإذا وجد الماء فلیغتسل وقد أجزأته صلاته التی صلی » (3) وهو عامّ فی کلّ فاقد.

- مایصح معه التیمم

الأول : عدم الماء

اشارة

ص: 177


1- المنتهی 1 : 132.
2- المعتبر 1 : 363.
3- التهذیب 1 : 193 - 556 ، 197 - 572 ، والاستبصار 1 : 161 - 558 ، الوسائل 2 : 983 أبواب التیمم ب 14 ح 7.

ویجب عنده الطلب ، فیضرب غلوة سهمین فی کل جهة من جهاته الأربع إن کانت الأرض سهلة ، وغلوة سهم إن کانت حزنة.

______________________________________________________

وصحیحة جمیل بن دراج : إنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن إمام قوم أجنب ولیس معه من الماء ما یکفیه للغسل ، ومعهم ما یتوضّئون به ، یتوضّأ بعضهم ویؤمّهم؟ قال : « لا ، ولکن یتیمم الإمام ویؤمّهم ، إنّ الله عز وجل جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (1).

وصحیحة حمّاد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یجد الماء ، أیتیمم لکل صلاة؟ فقال : « لا ، هو بمنزلة الماء » (2).

وقال بعض العامّة : الصحیح الحاضر إذا عدم الماء - کالمحبوس ومن انقطع عنه الماء - یترک التیمم والصّلاة ، لأنّ التیمم مشروط بالسفر کما یدل علیه قوله ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ ) (3).

وبطلانه ظاهر ، لأنّ ذکر السفر فی الآیة یخرج مخرج الغالب ، لأنّ عدم الماء فی الحضر نادر ، وإذا خرج الوصف مخرج الغالب انتفت دلالته علی نفی الحکم عما عدا محل الوصف ، کما حقّق فی محلّه.

قوله : ویجب عنده الطلب ، فیضرب غلوة سهمین فی کل جهة من جهاته الأربع إن کانت الأرض سهلة ، وغلوة سهم إن کانت حزنة.

أجمع علماؤنا وأکثر العامة (4) علی أنّ من کان عذره عدم الماء لا یسوغ له التیمم إلاّ

وجوب الطلب عند عدم الماء ومقداره

ص: 178


1- الکافی 3 : 66 - 3 بتفاوت یسیر ، الفقیه 1 : 60 - 223 ، التهذیب 1 : 404 - 1264 ، الوسائل 2 : 995 أبواب التیمم ب 24 ح 2.
2- التهذیب 1 : 200 - 581 ، الإستبصار 1 : 163 - 566 ، الوسائل 2 : 990 أبواب التیمم ب 20 ح 3.
3- نقله عن زفر فی تفسیر القرطبی 5 : 218 ، والمحلی 2 : 118 ، وعمدة القاری 4 : 7. ونقله عن أبی حنیفة فی الشرح الکبیر ( المغنی ) 1 : 3. وبدایة المجتهد 1 : 63.
4- منهم الکاشانی فی بدائع الصنائع 1 : 47 ، وابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 65.

______________________________________________________

بعد الطلب إذا أمّل الإصابة وکان فی الوقت سعة ، حکی ذلک المصنف فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی (1). ویدل علیه ظاهر قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) فإنّ عدم الوجدان لا یتحقق عرفا إلاّ بعد الطلب ، أو تیقن عدم الإصابة ، وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إذا لم یجد المسافر الماء فلیطلب ما دام فی الوقت ، فإذا خاف أن یفوته الوقت فلیتیمم ولیصلّ فی آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء علیه ، ولیتوضّأ لما یستقبل » (2).

وعن السکونی ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن علیّ علیه السلام قال : « یطلب الماء فی السفر ، إن کانت الحزونة فغلوة ، وإن کانت سهولة فغلوتین ، لا یطلب أکثر من ذلک » (3).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن داود الرّقی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أکون فی السفر وتحضر الصلاة ولیس معی ماء ویقال : إنّ الماء قریب منّا ، فأطلب الماء وأنا فی وقت یمینا وشمالا؟ قال : « لا تطلب الماء ولکن تیمّم فإنّی أخاف علیک التخلف عن أصحابک فتضلّ ویأکلک السبع » (4).

وعن یعقوب بن سالم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یکون معه ماء ، والماء عن یمین الطریق ویساره غلوتین أو نحو ذلک؟ قال : « لا آمره أن یغرّر بنفسه

ص: 179


1- المعتبر 1 : 392 ، والمنتهی 1 : 138.
2- التهذیب 1 : 192 - 555 و203 - 589 ، الاستبصار 1 : 159 - 548 و165 - 574 ، الوسائل 2 : 963 أبواب التیمم ب 1 ح 1.
3- التهذیب 1 : 202 - 586 ، الإستبصار 1 : 165 - 571 ، الوسائل 2 : 963 أبواب التیمم ب 1 ح 2.
4- التهذیب 1 : 185 - 536 ، الوسائل 2 : 964 أبواب التیمم ب 2 ح 1.

______________________________________________________

فیعرض له لصّ أو سبع » (1) لأنّا نجیب عنهما :

أوّلا : بالطعن فی السند ، فإنّ داود الرّقی ضعیف جدّا علی ما قاله النجاشی (2) ، وفی طریق الروایة الثانیة معلیّ بن محمّد ، وقال النجاشی : إنّه مضطرب الحدیث والمذهب (3).

وثانیا : بالقول بالموجب ، فإن مقتضاهما سقوط الطلب مع الخوف علی النفس أو المال ونحن نقول به.

واختلف الأصحاب فی کیفیة الطلب وحدّه ، فقال الشیخ فی المبسوط : والطلب واجب قبل تضیّق الوقت فی رحله وعن یمینه وعن یساره وسائر جوانبه رمیة سهم أو سهمین إذا لم یکن هناک خوف (4).

وقال فی النهایة : ولا یجوز له التیمم فی آخر الوقت إلاّ بعد طلب الماء فی رحله وعن یمینه ویساره مقدار رمیة أو رمیتین إذا لم یکن هناک خوف (5). ولم یفرّق فی الأرض بین السهلة والحزنة.

وقال المفید فی المقنعة : ومن فقد الماء فلا یتیمم حتی یدخل وقت الصلاة ، ثم یطلبه أمامه وعن یمینه وعن شماله مقدار رمیة سهمین من کلّ جهة إن کانت الأرض سهلة ،

ص: 180


1- الکافی 3 : 65 - 8 ، التهذیب 1 : 184 - 528 ، الوسائل 2 : 964 أبواب التیمم ب 2 ح 2.
2- رجال النجاشی : 156 - 410.
3- رجال النجاشی : 418 - 1117.
4- المبسوط 1 : 31.
5- النهایة : 48.

______________________________________________________

وإن کانت حزنة یطلبه من کل جهة مقدار رمیة سهم واحد (1).

وقال ابن إدریس : وحدّ ما وردت به الروایات وتواتر به النقل فی طلبه إذا کانت الأرض سهلة : غلوة سهمین ، وإذا کانت حزنة : فغلوة سهم (2).

ولم یقدّره السید المرتضی فی الجمل (3) ولا الشیخ فی الخلاف (4) بقدر ، ولم أقف فی الروایات علی ما یعطی هذا التحدید سوی روایة السکونی المتقدمة (5) ، وهی ضعیفة السند جدّا کما اعترف به المصنف فی المعتبر فإنّه قال : والتقدیر بالغلوة والغلوتین روایة السکونی وهو ضعیف ، غیر أنّ الجماعة عملوا بها ، والوجه أنّه یطلب من کلّ جهة یرجو فیها الإصابة ولا یکلّف التباعد بما یشق ، وروایة زرارة (6) تدل علی أنّه یطلب دائما ما دام فی الوقت حتی یخشی الفوات ، وهو حسن والروایة واضحة السند والمعنی (7).

هذا کلامه - رحمه الله - وهو فی محلّه ، لکن سیأتی إن شاء الله (8) أنّ مقتضی کثیر من الروایات جواز التیمم مع السعة ، فیمکن حمل ما تضمنته روایة زرارة من الأمر بالطلب إلی أن یتضیق الوقت علی الاستحباب. والمعتمد اعتبار الطلب من کل جهة یرجو فیها الإصابة بحیث یتحقق عرفا عدم وجدان الماء.

ص: 181


1- المقنعة : 8.
2- السرائر : 26.
3- جمل العلم والعمل : 61.
4- الخلاف 1 : 35.
5- فی ص 179.
6- المتقدمة فی ص 179.
7- المعتبر 1 : 393.
8- (8) فی ص 210

______________________________________________________

وینبغی التنبیه لأمور :

الأوّل : إنما یجب الطلب مطلقا أو فی (1) الجهات الأربع مع احتمال الظفر ، فلو تیقّن عدم الإصابة فی بعض الجهات أو مطلقا فلا طلب ، لانتفاء الفائدة ، ولو غلب علی ظنه ذلک لم یسقط ، لجواز کذبه.

وقال بعض العامّة : یجب الطلب وإن تیقّن عدم الماء (2). وهو خطأ ، لأنّ الطلب مع تیقّن عدم الإصابة عبث لا یقع الأمر به من الشارع.

الثانی : لو تیقن وجود الماء لزمه السعی إلیه ما دام الوقت باقیا والمکنة حاصلة ، سواء کان قریبا أم بعیدا ، وسواء استلزم السعی فوات مطلوبه - إذا لم یکن مضرّا بحاله - أم لا ، لقدرته علی الماء.

وقال فی المعتبر : من تکرّر خروجه من مصره کالحطّاب والحشّاش لو حضرته الصلاة ولا ماء ، فإن أمکنه العود ولمّا یفت مطلوبه عاد ولو تیمم لم یجزئه ، وإن لم یمکنه إلاّ بفوات مطلوبه ففی التیمم تردّد أشبهه الجواز دفعا للضرر (3).

الثالث : لو خاف علی نفسه أو ماله لو فارق مکانه لم یجب الطلب ، دفعا للحرج اللازم من وجوب السعی معه ، ویدل علیه روایتا داود الرقّی ویعقوب بن سالم المتقدمتان (4) ، وفحوی صحیحة الحلبی : أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یمرّ

عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت

ص: 182


1- فی « ح » زیادة : بعض.
2- کالشافعی فی الأم 1 : 46.
3- المعتبر 1 : 365.
4- فی ص 179.

ولو أخلّ بالطلب حتی ضاق الوقت أخطأ وصحّ تیمّمه وصلاته علی الأظهر.

______________________________________________________

بالرکیّة (1) ولیس معه دلو ، قال : « لیس علیه أن یدخل الرکیّة ، لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فلیتیمّم » (2).

الرابع : قال فی المنتهی : لو طلب قبل الوقت لم یعتدّ به ووجب إعادته ، لأنّه طلب قبل المخاطبة بالتیمم فلم یسقط فرضه ، ثم اعترف بأنّ ذلک إنما هو إذا أمکن تجدّد الماء فی موضع الطلب ، وإلاّ لم یجب علیه الطلب ثانیا (3).

وهو جیّد إن قلنا أنّ الطلب إنما هو فی الغلوات کما هو روایة السکونی ، وأمّا علی روایة زرارة فیجب الطلب ما أمّل الإصابة فی الوقت سواء کان قد طلب قبل الوقت أم لا.

قوله : ولو أخلّ بالطلب حتی ضاق الوقت أخطأ وصحّ تیمّمه وصلاته علی الأظهر.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، والوجه فیه أنّ الطلب یسقط مع ضیق الوقت عنه ویجب علی المکلّف التیمم ، لأنّه غیر واجد للماء کما هو المقدّر ، وأداء الصلاة بتلک الطهارة ، وقد امتثل لأنّه المفروض ، والأمر یقتضی الإجزاء.

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : لو أخلّ بالطلب لم یصح تیممه (4). ویلزم علی قوله لو تیمّم وصلّی أن یعید الصلاة ، وبه قطع الشهید - رحمه الله - فی الدروس

حکم من أخل بالطلب

ص: 183


1- الرّکیّة : البئر. وجمعها رکیّ ورکایا - الصحاح 6 : 2361.
2- الفقیه 1 : 57 - 213 ، المحاسن : 372 - 133 ، الوسائل 2 : 965 أبواب التیمم ب 3 ح 1.
3- المنتهی 1 : 139.
4- المبسوط 1 : 31 ، والخلاف 1 : 35.

______________________________________________________

والبیان (1).

واستشکله المصنف فی المعتبر : بأنّه مع ضیق الوقت یسقط الطلب ویتحتّم التیمّم فیکون مجزیا وإن أخلّ بالطلب وقت السعة ، لأنّه یکون مؤدّیا فرضه بطهارة صحیحة وصلاة مأمور بها (2). وهو حسن.

ویمکن أن یحمل کلام الشیخ علی ما إذا أخلّ بالطلب وتیمّم مع السعة فإنّ تیمّمه لا یصح قطعا.

وقال فی المنتهی : لو کان بقرب المکلّف ماء وتمکّن من استعماله وأهمل حتی ضاق الوقت فصار لو مشی إلیه خرج الوقت فإنه یتیمّم ، وفی الإعادة وجهان أقربهما الوجوب (3). ویتوجّه علیه ما سبق.

فروع :

الأوّل : لو أخلّ بالطلب وضاق الوقت فتیمّم وصلّی ثم وجد الماء فی محل الطلب فالأظهر أنّه کعدمه ، لما ذکرناه من الدلیل. وقیل بوجوب الإعادة هنا (4) ، تعویلا علی روایة أبی بصیر ، قال : سألته عن رجل کان فی سفر وکان معه ماء فنسیه وتیمّم وصلّی ثم ذکر أنّ معه ماء قبل أن یخرج الوقت ، قال : « علیه أن یتوضّأ ویعید الصلاة » (5).

ص: 184


1- الدروس : 11 ، والبیان : 34.
2- المعتبر 1 : 365.
3- المنتهی 1 : 152.
4- کما فی الدروس : 19 ، والبیان : 34.
5- الکافی 3 : 65 - 10 ، التهذیب 1 : 212 - 616 ، الوسائل 2 : 982 أبواب التیمم ب 14 ح 5.

______________________________________________________

وهی مع ضعف سندها بعثمان بن عیسی ، واشتراک أبی بصیر ، وجهالة المسئول ، إنما تدلّ علی الإعادة إذا نسی الماء فی رحله وتیمّم وصلی ثمّ ذکر فی الوقت ، وهو خلاف محل النزاع.

الثانی : لو کان معه ماء فأراقه قبل الوقت ، أو مرّ بماء فلم یتطهّر ، ودخل الوقت ولا ماء تیمّم وصلّی ولا إعادة إجماعا قاله فی المنتهی (1). ولو کان ذلک بعد دخول الوقت فکذلک علی الأظهر وإن علم باستمرار الفقد ، لأنّه صلّی صلاة مأمورا بها بتیمم مشروع فکانت مجزیة. وقطع الشهید فی الدروس والبیان بوجوب الإعادة هنا للتفریط (2). وجعله العلاّمة فی التذکرة احتمالا ، قال : فحینئذ یعید واحدة لا ما بعدها کما لو أراق قبل الوقت ، ویحتمل قضاء کلّ صلاة یؤدّیها بوضوء واحد فی عادته (3).

والأصحّ السقوط مطلقا ، وظاهر المعتبر أنّه لا خلاف فیه بین الأصحاب (4).

الثالث : لو کان الماء موجودا عنده فأخلّ باستعماله حتی ضاق الوقت عن الطهارة المائیة والأداء ، فهل یتطهر ویقضی أو یتیمم ویؤدّی؟ فیه قولان ، أظهرهما الأوّل ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (5) ، لأنّ الصلاة واجب مشروط بالطهارة ، والتیمم إنما یسوغ مع العجز عن استعمال الماء ، والحال أنّ المکلّف واجد للماء ، متمکّن من استعماله ، غایة الأمر أنّ الوقت لا یتسع لذلک ولم یثبت کون ذلک مسوّغا للتیمم.

وقال العلاّمة فی المنتهی : یجب التیمم والأداء ، لقوله علیه السلام فی صحیحة حمّاد

ص: 185


1- المنتهی 1 : 152.
2- الدروس : 19 ، والبیان : 34.
3- التذکرة 1 : 61.
4- المعتبر 1 : 366.
5- المعتبر 1 : 366.

ولا فرق بین عدم الماء أصلا ووجود ماء لا یکفیه لطهارته.

______________________________________________________

ابن عثمان : « هو بمنزلة الماء » (1) قال : وإنما یکون بمنزلته لو ساواه فی أحکامه ، ولا ریب أنّه لو وجد الماء وتمکّن من استعماله وجب علیه الأداء فکذا لو وجد ما ساواه (2).

قلت : ویدل علیه فحوی قول الصادق علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض » (3) وفی صحیحة جمیل : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (4) وهذا القول لا یخلو من رجحان ، ولا ریب أنّ التیمم والأداء ثم القضاء بالطهارة المائیة أحوط.

قوله : ولا فرق بین عدم الماء أصلا ووجود ماء لا یکفیه لطهارته.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الطهارة بین الوضوء والغسل ، وبهذا التعمیم صرّح فی المنتهی والتذکرة وأسنده إلی علمائنا (5) ، والوجه فیه قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) (6) إذ المتبادر منه نفی وجدان ما یکفی فی الطهارة ، کقوله تعالی فی کفارة الیمین : ( فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ ) (7) فإنّ المراد - والله أعلم - : فمن لم یجد إطعام عشرة مساکین ، ولهذا لم یجب إطعام البعض لو تمکّن منه.

وجود الماء الغیر الکافی کعدمه

ص: 186


1- المتقدمة فی ص (178).
2- المنتهی ( 1 : 137 ).
3- الفقیه ( 1 : 57 - 213 ) ، المحاسن : ( 372 - 133 ) ، الوسائل ( 2 : 965 ) أبواب التیمم ب (3) ح (1).
4- المتقدمة فی ص (178).
5- المنتهی ( 1 : 133 ) ، التذکرة ( 1 : 65 ).
6- النساء : (43) ، المائدة : (6).
7- المائدة : (89).

______________________________________________________

وقال بعض العامة : الجنب إذا وجد ماءا لا یکفیه لطهارته استعمل الماء وتیمم (1). وحکی فی المنتهی عن بعض الشافعیة ذلک فی الحدث الأصغر أیضا (2) ، لأنّه واجد للماء فلا یسوغ له التیمم قبل استعماله. وجوابه منع الوجدان کما بیناه.

وقطع العلاّمة فی النهایة بأنّ المحدث لو وجد من الماء ما لا یکفیه لطهارته لم یجب علیه استعماله بل تیمم ، واحتمل فی الجنب مساواته للمحدث ، ووجوب صرف الماء إلی بعض أعضائه ، لجواز وجود ما یکمل به الطهارة ، قال : والموالاة ساقطة هنا بخلاف المحدث (3).

وجزم فی التذکرة بعدم وجوب استعمال ما لا یکفی فی الطهارة ، سواء فی ذلک الجنب وغیره ، وأسنده إلی الأصحاب (4). وهو المعتمد ، إذ التکلیف بالغسل إنّما یتوجّه مع التمکن منه ، وإنّما یتحقق بالتمکن من جمیع أجزائه ، ویؤیّده ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی رجل أجنب فی سفر ومعه ماء قدر ما یتوضّأ به ، قال : « یتیمم ولا یتوضّأ » (5) ونحوه روی الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام (6). ولو کان غسل البعض واجبا مع التمکن منه لبیّنه علیه السلام .

ص: 187


1- منهم ابن حزم فی المحلی ( 2 : 137 ) ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 270 ، 281 ).
2- المنتهی ( 1 : 134 ).
3- نهایة الأحکام ( 1 : 186 ).
4- التذکرة ( 1 : 65 ).
5- التهذیب ( 1 : 405 - 1272 ) ، الوسائل ( 2 : 996 ) أبواب التیمم ب (24) ح (4).
6- التهذیب ( 1 : 405 - 1273 ) ، الوسائل ( 2 : 996 ) أبواب التیمم ب (24) ح (4).

الثانی : عدم الوصلة إلیه. فمن عدم الثمن فهو کمن عدم الماء ، وکذا إن وجده بثمن یضرّ به فی الحال.

______________________________________________________

قال المصنف فی المعتبر : وکذا لو تضرر بعض أعضائه بالمرض تیمم ولم یغسل الصحیح ، وکذا لو کان بعض أعضائه نجسا ولا یقدر علی طهارته بالماء تیمم وصلی ، ولا إعادة فی شی ء من ذلک (1). وهو جید ، لأن الوضوء والغسل مرکب ، ومن شأن المرکب الارتفاع بارتفاع جزئه فینتقل إلی بدله لتعذره ، ولا ینتقض بالجبیرة ، لخروجها بنص خاص کما بیناه (2).

قوله : الثانی ، عدم الوصلة إلیه ، فمن عدم الثمن فهو کمن عدم الماء ، وکذا إن وجده بثمن یضرّ به فی الحال.

ظاهر العبارة وصریح المعتبر (3) أنّ المراد بالحال هنا ما قابل المآل (4) ، وقیل : إنّ المراد به حال المکلّف لیعم الاستقبال ، حیث لا یتوقع المکلف حصول مال فیه عادة ، لاشتراکهما فی الضرر (5).

أمّا جواز التیمم مع فقد الثمن حیث یتوقف حصول الماء علیه فظاهر ، لأنّ من هذا شأنه لا یکون واجدا للماء المباح ، فینتقل فرضه إلی التیمم.

وأمّا جوازه مع وجود الماء بثمن یضرّ به فی الحال فأسنده فی المعتبر إلی فتوی الأصحاب (6) ، واستدلّ علیه بأنّ من خشی من لصّ أخذ ما یجحف به لم یجب علیه السعی وتعریض المال للتلف ، وإذا ساغ التیمم هناک دفعا للضرر ساغ هنا. وبروایة

الثانی : عدم الوصلة إلیه

ص: 188


1- المعتبر ( 1 : 369 ).
2- فی ص (235).
3- المعتبر ( 1 : 369 ).
4- الجواهر ( 5 : 99 ). لعدم العلم بالبقاء الی وقته ، ولإمکان حصول مال فیه علی تقدیر البقاء.
5- کما فی المسالک ( 1 : 16 ).
6- المعتبر ( 1 : 370 ).

وإن لم یکن مضرا فی الحال لزمه شراؤه ولو کان بأضعاف ثمنه المعتاد. وکذا القول فی الآلة.

______________________________________________________

یعقوب بن سالم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یکون معه ماء والماء عن یمین الطریق ویساره غلوتین أو نحو ذلک ، قال : « لا آمره أن یغرّر بنفسه فیعرض له لصّ أو سبع » (1) وهو حسن.

ویؤیّده عموم قوله تعالی ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (2) وقوله عز وجل : ( یُرِیدُ اللهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ ) (3).

قوله : وإن لم یکن مضرّا به فی الحال لزمه شراؤه وإن کان بأضعاف ثمنه المعتاد.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وقال ابن الجنید : إذا کان الثمن غالیا تیمّم وصلّی ، وأعاد إذا وجد الماء (4). وهو ضعیف.

لنا : أنّه واجد للماء لقدرته علیه بالثمن المتمکّن منه فلا یسوغ له التیمم ، کما فی خصال الکفارة المرتبة ، وما رواه صفوان فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل احتاج إلی الوضوء للصلاة وهو لا یقدر علی الماء ، فوجد قدر ما یتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، یشتری ویتوضّأ أو یتیمّم؟ قال : « لا ، بل یشتری ، قد أصابنی مثل هذا فاشتریت وتوضّأت ، وما یشتری بذلک مال کثیر » (5).

ص: 189


1- الکافی ( 3 : 65 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 184 - 528 ) ، الوسائل ( 2 : 964 ) أبواب التیمم ب (2) ح (2).
2- الحج : (78).
3- البقرة : (185).
4- نقله فی المعتبر ( 1 : 369 ).
5- الکافی ( 3 : 74 - 17 ) ، الفقیه ( 1 : 23 - 71 ) ، التهذیب ( 1 : 406 - 1276 ) ، الوسائل ( 2 : 997 ) أبواب التیمم ب (26) ح (1).

الثالث : الخوف ، ولا فرق فی جواز التیمّم بین أن یخاف لصا أو سبعا أو یخاف ضیاع مال.

______________________________________________________

ولو بذل له المال أو وهب منه (1) وجب القبول ولا یسوغ له التیمم ، لأنّه واجد للماء ، ولو بذل له بثمن ولیس معه فبذل له الثمن قال الشیخ : یجب قبوله ، لأنّه متمکّن منه (2). واستشکله المصنف فی المعتبر بأنّ فیه منّة بالعادة ولا یجب تحمّل المنّة (3). وهو ضعیف ، لجواز انتفاء المنّة ، ومنع عدم وجوب تحمّلها إذا توقف الواجب علیه.

ولو امتنع من قبول الهبة لم یصح تیممه ما دام الماء أو الثمن باقیا فی ید المالک المقیم علی البذل.

قوله : الثالث ، الخوف : ولا فرق فی جواز التیمّم بین أن یخاف لصا أو سبعا أو یخاف ضیاع مال.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب علی ما نقله جماعة (4) ، بل قال فی المنتهی : إنّه لا یعرف فیه خلافا بین أهل العلم (5). وقد ورد به روایات کثیرة ، منها : روایتا یعقوب بن سالم وداود الرّقّی المتقدمتان (6).

وصحیحة الحلبی : أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یمرّ بالرکیّة ولیس معه دلو؟ قال : « لیس علیه أن یدخل الرکیّة ، لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فلیتیمم » (7).

الثالث : الخوف

الخوف من اللص والسبع أو ضیاع المال

ص: 190


1- کذا ، والأنسب أن یکون : له. ویعنی به : الماء.
2- المبسوط ( 1 : 31 ).
3- المعتبر ( 1 : 371 ).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 366 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 61 ).
5- المنتهی ( 1 : 134 ).
6- فی ص (179).
7- المتقدمة فی ص (182).

وکذا لو خشی المرض الشدید أو الشین باستعماله الماء جاز له التیمّم.

______________________________________________________

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنّه لا فرق فی الخوف بین أن یکون علی النفس أو المال أو البضع ، ولا فی الخوف بین أن یکون لسبب أو لمجرد الجبن ، ولا فی المال الذی یخاف تلفه بین القلیل والکثیر ، المضر فوته وعدمه. وبهذا التعمیم جزم الشارح - قدس سره - قال : والفارق بینه وبین الأمر ببذل المال الکثیر لشراء الماء النص ، لا کون الحاصل فی مقابلة الأوّل هو الثواب لبذله فی عبادة اختیارا ، وفی الثانی العوض وهو منقطع (1) ، لأنّ تارک المال للصّ وغیره طلبا للماء داخل فی موجب الثواب أیضا (2).

قلت : وکأنه أشار بالنص إلی روایتی یعقوب بن سالم ، وداود الرقی (3) الدالتین علی جواز التیمم مع الخوف من اللصّ ، المتناولتین بإطلاقهما للخوف عن فوات المال القلیل والکثیر ، وصحیحة صفوان (4) المتضمنة للأمر بشراء ماء الوضوء وإن کان بألف درهم مع التمکّن منه.

وفی سند الروایتین الأولیین ضعف ، وفی دلالتهما قصور ، إلاّ أنهما مؤیّدتان بعموم ما دلّ علی رفع الحرج والعسر ، ولا ریب أنّ فی تعریض النفس والمال للصوص حرجا عظیما ومهانة علی النفس ، بخلاف بذل المال اختیارا ، فإنّه لا غضاضة فیه علی أهل المروّة بوجه ، ولعلّ ذلک هو الفارق بین الموضعین.

قوله : وکذا لو خشی المرض الشدید أو الشین باستعمال الماء جاز له التیمّم.

المرض الشدید باستعمال الماء یتحقق بخوف حدوثه ، أو زیادته ، أو بطء برئه ،

خوف المرض والشین

ص: 191


1- یعنی به : أنّ الحاصل فی مقابله هو عوضه وثمنه فیکون فی ذمة السارق ، بخلاف الأول فإنّ الحاصل فی مقابله هو الثواب.
2- المسالک ( 1 : 16 ).
3- المتقدمتین فی ص (179).
4- المتقدمة فی ص (189).

______________________________________________________

ویشمل ما کان عامّا لجمیع البدن أو مختصا بعضو. ویدل علی جواز التیمم للمریض بأنواعه إذا خاف الضرر باستعمال الماء قوله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی ) (1) إذ المراد - والله أعلم - : وإن کنتم مرضی ، مرضا تخافون معه من استعمال الماء ، أو یشق علیکم معه استعماله. ویؤیّده ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجنب تکون به القروح ، قال : « لا بأس بأن لا یغتسل ، یتیمم » (2).

أما الجواز مع خوف حدوث المرض الشدید باستعمال الماء فیدل علیه عموم قوله تعالی ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (3) وقوله عز وجل ( وَلا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ ) (4).

وصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام : فی الرجل تصیبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو یکون یخاف علی نفسه البرد ، قال : « لا یغتسل ، یتیمم » (5).

وصحیحة داود بن سرحان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل تصیبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو یخاف علی نفسه من البرد ، قال : « لا یغتسل ، ویتیمم » (6).

ولو کان المرض یسیرا کوجع الرأس والضرس فهو غیر مسوغ للتیمم عند المصنف (7)

عدم تسویغ المرض الیسیر

ص: 192


1- المائدة : (6).
2- التهذیب ( 1 : 184 - 530 ) ، الوسائل ( 2 : 967 ) أبواب التیمم ب (5) ح ( 5 ، 11 ) بتفاوت یسیر.
3- الحج : (78).
4- البقرة : (195).
5- التهذیب ( 1 : 196 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 968 ) أبواب التیمم ب (5) ح (7).
6- التهذیب ( 1 : 185 - 531 ) ، الوسائل ( 2 : 968 ) أبواب التیمم ب (5) ح (8).
7- المعتبر ( 1 : 365 ).

______________________________________________________

والعلاّمة (1) ، لانتفاء الضرر معه. واستشکله الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) بالعسر والحرج ، وقول النبیّ صلی الله علیه و آله : « لا حرج » (3).

وربما کان الخلاف مرتفعا فی المعنی ، فإنّه مع الضرورة والمشقة الشدیدة یجوز التیمم عند الجمیع ، لأنّ المرض والحال هذه لا یکون یسیرا ، ومع انتفاء المشقة وسهولة المرض لا یسوغ التیمم عند الجمیع أیضا.

وإطلاق النص وکلام أکثر الأصحاب یقتضی أنّه لا فرق فی هذا الحکم بین متعمّد الجنابة وغیره ، ویؤیّده أنّ الجنابة علی هذا التقدیر غیر محرّمة إجماعا کما نقله فی المعتبر (4) ، فلا یترتب علی فاعله عقوبة (5) ، و [ فی ] ارتکاب التغریر بالنفس عقوبة.

وقال الشیخان : إن أجنب نفسه مختارا لم یجز له التیمم وإن خاف التلف أو الزیادة فی المرض (6) ، واستدل علیه فی الخلاف بصحیحة (7) عبد الله بن سلیمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل تخوف أن یغتسل فیصیبه عنت ، قال : « یغتسل وإن أصابه ما أصابه » (8).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل تصیبه الجنابة فی

حکم من أجنب نفسه مع عدم الماء

ص: 193


1- المنتهی ( 1 : 136 ) ، والتذکرة ( 1 : 62 ).
2- الذکری : (22).
3- سنن ابن ماجة ( 2 : 1013 - 3049 ، 3052 ) ، سنن أبی داود ( 2 : 211 - 2014 ، 2015 ).
4- المعتبر ( 1 : 363 ).
5- الجواهر ( 5 : 108 ). مع أن المتجه علی مذهب الخصم حرمة الجنابة والحال هذه.
6- المفید فی المقنعة : (8) ، والشیخ فی الخلاف ( 1 : 39 ) ، والمبسوط ( 1 : 30 ) ، والنهایة : (46).
7- فی « س » و « ح » : بروایة.
8- التهذیب ( 1 : 198 - 575 ) ، الإستبصار ( 1 : 162 - 563 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (17) ح (3).

______________________________________________________

اللیلة الباردة ، قال : « اغتسل علی ما کان ، فإنّه لا بدّ من الغسل » (1).

وأجاب عنهما فی المعتبر بعدم الصراحة فی الدلالة ، لأنّ العنت المشقة ، ولیس کلّ مشقة تلفا ، ولأنّ قوله علیه السلام : « علی ما کان » لیس حجة فی موضع النزاع وإن دل بإطلاقه ، فدفع الضرر المظنون واجب عقلا لا یرتفع بإطلاق الروایة ، ولا یخصّ بها عموم نفی الحرج (2). وهو جید.

ویتوجه علیهما أیضا أنّهما متروکتا الظاهر ، إذ لا تقیید فیهما بتعمّد الجنابة ، ولا قائل بمضمونهما علی الإطلاق.

نعم روی الکلینی - رحمه الله تعالی - عن علیّ بن إبراهیم رفعه قال : « إن أجنب نفسه فعلیه أن یغتسل علی ما کان منه ، وإن احتلم تیمّم » (3).

وعن علیّ بن أحمد رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن مجدور أصابته جنابة ، قال : « إن کان أجنب هو فلیغتسل ، وإن کان احتلم فلیتیمّم » (4) وضعف سندهما یمنع من التمسک بهما.

ویرجع المریض فی معرفة التضرر باستعمال الماء إلی الظنّ الحاصل من التجربة ، أو إخبار العارف وإن کان فاسقا ، إذ غایة ما تقیّد به الآیة الشریفة اعتبار ظنّ الضرر فیکفی حصوله بأیّ وجه اتفق.

وأمّا الشین فقیل : إنّه عبارة عمّا یعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة ، الناشئة من

ص: 194


1- التهذیب ( 1 : 198 - 576 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 564 ) ، الوسائل ( 2 : 987 ) أبواب التیمم ب (17) ح (4).
2- المعتبر ( 1 : 397 ).
3- الکافی ( 3 : 67 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (17) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 68 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 59 - 219 ) ، التهذیب ( 1 : 198 - 574 ) ، الإستبصار ( 1 : 162 - 562 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (17) ح (1).

وکذا لو کان معه ماء للشرب وخاف العطش إن استعمله.

______________________________________________________

استعمال الماء فی البرد الشدید ، وربما بلغت تشقق الجلد وخروج الدم (1). وقد طع الأصحاب بجواز التیمم مع ذلک ، دفعا للضرر اللازم من وجوب استعمال الماء معه. واعتبر فیه العلاّمة فی المنتهی التفاحش (2) ، ولا بأس به.

قوله : وکذا لو کان معه ماء للشرب وخاف العطش إن استعمله فی الحال أو المآل.

هذا مذهب العلماء کافّة قاله فی المعتبر (3) ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنّه قال فی رجل أصابته جنابة فی السفر ولیس معه إلاّ ماء قلیل یخاف إن هو اغتسل أن یعطش ، قال : « إن خاف عطشا فلا یهرق منه قطرة ، ولیتیمم بالصعید ، فإنّ الصعید أحبّ إلیّ » (4).

وفی الصحیح ، عن محمد الحلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الجنب یکون معه الماء القلیل ، فإن هو اغتسل به خاف العطش ، أیغتسل به أو یتیمّم؟ قال : « بل یتیمّم ، وکذلک إذا أراد الوضوء » (5).

قال فی المعتبر : ولو خشی العطش علی رفیقه أو دوابّه استبقی الماء ویتیمّم ، لأنّ حرمة أخیه المسلم کحرمته ، ولأنّ حرمة المسلم آکد من حرمة الصلاة ، والخوف علی الدواب خوف علی المال ، ومعه یجوز التیمم (6). هذا کلامه - رحمه الله تعالی.

خوف العطش

ص: 195


1- کما فی المسالک ( 1 : 16 ).
2- المنتهی ( 1 : 135 ).
3- المعتبر ( 1 : 367 ).
4- التهذیب ( 1 : 404 - 1267 ) ، الوسائل ( 2 : 996 ) أبواب التیمم ب (25) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 406 - 1275 ) ، الوسائل ( 2 : 997 ) أبواب التیمم ب (25) ح (2).
6- المعتبر ( 1 : 368 ).

الطّرف الثّانی : فیما یجوز التیمم به :

وهو کل ما یقع علیه اسم الأرض.

______________________________________________________

وهو جید بالنظر إلی الرفیق المسلم ، لأن حفظ المسلم أرجح فی نظر الشرع من الصلاة ، بدلیل أنها تقطع لحفظ المسلم من الغرق والحرق وإن ضاق وقتها.

أما بالنظر إلی الدواب فمشکل علی إطلاقه ، لأن مطلق ذهاب المال غیر مسوغ للتیمم ، ولهذا وجب صرف المال الکثیر الذی لا یضر فوته فی شراء الماء ( ومنه الدواب لو توقف الشراء علیه ) (1) فیمکن القول بوجوب ذبح الدابة ( أو إتلافها ) (2) واستعمال الماء ، لأنه واجد له غیر مضطر إلیه ، فلا یسوغ له التیمم.

فرع : لو کان معه ماءان طاهر ونجس ، وخشی العطش ، فقد قطع الأصحاب بأنه یستبقی الطاهر لشربه ویتیمم ، لأنه قادر علی شرب الطاهر فلا یستبیح النجس ، فجری وجوده مجری عدمه. وهو جید إن ثبت تحریم شرب النجس مطلقا.

قوله : الطّرف الثّانی ، فیما یجوز التیمم به ، وهو : کل ما یقع علیه اسم الأرض.

اختلفت عبارات الأصحاب فیما یجوز التیمم به ، فقال الشیخ فی المبسوط : لا یجوز التیمم إلاّ بما یقع علیه اسم الأرض إطلاقا ، سواء کان علیه تراب أو کان حجرا أو جصّا أو غیر ذلک (3) ، وبمعناه قال فی الجمل والخلاف (4) ، ونحوه قال المرتضی فی المصباح (5).

وقال فی شرح الرسالة : لا یجزئ فی التیمم إلاّ التراب الخالص أی الصافی من مخالطة ما لا یقع علیه اسم الأرض ، کالکحل والزرنیخ وأنواع المعادن (6). ونحوه قال

- ما یجوز التیمم به

ما یقع علیه اسم الأرض

ص: 196


1- ما بین القوسین زیادة من « ح ».
2- من « ح ».
3- المبسوط ( 1 : 31 ).
4- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (168). الخلاف ( 1 : 30 ).
5- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 372 ).
6- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 372 ).

______________________________________________________

المفید فی المقنعة (1) ، وأبو الصلاح (2).

ونقل عن ابن أبی عقیل أنه جوّز التیمم بالأرض وبکل ما کان من جنسها ، کالکحل والزرنیخ ، واستحسنه فی المعتبر (3).

والمعتمد اعتبار ما یقع علیه اسم الأرض.

لنا : قوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً ) (4) والصعید : وجه الأرض علی ما نص علیه الخلیل (5) والزجاج (6) ، ونقله ثعلب عن ابن الأعرابی. ویدل علیه قوله تعالی : ( فَتُصْبِحَ صَعِیداً زَلَقاً ) (7) أی أرضا ملساء یزلق علیها باستیصال نباتها وأشجارها.

وقول النبی صلی الله علیه و آله : « یحشر الناس یوم القیامة حفاة عراة علی صعید واحد » (8) أی أرض واحدة.

ویدل علی جواز التیمم بالأرض الأخبار المستفیضة ، کقول الصادق علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « إذا لم یجد الرجل طهورا وکان جنبا فلیمسح من الأرض ولیصلّ » (9) وفی صحیحة الحلبی : « إنّ رب الماء هو رب الأرض فلیتیمم » (10) وفی

ص: 197


1- المقنعة : (7).
2- الکافی فی الفقه : (136).
3- المعتبر ( 1 : 372 ).
4- النساء : (43).
5- کتاب العین ( 1 : 290 ).
6- نقله عنه فی المصباح المنیر : (340) ، ومجمع البحرین ( 3 : 85 ) ، ونقلا عنه قوله : أنه لا یعلم فیه اختلافا بین أهل اللغة.
7- الکهف : (40).
8- المعتبر ( 1 : 373 ).
9- التهذیب ( 1 : 193 - 556 ) ، الإستبصار ( 1 : 159 - 549 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (7).
10- الفقیه ( 1 : 57 - 213 ) ، المحاسن : ( 372 - 133 ) ، الوسائل ( 2 : 965 ) أبواب التیمم ب (3) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

صحیحة محمد بن مسلم : « فإن فاتک الماء لم تفتک الأرض » (1) وإنما یکون وجدان الأرض نافعا لو جاز التیمم بها.

احتج السید المرتضی - رحمه الله - علی ما نقل عنه (2) بقوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً ) والصعید هو التراب بالنقل عن أهل اللغة (3) ، حکاه ابن درید عن أبی عبیدة.

وبقوله علیه السلام : « جعلت الأرض لی مسجدا وترابها طهورا » (4) ولو کانت الأرض طهورا وإن لم تکن ترابا لکان لفظ ترابها لغوا.

وأجاب عنه فی المعتبر بأنه لا یلزم من تسمیة التراب صعیدا أن لا یسمی به الأرض ، بل جعله اسما للأرض أولی ، لأنه یستعمل فیهما فیجعل حقیقة فی القدر المشترک بینهما وهو الأرضیة ، دفعا للاشتراک والمجاز. فیکون التراب صعیدا باعتبار کونه أرضا ، لا باعتبار کونه ترابا.

وعن الروایة بأنّ التمسک بها تمسک بدلالة الخطاب وهی متروکة فی معرض النص إجماعا. وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری (5) أنّ الروایة موجودة بحذف ترابها.

وکیف کان فهذه الروایة الضعیفة لا تعارض الأخبار المستفیضة الصحیحة السند المتضمنة لجواز التیمم بما یسمی أرضا.

ص: 198


1- الکافی ( 3 : 63 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 203 - 588 ) ، الإستبصار ( 1 : 165 - 573 ) ، الوسائل ( 2 : 993 ) أبواب التیمم ب (22) ح (1).
2- فی المعتبر ( 1 : 372 ).
3- کما فی القاموس المحیط ( 1 : 318 ) ، والصحاح ( 2 : 498 ).
4- الفقیه ( 1 : 155 - 724 ) ، الخصال : ( 292 - 56 ) ، الوسائل ( 2 : 969 ) أبواب التیمم ب (7) ح (2).
5- الذکری : (21).

______________________________________________________

واختلف الأصحاب فی جواز التیمم بالحجر الصلد الذی لا غبار علیه کالرخام والبرام (1). فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط والخلاف : یجوز التیمم به اختیارا (2). وقال فی النهایة : ولا بأس بالتیمم بالأحجار وأرض النورة وأرض الجصّ إذا لم یقدر علی التراب (3).

وقریب منه کلام المفید - رحمه الله - فی المقنعة ، فإنه قال : وإن کان فی أرض صخر وأحجار لیس علیها تراب وضع یده أیضا علیها ومسح وجهه وکفیه کما ذکرنا فی تیممه بالتراب ، ولیس علیه حرج فی الصلاة بذلک ، لموضع الاضطرار (4).

وقال ابن إدریس - رحمه الله - : ولا یعدل إلی الحجر إلاّ إذا فقد التراب (5).

وربما أشعر کلام ابن الجنید - رحمه الله - بالمنع من التیمم مطلقا ، فإنه قال : ولا یجوز من السبخ ، ولا مما أحیل عن معنی الأرض المخلوقة بالطبخ والتحجیر خاصة (6).

والمعتمد جواز التیمم به اختیارا ، لأنه أرض إجماعا کما حکاه فی المعتبر (7) ، ودل علیه اللغة والعرف ، ومتی ثبت کونه أرضا تناولته الأدلة الدالة علی جواز التیمم بالأرض.

حکم التیمم بالحجر

ص: 199


1- الرخام : حجر أبیض رخو - الصحاح ( 5 : 1930 ) ، البرام : الظاهر أنه حجر معروف بالحجاز والیمن یصنع منه القدور کما یستفاد من لسان العرب ( 12 : 45 ).
2- المبسوط ( 1 : 32 ) ، والخلاف ( 1 : 30 ).
3- النهایة : (49).
4- المقنعة : (8).
5- السرائر : (26).
6- نقله عنه فی المختلف : (48).
7- المعتبر ( 1 : 376 ).

ولا یجوز التیمّم بالمعادن ولا بالرماد ،

______________________________________________________

ولم أقف للقائلین بجواز التیمم به مع الاضطرار دون الاختیار علی حجة یعتد بها. فإنّ الحجر إن صدق علیه اسم الأرض جاز التیمم به ، مع وجود التراب وعدمه ، وإلاّ امتنع کذلک ، کما هو ظاهر عبارة ابن الجنید. أما التفصیل فلا وجه له. ومع ذلک کله فلا ریب أنّ التیمم بالتراب الخالص أولی وأحوط.

قوله : ولا یجوز التیمّم بالمعادن.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل علیه العلامة - رحمه الله - فی المنتهی الإجماع (1).

وقال ابن أبی عقیل - رحمه الله - : یجوز التیمم بالأرض وبکل ما کان من جنسها ، کالکحل والزرنیخ ، لأنه یخرج من الأرض (2). وهو ضعیف ، لأن الجواز تعلق بما یسمی أرضا لا بما یخرج من الأرض.

والأولی اعتبار الاسم ، کما اختاره فی المعتبر (3).

قوله : ولا بالرماد.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، حکاه فی المنتهی (4). وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین رماد التراب وغیره ، لأنه لا یسمی أرضا. واستقرب العلامة - رحمه الله - فی النهایة جواز التیمم بالرماد المتخذ من التراب (5). وقال فی التذکرة : لو احترق التراب حتی صار رمادا ، فإن کان خرج عن اسم الأرض لم یصح التیمم به (6). وهو أولی ، إذ

حکم التیمم بالمعادن والرماد

ص: 200


1- المنتهی ( 1 : 141 ).
2- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 372 ).
3- المعتبر ( 1 : 374 ).
4- المنتهی ( 1 : 142 ).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 199 ).
6- التذکرة ( 1 : 54 ).

ولا بالنبات المنسحق کالأشنان والدقیق. ویجوز التیمّم بأرض النورة ، والجص ،

______________________________________________________

المعتبر ما یقع علیه اسم الأرض.

قوله : ولا بالنبات المنسحق ، کالأشنان (1) والدقیق.

هذا قول علمائنا أجمع ، وخالف فیه بعض العامة (2) ، فأجاز التیمم بما اتصل بالأرض من الشجر والنبات. ولا ریب فی بطلانه.

قوله : ویجوز التیمّم بأرض النورة ، والجص.

لا ریب فی جواز التیمم بأرض النورة والجصّ قبل الإحراق ، لأن اسم الأرض یقع علیهما حقیقة ، ومتی ثبت ذلک جاز التیمم بهما مطلقا.

واعتبر الشیخ - رحمه الله - فی النهایة فی جواز التیمم بهما وبالحجر فقد التراب (3). وهو ضعیف جدا. لأن اسم الأرض إن صدق علیهما حقیقة جاز التیمم بهما مع وجود التراب وعدمه ، وإلاّ امتنع کذلک.

أما نفس النورة والجصّ بعد الإحراق ، فذهب الشیخان (4) وأتباعهما (5) إلی المنع من التیمم بهما لخروجهما بالإحراق ، عن اسم الأرض. وقال المرتضی - رحمه الله - فی المصباح ، وسلار (6) : یجوز التیمم بهما.

قال فی المعتبر : ما ذکره علم الهدی هو روایة السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن

حکم التیمم بالنبات المنسحق

حکم التیمم بأرض النورة والجص

ص: 201


1- الأشنان : شجر ینبت فی الأرض الرملیة ، یستعمل هو أو رماده فی غسل الثیاب والأیدی - الإفصاح ( 1 : 387 ).
2- منهم القرطبی فی الجامع لأحکام القرآن ( 5 : 237 ).
3- النهایة : (49).
4- المفید فی المقنعة : (7) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 32 ) ، والخلاف ( 1 : 30 ).
5- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (136) ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (552) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (71).
6- المراسم : (54).

______________________________________________________

علی علیهم السلام : إنه سئل عن التیمم بالجصّ ، فقال : « نعم » فقیل : بالنورة؟ فقال : « نعم » فقیل : بالرماد؟ فقال : « لا ، إنه لا یخرج من الأرض ، إنما یخرج من الشجر » (1) - وهذا السکونی ضعیف لکن روایته حسنة - لأنه (2) أرض فلا یخرج باللون والخاصیة عن اسم الأرض ، کما لا یخرج الأرض الصفراء والحمراء (3). هذا کلامه - رحمه الله تعالی. والأولی اعتبار الاسم کما اختاره فی المنتهی (4).

واختلف الأصحاب فی جواز التیمم بالخزف ، فقال ابن الجنید والمصنف - رحمه الله - فی المعتبر : لا یجوز التیمم به ، لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض (5).

وقیل بالجواز (6) ، للشک فی تحقق الاستحالة. ولأن الأرض المحترقة ( قد ) (7) یقع علیها اسم الأرض حقیقة. والمنع أحوط.

وقال المصنف فی المعتبر بعد أن قطع بخروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض : ولا یعارض بجواز السجود ، لأنه قد یجوز السجود علی ما لیس بأرض کالکاغذ.

ویتوجه علیه : أن مقتضی الروایات الصحیحة المنع من السجود علی غیر الأرض ونباتها الذی لم یؤکل أو یلبس (8) فمتی سلم خروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض ، وجب القول بامتناع السجود علیه إلی أن یثبت دلیل الجواز فیه ، کما ثبت فی الکاغذ

حکم التیمم بالخزف

ص: 202


1- التهذیب ( 1 : 187 - 539 ) ، الوسائل ( 2 : 971 ) أبواب التیمم ب (8) ح (1).
2- هذا دلیل علی ما اختاره فی المعتبر من جواز التیمم بأرض الجص والنورة.
3- المعتبر ( 1 : 376 ).
4- المنتهی ( 1 : 142 ).
5- المعتبر ( 1 : 375 ) ، ونقله عن ابن الجنید أیضا.
6- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 67 ) ، ومجمع الفائدة ( 1 : 222 ).
7- لیست فی « م » و « س ».
8- الوسائل ( 3 : 591 ) أبواب ما یسجد علیه ب (1).

وتراب القبر ، وبالتراب المستعمل فی التیمّم. ولا یصحّ التیمّم بالتراب المغصوب ،

______________________________________________________

وسیجی ء تمام تحقیق المسألة إن شاء الله تعالی.

قوله : وتراب القبر.

مذهب الأصحاب جواز التیمم بتراب القبر ، سواء کان منبوشا أو غیر منبوش ، إلاّ أن یعلم فیه نجاسة ، لتناول اسم الصعید له ، وعدم تحقق المانع من استعماله.

وقال الشافعی : المقبرة إذا تکرر نبشها لا یجوز التیمم بترابها ، لاختلاطه بصدید الموتی ، وإن لم یتکرر جاز (1). ولا ریب فی بطلانه.

قوله : والتراب المستعمل فی التیمّم.

فسر المستعمل بالممسوح به ، أو المتساقط عن محل الضرب ، لا المضروب علیه ، فإنه لیس بمستعمل عند الجمیع. وقد أجمع الأصحاب علی جواز التیمم بالتراب المستعمل ، لأنّه لم یخرج بالاستعمال عن اسم الصعید. وخالف فیه بعض العامة ، فمنع من جواز التیمم به ثانیا قیاسا علی الماء المستعمل فی الطهارة (2). وهو قیاس مع الفارق.

قوله : ولا یصحّ التیمّم بالتراب المغصوب.

للنهی عنه المقتضی للفساد. والمراد بالمغصوب ما لم یکن مملوکا ولا مأذونا فیه ، خصوصا أو عموما أو بشاهد الحال.

ولو تیمم فی المکان المغصوب فالأصح أنه لا یبطل تیممه إذا کان التراب المضروب علیه مباحا ، لتوجه النهی إلی أمر خارج عن العبادة ، فإن الکون لیس من أفعال التیمم ، وإنما هو من ضروریات الجسم.

حکم التیمم بتراب القبر والمستعمل والمغصوب

ص: 203


1- قال فی کتاب الام ( 1 : 51 ). ولا یتیمم بتراب المقابر لاختلاطها بصدید الموتی ولحومهم وعظامهم.
2- منهم الغمراوی فی السراج الوهاج : (37). والخطیب الشربینی فی مغنی المحتاج ( 1 : 96 ).

ولا بالنجس ، ولا بالوحل مع وجود التراب.

وإذا مزج التراب بشی ء من المعادن ، فإن استهلکه التراب وإلا لم یجز.

______________________________________________________

قوله : ولا النجس.

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه مخالفا (1) ، واستدل علیه بقوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً ) والطیب هو الطاهر.

وهو جید ، إن ثبت کون الطیب هو الطاهر بالمعنی الشرعی ، لکن یبقی الکلام فی إثبات ذلک.

قوله : ولا بالوحل مع وجود التراب.

هو بسکون الحاء وفتحها : الطین الرقیق. نصّ علیه فی الصحاح (2). وقال فی القاموس : الوحل : الطین ترتطم فیه الدواب (3). والظاهر أنّ مطلق الطین لا یجوز التیمم به اختیارا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة رفاعة : « إذا کانت الأرض مبتلّة لیس فیها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتیمم منه ، فإن ذلک توسیع من الله عزّ وجلّ » ثم قال : « وإن کان فی موضع لا یجد إلاّ الطین فلا بأس أن یتیمم منه » (4) ونحوه روی أبو بصیر فی الحسن عن أبی عبد الله علیه السلام (5).

قوله : وإذا مزج التراب بشی ء من المعادن فإن استهلکه التراب جاز ، وإلا لم یجز.

ینبغی أن یراد بالاستهلاک أن لا یتمیز الخلیط ، ویصدق علی الممتزج اسم التراب

حرمة التیمم بالنجس والطین مع وجود التراب

ص: 204


1- المنتهی ( 1 : 144 ).
2- الصحاح ( 5 : 1840 ).
3- القاموس المحیط ( 4 : 65 ).
4- التهذیب ( 1 : 189 - 546 ) ، الإستبصار ( 1 : 156 - 539 ) ، الوسائل ( 2 : 972 ) أبواب التیمم ب (9) ح (4).
5- الکافی ( 3 : 67 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 189 - 543 ) ، الإستبصار ( 1 : 156 - 537 ) ، الوسائل ( 2 : 973 ) أبواب التیمم ب (9) ح (7).

ویکره بالسبخة والرمل.

______________________________________________________

الصرف ، وحینئذ فلا ریب فی جواز التیمم به ، لصدق التیمم بالصعید.

وقال فی المنتهی : لو اختلط التراب بما لا یتعلق بالید کالشعر جاز التیمم منه ، لأن التراب موجود فیه والحائل لا یمنع من التصاق الید به (1).

وهو مشکل ، إذ المعتبر مماسة باطن الکفین بأسرهما للصعید ، وما أصاب الخلیط من الید لم یماس التراب.

قوله : ویکره بالسبخة والرمل.

المراد بالسبخة الأرض المالحة النشّاشة (2). والحکم بجواز التیمم بالأرض السبخة والرمل علی کراهة فیهما مذهب فقهائنا أجمع ، عدا ابن الجنید ، فإنه منع من السبخ. حکی ذلک المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (3).

أما الجواز ، فلأن اسم الأرض یقع علیهما حقیقة ، فإنّ الرمل أجزاء أرضیة اکتسبت حرارة أوجبت لها التشتت. والسبخة أرض اکتسبت حرارة أوجبت لها تغیرا ما فی الکیفیة ، لا تخرج به عن الحقیقة الأرضیة ، ومتی ثبت کونهما أرضا جاز التیمم بهما ، تمسکا بظاهر الآیة والنصوص التی تلوناها سابقا.

وأما الکراهة ، فلم أقف فیها علی أثر. وربما کان الوجه فیها التفصی من احتمال خروجها بتلک الحرارة المکتسبة عن الحقیقة الأرضیة ، أو الخروج من خلاف ابن الجنید فی السبخ ، وخلاف بعض العامة فی الرمل (4).

کراهة التیمم بالسبخة والرمل

ص: 205


1- المنتهی ( 1 : 142 ).
2- سبخة نشاشة : ما یظهر من ماء السباخ أی المالحة فینشّ فیها - أی أخذ الماء فی النضوب - حتی یعود ملحا - الصحاح ( 3 : 1021 ) ، النهایة لابن الأثیر ( 5 : 57 ).
3- المعتبر ( 1 : 374 ).
4- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 282 ، 288 ) ، والمرداوی فی الانصاف ( 1 : 284 ).

ویستحب أن یکون من ربا الأرض وعوالیها. ومع فقد التراب یتیمّم بغبار ثوبه ، أو لبد سرجه ، أو عرف دابته.

______________________________________________________

قوله : ویستحب أن یکون من ربا الأرض وعوالیها.

لأنها أبعد عن ملاقاة النجاسة من المهابط ، ولروایة غیاث بن إبراهیم عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « نهی أمیر المؤمنین علیه السلام أن یتیمم الرجل بتراب من أثر الطریق » (1).

قوله : ومع فقد التراب یتیمّم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته.

إذا فقد التراب وما فی معناه وجب التیمم بغبار الثوب ، أو عرف الدابة ، أو لبد السرج ، أو غیر ذلک مما فیه غبار. قال فی المعتبر : وهو مذهب علمائنا وأکثر العامة (2).

والمستند فیه : روایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت فی حال لا تقدر إلاّ علی الطین فتیمم به ، فإن الله أولی بالعذر إذا لم یکن معک ثوب جافّ ولا لبد تقدر علی أن تنفضه وتتیمم به » (3).

وصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أرأیت المواقف ، إن لم یکن علی وضوء کیف یصنع ولا یقدر علی النزول؟ قال : « یتیمم من لبد سرجه أو معرفة دابته ، فإن فیها غبارا ، ویصلی » (4).

وصحیحة رفاعة عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فإن کان فی ثلج فلینظر فی

استحباب التیمم من ربا الأرض

التیمم من غبار الثوب أو لبد السرج أو عرف الدابة

ص: 206


1- الکافی ( 3 : 62 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 187 - 538 ) ، الوسائل ( 2 : 969 ) أبواب التیمم ب (6) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 376 ).
3- الکافی ( 3 : 67 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 189 - 543 ) ، الإستبصار ( 1 : 156 - 537 ) ، الوسائل ( 2 : 973 ) أبواب التیمم ب (9) ح (7).
4- التهذیب ( 1 : 189 - 544 ) ، الإستبصار ( 1 : 157 - 541 ) ، السرائر : (480) ، الوسائل ( 2 : 972 ) أبواب التیمم ب (9) ح (1) بتفاوت یسیر.

