خطابُ المرحلة المجلد 11

هوية الكتاب

اسم الكتاب: خطابُ المرحلة / الجزء الحادي عشر

تأليف: توثيق لخطابات وبيانات سماحة

المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي

الطبعة : الأولى

السنة : 1440 ه - 2019م

الناشر: دار الصادقين للطباعة والنشر والتوزيع

النجف الاشرف / شارع الرسول صلی الله علیه و آله

ص: 1

اشارة

خطابُ المرحلة

توثيق لرؤى سماحة

المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي

حول قضايا الدين والانسان والأمة والوطن

ومواقفه وتوجيهاته منذ تصديه لقيادة الحركة الإسلامية في العراق بعد استشهاد استاذه

السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) عام 1999

الجزء الحادي عشر

آب/ 2017 – بداية ايار 2019

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

خطاب المرحلة 527: أيها الشباب: احذروا الضجر والكسل

بسمه تعالى

أيها الشباب: احذروا الضجر والكسل(1)

ظاهرتان أو حالتان مبتلى بها مجتمعنا وهما مضرّتان به ويكون الضرر اكبر عندما تنتشران بين الشباب الذين يعوَّل عليهم في اعمار الحياة وبناء المستقبل وهما: الضجر والكسل، فترى كثيراً من الشباب محبطين يائسين متكئبين متقاعسين عن المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية وهذا مرض خطير لان له تداعيات كارثية حيث يقود هذا الشعور الشباب إلى ادمان المخدرات أو قتل الوقت الثمين في مقاهي العبث أو الانخراط في جماعات الخطف والابتزاز والسرقة والعنف للحصول على المال الوفير والسريع بحسب ما يتوهمون او يسلّموا أنفسهم لمافيات التهريب إلى خارج الحدود ليواجهوا مصيراً مجهولاً وحياة كالعبيد وقد يخسر حتى دينه حيث تتعهد له بعض المؤسسات بتحصيل الإقامة له في البلد الأوروبي الفلاني بشرط ترك دينه.

ونحن نتفهم الظروف التي انتجت هذه الحالة أعني الوضع المزري الذي يعيشه العراقيون من جوانب عديدة لكن ذلك كله لا يبرّر حصول هذه الظاهرة، ولابد من ان نكون أكبر من الظروف ونتجاوز هذهالصعاب، ونبقي الامل حياً في قلوبنا ونجعل خياراتنا مفتوحه على كل ما هو مثمر ومفيد، مثلاً خريجو

ص: 5


1- من كلمة لسماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) القيت بتاريخ السبت 26 ذوالقعدة 1438 المصادف 19/8/2017

الجامعات أو غيرهم لا يحصرون همهم ومستقبلهم في الحصول على وظيفة حكومية بحيث يشعرون ان حياتهم متوقفة ولا قيمة لها اذا بقوا بدون وظيفة، والدولة لا تستطيع ان تعيِّن كل الشباب فلابد أن يفكرّوا بالبدائل المناسبة ولا يستنكفوا عن أي فرصة تتاح لهم ما دامت توفر لهم أسباب الحياة الكريمة، وقد تتحسن الفرص المتاحة تدريجياً حتى يصل إلى ما يناسبه ويكفيه فأن ((الحركة بركة)) كما قيل.

وهذا يلقي مسؤولية على أهل الأموال والجاه والنفوذ والقدرة بأن يوفرّوا مثل هذه الفرص للشباب ويعينوهم ويأخذوا بأيديهم، بحيث ذكرت في بعض كلماتي ان رجل الاعمال لو خُيِّر بين مشروعين، أحدهما فيه ربح شخصي له أكثر من الآخر، لكن الثاني يوفر فرص عمل لعدد أكبر فعليه أن يتوجه إلى الثاني لأن ربحه بجريان رزق الناس على يده اكبر وأعظم من الدينار الزائد الذي فاته، ويساهم بذلك في زرع الأمل والثقة بالنفس لدى عدد من الناس: وهذا إحسان يحبّه الله تعالى كثيراً وفيه نصرة الله تعالى لانه يزيل الاعتراض والسخط على القضاء والقدر.

ولخطورة ظاهرتي الضجر والكسل على الفرد والمجتمع فقد كثرت الاحاديث الشريفة في التحذير منهما، فمن وصايا النبي (صلی الله علیهو آله) لأمير المؤمنين (علیه السلام) قال (يا علي .. إياك وخصلتين، الضجرة والكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤّد حقاً)(1) وهذا ما نلمسه في حياتنا العملية حيث نجد التقاعس والكسل قد وصل حتى إلى المؤمنين الذين يفترض أنهم

ص: 6


1- تجد مصادر الاحاديث المذكورة هنا في ميزان الحكمة: 7/493

يعملون لله تعالى ويرجون ما عند الله تعالى ففقدوا الهمّة التي تعينهم على القيام بالواجبات الدينية والدنيوية لاحظ كمثال الحضور في صلوات الجمعة أو صلاة الجماعة اليومية في المساجد أو مجالس الوعظ والإرشاد والتوعية أو نشر الكتب والصحف النافعة، فيبخل على ربه بدقائق لكنه يمضي الساعات في الاحاديث الفارغة والاعمال العبثية واللهو بالأجهزة الحديثة، واذا كان الأمر كذلك فكيف نتوقع من جماعة متقاعسة كسولة أن تؤدي دورها الرسالي في إصلاح الامة والدعوة إلى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

روي عن الامام الباقر (علیه السلام) قوله (الكسل يضّر بالدين والدنيا) وعنه (صلی الله علیه و آله) وقال (إنّي لاُبغِض الرجل أن يكون كسلاناً عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل).

وهكذا يرتقي التحذير من الضجر والكسل وتداعياتهما إلى ان يقول الامام الباقر (علیه السلام) (إياك والكسل والضجر فأنهما مفتاح كلشر) لانهما قد يؤديان حتى إلى الانتحار بعد أن يصل صاحبهما حالة اليأس وفقدان الامل، فعلينا أن نحيي الامل بالالتفات إلى الجوانب الإيجابية الموجودة لان الانسان وإن حرم من نعمة معينة الا ان عنده من النعم الأخرى ما لا يعد ولا يحصى كالصحة والعافية والأمن والايمان والبيئة المناسبة والشباب والنشاط والقوة وغير ذلك كثير. فلماذا ينظر إلى الجزء اليسير الفارغ من الكأس ولا ينظر إلى الجزء الأكبر المملوء منه فيشعر بالسعادة المفعمة بالأمل.

ولذا تناولت ادعية كثيرة طلب الإنقاذ من حالة الكسل والضجر، فمن دعاء للنبي (صلی الله علیه و آله) (أمنن علينا بالنشاط وأعذنا من الفشل والكسل، والعجز والعلل

ص: 7

والضرر والضجر والملل) ومن دعاء الامام الرضا للحجة ابن الحسن (صلوات الله عليهم أجمعين) (ولا تبتلينا في أمره بالسأمة والكسل والفترة والفشل واجعلنا ممن تنتصر به لدينك).

وعلينا أن نأخذ الدرس من شباب محرومين من نعم أساسية لكن قلوبهم مفعمة بالأمل واجسادهم في حيوية ونشاط ويحققون الإنجازات، قبل أسابيع كرّمت جامعة كامبردج البريطانية المتفوق الأول على خريجي كلية القانون وهو شاب عراقي كفيف البصر، وانظر إلى الشباب الآخرين ممن يسمون ذوي الاحتياجات الخاصة كيف يقتنصون الفوز في المسابقات الدولية رغم انعدام الإمكانيات التي يحظى بها اقرانهم، وأعرف آخرين مشلولي الأطراف أو مبتلين بأنواع الابتلاءات الا انهمنشطون في تقديم الخدمات الإنسانية للمحتاجين والمحرومين.

وأنقل لكم هذه الحادثة التي رواها أحد ادباء النجف(1) المخضرمين المعروفين بالحس الوطني قال ((رأيت طفلاً حاملاً كيس من الأزبال أكبر من حجمه محاولاً إرسالهُ إلى برميل الزبالة الكبير ولكنهُ يغني فاقتربت منه لأسمع غنائهُ فإذا هو يقرأ نشيد (موطني موطني) فكتبت ما يلي متعجباً من إخلاص هذا الطفل على رغم يعانيه من إهمال حكومي

يا موطن الأديان والمذاهب *** يا هل ترى لأين أنت ذاهبْ

تدوس في نعليكَ كلَّ حرَّ *** وتترك الأفاعي والعقاربْ

ص: 8


1- - الأستاذ جعفر الشرقي في كتابة شذرات الذكوات: 4/205 إصدار 2017/1438.

تقرِّب الفاسدَ تصطفيهِ *** كأنه منْ أقرب الأقاربْ

للقمةٍ يكدحُ كلَّ فردٍ *** وفي ازديادٍ تُفرضُ الضرائبْ

إلى متى نصبرُ أو نداري *** ومنْ منَ الكبار قدْ نحاسبْ

أطفالنا ملائكٌ تغنّي *** وكم لديهمْ في الورى مناقبْ

أحبُّهمْ أكثر من حياتي *** وحبهمْ فرضٌ علينا واجبْ

هذا هو حال بلدنا وتناقضاته والضحية هم الأطفال والشباب وعوائل الشهداء والمحرومين والمستضعفين، لكن هذه الكوارث والصعوبات والمحن لا تستطيع قتل الأمل في نفوس الامة الحيّة الواعية ولا تدفعها إلى الضجر والكسل، اذن أحببت الفات النظر إلى هاتين الظاهرتين الخطيرتين لدى الفرد والمجتمع لنتعاون جميعاً على احتوائها ومعالجتهابشكل شامل وإخراج الشباب منها إلى حالة الأمل والنشاط والقوة والفتوة والعمل الدؤوب لإصلاح دنيانا وآخرتنا بأذن الله تعالى وفضله.

ص: 9

خطاب المرحلة 528 :جائزة الارتباط المبكّر للشباب بالقرآن الكريم

بسمه تعالى

جائزة الارتباط المبكّر للشباب بالقرآن الكريم(1)

روى الشيخ الكليني قدس سره بسنده عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله عز وجل مع السفرة الكرام البررة وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة)(2).

يكشف الحديث الشريف عن جائزة عظيمة يحصل عليها من يرتبط بالقرآن الكريم في وقت مبكر من حياته أي في صباه وشبابه بأن يصبح القرآن الكريم جزءاً من مكّوناته فيبصر بالقرآن ويسمع بالقرآن وينظم حياته وسلوكه على أساس القرآن ويقيم الأشياء وفق القرآن، فيسمو بالقرآن ويرتقي ويصبح القرآن بوصلته في الحياة.

هذا الارتباط متنوع حسب المراحل العمرية وحسب القابلية الفكرية والعلمية والثقافية فتارة يكتفي بالقراءة والتلاوة وأخرى يتقدم نحو الحفظ وأخرى وهي الارقى يكون على نحو التدبر والفهم والتأملوالاستفادة من المعارف المودعة فيه.

ص: 10


1- من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع المتفوقين الأوائل في الدورات الصيفية للمعارف القرآنية التي نُظمت في عموم محافظة البصرة يوم السبت 3 ذو الحجة 1438 الموافق 26/8/2017.
2- الروايات المذكورة من كتاب أصول الكافي، كتاب فضل القرآن

إن الصبيان والشباب لا يلتفتون في بداية حياتهم إلى هذه الحقيقة فعلى أولياء الأمور توجيههم إلى الارتباط بالقرآن والمداومة عليه وتشجيعهم على الالتحاق بالمدارس والمحافل القرآنية، وعلى المؤسسة الدينية والمهتمين بالتربية والفكر أن ينشئوا مثل هذه المؤسسات ويعمموها إلى سائر المناطق.

إن من يرتبط بالقرآن يعيش سعادة لا توفرها أي وسيلة أخرى، قال الامام علي بن الحسين (صلی الله علیه و آله) (لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي).

مضافاً إلى ما ينفتح له من آفاق المعرفة والهداية والصلاح، روى الزهري قال (سمعت علي بن الحسين (صلی الله علیه و آله) يقول آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها).

وله بعد ذلك في الآخرة مقامات رفيعة، ففي تكملة الحديث الأول المتقدم (يقول أي القرآن يا ربِّ إن كل عام قد أصاب أجر عمله غير عاملي فبلغ به أكرم عطاياك، قال: فيكسوه الله العزيز الجبار حلتين من حلل الجنة ويوضع على رأسه تاج الكرامة ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا رب قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا فيعطي الامن بيمينه والخلد بيساره ثم يدخل الجنة فيقال له: اقرأ واصعد درجة، ثم يقال له: هل بلغنا به وأرضيناك، فيقول: نعم).

وروي عن الامام علي بن الحسين (صلی الله علیه و آله) وعن الامام الصادق (علیه السلام) قال (من استمع حرفاً من كتاب الله عز وجل من غير قراءة كتب الله له حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة، ومن قرأ نظراً من غير صوت كتب الله له بكل حرف

ص: 11

حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة ومن تعلم منه حرفاً ظاهراً كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات قال: لا أقول بكل آية ولكن بكل حرف باء أو تاء أو شبههما. قال: ومن قرأ حرفاً (ظاهراً) وهو جالس في صلاته كتب الله له به خمسين حسنة ومحا عنه خمسين سيئة ورفع له خمسين درجة ومن قرأ حرفاً وهو قائم في صلاته كتب الله له بكل حرف مائة حسنة ومحا عنه مائة سيئة ورفع له ماءة درجة ومن ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخرة أو معجلة، قال: قلت: جعلت فداك ختمه كله؟ قال: ختمه كله.)

وعن الزهري قال (قلت لعلي بن الحسين (صلی الله علیه و آله) أي الاعمال أفضل قال: الحال المرتحل قلت: وما الحال المرتحل قال: فتح القرآن وختمه، كلما جاء بأوله ارتحل في آخره وقال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): من أعطاه الله القرآن فرأى أن رجلاً أعطي أفضل مما أعطي فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً).

لذا ورد الحث على تلاوة القرآن وتعاهده يومياً، وعن الامام الصادق (علیه السلام) قال (القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلمأن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية).

اما حفظ السور القرآنية فقد ورد فيها فضل عظيم وان من ينسى سورة حفظها يناله ندم كبير، قال أبوعبدالله (علیه السلام) (من نسي سورة من القرآن مثلت له في صورة حسنة ودرجة رفيعة في الجنة فإذا رأها قال: ما أنت ما أحسنك ليتك لي؟ فيقول: أما تعرفني؟ أنا سورة كذا وكذا ولو لم تنسيني رفعتك إلى هذا).

ص: 12

خطاب المرحلة 529: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (القلم:44) (الأعراف: 182) سنة الاستدراج

بسم الله الرحمن الرحيم

(سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (القلم:44) (الأعراف: 182)

سنة الاستدراج(1)

من سنن الله تعالى الجارية في عباده سنة (الاستدراج) وهي من الابتلاءات العظيمة التي يمر بها الفرد والمجتمع، عن امير المؤمنين (علیه السلام) قال ( ما ابتلى الله أحداً بمثل الإملاء له)((2) وقد ذكرها القرآن الكريم صريحاً في موضعين بنفس النص في العنوان، لكن مضمونها ورد في آيات عديدة أخرى كما سيأتي ان شاء الله تعالى.والاستدراج يعني الايقاع بالكافرين والمنافقين واهل المعاصي تدريجياً درجة بعد درجة من حيث لا يعلمون فكلما ازدادوا في المعاصي ازدادت عليهم النعم والشواغل والملهيات عن التوبة والرجوع وهكذا حتى تنتهي مهلتهم و يتفاجاؤا بالعذاب الذي يستحقونه وقد أحاط بهم وهم في ذروة سكر النعم واقبال الدنيا وورد عن الامام الصادق (علیه السلام) في تفسير هذه الآية قال (هو العبد يذنب الذنب فتجدد له النعمة معه، تلّهيه تلك النعمة عن الاستغفار عن ذلك الذنب)((3).

ص: 13


1- ( الخطبة الأولى لصلاة عيد الأضحى المبارك لسنة 1438 الموافق 2/9/2017
2- ) نهج البلاغة: قصار الكلمات: 116
3- الكافي: 2/452 ح 3

والذي يوقعهم في هذا الاستدراج ما ذكرته الآية التالية في الموضعين (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أي اغترارهم بالإمهال والاملاء وعدم التعجيل بالعقوبة على الذنوب (وَأُمْلِي لَهُمْ) الذي هو رحمة وشفقة وإعطاء مزيد من الفرص للتوبة وليس عجزاً أو ضعفاً لأن الاستعجال ديدن من يخاف الفوت فيتوهمون أنهم على خير ولم يصدر معهم شيء سيء وإنهم يستحقون من الله تعالى إغداق النعم كقول قارون لما نصحه قومه بالإحسان كما أحسن الله تعالى إليه وعدم البغي والفساد في الأرض (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) (القصص:78).

فيتملكهم الغرور وتستولي عليهم الغفلة حتى ينتهوا إلى سوء المصير، قال تعالى (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْإِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (آل عمران:178).

وسنة الاستدراج تأتي بعد الموعظة والتذكير والانذار والتحذير والتعريض لبعض الابتلاءات لعله يصحو من غفلته وينتبه إلى نفسه فاذا استمر بعصيانه وتمرده تواترت عليه النعم فينسى ربه وينسى نفسه (نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) (الحشر:19) .

ومن الآيات الكريمة التي اشارت إلى هذه المراتب قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) (الأعراف:94-95) وفي كتاب الكافي عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (ان الله اذا أراد بعبد خيراً فأذنب ذنباً أتبعه بنقمة

ص: 14

ويذكره الاستغفار، واذا أراد بعبد شراً أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى بها وهو قول الله عز وجل (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) بالنعم عند المعاصي)(1).

في الحديث عن الامام الصادق (علیه السلام) قال ( إذا أحدث العبد ذنباً جدّد له نعمه فيدع الاستغفار، فهو الاستدراج)(2).

لذا يجب على الانسان العاقل أن يكون حذراً عندما تقبل النعم عليه قال امير المؤمنين (علیه السلام) (أولى الناس بالحذر اسُلمُهم عنالغيَر)(3) أي من لا يتعرض للابتلاءات والصعوبات ويرفل بالنعم وعنه (علیه السلام) ( اذا رأيت ربَّك يتابع عليك النعم فاحذره ) (4) بأن لا تبطره النعمة ولا يشعر بالعجب والزهو وان يتعاهد نفسه بالمحاسبة دائماً ولا يغفل عن أداء حق الله تعالى عليه في هذه النعم، فنعمة الايمان عليها حقوق ونعمة العقل عليها حقوق، ونعمة الصحة والعافية عليها حقوق، ونعمة المال عليها حقوق، ونعمة الجاه والوالدين والأولاد والعلم وغيرها فيها حقوق لله تعالى ((راجع رسالة الحقوق للإمام السجاد (علیه السلام) لتعرف تفصيلاً عن هذه الحقوق)).

روي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قوله في نهج البلاغة (أنه من وسع عليه في

ص: 15


1- نور الثقلين: 5/397 عن كتاب علل الشرائع
2- مجمع البيان: 10/340
3- غرر الحكم : رقم 3096
4- غرر الحكم : رقم 4082

ذات يده فلم يَر ذلك استدراجاً فقد أمن مخوفاً)(1).

ومن كلماته (علیه السلام) (كم من مستدرج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، ومفتون بحسن القول فيه، وما أبتلى الله أحداً بمثل الاملاء له)(2).

وعن الامام الحسين (علیه السلام) قال (الاستدراج من الله سبحانه أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر)(3).وعن الامام الصادق (علیه السلام) قال (كم من مغرورٍ بما قد أنعم الله عليه، وكم من مستدرج يستر الله عليه، وكم من مفتون بثناء الناس عليه)(4).

وكان أصحاب الائمة (علیهم السلام) واعين لهذه الحالة وحذرين منها فروي أن أحد أصحاب الامام الصادق (علیه السلام) قال (إني سألت الله تبارك وتعالى أن يرزقني مالاً فرزقني، وإني سألت الله تبارك وتعالى أن يرزقني ولداً فرزقني، وسألته أن يرزقني داراً فرزقني، وقد خفت أن يكون ذلك استدراجاً؟ فقال (علیه السلام): (أما مع الحمد فلا)(5) والمقصود بالحمد العملي منه وليس فقط القولي، و( أقل ما يلزمك لله تعالى ان لا تستعينوا بنعمه على معاصيه )(6)

هذا هو المعنى المعروف للاستدراج، ويستشف من القران الكريم معنى آخر له، بأن يكون الاستدراج على شكل تزيين المعصية وتيسيرها بحيث

ص: 16


1- نهج البلاغة: قصار الكلمات رقم 358، بحار الانوار: 5/220
2- نهج البلاغة: الحكمة 116
3- بحار الانوار: 78/117 ح 7
4- الكافي: 2/452 ح 4
5- أصول الكافي: 2/97 ح 17
6- كلمة لأمير المؤمنين (علیه السلام) في غرر الحكم : رقم 3330

تضعف مقاومة النفس عن تجنبها كما يحكي القرآن عن أصحاب السبت من اليهود، حيث حرم الله تعالى عليهم صيد السمك يوم السبت فكانت تأتي بكثرة يوم السبت وتكون في متناول أيديهم ولا يجدونها في غير السبت، فعملوا حيلة لحجزها يوم السبت ثم اصطيادهايوم الاحد فقال تعالى (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (الأعراف:163). فمسخوا قردة وخنازير(1) .

ومثل الصيد الذي حرمه الله تعالى على المحرم واذا به يكثر حولهم وهم محرمون ليبتلي صبرهم على الالتزام بالحكم الشرعي للمحرم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة:94).

فالمستفاد من الآية عدة دروس:

1- عدم الاغترار بالنعم والأمن من العقوبة لأن ذلك امهالاً وليس اهمالاً وأن العاقبة السيئة قد تحل به في أي لحظة في الدنيا والآخرة، مثلا الزعماء السياسيون عليهم أن لا تغرّهم الرئاسة والقدرة وكثرة الاتباع وضجيجهم وتداول وسائل الاعلام فتتضخم الانا عند احدهم ويتصور أنه قادر على كل

ص: 17


1- ) في تفسير العسكري: عن الامام علي بن الحسين (علیه السلام ) قال : (ان الله تعالى مسخ هؤلاء لاصطياد السمك فكيف ترى عند الله عز وجل يكون حال من قتل أولاد رسول الله (صلى الله عليه واله) وهتك حريمه، ان الله تعالى وان لم يمسخهم في الدنيا فان المعدَّ لهم من عذاب الاخرة اضعاف اضعاف هذا المسخ) (تفسير البرهان : 4/129)

شيء وأنه بمتناول يده أن يفعل ما يشاء فيتخلى عنمبادئه وينسى واجباته تجاه شعبه وبلده وينحرف مبتعداً عن جادة الصواب ويصمّ اذنه عن سماع النصيحة ويغفل عن قدرة الله عليه، او أصحاب الأموال يرون أموالهم تتكاثر بسرعة وتأتيهم من حيث لا يحتسبون، فيغتروا بها ويغضوا الطرف عن مصادرها وإخراج الحقوق الشرعية منها ويبقون في هذا الوهم حتى تذهب لذتها وتبقى تبعتها .

2- أن لا ننساق وراء شهوات النفس واطماعها فنسقط في المعصية مهما بدت لذيذة وسهلة ومغرية وفي متناول اليد كالأموال الطائلة التي يبذلها الفاسدون من أجل تمرير باطلهم أو السكوت عنه، فيغتر بها ضعاف النفوس ويسقطون في فخوخهم أو كالعلاقات الجنسية التي تبذل بيسر للشباب في المجتمعات المختلطة أو على وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة أو أي مجال آخر، فالحذر من كل ذلك لأن القدم اذا زلَّت فأن الانحراف يزداد بمرور الوقت وتصعب العودة إلى جادة الصواب.

3- الثقة بوعد الله تعالى وأنه لا يضيّع أجر المحسنين ولا يسكت عن ظلم او جور وأنه ينصر عباده المؤمنين ولكننا لا نستطيع توقيت ذلك وما يفعله الله تعالى هو الخير.

4- أن نعي هذه السنة الإلهية (الاستدراج ) حتى لا يتحول الاغترار بها إلى ظاهرة خطيرة حينما ينخدع المجتمع ببعض المظاهر الجذابة المبهرة التي يتنعم بها المستدرجون فيتمنى أن يكون مثلهم ولا يعلمالعاقبة الوخيمة التي تنتظرهم كما ابتلي الكثير من أبناء المجتمع اليوم بهوس السلطة والصراع على المغانم

ص: 18

ونيل الثراء الفاحش بسرعة، قال تعالى (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران:196-197)

ويحكي القرآن الكريم حادثة قارون من بني إسرائيل للتحذير من هذه الظاهرة الخطيرة حيث آتاه الله تعالى أموالا عظيمة (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) فنصحه قومه فلم يستجب(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) (القصص : 78) أي ان هذه النعم حصلت عليها بقدراتي وامكانياتي الشخصية وهنا ترد الإشارة الى هذه الظاهرة (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص:76-83)، فلنحذر من السقوط في مقولة (ياليت لنا مثل ما اوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) لان عاقبته الندم الكبير حيث لا ينفعالندم.

ويقدّم السيد الطباطبائي قدس سره تحليلاً لاستدراج هؤلاء ووقوعهم في العذاب الدنيوي قبل الآخرة، قال قدس سره ((ومن وجه آخر لما انقطع هؤلاء عن ذكر ربهم وكذبوا بآياته سُلبِوا اطمئنان القلوب وأمنها للتشبث بذيل الأسباب التي من دون الله، وعذبوا باضطراب النفوس وقلق القلوب وقصور الأسباب

ص: 19

وتراكم النوائب، وهم يظنون انها الحياة ناسين معنى حقيقة الحياة السعيدة فلا يزالون يستزيدون من مهلكات زخارف الدنيا فيزدادون عذاباً وهم يحسبونه زيادة في النعمة حتى يردوا عذاب الآخرة وهو أمر وأدهى، فهم يستدرجون في العذاب من لدن تكذيبهم بآيات ربهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون))(1).

ص: 20


1- الميزان في تفسير القرآن: 8/351 تفسير الآية 182 من سورة الأعراف.

خطاب المرحلة 530: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ) (البقرة:177)

بسم الله الرحمن الرحيم

(لَّيْسَ الْبِرَّ(1) أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ) (البقرة:177)

افهم حقائق الأمور جيداً: البر والعلم والعبادة أمثلة(2)

من ثمرات التدبر في القرآن الكريم تصحيح نظرتك للأمور وفهمك للحقائق، وهذه الآية تقوم بهذا الدور وتبيّن مفردة مهمة في الحياة أعني (البر) الذي يعرّف بأنه ((الاتساع والزيادة في فعل الخير)) ولذا سميت الصحراء بالبرية لاتساعها، وفي الحقيقة فأن الآية شرحت معنى الايمان المتكامل نظرياً وعملياً وإن عبّرت عنه بالبر، وفي كتاب الدر المنثور بسنده عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) أنه سأل رسول الله (صلی الله علیه و آله) عن الايمان فتلا عليه الآية فأعاد السؤال فتلاها ثانية وهكذا ثالثة.

وقد ورد في الروايات أن الآية نزلت للتعريض بفعل أهل الكتاب مناليهود والنصارى الذين كانوا يسخرون من المسلمين عندما أمر الله تعالى نبيه (صلی الله علیه و آله) بتحويل القبلة عند الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة المشّرفة وأصبح

ص: 21


1- مثبّتة بالفتح في المصحف المتداول وهي قراءة حمزة وحفص عن عاصم وحكي في وجهها انه خبر ليس مقدم على إسمها، قال في مجمع البحرين ((وهو ضعيف بجعل الاسم جملة)) وقرأها الأكثر بالضمّ على القاعدة مثل نافع وابن كثير وابي عمر و ابن عامر والكسائي وغيرهم وهو المروي عن ابن مسعود وابي (راجع معجم القراءات القرآنية: 1/ 137).
2- الخطبة الثانية لصلاة عيد الأضحى المبارك لسنة 1438 الموافق 2/9م2017

للمسلمين هوية خاصة بعد أن كان أولئك يفتخرون عليهم وانهم تابعون لهم لأنهم يصلّون إلى قبلتهم وكان النبي (صلی الله علیه و آله) يتوق الى ان تكون الصلاة الى الكعبة بعد الهجرة الى المدينة (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة : 144) فأفقدهم تغيير القبلة هذا الادعاء فأخذوا يشككون في صحة فعل المسلمين سابقاً أو لاحقاً، وكانت هذه حلقة من سلسلة طويلة من المواجهة مع أعداء الإسلام، وقد نزلت عدة آيات للرد عليهم، منها قوله (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ المشرق والمغرب ) (البقرة:142) ومنها الآية التي نحن بصددها.

فالآية تقول: أن البر ليس أمراً شكلياً وحركة جسدية تتمظهر بالتوجه إلى هذه الجهة أو تلك فقط وفقط حتى يركّز عليها الخصوم ويعتبرونها المقياس لمعرفة الحق بينما القلوب خاوية من الايمان الحقيقي، والنفوس مجرّدة من الورع والتقوى، ولكن البر له حقيقة وراء هذه الشكليات تتكون من منظومة متكاملة من الاعتقادات والأخلاق و الأفعال (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَىالْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة:177) .

هكذا يجب ان نقيُم عباداتنا وسائر أعمالنا على أساس حقائقها واغراضها وليس اشكالها وحركاتها البدنية التي لا تستحق شيئا يذكر اذا خلت

ص: 22

من المضمون، حتى لا يتملك العجب أحداً من العاملين أو الشعور بأنه قدَّم شيئاً يستحق عليه جزاءاً عظيماً ولنأخذ أمثلة من الواقع كشخص يحيي الليل بالعبادة وهو لا يعلم بأن الحارس الليلي يجوب الشوارع على قدميه في ظل الظروف الجوية القاسية متحملاً المخاطر والتهديدات والمسؤولية الكبيرة ويتقاضى أجره عن الليلة عشرة الاف دينار أو أكثر بقليل أي عشر دولارات فكم يستحق التعب الجسدي لإحياء الليل بالعبادة، أو نقيس الامر على الاستئجار للعبادات فأن أجرة صلاة يوم كامل دولاراً واحداً او اكثر بقليل وصوم اليوم الواحد عشرة الاف دينار أي ثمانية دولارات ونحن نريد بهذه الاعمال أن يدخلنا الله تعالى جنة عرضها السماوات والأرض، فلابد أن نعرف حقيقة ما يريده الله تعالى من هذه الاعمال وهي التقوى والورع وان تحب الله تعالى وتؤثر رضا الله تعالى على ما سواه وأن تحب خلق الله تعالى وتحسن اليهم بما يتيسر وتتجنب ظلمهم مطلقا، قال الله تعالى (لَن يَنَالَ اللَّهَلُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) (الحج:37) فالقيمة الحقيقية ليست للأشكال والمظاهر وانما هي مع الروح والمضمون.

والملفت في الآية التي نحن بصددها أنها انتقلت من وصف البِّر المصدر إلى وصف البَّر بالفتح أو البارَّ وهو المتصف بهذه الصفات لأن النظرية لا تفهم الا من خلال تجسيدها عملياً وابرازها في سلوك الأسوة الحسنة، ولتشير إلى أن من اجتمعت فيه هذه العناصر يْكون البر صفة راسخة فيه حتى يصبح مجسداً للبِّر على ارض الواقع كما نقول (علي عدل) أي ان العدل ملكة راسخة فيه حتى أصبح مثالاً و مصداقاً للعدل.

ص: 23

والصفات المذكورة واضحة ومحورها العبودية لله تبارك وتعالى وعدم التعلق بشيء سواه، وقد ذكر إنفاق المال مرتين (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) أي على حب المال وعلى حب الله تعالى، (وَآتَى الزَّكَاةَ) وكأنه للإشارة إلى قيامه بالانفاقين الواجب والمستحب، والخطاب وإن نزل للتعريض بأهل الكتاب الا أنه شامل للجميع كما هو ديدن القرآن الكريم.

فهذه هي صفات الأمة المؤمنة حقيقة التي هي خير أمة أخرجت للناس ولها مقام الشهادة على الأمم الأخرى (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143) وليس بمجرد إدعاء الانتساب.وفي الحديث الشريف عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال (أما علامة الباِّر فعشرة: يحب في الله، ويبغض في الله ويصاحب في الله، ويفارق في الله، ويغضب في الله، ويرضى في الله، ويعمل لله، ويطلب إليه ويخشع لله، خائفاً مخوفاً طاهراً مخلصاً مستحياً مراقباً، ويُحسِنُ في الله)(1).

ومحل الشاهد هنا أن من الوظائف التي اداها القرآن الكريم وضع المعايير الصحيحة وتصحيح فهم الأمور وسار على ذلك النبي والائمة المعصومون (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، روي عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال (دخل رسول الله صلی الله علیه و آله المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل فقال: ما هذا؟ فقيل: علّامة فقال: وما العلّامة؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها، وأيام الجاهلية، والأشعار العربية، قال: فقال النبي صلی الله علیه و آله: ذاك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه، ثم قال النبي صلی الله علیه و آله: إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو

ص: 24


1- تحف العقول:21

فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل)(1).

إذن فالعلم الذي يستحق أن يسمى علماً هو ما كان فيه نفع للناس في دنياهم أو آخرتهم وتقوم به حياتهم بحيث لو تركه الناس يصيبهمضرر بفواته، أما ما ليس كذلك كأنساب العرب ووقائعهم في الجاهلية فلا يستحق تضييع الوقت الثمين في تعلمه، فلابد أن نراعي ذلك فيما نطالعه ونتعلمه عبر وسائل التثقيف المتنوعة التي لم تقتصر على الكتب والصحف والمجلات، بل تعدّتها إلى شبكة النت ومواقع التواصل الاجتماعي.

ومن ذلك ما رواه معلى بن خنيس قال (سأل أبو عبدالله علیه السلام عن رجل وأنا عنده فقيل: أصابته الحاجة، قال: فما يصنع اليوم؟ قيل: في البيت يعبد ربه، قال: فمن أين قوته؟ قيل: من عند بعض اخوانه، فقال أبو عبدالله علیه السلام: والله للذي يقوته أشد عبادة منه)(2).

فالرواية تصحح لنا فهمنا لعنوان مهم آخر وهي (العبادة) التي نظن أنها بكثرة الصلاة والصيام وكلما ازداد منها كان أعبد الناس واذا بمفهومها أوسع من ذلك، فكل عمل يساهم في إعمار الحياة وإسعاد الناس وإصلاحهم وتوفير الحياة الكريمة لهم هو من أسمى اشكال العبادة.

ص: 25


1- الكافي: ج 1 / كتاب فضل العلم / باب صفة العلم.
2- وسائل الشيعة: ج 12/ ح 3/ ص 14

خطاب المرحلة 531: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )(المطففين:26)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )(1) (المطففين:26)

جاءت الآية بعد سلسلة من الآيات التي تصف العاقبة الحسنة للأبرار (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ) (المطففين:22-25). ففي مثل هذا النعيم يجب أن يكون التنافس على السبق والتحصيل، وقد دّلت لام الامر على الطلب والدعوة.

ولعل في تقديم (وفي ذلك) بدل تأخيرها كما هو مقتضى القاعدة نكتة إفادةَ الحصر أي ان التنافس لا يكون الا في مثل هذا النعيم، وإن هذا وحده يستحق التنافس دون غيره مهما كان ذلك الغير عظيماً في نظر الناس كالمال أو الجاه أو السلطة ونحو ذلك، وهو معنى يقتضيه لفظ التنافس، الذي هو بذل الجهد وإتعاب النفس وسبق الغير لتحصيل النفيس من دون إضرار بذلك الغير ولا كيد له ولا حرمان منه. ولا نفيس الا في ما يرضي الله تبارك وتعالى والفوز في الآخرة اما ما سواها فهي لذة ومتعة آنية فانية ولا قيمة لما في الدنيا الا بمقدار ما يقدّم للآخرة، فتكون الآية بمعنى قوله تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ) (الحديد:21) وقوله (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة:148) وقوله (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (الأنبياء:90).

ص: 26


1- كلمة القيت يوم الجمعة 23 / ذوالحجة / 1438 المصادف 15/9/2017 بمناسبة قرب حلول شهر محرم الحرام

وعليه فما يرد في الكلام المتداول من تقسيم التنافس إلى شريف وغير شريف هو تعبير غير دقيق لان التنافس لا يكون الا شريفاً، أما التنافس غير الشريف لكون أغراضه كذلك أو ان وسائله كذلك فانه ليس تنافساً أصلاً لأنه ليس مسابقة على أمر نفيس بل على أمر وضيع فيخرج من موضوع التنافس، ولعل هذا التقسيم مبني على فهم التنافس بمعنى التغالب بشكل عام فيشمل القسمين، قال السيد الطباطبائي قدس سره ((التنافس: التغالب على الشيء)) وقال الشهيد السيد الصدر الثاني قدس سره (( التنافس: التغالب على هدف معين، كل واحد منهم يجب أن يكون أسرع من صاحبه في الوصول إليه))(1).

أقول: تضمين التنافس معنى التغالب مأخوذ من تداول استعمال اللفظ بهذا المعنى وشهرته والا فأنه لا يقتضي ذلك كما قدمّنا ولعلهم أخذوا المعنى من كون المرتكز في ذهن المشهور أن صيغة (تفاعل) تدل على الفعل المتبادل بين أثنين أو أكثر وهو غير لازم لورود الصيغة في معنى الثلاثي نحو (تعالى الله) أي علا وقد يستعمل للوقوع التدريجي نحو (تقاطر المطر) أو للدلالة على خلاف الواقع نحو (تظاهر وتمارض) وغير ذلك.

فالتنافس لا يعني المغالبة بل ما ذكرنا من المسارعة والاستباق لتحصيل الامر النفيس من نعيم الآخرة وهو لا حدود له ولا نفاد ولااختصاص لاحد دون آخر (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ) (ص:54) أما المغالبة فأنما تحصل في الأمور الدنيوية لمحدودية موجوداتها فيحرص كل واحد أن يغلب الآخر للحصول عليه دونه، والآخرة ليست كذلك فلا تحتاج إلى المغالبة، قال في

ص: 27


1- الميزان في تفسير القرآن: 20/263، منة المنّان: 4/271.

مجمع البيان (("التنافس": تمنّى كل واحد من النفسين مثل الشيء النفيس الذي للنفس الأخرى أن يكون له)).

ولذا فان التنافس الحقيقي لبلوغ نعيم الآخرة يرتقي ويسمو بجميع المتنافسين إلى اعلى الدرجات،اما التنافس على أمور الدنيا كالسلطة او المال او الأرض وفي غير ذلك، فانه يجعل المتنافسين في صراع قد يحرق الأخضر واليابس كما هو المشاهد عبر التاريخ.

ومما تقدم تلخّص لدينا عدة وجوه لحصر الآية استحقاق التنافس في أمر الآخرة فقط، وهي تظهر الفوارق بين التنافس الدنيوي والآخروي:

1- لان نعيم الآخرة دائم وحقيقي (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) بينما لذات الدنيا ومغانمها فانية زائلة ومحدودة.

2- ان التنافس على نعيم الآخرة يؤدي إلى إعمار الحياة بالخير والعدل والإحسان والرحمة بينما التنافس على الدنيا يدع الأرض بلاقع ويهلك الحرث والنسل.

3- ان المتنافسين على الآخرة يسمون بتنافسهم ويزدّادون مودة ومحبة بينما يمتلئ المتنافسون على الدنيا ضغينة وحقداً وحسداً.

4- ان المتنافسين على الدنيا يبقون في دائرة ضيقة هابطة لان همهم إرضاء انانّياتهم واشباع نزواتهم وتلبية شهواتهم بينما يتسع أفق المتنافسين على الآخرة وترنو ابصارهم الى ما وراء هذا الكون العظيم.

والاتيان بهذا المشهد من جنة الابرار ونعيمهم في سورة المطففين ثم التعقيب بالآية محل البحث يلفت النظر ويفتح الذهن على هذه المقارنة لإدراك

ص: 28

ما يستحق المنافسة فالمطففون لا يتورعون ولا يخافون سوء الحساب فيظلمون الناس ويأكلون أموالهم بالباطل ويمضون حياتهم في التكالب على هذه الدنيا الدنية ومتاعها الرخيص ويتباهون بما يحصلون عليه منها ويزيد بذلك الاوزار والتبعات على ظهره فتذكر السورة مصيرهم (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) (المطففين:1) إلى ان يقول سبحانه (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) (المطففين:7) (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ) (المطففين:16) إلى آخر الآيات.

والدعوة في الآية الكريمة عامة لكل الناس ولا يضّر بعمومها إنها موجّهة للمتنافسين فان هذا ليس من باب التخصيص لان كل الناس داخلون في عنوان المتنافسين بعد ملاحظة ما هو مغروس في فطرة الانسان من حب التنافس والحرص على تحصيل النفيس لكنها توجّه هذه النزعة الإنسانية نحو حب الخير والازدياد منه فوجّهت تنافسهم إلى الهدف الصحيح الذي ربما كانوا غافلين عنه حتى المتدينون منهم ومن هنا يظهر أحد وجوه أهمية الدين في حياة الانسان بتوجيه تنافسه نحوالخير والعدل والإحسان (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل: 90) بينما الماديون يتوجه تنافسهم على المصالح الدنيوية فتحصل الحروب والمنازعات وما يتبعها من دمار وخراب فلينتبه المنادون بإقصاء الدين عن الحياة إلى الكارثة التي يريدون جر المجتمع اليها.

واروع ما في هذه المنافسة أن فاعل الخير والحسن يُعطى أجره وإن لم يقصد بعمله نيل ما عند الله تعالى، ففي كتاب الكافي: ان من وصية النبي (صلی الله علیه و آله) لأمير المؤمنين (علیه السلام) ( يا علي من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم، فقال علي (علیه السلام) : لغير الله؟ قال (صلی الله علیه و آله) : نعم والله صيانة

ص: 29

لنفسه يشكره الله على ذلك)(1).

والآية تدعو الى التنافس و المسابقة والمسارعة الى فعل الخير والطاعة مطلقاً سواء كان على نحو الواجب او المستحب ، وقد استعمل فيها لفظ (في) وليس على ولعله لبيان ان التنافس والتسابق الى الخير هو بنفسه خير ، وهذا واضح لان في الاحاديث: ان من نوى حسنةً او همَّ بها ولم يفعلها كتبت له حسنة(2) .واثار السيد الشهيد الصدر الثانيقدس سره سؤالاً هنا يناسب ذوقه العرفاني قال فيه ((ان السياق السابق للآيات هو وصف ثواب الابرار، وهو ليس هدفاً حقيقياً، وإنما حال المقرّبين هو الهدف الحقيقي(3) فلماذا امر بالتنافس على حال الابرار؟)) ثم ذكر عدة وجوه في الجواب قال منها:

1- انه هدف في الجملة جيد جداً لمن يكون دون ذلك.

2- انه هو الهدف الغالبي؛ لأن الأعمّ ألأغلب من الناس هم دون ذلك لا محالة، فالمنظور هو الغالبية.

3- ان التنافس يصحّ فقط على هذا الهدف، واما هدف المقربين فلا يصح

ص: 30


1- الكافي: 6/430.
2- عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى انه قال: (ان الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وان همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى اضعاف كثيرة، وان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وان هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف.
3- كما في الترتيب الذي ورد في سورة الواقعة.

فيه التنافس، لأنه مما لا يتحمله الناس ولا يقيمونه، فلا ينبغي ان يؤمروا بالتسبيب اليه.

4- ان التنافس انما يكون في هذا الهدف فقط، اما هدف المقربين فلا يمكن التنافس فيه، لأنه انما هو عطاء محض من قبل الله سبحانه، وليس بيد العبد التسبيب إليه، كما قال في الدعاء: (بخدمةٍ توصلني إليك) وقال: (يامن دلّ على ذاته بذاته).

5- ان التنافس انما يمكن في هذا الهدف فقط دون هدف المقرّبين؛لأن المقرّبين في حالة فناءٍ، فلا يصلحون للتنافس، وانما التنافس يكون في عالم الأسباب والنظر الاستقلالي إلى الأشياء، وهو مناسب مع نظر الابرار لا مع نظر المقرّبين. والا فهذا التنافس هو عين الشرك بالنسبة إلى المقرّبين، ومن هنا لزم ان يكون هذا خطاباً للمستويات التي تناسبه، والتي يكون هذا التنافس نافعاً لها ومنتجاً لنتائجه الحسنة فيها.))(1)

أقول: بغضّ النظر عن المناقشة في بعض تعبيراته قدس سره فان هذا السؤال واجوبته تناسب ذقوه ومستواه العرفاني (قدس الله سره)، ويمكن ان نضيف أجوبة أخرى:

1- ان السؤال لا موضوع له اصلاً لانه مبني على التقسيم المصطلح لدى اهل الفن من تقسيم المقامات كالموجود في سورة الواقعة إلى المقرّبين وأصحاب اليمين، والا فلا مانع من دخول المقرّبين في عنوان الابرار وقد دلّت عليه الروايات الشريفة فقد روى القمي في تفسيره بسنده عن جعفر بن محمد

ص: 31


1- منة المنان: 4/271.

(علیهما السلام) في المراد من الابرار قوله (وهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والائمة (علیهم السلام) )(1) ، وهم سادة المقرّبين والخلق جميعاً.

ويمكن ان يستظهر ذلك من صريح الآيتين التاليتين (وَمِزَاجُهُ مِنتَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) (المطففين:27-28) لكن التدقيق فيهما يؤيد التقسيم الذي ذكره السيد الشهيد لأن الآية تشير إلى ان المقربين يشربون من عين تسنيم صافياً اما الابرار فيخرج شرابهم منها.

2- ان الآية تراعي المرحلية والتدريج فان المتنافسين اذا بلغوا مرتبة الابرار لم يقفوا عندها لطموحهم المستمر إلى التكامل فيتنافسون للوصول إلى مقام المقربين فتكون نظير قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16) للوصول إلى مقام آية (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (آل عمران:102) ولو طلب منهم مقام الثانية رأساً لعجزوا ويأسوا.

ويوجد هنا اشكال نقله السيد الطباطبائي قدس سره قال فيه: ((واستشكل في الآية بأن فيها دخول العاطف على العاطف اذ التقدير : فليتنافس في ذلك الخ))(2).

أقول: وبيانه : ان حق العبارة ان يؤخرّ الظرف (في ذلك) فتصبح الجملة وفليتنافس المتنافسون في ذلك فجيئ بعاطفين متتالين وهم الواو والفاء وهو مخلّ بالبلاغة ومستهجن وحكى السيد قدس سره جواباً وأضاف جواباً ثانياً وكلاهما بعيدان ومبنيان على تقديرات غير عرفية لا نحتاج إلى بيان تفاصيلهما.

ص: 32


1- البرهان في تفسير القرآن: 10/123 عن تفسير القمي: 2/410.
2- الميزان في تفسير القرآن: 20 /264.

والجواب الصحيح ان الاشكال لا موضوع له لانه مبني على افتراض وتقدير وليس على واقع الجملة للفصل بين العاطفين بالظرف وقد علمنافي بداية الكلام وجه تقديم الظرف بل ان هذه الصياغة ابلغ التعابير فلو حذف أحد العاطفين او حصل تقديم وتأخير فانها سوف لا تؤدي الغرض المطلوب.

وخير مثال على المتنافسين في هذا النعيم والمسارعين عليه أصحاب الامام الحسين (علیه السلام) وأهل بيته حيث وصفهم الامام بذلك، فقد روى بعض ارباب المقاتل والتواريخ انهم تنافسوا فيمن يسبق إلى الموت اولاً ويبرز لمقاتلة الأعداء فقال بنو هاشم نحن اولاً لأننا أولى بالتضحية في سبيل رسالة جدنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقال الاصحاب لا يمكن ان تُقتلوا ونحن ننظر إليكم فما عذرنا غداً يوم القيامة من جدّكم رسول الله (صلی الله علیه و آله) وحينئذٍ اذن الامام الحسين (علیه السلام) للأصحاب اولاً حتى استشهدوا جميعاً ثم لحقهم آل الرسول (صلی الله علیه و آله) ووقف الامام الحسين (علیه السلام) على أجسادهم الطاهرة يناديهم باسمائهم يؤبنّهم ويثني على موقعهم ويستنصرهم اذ بقي وحيداً بعدهم وينسب إليه قوله (علیه السلام)

قوم اذا نودوا لدفع ملمة *** والخيل بين مدعس و مكردس

لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا *** يتهافتون على ذهاب الانفس(1)

أي يتسابقون إلى الموت ويتنافسون على الفوز بالشهادة بين يديالامام الحسين (علیه السلام) .

ص: 33


1- مقتل ابي مخنف : 133، ناسخ التواريخ : 2/377، معالي السبطين: 2/19.

خطاب المرحلة 532: نهتم بالقضايا ما دامت قائمة فاذا انتهت سلّمنا لأمر الله تعالى

بسمه تعالى

نهتم بالقضايا ما دامت قائمة فاذا انتهت سلّمنا لأمر الله تعالى(1)

روى الشيخ الكليني (رضوان الله تعالى عليه) في كتاب الكافي بسنده عن رجل اسمه قتيبة الاعشى قال (أتيت أبا عبد الله (علیه السلام) أعود ابنا له كان مريضاً فوجدته على الباب فإذا هو مهتم حزين، فقلت: جعلت فداك كيف الصبي؟ فقال، والله إنه لما به أي ان حالته خطيرة ثم دخل إلى بيت العائلة حيث الصبي فمكث ساعة ثم خرج إلينا وقد أسفر وجهه وذهب التغير والحزن، قال: فطمعت أن يكون قد صلح الصبي أي عوفي من مرضه فقلت: كيف الصبي جعلت فداك؟ فقال: وقد مضى لسبيله أي مات ، فقلت: جعلت فداك لقد كنت وهو حي مهتما حزينا وقد رأيت حالك الساعة وقد مات غير تلك الحال فكيف هذا؟ حيث ان السلوك العام هو مضاعفة الحزن والجزع عند حلولالمصيبة فقال: إنا أهل البيت إنما نجزع قبل المصيبة فإذا وقع أمر الله رضينا بقضائه وسلمنا لامره)(2).

نستفيد من هذه الحادثة درساً في السلوك الحكيم والتجربة الناضجة حاصله

ص: 34


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي مع شباب موكب الامام الجواد (علیه السلام) من ناحية البطحاء في محافظة ذي قار يوم الخميس 21 محرم 1439 المصادف 12/10/2017.
2- الكافي: 3/225، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والاسترجاع ، ح11

ان الإنسان يمرُّ في هذه الدنيا بأنواع من الابتلاءات والمصاعب والتحديات والآمال والالام فعليه أن يكون بمستوى ما يقتضيه الموقف من الاهتمام والمتابعة واتخاذ الإجراءات المطلوبة وتهيئة المقدمات واللوازم حتى تتحقق النتائج المرجّوة بإذن الله تعالى وفضله وكرمه، لكن اذا لم تأتي النتائج على ما يرام فعلى الانسان أن يسلِّم لأمر الله تعالى ويرضى بقضائه وقدره.

ولنأخذ مثالاً من واقعكم وهو ما يحصل لطلبة السادس الثانوي فانهم يعيشون ضغطاً نفسياً كبيراً وحالة من الشد العصبي بسبب طموحهم لتحصيل درجات عالية حتى يتمكنوا من القبول في أحدى الكليات الراقية، وبسبب ضغط الاهل عليهم بهذا الاتجاه مع ما يواجهونه من صعوبات دراسية واجتماعية، وهنا يجب عليهم ان يفرّغوا أنفسهم للمطالعة والمذاكرة خلال السنة الدراسية ويبذلوا وسعهم في أيام الامتحانات لتحقيق هذا الهدف بفضل الله تعالى، ولكن اذا لم تكن النتائج على ما يريدون فان ذلك لا يعني نهاية الدنيا واليأس من الحياة الذي يدفع البعض إلى ارتكاب أفعال حمقاء وجنونية فالخيارات تبقىمفتوحة ولابد من تجاوز الحالة والتفكير بإيجابية للآتي من الأيام قال تعالى (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد:23).

والمثال الآخر ما يحصل لبعض الشباب والشابات من التعلق بالجنس الآخر والرغبة الاكيدة للزواج فعليهم أن يسعوا لتحقيق هذا الغرض الشريف بأن يأتوا البيوت من أبوابها ويجروا المقدمات المطلوبة للوصول إلى الغاية المنشودة فان حصلت فالفضل لله تعالى، وإن لم تحصل وانسدَّت كل المحاولات فلابد من

ص: 35

الاطمئنان بأن الله تعالى يختار له الخير.

وهنا رواية أخرى بنفس هذا المضمون في المصدر نفسه عن علاء بن كامل قال (كنت جالسا عند أبي عبد الله (علیه السلام) فصرخت صارخة من الدار فقام أبو عبد الله (علیه السلام) ثم جلس فاسترجع أي قال: إنا لله وإنّا إليه راجعون وعاد في حديثه حتى فرغ منه ثم قال: إنا لنحب أن نعافى في أنفسنا وأولادنا وأموالنا فإذا وقع القضاء فليس لنا أن نحب ما لم يحب الله لنا.)(1)

ومن لا يقتنع بهذا الدرس ولا يستفيد من هذه الحكمة فليتأمل في نتائج ما يحصل لو عاش حالة الاسى والالم وقضى أيامه حزيناً كئيباً هل يستطيع تغيير الواقع الذي فات؟ الجواب: لا بالتأكيد وبالعكس فانه سيضرّ صحته وعمله وعلاقته بالآخرين ومجمل حياته، فلماذا نخوضتجربة مريرة طويلة ونتكبد الخسائر الفادحة ثم نصل إلى النتيجة التي لخّصها لنا الائمة المعصومون (علیهم السلام)، فالإنسان الحكيم ذو البصيرة يستفيد من هذه الحكم والمواعظ من اول الامر خصوصاً انتم الشباب في مقتبل العمر وفي اول مراحل بناء مستقبلكم فاختصروا الطريق بالاستفادة من هذه الروايات التنموية.

ص: 36


1- الكافي: 3/226 ، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والاسترجاع ، ح13

خطاب المرحلة 533: موعظة حسنة

بسمه تعالى

موعظة حسنة(1)

روي في كتاب تحف العقول عن الامام الحسن(علیه السلام) السبط (مر الحسن بن علي (صلی الله علیه و آله) في يوم الفطر بقوم يلعبون ويضحكون كما هو شأن اغلب الناس ، فوقف على رؤوسهم وقال (علیه السلام) :إنّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه أي ميدان سباق للخلق ، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم بأن استثمروا اوقاتهم في الطاعة وتجنب المعصية ففازوا، وقصر آخرون بغفلتهم وجهلهم وعدم شعورهم بالمسؤولية فخابوا، فالعجب كلّ العجب من ضاحكٍ لاعب، في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون فالإمام (علیه السلام) يعجب كل العجب ممن يلهو ويلعب ويضحك يوم توزيع النتائج، فهل رأيت طالباً يفعل ذلك في يوم توزيع النتائج المصيرية أم أن انفاسهم محبوسة واعصابهم مشدودة لانهم لا يعلمون ماذا ستكون النتيجة وهل يبلغ بها مناه أم لا وأيم الله وهذا القسم من الامام (علیه السلام) لو كشف الغطاء غطاء الغفلة والانشغالات الدنيوية ورأوا حقائق الأمور لعلموا: أنّ المحسن مشغولبإحسانه، والمسيء مشغول بإساءته... ثم مضى)(2)

ص: 37


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من الوفود الزائرة يوم السبت 7/صفر/1439 الموافق 28/10/2017
2- تحف العقول: 168

الرواية وان وردت في ميدان سباق شهر رمضان وتوزيع النتائج بعد انقضاء السباق يوم العيد، الا ان الموعظة فيها لا تختص بشهر رمضان لان الحياة كلها مضمار للسباق والتنافس في الاستزادة من فعل الخير وتجنب الشر، قال تعالى (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة/148)، وكل يوم جديد تشرق شمسه على الانسان انما هو رصيد إضافي يمنحه الله تعالى ليستثمره في هذه التجارة الخالدة في نتائجها فكأن الله تعالى يقول للعبد هذه اربع وعشرون ساعة قد اضفتها الى رصيدك (لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس/14)،( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (هود/7)، (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) (الحشر/18)، وهكذا كل يوم جديد هو رصيد يضاف الى حسابك من فرص الطاعة وفعل الخيرات لنيل رضا الله تبارك وتعالى، كمن يعمل في السوق والتجارة وتمده جهة ما بالأموال باستمرار لتعزز رصيده وتقّوي امكانياته، فالعاقل لا يضيّع هذه الفرص ولا يبعثرها ويعبث بها، بل يعّد عدم الاستفادة منها وتجميدها بلا اكتسابِ ربحٍ جديدٍ خسارةً لما فوّته من النفع.

واعلم ان اربع وعشرين ساعة تتسع للكثير من الخيرات، بل ان الساعة الواحدة تستوعب الكثير، بل الدقيقة الواحدة لانك تستطيع أن تسبح بها عدة تسبيحات رباعية وقد ورد في الحديث الشريف ان منقال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة(1).

والدقيقة قد تكفي لقراءة سورة التوحيد ثلاث مرات، وفي الحديث عن النبي (صلی الله علیه و آله) ان من قرأ سورة قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن

ص: 38


1- رواه الترمذي من حديث جابر رضي الله عنه وصححها الألباني

قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن(1). فتصورا كم يمكن استثمار الساعة فضلاً عن اليوم والشهر والسنة وعشرات السنين.

وهذه الساعة أو اقل أو أكثر التي يضيعها الانسان بلا فائدة سيندم عليها في الآخرة لانه سيكون احوج شيء لاي حسنة أو عمل صالح تنجيه من الهلكة (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الصف:10) وكان حاله أفضل بكثير لو استفاد من الدقيقة او الساعة التي أضيفت إلى رصيده وسيشعر بالغبن (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) (التغابن:9) ولذا كان التعبير القرآني دقيقاً (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة:148) فيكون سباقك مع نفس الخيرات لانها موجودة وتتاح لك وتعطي الفرصة لاقتناصها وهي تمرّ على أي حال وتذهب كما في الحديث (اغتنموا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب)(2).

إن الالتفات إلى هذه الحقائق واستحضارها في وجدان الانسانيساهم بقوة في بناء حياته المعنوية والارتقاء في درجات الكمال والله ولي التوفيق.

ص: 39


1- المحاسن: 153 في حديث
2- نهج البلاغة قصار الحكم: 21، البحار 71:337

خطاب المرحلة 534 :(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (آل عمران:19)

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)(1) (آل عمران:19)

الدين كاصطلاح هو منظومة العقائد والقواعد والأفكار التي يلتزم بها الانسان وما يتفرع عنها من سلوك، وكل انسان في هذه الدنيا لابد أن يكون له دين حتى أكثر الشعوب تخلفاً وهمجية، وقد يكون هذا الدين الهياً أو مادياً من صنع البشر وابتداعهم، حتى الذين يسمون باللادينيين فان لهم ما يعتقدون به من حريات منفلتة وإباحية وزواج مثليين وقمع للقيم الدينية السامية.

والآية الكريمة تكشف عن هذه الحالة الطبيعية لدى الانسان وتأخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار فلا تتحدث عن ضرورة ان يكون للإنسان دين، وانما تنتقل إلى السؤال الثاني مباشرة وهو معرفة الدين الذي يجب ان يعتقده الانسان وتوجيه بوصلته إليه وتنظيم حياته على أساسه، لان الله تعالى بفضله وإحسانه وشفقته لا يترك الانسان تائهاً أو يقضي عمره بالتجربة والخطأ ليصل إلى الصواب وإنما قرَّر له الحقيقة التي تقوده إلى السعادة والفلاح (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) ولسانها الحصر أي تنفي سلامة وصحة أي دين آخر وإن اتعب الناس أنفسهم في صياغته واحكامه.

والإسلام يعني الانقياد والتسليم لله تبارك وتعالى وهو عنوان عام الا انه اختص بالدين الإسلامي الذي جاء به النبي (صلی الله علیه و آله) وختم به الديانات والنبوات

ص: 40


1- كلمة القيت يوم الجمعة 12 ربيع الأول 1439 الموافق 1/12/2017.

لانه اكملها وادقها في تحقيق معنى الإسلام الذي يغطي كل شؤون الحياة الفردية والاجتماعية ولم يستوعبها دين غير دين الاسلام (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة:3) وهو يتضمن الايمان بصدق كل الأنبياء السابقين وصحة ما أتوا به (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:136) (آل عمران:84) الا أن التعبد والتدين لابد أن يكون وفق هذه الشريعة الخاتمة.

وهذه الحقيقة يذعن بها العقل وتؤمن بها الفطرة من دون الحاجة إلى دليل ولا يشكك فيها الا مكابر (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) (النمل:14) لان الله تعالى خالق هذا الانسان والعارف بخلجات نفسه ومكنونات ضميره وكل ما يصلح شأنه فمن الطبيعي التوجه إليه لمعرفة ما ينظم حياته ويكفل له سعادته وصلاحه.

وتضيف آية في نفس السورة سبباً آخر يدعو الانسان إلى اعتناق الإسلام دون أي دين او نظام غيره، قال تعالى (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83) فالكون كله منقاد لمشيئة الله تعالى وارادته ويسير وفق النظام الدقيق الذي وضعه الله تعالى له، والانسان ما هو الا ذرة ضئيلة في هذاالكون وخاضع لنظامه فهو يولد بشكله وتركيبته من دون ارادته ويكبر ويهرم ويموت وتعمل أجهزة جسمه بلا إرادة منه فهذا الإسلام والانقياد التكويني لابد ان يقترن معه انقياد تشريعي لتنسجم حركته مع الكون كله (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ) (النساء:125). والا تعرض لكوارث وصعوبات.

ص: 41

وقد التفت العلم الحديث قريباً إلى هذه الحقيقة، فأذعن بأن الانسان اذا خرج عن السنن الكونية الطبيعية فانه يسبب لنفسه الدمار والهلاك وكذا على صعيد المجتمعات والدول.

فالسؤال هنا (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ) فيه استنكار واستهجان وتوبيخ لخروجه من هذا النظام الكوني المتناسق ويأتي الجواب بعد آيتين ليسجل العاقبة الأليمة لهذا الخروج (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) فمن طلب ديناً غير الإسلام فهو خاسر لانه أضاع هذه الثروة العظيمة التي منَّ الله تبارك وتعالى عليه بها واستبدل بها اوهاماً وضلالات وافنى عمره الثمين في متع زائلة واتبع هواه وانانيته وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (علیه السلام) (فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دَيْناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ وَيَكُنْ مَآبُهُ إِلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ وَالْعَذَابِ الْوَبِيلِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكُّلَ الْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَأَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى جَنَّتِهِ الْقَاصِدَةَ إِلَى مَحَلِّرَغْبَتِهِ)(1) وقوله (ايها الناس: دينكم دينكم تمسكوا به لا يزيننكم ولا يردنكم احد عنه فأن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره لان السيئة فيه تغفر والحسنة في غيره لا تقبل)(2) .

فلنلتفت إلى هذه الحقيقة مادمنا في هذه الدنيا وفرصة العمل مفتوحة امامنا ونتمسك بديننا ونجعله أهم شيء عندنا والا فان هذه الحقيقة ستنكشف للغافلين

ص: 42


1- نهج البلاغة: 161 ومن خطبة له علیه السلام في صفة النبي وأهل بيته و أتباع دينه وفيها يعظ بالتقوى.
2- الكافي : ج 2 ص 464.

يوم القيامة حيث لا ينفعهم الندم (وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) وحينئذٍ يعلم العلمانيون والملحدون واللادينيون من الفائز بالسعادة؟

ولابد ان نلتفت إلى ان الإسلام ليس مجرد نطق بالشهادتين ولا يكفي فيه أداء العبادات الشخصية الواجبة فان الانقياد والطاعة لا تتحقق بذلك لوحده وإنما بالتطبيق الشامل للشريعة والالتزام بالدين في شؤون الحياة كافة، فهذا هو الإسلام وليس المظاهر والشكليات أو النسخ المحرَّفة او النماذج المنعزلة في الزوايا والكهوف، لان من اهم علامات الصدق في الدين التحرك به ونشره وادخال الناس فيه، وعن الامام الباقر (علیه السلام) قوله (لا دين لمن لا يدين الله بالأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر)(1)، ويذمّ أمير المؤمنين (علیه السلام) المتقاعسين الذين جعلوا دينهم تبعاً لدنياهم قال (وَصَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَأَحْرَزَ رِضَى سَيِّدِهِ)(2) أي ان قلة اهتمامكم بدينكم يوحي وكأنكم أنجزتم ما عليكم تجاه خالقكم واحرزتم رضا الله تبارك وتعالى فلم تعودوا محتاجين إلى عمل والأمر ليس كذلك أكيداً، وعنه (علیه السلام) قال (إن جعلت دينك تبعا لدنياك أهلكت دينك ودنياك وكنت في الآخرة من الخاسرين ، إن جعلت دنياك تبعا لدينك أحرزت دينك ودنياك وكنت في الآخرة من الفائزين)(3).

وقد اعطى القرآن الكريم القيمة العظمى للدين وقدّمه على كل شيء قال

ص: 43


1- بحار الانوار: 100/ 86 ح 59
2- نهج البلاغة: الخطبة/113
3- غرر الحكم: 3750،3751

تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة:191) (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة:217) فإزهاق النفس والتضحية بها يهون في سبيل التمسك بالدين وعدم الفتنة عنه، وروي عن الامام الصادق (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) (غافر:45) قوله ( يعني مؤمن آل فرعون، والله لقد قطعوه إربا إربا ولكن وقاه الله أن يفتنوه في دينه)(1).وفي هذا وردت روايات المعصومين (علیهم السلام) فعن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال (وإذا نزلت نازله فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، واعلموا أن الهالك من هلك دينه والحريب من حُرِب دينه)(2).

وقد ادرك من وفّقهم الله تعالى لمرضاته هذه الحقيقة فتمسكوا بدينهم وثبتوا عليه رغم الاغراءات التي عرضت عليهم، والعقوبات الصارمة التي هُددِّوا بها ويحكي القرآن الكريم قصص جملة منهم للتأسي بهم كاصحاب الأخدود الذين حفر لهم خندق واضرمت فيه النار وأُلقوا فيها ولم يعطوا للظالم ما يريد من تركهم لدينهم (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (البروج:8) وكسحرة فرعون الذين هدّدهم بقطع الايدي والارجل ثم القتل فأجابوه (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا) (طه:72 – 73) وكامرأة فرعون التي لم ترضخ تحت تعذيب فرعون الوحشي وكان نظرها إلى الله تبارك وتعالى (رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) (التحريم:11) وكأصحاب الكهف الذين لم تغرهم مكانتهم

ص: 44


1- بحار الانوار: 13 / 162 ح 5
2- الكافي: 2 /216 ح 2

كامراء في الممالك الرومانية ولا أخافهم بطش القياصرة الرومان (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً) (الكهف:14).

وبالمقابل فان الخاسرين الذين أغراهم الشيطان وغرّتهم الدنيا كثرأيضاً كقاضي قضاة الدولة العباسية وهو أعلى مرجعية دينية في الدولة الذي سعى لدى المعتصم العباسي بقتل الامام الجواد (علیه السلام) حسداً لانه اخذ بحكم الامام (علیه السلام) في قطع يد السارق وهو يعلم ان في ذلك النار.

وكحميد بن قحطبة الوالي والقائد العباسي في الرواية التالية التي تكشف عن جانب من وحشية بني العباس وحقدّهم على أهل بيت النبوة وإصرار الطواغيت وشياطين الانس والجن على سلب الدين وعدم اكتفائهم بما دون ذلك ففي كتاب اخبار الرضا للشيخ الصدوق بسنده ((عن عبيد الله البزاز النيسابوري - وكان مسنا - قال: كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة، فرحلت إليه في بعض الأيام، فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت وعلي ثياب السفر لم أغيرها، وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر. فلما دخلت إليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فسلمت عليه وجلست فاتي بطست وإبريق فغسل يديه، ثم أمرني فغسلت يدي وأحضرت المائدة وذهب عني أني صائم وأني في شهر رمضان، ثم ذكرت فأمسكت يدي، فقال لي حميد: مالك لا تأكل؟ فقلت: أيها الأمير هذا شهر رمضان، ولست بمريض ولا بي علة توجب الافطار، ولعل الأمير له عذر في ذلك أو علة توجب الافطار، فقال: ما بي علة توجب الافطار وإني لصحيح البدن، ثم دمعت عيناه وبكى.

ص: 45

فقلت له بعد ما فرغ من طعامه: ما يبكيك أيها الأمير؟ فقال: أنفذإلي هارون(1) الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب، فلما دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد وسيفا أخضر مسلولا وبين يديه خادم واقف فلما قمت بين يديه رفع رأسه إلي فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال، فأطرق ثم أذن لي في الانصراف. فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إلي وقال: أجب أمير المؤمنين، فقلت في نفسي: إنا لله أخاف أن يكون قد عزم على قتلي وإنه لما رآني استحيا مني فعدت إلى بين يديه فرفع رأسه إلي فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد، فتبسم ضاحكا لان الأمير علم ان ابن قحطبة فهم الرسالة وان المطلوب منه عرض سخي اكبر من هذا ، ثم أذن لي في الانصراف. فلما دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إلي فقال: أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه وهو على حاله، فرفع رأسه إلي فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد والدين فضحك، ثم قال لي: خذ هذا السيف وامتثل ما يأمرك به هذا الخادم. قال: فتناول الخادم السيف وناولنيه وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه، وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور والذوائب شيوخ وكهول وشبان مقيدون، فقال لي: إن أميرالمؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء، وكانوا كلهم علوية من ولد علي وفاطمة صلی الله علیه و آله فجعل يخرج إلي واحدا بعد واحد فأضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم،

ص: 46


1- - لعله اشتباه والصحيح أنه أبو جعفر المنصور لان ابن قحطبة مات في زمن قريب من موت المنصور العباسي.

ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر. ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضا عشرون نفسا من العلوية من ولد علي و فاطمة صلی الله علیه و آله مقيدون فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء، فجعل يخرج إلي واحدا بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر، حتى أتيت على آخرهم ثم فتح باب البيت الثالث فإذا فيه مثلهم عشرون نفسا من ولد علي وفاطمة مقيدون عليهم الشعور والذوائب فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضا فجعل يخرج إلي واحدا بعد واحد فأضرب عنقه فيرمي به في تلك البئر، حتى أتيت على تسعة عشر نفسا منهم، وبقي شيخ منهم عليه شعر فقال لي: تبا لك يا مشوم أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدنا رسول الله صلی الله علیه و آله، وقد قتلت من أولاده ستين نفسا، قد ولدهم علي وفاطمة صلی الله علیه و آله، فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي فنظر إلي الخادم مغضبا وزبرني، فأتيت على ذلك الشيخ أيضا فقتلته ورمى به في تلك البئر، فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفسا من ولد رسول الله صلی الله علیه و آله فما ينفعني صومي وصلاتي وأنا لا أشك أني مخلد في النار))(1).وتضمنت واقعة كربلاء مشاهد للفريقين فمن الأول الحر الرياحي الذي كان يرتعد وهو يرى جيش ابن زياد عازماً على قتل الامام الحسين (علیه السلام) وأهل بيته ولما سأله صاحبه عن السبب قال ((إني أخيِّر نفسي بين الجنة والنار ولا أختار على الجنة شيئاً)).

