مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی) المجلد 1

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

وبه نستعین

الحمد لله المحمود لآلائه ، المشکور لنعمائه ، المعبود لکماله ، المرهوب لجلالة ، الذی ارتفع شأنه عن مشابهة الأنام ، وتقدّس بکمال ذاته عن إحاطة دقائق الأفهام ، وتعالی فی عظمته عن أن تبلغ کنه حقیقته الأوهام ، وأفاض سحائب الإفضال علی جمیع البریة فشملهم سوابغ الأنعام أحمده علی ما منحه من إرشاده وهدایته ، وأسأله العصمة من الشیطان الرجیم وغوایته. وأصلی علی أشرف من بعثه ببرهانه وآیته ، وجعله سید متحملی رسالته ، سیدنا محمد صلی الله علیه و آله ، صاحب شریعته ودلالته ، وعلی ابن عمه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله علیه ، المختار لأخوّته ووصیته وخلافته ، وعلی الأئمّة من ذریته وعترته وسلالته.

وبعد فإنّ أحقّ الفضائل بالتعظیم ، وأحراها باستحقاق التقدیم ، وأتمّها فی استجلاب ثوابه الجسیم هو العلم بالأحکام الشرعیة والوظائف الدینیة ، إذ به تحصل السعادة الأبدیة ، ویتخلص من الشقاوة السرمدیة ، فوجب علی کل مکلّف صرف الهمة

مقدمة المؤلف

ص: 3

إلیه وإنفاق هذه المهلة الیسیرة علیه ، هذا وإنّ الله یقول فی کتابه المکنون ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ ) (1).

وکما ان کتاب شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام من مصنفات الإمام المحقق ، والنحریر المدقق ، أفضل المتقدمین والمتأخرین ، نجم الملة والدین - سقی الله ضریحه میاه الرضوان ورفع قدره فی فرادیس الجنان - من أشرف الکتب الفقهیة ، وأحسن المصنفات الفرعیة ، لما فیه من التنبیهات الجلیلة الجلیة ، والتلویحات الدقیقة الخفیة ، کذلک شرحه للمولی الأعظم والإمام المعظم ، قدوة العلماء الراسخین وأفضل المتأخرین ، جدی العلامة الشهید الثانی - قدس الله نفسه الزکیة وأفاض علی تربته المراحم الربانیة - کتاب جلیل الشأن ، رفیع المکان ، لم یر مثله فی کتب الأولین ، ولم تسمح بما یدانیه أفکار المتأخرین ، ولذلک تداولته الفضلاء فی جمیع الأمصار ، واشتهر بینهم اشتهار الشمس فی رابعة النهار.

غیر أنّه - قدس سره - سلک فی أوائله (2) مسلک الاختصار ، فبقیت رموز تلک المحال مستورة علی حالها ، ومخفیات کنوزها لم یظفر ناظر بمحالها ، فالتمس منّی بعض إخوانی فی الدین أن أفصّل ما أجمله ، واستوفی ما أهمله ، فاستخرت الله تعالی ، وبادرت إلی مقتضی إرادته ، خوفا من الإخلال بمفترض إجابته.

وکان غایة مقصودی فی هذا التعلیق إنما هو تحریر المسائل الشرعیة ، واستخراجها من أدلتها التفصیلیة ، معرضا عن تطویل المقال بما یرد علی العبارات من القیل والقال ، راجیا من الله تعالی حسن التوفیق ، وإصابة الحق بالتحقیق.

ص: 4


1- الذاریات : (56).
2- فی « م » : أوله.

______________________________________________________

قوله - قدس الله نفسه وطهر رمسه - : کتاب الطهارة.

الکتاب مصدر ثالث لکتب (1) من الکتب وهو : الجمع قال جمع من المفسرین (2) : المراد بقوله سبحانه ( أُولئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمانَ ) (3) جمعه فی قلوبهم حتی (4) آمنوا بجمیع ما یجب علیهم أی : استکملوا أجزاء الإیمان بحذافیرها لیسوا ممن یقولون ( نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَکْفُرُ بِبَعْضٍ ) (5).

وهو هنا إما بمعنی المفعول مثل : خلق الله أی مخلوقة ، فیکون بمعنی المکتوب فی الطهارة. ( أو بمعنی ما یفعل به ، کالنظام لما ینظم به ، فیکون بمعنی ما یجمع به الطهارة ) (6) أو یکون منقولا ( عرفیا ) (7).

وقد عرّفه شیخنا الشهید - رحمه الله - فی بعض فوائده بأنه اسم لما یجمع به المسائل المتحدة بالجنس المختلفة بالنوع.

قال : والمقصد اسم لما یطلب فیه المسائل المتحدة فی النوع المختلفة فی الصنف ، ومثله الباب والفصل. والمطلب هو المائز بین المسائل المتحدة فی الصنف المختلفة فی الشخص.

وما ذکره - رحمه الله - غیر مطرد. والحق أنّ هذه أمور اصطلاحیة ومناسبات

کتاب الطّهارة

معنی الکتاب

ص: 5


1- أی أحد المصادر الثلاثة لکتب ، قال فی الصحاح ( 1 : 208 ) کتبت کتبا ، وکتابا ، وکتابة.
2- منهم القرطبی فی الجامع لأحکام القرآن ( 17 : 308 ).
3- المجادلة : (22).
4- فی « س » : حین.
5- النساء : (150).
6- ما بین القوسین لیس فی « م ».
7- لیست فی « م ».

______________________________________________________

اعتباریة لا ینبغی المشاحة فیها. وغایة ما یستفاد من ملاحظة استعمالاتهم (1) أنّ المناسبة المعتبرة بین مسائل المقصد والفصل والمطلب ینبغی أن تکون أتم مما یعتبر بین مسائل الکتاب.

والطهارة لغة : النظافة والنزاهة ، قال الله تعالی ( إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً ) (2).

ذکر المفسرون : أن الطهارة هنا تأکید للمعنی المستفاد من ذهاب الرجس ، ومبالغة فی زوال أثره بالکلیة (3). والرجس فی الآیة مستعار للذنوب ، کما أنّ الطهارة مستعارة للعصمة منها.

وقد استعملها الشارع فی معنی آخر مناسب للمعنی اللغوی مناسبة السبب للمسبب ، وصارت حقیقة عند الفقهاء ، ولا یبعد کونه کذلک عند الشارع أیضا علی تفصیل ذکرناه فی محله.

واختلف الأصحاب فی المعنی المنقول إلیه لفظ الطهارة عندهم ، فمنهم من أطلقها علی المبیح للعبادة من الأقسام الثلاثة ، دون إزالة الخبث ، لأنه أمر عدمی ، والطهارة من الأمور الوجودیة (4). ومنهم من أطلقها علی إزالة الخبث أیضا. وربما ظهر من کلام بعض المتقدمین إطلاقها علی مطلق الوضوء والغسل والتیمم ، سواء کانت مبیحة أم لا (5). والأکثرون علی الأول.

معنی الطهارة اللغوی

ص: 6


1- فی « س » : اصطلاحهم.
2- الأحزاب : (33).
3- لاحظ تفسیر غرائب القرآن ( هامش جامع البیان للطبری ) ( 22 : 10 ) ، وتفسیر أبی السعود ( 7 : 103 ).
4- منهم المحقق فی الشرائع ( 1 : 1 ) ، والعلامة فی التحریر : (4) والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 2 ).
5- کما فی السرائر : (6).

الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التیمم علی وجه له تأثیر فی استباحة الصلاة. [1] وکل واحد منها ینقسم إلی واجب ومندوب.

______________________________________________________

ومن الإشکال العام أنهم یعتبرون فی التعریف قید الإباحة ثم یقسّمون الطهارة إلی واجبة ومندوبة ، ویقسّمون المندوبة إلی ما ( ترفع وما لا ترفع ، وما ) (1) تبیح وما لا تبیح فیدخلون فی التقسیم ما لا یدخلونه فی التعریف ، واللازم من ذلک إما اختلال التعریف أو فساد التقسیم ، ولا مخلص من ذلک إلاّ بالتزام کون المقسم أعم من المعرف.

وکیف کان فالأمر فی ذلک هیّن ، إذ لا جدوی له فیما یتعلق بالعمل إلاّ فیما ندر ، کالنذر علی بعض الوجوه.

وإنما المهم فی هذه المسألة بیان المبیح من الأنواع الثلاثة ، وسیأتی البحث فیه مفصلا إن شاء الله تعالی.

قوله : الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التیمم ، علی وجه له تأثیر فی استباحة الصلاة.

یلوح من قوله : « اسم » أنّ التعریف لفظی علی قانون أهل اللغة ، وهو تبدیل اسم باسم آخر أظهر منه.

وربما ظهر من التعریف مقولیة الطهارة علی جزئیاتها بطریق الاشتراک ( لا الحقیقة والمجاز ، ولا التواطؤ والتشکیک ) (2) وإن احتملتهما أیضا علی بعد.

وقد أورد علی هذا التعریف أمور :

منها : أنه مشتمل علی التردید ، وهو مناف للتحدید.

وجوابه : أن التردید إنما یوجب نقصا فی التعریف إذا کان بمعنی أنّ الحد إما هذا أو ذاک ، والتردید هنا فی أقسام المحدود لا فی نفس الحد.

معنی الطهارة الشرعی

ص: 7


1- ما بین القوسین من « ق » و « ح ».
2- بدل ما بین القوسین فی « م ، ح ، ق » : أو الحقیقة والمجاز لا التواطؤ والتشکیک.

فالواجب من الوضوء ما کان لصلاة واجبة ،

______________________________________________________

وتحقیق ذلک : أنّه إذا وقع فی الحد تردید وتقسیم فإن أرید به أنّ حد هذا الشی ء إما هذا المفهوم أو هذا المفهوم (1) فهو معیب عندهم ، وإن أرید به أنّ حد هذا الشی ء هو هذا المفهوم ، لکن ما یصدق علیه هذا الحد قسمان أو أکثر ، وأشیر إلی ذلک فی ضمن التحدید ، فهو مقبول عندهم.

والحاصل : أنّ الحد فی الحقیقة هو مفهوم أحدها ولا تردید فیه.

ومنها : أنّ الطهارة جنس لکل واحد من الأنواع الثلاثة ، فتعریفها بها تعریف للجنس بالنوع ، وهو دور.

وجوابه - بعد تسلیم الجنسیة - أنّ التعریف لا یعتبر فیه أخذ الجنس إلاّ إذا أرید به التحدید ، أما مطلق التعریف الشامل للرسم فلا ، وحینئذ فیمکن رسم النوع علی وجه لا یتوقف علی الجنس ، فینتفی الدور.

ومنها : أنه إن أراد بکل من الثلاثة موضوعه الشرعی أغنی عن قید التأثیر ، لأنه لا یکون إلاّ مؤثرا ، وإن أراد اللغوی استعمل المجاز الشرعی.

وجوابه : اختیار الشق الأول ومنع الحصر. وفی المقام أبحاث قلیلة الفائدة بالنظر إلی ما هو المقصود من هذا التعلیق.

قوله : فالواجب من الوضوء ما کان لصلاة واجبة.

إنما قیّد الصلاة بالواجبة ، لعدم وجوب الوضوء للنافلة وإن کان شرطا فیها ، إذ لا یتصور وجوب الشرط لمشروط غیر واجب ، ولأنه یجوز ترکه لا إلی بدل ، ولا شی ء من الواجب کذلک.

وقد توهم بعض من لا تحقیق له وجوب الوضوء للنافلة ، لتوجه الذم إلی تارکه إذا أتی

الطهارات الواجبة والمندوبة

- الوضوء الواجب

وجوب الوضوء للصلاة الواجبة

ص: 8


1- کذا فی الأصل ، والأنسب : أمّا هذا المفهوم أو ذاک.

______________________________________________________

بالنافلة فی تلک الحال. وهو خطأ ، فإنّ الذم إنما یتوجه إلی الفعل المذکور لا الترک ، وأحدهما غیر الآخر.

نعم قد یطلق علی هذا النوع من الندب اسم الواجب تجوّزاً ، لمشابهته الواجب فی أنه لا بد منه بالنسبة إلی المشروط ، وإن کان فی حد ذاته مندوبا ، ویعبر عنه بالوجوب الشرطی إشارة إلی علاقة التجوّز.

وهذا الحکم - أعنی وجوب الوضوء للصلاة الواجبة - مجمع علیه بین المسلمین ، بل الظاهر أنه من ضروریات الدین. ویندرج فی الصلاة الواجبة ، الیومیة وغیرها من بقیة الصلوات الواجبة. ولا حاجة إلی استثناء صلاة الجنازة من ذلک ، إذ الحق أنّ اسم الصلاة إنما یقع حقیقة علی ذات الرکوع والسجود ، أو ما قام مقامهما ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

وألحق بالصلاة أجزاؤها المنسیّة ، لأنّ شرط الکل شرط لجزئه وسجود السهو ، لأنه مکمّل للصلاة ، وهو أحوط ، وإن کان فی تعیّنه نظر ، لضعف مأخذه.

واعلم : أنّ المعروف من مذهب الأصحاب أنّ الوضوء إنما یجب بالأصل عند اشتغال الذمة بمشروط به ، فقبله لا یکون إلاّ مندوبا ، تمسکا بمفهوم قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (1) ولیس المراد نفس القیام وإلاّ للزم تأخیر الوضوء عن الصلاة ، وهو باطل بالإجماع ، بل المراد - والله أعلم - : إذا أردتم القیام إلی الصلاة ، إطلاقا لاسم المسبب علی السبب ، فإنه مجاز مستفیض.

وقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا دخل الوقت وجب الطهور

وجوب الوضوء غیری

ص: 9


1- المائدة : (6).

______________________________________________________

والصلاة » (1) والمشروط عدم عند عدم الشرط.

ویتوجه علی الأول : أنّ أقصی ما تدل علیه الآیة الشریفة ترتب الأمر بالغسل والمسح علی إرادة القیام إلی الصلاة ، والإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، إذ لا یعتبر فیها المقارنة للقیام إلی الصلاة ، وإلاّ لما کان الوضوء فی أول الوقت واجبا بالنسبة إلی من أراد الصلاة فی آخره.

وعلی الثانی : أنّ المشروط وجوب الطهور والصلاة معا ، وانتفاء هذا المجموع یتحقق بانتفاء أحد جزأیه ، فلا یتعین انتفاؤهما معا.

وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری قولا بوجوب الطهارات أجمع بحصول أسبابها ، وجوبا موسعا لا یتضیق إلاّ بظن الوفاة ، أو تضیق وقت العبادة المشروطة بها (2).

ویشهد له إطلاق الآیة وکثیر من الأخبار ، کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إنّ علیا علیه السلام کان یقول : من وجد طعم النوم قاعدا أو قائما فقد وجب علیه الوضوء » (3).

وصحیحة زرارة حیث قال فیها : « فإن نامت العین والأذن والقلب فقد وجب الوضوء » (4).

وموثقة بکیر بن أعین ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا استیقنت أنک

ص: 10


1- الفقیه ( 1 : 22 - 67 ) ، التهذیب ( 2 : 140 - 546 ) ، الوسائل ( 1 : 261 ) أبواب الوضوء ب (4) ح (1).
2- الذکری : (23). قال : والراوندی وجماعة علی وجوبه ( الغسل ) لا بشرط - إلی أن قال - وربما قیل بطرد الخلاف فی کل الطهارات لأن الحکمة ظاهرة فی شرعیتها مستقلة.
3- الکافی ( 3 : 37 - 15 ) ، التهذیب ( 1 : 8 - 10 ) والاستبصار ( 1 : 80 - 252 ) مع اختلاف یسیر ، الوسائل ( 1 : 181 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (9).
4- التهذیب ( 1 : 8 - 11 ) مع اختلاف یسیر ، الوسائل ( 1 : 174 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (1).

أو طواف واجب ،

______________________________________________________

أحدثت فتوضأ » (1).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یواقع أهله أینام علی ذلک؟ فقال علیه السلام : « إذا فرغ فلیغتسل » (2).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فیها شی ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شیئا فلتغتسل » (3).

ویؤیده خلو الأخبار بأسرها من هذا التفصیل مع عموم البلوی به ، وشدة الحاجة إلیه. ولو قلنا بعدم اشتراط نیة الوجه - کما هو الوجه - زال الإشکال من أصله ، وعندی أن هذا هو السر فی خلو الأخبار من ذلک ، فتأمل.

وجوب الوضوء للطواف الواجب

قوله : أو طواف واجب.

هذا الحکم إجماعی أیضا علی ما نقله جماعة (4) ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن رجل طاف طواف الفریضة وهو علی غیر طهر قال : « یتوضأ ویعید طوافه ، وإن کان تطوعا توضأ وصلی رکعتین » (5)

ص: 11


1- الکافی ( 3 : 33 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 102 - 268 ) بلفظ آخر ، الوسائل ( 1 : 176 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (7).
2- التهذیب ( 1 : 372 - 1137 ) ، الوسائل ( 1 : 501 ) أبواب الجنابة ب (25) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 80 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 161 - 460 ) ، الوسائل ( 2 : 562 ) أبواب الحیض ب (17) ح (1).
4- منهم الشیخ فی الخلاف ( 1 : 446 ) ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (578) ، والعلامة فی المنتهی : (690).
5- الکافی ( 4 : 420 - 3 ) ، الفقیه ( 2 : 250 - 1202 ) ، التهذیب ( 5 : 116 - 380 ) ، الإستبصار ( 2 : 222 - 764 ) ، الوسائل ( 9 : 444 ) أبواب الطواف ب (38) ح (3).

أو لمسّ کتابة القرآن إن وجب. والمندوب ما عداه.

______________________________________________________

واستدل علیه جماعة من المتأخرین (1) بقوله علیه السلام : « الطواف بالبیت صلاة » (2) وهو غیر جید ، لأن سنده قاصر ومتنه مجمل.

ویستفاد من الروایة المتقدمة : عدم توقف الطواف المندوب علی الطهارة ، وهو کذلک علی الأصح.

قوله : أو لمسّ کتابة القرآن إن وجب.

لمّا ثبت أنّ وجوب الوضوء لغایة إنما یکون مع وجوبها ، وکانت هذه الغایة لا تجب غالبا إلاّ بسبب من قبل المکلف ، کنذر وما یجری مجراه ، شرط المصنف فی وجوبه وجوبها ، تنبیها علی ندور الفرض.

ولا یخفی أنّ وجوب الوضوء للمسّ مبنی علی القول بتحریمه علی المحدث ، وسیأتی تحقیقه إنشاء الله تعالی.

قوله : والمندوب ما عداه.

لم یتعرض المصنف - رحمه الله - لبیان ما یستحب له الوضوء ، والذی یجتمع من الأخبار (3) وکلام الأصحاب أنه یستحب للصلاة والطواف المندوبین ، ومسّ کتاب الله تعالی ، وقراءته ، وحمله ، ودخول المساجد ، واستدامة الطهارة ، وهو المراد بالکون علیها ، وللتأهب لصلاة الفریضة قبل دخول وقتها لیوقعها فی أول الوقت ، وللتجدید ، وصلاة الجنازة ، وطلب الحوائج ، وزیارة قبور المؤمنین ، وما لا یشترط فیه الطهارة من مناسک الحج ، وللنوم ویتأکد فی الجنب ، وجماع المحتلم قبل الغسل ، وذکر الحائض ، وجماع المرأة الحامل ، مخافة مجی ء الولد أعمی القلب ، بخیل الید بدونه ، وجماع غاسل المیت ولما

وجوب الوضوء لمس القرآن

الوضوء المندوب

ص: 12


1- کما فی التذکرة ( 1 : 361 ) ، والروض : (14).
2- عوالی اللئالی ( 2 : 167 ) ، وسنن النسائی ( 5 : 222 ) ، وسنن الدارمی ( 2 : 44 ).
3- الوسائل (1) : أبواب الوضوء ب ( 4 ، 6 ، 8 ) إلی (14).

______________________________________________________

یغتسل ، وإذا کان الغاسل جنبا ، ولمرید إدخال المیت قبره ، ووضوء المیت مضافا إلی غسله علی قول (1) ، ولإرادة وطء الجاریة بعد وطء اخری ، وبالمذی فی قول قوی (2) ، والرعاف ، والقی ء ، والتخلیل المخرج للدم إذا کرهها الطبع ، والخارج من الذّکر بعد الاستبراء ، والزیادة علی أربعة أبیات شعر باطل ، والقهقهة فی الصلاة عمدا ، والتقبیل بشهوة ، ومس الفرج ، وبعد الاستنجاء بالماء للمتوضئ قبله ولو کان قد استجمر.

وقد ورد بجمیع ذلک روایات (3) ، إلاّ أنّ فی کثیر منها قصورا من حیث السند. وما قیل من أنّ أدلة السنن یتسامح فیها بما لا یتسامح فی غیرها فمنظور فیه ، لأن الاستحباب حکم شرعی فیتوقف علی الدلیل الشرعی کسائر الأحکام ، وتفصیل القول فی ذلک یقتضی بسطا فی الکلام وسیجی ء جملة منه إذا اقتضاه المقام إنشاء الله تعالی.

والمستفاد من الأخبار الصحیحة المستفیضة (4) رجحان المسارعة إلی فعل الطهارة المائیة متی حصل شی ء من أسبابها ، وأنه لا یعتبر فیها قصد شی ء سوی امتثال أمر الله تعالی بها خاصة.

واعلم : أنّ الظاهر من مذهب الأصحاب جواز الدخول فی العبادة الواجبة المشروطة بالطهارة بالوضوء المندوب الذی لا یجامع الحدث الأکبر مطلقا (5) ، وادّعی بعضهم علیه

التسامح فی أدلة السنن

جواز الدخول فی العبادة الواجبة بوضوء مندوب

ص: 13


1- کما فی القواعد ( 1 : 18 ).
2- کما فی المختلف : (18).
3- الوسائل ( 1 : 185 ) أبواب نواقض الوضوء ب (6) ، وص (190) ب (8) ، وص (191) ب (9) ، وص (195) ب (12) ، وص (199) ب (13) ، وص (209) ب (18).
4- الوسائل ( 1 : 268 ) أبواب الوضوء ب (11) وفی ص (469) أبواب الجنابة ب (6) ، إرشاد القلوب : (60) ب (13) ، أمالی المفید : (60) ( المجلس السابع ).
5- ذکر هذا القید لأجل إخراج مثل وضوء الحائض والجنب وغیرهما من الوضوءات التی تجامع الحدث الأکبر.

______________________________________________________

الإجماع (1) ، واستدل علیه بأنه متی شرع الوضوء کان رافعا للحدث ، إذ لا معنی لصحة الوضوء إلاّ ذلک ، ومتی ثبت ارتفاع الحدث انتفی وجوب الوضوء قطعا.

وفیه بحث ، لجواز أن یکون الغرض من الوضوء وقوع تلک الغایة المترتبة علیه عقیبه وإن لم یقع رافعا ، کما فی الأغسال المندوبة عند الأکثر (2). ( ویعضده عموم قوله صلی الله علیه و آله : « وإنما لکل امرئ ما نوی » (3) ) (4).

والأجود الاستدلال علیه بعموم ما دلّ علی أنّ الوضوء لا ینتقض إلاّ بالحدث ، کقوله علیه السلام فی صحیحة إسحاق بن عبد الله الأشعری : « لا ینقض الوضوء إلاّ حدث » (5) وفی صحیحة زرارة : « لا ینقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفیک ، والنوم » (6) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة (7).

ویؤیده ما رواه عبد الله بن بکیر فی الموثق عن أبیه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا استیقنت أنک أحدثت فتوضأ ، وإیاک أن تحدث وضوءا أبدا حتی تستیقن أنک قد أحدثت » (8).

ص: 14


1- منهم ابن إدریس فی السرائر : (17) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 73 ).
2- منهم الشیخ الطوسی فی المبسوط ( 1 : 40 ) ، والعلامة فی تحریر الأحکام ( 1 : 11 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (18) ، والسیوری فی التنقیح الرائع ( 1 : 129 ).
3- التهذیب ( 1 : 83 - 218 ) مع اختلاف یسیر ، الوسائل ( 1 : 34 ) أبواب مقدمة العبادات ب (5) ح (10) ، وأیضا ( 7 : 7 ) باب وجوب النیة ب (2) ح (12).
4- ما بین القوسین لیس فی « س » و « ق ».
5- التهذیب ( 1 : 6 - 5 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 246 ) ، الوسائل ( 1 : 180 ) أبواب نواقض الوضوء ب (4).
6- الکافی ( 3 : 36 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 6 - 2 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 244 ) الوسائل ( 1 : 179 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (1).
7- الوسائل ( 1 : 179 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3).
8- الکافی ( 3 : 33 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 102 - 268 ) ، الوسائل ( 1 : 176 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (7).

والواجب من الغسل ما کان لأحد الأمور الثلاثة ، أو لدخول المساجد أو لقراءة العزائم إن وجبا.

______________________________________________________

قوله : والواجب من الغسل ما کان لأحد الأمور الثلاثة ، أو لدخول المساجد أو لقراءة العزائم إن وجبا.

لا یخفی أنّ الغسل إنما یجب لدخول المساجد الواجب إذا حصل معه اللبث ، فی غیر مسجد مکة والمدینة ، لما سیأتی إن شاء الله تعالی من إباحة الاجتیاز للجنب فی المساجد عدا هذین المسجدین.

وربما ظهر من إطلاق العبارة : وجوب الغسل لهذه الأمور الخمسة فی جمیع الأحداث الموجبة له ، وهو مشکل.

وتفصیل المسألة : إنه لا خلاف فی وجوب غسل الجنابة لکل من هذه الأمور الخمسة علی ما نقله جماعة (1).

کما أنه لا خلاف فی وجوب غسل الحیض للغایات الثلاث المتقدمة. والمشهور من مذهب علمائنا وجوبه لدخول المساجد ، وقراءة العزائم أیضا استصحابا للمنع من ذلک إلی أن یتحقق الجواز ، وتمسکا بإطلاق الروایات المانعة من ذلک.

وقوی بعض متأخری الأصحاب عدم الوجوب واکتفی فی جواز ذلک لها بانقطاع الدم ، لانتفاء التسمیة بعده عرفا ، بل ولغة أیضا - وإن قلنا أن المشتق لا یشترط فی صدقه بقاء أصله - کما فی مثل الکافر والمؤمن ، والحلو والحامض ، کما قرر فی محله ( قال : ولهذا جاز طلاقها قبل الغسل ، ووطؤها ، وصومها فی قول قوی ) (2) (3).

الغسل الواجب

وجوب الغسل لما یجب له الوضوء

ص: 15


1- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : (16) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 70 ).
2- لم نعثر علی هذا النص ویستفاد ذلک المعنی من مجمع الفائدة ( 1 : 150 ) حیث قال فیه : وأما عدم صحة الطلاق مع الشرط المذکور ، فالظاهر أنه حال الدم. وکذا تحریم اللبث. وکذا تحریم قراءة العزائم.
3- ما بین القوسین زیادة من « م » و « ح ».

وقد یجب إذا بقی لطلوع الفجر من یوم یجب صومه بقدر ما یغتسل الجنب ،

______________________________________________________

وما ذکره غیر بعید إلاّ أنّ المشهور أقرب.

وأما النفساء فقیل : إنها کالحائض إجماعا.

وأما غسل الاستحاضة ، فوجوبه للصلاة والطواف موضع وفاق. وفی المس قولان ، أظهرهما العدم ، وفی دخول المساجد وقراءة العزائم إشکال ، والأصح عدم توقفهما علی الغسل ، لأنه الأصل ، ولدلالة بعض الأخبار علیه ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

وأما غسل المس فلم أقف علی ما یقتضی اشتراطه فی شی ء من العبادات ، ولا مانع من أن یکون واجبا لنفسه ، کغسل الجمعة والإحرام عند من أوجبهما. نعم إن ثبت کون المس ناقضا للوضوء اتجه وجوبه للأمور الثلاثة المتقدمة ، إلاّ أنه غیر واضح.

وقد استدل علیه (1) بعموم قوله علیه السلام : « کل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة » (2) وهو مع عدم صحة سنده (3) غیر صریح فی الوجوب کما اعترف به جماعة من الأصحاب (4) ، ومعارض بما هو أصح منه ، وسیجی ء تتمة الکلام فی هذه المسائل مفصلا إن شاء الله تعالی.

قوله : وقد یجب إذا بقی لطلوع الفجر من یوم یجب صومه بمقدار ما یغتسل الجنب.

أشار بقوله : « وقد یجب » إلی أنّ وقوع ذلک نادر ، وذلک لأن ضبط المکلف الوقت

وجوب الغسل للصوم الواجب

ص: 16


1- کما فی التذکرة ( 1 : 59 ) ، ومجمع الفائدة ( 1 : 126 ).
2- الکافی ( 3 : 45 - 13 ) ، التهذیب ( 1 : 139 - 391 ) ، الإستبصار ( 1 : 126 - 428 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (1).
3- لعل وجه عدم صحة السند هو الإرسال وإن کان المرسل هو ابن أبی عمیر ، وقد صرح بذلک فی ص (358) من هذا الکتاب.
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 258 ) ، والعلامة فی المختلف : (42) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 128 ).

______________________________________________________

علی هذا الوجه من الأمور النادرة.

ومقتضی العبارة : أنّ المکلف إذا أراد تقدیمه وکانت ذمته بریئة من مشروطة بالطهارة ، نوی الندب إن اعتبرنا الوجه. وهو کذلک بناء علی القول بأنّ وجوبه لغیره.

ورجح بعض مشایخنا المعاصرین جواز إیقاعه بنیة الوجوب من أول اللیل وإن قلنا بوجوبه لغیره ، وکأنه أراد به الوجوب الشرطی ، وإلاّ فالوجوب بالمعنی المصطلح منتف علی هذا التقدیر قطعا.

وهذا الحکم أعنی : وجوب الغسل للصوم مذهب أکثر علمائنا (1) ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة أحمد بن محمد ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن رجل أصاب من أهله فی شهر رمضان ، أو أصابته جنابة ثم ینام حتی یصبح متعمدا ، قال : « یتم ذلک الیوم وعلیه قضاؤه » (2).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام ، قال ، قلت : فإنه استیقظ ثم نام حتی أصبح ، قال : « فلیقض ذلک الیوم عقوبة » (3) ، ونحوه روی الحلبی (4) ، ومحمد بن مسلم فی الصحیح أیضا (5) عن الصادق علیه السلام .

ونقل عن ابن بابویه - رحمه الله - القول بعدم الوجوب (6) ، ومال إلیه شیخنا

ص: 17


1- منهم الشیخ فی المبسوط ( 1 : 271 ) ، وابن إدریس فی السرائر : (84) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 2 ) ، والشهید الأول فی البیان : (3) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (16).
2- التهذیب ( 4 : 211 - 614 ) ، الإستبصار ( 2 : 86 - 268 ) ، الوسائل ( 7 : 42 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (15) ح (4).
3- التهذیب ( 4 : 212 - 615 ) ، الإستبصار ( 2 : 87 - 271 ) ، الوسائل ( 7 : 41 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (15) ح (1).
4- الکافی ( 4 : 105 - 1 ) ، الوسائل ( 7 : 42 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (16) ح (1).
5- الکافی ( 4 : 105 - 2 ) ، التهذیب ( 4 : 211 - 613 ) ، الإستبصار ( 2 : 86 - 270 ) ، الوسائل ( 7 : 41 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (15) ح (3).
6- الفقیه ( 2 : 74 - 322 ).

______________________________________________________

المعاصر (1) ، تمسکا بظاهر قوله تعالی ( أُحِلَّ لَکُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ ) (2) الآیة. وصحیحة حبیب الخثعمی ، عن الصادق علیه السلام قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی صلاة اللیل فی شهر رمضان ، ثم یجنب ، ثم یؤخر الغسل متعمدا حتی یطلع الفجر » (3).

وجوابه : أنّ ظاهر الآیة مخصوص بما نقلناه من الأخبار. والروایة المذکورة محمولة علی التقیة ، لأنه علیه السلام أسند ذلک إلی عائشة علی ما ورد فی بعض الأخبار (4) ، أو التعجب. ویمکن حمل الفجر فیها علی الأول. وکیف کان فالمذهب هو الأول.

وأورد علی العبارة أمران :

الأول : إن مقتضی العبارة وجوب الغسل لصوم الجنب مطلقا ولیس کذلک ، فإن من نام بنیة الغسل حتی طلع الفجر لا یخاطب بوجوب الغسل ، ومثله من لم یعلم بالجنابة قبل طلوعه ، أو تعذر علیه الغسل.

وجوابه : انتفاء ما یدل علی العموم فی العبارة فلا محذور. أو یقال : أنّ الوجوب إنما یتوجه إلی من کان متأهلا له ، والنائم وغیر العالم ومن تعذر علیه الغسل لا یمکن توجه الخطاب إلیهم بذلک فی تلک الحال.

والثانی : صوم الحائض والنفساء - فی إیجاب الغسل - کصوم الجنب سواء ، فلا وجه لتخصیص الجنب بالذکر.

ص: 18


1- مجمع الفائدة ( 1 : 71 ).
2- البقرة : (187).
3- التهذیب ( 4 : 213 - 620 ) ، الإستبصار ( 2 : 88 - 276 ) ، الوسائل ( 7 : 44 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (16) ح (5).
4- التهذیب ( 4 : 210 - 610 ) ، الاستبصار ( 2 : 85 - 266 ) ، وروایة أخری فی ص ( 88 - 275 ) الوسائل ( 7 : 39 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (13) ح (6).

ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة. والمندوب ما عداه.

______________________________________________________

وجوابه : أنّ من یجب علیه الغسل غیر مذکور فی العبارة صریحا ، فیمکن تناوله للجمیع. مع أنّ المصنف فی المعتبر تردد فی مساواتهما للجنب فی ذلک (1) ، نظرا إلی ضعف النص الوارد به وهو روایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن طهرت بلیل من حیضها ، ثم توانت أن تغتسل فی رمضان حتی أصبحت ، علیها قضاء ذلک الیوم » (2). وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة.

التقیید بالغمس یشمل حالتیها الوسطی والعلیا ، ویخرج القلیلة.

والمشهور بین الأصحاب (3) توقف صومها علی الأغسال النهاریة ، أعنی غسل صلاة الفجر وغسل صلاة (4) الظهرین ، سواء حدث الموجب له قبل الفجر أم بعده. وعدم توقف الصوم الماضی علی غسل اللیلة المستقبلة لسبق انعقاده. وفی توقفه علی غسل اللیلة الماضیة احتمالات ثالثها : إن قدمت غسل الفجر لیلا أجزأها عن غسل العشاءین ، وإلاّ بطل الصوم.

والأصل فی هذه الأحکام ما رواه الشیخ فی الصحیح عن علی بن مهزیار ، قال ، کتبت إلیه : امرأة طهرت من حیضها ، أو من دم نفاسها فی أول شهر رمضان ، ثم استحاضت وصلّت وصامت فی شهر رمضان کلّه من غیر أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لکل صلاتین ، هل یجوز صومها وصلاتها أم لا؟ قال : « تقضی صومها ولا تقضی صلاتها ، لأن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یأمر فاطمة علیهاالسلام

وجوب الغسل لصوم المستحاضة

ص: 19


1- المعتبر ( 1 : 226 ).
2- التهذیب ( 1 : 393 - 1213 ) ، الوسائل ( 7 : 48 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (21) ح (1).
3- منهم المحقق فی المعتبر ( 2 : 683 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (31) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (86).
4- لیست فی « ح ».

والواجب من التیمم ما کان لصلاة واجبة عند تضیّق وقتها ، وللجنب فی أحد المسجدین لیخرج به ،

______________________________________________________

والمؤمنات من نسائه بذلک » (1).

ویمکن الطعن فی هذه الروایة من حیث السند بجهالة المکتوب إلیه ، ومن حیث المتن بمخالفتها لما علیه الأصحاب من

وجوب قضاء الصوم دون الصلاة ، ومع ذلک فإنما تدل علی وجوب قضاء الصوم بترک جمیع الأغسال.

وظاهر الشیخ فی المبسوط التوقف فی هذه الأحکام (2) ، حیث أسندها إلی روایة الأصحاب ، وهو فی محله.

قوله : والواجب من التیمم ما کان لصلاة واجبة عند تضیق وقتها.

سیأتی تردد المصنف فی اشتراط تضیّق الوقت ، وأنّ الظاهر جوازه مع السعة إذا کان العذر غیر مرجو الزوال. ولا یخفی أنّ الصلوات الواجبة غیر المؤقتة خارجة من العبارة ، فلو أسقط الظرف وما بعده کان أشمل.

قوله : وللجنب فی أحد المسجدین لیخرج به.

هذا مذهب أکثر علمائنا (3) ، ومستنده صحیحة أبی حمزة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إذا کان الرجل نائما فی المسجد الحرام أو فی مسجد الرسول صلی الله علیه و آله فاحتلم فأصابته جنابة فلیتیمّم ، ولا یمر فی المسجد إلاّ متیمّما » (4).

ونقل عن ابن حمزة القول بالاستحباب (5) ، وهو ضعیف.

التیمم الواجب

وجوب التیمم للصلاة الواجبة

ص: 20


1- التهذیب ( 4 : 310 - 937 ) ، الوسائل ( 2 : 590 ) أبواب الحیض ب (41) ح (7).
2- المبسوط ( 1 : 68 ).
3- منهم العلامة فی القواعد ( 1 : 3 ) ، والشهید الأول فی الدروس : (1) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (19).
4- التهذیب ( 1 : 407 - 1280 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (6).
5- الوسیلة : (70).

______________________________________________________

وإطلاق الخبر یقتضی وجوب التیمّم مطلقا ، وإن أمکن الغسل فی المسجد ، وساوی زمانه زمان التیمم أو نقص عنه ، وبه قطع المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی حاشیة الکتاب.

ورجح جماعة (1) منهم جدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (2) ، وجوب الغسل مع مساواة زمانه لزمان التیمّم ، أو نقصه عنه ، وعدم استلزامه تنجیس شی ء من المسجد أو آلاته.

واستدل علیه جدی - رحمه الله - فی روض الجنان بأنّ فیه جمعا بین ما دلّ علی الأمر بالتیمم مطلقا ، وهو صحیحة أبی حمزة السابقة ، وبین ما دلّ علی اشتراط عدم الماء فی جواز التیمم ، قال : وإنما قیّدنا جواز الغسل فی المسجد مع إمکانه بمساواة زمانه لزمان التیمم أو قصوره عنه مع أنّ الدلیل یقتضی تقدیمه مطلقا مع إمکانه ، لعدم القائل بتقدیمه مطلقاً ، وإلاّ لکان القول به متوجها.

وفیه نظر : فإنا لم نقف علی ما یقتضی اشتراط عدم الماء فی جواز التیمم لغیر الصلاة ، وأیضا فقد ثبت بالنصوص الصحیحة تحریم الکون للجنب فی المساجد مطلقا (3) ، وغایة ما علم استثناؤه من ذلک حالة التیمم بالنص السابق ، فیبقی غیره مندرجا تحت العموم.

والأظهر الاقتصار علی التیمم ، وقوفا علی ظاهر الخبر. وکما جاز أن یکون الأمر بالتیمم مبنیا علی الغالب من تعذر الغسل فی المسجدین فیجوز أن یکون وجهه اقتضاء الغسل فیهما إزالة النجاسة - فإنّ مورد الخبر المحتلم وهو ملازم للنجاسة - وقد أطلق

وجوب التیمم لخروج الجنب فی أحد المسجدین

ص: 21


1- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 189 ) ، والشهید الأول فی الدروس : (1).
2- المسالک ( 1 : 2 ) ، روض الجنان : (19).
3- الوسائل ( 1 : 484 ) أبواب الجنابة ب (15).

______________________________________________________

جماعة من الأصحاب تحریم إزالتها فی المسجد (1) ، وصرح بعضهم بعموم المنع وإن کانت الإزالة فی الکثیر (2).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : مورد الخبر کما عرفت هو المحتلم فی المسجد ، والحق به کل مجنب حصل فی المسجد ، لعدم تعقّل الفرق بینه وبین غیره. وفیه نظر ، فإنّ عدم تعقل الخصوصیة لا یقتضی عدمها فی نفس الأمر ، والذی ثبت کونه حجة فی هذا الباب مفهوم الموافقة ، ومنصوص العلة ، وما عداهما داخل فی القیاس الممنوع منه.

الثانی : قیل الحائض کالجنب فی ذلک (3) ، لمرفوعة محمد بن یحیی ، عن أبی حمزة ، عن الباقر علیه السلام ، حیث قال فیها بعد أن ذکر تیمم المحتلم للخروج : « وکذلک الحائض إذا أصابها الحیض تفعل کذلک » (4) وأنکر المصنف فی المعتبر الوجوب ، لقطع الروایة ، ولأنه لا سبیل لها إلی الطهارة بخلاف الجنب ، ثم حکم بالاستحباب (5).

وکأن وجهه ما ذکره - رحمه الله - من ضعف السند ، وما اشتهر بینهم من التسامح فی أدلة السنن. وبذلک یندفع ما أورده علیه فی الذکری : من أنه اجتهاد فی مقابلة النص ، وعارضه به من اعترافه بالاستحباب (6).

الثالث : لو صادف هذا التیمم فقد الماء ، فهل یکون مبیحا؟ الأظهر : نعم إن لم یکن المتیمم متمکنا من استعمال الماء حالة التیمم ، وحینئذ فلا یجب علیه المبادرة إلی

تنبیهات

ص: 22


1- منهم ابن إدریس فی السرائر : (60) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 29 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (157).
2- منهم المحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 97 ).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 4 ) ، والذکری : (25) ، والدروس : (1).
4- الکافی ( 3 : 73 - 14 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (3).
5- المعتبر ( 1 : 222 ).
6- الذکری : (25).

والمندوب ما عداه.

______________________________________________________

الخروج من المسجد ، وتصح له الصلاة فیه من هذه الجهة.

الرابع : لا یلحق باقی المساجد بالمسجدین فی شرعیة التیمم للخروج منها ، لعدم النص ، وتوقف العبادة علی التوقیف. وقرّب شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری استحباب التیمم فیها ، لما فیه من القرب إلی الطهارة ، وعدم زیادة الکون فیها له علی الکون له فی المسجدین (1). وهو ضعیف ودلیله مزیف.

الخامس : یکفی فی هذا التیمم ضربة واحدة ، لما سنبینه إن شاء الله تعالی من أجزائها فی مطلق التیمم ، ورجّح بعض المتأخرین وجوب المرتین فیه (2) ، والاستحباب فیه أولی.

قوله : والمندوب ما عداه.

هذا الإطلاق مناف لما سیصرح به من إباحة التیمم لکل ما تبیحه المائیة ، فإنه یقتضی وجوب التیمم عند وجوب ما لا یستباح إلاّ به. وقد عدل جمع من المتأخرین عن هذه العبارة إلی أنّ التیمم یجب لما تجب له الطهارتان (3) وهو مشکل أیضا ، لانتفاء الدلیل علیه.

والأظهر أنّ التیمم یبیح کلما تبیحه المائیة ، لقوله علیه السلام فی صحیحة جمیل : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (4) وفی صحیحة حماد : « هو بمنزلة

الأغسال المندوبة

ص: 23


1- الذکری : (25).
2- کما فی المنتقی ( 1 : 351 ) حیث أوجب الضربتین فی التیمم مطلقا.
3- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 2 ).
4- (4) الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23)

وقد تجب الطهارة بنذر وشبهه.

______________________________________________________

الماء » (1) وفی صحیحة محمد بن مسلم : « فقد فعل أحد الطهورین » (2).

فما ثبت توقفه علی مطلق الطهارة من العبادات یجب له التیمم ، وما ثبت توقفه علی نوع خاص منها ، کالغسل فی صوم الجنب مثلا ، فالأظهر عدم وجوب التیمم له مع تعذره ، إذ لا ملازمة بینهما. فتأمل.

فرع : هل یستحب التیمم بدلا من الغسل المستحب مع تعذره؟ فیه وجهان ، أظهرهما : العدم وإن قلنا أنه رافع للحدث ، لعدم النص ، وجزم جدی - قدس سره - بالاستحباب علی هذا التقدیر (3) وهو مشکل.

قوله : وقد تجب الطهارة بنذر وشبهه.

نذر الطهارة یتحقق بنذر الأمر الکلی ، وبنذر أحد جزئیاته ، فهنا مسألتان :

الاولی : أن ینذر الطهارة ، والواجب فعل ما یصدق علیه اللفظ حقیقة ، فإن قصد المعنی الشرعی بنی علی ثبوته واحتیج إلی تعیینه ، وإن قصد المعنی العرفی بنی علی ما تقدم من الخلاف فیه. وفی حمله علی المائیة خاصة أو الترابیة أو تخییره بینهما أوجه ، منشؤها أنّ مقولیة الطهارة علی الأنواع الثلاثة هل هو بطریق الاشتراک ، أو التواطؤ ، أو التشکیک ، أو الحقیقة والمجاز ، فعلی الأولین یتخیر. وکذا علی الثالث علی الأظهر ، ویحتمل انصرافه إلی الفرد الأقوی لأنه المتیقن ، وإلی الأضعف تمسکا بأصالة البراءة من الزائد ، وهما ضعیفان. وعلی الرابع یحمل علی المائیة خاصة ، إذ الأصل فی الإطلاق الحقیقة.

وجوب الطهارة بالنذر وشبهه

ص: 24


1- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 995 ) أبواب التیمم ب (23) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 197 - 571 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 557 ) ، الوسائل ( 2 : 184 ) أبواب التیمم ب (14) ح (15).
3- روض الجنان : (20).

______________________________________________________

الثانیة : أن ینذر أحد أفرادها ، وشرطه أن یکون مشروعا ، فلو نذر الوضوء مع غسل الجنابة ، أو غسل الجمعة یوم الأربعاء ، أو التیمم للصلاة مع التمکن من استعمال الماء ، لم ینعقد قطعا. وإطلاق جماعة من الأصحاب أنّ الوضوء ینعقد نذره دائما (1) ، غیر واضح. والأجود حمل الوضوء والغسل مع الإطلاق ، علی الراجح شرعا وإن لم یکن رافعا ، والله أعلم.

ص: 25


1- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 2 ) ، وروض الجنان : (20).

وهذا الکتاب یعتمد علی أربعة أرکان :

الأوّل : فی المیاه ، وفیه أطراف :

الأوّل : فی الماء المطلق :

وهو کل ما یستحق إطلاق اسم الماء علیه من غیر إضافة. وکله طاهر مزیل للحدث والخبث.

______________________________________________________

قوله : الرکن الأول ، فی المیاه.

جمعه باعتبار تعدد أفراده ، والمراد بها الأعم من الحقیقة والمجاز.

قوله : الأول ، فی الماء المطلق ، وهو : کل ما یستحق إطلاق اسم الماء علیه من غیر إضافة.

قد عرفت أنّ الغرض من هذه التعریفات إنما هو مجرد کشف معنی الاسم وإبدال اللفظ المجهول بلفظ معلوم ، فلا یرد علی هذا التعریف أنه فاسد ، لاشتماله علی لفظ الماء فیکون دوریا ، ولفظة : کل ، وهی لا تذکر فی التعریف لأنها لعموم الأفراد والتعریف إنما هو للماهیة.

ومعنی استحقاقه لإطلاق الاسم : أنّ ذلک الاسم موضوع بإزائه عند أهل العرف بحیث یستفاد منه من دون إضافة ، وجواز تقیید بعض أفراده کماء البحر ونحوه لا یخرجه عن الاستحقاق.

قوله : وکله طاهر مزیل للحدث والخبث.

أجمع العلماء کافة علی أنّ الماء المطلق طاهر فی نفسه ومطهر لغیره ، سواء نزل من السماء ، أو نبع من الأرض ، أو أذیب من الثلج والبرد ، أو کان ماء بحر ، أو غیره ،

المیاه

الماء المطلق وأقسامه

الماء المطلق طاهر مطهر

ص: 26

______________________________________________________

حکاه فی المنتهی (1). ویدل علیه قوله تعالی ( وَیُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ ) (2) ، وقوله عز وجل ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (3).

والطهور یرد فی العربیة علی وجهین (4) : صفة ، کقولک : ماء طهور أی : طاهر ، واسم غیر صفة ، ومعناه : ما یتطهر به کالوضوء والوقود - بفتح الواو فیهما - لما یتوضأ به ویوقد به.

وإرادة المعنی الثانی هنا أولی ، لأن الآیة مسوقة فی معرض الإنعام ، فحمل الوصف فیها علی الفرد الأکمل أولی وأنسب.

أقول : وهذا التوجیه - مع إمکان المناقشة فیه ببعد إرادة المعنی الاسمی من الطهور من حیث اللفظ ، لوقوعه صفة للماء ، وابتنائه علی ثبوت الحقیقة الشرعیة للمطهر علی وجه یتناول الأمرین - فهو أولی مما ذکره الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب من أنّ الطهور لغة هو المطهّر ، لأن فعولا موضوع للمبالغة ، وکون الماء مما یتطهر به لیس مما یتکرر ویتزاید ، فینبغی أن یعتبر فیه غیر ذلک ، ولیس بعد ذلک إلاّ أنه مطهّر (5). لتوجه المنع إلی ذلک ، وعدم ثبوت الوضع بالاستدلال کما لا یخفی.

والمراد بالحدث فی عرف أهل الشرع : المانع من الصلاة ، الذی یتوقف رفعه علی

ص: 27


1- المنتهی ( 1 : 4 ).
2- الأنفال : (11).
3- الفرقان : (48).
4- راجع کتاب العین ( 4 : 19 ) ، والصحاح ( 2 : 727 ) ، والقاموس ( 2 : 82 ) ، والنهایة ( 3 : 147 ).
5- التهذیب ( 1 : 214 ).

وباعتبار وقوع النجاسة فیه ینقسم إلی : جار ، ومحقون ، وماء بئر.

أما الجاری : فلا ینجس إلا باستیلاء النجاسة علی أحد أوصافه.

______________________________________________________

النیة. وبالقید الأخیر یخرج الخبث ، والمراد به نفس النجاسة.

قوله : وباعتبار وقوع النجاسة فیه ینقسم إلی جار ، ومحقون ، وماء بئر.

إنما اختصت هذه الأقسام بالذکر لأن اختلاف الأحکام عنده منوط باختلافها ، وکان الأولی جعل ماء الحمام قسما رابعا ، حیث لم یشترط فی مادته الکریة ، فإنه بذلک یخالف غیره من المیاه.

قوله : أما الجاری ، فلا ینجس إلا باستیلاء النجاسة علی أحد أوصافه.

المراد بالجاری : النابع ، لأن الجاری لا عن مادة من أقسام الراکد اتفاقا. وقد اشتملت هذه العبارة علی مسألتین ، إحداهما بالمنطوق والأخری بالمفهوم :

الأولی : نجاسة الماء الجاری باستیلاء النجاسة علی أحد أوصافه ، والمراد بها : اللون ، أو الطعم ، أو الرائحة ، لا مطلق الصفات کالحرارة والبرودة ، وهذا مذهب العلماء کافة ، نقله فی المعتبر (1). والأصل فیه الأخبار المستفیضة کقوله صلی الله علیه و آله : « خلق الله الماء طهورا لا ینجسه شی ء إلاّ ما غیّر لونه ، أو طعمه ، أو ریحه » (2).

وما رواه حریز فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کلما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضأ منه واشرب ، فإذا تغیّر الماء أو تغیر الطعم فلا تتوضأ منه

الماء الجاری

أحکام الماء الجاری

ص: 28


1- المعتبر ( 1 : 40 ).
2- السرائر : (8) ، المعتبر ( 1 : 40 ) ، الوسائل ( 1 : 101 ) أبواب الماء المطلق ب (1) ح (9) ، لکن صرح فی المعتبر بأنه عامی وقال فی السرائر : قول الرسول صلی الله علیه و آله - المتفق علی روایة ظاهرة - : إنه خلق.

______________________________________________________

ولا تشرب » (1).

ویستفاد من العبارة من حیث الاستثناء من المنفی ، المقتضی لحصر الحکم فی المثبت ، أن تغیّر أحد أوصاف الماء بالمتنجس ، أو بمجاورة النجاسة لا یقتضی تنجیسه ، وهو کذلک.

وهل یعتبر فیه التغییر الحسی ، أم یکفی التقدیری مع توافق الماء والنجاسة فی الصفات؟ قولان : أظهرهما الأول ، لأن التغیر حقیقة فی الحسی ، لصدق السلب بدونه ، واللفظ إنما یحمل علی حقیقته.

وقیل بالثانی (2) ، واختاره العلامة فی جملة من کتبه (3) ، واحتج علیه فی المختلف بأنّ التغیر الذی هو مناط النجاسة دائر مع الأوصاف ، فإذا فقدت وجب تقدیرها. وهو إعادة للمدعی.

واحتج علیه ولده فی الشرح : بأنّ الماء مقهور بالنجاسة ، لأنه کل ما لم یصر الماء مقهورا لم یتغیر بها علی تقدیر المخالفة ، وینعکس بعکس النقیض إلی قولنا : کل ما تغیر علی تقدیر المخالفة کان مقهورا (4).

ویتوجه علیه : منع کلیة الأولی ، فإن المخالف یقول بعدم صیرورة الماء مقهورا مع تغیره بالنجاسة علی تقدیر المخالفة ، فکیف یکون عدم التغیر التقدیری لازما لعدم صیرورة الماء مقهورا ، لا ینفک عنه.

اعتبار التغییر الحسی

ص: 29


1- الکافی ( 3 : 4 - 3 ) الا أن فیه : وتغیر الطعم ، التهذیب ( 1 : 216 - 625 ) ، الإستبصار ( 1 : 12 - 19 ) ، الوسائل ( 1 : 102 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (1).
2- کما فی روض الجنان : (134) ، وجامع المقاصد ( 1 : 9 ).
3- المنتهی ( 1 : 8 ) ، القواعد ( 1 : 4 ).
4- إیضاح الفوائد ( 1 : 16 ).

______________________________________________________

هذا کله إذا لم تستهلک النجاسة الماء ، وإلاّ ثبت التنجیس قولا واحدا.

قال بعض المحققین : وهل یعتبر فیه أوصاف الماء وسطا ، نظرا إلی شدة اختلافها ، کالعذوبة والملوحة ، والرقة والغلظة ، والصفاء والکدرة ، فیه احتمال ، ولا یبعد اعتبارها ، لأنّ لها أثرا بیّنا فی قبول التغیر وعدمه (1). هذا کلامه رحمه الله .

ویتوجه علیه ما سبق ، ومن الجائز اختلاف المیاه فی الانفعال بالنجاسة الواحدة لاختلاف هذه الصفات ، حیث إنّ بعضها یقبل الانفعال والآخر لا یقبله.

فرع : لو خالفت النجاسة الجاری فی الصفات ، لکن منع من ظهورها مانع ، کما لو وقع فی الماء المتغیر بطاهر أحمر ، دم مثلا ، فینبغی القطع بنجاسته ، لتحقق التغیر حقیقة ، غایة الأمر ، أنه مستور عن الحس ، وقد نبه علی ذلک الشهید فی البیان (2).

الثانیة : إنّ الجاری لا ینجس بدون ذلک ، وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین قلیله وکثیره.

واعتبر العلامة - رحمه الله - فیه الکریة ، وحکم بنجاسة ما نقص عن الکر منه بالملاقاة کالمحقون (3). والمعتمد الأول ، ولنا علیه وجوه من الأدلة :

الأول : أصالة الطهارة ، فإنّ الأشیاء کلها علی الطهارة إلاّ ما نصّ الشارع علی نجاسته ، لأنها مخلوقة لمصالح العباد ، ولا یتم النفع إلاّ بطهارتها.

الثانی : الإجماع ، نقله المصنف فی المعتبر (4). وقال الشهید فی الذکری : إنه لم یقف فی ذلک علی مخالف ممن سلف (5). واستغربه جدی - قدس سره - لتصریح

ص: 30


1- جامع المقاصد ( 1 : 9 ).
2- البیان : (44).
3- کما فی المنتهی ( 1 : 6 ) ، والتذکرة ( 1 : 3 ).
4- المعتبر ( 1 : 41 ).
5- الذکری : (8).

______________________________________________________

العلامة باعتبار الکریة فیه (1). وهو غیر جید ، فإن مراده بمن سلف من تقدم علی العلامة ، لأنه نقل عنه اعتبار ذلک بعد هذه العبارة بغیر فصل.

الثالث : الأخبار ، کقول الصادق علیه السلام فیما روی عنه بطرق متعدد : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر » (2).

وصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کلما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإذا تغیر الماء أو تغیر الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (3).

وصحیحة أبی خالد القماط أنه سمع أبا عبد الله علیه السلام یقول : فی الماء یمرّ به الرجل وهو نقیع ، فیه المیتة والجیفة : « إن کان الماء قد تغیّر ریحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه ، وإن لم یتغیر ریحه أو طعمه فاشرب وتوضّأ » (4).

وحسنة محمد بن میسر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الرجل الجنب ، ینتهی إلی الماء القلیل فی الطریق ، ویرید أن یغتسل منه ، ولیس معه إناء یغترف به ، ویداه قذرتان ، قال علیه السلام : « یضع یده ویتوضأ ویغتسل ، هذا مما قال الله عز وجل ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) » (5).

وصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « ماء البئر واسع لا یفسده شی ء إلاّ أن یتغیر ریحه أو طعمه ، فینزح حتی یذهب الریح ویطیب طعمه ،

ص: 31


1- کما فی روض الجنان : (135).
2- الوسائل ( 1 : 99 ) أبواب الماء المطلق ب (1).
3- المتقدمة فی ص (28).
4- التهذیب ( 1 : 40 - 112 ) ، الإستبصار ( 1 : 9 - 10 ) ، الوسائل ( 1 : 103 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (4).
5- الکافی ( 3 : 4 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 113 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (5) ، مع اختلاف یسیر.

______________________________________________________

لأن له مادة » (1).

وجه الدلالة : أنه علیه السلام جعل العلة فی عدم فساده بدون التغیر ، أو فی طهارته بزواله ، وجود المادة ، والعلة المنصوصة حجة کما تقرر فی الأصول.

وصحیحة الفضیل ، عن الصادق علیه السلام قال : « لا بأس بأن یبول الرجل فی الماء الجاری ، وکره أن یبول فی الراکد » (2) وفی الاستدلال بهذه الروایة نظر.

احتج العلامة (3) - رحمه الله - بعموم الأدلة الدالة علی اعتبار الکریة ، کقوله علیه السلام فی صحیحتی معاویة بن عمار (4) ، ومحمد بن مسلم (5) : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجّسه شی ء ».

والجواب أولا بمنع العموم ، لفقد اللفظ الدال علیه. سلّمنا العموم ، لکن نقول : عمومان تعارضا من وجه ، فیجب الجمع بینهما بتقیید أحدهما بالآخر ، والترجیح فی جانب الطهارة بالأصل ، والإجماع ، وقوة دلالة المنطوق علی المفهوم.

بقی هنا بحث ، وهو أنّ شیخنا الشهید - رحمه الله - قال فی الدروس فی حکم الجاری : ولا یشترط فیه الکریة علی الأصح ، نعم یشترط دوام النبع (6).

ص: 32


1- التهذیب (1) : 234 - 676 ) ، الإستبصار ( 1 : 33 - 87 ) ، الوسائل ( 1 : 105 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (12).
2- التهذیب ( 1 : 43 - 121 ) ، الإستبصار ( 1 : 13 - 23 ) ، الوسائل ( 1 : 107 ) أبواب الماء المطلق ب (5) ح (1).
3- لم نعثر علی هذا الاستدلال صریحا فی کتبه ، ولکن قال فی النهایة ( 1 : 229 ) : ولو قل الجاری عن الکر نجس ، لعموم نجاسة القلیل.
4- الکافی ( 3 : 2 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 40 - 108 ) ، الإستبصار ( 1 : 6 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 117 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 2 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 39 - 107 ) ، الإستبصار ( 1 : 11 - 17 ) ، الوسائل ( 1 : 117 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (1).
6- الدروس : (15).

ویطهر بکثرة الماء الطاهر علیه متدافعا حتی یزول تغیّره. ویلحق بحکمه ماء الحمام إذا کان له مادة.

______________________________________________________

وکلامه یحتمل أمرین :

أحدهما : وهو الظاهر ، أن یرید بدوام النبع استمراره حال ملاقاته للنجاسة ، ومرجعه إلی حصول المادة حینئذ ، وهو لا یزید علی اعتبار أصل النبع.

والثانی : أن یرید به عدم انقطاعه فی أثناء الزمان ککثیر من المیاه التی تخرج فی زمن الشتاء وتجفّ فی الصیف ، وقد حمل جل من تأخر عنه کلامه علی هذا المعنی.

وهو مما یقطع بفساده ، لأنه مخالف للنص ، والإجماع ، فیجب تنزیه کلام مثل هذا المحقق عنه.

واعلم أنه متی تغیر شی ء من الجاری اختص بالنجاسة ، دون ما فوقه ، وما تحته ، وما حاذاه ، إلاّ أن ینقص ما تحته عن الکر ویستوعب التغیر عمود الماء فینجس ما تحت المتغیر أیضا ، لانفصاله عما فوقه. ولو قلنا باشتراط کریته کان کالمحقون ، وسیأتی البحث فیه إن شاء الله تعالی.

قوله : ویطهر بکثرة الماء الطاهر علیه متدافعا حتی یزول تغیره.

لا یخفی أنّ توقف طهارة الجاری المتغیر بالنجاسة علی تدافع الماء الطاهر وتکاثره علیه حتی یزول التغیر إنما یتم إذا اعتبرنا فی تطهیر الماء النجس امتزاج الماء الطاهر به ، وإلاّ فالمتجه الاکتفاء فی طهارته بزوال تغیره مطلقا ، لمکان المادة.

ویجی ء علی قول العلامة - رحمه الله - باعتبار الکریة فی الجاری اشتراط کون الماء الطاهرة المتدافع علی النجس کراً فصاعدا ، ویلزمه أنه لو نقص عن الکریة یبقی ذلک الماء علی النجاسة إلی أن یطهر بغیره ، وهو بعید جدا.

قوله : ویلحق بحکمه ماء الحمام إذا کان له مادة.

المراد بماء الحمام ما فی حیاضه الصغار مما لا یبلغ الکر ، إذ حکم الکثیر منه حکم غیره.

تطهیر الماء الجاری

ماء الحمام

اعتبار کریة المادة فی عدم تنجس الحوض

الجاری مطهر ما دام إطلاق اسم الماء

ص: 33

______________________________________________________

وظاهر العبارة عدم اشتراط کثرة المادة. وبه صرح فی المعتبر ، فقال : ولا اعتبار بکثرة المادة وقلتها ، لکن لو تحقق نجاستها لم تطهر بالجریان (1).

ولعل مستنده إطلاق قول الباقر علیه السلام ، فی روایة بکر بن حبیب : « ماء الحمام لا بأس به إذا کان له مادة » (2).

وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة داود بن سرحان وقد سأله عن ماء الحمام : « هو بمنزلة الجاری » (3).

وهما مع ضعف سند الأولی بجهالة بکر بن حبیب (4) ، وعدم اعتبار المادة فی الثانیة ، لا یصلحان لمعارضة ما دل علی انفعال القلیل بالملاقاة ، إذ الغالب فی مادة ماء الحمام بلوغ الکریة ، فینزل علیه الإطلاق.

والمعتمد اعتبار الکریة ، لما سیجی ء من الأدلة الدالة علی انفعال القلیل بالملاقاة ، ولأن المادة الناقصة عن الکر کالعدم.

وتنقیح المسألة یتم ببیان أمور :

الأول : اشترط أکثر المتأخرین (5) فی عدم نجاسة ما فی الحیاض بلوغ المادة کرا بعد ملاقاة النجاسة للحوض. ومقتضی ذلک أنه لا یکفی بلوغ المجموع الکر.

ص: 34


1- المعتبر ( 1 : 42 ).
2- الکافی ( 3 : 14 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 378 - 1168 ) ، الوسائل ( 1 : 111 ) أبواب الماء المطلق ب (7) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 378 - 1170 ) ، الوسائل ( 1 : 110 ) أبواب الماء المطلق ب (7) ح (1).
4- لم ینص الأصحاب علیه بتوثیق ولا تضعیف. راجع رجال الطوسی : ( 4. 156 ) ، ومعجم رجال الحدیث ( 3 : 343 - 1840 ).
5- منهم العلامة فی التبصرة : (3) ، والشهید الأول فی البیان : (44) ، والسیوری فی التنقیح الرائع ( 1 : 38 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (137).

______________________________________________________

وقد ذکر المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (1) ، وغیره (2) : أنّ الغدیرین إذا وصل بینهما بساقیة کانا کالماء الواحد ، مع بلوغ المجموع منهما ومن الساقیة کرا. وهو بإطلاقه یقتضی عدم الفرق بین ما سطوحه مستویة أو مختلفة. بل صرح العلامة - رحمه الله - فی التذکرة بالاکتفاء ببلوغ المجموع الکر مع عدم تساوی السطوح ، بالنسبة إلی السافل (3). فیکون حکم الحمام أغلظ من غیره ، والحال یقتضی العکس ، کما صرحوا به (4).

والجمع بین الکلامین وإن کان ممکنا بحمل مسألة الغدیرین علی استواء السطوح ، أو کون الساقیة فی أرض منحدرة ، لا نازلة من میزاب ونحوه ، إلاّ أنّ فیه تقییدا للنص ، وکلام الأصحاب ، من غیر دلیل.

ورجح جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد الاکتفاء بکون المجموع من المادة وما فی الحوض کرا مع تواصلهما مطلقا ، لعموم قوله علیه السلام فی عدة أخبار صحیحة : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » (5). وهو متجه ، وعلی هذا فلا فرق بین ماء الحمام وغیره. ومن العجب اعتبار العلامة فی التذکرة (6) وغیرها (7) فی ماء الحمام کریة المادة وتصریحه بتقوی الأسفل بالأعلی إذا بلغ المجموع الکر ، ثم استشکاله فی انسحاب حکم ماء الحمام إلی غیره.

ص: 35


1- المعتبر ( 1 : 50 ).
2- کما فی المنتهی ( 1 : 9 ) ، وتحریر الأحکام : (4).
3- التذکرة ( 1 : 4 ).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 42 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 6 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 9 ) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 263 ).
5- المتقدمة فی ص (32).
6- التذکرة ( 1 : 3 ).
7- کما فی المنتهی ( 1 : 6 ).

______________________________________________________

الثانی : لو تنجس ما فی الحیاض فهل یطهر بمجرد اتصال المادة به ، أم یشترط الامتزاج؟ فیه وجهان ، اختار أولهما العلامة فی التحریر ، والمنتهی ، والنهایة (1) ، فی مسألة الغدیرین ، فحکم بطهارة النجس منهما باتصاله بالبالغ کرا. ورجحه المحقق الشیخ علی (2) - رحمه الله - وجدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (3). واختار ثانیهما العلامة فی التذکرة والمنتهی فی هذه المسألة (4).

احتج الأولون بأن اتصال القلیل بالکثیر قبل النجاسة کاف فی دفع النجاسة وإن لم یمتزج به ، فکذا بعدها ، لأن عدم قبول النجاسة فی الأول إنما هو لصیرورة الماءین ماءا واحدا بالاتصال.

وبأن الامتزاج إن أرید به امتزاج کل جزء من الماء النجس بجزء من الطاهر لم یمکن الحکم بالطهارة أصلا ، لعدم العلم بذلک ، وإن اکتفی بامتزاج البعض لم یکن المطهر للبعض الآخر هو الامتزاج ، بل مجرد الاتصال ، فیلزم إما القول بعدم طهارته أصلا ، أو القول بالاکتفاء بمجرد الاتصال.

قال فی المنتهی : الاتفاق واقع علی أنّ تطهیر ما نقص عن الکر بإلقاء الکر علیه ، ولا شک أنّ المداخلة ممتنعة ، فالمعتبر إذا الاتصال الموجود هنا (5).

وبأن الأجزاء الملاقیة للطاهر یجب الحکم بطهارتها ، عملا بعموم ما دل علی طهوریة الماء ، فتطهر الأجزاء التی تلیها کذلک ، وکذا الکلام فی بقیة الأجزاء. وهذا اعتبار حسن نبّه علیه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی بعض فوائده ، وجدی - رحمه الله -

ص: 36


1- تحریر الأحکام ( 1 : 4 ) ، المنتهی ( 1 : 9 ) ، نهایة الأحکام ( 1 : 230 ).
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).
3- کما فی روض الجنان : ( 138 و 141 ) ، والروضة البهیة ( 1 : 32 ).
4- التذکرة : ( 3 و 4 ) ، المنتهی ( 1 : 6 ).
5- المنتهی ( 1 : 9 ).

ولو مازجه طاهر فغیّره أو تغیر من قبل نفسه لم یخرج عن کونه مطهرا ، ما دام إطلاق الاسم باقیا علیه.

______________________________________________________

فی روض الجنان (1).

احتج المشترط بامتیاز الطاهر من النجس مع عدم الامتزاج ، وذلک یقتضی اختصاص کل بحکمه.

قلنا : ذلک محل النزاع ، فالاستدلال به مصادرة. والأولی الاستدلال علیه بأصالة عدم الطهارة بدونه. ویجاب بعموم الأدلة الدالة علی طهوریة الماء ، لکن فی إثبات العموم نظر.

الثالث : الظاهر الاکتفاء فی تطهیر ما فی الحیاض بکریة المادة ، ولا یشترط زیادتها عن الکر ، وبه صرح فی المنتهی فی مسألة الغدیرین (2). ویلوح من اشتراطهم فی تطهیر القلیل إلقاء الکر علیه دفعة واحدة اعتبار زیادة المادة عن الکر هنا. وسیأتی ما فیه إن شاء الله تعالی.

قوله : ولو مازجه طاهر فغیّره أو تغیر من قبل نفسه لم یخرج عن کونه مطهرا ما دام إطلاق اسم الماء باقیا علیه.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ووافقنا علیه أکثر العامة (3) ، تمسکا بعموم ما دلّ علی طهوریة الماء. ویندرج فی الطاهر ما لا یمکن التحرّز منه کالطحلب ، وما ینبت فی الماء ، وما یتساقط من أوراق الشجر ، وما یکون فی مقره أو ممره من النورة

ص: 37


1- روض الجنان : (138).
2- المنتهی ( 1 : 9 ).
3- منهم الشافعی فی کتاب الام ( 1 : 7 ) ، والجصاص فی أحکام القرآن ( 3 : 338 ) ، وابن قدامة فی المغنی ( 1 : 36 ) ، وابن رشد فی بدایة المجتهد ( 1 : 23 ) ، والمرداوی فی الإنصاف ( 1 : 22 ).

وأما المحقون : فما کان منه دون الکر فإنه ینجس بملاقاة النجاسة.

______________________________________________________

والملح. وما یمکن فیه ذلک کقلیل الزعفران ونحوه ، وخالف فی الثانی بعض العامة (1) ، ولا یعبأ به.

قوله : وأما المحقون ، فما کان منه دون الکر ، فإنه ینجس بملاقاة النجاسة.

أطبق علماؤنا إلاّ ابن أبی عقیل علی أنّ الماء القلیل - وهو ما نقص عن الکر - ینجس بملاقاة النجاسة له ، سواء تغیر بها أم لم یتغیر ، إلاّ ما استثنی.

وقال ابن أبی عقیل : لا ینجس إلاّ بتغیره بالنجاسة (2) ، وساوی بینه وبین الکثیر. والمعتمد الأول.

لنا : قوله علیه السلام فی صحیحتی محمد بن مسلم ومعاویة بن عمار : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » (3) ولا یتحقق فائدة الشرط إلاّ بنجاسة ما دون الکر بدون التغیر فی الجملة.

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الحمامة والدجاجة وأشباههما تطأ العذرة ، ثم تدخل فی الماء ، یتوضأ منه للصلاة؟ قال : « لا ، إلاّ أن یکون الماء کثیرا قدر کر من ماء » (4) قیل : وجه المنع من استعمال الماء فی الوضوء منحصر فی سلب طهارته أو طهوریته ، والثانی منتف إجماعا ، فیثبت الأول (5).

الماء المحقون وأقسامه

الماء القلیل

ص: 38


1- منهم الشافعی فی کتاب الأم ( 1 : 7 ) ، وابن قدامة فی المغنی ( 1 : 36 ).
2- نقله عنه فی المختلف : (2).
3- تقدمتا فی ص (32).
4- التهذیب ( 1 : 419 - 1326 ) ، الإستبصار ( 1 : 21 - 49 ) ، الوسائل ( 1 : 115 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (13).
5- کما فی المعالم : (5).

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن أبی العباس الفضل بن عبد الملک ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه سأله عن فضل الهرة ، والشاة ، والبقرة ، وغیرها ، حتی انتهی إلی الکلب فقال : « رجس نجس ، لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلک الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ، ثم بالماء » (1).

وفی الحسن ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام ، عن الرجل یدخل یده فی الإناء وهی قذرة؟ قال : « یکفی الإناء » (2) وهو کنایة عن النجاسة.

احتج ابن أبی عقیل (3) بأنه قد تواتر عن الصادق علیه السلام : « إن الماء طاهر لا ینجسه إلاّ ما غیّر لونه ، أو طعمه ، أو رائحته » (4) وبقول الباقر علیه السلام وقد سئل عن الجرة والقربة تسقط فیها فأرة أو جرذ أو غیره فیموت فیها : « إذا غلبت رائحته علی طعم الماء أو لونه فأرقه ، وإن لم یغلب علیه فتوضأ منه واشرب » (5).

والجواب عن الأول منع العموم ، لفقد اللفظ الدال علیه ، ولو سلم العموم فالخاص مقدم.

فإن قلت : جهالة التاریخ تمنع ذلک ، قلنا : لا فرق ، فإن هذه الأخبار لا یتطرق إلیها النسخ ، مع أنّ أکثر الأصولیین علی تقدیم الخاص مطلقا ، وفیها بحث حررناه فی محله.

ص: 39


1- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 1 : 163 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 39 - 105 ) ، الوسائل ( 1 : 114 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (7).
3- نقله عنه فی المختلف : (2).
4- المستدرک ( 1 : 186 ) ، نقله عن درر اللئالی.
5- کما فی المعتبر ( 1 : 49 ).

ویطهر بإلقاء کر علیه فما زاد دفعة ،

______________________________________________________

وعن الثانی بالطعن فی السند ، وإمکان تأویلها بما یوافق المشهور. لکن لا یخفی أنه لیس فی شی ء من تلک الروایات دلالة علی انفعال القلیل بوروده علی النجاسة ، بل ولا علی انفعاله بکل ما یرد علیه من النجاسات ، ومن ثم ذهب المرتضی - رحمه الله - فی جواب المسائل الناصریة إلی عدم نجاسة القلیل بوروده علی النجاسة (1) ، وهو متجه.

وقد استثنی الأصحاب من هذه الکلیة أمورا یأتی الکلام علیها فی محلها إن شاء الله تعالی.

قوله : ویطهر بإلقاء کر علیه فما زاد دفعة.

المراد بالدفعة هنا وقوع جمیع أجزاء الکر فی زمان یسیر بحیث یصدق اسم الدفعة علیه عرفا ، لامتناع ملاقاة جمیع أجزاء الکر للماء النجس فی آن واحد.

واکتفی شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری بإلقاء کر علیه متصل ، ولم یشترط الدفعة (2). فاعترضه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - بأن فیه تسامحا ، لأن وصول أول جزء منه إلی النجس یقتضی نقصانه عن الکر فلا یطهر ، ولورود النص بالدفعة ، وتصریح الأصحاب بها (3). وهو غیر جید ، فإنه یکفی فی الطهارة بلوغ المطهر الکر حال الاتصال إذا لم یتغیر بعضه بالنجاسة وإن نقص بعد ذلک ، مع أنّ مجرد الاتصال بالماء النجس لا یقتضی النقصان ، کما هو واضح.

وما ادّعاه من ورود النص بالدفعة منظور فیه ، فإنا لم نقف علیه فی کتب الحدیث ، ولا نقله ناقل فی کتب الاستدلال ، وتصریح الأصحاب لیس حجة ، مع أنّ العلامة - رحمه الله - فی التحریر ، والمنتهی اکتفی فی تطهیر الغدیر القلیل النجس باتصاله

طهارة القلیل بإلقاء کر علیه

ص: 40


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
2- الذکری : (8).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).

ولا یطهر بإتمامه کرا علی الأظهر.

______________________________________________________

بالغدیر البالغ کرا (1) ، ومقتضی ذلک الاکتفاء فی طهارة القلیل باتصال الکر به وإن لم یلق کله ، فضلا عن کونه دفعة.

وقد صرح المحقق الشیخ علی (2) - رحمه الله - وغیره (3) بطهارته بوصول الماء الجاری الیه ، واتصال المادة المشتملة علی الکریة. وهو حسن إلاّ أنّ الاعتبار یقتضی عدم الفرق بین الکر وما زاد عنه ، وتخیّل نجاسة أوله باتصاله بالنجس فاسد ، لأن ذلک لیس أولی من طهارة النجس باتصاله به ، ولأن ذلک آت فی صورة الزیادة أیضا.

وبالجملة فکلام الأصحاب فی هذه المسألة غیر منقح ، وللبحث فیها مجال.

قوله : ولا یطهر بإتمامه کرا علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الشیخ فی الخلاف (4) ، وابن الجنید (5) ، وأکثر المتأخرین (6) إلی بقائه علی النجاسة.

ونقل عن المرتضی (7) ، وابن إدریس (8) ، ویحیی بن سعید (9) القول بالطهارة. وصرح ابن إدریس علی ما نقل عنه بعدم الفرق بین إتمامه بالطاهر والنجس. وحکی

عدم طهارة القلیل بإتمامه کرا

الماء الکر

ص: 41


1- تحریر الأحکام ( 1 : 4 ). المنتهی ( 1 : 9 ).
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 11 ).
3- منهم الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 261 ).
4- الخلاف ( 1 : 55 ).
5- نقله عنه فی المختلف : (3).
6- منهم المحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 51 ) ، وفخر المحققین فی إیضاح الفوائد ( 1 : 20 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).
7- المسائل الرسیة ( رسائل الشریف المرتضی : المجموعة الثانیة ) : (361). وقد یظهر منه دعوی الإجماع علی ذلک لأنه قال : لأن بلوغ الماء عندنا هذا المبلغ مزیل لحکم النجاسة فتأمل.
8- السرائر : (8).
9- الجامع للشرائع : (18).

______________________________________________________

الشهید - رحمه الله - عن بعض الأصحاب اشتراط الإتمام بالطاهر (1) ، وربما نسب إلی ابن حمزة (2) والأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله .

لنا : إنه ماء محکوم بنجاسته شرعا ، فلا یرتفع هذا الحکم إلاّ بدلیل شرعی ولم یثبت.

احتج المرتضی - رضی الله عنه - بأن البلوغ یستهلک النجاسة فیستوی ملاقاتها قبل الکثرة وبعدها ، وبأنه لو لا الحکم بالطهارة مع البلوغ لما حکم بطهارة الماء الکثیر إذا وجد فیه نجاسة ، لإمکان سبقها علی کثرته.

واحتج ابن إدریس - رحمه الله - أیضا بعموم قوله علیه السلام : « إذا بلغ الماء کرا لم یحمل خبثا » فإنّ الماء متناول للطاهر والنجس ، والخبث نکرة فی سیاق النفی فتعم. ومعنی لم یحمل خبثا : لم یظهر فیه کما صرح به جماعة من أهل اللغة (3). وقال : إنّ هذه الروایة مجمع علیها عند المخالف والمؤالف (4).

والجواب عن الأول : أنّ تسویته بین الأمرین قیاس مع الفارق ، بقوة الماء بعد البلوغ وضعفه قبله.

وعن الثانی : بأن إمکان السبق لا یعارض أصالة الطهارة.

وأجاب المصنف فی المعتبر عن حجة ابن إدریس بدفع الخبر ، قال : فإنا لم نروه مسندا ، والذی رواه مرسلا : المرتضی ، والشیخ أبو جعفر ، وآحاد ممن جاء بعده ، والخبر المرسل لا یعمل به ، وکتب الحدیث عن الأئمة علیهم السلام خالیة عنه أصلا ، وأما المخالفون فلم أعرف به عاملا سوی ما یحکی عن ابن حی ، وهو زیدی منقطع

ص: 42


1- الذکری : (8).
2- وهو کذلک کما فی الوسیلة : (73).
3- منهم الفیروزآبادی فی القاموس ( 3 : 373 ) ( حمل ) ، وابن الأثیر فی النهایة ( 1 : 444 ).
4- السرائر : (8).

وما کان منه کرا فصاعدا لا ینجس ، إلا أن تغیّر النجاسة أحد أوصافه.

______________________________________________________

المذهب (1) ، وما رأیت أعجب ممن یدعی إجماع المخالف والمؤالف فیما لا یوجد إلاّ نادرا ، فإذا الروایة ساقطة (2). انتهی.

وأجاب المحقق الشیخ علی - رحمه الله - عن جمیع ذلک : بأن ابن إدریس - رحمه الله - نقل إجماع المخالف والمؤالف علی صحتها ، والإجماع المنقول بخبر الواحد حجة. وهو ضعیف ، فإن الإجماع إنما یکون حجة مع العلم القطعی بدخول قول المعصوم فی جملة أقوال المجمعین ، وهذا مما یقطع بتعذره فی زمن ابن إدریس وما شاکله ، بل بعد انتشار الإسلام مطلقا. ولو أرید بالإجماع معنی آخر وهو المشهور بین الأصحاب - کما ذکره بعضهم (3) - لم یکن حجة ، لانحصار الأدلة الشرعیة فی الکتاب والسنة والبراءة الأصلیة کما قرر فی محله ، وقد أشبعنا الکلام فی هذه المسألة فی رسالة مفردة.

قوله : وما کان منه کرا فصاعدا لا ینجس إلا أن تغیر النجاسة أحد أوصافه.

أجمع العلماء کافة علی أنّ الماء الکثیر الواقف لا ینجس بملاقاة النجاسة ، بل بتغیره بها فی أحد أوصافه الثلاثة ، حکاه فی المنتهی (4).

والأصل فیه : الأخبار المستفیضة ، کقول الصادق علیه السلام فی عدة أخبار صحیحة : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » (5) وقوله علیه السلام فی صحیحة

عدم نجاسة الکر إلا بالتغیر

ص: 43


1- قال فی معجم المؤلفین ( 3 : 231 ) : الحسن بن صالح بن حی الشیعی الزیدی ، فقیه متکلم ، من تصانیفه التوحید ، إمامة ولد علی من فاطمة ، والجامع فی الفقه. وعدّه النوبختی فی فرق الشیعة 1. من رؤساء البتریة ، وهم ضعفاء الزیدیة.
2- المعتبر ( 1 : 52 ).
3- الذکری : (4).
4- المنتهی ( 1 : 6 ).
5- المتقدمة فی ص (32).

______________________________________________________

حریز : « کلما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضأ من الماء واشرب ، فإذا تغیر الماء وتغیر الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (1) وغیر ذلک من الأخبار (2).

ثم الماء المتغیر بعضه إما أن یکون سطوحه مستویة أو مختلفة. فإن کانت مستویة اختص المتغیر بالتنجیس إن کان الباقی کرا ، وإلاّ نجس الجمیع ، وإن کانت مختلفة لم ینجس ما فوق المتغیر مطلقا ، وکذا الأسفل إن بلغ کرا منفردا ، أو کان المجموع کرا ولم تقطع النجاسة عمود الماء ، وإلاّ نجس ما تحت المتغیر أیضا.

واعلم أنّ المصنف - رحمه الله - صرح فی المعتبر بأنّ الغدیرین إذا وصل بینهما بساقیة صارا کالماء الواحد ، فلو وقع فی أحدهما نجاسة لم ینجس وإن نقص عن الکر إذا بلغ المجموع منهما ومن الساقیة کرا (3). وتبعه فی ذلک العلامة فی المنتهی (4).

وإطلاق کلامهما یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین مساواة السطوح واختلافها ، فیکون کل من الأعلی والأسفل متقویا بالآخر. وینبغی القطع بذلک إذا کان جریان الماء فی أرض منحدرة ، لاندراجه تحت عموم قوله علیه السلام : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » فإنه شامل لمتساوی السطوح ومختلفها.

وإنما یحصل التردد فیما إذا کان الأعلی متسنما علی الأسفل بمیزاب ونحوه ، لعدم صدق الوحدة عرفا. ولا یبعد التقوی فی ذلک أیضا ، کما اختاره جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد ، عملا بالعموم.

ص: 44


1- الکافی ( 3 : 4 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 216 - 625 ) ، وفیه : أو تغیر الطعم. الإستبصار ( 1 :1. 19 ) ، الوسائل ( 1 : 102 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (1).
2- الوسائل ( 1 : 102 ) أبواب الماء المطلق ب (3).
3- المعتبر ( 1 : 50 ).
4- المنتهی ( 1 : 9 ).

ویطهر بإلقاء کرّ علیه فکرّ حتی یزول التغیّر.

______________________________________________________

وجزم العلامة فی التذکرة (1) ، والشهید فی الذکری (2) فی مسألة الغدیرین ، بتقوی الأسفل بالأعلی دون العکس ، ورجحه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی بعض فوائده.

واحتج علی عدم تقوی الأعلی بالأسفل بأنهما لو اتحدا فی الحکم للزم تنجیس کل أعلی متصل بأسفل مع القلة ، وهو معلوم البطلان.

وجوابه : أنّ الحکم بعدم نجاسة الأعلی بوقوع النجاسة فیه مع بلوغ المجموع منه ومن الأسفل الکر إنما کان لاندراجه تحت عموم الخبر ، ولیس فی هذا ما یستلزم نجاسة الأعلی بنجاسة الأسفل بوجه ، مع أنّ الإجماع منعقد علی أنّ النجاسة لا تسری إلی الأعلی مطلقا. ویلزمهم أن ینجس کل ما کان تحت النجاسة من الماء المنحدر إذا لم یکن فوقه کر ، وإن کان نهرا عظیما ، وهو معلوم البطلان.

وبالجملة : فالمستفاد من إطلاق الأخبار أنه متی کان الماء المتصل قدر کر لم ینفعل بالنجاسة إلاّ مع التغیر ، سواء کان متساوی السطوح أم مختلفها (3) ، والله تعالی أعلم.

قوله : ویطهر بإلقاء کر علیه فکر حتی یزول التغیر.

لا یخفی أنه إنما یجب إلقاء کر آخر إذا تغیر الکر الأول أو بعضه بالنجاسة ، فلو بقی علی حکمه فالمتغیر کنجاسة متصلة به ، فإذا امتزج أحدهما بالآخر وزال تغیر المتغیر حکم بالطهارة ولم یحتج إلی کر آخر ، کما هو الظاهر

طهارة الکر بإلقاء کر علیه

ص: 45


1- التذکرة ( 1 : 4 ).
2- الذکری : (9).
3- الوسائل ( 1 : 117 ) أبواب الماء المطلق ب (9).

ولا یطهر بزوال التغیّر من نفسه ، ولا بتصفیق الریاح ، ولا بوقوع أجسام طاهرة فیه تزیل عنه التغیّر.

______________________________________________________

قوله : ولا یطهر بزوال التغیر من نفسه ، ولا بتصفیق الریاح ، ولا بوقوع أجسام طاهرة فیه تزیل عنه التغیر.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم الاکتفاء فی طهارة الکثیر من المحقون المتغیر بالنجاسة بزوال تغیره بغیر المطهر أشهر القولین فی المسألة وأظهرهما ، استصحابا لبقاء حکم النجاسة إلی أن یثبت المزیل لها شرعا ، ومرجعه إلی عموم الأدلة الدالة علی نجاسته بالتغیر ، فإنها شاملة لتلک الحالة وما بعدها ، فیقف زوالها علی حصول ما عدّه الشارع مطهرا.

وذهب الفاضل یحیی بن سعید فی الجامع إلی أنه یطهر بذلک (1) ، بناء علی ما ذهب إلیه من أنّ الماء النجس یطهر بالإتمام ، وهو فی الحقیقة لازم لکل من قال بذلک. وربما صار بعض القائلین بعدم طهارة المتمم إلی الطهارة هنا أیضا ، مستدلا بأن الأصل فی الماء الطهارة ، والحکم بالنجاسة للتغیر ، فإذا زالت العلة انتفی المعلول. (2).

وأجیب عنه بأن المعلول هنا هو حدوث النجاسة لا بقاؤها ، وقد تقرر فی الأصول أن البقاء لا یحتاج إلی دلیل فی نفسه ، إذ الأصل أنّ ما ثبت دام إلی وجود قاطع ، وذلک معنی الاستصحاب. وفیه بحث ، فإن کل ما ثبت جاز أن یدوم وجاز أن لا یدوم ، فلا بد لدوامه من سبب ودلیل سوی دلیل الثبوت.

والحق أنّ الاستصحاب لیس بحجة إلاّ فی ما دل الدلیل علی ثبوته ودوامه ،

عدم طهارة الکر بزوال التغیر من نفسه

ص: 46


1- الجامع للشرائع : (18).
2- ذهب الی ذلک من العامة ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر علی متن المقنع ( 1 : 59 ، 64 ) ، ولم یذهب الی ذلک أحد من الخاصة ، کما هو المستفاد من کلام العلماء ، نعم احتمل العلامة فی النهایة ( 1 : 258 ) الطهارة هنا مع قوله بعدم طهارة القلیل بإتمامه کرا فی ص (257).

والکر ألف ومائتا رطل بالعراقی علی الأظهر.

______________________________________________________

کاستصحاب الملک عند جریان السبب المملک إلی أن یثبت الانتقال ، وکشغل الذمة عند جریان الإتلاف إلی أن تتحقق البراءة ، فإذا الاستصحاب عبارة عن التمسک بدلیل عقلی کأصالة البراءة ، أو شرعی کالأمثلة المتقدمة ، فتأمل.

قوله : والکر ألف ومائتا رطل بالعراقی علی الأظهر.

للأصحاب فی کمیة الکر طریقان :

أحدهما : الوزن ، وقدره : ألف ومائتا رطل ، لمرسلة ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الکر ألف ومائتا رطل » (1) قال المصنف فی المعتبر : وعلی هذه عمل الأصحاب (2). وظاهره اتفاق الأصحاب علی العمل بمضمونها فیکون الإجماع جابرا لإرسالها.

واختلف الأصحاب فی تعیین الأرطال ، فقال الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة والمبسوط (3) ، والمفید - رحمه الله - فی المقنعة (4) : إنه عراقی ، وقدره : مائة وثلاثون درهما علی الأشهر.

وقال المرتضی - رحمه الله - فی المصباح (5) ، وابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (6) : أنه مدنی ، وقدره : مائة وخمسة وتسعون درهما.

مقدار الکر بالوزن

ص: 47


1- الکافی ( 3 : 3 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 41 - 113 ) ، الاستبصار ( 1 : 10 - 15 ) ، المقنع : (10) ، الوسائل ( 1 : 123 ) أبواب الماء المطلق ب (11) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 47 ).
3- النهایة : (3) ، المبسوط ( 1 : 6 ).
4- المقنعة : (9).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 47 ).
6- الفقیه ( 1 : 6 ).

______________________________________________________

والأول أقرب ، لعموم قوله علیه السلام : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر » (1) والعلم لا یتحقق مع الاحتمال ، ولأن الأقل متیقن والزائد مشکوک فیه فیجب نفیه بالأصل ، ولأن ذلک هو المناسب لروایة الأشبار الثلاثة الصحیحة (2) ، ولما فی ذلک من الجمع بین هذه الروایة وبین صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « والکر ستمائة رطل » (3) بحملها علی أرطال مکة ، إذ لا یجوز حملها علی غیرها من الأرطال العراقیة أو المدنیة ، لأن ذلک لم یعتبره أحد من أصحابنا کما ذکره الشیخ فی التهذیب (4).

احتج المرتضی - رضی الله عنه - علی ما نقل عنه بالاحتیاط ، وبأنهم علیهم السلام من أهل المدینة فینبغی حمل کلامهم علی عادة بلدهم (5).

والجواب : أن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی ، مع أنه معارض بمثله. وجوابهم علی عادة بلدهم لیس أولی من الإجابة علی عادة بلد السائل ، ولا یبعد أن یکون من أهل العراق ، لأن المرسل عراقی (6).

ویمکن أن یحتج له أیضا بأن بلوغ الکریة شرط لعدم الانفعال فیجب العلم بحصوله ، وهو إنما یعلم بالزائد ، للشک فی حصوله بالأقل. وجوابه معلوم مما سبق.

