موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 45 تعلیقات علی شرح فصوص الحکم و تعلیقات علی مصباح الانس المجلد 1

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 45 تعلیقات علی شرح فصوص الحکم و تعلیقات علی مصباح الانس المجلد 1/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 2ج

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرّر: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

بدأ الإمام الخميني(س) تعلّم العرفان رسميّاً لدى اُستاذه المرحوم آية اللّه العظمى الميرزا محمّد علي الشاه آبادي الأصفهاني - قدس اللّه نفسه الزكيّة - (ت 1369 ق) متزامناً مع وصول سماحة الاُستاذ إلى قم المقدّسة عام 1347 ق واستمرّ في هذا المشوار حتّى عام 1354 (أو أواخر عام 1353 ق) الذي هاجر فيه الاُستاذ إلى طهران.

كانت الموادّ الدراسية التي يتعلّمها الإمام من الاُستاذ عبارة عن: «شرح فصوص الحكم» للقيصري و«مصباح الاُنس» للفناري، وكذا «منازل السائرين» للخواجه عبداللّه الأنصاري.

ليس من المحدّد بالضبط إلى أيّ مدى استمرّ الإمام في تعلّم «شرح فصوص الحكم» لدى اُستاذه ولكن بداية الأمر كانت متزامنة مع وصول الاُستاذ إلى قم المقدّسة. أمّا بالنسبة إلى «مصباح الاُنس» فطبقاً لما ذكر سماحته كان قد بدأ به في شهر رمضان المبارك عام 1350 ق واستمرّ فيه حتّى حين انتقال الاُستاذ إلى

ص: 5

طهران وقد وصل فقط إلى صفحة 44 ممّا يشعر بأنّ هذا الدرس كان مخصوصاً بأيّام العطلة.

ينوّه الإمام باسم اُستاذه ويذكره بألقاب مثل: «شيخ عارف ما» و«شيخنا العارف الكامل» و«حضرت شيخ عارف ما روحى فداه» و«شيخنا واُستاذنا في المعارف الإلهية» ممّا يسفر عن خالص ودّه وصميم إرادته لشيخه الاُستاذ.

لكن بالمراجعة إلى مؤلّفات الإمام العرفانية ك«شرح دعاء السحر» و«مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية» و«التعليقة على الفوائد الرضوية» التي اُلّفت خلال السنوات ما بين 1347 إلى 1349 ق يتّضح لنا إحاطة سماحته وتضلّعه بالعرفان والآراء العرفانية، وكذا وجود إبداعاته في التحقيقات العرفانية في هذه المؤلّفات ينبئنا عن الإحاطة بهذه الأبحاث قبل تلقّيه الدروس من هذا الاُستاذ ولم تكن حصيلة التعلّم لديه فقط.

في هذه الفترة الزمنيّة كان الإمام الخميني(س) بالإضافة إلى تعلّم العرفان، مشتغلاً بتدريس الفلسفة والعرفان كما يظهر من إجازته العرفانية للمرحوم الميرزا جواد حجّت الهمداني(رحمه الله) عام 1354 ق وقد نقل عنه أنّ مدّة تحصيله لدى الإمام(س) قريباً من عشر سنوات.

يُعتبر كتابا «شرح فصوص الحكم» و«مصباح الاُنس» من أهمّ الكتب في علم العرفان لا سيّما النظري منه وصارت هذه المكانة المتميّزة سبباً لإقبال أكابر العرفان إلى هذين الكتابين بالتحشية والشرح والتعليقة على مطالبهما وقد قام كلّ من هؤلاء الأكابر وأصحاب الآراء بالشرح والإيضاح لمقاصد المؤلّفين حسب استطاعتهم ونزعاتهم ومذاهبهم.

ص: 6

كتَب الإمام الخميني(س) حواشيه وتحقيقاته على هذين الكتابين متزامناً مع تحصيله ولكنّه ليس من المحدّد بالضبط أنّ التعليقات كلّها متعلّقة بفترة التحصيل أو زيد عليها فيما بعد.

نُشرت مجموعة التعليقات بصورة مستقلّة حوالي ستّين عاماً بعد كتابتها وقد اُوردت إيضاحات حول فقدها والعثور عليها من جديد في مقدّمة الطبعة الاُولى بما لا حاجة معها لمزيد التكرار.

وممّا يجب الانتباه عليه أنّه بالإضافة إلى التعليقات والحواشي التي كتبها الإمام على الكتابين؛ فإنّ في صفحات النسخة الأصلية نشاهد آثاراً من التصحيح أو شروحاً لعبارات المتن ولكن نظراً إلى أنّ التعليقات قد نشرت في حياة سماحته وبإشراف منه وقد حذفت الحالات الجزئية، فقد اتّبعنا وراعينا ما انتفاه سماحته من هذه المجموعة.

تعليقات على شرح فصوص الحكم

«فصوص الحكم» من بين آخر المؤلّفات للشيخ الأكبر محيى الدين بن عربيّ (ت638 ق) وتشتمل على أهمّ المباحث العرفانية خاصّة العرفان النظري. من بداية القرن الثامن انتخب الكتاب كمتن دراسيّ في الحوزات العرفانية ولنفس السبب صار محطّاً لشروح وتعليقات كثيرة. ومن بينها «شرح فصوص الحكم» لداود بن محمود القيصري (ت 751 ق) الذي كان من أبرز تلامذة المولى عبدالرزّاق الكاشاني (ت 735 أو 736) وقد تأثّر في شرحه منه، ويمتاز هذا الشرح بمزايا خاصّة عن بقية الشروح، منها: أنّه قد قام بشرح الفصوص في فترة

ص: 7

كان المشايخ والأساتذة البارزين في العرفان النظري قد بيّنوا مبادئ وآراء ابن عربي ونقّحوها من الإشكالات الواردة عليها بالمقارنة مع المباحث العقلية الفلسفية. وقد حظّي الكتاب ومقدّمته - التي تحتوي على مباحث كلّية من العرفان - بإقبال شديد، وكان السبب في ذلك جزالة التعبير في تقرير المباحث العرفانية، والإحاطة بآراء وأنظار أعاظم العرفان، والانسجام في تنظيم المباحث، والاشتمال على التحقيق لأكثر المباحث العرفانية. ومن أجل هذه الاُمور أصبح شرح القيصري للفصوص مصدراً موثوقاً به ومعتمداً عليه في مثل هذه الأبحاث كما أنّه كتاب مناسب في ساحة تعليم العرفان وتدريسه.

صار هذا الكتاب بشكل رسمي من الكتب الدراسية في الحوزات العلمية من أيّام العارف الكامل المرحوم محمّد رضا القمشه اى الأصفهاني (قده) (ت 1306 ق) على وجه التحديد ومن تلك الفترة بدأت التحشية والتعليقات عليه. وخاصة أنّ المقدّمات التي أ لّفها القيصري في اثني عشر فصلاً في بداية شرحه وحرّر فيها أبحاث العرفان النظري قد زادت الكتاب مكانة وقدراً.

وللإمام الخميني(س) 229 تعليقة على «شرح الفصوص» بالمقارنة بين تعليقات الإمام وغيره يمكن أن نقول بأنّ في أكثرها إمّا أن يغلب الشرح والإيضاح وإمّا أن يغلب النقد والدخل ولكن في تعليقات الإمام هناك نسبة متعادلة ومعقولة ومرضيّة بين الإيضاح والتحقيق ونقد الأبحاث من منظور عرفاني ونظري ذوقي.

قام الإمام بتحقيق مباحث «شرح الفصوص» وتنقيحها وتتميمها وفقاً للمنهج العرفاني الشيعي الخالص ويتعرّض في هذه التعليقات أقوال الحكماء والعرفاء

ص: 8

الكبار كأمثال صدر المتألّهين وشيخ الإشراقيّين والمحقّق الداماد والشيخ الرئيس وابن عربي والفناري والجاميّ وشيخه الاُستاذ الشاه آبادي وأكثر من هؤلاء يتوجّه نظره نحو القيصري وقد نقد آرائه في ستّ وأربعين نقطة. نعم، يقف الإمام في أغلب المواضع موقف شارح لأقوال وكلمات ابن عربي ولكنّه أشار في مواضع عديدة إلى آرائه أيضاً.

اتّبع الإمام في كتابة هذه التعليقات اُسلوب الإيجاز - كما أشار إليه مكرّراً - فلذلك أرجع في مواضع متعدّدة تحقيق مطالبه إلى كتبه السابقة ك«مصباح الهداية» و«شرح دعاء السحر».

يجد القارئ أنّ في هذه التعليقات تحقيقات حول كثير من مباحث العرفان، خاصة حول مباحث كالأسماء المستأثرة وحقيقة الجعل والأعيان الثابتة والميزان في أسماء الذات والأفعال والصفات وحقيقة العماء وكيفية المحو والإثبات والحدوث الزمني في جميع الموجودات وقرب النوافل والفرائض والعقل الأوّل والكلام النفسي وغيره ولكن تختصّ المباحث الكثيرة بالمكاشفات وخصوصياتها.

نشر كتاب «تعليقات على شرح فصوص الحكم» لأوّل مرّة عام 1406 ق من قبل «مؤسّسه پاسدار إسلام» مع «تعليقات على مصباح الاُنس» ثمّ نشرته شركة النشر العلمي والثقافي عام 1375 ش ضمن تصحيح وتحشية للمرحوم الاُستاذ السيّد جلال الدين الآشتياني مع تعليقات للمرحوم محمّدرضا القمشه اي والمرحوم سيد أبوالحسن جلوه والسيّد المصحّح.

ص: 9

تعليقات على مصباح الاُنس

«مصباح الاُنس بين المعقول والمشهود في شرح مفتاح غيب الجمع والوجود» هو الكتاب الثاني الذي تشاهدون تعليقات الإمام على أبحاثه في هذا المجلّد.

«مفتاح غيب الجمع والوجود» المشتهر ب«مفتاح الغيب» كتاب ألّفه صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي (ت 673 ق). القونوي والذي اشتهر بالشيخ الكبير هو تلميذ وابن زوجة لابن عربي وأكبر شارح وناشر لآرائه العرفانية. وقد عرف كتاب «مفتاح الغيب» كأفضل كتاب دراسي في العلم الأعلى أو العرفان.

كتاب «مفتاح الغيب» يشتمل على عمدة الأبحاث في العرفان النظري والذي راعى فيه المؤلّف نظماً بديعاً في انسجام الأبحاث العرفانية والسبب في ذلك إحاطته بالحكمة البحثيّة حيث قدّم في هذا الكتاب العرفان النظري كعلم ممنهج مع موضوع محدّد وغاية ومسائل ومبادئ بهذا الوصف.

شارح الكتاب هو شمس الدين محمّد بن حمزة الفناري المشتهر ب«ابن الفناري» (ت 834 ق) والذي زاد «مفتاح الغيب» خلوداً بالشرح عليه.

تسبّب جمع «مصباح الاُنس» لآراء العظماء من العارفين وكذا استحكامه وانسجامه في الأبحاث، في أن يكون مطمحاً لأنظار البارزين على ساحة العرفان ومحطّاً لإقبالهم عليه بالتدريس والتعلّم والتحقيق في الحوزات العرفانية كما كتب عليه عدّة من الشروح والتعليقات الثمينة والقيّمة.

كان لسلسلة مشايخ الإمام وأساتذته في العرفان من العارف الكامل محمّدرضا القمشه اى الأصفهاني إلى المرحوم الشاه آبادي الأصفهاني (رضوان

ص: 10

اللّه عليهم) اهتمام خاصّ بهذا الكتاب بحيث كان في حوزة تدريسهم وكانوا يكتبون عليه حواشي وتعليقات.

اتّبع الإمام الخميني(س) في تعليقته على «مصباح الاُنس» نفس المنهج الذي اتّبعه في التعليقة على «شرح الفصوص» أي أنّه راعى الانسجام والتناسب بين أركان المباحث العرفانيّة بالإضافة إلى تحقيق المطالب والمسائل في هذا المجال. وقد قام بنقد الآراء والأقوال حيث لم يجدها متوافقة مع البرهان أو منطبقة على الذوق العرفاني.

قام الإمام في هذه التعليقات بنقل الأقوال والآراء الصادرة عن أكابر الفلسفة والعرفان والفحص عنها كأمثال ابن سينا وابن عربي والقونوي والفرغاني وعبدالرزّاق الكاشاني والملاصدرا والميرزا هاشم الإشكوري واُستاذه المرحوم الشاه آبادي ونقد في أكثر من عشرين مورداً ما أورده الفناري صاحب «مصباح الاُنس» من الآراء.

ومن بين الموضوعات الواردة في هذه التعليقات التي جرى حولها الفحص والتحقيق، يمكن الإشارة إلى عناوين مثل الفيض الأقدس والفيض المقدّس والألسنة الخمسة والفيض المنبسط والتجلّيات وكمال الجلاء والاستجلاء والإنسان الكامل والشهود والمكاشفة والدعاء وغيرها.

كانت بداية التعليقة على مصباح الاُنس عام 1350 ق واستمرّت بعد انتقال آية اللّه الشاه آبادي إلى طهران وهو عند التعليقة الرقم 57 والتعليقة الأخيرة (الرقم 132) ترتبط بالصفحة 132 (من الطبعة الحجرية من مصباح الاُنس) في 26 من جمادي الثانية عام 1355 ق في بلدة خمين.

ص: 11

نشرت «مؤسّسه پاسدار إسلام» هذه التعليقة لأوّل مرّة عام 1406 بالضميمة إلى «تعليقات على شرح فصوص الحكم» ثمّ نشرته «انتشارات مولى» عام 1376 ش مع خمس تعليقات اُخرى ذيل «مصباح الاُنس» باهتمام من الاُستاذ محمد خواجوي.

اُسلوب التحقيق:

1 - عوّلنا في متن كلّ من التعليقتين على آخر تصحيح صدر من سماحة الإمام إلاّ في موارد وقع الخطأ في الطبعة السابقة.

2 - قد أوردنا لكلّ تعليقة قسماً من متن «شرح الفصوص» أو «مصباح الاُنس» الذي ترتبط التعليقة به وذكرنا رقم الصفحة من الطبعة الحجريّة وطبعة آشتياني من «شرح الفصوص» أو طبعة خواجوي من «مصباح الاُنس».

3 - استخرجنا وأوردنا مآخذ الآيات والروايات والأقوال المطروحة في التعليقات.

4 - تسهيل الحصول على مواضع التعليقات استخدمنا العناوين الأصلية للكتاب.

5 - قد وضعنا في نهاية الكتاب الفهارس الفنّية الضرورية.

وفي الختام نرى من الواجب علينا أن نقدم جزيل الشكر للمحقّقين الكرام الذين تحمّلوا العناء وساهموا في التصحيح والتحشية والطبع لهذا الكتاب وأن نسأل اللّه تعالى لهم التوفيق وحسن العاقبة.

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 12

مقدّمة الطبعة الاُولى

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

طالما حاول محرّر هذه الأسطر - بعد الفراغ من استنساخ هذه المجموعة القيّمة - أن يركّز أفكاره ليكتب مقدّمة على الكتاب يوضّح بها بعض النقاط، ولكن دون جدوى فكلّما زاد اهتمامه بالموضوع، إزداد إحساساً بالعجز؛ ذلك لأنّ هذا الأمر يستدعي الحديث حول شخصية قائد الاُمّة الإسلامية الإمام الخميني دام ظلّه العالي.

وأنّى لنا التحدّث عنه والبحر لا يفرغ في الأداوة والألفاظ لا تستطيع الأعراب عن تيّار الحبّ الجارف، ومن هذا المنطلق فإنّه لا مناص لنا إلاّ الكفّ عمّا لا نطيقه والاكتفاء بالإشارة إلى بعض النقاط ليس إلاّ.

لقد كان اقتناء الإمام للمسائل العلمية والمعارف الإسلامية يتمتّع دائماً بدرجة من العمق والإتقان، جديرة بالاهتمام، واليوم وقد ارتقى سماحته قمم العلم والمعرفة لا يزال يؤكّد على نفس الآراء التي آمن بها منذ بداية دراسته وفي أيّام شبابه بالرّغم من مرور أكثر من نصف قرن عليها، وهذا ممّا لا يمكن

ص: 13

تفسيره إلاّ بمعيار «العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء» والكتاب الحاضر

نموذج حيّ لهذه الميزة.

قبل حوالي ستّين عاماً وخلال جلسة واحدة يتعرّف سماحة الإمام - ولأوّل مرّة - على المرحوم آية اللّه الشاه آبادي فيدرك عظمة الرجل وسعة معلوماته وبعد تلك الجلسة يتبعه في الطريق ويصرّ عليه أن يستضيء من أنوار علومه ويعلّمه ممّا علّم رشداً، فيتقبّل الاُستاذ ويوافق على تدريس كتاب «الأسفار» إلاّ أنّ الإمام يعلمه عن معرفته بحقائق الأسفار ويطلب منه أن يدرسه «شرح فصوص الحكم» وأخيراً كانت نتيجة الإعجاب والتجاذب المتقابلين بينهما من جهة وإلحاح هذا الطالب الشابّ الذي لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره من جهة اُخرى، أن وافق الاُستاذ على هذا الطلب، واستمرّ الإمام طيلة ستّ سنوات يتلقّى العرفان لدى الاُستاذ البارع، وبعد انتهائه من «شرح فصوص الحكم» بدأ بتعلّم كتاب «مصباح الأنس» إلى أن هاجر الاُستاذ إلى «طهران» وخلال هذه الأعوام حرّر الإمام مدّ ظلّه تعليقاته القيّمة على الكتابين السابقين وألّف كتباً اُخرى في هذا المضمار مثل «مصباح الهداية» و«شرح دعاء السحر» وغيرهما.

ويعتبر كتاب «فصوص الحكم» لدى علماء العرفان أدقّ المتون العرفانية وأعمقها، حتّى قال فيه العلاّمة الشهيد المطهّري رحمه اللّه: «لم يتجاوز أولئك الذين يتقنون فهم هذا الكتاب في كلّ عصر، عدد الأصابع». ولم يتمكّن من الإقدام على شرحه إلاّ الفحول من رجال الفنّ. ومن أهمّ شروح الكتاب، «شرح القيصري» الذي علّق الإمام دام ظلّه عليه وبعد الفراغ منه علّق سماحته على

ص: 14

«مصباح الاُنس» وقد أتمّ تعليقاته على الكتاب الأخير في سنة 1355 هجرية قمرية إذ لم يبلغ آنذاك الخامسة والثلاثين من العمر، وذلك في آونة يعبّر عنها بعض أعاظم العلماء ممّن كان على سعة من الاطّلاع على العرفان وتأريخه فيقول: «إنّه لم يجرأ حتّى الآن أحد في الحوزات العلمية وفي مثل هذه السنين أن يستلم القلم ليكتب تعليقة على الفصوص وشرحه».

وقبل التعرّض لبعض الملاحظات حول هذه النسخة تجدر الإشارة إلى قضيّة عجيبة جرت لهذا الكتاب:

لقد خلّف النظام الشاهنشاهي البائد، بتهجّمه على الإسلام والثقافة الإسلامية، أحداثاً ومصائب مؤسفة وفي توافق بعض تلك الأحداث مع مراسيم التتويج المشؤومة، أغار الساواك الغاشم على مكتبة الإمام الخاصّة في بيته الواقع في محلّة «يخچال قاضي» بمدينة «قم» المقدّسة عام 1347 هجرية شمسية ونهب الكثير من كتب الإمام ومؤلّفاته ومن ضمنها «التعليقة على شرح الفصوص» ولم يعثر لتلك الكتب بعدئذٍ على أثر ولم يسمع عنها خبر، إلى أن انتصرت الثورة الإسلامية وأينعت ثمارها بتوفيق من اللّه تعالى وبفضل دعاء وليّ اللّه الأعظم عجّل اللّه فرجه، وفي هذا البين ظهر ثانيةً عزيز مفقود كان قد بيع بثمن بخس، فقرّت به عيون العارفين.

في سنة 1362 شمسية التقى أحد طلاّب الحوزة العلمية في مدينة «همدان» ببائع متجوّل يحمل معه كتابين جاء بهما إلى مدرسة علمية يريد بيعهما، أحدهما «شرح فصوص الحكم» الآنف الذكر والآخر كتاب مخطوط، فاشتراهما بخمسين توماناً، ومع تصفّحه الكتاب وتأمّله فيه تستثير انتباهه تعليقات خطيّة

ص: 15

كتبت في حواشي الكتاب بخطّ حسن وبذيل كلّ تعليقة منها توقيع «السيّد روح اللّه الخميني».

لم يكد الطالب يصدّق ما رآه، فحمل الكتابين مستبشراً ليقدّ مهما إلى آية اللّه النوري إمام جمعة «همدان» آنذاك والذي كان يعرف خط الإمام وخطّ نجله الشهيد المرحوم آية اللّه السيّد مصطفى الخميني، فتعجبه هذه الصدفة الغريبة ويقدّم هديّة مناسبة للطالب المذكور ثمّ يأخذ الكتابين وهما «شرح فصوص الحكم» مع تعليقات الإمام دام ظلّه - كما ذكرنا - والثاني تعاليق الشهيد السيّد مصطفى الخميني رحمه اللّه على الجزء الأوّل ل«كفاية الاُصول»، ويحملهما إلى سماحة الإمام دام ظلّه حيث قدّم له جزيل الشكر.

وأخيراً وباقتراح من حجة الإسلام السيّد أحمد الخميني، قام حجة الإسلام ثقفي باستنساخ تعليقات السيّد الإمام على «شرح الفصوص» و«مصباح الاُنس» وعاونه في المقابلة حجّة الإسلام توسّلي ومن ثمّ أوعز إلى الاستنساخ النهائي.

فالمجموعة التي بين يديك تشتمل - كما مرّ - على تعاليق الإمام دام ظلّه على الكتابين التاليين:

1 - «شرح فصوص الحكم» الذي ألّف متنه الشيخ محي الدين العربي وشرحه داوود بن محمود بن محمّد الرومي القيصري.

2 - «مصباح الاُنس بين المعقول والمشهود في شرح مفتاح غيب الجمع والوجود» وأصل الكتاب لأبي المعالي صدر الدين محمّد بن إسحاق القونوي والشرح لمحمّد بن حمزة بن محمّد.

ص: 16

وقد تمّ استنساخ هذه المجموعة عن كتابة سيّدنا الإمام دام ظلّه العالي على حاشيتي الكتابين المذكورين. وفي جميع الموارد، وضع جزءٌ من المتن والذي يخصّ التعليق، بين قوسين مزدوجين، وذيّل برقم الصفحة من كتاب «شرح فصوص الحكم» طبعة دار الفنون وكتاب «مصباح الأنس» طبعة عبد الرحيم(1).

ومن الجدير بالذكر، أنّ الإمام لا يستخدم عادة في تأليفاته وكتاباته، المسوّدة

والمبيضّة، وكلّما يكتبه إنّما يتمتّع بالبداهة والسرعة وبدون شطب وتغيير وبالإضافة إلى محتواه العميق فإنّه يمتاز بالبداعة والبلاغة وحسن التعبير وجمال الخطّ، إلاّ أنّ مضيّ نصف قرن - وكما أشرنا إليه - على هذه النسخة القيّمة وظهور آثار من التلف والاستهلاك في بعض الموارد، ألزم علينا من أجل الاطمئنان على صحّة الاستنساخ أن نعرض هذه الموارد على سماحته دام ظلّه وبالرغم من كثرة أعماله وكبر سنّه الشريف ومرور عشرات السنين على كتابة هذه التعاليق فقد أجاب سماحته بالبداهة على هذه الموارد، كتبيّاً أو شفاهيّاً، ووضّحها لنا بمنتهى الدقّة، وقد اتّضحت لنا خلال ذلك سعة اطّلاع الإمام وتعمّقه في اللغة أيضاً؛ فعلى سبيل المثال، ورد في المتن كلمة «أقحاط» واستظهر الإمام في التعليقة صفحة (158)(2) أنّ المراد به الضرب الشديد وأضاف بقوله:

«لم نجد في اللّغة مادته». فقمنا بالبحث والتنقيب عن الكلمة حتّى وجدنا في كتاب «لسان العرب» كلمة «قحيط» بمعنى «شديد» وقدّمناه ضمن مجموعة من

ص: 17


1- ما ذكرها من كيفية التصحيح والترقيم يكون من مختصّات الطبعة السابقة وقد تغيّرت في هذه الطبعة (موسوعة الإمام الخميني قدس سره) على ما اتّضحت في مقدّمة التحقيق.
2- في هذه الطبعة (موسوعة الإمام الخميني قدس سره): 142، التعليقة 159.

الأسئلة إلى سماحته ظنّاً منّا بأنّنا قد كشفنا شيئاً جديداً، فأجابنا دام ظلّه

بالجواب التالي الذي ننشره* بخطّ يده تبرّكاً وتيمّناً: «محتمل است لازم معنى را

ذكر كرده باشد چون قحطى موجب شدت است» أي [يحتمل أنّ المؤلّف قد ذكر لازم المعنى؛ لأنّ القحط موجب للشدّة].

وممّا ينبغي ذكره أنّ النسخة الحاضرة قد استنسخت منذ البداية لتكون ثانية اثنتين حتّى نستوثق من الحفاظ على هذا الأثر النفيس ولذلك فإنّ الخطّ والتنسيق لم يحظيا بالحدّ المطلوب للطّبع ولكن بعد الإتمام من الاستنساخ، اطّلع عدد من عشّاق العلم وروّاد المعرفة على هذا الأثر القيّم، فطالبوا ملحّين على طبعه ونشره وقد رفع هذا الطلب إلى سماحة الإمام بواسطة نجله حجّة الإسلام السيّد أحمد الخميني فلم يرفض سماحته، وبذلك أقدمنا على طبع الكتاب ولتكن هذه لمعة اُخرى من إشراقات شمس المعرفة على القلوب الصافية المنعمة بالحبّ والإخلاص، ويتجلّى بذلك لعشّاق المعرفه وروّاد الفضيلة جانب آخر من تلكم الجوانب المجهولة العميقة لروح اللّه أرواحنا فداه.

والسلام

محمد حسن رحيميان

27/ رجب الخير/ 1406 ق.