ومن الثاني عمر بن سعد بن ابي وقاص وهو قرشي وذو رحم بالحسين (علیه السلام) ويعرفه حق المعرفة ولكن أنانيته وطمعه وولعه بولاية الري وجرجان

ص: 47


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام ج 1 ص 108 ، بحار الانوار: 48 /178

دفعه إلى الاقدام على هذه الجريمة الشنيعة فخسر الدنيا والآخرة وكان يردد ليلة اتخاذ القرار:

أأترك ملك الري والري منيتي *** ام أرجع مأثوماً بقتل حسين

حسين ابن عمي والحوادث جمة *** لعمرك ملك الري قرة عينِ

ص: 48

خطاب المرحلة 535 : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم:9)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم:9)

لا مساومة على المبادئ الحقّة(1)

تكشف الآية الكريمة لرسول الله (صلی الله علیه و آله) عن خدعة يتخذها الكفار والمشركون والمكذبوّن كأسلوب لمواجهة دعوته المباركة وإيقاف انتشارها وذلك من خلال سعيهم بكل رغبة واهتمام إلى أن تداهنهم(2) وتتوصل معهم إلى انصاف حلول كما يقال ترضيهم ويرضونك فتتنازل عن بعض مبادئك وتقبل بواقعهم الفاسد والمنحرف مقابل ان يعترفوا بك وبألهك ورسالتك ويخففّوا من ضّغطهم عليك أو يتقاسمون معك المنافع والامتيازات.

وقدّموا عروضاً في ذلك كقول عتبة بن ربيعة (( يا ابن أخي إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم، وسفّهت به احلامهم، وعبت به ألهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من أبائهم فاسمع مني اعرض عليك اموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، قال: فقال له رسول الله (صلی الله علیه و آله) : قل أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي: إن كنتإنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من اموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تريد به شرفاً

ص: 49


1- كلمة القيت بتاريخ 19 ربيع الأول 1439 الموافق 8 / 12 / 2017.
2- أي تلاطفهم وتلاينهم وتكون مرناً معهم، مأخوذة من الدهن الذي يليّن الاجسام الصلبة ويسّهل حركتها ويستعمل لفظ المداهنة في الحالة المذمومة.

سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وان كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا))(1).

وفي مرة أخرى جاءه مجموعة من اسياد قريش وطواغيتهم فقالوا (( يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد، ولنشترك نحن وانت في امرنا كله، فإن كان الذي نحن عليه أصح من الذي أنت عليه كنت قد أخذت منه حظاً، وإن كان الذي أنت عليه أصح من الذي نحن عليه كنّا قد أخذنا منه حظاً))(2).

وكان الرد الحاسم على مثل هذه المحاولات في الآية السابقة عليها (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) (القلم:8) وفي سورة الكافرون (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) (الكافرون:1-2) وفي آية أخرى (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) (المائدة:49) فقطع عليهم كل طرق المساومة والمداهنة رغم انه (صلی الله علیه و آله) كان في اصعب الظروف واحلكها ويعاني الوان الألم والتضييق والتجويع والتعذيب والقتل.

ويتوجه أهل الباطل إلى هذا الأسلوب بعد أن يعجزوا عن القضاء على الحق وتطويقه ومنع الناس من اتباعه ويصبح امراً واقعاً لايستطيعون الغاءه فيلجأون إلى المساومة وعقد الصفقات ويتخذون مختلف الوسائل لدفع أهل الحق للقبول بهذه المساومة فيهددونهم بالقتل والتجويع تارة أو يطمعوّنهم تارة أخرى أو يبثوا عليهم الاشاعات بإعلام قوي فاعل للضغط عليهم نفسياً وعزلهم اجتماعياً أو التأثير على اتباعهم لينفضّوا عنهم.

ص: 50


1- سيرة ابن هشام: 1/293
2- الدر المنثور: 8/655

وهم بذلك يحصلون على أكثر من هدف:

1- كسب الشرعية لباطلهم من دون ان يخسروا شيئاً لان ما عندهم أوهام وضلالات ودنيا زائفة لذلك فانهم يريدون منك المداهنه اولاً لانهم مستعدون لكل شيء يحفظ مصالحهم كلها او بعضها.

2- اسقاط أهل الحق في أعين اتباعهم حين يتنازلون عن بعض مبادئهم وإظهارهم منافقين يبتغون الدنيا بالدين.

وفي هذا الادب الإلهي لنبيه الكريم (صلی الله علیه و آله) درس لكل الرساليين وأصحاب المبادئ أن يحافظوا على استقامتهم ويتمسكوا بالحق الذي امنوا به وساروا عليه ولا ينساقوا وراء المطامع فيدخلوا في صفقات مع أهل الباطل، وهذا الامتحان جارٍ في كل حقول الحياة ولا يختص بمجال العقيدة فيشمل السياسة والتجارة والعمل الوظيفي وأصحاب المهن فكل هؤلاء وغيرهم يتعرضون لهذه المساومات وطلب المداهنة على حساب المبادئ والاستقامة وحتى الزعامات الدينية أيضاً فانهم معرضون لهذا الابتلاء وحينئذٍ يمتاز أهل المبادئ حقاً الذين لايساومون عليها عن الذين يتاجرون بها ويضحّون بها في اول مغنم يعرض عليهم، فيصبحون العوبة بيد أهل الباطل يسيرّونهم وفق اغراضهم، لا يفرّق في ذلك بين رجال الدين او غيرهم.

وكثيرةً هي التحالفات التي وقعت بين الحكومات الجائرة والسلطة الدينية فالثاني يوفر للأول الغطاء الشرعي ويمكّنه من رقاب الناس ويوفر الأول للثاني الامتيازات والمنافع والجاه والنفوذ ويقف الاثنان معاً متحدين في مواجهة العاملين الرساليين الذين يريدون ايقاظ الأمة وتوعيتها وتوجيهها نحو الصلاح،

ص: 51

والمشكلة جارية حتى على صعيد الافراد فانهم يفضلّون الزعامات الدينية التي تؤمّن لهم هذه المصالح والامتيازات وتغضّ الطرف عن انحرافاتهم ومظالمهم مقابل ما يوصلون اليهم من أموال يفضّلونهم على القيادات الرسالية التي تنصحهم وتبيّن لهم عيوبهم ولا تداهنهم ولا تجاملهم، وهذا انحراف كبير في ثقافة الأمة وتديّنها لذا كان القرآن الكريم حازماً في رفض هذه الحالة (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) (المائدة:63).

فالدرس الذي أخذناه من النبي (صلی الله علیه و آله) والقرآن الكريم أن لا مساومة على المبادئ الحقة وسار على هذا النهج الائمة المعصومون (علیهم السلام) لذا نجد في صفاتهم التي تسجّلها نصوص زياراتهم (ولا لأحداً فيك مطمع).

ص: 52

خطاب المرحلة 536 :(ولا لأحدٍ فيك مطمع) اقطع طمع أهل الباطل فيك

بسمه تعالى

(ولا لأحدٍ فيك مطمع)

اقطع طمع أهل الباطل فيك(1)

توجد عبارة وردت في زيارة أمير المؤمنين (علیه السلام) وهي تجري في حق سائر الائمة (علیهم السلام) وهي (ولا لأحدٍ فيك مطمع)(2) وفي زيارة أخرى (ولا لخلق فيك مطمع)(3).

ولا تؤخذ العبارة على إطلاقها لان الطمع في صدور الخير والإحسان منهم (علیهم السلام) في الدنيا والآخرة موجود وهم أهله، لانهم (علیهم السلام) تجليات الصفات الإلهية والاسماء الحسنى ومنها الطمع في نيل كل خير منه تبارك وتعالى ودفع كل شر وسوء (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (السجدة:16) وقال تعالى (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) (الأعراف:56) وورد في دعاء شهر رجب (يامن أرجوه لكل خير) أي أطمع في نيل كل خير منه وفي دعاء الافتتاح في ليالي شهر رمضان (اللهم ان عفوك عن ذنبي و.... أطمعني في أن اسألك ما لا استوجبه منك) وفي دعاء الامامالسجاد (علیه السلام) المعروف بإسم أبي حمزة الثمالي (اذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت واذا

ص: 53


1- كلمة القيت على حشد كبير من الوفود الزائرة يوم السبت 20 ربيع الاول 1439 الموافق 9/12/2017.
2- زيارة أمير المؤمنين(علیه السلام) في ذكرى استشهاده، ضياء الصالحين: 82
3- مفاتيح الجنان زيارة أمير المؤمنين (علیه السلام) ليلة المبعث النبوي

رأيت كرمك طمعت) وورد في صفات المؤمن (الخير منه مأمول)(1) وهم (علیهم السلام) سادة المؤمنين.

فالمقصود من العبارة الواردة في الزيارة انه لا يطمع أحد في ان ينال شيئاً محاباة او مداهنة أو ابتغاء مصلحة ما على خلاف الحق والعدل، مستخدماً نفوذه في السلطة أو القضاء أو الإدارة أو أي موقع قرار آخر، والعبارات التالية لها تشرحها (الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء).

وهذه صفة كريمة على الانسان التحلّي بها بأن لا يطمع أحد في ان يجرَّك إلى باطل او يدفعك إلى ظلم أو شر والشيطان يحصل له اليأس من تزيين الإيقاع في المعصية والذنب فيترك الوسوسة والتزيين ويخنس، حتى النفس الامّارة بالسوء تصبح بعد المجاهدة والرياضة مستسلمة مذعنة طيِّعة لا تطمع إلى تلبية غرائزها وأهوائها، فاذا انقطع طمع هؤلاء فانهم سيبتعدون ويخلونّك وشأنك من دون تأثير سلبي بفضل الله تعالى.

سمعت حكاية رمزية من بعضهم ان طيراً محبوساً في قفص في دار صاحبه اتخذه للزينة والاستمتاع قال لطير آخر يتحرك بحرية في الجو:انني احسدك على هذه الحرية لأنك تطير حيث تشاء فتطوف تارة بالكعبة المشرفة وأخرى بقبر النبي (صلی الله علیه و آله) وعترته وانا محروم من ذلك كله، فقال الاخر: انك تستطيع ان تصير حراً مثلي وانت بإرادتك اخترت حياة السجن، فسأله: كيف؟ قال: انا

ص: 54


1- الخصال: 326 أبواب العشرة، ج 17

أيضاً كنت محبوساً في قفص صاحبي فقررّت التحرر منه فامتنعت عن تناول الطعام والشراب الذي يقدّمه لي حتى اعتلّ صحتي وخارت قواي ويأس صاحبي من حياتي فخشي ان أموت داخل القفص فأخرجني ونلت حريتي، فهل تستطيع انت ان تجاهد نفسك وتقطع طمع صاحبك فيك حتى ييأس منك ويطلق سراحك.

وهكذا اذن يمكن قطع طمع الشيطان في ابن آدم عندما يغلق عليه منافذ الغواية والإضلال ، روي عن النبي (صلی الله علیه و آله) قوله (الا اخبركم بشيء ان أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا بلى، قال (صلی الله علیه و آله): الصوم يسوِّد وجهه والصدقة تكسر ظهره والحب في الله والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره والاستغفار يقطع وتينه)(1).

ومما ورد في هذا المجال ايضاً قول النبي (صلی الله علیه و آله) (لا يزال الشيطان ذَعِراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهنّفاذا ضيّعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم أي كبائر الذنوب )(2).

وقد ورد النهي في عدة آيات كريمة عن اتباع خطوات الشيطان (ولاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة:168)، (البقرة:208)، (الانعام:142)،(النور:21) وقال تعالى (وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (النور:21) وانما أصبحت خطوات لأنها تأتي خطوة بعد خطوة اذ يخدعه الشيطان بمعصية يسيرة من وجهة نظره فيستجيب له فيطمع

ص: 55


1- امالي الصدوق: 117 ح 102
2- الوسائل ج4 ص28.

بمعصية أكبره وهكذا.

فالمرأة مثلاً يغريها بتخفيف حجابها ثم بوضع الزينة عند خروجها مع الغرباء ثم بملاطفتهم والانبساط معهم ثم بخلع الحجاب امام الأجنبي وهكذا إلى ان يوقعهم في الجرائم العظيمة، وكان الحل والعلاج في قطع طمعه من اول خطوة فان اللعين سيتركه ويوّلي عنه هارباً.

وهذا هو الحل نفسه للمبتلين بالوسواس في الطهارة او العبادات او أي امر اخر فانهم باستجابتهم لوسوسة الشيطان يطمعونه بالمزيد فتتركز الحالة عندهم ويصبح أثقل شيء عليهم أداء الفرائض والواجبات.

ص: 56

خطاب المرحلة 537 :انتصار العراقيين على داعش.. الدلالات والاستحقاقات

اشارة

بسمه تعالى

انتصار العراقيين على داعش.. الدلالات والاستحقاقات

هنّأ سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) الشعب العراقي بكل مكوّناته والقوات المسلحة بكل تشكيلاتها بالانتصار الحاسم على قوى الشر والعدوان والإرهاب والتكفير التي شكّلت رأس الحربة لمؤامرة دولية كبرى تستهدف تخريب حضارة العراق وتمزيق نسيجه الاجتماعي وخلق بؤر الفساد والفتن على أراضيه واتخاذ مواقع تنطلق منها يد الغدر لطعن كل شريف غيور على حرمات الدين والوطن وكل مطالب بالاستقلال والانعتاق من هيمنة الأجانب.

وقال سماحته : ان العراقيين دافعوا عن القيم الإنسانية النبيلة وقدموا دماءا زكية من آلاف الشهداء والجرحى وخّلفوا عددا كبيرا من الارامل والايتام والمصابين مع ما سببته الحرب من الخراب والدمار وبعثوا مما يملكون في قوافل لم تتوقف من الدعم اللوجستي، فعلى جميع أحرار العالم الوقوف الى جانب العراق ومد يد العون المادي والمعنوي لتضميد جراحه ولكي يأخذ دوره الحضاري والريادي.

جاء ذلك خلال لقاءات متعددة بمكتبه في النجف الاشرف، كان أحدها مع جمع كبير من مشايخ عموم العشائر النافذة في جنوب العراقومقرها في

ص: 57

محافظة ذي قار(1)، وفي لقاء اخر مع جمع ووجهاء وشيوخ عشائر من النجف الاشرف ونخب اجتماعية وثقافية.

وأكد سماحته ان هذا النصر ما كان ليتحقق لولا لطف الله تعالى وتأييده (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آل عمران: 126 (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) الأنفال: 17 وقد اعزنا الله تعالى بنصره بعد أن علم الاخلاص والتفاني والتلاحم التام بين المرجعية الدينية وطبقات الشعب خصوصا أبناء العشائر الكريمة الأصلاء، قال أمير المؤمنين (علیه السلام) (حَتَّى إِذَا رَأَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ اَلصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى اَلْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ وَاَلاِحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ اَلْبَلاَءِ فَرَجاً فَأَبْدَلَهُمُ اَلْعِزَّ مَكَانَ اَلذُّلِّ وَاَلْأَمْنَ مَكَانَ اَلْخَوْفِ فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً وَأَئِمَّةً أَعْلاَماً وَقَدْ بَلَغَتِ اَلْكَرَامَةُ مِنَ اَللَّهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَذْهَبِ اَلآْمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ) / نهج البلاغة 169.

ولذا يجب المحافظة على أسباب النصر وعدم السماح لمن يريد أن يخلق الفجوة بين الشعب وقيادته المخلصة الواعية ويستغل بعض الثغرات ليخترق هذا البناء المتماسك، فان الامة لم تستطع الاستمرار في الحياة والوجود والاحتفاظ بهويتها الأصيلة الا باتباع العلماء العاملين المخلصين المضحّين عبر التاريخ.

وحذّر سماحته من الاكتفاء بتحقيق النصر العسكري فإنه أحد أوجهالصراع فعلى الجميع اخذ الحيطة والحذر وتعزيز هذا الانتصار بالجهد الأمني والاستخباري وتنقية الفكر والثقافة من جذور الفساد والانحراف والضلال والتوقف عن الصراعات الأنانية والفئوية والتحريض وإشاعة الكراهية وإيجاد

ص: 58


1- يوم الخميس 18/ ربيع الاول 1439ه المصادف 7/12/2017.

الوئام والمودّة كما أمر الله تعالى، ومكافحة الفساد والتوظيف الأمثل لثروات الشعب والابتعاد عن سياسات المحاور والتبعية، وحصر السلاح بيد الدولة وسيادة القانون على الجميع على حد سواء، وغير ذلك من الإصلاحات والإجراءات الضرورية.

وربط سماحته بين قرار الرئيس الأمريكي الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وفشل هذه المؤامرة الكبرى فكان هذا القرار فتنتهم الجديدة التي يريدون أشغال المنطقة بها واشعالها، وعلى صعيده الشخصي أراد التقوّي بأصحاب النفوذ في الولايات المتحدة لحماية نفسه من الفضائح الكبيرة التي طالت الذين حوله والمقربين منه وأحاطت به شخصيا.

ودعا سماحته الحكومة العراقية وكل مؤسسات الدولة والقطاع العام والخاص الى إنصاف الشعب العراقي ومجازاته على هذا الاحسان العظيم(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن : 60 بالقرارات والإجراءات التي تعينه على الصعوبات وتوفّر له الحياة الكريمة، وذكر لذلك مثالاً خصخصة الكهرباء فانه قرار محاط بالكثير من الغموض وعدم الشفافية، فالمواطن لم يعترض على جباية أجور الكهرباء وترشيدالاستهلاك وتقنينه وتحسين منظومة الكهرباء وزيادة انتاجها ويرى في ذلك مصلحة وطنية عليا لكنه يريد من يطمئنه على ان هذه الاجراءات لا تضر بالمواطن العادي، فليخرج شخص مسؤول في الوزارة ويتعهد للمواطن بأن الدار العادية التي فيها جهاز تبريد واحد او اثنان وسخان كهربائي وثلاجة ومجمدة والانارة العادية

ص: 59

بسعر يتناسب مع إمكانية المواطن ذي الدخل المحدود -مثلاً- بجعل الثلاثة آلاف او أربعة آلاف وحدة الأولى بسعر لا يتجاوز خمسة وعشرين الف دينار شهرياً ونحو ذلك من التطمينات، بدل الاتهامات المتبادلة والأرقام المتضاربة وتصفية الحسابات بين الجهات المتصارعة.

وهكذا يجب بذل الوسع في رعاية عوائل الشهداء ومعالجة المصابين والنظر في حاجات المواطنين الأخرى من الخدمات كالصحة والتعليم والسكن وتشجيع القطاع الخاص ودعم الصناعة والزراعة المحليتين وإيجاد فرص العمل، ويمكن توفير الغطاء المالي للتعيينات الجديدة من تقليل الرواتب العالية والامتيازات الممنوحة لذوي الدرجات الخاصة وحواشيهم التي ارهقت الميزانية بمليارات الدولارات.

وعلينا أن نتذكر دائما اننا بمحضر الله تبارك وتعالى وأننا مساءلون أمامه (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) الصافات: 24 فلابد من العمل المخلص الدؤوب (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة: 105

ص: 60

ملحق

تحية إلى عشائرنا الأصيلة

تحية إلى عشائرنا الأصيلة (1)

المقدمة

أبا البضعة الزهرا سلامٌ يردد *** عليك متى ما الله في الارض يعبد

لنا خمس أوقاتٍ بأنك مرسلٌ *** ننادي وجبريلٌ ينادي ونشهد

فأي ربيعٍ في ذكرى لمولدٍ *** وفي كل آذانٍ ربيع ومولدُ

اذا جيء بي يوم القيامة مثقلا *** بذنبي ووجهي فرط ما ارتبتُ اسود

وقد قيل لي ماذا لديك فإنني *** اقول لهم مهلاً لدي محمد

القصيدة

بنو قومي دجى خطبٌ فلاحوا *** شموساً فجر منطقها فلاحُ

تجار بذيل عفتها بلادٌ *** وتشحذ حيثما رعدت صفاح

هم الباقون إرث الارض فيهم *** وأشباه الرجال أتوا وراحوا

وهم عدل المواقف حين تنزو *** على الوطن الصوارم والرماح

وهم شجر المضائف ان تزيى *** بهم ثمر الكلام نموا وفاحوا

وهم ان صيح من لقرىً ومأوى *** اذا قحط تنفس نحن صاحوا

ذا ما الدين عز بهم تداعى *** كيان المدعين وما استباحوا

فذودوا عن حماه فليس يُرجى *** له في البأس دونكم سلاحُ

ص: 61


1- القصيدة التي رحَّب بها فضيلة الشيخ حسنين آل قفطان بزعماء عموم من محافظة ذي قار ورؤساء عشائر من محافظات الجنوب وفدوا لزيارة سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) يوم الخميس 18 / ربيع الأول / 1439 المصادف 7 / 12 / 2017

وان الدين ان لم تحتضنه *** عشائرنا ستنهبه سجاحُ

جناحا منعةٍ للدين انتم *** ونحن فلا يطير به جناح

بناء الدين تحرسه اسودٌ *** كما ينميهِ فقهٌ واصطلاحُ

وان بمرجعيتكم صلاحاً *** كما قد كان بالهادي الصلاح

ردوها موئلاً لمزيد وعي *** فليس لها بمنزلقٍ مراح

ولا يتوعدنّكمُ خؤونٌ *** كلام الليل يمحوه الصباح

سلاماً ايها الاتون نهراً *** تحدر من جوانبه السماح

أجنَّة ثورة العشرين حجت *** بهم للمجد ضاحكةً بطاحُ

وذي ذيقار في الأزمات رأسٌ *** يُشد بها لكل وغى وشاح

أتت ارض الغري ففي ثراها *** لمن عاشوا وغابوا مستراحُ

تواتر عن بني الهادي حديثٌ *** صحيحٌ قد أذاعته الصحاح

متينٌ رؤية العلماء دينٌ *** وانت لكل ذي نظرٍ مُتاحُ

ص: 62

@

خطاب المرحلة 538 : إن الله تعالى أخفى أربعة في أربعة موعظة علوية في تنمية السلوك

بسمه تعالى

إن الله تعالى أخفى أربعة في أربعة

موعظة علوية في تنمية السلوك(1)

روى الامام الباقر (علیه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) قال (إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرنّ شيئاً من طاعته فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم، وأخفى سخطه في معصيته فلا تستصغرنّ شيئاً من معصيته فربما وافق سخطه معصيته وأنت لا تعلم، وأخفى إجابته في دعوته فلا تستصغرنّ شيئاً من دعائه فربما وافق إجابته وأنت لا تعلم، وأخفى وليّه في عباده فلا تستصغرنّ عبداً من عبيد الله فربما يكون وليه وأنت لا تعلم)(2).

الحديث يقول: إن الله تعالى أخفى أربعة أشياء في أربعة أشياء لمصالح ترجع إلى الناس أنفسهم حتى ينظّموا سلوكهم ويستقيموا في حياتهم، وهذه الأربعة هي:

1- (أخفى رضاه في طاعته) الطاعات والاعمال الصالحة كثيرة حتى قيل إنها بعدد انفاس الخلائق بل أكثر وهي متفاوتة في تحصيل الأجروالثواب

ص: 63


1- من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من الشباب يوم الخميس 9/ ربيع الثاني/ 1439 المصادف 28/12/2017.
2- كتاب الخصال للشيخ الصدوق: 209

والارقى من ذلك أن بعضها يكون وسيلة لنيل رضا الله تعالى (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ) (التوبة:72).

وتؤثر عدة عناصر في بلوغ العمل هذه الدرجة يرجع بعضها إلى العمل نفسه وبعضها إلى حال الشخص ونيته وظروف صدور العمل كقضية تصدّق أمير المؤمنين والزهراء والحسن والحسين (علیهم السلام) بعدة أرغفة من الخبز على مسكين ويتيم وأسير فنزلت سورة هل أتى لتخلد هذه المأثرة لهم، وربما يتصدق آخر بالأشياء الثمينة ويحصل على الأجر لكن لا يبلغ درجة رضا الله تعالى عنه.

فأخفى الله تعالى العمل الذي يصيب الهدف ويحقق الغاية ويسبب نيل رضا الله تعالى بين الطاعات الكثيرة ليحرص الانسان على اغتنام كل فرصة للطاعة ولا يستصغر شيئاً منها إذ لعل هذه الطاعة هي التي تحقق رضا الله تعالى، بينما لو عُرفت مثل هذه الطاعات فان الناس سيركزوّن عليها ويتركون البقية، فقد يتحقق رضا الله تعالى بإزالة الأذى عن طريق المسلمين أو مساعدة محتاج ضعيف عاجز وقضاء حاجته أو تفريح الكربة عنه وإدخال السرور عليه أو طبع كراس ينقذ اذهان الناس من شبهة عقائدية أو صلح بين المتخاصمين أو تزويج شاب متعفف وسط أجواء شهوية ضاغطة أو مرابطة في سبيل الله لحفظ أمن الناس وحماية مقدساتهم رغم العنت والشدة وغير ذلك، وفي بعض الروايات ان الامام (علیه السلام) قدم قضاء حاجة المؤمنين على الطواف الواجب حولالكعبة.

والخلاصة ان المطلوب القيام بأي طاعة تتاح للإنسان ولا يتركها استصغاراً لشأنها، وقد يكون ما تقومون به من احتواء الشباب وجمعهم وتهذيب سلوكهم وتوجيههم بدل تشتتهم وضياعهم في محلات اللهو والعبث وما تجرُّ إليه من

ص: 64

انحراف هو أحد الأمثلة على العمل المرضي لله تبارك وتعالى.

2- (وأخفى سخطه في معصيته) فالمعاصي والذنوب توجب الاثم والعقوبة لكن الله تعالى يعطي الفرصة الكافية لعباده لكي يستغفروا ويتوبوا ويثوبوا إلى رشدهم فيغفر الله تعالى لهم، لكن بعض المعاصي توجب سخط الله تعالى وغضبه فتحتاج إلى مؤونة أكبر لإزالتها كتوجيه عقوبة مباشرة لتنبيه الفاعل من غفلته وقد يبقى أثرها إلى الآخرة وقد يسلب التوفيق إلى التوبة ويستدرج أكثر إلى الذنوب (وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) (طه:81).

فلابد للعاقل ان لا يستخف بشيء من الذنوب فلعل هذا الذنب يوجب سخط الله تعالى وغضبه بلا فرق بين ما يسمونها بالمصطلح صغائر أو كبائر كمن يعتبر النظر إلى المرأة الأجنبية أو ملاطفتها أمراًّ يسيراً أو ما تفعله بعض العوائل من مخالفة الضوابط الشرعية في حفلات الزواج أو في الأعياد ويعتبرونه أمراً يسيراً عابراً أو موظف لا يعبأ بالمراجعين ولا يبذل وسعه في تمشية معاملاتهم أو مدرِّس يقصّرفي تدريس طلبته ليلجئهم إلى التدريس الخصوصي أو التقصير في العناية بالمرضى في المستشفيات فهذه كلها وغيرها يستخف بها الانسان وقد تكون سبباً لحلول سخط الله تعالى وغضبه.

3- (وأخفى إجابته في دعوته) لقد وعد الله تعالى عباده باستجابة الدعاء والطلب (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60) (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة:186) لكن استجابة الدعاء لها شروطها وظروفها والانسان يجهل الدعوة المستجابة فعليه ان لا يتوقف عن الدعاء والطلب في أي حال من أحواله فانه لا يعلم أي دعوة تستجاب له فربما تستجاب هذه الدعوة لأنها صدرت

ص: 65

بصدق وإخلاص وفي حاله انقطاع أو لأنها عقب صلاة مفروضة أو لأنها بلسان غيرك او في جمع من المؤمنين في مكان مبارك ونحو ذلك. ولا تستصغر أي مطلب وتظن أنك لست بحاجة الى الدعاء لتحقيقه باعتباره سهلاًُ وفي متناول اليد فانه لا ميِّسر لما يعسّره الله تعالى، ولا معسّر لما ييسّره الله تعالى، وفي بعض الروايات ادعوا الله تعالى حتى لملح الطعام وشسع نعلك.

4- (وأخفى وليّه بين عباده) لله تعالى أولياء استخلصهم لنفسه وتولى تدبير امورهم وهؤلاء لزهدهم في الدنيا والاعراض عنها فقد يكونون بمظهر لا يثير اعجاب الآخرين فيستخفون بهم ويستصغرون شأنهم ولا يكترثون لهم وإذا دخلوا مجلساً لا يتفسحون لهم

بينما يهتمون بالمظاهر الخارجية المزخرفة جهلاً منهم بحقائق الأمور، فحّذر الحديث منالاستخفاف بأي انسان إذ لعل هذا الشخص ولي من اولياء الله تعالى فاذا أهانه وقلل من شأنه فأنه يرتكب عظيماً وقد ورد في الحديث (من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمعصية)(1).

والخلاصة ان هذا الحديث يعطينا دروساً تربوية في السلوك وطريقة التعامل مع الاخرين، بان نستثمر كل فرصة تتيسّر للطاعة ولا نتهاون بشيء منها باعتبار انها ليست ثقيلة في الميزان .

وان نحرص على تجنب كل ذنب ومعصية ولا نقتحم شيئاً منها على أساس انها ليست من الكبائر، وان نحترم جميع الناس ولا نستخف بأي أحد منهم، وان لا نقصّر في الدعاء والطلب من الله تعالى.. في جميع أمورنا وجميع أحوالنا.

ص: 66


1- علل الشرائع : ج 1 ص 12

نسأل الله تعالى ان يرزقنا توفيق الطاعة وبُعد المعصية ومصاحبة اوليائه الكرام انه ولي النعم.

ص: 67

خطاب المرحلة 539 : موقف السيدة الزهراء (علیها السلام) دليل على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام

بسمه تعالى

موقف السيدة الزهراء (علیها السلام) دليل على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام(1)

إن موقف السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) من الانقلاب الذي حصل بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وإظهارها لرفضها وغضبها مما حصل له دلالات عديدة، نسجّل هنا واحدة من تلك الدلالات على إمامة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام) بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) كما يعتقده اتباع أهل البيت (علیهم السلام)، ويتكون الدليل من عدة مقدمات:

1- ورد في الحديث النبوي الشريف المشهور لدى عموم المسلمين (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية)(2).

2- إن فاطمة الزهراء من أهل البيت (علیهم السلام) الذين طهرهم الله تعالى من كل دنس ورجس(3) في قوله تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَعَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب:33).

3- ان السيدة الزهراء (علیها السلام) رفضت بيعة السقيفة وغضبت على من أقصى

ص: 68


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع طلبة مدرسة قرآنية في العمارة يوم الأربعاء 20 / الجمادي الأولى / 1439 المصادف 7 / 2 / 2018
2- كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق - ص 409 - 410 / كتاب السنة: لعمرو بن أبي عاصم ص 489/ الجواهر المضيئة: للملا علي القاري الحنفي
3- مستدرك الصحيحين ج 3 ص 147/ السيوطي: في الدر المنثور، في ذيل تفسير آية التطهير/ مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 6 ص 296

علياً (علیه السلام) عن الخلاّفة وخرجت إلى المسجد وخطبت امام جمع المهاجرين والانصار لتثيّبت موقفها هذا ودعتهم إلى إعادة الحق إلى أهله حتى لحقت بأبيها (صلی الله علیه و آله) بعد بضعة أشهر.

والنتيجة: انه لا يستطيع أحد أن يقول ان السيدة الزهراء (علیها السلام) ماتت على الجاهلية وإنها لم تعرف الامام الحق لأنه خلاف ما نصَّ عليه القرآن الكريم، من تطهيرها من كل رجس ومنه رجس الجاهلية، فلابد من الإذعان بانها عرفت امام زمانها ومضت على يقين بإمامة علي بن ابي طالب كما أعلنت الزهراء (علیها السلام) وآمنت به وعرّفته للأمة.

ومثل هذه الأدلة الوجدانية واليقينية نستطيع توفيرها لتثبيت العقائد الحقة وردّ الشكوك والشبهات حولها وعلى المجتمع خصوصاً النخب الشبابية والمثقفة المطالعة والمتابعة لمعرفتها لأن العقيدة هي الأساس في حياة الانسان وهي المحرّكة له، فان كانت سليمة كان ما يصدر منه من أفعال صالحاً مستقيماً بإذن الله تعالى.

ص: 69

خطاب المرحلة 540 :(وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) (ص: 24)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) (ص: 24)

ضع الله تعالى نصب عينيك عندما تكون في خلاف مع الآخر(1)

قال الله تبارك وتعالى (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) (ص : 24).

تشخّص الآية الكريمة ظاهرة اجتماعية خطيرة وحالة لا إنسانية متفشية في المجتمع، وقد وردت الكلمة في سياق قضية الخصمين اللذين احتكما إلى نبي الله تعالى داود (صلوات الله عليه وعلى نبينا) (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) (ص : 22) والخلطاء الاشخاص الذين بينهم نحو من انحاء الاختلاط ولا يختص بالشركة المالية حتى يقال انه لا دلالة في الآية على وجود شراكة بينهما فيمكن أن يكون اختلاطهما بسبب الرعي المشترك أو تجاورهما أو أي سبب آخر، ويمكن أن تكون نفس هذه المنازعة اختلاطاً بينهما.

والقرآن الكريم يشخّص هذه الحالة المذمومة التي تحصل بين الخلطاء وهي بغي بعضهم على بعض ومحاولة كل منهما الاستئثار بالكلوانتزاع ما في يد الآخر بشتى الوسائل كالدعوى الباطلة وتزوير الشهادات والوثائق والكلام المعسول وقد يتوسل بالقوة لتحقيق ذلك (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً

ص: 70


1- كلمة القاها سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه يوم السبت 30 / جمادي الأول / 1439 الموافق 17 / 2 / 2018.

وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) (ص : 23) أي طلب مني ضم نعجتي إلى نعاجه وغلبني بكلامه و حججه وخدعه.

ولعل تسجيل هذا المورد من الظلم والبغي مع أن مواردهما كثيرة لالفات النظر إلى خطورة هذه الظاهرة ولؤم الباغي فيها لان المفروض أن خلطتهما وتواصلهما المستمر يكون سبباً لتبادل الثقة والمودة بينهما وأن يكون كل منهما أميناً على حق الآخر وحافظاً له وان لا يتوقع كل منهما صدور الظلم والبغي من الآخر.

وقد استثنت الآية المؤمنين ذوي السيرة الصالحة لكنهم الاقلّون عدداً فانهم يصمدون بايمانهم امام اهواء النفس وانانيتها وطمعها وحبّها للغلبة والاستعلاء وحسدها، وهذا يعني ان ما يعصم من الوقوع في هذا البغي والظلم هو الايمان الصادق الذي يتمظهر في العمل الصالح والسيرة الحسنة، ومراعاة حقوق الاخوة والمعاشرة، هذه الرقابة الداخلية من الضمير الحي والقلب المفعم بالحب والرحمة وتقوى الله تعالى هو ما يجعل صاحبه لا يفكّر الا بالخير للآخرين اما أي رقابة أخرى كالسلطة والقانون والعقوبات فانها يمكن التخلص منها والتحايل عليها والاحتماء منها، وهذا الفرق يظهر لنا أحد مميزات الدين والالتزام به ودور الدينفي حياة الانسان.

ونذكر هنا حديثين نبويين شريفين لردع من تسوِّل له نفسه التجاوز عل حق خليطه ومن له نزاع او اختلاف معه مستخدماً شتى الوسائل والذرائع.

1- روى الشيخ الطوسي في كتابه الآمالي عن عدي قال (اختصم امرؤ القيس ورجل من حضرموت إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) في أرض، فقال: ألك بينّة

ص: 71

؟) باعتبار ان القاعدة المعمول بها في حل النزاعات هي بأن يقدّم المدّعي بينّة واضحة على ما يدعيه (قال : لا، قال (صلی الله علیه و آله ): فيمينه) لان المدعي اذا لم تكن لديه بيّنة يحلف المدّعى عليه وهو المنكر للدعوى على نفسها فيحكم له بالحق (قال : إذن والله يذهب بأرضي) أي ان المدعي خاف من ان خصمه لا يتورع عن الحلف كذباً فيحكم له بالأرض

(قال: إن ذهب بأرضك بيمينه كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه، وله عذاب اليم، قال : ففزع الرجل وردّها إليه)((1)

2- صحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إنما اقضي بينكم بالبينات والايمان وبعضكم ألحن بحجته – أي افطن لها - من بعض، فأيما رجلقطعتُ له من مال أخيه شيئا، فإنما قطعت له به قطعة من النار (2)

ومن الواضح ان هذه الظاهرة لها مدى واسع في حياة المجتمع فيمكن ان تكون بين زوجين مختلفين فيحاول كل منهما ان يثبت انه على الحق وان الاخر هو المخطئ ويكشف من اسراره وخصوصياته ويسعى لتسقيطه وتشويه صورته، ويبالغ كل منهما في تحميل الآخر مبالغ واستحقاقات كبيرة بالاستفادة من القانون الوضعي الحاكم.

او بين متنازعين في السوق وما أكثر الاختلافات بين المتعاملين، او النزاع بين ورثة او أي شركاء فيعمل كل منهما على كسب الشيء له بلا وازع

ص: 72


1- وسائل الشيعة: 27/235، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم/ باب 3/ح7
2- وسائل الشيعة: 27/232، باب 2/ح1

من دين او ضمير او اخلاق .

وتتوسع الأمثلة الى الشركاء السياسيين او حكومات الدول المختلفة فأنها مبنية على الاستئثار والهيمنة وتجريد الاخر من حقوقه وليس على أساس العدالة والانصاف والمرؤة والحقوق المتبادلة الا من عصم الله تعالى كما ذكرت الآية.

فالدرس الذي نستفيده من الآية أنه يجب على الانسان أن يضع الله نصب عينيه حينما يكون في نزاع مع الآخر فلا يكون همه الا إحقاق الحق لا الغلبة على الآخر، وتقرّر الآية أن من يكونون كذلك قليلون.

ولأجل هذا كُرهت الشركة الا اذا وجدت مُبررّاتها وضماناتها، روي عن امير المؤمنين ( علیه السلام ) قوله ( الشركة في الملك تؤديالى الاضطراب) ((1)

نعم تستحب الشركة في الرأي أي المشاورة واستمزاج الرأي (الشركة في الرأي تؤدي الى الصواب ) (2)

ص: 73


1- غرر الحكم: 1941
2- غرر الحكم: 1942

خطاب المرحلة 541 : ثواب عظيم ببركة الزهراء علیها السلام لمن ينصر الدين بالحجة والبرهان

بسمه تعالى

ثواب عظيم ببركة الزهراء علیها السلام

لمن ينصر الدين بالحجة والبرهان (1)

بمناسبة الايام الفاطمية وباعتباركم مؤسسة اعلامية دينية، ولخلق مزيد من الحوافز على عملكم انقل لكم رواية عن الصديقة الطاهرة الزهراء (علیها السلام) في ثواب من يحاور بالحجة والبرهان لنصرة الدين وتقوية المؤمنين في مناظراتهم مع اهل العقائد والافكار المنحرفة ودفع شبهات المضلين، رواها في كتاب الاحتجاج وفي تفسير العسكري قال : ( اختصم الى فاطمة الزهراء (علیها السلام) امرأتان فتنازعتا في شيء من امر الدين احداهما معاندة والأخرى مؤمنة ففتحت على المؤمنة حجتها فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحا شديدا فقالت فاطمة (علیها السلام) ان فرح الملائكة باستظهارك عليها اشد من فرحك وان حزن الشيطان ومردته بحزنها اشد من حزنها، وان الله تعالى قال لملائكته اوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الاسيرة من الجنان الف الف ضعف مما كنت اعددت لها واجعلوا هذه سنة في كل من يفتحعلى اسير مسكين فيغلب

ص: 74


1- كلمة قصيرة القاها سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) على وفد ضم الكوادر العاملة في المقر العام لقناة النعيم الفضائية ومكاتبها الفرعية يوم الاحد 1/ج2/1439 الموافق 18-2-2018

معاندا مثل الف الف ما كان معدا له من الجنان) (1) وببركة الزهراء (علیها السلام) جُعل هذا الثواب سنة جارية لكل من ساهم في هذه المواجهة الفكرية والعقائدية

ص: 75


1- بحار الانوار : 2/8،ح15

خطاب المرحلة 542 :(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد:4)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد:4)

المعية الإلهية ... الثمرات والمراتب (1)

تنبّه الآية الكريمة إلى حقيقة قرآنية عظيمة تزيد الانسان كمالاً ومعرفة بربّه كلما ازداد ايماناً بها واستحضرها في وجدانه فعلاً.

تلك الحقيقة هي ان الله تعالى معكم في جميع مراحل تكوّنكم في الدنيا والآخرة وفي كل مكان تكونون فيه ومهما اعتقدتم انكم في خلوة وانفراد فانه معكم، وهو تعالى معكم في كل زمان وفي كل حالة من حالاتكم ومطلّع عليكم ومحيط بكم (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (سبأ:3) فالمعيّة الإلهية متحققة من جميع الجهات، وان لفظ (اين ما) الوارد في الآية لا يحدّدها بالمعية المكانية، ولعل ذكرها باعتبار ان المعية المكانية هي الاوضح في الاذهان للتعبير عن الاقتران وكذا الغيبة المكانية أوضح في التعبير عن الافتراق.

ولذا جاءت الفقرة التالية لها (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) كالنتيجة لهذهالحقيقة لان لازم حضوره معكم وعدم احتجابكم عنه وإحاطة علمه بكم أن يكون

ص: 76


1- الخطاب الذي القاه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على آلاف المؤمنين والمؤمنات الذين احتشدوا في ساحة ثورة العشرين في النجف الاشرف قبل الانطلاق في موكب التشييع الرمزي نحو حرم امير المؤمنين (علیه السلام) يوم الثلاثاء 3/ج2/1439 الموافق 20/2/2018

بصيراً بأعمالكم عالماً بنيّاتكم وأغراضكم أي يعلم ظاهر الاعمال وباطنها.

وقد تكرر هذا المعنى في آيات كريمة أخرى كقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة:7) وقال تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) (النساء:108).

وقد استلهم النبي (صلی الله علیه و آله) هذه الحقيقة وقدّم توجيهاً تربوياً في وصيته لأبي ذر (رضوان الله تعالى عليه) بقوله (أعبد الله كأنك تراه فان كنت لا تراه فأنه يراك)(1) والعبادة تسري في كل شؤون الحياة.

إن الايمان بهذه الحقيقة له عدة آثار في حياة الانسان:

1- سيشعر انه ليس وحيداً في مواجهة الصعوبات والمحن والبلاءات وانما يكون معه رب رؤوف رحيم يشفق عليه ويرعاه ويدفع عنه ويحميه ويستجيب لدعائه وطلباته و اذا تأخرت الإجابة فلمصلحته لانَّ ربه يختار له الخير ويكافئه على الاحسان ويعفو عن الإساءة وينصره عند الضعف والانقطاع (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:62)(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء:78-82) فهي معيّة الايجاد والهداية ومعيّة الاطعام والسقي ومعيّة الشفاء من المرض ومعيّة البعث والنشور. وبذلك يتحول عجز الانسان وضعفه إلى قوة واقتدار ويتبدل خوفه

ص: 77


1- مكارم الاخلاق للطبرسي: 626

وقلقه بفضل الله تعالى إلى أمن وطمأنينة قال تعالى (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد:35) وقال تعالى (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) (التوبة:40).

روى الشيخ الصدوق عن إمامنا الْعَسْكَرِيِّ (علیه السلام) (أَنَّهُ سُئِلَ إمامنا الصَّادِقُ عَنِ اللَّهِ؟ فَقَالَ لِلسَّائِلِ:" يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَلْ رَكِبْتَ سَفِينَةً قَطُّ "؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: " فَهَلْ كُسِرَ بِكَ حَيْثُ لَا سَفِينَةَ تُنْجِيكَ، وَلَا سِبَاحَةَ تُغْنِيكَ "؟ -أي حالة انقطاع أسباب النجاة- قَالَ: بَلَى. قَالَ: " فَهَلْ تَعَلَّقَ قَلْبُكَ هُنَاكَ أَنَّ شَيْئاً مِنَ الْأَشْيَاءِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُخَلِّصَكَ مِنْ وَرْطَتِكَ "؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ الصَّادِقُ: " فَذَلِكَ الشَّيْ ءُ هُوَ اللَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْإِنْجَاءِ حِينَ لَا مُنْجِيَ، وَعَلَى الْإِغَاثَةِ حِينَ لَا مُغِيثَ ")(1) لاحظوا عظمة النعمة بحضور الله تعالى معنا، وأي وحشة وعجز وضعف يحسّ به المنكر للخالق.

وتزداد معية التوفيق والتأييد كلما ازداد العبد قرباً من ربّه (وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي) (المائدة:12)أي ان بعض مراتب المعيّة العالية مشروطة بالإيمان والعمل الصالح.

وفي الحديث الشريف (انا عند المنكسرة قلوبهم)(2) أي ان الالطاف الإلهية

ص: 78


1- التوحيد للصدوق: 231، معاني الأخبار: 4 / ح 2، بحار الانوار:64/137
2- منية المريد، ص 123، وفيه: (أنا عند المنكسرة قلوبهم) ودعوات الراوندي: ص 276، وفيه: روي أن داود (علیه السلام) قال: إلهي هل يذكر أحد الأموات حين درست قبورهم؟ قال: يا داود إني لم أنسهم أحياء مرزوقين، فكيف أنساهم أمواتاً مرحومين! كلما قطعت لهم إرباً غفرت لهم ذنباً وأغفر لهم بكل شعرة سقطت وبكل عظم بلي وأنا أرحم الراحمين.

الخاصة تحضر عند انكسار القلب لاي سبب كان سواء من خشية الله تعالى او عند التعرض لمظلومية وعدوان وغير ذلك .

2- وسيشعر أيضاً أنه ليس مطلق السراح في اتباع شهواته ونزواته واهوائه ويفعل ما يشاء من جرائم ومنكرات وظلم للآخرين وإنما هو تحت الرقابة الإلهية التي لا تحيط فقط بظاهر الاعمال بل تنفذ إلى باطن العمل فتعلم النية والغرض، فقد يكون العمل حسناً بحسب الظاهر الا انه في حقيقته سيئ لان نية صاحبه سيئة كما لو قام به رياء او طلباً للسمعة والجاه ونحو ذلك ولم يكن يبتغي به وجه الله تعالى لان الناقد بصير وهيهات لن يخدع الله عن جنته كما ورد في كلمات أمير المؤمنين (علیه السلام).

وهذا الشعور يدفع العباد إلى القيام بالمزيد من الاعمال الصالحة وتخليص النيات من الشوائب وتجنب الاعمال السيئة والظلم والعدوان، فهذه الرقابة الإلهية لمصلحة الإنسان وهي توجّه بوصلة حياته نحو الخيروتضبط استقامته وليست شيئاً قسرياً مفروضاً عليه.

وهي رقابة داخلية تستقر في ضمير الانسان وتكون حاضرة اذا غابت عنه رقابة الأجهزة والقوانين الحكومية أو الأعراف الاجتماعية.

ولأهمية هذه الحقيقة فقد ورد في الحديث الشريف عن النبي (صلی الله علیه و آله) (من أفضل ايمان المرء أن يعلم أن الله تعالى معه حيث كان)(1).

أيها الاحبّة:

لقد أرادت السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) أن ترسّخ هذه الحقيقة في

ص: 79


1- سند أبي داود ح 1582، الدر المنثور: 6/171

قلوب وعقول الأمة لما رأت غفلة الكثيرين عنها وأن سلوكهم كان لا ينمّ عن إيمان حقيقي بها وإن اعتقدوا بها ظاهراً فخاطبت جمعهم بقولها (أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه) وقالت (علیها السلام) (فاتقوا الله حق تقاته ولا تموُّتن الا وانتم مسلمون، واطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه)(1).

وتحذّر (سلام الله عليها) من عدم الالتفات إلى هذه الحقيقة والعمل بها فقالت (لتجدنّ والله محمله ثقيلاً، وغّبه أي عاقبته وبيلا اذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه الضراء، وبدا لكم من ربّكم مالم تكونواتحتسبون وخسر هناك المبطلون)(2).

من هذا نعرف الخسارة العظمى التي تحل بالإنسان حينما يغفل عن هذه الحقيقة او ينفيها او يتسافل اكثر فينكر وجود الخالق ونعرف حجم الخسارة التي تحل بالأمة حينما يروّج البعض فيها إنكار هذه الحقيقة ويدعو إلى الالحاد ونبذ الدين ونحو ذلك، لا لشيء الا لكي يطلقوا العنان لشهواتهم واتباع اهوائهم ولكي لا يؤنّبهم ضميرهم وليغطّوا على الشعور بالذنب والخطيئة (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (النمل:56) فيخدعون أنفسهم بإنكار هذه الحقيقة العظمى أعني وجود الخالق فيكون حالهم كالوصف المنقول عن النعامة أنها اذا أحدق بها الخطر دفنت رأسها في التراب لكي لا تراه وتخدع نفسها بالتخلص منه.

هذا هو الدافع الحقيقي لمن يقف وراء دعوات الالحاد ونبذ الدين اما

ص: 80


1- الاحتجاج للطبرسي: 1/128
2- الاحتجاج للطبرسي: 1/136

التابعون لهم فهم مخدوعون ببعض الشعارات والادعاءات، وإلا فإن دعاوى إنكار الخالق أو الشرك به أوهام باطلة من صنع خيالات فاسدة ولا يساعد عليها عقل ولا منطق عقلائي بل أن العقل السليم يسخر من هذه الأفكار لان أبسط جهاز أو آلة حولنا لا يمكن أن نصدّق انه وُجد بلا صانع عاقل فكيف بالكون المترامي الذي يتحرك بنسق متناهي الدقة ووفق قوانين محكمة أتاحت المجال لعلماء الفلك أن يحسبوهاويستفيدوا منها في الرحلات الفضائية.

فأحذروا أيها الأحبة من كل سبب يؤدي الى الغفلة عن الله تعالى، وحذّروا الناس من كل الدعوات التي تريد تغييب الله تعالى عن الحياة وعزله والتحلل من هذا الالتزام معه سبحانه وتعالى، واعملوا على ترسيخ حقيقة أن الله معنا لدى عموم الناس، وادعوا بالحكمة والموعظة الحسنة المتأثرين بما ينشر في مواقع التواصل لتنقذوهم من ضلالهم حتى يستشعروا هذه النعمة العظيمة والمسؤوليات تجاهها، وذلك بعد ان تتسلحوا بالعلم والمعرفة ولو على المستوى الفطري والعقلائي الذي لا يحتاج إلى دراسات معّمقة ومتخصصة.

وقد ورد في رواية (1) عن السيدة الزهراء فيمن يقوي الايمان و الدين وينصر المؤمنين ويدحض شبهات المضلّين والمنحرفين ان الله تعالى يضاعف له ما اعدَّ له من المنزلة الكريمة المستحقة له في الجنان الف الف ضعف، فعلى الجميع ان لا يتقاعسوا عن نصرة الدين وهداية الناس وخدمتهم، وقد حذّرت السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) من ان حب الراحة والدعة واللامبالاة والكسل أسباب حقيقية لتضييع الحق وحذّرتهم من خذلانه فقالت (علیها السلام) (الا

ص: 81


1- بحار الانوار : 2/8، ح 15

وقد أرى أن قد اخلدتم إلى الخفض أي الحياة المرفّهة وأبعدتم من هو أحقّبالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة أي الراحة والسكون )(1).

وفقنا الله تعالى وإياكم لنصرة الدين وإعلاء كلمة الله رب العالمين ونشر شريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين).

ص: 82


1- الاحتجاج: 1/133.

خطاب المرحلة 543 : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)

بسم الله الرحمن الرحيم

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(1) (البقرة:152)

تشريف وتكريم من الخالق العظيم لعباده بأن يقرن ذكره بذكرهم ويبادلهم الذكر فيذكرهم اذا ذكروه ومن دعاء للإمام السجاد (علیه السلام) (إلهي انت قلت وقولك الحق (فاذكروني اذكركم) فأمرتنا بذكرك ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيماً واعظاماً، وها نحن ذاكروك كما أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا يا ذاكر الذاكرين)(2) ، بينما لا يطمع الانسان في ان يذكره إنسان ضعيف عاجز مثله وهو يعشقه ويصفّق له ويلهج باسمه ويلهث وراءه ويدافع عنه وربما يضحي من اجله والآخر لا يعرفه ولا يقيم له وزناً فشتّان بين المعبودين!.

والمراد بذكر الله تعالى عبده اذا ذكره منحه العطاء الخاص وترتيب الأثر المناسب والا فان الله تعالى لا يغفل عن عباده ولا يهملهم وهم يتقلبون بنعمه دوماً (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) (الحديد:4) وهذا العطاء الخاص له اشكال عديدة ويتناسب مع نوع الذكر لان ذكره لله تعالى يجعله مؤهلاً لنزول البركات والمنن والعطايا، ففي حديث نبوي شريف في تفسير الآية (اذكروني يا معاشر

ص: 83


1- الكلمة التي القاها سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) على طلبة جامعة الامام الباقر (علیه السلام) في النجف الأشرف بحضور ادارتها وأساتذتها يوم الجمعة 12 رجب 1439 المصادف 30 / 3 / 2018.
2- بحار الانوار: 94/ 151 / ح 21

العباد بطاعتي اذكركم بمغفرتي)(1) والطاعة تشمل الواجب والمستحب، والمغفرة تشمل محو الذنوب المقترفة أو عصمة العبد ووقايته من الوقوع في غيرها.

أو يذكره الله تعالى بالرحمة اذا ذكر ربّه بالطاعة قال تعالى (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (آل عمران:132).

وفي حديث آخر عن النبي (صلی الله علیه و آله) (اذكروني بالطاعة والعبادة اذكركم بالنعم والإحسان والراحة والرضوان )(2) أو يذكر ربّه بالشكر فيذكره بزيادة النعم (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم:7) او اذكروني بالدعاء لأذكركم بالإجابة (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60) او اذكروني في الدنيا لأذكركم في الآخرة، او اذكروني في عالمكم الصغير لأذكركم في العالم الكبير ونحو ذلك مما ورد في الاحاديث الشريفة، ففي الحديث النبوي الشريف قال الله تعالى (انا عند ظن عبد بي وانا معه اذا ذكرني، فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرّب اليّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً)(3).وفي الحديث الآخر عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال (قال الله عز وجل ذكره: لا يذكرني أحد في نفسه الا ذكرته في ملأ من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ الا

ص: 84


1- الدر المنثور: 1 / 148
2- عدة الداعي
3- اخرجه في الدر المنثور عن أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في شعب الايمان.

ذكرته في الرفيق الأعلى)(1).

ولذا يحظى ذكر الله تعالى بأهمية كبيرة ومن الأسباب القوية لبلوغ الكمالات، وفي الحديث الشريف (أحب الاعمال الى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله) أي يكون الانسان في ذكر مستمر حتى اذا فاجأه الموت كان لسانه رطباً بذكر الله تعالى وفي حديث آخر عنه (صلی الله علیه و آله) (ليس يتحسّر أهل الجنة الا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها) وروى عنهم (علیهم السلام) (إن في الجنة قيعاناً، فاذا أخذ الذاكر في الذكر أخذت الملائكة في غرس الأشجار فربما وقف بعض الملائكة فيقال له: لم وقفت؟ فيقول: إن صاحبي قد فتر، يعني عن الذكر)(2).

وروى في عدة الداعي ان رسول الله (صلی الله علیه و آله) خرج على أصحابه فقال (ارتعوا في رياض الجنة، قالوا: يا رسول الله (صلی الله علیه و آله) وما رياض الجنة، قال مجالس الذكر اغدوا وروحوا واذكروا، ومن كان يحب ان يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده، فان الله تعالى ينزل العبد حيث انزل العبد الله من نفسه، واعلموا أنخير اعمالكم عند ملكيكم وازكاها وارفعها في درجاتكم وخير ما طلعت عليه الشمس ذكر الله تعالى فإنه أخبر عن نفسه فقال: انا جليس من ذكرني).

وفيه ايضاً عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال (قال سبحانه اذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي، فاذا كان عبدي كذلك

ص: 85


1- نفس المصدر عن الطبراني.
2- بحار الانوار:93 / 63 ح 42

وأراد أن يسهو حلت بينه وبين ان يسهو، اولئك اوليائي حقا، أولئك الابطال حقاً، أولئك الذين اذا اردت أن أهلك اهل الأرض عقوبةً ذويتها عنهم من أجل أولئك الابطال).

والأصل في الذكر حضور المعنى في القلب وتأثيره في الجوارح وليس مجرد تحريك اللسان به وإن كان هذا لا يخلو من ثمرة طيبة، لكن المطلوب حصول تلك المراتب روى في كتاب المعاني عن ابي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال (الا أحدثك بأشد ما فرض الله تعالى على خلقه؟ قلت: بلى، قال: انصاف الناس من نفسك ومواساتك لأخيك وذكر الله في كل موطن، اما اني لا أقول: سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر، وإن كان هذا من ذاك، ولكن ذكر الله في كل موطن اذا هجمت على طاعته او معصيته). فتتخذ الموقف الذي يرضي الله تعالى في كل تلك المواطن.

وفي الحديث النبوي الشريف (من اطاع الله فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومن عصى الله فقد نسي الله وان كثرتصلاته وصيامه وتلاوته للقرآن)(1). وهذا يبين لنا بوضوح المقياس الذي يعرف به الذكر والذاكر وعدم الاكتفاء بالحركات الخارجية، وعلى هذا فالذكر له مصاديق واسعة تشمل كل الطاعات، ومنها طلب العلم والحضور في مجالس الوعظ والإرشاد وحلقات العلم.

هذا الرصيد الضخم الذي يكتسبه الانسان بالذكر يمكن ان يفرط به ويضيعه بسبب ارتكابه بعض الحماقات غفلة او انسياقاً وراء اهواء النفس ففي الحديث

ص: 86


1- الدر المنثور: 1/149

الشريف (من قال سبحان الله غرس الله له بها شجره في الجنة و من قال الحمد لله غرس الله له بها شجره في الجنة و من قال لا اله الا الله غرس الله له بها شجره في الجنة و من قال الله اكبر غرس الله له بها شجره في الجنة فقال رجل من قريش يا رسول الله إن شجرنا في الجنة لكثير قال نعم و لكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها و ذلك إن الله عز وجل يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (محمد/33) )(1). وهذه النيران يمكن أن تكون الغيبة أو الحسد أو الظلم أو انتقاص وإهانة الآخرين أو التقصير في القيام بعمل إنساني كان قادراً عليه.

وعلى الانسان ان يتجنب كل ما يلهيه عن ذكر الله تعالى ويشغله عنه من أمور الدنيا واتباع الشهوات والاهواء قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوالَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون:9) وهو ما يبتغيه شياطين الانس والجن (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ) (المائدة:91) فيقع الانسان في الغفلة الموجبة للبعد عن الله تعالى والوقوع في المعاصي، روي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قوله (ليس في المعاصي أشدُّ من اتباع الشهوة فلا تطيعوها فتشغلكم عن الله)(2) وعنه (علیه السلام) قال (كل ما الهى عن ذكر الله فهو من ابليس)(3).

ص: 87


1- بحار الأنوار: 93/ 168 ح3.
2- غرر الحكم:7520
3- ميزان الحكمة: 3 / 356 عن تنبيه الخواطر: 2/ 170

وينبغي الالتفات إلى ان هذه الملازمة بين ذكر الله تعالى وذكر العبد قد تكون سلاحاً ذا حديّن فتكون العقوبة على من يعصي الله تعالى وهو ملتفت وذاكر مضاعفة، ففي الدر المنثور عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال (فمن ذكرني وهو مطيع فحقَّ عليّ أن اذكره بمغفرتي، ومن ذكرني وهو لي عاصٍ فحقَّ عليّ ان أذكره بمقت).

وفي نفس المصدر (أوحى الله تعالى داود قل للظلمة لا يذكروني فان حقاً عليَّ اذكر من ذكرني وإن ذكري إياهم أن العنهم).

ص: 88

خطاب المرحلة 544 : دور الدين في بناء المجتمع الصالح

بسمه تعالى

دور الدين في بناء المجتمع الصالح (1)

عشنا فترة في أيام النظام البائد بلغت الذروة في محاربة الدين والسخرية والاستهزاء من المتدينين فقد كانوا يصفونهم بالتخلف والرجعية والعمالة للإمبريالية وكانت النساء أكثر عرضة لتميَّز المتدينة بالحجاب وقد أثّرت هذه الحرب الشرسة فقلَّ عدد المتدينين خصوصاً بين الشباب وأغلقت الكثير من المساجد والحسينيات أبوابها.

وفي مثل هذه الأجواء جمعت سيارة اجرة صغيرة رجل دين مع أحد هؤلاء المهوسين بالسخرية من الدين وراكبين آخرين، وكان هذا المغفَّل سليط اللسان سيء الالفاظ فأراد أن يستهزئ برجل الدين على طريقته الخاصة، فأخذ يسأل الركاب عن مهنهم فأجاب الأول بأنه عامل والثاني بأنه مهندس فأثنى عليهما وأشاد بدورهما في إعمار البلاد وتقدمها ثم التفت إلى عالم الدين وسأله فأجابه بأنه يعلّم الناس الحلال والحرام وما عليهم أن يفعلوا ويتجنبوا ويدلّهم على مكارم الاخلاق واجتناب الفحشاءوالمنكر فضحكّ هذا المغرور

ص: 89


1- من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من المدرّسين والتربويين ووجهاء ناحية الفجر الذين زاروا سماحته لتقديم الشكر على تبرعه بتكاليف انشاء صفوف دراسية لأبنائهم ضمن حملة واسعة لتعمير المدارس وتجهيزها وتزويد الطلبة بالكتب يوم 22 رجب 1439 المصادف 9 / 4 / 2018

ساخراً وقال: يا شيخ: اتركوا الناس على حالهم ولا تتدخلوا في شؤونهم وليفعلوا ما يشاؤون بحريّة، فلم يجبه عالم الدين.

وحينذاك اصطدمت السيارة بأخرى وسقط من على سقفها صندوقان مملوءان بالفاكهة لهذا المغرور فتناثرت الفاكهة وتجمعّ الناس ونهبوا هذه الفواكه، والرجل المغفَّل يصيح بهم ويطالبهم بإرجاع الفواكه ولا أحد يصغي إليه وهنا تدخل عالم الدين ووعظ الناس وحذّرهم من أكل لقمة الحرام وسوء عاقبة الظلم وأمرهم بإعادة الحق إلى صاحبه فأثرّت الموعظة فيهم واعادوا ما بأيديهم، وعرضوا دفع ثمن ما أكلوا منها وساعدوا صاحبها على جمع المتناثر منها وهنا وجّه العالم كلامه للمستهزئ: أعلمت الآن ما هي وظيفتنا فخجل الرجل واعترف بخطأه واعتذر.

هذا جانب من دور الدين في حياة الانسان وهو توجيهه إلى عمل الخير والالتزام بالأخلاق الفاضلة ومنعه من الظلم والعدوان وتجنب الرذائل والفحشاء والمنكر، قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)، فهل يريد الانسان العاقل السوي غير هذه؟ فلماذا النفور من الدين؟

فعلى جميع أولياء الأمور في الاسرة والمدرسة والجامعةوالمسجد ووسائل الاعلام وسائر مرافق الحياة أن يحثوا الناس على الالتزام بالدين لتستقيم الحياة وتتخذ شكلها الحضاري والإنساني السامي.

ص: 90

خطاب المرحلة 545 : العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس الحاجة إلى مراكز البحوث والدراسات التخصصية

بسمه تعالى

العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس

الحاجة إلى مراكز البحوث والدراسات التخصصية (1)

روي في تحف العقول عن الامام الصادق (علیه السلام) قوله (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس)(2) أي لا تدخل عليه الشبهات ولا تلتبس عليه الأمور ولا تختلط عليه الأوراق كما يقال ولا يضطرب، بل يكون على بصيرة من أمره، والمقصود بزمانه أي أهل زمانه أو أحوال زمانه بتقدير مضاف، وليس المعرفة بنفس الزمان المتكون من ساعاتالليل والنهار.

والحديث مطلق لا يختص بفئة أو شريحة وإنما كل من له معرفة بزمانه يكون هكذا، وفي الحقيقة فان المعرفة بأحوال الزمان وأهله مطلوب من كل عاقل ذي بصيرة ففي كتاب الكافي بسنده عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (في حكم آل داود على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه)(3) أي يكون ملتفتاً لإصلاح نفسه ومحاسبتها وتحليتها بالفضائل وتنقيتها

ص: 91


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) اثناء لقائه بمدير ورؤساء أقسام مجمع البحوث الإسلامية في العتبة الرضوية المقدسة في مشهد يوم الخميس 25 رجب /1439. ومع مدير ورؤساء أقسام وأعضاء مركز الامام الصادق (علیه السلام) للبحوث والدراسات التخصصية في النجف الاشرف يوم الأربعاء 17 / رجب / 1439 المصادف 4 / 4 / 2018 .
2- تحف العقول: 259
3- أصول الكافي: 2 / 116 باب الصمت وحفظ اللسان، ح 20

من الرذائل، حافظاً للسانه عن اللغو والباطل.

هذا ولكن ضرورة هذه المعرفة والحاجة إليها تزداد كلما ازدادت مسؤولية الفرد، لذا كان العلماء المتصدون لقيادة الأمة وإرشادها وهدايتها وإصلاحها أولى بتحصيل هذه المعرفة، لأن التباس الأمور على العالم واضطرابها ينافي تماماً وظيفته الإلهية، وهذا ما وصف به أمير المؤمنين (علیه السلام) إمرة الذين تقمصوا الخلافة قبله، قال (علیه السلام) (فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها أي جرحها ويُخشُن مسُّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فمني الناس لعمر الله بخبط أي سير بغير هدى وشِماس أي صعوبة وعسر وتلّون واعتراض أي السير عرضاً بدل الامام.

ويمكن أن نفهم الحديث على نحو الشرط أي لا يكون العالم عالماًحقيقة حتى تكون له معرفة بزمانه، أو نفهمه على نحو النتيجة أي من ثمرات العلم المعرفة بالزمان، والثاني يؤدي إلى الأول لأن معرفة الانسان بالزمان تكون كاشفة عن كونه عالماً حقيقة والا فلا.

وعلى كلا التقديرين فالحديث صريح في أن تحصيل العلوم المقرّرة لا تكفي لصدق عنوان العالم الذي تناط به مسؤولية هداية الناس وإصلاحهم مالم تكن له بصيرة في تقلبات الزمان وتغيراته وعدم استقراره على حال، ومن كلمات أمير المؤمنين (علیه السلام) في ذلك (أعرف الناس بالزمان، من لم يتعجب من أحداثه)(1) لأنه لا يتفاجأ بشيء منها لإحاطته بها.

وان يمتلك فطنة ورؤية ثاقبة بأحوال الناس واكتشاف أخلاقهم وصفاتهم

ص: 92


1- غرر الحكم: 3252

ليتمكن من تمييز الصديق عن العدو والمؤمن من الفاسق والأمين من الخائن، والصالح من الطالح ليحدّد طريقة التعامل مع كل منهم بما يناسبه ويضع كلاً منهم في موضعه المناسب، فيقرّب هذا ويبّعد ذاك، ويحمَّل هذا مسؤولية محدودة، وذاك أوسع منها، ويأخذ بكلام هذا ولا يأخذ بكلام ذاك.

ولذا قرنت جملة من وصايا المعصومين (علیه السلام) بين هذه المعرفة وكيفية التعامل مع الآخرين ففي حديث آخر (عارفاً بأهل زمانهمستوحشاً من أوثق اخوانه)(1) وفي وصية الامام أمير المؤمنين لولده الحسن (صلی الله علیه و آله) (يا بني انه لابد للعاقل من أن ينظر في شأنه فليحفظ لسانه وليعرف أهل زمانه)(2).

محل الشاهد ان العلوم التي نتلقاها في الحوزة العلمية لا تكوِّن لدينا هذه المعرفة، نعم هي تزوّدنا بالأدوات والوسائل والرؤية ومنهج التعامل، من هنا تبرز الحاجة لرفد الحوزة العلمية بمراكز البحوث والدراسات في شتى المجالات حيث تتخصص كل جماعة بأحد الحقول، فان العالم بمفرده لا يستطيع تحصيل هذه المعرفة، والإحاطة بكل القضايا التي تتطلب منه مواقف ومعالجات وحلولا، واذا كان وجود مثل هذه المراكز يعتبر حالة شاذة في الأزمنة السابقة وتجهض مثل هذه المشاريع قبل ولادتها، فأن البيئة اليوم تساعد عليها بل وجدِ عدد منها بفضل الله تعالى، والمطلوب المزيد منها.

ص: 93


1- الكافي: ج 1 / ص 49
2- بحار الأنوار: ج 68 / ص 339

خطاب المرحلة 546 : تأصيلات في الفقه الاجتماعي

بسمه تعالى

تأصيلات في الفقه الاجتماعي

أثار سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) خلال لقاءاته مع بعض العلماء الاعلام في الجمهورية الإسلامية في إيران مؤخراً قضية الفقه الاجتماعي وضرورة الاهتمام به، مما دعا مجلة الفقه والمجتمع وموقع الاجتهاد الالكتروني إلى اجراء الحوار(1) التالي مع سماحته:

1- ما معنى الرؤية الاجتماعية في الفقه؟

يمكن أن يراد بالرؤية الاجتماعية في الفقه أكثر من معنى:

أ / ان يكون المخاطب بالحكم الشرعي والمكلّف به المجتمع وليس الفرد يعني ان الفقيه ينظر إلى الأمة ويجعلها نصب عينيه عند استنباط الحكم الشرعي وليس الفرد، فأننا نعتقد ان للأمة كياناً ووجوداً يولد وينمو ويموت ولها أحوال متباينة من الصلاح والفساد والانحطاط والازدهار، وتصلح أن تتعلق بها الاحكام الشرعية المناسبة لها.

والمتتبع للآيات الكريمة والاحاديث الشريفة يجد مثل هذه الخطابات،

ص: 94


1- حرر الحوار يوم الجمعة 3 شعبان 1439 الموافق 20 / 4 / 2018 ببركة الميلاد الميمون للإمام الحسين (علیه السلام) محيي اعظم الواجبات الاجتماعية: الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن حسن الاتفاق ان محاضرة القاها سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) بعنوان الأسس العامة للفقه الاجتماعي كانت بنفس الذكرى عام 1422 / 2001 وهي منشورة في موسوعة (خطاب المرحلة:1/315).

كقوله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (آل عمران:110) وقوله تعالى (وَلْتَكُنمِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (آل عمران:104) وقوله تعالى (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122).

اما الروايات الشريفة فهي كثيرة ومن القرائن على كون التكليف (اجتماعياً) إِناطته بلفظ (الامام) وهو يعني ولي الامر والفقيه المتصدي لولاية الأمور العامة للأمة.

وقد لا يكون المخاطب بالتكاليف كل الأمة بل شريحة معينة منها كفقه الأطباء أو المعلّمين أو النساء أو الرياضة أو العمال أو القضاة وغير ذلك وقد اصدرنا كتباً كثيرة حتى في (تجارة المواد المستعملة) التي راجت في العراق في تسعينات القرن الماضي بسبب الحصار.

ب / أن تصاغ الرؤية الإسلامية على نحو نظريات وأنظمة وقوانين وليس على أساس مسائل شرعية مفكَّكة، على النحو المعروف في الرسائل العملية للفقهاء وحينئذٍ سنتعرف على النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأخلاقي والقانوني والجنائي والدولي وغير ذلك للإسلام ويطلق البعض على هذا التوجه عنوان (فقه النظرية).