ومع فقدان ذلک یتیمّم بالوحل.

______________________________________________________

لبد سرجه ، فلیتیمم من غباره ، أو شی ء مغبر. وإن کان فی موضع لا یجد إلاّ الطین فلا بأس أن یتیمم منه » (1).

وإنما یجوز التیمم بالغبار مع فقد التراب ، کما نصّ علیه الشیخ (2) وأکثر الأصحاب. وربما ظهر من عبارة المرتضی - رحمه الله - فی الجمل جواز التیمم به مع وجود التراب أیضا (3). وهو بعید ، لأنه لا یسمی صعیدا. بل یمکن المناقشة فی جواز التیمم به مع إمکان التیمم بالطین ، لضعف الروایة الاولی (4) ، واختصاص الروایة الثانیة بالمواقف الذی لا یتمکن من النزول إلی الأرض ، والثالثة بحال الثلج المانعة من الوصول إلی الأرض. إلاّ أنّ الأصحاب قاطعون بتقدیم الغبار علی الوحل ، وظاهرهم الاتفاق علیه.

قوله : ومع فقد ذلک یتیمّم بالوحل.

المستند فی ذلک بعد الإجماع : روایتا أبی بصیر ورفاعة المتقدمتان. ولو أمکن تجفیف الوحل بحیث یصیر ترابا والتیمم به وجب ذلک ، وقدم علی الغبار قطعا.

واختلف الأصحاب فی کیفیة التیمم بالوحل ، فقال الشیخان : إنه یضع یدیه علی الأرض ثم یفرکهما ویتیمم به (5). وهو خیرة المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (6) عملا بظاهر الأمر. وقال آخرون : یضع یدیه علی الوحل ویتربص ، فإذا یبس تیمم به (7).

التیمم بالوحل

ص: 207


1- المتقدمة فی ص (204).
2- المبسوط ( 1 : 32 ) ، والنهایة : (49).
3- جمل العلم والعمل : (52).
4- لعل وجه الضعف اشتراک أبی بصیر بین الثقة والضعیف. کما صرح به فی ص [36] من هذا الکتاب.
5- الشیخ المفید فی المقنعة : (8) ، قال : فلیضع یدیه علی الوحل ثم یرفعهما فیمسح إحداهما علی الأخری حتی لا یبقی فیهما نداوة ولیمسح بهما وجهه. والشیخ الطوسی فی المبسوط ( 1 : 32 ).
6- المعتبر ( 1 : 377 ).
7- (7) منهم ابن حمزة فی الوسیلة : (71) ، والعلامة فی التحریر : (22)

الطّرف الثالث : فی کیفیة التیمم

ولا یصحّ التیمّم قبل دخول الوقت ، ویصح مع تضیّقه. وهل یصح مع سعته؟ فیه تردد ، والأحوط المنع.

______________________________________________________

واستوجهه فی التذکرة إن لم یخف فوت الوقت (1). وهو بعید.

ولو فقد الوحل سقط فرض أداء الصلاة عند أکثر الأصحاب. وظاهر المرتضی (2) وابن الجنید (3) جواز التیمم بالثلج. وهو مشکل ، لأن الثلج لیس بأرض ، فلا یسوغ التیمم به.

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : وإن کان فی أرض قد غطاها الثلج ، ولا سبیل له إلی التراب ، فلیکسره ولیتوضأ به مثل الدهن (4). ومقتضاه أنّ الواجب الوضوء به لا التیمم ، إلاّ أنه یشکل بأنه إن تحقق به الغسل فلا وجه لتقدیم التراب علیه ، وإلاّ لم یعتبر أصلا.

والحق أنه إن أمکن الطهارة بالثلج بحیث یتحقق به الغسل الشرعی کان مقدما علی التراب ومساویا للماء فی جواز الاستعمال. وإن قصر عن ذلک سقط اعتباره مطلقا ، أما فی الوضوء والغسل ، فلعدم إمکان الغسل به کما هو المفروض ، وأما فی التیمم ، فلأنه لیس أرضا ، فلا یجوز التیمم به.

قوله : الطّرف الثالث ، فی کیفیة التیمم : ولا یصحّ التیمّم قبل دخول الوقت ، ویصح مع تضیّقه ، وهل یصح مع سعته؟ فیه تردد ، والأحوط المنع.

أجمع الأصحاب علی عدم جواز التیمم للفریضة الموقتة قبل دخول الوقت ، کما

- کیفیة التیمم

وقت التیمم

ص: 208


1- التذکرة ( 1 : 61 ).
2- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 377 ).
3- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 377 ).
4- المقنعة : (8).

______________________________________________________

أطبقوا أیضا علی وجوبه مع تضیقه ولو ظنا. وإنما الخلاف فی جوازه مع السعة. فذهب الشیخ (1) ، والسید المرتضی (2) - رحمهما الله - وجمع من الأصحاب (3) إلی أنه لا یصح إلاّ فی آخر الوقت ، ونقل علیه السید الإجماع فی الناصریة والانتصار. وذهب الصدوق - رحمه الله تعالی - إلی جوازه فی أول الوقت (4) ، وقواه فی المنتهی (5) ، واستقر به فی البیان (6).

وقال ابن الجنید : إن وقع الیقین بفوت الماء آخر الوقت أو غلب الظن ، فالتیمم فی أول الوقت أحب إلیّ (7). واستجوده المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (8) ، واختاره العلامة - رحمه الله - فی أکثر کتبه (9).

احتج الشیخ (10) والمرتضی (11) بالإجماع ، وحسنة زرارة عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إذا لم یجد المسافر الماء فلیطلب ما دام فی الوقت ، فإن خاف أن یفوته الوقت

ص: 209


1- المبسوط ( 1 : 31 ) ، الخلاف ( 1 : 35 ).
2- الانتصار : (31) ، المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (189).
3- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 47 ) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (70) ، وابن إدریس فی السرائر : (26).
4- قال فی الهدایة : (18). من کان جنبا أو علی غیر وضوء ووجبت الصلاة ولم یجد الماء فلیتیمم. ولم یذکر التأخیر. ولکن قال فی المقنع : 4. . أعلم أنه لا تیمم للرجل حتی یکون فی آخر الوقت.
5- المنتهی ( 1 : 140 ).
6- البیان : (34).
7- نقله عنه فی المختلف : (47).
8- المعتبر ( 1 : 384 ).
9- المختلف : (47) ، والتذکرة ( 1 : 63 ).
10- الخلاف ( 1 : 35 ).
11- الانتصار : (32).

______________________________________________________

فلیتیمم ولیصلّ فی آخر الوقت » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سمعته یقول : « إذا لم تجد ماءا وأردت التیمم فأخّر التیمم إلی آخر الوقت ، فإن فاتک الماء لم تفتک الأرض » (2).

وفی الجمیع نظر : أما الإجماع ، فبالمنع منه فی موضع النزاع. وأما الروایة الأولی ، فلأن مقتضاها أنّ المسافر یطلب الماء ما دام فی الوقت ، والطلب یؤذن بإمکان الظفر وإلاّ لکان عبثا. وکذا الکلام فی الثانیة ، فإن قوله علیه السلام : « فإن فاتک الماء لم تفتک الأرض » یقتضی الشک فی الفوات. فلا یتم الاحتجاج بهما علی اعتبار التضیق مطلقا.

ویمکن حملهما علی الاستحباب ، لقصورهما من حیث السند عن إثبات الوجوب بإضمار الثانیة ، وعدم بلوغ الأولی مرتبة الصحیح ، مع أنها متروکة الظاهر ، إذ لا نعلم قائلا بوجوب الطلب فی مجموع الوقت سوی المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (3) ، فإنه یفهم من کلامه المیل إلیه.

ویشهد لهذا الحمل قول الصادق علیه السلام فی صحیحة محمد بن حمران : « واعلم أنه لیس ینبغی لأحد أن یتیمم إلاّ فی آخر الوقت » (4) فإن لفظ « لا ینبغی » و « لیس ینبغی » ظاهر فی الکراهة.

حجة القول الثانی : قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) إلی قوله :

ص: 210


1- الکافی ( 3 : 63 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 203 - 589 ) ، الإستبصار ( 1 : 165 - 574 ) ، الوسائل ( 2 : 993 ) أبواب التیمم ب (22) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 63 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 203 - 588 ) ، الإستبصار ( 1 : 165 - 573 ) ، الوسائل ( 2 : 993 ) أبواب التیمم ب (22) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 382 ).
4- التهذیب ( 1 : 203 - 590 ) ، الإستبصار ( 1 : 166 - 575 ) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (21) ح (3) ، ب (22) ح (5).

______________________________________________________

( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (1) أوجب التیمم علی المکلف عند إرادة القیام إلی الصلاة إذا لم یجد الماء ، فلا یتقید بغیره عملا بالأصل.

وقول النبی صلی الله علیه و آله لأبی ذر : « یکفیک الصعید عشر سنین » (2) وقول الصادق علیه السلام : « هو بمنزلة الماء » (3) و « إن الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (4).

وتدل علیه الأخبار الکثیرة الدالة علی أنّ التیمم إذا صلی ثم وجد الماء فی الوقت لا تجب علیه الإعادة ، کصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : فإن أصاب الماء وقد صلی بتیمم وهو فی وقت؟ قال : « تمت صلاته ولا إعادة علیه » (5).

وموثقة یعقوب بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل تیمم وصلّی ، ثم أصاب الماء وهو فی وقت ، قال : « قد مضت صلاته ولیتطهر » (6). وترک الاستفصال فی جواب السؤال مع قیام الاحتمال یفید العموم.

وأجاب الشیخ عن هذه الأخبار بجواز أن یکون قوله : « وهو فی وقت » إشارة إلی أنه

ص: 211


1- المائدة : (6).
2- الفقیه ( 1 : 59 - 221 ) ، التهذیب ( 1 : 194 - 561 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (12).
3- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (3).
4- الکافی ( 3 : 66 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الوسائل ( 1 : 99 ) أبواب الماء المطلق ب (1) ح (1) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 194 - 562 ) ، الإستبصار ( 1 : 160 - 552 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (9).
6- التهذیب ( 1 : 195 - 563 ) ، الإستبصار ( 1 : 160 - 553 ) ، الوسائل ( 2 : 984 ) أبواب التیمم ب (14) ح (14).

______________________________________________________

صلی فی وقت ، لا أنه أصاب الماء بعد الصلاة فی وقتها (1). وهو بعید جدا.

وأجیب عنها أیضا بالحمل علی ما إذا ظن المکلف الضیق ثم انکشف فساد ظنه (2). وهو خروج عن الظاهر أیضا.

وقد ظهر من ذلک کله أنّ اعتبار المضایقة مطلقا لا دلیل علیه أصلا.

أما التفصیل بمعنی تأخیر التیمم مع الطمع فی وجود الماء إلی آخر الوقت عرفا - وإن زاد عن قدر التیمم والصلاة - فلا بأس به ، لدلالة روایتی زرارة ومحمد بن مسلم (3) علیه ، وإن کان القول بالتوسعة مطلقا لا یخلو من قوة.

وهنا مباحث :

الأول : لو دخل وقت الصلاة وهو متیمم فهل یجوز له أداء الصلاة فی أول وقتها علی القول بالمضایقة أم لا؟ الأظهر : الجواز ، وهو اختیار الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (4) ، والمصنف - رحمه الله - فی المعتبر (5) ، لأن المانع من الصلاة فی أول الوقت إنما هو ورود الأمر بتأخیر التیمم إلی آخر الوقت ، وهو لا یتناول المتیمم.

وتشهد له صحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : یصلی الرجل بتیمم واحد صلاة اللیل والنهار کلها؟ فقال : « نعم » (6). وصحیحة أخری له عنه علیه السلام : فی الرجل یتیمم ، قال : « یجزیه ذلک إلی أن یجد الماء » (7).

ص: 212


1- التهذیب ( 1 : 195 ) ، والاستبصار ( 1 : 160 ).
2- کما فی الذکری : (107).
3- المتقدمتین فی ص ( 209 ، 210 ).
4- المبسوط ( 1 : 33 ).
5- المعتبر ( 1 : 383 ).
6- الکافی ( 3 : 63 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 200 - 580 ) ، الإستبصار ( 1 : 164 - 570 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (1).
7- التهذیب ( 1 : 200 - 579 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (2).

______________________________________________________

وقیل بالثانی (1) ، لأن المقتضی للتأخیر إمکان وجود الماء فی الوقت ، وهو متحقق. ولا یخفی ضعفه.

الثانی : من علیه فائتة فالأوقات کلها صالحة لتیممه ، لعموم قوله علیه السلام : « ومتی ذکرت صلاة فاتتک صلیتها » (2). ویجوز الدخول به فی الفرائض المؤداة قطعا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة حماد بن عثمان - وقد سأله عن الرجل لا یجد الماء أیتیمم لکل صلاة؟ - : « هو بمنزلة الماء » (3).

وفی صحیحة جمیل : « إن الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (4). ومقتضی ذلک أنه یثبت له جمیع أحکام الماء إلاّ ما خرج بالدلیل.

وکذا یتیمم للنافلة متی أراد فعلها ، موقتة کانت أو مبتدأة ، وإن کان فی الأوقات المکروهة ، لأن الکراهة بالمعنی المصطلح علیه عند الفقهاء لا ینافی الانعقاد. وقطع المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (5) ، والعلامة فی التذکرة (6) بعدم جواز التیمم فی أوقات النهی. وهو غیر جید. ویصح الدخول به فی الفرائض لما قدمناه.

وعلی هذا فینتفی اعتبار فائدة (7) التضییق إن قلنا بجواز أداء الموقتة فی أول وقتها

ص: 213


1- حکی عن السید کما فی کشف اللثام ( 1 : 149 ).
2- الکافی ( 3 : 291 - 1 ) ، التهذیب ( 3 : 158 - 340 ) ، الوسائل ( 3 : 211 ) أبواب المواقیت ب (63) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
3- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (3) ، وص (995) أبواب التیمم ب (23) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
4- الکافی ( 3 : 66 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الوسائل ( 1 : 99 ) أبواب الماء المطلق ب (1) ح (1) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23) ح (1).
5- المعتبر ( 1 : 383 ).
6- التذکرة ( 1 : 63 ).
7- کذا ، والأنسب أن یکون : فائدة اعتبار.

والواجب فی التیمم النیة ، واستدامة حکمها ، والترتیب : یضع یدیه علی الأرض ، ثم یمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلی طرف أنفه ، ثم یمسح ظاهر الکفّین ، وقیل : باستیعاب مسح الوجه والذراعین ، والأول أظهر.

______________________________________________________

بالتیمم السابق ، کما ذکره الشیخ فی المبسوط (1).

وذکر جدی - قدس سره - أنّ من أراد أن یصلی الموقتة مع السعة فالحیلة له - بناء علی اعتبار التضییق - أن ینذر صلاة رکعتین فی تلک الحالة ویتیمم لهما ، ثم یصلی الحاضرة مع سعة الوقت (2).

وهو حسن ، لکن لا فائدة فی النذر إلاّ صیرورة التیمم واجبا ، وقد صرح هو وغیره بجواز الدخول فی الفریضة بتیمم النافلة (3) ، ونقل علیه فی المنتهی الإجماع (4). اللهم إلاّ أن یقول بمنع النافلة المبتدئة بالتیمم ، وصحة النذر ، وإن لم یکن متعلقة مشروعا قبل النذر ، أو مع إمکان شرعیته فی ثانی الحال. وهو بعید.

الثالث : یتیمم للآیة کالکسوف بحصولها. وللجنازة بحضورها ، ویمکن دخول وقتها (5) بتغسیل المیت ، لإباحة الصلاة حینئذ وللاستسقاء باجتماع الناس فی المصلی ، واستقرب الشهید - رحمه الله - جوازه بإرادة الخروج إلی الصحراء ، بل بطلوع الشمس فی الیوم الثالث ، لأنه وقت الخروج إلی الصلاة (6). وهو مشکل ، والأولی إیقاعه عند إرادة الصلاة.

قوله : والواجب فی التیمم : النیة. واستدامة حکمها. والترتیب : یضع یدیه علی الأرض ، ثم یمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلی طرف أنفه ،

ص: 214


1- المتقدم فی ص (212).
2- روض الجنان : (122).
3- روض الجنان : (122).
4- المنتهی ( 1 : 145 ).
5- کذا فی جمیع النسخ ، والأنسب : وقته. أی وقت التیمم.
6- الذکری : (106).

______________________________________________________

ثم یمسح ظاهر الکفّین ، وقیل : باستیعاب مسح الوجه والذراعین ، والأول أظهر.

ذکر المصنف - رحمه الله - ثم أنه یجب فی التیمم أمور :

- واجبات التیمم

الأول : النیة

اشارة

الأول : النیة ، وهی شرط فی صحة التیمم بإجماع العلماء ، قاله فی المعتبر (1). ومعناها القصد بالقلب إلیه. ویعتبر فیها قصد الطاعة والامتثال لأمر الله عز وجل ، لعدم تحقق الإخلاص بدونه. وفی اعتبار ملاحظة الوجه والاستباحة القولان المتقدمان فی الوضوء.

وذکر جمع من الأصحاب - منهم العلامة فی المنتهی - أنه لا یجوز للمتیمم نیة رفع الحدث ، لإجماع العلماء کافة علی أنه غیر رافع ، ومتی لم یرفع امتنعت نیته شرعا (2).

وجوّز الشهید - رحمه الله - فی قواعده نیة الرفع فیه إلی غایة معیّنة : إما الحدث أو وجود الماء. وهو حسن ، إذ لا معنی للحدث الذی یمکن رفعه إلاّ الحالة التی لا یصح معها الدخول فی الصلاة ونحوها مما یتوقف علی الطهارة ، فمتی زالت تلک الحالة حصلت الاستباحة والرفع. غایة ما فی الباب أنّ الرفع قد یکون مطلقا ، کما فی طهارة المختار ، وقد یکون إلی غایة ، کما فی التیمم وطهارة دائم الحدث. والإجماع لم ینعقد علی أنّ التیمم لا یرفع الحدث بهذا المعنی ، وإنما انعقد علی أنه لا یرفعه مطلقا علی وجه لا ینتقض بوجود الماء ، ولا کلام فیه.

وفی اعتبار نیة البدلیة عن الوضوء أو الغسل فیما کان بدلا عنهما أقوال ، ثالثها : اعتبار ذلک إن قلنا باختلاف الهیئتین ، وعدمه إن قلنا باتحادهما. وهو ظاهر اختیار

عدم اعتبار نیة البدلیة عن الوضوء أو الغسل

ص: 215


1- المعتبر ( 1 : 390 ).
2- المنتهی ( 1 : 145 ).

______________________________________________________

الشهید فی الذکری (1) ، ونقله عن المصنف فی المعتبر ، وکلامه لا یدل علیه صریحا ، فإنه قال : لو نسی الجنابة فتیمم للحدث ، فإن قلنا بالضربة الواحدة فیهما أجزأه ، لأن الطهارتین واحدة ، وإن قلنا بالتفصیل لم یجزئه (2).

وقال الشیخ فی الخلاف : الذی یقتضیه المذهب أنه لا یجوز ، لأنه یشترط أن ینویه بدلا من الوضوء أو بدلا من الجنابة ولم ینو ذلک (3). هذا کلامه - رحمه الله تعالی - ولیس فیه دلالة علی أنّ عدم الإجزاء - علی القول بالتفصیل - لفوات نیة البدلیة ، بل الظاهر أنه لعدم تحقق الضربتین المعتبرتین فیما کان بدلا من الغسل. ویتفرع علی ذلک أنه لو ذکر الجنابة بعد النیة وضرب مرة ثانیة للیدین أجزأه ، کما لو قلنا بالاتحاد.

والأصح عدم اعتبار ذلک مطلقا ، للأصل ، وصدق الامتثال بإیجاد الماهیة التی تعلق بها الخطاب.

واختلف الأصحاب فی محل النیة. فذهب الأکثر إلی أنه عند الضرب علی الأرض ، لأنه أول أفعال التیمم. وبه قطع العلامة فی المنتهی (4).

وجوّز فی النهایة تأخیرها إلی عند مسح الجبهة ، تنزیلا للضرب منزلة أخذ الماء للطهارة المائیة (5). وهو مشکل ، لأن الضرب أحد الواجبات التی تعلق بها الأمر ، کمسح الجبهة والیدین ، بخلاف أخذ الماء فی الطهارة المائیة ، فإنه إنما یجب إذا توقف الغسل علیه. ولهذا لو غمس الأعضاء المغسولة فی الماء أجزأه ، بخلاف مسح الأعضاء الممسوحة بالتراب ، فإنه غیر مجز قطعا.

محل النیة

ص: 216


1- الذکری : (107).
2- المعتبر ( 1 : 391 ).
3- الخلاف ( 1 : 32 ).
4- المنتهی ( 1 : 145 ).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 204 ).

______________________________________________________

ویتفرع علی القولین ما لو أحدث بعد الضرب وقبل مسح الجبهة ، فعلی الأول یستأنف الضرب دون الثانی. والأصح الاستئناف ، لأن مقتضی الحدث المنع من الدخول فی العبادة إلی أن یحصل المبیح ، ولا یعلم حصوله بمجرد المسح ، لجواز أن یکون بعض المبیح.

وجزم العلامة فی النهایة (1) بعدم بطلان الضرب بطرو الحدث بعده ، مع اعترافه بأن أول أفعال التیمم المفروضة الضرب بالیدین علی الأرض. وبینهما تدافع.

الثانی : استدامة النیة

الواجب الثانی : استدامة حکمها حتی یفرغ من التیمم ، بمعنی أن لا ینوی نیة تنافی النیة الأولی. ولا ریب فی اعتبارها بهذا المعنی ، لبطلان النیة السابقة باللاحقة ، فیصیر الفعل الواقع بعدها بغیر نیة ، فلا یکون مجزیا.

ویبطل السابق مع فوات الموالاة إن اعتبرناها هنا. والکلام فی هذه المسألة کما تقدم فی الوضوء.

الثالث : وضع الیدین علی الأرض

اشارة

الواجب الثالث : وضع الیدین معا علی الأرض. وقد أجمع الأصحاب علی وجوبه وشرطیته فی التیمم ، فلو استقبل العواصف حتی لصق صعیدها بوجهه ویدیه لم یجزئه ، لتوقف الوظائف الشرعیة علی النقل ، والمنقول فی کیفیة التیمم وضع الیدین علی الأرض أولا ، فیکون ما عداه تشریعا محرما.

والأظهر اعتبار الضرب ، وهو الوضع المشتمل علی الاعتماد الذی یحصل به مسماه عرفا ، فلا یکفی الوضع المجرد عنه ، لورود الأمر بالضرب فی عدة أخبار صحیحة ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « تضرب بیدیک ثم تنفضهما مرة للوجه ومرة

عدم اشتراط علوق التراب بالید

ص: 217


1- نهایة الأحکام ( 1 : 203 ).

______________________________________________________

للیدین » (1) وفی صحیحة إسماعیل بن همام : « التیمم ضربة للوجه وضربة للکفین » (2).

ولا ینافی ذلک ما ورد فی بعض الأخبار المتضمنة لوصف تیمم النبی صلی الله علیه و آله ، من أنه أهوی بیدیه إلی الأرض فوضعهما علی الصعید (3) ، لأن الفعل المثبت لا عموم له - کما حقق فی محله - ولو ثبت إفادته العموم لوجب حمله علی الخاص جمعا بین الأدلة.

واکتفی الشهید - رحمه الله - فی الذکری بمسمّی الوضع وإن لم یحصل معه اعتماد ، محتجا بأنّ الغرض قصد الصعید ، وهو حاصل بالوضع (4). وضعفه ظاهر ، فإنا نمنع حصول الغرض بالوضع مع قیام الدلیل علی الضرب.

ویعتبر فی الضرب کونه بباطن الکفین ، لأنه المعهود من الضرب والوضع. وکونه علی ما یجوز التیمم به. ولا یعتبر فیه کونه موضوعا علی الأرض ، فلو کان التراب علی بدنه أو بدن غیره وضرب علیه أجزأ.

ولو کان علی وجهه تراب صالح للضرب فضرب علیه ، ففی الإجزاء تردد ، أقربه العدم ، لتوقف العبادة علی النقل ، والمنقول خلافه.

ولا یشترط علوق شی ء من التراب علی یدیه لیستعمله فی الأعضاء الممسوحة ، لانتفاء الدلیل علیه ، ولإجماع علمائنا علی استحباب نفض الیدین بعد الضرب ، وورود الأخبار

ص: 218


1- التهذیب ( 1 : 210 - 611 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 599 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 210 - 609 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 597 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (3).
3- الفقیه ( 1 : 57 - 212 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (8).
4- الذکری : (108).

______________________________________________________

الصحیحة به (1) ، ولو کان العلوق معتبرا لما أمر الشارع بفعل ما کان عرضة لزواله ، ولأنا بینا أنّ الصعید وجه الأرض لا التراب ، فیسقط اعتبار حمله ، ولأن الضربة الواحدة کافیة مطلقا علی ما سنبینه ، ولو کان المسح بالتراب معتبرا لما حصل الاکتفاء بها ، إذ الغالب عدم بقاء الغبار من الضربة الواحدة للیدین.

ونقل عن ظاهر ابن الجنید - رحمه الله - وجوب المسح بالمرتفع علی الیدین ، واحتج له فی المختلف (2) بقوله تعالی ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ مِنْهُ ) (3) أی من التراب.

والجواب : المنع من عود الضمیر إلی الصعید ، بل المروی فی صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام أنه یعود إلی التیمم ، فإنه علیه السلام قال : « فلما أن وضع الوضوء عمن لم یجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ، لأنه قال ( بِوُجُوهِکُمْ ) ثم وصل بها ( وَأَیْدِیکُمْ مِنْهُ ) أی من ذلک التیمم ، لأنه علم أنّ ذلک أجمع لم یجر علی الوجه ، لأنه یعلق من ذلک الصعید ببعض الکف ولا یعلق ببعضها » (4).

الواجب الرابع : مسح الجبهة من قصاص شعر الرأس إلی طرف الأنف ، والمراد به الأعلی کما سنبینه. قال فی الذکری : وهذا القدر متفق علیه بین الأصحاب (5). وأوجب الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه مسح الجبینین والحاجبین أیضا (6). وقال أبوه - رحمه الله تعالی - : یمسح الوجه بأجمعه (7).

الرابع : مسح الجبهة

ص: 219


1- الوسائل ( 2 : 999 ) أبواب التیمم ب (29).
2- المختلف : (50).
3- المائدة : (6).
4- الکافی ( 3 : 30 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 56 - 212 ) ، التهذیب ( 1 : 61 - 168 ) ، علل الشرائع : ( 279 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 980 ) أبواب التیمم ب (13) ح (1).
5- الذکری : (108).
6- الفقیه ( 1 : 57 ).
7- نقله فی المختلف : (50).

______________________________________________________

والمعتمد وجوب مسح الجبهة والجبینین خاصة.

لنا : قوله تعالی ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ مِنْهُ ) (1) والباء للتبعیض بالنص الصحیح علیه من أبی جعفر الباقر علیه السلام (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله ذات یوم لعمار فی سفر له : یا عمار بلغنا أنک أجنبت فکیف صنعت؟ قال : تمرغت یا رسول الله فی التراب. قال ، فقال له : کذلک یتمرغ الحمار ، أفلا صنعت کذا؟ ثم أهوی بیدیه إلی الأرض فوضعهما علی الصعید ، ثم مسح جبینیه بأصابعه وکفّیه إحداهما بالأخری ، ثم لم یعد ذلک » (3).

وتشهد له أیضا موثقة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التیمم ، فضرب بیدیه الأرض ، ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح بهما جبهته وکفّیه مرة واحدة (4).

وروایة عمرو بن أبی المقدام (5) ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه وصف التیمم ، فضرب بیدیه علی الأرض ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح علی جبینیه وکفیه مرة واحدة (6).

ص: 220


1- المائدة : (6).
2- الکافی ( 3 : 30 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 56 - 212 ) ، التهذیب ( 1 : 61 - 168 ) ، علل الشرائع : ( 279 - 1 ) الوسائل ( 2 : 980 ) أبواب التیمم ب (13) ح (1) ، وقال فیها : « وامسحوا برؤوسکم » : إن المسح ببعض الرأس لمکان الباء.
3- المتقدمة فی ص (218) ه (3).
4- الکافی ( 3 : 61 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 207 - 601 ) ، الاستبصار ( 1 : 170 - 590 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 976 ) أبواب التیمم ب (11) ح (3).
5- فی التهذیب المطبوع : المقدم ، والمثبت هو الصحیح ( راجع معجم رجال الحدیث 13 : 72 ، وج 9 : 107 ).
6- التهذیب ( 1 : 212 - 614 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 594 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (6).

______________________________________________________

وفی مقابل هذه الأخبار روایات کثیرة دالة بظاهرها علی وجوب مسح الوجه کله ، کصحیحة داود بن النعمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التیمم ، قال : « إن عمارا أصابته جنابة ، فتمعّک (1) کما تتمعک الدابة ، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله - وهو یهزأ به - : یا عمار تمعکت کما تتمعک الدابة؟ فقلنا له : فکیف التیمم؟ فوضع یدیه علی الأرض ، ثم رفعهما ، فمسح وجهه ویدیه فوق الکف قلیلا » (2).

وصحیحة زرارة : قال سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : - وذکر التیمم وما صنع عمار - فوضع أبو جعفر علیه السلام کفیه فی الأرض ، ثم مسح وجهه وکفیه ولم یمسح الذراعین بشی ء (3).

وحسنة الکاهلی ، قال : سألته عن التیمم ، قال : فضرب ( بیده علی البساط ، فمسح بها ) (4) وجهه ، ثم مسح کفیه إحداهما علی ظهر الأخری (5).

وبهذه الروایات أخذ علی بن بابویه - رحمه الله تعالی.

ویمکن الجواب عنهما بالحمل علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بمسح الوجه مسح بعضه.

قال فی المعتبر : والجواب الحق العمل بالخبرین ، فیکون مخیرا بین مسح الوجه

ص: 221


1- أی : تمرّغ ، والمراد أنه ماسّ التراب بجمیع بدنه - مجمع البحرین ( 5 : 288 ).
2- التهذیب ( 1 : 207 - 598 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 591 ) ، الوسائل ( 2 : 976 ) أبواب التیمم ب (11) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 208 - 603 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (5).
4- کذا فی النسخ الخطیة والمصدر ، وفی « ح » : بیدیه. بهما.
5- الکافی ( 3 : 62 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 207 - 600 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 589 ) ، الوسائل ( 2 : 976 ) أبواب التیمم ب (11) ح (1).

______________________________________________________

وبعضه ، لکن لا یقتصر علی أقل من الجبهة (1). وهو حسن.

أما مسح الحاجبین بخصوصهما فلم أقف علی مستنده.

ومن هنا یظهر أنّ المراد بطرف الأنف : الأعلی لا الأسفل ، إذ النصوص وردت بمسح الجبهة ومسح الجبینین ومسح الوجه ، فلا وجه لإدخال الأنف فیه بخصوصه.

وینبغی البدأة فی مسح الجبهة والوجه بالأعلی احتیاطا. وقیل (2) بالوجوب إما لمساواة الوضوء ، أو تبعا للتیمم البیانی. وضعفهما ظاهر.

واعتبر أکثر الأصحاب کون المسح بباطن الکفین معا. ونقل عن ابن الجنید أنه اجتزأ بالید الیمنی ، لصدق المسح (3) وفی صحیحة زرارة : « إن النبی صلی الله علیه و آله مسح جبینه بأصابعه » (4).

والأولی المسح بمجموع الکفین ( عملا بجمیع الأخبار ) (5).

الواجب الخامس : مسح ظاهر الکفین ، وحدهما الزند بفتح الزاء وهو : موصل الکف فی الذراع ، ویسمی الرسغ بضم الراء فالسین المهملة : فالغین المعجمة ، قاله فی الجمهرة (6).

ونقل ابن إدریس - رحمه الله - عن بعض الأصحاب : أنّ المسح علی الیدین من أصول الأصابع إلی رؤوسها (7).

الخامس : مسح ظاهر الکفین

اشارة

ص: 222


1- المعتبر ( 1 : 386 ).
2- کما فی الذکری : (109) ، وروض الجنان : (126).
3- فی الذکری : (109).
4- الفقیه ( 1 : 57 - 212 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (8).
5- ما بین القوسین زیادة من « ح ».
6- الجمهرة : فی اللغة علی منوال عین الخلیل ، لأبی بکر محمد بن الحسن بن درید الأزدی المتوفی (321) ( معجم الأدباء 18 : 127 ، والذریعة 5 : 146 ).
7- السرائر : (26).

______________________________________________________

وقال علی بن بابویه - رحمه الله تعالی - : امسح یدیک من المرفقین إلی الأصابع (1). والمعتمد : الأول.

لنا : قوله تعالی ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ ) (2) والباء للتبعیض کما بیناه. وأیضا : فإنّ الید هی الکف إلی الرسغ ، یدل علیه قوله تعالی ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما ) (3) والإجماع منّا ومن العامة منعقد علی أنها لا تقطع من فوق الرسغ ، وما ذاک إلاّ لعدم تناول الید له حقیقة.

ویدل علیه أیضا الأخبار المستفیضة ، کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : ثم مسح وجهه وکفیه ، ولم یمسح الذراعین بشی ء (4).

وقول الرضا علیه السلام فی صحیحة إسماعیل بن همام : « التیمم ضربة للوجه وضربة للکفین » (5).

وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة داود بن النعمان : « فمسح وجهه ویدیه فوق الکف قلیلا » (6) وإدخال الرسغ فی المسح من باب المقدمة یستلزم المسح من فوق الکف بقلیل.

وفهم العلامة فی المختلف من هذا الخبر وجوب تجاوز الرسغ ، فتأوله بأن المراد

ص: 223


1- نقله فی المختلف : (50).
2- النساء : (43) ، المائدة : (6).
3- المائدة : (38).
4- التهذیب ( 1 : 208 - 603 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (5).
5- التهذیب ( 1 : 210 - 609 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 597 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (3).
6- التهذیب ( 1 : 207 - 598 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 591 ) ، الوسائل ( 2 : 976 ) أبواب التیمم ب (11) ح (4).

______________________________________________________

بقوله : « قلیلا » أنه لا یجب إیصال الغبار إلی جمیع العضو وإن وجب استیعابه بالمسح. أو یکون الراوی رأی الإمام علیه السلام ماسحا من أصل الکف فتوهم المسح من بعض الذراع (1). وهو تکلف مستغنی عنه.

وبإزاء هذه الروایات روایات أخر دالة بظاهرها علی وجوب المسح من المرفقین ، کروایة سماعة ، قال : سألته کیف التیمم؟ فوضع ( یده علی الأرض فمسح بها ) (2) وجهه وذراعیه إلی المرفقین (3).

وروایة لیث المرادی عن أبی عبد الله علیه السلام فی التیمم قال : « تضرب بکفیک علی الأرض مرتین ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهک وذراعیک » (4).

وصحیحة محمد - وهو ابن مسلم - قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التیمم ، فضرب بکفیه الأرض ، ثم مسح بهما وجهه ، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلی أطراف الأصابع واحدة علی ظهرها وواحدة علی بطنها ، ثم ضرب بیمینه الأرض ثم صنع بشماله کما صنع بیمینه ، ثم قال : « هذا التیمم علی ما کان فیه الغسل ، وفی الوضوء الوجه والیدین إلی المرفقین ، والقی ما کان علیه مسح الرأس والقدمین ، فلا یؤمم بالصعید » (5).

ص: 224


1- المختلف : (51).
2- کذا فی المصدر والنسخ الخطیة ، وفی « ح » : یدیه. بهما.
3- التهذیب ( 1 : 208 - 602 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 592 ) ، الوسائل ( 2 : 981 ) أبواب التیمم ب (13) ح (3).
4- التهذیب ( 1 : 209 - 608 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 596 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (2).
5- التهذیب ( 1 : 210 - 612 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 600 ) ، الوسائل ( 2 : 979 ) أبواب التیمم ب (12) ح (5).

______________________________________________________

وأجاب الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب عن هذه الأخبار بأنّ المراد بالمسح إلی المرفق الحکم لا الفعل ، لأنه إذا مسح ظاهر الکف فکأنه غسل ذراعیه فی الوضوء ، فیحصل له بمسح الکفین فی التیمم حکم غسل الذراعین فی الوضوء (1). وهو حمل بعید ، مع أنه لا یجری فی صحیحة محمد بن مسلم ونحوها مما کان فیه التیمم بدلا من الغسل کما لا یخفی.

ویمکن حملها علی الاستحباب کما ذکره المصنف فی المعتبر ، فإنه قال : ثم الحق عندی أنّ مسح ظاهر الکفین لازم. ولو مسح الذراعین جاز أیضا عملا بالأخبار کلها ، لکن الکفان علی الوجوب وما زاد علی الجواز ، لأنه أخذ بالمتیقن (2).

أما القائل بوجوب المسح من أصول الأصابع ، فربما کان مستنده روایة حماد بن عیسی (3) ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن التیمم فتلا هذه الآیة ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما ) (4) وقال ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) (5) وقال : وامسح علی کفیک من حیث موضع القطع وقال : ( وَما کانَ رَبُّکَ نَسِیًّا ) (6). وموضع القطع من أصول الأصابع عند الأصحاب.

وهذه الروایة - مع ضعف سندها بالإرسال - معارضة بالأخبار المستفیضة الدالة علی وجوب مسح الکف کله (7) ، فلا تعویل علیها.

ص: 225


1- التهذیب ( 1 : 208 ).
2- المعتبر ( 1 : 387 ).
3- الکافی ( 3 : 62 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 207 - 599 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 588 ) ، الوسائل ( 2 : 980 ) أبواب التیمم ب (13) ح (2).
4- المائدة : (38).
5- المائدة : (6).
6- مریم : (64).
7- الوسائل ( 2 : 975 ) أبواب التیمم ب (11).

______________________________________________________

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : المشهور بین الأصحاب أنّ محل المسح فی الکفین ظهورهما لا بطونهما. بل ظاهر کلامهم أنّ ذلک مجمع علیه من القائلین بعدم وجوب الاستیعاب. ویدل علیه حسنة الکاهلی المتقدمة (1). وأکثر الأخبار المعتبرة إنما تضمنت مسح الکفین من غیر تصریح بأن الممسوح ظهورهما ، إلاّ أنّ الظاهر تحقق الامتثال بذلک ، إذ لا دلالة لها علی وجوب الاستیعاب.

الثانی : ذکر العلامة (2) ومن تأخر عنه (3) أنه یجب البدأة فی مسح الکف بالزند إلی أطراف الأصابع لمساواة الوضوء. والکلام فیه کما تقدم فی الوجه (4).

الثالث : یجب تقدیم الیمنی علی الیسری بإجماعنا قاله فی التذکرة (5) ، لأنّه بدل مما یجب فیه التقدیم. وربما کان فی صحیحة ابن مسلم المتقدمة (6) إشعار به.

الرابع : یعتبر فی المسح کونه بباطن الکف اختیارا ، لأنه المعهود ، فلو مسح بالظهر اختیارا أو بآلة لم یجز. نعم لو تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر مع احتمال وجوب التولیة.

الخامس : لو کان له ید زائدة فکما سلف فی الوضوء. ولو مسح بالید الزائدة التی لا یجب مسحها فالأقرب عدم الإجزاء ، لأن اللفظ إنما ینصرف إلی المعهود المتعارف.

الواجب السادس : الترتیب ، وصورته أن یبدأ بالضرب علی الأرض ، ثم یمسح

تنبیهات

السادس : الترتیب

اشارة

ص: 226


1- فی ص (221).
2- المنتهی ( 1 : 147 ) ، والمختلف : (50) ، والقواعد ( 1 : 23 ).
3- کالشهید الأول فی اللمعة ( 1 : 158 ) ، والکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 69 ).
4- فی ص (222).
5- التذکرة ( 1 : 63 ).
6- فی ص (224).

______________________________________________________

وجهه أولا ، ثم یده الیمنی ، ثم الیسری. وهو مجمع علیه بین الأصحاب ، قاله فی التذکرة والمنتهی (1). واحتج علیه فی التذکرة بقوله تعالی ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ ) (2) فإن الواو للترتیب عند الفراء ، وبأن التقدیم لفظا یستدعی سببا ، لاستحالة الترجیح من غیر مرجح ، ولا سبب إلاّ التقدیم وجوبا ، وبأنه علیه السلام رتب فی مقابلة الامتثال فیکون واجبا (3).

وفی الجمیع نظر ، إلاّ أنّ المصیر إلی ما أجمع علیه الأصحاب ودلت علیه ظواهر النصوص متعین.

وقال المرتضی - رضی الله عنه - : کل من أوجب الترتیب فی المائیة أوجبه هنا ، فالتفرقة منتفیة بالإجماع ، وقد ثبت وجوبه هناک فیثبت هنا (4).

وبقی من الواجبات المباشرة بنفسه ، ولا ریب فی وجوبها لقوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا ) فإن الخطاب للمصلین ، وحقیقة الأمر طلب الفعل من المأمور.

ویجب الاستنابة عند الضرورة فی الأفعال دون النیة عند علمائنا ، ولم أقف فیه علی دلیل نقلی. وعلی هذا فیضرب المعین بیدی العلیل إن أمکن وإلاّ فبیدی نفسه.

والموالاة ، وقد قطع الأصحاب باعتبارهما ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا ، واحتج علیه بقوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا ) أوجب علینا التیمم عقیب إرادة القیام إلی الصلاة ، ولا یتحقق إلاّ بمجموع أجزائه ، فیجب فعلها عقیب الإرادة بقدر الإمکان (5).

اعتبار الموالاة

ص: 227


1- التذکرة ( 1 : 63 ) ، والمنتهی ( 1 : 147 ).
2- النساء : (43).
3- التذکرة ( 1 : 63 ).
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 393 ).
5- المنتهی ( 1 : 149 ).

______________________________________________________

وهو غیر جید ، إذ من المعلوم أنّ المراد بالتیمم هنا المعنی اللغوی وهو القصد ، لا التیمم بالمعنی الشرعی.

واستدل علیه فی الذکری : بأنّ التیمم البیانی عن النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام توبع فیه فیجب ، للتأسی (1).

وفیه نظر ، إذ التأسی إنما یجب فیما یعلم وجوبه ، وهو منتف هنا ، إذ من الجائز أن تکون المتابعة إنما وقعت اتفاقا ، لا لاعتبارها بخصوصها.

ولو قلنا باختصاص التیمم بآخر الوقت بالمعنی الذی ذکروه کانت الموالاة من ضروریات صحته ، لتقع الصلاة فی الوقت.

ولو أخلّ بالمتابعة بما لا یعد تفریقا لم یضر قطعا. وإن طال الفصل أمکن القول بالبطلان لفوات الواجب ، والصحة لصدق التیمم المأمور به.

وذکر جمع من الأصحاب : أنّ من الواجبات أیضا طهارة مواضع المسح من النجاسة ، واستدل علیه فی الذکری : بأنّ التراب ینجس بملاقاة النجس ، فلا یکون طیبا ، وبمساواته أعضاء الطهارة المائیة (2).

ولا یخفی أنّ الدلیل الأول أخص من المدعی ، والثانی قیاس محض.

ومقتضی الأصل عدم الاشتراط. والمصرح باعتبار ذلک قلیل من الأصحاب ، إلاّ أن الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکروه.

ولو تعذرت الإزالة سقط اعتبارها ووجب التیمم وإن تعدت النجاسة إلی التراب. ولو کانت حائلة بین الماسح والممسوح أزالها مع الإمکان ، ومع التعذر یتیمم کذلک.

ص: 228


1- الذکری : (109).
2- الذکری : (109).

ویجزیه فی الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر کفیه. ولا بد فیما هو بدل من الغسل من ضربتین. وقیل : فی الکل ضربتان. وقیل : ضربة واحدة ، والتفصیل أظهر.

______________________________________________________

قوله : ویجزیه فی الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر کفیه : ولا بد فیما هو بدل من الغسل من ضربتین ، وقیل : فی الکل ضربتان ، وقیل : ضربة واحدة ، والتفصیل أظهر.

اختلف الأصحاب فی عدد الضربات فی التیمم ، فقال الشیخان فی النهایة والمبسوط والمقنعة : ضربة للوضوء وضربتان للغسل (1). وهو اختیار ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (2) ، وسلار (3) ، وأبی الصلاح (4) ، وابن إدریس (5) ، وأکثر المتأخرین (6).

وقال السید المرتضی - رحمه الله تعالی - فی شرح الرسالة : الواجب (7) ضربة واحدة فی الجمیع (8). وهو اختیار ابن الجنید (9) ، وابن أبی عقیل (10) ، والمفید فی المسائل الغریة (11).

ونقل عن المفید فی الأرکان اعتبار الضربتین فی الجمیع (12) ، وحکاه المصنف

عدد الضربات فی التیمم

ص: 229


1- النهایة : ( 49 ، 50 ) ، والمبسوط ( 1 : 33 ) ، والمقنعة : (8).
2- الفقیه ( 1 : 57 ).
3- المراسم : (54).
4- الکافی فی الفقه : (136).
5- السرائر : (26).
6- کالعلامة فی المنتهی ( 1 : 148 ) ، والکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 69 ).
7- لیست فی « ح ».
8- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 388 ).
9- نقله عنهم فی المختلف : (50).
10- نقله عنهم فی المختلف : (50).
11- نقله عنهم فی المختلف : (50).
12- نقله فی الذکری : (108).

______________________________________________________

رحمه الله - فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی والمختلف عن علی بن بابویه - رحمه الله تعالی - (1). ومقتضی کلامه فی الرسالة اعتبار ثلاث ضربات ، فإنه قال : إذا أردت ذلک فاضرب بیدیک علی الأرض مرة واحدة وانفضهما وامسح بهما وجهک ، ثم اضرب بیسارک الأرض فامسح بها یمینک من المرفق إلی أطراف الأصابع ، ثم اضرب بیمینک الأرض وامسح بها یسارک من المرفق إلی أطراف الأصابع (2). ولم یفرق بین الوضوء والغسل.

وحکی فی المعتبر القول بالضربات الثلاث عن قوم منا بعد أن نقل عن علی بن بابویه المرتین فی الجمیع (3).

ومنشأ الخلاف فی هذه المسألة اختلاف الأخبار ظاهرا ، فمنها ما تضمن المرة ، کصحیحتی زرارة ، وداود بن النعمان الواردتین فی قضیة عمار (4) ، وغیرهما من الأخبار (5).

ومنها ما تضمّن المرتین مطلقا ، کصحیحة إسماعیل بن همام ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « التیمم ضربة للوجه وضربة للکفین » (6).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن التیمم ،

ص: 230


1- المعتبر ( 1 : 388 ) ، والمنتهی ( 1 : 148 ) ، والمختلف : (50).
2- نقله فی الذکری : (108).
3- المعتبر ( 1 : 388 ).
4- المتقدمتین فی ص ( 220 ، 221 ).
5- الوسائل ( 2 : 975 ) أبواب التیمم ب (11).
6- التهذیب ( 1 : 210 - 609 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 597 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (3).

______________________________________________________

فقال : « مرتین مرتین للوجه والیدین » (1).

وجمع المفصلون بینهما بتخصیص ما تضمن الضربة بما کان بدلا من الوضوء ، وما تضمن الضربتین بما کان بدلا من الغسل.

واستدلوا علی هذا الجمع بروایة محمد - وهو ابن مسلم - المتضمنة للمسح من المرفقین (2) ، وبما رواه زرارة فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : کیف التیمم؟ قال : « هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بیدیک ثم تنفضهما مرة للوجه ومرة للیدین ، ومتی أصبت الماء فعلیک الغسل إن کنت جنبا والوضوء إن لم تکن جنبا » (3). وجه الدلالة أن ینزل علی تمام الکلام عند قوله : « ضرب واحد للوضوء » ویبتدأ بقوله : « والغسل من الجنابة » ویکون جملة قوله : « تضرب بیدیک » خبرا عنه. وفیه بعد وتکلف ، والمتبادر منها کون الغسل معطوفا علی الوضوء ، والمراد أن التیمم نوع واحد للوضوء والغسل ، وصورته ما بیّنه علیه السلام بقوله : « تضرب. ».

وفی هذا الجمع نظر من وجوه :

الأول : إنّ کلا من الأخبار المتضمنة للضربة والضربتین واردة فی مقام البیان عند السؤال عن کیفیة التیمم ، المتناول لما کان بدلا من الوضوء وبدلا من الغسل. فحملها علی بعض أفراده یجری مجری الأخبار بالخاص عن العام ، وإنه غیر جائز.

ص: 231


1- التهذیب ( 1 : 210 - 610 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 598 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (1).
2- المتقدمة فی ص (224).
3- التهذیب ( 1 : 210 - 611 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 599 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (4).

______________________________________________________

الثانی : إنّ مقتضی صحیحتی زرارة وداود بن النعمان الواردتین فی قضیة عمار (1) إجزاء المرة الواحدة فی التیمم من الجنابة ، وذلک مما ینقض هذا الجمع.

الثالث : إنّ ما استدل به علی هذا الجمع لا دلالة علیه. أما روایة زرارة ، فقد تقدم الکلام فیها. وأما روایة محمد بن مسلم ، فلا دلالة لها علی هذا التفصیل بوجه ، بل الظاهر منها اعتبار الثلاث فی الجمیع ، کما اختاره ابن بابویه - رحمه الله -.

والمتجه الاکتفاء بالمرة فی الجمیع ، وحمل ما دل علی المرتین علی الاستحباب ، کما ذکره المرتضی فی شرح الرسالة (2) ، واستحسنه المصنف - رحمه الله - فی المعتبر ، وأجاز العمل بما تضمنته روایة ابن مسلم من الضربات الثلاث (3). وهو حسن ، والأحوط أن لا یترک المرتان فی الوضوء والغسل بحال ، لصحة مستنده وصراحته ، وإجمال ما ینافیه (4).

وما قیل من احتمال فوات الموالاة بالضربة الثانیة لو قلنا بالمرة (5) فضعیف جدا ، لأن ذلک غیر قادح فی تحققها لو ثبت اعتبارها کما بیناه.

واعلم أنّ ظاهر کلام الأصحاب یقتضی تساوی الأغسال فی کمیة (6) التیمم ، وبه صرح المفید فی المقنعة فقال (7) بعد ذکر تیمم الجنب : وکذلک تصنع الحائض والنفساء

ص: 232


1- المتقدمتین فی ص ( 220 ، 221 ).
2- المتقدم فی ص (229).
3- المعتبر ( 1 : 388 ).
4- لیست فی « ق » و « م ».
5- کما فی روض الجنان : (126).
6- فی « س » : کیفیة.
7- فی « ق » و « م » و « س » : وهو الظاهر من کلام المفید فی المقنعة فإنه قال.

______________________________________________________

والمستحاضة بدلا من الغسل (1). ولم یذکر التیمم بدلا من الوضوء.

واستدل له الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب بما رواه عن أبی بصیر ، قال : وسألته عن تیمم الحائض والجنب سواء إذا لم یجدا ماءا؟ قال : « نعم » (2). وعن عمار الساباطی مثله (3).

قال فی الذکری : وخرّج بعض الأصحاب وجوب تیممین علی غیر الجنب بناء علی وجوب الوضوء هنالک ، ولا بأس به ، والخبران غیر مانعین منه ، لجواز التسویة فی الکیفیة لا الکمیة (4).

وما ذکره أحوط وإن کان الأظهر الاکتفاء بالتیمم الواحد بناء علی ما اخترناه من اتحاد الکیفیة (5) ( وعدم اعتبار نیة البدلیة ) (6) فیکون جاریا مجری أسباب الوضوء أو الغسل المختلفة.

ولو قلنا بإجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء - کما ذهب إلیه المرتضی (7) رضی الله عنه - ثبت التساوی مطلقا من غیر إشکال.

بقی هنا شی ء ینبغی التنبیه له ، وهو أنّ العلامة - رحمه الله تعالی - فی المنتهی استدل علی القول بالتفصیل بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام :

ص: 233


1- المقنعة : (8).
2- التهذیب ( 1 : 212 - 616 ) ، الوسائل ( 2 : 979 ) أبواب التیمم ب (12) ح (7).
3- الفقیه ( 1 : 58 - 215 ) ، التهذیب ( 1 : 212 - 617 ) ، الوسائل ( 2 : 979 ) أبواب التیمم ب (12) ح (6).
4- الذکری : (108).
5- أی کیفیة التیمم بدلا من الغسل وبدلا من الوضوء.
6- ما بین القوسین لیس فی « س ».
7- جمل العلم والعمل : (51).

وإن قطعت کفاه سقط مسحهما واقتصر علی الجبهة. ولو قطع بعضهما مسح علی ما بقی.

______________________________________________________

« إن التیمم من الوضوء مرة ومن الجنابة مرتان » (1). وهذه الروایة غیر موجودة فی کتب الحدیث. وعندی أنّ ذلک وهم نشأ من عبارة الشیخ - رحمه الله تعالی - فی التهذیب ، فإنه قال - بعد أن أورد الأخبار المتضمنة للمرة والمرتین ، وجمع بینهما بالتفصیل - : مع أنا قد أوردنا خبرین مفسرین لهذه الأخبار : أحدهما عن حریز ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، والآخر عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إن التیمم من الوضوء مرة واحدة ، ومن الجنابة مرتان (2).والخبر المروی عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن ابن مسلم هو الخبر المتقدم المتضمن للضربات الثلاث مطلقا (3) ، وکأنه - رحمه الله تعالی - نقل حاصل ما فهمه من معناه ، فظن العلامة - رحمه الله تعالی - أنه حدیث آخر مغایر للحدیث الأول ، ولهذا لم یذکره فی المختلف ولا نقله غیره. فینبغی التنبیه لأمثال ذلک وعدم الاعتماد علی الظواهر. والله الموفق.

قوله : وإن قطعت کفّاه سقط مسحهما واقتصر علی الجبهة أو لو قطع بعضهما مسح علی ما بقی.

أما سقوط مسح الفائت فظاهر ، إذ لا تکلیف بالممتنع ، وأمّا وجوب مسح الجبهة والباقی من الکف فلأن الواجب مسح الجمیع مع وجوده ، فإذا سقط التکلیف بمسح البعض لامتناعه لم یسقط البعض الآخر.

وقال الشیخ فی المبسوط : وإذا کان مقطوع الیدین من الذراعین سقط عنه فرض

حکم من قطعت کفاه

ص: 234


1- المنتهی ( 1 : 148 ، 149 ) ، الوسائل ( 2 : 980 ) أبواب التیمم ب (12) ح (8).
2- التهذیب ( 1 : 211 ).
3- فی ص (224).

ویجب استیعاب مواضع المسح فی التیمم ، فلو أبقی منها لم یصح.

ویستحب نفض الیدین بعد ضربهما علی الأرض.

______________________________________________________

التیمم ، ویستحب أن یمسح ما بقی (1). والظاهر أنّ مراده باستحباب مسح ما بقی من الذراعین وبسقوط فرض التیمم سقوطه بالنسبة إلی ظاهر الکفین لا مطلقا ، إذ لو کان فرض التیمم من أصله ساقطا لسقطت الصلاة عنه ، وهو معلوم البطلان.

قوله : ویجب استیعاب مواضع المسح فی التیمم ، فلو أبقی منها شیئا لم یصح.

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، قاله فی المنتهی (2). لأن الإخلال بمسح البعض إخلال بالکیفیة المنقولة ، فلا یکون الآتی بذلک آتیا بالتیمم المشروع.

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین أن یکون الإخلال بمسح البعض عمدا أو نسیانا ، ولا فی البعض بین القلیل والکثیر. وبذلک صرح فی المعتبر ، ونقل عن بعض العامة الفرق بین العمد والنسیان ، وعن بعض آخر جواز إبقاء ما دون الدرهم (3). وبطلانهما ظاهر.

قوله : ویستحب نفض الیدین بعد ضربهما علی الأرض.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا (4) مؤذنا بدعوی الإجماع علیه.

والمستند فیه الأخبار المستفیضة ، کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة :« تضرب بیدیک مرتین ثم تنفضهما ، مرة للوجه ومرة للیدین » (5).

وجوب استیعاب مواضع المسح
استحباب نفض الیدین

ص: 235


1- المبسوط ( 1 : 33 ).
2- المنتهی ( 1 : 147 ).
3- المعتبر ( 1 : 389 ).
4- المنتهی ( 1 : 147 ).
5- التهذیب ( 1 : 210 - 611 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 599 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (4).

ولو تیمم وعلی جسده نجاسة صح تیممه ، کما لو تطهر بالماء وعلیه نجاسة ، لکن فی التیمم یراعی ضیق الوقت.

______________________________________________________

وما رواه عمرو بن أبی المقدام ، عن الصادق علیه السلام أنه وصف التیمم : فضرب بیدیه علی الأرض ، ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح علی جبینه (1).

وقد أجمع الأصحاب علی عدم وجوبه ، قاله فی التذکرة (2). واستحب الشیخ - رحمه الله تعالی - مسح إحدی الیدین بالأخری بعد النفض (3) ، ولا نعلم مستنده.

ومن المستحبات أیضا : التسمیة ، وتفریج الأصابع عند الضرب لیتمکن من الصعید. قال فی الذکری : ولا یستحب تخلیلها فی المسح ، للأصل (4).

قوله : ولو تیمم وعلی جسده نجاسة صح تیممه ، کما لو تطهر بالماء وعلیه نجاسة ، لکن فی التیمم یراعی ضیق الوقت.

إذا کان علی جسد المتیمم نجاسة فی غیر الأعضاء الماسحة والممسوحة فلا ریب فی صحة تیممه من هذه الجهة ، کما لو توضأ وعلی جسده نجاسة ، إذ المعتبر طهارة الأعضاء التی تتعلق بها الطهارة خاصة.

ثم إن قلنا بجواز التیمم مع السعة فکالوضوء ، وإن قلنا باختصاصه بآخر الوقت وجب إزالة النجاسة أولا مع الإمکان ، إذ لو وقع قبل الإزالة فات شرطه وهو مراعاة الضیق ، إذ المعتبر عندهم ضیق الوقت عما عدا التیمم والصلاة خاصة. وبهذا المعنی صرح فی المعتبر (5). وعلی هذا فلیس له التیمم مع النجاسة إلاّ إذا ضاق الوقت عما عدا

حکم من تیمم وعلی جسده نجاسة

ص: 236


1- التهذیب ( 1 : 212 - 614 ) ، الاستبصار ( 1 : 171 - 594 ) ، وفیهما بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (6).
2- التذکرة ( 1 : 64 ).
3- المبسوط ( 1 : 33 ) ، والنهایة : (49).
4- الذکری : (109) وفیه : تحلیلها.
5- المعتبر ( 1 : 394 ).