ص: 18

* صورة فتوغرافية من توضيحات الإمام حول بعض الأسئلة

المقدّمة إلى سماحته:

ص: 19

ص: 20

تعلیقات علی شرح فصوص الحکم

اشارة

ص: 1

ص: 2

مقدّمة شرح فصوص الحكم

اشارة

و فيه فصول:

ص: 3

ص: 4

الفصل الأوّل: في الوجود وأنّه هو الحقّ

إشارة إلى بعض المراتب الكلّية واصطلاحات الطائفة فيها

[1] حقيقة الوجود إذا اُخذت بشرط أن لا يكون معها شيء ، فهي المسمّاة عند القوم بالمرتبة الأحدية المستهلكة جميع الأسماء والصفات فيها ، وتسمّى جمع الجمع وحقيقة الحقائق والعماء أيضاً .

[شرح فصوص الحكم: 22 ؛ و(ط - الحجري) ص 11]

بسم اللّه الرحمن الرحيم وبه نستعين

[1] قوله : «حقيقة الوجود...» إلى آخره .

اعلم : أنّه ليس أخذ حقيقة الوجود بشرط لا أو لا بشرط شيء ، أو غيرهما من الاعتبارات الواردة عليها ، كما هو ظاهر عبارة المصنّف ؛ فإنّ الاعتبار والأخذ واللحاظ وغيرها من أمثالها ، من لواحق الماهيات والطبائع ، ولا يتمشّى

ص: 5

في حقيقة الوجود . بل ما هو المصطلح عند أهل اللّه ليس إلاّ نتيجة مشاهداتهم والتجلّيات الواردة على قلوبهم .

وبعبارة اُخرى : هذا الاصطلاحات إمّا نقشة تجلّيات الحقّ على الأسماء والأعيان والأكوان ، أو تجلّياته على قلوب أهل اللّه وأصحاب القلوب ومشاهداتهم إيّاه .

فيقال : إنّ الوجود إمّا أن يتجلّى بالتجلّي الغيبي الأحدي المستهلك فيه كلّ

الأسماء والصفات ، وهذا التجلّي يكون بالاسم المستأثر والحرف الثالث والسبعين من الاسم الأعظم ، فهو مقام بشرط اللائية ، ففي هذا المقام له اسم ، إلاّ أنّه مستأثر في علم غيبه . وهذا التجلّي هو التجلّي الغيبي الأحدي بالوجهة الغيبية للفيض الأقدس . وأمّا الذات من حيث هي ، فلا يتجلّى في مرآة من المرائي ، ولا يشاهدها سالك من أهل اللّه ولا مشاهد من أصحاب القلوب والأولياء . فهي غيب لا بمعنى الغيب الأحدي ، بل لا اسم لها ولا رسم ولا إشارة إليها ولا طمع لأحد فيها : «عنقا شكار كس نشود دام باز گير»(1) .

وإمّا أن يتجلّى بأحدية جمع جميع حقائق الأسماء والصفات ، فهو مقام اسم اللّه الأعظم ربّ الإنسان الكامل . والتجلّي العلمي بطريق الكثرة الأسمائية الجامعة لجميع الكثرات الأسمائية هو مقام الواحدية . وقس على ذلك جميع ما ذكر في هذا المقام .

* * * * * * * *

ص: 6


1- ديوان حافظ: 76، غزل 9.

هذا وإن كان حقّاً من وجه ، لكن كون الرحمان تحت حيطة اسم اللّه يقضي بتغاير المرتبتين ؛ ولو لا وجه المغايرة بينهما ، ما كان تابعاً للاسم اللّه [2] في (بِسْمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ) ، فافهم .

[شرح فصوص الحكم: 24 ؛ و(ط - الحجري) ص 12]

[2] قوله : «في (بِسْمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ)».

اعلم : أنّ اسم «الرحمن والرحيم» من الأسماء الجامعة المحيطة ؛ فإنّ «الرحمن» مقام جمع بسط الوجود وظهوره من مكامن غيب الهوية إلى الشهادة المطلقة ، فكلّ ما يظهر في العلم والعين فهو من تجلّيات الرحمة الرحمانية .

و«الرحيم» مقام أحدية جمع قبض الوجود وإرجاعه إلى الغيب ، فكلّ ما يدخل في البطون ويصل إلى باب اللّه فهو من الرحمة الرحيمية .

واسم «اللّه» الأعظم مقام أحدية جمع البسط والقبض ، فله مقام أحدية جمع الجمع . ولهذا جعلا تابعين له في (بِسْمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ) . هذا إذا جعلا تابعين له .

وأمّا إذا جعلا تابعين للاسم : فالأوّل مقام البسط العيني ، والثاني مقام القبض العيني .

وبعبارة اُخرى : مقام بسط «المشيّة» التي هي الاسم وقبضها ، وللاسم مقام أحدية جمعهما .

وبهذا ظهر : أنّ اسم «الرحمن» لم يكن ربّ العقل الأوّل ، ولا «الرحيم» ربّ النفس الكلّية ، كما ذكر الشارح ، فتدبّر .

* * * * * * * *

ص: 7

كالحكم بالمغايرة بين الصفة والموصوف في العقل مع اتّحادهما في نفس الوجود ؛ أي العقل يحكم أنّ العلم مغاير للقدرة والإرادة في العقل كما يحكم بالمغايرة بين الجنس والفصل ، وأمّا في الوجود فليست إلاّ الذات الأحدية فقط ، كما أنّهما في الخارج شيء واحد وهو النوع . لذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : «كمال الإخلاص له [3] نفي الصفات عنه» .

[شرح فصوص الحكم: 24 - 25 ؛ و(ط - الحجري) ص 12]

[3] قوله : «نفي الصفات عنه».

فالوقوع في حجاب الأسماء والصفات شرك أسمائي وصفاتي ، كما أنّ الوقوع في حجاب الأعيان والأكوان شرك أعظم . والكمّل كما أنّهم خارجون عن الحُجب الظلمانية الكونية والأعيانية ، خارجون عن الحجب النورية الأسمائية ؛ «قبله عشق يكى آمد وبس»(1) .

* * * * * * * *

ص: 8


1- صدره: «هست آيين دو بينى ز هوس». هفت أورنگ، مثنوى سبحة الأبرار.

الفصل الثاني: في أسمائه وصفاته تعالى

ولكلّ منها نوع من الوجود سواء كانت إيجابية أو سلبية ؛ لأنّ الوجود يعرض العدم والمعدوم أيضاً من وجه وليست إلاّ تجلّيات ذاته تعالى بحسب مراتبه التي تجمعها مرتبة الاُلوهية [4] المنعوتة بلسان الشرع ب «العماء» وهي أوّل كثرة وقعت في الوجود وبرزخ بين الحضرة الأحدية الذاتية وبين المظاهر الخلقية .

[شرح فصوص الحكم: 43 ؛ و(ط - الحجري) ص 13]

[4] قوله : «المنعوتة بلسان الشرع بالعماء».

اعلم : أنّه اختلف آراء أهل المعرفة(1) في حقيقة «العماء» الواردة في الحديث النبوي :

سئل : أين كان ربّنا قبل أن يخلق الخلق؟ قال : «في عماء»(2) .

فقال بعضهم : إنّه مقام الواحدية ؛ فإنّ «العماء» غيم رقيق بين السماء والأرض ، ومقام الواحدية برزخ بين سماء الأحدية وأراضي الخلقية(3) .

ص: 9


1- اصطلاحات الصوفية: 131 - 132؛ اُنظر مصباح الاُنس: 200 - 208.
2- المسند، أحمد بن حنبل 12: 481 / 16132؛ سنن ابن ماجة 1: 65 / 182.
3- اُنظر اصطلاحات الصوفية: 131؛ الفتوحات المكّية 2: 310.

وقال بعضهم : هو الفيض المنبسط الذي هو برزخ البرازخ الفاصل بين سماء الواحدية وأراضي التعيّنات الخلقية(1) . وهذا الاحتمال أنسب بحسب بعض الاعتبارات .

ويمكن أن يكون إشارة إلى مقام الفيض الأقدس ، إن عمّمنا الخلق حتّى يشمل [ال] تعيّنات الأسمائية .

ويمكن أن يكون إشارة إلى الاسم الأعظم ؛ حيث يكون برزخاً بين أحدية الغيب والأعيان الثابتة في الحضرة العلمية .

وهنا احتمال آخر وهو أن يكون إشارة إلى الذات ، والمقصود من كونه في عماء ؛ أي في حجاب الأسماء الذاتية .

أو إشارة إلى أحدية الذات ؛ حيث يكون في حجاب الفيض الأقدس .

أو هو حيث يكون في حجاب الأسماء في الحضرة الواحدية .

أو هي حيث تكون في حجاب الأعيان أو الفيض المقدّس باعتبار احتجابه بالتعيّنات الخلقية .

* * * * * * * *

كلّ ما يتعلّق باللطف فهو الجمال ، وما يتعلّق بالقهر هو الجلال .

[5] ولكلّ جمال أيضاً جلال كالهيمان الحاصل من الجمال الإلهي ؛

ص: 10


1- اُنظر الفتوحات المكّية 2: 310 و391، و3: 40 و429 و430؛ إعجاز البيان، في تفسير اُمّ القرآن: 41 و47 و71 و115 و136؛ شرح فصوص الحكم، الجندي: 142.

فإنّه عبارة عن انقهار العقل منه وتحيّره فيه . ولكلّ جلال جمال وهو اللطف المستور في القهر الإلهي .

[شرح فصوص الحكم: 43 ؛ و(ط - الحجري) ص 13]

[5] قوله : «ولكلّ جمال».

بل الأسماء كلّها في الكلّ ، فكلّ اسم بالوجهة الغيبية له أحدية الجمع ، بل كلّ الأسماء هو الاسم الأعظم كما أشار إليه باقر العلوم علیه السلام في قوله : «اللهمّ إنّي أسألك من أسمائك بأكبرها، وكلّ أسمائك كبيرة»(1) وإليه الإشارة في قول الصادق علیه السلام : «ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت اللّه فيه»(2) .

فالجمال ظهور الجمال والجلال باطن فيه ، وبالعكس . فالنار صورة الغضب الإلهي وباطنها الرحمة ؛ لأنّها خلقت لأجل تخليص العباد عن لوازم أعمالهم ، تدبّر .

* * * * * * * *

وقد يقال : «الاسم» للصفة ؛ إذ الذات مشتركة بين الأسماء كلّها ، والتكثّر فيها بسبب تكثّر الصفات ، [6] وذلك التكثّر باعتبار مراتبها الغيبية التي هي مفاتيح الغيب ، . . . ومن وجه يرجع التكثّر إلى العلم

ص: 11


1- إقبال الأعمال: 77؛ بحار الأنوار 95: 94.
2- اُنظر شرح اُصول الكافي، صدر المتأ لّهين 3: 432؛ الحكمة المتعالية 1: 117؛ شرح الأسماء، السبزواري: 516؛ لقاء اللّه، الملكي التبريزي: 29 (في لقاء اللّه نقل عن الصادق عليه السلام، وفي غيره نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام).

الذاتي ؛ لأنّ علمه تعالى بذاته لذاته أوجب العلم بكمالات ذاته في مرتبة أحديته.

[شرح فصوص الحكم: 44 ؛ و(ط - الحجري) ص 13]

[6] قوله : «وذلك التكثّر».

الفرق بين ذاك التكثّر المعقول والذي ذكره بعدُ بقوله «من وجه» هو أنّ الأوّل يحصل بحسب شهود أرباب المشاهدة وأصحاب المعرفة ، والثاني يحصل بحسب تجلّيات ذاته لذاته في الحضرة الواحدية العلمية .

* * * * * * * *

وينقسم بنوع من القسمة - أيضاً - إلى أسماء الذات وأسماء الصفات وأسماء الأفعال وإن كان كلّها أسماء الذات ، [7] لكن باعتبار ظهور الذات فيها تسمّى أسماء الذات ، وبظهور الصفات فيها تسمّى أسماء الصفات ، وبظهور الأفعال فيها تسمّى أسماء الأفعال .

[شرح فصوص الحكم: 45 ؛ و(ط - الحجري) ص 14]

[7] قوله : «لكن باعتبار ظهور الذات فيها».

هذا الميزان الذي ذكره في تميّز أسماء الذات وغيرها ليس في الذوق العرفاني بشيء ، بل ما يقتضي السلوك الأحلى والمشرب الأعلى : هو أنّ السالك بقدم العرفان إذا فني عن فعله وحصل له المحو الجمالي الفعلي تجلّى الحقّ بحسب تناسب قلبه عليه . فكلّ ما تجلّى الحقّ في هذا المقام لقلب السالك فهو

ص: 12

من أسماء الأفعال ، فإذا أخبر عن مشاهداته يكون إخباراً بالأسماء الفعلية .

وإذا خرق الحجاب الفعلي ومحا عن الأفعال بتجلّي الحقّ على قلبه بالأسماء الصفاتية ، فكلّ ما شهد في هذا المقام فهو من تلك الحضرة . حتّى إذا فني عن تلك الحضرة وتجلّى الحقّ له بالأسماء الذاتية فعند ذلك يكون مشاهداته من الحضرة الأسمائية الذاتية .

وفي كلٍّ من المقامات يكون أهل السلوك مختلفاً بحسب قوّة السلوك وضعفه وجامعية المقام وغيرها .

وهاهنا مقام بسط وتفصيل خارج عن عهدة هذه العجالة .

* * * * * * * *

ص: 13

الفصل الثالث: في الأعيان الثابتة ، والتنبيه على بعض المظاهر الأسمائية

اشارة

الفصل الثالث [8] في الأعيان الثابتة ، والتنبيه على بعض المظاهر الأسمائية

[شرح فصوص الحكم: 61 ؛ و(ط - الحجري) ص 18]

[8] قوله : «في الأعيان».

اعلم : أنّ الأعيان الثابتة هي تعيّن التجلّيات الأسمائية في الحضرة الواحدية . فالتجلّي في تلك الحضرة بالفيض الأقدس . والمتجلّي هو الذات المقدّسة باعتبار التعيّن الغيبي الأحدي من الأسماء المستأثرة في الهوية الغيبية العمائية بحسب بعض الاعتبارات . والمتجلّى له هو الأسماء المحيطة أوّلاً ، والمحاطة ثانياً في الحضرة الواحدية . والأعيان تعيّنات التجلّي أو الأسماء باعتبارين . فالتجلّي للأسماء بالذات وللأعيان بالتبع .

كما أنّ التجلّيات العينية بحسب الفيض المقدّس كذلك - طابق النعل بالنعل - إلاّ أنّ المتجلّي هاهنا هو الذات بحسب المقام الاُلوهية ، والتجلّي هو [ب] الفيض المقدّس ، والمتجلّى له هو الوجودات الخاصّة ، والماهيات التي هي الأعيان الخارجية تعيّن التجلّيات أو المتجلّى له باعتبارين . والتجلّي للهويات الوجودية بالذات وللماهيات بالتبع .

ولك أن تقول - إن كنت من أصحاب السرّ - : إنّ التجلّيات بالفيض المقدّس تجلّيات أسمائية وصفاتية ، بل كلّها تجلّيات ذاتية : (مَا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(1) .

ص: 14


1- هود (11): 56 .

ولك أن تقول : إنّ مرائي التجلّيات هي الأعيان الثابتة في العلم والعين ، كما هو طريقة العرفاء الشامخين . وأمّا الأسماء والصفات في العلم والعين فمندكّة الهويات في التجلّي بالفيض الأقدس والمقدّس . فصدر الأمر من حضرة الذات بالفيض المقدّس والأقدس ، وأطاع الأعيان فوجدت (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(1) .

* * * * * * * *

وتلك الصور فائضة عن الذات الإلهية بالفيض الأقدس والتجلّي الأوّل بواسطة الحبّ الذاتي [9] وطلب مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ هو ظهورَها وكمالها .

[شرح فصوص الحكم: 61 ؛ و(ط - الحجري) ص 18]

[9] قوله : «وطلب مفاتح الغيب».

ف «مفاتح الغيب» هي الأسماء في الحضرة الواحدية . وطلب المفاتح من الهوية الغيبية بالحبّ الذاتي الغيبي الذي هو تعيّن الوجهة الغيبية للفيض الأقدس ، وما به الطلب هو الفيض الأقدس . فتجلّى الذات بتعيّن الاسم الأوّل والأحد بالفيض الأقدس ؛ لطلب مفاتح الغيب الذي هو مقام الكنزية المختفية ؛ (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ)(2) .

ويمكن أن يكون المفاتح هي الحضرة الأحدية التي لها أحدية الجمع

ص: 15


1- يس (36): 82.
2- الأنعام (6): 59.

للأسماء الذاتية بحسب مقام الكثرة الأسمائية ، والغيب هو مقام الأسماء في الحضرة الواحدية .

* * * * * * * *

تنبيه

الأعيان من حيث إنّها صور علمية [10] لا توصف بأنّها مجعولة .

[شرح فصوص الحكم: 64 ؛ و(ط - الحجري) ص 20]

[10] ليس الجعل على طريقة أهل اللّه متعلّقاً بالوجود ؛ فإنّ الوجود هو الحقّ ، بل الجعل متعلّق بالماهية . ولا فرق بينهما في الحضرة العلمية وغيرها ، ولا يختصّ بالخارج ؛ فإنّ التجلّي باسم «اللّه» أوّلاً وسائر الأسماء بالتبع في الحضرة العلمية يستتبع تعيّن الماهيات وظهورها في الحضرة العلمية . والتجلّي بمقام الاُلوهية في الخارج يستتبع ظهورها في العين ، وبهذا الظهور الاستتباعي يقال : «الجعل» في بعض الاعتبارات .

وأمّا التجلّيات الوجودية الأسمائية في العلم والعين فلا يطلق عليها المجعول والجعل إلاّ على مشرب المحجوبين .

* * * * * * * *

تنبيه آخر

وإن كان يصل الفيض إلى كلّ ما له وجود ، [11] من الوجه الخاصّ

ص: 16

الذي له مع الحقّ بلا واسطة .

[شرح فصوص الحكم: 65 ؛ و(ط - الحجري) ص 21]

[11] قوله : «من الوجه الخاصّ».

وهو الوجهة الغيبية الأحدية التي للأشياء ، وقد يعبّر عنها ب «السرّ الوجودي» . وهذا ارتباط خاصّ بين الحضرة الأحدية وبين الأشياء بسرّها الوجودي ؛ (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)(1) .

ولا يعلم أحد كيفية هذا الارتباط الغيبي الأحدي ، بل هو الرابطة بين الأسماء المستأثرة مع المظاهر المستأثرة ؛ فإنّ الأسماء المستأثرة عندنا لها المظاهر المستأثرة ، ولا يكون اسم بلا مظهر أصلاً ، بل مظهره مستأثر في علم غيبه .

فالعالم له حظّ من الواحدية وله حظّ من الأحدية ، وحظّ الواحدية معروف للكمّل والحظّ الأحدي سرّ مستأثر عند اللّه : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)(2) .

* * * * * * * *

هداية للناظرين

[12] هداية للناظرين

الماهيات كلّها وجودات خاصّة علمية؛ لأنّها ليست ثابتة في الخارج، منفكّة عن الوجود الخارجي، ليلزم الواسطة بين الموجود والمعدوم.

[شرح فصوص الحكم: 66 ؛ و(ط - الحجري) ص 21]

ص: 17


1- هود (11): 56.
2- البقرة (2): 148.

[12] قوله : «هداية للناظرين».

أقول : لا يخفى ما في هذا الفصل من القصور والفتور على مذهب الناظرين والعارفين من جعل الأعيان وجودات خاصّة علمية وغير ذلك ، خصوصاً جعل الوجودات زائداً على الكون الذهني والخارجي ، فتدبّر .

* * * * * * * *

تتميم

[13] تتميم

الأعيان من حيث تعيّناتها العلمية وامتيازها من الوجود المطلق راجعة إلى العدم .

[شرح فصوص الحكم: 67 ؛ و(ط - الحجري) ص 22]

[13] قوله : «تتميم».

أقول : هذا التتميم مخالف لذوق أصحاب المعرفة ومنافٍ لكلماتهم ، بل هو معنىً مبتذل مخالف للتوحيد . فهل ترى أنّ مرادهم : «الأعيان الثابتة ما شمّت رائحة الوجود أزلاً وأبداً»(1) و«إنّ العالم غيبٌ ما ظهر قطّ ، واللّه ظاهر ما غاب قطّ»(2) ما ذكره هذا الفاضل؟! أو لكلام أمير المؤمنين عليه السلام - مع كمال لطافته - هذا التوجيه الركيك؟! بل مقصودهم كسر الأصنام ومحو الأوهام وترك الغير ورفض الشرك مطلقاً .

ص: 18


1- اُنظر فصوص الحكم: 76؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 548.
2- اُنظر جامع الأسرار: 163؛ كلمات مكنونه: 5.

الفصل الرابع: في الجوهر والعرض على طريقة أهل اللّه

اشارة

الفصل الرابع [14] في الجوهر والعرض على طريقة أهل اللّه

[شرح فصوص الحكم: 75 ؛ و(ط - الحجري) ص 22]

[14] قوله : «في الجوهر والعرض...» إلى آخره.

والجوهر هو الوجود المنبسط والظهور القيّومي من الحضرة الإلهية ، وهو ظلّ الفيض الأقدس الأحدي أو الاسم الأعظم بالوجهة الغيبية الأحدية .

والأعراض تعيّنات الفيض القيّومي من العقل إلى الهيولى ، ظلّ التعيّنات الأسمائية في الحضرة الواحدية .

والجواهر دائماً مكتنفات بالتعيّنات العرضية ، وهي محجوبة بها ومختفية تحت أستارها ، كما أنّ الفيض الأقدس الأحدي محجوب بالأسماء الإلهية وتحت أستارها .

والاسم هو الجوهر المكتنف بالأعراض في العين والفيض الأحدي المكتنف بالتعيّنات الأسمائية . وما يقال : إنّ الاسم هو الذات مع تجلٍّ من تجلّياته(1) ، فليس عندي بمقبول إن أرادوا بها الذات من حيث هي .

وهاهنا تفصيل وتطويل ليس المقام مقام ذكره .

* * * * * * * *

ص: 19


1- شرح فصوص الحكم، القيصري: 44.
تنبيه: بلسان أهل النظر

[15] تنبيه بلسان أهل النظر

اعلم أنّ الممكنات منحصرة في الجواهر والأعراض .

[شرح فصوص الحكم: 77 ؛ و(ط - الحجري) ص 24]

[15] قوله : «تنبيه بلسان أهل النظر».

لا يخفى : أنّ ما ذكره في هذا التنبيه مخالف لما ذهب إليه أهل النظر في باب الجواهر الجنسية والنوعية ، وكذلك في الأعراض العامّة والخاصّة ؛ فإنّ اختلاف الجواهر الجنسية بالجواهر الفصلية عند أهل النظر(1) لا بالأعراض الكلّية كما قال.

بالجملة : كلّ ما ذكره مخالف للتحقيق عند أهل النظر ، كما هو واضح .

* * * * * * * *

خاتمة : في التعيّن

خاتمة : [16] في التعيّن

اعلم أنّ التعيّن ما به امتياز الشيء عن غيره بحيث لا يشاركه فيه غيره .

[شرح فصوص الحكم: 81 ؛ و(ط - الحجري) ص 26]

[16] قوله : «في التعيّن».

اعلم : أنّ الذات من حيث هي لا تعيّن لها أصلاً ؛ فإنّ التعيّن من آثار التجلّيات

ص: 20


1- اُنظر الحكمة المتعالية 2: 25 - 41.

الأسمائية . فأوّل التعيّنات هو التعيّن بالأسماء الذاتية في الحضرة الأحدية الغيبية ، وبهذا يمتاز الحضرة الأحدية عن الحضرات الاُخر . ثمّ بهذا التعيّن صارت مبدءاً للتجلّي الأسمائي ، فوقع التجلّيات الأسمائية في الحضرة العلمية ؛ فتعيّن كلّ اسم بمقامه الخاصّ به .

والتعيّن قد يكون وجودياً كالتعيّن بالأسماء الجمالية ، وقد يكون عدمياً كالتعيّن بالأسماء الجلالية ، وقد يكون مركّباً ، بل كلّ التعيّنات لها شائبة التركيب ؛ فإنّ تحت كلّ جمال جلال وبالعكس .

وأيضاً قد يكون التعيّن فردياً كالتعيّن بالأسماء البسيطة ، وقد يكون جمعيّاً ، والجمعي قد يكون محيطاً وقد لا يكون . وما يكون له أحدية جمع التعيّنات هو الاسم الأعظم والإنسان الكامل .

* * * * * * * *

ص: 21

الفصل الخامس: في بيان العوالم الكلّية والحضرات الخمس الإلهية

اشارة

الفصل الخامس في بيان العوالم الكلّية [17] والحضرات الخمس الإلهية

[شرح فصوص الحكم: 89 ؛ و(ط - الحجري) ص 27]

[17] قوله : «والحضرات الخمس».

يقال لها : «الحضرة» باعتبار حضورها في المظاهر وحضور المظاهر لديها ؛ فإنّ العوالم محاضر الرُبوبية ومظاهرها . ولذا لا يطلق على الذات من حيث هي : «الحضرة» ؛ لعدم ظهورها وحضورها في محضر من المحاضر وفي مظهر من المظاهر .

وأمّا المقام الغيب الأحدي فله الاسم والمظهر والظهور حسب الأسماء الذاتية والرابطة الغيبية الأحدية بينها وبين الموجودات بالسرّ الوجودي الغيبي . وسيأتي بيان الحضرات على مشربنا العرفاني(1) .

* * * * * * * *

وأوّل الحضرات الكلّية حضرة الغيب المطلق ، [18] وعالمها عالم الأعيان الثابتة في الحضرة العلمية ؛ وفي مقابلتها حضرة الشهادة المطلقة وعالمها عالم الملك وحضرة الغيب المضاف ؛ وهي ينقسم إلى ما يكون أقرب من الغيب المطلق وعالمه عالم الأرواح

ص: 22


1- راجع: التعليقة التالية.

الجبروتية والملكوتية ؛ أعنى عالم العقول والنفوس المجرّدة ، وإلى ما يكون أقرب من الشهادة وعالمه عالم المثال .

[شرح فصوص الحكم: 90 ؛ و(ط - الحجري) ص 28]

[18] قوله : «وعالمها عالم الأعيان» .