2- كيف تعرّفون الفقه الاجتماعي؟ وهل هو ناسخ للفقه الفردي المتعارف؟

في ضوء ما قلنا آنفاً فان الفقه الاجتماعي ليس بديلاً عن الفقه الفردي وإنما

ص: 95

يكون مكملاً له ويغطي مساحة أخرى لا يتناولها بناءً على المعنى الأول أو أنه يؤسس عليه ويعيد ترتيبه بناءً على المعنى الثاني، يعني ان الفقيه يستنبط أولاً المسائل على النهج المتعارف في الفقه الفردي ثم يجمع شتاتها ويعيد ترتيبها ليدِّون الفقه الاجتماعي فيضمّ كتاب النكاح والطلاق والوصايا والحجر وأمثالها ليؤلف النظام الاجتماعي ويجمع كتب الخمس والزكاة والوقف ونحو ذلك ليؤلف النظام المالي.

3- كيف يتصف الفقه أو الفقيه بوصف (الاجتماعي)؟

لا يكون الفقيه (اجتماعياً) الا بعد أن يكون (فردياً) أي بعد أن ينال درجة الاجتهاد وفق الآليات المتعارفة في الحوزات العلمية، لأن الاستنباط في الفقه الاجتماعي نوع من التخصص في إعمال ملكة الاجتهاد فهو فقيه متخصًّص والمعروف أن التخصص في أي مجال علمي كالطب مثلاً يأتي بعد نيل أصل الملكة والقدرة على ممارسة المهنة.

وهذا التخصِّص يحتاج إلى أدوات إضافية كالخبرة بالواقع المعاش والمعرفة بالعلوم المرتبطة بهذا التخصّص ويكون مصداقاً للحديث الشريف عن الامام الصادق (علیه السلام) (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس(1) ولكي يبدع في عمله فأنه يحتاج إلى مستشارين ومراكزبحثية ترفده بالبيانات التي تنقح الموضوعات التي يريد النظر فيها.

4- اساساً هل كان في الفقه رؤية اجتماعية منذ التكوّن ونشوئه حتى الآن؟

لم تغفل النصوص عن الأمة كأمة في خطابها ولم ينفّك الفقه الفردي

ص: 96


1- تحف العقول: 259

الموجود عن جانبه الاجتماعي وكل ما نحتاجه إعادة قراءة النصوص الشرعية والفقهية برؤية جديدة ومن زاوية اخرى وتقديمها بصياغة جديدة.

وفي هذا الاطار فقد دعوت في بعض ابحاثي(1) إلى إعادة تسمية الواجبات (الكفائية) بالواجبات (الاجتماعية) بعد أن كتبت بحثاً مفصّلاً في حقيقة الوجوب الكفائي المعروف لدى الأصوليين والفقهاء وانتهيت إلى ان التقسيم إلى عيني وكفائي هو من خصائص الواجب وليس الوجوب الذي حقيقته واحدة فيهما معاً، وميزة الواجب الكفائي عن العيني انه موجّه إلى الأمة كأمة وليس كأفراد فالأولى تسميته بالواجب الاجتماعي، مضافاً إلى ما سبَّبه مصطلح الكفائي من تقاعس واتكالية ولا مبالاة.

واعترضت مراراً على كلمتهم المشهورة (لا مشاحة في الاصطلاح) لأن الاصطلاح ومفهوم الشيء والفكرة هو الأساس الذي يبنى عليهالعمل وينطلق منه، وهذا مثال عليه، ومن تطبيقاته ما حصل لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اتّكالية أدّت إلى ضياع الفريضة أو شللها بسبب شروط الوجوب التي ذكرها الفقهاء انطلاقاً من النظرة الفردية ولو نظر إلى الفريضة من زاوية اجتماعية لما بقي وجه لتلك الاشتراطات.

فإذن الفقه الاجتماعي على المعنى الأول موجود في اذهان الفقهاء وفي ما سطّروه من كتبهم تحت عنوان الواجبات الكفائية كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة والدعوة إلى الله تعالى والتبليغ والإصلاح

ص: 97


1- راجع كتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من موسوعة فقه الخلاف وكتاب (حقيقة الوجوب الكفائي)

الاجتماعي والتصدي للعمل السياسي وإقامة احكام الله تعالى في الأرض وقد رتّبت عليه وجوب المشاركة في الانتخابات لتمكين القيادة الصالحة ونحو ذلك.

أما المعنى الثاني للفقه الاجتماعي فإنه يشيَّد على أساس الفقه الفردي وقد بُذلت خلال العقود الثلاثة الأخيرة محاولات جادة في تقديم نظريات الإسلام على هذا الأساس ورأينا نتاجاً مثمراً ومثيراً للفخر والاعتزاز في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والقانونية والاجتماعية.

ولعل السرّ في تأخر علماء الامامية في ولوج هذا المجال هو اقصاؤهم عن الحكم وإدارة الدولة والمجتمع وتعرضهم للبطش والاضطهاد من الحكومات المتعاقبة مما ولّد لديهم شعوراً بأن من العبثالخوض في مثل هذه المجالات واقتصروا على بيان تكاليف الأفراد.

5- يعتقد البعض بأنه لا معنى لتحميل الفقه أعباء المسؤولية الاجتماعية، ويقتصر دوره على بيان الاحكام الفردية.

اعتقد ان الفقه الاجتماعي ضرورة حضارية لأننا نفاخر الأيديولوجيات والنظم الأخرى بأن الإسلام هو الأصلح لقيادة البشرية وانه النظام الأكمل والمستوعب لكل حاجات الناس في كل الأزمنة وله القدرة على مواكبة التغيرات، وهذا كله يتطلب تقديم الإسلام كنظام يدير شؤون الحياة في جوانبها المتعددة، وهذا لا يكفي فيه النمط المتعارف في الرسائل العملية، بل علينا أن نقدّمه كأنظمة ونظريات وقوانين تقنع الآخرين بما عندنا ولا تتركنا عاجزين عن مجاراة الأمم في إدارة شؤونها.

ص: 98

ومن يستقرئ النصوص الشريفة يجد فيها اهتماماً بالغاً بالواجبات الاجتماعية قياساً بالفردية كقول الامام علي (علیه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول (إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام)(1) والآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة:67) حيث جعلت نصب القيادة الحقّة

وهي من الواجبات الاجتماعية في كفّة واحكام الرسالة كلها في الكفّة الأخرى.وقد كتبتُ عدة رسائل لبيان هذه الحاجة الملّحة وبعثتها إلى السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره في عام 1985 م وحثثته على ولوج هذا المجال ووضعت هيكلية مفصّلة لترتيب الرسائل العملية للفقهاء وفق هذه الرؤية وأجاب برسائل مفصّلة نشرت كلها في كتاب (الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه).

6- ما هي آليات الاستنباط في الفقه الاجتماعي؟ وهل تكفينا الآليات الرائجة؟

بنظرة أولية اجمالية نقول: تشترك آليات الاستنباط الفقه الاجتماعي مع الفردي في الأصول العامة للفقه لكن قد يختفي فيه بعضها كالاحتياط اذ لا معنى لمخاطبة الأمة بالاحتياط وقد تبرز بعض المباني بقوة كدليل حفظ النظام الذي يستند إليه الفقهاء كثيراً لكنه لم يحظ بالتقنين المناسب له، وقاعدة نفي العسر والمشقة وتقديم الأهم على المهم من الملاكات وسيشيَّد عندنا فقه المصالح والمفاسد.

وسنجد عند البحث عن مباني الفقه الاجتماعي دليلاً على العمل

ص: 99


1- أمالي الطوسي المجلس 18:522 ح1154 البحار 76:43

بمسلك سد الذرائع في حدوده المرسومة شرعاً.

وستعاد قراءة النصوص وفق تغيرات الزمان والمكان وسيظهر بقوة دور الاحكام الولائية أي الصادرة بمقتضى ولاية الفقيه ضمن حدود الصلاحيات(1) الممنوحة له.واذكر لك كمثال الاطروحة التي قدمتها في بحث مفصل عن مسألة حرمان الزوجة من العقار المشهورة لدى الامامية وقلت فيها انه حكم ولائي صدر من الامام (علیه السلام) بصفته ولي الأمر لمصالح سياسية واجتماعية ذكرتها هناك فيكون استمراره منوطاً بامضاء ولي الأمر الفعلي وله نسخه.

أو فتوى منع زيادة نسبة الفائدة عند بيع الدولار بالدينار إلى أجل معين عن 3% التي اعتمدتها وفاقاً لأستاذنا الشهيد السيد الصدر الثاني قدس سره بينما لم يحدد الفقهاء الآخرون نسبة معينة لأنها (تجارة عن تراضٍ) بينما انطلقنا نحن من ملاكات اقتصادية يعرف أهل السوق آثارها التدميرية لو لم نحدد النسبة.

وحينئذٍ سنحتاج أيضاً إلى وضع قواعد حل التعارض بين التكليف الفردي والاجتماعي والعلاقة بينهما وهل هي على نحو التزاحم فيقتضي تقديم الأهم وهو الاجتماعي على المهم؟ أم انه على نحو الحكومة فيكون التكليف الاجتماعي حاكماً على الفردي لأنه من العناوين الثانوية الحاكمة على الأولية.

مثلاً لو اضطررنا لفتح طريق أو توسيع الحرم المقدس لحصول ضرر ومشقة على الناس ورفض بعض الناس بيع املاكهم الشخصية الواقعة عليه فيصدر الفقيه (الاجتماعي) حكماً بالبيع وتسليم الثمن إلى المالكين رغم امتناع المالك،

ص: 100


1- راجع كتابنا (فقه المشاركة في السلطة) وكتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

اما الفقيه (الفردي) فيحرّم التصرف بهذه الأملاكدون رضا المالك لأنها مغصوبة.

أو مصادرة بعض الحريات الشخصية لحفظ الأمن العام ومنع وقوع الفتنة والفساد ونحو ذلك.

وفي ضوء هذا الفقه سنقيّد إطلاق قوله (علیه السلام) (من احيا ارضاً من المؤمنين فهي له) (1) بما لا يضرّ بمصالح البلاد ويمنع من ظاهرة

الاقطاع التي استعبدت الفلاحين وصادرت حقوقهم، فلا يكفي الاحياء للتملك الا بإذن الفقيه الجامع للشرائط وما دام الاحياء والحيازة من دون إذن ولي الأمر فله انتزاع الأرض من محييها ، ولذا أطلقها أمير المؤمنين (علیه السلام) صريحة مدوّية من أول أيام بيعته بالخلافة (الا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل ما أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال فان الحق القديم لا يبطله شيء ولو وجدته قد تزوِّج بها النساء وملك به الاماء لرددته) (2).

7- ما هي وجهة نظركم في مستقبل علاقات الفقه والمجتمع؟

اعتقد ان الفقه الاجتماعي فرض نفسه على أروقة الحوزات العلمية وقد استجابت حوزات الجمهورية الإسلامية في ايران أكثر من النجف الأشرف لأسباب عديدة لسنا بصدد بيانها، مع ان النجف الأشرف كانت سبّاقة لمواكبة التحديات ولنا شواهد على ذلك بتأليف الميرزا النائيني لكتاب (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) تضمن تأصيلاً وابداعاً في الفقه السياسي وكان ذلك قبل أكثر من

ص: 101


1- وسائل الشيعة: 9 / 549 ، ح 13
2- نهج البلاغة: 1 / 46

مئة عام ومعالجة الشيخ حسين الحلي للمسائل الاقتصادية المستحدثة كأعمال البنوك والتأمين على الحياة والعملات الورقية مطلع الستينيات من القرن الماضي وطبعت تقريراته في كتاب (بحوث فقهية) للشهيد السيد عز الدين بحر العلوم.

ولا ننسى الأثر العظيم الذي تركه كتابا (اقتصادنا) و (البنك اللاربوي) للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره.

فالمأمول من العلماء الاعلام والفضلاء الكرام والمؤسسات والمراكز العلمية والبحثية ان تولي هذه القضية اهتماماً كبيراً.

وقد اوعزت لبعض المراكز العلمية في النجف الأشرف بإعداد المقدمات لإصدار مجلة في الفقه الاجتماعي لتكون نافذة لإبراز الآثار المتنوعة للعلماء والفضلاء وتحفيزهم على البحث في هذا المجال الحيوي والله ولي التوفيق.

ص: 102

خطاب المرحلة 547 : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة:143)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة:143)

الوسطية في الإسلام لا في غيره (1)

من المفاهيم التي اُختطفت وحُرِّفت عن معناها الحقيقي (الوسطية) والاعتدال حيث أصبحت تعني وفق الثقافة المستوردة التخلي عن التعاليم الدينية التي تراها القوى المستكبرة متشددة لأنها تضّر بمصالحها وتكشف خططها الخبيثة الماكرة وتوقظ الشعوب، حتى فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبرونها تشدداً ومخالفة للحريات الشخصية بحسب زعمهم ونحو ذلك من الاصنام التي صنعوها وفرضوا على الناس عبادتها وتقديسها وقنّنوا لها القوانين وألبسوها ثياباً جذابة كالديموقراطية والحريات العامة وحقوق الانسان والدولة المدنية ونحو ذلك ليخدعوا بها الناس ويفرغوا محتواهم العقائدي حتى يحولّوهم إلى عبيد خانعين لهم منقادين لسياساتهم، مستفيدين من تطرف بعض الحركات والمجاميع المدعّية للإسلام والتي وصفت بالإرهاب فحمّلوا هذه المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية اوزار الصراعات السياسية. وقدانخدع بهذا جملة من الإسلاميين ورجال الدين فاقتنعوا بأن الدولة المدنية لابد أن تكونّ بعيدة عن الدين، وعلى القيادة الدينية أن لا تتدخل في السياسة ولا تمارس

ص: 103


1- كلمة سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) التي القاها على الفضلاء والأساتذة الذين يحضرون بحثه الشريف يوم الاثنين 20 شعبان 1439 المصادف 7 / 5 / 2018

وظيفتها في ارشاد الأمة وتوجيهها نحو الصلاح.

والوسطية مفهوم قرآني وليس من ابتداعاتهم حتى نأخذ مفهومه وحدوده منهم، قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا) (البقرة:143) وقال تعالى في نفس المعنى (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) (الحج:78) فاستحقاقها لمقام الشهادة على الناس تفرع على اجتبائها لتكون الأمة الوسط أي خير الأمم وأفضلها حيث قال اهل اللغة كصاحب العين ((الوسط من كل شيء افضله واعدله)) وفي مجمع البيان ((الوسط: العدل، وقيل الخير)) ومنه يظهر الوجه في جعلهم شهداء على الناس لأنهم الأفضل من بين الأمم كما ان الأنبياء اصبحوا شهداء لأنهم الأفضل، فتتفرع الشهادة عن الأفضلية كما تفرعت عن الاجتباء في آية سورة الحج المتقدمة.

والوسطية يمكن ان يكون لها أكثر من منشأ:

1- الوسطية بمعنى الأفضلية والخيرية ويتفرع عليها الوسطية فيالمرتبة بين النبي (صلی الله علیه و آله) وعامة الناس فالأمة الوسط لها مقام الشهادة على الناس كافة ويكون الرسول (صلی الله علیه و آله) عليهم شهيدا.

2- الوسطية بمعنى التوسّط في الاعتقاد والسلوك بين الافراط والتفريط فليسوا هم غارقين في الماديات وملذات الجسد كاليهود والمشركين ولا في الرهبانية التي تقفز على الواقع ولا تعترف بحاجات الجسد كالنصارى،

ص: 104

والجماعة التي تلتزم بالمعنى الثاني هي التي تستحق المرتبة المذكورة في المعنى الأولى فلا منافاة بين المعنيين(1) وعلى هذا فالأمة الوسط لا تشمل كل من ادعى الإسلام ظاهراً وإنما فئة خاصة من الأمة، وإنما أضيف الوصف إلى كل الأمة لأنها ضمت هذه الفئة وأنها فيهم كتفضيل بني إسرائيل على العالمين بمعنى أن هذه الفضيلة فيهم ولا يلزم منه اتصاف كل واحد منهم بها.

روى العياشي في تفسيره عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (قال الله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143) فإن ظننت أن الله عنى بهذهالآية جميع أهل القبلة من الموحدين، أفترى أن من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية، كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه، يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم (علیه السلام) (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران:110) وهم الأمة الوسطى وخير أمة أخرجت للناس)(2).

ويقف على رأس هذه الأمة الشاهدة أهل البيت (علیهم السلام) ففي عدة مصادر ومنها الكافي بسنده عن بريد العجلي قال (سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن قول الله

ص: 105


1- ذكر هذا الاشكال السيد الطباطبائي (قدس سره) قال ((إن كون الأمة وسطاً إنما يصحّح كونها مرجعاً يرجع إليه الطرفان، وميزاناً يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى والشهادة وهو ظاهر، إذ لا يترتب شهادة الرسول على الأمة على جعل الأمة وسطاً، كما يترتب الغاية على المغيى والغرض على ذيه)) (الميزان في تفسير القرآن: 1 / 315)
2- تفسير العياشي1: 63/114

عزوجل (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) (البقرة:143) فقال: نحن الأُمة الوسطى ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه)(1) وفي حديث آخر (الينا يرجع الغالي وبنا يرجع المقصِّر) (2).

لأن الشهادة على شيء تتطلب حضوراً عنده ومعاينة له فالشهادة على اعمال الناس لا تحصل الا للمعصومين (علیهم السلام).

ويمكن أن يتسع مفهوم الأمة الوسط لتشمل الدعاة إلى الله تبارك وتعالى والعاملين الرساليين الذين يجسدون تعاليم الإسلام في حياتهماذا فهمنا الشهادة على الناس بمعنى الحجة وممارسة الرقابة والشهادة على إمكانية ان يكون الانسان مستقيماً ومتوازناً في حياته، وهم يؤدّون هذا الدور، فيقال يوم القيامة لمن عصى وقصّر في فعل الطاعة واجتناب المعصية معتذراً بصعوبة ذلك على الانسان المملوء بالشهوات والغرائز، فيقال له ألم يكن فلان صالحاً وهو انسان مثلك فيكونون شهداء على الناس بهذا المعنى.

فالوسطية تعني فيما تعني التسليم لله تعالى والانقياد له والاستقامة على الدين والاعتدال في المسيرة والعدل في الحكم والإحسان الى الناس ونبذ كل انحراف وزيغ وضلال (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90).

وبهذا نفهم ورود الآية في سياق الحديث عن تحويل قبلة المسلمين في المدينة من بيت المقدس إلى مكة المكرمة، ففي الآية التي سبقتها (سَيَقُولُ

ص: 106


1- الكافي1: 146/2
2- تفسير نور الثقلين: 1 / 134

السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (البقرة:142) فكأن الأمر بالصلاة إلى بيت المقدس أولاً كان يستهدف سحق انانية العرب وعصبيتهم الجاهلية وتحقيق معنى الطاعة والعبادة الخالصة لله تعالى وتحقيق معنى الأمة الوسط، فيما يصف الأمم السابقة (وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) (البقرة:145).ان الأمة الوسط هي الأمة المتوازنة، فهم أهل الرأي الوسط الذي يجمع حسنات الآراء الأخرى ويتجنب سلبياتها، وهم أمة وسط لأنهم عادلون منصفون يعطون لكل ذي حق حقه، سواء على مستوى التعامل مع أنفسهم أو الآخرين أو في حقوق الله تعالى أو حقوق الناس، في الدر المنثور بسنده عن جمع من الصحابة عن النبي (صلی الله علیه و آله) أن (وسطاً) تعني ((عدلاً)).

وهم أهل الاعتدال والتوازن في قوانينهم فلا يحيفون على الفرد لحساب المجتمع كالنظام الاشتراكي ولا العكس كالرأسمالي وهم متوازنون في علاقتهم فلا يذوبون في الآخرين ولا ينغلقون على أنفسهم وهكذا.

وشاء الله تعالى أن يجعلها وسطاً في حسابات التاريخ والجغرافية أيضاً، فعلى الأول هي وسط بين عصور الجاهلية والتخلف وعصور الرشد والنضج على كل الأصعدة العلمية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية. وعلى الثاني تحل هذه الأمة وسط الأرض ومنها تمرّ خيرات الأرض وعطاء أهلها المادي والمعنوي من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب وبالعكس.

ومن هنا يتبيّن ان لا وسطية الا في الإسلام الأصيل وليس في الثقافات المستوردة من المستكبرين فلا وسطية وهم يتبعون شهواتهم واهواءهم وما

ص: 107

تمليه عليهم شياطينهم قال تعالى (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَالشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً) (النساء:27) والميل خلاف الوسطية فهم أبعد ما يكونون عنها، ولكنهم يريدون أن يبتزونا بهذا التحريف للمصطلحات لنتخلى عن هذه الجوهرة العظيمة أعني الإسلام، بل الآية تؤكِّد ان المسلمين هم الأمة الوسط أي النموذج الأمثل والأفضل التي يجب ان ترجع إليها الأمم الأخرى وتتبعها وليس العكس فليثقوا بأنفسهم وبما عندهم، على ان لا يتكئوا على امجاد الماضي والتفاخر بمآثر الصالحين من دون عمل صالح يستحقون به هذا المقام.

ص: 108

خطاب المرحلة 548 : (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11)

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11)

التغيير يبدأ من داخل الانسان والمجتمع (1)

يؤصِّل هذا المقطع من الآية الكريمة لقاعدة أساسية في التغيير على صعيد الفرد والمجتمع، بأنه يبدأ من داخل النفس ومن داخل المجتمع ولا يكفي فيه وجود العوامل الخارجية، والتغيير مطلق سواء كان ايجابياً نحو الأفضل أو تغييراً سلبياً نحو الأسوأ، فلا يصلح حال الأمة ويتحسن الا اذا حافظت على سلامة مسيرتها ونواياها وعالجت نقائصها ونقاط ضعفها وتردّيها ولا تنتظر التغيير من الخارج فانه حتى لو حصل فانه لا يحقق النتائج المرجّوة اذا لم يقترن بالتغيير الداخلي(2).

وهكذا على صعيد الفرد فانه ما لم يمتلك الإرادة والعزيمة والمقدمات الصالحة فان ألف واعظ ومرشد ومصلح لا ينفعه في شيء.هذا في اتجاه التكامل والرقي، وكذا في اتجاه الانحطاط والتسافل فانه لا يحلّ به الشقاء وتزول عنه النعم التي كان يرفل بها من الصحة والأمان والغنى

ص: 109


1- كلمة القاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على طلبة مدرسة الابرار للعلوم الدينية في النجف الأشرف يوم الأربعاء 22 شعبان 1439 الموافق 9 / 5 / 2018 وعرضت على شاشة كبيرة في مؤتمر المبلغين الذي أقامه مكتب سماحته في قم المقدسة في اليوم التالي.
2- ومثال ذلك ما حصل في العراق عندما أطاحت جيوش الاحتلال الأمريكي بنظام صدام المقبور عام 2003 والتداعيات الخطيرة التي حصلت بعده.

والسعادة وغير ذلك الا بعد ان يضعف هو من الداخل وتتغير أهدافه ونواياه وافكاره، قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ) (الأعراف:96).

وهناك آية أخرى أشارت إلى جانب التغيير نحو الشقاء والتعاسة وزوال النعم فقط، قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:53) هذا مع ملاحظة ان الله تعالى (يَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (المائدة:15) ولا يؤاخذ الناس بكل ما كسبوا كما هو واضح من ختام الآية المباركة.

في الحديث القدسي الذي يروى عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال (يقول الله وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي ما من أهل قرية ولا أهل بيت ولا رجل ببادية كانوا على ما كرهته من معصيتي ثم تحوّلوا إلى ما أحببت من طاعتي الا تحولّت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبّون من رحمتي، وما من أهل بيت ولا قرية ولا رجل ببادية كانوا على ما احببت من طاعتي ثم تحولّوا منها إلى ما كرهت من معصيتي الا تحولت لهم عمّا يحبون من رحمتي إلى ما يكرهون منغضبي) (1).

ان الآية تقرّر أيضا مبدءاً إنسانياً مهماً وهو احترام إرادة الانسان وحريته في تقرير مصيره وجعله محور التغيير مهما كانت العوامل الخارجية مؤثرة فاذا اساء الاختيار كما لو لم يمنح صوته لمن يستحق في الانتخابات فلا يلوم الا نفسه لان النتيجة المؤلمة التي وصل اليها كانت مقدماتها بيده وله القدرة على

ص: 110


1- - الدر المنثور: 4/48

تغيير النتائج والتأثير فيها، ولم يقع شيء اعتباطاً أو مصادفة ونحو ذلك فلا يحاول الفرد أو الأمة ان تبرّر تعاستها وشقاءها بعوامل خارجية وسوء الحظ وتغفل عن دورها فيه.

وحينما ندعوا الله تبارك وتعالى (اللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك) (1)

فلابد ان نلتفت إلى هذه الحقيقة فان الالطاف الإلهية الخاصة لها أسباب أُمِر الناس بالسعي لتحصيلها (إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا له) (2).

وقد ورد في بعض الاحاديث الشريفة ان ثلاثة لا يستجاب دعائهم لان الله سبحانه وتعالى جعل المخرج بأيديهم فلم يستفيدوا منه، فقد ورد عن الامام الصادق (علیه السلام) في الثلاثة الذين يرد دعائهم عليهم قال (رجل رزقه الله عز وجل مالاً فأنفقه في وجوهه ثم قال: يارب ارزقني فيقول الله عز وجل اولم ارزقك، ورجل دعى على امرأته وهو ظالم لها فيقال له: ألم اجعل امرها بيدك، ورجل جلس في بيته وترك الطلب ثم يقول : يا رب ارزقني فيقول الله عز وجل ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب للرزق) ((3) وقلت في حديث سابق (4)

ان الحديث يمكن ان يشمل حالات اخرى كثيرة كمطالبة الشعب بتخليصهم من السياسة الجائرة لبعض الحكام وهم من مكنوّهم من رقابهم في الانتخابات

ص: 111


1- من الادعية اليومية في شهر رمضان المبارك
2- كنز العمال:21324 ، 21325.
3- (3) الخصال للصدوق: 123، باب الثلاثة، ح208.
4- خطاب المرحلة: ج5 ص 391 ، رقم الخطاب 198 ، بعنوان الشعب غير معذور إذا لم يختر الكفوئين المخلصين

وكانت عندهم فرصة تغيرهم لو احسنوا الاختيار.

وان اقوى عاملين مؤثرين في إحداث عملية التغيير في الفرد والمجتمع هما القيادات الدينية والسياسية كما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله علیها السلام (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله، ومن هما؟ قال (صلی الله علیه و آله): الفقهاء والأمراء ) (1).

وقد شرحنا في مناسبة سابقة كيفية هذا التأثير وتقّدم تأثير القيادة الدينية على السياسية (2)،

والواقع والتجربة يثبتان ذلك، وعلينا نحن الحوزة العلمية بكافة تشكيلاتها علماء وفضلاء وخطباء وأئمة جماعةوجمعات ان نشكر الله تعالى على التوفيق للكون بهذا الموقع الذي بيده فرص واسعة للدعوة إلى الله تعالى وإصلاح الناس، علينا ان نعي مسؤولياتنا وخطورة دورنا ونسعى للقيام به على أحسنه بإذن الله تعالى.

ص: 112


1- الخصال: 32، باب الاثنين: ح 12
2- راجع مقدمة كتاب (المعالم المستقبلية للحوزة العلمية )

خطاب المرحلة 549 : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36)

الاستعاذة بالله تعالى من شياطين الجن والانس (1)

ومثلها قوله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأعراف:200) الا انهما تختلفان في ان الآية عنوان البحث ظاهرة في الحصر بأن الله تعالى وحده هو الذي يسمع استعاذتك واستجارتك وهو العليم الذي يعلم بحاجتك واضطرارك بينما اكتفت آية الأعراف بالوصف دون الحصر، ولذا يستحب (2) ذكر هذين الاسمين من الأسماء الحسنى في الاستعاذة فتقول مثلاً (اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم).

والنزغ يعني الضغط بطرف قضيب او الاصبع بعنف مؤلم واستعمل هنا بمعنى الوسوسة الباعثة على الشر لذا عرّفه الراغب وغيره بأنه الدخول في الامر لإفساده قال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً) (الإسراء:53) وقال تعالى (مِن بَعْدِ أَنْ نَزَغَالشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) (يوسف:100).

ص: 113


1- كلمة القيت يوم الاحد 4 رمضان 1439 الموافق 20 / 5 / 2018
2- في تفسير العياشي: 2 / 270 ح 67 عن سماعه عن ابي عبدالله (علیه السلام) في قول الله (فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) قلت: كيف أقول: قال (علیه السلام) (تقول: استعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)

فالآية الكريمة ترشد الانسان إلى انه اذا تعرض لتسويل من النفس الامارة بالسوء وتزيين من الشيطان او اغراء من الآخرين او هيجان للشهوة او غريزة الغضب فليستعذ بالله تعالى خاصة دون غيره ويطلب منه بصدق ان يحميه من الزيغ والانحراف والاستجابة لدعوة الشيطان, ولا يتهاون بالأمر ويترك الاستعاذة والاحتراز، وأن لا يتكل على قدراته الذاتية في الاعتصام من الذنوب والاخطاء كما يتصور بعض المعتًدين بأنفسهم ويجازف احياناً ويصل الى حدود الذنب كمجالسة الفسّاق أو الخلوة بالأجنبية ولا يمتنع من ان يحوم حول حدود المعصية معتمداً على ثقته بانه قادر على أن يملك زمام نفسه والامتناع من الوقوع فيها، ولا يعلم أنه بمفرده عاجز عن مواجهة الشيطان الخبيث الماكر الطامع، فيجب عليه بمقتضى الآية الكريمة اتخاذ اجرائين عندما تسوِّل له نفسه امراً ويزيّنه الشيطان ويتحرك فيه داعي المعصية والباعث نحو الشر: أولهما الاستعاذة (فَاسْتَعِذْ) وثانيهما أن تكون (بِاللَّهِ).

يضرب بعض أهل المعرفة مثالاً ليقرًب الفكرة فيقول لأحد تلاميذه لو أنك كنت في طريق زراعي وكان هناك قطيع من الغنم يرعاه صاحبه ومعه كلب الحراسة فنبح عليك الكلب وأراد مهاجمتك فماذا ستفعل؟ قال: ألتقط حجراً وأرميه به لزجره, قال المعلم فلو لم يرتدع الكلب وعاد الى النباح والمهاجمة قال الطالب أرميه بآخر قال المعلم فأن لمينفع ذلك ثانيةً وثالثة , فسكت الطالب , وهنا قال المعلم : أما كان الاجدر بك أن تطلب من الراعي ليبعد الكلب عن طريقك فإنه قادر على توجيهه ويأتمر بأمره .

وتقريب الفكرة إننا لا نملك القدرة لوحدنا على مواجهة مكائد الشيطان

ص: 114

وخدعه وتسويلاته ووسوسته إلا أن نستعيذ بالله تعالى القادر عليه والماسك بزمام أمره.

روي عن أمير المؤمنين ( علیه السلام ) قوله ( اذا وسوس الشيطان الى أحدكم فليستعذ بالله وليقل : آمنت بالله مخلصاً له الدين )(1).

وروى الحاكم بسنده عن سليمان بن صرد قال (استبّ رجلان عند النبي (صلی الله علیه و آله) فأشتد غضب احدهما فقال النبي (صلی الله علیه و آله): إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال الرجل: امجنون (2) تراني؟ فتلا رسول الله (صلی الله علیه و آله) (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)(3).

ولابد ان نلتفت الى ان الاستعاذة المنتجة والمؤثرة ليست مجرد لقلقة لسان بل هي حالة معنوية لابد فيها من حضور الذكر في القلب والتقوىفي النفس والإخلاص في العمل، اما من كان باطنه ملوثاً فلا ينفعه تحريك اللسان بالاستعاذة، لاحظ قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف:201) أي ان ذهاب مس الشيطان متوقف على التذكر، فهذه الآية مشابهة لما نحن فيه وعبرت عن النزغ بالمس ومن المقابلة يعرف ان الاستعاذة تلزم التذكر بأن تذكروا نعمة الله عليهم واستحقاق

ص: 115


1- كتاب الخصال : باب الاربعمائة
2- ربما يقصد هل انه فيه مسّ من الشيطان حتى تعوذه فيه حيث كانوا يعتبرون المجنون مساً من الشيطان او انه يستنكر اعتراض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على غضبه ولا يرى سلوكه المتعصب خارجاً عن تصرف العقلاء.
3- روح المعاني :24/ 125

الشكر عليها وتذكروا العاقبة الوخيمة لاتباع الشيطان في الدنيا والآخرة وتذكروا تفاهة ما يمنيهّم الشيطان به وان بدا مغرياً لذيذا فبهذا الذكر والحضور الوجداني لله تعالى وهذه القوة المعنوية الحاصلة له يعصمه الله تعالى من الشيطان والتي تنتجها الاستعاذة لكن ليس مجرد الكلمات الخالية من المعاني.

الا ترى ان من هاجمه حيوان مفترس فانه لا يتخلص منه بان يقف مكانه ويقول بلسانه اعوذ بهذا المكان الحصين من هذا الحيوان بل عليه ان يدخله ويغلق بابه بإحكام لينجوا، وقد وعد تعالى من يستعيذ به بالنجاة من مكائد الشيطان، قال تعالى (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (النحل:99-100) وقال تعالى (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص:82-83) وقال تعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) (الإسراء:65).

ويظهر من هذه الآيات الكريمة أن أهم شروط الاستعاذة المؤثرةالإخلاص: وفي الحديث القدسي (لا إله الا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي) (1) فالإخلاص في التوحيد ونفي سائر المعبودات غير الله تعالى فلا طاعة للهوى ولا للشهوة ولا لذوي النفوذ والجاه وأصحاب الأموال وانما لله تعالى وحده فهذا هو الحصن الذي يحمي من العذاب ومكائد الشيطان والإخلاص له مراتب فيتخلص من شر الشياطين بنفس مقدار إخلاصه

ومن شروطها: الايمان والتقوى والتوكل على الله تعالى وحده دون غيره

ص: 116


1- التوحيد للصدوق: 25، بحار الأنوار: 3/13، 90/192

من الأسباب واستشعار معنى العبودية لله تعالى وأداء استحقاقاتها كما نطقت به الآيات المتقدمة وغيرها.

هذا من جانب الأمور القلبية، وهناك إجراءات محصّنة على صعيد العملي ففي الحديث عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (قال ابليس: خمسة ليس لي فيهنّ حيلة وسائر الناس في قبضتي: من اعتصم بالله عن نية صادقة، واتكلَّ عليه في جميع اموره، ومن كثر تسبيحة في ليله ونهاره، ومن رضي لأخيه المؤمن بما يرضاه لنفسه، ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبّه، ومن رضي بما قسم الله له ولم يهتمّ لرزقه) (1).

وروى الامام الصادق (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) قال (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): ألا أخبركم بشيء إن أنتمفعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصوم يسوِّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله والمؤازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه) (2).

فهذه الشروط والملكات الباطنية التي تبرزها مثل هذه الاعمال الصالحة تجعل الحالة المعنوية قويّة وعصيّة على اختراق الشيطان. لان الوساوس الشيطانية كالجراثيم الضارة لا تخترق الا الابدان الضعيفة ذات المناعة القليلة ولا تقدر على اختراق الابدان القوية ذات المناعة العالية.

أيها الأحبة:

اننا مطالبون بالاستعاذة من الشيطان على الدوام لأنه توعدّ البشر بالقعود على

ص: 117


1- الخصال: 285 ح 37
2- أمالي الشيخ الصدوق: 117 ح 102

الصراط (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (الأعراف:16) لحرفهم عن الاستقامة أو ردّهم ومنعهم من السير نحو الكمال كقطّاع الطرق ولا يدع الانسان حتى يجعله من اتباعه بلا فرق بين شياطين الجن والانس فان دأبهم صد البشر عن التقرب من الله تعالى (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) (النساء:60) (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ) (المائدة:91).

وتتأكد الحاجة إلى الاستعاذة اليوم اكثر، لأنّ زماننا اعقد من أي زمان مضى في كثرة ابتلاءاته وتحدياته وصعوباته وتنوع ادواتها واساليبهاوقوة تأثيرها الفائقة، وقد توعدّ شياطين الأنس بإيصال آلات الافساد والضلال الى داخل غرف النوم ولا يوجد احد بمنأى منها الا من تحصّن بدرع الله تعالى الحصينة، لذا تركّز الادعية المباركة على طلب العصمة من الذنوب والقدرة على النجاح في تجاوز المحن والصعوبات من الله تعالى وعدم الاتكال على النفس والقدرات الذاتية، كدعاء الامام السجاد (علیه السلام) في صحيفته المباركة (اللهم احْصُرْنِي أي امنعني عَن الذُّنُوبِ، وَوَرِّعْنِي عَنِ الْمَحَارِمِ، وَلا تُجَرِّئْنِي عَلَى الْمَعَاصِي) وفي دعاء اخر قال (علیه السلام) (وَ أَوْهِنْ قُوَّتَنَا عَمَّا يُسْخِطُكَ عَلَيْنَا وَ لَا تُخَلِّ فِي ذَلِكَ بَيْنَ نُفُوسِنَا وَ اخْتِيَارِهَا، فَإِنَّهَا مُخْتَارَةٌ لِلْبَاطِلِ إِلَّا مَا وَفَّقْتَ، أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمْتَ) (1) تصوّروا ان الامام (علیه السلام) الذي يقول في دعاء آخر (لا تؤدّبني بعقوبتك) أي اجعل تأديبك ايايّ من دون بلاء وسلب للنعم كأن يكون بالموعظة والتعليم والتبصّر والاستفادة من تجارب الآخرين، لكن لما لم تفلح

ص: 118


1- ) الصحيفة السجادية: الدعاء التاسع

هذه الأساليب في الردع عن المعصية يطلب الاجتناب عنها ولو بسلب بعض القوى والأدوات التي يعصي بها الانسان ربّه المنعم.

لقد تفتقت الذهنيات الشيطانية عن خطط ماكرة وخبيثة لاستدراج الشخص وايقاعه في فخ المعاصي والخطايا والذنوب كالاتصال بأجهزة النقال مع نساء لا على التعيين وخداعهن بكلمات الحب والمشاعرالعاطفية الجياشة التي تنطلي على المرأة الساذجة حتى تثق بهم وتلتقي بهم او تعطيهم صورا شخصية فيهددونها بالفضيحة او ابتزازها في اعمال منكرة او اغراء الشباب بمستقبل زاهر وحياة هنيئة ليكون جزءا من فسادهم واداة لتحقيق مآربهم.

ان الله تعالى يقدٍّر ضعف الانسان وعجزه عن مواجهة شياطين الجن والانس فجعل له ملائكة يحفظونه ويدافعون عنه (1)، وفي بعض الروايات (2) انه لو كشف لكم الغطاء لرأيتم العدد الكبير من الشياطين الذين يحيطون بكم ويتربصون بكم، لكن الله تعالى جعل الملائكة الحافظة لدفعهم.

وجعل بلطفه وكرمه شهر رمضان المبارك الذي تُغّلَ فيه الشياطين ففي خطبة النبي (صلی الله علیه و آله) في استقبال شهر رمضان (و إن الشياطين مغلولة في هذا الشهر فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم) واذا استزلهم الشيطان ببعض ما

ص: 119


1- ) راجع تفسير قوله تعالى ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد : 11]
2- ) في الحديث عن الامام الباقر (علیه السلام) (اذا مات المؤمن خُلِّي على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر كانوا مشتغلين به) (الكافي:2 / 251 ح 10) وعن الامام الصادق (علیه السلام) قال (إن الشياطين اكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم) (بحار الأنوار: 81 / 211 ح 27).

كسبوا فقد فتح لهم باب التوبة ليعودوا إلى الحالة النقية الطاهرة خصوصاً في هذا الشهر الكريم حيث تغفر فيهالذنوب بدرجة لا يحرم منها الا الاشقياء ( فان الشقي من حُرِمَ غفران الله في هذا الشهر العظيم) (1) وفي رواية صحيحة عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (من لم يغفر له في شهر رمضان لم يُغفر له إلى قابل الا أن يشهد عرفة) (2) .

ص: 120


1- ) مفاتيح الجنان: خطبة النبي (صلی الله علیه و آله) في اخر جمعة من شعبان
2- ) وسائل الشيعة: 10 / 305 أبواب احكام شهر رمضان، باب 18 ح 6.

خطاب المرحلة 550 : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل:98)

بسم الله الرحمن الرحيم

(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل:98)

شرحنا سابقاً وجه الحاجة المستمرة إلى الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم في تفسير قوله تعالى (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الأعراف:200) وشرحنا معنى الاستعاذة وانها ليست مجرد تحريك لسان وإنما هي حالة معنوية يعيشها الانسان.

وكان الأمر بالاستعاذة عاماً لكن الملفت ان الله تعالى خصَّ مورداً واحداً بالذكر طلب فيه الاستعاذة وهو عند قراءة القرآن ولا سيما في الصلاة التي هي معراج المؤمن، قال تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) واختيار وصف الرجيم له لزيادة التنفير منه وللتذكير بتمرده وعصيانه على الخالق العظيم مما اوجب رجمه وطرده.

وقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ) يشير الى حالة الابتداء بالقراءة وان كان بصيغة الماضي كما لو قلت اذا اردت الذهاب الى كذا فخذ معك كذا، ويمكن ان يراد به بعد الانتهاء من القراءة كما هو ظاهر صيغة الماضي، وكون الامر بالاستعاذة جواب الشرط فتحقيق معنى الاستعاذة مطلوب قبل وبعد واثناء تلاوة القرآن وكان العبارة (( لما تقرأ القران استعذ بالله من الشيطان الرجيم)) اما قبلها فلازالة المعوّقات عن التدبر في الآياتوالاستفادة منها وخلق البيئة النقية لتلقي المعارف القرآنية وتوجيه كل المشاعر الى الله تعالى ، واما اثناءها فلمنع

ص: 121

الشيطان من التشويش وخلط الأفكار والايحاء بمعاني مخالفة لمراد المنزل العظيم كالذين قال تعالى فيهم (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة : 125).

واما بعد القراءة فللمحافظة على ما حصل عليه من بركات القران الكريم علما وعملا.

في مصباح الشريعة عن الامام الصادق (علیه السلام) قال: (قراء القرآن يحتاج الى ثلاثة أشياء، قلب خاشع وبدن فارغ وموضع خال، فاذا خشع لله قلبه فرِّ منه الشيطان).

فشرط الاستفادة من القرآن الكريم وفهم معانيه تنقية نفس الانسان بالتقوى وتطهير القلب، في الحديث الشريف (لولا ان الشياطين يحومون حول قلوب بني ادم لنظروا الى ملكوت السماوات) (1).

ص: 122


1- ) بحار الانوار : 56/163

خطاب المرحلة 551 : استدلال قرآني على وجود الامام المهدي (عج) وحياته

بسمه تعالى

استدلال قرآني على وجود الامام المهدي (عج) وحياته(1)

من الآيات القرآنية التي يُستدل بها على وجود الامام المهدي الموعود (علیه السلام) واستمرار حياته قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143) وتوضيح الاستدلال يكون من خلال عدة نقاط:

1- ان الآية الكريمة جعلت للأمة الوسط مقام الشهادة على الناس أي يشهدون على أعمالهم عند الله تعالى.

2- وان الناس جميعاً من الأولين والآخرين مشمولون بهذه الشهادة ولا يستثنى أحد من الشهادة على اعماله لعدم الفرق بين واحد وآخر وشمول الجميع بقانون الثواب والعقاب، فلابد أن يكون واحد من الأمة الوسط موجوداً في كل زمان وفي كل جيل ليؤدي الشهادة على الناس، ولا يخلو زمان من شاهد على الاعمال لأنه يعني وجود أمة من الناس لا يُشهد على أعمالهم.

3- والشهادة تتطلب حضوراً ومعاينة ليشهد عن حس ووجدانوليس عن سماع أو إخبار من الآخرين أو تخمين أو ظن وهو معنى الشهادة، ولا تتيّسر القدرة على معاينة كل اعمال الناس والاطلاع عليها الا للمعصومين (سلام الله

ص: 123


1- خاطرة تحدث بها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) امام طلبة البحث الخارج بمناسبة ذكرى ميلاد الامام المهدي (عج) في شعبان 1439 المصادف 5 / 2018

عليهم) وهو مفاد قوله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:105) فالأمة الوسط التي تشهد على اعمال الناس يوم القيامة هم الأئمة المعصومين (سلام الله عليهم).

وقد دلّت الروايات على ذلك كالحديث الذي رواه الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن بريد العجلي قال (سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن قول الله عزوجل (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) (البقرة:143) فقال: نحن الأُمة الوسطى ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه) (1).

فنتيجة هذه المقدمات وجود المعصوم (علیه السلام) في كل زمان ليشهد على أعمال الناس وليس هو في زماننا الا الامام المهدي (عج) لعدم وجود غيره.

ص: 124


1- الكافي: 1 / 146 / ح 2

خطاب المرحلة 552 : الإسلام هو مؤسس المدنيّة في البلاد العربية وقائد الحضارة الإنسانية على مدى قرون.

استقبل سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) الباحث الفرنسي جيل كيبيل (1) المتخصص بشؤون الجماعات الاسلامية ومكافحة التطرف بمعهد الدراسات السياسية بباريس والوفد المرافق له بمكتبه في النجف الاشرف.

وقد حرص الضيف على ان يكون لقاء المرجعية احدى اهم محطات زيارته الاولى لمدينة النجف الاشرف للاسترشاد برؤيتها وآرائها حول مستقبل المنطقة ازاء موجة التكفير والتطرف التي عصفت بها في السنين الاخيرة والتي اتخذت الدين الاسلامي (زوراً) غطاءً لحركتها وممارستها، كما اهتم الضيف بمعرفة انطباع المرجعية الرشيدة ودورهاتجاه تحديات بناء الدولة العراقية .

وفي معرض بيانه لبعض الاسس الفكرية والعقدية التي يرتكز عليها مذهب

ص: 125


1- يشغل د.جيل كيبل منصب أستاذ ورئيس برنامج الدراسات الشرق أوسطية والمتوسطية في معهد الدراسات السياسية بفرنسا، حيث يشرف على البرامج الأكاديمية حول العالمين العربي والإسلامي في مستويات الدكتوراة والماجستر والبكالوريوس. وهو أيضاً مؤسس شبكة يوروجولف Eurogolfe عام 2003، ويشتغل حالياً منصب رئي مجلس إدارتها، وكان استاذاً زائراً لدى جامعة نيويورك وجامعة كولومبيا في الفترة 1995 1996 . وهو حاصل على شهادات علمية في اللغتين العربية والانجليزية، والفلسفة، ويحمل بكالوريوس العلوم من معهد الدراسات السياسية، ودرجة الدكتورا في علم الاجتماع والعلوم السياسية.

اهل البيت (علیهم السلام) والتي تضمنتها اسئلة السيد جيل اوضح سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) ان الفكر الشيعي قائم على اساس احترام الانسان بل حتى غير الانسان فقد ورد في الحديث القدسي (الخلق عيالي وأحبهم الي أشفقهم على عيالي) وكلمة الخلق هنا تعبّر عن مطلق الخلق ولا تختص بالإنسان.. كما ورد ايضا في الحديث القدسي (المؤمن اشد حرمة من الكعبة).. فالإسلام وفق منظور مدرسة اهل البيت (علیهم السلام) قائم على احترام الاخر واشاعة ثقافة الاعتدال والتسامح والسلام.. بل ذهب الى ما هو أبعد من السلام وهو التعامل بمحبة وود فيما بيننا، ورد في الحديث عن الامام الصادق (علیه السلام) (وهل الدين الا الحب)(1).

كما لفت سماحته (دام ظله) الى ان الاسلام يعتمد الحوار كمبدأ اساسي يرتكز عليه حتى مع الخصوم، وقد تجّلى ذلك في سيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) والائمة من اهل بيته (علیهم السلام) فترى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام ) وهو الخليفة الشرعي الذي اجمع عليه المسلمون يحرص على عدم اراقة الدماء وحفظ ارواح الناس ويستمر عاماً كاملاً في مراسلة معاوية ووعظه وارشاده ( بالرغممن عناده وتمرده على الخلافة الشرعية ) قبل خوض الحرب معه، كما ارسل (علیه السلام) ابن عمه الصحابي عبد الله بن عباس لمحاورة الخوارج وتذكيرهم ووعظهم حتى نجح في اقناع 6000 منهم من اصل 9000 واعادتهم الى جادة الحق .

واشار سماحته في حديثه الى مثالٍ حي في وقتنا الراهن وهو دعوته الى

ص: 126


1- الخصال: 21 / 74.

معالجة التطرف الفكري والديني وتكفير الاخر بمعالجة الجذور الفكرية لهذه التيارات وحلحلة العقد التي يرتكزون عليها في شرعنة تصرفاتهم عبر فتح باب الحوار الذي يمكن ان نصل معه الى حلٍ، فإن معظم المتطرفين مصابون بالتشويش في عقولهم وافكارهم مغلوب عليها والدخول معهم في صِدام عسكري قبل السعي الى اصلاح افكارهم يعتبر خسارة.

وكرر سماحته دعوته لإخواننا اهل السنة بفتح باب الاجتهاد الذي اغلق عندهم منذ عصر ائمة المذاهب لمنح شهادة الاجتهاد للمؤهلين وتضييق دائرة الافتاء العشوائي وضبطها وحصرها عند المؤهلين لذلك علمياً واخلاقياً وهما شرطا الاجتهاد والعدالة عندنا.

وفيما يخص دور المرجعية الدينية أكد سماحته على حرص مراجع الدين على حفظ وحدة الوطن وحفظ المصالح العامة للشعب وارشادهم لما فيه صلاحهم وترصين مبدأ التعايش المجتمعي وترسيخ روح المواطنة لدى ابناء البلد والتي نجدها حاضرة وظاهرة بين ابناء البلدبمختلف مذاهبهم وقومياتهم في المواقف والمناسبات الوطنية والتحديات الامنية وغيرها.

وشدد سماحته على ان المرجعية الدينية تستشعر مسؤولياتها تجاه الوطن وابنائه ولكنها لا تتدخل في تفاصيل الوضع السياسي وهي ليست جزءا منه البتة، وانما يكون تدخلها لأجل حفظ مصالح الناس وارواحهم، وفي المنعطفات الحساسة كدخول داعش الى العراق وغيرها من المواقف.. وهذه رؤيتها لدورها في الواقع الحالي.

وابدى سماحته تحفظه على محاولات البعض للتفريق بين الاسلام والمدنية

ص: 127

وجعله المجتمع المدني والدولة المدنية مقابل الدولة التي تستقي قوانينها من احكام الاسلام، وأوضح (دام ظله) على ان الدين الإسلامي هو مؤسس المدنية في البلاد العربية، وقائد الحضارة الانسانية على مدى قرون فالمتتبع لأحوال العرب قبل الاسلام لا يجد الا شراذم متناحرة فيما بينها واصبحوا بالإسلام دولة حضارية مترامية الأطراف، وعادوا الى ركب الحضارة وتولدت الثقافة لديهم ونضجت رؤاهم. واصبحوا رواد وقادة الركب الإنساني.

ولفت (دام ظله) الى ان الكثير من المبادئ الانسانية التي نحترمها وتتفاخر بها بلاد الغرب نجد جذورها في الاسلام.. وما تراجع المسلمون عن انسانيتهم ومدنيتهم الا بسبب تركهم لمبادئ وقيم الدين الاسلامي العظيم، مؤكداً على النظرة الشاملة المتكاملة للدين الاسلامي.. فهو دينبناء وعمارة وسعادة للنفوس والبلدان وحضارة وتمدّن.

وفي نهاية اللقاء اعرب الضيف عن امتنانه وتقديره لسماحة المرجع اليعقوبي بسعة صدره وشكره لما تفضل به.

هذا وحضر اللقاء عدد من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية العراقية التي رتّبت الدعوة للضيف.

ص: 128

خطاب المرحلة 553 : المرجع اليعقوبي يذكّر طلبة العلوم الدينية بوظائفهم

بسمه تعالى

المرجع اليعقوبي يذكّر طلبة العلوم الدينية بوظائفهم

أكّد سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على ضرورة اهتمام طلبة العلوم الدينية بتزكية النفس وتهذيبها وتطهير القلب مضافاً إلى وظيفتهم الأساسية في تحصيل العلوم الدينية والالمام بالثقافة العامة لتكوين شخصيتهم العلمية والفكرية والمعنوية، وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم كما في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (الجمعة:2) فالتزكية وتنقية الباطن أساس سلوك طلاب العلم والمصححة لغاياتهم.

وذكر سماحته ما حكي عن بعض مراجع الدين من قطع المعونة الشهرية عن طلبته لما مرّ على المدرسة الدينية التي يقيمون فيها اثناء ذهابه إلى الحرم الشريف قبل الفجر بساعة فلم يجد مصابيحها مضاءة فعلم أنهم لا يقومون لصلاة الليل فأراد أن يعطيهم درساً في أهمية صلاة الليل في حياتهم المعنوية ووصولهم إلى المقامات السامية (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) (الإسراء:79).

وقال سماحته في كلمة توجيهية امام جمع من طلبة العلوم الدينية الذين وفدوا من عدة مدن إيرانية لمعايشة (1) أجواء الحوزة العلمية في النجف

ص: 129


1- كان ذلك في العشر الاواخر من شهر رمضان / 1439 الموافق حزيران / 2018

الأشرف إلى جوار أمير المؤمنين (علیه السلام): ان اتخاذكم مسلك طلب العلوم الدينية من اعظم التوفيقات الإلهية وهو يفتح الأبواب الواسعة لنيل رضا الله تعالى فعليكم شكر هذه النعمة وتكريس وقتكم للتحصيل وعدم الاشتغال بغيره.

وجعل سماحته من ضمن واجبات طالب العلم استثمار العطلة الدراسية في المواسم الدينية لاداء وظيفة التبليغ فان الأمة بحاجة إلى تعلم الاحكام الشرعية والموعظة والإرشاد وهي من الوظائف الأساسية لطلبة العلم ولا تنافي التحصيل وبلوغ اسنى المراتب العلمية وعلى طالب العلم أن لا ينفصل عن مجتمعه وأن يعايش همومهم وآلامهم ويتفاعل معها ويسعى بما آتاه الله لإصلاح أحواله.

ص: 130

خطاب المرحلة 554 : كيفية الاستعداد للموت

بسمه تعالى

كيفية الاستعداد للموت (1)

من الادعية التي يستحب تكرارها ما روي عن الامام السجاد (علیه السلام) انه كان يلهج به في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وهو قوله (اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي التَّجافِي عَنْ دارِ الْغُرُورِ، وَالإِنابَةَ إِلى دارِ الْخُلُودِ، وَالاسْتِعْدادَ لِلْمَوْتِ قَبْلَ حُلُولِ الْفَوْتِ) ففي هذا الدعاء القصير تذكير لما يجب ان يكون عليه الانسان الواعي وهو أن يكون مستعداً لملاقاة أجله متى حلَّ به لأنه يأتيه بغتة ولا يعذر بتركه، وقد وردت أحاديث كثيرة (2) في الحث على الاستعداد للموت، منها عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال (إن العاقل ينبغي ان يحذر الموت في هذه الدار، ويُحسِن له التأهب قبل أن يصل إلى دار يتمنى فيها الموت فلا يجده) (3) وعنه (علیه السلام) قال (بادروا الموت الذي إن هربتم منه ادرككم، وإن اقمتم أخذكم وان نسيتموه ذكركم) (4) .

وتشير بعض الآيات الكريمة إلى ان الاستعداد للموت وعدم كراهة لقائه

ص: 131


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من المؤمنين والشباب المنتظمين في المعايشة الرمضانية يوم الخميس 29 / رمضان / 1439 المصادف 14 / 6 / 2018.
2- راجع ميزان الحكمة: 8/223
3- غرر الحكم : 3611
4- نهج البلاغة، الحكمة: 203

علامة على صدق الايمان وحب الله تعالى، قال عز من قائل (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الجمعة:6) وسنفرد لتفسير هذه الآية بحثاً مستقلاً إن شاء الله تعالى.

ولمعرفة كيفية الاستعداد للموت اكتفي بهذه الرواية التي ذكرتها بعض كتب الاخلاق وعنوانها (الهدايا العشر) ووردت بعض فقراتها في روايات مختلفة وهي متدرجة بحسب المراحل التي يواجهها الانسان في رحلة الآخرة جاء رجل إلى النبي (صلی الله علیه و آله) فقال له: أتأذن لي أن أتمَّنى الموت؟ فقال (صلی الله علیه و آله): الموت شيء لا بدّ منه، وسفر طويل ينبغي لمَن أراده أن يرفع عشر هدايا) فكأن النبي (صلی الله علیه و آله) صحّح القصد من السؤال لأن المؤمن لا يتمنى الموت بمعنى التمني المعروف ولا يقترح على الله تعالى فيما يختار له، ووردت أحاديث كثيرة في النهي عن تمني الموت كقول رسول الله (صلی الله علیه و آله) (لا تمنّو الموت، فأنه يقطع العمل، ولا يُردُّ الرجل فيستعتب) (1) فعليه أن يسأل عن كيفية الاستعداد للموت وماذا يهيء لرحلة الآخرة.

فقال: وما هي؟ فقال (صلی الله علیه و آله): هديّة عزرائيل وهوملك الموت ، وهديّة القبر، وهديّة منكر ونكير، وهديّة الميزان، وهديّة الصّراط، وهديّة مالك

وهو خازن النيران ، وهديّة رضوان وهو خازن الجنان ، وهديّة النبي (صلی الله علیه و آله)، وهديّة جبرائيل، وهديّة الله تعالى.

أمّا هديّة عزرائيل (علیه السلام) فأربعة أشياء: إرضاء الخُصماء، وقضاء الفوائت والشّوق إلى الله تعالى، والتّمنّي للموت) فأول خطوة عليه أن يبادر إلى رد

ص: 132


1- ميزان الحكمة: 8/ 228 عن كنز العمال: 42127

حقوق الناس المادية والمعنوية واسترضائهم، وتمني الموت يعني الاستعداد له وعدم كراهة لقاء الله تعالى.

وهديّة القبر أربعة أشياء: ترك النّميمة، والاستبراء من البول، وقراءة القرآن باستمرار ولا يقتصر على شهر رمضان ، وصلاة اللّيل) وتوجد أحاديث في أن الميت يتعذب في قبره بسبب النميمة وترك الاستبراء أي الخرطات التسعة لتنقية المجرى من البول بعد التبول.

وهديّة منكر ونكير أربعة أشياء: صدق اللّسان، وترك الغيبة، وقول الحقّ ولو على نفسك ولا تكتم شهادة الحق ، والتواضع لكلّ أحد) بأن تسلِّم على الجميع وتجلس حيثما تيسَّر.

وهديّة الميزان أربعة أشياء: كظم الغيظ إذا ازعجك شيء أو استفزك أحد ، وورع صادق، والمشي إلى الجماعات في صلوات الجمعة والجماعة والشعائر الحسينية ونحو ذلك ، والتداعي إلى المغفرات أي المسارعة إلى أسبابها الموجبة لها كقوله تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّنرَّبِّكُمْ) (آل عمران:133).

وهديّة الصّراط أربعة أشياء: إخلاص العمل لله تعالى من أي شائبة وترك الرياء والعجب والمنّ ، وحُسن الخُلق، وكثرة ذكر الله، واحتمال الأذى) خصوصاً من القريبين منك كالوالدين والزوجة والجار ورفيق السفر. وإن الانسان ليبلغ بحسن أخلاقه وكثرة ذكر الله تعالى درجة الصديّقين.

وهديّة مالك أربعة أشياء: البكاء من خشية الله، وصدقة السّرّ، وترك المعاصي، وبِرّ الوالدين.

ص: 133

وهديّة رضوان أربعة أشياء: الصبر على المكاره، والشكر على نعم الله، وإنفاق المال في طاعته، وحفظ الأمانة.

وهديّة النبي (صلی الله علیه و آله) الذي ترجو شفاعته أربعة أشياء: محبّته، والاقتداء بسنّته كما في دعاء شهر شعبان: واعّنا على الاستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه ، ومحبّة أهل بيته وحفظ اللّسان عن الفحشاء) لأن لسانك أصبح محلاً لذكر الله تعالى وتلاوة القرآن فلا يليق به أن يتلفظ بسوء أو أذى أو فحش.

(وهديّة جبرائيل (علیه السلام) أربعة أشياء: قِلّة الأكل، وقِلّة النّوم، وقِلّة الكلام ومداومة الحمد.

وهديّة الله تعالى أربعة أشياء: الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر،والنّصيحة للخلق، والرّحمة على كل أحد) (1) .

والملفت ان الهدية التي ادخرها الله تعالى لنفسه تتعلق بمخلوقاته كإصلاحهم وهدايتهم والرحمة بهم والشفقة عليهم وقضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم ولم يجعلها كثرة صلاة أو صوم أو أي عبادة أخرى مما يبرز عظمة هذه الخصال عند الله تعالى وأهمية العلاقات الإنسانية النبيلة في الدين.

ص: 134


1- كتاب ادخال السرور على اهل القبور: للسيد حسين نجيب محمد، ص207

خطاب المرحلة 555 : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)

بسم الله الرحمن الرحيم

(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)(1) (محمد:11)

المولى بمعنى الولي الذي له ولاية ما خاصة كولاية السيد على العبد او عامة كولاية الله تعالى على خلقه في التصرف والتدبير وله سبحانه ولاية التشريع وهداية العباد إلى ما يصلح شؤونهم، والظاهر انها هنا تشير الى ولاية النصر والتأييد.

والآية تبين واحدة من ثمرات الايمان بالله تعالى وأحد الفروق بين المؤمنين وغيرهم وهو ان للمؤمنين مولى ورباً. يرعاهم ويدبر شؤونهم ويهديهم وينصرهم ويسدّدهم ويرشدهم ويشفق عليهم ويرحمهم بالرحمة والرعاية الخاصة (أما الولاية العامة فشاملة لجميع المخلوقات) قال تعالى (وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) (يونس:30).

أما غير المؤمنين بالله تعالى سواء كانوا من المنكرين للخالق والملحدين والمشركين الذين يعبدون آلهة أخرى من دون الله تعالى - وهو عنوان يشمل في بعض مراتبه الذين هم مسلمون بحسب العنوان الا أنهم عملياً لا يعبدون الله تعالى وإنما يطيعون شهواتهم ونزواتهموغرائزهم وما تدعوه إليه انانيتهم ويقدّسون رموزاً ويطيعونها من دون عرض أفعالهم على ما يريده الله تعالى

ص: 135


1- الخطبة الأولى لصلاة عيد الفطر السعيد لعام 1439 الموافق 15 / 6 / 2018

ويرضاه - فهؤلاء قد يكون لهم مولى وناصر ومعين من سلطة أو عشيرة أو مال أو جاه أو حزب أو قوى خارجية يسمونها بالعظمى أو غيرها كقول المشركين للمسلمين يوم أحد (( لنا العّزى ولا عزى لكم)) فاجابهم المسلمون ( الله مولانا ولا مولى لكم )) الا أن الآية الكريمة تعتبر هؤلاء الموالي أوهاماً لا قيمة لها وتنفي وجودهم على نحو الحقيقة (وان الكافرين لَا مَوْلَى لَهُمْ) فكأنهم لاشيء وهم كذلك، قال تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ) (العنكبوت:41) واذا أثبتت آيات أخرى ولاية لهؤلاء فأنما هي ولاية الاغواء والاضلال والافساد (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:27) (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ) (الأعراف:202) (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:257).

فمن لم يكن مولاه ومعبوده ومطاعه الله تعالى فان الهه هواه والشيطان شاء ام ابى (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (الفرقان : 43) وان اعطى عناوين محببّه لها كأن يسمّون اتباع الاهواء الشخصية غير المنضبطة بالحرية وهي في الحقيقة عبودية للهوى. ويذكر القرآن الكريم الفرق بين المنهجين في الطاعة والاتباع كقوله تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُالْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة : 268]

ولتقريب هذا الفرق بين الولايتين تصوّر وجود أطفال لهم أب يربّيهم ويرشدهم ويصرف عليهم ويرعاهم ويدافع عنهم ويوفّر لهم أسباب الحياة الكريمة وأطفالاً آخرين أيتاماً ليس لهم من يعيلهم فهم في ضياع واحتياج

ص: 136

وحرمان قد سقطوا في حبال عصابة شريرة مفسدة فاستخدمتهم لأغراضها الشيطانية، مع ان حاجتنا إلى رعاية الله تعالى لا تقارن بحاجة الأطفال إلى أبيهم أو أمهم.

وتبين الآية التالية محل البحث النتيجة التي سيؤول إليها أمر الفريقين (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) (محمد:12).

ومظاهر هذه الولاية الإلهية في حياة الانسان لا تعد ولا تحصى، نجد في دعاء الافتتاح بياناً لجوانب منها (فَكَمْ ياإِلهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها، وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاٍ قَدْ فَكَكْتَها) (1).

ومن مظاهر هذه الولاية الإلهية للناس انه تعالى أنزل لهم شريعة سمحاء تتكفل بسعادتهم في الدنيا وفلاحهم في الآخرة، وهذه الولايةيتنعمون فيها وبها حتى وهم في أشد الظروف قسوة ولعلهم يجدون في أنفسهم شيئاً لأن الله تعالى لم يستجب لدعائهم (فَإنْ أَبْطاء عَنِّي عَتِبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْكَ، وَلَعَلَّ الَّذِي أَبْطَاءَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُمُورِ) فأنه تبارك وتعالى لم ولن يتخلى عنهم ولا يخلفهم وعده (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح:5) ولكن التأخير لمصلحتهم أما في الدنيا أو في الآخرة، بينما يتخبط غير المؤمنين بقوانين وأنظمة تجلب لهم الشقاء والتعاسة.

وهذه الولاية الإلهية مستمرة في الحياة الدنيا وفي الآخرة ما بعد الموت، قال

ص: 137


1- فقرات من دعاء الافتتاح الذي يقرأ في ليالي شهر رمضان المبارك

تعالى (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) (إبراهيم:27) وقال تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51) وقال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (يونس:63-64) .

واذكر لكم مثالا على ولاية الله الشفيقة بعباده بعد الموت (روي أن موسى علیه السلام لما دفن أخاه هارون (علیه السلام) ذكر مفارقته له وظلمة القبر فأدركته الشفقة فبكى فأوحى الله تعالى إليه ( ياموسى لو أذنتُ لأهل القبور أن يخبروك بلطفي بهم لأخبروك ياموسى لم أنسهم على ظاهر الأرض أحياء مرزوقين أفأنساهم في باطن الارض مقبورين ؟ ياموسى إذا مات العبد لم أنظر إلى كثرة معاصيه ولكن أنظر إلى قلة حيلته ) فقال موسى (علیه السلام) : يارب من اجل ذلك سُمّيتأرحم الراحمين ؟) (1)

وفي المناجاة الشعبانية لأمير المؤمنين (علیه السلام) (إِلَهِي لَمْ يَزَلْ بِرُّكَ عَلَيَّ أَيّامَ حَيَاتِي فَلاَ تَقْطَعْ بِرَّكَ عَنِّي فِي مَمَاتِي) أما البعيدون عن الله تعالى على اختلاف اشكالهم فأنهم حرموا أنفسهم من هذه الولاية الإلهية الخاصة (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (النحل:118) ومع ذلك فان الله تعالى لم يتخلى عنهم ولم يمنعهم من رحمته الواسعة (يا من يعطيّ من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة) وبدلاً من ان يشعرهم هذا بالخجل والحياء من رب العالمين ويدعوهم إلى العودة إليه سريعاً فأنهم يتمادون في غيّهم وعصيانهم وابتعادهم

ص: 138


1- لم نجد الرواية في مصدر معتبر في حدود ما بحثناه

عنه تبارك وتعالى (فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلى عبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يارَبِّ، إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ، كَأَنَ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالاِحْسانِ إِلَيَّ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، فَأرْحَمْ عَبْدَكَ الجاهِلَ، وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ) (1)

فليعتز المؤمنون بهذه النعمة الإلهية العظيمة وليقولوا كما قال الامام الحسين (علیه السلام) في دعاءه يوم عرفة مفتخرا برّبه العظيم ((ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك)) وليجدّوا ويجتهدوا في دعوة غيرهم إليها (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَفَحَدِّثْ) (الضحى:11) ولتكن دعوتهم برفق ولين وحجة وبرهان (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125).

ص: 139


1- فقرات من دعاء الافتتاح الذي يقرأ في ليالي شهر رمضان المبارك

خطاب المرحلة 556 : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ)(المدثر:1-2)

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ) (1) (المدثر:1-2)

الْمُدَّثِّرُ أصلها المتدثر والمخاطب هو رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتى ورد في الرواية (2) أن من اسمائه ذلك ويعني عرفاً من ألقى عليه كساءً أو غطاءً وتلفّف به لأجل النوم أو وقاية من البرد ونحو ذلك.

وهو في اللغة أوسع من ذلك إذ يعني التدثر ((تضاعف شيء وتناضد بعضه على بعض)) كما في معجم مقاييس اللغة أي تراكم وتكاثر شيء على شيء ولذا يطلق على المال الكثير: الدثر، فالمعنى الاوسع للمتدثر هو المحاط والمتغطي بما يمنعه من الحركة والفعالية سواء كان مادياً كما يفهم العرف أو معنوياً كالكسل والترف وحب الراحة والخوف والقلق والاغلال الدنيوية التي تعيق الحركة نحو التكامل مثل المال والمكانة الاجتماعية والأهل والولد وغير ذلك.

فالآيات الكريمة تأمر النبي (صلی الله علیه و آله) بأن ينهض من دثاره ويقوم بالإنذار وتبليغ الرسالة الإلهية التي كُلِّف بها، ويشهد سياق الآيات أنها من أوائل ما نزل من القرآن الكريم حتى روى بعضهم أنهاأول ما نزل منه ففسّر الدثار بأنه

ص: 140


1- الخطبة الثانية لصلاة عيد الفطر السعيد عام 1439.
2- روى الكلبي عن ابي عبدالله الصادق (علیه السلام) قال (قال لي: كم لمحمد اسم في القرآن؟ فقلت به اسمان أو ثلاث فقال (علیه السلام): يا كلبي له عشرة أسماء) ثم ذكر منها ما في آية المدثِّر (راجع بحار الأنوار: 16 / 101)

((اعتزاله (صلی الله علیه و آله) وغيبته عن النظر فهو خطاب له بما كان عليه في غار حراء))(1) ، لكن ما ورد في سبب نزولها وتعّرف النبي (صلی الله علیه و آله) على الوحي النازل عليه من قبل، مضافاً إلى تضمن الآيات لتكذيب قريش يدل على أنها مسبوقة بآيات البعثة النبوية الشريفة، فربما كانت الآيات الأولى التي أمرت بإعلان الدعوة إلى الإسلام والجهر بها بعد ان كانت سرّية في بدايتها، أو ان المقطع الأول من السورة نزل أولاً قبل التكذيب لإعداد النبي (صلی الله علیه و آله) للمسؤولية القادمة شأنها في ذلك شأن مطلع سورة المزمِّل من دون ان تدل على ان حالة التدثر أو التزمل موجودة فعلاً وبذلك يصح القول بأنها أول ما نزل من القرآن بعد العلق أو هي والحمد ونحو ذلك.

ويمكن أن يراد بالدثار مرحلتين زمنيتين من مراحل الرسالة الإسلامية:

الأولى: بعد نزول الوحي مباشرةً حيث امتلأ النبي (صلی الله علیه و آله) هيبة من ثقل الرسالة التي كلِّف بها وحلّت به رعشة وقشعريرة فتدثّر وهنا جاءه الأمر بأن يتجاوز هذه الحالة ويستعد نفسياً وروحياً لحمل الرسالة الإلهية.