ص: 48


1- الکافی ( 3 : 1 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 215 - 619 ) ، الوسائل ( 1 : 100 ) أبواب الماء المطلق ب (1) ح (5).
2- الکافی ( 3 : 3 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 41 - 115 ) ، الوسائل ( 1 : 118 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (7).
3- التهذیب ( 1 : 414 - 1308 ) ، الإستبصار ( 1 : 11 - 17 ) ، الوسائل ( 1 : 124 ) أبواب الماء المطلق ب (11) ح (3).
4- لم نعثر علیه فی التهذیب ، بل وجدناه فی الاستبصار ( 1 : 11 ).
5- الانتصار : (9).
6- راجع رجال النجاشی : ( 326 - 887 ).

أو ما کان کل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا.

______________________________________________________

قوله : أو ما کان کل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا.

هذا هو الطریق الثانی لمعرفة الکر ، وهو اعتباره بالمساحة ، وما اختاره المصنف فیه هنا أشهر الأقوال فی المسألة.

ومستنده روایة أبی بصیر : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الکر من الماء کم یکون قدره؟ قال : « إذا کان الماء قدر ثلاثة أشبار ونصف فی مثله ، ثلاثة أشبار ونصف فی عمقه من الأرض فذلک الکر من الماء » (1) وهی ضعیفة السند بأحمد بن محمد بن یحیی فإنه مجهول (2) ، وعثمان بن عیسی فإنه واقفی (3) ، وأبی بصیر وهو مشترک بین الثقة والضعیف (4) ، وقد اعترف بذلک المصنف فی المعتبر ، فإنه قال : عثمان بن عیسی واقفی فروایته ساقطة ولا تصغ إلی من یدعی الإجماع فی محل الخلاف (5).

والثانی : وهو قول القمیین (6) ، واختاره العلامة فی المختلف (7) ، وجدی - قدس سره - فی الروضة (8) ، وشیخنا - سلمه الله تعالی (9) - : اعتبار الأشبار الثلاثة فی الأبعاد

مقدار الکر بالأشبار

ص: 49


1- الکافی ( 3 : 3 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 42 - 116 ) ، الإستبصار ( 1 : 10 - 14 ) ، الوسائل ( 1 : 122 ) أبواب الماء المطلق ب (10) ح (6). إلا أن فیها : « فی الأرض » بدل « من الأرض ».
2- لم ینص علیه الأصحاب بتوثیق ولا تضعیف راجع رجال الطوسی : (444) ، ومعجم رجال الحدیث ( 2 : 323 ).
3- راجع رجال النجاشی : ( 300 - 817 ) ، ورجال الطوسی : (355). قال النجاشی : کان شیخ الواقفة ووجهها وأحد الوکلاء المستبدین بمال موسی بن جعفر علیه السلام .
4- راجع هدایة المحدثین : (272).
5- المعتبر ( 1 : 46 ).
6- منهم الصدوق فی المقنع : (10) ، والفقیه ( 1 : 6 ) ، وحکاه عن القمیین فی المختلف : (9).
7- المختلف : (4).
8- الروضة البهیة ( 1 : 33 ).
9- کما فی مجمع الفائدة ( 1 : 259 ).

______________________________________________________

الثلاثة وإسقاط النصف ، لروایة إسماعیل بن جابر : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الماء الذی لا ینجسه شی ء ، قال : « کر » قلت : وما الکر؟ قال : « ثلاثة أشبار فی ثلاثة أشبار » (1).

وضعّفها المصنف فی المعتبر بقصورها عن اعتبارهم ، حیث إن فیها إخلالا بذکر البعد الثالث (2).

ولا یخفی أن ذلک وارد علی الروایة السابقة أیضا ، والجواب واحد ، وهو شیوع مثل هذا الإطلاق وإرادة الضرب فی الأبعاد الثلاثة.

نعم یمکن المناقشة فیها من حیث السند ، بأن الشیخ رواها فی التهذیب بطریقین ، فی أحدهما عبد الله بن سنان ، وفی الآخر محمد بن سنان ، والراوی عنهما واحد ، وهو محمد بن خالد البرقی ، والذی یظهر من کتب الرجال وتتبع الأحادیث أنّ ابن سنان الواقع فی طریق الروایة واحد وهو محمد (3) ، وأن ذکر عبد الله وهم ، فتکون الروایة ضعیفة لنص الشیخ ، والنجاشی علی تضعیفه (4).

( مع أنّ فی محمد بن خالد توقفا فإن النجاشی قال : إنه کان ضعیفا فی الحدیث (5). وإن کان الأقرب قبول قوله لنص الشیخ - رحمه الله - علی تعدیله (6) ، وعدم صراحة کلام النجاشی فی الطعن فیه نفسه.

ص: 50


1- الکافی ( 3 : 3 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 41 - 115 ) ، وص ( 37 - 101 ) ، الإستبصار ( 1 : 10 - 13 ) ، الوسائل ( 1 : 118 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (7).
2- المعتبر ( 1 : 46 ).
3- راجع معجم رجال الحدیث ( 16 : 53 ، 58 ) ، والمنتقی ( 1 : 51 ).
4- کما فی رجال الشیخ : (386) ، والفهرست : (143) ، ورجال النجاشی : ( 424 - 1140 ) ، وص ( 328 - 888 ).
5- رجال النجاشی : ( 335 - 898 ).
6- کما فی رجال الشیخ : (386).

______________________________________________________

ویمکن أن یستشهد لهذا القول أیضا بما رواه زرارة فی الصحیح ، قال : « إذا کان الماء أکثر من راویة لم ینجسه شی ء » (1) وما رواه صفوان بن مهران الجمال فی الصحیح أیضا ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحیاض التی ما بین مکة والمدینة ، تردها السباع وتلغ فیها الکلاب وتشرب منها الحمیر ویغتسل منها الجنب ویتوضأ ، فقال : « وکم قدر الماء »؟ فقلت : إلی نصف الساق وإلی الرکبة ، فقال : « توضأ فیه » (2) وفی هاتین الروایتین إجمال إلاّ أنهما دالتان علی اتساع دائرة الکر فی الجملة ) (3).

وأوضح مما وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار متنا وسندا ما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح عن إسماعیل بن جابر ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الماء الذی لا ینجسه شی ء؟ قال : « ذراعان عمقه فی ذراع وشبر سعته » (4) إذ معنی اعتبار الذراع والشبر فی السعة اعتبارهما فی کل من البعدین (5). ویظهر من المصنف - رحمه الله - فی المعتبر المیل إلی العمل بهذه الروایة (6) ، وهو متجه.

ویحکی عن القطب الراوندی - رحمه الله - تحدیده بما بلغت أبعاده الثلاثة : عشر أشبار ونصف ، ولم یعتبر التکسیر (7).

ص: 51


1- الکافی ( 3 : 2 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 42 - 117 ) ، الإستبصار ( 1 : 6 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 104 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (9).
2- الکافی ( 3 : 4 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 417 - 1317 ) ، الإستبصار ( 1 : 22 - 54 ) ، الوسائل ( 1 : 119 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (12).
3- ما بین القوسین من « ح ».
4- التهذیب ( 1 : 41 - 114 ) ، الاستبصار ( 1 : 10 - 12 ) ، المقنع : (10) ، الوسائل ( 1 : 121 ) أبواب الماء المطلق ب (10) ح (1).
5- هذه العبارة بتمامها من « ح ».
6- المعتبر ( 1 : 46 ).
7- حکاه عنه فی المختلف : (4) ، والذکری : (9).

ویستوی فی هذا الحکم میاه الغدران والحیاض والأوانی علی الأظهر.

وأما ماء البئر: فإنه ینجّس بتغیّره بالنجاسة إجماعا.

______________________________________________________

وعن ابن الجنید - رحمه الله - أنه ما بلغ تکسیره مائة شبر (1). ولم نقف علی مأخذهما ، قال فی المختلف : وما أشد تنافر ما بین هذین القولین (2).

ونقل عن السید المحقق جمال الدین بن طاوس - رحمه الله - الاکتفاء فی رفع النجاسة بکل ما روی ، وکأنه یحمل الزائد علی الندب ، ( ولا بأس به إذا صح السند ) (3).

قوله : ویستوی فی هذا الحکم میاه الغدران والحیاض والأوانی علی الأظهر.

هذا هو المعتمد ، عملا بالعمومات الدالة علی عدم انفعال الکثیر بالملاقاة مطلقا.

وذهب المفید - رحمه الله - فی المقنعة (4) ، وسلار (5) - رحمه الله - علی ما نقل عنه إلی نجاسة ماء الحیاض والأوانی بالملاقاة وإن کان کثیرا ، لإطلاق النهی عن استعمال ماء الأوانی مع ملاقاته النجاسة (6). وهو ضعیف جدا ، بل لا وجه له ، ولذلک قال فی المنتهی - ونعم ما قال - : والحق أنّ مرادهما بالکثرة ها هنا الکثرة العرفیة بالنسبة إلی الأوانی والحیاض التی تسقی منها الدواب ، وهی تقصر عن الکر غالبا (7). والله أعلم.

قوله : وأما ماء البئر.

عرفه شیخنا الشهید - رحمه الله - فی شرح الإرشاد بأنه مجمع ماء نابع من الأرض

- ماء البئر

ص: 52


1- نقله عنه فی المختلف : (3).
2- المختلف : (4).
3- بدل ما بین القوسین فی « ح » : وهو فی غایة القوة لکن بعد صحة المستند.
4- المقنعة : (9).
5- کما فی المراسم : (36).
6- الوسائل ( 1 : 112 ) أبواب الماء المطلق ب (8).
7- المنتهی ( 1 : 9 ).

وهل ینجّس بالملاقاة؟ فیه تردّد ، والأظهر التنجیس.

______________________________________________________

لا یتعداها غالبا ولا یخرج عن مسماها عرفا (1).

قیل : والقید الأخیر موجب لإجمال التعریف ، لأن العرف الواقع لا یظهر أی عرف هو ، أعرف زمانه صلی الله علیه و آله أم عرف غیره. وعلی الثانی فیراد العرف العام أو الأعم منه ومن الخاص ، مع أنه یشکل إرادة عرف غیره صلی الله علیه و آله ، وإلاّ لزم تغیّر الحکم بتغیر التسمیة فیثبت فی العین حکم البئر إذا سمیت باسمه ، وبطلانه ظاهر (2).

قلنا : قد ثبت فی الأصول أنّ الواجب حمل الخطاب علی الحقیقة الشرعیة إن ثبتت ، وإلاّ فعلی عرف زمانهم علیهم السلام خاصة إن علم ، وإن لم یعلم فعلی الحقیقة اللغویة إن ثبتت ، وإلاّ فعلی العرف العام ، إذ الأصل عدم تقدم وضع سابق علیه وعدم النقل عنه. ولما لم یثبت فی هذه المسألة شی ء من الحقائق الثلاثة المتقدمة وجب الحمل علی الحقیقة العرفیة العامة فی غیر ما علم عدم إطلاق ذلک اللفظ علیه فی عرف زمانهم علیهم السلام .

ومنه یعلم عدم تعلق الأحکام بالآبار الغیر النابعة کما فی بلاد الشام ، والجاریة تحت الأرض کما فی المشهد المشرف الغروی علی ساکنه السلام ، وعدم تغیر الحکم بتغیر التسمیة فتأمل.

قوله : وهل ینجس بالملاقاة؟ فیه تردد ، والأظهر التنجیس.

أجمع علماء الإسلام کافة علی نجاسة ماء البئر بتغیر أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة. واختلف علماؤنا فی نجاسته بالملاقاة علی أقوال :

عدم نجاسة البئر بملاقاة النجاسة

ص: 53


1- نقله عنه فی روض الجنان : (143).
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 10 ).

______________________________________________________

أحدها ، وهو المشهور بینهم - علی ما نقله جماعة (1) - : النجاسة مطلقا.

وثانیها : الطهارة واستحباب النزح ، ذهب إلیه من المتقدمین الحسن بن أبی عقیل (2) ، والشیخ رحمه الله (3) ، وشیخه الحسین بن عبید الله الغضائری ، والعلامة (4) ، وشیخه مفید الدین بن جهم (5) ، وولده فخر المحققین (6) ، وإلیه ذهب عامة المتأخرین (7).

وثالثها : الطهارة ووجوب النزح تعبدا ، ذهب إلیه العلامة فی المنتهی صریحا (8) ، والشیخ - رحمه الله - فی التهذیب فی ظاهر کلامه ، فإنه قال : لا یجب إعادة ما استعمله فیه من الوضوء والغسل وغسل الثیاب وإن کان لا یجوز استعماله إلاّ بعد تطهیره (9). وحمل کلامه علی ما ذکرناه مع تأویل بعضه أولی من إبقائه علی ظاهره وحمله علی القول بالنجاسة وعدم وجوب الإعادة کما ذکره جدی - قدس سره - فی الرسالة (10) ، فإنه بعید جدا.

ورابعها : الطهارة إن بلغ ماؤه کرا والنجاسة بدونه ، ذهب إلیه الشیخ أبو الحسن

ص: 54


1- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 10 ) ، والشهید فی الذکری : (9).
2- نقله عنه فی المختلف : (4).
3- التهذیب ( 1 : 232 ).
4- تحریر الأحکام : (4) ، نهایة الأحکام ( 1 : 235 ).
5- نقله عنه فی روض الجنان : (144).
6- إیضاح الفوائد ( 1 : 17 ).
7- منهم الفاضل المقداد فی التنقیح ( 1 : 44 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).
8- المنتهی ( 1 : 12 ).
9- التهذیب ( 1 : 232 ).
10- رسائل الشهید الثانی : ( 2 ، 5 ).

______________________________________________________

محمد بن محمد البصروی من المتقدمین (1) ، وهو لازم للعلامة - رحمه الله - لأنه یعتبر الکریة فی مطلق الجاری (2) ، والبئر من أنواعه.

وأرجح الأقوال عندنا هو القول بالطهارة ، ویدل علیه - مضافا إلی الأصل والعمومات الدالة علی عدم انفعال الماء بالملاقاة مطلقا ، أو مع الکریة - روایات :

الأولی : صحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « ماء البئر واسع لا یفسده شی ء إلاّ أن یتغیر » (3).

وجه الاستدلال : إنه علیه السلام نفی الإفساد عنه بدون التغیر علی وجه العموم فتکون النجاسة منتفیة ، لأنها أقوی أنواع الإفساد ، بل الظاهر أنّ المراد بالإفساد هنا النجاسة کما یقتضیه المقام والوصف بالسعة.

الثانیة : صحیحة أخری له عنه علیه السلام ، قال : « ماء البئر واسع لا یفسده شی ء ، إلاّ أن یتغیر ریحه أو طعمه فینزح حتی یذهب الریح ویطیب طعمه ، لأن له مادة » (4).

وتقریب الاستدلال ما تقدم ، بل نقول : إنه یکفی فی الدلالة علی الطهارة ( اکتفاؤه علیه السلام فی طهارته مع التغیر بنزح ما یذهب الریح ویطیب الطعم ) (5) مطلقا ، فإنه شامل لما یزید مقدّرة علی ذلک (6) ، بل لما یجب له نزح الجمیع ، ولو لا أنه طاهر لوجب

- الروایات الدالة علی الطهارة

ص: 55


1- نقله عنه فی الذکری : (9).
2- کما فی التذکرة ( 1 : 3 ).
3- الکافی ( 3 : 5 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 409 - 1287 ) ، الوسائل ( 1 : 125 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 234 - 676 ) ، الإستبصار ( 1 : 33 - 87 ) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (7).
5- ما بین القوسین لیس فی : « س ، ح ».
6- أی : إنه شامل للنجاسات التی قدّر لها نزح ما یزید مقداره علی النزح المذهب للریح المطیب للطعم.

______________________________________________________

استیفاء المقدّر ونزح الجمیع فیما یجب فیه ذلک قطعا.

وأجاب عنها الشیخ - رحمه الله - فی الاستبصار : بأن المعنی أنه لا یفسده شی ء إفسادا لا یجوز الانتفاع بشی ء منه إلاّ بعد نزح جمیعه ، إلاّ ما یغیره ، فأما ما لم یتغیر فإنه ینزح منه مقدار وینتفع بالباقی (1). هذا لفظه.

ویرد علیه أنّ عدم جواز الانتفاع بشی ء منه یتحقق مع عدم التغیر أیضا فی کثیر من النجاسات عند القائلین بالتنجیس ، کما أنه قد یجوز الانتفاع ( بالبعض ) (2) مع التغیر فی بعض آخر ، فإطلاق القول بعدم جواز الانتفاع بشی ء منه مع التغیر ، وجوازه مطلقا بدونه ، غیر مستقیم.

قال بعض الفضلاء : ویتوجه علیه أنّ دلالة هذا الخبر علی عدم نجاسته بشی ء من قبیل دلالة اللفظ بعمومه ، ودلالة ما دل علی نجاسته بأشیاء مخصوصة خاص ، والخاص مقدم ، وأیضا فإنّ الحصر المستفاد منه متروک الظاهر ، للقطع بنجاسة الماء مطلقا بتغیر لونه (3).

وأقول : إن ما ادعاه من وجود الأدلة الخاصة علی نجاسته بأشیاء مخصوصة لم نقف علیه ، ولعله أشار بذلک إلی الروایات المتضمنة للأمر بالنزح لوقوع الأعیان المخصوصة فیه (4) ، وهو لا یدل علی النجاسة بشی ء من الدلالات ، لأن النزح لا ینحصر وجهه فی ذلک ، بل من الجائز أن یکون لطیبة الماء ، وزوال النفرة الحاصلة من وقوع تلک الأعیان

ص: 56


1- الاستبصار ( 1 : 33 ) ذ. ح 1. .
2- لیست فی : « س ».
3- لعله الحسن فی المعالم : (33).
4- الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب ( 15 - 22 ).

______________________________________________________

فیه ، وعلیه یحمل إسناد التطهیر إلی النزح فی روایة علی بن یقطین ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (1).

وأما ما ذکره من أن ظاهره متروک للقطع بنجاسته بتغیر لونه فیمکن الجواب عنه أولا : بأن تغیر اللون مقتض لتغیر الطعم ، ومع ثبوت الملازمة ینتفی المحذور ، أو یقال : إنه إذا ثبتت نجاسة الماء بتغیر طعمه أو ریحه وجب القطع بنجاسته بتغیر لونه ، لأنه أظهر فی الانفعال.

وثانیا : بأنا لم نقف فی روایات الأصحاب علی ما یدل علی نجاسة الماء بتغیر لونه ، وإنما الموجود فیها نجاسته بتغیر ریحه أو طعمه ، کما ورد فی صحیحتی أبی خالد القماط (2) ، وحریز بن عبد الله (3) ، عن الصادق علیه السلام ، وما تضمن ذلک عامی مرسل (4) ، فإن لم یثبت ما ذکرناه من الملازمة أو الأولویة أمکن المناقشة فی هذا الحکم ، ومع ذلک کله فغایة الأمر أنه عام مخصوص ، والعام المخصوص حجة فی الباقی کما ثبت فی الأصول.

الثالثة : صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن بئر ماء وقع فیها زنبیل من عذرة رطبة أو یابسة ، أو زنبیل من سرقین ، أیصلح الوضوء منها؟ قال : « لا بأس » (5).

ص: 57


1- فی ص (60).
2- التهذیب ( 1 : 40 - 112 ) ، الإستبصار ( 1 : 9 - 10 ) ، الوسائل ( 1 : 103 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 4 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 216 - 625 ) ، الإستبصار ( 1 : 12 - 19 ) ، الوسائل ( 1 : 102 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (1).
4- غوالی اللآلی ( 3 : 9 - 6 ).
5- التهذیب ( 1 : 246 - 709 ) ، الاستبصار ( 1 : 42 - 118 ) ، قرب الإسناد : (84) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (8).

______________________________________________________

وأجاب عنها القائلون بالنجاسة : بأنّ العذرة والسرقین أعم من النجس فلا یدل علیه ، إذ العام لا یدل علی الخاص. وبأنّ السؤال وقع عن الزنبیل المشتمل علیهما ، ووقوعه فی البئر لا یستلزم إصابتهما الماء ، وإنما المتحقق إصابة الزنبیل خاصة. وبإمکان أن یراد : لا بأس بعد نزح الخمسین.

ولا یخفی ما فی هذه الأجوبة من البعد والمخالفة للظاهر ، لأن العذرة لغة وعرفا : فضلة الإنسان ، والسرقین وإن کان أعم منه إلاّ أنّ المراد به هنا النجس ، لأن الفقیه لا یسأل عن الطاهر. ولأن وقوع الزنبیل فی البئر یستلزم وصول ما فیه إلیها عادة. ولأن إرادة نفی البأس مع نزح المقدر ممتنع شرعا ، لما فیه من تأخیر البیان عن وقت الحاجة بل الألغاز المنافی للحکمة کما هو ظاهر.

الرابعة : صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال ، سمعته یقول : « لا یغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع فی البئر إلاّ أن ینتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر » (1).

أجاب عنها المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : بأن فی الطریق حمادا وهو مشترک بین الثقة والضعیف. وبأن لفظ البئر یقع علی النابعة والغدیر فیجوز أن یکون السؤال عن بئر ماؤها محقون (2).

وهما ضعیفان :

أما الأول : فللقطع بأن حمادا هذا هو ابن عیسی الثقة الصدوق ، لروایة الحسین بن سعید عنه وروایته عن ابن عمار ، وهذا السند متکرر فی کتب الأحادیث مع التصریح

ص: 58


1- التهذیب ( 1 : 232 - 670 ) ، الإستبصار ( 1 : 30 - 80 ) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (10).
2- المعتبر ( 1 : 57 ).

______________________________________________________

بأنه ابن عیسی علی وجه ( تسکن النفس إلی تعیّنه ) (1) کما یظهر للمتتبع.

وأما الثانی. فلأن البئر حقیقة فی النابعة ولهذا حملت الأحکام کلها علیها ، واللفظ إنما یحمل علی حقیقته لا علی مجازه.

الخامسة : صحیحة أخری لمعاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام : فی الفأرة تقع فی البئر فیتوضأ الرجل منها ویصلی وهو لا یعلم أیعید الصلاة ویغسل ثوبه؟ فقال : « لا یعید الصلاة ولا یغسل ثوبه » (2) والظاهر أنّ المراد بالفأرة المیتة کما یقتضیه التقیید بقوله : وهو لا یعلم.

السادسة : صحیحة أبی أسامة وأبی یوسف یعقوب بن عیثم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا وقع فی البئر الطیر والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء » قلنا : فما تقول فی صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثیابنا؟ فقال : « لا بأس به » (3).

احتج القائلون بالنجاسة (4) بصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : کتبت إلی رجل أسأله أن یسأل أبا الحسن الرضا علیه السلام عن البئر تکون فی المنزل للوضوء ، فتقطر فیها قطرات من بول أو دم ، أو یسقط فیها شی ء من عذرة کالبعرة ونحوها ، ما الذی یطهّرها حتی یحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع علیه السلام بخطه فی کتابی : « ینزح منها دلاء » (5) وهی فی قوة قوله : طهرها بأن ینزح منها دلاء ، لیتطابق السؤال

- الروایات التی استدل بها علی النجاسة وردها

ص: 59


1- بدل ما بین القوسین فی « م ، س » : لا یحصل شک فی أنه المراد مع الشک.
2- التهذیب ( 1 : 233 - 671 ) ، الإستبصار ( 1 : 31 - 81 ) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (9).
3- التهذیب ( 1 : 233 - 674 ) ، الإستبصار ( 1 : 31 - 84 ) ، الوسائل ( 1 : 128 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (12).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 54 ، 55 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (9).
5- الکافی ( 3 : 5 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 244 - 705 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 124 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (21).

______________________________________________________

والجواب ، وطهرها بالنزح یقتضی نجاستها قبله ، حذرا من لزوم اجتماع الأمثال أو تحصیل الحاصل.

وصحیحة علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی بن جعفر علیهماالسلام ، قال : سألته عن البئر یقع فیها الدجاجة ، والحمامة ، أو الفأرة ، أو الکلب ، أو الهرة؟ فقال : « یجزیک أن تنزح منها دلاء ، فإن ذلک یطهرها إن شاء الله تعالی » (1) والتقریب ما تقدم.

وصحیحة عبد الله بن أبی یعفور ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إذا أتیت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شیئا تغرف به فتیمم بالصعید ، فإنّ رب الماء رب الصعید ، ولا تقع فی البئر ولا تفسد علی القوم ماءهم » (2) والاستدلال به من وجهین :

أحدهما : الأمر بالتیمم ، فإنه مشروط بفقد الماء الطاهر ، فلا یکون الماء طاهرا بتقدیر وقوعه فیه واغتساله منه.

وثانیهما : النهی عن إفساد الماء والوقوع فیه ، والمفهوم من الإفساد هنا النجاسة کما اعترف به الخصم فی أخبار الطهارة.

ویمکن الجواب عن هذه الأخبار من حیث الجملة ومن حیث التفصیل :

أما الأول : فبأنّ هذه الأخبار وإن سلم دلالتها بحسب الظاهر علی النجاسة لکنها معارضة بالأخبار المستفیضة الدالة علی الطهارة (3) ، والترجیح فی جانبها بالکثرة ، وموافقة الأصل ، وعمومات الکتاب والسنة.

وأما الثانی : فیجوز حمل الطهارة فی الخبرین الأولین علی المعنی اللغوی - وإن سلم

ص: 60


1- التهذیب ( 1 : 237 - 686 ) ، الإستبصار ( 1 : 37 - 101 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (2) بتفاوت یسیر.
2- الکافی ( 3 : 65 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 149 - 426 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 - 435 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (22) بتفاوت یسیر.
3- المتقدمة فی ص (55).

______________________________________________________

أنه مجاز شرعی - جمعا بین الأدلة ، وأیضا فإن ظاهرهما متروک عند القائلین بالنجاسة ، وذلک مما یضعّف الاستدلال بهما.

وأما خبر ابن أبی یعفور فلا دلالة له علی النجاسة بوجه ، لأن الأمر بالتیمم لا ینحصر وجهه فی نجاسة الماء إذ من الجائز أن یکون لتغیر الماء وفساده علی الشارب بنزول الجنب فیه ، وعلیه یحمل النهی الواقع فی الخبر.

فإن قلت : إنه قد ورد الإفساد فی أخبار الفریقین ، فمهما اعترض أحدهما فهو جواب الآخر.

قلت : الفرق بین المقامین ظاهر ، فإن الإفساد فی أخبار الطهارة وقع نکرة فی سیاق النفی فیعم ، وأما فی هذا الخبر فلا عموم فیه أصلا کما هو واضح ، وسیأتی لهذا البحث تتمة إن شاء الله تعالی.

احتج الموجبون للنزح خاصة (1) : بالأوامر الدالة علیه ، وهی حقیقة فی الوجوب ، کما ثبت فی الأصول.

وجوابه : المعارضة بصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع الدالة علی الاکتفاء فی الطهارة بنزح ما یزیل التغیر خاصة (2). مع أنّ الأخبار الواردة بالنزح متعارضة جدا علی وجه یشکل الجمع بینها والتوفیق بین متنافیاتها ، وأکثرها ضعیف السند مجمل الدلالة ، وعندی أنّ ذلک کله قرینة الاستحباب ، وأنّ النزح إنما هو لطیبة الماء وزوال النفرة الحاصلة من وقوع تلک الأعیان المستخبثة فیها خاصة.

وحجة القول الرابع وجوابها یعلم من مسألة اشتراط کریة الجاری وعدمه ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

- أدلة الموجبون للنزح

ص: 61


1- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 55 ) ، والشهید الأوّل فی الذکری : (9).
2- المتقدمة فی ص (55).

وطریق تطهیره : بنزح جمیعه إن وقع فیها مسکر

______________________________________________________

قوله : وطریق تطهیره بنزح جمیعه إن وقع فیها مسکر.

المراد بالمسکر هنا ما کان مائعا بالأصالة. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین قلیل المسکر وکثیره ، وبه صرح المتأخرون (1) ، واحتج علیه فی المختلف (2) بصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی البئر یبول فیه الصبی أو یصب فیها بول أو خمر فقال : « ینزح الماء کله » (3).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن سقط فی البئر دابة صغیرة ، أو نزل فیها جنب نزح منها سبع دلاء ، فإن مات فیها ثور أو نحوه ، أو صب فیها خمر نزح الماء کله » (4).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سقط فی البئر شی ء صغیر فمات فیها فانزح منها دلاء ، قال : فإن وقع فیها جنب فانزح منها سبع دلاء ، وإن مات فیها بعیر أو صب فیها خمر فلینزح » (5).

وفیه نظر ، فإنّ هذه الأخبار کلها واردة بلفظ الصب وهو یؤذن بالغلبة والکثرة ، مع أنها مخالفة لما علیه الأصحاب فی حکم البول وموت الدابة الصغیرة وغیر ذلک ، وتأویلها بما یوافق المشهور بعید جدا.

منزوحات البئر

ما ینزح لوقوع المسکر فیه

ص: 62


1- منهم العلامة فی المختلف : (6) ، والشهید الأول فی الذکری : (10) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (147).
2- المختلف : (6).
3- التهذیب ( 1 : 241 - 696 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 94 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 241 - 695 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 93 ) ، الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6).

______________________________________________________

ونقل عن ابن بابویه - رحمه الله - فی المقنع أنه أوجب فی القطرة من الخمر عشرین دلوا (1). وربما کان مستنده روایة زرارة ، عن الصادق علیه السلام : فی بئر قطر فیها قطرة دم أو خمر ، قال : « الدم والخمر والمیت ولحم الخنزیر فی ذلک کله واحد ینزح منها عشرون دلوا ، فإن غلبت الریح نزحت حتی تطیب » (2) وهی قاصرة من حیث السند ، لجهالة بعض رجالها (3) فلا یسوغ العمل بها ، وأیضا فإن ظاهرها الاکتفاء بالعشرین فی الخمر وما معه مطلقا ، ولا قائل به.

وبالجملة فالفرق بین قلیل الخمر وکثیره متجه ، إلاّ أنّ مقدار النزح فی القلیل غیر معلوم ، ولا یبعد إلحاقه بغیر المنصوص إن قلنا بنجاسة الخمر ، وإلاّ لم یجب فی القلیل شی ء ، وکان الکلام فی الکثیر کما فی اغتسال الجنب.

واعلم أنّ النصوص إنما تضمنت نزح الجمیع فی الخمر (4) ، إلاّ أنّ معظم الأصحاب لم یفرقوا بینه وبین سائر المسکرات فی هذا الحکم (5) ، واحتجوا علیه بإطلاق الخمر فی کثیر من الأخبار علی کل مسکر فیثبت له حکمه. وفیه بحث ، فإن الإطلاق أعم من الحقیقة ، والمجاز خیر من الاشتراک ، ومن ثم توقف فیه المصنف - رحمه الله - فی النافع حیث أسنده إلی الثلاثة (6) ، وهو فی محله.

ص: 63


1- المقنع : (11).
2- التهذیب ( 1 : 241 - 697 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 96 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (3).
3- المراد بهذا البعض هو : نوح بن شعیب الخراسانی إذ لم یذکر فی کتب الرجال.
4- المتقدمة فی ص (62).
5- منهم المحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 58 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (10) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (147).
6- المختصر النافع : (2). والثلاثة هم : الشیخ المفید والشیخ الطوسی والسید المرتضی.

أو فقاع

______________________________________________________

قوله : أو فقاع.

قال فی القاموس : الفقاع کرمان ، هذا الذی یشرب ، سمّی بذلک لما یرتفع فی رأسه من الزبد (1). وذکر المرتضی - رحمه الله - فی الانتصار : أن الفقاع هو الشراب المتخذ من الشعیر (2). وینبغی الرجوع فیه إلی العرف لأنه المحکم فی مثله إذا لم یعلم إطلاقه علی ما علم حله وطهارته کماء الزبیب الذی لم یتغیر عن حقیقته مثلا ، لأن تسمیة ما علم حله بذلک لا یقتضی تنجیسه.

وهذا الحکم أعنی نزح الجمیع للفقاع ذکره الشیخ (3) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (4) ، قال فی المعتبر : ولم أقف علی حدیث یدل بنطقه علیه ، ویمکن أن یحتج لذلک بأنّ الفقاع خمر فیکون له حکمه (5) ، أما الثانیة (6) فظاهرة ، وأما الأولی (7) فلقول الصادق علیه السلام فی روایة هشام بن الحکم وقد سأله عن الفقاع : « إنه خمر مجهول » (8) وقول الکاظم علیه السلام : « هو خمرة استصغرها الناس » (9). ویتوجه علیه ما سبق من أنّ الإطلاق أعم من الحقیقة.

ما ینزح لوقوع الفقاع فیه

ص: 64


1- القاموس المحیط ( 3 : 66 ).
2- الانتصار : (199).
3- کما فی المبسوط ( 1 : 11 ) ، والنهایة : (6).
4- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 21 ) ، وابن زهرة فی الغنیة : ( الجوامع الفقهیة ) : (552) ، وابن إدریس فی السرائر : (10).
5- المعتبر ( 1 : 58 ).
6- المراد بالثانیة : هی الدعوی الثانیة ونتیجة الاحتجاج ، وهی أنّ للفقاع حکم الخمر.
7- المراد بالأولی : هی الدعوی الاولی والصغری فی الاحتجاج ، وهی أنّ الفقاع خمر.
8- الکافی ( 3 : 407 - 15 ) ، التهذیب ( 1 : 282 - 828 ) ، الإستبصار ( 4 : 96 - 373 ) ، الوسائل ( 2 : 1055 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (5).
9- الکافی ( 6 : 423 - 9 ) ، التهذیب ( 9 : 125 - 540 ) ، الإستبصار ( 4 : 95 - 369 ) ، الوسائل ( 17 : 292 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (28) ح (1). فی جمیع المصادر : هی خمیرة.

أو منیّ أو أحد الدماء الثلاثة علی قول مشهور ،

______________________________________________________

ولا یلحق به العصیر العنبی بعد اشتداده وقبل ذهاب ثلثیه قطعا ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

قوله : أو منیّ.

الأجود إلحاق المنی بما لا نص فیه ، لتصریح جماعة من علمائنا المتقدمین (1) والمتأخرین (2) بأنه لم یرد فیه مقدّر شرعی. والمنی بإطلاقه متناول لمنی الإنسان وغیره مما له نفس سائلة ، وربما قیل باختصاصه بمنی الإنسان وأن غیره ملحق بما لا نص فیه ، وقد عرفت أنّ النوعین (3) من هذا الباب.

قوله : أو أحد الدماء الثلاثة علی قول مشهور.

القول للشیخ (4) - رحمه الله - ومن تبعه من المتأخرین (5) ، وقد اعترف جماعة من الأصحاب بأنه لم یرد فی هذه الدماء نص علی الخصوص (6).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بعد أن عزی ذلک إلی الشیخ - رحمه الله - وأتباعه ، واعترف بعدم الوقوف علی نص فی ذلک : ولعل الشیخ نظر إلی اختصاص دم الحیض بوجوب إزالة قلیله وکثیره عن الثوب فغلّظ حکمه فی البئر ، وألحق به الدمین

ما ینزح لوقوع المنی أو أحد الدماء الثلاثة فیه

ص: 65


1- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 21 ) وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (552) وابن إدریس فی السرائر : (10).
2- منهم المحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 59 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (147).
3- یعنی : منی الإنسان ومنی غیره.
4- المبسوط ( 1 : 11 ) ، والاقتصاد : (253) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (170).
5- منهم العلامة فی نهایة الأحکام ( 1 : 259 ) ، والمحقق الثانی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ) ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 35 ).
6- منهم العلامة فی المختلف : (6) ، والسیوری فی التنقیح الرائع ( 1 : 48 ) ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 36 ).

أو مات فیها بعیر.

______________________________________________________

الأخیرین ، لکن هذا التعلق (1) ضعیف ، فالأصل أن حکمه حکم بقیة الدماء ، عملا بالأحادیث المطلقة (2).

وما ذکره من ضعف التعلیل بهذا التوجیه حسن ، وتسویته بین هذه الدماء وبین غیرها متجه ، إلاّ أنّ فی ثبوت ما ذکره من ورود الأحادیث المطلقة لحکم الدماء نظرا ، وسیجی ء تمام تحقیق ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : أو مات فیها بعیر.

قیل : هو من الإبل بمنزلة الإنسان یشمل الذکر والأنثی والصغیر والکبیر. وینبغی الرجوع فیه إلی العرف ، لأنه المحکم فی مثله.

والحکم بنزح الجمیع فی موت البعیر مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه روایات کثیرة :

منها : صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وإن مات فیها بعیر أو صب فیها خمر فلینزح » (3).

والأظهر إلحاق الثور والبقرة به ، لصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وإن مات فیها ثور أو نحوه ، أو صب فیها خمر ینزح الماء کله » (4).

ونقل عن ابن إدریس - رحمه الله - أنه اکتفی فی الثور بکرّ (5) ، وعن الشیخین (6)

ما ینزح لموت البعیر فیه

ص: 66


1- فی « ح » : التعلیل.
2- المعتبر ( 1 : 59 ).
3- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6). مع اختلاف یسیر.
4- التهذیب ( 1 : 241 - 695 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 93 ) ، الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (1). بتفاوت یسیر.
5- السرائر : (10).
6- المفید فی المقنعة : (9) والشیخ فی المبسوط ( 1 : 11 ) ، والنهایة : (6).

فإن تعذر استیعاب مائها تراوح علیها أربعة رجال ، کل اثنین دفعة یوما إلی اللیل.

______________________________________________________

وأتباعهما (1) أنهم أوجبوا فی البقرة کرا ولم یتعرضوا للثور ، قال فی المعتبر : ونحن نطالبهم بدلیل ذلک (2).

قوله : فإن تعذر استیعاب مائها تراوح علیها ، أربعة رجال ، کل اثنین دفعة یوما إلی اللیل.

التراوح : تفاعل من الراحة ، لأن کل اثنین یریحان صاحبیهما.

وهذا الحکم - أعنی إجزاء التراوح مع تعذر نزح الجمیع - ذکره الشیخان وأتباعهما (3) ، واستدلوا علیه بروایة عمار الساباطی ، عن الصادق علیه السلام ، وهی طویلة قال فی آخرها : وسئل عن بئر وقع فیها کلب ، أو فأرة ، أو خنزیر ، قال : « تنزف کلها ، فإن غلب علیه الماء فلتنزف یوما إلی اللیل ، ثم یقام علیها قوم یتراوحون اثنین اثنین فینزفون یوما إلی اللیل وقد طهرت » (4).

والروایة ضعیفة السند (5) ، متروکة الظاهر ، متهافتة المتن ، ومع ذلک فموردها أعیان مخصوصة فلا تصلح مستندا لإثبات الحکم علی وجه العموم.

قال المصنف فی المعتبر : وهذه وإن ضعف سندها فالاعتبار یؤیدها من وجهین :

أحدهما : عمل الأصحاب علی روایة عمار لثقته حتی أنّ الشیخ - رحمه الله - ادعی

ص: 67


1- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 21 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
2- المعتبر ( 1 : 61 ).
3- (3) العناوین المتقدمة فی ص (66) هامش (6) وهامش (1) من هذه الصفحة
4- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 1 : 143 ) أبواب الماء المطلق ب (23) ح (1).
5- لعل وجه الضعف هو اشتمالها علی بعض الفطحیة هم ابن فضال وعمرو بن سعید ومصدق بن صدقة وعمار الساباطی.

______________________________________________________

فی العدة إجماع الإمامیة علی العمل بروایته وروایة أمثاله ممن عدّدهم (1).

الثانی : إنه إذا وجب نزح الماء کله وتعذر فالتعطیل غیر جائز ، والاقتصار علی نزح البعض تحکم ، والنزح یوما یتحقق معه زوال ما کان فی البئر ، فیکون العمل به لازما (2). هذا کلامه - رحمه الله - وللنظر فیه مجال ، لکن قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فی هذا الحکم مخالفا من القائلین بالتنجیس (3).

وتنقیح المقام یتم ببیان أمور :

الأول : صرح جماعة من الأصحاب بأنّ المراد بالیوم هنا : یوم الصوم (4) ، ویحتمل الاکتفاء فیه من أوله بما ینصرف إلیه الإطلاق فی الإجارة والنذر ونحوهما.

الثانی : قیل إنه یستثنی لهم الأکل جمیعا ، والصلاة جماعة (5). ولا بأس به لقضاء العرف بذلک.

الثالث : المشهور أنه لا یجزئ فی النزح غیر الرجال ، من النساء والصبیان والخناثی ، لاختصاص القوم بالرجال ، واجتزأ بهم بعض الأصحاب (6) ، وهو حسن مع عدم قصور نزحهم عن نزح الرجال.

الرابع : الظاهر إجزاء ما فوق الأربعة ما لم یتصور بطء بالکثرة ، مع احتماله مطلقا ، لإطلاق النص ، لا أخذا من باب مفهوم الموافقة کما ذکره فی الذکری (7).

ص: 68


1- عدة الأصول ( 1 : 181 ).
2- المعتبر ( 1 : 60 ).
3- المنتهی ( 1 : 12 ).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 60 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 12 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).
5- کما فی الذکری : (10) ، وجامع المقاصد ( 1 : 12 ).
6- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 12 ).
7- الذکری : (10).

وبنزح کرّ إن مات فیها دابة

______________________________________________________

الخامس : المشهور أنه لا یجزئ نزح ما دون الأربعة ، فإن أقل عدد ینقسم اثنین اثنین هو الأربعة. واستقرب العلامة - رحمه الله - فی المنتهی الإجزاء إن علم مساواة نزحهم لنزح الأربعة (1) ، وهو قریب.

السادس : ذکر جدی - قدس سره - فی روض الجنان : أنّ أحد المتراوحین یکون فوق البئر یمتح (2) بالدلو والآخر فیها یملؤه (3). ومقتضی کلامه أنه مع عدم الحاجة إلی ذلک یکفی الواحد ، ولا أعرف مأخذه. والأولی أن یکونا معا فوق البئر یمتحان بالدلو کما هو المتعارف.

قوله : وبنزح کرّ إن مات فیها دابة.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ولم أقف له علی مستند ، والذی وقفت علیه فی ذلک صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم وبرید بن معاویة العجلی ، عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهماالسلام ، فی البئر یقع فیها الفأرة والدابة والکلب والطیر فیموت قال : « یخرج ، ثم ینزح من البئر دلاء ، ثم اشرب وتوضأ » (4).

ویندرج فی الدابة : البغل والفرس وغیرهما ، وقرّب المصنف - رحمه الله - فی المعتبر إلحاق الفرس بما لا نصّ فیه (5) ، وهو مشکل للقطع بدخولها فی مفهوم الدابة سواء قلنا : أنها ما یدب علی الأرض ، أو ذات الحوافر ، أو ما یرکب.

واعلم أنّ العلامة فی المنتهی حاول الاستدلال بهذه الروایة علی ما هو المشهور بین

ما ینزح لموت الدابة فیه

کلام للعلامة

ص: 69


1- المنتهی ( 1 : 13 ).
2- الماتح : المستقی ، وکذلک المتوح. تقول : متح الماء یمتحه متحا ، إذا نزعه ( الصحاح 1 : 403 ).
3- روض الجنان : (148).
4- التهذیب ( 1 : 236 - 682 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 99 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (5) بتفاوت یسیر.
5- المعتبر ( 1 : 62 ).

______________________________________________________

الأصحاب من نزح الکر للفرس والبقرة ، فقال بعد نقلها : قال صاحب الصحاح : الدابة اسم لکل ما یدب علی الأرض ، والدابة اسم لکل ما یرکب (1) ، فنقول : لا یمکن حمله علی المعنی الأول وإلا لعم وهو باطل لما یأتی فیجب حمله علی الثانی ، فنقول : الألف واللام فی الدابة لیست للعهد ، لعدم سبق معهود یرجع إلیه ، فإما أن تکون للعموم کما ذهب إلیه الجبائیان ، أو لتعریف الماهیة علی المذهب الحق ، وعلی التقدیرین یلزم العموم فی کل مرکوب ، أما الأول فظاهر ، وأما الثانی فلأن تعلیق الحکم علی الماهیة یستدعی ثبوته فی جمیع صور وجودها وإلا لم تکن علة ، هذا خلف ، وإذا ثبت العموم دخل فیه الحمار والفرس والبغال والإبل والبقر نادرا ، غیر أنّ الإبل والثور خرجا بما دلّ بمنطوقه علی نزح الجمیع فیکون الحکم ثابتا فی الباقی.

فإن قلت : یلزم التسویة بین ما عدّده الإمامان علیهماالسلام .

قلت : خرج ما استثنی بدلیل منفصل فیبقی الباقی لعدم المعارض ، وأیضا المساواة حاصلة من حیث الحکم بوجوب نزح الدلاء وإن افترقت بالقلة والکثرة ، وهذا شی ء لم یتعرضا له علیهماالسلام . إلا أنّ لقائل أن یقول : ما ذکرتموه لا یدل علی بلوغ الکریة.

ویمکن التمحّل بأن تحمل الدلاء علی ما یبلغ الکر ، جمعا بین المطلق والمقید ، خصوصا مع الإتیان بصیغة جمع الکثرة.

لا یقال : إن حمل الجمع علی الکثرة استحال إرادة القلة منه وإلا لزم الجمع بین إرادتی الحقیقة والمجاز ، وإن حمل علی القلة فکذلک.

لأنا نقول : لا نسلّم استحالة الثانی ، سلمناه لکن إن حمل علی إرادة معناه المجازی وهو مطلق الجمع لم یلزم ما ذکرتم ، علی أنّ لنا فی کون الصیغ المذکورة حقائق أو مجازات فی القلة والکثرة نظر (2). انتهی کلامه.

ص: 70


1- الصحاح ( 1 : 124 ).
2- المنتهی ( 1 : 13 ).

______________________________________________________

وفیه نظر من وجوه :

الأول :

مقتضی کلامه - رحمه الله - أنّ الدابة حقیقة فیما یرکب ، حیث حمل النص علیه ، وهو غیر واضح ، وکلام الجوهری لا یدل علیه ، فإن الإطلاق أعم من الحقیقة والمجاز ، وقد صرح بعض محققی أهل اللغة بأن أکثر اللغات مجازات ، مع أنه قد اشتهر أنّ الدّابة منقولة عرفا إلی ذات القوائم الأربع من الخیل والبغال والحمیر. وذکر جماعة أنها مختصة بالفرس (1).

سلمنا أنها حقیقة فیما ذکره ، لکن البقر إنما یرکب نادرا - کما اعترف به - والألفاظ إنما تحمل علی المعنی المتعارف منها لا النادر الغیر المشهور.

الثانی :

قوله - فی الاستدلال علی إفادة الألف واللام العموم علی التقدیر الثانی - : إن تعلیق الحکم علی الماهیة یستدعی وجوده فی جمیع صور وجودها وإلاّ لم تکن علة.

قلنا : تعلیق الحکم علی الماهیة لا یقتضی کونها علة فیه ، علی أنه لو تم ما ذکره لاقتضی إفادة المفرد المحلی بلام الجنس العموم مطلقا ، وهو لا یقول به.

الثالث :

قوله ، إن الإبل والثور خرجا بما دلّ بمنطوقه علی نزح الجمیع ، فیکون الحکم ثابتا فی الباقی.

قلنا : الذی دلّ بمنطوقه علی حکم الثور دل بمنطوقه علی حکم مثله (2) ، فإن اقتضی

رد کلام العلامة

ص: 71


1- لم نعثر علیه ولکن قال فی المصباح المنیر ( 1 : 188 ) : وأما تخصیص الفرس والبغل بالدابة عند الإطلاق فعرف طارئ.
2- الروایة التی دلت علی حکم الثور فإن فیها : الثور أو نحوه. وقد تقدمت فی ص : 2. .

______________________________________________________

الإخراج فی أحدهما اقتضاه فی الآخر ، وإلا فلا.

الرابع :

قوله ، خرج ما استثنی بدلیل منفصل فیبقی الباقی لعدم المعارض.

قلنا : الاستثناء والإخراج بدلیل إنما یکون من الألفاظ العامة أو ما فی حکمها ، لأن إطلاق اللفظ وإرادة بعض مدلوله معنی مجازی یصار إلیه بالقرینة ، والأمور المتعددة المدلول علی کل منها بالمطابقة إذا تعلق بها حکم واحد ثبت ذلک الحکم لکل منها علی انفراده نصا ، فإذا وجد ما ینافی ذلک فی بعض المدلولات تعارض الخبران ویصار إلی الترجیح ، لامتناع العمل بهما.

الخامس :

قوله ، وأیضا المساواة حاصلة من حیث الحکم بوجوب نزح الدلاء.

قلنا : هذا الخیال واضح الفساد فإنه لا یکاد یفهم من هذا الإطلاق إلا تساوی الأمور المذکورة فی قدر النزح ، فلو کانت مختلفة فی ذلک لزم الإغراء بالجهل ، والخطاب بما له ظاهر مع إرادة خلاف ظاهره ، وقد ثبت امتناعه فی الأصول.

السادس :

قوله ، ویمکن التمحل بأن تحمل الدلاء علی ما یبلغ الکر ، جمعا بین المطلق والمقید.

قلنا : هذا التمحل واضح الفساد أیضا ، فإن إطلاق لفظ الدلاء وإرادة الکر من غیر زیادة ولا نقصان یکاد أن یلحق بالهذر والهذیان فلا ینبغی أن ینسب إلی سادات الأنام ، وأبواب الملک العلام ، علیهم أفضل الصلاة والسلام ، ومع ذلک کله فالمقید الذی ادّعاه غیر موجود ، ولو ثبت وجوده لکان فیه غنیة عن هذه التمحلات الواهیة والتکلفات الباردة.

ص: 72

أو حمار أو بقرة ،

______________________________________________________

السابع :

قوله ، لا نسلم استحالة الثانی.

قلنا : استحالة الجمع بین المعنی الحقیقی والمجازی علی أن یکون کل منهما موردا للحکم ومناطا للنفی والإثبات مما قد تقرر فی الأصول ، وذلک لأن إرادة المعنی المجازی مشروطة بقیام قرینة مانعة عن إرادة المعنی الحقیقی ، فإرادتهما معا تفضی إلی التناقض ، وفیه بحث.

الثامن :

قوله ، سلمناه لکن إن حمل علی إرادة معناه المجازی وهو مطلق الجمع لم یلزم ما ذکرتم.

قلنا : هذا موقوف علی وجود العلاقة المجوّزة لذلک ، ولیس هنا إلا علاقة الکلیة والجزئیة ، وقد صرح الأصولیون (1) بأنها لا تعتبر مطلقا ، للقطع بامتناع إطلاق الأرض علی مجموع السماء والأرض ، وقد اختلفوا فی الشرط المسوغ لذلک ، وتمام تحقیق المسألة فی الأصول.

قوله : أو حمار أو بقرة.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من وجوب نزح الکر فی موت الحمار والبقرة مذهب الثلاثة (2) وأتباعهم (3) ، ولم نقف لهم فی البقرة علی دلیل کما اعترف به

ص: 73


1- منهم الحسن فی معالم الدین : (33).
2- السید کما نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 61 ) ، والمفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 11 ) ، والنهایة : (6).
3- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 21 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).

______________________________________________________

المصنف (1) - رحمه الله - وغیره (2).

أما الحمار ، فاحتجوا (3) علی وجوب نزح الکر فیه بما رواه الشیخ عن عمرو بن سعید بن هلال ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عما یقع فی البئر ما بین الفأرة والسنور إلی الشاة ففی کل ذلک یقول : « سبع دلاء » حتی بلغت الحمار والجمل فقال : « کر من ماء » (4).

وهذه الروایة بعینها نقلها المصنف فی المعتبر ، وفیها : حتی بلغت الحمار والجمل والبغل ، قال : « کر من ماء » (5).

وفی الاستدلال بها نظر ، أما أولا : فلأن عمرو بن سعید بن هلال لم ینص علیه علماؤنا بمدح ولا قدح (6) ، وذکر فی المختلف أن عمرو بن سعید هذا هو المدائنی الثقة (7). وهو غیر جید ، لأن المدائنی من رجال الرضا علیه السلام (8) ، وهذا کوفی من رجال الصادق علیه السلام علی ما ذکره الشیخ - رحمه الله - فی کتاب الرجال (9). والظاهر أنّ أبا جعفر المروی عنه هنا هو الباقر علیه السلام ، لأن الراوی عن عمرو بن

ما ینزح لموت الحمار أو البقرة فی البئر

ص: 74


1- المعتبر ( 1 : 62 ).
2- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 3 ).
3- منهم الشیخ فی الاستبصار ( 1 : 35 ) ، والمحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 57 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 13 ) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 270 ).
4- التهذیب ( 1 : 235 - 679 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 91 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (5).
5- المعتبر ( 1 : 57 ).
6- ذکره فی رجال الطوسی : (247) فی أصحاب الصادق علیه السلام ، وذکر أنه کوفی ولم یوثقه ، والنجاشی لم یذکره فی کتابه.
7- المختلف : (5).
8- راجع رجال النجاشی : ( 287 - 767 ) ، ومعجم رجال الحدیث : ( 13 : 104 - 8915 ).
9- تقدم فی هامش رقم (6).

وبنزح سبعین إن مات فیها إنسان ،

______________________________________________________

سعید هو عمر بن یزید ، وهو من رجال الصادق علیه السلام (1).

وأما ثانیا : فلأنها مخالفة لما علیه الأصحاب من إیجاب نزح الجمیع للجمل. والعمل ببعض الروایة وإسقاط الباقی غیر معقول. والقول بجواز أن یکون الجواب وقع عن الحمار والبغل دون الجمل فاسد قطعا ، لما فیه من التعمیة وتأخیر البیان عن وقت الحاجة.

والأجود إلحاق البقرة بالثور کما بیّناه فیما سبق ، بل یمکن إلحاق البغل والحمار به أیضا ، لاندراجهما فی لفظ : « ونحوه » الواقع فی الروایة (2). ویمکن الاکتفاء فیهما بالدلاء ، لشمول اسم الدابة لهما فیتناولهما النص الوارد بالدلاء فیها (3). وما أبعد ما بین هذین الوجهین وکل ذلک قرینة الاستحباب.

قوله : وبنزح سبعین إن مات فیها إنسان.

هذا مذهب الأصحاب ، ومستنده روایة عمار الساباطی ، عن الصادق علیه السلام ، وهی طویلة ، قال فیها : « وما سوی ذلک مما یقع فی بئر الماء فیموت فیه فأکبره الإنسان ینزح منها سبعون دلوا » (4) وفی طریقها جماعة من الفطحیة (5) ، لکن ظاهر المعتبر اتفاق الأصحاب علی العمل بمضمونها (6) ، فإن تم فهو الحجة وإلا فللتوقف فی هذا الحکم مجال.

والمشهور بین الأصحاب أنه لا فرق فی ذلک بین المسلم والکافر ، لأن الإنسان جنس معرف باللام ولیس هناک معهود ، وتعریف الحقیقة لیس بمراد ، فتکون للاستغراق ، وهو

ص: 75


1- راجع رجال النجاشی : ( 286 - 763 ) ، ومعجم رجال الحدیث ( 13 : 132 - 9006 ).
2- المتقدمة فی ص : (66) وفیها : أو نحوه.
3- المتقدم فی ص : (69).
4- التهذیب ( 1 : 234 - 678 ) ، الوسائل ( 1 : 141 ) أبواب الماء المطلق ب (21) ح (2).
5- وهم ابن فضال ، وعمر بن سعید المدائنی ، ومصدق بن صدقة ، وعمار الساباطی.
6- المعتبر ( 1 : 62 ).

______________________________________________________

مفید للعموم.

فإن قلت : إنّ إیجاب السبعین لنجاسة الموت لا ینافی إیجاب ما زاد علیها لنجاسة الکفر ، فلا یکون فی الخبر دلالة علی الاکتفاء بالسبعین مطلقا.

قلت : الظاهر من هذه الروایة أن نزح السبعین مقتض لطهارة البئر من موت الإنسان فیها علی وجه لا یحتاج معه إلی شی ء آخر ، فمتی سلّم عمومه علی وجه یتناول الکافر تعیّن الاجتزاء فیه بالسبعین.

وخالف فی ذلک ابن إدریس - رحمه الله - فاشترط الإسلام ، وأوجب فی موت الکافر نزح الجمیع ، واحتج علیه : بأن الکافر نجس فعند ملاقاته للماء حیا یجب له نزح الجمیع ، لأنه لم یرد فیه مقدر ، والموت غیر مطهر ، فلا یزول وجوب نزح الجمیع (1).

وأجاب عنه فی المعتبر بمنع وجوب نزح الجمیع مع وقوعه حیا ، قال : وقوله : إنه لم یرد فیه مقدر منصوص مدفوع بأنّ الإنسان إذا کان متناولا للمسلم والکافر جری مجری النطق بهما ، وإذا ثبت الاکتفاء بالسبعین فی موته فی البئر المقتضی لمباشرته له حیا ومیتا وجب الاکتفاء بها مع مباشرته فی حال الحیاة خاصة بطریق أولی (2).

ومقتضی هذا الاستدلال والجواب : أن محل الخلاف موت الکافر فی البئر ، وظاهر کلام العلامة - رحمه الله - فی المختلف یقتضی أنّ موضع الخلاف وقوعه فی الماء میتا ، فإنه حکی عن ابن إدریس - رحمه الله - الاحتجاج علی ذلک بأنّ الکافر حال حیاته ینزح له الماء أجمع فکذا بعد موته ، لأن الموت یزید نجاسته. ثم أجاب عن ذلک بالمنع من زیادة نجاسته بالموت ، فإن نجاسته إنما کانت بسبب اعتقاده وقد زال فیزول مسببه (3). وهو غیر جید.

ص: 76


1- السرائر : (10).
2- المعتبر ( 1 : 63 ).
3- المختلف : (6).

______________________________________________________

أما أولا : فلأن ذلک مخالف لما هو المفروض فی النص وکلام ابن إدریس وغیره (1) ، فإن موضوع المسألة فی کلامهم موت الإنسان فی البئر ، لا وقوعه فیه میتا ، کما لا یخفی علی من تتبع کلامهم.

وأما ثانیا : فلأن ابن إدریس لم یستدل علی وجوب نزح الجمیع فی هذه الحالة بمفهوم الموافقة لیتوجه علیه ما ذکره من المنع ، وإنما احتج علیه بثبوته فی حال الحیاة ، وعدم اقتضاء الموت التطهیر فلا یزول وجوب نزح الجمیع الثابت قبله. وهو استدلال جید لو سلم انتفاء التقدیر فیه ، وأنّ کل ما کان کذلک وجب فیه نزح الجمیع.

وأما ثالثا : فلأن زوال الاعتقاد المقتضی لنجاسة الکفر لا یقتضی زوال تلک النجاسة الحاصلة منه ، لما حققناه فیما سبق (2) من أنّ کل ما حکم الشارع بنجاسته فیجب الحکم ببقائه علی ذلک ( إلی أن یثبت المطهر له شرعا ، وأن هذا لیس من باب الاستصحاب بل مرجعه إلی الأدلة العامة الدالة علی ذلک فتأمل ) (3).

وفصل المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی شرح القواعد (4) ، وجدی - قدس سره - فی روض الجنان (5) فحکما بالاکتفاء بالسبعین فی الکافر إن وقع فی الماء میتا ، لعموم النص ، وأوجبا نزح الجمیع إن وقع حیا ثم مات ، لثبوت ذلک قبل الموت والموت لا یزیله.

وضعف هذا التفصیل ظاهر ، فإن مورد النص موت الإنسان فی البئر ، وهو ظاهر فی ملاقاته للماء حیا ، فإن سلم شموله للکافر وجب الاکتفاء فیه بالسبعین مطلقا وإلا

ص: 77


1- منهم الشیخ فی النهایة : (6) ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 37 ).
2- تقدم فی ص : (42).
3- ما بین القوسین لیس فی « س ».
4- جامع المقاصد ( 1 : 13 ).
5- روض الجنان : (149).

وبنزح خمسین إن وقعت فیها عذرة فذابت ، والمروی أربعون أو خمسون ،

______________________________________________________

فالجمیع کذلک ، وأما التفصیل فلا وجه له.

قوله : وبنزح خمسین إن وقعت فیها عذرة فذابت ، والمروی أربعون أو خمسون.

المراد بالعذرة : فضلة الإنسان ، وبالذوبان : تفرق أجزائها فی الماء وشیوعها فیه. والقول بوجوب الخمسین فی وقوع العذرة مع الذوبان للثلاثة (1) وأتباعهم (2) ، ولم أقف له علی شاهد. والروایة التی أشار إلیها المصنف هی روایة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن العذرة تقع فی البئر قال : « ینزح منها عشر دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا » (3).

قال فی المختلف : ویمکن أن یقال : إیجاب أحدهما یستلزم إیجاب الأکثر ، لأنه مع الأقل غیر متیقن للبراءة ، وإنما یعلم الخروج عن العهدة بفعل الأکثر (4).

قلت : هذا غیر مستقیم ، فإن التخییر بین الأقل والأکثر یقتضی عدم وجوب الزائد عینا وإلا لم یکن للتخییر معنی ، فیجب أن یحصل یقین بالبراءة بالأقل ویکون الزائد مستحبا.

واعلم : أنّ فی هذه المسألة إشکالا ، لضعف دلیلها بعبد الله بن بحر ، واشتراک أبی بصیر ، مع أنه معارض بصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، إنه

ما ینزح لوقوع العذرة إذا ذابت

ص: 78


1- السید کما نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 65 ) ، والمفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
2- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
3- التهذیب ( 1 : 244 - 702 ) ، الإستبصار ( 1 : 41 - 116 ) ، الوسائل ( 1 : 140 ) أبواب الماء المطلق ب (20) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
4- المختلف : (8).

أو کثیر الدم کذبح الشاة ، والمروی من ثلاثین إلی أربعین ،

______________________________________________________

سأله عن بئر ماء وقع فیها زنبیل من عذرة رطبة أو یابسة أیصلح الوضوء منها؟ قال : « لا بأس » (1) وصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع الدالة علی الاکتفاء فی طهارة البئر من وقوع العذرة فیها بنزح دلاء (2) ، وتقییدهما بهذه الروایة غیر جائز.

وعندی أنّ هذا الاختلاف إنما هو لاستحباب النزح ، واختلاف الآبار فیما تندفع به النفرة الحاصلة من وقوع تلک الأعیان المستخبثة فیها ، وتحصل به طیبة الماء ، باعتبار قلة الماء وکثرته ، وسعة المجری وضیقه ، والله تعالی أعلم.

قوله : أو کثیر الدم کذبح الشاة ، والمروی من ثلاثین إلی أربعین.

القول بوجوب الخمسین للشیخ (3) وأتباعه (4) ، ولم نقف لهم فیه علی مستند.

والروایة التی حکاها المصنف - رحمه الله - هی صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام : فی رجل ذبح شاة فوقعت فی بئر وأوداجها تشخب دما ، قال : « ینزح منها ما بین ثلاثین إلی أربعین ثم یتوضأ منها » (5).

وهل یستوی فی ذلک دم نجس العین وغیره؟ إطلاق الأصحاب یقتضیه ، والظاهر العدم ، لغلظ نجاسته ، واختصاص مورد الخبر بدم ذبح الشاة. بل یمکن تطرق الإشکال إلی غیره من الدماء ، ولا یبعد دخوله فی غیر المنصوص.

ما ینزح لوقوع کثیر الدم کذبح شاة

ص: 79


1- التهذیب ( 1 : 246 - 709 ) ، الإستبصار ( 1 : 42 - 118 ) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (8).
2- الکافی ( 3 : 5 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 244 - 705 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 124 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (21).
3- کما فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
4- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
5- الکافی ( 3 : 6 - 8 ) ، الفقیه ( 1 : 15 - 29 ) ، التهذیب ( 1 : 409 - 1288 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 123 ) ، الوسائل ( 1 : 141 ) أبواب الماء المطلق ب (21) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

وبنزح أربعین إن مات فیها ثعلب أو أرنب أو خنزیر أو سنّور أو کلب وشبهه ،

______________________________________________________

وعلی المشهور فالظاهر أنّ المعتبر فی کثرة الدم وقلته بالنسبة إلیه نفسه.

وقال القطب الراوندی : إن الاعتبار فی ذلک بماء البئر فی الغزارة والنزارة ، فربما کان دم الطیر کثیرا فی بئر یسیرا فی أخری (1). وهو الذی نقله القطب الرازی - رحمه الله - عن العلامة (2) - رحمه الله - وهو اعتبار حسن إلا أنّ النص لا یساعد علیه.

قوله : وبنزح أربعین إن مات فیها ثعلب أو أرنب أو خنزیر أو سنّور أو کلب وشبهه.

هذا مذهب الثلاثة (3) وأتباعهم (4).

استدل علیه الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب بروایة سماعة ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « وإن کان سنورا أو أکبر منه نزحت منها ثلاثین دلوا أو أربعین » (5) وروایة القاسم ، عن علی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « والسنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا والکلب وشبهه » (6).

وهما قاصرتان متنا وسندا ، مع أنه قد روی فی الصحیح عن زرارة ومحمد بن مسلم

ما ینزح لموت الثعلب أو الأرنب أو الخنزیر أو سنور أو کلب وشبهه فیه

ص: 80


1- نقله عنه الشهید الثانی فی روض الجنان : (150).
2- ذکر ذلک الشهید فی الروض : (150).
3- السید کما نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 66 ) ، والمفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی التهذیب ( 1 : 236 ) ، والمبسوط ( 1 : 11 ) ، والنهایة : (6).
4- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
5- التهذیب ( 1 : 236 - 681 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 98 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (4).
6- التهذیب ( 1 : 235 - 860 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 97 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (3).

______________________________________________________

وبرید بن معاویة العجلی ، عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهماالسلام : فی البئر یقع فیها الدابة ، والفأرة ، والکلب ، والطیر ، فیموت قال : « یخرج ، ثم ینزح من البئر دلاء ، ثم اشرب وتوضأ » (1).

وفی الصحیح عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال : سألته عن البئر تقع فیها الحمامة ، والدجاجة ، أو الفأرة ، أو الکلب (2) ، أو الهرة فقال : « یجزیک أن تنزح منها دلاء ، فإن ذلک یطهرها إن شاء الله تعالی » (3).

وفی الصحیح عن أبی أسامة ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الفأرة ، والسنور ، والدجاجة ، والکلب ، والطیر ، قال : « إذا لم تتفسخ أو یتغیر طعم الماء فیکفیک خمس دلاء ، وإن تغیر الماء فخذ منه حتی یذهب الریح » (4).

والأقرب عندی العمل بما دلّت علیه هذه الأخبار الصحیحة والاکتفاء بنزح دلاء فی جمیع ذلک عدا الخنزیر ، فإن الأظهر نزح الجمیع له ، لصحیحة ابن سنان الواردة فی الثور ونحوه (5). وبالجملة فالأخبار فی هذه المسألة مختلفة جدا (6) وذلک کله دلیل الاستحباب.

ص: 81


1- التهذیب ( 1 : 236 - 682 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 99 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (5) ، مع اختلاف یسیر.
2- لیست فی : « م ».
3- التهذیب ( 1 : 237 - 686 ) ، الإستبصار ( 1 : 37 - 101 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 5 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 237 - 684 ) ، الإستبصار ( 1 : 37 - 102 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (7).
5- التهذیب ( 1 : 241 - 695 ) ، الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (1).
6- لاحظ الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب ( 15 ، 17 ، 18 ).

ولبول الرجل ،

______________________________________________________

قوله : ولبول الرجل.

هذا مذهب الخمسة (1) وأتباعهم (2) ، قاله فی المعتبر. ومستنده روایة علی بن أبی حمزة ، عن الصادق علیه السلام ، قلت : بول الرجل قال : « ینزح منه أربعون دلوا » (3) وهی ضعیفة بعلی بن أبی حمزة فإنه واقفی (4). واعتذر عن ذلک فی المعتبر بأن تغیره إنما هو فی زمن موسی علیه السلام فلا یقدح فیما قبله (5). وهو ضعیف جدا ، فإن الاعتبار فی عدالة الراوی بوقت الأداء لا التحمل ، ومن المعلوم انتفاء تحقق ذلک.

والأظهر نزح دلاء للقطرات من البول مطلقا ، لصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن الرضا علیه السلام (6). ونزح الجمیع لانصبابه فیها مطلقا ، لصحیحة معاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام : فی البئر یبول فیها الصبی أو یصب فیها بول أو خمر ، قال : « ینزح الماء کله » (7).

ما ینزح لوقوع بول الرجل فیه

ص: 82


1- وهم والد الصدوق والسید ، نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 67 ) ، والصدوق کما فی الفقیه ( 1 : 13 ) ، والمقنع : (10) ، والهدایة : (14) ، والمفید کما فی المقنعة : (9) ، والشیخ کما فی التهذیب ( 1 : 243 ) ، والمبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
2- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
3- التهذیب ( 1 : 243 - 700 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 90 ) ، الوسائل ( 1 : 133 ) أبواب الماء المطلق ب (16) ح (2).
4- راجع رجال النجاشی : ( 249 - 656 ) ، ورجال الشیخ : (353) ، والفهرست : ( 96 - 408 ). والواقفة هم الذین وقفوا علی موسی بن جعفر علیه السلام وقالوا إنه الإمام القائم ولم یأتموا بعده بإمام. ( راجع فرق الشیعة للنوبختی : 81 ).
5- المعتبر ( 1 : 68 ).
6- الکافی ( 3 : 5 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 244 - 705 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 124 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (21).
7- التهذیب ( 1 : 241 - 696 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 94 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (4).

وبنزح عشر للعذرة الجامدة وقلیل الدم کدم الطیر والرعاف الیسیر ، والمروی دلاء یسیرة ،

______________________________________________________

قوله : وبنزح عشر للعذرة الجامدة.

المراد بالجامدة غیر الذائبة ، ومستنده خبر أبی بصیر وقد تقدم (1).

قوله : وقلیل الدم کدم الطیر والرعاف الیسیر ، والمروی دلاء یسیرة.

الراوی لذلک علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : وسألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت فی بئر ، هل یصلح أن یتوضأ منها؟ قال : « ینزح منها دلاء یسیرة ثم یتوضأ منها » (2).

قال الشیخ - رحمه الله - : وأکثر عدد یضاف إلی هذا الجمع عشرة فیجب أن یؤخذ به ، إذ لا دلیل علی ما دونه (3).

واعترضه المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : بأن ذلک إنما یکون مع الإضافة وأما مع تجریده عنها فلا ، إذ لا یعلم من قول القائل : عندی دراهم مثلا أنه لم یخبر عن زیادة عن عشرة ، ولا إذا قال : أعطه دراهم أنه لم یرد أکثر من عشرة (4).

وأجاب عنه فی المنتهی : بأن الإضافة هنا وإن جردت لفظا لکنها مقدرة وإلا لزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، ثم قال : ولا بد من إضمار عدد یضاف إلیه تقدیرا فیحمل علی العشرة التی هی أقل ما یصلح إضافته لهذا الجمع ، أخذا بالمتیقن وحوالة علی أصالة براءة الذمة (5).

ما ینزح لوقوع العذرة الجامدة أو قلیل الدم فیه

ص: 83


1- تقدم فی ص (78).
2- الکافی ( 3 : 6 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 409 - 1288 ) ، الوسائل ( 1 : 141 ) أبواب الماء المطلق ب (21) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 245 - 705 ) ذ. ح.
4- المعتبر ( 1 : 66 ).
5- المنتهی ( 1 : 14 ).

وبنزح سبع لموت الطیر.

______________________________________________________

وفیه نظر : إذ لا یلزم من عدم تقدیر الإضافة هنا تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، وإنما یلزم لو لم یکن له معنی بدون التقدیر ، والحال أنّ له معنی کسائر صیغ الجموع ، ولو سلم وجوب التقدیر لم یتعین العشرة. وقوله : إن أقل ما یصلح إضافته لهذا الجمع عشرة ممنوع ، وإنما أقله ثلاثة فیحمل علیها ، لأصالة البراءة من الزائد.

قال فی المختلف : ویمکن أن یحتج [ الشیخ ] (1) من وجه آخر وهو أن یقال : هذا جمع کثرة وأقله ما زاد علی العشرة بواحد فیحمل علیه عملا بالبراءة الأصلیة (2).

وفیه : إن هذا الدلیل لا ینطبق علی المدعی ، إذ مقتضاه وجوب أحد عشر والمدعی وجوب عشر ، مع أن فی ثبوت ما ذکره من الفرق بین جمع القلة والکثرة علی وجه الحقیقة نظرا.

قوله : وبنزح سبع لموت الطیر.

فسر بالحمامة والنعامة وما بینهما ، والقول بوجوب السبع فی موت الطیر للثلاثة (3) وأتباعهم (4) ، واستدلوا علیه بروایة علی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن الطیر والدجاجة تقع فی البئر ، قال : « سبع دلاء » (5) ومثلها روایة سماعة ، عن

ما ینزح لموت الطیر

ص: 84


1- أثبتناه من المصدر.
2- المختلف : (6).
3- السید کما نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 15 ) ، والمفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی النهایة : (7) ، والمبسوط ( 1 : 11 ).
4- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (36).
5- التهذیب ( 1 : 235 - 680 ) ، الاستبصار ( 1 : 36 - 97 ) ، المعتبر ( 1 : 70 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (3).

والفأرة إذا تفسّخت أو انتفخت ،

______________________________________________________

الصادق علیه السلام (1). وهما ضعیفتا السند (2).

والأظهر : الاکتفاء بالخمس کما اختاره فی المعتبر (3) ، لصحیحة أبی أسامة المتقدمة (4) ، وعلیه یحمل إطلاق لفظ الدلاء فی صحیحتی زرارة (5) ، وعلی بن یقطین (6). ویحتمل قویا الاکتفاء بمسمّی الدلاء وحمل الخمسة علی الاستحباب.

قوله : والفأرة إذا تفسخت أو انتفخت.

مستنده الجمع بین صحیحتی معاویة بن عمار (7) وعبد الله بن سنان (8) الدالتین علی الاکتفاء بنزح دلاء فی وقوع الفأرة فی البئر مطلقا ، وروایتی سماعة وأبی أسامة الدالتین علی السبع کذلک ، بحمل روایتی السبع علی حالتی التفسخ والانتفاخ وروایتی الدلاء علی عدمه.

ما ینزح لموت الفأرة إذا انتفخت أو تفسخت

ص: 85


1- التهذیب ( 1 : 236 - 681 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 98 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (4).
2- أما الأولی فلاشتمال سندها علی بعض الواقفیة کعلی بن أبی حمزة ، راجع رجال النجاشی : ( 249 - 656 ) ، ورجال الشیخ : (353) ، والفهرست : ( 96 - 408 ) ، وأما الثانیة فلان فی طریقها عثمان بن عیسی وهو واقفی ضعیف ، راجع رجال النجاشی : ( 300 - 817 ) ، ورجال الشیخ : (355).
3- المعتبر ( 1 : 70 ).
4- فی ص (81).
5- التهذیب ( 1 : 236 - 682 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 99 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (5).
6- التهذیب ( 1 : 237 - 686 ) ، الإستبصار ( 1 : 37 - 101 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (2).
7- التهذیب ( 1 : 238 - 688 ) ، الإستبصار ( 1 : 39 - 106 ) ، الوسائل ( 1 : 137 ) أبواب الماء المطلق ب (19) ح (2).
8- التهذیب ( 1 : 238 - 689 ) ، الإستبصار ( 1 : 39 - 107 ) ، الوسائل ( 1 : 137 ) أبواب الماء المطلق ب (19) ح (2).

ولبول الصبی الذی لم یبلغ ،

______________________________________________________

واستدل علی هذا الجمع بروایة أبی عیینة ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الفأرة تقع فی البئر فقال : « إذا خرجت فلا بأس ، وإن تفسخت فسبع دلاء » (1).

ولا یخفی ضعف هذا المستند ، فإن هذه الأخبار لیست متکافئة فی السند لیجب الجمع بینها. وأیضا فإنه لا وجه لإلحاق الانتفاخ بالتفسخ ، لعدم الدلیل علیه ، والمراد بالتفسخ تفرق الأجزاء. وحکی المصنف فی المعتبر - رحمه الله - عن بعض المتأخرین أنه جعل حد التفسخ الانتفاخ (2). وهو فاسد قطعا.

والأقرب الاکتفاء بالثلاث مطلقا وإن کان الأولی نزح السبع مع التفسخ والخمس بدونه ، لقوله علیه السلام فی صحیحة أبی أسامة الواردة فی الفأرة وما معها : « إذا لم تتفسخ أو یتغیر طعم الماء فیکفیک خمس دلاء » (3).

قوله : ولبول الصبی الذی لم یبلغ.

المراد بالصبی الفطیم الذی لم یبلغ.

وبالسبع قال الشیخان (4) وأتباعهما (5) ، واستدل علیه فی التهذیب بروایة منصور ابن حازم ، عن عدة من أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینزح منها سبع دلاء إذا بال فیها الصبی » (6) وهی مع إرسالها وقصور سندها معارضة بصحیحة معاویة

ما ینزح لبول الصبی

ص: 86


1- التهذیب ( 1 : 233 - 673 ) ، الإستبصار ( 1 : 31 - 83 ) ، الوسائل ( 1 : 128 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (13).
2- المعتبر ( 1 : 71 ).
3- المتقدمة فی ص (81).
4- المفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
5- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (36).
6- التهذیب ( 1 : 243 - 701 ) ، الإستبصار ( 1 : 33 - 89 ) ، الوسائل ( 1 : 133 ) أبواب الماء المطلق ب (16) ح (1).

ولاغتسال الجنب ،

______________________________________________________

ابن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام الدالة علی نزح البئر کلها بذلک (1).

وقال المرتضی - رحمه الله - فی المصباح : فی بول الصبی إذا أکل الطعام ثلاث دلاء (2). ونحوه قال ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (3) ، ولم نقف لهما علی شاهد.

قوله : ولاغتسال الجنب.

هذا الحکم مشهور بین الأصحاب ویدل علیه روایات :

الأولی : صحیحة الحلبی ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « فإن وقع فیها جنب فانزح منها سبع دلاء » (4).

الثانیة : صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء » (5).

الثالثة : صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن سقط فی البئر دابة صغیرة ، أو نزل فیها جنب فانزح منها سبع دلاء » (6).

الرابعة : روایة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یدخل فی

ما ینزح لاغتسال الجنب فیه

ص: 87


1- التهذیب ( 1 : 241 - 696 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 94 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (4).
2- کما نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 72 ).
3- الفقیه ( 1 : 13 ).
4- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6) ، بتفاوت یسیر.
5- التهذیب ( 1 : 244 - 704 ) ، الوسائل ( 1 : 142 ) أبواب الماء المطلق ب (22) ح (3).
6- التهذیب ( 1 : 241 - 695 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 93 ) ، الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

البئر فیغتسل منها ، قال : « ینزح منها سبع دلاء » (1).

واعلم : أنّ البحث فی هذه المسألة یقع من وجوه :

الأول : هل المقتضی للنزح وقوع الجنب فی البئر ، أو اغتساله فیها ، أو ارتماسه؟

احتمالات ثلاثة ، أظهرها الأول ، لدلالة الأخبار الصحیحة علیه. ورجّح جدی - قدس سره - وجماعة : الثانی (2) ، لتعلیق الحکم علی الاغتسال فی روایة أبی بصیر ، والمطلق یحمل علی المقید. وفیه نظر ، لأن الروایة المذکورة مع ضعف سندها بعبد الله بن بحر (3) ، واشتراک أبی بصیر ، غیر منافیة للأخبار المطلقة ، فإن التقیید فیها من کلام السائل ، والجواب عن ذلک المقید لا یقتضی نفی الحکم عن ما عداه. ونقل عن ابن إدریس - رحمه الله - أنه خص الحکم بالارتماس مدعیا علیه الإجماع (4) ، وهو ضعیف.

الثانی : هل النزح لسلب الطهوریة ، أم لنجاسة البئر ، أم تعبد شرعی؟ صرح المصنف - رحمه الله - فی المعتبر ، والعلامة فی المختلف بالأول (5) ، وجدی - قدس سره - فی الشرح بالثانی (6) ، ویلوح من کلام جماعة الثالث. ویتوجه علی الأول أشیاء.

أ : إن قصاری ما تدل علیه الأخبار : وجوب النزح (7) ، وهو أعم من عدم الطهوریة ، فلا یدل علیه ، إذ العام لا یدل علی الخاص.

ص: 88


1- التهذیب ( 1 : 244 - 702 ) ، الوسائل ( 1 : 142 ) أبواب الماء المطلق ب (22) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
2- المسالک ( 1 : 3 ) ، روض الجنان : (153).
3- لجهالته ، إذ لم یذکره. کتبهم.
4- السرائر : (12).
5- المعتبر ( 1 : 70 ) ، المختلف : (10).
6- المسالک ( 1 : 3 ).
7- المتقدمة فی ص (87).

______________________________________________________

ب : إن ذلک إنما یتم أن لو کان الحکم معلقا علی الاغتسال ، وقد عرفت أن مقتضی الأخبار الصحیحة : ترتبه علی مجرد الدخول والوقوع ، وذلک بمجرده غیر مقتض لزوال الطهوریة إجماعا.

ج : صرح المصنف فی نکت النهایة (1) ، وغیره : بأن الماء الذی ینفعل بالاستعمال عند من قال به إنما هو القلیل غیر الجاری ، فیکون الحکم بزوال الطهوریة هنا مخالفا لما ذکر ثمة أو مخصصا له.

ویرد علی الثانی استلزامه النجاسة بغیر سبب یقتضی التنجیس ، وهو معلوم البطلان. وأن ماء البئر لیس أسوء حالا من القلیل والمضاف وهما لا ینجسان به إجماعا.

وما قیل من أنّ الاستبعاد مدفوع بالنص (2) فهو جید لو کان النص صالحا لإثبات ذلک ، أما بدونه فیجب القطع بفساده.

الثالث : هل یحکم بارتفاع الحدث عن هذا المغتسل أم لا؟ قیل بالأول ، لتحقق الامتثال ، وعدم استلزام الأمر بالنزح النهی عن الاستعمال (3).

وقیل بالثانی وهو اختیار المحقق الشیخ علی (4) - رحمه الله - واحتج علیه بأن خبر عبد الله بن أبی یعفور (5) صریح فی النهی عن الوقوع فی البئر ، وذلک مقتض لفساد الغسل.

وأجاب عنه جدی - رحمه الله - بمنع أنّ النهی عن العبادة ، بل عن الوقوع فی الماء

ص: 89


1- نکت النهایة : ( الجوامع الفقهیة ) : (375).
2- کما فی المسالک ( 1 : 3 ) ، وروض الجنان : (154).
3- کما فی المنتهی ( 1 : 19 ).
4- جامع المقاصد ( 1 : 13 ).
5- الکافی ( 3 : 65 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 149 - 426 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 - 435 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (22).

______________________________________________________

وإفساده ، وهو إنما یتحقق بعد الحکم بطهر الجنب لا بمجرد دخوله فی البئر ، فلا یضر هذا النهی ، لتأخره وعدم کونه عن نفس العبادة ، قال : إلا أن یقال : الوسیلة إلی المحرم محرمة ، وإن کانت قبل زمانه (1).

وفیه نظر : فإنه - رحمه الله - قد حقق فیما سبق (2) أنّ المراد بالوقوع الغسل ، حملا للمطلق علی المقید ، فیکون النهی متوجها إلیه خاصة ، والفساد وإن کان مترتبا علی الغسل ومتأخرا عنه عند القائل به إلا أنّ المفسد له فی الحقیقة هو الغسل ، ولیس بعد تحققه فعل یمکن توجه النهی إلیه ، وإنما الموجود هو أثر ذلک الفعل المنهی عنه.

والحق أنّ الجمع بین الأخبار غیر جید کما بیناه ، وأن المنهی عنه فی خبر ابن أبی یعفور نفس الوقوع فی البئر ، لما فیه من تغیره بواسطة ثوران الحمأة (3) ونحوه فیمکن حمله علی الکراهة ، ولو حمل علی حقیقته وهو التحریم لم یلزم منه بطلان الغسل مطلقا ، بل إنما یلزم بطلانه إذا وقع الاغتسال مع نفس الوقوع المقتضی لتغیره ، لا متأخرا عنه فتأمل.

واعلم : أنه قد ذکر جماعة من الأصحاب تفریعا علی القول بالنجاسة أن الجنب إن اغتسل مرتمسا طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث ، وإن اغتسل مرتبا أجزأه غسل ما غسله قبل وصول الماء إلی البئر خاصة (4).

وللنظر فیه مجال ، لتعلیق الحکم عندهم علی الاغتسال وهو لا یتحقق إلا بالإکمال.

ص: 90


1- روض الجنان : (154).
2- المصدر السابق ص (153).
3- الحمأ : الطین الأسود ، قال الله تعالی ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) وکذلک الحمأة بالتسکین ، تقول منه : حمأت البئر حمأ ، بالتسکین ، إذا نزعت حمأتها. ( الصحاح 1 : 45 ).
4- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 19 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (154).

ولوقوع الکلب وخروجه حیا ،

______________________________________________________

الرابع : اشترط جماعة من الأصحاب (1) خلو بدن الجنب من نجاسة عینیة لیتم الاکتفاء بالسبع ، إذ لو کان علیه نجاسة لوجب لها مقدرها إن کان ، وإلا فعلی ما سیأتی من الخلاف.

وتوقف فی ذلک العلامة فی المنتهی فإنه عزی الاشتراط إلی ابن إدریس - رحمه الله - ثم قال : ونحن لما لم تقم عندنا دلالة علی وجوب النزح للمنی توقفنا عن هذا الاشتراط (2). واعترض علیه بأنه لا وجه لتوقفه فی ذلک مع کون النصوص واردة بمجرد دخول الجنب فی البئر للاغتسال ، ولیس من لوازم الجنابة النجاسة ، خصوصا مع اشتهار وجوب نزح الجمیع للمنی بین الأصحاب. وجوابه معلوم مما سبق.

والحق أن إجراء هذه الأخبار علی ظاهرها مشکل ، فیجب إما حملها علی نجاسة بدن الجنب ، أو علی التقیة لموافقتها لمذهب بعض العامة (3) ، أو علی أنّ الغرض من ذلک مجرد التنظیف من ثوران الحمأة التی نشأت من نزول الجنب إلی البئر وزوال النفرة الحاصلة من ذلک ، وهذا أقرب والله أعلم.

قوله : ولوقوع الکلب وخروجه حیا.

مستنده صحیحة أبی مریم : قال : حدثنا جعفر قال : کان أبو جعفر علیه السلام یقول : « إذا مات الکلب فی البئر نزحت » ، وقال جعفر : إذا وقع فیها ثم أخرج منها حیا نزح منها سبع دلاء (4).

ما ینزح لوقوع الکلب وخروجه حیا

ص: 91


1- منهم ابن إدریس فی السرائر : (12) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد : (13) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 3 ).
2- المنتهی ( 1 : 15 ).
3- منهم ابن حزم فی المحلی ( 1 : 185 ).
4- التهذیب ( 1 : 237 - 687 ) ، الإستبصار ( 1 : 38 - 103 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (1).

وبنزح خمس لذرق الدجاج الجلال ، وبنزح ثلاث لموت الحیّة والفأرة.

______________________________________________________

ویمکن القول بالاکتفاء فی ذلک بالخمس ، لصحیحة أبی أسامة (1) ، بل لو قیل بالاکتفاء بمسمی الدلاء ، لصحیحة علی بن یقطین (2) وحمل الخمس والسبع علی الاستحباب کان وجها قویا.

وأوجب ابن إدریس - رحمه الله - هنا نزح أربعین (3) ، إذ لا نص فیه عنده ، وإنما اکتفی فیه بالأربعین مع حکمه بنزح الجمیع لما لا نص فیه ، لأنها تجزئ لموته کما مر ، فلوقوعه حیا أولی.

قوله : وبنزح خمس لذرق الدجاج الجلال.

المراد بالجلال : المغتذی بعذرة الإنسان محضا إلی أن یسمی فی العرف جلالا. وأطلق الشیخ - رحمه الله - فی جملة من کتبه (4) نزح الخمس لذرق الدجاج بناء علی القول بنجاسته. وهو ضعیف جدا کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی. ولم أقف علی نص یقتضی النزح لذلک. واستقرب المصنف فی المعتبر دخوله فی قسم العذرة (5). وفیه بعد. ولو اکتفی فیه بنزح دلاء کما یشعر به صحیحة محمد بن إسماعیل (6) کان وجها حسنا.

قوله : وبنزح ثلاث لموت الحیة والفأرة.

أما نزح الثلاث للفأرة فمعلوم مما سبق.

ما ینزح لذرق الدجاج الجلال ولموت الحیة والفأرة

ص: 92


1- المتقدمة فی ص (81).
2- المتقدمة فی ص (81).
3- السرائر : (11).
4- کما فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
5- المعتبر ( 1 : 76 ).
6- الکافی ( 3 : 5 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 244 - 705 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 124 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (21).

وبنزح دلو لموت العصفور وشبهه ،

______________________________________________________

وأما الحیة فقد اعترف الأصحاب بعدم ورود نص فیها علی الخصوص. وقال فی المعتبر : الذی أراه وجوب النزح فی الحیة ، لأن لها نفسا سائلة ومیتتها نجسة (1). واستبعده المتأخرون. والحکم بنزح الثلاث فیها للشیخ (2) وأتباعه (3). وحکی فی المعتبر عن علی بن بابویه - رحمه الله - فی رسالته أنه اکتفی فیها بدلو واحد (4). ونقل عنه فی المختلف أنه قال : ینزح منها سبع دلاء (5).

والأظهر الاکتفاء فیها بالثلاث ، بناء علی ما ذکره فی المعتبر من أنّ لها نفسا سائلة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن الصادق علیه السلام : قال : « إذا سقط فی البئر شی ء صغیر فمات فیها فانزح منها دلاء » (6).

قوله : وبنزح دلو لموت العصفور وشبهه.

مستنده روایة عمار ، عن الصادق علیه السلام حیث قال فیها : « وأقله العصفور ینزح منها دلو واحد » (7) وفی الطریق ضعف. وذکر الشارح - قدس سره - أنه یدخل فی شبهه کلما دون الحمامة فی الحجم ، وأنه لا یلحق به الطیر فی حال صغره (8). وهو مشکل والأجود قصر الحکم علی ما یصدق علیه اسم العصفور ، إذ لا دلیل علی إلحاق غیره

ما ینزح لموت العصفور وشبهه

ص: 93


1- المعتبر ( 1 : 75 ).
2- المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
3- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (36).
4- المعتبر ( 1 : 74 ).
5- المختلف : (9).
6- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6) ، مع اختلاف یسیر.
7- التهذیب ( 1 : 234 - 678 ) ، الوسائل ( 1 : 141 ) أبواب الماء المطلق ب (21) ح (2).
8- المسالک ( 1 : 3 ) ، وروض الجنان : (155).

ولبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام.

______________________________________________________

به ، وأولی به : نزح الخمس أو الثلاث للطیر مطلقا ، لصحیحتی الفضلاء (1) وعلی بن یقطین (2) ، عن الباقر والصادق والکاظم صلوات الله علیهم.

قوله : ولبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام.

اختلف الأصحاب فیما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام اغتذاء مستندا إلی إرادته وشهوته ، فذهب الشیخان (3) وابن البراج (4) - رحمهم الله - إلی أنه دلو واحد ، واستدل علیه فی التهذیب بروایة علی بن أبی حمزة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن بول الصبی الفطیم یقع فی البئر ، قال : « دلو واحد » (5) والظاهر أنه - رحمه الله - إنما استدل بمفهوم الروایة لا بمنطوقها ، فإن منطوقها بول الفطیم لکن إذا اکتفی فی بول الفطیم بدلو واحد فالرضیع أولی ، إلا أنّ منطوقها غیر معمول علیه عند الأصحاب.

وقال أبو الصلاح (6) وابن زهرة (7) : ینزح له ثلاث دلاء ، ولم أقف لهما علی مستند ، ومقتضی صحیحة معاویة بن عمار نزح الجمیع فی بول الصبی من غیر تفصیل (8).

ما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام

ص: 94


1- التهذیب ( 1 : 236 - 682 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 99 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (5).
2- المتقدمة فی ص (81).
3- المفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
4- المهذب ( 1 : 22 ).
5- التهذیب ( 1 : 243 - 700 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 90 ) ، الوسائل ( 1 : 133 ) أبواب الماء المطلق ب (16) ح (2).
6- الکافی فی الفقه : (130).
7- الغنیة : ( الجوامع الفقهیة ) : (552).
8- التهذیب ( 1 : 241 - 696 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 94 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (4).

وفی ماء المطر وفیه البول والعذرة وخرء الکلاب ثلاثون دلوا.

______________________________________________________

قوله : وفی ماء المطر وفیه البول والعذرة وخرء الکلاب ثلاثون دلوا.

المستند فی ذلک روایة کردویه : قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن بئر یدخلها ماء المطر فیه البول ، والعذرة ، وأبوال الدواب ، وأرواثها ، وخرء الکلاب قال : « ینزح منها ثلاثون دلوا وإن کانت مبخرة » (1).