ما ذكره الشارح من ترتيب العوالم لم يكن مطابقاً للذوق العرفاني ، بل أوّل الحضرات حضرة الغيب المطلق ؛ أي حضرة أحدية الأسماء الذاتية ، وعالمها هو السرّ الوجودي الذي له الرابطة الخاصّة الغيبية مع الحضرة الأحدية . ولا يعلم أحدٌ كيفية هذه الرابطة المكنونة في علم غيبه . وهذا السرّ الوجودي أعمّ من السرّ الوجودي العلمي الأسمائي ، والعيني الوجودي .

وثانيها : حضرة الشهادة المطلقة ، وعالمها عالم الأعيان في الحضرة العلمية والعينية .

وثالثها : حضرة الغيب المضاف الأقرب إلى الغيب المطلق ، وهي الوجهة الغيبية الأسمائية ، وعالمها الوجهة الغيبية الأعيانية .

ورابعها : حضرة الغيب المضاف الأقرب إلى الشهادة ، وهي الوجهة الظاهرة الأسمائية ، وعالمها الوجهة الظاهرة الأعيانية .

وخامسها : أحدية جمع الأسماء الغيبية والشهادية ، وعالمها الكون الجامع .

وهاهنا بيان آخر لترتيب الحضرات والعوالم لا مجال لذكره .

* * * * * * * *

ص: 23

تنبيه

فالعقل الأوّل والنفس الكلّية اللتان [19] هما صورتا اُمّ الكتاب - وهي الحضرة العلمية - كتابان إلهيان .

[شرح فصوص الحكم: 90 ؛ و(ط - الحجري) ص 28]

[19] قوله : «هما صورتا اُمّ الكتاب».

اعلم : أنّ اُمّ الكتاب كلّها هي الحضرة الاسم اللّه بالتجلّي التامّ الجمعي في الحضرة الواحدية . وأمّا صورة هذا الكتاب الجامع الإلهي فهو مقام الاُلوهية بمقامي الجمع ؛ أي الحضرة الرحمانية والرحيمية .

وكلّ من الرحمانية والرحيمية كتاب جامع إلهي . والأوّل اُمّ الكتاب باعتبار ، والثاني الكتاب المبين . وأمّا كتاب المحو والإثبات فهو مقام الفيض المطلق المنبسط بالوجهة الخلقية .

وإن شئت قلت : الوجهة اليلي الحقّي [هو] اُمّ الكتاب لا يتغيّر ولا يتبدّل ، والوجهة اليلي الخلقي هو كتاب المحو والإثبات . وكيفية المحو والإثبات على المشرب العرفاني هي إيجاد جميع الموجودات باسمه «الرحمان» و«الباسط» ، وإعدامها باسمه «المالك» و«القهّار» . ففي كلّ آنٍ يكون الإعدام والإيجاد على سبيل الاستمرار :

عنكبوتان مگس قديد كنند***عارفان هر دمى دو عيد كنند(1)

ص: 24


1- حديقة الحقيقة: 369 .

وبهذا يظهر سرّ الحدوث الزماني في جميع مراتب الوجود عند أهل المعرفة ، فتدبّر .

* * * * * * * *

وما ذكر من الكتب إنّما هي اُصول الكتب الإلهية . وأمّا فروعها [20] فكلّ ما في الوجود ؛ من العقل والنفس والقوى الروحانية والجسمانية وغيرها .

[شرح فصوص الحكم: 91 ؛ و(ط - الحجري) ص 28]

[20] قوله : «فكلّ ما في الوجود...» إلى آخره .

عند التحقيق العرفاني كلّها كتب جامعة فيها مسطور كلّ الأحكام الإلهية ، كما أنّ الأسماء باعتبار كلّها جامعة لجميع الأسماء وهو جهة استهلاكها في أحدية جمع الجمع ، كما اُشير إليه في الدعاء : «اللهمّ إنّي أسألك من أسمائك بأكبرها، وكلّ أسمائك كبيرة»(1) .

فباعتبار ظهور الكثرة للأسماء [الأسماء] أعظم وغير أعظم والكتب بعضها جامعة وبعضها غير جامعة ، وباعتبار اضمحلالها في الجمع الأحدي كلّها أعظم وجامع .

* * * * * * * *

ص: 25


1- إقبال الأعمال: 77؛ بحار الأنوار 95: 94 - 95.

الفصل السادس: فيما يتعلّق بالعالم المثالي

الفصل السادس فيما يتعلّق بالعالم المثالي

وكما أنّ النوم ينقسم بأضغاث أحلام وغيرها ، [21] كذلك ما يرى في اليقظة ينقسم إلى اُمور حقيقية محضة واقعة في نفس الأمر ، وإلى اُمور خيالية صرفة .

[شرح فصوص الحكم: 100 ؛ و(ط - الحجري) ص 32]

[21] قوله : «كذلك ما يرى في اليقظة».

اعلم : أنّ الميزان في مشاهدة الصور الغيبية هو انسلاخ النفس عن الطبيعة والرجوع إلى عالمها الغيبي ، فيشاهد أوّلاً مثالها المقيّد ، وبعده المثال المطلق إلى الحضرة الأعيان بالتفصيل الذي يشير إليه المصنّف .

والانسلاخ قد يكون في النوم عند استراحة النفس عن التدبيرات البدنية ، فبقدر صفاء النفس يتّصل بالعوالم الغيبية فيشاهد الحقائق الغيبية . فعند ذلك يتمثّل تلك الحقيقة في مثالها حسب عادات النفس ومأنوساتها ، فيحتاج إلى التعبير .

فكذلك ما وقع عند اليقظة لأهل السلوك من المشاهدات ، إلاّ أنّ الكمّل - مثل الأنبياء علیهم السلام - يمثّلون الحقائق في مثالهم حسب اختيارهم ، ومن المثال ينزّلونها إلى المُلك لخلاص المسجونين في عالم الطبيعة . فتنزّل الملائكة في عالمهم

ص: 26

المثالي والملكي حسب قوّة روحانيتهم وكمالها .

فروحانية النبيّ هي المنزّلة للملائكة الروحانية في المثال وفي الملك . ولا ينافي ذلك ما حدث لهم من الاضطراب وشبه الإغماء عند نزول الوحي ؛ فإنّ ضعف أجسامهم الشريفة عن تحمّل ظهور الأرواح المجرّدة فيها غير قوّة مقام الروحانية والجنبة الإلهية الوَلَوية .

* * * * * * * *

الفصل السابع: في مراتب الكشف وأنواعها إجمالاً

الفصل السابع في مراتب الكشف وأنواعها إجمالاً

[22] قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : «رأيت أ نّي أشرب اللبن؛ حتّى خرج الريّ من أظافيري، فأعطيت فضلي عمر، فأوّلت ذلك بالعلم» .

[شرح فصوص الحكم: 108 ؛ و(ط - الحجري) ص 34]

[22] قوله : «قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم».

لعلّ هذا الحديث مضمونه شاهد على صدقه ؛ فإنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله - حيث يكون حقيقة الاسم الأعظم والمرآة الأتمّ لا يمكن أن يفضل منه ما هو من سنخ العلم .

* * * * * * * *

ص: 27

الفصل التاسع: في بيان خلافه الحقيقة المحمدية(صلی الله علیه وآله وسلم)

الفصل التاسع في بيان خلافة الحقيقة المحمدية(صلی الله علیه وآله وسلم) وأ نّها قطب الأقطاب

فاعلم : أنّ تلك الحقيقة [23] هي التي تربّ صور العالم كلّها بالربّ الظاهر فيها ، الذي هو ربّ الأرباب .

[شرح فصوص الحكم: 127 ؛ و(ط - الحجري) ص 39]

[23] قوله : «هي التي تربّ صور العالم».

اعلم : أنّ لكلّ موجود جهة ربوبية ، هي ظهور الحضرة الربوبية فيه ، وكلّ تأثير وفاعلية وإيجاد في العالم فهو من الربّ الظاهر فيه ، فلا مؤثّر في الوجود إلاّ اللّه .

إلاّ أنّ المرائي مختلفة في ظهور الربوبية . فربّ مرآة ظهر فيها الربوبية المقيّدة المحدودة على حسب مرتبتها من المحيطية والمحاطية حتّى تنتهي إلى المرآة الأتمّ الأحمدية التي لها الربوبية المطلقة والخلافة الكلّية الإلهية أزلاً وأبداً .

فجميع دائرة الخلافة والولاية من مظاهر خلافته الكبرى ، وهو الأوّل والآخر والظاهر والباطن ، وجميع الدعوات دعوات إليها ، وهي مرجع الكلّ ومصدره ، ومبدأ الكلّ ومنتهاه )وَ اللّه ُ مِن وَرَائِهِم مُحِيطٌ((1) .

* * * * * * * *

ص: 28


1- البروج (85): 20.

الفصل الثاني عشر: في النبوّة والرسالة والولاية

الفصل الثاني عشر [24] في النبوّة والرسالة والولاية

[شرح فصوص الحكم: 145 ؛ و(ط - الحجري) ص 45]

[24] قوله : «في النبوّة».

اعلم : أنّ العبد السالك إلى اللّه بقدم العبودية إذا خرج من بيت الطبيعة مهاجراً إلى اللّه ، وجذبه الجذبات الحبّية السرّية الأزلية ، وأحرق تعيّنات نفسيّته بقبسات نار اللّه من ناحية شجرة الأسماء الإلهية ، فقد يتجلّى عليه الحقّ بالتجلّي الفعلي النوري أو الناري أو البرزخي الجمعي ، حسب مقامه في الحضرة الفيض الأقدس .

ففي هذا التجلّي يرى بعين المشاهدة من منتهى نهاية عرش الشهود إلى غاية قصوى غيب الوجود تحت أستار تجلّياته الفعلية ، فيفنى عين العالم في التجلّي الظهوري عنده .

فإذا تمكّن في المقام واستقام وذهب عنه التلوين يصير الشهود تحقّقاً في حقّه، فيصير اللّه سمعه وبصره ويده، كما في الحديث(1). وهذا حقيقة قرب النوافل.

فيصير العبد مُخلعاً بخلعة الولاية ، فيكون حقّاً في صورة الخلق ، فيظهر فيه

ص: 29


1- الكافي 2: 263 / 8؛ عوالي اللآلي 4: 103؛ المسند، أحمد بن حنبل 6: 256؛ صحيح البخاري 8: 483 / 1367.

باطن الربوبية - التي هي كنه العبودية - ويصير العبودية باطنه . وهذا أوّل منازل الولاية ، واختلاف الأولياء في هذا المقام . والمقامات الاُخر حسب اختلاف الأسماء المتجلّية عليهم .

فالوليّ المطلق مَن ظهر عن حضرة الذات بحسب المقام الجمعي والاسم الجامع الأعظم ربّ الأسماء والأعيان . فالولاية الأحمدية الأحدية الجمعية مظهر الاسم الأحدي الجمعي ، وسائر الأولياء مظاهر ولايته ومحالّ تجلّياته . كما أنّ النبوّات كلّها مظاهر نبوّته ، وكلّ دعوة دعوة إليه ، بل دعوته .

فكما أن لا تجلّي أزلاً وأبداً إلاّ التجلّي بالاسم الأعظم وهو المحيط المطلق الأزلي الأبدي ، كذلك لا نبوّة ولا ولاية ولا إمامة إلاّ نبوّته وولايته وإمامته ، وسائر الأسماء رشحات الاسم الأعظم وتجلّياته الجمالية والجلالية ، وسائر الأعيان رشحات العين الأحمدي وتجلّيات نوره الجمالي والجلالي واللطفي والقهري .

فاللّه تعالى هو الهو المطلق ، وهو صلّى اللّه عليه وآله الوليّ المطلق ، ونحن - بحمد اللّه وحسن توفيقه - أفردنا رسالة(1) عزيزة في هذا المقصد الأسنى والمقصود الأعلى ، والصلاة عليه وآله .

* * * * * * * *

ص: 30


1- مراده من هذه الرسالة كتاب «مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية».

شرح فصوص الحكم

اشارة

ص: 31

ص: 32

شرح مقدّمة فصوص الحكم

اشارة

ولمّا كان «الحمد» و«الثناء» مترتّباً على الكمال ، ولا كمال إلاّ للّه ومن اللّه ، كان الحمد للّه خاصّة ؛ وهو قولي وفعلي وحالي . أمّا القولي : [25] فحمد اللسان وثناؤه عليه بما أثنى به الحقّ على نفسه على لسان الأنبياء عليهم السلام .

وأمّا الفعلي : فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاءً لوجه اللّه تعالى وتوجّهاً إلى جنابه الكريم .

وأمّا الحالي : فهو الذي يكون بحسب الروح والقلب ، كالاتّصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلّق بالأخلاق الإلهية .

[شرح فصوص الحكم: 289 ؛ و(ط - الحجري) ص 47]

[25] قوله : «فحمد اللسان».

اعلم : أنّ الحمد هو إظهار كمال المحمود وإعلان محامده ، فالقولي منه ظاهر .

وأمّا الفعلي والحالي فليسا كما ذكره الشارح الفاضل ؛ فإنّ الإتيان بالأعمال

ص: 33

ابتغاءً لوجه اللّه ليس حمداً ، بل الحمد الفعلي عبارة عن إظهار كمال المحمود بالعمل .

فالعبادات والخيرات باعتبار أ نّها إظهار كماله والثناء على ذاته وأسمائه وصفاته حمد له تعالى ، إلاّ أنّها مختلفة في باب الحمد والثناء :

فربّ عبادة أ نّها ثناء الأسماء الجمالية أو الجلالية ، واللطفية أو القهرية . فقد تكون ثناء اللّه بحسب مقامه الجامع واسمه الأعظم ، كالصلاة التي لها مقام الجامعية ، وفيها الفناءات الثلاثة ، ولهذا اختصّت بأنّها عبادة ليلة المعراج الذي هو مقام القرب الأحمدي الأحدي المحمّدي ، واختصّت بثناء اللّه تعالى نفسه بها ، كما ورد عن جبرئيل - عليه السلام - أ نّه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «إنّ ربّك يصلّي»(1) .

فعلى هذا : يكون كلّ العبادات والخيرات باعتبار إظهار المحامد حمداً ، بل كلّ الملكات الفاضلة باعتبار إظهار محامد اللّه حمداً .

وقس على ذلك : الحالي من الحمد ، لا كما ذكره الشارح .

* * * * * * * *

[26] وأمّا حمده ذاته في مقامه الجمعي الإلهي قولاً ، فهو ما نطق به في كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية .

[شرح فصوص الحكم: 291 ؛ و(ط - الحجري) ص 48]

[26] قوله : «وأمّا حمده ذاته في مقامه الجمعي».

ص: 34


1- الكافي 1: 443 / 13؛ بحار الأنوار 18: 306 / 13.

أقول : ليس ما ذكر حمده في مقامه الجمعي الإلهي ، بل هو حمده في مرآته التفصيلية ، كما أنّ سمع وبصر العباد سمعه وبصره في المرآة التفصيلية ، إلاّ أنّ القرآن له المقام الجمعي في ليلة القدر الجمعي الأحمدي ، وسائر الكتب الإلهية لها المقام التفريقي في الليالي التفريقية .

وأمّا حمده ذاته في مقامه الجمعي الإلهي بحسب القول والفعل - بل والحال - فواحد ذاتاً مختلف بحسب تكثير الأسماء والصفات .

فالتجلّي الأسمائي بالفيض المقدّس قولي باعتبار شقّ أسماع الممكنات والأعيان ، وفعلي باعتبار إظهار كماله وجماله وجلاله ، وحالي باعتبار استهلاكه في حضرة الأسماء والصفات والذات .

والتجلّي بالفيض الأقدس قولي باعتبار شقّ أسماع الأسماء ، وفعلي باعتبار إظهار ما في السرّ الأحدي من الأسماء الذاتية ، وحالي وهو معلوم .

فهو تعالى حامد بلسان الذات ومحموده الذات ، وحامد بلسان الأسماء ومحموده الذات والأسماء ، وحامد بلسان الأعيان ومحموده هما مع الأعيان . وكلّها في الحضرة الجمعية والتفصيلية ، بل كلّها حامد ومحمود حتّى أنّ الذات حامد الأسماء والأعيان ، كما لا يخفى على اُولي الأبصار والقلوب .

* * * * * * * *

والسالك على الطريق الثاني - [27] وهو الطريق الأقرب - هو الذي يقطع الحُجب بالجذبات الإلهية .

[شرح فصوص الحكم: 298 ؛ و(ط - الحجري) ص 51]

ص: 35

[27] قوله : «وهو الطريق الأقرب».

أقول : ولكن ليس لهذا السلوك ميزان يعرفه أهل السلوك والارتياض ، بل هو سلوك سرّي يحصل بجذبة خاصّة إلهية ، ليس قدم السالك دخيلاً فيها .

وأمّا الطريق الأوّل : فهو الطريق المستقيم الذي ندب إليه الأنبياء عليهم السلام ، ولابدّ للسالك من سلوك الطريق المتعارف ، إلاّ أن يحصل له الجذبة الخاصّة ، فيصير تحت قباب الكبرياء(1) .

ولا يخفى : أنّ ذلك السلوك الذي هو بالجذبة أيضاً بوساطة الأنبياء والكمّل بالوجهة الخاصّة ، وإن لم يكن بناء الدعوة عليه .

* * * * * * * *

وقوله : "الحمد للّه منزّل الحِكَم على قلوب الكَلِم بأحدية الطريق الأمَم [28] من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الاُمَم".

[شرح فصوص الحكم: 289 - 300 ؛ و(ط - الحجري) ص 47 - 51]

[28] قوله : «من المقام الأقدم» متعلّق بقوله : «منزّل الحكم» والمعنى : أنّ تنزيل الحكم - التي هي مقام أحدية الطريق المستقيم على قلوب الكلم - يكون من المقام الأقدم الأحدي بالفيض الأقدس والوجهة الخاصّة الأحدية .

فبهذه الوجهة تكون للحكم أحدية جمعية إلهية . وأمّا بالوجهة الكثرة

ص: 36


1- كشف المحجوب: 70؛ تذكرة الأولياء: 19؛ مرصاد العباد: 127؛ شرح منازل السائرين، الكاشاني: 474؛ مصباح الاُنس: 68.

الأسمائية والدول الواقعة من الحضرة الواحدية فالدول مختلفة باختلاف الأسماء والشرائع ، متكثّرة بتكثّر الحقائق الغيبية الأسمائية .

وصاحب المقام الأقدم الأحد في التجلّي الأقدس ومقام جمع الأسمائي في الحضرة الواحدية هو النبي الختمي الذي له الأوّلية والآخرية والظاهرية والباطنية .

وممّا ذكرنا يسقط كثير من كلمات الشارح الفاضل .

وعلى ذلك : يمكن أن يكون «الاُمم» في قوله : «لاختلاف الاُمم» هي الاُمم الأسمائية ، و«الملل والنحل» هما اللذان في الحضرة الأعيان .

* * * * * * * *

وإمداد النبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - الهمم من خزائن الجود والكرم الذي للحضرة الإلهية ، إنّما هو لقطبيته وخلافته ؛ [29] فالخزائن للّه والتصرّف لخليفته .

[شرح فصوص الحكم: 304 ؛ و(ط - الحجري) ص 52]

[29] قوله : «فالخزائن للّه والتصرّف لخليفته».

والخليفة يتصرّف في ملك المستخلف له بما شاء . وتلك الخلافة لا تحصل إلاّ بعد تصرّف الحقّ في العبد بما شاء وكما شاء ، وذلك إلى غاية اُفق الفناء .

وإذا فنى عن نفسه ذاتاً وصفةً وفعلاً لا يكون تصرّف ومتصرِّف ومتصرَّف فيه إلاّ من اللّه وللّه وفي اللّه . وإذا أرجعه إلى مملكته وقعت المجازات الإلهية بتصرّف العبد في الخزائن . فبوجهٍ الخزائن للّه والتصرّف للعبد ، وبوجهٍ

ص: 37

الخزائن والتصرّف للّه ، وبوجهٍ هما للعبد ، وبوجهٍ عكس الأوّل ، تدبّر .

* * * * * * * *

[30] قوله : "بالقيل الأقوم" متعلّق ب «الممدّ» ؛ أي ممدّ الهمم بالقول الأصدق الأعدل الذي لا انحراف فيه بوجه من الوجوه .

[شرح فصوص الحكم: 305 ؛ و(ط - الحجري) ص 53]

[30] قوله : «بالقيل الأقوم».

أقول : يحتمل أن يكون متعلّقاً بقوله : «ممدّ الهمم» ؛ أي كلّ همّة من أصحاب القلوب والكمّل بإمداد همّته صلّى اللّه عليه وآله ، بل كلّ همّة ظلّ همّته ومظهر قدرته على القول الأقوم الموافق لذوق أهل المعرفة .

فإنّ كلّ النبوّات والولايات ظلّ نبوّته الذاتية وولايته المطلقة ، ولا يكون دعوة إلاّ إليه ، ولا دعاء إلاّ له ، ولا إحسان إلاّ به ، قال تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)(1) .

فهو صلّى اللّه عليه وآله أحد الأبوين الروحانيين ، وخليفته المتّحد معه في الروحانية أحد الأبوين ، كما قال صلّى اللّه عليه وآله : «أنا وعليّ أبوا هذه الاُمّة»(2) . وهذا أحد معاني «قضاء الربّ» وأحد معاني «الوالدين» .

ويحتمل : أن يكون متعلّقاً بقوله : «من خزائن الجود والكرم» ؛ أي القول الأقوم الموافق لكشف أهل المعرفة : أنّ تصرّفه وإمداده على الهمم لا يكون إلاّ

ص: 38


1- الإسراء (17): 23 .
2- كمال الدين 1: 261 / 7؛ بحار الأنوار 36: 11 / 12.

من خزائن الجود الإلهي والكرم الربوبي ، ولا يكون له الاستقلال في التصرّف ، بل له الخلافة في جميع العوالم خلافة في الظهور والتصرّف . فبظهوره ظهرت الأسماء من غيب الهوية إلى حضرة الشهادة ، وتصرّفه عين تصرّف [ال] حضرات الأسمائية .

وما ذكرنا أولى ممّا احتمله الشارح الفاضل ، كما لا يخفى .

* * * * * * * *

قوله : "خذه واخرج به إلى الناس" ؛ أي خذه منّي في سرّك وغيبك واخرج به إلى عالم الحسّ والشهادة [31] بتعبيرك إيّاه وتقريرك معناه بعبارة تناسبه وإشارة توافقه ؛ لينتفع به الناس ويرتفع عنهم حجابهم .

[شرح فصوص الحكم: 310 ؛ و(ط - الحجري) ص 54]

[31] قوله : «بتعبيرك إيّاه».

أقول : ليس ما ذكر تعبيراً بل تنزيل ؛ فإنّ ما تلقّاه سرّ أهل المعرفة من الكمّل في الحضرة الغيبية الروحانية لا يكون له صورة مثالية أو ملكية ، فإذا تصوّر في الحضرة الخيالية بصورة مناسبة مثالية يتنزّل من مقامه الأصلي وموطنه الروحاني ، وإذا تصوّر بصورة ملكية يتنزّل مرتبة اُخرى : فالتنزّل من مقام الغيب إلى الشهادة تنزيل ، والرجوع من الشهادة إلى الغيب تعبير في الرؤيا وتأويل في المكاشفة . ومن هذا القبيل تنزيل الكتاب من عند اللّه بحسب المراتب السبع التي للعوالم أو للإنسان الكامل .

ص: 39

فمراتب التنزيل سبعة ، كما أنّ مراتب التأويل سبعة ، وهي بعينها بطون القرآن إلى سبعة أبطن إجمالاً وسبعين تفصيلاً ، بل سبعين ألف ، وباعتبارٍ لا حدّ له يقف عنده .

والعالم بالتأويل من له حظّ من المراتب ، فبمقدار تحقّقه بالمراتب له حظّ من التأويل ، إلى أن ينتهي إلى غاية الكمال الإنساني ومنتهى مراتب الكمالي ، فيصير عالماً بجميع مراتب التأويل . فهو كما يتلو الكتاب من الصحيفة المباركة الحسّية التي بين أيدينا يقرأ من صحيفة عالم المثال وعالم الألواح والأرواح إلى العلم الأعلى إلى الحضرة التجلّي إلى الحضرة العلم إلى الاسم الأعظم ، وهو الراسخ في العلم ، «وإنّما يعرف القرآن من خوطب به»(1) .

* * * * * * * *

[32] "ثمّ بالفهم فصّلوا***مجمل القول واجمعوا"

أي إذا سمعتم وفهمتم معناه وتحقّقتم بعلمه ، فصِّلوا ما فيه من الإجمال ، وفرِّعوا عليه التفاريع المترتّبة عليه . . . .

[شرح فصوص الحكم: 319 ؛ و(ط - الحجري) ص 58]

[32] قوله : «ثمّ بالفهم فصِّلوا / مجمل القول واجمعوا»؛ أي بالذوق الحاصل من تعليم رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله - فصّلوا حقيقة المعارف والتجلّيات الحاصلة للأنبياء العظام - عليهم السلام - في المرائي التفصيلية التي هي الأعيان التابعة لهم ، واجمعوا بإرجاع كلّ كثرة إلى أحدية الجمع .

ص: 40


1- الكافي 8: 312 / 485؛ بحار الأنوار 46: 350 / 2.

أو فصّلوا فصوص الحكم والمعارف الحاصلة للأنبياء علیهم السلام في المرائي

التفصيلية التي هي أنفسكم بالتحقّق بمقامهم ، ثمّ اجمعوا بإرجاع كلّ إلى صاحبه الذي هو النبي صاحب الفصّ المذكور في الكتاب .

وأمّا ما ذكره الشارح الفاضل من التفصيل والإجمال فليس بشيء عند أهل المعارف ، كما لا يخفى .

* * * * * * * *

[33] "ثمّ مُنّوا به على***طالبيه ولا تمنعوا"

أي منّوا بما سمعتم وفهمتم معناه على طالبيه بإرشادهم

وتنبيههم على المعاني المودّعة فيه .

[شرح فصوص الحكم: 320 ؛ و(ط - الحجري) ص 59]

[33] قوله : «ثمّ مُنّوا به على / طالبيه ولا تمنعوا».

وهذه المنّة من المنن المحمودة التي من عطاء اللّه وهدايته .

وميزان المنّة المحمودة والمذمومة : هو أنّ كلّ منّة كانت خالصة من شائبة أنانية النفس واستقلالها وتكون من جهة عطاء اللّه تعالى فهي من المنن المحمودة ، وكلّ منّة تكون للنفس فيها قدم وللأنانية فيها دخالة فهي من المذمومة .