روى في الدر المنثور عن البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم بالإسنادعن يحيى بن ابي كثير قال ( سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن فقال : يا أيها المدثر قلت : يقولون اقرأ باسم ربك الذي خلق فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك قلت له مثل ما قلت، قال جابر : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال : جاورت بحراء فلما قضيت

ص: 141


1- حكاه السيد الطباطبائي (قدس سره) في تفسير الميزان: 2/87

جواري فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه رعبا فرجعت فقلت : دثروني فدثروني، فنزلت يا أيها المدثر قم فأنذر إلى قوله : والرجز فاهجر ) (1)

الثانية: بعد ما لاقاه النبي (صلی الله علیه و آله) من تكذيب قريش واستهزائهم بالرسالة وتحشيد المجتمع ضد الرسول الكريم (صلی الله علیه و آله) فبلغ به الغم والضغط النفسي مبلغاً كبيراً فتدثر بسبب الشعور بالاحباط لالتقاط الأنفاس كما يقال والتخفيف عن نفسه الشريفة فأمره الله تعالى أن يخرج من حالة الانكفاء على الذات وان لا يكترث بجمعهم وحشدهم وقوتهم فأن الله تعالى سيتكفل بدحرهم جميعاً ولينطلق هو (صلی الله علیه و آله) بمشروعه الإلهي.

روى في الدر المنثور بسنده عن ابن عبّاسٍ «أنّ الوليد بن المغيرة صنع لقريشٍ طعامًا، فلمّا أكلوا قال: ما تقولون في هذا الرّجل؟ فقالبعضهم: ساحرٌ، وقال بعضهم: ليس بساحرٍ، وقال بعضهم: كاهنٌ، وقال بعضهم: ليس بكاهنٍ، وقال بعضهم: شاعرٌ، وقال بعضهم: ليس بشاعرٍ، وقال بعضهم: سحرٌ يؤثر. [وأجمع قولهم على أنّه سحرٌ يؤثر] فبلغ ذلك النّبيّ - (صلی الله علیه و آله)- فحزن وقنّع رأسه وتدثّر، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - {يا أيّها المدّثّر (1) قم فأنذر (2) وربّك فكبّر (3) وثيابك فطهّر (4) والرّجز فاهجر (5) ولا تمنن تستكثر (6) ولربّك فاصبر) [المدثر: 1 - 7].

فالآيات الكريمة فيها معنى كنائي وتعبير عن الانتقال من مسؤولية العمل

ص: 142


1- الدر المنثور: 8 / 324

على إصلاح الذات وتهذيب النفس حيث كان النبي (صلی الله علیه و آله) يتعبد لوحده إلى مسؤولية العمل الاجتماعي وإصلاح الأمة والفرق بينهما واسع بحيث ان الأول كالقعود مقابل القيام والآن انتهى زمن القعود والخلّو عن المسؤولية الكبيرة وحان زمن العمل.

وفي ضوء هذه الرواية والتفسير فأن الآيات الكريمة تفيد ان اشعال الحروب والتعامل بقسوة وبطش وخلق العراقيل متوقعة ممن يخافون على مصالحهم من كل أصحاب الدعوات الرسالية وليس دعوة النبي (صلی الله علیه و آله) فقط فلايصح مواجهتها بالتوقف عن العمل والانحسار والانغلاق على الذات لأن العمر أقصر من ان يضيّع بالقعود والتدثر والنفس ميّالة إلى الدعة والراحة فلابد من ملئ الحياة بالقيام والنهوض والحركة والاقدام واقتحام الصعاب وتعبئة كل الطاقاتالمادية والمعنوية وإبلاغ الرسالة (وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238) (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى:13) ولابد من هذا القيام لله تعالى وإن كان الشخص صالحاً في نفسه وملتزماً بالشريعة الا ان هذا لا يكفي بل عليه ممارسة الإنذار والإصلاح للمجتمع ما دام في المجتمع باطل وانحراف وفساد حيث يجب عليه تغييره والنهي عنه وهو المعنى الذي تفيده سورة العصر وغيرها.

والسمة الواضحة لهذه الرسالة الإنذار والتخويف من عاقبة الخروج عن أوامر الله تعالى ونواهيه (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً) (مريم:97) (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ) (القصص:46) وعدم ارسال النذر اليهم يشعرهم بالطمأنينة والراحة ونسيان الله تعالى (حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ

ص: 143

مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء) (الأعراف:95) فان العامة لا يصلحهم الا الخوف، روي (عَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام, قَالَ: "الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ الله فِيه وعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيه مِنَ الْمَهَالِكِ فَهُوَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً ولَا يُصْلِحُه إِلَّا الْخَوْفُ) (1) ثم تأتي البشارة بعد التخويف و الإنذار.

وفي هذا الإنذار التنبيه إلى الخطر القريب في الدنيا والآخرة رحمة للناس لأن الله تعالى غني عنهم لكن شفقته على عباده أوجبت أن يواترإليهم رسله بالإنذار ليجنبّهم المخاطر.

وتذكر الآيات التي تليها الأسس التي يرتكز عليها العاملون الرساليون الذين يسعون إلى الاصلاح في دعوتهم إلى الله تبارك وتعالى، نشير إليها باختصار:

1- (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (المدثر:3) ان تؤمن بان الله تعالى أكبر من ان يوصف ولا يعجزه شيء وكل قوة مهما كانت عظيمة فهي أمامه أوهن من بيت العنكبوت فلا موجب للخوف من أي قوة معارضة تمتلك المال والسلطة والجيوش لأن الخوف سيؤدي إلى المداهنة والتخلي عن المبادئ وهذا يعني الهزيمة وعلى المؤمنين العاملين أن يكونوا كما وصفهم أمير المؤمنين (علیه السلام) (عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم) (2) وعليهم أن يسقطوا من اعتبارهم كل ما دون الله تبارك وتعالى ولا يجعلوه من اهتمامهم.

2- (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) (المدثر:4) ويمكن فهمها عن ظاهرها أي تطهير الثياب

ص: 144


1- الكافي، ج 2، ص 71
2- نهج البلاغة: الخطبة 193

وهو صحيح موافق للأحكام الشرعية أو عدم إطالة الثياب فتخطّ في الأرض كما في بعض الروايات، ولعل المراد بها المعنى الكنائي ويكون المراد من تطهير الثياب الاتصاف بالنزاهة وعفة اللسان واليد والجوارح كلها وطهارة القلب وسمو الاخلاق وحسن السيرة والالتزام بأحكام الشريعة، وجامع هذه الخصال التقوى وقد وصف القرآن الكريمالتقوى باللباس قال تعالى ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ) (الأعراف26) وهذا التعبير متداول في اللغة العربية ففي خطبة الامام السجاد (علیه السلام) (أنا ابن نقيات الجيوب) وقال الشاعر في مدح أهل البيت (علیهم السلام)

مطهرون نقيات ثيابهم *** تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا

ويطلق اللباس على الزوجة، قال تعالى (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (البقرة:187) فتكون الآية آمرة باختيار الزوجة الصالحة لأهمية دورها في حياة العاملين الرساليين من عدة جهات.

3- (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر:5) فيجب تجنب كل أشكال المعاصي والمظالم وعدم الانجرار وراء الفتن ومكائد الشيطان واهواء النفس الأمارة بالسوء وعليهم التثبت مما يقال وعدم مداهنة الظالمين والجائرين.

4- (وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ) (المدثر:6) فلا تعتد بنفسك ولا تثق بعملك ولا تمنّ به على الله تعالى ولا على الناس فان ما عندك هو من فضل الله تعالى ورحمته (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17) فالمن يبطل العمل ويحبطه ويعرّض صاحبه لغضب الله تعالى فيمحوا اسمه من المؤمنين، من وصية أمير

ص: 145

المؤمنين (علیه السلام) لمالك الأشتر (وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ)(1) فاذا تواضع لله تعالى وعرف ان ما عنده توفيق من الله تعالى وواظب على الشكر عليه أغدق الله تعالى عليه المزيد من النعم.

5- (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (المدثر:7) لأن العمل شائك ويسير العامل في حقول من الألغام المادية والمعنوية حتى وصفت مواجهتها بالجهاد الأكبر فلابد من ان يتمسك بالصبر على الصعاب ليواصل الطريق ويثبت على خط الاستقامة وان يكون صبره في الله ولله تعالى.

إذن لنتأسى بالنبي (صلی الله علیه و آله) في هذا الخطاب القرآني وننفض دثار الكسل والتردد وسائر الأمور المحبطة وننطلق في ميدان الدعوة الى الله تبارك وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة بعد ان نبني أنفسنا بالخصال الكريمة التي ذكرتها الآيات الشريفة.

ص: 146


1- نهج البلاغة، كتاب 53

خطاب المرحلة 557 : (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة:2)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة:2)

محكمة الضمير دليل على وجود محكمة القيامة (1)

قيل ان (لا) زائدة للتأكيد وليست للنفي باعتبار ان الآية ظاهرة في إثبات القسم لا نفيه ولو بمعنى السياق، لذا وقيل هي (نافية) لكنها هنا ليست لنفي القسم وإنما كناية عن عظمة المقسم به أو وضوحه بحيث يستغنى عن القسم لإثباته وما يهمّنا هنا دلالة الآية على عظمة المقسم به وجلالة قدره وأهميته وهذا السياق متكرر في القرآن الكريم كقوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة:75-76).

ويشير القرآن الكريم إلى ثلاث مراتب من النفس الإنسانية:

1- المطمئنة التي اكتملت فيها العبودية لله تعالى والطاعة والتسليم له تبارك وتعالى عن رضا واطمئنان، قال تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) (الفجر:27-28).

2- الامّارة بالسوء التي دأبت على الاستسلام للشهوات واتباعالاهواء فهي تأمر بالسوء وتدعو إلى الفحشاء والمنكر من دون أي رادع، قال تعالى (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ) (يوسف:53) وقال تعالى (وَرَضُواْ بِالْحَياةِ

ص: 147


1- كلمة ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على طلبة البحث الخارج بمناسبة بدء الموسم الدراسي يوم الأحد 10 / شوال / 1439 المصادف 24 / 6 / 2018

الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا) (يونس:7) وقد تتمرد هذه النفس أكثر فتصبح داعية للفساد والانحراف والضلال وساخرة من أهل الطاعة والايمان ومستهزئة بالدين، هذه النفس التي يصفها الامام السجاد (علیه السلام) من خلال الشكوى منها، ويطلب من الله تعالى العون عليها (إلهِي إليْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تسْلُكُ بِي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِك، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ طَوِيلَةَ الاَمَلِ، إنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيَّالَةً إلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهُوِ، تُسْرِعُ بِي إلَى الْحَوْبَةِ، وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ) (1).

3- النفس اللوّامة وهي عنوان البحث وهي بين المرتبتين ويمكن ان ترتقي إلى الأولى او تتسافل إلى الثانية فهي نفس ليست بعيدة عن الصلاح ومحبّة للطاعة الا انها تضعف احياناً فتقود صاحبها الى الوقوع في المعاصي والذنوب فتحصل عندها حالة اللوم وتأنيب الضمير والندم فتحاسب نفسها باستمرار.

وقد تحصل هذه الحالة من اللوم لأجل التقصير في عمل الخير وعدم الاستثمار الأقصى للنعم الممنوحة له ولفرص الطاعة المتاحة اذ كانيمكنه الاستزادة منها ولم يفعل، وهذا الشعور يصحب الانسان إلى يوم القيامة فيشعر بالندم والغبن على تفريطه ببعض الفرص، لذا كان من اسمائه (يوم التغابن).

وهذه الحالة من تأنيب الضمير والشعور بكربة (2) في القلب إنما تحصل بقرار تصدره محكمة الوجدان وهي نعمة من الله تعالى على الانسان ودليل من

ص: 148


1- الصحيفة السجادية، مناجاة الشاكين
2- أشار السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) إلى هذا المصطلح مراراً في كتاب (قناديل العارفين)

باطنه ينبهه الى الوقوع في المحذور واقترابه من الخطر ويحذرّه من عاقبته ويدعو الى التصحيح والمعالجة، وهذا يعني ان ضميره لا زال حياً ويمكن الاطمئنان إلى حركته وقراراته ولذا يحيل إليه النبي (صلی الله علیه و آله) عند الحكم في الأمور المشتبهة حيث روي قوله (صلی الله علیه و آله) (استفت قلبك، استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك)(1) .

فعلى الانسان ان يبقي هذا الضمير حياً ليكون له واعظاً من نفسه ولا يميته باتباع الشهوات والانغماس في الرذائل والإصرار على الخطأ والخطيئة والتعصب والانانية. روي عن الامام السجاد (علیه السلام) قوله (ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ وَمَا كَانَتِالْمُحَاسَبَةُ مِنْ هَمِّكَ)(2)، وروي عن الامام الباقر (علیه السلام) قوله (من لم يجعل الله له من نفسه واعظا، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً)(3).

وهذا يبين احد وجوه البلاغة في الإتيان بهذا القسم مع القسم بيوم القيامة في الآية السابقة (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) فان محكمة الضمير صورة مصغرة للمحكمة الإلهية الكبرى فالحاكم واحد وهو الله تعالى، والشهود نفس الشهود وهم الجوارح والضمير، والقضايا حاضرة لا تحتاج الى تهيئة و اعداد وجمع المعلومات، والمجازاة نفسها في الروح بل والجسد حيث يقوم بعض المجرمين

ص: 149


1- كنز العمال: 7312
2- وسائل الشيعة: 16/96
3- تحف العقول: 294

أحياناً بإيذاء جسده ندماً ولوماً مضافاً إلى كونها محكمة حق لا جور فيها ولا تحتاج الى مراجعة واستئناف للحكم (وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (الرعد:41).

فهذه المحكمة في باطن الانسان دليل وجداني وفطري على وجود يوم القيامة والحساب والجزاء حيث لم يخلو الانسان من هذه المحكمة وهو ذرة صغيرة فكيف يعقل خلو الوجود الواسع من المحكمة الإلهية.

ويظهر ان هذه الملازمة معروفة حتى لغير المؤمنين لذا فإنهم لكي يتخلصوا من عذاب الضمير وتأنيبه عند انغماسه في الشهوات والظلم والعدوان يخدعون أنفسهم بنفي وجود يوم القيامة والحساب والجزاء،هذا ما أكدته بعض الآيات التالية لهذه (بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) (القيامة:5) أي انه يكذب بما هو واقع امامه من البعث والحساب ليستمر على فجوره والتحرر من الالتزام بالشريعة.

ويحسّ الانسان في وجدانه بهذا الجزاء قبل يوم القيامة، إذ إن هذا الضمير ينشر السعادة والانشراح والاطمئنان في باطن الانسان عندما يقوم بعمل صالح وتزداد السعادة كلما ازداد العمل أهمية وقيمة وكأنه يعجّل المكافأة لصاحبه، واذا صدر منه فعل سيء فانه سيبادر الى معاقبته بألم وعذاب في القلب لا يلبث ان ينعكس على شكل اعراض مرضية في البدن وقد يلجأ صاحبه الى تسليم نفسه للعقوبات كالسجن في المحاكم الوضعية ليتخلص من الألم وعذاب الضمير.

ولأهمية هذا الضمير الحي ودوره في تربية الانسان وتقويم سلوكه وتخليص صاحبه من اثار اعماله فقد استحق القسم به.

ص: 150

إذن علينا أن نمثل امام محكمة الوجدان والضمير يومياً وباستمرار، ونبادر إلى إثبات برائتنا ونقاوتنا أمام هذه المحكمة قبل يوم القيامة لنذهب إلى لقاء ربّنا ونحن مبرّئون من الذنوب بفضل الله ورحمته، ولنشعر بالسعادة والاطمئنان ولذا ورد التأكيد على محاسبة النفس باستمرار كقول رسول الله (صلی الله علیه و آله) (حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا، وزنوها قبل ان توزنوا) (1) وقال الامام الكاظم (علیهالسلام) (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فان عمل حسنة استزاد الله تعالى وان عمل سيئة استغفر الله تعالى) (2) .

وتصوروا لو أن الأمة عملت بهذا المنهج وهذه الثقافة فكيف ستكون سعيدة ناجحة لكن مشكلتنا الرئيسية في غياب هذه المبادئ الأخلاقية.

ص: 151


1- وسائل الشيعة ج16ص95
2- كتاب الزهد : 76 صلی الله علیه و آله 203

خطاب المرحلة 558 : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب:41)

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب:41)

أهم قضايانا: أن نستحضر الله تعالى في وجداننا (1)

من أهم الأهداف التي نسعى إليها والقضايا التي يجب أن نهتم بها ونكرس لها اوقاتنا هي كيف نجعل الله تعالى حاضراً في وجداننا وتنبض به قلوبنا ونصدِّق فعلاً أنه شاهد علينا ولا نغيب عن نظره سبحانه وهي الحالة التي أوصى النبي (صلی الله علیه و آله) أبا ذر (رضوان الله تعالى عليه) بالوصول إليها (يا أبا ذر اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

أما أن نؤمن به تعالى نظرياً وفي عقولنا واذهاننا فهذا وحده لا يكفي، لذلك تجد نبي الله تعالى إبراهيم (علیه السلام) يطلب هذا الاطمئنان القلبي من الله تعالى رغم إيمانه العقلي التام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة:260).

والشاهد على عدم كفاية الايمان العقلي وحده انك تجد الكثيرين ممن يحملون هذا المستوى من الاعتقاد لكنه لا ينعكس على سلوكهم وتعاملاتهم

ص: 152


1- الخطبة الموحدة لصلاة الجمعة في عموم المحافظات يوم 29 / شوال / 1439 المصادف 13 / 7 / 2018 كتبها سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) بمناسبة الذكرى العشرين لاستشهاد المرجع الديني السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) وتحدث سماحته بمضمونها في لقائه جمعاً من أساتذة الحوزة العلمية في بيروت يوم الخميس 28 / شوال ومع جمع من المبلّغات اللبنانيات يوم الجمعة 22 شوال.

واخلاقهم فهم يتبعون أهوائهم وعصبياتهم وتحزّباتهم ويطيعون سادتهم وكبراءهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

ينقل عن أحد مراجع الدين وهو من أهل المعرفة (قدس الله نفسه) أنه سأل الحاضرين لديه: هل حقاً توجد جنة ونار وحساب؟ فقالوا له: مثلك من يسأل هذا السؤال وقد تعلمنا العقائد الحقة منك؟ فبيّن وجه السؤال وحاصله أنني لا أرى لهذا الاعتقاد أثراً في حياة الناس حتى بدا كأنه وهم وليس حقيقة وهذا وجه قول أمير المؤمنين (علیه السلام) (ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت) (1) لأن الجميع متيقنون من ملاقاة الموت عاجلاً أو آجلاً لكن لا أحد يظهر على عمله الاستعداد لهذا الآتي الا القليل.

ولذا تجد الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تركز على الاكثار من ذكر الله تعالى والمواظبة عليه وعدم الغفلة عنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب:41) وليس المطلوب منه مجرد تحريك اللسان وانما استشعار كوننا بمحضر من الله تبارك وتعالى وانه شاهد علينا وناظر الينا في جميع احوالنا من السر والعلن وأنه وحده تعالى المؤثر في الخلق ولا تعمل الأسباب الاخرى الا بإذنه، وما يترتبعلى هذا الحضور من آثار المراقبة وإحسان العمل واجتناب المعاصي والذنوب والتوكل عليه وحده والطلب منه وتعلق الآمال به بفضل الله تعالى وكرمه.

إن ذكر الله تعالى يمكن أن يكون من خلال إثارة جوانب عديدة بحسب اسمائه الحسنى فيمكن ان تتناوله من جهة عظمة الله تعالى ببيان عظمة خلقه أو

ص: 153


1- الآمالي، ص903.

تناوله من جهة حكمة الله تعالى ببيان لطيف صنعه أو تناوله من جهة كرم الله تعالى ورحمته ببيان سعتهما أو تناوله من جهة حلمه ومغفرته وعفوه وهكذا، بلحاظ سائر الأسماء الحسنى، وهذا التنوع يكون بلحاظ استحقاق الشخص ومحط اهتمامه والباب الذي تدخل منه إلى قلبه، فقد يكون عالماً مادياً تريد هدايته أو شاباً مذنباً أو جاهلاً ساذجاً، أو مغتراً بالدنيا وغير ذلك من الحالات، فلكل واحد منهم ما يناسبه من الخطاب.

ولعل الاجدى والأكثر تأثيراً في هذا المجال تحبيب الله تعالى إلى القلوب وقد ذكرت الروايات لمن يعمل على ذلك أجراً عظيماً فقد روي عن النبي (صلی الله علیه و آله) قوله (إني لأعرف ناساً ما هم انبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنزلتهم يوم القيامة: الذين يحبّون الله ويحببّونه إلى خلقه، يأمرونهم بطاعة الله فاذا أطاعوا الله أحبهم الله) (1) .وقد ذكرنا في خطاب سابق (2) عدة أساليب لتحبيب الله تعالى إلى خلقه منها تذكيرهم بنعمه تبارك وتعالى، روي عن الامام الباقر (علیه السلام) أنه قال (أوحى الله تعالى إلى موسى (علیه السلام) أحبَّني وحببّني إلى خلقي، قال موسى (علیه السلام) يا رب إنك لتعلم أنه ليس أحدٌ أحبَّ إليَّ منك فكيف لي بقلوب العباد؟ فأوحى الله إليه: فذّكرهم نعمتي وآلائي فأنهم لا يذكرون مني الا خيرا) (3).

لقد كان المرجع الشهيد السيد محمد الصدر (قدس الله نفسه الزكية) مهتماً

ص: 154


1- مجمع الزوائد للهيثمي: 1 / 126
2- راجع خطاب المرحلة: 6/173
3- بحار الأنوار: 13/351، 14/38

بهذه القضية ايَّما اهتمام وعندما أقام صلاة الجمعة المباركة انتقد صريحاً الطريقة السائدة لدى الخطباء والمتحدثين من الابتداء بسطر واحد فقط يضم الحمدلله تعالى والصلاة على النبي وآله ثم الدخول في سائر المواضيع الدينية، وكان يعتقد بلزوم تخصيص حصة كافية لذلك فكان يبتدئ بمقطع من الادعية الشريفة التي تعمّق هذا الايمان في قلوبنا ووجداننا.

ومن يتأمل في رسائله المنشورة في كتاب (قناديل العارفين) يجد هذا المعنى حاضراً والتأكيد على الذكر القلبي أكثر من اللساني، وذكر صوراً للذكر القلبي منها ((التفكير في شأن الفرد أمام خالقه من القصور والجهل والذنب والتقصير وحسن الظن به تبارك وتعالى وكونه محللطفه وتعمه سبحانه ونحو ذلك)) (1) .

أيها الأحبة: إن احياء هذا التفاعل الوجداني والعملي مع الله تبارك وتعالى هو أهم قضية في حياتنا وهو مفتاح السعادة والخير وبه صلاح الأمة ونجاتها مضافاً إلى ما ورد في الرواية السابقة من المنزلة العظيمة فلا تقصروا فيه وهي مسؤولية الجميع خصوصاً الخطباء والمبلغَّين والكتّاب والمثقفين والمتحدثين، ولا ثمرة في أي عملية إصلاحية مالم تستند على هذا الأساس الوثيق. اعاننا الله تعالى على طاعته ووفقنا لما يحب ويرضى إنه ولي النعم.

ص: 155


1- قناديل العارفين: 167

خطاب المرحلة 559: المؤسسات الخيرية بين الواقع والطموح

بسمه تعالى

المؤسسات الخيرية بين الواقع والطموح (1)

لقد حثّت الشريعة المقدسة كثيراً من خلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة على الانفاق في سبيل الله ومساعدة المحتاجين وبذل المعروف ووعد تعالى بمضاعفة الجزاء اضعافاً كثيرة لمن قام بشيء من ذلك كقوله تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ) (البقرة:261) وقوله تعالى (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) (التغابن:17).

والله تعالى يعلم انه ليس كل الناس عندهم من المال ما يكفي للقيام بهذا العمل ومقتضى كرمه وعدله منح فرص متساوية لجميع الناس فلكي لا يحرم هؤلاء من هذه الفرص العظيمة للطاعة فقد جعل نفس أجر الانفاق لمن يتوسط في إيصال المال من المنفق إلى المحتاج ففي الحديث الشريف (لو جرى ثواب المعروف على ثمانين كفاً لأوجرواكلهم، من غير أن ينقص من صاحبه من أجره شيئاً) (2) .

ص: 156


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع إدارة ومعتمدي مؤسسة فيض الزهراء (علیها السلام) الخيرية في مدن العراق في ختام دورة تطويرية في الإدارة الناجحة، شارك فيها حوالي 130 معتمد، واستقبلهم سماحة الشيخ يوم السبت 30 شوال 1439 المصادف 14 / 7 / 2018
2- ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1603 ، ثواب الأعمال: 170 / 14.

وهذا العمل الكبير هو عين ما تقوم به المنظمات الإنسانية والخيرية والمتطوعون النبلاء، وقد لا يتمكن الميسورون مالياً من توزيع المساعدات وايصالها إلى مستحقيها والتأكد من كون الشخص مستحقاً أصلاً لانشغالهم بتعقيدات السوق وتفاصيل عملهم فأنتم تقدمون لهم خدمة كبيرة بوضع البر في موضعه وتعريف المنفقين على المستحقين.

لذا فدوركم كبير لأنكم أنتم من تبحثون عن المستحقين وتحققون في احوالهم وتقصدون الميسورين وتعرضون الحوائج عليهم ثم تعودون بما يجود به هؤلاء لتوصلوه إلى مستحقيه، لذا فأنكم تستحقون الثواب الجزيل الذي وعدت به الاحاديث الشريفة.

وتقدّم لي مؤسسة فيض الزهراء (علیه السلام) الخيرية تقريرها الشهري عن نشاطاتها في تقديم المساعدات النقدية والعينية لآلاف المحتاجين وهو عمل واسع ويقوم عليه عدد كبير من ذوي الشهامة والنفوس الكبيرة رغم مشاغلهم الكثيرة في شؤونهم العائلية والاجتماعية.

إنّ هذا الجانب الإيجابي من سعة عملكم يستبطن واقعاً مؤلماً وهو كثرة المحتاجين والارامل والايتام في بلد لا ينقصه شيء من الثروات التي تغني أهله، ويزخر بالكفاءات القادرة على النهوض وتوفير الحياة الكريمة، لكن اسباباً عديدة لا تخفى عليكم أوصلتنا إلى هذا الحال.

اننا نأمل ان تتحول هذه المؤسسات الخيرية والإنسانية إلى شركات اعمار وبناء وازدهار وإنتاج لأنها تمتلك الإخلاص والهمم العالية والخبرة الميدانية والمصداقية وثقة الناس بهم وفيها كفاءات متنوعة فليكن في المؤسسة قسم

ص: 157

للتخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية والاعمال الفنية فيتحول المحتاجون من مستهلكين إلى منتجين ومساهمين في هذه الحركة التنموية المباركة.

وقد القيت قبل مدة خطاباً (1) عن تنشيط القطاع الخاص وذكرت شواهد من سيرة الائمة (علیهم السلام) في دعم هذه الحركة وتشجيع اتباعهم عليها مما يغنيهم عن الانخراط في اعمال السلطة الظالمة.

ومن الطريف أن أذكر ان بعض الأخوة يشفقون على حالي لما يروني اناقش البعض في هذه التفاصيل وأقوِّم الاعمال وأقدم النصائح والتوجيهات وهي لا تناسب هموم المرجعية ومسؤولياتها فأجيبهم بأن الحديث الشريف يقول (عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله) (2) وانا عيالي ليست عائلتي الخاصة فقط بل كل هؤلاء المحتاجين إلى المساعدة جاعلين نصب أعيننا الحديث القدسي (الخلق عيالي فاحّبهم إليَّ أشفقهم على عيالي) (3)

فالكدّ عليهموالسعي لقضاء حوائجهم جهاد في سبيل الله تعالى، وقد تتوفر لي فرصة لا تتاح لأحد لوجود جاه وتأثير ممكن استثماره لعمل المعروف.

مضافاً إلى الحديث الشريف (عن النبي (صلی الله علیه و آله) إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها صلاة ولا صدقة، قيل: يا رسول الله (صلی الله علیه و آله) فما يكفرها؟ قال: الهموم

ص: 158


1- خطاب المرحلة: ج 6 / ص 25
2- الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 88
3- دعائم الإسلام ج2 ص320 ح1207. وشرح نهج البلاغة: ج20 ص340 الرقم 893

في طلب المعيشة) (1) فليكن همنا لا يقتصر على توفير المعيشة لأفراد العائلة الخاصة بل لكل الناس المحتاجين.

إن كل ما تقدموه هو صدقة جارية في ميزان اعمالكم (كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) (إبراهيم:24-25) وكلما تنمو وتزدهر فأنها تسجل في رصيدكم حسنات جديدة كما لو زوّجتم شابين متعففين فأنجبا ثم كبرت ذريتهم وتزوجوا وأنجبوا وهكذا إلى أن يكون منهم في عصر الظهور الميمون عدد كبير من أنصار الامام (علیه السلام) وكلهم من بركة سعيكم اليوم.

ص: 159


1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 70 - ص 157

خطاب المرحلة 560: بالإرادة يمكن تغيير العادة

بسمه تعالى

بالإرادة يمكن تغيير العادة (1)

توجد أمثال يتداولها الناس تشكّل خطورة على تفكيرهم وسلوكهم وتؤثر في عقلهم الباطن ويرددونها ويتمسكون بها من دون أن يعوا خطورتها، مثلاً قولهم (من شبَّ على شيء شاب عليه) ومثله (العادة التي في البدن لا يغيّرها الا الكفن) وترى كثيراً ممن يُطالب بإصلاح عادة جرى عليها أو يراد تغيير حالات وتقاليد اجتماعية متوارثة فيجابّه بهذه الامثال وكأنها أدلة وحجج دامغة ذات مصداقية لترك هذه المحاولات.

وهنا تكمن خطورة مثل هذه الامثال لأنها تتحول إلى مبررات للعجز والتكاسل والاستسلام للعادة من دون محاولة لمعالجتها، بل تتحول إلى سلاح بيد من يريد أن يرسخ هذه العادات في سلوك الفرد أو المجتمع.

وفي الحقيقة فإن هذه الامثال باطلة بدليل ان الله تعالى بعث الأنبياءوالرسل وانزل الشرائع السماوية لتغيير الانسان وإصلاحه وتهذيب نفسه وسلوكه ولو كانت هذه الامثال صادقة لانعدمت الفرصة لأي عمل تغييري، وإن كل العقلاء

ص: 160


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من طلبة السادس العلمي الذين استفادوا من مبادرة سماحته بفتح كافة الجوامع والحسينيات والمكاتب والمؤسسات لاستضافتهم وخدمتهم خلال استعدادهم للامتحانات العامة وتوفير أسباب الراحة لهم فجاءت هذه المجموعة من الكوت لتقديم الشكر لسماحته يوم الخميس 5 / ذو القعدة / 1439 المصادف 19 / 7 / 2018.

يستنكرون هذه الامثال لأن كل الأمم تضع برامج للتربية والتعليم وتحسين الاخلاق وهذا يعني إمكانية تغيير ما اعتاد عليه الانسان.

خذ مثلاً شهر رمضان الذي انقضى قبل عدة أسابيع فأنه يغيِّر ما اعتاد عليه الانسان خلال أحد عشر شهراً من نمط غذائي أو حياتي وما إن يحل هذا الشهر الكريم حتى يمتنع الانسان من الأمور المحلّلة التي كانت مباحة له طاعة لأمر الله تعالى فيستجيب لهذا الأمر بلا أي كلفة ولا مقدمات طويلة.

وهكذا ترى شخصاً قد اعتاد على التدخين خمسين سنة مثلاً ثم ينهاه الطبيب عنه فتراه يمتنع مباشرة، أو شخصاً يسرف في المأكولات فازداد وزنه إلى درجة مضرّة بصحته فيُطالب بتقليل الوزن ويوضع له نظام غذائي صارم فيغيّر عادته مباشرة ويلتزم بهذا النظام وهكذا.

وكل ما يحتاجه الانسان هو العزم والإرادة لإحداث التغيير وحينئذٍ سيعينه الله تعالى وييسّر له ويحقق نتائج مذهلة لا يتوقعها فبعض الشباب يشتكي من ابتلائه بعادة سيئة كالنظر إلى النساء ويظّن انه غير قادر على تجاوز هذه الحالة، لكنه لما اقتنع بخطأ هذا الفعل وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة تولد عنده عزم على الترك وإرادة قوية للتغيير ونقصدبكلامنا طبعاً تغير العادة السيئة، اما العمل الصالح فيحث الشارع المقدس على المواظبة عليه والالتزام به وإن لم يكن واجباً، ففي حديث عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (لا يقضي شيئاً من صوم التطوع الا الثلاثة أيام التي كان يصومها في كل شهر، ولا يجعلها بمنزلة الواجب الا أني أحبّ لك أن تدوم على العمل الصالح)(1). وهكذا ورد في

ص: 161


1- وسائل الشيعة: 10/223، أبواب من يصح الصوم منه، باب 21 ح 2

صلاة الليل فأنه يستحب لمن فاتته قضاؤها في اليوم التالي كالواجبة لأجل أن يسجَّل في المداومين عليها فيبعثه الله مقاماً محموداً.

ص: 162

خطاب المرحلة 561 :المرجع اليعقوبي: يدعو الحكومة الى إيجاد حلول...

بسمه تعالى

المرجع اليعقوبي: يدعو الحكومة الى إيجاد حلول آنية لتلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين والى وضع خطط استراتيجية لتلافي حصول الأزمات.. ويدعو المتظاهرين لمنع المندسين وأصحاب الاجندات من مصادرة مطالبهم المشروعة.

استقبل سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمكتبه في النجف الاشرف السيد يان كوبتش رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق.

وعبّر الضيف في بداية حديثه عن قلقه عمّا يجري في العراق من احداث سياسية واجتماعية وما رافق المظاهرات الأخيرة من تجاوز على الممتلكات العامة وإضرار باقتصاد البلد.

وبعد أن شًكر سماحة المرجع ضيفه على مثابرته وشجاعته في التحرك المستمر رغم الصعوبات الموجودة قال: ان هذه المظاهرات ليست وليدة اللحظة وإنما لها أسباب موجودة منذ سنين ولكن شرارتها قد تندلع في هذا الوقت او ذاك، فالمطلوب من قادة البلد أن يفكروا دائماً في معالجة هذه المشاكل ووضع الحلول الآنية والاستراتيجية لها خصوصاً في اوقات الهدوء، اما القرارات في زمن الاضطراب والتشوش فستكون لمجرد اطفاء الحرائق.

وقال سماحته: ان اغلاق باب التوظيف منذ ثلاث سنوات تقريبابحجة التقشف او الترهل الوظيفي او استجابة لشروط البنك الدولي قتل الأمل في نفوس مئات الالاف من الشباب والخريجين، وكان يمكن إبقاء هذا الأمل من

ص: 163

خلال ملئ الشواغر بسبب حركة الملاك او استحداث وظائف ضرورية جديدة، خصوصاً وان الأزمة المالية قد انفرجت بشكل ملحوظ بعد تجاوز سعر برميل النفط 70 دولاراً بينما الميزانية مقدرة على سعر 46 دولاراً.

وكذلك فإن الخدمات التي يطالب الشعب بتحسينها لا يصعب توفيرها ولو تدريجياً لكن الآفة الكبرى وهو الفساد لا يدع مجالاً لأي إنجاز، مضافاً الى عدم وجود إرادة حقيقية للمعالجة.

ووصف سماحته قرار رئاسة الجمهورية أمس بالمصادقة على تخصيص رواتب تقاعدية للبرلمان المنقضي بأنه غير حكيم ولا يعي الظروف الراهنة ولم يلاحظ الوقت المناسب، فبينما يتظاهر الشعب لتحصيل وظائف تسدُّ رمقه، تسارع الرئاسة الى إقرار امتيازات نواب لم يؤدِّ الكثير منهم مسؤولياتهم التي أقسموا عليها.

إن مثل هذه القرارات تستفز الشعب وتدعوه الى النقمة من القيادات السياسية وتفقد ثقته بالعملية السياسية أصلاً.

وبالمقابل فإن على المتظاهرين أن يكونوا واعين ولا يسمحوا للمندسين وأصحاب الأجندات الشخصية والفئوية بمصادرة فعالياتهم وركوب الموجة وحرفها عن مسارها نحو التخريب والعدوان والفوضىوالاضرار بمؤسسات الدولة فإنها ملك للشعب وليس الحكومة وان الاضرار بالاقتصاد الوطني يدفع ثمنه الشعب وليس الفاسدين.

وحث سماحته على الاسراع في إنهاء عملية العد والفرز وانعقاد البرلمان الجديد وتشكيل حكومة مهنية وطنية كفؤة أمينة وأن تتبع فيها الخطوات

ص: 164

الدستورية بأن تعقد الجلسة الاولى برئاسة العضو الأكبر سناً وتشكّل الكتلة الأكبر في تلك الجلسة وتقدّم أسماء الراغبين في الترشيح الى رئاسة البرلمان و الجمهورية والوزراء، ويجري التصويت عليها داخل البرلمان ايضاً بعيداً عن المطابخ السياسية للكتل والتي تجري فيها الصفقات والمحاصصات التي تعرقل كل تقدم، وأن يُدعى الجميع للمشاركة في الحكومة على أساس المهنية والأمانة والكفاءة الوطنية من دون إقصاء أحد، ومن لا يريد المشاركة فإنه يختار قراره بنفسه.

واقترح سماحته على البعثة الأممية أن تساعد على عقد مؤتمر موسّع للنخب العراقية في مختلف الاختصاصات ليشخصوا المشاكل ويضعوا الحلول وتقدّم على أنها برنامج عمل الحكومة الجديدة التي تجعل من أولوياتها توفير الحياة الكريمة للمواطن العراقي، وأثبت العراقيون على انهم يمتلكون قادة ناجحين لو أُعطوا الفرصة، وكمثال على ذلك الأداء المهني للقادة العسكريين في تطهير محافظات العراق من دنس الدواعش، وهكذا ستنجح الكفاءات العراقية في المجالات كافة.

الخميس 5/ذ ق /1439الموافق 2018/7/19

ص: 165

خطاب المرحلة 562 : لابد أن يقترن نشاط الشباب وقوتهم بالهدفية

بسمه تعالى

لابد أن يقترن نشاط الشباب وقوتهم بالهدفية (1)

يتميز الشباب بالنشاط والحيوية والقوة وهذه من نعم الله تعالى عليهم وعلى الأمة جميعاً لأنهم القلب النابض في جسد الأمة، لكن هذه الأمور وحدها لا تكون مثمرة الا اذا اقترنت بالهدفية، ومن دون ذلك تكون أفعال الشباب عبثية لا نفع فيها كقضاء ساعات عديدة في الألعاب، بل قد يصرفون طاقاتهم في أفعال مضرّة لهم وللأمة جميعاً كالعصابات المسلحة ومافيات المخدرات والجماعات المنحرفة في العقيدة او السلوك.

وقد لا يلتفت الشاب إلى انه سائر على غير هدى ولا بالاتجاه الصحيح حتى تتراكم عليه الأخطاء والخطايا وتحجبه عن التوفيق والرجوع الى الصواب، وقد يندم حيث لا ينفعه الندم فلابد من مراعاة الهدفية وتحقيق الغرض المطلوب من النشاط والقوة والالتفات إلى ذلك مبكّراً.

لذا تجد الامام السجاد (علیه السلام) لا يكتفي بطلبهما فقط وانما يطلب من الله تعالى أن يضعهما على الاتجاه الصحيح، فمن دعائه(علیه السلام) ليوم الأربعاء (اللهم اجعل قوتي في طاعتك ونشاطي في عبادتك) مع الالتفات إلى ان طاعة الله تعالى وعبادته لا تقتصر على العبادات المعروفة كالصلاة والصوم ونحوها بل

ص: 166


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من الشباب يوم الأحد 24/ شوال / 1439 المصادف 8/7/ 2018.

تشمل كل عمل خير وبر واحسان فيه نفع للآخرين حتى الرفق بالحيوان.

ولعل من افضل امثلتها بالنسبة لكم هي هداية الآخرين وارشادهم فكم من الشباب وقعوا ضحية تزيين الشيطان وأصدقاء السوء واغراءات الشهوة فتركوا الطريق الصحيح، فالعمل على إعادة هؤلاء إلى الدين والأخلاق الفاضلة من اعظم الطاعات ففي رواية عن أمير المؤمنين (علیه السلام) (قال أمير المؤمنين (علیه السلام): بعثني رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى اليمن وقال لي: يا علي لا تقاتلن أحداً حتى تدعوه، وأيم الله لان يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا علي)(1) .

او مدّ يد المساعدة والرعاية لهم فتحلّ مشاكلهم أو توجد لهم فرص عمل أو تزوّجهم فهذه كلها طاعات عظيمة تقرّب إلى الله تعالى، والرساليون هذا ديدنهم فأنهم لا يكتفون بنفع أنفسهم بل يعملون على الارتقاء بالآخرين وتحسين أوضاعهم.

إن الهدفية لا تمنع من تخصيص بعض الوقت للترويح عن النفس بعد أداء الواجبات المطلوبة بنزهة أو ممارسة الرياضة أو مشاهدة فعاليةممتعة ضمن مدة زمنية لا تخرج الفعل عن عنوان الترويح عن النفس إلى عنوان العبثية وتضييع الوقت كمن يمضي ساعات في مشاهدة مباريات بكرة القدم، بينما تكفيه ربع ساعة أو نصف ساعة للترويح عن النفس وتجديد النشاط.

والهدفية تكتمل عبر عدة مراحل:

1- التخطيط الجيد قبل الفعل ووضع البرنامج الصحيح لضمان الوصول إلى

ص: 167


1- فروع الكافى: 335

الهدف كالتفوق في الدراسة أو انجاز أي عمل مثمر آخر.

2- التنفيذ الحسن ومراقبة مسيره وفق البرنامج المعدّ له.

3- المراجعة والمحاسبة بعد الفعل والتأكد من سلامة أدائه.

فادعوا الأحبة الشباب إلى تنظيم حياتهم على أسس صحيحة وان يساعدوا اقرانهم على ذلك ويستنقذوهم من الضياع وان يوظفوا طاقاتهم لما فيه خير الاسرة والمجتمع وفيه صلاح للدين والدنيا بتوفيق الله تعالى.

ص: 168

خطاب المرحلة 563 : (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) (الإسراء:11)

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) (الإسراء:11)

في العجلة الندامة الا في فعل الخير (1)

قد يتوصل الانسان إلى معرفة عميقة بأجزاء جسمه ووظائفها والامراض العارضة لها وكيفية علاجها، لكن لا أحد يستطيع أن يصف الانسان في هواجسه وميوله وغرائزه ومكنونات ضميره أفضل من خالقه العظيم، وقد كشف القرآن الكريم عن جملة من هذه الاوصاف، قال تعالى (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً) (المعارج:19) (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72) (إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم:34) (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (الكهف:54) (إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ) (الحج:66) (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (العاديات:6) (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف:103) (وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (الأعراف:79) (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) (المؤمنون:70) وغيرها مما تستحق أن يفرد لها بحث مستقل إلى ان تصل ذروة الشكوى من الانسان والدعاء عليه في قوله تعالى (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) (عبس:17) وكانت نتيجة ذلك (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر:2).

والمقصود ليس الانسان بذاته وحقيقته وأصل خلقته لأنه صٌمِّم (فِيأَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4) ليكون خليفة الله في أرضه وأسجد له ملائكته (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا

ص: 169


1- الخطبة الأولى لصلاة عيد الأضحى المبارك / 1439 الموافق 22 / 8 / 2018

بَنِي آدَمَ) (الإسراء:70) وعنده القابلية لأن يكون أعلى درجة من الملائكة اذا أخلص العبودية لله تعالى، وفي الحديث عن الامام الباقر (علیه السلام) (ما خلق الله عز وجل خلقاً أكرم على الله عز وجل من المؤمن لأن الملائكة خدّام المؤمنين)(1). وعلّل ذلك الامام الصادق (علیه السلام) عندما سأله عبدالله بن سنان : الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال (علیه السلام) (قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام) : إن الله ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقلُهُ شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم) (2) .

وانما المقصود الانسان بواقعه الخارجي وسلوكه العملي الذي اختاره بنفسه لأنه لم يحافظ على فطرته ولم يلتزم بما خُطِّط له واتبع هواه وغرّته الدنيا وزين له الشيطان عمله وفي الحديث (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه و يمجسانه) (3)

، ولو ناله التوفيق الإلهي وحصلت له التربية الصالحة لما انحدر إلى تلك الصفات، ولذا استثنت الآيات الكريمة ولم تشمل كل انسان (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّجَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج:19-23) (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

ومن هذا نعرف أنه لا يوجد تنافي بين هاتين النظرتين القرآنيتين ومن تلك

ص: 170


1- الكافي: 2/ 33 ح 2
2- بحار الأنوار: 60/299 ح 5
3- بحار الاَنوار ج 3 ص 22

الغرائز والميول: العجلة وعدم التأني في اتخاذ القرار والموقف فيتخبط ويوقع نفسه في الضرر (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء:37) حتى إنه بسبب استعجاله يدعو ويطلب الشر لنفسه كطلبه الخير حين يندفع لتحقيق مطامعه من دون أن يفرِّق بين الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى أهدافه. (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) (الإسراء:11) فكونه عجولاً بطبعه علة لدعائه بالشر كما يدعو بالخير والظاهر أن (كان) هنا شأنية أي ان من شأنه ذلك أو (كان) التامة بمعنى وُجِد وخلق وفي طبعه العجلة، وتكون (عجولا) حالاً وليس خبر كان بناءاً على كونها ناقصة.

والدعاء هنا بمعنى الطلب وهو أوسع من كونه باللسان أو بالسعي والعمل فدعاؤه بالخير والشر أي طلبه لهما وسعيه اليهما كمن يطلب الرزق تارة بلسانه وأخرى بسعيه وجهده، قال تعالى (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الرحمن:29) وليس كلهم يسألون باللسان فالإنسان لطبعه العجول يطلب الشر أو يسعى اليه بالعمل كطلبه الخير (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) (الحج:47)(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) (الرعد:6) (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) (النمل:46).

وقد أورد القرآن الكريم نماذج من هؤلاء كقوله عن أحدهم قيل إنه النضر بن الحارث (اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (الأنفال:32) وقد استجاب الله تعالى دعائه وتمكّن منه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقتله ولذا ورد التوجيه من الامام الصادق

ص: 171

(علیه السلام) (اعرف طريق نجاتك وهلاكك كي لا تدعو الله بشيء عسى فيه هلاكك وانت تظن أن فيه نجاتك) (1) .

دوافع العجلة:

وإنما يعجل الانسان لاتباعه هواه فيستعجل تحصيل اللذة والمتعة وما يوافق هواه أو لسذاجته وحسن ظنه المفرط أو لجهله بحقائق الأمور وعواقبها فيتوهم الأمور بالعكس فيرى الخير شراً والشر خيراً وتنقلب الموازين في نظره فيصبح عنده المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فيصير ذلك حجاباً عن الحقيقة والمعرفة ومانعاً من التكامل.

الاستعجال محمود ومذموم:

والاستعجال قد يكون محموداً أو مذموماً فالمحمود ما كان في فعل الخير إذ تستحب المبادرة إليه ، قال تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّنرَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133) وقال تعالى (وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (آل عمران:114) (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة:148) وروي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قوله (التؤدة في كل شيء خير الا في عمل الآخرة) (2) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال (التؤدة ممدوحة في كل شيء الا في فرص الخير) (3) وعنه (علیه السلام) قال (اذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به،

ص: 172


1- نور الثقلين: 3/ 141 عن مصباح الشريعة
2- كنز العمال: 5674
3- غرر الحكم: 1937

واذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأنَّه حتى تصيب رشدك فيه)(1)، وإنما طلب التعجيل إلى فعل الخير لأن التثاقل والتباطؤ فيه يعطي فرصة للشيطان وللنفس الامارة بالسوء لثني الشخص عن المضي فيه كما في الحديث الشريف عن الامام الباقر (علیه السلام) قال (من همَّ بشيء من الخير فليعجّله فان كل شيء فيه تأخير فإن للشيطان فيه نظرة) (2) وعن الامام الصادق (علیه السلام) قال (اذا همَّ أحدكم بخيرٍ أو صلةٍ فإن عن يمينه وشماله شيطانين، فليبادر لا يكفّاه عن ذلك)(3).

واما الاستعجال المذموم ففي اقتحام الأمور من دون حساب عواقبها والسير وراء المطامع والشهوات بمجرد خطورها في ذهنه وتراءيمصلحة ما فيها من دون تروّي وملاحظة النتائج والاثار وحينئذٍ يصطدم بالنتيجة وتحلّ به الندامة، اما اذا درس الموضوع بشكل جيد وعرف وجه الصلاح فيه. فحينئذٍ ينفذّ ما انعقد عليه عزمه، قال تعالى (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) (آل عمران:159).

فعلى الانسان ان يصبر ويتأنى في نيل مقاصده واغراضه ويتحقق من كونها مشروعة وان الوسائل التي يريد بها تحقيق غرضه مشروعة أيضاً ونقية وعفيفة، روي عن النبي (صلی الله علیه و آله) قوله: (انما اهلك الناس العجلة ولو ان الناس تثبتوا لم يهلك أحد) (4) .

ص: 173


1- الامالي للطوسي: 7 ح 8
2- أصول الكافي، ج 2 كتاب الايمان والكفر، باب: تعجيل فعل الخير.
3- أصول الكافي، ج 2 كتاب الايمان والكفر، باب: تعجيل فعل الخير.
4- المحاسن: 1/ 340 ح 697

وعنه (صلی الله علیه و آله) قال (ان الاناة من الله والعجلة من الشيطان) (1) وعن الامام الصادق (علیه السلام) قال (مع التثبت تكون السلامة، ومع العجلة تكون الندامة) (2) . وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال (التأني في الفعل يؤمن الخطل، التروي في القول يؤمن الزلل) (3) .

وبذلك يتّضح ان الاناة والتثبت من جنود الرحمن والعقل وان العجلة والتسرع من جنود الشيطان والجهل.روي أن أمير المؤمنين (علیه السلام) دخل المسجد وقال لرجل (امسك علي بغلتي أي احفظها وما عليها من السرقة والضياع إلى ان ينهي الامام عبادته لكن الرجل المؤتمن طمعت نفسه

فخلع لجامها وذهب به فخرج علي (علیه السلام) بعد ما قضى صلاته وبيده درهمان ليدفعهما إليه مكافأة له، فوجد البغلة عطلى أي خالية من السرج فقد سرقه الرجل طمعاً بثمنه ، فدفع إلى غلامه الدرهمين ليشتري به لجاماً، فصادف الغلام اللجام المسروق في السوق قد باعه الرجل بدرهمين، فأخذه بالدرهمين وعاد إلى مولاه.

فقال علي (علیه السلام): إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر ولا يزداد على ما قدر له) (4) . فعجلته لتحصيل المال أدّت به إلى هذه النتيجة السيئة ولنا

ص: 174


1- نفس المصدر السابق، ح 698، كنز العمال: 5674
2- الخصال: 100، ح 52
3- غرر الحكم: 1310
4- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1076، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 160.

كلمة مستقلة اعطينا فيها امثلة من الواقع على هذه النتيجة.

ومن صور الاستعجال المذموم قيام البعض بالتشهير بالآخرين وذمهم وتسقيطهم ونشر غسيلهم بمجرد وصول خبر إليه بذلك من دون أن يتحقق من صدق الخبر أو يعطي الفرصة للآخر لكي يبيّن الحقيقة ويعطي العذر، في الحديث المروي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال (يا عبد الله لا تعجل في عيب أحدٍ بذنبه، فلعله مغفور له، ولا تأمنعلى نفسك صغير معصيةٍ فلعلك معذب عليه) (1) .

ومن كتابه (علیه السلام) إلى مالك الاشتر لما ولّاه مصر (لا تعجّلن إلى تصديق ساعٍ فان الساعي غاش وإن تشبّه بالناصحين) (2) .

وهذه العجلة المركوزة في طبع الانسان هي التي تعمي بصيرته وتسلب عقله فتدفعه إلى التشبت بالدنيا والتمسك بها لأنه يجد فيها لذة عاجلة ويعزف عن متطلبات الآخرة لأنها مؤجلّة (إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) (الإنسان:27).

وقال تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً) (الإسراء:18).

ومن اسوأ النماذج على هؤلاء عمر بن سعد فانه عندما كلّفه ابن زياد بقيادة الجيش الخارج الى حرب الامام الحسين وبات ليلته يفكّر ويتأمل في ما عرض عليه من ولاية الري وجرجان ان قتل الحسين (علیه السلام) وفيها نار جهنم وانشأ ابياتاً

ص: 175


1- نهج البلاغة: الخطبة 140
2- تهج البلاغة: الكتاب 53

منها:

أأترك ملك الري والري منيتي *** ام ارجع مأثوماً بقتل حسين

وأختار في النهاية الدنيا العاجلة الفانية معللاً ذلك بقوله (وما عاقل باع الوجود بدين) لكنه لم يكن عاقلاً في اختياره بل كان أحمقاً ومتوهماً.

ص: 176

خطاب المرحلة 564 : مسؤوليتنا عن عالمية الإسلام والنهضة الحسينية

بسمه تعالى

مسؤوليتنا عن عالمية الإسلام والنهضة الحسينية(1)

عطاء الامام الحسين (علیه السلام) ليس مختصاً بالشيعة فقط ولا بالمسلمين فقط وانما هو معين تنهل منه الإنسانية جميعا وهذه ليست دعوى ندعيها بل هي حقيقة شهد بها قادة وعلماء ومفكرون وادباء من امم شتى وبلغات مختلفة وكلماتهم في ذلك معروفه واشعارهم مشهوره.

وهذه الحقيقة تحملّنا نحن الموالين للحسين (علیه السلام) و الذين نعرف شيئاً من عبق الحسين (علیه السلام) مسؤولية ايصال هذه الرسالة المباركة الى سائر الامم بأجيالها العديدة و بلغاتها الكثيرة و اذا قصّرنا في ذلك فان تلك الامم سواء كانت في مجاهل افريقيا او غابات الامازون

او حواضر الغرب والشرق قد توقفنا للشكوى و السؤال بين يدي الله تعالى يوم القيامة و تقول : يا رب العزة والجلال خذ لنا حقنا من هؤلاء الذين حرمونا من بركات الامام الحسين (علیه السلام) و لم يوصلوا لنا رسالته باللغة التي نفهمها لنستفيد منها وننهل من بركاتها.

اليس من اوصاف الامام الحسين (علیه السلام) انه (مصباح الهدى وسفينة النجاة) فيجب ان يصل نوره الى كل من يريد الهداية والتكاملوالسمو ويصعد في سفينته كل من يريد النجاة من الغارقين في الذنوب والفتن والضلال والانحراف

ص: 177


1- من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع أساتذة وطلبة مدرسة الابرار للعلوم الدينية في النجف الاشرف يوم الثلاثاء 23/ذح/1439 الموافق 4/9/2018

والفساد، فيجب ان لا يحرم احدٌَ من هذا الفضل العظيم.

قد تقول تلك الأمم اننا كنا نراكم تبكون وتلطمون وتقيمون المآتم والشعائر لكننا لم نكن نفهم سر هذا التفجع و الالم و البكاء والزخم العاطفي والهياج المليوني في ارجاء العالم مهما كانت الفاجعة عظيمة و المفجوع به عظيماً ولم تشرحوا لنا فلسفته بالخطاب الذي يلائم ثقافتنا وبيئتنا ولا تقنعهم طبعاً روايات ثواب البكاء والتباكي على الامام الحسين (علیه السلام) لانهم لا يؤمنون بأصول الاسلام ولكن لو اتيناهم من الباب واللغة التي يفهمونها وبالخطاب المناسب و شرحنا لهم الاثار الاجتماعية والنفسية والأخلاقية و السياسية حتى الصحية ايضا للبكاء على الحسين (علیه السلام) لأذعنوا بقيمة البكاء و بركته، تلك الاثار والتداعيات التي فهمها الطغاة و المستبدون فمنعوا الشعائر الحسينية و واجهوها بالحديد و النار، و من قبل ذلك منعوا السيدة فاطمه الزهراء (علیها السلام) من البكاء على ابيها فاضطر امير المؤمنين (علیه السلام) لبناء بيت الاحزان لكي تبكي اباها (صلى الله عليه و سلم ) فيه .

ولما يرتقي المنبر خطيب في اوروبا ويشرح اسباب خروج الامام الحسين (علیه السلام) على يزيد بانه كان يشرب الخمر ويضرببالآلات الموسيقية ويرتكب الفاحشة ويلاعب القردة ونحو ذلك فانهم لا يجدون فيها مشكلة ويرونها من الحريات الشخصية ولو سلموا بخطأ بعض تلك الافعال فإنهم لا يرونها تستحق الخروج على السلطة الحاكمة والتضحية بالنفس والنفيس حتى الرضع وسوق اكرم خلق الله تعالى اسارى الى مجلس ارذل خلق الله تعالى

ولكن لو وضعنا كلمات الامام الحسين (علیه السلام) في خطاب جديد مناسب

ص: 178

لثقافة الاجيال المعاصرة فنقول ان يزيداً سرق اموال الشعب وحرمهم من حقوقهم المشروعة (استأثر بالفيء) وانه عطل العمل بالدستور الذي امن به الشعب وارتضاه (امات السُنة واحيا البدعة و حرم حلال الله واحل حرام الله) فانتهك حرمة القران والسنة وهما دستور المسلمين.

وانه انتهك حقوق الانسان (يحبس على الظّنه ويقتل على التهمة) وانه كان سلطان ظالماً جائراً وصل الى السلطة بالقهر من دون ارادة الشعب ونحو ذلك وهذه بالتأكيد تستحق الثورة والقيام في وجه السلطات الظالمة والمستبدة.

فأذن عالمية النهضة الحسينية ليست كلمة نتبجح بها على الاخرين ونتصور اننا قدمنا شيئاً للإمام الحسين (علیه السلام) ومدحناه بما يستحق (علیه السلام) وانما هي مسؤولية واسعة تقع علينا نحن الموالين للإمام (علیه السلام) بان نخاطب جميع الأمم بالثقافة السائدةعندهم وباللغة التي يفهمونها واستيعاب البيئة التي يعيشونها ولكل جيل بحسبه، وسيجد الجميع في عطاء الامام الحسين (علیه السلام) ما يغنيهم لذا قيل ان الحسين (علیه السلام) اوسع سفن النجاة.

وهذه المسؤولية تدعونا الى ان ننوِّع ادواتنا ونحتضن كل الطاقات للنجاح في هذه المهمة.

وأن اي تقصير في اداء هذا الواجب نحاسب عليه، وأشدُّ منه في المحاسبة اذا صدر مّنا ما يشوه هذه الشعائر وينفر منها بالأقوال والافعال و يضع العراقيل و الموانع في طريق ايمان الشعوب بقضيه الامام الحسين (علیه السلام) او يشوه صوره الاسلام و التشّيع كبعض ممارسات المتسلطين باسم الدين والمذهب، مما يسبب نفور البعض من الدين فحينئذ تكون المحاسبة اشّد و مضاعفة و

ص: 179

ستحاسبنا الامم على حرمانها من بركات هذه النعمة العظيمة.

اليس يتخرج الكثير من ابنائنا في كليات اللغات سنوياً وهم يجيدون التحدث باللغات العالمية المتنوعة ولا يجدون فرصه عمل او يعملون في مجالات بعيدة عن اختصاصهم فلماذا لا نؤسس بهم جيشاً إلكترونياً دعوياً يوصل رسالة الإسلام النقي الأصيل الى الشعوب بمختلف اللغات العالمية.

فما نحتاجه اذن ليس فقط عصرنة الخطاب الاسلامي والحسيني خاصة، وانما أيضا تنوعه وتعدد لغاته وادواته ومنافذه التي يطّل منهاعلى شعوب الأرض وبمختلف الأجيال.

وقبل ذلك علينا ان نعّد أنفسنا لهذه المسؤولية الكبيرة عملياً وفكرياً واخلاقياً، روى ابو الصلت الهروي : قال (سمعت ابا الحسن علي بن موسى الرضا (علیه السلام) يقول: رحم الله عبدا احيا امرنا، فقلت له : كيف يحيى امركم، قال يتعلم علومنا ويعلّمها الناس فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا) (1). وقد استخرجنا نكاتٍ عديدة من هذه الرواية في حديث آخر (2).

ص: 180


1- عيون اخبار الرضا: 1/275 باب 28ح 69، معاني الاخبار: 180
2- راجع كلمة بعنوان (فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)

خطاب المرحلة 565 : ملتقى الحوزة العلمية مع أساتذة الجامعات

بسمه تعالى

ملتقى الحوزة العلمية مع أساتذة الجامعات

استضاف (1) سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه جمعاً من أساتذة الجامعات والمثقفين والادباء في النجف الأشرف لإجراء حوارات حول قضايا مهمة وكانت البداية من ضرورة الترابط الوثيق بين الحوزة العلمية والنخب الاكاديمية للارتقاء بمستوى وعي الأمة وثقافتها وأخلاقها وقدرتها على مواكبة التحديات الحضارية، ومناقشة أسباب الفجوة بين الجهتين والتي تبدو واقعية احياناً ومصطنعة أحياناً أخرى.

وفي البداية رحّب فضيلة الشيخ حسنين قفطان بالحاضرين وحيّاهم بقصيدة نالت استحسانهم ثم تحدّث باختصار الدكتور عباس العبودي عميد كلية طب الاسنان في جامعة الكوفة عن قدرة الإسلام على بناء دولة الإنسان الكريمة وكيفية تحقيقها ثم قدّم سماحة الشيخ المرجع (دام ظله) فبدأ حديثه بالترحيب بالحضور والحث على عقد مثل هذه المجالس والندوات التي فيها حياة للأمة وتحقيق لآمالها وتطلعاتها ومعالجة لمشاكلها لذا من الطبيعي أن يسأل عنها الامام الصادق (علیه السلام) (أتجلسون وتحدثون، إن تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنارحم الله من أحيا أمرنا) (2).

ص: 181


1- حصل اللقاء مساء يوم الجمعة 26 / ذ ح / 1439 المصادف 7 / 9 / 2018
2- قرب الاسناد: 36، ح117، ثواب الأعمال: 223، بحار الأنوار: 74/351 ح 18

ولا يحب الامام (علیه السلام) من الأحاديث والمجالس الا ما كان مثمراً ومفيداً وليس فارغاً أو عبثياً أو ترفاً فكرياً، خصوصاً عندما يحييها نخب الأمة التي تفتخر بهم وتذعن لهم وتسلس لهم قيادها.

إن ما يقال من وجود فجوة وإزمة ثقة وسوء ظن بين الحوزة والجامعة قد يكون مبالغاً فيه ولا يوجد الا عند فئة قليلة وقد أسسنا (ملتقى العلم والدين) ليظهر من خلال فعالياته المتنوعة عمق هذه العلاقة والآصرة بينهما التي تصل حد الاندماج والتوأمة في أحيان كثيرة.

وكيف لا تكون كذلك والدين هو المصدر الأول للعلوم والمعارف وملهم العلماء وهو الذي يوفّر البيئة المشجعة على تقدم العلم والتحفيز على طلبه، ويكفي ان نذكر شاهداً على تأثير الإسلام فقد كان العرب في الجاهلية قبائل متناحرة ممزقة لا تعرف من الحضارة شيئاً تتفشى فيها المنكرات وبلغ بها الانحطاط حد وأد البنات المولودات حديثاً. ثم أصبحوا بفضل الإسلام أمة موحدة ودولة قوية قادت الحضارة الإنسانية عدة قرون، فالمشكلة ليست في نفس الدين وإنما في أسباب أخرى نناقشها في حوارنا إن شاء الله تعالى.

وعلى مدى قرون كان العلماء في مختلف الفنون والعلوم والمعارف هم من خريجي الحوزات والمؤسسة الدينية ثم برعوا في الرياضياتوالكيمياء والفلك والطب والفيزياء والأدب واللغة كابن حيان وابن الهيثم والبيروني وابن سينا ونصير الدين الطوسي والبهائي وغيرهم ثم حصل التمايز والافتراق بين هذه العلوم لا لمشكلة بينها وإنما هي حالة طبيعية نتيجة تعمق العلوم وتخصّصها ثم تحوّل هذا التمايز والافتراق إلى فراق أحياناً.

ص: 182

وأذكر لكم مثالاً من علومنا الحوزوية فقد كان الفقه واحداً ويشمل جميع الاحكام الشرعية ثم قسّمه الفقيه المبدع المحقق الحلي (توفي 676 ه) إلى عبادات ومعاملات ليضبط مسائله من ناحية فنية بحتة فجعل في الأول الصلاة والصوم والحج والزكاة ونحو ذلك وجعل في الثاني البيع والنكاح والمواريث والقضاء والوقف ونحو ذلك لكن هذا التقسيم الفني تحوّل إلى ثقافة خاطئة لدى الكثيرين وهو حصر العبادة في القسم الأول منه أما الثاني فليس كذلك، مما أفقدنا حافزاً قوياً وفاعلاً للحث على القيام بالأعمال الإنسانية التي فيها خدمة الناس وإقامة العدالة الاجتماعية بينهم، وهذا المعنى ليس بصحيح لأن كل فعل يقوم به الانسان يمكن أن يكون عبادة مقربة إلى الله تعالى وقد وردت أحاديث كثيرة في اعتبار بعض أنماط السلوك الإنساني من أفضل العبادات.

فالفصل الذي حصل بين العلوم الحوزوية والأكاديمية هو فني وعلمي بحت لتعمق هذه العلوم والتخصص في فروعها المختلفة ولا يصح ان يؤسس لحالة من الفراق بينهما، لكن الخلل حصل حينما لميعزّز كل من الاتجاهين ما عنده بما عند الآخر، فلم تستفد الجامعات من علوم الحوزة وأخلاقها وآدابها وأبعادها المعنوية، ولم تستفد الحوزة العلمية من منهجية البحث الاكاديمية والعلوم التي تساعدهم على فهم موضوعات المسائل الشرعية، ومن الضروري لعمل الفقيه أن يحيط علماً بالموضوع قبل ان يستنبط حكمه الشرعي لذا ورد في الحديث الشريف (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) (1) فعلينا ان نطلّع ونثقف أنفسنا بكل ما يرتبط بوظيفتنا ويعيننا على القيام بمسؤولياتنا على أحسن

ص: 183


1- تحف العقول: 259 وقد شرحنا الحديث في خطاب سابق.

وجه، حتى قيل ((عليك أن تقرأ كل شيء لتكون شيئاً)).

ولذا شهدت الحوزة العلمية عدة مشاريع إصلاحية لتجسيد هذه العلاقة كان منها منتدى النشر وكلية الفقه التي أسسها المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر في خمسينيات القرن الماضي، وكذا في مشروع تشجيع خريجي الجامعات على الانضمام إلى الحوزة العلمية الذي دعا السيد الشهيد الصدر الأول قدس سره في سبعينيات القرن الماضي واجتذب نخبة من الشباب الرساليين ثم حوّله السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره إلى مشروع واقعي من خلال جامعة الصدر الدينية، وعيننّي عميداً لها عام 1419 ه / 1998 وكنّا ندرّس فيها ما يحتاج إليه الفقيه من الكيمياء والفيزياء والفسلجة والرياضيات وألفت في حينها كتاب(الرياضيات للفقيه) (1).

وكتب آخرون محاضرات في العلوم الأخرى وبعد سقوط صدام توسعت فروع هذه الجامعة إلى المحافظات وتأسس مشروع رديف لها للنساء باسم جامعة الزهراء (علیها السلام) حيث بلغت فروع كل منهما 24 فرعاً تضم آلاف الطلبة والطالبات بفضل الله تعالى.

كما أطلقنا مشروع الدورات الصيفية منذ عام 2001 التي تستضيف الطلبة الجامعيين خلال العطلة الصيفية في النجف الأشرف وتعطيهم دورات سريعة مكثفة في الفقه والعقائد والأخلاق والسيرة ليكونوا دعاة إلى الدين والهداية والصلاح في أوساط الجامعات من دون أن يرتدوا الزي الديني المتعارف ليكون لهم هامش حركة أوسع في هذا المجال وكانت هذه الخطوات

ص: 184


1- تضمنت مقدمة الكتاب بياناً للعلاقة الوثيقة بين الفقه والعلوم الآكاديمية.

الإصلاحية تقلق النظام الصدامي وعلى اثرها استدعوني عدة مرات إلى مديرية الأمن للاستجواب والتحذير.

ومحل الشاهد من هذه المقدمة الاشارة إلى أن توثيق الاواصر بين الحوزة العلمية والجامعات ليست ترفاً فكرياً وإنما هي حاجة ضرورية وملّحة ويتحمل الطرفان مسؤولية إِنجاحها.

لذا تصدى لها جمع من العلماء الواعين خلال العقود الماضية، وهذا الحوار بيننا يستهدف تحقيق هذه المقاربة بل التوأمة بين هذين الجناحين اللذين تطير بهما الأمة نحو الكمال والازدهار بإذن الله تعالى.ثم فتح سماحته باب الحوار فطرح الحاضرون اسئلة متنوعة تعلّق أكثرها بالوضع العام والمشاكل التي تعانيها البلاد وأعطى سماحته صورة مجملة عن المقدمات والأسباب التي اوصلتنا إلى هذا الحال وانه قد شخصّها في وقت مبكر منذ عام 2006 وقدَّم الحلول (وهي منشورة في موسوعة خطاب المرحلة) الا ان المستفيدين من الوضع والمؤسسين له صمّوا آذانهم ولم يلتفتوا الا بعد (خراب البصرة).

وفيما يتعلق بموضوع الجلسة الحوارية فقد قدّم بعض الحاضرين عدة أسباب للفجوة بين الجامعات والمؤسسة الدينية منها:

1- الخطاب الديني لدى بعض الخطباء والمتحدثين الذي لا يرتقي إلى مستوى العصر ويعتمد الخرافات وتسطيح العقول.

2- ضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى الكثير من الجامعيين.

3- فشل الكثير من الأحزاب الدينية التي تصدّت للسلطة.

ص: 185

خطاب المرحلة 566 : فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا

بسمه تعالى

فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا (1)روى ابو الصلت الهروي : قال (سمعت ابا الحسن علي بن موسى الرضا (علیه السلام) يقول: رحم الله عبدا احيا امرنا، فقلت له: كيف يحيى امركم، قال يتعلم علومنا ويعلّمها الناس فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا) (2).

وكأن السؤال يأتي شرحاً لحديث سابق عن الامام الصادق (علیه السلام) حيث سأل الفضيل (يا فضيل أتجلسون وتحدثون، قال: نعم جعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبّها فأحيوا أمرنا يا فضيل فرحم الله من أحيا أمرنا) (3) .

وفي الحديث نكات عديدة:

1- إن إحياء أمرهم (علیهم السلام) موجب للرحمة الالهية التي نتوق إليها جميعاً.

2- إن إحياء أمرهم لا يتحقق بمجرد إقامة المظاهر الشعائرية وإن الغرض من المجالس لا يحصل الا عندما تكون وسيلة لإيصال

ص: 186


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جماعة فضلاء محافظة واسط وعدد من الوفود الشبابية والطلابية من الناصرية والرفاعي والعمارة ومدرسة دينية من كربلاء وأخرى قرآنية من المدائن يوم السبت 27 / ذ ح / 1439 المصادف 8 / 9 / 2018.
2- عيون اخبار الرضا: 1/275 باب 28ح 69، معاني الاخبار: 180
3- قرب الاسناد: 36، ح 117، ثواب الاعمال: 223، بحار الأنوار: 74 / 351 ح 18

المضمون الحقيقي لرسالتهم (سلام الله عليهم) (ويعلمها للناس).