وأورد هنا إشکال : وهو أنّ العذرة وحدها مع الذوبان ینزح لها خمسون فإذا انضم إلیها غیرها من البول - وقد روی صحیحا أنه ینزح له الجمیع (2) - وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الکلاب یتضاعف النجاسة فکیف یکتفی بالثلاثین؟! وأجیب عنه : بأنه یمکن تنزیل الروایة علی ماء المطر المخالط لهذه النجاسات مع استهلاک أعیانها (3). وفیه تکلف.

وأجاب عنه جدی - قدس سره - بجواز استناد التخفیف إلی مصاحبة ماء المطر ، قال : ومن نظر إلی ما ینفعل عنه البئر وما یطهر به ، واشتمالها علی جمع المتباینات کالهر والخنزیر ، وتفریق المتماثلات کالکلب والکافر والثور والبقرة ، یزول عنه استبعاد حکم هذه النجاسات منفردة عن ماء المطر ومصاحبة له (4).

وما ذکره - رحمه الله - جید مع وضوح المأخذ ، لکن الراوی لهذه الروایة وهو کردویه مجهول (5). وقیل : إنه لقب لمسمع بن عبد الملک ککردین. ومسمع غیر موثق (6) فلا

ما ینزح لماء المطر وفیه البول والعذرة وخرء الکلاب

ص: 95


1- الفقیه ( 1 : 16 - 35 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 413 - 1300 ) ، الإستبصار ( 1 : 43 - 120 ) ، الوسائل ( 1 : 133 ) أبواب الماء المطلق ب (16) ح (3).
2- الوسائل ( 1 : 140 ) أبواب الماء المطلق ب (20).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 13 ).
4- المسالک ( 1 : 3 ).
5- لم یذکره النجاشی ولا الشیخ بل لم ینص أحد علی توثیقه کما قال فی معجم رجال الحدیث ( 14 : 114 - 9722 ).
6- راجع رجال النجاشی : ( 420 - 1124 ) ، ورجال الشیخ : ( 321 ، 136 ).

والدلو التی ینزح بها ما جرت العادة باستعمالها.

______________________________________________________

تصلح لمعارضة الأخبار الواردة بنزح المقادیر المعینة لتلک النجاسات (1) ، والأجود اطراح هذه الروایة والعمل بما اقتضته الأخبار الصحیحة.

قوله : والدلو التی ینزح بها ما جرت العادة باستعمالها.

ینبغی أن یکون المرجع فی الدلو إلی العرف العام ، فإنه المحکّم فیما لم یثبت فیه وضع من الشارع ، ولا عبرة بما جرت العادة باستعماله فی تلک البئر إذا کان مخالفا له. ونقل عن بعض المتقدمین أنّ المراد بالدلو الهجریة (2) التی وزنها ثلاثون رطلا أو أربعون. وهو ضعیف.

ولو نزح بإناء عظیم ما تخرجه الدلاء المقدرة فقد قطع العلامة فی أکثر کتبه بالاجتزاء به (3) ، لحصول الغرض وهو إخراج ذلک القدر من الماء. واستقرب المصنف فی المعتبر عدم الإجزاء ، لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، ولأن الحکمة تعلقت بالعدد ولا نعلم حصولها مع عدمه (4).

ولو غارت الماء ثم عادت سقط النزح ، لأن الظاهر من النصوص تعلق النزح بالماء الذی وقعت فیه النجاسة ، ولانتفاء القطع بنجاسة الماء العائد. ومن ذلک یعلم أنه لو لم یف الماء بنزح المقدرات المعینة اکتفی بنزح الجمیع.

الدلو التی ینزح بها

ص: 96


1- الوسائل ( 1 : 140 ) أبواب الماء المطلق ب (20) ، وص (131) ب (15) ، وص (133) ب (16).
2- هجر بفتحتین : بلد بقرب المدینة یذکر فیصرف وهو الأکثر ویؤنث فیمنع وإلیها تنسب القلال علی لفظها فیقال : هجریة وقلال هجر بالإضافة إلیها. والقلال جمع قلة : إناء للعرب کالجرة الکبیرة شبه الحب. ( المصباح المنیر : 2. 634 ).
3- کما فی التذکرة ( 1 : 4 ) ، والقواعد ( 1 : 6 ) ، وتحریر الأحکام : (5).
4- المعتبر ( 1 : 77 ).

فروع ثلاثة :

الأول : حکم صغیر الحیوان فی النزح حکم کبیره.

الثانی : اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح ، وفی تضاعفه مع التماثل تردّد ، أحوطه التضعیف ،

______________________________________________________

قوله : فروع ثلاثة ، الأول ، حکم صغیر الحیوان فی النزح حکم کبیره.

ینبغی أن یراعی فی ذلک إطلاق الاسم. وروی الحلبی فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « إذا سقط فی البئر شی ء صغیر فمات فیها فانزح منها دلاء » (1).

ونقل عن الصهرشتی شارح النهایة أنه ألحق صغیر الطیور بالعصفور (2). وقد عرفت أنّ المتجه إلحاق الجمیع بالطیر (3).

قوله : الثانی ، اختلاف أنواع النجاسة موجب لتضاعف النزح ، وفی تضاعفه مع التماثل تردد ، أحوطه التضعیف.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة علی أقوال ، ففرق فی ثالثها بین المتخالفة والمتماثلة ، فیتضاعف فی الأول دون الثانی ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی هذا الکتاب ، واستدل علیه فی المعتبر : بأنّ النجاسة من الجنس الواحد لا تتزاید ، إذ النجاسة الکلبیة أو البولیة موجودة فی کل جزء فلا تتحقق زیادة توجب زیادة النزح ، ولا کذلک الأجناس المختلفة ، لاختلاف المقتضی (4).

- فروع

حکم صغیر الحیوان حکم کبیره

تضاعف النزح بتعدد الساقط فیه وعدمه

ص: 97


1- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6) ، بتفاوت یسیر.
2- نقل عنه فی المعتبر ( 1 : 73 ).
3- تقدم فی ص (93).
4- المعتبر ( 1 : 78 ).

إلا أن یکون بعضا من جملة لها مقدّر ، فلا یزید حکم أبعاضها عن جملتها.

______________________________________________________

والأحوط التضاعف مطلقا ، لأن الأصل عدم تداخل المسببات عند اختلاف الأسباب ، ولأن کثرة الواقع تزید مقدار النجاسة فیزید شیوعها فی الماء فیناسبه زیادة النزح. وإن کان القول بالتداخل مطلقا لیس بذلک البعید ، لأن نزح القدر المشترک بین الأمرین والأکثر منهما مقتض لامتثال الأمرین معا ، فیحصل الإجزاء ، علی حد ما یقال فی تداخل الأغسال والغسلات المعتبرة فی التطهیر ، وقد عرفت أنّ علل الشرع معرفات للأحکام فلا یضر تعددها علی معلول واحد.

وکیف کان فیجب القطع بالتداخل فیما إذا کانت النجاسة المتعددة مما یصدق اسمها علی القلیل والکثیر کالخمر والبول ونحوهما ، ولو کان الحکم فی ذلک مختلفا بالقلة والکثرة کالدم وحصلت الکثرة بالدفعة الثانیة مثلا وجب له منزوح الأکثر خاصة.

ولا یخفی أنّ موضع الخلاف ما لا یوجب نزح الجمیع من النجاسات أما فیها فلا ریب فی التداخل ، لما بیناه فیما سبق من عدم وجوب ما زاد علی نزح الجمیع (1). وفی الاکتفاء بتراوح الیوم الواحد مع تعذره وجهان.

قوله : إلا أن یکون بعضا من جملة لها مقدر ، فلا یزید حکم أبعاضها عن جملتها.

لا ریب فی عدم زیادة حکم الأبعاض عن الجملة ، وإنما الکلام فی وجوب منزوح الجملة للبعض ، فقیل بالوجوب (2) ، لتوقف القطع بیقین البراءة علیه. واحتمل المحقق الشیخ علی - رحمه الله - إلحاقه بغیر المنصوص ، لعدم تناول اسم الجملة له (3). وهو إنما یتم إذا کان منزوح غیر المنصوص أقل من منزوح الجملة ، إذ لا یعقل زیادة حکم الجزء

حکم سقوط أبعاض المقدر لها

ص: 98


1- تقدم فی ص (96).
2- کما فی الذکری : (10) فإنه قال : أبعاض المقدّر کالمقدّر.
3- جامع المقاصد ( 1 : 13 ).

الثالث : إذا لم یقدّر للنجاسة منزوح نزح جمیع مائها. فإن تعذّر نزحها لم تطهر إلا بالتراوح.

______________________________________________________

علی الکل.

ولو وجد جزءان وشک فی کونهما من واحد أو اثنین فالأقرب عدم التضاعف ، لأصالة عدم التعدد.

قوله : الثالث ، إذا لم یقدّر للنجاسة منزوح نزح جمیع مائها ، فإن تعذر نزحها لم تطهر إلا بالتراوح.

هذه المسألة لا تجری عند القائلین بالطهارة ، لأن استحباب النزح أو وجوبه تعبدا موقوف علی ورود الأمر به والمفروض عدمه.

أما القائلون بالنجاسة فقد اختلفوا فیها علی أقوال. أشهرها : ما اختاره المصنف - رحمه الله - من وجوب نزح الجمیع إن أمکن وإلا فالتراوح. أما وجوب نزح الجمیع فلتوقف القطع بجواز استعمال الماء علیه ، وأما الاکتفاء بالتراوح مع تعذره فلما تقدم (1).

وأورد علیه : أن ذلک غیر مقتض للقطع بجواز استعمال الماء أیضا ، لعدم ثبوت طهارة البئر نفسه بذلک. ویمکن دفعه : بأن الإجماع منعقد علی عدم اشتراط ما زاد علی نزح الجمیع.

وثانیها : وجوب نزح أربعین ، اختاره العلامة فی جملة من کتبه (2) ، وحکاه فی المختلف عن ابن حمزة (3) والشیخ فی المبسوط (4) ، محتجا بقولهم علیهم السلام : « ینزح

حکم النجاسات التی لم یقدر لها

ص: 99


1- فی ص (67).
2- کما فی الإرشاد ( مجمع الفائدة ) ( 1 : 270 ).
3- الوسیلة : (75).
4- المبسوط ( 1 : 12 ).

______________________________________________________

منها أربعون دلوا وإن صارت مبخرة ». وهذه الروایة لم نقف علیها فی شی ء من الأصول ، وصدرها المتضمن لبیان متعلق الأربعین غیر معلوم ، وظاهرها متروک ، فیسقط الاحتجاج بها رأسا.

وما قیل من أن الشیخ ثقة ثبت فلا یرسل إلا عن ثقة ، وأنه لو لا علمه بدلالة صدرها علی موضع النزاع لما احتج بها. فظاهر الفساد.

واحتج العلامة فی النهایة (1) علی هذا القول أیضا بروایة کردویه (2) ، وهو وهم. نعم یمکن الاستدلال علیه بصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع المتقدمة فی أدلة الطهارة (3) ، فإنها صریحة فی الاکتفاء فی طهارة البئر مع تغیره بنزح ما یزیل التغیر خاصة وعدم وجوب نزح الماء کله ، ومتی انتفی وجوب نزح الجمیع مع التغیر انتفی مع عدمه بطریق أوّلی فیثبت الأربعون ، لعدم الجزم بحصول الطهارة بالثلاثین. وفیه ما فیه.

وثالثها : الاکتفاء فیه بنزح ثلاثین ، حکاه شیخنا الشهید - رحمه الله - فی شرح الإرشاد عن السید جمال الدین بن طاوس - رحمه الله - فی البشری ونفی عنه البأس ، واحتج علیه بروایة کردویه. وهو عجیب ، إذ لا دلالة لها علی المتنازع بوجه فإن موردها نجاسات مخصوصة والکلام إنما هو فی غیر المنصوص.

والمسألة محل إشکال ، ولا ریب أن بنزح الجمیع یحصل یقین البراءة ، ویحتمل الاکتفاء بما یزول به التغیر لو کان ، لدلالة روایة ابن بزیع علی الاکتفاء فی طهارته مع التغیر بنزح ما یذهب الریح ویطیب الطعم مطلقا ، وما یکفی مع التغیر یکفی مع عدمه بطریق أولی.

ص: 100


1- نهایة الأحکام ( 1 : 260 ).
2- المتقدمة فی ص (95).
3- المتقدمة فی ص (55).

وإذا تغیّر أحد أوصاف مائها بالنجاسة ، قیل : ینزح حتی یزول التغیر ، وقیل : ینزح ماؤها. فإن تعذر لغزارته تراوح علیها أربعة رجال ، وهو الأولی.

______________________________________________________

واعلم : أنّ المراد بالنص هنا مطلق الدلیل النقلی سواء کان قولا أو فعلا ، نصا بالمعنی المصطلح علیه أو ظاهرا ، فیکون المراد بغیر المنصوص ما لم یثبت حکمه بدلیل نقلی. وعرّف الشهید - رحمه الله - النص هنا بأنه القول أو الفعل الصادر عن معصوم الراجح المانع من النقیض (1). وهو غیر جید.

قوله : وإذا تغیر أحد أوصاف مائها بالنجاسة ، قیل : ینزح حتی یزول التغیر ، وقیل : ینزح ماؤها ، فإن تعذر لغزارته تراوح علیها أربعة رجال ، وهو الأولی.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة علی أقوال منتشرة ، وأکثرها مستند إلی اعتبارات ضعیفة ، والأقوی تفریعا علی القول بعدم نجاسة البئر بالملاقاة الاکتفاء فی طهارته مع التغیر بزواله مطلقا ، لصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن الرضا علیه السلام (2) فإنها صریحة فی ذلک.

أما علی القول بالنجاسة فیتجه وجوب أکثر الأمرین من استیفاء المقدّر وما به یزول التغیر فی المقدّر ، ونزح الجمیع فی غیره إن أمکن وإلا فالتراوح ، ویحتمل قویا الاکتفاء فیه بزوال التغیر مطلقا ، لأن الخروج عن مقتضی النص الصحیح السند الصریح الدلالة لا یخلو من مجازفة. وإنما لم نتعرض لنقل بقیة الأقوال فی المسألة والکلام علیها ، لظهور ضعفها مما قررناه.

حکم البئر إذا تغیر أحد أو صاف مائها بالنجاسة

ص: 101


1- نقله عن شرح الإرشاد للشهید فی روض الجنان : (15).
2- التهذیب ( 1 : 234 - 676 ) ، الإستبصار ( 1 : 33 - 87 ) ، الوسائل ( 1 : 126 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (6).

ویستحب أن یکون بین البئر والبالوعة خمس أذرع إذا کانت الأرض صلبة أو کانت البئر فوق البالوعة ، وإن لم تکن کذلک فسبع.

______________________________________________________

تفریع : لو زال تغیر البئر بغیر النزح ونحوه من المطهرات طهرت علی المختار ، لمکان المادة. وعلی القول الآخر یحتمل وجوب نزح الجمیع ، لعدم أولویة البعض وتوقف الیقین علیه ، ویحتمل الاکتفاء بنزح المقدّر إن کان ، وإلا بما یتحقق به زوال التغیر علی تقدیر بقائه ، أخذا من باب مفهوم الموافقة ، ولعله الأقرب.

قوله : ویستحب أن یکون بین البئر والبالوعة خمس أذرع إذا کانت الأرض صلبة ، أو کانت البئر فوق البالوعة ، وإن لم یکن کذلک فسبع.

المراد بالبالوعة هنا : ما یرمی فیها ماء النزح ، أو غیره من النجاسات. ومعنی فوقیة البئر : أن یکون قرارها أعلی من قرار البالوعة ، بأن تکون البالوعة أعمق منها. ولا یخفی أنّ المراد بالذراع المذکورة هنا الذراع الهاشمیة المحدودة فی بیان المسافة. وما اختاره المصنف من الاکتفاء بالخمس مع صلابة الأرض أو فوقیة البئر وإلا فالسبع هو المشهور بین الأصحاب.

وقال ابن الجنید : إن کانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فلیکن بینهما اثنا عشر ذراعا ، وإن کانت الأرض صلبة أو کانت البئر فوق البالوعة فلیکن بینهما سبع (1) والمعتمد الأول.

لنا : إن فیه جمعا بین روایة الحسن بن رباط ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن البالوعة تکون فوق البئر فقال : « إذا کانت أسفل من البئر فخمسة أذرع ، وإن کانت فوق البئر فسبعة أذرع من کل ناحیة وذلک کثیر » (2) وروایة

المسافة التی تکون بین البئر والبالوعة

ص: 102


1- نقله عنه فی المختلف : (15).
2- الکافی ( 3 : 7 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 410 - 1290 ) ، الاستبصار ( 1 : 45 - 126 ) ، وفی الوسائل ( 1 : 145 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (3) رواه عن الحسین بن أسباط ، والظاهر أنه تصحیف لعدم ثبوت وجود هکذا شخص ( راجع : معجم رجال الحدیث 5 : 235 - 3391 ).

______________________________________________________

قدامة ابن أبی زید الحمّار (1) ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته کم أدنی ما یکون بین البئر والبالوعة؟ فقال : « إن کانت سهلا فسبعة أذرع ، وإن کانت جبلا فخمسة أذرع » (2).

احتج العلامة فی المختلف (3) لابن الجنید بروایة محمد بن سلیمان الدیلمی ، عن أبیه ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البئر یکون إلی جنبها الکنیف فقال لی : « إنّ مجری العیون کلها مع مهب الشمال ، فإذا کانت النظیفة فوق الشمال والکنیف أسفل منها لم یضرها إذا کان بینهما أذرع ، وإن کان الکنیف فوق النظیفة فلا أقل من اثنی عشر ذراعا ، وإن کان تجاهها بحذاء القبلة وهما مستویان فی مهب الشمال فسبعة أذرع » (4).

وألحق جماعة من المتأخرین بالفوقیة الحسیة الفوقیة بالجهة ، فحکموا بالاکتفاء بالخمس مع استواء القرارین ورخاوة الأرض إذا کانت البئر فی جهة الشمال ، استنادا إلی هذه الروایة (5). وهی غیر دالة علی ذلک ، بل ولا علی ما ذکره ابن الجنید ، مع أنها ضعیفة جدا بمحمد بن سلیمان الدیلمی وأبیه ، فقد قیل : إن سلیمان کان غالیا

ص: 103


1- اختلف ضبطه فی کتب الرجال فقال فی معجم الرجال ( 10 : 249 ) : الحمّار ثم ذکر بدله الجمّال بلا ترجیح ، وفی جامع الرواة ( 1 : 496 ) : قدامة بن أبی یزید الجمّار ، بلا تعرض للاختلاف. ولم یتعرضه فی تنقیح المقال ، لا فی ترجمته ولا فی ترجمة عبد الله بن عثمان ( وهو الراوی عنه ) وکذا فی کتب القدماء.
2- الکافی ( 3 : 8 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 410 - 1291 ) ، الإستبصار ( 1 : 45 - 127 ) ، الوسائل ( 1 : 145 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (2).
3- المختلف : (15).
4- التهذیب ( 1 : 410 - 1292 ) ، الوسائل ( 1 : 145 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (6).
5- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : (156).

______________________________________________________

کذابا (1). وقال القتیبی : إنه کان من الغلاة الکبار (2). وقال النجاشی : إن ابنه محمدا ضعیف جدا لا یعول علیه فی شی ء (3). وأیضا فإنها مجملة الدلالة ، متروکة الظاهر ، مخالفة للاعتبار ، فالأجود اطراحها رأسا.

وبالجملة : فالأخبار الواردة فی هذه المسألة (4) کلها ضعیفة السند ، لکن المقام مقام استحباب فالأمر فیه هین.

واعلم : أنه علی ما اعتبره المتأخرون یتحصل فی المسألة أربع وعشرون صورة ، لأن امتداد البئر والبالوعة إما أن یکون فی جهة الجنوب والشمال ، أو فیما بین المشرق والمغرب ، وبکل تقدیر إما أن تکون الأرض صلبة أو رخوة ، فهذه ثمان صور ، ثم إما أن یستوی القراران حسا أو تکون البئر أعلی أو البالوعة.

فإن کانت البئر فی جهة الشمال فصوره ست.

الأولی : قرارها أعلی والأرض صلبة.

الثانیة : الصورة بحالها والأرض رخوة.

الثالثة : استواء القرارین والأرض صلبة.

الرابعة : الصورة بحالها والأرض رخوة.

الخامسة : قرار البالوعة أعلی والأرض صلبة. وفی هذه الصور الخمس یستحب التباعد عندهم بخمس.

السادسة : الصورة بحالها والأرض رخوة والتباعد هنا بسبع. ومنه یعلم حکم الصور

ص: 104


1- کما فی رجال النجاشی : ( 182 - 842 ).
2- کما فی رجال الکشی ( 2 : 673 - 704 ). ففیه : محمد بن مسعود ، قال ، قال علی بن محمد : سلیمان الدیلمی من الغلاة الکبار.
3- رجال النجاشی : ( 365 - 987 ).
4- الوسائل ( 1 : 144 ) أبواب الماء المطلق ب (24).

ولا یحکم بنجاسة البئر إلا أن یعلم وصول ماء البالوعة إلیها.

______________________________________________________

الباقیة إلا أنّ التباعد فی الصورة الرابعة یکون فیها بسبع ، فالتباعد بخمس فی سبع عشرة صورة وبسبع فی سبع.

قوله : ولا یحکم بنجاسة البئر إلا أن یعلم وصول ماء البالوعة إلیها.

بل الأظهر عدم نجاستها إلا بالتغیر ، وهذا الحکم معلوم مما سبق (1) ویدل علیه أیضا روایة محمد بن القاسم ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی البئر یکون بینها وبین الکنیف خمسة أذرع أو أقل أو أکثر یتوضأ منها؟ قال : « نعم ، لیس یکره من قرب ولا بعد ، یتوضأ منها ویغتسل » (2) ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر : قالوا : قلنا له : بئر یتوضأ منها یجری البول قریبا منها ، أینجسها؟ قال ، فقال : « إن کانت البئر فی أعلی الوادی یجری فیه البول من تحتها وکان بینهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ینجس ذلک شی ء. وإن کانت البئر فی أسفل الوادی ویمر الماء علیها وکان بین البئر وبینه تسعة أذرع لم ینجسها ، وما کان أقل من ذلک لم یتوضأ منه » قال زرارة : فقلت له : فإن کان مجری البول بلزقها وکان لا یلبث علی الأرض؟ فقال : « ما لم یکن له قرار فلیس به بأس وإن استقر منه قلیل فإنه لا یثقب الأرض ولا یغوله (3) حتی یبلغ البئر ولیس علی البئر منه بأس فتوضأ منه إنما ذلک إذا استنقع کله » (4) وزاد فی الکافی بعد قوله : لم ینجس ذلک شی ء : « وإذا کان

ص: 105


1- المتقدم فی ص (55).
2- الکافی ( 3 : 8 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 411 - 1294 ) ، الإستبصار ( 1 : 46 - 129 ) ، الوسائل ( 1 : 126 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
3- یغوله : یغلبه ( راجع مجمع البحرین 5 : 437 ).
4- التهذیب ( 1 : 410 - 1293 ) ، الإستبصار ( 1 : 46 - 128 ) ، الوسائل ( 1 : 144 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (1).

وإذا حکم بنجاسة الماء لم یجز استعماله فی الطهارة مطلقا ، ولا فی الأکل والشرب إلا عند الضرورة.

______________________________________________________

أقل من ذلک نجّسها » (1).

لأنا نقول : یمکن تأویلها بما یوافق المشهور جمعا بین الأدلة بأن یحمل قوله : نجّسها ، علی المعنی اللغوی ، ویحمل النهی عن الوضوء منها علی التنزیه ، ویحمل البأس علی ما یتناول الکراهة.

ویمکن القدح فیها بالإضمار ، لعدم العلم بالمسؤول عنه فلعله ممّن لا یجب اتباع قوله. إلا أنّ ذلک غیر قادح عند التحقیق ، إذ الظاهر أن هؤلاء الأجلاء لا یروون إلا عن إمام.

فرع : قال فی المنتهی : لو تغیر ماؤها تغیرا یصلح استناده إلی البالوعة فهو علی الطهارة ما لم یحصل الیقین بالاستناد ، وکذا غیر البالوعة من النجاسات (2).

قوله : وإذا حکم بنجاسة الماء لم یجز استعماله فی الطهارة مطلقا ، ولا فی الأکل والشرب إلا عند الضرورة.

المراد بعدم الجواز هنا معناه المتعارف وهو التحریم بقرینة قوله : ولا فی الأکل والشرب. فإن استعماله فیهما محرم قطعا. وإنما کانت الطهارة بالنجس محرمة ، لأن استعمال المکلف النجس فیما یعده طهارة فی نظر الشارع أو إزالة نجاسة یتضمن إدخال ما لیس من الشرع فیه ، فیکون حراما لا محالة ، کما فی الصلاة بغیر طهارة.

ویحتمل أن یراد بعدم الجواز هنا عدم الاعتداد بالطهارة فی رفع الحدث ، وبه صرح العلامة - رحمه الله - فی النهایة ، حیث قال بعد أن حکم بتحریم ذلک : إنا لا نعنی

عدم جواز استعمال المحکوم بنجاسته

ص: 106


1- الکافی ( 3 : 7 - 2 ).
2- المنتهی ( 1 : 19 ).

ولو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما. وإن لم یجد غیر مائهما تیمّم.

______________________________________________________

بالتحریم حصول الإثم بذلک ، بل نعنی عدم الاعتداد به فی رفع الحدث (1).

والمراد بالإطلاق هنا شمول حالتی الاختیار والاضطرار مقابل القید الذی بعده ، فإنّ الماء النجس لا یصح الطهارة به إجماعا ، بل ینتقل معه إلی التیمم کما حکاه فی النهایة. ویحتمل أن یرید بالإطلاق أنه لا فرق فی ذلک بین الطهارة الحقیقیة والمجازیة لیشمل إزالة النجاسة.

قوله : ولو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما ، وإن لم یجد غیر مائهما تیمم.

هذا مذهب الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن رجل معه إناءان فیهما ماء وقع فی أحدهما قذر لا یدری أیهما هو ، ولیس یقدر علی ماء غیره قال : « یهریقهما ویتیمم » (2) وهی ضعیفة السند بجماعة من الفطحیة (3).

واحتج علیه فی المختلف أیضا : بأن اجتناب النجس واجب قطعا ، وهو لا یتم إلا باجتنابهما معا ، وما لا یتم الواجب إلا به فهو واجب (4).

وفیه نظر : فإن اجتناب النجس لا یقطع بوجوبه إلاّ مع تحققه بعینه لا مع الشک فیه ، واستبعاد سقوط حکم هذه النجاسة شرعا إذا لم یحصل المباشرة بجمیع ما وقع فیه

حکم الإناءین المشتبهین

ص: 107


1- (1) نهایة الأحکام ( 1 : 246 )
2- التهذیب ( 1 : 248 - 712 ) ، ( 407 - 1281 ) ، الوسائل ( 1 : 116 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (14) ، بتفاوت یسیر.
3- وهم ابن فضال ، وعمرو بن سعید ، ومصدق بن صدقة ، وعمار الساباطی.
4- المختلف : (16).

______________________________________________________

الاشتباه غیر ملتفت إلیه ، وقد ثبت نظیره فی حکم واجدی المنی فی الثوب المشترک ، واعترف به الأصحاب فی غیر المحصور أیضا ، والفرق بینه وبین المحصور غیر واضح عند التأمل. ویستفاد من قواعد الأصحاب أنه لو تعلق الشک بوقوع النجاسة فی الماء وخارجه لم ینجس الماء بذلک ولم یمنع من استعماله. وهو مؤید لما ذکرناه.

وهنا أبحاث :

الأول : إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین ما لو کان الاشتباه حاصلا من حین العلم بوقوع النجاسة وبینما لو طرأ الاشتباه بعد تعیّن النجس فی نفسه. والفرق بینهما محتمل ، لتحقق المنع من استعمال ذلک المتعین فیستصحب إلی أن یثبت الناقل عنه.

الثانی : لو أصاب أحد الإناءین جسم طاهر بحیث ینجس بالملاقاة لو کان الملاقی معلوم النجاسة ، فهل یجب اجتنابه کالنجس أم یبقی علی أصل الطهارة؟ فیه وجهان أظهرهما : الثانی ، وبه قطع المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی حاشیة الکتاب ، ومال إلیه جدی - قدس سره - فی روض الجنان (1) ، لأن احتمال ملاقاة النجس لا یرفع الطهارة المتیقنة ، وقد روی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، أنه قال : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (2).

وقیل بالأول ، وهو اختیار العلامة فی المنتهی محتجا بأن المشتبه بالنجس بحکم النجس (3). وضعفه ظاهر ، للقطع بأن موضع الملاقاة کان طاهرا فی الأصل ولم یعرض له ما یقتضی ظن ملاقاته للنجاسة فضلا عن الیقین.

ص: 108


1- روض الجنان : (156).
2- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الإستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، الوسائل ( 2 : 1061 ) أبواب النجاسات ب (41) ح (1).
3- المنتهی ( 1 : 30 ).

______________________________________________________

وقولهم : ان المشتبه بالنجس بحکم النجس ، لا یریدون به من جمیع الوجوه ، بل المراد صیرورته بحیث یمنع استعماله فی الطهارة خاصة. ولو صرحوا بإرادة المساواة من کل وجه کانت الدعوی خالیة من الدلیل ، إلا أن الاحتیاط یقتضی الاجتناب غالبا.

الثالث : مقتضی النص (1) وکلام الأصحاب وجوب التیمم والحال هذه إذا لم یکن المکلف متمکنا من الماء الطاهر مطلقا. وقد یخص ذلک بما إذا لم یمکن الصلاة بطهارة متیقنة بهما کما إذا أمکن الطهارة بأحدهما والصلاة ثم تطهیر الأعضاء مما لاقاه ماء الوضوء والوضوء بالآخر. لکن یرد علیه : أنّ هذین الماءین قد صارا محکوما بنجاستهما شرعا واستعمال النجس فی الطهارة مما لا یمکن التقرب به ، لأنه بدعة. وفیه ما فیه.

واعلم : أن المشتبه بالمغصوب کالمشتبه بالنجس فی وجوب الاجتناب وبطلان الطهارة به ، للنهی عن استعمال کل واحد منهما.

وأما المشتبه بالمضاف فقد قطع الأصحاب بوجوب الطهارة بکل واحد منهما ، وأنه مع انقلاب أحدهما یجب الوضوء بالآخر والتیمم ، مقدّما الأول علی الثانی.

وقد یقال : إن الماء الذی یجب استعماله فی الطهارة إن کان هو ما علم کونه ماءا مطلقا فالمتجه الاجتزاء بالتیمم وعدم وجوب الوضوء به کما هو الظاهر. وإن کان هو ما لا یعلم کونه مضافا اکتفی بالوضوء ، فالجمع بین الطهارتین غیر واضح. ومع ذلک فوجوب التیمم إنما هو لاحتمال کون المنقلب هو المطلق فلا یکون الوضوء بالآخر مجزیا ، وهذا لا یتفاوت الحال فیه بین تقدیم التیمم وتأخیره کما هو واضح.

ص: 109


1- الوسائل ( 2 : 966 ) أبواب التیمم ب (4).

الثانی فی المضاف :

وهو کل ما اعتصر من جسم أو مزج به مزجا یسلبه إطلاق الاسم. وهو طاهر لکن لا یزیل حدثا إجماعا ،

______________________________________________________

قوله : الثانی فی المضاف ، وهو : کل ما اعتصر من جسم أو مزج به مزجا یسلبه إطلاق الاسم.

قد بینا فیما سبق أنّ هذه التعریفات کلها لفظیة علی قانون أهل اللغة ، وهو تبدیل اسم باسم آخر أشهر منه ، وإن کان أعم من موضوعه (1). وحینئذ فلا یرد علی هذا التعریف أنه غیر مطرد ولا منعکس ، لانتقاضه طردا بالمصعّد ، وعکسا بالدم المعتصر مثلا ( مع إمکان اندفاع الثانی بقراءة : « ما » بالمد کما هو ظاهر ) (2).

قوله : وهو طاهر لکن لا یزیل حدثا إجماعاً ،

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وخالف فیه ابن بابویه - رحمه الله - فجوّز رفع الحدث بماء الورد (3). ولم یعتبر المصنف - رحمه الله - خلافه حیث ادّعی الإجماع علی عدم حصول الرفع به لمعلومیة نسبه ، أو لانعقاد الإجماع بعده. والمعتمد المشهور.

ولنا علیه وجوه :

الأول : قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (4) أوجب التیمم عند فقد الماء المطلق ، لأن الماء حقیقة فیه ، واللفظ إنما یحمل علی حقیقته ، ولو کان الوضوء جائزا بغیره لم یجب التیمم عند فقده ، وذلک ظاهر.

- الماء المضاف

ص: 110


1- فی ص (7).
2- ما بین القوسین لیس فی : « س ».
3- الهدایة : (13) ، الفقیه ( 1 : 6 ) ، الأمالی : (514).
4- النساء : (43) ، المائدة : (6).

______________________________________________________

الثانی : قوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر وقد سأله عن الوضوء باللبن : « لا إنما هو الماء والصعید » (1) نفی أن یکون غیر الماء والصعید مطهرا ، والتقریب ما تقدم.

الثالث : قوله تعالی ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (2) وجه الاستدلال أنه تعالی خص التطهیر بالماء النازل من السماء ، فلا یکون غیره مطهرا.

أما المقدمة الأولی : فلأنه تعالی ذکر ذلک فی معرض الامتنان ، فلو حصلت الطهارة بغیره کان الامتنان بالأعم أولی ، ولم یظهر للتخصیص فائدة.

وأما الثانیة : فظاهرة ، کذا استدل فی المختلف (3).

وفیه نظر : لجواز أن یخصّ أحد الشیئین الممتنّ بهما بالذکر إذا کان أبلغ وأکثر وجودا وأعم نفعا ، وقد تقرر أنّ التخصیص بالذکر لا ینحصر فی التخصیص بالحکم.

الرابع : إن الحدث وهو المنع من الصلاة معنی مستفاد من الشارع فیجب استمراره إلی أن یثبت له رافع شرعی ، والذی ثبت التعبد باستعماله وکونه رافعا للحدث هو الماء المطلق ، فینتفی بدونه.

واحتج ابن بابویه - رحمه الله - بما رواه یونس ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الرجل یغتسل بماء الورد ویتوضأ به للصلاة قال : « لا بأس بذلک » (4) وهو ضعیف ، لاشتمال سنده علی سهل بن زیاد وهو عامی (5) ومحمد بن عیسی عن یونس وقد نقل الصدوق - رحمه الله - عن شیخه ابن الولید - رحمه الله - أنه لا یعتمد علی حدیث محمد

ص: 111


1- التهذیب ( 1 : 188 - 540 ) ، الإستبصار ( 1 : 155 - 534 ) ، الوسائل ( 1 : 146 ) أبواب الماء المضاف ب (2) ح (1).
2- الفرقان : (48).
3- المختلف : (10).
4- الکافی ( 3 : 73 - 12 ) ، التهذیب ( 1 : 218 - 627 ) ، الإستبصار ( 1 : 14 - 27 ) ، الوسائل ( 1 : 148 ) أبواب الماء المضاف ب (3) ح (1).
5- تفرّد السید المؤلف بنسبة العامیة الیه ولم نجد من نسبها الیه غیره.

ولا خبثا علی الأظهر. ویجوز استعماله فیما عدا ذلک.

______________________________________________________

بن عیسی عن یونس (1).

وحکم الشیخ - رحمه الله - فی کتابی الأخبار (2) بشذوذ هذه الروایة ، وأن العصابة أجمعت علی ترک العمل بظاهرها. ثم أجاب عنها باحتمال أن یکون المراد بالوضوء التحسین والتنظیف ، أو بأن یکون المراد بماء الورد الماء الذی وقع فیه الورد دون أن یکون معتصرا منه. وما هذا شأنه فهو بالإعراض عنه حقیق.

ونقل المصنف فی المعتبر اتفاق الناس جمیعا علی أنه لا یجوز الوضوء بغیر ماء الورد من المائعات (3).

قوله : ولا خبثا علی الأظهر.

خالف فی ذلک المرتضی - رحمه الله - فی شرح الرسالة (4) ، والمفید - رحمه الله - فی المسائل الخلافیة (5) فجوزا إزالة الخبث به مطلقا.

والأصح عدمه کما اختاره المصنف (6) وأکثر الأصحاب ، لورود الأمر بغسل الثوب والبدن بالماء فی عدة أخبار (7) ، وهو حقیقة فی المطلق ، فیجب حمله علیه. ولا ینافی ذلک إطلاق الأمر بالغسل فی بعضها أیضا ، لأن المقید یحکّم علی المطلق کما هو مقرر فی الأصول.

ص: 112


1- کما فی رجال النجاشی : ( 333 - 896 ).
2- التهذیب ( 1 : 219 ) ، الاستبصار ( 1 : 14 ).
3- المعتبر ( 1 : 82 ).
4- نقله عن شرح الرسالة فی المعتبر ( 1 : 82 ) وهذا القول والاحتجاج الذی یلیه موجود فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (183).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 82 ).
6- المعتبر ( 1 : 82 ).
7- الوسائل ( 1 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1).

______________________________________________________

احتج المرتضی - رحمه الله - بإجماع الفرقة ، وبإطلاق قوله تعالی ( وَثِیابَکَ فَطَهِّرْ ) (1) وقوله علیه السلام : « إنما یغسل الثوب من المنی والدم » (2) والطهارة والغسل بحسب المفهوم متناول لما کان بالماء وغیره. ثم اعترض علی نفسه فی الأول : بالمنع من تناول الطهارة للغسل بغیر الماء.

وفی الثانی : بأن إطلاق الأمر بالغسل ینصرف إلی ما یغسل به فی العادة ، ولم تقض العادة بالغسل بغیر الماء.

وأجاب عن الأول : بأنّ تطهیر الثوب لیس بأکثر من إزالة النجاسة عنه وقد زالت بغسله بغیر الماء مشاهدة ، لأن الثوب لا تلحقه عبادة.

وعن الثانی : بالمنع من اختصاص الغسل بما یسمی الغاسل به غاسلا عادة ، ولو کان کذلک لوجب المنع من غسل الثوب بماء الکبریت والنفط وغیرهما مما لم تجر العادة بالغسل فیه ، ولما جاز ذلک - وإن لم یکن معتادا - إجماعا علمنا عدم الاشتراط بالعادة ، وأنّ المراد بالغسل ما یتناوله اسمه حقیقة من غیر اعتبار العادة (3). هذا کلامه - رحمه الله -.

ویرد علی الأول : المنع من تساوی المفهومین شرعا ، کیف وقد اشترط هو - رحمه الله - فی تطهیر النجس ورود الماء علیه ولم یکتف بوروده علی الماء (4). وأجمع علماؤنا علی أنّ إزالة النجاسة بالبصاق لا یفید طهارة المحل ، ولو اتحدا مفهوما للزم طهارة المحل بمجرد زوال النجاسة به مطلقا.

ص: 113


1- المدثر : (4).
2- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (183) ، المعتبر ( 1 : 415 ).
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (183).
4- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (183).

ومتی لاقته النجاسة نجس قلیله وکثیره ، ولم یجز استعماله فی أکل ولا شرب.

ولو مزج طاهره بالمطلق اعتبر فی رفع الحدث به إطلاق الاسم.

______________________________________________________

وعلی الثانی : أنّ الغسل إنما ینصرف إلی ما هو المعتاد الجاری علی ألسنة أهل العرف وهو الغسل بالماء المطلق ، کما فی قول القائل : اسقنی. ولئن سلم عدم تناوله لماء الکبریت ونحوه لم یقدح ذلک فی جواز الطهارة به ، لانعقاد الإجماع علی الجواز کما اعترف به هو - رحمه الله - ومع ذلک فوجوب حمل المطلق علی المقید یبطل التمسک بما ذکره من الظواهر.

قوله : ومتی لاقته نجاسة نجس قلیله وکثیره.

قال المصنف فی المعتبر : هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. واستدل علیه بأن المائع قابل للنجاسة ، والنجاسة موجبة لنجاسة ما لاقته ، فیظهر حکمها عند الملاقاة ثم تسری النجاسة بممازجة المائع بعضه بعضا (1) ، وهو حسن.

ولا تسری النجاسة مع اختلاف السطوح إلی الأعلی قطعا ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

ومتی حکم بنجاسة هذا الماء امتنع استعماله فی مشروط بالطهارة. ولا سبیل إلی طهارته إلا باختلاطه بالجاری أو الکثیر من الماء المطلق الطاهر وصیرورته ماءا مطلقا ، فیجوز استعماله حینئذ فیما یستعمل فیه المیاه المطلقة.

قوله : ولو مزج طاهره بالمطلق اعتبر فی رفع الحدث به إطلاق الاسم.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین ما إذا کان المضاف مخالفا للمطلق فی الصفات أو موافقا له کماء الورد المنقطع الرائحة.

والحکم باعتبار الاسم فی الأول مجمع علیه بین الأصحاب علی ما نقله جماعة (2).

نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة

لو مزج المضاف بطاهر

ص: 114


1- المعتبر ( 1 : 84 ).
2- منهم ابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (552) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 3 ).

______________________________________________________

وإنما الخلاف فی الثانی فنقل عن الشیخ - رحمه الله - اعتبار الأکثر وجواز الاستعمال مع المساواة (1). وعن ابن البراج المنع من الاستعمال مع المساواة أیضا (2). واعتبر العلامة (3) المخالفة المقدرة کالحکومة فی الحر (4). قال فی الذکری : فحینئذ یعتبر الوسط فی المخالفة ولا یعتبر فی الطعم حدّة الخل ولا فی الرائحة ذکاء المسک (5). وهو حسن. ویحتمل اعتبار أقل ما یتحقق به المخالفة ، والأصح ما أطلقه المصنف - رحمه الله - من اعتبار الاسم ، لأنه مناط الأحکام.

إذا تقرر ذلک فاعلم : أنه لو کان مع المکلف ماء لا یکفیه للطهارة وأمکن تتمیمه بالمضاف مع بقاء الاسم وجب علیه ذلک علی الأظهر ، فإن ما لا یتم الواجب إلا به فهو واجب.

ونقل عن الشیخ - رحمه الله - أنه منع من وجوب التتمیم وحکم بأن فرضه التیمم ، مع أنه أوجب علیه الوضوء بعده (6). فألزمه العلامة بتنافی قولیه ، لأن الماء المطلق إن تحقق وجوده بالمزج صح الوضوء به ووجب المزج ، وإلا وجب الحکم بعدم صحة الوضوء (7).

وأجاب عنه ولده فی الشرح : بأنّ الطهارة واجب مشروط بوجود الماء والتمکن منه ، فلا یجب إیجاده ، لأن شرط الواجب المشروط غیر واجب ، أما مع وجوده فیتعین

ص: 115


1- المبسوط ( 1 : 8 ).
2- المهذب ( 1 : 24 ).
3- المنتهی ( 1 : 5 ) ، والتذکرة ( 1 : 3 ) ، والمختلف : (14).
4- أی : کما یقدر الحرّ عبدا فی الحکومة.
5- الذکری : (7).
6- المبسوط ( 1 : 9 ).
7- المختلف : (14).

وتکره الطهارة بماء أسخن بالشمس فی الآنیة ،

______________________________________________________

استعماله (1).

وفیه نظر : فإنه إن أراد بإیجاد الماء ما لا یدخل تحت قدرة المکلف فهو حق ولا ینفعه ، وإن أراد به الأعم فممنوع ، لأنه لو توقف وجود الماء علی حفر بئر ونحوه وجب قطعا ، فالتنافی بحاله.

قوله : وتکره الطهارة بماء أسخن بالشمس فی الآنیة.

الأصل فی ذلک ما رواه إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن علیه السلام : قال : « دخل رسول الله صلی الله علیه و آله علی عائشة وقد وضعت قمقمتها فی الشمس فقال : یا حمیراء ما هذا؟ فقالت : أغسل رأسی وجسدی ، فقال : لا تعودی فإنه یورث البرص » (2) وحکم المصنف فی المعتبر بصحة سند هذا الحدیث (3). وهو غیر واضح ، لأن فی طریقه إبراهیم بن عبد الحمید ، ودرست ، وهما واقفیان (4) ، ومحمد بن عیسی العبیدی وفیه کلام (5).

وما رواه إسماعیل بن أبی زیاد ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : الماء الذی یسخن بالشمس لا توضئوا به ولا تغتسلوا به ولا تعجنوا به ، فإنه یورث البرص » (6).

کراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس

ص: 116


1- إیضاح الفوائد ( 1 : 18 ).
2- التهذیب ( 1 : 366 - 1113 ) ، الإستبصار ( 1 : 30 - 79 ) ، الوسائل ( 1 : 150 ) أبواب الماء المضاف ب (6) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 40 ).
4- راجع رجال الشیخ : ( 344 ، 348 ).
5- راجع معجم رجال الحدیث ( 17 : 113 - 11509 ).
6- الکافی ( 3 : 15 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 379 - 1177 ) ، الوسائل ( 1 : 150 ) أبواب الماء المضاف ب (6) ح (2). بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

وحملهما الأصحاب علی الکراهة ، لضعف سندهما ، ولما روی عن الصادق علیه السلام بطریق ضعیف أیضا أنه قال : « لا بأس أن یتوضأ بالماء الذی یوضع فی الشمس » (1).

وإطلاق الخبر الثانی یقتضی عموم الکراهة سواء کان الماء فی آنیة أو فی غیرها ، وسواء کانت الآنیة منطبعة أم لا ، وسواء قصد إلی تسخینه أو تسخن من قبل نفسه ، وسواء کانت البلاد حارة أو معتدلة ، وسواء استعمل فی الطهارة أو غیرها.

لکن قال العلامة فی النهایة : إن التعلیل بکونه یورث البرص یقتضی قصر الحکم علی الأوانی المنطبعة غیر الذهب والفضة ، فی البلاد الحارة ، لأن الشمس الحارة إذا أثرت فی تلک الأوانی استخرجت منها زهومة تعلو الماء ، ومنها یتولد المحذور. وقال : إنّ ما یسخن فی الحیاض والبرک لا تکره الطهارة به إجماعا (2).

واعلم : أنّ المراد بالمکروه هنا ما نهی الشارع عنه لرجحان ترکه علی فعله علی بعض الوجوه. وما قیل من أنّ مکروه العبادة عبارة عما کان أقل ثوابا من غیره (3). فغیر جید ، لانتقاضه بکثیر من المستحبات والواجبات.

وینبغی القطع بانتفاء الکراهة مع تعین استعمال ذلک الماء ، لتوجه الأمر باستعماله عینا المنافی لتعلق النهی به کما لا یخفی.

کراهة غسل الأموات بماء أسخن بالنار

- الماء المستعمل

ص: 117


1- التهذیب ( 1 : 366 - 1114 ) ، الإستبصار ( 1 : 30 - 78 ) ، الوسائل ( 1 : 151 ) أبواب الماء المضاف ب (6) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
2- نهایة الأحکام ( 1 : 226 ).
3- کما فی المسالک ( 1 : 75 ) فإنه قال فی کراهة الصوم فی السفر : والمراد کونه أنقص ثوابا من الصوم فی الحضر کنظائره من مکروه العبادة.

وبماء أسخن بالنار فی غسل الأموات.

والماء المستعمل فی غسل الأخباث نجس ، سواء تغیر بالنجاسة أو لم یتغیر ،

______________________________________________________

قوله : وبماء أسخن بالنار فی غسل الأموات.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (1). وتدل علیه صحیحة زرارة : قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « لا یسخن الماء للمیت ولا یعجل له النار » (2) والنهی وإن کان حقیقة فی التحریم لکنه محمول علی الکراهة ، لاتفاق الأصحاب علی أن ذلک غیر محرم.

قال الشیخ - رحمه الله - : ولو خشی الغاسل من البرد انتفت الکراهة (3). وهو حسن (4).

قوله : والماء المستعمل فی غسل الأخباث نجس ، سواء تغیر بالنجاسة أو لم یتغیر.

أما نجاسته مع التغیر فبإجماع الناس ، قاله فی المعتبر (5) ، لما تقدم من أنّ غلبة النجاسة علی الماء مقتضیة لتنجیسه. وأما إذا لم یتغیر فقد اختلف فیه کلام الأصحاب ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط : هو نجس ، وفی الناس من قال لا ینجس إذا لم

حکم الماء المستعمل فی غسل الأخباث

ص: 118


1- المنتهی ( 1 : 430 ).
2- لم نعثر علی حدیث لزرارة بهذا النص ، نعم یوجد « لا یسخن الماء للمیت » بدون ذیل الحدیث فی التهذیب ( 1 : 322 - 938 ) ، والوسائل ( 2 : 693 ) أبواب غسل المیت ب (10) ح (1) ، ووردت بتمامها بسند آخر عن یعقوب بن یزید عن عدة من أصحابنا عن أبی عبد الله علیه السلام فی الکافی ( 3 : 147 - 2 ) ، والتهذیب ( 1 : 322 - 937 ) ، والوسائل ( 2 : 693 ) أبواب غسل المیت ب (10) ح (3).
3- الخلاف ( 1 : 279 ) ، والمبسوط ( 1 : 177 ) ، والنهایة : (33).
4- فی « ح » زیادة : لما بیناه فی المسألة السابقة.
5- المعتبر ( 1 : 90 ).

______________________________________________________

تغلب النجاسة علی أحد أوصافه ، وهو قوی ، والأول أحوط (1). واختلف کلامه فی الخلاف ، فقال فی موضع منه : إذا أصاب الثوب نجاسة فغسل بالماء [ فانفصل الماء ] (2) عن المحل فأصاب الثوب أو البدن ، فإن کان من الغسلة الأولی فإنه نجس ویجب غسله والموضع الذی یصیبه ، وإن کان من الغسلة الثانیة لا یجب غسله إلا أن یکون متغیرا بالنجاسة (3). ثم قال فی موضع آخر منه : إذا أصاب من الماء الذی یغسل به الإناء من ولوغ الکلب ثوب الإنسان أو جسده لا یجب غسله سواء کان من الدفعة الأولی أو الثانیة أو الثالثة (4).

وقال السید المرتضی - رحمه الله - فی جواب المسائل الناصریة بعد أن نقل عن الشافعی الفرق بین ورود الماء علی النجاسة وورودها علیه ، واعتبار القلتین فی الثانی دون الأول : ویقوّی فی نفسی عاجلا إلی أن یقع التأمل صحة ما ذهب إلیه الشافعی (5). ومقتضاه عدم نجاسة الماء بوروده علی النجاسة مطلقا سواء فی ذلک ما یزال به النجاسة وغیره.

وحکی العلامة فی المختلف عن ابن إدریس القول بالطهارة (6). ولم أقف علی عبارته.

ص: 119


1- المبسوط ( 1 : 92 ). إلاّ أن فیه : « الأقوی » مکان « قوی ». وکذا فی النسخة الحجریة للمدارک.
2- ما بین المعقوفتین أثبتناه من المصدر.
3- الخلاف ( 1 : 48 ).
4- الخلاف ( 1 : 49 ).
5- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
6- المختلف : (13).

______________________________________________________

وقال ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : فأما الماء الذی یغسل به الثوب ، أو یغتسل به من الجنابة ، أو تزال به النجاسة فلا یتوضأ به (1). والتسویة بینه وبین رافع الأکبر یشعر بطهارته.

وقطع المصنف والعلامة (2) بالنجاسة مطلقا ، واستدل علیه فی المعتبر (3) : بأنه ماء قلیل لاقی نجاسة فیجب أن ینجس ، وبروایة العیص بن القاسم : قال : سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فیه وضوء فقال : « إن کان من بول أو قذر فیغسل ما أصابه » (4).

واحتج علیه فی المختلف (5) أیضا بما رواه عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الماء الذی یغسل به الثوب أو یغتسل به من الجنابة لا یجوز أن یتوضأ منه وأشباهه » (6).

وفی الجمیع نظر :

أما الأول : فلمنع کلیة کبراه ، کما بیناه فیما سبق. وأما الروایتان فضعیفتا السند کما اعترف به المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (7) ، قاصرتا الدلالة ، بل ربما کان فی الثانیة إشعار بالطهارة من حیث التسویة بین ما یغسل به الثوب ویغتسل به من الجنابة.

ص: 120


1- الفقیه ( 1 : 10 ).
2- المنتهی ( 1 : 24 ) ، والمختلف : (13) ، والتذکرة ( 1 : 5 ).
3- المعتبر ( 1 : 90 ).
4- المعتبر ( 1 : 90 ) ، الذکری : (9) ، الوسائل ( 1 : 156 ) أبواب الماء المضاف ب (9) ح (14).
5- المختلف : (13).
6- التهذیب ( 1 : 221 - 630 ) ، الإستبصار ( 1 : 27 - 71 ) ، الوسائل ( 1 : 155 ) أبواب الماء المضاف ب (9) ح (13) ، بتفاوت یسیر.
7- المعتبر ( 1 : 90 ).

______________________________________________________

احتج السید المرتضی (1) - رحمه الله - علی ما نقل عنه بأنا لو حکمنا بنجاسة الماء القلیل الوارد علی النجاسة لأدّی ذلک إلی أن الثوب لا یطهر من النجاسة إلاّ بإیراد کر من الماء علیه ، والتالی باطل بالمشقة المنتفیة بالأصل فالمقدم مثله. وبیان الشرطیة : أنّ الملاقی للثوب ماء قلیل فلو نجس حال الملاقاة لم یطهر الثوب ، لأن النجس لا یطهر غیره.

وأجاب عنه فی المختلف بالمنع من الملازمة ، قال : فإنا نحکم بتطهیر الثوب ، والنجاسة فی الماء بعد انفصاله عن المحل (2).

وضعفه ظاهر ، لأن ذلک یقتضی انفکاک المعلول عن العلة التامة ووجوده بدونها ، وهو معلوم البطلان. نعم یمکن أن یقال : إنه لا منافاة بین الحکم بطهارة الثوب المغسول وما یتصل به من البلل ، ونجاسة المنفصل خاصة إذا اقتضته الأدلة ، لکن یبقی الکلام فی إثبات ذلک.

احتج الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف علی نجاسة الغسلة الأولی بأنه ماء قلیل لاقی نجاسة فوجب الحکم بنجاسته. وعلی طهارة الثانیة بالأصل ، وانتفاء الدلیل علی النجاسة ، وبالروایات المتضمنة لطهارة ماء الاستنجاء (3). وعلی طهارة غسالة الإناء مطلقا بأن الحکم بنجاستها یحتاج إلی دلیل ولیس فی الشرع ما یدل علیه ، وبأنه لو کان المنفصل نجسا لما طهر الإناء ، لأنه کان یلزم نجاسة البلّة الباقیة بعد المنفصل ثم ینجس الماء الثانی بنجاسة البلة وکذا ما بعده (4).

ص: 121


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
2- المختلف : (13).
3- الوسائل ( 1 : 160 ) أبواب الماء المضاف ب (13).
4- الخلاف ( 1 : 50 ).

______________________________________________________

ولا یخفی ما فی هذه الأدلة من التدافع. والأجود الاستدلال علی الطهارة بالأصل السالم عما یصلح للمعارضة ، فإن الروایات المتضمنة لنجاسة القلیل بالملاقاة لا تتناول ذلک صریحا ولا ظاهرا ، وتخرج الروایات الدالة علی طهارة ماء الاستنجاء شاهدا.

ویظهر من الشهید فی الذکری المیل إلی ذلک ، فإنه اعترف بأنه لا دلیل علی النجاسة سوی الاحتیاط (1). ویرد علیه : أن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی إلاّ أن المصیر إلیه أولی.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : ذکر جماعة من الأصحاب أنّ من قال بطهارة الغسالة اعتبر فیها ورود الماء علی النجاسة (2). وهو الذی صرح به المرتضی فی جواب المسائل الناصریة (3) ولا بأس به ، لأن أقصی ما یستفاد من الروایات انفعال القلیل بورود النجاسة علیه (4) فیکون غیره باقیا علی حکم الأصل.

وربما ظهر من کلام الشهید فی الذکری (5) عدم اعتبار ذلک ، فإنه مال إلی الطهارة مطلقا ، واستوجه عدم اعتبار الورود فی التطهیر. وهو مشکل ، لنجاسة الماء بورود النجاسة علیه عنده. اللهم إلاّ أن نقول : إن الروایات إنما تضمنت المنع من استعمال القلیل بعد ورود النجاسة علیه وذلک لا ینافی الحکم بطهارة المحل المغسول فیه ، لصدق الغسل مع الورود وعدمه. وسیجی ء تمام الکلام فی هذه المسألة إن شاء الله تعالی.

الثانی : اختلف القائلون بعدم نجاسة الغسالة فی أن ذلک هل هو علی سبیل العفو

ص: 122


1- الذکری : (9).
2- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : (159).
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
4- الوسائل ( 1 : 112 ) أبواب الماء المطلق ب (8).
5- الذکری : (9).

عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم یتغیر بالنجاسة أو تلاقیه نجاسة من خارج.

______________________________________________________

بمعنی الطهارة دون الطهوریة؟ أو تکون باقیة علی ما کانت علیه من الطهوریة؟ أو یکون حکمها حکم رافع الحدث الأکبر؟ فقال بکل قائل. وقال فی المعتبر : إنّ ما یزال به النجاسة لا یرفع به الحدث إجماعا (1).

الثالث : حکی شیخنا الشهید - رحمه الله - فی بعض ما ینسب إلیه قولا لبعض أصحابنا بنجاسة الغسالة مطلقا وإن زاد الغسل علی العدد الواجب (2). وهو باطل ، لمخالفته لأصول المذهب بل لا نعرف القائل به ، وربما نسب إلی المصنف والعلامة (3) وهو خطأ ، فإن المسألة فی کلامهما مفروضة فیما یزال به النجاسة وهو لا یصدق علی الماء المنفصل بعد الحکم بالطهارة.

قوله : عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم یتغیر بالنجاسة أو تلاقیه نجاسة من خارج.

استثنی الأصحاب من غسالة النجاسة ماء الاستنجاء من الحدثین فحکموا بعدم نجاسته. لما فی إیجاب التفصی منه من الحرج والعسر المنفیین بالآیة والروایة ، ولصحیحة عبد الملک بن عتبة الهاشمی : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقع ثوبه علی الماء الذی استنجی به أینجس ذلک ثوبه؟ قال : « لا » (4).

وصحیحة محمد بن النعمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال ، قلت له : استنجی ثم یقع ثوبی فیه وأنا جنب ، قال : « لا بأس به » (5).

طهارة ماء الاستنجاء

ص: 123


1- المعتبر ( 1 : 90 ).
2- الدروس : (16).
3- نسبه إلیهما الشهید فی الذکری : (9).
4- التهذیب ( 1 : 86 - 228 ) ، الوسائل ( 1 : 161 ) أبواب الماء المضاف ب (13) ح (5) ، إلاّ أنّ الروایة فیهما عن عبد الکریم بن عتبة الهاشمی.
5- التهذیب ( 1 : 86 - 227 ) ، الوسائل ( 1 : 161 ) أبواب الماء المضاف ب (13) ح (4).

______________________________________________________

وحسنة الأحول - وهو محمد بن النعمان - : قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخرج من الخلاء فأستنجی فی الماء فیقع ثوبی فی ذلک الماء الذی استنجیت به ، قال : « لا بأس به » (1).

وشرط المصنف وغیره (2) فی الحکم بطهارته عدم تغیره بالنجاسة ، وعدم وقوعه علی نجاسة خارجة عن محله. واشتراطهما ظاهر.

واشترط بعض الأصحاب زیادة علی ذلک أن لا یخالط نجاسة الحدثین نجاسة أخری ، وأن لا ینفصل مع الماء أجزاء من النجاسة متمیزة ، لأنها کالنجاسة الخارجة ینجس بها الماء بعد مفارقة المحل. (3) واشتراطهما أحوط وإن کان للتوقف فیه مجال ، لإطلاق النص.

واعتبر شیخنا الشهید فی الذکری عدم زیادة وزنه (4). وتقدمه فی ذلک العلامة فی النهایة ، فجعل زیادة الوزن فی مطلق الغسالة کالتغیر (5). وهو بعید جدا.

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی ذلک بین المخرجین ، ولا بین الطبیعی وغیره ، ولا بین المتعدی وغیره إلاّ أن یتفاحش علی وجه لا یصدق علی إزالته اسم الاستنجاء.

وهل هو طاهر أم معفو عنه؟ الأظهر : الأول ، لأنه المستفاد من الأخبار (6) ، ونقل

ص: 124


1- الکافی ( 3 : 13 - 5 ) ، الفقیه ( 1 : 41 - 162 ) ، التهذیب ( 1 : 85 - 223 ) ، الوسائل ( 1 : 160 ) أبواب الماء المضاف ب (13) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
2- منهم العلامة فی القواعد ( 1 : 5 ) ، والتذکرة ( 1 : 5 ) ، وتحریر الأحکام ( 1 : 5 ).
3- منهم المحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 11 ).
4- الذکری : (9).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 244 ).
6- الوسائل ( 1 : 160 ) أبواب الماء المطلق ب (13).

______________________________________________________

علیه الإجماع.

وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن المصنف فی المعتبر أنه قال : لیس فی ماء الاستنجاء تصریح بالطهارة وإنما هو بالعفو (1). وتبعه فی ذلک المحقق الشیخ علی فی شرح القواعد (2). وقال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : وفی المعتبر هو عفو (3).

ولم أقف علی ما نقلوه فی الکتاب المذکور ، بل کلامه فیه کالصریح فی الطهارة فإنه قال : وأما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشیخین ، وقال علم الهدی فی المصباح : لا بأس بما ینضح من ماء الاستنجاء علی الثوب والبدن. وکلامه صریح فی العفو ولیس بصریح فی الطهارة ، ویدل علی الطهارة ما رواه الأحول (4). ونقل الروایتین المتقدمتین (5).

واعلم أنّ إطلاق العفو عن ماء الاستنجاء یقتضی جواز مباشرته مطلقا ، وعدم وجوب إزالته عن الثوب والبدن للصلاة وغیرها ، وهذا معنی الطاهر بعینه فلا یستقیم ما نقله المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی حواشی الکتاب عن المصنف فی المعتبر أنه اختار کونه نجسا معفوا عنه. بل ولا جعل القول بالعفو عنه مقابلا للقول بطهارته.

والظاهر : أنّ مرادهم بالعفو هنا عدم الطهوریة کما یفهم من کلام شیخنا الشهید فی الذکری حیث قال بعد نقل القول بالطهارة والعفو : وتظهر الفائدة فی استعماله (6).

ص: 125


1- الذکری : (9).
2- جامع المقاصد ( 1 : 11 ).
3- روض الجنان : (160).
4- المعتبر ( 1 : 91 ). لکنه قال بعد نقل الروایتین : ولأن التفصی منه عسر فشرع العفو رفعا للعسر. وهو یفید العفو ، ولعل هذه العبارة کانت ساقطة من نسخته رحمه الله کما یستفاد ذلک من کلامه.
5- فی ص (123).
6- الذکری : (9).

والمستعمل فی الوضوء طاهر ومطهّر. وما استعمل فی الحدث الأکبر طاهر. وهل یرفع به الحدث ثانیا؟ فیه تردد ، والأحوط المنع.

______________________________________________________

وقد نقل المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی الإجماع علی عدم جواز رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقا (1). فتنحصر فائدة الخلاف فی جواز إزالة النجاسة به ثانیا ، والأصح الجواز ، تمسکا بالعموم ، وصدق الامتثال باستعماله.

قوله : والمستعمل فی الوضوء طاهر مطهّر.

هذا الحکم إجماعی عندنا ، وخالف فیه أبو حنیفة - علیه ما یستحق - فحکم بأنه نجس نجاسة مغلظة حتی أنه إذا أصاب الثوب أکثر من درهم منع أداء الصلاة (2) - وهو علی إطلاقه باطل ، نعم - (3) وربما کان حقا بالنسبة إلیه.

قوله : وما استعمل فی رفع الحدث الأکبر طاهر ، وهل یرفع به الحدث ثانیا؟ فیه تردد ، والأحوط المنع.

اختلف الأصحاب فی الماء القلیل المستعمل فی الطهارة الکبری بعد اتفاقهم علی طهارته ، فقال الشیخان (4) وابنا بابویه (5) - رحمهم الله - إنه غیر رافع للحدث ، واحتاط به المصنف. وذهب المرتضی (6) وابن إدریس (7) - رحمهما الله - وأکثر

حکم الماء المستعمل فی الوضوء أو رفع الحدث الأکبر

ص: 126


1- المعتبر ( 1 : 90 ) ، المنتهی ( 1 : 24 ).
2- قال ابن قدامة فی المغنی ( 1 : 48 ) : قال أبو یوسف هو نجس وهو روایة عن أبی حنیفة. ولم أعثر علی من نسب الیه هذا القول سواه. وقال الشیخ فی الخلاف ( 1 : 46 ) وقال أبو یوسف الماء المستعمل نجس وکان یحکیه عن أبی حنیفة وأصحابه یدفعونه عنه.
3- ما بین القوسین من « ح ».
4- المفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 11 ).
5- کما فی الفقیه ( 1 : 10 ) ، ونقله عن ابنی بابویه فی المختلف : (12).
6- جمل العلم : (49) ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
7- السرائر : (32).

______________________________________________________

المتأخرین (1) إلی بقائه علی الطهوریة. وهو الأظهر ، لصدق الامتثال باستعماله ، ولأن واجده واجد للماء المطلق فلا یسوغ له التیمم أخذا بظاهر قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (2).

ویشهد له أیضا ما رواه الفضیل بن یسار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : فی الرجل الجنب یغتسل فینتضح من الماء فی الإناء ، فقال : « لا بأس ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) » (3).

احتج المانع : بأن الماء المستعمل مشکوک فیه فلا یحصل معه تیقن البراءة ، وبقول الصادق علیه السلام فی روایة ابن سنان : « الماء الذی یغسل به الثوب أو یغتسل به الرجل من الجنابة لا یجوز أن یتوضأ منه وأشباهه » (4).

والجواب عن الأول : بمنع الشک مع صدق الإطلاق. وعن الثانی : بالطعن فی سند الحدیث وقد تقدم (5).

والمراد بالمستعمل : الماء القلیل المنفصل عن أعضاء الطهارة. فعلی هذا لو نوی المرتمس فی القلیل بعد تمام ارتماسه ارتفع حدثه ، وصار الماء مستعملا بالنسبة إلی غیره لا بالنسبة إلیه.

ص: 127


1- منهم فخر المحققین فی إیضاح الفوائد ( 1 : 19 ) ، والشهید الأول فی البیان : (47) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 11 ).
2- المائدة : (6).
3- الکافی ( 3 : 13 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 86 - 224 ) ، الوسائل ( 1 : 153 ) أبواب الماء المضاف ب (1) ح (5).
4- التهذیب ( 1 : 221 - 630 ) ، الإستبصار ( 1 : 27 - 71 ) ، الوسائل ( 1 : 155 ) أبواب الماء المضاف ب (9) ح (13).
5- فی ص (120).

الثالث فی الأسئار :

وهی کلها طاهرة عدا سؤر الکلب والخنزیر والکافر.

______________________________________________________

وظاهر العبارة : أنّ الخلاف إنما وقع فی رفع الحدث به ثانیا لا فی إزالة الخبث. وبه صرح العلامة فی المنتهی (1) ، وولده فی الشرح (2) فإنهما نقلا إجماع علمائنا علی جواز رفع الخبث به. وربما یظهر من عبارة الذکری تحقق الخلاف فی ذلک أیضا فإنه قال بعد أن نقل عن الشیخ والمصنف الجواز : وقیل : لا ، لأن قوته استوفیت فألحق بالمضاف (3).

وهو ضعیف جدا. وربما کان القول للعامة کما یشعر به التعلیل.

قوله : الثالث ، فی الأسئار.

الأسئار : جمع السؤر بالهمزة وهو لغة : الفضلة والبقیة قاله فی القاموس (4). وقال فی المعتبر : السؤر مهموزا بقیة المشروب (5). والأظهر فی تعریفه فی هذا الباب : أنه ماء قلیل لاقاه فم حیوان.

وعرفه الشهید (6) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (7) بأنه ماء قلیل باشره جسم حیوان.

وهو غیر جید. أما أولا : فلأنه مخالف لما نصّ علیه أهل اللغة ، ودل علیه العرف العام ، بل والخاص أیضا ، کما یظهر لمن تتبع الأخبار وکلام الأصحاب ، وإن ذکر بعضهم فی باب السؤر غیره استطرادا (8). وکون الغرض هنا بیان الطهارة والنجاسة

ص: 128


1- المنتهی ( 1 : 23 ).
2- إیضاح الفوائد ( 1 : 19 ).
3- الذکری : (12).
4- القاموس المحیط ( 2 : 44 ).
5- المعتبر ( 1 : 93 ).
6- البیان : (46).
7- منهم الشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 46 ).
8- منهم الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 283 ).

وفی سؤر المسوخ تردد ، والطهارة أظهر. ومن عدا الخوارج والغلاة من أصناف المسلمین طاهر الجسد والسؤر.

______________________________________________________

لا یقتضی هذا التعمیم ، لأن حکم ما عدا السؤر یستفاد من مباحث إزالة النجاسات.

وأما ثانیا : فلأن الوجه الذی جعل لأجله السؤر قسیما للمطلق مع کونه قسما منه بحسب الحقیقة وقوع الخلاف فی نجاسة بعضه من طاهر العین وکراهة بعض آخر ، ولیس فی کلام القائلین بذلک دلالة علی اعتبار مطلق المباشرة ، بل کلامهم ودلیلهم کالصریح فی أنّ مرادهم بالسؤر المعنی الذی ذکرناه خاصة فتأمل.

قوله : وفی سؤر المسوخ تردد ، والطهارة أظهر.

منشأ التردد هنا غیر ظاهر ، إذ لیس لأصالة الطهارة معارض یعتد به.

ونقل عن الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف أنه حکم بنجاسة المسوخ لتحریم بیعها (1). وهو ضعیف جدا ، لمنع التحریم والملازمة. واستوجه المصنف فی المعتبر الکراهة رفعا لشبهة الاختلاف (2). وهو حسن.

قوله : ومن عدا الخوارج والغلاة من أصناف المسلمین طاهر الجسد والسؤر.

المراد بالخوارج : أهل النهروان ومن قال بمقالتهم. وبالغلاة : من قال بإلهیة علی علیه السلام ، أو أحد من الناس : والحق بهم النواصب ، وهم المبغضون لأهل البیت علیهم السلام . وألحق الشیخ - رحمه الله - المجبرة والمجسمة (3). وابن إدریس - رحمه الله - کل مخالف للحق (4). وعندی فی جمیع ذلک توقف ، وسیأتی تتمة الکلام فی ذلک

الاٴسئار

حکم سؤر المسوخ

طهارة سؤر المسلم عدا الخوارج والغلاة

ص: 129


1- الخلاف ( 1 : 587 ).
2- المعتبر ( 1 : 99 ).
3- المبسوط ( 1 : 14 ).
4- السرائر : (3).

ویکره سؤر الجلاّل ، وما أکل الجیف إذا خلا موضع الملاقاة من عین النجاسة ،

______________________________________________________

فی أحکام النجاسات إن شاء الله تعالی.

قوله : ویکره سؤر الجلاّل وما أکل الجیف إذا خلا موضع الملاقاة من عین النجاسة.

المراد بالجلال : المتغذی بعذرة الإنسان محضا إلی أن ینبت علیه لحمه واشتد عظمه بحیث یسمی فی العرف جلالا قبل أن یستبرأ بما یزیل الجلل. وبما أکل الجیف : ما من شأنه ذلک. وقوله : إذا خلا موضع الملاقاة من عین النجاسة ، قید فی کل واحد منهما. والحکم بطهارة سؤر هذین النوعین بالقید المذکور وکراهة مباشرته هو المشهور بین الأصحاب.

ویدل علی الطهارة مضافا إلی الأصل روایات کثیرة منها : روایة علی بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : « فضل الحمامة والدجاجة لا بأس به والطیر » (1).

وروایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن ماء یشرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال : « کل شی ء من الطیر یتوضأ مما یشرب منه ، إلاّ أن تری فی منقاره دما ، فإن رأیت فی منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب » (2).

وصحیحة الفضل أبی العباس : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فضل الهرة ، والشاة ، والبقرة ، والإبل ، والحمار ، والخیل ، والبغال ، والوحش ، والسباع ، فلم

کراهة سؤر الجلال وما أکل الجیف

ص: 130


1- الکافی ( 3 : 9 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 228 - 659 ) ، الوسائل ( 1 : 166 ) أبواب الأسئار ب (4) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 9 - 5 ) ، الوسائل ( 1 : 166 ) أبواب الأسئار ب (4) ح (2).

______________________________________________________

أترک شیئا إلاّ سألته عنه فقال : « لا بأس به ». حتی انتهیت إلی الکلب فقال : « رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلک الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء » (1).

وصحیحة محمد ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الکلب یشرب من الإناء قال : « اغسل الإناء ». وعن السنور قال : « لا بأس أن تتوضأ بفضلها إنما هی من السباع » (2) وفی التعلیل إشعار بطهارة السباع کلها. ومثلها روی معاویة بن شریح فی الحسن (3) ، وزرارة فی الصحیح (4) ، عن الصادق علیه السلام .

أما الکراهة : فلم أقف فیها علی دلیل یعتد به ، نعم روی الحسن الوشاء ، عمن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه کان یکره سؤر کل شی ء لا یؤکل لحمه (5). وضعفها بالإرسال یمنع من العمل بها.

وخالف فی ذلک الشیخ فمنع فی المبسوط من سؤر آکل الجیف (6). وفی النهایة من سؤر الجلال (7). وظاهره فی کتابی الأخبار المنع من سؤر ما لا یؤکل لحمه عدا ما لا یمکن التحرز عنه کالهرة ، والفأرة ، والحیة (8).

ص: 131


1- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 1 : 163 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 225 - 644 ) ، الإستبصار ( 1 : 18 - 39 ) ، الوسائل ( 1 : 162 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (3) وفی الجمیع الروایة عن أبی عبد الله علیه السلام .
3- التهذیب ( 1 : 225 - 647 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 41 ) ، الوسائل ( 1 : 163 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (6).
4- الکافی ( 3 : 9 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 227 - 655 ) ، الوسائل ( 1 : 164 ) أبواب الأسئار ب (2) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 10 - 7 ) ، الوسائل ( 1 : 167 ) أبواب الأسئار ب (5) ح (2).
6- الموجود فی المبسوط ( 1 : 10 ) هو المنع من سؤر ما یأکل المیتة والجلال من الطیر ، وما یمکن التحرز عنه من حیوان الحضر.
7- الموجود فی النهایة : (5) هو المنع من سؤر آکل الجیف من الطیر.
8- التهذیب ( 1 : 224 ) ، الاستبصار ( 1 : 26 ).

______________________________________________________

واحتج بما رواه عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عما یشرب الحمام منه فقال : « کل ما أکل لحمه یتوضأ من سؤره ویشرب » (1) وهو احتجاج ضعیف ، لضعف سند الروایة باشتماله علی جماعة من الفطحیة ، وقصور متنها عن الدلالة علی المطلوب ، ومعارضتها بما هو أصح منها سندا وأوضح دلالة.

والأصح طهارة الأسئار کلها عدا سؤر الکلب والخنزیر والکافر ، وهو اختیار المرتضی فی المصباح (2) ، والشیخ فی الخلاف (3) ، وإلیه ذهب عامة المتأخرین.

واعلم ، أنّ المصنف - رحمه الله - فی المعتبر احتج علی الطهارة بروایتی أبی بصیر وعمار المتقدمتین ثم قال : لا یقال علی بن أبی حمزة واقفی وعمار فطحی فلا یعمل بروایتهما. لأنا نقول : الوجه الذی لأجله عمل بروایة الثقة قبول الأصحاب أو انضمام القرینة ، لأنه لو لا ذلک لمنع العقل من العمل بخبر الثقة ، إذ لا قطع بقوله ، وهذا المعنی موجود هنا ، فإن الأصحاب عملوا بروایة هؤلاء کما عملوا هناک (4). هذا کلامه - رحمه الله - ولا یخلو من نظر :

أما أولا : فلأنا نمنع کون المقتضی للعمل بروایة الثقة ما ذکره ، فإنّ الأدلة علی ذلک کثیرة مقررة فی محالها ، وأیضا فإن عمل الأصحاب لیس حجة کما قرره فی مواضع من کتبه (5) ، والقرائن إن کانت حجة برأسها فلا حاجة إلی الخبر ، وإلا فلا فائدة فی انضمامها إلیه.

ص: 132


1- الکافی ( 3 : 9 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 224 - 642 ) ، الإستبصار ( 1 : 25 - 64 ) ، الوسائل ( 1 : 166 ) أبواب الأسئار ب (4) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
2- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 93 ).
3- الخلاف ( 1 : 52 ).
4- المعتبر ( 1 : 94 ).
5- فی « ق » : کتابه.

______________________________________________________

وأما ثانیا : فلأن ما ذکره من منع العقل لو لا ذلک من العمل بخبر الثقة غیر مستقیم ، إذ العقل لا یحیل التعبد به ، ولأن اللازم من ذلک امتناع العمل به مطلقا ، وهو معلوم البطلان.

وأما ثالثا : فلأن ما ذکره من عمل الأصحاب بروایة هؤلاء مناف لما قرره فی الأصول من اشتراط إیمان الراوی ، وما أجاب به عن احتجاج الشیخ - رحمه الله - علی عدم اشتراط ذلک بأن الشیعة عملت بروایة بنی فضال والطاطریة (1) وأضرابهم : من أنه إلی الآن لم یعلم أنّ الشیعة عملت بأخبار هؤلاء (2).

وبالجملة : فکلام المصنف فی هذا المقام لا یخلو من اختلاف. ولتحقیق المسألة موضع آخر.

وهنا شی ء ینبغی التنبیه له وهو : إن مقتضی الأخبار المتضمنة لنفی البأس عن سؤر الهرة وغیرها من السباع (3) طهارتها بمجرد زوال العین ، لأنها لا تکاد تنفک عن النجاسات ، خصوصا الهرة ، فإن العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق فی أکثر الأوقات ، ولو لا ذلک للزم صرف اللفظ الظاهر إلی الفرد النادر ، بل تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، وإنه ممتنع عقلا. وبذلک صرح المصنف فی المعتبر (4) ، والعلامة فی التذکرة والمنتهی (5) فإنهما قالا : إنّ الهرة لو أکلت میتة ثم شربت من الماء القلیل لم ینجس بذلک ، سواء غابت أو لم تغب. وقوّی العلامة فی النهایة نجاسة الماء حینئذ ، ثم جزم بأنها لو غابت

ص: 133


1- قال فی رجال النجاشی : ( 254 - 667 ) : علی بن الحسن بن محمد المعروف بالطاطری ، وإنما سمی بذلک لبیعه ثیابا یقال لها الطاطریة. وکان من وجوه الواقفة.
2- معارج الأصول : (149).
3- الوسائل ( 1 : 164 ) أبواب الأسئار ب (2).
4- المعتبر ( 1 : 99 ).
5- التذکرة ( 1 : 6 ) ، المنتهی ( 1 : 27 ).

والحائض التی لا تؤمن ،

______________________________________________________

عن العین واحتمل ولوغها فی ماء کثیر أو جار لم ینجس ، لأن الإناء معلوم الطهارة ولا یحکم بنجاسته بالشک (1). وهو مشکل.

وقد قطع جمع من المتأخرین بطهارة الحیوان غیر الآدمی بمجرد زوال العین (2) ، وهو حسن ، للأصل ، وعدم ثبوت التعبد بغسل النجاسة عنه. ولا یعتبر فیه الغیبة قطعا.

أما الآدمی فقد قیل : إنه یحکم بطهارته بغیبته زمانا یمکن فیه إزالة النجاسة (3).

وهو مشکل ، والأصح عدم الحکم بطهارته بذلک إلا مع تلبسه بما یشترط فیه الطهارة عنده ، علی تردد فی ذلک أیضا ، والله أعلم.

قوله : والحائض التی لا تؤمن.

أی لا تؤمن من عدم التحفظ من النجاسة. وأطلق المرتضی - رحمه الله - فی المصباح (4) ، والشیخ فی المبسوط (5) کراهیة سؤر الحائض ، وجمع فی کتابی الحدیث بین الأخبار تارة بالمنع من الوضوء بسؤر غیر المأمونة ، واخری بالاستحباب (6). والمعتمد ما اختاره المصنف من التفصیل.

لنا : إن فیه جمعا بین ما تضمن النهی عن الوضوء بسؤر الحائض ، کموثقة عنبسة بن مصعب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اشرب من سؤر الحائض ، ولا تتوضأ منه » (7).

کراهة سؤر الحائض التی لا تؤمن

ص: 134


1- نهایة الأحکام ( 1 : 239 ).
2- منهم ابن فهد فی المهذب البارع : (224).
3- حکاه فی مجمع الفائدة ( 1 : 297 ).
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 99 ).
5- المبسوط ( 1 : 10 ).
6- التهذیب ( 1 : 222 ) ، الإستبصار ( 1 : 17 ).
7- الکافی ( 3 : 10 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 222 - 634 ) ، الإستبصار ( 1 : 17 - 32 ) ، الوسائل ( 1 : 170 ) أبواب الأسئار ب (8) ح (1).

______________________________________________________

وروایة الحسین بن أبی العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض یشرب من سؤرها؟ قال : « نعم ، ولا یتوضأ » (1).

وبین ما ورد من الإذن فی سؤر المأمونة ، کموثقة عیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن سؤر الحائض ، قال : « توضأ به ، وتوضأ من سؤر الجنب إذا کانت مأمونة » (2).

وهذه الروایة مرویة فی الکافی بطریق یقرب من الصحیح ، وفیها قال : وسألته عن سؤر الحائض فقال : « لا توضأ منه ، وتوضأ من سؤر الجنب إذا کانت مأمونة » (3) ومقتضاها عموم الکراهة.

ویشهد لما ذکرناه من الجمع : ما رواه علی بن یقطین فی الموثق ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الرجل یتوضأ بفضل وضوء الحائض فقال : « إذا کانت مأمونة لا بأس » (4).

واعلم : أنّ المستفاد من الأخبار إنما هو کراهة الوضوء بسؤر الحائض خاصة ، بل روایتا عنبسة والحسین بن أبی العلاء صریحتان فی عدم کراهة الشرب منه ، فإطلاق أکثر الأصحاب کراهة سؤرها المؤذن بالتعمیم غیر جید ، وکذا تعدیته إلی کل متهم.

وینبغی أن یعلم أیضا أن إناطة المصنف الکراهة بغیر المأمونة أولی من إناطتها

ص: 135


1- الکافی ( 3 : 10 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 222 - 635 ) ، الإستبصار ( 1 : 17 - 33 ) ، الوسائل ( 1 : 170 ) أبواب الأسئار ب (8) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 222 - 633 ) ، الإستبصار ( 1 : 17 - 31 ) ، الوسائل ( 1 : 168 ) أبواب الأسئار ب (7) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 10 - 2 ).
4- التهذیب ( 1 : 221 - 632 ) ، الإستبصار ( 1 : 16 - 30 ) ، الوسائل ( 1 : 170 ) أبواب الأسئار ب (8) ح (5).

وسؤر البغال والحمیر والفأرة.

______________________________________________________

بالمتهمة کما ذکره غیره ، لأن النص إنما یقتضی انتفاء المرجوحیة إذا کانت مأمونة ، وهو أخص من کونها غیر متهمة ، لتحقق الثانی فی ضمن من لا یعلم حالها دون الأول.

وما ذکره بعض المحققین - من أنّ غیر المأمونة هی المتهمة ، إذ لا واسطة بین المأمونة ومن لا أمانة لها ، والتی لا أمانة لها هی المتهمة - غیر جید ، فإن المتبادر من المأمونة من ظن تحفظها من النجاسات ، ونقیضها من لم یظن بها ذلک ، وهو أعم من المتهمة والمجهولة فتأمل.

قوله : وسؤر البغال والحمیر.

المراد بالحمیر : الأهلیة ، إذ الوحشیة لا کراهة فی سؤرها. وألحق بهما الدواب ، لکراهة لحم الجمیع. ونحن نطالبهم بإثبات الکبری.

قوله : والفأرة.

اختلف الأصحاب فی سؤر الفأرة فقال الشیخ - رحمه الله - فی النهایة فی باب المیاه : وإذا وقعت الفأرة والحیة فی الآنیة وشربتا منها ثم خرجتا منها لم یکن به بأس ، والأفضل ترک استعماله علی کل حال. وقال فی باب أحکام النجاسات : وإذا أصاب ثوب الإنسان کلب أو خنزیر أو ثعلب أو أرنب أو فأرة أو وزغة وکان رطبا وجب غسل الموضع الذی أصابه (1). وظاهر المصنف فی المعتبر عدم الکراهة (2). والمعتمد الطهارة وإن استحب غسل أثرها من الثوب.

لنا علی الطهارة : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سعید الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفأرة تقع فی السمن أو الزیت ثم تخرج منه حیا؟ قال :

حکم سؤر البغال والحمیر والفأرة

ص: 136


1- النهایة : ( 6 و 52 ).
2- المعتبر ( 1 : 99 ).

والحیة ، وما مات فیه الوزغ والعقرب.

______________________________________________________

« لا بأس به » (1).

وفی الصحیح عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : قال : سألته عن فأرة رطبة قد وقعت فی حب دهن فأخرجت قبل أن تموت أنبیعه من مسلم؟ قال : « نعم وتدهن منه » (2).

ولنا علی استحباب غسل أثرها من الثوب ما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : وسألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت فی الماء تمشی علی الثیاب ، أیصلی فیها؟ قال : « اغسل ما رأیت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء » (3).

قوله : والحیة.

القول بکراهة سؤر الحیة للشیخ - رحمه الله - فی النهایة (4) وأتباعه. والأظهر انتفاء الکراهة کما اختاره فی المعتبر (5)، لصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن العظایة والحیة والوزغ تقع فی الماء فلا تموت ، أیتوضأ منه للصلاة؟ فقال : « لا بأس به » (6).

قوله : وما مات فیه الوزغ والعقرب.

الوزغ بالتحریک جمع وزغة به أیضا : دابة معروفة ، وسام أبرص من أصنافه. والقول

حکم سؤر الحیة وحکم ما مات فیه الوزغ والعقرب

ص: 137


1- الکافی ( 6 : 261 - 4 ) ، التهذیب ( 9 : 86 - 362 ) ، الوسائل ( 16 : 464 ) أبواب الأطعمة المباحة ب (45) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 419 - 1326 ) ، الاستبصار ( 1 : 24 - 61 ) ، قرب الإسناد : (113) ، الوسائل ( 1 : 171 ) أبواب الأسئار ب (9) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 60 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 261 - 761 ) ، الوسائل ( 2 : 1049 ) أبواب النجاسات ب (33) ح (2).
4- النهایة : (6).
5- المعتبر ( 1 : 100 ).
6- التهذیب ( 1 : 419 - 1326 ) ، الاستبصار ( 1 : 23 - 58 ) ، قرب الإسناد : (84) ، الوسائل ( 1 : 171 ) أبواب الأسئار ب (9) ح (1).

وینجس الماء بموت الحیوان ذی النفس السائلة دون ما لا نفس له.

______________________________________________________

بکراهة سؤرها وسؤر العقرب هو المشهور بین الأصحاب ، لورود النهی عنه ، وإنما حمل علی الکراهة لضعف سنده ، ومعارضته بصحیحة علی بن جعفر المتقدمة وغیرها من الأخبار (1). وربما قیل بالمنع منه (2). وهو ضعیف. وقال فی التذکرة : إنّ الکراهة من حیث الطب لا لنجاسة الماء (3). وهو حسن.

قوله : وینجس الماء بموت الحیوان ذی النفس السائلة ، دون ما لا نفس له.

المراد بالنفس السائلة : الدم الذی یخرج من عرق. والحکم بنجاسة المیتة من ذی النفس ونجاسة الماء القلیل به موضع وفاق ، وسیجی ء الکلام فیه فی باب إزالة النجاسات.

أما ما لا نفس له کالذباب والجراد فقال فی المعتبر : إنه لا ینجس بالموت عند علمائنا أجمع (4). ونحوه قال فی المنتهی (5). والمستند فیه أصالة الطهارة السالمة من المعارض ، والأخبار المستفیضة کقوله علیه السلام فی روایة حفص بن غیاث : « لا یفسد الماء إلا ما کانت له نفس سائلة » (6) وفی روایة عمار : « کل ما لیس له دم فلا بأس » (7) وفی روایة ابن مسکان : « کل شی ء یسقط فی البئر مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلک فلا

ص: 138


1- الوسائل ( 1 : 171 ) أبواب الأسئار ب (9).
2- کما فی المختلف : (58).
3- التذکرة ( 1 : 6 ).
4- المعتبر ( 1 : 101 ).
5- المنتهی ( 1 : 28 ).
6- التهذیب ( 1 : 231 - 669 ) ، الإستبصار ( 1 : 26 - 67 ) ، الوسائل ( 1 : 173 ) أبواب الأسئار ب (10) ح (2).
7- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الإستبصار ( 1 : 26 - 66 ) ، الوسائل ( 1 : 173 ) أبواب الأسئار ب (10) ح (1).

وما لا یدرک بالطرف من الدم لا ینجّس الماء ، وقیل : ینجّسه ، وهو الأحوط.

______________________________________________________

بأس » (1).

وهذه الروایات وإن ضعف سندها لکن لا بأس بالعمل بها ، لتأیدها بعمل الأصحاب ، ومطابقتها لمقتضی الأصل. وهو حجة بنفسه إذا خلا عن المعارض.

قوله : وما لا یدرکه الطرف من الدم لا ینجّس الماء ، وقیل : ینجسه ، وهو الأحوط.

المراد بما لا یدرکه الطرف : الدم القلیل الذی لا یکاد یدرکه الطرف ، فإن المشتمل علی لون متی وقع حس البصر علیه أدرکه. والقول بنجاسة الماء بذلک هو المشهور بین الأصحاب ، لأنه ماء قلیل لاقی نجاسة فینجس وقد تقدم الکلام فی ذلک.

والقائل بعدم النجاسة هو الشیخ (2) ، لصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل امتخط فصار الدم قطعا فأصاب إناءه هل یصلح الوضوء منه؟ فقال : « إن لم یکن شی ء یستبین فی الماء فلا بأس ، وإن کان شیئا بینا فلا تتوضأ منه » (3).

وأورد علیه أنه لیس فی الروایة تصریح بإصابة الدم الماء ، وإنما المتحقق إصابته الإناء ، وهو لا یستلزم إصابته الماء ، فیکون باقیا علی أصالة الطهارة.

وأجیب عنه بأن السائل هو علی بن جعفر جلیل القدر ، عظیم الشأن ، فلا یسأل عن حکم الماء بوصول النجاسة إلی الإناء.

حکم ما لا یدرکه الطرف من الدم

ص: 139


1- التهذیب ( 1 : 230 - 666 ) ، الإستبصار ( 1 : 26 - 68 ) ، الوسائل ( 1 : 173 ) أبواب الأسئار ب (10) ح (3).
2- کما فی الاستبصار ( 1 : 23 ).
3- الکافی ( 3 : 74 - 16 ) ، التهذیب ( 1 : 412 - 1299 ) ، الإستبصار ( 1 : 23 - 57 ) ، الوسائل ( 1 : 112 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (1).

______________________________________________________

وفیه نظر ، فإن إصابة النجاسة الإناء کما یتحقق مع العلم بوقوعها فی الماء أو فی خارجه ، کذا یتحقق مع انتفاء العلم بأحد الأمرین ، ومعه یحسن السؤال عن جواز استعمال الماء ، فإن القول بوجوب اجتنابه للقطع بوقوع النجاسة فی الإناء إما فی نفس الماء أو فی خارجه کما فی الإناءین المشتبهین محتمل.

فإن قلت : إنّ قوله علیه السلام : « إن لم یکن شی ء یستبین فی الماء » أعم من عدمه فی نفسه ، ووجوده مع عدم ظهوره ، فیجب انتفاء البأس علی التقدیرین عملا بعموم اللفظ إلی أن یظهر المخصص.

قلت : لما لم یکن فی السؤال تصریح بوقوع النجاسة فی الماء ، وکان مقتضی الأصل عدمه ، صح تعلیق الحکم بالطهارة علی عدم استبانته فیه ، فإنه إنما یعلم بذلک غالبا ، ومثل هذا الإطلاق متعارف.

ولقائل أن یقول : لما کان وقوع الدم فی الإناء یجامع العلم بوقوعه فی الماء وخارجه ، والشک بین الأمرین ، کان الحکم بنفی البأس مع عدم استبانته فیه دلیلا علی تساوی الاحتمالات ، حذرا من لزوم تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، فیترجح جانب الطهارة ، إلاّ أنّ القول بالنجاسة أحوط.