الطّرف الرّابع : فی أحکامه ، وهی عشرة :

الأول : من صلی بتیممه لا یعید ، سواء کان فی سفر أو حضر.

______________________________________________________

التیمم والصلاة ، لسقوط التکلیف بإزالتها حینئذ.

واستقرب الشهید - رحمه الله تعالی - فی الذکری جواز التیمم قبل الإزالة علی القولین ، إذ المراد بضیق الوقت ضیقه عن أداء الصلاة وشرائطها التی منها إزالة النجاسة (1). وبه جزم الشیخ الشارح قدس الله سره ، وحمل علیه العبارة ، فقال : لا منافاة بین جواز التیمم قبل إزالة النجاسة وبین مراعاة ضیق الوقت فی جوازه ، لأن المراد عدم زیادته عن الصلاة وشرائطها التی من جملتها التیمم وإزالة النجاسة (2).

وهذا الحمل - مع بعده فی نفسه - مخالف لما صرح به فی المعتبر من عدم جواز التیمم قبل إزالة النجاسة علی القول بالتضیق ، لفوات الشرط.

قوله : الطّرف الرّابع فی أحکامه ، وهی عشرة ، الأول : من صلی بتیممه لا یعید سواء کان فی حضر أو سفر.

المراد بالإعادة هنا ما یتناول الإعادة فی الوقت والقضاء فی خارجه. فهنا مسألتان :

الاولی : إنّ من تیمم تیمما صحیحا وصلی ، ثم خرج الوقت لم یجب علیه القضاء.

قال فی المنتهی : وعلیه إجماع أهل العلم (3). ونقل عن السید المرتضی - رحمه الله تعالی - فی شرح الرسالة : إنّ الحاضر إذا تیمم لفقد الماء وجب علیه الإعادة إذا وجده (4). ولم نقف له فی ذلک علی حجة. والمعتمد سقوط القضاء مطلقا.

- أحکام التیمم

إجاء الصلاة بالتیمم

ص: 237


1- الذکری : (109).
2- المسالک ( 1 : 16 ).
3- المنتهی ( 1 : 151 ).
4- المعتبر ( 1 : 365 ).

______________________________________________________

لنا : إنه صلی صلاة مأمورا بها ، والأمر یقتضی الإجزاء ، وإنّ القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن ابن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا لم یجد الرجل طهورا وکان جنبا فلیمسح من الأرض ولیصلّ ، فإذا وجد ماءا فلیغتسل وقد أجزأته صلاته التی صلی » (1).

وفی الحسن عن زرارة عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إذا لم یجد المسافر الماء فلیطلب ما دام فی الوقت ، فإذا خاف أن یفوته الوقت فلیتیمم ولیصل فی آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء علیه ، ولیتوضأ لما یستقبل » (2).

الثانیة : لو تیمم وصلی مع سعة الوقت ثم وجد الماء فی الوقت ، فإن قلنا باختصاص التیمم بآخر الوقت بطلت صلاته مطلقا ، وإن قلنا بجوازه مع السعة فالأصح عدم الإعادة ، وهو خیرة المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (3) ، والشهید فی الذکری (4). ونقل عن ابن الجنید ، وابن أبی عقیل - رحمهما الله - القول بوجوب الإعادة (5) ، وهو ضعیف.

لنا : إنّه صلی بتیمم مشروع صلاة مأمورا بها فتکون مجزیة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : فإن أصاب الماء وقد صلی

ص: 238


1- التهذیب ( 1 : 193 - 556 ) ، الإستبصار ( 1 : 159 - 549 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (7).
2- الکافی ( 3 : 63 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 194 - 560 ) بتفاوت یسیر ، الإستبصار ( 1 : 159 - 548 ) ، الوسائل ( 2 : 963 ) أبواب التیمم ب (1) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 396 ).
4- الذکری : (110).
5- نقله عن ابن الجنید فی الذکری : (110) ، وعن ابن أبی عقیل فی المختلف : (54).

وقیل فیمن تعمّد الجنابة وخشی علی نفسه من استعمال الماء : یتیمم ویصلّی ثم یعید.

______________________________________________________

بتیمم وهو فی وقت؟ قال : « تمت صلاته ولا إعادة علیه » (1).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أجنب فتیمم بالصعید وصلی ، ثم وجد الماء ، فقال : « لا یعید ، إنّ رب الماء رب الصعید ، فقد فعل أحد الطهورین » (2).

وفی الصحیح عن العیص ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یأتی الماء وهو جنب وقد صلی ، قال : « یغتسل ولا یعید الصلاة » (3).

احتج المخالف (4) بما رواه یعقوب بن یقطین فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل تیمم فصلی فأصاب بعد صلاته ماءا ، أیتوضأ ویعید الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال : « إذا وجد الماء قبل أن یمضی الوقت توضأ وأعاد ، فإن مضی الوقت فلا إعادة علیه » (5). والجواب بالحمل علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

قوله : وقیل فیمن تعمّد الجنابة وخشی علی نفسه من استعمال الماء یتیمم ویصلّی ثم یعید.

القول للشیخ (6) - رحمه الله تعالی - واحتج علیه بما رواه عن جعفر بن بشیر ، عن

ص: 239


1- التهذیب ( 1 : 194 - 562 ) ، الإستبصار ( 1 : 160 - 552 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (9).
2- التهذیب ( 1 : 197 - 571 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 557 ) ، الوسائل ( 2 : 984 ) أبواب التیمم ب (14) ح (15).
3- التهذیب ( 1 : 197 - 569 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 556 ) ، الوسائل ( 2 : 984 ) أبواب التیمم ب (14) ح (16).
4- نقله عن ابن الجنید وابن أبی عقیل فی الذکری : (110).
5- التهذیب ( 1 : 193 - 559 ) ، الإستبصار ( 1 : 159 - 551 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (8).
6- المبسوط ( 1 : 30 ).

وفیمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلک.

______________________________________________________

أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة فی لیلة باردة یخاف علی نفسه التلف إن اغتسل ، قال : « یتیمم ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (1). وهی مع ضعف سندها بالإرسال لا تدل علی ما اعتبره من القید ، أعنی کون الجنابة وقعت عمدا.

ویمکن أن یستدل له أیضا بما رواه ابن بابویه فی الصحیح عن عبد الله بن سنان : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل تصیبه الجنابة فی اللیلة الباردة ویخاف علی نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : « یتیمم ویصلی ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (2).وهی لا تدل علی ما اعتبره من القید أیضا. والأجود حملها علی الاستحباب ، لأن مثل هذا المجاز أولی من التخصیص ، وإن کان القول بالوجوب لا یخلو من رجحان.

فرع : من عدم الماء مطلقا أو تعذر علیه استعماله یجوز له الجماع ، لعدم وجوب الطهارة المائیة علیه. ولو کان معه ما یکفیه للوضوء فکذلک قبل دخول الوقت ، أما بعده فجزم العلامة - رحمه الله تعالی - فی المنتهی بتحریمه ، لأنه یفوت الواجب وهو الصلاة بالمائیة (3). ویشکل بأن مقتضی العمومات جواز تأخیر الصلاة إلی آخر الوقت ، ومتی جاز التأخیر أمکن القول بعدم وجوب الصلاة بالمائیة إلاّ مع التمکن منها فی جمیع الوقت.

قوله : وفیمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلک.

القول للشیخ - رحمه الله تعالی - فی النهایة والمبسوط (4) ، وابن الجنید (5). وربما

ص: 240


1- التهذیب ( 1 : 196 - 567 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 559 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (16) ح (1).
2- الفقیه ( 1 : 60 - 224 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (16) ح (1).
3- المنتهی ( 1 : 153 ).
4- النهایة : (47) ، والمبسوط ( 1 : 31 ).
5- نقله عنه فی المختلف : (52).

وکذا من کان علی جسده نجاسة ولم یکن معه ماء لإزالتها ، والأظهر عدم الإعادة.

الثانی : یجب علیه طلب الماء فإن أخلّ بالطلب وصلّی ثم وجد الماء فی

______________________________________________________

یکون مستنده روایة السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه : إنه سئل عن الرجل یکون فی وسط الزحام یوم الجمعة أو یوم عرفة لا یستطیع الخروج من المسجد من کثرة الناس ، قال : « یتیمم ویصلی معهم ، ویعید إذا انصرف » (1). وهی ضعیفة السند جدا. والأجود عدم الإعادة ، لأنه صلی صلاة مأمورا بها ، إذ التقدیر عدم التمکن من استعمال الماء قبل فوات الجمعة.

قوله : وکذا من کان علی جسده نجاسة ولم یکن معه ماء لإزالتها ، والأظهر عدم الإعادة.

القول للشیخ - رحمه الله - فی النهایة والمبسوط (2) ، إلاّ أنّ المسألة فی کلامه مفروضة فی نجاسة الثوب لا البدن. ولعل مستنده روایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن رجل لیس علیه إلاّ ثوب ولا تحل الصلاة فیه ، ولیس یجد ماءا یغسله کیف یصنع؟ قال : « یتیمم ویصلی ، فإذا أصاب ماءا غسله وأعاد الصلاة » (3). وهی ضعیفة السند ، لأن رجالها فطحیة. والأصح أنه لا إعادة علیه ، لأنه صلی صلاة مأمورا بها ، والأمر یقتضی الإجزاء.

قوله : الثانی ، یجب علیه طلب الماء ، فإن أخلّ بالطلب وصلّی ثم وجد الماء

من أخل بالطلب یعید الصلاة

ص: 241


1- التهذیب ( 1 : 185 - 534 ) ، الإستبصار ( 1 : 81 - 254 ) ، الوسائل ( 2 : 985 ) أبواب التیمم ب (15) ح (1).
2- النهایة : (55) ، والمبسوط ( 1 : 35 ).
3- التهذیب ( 1 : 407 - 1279 ) ، و ( ج 2 : 224 - 886 ) ، الإستبصار ( 1 : 169 - 587 ) ، الوسائل ( 2 : 1000 ) أبواب التیمم ب (30) ح (1).

رحله أو مع أصحابه تطهّر وأعاد الصلاة.

الثالث : من عدم الماء وما یتیمّم به لقید أو حبس فی موضع نجس ، قیل : یصلی ویعید ، وقیل : یؤخر الصلاة حتی یرتفع العذر ، فإن خرج الوقت قضی ، وقیل : یسقط الفرض أداء وقضاء ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

فی رحله أو مع أصحابه تطهّر وأعاد الصلاة.

قد تقدم الکلام فی ذلک ، وأنّ الأظهر عدم وجوب الإعادة متی کان التیمم مشروعا والصلاة مأمورا بها ، لأن الأمر یقتضی الإجزاء. ولو لم یکن کذلک وقعت الصلاة باطلة ووجب إعادتها سواء وجد الماء فی محل الطلب أم لا.

قوله : الثالث ، من عدم الماء وما یتیمّم به لقید أو حبس فی موضع نجس ، قیل : یصلی ویعید ، وقیل : یؤخر الصلاة حتی یرتفع العذر ، فإن خرج الوقت قضی ، وقیل : یسقط الفرض ، أداء وقضاء ، وهو أشبه.

أما سقوط الأداء فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا صریحا ، لأن الطهارة شرط فی الصلاة مطلقا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لا صلاة إلاّ بطهور » (1) وقد تعذرت فیسقط التکلیف بها ، ویلزم من سقوط التکلیف بها سقوط التکلیف بالمشروط ، وإلاّ فإن بقی الاشتراط لزم تکلیف ما لا یطاق ، وإن انتفی خرج المشروط مطلقا عن کونه مشروطا ( مطلقا ) (2) وهو باطل.

وما حکاه المصنف - رحمه الله تعالی - من القول بالصلاة والإعادة لا أعلم به قائلا ، ولعله أشار بذلک إلی ما ذکره الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط من تخییره بین

سقوط الصلاة مع عدم التمکن من التیمم

ص: 242


1- التهذیب ( 1 : 49 - 144 ) و ( ص 209 - 605 ) و ( ج 2 : 140 - 545 ) ، الإستبصار ( 1 : 55 - 160 ) ، الوسائل ( 1 : 256 ) أبواب الوضوء ب (1) ح (1).
2- لیست فی « ق » و « م ».

______________________________________________________

تأخیر الصلاة أو الصلاة والإعادة (1) ، وهو - مع ضعفه - لا یدل علی تعین الأداء.

ونقل عن المفید - رحمه الله - فی رسالته إلی ولده أنه قال : وعلیه أن یذکر الله تعالی فی أوقات الصلاة بمقدار صلاته (2).

وأما القضاء ففیه للأصحاب قولان : أحدهما السقوط ، اختاره المصنف - رحمه الله - هنا ، وفی المعتبر ، ونقله عن المفید فی أحد قولیه. واحتج علیه بأنها صلاة سقطت بحدث لا یمکن إزالته ، فلا یجب قضاؤها کصلاة الحائض ، وبأن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة (3).

والثانی الوجوب ، اختاره المفید - رحمه الله - فی المقنعة (4) ، والشیخ فی المبسوط (5) ، والسید المرتضی فی المسائل الناصریة (6) ، وابن إدریس (7) - رحمهم الله .

وهو الأظهر ، لعموم ما دل علی وجوب قضاء الفوائت ، کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ومتی [ ما ] (8) ذکرت صلاة فاتتک صلیتها » (9).

وفی صحیحة أخری لزرارة : « أربع صلوات یصلیها الرجل فی کل ساعة : صلاة

ص: 243


1- المبسوط ( 1 : 31 ).
2- المختلف : (149).
3- المعتبر ( 1 : 380 ).
4- المقنعة : (8).
5- المبسوط ( 1 : 31 ).
6- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (190).
7- السرائر : (26).
8- من المصدر.
9- الکافی ( 3 : 291 - 1 ) ، التهذیب ( 3 : 158 - 340 ) ، الوسائل ( 3 : 211 ) أبواب المواقیت ب (63) ح (1).

الرابع : إذا وجد الماء قبل دخوله فی الصلاة تطهّر. وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة. وإن وجده وهو فی الصلاة ، قیل : یرجع ما لم یرکع ، وقیل : یمضی فی صلاته ولو تلبس بتکبیرة الإحرام حسب ، وهو الأظهر.

______________________________________________________

فاتتک ، فمتی ما ذکرتها أدیتها » (1) الحدیث.

وما قیل من أنّ سقوط الأداء یستلزم سقوط القضاء (2) ، فدعوی مجردة عن الدلیل ، مع انتقاضها بوجوب القضاء علی الساهی والنائم ، ووجوب قضاء الصوم علی الحائض.

قوله : الرابع ، إذا وجد الماء قبل دخوله فی الصلاة تطهّر ، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة ، وإن وجده وهو فی الصلاة ، قیل : یرجع ما لم یرکع ، وقیل : یمضی فی صلاته ولو تلبّس بتکبیرة الإحرام حسب ، وهو الأظهر.

إذا وجد المتیمم الماء وتمکن من استعماله فله صور :

إحداها : أن یجده قبل الشروع فی الصلاة فینتقض تیممه ویجب علیه استعمال الماء ، فلو فقده بعد التمکن من ذلک أعاد التیمم. قال فی المعتبر : وهو إجماع أهل العلم (3).

وإطلاق کلامهم یقتضی أنه لا فرق فی ذلک بین أن یبقی من الوقت مقدار ما یسع الطهارة والصلاة وعدمه ، وهو مؤید لما ذکرناه فیما سبق من أنّ من أخلّ باستعمال الماء حتی ضاق الوقت یجب علیه الطهارة المائیة والقضاء ، لا التیمم والأداء.

وثانیتها : أن یجده بعد الصلاة ولا إعادة علیه لما سبق ، لکن ینتقض تیممه لما یأتی. قال فی المعتبر : وهو وفاق أیضا (4).

حکم من تیمم ثم وجد الماء

ص: 244


1- الفقیه ( 1 : 278 - 1265 ) ، الوسائل ( 5 : 350 ) أبواب قضاء الصلوات ب (2) ح (1).
2- المختلف : (53).
3- المعتبر ( 1 : 399 ).
4- المعتبر ( 1 : 399 ).

______________________________________________________

وثالثتها : أن یجده فی أثناء الصلاة. وقد اختلف فیه کلام الأصحاب ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط والخلاف : یمضی فی صلاته ولو تلبس بتکبیرة الإحرام (1). وهو اختیار المرتضی فی مسائل الخلاف (2) ، وابن إدریس - رحمه الله - (3) ، للأصل ، ولما رواه الشیخ عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، قال : حدثنی محمد بن سماعة ، عن محمد بن حمران ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : رجل تیمم ثم دخل فی الصلاة وقد کان طلب الماء فلم یقدر علیه ، ثم یؤتی بالماء حین یدخل فی الصلاة قال : « یمضی فی الصلاة ، واعلم أنه لیس ینبغی لأحد أن یتیمم إلاّ فی آخر الوقت » (4).

وقال الشیخ فی النهایة : یرجع ما لم یرکع (5). وهو اختیار ابن أبی عقیل (6) ، وأبی جعفر ابن بابویه (7) ، والمرتضی فی شرح الرسالة (8). لما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : فإن أصاب الماء وقد دخل فی الصلاة؟ قال : « فلینصرف فلیتوضأ ما لم یرکع ، فإن کان قد رکع فلیمض فی صلاته ، فإنّ التیمم أحد الطهورین » (9).

وعن عبد الله بن عاصم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یجد

ص: 245


1- المبسوط ( 1 : 33 ) ، والخلاف ( 1 : 33 ).
2- نقله عنه فی السرائر : (27) ، والمعتبر ( 1 : 400 ).
3- السرائر : (27).
4- التهذیب ( 1 : 203 - 590 ) ، الإستبصار ( 1 : 166 - 575 ) ، الوسائل ( 2 : 992 ) أبواب التیمم ب (21) ح (3).
5- النهایة : (48).
6- نقله عنه فی المختلف : (51).
7- المقنع : (9).
8- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 400 ) ، والذکری : (110).
9- التهذیب ( 1 : 200 - 580 ) ، الوسائل ( 2 : 991 ) أبواب التیمم ب (21) ح (1).

______________________________________________________

الماء فیتیمم ویقوم فی الصلاة ، فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء ، فقال : « إن کان لم یرکع فلینصرف ولیتوضأ ، وإن کان قد رکع فلیمض فی صلاته » (1). وهذه الروایة مرویة فی التهذیب بثلاث طرق ، أقربها إلی الصحة ما رواه الشیخ ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن الحسن بن الحسین اللؤلؤی ، عن جعفر بن بشیر ، عن عبد الله بن عاصم. وفی الحسن بن الحسین اللؤلؤی توقف وإن وثّقه النجاشی (2) ، لقول الشیخ : إن ابن بابویه ضعفه (3).

قال المصنف فی المعتبر : وروایة ابن حمران أرجح من وجوه ، منها : أنه أشهر فی العلم والعدالة من عبد الله بن عاصم ، والأعدل مقدم. ومنها : أنه أخف وأیسر ، والیسر مراد لله تبارک وتعالی. ومنها : أنّ مع العمل بروایة محمد یمکن العمل بروایة عبد الله بالتنزیل علی الاستحباب ، ولو عمل بروایته لم یکن لروایة محمد محمل (4).

قلت : ویؤیدها أیضا مطابقتها لمقتضی الأصل ، والعمومات الدالة علی تحریم قطع الصلاة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ومحمد بن مسلم قال ، قلت : فی رجل لم یصب الماء وحضرت الصلاة فتیمم وصلّی رکعتین ، ثم أصاب الماء ، أینقض الرکعتین أو یقطعهما ویتوضأ ثم یصلی؟ قال : « لا ، ولکنه یمضی فی صلاته ، ولا ینقضها لمکان أنه دخلها علی طهور بتیمم » (5) فإن التعلیل یقتضی وجوب المضی فی الصلاة مع الدخول فیها ولو بتکبیرة الإحرام.

ص: 246


1- الکافی ( 3 : 64 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 204 - 591 ، 592 ، 593 ) ، الإستبصار ( 1 : 166 - 576 ) ، السرائر : (486) ، الوسائل ( 2 : 992 ) أبواب التیمم ب (21) ح (2).
2- رجال النجاشی : ( 40 - 83 ).
3- رجال الشیخ : ( 469 - 45 ).
4- فی « ق » ، « م » : محتمل.
5- الفقیه ( 1 : 58 - 214 ) ، التهذیب ( 1 : 205 - 595 ) ، الإستبصار ( 1 : 167 - 580 ) ، الوسائل ( 2 : 992 ) أبواب التیمم ب (21) ح (4).

______________________________________________________

وأجاب العلامة - رحمه الله تعالی - فی المنتهی عن روایتی زرارة وعبد الله بن عاصم بالحمل علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالدخول فی الصلاة الشروع فی مقدماتها کالأذان ، وبقوله : « ما لم یرکع » ما لم یتلبس بالصلاة ، وبقوله : « وإن کان قد رکع » دخوله فیها ، إطلاقا لاسم الجزء علی الکل (1). ولا یخفی ما فی هذا الحمل من البعد وشدة المخالفة للظاهر. أما الأول فلا بأس به.

ویمکن الجمع بین الروایات أیضا بحمل المطلق علی المقید ، إلاّ أنّ ظاهر قوله فی روایة محمد بن حمران : ثم یؤتی بالماء حین یدخل فی الصلاة ، یأباه ، إذ المتبادر منه أول وقت الدخول ، وکذا التعلیل المستفاد من روایة زرارة ، فإنه شامل لما قبل الرکوع وبعده. وفی المسألة أقوال أخر نادرة لا عمل علیها.

وهنا مباحث :

الأول : إذا حکمنا بإتمام الصلاة مع وجود الماء - إما لکونه قد تجاوز محل القطع أو قلنا بالاکتفاء بالشروع - فهل یعید التیمم لو فقد الماء قبل فراغه من الصلاة أم لا؟ فیه قولان أظهرهما عدم الإعادة ، وهو اختیار المصنف فی المعتبر (2) ، لأن المانع الشرعی کالمانع الحسی بل أقوی ، ولأنه یجب الحکم باستمرار التیمم إلی الفراغ قطعا ، وعند الفراغ لا تمکّن من استعمال الماء لأنه المقدر.

وقال الشیخ فی المبسوط : إنه ینتقض تیممه بالنسبة إلی غیرها من الصلوات (3) ، وقواه فی المنتهی (4) ، ومال إلیه فی التذکرة ، لأنه تمکن عقلا من استعمال الماء ، قال :

ص: 247


1- المنتهی ( 1 : 155 ).
2- المعتبر ( 1 : 401 ).
3- المبسوط ( 1 : 33 ).
4- المنتهی ( 1 : 155 ).

______________________________________________________

والمنع الشرعی لا یرفع القدرة ، لأنها صفة حقیقة والحکم معلق علیها (1). وضعفه ظاهر.

وفرّع بعض الفقهاء علی هذا القول أنه لا یجوز للمصلی العدول إلی فائتة سابقه ، لانتقاض التیمم بالنسبة إلی کل صلاة غیر هذه. وهو بعید جدا.

ولو قلنا باستحباب القطع قبل الرکوع فأتم ، فالأظهر أنه کذلک ، لما ذکرناه من استمرار الإباحة إلی الفراغ ، ویقوّی قول الشیخ هنا ، لانتفاء المنع من الاستعمال عقلا وشرعا (2).

الثانی : لو کان فی نافلة ثم وجد الماء احتمل مساواته للفریضة ، لإطلاق الأخبار المتناولة للفریضة والنافلة ، وبه جزم الشهید فی البیان (3) ، وجدی - قدس سره - فی الشرح (4). ویحتمل قویا انتقاض تیممه بوجود الماء ، لجواز قطع النافلة اختیارا ، فینتفی المانع من استعماله عقلا وشرعا.

الثالث : المستفاد من الأخبار وکلام الأصحاب تحریم الرجوع بعد فوات محله ، سواء قلنا أنه التلبس بالصلاة أو الرکوع أو غیرهما.

واستقرب العلامة - رحمه الله تعالی - فی التذکرة جواز العدول إلی النفل مع سعة الوقت ، لأن فیه الجمع بین صیانة الفریضة عن الإبطال وأداء الفریضة بأکمل الطهارتین (5). والأصح المنع ، لأن حمله علی ناسی الأذان ، ومرید فضیلة الجماعة قیاس

ص: 248


1- التذکرة ( 1 : 65 ).
2- فی « ق » ، « م » : عرفا.
3- البیان : (36).
4- المسالک ( 1 : 17 ).
5- التذکرة ( 1 : 65 ).

الخامس : المتیمّم یستبیح ما یستبیحه المتطهر بالماء.

______________________________________________________

باطل ، ولأنه لو جاز العدول إلی النفل لجاز الإبطال بغیر واسطة ، وهو لا یقول به. ولو ضاق الوقت حرم ذلک قطعا.

قوله : الخامس ، المتیمّم یستبیح ما یستبیحه المتطهر بالماء.

یندرج فی ذلک الصلاة ، والطواف ، ودخول المساجد ، وقراءة العزائم ، ومسّ کتابة المصحف ، وغیر ذلک مما یستبیحه المتطهر بالماء. وبهذا التعمیم صرح العلامة - رحمه الله - فی المنتهی من غیر نقل خلاف إلاّ من الأوزاعی ، فإنه نقل عنه کراهة مسّ المصحف للمتیمم (1).

ومنع ولده فخر المحققین - رحمه الله تعالی - من استباحة اللبث به فی المساجد ، لقوله تعالی ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِی سَبِیلٍ حَتَّی تَغْتَسِلُوا ) (2) حیث جعل نهایة التحریم الغسل فلا یستباح بغیره ، وإلاّ لم تکن الغایة غایة ، وألحق به مس کتابة القرآن لعدم فرق الأمة بینهما [ هنا ] (3).

والأصح أنه مبیح للجمیع ، لقول (4) النبی صلی الله علیه و آله لأبی ذر : « یا أبا ذر یکفیک الصعید عشر سنین » (5) وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة حماد : « هو بمنزلة الماء » (6) وفی صحیحة محمد بن مسلم : « قد فعل أحد الطهورین » (7) وفی صحیحة

استباحة المتیمم ما یستبیحه المتطهر

ص: 249


1- المنتهی ( 1 : 156 ).
2- النساء : (43).
3- إیضاح الفوائد ( 1 : 66 ) ، وما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
4- فی « ح » : لعموم قول.
5- الفقیه ( 1 : 59 - 221 ) ، التهذیب ( 1 : 194 - 561 ) ، الوسائل ( 2 : 995 ) أبواب التیمم ب (23) ح (4).
6- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 995 ) أبواب التیمم ب (23) ح (2).
7- التهذیب ( 1 : 197 - 571 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 557 ) ، الوسائل ( 2 : 995 ) أبواب التیمم ب (23) ح (6).

السادس : إذا اجتمع میت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما یکفی أحدهم ، فإن کان ملکا لأحدهم اختص به ، وإن کان ملکا لهم جمیعا أو لا مالک له أو مع مالک یسمح ببذله فالأفضل تخصیص الجنب به. وقیل : بل یختص به المیت ، وفی ذلک تردد.

______________________________________________________

جمیل : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (1).

والجواب عن الآیة بالمنع من دلالتها علی ما ذکره ، لأن إرادة المساجد من الصلاة مجاز لا یصار إلیه إلاّ مع القرینة ، مع احتمالها لغیر ذلک المعنی احتمالا ظاهرا ، وهو أن یکون متعلق النهی الصلاة فی أحوال الجنابة إلاّ فی حال السفر ، لجواز تأدیتها حینئذ بالتیمم. وأیضا : فإن ذلک لا ینافی حصول الإباحة بدلیل من خارج ، وهو ثابت کما بیناه.

قوله : السادس ، إذا اجتمع میت وجنب ومحدث ومعهم من الماء ما یکفی أحدهم. فإن کان ملکا لأحدهم اختص به ، وإن کان ملکا لهم جمیعا أو لا مالک له أو لمالک یسمح ببذله فالأفضل تخصیص الجنب به. وقیل : بل یختص به المیت ، وفی ذلک تردد.

إذا اجتمع میت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما یکفی أحدهم ، فإن کان ملکا لأحدهم اختص به ولم یکن له بذله لغیره مع مخاطبته باستعماله ، لوجوب صرفه فی طهارته.

ولو کان مباحا وجب علی کل من المحدث والجنب المبادرة إلی حیازته ، فإن سبق إلیه أحدهما اختص به ، ولو توافیا دفعة اشترکا ، ولو تغلب أحدهما أثم وملک.

وإن کان ملکا لهم جمیعا أو لمالک یسمح ببذله ، فلا ریب أن لملاّکه الخیرة فی

حکم اجتماع المیت والجنب والمحدث مع کفایة الماء لأحدهم

ص: 250


1- الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23) ح (1) ، وص (995) ب (24) ح (2) ، وفی الکافی ( 3 : 66 - 3 ) صدر الحدیث.

______________________________________________________

تخصیص من شاؤوا به ، وإنما الکلام فی من الأولی؟ فقال الشیخ - رحمه الله - فی النهایة إنه الجنب (1). وقیل : المیت ، حکاه المصنف - رحمه الله - ، ولا أعرف قائله.

وقال الشیخ فی الخلاف : إن کان الماء لأحدهم فهو أحق به ، وإن لم یکن لواحد بعینه تخیروا فی التخصیص ، لأنها فروض اجتمعت ولیس بعضها أولی من بعض فتعین التخییر ، ولأن الروایات اختلفت علی وجه لا ترجیح ، فتحمل علی التخییر (2). ومقتضی ذلک انتفاء الأولویة.

والأصح ما اختاره المصنف من أفضلیة تخصیص الجنب به ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی نجران : إنه سأل أبا الحسن موسی بن جعفر علیهماالسلام عن ثلاثة نفر کانوا فی سفر أحدهم جنب ، والثانی میت ، والثالث علی غیر وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما یکفی أحدهم ، من یأخذ الماء؟ وکیف یصنعون؟ فقال : « یغتسل الجنب ، ویدفن المیت (3) ، ویتیمم الذی هو علی غیر وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فریضة ، وغسل المیت سنة ، والتیمم للآخر جائز » (4).

احتج القائل بتقدیم المیت بأنّ الجنب یستدرک طهارته والمیت لا استدراک لطهارته ، وبما رواه محمد بن علی عن بعض أصحابه : قلت : المیت والجنب یتفقان ولا یکون الماء إلاّ بقدر کفایة أحدهما أیهما أولی؟ قال : « یتیمم الجنب ویغتسل المیت » (5).

والجواب عن الأول بأن الاعتبار لا یعارض النص ، مع أنه معارض بتعبد الجنب

ص: 251


1- النهایة : (50).
2- الخلاف ( 1 : 43 ).
3- فی المصدر زیادة : بتیمم.
4- الفقیه ( 1 : 59 - 222 ) ، الوسائل ( 2 : 987 ) أبواب التیمم ب (18) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 110 - 288 ) ، الإستبصار ( 1 : 102 - 332 ) ، الوسائل ( 2 : 988 ) أبواب التیمم ب (18) ح (5).

السابع : الجنب إذا تیمّم بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التیمم بدلا من الغسل ، سواء کان حدثه أصغر أو أکبر.

______________________________________________________

بطهارته بخلاف المیت ، وبأن للجنب غایتین : استباحة الصلاة ، وطهارة بدنه من الحدث. وللمیت الثانیة لا غیر.

وعن الروایة بالطعن فی سندها بالضعف والإرسال والإضمار ، فلا تصلح لمعارضة الخبر الصحیح.

ولو کان الماء مع غیرهم والتمس الأولی ، أو أوصی بصرفه إلی الأولی دفعه إلی الجنب.

ولو کفی الحدث خاصة اختص به ، ویمکن صرفه إلی بعض أعضاء الجنب توقعا للباقی. أما لو قصر عنهما تعین الجنب ، لاشتراط الموالاة فی الوضوء دون الغسل ، فلو استعمله وتعذر الإکمال یتیمم.

ولو أمکن الجمع بأن یتوضأ المحدث ، ثم یجمع الماء ویغتسل به الجنب الخالی بدنه من النجاسة ، ثم یجمع ماؤه ویغسّل به المیت وجب.

ولو جامعهم ذات دم ، أو ماسّ میت ، أو مزیل طیب للإحرام فإشکال ، والتخییر حسن ، واستعمال القرعة أولی. أما العطشان فإنه أولی من الجمیع قطعا.

قوله : السابع : الجنب إذا تیمّم بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التیمم بدلا من الغسل ، سواء کان حدثه أصغر أو أکبر.

أجمع العلماء کافة علی أنّ التیمم لا یرفع الحدث ، حکاه فی المعتبر ، واحتج علیه بأن المتیمم یجب علیه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق ، فلو لم یکن الحدث السابق باقیا لکان وجوب الطهارة لوجود الماء إذ لا وجه غیره ، ووجود الماء لیس حدثا بالإجماع. ولأنه لو کان حدثا لوجب استواء المتیممین فی موجبه ضرورة استوائهم فیه ،

حکم المتیمم بدل الغسل إذا أحدث

ص: 252

______________________________________________________

لکن هذا باطل لأن المحدث لا یغتسل والمجنب لا یتوضأ (1).

ولا ریب فیما ذکره ، لکن لا یلزم منه امتناع الرفع فیه إلی غایة معینة وهو الحدث أو وجود الماء ، وهو المعبر عنهم فی کلامهم بالاستباحة.

إذا تقرر ذلک فنقول : إذا تیمم الجنب بدلا من الغسل ثم أحدث حدثا أصغر ، فذهب أکثر الأصحاب إلی أنّ الواجب علیه التیمم بدلا من الغسل ، لأن الجنابة باقیة ، والاستباحة زالت بالحدث الأصغر ، فیجب التیمم بدلا من الغسل. ویدل علیه أیضا قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ومتی أصبت الماء فعلیک الغسل إن کنت جنبا ، والوضوء إن لم تکن جنبا » (2).

واستدل علیه فی المختلف (3) بصحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام : فی رجل أجنب فی سفر ومعه ماء قدر ما یتوضأ به ، قال : « یتیمم ولا یتوضأ » (4). وهی إنما تدل علی النهی عن الوضوء قبل التیمم عن الجنابة فلا یلزم مثله فیما بعده.

وقال السید المرتضی - رحمه الله تعالی - فی شرح الرسالة : إن المجنب إذا تیمم ثم أحدث حدثا أصغر ، ووجد ما یکفیه للوضوء توضأ به ، لأن حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما یوجب الصغری ، وقد وجد من الماء ما یکفیه لها فیجب علیه استعماله (5). والظاهر أنّ مراده بارتفاع حدثه ارتفاعه إلی أن یتمکن من الغسل ، لا ارتفاعه مطلقا ، وإلاّ لما وجب الغسل عند التمکن من استعمال الماء لأنه لیس حدثا إجماعا.

ص: 253


1- المعتبر ( 1 : 394 ).
2- التهذیب ( 1 : 210 - 611 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 599 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (4).
3- المختلف : (55).
4- التهذیب ( 1 : 405 - 1272 ) ، الوسائل ( 2 : 996 ) أبواب التیمم ب (24) ح (4).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 395 ) ، والمختلف : (55).

الثامن : إذا تمکن من استعمال الماء انتقض تیمّمه. ولو فقده بعد ذلک افتقر إلی تجدید التیمم.

______________________________________________________

وجوابه : المنع من ارتفاع الحدث السابق إلی أن یتمکن من الغسل ، بل القدر المتحقق ارتفاعه إلی أن یحصل أحد الأمرین : إما التمکن من الغسل أو الحدث ، ومع حصول أحدهما ینتهی الرفع ویظهر أثر الحدث السابق.

قوله : الثامن ، إذا تمکن من استعمال الماء انتقض تیمّمه ، ولو فقده بعد ذلک افتقر الی تجدید التیمم.

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، والنصوص الواردة به مستفیضة (1). والمراد بالتمکن أن لا یکون له مانع حسی ولا شرعی یمنعه من الاستعمال.

وهل یعتبر فی انتقاض التیمم مضی زمان یتمکن فیه من فعل الطهارة المائیة أم لا؟

فیه وجهان أحدهما : نعم ، لامتناع التکلیف بعبادة فی وقت لا یسعها ، فإذا تلف الماء مثلا قبل مضی زمان یتمکن فیه من فعل الطهارة تبین عدم التکلیف ( فیه ) (2) باستعمال الماء ، فیلزم بقاء التیمم ، لأن النقض إنما یتحقق بتمکنه من المبدل.

والثانی : لا یعتبر ، لصدق التمکن من استعمال الماء بحسب الظاهر. ولعل الأول أولی.

فرعان : الأول : لو وجد جماعة متیممون ماءا مباحا یکفی أحدهم ، قال فی المنتهی : انتقض تیممهم جمیعا ، لوجود الدلیل الدال علی انتقاض التیمم بوجود الماء ، وهو صادق فی حق کل واحد منهم (3).

وینبغی تقییده بما إذا حصل التمکن من استعماله للجمیع ، أما لو تبادروا إلی

انتقاض التیمم بالتمکن من الماء

ص: 254


1- الوسائل ( 2 : 981 ) أبواب التیمم ب (14).
2- من « ح ».
3- المنتهی ( 1 : 158 ).

ولا ینتقض التیمم بخروج الوقت ما لم یحدث أو یجد الماء.

______________________________________________________

حیازته فسبق أحدهم انتقض تیممه خاصة ، ولم ینتقض تیمم الباقین إلاّ إذا بذله لهم.

الثانی : لو لم یجد الماء إلاّ فی المسجد وکان جنبا فالأظهر أنه یجوز له الدخول والأخذ من الماء والاغتسال خارجا. ولو لم یکن معه ما یغرف به فقد استقرب فی المنتهی جواز اغتساله فی المسجد (1). وهو حسن إن لم یتحقق معه الجلوس ، للأصل ( واختصاص النهی بالجلوس فی المسجد ، کما بیناه فی ما سبق ) (2).

قوله : ولا ینتقض التیمم بخروج الوقت ، ما لم یحدث أو یجد الماء.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة. فروی حماد بن عثمان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یجد الماء ، أیتیمم لکل صلاة؟ فقال : « لا ، هو بمنزلة الماء » (3).

وروی زرارة فی الصحیح قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : یصلی الرجل بتیمم واحد صلاة اللیل والنهار کلها؟ فقال : « نعم ما لم یحدث أو یصیب ماءا » قلت : فإن أصاب الماء ورجا أن یقدر علی ماء آخر وظنّ أنه یقدر علیه ، فلما أراده تعسر ذلک علیه؟ قال : « ینقض ذلک تیممه وعلیه أن یعید التیمم » (4).

وقال بعض العامة : ینتقض التیمم بخروج الوقت ، لأنها طهارة ضروریة فیتقدر بالوقت کالمستحاضة (5). ولا ریب فی بطلانه.

عدم انتقاض التیمم بخروج الوقت

ص: 255


1- المنتهی ( 1 : 158 ).
2- ما بین القوسین من « ح ».
3- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (3).
4- التهذیب ( 1 : 200 - 580 ) ، الإستبصار ( 1 : 164 - 570 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (1).
5- نقله عن أبی ثور فی المحلی ( 2 : 131 ).

التاسع : من کان بعض أعضائه مریضا لا یقدر علی غسله بالماء ولا مسحه جاز له التیمم ، ولا یبعّض الطهارة.

العاشر : یجوز التیمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنیة الندب ، ولا یجوز له الدخول به فی غیر ذلک من أنواع الصلاة.

______________________________________________________

قوله : التاسع ، من کان بعض أعضائه مریضا لا یقدر علی غسله بالماء ولا مسحه جاز له التیمم ، ولا یبعّض الطهارة.

رد بذلک علی الشافعی حیث قال : إنّ من هذا شأنه یغسل الأعضاء التی یقدر علی غسلها ویتیمم عن العضو المریض ، فتتلفق طهارته من المائیة والترابیة (1). وهو باطل ، لأن تقسیم الطهارة إلی الوضوء والغسل ، والتیمم یقطع الشرکة بینها.

وقول المصنف - رحمه الله - : لا یقدر علی غسله بالماء ولا مسحه ، یمکن أن یرید به انتفاء القدرة علی غسل العضو إن کان مغسولا ، ومسحه إن کان ممسوحا ، ولا ینافی ذلک ما ذکره فی أحکام الجبیرة من أنها لو عمّت عضوا کاملا مسح علیه ، ولا ینتقل الی التیمم لاختلاف موضوع المسألتین ، واختصاص النص المتضمن لذلک الحکم بالجبیرة فلا یتعدی الی غیرها.

ویمکن أن یرید به تعذر مسح العضو المریض ولو علی الخرقة وإن کان مغسولا ، وعلی هذا فلا تنافی بین المسألتین إلاّ أنّ المتجه الانتقال إلی التیمم فی هذه الصورة لتعذر الطهارة المائیة المتحقق بتعذر جزئها. وعموم قوله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ ) . ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (2).

قوله : العاشر : یجوز التیمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنیة الندب.

هذا الحکم ذکره الشیخ فی أکثر کتبه (3) ، واحتج علیه بإجماع الفرقة ، وبما رواه

تیمم من تمرض عضو منه ولم یمکن مسحه

جواز التیمم لصلاة الجنازة

ص: 256


1- الام ( 1 : 49 ) ، مختصر المزنی : (7).
2- المائدة : (6).
3- المبسوط ( 1 : 35 ) ، النهایة : (146) ، الخلاف ( 1 : 41 ).

______________________________________________________

زرعة عن سماعة ، قال : سألته عن رجل مرت به جنازة وهو علی غیر طهر ، قال : « یضرب بیدیه علی حائط اللبن (1) فیتیمم » (2).

واستشکله المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بأن الإجماع لا نعلمه ، والروایة لیست صریحة فی الجواز مع وجود الماء ، لکن لو قیل : إذا فاجأته الجنازة وخشی فواتها مع الطهارة [ تیمم ] (3) لها کان حسنا ، لأن الطهارة لما لم تکن شرطا وکان التیمم أحد الطهورین فمع خوف الفوت لا بأس بالتیمم ، لأن حال المتیمم أقرب إلی شبه المتطهرین من الخالی منه (4).

قلت : ویدل علی استحباب التیمم فی هذه الحالة أیضا : ما رواه الحلبی فی الحسن ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل تدرکه الجنازة وهو علی غیر وضوء ، فإن ذهب یتوضأ فاتته الصلاة علیها ، قال : « یتیمم ویصلی » (5)

ص: 257


1- فی جمیع النسخ : لبن. وصححناه کما فی المصدر.
2- الکافی ( 3 : 178 - 5 ) ، التهذیب ( 3 : 203 - 477 ) ، الوسائل ( 2 : 799 ) أبواب صلاة الجنازة ب (21) ح (5).
3- أثبتناه من المصدر.
4- المعتبر ( 1 : 405 ).
5- الکافی ( 3 : 178 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 799 ) أبواب صلاة الجنازة ب (21) ح (6).

الرّکن الرّابع :

فی النجاسات وأحکامها

القول فی النجاسات ، وهی عشرة أنواع :

الأول والثانی : البول والغائط مما لا یؤکل لحمه ، إذا کان للحیوان نفس سائلة ، سواء کان جنسه حراما کالأسد ، أو عرض له التحریم کالجلال.

______________________________________________________

قوله : الأول والثانی : البول والغائط مما لا یؤکل لحمه ، إذا کان للحیوان نفس سائلة ، سواء کان جنسه حراما کالأسد ، أو عرض له التحریم کالجلاّل.

أجمع علماء الإسلام علی نجاسة البول والغائط ممّا لا یؤکل لحمه ، سواء کان ذلک من الإنسان أو غیره إذا کان ذا نفس سائلة ، قاله فی المعتبر (1).

والمراد بالنفس السائلة : الدم الذی یجتمع فی العروق ویخرج إذا قطع شی ء منها بقوة ودفع. ویقابله ما لا نفس له ، وهو الذی یخرج دمه ترشحا کالسمک.

والأخبار الواردة بنجاسة البول فی الجملة مستفیضة (2) ، إلاّ أنّ المتبادر منه بول الإنسان.

ویدل علی نجاسته من غیر المأکول مطلقا ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن عبد الله بن

النجاسات

- أنواع النجاسات

- البول والغائط

اشارة

ص: 258


1- المعتبر ( 1 : 410 ).
2- الوسائل ( 2 : 1007 ) أبواب النجاسات ب (8).

______________________________________________________

سنان ، قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « اغسل ثوبک من أبوال ما لا یؤکل لحمه » (1) وجه الدلالة أنّ الأمر حقیقة فی الوجوب ، وإضافة الجمع تفید العموم ، ومتی ثبت وجوب الغسل فی الثوب وجب فی غیره ، إذ لا قائل بالفصل ، ولا معنی للنجس شرعا إلاّ ما وجب غسل الملاقی له ، بل سائر الأعیان النجسة إنما استفید نجاستها من أمر الشارع بغسل الثوب أو البدن من ملاقاتها ، مضافا إلی الإجماع المنقول فی أکثر الموارد کما ستقف علیه فی تضاعیف هذه المباحث.

أمّا الأرواث فلم أقف فیها علی نص یقتضی نجاستها من غیر المأکول علی وجه العموم ، ولعلّ الإجماع فی موضع لم یتحقق فیه المخالف کاف فی ذلک.

وقد وقع الخلاف فی هذه المسألة فی موضعین :

أحدهما : رجیع (2) الطیر ، فذهب ابن بابویه وابن أبی عقیل والجعفی - رحمهم الله تعالی - إلی طهارته مطلقا (3). وقال الشیخ فی المبسوط : بول الطیور وذرقها کلّها طاهر إلاّ الخفّاش (4). وقال فی الخلاف : ما أکل فذرقه طاهر ، وما لم یؤکل فذرقه نجس (5).

حکم رجیع الطیر

ص: 259


1- الکافی ( 3 : 57 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 770 ) ، الوسائل ( 2 : 1008 ) أبواب النجاسات ب (8) ح (2).
2- الرجیع : الروث والعذرة فعیل بمعنی فاعل لأنه رجع عن حالته الاولی بعد أن کان طعاما أو علفا - المصباح المنیر : (220).
3- الفقیه ( 1 : 41 ) ، والمقنع : (5) ، ونقله عن ابن أبی عقیل فی المختلف : (56) ، وعن الجعفی فی الذکری : (13).
4- المبسوط ( 1 : 39 ).
5- الخلاف ( 1 : 181 ).

______________________________________________________

وبه قال أکثر الأصحاب. واحتج علیه فی المعتبر بما دل علی نجاسة العذرة مما لا یؤکل لحمه ، قال : فإنه یتناول موضع النزاع ، لأن الخرء العذرة (1).

وهو غیر جید ، لما بیناه من انتفاء ما یدل علی العموم ، ولأنّ العذرة لیست مرادفة للخرء ، بل الظاهر اختصاصها بفضلة الإنسان کما دل علیه العرف ، ونصّ علیه أهل اللغة ، قال الهروی : العذرة أصلها فناء الدار ، وسمیت عذرة الناس بهذا ، لأنها کانت تلقی فی الأفنیة فکنّی عنها باسم الفناء (2).

واستدل فی المختلف علی هذا القول أیضا بحسنة عبد الله بن سنان المتقدمة (3) ، قال : وهی عامة فی صورة النزاع (4). ویشکل بأنها إنما تضمنت نجاسة البول وهو خلاف الذرق.

حجة القائلین بالطهارة : الأصل ، وقوله علیه السلام : « کل شی ء طاهر حتی یعلم أنّه قذر » (5) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنّه سأله عن الرجل یری فی ثوبه خرء الطیر أو غیره هل یحکّه وهو فی صلاته؟ قال : « لا بأس » (6) وترک الاستفصال مع قیام الاحتمال یفید العموم.

ص: 260


1- المعتبر ( 1 : 411 ).
2- نقله عن أبی عبید الهروی فی لسان العرب ( 4 : 554 ).
3- فی ص (259).
4- المختلف : (56).
5- المقنع : (5) ، والمستدرک 2 : 583 ب 30 ح 4 النجاسات والأوانی ب 2 : 583 ب 30 ح 4 ، ذکرت من دون نسبتها الی المعصوم.
6- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، بل وجدناها فی الفقیه ( 1 : 164 - 775 ) ، قرب الإسناد : (89) ، الوسائل ( 4 : 1277 ) أبواب قواطع الصلاة ب (27) ح (1).

______________________________________________________

وفی الحسن عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کلّ شی ء یطیر لا بأس بخرئه وبوله » (1) وهی متناولة للمأکول وغیره.

وأجاب العلاّمة - رحمه الله - فی المختلف عن هذه الروایة : بأنّها مخصوصة بالخشاف إجماعا فیختص بما شارکه فی العلة ، وهو عدم کونه مأکولا (2).

وفساده واضح أمّا أوّلا : فلمنع الإجماع علی تخصیص الخشاف ، فإنّه - رحمه الله قد حکی فی صدر المسألة عن ابن بابویه وابن أبی عقیل القول بالطهارة مطلقا ، ونقل استثناء الخشاف عن الشیخ فی المبسوط خاصة.

وأما ثانیا : فلأنّ خروج الخشاف من هذا العموم بدلیل لا یقتضی کون العلّة فیه أنّه غیر مأکول اللحم ، بل هذه هی العلّة المستنبطة التی قد علم من مذهب الإمامیة إنکار العمل بها والتشنیع علی من اعتبرها.

وأجیب عنها أیضا بالحمل علی المأکول خاصة ، جمعا بینها وبین روایة ابن سنان المتقدمة (3). وهو مشکل ، إذ الجمع بین الخبرین کما یمکن بذلک کذا یمکن بتخصیص روایة ابن سنان بهذه الروایة ، وحملها علی غیر الطیر مما لا یؤکل لحمه ، فتقدیم أحدهما یتوقف علی المرجح.

ویمکن ترجیح الثانی بمطابقته لمقتضی الأصل والعمومات الدالة علی الطهارة ، وبأنّ

حکم رجیع الخشاف

ص: 261


1- الکافی ( 3 : 58 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 266 - 779 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (1).
2- المختلف : (56).
3- فی ص (259).

______________________________________________________

قوله علیه السلام : « کلّ شی ء یطیر » أظهر تناولا لما لا یؤکل لحمه من الطیر من روایة ابن سنان وذلک مناط التخصیص. وأیضا فإنّ الروایتین إنما تصادمتا فی البول خاصة ، والمدّعی أعمّ من ذلک أو مغایر له.

وقد ظهر من ذلک أنّ المتجه القول (1) بطهارة الذرق ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض ، المعتضد بالروایتین المتقدمتین (2) وعمل جمع من الأصحاب. وإنما یحصل التردد فی البول خاصة إن فرض وقوعه من الطیر ، ولا یبعد الحکم بطهارته أیضا لما بیناه.

احتج الشیخ (3) - رحمه الله - علی استثناء الخشاف : بما رواه عن داود الرقی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن بول الخشاشیف یصیب ثوبی فأطلبه ولا أجده ، قال : « اغسل ثوبک » (4).

والجواب أنها مع ضعف سندها معارضة بما رواه غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : « لا بأس بدم البراغیث والبقّ وبول الخشاشیف » (5) وهذه الروایة أوضح سندا وأظهر دلالة من السابقة ، وأجاب عنها فی التهذیب بالشذوذ والحمل علی التقیة (6) ، وهو مشکل.

ص: 262


1- فی « م » و « ق » : القطع.
2- فی ص ( 260 ، 261 ).
3- التهذیب ( 1 : 266 ).
4- التهذیب ( 1 : 265 - 777 ) ، الإستبصار ( 1 : 188 - 658 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (4).
5- التهذیب ( 1 : 266 - 778 ) ، الإستبصار ( 1 : 188 - 659 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (5).
6- التهذیب ( 1 : 266 ).

وفی رجیع ما لا نفس له سائلة وبوله تردد.

______________________________________________________

وثانیهما : بول الرضیع قبل أن یأکل الطعام ، والمشهور أنّه نجس ، ونقل فیه السید المرتضی (1) - رضی الله عنه - الإجماع ، ویدل علیه مضافا إلی العمومات خصوص حسنة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن بول الصبی قال : « تصبّ علیه الماء ، فإن کان قد أکل فاغسله » (2).

وقال ابن الجنید : بول البالغ وغیر البالغ نجس إلاّ أن یکون غیر البالغ صبیا ذکرا فإنّ بوله ولبنه ما لم یأکل اللحم لیس بنجس (3). واحتج له فی المختلف (4) : بما رواه السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، عن علیّ علیه السلام أنّ قال : « لبن الجاریة وبولها یغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأنّ لبنها یخرج من مثانة أمّها ، ولبن الغلام لا یغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن یطعم ، لأنّ لبن الغلام یخرج من العضدین والمنکبین » (5)

والجواب أولا بالطعن بالسند ، وثانیا بالقول بالموجب ، فإنّ انتفاء الغسل لا یقتضی انتفاء الصّبّ ، ونحن إنما أوجبنا الثانی لا الأوّل.

قوله : وفی رجیع ما لا نفس له وبوله تردد.

وربما کان منشأ التردد فی البول من عموم الأمر بغسله من غیر المأکول ، ومن أنّ

حکم بول الرضیع
حکم رجیع ما لا نفس له

ص: 263


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (181).
2- الکافی ( 3 : 56 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 249 - 715 ) ، الإستبصار ( 1 : 173 - 602 ) ، الوسائل ( 2 : 1003 ) أبواب النجاسات ب (3) ح (2).
3- نقله عنه فی المختلف : (56).
4- المختلف : (56).
5- الفقیه ( 1 : 40 - 157 ) وفیه : مرسلا ، التهذیب ( 1 : 250 - 718 ) ، الاستبصار ( 1 : 173 - 601 ) ، علل الشرائع : ( 294 - 1 ) ، المقنع : (5) وفیه : مرسلا ، الوسائل ( 2 : 1003 ) أبواب النجاسات ب (3) ح (4).

وکذا فی ذرق الدجاج غیر الجلال ، والأظهر الطهارة.

______________________________________________________

ما لا نفس له طاهر المیتة والدم فصارت فضلاته کعصارة النبات ، والأصح : الطهارة کما اختاره فی المعتبر (1) ، وقطع به فی المنتهی (2) من غیر نقل خلاف ، لأنّ المتعارف من مأکول اللحم وغیره ما کان ذا نفس سائلة فینصرف إلیه الإطلاق.

أما الرجیع فلا أعرف للتردد فی طهارته وجها ، لأنّ الطهارة مقتضی الأصل ولا معارض له.

قوله : وکذا فی ذرق الدجاج غیر الجلال ، والأظهر الطهارة.

منشأ التردد هنا اختلاف الأخبار ، فروی وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : « لا بأس بخرء الدجاج والحمام یصیب الثوب » (3).

وروی فارس قال : کتب إلیه رجل یسأله عن ذرق الدجاج یجوز الصلاة فیه؟ فکتب : « لا » (4).

والروایتان ضعیفتا السند جدّا ، فإنّ وهب بن وهب عامیّ مطعون فیه بالکذب (5) ، وفارس هذا هو ابن حاتم القزوینی کما یظهر من کتب الرجال (6) ، وقال الشیخ : إنه

حکم ذرق الدجاج الجلال

ص: 264


1- المعتبر ( 1 : 411 ).
2- المنتهی ( 1 : 159 ).
3- التهذیب ( 1 : 283 - 831 ) ، الإستبصار ( 1 : 177 - 618 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (2).
4- التهذیب ( 1 : 266 - 782 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 619 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (3) بتفاوت یسیر.
5- کما فی رجال النجاشی : ( 430 - 1155 ).
6- رجال الکشی ( 2 : 806 - 1003 و1011 ) ورجال الشیخ : (420) ، ولم تثبت رؤیة أحد باسم فارس عن الإمام علیه السلام سوی فارس بن حاتم الملعون ، بل لم نجد من اسمه فارس سواه وسوی فارس ابن سلیمان والأخیر لا یروی عن الإمام. ( راجع رجال النجاشی : 310 ).

الثالث : المنیّ ، وهو نجس من کل حیوان حلّ أکله أو حرم.

______________________________________________________

غال ملعون (1). وقال العلاّمة - رحمه الله - فی الخلاصة : أنه فسد مذهبه وبری ء منه وقتله بعض أصحاب أبی محمد بالعسکر ، لا یلتفت إلی حدیثه ، وله کتب کلّها تخلیط (2).

ونقل عن الفضل بن شاذان أنه ذکر فی بعض کتبه : أنّ من الکذّابین المشهورین الفاجر فارس بن حاتم القزوینی (3).

ومع سقوط الروایتین یکون المرجع إلی الأصل وهو الطهارة ، کما اختاره ابن بابویه (4) ، والشیخ فی کتابی الحدیث (5) ، وأکثر الأصحاب.

أمّا الجلاّل وهو ما اغتذی بعذرة الإنسان محضا إلی أن یسمی فی العرف جلاّلا فذرقه نجس إجماعا ، قاله فی المختلف (6) ، لأنّه غیر مأکول اللحم.

قوله : الثالث : المنیّ ، وهو نجس من کل حیوان حلّ أکله أو حرم.

أجمع علماؤنا علی نجاسة المنی من کلّ حیوان ذی نفس سائلة ، سواء فی ذلک الآدمی وغیره ، الذّکر والأنثی ، حکی ذلک العلاّمة فی التذکرة صریحا ، وفی المنتهی ظاهرا (7). والأصل فیه الأخبار المستفیضة کحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه منی فلیغسل الذی أصابه ، فإن ظنّ أنه أصابه منیّ ولم

- المنی

اشارة

ص: 265


1- رجال الشیخ : ( 420 - 3 ).
2- خلاصة العلامة : ( 247 - 2 ).
3- رجال الکشی ( 2 : 807 ).
4- الفقیه ( 1 : 41 ).
5- التهذیب ( 1 : 284 ) ، والاستبصار ( 1 : 178 ).
6- المختلف : (55).
7- التذکرة ( 1 : 6 ) ، والمنتهی ( 1 : 161 ، 162 ).

______________________________________________________

یستیقن ولم یر مکانه فلینضحه بالماء » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : ذکر المنی فشدده وجعله أشدّ من البول ، ثم قال : « إن رأیت المنی قبل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت فی ثوبک فلم تصبه ثم صلّیت فیه ثم رأیته بعد فلا إعادة علیک ، وکذلک البول » (2).