يجب ان يسبق ذلك التزود بعلومهم واخلاقهم والاطلاع على سيرتهم واقوالهم المباركة، وأعظم مصدر لعلومهم هو1- القرآن الكريم فيجب الاهتمام به تلاوة وتدبّراً ومعرفة.

2- ان النتيجة (وهي اتباع الناس لأهل البيت (علیهم السلام) ستتحقق حتماً اذا وصل الى الناس كلام اهل البيت كما هو في حسنه و روعته وانسانيته وما علينا الا ايصال محاسن كلامهم (علیهم السلام) إلى الناس فان الامام (علیه السلام) ارسل العلاقة هذه كحقيقة مسلَّمة.

3- ان المطلوب منّا أن نوصل كلامهم (علیهم السلام) كما هو من دون زيادة أو نقص من عندنا نتصور اننا نحسن بذلك فما يبتدعه البعض من كلام أو فعل أو عادات أو طقوس متوهماً خدمة قضية أهل البيت (علیهم السلام) غير مشمولة بهذا التوجيه.

4- ان رسالتهم عالمية للناس جميعا ولا تختص بالمسلمين او الشيعة فأنه (علیه السلام) قال (فان الناس) على نهج جدهم المصطفى 7(صلی الله علیه و آله) {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107] {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] و هذا ما نقّر به عند زياره الامام الحسين (علیه السلام ) و بيان الهدف من نهضته المباركة( وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيره الضلالة) (1).

ص: 187


1- مفاتيح الجنان : 773 زيارة الاربعين

خطاب المرحلة 567 : معنى (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا)

بسمه تعالى

معنى (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) (1)

ورد في الحديث عن الامام الصادق (علیه السلام) (رحم الله شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا) (2) .

أي ان شيعة أهل البيت (علیهم السلام) خلقهم الله تعالى مما فضل وتبقى من الطينة التي خلق الله تعالى منها أهل البيت (علیهم السلام) لذا فهم مرتبطون بأصلهم ومن علامات هذا الارتباط أن الشيعة يفرحون لفرح أهل البيت (علیهم السلام) ويحزنون لحزنهم.

وحينما يرد هذا الحديث فان المعنى الذي يسبق إلى الاذهان ان الشيعة يقيمون محافل الفرح والسرور وينشدون القصائد في مدائح أهل البيت (علیهم السلام) وذكر مناقبهم ويتبادلون التهاني في المناسبات المفرحة كيوم المولد النبوي والغدير وليلة النصف من شعبان، وانهم يقيمون مأتم الحزن والبكاء ويلطمون الصدور في المناسبات الحزينةكيوم عاشوراء والفاطمية وغيرها.

وهذا معنى صحيح الا انه يبقى مظهراً شكلياً اذا خلا من المضمون الحقيقي

ص: 188


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من شباب بغداد/منطقة التاجي يوم السبت 5/ محرم /1440 المصادف 15 / 9 / 2018
2- بحار الأنوار: 53/303

بالالتفات إلى ما يفرح أهل البيت (علیهم السلام) ويحزنهم فانهم يفرحون بطاعة الله تعالى وإقامة دينه العظيم والتزام الناس بتعاليمه وأحكامه وصلاح أمور الأمة، قال تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58) وفي دعاء الامام الحسين (علیه السلام) يوم عرفة (اللَّهُمَّ أَسْعِدْنِي بِتَقْوَاكَ وَ لَا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ).

ويحزن أهل البيت (علیهم السلام) اذا عصي الله تعالى وابتعد الناس عن الدين ولم يعملوا بأحكام الله تعالى في حياتهم، كما في دعاء الامام السجاد (علیه السلام) يوم الخميس (وَ لَا تَفْجَعْنِي فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ بِارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ وَاكْتِسَابِ الْمَآثِمِ) فهو يعتبر الوقوع في الذنب والمعصية فجيعة.

فاذا أردنا أن نختبر صدق ولايتنا لأهل البيت (علیهم السلام) فلابد أن نجد في أنفسنا الفرح والسرور عندما يتحقق ما يفرح أهل البيت (علیهم السلام) كأن نرى المساجد ممتلئة بالمصلين، والناس تسارع إلى فعل الخير ومساعدة المحتاجين، وأولياء الأمور يقومون بمسؤولياتهم على أحسن وجه في إصلاح أحوال الناس، وحينما نسمع بأخبار انتصار الايمان على الكفر والفسق واقامة العدل والإحسان.ونحزن ونتألم اذا رأينا أحداً غير ملتزم بالصلاة أو ينشغل عنها ببعض أمور اللهو و اللعب أو لا يبرمج أوقاته على أساس مراعاة أداء الصلاة في وقتها، أو نجد امرأة غير محجبة أو داراً للفسق والفجور أو وقوع ظلم على أحدٍ أو إهانة أحد وإذلاله أو استئثاراً بثروات الشعب واستخفافاً بحرمته وامتهاناً لكرامة الإنسان، لذا ترى أمير المؤمنين (علیه السلام) يتمنى الموت عند وقوع شيء من هذا الظلم من جيش معاوية في غاراته على حدود العراق، قال (علیه السلام) (... ولَقَدْ

ص: 189

بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ، عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ والأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقُلُبَهَا وقَلَائِدَهَا ورُعُثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْه إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ والِاسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ ولَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً، مَا كَانَ بِه مَلُوماً بَلْ كَانَ بِه عِنْدِي جَدِيراً) (1) .

فهذه حقيقة ما يفرح الأمة ويحزنهم، وفي هذا المعنى وردت أحاديث شريفة كقول الامام الصادق (علیه السلام) (فان الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في الحديث وادى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا جعفري فيسرني ذلك فيدخل علي منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر واذا كان غير ذلك دخل عليّ بلاءه وعاره وقيل هذاأدب جعفر) (2) وفي رواية موثقة عن سماعة عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (سمعته يقول: مالكم تسوؤن رسول الله (صلی الله علیه و آله) ؟ فقال له رجل: كيف نسوؤه؟ فقال (علیه السلام): اما تعلمون ان اعمالكم تعرض عليه، فاذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله (صلی الله علیه و آله) وسُرُّوه) (3) .

وإنما اكتسبت هذه الصفة من الفرح والحزن أهميتها لأن المشاعر والعواطف محرّكة للإنسان فالفرح يحفِّزه على المواصلة والازدياد أما الحزن فيدعوه إلى التوقف والمراجعة.

ولذا تجد المؤمن الموالي حقاً يحزن إذا فاتته صلاة الصبح في وقتها أو صلاة الليل أو صوم يوم مستحب ويحاسب نفسه ويبحث عن السبب الذي من

ص: 190


1- نهج البلاغة، الخطبة: 27، ص70
2- وسائل الشيعة / كتاب الحج / أبواب احكام العشرة في السفر/ الباب 1/ ج2
3- الكافي: 1/171 ، ح 3

أجله حُرم من هذه الطاعة المقرّبة إلى الله تعالى عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (إن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة الليل...) (1) ويتألم اذا تلكأ في اغتنام فرصة لعمل الخير والمعروف أو أضاع شيئاً من وقته في غير ما يرضي الله تبارك وتعالى.

ألم تسمعوا من خطباء المنبر كيف فرح الامام الحسين (علیه السلام) لما قال له أحد أصحابه (أبو ثمامة عمرو بن عبد اللَّه الصائديقال للحسين (علیه السلام): يا أبا عبد اللَّه نفسي لك الفدا، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا واللَّه لا تُقتل حتى أُقتل دونك إن شاء اللَّه، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسين (علیه السلام) رأسه ثم قال: ذكرت الصلاة جعلك اللَّه من المصلين الذاكرين! نعم هذا أول وقتها. ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي. فقال لهم الحصين بن تميم: إنها لا تقبل. فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت أن الصلاة من آل رسول اللَّه (صلی الله علیه و آله) لا تقبل وتقبل منك يا حمار؟.!) (2) فجزاه الامام خيراً وفرح بهذه الالتفاتة لما يحب الله ويرضاه وهم وسط تلك المعركة الرهيبة التي خاضها العدو بكل وحشية وهمجية وقسوة.

ص: 191


1- وسائل الشيعة: ج 15/ ص 302، الباب 40 من جهاد النفس
2- كتب الطبري في تاريخه والخوارزمي في المقتل، وورد في الكامل في التاريخ والعوالم وأعيان الشيعة:

خطاب المرحلة 568 : درس حسيني في عدم التنازل عن المبادئ

بسمه تعالى

درس حسيني في عدم التنازل عن المبادئ(1)

من الأحداث التي جرت يوم عاشوراء استشهاد الطفل الرضيع عبدالله على صدر أبيه الامام الحسين (علیه السلام) وهو يطلب له الماء من الجيش الأموي فرماه حرملة بن كاهل الأسدي وذبحه.

والسؤال هنا انه اذا كان حرملة بهذه الدقة العالية في التصويب كما ينقل التاريخ فلماذا لم يوجه السهم إلى الامام الحسين (علیه السلام) مباشرةً لينهي المعركة ويحسمها كما يفكر أي قائد عسكري بدل إطالتها وما يسببه ذلك من الانهيارات النفسية لدى افراد الجيش الأموي حيث كانوا غير مؤمنين بقضية القتال وقد أُكره كثيرٌ منهم على الاشتراك فيه، وقد شكلّت توبة الحر الرياحي احراجاً لهم ومحفزاً لهم على تغيير المواقف والخنادق.

والجواب الذي أريد قوله هنا ان عمر بن سعد قائد الجيش الأموي لم يكن خياره الأفضل قتل الحسين (علیه السلام) بل كان يوَّد استسلام الحسين (علیه السلام) ونزوله على بيعة الطاغية يزيد وبذلك تحصل الدولة الأموية على شرعية لا تستطيع الأمة الخروج عنها ويتخلص منتداعيات مقتل الحسين (علیه السلام) على ملكه فقد كان الامام (علیه السلام) أعلى رمز في الأمة الإسلامية ويروي الصحابة الموجودون

ص: 192


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من الوفود يوم السبت 26 محرم 1440 المصادف 6 / 10 / 2018

يومئذٍ كلمات رسول (صلی الله علیه و آله) في فضائله ومناقبه وعلو منزلته.

وهذا الذي عبّر عنه الامام الحسين (علیه السلام) بقوله (الا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السِلِّة والذلّة وهيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله (صلی الله علیه و آله) والمؤمنون، وحجور طابت وحجور طهرت، وأنوف حمية ونفوس أبيّة من أن تُؤثَر طاعة اللئام على مصارع الكرام)(1) .

ولو أراد الامام الحسين (علیه السلام) أن يعتذر بقلة الناصر وعدم وجود أي توازن في المواجهة واعطاهم الامام الحسين (علیه السلام) ما يريدون لكان انتصاراً حقيقياً لهم لكنه أبى الذلّة والانصياع لهم ولو كلّفه حياته، لذلك كانت لهم عدة إجراءات للضغط نفسياً على الامام الحسين (علیه السلام) حتى يستسلم ويذعن لمطلبهم ومنها حرق قلبه بقتل رضيعه على صدره، ومنها منع الماء عن عياله وأطفاله وتركهم يتلوون من العطش وهي لعمري مصائب تجعل الرجل الشجاع الجلد ينهار، ولكن الامام (علیه السلام)

كان يزداد عزيمة وشجاعة كلما تكاثرت عليه الالام والجراحات ((قال حميد بن مسلم: فو الله ما رأيتمكثوراً(2) قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه، أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه (علیه السلام) إن كانت الرجّالة لتشُّد عليه فيشدُّ عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وشماله إنكشاف المعزى اذا شد فيها الذئب))(3) وقال آخر في وصف المشهد الأخير من حياة الامام الحسين (علیه السلام) وهو يحتضر ((فخرجت بين الصفين، فوقفت عليه فانه

ص: 193


1- الاحتجاج: 2/97، الملهوف: 155
2- وهو المغلوب الذي تكاثرت عليه الناس فقهروه (النهاية: 4/153)
3- الصحيح من مقتل سيد الشهداء وأصحابه: 886 عن الارشاد: 2/111، إعلام الورى: 1/468

ليجود بنفسه، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيأته عن الفكر في قتله))(1).

ومن تلك الإجراءات الضاغطة على الامام الحسين (علیه السلام) لهزيمته نفسياً والتضييق عليه حتى لا يفكر بأي خيار غير الاستسلام ارسال الجيش الكثيف بنسبة ألف مقابل كل واحد من أصحاب الحسين وهي خارجة عن القواعد المألوفة في المعارك العسكرية إذ يكفي في تحقيق الغلبة أن تكون عشرة أضعاف العدد ونحو ذلك.

ومنها تأجيل المعركة عدة أيام حتى بعث ابن زياد شمراً إلى عمر بن سعد وأمره بقتال الحسين (علیه السلام) أو التنحي عن قيادة الجيش وتسّليمها إلى الشمر.وهكذا يحاول العدو أولاً اخضاع عدوه لسيطرته ونزوله عند مطالبه لأن هذا يمثل نصراً له وان إصرار المقابل على مبادئه هزيمة له ولا يتوسل بقوة القتل والقتال الا اذا يأس من رضوخ عدوّه سواء على صعيد إركاع الأشخاص أو الحكومات والمؤسسات وغيرها وهذا ما نلمسه بوضوح في تصرفات القوى المستكبرة مع الدول الرافضة لسياستها في عالمنا المعاصر.

فعلينا أن نأخذ هذا الدرس في الإباء من أبي عبدالله الحسين (علیه السلام) وهو التمسك بالمبادئ وعدم التخلي عنها مهما ضغط علينا أئمة الكفر والضلال والفسق والانحراف وسواء كانت الضغوط على نحو الاغراءات والوعود المعسولة أو على نحو الوعيد والتهديد، والانسان المؤمن يتعرض لمثل هذه

ص: 194


1- الصحيح من مقتل سيد الشهداء وأصحابه: 908 عن بحار الأنوار: 45/57 مروج الذهب: 3/71 الملهوف: 174

الضغوط في حياة العمل أو في علاقاته مع الآخرين أو في سلوكه الاجتماعي ليتخلى عن دينه وأخلاقه ومبادئه حتى ترتاح نفوسهم المنحطّة المملوءة بالغيظ (قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ) (آل عمران:119) حسداً للمؤمنين على سموهم وطهارتهم.

ص: 195

خطاب المرحلة 569 : بيان حول تشكيل الحكومة

بسمه تعالى

بيان حول تشكيل الحكومة

لقد كان للشعب بصيص أمل في الحكومة الجديدة بأن تكون حكومة وطنية توفر له الأمن والخدمات والاقتصاد المزدهر، لكنه اليوم بعد اعلان هويات أعضائها فقدَ هذا الأمل حيث ضمّت الحكومة بعض من اتُهِموا بالإرهاب والفساد وتزوير الشهادات والعضوية في قيادة البعث المُنحل والانتماء الى الجنسية الأجنبية، فكيف نتوقع تحقق تلك الأهداف من أمثالهم؟

إن الغيارى من ابناء الشعب الكريم يشعرون بالغيظ والغضب وهم يرون الانجازات العظيمة التي تحققت بدماء ابنائه البررة في مهب الريح، ولعلها تذهب هدراً في صفقات لئيمة.

ندعو السيدات والسادة أعضاء البرلمان خصوصاً الذين صوّتوا على منح الثقة لمن ليسوا أهلاً لها أن يبادروا الى سحب الثقة ممن ثبتت هذه التهم في حقهم ليبرئوا ذممهم أمام الله تعالى وأمام الشعب والتأريخ.

ونطالب السيد رئيس الوزراء بأن يقدِّم ما يُثبت براءة وزرائه مما اتهِموا به، فقد وعد في جلسة منح الثقة بأن يقدّم ذلك لاحقاً معتذراً بضيق الوقت عن تقديم شهادات براءة الذمة لمرشحي وزارته من الدوائر في تلك الجلسة البائسة.

ونحمّل لجنة التفاوض التي كانت تقسّم الحصص الوزارية على الكتل

ص: 196

السياسية وتُمليها على رئيس الوزراء والجهات الموجّهة لتلك اللجنة مسؤولية تسليم مقدرات العراق والعراقيين ومقدساتهم بأيدي من ثبتت فيهم هذه التهم، فإن افظع الخيانة خيانة الأمة.

ونطالبهم بالمبادرة لتصحيح الأخطاء قبل ان يستفحل الخطر ويستعصي على الحل، ولات حين مندم.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (علیه السلام).

محمد اليعقوبي/ النجف الأشرف

20 /صفر/1440

2018/10/30

ص: 197

خطاب المرحلة 570 : جامعة المذاهب الإسلامية خطوة على طريق التقريب

بسمه تعالى

جامعة المذاهب الإسلامية خطوة على طريق التقريب

أكّد سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على ان توحيد الأمة والتقريب بين المذاهب الإسلامية عمل مبارك دعا إليه القرآن الكريم والقادة المعصومون (سلام الله عليهم)، ولكي تنجح هذه المساعي فلابد ان تتضمن برامج علمية وعملية.

وأوضح سماحته لدى استقباله((1) جمعاً من الطلبة العراقيين الدارسين في جامعة المذاهب الإسلامية في ايران ان البرامج العلمية تتضمن اطلاع كل فريق على ما عند الاخر والاستفادة منه بموضوعية ومهنية وإنصاف، وان تعرض البحوث على نحو مقارن بعيداً عن التعصب والتحجر، وقد كان هذا المنهج متبعاً لدى الكثير من السلف الصالح ككتاب الخلاف للشيخ الطوسي وكتابي تذكرة الفقهاء ومنتهى المطلب للعلامة الحلي، وكان السيد البروجردي يشجع عل هذا المنهج ويسير عليه في بحثه الشريف، وتجد له تطبيقات كثيرة في المنهج الذي اتخذته لبحثي في (فقه الخلاف) .

ان هذا المنهج يساهم في تقارب وجهات نظر المسلمين وإزالة الحواجز المصطنعة بينهم ويفيد كلاً منهم مما عند الاخرين وهو تراثضخم لا يصح اهماله، مضافاً الى انه يغني البحث ويفتح أمامه آفاقاً حقيقية لفهم النصوص

ص: 198


1- تاريخ اللقاء الأربعاء 6/ربيع1/1440 الموافق 14/11/2018

الشرعية لان الكثير منها صدر بلحاظ ما عند الاخرين من فتاوى ومواقف ومناهج للتفكير والسلوك فالاطلاع عليها يوفّر بيئة وقرائن مساعدة على فهم النص ووضعه في موضعه الصحيح، وقد جّربت ذلك في موارد كثيرة في (فقه الخلاف).

فتأسيس جامعة المذاهب الإسلامية خطوة في الاتجاه الصحيح لتعزيز هذا المنهج بإذن الله تعالى ولابد ان تراعي المدارس الدينية والجامعات الاكاديمية ذلك في كلياتها واقسامها ذات العلاقة في جميع بلاد المسلمين.

اما على صعيد الخطوات العملية فقد أشار سماحته إلى ضرورة تجنّب الاستفزازات وإثارة الفرقة والشحناء فانها من عمل الشيطان (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) (المائدة : 91) وعدم تحميل الطائفة كلها مغبّة بعض التصرفات والأقوال التي تصدر من بعض الأشخاص، وعدم التركيز على الشطحات الموجودة في الكتب نتيجة ظروف معينة عاشها المؤلف، ومثل هذه الشواذ لا تعبّر عن رأي الطائفة جميعاً، وعلينا جميعاً الحذر من الأعداء المتربصين بنا الذين يريدون تمزيق وحدتنا واشعال الحروب العبثية بين أبناء الأمة مستخدمين الطائفية كأفتك سلاح لتحقيق هذه الأهداف فهي حرب طويلة وقذرة ومدمّرة ولا رابح فيها من المتحاربين ولا خسارة فيها على الأعداء الذينيشعلونها ويغذّونها لإدامة استنزاف البلاد وتحطيم قدراتها البشرية والمادية .

ومن الجدير بالذكر ان جامعة المذاهب الإسلامية مقرها في طهران ولها عدة فروع بالمحافظات الإيرانية وتستقبل آلاف الطلبة من جميع المذاهب

ص: 199

الإسلامية من داخل ايران وخارجها، وقدّم مندوب الجامعة في العراق درعاً تكريمياً وبعض مؤلفات سماحة العلامة مختاري رئيس الجامعة.

ص: 200

خطاب المرحلة 571 : (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)(1) (الشورى:30)

حقيقة قرآنية تكشف عن واحدة من السنن الإلهية الجارية في العباد، فالمصيبة هي النازلة والنائبة التي تحل بالإنسان وسُميت بذلك لأنها تصيب الإنسان المقصود والمستهدف بها وتحقق الغرض المطلوب كما يصيب السهم الهدف بدقة، وسياق الآية ظاهر في كون المراد من (كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) خصوص السيئات والمعاصي وستأتي الإشارة إلى احتمال آخر بإذن الله تعالى، والباء سببية.

فيكون معنى الآية ان المصائب التي تنزل بكم أيها الناس في دينكم أو أنفسكم أو أهليكم أو أموالكم أو امتيازاتكم وسائر ما أنعم الله به عليكم من نعم معنوية ومادية هي بسبب بعض ما صدر منكم من الذنوب وليس كلها، لأن الله تعالى (يَعْفُو عَن كَثِيرٍ) ابتداءاً بالفضل أو جزاءاً على عمل صالح، قال تعالى (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (النساء:31).

وكون المصائب بسبب افعالكم لا يلغي كونها من عند الله وبإذن الله لأنه تعالى مسبب الأسباب ومدبّر الأمور فالأسباب طولية، فالمصائبتقع بسبب أفعال العباد المباشرة وغير المباشرة لكن بإذن الله تعالى وبفعل القوانين التي

ص: 201


1- كلمة ألقيت يوم الجمعة 8 / ربيع الأول / 1440 المصادف 16 / 11 / 2018

جعلها الله تعالى للموجودات ولو شاء سبحانه لدفع عنهم (وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) لكن الله تعالى يتركهم أحياناً أهدافاً للسهام التي اعدّوها هم لأنفسهم لتصيبهم بفعل القوانين الطبيعية التي جعلها الله تعالى، كمن يسقط من شاهق بفعل الجاذبية الأرضية فتتكسر عظامه فان ما أصيب به نتيجة فعله ولو شاء الله تعالى لعطّل قانون الجاذبية كما عطّل قانون الاحراق للنار التي اوقدت للنبي إبراهيم (علیه السلام) لكن حكمة الله تعالى اقتضت جريان قانون الجاذبية لتستقر الحياة وتنتظم، قال تعالى (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (التغابن:11).

ومن هنا يتضح الفرق بين السيئة التي فيها رفع يد وعدم دفع من الله تعالى وبين الحسنة التي هي بتوفيق وتمكين مباشر من الله ومن عند الله قال تعالى (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ) (النساء:78-79).

وقد أضاف الله تعالى مزيداً من فضله بأن جعل هذه البلاءات التي تمرّ على الانسان بسبب أفعاله أو أفعال المجتمع كفارة لذنوبه وعلواً في درجاته، لذا دلَّت بعض الروايات على ان هذه الآية من أكثر الآيات الكريمة التي تعيد الأمل والرجاء إلى العاصين لما تضمنّته من البشارةبسقوط الكثير من الذنوب بالمصائب والبلاءات أو العفو والمغفرة ابتداءاً بإذن الله تعالى ففي مجمع البيان والدر المنثور عن علي (علیه السلام) قال (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) (خير آية في كتاب الله هذه الآية: يا علي ما من خدش عود ولا نكبة قدم الا بذنب، وما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه، وما عاقب في الدنيا فهو أعدل من ان يثني

ص: 202

على عبده)، وروي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قوله (إني احدثكم بحديث ينبغي لكل مسلم أن يعيه: ما عاقب الله عبداً مؤمناً في هذه الدنيا الا كان أحلم وأجود وأمجد من أن يعود في عتابه يوم القيامة)(1).

فالآية فيها تطمين بكرم الله تعالى ورحمته اذ إن ما يحل بهم من مصائب هو بعين الله تعالى وفيه تخفيف للذنوب والاوزار التي تثقل الظهر، والله تعالى شفيق رؤوف بعباده فيختار لهم الحال الذي يناسب صلاحهم، ففي مجمع البيان: روى أنس عن النبي (صلی الله علیه و آله) عن جبرئيل عن الله جل ذكره (إن من عبادي من لا يصلحه الا السقم ولو صححته لأفسده، وإن من عبادي من لا يصلحه الا الصحة ولو اسقمته لأفسده، وإن من عبادي من لا يصلحه الا الغنى ولو أفقرته لأفسده، وذلك أني ادبّر عبادي لعلمي بقلوبهم).

وفيها تحذير أيضاً من اقتراف المعاصي لأنها ستكون سبباً لتعرضهملمزيد من البلاء في الدنيا فاذا أرادوا دفع هذا البلاء أو تقليله فليتجنبوا أسبابه وهي الذنوب، فهذا التحذير رحمة أخرى بالإنسان وشفقة عليه، روي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قوله (توقوا الذنوب، فما من نكبة ولا نقص رزق الا بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة، قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم، فما زالت نعمة ولا نضارة عيش الا بذنوب اجترحوها ان الله ليس بظلام للعبيد، ولو أنهم استقبلوا ذلك بالدعاء والإنابة لما نزلت، ولو أنهم إذا نزلت بهم النقم وزالت عنهم النعم فزعوا إلى الله عز وجل بصدق من نياتهم ولم ينهوا ولم يسرفوا لأصلح لهم كل

ص: 203


1- نور الثقلين: 4/580 ح 94

فاسد ولرد عليهم كل صالح.)(1) وعن الامام الصادق (علیه السلام) (إن العبد اذا كثرت ذنوبه، ولم يكن عنده من العمل ما يكفّرها، ابتلاه بالحزن ليكفرها)(2) وعلى هذا فالآية عامة للمؤمنين والكافرين.

وهنا تثار عدة أسئلة حول مضمون الآية:

الأول: كيف نطّبق الآية على ما يصيب الأنبياء والائمة (علیهم السلام) من البلاءات وهم معصومون من الزلل والذنب؟ أو الأطفال الذين هم دون سن التكليف مثلاً؟ والجواب يمكن أن يكون بوجوه:1. ان يقال ان المعصومين (علیهم السلام) خارجون من موضوع الآية وهم الناس الذين يكونون عرضة للمعاصي بعد ان علمنا ان المقصود بها المصائب التي تحصل بسبب الذنوب فالمخاطب بها من يجوز صدور المعصية منه، والأئمة (علیهم السلام) معصومون منها فهم خارجون من الخطاب أصلاً أي تخصصاً لا تخصيصاً.

وان بلاءاتهم تكون لرفع مقاماتهم عند الله تبارك وتعالى ففي الكافي بإسناده عن علي بن رئاب قال (سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن قول الله عزوجل (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أرأيت ما أصاب علياً وأهل بيته (علیهم السلام) من بعده أهو بما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال (علیه السلام): إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان يتوب إلى الله ويستغفر في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب، إن الله يخصُّ اولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها) وفي

ص: 204


1- نور الثقلين: 4/ 582 ح 101 عن كتاب الخصال في باب الاربعمائة.
2- أصول الكافي: ج 2، كتاب الايمان والكفر، باب تعجيل عقوبة الذنب، ح 2

قول النبي (صلی الله علیه و آله) لسبطه الحسين (علیه السلام) ( إن لك عند الله مقامات لن تنالها الا بالشهادة)(1).

فبلاءاتهم (سلام الله عليهم) مشمولة بخطاباتها المناسبة فقد ورد عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) قوله (إن البلاء للظالم أدب وللمؤمن امتحان وللأنبياء درجة وللأولياء كرامة)(2)

وهذا مستفاد من الحوار الذيجرى بين الامام زين العابدين (علیه السلام) والملعون يزيد، حينما أُدخل أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) على يزيد فقال للإمام السجاد (علیه السلام) متشفياً شامتاً: يا علي: ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم) فأجاب (علیه السلام) (كلا، ما نزلت هذه فينا، إنما نزل فينا (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد:22 –23) فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا ولا نفرح بما أوتينا)(3). فيمكن ان يكون البلاء للتزهيد في الدنيا وزيادة التبصرة في حقيقتها.

2- ان يقال ان الخطاب في الآية ليس موجهاً لأفراد الناس بما هم افراد أي لكل فرد على حدة بل بما هم مجموع فالعموم هنا مجموعي وليس استغراقياً، أي أن ما أصابكم كمجتمع من بلاءات خاصة أو عامة كالمجاعة والزلازل والفتن الداخلية والعدوان الخارجي ونحو ذلك هي بسبب ما صدر من بعضكم

ص: 205


1- ينابيع المودة لذوي القربى، للقندوزي،ج3،ص46.
2- بحار الانوار: 81 / 198
3- نور الثقلين: 4 / 580 عن تفسير علي بن إبراهيم.

من معاصي وسكوت أو رضا بعض آخر فأصاب البلاء الجميع بلا استثناء حتى من لم يكن من هذين القسمين ويكون البلاء رحمة للمؤمنين ونقمة على الكافرين، وحينئذٍ يكون ضمير (كم) في (أصابكم) أعم من (كم) في (أيديكم) لان الأول يشير إلى الكل والثاني إلى البعض، وتكون حينئذ الآية بمعنى قوله تعالى (وَاتَّقُواْ1. فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال:25) وقوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41). وفي الحديث الشريف عن محمد بن عرفة قال (سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم.)(1).

3- أن نقول كأطروحة ان (مَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) تشمل الحسنات أيضاً فتكون المصائب التي تقع على الصالحين هي بما كسبت أيديهم ولكن من الحسنات لأنها تثير حسد الأعداء وتوغر صدورهم ويزين لهم الشيطان الانتقام من الصالحين بألوان الظلم والعدوان قال تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (النساء:54) فتكون اصابتهم في سبيل الله على يد أعداء الله ويكون للآية حينئذٍ دور في تخفيف الآم ومعاناة الصالحين والعاملين الرساليين بأن ما يصيبهم نتيجة نجاحهم وتألقهم.

الثاني: ان المعروف ان الدنيا دار عمل ولا حساب، والآخرة دار حساب ولا عمل فكيف حصل الجزاء في الدنيا؟ والجواب يكون بأكثر من وجه أيضاً:

ص: 206


1- وسائل الشيعة: 21130

1. ان هذا المعنى المعروف صحيح في الجملة وعلى القاعدة الا أنه ليس بشكل مطلق ولا يمنع من حصول جزاء في الدنيا تخفيفاً على العبد واشفاقاً عليه حتى لا يتعذب بها في الآخرة كما أسلفنا والأول لا يقارن بالثاني كما في دعاء أمير المؤمنين (علیه السلام) المعروف بدعاء كميل (وَأَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي عَنْ قَلِيلٍ مِنْ بَلاءِ الدُّنْيا وَعُقُوباتِها..) (فَكَيْفَ احْتِمالِي لِبَلاءِ الآخِرَةِ وَجَلِيلِ وُقُوعِ المَكارِهِ فِيها، وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ..)، أو تحذيراً للعبد حتى يراقب نفسه أكثر ويجتنب المعاصي.

كما أن الانتقال إلى الآخرة لا يمنع من استمرار العمل ووصول الأجر على العمل ففي الحديث الشريف (اذا مات المؤمن انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)(1)

و قال النبي (صلی الله علیه و آله) (من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء)(2).

2- ان هذه المصائب ليست جزاءاً للأعمال وإنما هي آثار طبيعية لها اقتضتها العلاقات الوثيقة والسنن الكونية الرابطة بين المخلوقات والقوانين اذ تؤكد الآيات الشريفة ان الناس كلما وافقوا النظام الكوني وانسجمت طاعتهم للقوانين التشريعية مع انقيادهم للقوانين الكونية فانهم سينالون بركات كثيرة وان خالفوها أصابتهم الكوارث قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا

ص: 207


1- البحار: ج2 ص22 ، جامع الأخبار: ص105
2- جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 14 - ص 27

عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96).

ويظهر هذا الارتباط الوثيق من قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) فأن حالهم في جميع نواحي الحياة المادية والمعنوية يتغير من الصلاح إلى الفساد وبالعكس بحسب سلوكهم هم في هذا الاتجاه او ذاك.

هذا بغضّ النظر عمّا تقتضيه بعض الاستثناءات أحياناً كالابتلاء لرفع الدرجات أو اغداق النعم للاستدراج (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) (الأعراف:95).

الثالث: ان مقتضى الآية حينئذٍ عدم بقاء ذنوب على الناس لأنها بين مكفّرة بالمصائب أو مُعفى عنها فلا يؤاخذون على ذنب في برزخ او قيامة وهو خلاف ما دلّ على وجود العذاب والمؤاخذة في القبر وفي القيامة، قال تعالى (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (آل عمران:185) وقال تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل:61) فكل مظلمة وذنب يؤاخذ بها في البرزخ أو القيامة الا ما غفرت بالتوبة أو تذهب بحسنة أو بشفاعة في الآخرة ونحوذلك، ويزداد الاشكال في الكافرين باعتبار شمول الآية للمؤمنين والكافرين.

والجواب:

ص: 208

1. لا مانع من الالتزام بعدم بقاء ذنوب على من محصّهم البلاء وطهرهمّ في الدنيا ولو لخصوص المؤمنين بفضل الله تعالى وكرمه وقد ورد هذا المعنى في بعض الروايات كقول النبي (صلی الله علیه و آله) (لا يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة في جسده وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة)(1) .

2. ان الآية لا تفيد هذا المعنى لأنها بصدد بيان الترابط بين الذنوب وآثارها الوضعية في الدنيا بإصابته بأنواع البلاء وليست بصدد بيان المجازاة على الأفعال مع ملاحظة العفو عن كثير بلطف الله تعالى وكرمه حيث جعل اسباباً لتكفير الذنوب والعفو عنها كالصدقة والدعاء والاستغفار وفعل الحسنات ونحو ذلك.

وفي الختام ينبغي الانتباه إلى ان هذه المعنى للآية لا يبرّر الاستسلام للمصاعب والمشاكل وعدم السعي لمعالجتها وإزالتها بإذن الله تعالى على أساس أن الله تعالى أرادها أن تكون كذلك فهذا فهم غير مستقيم، وإنما على المؤمن التوسل بالأسباب لدفع الضرر والاذى والسوء، فاذا لم ينجح في دفعها لاحظ المعنى المذكور في الآية وحينئذٍ تحصل لهحالة الندم على فعل المعصية فيستغفر منها ويعقد العزم على عدم العودة إليها.

فتكون الآية وسيلة تربوية ناجحة لعودة الانسان إلى رشده وإعادة الأمل إليه، وتكشف عن مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية.

ص: 209


1- بحار الأنوار: 67 / 236 ح 54 وأحاديث أخرى في ميزان الحكمة: 3/385

خطاب المرحلة 572 : النساء والشباب حجر الأساس في العولمة الأخلاقية والاجتماعية

بسمه تعالى

النساء والشباب حجر الأساس في العولمة الأخلاقية والاجتماعية(1)

(العالمية) مشروع قرآني، قال الله تبارك وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) وقال تعالى (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1) وفي أخبار صاحب الزمان (علیه السلام) إنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا، فالعالمية في القرآن وعند أهل البيت (علیهم السلام) مشروع انساني نبيل هدفه تحقيق العدالة والسلام والحياة الكريمة وحقوق الانسان لكل الناس بغضّ النظر عن قومياتهم واديانهم وثقافاتهم ونمط حياتهم.

وفي مقابل هذا المشروع يتردد كثيراً مصطلح (العولمة) ويريد به واضعوه من الاستكبار العالمي تذويب هويات وخصوصيات شعوب العالم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية والفكرية والعقائدية في مشروع عالمي واحد يضعون هم أساسه ومعالمه وصولاً إلى الهيمنة السياسية والاقتصادية على شعوب العالم وتسيير أمورهم كما يريد الاستكبار، هذههي حقيقة ما يريدون لكنهم يظهرون معاني أخرى جذابة ومحبّبة من أجل خداع الشعوب واستغفالها وصهرها في بوتقتهم وقد شيّدوا مؤسسات لتنفيذ هذه القضايا وفرضها على الناس كالبنك

ص: 210


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من طلبة جامعة كربلاء يوم السبت 9 / ربيع الأول / 1440 المصادف 17 / 11 / 2018 بحضور بعض النخب المثقفة.

الدولي ومنظمة التجارة العالمية للهيمنة الاقتصادية وتطويع الأنظمة الحاكمة بالشروط التي يفرضونها عند الإقراض أو تقديم المساعدات، وصرفوا أموالاً طائلة على تعزيز قدراتهم العسكرية لاستعمالها في تنفيذ اجنداتهم السياسية في أي مكان من العالم والتلويح بالقوة في وجه كل من يخرج عن ارادتهم، واشعلوا الحروب الطائفية والقومية لانهاك الدول واستنزاف قدراتها وإبقائهم محتاجين إليهم. وأوجدوا أدوات لتنفيذ هذه المخططات كالجماعات الإرهابية.

وهذا الوعي ربما يكون متاحاً لكثيرين لكن الذي يندر الالتفات إليه ولا يتم التركيز عليه مع عظيم خطورته وتأثيره هي العولمة الاجتماعية والأخلاقية والثقافية التي هي أساس الاشكال الأخرى للعولمة فاذا سلخ المجتمع من اخلاقه ومبادئه وانتمائه فانه يصبح حينئذٍ سهلاً لمشاريع الاستكبار.

وحجر الأساس في هذه العولمة هم الشباب والمرأة حيث يمتلكان الحيوية والنشاط وقوة التأثير ويعانيان من الجهل وقلة الخبرة ويشعر كل منهما بالتهميش في المجتمع وعدم نيل حقوقهم، لذا وضعوا البرامج وشيّدوا المؤسسات ودرّبوا شخصيات لإحداث هذا الاختراق في سلوكالمجتمع وانماط تفكيره والقضايا التي يؤمن بها ويسعى لتحقيقها ويكرّس وقته لها ونجح في هذا الاختراق ومظاهره بادئة للعيان وصرنا نرى سلوكيات وظواهر لم تكن معروفة من قبل، ووصلت إلى مستويات مقززة ومقلقة لدى هاتين الشريحتين.

فلباس بعض الشباب ومظهرهم الخارجي واستدراج بعضهم لتعاطي المخدرات وقضاء الأوقات في أماكن اللهو والعبث وبروز ميول للعلاقات

ص: 211

الجنسية المثلية تكشف عن مستويات متدنية من الانحراف.

وانظر إلى الاحصائيات التي تصدرها المحكمة الاتحادية عن عدد حالات الزواج والطلاق في مختلف المحافظات لترى تزايد حالات الطلاق إلى مستويات مرعبة بحيث وصلت نسبة حالات الطلاق إلى الزواج في آخر إحصائية إلى 30 بالمئة وهي نسبة غير مسبوقة وتكشف عن كارثة اجتماعية وحينما نقرأ الأسباب الداعية إلى الطلاق تجدها تافه ولا يمكن أن تبرّر تهديم الاسرة وضياع الأطفال وتخريب الاواصر الاجتماعية، وقد سألت أحد القانونيين عن الدوافع الحقيقية لطلب النساء الطلاق، فقال أن أحدها الامتيازات الكثيرة التي كفلها القانون للمطلقات مما يغري المرأة الطامعة في هذه الماديات وان بعض المحامين ممن لا يخافون الله تعالى يطلعون المرأة على هذه الامتيازات فيغرونها بطلب الطلاق ويعلمونها الحيل القانونية للوصول إلى الهدف.

من هنا تعرف سر ثورتهم عندما تحرك بعض الأخوة لإقرار قانونللأحوال الشخصية يوافق الشريعة الإسلامية عملاً بما كفله الدستور من حرية المواطن في ممارسة أحواله الشخصية وفق اعتقاده، وما هذه الثورة والضجيج والتسقيط والافتراء الذي مارسوه للتشويش على القانون الا لأنهم جعلوا ضمن مواده ما يخرب هذه العلاقات الاجتماعية ويعطل شريعة الله تعالى، والا فلا نفهم وجهاً لهياجهم لأن القانون سُلِّم كمقترح قابل للنظر والتعديل وأنه ليس بديلاً عن القانون الوضعي وإنما يُدرج كخيار ثاني للمواطن في الموارد التي يختلف فيها القانون الوضعي مع الشرعي وللمواطن اختيار أحداهما، وهذا موافق للدستور

ص: 212

ولمتطلبات حقوق الانسان والحرية والديمقراطية التي يدعّونها فما وجه عاصفتهم الهوجاء؟ والأشد أسفاً هو هزيمة بعض الواجهات الإسلامية وانحنائهم لهذه العاصفة وتخليهم عن مسؤولياتهم امام الله تعالى والدين والأمة.

إن الاستكبار العالمي والقوى الشيطانية تدرك تماماً ما للنساء والشباب من تأثير مباشر في تغير المجتمع باتجاه الصلاح أو الفساد لذا فأنهم لا يتوانون في استهدافهما وإفسادهما لكي يفسد المجتمع كله ولو لا لطف الله تعالى ورعاية الامام (علیه السلام) وجهود وتضحيات العاملين الرساليين وبركة إقامة الشعائر الدينية لتحققت لهم هذه النتيجة والعياذ بالله.

وهكذا رأينا نفس هذه الأدوات تؤدي دورها في بقية المجتمعات الإسلامية ولعل اجرأ الحكومات على التخلي عن الإسلام هو ما نسمعهعن القوانين المخالفة للشريعة التي تسنّها السلطات في تونس والمغرب. فعلينا جميعاً أن نعي هذه المواجهة الناعمة والجراثيم الخفية التي تسري في جسد الأمة كالمرض الخبيث، وان ننشر هذا الوعي بقوة وإيمان، ومما يزيد عزيمتنا الالتفات إلى اننا نعيش مفصلاً مهماً في تاريخ الأمة، وهو زمان له ما وراءه كما يقول العرب أي ان المستقبل مبني على نتائج ومخرجات ما يجري اليوم إن كانت خيراً فخير أو شراً فشرّ.

فعندما نستشعر عظم المواجهة والبركات التي تثمرها الوقفة الحازمة الشجاعة اليوم فانه يزيد من عزيمتنا ويربط على قلوبنا ويثبت اقدامنا بإذن الله تعالى.

ألسنا نغبط أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذين قاتلوا معه يوم بدر يوم الفرقان

ص: 213

بحسب القرآن الكريم لأنهم ثبّتوا الإسلام، ونغبط أصحاب الامام الحسين (علیه السلام) ونقول (ياليتنا كنا معكم) لأنهم أقاموا الحق في ذلك المفصل التاريخي الهام وحفظوه إلى يوم القيامة وان سرّ ثباتهم في ذلك اليوم وهم يواجهون جيشاً متوحشاً يفوق عددهم ألف مرة لأنهم وعوا هذه وأراهم الامام الحسين (علیه السلام) هذه النتائج المباركة إلى يوم القيامة، فكذلك نحن نعيش مفصلاً تاريخياً في حياة الأمة وعلينا أن نسجل موقفاً محموداً ولا نفرط فيه من أجل شهوة أو نزوة أو طمع أو تقاعس أو كسل أو الحصول على مكاسب شخصية محدودة، ولا ننخدع بوعودهم أو تسويلاتهم والله ولي التوفيق.

ص: 214

خطاب المرحلة 573 : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة :256)

بسم الله الرحمن الرحيم

(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة :256)

الرد على شبهة انتشار الإسلام بالسيف(1)

(لا) النافية للجنس والجملة يمكن ان تكون خبرية فيخبر الله تعالى ان ارادته لن تتعلق باكراه الناس على اعتقاد الحق قال تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس : 99) وتنفي الآية وجود أي حكم اكراهي في الدين يُجبر عليه الانسان من غير رضاه، فاذا تعرّض الإنسان لحكم اكراهي فليعلم انه ليس من الدين، كحديث (لا ضرر ولا ضرار) الذي ينفي وجود حكم ضرري في الشريعة.

ويمكن ان تكون العبارة انشائية فتدعوا الآية الى عدم اعتماد أسلوب الاكراه لجلب الاخرين الى الدين وتنهى عنه:

(أولا) لأنه قد تبين الرشد والطريق الموصل الى الهداية والايمان وأصبح متميزا عن الغي وطريق الضلال ويبقى الامر متروكا لاختيار الانسان وارادته في سلوك اي منهما وليتحمل مسؤولية قراره ثواباوعقابا.

(وثانيا) لان العقيدة امر عقلي وقلبي فلا يمكن فرضه بالقوة على الانسان وانما يأتي عن قناعة به، والذي يتعرض للإكراه ويظهر ما يريده المُكرِه فانه

ص: 215


1- كلمة ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على طلبة بحثه يوم الأحد 17 / ربيع الأول / 1440 المصادف 25 / 11 / 2018 بمناسبة المولد النبوي الشريف.

يرجع عنه مباشرة بعد زوال الاكراه، وانما يتصور الاكراه في الأفعال والاعمال الخارجية وقد يلجا اليه العقلاء لإقرار النظام الاجتماعي ولحماية الانسان من الضرر ونحو ذلك مما سياتي.

والحقيقة ان المعنى الثاني مستند الى الأول لان حاصلهما: النهي عن اجبار شخص على الاعتقاد بالحق، لعدم إمكانية تحقيق هذه النتيجة بالإكراه وانما بالإقناع ونستفيد من الآية عدة أمور:

1- ان الإسلام يحترم كرامة الانسان وحريته وحقه في اعتناق العقيدة التي يقتنع بها ويعتمد أسلوب الحجة والبرهان والبيان لتحصيل القناعة التامة لدى الاخر فحرية الاعتقاد أوضح علامة على انسانية الانسان فمن يسلب هذه الحرية انما يجرد الانسان من انسانيته.

ولأجل احترام هذه الحرية ومبدا الاختيار نفى ونهى عن الاكراه في الدين، والاختيار سنة الهية جارية في خلقه ويتحمل الانسان مسؤولية اختياره (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال : 42).

2- وقد كفل الإسلام مضافاً إلى ذلك حرية ممارسة الشعائر الدينية، وفي بعض الروايات (أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله (صلی1- الله علیه و آله) وكان سيدهم الاهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلواتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا، فقال أصحاب رسول الله: يا رسول الله هذا في مسجدك؟ فقال: دعوهم، فلما فرغوا دنوا من رسول الله فقالوا: إلى ما تدعوا؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث قالوا: فمن أبوه؟) وكأنهم أرادوا أن يحرجوه (صلی الله علیه و آله) بهذا السؤال

ص: 216

ليثبتوا أنه ابن الله (فنزل الوحي على رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فقال: قل لهم: ما يقولون في آدم؟ أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي صلی الله علیه و آله فقالوا: نعم، فقال: فمن أبوه؟ فبقوا ساكتين، فأنزل الله: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم)(1).

وكان أصحاب الديانات والملل المختلفة يعيشون في ظل دولة الإسلام ويمارسون شعائرهم بكل حرية، ومن ارقى مظاهر الإنسانية تعاطف امير المؤمنين (علیه السلام) مع بعض غير المسلمين الذين تعرضوا للسلب في احدى غارات معاوية على غرب العراق بحيث يشرف (علیه السلام) على الموت ألماً وأسفاً قال (ولقد بلغني أن الرجل منهم، كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة.. فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها القلب هو السوار والرعاثالقرط ما تمتنع منه الا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كلم ولا اريق لهم دم.. فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا آسفا، ما كان به ملوما، بل كان له عندي جديرا)(2).

3- ان الاكراه المنفي ليس فقط على مستوى استعمال القوة العنيفة بل ترفَّع الإسلام أيضاً عن كل الأساليب غير الشفافة والاكراه بالقوى الناعمة كممارسة الخداع والتضليل والتمويه والتجهيل والادعاءات الباطلة، واستخدام الوسائل والظواهر الخادعة والخارقة للعادة ظاهراً التي تقود المسحور بها الى التسليم، فهذه كلها أساليب مرفوضة لأنها تصادر العقل والادراك والوعي والتدبر، فان

ص: 217


1- بحار الانوار: 21/ 340
2- نهج البلاغة: 67 الخطبة 27

قلت أن هذا ليس إكراهاً لغة وعرقاً قلنا يمكن أن يكون المعنى القرآني أوسع منهما أو نقول ان مناط الاكراه موجود فيها وهو مصادرة الوعي والبصيرة والتدبر.

4- وتفريعا على هذه النقطة فان الآية الكريمة تدعو الناس الى ترك التقليد في العقائد واتباع طريق الحجة والبرهان، لان التقليد من غير تدبر وادراك ووعي هو شكل من اشكال الاكراه والمورد لا يقبله.

5- ان الآية خير رد على من يتهم الإسلام بالتوسع بالقوة العسكرية واجبار الاخرين على اعتناقه، فان من يترفع عما ذكرناه في النقطة الثالثة يكون من باب أولى رافضاً لأساليب القهر والتهديد بالقوة، وانما جاز القتال في بعض الموارد للدفاع عن النفس او لحماية المجتمع من الفتنة1- والضلال او لإزالة قبضة الطواغيت الذين يمنعون الناس من الاستماع الى الحق واتباعه ويصادرون حريتهم في الاعتقاد والممارسة ونحو ذلك من الدوافع التي ذكرناها في اكثر من موضع.

6- مما تقدم يظهر ان موضوع هذه الآية مختلف عن موضوع آيات القتال لذا فما قيل من ان هذه الآية منسوخة بتلك الآيات غير صحيح وإنَّ علة الحكم بعدم الاكراه في الدين وهو تبيّن الرشد من الغي موجودة ومستمرة ولا تتأثر بآية القتال.

7- إن هذا المبدأ دليل على عظمة الإسلام وثقته بنفسه وقدرته على اقناع البشرية ولذا فهو لا يحتاج الى القوة وهكذا كل أصحاب المشاريع الناجحة الرصينة وانما يتوسل بالقوة الفاشلون من اصحاب الأيدولوجيات البشرية، غير

ص: 218

القادرين على اقناع الناس بمشروعهم أو أنهم لا يمتلكون مشروعاً حضارياً أصلاً، والمفارقة الغريبة ان الله تعالى خالق البشر ومدبرهم وولي أمورهم ينهى عن الاكراه في العقيدة لكن الطواغيت والمستكبرين وهم مخلوقون عاجزون فاشلون يعطون لأنفسهم الحق في اجبار الناس على متابعتهم وتنفيذ ما يريدون.

8- والآية لا تنافي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لان الغرض من هذه الفريضة هو إلزام المعتقد للحق بالعمل بما أعتقده صحيحا وليس اجبار غير المعتقد للحق على اعتقاده، مضافا الى ان هذه الفريضة انما شرعت لحفظ النظام الاجتماعي العام من المفسدين1- والمنحرفين والمضلين ولضمان تطبيق القوانين التي يدين بها الناس ومن واجب العقلاء فعل ذلك، وإلزام الناس بالنظام العام وعدم التجاوز على حقوق الآخرين.

9- يفهم البعض من الآية فهما مغلوطاً فيتصور ان الآية تدل على ان الإسلام لا يتدخل في عقيدة الانسان وسواءٌ عنده ان يؤمن او لا يؤمن، ويجيز لكل انسان ان يعتقد ما يشاء حتى عبادة الاصنام من دون أي يلحق به أي مسؤولية، وان الإسلام يقف على مسافة واحدة من الجميع.

وهذا الفهم يناقض أساس الإسلام المبني على التوحيد ونبذ الشرك والكفر قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران : 19] وقال { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 102] وهذ الفهم يشبه من يضع القوانين لحفظ مصالح العباد والبلاد ثم يقول لهم انتم احرار في الالتزام وعدم الالتزام بها.

ص: 219

فالصحيح ان الله لا يأذن بعقيدة غير التوحيد وان معنى الآية إعطاء الانسان حرية اختيار العقيدة على أن يتحمل مسؤولية قراره بعد اتضاح الحق والطريق الموصل اليه.

ص: 220

خطاب المرحلة 574 : المرجع اليعقوبي: يحذَّر من تضييع الانجازات وبيع العراق وأهله بثمن بخس

بسمه تعالى

المرجع اليعقوبي: يحذَّر من تضييع الانجازات وبيع العراق وأهله بثمن بخس

دعا سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) الشعب بجميع مكوناته الى اليقظة والحذر المستمرين والنظر الى ما يجري بوعي وبصيرة والا فأن انجازاته التي تحققت بدماء ابنائه الزكية يمكن ان تذوب وتضمحل ويعود الى السلطة والحكم فاسدون وانانيون لاهّم لهم الا مصالحهم الشخصية.

واثنى سماحته خلال لقائه(1) جمعاً من وجهاء وشيوخ عشائر من السنة والشيعة في عدة مناطق من بغداد وحزامها على تضحيات الشعب في مواجهة التحديات الصعبة التي تعرض لها فكانت مرابطته في الميدان هي صمام الأمان من انحدار الاوضاع نحو الكارثة.

وأكّد سماحته ان هذه المرابطة لم تنته بعد وان وقت الاحتفال بالنصر على الارهاب والفساد والعمالة للأجنبي وتذويب الهوية الوطنية وحماية وحدة العراق وحفظ ثرواته وصيانة كرامة العراقيين ونحو ذلك من الاهداف الاستراتيجية لم يحن بعد فالخطر لازال ماثلاً لان الاعداء متربصون بنا واذنابهم من ذوي الاطماع الدنيئة موجودون بيننا وهم علىاستعداد لبيع العراق واهله بثمن بخس.

ص: 221


1- تاريخ اللقاء يوم السبت 23/ربيع1/1440 الموافق 1/12/2018

وأشّر سماحته على وجود بعض القرارات والافعال التي تُنبئ بهذا الخطر الكبير صدرت من البعض مستخفين بدماء العراقيين وصراخاتهم وآلامهم ولازالت دماء الشهداء لم تجفّ واللافتات السوداء التي تنعاهم تملأ الشوارع والساحات، في حين تشهد الدهاليز المظلمة الصفقات الرخيصة لبيع وشراء الذمم والضمائر وتسليم الشعب الى مستقبل مظلم.

لقد ورد في الاحاديث الشريفة (الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فُطِنٌ)(1) وهكذا يجب ان يكون ولا يُخدع بزخرف القول غروراً ولا يميّز بين عدوه وصديقه ويصبح عنده المعروف منكراً والمنكر معروفاً .

ص: 222


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي ج33، ص573.

خطاب المرحلة 575 : (إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) (الجمعة:6)

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) (الجمعة:6)

الاستعداد للموت: علامة صدق الايمان(1)

قال تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (الجمعة:6-7).

الَهْود بمعنى الرجوع والميل والذين هادوا هم اليهود ومن وجهة نظرهم فإن منشأ التسمية لأنهم رجعوا عن عبادة العجل إلى عبادة الله تعالى، ولكن القرآن الكريم يرى فيهم أنهم مالوا عن الله تعالى وعن الحق. ومن الشواهد على ذلك هذا التحدي الذي ذكرته الآية الكريمة، وهو ليس خاصاً باليهود وانما يتوجه إلى كل من يدعي القرب من الله تعالى والمنزلة الرفيعة في الآخرة وقد ورد هذا المعنى في آية أخرى بهذا العموم قال تعالى (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ) (البقرة:94-95).

فالآية الكريمة تتحدى اليهود الذين زعموا أنهم أولياء الله وشعبهالمختار وان الجنة خالصة لهم وانهم أبناء الله وأحباؤه (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ

ص: 223


1- كلمة القيت يوم الجمعة 13 / ربيع الآخر / 1440 الموافق 21 / 12 / 2018

أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (المائدة:18) وتُبيِّن لهم ان علامة صدق الايمان ومحبة الله تعالى الشوق للقائه وتمني الموت والخروج من هذه الدنيا وعلائقها المادية حتى تزول موانع اللقاء مع الحبيب والفوز بالنعيم فليتمنوه إن كانوا صادقين في دعاواهم، ومطمئنين لنتيجتهم، وعليهم أن لا يخافوا من تعرضهم لأسبابه كالجهاد الموجب للقتل، ولكنهم يعلمون أنهم محبون للدنيا وليس لله تعالى في قلوبهم وعقولهم أي نصيب خصوصاً أحبارهم الذين بنوا قداستهم المزيفّة على مثل هذه الأوهام والادعاءات، لذا فهم حريصون على البقاء فيها، ويكرهون الموت لأنه يحرمهم من وصال ما أحبّوه من الدنيا الدنيّة (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة:96).

ويكرهون الموت أيضاً ولا يتمنونه لأنهم اوغلوا في الظلم وفعل الموبقات واقتراف السيئات فهم لا يريدون الموت لأنه ينقلهم إلى دار الجزاء وهم يخافون مما سيواجهونه من العقاب (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ) (البقرة:95) والآية تفيد التأبيد فهم لم ولن يتمنوا الموت والواقع يشهد بصدق هذه الحقيقة.

لكن الآية الكريمة التالية تصدمهم بقوة وتذكرّهم بحقيقة حتمية لايمكن التغافل عنها حاصلها ان الموت الذي تفرّون منه سينزل بكم يوماً (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجمعة:8) وعندما يأتيكم الموت فأنكم ستجدون أنفسكم بين يدي الله تعالى ليخبركم بما قدمتم من اعمال، فاذا كنتم تريدون

ص: 224

الفرار من الموت ففروا إلى الله تعالى فأنه لا ملجأ منه الا إليه، عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال (أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس اليه، والهرب منه موافاته) (1) .

فإذن أنتم ستلاقون هذا الآتي مهما هربتم من أسبابه، بل انكم (ملاقوه) فعلاً الآن ومستمرون على ملاقاته بعد الآن بحسب دلالة اسم الفاعل (ملاقي) على الاستمرارية.

ولهذه الملاقاة الآنية للموت مع أنهم أحياء ظاهراً في هذه الدنيا أكثر من تفسير:

1- أنّهم موتى روحياً ومعنوياً وضمائرهم ميتة وجوارحهم لا ينتفعون بها (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف:179) فليس لديهم ما يدلّ على حياتهم المعنوية إلى ان يحين موعد قبض الروح بواسطة ملك الموت فيتحقق الموت الجسدي أيضاً.

2- ويمكن أن يكون استمرار الملاقاة ناشئاً من كون أعمارهم في كل يوم يمر عليهم في نقصان واقتراب من الأجل فكأنهم داخلون في مقدمات الموت، روي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) (عجبت لمن يرى أنه يُنقص كلَّ يوم في نفسه وعمره وهو لا يتأهب للموت) (2) .

وقد تسأل: ان اليهود الذين كانوا في عهد نزول الخطاب لماذا لم يتحدوا

ص: 225


1- الكافي 1:299، البحار 42:206
2- غرر الحكم: 6253

الآية الكريمة فلم يدّعوا تمني الموت ولو بألسنتهم لإثبات صدقهم

والجواب: ان هذا الخطاب كان دعوة على نحو المباهلة بين النبي (صلی الله علیه و آله) واليهود لأنهم كانوا يدعّون أنهم على الحق وان دعوة النبي (صلی الله علیه و آله) لا تشملهم وانها موجهة إلى الأميّين أو الأمميين بحسب تقسيمهم (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) (آل عمران:75) فدُعُوا إلى المباهلة ولازمها نزول العذاب على الكاذب منهما وهم يعلمون أنهم كاذبون فخافوا من نزول العذاب ورفضوا التحدي والمباهلة، وروي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قوله (لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله (صلی الله علیه و آله) لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالا) (1) .ولابد أن نلتفت إلى معنى مناسب لتمني الموت تدعو إليه الآية الكريمة لأن تمني الموت أمر غير مرغوب في الشريعة المقدسة كما اشارت إليه الأحاديث الشريفة كالحديث النبوي الشريف (لا يتمنى أحدكم الموت) (2) وعنه (صلی الله علیه و آله) قال (لا تمنوا الموت فأنه يقطع العمل ولا يُردُّ الرجل فيستعتب) (3) وعنه (صلی الله علیه و آله) قال (لا يتمنينّ أحدكم الموت فإنه لا يدري ما قدَّم لنفسه) (4) وعن الامام الصادق (علیه السلام) انه قال لرجل يتمنى الموت (تمنَّ الحياة لتطيع لا

ص: 226


1- رواه البخاري والترمذي والنسائي
2- كنز العمال: 42152.
3- كنز العمال42155 ، 42147.
4- كنز العمال42149 ، 42153، 42154.

لتعصي، فلأن تعيش فتطيع خير لك من أن تموت فلا تعصي ولا تطيع) (1) .

فحينئذٍ نفهم لتمني الموت في الآية معنى آخر وهو عدم كراهيته وعدم المفاجأة به والرضا بقضاء الله وقدره اذا اختاره الله تعالى أو يراد به لازمه وهو الاستعداد للموت، روي عن النبي (صلی الله علیه و آله) قوله (إن النّور إذا دخل الصدر انفسح، قيل: هل لذلك من علم يعرف به؟ قال: نعم، التّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله) (2) .ان اغلب الناس يخافون من الموت ويكرهونه ويحبّون الدنيا ولعل ذلك يرجع إلى أكثر من سبب:

1- إنكار وجود حياة ما بعد الموت ويعتبرونه فناءاً وعدماً فلا يريدون الانتقال من الوجود إلى العدم وهذه قضية غريزية كخوف الانسان من الظلمة التي هي عدم النور وهؤلاء يجب اعادتهم إلى العقيدة الحقة بالبعث والنشور يوم القيامة واقناعهم بالحجة والبرهان وإزالة شكوكهم بذكر امثلة واقعية على طريقة القرآن الكريم.

2- عدم الاستعداد للموت وعدم اعداد الزاد للرحلة الأبدية كالطالب الذي يكره حلول وقت الامتحان اذا لم يكن مستعداً له بينما يستعجله ويحب تحقق وقته اذا كان مستعداً له، فهؤلاء الذين يكرهون الموت لم يلتزموا بما نبّههم الله تعالى إليه (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) (البقرة:197) وانما شغلتهم الدنيا وافنوا أعمالهم في اللعب واللهو وتضييع الأوقات فيما لا

ص: 227


1- بحار الأنوار: 6 / 128 ، ميزان الحكمة: 8/228
2- ميزان الحكمة: ج 8 / 223 ح 19253

ينفعهم، روي ان رجلاً سأل الامام الحسن (علیه السلام) (ما بالنا نكره الموت ولا نحبه، فقال (علیه السلام) لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم وانتم تكرهون النُقلة من العمران إلى الخراب) (1) .

روي ان رجلاً سأل رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال (يا رسول الله مالي لا احبُّ الموت؟ قال (صلی الله علیه و آله): هل لك مال؟فقدّم مالك بين يدك، فان المرء مع ماله، إن قدمَّه أحبَّ أن يلحقه، وإن خلّفه أحبّ أن يتخلفّ معه) (2).

لذا وردت الاحاديث الكثيرة في الحث على الاستعداد للموت، روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قوله (من ارتقب الموت سارع في الخيرات)(3). وروي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قوله (استعدّوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا، وعلموا ان الدنيا ليست لهم بدارٍ فاستبدلوا... وما بين أحدكم وبين الجنّة أو النار إلا الموت أن ينزل به... نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تُبطره نعمة، ولا تقصِّر به عن طاعة ربِّه غايةٌ، ولا تحلُّ به بعد الموت ندامةٌ ولا كآبة) (4) .

3- عدم معرفة حقيقة الموت وتفسيره وانه انتقاله من عالم ضيق منغص إلى عالم فسيح أنيق كانتقال الجنين من رحم أمه الضيق إلى الدنيا الفسيحة بالولادة واحتضان والديه له وحنوهما عليه واغداق أنواع النعم التي لم يكن يتصورها

ص: 228


1- معاني الاخبار: 390 ح 29
2- كنز العمال: ح 42139
3- بحار الأنوار: 77/171 ح 7
4- ميزان الحكمة: ج 8 / 223 ح 19255، عن نهج البلاغة: الخطبة 64

في بطن أمه وهو كان خائفاً متوجساً قبل الخروج إلى الدنيا لأنه لم يكن يعرف عنها شيئاً، فالموت كذلك نقلة إلى حالة أفضل وأكثر سعادة وانطلاقاً نحو النعيم وفيها خلاص منالظلم والشر ولئام الناس، فلو عرف الانسان ذلك لما كره الموت بل فرح به من دعاء الامام السجاد (علیه السلام) يوم الثلاثاء (وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي فَإنَّهَا دارُ مَقَرِّي، وَإلَيْها مِنْ مُجاوَرَةِ اللِّئامِ مَفَرِّي) (1) . وفي الحديث الشريف (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) (2) روي عن الامام السجاد (علیه السلام) قال (كان الحسين (علیه السلام) وبعض من معه من خصائصه تشرق الوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكنً نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا لا يبالي بالموت: فقال لهم الحسين (علیه السلام): صبراً بني الكرام: فما الموت الا قنطرة تعبرُ بكم من البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأيُّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر) (3) .

وروي عن الامام الهادي (علیه السلام) قوله (قيل لمحمد بن علي ابن موسى (علیهم السلام): ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت؟ قال: لأنهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله عز وجل لأحبّوه، ولعلموا أن الآخرة خيرٌ لهم من الدنيا، ثم قال (علیه السلام): يا أبا عبدالله، ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المُنقي لبدنه والنّافي للألم عنه؟ قال: لجهلهم بنفع الدواء. قال: والذي بعث محمداً بالحق نبياًإن من استعد للموت حق الاستعداد فهو أنفع له من هذا

ص: 229


1- الصحيفة السجادية: الإمام زين العابدين (علیه السلام) / ص 548 / 241
2- البحار: 1/ 603
3- معاني الاخبار: 288 ح 3

الدواء لهذا المتعالج، أما إنّهم لو عرفوا ما يؤدّي إليه الموت من النعيم لاستدعوه وأحبّوه أشدّ ما يستدعي العاقل الحازم الدّواء لدفع الآفات واجتلاب السلامات) (1) .

وروي عن الامام العسكري (علیه السلام) قوله (دخل علي ابن محمد (صلی الله علیه و آله) على مريضٍ من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: يا عبد الله، تخاف من الموت لأنك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتَّسخت وتقذّرت وتأذَّيت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب وعلمت أن الغسل في حمام يُزيل ذلك كله أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك؟ أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك؟ قال: بلى يا بن رسول الله. قال: فذاك الموت هو ذلك الحمام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا انت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كُلِّ غَمٍّ وهَمٍّ وأذى، ووصلت إلى كُلِّ سرور وفرح، فسكن الرجل واستسلم ونشط وغمًّض عين نفسه ومضى لسبيله)(2) .

وفي عيون أخبار الرضا: سئل الامام الصادق (علیه السلام) عن الموت فقال (للمؤمن كأطيب ريحٍ يشمُّهُ فينعسُ لطيبهِ وينقطع التَّعبُوالألمُ كلُّهُ عنه، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب وأشدَّ! قيل: فإن قوماً يقولون: إنه أشدُّ من نشرٍ بالمناشير، وقرضٍ بالمقاريض، ورضخٍ بالأحجار، وتدوير قُطب الأرحية على الأحداق! قال: كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين...) (3) .

ص: 230


1- معاني الاخبار: 290 ح 8
2- معاني الاخبار: 290 ح 9
3- عيون أخبار الرضا: 1/274/9

وخير نموذج لمن فهم حقيقة الموت وسعادة من لاقاه في سبيل الله تعالى أصحاب الامام الحسين (علیه السلام) وأهل بيته حيث كانوا يتسابقون إلى ساحة المعركة لنيل الشهادة بين يدي الامام الحسين (علیه السلام)

قومٌ إذا نُودُوا لِدَفْع مُلِمَّة *** والخيلُ بين مُدَعَّس وَمُكَرْدَسِ

لَبسوا القُلُوبَ على الدروعِ وأقبلوا *** يَتَهَافتون على ذَهَابِ الأَنْفُسِ

ومن كلام علي الأكبر مع أبيه الحسين (صلی الله علیه و آله) لما نعى نفسه واسترجع في طريقه إلى كربلاء (يا أبتِ لا اراك الله سوءاً ألسنا على الحق؟ قال: بلى والذي إليه مرجع العباد، قال: يا أبتِ إذن لا نبالي نموت محقين. فقال (علیه السلام) له: جزاك الله من ولدٍ خير ما جزى ولداً عن والده) (1) .

وكان أصحاب الامام (علیه السلام) فرحين مستبشرين تعلووجوههم الابتسامة ويتمازحون بينهم قبل نزولهم إلى الميدان فقال أحدهم لبرير (دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل! فقال له بُرير: والله، لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً، ولكن والله إنّي لمستبشر بما نحن لاقون، والله أنّ بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم، ولوددت أنّهم قد مالوا علينا بأسيافهم)(2) .

ص: 231


1- تاريخ الطبري: 5 / 407 الكامل: 2/555، مقاتل الطالبين: 112، الارشاد: 2/82، سير اعلام النبلاء: 3/298 وغيرها.
2- مقتل الحسين لأبي مخنف: 115

خطاب المرحلة 576 : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)

بسم الله الرحمن الرحيم

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)(1) (المؤمنون:96)

من أخلاق الإسلام التي حثّت عليها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة العفو والصفح عمّن اساء اليك وظلمك وجرح مشاعرك وأن تقابل هذه السيئة بالحسنة، وقد بلغت الآيات بالعشرات والأحاديث بالمئات، ومنها قوله تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:34-35) وقال تعالى (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) (الرعد:22) وقال تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) (المؤمنون:96).

وتصرح الآية الأولى أن من ثمرات هذا الخلق الكريم راحة النفس وصفاء البال وانتشار المودة والمحبة بين الناس بحيث نستطيع تحويل العدو إلى صديق حميم بهذه الاخلاق.

وقد جعلته الآية الثانية علامة مميزة لأولي الالباب الذين لهم مقام محمود عند الله تعالى.

ولما ابتعد المجتمع الإسلامي عن هذه الاخلاق رجع امره الى التشتت

ص: 232


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع وفد ملتقى العلم والدين ووفد مؤسسة فيض الزهراء (علیها السلام) يوم السبت 22/12/2018 الموافق 14/ ربيع الثاني/ 1440.

والتنازع والفرقة والاختلاف إلى حد الاقتتال وازهاق الأرواح، فان هذه النزاعات كان يمكن نزع فتيلها والقضاء عليها من أول الأمر بالعفو عن الإساءة ومقابلة السيئة بالحسنة.

إن هذه الاخلاق الإسلامية هي أساس ما يعرف اليوم بعلم التنمية البشرية وعلم الانثروبولوجي وفن العلاقات الإنسانية.

وفي الحقيقة فأن عنوان مقابلة السيئة بالحسنة له مظاهر عديدة في العلاقات الاجتماعية، ويتحلل إلى اشكال عديدة من السلوك الإنساني، ففي كتاب الكافي بسند صحيح عن الامام الصادق (علیه السلام) (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) في خطبته الا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة، العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلى من اساء اليك وإعطاء من حرمك)(1).

فهذه الأنماط الأربعة من السلوك كلها داخلة تحت هذا العنوان، وفي الكافي أيضاً بسند صحيح عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (صلی الله علیه و آله) قال (سمعته يقول اذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم ينادي منادٍ أين أهل الفضل قال فيقوم عنق أي جماعة من الناس فتلقاهم الملائكة فيقولون وما كان فضلكم فيقولون كنّا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفوعمن ظلمنا قال: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنة)(2).

تصوروا أي منزلة رفيعة يحظى بها أهل هذا الخلق الكريم حيث ينادون من

ص: 233


1- أصول الكافي: 2/107 باب العفو ح 1
2- أصول الكافي: 2/107 باب العفو ح 2

بين مليارات البشر من الأولين والآخرين ثم يكرمّون امام الملأ العام الواسع بما يسرّهم وفي ذلك اعلان عن أهمية هذا الخُلق.