ص: 140

الرّکن الثانی : فی الطهارة المائیة ، وهی وضوء وغسل.

وفی الوضوء فصول :

الأوّل : فی الأحداث الموجبة للوضوء ، وهی ستة :

______________________________________________________

قوله : الأول ، فی الأحداث الموجبة للوضوء ، وهی ستة.

الحدث مقول بالاشتراک اللفظی علی الأمور التی یترتب علیها فعل الطهارة ، وعلی الأثر الحاصل من ذلک ، والمعنی الأول هو المراد هنا. وهذه الأمور قد یعبّر عنها بالأسباب ، وهی فی الأحکام الشرعیة عبارة عن المعرفات ، وقد یعبر عنها بالموجبات نظرا إلی ترتب الوجوب علیها مع وجوب الغایة ، وقد یعبر عنها بالنواقض باعتبار طروّها علی الطهارة ، والظاهر أنها مترادفة ، فإن وجه التسمیة لا یجب اطراده.

وذکر شیخنا الشهید - رحمه الله - فی حواشی القواعد أنّ الأول أعم مطلقا ، وأنّ بین الأخیرین عموما من وجه.

واعترضه بعض مشایخنا المعاصرین : بأن الجنابة ناقضة للوضوء ولیست سببا له ، وکذا وجود الماء بالنسبة إلی التیمم ، فلا یکون بین الناقض والسبب عموم مطلق بل من وجه.

وجوابه : أنّ الکلام إنما هو فی أسباب الطهارات وموجباتها ونواقضها کما هو المفروض فی عبارة القواعد (1) ، فالنقض بالجنابة غیر جید ، لأنها سبب فی الطهارة.

ویمکن التزام ذلک فی وجود الماء أیضا ، لأنه معرف لوجوبها. ویرد علیه أنّ النقض بالأمرین معا غیر مستقیم ، لأن البحث إن کان فی أسباب الوضوء ونواقضه وموجباته لم

ص: 141


1- القواعد ( 1 : 3 ).

خروج البول والغائط والریح من الموضع المعتاد.

______________________________________________________

یرد الثانی ، وإن کان فی الأعم لم یرد الأول ، کما هو ظاهر.

قوله : خروج البول والغائط والریح من الموضع المعتاد.

المراد بالمعتاد هنا هو الموضع الذی اعتید کونه مصرفا للفضلة المعلومة وهو المخرج الطبیعی بقرینة ما سیجی ء فی کلامه. والحکم بوجوب الوضوء بهذه الأمور الثلاثة إجماعی بین المسلمین ، والأخبار به مستفیضة (1) ، فمن ذلک :

روایة زکریا بن آدم ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « إنما ینقض الوضوء ثلاث : البول ، والغائط ، والریح » (2).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « إنّ الشیطان - علیه اللعنة - ینفخ فی دبر الإنسان حتی یخیّل إلیه أنه خرج منه ریح فلا ینقض وضوءه إلا ریح یسمعها ، أو یجد ریحها » (3).

وصحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا یوجب الوضوء إلاّ بول ، أو غائط ، أو ضرطة تسمع صوتها ، أو فسوة تجد ریحها » (4) ومقتضی الروایة أنّ الریح لا یکون ناقضا إلا مع أحد الوصفین.

والجار فی قوله : من الموضع المعتاد ، یتعلق بالخروج المعتبر فی کل من الأمور

نواقض الوضوء

خروج البول والغائط والریح

ص: 142


1- الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2).
2- الکافی ( 3 : 36 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 10 - 18 ) ، الاستبصار ( 1 : 86 - 272 ) ، عیون الأخبار ( 2 : 21 - 47 ) ، الوسائل ( 1 : 178 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (6).
3- الکافی ( 3 : 36 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 347 - 1017 ) ، الإستبصار ( 1 : 90 - 289 ) ، الوسائل ( 1 : 175 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (3).
4- التهذیب ( 1 : 10 - 16 ) ، الوسائل ( 1 : 175 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (2).

ولو خرج الغائط مما دون المعدة نقض فی قول ، والأشبه أنه لا ینقض.

______________________________________________________

الثلاثة ، فلا ینقض بخروج الریح من ذکر الرجل ولا من قبل المرأة فی أظهر الوجهین ، لانتفاء الاسمین عنه ، وهو اختیار العلامة فی المنتهی (1). وقطع فی التذکرة بنقض ما یخرج من قبل المرأة ، لأن له منفذا إلی الجوف (2). وهو ضعیف.

وینبغی أن یراد بالخروج : المتعارف ، وهو خروج الخارج بنفسه منفصلا عن حد الباطن ، لأنه الذی ینصرف إلیه الإطلاق. مع احتمال النقض بمطلق الخروج عملا بالعموم.

قوله : ولو خرج الغائط مما دون المعدة نقض فی قول ، والأشبه أنه لا ینقض.

المعدة للإنسان بمنزلة الکرش لکل مجترّ ، یقال : معدة ومعدة قاله الجوهری (3).

والقائل بنقض ما یخرج من تحت المعدة دون ما فوقها هو الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط والخلاف (4) ، ولم یعتبر الاعتیاد. واحتج علی النقض بالخارج من تحت المعدة بعموم قوله تعالی ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ ) (5) وعلی عدم النقض بالخارج من فوقها بأنه لا یسمی غائطا.

وقال ابن إدریس : إذا خرج البول والغائط من غیر السبیلین نقض مطلقا (6). ولم یعتبر الاعتیاد ولا تحتیة المعدة ، تمسکا بإطلاق الآیة. وهما ضعیفان ، لأن الإطلاق إنما

ص: 143


1- المنتهی ( 1 : 31 ).
2- التذکرة ( 1 : 11 ).
3- الصحاح ( 2 : 539 ).
4- المبسوط ( 1 : 27 ) ، الخلاف ( 1 : 23 ).
5- المائدة : (6).
6- السرائر : (19).

ولو اتفق المخرج فی غیر الموضع المعتاد نقض ، وکذا لو خرج الحدث من جرح ثم صار معتادا ، والنوم الغالب علی الحاستین ،

______________________________________________________

ینصرف إلی المعتاد ، ولما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح عن زرارة : قال ، قلت لأبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام : ما ینقض الوضوء؟ فقال : « ما یخرج من طرفیک الأسفلین من الدبر والذکر » (1) الحدیث.

وعن سالم أبی الفضل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس ینقض الوضوء إلا ما خرج من طرفیک الأسفلین اللذین أنعم الله بهما علیک » (2).

قوله : ولو اتفق المخرج فی غیر الموضع المعتاد نقض.

هذا الحکم موضع وفاق ، وفی الأخبار بإطلاقها ما یدل علیه. وفی حکمه ما لو انسد المعتاد وانفتح غیره.

قوله : وکذا لو خرج الحدث من جرح ثم صار معتادا.

المرجع فی الاعتیاد إلی العرف ، لأنه المحکم فی مثله. وتحدیده بالمرتین تخمین ، وقیاسه علی العادة فی الحیض فاسد.

قوله : والنوم الغالب علی الحاستین.

أراد بهما حاستی السمع والبصر ، وإنما خصهما بالذکر لأنهما أعم الحواس إدراکا ، فإذا بطل إدراکهما بطل إدراک غیرهما بطریق أولی ، کذا ذکره جمع من الأصحاب.

حکم ما لو اتفق المخرج فی غیر الموضع المعتاد

النوم الغالب

ص: 144


1- الکافی ( 3 : 36 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 8 - 12 ) ، الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 35 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 10 - 17 ) ، الإستبصار ( 1 : 85 - 271 ) ، الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (4).

______________________________________________________

وفیه نظر.

والمشهور بین الأصحاب أنّ النقض بالنوم یعم جمیع الحالات سواء کان النائم قاعدا أو قائما أو راکعا ، منفرجا أو منضما.

وأورد ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه خبرا عن سماعة : إنه سأله عن الرجل یخفق رأسه وهو فی الصلاة قائما ، أو قاعدا (1) ، أو راکعا ، فقال : « لیس علیه وضوء » (2) وروایة أخری مرسلة عن الکاظم علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یرقد وهو قاعد فقال : « لا وضوء علیه ما دام قاعدا لم ینفرج » (3).

قال فی المختلف : وإن کانت هاتان الروایتان مذهبا له فقد صارت المسألة خلافیة ، ونقل عن أبیه أنه لم یعد النوم فی نواقض الوضوء (4). والأصح أنه ناقض مطلقا.

لنا : قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (5) ، قال ابن بکیر : قلت لأبی عبد الله علیه السلام قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ ) ما یعنی بذلک؟ قال : « إذا قمتم من النوم » (6) ونقل علیه فی المنتهی إجماع المفسرین (7).

ص: 145


1- لیست فی « س » ، « ق » ، والمصدر.
2- الفقیه ( 1 : 38 - 143 ) ، الوسائل ( 1 : 181 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (12) « بتفاوت یسیر ».
3- الفقیه ( 1 : 38 - 144 ) ، الوسائل ( 1 : 181 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (11).
4- المختلف : (17).
5- المائدة : (6).
6- التهذیب ( 1 : 7 - 9 ) ، الإستبصار ( 1 : 80 - 251 ) ، الوسائل ( 1 : 180 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (7).
7- المنتهی ( 1 : 33 ).

______________________________________________________

وصحیحة زرارة عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا ینقض الوضوء إلا ما خرج من طرفیک والنوم » (1).

وأورد علی ظاهرها إشکالات :

الأول : إنّ مقتضاه حصر الناقض فی الخارج والنوم ، مع حصوله بالسکر والإغماء إجماعا.

الثانی : إنه یقتضی کون مطلق الخارج ناقضا ، لأن : « ما » ، من أدوات العموم.

الثالث : إنّ قصر النقض علی الخارج من الطرفین یقتضی أنّ الخارج من أحدهما غیر ناقض.

ویمکن الجواب عن الأول : بأنّ حکم السکر والإغماء مستفاد من حکم النوم من باب التنبیه.

وعن الثانی : بأنّ الموصول کما یجی ء للعموم یجی ء للعهد ، والمعهود هنا هو المتعارف.

وعن الثالث : بأنّ المراد بالطرفین کل واحد منهما لا هما معا ، لامتناع خروج خارج منهما معا.

واستدل علیه أیضا بصحیحة إسحاق بن عبد الله الأشعری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : « لا ینقض الوضوء إلا حدث ، والنوم حدث » (2).

ص: 146


1- التهذیب ( 1 : 6 - 2 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 244 ) ، الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 6 - 5 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 246 ) ، الوسائل ( 1 : 180 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (4).

______________________________________________________

وأورد علیها إشکال : وهو أنّ المقدمة الأولی مشتملة علی قضیتین مختلفتین کیفا إحداهما : لا ینقض الوضوء ما لیس بحدث. والثانیة : الناقض للوضوء حدث. وانتظام السالبة مع الکبری لا ینتج شیئا ، لعدم اتحاد الوسط. وکذا الموجبة ، لأن الموجبتین فی الشکل الثانی عقیم.

وأجاب عنه فی المختلف : بأن کل واحد من الأحداث فیه جهتا اشتراک وامتیاز ، وما به الاشتراک وهو مطلق الحدث مغایر لما به الامتیاز وهو خصوصیة کل حدث ، ولا شک أنّ تلک الخصوصیات لیست إحداثا وإلا لکان ما به الاشتراک داخلا فیما به الامتیاز فلا بد من مائز ، وننقل الکلام إلیه وذلک موجب للتسلسل ، فإذا انتفت الحدثیة عن الممیزات لم یکن لها مدخل فی النقض ، وإنما یستند النقض إلی المشترک الموجود فی النوم علی ما حکم به فی الثانیة ، ووجود العلة یستلزم وجود المعلول (1).

ویرد علیه أنه لا یلزم من انتفاء الحدثیة من الممیزات عدم مدخلیتها ، وإنما اللازم عدم کونها ناقضة ، وأما عدم مدخلیتها فلا.

فإن قلت : إنّ مدخلیتها منفیة بالأصل.

قلت : لما کان المراد من الحدث ما صدق علیه من الأفراد لم یعلم أنه لا مدخل للخصوصیات ، لجواز أن یراد بعضها ، إذ لا دلیل علی الکلیة ، وإلا لم یحتج إلی هذا البیان.

ویمکن (2) أن یقال : إنّ الحدث فی المقدمة الأولی لیس المراد به حدثا معینا ولا حدثا ما بمعونة المقام بل کل حدث ، وإذا ثبت عمومها کان مفادها أنّ کل حدث ناقض

ص: 147


1- المختلف : (17).
2- فی « ق » ، « ح » : والأظهر.

______________________________________________________

للوضوء فیمکن جعلها کبری للمقدمة الثانیة من باب الشکل الأول ، ویکون الغرض الإشارة إلی بیان المقدمتین مع قطع النظر عن ترتیبهما. ویجوز أن یجعل صغری للثانیة ویکون من باب الشکل الرابع ، لکون الحدث موضوعا فی الصغری محمولا فی الکبری وینتج منه : بعض الناقض نوم.

ولا یخفی ما فی ذلک کله من التکلف. والذی یقتضیه النظر أنّ الغرض المطلوب من الروایة : نفی النقض عما لیس بحدث لا إثبات کون الحدث ناقضا ، فإنّ ذلک ربما کان معلوما بالضرورة ، لکن لما کانت المقدمة المذکورة ربما توهم عدم کون النوم ناقضا ، لخفاء إطلاق اسم الحدث علیه وقع التصریح بکون النوم حدثا ، فلا یکون مندرجا فیما لا ینقض الوضوء فتأمل.

واعلم ، أنّ المستفاد من الأخبار المعتبرة تعلیق الحکم بالنقض علی النوم المذهب للعقل ، کقول أبی الحسن الرضا علیه السلام فی صحیحة عبد الله بن المغیرة : « إذا ذهب النوم بالعقل فلیعد الوضوء » (1) وقول أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام فی حسنة زرارة : « والنوم حتی یذهب العقل » (2) فإناطة الحکم به أولی.

فرع : قال فی التذکرة : لو شک فی النوم لم ینقض طهارته ، وکذا لو تخایل له شی ء ولم یعلم أنه منام أو حدیث النفس ، ولو تحقق أنه رؤیا نقض (3). وهو کذلک.

ص: 148


1- التهذیب ( 1 : 6 - 4 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 245 ) ، الوسائل ( 1 : 180 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 36 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 37 - 137 ) ، التهذیب ( 1 : 8 - 12 ) ، الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (2).
3- التذکرة ( 1 : 11 ).

وفی معناه کلّ ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سکر ، والاستحاضة.

______________________________________________________

قوله : وفی معناه : کلّ ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سکر.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعلم فیه مخالفا (1). ونقل فیه الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب إجماع المسلمین (2) ، واستدل علیه بصحیحة معمر بن خلاد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل به علة لا یقدر علی الاضطجاع والوضوء یشتد علیه وهو قاعد مستند بالوسائد ، فربما أغفی وهو قاعد علی تلک الحال ، قال : « یتوضأ » ، قلت له : إنّ الوضوء یشتد علیه ، قال : « إذا خفی عنه الصوت فقد وجب علیه الوضوء » (3). وأورد علیه : أنّ الإغفاء لغة بمعنی النوم فلا یتم الاستدلال به علی المطلوب وأجیب عنه بأن قوله علیه السلام : « إذا خفی عنه الصوت » مطلق فلا یتقید بالمقدمة الخاصة. وفیه نظر ، فإن الضمیر فی قوله علیه السلام : « عنه » یرجع إلی الرجل المحدث عنه ، وهو الذی قد أغفی فیکون التقیید باقیا بحاله ( نعم ربما کان فی الأخبار الدالة علی تحدید النوم الناقض بالمزیل إشعار بالنقض بمطلق المزیل ) (4). والأجود الاستدلال علیه بما دل علی حکم النوم من باب التنبیه ، فإنه إذا وجب الوضوء بالنوم الذی یجوز معه الحدث وجب بالإغماء والسکر بطریق أولی ، ولعل ذلک هو الوجه فی قول المصنف - رحمه الله - : وفی معناه کلما أزال العقل.

قوله : والاستحاضة القلیلة.

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : وإنما قال : القلیلة ، وإن کان الصنفان

کل ما أزال العقل

الاستحاضة

ص: 149


1- المنتهی ( 1 : 34 ).
2- التهذیب ( 1 : 5 ).
3- الکافی ( 3 : 37 - 14 ) ، التهذیب ( 1 : 9 - 14 ) ، الوسائل ( 1 : 182 ) أبواب نواقض الوضوء ب (4) ح (1).
4- ما بین القوسین من « م ».

ولا ینقض الطهارة مذی

______________________________________________________

الآخران یوجبان الوضوء أیضا ، لأنه أراد ما یوجب الوضوء منفردا (1). والحکم بوجوب الوضوء خاصة بالاستحاضة القلیلة مذهب أکثر الأصحاب ، وهو المعتمد ، للأخبار الصحیحة الدالة علیه (2).

وقال ابن أبی عقیل : لا یجب فی هذه الحالة وضوء ولا غسل (3). وقال ابن الجنید - رحمه الله - بإیجابها غسلا واحدا فی الیوم واللیلة (4). وهما ضعیفان ، وسیأتی الکلام فی ذلک فی محله إن شاء الله تعالی.

وأورد علی نظیر العبارة شیخنا الشهید - رحمه الله - : أنه إن أراد الموجبات للوضوء لیس إلاّ فکان ینبغی ذکر القلیلة وأحد قسمی المتوسطة ، وهو فیما عدا الصبح ، وإن أراد ما یوجب الوضوء فی الجملة فکان ینبغی ذکر الموجبات الأحد عشر (5).

وجوابه : أنّ مراده الأول. والمتوسطة وإن کانت موجبة للوضوء وحده فی بعض الحالات إلا أنها موجبة للغسل أیضا ، مع أنه لا وجه لتخصیص الإیراد بالمتوسطة ، لأن الکثیرة کذلک بالنسبة إلی العصر والعشاء.

قوله : ولا ینقض الطهارة مذی.

قال الجوهری : المذی بالتسکین ما یخرج عند الملاعبة أو التقبیل (6). وما اختاره المصنف - رحمه الله - من أنه غیر ناقض للوضوء هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل علیه فی التذکرة الإجماع (7).

عدم نقض المذی

ص: 150


1- المعتبر ( 1 : 111 ).
2- الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1).
3- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 111 ) ، والمختلف : (40).
4- نقله عنه فی المختلف : (40) ، والذکری : (30).
5- کما فی الدروس : (2).
6- الصحاح ( 6 : 2490 ).
7- التذکرة ( 1 : 11 ).

______________________________________________________

وقال ابن الجنید : إن ما یخرج من المذی عقیب الشهوة یکون ناقضا (1).

والمعتمد الأول :

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زید الشحام قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المذی ینقض الوضوء؟ قال : « لا » (2).

وما رواه محمد بن إسماعیل فی الصحیح ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن المذی فأمرنی بالوضوء منه ، ثم أعدت علیه سنة أخری فأمرنی بالوضوء منه ، وقال : « إنّ علیا علیه السلام أمر المقداد أن یسأل رسول الله صلی الله علیه و آله ، واستحیا أن یسأله ، فقال : فیه الوضوء » قلت : فإن لم أتوضأ؟ قال : « لا بأس به » (3).

احتج العلامة فی المختلف لابن الجنید بصحیحة محمد بن إسماعیل هذه بحذف

قوله : قلت فإن لم أتوضأ. ثم أجاب عنها بأنّ تتمة الروایة موجودة فی خبر آخر ، وهو یقتضی أنه لیس بناقض ، وأن أمره بالوضوء علی جهة الاستحباب (4). وهو حسن.

نعم یمکن أن یستدل لابن الجنید - رحمه الله - بصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المذی أینقض الوضوء؟ قال : « إن کان من شهوة نقض » (5) وتحمل الأخبار المتضمنة لعدم النقض (6) علی المذی الذی لا یکون عقیب

ص: 151


1- نقله عنه فی المختلف : (18) والذکری : (26).
2- التهذیب ( 1 : 17 - 40 ) ، الإستبصار ( 1 : 91 - 293 ) ، الوسائل ( 1 : 196 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (5).
3- التهذیب ( 1 : 18 - 43 ) ، الإستبصار ( 1 : 92 - 296 ) ، الوسائل ( 1 : 197 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (9).
4- المختلف : (18).
5- التهذیب ( 1 : 19 - 45 ) ، الإستبصار ( 1 : 93 - 298 ) ، الوسائل ( 1 : 198 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (11).
6- الوسائل ( 1 : 195 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12).

ولا ودی ، ولا دم ولو خرج من أحد السبیلین عدا الدماء الثلاثة ،

______________________________________________________

شهوة ، لأنّ المقیّد یحکّم علی المطلق.

ویجاب : بأنها معارضة بما رواه ابن أبی عمیر فی الصحیح ، عن غیر واحد من أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس فی المذی من شهوة ، ولا من الإنعاظ ، ولا من القبلة ، ولا من مس الفرج ، ولا من المضاجعة وضوء » (1) ولا یضر إرسالها ، لأن فی قوله : عن غیر واحد من أصحابه. إشعارا ( باستفاضة ذلک ) (2) عنده. والاحتیاط هنا مما لا ینبغی ترکه ، لأن المسألة موضع تردد.

قوله : ولا ودی.

الودی بالدال المهملة الساکنة : ماء ثخین یخرج عقیب البول. وهو غیر ناقض للوضوء إجماعا قاله فی التذکرة (3). ویدل علیه روایات منها : صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم وزید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه قال : « لو سال من ذکرک شی ء من مذی أو ودی فلا تغسله ، ولا تقطع له الصلاة ، ولا تنقض له الوضوء ، إنما ذلک بمنزلة النخامة » (4).

قوله : ولا دم ولو خرج من أحد السبیلین ، عدا الدماء الثلاثة.

هذا الحکم مجمع علیه بین علمائنا ، ویدل علیه الحصر المستفاد من قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لا یوجب الوضوء إلا غائط ، أو بول ، أو ضرطة تسمع صوتها ، أو فسوة تجد ریحها » (5).

عدم نقض الودی ولا الدم الخارج من أحد السبیلین

ص: 152


1- التهذیب ( 1 : 19 - 47 ) ، الإستبصار ( 1 : 93 - 300 ) ، الوسائل ( 1 : 191 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (2).
2- فی « ح » : بثبوت مدلولها.
3- التذکرة ( 1 : 11 ).
4- التهذیب ( 1 : 21 - 52 ) ، الإستبصار ( 1 : 94 - 305 ) ، الوسائل ( 1 : 196 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (2).
5- التهذیب ( 1 : 10 - 16 ) ، الوسائل ( 1 : 175 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (2).

ولا قی ء ولا نخامة ، ولا تقلیم ظفر ولا حلق شعر ، ولا مس ذکر ولا قبل ولا دبر ،

______________________________________________________

وصحیحة إبراهیم بن أبی محمود ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن القی ء والرعاف والمدّة أینقض الوضوء أم لا؟ قال : « لا ینقض شیئا » (1).

ورد المصنف - رحمه الله - بقوله : ولو خرج من السبیلین ، علی الشافعی (2) وأبی حنیفة (3) حیث أوجبا الوضوء بالدم الخارج من السبیلین. ولا ریب فی بطلانه.

قوله : ولا قی ء ولا نخامة ولا تقلیم ظفر ولا حلق شعر.

الحکم بعدم وجوب الوضوء بهذه الأمور المذکورة مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق حسنة زید الشحام قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القی ء هل ینقض الوضوء؟ قال : « لا » (4).

وصحیحة سعید بن عبد الله الأعرج ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : آخذ من أظفاری أو من شاربی وأحلق رأسی أفأغتسل؟ قال : « لیس علیک غسل » قلت : فأتوضأ؟ قال : « لیس علیک وضوء » (5).

قوله : ولا مسّ ذکر ولا قبل ولا دبر.

هذا هو المشهور بین الأصحاب. ونقل عن أبی جعفر ابن بابویه - رحمه الله - أنّ

عدم نقض القی والنخامة ولامس الذکر والقبل والدبر

ص: 153


1- التهذیب ( 1 : 16 - 34 ) ، الاستبصار ( 1 : 84 - 266 ) ، العیون ( 2 : 21 - 46 ) ، الوسائل ( 1 : 185 ) أبواب نواقض الوضوء ب (6) ح (6).
2- الام ( 1 : 17 ).
3- نقله عنه فی بدایة المجتهد ( 1 : 34 ).
4- الکافی ( 3 : 36 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 13 - 25 ) ، الإستبصار ( 1 : 83 - 259 ) ، الوسائل ( 1 : 185 ) أبواب نواقض الوضوء ب (6) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 346 - 1012 ) ، الإستبصار ( 1 : 95 - 309 ) ، الوسائل ( 1 : 203 ) أبواب نواقض الوضوء ب (14) ح (3).

ولا لمس امرأة ، ولا أکل ما مسّته النار ،

______________________________________________________

مس باطن الدبر والإحلیل ناقض للوضوء (1). وعن ابن الجنید : أنّ مس باطن الفرجین ناقض للوضوء مطلقا وکذا ظاهرهما إن کان محرما (2). وهما ضعیفان.

لنا : الأصل ، وقوله علیه السلام : « لیس ینقض الوضوء إلا ما خرج من طرفیک الأسفلین اللذین أنعم الله بهما علیک » (3).

وما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال : « لیس فی القبلة ولا مس الفرج ولا الملامسة وضوء » (4).

واحتج ابن بابویه وابن الجنید - رحمهما الله - علی ما نقل عنهما بروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة أو لمس فرجها أعاد الوضوء » (5).

وقریب منها روایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام (6).

والجواب : أنهما ضعیفتا السند ، ولو کانتا صحیحتین لوجب حملهما علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

قوله : ولا لمس امرأة ، ولا أکل ما مسته النار.

هذان الحکمان إجماعیان عندنا ، منصوصان فی عدة روایات کصحیحة أبی مریم ،

عدم نقض لمس المرأة ولا أکل ما مسته النار

ص: 154


1- الفقیه ( 1 : 39 ).
2- (2) نقله عنه فی المختلف : (17) ، والمعتبر ( 1 : 114 )
3- تقدم فی ص (144).
4- الکافی ( 3 : 37 - 12 ) ، الفقیه ( 1 : 38 - 145 ) ، التهذیب ( 1 : 23 - 59 ) ، الإستبصار ( 1 : 87 - 277 ) ، الوسائل ( 1 : 192 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 22 - 56 ) ، الإستبصار ( 1 : 88 - 280 ) ، الوسائل ( 1 : 193 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (9).
6- التهذیب ( 1 : 45 - 127 ) ، الإستبصار ( 1 : 88 - 284 ) ، الوسائل ( 1 : 193 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (10).

ولا ما یخرج من السبیلین إلا أن یخالطه شی ء من النواقض.

______________________________________________________

عن أبی جعفر علیه السلام حیث قال فیها : « والله ما بذلک بأس - یعنی الملامسة وربما فعلته ، وما یعنی بهذا ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) إلا المواقعة دون الفرج » (1).

وصحیحة بکیر بن أعین : قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الوضوء مما غیرت النار فقال : « لیس علیک فیه وضوء وإنما الوضوء مما یخرج لیس مما یدخل » (2).

وخالف فی الحکمین بعض العامة (3). ولا عبرة بخلافهم.

قوله : ولا ما یخرج من السبیلین إلا أن یخالطه شی ء من النواقض.

أی ولا ینقض الوضوء ما یخرج من السبیلین فی حال من الأحوال إلا فی حال مخالطة شی ء من النواقض له. وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وخالف فیه أکثر العامة فحکموا بأنّ جمیع ما یخرج من السبیلین ینقض الوضوء سواء کان طاهرا أو نجسا (4). وبطلانه معلوم مما سبق.

ویتوجه علی العبارة مؤاخذة : فإن الخارج لا یکون ناقضا بوجه من الوجوه فلا یحسن استناد النقض إلیه ، بل الناقض هو ذلک المصاحب ، ففی العبارة تجوّز. وجعل جدی - قدس سره - فی الشرح الاستثناء هنا منقطعا (5). وهو غیر واضح.

ص: 155


1- التهذیب ( 1 : 22 - 55 ) ، الإستبصار ( 1 : 87 - 278 ) ، الوسائل ( 1 : 192 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 350 - 1034 ) ، الوسائل ( 1 : 205 ) أبواب نواقض الوضوء ب (15) ح (3).
3- منهم ابن حزم فی المحلی ( 1 : 241 ).
4- الام ( 1 : 18 ) ، السراج الوهاج : (11).
5- المسالک ( 1 : 4 ).

الثانی : فی أحکام الخلوة ، وهی ثلاثة :

الأول : فی کیفیة التخلی ، ویجب فیه ستر العورة ، ویستحب ستر البدن. ویحرم استقبال القبلة واستدبارها ، ویستوی فی ذلک الصحاری والأبنیة. ویجب الانحراف فی موضع قد بنی علی ذلک.

______________________________________________________

قوله : ویجب علی المتخلی ستر العورة.

أی جلوسه بحیث لا یری عورته من یحرم نظره إلیها ، فالزوجة والمملوکة التی یباح وطؤها ، والأطفال غیر الممیزین لا یجب الستر عنهم.

والمراد بالعورة : القبل والدبر والأنثیان علی الأظهر ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی القدر المجمع علیه ، ولما روی عن أبی الحسن الماضی علیه السلام أنه قال : « العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستورة بالألیتین فإذا سترت القضیب والبیضتین فقد سترت العورة » (1).

قوله : ویستحب ستر البدن.

المراد بالستر هنا جلوس المتخلی بحیث لا یراه (2) أحد ، بأن یبعد المذهب ، أو یلج حفیرة ، أو یدخل بناء ونحو ذلک. وإنما کان مستحبا لما فیه من التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله ، ولقوله علیه السلام : « من أتی الغائط فلیستتر » (3).

قوله : ویحرم استقبال القبلة واستدبارها ، ویستوی فی ذلک الصحاری والأبنیة ، ویجب الانحراف فی موضع قد بنی علی ذلک.

اختلف الأصحاب فی تحریم الاستقبال والاستدبار علی المتخلی ، فذهب الشیخ (4)

اٴحکام الخلوة

وجوب ستر العورة علی المتخلی واستحباب ستر البدن

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلی

ص: 156


1- الکافی ( 6 : 501 - 26 ) ، التهذیب ( 1 : 374 - 1151 ) ، الوسائل ( 1 : 365 ) أبواب آداب الحمام ب (4) ح (2).
2- فی « م » : لا یری.
3- الوسائل ( 1 : 215 ) أبواب أحکام الخلوة ب (4) ح (4) ، وفیه عن شرح النفلیة : (17).
4- الخلاف ( 1 : 19 ) ، والنهایة : (9).

______________________________________________________

وابن البراج (1) وابن إدریس (2) إلی تحریمهما فی الصحاری والبنیان. وقال ابن الجنید : یستحب إذا أراد التغوط فی الصحراء أن یتجنب استقبال القبلة (3). ولم یتعرض للاستدبار. ونقل عن سلار الکراهة فی البنیان (4). ویلزم منه الکراهة فی الصحاری أیضا أو التحریم.

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها. ثم قال بعد ذلک : فإن دخل دارا قد بنی فیها مقعد الغائط علی استقبال القبلة واستدبارها لم یکره الجلوس علیه ، وإنما یکره ذلک فی الصحاری والمواضع التی یتمکن فیها من الانحراف عن القبلة (5).

قال العلامة - رحمه الله - فی المختلف بعد حکایة ذلک : وهذا یعطی الکراهة فی الصحاری والإباحة فی البنیان (6). وهو غیر واضح.

احتج القائلون بالتحریم بروایة عیسی بن عبد الله الهاشمی ، عن أبیه ، عن جده ، عن علی علیه السلام ، قال : « قال النبی صلی الله علیه و آله : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولکن شرّقوا أو غرّبوا » (7).

ومرفوعة علی بن إبراهیم ، قال : خرج أبو حنیفة من عند أبی عبد الله علیه السلام

ص: 157


1- المهذب ( 1 : 41 ).
2- السرائر : (16).
3- نقله عنه فی المختلف : (19).
4- المراسم : (32).
5- المقنعة : (4).
6- المختلف : (19).
7- التهذیب ( 1 : 25 - 64 ) ، الإستبصار ( 1 : 47 - 130 ) ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (5).

______________________________________________________

وأبو الحسن علیه السلام قائم وهو غلام فقال له أبو حنیفة : یا غلام أین یضع الغریب ببلدکم؟ فقال : « اجتنب أفنیة المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، ومنازل النزال ، ولا تستقبل القبلة (1) بغائط ولا بول ، وارفع ثوبک وضع حیث شئت » (2).

ومرفوعة عبد الحمید بن أبی العلاء أو غیره ، قال : سئل الحسن بن علی علیه السلام ما حد الغائط؟ قال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الریح ولا تستدبرها » (3).

وهذه الأخبار کلها مشترکة فی ضعف السند ، فحملها علی الکراهة متعین ، لقصورها عن إثبات التحریم وربما کان فی الروایتین الأخیرتین إشعار بذلک ، ویشهد له أیضا حسنة محمد بن إسماعیل ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام إنه سمعه یقول : « من بال حذاء القبلة ثم ذکر فانحرف عنها إجلالا للقبلة وتعظیما لها لم یقم من مقعده ذلک حتی یغفر له » (4).

احتج العلامة - رحمه الله - فی المختلف (5) لسلار - رحمه الله - علی الجواز فی الأبنیة بروایة محمد بن إسماعیل ، قال : « دخلت علی أبی الحسن الرضا علیه السلام وفی منزله کنیف مستقبل القبلة (6). ولا دلالة لها علی المدعی ، إذ لا یلزم من کون الکنیف

ص: 158


1- فی « م » زیادة : ولا تستدبرها.
2- الکافی ( 3 : 16 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 30 - 79 ) ، الوسائل ( 1 : 212 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (1).
3- الفقیه ( 1 : 18 - 47 ) ، التهذیب ( 1 : 33 - 88 ) ، الإستبصار ( 1 : 47 - 131 ) ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (6).
4- التهذیب ( 1 : 352 - 1043 ) ، المحاسن : ( 54 - 82 ) إلا أن الروایة فیه عن النبی صلی الله علیه و آله ، وبسند آخر ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (7).
5- المختلف : (19).
6- التهذیب ( 1 : 26 - 66 ) ، الإستبصار ( 1 : 47 - 132 ) ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (7).

______________________________________________________

علی القبلة جواز الجلوس علیه من غیر انحراف.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : المراد بالاستقبال والاستدبار هنا ما هو المتعارف فی (1) أبواب الفقه : وهو الاستقبال بالبدن والاستدبار به. وربما توهم بعض المتأخرین أنّ الاستقبال المحرم أو المکروه ما کان بالعورة حتی لو حرفها زال المنع (2). ولیس بشی ء.

الثانی : المستفاد من الأخبار وکلام الأصحاب اختصاص ذلک بحالة البول أو التغوط ، ویحتمل شموله لحالة الاستنجاء ، لروایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قلت له الرجل یرید أن یستنجی کیف یقعد؟ قال : « کما یقعد للغائط » (3) ولا ریب أنه أولی.

الثالث : الاستقبال والاستدبار بالنسبة إلی القائم والجالس معلوم ، وأما بالنسبة إلی المضطجع والمستلقی فقال بعض المحققین : إنه إن بلغ بهما العجز إلی هذا الحد فلا بحث فی أنّ الاستقبال والاستدبار بالنسبة إلیهما فی التخلی یحال علی استقبالهما فی الصلاة ، وإلا ففیه تردد ینشأ من أنّ هذه حالة استقبال واستدبار فی الجملة ، ومن أنّ ذلک إنما هو بالنسبة إلی العاجز وأما بالنظر إلی غیر العاجز فلا ، ولهذا لو حلف لیستقبلن لم یبرّ بهذه الحالة مع القدرة علی غیرها. ولعل هذا أقرب (4).

قلت : بل الأظهر تحقق الاستقبال والاستدبار بالنسبة إلی المضطجع والمستلقی بالمواجهة ومقابلها مطلقا ، إذ لا معنی لاستقبال القبلة إلا کون المستقبل مواجها لها ،

تنبیهات

ص: 159


1- فی « م » ، « ق » ، « ح » زیادة : جمیع.
2- منهم الفاضل المقداد فی التنقیح ( 1 : 69 ).
3- الکافی ( 3 : 18 - 11 ) ، التهذیب ( 1 : 355 - 1061 ) ، الوسائل ( 1 : 253 ) أبواب أحکام الخلوة ب (37) ح (2).
4- جامع المقاصد ( 1 : 7 ).

______________________________________________________

ویقابله الاستدبار ، وأما القیام والجلوس فلیس بداخل فی حقیقتهما قطعا.

الرابع : الظاهر استحباب التشریق أو التغریب (1) ، للأمر بهما فی روایة عیسی بن عبد الله الهاشمی المتقدمة (2). وقال بعض المحققین : إن ذلک واجب وإنه لا یجوز استقبال ما بین المشرق والمغرب والقبلة تمسکا بظاهر الأمر ، وأیده بقوله علیه السلام : « ما بین المشرق والمغرب قبلة » (3) ، وأن قبلة البعید هی الجهة وفیها اتساع فلا بد من المبالغة فی الانحراف لیبعد عن الاستقبال والاستدبار (4). وهو استدلال ضعیف.

أما أولا : فلقصور الروایة من حیث السند عن إثبات حکم مخالف للأصل.

وأما ثانیا : فلعدم الوقوف علی مصرّح بالوجوب ، ومن طریقة ذلک المحقق التوقف فی الفتوی علی وجود القائل وإن کان الحق خلافه کما بیناه فی محله.

وأما ثالثا : فلضعف ما أیده به من قوله علیه السلام : « ما بین المشرق والمغرب قبلة » لأنه مع سلامة سنده محمول علی الناسی ، أو مؤوّل بما یرجع إلی المشهور کما ستقف علیه فی محله إن شاء الله تعالی.

الخامس : لو قلنا بالتحریم ولم یعلم الجهة ، قیل : وجب الاجتهاد فی تحصیلها من باب المقدمة ، فإن حصل شیئا من الأمارات بنی علیه ، وإلا انتفت الکراهة أو التحریم. ویحتمل انتفاؤهما مطلقا للشک فی المقتضی ، وهو قریب.

السادس : لا فرق فی تحریم الاستدبار بین ما یلزم منه استقبال بیت المقدس وعدمه ، واحتمل العلامة فی النهایة اختصاص الحکم بالأول (5). وهو بعید.

ص: 160


1- فی « م » ، « س » ، « ق » : والتغریب.
2- فی ص (157).
3- الفقیه ( 1 : 180 - 855 ) ، الوسائل ( 3 : 217 ) أبواب القبلة ب (2) ح (9).
4- جامع المقاصد ( 1 : 7 ).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 79 ).

الثانی : فی الاستنجاء ، ویجب غسل موضع البول بالماء ، ولا یجزی غیره مع القدرة ،

______________________________________________________

السابع : إذا تعارض الاستقبال والاستدبار قدم الاستدبار ، ولو عارضهما مقابلة ناظر محترم وجب تقدیمهما قطعا.

قوله : الثانی : فی الاستنجاء ، ویجب غسل موضع البول بالماء ، ولا یجزی غیره مع القدرة.

أجمع علماؤنا کافة علی وجوب غسل مخرج البول بالماء ، وأنه لا یطهر بغیره ، حکاه المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (1) ، والعلامة - رحمه الله - فی التذکرة والمنتهی (2). والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا صلاة إلا بطهور ، ویجزیک من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، وبذلک جرت السنة من رسول الله صلی الله علیه و آله ، وأما البول فلا بد من غسله » (3).

وفی الصحیح عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انقطعت درّة البول فصب الماء » (4).

وعن برید بن معاویة ، عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال : « یجزی من الغائط المسح بالأحجار ، ولا یجزی من البول إلا الماء » (5).

الاستنجاء

وجوب غسل موضع البول بالماء

ص: 161


1- المعتبر ( 1 : 124 ).
2- التذکرة ( 1 : 13 ) ، المنتهی ( 1 : 42 ).
3- التهذیب ( 1 : 49 - 144 ) ، الإستبصار ( 1 : 55 - 160 ) ، الوسائل ( 1 : 222 ) أبواب أحکام الخلوة ب (9) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 17 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 356 - 1065 ) ، الوسائل ( 1 : 247 ) أبواب أحکام الخلوة ب (31) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 50 - 147 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 166 ) ، الوسائل ( 1 : 223 ) أبواب أحکام الخلوة ب (9) ح (6).

وأقلّ ما یجزی مثلا ما علی المخرج.

______________________________________________________

ولا ینافی ذلک ما رواه حنان بن سدیر ، قال : سمعت رجلا یسأل أبا عبد الله علیه السلام : إنی ربما بلت فلا أقدر علی الماء ویشتد ذلک علیّ ، فقال : « إذا بلت وتمسحت فامسح ذکرک بریقک ، فإن وجدت شیئا فقل هذا من ذاک » (1).

لأنا نجیب عنها أولا : بالطعن فی السند ، بأن راویها وهو حنان بن سدیر واقفی علی ما نص علیه الشیخ - رحمه الله - (2).

وثانیا : بالحمل علی التقیة ، أو علی أنّ المراد نفی کون البلل الذی یظهر علی المحل ناقضا فتأمل.

وقد یتوهم من قول المصنف : ولا یجزئ غیره مع القدرة ، إجزاء غیره مع العجز عنه ، ولیس کذلک إذ الإجماع منعقد علی عدم طهارة المحل بغیر الماء.

ولعله أشار بذلک إلی ما ذکره - رحمه الله - فی المعتبر : من أنه إذا تعذر غسل المخرج لعدم الماء أو غیره من الأعذار وجب مسحه بما یزیل عین النجاسة. واحتج علیه بأنّ الواجب إزالة العین والأثر ، فإذا تعذر أحدهما یسقط ویبقی وجوب الآخر بحاله (3).

وفیه نظر ، فإنا لم نقف علی ما یقتضی وجوب إزالة النجاسة علی غیر الوجه المطهر ، وتخفیف النجاسة مع بقائها لا یعلم وجهه.

قوله : وأقل ما یجزی مثلا ما علی المخرج.

هذه العبارة مجملة ، والأصل فیها ما رواه الشیخ ، عن نشیط بن صالح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته کم یجزئ من الماء فی الاستنجاء من البول؟ فقال :

ما یجزی فی غسل المخرج

ص: 162


1- الکافی ( 3 : 20 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 41 - 160 ) ، التهذیب ( 1 : 353 - 1050 ) ، الوسائل ( 1 : 201 ) أبواب نواقض الوضوء ب (13) ح (7).
2- رجال الشیخ الطوسی : (346).
3- المعتبر ( 1 : 126 ).

______________________________________________________

« مثلا ما علی الحشفة من البلل » (1).

وهی ضعیفة الإسناد ، لأن من جملة رجالها الهیثم بن أبی مسروق ، ولم ینصّ علیه الأصحاب بمدح یعتدّ به (2) ، ومروک بن عبید ، ولم یثبت توثیقه (3).

واختلف الأصحاب فی المعنی المراد منها ، فقیل : إنّ المراد وجوب غسل مخرج البول مرتین ، والتعبیر بالمثلین لبیان أقل ما یجزئ (4). وفیه نظر ، فإنّ المثلین إذا اعتبرا غسلتین کان المثل الواحد غسلة ، وقد ثبت أنّ الغسلة لا بد فیها من أغلبیة مائها علی النجاسة واستیلائه علیها ، وذلک منتف مع کل واحد من المثلین ، فإنّ المماثل للبلل الذی علی الحشفة لا یکون غالبا علیه.

وذکر بعض المتأخرین (5) أنه یمکن اعتبار المماثلة بین الماء المغسول به وبین القطرة المتخلفة علی الحشفة بعد خروج البول ، فإنّ تلک القطرة یمکن إجراؤها علی المخرج ، وأغلبیتها علی البلل الذی یکون علی حواشیه. ولا یخفی ما فیه من التکلّف. مع أنّ راوی هذه الروایة وهو نشیط بن صالح روی أیضا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « یجزئ من البول أن یغسله بمثله » (6).

تحقیق معنی مثلا ما علی الحشفة

ص: 163


1- التهذیب ( 1 : 35 - 93 ) ، الإستبصار ( 1 : 49 - 139 ) ، الوسائل ( 1 : 242 ) أبواب أحکام الخلوة ب (26) ح (5).
2- راجع رجال النجاشی : ( 437 - 1175 ) ، ورجال الطوسی : (516) ، ومعجم رجال الحدیث ( 19 : 317 ).
3- راجع رجال النجاشی : ( 425 - 1142 ) ، ورجال الطوسی : (406) ، والفهرست (168) ، ومعجم رجال الحدیث ( 8 : 125 ، 126 ).
4- جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
5- جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
6- التهذیب ( 1 : 35 - 94 ) ، الإستبصار ( 1 : 49 - 140 ) ، الوسائل ( 1 : 243 ) أبواب أحکام الخلوة ب (26) ح (7).

______________________________________________________

وقیل : إن المثلین کنایة عن الغسلة الواحدة (1) ، لاشتراط الغلبة فی المطهر ، وهو لا یحصل بالمثل کما بیناه ، وهو قریب. ویشهد له إطلاق صحیحتی زرارة وجمیل السابقتین (2) ، وخصوص حسنة بن المغیرة ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال ، قلت له : للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتی ینقی ما ثمّة » (3) وهی لا تقصر عن الصحیح.

وموثقة یونس بن یعقوب قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الوضوء الذی افترضه الله تعالی علی العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال : « یغسل ذکره ویذهب الغائط ثم یتوضأ مرتین مرتین » (4).

ولا ریب أنّ الغسلتین أولی لما فیه من الاستظهار فی إزالة النجاسة ، والخروج من الخلاف. والثلاث أکمل لصحیحة زرارة ، قال : کان یستنجی من البول ثلاث مرات ، ومن الغائط بالمدر والخرق (5).

واعلم أنّ شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری (6) اعتبر هنا الفصل بین المثلین ، مع أنه اکتفی فی تحقق المرتین فی غیر الاستنجاء بالانفصال التقدیری. واستوجهه المحقق الشیخ علی فی الشرح فقال : وما اعتبره فی الذکری من اشتراط تخلل الفصل بین المثلین لتحقق تعدد الغسل حق ، لا لأنّ التعدد لا یتحقق إلاّ بذلک ، بل لأنّ التعدد المطلوب

ص: 164


1- قد یستفاد ذلک من المعتبر ( 1 : 127 ) حیث قال : ولأن غسل النجاسة بمثلها لا یحصل معه الیقین بغلبة المطهر علی النجاسة ولا کذا لو غسل بمثلیها.
2- فی ص (161).
3- الکافی ( 3 : 17 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 28 - 75 ) ، الوسائل ( 1 : 227 ) أبواب أحکام الخلوة ب (13) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 47 - 134 ) ، الإستبصار ( 1 : 52 - 151 ) ، الوسائل ( 1 : 223 ) أبواب أحکام الخلوة ب (9) ح (5).
5- التهذیب ( 1 : 209 - 606 ) ، الوسائل ( 1 : 242 ) أبواب أحکام الخلوة ب (26) ح (6).
6- الذکری : (21).

وغسل مخرج الغائط بالماء حتی یزول العین والأثر ،

______________________________________________________

بالمثلین لا یوجد بدون ذلک ، لأنّ ورود المثلین (1) دفعة واحدة غسلة واحدة. ولو غسل بأکثر من المثلین بحیث تتراخی أجزاء الغسل بعضها عن بعض فی الزمان لم یشترط الفصل قطعا (2). وفیه نظر یعلم مما سبق.

قوله : وغسل مخرج الغائط بالماء حتی یزول العین ، والأثر.

المستفاد من الأخبار المعتبرة (3) أنّ الواجب فی الاستنجاء من الغائط هو الإنقاء خاصة ، وهو الذی عبّر به المصنف - رحمه الله - فی النافع والمعتبر (4). وأما ما ذکره المصنف هنا وجمع من الأصحاب من وجوب إزالة الأثر مع العین فلم نقف فیه علی أثر ، مع اضطرابهم فی تفسیره ، فقیل : إنّ المراد به اللون ، لأنه عرض لا یقوم بنفسه فلا بد له من محل جوهری یقوم به ، إذ الانتقال علی الأعراض محال ، فوجوده دلیل علی وجود العین (5) ، وهو فاسد.

أما أولا : فلمنع الاستلزام (6) ، وجواز حصوله بالمجاورة کما فی الرائحة.

وأما ثانیا : فلتصریح الأصحاب بالعفو عن اللون فی سائر النجاسات ، ففی الاستنجاء أولی.

وقیل : إنّ المراد به ما یتخلف علی المحل عند مسح النجاسة وتنشیفها (7). وهو غیر واضح أیضا ، إلا أن الأمر فی ذلک هین بعد وضوح المأخذ.

وجوب غسل مخرج الغائط بالماء حتی زوال العین والأثر

ص: 165


1- یعنی به مقدار الماء الذی یجب غسل المخرج به ، وهو مثلا ما علی الحشفة المار ذکره.
2- جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
3- الوسائل ( 1 : 227 ) أبواب أحکام الخلوة ب (13).
4- المختصر النافع : (5) ، المعتبر ( 1 : 127 ).
5- التنقیح الرائع ( 1 : 72 ).
6- یعنی به : استلزام وجود اللون لوجود العین.
7- جامع المقاصد ( 1 : 6 ).

ولا اعتبار بالرائحة. وإذا تعدی المخرج لم یجز إلا الماء.

______________________________________________________

قوله : ولا اعتبار بالرائحة.

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. ویدل علیه مضافا إلی الأصل حسنة عبد الله بن المغیرة السابقة ، عن أبی الحسن علیه السلام ، حیث قال فیها ، قلت : فإنه ینقی ما ثمّة ویبقی الریح ، قال : « الریح لا ینظر إلیها » (1).

واعترض علی ذلک شیخنا الشهید - رحمه الله - بأنّ وجود الرائحة یرفع أحد أوصاف الماء ، وذلک یقتضی النجاسة (2).

وأجاب عنه مرة بالعفو عن الرائحة ، وأخری بأنّ الرائحة إن کان محلها الماء نجس لانفعاله ، وإن کان محلها الید أو المخرج فلا ، وهذا أجود.

قوله : وإذا تعدی المخرج لم یجز إلا الماء.

ینبغی أن یراد بالتعدی : وصول النجاسة إلی محل لا یعتاد وصولها إلیه ، ولا یصدق علی إزالتها اسم الاستنجاء. وذکر جماعة من الأصحاب أنّ المراد به تجاوز النجاسة عن المخرج وإن لم یتفاحش ، وهو بعید. وهذا الحکم ، أعنی تعیّن الماء للإزالة مع التعدی مذهب أهل العلم ، قاله فی المعتبر (3) ، واستدل علیه بقوله علیه السلام : « یکفی أحدکم ثلاثة أحجار إذا لم یتجاوز محل العادة » (4) وعلی (5) ما فسرنا به التعدی. والأمر (6) واضح.

لا اعتبار بالرائحة

تعین الماء عند تعدی النجاسة المخرج

ص: 166


1- فی ص (164).
2- نسبه إلیه فی جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
3- المعتبر ( 1 : 128 ).
4- تفرّد بروایتها المحقق فی المعتبر ( 1 : 128 ) ، ویوجد ما یقرب من هذا المعنی فی بعض مصادر العامة.
5- فی « س » : وغسل.
6- فی « ق » : فالأمر.

وإذا لم یتعدّ کان مخیّرا بین الماء والأحجار ، والماء أفضل ، والجمع أکمل ،

______________________________________________________

قوله : وإذا لم یتعدّ کان مخیّرا بین الماء والأحجار ، والماء أفضل.

هذا الحکم إجماعی بین العلماء ، ویدل علیه روایات کثیرة ، منها عموم حسنة عبد الله بن المغیرة ، وموثقة یونس بن یعقوب المتقدمتین (1) ، وخصوص صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ویجزیک من الاستنجاء ثلاثة أحجار » (2) وإنما کان الماء أفضل لأنه أبلغ فی التنظیف ، وربما کان فی صحیحة زرارة إشعار بذلک أیضا.

وأورد علی هذا الحکم أنّ الإزالة واجبة إما بالماء أو بالأحجار وجوبا تخییریا فکیف یکون أحدهما أفضل من الآخر ، بل قد صرحوا فی مثل ذلک باستحباب ذلک الفرد الأفضل ، ومنافاة المستحب للواجب واضحة (3).

وأجیب عنه بأن الوجوب التخییری لا ینافی الاستحباب العینی ، لأن متعلق الوجوب فی التخییری لیس أمرا معینا بل الأمر الکلی ، فتعلق الاستحباب بواحدة منهما (4) لا محذور فیه (5). وفیه نظر ، فإنه إن أرید بالاستحباب هنا المعنی العرفی ، وهو الراجح الذی یجوز ترکه لا الی بدل لم یکن تعلقه بشی ء من أفراد الواجب التخییری ، وإن أرید به کون أحد الفردین الواجبین أکثر ثوابا من الآخر فلا امتناع فیه کما هو ظاهر.

قوله : والجمع أکمل.

یدل علیه ما روی مرسلا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « جرت السنة فی

التخییر بین الماء والأحجار

ص: 167


1- فی ص (164).
2- المتقدمة فی ص (161).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
4- فی « ق » ، « م » : منها.
5- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 6 ).

ولا یجزی أقلّ من ثلاثة أحجار.

______________________________________________________

الاستنجاء بثلاثة أحجار أبکار ویتبع بالماء » (1).

وینبغی تقدیم الأحجار لما فیه من تنزیه الید عن مباشرة النجاسة ، ولأنه المستفاد من الخبر.

وذکر المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : أنّ الجمع بین الماء والأحجار مستحب وإن تعدی الغائط ، لأنه جمع بین مطهرین (2) بتقدیر أن لا یتعدی ، وإکمال فی الاستظهار بتقدیر التعدی (3). وفیه ما فیه ، ولو لا الإجماع المنقول علی هذا الحکم لکان للمناقشة فیه من أصله (4) مجال.

قوله : ولا یجزی أقلّ من ثلاثة أحجار.

هذا هو المشهور بین الأصحاب لقوله علیه السلام : « ویجزیک من الاستنجاء ثلاثة أحجار » (5) فإنه یدل بمفهومه علی عدم إجزاء ما دونه ، ولأن زوال النجاسة حکم شرعی ، فیقف علی سببه الشرعی ، ولم یثبت کون ما نقص عن الأحجار الثلاثة سببا فیه.

وقیل : إنّ الواجب ما یحصل به النقاء وإن کان واحدا (6) ، اختاره المفید - رحمه الله - علی ما نقل عنه (7) ، والشیخ فی ظاهر کلامه (8). واستوجهه فی المختلف (9) ، وهو

عدم إجزاء أقل من ثلاثة أحجار

ص: 168


1- التهذیب ( 1 : 46 - 130 ) ، الوسائل ( 1 : 246 ) أبواب أحکام الخلوة ب (30) ح (4).
2- فی « ح » المطهرین.
3- المعتبر ( 1 : 136 ).
4- فی « س » أجله.
5- المتقدمة فی ص (161).
6- کما فی الجامع للشرائع : (27) ، ومجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 92 ).
7- فی السرائر : (16).
8- کما فی المبسوط ( 1 : 16 ) ، والخلاف ( 1 : 20 ) ، والنهایة : (10).
9- المختلف : (19).

______________________________________________________

المعتمد.

لنا : قوله علیه السلام فی حسنة ابن المغیرة وقد سأله : هل للاستنجاء حدّ؟ « لا حتی ینقی ما ثمّة » (1).

والاستنجاء یطلق علی غسل موضع النجو ومسحه کما یشهد به الأخبار المستفیضة ونصّ أهل اللغة ، قال فی القاموس : النجو ما یخرج من البطن من ریح أو غائط ، واستنجی أی غسل بالماء منه ، أو تمسح بالحجر (2). وقال الجوهری : استنجی أی غسل موضع النجو ، أو مسحه (3).

ویدل علیه أیضا إطلاق قوله علیه السلام فی موثقة یونس بن یعقوب : « ویذهب الغائط » (4). وصحیحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « کان الحسین علیه السلام یتمسح من الغائط بالکرسف ولا یغسل » (5) وروی زرارة أیضا فی الصحیح ، قال : کان یستنجی من البول ثلاث مرات ، ومن الغائط بالمدر والخرق (6).

ویمکن حمل روایة الأحجار علی الاستحباب ، أو علی أنّ الغالب عدم حصول النقاء بما دون الثلاثة ، مع أنها واردة فی صورة معیّنة ، فتعدیتها إلی ما عدا الأحجار ، والتزام عدم حصول الطهارة بالثوب المتصل إلا بعد قطعه ثلاثا مستبعد ، ومع ذلک فالأول أحوط.

ص: 169


1- المتقدمة فی ص (164).
2- القاموس ( 4 : 396 ).
3- الصحاح ( 6 : 2502 ).
4- المتقدمة فی ص (164).
5- التهذیب ( 1 : 354 - 1055 ) ، الوسائل ( 1 : 252 ) أبواب أحکام الخلوة ب (35) ح (3).
6- المتقدمة فی ص (164).

ویجب إمرار کل حجر علی موضع النجاسة. ویکفی معه إزالة العین دون الأثر. وإذا لم ینق بالثلاثة فلا بد من الزیادة حتی ینقی. ولو نقی بدونها أکملها وجوبا. ولا یکفی استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات

______________________________________________________

قوله : ویجب إمرار کل حجر علی موضع النجاسة.

بل الأصح ما اختاره فی المعتبر (1) من إجزاء التوزیع ، بمعنی أن یمسح ببعض أدوات الاستنجاء بعض محل النجاسة ، وببعض آخر بعضا آخر مع حصول النقاء المعتبر ، إذ لا دلیل علی وجوب استیعاب المحل کله بجمیع المسحات.

قوله : ویکفی معه إزالة العین دون الأثر.

قد عرفت أنّ الأثر لم یرد به خبر ، وأن المعتمد وجوب الإنقاء فی الحالین ، إذ لا یستفاد من الأخبار أزید منه. ونعنی بالإنقاء هنا زوال عین النجاسة ورطوبتها بحیث یخرج الحجر نقیا لیس علیه شی ء من أجزاء النجاسة.

قوله : وإذا لم ینق بالثلاثة فلا بد من الزیادة حتی ینقی.

هذا موضع وفاق بین العلماء ، ویستحب أن لا یقطع إلا علی وتر ، ذکره جماعة من الأصحاب ، وهو مروی فی بعض الأخبار (2).

قوله : ولو نقی بما دونها أکملها وجوبا.

قد تقدم البحث فی ذلک ، وإنما أعاده للرد علی المخالف صریحا.

قوله : ولا یکفی استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم الاکتفاء باستعمال ذی الشعب من ثلاث

وجوب إمرار کل حجر علی موضع النجاسة وکفایة زوال العین

عدم کفایة استعمال الحجر الواحد من ثلاثة جهات

ص: 170


1- المعتبر ( 1 : 130 ).
2- التهذیب ( 1 : 45 - 126 ) ، الإستبصار ( 1 : 52 - 148 ) ، الوسائل ( 1 : 223 ) أبواب أحکام الخلوة ب (9) ح (4).

______________________________________________________

جهات أحد القولین فی المسألة ، تمسکا باستصحاب حکم النجاسة إلی (1) أن یعلم حصول المطهر لها شرعا. وإنما یعلم بالأحجار الثلاثة لقوله علیه السلام : « یجزیک من الاستنجاء ثلاثة أحجار » (2) والحجر الواحد لا یصدق علیه أنه ثلاثة.

وذهب شیخنا المفید ، وابن البراج (3) ، والعلامة فی جملة من کتبه (4) ، والشهید - رحمه الله - فی الذکری (5) إلی الاجتزاء بذلک ، لأن المراد ( من الأحجار ) (6) المسحات وإن کانت بحجر واحد ، کما لو قیل : اضربه عشرة أسواط ، فإن المراد عشر ضربات وإن کانت بسوط واحد. ولأنها إذا انفصلت أجزأت قطعا فکذا مع الاتصال ، قال فی المختلف : وأی عاقل یفرّق بین الحجر متصلا بغیره ومنفصلا (7).

ولقوله صلی الله علیه و آله (8) : « إذا جلس أحدکم لحاجة فلیمسح ثلاث مسحات » (9).

ویرد علی الأول أنّ إرادة المسحات من الأحجار یتوقف علی القرینة ، لأنه خلاف مدلول اللفظ ، والفارق بینه وبین ما شبّهه به وجود القرینة فیه علی إرادة المعنی المجازی وانتفاؤها هنا.

وعلی الثانی أنه مصادرة محضة ، والفارق بین الاتصال والانفصال هو النصّ ،

ص: 171


1- فی « م » : إلاّ.
2- المتقدم فی ص (161).
3- المهذب ( 1 : 40 ).
4- التذکرة ( 1 : 13 ) ، والقواعد ( 1 : 3 ) ، والمنتهی ( 1 : 45 ).
5- الذکری : (21).
6- فی « ح » : بالأحجار.
7- المختلف : (19).
8- فی « ح » : علیه السلام .
9- لم نقف علی هذا النص ، والذی وقفت علیه روایة بهذا المضمون فی مجمع الزوائد للهیثمی ( 1 : 211 ).

ولا یستعمل الحجر المستعمل ، ولا الأعیان النجسة ، ولا العظم ، ولا الروث ، ولا المطعوم ،

______________________________________________________

والغالب فی أبواب العبادات خصوصا الطهارة رعایة جانب التعبد ، ولهذا أوجب الأکثر إتمام الثلاثة مع النقاء بما دونها.

وأما الروایة الأخیرة فمجهولة الإسناد ، والظاهر أنها عامیة فلا یسوغ التعلق بها ، مع أنها مطلقة والخبر المتضمن للأحجار مقید ، والمقید یحکّم علی المطلق.

وبالجملة فالمتّجه - تفریعا علی المشهور من وجوب الإکمال مع النقاء بالأقل - عدم الإجزاء. ومع ذلک فینبغی القطع بإجزاء الخرقة الطویلة إذا استعملت من جهاتها الثلاثة ، تمسکا بالعموم.

قوله : ولا یستعمل الحجر المستعمل ، ولا الأعیان النجسة.

بل الأظهر جواز استعمال المستعمل إذا کان طاهرا ، کالمستعمل بعد النقاء والمطهّر ، للأصل وعدم المخرج عنه ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (1). ویمکن التوفیق بینه وبین ما هنا بحمل المستعمل علی المتنجس ، وحمل الأعیان النجسة علی نجس العین. والحکم بعدم جواز الاستنجاء بالنجس مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (2) ، ویدل علیه قوله علیه السلام : « جرت السنة فی الاستنجاء بثلاثة أحجار أبکار » (3) ولأن المحل ینجس بملاقاة الحجر النجس فلا یکون مطهرا.

قوله : ولا الروث ، ولا العظم ، ولا المطعوم.

أما المنع من استعمال العظم والروث فقال فی المعتبر إنّ علیه اتفاق الأصحاب (4) ، ویدل علیه ما رواه لیث المرادی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن

عدم کفایة الحجر المستعمل ولا الروث والعظم ولا المطعوم

ص: 172


1- المعتبر ( 1 : 131 ).
2- منتهی المطلب ( 1 : 46 ).
3- التهذیب ( 1 : 46 - 130 ) ، الوسائل ( 1 : 246 ) أبواب أحکام الخلوة ب (30) ح (4).
4- المعتبر ( 1 : 132 ).

ولا صیقل یزلق عن النجاسة. ولو استعمل ذلک لم یطهّره.

______________________________________________________

استنجاء الرجل بالعظم ، أو البعر ، أو العود قال : « أما العظم والروث فطعام الجن ، وذلک مما اشترطوا علی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال : لا یصلح لشی ء من ذلک » (1) وفی السند ضعف (2).

وأما المنع من المطعوم کالخبز والفاکهة فاستدل علیه فی المعتبر بأنّ له حرمة تمنع من الاستهانة به. وبأنّ طعام الجن منهی عنه ، فطعام أهل الصلاح أولی (3). وفیهما نظر.

وکیف کان فینبغی أن یراد بالمطعوم ما کان مطعوما بالفعل ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تم ، وإلا فالأظهر الجواز فیما لم یثبت احترامه.

قوله : ولا صقیلا (4) یزلق عن النجاسة ، ولو استعمل ذلک لم یطهّره.

أما عدم حصول الطهارة بالصقیل (5) الذی یزلق عن النجاسة فواضح ، وأما غیره من المطعوم والعظم والروث الصلب القالع للنجاسة ففیه قولان ، أظهرهما الإجزاء ، لعموم ما دل علی الاکتفاء بما یحصل به النقاء ، ولا ینافی ذلک تعلق النهی به ، کما فی إزالة النجاسة بالماء المغصوب.

واستقرب المصنف فی المعتبر عدم الإجزاء ، لأنّ المنع من استصحاب النجاسة شرعی ، فیقف زواله علی الشرع (6). والجواب أنّ الاکتفاء بالنقاء ثابت بالشرع کما بیناه.

عدم إجزاء استعمال الصقیل

ص: 173


1- التهذیب ( 1 : 354 - 1053 ) ، الوسائل ( 1 : 251 ) أبواب أحکام الخلوة ب (35) ح (1).
2- لأن فیه أحمد بن عبدوس ولم یوثقه النجاشی ولا الشیخ ، راجع رجال النجاشی : (197) ، والفهرست (24) ، ورجال الطوسی : (447) وقد یکون هناک ضعف من ناحیة أخری.
3- المعتبر ( 1 : 132 ).
4- فی « ح » صیقلیا.
5- فی « ح » بالصیقل.
6- المعتبر ( 1 : 133 ).

الثالث : فی سنن الخلوة ، وهی مندوبات ومکروهات :

فالمندوبات : تغطیة الرأس ، والتسمیة ، وتقدیم الرجل الیسری ،

______________________________________________________

قوله : والمندوبات ، تغطیة الرأس.

أی إذا کان مکشوفا ، لأنه من سنن النبی صلی الله علیه و آله . قال فی المعتبر : وعلیه اتفاق الأصحاب (1). وذکر الشیخان (2) أنه یستحب التقنع فوق العمامة لما رواه علی بن أسباط مرسلا عن الصادق علیه السلام : إنه کان إذا دخل الکنیف یقنع رأسه (3).

قوله : والتسمیة.

لما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح عن معاویة بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا دخلت المخرج فقل : بسم الله ، اللهم إنی أعوذ بک من الخبیث المخبث ، الرجس النجس ، الشیطان الرجیم. وإذا خرجت فقل : بسم الله ، الحمد لله الذی عافانی من الخبیث المخبث وأماط عنی الأذی » (4).

قوله : وتقدیم الرجل الیسری.

أی عند دخوله إلی الخلاء ، وذلک فی البنیان ظاهر ، وأما فی الصحراء فیمکن أن یراد تقدیمها إلی موضع الجلوس کما ذکره العلامة - رحمه الله - فی النهایة (5). وهذا الحکم مشهور بین الأصحاب. قال فی المعتبر : ولم أجد به حجة غیر أن ما ذکره الشیخ

- مندوبات التخلی - تغطیة الرأس والتسمیة وتقدیم الرجل الیسری

ص: 174


1- المعتبر ( 1 : 133 ).
2- المقنعة : (3) ، المبسوط ( 1 : 18 ) ، النهایة : (9).
3- الفقیه ( 1 : 17 - 41 ) ( بتفاوت یسیر ) ، التهذیب ( 1 : 24 - 62 ) ، الوسائل ( 1 : 214 ) أبواب أحکام الخلوة ب (3) ح (2).
4- التهذیب ( 1 : 25 - 63 ) ، الوسائل ( 1 : 216 ) أبواب أحکام الخلوة ب (5) ح (1).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 81 ).

والاستبراء ، والدعاء عند الاستنجاء وعند الفراغ ، وتقدیم الیمنی عند الخروج ،

______________________________________________________

وجماعة من الأصحاب حسن (1).

قوله : والاستبراء.

إطلاق العبارة یقتضی استحباب الاستبراء للرجل والمرأة ، والأصح ( اختصاصه بالرجل ) (2). والقول بالاستحباب هو المشهور بین الأصحاب ، وقال الشیخ فی الاستبصار بوجوبه ، لصحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یبول ، قال : « ینتره ثلاثا ، ثم إن سال حتی یبلغ الساق فلا یبالی » (3) وسیأتی تمام البحث فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : والدعاء عند الاستنجاء.

وهو غسل الموضع أو مسحه فیستحب الدعاء بالحالین بقوله : « اللهمّ حصّن فرجی ، وأعفّه ، واستر عورتی ، وحرمنی علی النار » (4).

قوله : وعند الفراغ منه.

بقوله : « الحمد لله الذی عافانی من البلاء وأماط عنی الأذی » (5).

قوله : وتقدیم الیمنی عند الخروج.

والکلام فیه کما تقدم فی الدخول ، واتباع الأصحاب فی ذلک حسن إن شاء الله.

- الاستبراء والدعاء وتقدیم الیمنی عند الخروج

ص: 175


1- المعتبر ( 1 : 134 ).
2- فی « ح » : استحبابه للرجل.
3- الاستبصار ( 1 : 48 - 136 ) ، التهذیب ( 1 : 27 - 70 ) ، الوسائل ( 1 : 200 ) أبواب نواقض الوضوء ب (13) ح (3).
4- الکافی ( 3 : 70 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 26 - 84 ) ، ( مرسلا ) التهذیب ( 1 : 53 - 153 ) ، المقنع : (4) ، ثواب الأعمال (38) ، المحاسن : ( 45 - 61 ) ، أمالی الصدوق : ( 445 - 11 ) ، الوسائل ( 1 : 282 ) أبواب الوضوء ب (16) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 351 - 1038 ) ، الوسائل ( 1 : 216 ) أبواب أحکام الخلوة ب (5) ح (2).

والدعاء بعده.

والمکروهات : الجلوس فی الشوارع ، والمشارع ، وتحت الأشجار المثمرة ،

______________________________________________________

قوله : والدعاء بعده.

بما (1) تقدم فی صحیحة معاویة بن عمار (2).

قوله : والمکروهات ، الجلوس فی الشوارع ، والمشارع.

المشارع : جمع مشرعة ، وهی موارد المیاه ، کشطوط الأنهار ورؤس الآبار. والشوارع : جمع شارع وهو الطریق الأعظم ، قاله الجوهری (3). والمراد بها هنا مطلق الطرق النافذة ، لأن المرفوعة ملک لأربابها عند الأصحاب ، ویدل علی کراهة الجلوس فی هذین الموضعین أخبار کثیرة.

منها ، ما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح عن عاصم بن حمید عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قال رجل لعلی بن الحسین علیهماالسلام : أین یتوضأ الغرباء؟

قال : « یتقی شطوط الأنهار ، والطرق النافذة ، وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضع اللعن » قیل له : وأین مواضع اللعن؟ قال : « أبواب الدور » (4).

قوله : وتحت الأشجار المثمرة.

قال بعض المحققین : لیس المراد بالمثمرة هنا المثمرة بالفعل ، بل ما من شأنها ذلک ، لأن المشتق لا یشترط فی صدقه بقاء أصله (5) ، وفیه نظر ، لأن صدق هذا المشتق إنما

- مکروهات التخلی

الجلوس فی الشوارع والمشارع وتحت الأشجار المثمرة

ص: 176


1- فی « س » ، « م » ، « ق » : لما وفی « ح » مما. والأنسب ما أثبتناه.
2- فی ص (174).
3- الصحاح ( 3 : 1236 ).
4- التهذیب ( 1 : 30 - 78 ) ، وأوردها فی الکافی ( 3 : 15 - 2 ) ، والفقیه ( 1 : 18 - 44 ) ، ومعانی الأخبار : ( 368 - 1 ) ، إلا أن الروایة فیه عن أبی خالد الکابلی ، والوسائل ( 1 : 228 ) أبواب أحکام الخلوة ب (15) ح (1).
5- کما فی روض الجنان : (25) ، وجامع المقاصد ( 1 : 7 ).

ومواطن النزال ، ومواضع اللعن ،

______________________________________________________

یقتضی جواز إطلاق المثمرة علی ما أثمرت فی وقت ما ، لا إطلاقها علی ما من شأنها ذلک. نعم یصح ارتکاب ما ذکره بضرب من التجوز. وإنما کان الجلوس تحت الأشجار المثمرة مکروها لورود النهی عنه فی عدة أخبار ، کصحیحة عاصم بن حمید المتقدمة (1) ، وروایة السکونی عن أبی جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یتغوط علی شفیر بئر ماء یستعذب منها ، أو نهر یستعذب ، أو تحت شجرة فیها ثمرتها » (2).

ومقتضی هذه الروایة اعتبار کون الثمرة موجودة علی الشجرة ، ویشهد له أیضا ما رواه الصدوق - رحمه الله - فی کتاب من لا یحضره الفقیه عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « وإنما نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یضرب أحد من المسلمین خلاء تحت شجرة ، أو نخلة قد أثمرت ، لمکان الملائکة الموکلین بها. قال : ولذلک یکون الشجر والنخل أنسا إذا کان فیه حمله ، لأنّ الملائکة تحضره » (3).

قوله : ومواطن النزال ، ومواضع اللعن.

المراد بمواطن النزال المواضع المعدة لنزول القوافل والمترددین. ومواضع اللعن هی أبواب الدور کما ورد فی الخبر المتقدم ، ویمکن أن یراد بها ما هو أعم من ذلک.

ویدل علی کراهة الجلوس فی هذین الموضعین مضافا الی ما سبق مرفوعة علی بن إبراهیم ، قال : خرج أبو حنیفة من عند أبی عبد الله علیه السلام وأبو الحسن موسی علیه

الجلوس فی مواطن النزال ومواضع اللعن

ص: 177


1- فی ص (176).
2- التهذیب ( 1 : 353 - 1048 ) ، الخصال : ( 97 - 43 ) ، الوسائل ( 1 : 228 ) أبواب أحکام الخلوة ب (15) ح (3).
3- الفقیه ( 1 : 22 - 64 ) ، علل الشرائع : ( 278 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 230 ) أبواب أحکام الخلوة ب (15) ح (8).

واستقبال الشمس والقمر بفرجه أو الریح بالبول ،

______________________________________________________

السلام قائم وهو غلام ، فقال أبو حنیفة : یا غلام أین یضع الغریب ببلدکم؟ قال : « اجتنب أفنیة المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، ومنازل النزال ، ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول ، وارفع ثوبک ، وضع حیث شئت » (1).

قوله : واستقبال الشمس والقمر بفرجه.

إطلاق العبارة یقتضی تعمیم الحکم بالنسبة إلی الحدثین. والمروی عن الصادق علیه السلام : « أنّ النبی صلی الله علیه و آله نهی أن یستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو یبول » (2) وفی الطریق ضعف (3).

والمراد بالاستقبال هنا استقبال نفس القرص دون الجهة. وتزول الکراهة بالحائل ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی روایة الکاهلی : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لا یبولن أحدکم وفرجه باد للقمر » (4).

والظاهر عدم کراهة استدبارهما إذ لا مقتضی له.

قوله : أو الریح بالبول.

للنهی عنه فی مرفوعة عبد الحمید بن أبی العلاء وغیره (5). قال : سئل الحسن بن علی علیه السلام ما حدّ الغائط؟ فقال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الریح

استقبال الشمس بالفرج والریح بالبول

ص: 178


1- الکافی ( 3 : 16 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 30 - 79 ) ، الوسائل ( 1 : 228 ) أبواب أحکام الخلوة ب (15) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 34 - 91 ) ، الوسائل ( 1 : 241 ) أبواب أحکام الخلوة ب (25) ح (1).
3- لأن طریق الشیخ إلی أحمد البرقی لا یخلو من ضعف ، ذکره القهبائی فی مجمع الرجال ( 7 : 208 ).
4- التهذیب ( 1 : 34 - 92 ) ، بزیادة : یستقبل به ، الوسائل ( 1 : 241 ) أبواب أحکام الخلوة ب (25) ح (2).
5- فی « ق » أو غیره.

والبول فی الأرض الصلبة ، وفی ثقوب الحیوان ،

______________________________________________________

ولا تستدبرها » (1) ومقتضاها عموم الکراهة بالنسبة إلی الحدثین والی الاستقبال والاستدبار.

قوله : والبول فی الصلبة.

لئلا یعود الیه. وکذا ما فی معناها ، کالجلوس فی أسفل الأرض المنحدرة ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة.

منها ما رواه عبد الله بن مسکان فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله أشد الناس توقیا للبول ، کان إذا أراد البول یعمد الی مکان مرتفع من الأرض ، أو الی مکان من الأمکنة فیه التراب الکثیر کراهیة أن ینضح علیه البول » (2).

قوله : وفی ثقوب الحیوان.

وهی جحرتها (3) بکسر الجیم وفتح الحاء والراء المهملتین. وإنما کره ذلک لورود النهی عنه فی بعض الأخبار (4) ، ولأنه لا یؤمن من خروج حیوان یلسعه ، فقد حکی أنّ سعد بن عبادة بال فی جحر بالشام فاستلقی میتا ، فسمعت الجن تنوح علیه بالمدینة وتقول :

نحن قتلنا سید الخزرج سعد بن عبادة

ورمیناه بسهمین فلم نخط فؤاده (5)

البول فی الصلبة وفی ثقوب الحیوان

ص: 179


1- التهذیب ( 1 : 33 - 88 ) ، الإستبصار ( 1 : 47 - 131 ) ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (6).
2- الفقیه ( 1 : 16 - 36 ) ، التهذیب ( 1 : 33 - 87 ) ، علل الشرائع ( 1 : 278 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 238 ) أبواب أحکام الخلوة ب (22) ح (2).
3- جحرة : الجحر : کل شی ء یحتفره الهوام والسباع لا نفسها جمعها جحرة ( القاموس 1 : 400 ).
4- سنن أبی داود ( 1 : 8 - 29 ) ، سنن النسائی ( 1 : 33 ) ، مسند أحمد بن حنبل ( 5 : 82 ).
5- الطبقات الکبری لابن سعد ( 3 : 617 ).

وفی الماء جاریا وواقفا ، والأکل والشرب

______________________________________________________

قوله : وفی الماء جاریا وراکدا.

لورود النهی عنه ، وعللت الکراهة فی بعض الأخبار بأنّ للماء أهلا (1). وتشتد الکراهة فی الراکد. واستثنی من ذلک الماء المعد فی بیوت الخلاء لأخذ النجاسة واکتنافها ، کما یوجد فی الشام ، وما جری مجراها من البلاد الکثیرة الماء ، وهو مشکل ، لإطلاق النهی. وکیف کان فیجب القطع بانتفاء الکراهة مع الضرورة ، کما وقع التصریح به فی الخبر.

قوله : والأکل والشرب.

قال المصنف فی المعتبر : إنما کره الأکل والشرب لما یتضمن من الاستقذار الدال علی مهانة نفس معتمدة (2).

واحتج علیه فی المنتهی (3) أیضا بما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه ، قال : دخل أبو جعفر الباقر علیه السلام الخلاء فوجد لقمة خبز فی القذر فأخذها وغسلها ودفعها الی مملوک معه فقال : « تکون معک لآکلها إذا خرجت » فلما خرج قال للمملوک : « أین اللقمة »؟ قال : أکلتها یا بن رسول الله ، فقال : « إنها ما استقرت فی جوف أحد إلا وجبت له الجنة ، فاذهب فأنت حر لوجه الله ، فإنی أکره أن استخدم رجلا من أهل الجنة » (4).

وذلک لأنّ تأخیره علیه السلام لأکل تلک اللقمة مع ما فیه من الثواب العظیم

البول فی الماء

الأکل والشرب حال التخلی

ص: 180


1- التهذیب ( 1 : 34 - 90 ) ، الإستبصار ( 1 : 13 - 25 ) ، الوسائل ( 1 : 240 ) أبواب أحکام الخلوة ب (24) ح (3).
2- المعتبر ( 1 : 138 ).
3- منتهی المطلب ( 1 : 41 ).
4- الفقیه ( 1 : 18 - 49 ) ، الوسائل ( 1 : 254 ) أبواب أحکام الخلوة ب (39) ح (1).

والسواک ، والاستنجاء بالیمین ، وبالیسار وفیها خاتم علیه اسم الله سبحانه ، والکلام إلا بذکر الله تعالی ، أو آیة الکرسیّ ، أو حاجة یضرّ فوتها.

______________________________________________________

وتعلیقه علی الخروج یشعر بمرجوحیة الأکل فی تلک الحال ، وفی هذا الحدیث فوائد تظهر لمن تأملها.

قوله : والسواک.

لما رواه ابن بابویه عن الکاظم علیه السلام أنه قال : « السواک علی الخلاء یورث البخر » (1).

قوله : والاستنجاء بالیمین.

لما رواه ابن بابویه عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « من الجفاء الاستنجاء بالیمین » (2) وروی أیضا عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا بال الرجل فلا یمس ذکره بیمینه » (3).

قوله : وبالیسار وفیها خاتم علیه اسم الله سبحانه وتعالی.

لما رواه عمار الساباطی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا یمس الجنب درهما ولا دینارا علیه اسم الله ، ولا یستنجی وعلیه خاتم فیه اسم الله تعالی ، ولا یجامع وهو علیه ، ولا یدخل المخرج وهو علیه » (4).

وألحق به ما کان علیه اسم أحد الأنبیاء أو الأئمة علیهم السلام ، وهو حسن.

قوله : والکلام إلا بذکر الله تعالی ، أو آیة الکرسیّ ، أو حاجة یضرّ فوتها.

أما کراهة الکلام فیدل علیه ما رواه الشیخ عن صفوان بن یحیی ، عن أبی الحسن

السواک علی الخلاء

الاستنجاء بالیمین وبالیسار وعلیها خاتم علیه اسم الله سبحانه

الکلام علی الخلاء

ص: 181


1- الفقیه ( 1 : 32 - 110 ) ، الوسائل ( 1 : 237 ) أبواب أحکام الخلوة ب (21) ح (1).
2- الفقیه ( 1 : 19 - 51 ) ، الوسائل ( 1 : 226 ) أبواب أحکام الخلوة ب (12) ح (4).
3- الفقیه ( 1 : 19 - 55 ) ، الوسائل ( 1 : 226 ) أبواب أحکام الخلوة ب (12) ح (6).
4- التهذیب ( 1 : 31 - 82 ) ، الإستبصار ( 1 : 48 - 133 ) ، الوسائل ( 1 : 233 ) أبواب أحکام الخلوة ب (7) ح (5).

______________________________________________________

الرضا علیه السلام قال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یجیب الرجل آخر وهو علی الغائط ، أو یکلمه حتی یفرغ » (1).

وقال ابن بابویه فی کتابه : ولا یجوز الکلام علی الخلاء لنهی النبی صلی الله علیه و آله عن ذلک ، وروی أنّ من تکلم علی الخلاء لم تقض حاجته (2).

واستثنی من ذلک الذکر ، لقول الصادق علیه السلام فی روایة الحلبی : « لا بأس بذکر الله وأنت تبول ، فإنّ ذکر الله حسن علی کل حال » (3) وآیة الکرسی لقوله علیه السلام فی صحیحة عمر بن زید وقد سأله عن التسبیح فی المخرج وقراءة القرآن : « لم یرخص فی الکنیف أکثر من آیة الکرسی ویحمد الله تعالی وآیة ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ) » (4) ، وحالة الضرورة ، لما فی الامتناع من الکلام معها من الضرر المنفی بقوله تعالی ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (5).

ویستثنی من ذلک أیضا حکایة الأذان ، لما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی کتاب علل الشرائع والأحکام ، فی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « یا محمد لا تدع ذکر الله علی کل حال ، ولو سمعت المنادی ینادی بالأذان وأنت علی الخلاء فاذکر الله عز وجل ، وقل کما یقول » (6).

عدم کراهة حکایة الأذان علی الخلاء

ص: 182


1- التهذیب ( 1 : 27 - 69 ) ، الوسائل ( 1 : 218 ) أبواب أحکام الخلوة ب (6) ح (1).
2- الفقیه ( 1 : 21 ).
3- أصول الکافی ( 2 : 497 - 6 ) ، الوسائل ( 1 : 219 ) أبواب أحکام الخلوة ب (7) ح (2).
4- الفقیه ( 1 : 19 - 57 ) ، التهذیب ( 1 : 352 - 1042 ) ، الوسائل ( 1 : 220 ) أبواب أحکام الخلوة ب (7) ح (7) بتفاوت یسیر.
5- الحج : (78).
6- علل الشرائع : ( 284 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 221 ) أبواب أحکام الخلوة ب (8) ح (1).

الثالث : فی کیفیة الوضوء ، وفروضه خمسة :

______________________________________________________

ومن هنا یظهر أنّ ما ذکره جدی - قدس سره - فی روض الجنان (1) من إبدال الحیعلات (2) بالحوقلة (3) ، لکونها لیست ذکرا ، وعدم النص علی استحباب حکایته علی الخصوص غیر جید. ویجب ردّ السلام ، کما صرح به فی المنتهی (4). واستحب الحمد عند العطاس (5) ، واستحب التسمیت أیضا ، ولعل ترکه أولی ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : الثالث ، فی کیفیة الوضوء ، وفروضه خمسة.

الفروض جمع الفرض ، وهو لغة التقدیر ، قال الله تعالی ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (6) أی قدرتم. وعرفا : الواجب والمحتوم ، وخصّ الحنفیة الفرض بما ثبت بالدلیل القطعی ، والواجب بما ثبت بالظنی ، ولا مأخذ له. ولکن لا مشاحة فی الاصطلاح.

والمراد بالفروض المنحصرة فی الخمسة : الفروض الثابتة بنصّ الکتاب (7) ، لأن وجوب الترتیب والموالاة ونحوهما إنما یستفاد من السنة.

وجعل المصنف فی النافع (8) الفروض سبعة ، بإضافة الترتیب والموالاة الی هذه

الوضوء

- فروض الوضوء

ص: 183


1- روض الجنان : (245).
2- الحیعلة : حکایة قولک حیّ علی الصلاة حی علی الفلاح ( القاموس 3 : 376 ).
3- الحوقلة : قال فی النهایة ( 1 : 464 ) : الحوقلة لفظة مبنیة من لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال هکذا ذکره الجوهری بتقدیم اللام علی القاف وغیره یقول : الحوقلة بتقدیم القاف علی اللام ، والمراد من هذه الکلمة إظهار الفقر الی الله بطلب المعونة منه علی ما یحاول من الأمور وهو حقیقة العبودیة.
4- منتهی المطلب ( 1 : 41 ).
5- فی « ق » زیادة : ولا بأس به.
6- البقرة : (237).
7- المائدة : (6).
8- المختصر النافع : (5).

الأول : النیة ،

______________________________________________________

الخمسة. والظاهر أنه أراد بالفرض مطلق الواجب.

وذکر الشهید - رحمه الله - فی الذکری : أنّ الواجبات المستفادة من نص الکتاب العزیز ثمانیة : السبعة المذکورة مع المباشرة بنفسه (1) ، وهو غیر جید کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : الأول ، النیة.

مذهب الأصحاب وجوب النیة فی جمیع الطهارات ، وعزاه فی المعتبر إلی الثلاثة وأتباعهم ، ثم قال : ولم أعرف لقدمائنا فیه نصا علی التعیین (2). وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن ظاهر ابن الجنید الاستحباب (3).

والأصل فی وجوب النیة فی الطهارة وغیرها من العبادات قوله تعالی ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ ) (4) وقول النبی صلی الله علیه و آله : « إنما الأعمال بالنیات » (5) وقول علی بن الحسین علیهماالسلام فی حسنة أبی حمزة الثمالی : « لا عمل إلا بنیة » (6) وقول الرضا علیه السلام : « لا قول الا بعمل ، ولا عمل إلا بنیة » (7).

واعلم أن الفرق بین ما تجب فیه النیة من الطهارة ونحوها ، وما لا تجب من إزالة

- النیة

ص: 184


1- الذکری : (79).
2- المعتبر ( 1 : 138 ).
3- الذکری : (80).
4- البینة : (5).
5- أمالی الطوسی : (629) ، التهذیب ( 4 : 186 - 519 ) ، الوسائل ( 1 : 34 ) أبواب مقدمة العبادات ب (5) ح (10).
6- أصول الکافی ( 2 : 84 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 33 ) أبواب مقدمة العبادات ب (5) ح (1).
7- التهذیب ( 4 : 186 - 520 ) ، الوسائل ( 7 : 7 ) أبواب وجوب الصوم ونیته ب (2) ح (13).

وهی إرادة تفعل بالقلب. وکیفیتها أن ینوی الوجوب أو الندب والقربة. وهل یجب نیة رفع الحدث ، أو استباحة شی ء مما یشترط فیه الطهارة؟ الأظهر أنه لا یجب.

______________________________________________________

النجاسة وما شابهها ملتبس جدا ، لخلو الأخبار ( من هذا البیان ) (1). وما قیل من أنّ النیة إنما تجب فی الأفعال دون التروک منقوض بالصوم والإحرام (2) ، والجواب بأنّ الترک فیهما کالفعل تحکم. ولعل ذلک من أقوی الأدلة (3) علی سهولة الخطب فی النیة ، وأنّ المعتبر فیها تخیل المنوی بأدنی توجه ، وهذا القدر أمر لا ینفک عنه أحد من العقلاء ، کما یشهد به الوجدان. ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو کلّف الله تعالی بالصلاة أو غیرها من العبادات بغیر نیة کان تکلیفا بما لا یطاق. وهو کلام متین لمن تدبره والله الموفق.

قوله : وهی إرادة تفعل بالقلب.

الإرادة بمنزلة الجنس ، والوصف بمنزلة الفصل یخرج به إرادة الله تعالی.

ویعلم من ذلک أنّ النطق لا تعلق له بالنیة أصلا ، فإن القصد الی فعل من الأفعال لا یعقل توقفه علی اللفظ بوجه من الوجوه. ولا ریب فی عدم استحبابه أیضا ، لأن الوظائف الشرعیة موقوفة علی الشرع ، ومع فقده فلا توظیف ، بل ربما کان فعله علی وجه العبادة إدخالا فی الدین ما لیس منه ، فیکون تشریعا محرما.

قوله : وکیفیتها أن ینوی الوجوب أو الندب والقربة ، وهل یجب نیة رفع الحدث ، أو استباحة شی ء مما یشترط فیه الطهارة؟ الأظهر أنه لا یجب.

اختلف علماؤنا فی کیفیة النیة فی الوضوء علی أقوال ، فقیل بالاکتفاء بقصد

ماهیة النیة وکیفیتها

ص: 185


1- ما بین القوسین من « ق » ، « ح ».
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 21 ).
3- فی « م » دلالة.

______________________________________________________

الفعل للقربة ، وهو مذهب المفید فی المقنعة (1) والشیخ - رحمه الله - فی النهایة (2) ، والمصنف فی بعض رسائله.

وقیل بضم الوجوب أو الندب ، وهو اختیار المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب ، والعلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه (3) ، وجمع من المتأخرین (4).

وقیل بضم الرفع أو الاستباحة إلی القربة ، وهو اختیار الشیخ فی المبسوط (5) ، والمصنف فی المعتبر (6).

وقیل بضم الأمرین ، وهو قول أبی الصلاح (7) ، وابن البراج (8) ، وابن حمزة (9).

والبحث فی هذه المسألة یقع فی مواضع.

الأول : اشتراط القربة ، وهو موضع وفاق. ومما استدل به علیه قوله تعالی : ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفاءَ ) (10) أی وما أمروا ( بما أمروا ) (11) به فی التوراة والإنجیل إلا لأجل أن یعبدوا الله علی حالة الإخلاص والمیل عن الأدیان

اشتراط القربة فی النیة

ص: 186


1- المقنعة : (48).
2- النهایة : (15).
3- کما فی منتهی المطلب ( 1 : 56 ) ، والتذکرة ( 1 : 14 ) ، والتحریر ( 1 : 9 ).
4- منهم الفاضل المقداد فی التنقیح ( 1 : 74 ).
5- المبسوط ( 1 : 19 ).
6- المعتبر ( 1 : 139 ).
7- الکافی فی الفقه : (132).
8- المهذب ( 1 : 43 ).
9- الوسیلة : (51).
10- البینة : (5).
11- لیست فی « م ».

______________________________________________________

الباطلة. وفی قوله عزّ وجل ( وَذلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ ) (1) أی دین الملة القیمة ، دلالة علی أنّ الأمر المذکور ثابت فی شرعنا.

ولا ریب أنه لا یتحقق الإخلاص بالعبادة إلا مع ملاحظة التقرب بها. والمراد بالقربة إما موافقة إرادة الله تعالی ، أو القرب منه المتحقق بحصول (2) الرفعة عنده ونیل الثواب لدیه ، تشبیها بالقرب المکانی ، وکلاهما محصل للامتثال مخرج عن العهدة.