وهذا الكتاب لمّا كان بحسب مكاشفة الشيخ من عطيّات رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ومنحه ، وهي بعينها عطيّات اللّه تعالى تكون هداية الطالبين وإرشاد المسترشدين إليه ، من هذه الحيثية من المنن الممدوحة بشرط خلوص الهادي المرشد عن

ص: 41

شائبة تصرّف النفس والشيطان ، أعاذنا اللّه منهما وجميع الطالبين .

* * * * * * * *

[34] "هذه الرحمة التي***وسعتكم فوسِّعوا"

أي هذه الأسرار والمعاني التي فاضت عليكم من اللّه رحمة منه عليكم ، وسعتكم وشملتكم ، فوسِّعوا أنتم أيضاً تلك الرحمة على الطالبين .

[شرح فصوص الحكم: 321 ؛ و(ط - الحجري) ص 59]

[34] قوله : «هذه الرحمة» يحتمل أن يكون مفعولاً لقوله : «لا تمنعوا» ؛ أي لا تمنعوا هذه الرحمة التي وسعتكم ، فوسّعوها شكراً وامتناناً . ويحتمل أن يكون مفعولاً لقوله : «فوسّعوا».

وظاهر كلام الشارح : أنّ «هذه» مبتدأ وخبرها «الرحمة» ، وهو بعيد .

* * * * * * * *

قوله : [35] "فأوّل ما ألقاه المالك على العبد من ذلك" مبتدأ ، خبره قوله : "فصّ حكمة إلهية في كلمة آدمية" .

[شرح فصوص الحكم: 322 ؛ و(ط - الحجري) ص 60]

[35] قوله : «فأوّل ما ألقاه...» إلى آخره .

لمّا كان الحقّ - تعالى شأنه - بمقام مالكيته يتصرّف في قلوب الأولياء والكمّل الذين خرجوا عن العالمين الذين هم تحت التربية الإلهية ، ويكون هذا

ص: 42

التصرّف المالكي بالتجلّيات الإلهية والجذبات الباطنية من الحضرة الغيبية والأسماء الباطنة ، ويكون قلب العارف في هذا المقام مملوكاً للمولى غير متصرّف فيه غيره ، قال الشيخ : «أوّل ما ألقاه المالك على العبد» .

ف «الربّ» من الأسماء الظاهرة الجمالية وهو مختصّ بالعالمين ، و«المالك» من الأسماء الباطنة الجلالية وهو مختصّ بالعباد المجذوبين الفانين .

قال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(1) ؛

فالربوبية للعالمين ، والمالكية ليوم الدين وهو يوم التجلّي التامّ الواحدي ، قال : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ للّه ِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)(2) .

* * * * * * * *

[36] ولا يجوز أن يقال : المراد ب «المالك» هو الحقّ وب «العبد» هو النبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - ؛ لما يلزم من إساءة الأدب وإن كان عبداً له ورسولاً منه .

[شرح فصوص الحكم: 322 ؛ و(ط - الحجري) ص 60]

[36] هذا من سوء الأدب على اللّه ، بل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ؛ فإنّ العبودية من أعظم افتخارات النبيّ صلّى اللّه عليه وآله .

* * * * * * * *

ص: 43


1- الفاتحة (1): 1 - 3 .
2- الغافر (40): 16.

[37] ومعنى «الحكمة» ما ذكر من أنّها علم بحقائق الأشياء على ما هي عليه ، وعمل بمقتضاه .

[شرح فصوص الحكم: 323 ؛ و(ط - الحجري) ص 60]

[37] قوله : «ومعنى الحكمة...» إلى آخره .

أقول : ليس معنى الحكمة في لسان أهل اللّه ما ذكره الشارح ، وليست الحكمة الفائضة على الأنبياء علیهم السلام ما ذكرها ، بل الحكمة عبارة عن معرفة اللّه وشؤونه الذاتية وتجلّياته الأسمائية والأفعالية في الحضرة العلمية والعينية بالمشاهدة الحضورية والعلم بكيفية المناكحات والمراودات والنتائج الإلهية في الحضرات الأسمائية والأعيانية بالعلم الحضوري .

ويمكن أن يكون الحكمة هي العلم بكمال الجلاء والاستجلاء ؛ فإنّ كمال الجلاء ظهور الحقّ في المرآة الأتمّ ، وكمال الاستجلاء شهوده نفسه فيها ، فتدبّر .

* * * * * * * *

ص: 44

فصّ حكمة إلهية في كلمة آدمية

والمراد بقوله : "أعيانها" يجوز أن يكون الأعيان الثابتة التي هي صور حقائق الأسماء الإلهية في الحضرة العلمية ، ويجوز أن يكون نفس تلك الأسماء التي هي أرباب الأعيان والماهيات الكونية ، [38] ويجوز أن يكون تلك الأعيان الأعيان الخارجية .

[شرح فصوص الحكم: 328 ؛ و(ط - الحجري) ص 61]

[38] قوله : «ويجوز أن يكون تلك الأعيان».

لا يجوز أن يكون المراد بالأعيان الأعيان الخارجية ولا الأعيان الثابتة ؛ فإنّ غاية الخلقة والتجلّي لا تكون غير الذات والأسماء ، وأيضاً الأعيان هي المرآة للتجلّيات لا عينها . وهذا موافق للحديث القدسي : «كنت كنزاً مخفيّاً فأحببتُ أن اُعرف»(1) ؛ أي أحببت أن اُعرف ذاتي بمقام الكنزية التي هي مقام الواحدية التي فيها الكثرة الأسمائية المختفية ، «فخلقت الخلق لكي» أتجلّى من الحضرة

ص: 45


1- مشارق أنوار اليقين: 139؛ مفاتيح الغيب: 293؛ كلمات مكنونه: 33؛ أسرار الحكم: 82.

الأسمائية إلى الأعيان الخلقية و«اُعرف» نفسي في المرائي التفصيلية .

* * * * * * * *

قوله : "بين ما يرجع من ذلك [39] إلى الجناب الإلهي ، وإلى جانب حقيقة الحقائق ، وفي النشأة الحاملة لهذه الأوصاف إلى ما يقتضيه الطبيعة الكلّية" .

[شرح فصوص الحكم: 342 ؛ و(ط - الحجري) ص 68]

[39] قوله : «إلى الجناب الإلهي»؛ أي إنّ زعم القوى لنفسها الجمعية الإلهية ناشٍ :

إمّا من ظهور الحضرة الإلهية الأسمائية فيها بمقامها الجمعية الإلهية وأحدية الجمع الاستهلاكي ؛ فإنّ كلّ موجود من هذا الوجه له الجمعية . وأمّا ما ذكره الشارح من «الوجه الخاصّ» فهو مختصّ بالمقام الأحدي ، كما قال تعالى : (مَا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)(1) .

وإمّا من ظهور حضرة حقيقة الحقائق الجامعة لجميع الحقائق فيها . وحقيقة الحقائق عبارة عن التجلّي العيني القيّومي بالمقام الجمعي الأحدي الاستهلاكي . وهذا هو مقصود الشيخ من «الجوهر» في كتاب «إنشاء الدوائر»(2) لا ما ذكره الشارح ، كما لا يخفى على من اطّلع على اصطلاحهم في الجوهر والعرض .

وإمّا من ظهور الطبيعة الكلّية فيها وحظّها منها ، والطبيعة الكلّية مظهر حضرة

ص: 46


1- هود (11): 56.
2- اُنظر إنشاء الدوائر: 20 - 24.

القابل المربوط بالفيض الأقدس في المقام الجمعي .

ثمّ اعلم : أنّ الجمعية الإلهية من هذه الوجوه ، ومن الوجه الأحدي غير المذكور في الكتاب ليست ميزان الخلافة الإلهية والمنصب العالي ؛ فإنّ هذه لكلّ موجود دانٍ أو عالٍ ، والتي هي ميزان الخلافة والولاية ما يكون بالطريق المستقيم ، وظهور الكثرات الأسمائي على ميزان الاعتدال ، وليس المقام مقام شرح الحال . والقوى لمّا حجبت عن ذاك المقام زعمت ما زعمت .

* * * * * * * *

[40] وقال أبوبكر - رض - : «العجز عن درك الإدراك إدراك» .

[شرح فصوص الحكم: 346 ؛ و(ط - الحجري) ص 70]

[40] قوله : «وقال أبو بكر».

أقول : ليس العجز عن درك الإدراك إدراكاً ، بل إدراك العجز الكذائي إدراك ، كما يقال : غاية عرفان أهل المعرفة إدراك العجز عنها . ولعلّه سمع شيئاً ولم يحفظه ، فقال ما قال .

* * * * * * * *

"فسمّي هذا المذكور إنساناً وخليفة . [41] فأمّا إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلّها . وهو للحقّ بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر ، وهو المعبّر عنه بالبصر ، فلهذا سمّي إنساناً" .

[شرح فصوص الحكم: 348 ؛ و(ط - الحجري) ص 70]

ص: 47

[41] قوله : «فأمّا إنسانيته...» إلى آخره .

لمّا فهم الشارح من كلام الشيخ وجهين للتسمية ، تكلّف في الوجه الأوّل بما تكلّف ، ولكنّ الظاهر من كلامه : أنّ الوجه في تسميته إنساناً أنّه من الحقّ بمنزلة إنسان العين منها . وقوله : «فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلّها» توطئة ومقدّمة للمقصد .

وحاصل كلام الشيخ : أنّ الإنسان لمّا كان نشأته عامّة لجميع شؤون الأسمائي والأعياني حاصرة للحقائق الإلهية والكونية ، يكون مرآةً لشهود الحقائق كلّها ، ويكون منزلته من الحقّ في رؤية الأشياء منزلة إنسان العين من العين ، ولهذا سمّي إنساناً . فالإنسان الكامل كما أنّه مرآة شهود الحقّ ذاته - كما أفاد الشيخ سابقاً - (1) مرآة شهوده الأشياء كلّها .

* * * * * * * *

[42] وكما أنّ إنسان العين هو المقصود والأصل من العين - إذ به يكون النظر ومشاهدة عالم الظاهر الذي هو صورة الحقّ - كذلك الإنسان هو المقصود الأوّل من العالم كلّه ؛ إذ به يظهر الأسرار الإلهية والمعارف الحقيقية المقصودة من الخلق .

[شرح فصوص الحكم: 349 ؛ و(ط - الحجري) ص 71]

[42] قوله : «وكما أنّ إنسان العين».

ليس مقصود الشيخ ما ذكره الشارح ؛ فإنّه على ذلك تمثيل بعيد ، بل منظوره :

ص: 48


1- اُنظر فصوص الحكم: 48 - 49؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 325 - 339.

أنّ الإنسان مرآة مشاهدة الأشياء ، فالحقّ به ينظر إلى الخلق ، كما أنّ العين بإنسانها ينظر إلى الموجودات . وأمّا ما ذكره من كونه إشارة إلى نتيجة قرب الفرائض فحقّ . وأمّا نتيجة قرب الفرائض والنوافل فليست كما ذكرها ، بل الفناء الذاتي أيضاً من قرب النوافل . والتفصيل لا يليق بالمقام .

* * * * * * * *

ولا شكّ أنّ الجسد لا يتمّ كماله إلاّ بروحه التي تدبّره وتحفظه من الآفات . [43] وإنّما تأخّر نشأته العنصرية في الوجود العيني ؛ لأنّه لمّا جعلت حقيقته متّصفة بجميع الكمالات جامعة لحقائقها ، وجب أن يوجد الحقائق كلّها في الخارج قبل وجوده .

[شرح فصوص الحكم: 355 ؛ و(ط - الحجري) ص 72]

[43] قوله : «وإنّما تأخّر نشأته العنصرية».

أقول : تأخّره باعتبار كونه الأرض السابعة وأسفل السافلين . فلمّا وقع في الحجب كلّها ، أمكن له خرقها . فهو آخر الآخرين كما هو أوّل الأوّلين ، فله الرجوع إلى نهاية النهايات وغاية الغايات . فهو المتنزّل من غيب الهوية إلى الشهادة المطلقة ، فهو ليلة القدر وله الخروج من جميع الحجب بظهور يوم القيامة فيه ، فهو يوم القيامة ، فاستتار نور الأحدي في تعيّن الأحمدي ليلة القدر .

ولعلّ قوله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(1) إشارة إليه على بعض البطون وطلوع نوره تعالى من وراء حجابه الأقرب يوم القيامة .

ص: 49


1- القدر (97): 1.

ولعلّ قوله تعالى :(سَلاَمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(1) إشارة إلى ذلك ، فهو صلی الله علیه و آله وسلم على سلامة من تصرّف الشيطان وقذارات الشرك وغلبة الوحدة على الكثرة ، والكثرة على الوحدة في تمام ليلة القدر إلى مطلع الفجر من يوم القيامة .

* * * * * * * *

وذلك المرور إنّما هو لتهيئة استعداده للكمالات اللائقة به ، ولاجتماع ما فصّل من مقام جمعه من الحقائق والخصائص فيه ، [44] وللإشهاد والاطّلاع على ما اُريد أن يكون خليفة عليه .

[شرح فصوص الحكم : 357 ؛ و(ط - الحجري) ص 73]

[44] قوله : «وللإشهاد والاطّلاع . . .» إلى آخره .

اعلم : أنّ نزول الخليفة والقطب في مراتب التعيّنات الخلقية وتطوّره بالتطوّرات الأرضية والسماوية لم يصر أسباب احتجابه عن الخلق والحقّ وعن مراتب الوجود .

فالولي والخليفة شاهدان للحضرات الأسمائية والتعيّنات التي هي الأعيان الثابتة في الحضرة العلمية عند كينونتهما فيها من غير احتجاب . وكذلك يشهدان مراتب النزول الأسمائي والأعياني في الحضرة الغيب والشهادة ، إلى أن نزلا إلى الشهادة المطلقة ، فهما ذاكران للمراتب كلّها .

قال بعض أهل الذوق : «إنّ حقيقة المعراج هو التذكّر للأيّام السالفة والأكوان

ص: 50


1- القدر (97): 5 .

السابقة ؛ حتّى ينتهي إلى تذكّر الحضرة العلمية» .

وهذا في تحقيق حقيقة المعراج وإن كان خلاف التحقيق ، لكن التذكّر المذكور حقّ .

* * * * * * * *

فيكون قول اللّه لهم إلقاؤه في قلوبهم المعنى المراد ، وهو جعله خليفة في الأرض من غيرهم ، [45] وقولهم عدم رضاهم بذلك وإنكارهم له الناشئين من احتجابهم برؤية أنفسهم وتسبيحهم عن مرتبة من هو أكمل منهم ، واطّلاعهم على نقائصه دون كمالاته .

[شرح فصوص الحكم: 370 ؛ و(ط - الحجري) ص 78]

[45] قوله : «وقولهم عدم رضاهم...» إلى آخره .

ليس الكلام النفسي منهم مجرّد الرضا ، بل الكلام له حقيقة اُخرى غير العلم والإرادة والكراهة والرضا .

فعند تكثير الأسماء واعتبار مقام الواحدية والكثرة الأسمائية لا يرجع الصفات بعضها إلى بعض ؛ لا الإرادة إلى العلم بالنظام - كما هو المشهور بين الحكماء المحجوبين(1) - ولا السمع والبصر إلى العلم(2) ، ولا العلم

ص: 51


1- الشفاء، الإلهيات: 501 - 509؛ التحصيل: 574 - 581؛ الإشارات والتنبيهات، شرح المحقّق الطوسي 3: 151 و 318؛ الحكمة المتعالية 6: 331 - 334.
2- نقد المحصّل: 287 - 289؛ كشف المراد: 289؛ الحكمة المتعالية 6: 421 - 423.

إليهما(1) ، كما هو رأي الشيخ المقتول شهاب الدين .

فالكلام النفسي في الحضرة العلمية عبارة عن التجلّي الحبّي المظهر للمكنون الغيبي على الحضرات الأعيانية في التجلّي الواحدي ، كما أنّ السمع عبارة عن مقارعة خاصّة بين هذا التجلّي والتجلّي العلمي الحاصل بعده . وليس المقام مقام بسط هذه الحقائق .

* * * * * * * *

وذلك لأنّه اتّصف بالوجود ، [46] والأسماء والصفات لازمة للوجود ، فوجب أيضاً اتّصافه بلوازم الوجود ، وإلاّ لزم تخلّف اللازم عن الملزوم .

[شرح فصوص الحكم: 386 - 387 ؛ و (ط - الحجري) ص 84]

[46] قوله : «والأسماء والصفات لازمة للوجود».

أقول : بل هي عين الوجود في الحضرة الجمعية ومستهلكة في الحضرة الأحدية . ولمّا كان العالم ظهور حضرة الجمع ففيه كلّ الأسماء والصفات بطريق الظهور ، ووزان الوجوب وزان سائر الأسماء والصفات . فالعالم واجب بوجوب ربّه ، كما أنّه حيّ بحياة ربّه ، عالم بعلم ربّه . ففي الخليفة يكون كلّ ما له ، فهي

على صورته .

* * * * * * * *

ص: 52


1- مجموعه مصنّفات شيخ إشراق، حكمة الإشراق 2: 150 و214؛ مجموعه مصنّفات شيخ إشراق، المشارع والمطارحات 1: 488.

[47] "فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا" لأنّ ذواتنا عين ذاته لا مغايرة بينهما إلاّ بالتعيّن والإطلاق ، أو شهدنا نفوسنا فيه ؛ لأنّه مرآة ذواتنا .

[شرح فصوص الحكم: 389 ؛ و(ط - الحجري) ص 85]

[47] أي شهودنا للحقّ شهود أنفسنا ؛ فإنّ الواصل إلى عالم العلم أيضاً يشهد عينه الثابتة في الحضرة العلمية ، فيشهد الحقّ في حجاب عينه الثابتة .

* * * * * * * *

[48] "وليس" ذلك الفارق "إلاّ افتقارنا إليه في الوجود، وتوقّف وجودنا عليه ؛ لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه" .

[شرح فصوص الحكم: 389 ؛ و(ط - الحجري) ص 85]

[48] قوله : «وليس إلاّ افتقارنا إليه».

وهذه الكثرة الافتقارية ليست مثل الكثرات الاُخرى ، بل هي تؤكّد الوحدة وترفع البينونة . ولهذا قال صلی الله علیه و آله وسلم : «الفقر فخري»(1) . فالعالم إذا كان في حجاب نفسه ، يكون مفترقاً وممتازاً بالافتراق البينوني . وإذا خرج عن حجاب نفسه وتعلّق بعزّ قدسه وافتقر وفنى عن ذاته ، رفع الغيرية ، و«إذا تمّ الفقر ، فهو اللّه»(2) أي الهوية له لا لغيره .

ص: 53


1- عوالي اللآلي 1: 39؛ بحار الأنوار 69: 49 و55 .
2- اصطلاحات الصوفية: 104؛ شرح منازل السائرين، الكاشاني: 493.

وهذا الكلام [49] إنّما هو بحسب الدار الآخرة ، وأمّا بحسب الدنيا فهي متناهية .

[شرح فصوص الحكم: 391 ؛ و(ط - الحجري) ص 86]

[49] قوله : «إنّما هو بحسب الدار الآخرة...» إلى آخره .

أقول : ما ذكره الفاضل الشارح في كمال السقوط ؛ فإنّ خراب الدنيا وزوالها لا ينافي بقاء السلطنة الأسمائية في عالم الملك ؛ فإنّ الرحمانية والرحيمية والربوبية والمالكية التي ذكرت في مفتتح كتاب اللّه تعالى من الأسماء المحيطة الدائمة التجلّي .

فكلّما ظهر وانبسط باسمه «الرحمان» ، وهدى إلى الصراط المستقيم باسمه «الرحيم» ، وربّى بأنواع التربية باسمه «الربوبي» ، بطن وقبض باسمه «المالك» ، ثمّ تجلّى باسمه الرحمان إلى الحضرة الشهادة المطلقة ورجع إلى الباطن .

واللّه تعالى كلّ يوم في شأن جديد ولا تكرار في تجلّيه ، والعالم دائماً في الظهور والبطون من الأزل إلى الأبد ، واللّه من ورائهم محيط .

* * * * * * * *

وذلك [50] لأنّ الهيبة قد يكون من الصفات الفعلية ، كما يقول : «هذا السلطان مُهيب» أي له عظمة في قلوب الناس. وقد يكون من الصفات الانفعالية ، كما يقول : «حصل في قلبي هيبة من السلطان» أي دهشة وحيرة من عظمته .

[شرح فصوص الحكم: 393 ؛ و(ط - الحجري) ص 88]

ص: 54

[50] قوله : «لأنّ الهيبة قد يكون من الصفات الفعلية».

أقول : الهيبة ظهور الجلال الإلهي في الحضرة الإنسانية ، وهي دائماً يوجب الدهشة والهيمان والقهر ؛ فإنّ ظهور هيبة السلطان في قلب الرعية يوجب مقهوريتها . فالهيبة دائماً من الصفات الفعلية ، كما أنّ الاُنس ظهور الجمال الإلهي في النشأة الإنسانية .

وفي كلّ جمال جلال ، وفي كلّ جلال جمال ، وفي كلّ عظمة وهيبة اُنس ورحمة ، وفي كلّ اُنس وجمال عظمة وهيبة .

* * * * * * * *

"لكونه الجامع [51] لحقائق العالم ومفرداته" ؛ أي لكون الإنسان جامعاً لحقائق العالم التي هي مظاهر للصفات الجمالية والجلالية كلّها ، وهي الأعيان الثابتة التي للعالم .

[شرح فصوص الحكم: 394 ؛ و(ط - الحجري) ص 88]

[51] قوله : «لحقائق العالم».

الحقائق هي الأعيان والأسماء بأحدية جمعها ، والمفردات هي هما باعتبار الكثرة والتفصيل .

فالإنسان الكامل له أحدية الجمع للأسماء والأعيان . وبهذا المقام له مظهرية الحضرة الأحدية الجامعة ، وله مقام الكثرة التفصيلية ، وبه يكون مظهراً للحضرة الواحدية .

* * * * * * * *

ص: 55

"ووصف الحقّ نفسه [52] بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية ، والنورية وهي الأرواح اللطيفة" .

[شرح فصوص الحكم: 396 ؛ و(ط - الحجري) ص 89]

[52] قوله : «بالحجب الظلمانية...» إلى آخره .

يمكن أن يكون الحجب النورية هي الحضرات الأسمائية التي هي حجاب طلعة الذات ونوريتها باعتبار ظهور الذات فيها وكونها كوجه المرآة الصقيل . وفي هذا الاعتبار الحجب الظلمانية هي الأعيان في النشأة العلمية والواحدية ، وظلمانيتها باعتبار كونها كخلف المرآة .

ولولا الحجب الظلمانية التي هي بمنزلة زيبق خلف المرآة ما ظهر الذات في الحجب الأسمائية ؛ لشدّة نوريتها وكمال فنائها في الذات واضمحلالها تحت قهر كبريائه . فالحقّ ظاهر في الحجب النورية باعتبار الحجب الظلمانية . ويمكن أن يكون الحجب النورية هي ظهور الأسماء في النشأة الظاهرة ، والأعيان الظاهرة الخارجية هي الحجب الظلمانية باعتبار ما ذكرنا ، فاعرف واغتنم .

* * * * * * * *

[53] "فالعالم بين لطيف وكثيف" ؛ أي كما أنّ الحقّ موصوف بالحجب الظلمانية والنورانية ، كذلك العالم موصوف بالكثافة واللطافة .

[شرح فصوص الحكم: 397 ؛ و(ط - الحجري) ص 89]

[53] قوله : «فالعالم بين لطيف وكثيف . . .» إلى آخره . أي العالم لمّا كان بين

ص: 56

لطيف - هو مقام روحانيته - وكثيف - هو مقام جسمانيته - فهو حجاب على نفسه التي هي عينه الثابتة ، فإذا كان هو حجاب نفسه وذاته فلا يدرك نفسه ، فضلاً عن إدراك الحقّ . فلا يدرك الحقّ نحو إدراك الحقّ لنفسه ؛ فإنّه يدرك الحقّ من وراء الحجب ، بل يدرك نفسه من ورائها . أو فلا يدرك الحقّ مثل إدراك نفسه التي هي عينه الثابتة ؛ فإنّ الحجاب بينه وبينها أقلّ من الحجاب بينه وبين الحقّ ، فتدبّر .

* * * * * * * *

[54] "فلا يزال في حجاب لا يُرفَع" ؛ أي فلا يزال العالم في حجاب لا يرفع ؛ بمعنى أ نّه محجوب عن الحقّ بإنيته .

[شرح فصوص الحكم: 398 ؛ و(ط - الحجري) ص 89]

[54] قوله : «فلا يزال في حجاب لا يرفع» .

أي لمّا كان الإنسان عين الحجاب على نفسه ، وهو دائماً في حجاب تعيّنه ونفسيته فلا يدرك الحقّ من غير حجاب . ولو عرف نفسه عرف ربّه من وراء حجاب نفسه .

والإنسان الكامل المطّلع على حقائق الأسماء في الحضرة الواحدية يطّلع عليها من وراء حجاب عينه الثابتة ، وإن كان لا حكم لهذا الحجاب .

فلا يزال الإنسان في حجاب عينه لا يرفع ذلك الحجاب ، فلا يدرك مدرك إلاّ نفسه . فعرفان النفس عين عرفان الربّ ، تدبّر .

* * * * * * * *

ص: 57

وجعل ذلك المودع في قبضتيه ؛ [55] أي في ظهوري الحقّ وتجلّييه بالقدرة لإيجاد العالم الكبير مرّة والصغير اُخرى ، أو في عالميه الكبير والصغير .

[شرح فصوص الحكم: 408 ؛ و(ط - الحجري) ص 95]

[55] قوله : «في ظهوري الحقّ».

هذا بحسب انتسابهما إلى الحقّ . فعبّر بالظهور والتجلّي . وقوله : «في عالميه الكبير والصغير» بحسب الوجهة اليَلي الخلقي وانتسابهما إلى الخلق وإن كان الظاهر والمظهر لا يفترقان إلاّ بالاعتبار .

* * * * * * * *

[56] "وفصّ كلّ حكمة الكلمة المنسوبة إليها . فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حدّ ما ثبت في اُمّ الكتاب" .