قد تقول ان الآخر لا يفهم هذه الاخلاق ولا يتجاوب معها مما يدفعني إلى مقاطعته، لكن الامام الباقر (علیه السلام) يحمِّل المظلوم مسؤولية القطيعة كما يحمّلها الظالم في تأكيد عجيب على هذه الاخلاق، روي عن الامام الباقر (علیه السلام) (ما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث أي ثلاثة أيام الا وبرئت منهما في الثالثة فيقل له: يا بن رسول الله، هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟ فقالّ: ما بال المظلوم لا يصير إلى الظالم فيقول: انا الظالم حتى يصطلحا)(1).

إن حمل النفس على هذه الاخلاق يتطلب شجاعة ومجاهدة للنفس عظيمة وهذا مما لا ريب فيه لذا سُمي (الجهاد الأكبر) ولكنه مع العزم والتوكل على الله تعالى والوعي بعواقب الأمور ييسّر الأمر، ومن الأمور التي تستحضرها لتقوّي عزيمتك ما رواه الامام الصادق (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال (قال عيسى بن مريم ليحيى بن زكريا (صلی الله علیه و آله) اذا قيلفيك ما فيك فاعلم أنه ذنب ذكرته فاستغفر الله منه وإن قيل فيك ما ليس فيك فاعلم انه حسنة كتبت لك لم تتعب فيها)(2). لأن الأمر لا يخلو من أحدى الحالتين وفي كلتيهما يكون الخير لك.

وان كان المفروض بنا كمسلمين أن نسلِّم لما يريده الله تعالى فوراً بلا كلام وعدم الاحتياج إلى مزيد من الكلام لتحصيل القناعة بما يريده الله تعالى.

ص: 234


1- بحار الأنوار:75/188 ح 10
2- أمالي الصدوق:414، المجلسي 77 ح 8

ويتأكد هذا الخُلق بين الاقرباء والارحام، عن عبدالله بن سنان قال (قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إن لي ابن عم أصله فيقطعني، حتى هممت لقطيعته إياي أن اقطعه قال: إنك اذا وصلته وقطعك وصلكما الله جميعاً وإن قطعته وقطعك قطعكما الله جميعاً)(1).

وعن الامام الصادق (علیه السلام) وقد جاءه رجل يشكو اقاربه فقال (علیه السلام) (اكظم غيضك وافعل، فقال: انهم يفعلون ويفعلون، فقال: أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظر الله اليك)(2).

وتبيّن الرواية التالية النكال والعقوبة القاسية التي تحلّ بمن يقابل الحسنة بالسيئة من ذوي الارحام فقد روى الكشي في رجاله بسنده عن علي بن جعفر بن محمد أن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق(علیه السلام) شاء ان يستأذن عمه ابا الحسن موسى (علیه السلام) في الخروج إلى العراق قال: فأذن له، فقام محمد بن إسماعيل فقال: يا عم أحب أن توصيني، فقال: اوصيك أن تتقي الله في دمي أي لا تنقل إلى هارون العباسي كلاماً عني يؤدي إلى قتلي فقال: لعن الله من يسعى في دمك، ثم قال: يا عم أوصني، فقال: اوصيك أن تتقي الله في دمي، قال: ثم ناوله أبو الحسن (علیه السلام) صرة فيها مائة وخمسون دينارا، فقبضها محمد، ثم ناوله أخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أعطاه أخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده; فقلت له في ذلك: ولاستكثرته، فقال: هذا ليكون أوكد لحجتي عليه إذا قطعني

ص: 235


1- الوسائل: 15 / 247 عن أصول الكافي.
2- الوسائل 8/393 عن أصول الكافي/469

ووصلته، ثم ذكر انه سعى بعمه الى الرشيد وانه يدعي الخلافة ويجيء له الخراج، فامر له بمئة الف درهم ومات في تلك الليلة.

فاذا أردنا صفاء البال وراحة النفس والسعادة وبناء المجتمع المتماسك المتحد المتحابب في الدنيا وضمان الفوز بالدرجات الرفيعة في الاخرة فلنلتزم بهذه الاخلاق الكريمة.

ص: 236

خطاب المرحلة 577 : بيان بمناسبة وفاة سماحة آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (قدس الله سره)

بسمه تعالى

بيان بمناسبة وفاة سماحة آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (قدس الله سره)

فُجعت الأمة الإسلامية عامة والحوزات العلمية الدينية خاصة اليوم برحيل أحد ابنائها البررة الذي نذر عمره الشريف للارتقاء بها في آفاق العزة والكرامة وهو سماحة آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (قدس الله نفسه الزكية).

لقد نَبَغَ الراحل الكبير منذ وقت مبكّر في تحصيله العلمي وكان محط اهتمام أساتذته العظام خصوصاً السيد الشهيد الصدر الاول (قدس الله سره) الذي كان يستبشر برؤيته ووجوده ويشيد به ويُظهر ذلك أمام الاخرين, وقد حدثني قرينه السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس الله سره) إنه كان من أنبغ تلامذة أستاذه الشهيد (قدس الله سره) وقد أثمرت تلك الجهود المضنية مؤلفات جليلة في الفقه والأصول نالت اعجاب أهل الفن .

ولم يقتصر عطاؤه على العلوم الحوزوية المتعارفة بل امتدّ الى الحقول الفكرية والمعرفية الاخرى, وكان مثقفاً بثقافة عصره, ومن يتابع الحوارات التي أُجريت معه في بعض المجلات يتأكد من ذلك, وهذا ليس غريباً عليه وهو ابن مدرسة الشهيد محمد باقر الصدر (قدس اللهسره) ومن حاملي لوائها .

لقد آمن منذ ريعان شبابه بمشروع الاسلام وأهليته لقيادة الحياة بجميع

ص: 237

شؤونها وشاركه في ذلك اخوانه البررة فشمّروا عن ساعد الجد لإقناع الأمة به ودفعها نحو التغيير والاصلاح, فنالهم ما نال الرساليين من العَنت والشدة, حيث اعتُقِل السيد الهاشمي عام 1974 واستشهد ثلاثة من اخوته حتى اضطر الى مغادرة العراق عام 1979 على مضض حينما رأى اتجاه الاحداث يسير نحو النهاية المحتومة لأستاذه الشهيد الصدر, فكان لزاماً عليه أن يحافظ على تراث استاذه العظيم وينقله الى الجمهورية الاسلامية فزوّده الشهيد الصدر (قدس الله سره) بما يليق به من شهادات التبجيل والمقام العلمي الرفيع حيث كان يعقد الآمال عليه.

ان غياب الراحل الكبير ثلم في الاسلام ثلمة لا يسدّها شيء أبداً إلّا بظهور عالم مثله, وهذا لا يتحقق إلا بأن تبذل الحوزات العلمية غاية جهودها .

محمد اليعقوبي – النجف الأشرف

16/ ربيع الثاني / 1440

24 / 12 / 2018

ص: 238

خطاب المرحلة 578 : رسالة المرجعية إلى المؤمنين في الدول غير الاسلامية

بسمه تعالى

رسالة المرجعية إلى المؤمنين في الدول غير الاسلامية

استقبل(1) سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) جمعاً من المستبصرين الأوروبيين المقيمين في ألمانيا، وبعد الترحيب بهم في رحاب الأئمة المعصومين (علیهم السلام) والدعاء لهم تحدث بكلمة نقلها المترجم إليهم وقد أشار في حديثه إلى عدة أمور:

الأول: معرفة عظمة ما أنعم الله تعالى به علينا من الهداية إلى دين الإسلام وولاية أهل البيت (علیهم السلام)، روي عن الامام الصادق (علیه السلام) قوله وهو يحاور أبا حنيفة إمام المذهب الحنفي في بيان المراد من قوله تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر:8) قال (علیه السلام) (نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين، وبنا ألف الله بين قلوبهم بعد أن كانوا أعداءاً وبنا هداهم الله تعالى إلى الإسلام وهي النعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي (صلی الله علیه و آله) وعترته (علیهم السلام))(2).

واعطانا الامام موسى بن جعفر (صلی الله علیه و آله) دليلاً على قيمة هذه النعمة عند من

ص: 239


1- تاريخ اللقاء السبت 26 /جمادي الأولى/ 1440 ه المصادف 2/2/2019.
2- تفسير الصافي 4/240 عن الكافيَ باب النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الائمة (علیهم السلام) ، الكافي: 1/169 ح 1

يعرفها حيث روى لنا أن شخصاً جاء إلى أبيه الامام الصادق (علیه السلام) وشكا اليه الفقر فنفى الامام (علیه السلام) كونه فقيراً فحلف ذلك الرجل بأنه فقير فقال (علیه السلام) (خبّرني لو أعطيت بالبراءة منّا مائة دينار والدينار يساوي مثقالاً من الذهب كنت تأخذ؟

أي تتبرأ من ولايتنا بهذا الثمن قال: لا وبدأ الامام يزيد المبلغ إلى أن ذكر الامام (علیه السلام) ألوف الدنانير والرجل يحلف أنه لا يفعل، فقال علیه السلام له: من معه سلعة يعطى بها هذا المال وهو لا يبيعها هل هو فقير؟)(1) .

ثم خاطب سماحته (دام ظله) الحاضرين قائلاً: واعتقد ان كل واحد منكم لو اعطي ذلك لما تخلى عن ولاية أهل البيت (علیهم السلام) فتفاعل الحاضرون مع هذه الالتفاتة وأجهش بعضهم بالبكاء.

الثاني: الالتفات إلى حقوق هذه النعمة وأولها الشكر القولي والقلبي باللسان والمشاعر والعملي باتباع سيرتهم والعمل بتعاليمهم، روى الكليني بسنده عن ابي بصير عن أبي عبدالله الصادق (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) (الأعراف:43) قال (علیه السلام) (اذا كان يوم القيامة دُعي بالنبي (صلی الله علیه و آله) وبأمير المؤمنين (علیه السلام) والأئمةمن ولده (علیهم السلام) فينصبون للناس، فاذا رأتهم شيعتهم قالوا (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) يعني هدانا الله تعالى في ولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولده (علیهم السلام) )(2) .

وفي الاحتجاج للطبرسي في خطبة الغدير (معاشر الناس سلموا على علي

ص: 240


1- أمالي الطوسي: 297، المجلس 11 ح 584
2- الكافي: 1/346 ح 33

بأمرة المؤمنين وقولوا الحمدلله الذي هدانّا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)(1).

ومن حقوق النعمة: التحدث بها ونشرها ودعوة الناس اليها، قال تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11) وقد علمنا ان أعظم النعم هي نعمة الإسلام وولاية أهل البيت (علیهم السلام) وقد شرحنا ذلك في خطاب مستقل سابق(2) .

ولكم أنتم أجر مضاعف لأنكم تقومون بهذا العمل المبارك في بيئة بعيدة عن الإسلام ومخالفة لكم في الدين واشكروا الله تعالى شكراً مضاعفاً لأنه اختاركم لإداء هذا الدور الكبير وببركة جهود المبلّغين والموالين انتشر الإسلام في بقاع الأرض حتى اقاصيها في الشرق والغرب وبعضهم ذهب للتجارة او للدراسة أو فرَّ بدينه ونفسه من الظلمةوبعضهم ذهب للدعوة والتبليغ.

الثالث: ان التحديث بهذه النعمة ودعوة الناس اليها يتطلب معرفة بها واطلاعاً على سيرتهم وأخلاقهم وعلومهم ومعارفهم فلابد من تخصيص جزء من وقتكم لذلك، روى أبو الصلت الهروي قال (سمعت أبا الحسن الرضا (علیه السلام) يقول: رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: فكيف يحيي أمركم قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)(3) .

ولذا حثّ الأئمة (علیهم السلام) شيعتهم على التفقه في الدين ومعرفة الاحكام الشرعية وجعلوه فريضة على كل مسلم إلى درجة ان الامام الصادق (علیه السلام)

ص: 241


1- الفرقان: 11/34 عن نور الثقلين 2/31)
2- راجع موسوعة خطاب المرحلة وتفسير من نور القرآن
3- معاني الاخبار: 180

يقول (لودِدت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا)(1) .

الرابع: الالتزام بالقوانين المعمول بها في البلاد التي تعيشون فيها والتي شرعت لحفظ مصالح الناس والدولة وعدم الاخلال بها مع مراعاة عدم الوقوع في المعصية فان هذا الالتزام يساعدكم على العيش بأمان وسلام مع الآخرين ويجعلكم موضع احترام وتقدير و في ذلك كلمة رائعة لأمير المؤمنين (علیه السلام) قال (مقاربة الناس في أخلاقهم أمنٌمن غوائلهم)(2) .

الخامس: نريد منكم أن تكونوا متفوقين في مجالات العلم والعمل والأخلاق والسلوك حتى تكونوا سفراء حقيقين للإسلام والمسلمين ودعاة مؤثرين بأفعالكم قبل اقوالكم في الآخرين وفي ذلك حديث للإمام أبي عبد الله (علیه السلام) (ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحدٌ أورع منه)(3) .

اما الذي تصدر منه أفعال سيئة فان نتائجه سلبية على الإسلام نفسه وينّفر الآخرين من الدين لأنهم يحسبون تصرفاتهم عليه.

السادس: أن تعيشوا مجتمعين ومتقاربين وتعملوا لكم تجمعات وتشيّدوا المساجد والحسينيات والمراكز والمؤسسات الإسلامية لتحيوا بها الشعائر الدينية وتقيموا فيها صلوات الجماعة والجمعة وبذلك تحافظون على هويتكم وثقافتكم ودينكم واخلاقكم، اما اذا تفرقتم داخل المجتمعات غير الملتزمة فانه

ص: 242


1- أصول الكافي، ج1 كتاب فضل العلم، باب: فرض العلم ج 8
2- نهج البلاغة: الحكمة 401 والغائلة الكراهية والحقد.
3- وسائل الشيعة: ج15 / ص 245

يؤدي الى تذويب الدين والأخلاق ولو على مدى الأجيال اللاحقة فاحذروا ذلك.

ولا حاجة إلى المبالغة في فخامة البناء وتأثيث المساجد مما يتطلب أموالاً كثيرة لا تتوفر لدى الغالب من المؤمنين فيمكن ان يكون البناء بسيطاً والمهم أن يكون وافياً بالغرض وهذا المقدار كافٍ لاستحقاقالأجر العظيم لمن بنى مسجداً، ففي بعض الروايات أن شخصاً من أصحاب الامام الصادق (علیه السلام) حدَّد مساحة من الأرض بحجارات على طريق مكة والمدينة متمنياً أن يشمله الحديث الشريف (عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول: من بنى مسجداً بنى الله بيتاً في الجنة. قال أبو عبيدة: فمر بي أبو عبدالله ( علیه السلام ) في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجداً، فقلت له: جعلت فداك، نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ قال: نعم)(1) .

وينبغي الالتفات إلى أن التحدي يثير الهمة والحماس للعمل بما يحفظ الهوية وأنتم تتعرضون هناك لهذا التحدي أكثر ممن يعيش في بيئة إسلامية محافظة وهذا يدفعكم أكثر إلى ابراز الهوية كظهور المرأة بحجاب كامل وإقامة الشعائر الدينية والخروج بمسيرات العزاء في الشوارع الرئيسية ونحو ذلك من أشكال الصدع بالمشروع الرسالي امتثالاً لقوله تعالى (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) (الحجر:94) وأنا اعرف بعض الناس الذين لم يكونوا متدينين لما كانوا في بلادهم لكنهم لما ذهبوا إلى بلاد الغرب استثار التحدي مشاعرهم وانضموا إلى جماعة المتدينين وعملوا معهم.

ص: 243


1- وسائل الشيعة: ج5، باب استحباب بناء المساجد ولو كانت صغيرة، ح 6333

خطاب المرحلة 579 : أيها الشباب ابدأوا بأنفسكم أولاً

بسمه تعالى

أيها الشباب ابدأوا بأنفسكم أولاً(1)

توجد وصايا كثيرة للمعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) بالشباب لأنهم هم من يُعوَّل عليهم كأداة فاعلة ونشطة ومتحمسة وتمتلك طاقة وحيوية لإصلاح المجتمع وبناء مؤسسات الدولة وإنجاح كافة مشاريع الخير، وهذا يتطلب منهم أن يبدأوا بإصلاح أنفسهم أولاً ليتأهلوا لإداء الدور المناط بهم والا فان فاقد الشيء لا يعطيه كما قيل وسوف لا يؤدي عملهم إلى نتائج طيبة في الدنيا والآخرة إذا لم يتخذوا هذه الخطوة، ولعله يهلك نفسه ويضرّ بالآخرين.

ولعل المثال الحاضر الآن هم اغلب الطبقة السياسية الحاكمة التي سببت المأسي والكوارث للمجتمع والدولة، حيث أثبتت التجربة بعد عام 2003 عدم اخلاص العاملين وفشلهم في مقاومة اهوائهم واطماعهم وأنانيتهم وقد اكتشف السيد الشهيد الصدر الأول قدس سره في أواخر أيامه وعبَّر عن ذلك بقوله اننا استطعنا أن نربي الناس إلى نصف الطريق ولم نستطيع اكمال النصف الآخر وفسَّرها الشهيد السيد الصدر الثاني قدس سره بقوله أي اننا ملأنا عقولهم بالعلم والفكر

ص: 244


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع طلبة وشباب من المحافظات الشمالية في نهاية دورة معرفية وعملية خلال العطلة الربيعية واستمرت عدة أيام والتقاهم سماحته (دام ظله) يوم الأربعاء 30 /جمادي الأولى/ 1440 ه المصادف 6/2/2019.

والثقافة الا اننا لمنطهّر قلوبهم ونهذب أنفسهم(1) .

وهذه الخطوة الضرورية أكّد عليها المعصومون (صلوات الله عليهم أجمعين)، روي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قوله (مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً ْ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ)(2) .

وهذا الكلام لا يختص بموقع دون موقع بل يشمل جميع المتصدين للمسؤولية على اختلاف مراتبها وأنواعها.

وتلاحظون ان رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهو أكمل الخلق وأطهرهم أتعب نفسه في العبادة واختلى سنين في غار حراء واعتزل قومه المشركين ومفاسدهم حتى بلغ اربعين سنة فنزل عليه الوحي بالرسالة فلنأخذ من ذلك درساً في الاعداد لتحمل المسؤولية بكل اشكالها.

وهذه المطالبة لا تعني تأجيل التصدي للعمل الاجتماعي المثمر بانتظار اكتمال الاستعداد لأن مجاهدة النفس وإصلاحها عملية مستمرة ما دمنا في الحياة الدنيا وان النفس الامّارة بالسوء كلما قطع منها ذراع للهوى والشهوات ظهرت له غيرها، مثلاً بعض طلبة الحوزة العلميةيُطلب منه التصدي لإمامة الجماعة فيعتذر وانه ليس مؤهلاً لذلك وهذا تواضع منه الا انه حرم نفسه من بعض أبواب الطاعة، والصحيح أن يبادر إلى تهذيب نفسه ويستمر في مجاهدتها ويطلب من الله تعالى العون على العمل الصالح.

ص: 245


1- راجع كتاب الشهيد الصدر كما أعرفه
2- نهج البلاغة، الحكمة 73

واشكروا الله تعالى أنه وفقكم وألفت نظركم إلى طريق الصلاح من وقت مبكر وأنتم في عمر الزهور لأن غير المعصوم كلما امتد به العمر ازدادت ذنوبه وازداد الرين والصدأ على قلبه فتزداد صعوبة ازالته وقد يصل إلى درجة لا يمكن إصلاحها كطواغيت قريش وساداتها وشيوخها بينما سارع الشباب إلى الايمان إلى حد التضحية.

فانضمامكم إلى هذه الدورات السريعة يعطيكم شحنة ايمانية وعليكم ادامتها والمحافظة عليها ونقلها إلى اخوانكم لتبنوا مستقبلكم على أساس صحيح (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ) (التوبة:109).

ص: 246

خطاب المرحلة 580 : (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) (الزمر:54)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) (الزمر:54)

السيدة الزهراء (علیها السلام) تدعو إلى الرجوع إلى الله تعالى والانقياد له(1)

هذه وصية من ربكم أوصلها إليكم من خلال رسالته العظيمة إلى الناس، أعني القرآن الكريم وهو مليء بالموعظة لأنه كتاب هداية وصلاح وحياة للقلوب والموعظة أهم ادواتها، ومنها هذه الآيات الكريمة في سورة الزّمر الحافلة بهذه المواعظ وهي تحذّر من عاقبة الافعال السيئة. وتتضمن الوصية حركتين:

الأولى: قوله تعالى (وَأَنِيبُوا) أي ارجعوا عن ذنوبكم واخطائكم وغيّروا طريقة حياتكم البعيدة عن الله تعالى ولا تغرّنكم الحياة الدنيا بشهواتها واطماعها وزخارفها فأنها كلها أوهام زائلة، وعودوا (إِلَى رَبِّكُمْ) واختيار هذا الوصف للتذكير بصفة الربوبية والرعاية والتربية والتنشئة من عالم إلى عالم ومن حال إلى حال.

وباب التوبة هذه والرجوع إلى الله تعالى مفتوحة لكل أحد مهما عظم ذنبه

ص: 247


1- الخطاب الفاطمي السنوي الذي القاه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في ساحة ثورة العشرين في النجف الاشرف قبل انطلاق التشييع الرمزي في ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) يوم السبت 3 /ج2/ 1440 المصادف 9/2/2019.

وقد أطلقت الآية السابقة هذه الحقيقة لتفتح الباب على مصراعيه امام الجميع (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53) فهذه الانابة والتوبة هي الخطوة الأولى وهي ممهدة للتالية.

الثانية: (وَأَسْلِمُوا لَهُ) أي اطيعوا رّبكم وانقادوا لأحكامه ولا تجعلوا لغيره نصيباً في قلوبكم ولا تأثير لغيره في افعالكم سواء كان هذا الغير الذي تطيعونه وتتبعونه هي انانيتكم وأهواءكم واطماعكم أو اعرافكم الاجتماعية أو العشائرية أو الرموز التي تتبعونها أو الجماعات والأحزاب التي تنتمون اليها وغير ذلك.

هاتان الخطوتان تضمنان لكم السعادة والفوز والنجاة من عذاب معصية الله تعالى والتمرد على طاعته والابتعاد عن دينه فبادورا اليهما الآن وفي هذه اللحظة لأن المستقبل غير مضمون والموت يأتي بغتة وبشكل مفاجئ ولا يعلم وقته الا الله تعالى.

(مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ) لأن الانسان اذا لم يتدارك أمره ويعود إلى ربه فانه قد حكم على نفسه بالشقاء والتعاسة وعندما يموت يغلق عليه باب العمل، ويحرم من الفرص الكثيرة التي اتاحها الله تعالى له.

(ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) لا ينصركم شيء مما كرستم له حياتكم من مال أو أولاد أو منصب أو جاه أو اتباع أو غير ذلك (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ)(البقرة:166).

ولا ينفع الندم وتمني العودة والرجوع (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (الفرقان:27) من وصية النبي (صلی الله علیه و آله) لأبي ذر (رضوان الله تعالى عليه) (يا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل

ص: 248

هرمك، وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)(1) ومن كلام لأمير المؤمنين (علیهم السلام) في المبادرة إلى التوبة والعمل الصالح (أيها الناس! الآن الآن ما دام الوثاق مطلقاً

أي الحياة وفرصة العمل موجودة والسراج منيراً، وباب التوبة مفتوحاً، من قبل أن يجفَّ القلم وتُطوى الصحف، فلا رزق ينزل، ولا عمل يصعد، المضمار اليوم والسباق غداً وانكم لا تدرون إلى جنة أو إلى نار ! ! ! وأستغفر الله لي ولكم)(2).

ثم تبيّن الآية التالية ما أجملته الآية السابقة (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) (الزمر:55) وهو هذا القرآن العظيم الذي فيه تبيان كل شيء فعليكم العمل به وتدبر معانيه واتخاذه هادياً ومرشداً وقائداً ولكن عقولنا تقصر عن الإحاطة بتفاصيله فيأتي دور كلام المعصومين (علیهم السلام) في بيانه.

وتتكرر المطالبة بالمبادرة والمسارعة واغتنام الفرصة قبل فواتها (مِّنقَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (الزمر:55) فإن باب التوبة قد يغلق (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ) (غافر:85).

وحينئذٍ لا ينفع الندم ولا الحسرة ولا التأسف لأن هذه الحقيقة قد بيّنها الله تعالى للناس وحذرهم منها فلا عذر لهم (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) (الزمر:56) في كل ما يرتبط بالله تعالى من دين وأئمة وقادة هداة، وسيندم على استخفافه واستهزائه بهذا كله (وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (الزمر:56) فقد كان يسخر ممن يدعوه إلى الله تعالى ويسخّف

ص: 249


1- مكارم الاخلاق للطبرسي: 626
2- أمالي الشيخ الطوسي: 686

كلامه ويتهم دعوته بأنواع الأوصاف المنفرّة، فاذا طلبت منهم، إقامة شريعة الله تعالى والالتزام بقوانينها عارضوك ووصفوها بأنها رجعية وتخلّف أو أن الوقت غير مناسب لتطبيقها، لاحظوا معي هذا المشهد لهم يوم القيامة (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنعام:27).

فكل إعراض عن الشريعة وصدُّ عنها وعن العمل بها هو تفريط في جنب الله تعالى، وكل نكران لنبوة النبي (صلی الله علیه و آله) وإمامة آله الكرام هو تفريط في جنب الله ففي الكافي بسنده عن موسى بن جعفر (صلی الله علیه و آله) (جنب الله أمير المؤمنين)(1)، وفي بصائرالدرجات عن أمير المؤمنين (علیه السلام) يقول (أنا عين الله، وأنا جنب الله، وأنا يد الله، وأنا باب الله)(2) وعن الامام الصادق (علیه السلام) قال (انا شجرة من جنب الله فمن وصلنا وصله الله)(3) وفي المناقب بسنده عن ابي ذر في خبر عن النبي (صلی الله علیه و آله) (يا ابى ذر يؤتى بجاحد علي يوم القيامة أعمى أبكم يتكبكب في ظلمات يوم القيامة ينادي (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) وفي عنقه طوق من نار)(4) .

فالله تعالى يدعونا دائماً إلى تذكر هذه الحقائق ونحن في هذه الدنيا لنستطيع معالجة الخلل وتدارك التقصير قبل فوات الأوان، ورد في الحديث عن

ص: 250


1- الكافي: ج1 ص 145
2- بصائر الدرجات:19
3- بصائر الدرجات:19
4- مناقب آل أبي طالب 3: 64

النبي (صلی الله علیه و آله)

(أكثروا من ذكر هادم اللذات، فأنكم إن كنتم في ضيق وسعه عليكم فرضيتم به فأثبتم، وإن كنتم في غنى بغضّه اليكم فجُدتم به أي أنفقتم منه فأُجِرتم، ألا إن المنايا قاطعات الآمال، والليالي مدنيات الآجال، وان المرء عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما قدَّم وقلة غنى ما خلَّف، ولعله من باطل جمعه ومن حق منعه)(1).إن هذه الآيات الكريمة فيها قانون عظيم لإصلاح المجتمع بفتحه باب العودة إلى الصواب والاندماج في المجتمع من جديد مهما كان خطؤه عظيماً، لأن كثيراً ممن يرتكبون مثل هذه الأخطاء يفقدون الأمل ويظنون ان باب التوبة اغلق في وجوههم فيقدمون على الانتحار للتخلص من آلام تأنيب الضمير أو يندفعون نحو الجريمة أكثر لإسكات صوت الضمير وإماتته، وما يريده الله تعالى من الانسان اعترافه بخطئه ورجوعه عنه إلى طاعة الله تعالى، وسيقبله ويمحو ما سبق منه.

أيها المؤمنون الموالون للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام)

لقد ارادت السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) بقيامها المبارك أن تعيد الأمة إلى رشدها وأن تعمل بهذه الوصية من ربها لأنهم ارتكبوا اثماً عظيماً بانقلابهم على اعقابهم ومخالفتهم لنبيّهم وعصيانهم لإمامهم وأسسّوا خطاً باطلاً منحرفاً ويزيد ابتعاده عن الحق كلما مرّ عليه الزمن، تأملوا في قولها سلام الله عليها (وكيف بكم وانى تؤفكون وكتاب الله بين اظهركم، اموره ظاهرة واحكامه زاهرة واعلامه باهرة وزواجره لائحة وأوامره واضحة، وقد خلّفتموه وراء ظهوركم،

ص: 251


1- ارشاد القلوب:1/48

أرغبة عنه تريدون؟ ام بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) (أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟! أفلاتعلمون؟)(1) .

وتذكّر الأمة بأن الانابة إلى الله تعالى والإسلام له يتحققان بطاعة ولي الأمر الذي فرض الله طاعته، قالت (علیها السلام) (أما والله لو تركوا الحقّ على أهله، واتبعوا عترة نبيّه، لما اختلف في الله اثنان، ولورثها سلف عن سلف، وخلف بعد خلف، حتّى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين (علیه السلام).. ولكن قدّموا من أخّره الله، وأخّروا من قدّمه الله، حتّى إذا ألحدوا المبعوث أي دفنوا النبي (صلی الله علیه و آله)، وأودعوه الجدث المجدوث، اختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم، تبّاً لهم! أوَلم يسمعوا الله يقول (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (القصص:68) بل سمعوا ولكنّهم كما قال الله سبحانه (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج:46) هيهات! بسطوا في الدنيا آمالهم ونسوا آجالهم فتعساً لهم وأضلّ أعمالهم، أعوذ بك يا ربّ من الحَوَر بعد الكور)(2) .

أيها الأحبَّة

لا يمكن ان يجتمع حب فاطمة وموالاتها وطلب شفاعتها مع ما انحدر اليه

ص: 252


1- الاحتجاج للطبرسي: 1/131
2- موسوعة المصطفى والعترة للشاكري: 4/362، عن عوالم المعارف:11/228، والحور بعد الكور أي النقصان بعد الزيادة.

المجتمع من مفاسد وانحراف وانحلال بلغ مديات غير معقولةمن فساد مالي تحَّول إلى ثقافة عامة فأدى إلى تخريب مؤسسات الدولة وشمل حتى الخدمات الحيوية كالصحة والتعليم والقضاء والأمن ومن تجارة للمخدرات وادمان عليها إلى احتفالات الفسق والفجور إلى العلاقة المشبوهة بين الجنسين مما أدى إلى كثرة حالات الطلاق والانتحار، وازدادت الصراعات العشائرية التي تخلّف ضحايا وخسائر بالأموال وتغذيها أحياناً بعض الأحزاب المتنفذة للحفاظ على مصالحها الشخصية، وانتشرت الملاهي ومحلات بيع الخمور بشكل غير مسبوق وأصبحت متاحة حتى للصبيان وتمارس عملها بشكل علني وبحماية السلطة وبعض الجهات المتنفذة، والتشكيك في العقائد الحقة والثابتة بل الاستهزاء بها والدعوات إلى نبذها أصبحت علنية بلا حياء ولا مراعاة لمقدسات المجتمع وحرماته.

هل من المعقول أن يحصل كل هذا على أرض ضمت الأجساد الطاهرة لأمير المؤمنين والحسين والكاظمين والعسكريين (علیهم السلام) وفي ظل حكومات يتسيّدها الإسلاميون وتدعي الالتزام بتوجيهات المرجعية الدينية؟

وهل يمكن أن نرجو شفاعة الزهراء (علیها السلام) ونعدُّ أنفسنا من شيعتها الذين تلتقطهم يوم المحشر لتشفع لهم، ونحن نرى كل هذا الظلم والانحراف ولا نتحرك بالشكل الكافي لمواجهته. روى الشيخ الطوسي في مجالسه بسنده قال (كان يقال: لا يحل لعين مؤمنة ترى الله يُعصىفتطرف حتى تغيّره)(1) .

وقد جعلت سلام الله عليها معياراً لمن يستحق عنوان شيعة فاطمة قالت

ص: 253


1- وسائل الشيعة: 16 / 125 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الباب 1 ح 25

(علیها السلام) (إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه فأنت من شيعتنا)(1).

ان الله تعالى يستنهض عباده المؤمنين خصوصاً النخبة العاملة الرسالية الواعية للدفاع عن المحرومين والمستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة الا بالله العلي العظيم(2) ويدعوهم الى التحرك لإنقاذ إخوانهم من ضعاف الايمان والعقيدة والجاهلين بأحكام الشريعة فيرفعون عنهم الشبهات والشكوك ويعلمونهم الاحكام الدينية ويطلعونهم على سيرة المعصومين (علیهم السلام) وأخلاقهم وتعاليمهم وليغيّرون الظلم والفساد، قال تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104).

كما يستنهضهم لدفع الظلم والحرمان والاضطهاد عن المؤمنين الذين لا حول لهم ولا قوة فيطلبون النجدة من إخوانهم (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَرَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) (النساء:75).

ويستنكر في أحاديث شريفة على المتقاعسين عن هذه الواجبات كالحديث المروي عن الامامين الباقر والصادق (صلی الله علیه و آله) (ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر

ص: 254


1- بحار الأنوار: 68/155
2- راجع خطاب المرحلة 591/ج11 ص294 (وجوب العمل لإنقاذ المجتمع من الظلم والجهل والتخلف والحرمان).

بالمعروف والنهي عن المنكر)(1) وعن الامام الباقر (علیه السلام) قال (بئس القوم قوم يعيبون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)((2) وروي الامام الرضا (علیه السلام) عن جده رسول الله (صلی الله علیه و آله) قوله (اذا أمتي تواكلت أي اتكّل بعضهم على بعض فتركوا فريضته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله)((3) .

أيها الأخوة والاخوات

إذن نحن بحاجة إلى أن نحيي في أنفسنا هذه الغيرة الفاطمية ونستمد من القيام الفاطمي العزم والقوة للتحرك في جميع الساحات وبكل الوسائل الفاعلة والمؤثرة للعمل بما أمرت به هذه الآية الشريفة اداءً لرسالة الصلاح ولمكافحة الفساد والانحراف والضلال والظلم أسوة بالأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين).

ص: 255


1- وسائل الشيعة: 16 / 111-118 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باب 1
2-
3-

خطاب المرحلة 581 : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)

امرأة فرعون أسوة حسنة للرجال والنساء(1)

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم:11).

مثل يضربه الله تعالى ليتأسى به (الَّذِينَ آمَنُوا) جميعاً في جميع الأجيال رجالاً ونساءاً وليس النساء فقط وليأخذوا منه الدروس والعبر وهكذا كل الأمثال والقصص فليست هي للتسلية ولا لقضاء أوقات الفراغ قال تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21).

وهذا المثل شاهد على ما يمكن أن تصل إليه المرأة من مكانة سامية بحيث تصبح مثلاً وقدوة لجميع المؤمنين، انها امرأة فرعون التي ذكرت الروايات أن اسمها آسية.

وقدّم الله تعالى الآية التي تذكرها على الآية التي تذكر المثل الآخروهي مريم ابنة عمران ربما لامتياز في آسية وهي انها عاشت في بيت كافر بل في قمة الكفر والتحدي لله تعالى حيث يزعم فرعون أنه ربهم الأعلى فاختيارها

ص: 256


1- كلمة سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع إدارة ملتقى العلم والدين النسوي في النجف والمحافظات يوم الخميس 8/ جمادي ثاني / 1440 الموافق 14 / 2 / 2019.

الايمان كان على خلاف العادة وفيه مشقة كبيرة ومجاهدة عظيمة اما مريم فقد ولدت في بيئة صالحة وهم آل عمران الذين اصطفاهم الله تعالى وكانوا يقولون لمريم (علیها السلام) (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) (مريم:28) ونشأت برعاية نبي (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) (آل عمران:37) فسمّوها وكمالها يكون منسجماً مع تلك الظروف.

إن امرأة فرعون سجّلت موقفاً نادراً يصعب تصوره ويذهل المتأمل فيه فقد كانت زوجة فرعون مصر والسيدة الأولى في الإمبراطورية الفرعونية التي تنفذ كل رغباتها بلا مناقشة ولها مكانتها العظيمة في قلب فرعون وكانت تتقلب في حياة الترف والنعيم في قصور فرعون الباهرة مما تحلم به أي امرأة، وفي تلك الأبهة التي اشير الى بعض جوانبها في القرآن الكريم على لسان فرعون (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ) (الزخرف:51-53). وكان أيضاً في قمة الطغيان والجبروت بحيث ينهار أمامه أشرس الأبطال الشجعان.

واذا بهذه المرأة تتنازل عن ذلك النعيم كله وتواجه ذلك الطغيان كله وتتحول إلى صف المؤمنين بموسى (علیه السلام) لما سمعت دعوتهإلى الله تبارك وتعالى ورأت آياته المعجزة في مواجهته مع السحرة وهي تعرف قبل ذلك صدق موسى (علیه السلام) واستقامته وسمو اخلاقه عندما تبنته طفلاً رضيعاً لما وضعته أمه في تابوت وألقته في اليم (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) (القصص:8) وطلبت من فرعون أن يبقي على حياته (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (القصص:9)، روى الشيخ

ص: 257

الصدوق في كتابه الخصال بسنده عن جابر بن عبدالله قال (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين مؤمن آل ياسين وعلي بن أبي طالب وآسية امرأة فرعون)(1) .

وفي بعض الروايات انها كانت من بني إسرائيل وهي من خيار النساء من بنات الأنبياء وكانت أماً للمؤمنين ترحمهم وتتصدق عليهم(2) .

وقد أخفت ايمانها في البداية لكن هذا التغير في حياتها وسلوكها لم يكن ليخفى على زوجها اللصيق بها فرعون فعلم بذلك وطلب منها الرجوع إلى كفرها فرفضت ثم تعرضت للضغط الاجتماعي حيث ابتدأ بأمها لتستعمل العاطفة لإرجاعها إلى دين فرعون، ثم حذروها من خسارتها لكل هذه الحياة المترفة في قصر فرعون ومن بطشه وعذابه فلم يفلحوا معها ثم وصفوها بالجنون واستهزؤا بقرارها وسخروا من هذاالانقلاب في حياتها وتفضيلها وعوداً غيبية مؤجلة يقدّمها النبي موسى (علیه السلام) على نعيم عظيم حاضر تتمتع به لكنها أصرّت على الايمان فهدّدها فرعون بتعذيب غير مسبوق فلم تتراجع حتى نفّذ تهديده ليثبت بذلك هزيمة الطواغيت والفراعنة بكل جبروتهم امام ثبات وإصرار امرأة على الحق.

وروى الطبرسي ان فرعون أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس ثم أمر أن يلقى عليها صخرة عظيمة وروى انها كانت ترمق السماء وتدعو بما ذكرته الآية الشريفة فمرّ عليها موسى (علیه السلام) فدعا لها أن يخفّف

ص: 258


1- الخصال: 174، باب 3 ح 230
2- بحار الأنوار: 13/16

عنها فلم تجد للعذاب أثراً وأوحى الله تعالى إليها أن ارفعي رأسك ففعلت فرأت البيت في الجنة فضحكت، فقال فرعون: انظروا إلى الجنون التي بها تضحك وهي في العذاب(1) .

فلا عجب أن تثني عليها الأحاديث الشريفة وتذكر درجتها في الجنة رابعة أربعة مع فضليات نساء الدنيا فاطمة الزهراء (علیها السلام) وخديجة بنت خويلد ومريم بنت عمرآن(2) .

ان دعاءها الذي ذكرته يكشف عن كمال معرفتها وسمو ذاتها لخصت فيه هدفها في الحياة والغرض الذي ضحَّت من أجله فقد بدأته بقولها (ربِّ) للاعتراف بين يدي الله تعالى بالتربية الإلهية الخاصة التيحظيت بها وترجو أن يديمها ربها عليها وطلبت أن ينجيها الله تعالى من مكائد فرعون وضغوطه وفتنته وأن لا تكون جزءاً من نظامه الفاسد (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ) (القصص:17) لأنها رافضة لكفره ولسلوكه الشيطاني ومن كل أعمال المجتمع الفرعوني الغارق بالكفر والمعاصي، وتوجهت بقلبها وعقلها إلى ما عند الله تبارك وتعالى وزهدت بنعيم فرعون الذي فيه ما تشتهيه الأنفس وتهفو إليه القلوب بما يفوق التصور لكنها ادركت ببصيرتها أنه متاع دنيوي زائل ولم تكتفِ بطلب بيت في الجنة الذي فيه عوض عما زهدت به في الدنيا بل أن يكون هذا البيت عند الله تعالى وهي ما ارادت بالعندية عندية المكان لأن الله تعالى لا يحدّه مكان وإنما ارادت عندية المكانة في جواره وقربه تعالى وفي

ص: 259


1- بحار الأنوار:13: 164-165
2- الخصال:205 -206 باب 4 ح 22،23

ذلك كرامة معنوية فائقة.

وهي بذلك تضرب مثلاً سامياً في قوة الإرادة والثبات على الايمان والإخلاص في العبودية لله تعالى والتنزه عن زخارف الدنيا الوهمية حيث كانت ترى قصر فرعون والدنيا عموماً سجناً تضيق نفسها بالحياة فيه فتطلعت إلى بيت تبنيه الإرادة الإلهية بدون واسطة حتى الملائكة.

إننا بحاجة ماسة إلى احياء ذكر هذه القمم لنزيد من همتنا في طاعة الله تعالى ومن مقاومتنا لكل مشاريع الفساد والانحلال والابتعاد عن الله تعالى مهما كانت الاغراءات أو الضغوط حتى تصبح هذه الظواهر المنحرفة التي تحصل هنا وهناك كالذي تقوم به بعض النساء فياحتفالات الاعراس او على صفحات التواصل الاجتماعي او العلاقات المشبوهة ونحو ذلك تصبح ممقوتة ومثيرة للاشمئزاز فضلاً عن التأثّر بها والانسياق معها.

وهذه المرأة العظيمة حجة علينا جميعاً لأننا مهما تعرضنا لإغراءات الدنيا فهي دون ما كان متاحاً لامرأة فرعون وطوع ارادتها ومهما تعرضنا لضغوط وتهديدات فهي دون ما لاقت (رضوان الله تعالى عليها) وماتت تحت تعذيب ومع ذلك فقد صمدت وثبتت وازدادت سمواً وإخلاصاً حتى لاقت ربها وماتت تحت التعذيب شهيدة راضية مرضية، فما هو عذرنا وما هي مبرراتنا إن ضعفنا أو قصرّنا.

ص: 260

خطاب المرحلة 582 : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) (الإسراء:79)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) (الإسراء:79)

صلاة الليل وسيلة الإعداد لتحمل المسؤوليات الكبيرة ونيل المقامات الرفيعة(1)

(وَمِنَ اللَّيْلِ) يمكن أن تكون (من) بيانية باعتبار أن النهار من شأنه النشاط والحركة فلا يحتاج العمل فيه إلى بيان، اما الليل فهو للنوم والسكون فالعمل فيه يحتاج إلى توجيه، ويمكن أن تكون تبعيضية أي بعض الليل، والتبعيض يمكن أن يستفاد من الباء، وقد حدّدت آيات المزمِّل هذا البعض، قال تعالى (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمِّل:2-4).

(فَتَهَجَّدْ) الهجود هو النوم ومعنى تهجّد أي قاوم النوم وتكلَّف اليقظة كالتمريض الذي يعني معالجة المرض.

(نَافِلَةً لَّكَ) تكليفاً زائداً خاصاً بك يا رسول الله (صلی الله علیه و آله) حيث ان قيام الليل واجب عليه خاصة (عَسَى) ترجّى وأمل بأن يبلغ به المقام المحمود مقام الرسالة العظمى والولاية الكبرى وإظهار دينه على الدين كله والشفاعة الواسعة

ص: 261


1- كلمة القيت في مدرسة الابرار للعلوم الدينية في النجف الأشرف على طلبة المدرسة ومدرسة اعلام الهدية بحضور إدارة المدرستين يوم الثلاثاء 27 / جمادي الآخر/ 1440 الموافق 5/3/2019

المقبولة وتفضيله على الخلق أجمعين، ولا داعي للاقتصار على أحدها في تفسير المقام المحمود.

واستعمال صيغة الترجي وليس صيغة الجزم والقطع مع ان إرادة الله تعالى اذا تعلقت بأمر فإنما (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس:82) لعل ذلك لإحداث المزيد من الرغبة والعزم، كالذي ورد في تفسير قوله تعالى (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:44) لحث النبي موسى وأخيه هارون (صلی الله علیه و آله) على بذل الوسع في دعوة فرعون إلى الايمان والتوحيد، والله تعالى يعلم أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى.

وقد بيّنت آيات سورة المزمِّل المتقدمة ان قيام الليل يهيئ لإداء الأدوار الكبيرة وتحمّل المسؤوليات العظيمة، وتتمتها (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (المزمل:5-6) سنوحي اليك قولاً يحمل مسؤولية عظيمة وفيه معاني عميقة وثقيل في آثاره ونتائجه وثقيل في ما يسببه لمن يصدع به من مصاعب ومشاق (فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف:2) فلكي تتحمل هذه الاثقال استعن بناشئة الليل أي العبادة التي تنشئها في الليل لأنها أصعب مراساً وأشد على النفس وأثبت لها وأصدق في الأداء وادعى لحضور القلب لانقطاع الشواغل، في الرواية عن الامام الصادق (علیه السلام) (يعني بقوله: وَأَقْوَمُ قِيلاً: قيام الرجل عن فراشهيريد به الله عزوجل ولا يريد به غيره)(1) لذا فإنها تكون أحسن انتاجاً وتحقيقاً للغرض وهذه حقيقة ثابتة فان العظماء الذين بلغوا ما بلغوا من مقامات كانت علامتهم

ص: 262


1- وسائل الشيعة: 5/269 أبواب بقية الصلوات المندوبة، باب 39 ح 5.

المميزة مواظبتهم على قيام الليل، فاذا كنتم من الساعين لنيل تلك المقامات وحريٌّ بكل عاقل أن يكون كذلك فأعدوا أنفسكم بهذه الرياضة المعنوية لتساعدكم على نيل الخصال الكريمة.

لذا تضمنت الوصايا التي قدمّها رسول الله (صلی الله علیه و آله) لأمير المؤمنين (علیه السلام) وهو يُعِّده لخلافته العظمى تركيزاً على صلاة الليل، عن الامام الصادق (علیه السلام) (كان في وصية النبي (صلی الله علیه و آله) لعلي (علیه السلام) أن قال: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها ثم قال: اللهم أعنه.... إلى ان قال وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل)(1) .

ومن سننه (صلی الله علیه و آله) أنه كان يفرّق صلاة الليل على اجزائه ليكون في جميع وقته مستأنساً بلقاء ربه ففي التهذيب بسند صحيح عن معاوية بن وهب قال (سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: وذكر صلاة النبي (صلی الله علیه و آله) قال: كان يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه ثم ينام ما شاء الله، فإذااستيقظ جلس، ثم قلب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل عمران " إن في خلق السماوات والأرض"(2) الآيات، ثم يستن ويتطهر، ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءة ركوعه وسجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال: متى يرفع رأسه ويسجد حتى يقال: متى يرفع رأسه، ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله، ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران، ويقلب

ص: 263


1- رواها في وسائل الشيعة عن المشايخ الثقات في اصولهم في عدة مواضع منها في كتاب الصلاة، أبواب بقية الصلوات المندوبة، باب 39 ح 1.
2- الآية 190 من السورة وما بعدها.

بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد ويصلي الأربع ركعات كما ركع قبل ذلك، ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ ويجلس ويتلو الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء، ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين، ثم يخرج إلى الصلاة)(1) ورواه الكليني في الكافي بسند صحيح عن الحلبي عن ابي عبدالله (علیه السلام) وفيه (ثم قال: لقد كان لكم في رسول الله (صلی الله علیه و آله) أسوة حسنة، قلت: متى كان يقوم؟ قال: بعد ثلث الليل)(2) وفيه قال: في حديث آخر: (بعد نصف الليل)(3).وقد اختصر الحديث المروي عن الامام الحسن العسكري (علیه السلام) هذه الأهمية بقوله (الوصول إلى الله تعالى سفر لا يدرك الا بامتطاء الليل)(4) أي ان الاعمال الصالحة الموصلة إلى الله تعالى لابد ان تُتوِّج بصلاة الليل لتوصل إلى الهدف.

وهذا الحديث له دلالات عديدة منها أن الوصول إلى الله تعالى ممكن ولكنه يحتاج إلى حركة وسلوك وقطع مسافة بما يتطلب ذلك من جهد وجهاد، وأنّه يحتاج إلى مركب ليقطع به الطريق وهي صلاة الليل، وأن يترك كل شيء

ص: 264


1- وسائل الشيعة: 3/195 ح 1، التهذيب: 2/334 ح 1377
2- وهذا مما يُستدل به على أن وقت صلاة الليل يبدأ قبل منتصف الليل بعد مضي ثلثه، ومما يدلّ على ذلك آيات سورة المزمَّل الماضية فان فيها (نصفه، أو زد عليه) والزيادة على النصف تعني القيام قبل منتصف الليل.
3- وسائل الشيعة: 3/196 ح 2، الكافي: 3/445 ح 13
4- بحار الأنوار: 78/379، مسند الامام العسكري:379، الأنوار البهية للمحدث القمي:161.

مما يتعلق به قلبه وراءه كالمسافر الذي يهجر وطنه وداره وأهله وولده وماله ومنصبه وجاهه وعلاقاته وسائر تعلقاته.

ويفيد الحديث أيضاً ان الصلوات المفروضة قد لا يكفي اتخاذها وسيلة لقطع هذا السفر ولابد من امتطاء صلاة الليل معها ليتحقق الوصول إلى الهدف بإذن الله تعالى وإن الصلاة بشكل عام هي أداة هذا العروج إلى الله تعالى ولعل هذه المعاني منشأ الكلمة المشهورة على ألسنة العلماء (الصلاة معراج المؤمن)(1) فهذه كلها معانٍ يمكن استفادتهابوضوح من الحديث الشريف.

ومن تشبيه صلاة الليل وعموم الطاعات بالسفر إلى الله تعالى نعرف انها تتعرض لنفس ما يتعرض له المسافر من مخاطر: كالتيه والمزالق والوحوش المفترسة وقطاع الطرق وفقدان الزاد، وهذه المخاطر بوجودها المناسب موجودة لمن يريد السفر إلى الله تبارك وتعالى، فقطاع الطرق هم المتلبسون بالدين الذين يضللون الناس بشبهاتهم، وفقدان الزاد بضياع العمر من دون تقديم عمل صالح (آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر)(2) والوحوش

ص: 265


1- قال الشيخ محمد الريشهري في كتاب: الصلاة في الكتاب والسنة - الصفحة 15: لا يخفى أن عبارة " الصلاة معراج المؤمن " مع كثرة تداولها على الألسن بحيث صارت من أشهر الكلمات في وصف الصلاة، لم نجد لها مصدرا مسندا إلى (صلی الله علیه و آله) أو الأئمة (علیهم السلام)، وهذا بعد أن استقصينا كلمات أصحاب الكتب في شتى العلوم ووجدناها في أكثر من ثلاثين موضعا من عباراتهم، علما أن كتب السنة كلها وكتب الشيعة جلها إلا ما دون في القرون الأخيرة - كروضة المتقين وبحار الأنوار للمجلسيين أعلى الله مقامهما والرواشح السماوية للمحقق الداماد قدس سره - خالية منها، فالظاهر أنها ليست برواية بل من عبارات علمائنا المتأخرين رضوان الله تعالى عليهم.
2- نهج البلاغة - خطب الإمام علي (علیه السلام) ج 4 - الصفحة 17

المفترسة هم الذين يزينون الدنيا والشهوات ويوقعون الانسان في المعاصي ليطفئوا في قلبه نور الايمان، ويتحقق التيه بعدم أخذ العلم والمعروفة من أصله ومعدنه، قال أمير المؤمنين (علیه السلام) (فان العامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فلا يزيده بعده عن الطريق الا بعداً من حاجته)(1) .

هذا كله من ناحية الارتقاء في سلم الكمال، اما من ناحية الثواب فقدورد في صلاة الليل فضل عظيم ففي الرواية عن الامام الصادق (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:17) قال (علیه السلام) (ما من عمل حسن يعمله العبد وله ثواب في القرآن الا صلاة الليل، فان الله تعالى لم يبين ثوابها لعظيم خطرها عنده، فقال: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:16-17)(2).

وفي حديث قدسي (ان العبد ليقوم في الليل فيميل به النعاس يميناً وشمالاً وقد وقع ذقنه على صدره فيأمر الله تعالى أبواب السماء فتفتح ثم يقول للملائكة: انظروا إلى عبدي ما يصيبه في التقرب إليَّ بما لم افترض عليه راجياً مني لثلاث خصال: ذنباً أغفره له، أو توبة أجدّدها له، أو رزقاً أزيده فيه، اشهدوا ملائكتي أني قد جمعتهن له)(3).

ص: 266


1- بحار الأنوار: 1/209 ح 11 عن نهج البلاغة.
2- بحار الأنوار: 87/140
3- وسائل الشيعة: 5/272

وروى الامام الصادق (علیه السلام) قال (قال النبي (صلی الله علیه و آله) لجبرئيل (علیه السلام): عظني: فقال: يا محمد عش ما شئت فانك ميت، وأحبب ما شئت فانك مفارقه، واعمل ما شئت فانك ملاقيه، واعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزّه كفّه عن اعراض الناس)(1).وتوجد روايات كثيرة في الآثار الدينية والدنيوية المباركة التي تترتب على أداء صلاة الليل بفضل الله تعالى وكرمه.

ولأن صلاة الليل بهذه المنزلة العظيمة فانها لا تنال الا بتوفيق خاص ويحرم منها من ليس أهلاً لها، في الرواية (جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام): إني قد حرمت الصلاة بالليل فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) أنت رجل قيدّتك ذنوبك)(2). وفي الحديث عن الامام الصادق (علیه السلام) (إني لأمقُتُ الرجل قد قرأ القرن ثم يستيقظ من الليل فلا يقوم، حتى اذا كان الصبح قام يبادر بالصلاة)(3).

هذا الحب لله تعالى وامتطاء الليل للوصول إليه سبحانه هو الذي أراده الامام الحسين (علیه السلام) حينما طلب من ابن اسعد تأجيل المعركة من عصر يوم التاسع إلى صبيحة يوم عاشوراء، فقد روي ان عمر بن سعد زحف بجيشه نحو معسكر الامام الحسين (علیه السلام) عصر يوم التاسع فأرسل أخاه العباس (علیه السلام) ليستعلم خبرهم فقصدهم في عشرين فارساً فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فقال

ص: 267


1- وسائل الشيعة: 5/269
2- وسائل الشيعة: 5/279
3- بحار الأنوار:83/127 ح 79

لهم العباس (علیه السلام) (ما بدا لكم، وما تريدون؟ قالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم! قال: فلاتعجلوا حتى ارجع إلى أبي عبدالله فاعرض عليهم ما ذكرتم) ثم أتى إلى الامام الحسين (علیه السلام) بما عرض عليه عمر بن سعد قال (ارجع اليهم: فان استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عند العشية، لعلنا نصلي لربنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار) فبات الحسين (علیه السلام) تلك الليلة راكعاً ساجداً باكياً مستغفراً متضرعاً، وبات أصحابه ولهم دوي كدويّ النحل)(1). جزاهم الله تعالى عن الإسلام وأهله خير جزاء المحسنين.

ص: 268


1- تاريخ الطبري: 5/416، الكامل في التاريخ: 2/558، البداية والنهاية: 8/176 الارشاد: 2/89، مناقب ابن شهراشوب: 4/98 مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزمي: 1/251 وغيرها.

خطاب المرحلة 583 : سر خلود القيام الزينبي

بسمه تعالى

سر خلود القيام الزينبي(1)

لو سألنا: ما سر خلود القضية الزينبية؟ ولماذا لا تنطفئ جمرة التفاعل معها، ونرى تعظيم شعائرها يزداد ويتسع يوماً بعد يوم ومنها هذه الزيارة الزينبية التي تبذلون الجهود الجبارة في سبيل إقامتها والتحشيد لها؟

لا اعتقد ان الجواب يكون مقنعاً للكثيرين لو تحدثنا عن الجانب العاطفي فقط وقلنا لأنها أُخذت سبيّة مع بقية النساء والأطفال من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى الشام وبعدها إلى كربلاء ثم المدينة وهي خلال ذلك تتعرض لمختلف أساليب البطش والقسوة مع علمهم ان جدّها رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأباها أمير المؤمنين (علیه السلام) وأمها فاطمة الزهراء (علیها السلام) لذا كان هذا الفصل من واقعة كربلاء من أشد الفصول إيلاماً لقلب الأئمة المعصومين (علیهم السلام).

إذن وراء هذا الخلود سرّ عظيم وهو قيامها لله تعالى بإخلاص وتفانٍ وتضحية ومشاركة أخيها الامام الحسين (علیه السلام) في نهضتهالإصلاحية لتقويم الانحراف الذي وقعت فيه، هذا القيام الذي دعا الله تبارك وتعالى إليه (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى) (سبأ:46) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ

ص: 269


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم 12/ رجب / 1440 المصادف 19 / 3 / 2019 مع حشد المواكب الذين اعتادوا على التجمع في النجف الأشرف والذهاب مشياً إلى الكربلاء لإحياء الشعائر الزينبية عند مرقد الامام الحسين (علیه السلام)

اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال:24) واثنى على من قاموا لله تعالى بمراتبهم المختلفة كأصحاب الكهف إذ وصفهم تبارك وتعالى بأنهم (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الكهف:13-14).

وكان قيامهم هذا واعلانهم التوحيد في وجه أعتى امبراطورية يومئذٍ فرضت سلطتها على الكثير من الشعوب بالقوة فخلّد الله تعالى لهم هذا الموقف.

لم يقعد العقيلة زينب (علیها السلام) عن هذا القيام والخروج في رحلة المشقة والالام انها عقيلة أكرم بيت عرفته الإنسانية أو الجلالة التي كانت تتمتع بها من لدن جدّها رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى أبيها أمير المؤمنين (علیه السلام) ثم أخويها الحسن والحسين (صلی الله علیه و آله) وفي ظل زوجها عبدالله بن عمها جعفر الطيار الذي كان من أجواد العرب وسادتها ويقصده ذو والحاجات فيغدق عليهم.

لم تكبلّها هذه الاعتبارات وتدعوها إلى الراحة والدعة بل خرجت مع أخيها الامام الحسين (علیه السلام) لتنفذ الفصل الثاني من هذه النهضة المباركة بعد أن ينهي الامام (علیه السلام) الفصل الأولبشهادته يوم عاشوراء، فأدت الرسالة بأحسن وجه ووقفت في وجوه اشرار الخلق المتسلطين قهراً مثل يزيد وابن زياد واتباعهما الاراذل وعرضّت نفسها مراراً للقتل والانتقام.

لقد ورثت العقيلة زينب (علیها السلام) هذا القيام المبارك من أمها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) التي أسسّت لحركة الوعي والإصلاح والوقوف في وجه الظلم والزيغ والانحراف والفساد، ولو بدّل الشاعر قوله (بأبي التي ورثت مصائب أمها) بقوله (مواقف أمها) لكان أبلغ في التعبير عن هذا الجانب من

ص: 270

وراثة القيام.

إن الله تعالى يدعونا إلى العمل الدؤوب لإنقاذ الناس المحرومين والمستضعفين مما هم فيه لأنهم ليس لهم وسيلة الا طلب ذلك من الله تعالى ويذّم المتقاعسين عن أداء هذا الواجب ما دام هناك ظلم وفساد وانحراف وما أكثره في المجتمعات اليوم على جميع الأصعدة: عقائدياً واخلاقياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وفكرياً وسلوكياً ولا احتاج ان اذكر التفاصيل والامثلة على كلٍ منها، قال تعالى (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) (النساء:75) فاعتبر من نهض بهذه المهمة ولياً من لدن الله تعالى ونصيراً، ولا يستحق هذا الا النخبة الرسالية من الأمة، وكانت العقيلة زينب (علیها السلام) من رموز هذه النخبة.

ص: 271

خطاب المرحلة 584 : المرجع اليعقوبي يستقبل سماحة آية الله الشيخ الآراكي

بسمه تعالى

المرجع اليعقوبي يستقبل سماحة آية الله الشيخ الآراكي

استقبل(1) سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمكتبه في النجف الاشرف سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي (دامت بركاته) رئيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وعضو مجلس خبراء القيادة في الجمهورية الإسلامية، وقد رافقه الدبلوماسي المخضرم الدكتور حسين شيخ الإسلام وعدد من الفضلاء.

ودار الحديث حول دور المرجعية الدينية الرشيدة في الحفاظ على الثلة الصالحة وعلى خط الاسلام الاصيل الناصع وفي رسم المنهج الفكري السليم القادر على مواجهة التحديات بمختلف انواعها ومظاهرها، واجتيازها بلطف الله تعالى.

خاصة بعد الانفتاح الكبير والتطور في وسائل التواصل ووصول صوت الاسلام الى أكثر بقاع العالم وهو ما ينجّز مسؤوليات اضافية على المرجعية الرشيدة وبكونها أمتداد لخط الامامة والنبوة، الامر الذي يستدعي حشد المزيد من الجهود وبذل الوسع لاستكمال متطلبات النهوض بهذه المسؤولية العظيمة.

وفي هذا الصدد ثمّن سماحة الشيخ الآراكي (دامت بركاته) جهودسماحة المرجع (دام ظله) وجهاده في رعاية الحركة الاسلامية وإدامة زخمها والحفاظ

ص: 272


1- - الثلاثاء 18 - 19/جمادى 2/1440 الموافق 26/3/2019 م.

على اصالة الفكر الحركي الذي إختّطه الامام الخميني والشهيدان الصدران وغيرهم من المراجع والعلماء والرساليين الذين مضوا في طريق ذات الشوكة (قدس الله اسرارهم جميعاً).

حيث استطاعوا بهذا الفكر الحصيف والحكمة والصبر وابتعادهم عن المجاملات تغيير الكثير من المعادلات وان يقلبوا التوازنات في ساحات الجهاد والعمل الاسلامي، كما استطاعوا بلطف الله تعالى الابقاء على روح الايمان نابضة في قلب الامة الاسلامية، فترابطت الاجيال الواعية فيما بينها عبر هذه السلسلة المباركة.. سلسلة العلماء والقادة والرساليين.

كما تطرق الحديث الى ضرورة تفعيل التواصل العلمي والمعرفي الى اعلى المستويات بين حوزتي قم والنجف خاصة في المجالات التي تشهد سجالاً وحراكاً فقهياً وتتطلب تأصيلات على مستوى الاصول والقواعد.

وفي ذات السياق اشار سماحة الشيخ الآراكي (دامت بركاته) للنتاجات الفقهية للمركز الذي يشرف عليه (مركز فقه النظام) والذي نتج عنه كتاب (فقه النظام السياسي) بثلاث مجلدات باللغة العربية وهو مشتق من فقه المجتمع أو مما اصطلح عليه (فقه الانسان الكبير) وهو الفقه الذي يؤطر فقهياً العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتتسع فيه النظرة الفقهية من الاحكام الموجهة الى الفرد الى الاحكام الموجهة الىالجماعة او المجتمع وهذا النمط ينسجم كثيراً مع ما ذهب اليه سماحة المرجع (دام ظله) حينما اصدر اطروحته في الفقه الاجتماعي قبل ما يقارب العشرين عاماً .. وكانت له عدة تطبيقات في بحثه الفقهي وقد تجلى ذلك بوضوح في بحث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وما صدر

ص: 273

لاحقاً تحت عنوان (فقه المشاركة في السلطة).

ص: 274

خطاب المرحلة 585 : توجيهات حول حفلات التخرج في الجامعات

بسمه تعالى

توجيهات حول حفلات التخرج في الجامعات

تقام في مثل هذه الايام من كل عام في الجامعات العراقية حفلات التخرج فرحاً بتحقق حلم مهم من أحلام حياتهم واجتيازهم مرحلة مهمة من المشروع الذي أعدوه في حياتهم ولبناء مستقبلهم.

ولا أحد يعترض على أصل الموضوع لأن هذا الانجاز مما يوجب الفرح والابتهاج، ولكن الذي يدعو الى الأسى والحزن هو قيام بعض هؤلاء الطلبة بفعاليات منافية للدين والأخلاق والذوق العام وفيها تخريب للثقافة المحترمة لدى الشعب، ومن تلك الفعاليات:

1. ظهور النساء بمظاهر الفتنة والإغراء والإثارة.

2. الرقص والغناء الفاحش.

3. ارتداء أزياء منكرة ومثيرة للاشمئزاز.

واحياناً يقيم بعضهم حفلات مختلطة في القاعات بعنوان (الزفّة) أو (الحنّة) ونحو ذلك ويصعد على المسرح مجموعة من الجنسين ويغنون ويرقصون سوية.

والمثير للقلق نشر هذه الحفلات على مواقع التواصل الاجتماعي مما يجعلها سبباً لإشاعة الفاحشة وتدمير أخلاقيات المجتمع وكسر حواجز الممنوع شرعاً وعرفاً وأخلاقياً وإنسانياً وتكون هذه الحفلات أحياناًبمحضر أولياء أمور الطلبة

ص: 275

والطالبات بلا نكير منهم.

إن هذا اليوم من مواطن الشكر لله تعالى الذي يسّر أسباب النجاح {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } (النحل : 53) فكيف يُتخذ هذا النجاح ساحة لمعصية الله تعالى وجحد نعمته، والعقلاء ويجمعون على قوله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن : 60)، فهلاّ حافظوا على النعم واستزادوا منها بالشكر والطاعة.

اننا نعلم ان من يقومون بهذه الافعال فئة قليلة ولكن التركيز الإعلامي عليهم يجعل صوتهم عالياً مما يعطي انطباعاً وكأن الوضع العام في الجامعات هو هذا الوضع المتحلل، ولكن الحقيقة غير هذه تماماً فأن الكثير من شبابنا وشاباتنا الجامعيين ملتزمون محافظون رافضون للفساد والانحراف، ويقومون بفعاليات عفيفة لإظهار الفرح بإنهاء دراستهم الجامعية ونحن نعرف كثيراً من هذه الفعاليات وندعمها مادياً ومعنوياً.

ندعو رئاسات الجامعات وعمادات الكليات الى ضبط هذه الظاهرة وتقنينها بما لا ينافي الآداب العامة وليتذكروا قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)(الصافات/24) يوم العرض الاكبر للحساب والجزاء، ونستغرب من معارضة بعضهم لإقامة فعاليات توجيهية وارشادية للطلبة بحجج واهية بينما يطلقون العنان للمعاصي والفواحش ويعتبرونها ممارسة للحرية وحقوق الانسان مع ما فيها من اعتداء على الذوق العام والشريعة التي هي دستور الغالبية العظمى للشعب العراقي العظيم، فلماذالا يقولون ذلك في فعاليات التوجيه والإرشاد والتنمية الأخلاقية ؟

ص: 276

نسأل الله تعالى ان يأخذ بأيدي الجميع الى ما فيه الخير والصلاح ليسعدوا في دنياهم وآخرتهم.

محمد اليعقوبي

22 رجب 1440

29/3/2019

ص: 277

خطاب المرحلة 586 : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) (آل عمران:191)

بسم الله الرحمن الرحيم

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) (آل عمران:191)

ذكر الله تعالى عند الطاعة والمعصية(1)

في ذكرى البعثة النبوية الشريفة نقف عند محطة من حياة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وبالخصوص من قيامه في الليل، فقد كانت صلاة الليل واجبة على رسول الله (صلی الله علیه و آله) دون الأمة جميعاً وهذه واحدة من خصوصياته وقد ورد في رواية صحيحة(2) عن الامام الصادق (علیه السلام) في كيفية صلاته (صلی الله علیه و آله) في الليل بأنه كان يفرّقها على أجزاء الليل ليديم حالة الأنس بربّه فيقوم في بعض الليل من نومه ثم يصلي اربع ركعات ثم ينام ويستيقظ من جديد ويصلي اربعاً أخرى ثم ينام ويستيقظ ليصلي الشفع والوتر ونافلة الصبح ثم يخرج لصلاة الفريضة وقد ذكرنا تفصيل ذلك في تفسير قوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ) (الإسراء:79).

ومحل الشاهد انه (صلی الله علیه و آله) كان كلما يستيقظ من نومهكان يقلّب بصره في السماء ويتلو الآيات المباركات في آخر سورة آل عمران من الآية 190 (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) إلى

ص: 278


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من طلبة جامعة الامام الصادق (علیه السلام) في العاصمة الإيرانية طهران يوم الأحد 24 رجب 1440 المصادف 31 / 3 / 2019
2- وسائل الشيعة: 3/195 ح 1، التهذيب:2 / 334 ح 1377

آخر الآيات، وفي الآية التالية (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) (آل عمران191) فأول صفة من صفات اولي الألباب لمن أراد أن يكون منهم هو ذكر الله تعالى على كل حال لأن الانسان لا يخلو حاله من كونه قائماً أو قاعداً أو على جنبه.

إن ذكر الله تعالى على كل حال واستحضار الرقابة الإلهية والشعور بالمسؤولية امامه سبحانه حالة مطلوبة سواء كان الانسان في ظرف معصية أو طاعة.

اما في ظرف المعصية فالأمر واضح لكي يخشى الله تعالى ويستحي من نظره إليه فيجتنبها، فإن الغفلة عن الله تعالى سبب للوقوع في المعاصي والتذكر صمام الأمان منها، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (الأعراف:201) مثلاً يكون في مجلس فيتورط الحاضرون بغيبة مؤمن فيتذكر نهي الله تعالى عن الغيبة فيمتنع عن المشاركة معهم وينهاهم عن ذلك وقد يكون العلاج بمغادرة المجلس، أو شاب يتعرض لإغواء من الجنس الآخر فيتذكر ان الله تعالى مطِّلع عليه وإن الشاهد هو الحكم فيكف عن الانسياق وراء شهوته وهكذا، وكان المعصومون (علیهم السلام) دقيقينفي مراقبتهم لأنفسهم وإستحضار الرقابة الإلهية، روي ان الامام السجاد (علیه السلام) التاثت عليه ناقته أي تباطأت فرفع القضيب وأشار إليها وقال (لو لا خوف القصاص لفعلتُ) وفي رواية (آه من القصاص وردَّ يده عنها)(1) .

وعند عروض فرصة الطاعة فان الانسان التّواق إلى الكمال يذكر الله تعالى

ص: 279


1- مستدرك الوسائل: 18 / 262

وحثه على المسارعة إلى الخير فيلبي دعوة الله تعالى ويبادر إليها، قال تعالى (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة:148) وقال تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133) وفي الرواية عن الامام الباقر (علیه السلام) (من همَّ بشيء من الخير فليعجّله فان كل شيء فيه تأخير فان للشيطان فيه نظرة)(1) وعن الامام الصادق (علیه السلام) قال (كان أبي يقول: اذا هممت بخير فبادر فانك لا تدري ما يحدث)((2).

والتجربة شاهدة على ذلك فقد يتعرض الانسان لموقف إنساني كمساعدة محتاج أو معالجة مريض ويعزم على المساهمة بمبلغ معين يفي بالحاجة فاذا تأخر في إخراجه فان الشيطان يوسوس له بان هذا المبلغ كبير وعليه ان يوفره لعياله وانه ليدع غيره يساهم في المساعدة ونحو ذلك حتى يثنيه عن عزمه او يقلل مما قرّر سابقاً دفعه.والأمر الآخر الذي عليه ان يتذكره عند الاقدام على الطاعة هو اخلاص النية في العمل فلا يقدم عليه الا بعد أن ينقي نيته من الرياء وحب السمعة ويختبر نفسه بانه لو لم يعلم احد بما فعل فهل سيتوقف عن العمل أم يتساوى عنده علم الناس وعدم علمهم لأن الله تعالى مُطلِّع على الحقائق وهذا كافٍ.

وعليه أن يطهر نفسه من العجب بنفسه والتباهي بما فعل لأنه يفسد العمل، وكذا عليه أن لا يحبط عمله بالمّن على من اسدى إليه المعروف وقال تعالى (لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى) (البقرة:264).