ویدل علی الثانیة ظواهر الآیات والأخبار کقوله تعالی ( یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَیَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) (3) وما روی عنهم علیهم السلام فی الصحیح : أنّ من بلغه ثواب من الله علی عمل فعمله التماس ذلک الثواب أوتیه وإن لم یکن الحدیث کما بلغه (4).

ونقل الشهید - رحمه الله - فی قواعده عن الأصحاب بطلان العبادة بهذه الغایة (5) ، وبه قطع السید رضی الدین بن طاوس (6) - رحمه الله - وهو ضعیف.

ولو قصد المکلف بفعله طاعة الله تعالی أو موافقة إرادته من دون ملاحظة القربة کان کافیا قطعا ، بل ربما کان أولی ، وإنما آثر الأصحاب هذه الصیغة مع غموض معناها لتکررها فی الکتاب والسنة ، مثل قوله تعالی ( وَیَتَّخِذُ ما یُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ ) (7) وقوله علیه السلام : « أقرب ما یکون العبد الی ربه وهو ساجد » (8).

ص: 187


1- البینة : (5).
2- فی « ق » و « م » : لحصول.
3- السجدة : (16) ، الأنبیاء : (90).
4- أصول الکافی ( 2 : 87 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 60 ) أبواب مقدمة العبادات ب (18) ح (7).
5- القواعد والفوائد ( 1 : 77 ).
6- نقله عنه فی روض الجنان : (27).
7- التوبة : (99).
8- الکافی ( 3 : 264 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 134 - 628 ) ( مرسلا ) ، عیون أخبار الرضا علیه السلام ( 2 : 6 - 15 ) ، الوسائل ( 4 : 979 ) أبواب السجود ب (23) ح (5).

______________________________________________________

الثانی : اشتراط الوجوب أو الندب ، واستدل علیه من اعتبره بوجوب إیقاع الفعل علی وجهه (1) ، ولا یتم الا بذلک. وبأن الوضوء لما جاز وقوعه علی جهة الوجوب تارة وعلی جهة الندب اخری اشترط تخصیصه بإحداهما حیث یکون ذلک هو المطلوب.

ویرد علی الأول أنه إن أرید بوجوب إیقاع الفعل علی وجهه إیقاعه علی الوجه المأمور به شرعا فمسلّم ولا یستلزم المدعی ، وإن أرید به إیقاعه مع قصد الوجه (2) الذی هو الوجوب أو الندب کان مصادرة محضة ، وبالجملة فهذا الاستدلال لا محصل له.

وعلی الثانی أنّ الوضوء الواجب والمندوب لا یمکن اجتماعهما فی وقت واحد لیعتبر تمییز أحدهما عن الآخر ، لأن المکلف إذا کان مخاطبا بمشروط بالوضوء فلیس له الا نیّة الوجوب وإن لم یقصد فعل ما علیه من الواجب ، والا فلیس له الا نیة الندب کما ذکره المتأخرون (3) ، وإن لم یقم علی ذلک دلیل عندنا. سلّمنا الاجتماع لکن امتثال الأوامر الواردة بالوضوء من الکتاب والسنة یحصل بمجرد إیجاد الفعل طاعة لله تعالی فیجب حصول البراءة به.

والأظهر عدم الاشتراط کما اختاره المصنف فی بعض تحقیقاته ، فإنّه قال : الذی ظهر لی أنّ نیة الوجوب والندب لیست شرطا فی صحة الطهارة ، وإنما یفتقر الوضوء إلی نیة القربة ، وهو اختیار الشیخ أبی جعفر الطوسی - رحمه الله - فی النهایة ، وأنّ الإخلال بنیة الوجوب لیس مؤثرا فی بطلانه ، ولا إضافتها مضرّة ، ولو کانت غیر مطابقة لحال الوضوء فی وجوبه وندبه.

وما یقول المتکلمون من أنّ الإرادة تؤثّر فی حسن الفعل وقبحه ، فإذا نوی الوجوب

اشتراط قصد الوجوب أو الندب

ص: 188


1- کما فی التذکرة ( 1 : 14 ).
2- فی « ق » وجهه.
3- منهم الشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 71 ).

______________________________________________________

والوضوء مندوب فقد قصد إیقاع الفعل علی غیر وجهه کلام شعری ، ولو کان له حقیقة لکان الناوی مخطئا فی نیّته ، ولم تکن النیة مخرجة للوضوء عن التقرب به (1). هذا کلامه أعلی الله مقامه ، وهو فی غایة الجودة.

الثالث : اشتراط نیّة الرفع أو الاستباحة ، واحتج علیه المشترط بقوله تعالی ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (2) الآیة فإنّ المفهوم منه کون هذه (3) الأفعال لأجل الصلاة ، کما أنّ المفهوم من قولهم : إذا لقیت الأمیر فخذ أهبتک ، وإذا لقیت الأسد فخذ سلاحک. کون الأخذ لأجل لقاء الأمیر والأسد.

ویرد علیه أنّ کون هذه الأفعال لأجل الصلاة لا یقتضی وجوب إحضار النیّة عند فعلها کما فی المثالین المذکورین ، وکما فی قولک أعط الحاجب درهما لیأذن لک ، فإنه یکفی إعطاؤه فی التوسل الی الإذن ، ولا یشترط إحضار النیة وقت العطیة قطعا.

وأورد علیه أیضا أنه إن تمّ فإنما یدل علی وجوب قصد الاستباحة خاصة ، والمدعی وجوب أحدهما لا علی التعیین ، وهو لا یدل علیه.

وأجیب بأنّ وجوب الاستباحة لکونها أحد الأمرین الواجبین لا یخرجه عن الوجوب ، فإن الواجب المخیر واجب (4).

وضعف هذا الجواب ظاهر. ولقد أحسن السید السعید جمال الدین بن طاوس - رحمه الله - فی البشری حیث قال : لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا یقتضی القصد الی رفع الحدث واستباحة الصلاة ، لکن علمنا یقینا أنه لا بد من نیة القربة ، ولو لا ذلک

اشتراط نیة الرفع أو الاستباحة

ص: 189


1- کما فی المعتبر ( 1 : 139 ).
2- المائدة : (6).
3- فی « م » « س » « ق » ذلک.
4- کما فی المختلف : (20).

ولا تعتبر النیة فی طهارة الثیاب ، ولا غیر ذلک مما یقصد به رفع الخبث. ولو ضمّ إلی نیّة التقرب إرادة التبرّد ، أو غیر ذلک کانت طهارته مجزیة.

______________________________________________________

لکان هذا من باب اسکتوا عما سکت الله تعالی عنه (1).

واعلم أنّ المفهوم من معنی الحدث هنا : الحالة التی لا یباح معها الدخول فی الصلاة ونحوها مما یتوقف علی الطهارة ، فمتی زالت تلک الحالة فقد حصلت الإباحة والرفع ، فیکونان بمعنی واحد.

وذکر جمع من المتأخرین (2) أن المراد بالرفع إزالة المانع ، وبالاستباحة إزالة المنع ، وأنّ الثانی منفک عن الأول ، لتحقق الاستباحة فی دائم الحدث والمتیمم (3) مع عدم حصول الرفع لهما ، وهو غیر جید وسیجی ء تمام تحقیق المسألة إن شاء الله تعالی.

قوله : ولا تعتبر النیة فی طهارة الثیاب ، ولا غیر ذلک مما یقصد به رفع الخبث.

هذا مذهب العلماء کافة عدا ابن شریح من العامة ، حکاه فی المنتهی (4). والوجه فیه صدق الامتثال بمجرد إیجاد الماهیة ، وأصالة البراءة من وجوب النیة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ولو ضمّ إلی نیّة التقرب إرادة التبرّد أو غیر ذلک کانت طهارته مجزیة.

هذا الإطلاق مشکل ، والتفصیل أن الضمیمة إما أن تکون منافیة للقربة کالریاء

عدم اعتبار النیة فی تطهیر الثیاب

حکم الضمیمة

ص: 190


1- نقله فی روض الجنان : (28).
2- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 56 ) ، والمختلف ( 1 : 40 ) ، وولده فی الإیضاح ( 1 : 35 ) ، والمحقق الثانی فی جامع المقاصد ( 1 : 22 ).
3- فی « س » والتیمم.
4- منتهی المطلب ( 1 : 55 ).

ووقت النیّة عند غسل الکفین ، وتتضیّق عند غسل الوجه ،

______________________________________________________

أو لازمة للفعل کالتبرد والتثخن (1).

والضمیمة الأولی مبطلة للعبادة عند أکثر علمائنا ، لأنها منافیة للإخلاص ، ویحکی عن المرتضی رضی الله عنه أنّ عبادة الریاء تسقط الطلب عن المکلف ولا یستحق بها ثوابا (2) ، وهو بعید جدا.

وفی الثانیة قولان (3) : أشهرهما الصحة ، لعدم منافاة الضمیمة لنیة القربة فکان کنیّة الغازی القربة والغنیمة ، ولأن اللازم واجب الحصول فلا تزید نیته علی عدمها. وأحوطهما العدم ، لعدم تحقق معنی الإخلاص المعتبر فی العبادة.

واحتمل الشهید - رحمه الله - الصحة إن کان الباعث هو القربة ثم طرأت النیة الأخری ، والبطلان إن کان الباعث هو مجموع الأمرین ، لعدم الأولویة حینئذ (4).

هذا کله إذا لم تکن الضمیمة راجحة ، والا فالمتجه الصحة مطلقا. ومن هذا الباب قصد الإمام بإظهار تکبیرة الإحرام إعلام القوم ، وضم الصائم إلی نیة الصوم قصد الحمیة ، وقصد مظهر إخراج الزکاة اقتداء غیره به ، ونحو ذلک.

قوله : ووقت النیّة عند غسل الیدین ، وتتضیّق عند غسل الوجه.

المراد بغسل الیدین : الغسل المستحب للوضوء ، أو الواجب له کما صرح به جماعة من الأصحاب (5) ، فیخرج من ذلک الواجب والمستحب لغیره والمکروه والمباح. وهذا

وقت النیة

ص: 191


1- التثخّن : استثخن الرجل ثقل من نوم أو إعیاء ( لسان العرب 13 : 77 ).
2- الانتصار : (17).
3- اختار القول بالصحة المحقق فی المعتبر ( 1 : 140 ) ، والقول بالبطلان الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 99 ).
4- کما فی القواعد والفوائد ( 1 : 80 ) ، الذکری : (81).
5- منهم ابن إدریس فی السرائر : (17) ، والمحقق فی المعتبر ( 1 : 140 ) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 22 ) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 5 ).

ویجب استدامة حکمها إلی الفراغ.

______________________________________________________

الحکم أعنی جواز تقدیم النیة فی هذه الحالة ذکره الشیخ (1) وأکثر الأصحاب (2) ، ونقل عن السید السعید جمال الدین بن طاوس فی البشری التوقف فی ذلک (3) ، وهو فی محله ، فإن غسل الیدین خارج عن حقیقة الوضوء وإن استحب فعله قبله کالسواک والتسمیة.

والأولی تأخیر النیة إلی غسل الوجه وإفراد المستحبات المتقدمة علیه بالنیة. وأما المستحبات الواقعة فی الأثناء فلا یجب التعرّض لها حال النیة فی جمیع العبادات (4) لجواز ترکها ، بل یکفی قصد القربة بها حال فعلها ، والله تعالی أعلم.

قوله : ویجب استدامة حکمها الی الفراغ.

بأن لا ینوی ما ینافی النیة الأولی ، ومتی أخلّ بالاستدامة بطل الفعل الواقع بعده قبل استدراک النیة ( فإن عاد إلی النیة الأولی قبل الإتیان بشی ء من أفعال الوضوء أو بعده قبل فوات الموالاة صح الوضوء ، لوقوعه بأسره فی حال النیة ، وعدم ثبوت تأثیر مثل ذلک فیه ) (5).

وربما بنی الحکم بالصحة هنا علی جواز تفریق النیة علی الأعضاء ، وفی البناء نظر ، وإن کان الأظهر جواز التفریق أیضا ( لکن تحققه مشکل ) (6).

واعلم أنّ شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری فسّر الاستدامة بأمر وجودی ، وهو البقاء علی حکمها والعزم علی مقتضاها. قال : وفسّر کثیر من الأصحاب الاستمرار علی

وجوب استدامة النیة حکما إلی الفراغ

ص: 192


1- کما فی المبسوط ( 1 : 19 ) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (158).
2- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 140 ) ، والشهید فی الذکری : (83).
3- نقله عنه فی التنقیح الرائع ( 1 : 77 ).
4- المقصود به : هو عدم وجوب إفراد کل مستحب بنیة علی حیاله.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » : فإن استدرکها قبل فوات الموالاة وإکمال الوضوء صح ، لوقوعه بأسره فی حال النیة وحالة عدم منافاة ذلک للصحة.
6- فی « ح » لکن فی تحققه بحث.

تفریع :

إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء کفی وضوء واحد بنیّة التقرّب. ولا یفتقر إلی تعیین الحدث الذی یتطهر منه.

______________________________________________________

النیة بما قاله فی المبسوط ، وهو أن لا ینتقل من تلک النیة إلی نیة تخالفها. وکأنه بناء منهم علی أنّ الباقی مستغن عن المؤثر (1) ، وفیه نظر من وجوه :

الأول : أن ما فسر به الاستدامة الحکمیة هو بعینه ( معنی ) (2) الاستدامة الفعلیة التی نفاها أولا ، بل نفس النیة ، إذ هی عبارة عن العزم علی الوجه المخصوص کما تقدم.

الثانی : إن ذلک مقتض لبطلان عبادة الذاهل عن العزم المذکور فی أثناء العبادة ، وهو باطل قطعا.

الثالث : إنّ ما ذکره من البناء غیر مستقیم ، فإنّ أسباب الشرع علامات ومعرفات لا علل حقیقیة ، فیمکن القول بعدم استغناء الباقی عن المؤثر مع عدم اشتراط الاستدامة مطلقا ، فضلا عن الاکتفاء بالحکمیة.

وبالجملة فتطبیق المسائل الشرعیة علی القواعد الحکمیة لا یخلو من تعسّف.

قوله : تفریع ، إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء کفی وضوء واحد بنیّة التقرب ، ولا یفتقر إلی تعیین الحدث الذی یتطهر منه.

هذا مذهب العلماء کافة ، والوجه فیه صدق الامتثال وأصالة البراءة من وجوب تعیین الحدث. ثم إن قلنا بالاکتفاء بالقربة وحدها أو مع الوجه فالأمر واضح ، وإن قلنا باشتراط القصد الی رفع الحدث فالواجب أن یقصد رفعه من حیث هو.

- کفایة وضوء واحد مع اجتماع أسباب مختلفة

ص: 193


1- الذکری : (81).
2- لیست فی « م ».

وکذا لو کان علیه أغسال ، وقیل : إذا نوی غسل الجنابة أجزأ عن غیره ، ولو نوی غیره لم یجز عنه ، ولیس بشی ء.

______________________________________________________

ولو نوی رفع حدث معین فقد قطع أکثر الأصحاب بارتفاع الجمیع ، لوجوب حصول المنوی ، وهو لا یحصل الا برفع الجمیع. وفیه إشکال ، لاتحاد معنی الحدث وعدم القصد الی رفعه. ویقوی الإشکال مع قصد النفی عن غیر المنوی ، ویتوجه البطلان هنا للتناقض. ویمکن أن یقال بالصحة وإن وقع الخطأ فی النیة لصدق الامتثال بذلک ، وهو حسن (1).

قوله : وکذا لو کان علیه أغسال ، وقیل : إذا نوی غسل الجنابة أجزأ عن غیره ، ولو نوی غیره لم یجز عنه ، ولیس بشی ء.

إذا اجتمع علی المکلف غسلان فصاعدا فإما أن یکون کلها واجبة ، أو مستحبة ، أو یجتمع الأمران.

الأول : أن یکون کلها واجبة ، والأظهر التداخل مع الاقتصار علی نیة القربة کما ذکره المصنف ، وکذا مع ضم الرفع أو الاستباحة مطلقا. ولو عیّن أحد الأحداث فإن کان المعین هو الجنابة فالمشهور إجزاؤه عن غیره ، بل قیل : إنه متفق علیه (2) ، وإن کان غیره ففیه قولان : أظهرهما أنه کالأول ، والفرق بینهما بالقوة والضعف ضعیف جدا. نعم قد یتوجه إلی صورتی التعیین الإشکال المتقدم فی تعیین الحدث الأصغر.

ویدل علی التداخل مضافا الی صدق الامتثال بالفعل الواحد ما رواه الکلینی - رضوان الله علیه - فی الحسن عن زرارة ، قال : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأک غسلک ذلک للجنابة ، والجمعة ، وعرفة ، والنحر ، والحلق ، والذبح ، والزیارة ، وإذا

تداخل الأغسال

ص: 194


1- لیست فی « م » و « س ».
2- کما فی السرائر : (23) ، والخلاف ( 1 : 67 ).

______________________________________________________

اجتمعت لله علیک حقوق أجزأک عنها غسل واحد قال ، ثم قال : وکذلک المرأة یجزئها غسل واحد لجنابتها ، وإحرامها ، وجمعتها ، وغسلها من حیضها أو عیدها » (1).

وهذه الروایة وإن کانت مضمرة فی الکافی إلا أنّ إسنادها فی التهذیب (2) ، وظهور أنّ هذا الراوی لا یروی عن غیر الإمام علیه السلام یجعلها فی قوة المسندة ، علی أنّ ابن إدریس - رحمه الله - أورد فی آخر سرائره جملة من الأحادیث المنتزعة من کتب المشیخة المتقدمین ، فنقل هذه الروایة من کتاب حریز بن عبد الله السجستانی - رحمه الله - ، فقال نقلا من الکتاب المذکور : وقال زرارة عن أبی جعفر علیه السلام : إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأک غسلک ذلک للجنابة والجمعة وعرفة. ونقل الحدیث الی آخره کما فی الکافی ثم قال بعد ما نقل ما أراده من الأحادیث المنتزعة من ذلک الکتاب : تمّت الأحادیث المنتزعة من کتاب حریز بن عبد الله السجستانی - رحمه الله - وکتاب حریز أصل معتمد معمول علیه (3). وعلی هذا فتکون الروایة صحیحة السند متصلة بالإمام علیه السلام وهی نص فی المطلوب.

ویشهد لهذا القول أیضا مرسلة جمیل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : « إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلک الغسل من کل غسل یلزمه فی ذلک الیوم » (4).

وصحیحة زرارة ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : میت مات وهو جنب کیف یغسل؟ وما یجزئه من الماء؟ قال : « یغسل غسلا واحدا یجزئ ذلک للجنابة ولغسل

ص: 195


1- الکافی ( 3 : 41 - 1 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 1 : 525 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 107 - 279 ).
3- السرائر : (480).
4- الکافی ( 3 : 41 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 526 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (2).

______________________________________________________

المیت ، لأنهما حرمتان اجتمعتا فی حرمة » (1). والتعلیل یقتضی العموم.

وروی زرارة أیضا فی الموثق عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا حاضت المرأة وهی جنب أجزأها غسل واحد » (2) ونحوه روی عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

الثانی : أن تکون کلها مستحبة ، والأظهر التداخل مطلقا مع تعیین الأسباب أو الاقتصار علی القربة ، لفحوی الأخبار السابقة ، وصدق الامتثال. ومع تعیین البعض یتوجه الإشکال السابق ، وإن کان القول بالإجزاء غیر بعید أیضا.

الثالث : أن یکون بعضها واجبا وبعضها مستحبا ، والأجود التداخل لما تقدم (4).

ومعنی تداخل الواجب والمستحب : تأدی المستحب بفعل الواجب (5) کما تتأدی صلاة التحیة بقضاء الفریضة ، وصوم الأیام المسنون صومها بقضاء الواجب ونحو ذلک (6).

وعلی هذا فلا یرد أنّ ذلک ممتنع لتضاد وجهی الوجوب والندب ( إذ الواقع هو الغسل الواجب خاصة ، لکن الوظیفة المسنونة تأدت به ، لصدق الامتثال ولما تلوناه من الأخبار

ص: 196


1- الکافی ( 3 : 154 - 1 ) ( باختلاف یسیر ) ، التهذیب ( 1 : 432 - 1384 ) ، الإستبصار ( 1 : 194 - 680 ) ، الوسائل ( 2 : 721 ) أبواب غسل المیت ب (31) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 395 - 1225 ) « عن أبی جعفر علیه السلام » الاستبصار ( 1 : 146 - 502 ) السرائر : (485) ، الوسائل ( 1 : 526 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 83 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 395 - 1223 ) ، الوسائل ( 1 : 527 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (9).
4- فی « م » « ق » : والأجود : الاجتزاء بالغسل الواحد أیضا.
5- فی « م » « ق » « ح » : تأدی إحدی الفریضتین بفعل الأخری.
6- فی « م » « ق » « ح » زیادة : لظهور تعلق الغرض بمجرد إیجاد الماهیة علی أی وجه اتفق ، وأسقطناها لأنها لا محل لها.

الفرض الثانی : غسل الوجه ، وهو ما بین منابت الشعر فی مقدّم الرأس إلی طرف الذقن طولا ، وما اشتملت علیه الإبهام والوسطی عرضا. وما خرج عن ذلک فلیس من الوجه.

______________________________________________________

هذا مع نیة الجمع بالمعنی الذی ذکرناه اما بدونها ) (1) ففی إجزاء کل من الواجب والندب عن الآخر وجهان.

ویشهد للإجزاء مضافا الی صدق الامتثال ما رواه الصدوق - رحمه الله - فی کتابه من لا یحضره الفقیه ، فی أبواب الصوم : « إنّ من جامع فی أول شهر رمضان ثم نسی الغسل حتی خرج شهر رمضان أن علیه أن یغتسل ویقضی صلاته وصومه الا أن یکون قد اغتسل للجمعة ، فإنه یقضی صلاته وصومه الی ذلک الیوم ، ولا یقضی ما بعد ذلک » (2) وقد ذکر - رحمه الله - فی أول الکتاب أنه إنما یورد فیه ما یفتی به ویحکم بصحته ویعتقد أنه حجة فیما بینه وبین ربه عز وجل (3).

قوله : الفرض الثانی ، غسل الوجه ، وهو ما بین منابت الشعر فی مقدّم الرأس إلی طرف الذقن طولا ، وما اشتملت علیه الإبهام والوسطی عرضا ، وما خرج عن ذلک فلیس من الوجه.

هذا التحدید مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه ما رواه زرارة فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال له : أخبرنی عن حدّ الوجه الذی ینبغی أن یوضأ الذی قال الله عزّ وجل ، فقال : « الوجه الذی قال الله وأمر الله عز وجل بغسله ، الذی لا ینبغی لأحد أن یزید علیه ولا ینقص منه ، إن زاد علیه لم یؤجر ، وإن نقص منه أثم : ما دارت علیه الوسطی والإبهام من قصاص شعر الرأس إلی الذقن ، وما جرت علیه الإصبعان

- غسل الوجه حد الوجه الذی یجب غسله

ص: 197


1- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « ق » : ولو لم یلحظ التداخل فی النیة.
2- الفقیه ( 2 : 74 - 321 ) ، الوسائل ( 7 : 170 ) أبواب من یصح منه الصوم ب (30) ح (2).
3- الفقیه ( 1 : 3 ) المقدمة.

______________________________________________________

مستدیرا فهو من الوجه وما سوی ذلک فلیس من الوجه » قلت : الصدغ من الوجه؟ قال : « لا » (1) وهی نص فی المطلوب.

وربما ظهر من عدم وجوب غسل الصدغ عدم وجوب غسل العذار أیضا ، وهو الشعر النابت علی العظم الناتئ الذی یتصل أعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض ، مع أنّ الإبهام والوسطی لا یصلان الیه غالبا. وصرح العلامة - رحمه الله - فی المنتهی بعدم استحباب غسله أیضا (2) ، بل قال فی التحریر : إنه یحرم إذا اعتقده (3). وقیل بالوجوب (4) ، واختاره المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی حواشی الکتاب ، واستحسنه الشارح - رحمه الله - (5) ، وهو ضعیف. ومنه یعلم عدم وجوب غسل البیاض الذی بین العذار والأذن بطریق أولی.

وأما العارض وهو الشعر المنحط عن القدر المحاذی للأذن ، فقد قطع الشهیدان - رحمهما الله - بوجوب غسله (6) ، وظاهر الشارح دعوی الإجماع علیه ، مع أنّ العلامة جزم فی المنتهی بعدم وجوب غسله من غیر نقل خلاف (7).

وقد یستدل علی الوجوب ببلوغ الإبهام والوسطی لهما ، فیکونان داخلین فی تحدید الوجه. وضعفه ظاهر ، فإنّ ذلک إنما یعتبر فی وسط التدویر من الوجه خاصة ، والا

ص: 198


1- الکافی ( 3 : 27 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 28 - 88 ) ( بزیادة ) التهذیب ( 1 : 54 - 154 ) ( باختلاف فی السند ) ، الوسائل ( 1 : 283 ) أبواب الوضوء ب (17) ح (1).
2- منتهی المطلب ( 1 : 57 ).
3- تحریر الأحکام ( 1 : 10 ).
4- کما فی الروضة البهیة ( 1 : 74 ).
5- کما فی المسالک ( 1 : 5 ).
6- الأول فی الذکری : (83) ، والدروس : (4). والثانی فی المسالک ( 1 : 5 ).
7- منتهی المطلب ( 1 : 57 ).

ولا عبرة بالأنزع ، ولا بالأغمّ ، ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه ، بل یرجع کلّ منهم إلی مستوی الخلقة ، فیغسل ما یغسله. ویجب أن یغسل من أعلی الوجه إلی الذقن ، ولو غسل منکوسا لم یجزه علی الأظهر.

______________________________________________________

لوجب غسل کل ما نالته الإبهام والوسطی وإن تجاوز العارض ، وهو باطل إجماعا.

ویستفاد من تحدید الوجه من أعلاه بمنابت شعر الرأس وجوب غسل مواضع التحذیف بالذال المعجمة ، وهی التی ینبت علیها الشعر الخفیف بین الصدغ بالضم والنزعة محرکة ، سمیت بذلک لکثرة حذف النساء والمترفین الشعر منها.

أما النزعتان وهما البیاضان المحیطان بالناصیة فلا یجب غسلهما ، کما لا یجب غسل الناصیة.

قوله : ولا عبرة بالأنزع ، ولا بالأغمّ ، ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه.

الوجه فی ذلک ظاهر فإن الواجب غسل الوجه دون ما زاد علیه أو نقص عنه ، والتحدید مبنی علی الغالب. والمراد بالأنزع : من انحسر الشعر عن بعض رأسه ، ویقابله الأغم : وهو الذی نبت الشعر علی بعض جبهته. وربما کان فی هذه العبارة إشعار بوجوب غسل العذار ، وقد عرفت ما فیه.

قوله : ویجب أن یغسل من أعلی الوجه إلی الذقن ، ولو غسل منکوسا لم یجزئه علی الأظهر.

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واحتج علیه فی المنتهی بصحیحة زرارة ، قال : حکی لنا أبو جعفر علیه السلام وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، فدعا بقدح من ماء

وجوب غسل الوجه من أعلاه

ص: 199

______________________________________________________

فأدخل یده الیمنی فأخذ کفا من ماء فأسدله علی وجهه من أعلی الوجه (1). قال : وفعله إذا کان بیانا للمجمل وجب اتباعه فیه ، وأیضا نقل عنه علیه السلام حین أکمل وضوءه أنه قال : « هذا وضوء لا یقبل الله الصلاة إلا به » (2) وأیضا لا شک أنه - علیه السلام - توضأ بیانا ، فإن کان قد ابتدأ بأسفل الوجه لزم وجوبه ولا قائل به ، ویکون قد فعل المکروه ، فإنّ القائل بجواز النکس وافق علی الکراهة ، وهو منزه عنه. وإن کان قد غسل من أعلاه وجب اتباعه (3).

وفی هذا الاستدلال نظر ، إذ من الجائز أن یکون ابتداؤه علیه السلام بالأعلی لکونه أحد جزئیات مطلق الغسل المأمور به ، لا لوجوبه بخصوصه ، فإنّ امتثال الأمر الکلی إنما یتحقق بفعل جزئی من جزئیاته. وقوله : إنّ فعله إذا وقع بیانا للمجمل یجب اتباعه فیه. مسلم الا انه لا إجمال فی غسل الوجه حتی یحتاج الی البیان ، مع أن أکثر الأخبار الواردة فی وصف وضوئه - صلی الله علیه و آله - خالیة من ذلک (4) ، وأما النقل الذی ذکره فمرسل.

ومن ذلک یعلم الجواب عن الثانی أیضا ، مع إمکان التزام جواز کون البدأة فی وضوئه صلی الله علیه و آله وقعت بالأسفل وإن کان مکروها ، لبیان الجواز ، وإنما (5) لم یتعین للنص والإجماع علی جواز البدأة بالأعلی.

ص: 200


1- الکافی ( 3 : 24 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 55 - 157 ) ( بتفاوت فی السند ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 171 ) ، الوسائل ( 1 : 274 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (6).
2- الفقیه ( 1 : 25 - 76 ) ، الوسائل ( 1 : 308 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (11).
3- منتهی المطلب ( 1 : 58 ).
4- الوسائل ( 1 : 271 ) أبواب الوضوء ب (15).
5- فی « م » وإلا.

ولا یجب غسل ما استرسل من اللحیة ،

______________________________________________________

وقال المرتضی (1) - رحمه الله - وابن إدریس (2) - رحمه الله - : إنّ البدأة بالأعلی مستحبة لا واجبة ، فلو نکس عمدا صحّ وضوؤه تمسکا بإطلاق الأمر بالغسل. واحتج لهما فی المختلف أیضا (3) بعموم قوله علیه السلام : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (4) وهو احتجاج ضعیف ، فإنّ المسح غیر الغسل.

واعلم أنّ أقصی ما یستفاد من الأخبار (5) وکلام الأصحاب (6) : وجوب البدأة بالأعلی بمعنی صب الماء علی أعلی الوجه ثم اتباعه بغسل الباقی.

وأما ما تخیله بعض القاصرین من عدم جواز غسل شی ء من الأسفل قبل غسل الأعلی وإن لم یکن فی سمته فهو من الخرافات الباردة والأوهام الفاسدة.

قوله : ولا یجب غسل ما استرسل من اللحیة.

المراد به الشعر الخارج عن حد الوجه طولا وعرضا. وقد أجمع علماؤنا وأکثر العامة علی عدم وجوب غسله (7) ، لخروجه عن مسمی الوجه ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة الواردة فی تحدید الوجه : « من قصاص شعر الرأس إلی الذقن » والذقن : مجمع اللحیین اللذین علیهما الأسنان السفلی من الجانبین ، فلا یجب غسل ما زاد علیه ، والا لم

- عدم وجوب غسل ما استرسل من اللحیة

ص: 201


1- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 143 ) ، والمختلف : (21).
2- السرائر : (17).
3- (3) المختلف (21)
4- التهذیب ( 1 : 58 - 161 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 169 ) ، الوسائل ( 1 : 286 ) أبواب الوضوء ب (20) ح (1).
5- الوسائل ( 1 : 271 ) أبواب الوضوء ب (15) ، وص (283) ب (17).
6- کما فی المبسوط ( 1 : 20 ) ، والبیان : (8) ، وإیضاح الفوائد ( 1 : 39 ) ، وقواعد الأحکام ( 1 : 10 ).
7- لاحظ کتاب الأم ( 1 : 25 ) ، والسراج الوهاج : (16) ، والمحلی ( 2 : 51 ) ، وبدایة المجتهد ( 1 : 11 ) ، ومختصر المزنی : (2).

ولا تخلیلها ، بل یغسل الظاهر.

______________________________________________________

تکن الغایة غایة.

قوله : ولا تخلیلها ، بل یغسل الظاهر.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین اللحیة الکثیفة والخفیفة ، وهو أحد القولین فی المسألة وأظهرهما ، وبه صرح فی المعتبر فقال : لا یلزم تخلیل شعر اللحیة ، ولا الشارب ، ولا العنفقة (1) ، ولا الأهداب ، کثیفا کان الشعر أو خفیفا ، بل لا یستحب (2).

والمستند فی ذلک الأخبار الصحیحة المستفیضة الدالة علی الاجتزاء بالغرفة الواحدة فی غسل الوجه (3) ، فإنها لا تکاد تبلغ أصول الشعر ، خصوصا مع الکثافة.

وصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام ، قال ، قلت له : أرایت ما أحاط به الشعر؟ فقال : « کلما أحاط به الشعر فلیس علی العباد أن یطلبوه ولا یبحثوا عنه ، ولکن یجری علیه الماء » (4).

وصحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام : قال : سألته عن الرجل یتوضأ أیبطن لحیته؟ قال : « لا » (5) وهو شامل للخفیف والکثیف.

ونقل عن ظاهر ابن الجنید - رحمه الله - وجوب التخلیل فی الخفیفة (6) ، واختاره

- عدم وجوب تخلیل اللحیة

ص: 202


1- العنفقة : الشعر الذی فی الشفة السفلی وقیل الشعر الذی بینها وبین الذقن ( راجع النهایة لابن الأثیر 3 : 309 ).
2- المعتبر ( 1 : 142 ).
3- الوسائل ( 1 : 306 ) ب (31) من أبواب الوضوء.
4- الفقیه ( 1 : 28 - 88 ) ، الوسائل ( 1 : 335 ) أبواب الوضوء ب (46) ح (3).
5- الکافی ( 3 : 28 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 360 - 1084 ) مع اختلاف فی السند ، الوسائل ( 1 : 334 ) أبواب الوضوء ب (46) ح (1).
6- کما نقله فی المختلف : (21).

ولو نبت للمرأة لحیة لم یجب تخلیلها ، وکفی إفاضة الماء علی ظاهرها.

الفرض الثالث : غسل الیدین ، والواجب غسل الذراعین والمرفقین ،

______________________________________________________

العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه (1) ، نظرا الی أنّ المواجهة لما لم یکن بالشعر الخفیف لم ینتقل الیه الحکم ، وهو احتجاج ضعیف ، فإنه إن تم فإنما یقتضی وجوب غسل ما لا شعر فیه من الوجه ، ولیس النزاع فیه ، وعلی هذا فیرتفع الخلاف.

قوله : ولو نبت للمرأة لحیة لم یجب تخلیلها ، وکفی إفاضة الماء علی ظاهرها.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا. وردّ به علی الشافعی حیث أوجب تخلیلها مطلقا ، لأنّ المرأة من شأنها أن لا یکون لها لحیة ، فکان وجهها فی الحقیقة نفس البشرة (2). وفساده ظاهر.

قوله : الفرض الثالث غسل الیدین ، والواجب غسل الذراعین والمرفقین.

المرفق کمنبر ومجلس : مفصل (3) الذراع والعضد ، ذکره فی القاموس (4). وقد قطع الأصحاب بوجوب غسل المرفقین إما لأن « الی » فی قوله تعالی ( وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) (5) بمعنی « مع » کما ذکره المرتضی - رحمه الله - (6) وجماعة (7) ، أو لأن الغایة إذا لم تتمیز یجب دخولها فی المغیّا.

ویرد علی الأول أنه مجاز لا یصار الیه الا مع القرینة ، وهی منتفیة هنا. وعلی الثانی

غسل الیدین - ما یجب غسله من الیدین

ص: 203


1- کما فی المختلف (22) ، وقواعد الأحکام ( 1 : 10 ) ، والتذکرة ( 1 : 16 ).
2- السراج الوهاج : (16).
3- فی « ق » موصل.
4- القاموس ( 3 : 244 ).
5- المائدة : (6).
6- کما فی الانتصار : (18).
7- منهم الشیخ فی الخلاف ( 1 : 11 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 16 ) ، والشهید فی الذکری : (85).

والابتداء من المرفق. ولو غسل منکوسا لم یجزئ. ویجب البداءة بالیمین.

______________________________________________________

أنّ الحق عدم دخول الغایة فی المغیا مطلقا کما حقق فی محله.

ولقد أجاد الشیخ الإمام أبو علی الطبرسی - رحمه الله - فی تفسیره جوامع الجامع حیث قال : لا دلیل فی الآیة علی دخول المرافق فی الوضوء الا أنّ أکثر الفقهاء ذهبوا الی وجوب غسلها ، وهو مذهب أهل البیت علیهم السلام . ومن هنا ذهب العلامة فی المنتهی (1) وجمع من المتأخرین (2) الی أنّ غسلهما غیر واجب بالأصالة ، وإنما هو من باب المقدمة ، ولا بأس به ، لأنه المتیقن.

قوله : والابتداء من المرفق ، ولو غسل منکوسا لم یجزئه.

خالف فی ذلک المرتضی (3) وابن إدریس (4) فجوّزا النکس هنا أیضا علی کراهة ، تمسکا بإطلاق قوله تعالی ( وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) (5).

( وقد نصّ المرتضی (6) - رحمه الله - وغیره (7) علی أنّ « الی » فی الآیة بمعنی « مع » لأنها تجی ء فی اللغة لهذا المعنی فیجب تنزیلها علی ذلک توفیقا بین الآیة والأخبار المتضمنة لوصف وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله (8) ، ویحتمل کونها للانتهاء ویکون التحدید للمغسول لا للغسل ) (9) ، وأما جعلها لانتهاء الغسل فباطل (10) ، لإجماع

- یجب الابتداء من المرافق فی غسل الیدین

ص: 204


1- منتهی المطلب ( 1 : 58 ).
2- منهم الشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 75 ).
3- کما فی الانتصار : (16).
4- السرائر : (17).
5- المائدة : (6).
6- کما فی الانتصار : (17).
7- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 143 ) ، والشهید فی الذکری : (85).
8- الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15).
9- بدل ما بین القوسین فی « م » : إما لما ذکره المرتضی من ان « الی » بمعنی حینئذ ، أو لأن التحدید للمغسول لا للغسل.
10- لیست فی « ق ».

ومن قطع بعض یده غسل ما بقی من المرفق ، فإن قطعت من المرفق سقط فرض غسلها.

______________________________________________________

المسلمین کافة علی جواز الابتداء بالمرافق ، ولعل هذا أولی (1) ، والکلام فی هذه المسألة کما سبق فی غسل الوجه.

قوله : ومن قطع بعض یده غسل ما بقی من المرفق ، فإن قطعت من المرفق سقط فرض غسلها.

قطع الید إما أن یکون من تحت المرفق أو من فوقه أو من نفس المفصل. وفی الأول یجب غسل الباقی إجماعا ، للأصل ، والاستصحاب ، وحسنة رفاعة عن أبی جعفر علیه السلام إنه سأله عن الأقطع الید والرجل کیف یتوضأ؟ قال : « یغسل ذلک المکان الذی قطع منه » (2) ونحوه روی محمد بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

وفی الثانی یسقط الغسل لفوات محله ، ونقل علیه فی المنتهی الإجماع (4). وفی صحیحة علی بن جعفر الواردة فی مقطوع الید من المرفق : « إنه یغسل ما بقی من عضده » (5) وظاهر ابن الجنید - رحمه الله - الإفتاء بمضمونها فإنه قال : إذا کان أقطع من مرفقه غسل ما بقی من عضده (6). ولم یعتبر العلامة فی المنتهی خلافه حیث أجاب

- حکم من قطع بعض یده

ص: 205


1- لیست فی « ق » ، « م ».
2- الکافی ( 3 : 29 - 8 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 359 - 1078 ) ، الوسائل ( 1 : 337 ) أبواب الوضوء ب (49) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 29 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 360 - 1085 ) ، الوسائل ( 1 : 337 ) أبواب الوضوء ب (49) ح (3). الا ان الروایة فیها عن أبی جعفر علیه السلام .
4- منتهی المطلب ( 1 : 59 ).
5- الکافی ( 3 : 29 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 360 - 1086 ) ، الوسائل ( 1 : 337 ) أبواب الوضوء ب (49) ح (2).
6- نقله عنه فی المختلف : (23).

ولو کان له ذراعان دون المرفق أو أصابع زائدة أو لحم نابت وجب غسل الجمیع ولو کان فوق المرفق لم یجب غسله. ولو کان له ید زائدة وجب غسلها.

______________________________________________________

عن هذه الروایة بأنها مخالفة للإجماع ، ثم حملها علی الاستحباب ، وهو حسن.

وفی الثالث یجب غسل رأس العضد ، بناء علی وجوب غسل المرفق أصالة. وعلی القول بأنّ وجوبه من باب المقدمة یسقط غسله ، وهو خیرة العلامة فی المنتهی (1). وقول المصنف - رحمه الله - : فإن قطعت من المرفق سقط غسلها. یرید به قطع المرفق بأسره بأن یتحقق معه قطع رأس العضد لأن مذهبه - رحمه الله - وجوب غسل المرفق أصالة ، ولتصریحه فی المعتبر بأنها لو قطعت وبقی المرفق وجب غسله (2).

قوله : ولو کان له ذراعان دون المرفق أو أصابع زائدة أو لحم نابت وجب غسل الجمیع ، ولو کان فوق المرفق لم یجب غسله.

لا ریب فی وجوب غسل ما دون المرفق کله لأنه کالجزء من الید ، سواء تمیّز الزائد أو لم یتمیّز. أما ما فوقه فلا إشکال فی عدم وجوب غسله ، لخروجه عن محل الغسل.

قوله : ولو کان له ید زائدة وجب غسلها.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین أن تکون الید تحت المرفق أو فوقه ، ولا بین أن تکون غیر متمیّزة من الأصلیة أو متمیّزة. وظاهر العلامة فی التذکرة والمنتهی (3) أن وجوب غسلها فی غیر الصورة الأخیرة مجمع علیه بین الأصحاب ، أما فیها فقیل بالوجوب أیضا (4) ، واختاره فی المختلف لإطلاق الاسم (5) ، وصحة التقسیم.

- حکم من کان له ذراعان أو کان له ید زائدة

ص: 206


1- منتهی المطلب ( 1 : 59 ).
2- المعتبر ( 1 : 144 ).
3- التذکرة ( 1 : 17 ) ، منتهی المطلب ( 1 : 59 ).
4- کما فی المبسوط ( 1 : 21 ) ، والذکری : (85).
5- المختلف : (23).

الفرض الرابع : مسح الرأس ، والواجب منه ما یسمی به ماسحا ، والمندوب مقدار ثلاث أصابع عرضا.

______________________________________________________

والأصح خلافه ، لأن المطلق إنما ینصرف الی الفرد المتعارف. ولو لم یکن للید الزائدة مرفق لم یجب غسلها قطعا.

قوله : الفرض الرابع : مسح الرأس ، والواجب منه ما یسمی به ماسحا. والمندوب مقدار ثلاث أصابع عرضا.

ما اختاره المصنف من أن الواجب فی المسح مسمّاه هو المشهور بین الأصحاب ، وقال الشیخ - رحمه الله - فی النهایة : والمسح بالرأس لا یجوز أقل من ثلاثة أصابع مضمومة مع الاختیار ، فإن خاف البرد من کشف الرأس أجزأه مقدار إصبع واحدة (1).

وقال ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه : حد مسح الرأس أن یمسح بثلاث أصابع مضمومة من مقدم الرأس (2) ، والمعتمد الأول.

لنا ما رواه زرارة فی الصحیح ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : الا تخبرنی من أین علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلین؟ فضحک ثم قال : « یا زرارة قاله رسول الله صلی الله علیه و آله ونزل به الکتاب من الله ، لأن الله عز وجل یقول : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ ) فعلمنا أنّ الوجه کله ینبغی أن یغسل ، ثم قال ( وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) ثم فصل بین الکلامین فقال ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ ) فعرفنا حین قال : ( بِرُؤُسِکُمْ ) أنّ المسح ببعض الرأس لمکان الباء ، ثم وصل الرجلین بالرأس کما وصل الیدین بالوجه ، فقال ( وَأَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ ) فعرفنا حین وصلها بالرأس أن المسح

- مسح الرأس

ص: 207


1- النهایة : (14).
2- الفقیه ( 1 : 28 ).

______________________________________________________

علی بعضها » (1).

وما رواه زرارة وأخوه بکیر فی الصحیح أیضا ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا مسحت بشی ء من رأسک أو بشی ء من قدمیک ما بین کعبیک إلی أطراف الأصابع فقد أجزأک » (2).

وما رواه حماد بن عیسی فی الصحیح عن بعض أصحابه عن أحدهما علیهماالسلام فی الرجل یتوضأ وعلیه العمامة ، قال : « یرفع العمامة بقدر ما یدخل إصبعه فیمسح علی مقدم رأسه » (3).

احتج العلامة - رحمه الله - فی المختلف (4) للقولین الأخیرین بصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن المسح علی القدمین کیف هو؟ فوضع کفه علی الأصابع فمسحها الی الکعبین الی ظاهر القدم ، فقلت : جعلت فداک لو أنّ رجلا قال بإصبعین من أصابعه ، فقال : « لا الا بکفه » (5) ولا دلالة لها علی المدعی بوجه.

نعم یمکن أن یحتج للشیخ بصحیحة زرارة ، قال ، قال : أبو جعفر علیه السلام : « المرأة یجزیها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقی عنها

ص: 208


1- الفقیه ( 1 : 56 - 212 ) ، الکافی ( 3 : 30 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 61 - 168 ) علل الشرائع : ( 279 - 1 ) ، الإستبصار ( 1 : 62 - 186 ) ، الوسائل ( 1 : 290 ) أبواب الوضوء ب (23) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 90 - 237 ) ، الإستبصار ( 1 : 60 - 178 ) ، الوسائل ( 1 : 289 ) أبواب الوضوء ب (23) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 90 - 238 ) ، الإستبصار ( 1 : 60 - 178 ) ، الوسائل ( 1 : 289 ) أبواب الوضوء ب (22) ح (3).
4- المختلف : (23).
5- الکافی ( 3 : 30 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 91 - 243 ) ، الاستبصار ( 1 : 62 - 184 ) قرب الإسناد : (162) ، الوسائل ( 1 : 293 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (4).

ویختص المسح بمقدم الرأس.

______________________________________________________

خمارها » (1) والإجزاء إنما یستعمل فی أقل الواجب.

وروایة معمر بن عمر عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یجزئ فی المسح علی الرأس موضع ثلاث أصابع ، وکذلک الرجل » (2).

والجمع بین الروایات یتحقق إما بتقیید الأخبار المتقدمة بهذین الخبرین ، أو بحملهما علی الاستحباب ، والمعتمد الثانی ، لقوة دلالة تلک الأخبار علی الاکتفاء بالمسمّی مع مطابقتها لمقتضی الأصل والعمومات.

واعلم أنّ القائلین بالاکتفاء بالأقل اختلفوا فی أنّ القدر الزائد علیه مع حصوله علی سبیل التدریج هل یوصف بالوجوب أو الاستحباب؟ والأظهر الثانی إن قصد الامتثال بالأقل أو لم یقصد شیئا ، لأن فعل الأقل علی هذا الوجه مخرج عن العهدة ومبرء للذمة ، وإنما یتوجه الإشکال مع قصد الامتثال بالمجموع ، ولا یبعد وصف الجمیع بالوجوب علی هذا التقدیر (3).

قوله : ویختص المسح بمقدم الرأس.

هذا مذهب الأصحاب ، وأخبارهم به مستفیضة ، فروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « مسح الرأس علی مقدّمة » (4).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الحسن عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنّه ذکر المسح

محل المسح

ص: 209


1- الکافی ( 3 : 30 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 77 - 195 ) ، الوسائل ( 1 : 293 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 29 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 60 - 167 ) ، الإستبصار ( 1 : 60 - 177 ) ، الوسائل ( 1 : 294 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (5).
3- لیست فی « س » ، وبدلها فی « ح » : وفرضه نادر ولا یبعد مساواته للأول.
4- التهذیب ( 1 : 62 - 171 ) ، الإستبصار ( 1 : 60 - 176 ) ، الوسائل ( 1 : 289 ) أبواب الوضوء ب (22) ح (1).

ویجب أن یکون بنداوة الوضوء. ولا یجوز استئناف ماء جدید له.

______________________________________________________

فقال : « امسح علی مقدم رأسک ، وامسح علی القدمین ، وابدأ بالشق الأیمن » (1) والأخبار المتضمنة لوصف وضوئه صلی الله علیه و آله ناطقة بذلک (2). وما ورد فی شواذ أخبارنا مما یخالف بظاهره ذلک فضعیف متروک بالإجماع.

قوله : ویجب أن یکون بنداوة الوضوء ، ولا یجوز استئناف ماء جدید له.

هذا ما استقر علیه مذهب الأصحاب بعد ابن الجنید (3) - رحمه الله - واحتجوا علیه بالأخبار الواردة فی وصف وضوء النبی صلی الله علیه و آله ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ثم مسح ببقیة ما بقی فی یدیه رأسه ورجلیه ولم یعدها فی الإناء » (4).

وفی صحیحة زرارة وأخیه بکیر : « ثم مسح رأسه وقدمیه الی الکعبین بفضل کفیه لم یجدد ماء » (5).

وفی صحیحة أبی عبیدة الحذاء فی وصف وضوء الباقر علیه السلام : أنه صبّ علیه الماء - الی أن قال - ثم مسح بفضل النداء رأسه ورجلیه (6).

وفیه بحث ، إذ من الجائز أن یکون المسح ببقیة النداوة ، لکونه أحد أفراد الأمر

المسح بنداوة الوضوء

ص: 210


1- الکافی ( 3 : 29 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 294 ) أبواب الوضوء ب (25) ح (1).
2- الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15).
3- کما فی المختلف : (24).
4- التهذیب ( 1 : 55 - 157 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 171 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (10).
5- الکافی ( 3 : 25 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 56 - 158 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 168 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (11).
6- التهذیب ( 1 : 58 - 162 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 172 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (8) ( بتفاوت یسیر ).

______________________________________________________

الکلی ، لا لتعینه فی نفسه ، کما تقدم فی المسألة البدأة بالأعلی.

والأجود الاستدلال علیه بصحیحة زرارة قال ، قال : أبو جعفر علیه السلام : « إنّ الله وتر یحب الوتر ، فقد یجزیک من الوضوء ثلاث غرفات ، واحدة للوجه ، واثنتان للذراعین ، وتمسح ببلة یمناک ناصیتک ، وما بقی من بلة یمناک ظهر قدمک الیمنی ، وتمسح ببلة یسراک ظهر قدمک الیسری » (1) فإنّ الجملة الخبریة هنا بمعنی الأمر ، وهو یقتضی الوجوب.

واستدل علیه فی المعتبر أیضا : بأنّ الأمر بالمسح مطلق ، والمطلق للفور ، والإتیان به ممکن من غیر استئناف ماء ، فیجب الاقتصار علیه تحصیلا للامتثال ، قال : ولا یلزم مثله فی غسل الیدین ، لأنّ الغسل یستلزم استئناف الماء (2). وهو استدلال ضعیف ، فإنّ تخلل مقدار استئناف الماء للمسح لا ینافی الفوریة قطعا.

احتج العلامة فی المختلف لابن الجنید - رحمه الله - علی جواز الاستئناف (3) بصحیحة معمر بن خلاد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام أیجزئ الرجل أن یمسح قدمیه بفضل رأسه؟ فقال : برأسه لا ، فقلت أبماء جدید؟ فقال : برأسه نعم (4).

وموثقة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مسح الرأس ، قلت : أمسح بما فی یدی من الندی رأسی؟ قال : « لا بل تضع یدک فی الماء ثم تمسح » (5).

ص: 211


1- الکافی ( 3 : 25 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 147 ).
3- المختلف : (25).
4- التهذیب ( 1 : 58 - 163 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 173 ) ، الوسائل ( 1 : 288 ) أبواب الوضوء ب (21) ح (5).
5- التهذیب ( 1 : 59 - 164 ) ، الإستبصار ( 1 : 59 - 174 ) ، الوسائل ( 1 : 287 ) أبواب الوضوء ب (21) ح (4).

______________________________________________________

والجواب : إنهما محمولان علی التقیة ، إذ لا خلاف بین علمائنا فی جواز المسح بالنداوة ، بل رجحانه. ویشهد له عدوله علیه السلام عن التصریح بالجواب إلی الإیماء.

فإن قلت : إنّ الروایة الأولی تأبی هذا الحمل ، لأنها متضمنة لمسح الرجلین ، وهم لا یقولون به.

قلت : إنهم معترفون بصحة إطلاق اسم المسح علی الغسل بزعمهم الفاسد ، وهو کاف فی تأدّی التقیة.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : یستفاد من صحیحة زرارة المتقدمة (1) أنّ الأولی مسح الناصیة وظهر القدم الیمنی بالید الیمنی ، والیسری بالیسری. والظاهر أنّ محل المسح باطن الید دون ظاهرها. نعم لو تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر قطعا. وهل یشترط تأثیر المسح فی المحل؟ فیه وجهان ، أقربهما ذلک ، وهو خیرة العلامة فی النهایة (2).

الثانی : لو مسح العضو وعلیه بلل فهل یکون المسح مجزیا أم لا؟ قیل بالأول ، للأصل ، وإطلاق الأمر ، وصدق الامتثال ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی (3) ، وابن إدریس (4) ، بل صرح المصنف فی المعتبر بما هو أبلغ من ذلک فقال : لو کان فی ماء وغسل وجهه ویدیه ثم مسح برأسه ورجلیه جاز ، لأن یدیه لم تنفک عن ماء الوضوء ، ولم یضره ما کان علی قدمیه من الماء.

وقوّی العلامة فی المختلف المنع ، ونقله عن والده - رحمه الله - محتجا بأنه مع رطوبة

ص: 212


1- فی ص (211).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 43 ).
3- المعتبر ( 1 : 160 ). المنتهی ( 1 : 64 ).
4- السرائر : (18).

ولو جف ما علی یده أخذ من لحیته وأشفار عینیه ، فإن لم یبق نداوة استأنف.

______________________________________________________

الرجلین یحصل المسح بماء جدید (1) ، وفیه منع.

وقال فی الذکری : لو غلب ماء المسح رطوبة الرجلین ارتفع الإشکال (2) ، وهو حسن.

الثالث : مذهب الأصحاب الاکتفاء فی الغسل بغمس العضو فی الماء ، لأن به یتحقق الامتثال. ونقل عن ظاهر ابن الجنید - رحمه الله - وجوب إمرار الید علی العضو ، لحکایة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ولأنه المعهود فی الغسل (3). وهو ضعیف ، لأن ذلک لا یصلح مقیدا لإطلاق القرآن. ومع الغمس فینبغی القطع بجواز المسح بذلک البلل الکائن علی العضو ان لم یستقر فی الماء عرفا بعد تحقق الغسل ، لصدق المسح ببلة الید ، وتحقق الامتثال بالنظر الی الأوامر الواردة بالمسح من الکتاب والسنة ، وانتفاء ما یصلح للتخصیص کما یعلم مما قدمناه.

ونقل عن السید جمال الدین بن طاوس فی البشری أنه منع من ذلک ، لاقتضاء الغمس بقاء العضو فی الماء آنا ما بعد الغسل فیلزم الاستئناف (4). وقواه فی الذکری (5).

وهو غیر واضح ، لعدم صدق الاستئناف عرفا ، وهو المحکم فی أمثال ذلک.

قوله : ولو جف ما علی یده أخذ من لحیته وأشفار عینیه.

الظاهر أنه لا یشترط فی الأخذ من هذه المواضع جفاف الید بل یجوز مطلقا ، والتعلیق فی عبارات الأصحاب یخرج مخرج الغالب. ولا یختص الأخذ بهذه المواضع بل یجوز من

حکم من جف ما علی یده

ص: 213


1- المختلف : (26).
2- الذکری : (89).
3- المختلف : (23).
4- یعنی به : انه یلزم کون المسح بماء جدید وکأن البقاء آنا ما هو بمثابة استئناف ماء جدید للمسح وهو باطل ومبطل.
5- نقله عن البشری فی الذکری : (85) ، وقواه.

والأفضل مسح الرأس مقبلا ، ویکره مدبرا علی الأشبه. ولو غسل موضع المسح لم یجز.

______________________________________________________

جمیع محال الوضوء ، وتخصیص الشعر لکونه مظنّة البلل.

قوله : والأفضل مسح الرأس مقبلا ، ویکره مدبرا علی الأشبه.

الأصح جواز کل من الأمرین ، أعنی استقبال الوجه بالمسح واستدباره به ، لإطلاق الآیة ، وخصوص صحیحة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (1).

وقال الشیخ فی النهایة والخلاف (2) ، والمرتضی فی الانتصار (3) إنه لا یجوز استقبال الشعر لوقوع الخلاف فیه ، فیجب فعل المتیقن وهو ضعیف.

وأما أفضلیة الاستقبال وکراهة الاستدبار فلم أقف فیهما علی دلیل یعتدّ به. ویظهر من المصنف فی المعتبر الاعتراف بذلک ، فإنه قال : وأما وجه الکراهة فللتفصی من الخلاف (4). ولا یخفی ما فی هذا الکلام من المسامحة ، فإنّ المقتضی للکراهة ینبغی أن یکون دلیل المخالف لا نفس الخلاف.

قوله : ولو غسل موضع المسح لم یجز.

لا ریب فی ذلک ، لعدم الإتیان بالمأمور به ، فیبقی المکلف تحت العهدة.

وذکر جماعة من الأصحاب أنّ بین حقیقتی الغسل والمسح تباینا ، لاشتراط الجریان فی الأول وعدمه فی الثانی (5). وفیه نظر ، لصدق المسح مع الجریان القلیل عرفا.

جواز مسح الرأس مدبرا

عدم جواز غسل موضع المسح

ص: 214


1- التهذیب ( 1 : 58 - 161 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 169 ) ، الوسائل ( 1 : 286 ) أبواب الوضوء ب (20) ح (1).
2- النهایة : (14) ، الخلاف ( 1 : 13 ).
3- الانتصار : (19).
4- المعتبر ( 1 : 145 ).
5- منهم الشیخ فی الخلاف ( 1 : 14 ) ، والمحقق فی المعتبر ( 1 : 148 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 61 ) ، والتذکرة ( 1 : 17 ).

ویجوز المسح علی الشعر المختص بالمقدّم وعلی البشرة. ولو جمع علیه شعرا من غیره ومسح علیه لم یجز. وکذلک لو مسح علی العمامة أو غیرها مما یستر موضع المسح.

الفرض الخامس : مسح الرجلین ، ویجب مسح القدمین من رؤوس الأصابع

______________________________________________________

والأظهر أنّ بینهما عموما من وجه ، یجتمعان مع إمرار الید والجریان ، ویتحقق الغسل خاصة مع انتفاء الأول ، والمسح خاصة مع انتفاء الثانی.

وبما ذکرناه قطع الشهید - رحمه الله - فی الذکری حیث قال : ولا یقدح قصد إکثار الماء لأجل المسح ، لأنه من بلل الوضوء. وکذا لو مسح بماء جار علی العضو وإن أفرط فی الجریان ، لصدق الامتثال ، ولأنّ الغسل غیر مقصود (1). وفی التعلیل الأخیر نظر.

قوله : ویجوز المسح علی الشعر المختص بالمقدّم وعلی البشرة.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم عن الصادق علیه السلام ، قال : « مسح الرأس علی مقدّمه » (2) وهو شامل للشعر والبشرة. وحسنة زرارة عن الباقر علیه السلام ، حیث قال فیها : « وتمسح ببلة یمناک ناصیتک » (3) ، وهی صادقة علی الشعر والبشرة أیضا.

والمراد بالمختص بالمقدم : النابت علیه الذی لا یخرج بمدّه عن حدّه.

قوله : الفرض الخامس مسح الرجلین.

وجوب مسح الرجلین فی الوضوء ثابت بالکتاب والسنة والإجماع.

قال الله تعالی ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ

- مسح الرجلین

ص: 215


1- الذکری : (87).
2- التهذیب ( 1 : 91 - 241 ) ، والاستبصار ( 1 : 60 - 176 ) ، والوسائل ( 1 : 289 ) أبواب الوضوء ب (22) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 25 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (2).

إلی الکعبین ، وهما قبّتا القدمین ،

______________________________________________________

إِلَی الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ ) (1) أما علی قراءة الجر فبالعطف علی الرؤوس ، وعطف الیدین علی الوجه موجب لاشتراکهما فی الغسل ، فیکون عطف الرجلین علی الرأس کذلک عملا بمقتضی العطف.

فإن قیل : لا نسلم أنّ خفض الأرجل بالعطف علی الرؤوس ، ولم لا یجوز أن یکون بالمجاورة ، وإن کان معطوفا علی الأیدی ، کما فی : حجر ضب خرب.

قلنا : الإعراب بالمجاورة نادر لا یقاس علیه ، بل قیل : إنه لم یجی ء فی کلام الفصحاء ، کما اعترف به جماعة (2) ، منهم المحقق النیشابوری فی تفسیره حیث قال : ولا یمکن أن یقال أنّه کسر علی الجوار کما فی قوله : جحر ضب خرب ، لأن ذلک لم یجی ء فی کلام الفصحاء فی السعة ، وأیضا أنه جاء حیث لا لبس ولا عطف بخلاف الآیة.

وأما القراءة بالنصب فیکون للعطف علی محل برؤوسکم. وبالجملة فهذا الحکم معلوم من مذهب أهل البیت علیهم السلام ضرورة ، فالبحث فیه خارج عن غرضنا (3) فی هذا التعلیق.

قوله : وهما قبّتا القدمین.

ما ذکره المصنف - رحمه الله - فی تفسیر الکعبین من أنهما قبتا القدمین هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل علیه المرتضی - رحمه الله - فی الانتصار ، والشیخ فی الخلاف الإجماع (4). وقال فی المعتبر : إنه مذهب فقهاء أهل البیت (5). واحتج علیه من

تحقیق معنی الکعبین

ص: 216


1- المائدة : (6).
2- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 148 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 64 ) ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 76 ).
3- فی « ح » فرضنا.
4- الانتصار : (28) ، الخلاف ( 1 : 16 ).
5- المعتبر ( 1 : 148 ).

______________________________________________________

طریق الأصحاب بما رواه زرارة وبکیر ابنا أعین فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام ، إنهما قالا له : أصلحک الله فأین الکعبان؟ قال : « ها هنا » یعنی المفصل دون عظم الساق (1). وهذه الروایة لا تدل علی ما ذکره صریحا. والظاهر أنه - رحمه الله - إنما احتج بها علی إبطال ما ذهب إلیه العامة من أنّ الکعبین هما العقدتان اللتان فی أسفل الساقین.

والأجود الاستدلال علیه مضافا الی الإجماع ونص أهل اللغة (2) بما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن المسح علی القدمین کیف هو؟ فوضع کفه علی الأصابع فمسحها الی الکعبین الی ظهر القدم (3).

وفی الحسن عن میسر ، عن أبی جعفر علیه السلام . قال : « الوضوء واحدة واحدة ، ووصف الکعب فی ظهر القدم » (4).

وفی روایة أخری له عنه علیه السلام : أنه وضع یده علی ظهر القدم ثم قال : « هذا هو الکعب » قال : وأومأ بیده الی أسفل العرقوب (5) ، ثم قال : « إن هذا هو

ص: 217


1- الکافی ( 3 : 26 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 76 - 191 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (3).
2- قال الخلیل فی کتاب العین ( 1 : 207 ) کعب الإنسان : ما أشرف فوق رسغه عند قدمه. انتهی ولم نجد أفضل من هذا فی کتب اللغة ، بل أنهم نسبوا القول بأنه قبتا القدم وأنه فی ظهر القدم إلی الشیعة. راجع النهایة ( 4 : 178 ) ، ولسان العرب ( 1 : 718 ) ، والمصباح المنیر : 2. .
3- التهذیب ( 1 : 64 - 179 ) ، الاستبصار ( 1 : 62 - 184 ) ، قرب الإسناد : (162) ، الوسائل ( 1 : 293 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (4) ، ورواه أیضا فی الکافی ( 3 : 30 - 6 ).
4- الکافی ( 3 : 26 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 80 - 205 ) ، الإستبصار ( 1 : 69 - 210 ) ، الوسائل ( 1 : 306 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (1).
5- العرقوب : العصب الغلیظ الموتر فوق عقب الإنسان ( راجع الصحاح 1 : 180 ).

______________________________________________________

الظنبوب (1) » (2).

ویؤیده الأخبار الواردة بالمسح علی النعلین من دون استبطان الشراک ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : « إنّ علیا علیه السلام مسح علی النعلین ولم یستبطن الشراکین » (3) قال الشیخ - رحمه الله - : یعنی إذا کانا عربیین ، لأنهما لا یمنعان وصول الماء الی الرجل بقدر ما یجب فیه علیه.

وذهب العلامة فی المختلف الی أنّ الکعب هو المفصل بین الساق والقدم. ثم قال : وفی عبارة علمائنا اشتباه علی غیر المحصّل ، فإنّ الشیخ وأکثر الجماعة قالوا : إنّ الکعبین هما النابتان فی وسط القدم ، قاله الشیخ - رحمه الله - فی کتبه. وقال السید : الکعبان هما العظمان النابتان فی ظهر القدم عند الشراک. وقال أبو الصلاح : هما معقد الشراک. وقال المفید - رحمه الله - : الکعبان هما قبتا القدمین ، أمام الساقین ، ما بین المفصل والمشط. وقال ابن أبی عقیل : الکعبان فی ظهر القدم. وقال ابن الجنید - رحمه الله - : الکعب فی ظهر القدم دون عظم الساق ، وهو المفصل الذی قدام العرقوب (4).

قلت هذه العبارات صریحة فی خلاف ما ادعاه ، ناطقة بأنّ الکعبین هما العظمان النابتان فی وسط القدم ، غیر قابلة للتأویل بوجه ، فإنّ المفصل بین الساق والقدم لا یکون وسطا للقدم ، فقوله : إن فی عبارات الأصحاب اشتباها علی غیر المحصّل ، مریدا به أن المحصّل لا یشتبه علیه أنّ الکعب عند الأصحاب هو المفصل بین الساق والقدم ، عجیب.

وأعجب من ذلک أنّ شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری ( نسب العلامة

ص: 218


1- الظنبوب : العظم الیابس من قدم الساق ( راجع الصحاح 1 : 175 ).
2- التهذیب ( 1 : 75 - 190 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (9).
3- الفقیه ( 1 : 27 - 86 ) مرسلا ، التهذیب ( 1 : 64 - 182 ) ، الوسائل ( 1 : 294 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (6).
4- المختلف : (24).

______________________________________________________

- رحمه الله - الی التفرد ) (1) بما ذکره من أنّ الکعب هو المفصل ، والی مخالفة إجماع الأمة (2) ، مع أنّه قال بمقالته فی الرسالة (3).

واحتج فی المختلف (4) علی أنّ الکعب هو المفصل بصحیحة ابنی أعین المتقدمة (5). وبما روی عن الباقر علیه السلام : إنه حکی وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله : « فمسح علی مقدم رأسه وظهر قدمیه » (6) قال : وهو یعطی استیعاب المسح لجمیع ظهر القدم ، وبأنه أقرب الی ما حدّه أهل اللغة.

ویمکن الجواب عن الروایة الأولی بأنها معارضة بصحیحة ابن أبی نصر المتقدمة (7) ، الدالة علی أنّ الکعب فی ظهر القدم ، فإنّ المفصل بین شیئین یمتنع کونه فی أحدهما ، فیمکن حمل ما تضمنته من إیصال (8) المسح الی المفصل علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالمفصل ما قاربه بضرب من المجاز.

وعن الروایة الثانیة بالمنع من دلالتها علی وجوب الاستیعاب. سلّمنا ذلک ، لکنها معارضة بما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح ، عن زرارة وأخیه بکیر ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا مسحت بشی ء من رأسک ، أو بشی ء من قدمیک ما بین کعبیک إلی أطراف الأصابع فقد أجزأک » (9) ومع التعارض یجب الجمع بینهما بحمل

ص: 219


1- کذا فی جمیع النسخ ، والأنسب أن تکون العبارة هکذا : نسب إلی العلامة - رحمه الله - التفرد.
2- الذکری : (88).
3- الألفیة : (28).
4- المختلف : (24).
5- فی ص (217).
6- الکافی ( 3 : 25 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 24 - 74 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (2).
7- فی ص (217).
8- فی « س » اتصال.
9- المتقدمة فی ص (208).

______________________________________________________

الروایة الأولی علی الاستحباب.

وقوله : إن ما ذکره أقرب الی ما حدّه به أهل اللغة ضعیف جدا ، فإنّ أهل اللغة منّا متفقون علی أنّ الکعب هو الناتئ فی ظهر القدم ، حیث یقع معقد الشراک ، لأنه مأخوذ من کعب إذا ارتفع ، ومنه کعب ثدی الجاریة إذا علا ، بل الظاهر أنه لا خلاف بین أهل اللغة فی إطلاق الکعب علیه ، وإن ادّعی العامة إطلاقه علی غیره أیضا.

قال فی القاموس : الکعب : العظم الناشز فوق القدم والناشزان فی جانبیها (1). وقال ابن الأثیر فی نهایته : وکل شی ء علا وارتفع فهو کعب (2). ونحوه قال الهروی فی الغریبین ، قال : ومنه سمّیت الکعبة.

ونقل الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن الفاضل اللغوی عمید الرؤساء أنه صنّف کتابا فی الکعب أکثر فیه من الشواهد علی أنّه الناشز فی ظهر القدم أمام الساق (3). وقد ظهر من ذلک أنّ الأصح ما ذهب إلیه أکثر الأصحاب (4).

بقی هنا شی ء ، وهو أنّ ظهر القدم هل هو محل للمسح کالمقدّم فی الرأس ، بحیث یجزی المسح علی جزء منه ، أم یجب إیصاله إلی الکعبین؟ فیه وجهان ، یلتفتان الی أنّ التحدید فی الرجلین للممسوح ، أو للمسح. ورجح المصنف فی المعتبر الثانی بعد التردد (5) ، ولا ریب أنه أحوط.

ص: 220


1- القاموس ( 1 : 129 ).
2- النهایة ( 4 : 179 ).
3- الذکری : (88).
4- منهم السید فی الانتصار : (28) ، والشیخ فی الخلاف ( 1 : 16 ) ، والمحقق فی المختصر النافع : (6) ، والشهید فی الذکری : (88).
5- المعتبر : ( 1 : 152 ).

ویجوز منکوسا ،

______________________________________________________

وعلی هذا فهل یعتبر إدخال الکعبین فی المسح ، قیل : نعم (1) ، لما تقدم فی المرفقین. وقیل : لا (2) ، لحدیث الأخوین (3) ، ولما تقدم من عدم وجوب استبطان الشراکین ، وهو خیرة المعتبر (4) ، ولا بأس به. ومع ذلک فالأولی إیصال المسح الی نفس المفصل ومسحه أیضا.

واعلم أنّ المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی التذکرة ، نقلا إجماع فقهاء أهل البیت علیهم السلام علی أنه یکفی فی مسح الرجلین مسمّاه ، ولو بإصبع واحدة (5) ، واستدلا علیه بصحیحة زرارة المتقدمة (6) ، ولو لا ذلک لأمکن القول بوجوب المسح بالکف کلها ، لصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن الرضا علیه السلام حیث قال فیها ، فقلت : جعلت فداک لو أنّ رجلا قال بإصبعین من أصابعه هکذا قال : « لا الا بکفه » (7) فإنّ المقیّد یحکّم علی المطلق ، ومع ذلک فالاحتیاط هنا مما لا ینبغی ترکه ، لصحة الخبر وصراحته ، وإجمال ما ینافیه.

قوله : ویجوز منکوسا.

هذا هو الأقوی لصحیحة حماد بن عثمان المتقدمة فی مسح الرأس (8) ، وصحیحة أخری له عنه علیه السلام أنه قال : « لا بأس بمسح القدمین مقبلا ومدبرا » (9) وهو

جواز مسح الرجل منکوسا

ص: 221


1- کما فی التحریر ( 1 : 10 ).
2- کما فی الوسیلة : (50).
3- المتقدم فی ص (217).
4- المعتبر ( 1 : 152 ).
5- المعتبر ( 1 : 150 ) ، التذکرة ( 1 : 18 ).
6- فی ص (218).
7- المتقدمة فی ص (217).
8- فی ص (214).
9- التهذیب ( 1 : 83 - 217 ) ، الوسائل ( 1 : 286 ) أبواب الوضوء ب (20) ح (2).

ولیس بین الرجلین ترتیب ، وإذا قطع بعض موضع المسح مسح علی ما بقی ، ولو قطع من الکعب سقط المسح علی القدم.

______________________________________________________

نص فی الباب.

ونقل عن ظاهر ابن بابویه (1) والمرتضی (2) وجوب الابتداء من رؤوس الأصابع ، وبه قطع ابن إدریس (3) جعلا ل- « الی » فی الآیة الشریفة لانتهاء المسح لا الممسوح ، وهو ضعیف.

قوله : ولیس بین الرجلین ترتیب.

هذا هو المشهور بین الأصحاب (4) ، تمسکا بإطلاق الآیة الشریفة. ونقل عن ابن الجنید (5) وابنی بابویه (6) وجوب تقدیم الیمنی ، للوضوء البیانی. وعن آخرین جواز المعیة خاصة (7). والأظهر وجوب الترتیب لا لما ذکروه ، بل لما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه ذکر المسح فقال : « امسح علی مقدم رأسک وامسح علی القدمین وابدأ بالشق الأیمن » (8) والأمر للوجوب.

قوله : وإذا قطع بعض موضع المسح مسح علی ما بقی ، ولو قطع من الکعب سقط المسح علی القدم.

هذا إذا کان الکعب مقطوعا ، أو قلنا : إن مسحه من باب المقدمة ، وإلا وجب

عدم الترتیب بین الرجلین

حکم من قطع بعض موضع المسح

ص: 222


1- الفقیه ( 1 : 28 ).
2- کما فی الانتصار : (27).
3- السرائر : (17).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 155 ) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 11 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (38).
5- نقله عنه فی المختلف : (25).
6- الفقیه ( 1 : 28 ). ونقله عنهما فی المختلف : 6. .
7- منهم المفید فی المقنعة : (4) ، والعلامة فی المختلف : (25).
8- الکافی ( 3 : 29 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 294 ) أبواب الوضوء ب (25) ح (1).

ویجب المسح علی بشرة القدم ، ولا یجوز علی حائل من خفّ أو غیره ، الا للتقیّة أو الضرورة ،

______________________________________________________

مسحه ، وقد تقدم فی الغسل ما یعلم منه هذه الأحکام.

قوله : ویجب المسح علی بشرة القدمین ولا یجوز علی حائل من خفّ أو غیره ، إلا للتقیّة أو الضرورة.

أجمع علماؤنا علی وجوب المسح فی الرجلین علی بشرة القدم ، وتحریمه علی الحائل من خف أو غیره اختیارا ، وأخبارهم ناطقة به تکاد أن تبلغ حد التواتر.

ویستثنی من ذلک الشراک إن أوجبنا المسح إلی المفصل ، قال فی التذکرة : وهل ینسحب إلی ما یشبهه کالسیر فی الخشب إشکال والأقرب العدم (1). وهو جید ، اقتصارا علی موضع النص.

وقد قطع الأصحاب بجواز المسح علی الحائل للتقیة إذا لم یتأدّ بالغسل (2) وهو مروی فی بعض الأخبار. وروی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « ثلاث لا أتقی فیهن أحدا » وعدّ منها المسح علی الخفین (3) ، وربما کان الوجه فی ذلک أنّ من خلع خفه وغسل رجلیه فلا إنکار علیه ، فلهذا أطلق علیه السلام عدم التقیة فیه.

وهل یشترط فی جواز التقیة عدم المندوحة؟ قیل : لا ، لإطلاق النص (4). وقیل : نعم ، لانتفاء الضرر مع وجودها ، فیزول المقتضی. وهو أقرب.

وجوب المسح علی بشرة القدمین

ص: 223


1- التذکرة ( 1 : 18 ).
2- منهم المحقق الحلی فی المختصر النافع : (6) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 66 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (89) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 6 ).
3- الکافی ( 3 : 32 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 30 - 95 ) ( مرسلا ) ، التهذیب ( 1 : 362 - 1093 ) ، الإستبصار ( 1 : 76 - 237 ) ، الوسائل ( 1 : 321 ) أبواب الوضوء ب (38) ح (1).
4- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 26 ) ، وروض الجنان : (37).

وإذا زال السبب أعاد الطهارة علی قول ، وقیل : لا تجب الا لحدث ، والأول أحوط.

______________________________________________________

وذکر المصنف (1) وجمع من الأصحاب (2) أنه یجوز المسح علی الحائل أیضا مع الضرورة کالبرد وشبهه ، واستدلوا علیه بروایة أبی الورد ، عن أبی جعفر علیه السلام ، حیث قال فیها : « قلت : فهل فیهما - یعنی المسح علی الخفین - رخصة؟ فقال : لا ، إلا من عدو تتّقیه ، أو من ثلج تخاف علی رجلیک » (3) وأبو الورد مجهول ، والانتقال إلی التیمم والحال هذه محتمل ، لتعذر الوضوء المتحقق بتعذر جزئه ، والمسألة محل تردد.

قوله : وإذا زال السبب أعاد الطهارة علی قول ، وقیل : لا تجب إلا لحدث ، والأول أحوط.

الأظهر عدم الوجوب ، لأن امتثال الأمر یقتضی الإجزاء ، والإعادة علی خلاف الأصل فیتوقف علی الدلیل. والقول بالإعادة للشیخ (4) وجماعة (5) ، لأن هذه الطهارة طهارة ضروریة فیتقدر بقدر الضرورة. وهو ضعیف ، لأن تقدیر الطهارة بقدر الضرورة إن أرید به عدم جواز الطهارة کذلک بعد زوال الضرورة فحق ، وإن أرید به عدم إباحتها فلیس بحق ، فإن ذلک محل النزاع.

جواز المسح علی حائل عند التقیة والضرورة

ص: 224


1- المعتبر ( 1 : 154 ).
2- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 66 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (36).
3- التهذیب ( 1 : 362 - 1092 ) ، الإستبصار ( 1 : 76 - 236 ) ، الوسائل ( 1 : 322 ) أبواب الوضوء ب (38) ح (5).
4- المبسوط ( 1 : 22 ).
5- منهم المحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 154 ) ، والعلامة فی التذکرة : ( 1 : 18 ) ، وتحریر الأحکام ( 1 : 10 ).

مسائل ثمان :

الأولی : الترتیب واجب فی الوضوء : الوجه قبل الیمنی ، والیسری بعدها ، ومسح الرأس ثالثا ، والرجلین أخیرا. فلو خالف أعاد الوضوء - عمدا کان أو نسیانا - إن کان قد جف الوضوء ، وإن کان البلل باقیا أعاد علی ما یحصل معه الترتیب.

______________________________________________________

قوله : مسائل ثمان ، الأولی : الترتیب واجب فی الوضوء ، الوجه قبل الیمنی ، والیسری بعدها ، ومسح الرأس ثالثا ، والرجلین أخیرا. فلو خالف أعاد الوضوء - عمدا کان أو نسیانا - إن کان قد جف الوضوء ، وإن کان البلل باقیا أعاد علی ما یحصل معه الترتیب.

هذا مما لا خلاف فیه بین علمائنا ، والنصوص به مستفیضة ، فروی زرارة فی الصحیح قال : قال أبو جعفر علیه السلام : « تابع بین الوضوء کما قال الله عز وجل ابدأ بالوجه ، ثم بالیدین ، ثم امسح الرأس والرجلین ، ولا تقدمنّ شیئا بین یدی شی ء تخالف (1) ما أمرت به ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فاغسل الوجه وأعد علی الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح علی الرأس قبل الرجل ، ثم أعد علی الرجل ، ابدأ بما بدأ الله عز وجل به » (2).

وروی منصور بن حازم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یتوضأ

- الترتیب

ص: 225


1- فی « م ، س » : یخالف.
2- الکافی ( 3 : 34 - 5 ) ، الفقیه ( 1 : 28 - 89 ) ، التهذیب ( 1 : 97 - 251 ) ، الإستبصار ( 1 : 73 - 223 ) ، الوسائل ( 1 : 315 ) أبواب الوضوء ب (34) ح (1).

الثانیة : الموالاة واجبة ، وهی أن یغسل کل عضو قبل أن یجف ما تقدمه ، وقیل : بل هی المتابعة بین الأعضاء مع الاختیار ، ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.

______________________________________________________

فیبدأ بالشمال قبل الیمین ، قال : « یغسل الیمین ویعید الیسار » (1) وروی الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا نسی الرجل أن یغسل یمینه فغسل شماله ومسح رأسه ورجلیه فذکر بعد ذلک ، غسل یمینه وشماله ومسح رأسه ورجلیه ، وإن کان إنما نسی شماله فلیعد شماله ولا یعید علی ما کان توضّأ ، وقال : اتبع وضوءک بعضه بعضا » (2).

قوله : الثانیة ، الموالاة واجبة ، وهی أن یغسل کل عضو قبل أن یجف ما تقدمه ، وقیل : بل هی المتابعة بین الأعضاء مع الاختیار ، ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.

أجمع علماؤنا علی وجوب الموالاة فی الوضوء ، وإنما اختلفوا فی معناها ، فقال الشیخ فی الجمل : الموالاة أن توالی بین غسل الأعضاء ولا یؤخر بعضها عن بعض بمقدار ما یجف ما تقدم (3). وقریب منه عبارة المرتضی فی شرح الرسالة علی ما نقله فی المعتبر(4).

ومقتضی کلامهما الجفاف خاصة وهو اختیار أبی الصلاح (5) وابن

- الموالاة

ص: 226


1- التهذیب ( 1 : 97 - 253 ) ، الإستبصار ( 1 : 73 - 225 ) ، الوسائل ( 1 : 317 ) أبواب الوضوء ب (35) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 99 - 259 ) ، الإستبصار ( 1 : 74 - 228 ) ، الوسائل ( 1 : 318 ) أبواب الوضوء ب (35) ح (9).
3- الجمل والعقود : (159).
4- المعتبر ( 1 : 157 ).
5- الکافی فی الفقه : (133).

______________________________________________________

البراج (1) ، وابن حمزة (2) ، والکیدری محمد بن الحسن (3) ، وابن إدریس (4) ، والمصنف - رحمه الله - هنا وفی النافع (5) ، بل قال فی الذکری : إنّ اعتبار المتابعة منحصر فی المفید - رحمه الله - (6).

وقال الشیخ فی الخلاف : عندنا أنّ الموالاة واجبة ، وهی أن یتابع بین أعضاء الطهارة ولا یفرق بینهما إلا لعذر بانقطاع الماء ثم یعتبر إذا وصل إلیه الماء ، فإن جفّت أعضاء طهارته أعاد الوضوء ، وإن بقی فی یده نداوة بنی علیه (7).

وقریب منه کلامه - رحمه الله - فی النهایة (8) ، ولیس فیها تصریح بالبطلان مع الإخلال بالمتابعة اختیارا. ویظهر من المبسوط البطلان فإنه قال : الموالاة واجبة فی الوضوء ، وهی أن یتابع بین الأعضاء مع الاختیار فإن خالف لم یجزه (9).

وقد ظهر من ذلک أن الأقوال فی المسألة ثلاثة وأنها کلها للشیخ ، فما ذکره المحقق

ص: 227


1- المهذب ( 1 : 45 ).
2- الوسیلة : (50).
3- نسبة الی جده لأنه أبو الحسن محمد بن الحسین بن الحسن البیهقی النیسابوری صاحب کتاب الإصباح فی الفقه وشرح النهج وغیر ذلک ، والکیدر : قریة من قری بیهق. وعدل کاشف اللثام عن ذلک وضبطه بالنون کما فی نسخة « ق » ، وهی قریة بنیسابور وقریة قرب قزوین. کذا فی الکنی والألقاب ( 3 : 60 ). ونقله عنه فی الذکری : 3. .
4- السرائر (17).
5- المختصر النافع : (6).
6- لم نعثر علی هکذا تصریح له ، وإنما نقل عبارات الأصحاب وبیّن المستفاد منها فاستفاد وجوب المتابعة من کلام المفید فقط من القدماء وقال بعد ذلک. وأما الفاضلان فتبعا الشیخ المفید فی کتبهما ، الذکری : 6. .
7- الخلاف ( 1 : 17 ).
8- النهایة : (15).
9- المبسوط : ( 1 : 23 ).

______________________________________________________

الشیخ علی - رحمه الله - من إنکار القول الثالث (1) غیر جید. والمعتمد الأول.

لنا : أن إیجاب الموالاة بالمعنی الثانی أعنی المتابعة بین الأعضاء یقتضی زیادة تکلیف ، والأصل عدمه.

وأما البطلان مع الجفاف فیدل علیه مضافا إلی الإجماع صحیحة معاویة بن عمار ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام ربما توضّأت ونفد الماء فدعوت الجاریة فأبطأت علیّ بالماء فیجف وضوئی فقال : « أعده » (2).

وموثقة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا توضّأت بعض وضوئک فعرضت لک حاجة حتی یبس وضوؤک فأعد وضوؤک ، فإن الوضوء لا یتبعض » (3).

احتج القائلون (4) بوجوب المتابعة بأنّ الأمر بالغسل والمسح فی الآیة الشریفة للفور إجماعا ، وبأنه علیه السلام تابع فی الوضوء البیانی ، تفسیرا للأمر الإجمالی فیجب التأسی به ، وبقوله علیه السلام فی حسنة الحلبی المتقدمة : « اتبع وضوءک بعضه بعضا » (5).

والجواب عن الأول : منع الإجماع فی موضع النزاع ، فإن القائل بمراعاة الجفاف خاصة لا یقول بثبوت الفوریة فی الأمر بالغسل والمسح بهذا المعنی.

وعن الثانی : ما عرفته مرارا من عدم ثبوت الوضوء البیانی ، وجواز أن یکون المتابعة وقعت فیه اتفاقا لا لأنها واجبة.

ص: 228


1- جامع المقاصد ( 1 : 26 ).
2- التهذیب ( 1 : 87 - 231 ) ، الاستبصار ( 1 : 72 - 221 ) ، الذکری : (91) ، الوسائل ( 1 : 314 ) أبواب الوضوء ب (33) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 35 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 98 - 255 ) ، الاستبصار ( 1 : 72 - 220 ) ، علل الشرائع : ( 289 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 314 ) أبواب الوضوء ب (33) ح (2).
4- منهم المفید فی المقنعة : (5) ، والراوندی فی فقه القرآن ( 1 : 29 ) والعلامة فی المختلف : (25).
5- فی ص (226).

______________________________________________________

وعن الثالث : بأن صدر الروایة صریح فی أنّ المراد بالاتباع الترتیب.

قال المصنف فی المعتبر بعد أن حکم بوجوب المتابعة مع الاختیار ، واحتج علیه بنحو ما ذکرناه : لکن إذا أخلّ بالمتابعة اختیارا لم یبطل الوضوء إلاّ مع جفاف الأعضاء ، لأنه یتحقق الامتثال مع الإخلال بالمتابعة بغسل (1) المغسول ومسح الممسوح فلا یکون قادحا فی الصحة (2). ولقائل أن یقول : لا نسلم تحقق الامتثال بدون المتابعة علی تقدیر وجوبها ، لأن الامتثال إنما یتحقق إذا أتی بالمأمور به مشتملا علی جمیع الأمور المعتبرة فیه ، وهو لا یحصل بدون المتابعة. ویمکن دفعه بأن ثبوت الفوریة لا ینافی تحقق الامتثال بإیجاد الماهیة مع الإخلال بها ، کما فی الحج والزکاة وسائر الحقوق المالیة الفوریة إذا أتی بها علی التراخی. وفیه ما فیه.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : صرح ابن الجنید - رحمه الله - علی ما نقل عنه باشتراط بقاء البلل علی جمیع الأعضاء إلی مسح الرجلین (3). ونقل عن المرتضی (4) وابن إدریس (5) اعتبار العضو السابق. وظاهر الباقین أنّ المبطل جفاف الجمیع لا جفاف البعض ، وبه صرح فی المعتبر (6) ، وهو الأقوی ، ( لأنه المستفاد من ) (7) الأخبار الدالة علی البطلان بالجفاف.

واحتج علیه فی المعتبر أیضا باتفاق الأصحاب علی أنّ الناسی للمسح یأخذ من شعر

ص: 229


1- فی المصدر : فی غسل.
2- المعتبر ( 1 : 157 ).
3- نقله عنه فی المختلف : (27).
4- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (185).
5- السرائر : (17).
6- المعتبر ( 1 : 157 ).
7- بدل ما بین القوسین فی « ح » : لأن ذلک هو منطوق.

______________________________________________________

لحیته وأجفانه إن لم یبق فی یده نداوة (1).

ویمکن المناقشة فیه باحتمال اختصاص ذلک بالناسی ، أو أن یکون الجفاف للضرورة غیر مبطل.

الثانی : لو والی فی وضوئه فاتفق الجفاف أو التجفیف لم یقدح ذلک فی صحة الوضوء ، لأن الأخبار الواردة بالبطلان مع الجفاف مفروضة فیما حصل باعتبار التفریق ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ربما توضأت ونفد الماء فدعوت الجاریة فأبطأت علیّ بالماء فیجف وضوئی » (2) وکلام الأصحاب لا ینافی ذلک ، فما ذکره الشهید رحمه الله - فی الذکری من أن الأخبار الکثیرة بخلافه (3) ، غیر واضح.

الثالث : لو کان الهواء رطبا بحیث لو اعتدل لجف البلل لم یضر ، لوجود البلل حسا ، وکذا لو أسبغ الوضوء بحیث لو کان معتدلا لجف.

الرابع : لو تعذر بقاء البلل للمسح جاز الاستئناف ، للضرورة ، ونفی الحرج ، وصدق الامتثال ، واختصاص وجوب المسح بالبلل بحالة الإمکان ، ویحتمل الانتقال إلی التیمم ، لتعذر الوضوء.

الخامس : لو نذر المتابعة فی الوضوء الواجب أو الندب انعقد نذره قطعا ، لما فی ذلک من المسارعة إلی فعل الطاعة ، ومتی أخلّ بها أثم ولزمته الکفارة. والأصح صحة الوضوء ، لأن المنذور هنا أمر خارج عن حقیقته فلا یکون الإخلال به مؤثرا فی صحته ، کما لو نذر المکلف القنوت فی صلاة الفریضة أو تسبیحا زائدا علی القدر الواجب فی

ص: 230


1- المعتبر ( 1 : 157 ).
2- المتقدمة فی ص (228).
3- الذکری : (92).

الثالثة : الفرض فی الغسلات مرة واحدة ، والثانیة سنّة ،

______________________________________________________

الرکوع والسجود.

وقیل بالبطلان ، لأن المنذور یفسد بالإخلال بشی ء من صفاته (1). وهو ضعیف جدا. أما لو کان المنذور هو الوضوء المتتابع اتجه البطلان مع قصد المنذور ، لعدم المطابقة ، ولو نوی غیره أجزأ وکفرّ مع تشخیص الزمان.

قوله : الثالثة ، الفرض فی الغسلات مرة واحدة ، والثانیة سنّة.

ما اختاره المصنف من أنّ الفرض فی غسل الأعضاء المغسولة المرة الواحدة والثانیة سنة قول معظم الأصحاب (2) ، ونقل علیه ابن إدریس الإجماع (3).

أما الاجتزاء بالمرة فلإطلاق الآیة الشریفة ، والأخبار الصحیحة المستفیضة الواردة فی صفة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، کصحیحة زرارة بن أعین ، قال : حکی لنا أبو جعفر علیه السلام وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله فدعا بقدح من ماء ، فأدخل یده الیمنی فأخذ کفّا من ماء فأسدلها علی وجهه من أعلی الوجه ، ثم مسح بیده الحاجبین (4) جمیعا ، ثم أعاد الیسری فی الإناء فأسدلها علی الیمنی ثم مسح جوانبها ، ثمّ أعاد الیمنی فی الإناء ثم صبّها علی الیسری فصنع بها کما صنع فی الیمنی ، ثم مسح ببقیة ما بقی فی یدیه رأسه ورجلیه (5).

وصحیحة أبی عبیدة الحذاء ، قال : وضّأت أبا جعفر بجمع وقد بال فناولته ماء

عدد الغسلات

ص: 231


1- کما فی الدروس : (4).
2- منهم السید المرتضی فی جمل العلم والعمل : (50) ، والراوندی فی فقه القرآن ( 1 : 24 ) ، والمحقق الحلی فی المختصر النافع : (6).
3- السرائر : (17).
4- فی بعض المصادر : الجانبین.
5- الکافی ( 3 : 24 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 55 - 157 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 171 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (10).

______________________________________________________

فاستنجی ، ثم صببت علیه کفّا فغسل به وجهه ، وکفّا غسل به ذراعه الأیمن ، وکفّا غسل به ذراعه الأیسر ، ثم مسح بفضلة الندی رأسه ورجلیه (1).