[شرح فصوص الحكم: 410 ؛ و(ط - الحجري) ص 96]

[56] وذلك لأنّ الفصّ أحدية جمع حلقة الخاتم ، وكان الحلقة منه ظهرت وبه ختمت .

وكذلك كلّ دورة من أدوار النبوّة بمنزلة دائرة تامّة ، نبيّ تلك الدورة أحدية جمعها . وكلّ الدوائر نقاط دائرة الختمية ، وفصّها الخاتم صلی الله علیه و آله وسلم .

* * * * * * * *

ص: 58

[57] "فامتثلتُ على ما رسم لي ووقفت عند ما حدّ لي . ولو رمت زيادة على ذلك ، ما استطعت" .

[شرح فصوص الحكم: 410 ؛ و(ط - الحجري) ص 96]

[57] وذلك لأنّ الحقائق الإلهية نواميس الربوبية ، وهي لابدّ وأن يحجب إلاّ على محارم الأسرار . ولو أراد الولي أو النبيّ إظهارها لأنساها اللّه تعالى عن قلبه ، ولهذا قال : «ولو رمت زيادة على ذلك .. .» إلى آخره .

* * * * * * * *

ص: 59

ص: 60

فصّ حكمة نفثية في كلمة شيثية

[58] "والسائلون صنفان" أي السائلون بلسان القال مع صرف الهمّة إلى المسؤول عنه صنفان .

[شرح فصوص الحكم: 417 ؛ و(ط - الحجري) ص 98]

[58] قوله : «والسائلون صنفان».

السائلون على ثلاثة أصناف : سائل على سبيل الاستعجال ، وسائل على سبيل الاحتمال ، وسائل على سبيل الامتثال . ولمّا كان الثالث لم يكن منظوره المسؤول ، قال : «صنفان» .

* * * * * * * *

"ثمّ نرجع إلى الأعطيات ، فنقول : إنّ الأعطيات [59] إمّا ذاتية ، أو أسمائية ."

[شرح فصوص الحكم: 427 ؛ و(ط - الحجري) ص 105]

[59] قوله : «إمّا ذاتية» إلى آخره .

اعلم : أنّ الذات المقدّسة بما هي هي لا يتجلّى لمرآة من المرائي ولا يظهر

ص: 61

في عالم من العوالم إلاّ من وراء حجب الأسماء ، بل سائر الفواعل - غير ذات الباري - أيضاً كذلك . فالذات دواماً محجوبة بحجاب الأسماء والصفات .

فالمنح الذاتية لم تكن من الذات بما هي هي ، بل منها بتعيّن الأسماء الإطلاقية ، كاسم «اللّه» الأعظم والاسم «الرحمان» بمقامه الجمعي . والمنح الأسمائي ما كانت منها بتعيّن الأسماء الاُخر ، كالرحمان باعتباره الآخر و«الواسع» وغيرهما .

* * * * * * * *

صرّح هاهنا : أنّ نسبته - أيضاً - إلى خاتم الولاية نسبة غيره من الأنبياء . [60] ولا تفاضل ؛ لأنّه صاحب هذه المرتبة في الباطن والخاتم مظهرها في الظاهر .

[شرح فصوص الحكم: 467 ؛ و(ط - الحجري) ص 112]

[60] قوله : «ولا تفاضل».

أي لا تفاضل لخاتم الولاية على ختم الرسالة ؛ فإنّ ختم الولاية من مظاهره في الظاهر ، فهو اُخذ من مظهره ، وشاهد جمال الحقّ في ذاك المظهر .

كما أنّ الحقّ شاهد جماله في مرآة الإنسان الكامل ، كما قال في القدسيّات : «خلقت الخلق لكي اُعرف»(1) ؛ أي يعرف ذاتي لذاتي في مرآة

ص: 62


1- مشارق أنوار اليقين: 139؛ مفاتيح الغيب: 293؛ كلمات مكنونه: 33؛ أسرار الحكم: 82.

التفصيل ، كما كان معروفاً في حضرة الجمع أوّلاً وأزلاً .

* * * * * * * *

[61] إنّ رسول اللّه - عليه السلام - هو أوّل من يفتح باب الشفاعة فيشفع في الخلق ، ثمّ الأنبياء ، ثمّ الأولياء ، ثمّ المؤمنون ، وآخر من يشفع هو أرحم الراحمين . ومن يفهم ويطّلع على أحدية الذات الظاهرة في المراتب المتكثّرة ، وعلى أنّ كلّ موجود له سيادة في مرتبته، كما أنّ لكلّ اسم سلطنة على ما يتعلّق به ، لا يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام .

[شرح فصوص الحكم: 469 ؛ و(ط - الحجري) ص 113]

[61] فإنّ الذات الظاهرة في مراتب التعيّنات المكتسية كسوة الكائنات بمقام أحدية جمعها في المظهر الأتمّ مقدّمة عليها في المظاهر الاُخرى والأسماء المحاطة لربّ المظهر الأتمّ .

وبالجملة : تقدّم المظهر الأتمّ على الاسم «الرحمان» تقدّم اللّه عليه بمقام أحدية الجمع المحيطة على سائر الأسماء ؛ لمكان اتّحاد الظاهر والمظهر . فالذات بمقام جمعها مقدّم على نفسها .

* * * * * * * *

ألا ترى أنّ «الرحمن» - مع أ نّه اسم جامع للأسماء وله الحيطة التامّة - يشفع عند «المنتقم» الذي هو من سدنته بعد شفاعة الشافعين كلّهم ، وذلك التأخّر لا يوجب نقصه .

ص: 63

[62] وسرّ ذلك : أنّ «الرحمن» جامع للأسماء الإلهية ، ومن جملتها «المنتقم» .

[شرح فصوص الحكم: 469 ؛ و(ط - الحجري) ص 113]

[62] قوله : «وسرّ ذلك أنّ الرحمن...» إلى آخره .

ولعلّ «الرحمن» الذي يشفع عند «المنتقم» لم يكن من الأسماء المحيطة الشاملة له أيضاً ، بل من الرحمة الخالصة المحضة التي لا تكون في باطنها نقمة أصلاً .

فحكومة أرحم الراحمين حكومة غير مشوبة بالانتقام والسخط وإن كانت صورة الرحمة هي النار ؛ فإنّ الخلود في النار لا ينافي التذاذ أهلها بها ، بناءً على مذهب من يرى عدم الخلود في أليم العذاب - كالشيخ(1) ومن تبعه - وإن كان الخلود في النار من الضروريات .

* * * * * * * *

وهذا العطاء الإلهي على يدي «الرحمن» [63] غير العطاء الرحماني الذي ذكر أنّه رحمة محضة ؛ لتضمّنه النقمة في المآل .

[شرح فصوص الحكم: 471 ؛ و(ط - الحجري) ص 115]

[63] وغير عطاء «الرحمان» بمقامه الجمعي الإطلاقي ؛ فإنّه بذاك المقام من

ص: 64


1- اُنظر الفتوحات المكّية 1: 163 و263، و2: 126 و127، و3: 25 و120 و204 و386 و411؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 984، الفصّ اليونسية، ذيل قول الشيخ: «وأمّا أهل النار فمآلهم إلى النعيم».

الأسماء الذاتية التي كانت عطاياها من العطايا الذاتية لا الأسمائية ، كما سبق في حاشية منّا(1) .

* * * * * * * *

واعلم : أنّ الإنسان الكامل وإن كان من حيث حقيقته عالماً بجميع المعارف والعلوم الإلهية ، لكن لا يظهر له ذلك إلاّ بعد الظهور في الوجود العيني والتعلّق بالمزاج العنصري ؛ لأنّ في [64] عالم الحسّ يحصل الظهور التامّ للأعيان .

[شرح فصوص الحكم: 475 ؛ و(ط - الحجري) ص 118]

[64] فإنّ عالم الحسّ هو الزيبق الذي خلف الزجاجة ، فيتراكم الأنوار النازلة من حضرة نور الأنوار ، فينعكس وينعطف ويظهر ظهوراً تامّاً ، لكن لا بما أ نّه عالم الحسّ ، بل بعد التصفية والتصقيل . فالهيولى نقطة قبض الفيض في قوسي الوجود ، ويظهر منها الأنوار وينعطف إلى عالم الأسرار .

* * * * * * * *

قيل : «قد مرّ [65] أنّ المراد ب «آدم» حقيقة النوع الإنساني الذي هو الروح الأعظم ، ويكون أوّل مولود وهبه اللّه تعالى هي النفس الناطقة الكلّية والقلب الأعظم الذي يظهر فيه العطايا الأسمائية» .

وهذا وإن كان له وجه إلاّ أنّ تنزيلهما بالروح والقلب دون غيرهما

ص: 65


1- تقدّم في الصفحة 61 عند قوله: «اعلم: أنّ الذات المقدّسة».

من الأنبياء المذكورين في الكتاب ترجيح من غير مرجّح .

[شرح فصوص الحكم: 478 ؛ و(ط - الحجري) ص 119]

[65] بل اختصاص آدم بعالم من العوالم العالية أو السافلة بلا وجه ؛ فإنّ أهل يثرب الإنسانية لا مقام لهم(1) ، فلهم بحسب النزول رتبة الهيولى القابلة بتجلّي ربّهم القابل ، وبحسب الصعود الاُفق الأعلى والاستهلاك في الحضرة الأحدية . ولهذا قال شيخ الطائفة الإشراقية : «إنّ النفس الناطقة لا ماهية لها»(2) . فلها مقام أحدية جمع الحقائق الخلقية والأمرية ، فلا يتعيّن معيّن يشير إلى ماهية من الماهيات .

* * * * * * * *

وخاصّة الخاصّة الذي [66] رجع بالحقّ إلى الخلق ، وصفاء خلاصة خاصّة الخاصّة العلوم والحقائق الحقّانية الصافية عن شوب الأكوان ونقائص الإمكان .

[شرح فصوص الحكم: 480 ؛ و(ط - الحجري) ص 120]

[66] قوله : «رجع بالحقّ».

لا مدخلية لذلك الرجوع في ذلك العلم ؛ فإنّ ذلك العلم في أواخر السفر الأوّل ، أو السفر الثاني الذي يحصل فيه التجلّي بعينه الثابتة ورؤية نفسه في مرآة

ص: 66


1- اقتباس من سورة الأحزاب (33): 13، (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ).
2- مجموعه مصنّفات شيخ إشراق، التلويحات 1: 115 - 117؛ الحكمة المتعالية 1: 43 و252.

الحقّ . ففي ذلك التجلّي يشهد أنّ ما اُعطي غير غريب ، بل من عينه الثابتة .

فعلى هذا ، كان مراد الشيخ من «خاصّة الخاصّة» هو الذي حصل له ذاك المقام ؛ أي مقام مشاهدة عينه الثابتة في الحضرة العلمية .

* * * * * * * *

[67] وأنت تعلم : أنّ اليمين والشمال - بل الصورة مطلقاً - لا يتصوّر إلاّ في حضرة الخيال والحسّ ، وحضرات السرّ والروح والخفيّ وغيرها من المراتب الروحانية كلّها مجرّدة من الصور وجهاتها .

[شرح فصوص الحكم: 482 ؛ و(ط - الحجري) ص 121]

[67] لا يخفى : أنّ الجهات لها ظهورات في حضرات السرّ والخفيّ ، ولها صورة في عالم المجرّدات إلاّ أنّ جهات ذلك العالم لم تكن بمثابة ذاك العالم ، أو العالم الخيال والمثال والصورة لم تكن مقدارية مثالية . فالعالم الروحاني له جهات غير متفرّق الوجود ولا متميّز الهوية ، بل كلّها في الكلّ .

* * * * * * * *

وأمّا إذا اعتبرت [68] التقابل بين صورتك والصورة المرئيّة فيها ، يكون اليمين منك مقابلاً ليمين ما في المرآة .

[شرح فصوص الحكم: 482 ؛ و(ط - الحجري) ص 122]

[68] ليس التقابل بين صورتك والصورة المرئية سبباً لكون اليمين مقابلاً لليمين واليسار لليسار ، ولا ما ذكره أوّلاً علّة لتقابل اليمين لليسار ، بل السبب

ص: 67

لتقابل اليمين لليمين وكذا اليسار كون الصورة المرئية ظهور صورتك ، فهي صورتك حقيقة ؛ فإنّ الظاهر عين المظهر والتغاير اعتباري .

فإذا اعتبرت أ نّها غيرك يحصل التغاير الاعتباري ، فيتوهّم أنّ اليمين هو اليسار واليسار هو اليمين ، فيقابل اليمين لليسار واليسار لليمين ، كالشخص الخارجي المقابل لك ، فهذا التغاير اعتباري لا أصل له .

وهذا أيضاً من الأسرار المودعة في المرآة لأهل السابقة الحسنى ، تدبّر فيه .

* * * * * * * *

[69] وفيه نظر ؛ إذ الوجه والظهر لا يكون إلاّ لجرم كثيف ، وما ثمّة إلاّ العكس من الوجه .

[شرح فصوص الحكم: 483 ؛ و(ط - الحجري) ص 122]

[69] لا وجه لهذا النظر ؛ فإنّ ذاك القائل أيضاً قائل بأن لا ظهر ولا وجه مقابل الظهر للصورة المرئية ، بل هو قائل بأنّ الصورة لمّا كانت وجهاً من جميع الجهات - أي ليس لها سوى الظهور حيثية - يمكن أن يقال : إنّها مستقبل إلى القبلة ؛ فإنّ استدبارها غير متصوّر في حقّها ، بل هي مستقبل كلّ الجهات .

وقد عرفت في الحاشية السابقة : أ نّها ظهور المرئي ، فليس لها حكم بحيالها ، فهي مستقبل القبلة ، كما أنّ المرئي كذلك مثلاً .

* * * * * * * *

ص: 68

ومنشأ زعمهم هذا ، أ نّهم حكموا بمفهوم «المشيّة» وإثباتها له تعالى ، وما عرفوا أنّ المشيّة متعلّقة بالفيض الأقدس ، كما قال تعالى : (أَلَم تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيفَ [70] مَدَّ الظِّلَّ)(1) .

[شرح فصوص الحكم: 484 ؛ و(ط - الحجري) ص 123]

[70] قد يقال : «الظلّ» على الفيض الأقدس باعتبار ظهوره في حضرات الأسماء والصفات ، مع حفظ كونه ظهور الحقّ . و«ظلّه» ؛ أي حفظ الوحدة في عين الكثرة . وعلى هذا ، «مدّه» هو الفيض المنبسط المقدّس .

وفي قوله : (مَدَّ الظلّ) إشارة إلى اتّحاد الظاهر والمظهر ، وكون الظاهر هو المظهر الممتدّ ، وإشارة إلى أنّ وقوع الكثرة فيه أكثر ممّا وقعت في الحضرة الفيض الأقدس ؛ فإنّ الكثرة وإن كانت أصلها منه لكنّها في تلك الحضرة كثرة علمية وفي ذاك كثرة عينية .

وقد يقال :(2) «الظلّ» على الفيض المقدّس باعتبار استهلاكه في الحضرة الأحدية . و«مدّه» هو بسطه على الحقائق الممكنة وظهوره في المرائي المتعيّنة .

وبالجملة : «الظلّ» مقام الكثرة في الوحدة ، و«مدّه» ظهور الوحدة في ملابس الكثرات . و«الظلّ» مع «مدّه» متّحد واختلافهما اعتباري .

فعلى الاصطلاح الأوّل كان «الربّ» من الأسماء الذاتية ، وعلى الثاني من الأسماء الصفتية .

* * * * * * * *

ص: 69


1- الفرقان (25): 45.
2- اُنظر شرح فصوص الحكم، الكاشاني: 138 - 142؛ اصطلاحات الصوفية: 165.

[71] وإنّ هذه الحضرات هي خزائن مفاتيح غيبيه .

[شرح فصوص الحكم: 486 ؛ و(ط - الحجري) ص 124]

[71] لا يخفى : أنّ الخزائن المذكورة والحضرات الموصوفة هي الحقائق المستحبّة في الحضرة الأحدية ، لا المفروضات العقلية ، حتّى أنّ حضرة الامتناع هي الحقيقة الحقّة التي لا يمكن ظهورها في مرآة من المرائي ؛ لقصور المرائي ونقصانها . فهي باطنة لم تظهر إلاّ بأسمائها وصفاتها ، وهي حضرة الذات والغيب الهوية الأحدية غير المتجلّية في مرآة من المرائي .

وليست حضرة الامتناع هي المفروضات العقلية والوهمية ؛ فإنّها ليست من قبيل الحقائق والمخزونات إلاّ تبعاً .

فعلى هذا ، كانت حضرة الإمكان هي الأعيان الثابتة الممكنة الظهور ولو في العقول والأوهام ، كاجتماع النقيضين وشريك الباري . وحضرة الامتناع هي الذات الأحدية الغيبية الغير الممكنة للظهور ، فاعرف واغتنم .

* * * * * * * *

وصرّح بعض القائلين بهذا المعنى بأنّه يكون بظهور آدم آخر بطلوع الصبح [72] من أيّام يوم القيامة .

[شرح فصوص الحكم: 488 ؛ و(ط - الحجري) ص 125]

[72] قوله : «من أيّام يوم القيامة».

اعلم : أنّ اليوم هو طلوع شمس البروج عن حجاب عالم الملك والمادّة ، والليل هو احتجابها به .

ص: 70

فعلى هذا ، كان لكلّ فرد من أفراد النوع الإنساني في السلسلة النزولية والصعودية يوم وليلة . وليلته سابقة على يومه ؛ فإنّها هي السلوك إلى السلسلة النزولية دونه .

وظهور اليوم حقيقة بطلوع صبح يوم القيامة ؛ أي طلوع صبح قيامة الولي الكامل ، وطلوع صبح سائر الأفراد بطلوع صبحه ؛ سواء كان ذاك الفرد من أهل السعادة فصبحه نوراني ، أو من أهل الشقاوة فصبحه ظلماني .

فاليوم لا يختصّ بأهل السعادة ؛ فإنّ أهل الشقاوة أيضاً يشهدون حقائقهم المقيّدة بعد رفع حجاب المادّة . غاية الأمر ، يشهدون في صور مناسبة لملكاتهم كالقردة والخنازير وغيرهما .

ثمّ إنّ أوّل طلوع يوم القيامة لكلّ دورة وكورة أوّلُ ليلة عالم المادّة لأهل دورة اُخرى في حجاب الملك إلى غير النهاية . وفي أحاديث أهل بيت العصمة - سلام اللّه عليهم - ما يشير إلى ذلك كثير جدّاً .

* * * * * * * *

وتحصل المجازات في الأعمال ؛ إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ ، [73] ثمّ ينتهي إلى ظلمة الليل .

[شرح فصوص الحكم: 489 ؛ و(ط - الحجري) ص 125]

[73] لعلّ قوله : «ثمّ ينتهي» عطف على قوله : «بظهور آدم آخر» ، ومراده من «آدم آخر» آدم آخر في عالم الملك ؛ أي بطلوع صبح يوم القيامة يظهر آدم آخر

ص: 71

في الملك ، ثمّ ينتهي إلى ظلمة الليل ؛ أي الاحتجاب التامّ في آخر الدورة بظهور تلك الحيوانات في صور الأناسي ، أو بظهور آدم آخر في السلسلة النزولية بعد عروج آدم الآن في السلسلة الصعودية ، ثمّ ينتهي ذلك الإنسان من بدو السلسلة إلى ختمها ، الذي هو عالم المادّة التي هي كمال الظلمة .

* * * * * * * *

ص: 72

فصّ حكمة سُبُّوحية في كلمة نوحية

[74] فصّ حكمة سُبُّوحية في كلمة نوحية

[شرح فصوص الحكم: 497 ؛ و(ط - الحجري) ص 128]

[74] لمّا كان الواجب على العارف الموحّد حفظ مقامي التشبيه والتنزيه ، وكأنّ الفصّين السابقين في مقام التشبيه ، أردف الحكمة السبّوحية بالحكمتين لحفظ التنزيه والتقديس .

* * * * * * * *

[75] "اعلم : أنّ التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد . والمنزِّه إمّا جاهل وإمّا صاحب سوء أدب" .

[شرح فصوص الحكم: 498 ؛ و(ط - الحجري) ص 128]

[75] قال شيخنا العارف - أدام اللّه ظلّه - : الإنصاف أنّ التنزيه عن النقائص الإمكانية ليس تحديداً ؛ فإنّها أعدام ، والتنزيه عنها يرجع إلى كمال الوجود ، ومرجعه الإطلاق لا التحديد .

قلت : ما ذكره - دام ظلّه - حقّ لو كان النقائص الإمكانية عدماً مطلقاً غير

ص: 73

موجود - ولو بالعرض - ولكن الأمر ليس كذلك ؛ فإنّ المنزِّه يرى النقائص التي هي حدود الوجود ، وهي موجودة - ولو بالعرض - والتنزيه عنها يرجع إلى التحديد .

* * * * * * * *

فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزّه ووقف عند التنزيه ولم يَرَ غير ذلك ، فقد أساء الأدب وأكذب الحقّ والرسل - صلوات اللّه عليهم - وهو لا يشعر ويتخيّل أنّه في الحاصل وهو في الفائت . وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض [76] ولا سيّما قد علم إنّ ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحقّ بما نطقت به ، إنّما جاءت به في العموم على المفهوم الأوّل ، وعلى الخصوص على كلّ مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأيّ لسان كان في وضع ذلك اللسان؛ بأيّ لسان كان في وضع ذلك اللسان؛ فإنّ للحقّ في كلّ خلق ظهوراً خاصّاً ، فهو الظاهر في كلّ مفهوم ، وهو الباطن عن كلّ فهم إلاّ عن فهم من قال: إنّ العالم صورته ومظهر هويته .

[شرح فصوص الحكم: 501 - 502 ؛ و(ط - الحجري) ص 129]

[76] قوله : «ولا سيّما...» إلى آخره .

هو متعلّق بقوله : «فقد أساء الأدب وأكذب الحقّ والرسل صلوات اللّه عليهم . والضمير في قوله : «جاءت به» راجع إلى التشبيه المفهوم من فحوى الكلام .

وحاصل المراد : أنّ الوقوف عند التنزيه إساءة الأدب وتكذيب الحقّ

ص: 74

والرسل ؛ لا سيّما أنّ ألسنة الشرائع نطقت بالتشبيه بلسان العموم في بعض الموارد ، وبلسان الخاصّة في موارد اُخر ، أو في الكلام الذي لم يفهم منه العامّة ما فهمه الخاصّة في أيّ لسان ولغة كان .

وقوله : «فإنّ للحقّ في كلّ خلق ظهوراً» تعليل لأصل المقصود من مقام التشبيه ؛ أي التشبيه ثابت ؛ فإنّ الحقّ ظاهر في كلّ شيء بحسبه .

وقوله : «فهو الظاهر في كلّ مفهوم» أي في كلّ حقيقة ، أتى بلفظ المفهوم للمشاكلة مع كلامه السابق ؛ أي فهو تعالى مع ظهوره في كلّ الحقائق محجوب عن كلّ فهم ؛ فإنّ المشاهدة الحضورية وإن كانت واقعة ولكن الإحاطة بجميع المظاهر غير ممكن ، إلاّ للكمّل والأقطاب .

* * * * * * * *

[77] "فحدّ الاُلوهية له بالحقيقة لا بالمجاز، كما هو حدّ الإنسان إذا كان حيّاً" .

[شرح فصوص الحكم: 507 ؛ و(ط - الحجري) ص 133]

[77] أي كما أنّ حدّ الاُلوهية للإنسان إذا كان حيّاً ؛ فإنّه بعد ما ذكر : أنّ نسبته إلى العالم نسبة الروح المدبّر إلى الجسم ، وذكر : أنّ حقيقة الحدّ عبارة عن جهة الباطن التي هي الروح ، استنتج : أنّ حدّ الاُلوهية للحقّ وللإنسان كليهما ؛ فحدّ الإنسان هو جهة الباطن التي هي الروح ، وهو بعينه جهة الاُلوهية التي هي حدّ الحقّ .

وأمّا ما ذكره الشارح فهو بعيد ، وإن كان منه غير بعيد .

ص: 75

ولا يتوهّم أنّ هذا الكلام يناقض [78] قوله : «فحدّ الحقّ محال» ؛ لأنّ الحدّ هنا للمرتبة باعتبار الحقّ والعالم ، لا للحقّ من حيث ذاته .

[شرح فصوص الحكم: 507 ؛ و(ط - الحجري) ص 133]

[78] ما ذكره من استحالة التحديد ليس مختصّاً بالتحديد الذاتي ، بل يجري في التحديد بحسب المظهر تفصيلاً أيضاً ، كما صرّح به قبل ذلك(1) . ومع ذلك لا يناقض هذا كلامه السابق ؛ فإنّ التحديد بالاُلوهية التي هي حدّ الإنسان ، إجمالاً ممكن ؛ لا تفصيلاً .

* * * * * * * *

ولكن لا يفقه ذلك التسبيح والتنزيه إلاّ من تنوّر باطنه بنور الإيمان أوّلاً ، ثمّ الإيقان ثانياً ، ثمّ العيان ثالثاً ، ثمّ يوجد أنّ نفسه وروحه

[79] سارياً في عين كلّ مرتبة وحقيقة كلّ موجود حالاً وعلماً .

[شرح فصوص الحكم: 508 ؛ و(ط - الحجري) ص 133]

[79] قوله : «سارياً. . .» إلى آخره .

وذلك في قرب الفرائض الذي صار العبد متمكّناً في الفناء الذاتي والصفتي والفعلي ، فيُخلع بخلعة البقاء بعد الفناء ، فيتحقّق بالوجود الحقّاني بعد رفض الوجود الخلقي بكلّيته ، فصار جسمه جسم الكلّ ونفسه نفس الكلّ وروحه روح الكلّ ، كما في الزيارة الجامعة : «أجسادكم في الأجساد

ص: 76


1- اُنظر فصوص الحكم: 68؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 504.

وأرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس»(1) .

ففي ذاك المقام يصير العبد سمع الحقّ وبصره ويده ، كما في حقّ مولى الموالي - سلام اللّه عليه - «اُذن اللّه الواعية»(2) ، «عين اللّه الناظرة»(3) ، و«يد اللّه»(4) ، إلى غير ذلك ، فيسمع الحقّ به ويبصر .

وأمّا في قرب النوافل ، فصار الحقّ سمع العبد وبصره ، وذلك عند الفناء الصفاتي ، كما في الحديث القدسي المعروف(5) .