ص: 280


1- و (2) الكافي :2/142 ح 3، 9
2-

وعليه أن يتثبت من فعله بأنه برٌّ في موقعه لكيلا يضيع معروفة أو يؤدي إلى عكس النتيجة، روي عن الامام الصادق (علیه السلام) قوله (مع التثبت تكون السلامة)(1) وتجد النبي (صلی الله علیه و آله) فرح كثيراً بدعاء سفانة بنت حاتم الطائي له (صلی الله علیه و آله) عندما عفى عنها ثم أطلق جميع اسرى قبيلتها طيئ حين قالت (أصاب الله ببرك مواقعه).

ص: 281


1- الخصال: 100 ح 52

خطاب المرحلة 587 : مبادرات عراقية نبيلة

بسمه تعالى

مبادرات عراقية نبيلة

لازال العراقيون الشرفاء يبهروننا بالمواقف الإنسانية والوطنية الشريفة التي لم تتوقف عن الخدمة العظيمة للملايين في الزيارة الأربعينية المباركة ولا في زيارة الامامين الكاظمين (صلی الله علیه و آله) في هذه الايام، فبعد كارثة غرق العبارة في الموصل هبَّ أبناء الوسط والجنوب للتطوع في إنقاذ الغرقى في نهر دجلة وبعد أيام حصلت أمطار غزيرة سببت فيضانات وارتفاع مناسيب في الأنهار والأحواض المائية وخرجت بعض الجسور في الموصل عن الخدمة ولم يتمكن سائقو مئات الشاحنات من العبور عليها من شمال العراق الى وسطه و جنوبه وظلَّوا عالقين في مدينة الموصل في ظروف جوية شاقة، فهبّت مجاميع من أهلها وأمّدوا سائقي الشاحنات بالماء النقي والغذاء ووفروا لهم المأوى للمبيت فجزاهم الله تعالى جميعاً خير جزاء المحسنين بما قدموه من وجه ناصع أصيل للشعب العراقي خلافاً لما يظهره بعض السياسيين من صراعات طائفية وعنصرية وفئوية مستنكرة وغريبة على أخلاق وثقافة العراقيين إمعاناً في الفساد وجني المكاسب الشخصية باسم الطائفة أو المدن المحرومة أو المحررة و نحو ذلك، (وكل إناء بالذي فيه ينضح).محمد اليعقوبي

25/رجب/1440 - 1/4/2019

ص: 282

خطاب المرحلة 588 : في ذكرى يوم الشهيد الكردي الفيلي

بسمه تعالى

في ذكرى يوم الشهيد الكردي الفيلي

دعا سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) الجهات الحكومية – ذات العلاقة- الى الاسراع برفع المظالم التي طالت ابناء شعبنا من الكرد الفيليين واعادة حقوقهم المستلبة حيث لا زال قسم كبير منهم تحت وطأة المعاناة والتضييع بالرغم من مرور أكثر من 15 عام على زوال حكم النظام الصدامي القمعي.

وقال سماحته (دام ظله) خلال كلمة القاها (1)في وفد من الكرد الفيليين بمكتبه في النجف الاشرف بصحبة ممثلهم في البرلمان والذي تزامن حضورهم مع ذكرى يوم الشهيد الفيلي وهو الرابع من نيسان من كل عام:-

نستذكر بألم ٍ وأسفٍ بالغين مأساة إخوتنا الكرد الفيليين هذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع العراقي من جهة حضورهم الفاعل على المستوى الديني والاجتماعي والاقتصادي.. والتي عانت من القتل والاعتقال والتهجير وسلب المواطنة والممتلكات.. ولا زال الكثير منابنائهم مغيّبون لم يجدوا أثراً لهم، جرّاء سياسيات قمعية ظالمة بعيدة عن كل القيم الدينية والانسانية، حيث دفعوا ثمناً مضاعفاً بسبب انتمائهم الطائفي والقومي وعوقبت أمة بكاملها على أثر حادث مفتعل عام 1980 ولا زالت صورتها حاضرة بالذهن حيث كنت في

ص: 283


1- الخميس 28/ رجب الاصب/1440 ه 4/ نيسان /2019 م.

وقتها طالباً في الجامعة، وكانت نية تصفيتهم مبيّتة لأنهم كانوا يمثلون أحد مراكز القوة الاقتصادية والاجتماعية للشيعة في بغداد ومدن أخرى.

وحذّر سماحته المسؤولين من التسامح والتهاون في اعادة الحقوق المادية والمعنوية المستلبة لهذه الشريحة المظلومة وكل الشرائح الاخرى في بلدنا العزيز فلا زال بلدنا يعاني الكثير من المظالم وجراحاته لازالت نازفة وآثار جريمة قمع الاخوة الكرد الفيليين وغيرها من الجرائم لازالت ماثلة لم تجد الحلول بالرغم من مرور اكثر من عقدٍ ونصف على زوال حكم الطاغية لافتاً الى خطورة مواقع السلطة وحساسيتها لكونها سلاحاً ذا حدين حيث يمكن جعلها احدى فرص الخير والطاعة واستثمارها لإنصاف المظلومين واعادة الحقوق ورعاية المحرومين وقضاء حوائج الناس وإلا فإنها ستكون وبالاً على اصحابها وسيكون الغُرم كبيراً عليهم.. مذكراً بقوله تعالى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات : 24] ، ودعاء الامام زين العابدين (علیه السلام) :( اللّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلوُمٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ انَصُرْهُ ... وَمِنْ حَقِّ ذي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أُوَفِّرْهُ).من جانب اخر دعا سماحته الكرد الفيليين في أكثر من مناسبة الى توحيد صفوفهم والالتفاف حول قيادتهم المخلصة التي تأخذ بأيديهم الى ما فيه الخير والصلاح، وعدم تذويب هويتهم في الاخرين، فتضيع في خضّم الصراعات الحزبية والفئوية فيستضعفهم الاخرون.

ص: 284

خطاب المرحلة 589 : معالم مدرسة الوعي والإصلاح

بسمه تعالى

معالم مدرسة الوعي والإصلاح

في سيرة السيد الشهيد محمد باقر الصدر R(1)

تمرّ علينا في مثل هذه الأيام الذكرى التاسعة والثلاثون لاستشهاد المرجع الديني والمفكر الإسلامي الفذّ السيد محمد باقر الصدر (قدس الله نفسه) فيحسُن أن نتوقف عند هذه الذكرى لنأخذ منها الدروس والعبر ونستمد العزم والهمة من سيرة السيد الشهيد الصدر قدس سره، صحيح ان المعصومين (علیهم السلام) هم المثل الأعلى والأسوة الحسنى الا ان الناس يحتاجون إلى تجربة حسية معاشة تقرِّب لهم سيرة المعصومين (علیهم السلام) وسنتهم لتؤثر فيهم، والسيد الشهيد قدس سره شاهد على ذلك.نقل أحد طلبته القريبين (2) منه أنه اعتقل معه عام 1979 والقيد يربط يده الشريفة بيدي فراني مرتبكاً خائفاً لأن بطش وقسوة جلاوزة النظام في التعذيب والقتل لا نظير لها فاراد تهدئتي وتسكين روعي وقال (إنما هي موتة واحدة وقد بعناها واشترى) في إشارة إلى قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً)

ص: 285


1- من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع طلبة البحث الخارج في النجف الاشرف يوم الأثنين 2/شعبان/1440 المصادف 8/4/2019
2- هو السيد محمود الخطيب

(التوبة:111) فقد باع نفسه وكل ما لديه إلى الله تعالى وقبل تبارك وتعالى بالصفقة وقبض الثمن النفيس الذي يستحق التضحية، فلماذا الخوف والقلق؟

وروى(1) رفيق محنته في الأيام الأخيرة الشيخ محمد رضا النعماني أنه قدس سره قال له: اراك تكثِر من الاوراد وزيارة عاشوراء لدفع القتل عني، وأنا أرى في الموت في سبيل الله تعالى لذة.

اقدم قدس سره على التضحية بنفسه الشريفة بكل اطمئنان وسرور لأنه رأى أن الأمة تعاني من حالة موت الإرادة وفقدان البصيرة حيث عمل النظام البعثي على سلب حريتها وكرامتها وإطفاء نور بصيرتها بالبرامج الافسادية التي شملت جميع فئات الشعب رجالاً ونساءاً، كباراً وصغاراً، شباباً وطلبة وفتياناً، ومهنيين وعمال وموظفين من خلال اذرعاخطبوطية ذات أسماء وعناوين تناسب الشريحة المستهدفة، ورأى قدس سره أن الكتابة والبيان والمنشورات لم تعد قادرة على بعث الحياة في الأمة وأن لابد من التضحية بنفسه عسى أن يوقظها بدمه الشريف، وهو قدس سره كان يقرأ نهضة الامام الحسين (علیه السلام) هكذا ويرى ان التاريخ عاد من جديد واحيا البعثيون طريقة بني أمية في التسلط على رقاب الناس.

فهذا اول معالم مدرسة الوعي والإصلاح التي يتربع قدس سره على زعامتها وهي الاقدام على التضحية، وهو في ذروة المجد والدنيا تلمع ببريق زخارفها له حيث اتسعت مرجعيته وتجاوزت حدود العراق إلى الخليج وإيران ولبنان وأوروبا

ص: 286


1- في كلمته التي القاها بنفس المناسبة في مركز عين للبحوث والدراسات المعاصرة يوم السبت 30 رجب 1440 المصادف 6/4/2019

وغيرها واتبعه قطاع واسع من الشباب الجامعي والمثقفين والنخب وأصبحت له قاعدة حوزوية رصينة بعد ان صار عدد من طلبته أساتذة فضلاء في الحوزة العلمية، وأخذت كتبه صدى عالمياً في الشرق والغرب.

تجرد قدس سره عن كل هذا وتخلى طواعيةً عنه ليلبي نداء الواجب المقدس، ولم يتقاعس أو يخلق لنفسه المبررات.

تجرد عن كل هذا لأنه أصلاً كان زاهداً فيه ولم تكن الدنيا بكل مظاهرها المادية والاعتبارية هدفاً مقصوداً له وبدا ذلك واضحاً في محاضرته الأخيرة عن حب الدنيا ولم يكن يريد ابراز نفسه حتى انه عرض طبع كتابيه (اقتصادنا) و (فلسفتنا) باسم جماعة العلماء وكانيكره المدح والثناء على شخصه وربما وبّخ بعض المتحدثين اذا ذكروا ذلك.

فهذا هو المعلم الثاني لهذه المدرسة الشريفة، ومنه ننتقل إلى الثالث لأن الدافع الى التضحية والزهد في الدنيا هو الإخلاص لله تبارك وتعالى والذوبان فيه وتسخير كل الإمكانيات لإعلاء كلمته ونشر دينه المتمثل برسالة الإسلام العظيم فكان هدفه هذا ويفرح بمقدار تحققه لذا كان سروره عظيماً بانتصار الثورة الإسلامية في إيران على يد السيد الخميني قدس سره.

كان همّه إيصال الإسلام إلى جميع البشر واقناعهم به وبقدرته على حل مشاكل البشرية وقيادة الحياة ووضع آليات لتحقيق هذا الهدف كنشر الحوزات العلمية في جميع البلدان فكان يطمح لاستقطاب طلبة إلى الحوزة العلمية من نفس الأوروبيين المسلمين وليس ممن هاجر إليهم، واهتم بنوعية الطلبة فسعى إلى اجتذاب حملة الشهادات الجامعية ونحو ذلك من المشاريع.

ص: 287

وهذا يقودنا إلى الرابع وهو الارتقاء بمستوى الحوزة العلمية وعطائها وقدراتها لتكون قادرة على مواكبة التحديات وإيجاد الحلول لكل المشاكل لأننا نؤمن بان الإسلام دين خالد وانه خاتم الأديان فلابد أن يجيب على كل سؤال ويحل كل مشكلة ويضع القوانين المتكاملة لكل شؤون الحياة، والحوزة العلمية هي الواجهة الدينية التي تقصد في ذلك،ومن مكارم منهج أهل البيت (علیهم السلام) فتح باب الاجتهاد لتتحقق المواكبة، فعلى الحوزة العلمية أن تلتفت إلى أن من مهامها الأساسية كونها حاضرة في كل قضايا الأمة وخبيرة بشؤونها ومطلّعة على العالم من حولها وقادرة على تحمّل مسؤولياتها انطلاقاً من قول الامام الصادق (علیه السلام) (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) فليس من المعقول ولا من المقبول أن تهان مقدساتنا ويستهزأ بها وتُسَنّ القوانين لمخالفة الشريعة علناً ونحن في بلد المقدسات والأنبياء والأئمة المعصومين (علیهم السلام) من دون رد حاسم من قبل الحوزة.

وهكذا كان السيد الشهيد الصدر قدس سره فحينما اكتسحت الماركسية وعقيدة الالحاد عالمنا الإسلامي في خمسينيات القرن الماضي سارع إلى تأليف كتابيه الجليلين (اقتصادنا) و (فلسفتنا) ليبين الوجه المشرق المتكامل لدين الإسلام في مقابل الأنظمة الوضعية الناقصة فأصبحت النجف حاضرة في العالمين الشرقي والغربي الذين كانا يتسيدان الأرض بفضل هذه الجهود الثمينة بعد ان كانت النجف لا تثير اهتمامهم لأن نتاجها في الفقه والاصول لا يعنيهم، واذا بالمفكرين والساسة والاقتصادين من الشرق والغرب ينهلون من فكر السيد الشهيد واطروحاته القيمة.

ص: 288

وحينما عقد مؤتمر في السبعينيات لمناقشة وضع البنوك في الدول الإسلامية وكيفية تصحيح عملها وفق الشريعة الإسلامية كتب بحثه القيم(البنك اللاربوي في الإسلام).

وروى الشيخ النعماني أنه قدس سره شرع بكتابة دستور للجمهورية الإسلامية قبل انتصار الثورة وقبل عودة السيد الخميني قدس سره إلى إيران فسأله النعماني بأن هذا سابق لأوانه ولا نعرف مصير الاحداث، فأجاب قدس سره بأني اريد من المتظاهر الإيراني عندما يسأل عن مطلبه ويجيب اننا نريد حكم الإسلام أن يقدم دستوراً رصيناً يتكفل ببيان رؤية متكاملة عن الدولة والحكم في الإسلام.

إن وصف هذه المدرسة بالوعي والإصلاح لا يعني اهتمامها بهما على حساب التحصيل العلمي والابداع في علوم الحوزة العلمية لأن هذه العلوم أساس الاجتهاد الذي هو من شروط القيادة الإسلامية، فقد كان السيد الشهيد الصدر قدس سره متألقاً فيها حتى وصفه تلميذه السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره بانه أعلم الأولين والآخرين عدا المعصوم (علیه السلام)، وتحظى نظرياته باهتمام بالغ من لدن العلماء والمحققين، وفي علم الأصول لم يكتفِ بعرض آراء السيد الخوئي قدس سره ومناقشتها باعتبارها أحدث إنجازات الحوزة كما جرت عليه السيرة وانما أعاد عرض آراء الاعاظم الثلاثة أساتذة السيد الخوئي قدس سره وهم النائيني والعراقي والاصفهاني (قدس الله سرهم) وناقشهم بينما هذب السيد الخوئي وحذف الكثير من التفاصيل لسبب أو آخر.

فاذا أردنا أن نقدِّم نموذجاً لقيادة حوزوية عالمة بزمانها قادرة على النهوض بمشروع الإسلام والانطلاق به إلى العالم كله وان يلبي احتياجاتها وتطلعاتّها فلا

ص: 289

نجد أفضل من السيد الشهيد الصدر قدس سره لذا علينا أن ندرس هذه التجربة الغنية الفذة واذا عجزنا عن تقديم بديل بنفس عبقرية السيد الصدر قدس سره، فلنكن بمجموعنا السيد الصدر بأن يتكفل كل فرد أو مجموعة جانباً من هذه العبقريات الفذة، وبانضمام بعضها إلى بعض يتحقق الهدف.

وهكذا كان ينظر قدس سره إلى المرجعيات المتعددة والتوجهات المختلفة في الحوزة العلمية على أنها تتكامل فيما بينها وكما عنون بحثه في سيرة الأئمة (علیهم السلام) بأنهم (تنوع أدوار وهدف مشترك) ولا مبرر مطلقاً للتقاطع والتخاصم وابدى ألمه وامتعاضه بل وسخريته من ابتلاء الحوزة بهذا الصراع وما يلزمه من تسقيط وافتراء وهدر للجهود والأموال والاوقات ومع ما يؤدي إليه من انشقاق وتناحر وتقاطع وكان يقصد هذا الصراع من محاضرته الأخيرة عن حب الدنيا والتي قال فيها (مَنْ منّا عرضت عليه دنيا هارون العباسي ولم يقتل الامام موسى بن جعفر (صلی الله علیه و آله) ) ونحن نتصارع على أمور مادية واعتبارية وهمية لا تلبث أن تندثر بخروجنا من هذه الدنيا، لذا كان قدس سره يتسامى على الرد على الذين خاصموه وسعوا إلى تسقيطه بمختلف الأساليب ومضى نقياً عفيفاً طاهراً.هذه جملة من معالم مدرسة الوعي والإصلاح في الحوزة العلمية نستحضرها عندما نستثير سيرة الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره ونستعيد ذكراه وان الروايات والمواقف التي نقلها طلبته ومريدوه كثيرة وهي غنية بهذه المعاني والتي جعلت ذكره حياً رطباً وكأنه لم تمر عليه أربعون عاماً، لأنه أخلص لله تعالى.

ص: 290

خطاب المرحلة 590 : المعالم الحضارية لدولة الامام الموعود (عج)

بسمه تعالى

المعالم الحضارية لدولة الامام الموعود (عج)(1)

ترسم الروايات الكثيرة صورة حضارية راقية حين تبيّن معالم دولة الامام الموعود (اروحنا له الفداء)، فعلى صعيد الرفاه الاقتصادي يقول ابو عبد الله (علیه السلام): (ان قائمنا اذا قام اشرقت الارض بنور ربها واستغنى الناس عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة، وتظهر الارض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد احداً يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله)(2) .وعلى صعيد الاستقرار الأمني يقول الامام أمير المؤمنين (علیه السلام) (ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولا خرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لا تضع قدميها إلا على النبات، وعلى رأسها زبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه)(3) .

أما على صعيد الرقي العلمي فيقول الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال: (العلم

ص: 291


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من زوار الشعبانية 15 شعبان 1440 الموافق 21/4/ 2019 بمناسبة ذكرى ميلاد صاحب العصر (علیه السلام)
2- بحار الأنوار: ج 52 / ص 337
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 52 - الصفحة 316

سبعة وعشرون جزءاً، فجميع ما جاءت به الرسل جُزءان، فلم يعرف الناس حتّى اليوم غير الجزئين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً، فبثَّها في الناس وضمّ إليها الجزئين، حتّى يبثّها سبعة وعشرين جزءاً)(1) .

هذه بعض الصور الحضارية لدولة الامام (علیه السلام) وهي مهمة لتحقيق السعادة للبشر الا ان الظاهرة الأكمل والابرز هي الكشف عن الكفاءات المخلصة التي تقود العباد والبلاد إلى الكمال والرقي فيمكّنها في دولته المباركة.

ان أحد أهم أسباب مشاكل البشر ومعاناتهم وخراب أوضاع البلدان هو عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتصدي غير المؤهلين لقيادة الأمة واقصاء الكفاءات المخلصة النظيفة التي لو أخذتمواقعها المناسبة فان المشاكل تزول من أساسها، ومن هذا المنطلق نعرف كيفية اخراج العراق من أوضاعه المتردية البائسة التي يعيشها الآن.

إن هذه الكفاءات وصفتها بعض الروايات بالكنوز حيث ورد فيها ان الامام (علیه السلام) يكشف عن كنوز ليست من الذهب ولا من الفضة، فما عساها ان تكون إن لم تكن من هذه المعادن النفيسة، فالكنوز هم أولئك الذين امتحن الله تعالى قلوبهم للإيمان وان تفسير الكنوز بهذا المعنى ورد في رواية أخرى نقلتها في حديث سابق (ففي كتاب البحار: أن عيسى (ع) كان مع بعض الحواريين في بعض سياحته، فمروا على بلد، فلما قربوا منه وجدوا كنزا على الطريق، فقال من معه: ائذن لنا يا روح الله أن نقيم ها هنا ونحوز هذا الكنز لئلا يضيع، فقال (علیه السلام) لهم: أقيموا ها هنا وأنا أدخل البلد ولي فيه كنز أطلبه) وفي نهاية الرواية جاءهم

ص: 292


1- البحار: 25/236/باب 27/ح 73.

عيسى بشاب امتلأ قلبه بحب الله تبارك وتعالى (فلما رجع عيسى إلى الحواريين قال: هذا كنزي الذي كنت أظنه في هذا البلد فوجدته، والحمد لله).

وهذه هي المقاييس الحقيقية التي تُعرَف بها الرجال وليس الإمكانيات المادية مهما كثرت فانها زائلة ولا قيمة لها.

ان أي واحد منكم ذكراً أو أنثى يمكن ان يكون مقصوداً بهذا الحديث اذا اجتهد في تهذيب نفسه وتطهير باطنه وزين نفسه وعقله بالكمالات الروحية والعلوم والمعارف النافعة وسيبرزه الامام (علیهالسلام) ويمكّنه في دولته المباركة ومن الأمور التي تطلب في أدعية زمن الغيبة ما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة بان يجعله الله تبارك وتعالى ممن (وَيُمَلَّكُ فى دَوْلَتِكُمْ، وَ يُشَرَّفُ فى عافِيَتِكُمْ، وَيُمَكَّنُ فى اَيّامِكُمْ).

ص: 293

خطاب المرحلة 591 : (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) (النساء:75)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) (النساء:75)

وجوب العمل لإنقاذ المجتمع من الظلم والجهل والتخلف والحرمان(1)

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً).

في الآية استنكار واستهجان لحالة التقاعس والقعود عن أداء المسؤولية لدى البعض، وحث وتحريض واستنهاض المؤمنين للقتال في سبيل الله تعالى وتحرير المستضعفين رجالاً ونساءاً وصبياناً الذين يتحكم فيهم المستكبرون والطغاة المتفرعنون ويضغطون عليهم بمختلف الأساليب الوحشية ليتركوا دينهم الإسلامي، وهم ليسوا في أنفسهم ضعفاء وانما استضعفهم المستكبرون بأدوات الظلم والبطش التي يمتلكونها فسلبتهم القدرة على التغيير ولم يعودوا يمتلكون الا الدعاء منربهم ان ينقذهم من هؤلاء الظلمة، وقد عبّر عن ذلك بألطف تعبير وانسبه للإخلاص فلم يقولوا يالقومنا أو ياللعرب أو وامعتصماه كما في بعض الحوادث، وإنما قالوا (رَبَّنَا) فهم يستغيثون بالله تعالى ويطلبون منه

ص: 294


1- كلمة القاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على طلبة البحث الخارج يوم الاثنين 23/شعبان/1440 الموافق 29/4/2019 بمناسبة قرب حلول موسم التبليغ في شهر رمضان المبارك

تعالى أن ينجدهم بإخوانهم المؤمنين (وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً).

فيدعوهم الله تعالى إلى القتال في سبيله ويستغرب من تقاعس البعض ويتساءل مستنكراً (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ) وأنتم تطلبون احدى الحسنين النصر أو الشهادة وكلها في عين الله تعالى وفيها أجر عظيم، وقد أضاف اليها الجانب العاطفي بأن هؤلاء اخوانكم في الدين أونظراؤكم في الإنسانية فكيف تسمحون ببقائهم تحت الظلم والقهر والتعذيب والحرمان وأنتم قادرون على تحريرهم واستعادة كرامتهم.

وقد رفع الله تعالى من شأن هؤلاء العاملين الرساليين بأن جعلهم هم الولي والنصير من قبله تبارك وتعالى لتحرير الناس الذين يستجيب بهم دعاء المؤمنين وفي ذلك تحفيز عظيم للنهوض والتحرك حتى يفوزوا بهذه المنزلة العظيمة.

والآية الكريمة ككثير من الآيات غيرها تكشف عن كون الجهاد هو عمل في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى وتحرير الانسان من الظلم والفساد والضلال وليس لجني مصالح اقتصادية أو توسيع نفوذ وهيمنة أو تصفية حسابات سياسية ونحو ذلك خلافاً للأمم المادية التي تدّعي التحضّروالتقدم فان حروبها جميعا للحصول على مصالح مادية ضيقة او الحفاظ عليها.

ويستفاد من الآية أهمية وجود النخبة الرسالية الصالحة المؤهلة لقيادة الأمة وتهّب لنجدتها وتحمل هم الامة جميعا والتي تعزّز اقتدارها بالقوى المعنوية والمادية لتحقيق الأهداف المرجوّه.

فالآية لا تختص بذوي المهاجرين من مكة إلى المدينة الذين بقوا في مكة

ص: 295

وعانوا من اضطهاد قريش بل تشمل كل بلد يعاني فيه المجتمع من الاستضعاف العقائدي او الأخلاقي او الاقتصادي او السياسي او الفكري وقد أطلق القرآن الكريم عنواناً عاماً لهذه البلدان بقوله تعالى (هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) (النساء:75).

والآية وإن ذكرت القتال باعتباره الأسلوب المناسب يومئذ لردع مشركي مكة اللذين حشدوا الجيوش لمحاربة الإسلام وأهله، لكن الآية لا تختص بالقتال لان مورد النزول لا يخصص الآية، وانما تشمل قبل ذلك أي أسلوب من أساليب التي يستطيع بها المؤمنون انقاذ المستضعفين من مشاكلهم وحرمانهم واضطهادهم وتخلفهم، وآخر الدواء الكي كما قيل في المثل وهو القتال والمواجهة المسلحة، والا فالمطلوب هو العمل لاستعادة كرامة الإنسان وحريته وحقوقه، من خلال الدعوة إلى الله تعالى وتطبيق النظام الإلهي بالحكمة والموعظة الحسنة قال تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمبِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125).

ويمكن استفادة هذا التعميم بتقريبين:

ما ذكرناه آنفا من عدم خصوصية لذكر القتال فنجّرد الآية عن الخصوصية ونعمّم الخطاب الى كل أساليب الإنقاذ بحسب حالات الاستضعاف، وتدل على هذه المعنى روايات كثيرة إلى ان القتل يمكن ان يكون معنوياً ومادياً والحياة كذلك.

ان لفظ القتال لا يختص بالعمل المسلح فيمكن ان يشمل الخطاب والبيان والموقف والمقاطعة وحتى الصمت أحياناً لذا يصح ان يقال ان السيدة الزهراء

ص: 296

(علیها السلام) وابنتها العقيلة زينب (علیها السلام) قاتلتا ايما قتال اقضّ مضاجع الظلمة ولكنه لم يكن بالسيف وانما بالكلمة والموقف والرفض والمقاطعة.

والمستضعفون عرفتهم آية أخرى قال تعالى (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء:98-99) فهم عاجزون فكرياً أو بدنياً أو اجتماعياً أو مالياً أو كبلّتهم ظروف خارجة عن القدرة على التغيير ، روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن زرارة قال (سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن المستضعف فقال: هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر، ولا يهتدي بها إلى سبيل الايمان)(1)وروى الشيخ الصدوق بسنده عن عمر بن إسحاق قال: سئل أبو عبدالله (علیه السلام): ما حدُّ المستضعف الذي ذكره الله عز وجل، قال: من لا يُحسن سورة من سور القرآن، وقد خلقه الله عز وجل خَلقة ما ينبغي له ان لا يحسن)(2).

فهؤلاء المستضعفون لهم حق على القادرين على إخراجهم من حالة الاستضعاف هذه بالأدوات المتاحة وأولها والشيء الرئيسي فيها إخراجهم من حالة الجهل والعمى الفكري الذي ضرب عليهم بطرق شتى كحرمانهم من أدوات المعرفة الصحيحة أو تقديس أفكار ورموز وسلوكيات موروثة وتجعل خطوط حمراء لا يجوز الاقتراب منها والتفكير فيها فضلاً عن مناقشتها وتقييمها.

فكان واجباً على من يمتلك العلوم والثقافة الصحيحة أن يأخذ بأيديهم

ص: 297


1- الكافي:2/297 ح 3
2- معاني الأخبار: 202 ح 7

ويصحح أفكارهم ويبصرهم ويعلمهم ما ينفعهم وفي ذلك ثواب عظيم. ففي الاحتجاج وتفسير العسكري (علیه السلام) عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال ( من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضيئ لأهل جميع العرصات، وعليه حلة لا يقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ، ثم ينادي مناد يا عباد الله هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد ألا فمن أخرجه في الدنيا منحيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزه الجنان فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا، أو أوضح له عن شبهة)(1) .

وفي نفس المصدر عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا، وذلك يدفع عن أبدانهم)(2) .

إن الله تعالى يريد من عباده الذين يمتلكون ما يساعدون به هؤلاء المستضعفين ان يعيدوا إليهم دينهم وكرامتهم وحريتهم وعزتهم، وما كان القيام الفاطمي ولا القيام الحسيني الا غضباً لله تعالى ولرسوله ولأداء هذه المسؤولية تجاه عباد الله تعالى كما ورد في زيارة الامام الحسين (علیه السلام) (وبَذَلَ

ص: 298


1- بحار الأنوار: 2/2 ح 2
2- بحار الأنوار: 2/5 ح 8

مُهجَتَهُ فيكَ لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وحَيرَةِ الضَّلالَةِ)(1) وفي زيارة أخرى (وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيكَ حَتَّى اسْتَنْقَذَعِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ)(2) .

وهذا الغضب لله تعالى خصلة كريمة يحبها الله تعالى ويبغض من لا يتصف بها، في كتاب الكافي بسنده عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (إن الله عز وجل بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها(3) فلما انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو الله ويتضرع فقال: أحد الملكين لصاحبه: أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمر به ربي، فقال: لا ولكن لا أحدت شيئا حتى أراجع ربي فعاد إلى الله تبارك وتعالى فقال: يا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرع إليك، فقال: امض لما أمرتك به فإن ذا رجل لم يتمعر(4) وجهه غيظا لي قط)(5).

وفي الكافي والتهذيب عن الامام الباقر (علیه السلام) قال: (أوحى الله تعالى الى شعيب النبي (علیه السلام): اني معّذب من قومك مائة الف، أربعين الفاً من شرارهم وستين الفاً من خيارهم، فقال (علیه السلام): يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟

ص: 299


1- مفاتيح الجنان، زيارة الاربعين
2- مفاتيح الجنان، زيارة العيدين
3- حيث كانت الأمم السابقة تعاقب بعقوبات جماعية كما يحكي القرآن الكريم عن عدة حالات منها واعفيت الامة الخاتمة من ذلك.
4- لم يتمّعر وجهه: أي لم يتغير الى الصفرة
5- الكافي: باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح 8، (الغضب لله تعالى شرط صدق الايمان: خطاب المرحلة ج 10 ص 339)

فأوحى الله عز وجلاليه: داهنو اهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي)(1).

فنؤكد هنا من جديد الحاجة إلى استشعار هذه المسؤولية والقيام غضباً لله تعالى لإنقاذ عباد الله من الانحراف والفساد والانحلال والظلم والأخذ بأيديهم إلى حياة حرة كريمة عزيزة والخطاب موجه الى الجميع ولكل منكم دوره سواء كان من الحوزة العلمية أو الجامعيين وعموم الواعين بل الناس جميعاً، ولا تستغرب هذا فان أي مواطن يكون مسؤولاً عن اختيار الكفوء المخلص الشجاع في قول الحق الأمين على دين الناس وحقوقهم كالموقف الأخير في تصحيح قانون العنف الأسري الذي قُدِّم للبرلمان مؤخراً لإقراره وقد تضمن مواد تضاهي النمط الغربي في السلوك وتسلب حق الآباء في تربية ابنائهم على السلوك الصحيح وضبط تصرفاتهم بحجة الحرية الشخصية ونحو ذلك والجميع والاسلاميون منهم

بين موافق أو ساكت، ويكون التكليف أأكد في الشرائح المستهدفة بالتخريب أكثر كالنساء والشباب.

وشهر رمضان المبارك الذي تقترب منّا أيامه فرصة ثمينة للقيام بهذه المسؤولية ونفض غبار التقصير والتقاعس.

ص: 300


1- الوسائل: 16/146 ح 1، (الغضب لله تعالى شرط صدق الايمان: خطاب المرحلة ج 10 ص 339)

خطاب المرحلة 592 : جامعة المذاهب الإسلامية مشروع ناهض للوحدة الإسلامية...

بسمه تعالى

جامعة المذاهب الإسلامية مشروع ناهض للوحدة الإسلامية وللحد من مخاطر التكفير والتطرف الفكري والديني

استقبل(1) سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمكتبه في النجف الأشرف رئيس جامعة المذاهب الإسلامية سماحة آية الله الشيخ محمد حسين مختاري (دامت بركاته) وعدد من مساعديه ومستشاريه.

وقدم سماحة الشيخ مختاري عرضاً موجزاً عن اهداف تأسيس الجامعة وطبيعة الدروس ومناهج التدريس فيها وعدد فروعها في داخل الجمهورية الاسلامية وخارجها واعداد الطلبة المسجلين لديها من الشيعة والسنة.

من جانبه أشاد سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) بالدور الذي تضطلع به جامعة المذاهب الاسلامية وبالنشاطات التقريبية التي تقوم بها في عدد من الدول.

وذكر سماحته (دام ظله) ان الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا) (البقرة:143) ويعتمد أسلوب الحوار والحجة والبرهان واحترام الآخر والعدالة بين جميع البشر، والشواهدعلى ذلك كثيرة من القرآن الكريم وسنة المعصومين (علیهم السلام)، ومن الشواهد التاريخية ما كانت عليه الأجواء العلمية والاجتماعية السائدة في بغداد باعتبارها عاصمة التقريب والتعايش بين

ص: 301


1- - الأربعاء 25/شعبان/1440 الموافق 1/5/2019 م

الأديان والمذاهب حتى الملحدين، وبقيت على ذلك إلى أيام الشيخ المفيد والشيخ الطوسي (قدس الله سرهما) وقد تسنّما رئاسة كرسي الكلام على جميع المذاهب آنذاك حيث عاش المسلمون جواً تقريبياً وتعايشاً مذهبياً مميزاً قبل حصول الفتنة وانتقال الشيخ الطوسي الى النجف الاشرف، لافتاً الى ضرورة فهم فقه العامة والإحاطة به للوصول الى نقاط التقارب وفهم طريقة الائمة المعصومين (علیهم السلام) في معالجة المسائل الخلافية، وهو اسلوب اعتمده سماحة المرجع اليعقوبي في بحثه الفقهي الموسوم (فقه الخلاف)، تأسيساً على قواعد المدرسة التي انشأها السيد البروجردي (قدس سره).

وقال سماحته: لقد أكدت في كلماتي السابقة على ضرورة الدخول الى عمق التفكير التكفيري ومعالجة مكامن الخطر فيه.. لأن التكفير والتطرف ليس فعلاً أو حدثاً، وإنما هو ثقافة وفكر مبني على أسس تدفع الاخر للقيام بأفعال معينة معادية ذات طابع عدائي، فلابد من معالجة وتفكيك بنيته الفكرية وخلق ثقافة مضادة له، والتنبيه والتعريف بحجم الاخطار المحدقة بالدين الاسلامي والبلاد الاسلامية.

وتابع سماحته: ان التجربة الرائدة لجامعة المذاهب بكل تفاصيلهاومن خلال العلوم والمعارف التي تدرّس فيها والتي تسهم في نشر الوعي وتقريب وجهات النظر وتسهم أيضاً في كشف حجم المؤامرة التي تحاك ضد الامة الاسلامية من أجل تفكيكها وتمزيقها وهدر امكانتها المادية والبشرية لإضعافها والهيمنة عليها.

وأكد سماحته على أهمية تعزيز ثقافة التقارب والتعايش المذهبي ونشر

ص: 302

هذه المبادرات والمشاريع المباركة وتنمية وترويج الثقافة المناهضة للتطرف والتكفير خاصة في البلدان التي استهدفتها هذه المؤامرة وطالتها الاجندات المسمومة.

كما أعرب سماحته عن أمله بأن لا يفهم من إقامة هذه المشاريع على انها ترويج للتشيع -لأن القضية أكبر وأخطر من ذلك بكثير- وانما جرياً على سيرة الائمة (علیهم السلام) فقد كانوا حريصين على تبصرة المسلمين وتوعيتهم وتقديم النصح والإرشاد لهم من دون دعوتهم الى الدخول في التشيع او استمالتهم الى مذهبهم مما يؤدي الى استفزاز الاخر لاتخاذ اجراءات معادية لا سمح الله، وهم (علیهم السلام) يعلمون ان الحق لو وصل الى الناس بشكل واضح فانهم سيتبعونه بأذن الله تعالى كما قال (علیه السلام) (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)(1)

هذا وأثنى سماحة آية الله مختاري على موسوعة (فقه الخلاف) وهي تقريرات لدروس البحث الخارج التي يلقيها سماحة الشيخ (دام ظله) منذ 12 عام والتي توصل فيها سماحة الشيخ (دام ظله) الى نتائج فقهية من شأنها ان تعالج بعض منعطفات الخلاف مع العامة وتحلحل بعض العقد.

في نهاية اللقاء تشكر الوفد الضيف على حفاوة الاستقبال وأعرب سماحة الشيخ مختاري (دامت بركاته) عن رغبته بإدامة التواصل بين الحواضر العلمية والعلماء الأعلام من أجل النهوض بمستوى الامة الاسلامية ودفع الاخطار عنها لتكون بمستوى مواجهة التحديات التي تواجهها بأذن الله تعالى

هذا ويذكر ان سماحة المرجع (دام ظله) كان قد ذكر في احد

ص: 303


1- بحار الأنوار: ج 2 –ح13

خطاباته(1) على المشروع الناهض لجامعة المذاهب الإسلامية ودعا للاستفادة منه واستثماره.

ص: 304


1- خطاب المرحلة (570) جامعة المذاهب الاسلامية خطوة على طريق التقريب / خطاب المرحلة ح11 / ص198.

خطاب المرحلة 593 : التشيع لأهل البيت (علیهم السلام) : امتيازات واستحقاقات

بسمه تعالى

التشيع لأهل البيت (علیهم السلام) : امتيازات واستحقاقات

وردت روايات كثيرة في فضل التشيع لأهل البيت (علیهم السلام) منها ما في كتاب عيون أخبار الرضا (علیه السلام) للشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) بسنده عن الامام الرضا (علیه السلام) (عن ابيه موسى بن جعفر (صلی الله علیه و آله) قال: كان قوم من خواص الصادق (علیه السلام) جلوساً بحضرته في ليلة مقمرة مصحية فقالوا: يا بن رسول الله ما أحسن اديم هذه السماء وأنوار هذه النجوم والكواكب! فقال الصادق (علیه السلام): إنكم لتقولون هذا وإن المدبّرات الأربعة جبرائيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت عليهم السلام ينظرون إلى الأرض فيرونكم واخوانكم في اقطار الأرض ونوركم إلى السماوات وإليهم أحسن من أنوار هذه الكواكب وأنهم ليقولون كما تقولون ما أحسن أنوار هؤلاء المؤمنين)(1).

فبيوت الموالين لأهل البيت (علیهم السلام) تبدو كالكواكب والاقمار المنيرة لأهل السماوات عندما ينظرون إلى الأرض، وهذه الأنوار لا تسطع لمجرد أن اهل هذه البيوت موالون ومحبّون لأهل البيت عليهم السلام بل لأنها عامرة

بذكر الله تعالى وبالصلوات وتلاوة القرآنوسائر الاعمال الصالحة كما ورد في الحديث الشريف عن النبي (صلی الله علیه و آله) (نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن فإن البيت اذا كثر فيه

ص: 305


1- عيون اخبار الرضا:1/5

تلاوة القرآن كثر خيره واتسع اهله واضاء لأهل السماء كما تضيئ نجوم السماء لأهل الدنيا)(1).

اردت بهذا التوضيح التنبيه إلى عدم صحة النظر إلى الامتيازات الممنوحة لشيعة أهل البيت (علیهم السلام) من هذا الجانب فقط من دون النظر إليها من جانب الاستحقاقات أيضاً فتلك مقابل هذه، والروايات الشريفة حافلة بهذا المعنى، خذوا مثلاً ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن نجم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال لي: (يا نجم كلكم في الجنة معنا، الا انه ما أقبح بالرجل منكم أن يدخل الجنة قد هتك ستره وبدت عورته، قال: قلت له: جعلت فداك وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم، إن لم يحفظ فرجه وبطنه)(2).

تصوروا هذا المنظر القبيح الذي يمكن أن يظهر بيه الموالي مع صدور القرار الكريم بدخوله الجنة لكنه فضح نفسه حيث لم يحفظ فرجه وبطنه فبدت صورته الواقعية التي ترسمها أعماله في الدنيا (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) (الطارق:9).وعفة الفرج لها مديات واسعة تشمل اجتناب النظرة المحرمة والعلاقة غير المشروعة والكلام الفاحش والخلوة المحرمة وسائر التصرفات المنهي عنها، وقد ورد في اول خطوة منها عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) (لكل عضو حظ من الزنا وزنا العين النظر)(3).

ص: 306


1- الكافي: 2 / 610 ح 1 ، بحار الأنوار: 92 / 200 ح 17
2- الخصال: 23 (أبواب الواحد ح 88).
3- جامع الأخبار : 408 / 1129.

وعفة البطن أيضاً لها مدى واسع فتشمل اجتناب الطعام غير الشرعي كالمحرم في نفسه مثل الخمر والخنزير أو بالعارض كاللحم غير المذكى على الطريقة الإسلامية أو المشتمل على شحوم أو جيلاتين حيواني من دولة غير مسلمة أو الذي يعدّه الكفار يباشرونه بأيديهم، ويصل إلى اجتناب الكسب المحرّم والطرق غير المشروعة للحصول على المال فانه يدخل إلى بطنه لقمة الحرام.

ص: 307

ص: 308

روايات تنموية

اشارة

ص: 309

ص: 310

روايات تنموية(1): قضاء حاجة المؤمن من أفضل العبادات

بسمه تعالى

قضاء حاجة المؤمن من أفضل العبادات(1)

روى أبان بن تغلب(2) (كنت أطوف مع أبي عبد الله (علیه السلام) فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي فكرهت أن أدع أبا عبد الله (علیه السلام) وأذهب إليه فبينا أنا أطوف إذ أشار إلي أيضا فرآه أبو عبد الله (علیه السلام) فقال: يا أبان إياك يريد هذا؟ قلت: نعم، قال: فمن هو؟ قلت: رجل من أصحابنا، قال: هو على مثل ما أنت عليه أي الإسلام ومعرفة حق أهل البيت (علیهم السلام) قلت: نعم، قال: فاذهب إليه، قلت: فأقطع الطواف؟ قال: نعم، قلت: وإن كان طواف الفريضة؟ قال: نعم، قال: فذهبت معه، ثم دخلت عليه بعد أي في زيارة لاحقة للإمام (علیه السلام) بعد مدة فسألته، فقلت: أخبرني عن حق المؤمن على المؤمن فقال: يا أبان دعه لا ترده أي دع هذا السؤال لان جوابه ثقيل عليك قلت: بلى

ص: 311


1- من كلمة سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع وفد من أبناء الفضيلة / مكتب الكرخ بغداد ألقاها بتاريخ 21/ 9 / 2017 المصادف 29 ذي الحجة 1438
2- وهو من أجِّلاء أصحاب الائمة (علیهم السلام)، عاصر الائمة السجاد والباقر والصادق (علیهم السلام) ولما توفي قال الامام الصادق (علیه السلام): لقد أوجع قلبي موت أبان.

جعلت فداك فلم أزل أردد عليه، فقال: يا أبان تقاسمه شطر مالك، ثم نظر إلي فرأى مادخلني أي من ثقل هذه المسؤولية فقال: يا أبان أما تعلم أن الله عز وجل قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟ قلت: بلى جعلت فداك، فقال: أما إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنما أنت وهو سواء إنما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر).(1)

الرواية تبيّن عظمة حق المؤمن على أخيه المؤمن وضرورة السعي في قضاء حوائجه حتى قدّمه الامام (علیه السلام) على الطواف الواجب بصحبة الامام المعصوم (علیه السلام) وتريّث الامام (علیه السلام) كثيراً قبل أن يخبره بهذا الحق اشفاقاً على أبان وهو صاحب المنزلة الجليلة في قلب الائمة (علیهم السلام) وخوفاً من تقصيره في أدائه، ورأه (علیه السلام) كيف اعتراه الذهول لما سمع بواحد من هذه الحقوق، وهو أن يقاسمه ماله فيعطي أخاه المحتاج نصفاً ويبقي له نصفاً وهو لا يزال لم يبلغ الذين وصفهم الله تعالى بقوله (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر:9) لأن الايثار لا يتحقق الا عندما يعطي لأخيه اكثر مما يأخذه لنفسه.

ونحن نعلم ان الائمة يعطون لأصحابهم جرعات مختلفة من التربية بحسب مستوياتهم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والفكرية فيقول الامام (علیه السلام) لأبان ما لا يقوله لغيره.

ولابد أن نلتفت إلى أن الايثار لا يقتصر على المال فقد تؤثر الغيرعلى نفسك بوقتك أو براحتك كالطبيب(2) الذي يكون جاهزاً على مدار الساعة لتلبية أي حاجة طارئة تعرض عليه ويضحي براحته من أجل انقاذ الآخرين من الألم ومعالجتهم، أو ما نشاهده من تعبئة عامة أيام زيارة الأربعين على مدى أسابيع

ص: 312


1- أصول الكافي، باب حق المؤمن على أخيه ج2 ص 171 ح 8.
2- ورد هذا الجزء من الكلام في حديث مماثل لسماحة المرجع (دام ظله) مع جمع من الأطباء من مختلف المحافظات يوم الخميس 22/ذوالحجة/1438 المصادف 14/9/2017.

لخدمة الزوار وإطعامهم وايوائهم فيؤثرونهم على أنفسهم. وهكذا بعض العاملين في المنظمات الإنسانية والخيرية وكثير ممن لا يكلّون ولا يملّون من السعي في قضاء حوائج الناس.

وغاية الايثار ما نراه من ابطال قواتنا المسلحة والحشد الشعبي الذي يضحوّن بالأرواح ويسترخصون الدماء ويفارقون الأهل والأحبة من أجل تحرير الأرض وإنقاذ الأبرياء من مخالب الإرهاب في شتى مواضع القتال، وبعضهم يدّخر قنينة الماء المخصصة له اثناء المعركة لعله يجد مدنياً بريئاً ينقذه من تحت الأنقاض فيسقيه حصته من الماء، وآخر يضع سلاحه على كتفه وهو في ساحات المواجهة وحياته مرهونة بهذا السلاح من أجل أن ينقذ شيخاً أو طفلاً ويزهد بحياته ليقوم بهذا العمل الإنساني النبيل مما اثار استغراب كل القادة في العالم.

وآخر يحتضن ارهابياً ويفجّر نفسه معه لمنعه من إيقاع الخسائر بتجمعات الأبرياء العزّل في المساجد والمدارس والأسواق.وهذا ما يجب أن يفهمه السياسيون والمتصدون لمواقع السلطة فأنهم يستطيعون من خلالها تقديم أفضل الخدمات للناس وتحصيل أوسع الفرص لهذه العبادة العظيمة ليفوزوا بسعادة الدارين ولا يحق له الاعتذار بأي عذر، بل أنهم بالخصوص ملزمون بهذا العمل لانه الكفارة الوحيدة لتصديهم لمواقع السلطة ولا توجد كفارة غيرها من أي شكل من اشكال العبادات والصدقات حيث ورد في الحديث الشريف عن الامام الصادق (علیه السلام) (كفارة عمل

ص: 313

السلطان قضاء حوائج الإخوان.)(1)، فان أفضل طريق لتحقيق السعادة هو إدخال الفرحة على الآخرين واسعادهم، ولابد من اكتشاف هذه الحقيقة من أول وقت حتى نتمكن من استثمار الفرصة جيداً.

لكن البعض يدركها بعد فوات الفرصة أو في الوقت الضائع، كما نقل عن اثرى رجل في العالم وهو على فراش المرض وينظر إلى الأجهزة الطبية المركبة على بدنه فادركته الحسرة والندامة أنه لم يستطع الاستفادة من هذه الثروة الضخمة التي بلغت عشرات المليارات في ضمان سعادته في حياته الأخرى وسيذهب ويخلّفها وهذه خسارة حقيقية وحسرة دائمة.

وقد اقترحت مراراً أن يوضع قانون أخلاقي ينظم عمل سائر المهن، فيه قسم يتعلق بالأخلاق العامة لممارسة أي مهنة، وفيه قسم خاص بكلمهنة على حدة، لان كل مهنة لها خصوصياتها ومشاكلها وشبهاتها فقانون لذوي المهن الطبية وآخر للهندسية وآخر للقضاة وآخر للمعلمين وآخر للسياسيين وهكذا يصبح هذا القانون الأخلاقي منهجاً دراسياً في الجامعات والمعاهد جنباً إلى جنب العلوم التخصيصية ليقترن العلم بالعمل الصالح والاستقامة على العدل والإحسان.

ص: 314


1- جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 22 - الصفحة 356

روايات تنموية(2) : ولاية أهل البيت (علیهم السلام) أغلى من الدنيا وما فيها

بسمه تعالى

ولاية أهل البيت (علیهم السلام) أغلى من الدنيا وما فيها(1)

روى الشيخ الطوسي (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه الامالي بسنده عن الامام الهادي (علیه السلام) عن ابائه عن موسى بن جعفر (صلوات الله عليهم أجمعين) قال (إن رجلا جاء إلى سيدنا الصادق (علیه السلام) فشكا إليه الفقر، فقال (علیه السلام) : ليس الامر كما ذكرت وما أعرفك فقيرا. قال الفقير ظناً منه ان الامام (علیه السلام) يكذبّه فيما ادعى من الفقر : والله يا سيدي ما استبنت أي ما حققتَّ في حالي وما استوضحتها لتتأكد من صدق كوني فقيراً وذكر من الفقر قطعة والصادق (علیه السلام) يكذبه، إلى أن قال (علیه السلام) له: خبّرني لو أعطيت بالبراءة منّا مائة دينار والدينار يساوي مثقالاً من الذهب كنت تأخذ؟ أي تتبرأ من ولايتنا بهذا الثمن قال: لا

وبدأ الامام يزيد المبلغ إلى أن ذكر الامام (علیه السلام) ألوف الدنانير والرجل يحلف أنه لا يفعل، فقال علیه السلام له: من معه سلعة يعطى بها هذا المالوهو لا يبيعها هل هو فقير؟)(2)

ص: 315


1- من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد كبير من الزوار من داخل العراق وخارجه في طريقهم سيراً على الاقدام لزيارة الامام الحسين (علیه السلام) في ذكرى الأربعينية يوم الاثنين 16/صفر/1439 المصادف 6/11/2017
2- أمالي الطوسي: 297، المجلس 11 ح 584

ينبّهنا الامام الصادق (علیه السلام) إلى مؤشّر نعرف به قيمة النعمة(1) العظيمة التي حبانا الله تعالى بها وهي ولاية أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) والسير على هداهم، وأراد (علیه السلام) أن يطيِّب خاطر هذا الرجل المُعدم الذي ابتلى بالفقر ويسلّيه ويؤدبه على عدم التشكّي والتركيز على ما هو فيه من الحاجة لان ذلك يضعف معنوياته ويفقده صبره ويؤدي به إلى الجزع والاعتراض، وذلك الفقير يظن ان الامام (علیه السلام) يكذّبه في ما أخبر به من الفقر فنبّهه الامام (علیه السلام) إلى أنه يملك شيئاً ثميناً لا تستحق الدنيا وما فيها أن تكون ثمناً له وهي ولاية أهل البيت (علیهم السلام) فما يضرّه لو كان فقيراً من جهة المال.

وبنفس الوقت فان هذا المؤشر نختبر به شدة التزامنا وتمسكنا بنهج أهل البيت (علیهم السلام) وهل نحن ممن يبيعها بثمن بخس اذا عرض علينا أم اننا لا نتخلى عنها وعن دين الله القويم حتى لو عرضت علينا الدنيا وما فيها ثمناً.وقد يتعرض الموالون إلى أنواع عديدة من الابتلاءات والمحن وليس الفقر فقط لكنهم يبقون صابرين بل فرحين بما أكرمهم الله تعالى من فضله، وهذا المعنى نظمه جدّي المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي(رحمه الله تعالى المتوفى سنة 1965 م) قائلاً:

قالوا نرى الأيام قد أدبرت *** عنك وزادت في تجنّيها

ص: 316


1- راجع تفسير قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11) وقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً) (إبراهيم:28) وقوله تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر:8) في تفسير (من نور القرآن) لسماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله).

فقلت حبّي لبني المصطفى *** خير من الدنيا وما فيها

وهذا الولاء الراسخ جسّده زوار الامام الحسين (علیه السلام) على مرّ التاريخ فقد فرضت عليهم أنواع العقوبات المالية والجسدية فقطعت الايدي والرؤوس وصودرت الاموال لمنعهم من الزيارة ولكنهم تحملوا تلك العقوبات واستمروا على تعظيم هذه الشعيرة المقدسة والشواهد على ذلك كثيرة من أيام المتوكل العباسي اللعين إلى عهد صدام المقبور، وكان شعارهم الذي يرددونه دوماً (لو قطّعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفاً سيدي يا حسين) و (يفجّرونا ونصيح حسين).

وقد نصر الله تعالى عباده المؤمنين واعزّهم وصاروا اليوم هم من يلاحقون الارهابيين من أحفاد بني أمية واتباعهم ويقضون عليهم ويخلّصون الإنسانية جمعاء من شرهم.

ونعبّر هنا عن أسفنا لتخلّي بعض المغرورين والمخدوعين عن ولاية أهل البيت (علیهم السلام) إما لدنيا زائلة لوحّوا له بها أو لمشكلةحصلت له مع هذا وذاك فذهب برد الفعل بعيداً أو لكي تتداول أخباره مواقع التواصل الاجتماعي من باب (خالف تعرف) او انه اغترّ بما عنده من الأوهام والشبهات فظن انه صار شيئاً له قيمة ونحو ذلك من الفخوخ التي يوقع الشيطان بها اولياءه، ولا يكتفي بعض هؤلاء أحياناً بضلال نفسه وابتعاده عن الحق بل يندفع في نشر الشبهات والضلالات ليشكك الآخرين في عقيدتهم ويضلّهم معه وبئس المصير.

ص: 317

روايات تنموية(3) : موعظة سجّادية

بسمه تعالى

موعظة سجّادية(1)

روى الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه علل الشرائع أنه (رأى الزهري وهو من فقهاء المدينة المشهورين علي بن الحسين (صلی الله علیه و آله) ليلة باردة مطيرة حيث يأوي الناس إلى بيوتهم لتوقي البرد والمطر وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي فقال له متعجباً يا بن رسول الله ما هذا؟ قال: أريد سفرا أعد له زادا أحمله إلى موضع حريز فقال الزهري: فهدا غلامي يحمله عنك لان الامام (علیه السلام) بمنزلته العظيمة لا يليق به اجتماعياً هذا الفعل فأبى، قال انا أحمله عنك فأني أرفعك أي أُجلِّك عن حمله فقال علي بن الحسين لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني، يقول الزهري فانصرفت عنه فلما كان بعد أيام قلت له: يا بن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا، قال بلى يا زهري ليس ما ظننته من الاسفار والرحلات في الدنيا ولكنه سفر الموت وله كنت استعد، إنماالاستعداد للموت تجنب الحرام وبذل الندى والخير.)(2)

ص: 318


1- من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من الشباب وطلبة مقدمات العلوم الدينية وبعض المنظمات الإنسانية يوم السبت 30/ محرم / 1439 الموافق 21 / 10 / 2017.
2- علل الشرائع: 231، باب 65 ح 5

يقدِّم الامام السجاد (علیه السلام) موعظة عملية بهذه الحركة يصوِّر فيها رحلتنا في هذه الدنيا نحو الآخرة لأننا كلنا ننتهي إلى الموت (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) (الزمر:30) وقد ورد وصف وجودنا في هذه الدنيا بالسفر في احاديث كثيرة كما في وصية الامام الحسن (علیه السلام) لجنادة (استعد لسفرك وحضّر زادك قبل حلول أجلك)(1) فالسفر يحتاج إلى زاد ومؤونة ولوازم لا يستطيع انهاءه بنجاح الا باكتمال تلك المقدمات وقد نبّهت الآية الشريفة إلى الزاد النافع في هذا السفر الذي لابد منه قال تعالى (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) (البقرة:197).

وقد بيَّن الامام السجاد (علیه السلام) في موعظته هذه باختصار طبيعة الاستعداد للموت بكلمتين (تجنب الحرام وبذل الندى في الخير) وهما على اختصارهما الا انهما تعطيان إطاراً عاماً لما يجب فعله وما يجب تركه، كما اختصر قول آخر تعريف التقوى بأن (يجدك الله تعالى حيث يحب، ويفتقدك حيث يكره).

فيتحقق الاستعداد للموت بالمسارعة إلى فعل الخيرات واجبها ومستحبها وبمداها الواسع الذي يشمل كل وجوه البر والإحسان،وتجنب كل ذنب ومعصية وشرّ وظلم واعتداء على الآخرين في انفسهم أو أموالهم أو سمعتهم وكرامتهم واجراء مراجعة باستمرار لتدارك ما وقع في الزمان الماضي ومعالجة آثاره.

ص: 319


1- كفاية الأثر وأوردها عنه المجلسي في بحار الانوار: 44/138.

روايات تنموية(4) : خادع نفسك لجلبها إلى الطاعة

بسمه تعالى

خادع نفسك لجلبها إلى الطاعة(1)

روى الشيخ الطوسي بسنده عن الصحابي عدي بن حاتم الطائي وكان مع أمير المؤمنين (علیه السلام) في معركة صفين قوله (علیه السلام) (إن الحرب خُدعة) وهو حديث نبوي مشهور لكن الملفت تطبيق أمير المؤمنين (علیه السلام) للحديث في مجال غير الذي تنصرف إليه اذهاننا وهي الحرب العسكرية، فقال (علیه السلام) (إن الحرب خدعة) ثم قال (علیه السلام) (فافهم فانك تنتفع بها بعد اليوم ان شاء الله، واعلم ان الله عزوجل قال لموسى (علیه السلام) حين أرسله إلى فرعون (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:44) وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى ولكن ليكون ذلك أحرص لموسى(علیه السلام) على الذهاب)(2).

فالله تعالى يعلم ان فرعون لن يستجيب لموسى (علیه السلام) بل سيكذّبه ويحرٍّض على قتله ولكنه لو أخبر موسى (علیه السلام) بذلك فانه سوف لا يتحمس لدعوته إلى التوحيد لان الثمرة معدومة، ففتح الله تعالى له الأمل بايراد احتمال أن يتذكر أو يخشى ليندفع موسى (علیه السلام) في أداء رسالته، فكان أمير المؤمنين (علیه السلام) يقول ان الله تعالى استعمل هذا الأسلوب لحث موسى (علیه السلام) على دعوة فرعون إلى

ص: 320


1- من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من الشباب يوم السبت 24 / جمادي الأولى / 1439 المصادف 10/ 2 / 2018.
2- تهذيب الاحكام: ج 6 كتاب الجهاد، باب 76 إن الحرب خدعة.

الحق.

فالذي نستفيده ان تطبيق هذا الحديث له مدى واسع ويمكن ان يكون دليلاً للسلوك في ما هو أوسع من الحرب العسكرية، اعني في مجاهدة النفس أو إصلاح المجتمع لأن الحرب العسكرية وصفها النبي (صلی الله علیه و آله) بأنها (الجهاد الأصغر) وعلينا أن نخوض الجهاد الأكبر الممتد طول حياتنا فالحاجة إلى الخدعة فيها أكبر أي مخادعة النفس لجلبها إلى الطاعة وتجنيبها المعصية، خصوصاً وان النفس هي بالمقابل تخادع صاحبها وتدعوه إلى التمرّد على الطاعة واتباع الشهوات والاهواء كما ورد في الدعاء (ونفسي تخادعني)(1).اما كيفية مخادعة النفس فإنّ لها اشكالاً عديدة بحسب نوع الطاعة، فمثلاً يصادف شهر رمضان في أشهر الصيف اللاهبة فترفض النفس الصوم وتستثقله وتهولّه وتوسوس لصاحبها كيف تصوم ثلاثين يوماً في هذا الحر الشديد وبين يدك الماء البارد والطعام اللذيذ ولك زملاء يأكلون ويشربون وانت شاب فعليك التمتع بالدنيا ويمكن ان تتوب لاحقاً وتلتزم بالواجبات ونحو ذلك.

فاذا خادعها صاحبها وحاول تخفيف الأمر بأن ثلاثين يوماً ليست متصلة لصيام وإنما يفصل بين ايامها بإفطار الليالي فعند نهاية كل نهار يُسمح له بتناول الطعام والشراب وينتهي عطش وجوع النهار فالنهار السابق انتهى والآتي لم يحلَّ بعد، بل هو بالدقة في كل لحظة هكذا لانه بين لحظة مرّت وقد انتهت مشقتها وثبت اجرها ان شاء الله، وبين لحظة لم تأت فلماذا يحمل همّها ويتعلق

ص: 321


1- في المصباح عن أبي حمزة الثّمالي (رحمه الله) قال : كان زين العابدين (علیه السلام) يصلّي عامّة اللّيل في شهر رمضان فاذا كان في السّحر دعا بهذا الدّعاء

لها، فهو ابن اللحظة التي هو فيها والطاعة في الحقيقة هي صبر اللحظة التي هو فيها، وقد وردت في هذا المعنى كلمة لأمير المؤمنين (علیه السلام) قال (الشجاعة صبر ساعة)(1) فهل يعجز عن صبر لحظة؟

أو بالنسبة إلى العمل التوعوي والإنساني والاصلاحي في المجتمع فان النفس تثبّطك وتقعدك بعدم الجدوى منه أو اليأس من الوصول إلى النتيجة أو عدم وجود مردود مادي ونحو ذلك فلابد من كبح جماحهاباقناعها بما أعدٍّ الله تعالى للعاملين من الكرامة وان الصلاح اذا انتشر في المجتمع فأنه سيعود بالخير على الفرد نفسه وكذا الشر اذا انتشر فانه لا يسلم منه حتى الذين لم يشاركوا فيه.

وهكذا تجري قاعدة (إن الحرب خدعة) في جهة تجنب المعصية والعياذ بالله فأن العاصي بين لحظة مرت وانتهت لذتها وبقيت تبعتها وعقوباتها وبين لحظة لم تأتِ بعد فهل تستحق لذة لحظة معصية جبار السماوات والأرض والتعرض لعذابه الأليم؟

وقد وضع علماء الاخلاق في علاجاتهم النظرية لاكتساب الفضائل ونبذ الرذائل مثل هذه الحوارات مع النفس لكل فضيلة بحسبها.

ص: 322


1- ميزان الحكمة: الحديث 9157.

روايات تنموية(5) : كن عند المنكسرة قلوبهم

بسمه تعالى

كن عند المنكسرة قلوبهم(1)

روي ان رسول الله (صلی الله علیه و آله) (سئل: أين الله؟ فقال: عند المنكسرة قلوبهم)(2) والسؤال فيه تقدير ومعناه أين نجد الالطاف الالهية الخاصة وأين نحظى باقبال الله تعالى وشمولنا بالرحمة والعطاء، والا فان الله تعالى لا يسأل عنه بأين، قال تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) (الحديد:4).

فاذا وجدت قلباً منكسراً فاعلم انه مظنة لنيل رضا الله تعالى.

ولانكسار القلب أسباب عديدة وتبعاً لذلك تكون عدة اشكال للكون مع المنكسرة قلوبهم.

فقد ينكسر قلب الانسان عندما يُظَلم ويعتدى عليه ولا يستطيع استنقاذ حقه ودفع الظلم والعدوان عنه، ويكون حينئذٍ معنى الكونَّ معه: السعي لرفع الظلم عنه واسترجاع حقه، وأول مخاطب بذلك الظالم نفسه فعليه ان يعوضه ويؤدي اليه حقه، وفي الحديث الشريف (من كسرمؤمناً فعليه جبره)(3).

وقد ينكسر القلب بسبب كثرة الهموم والابتلاءات، روي عن رسول الله

ص: 323


1- كلمة القيت يوم الخميس 11 رجب 1439 المصادف 29 / 3 / 2018 على مواكب الهيئة الزينبية الذين يجتمعون سنوياً في النجف الأشرف لينطلقوا إلى كربلاء سيراً على الاقدام حيث يقيمون شعائر ذكرى وفاة العقيلة زينب وزيارة النصف من رجب.
2- بحار الانوار: 73 / 157 ح 3 عن دعوات الراوندي: 120 . رقم 280 - 282
3- الكافي ط الإسلامية: 2/45

(صلی الله علیه و آله) قوله (انه ليأتي على الرجل منكم زمان لا يكتب عليه سيئة وذلك انه مبتلى بهمّ المعاش، وقال ان الله يحب كل قلب حزين)(1) فمن سعى في مساعدة هؤلاء وقضاء حوائجهم فليستثمر مثل هذه الحالة للدعاء والطلب.

وقد ينكسر ندماً لما صدر منه من المعاصي والذنوب وفي رتبة أعلى من ذلك ينكسر قلبه للتقصير في أداء حق الله تعالى عليه وعدم الاستفادة من كل لحظة في طاعة الله تعالى، وفي دعاء أمير المؤمنين (علیه السلام) الذي رواه كميل (وقد اتيتك يا الهي بعد تقصيري واسرافي على نفسي معتذراً نادماً منكسراً).

وقد ينكسر القلب من خوف الله تعالى وخشيته كما في قول أمير المؤمنين (علیه السلام) ( ان لله عباداً كسرت قلوبهم خشيته)(2)، فاذا طبقنا الحديث السابق (من كسر مؤمناً فعليه جبره) فان مثل هؤلاء يتكفل الله تعالى بجبر قلوبهم المنكسرة بعطائه المهنّا الذي ماله من نفاذ وطوبى لهم وحسن مآب وفي مناجاة المفتقرين للإمام السجاد (علیه السلام)(إلهي كسري لا يجبره الا لطفك وحنانك).

ان هذا القلب الذي تكون له هذه الحالة المحمودة انكسار القلب يمكن ان يتحول إلى الضد اذا أصيب الانسان بالغفلة أو تغلب عليه هواه وطمعه وحبّه للدنيا وانقاد لشهواته، في امالي الصدوق عن الامام الصادق (علیه السلام) قال (كان ابي يقول: ما من شيء افسد للقلب من الخطيئة، ان القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير اسفله أعلاه واعلاه اسفله)(3) وروي عن النبي

ص: 324


1- بحار الانوار: 73/ 157 ح 3
2- تحف العقول: 289 في وصية امام الكاظم (علیه السلام) لهشام بن الحكم
3- سفينة البحار: 7 / 340

(صلی الله علیه و آله) انه قال (ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فاذا ذكر الله سبحانه خنس وان نسيه التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس)(1).

فإذن عندنا فرصة عظيمة للطاعة ونيل رضا الله تبارك وتعالى بأن نكون مع المنكسرة قلوبهم بالاشكال المتعددة التي ذكرناها، وقد اجتمعت كل هذه الأسباب يوم عاشوراء في قلب الإمام ابي عبدالله الحسين (علیه السلام) واخته العقيلة زينب (سلام الله عليها) فالظلم والعدوان الذي تعرض له الإمام (علیه السلام) لا نظير له، والهم والابتلاء الذي حلَّ به (علیه السلام) كان في أشدّ حالاته، وتعلّق قلبه بالله تعالى وانكساره من خشيته كان في ذروته فكانوا سلام الله عليهم أبواب الله التي منها يؤتى، فللّه الحمد على هدايته لولايتهم.

ص: 325


1- بحار الانوار: 70 /48

روايات تنموية(6) : لا تستعجل الحرام فرزقك يأتيك من الحلال

بسمه تعالى

لا تستعجل الحرام فرزقك يأتيك من الحلال(1)

روي أن أمير المؤمنين (علیه السلام) دخل المسجد وقال لرجل (امسك علي بغلتي. فخلع لجامها وذهب به فخرج علي (علیه السلام) بعد ما قضى صلاته وبيده درهمان ليدفعهما إليه مكافأة له، فوجد البغلة عطلى أي خالية من السرج فقد سرقه الرجل طمعاً بثمنه، فدفع إلى غلامه الدرهمين ليشتري به لجاماً، فصادف الغلام اللجام المسروق في السوق قد باعه الرجل بدرهمين، فأخذه بالدرهمين وعاد إلى مولاه.

فقال علي (علیه السلام): إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر ولا يزداد على ما قدر له) (2) .

في الرواية درس كبير وقاعدة مهمة في السلوك الإنساني لخصّه أمير المؤمنين (علیه السلام) في تعليقه على الحادث وهو أن لا يستعجل الانسان الوصول إلى غايته بأي وسيلة حتى لو كانت محرّمة وعليه أن يصبر ويثابر لتحقيق غرضه بالوسائل المشروعة وإن طال الزمن لأنه بالنتيجة سوف لا يحصل على غير ما

ص: 326


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم السبت 21/ذق/1439 الموافق 4/8/2018
2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1076، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 160.

قدر له حتى لو توهم أنه حصل على أزيد من ذلك.

مثلاً يريد أن تزداد ثروته فيعتمد أسلوب الخيانة أو السرقة أو الاستحواذ على المال العام ونحو ذلك من الوسائل الغير مشروعة ويفرح بما حصل عليه واكتنزه من أموال الا أنه في الحقيقة حمّل ظهره اوزار هذه الأموال التي اكتسبها من حرام وسيموت عاجلاً أو آجلاً فتناله عقوبتها ويتهنأ الورثة أو غيرهم بهذه الأموال التي سببّت له شقاء الدنيا والآخرة.

والمثال الآخر شاب أو شابة يستعجلان انشاء العلاقات العاطفية خارج الاطار المشروع دينياً واجتماعياً وهو الزواج وتقع المرأة في الفخ وتظن ان الرجل سيتزوج بها وهو يخدعها ثم يتركها فتتعرض سمعتها لتشويه كبير ولا يقدم أحد من الشباب على الزواج منها فتحرم من فرصتها الطبيعية المحلّلة والطيبة بسبب ترك الصبر عن الحرام وعدم كبح جماح النفس المستعجلة (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) (الإسراء:11)

أو بعض الموظفين الذين يعرقلون معاملات الناس من أجل ابتزازهم ولو أنجزوا المعاملات بيسر ومودة لأعطاهم المُراجِع هدية من تلقاء نفسه وبطيب خاطر تغنيهم عن الحرام الذي استعجلوه.

فالمطلوب من المؤمنين ان يكبح جماح نفسه ويتقي ربًّه ولنذكر هناكلمة الامام الجواد (علیه السلام) قال فيها (اعلم انك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون)(1).