وروایة ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المنی یصیب الثوب ، قال : « إن عرفت مکانه فاغسله ، فإن خفی علیک مکانه فاغسله کلّه » (3) لکن لیس فی هذه الروایات ولا غیرها ممّا وقفت علیه دلالة علی ما ذکره الأصحاب من التعمیم ، وإنما الموجود فیها إطلاق لفظ المنی ، والمتبادر منه أنّه منی الإنسان ، إلاّ أنّ الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، مدّعی علیه الإجماع ، فلا مجال للتوقف.

ولا یلحق به المذی : وهو الذی یخرج عقیب الملاعبة والملامسة ، والودی بالدال المهملة : وهو الذی یخرج عقیب البول ، بل هما طاهران عندنا ، لما رواه حریز فی الصحیح ، قال : حدّثنی زید الشحّام وزرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إن سال من ذکرک شی ء من مذی أو ودی (4) فلا تغسله ولا تقطع له

ص: 266


1- الکافی ( 3 : 54 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 728 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (4).
2- الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 252 - 730 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 53 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 251 - 725 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (6).
4- فی « م » والاستبصار : أو وذی.

وفی منیّ ما لا نفس له ، تردد ، والطهارة أشبه.

الرابع : المیتة ، ولا ینجس من المیتات إلا ما له نفس سائلة.

______________________________________________________

الصلاة ، إنما ذلک بمنزلة النخامة » (1).

ونقل عن ابن الجنید - رحمه الله - القول بنجاسة ما ینقض الوضوء من المذی ، وفسره بما یخرج جاریا عقیب شهوة ، لورود الأمر بغسله (2).

والجواب - بعد تسلیم السند - بالحمل علی الاستحباب ، جمعا بین الأدلّة (3).

فرع : کلّما یخرج من القبل والدبر من رطوبة وغیرها طاهر عدا البول والغائط والمنی والدم ، تمسّکا بأصالة الطهارة السالمة من المعارض. وقال بعض العامة بنجاسة الجمیع (4) ، لخروجها من مجری النجاسة ، وهو باطل ، لأنّ النجاسة لا تتحقق إلاّ بعد خروجها من المجری.

قوله : وفی منیّ ما لا نفس له ، تردد ، والطهارة أشبه (5).

إنما کانت الطهارة أشبه لأنها مقتضی الأصل ولا معارض له ، ولا أعرف للتردد فی ذلک وجها یعتد به.

قوله : الرابع : المیتة ، ولا ینجس من المیتات إلا ما له نفس سائلة.

یندرج فی ذی النفس السائلة الآدمی وغیره مما له نفس ، ویخرج منه ما لا نفس له کالسمک ونحوه ، فهنا مسائل ثلاث :

حکم منی ما لا نفس له

- المیتة

اشارة

ص: 267


1- التهذیب ( 1 : 21 - 52 ) ، الإستبصار ( 1 : 94 - 305 ) ، الوسائل ( 1 : 196 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (2).
2- فی المختلف : (57).
3- الجواهر ( 5 : 293 ). لا ینبغی الشک فی طهارة سائر ما یخرج من الحیوان من المذی والوذی والودی والقیح وجمیع الرطوبات.
4- منهم الشافعی فی کتاب الأم ( 1 : 55 ).
5- هذا القول وشرحه لیس فی « م » ، « ق ».

______________________________________________________

الأولی : میتة غیر الآدمی من ذی النفس ، وهی نجسة بإجماع الناس قاله فی المعتبر (1) ، ولم یستدل علیه بشی ء ، واحتج علیه فی المنتهی بأن تحریم ما لیس بمحرّم ولا فیه ضرر کالسم یدل علی نجاسته (2). وفیه منع ظاهر.

نعم یمکن الاستدلال علیه بالروایات المتضمنة للنهی عن أکل الزیت ونحوه إذا ماتت فیه الفأرة ، والأمر بالاستصباح به (3) لکنه غیر صریح فی النجاسة ، وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حریز قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام لزرارة ومحمد بن مسلم : « اللبن ، واللّباء ، والبیضة ، والشعر ، والصوف ، والقرن ، والناب ، والحافر ، وکل شی ء ینفصل من الشاة والدابة فهو ذکیّ ، وإن أخذته منه بعد أن یموت فاغسله وصلّ فیه » (4) وجه الدلالة أنّ الظاهر أنّ الأمر بغسل ما یؤخذ من الدابة بعد الموت إنما هو لنجاسة الأجزاء المصاحبة له من الجلد.

ویتوجه علیه أنّ الأمر بالغسل لا یتعین کونه للنجاسة ، بل یحتمل أن یکون لإزالة الأجزاء المتعلقة به من الجلد المانعة من الصلاة فیه کما یشعر به قوله علیه السلام : « اغسله وصلّ فیه ».

وبالجملة : فالروایات متضافرة (5) بتحریم الصلاة فی جلد المیتة ، بل الانتفاع به مطلقا. وأما نجاسته فلم أقف فیها علی نص یعتد به ، مع أنّ ابن بابویه - رحمه الله تعالی - روی فی أوائل کتابه من لا یحضره الفقیه مرسلا عن الصادق علیه السلام : أنه سئل عن جلود المیتة یجعل فیها اللبن والسمن والماء ما تری فیه؟ فقال : « لا بأس بأن

میتة غیر الآدمی

ص: 268


1- المعتبر ( 1 : 420 ).
2- المنتهی ( 1 : 164 ).
3- الوسائل ( 16 : 462 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (43).
4- التهذیب ( 9 : 75 - 321 ) ، الوسائل ( 16 : 447 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (33) ح (3).
5- فی « س » و « ق » و « م » : متظاهرة.

______________________________________________________

تجعل فیها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ولکن لا تصلّ فیها » (1) وذکر قبل ذلک من غیر فصل یعتد به أنه لم یقصد فی کتابه قصد المصنفین فی إیراد جمیع ما رواه قال : بل إنما قصدت إلی إیراد ما أفتی به وأحکم بصحته واعتقد فیه أنه حجة فیما بینی وبین ربی تقدس ذکره وتعالت قدرته (2). والمسألة قویة الإشکال.

وکیف کان فینبغی القطع بعدم تعدی نجاسة المیتة مع الیبوسة ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق ، ویدل علیه صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یقع ثوبه علی حمار میت هل تصح الصلاة فیه قبل أن یغسله؟ قال : « لیس علیه غسله ، ولیصلّ فیه ولا بأس » (3).

وجزم العلاّمة فی المنتهی بوجوب غسل الید بمس المیتة مع الرطوبة والیبوسة ، تنظّر فی الوجوب بمس الصوف ونحوه ، من صدق اسم مس المیتة ، ومن کون الممسوس لو جزّ کان طاهرا فلا یؤثر اتصاله نجاسة الماس ، ثم استقرب کون النجاسة مع الیبوسة حکمیة ، فلو لامس رطبا قبل غسل یده لم یحکم بنجاسته (4).

وما ذکره إنما یتجه لو ثبت ورود الأمر بغسل الید من مس المیتة مطلقا ، وهو منتف کما بیناه ، نعم روی یونس بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته هل یجوز أن یمس الثعلب والأرنب أو شیئا من السباع حیا أو میتا؟

ص: 269


1- الفقیه ( 1 : 9 - 15 ) ، الوسائل ( 2 : 1051 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (5).
2- الفقیه ( 1 : 3 ).
3- التهذیب ( 1 : 276 - 813 ) ، الإستبصار ( 1 : 192 - 672 ) ، الوسائل ( 2 : 1035 ) أبواب النجاسات ب (26) ح (5).
4- المنتهی ( 1 : 128 ).

______________________________________________________

قال : « لا یضره ولکن یغسل یده » (1) وبهذه الروایة استدل الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) علی تعدی نجاسة المیتة مع الیبوسة ، وهو غیر جید ، إذ اللازم منه ثبوت الحکم المذکور مع الحیاة أیضا وهو معلوم البطلان. والأجود حملها علی الاستحباب ، لضعف سندها ، ووجود المعارض کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (3).

الثانیة : میتة الآدمی ، وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : إنّ علماءنا مطبقون علی نجاسته بنجاسة عینیة کغیره من ذوات الأنفس (4). ومستنده حسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یصیب ثوبه جسد المیت قال : « یغسل ما أصاب الثوب » (5) ومثلها روایة إبراهیم بن میمون عنه علیه السلام (6).

وإطلاق الروایتین یقتضی تعدی نجاسته مع الرطوبة والیبوسة ، وهو خیرة العلاّمة - رحمه الله - فی أکثر کتبه (7) ، لکن قال فی المنتهی : إنّ النجاسة مع الیبوسة حکمیة ، فلو لاقی ببدنه بعد ملاقاته للمیت رطبا لم یؤثر فی تنجیسه (8). وقیل : إنها کغیرها من النجاسات لا تتعدی إلاّ مع الرطوبة (9) ، للأصل ، وقوله علیه السلام فی موثقة عبد الله

میتة الادمی

ص: 270


1- الکافی ( 3 : 60 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 262 - 763 ) الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (3).
2- الذکری : (16) ، ثم قال بعد نقلها : والتسویة بین الحیّ والمیت تشعر بالاستحباب.
3- فی ص (288).
4- المعتبر ( 1 : 420 ).
5- الکافی ( 3 : 161 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 276 - 812 ) ، الإستبصار ( 1 : 192 - 671 ) ، الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (2).
6- الکافی ( 3 : 161 - 7 ) التهذیب ( 1 : 276 - 811 ) ، الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (1).
7- القواعد ( 1 : 8 ) ، نهایة الأحکام ( 1 : 173 ).
8- المنتهی ( 1 : 127 ).
9- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 18 ).

وکل ما ینجس بالموت فما قطع من جسده نجس ، حیا کان أو میتا.

______________________________________________________

ابن بکیر : « کل یابس ذکی » (1).

وقال ابن إدریس - رحمه الله - : إذا لاقی جسد المیت إناء وجب غسله ، ولو لاقی ذلک الإناء مائعا لم ینجس المائع ، لأنه لم یلاق جسد المیت ، وحمله علی ذلک قیاس ، والأصل فی الأشیاء الطهارة إلی أن یقوم دلیل (2).

ومقتضی کلامه أنّ ما لاقی جسد المیت لا یحکم بنجاسته ، وإنما یجب غسله تعبدا ، والمسألة محل تردد.

وإنما یتعلق به الحکم المذکور بعد البرد وقبل الغسل ، لطهارته بالغسل ، وعدم تحقق انتقال الروح منه بالکلیة قبل البرد ، ویدل علیه صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « مس المیت عند موته وبعد غسله والقبلة لیس به بأس » (3).

الثالثة : میتة غیر ذی النفس ، وقد أجمع علماؤنا علی طهارتها کما حکاه المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (4) ، والعلاّمة فی المنتهی (5) ، والنصوص به مستفیضة (6) لکنها ضعیفة السند وهو غیر قادح ، لأنها مطابقة لمقتضی الأصل السالم من المعارض ، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی باب الأسئار.

قوله : وکل ما ینجس بالموت فما قطع من جسده نجس ، حیا کان أو میتا.

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واحتج علیه فی المنتهی بأنّ المقتضی

نجاسة ما قطع من المیتة

ص: 271


1- التهذیب ( 1 : 49 - 141 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 167 ) ، الوسائل ( 1 : 248 ) أبواب أحکام الخلوة ب (31) ح (5).
2- السرائر : (32).
3- الفقیه ( 1 : 87 - 403 ) ، التهذیب ( 1 : 430 - 1370 ) ، الإستبصار ( 1 : 100 - 326 ) ، الوسائل ( 2 : 931 ) أبواب غسل المس ب (3) ح (1).
4- المعتبر ( 1 : 101 ).
5- المنتهی ( 1 : 28 ).
6- الوسائل ( 1 : 173 ) أبواب الأسئار ب (10).

وما کان منه لا تحله الحیاة کالعظم والشعر فهو طاهر ،

______________________________________________________

لنجاسة الجملة الموت ، وهذا المعنی موجود فی الأجزاء فیتعلق بها الحکم (1). وضعفه ظاهر ، إذ غایة ما یستفاد من الأخبار نجاسة جسد المیت (2) ، وهو لا یصدق علی الأجزاء قطعا ، نعم یمکن القول بنجاسة القطعة المبانة من المیت استصحابا لحکمها حالة الاتصال (3).

ومن ذلک یظهر قوة القول بطهارة ما ینفصل من البدن من الأجزاء الصغیرة مثل (4) البثور والثؤلول ، لأصالة الطهارة السالمة من المعارض ، ویشهد له صحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون به الثؤلول أو الجراح هل یصلح له أن یقطع الثؤلول وهو فی صلاته أو ینتف بعض لحمه من ذلک الجرح ویطرحه؟ قال : « إن لم یتخوف أن یسیل الدم فلا بأس ، وإن تخوف الدم فلا یفعل » (5) وترک الاستفصال عقیب السؤال یفید العموم.

قوله : وما کان منه لا تحله الحیاة کالعظم والشعر فهو طاهر ،

قد حصر ذلک فی عشرة أشیاء ، وهی هذه : العظم ، والظفر ، والظّلف ، والقرن ، والحافر ، والشعر ، والوبر ، والصوف ، والریش ، والبیض إذا اکتسی القشر الأعلی. ولا خلاف بین الأصحاب فی طهارة ذلک کله ، ویدل علیه صحیحة ( حریز وقد تقدمت (6) ، وصحیحة ) (7) الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس

طهارة ما لا تحله الحیاة من المیتة

ص: 272


1- المنتهی 1 : 165.
2- الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34).
3- فی « ح » زیادة : ولا یخفی ما فیه.
4- فی جمیع النسخ : حول. وصححناها کما فی أکثر الکتب الفقهیة.
5- التهذیب ( 2 : 378 - 1576 ) ، الإستبصار ( 1 : 404 - 1542 ) ، الوسائل ( 2 : 1082 ) أبواب النجاسات ب (63) ح (1).
6- فی ص (268).
7- ما بین القوسین لیس فی « م ».

______________________________________________________

بالصلاة فیما کان من صوف المیتة إنّ الصوف لیس فیه روح » (1) ومقتضی التعلیل طهارة کل ما لا روح فیه فیتناول العشرة المذکورة.

وصحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الإنفحة تخرج من الجدی المیت ، قال : « لا بأس به » قلت : اللبن یکون فی ضرع الشاة وقد ماتت قال : « لا بأس به » قلت : فالصوف والشعر وعظام الفیل والبیضة تخرج من الدجاجة فقال : « کل هذا لا بأس به » (2).

ویستفاد من روایتی حریز وزرارة طهارة البیض المستخرج من المیتة مطلقا ، وإنما قیّده الأصحاب بما إذا اکتسی القشر الأعلی ، لما رواه غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی بیضة خرجت من است دجاجة میتة فقال : « إن کانت قد اکتست الجلد الغلیظ فلا بأس بها » (3) وفی السند ضعف.

وإطلاق روایة الحلبی یقتضی عدم الفرق فی البیض بین کونه من مأکول اللحم أو غیره ، وخصّه العلاّمة - رحمه الله - فی النهایة والمنتهی بما کان من مأکول اللحم وحکم بنجاسة غیره (4) ، وهو مطالب بدلیله.

ویستفاد من صحیحة زرارة استثناء الإنفحة أیضا ، وهو مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وظاهر المنتهی أنه مجمع علیه بین الأصحاب (5). واختلف کلام أهل اللغة

ص: 273


1- التهذیب ( 2 : 368 - 1530 ) ، الوسائل ( 2 : 1088 ) أبواب النجاسات ب (68) ح (1).
2- الفقیه ( 3 : 216 - 1006 ) ، التهذیب ( 9 : 76 - 324 ) ، الإستبصار ( 4 : 89 - 339 ) ، الوسائل ( 16 : 449 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (33) ح (10).
3- الکافی ( 6 : 258 - 5 ) ، التهذیب ( 9 : 76 - 322 ) ، الوسائل ( 16 : 448 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (33) ح (6).
4- نهایة الأحکام ( 1 : 270 ) ، والمنتهی ( 1 : 166 ).
5- المنتهی ( 1 : 165 ).

______________________________________________________

فی معناها ، فقیل : إنها کرش السخلة قبل أن تأکل (1). وقیل : إنّها شی ء أصفر یستخرج من بطن الجدی (2). ولعل الثانی أولی ، اقتصارا علی موضع الوفاق وإن کان استثناء نفس الکرش أیضا غیر بعید ، تمسّکا بمقتضی الأصل.

وفی وجوب غسل الظاهر من الإنفحة والبیضة وجهان : أظهرهما العدم ، للأصل وإطلاق النص ، وظاهر کلام العلاّمة فی المنتهی یعطی الوجوب (3) ، وهو أحوط.

واختلف الأصحاب فی طهارة اللبن المستخرج من ضرع المیتة ، فذهب الشیخ (4) - رحمه الله تعالی - وجمع من الأصحاب إلی طهارته ، تمسّکا بمقتضی الأصل وصحیحتی حریز وزرارة المتقدمتین (5) ، ونقل علیه فی الخلاف الإجماع (6) ، وذهب ابن إدریس (7) - رحمه الله - والمصنف (8) والعلاّمة (9) إلی نجاسته ، لملاقاته المیت ، ولروایة وهب بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن علیّا علیه السلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن ، فقال علیّ علیه السلام : ذلک الحرام محضا » (10).

والدلیل الأوّل لا یخلو من مصادرة ، والروایة ضعیفة السند جدّا ، فإنّ وهب الراوی قال النجاشی - رحمه الله - : إنه کان کذّابا ، وله أحادیث مع الرشید - علیه اللعنة

حکم لبن المیتة

ص: 274


1- کما فی الصحاح ( 1 : 413 ).
2- کما فی القاموس المحیط ( 1 : 262 ) ، المغرب ( 2 : 220 ).
3- المنتهی ( 1 : 166 ).
4- النهایة : (585) ، والخلاف ( 1 : 197 ).
5- فی ص ( 268 ، 273 ).
6- الخلاف ( 1 : 197 ).
7- السرائر : (369).
8- الشرائع ( 3 : 223 ) ، والمختصر النافع : (253).
9- المنتهی ( 1 : 165 ).
10- التهذیب ( 9 : 76 - 325 ) ، الاستبصار ( 4 : 89 - 340 ) ، قرب الاسناد : (64) ، الوسائل ( 16 : 449 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (33) ح (11).

إلا أن تکون عینه نجسة کالکلب والخنزیر والکافر علی الأظهر.

______________________________________________________

والعذاب - فی الکذب (1). فلا تعویل علیها.

فرع : قال فی التذکرة : فأرة المسک طاهرة ، سواء أخذت من حیة أو میتة (2). واستقرب فی المنتهی نجاستها إن انفصلت بعد الموت (3) ، وکان الأنسب بقواعدهم اعتبار انفصالها بعد التذکیة ، لتصریحهم بنجاسة ما ینفصل من الحی من الأجزاء التی تحلّها الحیاة ، إلاّ أنّ ذلک غیر ثابت عندنا. والأصح طهارتها مطلقا کما اختاره فی التذکرة ، للأصل ، وصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن فأرة المسک تکون مع الرجل وهو یصلی وهی معه فی جیبه أو ثیابه فقال : « لا بأس بذلک » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه عبد الله بن جعفر فی الصحیح ، قال : کتبت إلیه - یعنی أبا محمد علیه السلام - هل یجوز للرجل أن یصلّی ومعه فأرة مسک؟ قال : « لا بأس بذلک إن کان ذکیّا » (5) لجواز أن یکون المراد بالذکی الطاهر ، مع أنّ المنع من استصحابها فی الصلاة لا ینحصر وجهه فی النجاسة ، والأولی عدم استصحابها فی الصلاة إلاّ مع التذکیة ، ویکفی فی الحکم بذلک شراؤها من المسلم.

قوله : إلاّ أن تکون عینه نجسة ، کالکلب والخنزیر والکافر ، علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی الأجزاء التی لا تحلّها الحیاة من نجس العین کالعظم والشعر ونحوهما ، فذهب الأکثر إلی أنّها نجسة ، ونقل عن السید المرتضی - رحمه الله تعالی -

طهارة فأرة المسک
حکم ما لا تحله الحیاة من نجس العین

ص: 275


1- رجال النجاشی : (430).
2- التذکرة ( 1 : 7 ).
3- المنتهی ( 1 : 166 ).
4- الفقیه ( 1 : 165 - 775 ) ، التهذیب ( 2 : 362 - 1499 ) ، الوسائل ( 3 : 314 ) أبواب لباس المصلی ب (41) ح (1).
5- التهذیب ( 2 : 362 - 1500 ) ، الوسائل ( 3 : 315 ) أبواب لباس المصلی ب (41) ح (2).

______________________________________________________

فی المسائل الناصریة أنه حکم بطهارتها (1) ، والمعتمد الأوّل.

لنا : قول الصادق علیه السلام فی الکلب : « رجس نجس » (2) وهو یتناول عظمه وشعره ، لأنهما داخلان فی مسمّاه ، وأمر الصادق والکاظم علیهماالسلام بغسل الثوب الملاقی للکلب والخنزیر برطوبة (3) ، فإنه یشمل ما لاقی الشعر وغیره ، بل الغالب تعلّق الإصابة بالشعر.

وما رواه الشیخ عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن سلیمان الإسکاف ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن شعر الخنزیر یخرز به ، قال : « لا بأس ، ولکن یغسل یده إذا أراد أن یصلّی » (4).

أمّا الکافر فلم أقف علی نص یقتضی نجاسة ما لا تحله الحیاة منه ، فلو قیل بطهارته کان حسنا.

احتج السید المرتضی علی ما نقل عنه : بأنّ ما لا تحلّه الحیاة لیس من نجس العین ، لأنه إنما یکون من جملته إذا کان محلا للحیاة ، وأنّ ما لا تحلّه الحیاة من نجس العین کالمأخوذ من المیتة.

والجواب عن الأول : بالمنع مما ذکره ، فإنّ الأجزاء تتناول ما کان محلا للحیاة وغیره. وعن الثانی : بأنه قیاس مع الفارق ، فإن المقتضی للتنجیس فی المیتة صفة الموت

ص: 276


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (182).
2- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 2 : 1014 ) أبواب النجاسات ب (11) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 261 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 1034 ) أبواب النجاسات ب (26) ح (2). التهذیب ( 1 :3. 815 ) ، الإستبصار ( 1 : 192 - 674 ) ، الوسائل ( 2 : 1035 ) أبواب النجاسات ب (26) ح (7).
4- التهذیب ( 9 : 85 - 357 ) ، الوسائل ( 2 : 1017 ) أبواب النجاسات ب (13) ح (3).

ویجب الغسل علی من مسّ میتا من الناس قبل تطهیره وبعد برده بالموت.

______________________________________________________

وهی غیر حاصلة فیما لا تحلّه الحیاة ، بخلاف نجس العین ، فإنّ نجاسته ذاتیة (1).

قوله : ویجب الغسل علی من مسّ میتا من الناس قبل تطهیره وبعد برده.

ذکر غسل المس فی هذا الباب استطراد ، وکان الأولی ذکره بعد غسل الأموات کما فعل فی النافع.

وقد اختلف الأصحاب فی وجوب غسل المس ، فقال الشیخان ، وابنا بابویه (2) ، وأکثر الأصحاب بالوجوب. وقال السید المرتضی - رضی الله تعالی عنه - فی شرح الرسالة والمصباح بالاستحباب ، والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار الدالة علی ذلک ، وهی کثیرة جدا ، فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت : الرجل یغمض المیت أعلیه غسل؟ فقال : « إذا مسه بحرارته فلا ، ولکن إذا مسه بعد ما یبرد فلیغتسل » قلت : فالذی یغسله یغتسل؟ قال : « نعم » (3).

وفی الصحیح ، عن عاصم بن حمید ، قال : سألته عن المیت إذا مسّه الإنسان ، أفیه غسل؟ قال ، فقال : « إذا مسست جسده حین یبرد فاغتسل » (4).

وفی الصحیح ، عن إسماعیل بن جابر ، قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام

غسل مس المیت
وجوب الغسل بمس المیت

ص: 277


1- الدرة النجفیة : (49). فإن یکن من نجس فهو نجس کأصله والقول بالطهر درس
2- المفید فی المقنعة : (6) ، والشیخ فی الخلاف ( 1 : 68 ) ، والمبسوط ( 1 : 40 ) ، والصدوق فی الفقیه ( 1 :45 ) ، والمقنع : (20) ، ونقله عن والده فی المختلف : (28).
3- الکافی ( 3 : 160 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 428 - 1364 ) ، الوسائل ( 2 : 927 ) أبواب غسل المس ب (1) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 429 - 1365 ) ، الإستبصار ( 1 : 100 - 324 ) ، الوسائل ( 2 : 928 ) أبواب غسل المس ب (1) ح (3).

______________________________________________________

حین مات ابنه إسماعیل الأکبر فجعل یقبّله وهو میت ، فقلت : جعلت فداک ألیس لا ینبغی أن یمس المیت بعد ما یموت ومن مسه فعلیه الغسل؟ فقال : « أما بحرارته فلا بأس ، إنما ذاک إذا برد » (1). وعن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یغتسل الذی غسّل المیت ، وإن قبّل المیت إنسان بعد موته وهو حار فلیس علیه غسل ، ولکن إذا مسّه وقبّله وقد برد فعلیه الغسل ، ولا بأس بأن یمسه بعد الغسل ویقبّله » (2).

وقد ظهر من هذه الروایات أنّ الغسل إنما یجب بمسه بعد البرد وقبل الغسل ، قال فی المنتهی : وهو مذهب علماء الأمصار (3). ویدل علیه أیضا صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « مس المیت عند موته وبعد غسله والقبلة لیس به بأس » (4).

ویندرج فی من غسّل من تقدّم غسله علی موته ، ومن غسّل غسلا صحیحا ولو مع فقد الخلیطین ، ویخرج منه من لم یغسّل وقد برد ، والمیمّم ولو عن بعض الغسلات ، لأن التیمم خلاف الغسل وإن کان بدلا عنه ، إذ البدلیة لا تقتضی المساواة من جمیع الوجوه.

وقد قطع المصنف - رحمه الله تعالی - فی المعتبر بعدم وجوب الغسل بمس الشهید (5). وهو کذلک ، لأن ظاهر الروایات أنّ الغسل إنما یجب بمس المیت الذی یجب

عدم وجوب الغسل بمس المیت وهو حار

ص: 278


1- التهذیب ( 1 : 429 - 1366 ) ، الوسائل ( 2 : 927 ) أبواب غسل المس ب (1) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 160 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 108 - 284 ) ، الإستبصار ( 1 : 99 - 322 ) ، الوسائل ( 2 : 930 ) أبواب غسل المس ب (1) ح (15).
3- المنتهی ( 1 : 128 ).
4- الفقیه ( 1 : 87 - 403 ) ، التهذیب ( 1 : 430 - 1370 ) ، الإستبصار ( 1 : 100 - 326 ) ، الوسائل ( 2 : 931 ) أبواب غسل المس ب (3) ح (1).
5- المعتبر ( 1 : 348 ).

وکذا من مسّ قطعة منه فیها عظم. وغسل الید علی من مسّ ما لا عظم فیه ، أو مسّ میتا له نفس من غیر الناس.

______________________________________________________

تغسیله قبل أن یغسل ، ویعضده أصالة البراءة ، وانتفاء العموم فی الأخبار الموجبة بحیث تتناول کل میت.

وفی وجوب الغسل بمس عضو کمل غسله قبل تمام غسل الجمیع وجهان أقربهما الوجوب ، لإطلاق الأمر بالغسل بمس المیت بعد برده ، خرج منه ما بعد الغسل بالإجماع ، وقوله علیه السلام : « مس المیت عند موته وبعد غسله لیس به بأس » فبقی الباقی.

وقیل : لا یجب ، لصدق کمال الغسل بالإضافة إلی ذلک العضو ، ولأنه لو کان منفصلا لما وجب الغسل بمسه قطعا فکذا مع الاتصال لعدم تعقل الفرق (1). وضعف الوجهین ظاهر.

قوله : وکذا من مسّ قطعة منه فیها عظم.

ظاهر العبارة یعطی اختصاص الحکم بما إذا کانت القطعة مبانة من المیت ، وجزم المصنف - رحمه الله - فی النافع بوجوب الغسل بمس القطعة ذات العظم ، سواء أبینت من حیّ أو من میت (2) ، وهو اختیار الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف (3) ، ونقل علیه فی الخلاف الإجماع.

واستدل علیه فی المعتبر بروایة أیوب بن نوح ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قطع من الرجل قطعة فهی میتة ، فإذا مسه إنسان فکل ما فیه عظم فقد وجب علی من یمسه الغسل ، فإن لم یکن فیه عظم فلا غسل علیه » (4) ثم

حکم مس العضو الذی کمل غسله
وجوب الغسل بمس قطعة فیها عظم

ص: 279


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 64 ).
2- المختصر النافع : (15).
3- النهایة : (40) ، والمبسوط ( 1 : 182 ) ، والخلاف ( 1 : 284 ).
4- الکافی ( 3 : 212 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 429 - 1369 ) ، الإستبصار ( 1 : 100 - 325 ) ، الوسائل ( 2 : 931 ) أبواب غسل المس ب (2) ح (1).

______________________________________________________

قال : والذی أراه التوقف فی ذلک ، فإن الروایة مقطوعة ، والعمل بها قلیل ، ودعوی الشیخ فی الخلاف الإجماع لم یثبت ، فإذا الأصل عدم الوجوب ، وإن قلنا بالاستحباب کان تفصیا من اطراح قول الشیخ والروایة (1). هذا کلامه - رحمه الله تعالی - وهو فی محله.

وأجاب عنه فی الذکری بأن هذه القطعة جزء من جملة یجب الغسل بمسها ، فکل دلیل دل علی وجوب الغسل بمس المیت فهو دال علیها ، وبأن الغسل یجب بمسها متصلة فلا یسقط بالانفصال ، وبأنه یلزم عدم الغسل لو مس جمیع المیت ممزّقا (2).

ویتوجه علی الأول أنّ کون هذه القطعة جزءا من جملة یجب الغسل بمسها لا یقتضی وجوب الغسل بمسها منفصلة ، وقوله : إن کل دلیل دل علی وجوب الغسل بمس المیت فهو دال علیها ، ممنوع ، فإن المتبادر من معنی المیت الجملة وهو خلاف الأجزاء ، علی أنّ ذلک لو تم لاقتضی وجوب الغسل بمس القطعة غیر ذات العظم أیضا ولا قائل به.

وعلی الثانی أنّ الغسل إنما وجب بمس القطعة متصلة لصدق اسم مس الجملة ، وهذا المعنی مفقود مع الانفصال فینتفی الحکم.

وعلی الثالث منع بطلان اللازم ، إذ لا دلیل علیه. علی أنّ هذه الأوجه الثلاثة بتقدیر تسلیمها إنما تنهض علی وجوب الغسل بمس المبانة من المیت خاصة ، والمدعی أعم من ذلک.

وبالجملة فالفارق بین ذات العظم وغیرها هو النص المتقدم (3) ، وحیث ظهر ضعفه تعین الرجوع فیهما إلی مقتضی الأصل وهو عدم الوجوب.

ومن ذلک یعلم عدم وجوب الغسل بمس العظم المجرد ، خلافا للشهید - رحمه

عدم وجوب الغسل بمس العظم

ص: 280


1- المعتبر ( 1 : 352 ).
2- الذکری : (78).
3- فی ص (279).

الخامس : الدماء ، ولا ینجس منها إلا ما کان من حیوان له عرق ،

______________________________________________________

الله - فی الذکری حیث ذهب إلی وجوب الغسل بمسه ، لدوران الغسل معه وجودا وعدما (1). ولا ریب أنّ الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکروه.

قوله : الخامس : الدماء ، ولا ینجس منها إلا ما کان من حیوان له عرق.

مذهب الأصحاب عدا ابن الجنید - رحمه الله - نجاسة الدم کله قلیله وکثیره ، عدا دم ما لا نفس له سائلة قاله فی المعتبر (2). وقال العلاّمة - رحمه الله - فی التذکرة : الدم من ذی النفس السائلة نجس وإن کان مأکولا بلا خلاف (3). وقال فی المنتهی : قال علماؤنا : الدم المسفوح من کل حیوان ذی نفس سائلة ، أی یکون خارجا بدفع من عرق : نجس ، وهو مذهب علماء الإسلام (4). والمراد بالمسفوح هنا مطلق الخارج من ذی النفس ، کما یدل علیه کلامه فی سائر کتبه.

وحکی المصنف - رحمه الله - فی المعتبر عن ابن الجنید أنه قال : إذا کانت سعة الدم دون سعة الدرهم الذی سعته کعقد الإبهام الأعلی لم ینجس الثوب (5).

ومقتضی کلامه - رحمه الله - عدم اختصاص ذلک بالدم فإنه قال فی کتابه المختصر الأحمدی : کل نجاسة وقعت علی ثوب وکانت عینها فیه مجتمعة أو منقسمة دون سعة الدرهم الذی یکون سعته کعقد الإبهام الأعلی لم ینجس الثوب بذلک ، إلاّ أن تکون النجاسة دم حیض أو منیا فإن قلیلهما وکثیرهما سواء.

ولم نقف له فی ذلک علی حجة ، ویدفعه الأمر بإزالة هذه النجاسات عن الثوب والبدن من غیر تفصیل.

- الدم

اشارة

ص: 281


1- الذکری : (79).
2- المعتبر ( 1 : 420 ).
3- التذکرة ( 1 : 7 ).
4- المنتهی ( 1 : 163 ).
5- المعتبر ( 1 : 420 ).

______________________________________________________

وقال الصدوق - رحمه الله تعالی - فی من لا یحضره الفقیه : والدم إذا أصاب الثوب فلا بأس بالصلاة فیه ما لم یکن مقداره مقدار درهم ، وما کان دون الدرهم الوافی فقد یجب غسله ولا بأس بالصلاة فیه ، وإن کان الدم دون حمّصة فلا بأس بأن لا یغسل ، إلاّ أن یکون دم الحیض فإنه یجب غسل الثوب منه ومن البول والمنی قلیلا کان أو کثیرا (1).

وظاهر هذا الکلام یعطی عدم نجاسة ما دون قدر الحمصة من الدم ، وربما کان مستنده ما رواه مثنی بن عبد السلام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إنی حککت جلدی فخرج منه دم فقال : « إن اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلاّ فلا » (2).

ویشهد له أیضا روایة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن دم البراغیث یکون فی الثوب ، هل یمنعه ذلک من الصلاة؟ فقال : « لا وإن کثر ، ولا بأس أیضا بشبهه من الرعاف ینضحه ولا یغسله » (3).

وفی الروایتین قصور من حیث السند ، أما الأولی فلأن راویها وهو مثنی بن عبد السلام غیر موثق ، بل ولا ممدوح مدحا یعتد به.

وأما الثانیة فلأن من جملة رجالها ابن سنان ، والظاهر أنه محمد ، وقد ضعّفه علماء الرجال (4) ، لکنهما مطابقتان لمقتضی الأصل.

والمسألة محل تردد ، إلا أنه لا خروج عما علیه معظم الأصحاب ، ویدل علیه

ص: 282


1- الفقیه ( 1 : 42 ).
2- التهذیب ( 1 : 255 - 741 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 613 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 59 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 259 - 753 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (7).
4- منهم النجاشی فی رجاله : (230) ، والشیخ فی الفهرست : (143) ، والعلامة فی الخلاصة : (251).

______________________________________________________

صحیحة عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یکون فی ثوبه نقط الدم لا یعلم به ، ثم یعلم فینسی أن یغسله ، فیصلی ثم یذکر بعد ما صلّی ، أیعید صلاته؟ قال : « یغسله ولا یعید صلاته ، إلاّ أن یکون مقدار الدرهم مجتمعا فیغسله ویعید الصلاة » (1) وفی معنی هذه الروایة روایات کثیرة (2) ، وترک الاستفصال فی جواب السؤال مع قیام الاحتمال (3) یفید العموم.

فروع : الأوّل : القیح طاهر ، وکذا الصدید إن خلا من الدم ، وأطلق الشیخ فی المبسوط طهارته (4) ، واستقرب المصنف فی المعتبر نجاسته بناء علی أنه ماء الجرح یخالطه دم ، قال : ولو خلا من ذلک لم یکن نجسا ، وخلافنا مع الشیخ یؤول إلی العبارة ، لأنه یوافق علی هذا التفصیل (5).

الثانی : القی ء طاهر ، وهو مذهب الأصحاب إلاّ من شذ ، لأن الأصل فی الأشیاء الطهارة ، والنجاسة موقوفة علی الدلیل ، ومع انتفائه تکون الطهارة باقیة ، ویؤیده ما رواه عمار الساباطی فی الموثق : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن القی ء یصیب الثوب فلا یغسل قال : « لا بأس به » (6).

طهارة القیح والقئ

ص: 283


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (1).
2- الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20).
3- الجواهر ( 5 : 359 ). احتمال کون السؤال فیه إنما هو لحکم النسیان ، والا فنجاسة ذلک معلومة لدی السائل.
4- المبسوط ( 1 : 38 ).
5- المعتبر ( 1 : 419 ).
6- الفقیه ( 1 : 7 - 8 ) ، الوسائل ( 2 : 1070 ) أبواب النجاسات ب (48) ح (2).

لا ما یکون رشحا کدم السمک وشبهه.

______________________________________________________

ونقل الشیخ فی المبسوط عن بعض الأصحاب نجاسته (1) ، وربما کان لکونه غذاءا متغیرا فأشبه الغائط ، وهو قیاس محض مع الفارق.

الثالث : المسک طاهر إجماعا قاله فی التذکرة والمنتهی (2) ، للأصل ، ولما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه کان یتطیب به (3) ، وکان أحب الطیب إلیه (4).

الرابع : لو اشتبه الدم المرئی فی الثوب هل هو طاهر أو نجس ، فالأصل طهارته وبراءة الذمة من وجوب إزالته ، وکذا الکلام فی کل مشتبه بطاهر حتی الجلد علی الأظهر ، ولو اشتبه الدم المعفو عنه بغیره کدم الفصد بدم الحیض فالأقرب العفو عنه.

قوله : لا ما یکون رشحا کدم السمک ونحوه.

هذا مذهب الأصحاب ، وحکی فیه الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف ، والمصنف - رحمه الله - فی المعتبر الإجماع (5). وربما ظهر من کلام الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط والجمل نجاسة هذا النوع من الدم وعدم وجوب إزالته (6) ، وهو بعید ، ولعله یرید بالنجاسة المعنی اللغوی. وکیف کان فالمذهب هو الطهارة ، تمسّکا بمقتضی الأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی دم البراغیث؟ قال : « لیس به بأس » قال ، قلت : إنه یکثر

طهارة المسک
حکم الدم المشتبه
طهارة دم ما لا نفس له

ص: 284


1- المبسوط ( 1 : 38 ).
2- التذکرة ( 1 : 7 ) ، والمنتهی ( 1 : 166 ).
3- الکافی ( 6 : 514 - 2 ) ، قرب الإسناد : (70) ، الوسائل ( 1 : 445 ) أبواب آداب الحمام ب (95) ح (4).
4- سنن النسائی ( 4 : 151 ) بتفاوت یسیر.
5- الخلاف ( 1 : 176 ) ، والمعتبر ( 1 : 421 ).
6- المبسوط ( 1 : 35 ) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (171).

السادس والسابع : الکلب والخنزیر ، وهما نجسان عینا ولعابا.

______________________________________________________

ویتفاحش قال : « وإن کثر » (1).

وعن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن دم البراغیث یکون فی الثوب هل یمنعه ذلک من الصلاة؟ قال : « لا وإن کثر » (2).

قوله : السادس والسابع : الکلب والخنزیر ، وهما نجسان عینا ولعابا.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا علیه أکثر العامة. والأصل فیه الأخبار المستفیضة کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الکلب یصیب شیئا من جسد الرجل ، قال : « یغسل المکان الذی أصابه » (3).

وصحیحة الفضل أبی العباس قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا أصاب ثوبک من الکلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فاصبب علیه الماء » (4).

وصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصیب ثوبه خنزیر فلم یغسله فذکر وهو فی صلاته کیف یصنع به؟ قال : « إن کان دخل فی صلاته فلیمض ، وإن لم یکن دخل فی صلاته فلینضح ما أصاب من ثوبه إلاّ أن یکون فیه أثر فیغسله » قال : وسألته عن خنزیر شرب من إناء کیف یصنع به؟ قال : « یغسل سبع مرات » (5).

- الکلب والخنزیر

اشارة

ص: 285


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1030 ) أبواب النجاسات ب (23) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 59 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 259 - 753 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (7).
3- الکافی ( 3 : 60 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 260 - 758 ) ، الوسائل ( 2 : 1016 ) أبواب النجاسات ب (12) ح (8).
4- التهذیب ( 1 : 261 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 1015 ) أبواب النجاسات ب (12) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 261 - 760 ) ، الوسائل ( 2 : 1017 ) أبواب النجاسات ب (13) ح (1) ، البحار ( 10 : 256 ) ، وفی الکافی ( 3 : 61 - 6 ) صدر الحدیث.

ولو نزا کلب علی حیوان فأولده روعی فی إلحاقه بأحکامه إطلاق الاسم. وما عداهما من الحیوان فلیس بنجس. وفی الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة تردد ، والأظهر الطهارة.

______________________________________________________

والأصح اختصاص الحکم بکلب البر وخنزیره ، لأنه المتبادر من اللفظ ، وربما قیل بنجاسة کلب الماء أیضا لشمول الاسم (1) ، وهو ضعیف.

قوله : ولو نزا کلب علی حیوان فأولده روعی فی إلحاقه بأحکامه إطلاق الاسم.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الحیوان بین کونه مساویا للکلب فی الحکم کالخنزیر أو مخالفا کالشاة ، وخصه الشهیدان بالثانی وحکما بنجاسة المتولد من النجسین وإن باینهما فی الاسم ، لنجاسة أصلیة (2). وهو مشکل ، إذ النجاسة معلقة علی الاسم ، فمتی انتفی تعین الرجوع إلی ما یقتضیه الأصل من طهارة الأشیاء ، والأصح عدم نجاسته إلاّ إذا صدق علیه اسم نجس العین.

قوله : وفی الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة تردد ، والأظهر الطهارة.

اختلف الأصحاب فی حکم الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة ، فقال السید المرتضی - رحمه الله تعالی - : لا بأس بأسآر جمیع حشرات الأرض وسباع ذوات الأربع ، إلاّ أن یکون کلبا أو خنزیرا (3). وهذا یدل علی طهارة ما عدا هذین ، فیدخل فیه الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة. ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (4). وبالطهارة قال ابن

حکم المتولد من کلب وغیره
حکم الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة

ص: 286


1- السرائر : (208). ونقله عنه فی التذکرة ( 1 : 8 ).
2- الشهید الأول فی البیان : (38) ، والذکری : (14) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 17 ) ، والروضة البهیة ( 1 : 49 ).
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (180) ، وجمل العلم والعمل : (49).
4- المبسوط ( 1 : 10 ).

______________________________________________________

إدریس (1) ، وعامة المتأخرین.

وقال الشیخ فی النهایة : وإذا أصاب ثوب الإنسان کلب ، أو خنزیر ، أو ثعلب ، أو أرنب ، أو فأرة ، أو وزغة ، وکان رطبا وجب غسل الموضع الذی أصابته مع الرطوبة (2).

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : وکذلک الحکم فی الفأرة والوزغة برشّ الموضع الذی مسّاه من الثوب وإن لم یؤثرا فیه ، وإن رطّباه وأثّرا فیه غسل بالماء (3).

ونقل عن أبی الصلاح - رحمه الله - أنه أفتی بنجاسة الثعلب والأرنب (4). والمعتمد الطهارة فی الجمیع.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل فیما لم یقم دلیل علی خلافه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضل أبی العباس ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فضل الهرة ، والشاة ، والبقرة ، والإبل ، والحمار ، والبغال ، والوحش ، والسباع ، فلم أترک شیئا إلاّ سألته عنه فقال : « لا بأس به » حتی انتهیت إلی الکلب فقال : « رجس نجس لا یتوضأ بفضله ، واصبب ذلک الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء » (5).

وفی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : وسألته عن العظایة والحیة والوزغ یقع فی الماء فلا یموت فیه أیتوضأ منه للصلاة؟ فقال : « لا بأس به » وسألته عن فأرة وقعت فی حبّ دهن فأخرجت قبل أن تموت أیبیعه من مسلم؟

ص: 287


1- السرائر : (13).
2- النهایة : (52).
3- المقنعة : (10).
4- الکافی فی الفقه : (131).
5- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 2 : 1014 ) أبواب النجاسات ب (11) ح (1).

______________________________________________________

قال : « نعم ویدهن منه » (1).

احتج العلاّمة - رحمه الله - فی المختلف (2) للقائلین بالنجاسة فی الفأرة بصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت فی الماء تمشی علی الثیاب أیصلّی فیها؟ قال : « اغسل ما رأیت من أثرها ، وما لم تره فانضحه بالماء » (3).

وفی الثعلب والأرنب بمرسلة یونس بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته هل یجوز أن یمس الثعلب والأرنب أو شیئا من السباع حیا أو میتا؟ قال : « لا یضره ولکن یغسل یده » (4).

وفی الوزغة بورود الأمر بنزح ثلاث فی وقوعها فی البئر (5) ، ولو لا نجاستها لما وجب لها النزح.

والجواب عن الروایة الأولی بالحمل علی الاستحباب ، لأنها معارضة بصحیحة علیّ ابن جعفر الدالة علی عدم نجاسة الماء بوقوعها فیه ، قال فی المعتبر : ومن البین استحالة أن ینجس الجامد ولا ینجس المائع ، ولو ارتکب هذا مرتکب لم یکن له من الفهم نصیب (6).

ص: 288


1- التهذیب ( 1 : 419 - 1326 ) ، الاستبصار ( 1 : 23 - 58 ) ، قرب الإسناد : (84) ، الوسائل ( 2 : 1049 ) أبواب النجاسات ب (33) ح (1).
2- المختلف : (57).
3- الکافی ( 3 : 60 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 261 - 761 ) ، الوسائل ( 2 : 1049 ) أبواب النجاسات ب (33) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 60 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 262 - 763 ) ، الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 238 - 688 ) ، الإستبصار ( 1 : 39 - 106 ) ، الوسائل ( 1 : 137 ) أبواب الماء المطلق ب 19 ) ح (2).
6- المعتبر ( 1 : 427 ).

الثامن : المسکرات ، وفی تنجیسها خلاف ، والأظهر النجاسة ،

______________________________________________________

وعن الروایة الثانیة بالطعن فیها بالإرسال ، وبأن من جملة رجالها محمد بن عیسی عن یونس ، وذکر الصدوق عن شیخه ابن الولید أن ما یرویه محمد بن عیسی عن یونس لا یعمل به (1) ، وبأنها معارضة بصحیحة الفضل المتقدمة (2) ، والجمع بالحمل علی الاستحباب.

وعن الثالثة بأن الأمر بالنزح من الوزغة لا ینحصر وجهه فی نجاسة الماء ، بل ورد فی بعض الأخبار أن لها سمّا وأن النزح منها لذلک (3).

قوله : الثامن : المسکرات ، وفی تنجیسها خلاف ، والأظهر النجاسة.

المراد بالمسکرات هنا المائعة بالأصالة ، لأن الجامدة بالأصالة طاهرة قطعا. وقد قطع الأصحاب بأن الأنبذة المسکرة کالخمر فی النجاسة ، لأن المسکر خمر فیتناوله حکمه ، أما الثانیة فظاهرة ، وأما الاولی فلأن الخمر إنما سمیت خمرا لکونها تخمر العقل وتستره ، فما ساواها فی المسمی یساویها فی الاسم ، ولما رواه علیّ بن یقطین ، عن أبی الحسن الماضی علیه السلام ، قال : « إنّ الله لم یحرم الخمر لاسمها ولکن حرّمها لعاقبتها ، وما کان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر » (4) وفیه نظر ، فإن اللغات لا تثبت بالاستدلال ، والإطلاق أعم من الحقیقة ، والمجاز خیر من الاشتراک.

واختلف الأصحاب فی تنجیس الخمر ، فذهب الشیخ المفید ، والطوسی ، والمرتضی ،

- المسکر

حکم الخمر

ص: 289


1- رجال النجاشی : (234).
2- فی ص (287).
3- التهذیب ( 1 : 238 - 690 ) ، الإستبصار ( 1 : 41 - 113 ) ، الوسائل ( 1 : 138 ) أبواب الماء المطلق ب (19) ح (5).
4- الکافی ( 6 : 412 - 2 ) ، التهذیب ( 9 : 112 - 486 ) ، الوسائل ( 17 : 273 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (19) ح (1).

______________________________________________________

وأکثر الأصحاب إلی أنه نجس العین (1). وقال ابن أبی عقیل - رحمه الله - : من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسکر لم یکن علیه غسلهما ، لأن الله تعالی إنما حرّمهما تعبدا لا لأنهما نجسان ، وکذلک سبیل العصیر والخل إذا أصاب الثوب والجسد (2). ونحوه قال الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (3).

احتج القائلون بالنجاسة بوجوه :

الأول : الإجماع ، نقله الشیخ (4) والمرتضی (5) - رضی الله عنهما - والإجماع المنقول بخبر الواحد حجة.

الثانی : قوله تعالی ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (6) فإن الرجس هو النجس علی ما ذکره بعض أهل اللغة (7) ، والاجتناب عبارة عن عدم المباشرة مطلقا ، ولا معنی للنجس إلاّ ذلک.

الثالث : الروایات ، وهی کثیرة ، والصحیح منها ما رواه الکلینی ، عن الحسین بن محمد ، عن عبد الله بن عامر ، عن علیّ بن مهزیار ، قال : قرأت فی کتاب عبد الله بن محمد إلی أبی الحسن علیه السلام : جعلت فداک ، روی زرارة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام فی الخمر یصیب ثوب الرجل أنهما قالا : « لا بأس أن یصلّی

أدلة نجاسة الخمر

ص: 290


1- المفید فی المقنعة : (10) ، والشیخ فی النهایة : (51) ، والمبسوط ( 1 : 36 ) ، والخلاف ( 2 : 484 ) ، والمرتضی فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (181).
2- نقله عنه فی المختلف : (58).
3- الفقیه ( 1 : 43 ).
4- المبسوط ( 1 : 36 ) ، والخلاف ( 2 : 484 ).
5- الانتصار : (197) ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (181).
6- المائدة : (90).
7- منهم صاحب المصباح المنیر : (219).

______________________________________________________

فیه ، إنما حرّم شربها » وروی غیر زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا أصاب ثوبک خمر أو نبیذ - یعنی المسکر - فاغسله کلّه ، وإن صلّیت فیه فأعد صلاتک » فأعلمنی ما آخذ به؟ فوقّع بخطه علیه السلام وقرأته : « خذ بقول أبی عبد الله علیه السلام » (1).

ویمکن الجواب عن الأول بمنع الإجماع فی موضع النزاع.

وعن الثانی بأنّ المشهور بین أهل اللغة أن الرجس هو الإثم (2) ، ولو ثبت إطلاقه علی النجس فالنجس یطلق لغة علی کل مستقذر وإن لم یکن نجسا بالمعنی الشرعی ، سلّمنا أنه یطلق علی هذا المعنی لکن إرادته هنا مشکل ، لأنه یقتضی نجاسة المیسر وما بعده لوقوعه خبرا عن الجمیع ، ولا قائل به. وبمنع کون الأمر بالاجتناب للنجاسة ، لجواز أن یکون لکونه إثما ومعصیة کما فی المیسر وما بعده.

وأما الثالث فسیأتی ما فیه.

حجة القول بالطهارة الأصل ، وما رواه الحسن بن أبی سارة فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن أصاب ثوبی شی ء من الخمر أصلّی فیه قبل أن أغسله؟ فقال : « لا بأس ، إن الثوب لا یسکر » (3).

وما رواه عبد الله بن بکیر فی الموثق ، قال : سأل رجل أبا عبد الله علیه السلام وأنا عنده عن المسکر والنبیذ یصیب الثوب قال : « لا بأس به » (4).

أدلة طهارة الخمر

ص: 291


1- الکافی ( 3 : 407 - 14 ) ، الوسائل ( 2 : 1055 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (2) ، وفیهما بتفاوت یسیر.
2- کما فی لسان العرب ( 6 : 95 ) ، والقاموس المحیط ( 2 : 227 ).
3- التهذیب ( 1 : 280 - 822 ) ، الإستبصار ( 1 : 189 - 664 ) ، الوسائل ( 2 : 1057 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (10).
4- التهذیب ( 1 : 280 - 823 ) ، الاستبصار ( 1 : 190 - 665 ) ، قرب الإسناد : (80) ، الوسائل ( 2 : 1057 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (11).

وفی حکمها العصیر إذا غلی واشتدّ.

______________________________________________________

وما رواه عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتابه قرب الإسناد ، عن أحمد وعبد الله ابنی محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن علیّ بن رئاب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الخمر والنبیذ المسکر یصیب ثوبی ، أغسله أو أصلّی فیه؟ قال : « صلّ فیه إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر ، إن الله تبارک وتعالی إنما حرم شربها » (1).

وأجاب الأولون عن هذه الأخبار بالحمل علی التقیة ، جمعا بینها وبین ما تضمّن الأمر بغسل الثوب منه (2). وهو مشکل ، لأن أکثر العامة قائلون بالنجاسة ، نعم یمکن الجمع بینها بحمل ما تضمن الأمر بالغسل علی الاستحباب ، لأن استعمال الأمر فی الندب مجاز شائع.

ویظهر من المصنف - رحمه الله تعالی - التوقف فی هذا الحکم ، فإنه قال بعد أن ضعّف الأخبار من الطرفین : والاستدلال بالآیة فیه إشکال ، لکن مع اختلاف الأصحاب والأحادیث یؤخذ بالأحوط فی الدین (3) (4).

قوله : وفی حکمها العصیر العنبی إذا غلی واشتدّ.

المراد بغلیانه صیرورة أعلاه أسفله ، وباشتداده حصول الثخانة له ، وینبغی الرجوع فیها إلی العرف ، وذکر المحقق الشیخ علی - رحمه الله - : أنها تتحقق بمجرد الغلیان (5). وهو غیر واضح.

والحکم بنجاسة العصیر ( إذا غلی واشتد ولا یذهب ثلثاه ) (6) مشهور بین المتأخرین

حکم العصیر العنبی

ص: 292


1- قرب الإسناد : (76) ، الوسائل ( 2 : 1058 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (14).
2- کالشیخ فی الاستبصار ( 1 : 190 ).
3- المعتبر ( 1 : 424 ).
4- فی « ح » زیادة : وهو حسن.
5- جامع المقاصد ( 1 : 16 ).
6- ما بین القوسین لیس فی « م » و « ق ».

التاسع : الفقاع.

______________________________________________________

ولا نعلم مأخذه ، وقد اعترف الشهید - رحمه الله - فی الذکری والبیان بأنه لم یقف علی دلیل یدل علی نجاسته (1) ، وذکر أن المصرح بنجاسته قلیل من الأصحاب ، ومع ذلک فأفتی فی الرسالة بنجاسته (2) ، وهو عجیب.

ونقل عن ابن أبی عقیل التصریح بطهارته (3) ، ومال إلیه جدی - قدس سره - فی حواشی القواعد ، وقواه شیخنا المعاصر سلّمه الله تعالی (4) ، وهو المعتمد ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

قوله : التاسع : الفقاع.

قال فی القاموس : الفقاع کرمّان هذا الذی یشرب ، سمی بذلک لما یرتفع فی رأسه من الزبد (5). وذکر المرتضی فی الانتصار : أن الفقاع هو الشراب المتخذ من الشعیر (6).

وینبغی أن یکون المرجع فیه إلی العرف ، لأنه المحکّم فیما لم یثبت فیه وضع شرعی ولا لغوی.

والحکم بنجاسته مشهور بین الأصحاب ، وبه روایة ضعیفة السند جدا (7) ، نعم إن ثبت إطلاق الخمر علیه حقیقة کما ادعاه المصنف فی المعتبر (8) کان حکمه حکم الخمر ، وقد تقدم الکلام فیه.

- الفقاع

ص: 293


1- الذکری : (13) ، والبیان : (39).
2- لم نعثر علیه فی الرسالة ، نعم فی اللمعة : (17) والدروس : (17) عدّ ذهاب الثلثین من المطهرات.
3- المختلف : (58).
4- مجمع الفائدة ( 1 : 312 ).
5- القاموس المحیط ( 3 : 66 ).
6- الانتصار : (199).
7- الکافی ( 6 : 423 - 7 ) ، التهذیب ( 9 : 125 - 544 ) ، الإستبصار ( 4 : 96 - 373 ) ، الوسائل ( 17 : 288 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (27) ح (8).
8- المعتبر ( 1 : 425 ).

العاشر : الکافر ، وضابطه کل من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما یعلم من الدین ضرورة ، کالخوارج والغلاة.

______________________________________________________

قوله : العاشر : الکافر ، وضابطه من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما یعلم من الدین ضرورة ، کالخوارج والغلاة.

المراد بمن خرج عن الإسلام : من بائنة کالیهود والنصاری. وبمن انتحله وجحد ما یعلم من الدین ضرورة : من انتمی إلیه وأظهر التدین به لکن جحد بعض ضروریاته. وقد نقل المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (1) وغیره (2) اتفاق الأصحاب علی نجاسة ما عدا الیهود والنصاری من أصناف الکفار ، سواء کان کفرهم أصلیا أو ارتدادا.

واحتج علیه فی المعتبر بقوله تعالی ( إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ ) (3) والإضمار خلاف الأصل ، والإخبار عن الذات بالمصادر شائع إذا کثرت معانیها فی الذات کما یقال : رجل عدل ، وقوله تعالی ( کَذلِکَ یَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ ) (4) ثم قال : لا یقال : الرجس : العذاب رجوعا إلی أهل التفسیر ، لأنا نقول : حقیقة اللفظ تعطی ما ذکرناه فلا یستند إلی مفسر برأیه ، ولأن الرجس اسم لما یکره ، فهو یقع علی موارده بالتواطؤ فیحمل علی الجمیع ، عملا بالإطلاق (5).