* * * * * * * *

ولمّا كان السمع والبصر راجعين إلى الحقّ في مقام الجمع، قال :

[80] "وأفرد" ولم يقل : «ووحّد» ؛ تنبيهاً على أنّ فردانيته لا يكون إلاّ في عين الكثرة ؛ لأنّ الفردية يشتمل عليها ضرورة ؛ لكونه عدداً ، والوحدانية تقابلها .

[شرح فصوص الحكم: 512 - 513 ؛ و(ط - الحجري) ص 136]

[80] لا يخفى : أنّ الوحدانية لم تكن مقابلها تقابل العزلي ، بل هي في عين كونها خارجة عنها سارية فيها ومعها معيّة قيّومية ، كما نقل عن زبور آل

ص: 77


1- الفقيه 2: 374 / 1625؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 276 / 1 .
2- بحار الأنوار 24: 198 / 25 .
3- بحار الأنوار 24: 194 / 16.
4- نفس المصدر.
5- راجع الكافي 2: 263 / 8؛ عوالي اللآلي 4: 103؛ المسند، أحمد بن حنبل 6: 256؛ صحيح البخاري 8: 483 / 1367.

محمد صلی الله علیه و آله وسلم : «لك يا إلهي وحدانية العدد»(1) .

فالتعبير ب «أفرد» دون «وحّد» لم يكن لما ذكره الشارح كما هو الظاهر ، بل يمكن أن يكون الوجه في التعبير ب «أفرد» بصيغة إفعال ، دون «فرّد» و«وحّد» بصيغة تفعيل : أنّ نظره إلى الوحدة الصرفة الحاصلة للذات المقدّسة في مقام غيبه ، لا التوحيد الذي هو عبارة عن إرجاع الكثرات إلى الوحدة وإفناء التعيّنات في بحر الوجود المطلق ، والتوحيد والتفريد يفيدان المعنى الثاني بخلاف الإفراد ، تدبّر تجد .

* * * * * * * *

[81] "فلو أنّ نوحاً جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه"

[شرح فصوص الحكم: 513 ؛ و(ط - الحجري) ص 136]

[81] قال شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي - مدّ ظلّه العالى - : «فلو أنّ نوحاً جمع بين الدعوتين لما أجابوه أصلاً ؛ فإنّ قومه كانوا واقعين في الكثرة والتشبيه بطريق التقييد ، لا التشبيه الإطلاقي الذي هو حقّ التشبيه . فإنّهم كانوا يعبدون الأصنام وهو تقييد في التشبيه .

فلو أنّ نوحاً تفوّه بالتشبيه أو إطلاقه ؛ بأن يقول : إنّ التقييد باطل والإطلاق حقّ ، لما توجّهوا إلى التنزيه والوحدة أصلاً . فكان عليه أن يدعو إلى التنزيه ، فيعالج قومه معالجة الضدّ ، كما فعل .

فهو علیه السلام وإن كان صاحب التشبيه والتنزيه جمعاً لا تفرقة ، إلاّ أنّه ما دعا إلاّ

ص: 78


1- صحيفه كامله سجاديه: 152، دعاء 28.

إلى التنزيه لمناسبة حال المدعوّين .

نعم ، كان نبيّنا صلی الله علیه و آله وسلم صاحب مقام التشبيه والتنزيه ، وكان جمعهما مقاماً له ، بخلاف سائر الأنبياء علیهم السلام ؛ فإنّهم لم يكونوا صاحب المقام ، بل كانا فيهم بطريق الحال» .

أقول : الدعوة إلى التنزيه هي الدعوة إلى التشبيه وبالعكس ؛ فإنّ التنزيه محجوب في التشبيه والتشبيه مستور في التنزيه .

نعم ، كان من دأب الأنبياء علیهم السلام التصريح بالتنزيه ، وجعل التشبيه في الحجاب لأصحاب السرّ وأرباب القلوب . وبحسب حالات قومهم وغلبة جهات الكثرة والوحدة عليهم كان الدعوة مختلفة في التصريح والرمز . ولهذا من أخذ موسى علیه السلام بلحية أخيه ما فهم القوم إلاّ التنزيه ، مع أنّ أرباب المعرفة فهموا منه التشبيه .

وعلى هذا ، يمكن أن يكون قوله : (ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّى أَعْلَنتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً)(1) إشارة إلى أنّ الجهر والإسرار من كيفية الدعوة ؛ فيكون دعوته جهراً وصراحة إلى التنزيه المطلق ، وسرّاً وفي الحجاب إلى التشبيه المطلق .

والعطف ب (ثمّ) لدلالة أنّ الدعوة الإسرارية إلى التشبيه منضمّة في الدعوة الجهرية إلى التنزيه .

ولعلّ قوله : (دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً)(2) حكاية عن الدعوة الجهرية

ص: 79


1- نوح (71): 8 - 9 .
2- نوح (71): 5.

والإسرارية . وتقديم الليل على النهار لعلّه للإشارة إلى عدم احتجاب نفسه علیه السلام عن الكثرة في عين الوحدة ، وعن الوحدة في عين الكثرة .

* * * * * * * *

"فإنّه" أي فإنّ النبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - "شبّه ونزّه في آية واحدة بل في نصف آية." الآية هي : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)ونصفها : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ) والنصف الآخر : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ؛ فإنّ في كلّ من النصفين تشبيهاً وتنزيهاً ، [82] كما مرّ بيانه .

[شرح فصوص الحكم: 517 ؛ و(ط - الحجري) ص 138]

[82] قوله : «كما مرّ بيانه».

ما مرّ من البيان منه(1) كون التشبيه والتنزيه باعتبارين في كلّ من الفقرتين ، وليس المقصود ذلك ؛ فإنّه ليس جمعاً بينهما ومراده الجمع ، كما لا يخفى .

فلعلّ المراد من الجمع بينهما هنا في قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ)(2) أنّ عدم المثلية يلازم الإحاطة التامّة بنحو ظهور الواحد في مراتب الكثرات ، والظهور الكذائي هو التشبيه . فالآية الشريفة جامعة بينهما .

وفي قوله : (هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(3) أظهر ؛ فإنّ السمع الثابت للممكنات

ص: 80


1- شرح فصوص الحكم، القيصري: 512.
2- الشورى (42): 11.
3- الشورى (42): 11.

والبصر الحاصل لهم إذا كانا له تعالى بعين ثبوتهما لهم كان هو الظاهر المحيط في مراتب الكثرات ومرائي الممكنات ؛ فإذا كان هو المحيط الظاهر فيهم لم يكن كأحدهم ، فنزّه وشبّه في نصف آية باعتبار واحد .

ويمكن أن يكون نصف آية هو مجموع الفقرتين ؛ فإنّ الظاهر أنّهما متمّمان للآية ، فراجع .

* * * * * * * *

"وبهذا كان الحقّ «ملك الملك» كما قال الترمذي" أي وبسبب أنّ الحقّ أثبت ملك الاستخلاف للعباد الكمّل [83] وجعل نفسه وكيلاً منهم ، وللموكّل أن يتصرّف في الوكيل بحسب العزل والإثبات كما يتصرّف في الملك ، صار الحقّ مَلِك ملكه .

[شرح فصوص الحكم: 521 ؛ و(ط - الحجري) ص 141]

[83] قوله : «وجعل نفسه وكيلاً منهم».

جعل نفسه تعالى وكيلاً ليس باعتبار إثبات ملك الاستخلاف ؛ فإنّ حقيقة ملك الاستخلاف إثبات الملك للمستخلف عنه وسلبه عن الخليفة . وحقيقة الخلافة هي الفقر المحض المشار إليه بقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الفقر فخري»(1) ، فليس الوكالة باعتبار ملك الاستخلاف ، بل باعتبار ملك الاستقلال الذي كان نظر قوم نوح علیه السلام به .

* * * * * * * *

ص: 81


1- عوالي اللآلي 1: 39؛ بحار الأنوار 69: 49 / 58، و55 / 85 .

قال الشيخ - رض - في «اصطلاحاته» : «إنّ مقام التلوين أعلى من مقام التمكين» . [84] ويريد به التلوين في الأسماء بعد الوصول ، أو التلوين في مقامات القلب والروح ، لا النفس .

[شرح فصوص الحكم: 532 ؛ و(ط - الحجري) ص 148]

[84] بل مراد الشيخ(1) من التلوين الذي أعلى المقامات هو التلوين الحاصل

للسالك بعد الرجوع إلى مملكته وبقائه بعد فنائه ؛ فإنّ في ذاك المقام أيضاً تلوين لا يشبه تلوينات قبل الوصول وبعده .

وعند التفتيش : أنّ هذا التلوين مع كونه أعلى مراتب التلوين أعلى مراتب التمكين أيضاً .

* * * * * * * *

"(لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرضِ)(2) يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها" . المراد ب «الأرض» عالم الأجسام كلّها . . . [85] أو الأرض المعهودة . . . .

[شرح فصوص الحكم: 533 ؛ و(ط - الحجري) ص 148]

[85] قوله : «أو الأرض المعهودة».

أو أرض نفسه التي هي أرض طبيعته والخروج منها إلى ملكوت نفسه ، إلاّ أنّه بالخروج عن ملكوت نفسه قد يصير خارجاً عن أرض عالم الملك ، وقد يصير خارجاً عن بعض أرضه حسب مدارج النفس ومقاماتها وقوّة السلوك ونقصانه .

ص: 82


1- راجع اصطلاحات العرفاء: 281؛ اصطلاحات الصوفية: 18.
2- البروج (85): 26.

أي وجاء القلب المحمّدي بقوله : «لو دُلّيتم بحبل لهبط على اللّه» فأخبر أنّ اللّه في باطن الأرض ، كما أنّه [86] في باطن السماء .

[شرح فصوص الحكم: 533 ؛ و(ط - الحجري) ص 149]

[86] قوله : «في باطن السماء».

بل المقصود والمناسب للمقام المحمّدي هو الإخبار عن أنّ اللّه في باطن العوالم وظاهرها . فهو تعالى ظاهر في عين كونه باطناً ، وباطن في عين كونه ظاهراً ، كما قال تعالى شأنه : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)(1) ، وعن مولانا صاحب الأمر - روحي له الفداء - في توقيعاته : «يا باطناً في ظهوره وظاهراً في بطونه ومكنونه»(2) .

* * * * * * * *

[87] "لاختلاف الوجوه" ؛ أي يخرج كلّ واحد منكم من الأرض تارة اُخرى على صورة تقتضيها هيئاته الغالبة على نفسه حال انتقاله إلى باطن الأرض ؛ لاختلاف الوجوه والهيئات .

[شرح فصوص الحكم: 534 ؛ و(ط - الحجري) ص 149]

[87] قال شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي - أدام اللّه ظلّه الظليل - : «إنّ اختلاف الوجوه يكون بالنسبة إلى شخص واحد ، لا أشخاص متعدّدة كما ذكره الشارح» ؛ أي لاختلاف الوجوه الذي للشخص الإنساني خرج من الملكوت إلى

ص: 83


1- الحديد (57): 3 .
2- مصباح المتهجّد: 740؛ إقبال الأعمال: 646؛ مصباح الكفعمي: 529.

الملك ، ومن الملك إلى الملكوت الذي هو البرزخ ، ومنه إلى القيامة .

* * * * * * * *

وهؤلاء هم الذين جاء في حقّهم : [88] «أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري» .

[شرح فصوص الحكم: 538 ؛ و(ط - الحجري) ص 152]

[88] ليس المراد بالأولياء الذين تحت قبابه ما ذكره الشارح ؛ فإنّهم كالملائكة المهيّمية المشار إليهم بقوله تعالى : (ن وَ الْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)(1) ليسوا في الحجب الظلمانية ، ولا يعرفون نفوسهم ؛ فإنّ من عرف نفسه وأثبت لها الإنّية والأنانية لم يكن وليّ اللّه ولم يكن تحت قبّته تعالى ، بل وليّ نفسه وتحت قبّتها .

فالمقصود بالظالمين هم الذين فنوا ، لكنّهم لم يفنوا عن فنائهم لشهود أنفسهم ، فدعا لهم أن يفنوا عن فنائهم حتّى لا يروا إلاّ وجه الحقّ ، كالمحمّديين الذين ورد في حقّهم : (كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) فشاهدوا هلاك كلّ شيء حتّى نفوسهم ، إلاّ وجه الحقّ الباقي .

وهاهنا تحقيق آخر ليس مجال تحريره .

* * * * * * * *

ص: 84


1- القلم (68): 1 .
فصّ حكمة قدّوسية في كلمة إدريسية

وإنّما سمّاه «فلك البروج» ؛ لأنّ البروج يتقدّر فيه بالكواكب الثابتة في فلك المنازل المسمّى عند أصحاب الهيئة [89] بفلك البروج .

[شرح فصوص الحكم: 543 ؛ و(ط - الحجري) ص 153]

[89] قوله : «فلك البروج» .

اعلم : أنّ القدماء من أصحاب الهيئة اعتبروا نفس البروج في الفلك الأعلى الذي سمّي «فلك الأطلس» ؛ لخلوّه عن الكواكب ، واعتبروا صورة البروج في الفلك الثامن ؛ أي «فلك البروج» المصطلح .

ولمّا كان الفلك الثامن متحرّكاً بالحركة القهقرية من المغرب إلى المشرق - بعقائدهم - يكون الآن صورة البروج غير المحاذي لأصل البروج . ولهذا ترى يكتبون في التقاويم أنّ القمر في العقرب لا في صورتها ، أو خرج عنها لا عن صورتها .

إذا عرفت ذلك : فإطلاق فلك البروج على الفلك الأطلس صحيح ، وإن لم يكن مصطلح أصحاب الهيئة .

* * * * * * * *

ص: 85

إذا سجد فرد واحد من حقيقة كلّية ، فقد حصل السجود من تلك الحقيقة أيضاً ، [90] فكأنّ جميع أفرادها سجدوا .

[شرح فصوص الحكم: 547 ؛ و(ط - الحجري) ص 156]

[90] أي : إنّ الطبيعة لمّا كانت متّحدة مع الأفراد كان السجود من فرد واحد سجوداً من الطبيعة ، وباعتبار ذاك الاتّحاد كأنّ السجود حصل من جميع الأفراد .

وفيه : أنّ هذا خلاف التحقيق في الكلّي الطبيعي ؛ فإنّ الطبيعة - على ما حقّق في محلّه(1) - يتكثّر بتكثّر الأفراد ، كما قال الشيخ الرئيس في رسالته المعمولة لتحقيق ذلك ؛ ردّاً على الرجل الهمداني : «إنّ إنسانية زيد في الخارج غير إنسانية عمرو ، وإنسانية هذا غير إنسانية ذاك»(2) . فاستناد الفعل إلى الطبيعة صحيح دون الاستناد إلى سائر الأفراد .

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ السجود الحاصل من العقل الأوّل هو السجود من كلّ الملائكة النازلة ؛ لأحدية جمعه وكونه صورة إجمال العالم بنحو اللفّ والبساطة ، تأمّل .

* * * * * * * *

ص: 86


1- اُنظر الشفاء، الإلهيات: 392 - 399؛ الحكمة المتعالية 1: 273 - 274، و2: 7 - 8؛ شرح المنظومة 2: 347 - 348.
2- رسائل ابن سينا، رسالة بعض الأفاضل: 471.

وأمّا أسماء الذات - كالاسم «اللّه» و«الربّ» و«القيّوم» - فإنّها أيضاً من وجه [91] نسب وإن كانت من وجه آخر غيرها . فإنّها يقتضي المألوه والمربوب وما يقوم به من الموجودات المقيّدة.

[شرح فصوص الحكم: 550 ؛ و(ط - الحجري) ص 158]

[91] ويمكن أن يكون المراد ب «النسب» التي هي اُمور عدمية ، المفاهيمَ العقلية أعمّ من الأسماء الفعلية والأسماء الصفتية والأسماء الذاتية ؛ حتّى بالاعتبار الذي لم يكن مربوطاً بالخلق . ولا مانع عن التعبير عنها ب «النسبة» ؛ فإنّها في العقل منسوبات إلى الذات . وإنّما قلنا ذلك ؛ فإنّ المقصود نفي الكثرة عن الذات مطلقاً .

وعلى ما ذكره الشارح لا ينفى الكثرة عن الأسماء الذاتية بالاعتبار الذي لم يكن منسوباً إلى الخلق .

على أنّ الالتزام بأنّ في كلّ الأسماء الذاتية جهة ارتباط محلّ نظر وبحث ، وإن قال شيخنا العارف الكامل - روحي له الفداء - : «إنّ الاسم في اصطلاح القوم عبارة عن الذات مع الخصوصية التي تصير منشأ الأثر في العين ؛ حتّى أنّ «الحيّ» و«الربّ» بمعنى الثابت أيضاً منشآن للأثر ؛ فإنّ ذوات الحياة تحت اسم الحيّ ، كما أنّ الثابتات والجواهر مستندة إلى الثابت» .

وليس تحقيق هذا العارف الكامل - دام ظلّه - مخالفاً لتقسيم الشيخ الكبير محيي الدين الأسماء إلى الذاتية وغيرها ، على ما سبق في مقدّمات الكتاب(1) ؛

ص: 87


1- اُنظر شرح فصوص الحكم، القيصري: 45 - 46.

فإنّ الأسماء الذاتية باصطلاحه هو الأسماء التي غلب عليها جهة الذات ، وهذا لا ينافي وجود جهة الربط إلى الخلق فيها .

هذا ولكن التحقيق عند نظري القاصر : أنّ بعض الأسماء يكون بنفسه منشأ للأثر ، وبعضها يكون منشأً للآثار بالتبعية والتطفّل لاسمٍ آخر ، وإن كان كلّ الأسماء باعتبار آخر تبعاً للاسم «اللّه» المحيط الحاكم على الأسماء كلّها ، وهو اعتبار استهلاك كلّ الأسماء في عين الاسم الجامع الأعظم .

ولكن العارف لابدّ وأن ينظر إلى الكثرة والتفصيل أيضاً ، والمنظور هذا النظر . وفي هذا الاعتبار قد لا يكون الاسم منشأً للأثر بذاته ، كالحياة والربّ بمعنى الثابت . والحياة الموجودة في العالم ليست مستندة إلى ذاك الاسم ، بل مستندة إلى اسم يكون الحياة لازمة له أو تابعة إيّاه .

وأمّا ما أفاد : من أنّ الاسم ما كان منشأً للآثار فلم نتحقّقه ، وإن كان الاصطلاح على ذلك ؛ فإنّه - دام ظلّه - أعرف باصطلاحاتهم .

وكيف كان : فالنسب العقلية هي مفاهيم الأسماء والصفات في النشأة العقلية ، وهي اُمور عدمية في العين .

* * * * * * * *

[92] "وهو الأوّل والآخر والظاهر والباطن . فهو عين ما ظهر في حال بطونه ، وهو عين ما بطن في حال ظهوره . . ." .

[شرح فصوص الحكم: 552 ؛ و(ط - الحجري) ص 159]

[92] في التوقيع المبارك عن مولانا وسيّدنا صاحب الأمر - عجّل اللّه فرجه

ص: 88

وأرواحنا له الفداء - في الأدعية الرجبية : «يا باطناً في ظهوره وظاهراً في بطونه ومكنونه»(1) ، صدق وليّ اللّه ، روحي فداه .

قال شيخنا العارف - دام ظلّه - : والصور المرآتية مثال ذاك الظهور والبطون ؛ فإنّ المرآة ظاهرة بهذه الصور ، وهي باطنة أيضاً بهذه الصور ؛ فإنّها عين المرآة الظاهرة ، وهي محتجبة بها ؛ فإنّه لا يمكن رؤية المرآة بنفسه ؛ لاحتجابها بها . وكذا الحال في الصور الذهنية .

* * * * * * * *

كما قال عليه السلام : [93] «إنّ اللّه خلق آدم على صورته» .

[شرح فصوص الحكم: 555 ؛ و(ط - الحجري) ص 160]

[93] وما ذكر في تحقيق العدد أحد المقرّبات لقوله : «خلق اللّه آدم على صورته»(2) ؛ فإنّ الوحدة باعتبار أحدية جمع الكثرة صار مثالاً للحقّ ؛ حتّى قال مولانا السجّاد علیه السلام : «لك يا إلهي وحدانية العدد»(3) ، والإنسان أيضاً بوحدته كلّ التعيّنات الخلقية والأمرية ، وله أحدية جمع الكثرة . فهو - تعالى شأنه - على صورته ، وصورة الإنسان مثاله تعالى .

وهاهنا تحقيقات اُخر ليس مقام ذكرها .

* * * * * * * *

ص: 89


1- مصباح المتهجّد: 740؛ إقبال الأعمال: 646؛ مصباح الكفعمي: 529.
2- بحار الأنوار 4: 11 / 1؛ صحيح البخاري 8: 391 / 1102.
3- صحيفه كامله سجاديه: 152، دعاء 28.

"فاختلطت الاُمور وظهرت الأعداد [94] بالواحد في المراتب المعلومة كلّها" .

[شرح فصوص الحكم: 555 ؛ و(ط - الحجري) ص 160]

[94] قد ورد في زبور آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم : «لك يا إلهي وحدانية العدد»(1) ، وفي بعض كلماتهم ورد في وصفه تعالى : «واحد لا بالعدد»(2) ؛ فأثبت وحدانية العدد باعتبار أحدية جمع الكثرات ، وانطواء الكثرات واستهلاكها فيه ، وظهوره في الكثرات . ونفى الوحدة العددية ؛ أي الواحد المقابل للاثنين ؛ فإنّه لم يكن سارياً في مراتب الأعداد ، بل الواحد الساري غيب في حجاب التعيّنات وظاهر بها .

وهذا أيضاً مثال آخر للحقّ ؛ فإنّه تعالى بمرتبة غيبه محجوب عن الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ، وبعين ما غاب ظهر ؛ فإنّ التعيّنات الأسمائية والأفعالية حجابه وظهوره ؛ فهو تعالى محجوب بسبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، وظاهر بها . كما أنّ الواحد محجوب في الأعداد وظاهر بها ؛ فإنّ اللا بشرط المطلق لا ظهور له إلاّ في تعيّن المتعيّنات .

وهذا من أسرار الكلّي الطبيعي الذي هو أيضاً مثال للحقّ ، له الأسماء الحسنى والأمثال العليا .

* * * * * * * *

ص: 90


1- صحيفه كامله سجاديه: 152، دعاء 28.
2- نهج البلاغة: 360، الخطبة 185 .

[95] "والولد عين أبيه" بحكم اتّحاد الحقيقة وفيضانه من جميع أجزاء وجوده وكونه بعضه ، وإن كان غيره من حيث تعيّنه وتشخّصه .

[شرح فصوص الحكم: 560 ؛ و(ط - الحجري) ص 163]

[95] ولمّا كان الولد سرّ أبيه الظاهر في صورة الولد فهو بالحقيقة أبوه الظاهر . وكان نسبة الأب إلى الأولاد كنسبة الحقيقة إلى العالم وكنسبة الواحد إلى الأعداد . تمثّل الحقيقة الظاهرة في الأكوان المنزّهة عنها كمالاً ونقصاناً تارة بالواحد والأعداد ، وتارة بالوالد والأولاد ؛ فقال : (يَا أَبَتِ افْعَلْ...) إلى آخر الآية .

* * * * * * * *

[96] "فما رأى يذبح سوى نفسه" ، وذبحه صورة إفنائه من أنانيته .

[شرح فصوص الحكم: 560 ؛ و(ط - الحجري) ص 163]

[96] قال شيخنا الاُستاد العارف - أدام اللّه ظلّه العالي - : «إنّ ما رأى إبراهيم علیه السلام في النوم هو حقيقة العبودية ، إلاّ أنّ الخيال - لكثرة اشتغاله بالاُمور الحسّية - تمثّل حقيقة العبودية بصورة ذبح الولد الذي أعزّ الأشياء عنده» .

أقول : حصول العبودية لا يمكن إلاّ بالخروج عن الأنانية وإفناء الإنّية ، فهاهنا أمران : إفناء الإنّية والخروج عن الأنانية ، وحصول العبودية . وما رآه علیه السلام هو حقيقة الخروج عن الأنانية ؛ لأنّ ذبح الولد - الذي هو نفسه وظهوره - صورة إفناء الأنانية لا صورة العبودية .

ص: 91

ويمكن أن يكون المرئيّ حقيقة العبودية ، وبعد ذلك الرؤية انتقلت نفسه إلى سببها الذي هو إفناء الإنّية والخروج عن الأنانية ؛ فتمثّل له صورة المسبّب .

* * * * * * * *

[97] "وأمّا غير مسمّى اللّه خاصّةً ممّا هو مجلىً له أو صورة فيه ، فإن كان مجلىً له فيقع التفاضل - لابدّ من ذلك - بين مجلىً ومجلىً ، وإن كان صورة فيه فتلك الصورة عين الكمال الذاتي ؛ لأنّها عين ما ظهرت فيه" .

[شرح فصوص الحكم: 565 ؛ و(ط - الحجري) ص 167]

[97] ويمكن أن يكون المراد من «المجلى» و«الصورة» الاسم ، إلاّ أنّ المجلى يلاحظ في نظر التكثير فيقع التفاضل ، والصورة بنظر التوحيد فيستهلك في أحدية الجمع ؛ فلا يقع التفاضل .

كما ورد في الدعاء : «اللهمّ إنّي أسألك من أسمائك بأكبرها، وكلّ أسمائك كبيرة»(1) ؛ فأوقع التفاضل فيها أوّلاً ، ونفى ثانياً عنه استهلاك الكلّ في أحدية الجمع بنظر الداعي السالك .

وقد فصّلنا القول في ذاك المقام في شرحنا ل«دعاء الأسحار» الذي شرحناه في سالف الزمان(2) .

* * * * * * * *

ص: 92


1- إقبال الأعمال: 77؛ بحار الأنوار 94: 370 .
2- اُنظر شرح دعاء السحر: 75.

[98] والحاصل : أنّ غير مسمّى اللّه إمّا مجالٍ ومظاهر ، أو أسماء . فإن كان من المجالي ، فلا بدّ أن يقع بينهما التفاضل في مراتب العلوّ .