ص: 327


1- تحف العقول: 335

روايات تنموية(7) : دروس من رواية سجّادية

بسمه تعالى

دروس من رواية سجّادية (1)

في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (علیه السلام): قال أبو محمد الحسن العسكري (علیه السلام) (جَاءَ رَجُلٌ يَوْماً إِلَى عَلِيِّ ابنِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) بِرَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُ أَبِيهِ فَاعْتَرَفَ، والظاهر ان القتل عمدي واعترف الجاني على نفسه فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ، وَ سَأَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ أي طلب الامام من ولي الدم العفو عن الجاني لِيُعْظِمَ اللَّهُ ثَوَابَهُ، فَكَأَنَّ نَفْسَهُ أي ولي الدم لَمْ تَطِبْ بِذَلِكَ أي ان نفسه لم تطاوعه لإسقاط حقه في القصاص فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) لِلْمُدَّعِي- وهو وَلِيِّ الدَّمِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقِصَاصِ : "إِنْ كُنْتَ تَذْكُرُ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَيْكَ حَقّاً فَهَبْ لَهُ هَذِهِ الْجِنَايَةَ، وَ اغْفِرْ لَهُ هَذَا الذَّنْبَ". قَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ، وَ لَكِنْ لَمْ يَبْلُغْ (بِهِ) أَنْ أَعْفُوَ لَهُ عَنْ قَتْلِ وَالِدِي. قَالَ: "فَتُرِيدُ مَا ذَا"؟قَالَ: أُرِيدُ الْقَوَدَ أي القصاص ولم يتنازل عن حقه ، فَإِنْ أَرَادَ أي الجاني لِحَقِّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَالِحَهُ عَلَى الدِّيَةِ صَالَحْتُهُ وَعَفَوْتُ عَنْهُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام): "فَمَا ذَا حَقُّهُ عَلَيْكَ"؟

قَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله): لَقَّنَنِي تَوْحِيدَ اللَّهِ وَنُبُوَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِمَامَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَئِمَّةِ (علیهم السلام) أي انه سبب هدايتي وصلاحي والتزامي

ص: 328


1- الخطبة الثانية لصلاة عيد الأضحى المبارك / 1439 الموافق 22 / 8 / 2018

بالدين وتعليمي العقائد والاحكام الشرعية فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام): "فَهَذَا لَا يَفِي بِدَمِ أَبِيكَ! بَلَى وَاللَّهِ، هَذَا يَفِيَ بِدِمَاءِ أَهْلِ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ- مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ علیهم السلام إِنْ قُتِلُوا فَإِنَّهُ لَا يَفِي بِدِمَائِهِمْ شَيْ ءٌ وفيه تعريض بطواغيت بني أمية ثم خاطب الجاني أَوَ تَقْنَعُ مِنْهُ بِالدِّيَةِ"؟

قَالَ: بَلَى. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) لِلْقَاتِلِ الذي لم يكن يملك مقدار الدية "أَفَتَجْعَلُ لِي ثَوَابَ تَلْقِينِكَ لَهُ حَتَّى أَبْذُلَ لَكَ الدِّيَةَ فَتَنْجُوَ بِهَا مِنَ الْقَتْلِ"؟

قَالَ أي القاتل رافضاً هذا العرض لحاجته إلى الثواب الذي ذكره الامام (علیه السلام) : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله)، أَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا، وَ أَنْتَ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا فَإِنَّ ذُنُوبِي عَظِيمَةٌ، وَ ذَنْبِي إِلَى هَذَا الْمَقْتُولِ أَيْضاً بَيْنِي وَ بَيْنَهُ، لَا بَيْنِي وَ بَيْنَ وَلِيِّهِ هَذَا.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام): "فَتَسْتَسْلِمُ لِلْقَتْلِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْنُزُولِكَ عَنْ ثَوَابِ هَذَا التَّلْقِينِ"؟ قَالَ: بَلَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ.

فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ قَابِلْ بَيْنَ ذَنْبِهِ هَذَا إِلَيْكَ، وَ بَيْنَ تَطَوُّلِهِ - أي فضله - عَلَيْكَ) ثم قارن الامام (علیه السلام) بين جريمة القاتل وثواب العفو عنه أداء لحق الهداية فقال (علیه السلام) (قَتَلَ أَبَاكَ فَحَرَمَهُ لَذَّةَ الدُّنْيَا، وَ حَرَمَكَ التَّمَتُّعَ بِهِ فِيهَا، عَلَى أَنَّكَ إِنْ صَبَرْتَ وَ سَلَّمْتَ فَرَفِيقُ أَبِيكَ فِي الْجِنَانِ، وَ لَقَّنَكَ الْإِيمَانَ فَأَوْجَبَ لَكَ بِهِ جَنَّةَ اللَّهِ الدَّائِمَةَ، وَ أَنْقَذَكَ مِنْ عَذَابِهِ الدَّائِمِ، فَإِحْسَانُهُ إِلَيْكَ أَضْعَافُ أَضْعَافِ جِنَايَتِهِ عَلَيْكَ) ثم عرض (علیه السلام) على الجاني خيارين فقال (فَإِمَّا أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ جَزَاءً عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْكَ! لِأُحَدِّثَكُمَا

ص: 329

بِحَدِيثٍ مِنْ فَضْلِ (رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله) خَيْرٌ لَكُمَا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا، وَ إِمَّا أَنْ تَأْبَى أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ حَتَّى أَبْذُلَ لَكَ الدِّيَةَ لِتُصَالِحَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ أُحَدِّثُهُ بِالْحَدِيثِ دُونَكَ، وَ لَمَا يَفُوتُكَ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا لَوِ اعْتَبَرْتَ بِهِ". فَقَالَ الْفَتَى: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ بِلَا دِيَةٍ، وَ لَا شَيْ ءٍ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ لِمَسْأَلَتِكَ فِي أَمْرِهِ، فَحَدِّثْنَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ بِالْحَدِيثِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام): "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لَمَّا بُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً(1). إلى آخر الحديث المذكور في أبواب معجزاته (صلی الله علیه و آله) من كتاب البحار وفي تفسيرالعسكري.

وفي الرواية دروس عديدة نستلهمها من سيرة الامام السجاد (علیه السلام) لنعلم أن في حياته المباركة الكثير مما نستطيع التأسي فيه فندعوا الخطباء إلى تقديم هذا العطاء المبارك للإمام السجاد (علیه السلام) وعدم الاقتصار على ذكر مظلوميته والأذى الذي تعرض له وإن كان مما لا تصمد الجبال امامه، ومن هذه الدروس:

1- إشاعة ثقافة العفو والتسامح واسقاط الحقوق ما دام الجاني مستحقاً لذلك ويشمل العفو حتى قاتل أبيه، ما دام الجاني ليس ممتهناً للجريمة وإنما صدر الفعل منه بسبب غفلة أو عصبية أو استعجال ونحو ذلك اما الممتهن للجريمة والذي لا يبالي بحقوق الناس وكرامتهم فتكون العقوبة مفيدة لردعه وتأديبه وإقامة القانون والنظام (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ)

ص: 330


1- بحار الأنوار: 2/12، باب ثواب الهداية والتعليم، ح 24 عن تفسير العسكري: 596

(البقرة:179).

2- ان تكون منصفاً للآخرين وتشهد لهم بحقهم وان كانوا خصوماً لك وتسبّبوا في ايذائك، فولي الدم لم يتوقف عن الشهادة للجاني بالحق مع انه قاتل أبيه، قال تعالى (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8) وان تبقى دائماً متذكراً لإحسان الآخرين إليك ولا تتقاعس عن مجازاة احسانهم وفي الحديث الشريف (انسى اثنين : إحسانك إلى الغير وإساءة الغير اليك، واذكر اثنين:أساءتك إلى الغير وإحسان الغير اليك ) (1) .

3- السعي للإصلاح بين المتخاصمين بلا كلل ولا ملل وتقديم كل العروض والخيارات التي تجلبهم إلى الصلح حتى لو اقتضى الأمر بذل المال منك إن قدرت عليه كما فعل الامام السجاد (علیه السلام) فانه مما يعظم ثوابه عند الله تعالى وهو برُّ في موضعه، روي في الكافي بسنده عن ابي حنيفة سابق الحاج قال: مرَّ بنا المفضلّ وانا وختني أي نسيبي

نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة ثم قال لنا تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتى إذا استوثق كل واحد منا من صاحبه، قال: أما إنها ليست من مالي ولكن أبو عبد الله أي الصادق (علیه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديها من ماله، فهذا من مال أبي عبد الله (علیه السلام) (2) .

4- ان تتصف بعلو الهمة وطلب معالي الأمور ولا تقنع بالأمور المادية

ص: 331


1- تعاملوا في حياتكم بإيجابية/نشرة الصادقين /العدد المائة والثلاثون/ الصفحة الثالثة
2- أصول الكافي: 2 / 209 باب الإصلاح بين الناس، ح 4

الزائلة فولي الدم كان ناوياً من أول الأمر العفو عن الجاني ابتغاء وجه الله تعالى ولتوسط الامام السجاد (علیه السلام) كما يظهر من جوابه الأخير الا أنه كان يريد عطاءاً معنوياً من الامام السجاد (علیه السلام) لذا أجلّ الاستجابة إلى حين وصوله إليه.5- عظمة النعمة التي حبانا الله تعالى بها وهي الايمان بالله ورسوله (صلی الله علیه و آله) والتمسك بولاية أهل البيت (علیهم السلام) فلابد من الثبات عليها وعدم التخلي عنها مهما كانت الضغوط والمغريات، وبنفس الوقت نعرف عظمة ثواب تعليم الناس العقائد واحكام الشريعة وأخلاق الإسلام وهداية الناس إليها بحيث ان تعليم شخص واحد هذه الأمور توجب له اسقاط جناية قتل الناس جميعاً من الاولين والآخرين.

ص: 332

روايات تنموية(8) : الحرب النفسية والتضييق على أصحاب المبادئ

بسمه تعالى

الحرب النفسية والتضييق على أصحاب المبادئ(1)

انقل لكم هذه الواقعة لنأخذ منها عدة دروس وعبر وقد حصلت مع احد أصحاب الامام الصادق (علیه السلام) اسمه عمار الدهني تتعلق برّد قضاة العباسيين لشهادته لا لشيء الا لأنه من شيعة اهل البيت (علیهم السلام) مع اعترافهم بانه من اهل العلم والحديث ونعلم ان رد الشهادة تستبطن معنى التفسيق وعدم الصلاح.

في البحار: قيل للصادق (علیه السلام) إن عمارا الدهني شهد اليوم عند ابن أبي ليلى قاضي الكوفة بشهادة فقال له القاضي: قم يا عمار فقد عرفناك لا تقبل شهادتك لأنك رافضي فقام عمار وقد ارتعدت فرائصه واستفرغه البكاء فقال له ابن أبي ليلى: أنت رجل من أهل العلم والحديث إن كان يسوءك أن يقال لك رافضي أي شيعي موالي لأهل البيت (علیهم السلام) فتبّرأ من الرفض فأنت من إخواننا، فقال له عمار: يا هذا ما ذهبت والله حيث ذهبت) أي ليس بكائي وجزعي من الاستخفاف بي وردّ شهادتي.

(ولكن بكيت عليك وعلي، أما بكائي على نفسي فانك نسبتني إلىرتبة شريفة لست من أهلها زعمت أني رافضي ويحك لقد حدثني الصادق علیه السلام أن أول من سمي الرفضة السحرة الذين لما شاهدوا آية موسى في عصاه آمنوا به

ص: 333


1- من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من الوفود والزوار في مكتبه يوم الخميس 19/ذق/1439 الموافق 2/8/2018

واتبعوه، ورفضوا أمر فرعون، واستسلموا لكل ما نزل بهم، فسماهم فرعون الرافضة لما رفضوا دينه، فالرافضي كل من رفض جميع ما كره الله، وفعل كل ما أمره الله، فأين في هذا الزمان مثل هذا ؟. وإن ما بكيت على نفسي خشيت أن يطلع الله عزوجل على قلبي وقد تلقبت هذا الاسم الشريف على نفسي فيعاتبني ربي عزوجل ويقول: يا عمار أكنت رافضا للأباطيل، عاملا بالطاعات كما قال لك؟ فيكون ذلك بي مقصرا في الدرجات إن سامحني، وموجبا لشديد العقاب علي إن ناقشني، إلا أن يتداركني موالَّي أي المعصومون (سلام الله عليهم) بشفاعتهم.

وأما بكائي عليك فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي وشفقتي الشديدة عليك من عذاب الله أن صرفت أشرف الاسماء إلي، وإن جعلته من أرذلها كيف يصبر بدنك على عذاب كلمتك هذه؟) قال له ذلك لأنه لا يستطيع أن يقول له انك اغضبت الله تعالى لأنك رضيت أن تكون قاضياً للسلطة الجائرة وأداة لظلمهم فبعت دينك بثمن دنيوي بخس.

(فقال الصادق (علیه السلام): لو أن على عمار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات و الارضين لمحيت عنه بهذه الكلمات وإنها لتزيد في حسناته عند ربه عزوجل حتى يجعل كل خردلة منها أعظم من الدنياألف مرة (1) .

وتشير المصادر الى ان الواقعة تكررت مع اخرين من أصحاب الامام (علیه السلام) فقد روى الشيخ الصدوق عن أبي كهمس أنه قال: (تقدمت إلى شريك في شهادة لزمتني فقال لي: كيف أجيز شهادتك وأنت تنسب إلى ما تنسب إليه،

ص: 334


1- بحار الانوار: 65/156-157 عن تفسير العسكري :310

قال أبوكهمس: فقلت: وما هو؟ قال: الرفض، قال: فبكيت ثم قلت: نسبتني إلى قوم أخاف ألا أكون منهم، فأجاز شهادتي) و قد وقع مثل ذلك لابن أبي يعفور ولفضيل سكرة((1).

ونستفيد من الرواية عدة دروس:

1- ذكرت الرواية باختصار المعنى الحقيقي للتشيع وانه ليس مجرد دعوى ندّعيها او نؤدي بعض المظاهر الدالة عليها كزيارة الائمة (علیهم السلام) والمشاركة في شعائرهم ونحو ذلك بل لابد ان يكون لها معنى حقيقي في واقعنا وسلوكنا وطريقة تفكيرنا ونظرتنا الى كل الأمور حولنا.

2- ان يكون الانسان ورعا في دينه ومن علامات ورعه رفضه ما يكال له من مدح وثناء ومبالغة تصل إلى حد التقديس لأنه خير من يعرف حقيقة نفسه فلا ينخدع بما يضفيه عليه الاخرون من ألقاب وعناوين ويلتزم بقول أمير المؤمنين (علیه السلام) عندما مدحه أحد1- بحضرته (للهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني خيراً ممّا يظنّون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، إنّك علاّم الغيوب ) (2)

3- الثواب العظيم الذي يمنحه الله تعالى بفضله لمن يكون على هذا المستوى من مراقبة النفس وقد ذكره الامام (علیه السلام) في نهاية الرواية.

4- الحرب النفسية والتضيق والحصار الاجتماعي الذي كان يمارسه خصوم اهل البيت (علیهم السلام) عليهم وعلى شيعتهم بما يمتلكون من سلطة ونفوذ واموال وإعلام وكثرة اتباع ونحو ذلك من الأدوات حسداً من عند انفسهم لان

ص: 335


1- ما لا يحضره الفقيه: باب نوادر الشهادات / ح152- معجم رجال الحديث :13/ 270
2- نهج البلاغة – خطب ورسائل - خطبة الإمام علي(علیه السلام) في وصف المتقين

وجود اهل البيت(علیهم السلام) ومن سار على نهجهم يشكل فضيحة لهم لوضوح الفارق الأخلاقي الشاسع بينهم (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء : 54) وان الناس حينما تقارن بين الخطين والمنهجين فإنها لا تتردد في الإذعان لأحقية اهل البيت (علیهم السلام) وسوف تتمرد على أولئك وتلتحق بركب اهل البيت (علیهم السلام) فيقومون بحملات شرسة قاسية للتسقيط والتشويه والتضييق.

وفي الحقيقة فان هذه الحرب النفسية والتسقيط والافتراء والتضليل يتعرض لها كل أصحاب المبادئ الحقة لمنع وصول صوت الحق الى عموم الناس كالذي يتعرض له المسلمون من أعداء الإسلام، او الشيعةمن غيرهم ضمن دائرة الإسلام، ويتعرض لها اتباع المرجعية الرسالية العاملة داخل المذهب ايضاً لنفس الأسباب المذكورة أعلاه.

فعلى أصحاب المبادئ الحقّة ان لا يشعروا بالضيق مما يتعرضون له وان لا يتراجعوا او يترددوا او تضعف ثقتهم بأنفسهم بل عليهم ان يعرفوا فضل الله تعالى ونعمته ان هداهم الى الصراط السوي (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (النساء: 113)

ص: 336

روايات تنموية(9) : أسعد الناس في حياته

بسمه تعالى

أسعد الناس في حياته (1)

روى علي بن شعيب قال (دخلت على أبي الحسن الرضا (علیه السلام) فقال لي: يا علي من أحسن الناس معاشاً؟ فقلت: أنت يا سيدي أعلم به مني، فقال (علیه السلام) : يا علي من حُسن معاش غيره في معاشه، يا علي من أسوأ الناس معاشاً؟ قلت أنت أعلم، فقال (علیه السلام) : من لم يعيِّش غيره في معاشه) (2) .

حينما يريد الائمة (علیهم السلام) إيصال معنى مهم إلى الأمة فأنهم لا ينتظرون من يسألهم عنه وإنما يبتدئون الناس بالمسألة كما في هذه الرواية حيث يعرض الامام الرضا (علیه السلام) أمراً مهماً يبحث عنه كل الناس وهو كيف يكون الإنسان سعيداً بل يكون أسعد الناس وأحسنهم حياة مليئة بالاطمئنان والراحة.

فيجيب الامام (علیه السلام) انه من كانت حياته سبباً لإسعاد الآخرين وان الناس يكونون في حالة حسنة بوجوده واضرب أمثلة لتوضيح الفكرة، ولنبدأ من داخل الأسرة فعندما يكون الأب رحيماً شفيقاًشفافاً متواضعاً حريصاً على توفير ما يحتاجه أفراد الأسرة ويعتني بتربيتهم وتثقيفهم ويعينهم على النجاح والتفوق في حياتهم ويجعل لهم شأناً كبيراً في المجتمع فأنه يكون من أحسن الناس

ص: 337


1- تقرير لحديث سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من الشباب والزوار يوم الثلاثاء 16 / ذ ح / 1439 الموافق 28 / 8 / 2018
2- تحف العقول: 329 ، بحار الأنوار: 78/341

معاشاً، واذا كان فظاً غليظاً قاسياً مستكبراً بخيلاً متأمراً على أفراد اسرته ويهينهم ولا يحترمهم أمام الآخرين ويجعلهم أدوات لنزعاته واهوائه المريضة بحيث تكون حياتهم نكدة في وجوده فأنه يكون من أسوأ الناس معاشاً.

والمثال الثاني المعلّم الذي يتفانى في تدريس طلابه وتفهيمهم ويتفقدهم ويسأل عن أحوالهم ويساعدهم على تحقيق آمالهم وطموحاتهم ويحرص على تهذيب أخلاقهم وتربيتهم الصالحة ويكون كالأب الرحيم الشفيق فأنه يكون سعيداً في حياته، ويكون عكس ذلك لو قصّر في أداء واجبه التعليمي والأخلاقي وأهمل الطلبة وادّى بهم إلى الفشل.

والمثال الآخر رجال الاعمال فان منهم من يجعل همه توفير فرص العمل للناس ليعيشوا بكرامة ويغدق على العاملين ويفرحهم ويحسن اليهم ويتغافل عن اخطائهم ويقدر جهودهم ويؤهلهم ليكونوا هم رجال أعمال مستقلين ولا يخشى من منافستهم، واذا عرض عليه مشروعان أحدهما فيه ربح أقل الا أنه يشغّل عمالاً أكثر والآخر بالعكس اختار الأول لأنه يفكر بالناس أكثر من تفكيره بنفسه، فهذا يكون من أحسن الناس معاشاً. وآخر يقتصر في تفكيره على زيادة ثروته فيقتّر علىالعاملين ولا يعطيهم الأجور التي يستحقونها ولا يكافئهم على جهودهم ويسرِّح العاملين دون التفكير في مصيره وعائلته.

وهكذا ننتقل بالأمثلة إلى ان نصل إلى الزعماء السياسيين فمنهم من يكون غاية همه إسعاد الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان وتحسين أحوال العباد والبلاد لتكون مزدهرة ومتحضّرة فيتنعم الناس بوجوده ويدعون له فيكون من أحسن الناس معاشاً، بينما يتخذ بعض آخر موقعه في السلطة غنيمة

ص: 338

لجني المكاسب الشخصية ويستبّد بالأمور ولا يفكّر بأحوال الناس ولا يهتم بمعاناتهم وضياع حقوقهم وحرمانهم من أبسط الحقوق المعاشية فأن هذا من أسوأ الناس معاشاً.

ثم نصل بالأمثلة إلى علماء الدين فإن منهم من يكرّس نفسه لهداية الناس وإصلاحهم وإرشادهم وتوجيههم وتعليمهم احكام الدين وقضاء حوائجهم ويدافع عن حقوقهم في نيل حياة حرة كريمة حتى انه يضحّي بنفسه على هذا الطريق ذي الشوكة فهذا من أحسن الناس معاشاً، وآخر يهتم بمصالح نفسه وتعظيم خزائنه وبسط نفوذه وهيمنته بلباس الدين الذي ارتداه ليضفي على نفسه القداسة ولا يرى الناس الا جسراً لتحقيق مآربه فيقدمهم قرابين لأنانيته وليس لهم عنده الا التقديس والخضوع والمسارعة إلى تنفيذ ما يريد فهذا من أسوأ الناس معاشاً.

وقد تقول إننا نرى هذه الأمثلة معكوسة على أرض الواقع فكم من مخادع ماكر أناني فاسد متنصل عن مسؤوليته يعيش في رغد وترف،وجوابه ان هذه على مستوى المظاهر فقط اما في حقيقته فهو لا يخرج عمّا ذكرناه لذا تجد أكثر نسب الانتحار والأمراض النفسية لدى شعوب الدول المترفة، وان كان في غفلة عن هذا فسوف تنكشف له الحقائق في الآخرة ويرى الحال السيئ الذي هو فيه.

والخلاصة ان علينا ان نكون سبباً لخير الناس وسعادتهم وتحسين معاشهم بأوسع صورة ممكنة والله هو المتفضل المنّان.

ص: 339

ص: 340

مختارات من صحيفة الصادقين

اشارة

(أخبار، تعليقات، استفتاءات، قصائد)

(الأعداد: 176- 191)

ص: 341

ص: 342

بسمه تعالى

بيان حول عدم أصغاء البرلمان لمتطلّبات الإصلاح في قانون الانتخابات

لازالت بعض الأحزاب والكتل المستكبرة تصِّرُ على منهجها في التفرّد والاستحواذ واقصاء الآخر، وهو ما نستنكره ونتبرأ منه.

ولم تحرّك النكبات والكوارث التي سببّتها هذه السياسات ضمائرهم التي قتلها حب الدنيا واتباع الشهوات والنزوات والتبعية للأجندات (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) (الحشر: 19).

وكان اتفاقهم الأخير على إقرار قانون الانتخابات وفق طريقة سانت ليغو المعدّلة التي تضع القسمة على (1,7) عتبةً للحصول على المقعد الأول شاهداً عملياً منهم على رفض كل مبادرات الإصلاح وتصحيح الأخطاء، وقد قطعوا الطريق من اول خطوة.

وانطلاقاً من واجب المرجعية الدينية في تقديم الموعظة والإرشاد والنصيحة وتشخيص الخلل وتقديم الحلول واستشراف المستقبل قبل وقوعه فإننا نحذّر الشعب العراقي الكريم من إدخاله في محرقة جديدة تتزامن مع الانتخابات البرلمانية المقبلة كالمحرقة التي احدثوها عام 2014 بإدخال عصابات داعش بسبب عدم وعي القيادات لمتطلبات المرحلة وما تقتضيه من التغييرات، واذا لم يثوبوا الى رشدهم ويتّبعوا منطق الحكمة والعقل ويخرجوا من تأثير أنانياتهم ولو قليلاً، فان نفس المتصارعين الاقليميين والدوليين سيحرّكون أدواتهم في الداخلوالخارج لفعل ما هو اسوء مما حصل عام 2014 لمنع تشكّل الخارطة التي تريدها بعض الاحزاب والكتل المستكبرة، ولا

ص: 343

أستطيع أن أقول أكثر من هذا.

إن وصف هذه الكتل بالكبيرة فيه جناية وحيف على الالفاظ ومعانيها، لأنها ليست كبيرة في أي شيء الا في الفساد والظلم والاستئثار والاستخفاف بالناس ولا تملك أي مؤهلات، وإنما صنعتها ظروف وأرادات نافذة ومؤثرة في الوضع العراقي ومكّنتها من مؤسسات الدولة فصارت تعبث في رقاب الناس وكرامتهم وأموالهم ومقدساتهم.

ونقول كما قالت العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين علي (صلی الله علیه و آله) ليزيد الطاغية (وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا، وأيٌّكم شرُّ مكاناً وأضلُ سبيلا)(1)

محمد اليعقوبي – النجف الاشرف

15/ذو القعدة/1438

الموافق 2017/8/8

ص: 344


1- الاحتجاج: 2/123، بحار الانوار: 45/157 ح 5

بسمه تعالى

المرجع اليعقوبي يتشرف بزيارة مشهد الامام الرضا (علیه السلام)

قام سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بزيارة لمشهد الامام الرضا (علیه السلام) استغرقت أربعة أيام، وقد تشرف سماحته بتنظيف الغبار من داخل الضريح المطهر للإمام (علیه السلام) صباح يوم الثلاثاء 23 رجب 1439 برفقة سماحة السيد ابراهيم رئيسي (دامت بركاته) الأمين العام للعتبة الرضوية الشريفة.

كما قام سماحته بزيارة مجمع البحوث الإسلامية، ومقر إدارة الحوزات العلمية في خراسان واطّلع على هيكلية هذه المؤسسات واقسامها وفعالياتها وإصداراتها وحث على تبادل الحوزات العلمية الخبرة والإنتاج الذي حققته هذه المؤسسات خلال عدة عقود من عملها لتكون بمستوى المسؤوليات المناطة بها.

والتقى (دام ظله) بسماحة السيد احمد علم الهدى (دامت بركاته) إمام جمعة مشهد، كما التقى بسماحة السيد رئيسي في مكتبه في العتبة الرضوية المقدسة، وسادت اللقاءات نقاشات علمية متنوعة.

ووصل سماحته (دام ظله) مطار النجف بفضل الله تعالى ظهر يوم الجمعة 26 رجب 1439 المصادف 13 / 4 / 2018 فشكراً لله تعالى على ما أنعم.

ص: 345

بسمه تعالى

سماحة المرجع اليعقوبي يستقبل سماحة العلامة الشيخ محمد رضا النعماني

استقبل(1) سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله) بمكتبه في النجف الأشرف سماحة العلامة الشيخ محمد رضا النعماني (دامت تأييداته) الذي لازم المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره عدة سنوات في داره حتى اعتقاله الأخير واعدامه في نيسان / 1980 ودوّن بعض ذكرياته في كتابه الشهير (سنوات المحنة وأيام الحصار).

وبعد الترحيب بالضيف الكريم، دار الحديث حول جملة من القضايا التي تتعلق بالشأن الديني والاجتماعي والفكري وسبل مواجهة التحديات التي تكتنف واقعنا المعاش وتهدد أواصر البنية العقدية للمجتمع العراقي، وتطرّق الحديث الى ضرورة دعم مشاريع التوعية الفكرية والثقافية... والسعي لربط هذا الجيل بالأجيال الرسالية التي سبقته للاستفادة من تجاربهم والاقتداء بهم .

كما تمحور الحديث حول المرجع الشهيد السيد محمدباقر الصدر (قده)في سنوات محنته وعبق ذكرياته واجواء الحراك الاسلامي وبكل ما اختزنته تلك الأيام من ريادة ونبوغ ووعي وبراعة اتسم بها السيد الصدر في كل حقل ألّف فيه او كتب عنه، فضلاً عمّا امتزج بها من آلآموأحزان وتحديات احاطت به قدس سره وقابلها بصبر وثبات ورباطة جأش وعمل دؤوب، اذهل القريب والبعيد وبحرصه على إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى و الاسلام العظيم الذي

ص: 346


1- تاريخ اللقاء 7 / جمادي الثاني / 1439 الموافق 24 / 2 / 2018

أفنى ذاته من أجله بما عُرِف عنه من إيثار ونكران للذات وبحرصه على ديمومة كيان الحوزة العلمية ووحدتها ورصانتها..

فقد كان قدس سره أسوة في المجال العلمي والاخلاقي وفي اهتمامه بأمور المسلمين.. حتى رحل عن هذه الدنيا شهيداً مكرّماً وحثّ سماحة الشيخ المرجع الضيف الكريم على إكمال مشاريعه الدينية والتوعوية التي بدأها كالمدرسة الدينية ومعهد الخطابة والإذاعة ودورات التنمية البشرية وغير ذلك.

وفِي نهاية اللقاء ودِّع سماحة الشيخ النعماني بنفس ما أُستُقبِل به من حفاوة وتكريم

ص: 347

بسمه تعالى

العمل على حل مشكلة مياه البصرة من أعظم الشعائر الدينية

اعتبر سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) العمل على حل مشكلة المياه في البصرة وتوفير المياه الصالحة للشرب وسائر الاستعمالات البشرية من أعظم الشعائر الدينية التي نحيي بها عيد الغدير الاغر الذي أسّس فيه النبي (صلی الله علیه و آله) لإقامة صرح العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان، ونستقبل بها شهر محرم الحرام ونحيي بها ذكرى الامام الحسين (علیه السلام) الذي ضحى بنفسه الشريفة وبأهل بيته الكرام من اجل ان ينقذ البشرية من معاناتها ويغيّر حالها الى أحسن حال.

ووجه (1) سماحته الفنيين والاكاديميين المختصين في هذا المجال ورجال الاعمال لوضع الخطط والمشاريع الكفيلة بالإنقاذ العاجل للبصرة وأهلها من هذه الكارثة المروّعة وعدم التعويل على الجهد الحكومي وحده وان تكون هذه الحلول على المستوى الآني والاستراتيجي.

وأفاد سماحته في بيان صدر منه ان المساهمة في هذه الحملة منأعظم القربات الى الله تعالى وان هذا العمل واجب وطني وانساني ولا يحلّ لمن يقدر على ان يقدّم شيئاً القعود عنه واللامبالاة.

ص: 348


1- تشكلّت على الفور خلية موسعة لمعالجة الأزمة ووزعت خزانات كبيرة على المناطق المحرومة تملأها سيارات حوضية بالماء الصافي الحلو باستمرار، كما توجهت اللجنة إلى محطات الضخ والتحلية في مختلف المناطق لسدّ نواقصها من المضخات والآلات ومواد التصفية والتحلية وسائر الاحتياجات الأخرى، كما تنادت عدة جهات للقيام بمثل هذه الاعمال.

وألزم سماحته في ختام البيان مؤسسات المرجعية كافة ببذل الوسع مادياً ومعنوياً لإنجاز هذا الجهد المبارك، وان الخروج في مظاهرات وملئ الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي غير كافية فقد وصل صوت المعاناة الى الجميع لو يجد آذاناً صاغية، وانما علينا ان نشمّر عن ساعد الجد لتوفير السعادة والحياة الكريمة لشعبنا المحروم.

الجمعة 19 ذو الحجة 1439

الموافق 2018/8/31

ص: 349

بسمه تعالى

تقرير الخبراء عن حالات التسمم بمياه البصرة

استقبل(1) سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي ( دام ظله ) فريق الخبراء والفنيين من أساتذة جامعة النهرين وكوادرها في مختلف الاختصاصات الذين اوفدهم الى البصرة ضمن مساهمته الواسعة في علاج مشكلة المياه التي تسببت في تعرض الآلاف من ابناء البصرة لأعراض التسمم , وقدّموا خلاصةً لتقريرهم المفصّل عن الاجراءات .

وقد أخذ الوفد عينات عشوائية وبطريقة فنية دقيقة من مناطق مختلفة من نهر شط العرب وحللّها في مختبرات متخصصة في بغداد ووجد ان الاسباب الغالبة هي كيميائية، وعرفوا مصادر هذا التلوث والتي هي في الغالب مخلّفات صناعية ترمى في شط العرب. واطلّع الفريق على الاهمال الموجود في دراسة المشكلة رغم وجود خبراء وتقنيات متقدمة في البصرة وحذّر الفريق من احتمال استمرار حصول حالات التسمم حتى بعد انخفاض نسبة التلوث وتراجع اللسان الملحي لوجود تراكيز من العناصر السامة في الاسماك فتحصل الاصابة عند تناولها.

وختم الفريق خلاصته ببيان الحلول اللازمة للمشكلة، وسيعقد ندوة علمية ومؤتمراً صحفياً لبيان هذه التفاصيل للرأي العام حتى يتحمل جميع المعنيين مسؤولياتهم في خدمة الشعب العراقي عامةً والبصرة خاصةً وحلّ مشاكلهم ورفع الظلم والحيف عنهم.

ص: 350


1- تاريخ اللقاء يوم الاربعاء 20 / ربيع الاول / 1440 ه الموافق 28/11/2018 م

بسمه تعالى

بروفيسور في علم الأديان المقارن يثمن أجوبة المرجع اليعقوبي على بعض إشكالات الملحدين

تعرّض سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) عند تفسيره الآية الكريمة (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ) (الرعد:11) إلى عيد الملائكة الحارسة للطائفة المسيحية الكاثوليك، وناقش خلال المحاضرة كبير اساقفة كانتربري الذي شكك في وجود الله تعالى وأجاب سماحته على الإشكالات التي اثارها (1).

وننشر الآن رسالة بعثها بروفيسور في علم الأديان المقارن في الجامعات الأمريكية إلى سماحة المرجع اليعقوبي للتعبير عن اعجابه بتلك الأجوبة جاء فيها:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عظم الله أجوركم بمصاب الحسين (2) علیه السلام

انا الدكتور عوده مهاوش، مستبصر من الاردن اعيش في امريكا واعمل كبرفيسور ديانات مقارنة في جامعة سينت تاموس الأمريكية التابعة للفاتيكان. استمعت توا لتفسير سماحة الشيخ اية الله اليعقوبي حفظه الله تعالى لأية "له معقبات من بين يديه...." وكم أصابتني الحسرةلأن أفكار سماحته لا توجد

ص: 351


1- راجع المحاضرة في تفسير (من نور القرآن: 1/88-96) وفي موسوعة خطاب المرحلة: 9/150
2- تاريخ الرسالة 1 محرم 1438 المصادف 10/2016

بشكل واسع في أوساط الغربيين حيث أن الموضوع الذي عالجه سماحته هو الأساس في الحاد خلق عظيم من خلق الله تعالى وقد أجاب عنه سماحته بكل يسر وباسلوب يقنع الأكاديمي المتمرس والعامي التائه.

ارجو إيصال بالغ شكري لسماحته والطلب من سماحته أن يوعز للأخوة أن يقوموا بالواجب في نشر أفكار سماحته في بلاد الغرب وستكون له جنة من كل سوء بإذن الله تعالى

مع محبتي الخالصة

اخوكم د. ابو محمد)

وقد أجاب سماحته بالحمد والثناء لله تعالى على فضله والشكر والامتنان للمرسل والتعريف بقنوات التواصل للتعرّف على هذه القضايا المهمة.

ص: 352

بسمه تعالى

دور وسائل الاعلام في مواجهة الانحراف

أكد سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على الدور الريادي الذي يجب على القنوات الفضائية الدينية القيام به في مواجهة وسائل الافساد والضلال والانحراف باعتبارها من أهم وسائل الفريضة الغالبة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا شك ان هذه المسؤولية صعبة ومعقدة لان الخصم سخّر اموالاً طائلة وتقنية متقدمة ويساعده ان عمله موافق لأهواء النفس وشهواتها ويزيّنه الشيطان {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [الأنفال : 48]، وان العمل الديني لا يجاريه في الإمكانيات المادية والتقنيات وحركته مقيدة بالضوابط الدينية والأخلاقية والعرفية الا انه مؤيد بنصر الله تعالى وألطاف الامام صاحب العصر (علیه السلام){هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال : 62] وانه موافق للفطرة والعقل السليم وذلك مشروط بالإخلاص وحسن السلوك {نْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد : 7].

وقال سماحته خلال لقائه مع كوادر قناة النعيم الفضائية الذين حضروا الى النجف الاشرف لتغطية شعائر الزيارة الفاطمية ان الاخر يحاول تضخيم وجوده الا ان الوقائع على الأرض تثبت عكس ذلك، ومن الشواهد على ذلك حالة الالحاد التي يصورونها على انها ظاهرة عالمية الا ان الحقيقة عكس ذلك فقد دعوا الى عقد مؤتمر دولي للإلحاد قبل اشهر ووجهوا دعوات الى جميع دول العالم الا ان المؤتمرفشل ولم يعقد لانهم لم ينجحوا في بيع التذاكر رغم انتظارهم مدة طويلة .

ص: 353

وأفاد سماحة المرجع (دام ظله) بانه التقى قبل أسابيع بجمع من أساتذة الجامعات والمثقفين من النجف الاشرف ليناقش معهم العلاقة بين الحوزة العلمية والجامعات والنخب الثقافية وما يُدعّى من وجود فجوة مصطنعة بين الجهتين اللتين تقوم بهما حياة الامة وان من اهم الأسباب التي ذكرت لهذه الفجوة هو فشل الخطاب الديني في اجتذابهم واقناعهم لتخلفه عند البعض وعدم انسجامه مع ثقافة العصر وعدم مناغمته لتطلعات الأمة وهمومها ونحو ذلك.

ووضع سماحته هذه النتيجة بين يدي القائمين على الخطاب الديني وأدواته كالمنبر والكتاب والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي ليتعرفوا على مسؤولياتهم ويحّدثوا آليات عملهم شكلاً ومضموناً فقد وعد الله تبارك وتعالى بان الغلبة لهم في النهاية {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور : 55].

الخميس 1/جمادى الثانية/ 1440

2019/2/7

ص: 354

بسمه تعالى

المرجع اليعقوبي: يدعو الى تفعيل قانون حرمة وقدسية محافظة النجف الاشرف

دعا سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) إلى تفعيل قانون حرمة وقدسيته محافظة النجف الاشرف وإنزاله إلى حيّز التطبيق العملي.

وأثنى سماحته خلال استقباله(1) لجمع من أصحاب المواكب الحسينية بمكتبة في النجف الأشرف على الجهود المباركة التي بذلها عدد من فضلاء الحوزة العلمية و الوجهاء وأصحاب المواكب الحسينية لإثارة هذا الموضوع المهم مجدداً وإظهاره للرأي العام وتحشيد المواقف بإزائه، للمحافظة على المكانة الروحية والمعنوية لمدينة النجف الاشرف.

وطالب سماحته (دام ظله) الحوزة العلمية والاكاديميين والنخب المثقفة الواعية والوجهاء وكل المعنيين بهذا الشأن ممن له غيرة وحرص وحمية على النجف بأنّ يأخذوا دورهم، ويتحملوا مسؤولياتهم وان يعضدوا الجهود المبذولة بالضغط على الجهات ذات العلاقة لتفعيل القوانين السابقة - التي تحفظ قدسية المحافظة - أو تقنين أخرى لأجل الحد من الظواهر المنحرفة والسلوكيات التي تخرج عن الذوق العام وتنتهك حتى أبسط النواميس الأخلاقية والتي لم يألفها البلد سابقاًبدعوى الحرية الشخصية وغيرها من العناوين الفضفاضة، اذ لا يمكن ان تكون مبرراً مقبولاً لهذه التصرفات غير اللائقة، لأن (الحرية الشخصية) لا تعني مخالفة الذوق العام والتهتك والاستهتار

ص: 355


1- يوم الثلاثاء 12 /2/2019 الموافق 6 ج2 1440

العلني وخدش مشاعر الكثير من الناس الذين لا يقبلون بهذه السلوكيات، وآخرها ما حصل في احتفالات رأس السنة الميلادية.

ودعا سماحته للحضور بالتأييد والتسديد وان يبارك الله تعالى لهم في هذا الحراك وان يُنجح مساعيهم، وذكّرهم بالآية الشريفة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد : 7]

هذا ويذكر ان سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) ندد في خطابه الفاطمي قبل ايام – بمناسبة ذكرى رحيل السيدة الزهراء (علیها السلام) – بمظاهر الفساد والانحلال الأخلاقي وسكوت ودعم بعض الجهات التشريعية والتنفيذية عنها. ومن الجدير بالذكر ان مكتب سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) كان قد وجه كتاباً لمجلس محافظة النجف عام 2010 حثّ فيه أعضاء المجلس على تقنين تشريعات من شأنها ان تحفظ قدسية المحافظة.

ص: 356

بسمه تعالى

اهمية التحقيق في ابراز الحوادث التاريخية الصحيحة

دعا سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) الى التحقيق التاريخي في جملة من قضايا التراث الإسلامي ووقائعه ومسمياته ومواقف الكثير من شخوصه.

ونبّه سماحته (دام ظله) الى ان الكثير من فصول التاريخ الإسلامي دونتها الأقلام المأجورة للحكام الامويين والعباسيين والزبيريين وغيرهم من الحاقدين والحاسدين لأهل البيت (علیهم السلام)، لذلك فقد تعمدوا اغفال ذكر الكثير من فضائلهم ومآثرهم وفضائل أتباعهم ومريديهم... وفي قبال ذلك وضعوا ودلّسوا الكثير من المناقب والفضائل لغيرهم من اجل طمس آثارهم وذكرهم المبارك في النفوس كما أنهم تتبعوا رواة حديث أهل البيت (علیهم السلام) بالقتل والحبس والتنكيل والمطاردة والترهيب.

جاء ذلك في كلمة ألقاها لدى استقباله(1) جمع من وجهاء عشيرة الكلابيين بمكتبه في النجف الاشرف حيث بارك سماحته مبادرتهم لتأسيس الهيئة العامة لإحياء تراث السيدة ام البنين الكلابية (رضوان الله عليها) زوج الامام علي (علیه السلام) ووالدة سيدنا العباس (علیه السلام) وإخوته الثلاثة الذين استشهدوا في واقعة كربلاء الخالدة لصيانةالدين والشريعة المقدسة من الانحراف عام 61 ه.

وحث سماحته الوفد الضيف على تعدد أوجه نشاط هذه الهيئة المباركة

ص: 357


1- يوم الخميس 21/2/2019 الموافق 15/ج2/1440ه

ليغطي المساحات الفكرية والثقافية وغيرها.

وقال سماحته (دام ظله): ان إحياء تراث الشخصيات العظيمة والقمم الشامخة له اثر كبير في إحياء النفوس وإيقاد جذوة الإيمان واستلهام الموعظة، كما ان التحقيق في الحوادث التاريخية والمواقف والوقائع وإيصال الصورة الصحيحة، من شأنه ان يبصّر المسلمين ويزيد من وعيهم وإدراكهم لحركة التاريخ... وبين أيدينا الكثير من ذلك فقد كان التحقيق في قضية الخنساء وأنها ام الشهداء الأربعة في معركة القادسية من أوائل الكتب التي الفتها في بداية حياتي العلمية وانتهيت الى ان القصة لا أساس لها من الصحة ولا تصمد إمام التحقيق التاريخي وإنما هي من وضع الوضاعين للتعتيم والتغطية على ذكر السيدة ام البنين (رضوان الله عليها) وطمس ذكرها ومواقفها وتقديمها لأربعة من أبناءها في واقعة كربلاء...وغير ذلك من الحوادث نذكر على سبيل المثال: تغيير اسم (باب الثعبان) المعروف في مسجد الكوفة الى (باب الفيل) للتعتيم على أحدى فضائل امير المؤمنين (علیه السلام)، والترويج لحادثة مكذوبة وهي ولادة حكيم بن خويلد اخو ام المؤمنين خديجة بنت خويلد في جوف الكعبة لنفس السبب، وكل هذه دسائس وأكاذيب لا أساس لها.وفي نهاية كلمته دعا سماحته للوفد الضيف بالتأييد والتسديد وان يثقّل الله تعالى ميزان حسناتهم ويسجل هذه الخدمة في سجل أعمالهم الصالحة فهي خدمة للسيدة الزهراء (علیها السلام) كما لا يخفى على كل لبيب قبل ان تكون خدمة للسيدة ام البنين رضوان الله عليها.

ص: 358

بسمه تعالى

المرجع اليعقوبي: يجدد دعوته لتأصيل مفاهيم علم التنمية البشرية قرآنياً وتوظيفها في مختلف مناحي الحياة

جدد سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) دعوته للشباب بالانفتاح على معارف القرآن الكريم والاستفادة من علومه وقصصه ومواقف الشخصيات العظيمة التي خلدها الذكر الحكيم في سورة المباركة وتوظيفها في مختلف مجالات الحياة وساحات العمل الاسلامي.

وحث سماحته (دام ظله) - في كلمة القاها(1) بمكتبه في النجف الاشرف على جمع من طلبة الجامعات والمراحل الإعدادية من مختلف المحافظات الذي شاركوا في دوارات التنمية والاعداد التي اقامتها مؤسسة ملتقى العلم والدين خلال العطلة الربيعية - الشباب على استثمار الإيحاءات الإيجابية والدروس والعبر التي يختزنها كتاب الله العزيز وان يستمدوا عزيمتهم وايمانهم من كنوزه من اجل ترسيخ معاني الثباتوالاستقامة والمبدأية ومقاومة الاغراءات والشهوات ورفض الظلم والطغيان وغيرها من المعاني السامية في نفوسهم وعقولهم.

كما أشار سماحته (دام ظله) إلى ضرورة الالتفات الى استظهار القواعد القرآنية في مختلف حقول المعرفة وتضمينها في محاضرات التنمية الدينية التي تعطى للطلبة لخلق الحوافز ورفع الهمم وبناء الانسان والمجتمع الصالح واعمار البلاد وتوفير البيئة الملائمة للارتقاء والازدهار بمختلف الصُعد.

ص: 359


1- يوم السبت 10/ج2/1440 الموافق 16/2/2019

هذا ويذكر ان مؤسسة ملتقى العلم والدين الثقافية أقامت عدة دورات لطلبة الجامعات والاعداديات لتحفيز على طلب العلم والحث على المطالعة وتنمية المهارات وتعزيز التواصل بين الحوزة والمجتمع وخاصة لشريحة الطلبة، حيث تضمنت الدورات عدداً من الورش التنموية التي تهتم ببناء الشخصية وقواعد النجاح وإدارة الوقت وتٌلقى فيها ايضاً دروسٌ في القرآن والفقه والعقائد والأخلاق.

ص: 360

استفتاءات اجتماعية مختارة

اشارة

ص: 361

ص: 362

بسمه تعالى

استفتاءات شرعية إلى سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

س1/ بالنسبة للمصارف الربوية التي تتعامل بها أغلب الدول الإسلامية... هل تجب مقاطعتها أم يمكن تصحيح العمل معها بالإيداع والاقتراض ونحو ذلك.

س2 / مجهول المالك التي استغلت من البعض لأخذ الأموال والتصرف بها بالشكل غير الشرعي والمنطقي... ما هو رد سماحتكم بما يؤخذ من أموال تحت ما يسمى (مجهول المالك)

س3/ مثل ما تعرفون ان العالم في تطور.. فهل ان دين الإسلام قادر على مواكبة هذا التطور ومسايرة مستجدات العصر؟

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يجوز في الشريعة الإسلامية أخذ الفائدة المالية على إيداع المال وإقراضه، نعم يمكن قبض هذا المبلغ المقرر من البنك اذا كان حكومياً لا من باب الفائدة الربوية وانما باعتباره مبلغاً مأذوناً بقبضه وفق القوانين المعمول بها في البلاد.

ويمكن تصحيح قبض المال أيضاً بجعل العقد مع البنك على انه مضاربة حيث يستثمر البنك هذا المال في اعمال ربحيه ويعطي المال المقرّر للزبون من الأرباح المتحققة لديه.

ص: 363

فالعمل مع هذه المصارف يمكن تصحيحه وفق ما ذكرناه.

لا نوافق على تسمية الأموال العامة بمجهول المالك لأنها ملك للشعب ولا يجوز لأي أحد التصرف فيها حتى للحكومة الا وفق القوانين المقررّة لحفظ مصالح المواطنين وازدهار البلد وأي قانون يسمح بصرف مال لشخص أو جهة خارج إطار هذه المصالح العليا فإنه باطل.

الإسلام دين خالد وقد صمّمه الشارع المقدس ليكون ملائماً لكل زمان ومكان ونحن اتباع أهل البيت (علیهم السلام) نفخر بفتح باب الاجتهاد عندنا ليكون الفقيه في كل زمان مواكباً لعصره عارفاً بمتطلبات زمانه وفي الحديث الشريف (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) أي العارف بأحوال زمانه والخبير بأهل زمانه لا تلتبس عليه الأمور ولا تختلط فيتصرف بحكمة وفطنة.

لكن قدرة الإسلام على مواكبة الزمان في تشريعاته لا تعني التلاعب بها وتغييرها وإنما تتطور قدرات المجتهدين والآليات التي يستخدمونها في استنباط الاحكام الشرعية فيتوصلون إلى قراءات جديدة للنصوص الشرعية بتوفيق الله تعالى.

محمد اليعقوبي

12 /ربيع الآخر/ 1440 ه

20 / 12 / 2018 م

ص: 364

1- جواز البقاء على تقليد السيد الهاشمي الشاهرودي R

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على رسوله محمد وآله الطاهرين وبعد .

سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الفقيه الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الوارف)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يخفى على سماحتكم الفراغ العلمي الذي خلّفه رحيل سماحة المرجع الديني الفقيه آية الله العظمى المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (قدس الله سره) في دنيا التقليد، ونحن جمعٌ من أهل العلم والتجار والكسبة ممن يرجعون في تقليدهم اليه (قدس سره) نستأذنُ سماحتكم - لما تمثلونه من مرجعية وعي وامتداد لمدرسة المرجعية الرشيدة- في البقاء على تقليدنا لسماحة المرجع السيد الهاشمي (قدس سره)، على أن نرجع لكم في مستحدثات المسائل، فهل تجيزون لنا البقاء؟

ودمتم ذخراً للإسلام والمسلمين .

جمعٌ من أهل العلم والمؤمنين

27/ج2 /1440ه

5/3/2019

ص: 365

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يجوز البقاء على تقليد آية الله المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في عموم المسائل فإن فقاهته موضع اعتماد لدينا، ونشترط في هذا الجواز الرجوع الينا في مستحدثات المسائل وما نختلف معه (قدس الله سره) فيها إذا علم المكلف بها، ولا يجب عليه الفحص والسؤال عن موارد الاختلاف.

وفقكم الله تعالى لما يحب ويرضى وتغمّد الله تعالى فقيدنا الراحل برحمته وألحقه بأوليائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

محمد اليعقوبي

29 / جمادى الثاني/ 1440

2019/3/7

ص: 366

بسم الله الرحمن الرحيم

2 - الصوم في النهار الطويل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرين

سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

نحن جمعٌ من المؤمنين والمؤمنات نسكن في مناطق من قارة أوروبا وامريكا في بلدان مختلفة من المانيا وفلندا والسويد وغيرها في مناطق يطول فيها النهار أكثر من عشرين ساعة وقد يؤدي ذلك إلى المشقة والحرج في اداء فريضة الصوم فهل لنا ان نصوم على فتوى بعض الفقهاء من يقولون بجواز الإفطار مع توقيت كربلاء أو المناطق التي نسكن فيها سابقاً، علماً ان النهار لا زال موجوداً ولم يأتِ الليل.

جمع من المؤمنين

24 شعبان 1440 ه

بسمه تعالى

السلام عليكم وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات ورحمة الله وبركاته

وقت الصوم محدّد بين الفجر والغروب فلا يجوز الإفطار قبل الحد المقرّر شرعاً اما ما قيل من رجوع الساكنين في البلدان ذات النهار الطويل إلى البلدان المتعارفة كالعراق فهذا غير صحيح لما قلناه فيبحث (الصوم والصلاة في المنطقة القطبية) من ((أن الرجوع إلى المتعارف إنما يصح في تفسير العناوين

ص: 367

والمفاهيم المجملة كنفقة الزوجة أو إطعام الكفارة ونحو ذلك اما اذا كان العنوان محدداً ومعيناً وانما تختلف الافراد والمصاديق في انطباقه عليها فهنا يلتزم كل فرد بحدود العنوان المنطبق عليه، كحدود ما يغسل من الوجه في الوضوء وانه بين قصاص الشعر الى الذقن طولاً فقد يكون لشخص وجه طويل ولآخر قصير فهنا لا يرجعان إلى المتعارف وانما يطبق كل منهما العنوان الجاري عليه بغضّ النظر عن الآخر)).

والصوم من هذا القبيل لأنه محدد من الفجر إلى المغرب فيعمل أهل كل بلد بحدود الوقت عندهم.

نعم من كانت هذه المدة حرجية عليه فله أن يتناول من الماء أو الطعام ما يرفع الحرج به ويستمر في صومه ويقضي ذلك اليوم، أو يقطع مسافة السفر (22 كيلومتر ذهاباً وإياباً) ليفطر عن عذر، او يتخذ التدابير اللازمة لاتمام الصوم كقضاء النهار بالراحة أو يذهب إلى بلد معتدل ويصوم فيه ونحو ذلك.

محمد اليعقوبي

24 شعبان 1440 ه

ص: 368

3- حول ثبوت الهلال في البلدان المختلفة تبعاً لمرجع التقليد

السؤال: هل ثبوت الهلال عند المرجع يعتبر حجة في ثبوته عند كل مقلديه حتى الذين يسكنون في الأمريكيتين أو استراليا؟ أم أن ذلك حجة على مقلديه في بلده والبلدان المتحدة معه في الأفق فقط؟

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إذا رأى أهل تلك البلدان الهلال فعليهم الصوم والافطار بغضّ النظر عن موقف مرجع تقليدهم كما يحصل كثيراً حيث يرى المؤمنون في الامريكيتين الهلال ولا يرى العالم الإسلامي، ويرى في استراليا مثلاً بحسب فصول السنة.

وإن لم يروا الهلال فإن أصدر مرجع التقليد حكماً مولوياً بتعميم الهلال لهم وجب عليهم العمل به وان اختلفت الآفاق، وإن لم يصدر مثل هذا الحكم وانما افتى بثبوت الهلال في منطقة ما – كما هو الغالب – وهي غير متحدة الأفق معهم فعليهم العمل وفق رؤية الهلال عندهم.

هذا في غير البلدان الإسلامية التي يصدق عليها عنوان أهل الصلاة، أما فيها فان رؤية الهلال في أي بلد يكون كافياً لثبوته في البلدان الأخرى.

محمد اليعقوبي14/شعبان/1440

ص: 369

4- الأعراض عن الوطن

كثيراً ما يغير الإنسان محل سكناه لأسباب تقتضيها ظروفه الشخصية، فيترتب على ذلك بعض الأحكام الشرعية، ومنها مسألة تغير الموطن الذي يتغير به حكم الصلاة من القصر إلى التمام وبالعكس، ويحصل في كثير من الحالات تردد المكلف في الجزم بتغير الوطن، كما لو لم تمض عليه مدة زمنية تكون كاشفة بحسب الفهم العرفي عن حصول الاعراض عن الموطن واستبداله بغيره، فهل الاعراض عن الوطن أمر قلبي أو أنه لا يتحقق إلا بتحقق لوازمه العرفية؟

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاعراض يتحقق بالقصد، لكن هذا القصد، يكشف عنه السلوك العملي الذي يفهمه العرف على إنه إعراض كإنهاء جميع متعلقات ولوازم السكن هناك بحيث يرى نفسه ويراه الآخرون على انه حينما يأتي الى وطنه الأول يأتيه زائراً، وبهذا يحصل الاعراض وإلغاء (الموطنية)

ص: 370

5- تحديد الأعلم

إذا حصل للمكلف العلم أو الاطمئنان بانحصار الأعلمية بين أثنين من المجتهدين أو أكثر، ولم يمكنه تحديد الأعلم بالدقة، فهل يتخير بينهما، أو يعمل بفتوى من كان قوله موافقاً للاحتياط؟

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يختار من تطمئن إليه نفسه ممن هم في دائرة الأعلمية بحسب شهادة أهل الخبرة الذين يثق بورعهم وانصافهم، هذا على فرض كون الأعلمية في الفقه والأصول هي مناط التفاضل فقط، والصحيح وجود عناصر أخرى لا تقل عنها أهمية تؤثر في ترجيح أحد محتملي الاعلمية على غيره كالخبرة في إدارة شؤون الناس والشفقة عليهم والاهتمام بأمورهم واتخاذ المواقف الحكيمة في مختلف القضايا ونصرة الدين وأهله والعمل على جعل كلمة الله تعالى هي العليا والدعوة الى الخير ونحو ذلك.

ص: 371

ص: 372

قصائد مختارة

أبيات أنشدها الاديب النجفي

الأستاذ ضرغام البرقعاوي

ص: 373

ص: 374

أبيات أنشدها الاديب النجفي الأستاذ ضرغام نجل المرحوم الشيخ عبد الصاحب البرقعاوي في مكتب سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)(1)

جئتُك اليومَ طالعاً من جراحي *** لألُمَّ الضياءَ عند الصباح

شمسُنا انتَ واحتدامُ التجلّي *** وابتداءُ الشروقِ فوقَ البطاح

يا ابنَ يعقوبَ يا سماءً من الوعَيِ *** تجلّتْ وغيمةً مِن سَماح ِ

انتَ أومأتَ للمعالي فسارَتْ *** فوق دربٍ من الهدى وضّاحِ

فأشرأبَتْ الى خُطاكَ خُطانا *** لغدٍ مشرقٍ سرى للفلاحِ

تُبذرُ الخصبِ في حقولِ مُنانا *** فتضجَّ السنونُ بالافراحِ

انتَ أشتعلتَ في دياجي ضياءً سراجاٍ *** عبقريّاً مهذّبَ الاِصلاح

أيها النهرُ طالعتكَ الصحاري *** فأغِثْها من دفقِكَ النضّاحِ

أنا جيلُ تلاحقهٌ الرزايا *** ومسيرٌ مكللٌ بالأضاحي

الزمانُ الدجىُّ داسَ ضُحانا *** وسئمنا تكالبَ الاتراحِ

وسئِمنا فسادَ قومٍ لئِامٍ *** اسلمونا لمديةِ الذبّاحِ

يا ابنَ يعقوب َ يا سليلَ المحبين *** بلاداً مفتونةً بالكفاحِ

جئتكَ اليوم حافلاً فَرحَ الحرف *** لأشدو وخضةً مِن طِماحِ

ص: 375


1- الخميس 19 / ربيع الأول / 1440 ه المصادف 29/11/2018.

ص: 376

صور مختارة من صحيفة الصادقين (الأعداد: 176- 191)

ص: 377

ص: 378

صلاة عيد الأضحى المبارك لسنة 1438ه - 2017م

راجع صفحة 13 من الكتاب

ص: 379

تهنئة سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي بعنوان : انتصار العراقيين على داعش.. الدلالات والاستحقاقات في حشد كبير من الوفود الزائرة ومع رؤساء العشائر

راجع صفحة 57

ص: 380

المرجع اليعقوبي يتشرف بزيارة مشهد الامام الرضا (علیه السلام)

راجع صفحة 91 و ص 345

ص: 381

سماحة المرجع اليعقوبي يستقبل سماحة العلامة الشيخ محمد رضاالنعماني

راجع صفحة 346 من الكتاب

ص: 382

المرجع اليعقوبي لدى لقائه مع المستشرق الفرنسي: الإسلام هو مؤسس المدنيّة في البلاد العربية وقائد الحضارة الإنسانية على مدى قرون

راجع صفحة 125 من الكتاب

ص: 383

استقبال سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمكتبه في النجف الاشرف السيد يان كوبتش رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق

راجع صفحة 163 من الكتاب

ص: 384

الخطاب الفاطمي السنوي الذي القاه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في ساحة ثورة العشرين في النجف الاشرف

راجع صفحة 247 من الكتاب

ص: 385

لقاء سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمكتبه فيالنجف الاشرف مع جمع من طلبة الجامعات والمراحل الإعدادية من مختلف المحافظات الذين شاركوا في دوارات التنمية والاعداد التي اقامتها مؤسسة ملتقى العلم والدين خلال العطلة الربيعية

راجع صفحة 359 من الكتاب

ص: 386

المرجع اليعقوبي يستقبل سماحة آية الله الشيخ الآراكي

راجع صفحة 272 من الكتاب

ص: 387

استقبال سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمكتبه في النجف الأشرف رئيس جامعة المذاهب الإسلامية سماحة آية الله الشيخ محمد حسين مختاري (دامت بركاته) وعدد من مساعديه ومستشاريه

راجع صفحة 301 من الكتاب

ص: 388

الفهرس

خطاب المرحلة (527): أيها الشباب: احذروا الضجر والكسل.... 5

خطاب المرحلة (528): جائزة الارتباط المبكّر للشباب بالقرآن الكريم 10

خطاب المرحلة (529): (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (القلم:44) (الأعراف: 182) سنة الاستدراج... 13

خطاب المرحلة (530): (لَّيْسَ الْبِرَّصلی الله علیه و آله أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ) (البقرة:177) افهم حقائق الأمور جيداً: البر والعلم والعبادة أمثلة.... 21

خطاب المرحلة (531): (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) (المطففين:26) 26

خطاب المرحلة (532) نهتم بالقضايا ما دامت قائمة فاذا انتهت سلّمنا لأمر الله تعالى 34

خطاب المرحلة (533): موعظة حسنة...... 37

خطاب المرحلة (534): (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (آل عمران:19) 40

خطاب المرحلة (535): (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم:9) لا مساومة على المبادئ الحقّة 49

خطاب المرحلة (536): (ولا لأحدٍ فيك مطمع) اقطع طمع أهل الباطل فيك 53

خطاب المرحلة (537): انتصار العراقيين على داعش.. الدلالات والاستحقاقات 57

ملحق : تحية إلى عشائرنا الأصيلة ....... 61

خطاب المرحلة (538): إن الله تعالى أخفى أربعة في أربعة موعظة علوية في تنمية السلوك 63

ص: 389

خطاب المرحلة (539): موقف السيدة الزهراء (علیها السلام) دليل على إمامة أمير المؤمنين (علیه السلام) 68

خطاب المرحلة (540): (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) (ص: 24) ضع الله تعالى نصب عينيك عندما تكون في خلاف مع الآخر... 70

خطاب المرحلة (541): ثواب عظيم ببركة الزهراء علیها السلام لمن ينصر الدين بالحجة والبرهان 74

خطاب المرحلة (542): (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد:4) المعية الإلهية ... الثمرات والمراتب ....... 76

خطاب المرحلة (543) : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة:152)....... 83

خطاب المرحلة (544) : دور الدين في بناء المجتمع الصالح ....... 89

خطاب المرحلة (545) : العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس ، الحاجة إلى مراكز البحوث والدراسات التخصصية .... 91

خطاب المرحلة (546) : تأصيلات في الفقه الاجتماعي....... 94

خطاب المرحلة (547) : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة:143) الوسطية في الإسلام لا في غيره 103

خطاب المرحلة (548): (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) : التغيير يبدأ من داخل الانسان والمجتمع ..... 109

خطاب المرحلة (549) : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36) الاستعاذة بالله تعالى من شياطين الجن والانس .... 113

ص: 390

خطاب المرحلة (550): (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل:98) 121

خطاب المرحلة (551): استدلال قرآني على وجود الامام المهدي (عج) وحياته 123

خطاب المرحلة (552): الإسلام هو مؤسس المدنيّة في البلاد العربية وقائد الحضارة الإنسانية على مدى قرون....... 125

خطاب المرحلة (553): المرجع اليعقوبي يذكّر طلبة العلوم الدينية بوظائفهم 129

خطاب المرحلة (554): كيفية الاستعداد للموت ...... 131

خطاب المرحلة (555): (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) (محمد:11) 135

خطاب المرحلة (556): (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ) (المدثر:1-2).. 140

خطاب المرحلة (557): (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة:2) محكمة الضمير دليل على وجود محكمة القيامة .... 147

خطاب المرحلة (558): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب:41) أهم قضايانا: أن نستحضر الله تعالى في وجداننا .... 152

خطاب المرحلة (559): المؤسسات الخيرية بين الواقع والطموح .... 156

خطاب المرحلة (560): بالإرادة يمكن تغيير العادة... 160

خطاب المرحلة (561) : المرجع اليعقوبي: يدعو الحكومة الى إيجاد حلول آنية لتلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين والى وضع خطط استراتيجية لتلافي

ص: 391

حصول الأزمات.. ويدعو المتظاهرين لمنع المندسين وأصحاب الاجندات من مصادرة مطالبهم المشروعة...... 163

خطاب المرحلة (562): لابد أن يقترن نشاط الشباب وقوتهم بالهدفية 166

خطاب المرحلة (563): (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) (الإسراء:11) في العجلة الندامة الا في فعل الخير

169

خطاب المرحلة (564): مسؤوليتنا عن عالمية الإسلام والنهضة الحسينية 177

خطاب المرحلة (565): ملتقى الحوزة العلمية مع أساتذة الجامعات. 181

خطاب المرحلة (566): فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا 186

خطاب المرحلة (567): معنى (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا)..... 188

خطاب المرحلة (568): درس حسيني في عدم التنازل عن المبادئ. 192

خطاب المرحلة (569): بيان حول تشكيل الحكومة....... 196

خطاب المرحلة (570): جامعة المذاهب الإسلامية خطوة على طريق التقريب 198

خطاب المرحلة (571): (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) 201

خطاب المرحلة (572): النساء والشباب حجر الأساس في العولمة الأخلاقية والاجتماعية 210

خطاب المرحلة (573): (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة :256) الرد على شبهة انتشار الإسلام بالسيف..... 215

ص: 392

خطاب المرحلة (574): المرجع اليعقوبي: يحذَّر من تضييع الانجازات وبيع العراق وأهله بثمن بخس 221

خطاب المرحلة (575): (إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) (الجمعة:6) الاستعداد للموت: علامة صدق الايمان.... 223

خطاب المرحلة (576): (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (المؤمنون:96) 232

خطاب المرحلة (577): بيان بمناسبة وفاة سماحة آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (قدس الله سره)... 237

خطاب المرحلة (578): رسالة المرجعية إلى المؤمنين في الدول غير الاسلامية 239

خطاب المرحلة (579): أيها الشباب ابدأوا بأنفسكم أولاً... 244

خطاب المرحلة (580): (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) (الزمر:54) السيدة الزهراء (علیها السلام) تدعو إلى الرجوع إلى الله تعالى والانقياد له 247

خطاب المرحلة (581): (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ) امرأة فرعون أسوة حسنة للرجال والنساء.... 256

خطاب المرحلة (582): (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) (الإسراء:79) صلاة الليل وسيلة الإعداد لتحمل المسؤوليات الكبيرة ونيل المقامات الرفيعة 261

خطاب المرحلة (583): سر خلود القيام الزينبي... 269

ص: 393

خطاب المرحلة (584): المرجع اليعقوبي يستقبل سماحة آية الله الشيخ الآراكي 272

خطاب المرحلة (585): توجيهات حول حفلات التخرج في الجامعات 275

خطاب المرحلة (586): (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) (آل عمران:191) ذكر الله تعالى عند الطاعة والمعصية...... 278

خطاب المرحلة (587): مبادرات عراقية نبيلة....... 282

خطاب المرحلة (588): في ذكرى يوم الشهيد الكردي الفيلي...... 283

خطاب المرحلة (589): معالم مدرسة الوعي والإصلاح في سيرة السيد الشهيد محمد باقر الصدر 285

خطاب المرحلة (590): المعالم الحضارية لدولة الامام الموعود (عج) 291

خطاب المرحلة (591): (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) (النساء:75) وجوب العمل لإنقاذ المجتمع من الظلم والجهل والتخلف والحرمان.... 294

خطاب المرحلة (592): جامعة المذاهب الإسلامية مشروع ناهض للوحدة الإسلامية وللحد من مخاطر التكفير والتطرف الفكري والديني....... 301

خطاب المرحلة (593): التشيع لأهل البيت (علیهم السلام) : امتيازات واستحقاقات 305

روايات تنموية....... 309

(1) قضاء حاجة المؤمن من أفضل العبادات....... 311

(2) ولاية أهل البيت (علیهم السلام) أغلى من الدنيا وما فيها... 315

ص: 394

(3) موعظة سجّادية....... 318

(4) خادع نفسك لجلبها إلى الطاعة...... 320

(5) كن عند المنكسرة قلوبهم...... 323

(6) لا تستعجل الحرام فرزقك يأتيك من الحلال..... 326

(7) دروس من رواية سجّادية .... 328

(8) الحرب النفسية والتضييق على أصحاب المبادئ.... 333

(9) أسعد الناس في حياته ..... 337

مختارات من صحيفة الصادقين (أخبار، تعليقات، استفتاءات، قصائد) (الأعداد: 176- 191) 341

بيان حول عدم أصغاء البرلمان لمتطلّبات الإصلاح في قانون الانتخابات 343

المرجع اليعقوبي يتشرف بزيارة مشهد الامام الرضا (علیه السلام).... 35

سماحة المرجع اليعقوبي يستقبل سماحة العلامة الشيخ محمد رضا النعماني 346

العمل على حل مشكلة مياه البصرة من أعظم الشعائر الدينية... 348

تقرير الخبراء عن حالات التسمم بمياه البصرة...... 350

بروفيسور في علم الأديان المقارن يثمن أجوبة المرجع اليعقوبي على بعض إشكالات الملحدين 351

دور وسائل الاعلام في مواجهة الانحراف... 353

المرجع اليعقوبي: يدعو الى تفعيل قانون حرمة وقدسية محافظة النجف الاشرف 355

اهمية التحقيق في ابراز الحوادث التاريخية الصحيحة..... 357

ص: 395

المرجع اليعقوبي: يجدد دعوته لتأصيل مفاهيم علم التنمية البشرية قرآنياً وتوظيفها في مختلف مناحي الحياة...... 359

استفتاءات اجتماعية مختارة...... 361

استفتاءات شرعية إلى سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) 363

1- جواز البقاء على تقليد السيد الهاشمي الشاهرودي R.... 365

2 - الصوم في النهار الطويل.... 367

3- حول ثبوت الهلال في البلدان المختلفة تبعاً لمرجع التقليد... 369

4- الأعراض عن الوطن 370

5- تحديد الاعلم 371

قصائد مختارة... 373

أبيات أنشدها الاديب النجفي الأستاذ ضرغام البرقعاوي صور مختارة من صحيفة الصادقين (الأعداد: 176- 191)....... 377

1- صلاة عيد الأضحى المبارك لسنة 1438ه - 2017م...... 379

2- تهنئة سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي بعنوان : انتصار العراقيين على داعش.. الدلالات والاستحقاقات في حشد كبير من الوفود الزائرة ومع رؤساء العشائر. 380

3- المرجع اليعقوبي يتشرف بزيارة مشهد الامام الرضا (علیه السلام)... 381

4- سماحة المرجع اليعقوبي يستقبل سماحة العلامة الشيخ محمد رضا النعماني 382

ص: 396

5- المرجع اليعقوبي لدى لقائه مع المستشرق الفرنسي: الإسلام هو مؤسس المدنيّة في البلاد العربية وقائد الحضارة الإنسانية على مدى قرون..... 383

6- استقبال سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمكتبه في النجف الاشرف السيد يان كوبتش رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق.... 384

7- الخطاب الفاطمي السنوي الذي القاه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في ساحة ثورة العشرين في النجف الاشرف..... 385

8- لقاء سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمكتبه في النجف الاشرف مع جمع من طلبة الجامعات والمراحل الإعدادية من مختلف المحافظات الذي شاركوا في دوارات التنمية والاعداد التي اقامتها مؤسسة ملتقى العلم والدين خلال العطلة الربيعية..... 386

9- المرجع اليعقوبي يستقبل سماحة آية الله الشيخ الآراكي..... 387

10- استقبال سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمكتبه في النجف الأشرف رئيس جامعة المذاهب الإسلامية سماحة آية الله الشيخ محمد حسين مختاري (دامت بركاته) وعدد من مساعديه ومستشاريه... 388

الفهرس... 389

ص: 397

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.