وفیهما معا نظر : أما الأول فلأن النجس لغة المستقذر ، قال الهروی فی تفسیر الآیة : یقال لکل مستقذر نجس. والمستقذر أعم من النجس بالمعنی المصطلح علیه عند الفقهاء ، والواجب حمل اللفظ علی الحقیقة اللغویة عند انتفاء المعنی الشرعی ، وهو غیر ثابت هنا ، سلمنا أن المراد بالنجس المعنی المصطلح علیه عند الفقهاء ، لکن اللازم من

- الکافر

اشارة

ص: 294


1- المعتبر ( 1 : 95 ).
2- کالعلامة فی المنتهی ( 1 : 168 ).
3- التوبة : (28).
4- الأنعام : (125).
5- المعتبر ( 1 : 96 ).

______________________________________________________

ذلک نجاسة المشرک خاصة وهو أخص من المدعی ، إذ من المعلوم أنّ من أفراد الکافر ما لیس بمشرک قطعا فلا یصلح لإثبات الحکم علی وجه العموم.

وأما الثانی فلأن الرجس لغة یجی ء لمعان ، منها : القذر ، والعمل المؤدی إلی العذاب ، والشک ، والعقاب ، والغضب (1). والظاهر أن إطلاقه علیها علی سبیل الاشتراک اللفظی ، فیکون مجملا محتاجا فی تعیین المراد منه إلی القرینة ، علی أن المتبادر من سوق الآیة إرادة الغضب والعذاب ، کما ذکره أکثر المفسرین (2).

وقوله : إن الرجس اسم لما یکره فهو یقع علی موارده بالتواطؤ فیحمل علی الجمیع عملا بالإطلاق غیر جید ، أما أولا : فلأن إطلاق اسم الرجس علی ما یکره لم یذکره أحد ممن وصل إلینا کلامه من أهل اللغة ، ولا نقله ناقل من أهل التفسیر فلا یمکن التعلق به.

وأما ثانیا : فلأن إطلاقه علی ما یکره لا یقتضی وجوب حمله علی جمیع موارده التی یقع علیها اللفظ بطریق التواطؤ ، لانتفاء ما یدل علی العموم.

وأما الیهود والنصاری فقد ذهب الأکثر إلی نجاستهم ، بل ادعی علیه المرتضی (3) ، وابن إدریس (4) الإجماع. ونقل عن ابن الجنید ، وابن أبی عقیل القول بعدم نجاسة أسآرهم (5). وحکی المصنف فی المعتبر عن المفید - رحمه الله تعالی - فی المسائل الغریة القول بالکراهة ، وربما ظهر من کلام الشیخ فی موضع من النهایة (6).

ص: 295


1- النهایة ( 2 : 200 ) ، ولسان العرب ( 6 : 94 ). وأقرب الموارد ( 1 : 391 ).
2- کالطبرسی فی مجمع البیان ( 2 : 364 ) ، وأبی حیان الأندلسی فی البحر المحیط ( 4 : 218 ) ، وأبی السعود فی تفسیره ( 3 : 184 ).
3- الانتصار : (10).
4- السرائر : (371).
5- المعتبر ( 1 : 96 ).
6- النهایة : (589).

______________________________________________________

احتج القائلون بالنجاسة بأمرین :

الأول : قوله تعالی ( إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ ) (1) فإن الیهود والنصاری مشرکون ، لقوله تعالی بعد حکایته عنهم أنهم ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) : ( سُبْحانَهُ عَمّا یُشْرِکُونَ ) (2) ویتوجه علیه مضافا إلی ما سبق منع هذه المقدمة أیضا ، إذ المتبادر من معنی المشرک من اعتقد إلها مع الله ، وقد ورد فی أخبارنا أن معنی اتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله : امتثالهم أوامرهم ونواهیهم ، لا اعتقادهم أنهم آلهة (3) ، وربما کان فی الآیات المتضمنة لعطف المشرکین علی أهل الکتاب وبالعکس بالواو (4) إشعار بالمغایرة.

الثانی : الأخبار الدالة علی ذلک ، کصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنه سأله عن رجل اشتری ثوبا من السوق للبس لا یدری لمن کان هل یصلح الصلاة فیه؟ قال : « إن اشتراه من مسلم فلیصلّ فیه ، وإن اشتراه من نصرانی فلا یصلّی فیه حتی یغسله » (5).

وحسنة سعید الأعرج : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن سؤر الیهودی والنصرانی فقال : « لا » (6).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن آنیة أهل الذمة

حجة القائلین بالنجاسة

ص: 296


1- التوبة : (28).
2- التوبة : (31).
3- الکافی ( 2 : 398 - 3 ) ، تفسیر العیاشی ( 2 : 45 - 49 ).
4- البقرة : (105) ، آل عمران : (186) ، المائدة : (82) ، الحج : (17) ، البینة : (6).
5- التهذیب ( 1 : 263 - 766 ) ، قرب الإسناد : (96) ، السرائر : (477) ، الوسائل ( 2 : 1071 ) أبواب النجاسات ب (50) ح (1).
6- الکافی ( 3 : 11 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 223 - 638 ) ، الإستبصار ( 1 : 18 - 36 ) ، الوسائل ( 2 : 1019 ) أبواب النجاسات ب (14) ح (8).

______________________________________________________

والمجوس ، فقال : « لا تأکلوا فی آنیتهم ، ولا من طعامهم الذی یطبخون ، ولا فی آنیتهم التی یشربون فیها الخمر » (1).

احتج القائلون بالطهارة بوجوه :

الأول : البراءة الأصلیة ، فإن النجاسة إنما تستفاد بتوقیف الشارع ، ومع انتفائه تکون الطهارة ثابتة بالأصل.

الثانی : قوله تعالی ( وَطَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حِلٌّ لَکُمْ ) (2) فإنه شامل لما باشروه وغیره ، وتخصیصه بالحبوب ونحوها مخالف للظاهر ، لاندراجها فی الطیبات ، ولأن ما بعده وهو ( وَطَعامُکُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) شامل للجمیع قطعا ، ولانتفاء الفائدة فی تخصیص أهل الکتاب بالذکر فإن سائر الکفار کذلک. وقد یقال : إن هذا التخصیص وإن کان مخالفا للظاهر إلا أنه یجب المصیر إلیه ، لدلالة الأخبار علیه ومنها ما هو صحیح السند. لکن لا یخفی أنّ هذا الاختصاص لا ینحصر وجهه فی النجاسة ، لانتفائها فی غیر الحبوب مما لم یعلم مباشرتهم له قطعا.

الثالث : الأخبار ، فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن العیص بن القاسم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن مؤاکلة الیهودی والنصرانی ، فقال : « لا بأس إذا کان من طعامک » (3).

وفی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر : أنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن الیهودی والنصرانی یدخل یده فی الماء یتوضأ منه للصلاة؟ قال : « لا ، إلا أن یضطر إلیه » (4).

حجة القائلین بالطهارة

ص: 297


1- الکافی ( 6 : 264 - 5 ) ، التهذیب ( 9 : 88 - 372 ) ، الوسائل ( 16 : 475 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (54) ح (3).
2- المائدة : (5).
3- التهذیب ( 9 : 88 - 373 ) ، الوسائل ( 16 : 474 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (53) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 223 - 640 ) ، الوسائل ( 2 : 1020 ) أبواب النجاسات ب (14) ح (9).

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت للرضا علیه السلام : الجاریة النصرانیة تخدمک وأنت تعلم أنها نصرانیة ، لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة! قال : « لا بأس تغسل یدیها » (1).

ویمکن الجمع بین الأخبار بأحد أمرین : إما حمل هذه علی التقیة ، أو حمل النهی فی الأخبار المتقدمة علی الکراهة. ویشهد للثانی مطابقته لمقتضی الأصل ، وإطلاق النهی عن الصلاة فی الثوب قبل الغسل فی صحیحة علیّ بن جعفر المتقدمة (2) ، ویدل علیه صریحا خصوص صحیحة إسماعیل بن جابر : قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی طعام أهل الکتاب؟ فقال : « لا تأکله » ثم سکت هنیئة ، ثم قال : « لا تأکله » ثم سکت هنیئة ، ثم قال : « لا تأکله ، ولا تترکه تقول : إنه حرام ولکن تترکه تتنزه عنه ، إنّ فی آنیتهم الخمر ولحم الخنزیر » (3) وربما کان فی هذه الروایة إشعار بأن النهی عن مباشرتهم ، للنجاسة العارضیة فتأمل.

تنبیه : صرح العلاّمة - رحمه الله - (4) ، وجمع من الأصحاب (5) بنجاسة ولد الکافر لنجاسة أصلیة. وهو مشکل ، إذ الدلیل إن تم فإنما یدل علی نجاسة الکافر والمشرک والیهودی والنصرانی ، والولد قبل بلوغه لا یصدق علیه شی ء من ذلک.

ولو سباه المسلم منفردا فالأظهر تبعیته له فی الطهارة ، لأن ذلک مقتضی الأصل ، ولا معارض له إلاّ التمسک باستصحاب الحالة السابقة ، وقد بینا فیما سبق ضعف

حکم ولد الکافر

ص: 298


1- التهذیب ( 1 : 399 - 1245 ) ، الوسائل ( 2 : 1020 ) أبواب النجاسات ب (14) ح (11).
2- فی ص (296).
3- الکافی ( 6 : 264 - 9 ) ، التهذیب ( 9 : 87 - 368 ) ، المحاسن : ( 454 - 377 ) ، الوسائل ( 16 : 476 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (54) ح (4).
4- التذکرة ( 1 : 8 ).
5- منهم فخر المحققین فی إیضاح الفوائد ( 1 : 364 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (14).

وفی عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلالة والمسوخ خلاف ، والأظهر الطهارة. وما عدا ذلک فلیس بنجس فی نفسه وإنما تعرض له النجاسة.

______________________________________________________

التمسک به ، لأن ما ثبت جاز أن یدوم وجاز أن لا یدوم ، فلا بد لدوامه من دلیل سوی دلیل الثبوت ، فینبغی التنبیه لذلک.

قوله : وفی عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلالة والمسوخ خلاف ، والأظهر الطهارة.

هنا مسائل ثلاث ، الأولی : عرق الجنب من الحرام ، والمراد منه ما یعم عرقه حال الفعل وبعده ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه. فذهب الشیخان (1) ، وأتباعهما (2) ، وابن بابویه (3) إلی نجاسته. وقال ابن إدریس (4) ، وسلاّر (5) ، وعامة المتأخرین بالطهارة ، وهو المعتمد.

لنا : الأصل ، وما رواه أبو أسامة فی الحسن : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یعرق فی ثوبه ، أو یغتسل فیعانق امرأته ویضاجعها وهی حائض أو جنب ، فیصیب جسده من عرقها ، قال : « هذا کله لیس بشی ء » (6) ولم یفصل بین الحلال والحرام.

احتج الشیخ فی التهذیب علی النجاسة بما رواه فی الصحیح ، عن محمد الحلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أجنب فی ثوبه ولیس معه ثوب غیره؟ قال :

حکم عرق الجنب من حرام

ص: 299


1- المفید فی المقنعة : (10) ، والشیخ فی الخلاف ( 1 : 180 ) ، والمبسوط ( 1 : 37 ) ، والنهایة : (53).
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 51 ).
3- الفقیه ( 1 : 40 ) ، والهدایة : (21).
4- السرائر : (36).
5- المراسم : (56).
6- الکافی ( 3 : 52 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 268 - 786 ) ، الإستبصار ( 1 : 184 - 644 ) ، الوسائل ( 1 : 529 ) أبواب الجنابة ب (46) ح (1).

______________________________________________________

« یصلّی فیه ، فإذا وجد الماء غسله » (1) قال الشیخ - رحمه الله - : لا یجوز أن یکون المراد بهذا الخبر إلاّ من عرق فی الثوب من جنابة إذا کانت من حرام ، لأنا قد بیّنا أنّ نفس الجنابة لا تتعدی إلی الثوب ، وذکرنا أیضا أنّ عرق الجنب لا ینجس الثوب ، فلم یبق معنی یحمل علیه الخبر إلاّ عرق الجنب من حرام فحملناه علیه.

ولا یخفی ما فی هذا الحمل من البعد ، إذ لا إشعار فی الخبر بالعرق بوجه فضلا عن کون الجنابة من الحرام ، مع أنّ الظاهر منه أنّ غسله لما أصابه من المنی بجنابته فیه.

الثانیة : عرق الإبل الجلالة ، وقد اختلف علماؤنا فی حکمه أیضا ، فذهب الشیخان إلی نجاسته (2) ، لصحیحة هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تأکل اللحوم الجلالة ، وإن أصابک من عرقها فاغسله » (3) ومثلها روی حفص بن البختری فی الحسن عنه علیه السلام (4).

وقال سلار (5) وابن إدریس (6) وسائر المتأخرین (7) بالطهارة ، وحملوا الأمر بالغسل علی الاستحباب ، وهو مشکل ، لعدم المعارض.

الثالثة : المسوخ ، والأصح أنها طاهرة ، وقد تقدّم الکلام فیها فی باب الأسئار.

حکم عرق الإبل الجلالة

ص: 300


1- التهذیب ( 1 : 271 - 799 ) ، الإستبصار ( 1 : 187 - 655 ) ، الوسائل ( 2 : 1039 ) أبواب النجاسات ب (27) ح (11).
2- المفید فی المقنعة : (10) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 38 ) ، والنهایة : (53).
3- الکافی ( 6 : 250 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 263 - 768 ) ، الوسائل ( 2 : 1021 ) أبواب النجاسات ب (15) ح (1).
4- الکافی ( 6 : 251 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 263 - 767 ) ، الوسائل ( 2 : 1021 ) أبواب النجاسات ب (15) ح (2).
5- المراسم : (56).
6- السرائر : (36).
7- کالمحقق فی الشرائع ( 1 : 53 ) ، والشهید الأول فی الدروس : (17).

ویکره بول البغال والحمیر والدواب.

______________________________________________________

قوله : ویکره بول البغال ، والحمیر ، والدواب.

اختلف الأصحاب فی أبوال البغال ، والحمیر ، والدواب ، فذهب الشیخ - رحمه الله تعالی - فی کتابی الحدیث والمبسوط (1) ، وابن إدریس - رحمه الله - (2) وأکثر الأصحاب إلی طهارتها ، وکراهة مباشرتها. وقال الشیخ - رحمه الله - فی النهایة (3) وأبو علی ابن الجنید (4) بنجاستها ، وقواه شیخنا المعاصر سلمه الله تعالی (5).

احتج الأولون بما رواه الشیخ ، عن المعلی بن خنیس وعبد الله بن أبی یعفور ، قالا : کنا فی جنازة وقربنا حمار ، فبال فجاءت الریح ببوله حتی صکّت وجوهنا وثیابنا ، فدخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام فأخبرناه ، فقال : « لیس علیکم شی ء » (6).

وما رواه ابن بابویه - رحمه الله - عن أبی الأغر النخاس : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام فقال : إنی أعالج الدواب ، فربما خرجت باللیل وقد بالت وراثت فتضرب إحداها بیدها أو برجلها فینضح علی ثوبی فقال : « لا بأس به » (7).

وبأن لحومها حلال علی کراهیة ، فیکون بولها طاهرا ، لما رواه زرارة فی الحسن أنهما قالا : « لا تغسل ثوبک من بول شی ء یؤکل لحمه » (8).

کراهة بول البغال والحمیر والدواب

ص: 301


1- التهذیب ( 1 : 422 ) ، والاستبصار ( 1 : 179 ) ، والمبسوط ( 1 : 36 ).
2- السرائر : (36).
3- النهایة : (51).
4- نقله عنه فی المختلف : (56).
5- مجمع الفائدة ( 1 : 301 ).
6- التهذیب ( 1 : 425 - 1351 ) ، وفی الاستبصار ( 1 : 180 - 628 ) ، والوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (14) بتفاوت یسیر.
7- الفقیه ( 1 : 41 - 164 ) ، الوسائل ( 2 : 1009 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (2).
8- الکافی ( 3 : 57 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 769 ) ، الوسائل ( 2 : 1010 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (4).

______________________________________________________

وأجیب عن الروایتین الأولیین : بالطعن فی السند ، أما الاولی فلأن من جملة رجالها الحکم بن مسکین وهو مجهول ، وإسحاق بن عمار وقال الشیخ : إنه فطحی (1). وأما الثانیة فلأن راویها وهو أبو الأغر مجهول ، فلا تعویل علی روایته.

وعن الروایة الثالثة : بأنها إنما تدل علی الطهارة من حیث العموم ، وهو لا یصلح معارضا للأخبار المتضمنة للأمر بغسل الثوب من ذلک (2) ، لأن الخاص مقدّم کما حقق فی محله.

احتج القائلون بالنجاسة بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یمسّه بعض أبوال البهائم أیغسله أم لا؟ قال : « یغسل بول الفرس ، والحمار ، والبغل ، فأما الشاة وکل ما یؤکل لحمه فلا بأس ببوله » (3).

وفی الصحیح عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن أبوال الخیل والبغال ، قال : « اغسل ما أصابک منه » (4).

وفی الحسن عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن أبوال الدواب ، والبغال ، والحمیر ، فقال : « اغسله ، فإن لم تعلم مکانه فاغسل الثوب کله ، فإن شککت فانضحه » (5).

ص: 302


1- الفهرست : (15).
2- الوسائل ( 2 : 1007 ) أبواب النجاسات ب (8).
3- التهذیب ( 1 : 266 - 780 ) ، الإستبصار ( 1 : 179 - 624 ) ، الوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (9).
4- التهذیب ( 1 : 265 - 774 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 622 ) ، الوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (11).
5- الکافی ( 3 : 57 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 771 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 620 ) ، الوسائل ( 2 : 1010 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (6).

القول فی أحکام النجاسات :

تجب إزالة النجاسات عن الثیاب والبدن للصلاة والطواف

______________________________________________________

وأجاب عنها الأولون بالحمل علی الاستحباب ، وهو مشکل ، لانتفاء ما یصلح للمعارضة.

هذا کله فی أبوالها ، وأما أرواثها فیمکن القول بنجاستها أیضا ، لعدم القائل بالفصل. ولا یبعد الحکم بطهارتها ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض ، وقول الصادق علیه السلام فی روایة الحلبی : « لا بأس بروث الحمر ، واغسل أبوالها » (1).

وفی روایة أبی مریم : وقد سأله عن أبوال الدواب وأرواثها : « أما أبوالها فاغسل ما أصابک ، وأما أرواثها فهی أکثر من ذلک » (2) یعنی أنّ کثرتها تمنع التکلیف بإزالتها.

ویشهد له أیضا ما رواه عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتابه قرب الإسناد ، عن أحمد وعبد الله ابنی محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی بن رئاب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الروث یصیب ثوبی وهو رطب ، قال : « إن لم تقذره فصل فیه » (3).

قوله : تجب إزالة النجاسة عن الثیاب والبدن للصلاة والطواف.

لا یخفی أنه إنما تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف إذا کانا واجبین ، وکانت النجاسة مما لا یعفی عنها ، ولم یکن عنده غیر الثوب النجس. وإنما أطلق ذلک اعتمادا علی الظهور.

- أحکام النجاسات

وجوب إزالة النجاسة للصلاة والطواف

ص: 303


1- الکافی ( 3 : 57 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 265 - 773 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 621 ) ، الوسائل ( 2 : 1009 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 57 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 265 - 775 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 623 ) ، الوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (8).
3- قرب الإسناد : (76) ، الوسائل ( 2 : 1012 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (16).

______________________________________________________

والمشهور بین الأصحاب أنه لا فرق فی ذلک بین قلیل النجاسة وکثیرها عدا الدم ، تمسکا بالأحادیث الدالة علی وجوب إزالة النجاسات علی الإطلاق.

وقال ابن الجنید : کل نجاسة وقعت علی ثوب وکانت عینها فیه مجتمعة أو منقسمة دون سعة الدرهم الذی یکون سعته کعقد الإبهام الأعلی لم ینجس الثوب بذلک ، إلا أن تکون النجاسة دم حیض أو منیا ، فإن قلیلهما وکثیرهما سواء (1). ولم نقف له فی ذلک علی مستند.

ویدل علی اعتبار طهارة الثوب والجسد فی الصلاة : إجماع العلماء ، قاله فی المعتبر (2) ، والأخبار المستفیضة المتضمنة للأمر بغسل الثوب والجسد من النجاسات (3) ، إذ من المعلوم أنّ الغسل لا یجب لنفسه وإنما هو لأجل العبادة وقد وقع التصریح فی الأخبار الصحیحة بإعادة الصلاة بنجاسة الثوب بالبول ، والمنی ، والمسکر ، وقدر الدرهم من الدم ، وعذرة الإنسان والسنور والکلب ، ورطوبة الخنزیر (4) وربما لاح من کثیر من الأخبار ثبوت الإعادة مع العلم بنجاسة الثوب مطلقا (5).

وأما الطواف فقد ذهب الأکثر إلی اشتراط طهارة الثوب والجسد فیه ، واحتجوا علیه بقوله علیه السلام : « الطواف بالبیت صلاة » (6) وهو قاصر من حیث السند والمتن. وسیجی ء تمام الکلام فیه فی محله إن شاء الله تعالی.

ص: 304


1- نقله عنه فی المختلف : (59).
2- المعتبر ( 1 : 431 ).
3- الوسائل ( 2 : 1025 ) أبواب النجاسات ب (19).
4- الوسائل ( 2 : ) أبواب النجاسات ب ( 8 ، 12 ، 13 ، 20 ).
5- الوسائل ( 2 : 1024 ) أبواب النجاسات ب (18).
6- غوالی اللآلی ( 2 : 167 - 3 ) ، سنن الدارمی ( 2 : 44 ).

ودخول المساجد. وعن الأوانی لاستعمالها.

______________________________________________________

قوله : ودخول المساجد.

جعل دخول المساجد غایة لإزالة النجاسة ، وعطفه علی الصلاة والطواف یقتضی عدم الفرق بین النجاسة المتعدیة الی المسجد وغیرها. وقریب منه قوله فی أحکام المساجد : ولا یجوز إدخال النجاسة إلیها ، فإنه شامل للجمیع. وبذلک جزم العلامة - رحمه الله - فی أکثر کتبه حتی قال فی التذکرة : لو کان معه خاتم نجس وصلی فی المسجد لم تصح صلاته (1). واستدلوا علی ذلک بقوله تعالی ( إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (2) رتب النهی علی النجاسة فیکون تقریبها حراما ، ومتی ثبت التحریم فی المسجد الحرام ثبت فی غیره ، إذ لا قائل بالفرق. وقول النبی صلی الله علیه و آله : « جنبوا مساجدکم النجاسة » (3).

ویتوجه علی الأول : أنّ النجس لغة : المستقذر کما بیناه (4) ، والواجب الحمل علیه إلی أن تثبت الحقیقة الشرعیة ، ولم یثبت کون المعنی المصطلح علیه عند الفقهاء حقیقة شرعیة. سلمنا الثبوت لکن النهی إنما ترتب علی نجاسة المشرک خاصة ، فإلحاق غیرها بها یحتاج إلی الدلیل وهو منتف هنا. سلمنا ذلک لکن النهی إنما تعلق بقرب المسجد الحرام خاصة ، وعدم الظفر بالقائل بالفرق بینه وبین غیره لا یدل علی العدم فیحتمل الفرق.

وعلی الثانی : الطعن فی الروایة بعدم الوقوف علی السند ، والمراسیل لا تنهض حجة فی إثبات حکم مخالف للأصل. وأیضا فإن مجانبة النجاسة المساجد تتحقق بعدم تعدّیها إلیها ، فیحصل به الامتثال ، ولا یلزم من ذلک تحریم إدخالها مع عدم التعدی. ومن ثم

وجوب إزالة النجاسة لدخول المساجد

ص: 305


1- التذکرة ( 1 : 96 ).
2- التوبة : (28).
3- الوسائل ( 3 : 504 ) أبواب أحکام المساجد ب (24) ح (2).
4- فی ص (294).

______________________________________________________

ذهب جمع من المتأخرین (1) إلی عدم تحریم إدخال النجاسة الغیر المتعدیة إلی المسجد أو فرشه. ولا بأس به اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تم.

ویؤیده ما نقله الشیخ فی الخلاف من الإجماع علی جواز الحیّض من النساء فی المساجد مع عدم انفکاکهن من النجاسة غالبا (2) ، وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة ابن عمار الواردة فی المستحاضة : « وإن کان الدم لا یثقب الکرسف توضأت ودخلت المسجد ، وصلت کل صلاة بوضوء » (3) وفی هذا الخبر تلویح بتحریم إدخال النجاسة المتعدیة.

وألحق الشهیدان بالمساجد فی هذا الحکم : الضرائح المقدسة والمصحف وآلاته الخاصة به کالجلد ، ولا بأس به (4).

وقد قطع الأصحاب بوجوب إزالة النجاسة عن المساجد علی الفور کفایة ، لعموم الخطاب ، وفیه توقف. قال فی الذکری : ولو أدخلها مکلف تعیّن علیه الإخراج (5). وظاهره عدم مخاطبة غیره بالإزالة ، وهو محتمل.

ولو أخلّ بالإزالة وصلی مع ضیق الوقت صحت صلاته قطعا ، ولو صلی مع السعة فقولان مبنیان علی أنّ الأمر بالشی ء هل یقتضی النهی عن ضده الخاص أم لا؟ وهی مسألة مشکلة.

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد

ص: 306


1- منهم الشهید فی الذکری ( 14 ، 157 ) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 17 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 17 ).
2- الخلاف ( 1 : 196 ).
3- الکافی ( 3 : 88 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 106 - 277 ) ، وص ( 170 - 484 ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (1).
4- الشهید الأول فی الذکری : (14) ، والدروس : (17) ، والبیان : (40) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 17 ).
5- الذکری : (157).

______________________________________________________

وتلخیص البحث فیها : أنه لا خلاف بین القائلین باقتضاء الأمر الوجوب فی أنّ الأمر بالشی ء یقتضی النهی عن ضده العام الذی هو ترک المأمور به أو کف النفس عنه ، لأنه جزء ماهیة الوجوب الذی هو مدلول الأمر عندهم. وإنما الخلاف فی الأضداد الوجودیة الواقعة فی ضمن الترک ، فذهب الأکثر إلی أنّ الأمر بالشی ء لا یستلزم النهی عن هذه الأضداد الخاصة ، لأنها لیست نفس الترک المنهی عنه ، ولا جزءه ، ولا علة فیه ، ولیسا معلولی علة واحدة فلا یلزم من تحریمه تحریمها. ولأنه لا امتناع فی أن یقول الشارع : أوجبت علیک کلا الأمرین لکن أحدهما مضیق والآخر موسع ، فإن قدّمت المضیق فقد امتثلت وسلمت من الإثم ، وإن قدّمت الموسع فقد امتثلت وأثمت بالمخالفة فی التقدیم.

وقیل بالاستلزام بمعنی أنه یلزم من ملاحظة الأمر کون الآمر کارها لتلک الأضداد وإن لم یکن مشعرا بها حالة الطلب ، فإنّ القصد إنما یعتبر فی الخطاب الصریح لا الضمنی ، کما فی الضد العام عند الجمیع ومقدمة الواجب عند الأکثرین.

ورجح هذا القول شیخنا المحقق المعاصر أطال الله تعالی بقاءه واحتج علیه بوجوه :

الأول : إنّ فعل کل من الأضداد الخاصة مستلزم لترک ذلک الواجب المضیق فیکون محرما ، لأن مستلزم الحرام حرام.

الثانی : إنّ فعل الواجب المضیق موقوف علی ترک أضداده الوجودیة فیکون واجبا ، لأن ما لا یتم الواجب إلاّ به فهو واجب.

الثالث : إنه لو لم یحرم الضد الخاص وتلبس به المکلف - کالصلاة بالنسبة إلی أداء الدین مثلا - فإن بقی الخطاب بذلک الواجب المضیق لزم التکلیف بالضدین وهو محال ، وإلاّ خرج الواجب المضیق عن کونه واجبا مضیقا ، وهو خلاف المفروض (1).

ویمکن الجواب عن الأول : بأنه إن أرید بالاستلزام العلیة منعنا الصغری ، وإن أرید

اقتضاء الامر بالشئ النهی عن الضد وعدمه

ص: 307


1- مجمع الفائدة ( 1 : 327 ).

وعفی فی الثوب والبدن عما یشقّ التحرز منه من دم القروح والجروح التی لا ترقی وإن کثر ،

______________________________________________________

به مجرد التوافق فی الوجود منعنا الکبری.

وعن الثانی : بأنه موقوف علی وجوب مقدمة الواجب المطلق ، ولم یقم علی ذلک دلیل یعتدّ به. وأیضا : فإن وجوب المقدمة إنما کان لیتوصل بها إلی فعل الواجب ، ومع امتناع ذلک الواجب بوجود الصارف عنه وانتفاء الداعی إلیه فلا تأثیر لانتفاء مقدمته. نعم لو حصل الداعی إلی الفعل وتوقف علی ترک الأضداد الخاصة اتجه وجوبه من باب المقدمة. ویتفرع علی ذلک أنه لو أراد المکلف أداء الدین أو إزالة النجاسة عن المساجد مثلا فی أثناء الصلاة وجب قطعها لذلک.

وعن الثالث : بأنه یمکن اختیار الشق الثانی ، وتخص الأوامر الدالة علی وجوب أداء الدین مثلا علی الفور بما إذا لم یکن المکلف متلبسا بواجب ، کما أنه مع تضیّق وقت الفریضة یجب تقدیمها قطعا ، ولا یکون أداء الدین مضیقا فی تلک الحال.

ومع ذلک فالقول بالاستلزام غیر بعید ، إذ ربما ظهر من حال الأمر بالشی ء فی وقت معین کونه کارها لکل ما ینافیه فی ذلک الوقت ، إلاّ أن یقال أنّ الکراهة لنفس الترک ، لا لما حصل فی ضمنه من الأفعال. وفی المقام أبحاث طویلة لا یحتملها هذا التعلیق.

قوله : وعفی فی الثوب والبدن عما یشقّ التحرز عنه من دم القروح والجروح التی لا ترقی.

المراد برقوء الدم : سکونه وانقطاعه. وظاهر العبارة یقتضی کون العفو عن هذا الدم مخصوصا بما إذا شق التحرز منه ، وکان سائلا فی جمیع الوقت. واعتبر فی المعتبر السیلان فی جمیع الوقت أو تعاقب الجریان علی وجه لا تتسع فتراتها لأداء الفریضة (1).

وقیل بالعفو عنه مطلقا إلی أن تبرأ القروح والجروح ، سواء شقت إزالته أم لا ، وسواء

العفو عن دم القروح والجروح

ص: 308


1- المعتبر ( 1 : 429 ).

______________________________________________________

کان له فترة ینقطع فیها أم لم یکن ، واختاره جدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (1) ، والمحقق الشیخ علی - رحمه الله - (2). وهو الظاهر من کلام الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه ، إلاّ أنه خصّ الحکم بالجرح ، فقال : وإن کان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا بأس بأن لا یغسله حتی یبرأ وینقطع الدم (3). وهذا هو المعتمد ، لکن ینبغی أن یراد بالبرء الأمن من خروج الدم منهما وإن لم یندمل أثرهما.

لنا : الأصل ، وما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : دخلت علی أبی جعفر علیه السلام وهو یصلی ، فقال لی قائدی : إنّ فی ثوبه دما ، فلما انصرف قلت له : إنّ قائدی أخبرنی أنّ بثوبک دما ، فقال : « إنّ بی دمامیل ، ولست أغسل ثوبی حتی تبرأ » (4).

وفی الصحیح عن لیث المرادی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یکون به الدمامیل والقروح فجلده وثیابه مملوءة دما وقیحا ، فقال : « یصلی فی ثیابه ولا یغسلها ولا شی ء علیه » (5).

وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله علیه السلام : الجرح یکون فی مکان لا یقدر علی ربطه فیسیل منه الدم والقیح فیصیب ثوبی ، فقال : « دعه فلا یضرک أن لا تغسله » (6).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن

ص: 309


1- المسالک ( 1 : 18 ) ، والروضة البهیة ( 1 : 50 ) ، وروض الجنان : (165).
2- جامع المقاصد ( 1 : 17 ).
3- الفقیه ( 1 : 43 ).
4- الکافی ( 3 : 58 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 258 - 747 ) ، الإستبصار ( 1 : 177 - 616 ) ، الوسائل ( 2 : 1028 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 258 - 750 ) ، الوسائل ( 2 : 1029 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (5).
6- التهذیب ( 1 : 259 - 751 ) ، الوسائل ( 2 : 1029 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (6).

______________________________________________________

الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمی کیف یصلی؟ فقال : « یصلی وإن کانت الدماء تسیل » (1).

وعن سماعة بن مهران ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا یغسله حتی یبرأ وینقطع (2) الدم » (3).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : یستفاد من هذه الروایات : العفو عن هذا الدم فی الثوب والبدن سواء شقت إزالته أم لا ، وسواء کان له فترة ینقطع فیها بقدر الصلاة أم لا ، وإنه لا یجب إبدال الثوب ، ولا تخفیف النجاسة ، ولا عصب موضع الدم بحیث یمنعه من الخروج ، وهو کذلک.

واستقرب العلامة - رحمه الله - فی المنتهی : وجوب الإبدال مع الإمکان (4). ویدفعه قوله علیه السلام فی صحیحة لیث المرادی : « یصلی فی ثیابه ولا یغسلها ولا شی ء علیه ».

الثانی : لو لاقی هذا الدم نجاسة أخری فلا عفو. وإن أصابه مائع طاهر کالعرق ونحوه فالأظهر سریان العفو إلیه ، لإطلاق النص ومسّ الحاجة. واستقرب فی المنتهی العدم ، قصرا للرخصة علی موضع النص وهو الدم (5) ، ولا ریب أنه أحوط.

الثالث : لو تعدّی الدم عن محل الضرورة فی الثوب أو البدن احتمل بقاء العفو تمسکا بالإطلاق ، وعدمه لانتفاء المشقة بإزالته ، وهو خیرة المنتهی (6).

ص: 310


1- التهذیب ( 1 : 258 - 749 ) و ( 348 - 1025 ) ، الاستبصار ( 1 : 177 - 615 ) ، السرائر : (473) ، الوسائل ( 2 : 1029 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (4).
2- فی « س » و « ق » و « ح » : أو ینقطع.
3- التهذیب ( 1 : 259 - 752 ) ، الوسائل ( 2 : 1030 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (7).
4- المنتهی ( 1 : 172 ).
5- المنتهی ( 1 : 172 ).
6- المنتهی ( 1 : 172 ).

وعما دون الدرهم البغلی سعة من الدم المسفوح الذی لیس أحد الدماء الثلاثة. وما زاد عن ذلک تجب إزالته إن کان مجتمعا ،

______________________________________________________

الرابع : ذکر جمع من الأصحاب أنه یستحب لصاحب هذا العذر أن یغسل ثوبه کل یوم مرة ، لأن فیه تطهیرا غیر مشق فکان مطلوبا ، ولما رواه الشیخ عن سماعة ، قال : سألته عن الرجل به القرح أو الجرح فلا یستطیع أن یربطه ، ولا یغسل دمه ، قال : « یصلی ولا یغسل ثوبه کل یوم إلا مرة ، فإنه لا یستطیع أن یغسل ثوبه کل ساعة » (1) وفی السند ضعف.

قوله : وعما دون الدرهم البغلی من الدم المسفوح الذی لیس أحد الدماء الثلاثة ، وما زاد علی ذلک تجب إزالته إن کان مجتمعا.

أجمع الأصحاب علی أنّ الدم المسفوح - وهو الخارج من ذی النفس - الذی لیس أحد الدماء الثلاثة ، ولا دم القروح والجروح إن کان أقل من درهم بغلی لم یجب إزالته للصلاة ، وإن کان أزید من مقدار الدرهم وجبت إزالته ، نقل ذلک المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (2) والعلامة فی جملة من کتبه (3). وإنما الخلاف بینهم فیما بلغ قدر الدرهم ، فقال الشیخان (4) ، وابنا بابویه (5) ، وابن إدریس (6) : یجب إزالته ، لقوله علیه السلام : « إنما یغسل الثوب من البول والمنی والدم » (7) فإنه یقتضی بإطلاقه :

العفو عما دون الدرهم من الدم

ص: 311


1- الکافی ( 3 : 58 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 258 - 748 ) ، الإستبصار ( 1 : 177 - 617 ) ، الوسائل ( 2 : 1029 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 429 ).
3- المختلف : (60) ، والقواعد ( 1 : 8 ) ، والمنتهی ( 1 : 172 ).
4- المفید فی المقنعة : (10) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 36 ).
5- الصدوق فی الهدایة : (15) ، ونقله عن والده فی المختلف : (60).
6- السرائر : (35).
7- المعتبر ( 1 : 432 ).

______________________________________________________

وجوب إزالة الدم کیف کان ، خرج من ذلک ما وقع الاتفاق علی العفو عنه ، وهو ما دون الدرهم ، فیبقی الباقی. ولما رواه عبد الله بن أبی یعفور فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی دم البراغیث؟ قال : « لیس به بأس » قال ، قلت : إنه یکثر ویتفاحش ، قال : « وإن کثر » قال ، قلت : فالرجل یکون فی ثوبه نقط الدم لا یعلم به ، ثم یعلم فینسی أن یغسله ، فیصلی ثم یذکر بعد ما صلی ، أیعید صلاته؟ قال : « یغسله ولا یعید صلاته ، إلا أن یکون مقدار الدرهم مجتمعا فیغسله ویعید الصلاة » (1).

وهی صریحة فی المطلوب ، إذ لو کان العفو عن مقدار الدرهم ثابتا لما وجب إعادة الصلاة مع نسیان غسله.

وما رواه جمیل بن دراج ، عن بعض أصحابه ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « لا بأس بأن یصلی الرجل فی الثوب وفیه الدم متفرقا شبه النضح ، وإن کان قد رآه صاحبه قبل ذلک فلا بأس به ما لم یکن مجتمعا قدر الدرهم » (2).

وقال السید المرتضی فی الانتصار (3) ، وسلار (4) : لا یجب إزالته تمسکا بمقتضی الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا یتقید إلا بدلیل.

ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت له : الدم یکون فی الثوب علیّ وأنا فی الصلاة ، قال : « إن رأیته وعلیک ثوب غیره فاطرحه وصلّ ، وإن

ص: 312


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1030 ) أبواب النجاسات ب (23) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 256 - 742 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 612 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (4).
3- الانتصار : (13).
4- المراسم : (55).

______________________________________________________

لم یکن علیک غیره فامض فی صلاتک ولا إعادة علیک ، وما لم یزد علی مقدار الدرهم فلیس بشی ء رأیته أو لم تره ، فإذا کنت قد رأیته وهو أکثر من مقدار الدرهم فضیعت غسله وصلیت فیه صلاة کثیرة فأعد ما صلیت » (1).

وعن إسماعیل الجعفی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال فی الدم یکون فی الثوب : « فإن کان أقل من قدر الدرهم فلا یعید الصلاة ، وإن کان أکثر من قدر الدرهم وکان رآه فلم یغسله حتی صلی فلیعد صلاته ، وإن لم یکن رآه حتی صلی فلا یعید الصلاة » (2).

وجه الدلالة أنه علیه السلام رتب الإعادة علی کون الدم أکثر من مقدار الدرهم فینتفی بانتفائه ، عملا بالشرط ، وهو منتف مع المساواة ، ولا یعارض بالمفهوم الأول ، لاعتضاد الثانی بأصالة البراءة.

وأجیب عن الروایة الأولی : بالطعن فیها بالإضمار (3) ، فإن القائل مجهول ، فلعله ممن لا یجب اتباع قوله.

وعن الثانیة : بأنها إنما دلّت علی حکمی الزائد والناقص لا المساوی. وهما ضعیفان :

أما الثانی فلما بیناه من وجه الدلالة.

وأما الأول فلما أشرنا إلیه مرارا من أنّ ذلک غیر قادح ، إذ من المعلوم أنّ محمد بن مسلم لا یسأل فی مثل ذلک غیر الإمام علیه السلام . ویستفاد من کتب المتقدمین : أنّ

ص: 313


1- الکافی ( 3 : 59 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) ، التهذیب ( 1 : 254 - 736 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 609 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (6).
2- التهذیب ( 1 : 255 - 739 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 610 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (2).
3- کما فی المنتهی ( 1 : 173 ).

______________________________________________________

الإضمار فی مثل هذه الأحادیث إنما حصل من قطع الأخبار بعضها من بعض ، فإنّ الراوی کان یصرح باسم الإمام الذی روی عنه فی أول الروایات ثم یقول : وسألته عن کذا ، وسألته عن کذا. إلی أن یستوفی الروایات التی رواها عن ذلک الإمام علیه السلام ، فلما حصل القطع توهم الإضمار ، فینبغی التنبیه لذلک. وبالجملة فالمستندان فی هذه المسألة قویان.

ویمکن حمل الإعادة فی مقدار الدرهم علی الاستحباب. لکن إجمال الدرهم وعدم انضباط سعته ینفی فائدة هذا الاختلاف ، لعدم تحقق المساواة حینئذ ، فإنّ الروایات التی وقفت علیها فی هذه المسألة إنما تضمنت تعلیق الحکم علی قدر الدرهم وما زاد أو نقص عنه (1) ، ولیس فیها توصیف له بکونه بغلیا (2) أو غیره ، ولا تعیین لقدره ، والواجب حمله علی ما کان متعارفا (3) فی زمانهم علیهم السلام .

وذکر الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : أنّ المراد بالدرهم : الوافی الذی وزنه درهم وثلث (4) ، ونحوه قال المفید فی المقنعة (5). وقال ابن الجنید : إنه ما کانت سعته سعة العقد الأعلی من الإبهام (6). ولم یذکروا تسمیته بالبغلی. وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : والدرهم هو الوافی الذی وزنه درهم وثلث (7).

ویسمّی البغلیّ نسبة إلی قریة بالجامعین ، وضبطها المتأخرون بفتح العین وتشدید

معنی الدرهم البغلی

ص: 314


1- الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20).
2- فی « م » و « ح » : نقلیا ، وما أثبتناه أنسب.
3- فی « س » ، « ح » زیادة : فی زمان من صدر منه الخطاب.
4- الفقیه ( 1 : 42 ).
5- المقنعة : (10).
6- نقله عنه فی المختلف : (59).
7- المعتبر ( 1 : 429 ).

______________________________________________________

اللام. ونقل عن ابن إدریس : أنه شاهد هذه الدراهم المنسوبة إلی هذه القریة ، وقال : إنّ سعتها تقرب من أخمص الراحة ، وهو ما انخفض من الکف (1).

ونقل الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن ابن درید - رحمه الله تعالی - أنه قال : إنّ الدرهم الوافی هو البغلی ، بإسکان الغین ، منسوب إلی رأس البغل ، ضربه الثانی فی خلافته بسکة کسرویة ، وزنته ثمانیة دوانیق. وقال : إن البغلیة کانت تسمی قبل الإسلام : الکسرویة ، فحدث لها هذا الاسم فی الإسلام ، والوزن بحاله ، وجرت فی المعاملة مع الطبریة ، وهی أربعة دوانیق ، فلما کان زمن عبد الملک - علیه لعنة الله - جمع بینهما واتخذ الدرهم منهما ، واستقر أمر الإسلام علی ستة دوانیق (2). هذا کلامه - رحمه الله تعالی.

ومقتضاه أنّ الدرهم کان یطلق علی البغلیّ وغیره ، وأنّ البغلیّ ترک فی زمن عبد الملک علیه اللعنة ، وهو متقدم علی زمن الصادق علیه السلام قطعا ، فیشکل حمل النصوص الواردة منه علیه السلام علیه.

والمسألة قویة الإشکال ، لکن ما علم نقصه عن سعة الدرهم عادة فلا ریب فی العفو عنه ، بل لا یبعد العفو عما لم یعلم بلوغه قدر الدرهم ، لأصالة البراءة من وجوب إزالته.

وهذه النصوص کما تری متناولة بإطلاقها لدم الحیض وغیره ، إلا أنّ الأصحاب قطعوا باستثناء دم الحیض من ذلک وأوجبوا إزالة قلیله وکثیره عن الثوب والبدن. وربما کان المستند فیه : ما رواه أبو سعید عن أبی بصیر ، قال : « لا تعاد الصلاة من دم لم

عدم العفو عن الدماء الثلاثة

ص: 315


1- السرائر : (35).
2- الذکری : (16).

______________________________________________________

تبصره إلا دم الحیض ، فإنّ قلیله وکثیره فی الثوب إن رآه وإن لم یره سواء » (1) وهی - مع ضعف سندها - موقوفة علی أبی بصیر ، ولیس قوله حجة ، لکن قال فی المعتبر : إنّ الحجة عمل الأصحاب بمضمونها وقبولهم لها (2).

وألحق الشیخ به دم الاستحاضة والنفاس (3) ، ولعله نظر إلی تساویها فی إیجاب الغسل ، وأنّ النفاس حیض فی المعنی ، والاستحاضة مشتقة منه.

وألحق القطب الراوندی - رحمه الله تعالی - بهذه الدماء الثلاثة : دم نجس العین (4). نظرا إلی أنه یلاقی جسده ، ونجاسة جسده غیر معفو عنها ، فکان کما لو أصاب الدم المعفو عنه نجاسة غیر الدم.

والحق أنه إن ثبت عموم الدم المعفو عنه کان شاملا للدماء الثلاثة ودم نجس العین ، وشموله لدم نجس العین یجری مجری النطق به ، ومع النطق به یسقط اعتبار نجاسته قطعا. وحینئذ فیتوقف استثناء هذه الدماء الأربعة علی ثبوت المخصص. وإن لم یثبت العموم وجب القول باستثناء جمیع ذلک ، لعموم ما دل علی اشتراط طهارة الثوب والجسد.

وتنقیح المسألة یتم ببیان أمور :

الأول : مورد الروایات المتضمنة للعفو (5) تعلق النجاسة بالثوب ، وقال فی المنتهی : إنه لا فرق فی ذلک بین الثوب والبدن ، وأسنده إلی الأصحاب ، لاشتراکهما فی المشقة

ص: 316


1- الکافی ( 3 : 405 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 257 - 745 ) ، الوسائل ( 2 : 1028 ) أبواب النجاسات ب (21) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 428 ).
3- المبسوط ( 1 : 35 ) ، والنهایة : (51).
4- نقله عنه فی السرائر : (35) ، والمختلف : (59).
5- الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20).

______________________________________________________

اللازمة من وجوب الإزالة (1). وهو جید ، لمطابقته لمقتضی الأصل السالم عما یصلح للمعارضة.

ویشهد له روایة مثنی بن عبد السلام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إنی حککت جلدی فخرج منه دم ، فقال : « إن اجتمع منه قدر حمصة فاغسله ، وإلا فلا » (2) والظاهر أن المراد بقدر الحمصة قدرها وزنا لا سعة ، وهو یقرب من سعة الدرهم.

الثانی : لو أصاب الدم المعفو عنه مائع طاهر ولم یبلغ المجموع الدرهم ، ففی بقائه علی العفو قولان : أظهرهما ذلک ، لأصالة البراءة من وجوب إزالته ، ولأن المنجّس بشی ء لا یزید حکمه عنه ، بل غایته أن (3) یساویه ، إذ الفرع لا یزید علی أصله. واستقرب العلامة فی المنتهی : وجوب إزالته (4) ، لأنه لیس بدم فوجبت إزالته بالأصل السالم عن المعارض ، ولأن الاعتبار بالمشقة المستندة إلی کثرة الوقوع ، وذلک غیر موجود فی صورة النزاع لندوره. وضعف الوجهین ظاهر. ولو أزال عین الدم بما لا یطهرها فلا ریب فی بقاء العفو ، لخفة النجاسة حینئذ.

الثالث : لو أصاب الدم وجهی الثوب ، فإن کان بالتفشی فدم واحد ، وإلا فدمان. واعتبر الشهید - رحمه الله - فی الذکری رقّة الثوب (5) ، وهو حسن.

ص: 317


1- المنتهی ( 1 : 173 ).
2- التهذیب ( 1 : 255 - 741 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 613 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (5).
3- کذا فی النسخ ، والأنسب : أنه.
4- المنتهی ( 1 : 174 ).
5- الذکری : (16).

وإن کان متفرقا ، قیل : هو عفو ، وقیل : تجب إزالته ، وقیل : لا تجب إلا أن یتفاحش ، والأول أظهر.

______________________________________________________

قوله : وإن کان متفرقا ، قیل : هو عفو ، وقیل : تجب إزالته ، وقیل : لا تجب إلا أن یتفاحش ، والأول أظهر.

اختلف الأصحاب فی وجوب إزالة الدم المتفرق علی الثوب أو البدن إذا کان بحیث لو جمع بلغ الدرهم ، فقال ابن إدریس - رحمه الله - : الأحوط للعبادة وجوب إزالته ، والأقوی والأظهر فی المذهب عدم الوجوب (1). ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (2). وهو خیرة المصنف - رحمه الله - هنا وفی النافع (3).

وقال الشیخ فی النهایة : لا تجب إزالته ما لم یتفاحش (4). وهو خیرة المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (5).

وقال سلار (6) وابن حمزة (7) : تجب إزالته. واختاره العلامة فی جملة من کتبه (8). والمعتمد الأول.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، وما رواه عبد الله بن أبی یعفور فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یصلی وفی ثوبه نقط الدم ، فینسی أن یغسله ، فیصلی ثم یذکر ، قال : « یغسله ولا یعید صلاته ، إلا أن یکون مقدار الدرهم مجتمعا

حکم الدم المتفرق الذی یبلغ مجموعه الدرهم

ص: 318


1- السرائر : (35).
2- المبسوط ( 1 : 36 ).
3- المختصر النافع : (18).
4- النهایة : (52).
5- المعتبر ( 1 : 431 ).
6- المراسم : (55).
7- الوسیلة : (77).
8- المنتهی ( 1 : 173 ) ، والقواعد ( 1 : 8 ) ، وتحریر الأحکام ( 1 : 24 ).

______________________________________________________

فیغسله ویعید الصلاة » (1).

وبهذه الروایة احتج المصنف فی المعتبر علی ما ذهب الیه من عدم وجوب الإزالة إلا مع التفاحش ، ثم قال : والروایة صحیحة سلیمة من المعارض (2). وهو حسن لکن لا دلالة فی الروایة علی ما اعتبره من القید.

وأجاب عنها العلامة فی المختلف (3) : بأن « مجتمعا » کما یحتمل أن یکون خبرا لیکون ، یحتمل أن یکون حالا مقدرة واسمها ضمیر یعود علی نقط الدم ومقدار خبرها ، والمعنی : إلا أن یکون نقط الدم مقدار الدرهم إذا قدر اجتماعها.

وفیه نظر ، فإن تقدیر الاجتماع هنا مما لا یدل علیه اللفظ ، ولو کانت الحال هنا مقدرة لکان الحدیث مختصا بما قدر فیه الاجتماع لا بما حقق وهو خلاف الظاهر. ولو جعل « مجتمعا » حالا محققة أفادت اشتراط الاجتماع أیضا ، إذ یصیر المعنی حینئذ : إلا أن یکون الدم مقدار الدرهم حال کونه مجتمعا. وکیف کان فدلالة الروایة علی المطلوب واضحة.

احتج القائلون بوجوب الإزالة : بأن الحکم بالوجوب معلق علی قدر الدرهم وهو أعم من أن یکون مجتمعا أو متفرقا ، وبأن الأصل وجوب الإزالة لقوله تعالی ( وَثِیابَکَ فَطَهِّرْ ) (4) خرج من ذلک ما نقص عن الدرهم مجتمعا أو متفرقا فیبقی الباقی مندرجا فی الإطلاق.

وبأنّ النجاسة البالغة قدرا معینا لا یتفاوت الحال باجتماعها وتفرقها فی المحل.

ص: 319


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 431 ).
3- المختلف : (60).
4- المدثر : (4).

وتجوز الصلاة فیما لا تتم الصلاة فیه منفردا وإن کان فیه نجاسة لم یعف عنها فی غیره.

______________________________________________________

والجواب عن الأول معلوم مما قررناه. وعن الثانی : بأنّ الخطاب للنبی صلی الله علیه و آله ، وتناوله للأمة یتوقف علی الدلالة ، ولا دلالة. وعن الثالث : بأنه مصادرة علی المطلوب ، إذ المدعی ثبوت الفرق بین حالتی الاجتماع والتفرّق.

تنبیه : قال فی المعتبر : لیس للتفاحش تقدیر شرعی ، وقد اختلف قول الفقهاء فیه ، فبعض قدّره بالشبر ، وبعض بما یفحش فی القلب ، وقدّره أبو حنیفة بربع الثوب. والوجه أنّ المرجع فیه الی العادة ، لأنها کالأمارة الدالة علی المراد باللفظ إذا لم یکن له تقدیر (1). هذا کلامه - رحمه الله تعالی. وهو جید لو کان لفظ التفاحش واردا فی النصوص.

قوله : وتجوز الصلاة فیما لا تتم الصلاة فیه منفردا وإن کان فیه نجاسة لم یعف عنها فی غیره.

المراد به ما لا یمکن إیقاع صلاة فیه اختیارا ، وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فیما لا تتم الصلاة فیه بین کونه من الملابس وغیرها (2) ، ولا فی الملابس بین کونها فی محالها أو لا ، وإلی هذا التعمیم أشار فی المعتبر (3) ، ونقل عن القطب الراوندی - رحمه الله تعالی - (4) : أنه حصر ذلک فی خمسة أشیاء : القلنسوة ، والتکة ، والخف ، والنعل ،

حکم ما لا تتم الصلاة فیه النجس

ص: 320


1- المعتبر ( 1 : 431 ).
2- الجواهر ( 6 : 131 ). وکذا لا فرق فیما لا تتم فیه الصلاة بین کونه من جنس الساتر ، کالقلنسوة ونحوها وعدمه کالحلی من الخاتم ، والخلخال ، والسوار ، والدملج ، والمنطقة ، والسیف ، والسکین ، ونحوها بعد صدق اسم الملبوس.
3- المعتبر ( 1 : 434 ).
4- المختلف : (61).

______________________________________________________

والجورب. وعن ابن إدریس - رحمه الله - : أنه خص الحکم بالملابس (1) ، واختاره العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه (2) ، واعتبر کونها فی محالها. والمعتمد ما أطلقه المصنف - رحمه الله تعالی.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، وهو براءة الذمة من التکلیف بإزالة النجاسة عن هذه الأشیاء إلی أن یثبت ما یخرج عنه ، وغایة ما یستفاد من النص (3) والإجماع اشتراط طهارة الثوب والبدن ، أما المنع من حمل النجاسة فی الصلاة إذا لم تتصل بشی ء من ذلک فلا دلیل علیه کما اعترف به المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (4).

ویؤیده ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن زرارة عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « کل ما کان لا تجوز فیه الصلاة وحده فلا بأس أن یکون علیه الشی ء ، مثل القلنسوة ، والتکة ، والجورب » (5).

وعن عبد الله بن سنان ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « کلما کان علی الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فیه وحده فلا بأس أن یصلی فیه وإن کان فیه قذر ، مثل القلنسوة ، والتکة ، والکمرة ، والنعل ، والخفین ، وما أشبه ذلک » (6).

وعن حماد بن عثمان ، عمن رواه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی فی الخف الذی قد أصابه قذر فقال : « إذا کان مما لا تتم الصلاة فیه فلا بأس » (7).

ص: 321


1- السرائر : (37).
2- کالمنتهی ( 1 : 174 ) ، والمختلف : (61) ، والقواعد ( 1 : 8 ) ، والتحریر ( 1 : 24 ).
3- الوسائل ( 2 : 1025 ) أبواب النجاسات ب (19).
4- المعتبر ( 1 : 434 ).
5- التهذیب ( 2 : 358 - 1482 ) ، الوسائل ( 2 : 1045 ) أبواب النجاسات ب (31) ح (1).
6- التهذیب ( 1 : 275 - 810 ) ، الوسائل ( 2 : 1046 ) أبواب النجاسات ب (31) ح (5).
7- التهذیب ( 1 : 274 - 807 ) ، الوسائل ( 2 : 1045 ) أبواب النجاسات ب (31) ح (2).

______________________________________________________

وعن إبراهیم بن أبی البلاد ، عمن حدثهم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة فی الشی ء الذی لا تجوز الصلاة فیه وحده یصیبه القذر ، مثل القلنسوة ، والتکة ، والجورب » (1).

وهذه الأخبار وإن کانت ما بین ضعیف ومرسل إلا أنّ ما تضمنته من العفو عن نجاسة هذه الأشیاء مطابق لمقتضی الأصل وفتوی الأصحاب ، فلا بأس بالعمل بمضمونها.

وهنا مباحث :

الأول : قال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ومن أصاب قلنسوته ، أو عمامته ، أو تکته ، أو جوربه ، أو خفه : منی ، أو بول ، أو دم ، أو غائط ، فلا بأس بالصلاة فیه ، وذلک أنّ الصلاة لا تتم فی شی ء من هذا وحده (2).

ویشکل بأنّ العمامة قد تتم الصلاة فیها وحدها إذا کانت کبیرة بحیث یمکن ستر العورة بها ، فلا یتم إطلاق جعلها من أفراد ما لا تتم الصلاة فیه. ولعل المراد : أنّ الصلاة لا تتم فیها وحدها مع بقائها علی تلک الکیفیة المخصوصة ، أو تحمل علی العمامة الصغیرة التی لا یمکن ستر العورة بها ، کالعصابة ، کما ذکره القطب الراوندی - رحمه الله تعالی - (3). وهذا أولی وإن کان الإطلاق محتملا لما أشرنا إلیه سابقا (4) من انتفاء ما یدل علی اعتبار طهارة ما عدا الثوب والجسد ، والعمامة لا یصدق علیها اسم الثوب عرفا مع کونها علی تلک الکیفیة المخصوصة.

ص: 322


1- التهذیب ( 2 : 358 - 1481 ) ، الوسائل ( 2 : 1046 ) أبواب النجاسات ب (31) ح (4).
2- الفقیه ( 1 : 42 ).
3- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 435 ).
4- فی ص (321).

______________________________________________________

الثانی : لو حمل المصلی قارورة فیها نجاسة مشدودة الرأس لم تبطل صلاته علی الأظهر ، وهو اختیار الشیخ فی الخلاف (1) ، والمصنف فی المعتبر (2). وقطع فی المبسوط بالبطلان (3) ، واختاره ابن إدریس (4) ، والعلامة فی جملة من کتبه (5) ، مع اعترافه فی المنتهی : بأنه لم یقم علی ذلک دلیل عنده (6).