[شرح فصوص الحكم: 566 ؛ و(ط - الحجري) ص 167]

[98] اعلم - هداك اللّه إلى أسمائه وصفاته ، وجعلك وإيّانا من الخائضين في آياته - أنّه كما أنّ العلوّ الذاتي ثابت لمسمّى «اللّه» ؛ أي الذات المتوحّدة لجميع

الأسماء والصفات بأحدية الجمع ، فكذلك هو ثابت للعين الثابتة للإنسان الكامل - أي الحقيقة المحمّدية - فإنّها أيضاً أحدية جميع الأعيان حاكمة عليها ومستجمعة إيّاها ، حكومة «اللّه» على سائر الأسماء واستجماعه إيّاها ؛ فإنّ الظلّ حكمه حكم ذي الظلّ فانٍ فيه ، وكذلك هو ثابت للمشية المطلقة - اسمه الأعظم في مقام الفعل - طابق النعل بالنعل .

وليس هاهنا مقام شرح ذلك ، وقد استفيد تحقيقه من بعض رسائلنا في حقيقة الخلافة والولاية(1) .

* * * * * * * *

ص: 93


1- اُنظر مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، المشكاة الاُولى، مصباح 38 و41.

ص: 94

فصّ حكمة مهيّمية في كلمة إبراهيمية

فصّ حكمة [99] مهيّمية في كلمة إبراهيمية

[شرح فصوص الحكم: 569 ؛ و(ط - الحجري) ص 168]

[99] «الهيمان» هو الدهشة المفرطة من شهود جلال الجمال والحيرة فيه ، كما يحصل عند ورود المعشوق بغتة ، أو من تجلّي الأسماء الجلالية القهرية . ونتيجته : اندكاك جبل إنّية السالك وجعل المجذوب صعقاً .

فبعض السالكين لفرط دهشتهم ومحبّتهم ، أو لسوء استعدادهم ، أو لنقصان مزاجهم لا يمكنهم الرجوع إلى مملكتهم ؛ فيبقون مجذوبين مهيَّمين لا يعرفون غير اللّه ولا يعرفهم غير اللّه ؛ لصدور البهلولية عنهم في بعض الأحيان ، قال تعالى : «أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري»(1) .

ويشمل بعضهم العناية الإلهية بإعطاء الاستعداد بالفيض الأقدس ، ويرجعهم إلى مملكتهم غانمين في تلك التجارة ؛ حيث صار عقل الكلّ عقلهم وروحهم

ص: 95


1- كشف المحجوب: 70؛ تذكرة الأولياء: 19؛ مرصاد العباد: 127؛ شرح منازل السائرين، الكاشاني: 474؛ مصباح الاُنس: 68.

روح الكلّ وجسمهم جسم الكلّ ، كما ورد : «أرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس»(1) .

فالكلّ من قاطني عالم الأرواح والأشباح ، مربّون بتربيتهم ، مدبّرون بتدبيرهم ، يتصرّفون فيه كما شاء .

ولا يحصل ذلك إلاّ بقرب الفرائض ، كما أنّ نتيجة قرب النوافل هو التخلّق بأخلاق اللّه والفناء الصفاتي ، كما أشار إليه في الحديث القدسي بقوله : «كنت سمعه وبصره»(2) . وفي قرب الفرائض يصير العبد اُذُن اللّه الواعية وعين اللّه الناظرة ؛ فاللّه تعالى ينظر به ويسمع به ويبطش به .

* * * * * * * *

وقال بعد حمد اللّه والثناء عليه : «إنّه قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء؛ [100] وإنّي أبرأ إلى اللّه أن أتّخذ أحداً منكم خليلاً. ولو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبابكر خليلاً، إنّ اللّه قد اتّخذني خليلاً، كما اتّخذ إبراهيم خليلاً...» .

[شرح فصوص الحكم: 571 ؛ و(ط - الحجري) ص 169]

[100] لا يخفى على العارف : أنّ من كان في مراتب السير واصلاً إلى فناء الربّ فانياً في ذاته وصفاته يكون خلّته خلّة اللّه تعالى ، فخليل اللّه لا يأبى عن خلّته ، بخلاف من كان دون ذلك ؛ فإنّ محبّة المحبوب نفي جميع الأحبّة .

ص: 96


1- الفقيه 2: 374 / 1625؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 276 / 1.
2- الكافي 2: 263 / 8؛ عوالي اللآلي 4: 103؛ المسند، أحمد بن حنبل 6: 256؛ صحيح البخاري 8: 483 / 1367.

فلمّا كان محبّة مولانا أمير المؤمنين محبّة اللّه فهو خارج عن منظور كلامه ، ولا ينافي خلّته خلّة اللّه . وأمّا غيره فهو خارج عن تلك المرتبة .

* * * * * * * *

وإنّما تعرّض بتخلّل الحقّ في علّة التسمية ؛ [101] لأنّ تخلّله - عليه السلام - أثر تخلّله تعالى شأنه .

[شرح فصوص الحكم: 574 ؛ و(ط - الحجري) ص 170]

[101] لا يخفى : أنّ تخلّله علیه السلام وإن كان أثراً لتجلّياته الذاتية في الحضرة الأسماء - بل لتجلّيه بالفيض الأقدس الذي هو مقام العماء - إلاّ أنّ ذاك التخلّل المذكور في الكتاب الذي هو نتيجة قرب الفرائض غير ذاك التجلّي ؛ فإنّ قرب الفرائض لا يحصل إلاّ بعد قرب النوافل .

فالقرب النوافلي استهلاك الأسماء والصفات ، فيصير الحقّ سمعه ويده . والقرب الفرائضي الاستهلاك الكلّي الذاتي والصفاتي المستتبع لإبقاء العبد في بعض الأحيان ، فيصير العبد سمع الحقّ وبصره .

فإنّ حصول الولاية الكلّية وظهور البرزخية الكبرى لا يحصل إلاّ بعد قرب الفرائض ، وهو غاية المعراج الصعودي لنبيّنا صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا يحصل لغيره من الأنبياء والأولياء إلاّ بالتبعية ، لا الأصالة .

وبهذا التحقيق يظهر النظر في كلام الشارح . وأمثال ذلك منه غير بعيد ، تدبّر .

* * * * * * * *

ص: 97

"كما هي صفات المحدثات حقّ للحقّ" . . . وقوله : "هي" للقصّة والشأن ؛ أي القصّة أنّ صفات المحدثات حقّ للحقّ ؛ [102] كقوله :

(قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ) .

[شرح فصوص الحكم: 576 ؛ و(ط - الحجري) ص 171]

[102] ليس الضمير في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ) للشأن ؛ فإنّه إشارة إلى الهوية الغيبية المستهلكة عندها النعوت ، المضمحلّة لديها الأسماء والصفات ، و «اللّه» إلى أحدية جمع كثرات الأسماء والصفات ، وفيه إشارة إلى أنّ الذات الأحدية هي الذات المستجمعة ، بل هي الذات الظاهرة في كلّ الأسماء والصفات والأعيان .

* * * * * * * *

[103] "فإن كان الحقّ هو الظاهر فالخلق مستور فيه ، فيكون الخلق جميع أسماء الحقّ سمعه وبصره ، وجميع نسبه وإدراكاته . وإن كان الخلق هو الظاهر ، فالحقّ مستور باطن فيه ، فالحقّ سمع الخلق وبصره ويده ورجله وجميع قواه" .

[شرح فصوص الحكم: 577 ؛ و(ط - الحجري) ص 172]

[103] قوله : «فإن كان الحقّ...» إلى آخره .

قال شيخنا العارف الكامل - أدام اللّه ظلّه - : «إنّ مستورية العبد في الحقّ وظهور الحقّ لا يحصل إلاّ عند فناء العبد واضمحلال إنّيته واندكاكه ؛ بحيث لا يبقى منه أثر ولا خبر . وهذا هو نتيجة قرب النوافل . فقوله : «يكون الخلق

ص: 98

جميع أسماء الحقّ» ؛ أي لا يبقى أثر للخلق ، بل الحكم للحقّ وحده . وبهذا أشار الحديث القدسي : «كنت سمعه وبصره»(1) ؛ أي لا سمع ولا بصر ولا حكم له ولا أثر . ومستورية الحقّ في الخلق وظهور العبد لا يحصل إلاّ بعد إرجاع العبد إلى مملكته ، وهو البقاء بعد الفناء . وهذا هو نتيجة قرب الفرائض . فقوله : «فالحقّ سمع الخلق وبصره .. .» إلى آخره ؛ أي السمع للعبد الباقي بعد الفناء ؛ فإنّ العبد إذا رجع إلى مملكته يصير وجوده حقّانياً ؛ فإنّ المفنيّ فيه بما أنّه مفنيّ فيه هو الفاني ، كما أنّ الفاني بما أنّه فانٍ هو المفنيّ فيه . ففي هذا المقام العبد هو الظاهر وهو السميع وهو البصير ، واللّه أسماؤه وصفاته» . هذا كلامه - اُديم أيّامه وزيد إكرامه - ولم أر أحداً من الشرّاح شرح كلام الشيخ كذلك .

وعندي في بعض ما أفاد - دام ظلّه - نظر ؛ فإنّ في قرب النوافل لا يصير العبد فانياً حتّى عن ذاته ، بل هو مقام الفناء الصفاتي . وأمّا حصول الفناء التامّ فهو الذي يكون عند قرب الفرائض . وعند ذلك قد يصير العبد المستهلك الإنّية مجذوباً غاية الجذبة لا يمكن إرجاعه إلى مملكته ، فيصير في رتبة الملائكة المهيِّمة منخرطاً في سلكهم .

وقد يكون لائقاً للإرجاع فتشمله العناية الإلهية ، فيرجعه إلى مملكته غانماً في تجارته ، فتصير نفسه نفس الكلّ وعقله عقل الكلّ وجسمه جسم الكلّ ، إلى غير ذلك .

* * * * * * * *

ص: 99


1- الكافي 2: 263؛ عوالي اللآلي 4: 103؛ المسند، أحمد بن حنبل 6: 256؛ صحيح البخاري 8: 483 / 1367.

واعلم : أنّ «الإله» اسم الذات [104] من حيث هي هي مع قطع النظر عن الأسماء والصفات باعتبار ، واسم الذات مع جميع الأسماء والصفات باعتبار آخر .

[شرح فصوص الحكم: 579 ؛ و(ط - الحجري) ص 173]

[104] قوله : «من حيث هي» ، وبهذا الاعتبار كان «الإله» مأخوذاً لغة عن «وَلَه» بمعنى تحيَّر ؛ لتحيُّر العقول عن دركه ، أو لتحيّر الكثرات والنعوت والصفات في كبرياء جلاله ، كما ورد في زبور آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم : «ضلَّت فيك الصفات وتفسّخت دونك النعوت»(1) .

ولم يكن بهذا الاعتبار مأخوذاً من «ألَه» ؛ أي عبد ؛ فإنّ الحقّ بمقامه الغيبي غير معبود ؛ فإنّه غير مشهود ولا معروف ، والمعبود لابدّ وأن يكون مشهوداً أو معروفاً ، والعبادة دائماً تقع في حجاب الأسماء والصفات ؛ حتّى عبادة الإنسان الكامل ، إلاّ أنّه عابد اسم اللّه الأعظم ، وغيره يعبدون سائر الأسماء حسب درجاتهم ومقاماتهم من المشاهدات والمعارف .

وقد يطلق «الإله» بفيضه المقدّس الظاهر في النشأة العين ؛ فهو أيضاً من «ألَه» بمعنى عبد ؛ فإنّ العبادة في أوائل السلوك كما كانت محجوبة بالأسماء كانت محجوبة بالأعيان والمظاهر وإن كانت بالحقيقة للظاهر ؛ لاتّحادهما .

* * * * * * * *

ص: 100


1- صحيفه كامله سجاديه: 166، دعاء 32.

[105] هذا الكشف هو كشف مقام الفرق بعد الجمع ، ويسمّى جمع الجمع باعتبار أنّه يجمع الجمع مع الفرق ؛ وهو ظهور صور الأعيان في مرآة الحقّ .

[شرح فصوص الحكم: 583 ؛ و(ط - الحجري) ص 175]

[105] كون ذاك الكشف كشف مقام الفرق بعد الجمع مسلّم . وأمّا كونه مقام جمع الجمع وتسميته به فغير معلوم ، بل معلوم العدم عند التفتيش ؛ فإنّ الجمع بين الجمع والفرق لا يحصل إلاّ مع عدم احتجاب الجمع عن الفرق وبالعكس . وهذا لا يحصل إلاّ في الكشف الثالث الذي يأتي ذكره من بعد ؛ وهو الكشف التامّ المحمّدي صلی الله علیه و آله وسلم ، الذي له مقام البرزخية الكبرى ، وقد وصل إلى (قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)(1) .

* * * * * * * *

وبهذا الاعتبار يكون المشهود هو الخلق والحقّ في عزّه الأحمى وغيبه [106] الذي كنّى عنه نبيّنا - صلّى اللّه عليه وسلّم - ب «العماء» .

[شرح فصوص الحكم: 584 ؛ و(ط - الحجري) ص 175]

[106] قوله : «الذي كنّى عنه نبيّنا صلی الله علیه و آله وسلم بالعماء».

قد اختلف الآراء في مقام العماء(2) : فمنهم من ذهب إلى ما ذكره الشارح .

ص: 101


1- النجم (53): 9.
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 9.

ومنهم من قال بأنّه مقام الواحدية بمناسبة كونه غيماً رقيقاً بين الأرض والسماء ، وهو يناسب مقام الواحدية ؛ فإنّها واسطة بين سماء الأحدية وأرض الأعيان الخلقية . وقد فصّلنا القول في بعض رسائلنا وحقّقنا أ نّه مقام فيضه الأقدس(1) . وليس هنا مقام بسطه .

* * * * * * * *

"فإن قلت : فما فائدة قوله : (فَلَو شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)(2)

قلنا : «لو» حرف امتناع لامتناع ؛ فما شاء إلاّ ما هو الأمر عليه ؛ [107] ولكن عين الممكن قابل للشيء ونقيضه في حكم دليل العقل .

[شرح فصوص الحكم: 586 ؛ و(ط - الحجري) ص 177]

[107] قوله : «ولكن عين الممكن قابل...» إلى آخره .

قال شيخنا العارف - أدام اللّه ظلّه - في شرح المراد :

«إنّ هاهنا ثلاث مراتب : مرتبة ذات الماهيات من حيث هي ، ومرتبة عرض الوجود والعدم عليها ، ومرتبة نفس الأمر على ما هي عليه .

أمّا في المرتبة الاُولى ، فيحكم العقل بأنّها ليست إلاّ هي ؛ فلا يحكم بشيء آخر عليها .

وأمّا في المرتبة الثانية ، فيحكم حكماً بتّياً بأنّها متساوي الطرفين بالنسبة إلى الوجود والعدم .

ص: 102


1- اُنظر مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، المشكاة الاُولى، مصباح 31.
2- الأنعام (6): 149.

فهاتان المرتبتان دركهما حظّ العقل ، وليس محجوباً عنهما ، فلهذا يحكم قطعياً عليها .

وأمّا في المرتبة الثالثة - وهي مرتبة نفس الأمر التي هي عبارة عن نشأة العلم الربوبي - ، فليس من شأنه دركها ، وهو محجوب عنها ، فلا يحكم عليها . فهو مردّد في حالها هل هي مقتضية للظهور ، أم لا؟ أم هل هي مقتضية للسعادة أو الشقاوة ، أم لا؟ والمثال الذي أورد الشارح في الصفحة الآتية - من الأعمى - راجع إلى ذاك المقام .

وبالجملة : العقل يحكم بقابلية الممكن للشيء ونقيضه فيما هو شأنه ، ولا يحكم بشيء فيما هو محجوب عنه ، وهو مرتبة علم الربوبي . وأمّا السالك المكاشف المطّلع على نفس الأمر فيحكم على آحاد الماهيات بما هي عليها ؛ من الوجود والعدم والسعادة والشقاوة وغير ذلك» . انتهى ما أفاد .

أقول : ولعلّ بطن الاُمّ الذي ورد : «أنّ السعيد سعيد في بطن اُمّه ، والشقيّ شقيّ في بطن اُمّه»(1) هو مرتبة نفس الأمر الذي عبارة عن الحضرة العلمية ؛ فإنّ السعادات والشقاوات وكلّية التقديرات من ذاك العالم الشامخ الربوبي الذي هذا العالم وما فيه ظلّه الظليل .

ولمّا كان جميع التقديرات في ذلك العالم ، ورد في بعض الأخبار : أنّ البداء من علم لا يعلمه الأنبياء والمرسلون هو مخزون عنده ، كما في «الكافي» الشريف بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «إنّ للّه علمين: علم مكنون مخزون

ص: 103


1- التوحيد، الصدوق: 356 / 3؛ صحيح البخاري 4: 551 / 1372؛ صحيح مسلم 2: 549 / 1.

لا يعلمه إلاّ هو، من ذلك يكون البداء. وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه، فنحن نعلمه»(1) صدق ولي اللّه .

والمراد من كون البداء من ذلك أنّه نشأ من ذلك العالم الشامخ ، ولا ينافي ظهوره في بعض النفوس النازلة ؛ فإنّ الموجودات كلّها من الحضرة العلمية . وهاهنا تفصيل لا يسع المقام ذكره .

* * * * * * * *

فإنّ شؤون الحقّ كما تقتضي الهداية كذلك تقتضي الضلالة ، [108] بل نصف شؤونه يترتّب على الضلالة ، كما يترتّب النصف الآخر على الهداية .

[شرح فصوص الحكم: 589 ؛ و(ط - الحجري) ص 178]

[108] قوله : «بل نصف شؤونه...» إلى آخره .

لا يخفى : أنّ سبق الرحمة على الغضب يقتضي أن يكون شأن الهداية غالباً وحاكماً على شأن الضلالة . فلذا قال الشيخ في «الفتوحات» : «ببسم اللّه الرحمن الرحيم ظهر الوجود»(2) وقال أيضاً : «إنّ أرحم الراحمين يشفع عند المنتقم ويصير الأمر على مقتضاه»(3) . هذا بالنظر إلى التكثير .

وإلاّ فبالنظر إلى التوحيد ففي كلّ الأسماء ينطوي الكلّ . فهو أوّل من حيث

ص: 104


1- الكافي 1: 114 / 8.
2- الفتوحات المكّية 1: 102.
3- اُنظر الفتوحات المكّية 2: 86، و3: 175 و440.

هو آخر ، وآخر من حيث هو أوّل ، وفي كلّ جمال جلال وفي كلّ جلال جمال ، كما فصّلنا ذلك في بعض رسائلنا(1) وشرحنا لبعض الأدعية(2) .

* * * * * * * *

[109] ولذلك قسّم الدار الآخرة بالجنّة والنار .

[شرح فصوص الحكم: 589 ؛ و(ط - الحجري) ص 178]

[109] تقسيم الدار الآخرة إلى الجنّة والنار وإن كان صحيحاً ، إلاّ أنّ النار حقيقةً صورة الرحمة الإلهية لأهل التوحيد ؛ فإنّها توجب وصولهم إلى الكمالات المترقّية بإلقاء الغرائب والهيئات المظلمة ، وتصيّرهم قابلين للشفاعة . بل عند الشيخ وأتباعه للكفّار أيضاً ؛ فإنّ العذاب عنده من العَذب ، كما صرّح به في هذا الكتاب(3) .

* * * * * * * *

[110] "(وَمَا مِنَّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلوم)" ؛ أي مرتبة معلومة معيّنة في علم اللّه ، لا يتعدّاها ولا يتجاوز عنها .

[شرح فصوص الحكم: 591 ؛ و(ط - الحجري) ص 179]

[110] هذا من الشيخ لا ينافي عدم المقام للإنسان الكامل ؛ فإنّ المقام هناك

ص: 105


1- اُنظر مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، المشكاة الاُولى، مصباح 16 - 20.
2- اُنظر شرح دعاء السحر، الإمام الخميني قدس سره: 26 و 29 - 34.
3- اُنظر فصوص الحكم: 94؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 661.

بمعنى الحدّ ، وهو منفيّ عنه . ولهذا قيل له : الظلوم الجهول . وهاهنا ليس بذلك المعنى ، بل بمعنى المنزلة والشأن وإن كان شأنه التجاوز عن قاطبة الحدودات الإمكانية واندكاكه في بحر وجوب الوجود .

* * * * * * * *

[111] وهذا الجحد والإقرار بعينه ؛ كما قال الشاعر :

رقّ الزجاج ورقّت الخمر***فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنّما خمر ولا قدح***وكأنّما قدح ولا خمر

[شرح فصوص الحكم: 596 ؛ و(ط - الحجري) ص 182]

[111] لا يخفى : أنّه ليس ما قاله الشاعر من مقام الجحد والإقرار ، بل من مقام الجمع بينهما بنحو الأحدية ؛ بحيث لا يكون الخلق حجاباً عن الحقّ ولا الحقّ عن الخلق . فليس حقيقةً في ذاك المقام جحد أصلاً ؛ فإنّ الجحد من الاحتجاب ، ولذا قال : رقّ الزجاجات التعيّنية الرقيقة ، وراقت خمر الحقيقة ، وهذا بحسب مقام السالك . وأمّا بالنظر إلى الأمر في نفسه : فالاحتجاب مرفوع من رأس ، هذا .

إلاّ أن يقال : إنّ قوله :

فكأ نّما خمر ولا قدح***وكأ نّما قدح ولا خمر

يدلّ على ذلك ؛ فإنّه أنكر وأقرّ في حالين . ولكن يمكن أن يكون ذلك أيضاً إخباراً عن الحال الجمعي الغير المحتجب عن الخلق والحقّ ، فتدبّر تجد .

* * * * * * * *

ص: 106

فصّ حكمة حقّية في كلمة إسحاقيه

[112] واعلم : أنّ ظاهر القرآن يدلّ على أنّ الفداء عن إسماعيل ، وهو الذي رآه إبراهيم أنّه يذبحه ، وإليه ذهب أكثر المفسّرين . وذهب بعضهم إلى أنّه إسحاق . والشيخ - رض - معذور فيما ذهب إليه ؛ لأنّه به مأمور ، كما قال في أوّل الكتاب .

[شرح فصوص الحكم: 606 ؛ و(ط - الحجري) ص 185]

[112] قال شيخنا العارف الكامل - دام ظلّه العالي - : إنّ الشيخ بحسب كشفه في عالم المكاشفة رأى في العين الثابتة الإسحاقية اقتضاءَ هذا المعنى الذي ظهر في إسماعيل علیه السلام في عالم الملك من العبودية التامّة والفناء التامّ ، فأخبر عمّا ظهر عليه من العين الثابتة . وهذه المكاشفة صحيحة ، إلاّ أنّ عدم الظهور في عالم الملك ؛ لقوّة العين الثابتة الإسماعيلية أو لمانع آخر ، هذا .

وقد استشكلت عليه : بأنّ الظاهر من كلام الشيخ وقوعه بالنسبة إلى إسحاق في عالم الملك ، فصدّق ذلك وقال - دام ظلّه - : «يمكن أن يكون كشفه صحيحاً ،

ص: 107

إلاّ أنّ خياله لمّا كان مشوباً تمثّل له المعنى المجرّد عن اللباس في عالم خياله بصورة إسحاق علیه السلام ؛ فإنّ المكاشفات تقع مجرّدة عن الصورة ، ولكن الخيال يمثّلها بأيّ صورة شاء بمجرّد مناسبة . والغالب دخالة المأنوسات والمعتقدات في ذلك التمثّل» . هذا ما أفاد دام ظلّه .

* * * * * * * *

والإتيان بالفداء الذي هو صورة فداء النفس [113] وفاء بالعهد الأزلي السابق .

[شرح فصوص الحكم: 608 ؛ و(ط - الحجري) ص 186]

[113] في الحضرة العلمية بحسب الأعيان الثابتة ، وفي الحضرة المشيّة المطلقة الكلّية ثانياً ، وفي التعيّن الأوّلي العقلي ثالثاً ، ثمّ التعيّن الثانوي إلى التعيّنات الملكوتية من العليا والسفلى - أي النفوس الكلّية الإلهية - وحضرة المثال المطلق ؛ أي عالم الذرّ .

وهذا العهد - أي الإقرار بالتوحيد الحقيقي ، ومقام الولاية الكبرى المطلقة اللازمة له - لم يكن مختصّاً بالأولياء والعرفاء ، بل يتساوى فيه السعيد والشقيّ ؛ لعدم الاحتجاب في تلك العوالم أصلاً ، بل الاحتجاب يحصل بورود هذا العالم الدنيوي .

فإذا وفى بالعهد السابق بحصول الفناء التامّ يحصل له الإرباح بالبقاء باللّه تعالى ، وإلاّ فله الخسران والاحتجاب بالظلمات التي بعضها فوق بعض ؛

ص: 108

(وَالْعَصرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ)(1) احتجابات عالم المادّة (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا)(2) بمقام الولاية المطلقة الكلّية والتوحيد الحقيقي .

* * * * * * * *

وكلّ منهما لا يطّلع لربّه ؛ اطّلاع العارف المشاهد للحقّ ومراتبه التي هي روحانية الجماد والنبات والحيوان من الكمّل والأفراد [114] من الإنسان .

[شرح فصوص الحكم: 615 ؛ و(ط - الحجري) ص 188]

[114] قوله : «من الإنسان» .

بيان لقوله : «الكمّل والأفراد» ، والكمّل هم الأقطاب ، والأفراد هم أتباعهم .

قال عبدالرزّاق الكاشي في «اصطلاحاته» :

«القطب هو الواحد الذي هو موضع نظر اللّه تعالى من العالم في كلّ زمان ، وهو على قلب إسرافيل علیه السلام (3) . والأفراد هم الرجال الخارجون عن نظر القطب»(4) .

* * * * * * * *

ص: 109


1- العصر (103): 1 - 2.
2- العصر (103): 3.
3- اصطلاحات الصوفية: 145.
4- اصطلاحات الصوفية: 31.

[115] وإبراهيم علیه السلام لم يعبّرها ؛ لأنّ الأنبياء والكمّل أكثر ما يشاهدون الاُمور في العالم المثالي المطلق ، وكلّ ما يُرى فيه لابدّ أن يكون حقّاً مطابقاً للواقع .

[شرح فصوص الحكم: 617 ؛ و(ط - الحجري) ص 189]

[115] لمّا كان الشارح من أصحاب القياس قاس إبراهيم علیه السلام بنفسه في أ نّه علیه السلام قاس رؤياه هذه بسائر ما رأى في عالم المثال المطلق ، مع أ نّه رأى في المثال المقيّد . أو قاس علیه السلام ذلك على حال كثير من الأنبياء علیهم السلام ؛ من كونهم محلّ الوحي في المنام .