وصحیحة حماد بن عثمان ، قال : کنت قاعدا عند أبی عبد الله علیه السلام فدعا بماء فملأ به کفّه فعمّ به وجهه ، ثم ملأ کفّه فعمّ به یده الیمنی ، ثم ملأ کفّه فعمّ به یده الیسری ثم مسح علی رأسه ورجلیه وقال : « هذا وضوء من لم یحدث حدثا » یعنی به التعدی فی الوضوء (2).

وموثقة عبد الکریم : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوضوء فقال : « ما کان وضوء علی علیه السلام إلاّ مرة مرة » (3).

وما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « والله ما کان وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله إلاّ مرة مرة » (4).

وأما استحباب الثانیة فلما رواه الشیخ فی الصحیح عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : سألته عن الوضوء فقال : « مثنی مثنی » (5) وفی الصحیح عن صفوان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : « الوضوء مثنی مثنی » (6).

ص: 232


1- التهذیب ( 1 : 79 - 204 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 172 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (8).
2- الکافی ( 3 : 27 - 8 ) ، الوسائل ( 1 : 308 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (8).
3- الکافی ( 3 : 27 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 80 - 207 ) ، الإستبصار ( 1 : 70 - 212 ) ، السرائر : (473) ، الوسائل ( 1 : 307 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (7). بتفاوت یسیر.
4- الفقیه ( 1 : 25 - 76 ) ، الوسائل ( 1 : 308 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (10).
5- التهذیب ( 1 : 80 - 208 ) ، الإستبصار ( 1 : 70 - 213 ) ، الوسائل ( 1 : 310 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (28).
6- التهذیب ( 1 : 80 - 209 ) ، الإستبصار ( 1 : 70 - 214 ) ، الوسائل ( 1 : 310 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (29).

______________________________________________________

قال المصنف فی المعتبر : ولا یجوز أن یراد بذلک الوجوب ، لما سبق من جواز الاقتصار علی المرّة فتعین الاستحباب (1).

وعندی فی هذا الجمع نظر ، إذ من المستبعد اقتصار النبی والأئمة علیهم السلام علی المرّة مع استحباب المرّتین.

ونقل ابن إدریس عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی أنه قال فی نوادره : واعلم أن الفضل فی واحدة واحدة ومن زاد علی اثنین لم یؤجر (2).

وقال الکلینی - رحمه الله - فی الکافی بعد أن أورد روایة عبد الکریم المتقدمة (3) : هذا دلیل علی أنّ الوضوء إنما هو مرة مرة ، لأنه صلی الله علیه و آله کان إذا ورد علیه أمران کلاهما طاعة لله تعالی أخذ بأحوطهما وأشدهما علی بدنه ، وإن الذی جاء عنهم أنه قال : الوضوء مرتان إنما هو لمن لم یقنعه مرة فاستزاده فقال : مرتان ثم قال : ومن زاد علی مرتین لم یؤجر ، وهو أقصی غایة الحد فی الوضوء الذی من تجاوزه أثم ولم یکن له وضوء (4).

وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه : الوضوء مرة مرة ، ومن توضأ مرتین مرتین لم یؤجر ، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع (5).

ومقتضی کلام المشایخ الثلاثة - رضوان الله علیهم - أفضلیة المرّة الواحدة وهو الظاهر من النصوص ، وعلی هذا فیمکن حمل الأخبار المتضمنة للمرتین (6) علی أنّ المراد بها بیان نهایة الجواز ، ویشهد له صحیحة زرارة وبکیر المتقدمة ، عن أبی جعفر علیه

ص: 233


1- المعتبر ( 1 : 159 ).
2- السرائر : (473).
3- فی ص (232).
4- الکافی ( 3 : 27 ).
5- الفقیه ( 1 : 29 ).
6- المتقدمة فی ص (232).

والثالثة بدعة ،

______________________________________________________

السلام : قالا : قلنا له : أصلحک الله فالغرفة تجزئ للوجه وغرفة للذراع؟ فقال : « نعم إذا بالغت فیها ، والثنتان تأتیان علی ذلک کله » (1).

واعلم : أنّ المستفاد من کلام الأصحاب أن المستحب هو الغسل الثانی الواقع بعد إکمال الغسل الواجب ، وأنه لو وقع الغسل الواجب بغرفات متعددة لم یوصف باستحباب ولا تحریم. والأخبار (2) إنما تدل علی مقتضی ما ذکروه من الجمع ، علی أنّ المستحب کون الغسل الواجب بغرفتین ، والفرق بین الأمرین ظاهر.

تفریع : من زاد علی الواحدة معتقدا وجوبها لم یؤجر ولا یبطل وضوؤه بذلک ، أمّا الثانی فلصدق الامتثال ، وأما الأول فلقوله علیه السلام : « من لم یستیقن أنّ واحدة فی الوضوء تجزئه لم یؤجر علی الثنتین » (3) وعلیه یحمل قوله علیه السلام فی مرسلة ابن أبی عمیر : « الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لم یؤجر ، والثالثة بدعة » (4).

قوله : والثالثة بدعة.

المراد بالبدعة : المحرم ، کما نص علیه فی المعتبر (5). ولا ریب فی تحریم الغسلة الثالثة ، لأنها لیست مشروعة فیکون فعلها علی وجه العبادة تشریعا محرما. وینبغی القطع ببطلان الوضوء إن مسح ببلتها. واستوجه المصنف فی المعتبر الجواز ، لأن الید

الغسلة الثالثة بدعة

ص: 234


1- الکافی ( 3 : 25 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 81 - 211 ) ، الإستبصار ( 1 : 71 - 216 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (3).
2- الوسائل ( 1 : 306 ) أبواب الوضوء ب (31).
3- التهذیب ( 1 : 81 - 213 ) ، الإستبصار ( 1 : 71 - 218 ) ، الوسائل ( 1 : 307 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 81 - 212 ) ، الإستبصار ( 1 : 71 - 217 ) ، الوسائل ( 1 : 307 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (3).
5- المعتبر ( 1 : 159 ).

ولیس فی المسح تکرار.

الرابعة : یجزی فی الغسل ما یسمی به غاسلا ، وإن کان مثل الدهن.

______________________________________________________

لا تنفک من ماء الوضوء الأصلی (1). وهو بعید. ولو حملت الثالثة علی الغرفة الثالثة فالظاهر عدم التحریم ، تمسکا بالإطلاق.

قوله : ولیس فی المسح تکرار.

هذا مذهب علمائنا أجمع ، والمستند فیه صدق الامتثال بالمرة ، وتوقف التوظیف علی ورود الشرع ، ولو کرر مع اعتقاد الشرعیة أثم ، ولم یبطل وضوؤه إجماعا ، لتوجه النهی إلی أمر خارج عن العبادة.

قوله : الرابعة ، یجزی فی الغسل ما یسمی به غسلا وإن کان مثل الدهن.

الظاهر أن المرجع فی التسمیة إلی العرف ، لأنه المحکم فی مثل ذلک.

وقیل : إن أقل ما یحصل به المسمی أن یجری جزء من الماء علی جزءین من البشرة ولو بمعاون (2). وفی دلالة العرف علی ذلک نظر (3).

قال الشارح - رحمه الله - : والتشبیه بالدهن مبالغة فی الاجتزاء بالجریان القلیل علی وجه المجاز لا الحقیقة (4). وقد یقال : إنّه لا مانع من کونه علی سبیل الحقیقة ، لوروده فی الأخبار المعتمدة کصحیحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إنما الوضوء حد من حدود الله لیعلم الله من یطیعه ومن یعصیه ، وإن المؤمن لا ینجسه شی ء ، إنما یکفیه مثل الدهن » (5).

لا تکرار فی المسح

ص: 235


1- المعتبر ( 1 : 160 ).
2- کما فی روض الجنان : (31).
3- لیست فی « س » ، « ق ».
4- المسالک ( 1 : 6 ).
5- الکافی ( 3 : 21 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 25 - 78 ) ، التهذیب ( 1 : 138 - 387 ) ، علل الشرائع : ( 279 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 340 ) أبواب الوضوء ب (52) ح (1).

ومن فی یده خاتم أو سیر فعلیه إیصال الماء إلی ما تحته ، وإن کان واسعا استحب له تحریکه.

______________________________________________________

وروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یأخذ أحدکم الراحة من الدهن فیملأ بها جسده ، والماء أوسع من ذلک » (1).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام فی الوضوء ، قال : « إذا مس جلدک الماء فحسبک » (2).

وتشهد له أیضا روایة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه قال : « إنّ لله ملکا یکتب سرف الوضوء کما یکتب عدوانه » (3).

قوله : ومن فی یده خاتم أو سیر فعلیه إیصال الماء إلی ما تحته ، ولو کان واسعا استحب له تحریکه.

أما وجوب إیصال الماء إلی ما تحت الخاتم والسیر علی وجه یحصل به مسمی الغسل فظاهر ، لعدم تحقق الامتثال بدونه ، ولما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام : قال : سألته عن المرأة علیها السوار والدملج فی بعض ذراعها ، لا تدری یجری الماء تحتهما أم لا ، کیف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟ قال : « تحرکه حتی یدخل الماء تحته أو تنزعه » (4).

ویعلم من ذلک وجوب إزالة الوسخ الکائن تحت الظفر المانع من وصول الماء إلی ما تحته إذا لم یکن فی حد الباطن ، واحتمل فی المنتهی عدم وجوب إزالته ، لأنه ساتر

إجزاء ما یسمی به غاسلا وجوب تحریک الخاتم والسیر فی الوضوء

ص: 236


1- الکافی ( 3 : 24 - 3 ) ، الوسائل ( 1 : 274 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (7).
2- الکافی ( 3 : 22 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 137 - 381 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 417 ) ، الوسائل ( 1 : 341 ) أبواب الوضوء ب (52) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 22 - 9 ) ، الوسائل ( 1 : 340 ) أبواب الوضوء ب (52) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 44 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 85 - 222 ) ، قرب الاسناد : (83) ، الوسائل ( 1 : 329 ) أبواب الوضوء ب (41) ح (1).

الخامسة : من کان علی بعض أعضاء طهارته جبائر ، فإن أمکنه نزعها أو تکرار الماء علیها حتی یصل البشرة وجب ، وإلا أجزأه المسح علیها ، سواء کان ما تحتها طاهرا أو نجسا.

______________________________________________________

عادة ، فلو وجب إزالته لبینه النبی صلی الله علیه و آله ، ولما لم یبینه دلّ علی عدم الوجوب (1). وهو ضعیف.

قال فی الذکری : ولو ثقبت یده وجب إدخال الماء الثقب ، لأنه صار ظاهرا (2). وهو غیر جید علی إطلاقه ، لأن الثقب إذا کان ضیقا لم یعدّ باطنه من الظواهر قطعا.

وأما استحباب التحریک مع السعة ، فاستدل علیه بأنّ فیه استظهارا للعبادة (3). ولا بأس به.

قوله : الخامسة ، من کان علی بعض أعضاء طهارته جبائر ، فإن أمکنه نزعها أو تکرار الماء علیها حتی یصل إلی البشرة وجب ، وإلا أجزأه المسح علیها ، سواء کان ما تحتها طاهرا أو نجسا.

الضمیر فی وجب یعود إلی أحد الأمرین ، والاکتفاء بأحدهما إنما یتم إذا کانت الجبیرة فی محل الغسل وکان ما تحتها طاهرا ، أو أمکن إیصال الماء إلیه علی وجه التطهیر ، وإلا تعین النزع مع الإمکان.

واکتفی بالمسح علی ظاهرها مع التعذر إن کانت طاهرة ، وإلاّ وضع علیها شیئا طاهرا ومسح علیه ، هذا کله مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، وقد ورد بذلک روایات ، منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یکون به القرحة فی ذراعه ، أو نحو ذلک فی موضع الوضوء فیعصبها بالخرقة ویتوضّأ ویمسح

- وضوء الجبیرة

ص: 237


1- المنتهی ( 1 : 59 ).
2- الذکری : (85).
3- الذکری : (85).

______________________________________________________

علیها إذا توضّأ؟ فقال : « إن کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة ، وإن کان لا یؤذیه الماء فلینزع الخرقة ثم لیغسلها » قال : وسألته عن الجرح کیف نصنع به فی غسله؟ فقال : « اغسل ما حوله » (1).

ولو لا الإجماع المدعی علی وجوب المسح علی الجبیرة لأمکن القول بالاستحباب والاکتفاء بغسل ما حولها ، لصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج : قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الکسیر یکون علیه الجبائر ، أو یکون به الجراحة ، کیف یصنع بالوضوء وغسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال : « یغسل ما وصل إلیه الغسل مما ظهر مما لیس علیه الجبائر ، ویدع ما سوی ذلک مما لا یستطیع غسله ، ولا ینزع الجبائر ، ولا یعبث بجراحته » (2).

وروایة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : سألته عن الجرح کیف یصنع به صاحبه؟ قال : « یغسل ما حوله » (3).

وینبغی القطع بالسقوط فی غیر الجبیرة ، أما فیها فالمسح علیها أحوط.

واعلم : أن فی کلام الأصحاب فی هذه المسألة إجمالا ، فإنهم صرحوا هنا بإلحاق القرح والجرح بالجبیرة ، سواء کان علیهما خرقة أم لا. ونص جماعة منهم علی أنه لا فرق بین أن تکون الجبیرة مختصة بعضو ، أو شاملة للجمیع. وفی التیمم جعلوا من أسبابه

ص: 238


1- الکافی ( 3 : 33 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 362 - 1095 ) ، الإستبصار ( 1 : 77 - 239 ) ، الوسائل ( 1 : 326 ) أبواب الوضوء ب (39) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 362 - 1094 ) ، الإستبصار ( 1 : 77 - 238 ) ، إلا أن فیه سألت أبا الحسن علیه السلام ، ورواها بهذا النص عن أبی الحسن الرضا علیه السلام فی الکافی ( 3 : 32 - 1 ) ، والوسائل ( 1 : 326 ) أبواب الوضوء ب (39) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 32 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 363 - 1096 ) ، الوسائل ( 1 : 326 ) أبواب الوضوء ب (39) ح (3).

______________________________________________________

الخوف من استعمال الماء بسبب القرح والجرح والشین ، ولم یشترط أکثرهم فی ذلک تعذر وضع شی ء علیها والمسح علیه.

وأما الأخبار ففی بعضها إن من هذا شأنه یغسل ما حول الجرح وقد تقدم (1) ، وفی کثیر منها أنه ینتقل إلی التیمم ، کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام ، عن الجنب تکون به القروح ، قال : « لا بأس بأن لا یغتسل ویتیمّم » (2).

وصحیحة أخری له عنه علیه السلام : قال : سألته عن الرجل یکون به القرح والجراحة یجنب ، قال : « لا بأس بأن لا یغتسل ویتیمم » (3).

وصحیحة داود بن سرحان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل تصیبه الجنابة وبه جروح أو قروح ، أو یخاف علی نفسه من البرد ، قال : « لا یغتسل ویتیمم » (4).

ویمکن الجمع بینهما إما بحمل أخبار التیمم علی ما إذا تضرر بغسل ما حولها ، أو بالتخییر بین الأمرین.

وکیف کان فینبغی الانتقال إلی التیمم فیما خرج عن مورد النص ، کما فی العضو المریض ، وهو خیرة المعتبر (5) ، تمسکا بعموم قوله تعالی : ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی - الی قوله - فَتَیَمَّمُوا ) (6).

ص: 239


1- فی ص (237).
2- التهذیب ( 1 : 184 - 530 ) ، الوسائل ( 2 : 967 ) أبواب التیمم ب (5) ح (5).
3- الفقیه ( 1 : 58 - 216 ) ، الوسائل ( 2 : 968 ) أبواب التیمم ب (5) ح (11) ، بتفاوت یسیر.
4- التهذیب ( 1 : 185 - 531 ) ، الوسائل ( 2 : 968 ) أبواب التیمم ب (5) ح (8).
5- المعتبر ( 1 : 365 ).
6- النساء : (43).

وإذا زال العذر استأنف الطهارة علی تردد فیه.

السادسة : لا یجوز أن یتولّی وضوءه غیره مع الاختیار ، ویجوز عند الاضطرار.

______________________________________________________

قوله : وإذا زال العذر أعاد الطهارة علی تردد فیه.

الأظهر عدم وجوب الإعادة.

قوله : السادسة ، لا یجوز أن یتولّی وضوءه غیره مع الاختیار ، ویجوز عند الاضطرار.

أما عدم جواز التولیة مع الاختیار ، فقال فی المنتهی : إنّه قول علمائنا أجمع (1). وقال المرتضی فی الانتصار : إنه مما انفرد به الإمامیة (2). وربما ظهر من کلام ابن الجنید - رحمه الله - الجواز (3). وهو ضعیف ، لأن الامتثال إنما یتحقق مع المباشرة للقطع بأنّ من وضّأه غیره لا یسمی غاسلا ولا ماسحا علی الحقیقة.

وأما جواز التولیة مع الاضطرار (4) فقال فی المعتبر : إنه متفق علیه بین الفقهاء ، واحتج علیه بأنه توصل إلی الطهارة بالقدر الممکن ، فیکون واجبا (5). وفیه نظر.

ویتحقق التولیة بمباشرة الغیر للغسل أو المسح (6) ، لا بصب الماء فی الید لیغسل به ، فإن ذلک خارج عن حقیقة العبادة الواجبة.

وتتعلق النیة بالمباشر ، لأنه الفاعل للوضوء حقیقة ، ولو نوی المضطر قبول الطهارة وتمکین غیره منها کان أولی.

ص: 240


1- المنتهی : ( 1 : 72 ).
2- الانتصار : (29).
3- نقله عنه فی المختلف : (25).
4- توجد فی « م » : بمعنی وجوبها.
5- المعتبر ( 1 : 175 ).
6- فی « م » : والمسح.

السابعة : لا یجوز للمحدث مس کتابة القرآن ، ویجوز له أن یمس ما عدا الکتابة.

______________________________________________________

قوله : السابعة ، لا یجوز للمحدث مس کتابة القرآن.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، واحتجوا علیه بقوله تعالی ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (1) وهو إنما یتم إذا قلنا أن الضمیر عائد إلی القرآن ، وأنّ الجملة الخبریة فی معنی النهی ، وحمل المطهر علی من حصل منه الطهارة الرافعة للحدث ، وفی جمیع هذه المقدمات نظر.

وبروایة أبی بصیر : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمن قرأ فی المصحف وهو علی غیر وضوء ، قال : « لا بأس ، ولا یمس الکتاب » (2) ومرسلة حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه قال لولده إسماعیل : « یا بنی اقرأ المصحف » فقال : إنی لست علی وضوء ، فقال : « لا تمس الکتاب ، ومس الورق واقرأ » (3).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : أنه سأله عن الرجل یحل له أن یکتب القرآن فی الألواح والصحیفة وهو علی غیر وضوء ، قال : « لا » (4).

ویتوجه علی الروایتین الأولیین الطعن فی السند بإرسال الثانیة ، وضعف بعض رجال الأولی. وعلی الروایة الثالثة عدم الدلالة علی المدعی صریحا ، وإمکان حملها علی الکراهة ، إذ لا نعلم بمضمونها قائلا ، وبالجملة : فالروایات کلها قاصرة ، والآیة

عدم جواز مس المحدث کتابة القرآن

ص: 241


1- الواقعة : (79).
2- الکافی ( 3 : 50 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 127 - 343 ) ، الإستبصار ( 1 : 113 - 377 ) ، الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 126 - 342 ) ، الإستبصار ( 1 : 113 - 376 ) ، الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (2).
4- التهذیب ( 1 : 127 - 345 ) ، الوسائل ( 1 : 270 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (4) ، البحار ( 10 : 277 ).

الثامنة : من به السلس ، قیل : یتوضأ لکل صلاة ،

______________________________________________________

الشریفة محتملة لغیر ذلک المعنی ، ومن ثم ذهب الشیخ فی المبسوط (1) ، وابن البراج (2) ، وابن إدریس إلی الکراهة. وهو متجه غیر أنّ المنع أحوط وأنسب بالتعظیم.

قوله : الثامنة ، من به السلس قیل : یتوضأ لکل صلاة.

صاحب السلس هو الذی لا یستمسک بوله ، والقول بوجوب الوضوء علیه لکل صلاة للشیخ فی الخلاف (3) ، نظرا إلی أنه بتجدد البول یصیر محدثا ، فیجب علیه الطهارة ، ویمنع من المشروط بها ، إلاّ أنّ ذلک لما امتنع اعتباره مطلقا لتعذر الصلاة حینئذ وجب علیه الوضوء لکل صلاة ، مراعاة لمقتضی الحدث بحسب الإمکان.

وقال فی المبسوط : إنه یصلی بوضوء واحد عدة صلوات ، لأن إلحاقه بالمستحاضة قیاس (4). وظاهر کلامه أنّ البول بالنسبة إلیه لا یکون حدثا ، وهو بعید جدا.

واستقرب العلامة فی المنتهی أنه یجوز له أن یجمع بین الظهر والعصر بوضوء واحد ، وبین المغرب والعشاء بوضوء ، وأوجب علیه تعدد الوضوء بتعدد الصلاة فی غیر ذلک (5) ، واحتج علی الثانی بنحو ما ذکرناه ، وعلی الأول بما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی الصحیح ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا کان الرجل یقطر منه البول والدم (6) إذا کان حین الصلاة اتخذ کیسا وجعل فیه قطنا ، ثم علّقه علیه وأدخل ذکره فیه ، ثم صلّی یجمع بین الصلاتین الظهر والعصر ، ویؤخر الظهر ویعجّل العصر بأذان وإقامتین ، ویؤخّر المغرب ویعجّل العشاء بأذان وإقامتین ، ویفعل ذلک فی

- حکم من به السلس

ص: 242


1- المبسوط ( 1 : 23 ).
2- المهذب ( 1 : 32 ).
3- الخلاف ( 1 : 79 ).
4- المبسوط ( 1 : 68 ).
5- المنتهی ( 1 : 73 ).
6- فی « ح » : أو الدم.

وقیل : من به البطن إذا تجدد حدثه فی الصلاة یتطهر ویبنی.

______________________________________________________

الصبح » (1) فإنّ الجمع بین الفریضتین ظاهر فی کونهما بوضوء واحد ، وما ذکره - رحمه الله - غیر بعید ، إلاّ أنّ تعدد الوضوء بتعدد الصلاة مطلقا أولی.

وتجب علیه المبادرة إلی الصلاة بعد الوضوء ، ویعفی عن الحدث الواقع قبلها وفیها إجماعا. هذا إذا لم تکن له فترة معتادة تسع الطهارة والصلاة ، وإلاّ وجب انتظارها لزوال الضرورة التی هی مناط التخفیف.

قوله : وقیل ، من به البطن إذا تجدد حدثه فی الصلاة تطهر وبنی.

هذا قول معظم الأصحاب ، واحتجوا علیه بموثقة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : قال : « صاحب البطن الغالب یتوضّأ ، ثم یرجع فی صلاته فیتم ما بقی » (2) وفی طریقها عبد الله بن بکیر وهو فطحی ، وذکر جدی - قدس سره - أنها من الصحیح ، وأنّ العمل بها متعین لذلک (3). وهو غیر جید.

وذهب العلامة فی المختلف إلی وجوب استئناف الطهارة والصلاة مع إمکان التحفظ بقدر زمانهما ، وإلاّ بنی بغیر طهارة ، لأن الحدث المذکور لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة ، لأن شرط الصلاة استمرار الطهارة ، وهو مصادرة علی المطلوب (4).

احتج المحقق الشیخ علی - رحمه الله - علی هذه المقدمة بالإجماع ، ثم قال : ولیس فی هذا مصادرة بوجه من الوجوه. وفیه نظر لمنع الاتفاق علی الشرطیة بالمعنی الذی ادّعاه فی موضع النزاع ، وإنما یتم ما ذکره لو أثبت الشرطیة بالنص ، والمسألة محل تردد ، وإن

- حکم من به البطن

ص: 243


1- الفقیه ( 1 : 38 - 146 ) ، الوسائل ( 1 : 210 ) أبواب نواقض الوضوء ب (19) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 350 - 1036 ) ، الوسائل ( 1 : 210 ) أبواب نواقض الوضوء ب (19) ح (4).
3- الروضة البهیة ( 1 : 358 ).
4- المختلف : (28).

وسنن الوضوء هی وضع الإناء علی الیمین ،

______________________________________________________

کان القول بالبناء لا یخلو من قرب عملا بمقتضی الروایة (1) المعتبرة السند ، المؤیدة بعمل الأصحاب ، المعتضدة بالأصل والعمومات والروایات الدالة علی البناء مع سبق الحدث فی الطهارة الترابیة وغیرها کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

واعلم : أنّ موضع الخلاف ما إذا شرع فی الصلاة متطهرا ثم طرأ الحدث فی الأثناء ، أما لو کان مستمرا فقد صرح المصنف فی المعتبر (2) ، والعلامة فی المنتهی (3) بأنه کالسلس فی وجوب تجدید الوضوء لکل صلاة ، والعفو عما یقع من ذلک فی الأثناء ، لمکان الضرورة. ولا ریب فی ذلک.

قوله : وسنن الوضوء : وضع الإناء علی الیمین.

هذا إذا کان الإناء مما یمکن الاغتراف منه بالید ، وإلاّ وضع علی الیسار لیصب منه فی الیمین للغسل بها ، أو للإدارة إلی الیسار ، وهذا الحکم مشهور بین الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر (4) بأن ذلک أمکن فی الاستعمال ، وهو نوع من التدبیر ، وبما روی عن النبی صلی الله علیه و آله ، أنه قال : « إنّ الله تعالی یحب التیامن فی کل شی ء » (5).

وهو حسن وإن کان المروی فی صحیحة زرارة خلاف ذلک ، فإنه قال : إنّ أبا جعفر علیه السلام حکی وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، فدعا بقعب فیه شی ء من ماء ، ثم وضعه بین یدیه ثم حسر عن ذراعیه ، ثم غمس فیه کفّه الیمنی ، ثم قال : هذا إذا

سنن الوضوء

وضع الاناء علی الیمین

ص: 244


1- المتقدمة فی ص (243).
2- المعتبر ( 1 : 163 ).
3- المنتهی ( 1 : 74 ).
4- المعتبر ( 1 : 164 ).
5- عوالی اللآلی ( 2 : 200 - 101 ) ، مسند أحمد ( 6 : 94 ، 130 ، 202 ) ، سنن النسائی ( 1 : 78 ).

والاغتراف بها ، والتسمیة ، والدعاء.

______________________________________________________

کانت الکفّ طاهرة ، ثمّ غرف فملأها فوضعها علی جبینه (1). الحدیث. ولا ریب أنّ العمل بمقتضی هذه الروایة أولی.

قوله : والاغتراف بها.

لقول أبی جعفر علیه السلام فی حکایة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله : « إنّه أخذ کفّا من ماء فصبه علی وجهه ثم مسح علی حاجبیه (2) حتی مسحه کله ، ثم أخذ کفّا آخر بیمینه فصبه علی یساره ، ثم غسل به ذراعه الأیمن ، ثم أخذ کفّا آخر وغسل به ذراعه الأیسر » (3). وأقل مراتب ذلک الاستحباب.

قوله : والتسمیة والدعاء.

لما رواه زرارة فی الصحیح ، عن الباقر علیه السلام ، قال : « إذا وضعت یدک فی الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلنی من التوابین واجعلنی من المتطهرین ، فإذا فرغت فقل : الحمد لله رب العالمین » (4).

وروی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه کان یقول : « بسم الله وبالله وخیر الأسماء لله ، وأکبر الأسماء لله ، وقاهر لمن فی السماء وقاهر لمن فی الأرض ، الحمد لله الذی جعل من الماء کل شی ء حی ، وأحیا قلبی بالإیمان ، اللهم تب علیّ وطهّرنی واقض لی بالحسنی ، وأرنی کلّ الذی أحب ، وافتح لی بالخیرات من عندک یا سمیع الدعاء » (5).

ولو اقتصر علی بسم الله أجزأ ، لإطلاق قول الصادق علیه السلام : « إذا سمّیت فی

الاغتراف بالیمین والتسمیة والدعاء

ص: 245


1- الکافی ( 3 : 25 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 24 - 74 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 171 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (2).
2- وردت فی الکافی : جانبیه.
3- الکافی ( 3 : 24 - 3 ) ، الوسائل ( 1 : 274 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (7).
4- التهذیب ( 1 : 76 - 192 ) ، الوسائل ( 1 : 298 ) أبواب الوضوء ب (26) ح (2).
5- الفقیه ( 1 : 27 - 87 ) ، الوسائل ( 1 : 299 ) أبواب الوضوء ب (26) ح (7).

وغسل الیدین قبل إدخالهما الإناء من حدث النوم أو البول مرّة ومن الغائط مرتین،

______________________________________________________

الوضوء طهر جسدک کله ، وإذا لم تسم لم یطهر إلا ما أصابه الماء » (1).

وفی مرسل ابن أبی عمیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « أمر النبی صلی الله علیه و آله من توضّأ بإعادة وضوئه ثلاثا حتی سمّی » (2).

وأجاب عنه فی المعتبر بالطعن فی السند ، لمکان الإرسال قال : ولو قیل مراسیل ابن أبی عمیر یعمل بها الأصحاب منعنا ذلک ، لأن فی رجاله من طعن الأصحاب فیه ، فإذا أرسل احتمل أن یکون الراوی أحدهم. ثم حملها علی تأکد الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالتسمیة نیة الاستباحة ، والأول أولی.

قوله : وغسل الیدین قبل إدخالهما الإناء ، من حدث النوم أو البول مرّة ، ومن الغائط مرتین.

هذا مذهب فقهائنا وأکثر أهل العلم ، قاله فی المعتبر (3). والمستند فیه ما رواه الکلینی - رحمه الله - فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : سئل کم یفرغ الرجل علی یده (4) قبل أن یدخلها فی الإناء؟ قال : واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة » (5).

- غسل الیدین قبل إدخالهما الاناء

ص: 246


1- الکافی ( 3 : 16 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 355 - 1060 ) ، الإستبصار ( 1 : 67 - 204 ) ، الوسائل ( 1 : 298 ) أبواب الوضوء ب (26) ح (5).
2- التهذیب ( 1 : 358 - 1075 ) ، الإستبصار ( 1 : 68 - 206 ) ، الوسائل ( 1 : 298 ) أبواب الوضوء ب (26) ح (6).
3- المعتبر ( 1 : 165 ).
4- وردت فی « س » : یدیه.
5- الکافی ( 3 : 12 - 5 ) ، الوسائل ( 1 : 301 ) أبواب الوضوء ب (27) ح (1).

والمضمضة والاستنشاق ،

______________________________________________________

وعن عبد الکریم بن عتبة : قال : سألت الشیخ عن الرجل یستیقظ من نومه ولم یبل ، أیدخل یده فی الإناء قبل أن یغسلها؟ قال : « لا ، لأنه لا یدری أین کانت یده فلیغسلها » (1) وفی الطریق محمد بن سنان ، وهو ضعیف جدا (2).

ومقتضی الروایتین : أنّ الغسل إنما یستحب إذا کان الوضوء من إناء یمکن الاغتراف منه ، وظاهرهما اختصاص الحکم بالقلیل ، لأنه الغالب فی الإناء ، وجزم الشارح بالتعمیم رعایة لجانب التعبد (3). وهو ضعیف. ولو تداخلت الأسباب دخل موجب الأقل تحت موجب الأکثر. والید هنا من الزند اقتصارا علی المتیقن.

قوله : والمضمضة والاستنشاق.

المضمضة هی إدارة الماء فی الفم ، والاستنشاق اجتذابه بالأنف. والحکم باستحبابهما هو المعروف من المذهب ، والنصوص به مستفیضة (4).

وقال ابن أبی عقیل : إنهما لیسا بفرض ولا سنة (5). وله شواهد من الأخبار ، إلا أنها مع ضعفها قابلة للتأویل ، نعم روی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « المضمضة والاستنشاق لیسا من الوضوء » (6) ونحن نقول بموجبها ، فإنهما لیسا من أفعال الوضوء وإن استحب فعلهما قبله ، کالسواک والتسمیة ونحوهما. هذا وقد

- المضمضة والاستنشاق والدعاء عند هما

ص: 247


1- الکافی ( 3 : 11 - 2 ) ، علل الشرائع : ( 282 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 301 ) أبواب الوضوء ب (27) ح (3).
2- رجال النجاشی : ( 328 - 888 ) ، وص ( 424 - 1140 ).
3- المسالک ( 1 : 6 ).
4- الوسائل ( 1 : 302 ) أبواب الوضوء ب (29).
5- نقله عنه فی المختلف : (21).
6- الکافی ( 3 : 23 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 78 - 199 ) ، الإستبصار ( 1 : 66 - 199 ) ، الوسائل ( 1 : 303 ) أبواب الوضوء ب (29) ح (5).

والدعاء عندهما وعند غسل الوجه والیدین وعند مسح الرأس والرجلین ،

______________________________________________________

اشتهر بین المتأخرین استحباب کونهما بثلاث أکف ثلاث أکف وأنه مع إعواز الماء یکفی الکف الواحدة (1) ولم أقف له علی شاهد.

واشترط جماعة من الأصحاب تقدیم المضمضة أولا ، وصرحوا باستحباب إعادة الاستنشاق مع العکس ، وقرب العلامة فی النهایة جواز الجمع بینهما ، بأن یتمضمض مرة ثم یستنشق مرة وهکذا ثلاثا (2). والکل حسن.

قوله : والدعاء عندهما ، وعند غسل الوجه والیدین ، وعند مسح الرأس والرجلین.

روی ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه من لا یحضره الفقیه ، عن الصادق علیه السلام : أنه قال : « بینا أمیر المؤمنین علیه السلام ذات یوم جالس مع محمد بن الحنفیة ، إذ قال : یا محمد ائتنی بإناء من ماء أتوضّأ للصلاة ، فأتاه محمد بالماء ، فأکفأ بیده الیمنی علی یده الیسری ، ثم قال : بسم الله ( وبالله ) (3) والحمد لله الذی جعل الماء طهورا ولم یجعله نجسا ، قال : ثم استنجی فقال : اللهم حصّن فرجی وأعفّه ، واستر عورتی ، وحرّمنی علی النار ، قال : ثم تمضمض فقال : اللهم لقّنی حجتی یوم ألقاک ، وأطلق لسانی بذکرک ، ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرّم علیّ ریح الجنة ، واجعلنی ممن یشمّ ریحها وروحها وطیبها ، قال : ثم غسل وجهه فقال : اللهم بیّض وجهی یوم تسود فیه الوجوه ، ولا تسوّد وجهی یوم تبیض فیه الوجوه ، ثم غسل یده الیمنی فقال : اللهم أعطنی

- الدعاء عند غسل الیدین والرجلین

ص: 248


1- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 51 ) ، والتذکرة ( 1 : 21 ) ، والشهید الأول فی البیان : (11) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 6 ).
2- نهایة الأحکام 1 : 56 ).
3- لیست فی : « س » ، « م » ، « ق ».

وأن یبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعیه وفی الثانیة بباطنهما ، والمرأة بالعکس ،

______________________________________________________

کتابی بیمینی والخلد فی الجنان بیساری ، وحاسبنی حسابا یسیرا ، ثم غسل یده الیسری فقال : اللهم لا تعطنی کتابی بیساری ، ولا تجعلها مغلولة إلی عنقی ، وأعوذ بک من مقطعات النیران ، ثم مسح رأسه فقال : اللهم غشّنی برحمتک وبرکاتک وعفوک ، ثم مسح رجلیه فقال : اللهم ثبتنی علی الصراط المستقیم یوم تزلّ فیه الأقدام ، واجعل سعیی فیما یرضیک عنی ، ثم رفع رأسه فنظر إلی محمد فقال : یا محمد من توضّأ مثل وضوئی وقال مثل قولی خلق الله تبارک وتعالی من کل قطرة ملکا یقدسه ویسبحه ویکبره ، فیکتب الله عز وجل ثواب ذلک له إلی یوم القیامة » (1).

وإذا فرغ المتوضی یستحب له أن یقول : الحمد لله رب العالمین ، رواه زرارة فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام (2).

وقال الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : وزکاة الوضوء أن یقول : اللهم إنی أسألک تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانک ، والجنة (3).

قوله : وأن یبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعیه ، وفی الثانیة بباطنهما ، والمرأة بالعکس.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من الفرق بین الغسلة الأولی والثانیة لم أقف له علی مستند ، ومقتضی کلام أکثر القدماء أنّ الثانیة کالأولی ، وهو خیرة المنتهی (4) ، وعلیه العمل ، لروایة محمد بن إسماعیل (5) عن الرضا علیه السلام أنه قال : « فرض الله

- بدأة الرجل بغسل ظاهر ذراعیه وفی الثانیة بباطنهما والمرأة بالعکس

ص: 249


1- الفقیه : ( 1 : 26 - 84 ) ، الوسائل ( 1 : 282 ) أبواب الوضوء ب (16) ح (1).
2- لم نعثر علی هکذا روایة عن الصادق علیه السلام ، والموجود عن الباقر علیه السلام وقد تقدم فی ص (245).
3- الفقیه ( 1 : 32 ).
4- المنتهی ( 1 : 51 ).
5- فی « م » : محمد بن إسماعیل بن بزیع.

وأن یکون الوضوء بمدّ.

______________________________________________________

علی النساء فی الوضوء أن یبدأن بباطن أذرعهن ، وفی الرجال بظاهر الذراع » (1) وفی السند إسحاق بن إبراهیم بن هاشم القمی ، وهو مجهول.

قوله : وأن یکون الوضوء بمدّ.

هذا قول علمائنا أجمع ، وأکثر أهل العلم ، قاله فی التذکرة (2). ویدل علیه روایات ، منها : صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یغتسل بصاع من ماء ، ویتوضّأ بمد من ماء » (3).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یتوضأ بمد ، ویغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (4).

والظاهر أنّ المراد بالرطل المدنی ، لأنه رطل بلدهما علیهماالسلام فیوافق ما علیه الأصحاب من أنه تسعة أرطال بالبغدادی.

وقال الشهید فی الذکری (5) : المدّ لا یکاد یبلغه الوضوء ، فیمکن أن یدخل فیه ماء الاستنجاء ، کما تضمنته روایة ابن کثیر ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام (6). وهو حسن ، وربما کان فی صحیحة أبی عبیدة الحذاء إشعار بذلک أیضا ، فإنه قال : وضّأت

- الوضوء بمد

ص: 250


1- الکافی ( 3 : 28 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 76 - 193 ) ، الوسائل ( 1 : 328 ) أبواب الوضوء ب (40) ح (1).
2- التذکرة ( 1 : 21 ).
3- التهذیب ( 1 : 136 - 377 ) ، الوسائل ( 1 : 338 ) أبواب الوضوء ب (50) ح (20).
4- التهذیب ( 1 : 136 - 379 ) ، الإستبصار ( 1 : 121 - 409 ) ، الوسائل ( 1 : 338 ) أبواب الوضوء ب (50) ح (1).
5- الذکری : (95).
6- الکافی ( 3 : 70 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 26 - 84 ) ، التهذیب ( 1 : 53 - 153 ) ، الوسائل ( 1 : 282 ) أبواب الوضوء ب (16) ح (1).

ویکره أن یستعین فی طهارته ،

______________________________________________________

أبا جعفر علیه السلام بجمع وقد بال فناولته ماء فاستنجی ، ثم صببت علیه کفا فغسل وجهه (1) الحدیث. ویؤیده دخول ماء الاستنجاء فی صاع الغسل علی ما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : ویکره أن یستعین فی طهارته.

المراد بالاستعانة هنا طلب الإعانة ، وألحق بها قبولها أیضا ، کما صرح به جمع من الأصحاب ودل علیه دلیلهم (2).

وتتحقق الإعانة بصب الماء فی الید لیغسل المتوضی به لا بصبه علی العضو ، فإنه تولیة محرّمة. وهل تتحقق بنحو إحضار الماء أو تسخینه حیث یحتاج إلیه؟ فیه وجهان أظهرهما أنه کذلک.

والحکم بکراهة الاستعانة هو المعروف من المذهب ، ویدل علیه روایة الحسن بن علی الوشّاء ، قال : دخلت علی الرضا علیه السلام وبین یدیه إبریق یرید أن یتهیأ منه للصلاة ، فدنوت لأصب علیه فأبی ذلک وقال : « مه یا حسن » فقلت : لم تنهانی أن أصب علی یدک تکره أن أوجر؟ فقال : « تؤجر أنت وأوزر أنا » قلت له : کیف ذلک؟ فقال : « أما سمعت قول الله یقول ( فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ، وَلا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهی العبادة فأکره أن یشرکنی فیها أحد » (3).

مکروهات الوضوء

- الاستعانة فی الطهارة

ص: 251


1- التهذیب ( 1 : 58 - 162 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 172 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (8).
2- لیست فی « س ».
3- الکافی ( 3 : 69 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 365 - 1107 ) ، الوسائل ( 1 : 335 ) أبواب الوضوء ب (47) ح (1).

وأن یمسح بلل الوضوء عن أعضائه.

______________________________________________________

وما رواه ابن بابویه - رحمه الله - مرسلا : إن أمیر المؤمنین علیه السلام کان لا یدعهم یصبون الماء علیه ، ویقول : لا أحب أن أشرک فی صلواتی أحدا (1).

وعندی فی هذا الحکم توقف ، لضعف الروایة الثانیة بالإرسال ، والأولی بأنّ فی طریقها إبراهیم بن إسحاق الأحمری فإنه کان ضعیفا فی حدیثه ، متهما فی دینه ، علی ما ذکره الشیخ (2) والنجاشی (3) ، وفی متنها إشکالا ، مع أن مقتضی صحیحة أبی عبیدة الحذاء (4) انتفاء الکراهة ، حیث أنه صب علی أبی جعفر علیه السلام الماء للوضوء. ویمکن حملها علی الضرورة ، أو علی أنّ الغرض بیان الجواز ، إلا أن ذلک موقوف علی صحة المعارض.

قوله : وأن یمسح بلل الوضوء عن أعضائه.

هذا قول الشیخ فی أکثر کتبه (5) ، وجمع من الأصحاب ، والمستند فیه ما روی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من توضأ وتمندل کتب له حسنة ، ومن توضأ ولم یتمندل حتی یجف وضوءه کتب له ثلاثون حسنة » (6).

ونقل عن ظاهر المرتضی - رحمه الله - فی شرح الرسالة عدم کراهة التمندل (7) ، وهو

- مسح بلل الوضوء

ص: 252


1- الفقیه ( 1 : 27 - 85 ) ، المقنع : (4) ، الوسائل ( 1 : 335 ) أبواب الوضوء ب (47) ح (2).
2- الفهرست : (7).
3- رجال النجاشی : ( 19 - 21 ).
4- المتقدمة فی ص (250).
5- المبسوط ( 1 : 23 ) ، والنهایة : (16) ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (158).
6- الکافی ( 3 : 70 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 31 - 105 ) ، المحاسن ( 2 : 429 - 250 ) ، ثواب الأعمال : (39) ، الوسائل ( 1 : 334 ) أبواب الوضوء ب (45) ح (5).
7- نقله عنه فی الذکری : (95).

الرابع : فی أحکام الوضوء :

من تیقّن الحدث وشک فی الطهارة

______________________________________________________

أحد قولی الشیخ (1) ، استضعافا لدلیل الکراهة ، ویشهد له صحیحة محمد بن مسلم أنه قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المسح بالمندیل قبل أن یجف قال : « لا بأس به » (2).

وروایة منصور بن حازم : قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام وقد توضأ وهو محرم ، ثم أخذ مندیلا فمسح به وجهه (3).

وهل یلحق بالمسح تجفیف البلل بالنار أو الشمس؟ قیل : نعم ، لاشتراکهما فی إزالة أثر العبادة (4) ، ولإشعار قوله علیه السلام : « حتی یجف وضوءه » بذلک. وقیل : لا ، اقتصارا علی مدلول اللفظ (5). وهو قوّی ، بل لا یبعد اختصاص الکراهة بالمسح بالمندیل کما هو منطوق الروایة.

قوله : من تیقّن الحدث وشک فی الطهارة.

المراد بالحدث هنا ما یترتب علیه الطهارة أعنی نفس السبب ، لا الأثر الحاصل من ذلک ، وتیقن حصوله بهذا المعنی لا ینافی الشک فی وقوع الطهارة بعده وإن اتحد وقتهما ، وعلی هذا فلا یرد ما ذکره بعض المتأخرین من أنّ الیقین والشک یمتنع اجتماعهما فی وجود أمرین متنافیین فی زمان واحد ، لأن یقین وجود أحدهما یقتضی یقین عدم الآخر ،

اٴحکام الوضوء

حکم من تیقن الحدث وشک فی الطهارة

ص: 253


1- الخلاف ( 1 : 18 ).
2- التهذیب ( 1 : 364 - 1101 ) ، الوسائل ( 1 : 333 ) أبواب الوضوء ب (45) ح (1).
3- الفقیه ( 2 : 226 - 1065 ) ، الوسائل ( 1 : 333 ) أبواب الوضوء ب (45) ح (4).
4- کما فی روض الجنان : (42).
5- کما فی مجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 119 ).

أو تیقنهما وشک فی المتأخر تطهّر.

______________________________________________________

والشک فی أحدهما یقتضی الشک فی الآخر ، ثم تکلّف الجواب بحمل الیقین علی الظن (1). وهو غیر واضح.

وهذا الحکم أعنی وجوب الطهارة مع الشک فیها وتیقن الحدث إجماعی بین المسلمین ، ویدل علیه مضافا إلی العمومات قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (2).

قوله : أو تیقنهما وشک فی المتأخر تطهر.

إذا تیقن الطهارة والحدث وشک فی اللاحق منهما فقد أطلق الأکثر خصوصا المتقدمین وجوب الطهارة ، تمسکا بعموم الأوامر الدالة علی وجوب الوضوء عند إرادة الصلاة من الکتاب (3) والسنة (4) ، خرج منه من حکم بطهارته ولو بالاستصحاب السالم من معارضة یقین الحدث ، فیبقی الباقی مندرجا تحت العموم.

وفی المسألة قولان آخران أحدهما : أنه ینظر إلی حاله قبل الطهارة المفروضة والحدث ، فإن جهلها تطهّر ، وإن علمها أخذ بضد ما علمه ، فإن علم أنه کان متطهرا فهو الآن محدث ، أو محدثا فهو الآن متطهر ، اختاره المحقق الشیخ علی (5) - رحمه الله - ، ویظهر من المصنف فی المعتبر المیل إلیه ، واحتج علیه بأنه إن کان محدثا فقد تیقن رفع ذلک الحدث بالطهارة المتیقنة مع الحدث الآخر ، لأنها إن کانت بعد الحدثین أو بینهما فقد ارتفعت الأحداث السابقة بها ، وانتقاضها بالحدث الآخر غیر معلوم ، للشک فی تأخره ،

حکم من تیقنهما وشک فی المتأخر

ص: 254


1- الشهید الأول فی الذکری : (98).
2- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الإستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، الوسائل ( 2 : 1053 ) أبواب النجاسات ب (37) ح (1).
3- المائدة : (6).
4- الوسائل ( 1 : 256 ) أبواب الوضوء ب (1).
5- جامع المقاصد ( 1 : 28 ).

______________________________________________________

فیکون متیقنا للطهارة شاکا فی الحدث. وإن کان متطهرا فقد تیقن أنه نقض تلک الطهارة بالحدث المتیقن مع الطهارة ، ورفعه بالطهارة الأخری غیر معلوم ، لجواز تقدمها علیه ، تجدیدا للطهارة السابقة ، أو مع الذهول عنها ، فیکون متیقنا للحدث شاکا فی الطهارة (1).

ویرد علیه فی الصورة الأولی : أنّ الأحداث السابقة وإن کانت قد ارتفعت قطعا ، إلا أن الحدث المفروض مع الطهارة متحقق الوقوع أیضا ، فلا بد من العلم برافعه ، وهو غیر معلوم ، لجواز تقدم الطهارة علیه.

وفی الثانیة : أنّ الطهارة المفروضة رافعة للأحداث السابقة قطعا ، وتأخر الحدث عنها غیر معلوم علی حد ما قرره فی الصورة الأولی ، ویتوجه علیه ما ذکرناه ، وبالجملة : فالفرق بین الصورتین غیر ظاهر.

وثانیهما : العمل بما علمه من حاله قبلهما ، إن کان متطهرا فهو الآن متطهر ، وإن کان محدثا فهو الآن محدث ، ذهب إلیه العلامة فی المختلف وهذه عبارته : مثاله إذا تیقن عند الزوال أنه نقض طهارة وتوضأ عن حدث ، وشک فی السابق ، فإنه یستصحب حاله السابق علی الزوال ، فإن کان فی تلک الحال متطهرا فهو علی طهارته ، لأنه تیقن أنه نقض تلک الطهارة ثم توضأ ، ولا یمکن أن یتوضأ عن حدث مع بقاء تلک الطهارة ، ونقض الطهارة الثانیة مشکوک فیه فلا یزول الیقین بالشک. وإن کان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث ، لأنه تیقن أنه انتقل عنه إلی الطهارة ثم نقضها ، والطهارة بعد نقضها مشکوک فیها (2).

وأورد علیه : أنه یجوز توالی الطهارتین ، وتعاقب الحدثین ، فلا یتعیّن تأخر الطهارة فی

ص: 255


1- المعتبر ( 1 : 171 ).
2- المختلف ( 1 : 27 ).

وکذا لو تیقن ترک عضو أتی به وبما بعده ، وإن جف البلل استأنف. وإن شک فی شی ء من أفعال الطهارة وهو علی حاله أتی بما شک فیه ثم بما بعده.

______________________________________________________

الصورة الأولی ، والحدث فی الثانیة (1). وهو فاسد ، فإن عبارته - رحمه الله - ناطقة بکون الحدث ناقضا والطهارة رافعة ، وذلک مما یدفع احتمال التوالی والتعاقب ، لکن هذا التخصیص یخرج المسألة من باب الشک إلی الیقین ، فإیراد کلامه - رحمه الله - قولا فی أصل المسألة لیس علی ما ینبغی.

والذی یقتضیه النظر القول بوجوب الطهارة مطلقا ، إلا أن یعلم حاله قبلهما ویعلم من عادته شیئا فیبنی علیه ، وبه تخرج المسألة من مسائل الشک.

قوله : وکذا لو تیقن ترک عضو أتی به وبما بعده ، وإن جف البلل استأنف.

وذلک لفوات الموالاة المعتبرة فی الوضوء ، ویجی ء علی مذهب من فسرها بالمتابعة بطلانه بفواتها.

قوله : وإن شک فی شی ء من أفعال الطهارة وهو علی حاله أتی بما شک فیه ثم بما بعده.

المراد بحاله : الحال التی هو علیها ، وهو کونه متشاغلا بالطهارة ، ولا خلاف بین الأصحاب فی وجوب الإتیان بالمشکوک فیه ثم بما بعده إذا عرض الشک فی هذه الحالة ، لأصالة عدم فعله ، ولما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا کنت قاعدا علی وضوئک فلم تدر أغسلت ذراعیک أم لا فأعد علیهما ، وعلی جمیع ما شککت فیه أنک لم تغسله أو تمسحه مما سمّی الله ، ما دمت فی حال الوضوء ، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت فی حال أخری فی الصلاة أو فی غیرها فشککت

حکم من تیقن ترک عضو

حکم من شک فی شئ من أفعال الوضوء قبل فوات المحل

ص: 256


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 28 ).

ولو تیقن الطهارة وشک فی الحدث أو فی شی ء من أفعال الوضوء بعد انصرافه لم یعد.

______________________________________________________

فی بعض ما سمی الله مما أوجب الله علیک فیه وضوءه لا شی ء علیک فیه » (1).

قال المحقق الشیخ علی - رحمه الله - : وإنما یعید علی المشکوک فیه وما بعده إذا لم یکثر شکه ، فإن کثر عادة لم تجب علیه الإعادة ، للحرج ، ولأنه لا یؤمن دوام عروض الشک (2). وهو غیر بعید ، وینبه علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة وأبی بصیر الواردة فیمن کثر شکه فی الصلاة بعد أن قال : یمضی فی شکه : « لا تعوّدوا الخبیث من أنفسکم بنقض (3) الصلاة فتطمعوه ، فإن الشیطان خبیث معتاد لما عوّد » (4) فإن ذلک بمنزلة التعلیل لوجوب المضی فی الصلاة فیتعدی إلی غیر المسؤول عنه ، کما قرر فی محله.

قوله : ولو تیقن الطهارة وشک فی الحدث أو فی شی ء من أفعال الوضوء بعد انصرافه لم یعد.

أما عدم وجوب إعادة الطهارة مع تیقنها والشک فی الحدث فإجماعی بین العلماء ، وأدلته معلومة مما سبق ، بل ظاهر الروایات (5) عدم مشروعیة الطهارة إلا مع تیقن الحدث. وأما عدم الالتفات إلی الشک فی شی ء من أفعال الوضوء بعد الانصراف من أفعاله وإن لم ینتقل عن محله فإجماعی أیضا ، ویدل علیه روایات منها : صحیحة زرارة

ص: 257


1- الکافی ( 3 : 33 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 100 - 261 ) ، الوسائل ( 1 : 330 ) أبواب الوضوء ب (42) ح (1).
2- جامع المقاصد ( 1 : 28 ).
3- فی « س » ، « ق » : بنقص.
4- الکافی ( 3 : 358 - 2 ) ، التهذیب ( 2 : 188 - 747 ) ، الإستبصار ( 1 : 374 - 1422 ) ، الوسائل ( 5 : 329 ) أبواب الخلل ب (16) ح (2).
5- الوسائل ( 1 : 330 ) أبواب الوضوء ب (42) ، (44).

ومن ترک غسل موضع النجو أو البول وصلی أعاد الصلاة ، عامدا کان أو ناسیا أو جاهلا.

______________________________________________________

المتقدمة (1) وصحیحة أخیه بکیر ، قال ، قلت : الرجل یشک بعد ما یتوضأ ، قال : « هو حین یتوضأ أذکر منه حین یشک » (2) وهذه أوضح دلالة من السابقة ، فإنها صریحة فی عدم الالتفات إلی شک بعد إکمال الوضوء ، وإن لم یحصل الانتقال إلی حالة اخری.

وقد یشکل مع تعلق الشک بالعضو الأخیر ، لعدم تحقق الإکمال ، والأولی تدارکه قبل الانصراف ومنه الجلوس وإن لم یطل زمانه ( علی الأظهر ) (3).

قوله : ومن ترک غسل موضع النجو أو البول وصلی أعاد الصلاة ، عامدا کان أو ناسیا أو جاهلا.

هذه المسألة جزئیة من جزئیات من صلی مع النجاسة ، وسیجی ء تفصیل حکمها إن شاء الله تعالی.

والحکم بإعادة الجاهل لا یتم علی إطلاقه فی جاهل الأصل عند المصنف - رحمه الله - ، ویمکن حمله علی جاهل الحکم ، فإنّ جهالة الأصل هنا أمر مستبعد.

وربما ظهر من ( إطلاق ) (4) العبارة عدم وجوب إعادة الوضوء بذلک فی الموضعین ، وهو اختیار الشیخ (5) ، وأکثر الأصحاب.

وذهب ابن بابویه - رحمه الله - إلی أنّ من ترک غسل موضع البول یلزمه إعادة الوضوء أیضا ، بخلاف مخرج الغائط ، فیقتصر فیه علی إعادة الصلاة (6). وکأنه استند فی

حکم من ترک غسل موضع النجو أو البول وصلی

ص: 258


1- فی ص (256).
2- التهذیب ( 1 : 101 - 265 ) ، الوسائل ( 1 : 331 ) أبواب الوضوء ب (42) ح (7).
3- لیست فی : « س » ، « ق ».
4- لیست فی : « س » ، « ق ».
5- المبسوط ( 1 : 24 ).
6- المقنع : (4).

ومن جدّد وضوءه بنیة الندب ثم صلی وذکر أنه أخلّ بعضو من إحدی الطهارتین ، فإن اقتصرنا علی نیة القربة فالطهارة والصلاة صحیحتان ، وإن أوجبنا نیة الاستباحة أعادهما.

______________________________________________________

إعادة الوضوء إلی روایة سلیمان بن خالد ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یتوضأ فینسی غسل ذکره ، قال : « یغسل ذکره ثم یعید الوضوء » (1).

والجواب - بعد تسلیم السند - بالحمل علی الاستحباب ، جمعا بینها وبین غیرها من الأخبار الکثیرة الدالة علی عدم وجوب إعادة الوضوء بذلک صریحا ، کصحیحة علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یبول فلا یغسل ذکره حتی یتوضأ وضوء الصلاة فقال : « یغسل ذکره ولا یعید وضوءه » (2).

وصحیحة عمرو بن أبی نصر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یبول فینسی أن یغسل ذکره ، ویتوضأ ، قال : « یغسل ذکره ولا یعید وضوءه » (3).

قوله : ومن جدد وضوءه بنیة الندب ثم صلی وذکر أنه أخل بعضو من إحدی الطهارتین ، فإن اقتصرنا علی نیة القربة فالطهارة والصلاة صحیحتان ، وإن أوجبنا نیة الاستباحة أعادهما.

أجمع علماؤنا علی استحباب تجدید الوضوء لکل صلاة علی ما نقله جماعة ، وإنما اختلفوا فی حصول الإباحة به لو ظهر فساد السابق ، فقال الشیخ فی المبسوط بذلک (4) ،

حکم من جدد وضوءا بنیة الندب وصلی وذکر أنه أخل بعضو من إحدی الطهارتین

ص: 259


1- التهذیب ( 1 : 49 - 142 ) ، الإستبصار ( 1 : 54 - 158 ) ، الوسائل ( 1 : 209 ) أبواب نواقض الوضوء ب (18) ح (9).
2- الکافی ( 3 : 18 - 15 ) ، التهذیب ( 1 : 48 - 138 ) ، الإستبصار ( 1 : 53 - 155 ) ، الوسائل ( 1 : 208 ) أبواب نواقض الوضوء ب (18) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 48 - 139 ) ، الإستبصار ( 1 : 54 - 156 ) ، الوسائل ( 1 : 208 ) أبواب نواقض الوضوء ب (18) ح (5).
4- المبسوط ( 1 : 24 ).

______________________________________________________

مع أنه اعتبر فیه فی نیة الوضوء الواجب الرفع أو الاستباحة ، وقواه فی الدروس (1) ، واستوجهه فی المعتبر (2) ، إلا أنه قیده بما إذا قصد به الصلاة ، أی نوی إیقاعها به علی الوجه الأکمل.

والأصح ما أطلقه فی المبسوط ، أما علی ما اخترناه من الاحتزاء بالقربة فظاهر ، وأما علی اعتبار الاستباحة فلأن نیتها إنما تکون معتبرة إذا کان المکلف ذاکرا للحدث ، لا مع اعتقاده حصول الإباحة بدونه ، ولأن الظاهر من فحاوی الأخبار أنّ شرعیة المجدد إنما هو لاستدراک ما وقع فی الأول من الخلل ، ویشهد له أیضا ما رواه الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه مع اعتقاده صحة مضمونه : من إجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة مع نسیانه (3) ، وما أجمع علیه الأصحاب من إجزاء صوم یوم الشک بنیة الندب عن الواجب ، وما ورد من استحباب الغسل فی أول لیلة من شهر رمضان ، تلافیا لما عساه فات من الأغسال الواجبة (4) ، ونحو ذلک.

ومن هنا یندفع ما ذکره العلامة - رحمه الله - فی المختلف من التعجب من الشیخ حیث اعتبر فی النیة الاستباحة ، ولم یوجب إعادة الصلاة هنا (5).

إذا تقرر ذلک فنقول : إذا توضأ المکلف وضوءا رافعا للحدث فرضا أو نفلا ، ثم جدد وضوءا آخر بنیة الندب أو الوجوب ، ثم ذکر الإخلال بعضو من إحدی الطهارتین ، فإن اجتزأنا بالقربة لم یجب علیه إعادة الطهارة ولا الصلاة ، لأن إحدی الطهارتین صحیحة

ص: 260


1- الدروس : (2).
2- المعتبر ( 1 : 140 ).
3- الفقیه ( 2 : 74 - 321 ) ، الوسائل ( 7 : 170 ) أبواب من یصح منه الصوم ب (30) ح (2).
4- الوسائل ( 2 : 952 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (14).
5- المختلف : (27).

______________________________________________________

لا محالة. وکذا إن قلنا برفع المجدد. وإن اعتبرنا الوجه مع ذلک لم تجب الإعادة أیضا إن کان الوجه الملحوظ معتبرا علی تقدیر فساد الطهارة الأولی ، کما إذا وقع المجدد والمندوب فی وقت لا تجب فیه الطهارة ، وإلا وجب علیه إعادتهما ، لإمکان أن یکون الإخلال من الأولی ، والثانیة لا تبیح لعدم اشتمالها علی الوجه المعتبر ، مع احتمال الصحة مطلقا ، لاشتمال النیة علی الوجه فی الجملة ، وکون المکلف مأمورا بإیقاع الطهارة علی ذلک الوجه بحسب الظاهر.

وإن اعتبرنا الرفع أو الاستباحة وقلنا بعدم رفع المجدد وجب إعادتهما ، لإمکان أن یکون الإخلال من الأولی ، والثانیة غیر مبیحة.

وقوّی العلامة فی المنتهی عدم الالتفات إلی هذا الشک مطلقا ، لاندراجه تحت الشک فی الوضوء بعد الفراغ (1). ونقله الشهید - رحمه الله - فی البیان عن السید جمال الدین بن طاوس - رحمه الله - واستوجهه (2).

ویمکن الفرق بین الصورتین بأن الیقین هنا حاصل بالترک وإنما حصل الشک فی موضوعه ، بخلاف الشک بعد الفراغ فإنه لا یقین فیه بوجه. والمتبادر من الأخبار المتضمنة لعدم الالتفات إلی الشک فی الوضوء بعد الفراغ (3) : الوضوء المتجدد الذی حصل الشک فیه بعد الفراغ منه ، فتأمل.

ولا یخفی أنّ الطهارة المفروضة ثانیا یمکن فرضها بغیر التجدید ، ویتصور حینئذ اشتمالها علی جمیع الأمور المعتبرة فی النیة ، کما یتفق مع الذهول عن الطهارة السابقة والشک فی الطهارة مع تیقن الحدث ، إذا تبین وقوعها بعد فعلها ثانیا ، ومعه یجب القطع

ص: 261


1- المنتهی ( 1 : 75 ).
2- البیان : (12).
3- الوسائل ( 1 : 330 ) أبواب الوضوء ب (42).

______________________________________________________

بعدم الإعادة لوقوع إحدی الطهارتین مستجمعة لشرائط الصحة عند الجمیع.

والتفصیل فی المسألة أن یقال : الوضوءان إما واجبان ، أو مندوبان ، أو بالتفریق ، ثم إما أن یکون الثانی مجددا أو غیره ، فالصور ثمان :

الأولی : أن یکونا واجبین والثانی غیر مجدد ، کما لو توضأ للفریضة بعد دخول وقتها ، ثم ذهل عنه وتوضأ وضوءا واجبا ، ولا ریب فی عدم وجوب الإعادة عند الجمیع ، لحصول الإباحة بکل من الطهارتین.

الثانیة : أن یکونا واجبین والثانی مجدد بالنذر ، وینبغی القطع بالصحة إن اکتفینا بالقربة والوجه ، والفساد إن اعتبرنا الرفع مطلقا.

الثالثة : أن یکونا مندوبین والثانی غیر مجدد ، کما لو توضأ قبل دخول الوقت ، ثم ذهل عنه وتأهب للفریضة قبل دخول وقتها ، وحکمها کالأولی.

الرابعة : أن یکونا مندوبین والثانی مجددا ، وقد قیل بالصحة هنا أیضا بناء علی اعتبار الوجه (1). وهو إنما یتم إذا کان الوضوء الثانی واقعا فی حال البراءة من الواجب إلا علی ما ذکرناه من الاحتمال.

الخامسة : أن یکون الأول مندوبا والثانی واجبا مجددا بالنذر ، والحکم فیه کما فی الثانیة.

السادسة : الصورة بحالها والثانی غیر مجدد ، کما لو توضأ للتأهب ثم ذهل عنه وتوضأ للفریضة بعد دخول الوقت ، وحکمها کالأولی.

السابعة : أن یکون الأول واجبا والثانی مندوبا مجددا ، وحکمها کالرابعة.

الثامنة : الصورة بحالها والثانی غیر مجدد ، کما فی حالة الذهول عن الوضوء الواجب والتأهب للفریضة قبل دخول وقتها ، وحکمها کالأولی.

ص: 262


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 3 ).

ولو صلی بکل واحدة منهما صلاة أعاد الأولی بناء علی الأول.

ولو أحدث عقیب طهارة منهما ولم یعلمها بعینها أعاد الصلاتین إن اختلفتا عددا ، وإلا فصلاة واحدة ینوی بها ما فی ذمته. وکذا لو صلی بطهارة ثم أحدث وجدّد طهارة ثم صلی أخری وذکر أنه أخلّ بواجب من إحدی الطهارتین.

______________________________________________________

قوله : ولو صلی بکل واحدة منهما صلاة أعاد الأولی بناء علی الأول.

أی أعاد الصلاة الأولی خاصة بناء علی القول الأول ، وهو الاکتفاء بالقربة ، لاحتمال کون الخلل من الطهارة الأولی فتفسد الصلاة الأولی دون الثانیة ، لتعقبها الطهارة صحیحة. وعلی الثانی ، وهو اشتراط الاستباحة یعید الصلاتین معا ، لجواز أن یکون الخلل من الأولی ، والثانیة غیر رافعة.

قوله : ولو أحدث عقیب طهارة منهما ولم یعلمها بعینها أعاد الصلاتین إن اختلفتا عددا ، وإلا فصلاة واحدة ینوی بها ما فی ذمته.

إنما کان کذلک ، لأن الطهارتین مبیحتان للصلاة ، بناء علی الاکتفاء بالقربة ، لکن تخلل الحدث یفسد إحداهما ویترتب علیه اشتباه صلاتها فیجب إعادتهما معا مع الاختلاف عددا ، تحصیلا لیقین البراءة وإلا فذلک العدد. وعلی القول الثانی یعیدهما معا کما فی صورة الإخلال.

والفرق بین المسألتین : أنّ الحدث علی تقدیر وقوعه بعد الطهارة الثانیة یقتضی بطلان الطهارتین معا ، بخلاف الإخلال فإنه إنما یبطل الطهارة التی وقع فیها خاصة فتسلم له اخری.

والحکم بجواز الإطلاق مع اتفاق الصلاتین عددا قول معظم الأصحاب ، لصدق الامتثال بالتردید ، وأصالة البراءة من الزائد السالمة عن معارضة کونه مقدمة للواجب ،

حکم من أحدث عقیب طهارة منهما

ص: 263

ولو صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنه أحدث عقیب إحدی الطهارات أعاد ثلاث فرائض : ثلاثا واثنین وأربعا ، وقیل : یعید خمسا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ولورود النص بجواز الإطلاق لمن نسی فریضة مجهولة من الخمس (1) ، والعلة فی الجمیع واحدة ، وفی هذا نظر.

وقال أبو الصلاح وابن زهرة : یعید الصلاتین کالمختلفتین ، لعدم جواز التردید فی النیة مع إمکان الجزم. وفیه منع.

واعلم : أنه یتصور کون الوضوءین واجبین ومندوبین وبالتفریق.

قیل : ویشکل فی صورة المندوبین ، کما إذا توضأ بری ء الذمة من مشروط به ، ثم صلی فریضة فی وقتها ، ثم تأهب للأخری قبل وقتها وصلی ، ثم ذکر الإخلال. وفی صورة المندوب بعد الواجب ، بفرض الوضوء الأول فی وقت اشتغال الذمة بمشروط به ، لعدم الجزم ببراءة الذمة لما توضأ ندبا ، لجواز أن یکون الخلل من الأولی فتفسد صلاته وتصیر فی الذمة ، فیقع المندوب فی غیر موضعه.

وعندی فی تأثیر مثل ذلک نظر ، إذ المکلف کان مأمورا بإیقاع الوضوء علی ذلک الوجه ، والامتثال یقتضی الإجزاء.

قوله : ولو صلی الخمس بخمس طهارات ، وتیقن أنه أحدث عقیب إحدی الطهارات ، أعاد ثلاث فرائض : ثلاثا واثنتین وأربعا ، وقیل : یعید خمسا ، والأول أشبه.

الأظهر الاجتزاء بالفرائض الثلاث ، وهی : صبح ومغرب ورباعیة مطلقة إطلاقا ثلاثیا بین الظهر والعصر والعشاء ، هذا إن کانت الفائتة من فرض المقیم ، وإن کانت

حکم من صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنه أحدث عقیب إحداها

ص: 264


1- التهذیب ( 2 : 197 - 774 ) ، الوسائل ( 5 : 365 ) أبواب قضاء الصلوات ب (11) ح (1).

وأما الغسل ، ففیه الواجب والمندوب :

فالواجب ستة أغسال : غسل الجنابة ، والحیض ، والاستحاضة التی تثقب الکرسف ، والنفاس ، ومس الأموات من الناس قبل تغسیلهم وبعد بردهم ، وغسل الأموات.

وبیان ذلک فی خمسة فصول :

الأوّل : فی الجنابة والنظر فی السبب ، والحکم ، والغسل.

أما سبب الجنابة فأمران :

الإنزال : إذا علم أن الخارج منیّ ، فإن حصل ما یشتبه وکان دافقا تقارنه الشهوة وفتور الجسد وجب الغسل ،

______________________________________________________

من فرض المسافر أتی بصلاتین : مغربا معینة ، وثنائیة مطلقة إطلاقا رباعیا بین الصبح والظهر والعصر والعشاء ، لاتفاق عددهن ، ولا ترتیب فی واحدة من الصورتین ، لاتحاد الفائتة. ویتخیر فی الفریضة المردد فیها بین الجهر والإخفات ، وبین الأداء والقضاء إن وقعت کذلک.

قوله : الأول ، فی الجنابة ، والنظر فی السبب ، والحکم ، والغسل ، أما سبب الجنابة فأمران ، الإنزال إذا علم أن الخارج منیّ ، فإن حصل ما یشتبه به وکان دافقا تقارنه الشهوة وفتور الجسد وجب الغسل.

اتفق العلماء کافة علی أنّ الجنابة سبب فی الغسل ، والقرآن الکریم ناطق بذلک ، قال الله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (1) وأجمعوا علی أنها تحصل بأمرین :

أحدهما : إنزال المنی ، فإذا تیقن أنّ الخارج منی وجب الغسل ، سواء خرج متدافقا

الغسل

- غسل الجنابة وأسبابه

السبب الأول : الانزال

صفات المنی

ص: 265


1- المائدة : (6).

______________________________________________________

أو متثاقلا ، بشهوة وغیرها ، فی نوم ویقظة. وتدل علیه الأخبار المستفیضة ، کصحیحة عنبسة بن مصعب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان علیّ علیه السلام لا یری فی شی ء الغسل إلا فی الماء الأکبر » (1) وروایة الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان علی علیه السلام یقول : إنما الغسل من الماء الأکبر » (2).

وحسنة عبید الله الحلبی : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المفخّذ علیه غسل؟ قال : « نعم إذا أنزل » (3).

وصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع : قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل یجامع المرأة فیما دون الفرج وتنزل المرأة ، علیها غسل؟ قال : « نعم » (4).

ومع الاشتباه یعتبر باللذة ، والدفق ، وفتور البدن ، أی : انکسار الشهوة بعد خروجه ، لأنها صفات لازمة للمنی فی الأغلب فیرجع إلیها عند الاشتباه ، ولما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یلعب مع امرأته ویقبّلها فیخرج منه المنی فما علیه؟ قال : « إذا جاءت الشهوة ودفع (5) وفتر لخروجه فعلیه الغسل ، وإن کان إنما هو شی ء لم یجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » (6).

ص: 266


1- التهذیب ( 1 : 119 - 315 ) ، الإستبصار ( 1 : 109 - 361 ) ، الوسائل ( 1 : 473 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (11).
2- الکافی ( 3 : 48 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 120 - 316 ) ، الإستبصار ( 1 : 109 - 362 ) ، الوسائل ( 1 : 479 ) أبواب الجنابة ب (9) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 46 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 119 - 313 ) ، الإستبصار ( 1 : 104 - 341 ) ، الوسائل ( 1 : 471 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 47 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 123 - 328 ) ، الإستبصار ( 1 : 108 - 355 ) ، الوسائل ( 1 : 471 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (3).
5- فی « م » : ودفق.
6- التهذیب ( 1 : 120 - 317 ) ، الاستبصار ( 1 : 104 - 342 ) ، قرب الإسناد : (85) ، الوسائل ( 1 : 477 ) أبواب الجنابة ب (8) ح (1).

______________________________________________________

قال الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب : قوله علیه السلام : « وإن کان إنما هو شی ء لم یجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » معناه : إذا لم یکن الخارج الماء الأکبر ، لأن من المستبعد فی العادة والطبائع أن یخرج المنی من الإنسان ولا یجد له شهوة ولا لذة ، وإنما أراد أنه إذا اشتبه علی الإنسان فاعتقد أنه منی ولم یکن فی الحقیقة منیا یعتبره بوجود الشهوة من نفسه ، فإذا وجد وجب علیه الغسل ، وإذا لم یجد علم أن الخارج منه لیس بمنی. وهو حسن.

ویشهد له : أنّ السائل رتّب خروج المنی علی الملاعبة والتقبیل ، مع أنّ الغالب حصول المذی عقیبهما لا المنی ، فبیّن علیه السلام حکم الخارج بقسمیه.

وذکر جماعة من الأصحاب أنّ من صفاته الخاصة التی یرجع إلیها عند الاشتباه قرب رائحته رطبا من رائحة الطلع والعجین ، وجافا من بیاض البیض. وهو مشکل ، لعدم النص ، وجواز عموم الوصف.

ولا فرق فی وجوب الغسل بالإنزال بین الرجل والمرأة بإجماع علماء الإسلام ، والأخبار الواردة به متضافرة :

فروی الحلبی فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری فی المنام ما یری الرجل؟ قال : « إن أنزلت فعلیها الغسل ، وإن لم تنزل فلیس علیها الغسل » (1).

وروی ابن سنان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری

ص: 267


1- الکافی ( 3 : 48 - 5 ) ، الفقیه ( 1 : 48 - 190 ) ، التهذیب ( 1 : 123 - 331 ) ، الإستبصار ( 1 : 107 - 352 ) ، الوسائل ( 1 : 472 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (5).

ولو کان مریضا کفت الشهوة وفتور الجسد فی وجوبه.

______________________________________________________

الرجل یجامعها فی المنام فی فرجها حتی تنزل ، قال : « تغتسل » (1) وما ورد فی بعض الأخبار مما یخالف بظاهره ذلک (2) فمأوّل أو مطروح.

فروع : الأول : لو خرج المنی من غیر الموضع الخلقی فهل یکون ناقضا مطلقا؟ أو یعتبر فیه الاعتیاد؟ أو انسداد الخلقی کالحدث الأصغر؟ قیل : بالأول (3) ، لعموم قوله علیه السلام : « إنما الماء من الماء » (4) وهو خیرة العلامة فی النهایة (5). وقیل : بالثانی (6) ، حملا للإطلاق علی ما هو الغالب ، وهو خیرة الذکری (7).

الثانی : یعتبر فی الخنثی خروج المنی من الفرجین معا لا من أحدهما إلا مع الاعتیاد ، ویجی ء علی قول النهایة عدم اعتبار الاعتیاد هنا مع تحقق المنی.

الثالث : لو خرج المنی بلون الدم لکثرة الوقاع فالأقرب وجوب الغسل به مع التحقق ، واحتمل العلامة فی النهایة عدمه ، لأن المنی دم فی الأصل فلما لم یستحل الحق بالدماء (8).

قوله : ولو کان مریضا کفت الشهوة وفتور الجسد.

یلوح من هذه العبارة اشتراط اجتماع الأوصاف الثلاثة فی الصحیح مع الاشتباه ،

کفایة المشهورة وفتور الجسد للمریض

ص: 268


1- الکافی ( 3 : 48 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 124 - 334 ) ، الإستبصار ( 1 : 108 - 357 ) ، الوسائل ( 1 : 472 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (7).
2- الوسائل ( 1 : 474 ، 475 ) أبواب الجنابة ب (7) ح ( 18 - 22 ).
3- کما فی روض الجنان : (48).
4- عوالی اللئالی ( 2 : 203 - 112 ) ، وج ( 3 : 30 - 79 ) ، سنن الدارمی ( 1 : 194 ) ، سنن ابن ماجه ( 1 : 199 - 607 ).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 99 ).
6- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 35 ).
7- الذکری : (27).
8- نهایة الأحکام ( 1 : 98 ).

ولو تجرّد عن الشهوة والدفق مع اشتباهه لم یجب. وإن وجد علی جسده أو ثوبه منیّا وجب الغسل إذا لم یشرکه فی الثوب غیره.

______________________________________________________

وهو کذلک ، لروایة علی بن جعفر المتقدمة (1).

ویدل علی عدم اعتبار الدفق فی المریض صحیحة عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قلت له : الرجل یری فی المنام ویجد الشهوة فیستیقظ فینظر بللا فلا یجد شیئا ، ثم یمکث الهوینا بعد فیخرج ، قال : « إن کان مریضا فلیغتسل ، وإن لم یکن مریضا فلا شی ء علیه » قال ، قلت له : فما فرق بینهما؟ قال : « لأن الرجل إذا کان صحیحا جاء الماء بدفقة قویة ، وإن کان مریضا لم یجی ء إلا بعد » (2) ونحوه روی معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

قوله : وإن وجد علی جسده أو ثوبه منیّا وجب الغسل إذا لم یشرکه فی الثوب غیره.

ویتحقق الاشتراک بکونهما دفعة مجتمعین فیه ، کالکساء الذی یفرش أو یلتحف به. وفی حکمه : المختص إذا احتمل کون المنی الموجود علیه من غیره ، لأن الطهارة المتیقنة لا ترتفع بالشک فی الحدث بإجماع العلماء.

ولو کان الثوب مما یتناوبان علیه ، فهل یحکم بالجنابة علی ذی النوبة أم لا؟ الأظهر العدم ، لجواز التقدم ، ولو علم ذو النوبة السبق سقط عنه قطعا ، ولم یجب علی الأول إلا مع التحقق.

ص: 269


1- فی ص (266).
2- الکافی ( 3 : 48 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 369 - 1124 ) ، الإستبصار ( 1 : 110 - 365 ) ، الوسائل ( 1 : 478 ) أبواب الجنابة ب (8) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 48 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 368 - 1120 ) ، الإستبصار ( 1 : 109 - 363 ) ، الوسائل ( 1 : 477 ) أبواب الجنابة ب (8) ح (2) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

وبالجملة : فالمعتبر العلم بکون المنی من واجده ، لعموم قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (1).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : الأظهر أنه إنما یحکم علی واجد المنی بالجنابة من آخر أوقات إمکانها ، تمسکا بأصالة عدم التقدم ، واستصحابا للطهارة المتیقنة إلی أن یتیقن الحدث ، وحینئذ یحکم علیه بکونه محدثا ، ویجب علیه قضاء ما یتوقف علی الطهارة من ذلک الوقت إلی أن یتحقق منه طهارة رافعة.

وأما النجاسة الخبثیة فإن تحققت بنیت الإعادة بسببها علی ما سیأتی فی مسألة جاهل النجاسة ، ومن ذلک یعلم أنه یمکن استناد البطلان إلیهما معا ، وإلی الخبثیة خاصة مع الغسل الرافع للحدث ، وإلی الحدثیة خاصة مع الغسل المزیل للنجاسة ولو اتفاقا. وذهب الشیخ فی المبسوط أولا إلی إعادة کل صلاة لا یعلم سبقها علی الحدث ، ثم قوّی ما اخترناه (2). وقوته ظاهرة.

الثانی : قد بیّنا أنّ وجود الجنابة فی الثوب المشترک لا یقتضی وجوب الغسل علی واحد من المشترکین ، لأن کلاّ منهم متیقن للطهارة ، شاک فی الحدث ، فیجوز لهم أن یفعلوا ما یفعله الطاهر من دخول المساجد وقراءة العزائم.

وفی جواز ایتمام أحدهما بالآخر ، وحصول عدد الجمعة بهما قولان : أظهرهما الجواز ، لصحة صلاة کل منهما شرعا ، وأصالة عدم اشتراط ما زاد علی ذلک. وقیل : بالعدم ، للقطع بحدث أحدهما (3). وهو ضعیف ، لأنا نمنع حصول الحدث إلا مع تحقق الإنزال

ص: 270


1- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الاستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، علل الشرائع : ( 361 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 1065 ) أبواب النجاسات ب (44) ح (1).
2- المبسوط ( 1 : 28 ).
3- کما فی البیان : (14).

والجماع : فإن جامع امرأة فی قبلها والتقی الختانان وجب الغسل وإن کانت الموطوءة میتة.

______________________________________________________

من شخص بعینه ، ولهذا ارتفع لازمه وهو وجوب الطهارة إجماعا.

الثالث : ذکر جماعة من الأصحاب منهم المصنف فی المعتبر استحباب الغسل هنا احتیاطا (1). ولا بأس به ، لعموم الأدلة المقتضیة لرجحان الاحتیاط فی الدین. وینبغی الاقتصار فیه علی نیة القربة ، ولو نوی الوجوب جاز إن أمکن ذلک ، ولو تبین الاحتیاج إلیه کان مجزئا علی الأظهر.

قوله : والجماع ، فإن جامع امرأة فی قبلها والتقی الختانان وجب الغسل ، وان کانت الموطوءة میتة.

هذا هو السبب الثانی للجنابة ، وقد اتفق العلماء کافة علی وجوب الغسل به ، والأصل فیه الأخبار المستفیضة ، کصحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته متی یجب الغسل علی الرجل والمرأة؟ قال : « إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم » (2).

وصحیحة محمد بن إسماعیل ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل یجامع المرأة قریبا من الفرج فلا ینزلان ، متی یجب الغسل؟ فقال : « إذا التقی الختانان فقد وجب الغسل » قلت : التقاء الختانین هو غیبوبة الحشفة؟ قال : « نعم » (3).

وصحیحة زرارة ( عن أبی جعفر علیه السلام ) (4) قال : « جمع عمر بن الخطاب

السبب الثانی : الجماع

ص: 271


1- المعتبر ( 1 : 179 ).
2- الکافی ( 3 : 46 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 118 - 310 ) ، الإستبصار ( 1 : 108 - 358 ) ، السرائر : (19) ، الوسائل ( 1 : 469 ) أبواب الجنابة ب (6) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 46 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 118 - 311 ) ، الإستبصار ( 1 : 108 - 359 ) ، الوسائل ( 1 : 469 ) أبواب الجنابة ب (6) ح (2).
4- ما بین القوسین من « ح » والمصدر.

وإن جامع فی الدبر ولم ینزل وجب الغسل علی الأصحّ.

______________________________________________________

أصحاب النبی صلی الله علیه و آله فقال : ما تقولون فی الرجل یأتی أهله فیخالطها ولا ینزل؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقی الختانان فقد وجب علیه الغسل ، فقال عمر لعلیّ علیه السلام : ما تقول یا أبا الحسن؟ فقال علیّ علیه السلام : أتوجبون علیه الجلد والرجم ، ولا توجبون علیه صاعا من ماء!؟ إذا التقی الختانان فقد وجب علیه الغسل ، فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ، ودعوا ما قالت الأنصار » (1).

ورد المصنف بقوله : وإن کانت الموطوءة میتة. علی الحنفیة حیث لم یوجبوا الغسل بوطء المیتة (2) ، وهو باطل.

ومقطوع الحشفة یعتبر إیلاجه بقدرها ، علی ما ذکره الأصحاب ، ویمکن الاکتفاء بمسمی الدخول ، لظاهر صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة (3).

قوله : وإن جامع فی الدبر ولم ینزل وجب الغسل علی الأصح.

هذا قول معظم الأصحاب ، قال السید المرتضی - رحمه الله - : لا أعلم خلافا بین المسلمین فی أنّ الوطء فی الموضع المکروه من ذکر أو أنثی یجری مجری الوطء فی القبل مع الإیقاب وغیبوبة الحشفة فی وجوب الغسل علی الفاعل والمفعول به وإن لم یکن أنزل ، ولا وجدت فی الکتب المصنفة لأصحابنا الإمامیة إلاّ ذلک ، ولا سمعت من عاصرنی منهم من شیوخهم - نحوا من ستین سنة - یفتی إلاّ بذلک ، فهذه المسألة إجماعیة من الکل ، ولو شئت أن أقول : إنه معلوم بالضرورة من دین الرسول صلی الله علیه و آله أنه لا

حکم من جامع فی الدبر

ص: 272


1- التهذیب ( 1 : 119 - 314 ) ، السرائر : (19) ، الوسائل ( 1 : 470 ) أبواب الجنابة ب (6) ح (5).
2- نقله عن أبی حنیفة فی المغنی لابن قدامة ( 1 : 237 ).
3- فی ص (271).

______________________________________________________

خلاف بین الفرجین فی هذا الحکم (1).

قال العلامة - رحمه الله - فی المختلف بعد أن أورد ذلک : وهذا یدل علی أنّ الفتوی بذلک متظافرة مشهورة فی زمان السید المرتضی - رحمه الله - بل ادعاؤه الإجماع یقتضی وجوب العمل به ، لأنه صادق ونقل دلیلا قطعیا ، وخبر الواحد کما یحتج به فی نقل المظنون فکذا فی المقطوع به (2). ثم استدل علی الوجوب بعموم قوله تعالی ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) (3) وقوله علیه السلام : « إذا أدخله فقد وجب الغسل » (4) وفحوی قول علیّ علیه السلام منکرا علی الأنصار : « أتوجبون علیه الجلد والرجم ، ولا توجبون علیه صاعا من ماء » (5).

ومرسلة حفص بن سوقة ، عمن أخبره ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی أهله من خلفها ، قال : « هو أحد المأتیین فیه الغسل » (6).

وذهب الشیخ فی الاستبصار والنهایة إلی عدم الوجوب (7) ، واستدل بصحیحة الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل یصیب المرأة فیما دون الفرج أعلیها غسل إن هو أنزل ولم تنزل هی؟ قال : « لیس علیها غسل ، وإن لم ینزل هو

ص: 273


1- نقله عنه فی المختلف : (31).
2- المختلف : (31).
3- النساء : (43) ، المائدة : (6).
4- المتقدم فی ص (271).
5- المتقدم فی ص (271).
6- التهذیب ( 7 : 414 - 1658 ) ، الإستبصار ( 1 : 112 - 373 ) ، الوسائل ( 1 : 481 ) أبواب الجنابة ب (12) ح (1).
7- الإستبصار ( 1 : - 111 ) ، النهایة : (19).

ولو وطئ غلاما فأوقبه ولم ینزل ، قال المرتضی رحمه الله : یجب الغسل ، معوّلا علی الإجماع المرکب ، ولم یثبت الإجماع.

______________________________________________________

فلیس علیه غسل » (1).

ومرفوعة البرقی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أتی الرجل المرأة فی دبرها فلم ینزل فلا غسل علیها ، فإن أنزل فعلیه الغسل ولا غسل علیها » (2).

وفی الأدلة من الجانبین نظر ، والمسألة محل تردد ، وإن کان القول بالوجوب لا یخلو من قرب (3).

قوله : ولو وطئ غلاما فأوقبه ولم ینزل ، قال المرتضی ; : یجب الغسل ، تعویلا علی الإجماع المرکب ، ولم یثبت.

الإجماع المرکب عبارة عن إطباق أهل الحل والعقد فی عصر من الأعصار علی قولین لا یتجاوزونهما إلی ثالث ، وفی جواز إحداث الثالث أقوال : ثالثها : أنه إن رفع شیئا متفقا علیه منع منه ، وإلاّ فلا ، واستوجهه بعض مشایخنا المعاصرین. وهو غیر جید ، لأنه إنما یتمشی علی قواعد العامة ، والمطابق لأصولنا هو المنع منه مطلقا کما حقق فی محله.

إذا تقرر ذلک فاعلم أنّ المرتضی - رحمه الله - ادعی أنّ کل من أوجب الغسل بالغیبوبة فی دبر المرأة أوجبه فی دبر الذکر ، وکل من نفی نفی (4). ولما کان الوجوب فی الأول ثابتا بالأدلة المتقدمة تبیّن (5) أنّ الإمام علیه السلام قائل به ، فیکون قائلا

حکم من وطأ غلاما

ص: 274


1- الفقیه ( 1 : 47 - 185 ) ، التهذیب ( 1 : 124 - 335 ) ، الإستبصار ( 1 : 111 - 370 ) ، الوسائل ( 1 : 481 ) أبواب الجنابة ب (11) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 47 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 125 - 336 ) ، الإستبصار ( 1 : 112 - 371 ) ، الوسائل ( 1 : 481 ) أبواب الجنابة ب (12) ح (2).
3- فی « ح » : ولا ریب أنّ الوجوب أولی.
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 181 ).
5- فی « م » ، « ح » ، « س » : وبینا ، وفی « ق » : بیننا ، والأنسب ما أثبتناه.

______________________________________________________

بالوجوب فی الثانی ، وهو المطلوب. وهذه حجة واضحة بعد ثبوتها ، لکن المصنف اعترضها بأن هذا الإجماع لم یثبت عنده. ورده المتأخرون بأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة ، وکفی بالسید ناقلا (1).

وأقول : إن توقف المصنف فی هذا ونظائره لیس لعدم قبول خبر الواحد عنده ، بل لاستبعاد تحقق الإجماع فی مثل ذلک ، لما صرح به هو (2) وغیره (3) : من أنّ الإجماع إنما یکون حجة مع العلم القطعی بدخول قول المعصوم فی أقوال العلماء ، وأنه لو خلا المائة من أصحابنا عن قوله لم یعتد بأقوالهم.

والتزم الشهید - رحمه الله - فی الذکری أنه لو جاز فی مجهول مظهر لمذهب أهل الخلاف أن یکون هو الإمام ، وأن إظهار ذلک المذهب علی سبیل التقیة اعتبر قوله فی تحقق الإجماع (4).

والسر فی ذلک ظاهر ، فإنه مع عدم العلم به علیه السلام بعینه لا یعلم قوله إلا بأن یعلم قول کل مجتهد مجهول فی تلک المسألة ، وهذا مما لا سبیل إلیه فی زماننا وما شابهه.

وإن قیل بجواز نقله عن الغیر إلی أن یتصل بزمان یمکن فیه ذلک. أجبنا عنه بأن ذلک یخرج الخبر من الإسناد إلی الإرسال ، وهو مما یمنع من العمل به کما حقق فی محله.

تفریع : إنما تحصل الجنابة للخنثی بالجماع بإیلاج الواضح فی دبرها بناء علی أنّ الوطء فی الدبر موجب للغسل مطلقا.

ص: 275


1- منهم المحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 32 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (48) ، والمسالک ( 1 : 7 ).
2- معارج الأصول : (133).
3- منهم السید المرتضی فی الذریعة إلی أصول الشریعة ( 2 : 631 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (4) ، والحسن ابن الشهید الثانی فی معالم الأصول : (178).
4- الذکری : (4).

ولا یجب الغسل بوطء البهیمة إذا لم ینزل.

تفریع :

الغسل یجب علی الکافر عند حصول سببه ، لکن لا یصحّ منه فی حال کفره ،

______________________________________________________

ولو أولج فی قبلها فقال فی التذکرة : یجب علیها الغسل ، لصدق التقاء الختانین (1).

وقیل بالعدم ، لجواز زیادته (2).

ولو توالج الخنثیان فلا غسل علیهما ، کما قطع به فی المعتبر (3).

ولو أولج الواضح فی قبلها ، وأولجت هی فی قبل امرأة ، فالخنثی جنب علی التقدیرین ، والرجل والمرأة کواجدی المنی فی الثوب المشترک.

قوله : ولا یجب الغسل بوطء البهیمة إذا لم ینزل.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم وجوب الغسل بوطء البهیمة إذا لم ینزل قول الشیخ فی المبسوط ، معترفا بأنه لا نصّ فیه فینبغی أن لا یتعلق به حکم ، لعدم الدلیل علیه (4) ، وإلیه ذهب أکثر الأصحاب. وقیل : بالوجوب (5) ، لفحوی إنکار علیّ علیه السلام علی الأنصار ، وهو أحوط.

قوله : تفریع ، الغسل یجب علی الکافر عند حصول سببه ، لکن لا یصحّ منه فی حال کفره.

أما الوجوب فمذهب علمائنا ، وأکثر العامة (6) ، تمسکا بعموم اللفظ المتناول للکافر

حکم من وطأ بهیمة

وجوب الغسل علی الکافر وعدم صحته منه

ص: 276


1- التذکرة ( 1 : 23 ).
2- کما فی المعتبر ( 1 : 181 ) ، وروض الجنان : (48).
3- المعتبر ( 1 : 181 ).
4- المبسوط ( 1 : 28 ).
5- کما فی المسالک ( 1 : 7 ).
6- منهم الشافعی فی الأم ( 1 : 38 ) ، وابن حزم فی المحلی ( 2 : 4 ) ، وابن قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 239 ).