واحتج علیه فی المختلف بالاحتیاط ، وبأنه حامل لنجاسة فتبطل صلاته کما لو کانت النجاسة علی ثوبه أو بدنه (7).

وضعف الوجهین ظاهر ، فإن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی حتی یعارض أصالة البراءة. والثانی مصادرة علی المطلوب ونحن نطالبه بالدلالة علی أنّ حمل النجاسة مبطل للصلاة إذا لم تتصل بالثوب أو البدن.

وعلی ما ذکرناه فلا حاجة إلی شدّ رأس القارورة ، بل یکفی الأمن من التعدی کما نبه علیه فی الذکری ، قال : ومن اعتبر القید من العامة لم یقل بالعفو عما لا تتم الصلاة فیه وحده ، بل مأخذه القیاس علی حمل الحیوان (8).

الثالث : إذا جبر عظمه بعظم نجس وجب قلعه ما لم یخف التلف أو المشقة ، ذکر ذلک جماعة من الأصحاب ، واحتمل الشهید - رحمه الله - فی الذکری عدم الوجوب إذا اکتسی اللحم ، لالتحاقه بالباطن (9) ، وهو متجه. وجزم الشیخ فی المبسوط ببطلان

حکم استصحاب النجاسة فی الصلاة

حکم من جبر عظمه بعظم نجس

ص: 323


1- الخلاف ( 1 : 189 ).
2- المعتبر ( 1 : 443 ).
3- المبسوط ( 1 : 94 ).
4- السرائر : (38).
5- کالمختلف : (63) ، والقواعد ( 1 : 9 ).
6- المنتهی ( 1 : 184 ).
7- المختلف : (63).
8- الذکری : (17).
9- الذکری : (17).

______________________________________________________

الصلاة لو أخل بالقلع مع الإمکان ، لأنه حامل لنجاسة غیر معفو عنها (1). وهو مشکل لخروجها عن حد الظاهر ، ولأنها نجاسة متصلة کاتصال دمه فیکون معفوا عنها.

ولو جبره بعظم میت طاهر العین فی حال الحیاة غیر الآدمی جاز ، لأن الموت لا ینجس به عظم ولا شعر علی ما بیناه.

ولو جبره بعظم آدمی أمکن القول بالجواز لطهارته ، ولما رواه الحسین بن زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن الرجل یسقط سنه فیأخذ سن میت مکانه قال : « لا بأس » (2). ولو قلنا بوجوب دفنه تعین القول بالمنع لذلک.

الرابع : قال فی التذکرة : لو أدخل دما نجسا تحت جلده وجب علیه إخراج ذلک الدم مع عدم الضرر ، وإعادة کل صلاة صلاها مع ذلک الدم (3). ویشکل بخروجه عن حد الظاهر ، وبصیرورته کجزء من دمه. وأولی بالعفو ما لو احتقن دمه بنفسه (4) تحت الجلد ، وجزم الشهید فی البیان بوجوب إخراجه (5) ، وهو بعید جدا.

الخامس : قال فی المنتهی : لو شرب خمرا أو أکل میتة ففی وجوب قیئه نظر ، أقربه الوجوب ، لأن شربه محرم فاستدامته کذلک (6). وهو أحوط وإن کان فی تعینه نظر. ولو أخل بذلک لم تبطل صلاته ، وربما قیل بالبطلان ، کما فی حمل القارورة المشتملة علی النجاسة ، وهو ضعیف.

حکم من أدخل دما تحت جلده

ص: 324


1- المبسوط ( 1 : 92 ).
2- مکارم الأخلاق : (95) ، الوسائل ( 3 : 302 ) أبواب لباس المصلی ب (31) ح (4) ، وفیهما : عن زرارة مع تفاوت یسیر.
3- التذکرة ( 1 : 98 ).
4- کذا فی النسخ ، والأنسب : نفسه.
5- البیان : (41).
6- المنتهی ( 1 : 185 ).

وتعصر الثیاب من النجاسات کلّها

______________________________________________________

السادس : قال فی التذکرة : لو کان الخاتم أو أحد الأشیاء المعفو عنها نجسا وصلی فی المسجد لم تصح صلاته ، للنهی عن الکون فی المسجد بنجاسة. قال : وکذا لو کانت النجاسة معفوا عنها فی الثوب کالدم الیسیر (1). وهو جید لو ثبت ما ادعاه من النهی عن الکون فی المسجد بنجاسة ، لتوجه النهی علی هذا التقدیر إلی جزء العبادة. لکنه غیر ثابت ، فإنا لم نقف لهم فی هذا الحکم علی مستند سوی ما رواه عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « جنبوا مساجدکم النجاسة » (2) وهو مع عدم وضوح سنده لا یقتضی النهی عن نفس الکون ، إلا أن یقول بوجوب الإزالة علی الفور ، واقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن ضده الخاص ، وقد تقدم الکلام فیه.

قوله : وتعصر الثیاب من النجاسات کلّها.

المراد بالعصر : الاجتهاد فی إخراج الماء المغسول به من المحل بلیّة ، أو کبسه ، أو تغمیزه. وقد قطع المصنف وأکثر الأصحاب بتوقف طهارة الثیاب ونحوها مما یرسب فیه الماء علیه. واحتج علیه فی المعتبر : بأن النجاسة ترسخ فی الثوب فلا تزول إلا بالعصر ، وبأنّ الغسل إنما یتحقق فی الثوب ونحوه بالعصر وبدونه یکون صبا لا غسلا (3).

واستدل علیه فی المنتهی أیضا (4) بأن الماء ینجس بملاقاة الثوب فتجب إزالته بقدر الإمکان ، وبروایة أبی العباس الصحیحة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أصاب ثوبک من الکلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فاصبب علیه الماء » (5)

وجوب عصر الثیاب من النجاسات

ص: 325


1- التذکرة ( 1 : 96 ).
2- الوسائل ( 3 : 504 ) أبواب أحکام المساجد ب (24) ح (2).
3- المعتبر ( 1 : 435 ).
4- المنتهی ( 1 : 175 ).
5- التهذیب ( 1 : 261 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 1015 ) أبواب النجاسات ب (12) ح (1).

______________________________________________________

وروایة الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن الثوب یصیبه البول ، قال : « اغسله مرتین » وسألته عن الصبی یبول علی الثوب ، قال : « تصب علیه الماء قلیلا ثم تعصره » (1).

هذا نهایة ما استدلوا به علی هذا الحکم ، وفی الجمیع نظر :

أما الأول : فلأنه إنما یقتضی وجوب العصر إذا توقف علیه إخراج عین النجاسة ، ولا ریب فیه ، لکن المدعی أعم من ذلک ، فلا یصلح مستندا لإیجاب العصر علی وجه العموم.

وأما الثانی فلأنا لا نسلّم دخول العصر فی مفهوم الغسل لغة أو عرفا ، بل الظاهر تحققه بالصب المشتمل علی الاستیلاء والجریان والانفصال سواء عصر أم لا.

وأما الثالث : فلأنا نمنع نجاسة الماء مع وروده علی النجاسة ، لانتفاء الدلیل علیه کما بیناه فیما سبق. سلمنا النجاسة لکن اللازم من ذلک الاکتفاء بما تحصل به الإزالة وإن کان بمجرد الجفاف ، فلا یتعین العصر. وما قیل من أنا نظن انفصال أجزاء النجاسة مع الماء بالعصر بخلاف الجفاف المجرد (2) ، فدعوی مجردة عن الدلیل ، علی أنه یمکن أن یقال بطهارة المختلف من الماء علی المحل المغسول مع العصر وبدونه ، لعموم الأدلة الدالة علی طهارته بالغسل المتحقق بصب الماء علی المحل مع استیلائه علیه وانفصاله عنه ، وقد اعترف الأصحاب بطهارة المتخلف فی المحل المغسول بعد العصر وإن أمکن إخراجه بعصر ثان أقوی من الأول ، والحکم واحد عند التأمل.

وأما الروایتان فلا دلالة لهما علی المدعی بوجه ، أما الأولی : فلأنها إنما تدل علی

ص: 326


1- الکافی ( 3 : 55 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 249 - 714 ) ، الإستبصار ( 1 : 174 - 603 ) ، الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1) ح (4).
2- کما فی الذکری : (14).

______________________________________________________

مغایرة الغسل للصب ولا کلام فیه ، خصوصا مع تصریحهم بأن المراد بالصب الرشّ. وإثبات المغایرة بینهما لا تتوقف علی اعتبار العصر فی الغسل کما بیناه.

وأما الثانیة : فلأنها إنما تضمنت الأمر بالعصر فی بول الصبی ، والظاهر أنّ المراد به الرضیع کما یدل علیه الاکتفاء فی طهارته بصب الماء القلیل علیه ، مع اعتبار المرتین فی غیره ، وهی متروکة عند الأصحاب ، ویمکن حملها علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالعصر : ما یتوقف علیه إخراج عین النجاسة من الثوب ، فإنّ ذلک واجب قطعا. وکیف کان فلا یتم الاستدلال بها علی المطلوب.

ولو قیل بعدم اعتبار العصر إلا إذا توقف علیه زوال عین النجاسة کان قویا ، ومال إلیه شیخنا المحقق سلمه الله تعالی (1).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : اعتبر المصنف - رحمه الله - فی المعتبر العصر مرتین فیما یجب غسله کذلک (2). واکتفی الشهید فی اللمعة بعصر بین الغسلتین (3).

وقال الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : والثوب إذا أصابه البول غسل فی ماء جار مرة ، وإن غسل فی ماء راکد فمرتین ثم یعصر (4). ومقتضی ذلک الاکتفاء بعصر واحد بعد الغسلتین.

ویمکن بناء الأقوال الثلاثة علی الوجه المقتضی لاعتبار العصر ، فإن قلنا أنه دخوله فی مسمّی الغسل وعدم تحققه بدونه - کما ذکره المصنف رحمه الله فی المعتبر - وجب تعدده بتعدد الغسل قطعا. وإن قلنا أنه زوال أجزاء النجاسة الراسخة فی الثوب به اتجه اعتباره

ص: 327


1- مجمع الفائدة ( 1 : 333 ).
2- المعتبر ( 1 : 435 ).
3- اللمعة الدمشقیة : (17).
4- الفقیه ( 1 : 40 ).

______________________________________________________

فی الغسل الأول خاصة إذا حصلت به الإزالة. وإن قلنا أنه نجاسة الماء بملاقاة الثوب - کما ذکره فی المنتهی - اتجه الاکتفاء بعصر بعد الغسلتین لحصول الغرض منه وانتفاء الفائدة فی فعله قبل الغسلة الثانیة ، لبقاء النجاسة مع العصر وبدونه.

ولا ریب أنّ ما ذهب إلیه المصنف - رحمه الله - من التعدد أحوط ، وإن کان الاکتفاء بالعصر الواحد بعد الغسلتین أقوی.

الثانی : إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی اعتبار العصر بین أن یقع الغسل فی القلیل والکثیر ، وربما کان الوجه فیه : ما ادعاه المصنف - رحمه الله تعالی - من عدم تحقق الغسل بدونه ، وهو ضعیف جدا.

وجزم العلامة - رحمه الله - فی التذکرة والنهایة (1) ومن تأخر عنه (2) : باختصاص الحکم بالقلیل وسقوطه فی الکثیر ، ووجهه معلوم مما قررناه.

الثالث : أوجب العلامة - رحمه الله تعالی - فی النهایة فی طهارة الجسد ونحوه من الأجسام الصلبة دلکه (3) ، لما فیه من الاستظهار فی إزالة النجاسة ، ولقوله علیه السلام فی روایة عمار وقد سأله عن القدح الذی یشرب فیه الخمر : « لا یجزیه حتی یدلکه بیده ویغسله ثلاث مرات » (4) وهو - مع ضعف سنده ، واحتمال أن یکون الغرض من الدلک الاستظهار فی إزالة ما عسی أن یکون مستکنا فی القدح من أجزاء الخمر لئلا یتصل بما یحصل فیه من المأکول والمشروب - معارض بما رواه عمار أیضا عن الصادق علیه

وجوب دلک الصلب فی تطهیره

ص: 328


1- التذکرة ( 1 : 9 ) ، ونهایة الأحکام ( 1 : 279 ).
2- کالشهید الأول فی البیان : (40).
3- نهایة الأحکام ( 1 : 277 ).
4- الکافی ( 6 : 427 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 283 - 830 ) ، الوسائل ( 2 : 1074 ) أبواب النجاسات ب (51) ح (1).

______________________________________________________

السلام من الاکتفاء فی غسل الإناء من الخمر بالمرة الخالیة من الدلک (1).

والمعتمد الاستحباب ، ولو لم تزل عین النجاسة إلا بالدلک وجب القطع باعتباره.

الرابع : لو کان النجس بساطا أو فراشا یعسر عصره غسل ما ظهر فی وجهه ، قاله فی المنتهی (2) ، ورواه إبراهیم بن أبی محمود فی الصحیح قال ، قلت للرضا علیه السلام : الطنفسة والفراش یصیبهما البول کیف یصنع به فهو ثخین کثیر الحشو؟ قال : « یغسل ما ظهر منه فی وجهه » (3).

ولو سرت النجاسة فی أجزائه وجب غسل الجمیع ، واکتفی بالدق والتغمیز ، قاله الأصحاب. واحتج علیه فی المنتهی (4) بما رواه الکلینی عن إبراهیم بن عبد الحمید ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الثوب یصیبه البول فینفذ من الجانب الآخر وعلی الفرو وما فیه من الحشو ، قال : « اغسل ما أصاب منه ، ومسّ الجانب فإن أصبت مس شی ء فاغسله وإلا فانضحه بالماء » (5) ولا دلالة فی الروایة علی ما ذکره.

الخامس : اعتبر السید المرتضی - علی ما نقل عنه - فی إزالة النجاسة بالقلیل : ورود الماء علی النجاسة ، فلو عکس نجس الماء ولم یفد المحل طهارة (6). وبه قطع العلامة - رحمه الله تعالی - فی جملة من کتبه (7). والفرق إنما یتجه لو قلنا بنجاسة القلیل

حکم ما یعسر عصره

ص: 329


1- لم نعثر علیها ، ولکن وردت روایة عن عمار أطلق فیها الغسل من دون ذکر العدد والدلک کما فی الوسائل ( 17 : 294 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (30) ح (1).
2- المنتهی ( 1 : 176 ).
3- الکافی ( 3 : 55 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 41 - 159 ) ، التهذیب ( 1 : 251 - 724 ) ، الوسائل ( 2 : 1004 ) أبواب النجاسات ب (5) ح (1).
4- المنتهی ( 1 : 176 ).
5- الکافی ( 3 : 55 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 1004 ) أبواب النجاسات ب (5) ح (2).
6- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
7- کالمنتهی ( 1 : 176 ) ، والقواعد ( 1 : 9 ) ، والتذکرة ( 1 : 9 ).

______________________________________________________

بورود النجاسة علیه دون العکس ، کما ذهب الیه المرتضی - رضی الله عنه - فی المسائل الناصریة ، ولا فلا فرق بین الأمرین ، لصدق الغسل مع ورود الماء علی النجاسة وعکسه.

واستوجه الشهید فی الذکری عدم اعتبار ذلک ، قال : لأن امتزاج الماء بالنجاسة حاصل علی کل تقدیر ، والورود لا یخرجه عن کونه ملاقیا للنجاسة (1). ومقتضی کلامه : أنّ الماء ینجس بورود النجاسة علیه مع طهارة المحل المغسول ، وهو مشکل ، إلا أنّ الوقوف مع ظاهر الأخبار (2) یقتضیه ، إذ غایة ما یستفاد منها : نجاسة الماء بورود النجاسة علیه ، المتحقق من ذلک المنع من استعماله بعد ذلک خاصة ، کما یظهر لمن تتبع الأحادیث الدالة علی انفعال القلیل بالملاقاة وأمعن النظر فی تأملها ، وذلک لا ینافی طهارة المحل المغسول فیه ، إذ لا دلیل علی امتناعه ، مع أنّ ذلک بعینه آت عند القائلین بنجاسة الغسالة ولو مع ورود الماء علی النجاسة ، کما لا یخفی علی المتأمل.

وبالجملة فلا وجه لاعتبار الورود إلا نجاسة الماء بورود المنجس علیه ، واستبعاد حصول الطهارة لذلک المنجس مع نجاسة الماء به ، فإن ثبتت المنافاة بین الأمرین تعیّن اشتراط الورود بناء علی ما ذهب إلیه المرتضی - رضی الله عنه - من عدم نجاسة الماء علی هذا التقدیر ، وإلا اتجه عدم الفرق بین الورود وعدمه تمسکا بالإطلاق.

ویشهد له قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم - وقد سأله عن الثوب یصیبه البول - : « اغسله فی المرکن مرتین » (3) فإن المرکن هو الإجانة التی یغسل فیها الثیاب ، والغسل فیها لا یکاد یتحقق معه الورود. والمسألة محل تردد ، ولا ریب أنّ

ص: 330


1- الذکری : (15).
2- الوسائل ( 1 : 112 ) أبواب الماء المطلق ب (8).
3- التهذیب ( 1 : 250 - 717 ) ، الوسائل ( 2 : 1002 ) أبواب النجاسات ب (2) ح (1).

______________________________________________________

اعتبار الورود أولی وأحوط.

ومن هنا یظهر وجه الاکتفاء فی تطهیر الإناء بصب الماء فیه ثم تحریکه حتی یستوعب ما نجس منه ثم تفریغه. وتشهد له أیضا روایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن الکوز أو الإناء یکون قذرا ، کیف یغسل وکم مرة یغسل؟ قال : « ثلاث مرات ، یصب فیه الماء فیحرک فیه ، ثم یفرغ منه ذلک الماء ، ثم یصب فیه ماء آخر فیحرک فیه ، ثم یفرغ منه ذلک الماء ، ثم یصب فیه ماء آخر فیحرک فیه ، ثم یفرغ منه وقد طهر » (1).

السادس : ذکر جمع من الأصحاب أنّ ما لا تنفصل الغسالة منه بالعصر ، کالصابون ، والورق ، والفواکه ، والخبز ، والحبوب ، وما جری هذا المجری ، لا یطهر بالغسل فی القلیل ، بل یتوقف طهارته علی غسله فی الکثیر.

وهو مشکل ، أما أولا : فللحرج والضرر اللازم من ذلک.

وأما ثانیا : فلأن ما یتخلف فی هذه المذکورات من الماء ربما کان أقل من المتخلف فی الحشایا بعد الدق والتغمیز ، وقد حکموا بطهارتها بذلک.

وأما ثالثا : فلعدم ثبوت تأثیر مثل ذلک فی المنع مع إطلاق الأمر بالغسل ، المتحقق بالقلیل والکثیر.

السابع : حکم العلامة - رحمه الله - فی التذکرة بطهارة المائع دهنا کان أو غیره إذا طرح فی کر أو جار بحیث یسری الماء إلی جمیع أجزائه قبل إخراجه منه (2).

وقال فی المنتهی : الدهن المنجس لا یطهر بالغسل ، نعم لو صبه فی کر ماء وما مازجت

حکم الصابون وأمثاله إذا تنجس

ص: 331


1- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 2 : 1076 ) أبواب النجاسات ب (53) ح (1).
2- التذکرة ( 1 : 9 ).

إلا من بول الرضیع ، فإنه یکفی صب الماء علیه.

______________________________________________________

أجزاء الماء أجزاءه واستظهر علی ذلک بالبصر بحیث یعلم وصول الماء إلی جمیع أجزائه طهر (1).

قلت : لا ریب فی الطهارة مع العلم بوصول الماء إلی کل جزء من أجزاء المائع ، إلا أنّ ذلک لا یکاد یتحقق فی الدهن ، لشدة اتصال أجزائه ، بل ولا فی غیره من المائعات إلا مع خروجه عن تلک الحقیقة وصیرورته ماءا مطلقا.

قوله : إلا من بول الرضیع ، فإنه یکفی صبّ الماء علیه.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا. قال فی المعتبر : وبه قال الشافعی وأحمد ، وقال أبو حنیفة : یغسل کغیره (2). وربما ظهر من ذلک عدم تحقق الخلاف فیه بین الأصحاب. ونقل علیه فی الخلاف إجماع الفرقة (3).

والمستند فیه : الأصل السالم عما یصلح للمعارضة ، لانتفاء العموم فی البول الذی یجب غسل الثوب منه ، وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن بول الصبی ، قال : « یصب علیه الماء ، فإن کان قد أکل فاغسله غسلا ، والغلام والجاریة شرع سواء » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن الصبی یبول علی الثوب قال : « یصب علیه الماء قلیلا ثم یعصره » (5) لأنا

لا یجب عصر الثوب من بول الرضیع

ص: 332


1- المنتهی ( 1 : 180 ).
2- المعتبر ( 1 : 450 ).
3- الخلاف ( 1 : 181 ).
4- التهذیب ( 1 : 249 - 715 ) ، الإستبصار ( 1 : 173 - 602 ) ، الوسائل ( 2 : 1003 ) أبواب النجاسات ب (3) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 55 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 249 - 714 ) ، الإستبصار ( 1 : 174 - 603 ) ، الوسائل ( 2 : 1002 ) أبواب النجاسات ب (3) ح (1).

______________________________________________________

نجیب عنه أولا بعدم وضوح السند ، فإن الراوی وهو الحسین بن أبی العلاء لم ینص الأصحاب علی توثیقه (1). وثانیا بالحمل علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالعصر ما یتوقف علیه إخراج عین النجاسة من الثوب ، فإنّ ذلک واجب عند من قال بنجاسة هذا البول.

ویعتبر فی الصب الاستیعاب لما أصابه البول لا الانفصال ، علی ما قطع به الأصحاب ، ودل علیه إطلاق النص ، إلا أن یتوقف علیه زوال عین النجاسة ، مع احتمال الاکتفاء به مطلقا ، لإطلاق النص.

وحکی العلامة فی التذکرة قولا بالاکتفاء فیه بالرشّ ، قال : فیجب فیه التعمیم ولا یکفی إصابة الرش بعض موارد النجاسة (2). وبه قطع فی النهایة (3) ، إلا أنه اعتبر فی حقیقة الرش الاستیعاب وجعله أخص من النضح ، وفرق بینه وبین الغسل باعتبار السیلان والتقاطر فی الغسل دون الرش. وهو بعید ، لنص أهل اللغة علی أنّ النضح والرش بمعنی واحد (4) ، وصدقهما لغة وعرفا بدون الاستیعاب.

والمشهور بین الأصحاب : اختصاص الحکم بالصبی ، ووجوب الغسل من بول الصبیة کالبالغ. ونقل عن علی بن بابویه أنه ساوی بین بول الصبی والصبیة فی ذلک ، وهو الظاهر من حسنة الحلبی المتقدمة ، حیث قال فیها : « والغلام والجاریة شرع سواء » (5).

ص: 333


1- کالنجاشی فی رجاله : (39) ، والطوسی فی رجاله : ( 169 - 59 ).
2- التذکرة ( 1 : 9 ).
3- نهایة الأحکام ( 1 : 289 ).
4- القاموس المحیط ( 1 : 262 ) ، الصحاح ( 1 : 411 ) ، النهایة لابن الأثیر ( 2 : 225 ). نضح البیت ینضحه : رشّه.
5- فی ص (332).

وإذا علم موضع النجاسة غسل ، وإن جهل غسل کل موضع یحصل فیه الاشتباه.

______________________________________________________

وأجاب عنها فی المعتبر بحمل التسویة علی التسویة فی التنجیس ، لا فی حکم الإزالة (1) ، وهو بعید جدا.

والحکم وقع فی الروایة معلقا علی بول المولود الذی لم یأکل لا علی الرضیع (2) ، والظاهر أنّ المراد به : من لم یأکل الطعام أکلا مستندا إلی شهوته وإرادته ، کما ذکره فی المنتهی (3). وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : والمعتبر أن یطعم ما یکون غذاءا ، ولا عبرة بما یلعق دواء أو من الغذاء فی الندرة ، ولا تصغ إلی من یعلق الحکم بالحولین فإنه مجازف ، بل لو استقل بالغذاء قبل الحولین تعلق ببوله وجوب الغسل (4).

قوله : ولو علم موضع الملاقاة غسل ، ولو جهل غسل کل موضع یحصل فیه الاشتباه.

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، قاله فی المعتبر ، واستدل علیه بأن النجاسة موجودة علی الیقین ولا یحصل الیقین بزوالها إلا بغسل جمیع ما وقع فیه الاشتباه (5). ویشکل بأن تعیّن النجاسة یرتفع بغسل جزء مما وقع فیه الاشتباه یساوی قدر النجاسة وإن لم یحصل القطع بغسل ذلک المحل بعینه.

ویدل علی وجوب غسل الجمیع صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد - وهو ابن مسلم - عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال فی المنی الذی یصیب الثوب : « فإن عرفت مکانه فاغسله ، وإن خفی علیک فاغسله کله » (6).

وجوب غسل الثوب مع اشتباه محل النجاسة

ص: 334


1- المعتبر ( 1 : 437 ).
2- المتقدمة فی ص (332).
3- المنتهی ( 1 : 176 ).
4- المعتبر ( 1 : 436 ).
5- المعتبر ( 1 : 438 ).
6- التهذیب ( 1 : 267 - 784 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (1).

______________________________________________________

وعن ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال سألته عن المنی یصیب الثوب ، قال : « إن عرفت مکانه فاغسله ، وإن خفی علیک مکانه فاغسل الثوب کله » (1).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام - فی حدیث طویل - قال ، قلت : فإنی قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أین هو فأغسله؟ قال : « تغسل ثوبک من الناحیة التی تری أنه قد أصابها حتی تکون علی یقین من طهارتک » (2).

وفی الحسن عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن أبوال الدواب والبغال والحمیر ، فقال : « اغسله ، فإن لم تعلم مکانه فاغسل الثوب کله » (3).

وعن سماعة ، قال : سألته عن المنی یصیب الثوب ، قال : « اغسل الثوب کله إذا خفی علیک مکانه ، قلیلا کان أو کثیرا » (4).

ولا یخفی أنّ الحکم بوجوب غسل الجمیع - لتوقف الواجب علیه أو للنصّ - لا یقتضی الحکم بنجاسة کل جزء من أجزائه ، فلو لاقی بعض المحل المشتبه جسم طاهر برطوبة فالأظهر بقاؤه علی الطهارة ، استصحابا لحکمه قبل الملاقاة إلی أن یحصل الیقین

ص: 335


1- الکافی ( 3 : 53 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 251 - 725 ) ، الوسائل ( 2 : 1007 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (7).
2- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الاستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، علل الشرائع : ( 361 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (2) ، وفیها : تغسل من ثوبک.
3- الکافی ( 3 : 57 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 771 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 620 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (6).
4- الکافی ( 3 : 54 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 727 ) ، الوسائل ( 2 : 1007 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (8).

ویغسل الثوب والبدن من البول مرّتین.

______________________________________________________

بملاقاته للنجاسة. وفی خبر زرارة المتقدم : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا ».

قوله : ویغسل الثوب والبدن من البول مرّتین.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (1). والأصل فیه : الأخبار المستفیضة ، کصحیحة ابن أبی یعفور ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البول یصیب الثوب ، قال : « اغسله مرتین » (2).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الثوب یصیبه البول ، قال : « اغسله فی المرکن مرتین ، فإن غسلته فی ماء جار فمرة واحدة » (3).

وروایة الحسین بن أبی العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البول یصیب الجسد ، قال : « صبّ علیه الماء مرتین فإنما هو ماء » وسألته عن الثوب یصیبه البول ، قال : « اغسله مرتین » (4).

واستقرب العلامة فی المنتهی الاکتفاء فیه بما تحصل به الإزالة ولو بالمرة (5). وبه جزم الشهید - رحمه الله - ( فی البیان ) (6) فإنه اکتفی بالإنقاء فی جمیع النجاسات (7). وهو مشکل ، لأن فیه اطراحا للأخبار الصحیحة من غیر معارض. نعم لو قیل باختصاص

عدد الغسلات

ص: 336


1- المعتبر ( 1 : 435 ).
2- التهذیب ( 1 : 251 - 722 ) ، الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1) ح (2).
3- التهذیب ( 1 : 250 - 717 ) ، الوسائل ( 2 : 1002 ) أبواب النجاسات ب (2) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 55 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 249 - 714 ) ، الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1) ح (4).
5- المنتهی ( 1 : 175 ).
6- لیست فی « م » و « س ».
7- البیان : (40).

______________________________________________________

المرتین بالثوب والاکتفاء فی غیره بالمرة المزیلة للعین کان وجها قویا (1) ، للأصل ، وحصول الغرض من الإزالة ، وإطلاق الأمر بالغسل المتناول للمرة ، وضعف الأخبار المتضمنة للمرتین فی غیر الثوب (2).

ولم یتعرض المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب الغیر البول من النجاسات ، وقد اختلف فیه کلام الأصحاب فنقل عن الشیخ فی المبسوط أنه قال : لا یراعی العدد فی شی ء من النجاسات إلا فی الولوغ (3). ومقتضی کلامه الاکتفاء بالمرة المزیلة للعین حتی فی البول أیضا ، وبه قطع الشهید - رحمه الله - فی البیان ، ومال إلیه فی الذکری لإطلاق الأمر بالغسل المتناول للمرة (4). واعتبر فی المعتبر المرة بعد إزالة العین أخذا بالإطلاق (5). وأوجب العلامة فی التحریر المرتین فیما له قوام وثخن کالمنی دون غیره (6). وقال فی المنتهی : النجاسات التی لها قوام وثخن - کالمنی - أولی بالتعدد فی الغسلات ، قال : ویؤیده قول أبی عبد الله علیه السلام عن البول : « فإنما هو ماء » (7) فإنه یدل بمفهومه علی أنّ غیر الماء أکثر عددا. وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه ذکر المنی فشدده وجعله أشد من البول (8) (9).

ویتوجه علی الأول منع أولویة التعدد بعد إزالة العین ، بل غایة ما یستفاد من ذلک

ص: 337


1- فی « م » : قریبا.
2- الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1).
3- المبسوط ( 1 : 37 ).
4- الذکری : (15).
5- المعتبر ( 1 : 435 ).
6- تحریر الأحکام ( 1 : 24 ).
7- المتقدم فی ص (336).
8- التهذیب ( 1 : 252 - 730 ) ، الوسائل ( 2 : 1023 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (2).
9- المنتهی ( 1 : 175 ).

______________________________________________________

توقف الإزالة فی هذه النجاسات علی أمر زائد علی ما یعتبر فی البول ، وهو مسلم ، وأقله الحت والفرک المزیل لعین النجاسة ، أما اعتبار التعدد فلا یدل علیه ، خصوصا إن اعتبر بعد إزالة العین. وقریب من ذلک الکلام فی الروایة الأولی.

أما الروایة الثانیة فلا دلالة لها علی المطلوب بوجه ، إذ الظاهر منها أنّ التشدید فی المنی إنما هو فی وجوب إزالته ، وبطلان الصلاة مع الإخلال بذلک ، ردا لما ذهب الیه بعض العامة من القول بطهارته (1) ، ولیس فی الروایة تعرض لحال الغسل.

وذهب الشهید - رحمه الله - فی اللمعة والرسالة (2) ، والمحقق الشیخ علی - رحمه الله - (3) إلی وجوب المرتین فی الجمیع.

والمعتمد الاجتزاء بالمرة المزیلة للعین مطلقا ، لما بیناه فیما سبق من انتفاء ما یدل علی نجاسة شی ء من الأعیان بهذا العنوان ، وإنما استفید نجاستها من أحد أمرین : إما أمر الشارع بغسل ما أصابته ، والامتثال یتحقق بالمرة ، أو بإجماع الأصحاب علی النجاسة ، وهو منتف بعد الغسلة الواحدة فیزول المقتضی للتنجیس ، ولا یعارض باستصحاب حکم النجاسة لضعف التمسک به کما بیناه مرارا ، ولأنه بتقدیر تسلیمه إنما یتمشی فی الحکم المطلق لا المقیّد کما لا یخفی.

وهنا مباحث :

الأول : إطلاق العبارة یقتضی اعتبار المرتین فی غسل الثوب والبدن من البول سواء کان بالقلیل أم الکثیر ، الراکد أم الجاری. وصرح المصنف - رحمه الله - فی المعتبر فی مسألة الولوغ باعتبار التعدد فی الکثیر مطلقا ، إلا أنه اکتفی فی تحقق المرتین فی الجاری

کفایة المرة المزیلة مطلقا

ص: 338


1- کالشافعی فی کتاب الأم ( 1 : 17 ).
2- اللمعة الدمشقیة : (17) ، والرسالة الألفیة : (38).
3- جامع المقاصد ( 1 : 17 ).

______________________________________________________

بتعاقب الجریتین علیه (1).

وقال العلامة فی المنتهی فی أحکام الأوانی : إنّ الجسم المنجس إذا وقع فی الکثیر من الراکد احتسب بوضعه فی الماء ومرور الماء علی أجزائه غسلة ، وإن خضخضه وحرّکه بحیث یمر علیه أجزاء غیر الأجزاء التی کانت ملاقیة له احتسب بذلک غسلة ثانیة ، کما لو مرت علیه جریات من الجاری (2). ومقتضی ذلک اعتبار التعدد فی الجاری والراکد.

واعتبر الشیخ نجیب الدین فی الجامع التعدد فی الراکد دون الجاری (3).

وجزم العلامة فی التذکرة والنهایة (4) ، والشهیدان (5) ، والمحقق الشیخ علی (6) - رحمه الله - بسقوط التعدد فیهما معا. وهو المعتمد ، للأصل ، وإطلاق الأمر بالغسل ، وقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم الواردة فی الثوب إذا أصابه البول : « اغسله فی المرکن مرتین ، فإن غسلته فی ماء جاز فمرة واحدة » (7) ولا معارض لذلک إلا التمسک بإطلاق الروایات المتضمنة للمرتین فی غسل الثوب من البول (8) ، والظاهر منها کون الغسل فی القلیل.

الثانی : ظاهر عبارات الأصحاب اعتبار الفصل بین الغسلتین لتحقق التعدد ، ونقل عن ابن الجنید التصریح بذلک. واکتفی الشهید فی الذکری باتصال الماء بقدر الغسلتین (9) ، وهو مشکل. نعم لو کان الاتصال بقدر زمان الغسلتین والقطع أمکن

ص: 339


1- المعتبر ( 1 : 460 ).
2- المنتهی ( 1 : 191 ).
3- الجامع للشرائع : (22).
4- التذکرة ( 1 : 9 ) ، ونهایة الأحکام ( 1 : 279 ).
5- الشهید الأول فی اللمعة : (17) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (167).
6- جامع المقاصد ( 1 : 17 ).
7- المتقدمة فی ص (330).
8- الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1).
9- الذکری : (15).

______________________________________________________

الاکتفاء به فیما لا یعتبر تعدد العصر فیه ، لأن اتصال الماء فی زمان القطع لا یکون أضعف حکما من عدمه.

الثالث : النجاسة إن کانت عینیة اعتبر فی طهارة المحل منها زوال عین النجاسة قطعا ، ویدل علیه قول الرضا علیه السلام فی صحیحة الحسن الوشاء : « ینقی الدم » (1) وفی حسنة ابن المغیرة وقد سأله هل للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتی ینقی ما ثمّة » (2).

وقطع المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بعدم وجوب إزالة اللون والرائحة ، لأنهما عرضان لا یحملان النجاسة ، قال : وعلیه إجماع العلماء (3). وجزم العلامة فی المنتهی والنهایة بوجوب إزالة اللون مع الإمکان (4) ، واعتبر فی النهایة إزالة الطعم أیضا لسهولة إزالته.

والأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - من الاکتفاء بزوال العین ، لأصالة عدم وجوب إزالة ما عداه ، ولا یعارض باستصحاب حکم النجاسة ، لما بیناه غیر مرة.

ویؤیده روایة علی بن أبی حمزة عن العبد الصالح علیه السلام ، قال : سألته أم ولد لأبیه فقالت : أصاب ثوبی دم الحیض وغسلته فلم یذهب أثره ، فقال : « اصبغیه بمشق (5) » (6) ومثله روی عیسی بن أبی منصور ، عن أبی عبد الله علیه السلام (7). ولو

ص: 340


1- التهذیب ( 1 : 348 - 1024 ) ، الوسائل ( 1 : 189 ) أبواب نواقض الوضوء ب (7) ح (11).
2- الکافی ( 3 : 17 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 28 - 75 ) ، الوسائل ( 2 : 1033 ) أبواب النجاسات ب (25) ح (2).
3- المعتبر ( 1 : 436 ).
4- المنتهی ( 1 : 171 ) ، ونهایة الأحکام ( 1 : 279 ).
5- المشق بالکسر : المغرة : وهو طین أحمر ( مجمع البحرین 5 : 236 ).
6- الکافی ( 3 : 59 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 272 - 800 ) ، الوسائل ( 2 : 1033 ) أبواب النجاسات ب (25) ح (1).
7- التهذیب ( 1 : 272 - 801 ) ، الوسائل ( 2 : 1033 ) أبواب النجاسات ب (25) ح (3).

وإذا لاقی الکلب أو الخنزیر أو الکافر ثوب الإنسان رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا ، وإن کان یابسا رشّه بالماء استحبابا.

______________________________________________________

کان اللون نجسا لما اجتزأ بالصبغ.

قوله : وإذا لاقی الکلب والخنزیر والکافر ثوب الإنسان رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا ، وإن کان یابسا رشّه بالماء استحبابا.

أما وجوب غسل الثوب إذا لاقاه أحد الثلاثة برطوبة فقد تقدم الکلام فیه ، وفرّق الصدوق فی من لا یحضره الفقیه بین کلب الصید وغیره ، فقال : ومن أصاب ثوبه کلب جافّ ولم یکن کلب صید فعلیه أن یرشش بالماء ، وإن کان رطبا فعلیه أن یغسله ، وإن کان کلب صید وکان جافا فلیس علیه شی ء ، وإن کان رطبا فعلیه أن یرششه بالماء (1). ولم نقف له فی هذا التفصیل علی مستند ، ویدفعه إطلاق الأمر بغسل الثوب من ملاقاة الکلب مع الرطوبة ، والرش مع الیبوسة من غیر تفصیل.

وأما استحباب الرشّ مع الیبوسة فقال فی المعتبر : إنه مذهب علمائنا أجمع (2) ، ویدل علیه صحیحة أبی العباس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أصاب ثوبک من الکلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فاصبب علیه الماء » (3).

وصحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام : فی الخنزیر یمس الثوب ، قال : « وإن لم یکن دخل فی صلاته فلینضح ما أصاب من ثوبه إلا أن یکون فیه أثر فیغسله » (4) ولم أقف فی استحباب الرش من ملاقاة الکافر مع الیبوسة علی نصّ.

استحباب رش الثوب بملاقاة الکلب والخنزیر یابسا

ص: 341


1- الفقیه ( 1 : 43 ).
2- المعتبر ( 1 : 440 ).
3- التهذیب ( 1 : 261 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 1034 ) أبواب النجاسات ب (26) ح (2).
4- التهذیب ( 1 : 261 - 760 ) ، الوسائل ( 2 : 1017 ) أبواب النجاسات ب (13) ح (1).

______________________________________________________

ونقل عن ابن حمزة أنه أوجب الرش فی هذه المواضع أخذا بظاهر الأمر (1). وهو ظاهر اختیار المفید فی المقنعة (2) ، والصدوق فی کتابه (3). وهو محتمل إلا أنّ الاستحباب أقرب.

وقد ورد الأمر بالنضح فی مواضع أخر ، منها : الفأرة إذا مشت علی الثوب برطوبة ولم یر أثرها ، رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت فی الماء تمشی علی الثیاب أیصلی فیها؟ قال : « اغسل ما رأیت من أثرها ، وما لم تره فانضحه بالماء » (4).

ومنها : البول إذا شک فی إصابته الثوب والجسد ، رواه عبد الرحمن بن الحجاج فی الصحیح ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن رجل یبول باللیل فیحسب أن البول أصابه فلا یستیقن ، فهل یجزیه أن یصب علی ذکره إذا بال ولا ینشف؟ قال : « یغسل ما استبان أنه أصابه وینضح ما یشک فیه من جسده أو ثیابه وینشف قبل أن یتوضأ » (5).

وکذا الکلام فی المنی لقول الصادق علیه السلام فی حسنة الحلبی : « فإن ظن أنه أصابه منی ولم یستیقن ولم یر مکانه فلینضحه بالماء » (6).

وجزم العلامة فی المنتهی باستحباب النضح مع الشک فی النجاسة مطلقا (7).

بعض ما یستحب نضح الثوب منه

ص: 342


1- الوسیلة : (77).
2- المقنعة : (10).
3- الفقیه ( 1 : 43 ).
4- التهذیب ( 1 : 261 - 761 ) ، الوسائل ( 2 : 1049 ) أبواب النجاسات ب (33) ح (2).
5- التهذیب ( 1 : 421 - 1234 ) ، الوسائل ( 2 : 1053 ) أبواب النجاسات ب (37) ح (2).
6- الکافی ( 3 : 54 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 728 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (4).
7- المنتهی ( 1 : 180 ).

وفی البدن یغسل رطبا ، وقیل : یمسح یابسا ، ولم یثبت.

______________________________________________________

والتعمیم یتوقف علی الدلیل.

ومنها : بول البغال والحمیر والدواب إذا شک فی إصابتها الثوب ، رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن أبوال الدواب ، والبغال ، والحمیر ، فقال : « اغسله ، فإن لم تعلم مکانه فاغسل الثوب کله ، فإن شککت فانضحه » (1).

ومنها : المذی إذا أصاب الثوب ، رواه محمد - وهو ابن مسلم - فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن المذی یصیب الثوب ، قال : « ینضحه بالماء إن شاء » (2).

ومنها : بول البعیر والشاة ، رواه عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل تصیبه أبوال البهائم ، أیغسله أم لا؟ قال : « یغسل بول الفرس والبغل والحمار ، وینضح بول البعیر والشاة ، وکل شی ء یؤکل لحمه فلا بأس ببوله » (3).

قوله : وفی البدن یغسل رطبا ، وقیل : یمسح یابسا ، ولم یثبت.

القول للشیخ - رحمه الله - فی المبسوط ، ومقتضی کلامه عدم اختصاص الحکم بهذه النجاسات ، فإنه قال : کل نجاسة أصابت الثوب أو البدن وکانت یابسة لا یجب غسلها وإنما یستحب مسح الید بالتراب أو نضح الثوب (4). ورده المصنف - رحمه الله تعالی - بعدم ثبوت مأخذه ، وهو کذلک ، فإنا لم نقف له علی مستند.

استحباب مسح البدن بملاقاة النجاسة یابسا

ص: 343


1- الکافی ( 3 : 57 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 771 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 620 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (6).
2- التهذیب ( 1 : 267 - 784 ) ، الوسائل ( 2 : 1023 ) أبواب النجاسات ب (17) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 422 - 1337 ) ، الوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (9).
4- المبسوط ( 1 : 38 ).

وإذا أخلّ المصلّی بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد فی الوقت وخارجه. فإن لم یعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب علیه الإعادة مطلقا وقیل : یعید فی الوقت ، والأول أظهر.

______________________________________________________

قوله : وإذا أخلّ المصلّی بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد فی الوقت وخارجه ، فإن لم یعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب علیه الإعادة وقیل : یعید فی الوقت ، والأول أظهر.

إذا أخلّ المصلی بإزالة النجاسة التی تجب إزالتها فی الصلاة عن ثوبه أو بدنه ، فإما أن یکون عالما بالنجاسة ذاکرا لها حالة الصلاة ، أو ناسیا ، أو جاهلا ، فهنا مسائل ثلاث :

الاولی : أن یسبق علمه بالنجاسة ویصلی ذاکرا لها ، وتجب علیه الإعادة فی الوقت والقضاء فی خارجه ، قال فی المعتبر : وهو إجماع من جعل طهارة البدن والثوب شرطا (1).

وإطلاق کلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی العالم بالنجاسة بین أن یکون عالما بالحکم الشرعی أو جاهلا ، بل صرح العلامة وغیره (2) : بأنّ جاهل الحکم عامد ، لأن العلم لیس شرطا للتکلیف. وهو مشکل لقبح تکلیف الغافل.

والحق أنهم إن أرادوا بکون الجاهل کالعامد : أنه مثله فی وجوب الإعادة فی الوقت مع الإخلال بالعبادة فهو حق ، لعدم حصول الامتثال ، المقتضی لبقاء المکلف تحت العهدة.

وإن أرادوا أنه کالعامد فی وجوب القضاء فهو علی إطلاقه مشکل ، لأن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلیل ، فإن ثبت مطلقا أو فی بعض الصور ثبت الوجوب وإلا فلا.

حکم من أخل بإزالة النجاسة وصلی

ص: 344


1- المعتبر ( 1 : 441 ).
2- کالشهید الأول فی الدروس : (18).

______________________________________________________

وإن أرادوا أنه کالعامد فی استحقاق العقاب فمشکل ، لأن تکلیف الجاهل بما هو جاهل به تکلیف بما لا یطاق. نعم هو مکلف بالبحث والنظر إذا علم وجوبهما بالعقل أو الشرع ، فیأثم بترکهما لا بترک ذلک المجهول کما هو واضح.

الثانیة : أن یکون ناسیا للنجاسة ویصلی ثم یذکر ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه. فذهب الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف ، والمفید فی المقنعة ، والمرتضی فی المصباح ، وابن إدریس : إلی أنه کالذاکر یجب علیه الإعادة فی الوقت ، والقضاء فی خارجه (1). ونقل عن ابن إدریس أنه ادعی الإجماع علی ذلک واعترف بأنه لو لا الإجماع لما صار إلیه (2).

وحکی العلامة فی التذکرة عن الشیخ فی بعض أقواله عدم وجوب الإعادة مطلقا (3). وقال الشیخ فی الاستبصار یعید فی الوقت لا فی خارجه (4).

ومنشأ الخلاف فی هذه المسألة اختلاف الروایات ظاهرا ، فروی الشیخ - رحمه الله تعالی - عن محمد بن علی بن محبوب وسعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصیب ثوبه الشی ء ینجسه فینسی أن یغسله فیصلی فیه ثم یذکر أنه لم یکن غسله ، أیعید الصلاة؟ قال : « لا یعید ، قد مضت الصلاة وکتبت له » (5) وهذه الروایة مع صحة

ص: 345


1- النهایة : (52) ، والمبسوط ( 1 : 38 ) ، والخلاف ( 1 : 187 ) ، والمقنعة : (24) ، ونقل عن المصباح فی المعتبر ( 1 : 441 ) ، والسرائر : (37).
2- السرائر : (58).
3- التذکرة ( 1 : 97 ).
4- الاستبصار ( 1 : 184 ).
5- التهذیب ( 1 : 423 - 1345 ) ، الإستبصار ( 1 : 183 - 642 ) ، الوسائل ( 2 : 1063 ) أبواب النجاسات ب (42) ح (3).

______________________________________________________

سندها کالصریحة فی عدم الإعادة فی الوقت وخارجه کما یدل علیه التعلیل المستفاد من قوله علیه السلام : « قد مضت الصلاة وکتبت له ».

ویظهر من المصنف - رحمه الله - فی المعتبر المیل إلی العمل بمضمونها ، فإنه قال : وعندی أنّ هذه الروایة حسنة ، والأصول تطابقها ، لأنه صلی صلاة مشروعة مأمورا بها فیسقط الفرض بها ، ویؤید ذلک قوله علیه السلام : « غفر لأمتی الخطأ والنسیان » (1). هذا کلامه - رحمه الله تعالی.

والظاهر أنّ مراده بالحسن هنا خلاف المعنی المصطلح علیه بین المحدثین ، فإن سند هذه الروایة فی أعلی مراتب الصحة ، فما ذکره بعض الأصحاب من أن هذه الروایة حسنة وأنها لا تقاوم الأخبار الصحیحة (2) وهم نشأ من عبارة المعتبر.

وبإزاء هذه الروایة أخبار کثیرة دالة علی ثبوت الإعادة کصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أصاب ثوبی دم رعاف أو غیره أو شی ء من منی فعلمت أثره إلی أن أصیب له الماء ، فأصبت وقد حضرت الصلاة ونسیت أنّ بثوبی شیئا وصلیت ، ثم إنی ذکرت بعد ذلک قال : « تعید الصلاة وتغسله » (3).

وصحیحة عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فالرجل یکون فی ثوبه نقط الدم لا یعلم به ، ثم یعلم فینسی أن یغسله ، فیصلی ثم یذکر بعد ما صلّی ، أیعید صلاته؟ قال : « یغسله ولا یعید صلاته إلا أن یکون مقدار الدرهم مجتمعا

ص: 346


1- المعتبر ( 1 : 441 ).
2- کالشهید الثانی فی روض الجنان : (168).
3- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الإستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، الوسائل ( 2 : 1063 ) أبواب النجاسات ب (42) ح (2).

______________________________________________________

فیغسله ویعید الصلاة » (1) ومثله روی محمد بن مسلم - فی الحسن - (2) ، وسماعة (3) ، وأبو بصیر (4) ، عن الصادق علیه السلام ، وبهذه الروایات تمسک الثلاثة وأتباعهم فی وجوب الإعادة والقضاء.

وجمع الشیخ فی الاستبصار (5) بین الأخبار بحمل الروایات المتضمنة للإعادة علی أنّ المراد بنفی الإعادة فی الوقت ، وحمل الروایة الأولی علی کون الذکر خارج الوقت ، وأنّ المراد بنفی الإعادة نفی القضاء ، واستدل علی هذا التأویل بما رواه عن علی بن مهزیار ، قال : کتب إلیه سلیمان بن رشید یخبره أنه بال فی ظلمة اللیل ، وأنه أصاب کفه برد نقطة من البول لم یشک أنه أصابه ولم یره ، وأنه مسحه بخرقة ثم نسی أن یغسله ، وتمسح بدهن فمسح به کفیه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلی ، فأجابه بجواب قرأته بخطه : « أما ما توهمت مما أصاب یدک فلیس بشی ء إلا ما تحقق ، فإن تحققت ذلک کنت حقیقا أن تعید الصلوات التی کنت صلیتهن بذلک الوضوء بعینه ما کان منهن فی وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة علیک لها ، من قبل أنّ الرجل إذا کان ثوبه نجسا لم یعد الصلاة إلا ما کان فی وقت ، وإذا کان جنبا أو صلی علی غیر وضوء فعلیه إعادة

ص: 347


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 59 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 254 - 736 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 609 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (6).
3- التهذیب ( 1 : 254 - 738 ) ، الإستبصار ( 1 : 182 - 638 ) ، الوسائل ( 2 : 1064 ) أبواب النجاسات ب (42) ح (5).
4- التهذیب ( 1 : 254 - 737 ) ، الإستبصار ( 1 : 182 - 637 ) ، الوسائل ( 2 : 1060 ) أبواب النجاسات ب (40) ح (7).
5- الاستبصار ( 1 : 184 ).

______________________________________________________

الصلوات المکتوبات اللواتی فاتته ، لأن الثوب خلاف الجسد » (1) وهی مع تطرق الضعف إلیها من حیث السند بجهالة الکاتب ، مجملة المتن أیضا ، بل ربما أفادت بظاهرها عدم اعتبار طهارة محالّ الوضوء ، وهو مشکل ، إلا أن یحمل قوله : « فإن تحققت ذلک » علی أنّ المراد : فإن تحققت وصول البول إلی بدنک (2) علی وجه لا یکون فی أعضاء الوضوء وقوله : « لأن الثوب خلاف الجسد » یمکن أن یکون المراد به أنّ نجاسة الثوب العینیة خلاف نجاسة البدن الحکمیة.

والأظهر عدم وجوب الإعادة لصحة مستنده ، ومطابقته لمقتضی الأصل والعمومات ، وحمل ما تضمن الأمر بالإعادة علی الاستحباب.

الثالثة : أن یکون جاهلا بالنجاسة ولم یعلم حتی فرغ من صلاته ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه أیضا ، فقال الشیخ - رحمه الله تعالی - فی موضع من النهایة (3) ، والمفید (4) ، والمرتضی (5) ، وابن إدریس (6) : إنه لا إعادة علیه مطلقا. وقال فی المبسوط : یعید فی الوقت لا فی خارجه (7) ، واختاره فی باب المیاه من النهایة أیضا (8) ، وظاهرهم الاتفاق علی عدم وجوب القضاء لو لم یعلم حتی خرج الوقت ، ونقل علیه ابن فهد - رحمه الله - فی المهذب الإجماع صریحا (9) ، وربما ظهر من عبارة المنتهی تحقق الخلاف

ص: 348


1- التهذیب ( 1 : 426 - 1355 ) ، الإستبصار ( 1 : 184 - 643 ) ، الوسائل ( 2 : 1063 ) أبواب النجاسات ب (42) ح (1).
2- فی « م » و « ق » : یدیک.
3- النهایة : (52).
4- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 442 ).
5- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 442 ).
6- السرائر : (37).
7- المبسوط ( 1 : 38 ).
8- النهایة : (8).
9- المهذب البارع ( 1 : 247 ).

______________________________________________________

فیه أیضا (1). والمعتمد عدم وجوب الإعادة مطلقا.

لنا : إنه صلی صلاة مأمورا بها شرعا فکانت مسقطة للفرض ، لأن الأمر یقتضی الإجزاء ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلی وفی ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو کلب ، أیعید صلاته؟ قال : « إن کان لم یعلم فلا یعید » (2).

وعن إسماعیل الجعفی ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الدم الزائد علی قدر الدرهم ، قال : « وإن لم یکن رآه حتی صلی فلا یعید الصلاة » (3).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : ذکر المنی فشدده وجعله أشد من البول ، ثم قال : « إن رأیت المنی قبل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک إعادة الصلاة وإن أنت نظرت فی ثوبک فلم تصبه ثم صلیت فیه ثم رأیته بعد فلا إعادة علیک وکذلک البول » (4).

قال الشهید - رحمه الله - فی الذکری بعد نقل هذه الروایة : ولو قیل : لا إعادة علی من اجتهد قبل الصلاة ویعید غیره أمکن ، لهذا الخبر ، ولقول الصادق علیه السلام فی المنی تغسله الجاریة ثم یوجد : « أعد صلاتک ، أما إنک لو کنت غسلت أنت لم یکن علیک شی ء » إن لم یکن إحداث قول ثالث (5).

ص: 349


1- المنتهی ( 1 : 183 ). حیث قال : وبه قال أکثر علمائنا.
2- التهذیب ( 2 : 359 - 1487 ) ، الإستبصار ( 1 : 180 - 630 ) ، الوسائل ( 2 : 1060 ) أبواب النجاسات ب (40) ح (5).
3- التهذیب ( 1 : 255 - 739 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 610 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (2).
4- الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 730 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (2).
5- الذکری : (17).

______________________________________________________

قلت : لیس فی هاتین الروایتین دلالة علی ثبوت الإعادة علی جاهل النجاسة مع انتفاء الاجتهاد ، أما الثانیة فظاهر ، لأنها إنما دلت علی الإعادة مع الصلاة فی الثوب الذی غسلته الجاریة لعدم وقوع الغسل علی الوجه المعتبر وهو خلاف محل النزاع ، وقوله : « أما إنک لو کنت غسلت أنت لم یکن علیک شی ء » یمکن أن یکون المراد به : أنک لو غسلته لأزلت النجاسة فلم یکن علیک الإعادة.

وأما الأولی فلأنها إنما تدل علی ثبوت الإعادة مع انتفاء الشرط ، وهو النظر فی الثوب من باب دلیل الخطاب ، وهو غیر حجة إذا کان الشرط مخرجا مخرج الغالب کما قرر فی محله.

احتج الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط علی ما نقل عنه بأنه لو علم بالنجاسة فی أثناء الصلاة وجب علیه الإعادة ، فکذا إذا علم فی الوقت بعد الفراغ (1).

والجواب بالمنع من الملازمة ، فإن ذلک یتوقف علی الدلیل ولم یثبت.

ویمکن أن یستدل له أیضا بما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح ، عن وهب بن عبد ربه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الجنابة تصیب الثوب ولا یعلم بها صاحبه ، فیصلی فیه ثم یعلم بعد ، قال : « یعید إذا لم یکن علم » (2).

وأجاب عنها فی التهذیب بالحمل علی أنه إذا لم یعلم فی حال الصلاة وکان قد سبقه العلم بحصول النجاسة فی الثوب ، وهو بعید. والأولی حملها علی الاستحباب ، مع أنّ متنها لا یخلو من شی ء ، ولا یبعد أن یکون : « لا یعید إذا لم یکن علم » فتوهم الراوی وأسقط حرف النفی. والله أعلم (3).

ص: 350


1- لم نعثر علیه فی المبسوط ، نعم نقل احتجاج الشیخ فی المنتهی ( 1 : 184 ).
2- التهذیب ( 2 : 360 - 1491 ) ، الإستبصار ( 1 : 181 - 635 ) ، الوسائل ( 2 : 1060 ) أبواب النجاسات ب (40) ح (8).
3- الجواهر ( 6 : 212 ). بل ربما احتمل کون الشرط من الراوی أکدّ به سؤاله فیما إذا لم یکن علم.

ولو رأی النجاسة وهو فی الصلاة ، فإن أمکنه إلقاء الثوب وستر العورة بغیره وجب وأتمّ ، وإن تعذر إلا بما یبطلها استأنف.

______________________________________________________

قوله : ولو رأی النجاسة وهو فی الصلاة ، فإن أمکنه إلقاء الثوب وستر العورة بغیره وجب وأتمّ ، وإن تعذر إلا بما یبطلها استأنف.

إذا وجد المصلی علی ثوبه أو جسده نجاسة وهو فی الصلاة فإما أن یعلم سبقها علی الصلاة أو لا.

فهنا مسألتان :

إحداهما : أن یعلم السبق ، وقد صرح الشیخ فی النهایة والمبسوط (1) ، والمصنف : بأنه یجب علیه إزالة النجاسة ، أو إلقاء الثوب النجس وستر العورة بغیره مع الإمکان وإتمام الصلاة ، وإن لم یمکن إلا بفعل المبطل ، کالفعل الکثیر والاستدبار بطلت صلاته واستقبلها بعد إزالة النجاسة.

قال فی المعتبر : وعلی قول الشیخ الثانی یستأنف (2). وأشار بالقول الثانی إلی ما نقله عن المبسوط من إعادة الجاهل الذی لم یعلم بالنجاسة حتی فرغ من صلاته فی الوقت.