فإذا أسلم وجب وصحّ منه. ولو اغتسل ثم ارتدّ ثم عاد لم یبطل غسله.

وأما الحکم :

فیحرم علیه قراءة کل واحدة من العزائم ، وقراءة بعضها حتی البسملة إذا نوی بها إحداها ،

______________________________________________________

وغیره. وزعم أبو حنیفة أنّ الکافر غیر مخاطب بشی ء من الفروع (1). ولا ریب فی بطلانه.

وأما عدم الصحة فثابت بإجماعنا ، بل ادعی جدّی - قدس سره - الإجماع علی اشتراط الإیمان أیضا (2) ، وفی النصوص دلالة علیه (3) ، فالقول به متعین.

قوله : فإذا أسلم وجب علیه وصحّ منه.

قیل ، قوله : وجب ، مستدرک ، لسبق ذکره. قلنا : فائدته رفع توهم سقوطه بالإسلام کما یسقط قضاء الصلاة. وینبغی أن یقید الوجوب بوجوب غایة مشروطة به بناء علی أنّ وجوب غسل الجنابة لغیره ، کما یقول به المصنف.

قوله : ولو اغتسل ثم ارتدّ ثم عاد لم یبطل غسله.

هذا مما (4) لا خلاف فیه بین العلماء ، ولا یخفی أنه لو قال : ولو اغتسل ثم ارتد لم یبطل غسله ، لکان أخصر وأظهر.

قوله : وأما الحکم ، فیحرم علیه قراءة کل واحدة من العزائم ، وقراءة بعضها حتی البسملة إذا نوی بها إحداها.

العزائم لغة : الفرائض ، کما نص علیه فی القاموس (5). والمراد بها هنا السور التی

اٴحکام الجنب

- المحرمات

قراءة العزائم وأبعاضها

ص: 277


1- نقله عنه فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 239 ).
2- کما فی روض الجنان : (356).
3- الوسائل ( 1 : 90 ) أبواب مقدمة العبادات ب (29).
4- فی « م » : إجماعی.
5- القاموس المحیط ( 4 : 151 ) ( عزم ).

______________________________________________________

فیها السجدات الواجبة وهی : سجدة لقمان (1) ، وحم السجدة (2) ، والنجم (3) ، واقرأ باسم ربک (4) ، سمیت بذلک باعتبار إیجاب الله تعالی السجود عند قراءة ما یوجبه منها.

والحکم بتحریم قراءة هذه السور وأبعاضها علی الجنب هو المعروف من مذهب الأصحاب. قال المصنف فی المعتبر : ورواه البزنطی فی جامعه عن المثنی ، عن الحسن الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام (5).

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار روایتان : روی إحداهما زرارة ومحمد ابن مسلم فی الموثق ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : الحائض والجنب یقرآن شیئا؟ قال : « نعم ما شاء إلا السجدة » (6).

والأخری رواها محمد بن مسلم أیضا : قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الجنب والحائض یفتحان المصحف من وراء الثوب ویقرآن من القرآن ما شاءا إلا السجدة » (7).

ولیس فی هاتین الروایتین مع قصور سندهما دلالة علی تحریم قراءة ما عدا نفس السجدة إلا أنّ الأصحاب قاطعون بتحریم السور کلها ، ونقلوا علیه الإجماع (8) ، ولعله

ص: 278


1- السجدة : (15) ، والمراد بسجدة لقمان : سورة الم سجدة التی تلی سورة لقمان بلا فصل.
2- فصلت : (37).
3- النجم : (62).
4- العلق : (19).
5- المعتبر ( 1 : 187 ).
6- التهذیب ( 1 : 26 - 67 ) ، الاستبصار ( 1 : 115 - 384 ) ، علل الشرائع : ( 288 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 220 ) أبواب أحکام الخلوة ب (7) ح (6).
7- التهذیب ( 1 : 371 - 1132 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (7).
8- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 86 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (23) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (49) ، والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 134 ).

ومسّ کتابة القرآن أو شی ء علیه اسم الله تعالی سبحانه ،

______________________________________________________

الحجة. وعلی هذا فیحرم قراءة أجزائها المختصة بها مطلقا ، والمشترکة بینها وبین غیرها مع النیة.

قوله : ومسّ کتابة القرآن.

المراد بکتابة القرآن صور الحروف ، ومنه التشدید والمد ، لا الإعراب. ویعرف کون المکتوب قرآنا بکونه لا یحتمل إلا ذلک ، وبالنیة ، وإن انتفی الأمران فلا تحریم. والمراد بالمسّ الملاقاة بجزء من البشرة. وفی الظفر والشعر وجهان.

والحکم بتحریم المس مذهب أکثر الأصحاب ، بل قیل : إنه إجماع (1) ، لظاهر قوله تعالی ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (2) وللنهی عنه فی أخبار متعددة (3).

وقال الشیخ فی المبسوط (4) وابن الجنید (5) بالکراهة ، وهو متجه ، لأنّ الأخبار التی استدل بها علی المنع لا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة ، والآیة الشریفة محتملة لمعان متعددة ، إلا أنّ المنع أحوط وأنسب بالتعظیم.

وهل یجب علی الولی منع الطفل من ذلک؟ فیه قولان ، أظهرهما : العدم. وجزم لمصنف فی المعتبر (6) ، والشهید - رحمه الله - فی الذکری (7) بالوجوب ، ولم نقف علی مأخذهما.

قوله : أو شی ء علیه اسم الله سبحانه.

أی نفس الشی ء الذی علیه الاسم ، وهو یرجع إلی نفس الاسم. وبما ذکرناه صرح

مس کتابة القرآن أو شئ علیه اسم الله

ص: 279


1- کما فی المنتهی ( 1 : 87 ) ، وروض الجنان : (49).
2- الواقعة : (79).
3- الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12).
4- المبسوط ( 1 : 29 ).
5- نقله عنه فی الذکری : (33).
6- المعتبر ( 1 : 176 ).
7- الذکری : (33).

والجلوس فی المساجد ،

______________________________________________________

فی المعتبر فقال : ویحرم علیه مسّ اسم الله سبحانه ولو کان علی درهم ودینار أو غیرهما.

واحتج علیه بروایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یمس الجنب درهما ولا دینارا علیه اسم الله » (1) ثم قال : والروایة وإن کانت ضعیفة السند ، لکن مضمونها مطابق لما یجب من تعظیم الله سبحانه (2).

وما ذکره - رحمه الله - وإن کان حسنا ، إلا أنّ فی صلاحیته لإثبات التحریم نظرا ، مع أنّ أبا الربیع روی عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الجنب یمس الدراهم وفیها اسم الله واسم رسوله صلی الله علیه و آله ، قال : « لا بأس به وربما فعلت ذلک » (3).

وألحق الشیخان باسم الله أسماء الأنبیاء والأئمة (4). قال فی المعتبر : ولا أعرف المستند ، ولا بأس بالکراهة لمناسبة التعظیم (5).

قوله : والجلوس فی المساجد.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه مخالفا إلاّ سلار ، فإنه کرهه (6).

والمعتمد التحریم ، لنا : قوله تعالی : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری ) إلی قوله : ( حَتَّی تَغْتَسِلُوا ) (7) والمراد مواضع الصلاة لیتحقق العبور والقربان.

الجلوس فی المساجد

ص: 280


1- التهذیب ( 1 : 31 - 82 ) ، الإستبصار ( 1 : 48 - 133 ) ، الوسائل ( 1 : 491 ) أبواب الجنابة ب (18) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 187 ).
3- المعتبر ( 1 : 188 ) ، الوسائل ( 1 : 492 ) أبواب الجنابة ب (18) ح (4).
4- المفید فی المقنعة : (6) ، والطوسی فی المبسوط ( 1 : 29 ).
5- المعتبر ( 1 : 188 ).
6- المنتهی ( 1 : 87 ).
7- سورة النساء : (43).

______________________________________________________

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : الحائض والجنب یدخلان المسجد أم لا؟ قال : « لا یدخلان المسجد إلاّ مجتازین ، إنّ الله تبارک وتعالی یقول ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِی سَبِیلٍ حَتَّی تَغْتَسِلُوا ) (1).

وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یجلس فی المساجد؟ قال : « لا ، ولکن یمر فیها ( کلها ) (2) إلا المسجد الحرام ( ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله ) (3) » (4).

وفی الصحیح ، عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال فی الجنب : « ولا بأس أن یمر فی سائر المساجد ، ولا یجلس فی شی ء من المساجد » (5).

وعن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال فی الجنب والحائض : « ویدخلان المسجد مجتازین ولا یقعدان فیه ولا یقربان المسجدین الحرامین » (6).

ویستفاد من هذه الروایات جواز الاجتیاز للجنب فی المساجد عدا المسجد الحرام ومسجد النبی صلی الله علیه و آله ، وهو مجمع علیه بین الأصحاب. وربما ظهر منها جواز التردد له فی جوانبها أیضا ، لإطلاق الإذن فی المرور. ویشهد له أیضا ما رواه جمیل بن

ص: 281


1- علل الشرائع : (288) ، الوسائل ( 1 : 486 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (10) ، ورواها أیضا فی تفسیر القمی ( 1 : 139 ).
2- من « ح » ، والمصدر.
3- زیادة من « م » والمصدر.
4- التهذیب ( 1 : 125 - 338 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (2) ، ورواها فی الکافی ( 3 : 50 - 4 ).
5- التهذیب ( 1 : 407 - 1280 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (6).
6- التهذیب ( 1 : 371 - 1132 ) ، الوسائل ( 1 : 488 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (17) ، بتفاوت یسیر.

ووضع شی ء فیها. والجواز فی المسجد الحرام أو مسجد النبی علیه السلام خاصة ، ولو أجنب فیهما لم یقطعهما إلا بالتیمم.

______________________________________________________

دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « للجنب أن یمشی فی المساجد کلها ولا یجلس فیها ، إلا المسجد الحرام ومسجد النبی صلی الله علیه و آله » (1).

وألحق الشهیدان (2) بالمساجد فی هذا الحکم المشاهد المشرفة والضرائح المقدسة ، لاشتمالها علی فائدة المسجدیة ، وزیادة الشرف بمن نسبت إلیه. وللتوقف فیه مجال.

قوله : ووضع شی ء فیها.

هذا مذهب الأصحاب عدا سلاّر فإنه کره الوضع (3). ویدل علی التحریم روایات ، منها : ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب والحائض یتناولان من المسجد المتاع یکون فیه؟ قال : « نعم ، ولکن لا یضعان فی المسجد شیئا » (4).

وینبغی قصر التحریم علی الوضع من داخل المسجد ، لأنه المتبادر من اللفظ. ونص الشارح علی تحریم الوضع من خارجه أیضا ، تمسکا بإطلاق اللفظ (5). وهو أحوط.

قوله : والجواز فی المسجد الحرام ، أو مسجد النبی علیه السلام خاصة ، ولو أجنب فیهما لم یقطعهما إلا بالتیمم.

أما تحریم الجواز فی هذین المسجدین فهو قول علمائنا أجمع ، والأخبار به

وضع شئ فی المساجد

الجواز فی أحد المسجدین

ص: 282


1- الکافی ( 3 : 50 - 3 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
2- الشهید الأول فی الذکری : (35) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (81).
3- المراسم : (42).
4- الکافی ( 3 : 51 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 125 - 339 ) ، الوسائل ( 1 : 490 ) أبواب الجنابة ب (17) ح (1).
5- المسالک ( 1 : 8 ).

ویکره له الأکل والشرب وتخفّ الکراهیة بالمضمضة والاستنشاق ،

______________________________________________________

مستفیضة (1). وأما وجوب التیمم علی المجنب فیهما للخروج فهو اختیار الشیخ (2) وأکثر الأصحاب ، لصحیحة أبی حمزة الثمالی قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إذا کان الرجل نائما فی المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلی الله علیه و آله فاحتلم فأصابته جنابة فلیتیمم ، ولا یمر فی المسجد إلا متیمما ، ولا بأس أن یمر فی سائر المساجد ، ولا یجلس فی شی ء من المساجد » (3) ونقل عن ابن حمزة القول بالاستحباب (4) ، وهو ضعیف ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ویکره له الأکل والشرب ، وتخفّ الکراهة بالمضمضة والاستنشاق.

المستفاد من العبارة بقاء الکراهة مع المضمضة والاستنشاق أیضا ، وصرح الأکثر ومنهم المصنف فی النافع (5) بزوال الکراهة بهما.

وقال الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : والجنب إذا أراد أن یأکل أو یشرب قبل الغسل لم یجز له إلا أن یغسل یدیه ویتمضمض ویستنشق ، فإنه إن أکل أو شرب قبل أن یفعل ذلک خیف علیه من البرص ، قال : وروی أنّ الأکل علی الجنابة یورث الفقر (6).

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار المعتبرة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیأکل الجنب.

- المکروهات

الأکل والشرب

ص: 283


1- الوسائل ( 1 : 484 ) أبواب الجنابة ب (15).
2- المبسوط ( 1 : 29 ).
3- المتقدمة فی ص (281).
4- الوسیلة : (70).
5- المختصر النافع : (9).
6- الفقیه ( 1 : 46 ).

وقراءة ما زاد علی سبع آیات من غیر العزائم ، وأشدّ من ذلک قراءة سبعین ، وما زاد أغلظ کراهیة ،

______________________________________________________

قبل أن یتوضأ؟ قال : « إنا لنکسل ، ولکن یغسل یده ، والوضوء أفضل » (1).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الجنب إذا أراد أن یأکل ویشرب غسل یده وتمضمض وغسل وجهه وأکل وشرب » (2).

ومقتضی الروایة الأولی استحباب الوضوء لمرید الأکل والشرب ، أو غسل الید خاصة ، ومقتضی الثانیة الأمر بغسل الید والوجه والمضمضة ، ولیس فیهما دلالة علی کراهة الأکل والشرب بدون ذلک ، ولا علی توقف زوال الکراهة علی المضمضة والاستنشاق ، أو خفّتها بذلک. والأجود العمل بمقتضاهما ، والاکتفاء بغسل الید ، وأفضلیة المضمضة وغسل الوجه أو الوضوء کما اختاره المصنف فی المعتبر (3).

وینبغی أن یراعی فی الاعتداد بذلک عدم تراخی الأکل والشرب عنه کثیرا علی وجه لا یبقی بینهما ارتباط فی العادة ، ویتعدد بتعدد الأکل والشرب مع التراخی لا مع الاتصال.

قوله : وقراءة ما زاد علی سبع آیات من غیر العزائم ، وأشدّ من ذلک قراءة سبعین ، وما زاد أغلظ کراهیة.

اختلف الأصحاب فی جواز قراءة القرآن للجنب عدا العزائم ، فذهب الأکثر إلی الجواز ، ونقل علیه المرتضی - رحمه الله - فی الانتصار ، والشیخ فی الخلاف ، والمصنف

قراءة ما زاد علی سبع آیات

ص: 284


1- التهذیب ( 1 : 372 - 1137 ) ، الوسائل ( 1 : 496 ) أبواب الجنابة ب (20) ح (7) ، قال فی الوافی : ویشبه أن یکون ممّا صحف وکان « إنا لنغتسل ».
2- الکافی ( 3 : 50 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 129 - 354 ) ، الوسائل ( 1 : 495 ) أبواب الجنابة ب (20) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 191 ).

______________________________________________________

فی المعتبر : الإجماع (1). وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) عن سلار فی الأبواب (3) تحریم القراءة مطلقا ، وعن ابن البراج (4) تحریم قراءة ما زاد علی سبع آیات ، ونسبه فی المختلف (5) إلی الشیخ فی کتابی الحدیث ، وکلامه فی الکتابین (6) غیر صریح فی ذلک خصوصا فی الاستبصار ، فإنه جمع بین الأخبار أولا بتخصیص الأخبار الدالة علی إباحة قراءة ما شاء بروایتی سماعة (7) الدالة إحداهما علی السبع ، والأخری علی السبعین ، ثم جمع بینها بحمل الاقتصار علی العدد علی الندب ، والباقی علی الجواز ، فعلم أنه غیر جازم بالتحریم ، بل ولا الکراهة أیضا ، والمعتمد : الجواز مطلقا.

لنا : أصالة الإباحة ، وعموم قوله تعالی ( فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ ) (8) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن » (9).

وفی الصحیح ، عن عبید الله بن علیّ الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال :

ص: 285


1- الانتصار : (31) ، والخلاف ( 1 : 19 ) ، والمعتبر ( 1 : 187 ).
2- الذکری : (34).
3- المراد بالأبواب هو کتاب الأبواب والفصول فی الفقه للشیخ الجلیل أبی یعلی الملقب بسلاّر. نسبه إلیه ابن داود فی رجاله وهو غیر مطبوع ظاهرا ( الذریعة 1 : 73 ).
4- المهذب ( 1 : 34 ).
5- المختلف : (32).
6- التهذیب ( 1 : 128 ) ، الاستبصار ( 1 : 115 ).
7- التهذیب ( 1 : 128 - 350 و 351 ) ، الاستبصار ( 1 : 114 - 383 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح ( 9 و 10 ).
8- سورة المزمل : (20).
9- التهذیب ( 1 : 128 - 347 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 380 ) ، الوسائل ( 1 : 493 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (5).

______________________________________________________

سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل یتغوط (1) ، القرآن؟ فقال : « یقرؤن ما شاؤا » (2).

وفی الموثق عن ابن بکیر : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یأکل ویشرب ویقرأ القرآن؟ قال : « نعم یأکل ویشرب ویقرأ ویذکر الله عز وجل ما شاء » (3).

وأما ما ذکره المصنف من کراهة قراءة ما زاد علی السبع ، وتأکّد الکراهة فیما زاد علی السبعین ، فلم أقف فیه علی دلیل یعتد به ، وعزاه فی المعتبر إلی الشیخ فی المبسوط ، واستدل علیه بروایة سماعة : قال : سألته عن الجنب ( هل ) (4) یقرأ القرآن؟ قال : « ما بینه وبین سبع آیات » (5) قال : وفی روایة زرعة ، عن سماعة : سبعین آیة (6) ، ثم قال : وزرعة وسماعة واقفیان ، مع إرسال الروایة ، وروایتهما هذه منافیة لعموم الروایة المشهورة الدالة علی إطلاق الإذن فی قراءة ما شاء عدا السجدة (7) ، وإنما اخترنا ما ذهب إلیه الشیخ تفصیا من ارتکاب المختلف فیه (8).

ص: 286


1- فی « م » : بتغوط.
2- التهذیب ( 1 : 128 - 348 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 381 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (6) ، بتفاوت یسیر.
3- الکافی ( 3 : 50 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 128 - 346 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 379 ) ، الوسائل ( 1 : 493 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (2).
4- من « ق » والمصدر.
5- التهذیب ( 1 : 128 - 350 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 383 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (9) ، بتفاوت یسیر.
6- التهذیب ( 1 : 128 - 351 ) ، الإستبصار ( 1 : 115 - 383 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (10).
7- الوسائل ( 1 : 493 ) أبواب الجنابة ب (19).
8- المعتبر ( 1 : 190 ).

ومسّ المصحف ، والنوم حتی یغتسل أو یتوضأ ،

______________________________________________________

قوله : ومسّ المصحف.

المراد بالمصحف هنا : ما عدا کتابة القرآن من الورق والجلد ، والحکم بکراهة مسه مذهب الشیخین (1) وأتباعهما (2) ، واستدلوا علیه بروایة إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « المصحف لا تمسه علی غیر طهر ولا جنبا ولا تمس خیطه (3) ولا تعلقه ، إن الله تعالی یقول ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) » (4) وإنما حمل النهی علی الکراهة ، لضعف سند الروایة باشتماله علی عدة من المجاهیل والضعفاء فلا یبلغ حجة فی إثبات التحریم ، ونقل عن السید المرتضی - رحمه الله - المنع من ذلک (5) ، استنادا إلی هذه الروایة ، وهو بعید جدا.

وقال الصدوق فی کتابه : ومن کان جنبا أو علی غیر وضوء فلا یمس القرآن ، وجائز له أن یمس الورق (6). ولیس فی کلامه تصریح بالکراهة ، إلا أن المصیر إلیها أولی وإن ضعف سندها ، لمناسبة التعظیم.

قوله : والنوم حتی یغتسل أو یتوضأ.

أما کراهة النوم قبل الغسل فیدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یواقع أهله أینام علی

مس المصحف والنوم

ص: 287


1- المبسوط ( 1 : 29 ) ، ونقله فی المعتبر ( 1 : 190 ) عن المفید.
2- منهم : ابن البراج فی المهذب ( 1 : 34 ) ، وسلاّر فی المراسم : (42) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (55).
3- کذا فی جمیع النسخ ، وفی المصدر : خطّه.
4- التهذیب ( 1 : 127 - 344 ) ، الإستبصار ( 1 : 113 - 378 ) ، الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (3).
5- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 87 ).
6- الفقیه ( 1 : 48 ).

والخضاب.

______________________________________________________

ذلک؟ قال : « إنّ الله یتوفی الأنفس فی منامها ، ولا یدری ما یطرقه من البلیة ، إذا فرغ فلیغتسل » (1).

وأما انتفاء الکراهة مع الوضوء فیدل علیه ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل أینبغی له أن ینام وهو جنب؟ قال : « یکره ذلک حتی یتوضأ » (2) قال ابن بابویه : وفی حدیث آخر قال : « أنا أنام علی ذلک حتی أصبح ، وذلک أنی أرید أن أعود » (3).

قوله : والخضاب.

الخضاب : ما یتلون به من حناء وغیره ، وقد اختلف الأصحاب فی کراهة الاختضاب للجنب ، فأثبتها المفید (4) والمرتضی (5) - رحمهما الله - والشیخ فی جملة من (6) کتبه. وقال ابن بابویه فی کتابه : ولا بأس أن یختضب الجنب ، ویجنب وهو مختضب ، ویحتجم ، ویتنور ، ویذکر الله ، ویذبح ، ویلبس الخاتم ، وینام فی المسجد ویمر فیه (7).

احتج القائلون بالکراهة بورود النهی عنه فی عدة أخبار (8) ، وفی بعضها : « لا أحب له ذلک » وهو صریح فی الکراهة ، وفی الجمیع قصور من حیث السند. وعلل المفید - رحمه الله - فی المقنعة الکراهة بأن الخضاب یمنع وصول الماء إلی ظاهر الجوارح التی

الخضاب

ص: 288


1- التهذیب ( 1 : 372 - 1137 ) ، الوسائل ( 1 : 501 ) أبواب الجنابة ب (25) ح (4).
2- الفقیه ( 1 : 47 - 179 ) ، الوسائل ( 1 : 501 ) أبواب الجنابة ب (25) ح (1).
3- الفقیه ( 1 : 47 - 180 ) ، الوسائل ( 1 : 501 ) أبواب الجنابة ب (25) ح (2).
4- المقنعة : (7).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 192 ).
6- الاستبصار ( 1 : 117 ) ، والنهایة : (28) ، والمبسوط ( 1 : 29 ).
7- الفقیه ( 1 : 48 ).
8- الوسائل ( 1 : 497 ) أبواب الجنابة ب (22) ح ( 8 - 12 ).

وأما الغسل :

فواجباته خمس : النیّة ،

______________________________________________________

علیها الخضاب (1). وهو غیر جید.

وقال المصنف فی المعتبر : وکأنّه - رحمه الله - نظر إلی أن اللون عرض لا ینتقل ، فیلزم حصول أجزاء من الخضاب فی محل اللون ، لیکون وجود اللون بوجودها ، لکنها خفیفة لا تمنع الماء منعا تاما ، فکرهت لذلک (2). ولا یخفی ما فی هذا التوجیه من التکلف.

احتج ابن بابویه بما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یختضب الرجل وهو جنب » (3) وهذه الروایة أجود ما وصل إلینا فی هذه المسألة.

قوله : وأما الغسل ، فواجباته خمس : النیّة.

لم یتعرض المصنف لبیان ما یعتبر فی النیة هنا ، اعتمادا علی ما قرره فی الوضوء ، فإن الحکم فی المسألتین واحد ، وقد بیّنّا هناک أن الأظهر الاکتفاء بالقربة ، والأحوط ضمّ الوجه مع الرفع أو الاستباحة.

وذکر جمع من المتأخرین (4) أنّ دائم الحدث کالمستحاضة یقتصر علی نیة الاستباحة وأنه لا یقع منه نیة الرفع ، لاستمرار حدثه ، وفرقوا بینهما بأن الاستباحة عبارة عن رفع

واجبات الغسل

الواجبات الأول : النیة

ص: 289


1- المقنعة : (7).
2- المعتبر ( 1 : 192 ).
3- الکافی ( 3 : 51 - 11 ) ، الوسائل ( 1 : 498 ) أبواب الجنابة ب (23) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
4- منهم العلامة فی القواعد ( 1 : 10 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (81) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 22 ).

واستدامة حکمها إلی آخر الغسل ،

______________________________________________________

المنع ، وهو غیر ممتنع منه ، بخلاف رفع الحدث فإن معناه رفع المانع ، وهو ممتنع لاستمراره ، ولهذا وجب علیه تجدید الوضوء لکل صلاة.

وعندی فی هذا الفرق نظر : فإنّ الحدث الذی یمکن رفعه لا یعلم له معنی فی الشرع سوی الحالة التی لا یسوغ معها للمکلف الدخول فی العبادة ، فمتی ساغ له ذلک علم زوال تلک الحالة ، وهو معنی الرفع ، غایة الأمر أنّ زوالها قد یکون إلی غایة کما فی المتیمم ودائم الحدث ، وقد یکون مطلقا کما فی غیرهما ، وهذا لا یکفی فی تخصیص کل قسم باسم بحیث لا ینصرف إلی غیره ، فلو قیل بجواز نیته مطلقا کما نقل عن شیخنا الشهید - رحمه الله - فی بعض تحقیقاته (1) کان حسنا.

تفریع : المبطون والسلس کالصحیح بالنسبة إلی الغسل ، إذ الحق عدم بطلانه بتخلل الحدث الأصغر کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی ، وعلی القول بالبطلان یحتمل هنا الصحة ، للضرورة - وهو خیرة الذکری (2) - والاجتزاء به فی الصلاة الواحدة کالوضوء. ویمکن أن یقال بوجوب الوضوء بعده ، لاستمرار الحدث ، وعدم الدلیل علی إلحاق الغسل بالوضوء فی هذا الحکم ( فتأمل ) (3).

قوله : واستدامة حکمها إلی آخر الغسل.

وقد تقدم البحث فی ذلک ، وأنّ الأظهر أنها أمر عدمی ، وهو أن لا ینوی ما ینافی النیة الأولی ، ومتی أخل بها لم یبطل ما فعله أولا ، وتوقف صحة الباقی علی استیناف النیة.

ولو أخل بالموالاة ثم عاد إلی إتمام الغسل قیل : یکفیه النیة السابقة ، ولم یحتج إلی

حکم المبطون والسلس

ص: 290


1- وجدناه فی الذکری : (81).
2- الذکری : (100).
3- لیست فی « س » و « ق ».

وغسل البشرة بما یسمی غسلا ،

______________________________________________________

نیة مستأنفة (1). وصرح العلامة فی النهایة بوجوب تجدید النیة متی أخر بما یعتد به (2). وجزم فی الذکری بعدم الوجوب إلا مع طول الزمان (3) ، وهو متجه.

قوله : وغسل البشرة بما یسمی غسلا.

المرجع فی التسمیة إلی العرف ، لأنه المحکّم فی مثله ، وقد قطع الأصحاب بأنه إنما یتحقق مع جریان الماء علی البشرة ولو بمعاون ، وهو حسن.

ویدل علی اعتبار الجریان هنا روایات ، منها : صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام إنه قال فی اغتسال الجنب : « فما جری علیه الماء فقد طهر » (4).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الجنب ما جری علیه الماء من جسده قلیله وکثیره فقد أجزأه » (5).

ویستفاد من قول المصنف : وغسل البشرة ، مع تأکیده بقوله : ویجب تخلیل ما لا یصل إلیه الماء إلا به ، أنه یجب تخلیل الشعور فی الغسل خفیفة کانت أو کثیفة ، وهو مذهب الأصحاب ، ویدل علیه صحیحة حجر بن زائدة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من ترک شعرة من الجنابة متعمدا فهو فی النار » (6).

الواجب الثانی : غسل البشرة

ص: 291


1- کما فی روض الجنان : (52).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 107 ).
3- الذکری : (82).
4- الکافی ( 3 : 43 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 132 - 365 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 420 ) ، الوسائل ( 1 : 502 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 21 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 137 - 380 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 416 ) ، الوسائل ( 1 : 511 ) أبواب الجنابة ب (31) ح (3).
6- التهذیب ( 1 : 135 - 373 ) ، المجالس : ( 391 - 11 ) ، عقاب الأعمال : (272) ، الوسائل ( 1 : 463 ) أبواب الجنابة ب (1) ح (5).

وتخلیل ما لا یصل إلیه الماء إلا به ،

______________________________________________________

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها » (1).

أما الشعر فلا یجب غسله ، للأصل ، وخروجه عن مسمی الجسد. وظاهر المعتبر (2) أنه مجمع علیه ، ویدل علیه صحیحة الحلبی ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن أبیه ، عن علی علیه السلام قال : « لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة » (3).

قوله : وتخلیل ما لا یصل إلیه الماء إلا به.

الضمیر فی : إلیه ، یعود إلی البدن المدلول علیه بالبشرة ، ولو قال : وتخلیل ما لا یصل الماء إلی البشرة إلا بتخلیله کان أظهر. ولا ریب فی وجوب التخلیل حیث یتوقف إیصال الماء إلی البشرة الظاهرة علیه ، لوجوب استیعاب ما ظهر من البدن بالغسل إجماعا.

قال فی المنتهی : ویجب علیه إیصال الماء إلی جمیع الظاهر من بدنه دون الباطن بلا خلاف (4).

ومن البواطن : داخل الفم والأنف والأذن ، ومنه الثقب الذی یکون فی الأذن للحلقة إذا کان بحیث لا یری باطنه علی الأظهر ، وبه جزم شیخنا المعاصر سلمه الله تعالی ، وحکم المحقق الشیخ علی فی حاشیة الکتاب بوجوب إیصال الماء إلی باطنه مطلقا ، وهو بعید.

الواجب الثالث : تخلیل ما لا یصل إلیه الماء

ص: 292


1- الکافی ( 3 : 82 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 511 ) أبواب الجنابة ب (31) ح (4).
2- المعتبر ( 1 : 194 ).
3- الکافی ( 3 : 45 - 16 ) ، التهذیب ( 1 : 147 - 417 ) ، الوسائل ( 1 : 521 ) أبواب الجنابة ب (38) ح (4).
4- المنتهی ( 1 : 85 ).

والترتیب : یبدأ بالرأس ، ثم بالجانب الأیمن ، ثم الأیسر ،

______________________________________________________

قوله : والترتیب ، یبدأ بالرأس ، ثم الجانب الأیمن ، ثم الأیسر.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل الشیخ فی الخلاف فیه الإجماع (1) ، ولم یصرح الصدوقان (2) بوجوب الترتیب ولا بنفیه ، لکن الظاهر من عبارتهما عدم الوجوب ، حیث ذکرا کیفیة الغسل الواجبة والمستحبة ، ولم یذکرا الترتیب بوجه ، وهو الظاهر من کلام ابن الجنید أیضا (3).

احتج الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب علی وجوب الترتیب بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة فقال : « تبدأ بکفیک ، ثم تغسل فرجک ، ثم تصب علی رأسک ثلاثا ، ثم تصب علی سائر جسدک مرتین فما جری الماء علیه فقد طهره » (4).

وحسنة زرارة ، قال : قلت : کیف یغتسل الجنب؟ فقال : « إن لم یکن أصاب کفه شیئا غمسها فی الماء ، ثم بدأ بفرجه فأنقاه ، ثم صب علی رأسه ثلاث أکف ، ثم صب علی منکبه الأیمن مرتین وعلی منکبه الأیسر مرتین ، فما جری علیه الماء فقد أجزأه » (5).

وحسنة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من اغتسل من جنابة ولم یغسل رأسه ، ثم بدا له أن یغسل رأسه لم یجد بدّا من إعادة الغسل » (6).

الواجب الرابع : الترتیب

ص: 293


1- الخلاف ( 1 : 29 ).
2- الفقیه ( 1 : 46 ).
3- نقله عنه فی الذکری : (101).
4- المتقدمة فی ص (291).
5- الکافی ( 3 : 43 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 133 - 368 ) ، الوسائل ( 1 : 502 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
6- الکافی ( 3 : 44 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 133 - 369 ) ، الإستبصار ( 1 : 124 - 421 ) ، الوسائل ( 1 : 506 ) أبواب الجنابة ب (28) ح (3).

______________________________________________________

واعترضه المصنف فی المعتبر فقال : واعلم أنّ الروایات دلت علی وجوب تقدیم الرأس علی الجسد ، أما الیمین علی الشمال فغیر صریحة بذلک ، وروایة زرارة دلت علی تقدیم الرأس علی الیمین ولم تدل علی تقدیم الیمین علی الشمال ، لأن الواو لا یقتضی ترتیبا ، فإنک إذا قلت : قام زید ثم عمرو وخالد ، دل علی تقدیم قیام زید علی عمرو ، وأما تقدیم عمرو علی خالد فلا ، لکن فقهاءنا الیوم بأجمعهم یفتون بتقدیم الیمین علی الشمال ، ویجعلونه شرطا فی صحة الغسل ، وقد أفتی بذلک الثلاثة ، وأتباعهم (1). هذا کلامه - رحمه الله - وهو فی محله.

ویدل علی عدم وجوب الترتیب أیضا مضافا إلی الأصل ، وإطلاق القرآن (2) ، ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تبدأ فتغسل کفیک ، ثم تفرغ بیمینک علی شمالک فتغسل فرجک ، ثم تمضمض واستنشق ، ثم تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک » (3).

وفی الصحیح ، عن یعقوب بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « الجنب یغتسل یبدأ فیغسل یدیه إلی المرفقین قبل أن یغمسهما فی الماء (4) ، ثم یغسل ما أصابه من أذی ، ثم یصب الماء علی رأسه وعلی وجهه وعلی جسده کله ، ثم قد قضی الغسل ولا وضوء علیه » (5). ویستفاد من هذه الروایة إطلاق الرأس فی الغسل علی المنابت خاصة.

ص: 294


1- المعتبر ( 1 : 183 ).
2- المائدة : (6).
3- التهذیب ( 1 : 370 - 1131 ) ، الوسائل ( 1 : 503 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (5).
4- فی « ح » : الإناء.
5- التهذیب ( 1 : 142 - 402 ) ، الوسائل ( 1 : 515 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

ویسقط الترتیب بارتماسة واحدة.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تغسل یدک الیمنی من المرفقین إلی أصابعک ، وتبول إن قدرت علی البول ، ثم تدخل یدک فی الإناء ، ثم اغسل ما أصابک منه ، ثم أفض علی رأسک وجسدک ولا وضوء فیه » (1).

وبالجملة : فهذه الروایات کالصریحة فی عدم وجوب الترتیب بین الجانبین ، لورودها فی مقام البیان المنافی للإجمال ، والعمل بها متجه ، إلاّ أنّ المصیر إلی ما علیه ( أکثر ) (2) الأصحاب أحوط.

قوله : ویسقط الترتیب بارتماسة واحدة.

الارتماس : شمول الماء للبدن دفعة واحدة. والمرجع فی الوحدة إلی العرف ، فلا ینافیه توقف إیصال الماء علی تخلیل ما یعتبر تخلیله من الشعر ونحوه.

ویدل علی سقوط الترتیب بالارتماسة الواحدة - مضافا إلی الأصل والإجماع وإطلاق القرآن - صحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ولو أن رجلا جنبا ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک ، وإن لم یدلک جسده » (3).

وصحیحة الحلبی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا ارتمس الجنب فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک من غسله » (4).

قال الشهید - رحمه الله - فی الذکری : والخبران وإن وردا فی غسل الجنابة ، لکن

- الغسل الارتماسی

ص: 295


1- التهذیب ( 1 : 131 - 363 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 419 ) ، الوسائل ( 1 : 515 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
2- لیست فی « ح ».
3- التهذیب ( 1 : 370 - 1131 ) ، الوسائل ( 1 : 503 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (5).
4- الکافی ( 3 : 43 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 148 - 423 ) ، الإستبصار ( 1 : 125 - 424 ) ، الوسائل ( 1 : 504 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (12).

______________________________________________________

لم یفرق أحد بینه وبین غیره من الأغسال (1).

قلت : ویؤیده روایة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « غسل الجنابة والحیض واحد » (2).

ونقل الشیخ فی المبسوط (3) عن بعض الأصحاب أنه یترتب حکما ، قال فی الذکری : وما قاله الشیخ یحتمل أمرین :

أحدهما - وهو الذی عقله عنه الفاضل - : إنه یعتقد الترتیب حال الارتماس ، ویظهر ذلک من المعتبر حیث قال : وقال بعض الأصحاب : یرتب حکما ، فذکره بصیغة الفعل المتعدی ، وفیه ضمیر یعود إلی المغتسل.

الثانی : إنّ الغسل بالارتماس فی حکم الغسل المرتب بغیر الارتماس.

وتظهر الفائدة لو وجد لمعة (4) مغفلة فإنه یأتی بها وبما بعدها ، ولو قیل بسقوط الترتیب بالمرة أعاد الغسل من رأس ، لعدم الوحدة المذکورة فی الحدیث.

وفیما لو نذر الاغتسال مرتبا ، فإنه یبرأ بالارتماس ، لا علی معنی الاعتقاد المذکور ، لأنه ذکره بصورة اللازم المسند إلی الغسل ، أی : یترتب الغسل فی نفسه حکما وإن لم یکن فعلا (5).

وقال الشیخ - رحمه الله - فی الاستبصار : إن المرتمس یترتب حکما وإن لم یترتب فعلاً ، لأنه إذا خرج من الماء حکم له أولا بطهارة رأسه ، ثم جانبه الأیمن ، ثم جانبه

ص: 296


1- الذکری : (101).
2- التهذیب ( 1 : 162 - 463 ) ، الوسائل ( 2 : 566 ) أبواب الحیض ب (23) ح (1).
3- المبسوط ( 1 : 29 ).
4- اللمعة : الموضع الذی لا یصیبه الماء فی الغسل أو الوضوء من الجسد وهذا کأنه تشبیه بما قاله ابن الأعرابی : وفی الأرض لمعة من خلی : أی شی ء قلیل. المصباح المنیر : 4. ( لمع ).
5- الذکری : (102).

______________________________________________________

الأیسر (1).

وأقول : إن الترتیب الحکمی بمعانیه بعید جدا ، بل یکاد أن یکون مقطوعا ببطلانه ، إذ لیس فی شی ء من الأدلة العقلیة والنقلیة دلالة علیه بوجه ، وإنما المستفاد من الروایات (2) : الاجتزاء فی الغسل بالارتماسة الواحدة الشاملة للبدن ، وسقوط الترتیب فیه مطلقا ، وإثبات ما عدا ذلک زیادة لم تعلم من النص. وقد أطنب المتأخرون فی البحث فی هذه المسألة بما لا طائل تحته.

وألحق الشیخ فی المبسوط (3) بالارتماس الوقوف تحت المجری والمطر الغزیرین ، فأسقط الترتیب فیه ، واستدل بما رواه فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل هل یجزیه من غسل الجنابة أن یقوم فی المطر حتی یغسل رأسه وجسده ، وهو یقدر علی ما سوی ذلک؟ قال : « إن کان یغسله اغتسالة بالماء أجزأه ذلک » (4) وهی قاصرة عن إفادة ما ادعاه.

وقال فی المعتبر : هذا الخبر مطلق ، وینبغی أن یقید بالترتیب فی الغسل (5). وهو حسن (6) ، لأن الوقوف تحت المطر لا یتحقق معه الارتماس قطعا.

ص: 297


1- الإستبصار ( 1 : 125 ).
2- الوسائل ( 1 : 502 ) أبواب الجنابة ب (26).
3- المبسوط ( 1 : 29 ).
4- الفقیه ( 1 : 14 - 27 ) ، التهذیب ( 1 : 149 - 424 ) ، الاستبصار ( 1 : 125 - 425 ) ، قرب الإسناد : (85) ، الوسائل ( 1 : 504 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (10).
5- المعتبر ( 1 : 185 ).
6- فی « ح » : أحسن.

وسنن الغسل : تقدیم النیّة عند غسل الیدین وتتضیق عند غسل الرأس. وإمرار الید علی الجسد ، وتخلیل ما یصل إلیه الماء استظهارا. والبول أمام الغسل

______________________________________________________

قوله : وسنن الغسل : تقدیم النیّة عند غسل الیدین ، وتتضیق عند غسل الرأس.

بل الأجود تأخیرها إلی عند غسل الرأس.

قوله : وإمرار الید علی الجسد.

إنما استحب ذلک ، لما فیه من الاستظهار فی وصول الماء إلی البدن ، ولمفهوم قوله علیه السلام : « ولو أن رجلا ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک وإن لم یدلک جسده » (1).

ومن المستحبات أیضا : الموالاة ، لما فیها من الإسراع إلی فعل الطاعة ، وقد قطع الأصحاب بعدم وجوبها ، لصدق الامتثال بدونها ، ولصحیحة إبراهیم بن عمر الیمانی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن علیّا علیه السلام لم یر بأسا أن یغسل الجنب رأسه غدوة وسائر جسده عند الصلاة » (2).

قوله : والبول أمام الغسل.

ما اختاره المصنف من استحباب البول أمام الغسل هو المشهور بین المتأخرین ، وصرح الشیخ فی المبسوط والاستبصار بوجوبه (3) ، ونقله فی الذکری عن ابن حمزة وابن زهرة والکیدری (4) وأبی الصلاح وابن البراج ، ثم قال : ولا بأس بالوجوب ، محافظة علی

سنن الغسل

امرار الید علی الجسد

البول أمام الغسل

ص: 298


1- المتقدمة فی ص (295).
2- الکافی ( 3 : 44 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 134 - 272 ) ، الوسائل ( 1 : 509 ) أبواب الجنابة ب (29) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
3- المبسوط ( 1 : 29 ) ، الإستبصار ( 1 : 118 ).
4- فی « ق » : والکندری ، ( وقد تقدم الکلام فی ذلک فی ص 225 ).

______________________________________________________

الغسل من طریان مزیله ، ومصیرا إلی قول معظم الأصحاب ، وأخذا بالاحتیاط (1).

واحتج علیه فی الاستبصار بالأخبار المتضمنة لإعادة الغسل مع الإخلال به إذا رأی المغتسل بللا بعد الغسل ، وهو خلاف المدعی.

نعم یمکن الاستدلال علیه بصحیحة أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تغسل یدک الیمنی من المرفقین (2) إلی أصابعک ، وتبول إن قدرت علی البول » (3) ویمکن حملها علی الاستحباب ، لعدم صراحة الجملة الخبریة فی الوجوب ، وخلو أکثر الأخبار الواردة فی بیان الغسل من ذلک. وکیف کان ، فالأولی أن لا یترک بحال ، وقد روی عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنه قال : « من ترک البول عقیب الجنابة أو شک [ أن ] (4) یتردد بقیة الماء فی بدنه ، فیورثه الداء الذی لا دواء له » (5).

وإنما یستحب البول للمنزل ، أما للمولج بغیر إنزال فلا.

والأظهر اختصاصه بالرجل کما هو مورد الخبر ، ولتغایر مخرجی البول والمنی من المرأة. وسوّی الشیخ - رحمه الله - فی النهایة (6) بین الرجل والمرأة فی الاستبراء بالبول والاجتهاد ، قال فی الذکری : ولعل المخرجین وإن تغایرا یؤثر خروج البول فی خروج ما تخلف فی المخرج الآخر إن کان (7). وهو أحوط.

ص: 299


1- الذکری : (103).
2- فی « ح » : المرفق.
3- المتقدمة فی ص (295).
4- أثبتناه من المصدر.
5- قرب الإسناد : (21) ، مستدرک الوسائل ( 1 : 71 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (1) ، بتفاوت فی المتن.
6- النهایة : (21).
7- الذکری : (104).

أو الاستبراء ، وکیفیته : أن یمسح من المقعدة إلی أصل القضیب ثلاثا ، ومنه إلی رأس الحشفة ثلاثا ، وینتره ثلاثا.

______________________________________________________

قوله : والاستبراء ، وکیفیته أن یمسح من المقعدة إلی أصل القضیب ثلاثا ، ومنه إلی رأس الحشفة ثلاثا ، وینتره ثلاثا.

استحباب الاستبراء للرجل المنزل بالاجتهاد مذهب السید المرتضی (1) ، وابن إدریس (2) ، وأکثر المتأخرین ، وقال الشیخ فی المبسوط والجمل بوجوبه (3). ولیس فی النصوص ما یتضمن الاستبراء بعد الإنزال ، وإنما الموجود فیها الأمر بالاستبراء بعد البول ، وربما لاح منها أنّ الغرض من الاستبراء عدم انتقاض الوضوء بالبلل الموجود بعده ، لا أنه واجب فی نفسه ، ولا ریب أنّ الوجوب أحوط.

واختلف الأصحاب فی کیفیته : فقال الشیخ فی المبسوط (4) باعتبار المسحات التسع التی ذکرها المصنف ، وقال فی النهایة : یمسح بإصبعه من عند مخرج النجو إلی أصل القضیب ثلاث مرات ، ثم یمرّ بإصبعه علی القضیب وینتره ثلاث مرات (5). وهو اختیار المصنف فی النافع (6) ، وقال المرتضی : ویستحب عند البول نتر الذکر من أصله إلی طرفه ثلاث مرات (7).

وما ذکره الشیخ فی المبسوط أبلغ فی الاستظهار ، إلا أنّ الأظهر الاکتفاء بما ذکره المرتضی من نتره من أصله إلی طرفه ثلاث مرات ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن

الاستبراء وکیفیته

ص: 300


1- نقله عنه فی المختلف : ( 32 ، 42 ) ، والمنتهی ( 1 : 85 ).
2- السرائر : (21).
3- المبسوط ( 1 : 29 ) ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (161).
4- المبسوط ( 1 : 17 ).
5- النهایة : (10).
6- المختصر النافع : (8).
7- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 42 ).

وغسل الیدین ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ،

______________________________________________________

حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یبول ، قال : « ینتره ثلاثا ، ثم إن سال حتی یبلغ الساق فلا یبالی » (1).

وما رواه الکلینی - رحمه الله - فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل بال ولم یکن معه ماء قال : « یعصر أصل ذکره إلی طرفه ثلاث عصرات وینتر طرفه ، فإن خرج بعد ذلک شی ء فلیس من البول ، ولکنه من الحبائل » (2).

وهذه الروایة بعینها أوردها الشیخ فی التهذیب والاستبصار (3) ، وفیها قال : یعصر أصل ذکره إلی رأس ذکره ثلاث عصرات. وعلی هذا فیمکن الجمع بین الخبرین بالتخییر بین الأمرین ، لورودهما فی مقام البیان المنافی للإجمال.

وکیف کان ، فالعمل بما هو المشهور أولی ، لما فیه من المبالغة ، والاستظهار فی إزالة النجاسة.

وفی استحباب الاستبراء للمرأة قولان : أظهرهما : العدم ، وما تجده من البلل المشتبه فلا یترتب علیه وضوء ولا غسل ، لأن الیقین لا یرتفع بالشک ، ولاختصاص الروایات المتضمنة لإعادة الغسل أو الوضوء بذلک بالرجل ، کما ستقف علیه إن شاء الله تعالی.

قوله : وغسل الیدین ثلاثا قبل إدخالهما الإناء.

المستند فی ذلک روایات کثیرة :

منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن

غسل الیدین ثلاثاً قبل إدخالهما الاناء

ص: 301


1- التهذیب ( 1 : 27 - 70 ) ، الإستبصار ( 1 : 48 - 136 ) ، الوسائل ( 1 : 200 ) أبواب نواقض الوضوء ب (13) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 19 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 225 ) أبواب أحکام الخلوة ب (11) ح (2).
3- التهذیب ( 1 : 28 - 71 ) ، الاستبصار ( 1 : 49 - 137 ).

والمضمضة والاستنشاق ، والغسل بصاع.

______________________________________________________

الوضوء کم یفرغ الرجل علی یده الیمنی قبل أن یدخلها الإناء؟ فقال : « واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة » (1).

وظاهر الروایة اختصاص الحکم بما إذا کان الغسل فی القلیل ، وصرح العلامة - رحمه الله - فی بعض کتبه (2) بالاستحباب مطلقا وإن کان المغتسل مرتمسا ، أو تحت المطر ، أو یغتسل من إناء یصبه علیه من غیر إدخال الید. وهو غیر واضح.

والمشهور استحباب کون الغسل من الزندین ، والأولی غسلهما من المرفقین ، کما تضمنته صحیحة یعقوب بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام (3).

قوله : والمضمضة والاستنشاق.

استحباب المضمضة والاستنشاق أمام الغسل ثابت بإجماعنا ، ویدل علیه روایات کثیرة ، منها : صحیحة زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تبدأ بغسل کفیک ، ثم تفرغ بیمینک علی شمالک وتغسل فرجک ، ثم تمضمض واستنشق ، ثم تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک » الحدیث (4).

قوله : والغسل بصاع.

أجمع علماؤنا وأکثر علماء العامة (5) علی أنه یستحب فی الغسل کونه بقدر صاع من الماء ، والمستند فیه من طریق الأصحاب ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یتوضأ بمد ، ویغتسل

المضمضة والاستنشاق

الغسل بصاع

ص: 302


1- الکافی ( 3 : 12 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 36 - 96 ) ، الاستبصار ( 1 : 50 - 141 ) ، بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 1 : 301 ) أبواب الوضوء ب (27) ح (1).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 110 ) ، والمنتهی ( 1 : 85 ).
3- التهذیب ( 1 : 142 - 402 ) ، الوسائل ( 1 : 515 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 148 - 422 ) ، الوسائل ( 1 : 503 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (5).
5- منهم الشافعی فی الأم ( 1 : 9 ) ، والشربینی فی مغنی المحتاج ( 1 : 74 ).

______________________________________________________

بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (1) قال الشیخ : أراد به أرطال المدینة ، فیکون تسعة أرطال بالعراقی (2).

وروی أیضا فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « توضأ رسول الله صلی الله علیه و آله بمد واغتسل بصاع ، ثم قال : اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء (3) واحد » قال زرارة : فقلت : کیف صنع هو؟ قال : « بدأ هو فضرب بیده فی الماء قبلها وأنقی فرجه ، ثم ضربت هی فأنقت فرجها ، ثم أفاض هو وأفاضت هی علی نفسها حتی فرغا ، فکان الذی اغتسل به رسول الله ثلاثة أمداد والذی اغتسلت به مدین ، وإنما أجزأ عنهما ، لأنهما اشترکا جمیعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع » (4).

قوله علیه السلام : « ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع » محمول علی الاستحباب ، لما صح عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « الجنب ما جری علیه الماء من جسده قلیله وکثیره فقد أجزأه » (5) ویستفاد من صحیحة الفضلاء وغیرها (6) أن ماء الاستنجاء محسوب من الصاع.

ص: 303


1- التهذیب ( 1 : 136 - 378 ) ، الإستبصار ( 1 : 121 - 409 ) ، الوسائل ( 1 : 338 ) أبواب الوضوء ب (50) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 137 ).
3- فی « م » « ق » « س » : ماء.
4- التهذیب ( 1 : 370 - 1130 ) ، الوسائل ( 1 : 513 ) أبواب الجنابة ب (32) ح (5).
5- الکافی ( 3 : 21 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 137 - 380 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 416 ) ، الوسائل ( 1 : 511 ) أبواب الجنابة ب (31) ح (3).
6- الوسائل ( 1 : 512 ) أبواب الجنابة ب (32).

مسائل ثلاث :

الأولی : إذا رأی المغتسل بللا مشتبها بعد الغسل ، فإن کان قد بال أو استبرأ لم یعد ، وإلا کان علیه الإعادة.

______________________________________________________

قوله : مسائل ثلاث ، الأولی : إذا رأی المغتسل بللا بعد الغسل ، فإن کان قد بال أو استبرأ لم یعد ، وإلا کان علیه الإعادة.

إذا رأی المغتسل بللا بعد الغسل ، فإن علمه منیا أو بولا لحقه حکمه إجماعا ، وإن انتفی العلم بذلک فقد قطع الأصحاب بأن المغتسل إن کان قد بال واستبرأ لم یلتفت ، وإن انتفی الأمران وجب علیه إعادة الغسل ، وإن انتفی أحدهما فإن کان هو البول أعاد الغسل أیضا مطلقا ، وقیل : إن الإعادة إنما تثبت إذا أمکنه البول (1). وإن کان هو الاستبراء وجب الوضوء خاصة ، فالصور خمس :

الأولی : بال واستبرأ ، ولا إعادة علیه إجماعا ، وقد تقدم من الأخبار (2) ما یدل علیه.

الثانیة : عکسه ، والأظهر فیه وجوب إعادة الغسل ، وهو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل ابن إدریس فیه الإجماع (3) ، ویدل علیه صحیحة سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن یبول فخرج منه شی ء ، قال : « یعید الغسل » (4).

اٴحکام الجنابة

حکم البلل المشتبه

ص: 304


1- کما فی روض الجنان : (55).
2- فی ص (301).
3- السرائر : (22).
4- الکافی ( 3 : 49 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 143 - 404 ) ، الاستبصار ( 1 : 118 - 399 ) ، علل الشرائع : ( 287 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 519 ) أبواب الجنابة ب (36) ح (10).

______________________________________________________

وصحیحة محمد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یخرج من إحلیله بعد ما اغتسل شی ء ، قال : « یغتسل ویعید الصلاة ، إلا أن یکون بال قبل أن یغتسل ، فإنه لا یعید غسله ».

قال محمد ، وقال أبو جعفر علیه السلام : « من اغتسل وهو جنب قبل أن یبول ، ثم وجد بللا فقد انتقض غسله ، وإن کان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فلیس ینقض غسله ، ولکن علیه الوضوء ، لأن البول لم یدع شیئا » (1).

ویظهر من الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه الاکتفاء فی هذه الصورة بالوضوء ، فإنه قال بعد أن أورد الخبر المتضمن لإعادة الغسل : وروی فی حدیث آخر : إن کان قد رأی بللا ولم یکن بال فلیتوضأ ولا یغتسل ، قال مصنف هذا الکتاب : إعادة الغسل أصل ، والخبر الثانی رخصة (2). وهو جید لو صح السند.

الثالثة : انتفی الأول مع إمکانه ، والحکم فیه کما فی الثانیة ، تمسکا بإطلاق روایتی سلیمان بن خالد ، ومحمد بن مسلم ، وما فی معناهما ، ویلوح من کلام المصنف هنا وفی النافع (3) عدم وجوب الإعادة فی هذه الصورة ، وهو بعید.

الرابعة : انتفی مع عدم إمکانه ، وفیه قولان : أظهرهما أنه کالذی قبله ، عملا بالإطلاق ، وقال الشیخ فی الاستبصار : لا یجب علیه الإعادة (4) ، لروایة زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب ، ثم اغتسل قبل أن یبول ،

ص: 305


1- التهذیب ( 1 : 144 - 407 ) ، الإستبصار ( 1 : 119 - 402 ) ، الوسائل ( 1 : 518 ) أبواب الجنابة ب (36) ح ( 6 ، 7 ).
2- الفقیه ( 1 : 47 - 186 ).
3- المختصر النافع : (9).
4- الاستبصار ( 1 : 120 ).

______________________________________________________

ثم رأی شیئا ، قال : « لا یعید الغسل » (1) وهی مع ضعف سندها بالمفضل بن صالح غیر دالة علی اعتبار هذا القید.

ثم احتمل حملها علی ناسی البول ، واستدلّ بما رواه عن جمیل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل تصیبه الجنابة فینسی أن یبول حتی یغتسل ، ثم یری بعد الغسل شیئا أیغتسل أیضا؟ قال : « لا ، قد تعصرت ونزلت من الحبائل » (2) وهذه الروایة لا تعطی اعتبار قید النسیان أیضا ، لأن ذلک وقع فی کلام السائل. وربما کان فی قوله علیه السلام : « قد تعصرت ونزلت من الحبائل » دلالة علی عدم الفرق بین حالتی النسیان والعمد ، لکنها ضعیفة السند باشتماله علی علیّ بن السندی وهو مجهول ، فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحیحة الدالة علی وجوب الإعادة بترک البول مطلقا.

الخامسة : بال ولم یستبرئ ، والظاهر إعادة الوضوء خاصة ، لصحیحة محمد المتقدمة (3) ، ومفهوم قوله علیه السلام فی حسنة حفص بن البختری ، فی الرجل یبول : « ینتره ثلاثا ، ثم إن سال حتی یبلغ الساق فلا یبالی » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه عبد الله بن أبی یعفور فی الصحیح ، إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بال ثم توضأ وقام إلی الصلاة فوجد بللا قال : « لا شی ء علیه ولا یتوضأ » (5) لأن هذه الروایة مطلقة ، والروایة السابقة مفصلة ، والمفصل یحکم علی

ص: 306


1- التهذیب ( 1 : 145 - 412 ) ، الإستبصار ( 1 : 119 - 405 ) ، الوسائل ( 1 : 519 ) أبواب الجنابة ب (36) ح (14).
2- التهذیب ( 1 : 145 - 409 ) ، الإستبصار ( 1 : 120 - 406 ) ، الوسائل ( 1 : 519 ) أبواب الجنابة ب (36) ح (11).
3- فی ص (305).
4- المتقدمة فی ص (301).
5- الکافی ( 3 : 19 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 38 - 147 ) ، الوسائل ( 1 : 200 ) أبواب نواقض الوضوء ب (13) ح (1) بتفاوت فی المتن.

الثانیة : إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث ، قیل : یعید الغسل من رأس ، وقیل : یقتصر علی إتمام الغسل ، وقیل : یتمّه ویتوضأ للصلاة ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

المطلق.

تنبیه : هذا المنی أو البول الموجود بعد الغسل حدث جدید ، فالعبادة الواقعة قبله صحیحة ، لاستجماعها للشرائط ، ونقل عن بعض القول بإعادة الصلاة الواقعة بعد الغسل (1) ، ولعل مستنده صحیحة محمد المتقدمة (2) ، وهی غیر صریحة ، لإمکان حملها علی من صلی بعد أن وجد البلل.

قوله : الثانیة ، إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث ، قیل : یعید من رأس ، وقیل : یقتصر علی إتمام الغسل ، وقیل : یتمّه ویتوضأ للصلاة ، وهو أشبه.

هذا قول السید المرتضی - رحمه الله - (3) ، وهو أمتن الأقوال دلیلا ، أما وجوب الإتمام فلأن الحدث الأصغر لیس موجبا للغسل ، ولا لبعضه قطعا ، فیسقط وجوب الإعادة. وأما وجوب الوضوء فلأن الحدث المتخلل لا بد له من رافع ، وهو إما الغسل بتمامه أو الوضوء ، والأول منتف لتقدم بعضه ، فتعین الثانی.

والقول بإتمام الغسل خاصة لابن إدریس (4) وابن البراج (5) ، واختاره المحقق الشیخ علی - رحمه الله - (6) ، واحتج علیه بأن الحدث الأصغر غیر موجب للغسل فلا معنی للإعادة ، والوضوء منفی مع غسل الجنابة بالنص والإجماع.

حکم من أحدث أثناء الغسل

ص: 307


1- منهم ابن إدریس فی السرائر : (23).
2- فی ص (301).
3- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 196 ).
4- السرائر : (22).
5- جواهر الفقه ( الجوامع الفقهیة ) : (473).
6- جامع المقاصد ( 1 : 35 ).

______________________________________________________

وفیه : إنّ الإجماع ممنوع فی موضع النزاع ، والأخبار لا عموم لها علی وجه یتناول هذه الصورة.

قال المصنف فی المعتبر : ویلزمهم أنه لو بقی من الغسل قدر درهم من الجانب الأیسر ثم تغوط أن یکتفی عن وضوئه بغسل موضع الدرهم ، وهو باطل (1).

والقول بالإعادة للشیخ فی النهایة والمبسوط (2) ، وابنی بابویه (3) ، وجماعة (4) ، ولا وجه له من حیث الاعتبار ، وأما ما استدل به علیه من أن الحدث الأصغر ناقض للطهارة بتمامها فلأبعاضها أولی ، أو أن الحدث المتخلل قد أبطل تأثیر ذلک البعض فی الرفع ، والباقی من الغسل غیر صالح للتأثیر ، ففساده ظاهر ، لمنع کونه ناقضا ومبطلا ، وإنما المتحقق وجوب الوضوء به خاصة.

ولعل مستندهم فی ذلک ما رواه الصدوق فی کتاب عرض المجالس ، عن الصادق علیه السلام قال : « لا بأس بتبعیض الغسل تغسل یدک وفرجک ورأسک ، وتؤخر غسل جسدک إلی وقت الصلاة ، ثم تغسل جسدک إذا أردت ذلک ، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ریح أو منیّ بعد ما غسلت رأسک من قبل أن تغسل جسدک فأعد الغسل من أوله » (5).

ولو صحت هذه الروایة لما کان لنا عنها عدول ، لصراحتها فی المطلوب ، إلا أنی لم أقف علیها مسندة ، والواجب المصیر إلی الأول إلی أن یتضح السند.

ص: 308


1- المعتبر ( 1 : 197 ).
2- النهایة : (22) ، المبسوط ( 1 : 29 ).
3- الصدوق فی الهدایة : (21) ، ونقله عن والده فی المختلف : (33) ، وفی « ق » : وابن بابویه.
4- منهم یحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : (40) ، والعلامة فی المختلف : (33) ، والشهید الأول فی اللمعة : (20).
5- رواها فی الوسائل ( 1 : 509 ) أبواب الجنابة ب (29) ح (4) ، عن المدارک.

______________________________________________________

وتنقیح المسألة یتم ببیان أمور :

الأول : الظاهر عدم الفرق فی غسل الجنابة بین کونه غسل ترتیب أو ارتماس ، ویتصور ذلک فی غسل الارتماس بوقوع الحدث بعد النیة وقبل إتمام الغسل.

وقال فی الذکری : لو کان الحدث من المرتمس فإن قلنا بسقوط الترتیب حکما ، فإن وقع بعد ملاقاة الماء جمیع البدن أوجب الوضوء لا غیر ، وإلا فلیس له أثر (1). وهو مشکل ، لإمکان وقوعه فی الأثناء کما صورناه ، فینبغی أن یطّرد فیه الخلاف.

ثم قال : وإن قلنا بوجوب الترتیب الحکمی القصدی فهو کالمرتب ، وإن قلنا بحصوله فی نفسه وفسرناه بتفسیر الإستبصار أمکن انسحاب البحث إلیه (2).

قلت : أشار بذلک إلی ما ذکره الشیخ فی الاستبصار لما أورد الأخبار المتضمنة لوجوب الترتیب فی الغسل ، وأورد إجزاء الارتماس فقال : ولا ینافی ذلک ما قدمناه من وجوب الترتیب ، لأن المرتمس یترتب حکما وإن لم یترتب فعلا ، لأنه إذا خرج من الماء حکم له أولا بطهارة رأسه ، ثم جانبه الأیمن ، ثم جانبه الأیسر ، فیکون علی هذا التقدیر مرتبا (3). هذا کلامه - رحمه الله تعالی - ونحن قد بینا فیما سبق ضعف الترتیب الحکمی بمعانیه ، لانتفاء الدلیل علیه ، بل قیام الدلیل علی خلافه.

الثانی : لو تخلل الحدث لغیر غسل الجنابة من الأغسال الواجبة والمندوبة ، فإن قلنا بإجزائها عن الوضوء اطّرد الخلاف ، وإلا تعین إتمامه والوضوء.

الثالث : استقرب بعض المتأخرین - القائلین بوجوب الإتمام والوضوء - الاکتفاء باستئناف الغسل إذا نوی قطعه ، لبطلانه بذلک فیصیر الحدث متقدما علی الغسل ، وفیه

ص: 309


1- الذکری : (106).
2- الذکری : (106).
3- الاستبصار ( 1 : 125 ).

الثالثة : لا یجوز أن یغسّله غیره مع الإمکان ، ویکره أن یستعین فیه.

______________________________________________________

نظر ، لأن نیة القطع إنما تقتضی بطلان ما یقع بعدها من الأفعال لا ما سبق ، کما صرّح به المصنف (1) وغیره.

قوله : الثالثة ، لا یجوز أن یغسّله غیره مع الإمکان ، ویکره أن یستعین فیه.

الکلام فی هاتین المسألتین کما فی الوضوء ، وقد تقدم الکلام فیهما هناک مفصلا (2).

وجوب المباشرة فی الغسل

ص: 310


1- المعتبر ( 1 : 140 ).
2- فی ص ( 240 ، 251 ).

الفصل الثّانی :

فی الحیض

وهو یشتمل علی : بیانه ، وما یتعلق به.

أما الأول :

فالحیض : الدم الذی له تعلّق بانقضاء العدّة ولقلیله حدّ ،

______________________________________________________

قوله : الفصل الثّانی : فی الحیض ، وهو یشتمل علی بیانه ، وما یتعلق به ، أما الأول ، فالحیض هو الدم الذی له تعلق بانقضاء العدّة ولقلیله حدّ.

قد اشتهر فی کلام الأصحاب أنّ الحیض لغة هو السیل ، من قولهم : حاض الوادی : إذا سال بقوة ، وفی القاموس : حاضت المرأة تحیض حیضا : سال دمها (1). ولا یستبعد کونه حقیقة فی هذا المعنی ، للتبادر ، وأصالة عدم النقل.

وعرّفه المصنف اصطلاحا بأنه : الدم الذی له تعلق بانقضاء العدة ، ولقلیله حدّ ، فالدم بمنزلة الجنس ، وتعلقه بانقضاء العدة یخرج ما عدا النفاس من الدماء (2) ، فإن له تعلقا بانقضاء العدة فی الحامل من زنا. وخرج النفاس بالقید الأخیر ، ولیس فی هذا التعریف کثیر فائدة ، وکان یغنی عنه ذکر الأوصاف ، لأن بها یتمیز عن غیره من الدماء عند الاشتباه کما ذکره المصنف فی المعتبر (3).

الحیض

بیان الحیض

ص: 311


1- القاموس المحیط ( 2 : 341 ).
2- فی « م » : الدم.
3- المعتبر ( 1 : 197 ).

وفی الأغلب یکون أسود غلیظا حارا یخرج بحرقة.

______________________________________________________

قوله : وهو فی الأغلب یکون أسود عبیطا حارا یخرج بحرقة.

قید بالأغلب لأن دم الحیض قد یکون بخلاف ذلک ، لأن الحمرة والصفرة فی أیام الحیض حیض علی ما سیجی ء بیانه (1) ، والعبیط بالمهملتین : الطری ، والمراد بالحرقة هنا اللذع الحاصل للمخرج بسبب الدفع والحرارة.

والمستند فی هذه الأوصاف : الأخبار الکثیرة ، کحسنة حفص بن البختری ، قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام امرأة ، فسألته عن المرأة یستمر بها الدم فلا تدری حیض هو أم غیره ، قال ، فقال لها : « إنّ دم الحیض حارّ ، عبیط ، أسود ، له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » قال : فخرجت وهی تقول : والله لو کان امرأة ما زاد علی هذا (2).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « الحیض والاستحاضة لیس یخرجان من مکان واحد ، إن دم الاستحاضة بارد وإن دم الحیض حارّ » (3).

وصحیحة إسحاق بن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، وهی طویلة قال فی آخرها : « دم الحیض لیس به خفاء ، وهو دم حارّ تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم

- صفات دم الحیض

ص: 312


1- فی ص (324).
2- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 91 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 430 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (1).

وقد یشتبه بدم العذرة ، فتعتبر بالقطنة ، فإن خرجت مطوّقة فهو العذرة.

______________________________________________________

فاسد بارد » (1).

ویستفاد من هذه الروایات أنّ هذه الأوصاف خاصة مرکبة للحیض فمتی وجدت حکم بکون الدم حیضا ، ومتی انتفت انتفی إلا بدلیل من خارج ، وإثبات هذا الأصل ینفع فی مسائل متعددة من هذا الباب.

قوله : وقد یشتبه بدم العذرة ، فتعتبر بالقطنة ، فإن خرجت القطنة مطوّقة فهو لعذرة.

العذرة بضم العین المهملة وسکون الذال المعجمة : البکارة بفتح الباء. وقد ذکر الشیخ (2) وغیره (3) من الأصحاب أنه متی اشتبه دم الحیض بدم العذرة حکم للعذرة بالتطوق وللحیض بغمس القطنة ، واستدلوا علیه بصحیحة زیاد بن سوقة ، قال : سئل أبو جعفر علیه السلام عن رجل افتض امرأته أو أمته فرأت دما کثیرا لا ینقطع عنها یومها کیف تصنع بالصلاة؟ قال : « تمسک الکرسف فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة تغتسل وتمسک معها قطنة وتصلی ، وإن خرج الکرسف منغمسا فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أیام الحیض » (4).

وصحیحة خلف بن حماد ، عن الکاظم علیه السلام ، وهی طویلة قال فی آخرها :

تمییز دم الحیض عن دم العذرة

ص: 313


1- الکافی ( 3 : 91 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 431 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (3).
2- النهایة : (23).
3- منهم العلامة فی نهایة الأحکام ( 1 : 116 ).
4- الکافی ( 3 : 94 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 152 - 432 ) ، المحاسن : ( 307 - 21 ) ، الوسائل ( 2 : 536 ) أبواب الحیض ب (2) ح (2).

______________________________________________________

« تستدخل القطنة ثم تدعها ملیّا ثم تخرجها إخراجا رفیقا ، فإن کان الدم مطوقا فی القطنة فهو من العذرة ، وإن کان مستنقعا فی القطنة فهو من الحیض » (1).

ویظهر من المصنف هنا وفی النافع (2) التوقف فی الحکم بکون الدم حیضا مع الاستنقاع ، حیث اقتصر علی الحکم به للعذرة مع التطوق ، وبذلک صرح فی المعتبر فقال : لا ریب أنها إذا خرجت مطوقة کان من العذرة ، وإن خرجت مستنقعة فهو محتمل ، فإذن یقضی أنه من العذرة مع التطوق قطعا (3). فلهذا اقتصر فی الکتاب علی الطرف المتیقن ، وفی هذا الکلام نظر من وجهین.

أحدهما : أنّ المسألة فی کلامه - رحمه الله - فی المعتبر مفروضة فیما إذا جاء الدم بصفة دم الحیض ، ومعه لا وجه للتوقف فی کونه مع الاستنقاع حیضا ، لاعتبار سند الخبرین ، وصراحتهما فی الدلالة علی الحکمین ، ومطابقتهما للروایات الدالة علی اعتبار الأوصاف (4).

وثانیهما : أنه صرح بعد ذلک بأنّ ما تراه المرأة من الثلاثة إلی العشرة یحکم بکونه حیضا ، وأنه لا عبرة بلونه ما لم یعلم أنه لقرح أو عذرة ونقل علیه الإجماع (5) ، وهو مناف لما ذکره هنا من التوقف فی هذه المسألة ، إذ المفروض فیها انتفاء العلم بکون الدم للعذرة بل انتفاء الظن بذلک باعتبار استنقاعه کما هو واضح ( فتأمل ) (6).

ص: 314


1- الکافی ( 3 : 92 - 1 ) ، المحاسن : ( 307 - 22 ) ، الوسائل ( 2 : 535 ) أبواب الحیض ب (2) ح (1).
2- المختصر النافع : (9).
3- المعتبر ( 1 : 198 ).
4- الوسائل ( 2 : 535 ) أبواب الحیض ب (2).
5- المعتبر ( 1 : 203 ).
6- لیست فی « س » و « ق ».

وکل ما تراه الصبیّة قبل بلوغها تسعا فلیس بحیض ،

______________________________________________________

وذکر الشارح - رحمه الله - فی الشرح (1) أن طریق معرفة التطوق وعدمه أن تضع قطنة بعد أن تستلقی علی ظهرها وترفع رجلیها ثم تصبر هنیئة ثم تخرج القطنة إخراجا رفیقا (2). وقال فی روض الجنان : إن مستند هذا الحکم روایات عن أهل البیت علیهم السلام ، لکن فی بعضها الأمر باستدخال القطنة من غیر تقیید بالاستلقاء ، وفی بعضها إدخال الإصبع مع الاستلقاء ، وطریق الجمع : حمل المطلق علی المقید ، والتخییر بین الإصبع والکرسف ، إلاّ أن الکرسف أظهر فی الدلالة (3).

وما ذکره - رحمه الله - لم أقف علیه فی شی ء من الأصول ولا نقله ناقل فی کتب الاستدلال ، والذی وقفت علیه فی هذه المسألة روایتا زیاد بن سوقة وخلف بن حمّاد المتقدمتان (4) ، وهما خالیتان عن قید الاستلقاء وإدخال الإصبع ، فالأظهر الاکتفاء بما تضمنته الروایة الثانیة من وضع القطنة والصبر هنیئة ثم إخراجها برفق.

وفی الروایة (5) : إنه علیه السلام التفت یمینا وشمالا فی الفسطاط مخافة أن یسمع کلامه أحد قال : ثم نهد إلیّ فقال : « یا خلف سرّ الله سرّ الله فلا تذیعوه ، ولا تعلّموا هذا الخلق أصول دین الله ، بل ارضوا بما رضی الله لهم من ضلال » قلت : هذا الکلام وارد علی سبیل المجاز ، والمراد أنه رضی لهم الاختیار الموصل لهم إلی الضلال.

قوله : وکل ما تراه الصبیّة قبل بلوغها تسعا فلیس بحیض.

المراد ببلوغ التسع إکمالها ، کما صرح به الأصحاب ونطقت به الأخبار ، الحکم

حکم الدم الذی تراه الصبیة قبل البلوغ

ص: 315


1- المسالک ( 1 : 8 ).
2- فی « ق » : رقیقا.
3- روض الجنان : (60).
4- فی ص (313).
5- أی الروایة الثانیة ، وهی روایة خلف بن حماد.

وکذا قیل فیما یخرج من الجانب الأیمن.

______________________________________________________

بانتفاء الحیض عما تراه الصبیة قبل إکمال التسع مذهب العلماء (1) کافة حکاه فی المنتهی (2) ، ویدل علیه روایات ، منها : صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ثلاث یتزوجن علی کل حال » وعدّ منها التی لم تحض ومثلها لا تحیض قال : قلت : وما حدّها؟ قال : « إذا أتی لها أقل من تسع سنین » (3) وفی روایة أخری له عنه علیه السلام قال : « إذا کمل لها تسع سنین أمکن حیضها » (4).

وهنا سؤال مشهور وهو أنّ المصنف - رحمه الله - وغیره ذکروا أنّ الحیض للمرأة دلیل علی بلوغها فکیف یجتمع ذلک مع حکمهم هنا بأنّ ما تراه قبل التسع فلیس بحیض!؟ وما الدم الذی یعلم به البلوغ؟.

وأجیب عنه بحمل ما هنا علی من علم سنّها فإنه لا یحکم بکون الدم السابق علی إکمال التسع حیضا ، وحمل ما سیأتی علی من جهل سنّها مع خروج الدم الجامع لأوصاف الحیض فإنه یحکم بکونه حیضا ویعلم به البلوغ ، کما ذکره الأصحاب ونقلوا فیه الإجماع.

قوله : وکذا قیل فیما یخرج من الجانب الأیمن.

أی وکذا قیل فیما یخرج من الجانب الأیمن : إنه لیس بحیض ، لأن مجری الحیض هو الأیسر ، والقائل بذلک هو الصدوق فی من لا یحضره الفقیه (5) ، والشیخ فی

حکم الدم الذی یخرج من الجانب الأیسر

ص: 316


1- فی « ح » : علمائنا.
2- المنتهی ( 1 : 95 ).
3- الکافی ( 6 : 85 - 4 ) ، الوسائل ( 15 : 406 ) أبواب العدد ب (2) ح (4).
4- لم نعثر علی هذا النص ، ولکن وردت روایة بهذا المضمون فی الوسائل ( 15 : 409 ) أبواب العدد ب (3) ح (5).
5- الفقیه ( 1 : 54 ).

______________________________________________________

النهایة (1) ، وأتباعه (2).

وعکس أبو علی ابن الجنید فقال : دم الحیض أسود عبیط تعلوه حمرة ، یخرج من الجانب الأیمن وتحس المرأة بخروجه ، ودم الاستحاضة بارد رقیق یخرج من الجانب الأیسر (3).

واختلف کلام الشهید فی هذه المسألة فأفتی فی البیان بالأول (4) ، وفی الذکری والدروس بالثانی (5).

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف متن الروایة ، فروی شیخنا الجلیل محمد بن یعقوب - رحمه الله - فی الکافی ، عن محمد بن یحیی ، رفعه عن أبان ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : فتاة منّا بها قرحة فی جوفها والدم سائل ، لا تدری من دم الحیض أم من دم القرحة؟ فقال : « مرها فلتستلق علی ظهرها ثم ترفع رجلیها ثم تستدخل إصبعها الوسطی فإن خرج الدم من الجانب الأیمن فهو من الحیض ، وإن خرج من الجانب الأیسر فهو من القرحة » (6).

ونقل الشیخ فی التهذیب الروایة بعینها ، وساق الحدیث إلی أن قال : « فإن خرج من الجانب الأیسر فهو من الحیض ، وإن خرج من الجانب الأیمن فهو من القرحة » (7).

ص: 317


1- النهایة : (24).
2- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 35 ) ، وابن إدریس فی السرائر : (28) ، والعلامة فی المختلف : (36).
3- نقله عنه فی المختلف : (36).
4- البیان : (16).
5- الذکری : (28) ، الدروس : (6).
6- الکافی ( 3 : 94 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 560 ) أبواب الحیض ب (16) ح (1).
7- التهذیب ( 1 : 385 - 1185 ).

______________________________________________________

قیل (1) : ویمکن ترجیح روایة التهذیب بأن الشیخ أعرف بوجوه الحدیث وأضبط ، خصوصا مع فتواه بمضمونها فی النهایة والمبسوط (2). وفیهما معاً نظر بیّن یعرفه من یقف علی أحوال الشیخ ووجوه فتواه ، نعم یمکن ترجیحها بإفتاء الصدوق - رحمه الله - فی کتابه بمضمونها (3) ، مع أن عادته فیه نقل متون الأخبار.

ویمکن ترجیح روایة الکلینی - رحمه الله - بتقدمه ، وحسن ضبطه کما یعلم من کتابه الذی لا یوجد مثله ، وبأن الشهید - رحمه الله - ذکر فی الذکری أنه وجد الروایة فی کثیر من نسخ التهذیب کما فی الکافی ، وظاهر کلام ابن طاوس - رحمه الله - أن نسخ التهذیب القدیمة کلها موافقة له أیضا (4).

وکیف کان : فالأجود اطراح هذه الروایة - کما ذکره المصنف فی المعتبر (5) لضعفها ، وإرسالها ، واضطرابها ، ومخالفتها للاعتبار ، لأن القرحة یحتمل کونها فی کل من الجانبین ، والأولی الرجوع إلی حکم الأصل واعتبار الأوصاف.

بقی هنا شی ء : وهو أنّ الروایة مع تسلیم العمل بها إنما تدل علی الرجوع إلی الجانب مع اشتباه الدم بالقرحة ، وظاهر کلام المصنف هنا وصریح غیره (6) یقتضی اعتبار الجانب مطلقا ، وهو غیر بعید ، فإن الجانب إن کان له مدخل فی حقیقة الحیض وجب اطّراده ، وإلا فلا.

ص: 318


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 36 ).
2- النهایة : (24) ، المبسوط ( 1 : 43 ).
3- الفقیه ( 1 : 54 ).
4- الذکری : (28).
5- المعتبر ( 1 : 199 ).
6- منهم الصدوق فی الفقیه ( 1 : 54 ) ، وابن إدریس فی السرائر : (28) ، والعلامة فی المختلف : (36).

وأقل الحیض ثلاثة أیام ، وأکثره عشرة ، وکذا أقل الطهر. وهل یشترط التوالی فی الثلاثة أم یکفی کونها فی جملة عشرة؟ الأظهر الأول.

______________________________________________________

قوله : وأقل الحیض ثلاثة أیام ، وأکثره عشرة ، وکذا أقل الطهر.

هذه الأحکام عندنا إجماعیة ، والنصوص بها مستفیضة ، فروی یعقوب بن یقطین فی الصحیح ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : « أدنی الحیض ثلاثة ، وأقصاه عشرة » (1).

وروی صفوان بن یحیی فی الصحیح أیضا ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن أدنی ما یکون من الحیض ، فقال : « أدناه ثلاثة ، وأبعده عشرة » (2).

وروی محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا رأت الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی ، وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة » (3).

قوله : وهل یشترط التوالی فی الثلاثة ، أم یکفی کونها فی جملة عشرة؟ الأظهر الأول.

اختلف الأصحاب فی اشتراط التوالی فی الأیام الثلاثة ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی الجمل : أقلّه ثلاثة أیام متوالیات (4) ، وهو اختیار المرتضی (5) وابنی بابویه (6)

أقل الحیض وأکثره

ص: 319


1- التهذیب ( 1 : 156 - 447 ) ، الإستبصار ( 1 : 130 - 448 ) ، الوسائل ( 2 : 552 ) أبواب الحیض ب (10) ح (10).
2- الکافی ( 3 : 75 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 156 - 446 ) ، الإستبصار ( 1 : 130 - 447 ) ، الوسائل ( 2 : 551 ) أبواب الحیض ب (10) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 77 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 454 ) ، الوسائل ( 2 : 554 ) أبواب الحیض ب (11) ح (3).
4- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 202 ).
6- الفقیه ( 1 : 50 ) ، ونقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 202 ).

______________________________________________________

- رحمهم الله -. وقال فی النهایة : إن رأت یوما أو یومین ، ثم رأت قبل انقضاء العشرة ما یتمّ به ثلاثة فهو حیض ، وإن لم تر حتی تمضی عشرة فلیس بحیض (1). والمعتمد الأول.

لنا أنّ الصلاة ثابتة فی الذمة بیقین ، فلا یسقط التکلیف بها الا مع تیقن السبب ، ولا یقین بثبوته مع انتفاء التوالی. ولنا أیضا أنّ المتبادر من قولهم : أدنی الحیض ثلاثة ، وأقلّه ثلاثة ، کونها متوالیة.

احتج الشیخ بما رواه عن یونس ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ولا یکون أقلّ من ثلاثة أیام ، فإذا رأت المرأة الدم فی أیام حیضها ترکت الصلاة ، فإن استمر بها الدم ثلاثة أیام فهی حائض ، وإن انقطع الدم بعد ما رأته یوما أو یومین اغتسلت وصلّت وانتظرت من یوم رأت الدم إلی عشرة أیام ، فإن رأت فی تلک العشرة أیام من یوم رأت الدم یوما أو یومین حتی تمّ لها ثلاثة أیام ، فذلک الذی رأته فی أول الأمر مع هذا الذی رأته بعد ذلک فی العشرة هو من الحیض ، وإن مرّ بها من یوم رأت عشرة أیام ولم تر الدم فذلک الیوم والیومان الذی رأته لم یکن من الحیض إنما کان من علة » (2) الحدیث.

وما رواه فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی ، وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة » (3).

ص: 320


1- النهایة : (26).
2- الکافی ( 3 : 76 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 157 - 452 ) ، الوسائل ( 2 : 555 ) أبواب الحیض ب (12) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 77 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 454 ) ، الوسائل ( 2 : 554 ) أبواب الحیض ب (11) ح (3).

______________________________________________________

والجواب أنّ الروایة الأولی ضعیفة مرسلة. والثانیة غیر دالة علی المطلوب صریحا ، إذ مقتضاها أنّ ما تراه فی العشرة فهو من الحیضة الأولی ، ولا نزاع فیه لکن لا بد من تحقق الحیض أوّلا.

قال فی المعتبر بعد أن ذکر نحو ذلک : ونحن لا نسمّی حیضا الا ما کان ثلاثة فصاعدا ، فمن رأت ثلاثة ثم انقطع ثم جاء فی العشرة ولم یتجاوز فهو من الحیضة الأولی ، لا أنّه حیض مستأنف ، لأنه لا یکون بین الحیضتین أقل من عشرة (1). وهو حسن.

واعلم أنّ جدی - قدس سره - قال فی روض الجنان : وعلی هذا القول - یعنی عدم اعتبار التوالی - لو رأت الأول والخامس والعاشر فالثلاثة حیض لا غیر ، فإذا رأت الدم یوما وانقطع فإن کان یغمس القطنة وجب الغسل ، لأنه إن کان حیضا فقد وجب الغسل ، للحکم بأنّ أیام النقاء طهر ، وإن لم یکن حیضا فهو استحاضة ، والغامس منها یوجب الغسل ، وإن لم یغمسها وجب الوضوء خاصة ، لاحتمال کونه استحاضة ، فإن رأته مرة ثانیة یوما مثلا وانقطع فکذلک ، فإذا رأته ثالثة فی العشرة ثبت أنّ الأول حیض وتبیّن بطلان ما فعلت (2) بالوضوء ، إذ قد ثبت أنّ الدم حیض یوجب انقطاعه الغسل ، فلا یجزئ عنه الوضوء. ولو اغتسلت للأولین احتیاطا ففی إجزائه نظر (3) هذا کلامه - رحمه الله . ومقتضاه أنّ أیام النقاء المتخللة بین أیام رؤیة الدم تکون طهرا. وهو مشکل ، لأن الطهر لا یکون أقل من عشرة أیام إجماعا. وأیضا فقد صرح المصنف فی

ص: 321


1- المعتبر ( 1 : 203 ).
2- فی « ح » فعلته.
3- روض الجنان : (63).

وما تراه المرأة بعد یأسها لا یکون حیضا. وتیئس المرأة ببلوغ ستین ، وقیل : فی غیر القرشیّة والنبطیّة ببلوغ خمسین سنة.

______________________________________________________

المعتبر (1) ، والعلامة فی المنتهی (2) ، وغیرهما من الأصحاب (3) : بأنها لو رأت ثلاثة ثم رأت العاشر کانت الأیام الأربعة وما بینها من أیام النقاء حیضا. والحکم فی المسألتین واحد.

واختلف الأصحاب فی المعنی المراد من التوالی ، فظاهر الأکثر الاکتفاء فیه برؤیة الدم فی کل یوم من الأیام الثلاثة وقتا ما ، عملا بالعموم. وقیل : یشترط اتصاله فی مجموع الأیام الثلاثة (4). ورجّح بعض المتأخرین اعتبار حصوله فی أول الأول وآخر الآخر ، وفی أی جزء کان من الوسط. وهو بعید.

قوله : وما تراه المرأة بعد یأسها لا یکون حیضا ، وتیئس المرأة ببلوغ ستین ، وقیل : فی غیر القرشیّة والنبطیّة ببلوغ خمسین سنة.

المراد بالقرشیة : من انتسبت الی قریش بأبیها ، کما هو المختار فی نظائره. ویحتمل الاکتفاء بالأم هنا ، لأن لها مدخلا فی ذلک بسبب تقارب الأمزجة. ومن ثم اعتبرت الخالات وبناتهن فی المبتدأة کما سیأتی.

وأما النبطیة (5) فذکرها المفید ومن تبعه معترفین بعدم النصّ علیها ظاهرا. واختلفوا

حکم ما تراه المرأة من الدم بعد یأسها

ص: 322


1- المعتبر ( 1 : 203 ).
2- المنتهی ( 1 : 98 ).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 37 ).
4- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 37 ).
5- النبط : قوم أو جیل ینزلون بالبطائح بین العراقین. وقد یطلق علی غیرهم ( راجع الصحاح ( 3 : 1162 ) ، والقاموس ( 2 : 402 ) ، والنهایة ( 5 : 9 ) ، ومجمع البحرین 4 : 275 )

______________________________________________________

فی تعیینها. والأجود عدم الفرق بینها وبین غیرها.

وقد أجمع الأصحاب وغیرهم علی أنّ ما تراه المرأة بعد یأسها لا یکون حیضا. وإنما الخلاف فیما یتحقق به الیأس ، وقد اختلف فیه کلام المصنف ، فجزم هنا باعتبار بلوغ ستین مطلقا ، واختار فی باب الطلاق من هذا الکتاب اعتبار الخمسین کذلک (1) ، وجعله فی النافع أشهر الروایتین (2).

ورجّح فی المعتبر الفرق بین القرشیة وغیرها ، واعتبار الستین فیها خاصة ، والاکتفاء فی غیرها بالخمسین (3). واحتج علیه بمرسلة ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا بلغت المرأة خمسین سنة لم تر حمرة ، الا أن تکون امرأة من قریش » (4) وهی مع قصور سندها لا تدل علی المدعی صریحا.

والأجود اعتبار الخمسین مطلقا ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « حدّ التی یئست من المحیض خمسون سنة » (5).

قال فی المعتبر : ورواه أیضا أحمد بن محمد بن أبی نصر فی کتابه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام (6).

ص: 323


1- الشرائع ( 3 : 35 ).
2- المختصر النافع : (200).
3- المعتبر ( 1 : 200 ).
4- الکافی ( 3 : 107 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 397 - 1236 ) ، الوسائل ( 2 : 580 ) أبواب الحیض ب (31) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 107 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 397 - 1237 ) ، الوسائل ( 2 : 580 ) أبواب الحیض ب (31) ح (1).
6- المعتبر ( 1 : 199 ).

وکل دم رأته المرأة دون ثلاثة فلیس بحیض ، مبتدئة کانت أو ذات عادة. وما تراه من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، تجانس أو اختلف.

______________________________________________________

وقد ورد بالستین روایة أخری عن عبد الرحمن بن الحجاج أیضا عن الصادق علیه السلام (1) ، وفی طریقها ضعف (2) ، فالعمل بالأولی متعیّن.

ثم إن قلنا بالفرق بین القرشیة وغیرها ، فکل امرأة علم انتسابها الی قریش ، وهو النضر بن کنانة ، أو انتفاؤها عنه فحکمها واضح. ومن اشتبه نسبها کما هو الأغلب فی هذا الزمان من عدم العلم بنسب غیر الهاشمیین فالأصل یقتضی عدم کونها قرشیة ، ویعضده استصحاب التکلیف بالعبادة الی أن یتحقق المسقط.

قوله : وما تراه من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، تجانس أو اختلف.

هذا الحکم ذکره الأصحاب کذلک ، وقال فی المعتبر : إنه إجماع (3). وهو مشکل جدا من حیث ترک المعلوم ثبوته فی الذمة (4) تعویلا علی مجرد الإمکان. والأظهر أنه إنما یحکم بکونه حیضا إذا کان بصفة دم الحیض ، لقوله (5) علیه السلام : « إذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (6).

حکم ما تراه المرأة من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا

ص: 324


1- التهذیب ( 7 : 469 - 1881 ) ، الوسائل ( 2 : 581 ) أبواب الحیض ب (31) ح (8).
2- لأن الشیخ رواها عن علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی ، وطریق الشیخ الیه ضعیف بعلی بن محمد ابن الزبیر ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 337 ).
3- المعتبر ( 1 : 203 ).
4- من العبادات التی لا تعملها الحائض کالصلاة.
5- فی « ح » : لعموم قوله. وما أثبتناه من باقی النسخ أنسب لأن ذلک مستفاد من مفهوم الشرط لا من العموم.
6- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).

وتصیر المرأة ذات عادة بأن تری الدم دفعة ثم ینقطع علی أقل الطهر فصاعدا ، ثم تراه ثانیا بمثل تلک العدّة ، ولا عبرة باختلاف لون الدم.

______________________________________________________

أو کان فی العادة ، لصحیحة محمد بن مسلم. قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری الصفرة فی أیامها ، قال : « لا تصلی حتی تنقضی أیامها ، فإذا رأت الصفرة فی غیر أیامها توضأت وصلّت » (1).

وقال الشارح - قدس سره - : المراد بالإمکان هنا معناه العام ، وهو سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحکم ، فیدخل فیه ما تحقق کونه حیضا ، لاجتماع شرائطه وارتفاع موانعه ، کرؤیة ما زاد علی الثلاثة فی زمن العادة الزائدة عنها بصفة دم الحیض وانقطاعه علیها وما احتمله کرؤیته بعد انقطاعه علی العادة ، ومضی أقلّ الطهر متقدما علی العادة ، فإنه یحکم بکونه حیضا لإمکانه. ویتحقق عدم الإمکان بقصور السنّ عن تسع ، وزیادته عن الخمسین أو الستین ، وبسبق حیض محقق لم یتخلل بینهما أقلّ الطهر ، أو نفاس کذلک ، وکونها حاملا علی مذهب المصنف وغیر ذلک (2). هذا کلامه - رحمه الله - ، وللتوقف فیه مجال.

قوله : وتصیر المرأة ذات عادة بأن تری الدم دفعة ثم ینقطع علی أقل الطهر فصاعدا ، ثم تراه ثانیا بمثل تلک العدّة.

أجمع علماؤنا وأکثر العامة علی أنّ العادة فی الحیض إنما تثبت بالمرتین. وقال بعض العامّة : إنها تثبت بالمرة الواحدة (3). وهو باطل ، لأن العادة مأخوذة من العود ، وهو لا یتحقق بالمرة الواحدة قطعا. ویدل علی ثبوتها بالمرتین مضافا الی الإجماع ما رواه الشیخ

ما تصیر به المرأة ذات عادة

ص: 325


1- الکافی ( 3 : 78 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 396 - 1230 ) ، الوسائل ( 2 : 540 ) أبواب الحیض ب (4) ح (1).
2- المسالک ( 1 : 9 ).
3- نقله عن الشافعی ابن قدامة فی المغنی ( 1 : 363 ).

______________________________________________________

عن یونس ، عن غیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول حتی توالت علیها حیضتان أو ثلاث فقد علم أنّ ذلک صار لها وقتا وخلقا معروفا » (1).

وعن سماعة بن مهران عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فإذا اتفق شهران عدة أیام سواء فتلک عادتها » (2).

ثم العادة إما أن تکون عددیة وقتیة ، أو عددیة خاصة ، أو وقتیة کذلک. فالأقسام ثلاثة :

الأول : أن تتفق وقتا وعددا ، کما لو رأت أول الشهر سبعة وانقطع الی أن دخل الثانی ، ثم رأت سبعة. وهذه أنفع العادات ، فإنها تتحیض برؤیة الدم ، وترجع إلیها عند التجاوز.

الثانی : أن تتفق عددا لا غیر ، کما لو رأت السبعة الأولی من الشهر ، ثم رأت سبعة أخری من الشهر ، بعد مضی أقل الطهر ، فتستقر عددا ، لکن تکون بحسب الوقت کالمضطربة ، فإذا رأت الدم الثالث بعد مضی أقل الطهر وتجاوز العشرة رجعت الی السبعة. وهذان القسمان داخلان فی تعریف المصنف.

الثالث : أن تتفق فی الوقت خاصة ، کما لو رأت سبعة من أول الشهر ، ثم ثمانیة من أول الآخر. وهذه تتحیض برؤیته بعد ذلک فی وقته ، لکن هل یحکم لها بتکرر أقل العددین ، أو تکون مضطربة فی العدد؟ قیل بالأول لتکرر الأقل (3). وقیل بالثانی لعدم

ص: 326


1- الکافی ( 3 : 83 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 381 - 1183 ) ، الوسائل ( 2 : 546 ) أبواب الحیض ب (7) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 79 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 380 - 1178 ) ، الوسائل ( 2 : 559 ) أبواب الحیض ب (14) ح (1).
3- کما فی منتهی المطلب ( 1 : 103 ) ، والذکری : (28).

مسائل خمس :

الأولی : ذات العادة تترک الصلاة والصوم برؤیة الدم إجماعا ،

______________________________________________________

صدق الاستواء والاستقامة (1) ، وهو حسن.

قوله : مسائل خمس ، الأولی : ذات العادة تترک الصلاة والصوم برؤیة الدم إجماعا.

قال الشارح - رحمه الله - : هذا إنما یتم فی القسم الأول من أقسام العادة بالنسبة الی ما یدخل فی تعریف المصنف. وفی القسم الثالث بشرط أن تراه فیهما فی أیام العادة کما لا یخفی. وأما القسم المتوسط وما تراه متقدما عنها فهو کرؤیة المبتدأة والمضطربة (2) (3) هذا کلامه - قدس سره - وهو یقتضی ثبوت الاحتیاط لذات العادة فی أغلب الأحوال ، بناء علی وجوبه فی المبتدأة ، لندرة الاتفاق فی الوقت. وهو مع ما فیه من الحرج مخالف لظاهر الأخبار المستفیضة کما ستقف علیه.

وقال الشیخ فی المبسوط : إذا استقرت العادة ثم تقدمها أو تأخر عنها الدم بیوم أو یومین إلی العشرة حکم بأنه حیض ، وإن زاد علی العشرة فلا (4) (5) ویلوح من کلام المصنف فی کتبه الثلاثة عدم وجوب الاحتیاط لذات العادة مطلقا (6).

والأظهر أنّ ما تجده المعتادة فی أیام العادة یحکم بکونه حیضا ، لصحیحة محمد بن

ذات العادة تترک الصلاة برؤیة الدم

ص: 327


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 37 ).
2- المسالک ( 1 : 9 ).
3- وهما القسم الأول والثانی من أقسام ذوات العادة.
4- المبسوط ( 1 : 43 ).
5- فی « ح » زیادة : وهو غیر بعید الا أن فی التحدید بالعشرة نظرا.
6- المعتبر ( 1 : 213 ) ، المختصر النافع : (9).

وفی المبتدئة تردد ، والأظهر أنها تحتاط للعبادة حتی تمضی لها ثلاثة أیام.

______________________________________________________

مسلم. قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری الصفرة فی أیامها ، فقال : « لا تصلی حتی تنقضی أیامها ، فإن رأت الصفرة فی غیر أیامها توضأت وصلت » (1).

وکذا المتقدم والمتأخر مع کونه بصفة الحیض ، لعموم قوله علیه السلام فی حسنة حفص بن البختری : « فإذا کان للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة » (2).

وتشهد له أیضا صحیحة العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة ذهب طمثها سنین ثم عاد إلیها شی ء ، قال : « تترک الصلاة حتی تطهر » (3).

وموثقه سماعة ، قال : سألته عن المرأة تری الدم قبل وقت حیضها ، قال : « فلتدع الصلاة ، فإنه ربما تعجّل بها الوقت » (4).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة تری الصفرة ، فقال : « إن کان قبل الحیض بیومین فهو من الحیض ، وإن کان بعد الحیض بیومین فهو من الحیض » (5).

قوله : وفی المبتدئة تردد ، والأظهر أنها تحتاط للعبادة حتی تمضی لها ثلاثة أیام.

موضع الخلاف ما إذا کان الدم المرئی بصفة دم الحیض ، کما صرح به العلامة فی

متی تترک المبتدأة العبادة

ص: 328


1- المتقدمة فی ص (325).
2- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 107 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 397 - 1234 ) ، الوسائل ( 2 : 582 ) أبواب الحیض ب (32) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 77 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 158 - 453 ) ، الوسائل ( 2 : 556 ) أبواب الحیض ب (13) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 78 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 396 - 1231 ) ، الوسائل ( 2 : 540 ) أبواب الحیض ب (4) ح (2). فی جمیع المصادر : ( وإن کان بعد الحیض بیومین فلیس من الحیض ) وهو الصحیح کما هو مستفاد من باقی الروایات والقرائن القطعیة. وهذه الجملة بأکملها غیر موجودة فی « م ».

______________________________________________________

المختلف (1) وغیره.

والأصح أنها تتحیض برؤیته ، لعموم قوله علیه السلام : « فإذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (2).

وتشهد له صحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أی ساعة رأت الدم فهی تفطر الصائمة » (3). وموثقة عبد الله بن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المرأة إذا رأت الدم فی أول حیضها واستمر الدم ترکت الصلاة عشرة أیام ، ثم تصلی عشرین یوما » (4).

وقال السید المرتضی - رحمه الله - فی المصباح : والجاریة التی یبتدئ بها الحیض لا تترک الصلاة حتی یستمر لها ثلاثة أیام (5). وهو اختیار ابن الجنید (6) ، وأبی الصلاح (7) ، وسلار ، والمصنف فی کتبه الثلاثة (8).

واحتج علیه فی المعتبر بأنّ مقتضی الدلیل لزوم العبادة حتی تیقن المسقط ولا تیقن قبل استمراره ثلاثة. ویرد علیه منع اشتراط تیقن المسقط ، بل یکفی ظهوره ، وهو حاصل بما ذکرناه من الأدلة. ثم قال : ولو قیل لو لزم ما ذکرته قبل الثلاثة لزم بعدها ،

ص: 329


1- المختلف ( 1 : 37 ).
2- تقدم فی ص (324).
3- التهذیب ( 1 : 394 - 1218 ) ، الإستبصار ( 1 : 146 - 499 ) ، الوسائل ( 2 : 601 ) أبواب الحیض ب (50) ح (3).
4- التهذیب ( 1 : 381 - 1182 ) ، الإستبصار ( 1 : 137 - 469 ) ، الوسائل ( 2 : 549 ) أبواب الحیض ب (8) ح (6).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 213 ).
6- نقله عنه فی المختلف : (38).
7- الکافی فی الفقه : (128).
8- المعتبر ( 1 : 213 ) ، المختصر النافع : (10).

الثانیة : لو رأت الدم ثلاثة ثم انقطع ورأت قبل العاشر کان الکل حیضا. ولو تجاوز العشرة رجعت إلی التفصیل الذی نذکره ، ولو تأخر بمقدار عشرة أیام ثم رأته کان الأول حیضا منفردا ، والثانی یمکن أن یکون حیضا مستأنفا.

______________________________________________________

لجواز أن تری ما هو أسود ویتجاوز فیکون هو حیضها لا الثلاثة. قلنا : الفرق أنّ الیوم والیومین لیس حیضا حتی تستکمل ثلاثا ، والأصل عدم التتمة حتی یتحقق. أما إذا استمر ثلاثا فقد کمل ما یصلح أن یکون حیضا ، ولا یبطل هذا الا مع التجاوز ، والأصل عدمه ما لم یتحقق (1). وما ذکره - رحمه الله - جید الا أنّ أصالة العدم لا تکفی فی حصول الیقین الذی قد اعتبره سابقا فتأمل.

قوله : الثانیة ، لو رأت الدم ثلاثة أیام ثم انقطع ورأت قبل العاشر کان الکل حیضا.

المراد أنها لو رأت الدم ثلاثة ثم انقطع وعاد قبل تمام العاشر وجب الحکم بکون الدمین مع النقاء حیضا. أما الدمان فظاهر ، وأما النقاء المحفوف بهما ، فلنقصانه عن العشرة ، فلا یمکن أن یکون طهرا. وقد صرح بذلک فی المعتبر ، فقال : ولو رأت ثلاثة ثم انقطع ، ثم رأت یوم العاشر أو ما دون کان الدمان وما بینهما من النقاء حیضا کالدم الجاری (2). واستدل علیه بما رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی ، وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة » (3).

قوله : ولو تأخر بمقدار عشرة أیام ثم رأته کان الأول حیضا منفردا ، والثانی یمکن أن یکون حیضا مستأنفا.

حکم من تری الدم ثلاثة ثم ینقطع ثم یعود قبل العاشر

ص: 330


1- کما فی المعتبر ( 1 : 213 ).
2- المعتبر ( 1 : 203 ).
3- الکافی ( 3 : 77 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 454 ) ، الوسائل ( 2 : 554 ) أبواب الحیض ب (11) ح (3).

الثالثة : إذا انقطع لدون عشرة فعلیها الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقیّة اغتسلت ، وإن کانت متلطخة صبرت المبتدئة حتی تنقی أو تمضی عشرة. وذات العادة تغتسل بعد یوم أو یومین من عادتها ، فإن استمر إلی العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم ، وإن تجاوز کان ما أتت به مجزیا.

______________________________________________________

إنما کان کذلک لمضی أقل الطهر بینهما ، فإن ثبتت الکلیة المدعاة فی کلامهم تحیضت برؤیته ، والا وجب مراعاة الصفات علی ما تقدم من التفصیل.

قوله : الثالثة ، إذا انقطع لدون عشرة فعلیها الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقیّة اغتسلت ، وإن کانت ملطخة صبرت المبتدئة حتی تنقی أو تمضی عشرة أیام ، وذات العادة تغتسل بعد یوم أو یومین من عادتها ، فإن استمر إلی العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم ، وإن تجاوز کان ما أتت به مجزیا.

البحث فی هذه المسألة یقع فی مواضع :

الأول : إن الحائض متی انقطع دمها ظاهرا لدون العشرة وجب علیها الاستبراء ، وهو طلب براءة الرحم من الدم بإدخال القطنة والصبر هنیئة ، ثم إخراجها لتعلم النقاء أو عدمه والظاهر حصوله بأی کیفیة اتفق ، لإطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة محمد ابن مسلم : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فیها شی ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شیئا فلتغتسل » (1).

والأولی أن تعتمد برجلها الیسری علی حائط أو شبهه وتستدخل القطنة بیدها الیمنی ، لروایة شرحبیل ، عن الصادق علیه السلام ، قال ، قلت : کیف تعرف الطامث طهرها ، قال : « تعتمد برجلها الیسری علی الحائط وتستدخل الکرسف بیدها

الاستظهار

ص: 331


1- الکافی ( 3 : 80 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 161 - 460 ) ، الوسائل ( 2 : 562 ) أبواب الحیض ب (17) ح (1).

______________________________________________________

الیمنی ، فإن کان مثل رأس الذباب خرج علی الکرسف » (1).

الثانی : إنه متی حصل النقاء وجب علیها الغسل ، وهو إجماعی منصوص. ولو اعتادت النقاء فی أثناء العادة ثم رؤیة الدم بعده فالظاهر عدم وجوب الغسل معه ، لاطراد العادة ، واستلزام وجوبه الحرج والضرر بتکرر الغسل مع تکرر النقاء. ویحتمل الوجوب للعموم واحتمال عدم العود.

الثالث : إنّ المبتدئة یجب علیها الصبر مع استمرار الدم الی النقاء ، أو مضی عشرة أیام ، وهو إجماع. وأوجب علیها الشهید فی الذکری مع رجوعها إلی عادة نسائها الاستظهار بیوم (2) ، لقوله علیه السلام فی روایة محمد بن مسلم وزرارة : « یجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدی بأقرائها ثم تستظهر علی ذلک بیوم » (3) وفی السند ضعف (4).

الرابع : أجمع علماؤنا علی ثبوت (5) الاستظهار لذات العادة مع استمرار الدم إذا کانت عادتها دون العشرة ، قاله فی المعتبر (6).

والمراد بالاستظهار طلب ظهور الحال فی کون الدم حیضا أو طهرا بترک العبادة بعد العادة یوما أو أکثر ، ثم الغسل بعدها. وقد وقع الخلاف هنا فی موضعین :

ص: 332


1- الکافی ( 3 : 80 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 161 - 461 ) ، الوسائل ( 2 : 562 ) أبواب الحیض ب (17) ح (3).
2- الذکری : (29).
3- التهذیب ( 1 : 401 - 1252 ) ، الإستبصار ( 1 : 138 - 472 ) ، الوسائل ( 2 : 546 ) أبواب الحیض ب (8) ح (1).
4- لأن الشیخ رواها عن علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی وطریق الشیخ الیه ضعیف بعلی بن محمد بن الزبیر ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 337 ).
5- فی « ح » : علی أنّ ثبوت.
6- المعتبر ( 1 : 215 ).

______________________________________________________

أحدهما : إنّ هذا الاستظهار هل هو علی سبیل الوجوب أو الاستحباب؟ ظاهر کلام الشیخ فی النهایة والجمل (1) ، والمرتضی فی المصباح (2) الوجوب. وقیل بالاستحباب ، وإلیه ذهب عامة المتأخرین (3).

احتج الأولون بورود الأمر به فی عدة أخبار ، وهو حقیقة فی الوجوب. فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : « فی الحائض إذا رأت دما بعد أیامها التی کانت تری الدم فیها فلتقعد عن الصلاة یوما أو یومین ، ثم تمسک قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ینقطع فلتجمع بین کل صلاتین بغسل » (4).

وفی الصحیح عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الحائض کم تستظهر؟ فقال : « تستظهر بیوم ، أو یومین ، أو ثلاثة » (5).

وفی الصحیح عن محمد بن عمرو بن سعید ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الطامث کم حدّ جلوسها؟ فقال : « تنتظر عدّة ما کانت تحیض ، ثم تستظهر بثلاثة أیام ، ثم هی مستحاضة » (6).

ص: 333


1- النهایة : (24) ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163).
2- نقل کلامه فی المعتبر ( 1 : 214 ).
3- منهم العلامة فی التذکرة ( 1 : 29 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (29) ، والکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 45 ).
4- المعتبر ( 1 : 215 ) ، الوسائل ( 2 : 558 ) أبواب الحیض ب (13) ح (15).
5- التهذیب ( 1 : 171 - 489 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 514 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (9).
6- التهذیب ( 1 : 172 - 491 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 515 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (10).

______________________________________________________

وأجاب المصنف (1) ومن تأخر عنه (2) عن هذه الروایات بالحمل علی الاستحباب ، جمعا بینها وبین قوله علیه السلام : « تحیضی أیام أقرائک » (3) وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « المستحاضة تنتظر أیامها فلا تصل فیها ولا یقربها بعلها ، فإذا جازت أیامها ورأت دما یثقب الکرسف اغتسلت للظهر والعصر » (4) وفی روایة ابن أبی یعفور : « المستحاضة إذا مضت أیام أقرائها اغتسلت » (5).

ویمکن الجمع بینها أیضا بحمل أخبار الاستظهار علی ما إذا کان الدم بصفة دم الحیض ، والأخبار المتضمنة للعدم علی ما إذا لم یکن کذلک ، واحتمله المصنف فی المعتبر (6). وکیف کان فالاستظهار أولی.

ثم إن قلنا بالاستحباب واختارت فعل العبادة ففی وصفها بالوجوب نظر ، من حیث جواز ترکها لا إلی بدل ، ولا شی ء من الواجب کذلک. اللهم إلا أن یلتزم بوجوب العبادة بمجرد الاغتسال ، وفیه ما فیه.

وثانیهما : فی قدر زمان الاستظهار. فقال الشیخ فی النهایة : تستظهر بعد العادة بیوم أو یومین (7) ، وهو قول ابن بابویه والمفید (8). وقال فی الجمل : إن خرجت ملوثة بالدم

ص: 334


1- المعتبر ( 1 : 216 ).
2- منهم الشهید الأول فی الذکری : (29) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (73). (3) الکافی ( 3 : 83 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 381 - 1183 ) ، الوسائل ( 2 : 548 ) أبواب الحیض ب (8) ح
3- .
4- الکافی ( 3 : 88 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 106 - 277 ) ، الوسائل ( 2 : 542 ) أبواب الحیض ب (15) ح (2).
5- التهذیب ( 1 : 402 - 1258 ) ، الوسائل ( 2 : 608 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (13).
6- المعتبر ( 1 : 207 ).
7- النهایة : (24).
8- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 214 ).

______________________________________________________

فهی بعد حائض تصبر حتی تنقی (1). وقال المرتضی فی المصباح : تستظهر عند استمرار الدم إلی عشرة أیام ، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة (2).

والمعتمد جواز استظهارها بیوم أو یومین أو ثلاثة ، لصحیحتی البزنطی (3) ومحمد بن عمرو بن سعید (4) عن الرضا علیه السلام ، وقد سلفتا.

ویشهد لما ذکره المرتضی : روایة عبد الله بن المغیرة ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة تری الدم ، فقال : « إن کان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة » (5).

وروایة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الحائض إذا تجاوز دمها الوقت ، قال : « تنتظر (6) عدتها التی کانت تجلس ، ثم تستظهر بعشرة أیام ، فإن رأت دما صبیبا فلتغتسل فی وقت کل صلاة » (7).

قال الشیخ - رحمه الله - : معنی قوله : بعشرة أیام : إلی عشرة أیام ، وحروف

ص: 335


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163).
2- نقل کلامه فی المعتبر ( 1 : 214 ).
3- التهذیب ( 1 : 171 - 489 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 514 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (9).
4- التهذیب ( 1 : 172 - 491 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 515 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (10).
5- التهذیب ( 1 : 172 - 493 ) ، الإستبصار ( 1 : 150 - 517 ) ، الوسائل ( 2 : 558 ) أبواب الحیض ب (13) ح (11).
6- فی « ق » : تنظر.
7- التهذیب ( 1 : 402 - 1259 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 516 ) ، الوسائل ( 2 : 558 ) أبواب الحیض ب (13) ح (12).

الرابعة : إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل علی کراهیة.

______________________________________________________

الصفات یقوم بعضها مقام بعض (1). وهو حسن ، لکن فی طریق الروایة الأولی ضعف (2) وإرسال ، وفی یونس بن یعقوب کلام (3) ، فیشکل الخروج بهما عن مقتضی الأدلة الدالة علی لزوم العبادة. ولا ریب أنّ الاقتصار علی الثلاثة أحوط.

الخامس : ذکر المصنف (4) - رحمه الله - وغیره (5) : أنّ الدم متی انقطع علی العاشر تبین کون الجمیع حیضا ، فیجب علیها قضاء صوم العشرة ، وإن کانت قد صامت بعد انقضاء العادة ، لتبیّن فساده ، دون الصلاة. وإن تجاوز العشرة تبین أنّ ما زاد عن العادة طهر کله ، فیجب علیها قضاء ما أخلّت به من العبادة فی ذلک الزمان ، ویجزئها ما أتت به من الصلاة والصیام ، لتبیّن کونها طاهرا.

وعندی فی جمیع هذه الأحکام توقف ، لعدم الظفر بما یدل علیها من النصوص.

والمستفاد من الأخبار أن ما بعد أیام الاستظهار استحاضة ، وأنّه لا یجب قضاء ما فاتها فی أیام الاستظهار مطلقا (6) ، والله أعلم.

قوله : الرابعة ، إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل علی کراهة.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من جواز وطء الحائض إذا طهرت قبل الغسل علی کراهة هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل عن الصدوق - رحمه الله - القول بتحریمه قبل

جواز وطء الحائض قبل أن تغتسل

ص: 336


1- التهذیب ( 1 : 402 ).
2- لأن فی طریقها أحمد بن هلال وقد قال عنه الشیخ فی الفهرست : ( 36 - 97 ) انه کان غالیا متهما فی دینه.
3- راجع رجال النجاشی : ( 446 - 1207 ).
4- کما فی المعتبر ( 1 : 203 ).
5- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 104 ).
6- الوسائل ( 2 : 556 ) أبواب الحیض ب (13).

______________________________________________________

الغسل (1) ، وکلامه فی کتابه من لا یحضره الفقیه لا یعطی ذلک ، فإنه قال : ولا یجوز مجامعة المرأة فی حیضها ، لأن الله عز وجل نهی عن ذلک ، فقال ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ ) (2) یعنی بذلک الغسل من الحیض ، فإن کان الرجل شبقا وقد طهرت المرأة وأراد زوجها أن یجامعها قبل الغسل أمرها أن تغسل فرجها ثم یجامعها (3). هذا کلامه - رحمه الله . وهو صریح فی جواز الوطء قبل الغسل إذا کان الزوج شبقا وغسلت فرجها ، فلا یتم إسناد التحریم إلیه مطلقا. والمعتمد الکراهة.

لنا : أصالة الإباحة ، وقوله تعالی ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ ) بالتخفیف ، کما قرأ به السبعة ، أی یخرجن من الحیض. یقال : طهرت المرأة إذا انقطع حیضها. جعل سبحانه وتعالی غایة التحریم انقطاع الدم فیثبت الحل بعده ، عملا بمفهوم الغایة ، لأن الحق أنه حجة ، بل صرّح الأصولیون بأنه أقوی من مفهوم الشرط.

ولا ینافی ذلک قراءة التشدید. أما أولا ، فلأن « تفعل » قد جاء فی کلامهم بمعنی « فعل » کقولهم تبیّن ، وتبسّم ، وتطعّم بمعنی : بان ، وبسم ، وطعم. قیل (4) : ومن هذا الباب المتکبّر فی أسماء الله تعالی ، بمعنی الکبیر (5). وإذا ثبت إطلاق هذه البنیة (6) علی هذا المعنی کان الحمل علیه أولی ، صونا للقرائتین ( عن التنافی ) (7).

وأما ثانیا ، فلإمکان حمل النهی فی هذه القراءة علی الکراهة ، توفیقا بین القراءتین،

ص: 337


1- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 235 ).
2- البقرة : (222).
3- الفقیه ( 1 : 53 ).
4- لیست فی « م ».
5- کما فی المعتبر ( 1 : 236 ) ، وروض الجنان : (79) ، وجامع المقاصد ( 1 : 45 ).
6- فی « ح » : الهیئة.
7- لیست فی « س ».

______________________________________________________

ویکون المنهی عنه المباشرة بعد انقطاع الدم ، لسبق العلم بتحریمها حالة الحیض من صدر الآیة ، أعنی قوله تعالی ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ ) (1) وإلی هذا أشار فی المعتبر ، حیث قال : ولو قیل : قد قرئ بالتضعیف فی یطهرن ، قلنا : فیجب أن یحمل علی الاستحباب ، توفیقا بین القراءتین ، ودفعا للتنافی بینهما (2).

ولا یعارض بمفهوم قوله تعالی ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (3) حیث شرط فی إباحة الوطء التطهر (4) الذی هو الغسل. لأنا نقول مفهومه انتفاء رجحان الوطء مع عدم التطهر (5) ، وهو أعم من التحریم ، فیحتمل الإباحة.

سلّمنا أنّ الأمر هنا للإباحة ، لکنا نمنع إرادة الغسل من التطهر (6) ، لأنه یتوقف علی ثبوت وضعه له شرعا ، وهو ممنوع ، بل یتعیّن حمله علی الطهر ، لوروده بمعناه لغة کما تقدم ، أو علی المعنی اللغوی المتحقق بغسل الفرج خاصة.

سلمنا أنّ المراد بالتطهر الغسل ، لکن نقول مفهومان تعارضا ، فإن لم یرجح (7) أقواهما تساقطا ویبقی حکم الأصل سالما من المعارض.

ویدل علی الجواز أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی المرأة ینقطع عنها دم الحیض فی آخر أیامها ، فقال : « إذا أصاب زوجها شبق فلیأمرها بغسل فرجها ثم یمسّها إن شاء قبل أن تغتسل » (8).

ص: 338


1- البقرة : (222).
2- المعتبر ( 1 : 235 ).
3- البقرة : (222).
4- فی « م » ، « س » ، « ق » : التطهیر.
5- فی « م » ، « س » ، « ق » : التطهیر.
6- فی « م » ، « س » ، « ق » : التطهیر.
7- فی « ق » ، « س » : نرجح.
8- الکافی ( 5 : 539 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 166 - 475 ) ، الإستبصار ( 1 : 135 - 463 ) ، الوسائل ( 2 : 572 ) أبواب الحیض ب (27) ح (1) ، ( مع اختلاف یسیر فی التهذیب والاستبصار ).

______________________________________________________

وفی الموثق عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الحائض تری الطهر فیقع علیها زوجها قبل أن تغتسل ، قال : « لا بأس ، وبعد الغسل أحبّ الیّ » (1).

واحتج القائلون بالتحریم بقوله تعالی ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ ) (2) بالتشدید. وبما رواه الشیخ عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة کانت طامثا فرأت الطهر أیقع علیها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا حتی تغتسل » (3).

وعن عبد الرحمن ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة حاضت ثم طهرت فی سفر فلم تجد الماء یومین أو ثلاثة ، هل لزوجها أن یقع علیها؟ قال : « لا یصلح لزوجها أن یقع علیها حتی تغتسل » (4).

وعن سعید بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال ، قلت له : المرأة تحرم علیها الصلاة ثم تطهر فتوضأ من غیر أن تغتسل ، أفلزوجها أن یأتیها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا حتی تغتسل » (5).

دلیل القائلین بالتحریم

ص: 339


1- الکافی ( 5 : 539 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 167 - 481 ) ، ( بتفاوت یسیر ) ، الإستبصار ( 1 : 136 - 468 ) ، الوسائل ( 2 : 573 ) أبواب الحیض ب (27) ح (5).
2- البقرة : (222).
3- التهذیب ( 1 : 166 - 478 ) ، الإستبصار ( 1 : 136 - 465 ) ، الوسائل ( 2 : 573 ) أبواب الحیض ب (27) ح (6).
4- التهذیب ( 1 : 399 - 1244 ) ، الوسائل ( 2 : 565 ) أبواب الحیض ب (21) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 167 - 479 ) ، الإستبصار ( 1 : 136 - 466 ) ، الوسائل ( 2 : 574 ) أبواب الحیض ب (27) ح (7).

الخامسة : إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضی مقدار الطهارة والصلاة وجب علیها القضاء ،

______________________________________________________

والجواب عن الآیة ما تقدم (1) ، وعن الروایات أولا بالطعن فی السند (2) ، وثانیا بالحمل علی الکراهة جمعا بین الأدلة. ومن هنا یعلم أنّ ما ذکره جدی - قدس سره - فی روض الجنان (3) من قوة ما ذهب إلیه الصدوق - رحمه الله - لدلالة ظاهر الآیة علیه ، وورود الأخبار الصحیحة به وإن عارضها ما لا یساویها ، محل نظر.

قوله : الخامسة ، إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضی مقدار الطهارة والصلاة وجب علیها القضاء.

هذا مذهب الأصحاب. واحتجوا (4) علیه بموثقة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام . قال فی امرأة دخل وقت الصلاة وهی طاهر ، فأخرت الصلاة حتی حاضت ، قال : « تقضی إذا طهرت » (5).

وروایة عبد الرحمن بن الحجاج : قال : سألته عن المرأة طمثت بعد أن تزول الشمس ولم تصل الظهر ، هل علیها قضاء تلک الصلاة؟ قال : « نعم » (6) وفی سند الروایتین

حکم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة

ص: 340


1- فی ص (334).
2- اما الأولی والثالثة فلأن الشیخ رواهما عن علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی وطریق الشیخ الیه ضعیف بعلی بن محمد بن الزبیر ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 337 ) وأما الثانیة فیمکن أن یکون الطعن فیها لکون بعض رواتها فطحیا.
3- روض الجنان : (80).
4- کما فی منتهی المطلب ( 1 : 113 ).
5- التهذیب ( 1 : 392 - 1211 ) ، الإستبصار ( 1 : 144 - 493 ) ، الوسائل ( 2 : 597 ) أبواب الحیض ب (48) ح (4).
6- التهذیب ( 1 : 394 - 1221 ) ، الإستبصار ( 1 : 144 - 494 ) ، الوسائل ( 2 : 597 ) أبواب الحیض ب (48) ح (5).

وإن کان قبل ذلک لم یجب.

______________________________________________________

ضعف (1) إلا أنهما مؤیدتان بعموم ما دل علی وجوب قضاء الفوائت (2).

وروی أبو الورد قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المرأة التی تکون فی صلاة الظهر وقد صلّت رکعتین ثم تری الدم ، قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضی الرکعتین ، قال : فإن رأت الدم وهی فی صلاة المغرب وقد صلّت رکعتین فلتقم من مسجدها ، فإذا طهرت فلتقض الرکعة التی فاتتها من المغرب » (3) وبمضمون هذه الروایة أفتی الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (4). وهی ضعیفة بجهالة الراوی (5). والمعتمد ما علیه الأصحاب.

قوله : ولو کان قبل ذلک لم یجب.

هذا قول معظم الأصحاب تمسّکا بمقتضی الأصل السالم عن المعارض. واستدل علیه فی المنتهی بأنّ وجوب الأداء ساقط ، لاستحالة تکلیف ما لا یطاق ، ووجوب القضاء تابع لوجوب الأداء (6). وهو استدلال ضعیف ، أما أولا فلأنه منقوض بوجوب قضاء الصلاة علی الساهی والنائم ، وقضاء الصوم علی الحائض ، مع سقوط الأداء بالنسبة الی

ص: 341


1- أما الأولی فلأن الشیخ رواها عن علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی وطریق الشیخ الیه ضعیف ، ومن ثم أن فی یونس بن یعقوب کلام ( راجع معجم رجال الحدیث ( 11 : 337 ) ، ورجال النجاشی : 446 1207 ). وأما الثانیة فلأن الشیخ رواها عن أحمد بن محمد بن عیسی وللشیخ الیه طریقان کلاهما ضعیف أحدهما بأحمد بن محمد بن یحیی والآخر بأحمد بن محمد بن الحسن بن الولید ( راجع معجم رجال الحدیث 2 : 299 ).
2- الوسائل ( 5 : 347 ) أبواب قضاء الفوائت ب (1).
3- الکافی ( 3 : 103 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 392 - 1210 ) ، الإستبصار ( 1 : 144 - 495 ) ، الوسائل ( 2 : 597 ) أبواب الحیض ب (48) ح (3).
4- الفقیه ( 1 : 52 ).
5- راجع معجم رجال الحدیث ( 22 : 66 - 14876 ).
6- منتهی المطلب ( 1 : 209 ).

وإن طهرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء رکعة وجب علیها الأداء ، ومع الإخلال القضاء.

______________________________________________________

الجمیع.

وأما ثانیا فلأن الحق أنّ القضاء إنما یجب بأمر جدید ، فمتی وجد ثبت الوجوب ، ومتی انتفی انتفی ، ولا ارتباط له بوجوب الأداء کما حقّق فی محلّه.

ونقل عن ظاهر المرتضی (1) وابن بابویه (2) الاکتفاء فی وجوب القضاء بخلو أول الوقت عن الحیض بمقدار أکثر الصلاة ، ولم نقف علی مأخذه.

قوله : وإن طهرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء رکعة وجب علیها الأداء ، ومع الإخلال القضاء.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، بل قال فی المنتهی إنه لا خلاف فیه بین أهل العلم (3). ویدل علیه عموم قول النبی صلی الله علیه و آله : « من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الکل »(4).

وروی الشیخ فی الصحیح عن معمر بن یحیی ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الحائض تطهر عند العصر ، تصلی الأولی؟ قال : « لا إنما تصلی التی تطهر عندها » (5) ویمکن حملها علی ما إذا لم تدرک من آخر الوقت إلا مقدار أربع رکعات ،

حکم من طهرت قبل آخر الوقت بقلیل

ص: 342


1- جمل العلم والعمل : (67).
2- لم نعثر علیه بهذه الصراحة : لکن قال فی المقنع : (17) ، والفقیه ( 1 : 52 ) : وإذا صلّت المرأة من الظهر رکعتین فحاضت قامت من مجلسها ولم یکن علیها إذا طهرت قضاء الرکعتین وان کانت فی صلاة المغرب وقد صلّت رکعتین فحاضت ، قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الرکعة.
3- منتهی المطلب ( 1 : 209 ).
4- جامع الأصول ( 5 : 251 - 3325 ) ، سنن النسائی ( 1 : 274 ) ، صحیح البخاری ( 1 : 151 ).
5- الکافی ( 3 : 102 - 2 ) ، الاستبصار ( 1 : 141 - 484 ) ، التهذیب ( 1 : 389 - 1198 ) ، الوسائل ( 2 : 599 ) أبواب الحیض ب (49) ح (3).

وأما ما یتعلق به فأشیاء :

الأول : یحرم علیها کل ما یشترط فیه الطهارة ، کالصلاة والطواف ومسّ کتابة القرآن. یکره حمل المصحف ولمس هامشه. ولو تطهّرت لم یرتفع حدثها.

______________________________________________________

فإنه یختصّ بالعصر ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : وأما ما یتعلق به فأشیاء ، الأول : یحرم علیها کل ما یشترط فیه الطهارة ، کالصلاة والطواف ومسّ کتابة القرآن.

أما تحریم الصلاة والطواف فموضع وفاق بین العلماء. وأما تحریم المسّ ، فمذهب الأکثر ، بل قیل : إنّه إجماع (1). وقال ابن الجنید : إنه مکروه (2) ، ولعله یرید بالکراهة الحرمة. والکلام فیه کما فی الجنب.

قوله : ویکره حمل المصحف ولمس هامشه.

لورود النهی عنهما فی روایة إبراهیم بن عبد الحمید (3). ویلوح من کلام المرتضی - رحمه الله - التحریم (4) ، وهو ضعیف.

قوله : ولو تطهرت لم یرتفع حدثها.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المعتبر (5) ، واستدل علیه بأنّ الطهارة ضدّ الحیض فلا تتحقق مع وجوده ، وبقوله علیه السلام فی حسنة ابن مسلم ، وقد سأله عن الحائض تطهّر یوم الجمعة وتذکر الله : « أما الطهر فلا ، ولکن تتوضأ وقت

اٴحکام الحائض

حرمة ما یشترط فیه الطهارة علیها

کراهة حمل المصحف ولمس هامشه

عدم ارتفاع حدثها بالطهارة

ص: 343


1- کما فی منتهی المطلب ( 1 : 110 ).
2- نقله عنه فی المختلف : (36).
3- التهذیب ( 1 : 127 - 344 ) ، الإستبصار ( 1 : 113 - 378 ) ، الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (3).
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 234 ).
5- المعتبر ( 1 : 221 ).

الثانی : لا یصح منها الصوم.

______________________________________________________

کل صلاة » (1) الحدیث.

وما رواه عبد الله بن یحیی الکاهلی فی الحسن عن الصادق علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة یجامعها زوجها فتحیض وهی فی المغتسل أفلا تغتسل؟ قال : « قد جائها ما یفسد الصلاة فلا تغتسل » (2).

قال بعض المحققین : وفی هذا الخبر دلالة علی وجوب غسل الجنابة لغیره وإلا لم یکن لتأخیر الغسل معنی (3). وفیه نظر ، لان (4) طرو المانع من فعل الواجب الموسع فی وقت معیّن لا یخرجه عن کونه واجبا.

ویلوح من کلام الشیخ فی کتابی الحدیث جواز الاغتسال والحال هذه (5) ، لموثقة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه سأله عن المرأة یواقعها زوجها ثم تحیض قبل أن تغتسل : قال : « إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل فلیس علیها شی ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحیض والجنابة » (6).

قوله : الثانی ، لا یصح منها الصوم.

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، والنصوص به من الطرفین مستفیضة (7). وفی

عدم صحة الصوم منها

ص: 344


1- الکافی ( 3 : 100 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 566 ) أبواب الحیض ب (22) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 83 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 370 - 1128 ) ، وص ( 395 - 1224 ) ، الوسائل ( 2 : 565 ) أبواب الحیض ب (22) ح (1). ( مع اختلاف یسیر فی التهذیب والکافی ).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 33 ).
4- فی « ق » « م » « س » : فأن.
5- التهذیب ( 1 : 396 ) ، والاستبصار ( 1 : 147 ).
6- التهذیب ( 1 : 396 - 1229 ) ، الاستبصار ( 1 : 147 - 506 ) ( مع اختلاف یسیر فیهما ) ، الوسائل ( 1 : 527 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (7).
7- الوسائل ( 2 : 586 ) أبواب الحیض ب (39) ح ( 2 ، 3 ، 4 ).

الثالث : لا یجوز لها الجلوس فی المسجد ،

______________________________________________________

توقف صومها علی الغسل قولان : أشهرهما ذلک ، لروایة أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن طهرت بلیل من حیضها ثم توانت أن تغتسل فی رمضان حتی أصبحت علیها قضاء ذلک الیوم » (1) وفی الطریق علی بن الحسن وعلی بن أسباط وهما فطحیان (2). ومن ثم تردد فی ذلک المصنف فی المعتبر (3). وجزم العلامة فی النهایة بعدم الوجوب (4) ، ولا یخلو من قوة.

قال الشارح : وإنما غیّر أسلوب العبارة وحکم فی الصلاة بالتحریم وفی الصوم بعدم الصحة للتنبیه علی اختلاف هذه الغایات بالنسبة إلی الحائض ، فإنّ غایة تحریم الصلاة الطهارة ، وکذا ما أشبهها من الطواف ، ومسّ کتابة القرآن ، ودخول المساجد ، وقراءة العزائم. وغایة تحریم الطلاق انقطاع الدم وإن لم تغتسل. واختلف فی غایة الصوم ، فقیل : غایته الأولی ، وقیل : غایته الثانیة ، فلذا غایر بینهما (5) (6).

قوله : الثالث ، لا یجوز لها الجلوس فی المسجد.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه مذهب عامة أهل العلم (7). وتخصیص المصنف التحریم بالجلوس یؤذن بجواز التردد فی ( جوانب ) (8)

عدم جواز جلوسها فی المساجد

ص: 345


1- التهذیب ( 1 : 393 - 1213 ) ، الوسائل ( 2 : 534 ) أبواب الحیض ب (1) ح (1).
2- راجع رجال النجاشی : ( 252 - 663 ) ، ( 257 - 675 ) والفطحیة : هم القائلون بأن الإمامة بعد جعفر الصادق - علیه السلام - فی ابنه عبد الله بن جعفر الأفطح وسمّی الأفطح لأنه کان افطح الرأس ( راجع فرق الشیعة للنوبختی : 77 ).
3- المعتبر ( 1 : 226 ).
4- نهایة الأحکام ( 1 : 119 ).
5- المسالک ( 1 : 9 ).
6- فی « ح » زیادة : ویمکن المناقشة فی ذلک الا أنّ الأمر فیه هیّن.
7- منتهی المطلب ( 1 : 110 ).
8- لیست فی « س ».

ویکره الجواز فیه.

______________________________________________________

المسجد ، وهو کذلک. والحکم مختص بحالة الاختیار ، فلو اضطرت إلی ذلک لخوف من لصّ أو سبع جاز لها فعله من دون تیمم علی الأقوی ، عملا بالأصل ، وظاهر قوله علیه السلام فی روایة ابن مسلم : « أما الطهر فلا » (1).

وفی الجنب وجهان ، تقدمت الإشارة إلیهما. ومتی دخل الجنب المسجد متیمما جاز له اللبث فیه إلی أن ینتقض تیممه. وفی جواز النوم له فیه اختیارا قولان : أظهرهما الجواز ، لأنه قبل النوم متطهّر وبعده غیر مکلف. وقیل بالمنع ولا نعلم مأخذه.

ولم یذکر المصنف فی هذا الکتاب أنه یحرم علی الحائض وضع شی ء فی المسجد ، وقد قطع به فی النافع والمعتبر (2). وتدل علیه صحیحة ابن سنان الواردة بالمنع من ذلک فی الجنب والحائض (3) ، وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته کیف صارت الحائض تأخذ ما فی المسجد ولا تضع فیه؟ فقال : « لأن الحائض تستطیع أن تضع ما فی یدها فی غیره ، ولا تستطیع أن تأخذ ما فیه إلا منه » (4).

قوله : ویکره الجواز فیه.

هذا قول الشیخ فی الخلاف (5) وأتباعه. قال فی المنتهی : ولم نقف فیه علی حجة ، ثم احتمل کون سبب الکراهة إما جعل المسجد طریقا ، وإما إدخال النجاسة إلیه (6).

حرمة وضع شئ فی المسجد علیها

کراهة الجواز فی المسجد علیها

ص: 346


1- الکافی ( 3 : 100 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 566 ) أبواب الحیض ب (22) ح (3).
2- المختصر النافع : (10) ، المعتبر ( 1 : 223 ).
3- الکافی ( 3 : 51 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 125 - 339 ) ، الوسائل ( 1 : 490 ) أبواب الجنابة ب (17) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 106 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 397 - 1233 ) ، الوسائل ( 2 : 583 ) أبواب الحیض ب (35) ح (1).
5- الخلاف ( 1 : 196 ).
6- منتهی المطلب ( 1 : 110 ).

الرابع : لا یجوز لها قراءة شی ء من العزائم. ویکره لها ما عدا ذلک.

______________________________________________________

ویرد علی الأول أنه لا وجه لتخصیص الکراهة حینئذ بالحائض ، بل یعمّ کل مجتاز. وعلی الثانی أنّ ذلک محرم عنده فکیف یکون سببا فی الکراهة.

ونقل عن الشیخ فی المبسوط (1) ، والمرتضی فی المصباح (2) أنهما ذکرا إباحة الاجتیاز ولم یتعرضا للکراهة. وهو حسن.

هذا کله فیما عدا المسجدین ، أما هما فقد قطع الأصحاب بتحریم الدخول إلیهما (3) مطلقا ، لقوله علیه السلام فی روایة ابن مسلم : « ولا یقربان المسجدین الحرامین » (4) (5).

ویظهر من المصنف فی المعتبر التوقف فی ذلک ، حیث قال : وأما تحریم المسجدین اجتیازا فقد جری فی کلام الثلاثة وأتباعهم ، ولعله لزیادة حرمتهما علی غیرهما من المساجد ، وتشبیها للحائض بالجنب ، فلیس حالها بأخفّ من حاله (6). وهو فی محله.

قوله : الرابع : لا یجوز لها قراءة شی ء من العزائم ، ویکره لها ما عدا ذلک.

الکلام فی هذین الحکمین کما تقدم فی الجنب. ویستفاد من العبارة کراهة السبع المستثناة للجنب ، واستحسنه الشارح (7) ، لانتفاء النصّ المقتضی للتخصیص ، ( وهو غیر جید ، بل المتجه قراءة ما عدا العزائم من غیر کراهة بالنسبة إلیها مطلقا ، لانتفاء ما یدل علی الکراهة بطریق الإطلاق أو التعمیم حتی یحتاج استثناء السبع

حکم اجتیازها فی أحد المسجدین

حرمة قراءة العزائم وکراهة غیرها علیها

ص: 347


1- المبسوط ( 1 : 41 ).
2- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 110 ) ، والمعتبر ( 1 : 222 ).
3- کذا ، والأنسب : فیهما.
4- فی « م » « س » « ق » : الحرمین.
5- التهذیب ( 1 : 371 - 1132 ) ، الوسائل ( 1 : 488 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (17).
6- المعتبر ( 1 : 222 ).
7- المسالک ( 1 : 9 ).

وتسجد لو تلت السجدة ، وکذا إن استمعت علی الأظهر.

______________________________________________________

إلی المخصص ) (1).

وروایة سماعة (2) التی هی الأصل فی کراهة قراءة ما زاد علی السبع مختصة بالجنب ، فتبقی الأخبار الصحیحة المتضمنة لإباحة قراءة الحائض ما شاءت.

قوله : وتسجد لو تلت السجدة ، وکذا لو استمعت علی الأظهر.

خالف فی ذلک الشیخ فحرم علیها السجود (3) ، بناء علی اشتراط الطهارة فیه ، ونقل علیه فی التهذیب الإجماع (4). والمعتمد عدم الاشتراط ، تمسکا بإطلاق الأمر الخالی من التقیید ، وخصوص صحیحة أبی عبیدة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الطامث تسمع السجدة ، فقال : « إن کانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها » (5).

وروایة أبی بصیر قال ، قال : « إذا قرئ شی ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن کنت علی غیر وضوء ، وإن کنت جنبا ، وإن کانت المرأة لا تصلی » (6).

والعجب أنّ الشیخ فی التهذیب حمل هذین الخبرین علی الاستحباب بعد أن حکم

وجوب السجود علیها إذا قرأت أو سمعت السجدة

ص: 348


1- بدل ما بین القوسین فی « س » و « ح » : وهو غیر جید لانتفاء ما یدل علی الکراهة هنا رأسا ، ولإطلاق الإذن لها فی قراءة ما شاءت من القرآن. فلو قیل ( بانتفاء ) ما یدل علی الکراهة فی قراءتها ما عدا العزائم ( من ) القرآن کان قویا. ( ما بین الأقواس من « ح » ).
2- التهذیب ( 1 : 128 - 350 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 383 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (9).
3- کما فی النهایة : (25).
4- التهذیب ( 1 : 129 ).
5- الکافی ( 3 : 106 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 129 - 353 ) ، الإستبصار ( 1 : 115 - 385 ) ، الوسائل ( 2 : 584 ) أبواب الحیض ب (36) ح (1).
6- الکافی ( 3 : 318 - 2 ) ، التهذیب ( 2 : 291 - 1171 ) ، الوسائل ( 2 : 584 ) أبواب الحیض ب (36) ح (2).

______________________________________________________

بالمنع من السجود ، وقال : إنه لا یجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات بلا خلاف ، واستدل علیه بما رواه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال : « تقرأ ولا تسجد » (1).

وأجاب العلامة فی المختلف عن هذه الروایة [ بالحمل ] (2) علی المنع من قراءة العزائم ، ثم قال : وکأنه علیه السلام قال : « تقرأ القرآن ولا تسجد » أی لا تقرأ العزیمة التی تسجد لها ، وإطلاق المسبب علی السبب مجاز جائز (3). وهو تأویل بعید.

وأجاب عنها المتأخرون أیضا بالحمل علی السجدات المستحبة بدلیل قوله : « تقرأ ». والدلالة منتفیة.

ویمکن حملها علی السماع الذی لا یکون معه استماع ، فإن صحیحة أبی عبیدة (4) إنما تضمنت وجوب السجود علیها مع الاستماع ، ولعل ذلک هو السرّ فی تعبیر المصنف بالاستماع. وصرح المصنف فی المعتبر بعدم وجوب السجود بالسماع الذی لا یکون معه إصغاء (5). والمسألة محل تردد.

واعلم أنّ تقیید المصنف السجود بالاستماع الذی یکون معه الإصغاء یفهم منه عدم الوجوب بالسماع ، وبه صرح فی المعتبر ، واستدل بما رواه عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل سمع السجدة قال : « لا یسجد إلا أن یکون منصتا

عدم وجوب السجود بمجرد سماع السجدة

ص: 349


1- التهذیب ( 2 : 292 - 1172 ) ، الإستبصار ( 1 : 320 - 1193 ) ، الوسائل ( 2 : 584 ) أبواب الحیض ب (36) ح (4).
2- من المصدر.
3- المختلف : (34).
4- المتقدمة فی ص (348).
5- المعتبر ( 1 : 229 ).

الخامس : یحرم علی زوجها وطؤها حتی تطهر ،

______________________________________________________

لقراءة مستمعا لها ، أو یصلی بصلاته ، فأما أن یکون فی ناحیة وأنت فی أخری فلا تسجد إذا سمعت » (1) وفی الطریق محمد بن عیسی عن یونس وفیه کلام مشهور (2) ، وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : الخامس ، یحرم علی زوجها وطؤها حتی تطهر.

أجمع علماء الإسلام علی تحریم وطء الحائض قبلا ، بل صرح جمع من الأصحاب بکفر مستحله ما لم یدّع شبهة محتملة ، لإنکاره ما علم من الدین ضرورة.

ولا ریب فی فسق الواطئ بذلک ، ووجوب تعزیره بما یراه الحاکم ، مع علمه بالحیض وحکمه. ویحکی عن أبی علی ولد الشیخ تقدیره بثمن حدّ الزانیّ (3) ، ولم نقف علی مأخذه. ولو جهل الحیض أو نسیه ، أو جهل الحکم أو نسیه فلا شی ء علیه.

ولو اشتبه الحال ، فإن کان لتحیّرها فسیأتی حکمه ، وإن کان لغیره کما فی الزائد عن العادة فالأصل الإباحة. وأوجب علیه فی المنتهی الامتناع ، قال : لأن الاجتناب حالة الحیض واجب ، والوطء حالة الطهر مباح ، فیحتاط بتغلیب الحرام ، لأن الباب باب الفروج (4). وهو حسن إلا أنه لا یبلغ حدّ الوجوب.

ولو أخبرت المرأة بالحیض فالظاهر وجوب القبول إن لم تتهم بتضییع حقّه ، لقوله

حرمة وطء الحائض

ص: 350


1- الکافی ( 3 : 318 - 3 ) ، التهذیب ( 2 : 291 - 1169 ) ( بتفاوت یسیر ) ، الوسائل ( 4 : 882 ) أبواب قراءة القرآن ب (43) ح (1).
2- ما ذکره أبو جعفر بن بابویه ، عن ابن الولید أنه قال : ما تفرد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه ( راجع رجال النجاشی 333 - 896 ).
3- نقله عنه فی روض الجنان : (77).
4- منتهی المطلب ( 1 : 117 ).

ویجوز له الاستمتاع بما عدا القبل.

______________________________________________________

تعالی ( وَلا یَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یَکْتُمْنَ ) (1) ولو لا وجوب القبول لما حرم الکتمان. ولما رواه زرارة فی الحسن عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « العدة والحیض إلی النساء ، إذا ادعت صدقت » (2).

قوله : ویجوز له الاستمتاع بما عدا القبل.

اتفق العلماء کافة علی جواز الاستمتاع من الحائض بما فوق السرة وتحت الرکبة. واختلفوا فیما بینهما خلا موضع الدم ، فذهب الأکثر إلی جواز الاستمتاع به أیضا. وقال السید المرتضی - رحمه الله - فی شرح الرسالة لا یحل الاستمتاع منها إلا بما فوق المئزر (3) ، ومنه الوطء فی الدبر.

احتج المجوزون بأصالة الإباحة ، وقوله تعالی ( وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ ) (4) وهو صریح فی نفی اللوم عن الاستمتاع کیف کان ، ترک العمل به فی موضع الحیض بالإجماع فیبقی ما عداه علی الجواز.

ولا ینافیه قوله تعالی ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ ) (5) لأن المراد بالمحیض موضع الحیض کالمبیت والمقیل ، لأنه قیاس اللفظ ، ولسلامته من الإضمار والتخصیص اللازمین بحمله علی المصدر ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة ، کموثقة عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا حاضت المرأة فلیأتها

جواز الاستمتاع بما عدا القبل

ص: 351


1- البقرة : (228).
2- الکافی ( 6 : 101 - 1 ) ، التهذیب ( 8 : 165 - 573 ) ، الإستبصار ( 3 : 356 - 1276 ) ، الوسائل ( 2 : 596 ) أبواب الحیض ب (47) ح (1).
3- نقله عنه فی المختلف ( 1 : 35 ) ، والمعتبر ( 1 : 224 ).
4- المؤمنون : (5).
5- البقرة : (221).

______________________________________________________

زوجها حیث شاء ما اتقی موضع الدم » (1).

وروایة عبد الملک بن عمرو قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال : « کل شی ء ما عدا القبل بعینه » (2).

وصحیحة عمر بن یزید قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما للرجل من الحائض؟ قال : « ما بین إلیتیها ولا یوقب » (3).

احتج المرتضی (4) - رحمه الله - بإطلاق قوله تعالی ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ ) (5) وخصوص صحیحة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام عن الحائض ما یحلّ لزوجها منها؟ قال : « تتزر بإزار إلی الرکبتین فتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار » (6).

وأجیب عن الآیة بأنّ النهی عن حقیقة القرب غیر مراد إجماعا ، وسوق الآیة یقتضی أنّ المراد به الوطء فی القبل خاصة (7).

وذکر المفسرون فی سبب النزول أنّ الیهود کانوا یعتزلون النساء فلا یؤاکلوهن

ص: 352


1- التهذیب ( 1 : 154 - 436 ) ، الإستبصار ( 1 : 128 - 437 ) ، الوسائل ( 2 : 570 ) أبواب الحیض ب (25) ح (5).
2- الکافی ( 5 : 538 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 154 - 437 ) ، الإستبصار ( 1 : 128 - 438 ) ، الوسائل ( 2 : 570 ) أبواب الحیض ب (25) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 155 - 443 ) ، الإستبصار ( 1 : 129 - 441 ) ، الوسائل ( 2 : 571 ) أبواب الحیض ب (25) ح (8).
4- نقله عن شرح الرسالة للمرتضی فی المختلف : (35).
5- البقرة : (222).
6- الفقیه ( 1 : 54 - 204 ) ، ورواها بسند آخر فی التهذیب ( 1 : 154 - 349 ) ، والاستبصار ( 1 : 129 - 442 ) ، الوسائل ( 2 : 571 ) أبواب الحیض ب (26) ح (1).
7- المختلف : (35).

فإن وطئ عامدا عالما وجب علیه الکفارة ، وقیل : لا تجب ، والأول أحوط.

______________________________________________________

ولا یشاربوهن مدة الحیض ، فسئل النبی صلی الله علیه و آله عن ذلک فنزلت هذه الآیة (1) فقال النبی ( ص ) : « اصنعوا کل شی ء إلا النکاح » (2).

وعن الخبر بأنّ دلالته من باب مفهوم الخطاب ، وهو ضعیف. وفی هذا نظر ، إذ الظاهر أنّ دلالته من باب مفهوم الحصر ، وهو حجة. نعم یمکن حمله علی التقیة ، لأنه موافق لمذهب العامة ، أو تأویله بحمل الحلال علی معناه المتعارف عند الفقهاء والأصولیین ، أعنی : المتساوی الطرفین ، ونفیه لا یستلزم الحرمة ، فیحتمل الکراهة.

وهذا وإن کان خلاف الظاهر إلا أنه یمکن المصیر الیه ، جمعا بین الأدلة.

قوله : فإن وطئ عامدا عالما وجب علیه الکفارة ، وقیل : لا تجب ، والأول أحوط.

القولان للشیخ - رحمه الله - أولهما فی الخلاف والمبسوط (3) ، وثانیهما فی النهایة (4) ، وبه قطع فی المعتبر (5) ، وهو الأظهر ، لضعف أدلة الوجوب ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح عن عیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل واقع امرأته وهی طامث ، قال : « لا یلتمس فعل ذلک ، قد نهی الله أن یقربها » قلت : فإن فعل أعلیه کفارة؟ قال : « لا أعلم فیه شیئا ، یستغفر الله » (6).

وجوب الکفارة بوطء الحائض

ص: 353


1- مجمع البیان ( 1 : 319 ) ، تفسیر القرطبی ( 3 : 81 ) ، التفسیر الکبیر ( 5 : 66 ).
2- صحیح مسلم ( 1 : 246 - 302 ).
3- الخلاف ( 1 : 69 ) ، المبسوط ( 1 : 41 ).
4- النهایة : (26).
5- المعتبر ( 1 : 231 ).
6- التهذیب ( 1 : 164 - 472 ) ، الإستبصار ( 1 : 134 - 460 ) ، الوسائل ( 2 : 576 ) أبواب الحیض ب (29) ح (1).

والکفارة فی أوّله دینار ، وفی وسطه نصف وفی آخره ربع.

______________________________________________________

قوله : والکفارة فی أوّله دینار ، وفی وسطه نصف ، وفی آخره ربع.

هذا التقدیر مستفاد من مرسلة داود بن فرقد ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی کفارة الطمث : « أنه یتصدق إذا کان فی أوله بدینار ، وفی وسطه بنصف دینار ، وفی آخره ربع دینار » قلت : فإن لم یکن عنده ما یکفر؟ قال : « فلیتصدق علی مسکین واحد ، وإلا استغفر الله ولا یعود » (1) وعلیه یحمل ما أطلق فیه من الأخبار التصدق بدینار ونصف دینار (2).

والأخبار الواردة بذلک کلها ضعیفة السند ، لکن قال المصنف فی المعتبر : ولا یمنعنا ضعف طریقها عن تنزیلها علی الاستحباب ، لاتفاق الأصحاب علی اختصاصها بالمصلحة الراجحة إما وجوبا أو استحبابا ، فنحن بالتحقیق عاملون بالإجماع لا بالروایة (3). وهو حسن.

وأما التفصیل بالمضطر وغیره والشاب وغیره کما قاله الراوندی (4) فلا عبرة به.

قال السید المرتضی فی الانتصار : ویمکن أن یکون الوجه فی ترتیب هذه الکفارة أنّ الواطئ فی أول الحیض لا مشقة علیه فی ترک الجماع لقرب عهده به فغلظت کفارته ، والواطئ فی آخره مشقته شدیدة لتطاول عهده فکفارته أنقص ، وکفارة الواطئ فی نصف الحیض متوسطة بین الأمرین (5).

واعلم : أنّ الأول والوسط والآخر یختلف بحسب عادة المرأة ، فالأول لذات الثلاثة

کفارة وطء الحائض

ص: 354


1- التهذیب ( 1 : 164 - 471 ) ، الإستبصار ( 1 : 134 - 459 ) ، الوسائل ( 2 : 574 ) أبواب الحیض ب (28) ح (1).
2- الوسائل ( 2 : 574 ) أبواب الحیض ب (28).
3- المعتبر ( 1 : 232 ).
4- نقله عنه فی الذکری : (34).
5- الانتصار ( 1 : 34 ).

ولو تکرّر منه الوطء فی وقت لا تختلف فیه الکفارة لم تتکرر ، وقیل : بل تتکرر ، والأول أقوی. وإن اختلفت تکررت.

______________________________________________________

الیوم الأول ، ولذات الأربعة هو مع ثلث الثانی ، ولذات الخمسة هو مع ثلثیه ، ولذات الستة الیومان الأولان ، وعلی هذا قیاس (1) الوسط والآخر.

وقال سلار - رحمه الله - : الوسط ما بین الخمسة إلی السبعة (2). واعتبر الراوندی العشرة دون العادة (3). فعندهما قد یخلو بعض العادات من الوسط والآخر ، وهما ضعیفان.

والمراد بالدینار : المثقال من الذهب الخالص المضروب ، وذکر أن قیمته عشرة دراهم جیاد (4).

وقطع العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه بعدم إجزاء القیمة کما فی سائر الکفارات (5) ، وهو حسن.

ومصرف هذه الکفارة مصرف غیرها من الکفارات ، ولا یشترط التعدد فی المعطی لإطلاق النص.

تفریع : قیل : النفساء فی ذلک کالحائض. وعلیه فیمکن اجتماع زمانین أو ثلاثة فی وطء واحد (6).

قوله : ولو تکرّر منه الوطء فی وقت لا تختلف فیه الکفارة لم تتکرر ، وقیل : بل تتکرر ، والأول أقوی ، وإن اختلفت تکررت.

ص: 355


1- فی « ح » : القیاس.
2- المراسم : (44).
3- فقه القرآن ( 1 : 54 ).
4- جیاد : جمع جیّد.
5- منتهی المطلب ( 1 : 117 ) ، والتحریر ( 1 : 15 ).
6- روض الجنان : (77).

السادس : لا یصح طلاقها إذا کانت مدخولا بها وزوجها حاضر معها.

______________________________________________________

الأصح عدم التکرر مطلقا إلا مع اختلاف الزمان أو سبق التکفیر عن الأول ، لأن الوطء یصدق علی القلیل والکثیر ، والامتثال یحصل من إیجاد (1) المأمور به بالفعل الواحد.

قوله : السادس ، لا یصح طلاقها إذا کانت مدخولا بها وزوجها حاضر معها.

هذا مذهب علمائنا أجمع ، قال فی المعتبر : وقد أجمع فقهاء الإسلام علی تحریمه ، وإنما اختلفوا فی وقوعه ، فعندنا لا یقع وقال الشافعی وأبو حنیفة وأحمد ومالک : یقع (2). وأخبارنا ناطقة بتحریمه وبطلانه (3).

والحکم مختص بالحاضر ، وفی حکمه الغائب الذی یمکنه استعلام حالها أو لم تبلغ غیبته الحدّ المسوغ للجواز.

وقد اختلف فیه علماؤنا ، فقیل : إنه ثلاثة أشهر ، ذهب إلیه ابن الجنید (4) - رحمه الله - من المتقدمین ، والعلامة (5) - رحمه الله - من المتأخرین. وقیل : شهر ، وهو مذهب الشیخ (6). وقیل : المعتبر أن یعلم انتقالها من الطهر الذی واقعها فیه إلی آخر بحسب عادتها ، وهو خیرة ابن (7) إدریس (8) - رحمه الله - وإلیه ذهب عامة

عدم صحة طلاق الحائض

ص: 356


1- فی « ق » « م » « س » : اتحاد.
2- المعتبر ( 1 : 226 ).
3- الوسائل ( 15 : 276 ) أبواب الطلاق ب (8).
4- نقله عنه فی المختلف : (587).
5- فی المختلف : (587).
6- کما فی النهایة : (517).
7- فی « م » : خیرة المصنف وابن.
8- السرائر : (327).

السابع : إذا طهرت وجب علیها الغسل ، وکیفیته مثل غسل الجنابة ، لکن لا بد معه من الوضوء قبله أو بعده ،

______________________________________________________

المتأخرین. وسیأتی تحریر الأقوال مع أدلتها فی کتاب الطلاق إن شاء الله تعالی.

قوله : السابع ، إذا طهرت وجب علیها الغسل.

قال بعض المحققین : ظاهر أن وجوب الغسل علیها مشروط بوجوب الغایة ، فإنه لا خلاف فی أن غیر غسل الجنابة لا یجب لنفسه ، وإطلاق المصنف الوجوب اعتمادا علی ظهور المراد (1).

وأقول : إنّ مقتضی عبارة الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) تحقق الخلاف فی ذلک کما بیناه فیما سبق. ویظهر من العلامة فی المنتهی التوقف فی ذلک ، حیث قال فی هذه المسألة بعد أن ذکر أن وجوب الغسل علیها مشروط بوجوب الغایة : وإن کان للنظر فیه مجال ، إذ الأمر ورد مطلقا بالوجوب (3). ( وقوته ظاهرة ) (4) وقد تقدم الکلام فی ذلک. وبالجملة فإیقاع هذه الأغسال الواجبة علی وجه الاستحباب مشکل جدا والله أعلم.

قوله : وکیفیته : مثل غسل الجنابة.

هذا مذهب العلماء کافة ، ویدل علیه مضافا إلی الإطلاقات خصوص موثقة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « غسل الجنابة والحیض واحد » (5).

قوله : لکن لا بد معه من الوضوء قبله أو بعده.

أجمع علماؤنا علی أنّ غسل الجنابة یجزئ عن الوضوء ، واختلف فی غیره من

وجوب الغسل علیها إذا طهرت

غسل الحیض

کیفیة غسل الحیض

لزوم الوضوء مع غسل الحیض

ص: 357


1- جامع المقاصد ( 1 : 44 ).
2- الذکری : (24).
3- منتهی المطلب ( 1 : 112 ).
4- لیست فی « ق » « س ».
5- التهذیب ( 1 : 162 - 463 ) ، الوسائل ( 2 : 566 ) أبواب الحیض ب (23) ح (1).

______________________________________________________

الأغسال ، فالمشهور أنه لا یکفی ، بل یجب معه الوضوء للصلاة ، سواء کان فرضا أو سنة. وقال المرتضی - رحمه الله - : لا یجب الوضوء مع الغسل ، سواء کان فرضا أو نفلاً (1) ، وهو اختیار ابن الجنید (2) ، وقواه شیخنا المعاصر (3) سلّمه الله تعالی.

احتج الأولون (4) بعموم (5) قوله تعالی ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (6) فإنه شامل لمن اغتسل وغیره ، خرج منه الجنب بالنصّ والإجماع ، فیبقی الباقی علی عمومه. وما رواه ابن أبی عمیر ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة » (7).

وفی الحسن عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « فی کل غسل وضوء إلا غسل الجنابة » (8) کذا استدل فی المختلف (9).

والموجود فی التهذیب (10) : روایة ابن أبی عمیر بطریقین أحدهما عن رجل والآخر عن حماد بن عثمان أو غیره ، فهی فی الحقیقة روایة واحدة مرسلة ، فلا ینبغی عدّها روایتین ، ولا جعل الثانیة من الحسن کما لا یخفی.

ص: 358


1- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 196 ) ، والمختلف : (33) ، والموجود فی جمل العلم والعمل : (51) ( ویستبیح بالغسل الواجب للصلاة من غیر وضوء ، وإنما الوضوء فی غیر الأغسال الواجبة ).
2- نقله عنه فی المختلف ( 1 : 33 ).
3- مجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 132 ).
4- کما فی المختلف : (33).
5- فی « ح » : بتعمیم.
6- المائدة : (6).
7- الکافی ( 3 : 45 - 13 ) ، التهذیب ( 1 : 139 - 391 ) ، الإستبصار ( 1 : 126 - 428 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (1).
8- التهذیب ( 1 : 143 - 403 ) ، ( 303 - 881 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (3).
9- المختلف : (33).
10- التهذیب ( 1 : 139 - 391 ).

______________________________________________________

وأجیب عنه (1) بأن الآیة بعد تسلیم عمومها مخصوصة بما سیجی ء من الأدلة ، والروایة قاصرة السند بالإرسال وإن کان المرسل لها ابن أبی عمیر ، کما صرح به المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (2) ، وجدی - قدس سره - فی الدرایة (3). ومتنها غیر صریح فی الوجوب ، کما اعترف به المصنف فی مسألة وضوء المیت ، حیث قال : ولا یقال : روایة ابن أبی عمیر عن حماد أو غیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « فی کل غسل وضوء إلا غسل الجنابة » تدل علی الوجوب ، لأنا نقول : لا یلزم من کون الوضوء فی الغسل أن یکون واجبا ، بل من الجائز أن یکون غسل الجنابة لا یجوز فعل الوضوء فیه ، وغیره یجوز ، ولا یلزم من الجواز الوجوب (4). وتبعه علی ذلک العلامة فی المختلف (5) ، وجدی - قدس الله سره - فی روض الجنان (6).

احتج القائلون بعدم الوجوب (7) بالأصل وما رواه الشیخ فی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الغسل یجزئ عن الوضوء ، وأی وضوء أطهر من الغسل » (8).

والتعریف فی الغسل لیس للعهد ، لعدم تقدم معهود ، ولا للعهد الذهنی ، إذ لا فائدة فیه ، فیکون للاستغراق. ویؤکده التعلیل المستفاد من قوله : « وأی وضوء أطهر من

ص: 359


1- کما فی مجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 126 ).
2- المعتبر ( 1 : 165 ).
3- الدرایة : (49).
4- المعتبر ( 1 : 267 ).
5- المختلف : (34). قال بعد ذکر الحدیث : إنه محمول علی الاستحباب.
6- روض الجنان : (101).
7- منهم العلامة فی المختلف : (34).
8- التهذیب ( 1 : 139 - 390 ) ، الإستبصار ( 1 : 126 - 427 ) ، الوسائل ( 1 : 513 ) أبواب الجنابة ب (33) ح (1).

______________________________________________________

الغسل » فإنه ظاهر فی العموم ، إذ لا خصوصیة لغسل الجنابة فی هذا الوصف بالنسبة إلی غیره من الأغسال. وقد ورد هذا التعلیل بعینه فی غسل الجمعة فی مرسلة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یغتسل للجمعة أو غیر ذلک أیجزیه عن الوضوء؟ فقال : « وأی وضوء أطهر من الغسل » (1).

وفی الصحیح عن حکم بن حکیم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل الجنابة ، ثم وصفه. قال ، قلت : إنّ الناس یقولون یتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحک وقال : « أی وضوء أنقی من الغسل وأبلغ » (2) وتقریب الاستدلال ما ذکرناه ، وروی الشیخ فی عدة أخبار أنّ الوضوء بعد الغسل بدعة (3).

وروی أیضا فی الموثق عن عمار الساباطی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابة ، أو فی یوم جمعة ، أو یوم عید ، هل علیه الوضوء قبل ذلک أو بعده؟ فقال : « لا لیس علیه قبل ولا بعد ، قد أجزأه الغسل. والمرأة مثل ذلک إذا اغتسلت من حیض أو غیر ذلک فلیس علیها الوضوء لا قبل ولا بعد ، فقد أجزأها الغسل » (4).

وحملها الشیخ علی ما إذا اجتمعت هذه الأغسال مع غسل الجنابة ، فإنه یسقط الوضوء ، قال : فإذا انفردت هذه الأغسال أو شی ء منها عن غسل الجنابة فإنّ الوضوء

ص: 360


1- التهذیب ( 1 : 141 - 399 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 - 433 ) ، الوسائل ( 1 : 514 ) أبواب الجنابة ب (33) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 139 - 392 ) ، الوسائل ( 1 : 515 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 140 - 395 ، 396 ) ، الوسائل ( 1 : 514 ) أبواب الجنابة ب (33) ح ( 6 ، 9 ، 10 ).
4- التهذیب ( 1 : 141 - 398 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 - 432 ) ، الوسائل ( 1 : 514 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (3).

______________________________________________________

واجب قبلها (1). وهو تأویل بعید جدا ، بل مقطوع بفساده.

ویشهد لهذا القول أیضا قوله علیه السلام فی صحیحة حسین بن نعیم الصحاف : « فإن انقطع الدم عنها قبل ذلک فلتغتسل ولتصل » (2).

وفی موثقة یونس بن یعقوب : « تغتسل وتصلی » (3).

وفی صحیحة زرارة : « فإن جاز الدم الکرسف تعصّبت واغتسلت ثم صلّت »(4).

وفی صحیحة ابن سنان : « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلی الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب وتصلی المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح وتصلی الفجر » (5).

وبالجملة فلیس فی الأخبار المتضمنة لوجوب الأغسال علی المستحاضة (6) - مع استفاضتها - دلالة علی وجوب الوضوء معها بوجه ، مع أنها واردة فی مقام البیان. ومن ذلک یظهر رجحان ما ذهب إلیه المرتضی (7) - رحمه الله - ، إلا أنّ المصیر إلی ما علیه أکثر الأصحاب أحوط.

تنبیه : حدث الحیض وغیره من الأحداث الموجبة للوضوء والغسل عند القائل به ،

ص: 361


1- التهذیب ( 1 : 141 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 ).
2- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 168 - 482 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 606 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (7).
3- الکافی ( 3 : 99 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 175 - 500 ) ، الإستبصار ( 1 : 150 - 520 ) ، الوسائل ( 2 : 613 ) أبواب النفاس ب (3) ح (8).
4- الکافی ( 3 : 99 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 173 - 496 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (5).
5- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 171 - 487 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4).
6- الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1).
7- تقدم فی ص (358).

وقضاء الصوم دون الصلاة.

الثامن : یستحب أن تتوضأ فی وقت کل صلاة وتجلس بمقدار زمان صلاتها ذاکرة الله تعالی ،

______________________________________________________

هل هو حدث واحد أکبر لا یرتفع إلا بالوضوء والغسل؟ أو حدثان أکبر وأصغر؟

ثم إن قلنا بالتعدد فهل الوضوء ینصرف إلی الأصغر والغسل إلی الأکبر؟ أم هما معا یرفعان الحدثین علی سبیل الاشتراک؟ احتمالات ثلاثة ، ولیس فی النصوص دلالة علی شی ء من ذلک.

قوله : وقضاء الصوم دون الصلاة.

هذا الحکم إجماعی منصوص فی عدة أخبار (1) ، والفارق النصّ. وفی بعض الأخبار تصریح بعدم التعلیل وبطلان القیاس (2). والظاهر عدم الفرق بین الصلاة الیومیة وغیرها. واستثنی من ذلک الزلزلة ، لأن وقتها العمر. وفی الاستثناء نظر یظهر من التعلیل.

قوله : الثامن ، یستحب أن تتوضأ فی وقت کل صلاة ، وتجلس بمقدار زمان صلاتها ذاکرة لله تعالی.

المستند فی ذلک حسنة زید الشحام ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « ینبغی للحائض أن تتوضأ عند وقت کل صلاة ثم تستقبل القبلة فتذکر الله عز وجل بمقدار ما کانت تصلی » (3) ولفظ ینبغی ظاهر فی الاستحباب.

ونقل عن ابن بابویه القول بالوجوب (4) ، لحسنة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ،

وجوب قضاء الصوم علی الحائض

استحباب الوضوء وذکر الله للحائض

ص: 362


1- الوسائل ( 2 : 589 ) أبواب الحیض ب (41).
2- الوسائل ( 7 : 23 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (3) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 101 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 455 ) ، الوسائل ( 2 : 587 ) أبواب الحیض ب (40) ح (3).
4- الفقیه ( 1 : 50 ) ، الهدایة : (22).

ویکره لها الخضاب.

______________________________________________________

قال : « إذا کانت المرأة طامثا فلا تحلّ لها الصلاة ، وعلیها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت کل صلاة ، ثم تقعد فی موضع طاهر فتذکر الله عز وجل وتسبحه وتحمده وتهلله کمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها » (1) وهو مع عدم صراحته فی الوجوب محمول علی الاستحباب ، جمعا بین الأدلة. ولو لم تتمکن من الوضوء ففی مشروعیة التیمم لها قولان ، أظهرهما العدم.

قوله : ویکره لها الخضاب.

لورود النهی عنه فی عدّة أخبار (2) ، وعللت الکراهة فی روایة أبی بصیر بخوف الشیطان علی الحائض (3) ، والکلام فیه کما سبق فی الجنب.

کراهة الخضاب للحائض

ص: 363


1- الکافی ( 3 : 101 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 456 ) ، الوسائل ( 2 : 587 ) أبواب الحیض ب (40) ح (2).
2- الوسائل ( 2 : 593 ) أبواب الحیض ب (42).
3- التهذیب ( 1 : 181 - 520 ) ، الوسائل ( 2 : 593 ) أبواب الحیض ب (42) ح (4).

ص: 364

الفهرست

مقدمة المؤلف................................................................. 3

کتاب الطهارة.................................................................. 5

معنی الکتاب.................................................................. 5

معنی الطهارة اللغوی........................................................... 6

معنی الطهارة الشرعی.......................................................... 7

الطهارات الواجبة والمندوبة

- الوضوء الواجب........................................................... 8

وجوب الوضوء للصلاة الواجبة................................................. 8

وجوب الوضوء غیری......................................................... 9

وجوب الوضوء للطواف الواجب.............................................. 11

وجوب الوضوء لمس القرآن................................................... 12

الوضوء المندوب............................................................. 12

التسامح فی أدلة السنن....................................................... 13

جواز الدخول فی العبادة الواجبة بوضوء مندوب................................. 13

الغسل الواجب.............................................................. 15

وجوب الغسل لما یجب له الوضوء............................................. 15

ص: 365

وجوب الغسل للصوم الواجب................................................ 16

وجوب الغسل لصوم المستحاضة.............................................. 19

التیمم الواجب.............................................................. 20

وجوب التیمم للصلاة الواجبة................................................. 20

وجوب التیمم لخروج الجنب فی أحد المسجدین................................. 21

تنبیهات.................................................................... 22

الأغسال المندوبة............................................................. 23

وجوب الطهارة بالنذر وشبهه................................................. 24

المیاه

الماء المطلق وأقسامه.......................................................... 26

الماء المطلق طاهر مطهر....................................................... 26

الماء الجاری................................................................. 28

أحکام الماء الجاری........................................................... 28

اعتبار التغییر الحسی......................................................... 29

تطهیر الماء الجاری........................................................... 33

ماء الحمام .....................................................................

اعتبار کریة المادة فی عدم تنجس الحوض ..........................................

الجاری مطهر ما دام إطلاق اسم الماء.......................................... 33

الماء المحقون وأقسامه......................................................... 38

الماء القلیل.................................................................. 38

طهارة القلیل بإلقاء کر علیه.................................................. 40

عدم طهارة القلیل بإتمامه کرا................................................. 41

الماء الکر ......................................................................

عدم نجاسة الکر إلا بالتغیر................................................... 43

طهارة الکر بإلقاء کر علیه................................................... 45

عدم طهارة الکر بزوال التغیر من نفسه......................................... 46

ص: 366

مقدار الکر بالوزن........................................................... 47

مقدار الکر بالأشبار......................................................... 49

- ماء البئر................................................................. 52

عدم نجاسة البئر بملاقاة النجاسة............................................... 53

- الروایات الدالة علی الطهارة............................................... 55

- الروایات التی استدل بها علی النجاسة وردها................................. 59

- أدلة الموجبون للنزح....................................................... 61

منزوحات البئر

ما ینزح لوقوع المسکر فیه.................................................... 62

ما ینزح لوقوع الفقاع فیه.................................................... 64

ما ینزح لوقوع المنی أو أحد الدماء الثلاثة فیه................................... 65

ما ینزح لموت البعیر فیه....................................................... 66

ما ینزح لموت الدابة فیه...................................................... 69

کلام للعلامة................................................................ 69

رد کلام العلامة............................................................. 71

ما ینزح لموت الحمار أو البقرة فی البئر......................................... 74

ما ینزح لوقوع العذرة إذا ذابت............................................... 78

ما ینزح لوقوع کثیر الدم کذبح شاة........................................... 79

ما ینزح لموت الثعلب أو الأرنب أو الخنزیر أو سنور أو کلب وشبهه فیه........... 80

ما ینزح لوقوع بول الرجل فیه................................................ 82

ما ینزح لوقوع العذرة الجامدة أو قلیل الدم فیه.................................. 83

ما ینزح لموت الطیر.......................................................... 84

ما ینزح لموت الفأرة إذا انتفخت أو تفسخت................................... 85

ما ینزح لبول الصبی.......................................................... 86

ما ینزح لاغتسال الجنب فیه.................................................. 87

ما ینزح لوقوع الکلب وخروجه حیا........................................... 91

ص: 367

ما ینزح لذرق الدجاج الجلال ولموت الحیة والفأرة.............................. 92

ما ینزح لموت العصفور وشبهه................................................ 93

ما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام...................................... 94

ما ینزح لماء المطر وفیه البول والعذرة وخرء الکلاب............................. 95

الدلو التی ینزح بها........................................................... 96

- فروع................................................................... 97

حکم صغیر الحیوان حکم کبیره............................................... 97

تضاعف النزح بتعدد الساقط فیه وعدمه....................................... 97

حکم سقوط أبعاض المقدر لها................................................. 98

حکم النجاسات التی لم یقدر لها............................................... 99

حکم البئر إذا تغیر أحد أو صاف مائها بالنجاسة.............................. 101

المسافة التی تکون بین البئر والبالوعة......................................... 102

عدم جواز استعمال المحکوم بنجاسته......................................... 106

حکم الإناءین المشتبهین..................................................... 107

- الماء المضاف............................................................ 110

نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة............................................... 114

لو مزج المضاف بطاهر..................................................... 114

کراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس.......................................... 116

کراهة غسل الأموات بماء أسخن بالنار....................................... 118

- الماء المستعمل .......................................................... 117

حکم الماء المستعمل فی غسل الأخباث........................................ 118

طهارة ماء الاستنجاء....................................................... 123

حکم الماء المستعمل فی الوضوء أو رفع الحدث الأکبر.......................... 126

الأسئار

حکم سؤر المسوخ......................................................... 129

طهارة سؤر المسلم عدا الخوارج والغلاة....................................... 129

ص: 368

کراهة سؤر الجلال وما أکل الجیف.......................................... 130

کراهة سؤر الحائض التی لا تؤمن............................................ 134

حکم سؤر البغال والحمیر والفأرة............................................ 136

حکم سؤر الحیة وحکم ما مات فیه الوزغ والعقرب........................... 137

حکم ما لا یدرکه الطرف من الدم.......................................... 139

نواقض الوضوء

خروج البول والغائط والریح................................................ 142

حکم ما لو اتفق المخرج فی غیر الموضع المعتاد................................. 144

النوم الغالب............................................................... 144

کل ما أزال العقل.......................................................... 149

الاستحاضة............................................................... 149

عدم نقض المذی........................................................... 150

عدم نقض الودی ولا الدم الخارج من أحد السبیلین........................... 152

عدم نقض القی والنخامة ولامس الذکر والقبل والدبر......................... 153

عدم نقض لمس المرأة ولا أکل ما مسته النار................................... 154

أحکام الخلوة

وجوب ستر العورة علی المتخلی واستحباب ستر البدن......................... 156

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلی.................................. 156

تنبیهات................................................................... 159

الاستنجاء

وجوب غسل موضع البول بالماء............................................. 161

ما یجزی فی غسل المخرج................................................... 162

تحقیق معنی مثلا ما علی الحشفة.............................................. 163

وجوب غسل مخرج الغائط بالماء حتی زوال العین والأثر........................ 165

لا اعتبار بالرائحة.......................................................... 166

تعین الماء عند تعدی النجاسة المخرج......................................... 166

ص: 369

التخییر بین الماء والأحجار.................................................. 167

عدم إجزاء أقل من ثلاثة أحجار............................................. 168

وجوب إمرار کل حجر علی موضع النجاسة وکفایة زوال العین................ 170

عدم کفایة استعمال الحجر الواحد من ثلاثة جهات............................ 170

عدم کفایة الحجر المستعمل ولا الروث والعظم ولا المطعوم..................... 172

عدم إجزاء استعمال الصقیل................................................ 173

- مندوبات التخلی - تغطیة الرأس والتسمیة وتقدیم الرجل الیسری............ 174

- الاستبراء والدعاء وتقدیم الیمنی عند الخروج............................... 175

- مکروهات التخلی ..................................................... 176

الجلوس فی الشوارع والمشارع وتحت الأشجار المثمرة.......................... 176

الجلوس فی مواطن النزال ومواضع اللعن....................................... 177

استقبال الشمس بالفرج والریح بالبول....................................... 178

البول فی الصلبة وفی ثقوب الحیوان........................................... 179

البول فی الماء.............................................................. 180

الأکل والشرب حال التخلی................................................ 180

السواک علی الخلاء......................................................... 181

الاستنجاء بالیمین وبالیسار وعلیها خاتم علیه اسم الله سبحانه................... 181

الکلام علی الخلاء......................................................... 181

عدم کراهة حکایة الأذان علی الخلاء........................................ 182

الوضوء

- فروض الوضوء......................................................... 183

- النیة................................................................... 184

ماهیة النیة وکیفیتها........................................................ 185

اشتراط القربة فی النیة...................................................... 186

اشتراط قصد الوجوب أو الندب............................................ 188

ص: 370

اشتراط نیة الرفع أو الاستباحة.............................................. 189

عدم اعتبار النیة فی تطهیر الثیاب............................................. 190

حکم الضمیمة............................................................ 190

وقت النیة................................................................. 191

وجوب استدامة النیة حکما إلی الفراغ....................................... 192

- کفایة وضوء واحد مع اجتماع أسباب مختلفة.............................. 193

تداخل الأغسال........................................................... 194

- غسل الوجه حد الوجه الذی یجب غسله.................................. 197

وجوب غسل الوجه من أعلاه............................................... 199

- عدم وجوب غسل ما استرسل من اللحیة.................................. 201

- عدم وجوب تخلیل اللحیة................................................ 202

غسل الیدین - ما یجب غسله من الیدین..................................... 203

- یجب الابتداء من المرافق فی غسل الیدین................................... 204

- حکم من قطع بعض یده................................................. 205

- حکم من کان له ذراعان أو کان له ید زائدة.............................. 206

- مسح الرأس............................................................ 207

محل المسح................................................................. 209

المسح بنداوة الوضوء....................................................... 210

حکم من جف ما علی یده.................................................. 213

جواز مسح الرأس مدبرا.................................................... 214

عدم جواز غسل موضع المسح............................................... 214

- مسح الرجلین.......................................................... 215

تحقیق معنی الکعبین........................................................ 216

جواز مسح الرجل منکوسا.................................................. 221

ص: 371

عدم الترتیب بین الرجلین................................................... 222

حکم من قطع بعض موضع المسح........................................... 222

وجوب المسح علی بشرة القدمین............................................ 223

جواز المسح علی حائل عند التقیة والضرورة.................................. 224

- الترتیب................................................................ 225

- الموالاة................................................................. 226

عدد الغسلات............................................................. 231

الغسلة الثالثة بدعة......................................................... 234

لا تکرار فی المسح......................................................... 235

إجزاء ما یسمی به غاسلا وجوب تحریک الخاتم والسیر فی الوضوء............... 236

- وضوء الجبیرة........................................................... 237

عدم جواز مس المحدث کتابة القرآن......................................... 241

- حکم من به السلس..................................................... 242

- حکم من به البطن...................................................... 243

سنن الوضوء

وضع الاناء علی الیمین..................................................... 244

الاغتراف بالیمین والتسمیة والدعاء.......................................... 245

- غسل الیدین قبل إدخالهما الاناء.......................................... 246

- المضمضة والاستنشاق والدعاء عند هما.................................... 247

- الدعاء عند غسل الیدین والرجلین........................................ 248

- بدأة الرجل بغسل ظاهر ذراعیه وفی الثانیة بباطنهما والمرأة بالعکس........... 249

- الوضوء بمد............................................................. 250

مکروهات الوضوء

- الاستعانة فی الطهارة..................................................... 251

- مسح بلل الوضوء....................................................... 252

أحکام الوضوء

ص: 372

حکم من تیقن الحدث وشک فی الطهارة...................................... 253

حکم من تیقنهما وشک فی المتأخر........................................... 254

حکم من تیقن ترک عضو................................................... 256

حکم من شک فی شئ من أفعال الوضوء قبل فوات المحل........................ 256

حکم من ترک غسل موضع النجو أو البول وصلی............................. 258

حکم من جدد وضوءا بنیة الندب وصلی وذکر أنه أخل بعضو من إحدی الطهارتین 259

حکم من أحدث عقیب طهارة منهما........................................ 263

حکم من صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنه أحدث عقیب إحداها.......... 264

الغسل

- غسل الجنابة وأسبابه.................................................... 265

السبب الأول : الانزال..................................................... 265

صفات المنی............................................................... 265

کفایة المشهورة وفتور الجسد للمریض........................................ 268

السبب الثانی : الجماع..................................................... 271

حکم من جامع فی الدبر.................................................... 272

حکم من وطأ غلاما....................................................... 274

حکم من وطأ بهیمة........................................................ 276

وجوب الغسل علی الکافر وعدم صحته منه.................................. 276

أحکام الجنب

- المحرمات .............................................................. 277

قراءة العزائم وأبعاضها...................................................... 277

مس کتابة القرآن أو شئ علیه اسم الله....................................... 279

الجلوس فی المساجد......................................................... 280

وضع شئ فی المساجد...................................................... 282

الجواز فی أحد المسجدین.................................................... 282

ص: 373

- المکروهات ............................................................ 283

الأکل والشرب............................................................ 283

قراءة ما زاد علی سبع آیات................................................. 284

مس المصحف والنوم....................................................... 287

الخضاب.................................................................. 288

واجبات الغسل

الواجبات الأول : النیة..................................................... 289

حکم المبطون والسلس...................................................... 290

الواجب الثانی : غسل البشرة............................................... 291

الواجب الثالث : تخلیل ما لا یصل إلیه الماء................................... 292

الواجب الرابع : الترتیب................................................... 293

- الغسل الارتماسی........................................................ 295

سنن الغسل

امرار الید علی الجسد...................................................... 298

البول أمام الغسل.......................................................... 298

الاستبراء وکیفیته.......................................................... 300

غسل الیدین ثلاثاً قبل إدخالهما الاناء......................................... 301

المضمضة والاستنشاق...................................................... 302

الغسل بصاع.............................................................. 302

أحکام الجنابة

حکم البلل المشتبه.......................................................... 304

حکم من أحدث أثناء الغسل................................................ 307

وجوب المباشرة فی الغسل................................................... 310

الحیض

بیان الحیض............................................................... 311

- صفات دم الحیض....................................................... 312

ص: 374

تمییز دم الحیض عن دم العذرة............................................... 313

حکم الدم الذی تراه الصبیة قبل البلوغ...................................... 315

حکم الدم الذی یخرج من الجانب الأیسر..................................... 316

أقل الحیض وأکثره......................................................... 319

حکم ما تراه المرأة من الدم بعد یأسها........................................ 322

حکم ما تراه المرأة من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا............... 324

ما تصیر به المرأة ذات عادة................................................. 325

ذات العادة تترک الصلاة برؤیة الدم.......................................... 327

متی تترک المبتدأة العبادة..................................................... 328

حکم من تری الدم ثلاثة ثم ینقطع ثم یعود قبل العاشر.......................... 330

الاستظهار................................................................ 331

جواز وطء الحائض قبل أن تغتسل........................................... 336

دلیل القائلین بالتحریم...................................................... 339

حکم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة................................... 340

حکم من طهرت قبل آخر الوقت بقلیل...................................... 342

أحکام الحائض

حرمة ما یشترط فیه الطهارة علیها........................................... 343

کراهة حمل المصحف ولمس هامشه.......................................... 343

عدم ارتفاع حدثها بالطهارة................................................. 343

عدم صحة الصوم منها..................................................... 344

عدم جواز جلوسها فی المساجد.............................................. 345

حرمة وضع شئ فی المسجد علیها............................................ 346

کراهة الجواز فی المسجد علیها............................................... 346

حکم اجتیازها فی أحد المسجدین............................................ 347

حرمة قراءة العزائم وکراهة غیرها علیها...................................... 347

ص: 375

وجوب السجود علیها إذا قرأت أو سمعت السجدة............................ 348

عدم وجوب السجود بمجرد سماع السجدة................................... 349

حرمة وطء الحائض........................................................ 350

جواز الاستمتاع بما عدا القبل............................................... 351

وجوب الکفارة بوطء الحائض............................................... 353

کفارة وطء الحائض........................................................ 354

عدم صحة طلاق الحائض................................................... 356

وجوب الغسل علیها إذا طهرت............................................. 357

غسل الحیض

کیفیة غسل الحیض........................................................ 357

لزوم الوضوء مع غسل الحیض............................................... 357

وجوب قضاء الصوم علی الحائض........................................... 362

استحباب الوضوء وذکر الله للحائض........................................ 362

کراهة الخضاب للحائض................................................... 363

ص: 376

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.