ویشکل بمنع الملازمة ، إذ من الجائز أن تکون الإعادة لوقوع الصلاة بأسرها مع النجاسة فلا یلزم مثله فی البعض ، وبأنّ الشیخ قطع فی المبسوط بوجوب المضی فی الصلاة مع التمکن من إلقاء الثوب وستر العورة بغیره مع حکمه فیه بإعادة الجاهل فی الوقت.

وقد اختلفت الروایات فی ذلک ، فروی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : أصاب ثوبی دم رعاف أو غیره أو شی ء من منی - والحدیث طویل قال فی آخره - قلت : إن رأیته فی ثوبی وأنا فی الصلاة ، قال : « تنقض الصلاة » (3).

حکم من رأی النجاسة وهو یصلی

ص: 351


1- النهایة : (96) ، والمبسوط ( 1 : 38 ، 90 ).
2- المعتبر ( 1 : 443 ).
3- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الاستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، علل الشرائع : ( 361 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (2).

______________________________________________________

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إن رأیت المنی قبل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک إعادة الصلاة » (1).

ومقتضی هاتین الروایتین تعین القطع مطلقا سواء تمکن من إلقاء الثوب وستر العورة بغیره أم لا.

وروی محمد بن مسلم فی الحسن قال ، قلت له : الدم یکون فی الثوب علیّ وأنا فی الصلاة ، قال : « إن رأیته وعلیک ثوب غیره فاطرحه وصلّ ، وإن لم یکن علیک غیره فامض فی صلاتک ولا إعادة علیک » (2).

وروی علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصیب ثوبه خنزیر فلم یغسله ، فذکر وهو فی صلاته ، کیف یصنع به؟ قال : « إن کان دخل فی صلاته فلیمض ، وإن لم یکن دخل فی صلاته فلینضح ما أصاب من ثوبه إلا أن یکون فیه أثر فیغسله » (3).

ومقتضی هاتین الروایتین وجوب المضی فی الصلاة ، لکنه اعتبر فی الأولی طرح الثوب النجس إذا کان علیه غیره.

والجمع بین الروایات یتحقق بحمل ما تضمن الأمر بالاستیناف علی الاستحباب وإن جاز المضی فی الصلاة مع طرح الثوب النجس إذا کان علیه غیره ، وإلاّ مضی مطلقا. ولا بأس بالمصیر إلی ذلک وإن کان الاستئناف مطلقا أولی.

ص: 352


1- الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 730 ) ، التهذیب ( 2 : 223 - 880 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (2) ، وص (1062) ب (41) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 59 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 254 - 736 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 609 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (6).
3- الکافی ( 3 : 61 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 261 - 760 ) ، البحار ( 10 : 256 ) ، الوسائل ( 2 : 1017 ) أبواب النجاسات ب (13) ح (1).

______________________________________________________

وثانیتهما : أن لا یعلم السبق ، والأظهر وجوب طرح النجاسة أو غسلها وإتمام الصلاة ما لم یکثر الفعل ، وإلا استأنف. وقطع فی المعتبر بوجوب الاستئناف هنا بناء علی القول بإعادة الجاهل فی الوقت (1) ، وهو أشکل من السابق.

لنا علی وجوب الاستمرار مع التمکن من الإزالة بدون الفعل الکثیر : الأصل السالم عما یصلح للمعارضة ، لاختصاص الروایتین المتضمنتین للاستئناف بما إذا کانت النجاسة متقدمة علی الصلاة.

وعلی الاستئناف مع توقف الإزالة علی الفعل الکثیر : صحیحة معاویة بن وهب البجلی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرعاف أینقض الوضوء؟ قال : « لو أنّ رجلا رعف فی صلاته وکان عنده ماء أو من یشیر إلیه بماء فیناوله فمال برأسه فغسله فلیبن علی صلاته ولا یقطعها » (2).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یأخذه الرعاف والقی ء فی الصلاة ، کیف یصنع؟ قال : « ینفتل فیغسل أنفه ویعود فی صلاته ، وإن تکلم فلیعد صلاته ولیس علیه وضوء » (3).

وصحیحة إسماعیل بن عبد الخالق ، قال : سألته عن الرجل یکون فی جماعة من القوم یصلی بهم المکتوبة فیعرض له رعاف. کیف یصنع؟ قال : « یخرج ، فإن وجد ماءا قبل أن یتکلم فلیغسل الرعاف ثم لیعد ولیبن علی صلاته » (4) ومقتضی هذین الخبرین البناء مع عدم الکلام مطلقا ، إلا أنی لا أعلم به قائلا.

ص: 353


1- المعتبر ( 1 : 443 ).
2- التهذیب ( 2 : 327 - 1344 ) ، الوسائل ( 4 : 1246 ) أبواب قواطع الصلاة ب (2) ح (11).
3- الکافی ( 3 : 365 - 9 ) ، التهذیب ( 2 : 318 - 1302 ) و ( 323 - 1323 ) ، الاستبصار ( 1 : 403 - 1536 ) الوسائل ( 4 : 1244 ) أبواب قواطع الصلاة ب (2) ح (4).
4- التهذیب ( 2 : 328 - 1345 ) ، الاستبصار ( 1 : 403 - 1537 ) ، قرب الإسناد : (60) ، الوسائل ( 4 : 1246 ) أبواب قواطع الصلاة ب (2) ح (12).

______________________________________________________

فروع : الأول : لو علم بالنجاسة السابقة فی أثناء الصلاة ، لکن مع ضیق الوقت عن الإزالة والاستئناف ، فقد قطع الشهید - رحمه الله - فی البیان بوجوب الاستمرار (1) ، ومال إلیه فی الذکری ، موجها له باستلزامه القضاء المنفی (2). ویشکل بانتفاء ما یدل علی بطلان اللازم مع إطلاق الأمر بالاستیناف المتناول لهذه الصورة.

والحق بناء هذه المسألة علی أنّ ضیق الوقت عن إزالة النجاسة هل یقتضی انتفاء شرطیتها أم لا؟ بمعنی أن المکلف إذا کان علی بدنه أو ثوبه نجاسة وهو قادر علی الإزالة لکن إذا اشتغل بها خرج الوقت فهل یسقط وجوب الإزالة ویتعین فعل الصلاة بالنجاسة؟ أو یتعین علیه الإزالة والقضاء لو خرج الوقت؟ وهی مسألة مشکلة من حیث إطلاق النصوص المتضمنة لإعادة الصلاة مع النجاسة المتناول لهذه الصورة ، ومن أنّ وجوب الصلوات الخمس فی الأوقات المعینة قطعی ، واشتراطها بإزالة النجاسة علی هذا الوجه غیر معلوم فلا یترک لأجله المعلوم. وقد سبق نظیر المسألة فی التیمم إذا ضاق الوقت عن الطهارة المائیة والأداء مع وجود الماء عنده.

الثانی : لو وقعت علیه نجاسة وهو فی الصلاة ، ثم زالت ولم یعلم ، ثم علم استمر علی حاله. قال فی المعتبر : وعلی القول الثانی - یعنی إعادة الجاهل فی الوقت - یستأنف (3). والحق عدم توجه الاستئناف علی هذا القول أیضا کما بیناه.

الثالث : لو صلی ثم رأی النجاسة وشک هل کانت علیه فی الصلاة أم لا ، فالصلاة ماضیة. قال فی المنتهی : ولا نعرف فیه خلافا بین أهل العلم ، عملا بالأصلین : الصحة وعدم النجاسة (4).

ص: 354


1- البیان : (42).
2- الذکری : (17).
3- المعتبر ( 1 : 443 ).
4- المنتهی ( 1 : 184 ).

والمربیّة للصبیّ إذا لم یکن لها ثوب إلا واحد غسلته کل یوم مرّة. وإن جعلت تلک الغسلة فی آخر النهار أمام صلاة الظهر کان حسنا.

______________________________________________________

قوله : والمربیّة للصبیّ إذا لم یکن لها إلا ثوب واحد غسلته کل یوم مرّة ، وإن جعلت تلک الغسلة فی آخر النهار أمام صلاة الظهر کان حسنا.

هذا الحکم ذکره الشیخ فی النهایة والمبسوط (1) ، ووافقه علیه المتأخرون (2) ، ومستنده روایة أبی حفص ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن امرأة لیس لها إلا قمیص ولها مولود فیبول علیها ، کیف تصنع؟ قال : « تغسل القمیص فی الیوم مرة » (3) وهی ضعیفة السند باشتراک أبی حفص بین الثقة والضعیف ، وبأنّ من جملة رجالها محمد بن یحیی المعاذی وقد ضعفه العلامة فی الخلاصة (4).

والأولی وجوب الإزالة مع الإمکان وسقوطها مع المشقة الشدیدة دفعا للحرج.

ثم إن قلنا بالعفو فینبغی القطع بعدم الفرق بین الصبی والصبیة لشمول اسم المولود لهما ، وقصر الرخصة علی نجاسة ثوب المربیة للمولود ببوله فلا یتناول المربی (5) ، ولا غیر البول من سائر نجاساته ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی مورد النص.

وذکر المصنف وغیره (6) أنّ الأولی جعل الغسل فی آخر النهار أمام صلاة الظهر لتصلی فیه أربع صلوات مع الطهارة أو قلة النجاسة ، وهو حسن.

المربیة للصبی تغسل ثوبها مرة بالیوم

ص: 355


1- النهایة : (55) ، والمبسوط ( 1 : 39 ).
2- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 176 ) ، والشهید الأول فی البیان : (41) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 18 ).
3- الفقیه ( 1 : 41 - 161 ) وفیه : مرسلا ، التهذیب ( 1 : 250 - 719 ) ، المقنع : (5) ، الوسائل ( 2 : 1004 ) أبواب النجاسات ب (4) ح (1).
4- خلاصة العلامة : ( 254 - 32 ).
5- الجواهر ( 6 : 238 ). لا فرق فی المربیة بین أن تکون أمّا أو من غیرها من مستأجرة أو متبرعة ، وحرة وأمة.
6- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 176 ) ، والشهید الأول فی البیان : (41).

وإن کان مع المصلّی ثوبان وأحدهما نجس لا یعلمه بعینه صلی الصلاة الواحدة فی کل واحد منهما منفردا علی الأظهر.

______________________________________________________

وهل یجب إیقاع الصلاة عقیب غسل الثوب والتمکن من لبسه؟ الأظهر ذلک إن اقتضت العادة نجاسته مع التأخیر.

ولو أخلّت بالغسل وجب علیها قضاء آخر الصلوات (1) ، لأنها محل التضیق وصلاتها من قبل کانت جائزة ، لجواز تأخیر الغسل.

وعندی فی جمیع هذه الأحکام توقف لضعف المستند. وإلحاق هذه النجاسة بغیرها من النجاسات فی وجوب الإزالة مع الإمکان أولی وأحوط.

قوله : وإن کان مع المصلّی ثوبان وأحدهما نجس لا یعلمه بعینه صلی الصلاة الواحدة ، فی کل واحد منهما منفردا علی الأظهر.

هذا قول الشیخ (2) وأکثر الأصحاب. ونقل فی الخلاف عن بعض علمائنا أنه یطرحهما ویصلی عریانا ، وجعله فی المبسوط روایة ، واختاره ابن إدریس (3). والمعتمد الأول.

لنا : أنه متمکن من الصلاة فی ثوب طاهر من غیر مشقة فتعین علیه ، وأنّ الصلاة فی الثوب المتیقن النجاسة سائغة ، بل ربما کانت متعینة - علی ما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی - فالمشکوک فیه أولی. ومتی امتنع الصلاة عاریا ثبت وجوب الصلاة فی أحدهما أو فی کل منهما ، إذ المفروض انتفاء غیرهما ، والأول منتف إذ لا قائل به فیثبت الثانی. ویدل علیه ما رواه صفوان بن یحیی فی الحسن ، عن أبی الحسن علیه السلام : إنه کتب

حکم الصلاة فی الثوب المشتبه بالنجس

ص: 356


1- الجواهر ( 6 : 238 ). لعل المراد باخر الصلوات فریضة العصر لأنها التی یحصل الإخلال عندها ویتضیق وقت الغسل قبلها.
2- النهایة : (55) ، والخلاف ( 1 : 179 ) ، والمبسوط ( 1 : 39 ).
3- السرائر : (37).

______________________________________________________

إلیه یسأله عن رجل کان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم یدر أیهما هو ، وحضرت الصلاة وخاف فوتها ولیس عنده ماء ، کیف یصنع؟ قال : « یصلی فیهما جمیعا » (1) قال ابن بابویه - رحمه الله - : یعنی علی الانفراد.

احتج ابن إدریس بالاحتیاط ، ثم اعترض بأنّ الاحتیاط فی التکریر مع الساتر أولی ، وأجاب بوجوب اقتران ما یؤثر فی وجوه الأفعال بها ، وکون الصلاة واجبة وجه یقع علیه الصلاة ، فلا یؤثر فیه ما یتأخر. وبأنّ الواجب علیه عند إیقاع کل فریضة أن یقطع بطهارة ثوبه ، وهو منتف عند افتتاح کل صلاة (2).

وأجیب (3) عن الأول بالمنع من وجوب اقتران ما یؤثر فی وجوه الأفعال بها لانتفاء ما یدل علیه ، ولو سلم ذلک فالوجه المقتضی لوجوب الصلاتین مقارن لکل واحدة منهما ، فإنّ ستر العورة بالساتر الطاهر لمّا کان واجبا وکان تحصیله موقوفا علی الإتیان بالصلاة فی الثوبین تعیّن ، وکان ذلک وجها مقارنا لکل من الصلاتین.

قال فی المختلف بعد حکمه بوجوب الصلاتین من باب المقدمة : وهو - یعنی ابن إدریس - لم یتفطن لذلک ، وحسب أنّ إحدی الصلاتین واجبة دون الأخری ، ثم یعلم المکلف بعد فعلهما أنه قد فعل الواجب فی الجملة ، ولیس کذلک (4).

وعن الثانی بالمنع من اشتراط القطع بطهارة الثوب ، فإنّ ذلک شرط مع القدرة لا مع الاشتباه. قال فی المنتهی : ونحن نقول : إن اشترطت القطع بعدم النجاسة فهو غیر متحقق وتکلیف بما لا یطاق ، وإن اشترطت عدم القطع بالنجاسة فهو حاصل عند

ص: 357


1- الفقیه ( 1 : 161 - 757 ) ، التهذیب ( 2 : 225 - 887 ) ، الوسائل ( 2 : 1082 ) أبواب النجاسات ب (64) ح (1).
2- السرائر : (37).
3- کما فی المعتبر ( 1 : 439 ).
4- المختلف : (62).

______________________________________________________

الصلاة فی کل واحد من الثوبین (1).

قلت : ومن هنا ینقدح احتمال الاکتفاء بصلاة واحدة فی أحد الثوبین ، لأنّ المانع - وهو النجاسة فی کل واحد بخصوصه - غیر متیقن ، إلا أنّ ظاهر النص وکلام الأصحاب ینافیه. ولا ریب أنّ الصلاة فی کل من الثوبین أولی وأحوط. أما تعیّن الصلاة عاریا فمقطوع بفساده ، وما أبعد ما بین هذا القول وبین القول بوجوب الصلاة فی الثوب المتیقن النجاسة.

فروع : الأول : قال فی المنتهی : لو کان معه ثوب متیقن الطهارة تعیّن للصلاة ولم یجز له أن یصلی فی الثوبین لا متعددة ولا منفردة. وهو حسن إلا أن وجهه لا یبلغ حد الوجوب. قال : ولو کان أحدهما طاهرا والآخر نجسا نجاسة معفوا عنها تخیر فی الصلاة فی أیهما کان ، والأولی له الصلاة فی الطاهر ، وکذا لو کانت إحدی النجاستین المعفو عنهما فی الثوب أقل من الأخری کان الأولی الصلاة فی الأقل (2). ولا ریب فی الأولویة.

الثانی : لو کان معه ثیاب نجسة وطاهرة وحصل الاشتباه صلی الفرض بعدد النجسة وزاد صلاة واحدة علی ذلک العدد لیعلم وقوع الصلاة فی ثوب طاهر. ولو کثرت الثیاب وشق ذلک احتمل التخییر للحرج.

الثالث : لو فقد أحد المشتبهین قیل صلی فی الآخر وعاریا (3). والأجود الاکتفاء بالصلاة فی الباقی ، لجواز الصلاة فی متیقن النجاسة ففی غیره أولی.

الرابع : لو ضاق الوقت عن الصلاة فی الجمیع صلی فیما یحتمله الوقت وإن کانت واحدة ، وله الخیرة فی أی الأثواب شاء ، إلا أن یظن طهارة أحدها فیتعین.

ص: 358


1- المنتهی ( 1 : 181 ).
2- المنتهی ( 1 : 182 ).
3- کما فی الذکری : (17).

وفی الثیاب الکثیرة کذلک ، إلا أن یضیق الوقت فیصلّی عریانا.

ویجب أن یلقی الثوب النجس ویصلّی عریانا إذا لم یکن هناک غیره.

______________________________________________________

الخامس : لو کان علیه صلوات متعددة مرتبة وجب مراعاة الترتیب فیها ، فلو کان علیه ظهر وعصر مثلا ، صلی الظهر فی أحد الثوبین ثم نزعه وصلی فی الآخر ، ثم یصلی العصر ولو فی الثانی ، ثم یصلیها فی الأول.

ولو صلی فی کل ثوب الظهر والعصر لم استبعد جوازه ، وبه قطع العلامة فی النهایة (1) ، لترتب الثانیة علی الأولی علی کل تقدیر.

نعم لو صلی الظهر فی أحدهما ، ثم صلی العصر فی الآخر ، ثم صلی فیه الظهر ثم العصر فی الأول صحّ له الظهر لا غیر ، ووجب علیه إعادة العصر فی الثانی ، لجواز أن یکون الطاهر ما أوقع فیه العصر أولا.

قوله : وفی الثیاب الکثیرة کذلک ، إلا أن یضیق الوقت فیصلّی عریانا.

بل الأظهر تعیّن الصلاة فی الممکن. ولو لم یسع الوقت إلا لواحد اقتصر علی الصلاة فیه ولم تسغ (2) له الصلاة عاریا ، لأن احتمال فقد الوصف أولی من فوات الموصوف ، ولما سیأتی إن شاء الله تعالی من رجحان الصلاة فی متیقن النجاسة ، فإنّ المشکوک فی نجاسته أولی.

قوله : ویجب أن یلقی الثوب النجس ، ویصلّی عریانا إذا لم یکن هناک غیره.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ (3) - رحمه الله - وأکثر الأصحاب : إنّ من لیس معه إلا ثوب نجس وتعذر تطهیره نزعه وصلی عریانا مؤمیا.

حکم من لیس له ثوب طاهر

ص: 359


1- نهایة الأحکام ( 1 : 282 ).
2- فی « م » ، « س » ، « ح » : تسع.
3- النهایة : (55) ، المبسوط ( 1 : 90 ) ، الخلاف ( 1 : 176 ).

______________________________________________________

وقال ابن الجنید : ولو کان مع الرجل ثوب فیه نجاسة لا یقدر علی غسلها کان صلاته فیه أحب إلیّ من صلاته عریانا (1). وقال المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی بالتخییر بین الأمرین من غیر ترجیح (2).

احتج الشیخ - رحمه الله تعالی - بما رواه عن سماعة ، قال : سألته عن رجل یکون فی فلاة من الأرض لیس علیه إلا ثوب واحد وأجنب فیه ، ولیس عنده ماء ، کیف یصنع؟ قال : « یتیمم ویصلی عریانا قاعدا ویومی » (3).

وعن منصور بن حازم ، قال حدثنی محمد بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة ولیس علیه إلا ثوب واحد وأصاب ثوبه منی ، قال : « یتیمم ویطرح ثوبه ویجلس مجتمعا ویصلی فیومی إیماء » (4).

وفی الروایتین قصور من حیث السند ، أما الأولی فبالقطع ، وبأن من جملة رجالها زرعة وسماعة وهما واقفیان. وأما الثانیة فلأن فی طریقها محمد بن عبد الحمید ولم یوثق صریحا.

وبإزائهما أخبار متعددة متضمنة للأمر بالصلاة فی الثوب ، کصحیحة محمد بن علی الحلبی : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون له الثوب الواحد فیه بول لا یقدر علی غسله ، قال : « یصلی فیه » (5).

ص: 360


1- نقل کلامه فی المختلف : (62).
2- المعتبر ( 1 : 445 ) ، المنتهی ( 1 : 182 ).
3- التهذیب ( 2 : 223 - 881 ) ، الإستبصار ( 1 : 168 - 582 ) ، الوسائل ( 2 : 1068 ) أبواب النجاسات ب (46) ح (1). وفی الکافی ( 3 :3. 15 ).
4- التهذیب ( 1 : 406 - 1278 ) ، الإستبصار ( 1 : 168 - 583 ) ، الوسائل ( 2 : 1068 ) أبواب النجاسات ب (46) ح (4).
5- الفقیه ( 1 : 160 - 753 ) ، الوسائل ( 2 : 1067 ) أبواب النجاسات ب (45) ح (3).

______________________________________________________

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یجنب فی ثوب لیس معه غیره ولا یقدر علی غسله ، قال : « یصلی فیه » (1).

وصحیحة علی بن جعفر : إنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن رجل عریان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو کله ، أیصلی فیه؟ أو یصلی عریانا؟ فقال : « إن وجد ماءا غسله ، وإن لم یجد ماءا صلی فیه ولم یصل عریانا » (2).

وصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أجنب فی ثوبه ولیس معه غیره ، قال : « یصلی فیه ، فإذا وجد الماء غسله » (3).

وأجاب الشیخ - رحمه الله - عن هذه الأخبار بحمل الصلاة علی صلاة الجنازة ، أو بأن المراد الصلاة فیه إذا لم یتمکن من نزعه. وحمل خبر علی بن جعفر علی أنّ المراد بالدم الحاصل علی الثوب ما یجوز الصلاة فیه کدم السمک (4). ولا یخفی ما فی ذلک من التکلف والخروج عن مقتضی الظاهر.

ویمکن الجمع بینها بالتخییر بین الأمرین وأفضلیة (5) الصلاة فی الثوب ، کما اختاره ابن الجنید ، إلا أن ذلک موقوف علی تکافؤ السند ، وهو خلاف الواقع. وکیف کان فلا ریب أنّ الصلاة فی الثوب أولی.

ص: 361


1- الفقیه ( 1 : 160 - 754 ) ، التهذیب ( 2 : 224 - 885 ) ، الوسائل ( 2 : 1067 ) أبواب النجاسات ب (45) ح ( 4 ، 6 ).
2- الفقیه ( 1 : 160 - 756 ) ، التهذیب ( 2 : 224 - 884 ) ، الاستبصار ( 1 : 169 - 585 ) ، قرب الاسناد : (89) ، الوسائل ( 2 : 1067 ) أبواب النجاسات ب (45) ح (5).
3- الفقیه ( 1 : 40 - 155 ) ، التهذیب ( 1 : 271 - 799 ) ، الإستبصار ( 1 : 187 - 655 ) ، الوسائل ( 2 : 1066 ) أبواب النجاسات ب (45) ح (1).
4- التهذیب ( 2 : 224 - 225 ).
5- فی « م » : فأفضلیة.

وإن لم یمکنه صلّی فیه وأعاد ، وقیل : لا یعید ، وهو الأشبه.

والشمس إذا جففت البول وغیره من النجاسات عن الأرض والبواری والحصر طهر موضعه. وکذا کل ما لا یمکن نقله ، کالنباتات والأبنیة.

______________________________________________________

قوله : فإن لم یمکنه صلّی فیه وأعاد ، وقیل : لا یعید ، وهو الأشبه.

القول بالإعادة للشیخ - رحمه الله - فی جملة من کتبه (1) وجمع من الأصحاب. واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن رجل لیس معه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فیه ، ولیس یجد ماءا یغسله کیف یصنع؟ قال : « یتیمم ویصلّی ، فإذا أصاب ماءا غسله وأعاد الصلاة » (2) وهی - مع ضعف سندها باشتماله علی جماعة من الفطحیة - إنما تدل علی الإعادة إذا کان المصلّی فی الثوب النجس متیمما ، وقد تقدم الکلام فی ذلک ، والأصح عدم الإعادة ، لأنه صلّی صلاة مأمورا بها ، والأمر یقتضی الإجزاء.

قوله : والشمس إذا جففت البول وغیره من النجاسات عن الأرض والبواری والحصر طهر موضعه ، وکذا کل ما لا یمکن نقله ، کالنباتات والأبنیة.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال المفید - رحمه الله تعالی - فی المقنعة : والأرض إذا وقع علیها البول ثم طلعت علیها الشمس فجففتها طهرت بذلک ، وکذا القول فی الحصر (3). ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (4).

وقال فی الخلاف : الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول وما أشبهه وطلعت علیه

طهارة الأرض وغیرها بالجفاف بالشمس

ص: 362


1- کالتهذیب ( 2 : 224 ) ، والاستبصار ( 1 : 169 ) ، والنهایة : (55) ، والمبسوط ( 1 : 91 ).
2- التهذیب ( 2 : 224 - 886 ) ، الإستبصار ( 1 : 169 - 587 ) ، الوسائل ( 2 : 1067 ) أبواب النجاسات ب (45) ح (8).
3- المقنعة : (10).
4- المبسوط ( 1 : 93 ).

______________________________________________________

الشمس أو هبّت (1) علیه الریح حتی زالت عین النجاسة طهرت (2). وقال فی موضع آخر منه بعد الحکم بطهارة الأرض بتجفیف الشمس لها من نجاسة البول : وکذا الکلام فی الحصر والبواری (3).

وألحق المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (4) ، وجمع من المتأخرین (5) بالأرض والحصر کل ما لا یمکن نقله ، کالأشجار والأبنیة.

وقال القطب الراوندی - رحمه الله - : الأرض والباریة والحصیر هذه الثلاثة فحسب إذا أصابها البول فجففتها الشمس حکمها حکم الطاهر فی جواز السجود علیها ما لم تصر رطبة أو لم یکن الجبین رطبا (6). ومقتضاه أنها لا تطهر بذلک وإن جاز السجود علیها ، وحکاه فی المعتبر عن صاحب الوسیلة أیضا واستجوده (7) ، وربما کان فی کلام ابن الجنید - رحمه الله - إشعار به ، فإنه قال : الأحوط تجنّبها إلاّ أن یکون ما یلاقیها من الأعضاء یابسا (8).

احتج الشیخ - رحمه الله تعالی - فی الخلاف (9) بإجماع الفرقة ، وبما رواه عن عمار بن موسی الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سئل عن الشمس هل تطهر

ص: 363


1- فی « م » : وهبّت ، وکلاهما موجودان فی المصدر.
2- الخلاف ( 1 : 66 ).
3- الخلاف ( 1 : 185 ).
4- المنتهی ( 1 : 178 ) ، والمختلف : (61) ، والقواعد ( 1 : 8 ).
5- منهم الشهید الأول فی الذکری : (15) ، والسیوری فی التنقیح الرائع ( 1 : 155 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (169).
6- نقله عنه فی المختلف : (61) ، والذکری : (15).
7- المعتبر ( 1 : 446 ).
8- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 446 ).
9- الخلاف ( 1 : 186 ).

______________________________________________________

الأرض؟ قال : « إذا کان الموضع قذرا من البول أو غیر ذلک فأصابته الشمس ثم یبس الموضع فالصلاة علی الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ییبس الموضع القذر وکان رطبا فلا تجوز الصلاة علیه حتی ییبس ، وإن کانت رجلک رطبة أو جبهتک رطبة أو غیر ذلک منک ما یصیب ذلک الموضع القذر فلا تصل علی ذلک الموضع ، وإن کان غیر الشمس أصابه حتی یبس فإنه لا یجوز ذلک » (1).

وفی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن البواری یصیبها البول هل تصلح الصلاة علیها إذا جفت من غیر أن تغسل؟ قال : « نعم لا بأس » (2).

قال فی المعتبر (3) : ویمکن أن یستدل بما رواه أبو بکر الحضرمی ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « یا أبا بکر ما أشرقت علیه الشمس فقد طهر » (4) وبهذه الروایة استدل فی المختلف علی طهارة غیر الأرض والبواری مما لا ینقل عادة کالأبنیة والأشجار (5).

وفی کل من هذه الأدلة نظر : أما الإجماع فلما بیناه مرارا من عدم تحققه فی أمثال هذه المسائل ، وأما الروایة الأولی فلأنها ضعیفة السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة ، ومع ذلک فغیر دالة علی الطهارة ، إذ أقصی ما تدل علیه جواز الصلاة فی ذلک المحل مع الیبوسة ، ونحن نقول به لکنه لا یستلزم الطهارة ، بل ربما کان فی آخر الروایة إشعار ببقاء

ص: 364


1- التهذیب ( 1 : 272 - 802 ) ، التهذیب ( 2 : 372 - 1548 ) ، الإستبصار ( 1 : 193 - 675 ) ، الوسائل ( 2 : 1042 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 273 - 803 ) ، التهذیب ( 2 : 373 - 1551 ) ، الإستبصار ( 1 : 193 - 676 ) ، الوسائل ( 2 : 1042 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (3).
3- المعتبر ( 1 : 446 ).
4- التهذیب ( 1 : 273 - 804 ) ، الإستبصار ( 1 : 193 - 677 ) ، الوسائل ( 2 : 1043 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (5).
5- المختلف : (61).

______________________________________________________

المحل علی النجاسة ( وقریب من ذلک الکلام فی الروایة الثانیة ، مع أنه لا تصریح فیها بإسناد الجفاف إلی الشمس ) (1).

لا یقال : إطلاق الإذن فی الصلاة فی هذه المحالّ یقتضی جواز السجود علیها فتکون طاهرة ، لأن من شرط السجود طهارة المسجد.

لأنا نقول : اشتراطه محل توقف ، فإنا لم نقف له علی مستند سوی الإجماع المنقول ، وفیه ما فیه. ولو سلّم فیجوز أن یکون هذا الفرد من النجس مما یجوز السجود علیه لهذه الأدلة فلا یلزم الحکم بالطهارة ، مع أن هذا الراوی وهو علیّ بن جعفر قد روی عن أخیه علیه السلام جواز الصلاة علی المحل الجاف المتنجس بالبول وإن لم تصبه الشمس ، فما هو الجواب عن تلک الروایة فهو الجواب هنا.

وأما روایة أبی بکر فضعیفة السند جدّا ، لأن من جملة رجالها عثمان بن عبد الملک ، ولم یذکره أحد من علماء الرجال فیما أعلم ، ومع ذلک فهی متروکة الظاهر ، وتخصیصها بغیر المنقول لا دلیل علیه ، فیسقط اعتبارها رأسا. والمسألة قویة الإشکال.

ویمکن القول بطهارة الأرض خاصة من نجاسة البول ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن البول یکون علی السطح أو فی المکان الذی یصلّی فیه ، فقال : « إذا جففته الشمس فصلّ علیه فهو طاهر » (2).

وقد یناقش فی الروایة من حیث المتن بجواز حمل الطاهر علی المعنی اللغوی (3) ( کما فی الأخبار التی استدل بها علی نجاسة البئر ) (4) مع أنها معارضة بما رواه الشیخ فی

الجفاف بغیر الشمس لا یطهر

ص: 365


1- بدل ما بین القوسین فی « م » و « ق » : وکذا الکلام فی الروایة الثانیة.
2- الفقیه ( 1 : 157 - 732 ) ، الوسائل ( 2 : 1042 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (1).
3- فی « ح » زیادة : لعدم ثبوت کون المعنی المصطلح علیه بین الأصحاب حقیقة عرفیة عندهم علیهم السلام .
4- ما بین القوسین لیس فی « ق ».

______________________________________________________

کتابی الأخبار ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع قال : سألته عن الأرض والسطح یصیبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من غیر ماء؟ قال : « کیف تطهر من غیر ماء؟! » (1).

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب بأن المراد به إذا لم تجففه الشمس ، وهو حمل بعید یأباه تعجبه علیه السلام من طهارته بغیر الماء. وطعن فیها العلاّمة فی المنتهی (2) بالإضمار ، وقد بینا مرارا أن ذلک غیر قادح ، لتعین المسؤول کما اعترف به هو - رحمه الله تعالی - فی مواضع من کتبه (3) ، وبالجملة : فالمسألة محل توقف.

فروع : الأول : قال فی المنتهی : لو جف بغیر الشمس لم یطهر عندنا قولا واحدا ، خلافا للحنفیة (4). ویدل علیه أن المفروض نجاسة المحل بالنصّ أو الإجماع فیقف زوال النجاسة علی ما عدّه الشارع مطهرا ، ویؤیده صحیحة محمد بن إسماعیل ، وروایة عمار المتقدمتان (5) ، وغیرهما من الأخبار. ولا ینافی ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن البیت والدار لا تصیبهما الشمس ویصیبهما البول ، ویغتسل فیهما من الجنابة أیصلّی فیهما إذا جفّا؟ قال : « نعم » (6) فإنّ جواز الصلاة فی المحل لا یستلزم الطهارة کما بیناه ، وربما أمکن الاستدلال بهذه الروایة علی عدم اعتبار طهارة المسجد ، للإجماع علی عدم طهارة الأرض بالجفاف المجرد عن الشمس.

ص: 366


1- التهذیب ( 1 : 273 - 805 ) ، الإستبصار ( 1 : 193 - 678 ) ، الوسائل ( 2 : 1043 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (7).
2- المنتهی ( 1 : 177 ).
3- کما فی المختلف : (47).
4- المنتهی ( 1 : 177 ).
5- فی ص ( 568 ، 570 ).
6- الفقیه ( 1 : 158 - 736 ) ، الوسائل ( 2 : 1043 ) أبواب النجاسات ب (30) ح (1).

وتطهّر النار ما أحالته ،

______________________________________________________

الثانی : قال الشیخ فی الخلاف : إن الأرض لو جفت بغیر الشمس لم تطهر (1). وقال فی موضع آخر : الأرض إذا أصابها نجاسة مثل البول وما أشبهه وطلعت علیها الشمس أو هبّت علیها الریح حتی زالت عین النجاسة فإنها تطهر ، ویجوز السجود علیها ، والتیمم بترابها ، وإن لم یطرح علیها الماء (2). وربما ظهر من ذلک أن الجفاف بالریح مطهر کالشمس ، وهو مشکل. وحمله العلاّمة فی المختلف علی أن المراد أنها تطهر بهبوب الریاح المزیلة للأجزاء الملامسة للنجاسة الممازجة لها ، قال : ولیس مقصود الشیخ ذهاب الرطوبة عن الأجزاء کذهابها بحرارة الشمس (3). ولا بأس به ، صونا لکلام الشیخ عن التنافی.

ولو حصل التجفیف بالشمس والریح معا کان مطهرا ، لصدق التجفیف بالشمس ، ولأن الغالب تلازم الأمرین.

الثالث : لو کانت النجاسة ذات جرم اعتبر فی طهارتها بالشمس زوال جرم النجاسة إجماعا. وقال ابن الجنید : لا یطهر الکنیف والمجزرة بالشمس (4). وهو حسن ، لمخالطة أجزاء النجاسة أتربتها ، نعم لو أزیلت تلک الأجزاء وحصل التجفیف بالشمس اتجه مساواتهما لغیرهما.

قوله : وتطهّر النار ما أحالته.

أی أخرجته عن الصورة الاولی ، من الأعیان النجسة بالذات أو بالعرض ، بأن صیرته رمادا أو دخانا ، وقد قطع الشیخ فی الخلاف (5) ، وأکثر الأصحاب بطهارة

اعتبار زوال الجرم فی الطهارة بالشمس

طهارة ما أحالته النار

ص: 367


1- الخلاف ( 1 : 185 ).
2- الخلاف ( 1 : 66 ).
3- المختلف : (61).
4- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 178 ).
5- الخلاف ( 1 : 187 ).

______________________________________________________

الأعیان النجسة بذلک ، وتردد فیه المصنف - رحمه الله - فی کتاب الأطعمة من هذا الکتاب (1). ونقل عن الشیخ فی المبسوط أنه حکم بنجاسة دواخن الأعیان النجسة (2) ، مع أنه نقل فی الخلاف إجماع الفرقة علی طهارة الأعیان النجسة بصیرورتها رمادا.

والمعتمد الطهارة ، لأنها الأصل فی الأشیاء ، ولأن الحکم بالنجاسة معلّق علی الاسم فیزول بزواله ، ولما نقله المصنف - رحمه الله - فی المعتبر من إجماع الناس علی عدم توقی دواخن السراجین النجسة (3) ، ولو لم یکن طاهرا بالاستحالة لتورّعوا منه ، ولا معارض لذلک إلاّ التمسک باستصحاب حکم الحالة السابقة ، وهو لا یصلح للمعارضة ، لما بیناه مرارا من أن استمرار الحکم یتوقف علی الدلیل کما یتوقف علیه ابتداؤه (4).

ویمکن أن یستدل علی الطهارة أیضا بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب : أنه سأل أبا الحسن عن الجص یوقد علیه بالعذرة وعظام الموتی ، ثم یجصص به المسجد ، أیسجد علیه؟ فکتب إلیه بخطه : « إن الماء والنار قد طهّراه » (5) وجه الدلالة أنّ الجصّ یختلط بالرماد والدخان الحاصل من تلک الأعیان النجسة ، ولو لا کونه طاهرا لما ساغ تجصیص المسجد به والسجود علیه ، والماء غیر مؤثر فی التطهیر إجماعا کما نقله فی المعتبر (6) ، فتعین استناده إلی النار ، وعلی هذا فیکون إسناد التطهیر إلی النار حقیقة وإلی الماء مجازا ، أو یراد به فیهما المعنی المجازی ، وتکون الطهارة الشرعیة مستفادة مما علم

مطهریة الاستحالة

حکم العجین النجس

ص: 368


1- الشرائع ( 3 : 226 ).
2- المبسوط ( 6 : 283 ). قال : ورووا أصحابنا أنه یستصبح به تحت السماء دون السقف ، وهذا یدل علی أن دخانه نجس ، انتهی ، ولکن قال بعده : الأقوی عندی أنه لیس بنجس.
3- المعتبر ( 1 : 452 ).
4- الجواهر ( 6 : 266 ). عدم جریانه ( الاستصحاب ) فی المقام بتغیر اسم الموضوع وحقیقته المعلق علیهما حکم النجاسة.
5- التهذیب ( 2 : 235 - 928 ) ، الوسائل ( 2 : 1099 ) أبواب النجاسات ب (81) ح (1).
6- المعتبر ( 1 : 452 ).

______________________________________________________

من الجواب ضمنا من جواز تجصیص المسجد به ، ولا محذور فیه.

فروع :

الأول : قال الشیخ فی الخلاف : اللبن المضروب من طین نجس إذا طبخ آجرا أو عمل خزفا طهّرته النار (1). واستدل علیه بإجماع الفرقة ، وخبر الحسن بن محبوب المتقدم (2) ، وفیه إشکال منشؤه الشک فی تحقق الاستحالة ، وإن کان القول بالطهارة محتملا ، لعدم تیقن استمرار حکم النجاسة بعد الطبخ.

الثانی : إذا استحالت الأعیان النجسة ترابا کالعذرة الیابسة والمیتات فالأقرب الطهارة ، لأن الحکم بالنجاسة معلق علی الاسم فیزول بزواله ، ولقوله : « جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (3) وهو اختیار الشیخ فی موضع من المبسوط (4) ، والمصنف (5) - رحمه الله - ، والعلاّمة (6). وللشیخ (7) قول آخر بالنجاسة ضعیف.

الثالث : إذا عجن العجین بالماء النجس لم یطهر إذا خبز ، قاله الشیخ فی التهذیب وموضع من النهایة (8) ، وأکثر الأصحاب ، لأن العجین ینجس بالماء النجس ، والنار لم تحله بل جففته وأزالت بعض رطوبته وذلک لا یکفی فی التطهیر ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، قال : وما أحسبه إلا حفص ابن البختری قال ، قیل لأبی عبد الله علیه السلام : فی العجین یعجن من الماء النجس

ص: 369


1- الخلاف ( 1 : 187 ).
2- فی ص : (368).
3- التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23) ح (1).
4- المبسوط ( 1 : 32 ).
5- المعتبر ( 1 : 452 ).
6- المنتهی ( 1 : 179 ).
7- المبسوط ( 1 : 93 ).
8- التهذیب ( 1 : 414 ) ، النهایة : (590).

______________________________________________________

کیف یصنع به؟ قال : « یباع ممّن یستحل أکل المیتة » (1).

وفی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یدفن ولا یباع » (2).

ویمکن التوفیق بین الروایتین بحمل البیع المنهی عنه علی کونه من غیر المستحل.

وقال الشیخ فی موضع من النهایة : إنه یطهر بالخبز (3). وربما کان مستنده ما رواه عبد الله بن زبیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سأله عن البئر یقع فیها الفأرة أو غیرها من الدواب فیموت فیعجن من مائها أیؤکل ذلک الخبز؟ قال : « إذا أصابه النار فلا بأس بأکله » (4).

وعن محمد بن أبی عمیر ، عمن رواه ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی عجین عجن وخبز ، ثم علم أن الماء کانت فیه میتة ، قال : « لا بأس ، أکلت النار ما فیه » (5).

ویمکن الجواب عن الروایتین أولا : بالطعن فی السند ، أما الثانیة فبالإرسال وإن کان المرسل لها ابن أبی عمیر علی ما بیناه مرارا ، وأما الأولی فبأنّ من جملة رجالها : أحمد ابن الحسن المیثمی ، وقال النجاشی - رحمه الله - : إنه کان واقفیا (6). وأحمد بن محمد ابن عبد الله بن الزبیر ، وجدّه عبد الله ، وهما مجهولان.

ص: 370


1- التهذیب ( 1 : 414 - 1305 ) ، الإستبصار ( 1 : 29 - 76 ) ، الوسائل ( 1 : 174 ) أبواب الأسئار ب (11) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 414 - 1306 ) ، الإستبصار ( 1 : 29 - 77 ) ، الوسائل ( 1 : 174 ) أبواب الأسئار ب (11) ح (2).
3- النهایة : (8).
4- التهذیب ( 1 : 413 - 1303 ) ، الإستبصار ( 1 : 29 - 74 ) ، الوسائل ( 1 : 129 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (17).
5- الفقیه ( 1 : 11 - 19 ) ( مرسلا بتفاوت ) ، التهذیب ( 1 : 414 - 1304 ) ، الإستبصار ( 1 : 29 - 75 ) ، الوسائل ( 1 : 129 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (18).
6- رجال النجاشی : ( 74 - 179 ).

______________________________________________________

وثانیا : بأنه لیس فی الروایتین ما یدل علی نجاسة العجین صریحا ، أما الاولی فلأن المسؤول عنه فیها العجین الذی عجن بماء البئر الذی ماتت فیه الفأرة ، وهو غیر معلوم النجاسة ، وأما الثانیة فلیس فیها ما یدل علی نجاسة المیتة الحاصلة فی الماء ، فجاز أن تکون طاهرة ، وأن یکون قوله علیه السلام : « أکلت النار ما فیه » کنایة عن زوال الاستقذار الحاصل من ذلک ، فتأمل.

واعلم : أنّ العلاّمة - رحمه الله - فی المنتهی توقف فی العمل بالروایة المتضمنة لبیع العجین النجس ممن یستحل المیتة ، ثم قال : ویمکن أن یحمل البیع علی غیر أهل الذمة وإن لم یکن ذلک بیعا فی الحقیقة (1). وهو غیر جید ، فإن العجین النجس عین مملوکة یمکن الانتفاع بها نفعا محللا فی علف الحیوان وغیره ، فلا مانع من جواز بیعه من المسلم مع الإعلام بحاله کالدهن النجس ، وکذا من مستحله من أهل الذمة وغیرهم ، لعدم ثبوت کون ذلک مأثما حتی یتعلق به النهی فی قوله تعالی ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (2) ولما رواه الشیخ بسندین أحدهما صحیح والآخر حسن ، عن الحلبی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إن اختلط الذکی بالمیتة باعه ممّن یستحل المیتة ، وأکل ثمنه » (3).

تنبیه : لو رقق العجین النجس ثم وضع فی الماء الکثیر بحیث علم وصول الماء إلی جمیع أجزائه طهر بذلک ، وکذا الکلام فی الحنطة والسمسم إذا انتقعا فی الماء النجس ، واکتفی العلاّمة فی المنتهی فی تطهیرهما بأن یغسلا ثلاثا فی القلیل ویترکا حتی یجفّا فی

ص: 371


1- المنتهی ( 1 : 180 ).
2- المائدة : (2).
3- التهذیب ( 9 : 48 - 199 ) وص ( 47 - 198 ) ، الوسائل ( 12 : 67 ، 68 ) أبواب ما یکتسب به ب (7) ح ( 1 ، 2 ).

والتراب باطن الخفّ وأسفل القدم والنعل.

______________________________________________________

کل مرة ، فیکون ذلک کالعصر (1). وهو ضعیف جدّا ، مع أنّ العصر یکفی فیه المرة عنده ، فلا وجه لتعدد الغسل والتجفیف.

قوله : التراب باطن الخفّ وأسفل القدم والنعل.

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وظاهرهم الاتفاق علیه ، وربما أشعر کلام المفید فی المقنعة باختصاص الحکم بالخف والنعل فإنه قال : وإذا رأی الإنسان بخفه أو نعله نجاسة ثم مسحهما بالتراب طهرا بذلک (2). وصرح ابن الجنید بالتعمیم فقال : ولو وطئ برجله أو ما هو وقاء لها نجاسة ثم وطئ بعدها علی أرض طاهرة یابسة طهر ما ماسّ الأرض من رجله والوقاء ، ولو مسحها حتی یذهب عین النجاسة وأثرها بغیر ماء أجزأه إذا کان ما مسحها به طاهرا (3).

ومقتضی کلامه الاکتفاء فی حصول التطهیر بمسحها بغیر الأرض من الأعیان الطاهرة.

وربما ظهر من کلام الشیخ فی الخلاف عدم طهارة أسفل الخف بمسحه بالأرض فإنه قال : إذا أصاب أسفل الخف نجاسة فدلکه فی الأرض حتی زالت تجوز الصلاة فیه عندنا ، ثم قال : دلیلنا أنا بینا فیما تقدم أن ما لا یتم الصلاة فیه بانفراده جازت الصلاة فیه وإن کانت فیها نجاسة ، والخف لا تتم الصلاة فیه بانفراده ، وعلیه إجماع الفرقة (4).

والأصل فی هذه المسألة قول النبی صلی الله علیه و آله : « إذا وطئ أحدکم الأذی بخفّیه فطهورهما التراب » (5) وفی روایة أخری : « إذا وطئ أحدکم بنعلیه الأذی فإن

طهارة النعل بالتراب

ص: 372


1- المنتهی ( 1 : 180 ).
2- المقنعة : (10).
3- نقله فی المنتهی ( 1 : 178 ).
4- الخلاف ( 1 : 66 ).
5- عوالی اللآلی ( 3 : 60 - 178 ) ، مستدرک الوسائل ( 2 : 576 ) أبواب النجاسات ب (25) ح (4).

______________________________________________________

التراب له طهور » (1).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة بن أعین قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل وطئ علی عذرة فساخت رجله فیها أینقض ذلک وضوءه؟ وهل یجب علیه غسلها؟ فقال : « لا یغسلها إلا أن یقذرها ، ولکنه یمسحها حتی یذهب أثرها ویصلّی » (2).

وعن حفص بن أبی عیسی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی وطئت عذرة بخفی ومسحته حتی لم أرفیه شیئا ما تقول فی الصلاة فیه؟ فقال : « لا بأس » (3).

وما رواه الکلینی - رضی الله تعالی عنه - فی الصحیح ، عن الأحول ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یطأ علی الموضع الذی لیس بنظیف ، ثم یطأ بعده مکانا نظیفا ، قال : « لا بأس إذا کان خمس عشرة ذراعا أو نحو ذلک » (4).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : نزلنا فی مکان بیننا وبین المسجد زقاق قذر ، فدخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فقال : « أین نزلتم؟ » فقلنا : نزلنا فی دار فلان ، فقال : « إن بینه وبین المسجد زقاقا قذرا » أو قلنا له : إن بیننا وبین المسجد زقاقا قذرا ، قال : « لا بأس ، الأرض تطهر بعضها بعضا » فقلت : السرقین الرطب أطأ علیه؟ قال : « لا یضرک مثله » (5).

قوله علیه السلام : « الأرض تطهر بعضها بعضا » یمکن أن یکون معناه : أنّ الأرض یطهر بعضها وهو المماس لأسفل النعل والقدم ، إذ الطاهر منها بعض الأشیاء

ص: 373


1- سنن أبی داود ( 1 : 105 - 385 ) ، مستدرک الحاکم ( 1 : 166 ).
2- التهذیب ( 1 : 275 - 809 ) ، الوسائل ( 2 : 1048 ) أبواب النجاسات ب (32) ح (7).
3- التهذیب ( 1 : 274 - 808 ) ، الوسائل ( 2 : 1047 ) أبواب النجاسات ب (32) ح (6).
4- الکافی ( 3 : 38 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 1046 ) أبواب النجاسات ب (32) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 38 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 1047 ) أبواب النجاسات ب (32) ح (4).

______________________________________________________

وهو النعل والقدم (1) ویحتمل أن یکون المراد أن أسفل القدم والنعل إذا تنجس بملاقاة بعض الأرض النجسة یطهره البعض الآخر الطاهر إذا مشی علیه ، فالمطهّر فی الحقیقة ما ینجس بالبعض الآخر ، وعلّقه بنفس البعض مجازا.

ویستفاد من هذه الروایات طهارة أسفل القدم والخف عن العذرة وغیرها بمسحها بالأرض حتی یزول عین النجاسة. وربما ظهر من إطلاق صحیحة زرارة الاکتفاء فی طهارة أسفل القدم بمسحه بغیر الأرض أیضا کما قاله ابن الجنید (2) ، إلاّ أنّ الإطلاق ینصرف إلی المعهود وهو ما کان بالأرض. ویعضد هذه الروایات أصالة عدم التکلیف بغسل النجاسة عن هذه المحالّ مع انتفاء الأمر به علی الخصوص.

فروع :

الأول : لا یشترط جفاف النجاسة قبل الدلک ، ولا أن یکون لها جرم ، للأصل ، وإطلاق الروایات ، ولأنه إذا طهّر ما له جرم فما لا جرم له أولی. وعلی هذا فلو کان أسفل القدم أو النعل متنجسا بنجاسة غیر مرئیة کالبول الیابس طهر بمجرد المشی علی الأرض. وقال بعض العامة : یعتبر فی النجاسة کونها ذات جرم ، وأن تکون جافة قبل الدلک (3). ولا ریب فی بطلانه.

الثانی : ظاهر ابن الجنید - رحمه الله - اشتراط طهارة الأرض ویبوستها ، ولا بأس به.

ولا یعتبر المشی بل یکفی المسح إلی أن تذهب العین ، لقوله علیه السلام فی صحیحة

ص: 374


1- المراد : هو تطهیر بعض الأرض بعض المتنجسات کالنعل ، فلا یکون فی المطهّر عموم. کما فی الجواهر ( 6 : 305 ).
2- فی ص (372).
3- بدائع الصنائع ( 1 : 84 ).

وماء الغیث لا ینجس فی حال وقوعه ولا حال جریانه من میزاب وشبهه ، إلا أن تغیّره بالنجاسة.

______________________________________________________

زرارة : « ولکن یمسحها حتی یذهب أثرها ویصلّی » (1) ولا ینافی ذلک تعلیق الحکم فی روایة الأحول (2) علی مشی الخمس عشرة ذراعا ، لجواز أن یکون المقتضی لذلک عدم تحقق إزالة العین بدونه غالبا ، ونقل عن ابن الجنید أنه اعتبر هذا التحدید (3) ، وهو ضعیف.

الثالث : لا فرق بین الخفّ والنعل وغیرهما مما ینتعل ولو من الخشب کالقبقاب.

وخشب الأقطع یلحق بالنعل أو القدم ، ولا یلحق بهما أسفل العصا ، وکعب الرمح ، وما شاکل ذلک.

قوله : وماء الغیث لا ینجس فی حال وقوعه ، ولا حال جریانه من میزاب وشبهه ، إلا أن تغیّره النجاسة.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم نجاسة ماء الغیث حال تقاطره إلاّ بتغیره بالنجاسة مذهب أکثر الأصحاب ، واحتج علیه فی المعتبر (4) بما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن هشام بن سالم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن السطح یبال علیه فتصیبه السماء فیکفّ فیصیب الثوب ، فقال : « لا بأس به ، ما أصابه من الماء أکثر منه » (5).

وقد یقال : إن هذه الروایة إنما تدل علی عدم نجاسته بوروده علی النجاسة فلا یصلح مستندا لإثبات الحکم علی وجه العموم.

ویمکن أن یستدل له أیضا بالأصل ، والعمومات الدالة علی عدم انفعال الماء

حکم ماء الغیث الواقع علی النجاسة

ص: 375


1- تقدمنا فی ص (373).
2- تقدمنا فی ص (373).
3- الذکری : (15).
4- المعتبر ( 1 : 43 ).
5- الفقیه ( 1 : 7 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 108 ) أبواب الماء المطلق ب (6) ح (1).

______________________________________________________

بالملاقاة ، ومرسلة الکاهلی ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کل شی ء یراه ماء المطر فقد طهر » (1).

وقال الشیخ فی التهذیب والاستبصار : ماء المطر إذا جری من المیزاب فحکمه حکم الماء الجاری لا ینجسه إلاّ ما غیّر لونه أو طعمه أو رائحته (2). واستدل علیه بحسنة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی میزابین سالا ، أحدهما بول والآخر ماء المطر ، فاختلطا فأصاب ثوب رجل : « لم یضر ذلک » (3) وهی لا تدل علی انفعال ما عدا المیزاب بالملاقاة ، مع أنه لا إشعار فی الروایة بکون الماء نازلا من السماء حالة الملاقاة.

وصحیحة علیّ بن جعفر ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن البیت یبال علی ظهره ، ویغتسل فیه من الجنابة ، ثم یصیبه الماء ، أیؤخذ من مائه فیتوضأ به للصلاة؟ فقال : « إذا جری فلا بأس به » (4).

قال فی المعتبر : وهذه الروایة لا تدل علی اشتراط الجریان ، لأنه لو لم یکن طاهرا لما طهره الجریان (5). وهو مشکل ، نعم یمکن أن یقال : إن أقصی ما تدل علیه الروایة ثبوت البأس فی أخذ ذلک الماء للوضوء مع عدم الجریان ، وهو أعم من النجاسة ، فلعل وجهه توقف النظافة علیه ، مع أن الجریان یتحقق بمسماه ، فلا یتعین کونه جاریا من میزاب ونحوه.

ص: 376


1- الکافی ( 3 : 13 - 3 ) ، الوسائل ( 1 : 109 ) أبواب الماء المطلق ب (6) ح (5).
2- التهذیب ( 1 : 411 ). ولم نجده فی الاستبصار ولکن وجدناه فی المبسوط ( 1 : 6 ).
3- الکافی ( 3 : 12 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 411 - 1295 ) ، الوسائل ( 1 : 109 ) أبواب الماء المضاف ب (6) ح (4).
4- الفقیه ( 1 : 7 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 411 - 1297 ) ، الوسائل ( 1 : 108 ) أبواب الماء المطلق ب (6) ح (2) بتفاوت یسیر.
5- المعتبر ( 1 : 43 ).

والماء الذی تغسل به النجاسة نجس ، سواء کان فی الغسلة الأولی أو الثانیة ، وسواء کان متلونا بالنجاسة أو لم یکن ، وسواء بقی علی المغسول عین النجاسة أو نقی. وکذا القول فی الإناء علی الأظهر ، وقیل : فی الذنوب إذا القی علی نجاسة الأرض تطهر الأرض مع بقائه علی طهارته.

______________________________________________________

والمسألة محل إشکال ، ولو قیل باعتبار مطلق الجریان لم یکن بعیدا إلاّ أن عدم اعتبار ذلک مطلقا أقرب.

قوله : والماء الذی تغسل به النجاسة نجس ، سواء کان فی الغسلة الأولی أو الثانیة ، وسواء کان متلوثا بالنجاسة أو لم یکن ، وسواء بقی علی المغسول عین النجاسة أو نقی. وکذا القول فی الإناء علی الأظهر.

ردّ بذلک علی المرتضی - رضی الله عنه - حیث حکم بطهارة الماء الذی تغسل به النجاسة إذا ورد علی النجاسة ولم یتلوّن بها (1) ، وعلی الشیخ فی الخلاف حیث حکم بطهارة الغسلة الثانیة فی غیر إناء الولوغ ، وطهارة الغسلتین فیه (2) وقد تقدم الکلام فی هذه المسألة مفصلا فلا نعیده.

قوله : وقیل : فی الذنوب (3) إذا القی علی نجاسة علی الأرض تطهر الأرض مع بقائه علی الطهارة.

القائل بذلک هو الشیخ - رحمه الله تعالی - فی الخلاف ، وهذه عبارته : إذا بال علی موضع من الأرض فتطهیرها أن یصبّ الماء علیه حتی یکاثره ویغمره ویقهره فیزیل لونه وطعمه وریحه ، فإذا زال حکمنا بطهارة المحل وطهارة الماء الوارد علیه ، ولا یحتاج إلی

حکم الغسالة

کیفیة تطهیر الأرض

ص: 377


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
2- الخلاف ( 1 : 49 ).
3- الذنوب : الدلو العظیمة ، قالوا : ولا تسمی ذنوبا حتی تکون مملوءة ماءا وتذکر وتؤنث ، وجمعه ذناب مثل کتاب - المصباح المنیر : (210).

______________________________________________________

نقل التراب ولا قطع المکان ، ثم قال : دلیلنا قوله تعالی ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) ونقل التراب من الأرض إلی موضع آخر یشق ، وروی أبو هریرة قال : دخل أعرابی المسجد فقال : اللهم ارحمنی ومحمدا صلی الله علیه و آله ولا ترحم معنا أحدا ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : « عجزت واسعا » قال : فما لبث أن بال فی ناحیة المسجد ، وکأنهم عجلوا إلیه فنهاهم النبی صلی الله علیه و آله ، ثم أمر بذنوب من ماء فأهریق علیه ، ثم قال : « علّموا ویسّروا ولا تعسّروا » (2) قال الشیخ - رحمه الله - : والنبی لا یأمر بطهارة المسجد بما یزیده تنجیسا ، فلزم أن یکون الماء أیضا علی طهارته (3).

واستشکله المصنف فی المعتبر بضعف الخبر ، ومنافاته الأصل ، لأن الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس ، تغیّر أو لم یتغیر ، ثم حکم بطهارة الأرض بأشیاء ، وذکر من جملتها : أن تغسل بماء یغمرها ثم یجری إلی موضع آخر فیکون ما انتهی إلیه نجسا (4). ولم یفرق بین رخاوة الأرض وصلابتها ، وقد یحصل التوقف مع الرخاوة لعدم انفصال الماء المغسول به عن المحل ، إلاّ أن یغتفر ذلک هنا کما اغتفر فی الحشایا.

ونقل عن ابن إدریس أنه وافق الشیخ - رحمه الله - علی جمیع هذه الأحکام (5) ، وهو جید علی أصله من طهارة الماء الذی یغسل به النجاسة ، ولا بأس به.

ص: 378


1- الحج : (78).
2- موطإ مالک ( 1 : 64 - 111 ) ، صحیح البخاری ( 8 : 37 ).
3- الخلاف ( 1 : 185 ).
4- المعتبر ( 1 : 449 ).
5- السرائر : (38).

القول فی الآنیة :

ولا یجوز الأکل والشرب فی آنیة من ذهب أو فضّة ، ولا استعمالها فی غیر ذلک.

______________________________________________________

قوله : القول فی الآنیة ، ولا یجوز الأکل والشرب فی آنیة من ذهب أو فضّة ، ولا استعمالها فی غیر ذلک.

أجمع الأصحاب علی تحریم استعمال أوانی الذهب والفضة فی الأکل والشرب وغیرهما ، قاله فی التذکرة (1) وغیرها (2). وقال الشیخ فی الخلاف : یکره استعمال أوانی الذهب والفضة (3). والظاهر أنّ مراده التحریم ، والأخبار الواردة بالنهی عن الأکل والشرب فی أوانی الذهب والفضة من الطرفین مستفیضة ، فروی الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لا تشربوا فی آنیة الذهب والفضة ، ولا تأکلوا فی صحافها ، فإنها لهم فی الدنیا ولکم فی الآخرة » (4).

وعن علیّ علیه السلام أنه قال : « الذی یشرب فی آنیة الذهب والفضة إنما یجرجر فی بطنه نار جهنم » (5).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن آنیة الذهب والفضة فکرههما ، فقلت : قد روی بعض أصحابنا أنه کان لأبی الحسن علیه السلام مرآة ملبسة فضة ، فقال : « لا والله إنما کانت لها حلقة من فضة ، هی عندی » (6).

الأوانی و الجلود

حرمة الأکل فی آنیة الذهب والفضة

ص: 379


1- التذکرة ( 1 : 67 ).
2- المنتهی ( 1 : 185 ، 186 ) ، تحریر الأحکام ( 1 : 25 ).
3- الخلاف ( 1 : 8 ).
4- صحیح مسلم ( 3 : 1638 - 5 ).
5- المستدرک ( 2 : 597 ) أبواب الأوانی ب (42) ح (5) ، صحیح مسلم ( 3 : 1634 - 2065 ) ، سنن البیهقی ( 1 : 29 ) ، ولکن الروایة فیها عن النبی صلی الله علیه و آله .
6- التهذیب ( 9 : 91 - 390 ) ، الوسائل ( 2 : 1083 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (1).

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تأکل فی آنیة من فضة ولا فی آنیة مفضضة » (1).

وعن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : أنه نهی عن آنیة الذهب والفضة (2).

وعن داود بن سرحان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تأکل فی آنیة الذهب والفضة » (3).

والمشهور بین الأصحاب تحریم اتخاذ أوانی الذهب والفضة لغیر الاستعمال أیضا ، وبه قطع المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (4) ، لأنه تعطیل للمال فیکون سرفا لعدم الانتفاع به ، ولما رواه الشیخ عن موسی بن بکر ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال : « آنیة الذهب والفضة متاع الذین لا یوقنون » (5).

واستقرب العلاّمة فی المختلف الجواز استضعافا لأدلة المنع (6). وهو حسن ، إلاّ أن المنع أولی ، لأن اتخاذ ذلک وإن کان جائزا بالأصل فربما یصیر محرما بالعرض ، لما فیه من إرادة العلوّ فی الأرض ، وطلب الرئاسة المهلکة.

فروع :

الأول : لا یحرم المأکول والمشروب فی أوانی الذهب والفضة ، لأن النهی عن

حرمة اقتناء أوانی الذهب والفضة

ص: 380


1- التهذیب ( 9 : 90 - 386 ) ، الوسائل ( 2 : 1085 ) أبواب النجاسات ب (66) ح (1).
2- الکافی ( 6 : 267 - 4 ) ، التهذیب ( 9 : 90 - 385 ) ، المحاسن : ( 581 - 59 ) ، الوسائل ( 2 : 1083 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (3).
3- الکافی ( 6 : 266 - 1 ) ، التهذیب ( 9 : 90 - 384 ) ، الوسائل ( 2 : 1083 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (2).
4- المعتبر ( 1 : 456 ).
5- التهذیب ( 9 : 91 - 389 ) ، الوسائل ( 2 : 1084 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (4).
6- المختلف : (63).

______________________________________________________

استعمالها لا یتناول المستعمل. وحکی عن المفید - رحمه الله تعالی - تحریمه (1). ولو استدل بقول علیّ علیه السلام : « إنما یجرجر فی بطنه نار جهنم » أجبنا عنه بأن الحقیقة غیر مرادة ، والمتبادر من المعنی المجازی کون ذلک سببا فی دخول النار بطنه ، وهو لا یستلزم تحریم نفس المأکول والمشروب.

الثانی : قال فی المعتبر : لو تطهر من آنیة الذهب والفضة لم یبطل وضوؤه ولا غسله ، لأن انتزاع الماء لیس جزءا من الطهارة ، بل لا یحصل الشروع فیها إلاّ بعده ، فلا یکون له أثر فی بطلان الطهارة (2).

واستوجه العلاّمة فی المنتهی البطلان (3) ، لأن الطهارة لا تتم إلاّ بانتزاع الماء المنهی عنه ، فیستحیل الأمر بها ، لاشتماله علی المفسدة (4) ، وهو جیّد حیث یثبت التوقف المذکور ، أما لو تطهر منه مع التمکن من استعمال غیره (5) قبل فوات الموالاة فالظاهر الصحة ، لتوجه الأمر باستعمال الماء حیث لا یتوقف علی فعل محرم ، وخروج الانتزاع المحرم عن حقیقة الطهارة.

الثالث : الأقرب عدم تحریم اتخاذ غیر الأوانی من الذهب والفضة إذا کان فیه غرض صحیح کالمیل ، والصفائح فی قائم السیف ، وربط الأسنان بالذهب ، واتخاذ الأنف منه.

وفی جواز اتخاذ المکحلة وظرف الغالیة (6) من ذلک تردد ، منشؤه الشک فی إطلاق

عدم بطلان الطهارة من آنیة الذهب والفضة

عدم حرمة غیر الأوانی کالمیل

ص: 381


1- المقنعة : (90).
2- المعتبر ( 1 : 456 ).
3- المنتهی ( 1 : 186 ).
4- الجواهر ( 6 : 332 ). فیکون البطلان حینئذ لعدم تصور الأمر بالطهارة بعد توقفها علی المقدمة المحرمة فیکون فرضه حینئذ التیمم لأن المنع الشرعی کالعقلی.
5- فی « ح » زیادة : حتی فی أثناء الوضوء.
6- الغالیة : نوع من الطیب مرکب من مسک وعنبر وعود ودهن ( النهایة لابن الأثیر 3 : 383 ).

ویکره المفضّض ، وقیل : یجب اجتناب موضع الفضة. وفی جواز اتخاذها لغیر الاستعمال تردد ، الأظهر المنع.

______________________________________________________

اسم الإناء حقیقة علیه. وکذا الکلام فی تحلیة المساجد والمشاهد بالقنادیل من الذهب والفضة.

أما زخرفة السقوف والحیطان بالذهب فقال الشیخ فی الخلاف : إنه لا نص فی تحریمها ، والأصل الإباحة (1). ونقل عن ابن إدریس - رحمه الله - المنع من ذلک (2) ( وهو أولی ) (3) لما فیه من تعطیل المال وتضییعه فی غیر الأغراض الصحیحة (4) ، وربما یرشد إلیه فحوی قول الرضا علیه السلام فی صحیحة محمد بن إسماعیل : « إن العباسی حین عذر عمل له قضیب ملبّس من فضة من نحو ما یعمل للصبیان تکون فضته نحوا من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن علیه السلام فکسر » (5).

الرابع : یصح بیع هذه الآنیة إن جوّزنا اتخاذها لغیر الاستعمال ، أو کان المطلوب کسرها ووثق من المشتری بذلک ، ولو کسرها کاسر لم یضمن الأرش إن حرّمنا الاتخاذ ، لأنه لا حرمة لها.

قوله : ویکره : المفضّض ، وقیل : یجب اجتناب موضع الفضة.

اختلف الأصحاب فی الأوانی المفضضة ، فقال الشیخ فی الخلاف : إن حکمها حکم الأوانی المتخذة من الذهب والفضة (6) ، لما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی

حکم زخرفة السقوف

کراهة المفضض من الأوانی

ص: 382


1- الخلاف ( 1 : 341 ).
2- السرائر : (207). قال فی مقام ذکر المکاسب المحرمة : والأجرة علی تزویق المساجد وزخرفها وفعل ذلک محرم.
3- لیست فی « س » و « ح ».
4- فی « س » و « ح » زیادة : وهو أحوط.
5- الکافی ( 6 : 267 - 2 ) ، التهذیب ( 9 : 91 - 390 ) ، المحاسن : ( 582 - 67 ) ، الوسائل ( 2 : 1083 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (1) ، وفیها : العباس.
6- الخلاف ( 1 : 8 ).

ولا یحرم استعمال غیر الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعفت أثمانها.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام قال : « لا تأکل فی آنیة من فضة ، ولا فی آنیة مفضضة » (1).

وقال فی المبسوط : یجوز استعمالها لکن یجب عزل الفم عن موضع الفضة (2). وهو اختیار العلاّمة فی المنتهی (3) ، وعامة المتأخرین ، لما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس أن یشرب الرجل فی القدح المفضض ، واعزل فمک عن موضع الفضة » (4) والأمر للوجوب.

وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (5) یستحب العزل ، لظاهر صحیحة معاویة بن وهب ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الشرب فی القدح فیه ضبة فضة ، فقال : « لا بأس إلا أن یکره الفضة فینزعها » (6) وهو حسن ، فإن ترک الاستفصال فی جواب السؤال مع قیام الاحتمال یفید العموم. والأظهر أنّ الآنیة المذهبّة کالمفضّضة فی الحکم ، بل هی أولی بالمنع.

قوله : ولا یحرم استعمال غیر الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعفت أثمانها.

الوجه فی ذلک أصالة الإباحة السالمة عن معارضة النص ، وربما علّل بعدم إدراک العامة نفاستها ، وبأنها لقلّتها لا یحصل اتخاذ الآنیة منها إلاّ نادرا ، فلا یفضی إباحتها إلی

ص: 383


1- الکافی ( 6 : 267 - 3 ) ، التهذیب ( 9 : 90 - 386 ) ، الوسائل ( 2 : 1085 ) أبواب النجاسات ب (66) ح (1).
2- المبسوط ( 1 : 13 ).
3- المنتهی ( 1 : 187 ).
4- التهذیب ( 9 : 91 - 392 ) ، الوسائل ( 2 : 1086 ) أبواب النجاسات ب (66) ح (5).
5- المعتبر ( 1 : 455 ).
6- التهذیب ( 9 : 91 - 391 ) ، المحاسن : ( 582 - 65 ) ، الوسائل ( 2 : 1086 ) أبواب النجاسات ب (66) ح (4).

وأوانی المشرکین طاهرة حتی یعلم نجاستها.

______________________________________________________

اتخاذها واستعمالها بخلاف الأثمان ، ولا بأس به.

قوله : وأوانی المشرکین طاهرة حتی یعلم نجاستها.

لا فرق فی الأوانی بین کونها مستعملة أم لا ، وفی حکم الأوانی سائر ما بأیدیهم عدا الجلود واللحم حتی المائع إذا لم یعلم مباشرتهم له ، وتوقّف العلاّمة فی التذکرة فی طهارة المائع (1).

والوجه فی الجمیع أن ما عدا نجس العین یجب الحکم بطهارته ، تمسکا بمقتضی الأصل والعمومات إلی أن یحصل الیقین بملاقاته الشی ء من تلک الأعیان النجسة بإحدی الطرق المفیدة له ، ولا عبرة بالظن ما لم یستند إلی حجة شرعیة ، لانتفاء الدلیل علی اعتباره ، وعموم النهی عن اتباعه ، وقول أمیر المؤمنین علیه السلام : « ما أبالی أبول أصابنی أم ماء إذا لم أعلم » (2).

وقول الصادق علیه السلام : « کل شی ء طاهر حتی تعلم أنه قذر » (3) وقوله علیه السلام فی حسنة الحلبی : « إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه منی فلیغسل الذی أصابه ، فإن ظن أنه أصابه ولم یستیقن ولم یر مکانه فلینضحه بالماء » (4).

ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبی أبا عبد الله علیه السلام وأنا حاضر : إنی أعیر الذمی ثوبی وأنا أعلم أنه یشرب الخمر ویأکل لحم الخنزیر فیردّه علیّ فأغسله قبل أن أصلّی فیه؟ فقال أبو عبد الله علیه

حکم أوانی المشرکین

ص: 384


1- التذکرة ( 1 : 9 ).
2- الفقیه ( 1 : 42 - 166 ) ، التهذیب ( 1 : 253 - 735 ) ، الإستبصار ( 1 : 180 - 629 ) ، الوسائل ( 2 : 1054 ) أبواب النجاسات ب (37) ح (5).
3- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 2 : 1054 ) أبواب النجاسات ب (37) ح (4).
4- الکافی ( 3 : 54 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 728 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (4).

ولا یجوز استعمال شی ء من الجلود إلا ما کان طاهرا فی حال الحیاة ذکیّا.

______________________________________________________

السلام : « صلّ فیه ولا تغسله من أجل ذلک ، فإنک أعرته إیاه وهو طاهر ولم تستیقن نجاسته ، فلا بأس أن تصلّی فیه حتی تستیقن أنه نجّسه » (1).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الثیاب السابریة یعملها المجوس وهم أخباث ، وهم یشربون الخمر ، ونساؤهم علی تلک الحال ، ألبسها ولا أغسلها وأصلّی فیها؟ قال : « نعم » قال معاویة : فقطعت له قمیصا وخطته وفتلت له أزرارا (2) ، ورداء من السابری ، ثم بعثت بها إلیه فی یوم جمعة حین ارتفع النهار فکأنه عرف ما أرید فخرج بها إلی الجمعة (3).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن علی الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی ثوب المجوسی ، فقال : « یرشّ بالماء » (4).

وفی الصحیح ، عن إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت للرضا علیه السلام : الخیّاط والقصّار یکون یهودیا أو نصرانیا وأنت تعلم أنه یبول ولا یتوضأ ، ما تقول فی عمله؟ قال : « لا بأس » (5).

قوله : ولا یجوز استعمال شی ء من الجلود إلا ما کان طاهرا فی حال الحیاة ذکیّا.

لا یخفی أنّ الذکاة إنما تعتبر فی ذی النفس لا فی غیره لطهارة میتته. وإطلاق العبارة

- حکم الجلود

ص: 385


1- التهذیب ( 2 : 361 - 1495 ) ، الإستبصار ( 1 : 392 - 1497 ) ، الوسائل ( 2 : 1095 ) أبواب النجاسات ب (74) ح (1).
2- فی جمیع النسخ : إزارا ، وما أثبتناه کما فی المصدر لاستقامة المعنی.
3- التهذیب ( 2 : 362 - 1497 ) ، الوسائل ( 2 : 1093 ) أبواب النجاسات ب (73) ح (1).
4- التهذیب ( 2 : 362 - 1498 ) ، الوسائل ( 2 : 1093 ) أبواب النجاسات ب (73) ح (3).
5- التهذیب ( 6 : 385 - 1142 ).

______________________________________________________

یقتضی عدم جواز استعمال المیتة فی المائع والیابس ، وبه صرح فی المعتبر (1) ، لعموم النهی عن الانتفاع بها ، وقد ورد ذلک فی عدة روایات ، منها : روایة علیّ بن المغیرة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ، المیتة ینتفع بشی ء منها؟ قال : « لا » (2) وفی استفادة العموم بهذا المعنی من الروایة نظر.

والمشهور بین الأصحاب أنّ المنع من استعمال جلد المیتة ثابت قبل الدبغ وبعده ، لأن جلد المیتة لا یطهر بالدباغ ، وبه قطع المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (3) ، ونقله عن الستة وأتباعهم ، واحتج علیه بعموم النهی عن الانتفاع بالمیتة ، وبأن المقتضی للنجاسة موجود ، ودلیل الطهارة مفقود فتکون النجاسة ثابتة.

وقال ابن الجنید : إن جلد المیتة یطهر بالدبغ إذا کان من حیوان طاهر فی حال الحیاة ، فیجوز الانتفاع به بعد ذلک فی کل شی ء عدا الصلاة (4). واحتج له فی المختلف بما رواه الشیخ بسنده إلی الحسین بن سعید ، عن صفوان بن یحیی ، عن الحسین بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی جلد شاة میّتة یدبغ فیصبّ فیه اللبن أو الماء ، فأشرب منه وأتوضّأ؟ قال : « نعم » وقال : « یدبغ فینتفع به ولا یصلّی فیه » (5) وفی السند ضعف بالحسین بن زرارة ، فإنه مجهول.

ویمکن أن یستدل له أیضا بما رواه الصدوق فی کتابه من لا یحضره الفقیه ، عن الصادق علیه السلام : أنه سئل عن جلود المیتة یجعل فیها اللبن والسمن والماء ما تری

ص: 386


1- المعتبر ( 1 : 465 ).
2- الکافی ( 6 : 259 - 7 ) ، التهذیب ( 2 : 204 - 799 ) ، الوسائل ( 2 : 1080 ) أبواب النجاسات ب (61) ح (2).
3- المعتبر ( 1 : 463 ).
4- نقله عنه فی المختلف : (64) ، والذکری : (16).
5- التهذیب ( 9 : 78 - 332 ) ، الإستبصار ( 4 : 90 - 343 ) ، الوسائل ( 16 : 453 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (34) ح (7).

______________________________________________________

فیه؟ قال : « لا بأس بأن تجعل فیها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ، ولکن لا تصلّ فیها » (1) والظاهر أنه - رحمه الله تعالی - قائل بمضمونها ، لأنه ذکر قبل ذلک من غیر فصل یعتد به أنه لا یورد فی ذلک الکتاب إلاّ ما یفتی به ویحکم بصحته.

وبالجملة فالمسألة محل تردد ، لما بیناه فیما سبق من أنه لیس علی نجاسة المیتة دلیل یعتد به سوی الإجماع ، وهو إنما انعقد علی النجاسة قبل الدبغ لا بعده ، وعلی هذا فیمکن القول بالطهارة تمسکا بمقتضی الأصل ، وتخرج الروایتان شاهدا.

واعلم : أن مقتضی العبارة توقف استعمال الجلد علی ثبوت تذکیته بأحد الطرق المفیدة له ، ومقتضی ذلک المنع من استعمال ما لم تثبت تذکیته ، سواء علم موته حتف أنفه أم جهل حاله ، وبه قطع الشهیدان (2) - 0 - والمحقق الشیخ علی (3) ، واحتجوا علیه بأصالة عدم التذکیة. ویشکل بأن مرجع الأصل هنا إلی استصحاب حکم الحالة السابقة ، وقد تقدم منا الکلام فیه مرارا ، وبیّنا أن الحق أن استمرار الحکم یتوقف علی الدلیل کما یتوقف علیه ابتداؤه ، لأن ما ثبت جاز أن یدوم وجاز أن لا یدوم ، فلا بد لدوامه من دلیل وسبب سوی دلیل الثبوت. ثم لو سلمنا أنه یعمل به فهو إنما یفید الظن ، والنجاسة لا یحکم بها إلاّ مع الیقین أو الظن الذی ثبت اعتباره شرعا کشهادة العدلین إن سلم عمومه.

والحاصل : أن الجلد المطروح لمّا جاز کونه منتزعا من المیتة والمذکّی لم یکن الیقین بنجاسته حاصلا ، لانتفاء العلم بکونه منتزعا من المیتة ، فیمکن القول بطهارته کما فی الدم المشتبه بالطاهر والنجس ، ویشهد له قول الصادق علیه السلام فی صحیحة الحلبی :

حکم الجلد المطروح

ص: 387


1- الفقیه ( 1 : 9 - 15 ) ، الوسائل ( 2 : 1051 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (5).
2- الشهید الأول فی الدروس : (26) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (212).
3- جامع المقاصد ( 1 : 85 ).

ویستحب اجتناب ما لا یؤکل لحمه حتی یدبغ بعد ذکاته.

ویستعمل من أوانی الخمر ما کان مقیّرا أو مدهونا بعد غسله.

______________________________________________________

« صلّ فیه حتی تعلم أنه میت بعینه » (1) وفی روایة أخری : « ما علمت أنه میتة فلا تصلّ فیه » (2).

ولو دلت القرائن علی التذکیة فینبغی القطع بالطهارة ، ویدل علیه أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حفص بن البختری قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل ساق الهدی فعطب فی موضع لا یقدر علی من یتصدق به علیه ، ولا یعلم أنه هدی قال : « ینحره ، ویکتب کتابا یضعه علیه لیعلم من مرّ به أنه صدقة » (3).

قوله : ویستحب اجتناب ما لا یؤکل لحمه حتی یدبغ بعد ذکاته.

خالف فی ذلک الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط والخلاف ، والمرتضی فی المصباح ، فمنعا من استعمال جلد ما لا یؤکل لحمه حتی یدبغ بعد ذکاته (4). واحتج علیه فی الخلاف بأن الإجماع واقع علی جواز استعماله بعد الدباغ ولا دلیل قبله. وضعفه ظاهر ، إذ یکفی فی الدلالة : الأصل والعمومات السالمة من المعارض ، وإنما حکم المصنف باستحباب اجتنابه قبل الدباغ تفصیا من الخلاف کما نبه علیه فی المعتبر.

قوله : ویستعمل من أوانی الخمر ما کان مقیرا أو مدهونا بعد غسله.

أی بدهن یقویه ویمنع نفوذ الخمر فی مسامه کالدهن الأخضر. والحکم بطهارة ما هذا شأنه بالغسل وجواز استعماله بعد ذلک فی المائع والجامد ثابت بإجماع العلماء ، قاله فی المعتبر والمنتهی (5).

استحباب دبغ جلد ما لا یؤکل لحمه

حکم أوانی الخمر المقیرة

ص: 388


1- الکافی ( 3 : 403 - 28 ) ، التهذیب ( 2 : 234 - 920 ) ، الوسائل ( 2 : 1071 ) أبواب النجاسات ب (50) ح (2).
2- التهذیب ( 2 : 368 - 1530 ) ، الوسائل ( 2 : 1072 ) أبواب النجاسات ب (50) ح (4).
3- الفقیه ( 2 : 297 - 1477 ) ، الوسائل ( 10 : 130 ) أبواب الذبح ب (31) ح (1).
4- المبسوط ( 1 : 15 ) ، الخلاف ( 1 : 6 ) ، ونقله عن المصباح فی المعتبر ( 1 : 466 ).
5- المعتبر ( 1 : 467 ) ، المنتهی ( 1 : 190 ).

ویکره ما کان خشبا أو قرعا أو خزفا غیر مدهون.

______________________________________________________

قوله : ویکره ما کان خشبا أو قرعا أو خزفا غیر مدهون.

هذا أحد القولین فی المسألة ، اختاره الشیخ (1) ، وابن إدریس (2) ، والمصنف ، وجمع من الأصحاب. وقال ابن الجنید (3) ، وابن البراج (4) : ما لیس بصلب من أوانی الخمر ، کالقرع والخشب لا یطهر بالغسل ولا یجوز استعماله فیما یفتقر إلی الطهارة ، غسل أو لم یغسل. والمعتمد الأول.

لنا : أنّ الواجب إزالة النجاسة المعلومة وقد حصل بالغسل ، لأن الماء أسرع نفوذا من غیره فیغلب وصوله إلی ما نفذ إلیه الخمر. وأما کراهة استعماله فلورود النهی عنه ، وللتفصی من الخلاف.

احتج المخالف بأن للخمر حدّة ونفوذا فتستقرّ أجزاؤه فی باطن الإناء ولا ینالها الماء ، وبروایة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن الخشب والمزفّت » (5).

والجواب عن الأول أولا بالمنع مما ذکره ، وثانیا بأن ذلک لا ینافی طهارة الظاهر ، وجواز استعماله إلی أن یعلم ترشح شی ء من أجزاء الخمر المستکنة فی الباطن إلیه.

وعن الروایة بأن النهی عن ذلک لا یتعین کونه للنجاسة ، إذ من الجائز أن یکون لاحتمال بقاء شی ء من أجزاء الخمر فی ذلک الإناء فیتصل بما یحصل فیه من المأکول والمشروب.

کراهة أوانی الخمر الخشبیة وأمثالها

ص: 389


1- المبسوط ( 1 : 15 ).
2- السرائر : (373).
3- حکاه عنه فی المعتبر ( 1 : 467 ) ، والمنتهی ( 1 : 190 ).
4- المهذب ( 1 : 28 ).
5- الکافی ( 6 : 418 - 1 ) ، وفی التهذیب ( 1 : 283 - 829 ) والمعتبر ( 1 : 467 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 1075 ) أبواب النجاسات ب (52) ح (1).

ویغسل الإناء من ولوغ الکلب ثلاثا ، أولاهن بالتراب علی الأصحّ.

______________________________________________________

قوله : ویغسل الإناء من ولوغ الکلب ثلاثا ، أولاهن بالتراب علی الأصحّ.

ولوغ الکلب : شربه مما فی الإناء بطرف لسانه ، قاله الجوهری (1) ، وفی معناه لطعه الإناء بلسانه. وقد اختلف الأصحاب فی کیفیة طهارة الإناء من ذلک ، فذهب الأکثر إلی أنه إنما یطهر بغسله ثلاثا أولاهنّ بالتراب. وقال المفید فی المقنعة : یغسل ثلاثا وسطاهنّ بالتراب ، ثم یجفف (2). وأطلق المرتضی فی الانتصار (3) ، والشیخ فی الخلاف (4) أنه یغسل ثلاث مرات إحداهن بالتراب ، وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه : یغسل مرة بالتراب ومرتین بالماء (5). وقال ابن الجنید : یغسل سبعا إحداهن بالتراب (6). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه أبو العباس الفضل فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی الکلب : « رجس نجس لا یتوضأ بفضله ، واصبب ذلک الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء » (7) کذا وجدته فیما وقفت علیه من کتب الأحادیث ، ونقله کذلک الشیخ - رحمه الله - فی مواضع من الخلاف (8) ، والعلامة فی المختلف (9) ، إلا أنّ

حکم الاناء الذی ولغ فیه الکلب

ص: 390


1- الصحاح ( 4 : 1329 ).
2- المقنعة : (9).
3- الانتصار : (9).
4- الخلاف ( 1 : 47 ).
5- الفقیه ( 1 : 8 ).
6- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 188 ) ، والمختلف : (63).
7- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 1 : 163 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (4).
8- الخلاف ( 1 : 48 ، 52 ) ، إلا أنه ذکر « المرتین » فی ص (47).
9- المختلف : ( 12 ، 63 ).

______________________________________________________

المصنف - رحمه الله - فی المعتبر نقله بزیادة لفظ مرتین بعد قوله « ثم بالماء » (1). وقلده فی ذلک من تأخر عنه (2) ، ولا یبعد أن تکون الزیادة وقعت سهوا من قلم الناسخ.

ومقتضی إطلاق الأمر بالغسل : الاکتفاء بالمرة الواحدة بعد التعفیر ، إلا أنّ ظاهر المنتهی وصریح الذکری انعقاد الإجماع علی تعدد الغسل بالماء (3) ، فإن تمّ فهو الحجة ، وإلا أمکن الاجتزاء بالمرة لحصول الامتثال بها.

احتج ابن الجنید علی ما نقل عنه (4) بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إذا ولغ الکلب فی إناء أحدکم فلیغسله سبعا أولاهن بالتراب » (5) وما رواه عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یغسل من الخمر سبعا وکذلک من الکلب » (6).

والجواب الطعن فی السند ، فإن الروایة الأولی عامیة ، ورجال الثانیة فطحیة فلا تنهض حجة فی معارضة الأصل وما نقلناه من الخبر الصحیح. ولم نقف للمفید - رحمه الله تعالی - فیما ذهب إلیه من توسیط التراب بین الغسلتین واعتبار التجفیف بعد الغسل (7) علی مستند.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : اعتبر ابن إدریس - رحمه الله - فی التراب المزج بالماء تحصیلا لحقیقة

ص: 391


1- المعتبر ( 1 : 458 ).
2- المنتهی ( 1 : 187 ، 188 ) ، الذکری : (15).
3- المنتهی ( 1 : 187 ، 188 ) ، الذکری : (15).
4- فی المعتبر ( 1 : 458 ).
5- صحیح البخاری ( 1 : 54 ) ، صحیح مسلم ( 1 : 234 - 91 ) ، سنن أبی داود ( 1 : 19 - 71 ).
6- التهذیب ( 9 : 116 - 502 ) ، الوسائل ( 17 : 294 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (30) ح (2).
7- المقنعة : (9).

______________________________________________________

الغسل وهی جریان المائع علی المحل المغسول (1) ، وقواه فی المنتهی بعد التردد (2) ، وجزم فی المختلف بعدم اعتباره لانتفاء الحقیقة علی تقدیر المزج وعدمه ، فإن ذلک الإناء بالتراب الممتزج بالماء لا یسمی غسلا علی الحقیقة (3) ، وقد یقال : إن ذلک وإن لم یکن غسلا علی الحقیقة لکنه أقرب إلی حقیقة الغسل من الدلک بالتراب الجافّ ، ومع تعذر الحقیقة یصار إلی أقرب المجازات.

وجزم الشهید - رحمه الله - فی الذکری بإجزاء المزج وعدمه لإطلاق الخبر ، وحصول الإزالة للأجزاء اللعابیة بهما (4) ، وقیده جدی - قدس سره - بما إذا لم یخرج التراب بالمزج عن کونه ترابا وإلا لم یجز (5). والمسألة محل تردد ، وإن کان الأقرب عدم اعتبار المزج.

الثانی : اعتبر العلامة فی المنتهی طهارة التراب ، لأن المطلوب منه التطهیر ، وهو غیر مناسب بالنجس (6). ویشکل بإطلاق النص وحصول الإنقاء بالطاهر والنجس.

الثالث : قال الشیخ - رحمه الله تعالی - : لو لم یوجد التراب ووجد ما یشبهه - کالأشنان ، والصابون ، والجصّ ، ونظائرها - أجزأ (7) ، وبه قطع العلامة فی جملة من کتبه (8) ، والشهید فی البیان. وألحق بفقد التراب خوف فساد المحل باستعماله (9).

ص: 392


1- السرائر : (15).
2- المنتهی ( 1 : 188 ).
3- المختلف : (63).
4- الذکری : (15).
5- المسالک ( 1 : 19 ).
6- المنتهی ( 1 : 189 ).
7- المبسوط ( 1 : 14 ).
8- کالمختلف : (64) ، والقواعد ( 1 : 9 ) ، والمنتهی ( 1 : 188 ) ، والتذکرة ( 1 : 9 ).
9- البیان : (40).

______________________________________________________

والأصح خلافه ، لاختصاص التعبد بالتراب ، وعدم العلم بحصول المصلحة المطلوبة منه فی غیره.

الرابع : ذکر الشیخ (1) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب أنه لو تعذر التراب سقط اعتباره وطهر الإناء بغسله مرتین بالماء. ویشکل بأنه علیه السلام أمر بغسله بالتراب ولم یوجد ، فلا یطهر المحل بدونه کما لو عدم الماء.

الخامس : هذا الحکم مختص بالولوغ ، فلو أصاب الکلب الإناء بیده أو برجله کان کغیره من النجاسات ، وألحق ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه بالولوغ الوقوع (2) ، ولا نعلم مأخذه.

السادس : لو أصاب الثوب أو الجسد أو الإناء ماء الولوغ أو ماء غسالة الولوغ لم یعتبر فیه العدد ولا التراب ، اقتصارا بالحکم علی موضع النص.

وقال المحقق الشیخ علی - رحمه الله تعالی - : لو أصابت غسالة الإناء قبل التعفیر إناء وجب تعفیره لأنها نجاسة الولوغ (3). وهو لا یستلزم المدعی. وما أبعد ما بین هذا القول وقول الشیخ فی الخلاف بعدم نجاسة غسالة إناء الولوغ مطلقا (4).

السابع : قال الشیخ فی الخلاف والمبسوط : إذا ولغ الکلب فی إناء ثم وقع ذلک الإناء فی الماء الکثیر الذی بلغ کرا فما زاد لا ینجس الماء ، ویحصل له بذلک غسلة من جملة الغسلات ، ولا یطهر الإناء بذلک ، بل إذا تمّت غسلاته بعد ذلک طهر (5).

ومقتضاه وجوب التعدد فی الکثیر أیضا ، وبه قطع فی المعتبر ، إلا أنه اکتفی فی تحقق

ص: 393


1- المبسوط ( 1 : 14 ).
2- الفقیه ( 1 : 8 ).
3- جامع المقاصد ( 1 : 20 ).
4- الخلاف ( 1 : 49 ).
5- الخلاف ( 1 : 48 ) ، المبسوط ( 1 : 14 ).

______________________________________________________

التعدد فی الجاری بتعاقب الجریتین علیه (1).

والأظهر أنه إنما یحسب له بوقوعه فی الکثیر غسلة أو غسلتان مع سبق التعفیر ، وإلا لم یحصل له من الغسلات شی ء.

واستوجه العلامة فی المختلف طهارة الإناء بوقوعه فی الکثیر (2) ، وظاهره عدم اعتبار التعفیر فیه ، واستدل علیه بأنه حال وقوعه فی الکثیر لا یمکن القول بنجاسته حینئذ لزوال عین النجاسة ، إذ التقدیر ذلک. وهو ضعیف لأنا نمنع طهارة الإناء بدون التعفیر ، ولا بعد فی بقائه علی النجاسة حال وقوعه فی الکثیر کما فی جلد المیتة إذا وضع فی (3) کر من ماء ، فإن ذلک الماء یکون طاهرا مع بقاء الجلد علی النجاسة.

الثامن : لیس الخنزیر کالکلب فی الولوغ ، وقال الشیخ فی الخلاف الحکم واحد لأنه یسمی کلبا ، ولأن سائر النجاسات یجب غسل الإناء منها ثلاثا (4). وهما ضعیفان.

أما الأول : فلأنا لا نسلم أنّ الخنزیر یسمی کلبا ، ولو سمی کان مجازا ، واللفظ إنما ینصرف إلی الحقیقة.

وأما الثانی : فلمنع وجوب غسل الإناء من جمیع النجاسات ثلاثا ، ولو سلم لم یشترط التراب.

والأجود غسل الإناء من ولوغ الخنزیر سبعا ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی ابن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن خنزیر یشرب من إناء کیف

حکم الاناء الذی ولغ فیه الخنزیر

ص: 394


1- المعتبر ( 1 : 460 ).
2- المختلف : (64).
3- فی « م » ، « س » ، « ق » : فیه.
4- الخلاف ( 1 : 52 ).

ومن الخمر والجرذ ثلاثا بالماء ، والسبع أفضل.

______________________________________________________

یصنع به؟ قال : « یغسل سبع مرات » (1).

قال فی المعتبر : ونحن نحمله علی الاستحباب (2). وهو مشکل لانتفاء المعارض.

التاسع : لو نجس الإناء بولوغ الکلب والخنزیر اکتفی فی طهارته بغسله سبعا بعد التعفیر ولا یجب التسع ، وکذا یتداخل العدد ولو اختلفت أنواع النجاسة مطلقا ، لصدق الامتثال کما قطع به الأصحاب ، ولا أعلم فی ذلک خلافا.

قوله : ومن الخمر والجرذ ثلاثا بالماء والسبع أفضل.

الجرذ بضم الجیم وفتح الراء والذال المعجمة : کبیر الفأرة بالهمزة ، وموضع الخلاف نجاستها المستندة إلی الموت.

وقد اختلف کلام الشیخ فیما یطهر به الإناء من الخمر وموت الجرذ فقال فی النهایة والتهذیب : إنه یغسل من الخمر ثلاثا (3). وقال فی الخلاف : یغسل الإناء من جمیع النجاسات ثلاث مرات (4). وقال فی المبسوط والجمل : یغسل الإناء من الخمر سبعا (5). وقال فی النهایة : یغسل لموت الفأرة سبعا (6).

أما الثلاث فی الخمر ، فمستنده روایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الإناء یشرب فیه الخمر ، هل یجزیه أن یصب فیه الماء؟ قال : « لا یجزیه حتی یدلکه

ص: 395


1- الکافی ( 3 : 61 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 261 - 760 ) ، الوسائل ( 1 : 162 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 460 ).
3- النهایة : ( 589 ، 592 ) ، والتهذیب ( 1 : 283 ).
4- الخلاف ( 1 : 50 ).
5- المبسوط ( 1 : 15 ) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (171).
6- النهایة : (5).

ومن غیر ذلک مرّة واحدة ، والثلاث أحوط.

______________________________________________________

بیده ویغسله ثلاث مرات » (1).

وأما السبع فیه ، فمستنده روایة عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الإناء یشرب فیه النبیذ ، قال : « یغسل سبع مرات » (2).

وأما السبع فی الجرذ ، فمستنده روایة عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اغسل الإناء الذی تصیب فیه الجرذ سبعا » (3) ولم أقف علی نص یقتضی اعتبار الثلاث فیه.

وهذه الروایات کلها ضعیفة لانفراد الفطحیة بها. والمعتمد الاجتزاء بالمرة فی الجمیع ، وهو اختیار المصنف فی المعتبر ، فإنه قال فی آخر کلامه : ویقوی عندی الاقتصار فی اعتبار العدد علی الولوغ وفیما عداه علی إزالة (4) النجاسة وغسل الإناء بعد ذلک مرة واحدة لحصول الغرض من الإزالة ، ولضعف ما ینفرد به عمار وأشباهه ، وإنما اعتبرنا فی الخمر والفأرة الثلاث ملاحظة لاختیار الشیخ ، والتحقیق ما ذکرناه (5).

قوله : ومن غیر ذلک مرّة واحدة ، والثلاث أحوط.

یندرج فی قوله ومن غیر ذلک : نجاسة البول وغیرها من سائر النجاسات ، والأصح الاکتفاء بالمرة المزیلة للعین فی الجمیع والاقتصار فی اعتبار التعدد علی نجاسة الثوب خاصة بالبول ، کما بیناه فیما سبق (6).

ص: 396


1- الکافی ( 6 : 427 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 283 - 830 ) ، الوسائل ( 2 : 1074 ) أبواب النجاسات ب (51) ح (1).
2- التهذیب ( 9 : 116 - 502 ) ، الوسائل ( 17 : 302 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (35) ح (2).
3- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 2 : 1076 ) أبواب النجاسات ب (53) ح (1).
4- فی جمیع النسخ الخطیة ، والمصدر : ذلک ، وما أثبتناه من الحجری وهو الصواب.
5- المعتبر ( 1 : 462 ).
6- فی ص (338).

______________________________________________________

وقال الشیخ فی الخلاف : یغسل الإناء من جمیع النجاسات سوی الولوغ ثلاث مرات (1). واحتج علیه بطریقة الاحتیاط ، إذ مع الغسلات الثلاث یحصل الإجماع علی طهارته ، وبما رواه عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الإناء یکون قذرا ، قال : « یغسل ثلاث مرات یصب فیه الماء ویحرک ویفرغ » (2).

والجواب : أن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی ، والروایة ضعیفة السند بجماعة من الفطحیة ، ومع ذلک فهی معارضة بما رواه عمار أیضا ، عن الصادق علیه السلام : عن الاکتفاء بالمرة (3). وهی أولی لأنها مطابقة لمقتضی البراءة الأصلیة. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

والحمد لله ربّ العالمین

عدد الغسلات

ص: 397


1- الخلاف ( 1 : 50 ).
2- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 2 : 1076 ) أبواب النجاسات ب (53) ح (1).
3- تقدمت فی ص (328).

ص: 398

فهرس الجزء الثانی

الاستحاضة

صفة دم الاستحاضة........................................................... 7

دم الحیض قد یکون بصفة دم الاستحاضة....................................... 8

ما قل عن ثلاثة وما تجاوز العشرة فهو استحاضة.................................. 9

حکم ما اجتمع مع الحمل من الدم.............................................. 9

حکم الحائض إذا تجاوز دمها العشرة........................................... 12

حکم المبتدئة رجوع المبتدئة إلی التمییز......................................... 14

رجوع المبتدئة إلی عادة نسائها أو أقرانها عند فقد التمییز......................... 15

تحیض المبتدئة بسبعة أیام عند اختلاف نسائها................................... 18

- حکم ذات العادة......................................................... 21

- حکم المضطربة رجوع المضطربة إلی التمییز.................................. 24

حکم ذاکرة العدد ناسیة الوقت إذا فقدت التمییز............................... 25

حکم ذاکرة الوقت ناسیة العدد إذا فقدت التمییز............................... 26

حکم ناسیة الوقت والعدد إذا فقدت التمییز.................................... 28

ص: 399

أحکام المستحاضة

- أقسام الاستحاضة وأحکامها............................................... 29

الاستحاضة القلیلة........................................................... 29

الاستحاضة المتوسطة......................................................... 31

الاستحاضة الکثیرة.......................................................... 34

أحکام المستحاضة........................................................... 37

عدم صحة صلاة المستحاضة لو أخلت بما علیها................................. 38

حکم صوم المستحاضة لو أخلت بالأغسال..................................... 38

بعض أحکام المستحاضة...................................................... 40

النفاس

- بیان النفاس.............................................................. 42

أقل النفاس.................................................................. 44

حکم من ولدت ولم تر دما................................................... 44

حکم من تری الدم قبل الولادة............................................... 44

أکثر النفاس................................................................ 45

حکم الحامل باثنین.......................................................... 49

حکم من لم تر الدم إلا فی العاشر............................................. 50

أحکام النفساء.............................................................. 50

غسل النفساء............................................................... 51

أحکام الأموات

- الاحتضار................................................................ 52

توجیه المحتضر إلی القبلة...................................................... 52

کیفیة التوجیه إلی القبلة...................................................... 53

عدم سقوط التوجیه بالموت................................................... 54

التوجیه فرض کفایة......................................................... 54

استحباب تلقین المحتضر...................................................... 55

ص: 400

استحباب نقل المحتضر إلی مصلاه.............................................. 56

استحباب الاسراج عند المیت لیلا............................................. 57

استحباب تغمیض عینی المحتضر وطبق فیه....................................... 57

استحباب مد یدی المحتضر.................................................... 58

کراهة طرح حدیدة علی بطن المیت........................................... 58

کراهة حضور الجنب والحائض عند المحتضر.................................... 59

- التغسیل ................................................................ 59

أولاهم بمیراثه أولاهم بتغسیله................................................. 59

الزوج أولی بالمرأة............................................................ 60

الکافر یغسل المسلم إذا لم یکن مسلم.......................................... 64

یغسل الرجل محارمه فقط..................................................... 65

یغسل الرجل من لها دون ثلاث سنین.......................................... 67

جواز تغسیل المسلم.......................................................... 69

عدم تغسیل الشهید.......................................................... 69

کفایة اغتسال من یجب علیه القتل............................................. 71

حکم أبعاض المیت.......................................................... 72

حکم السقط................................................................ 75

عدم تغسیل الأجنبیة الرجل................................................... 77

غسل المیت

- کیفیة غسل المیت........................................................ 78

تغسیله بماء السدر........................................................... 79

مقدار السدر................................................................ 82

تغسیله بماء الکافور.......................................................... 82

تغسیله بماء القراح........................................................... 82

استحباب توضیة المیت....................................................... 83

ص: 401

التغسیل بالقراح عند عدم السدر أو الکافور.................................... 84

تیمیم المیت إذا کان جلده یتناثر بالغسل....................................... 85

- سنن الغسل

تغسیله علی ساجة مستقبل القبلة.............................................. 86

تغسیله تحت الظلال......................................................... 87

إرسال الماء فی حفیرة......................................................... 87

فتق قمیصه ونزعه........................................................... 88

ستر عورته................................................................. 88

تلیین أصابعه................................................................ 89

غسل رأسه برغوة السدر..................................................... 89

غسل یدی المیت............................................................ 90

البدأة بالأیمن والتثلیث ومسح بطنه............................................ 90

- مکروهات الغسل

جعل الغاسل المیت بین رجلیه................................................. 91

اقعاده وقص أظفاره وترجیل شعره............................................ 91

کراهة تغسیل المخالف....................................................... 91

التکفین

واجبات التکفین

التکفین بثلاث قطع.......................................................... 92

کفایة قطعة عند الضرورة.................................................... 95

حرمة التکفین بالحریر........................................................ 95

وجوب مسح مساجده بالکافور............................................... 96

مقدار الکافور المندوب....................................................... 98

سنن التکفین

اغتسال الغاسل قبل التکفین.................................................. 99

إضافة حبرة للرجل.......................................................... 99

ص: 402

إضافة خرقة للرجل........................................................ 101

تعمیم الرجل.............................................................. 102

إضافة لفافة للمرأة ونمطا.................................................... 104

إضافة قناع للمرأة......................................................... 105

کون الکفن من القطن...................................................... 105

نثر الذریرة علی الکفن..................................................... 106

کتابة الشهادتین علی الکفن................................................ 107

خیاطة الکفن بخیوطه وعدم بله بالریق........................................ 108

جعل جریدتین فی الکفن.................................................... 108

سحق الکافور بالید........................................................ 112

جعل ما یفضل من الکافور علی الصدر....................................... 112

طوی جانب اللفافة........................................................ 113

- مکروهات التکفین

التکفین بالکتان........................................................... 113

عمل أکمام للکفن والکتابة علیه بالسواد..................................... 114

جعل الکافور فی مسامع المیت............................................... 114

- بعض مسائل التکفین

حکم النجاسة الخارجة من المیت............................................. 116

کفن المرأة علی الزوج...................................................... 117

کفن الرجل من الترکة..................................................... 119

حکم ما یسقط من المیت................................................... 121

الدفن

- التشییع

استحباب المشی خلف الجنازة............................................... 122

کراهة الجلوس للمشیع..................................................... 124

استحباب تربیع الجنازة..................................................... 125

ص: 403

استحباب إعلام المؤمنین بموت المؤمن......................................... 128

استحباب وضع الجنازة إذا وصل القبر........................................ 129

کیفیة إرسال المیت فی القبر................................................. 130

استحباب تحفی النازل فی القبر............................................... 131

کراهة تولی الأقارب دفن المیت.............................................. 131

استحباب الدعاء عند إنزال المیت القبر....................................... 132

فروض الدفن المواراة فی الأرض.............................................. 133

کیفیة دفن راکب البحر.................................................... 134

اضجاع المیت علی الجانب الأیمن مستقبل القبلة............................... 136

الاستدبار بغیر المسلمة الحاملة من مسلم...................................... 136

- سنن الدفن

حفر القبر قدر قامة........................................................ 137

عمل اللحد مما یلی القبلة.................................................... 138

حل عقد الأکفان.......................................................... 138

جعل شئ من تربة الحسین مع المیت.......................................... 139

تلقین المیت................................................................ 140

شرج اللبن................................................................ 141

الخروج من قبل رجلی القبر................................................. 142

إهالة التراب بظهور الأکف................................................. 142

رفع القبر مقدار أربع أصابع................................................. 143

صب الماء علی القبر........................................................ 144

وضع الید علی القبر والترحم علی المیت...................................... 145

تلقین الولی المیت بعد انصراف الناس......................................... 145

التعزیة.................................................................... 146

مکروهات الدفن

ص: 404

فرش القبر بالساج......................................................... 147

إهالة ذی الرحم علی رحمه................................................. 148

تجصیص القبور............................................................ 149

تجدید القبور.............................................................. 150

دفن میتین فی قبر واحد..................................................... 151

نقل المیت إلی بلد آخر...................................................... 152

الاستناد إلی القبر والمشی علیه............................................... 152

- لواحق

حرمة نبش القبور.......................................................... 153

حرمة نقل الموتی بعد الدفن................................................. 154

حرمة شق الثوب.......................................................... 155

- حکم الشهید........................................................... 155

- تقطیع الحمل وإخراجه إذا مات........................................... 157

شق بطن الحامل واخراج الحمل إذا ماتت..................................... 158

الأغسال المسنونة

- أغسال الوقت

غسل الجمعة.............................................................. 159

وقت غسل الجمعة......................................................... 161

جواز تعجیله یوم الخمیس................................................... 162

جواز قضائه یوم السبت.................................................... 163

أغسال شهر رمضان....................................................... 164

غسل العیدین وعرفة....................................................... 166

أغسال شهر رجب وشعبان................................................. 167

غسل یوم الغدیر........................................................... 167

غسل یوم المباهلة........................................................... 168

أغسال الفعل

ص: 405

غسل الاحرام............................................................. 168

غسل الزیارة.............................................................. 169

غسل تارک صلاة الکسوف................................................. 169

غسل التوبة............................................................... 171

- أغسال المکان

غسل دخول الحرم والمسجد والکعبة......................................... 171

غسل دخول المدینة ومسجدها............................................... 171

- مسائل

محل الغسل................................................................ 172

تداخل الأغسال........................................................... 173

حکم غسل السعی لرؤیة المصلوب........................................... 173

حکم غسل المولود......................................................... 174

التیمم

معنی التیمم................................................................ 175

- ما یصح معه التیمم

الأول : عدم الماء.......................................................... 177

وجوب الطلب عند عدم الماء ومقداره........................................ 178

عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت............................................ 182

حکم من أخل بالطلب..................................................... 183

وجود الماء الغیر الکافی کعدمه............................................... 186

الثانی : عدم الوصلة إلیه.................................................... 188

الثالث : الخوف .......................................................... 190

الخوف من اللص والسبع أو ضیاع المال...................................... 190

خوف المرض والشین....................................................... 191

عدم تسویغ المرض الیسیر................................................... 192

حکم من أجنب نفسه مع عدم الماء.......................................... 193

ص: 406

خوف العطش............................................................. 195

- ما یجوز التیمم به

ما یقع علیه اسم الأرض.................................................... 196

حکم التیمم بالحجر........................................................ 199

حکم التیمم بالمعادن والرماد................................................ 200

حکم التیمم بالنبات المنسحق................................................ 201

حکم التیمم بأرض النورة والجص........................................... 201

حکم التیمم بالخزف....................................................... 202

حکم التیمم بتراب القبر والمستعمل والمغصوب................................ 203

حرمة التیمم بالنجس والطین مع وجود التراب................................ 204

کراهة التیمم بالسبخة والرمل............................................... 205

استحباب التیمم من ربا الأرض............................................. 206

التیمم من غبار الثوب أو لبد السرج أو عرف الدابة........................... 206

التیمم بالوحل............................................................. 207

- کیفیة التیمم

وقت التیمم............................................................... 208

- واجبات التیمم

الأول : النیة.............................................................. 215

عدم اعتبار نیة البدلیة عن الوضوء أو الغسل.................................. 215

محل النیة.................................................................. 216

الثانی : استدامة النیة....................................................... 217

الثالث : وضع الیدین علی الأرض........................................... 217

عدم اشتراط علوق التراب بالید............................................. 218

الرابع : مسح الجبهة....................................................... 219

الخامس : مسح ظاهر الکفین............................................... 222

تنبیهات................................................................... 226

ص: 407

السادس : الترتیب......................................................... 226

اعتبار الموالاة.............................................................. 227

عدد الضربات فی التیمم.................................................... 229

حکم من قطعت کفاه...................................................... 234

وجوب استیعاب مواضع المسح.............................................. 235

استحباب نفض الیدین..................................................... 235

حکم من تیمم وعلی جسده نجاسة........................................... 236

- أحکام التیمم

إجزاء الصلاة بالتیمم....................................................... 237

من أخل بالطلب یعید الصلاة............................................... 241

سقوط الصلاة مع عدم التمکن من التیمم..................................... 242

حکم من تیمم ثم وجد الماء................................................. 244

استباحة المتیمم ما یستبیحه المتطهر........................................... 249

حکم اجتماع المیت والجنب والمحدث مع کفایة الماء لأحدهم.................... 250

حکم المتیمم بدل الغسل إذا أحدث.......................................... 252

انتقاض التیمم بالتمکن من الماء.............................................. 254

عدم انتقاض التیمم بخروج الوقت........................................... 255

تیمم من تمرض عضو منه ولم یمکن مسحه.................................... 256

جواز التیمم لصلاة الجنازة.................................................. 256

النجاسات

- أنواع النجاسات

- البول والغائط.......................................................... 258

حکم رجیع الطیر.......................................................... 259

حکم رجیع الخشاف....................................................... 261

حکم بول الرضیع......................................................... 263

حکم رجیع ما لا نفس له................................................... 263

ص: 408

حکم ذرق الدجاج الجلال.................................................. 264

- المنی................................................................... 265

حکم منی ما لا نفس له..................................................... 267

- المیتة................................................................... 267

میتة غیر الآدمی........................................................... 268

میتة الادمی............................................................... 270

نجاسة ما قطع من المیتة...................................................... 271

طهارة ما لا تحله الحیاة من المیتة.............................................. 272

حکم لبن المیتة............................................................. 274

طهارة فأرة المسک......................................................... 275

حکم ما لا تحله الحیاة من نجس العین......................................... 275

غسل مس المیت

وجوب الغسل بمس المیت................................................... 277

عدم وجوب الغسل بمس المیت وهو حار...................................... 278

حکم مس العضو الذی کمل غسله.......................................... 279

وجوب الغسل بمس قطعة فیها عظم.......................................... 279

عدم وجوب الغسل بمس العظم.............................................. 280

الدم...................................................................... 281

طهارة القیح والقئ......................................................... 283

طهارة المسک.............................................................. 284

حکم الدم المشتبه.......................................................... 284

طهارة دم ما لا نفس له..................................................... 284

- الکلب والخنزیر......................................................... 285

حکم المتولد من کلب وغیره................................................ 286

حکم الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة....................................... 286

- المسکر................................................................ 289

ص: 409

حکم الخمر............................................................... 289

أدلة نجاسة الخمر.......................................................... 290

أدلة طهارة الخمر.......................................................... 291

حکم العصیر العنبی........................................................ 292

- الفقاع................................................................. 293

- الکافر................................................................. 294

حجة القائلین بالنجاسة..................................................... 296

حجة القائلین بالطهارة...................................................... 297

حکم ولد الکافر.......................................................... 298

حکم عرق الجنب من حرام................................................. 299

حکم عرق الإبل الجلالة.................................................... 300

کراهة بول البغال والحمیر والدواب.......................................... 301

أحکام النجاسات

وجوب إزالة النجاسة للصلاة والطواف...................................... 303

وجوب إزالة النجاسة لدخول المساجد........................................ 305

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد........................................... 306

اقتضاء الامر بالشئ النهی عن الضد وعدمه................................... 307

العفو عن دم القروح والجروح............................................... 308

العفو عما دون الدرهم من الدم............................................. 311

معنی الدرهم البغلی........................................................ 314

عدم العفو عن الدماء الثلاثة................................................. 315

حکم الدم المتفرق الذی یبلغ مجموعه الدرهم.................................. 318

حکم ما لا تتم الصلاة فیه النجس........................................... 320

حکم استصحاب النجاسة فی الصلاة......................................... 323

حکم من جبر عظمه بعظم نجس............................................. 323

حکم من أدخل دما تحت جلده.............................................. 324

ص: 410

وجوب عصر الثیاب من النجاسات.......................................... 325

وجوب دلک الصلب فی تطهیره............................................. 328

حکم ما یعسر عصره...................................................... 329

حکم الصابون وأمثاله إذا تنجس............................................ 331

لا یجب عصر الثوب من بول الرضیع........................................ 332

وجوب غسل الثوب مع اشتباه محل النجاسة................................... 334

عدد الغسلات............................................................. 336

کفایة المرة المزیلة مطلقا..................................................... 338

استحباب رش الثوب بملاقاة الکلب والخنزیر یابسا............................. 341

بعض ما یستحب نضح الثوب منه........................................... 342

استحباب مسح البدن بملاقاة النجاسة یابسا................................... 343

حکم من أخل بإزالة النجاسة وصلی......................................... 344

حکم من رأی النجاسة وهو یصلی.......................................... 351

المربیة للصبی تغسل ثوبها مرة بالیوم.......................................... 355

حکم الصلاة فی الثوب المشتبه بالنجس....................................... 356

حکم من لیس له ثوب طاهر................................................ 359

طهارة الأرض وغیرها بالجفاف بالشمس..................................... 362

الجفاف بغیر الشمس لا یطهر............................................... 365

اعتبار زوال الجرم فی الطهارة بالشمس....................................... 367

طهارة ما أحالته النار....................................................... 367

مطهریة الاستحالة......................................................... 369

حکم العجین النجس....................................................... 369

طهارة النعل بالتراب....................................................... 372

حکم ماء الغیث الواقع علی النجاسة......................................... 375

حکم الغسالة.............................................................. 377

کیفیة تطهیر الأرض........................................................ 377

ص: 411

الأوانی والجلود

حرمة الأکل فی آنیة الذهب والفضة......................................... 379

حرمة اقتناء أوانی الذهب والفضة............................................ 380

عدم بطلان الطهارة من آنیة الذهب والفضة.................................. 381

عدم حرمة غیر الأوانی کالمیل................................................ 381

حکم زخرفة السقوف..................................................... 382

کراهة المفضض من الأوانی.................................................. 382

حکم أوانی المشرکین....................................................... 384

- حکم الجلود............................................................ 385

حکم الجلد المطروح........................................................ 387

استحباب دبغ جلد ما لا یؤکل لحمه......................................... 388

حکم أوانی الخمر المقیرة.................................................... 388

کراهة أوانی الخمر الخشبیة وأمثالها........................................... 389

حکم الاناء الذی ولغ فیه الکلب............................................ 390

حکم الاناء الذی ولغ فیه الخنزیر............................................ 394

عدد الغسلات............................................................. 397

ص: 412

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.