وليس الأمر كما توهّم الشارح، بل يمكن أن يكون حبّه المفرط بمقام الربوبية وعشقه وخلّته حجب عن أن يعبّر رؤياه ؛ فإنّ العشق المفرط يوجب أن يفدي ما هو أحبّ عنده في طريق محبوبه . فالاستغراق في جمال المحبوب يمنعه عن أن يعبّر . فالحقيقة غلبت على الشريعة ، مع أنّ حكم الشريعة أنّه : (لاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللّه ُ إِلاَّ بِالحَقِّ)(1) ، هذا ما أفاد شيخنا العارف ، دام ظلّه العالي .

* * * * * * * *

[116] قال : "من وهم إبراهيم" عليه السلام ؛ ولأنّه توهّم : أنّ المرئي لا ينبغي أن يعبّر ؛ فقصد ذبح ابنه .

[شرح فصوص الحكم: 617 ؛ و(ط - الحجري) ص 190]

ص: 110


1- الإسراء (17): 33.

[116] ليس الأمر كما ذكره الشارح ، بل مراد المصنّف من قوله : «من وهم إبراهيم» أنّ إطلاق الفداء على الكبش كان بحسب وهم إبراهيم علیه السلام ؛ فإنّه توهّم : أنّه مأمور بذبح ابنه ، مع أ نّه كان مأموراً بذبح الكبش ؛ فذَبح الكبش لم يكن فداء .

بل التحقيق : أنّ ما رأى إبراهيم علیه السلام هو حقيقة الفناء التامّ والاضمحلال الكلّي في الحضرة الأحدية ، وذبح الابن أو الكبش هو رقيقة هذه الحقيقة . إلاّ أنّ الجمع بين الشريعة والحقيقة يقتضي ذبح الكبش، ولكن شدّة محبّة إبراهيم وعشقه احتجبه عن الجمع بينهما ، فأراد ذبح الابن . فالفداء يكون على وهمه ، فافهم .

* * * * * * * *

[117] "ألا ترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اُتي في المنام بقدح لبن ، قال : «فشربته حتّى خرج الريّ من أظافيري، ثمّ أعطيت فضلي عمر» .

قيل : ما أوّلته يا رسول اللّه؟ قال : «العلم»" .

[شرح فصوص الحكم: 622 ؛ و(ط - الحجري) ص 192]

[117] قوله : «ألا ترى رسول اللّه...» إلى آخره .

اعلم - هداك اللّه إلى الطريق المستقيم - أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لمّا كان متحقّقاً بتمام دائرة الوجود ومستجمعاً للكمالات التي في جميع عوالم الغيب والشهود وله البرزخية الكلّية - وهو المشية المطلقة والفيض المقدّس الإطلاقي - لم يكن كمال ولا وجود خارجاً عن حيطة كماله ووجوده . فهو كلّ الوجود الظلّي ، وكلّه الوجود ، وليس وجود ولا كمال وجود خارجاً عن وجوده وكمال وجوده حتّى يكون فضلاً وزيادة . والفيوضات الوجودية والكمالية التي تصل إلى ما سواه من

ص: 111

حضرته يكون بطريق التجلّي والتشؤّن ، لا بطريق الفضل والزيادة . نعم ، ما كان فضلاً عن الوجود هو التعيّن والعدم ، وعن الكمالات ما كان من سنخ مقابلاتها .

* * * * * * * *

"فإن لم يردّها الدليل العقلي" ؛ بأن كان [118] التجلّي في الصورة النورية كصورة الشمس ، أو غيرها من صور الأنوار كالنور الأبيض والأخضر وغير ذلك ، "أبقيناها على ما رأيناها ، كما نرى الحقّ في الآخرة سواء" .

[شرح فصوص الحكم: 625 ؛ و(ط - الحجري) ص 193]

[118] التجلّي بالصورة النورية المقيّدة - كالصورة الشمسية أو القمرية - أيضاً ممّا يردّه العقل النظري ؛ فلابدّ من إرجاعها إلى الحقّ المشروع ، كما فعل شيخ الأنبياء في رؤياه الزهرة والقمر والشمس في قوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوكَباً...)(1) إلى آخر الآية .

فالتجلّي أوّلاً وقع بالصورة الكوكبيّة المقيّدة في المظهر النفسي ، ثمّ بالصورة القمرية التي مظهرها العقل ، ثمّ بالصورة الشمسية التي مظهرها الروح ، ثمّ خرج عن حدّ التقييد ووقع في مقام الإطلاق بمقامه القدسي ، فقال إخباراً عن حاله ومقامه : إِنِّي وجَّهت وجهي للَّذي فطر سماوات الأرواح الشمسية والعقول القمرية وأراضي الأشباح الكوكبية حنيفاً مسلماً وما أَنا من المشركين .

* * * * * * * *

ص: 112


1- الأنعام (6): 76.

[119] ولمّا كانت العقول الضعيفة عاجزة من إدراك التجلّيات الإلهية في كلّ موطن ومقام والنفوس الأبية طاغية غير معظّمة لشعائر اللّه ، أوجب إسناد الصور الكمالية إليه ، وردّ ما يوجب النقصان عنه .

[شرح فصوص الحكم: 626 ؛ و(ط - الحجري) ص 194]

[119] قوله : «ولمّا كانت العقول...» إلى آخره ، اعتذار عن الشيخ ؛ حيث فصّل بين الصور الناقصة وغيرها ، مع أنّه من أصحاب القلوب وأرباب النواظر الصحيحة ؛ خصوصاً مع كونه قائلاً عن لسان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بأنّ ذلك وقع منه بمناسبة حال المحجوبين والجمهور من الناس، لا بالنسبة إلى حال نفسه ومقامه.

* * * * * * * *

[120] "وتقبل في مجلى العقول وفي الذي***يسمّى خيالاً والصحيح النواظر"

[شرح فصوص الحكم: 628 ؛ و(ط - الحجري) ص 195]

[120] أي وتقبل أرباب العقول الحقّ إذا تجلّى بالتنزيه في المجلى العقلي ، وأرباب الخيال والحسّ إذا تجلّى بالتشبيه في المجلى الخيالي ، وأرباب القلوب - الذين هم الصحيح النواظر - كلا التجلّيين ؛ أي التنزيه والتشبيه . فالمنزّه مقيّد محدّد ، والمشبّه مقيّد محدّد ، وكلاهما خلاف التوحيد الحقيقي . وأحدية

ص: 113

جمع التشبيه والتنزيه إخراج عن حدّين .

وقد ورد من طريق أهل البيت وأصحاب الوحي الأمر بإخراجه تعالى عن الحدّين : حدّ التشبيه ، وحدّ التعطيل(1) .

* * * * * * * *

[121] "وهذا وُسع أبي يزيد في عالم الأجسام" ؛ أي وسع قلبه ؛ لأنّه ما يخبر إلاّ عمّا يجده في قلبه ، لا وسع مرتبة القلب إذا كان في غاية كماله .

[شرح فصوص الحكم: 629 ؛ و(ط - الحجري) ص 195]

[121] أي هذا مقام أبي يزيد بحسب مقام قلبه المقيّد المتوجّه إلى عالم الأجسام . وأمّا وسعه بحسب مقام قلبه الإطلاقي فهو الذي قال : «بل أقول : لو أنّ .. .» إلى آخره .

وأمّا قوله : «مع العين الموجدة له» لو كان المراد مقام الفيض المقدّس الإطلاقي فيشكل الأمر ؛ حيث أن لا مقام فوق ذلك حتّى يكون وعاءه .

والجواب : أنّ مقام «المشيّة المطلقة» مقام التدلّي وفوقه «أو أدنى» الذي هو الاضمحلال في الأحدية والبقاء بالواحدية . ولو كان المراد منها التعيّن الأوّل ، وممّا لا يتناهى وجودُه ما عداه من العقول ، فالأمر واضح لا سترة عليه .

* * * * * * * *

ص: 114


1- الكافي 1: 82 / 2؛ التوحيد، الصدوق: 104 / 1.

[122] "من وسع الحقّ فما ضاق عن***خلق فكيف الأمر يا سامع"

[شرح فصوص الحكم: 631 ؛ و(ط - الحجري) ص 196]

[122] أي من وسع الحقّ بقلبه وسع الخلق الذي تجلٍّ من تجلّياته وظهور من ذاته تبارك وتعالى ؛ فإنّ ذاته أكبر من ظهوره وأشرف .

وهذا سرّ قوله : «لو أنّ ما لا يتناهى وجوده والأجسام بقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له .. .»(1) إلى آخره ، فإنّ العين الموجدة - كما أشرنا - عبارة عن الفيض المقدّس الإطلاقي ، ومع ذلك قلب الوليّ المطلق أوسع منه ؛ لاستهلاكه في أحدية الجمع ، كما قال تعالى : «لا يسعني أرضي ولا سمائي، بل يسعني قلب عبدي المؤمن»(2) .

* * * * * * * *

"لأنّ الغفلة ما تعمّ قطّ ؛ لا في العموم ولا في الخصوص" ؛ [123] أي لا في عموم الخلائق ولا في خصوصهم .

[شرح فصوص الحكم: 633 ؛ و(ط - الحجري) ص 198]

[123] قوله : «أي لا في عموم الخلائق...» إلى آخره .

هذا غير صحيح ؛ فإنّ هذا الحضور الذي لقاطبة الخلائق لا يستصحّ لإبقاء ما خلق ، كما لا يستصحّ لأصل الخلق والإيجاد . والإيجاد واستبقاء

ص: 115


1- اُنظر فصوص الحكم: 88؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 629.
2- تفسير القرآن الكريم، صدر المتأ لّهين 4: 167؛ وانظر: عوالي اللآلي 4: 7 /7؛ إحياء علوم الدين 3: 25؛ الفتوحات المكّية 1: 216.

الموجود يرتضعان بلبن واحد .

فلابدّ إمّا أن يكون المراد بالعموم عموم الحضرات ، وبالخصوص حضرةً ما ، وهذا يحتاج إلى التكلّف في العبارة . وإمّا أن يكون المراد عموم أهل السلوك والخلّص منهم ، فتدبّر جيّداً .

* * * * * * * *

"فإن كان عبداً ، كان بالحقّ واسعاً" أي ، فإن ظهر العبد بصفة العبودية ، كان واسعاً بالحقّ قادراً على الأشياء بحوله وقوّته ؛ ولا يطالبه أحد بالصفات الكمالية التي للحقّ .

"وإن كان ربّاً كان في عيشه ضنك" ؛ أي في تعب وضيق ؛ لأنّه يطالب بالأشياء حينئذٍ ، [124] فيعجز عن الإتيان بها .

[شرح فصوص الحكم: 636 ؛ و(ط - الحجري) ص 200]

[124] قوله : «فيعجز عن الإتيان بها».

وعجز الأولياء عن الإتيان بمطلوب الجهّال لا لنقص في قدرتهم ، بل لأنّ القدرة محدودة بالعلم ؛ فإنّ الأولياء يعلمون أنّ الصلاح بحسب النظام الكلّي وجود كذا أو عدم وجود كذا ، فإذا سأله الجاهل خلاف ما هو الصلاح الكلّي يعجز عن الإتيان به .

مع أنّ الظهور بالربوبية من أعظم الاُمور على الأولياء وأثقلها ، ولذا لا يأتون بالمعاجيز إلاّ في مقام يجب إظهار ربوبية اللّه تعالى ، ومع ذلك يتذلّلون إليه ويُصلّون ويظهرون العجز والانكسار ، ويعتذرون عند ربّهم من ظهورهم

ص: 116

بشأنه تعالى ، مع أنّهم شأنه وظهوره . وما كان لهم أن يأتون بآية إلاّ بإذنه وقيّوميته .

ولذا قال شيخنا العارف الكامل - دام ظلّه العالي - : إنّ التمسّك والتوكّل بالأولياء الجزء في الحاجات - وخصوصاً الحاجات الدنيوية - أولى من الوليّ المطلق .

* * * * * * * *

ص: 117

ص: 118

فصّ حكمة عليّة في كلمة إسماعيلية

[125] "وأمّا الأحدية الإلهية فما لأحد فيها قدم ؛ لأنّه لا يقال لواحد منها شيء ولآخر منها شيء ؛ لأنّها لا تقبل التبعيض" .

[شرح فصوص الحكم: 640 ؛ و(ط - الحجري) ص 201]

[125] قوله : «وأمّا الأحدية الإلهية...» إلى آخره .

هذه الجملة من خاصّة قوله : «أحدي بالذات» . كما أنّ قوله : «وكلّ موجود فما له من اللّه .. .» إلى آخره ، من خاصّة «كلّ بالأسماء» .

والمراد بالأحدية الذاتية الأحدية الجمعية في الحضرة الواحدية السارية في كلّ الأسماء والمظاهر مع حفظ الوحدانية الذاتية ، لا الأحدية الغيبية التي لا اسم لها ولا رسم ، ولا الظهور بالوحدانية المستهلكة عندها التعيّنات والمضمحلّ لديها الوجودات كما توهّم الشارح ؛ لأنّ المقام مقام ما ذكرنا لا ما ذكره ، كما لا يخفى على أهله .

ولعلّه انتقل إلى ما ذكرنا ، ولهذا قال : «والهوية الإلهية من حيث هي هي .. .» إلى آخره .

* * * * * * * *

ص: 119

فصّ حكمة عليّة في كلمة إسماعيلية

"فأحديته مجموع [126] كلّه بالقوّة" .

[شرح فصوص الحكم: 641 ؛ و(ط - الحجري) ص 201]

[126] قوله : «كلّه بالقوّة».

لا تتوهّمنّ من لفظة «بالقوّة» ما هو المتفاهم بحسب الظاهر ؛ فإنّ ذلك لا قدم له في الذات الأحدية ، بل بمعنى الوحدة الجمعية البسيطة التي بوحدتها كلّ الأسماء ، وينشعب منها كلّ الأسماء والصفات وجميع المظاهر والتعيّنات .

* * * * * * * *

[127] وإنّما يتميّز السعيد من الشقيّ لأنّه يعرف أنّ الأمر كذلك ، فسعادته بعلمه ومعرفته . ومن لم يعرف ذلك وأضاف الأفعال إلى القوابل بَعُد عن الراحة العظمى والمثوبة الحسنى ، فشقي . فشقاوته بجهله وعدم عرفانه .

[شرح فصوص الحكم: 642 - 643 ؛ و(ط - الحجري) ص 202]

[127] قال شيخنا الاُستاذ - دام ظلّه العالي - : إنّ مناط السعادة والشقاوة مطلقاً بالعلم والمعرفة ، كما أنّ مناط كونه مرضيّاً أيضاً كذلك ، إلاّ أنّ الأوّل بعرفان العبد ، والثاني بعرفان الربّ .

ولا يخفى : أنّ للسعادتين مرتبتين : مرتبة تابعة لكونه مرضيّاً ، وهو حاصل مع جهل العبد أيضاً . وسعادة اُخرى تابعة للمعرفة وإسناد الأفعال والآثار والكمالات والوجود إلى الحقّ وسلبه عن غيره .

* * * * * * * *

ص: 120

"ولهذا قال سهل - رض - : [128] إنّ للربوبية سرّاً وهو أنت ؛ يخاطب كلّ عين" .

[شرح فصوص الحكم: 643 ؛ و(ط - الحجري) ص 202]

[128] قوله : «إنّ للربوبية سرّاً؛ وهو أنت».

واعلم : أنّ الربوبية في قوله ذلك هي الربوبية الذاتية المكتنفة بالأسماء والصفات التي منها الربوبية الأسمائية ، وسرّها مرتبة ذات العبد وعينه الخارجية المكتنفة بالأسماء والصفات . فكما أنّ الحقّ غيب [ب] ذاته ظاهر بصفاته وأسمائه ومظاهرها ، كذلك العبد غيب بذاته ظاهر بأسمائه وصفاته .

وليس معنى قوله ما ذكره الشارح ، كما لا يخفى على أهله .

* * * * * * * *

ولأنّ كلّ واحد من الموجودات ما يأخذ من الربّ المطلق إلاّ ما يناسبه ويقبله ، [129] ولا يأخذ من جميع أنواع الربوبية .

[شرح فصوص الحكم: 646 ؛ و(ط - الحجري) ص 204]

[129] قوله : «ولا يأخذ من جميع...» إلى آخره .

لا يخفى : أنّ الأخذ من مقام الإلهية ممكن واقع بمقامه الجمعي ، بل أوّل ما ظهر في الوجود هو الاسم الجامع لجميع أنواع الربوبيات بمظهره الجامع الذي هو الإنسان الكامل . وأمّا الأخذ من حضرة الأحدية فلا يمكن لأحد حتّى للأسماء الإلهية .

ص: 121

عنقا شكار كس نشود دام بازگير***كانجا هميشه باد به دست است دام را(1)

* * * * * * * *

"وإن نظرته بك [130] فزالت الأحدية بك" ؛ لأنّ الأحدية مع الاثنينية لا يمكن .

[شرح فصوص الحكم: 647 ؛ و(ط - الحجري) ص 204]

[130] قوله : «فزالت الأحدية بك...» إلى آخره .

وذلك لأنّ النظر والمشاهدة لا يمكن إلاّ بصيرورة الناظر مستغرقاً في عين المنظور متّحداً معه ، أو ظهور المنظور وتجلّيه في مرآة الناظر ، وكلاهما يُزيلان الأحدية . وتحت ذلك أسرار .

* * * * * * * *

ولمّا أثبت أوّلاً وجود الأمثال والأضداد باعتبار الكثرة أراد أن ينفيها باعتبار الوحدة الذاتية والوحدة العرضية ؛ فقال : " [131] فما ثمّة مثل ، فما في الوجود ضدّ ؛ فإنّ الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضادّ نفسه ."

[شرح فصوص الحكم: 652 ؛ و(ط - الحجري) ص 208]

[131] قوله : «فما ثمّة مثل...» إلى آخره .

ص: 122


1- ديوان حافظ: 76، غزل 9.

قوله : «فإنّ الوجود حقيقة واحدة» تعليل لنفي المثلية والضدّية .

وأمّا ما ذكره الشارح أوّلاً بقوله : «إذا كان ما في الوجود متميّزاً» فلا يستقيم ؛ فإنّ إثبات التميّز كما ينفي المثلية من جميع الوجوه يثبت الضدّية ؛ فلا يمكن نفي الضدّية به .

وأيضاً : إنّ الضدّية مثلية من بعض الوجوه ، لا من جميع الوجوه ؛ فلا ينافي نفي المثلية من جميع الوجوه ، على أن يكون الظرف قيداً للمنفيّ لا للنفي مع الضدّية ، كما لا يخفى .

* * * * * * * *

ولا يظهر بمقام الربوبية ؛ ليكون عين ربّه ؛ فيدّعي أ نّه هو ، [132] كما ظهر به أرباب الشطح .

[شرح فصوص الحكم: 654 ؛ و(ط - الحجري) ص 209]

[132] قوله : «كما ظهر به أرباب الشطح».

ظهور أهل الشطح بالربوبية وإظهارهم إيّاها لنفسهم ليس إلاّ لنقصان السلوك وبقاء الأنانية والإنّية ؛ فإنّ السالك إذا أراد بالسلوك إظهار القدرة والسلطة - لما رأى أهل السرّ من الأولياء قد يظهرون ذلك ، فاشتغل به لذلك - ربّما يظهر نفسه وشيطانه له ويتجلّى بالربوبية ؛ فإنّه عبد نفسه لا عبد ربّه .

قال شيخنا - دام ظلّه العالي - : إنّ أكثر أهل الدعاوي الباطلة كانوا من أصحاب الرياضات الباطلة .

أقول : وميزان تميز الرياضة الباطلة عن غيرها هو ذلك الذي ذكرنا . فعليك

ص: 123

بخلوص النيّة وصدق السريرة مع ربّك ؛ فإنّ «من أخلص للّه أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(1) .

كه اى صوفى شراب آنگه شود صاف***كه اندر خم بماند اربعينى(2)

* * * * * * * *

[133] "دلّنا على ذلك : جهل أعيان في الوجود بما أتى به عالم" .

[شرح فصوص الحكم: 655 ؛ و(ط - الحجري) ص 209]

[133] قوله : «دلّنا على ذلك».

قال شيخنا العارف الكامل - أدام اللّه ظلّه - : يمكن أن يكون «ذلك» إشارة إلى قوله : «لمن خشي ربّه»(3) ، والجاهل ليس الجاهل المطلق ، بل أهل الشطح ، والعالم هو المحقّق .

وحاصل المعنى : أنّ جهل أهل الشطح على ما أتى به المحقّق من حفظ المقامات دلّنا على مقام الخشية .

* * * * * * * *

ص: 124


1- شرح الأسماء، السبزواري: 703؛ وانظر: بحار الأنوار 67: 242 / 10؛ إحياء علوم الدين 5: 194؛ الفتوحات المكّية 2: 10 و44.
2- ديوان حافظ: 638، غزل 571.
3- اُنظر فصوص الحكم: 93؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 654.

[134] وأنّ الكلّ خلق بلا حقّ في مقام الفرق المطلق .

[شرح فصوص الحكم: 656 ؛ و(ط - الحجري) ص 210]

[134] وفي هذا المقام يكون إجراء الحدود ، ويتحقّق بغض الأنبياء بالنسبة إلى الكفّار والمنافقين . وإلاّ ففي مقام الجمع المطلق أو الجمع مع الفرق لا يمكن ذلك ، كما هو المعروف من قضيّة موسى علیه السلام وأمره بإحضار أخسّ الخلائق(1) .

* * * * * * * *

ص: 125


1- راجع عدّة الداعي: 251؛ وما يأتي في التعليقات على مصباح الاُنس، الإمام الخميني قدس سره: 94، التعليقة 132.

ص: 126

فصّ حكمة روحية في كلمة يعقوبية

فصّ حكمة روحية [135] في كلمة يعقوبية

[شرح فصوص الحكم: 665 ؛ و(ط - الحجري) ص 214]

[135] قوله : «في كلمة يعقوبية».

إنّما خصّص هذه الحكمة بكلمته :

لاختصاصه من بين أولاد إبراهيم علیه السلام في ظهور الدين وإظهاره وبسطه ، كما قال اللّه : (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللّه َ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(1) ؛

ولأنّه علیه السلام بعد ما ابتلي بفراق يوسفه وابيضّت عيناه من الحزن ، تداركه الرحمة الإلهية بإلقاء السكينة في قلبه ، وأراد أن يبسطها في بنيه ، فقال : (يَا بَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَايْئسُوا مِنْ رَوْحِ اللّه ِ إِنَّهُ لاَ يَاْيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللّه ِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)(2) ؛

ص: 127


1- البقرة (2): 132.
2- يوسف (12) : 87 .

ولأنّ روحانيته سرت بظاهر حسّه ، ولذا وجد ريح يوسف بالقوّة الشامّة(1) ، كما شمّ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم ريح أويس القرني من جانب يمن(2) .

* * * * * * * *

فإنّه كان يجد في مقام روحه بقاء يوسف وأخيه وجداناً إجمالياً ، كما قال : [136] (إِنِّى لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)(3) ولا يجده عياناً تفصيلياً ، لذلك (ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ)(4) واللّه أعلم .

[شرح فصوص الحكم: 666 ؛ و(ط - الحجري) ص 215]

[136] قد عرفت : أنّ وجدانه لريح يوسف كان عياناً بعد ما تداركه الرحمة الإلهية بإلقاء السكينة في قلبه ، وذلك بعد ارتياضه وابيضاض عينه من الحزن وهو كظيم ، كما أخبر اللّه تعالى عنه .

* * * * * * * *

"ف «الدين» الانقياد ، [137] و«الناموس» هو الشرع الذي شرّعه اللّه" .

[شرح فصوص الحكم: 668 ؛ و(ط - الحجري) ص 216]

ص: 128


1- إشارة إلى آية: (ولمّا فَصَلَتِ العِيرُ قالَ أبُوهُم إِنّى لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ...). يوسف (12): 94.
2- عوالي اللآلي 1: 51 / 74؛ المسند، أحمد بن حنبل 2: 541؛ كنز العمّال 12: 50 / 33951.
3- يوسف (12): 94.
4- يوسف (12): 84.

[137] قوله : «والناموس هو الشرع» .

أقول : «الناموس» هو الذي يكون الإنسان بصدد حفظه واختفائه . ولمّا كان مقصد الأنبياء - صلوات اللّه عليهم - بسط معروفية الحقّ ومعبوديته في العالم ، وهو لا يحصل إلاّ بحفظ اُمور ، صارت النواميس الإلهية خمسة :

الأوّل : ناموس الحياة ؛ فإنّه بها يحصل المعرفة والعبودية .

والثاني : ناموس العقل ؛ إذ لولاه لما عرف اللّه وما عبد .

والثالث : ناموس المال ؛ إذ به معاش الناس ومعادهم .

والرابع : ناموس العرض ؛ إذ بحفظه يصحّ التوالد والتناسل ويبسط المعروفية والمعبودية .

والخامس : ناموس الشريعة ؛ وهو ناموس المعبودية والمعروفية .

* * * * * * * *

"وهي النواميس الحكمية" ؛ أي الشرائع التي اقتضتها الحكمة والمعرفة "التي لم يجئ الرسول المعلوم بها في العامّة من عند اللّه

[138] بالطريقة الخاصّة المعلومة في العرف" .

[شرح فصوص الحكم: 670 ؛ و(ط - الحجري) ص 217]

[138] قوله : «بالطريقة الخاصّة». الظاهر كونه متعلّقاً بقوله : «لم يجئ الرسول» ؛ أي لم يجئ الرسول بها بالطريق المعهود عند العامّة من إظهاره النبوّة أوّلاً ، وإظهار المعجزة لإثباتها ، ثمّ إتيان الأحكام .

* * * * * * * *

ص: 129

[139] "ولهذا سمّي أو شرح «الدين» ب «العادة» ؛ لأنّه عاد عليه ما يقتضيه ويطلبه حاله ؛ فالدين العادة" .

[شرح فصوص الحكم: 675 ؛ و(ط - الحجري) ص 221]

[139] قوله : «ولهذا...» إلى آخره .

لمّا كان الدين هو الجزاء وكان الجزاء من طرفين ؛ أي طرف العبد بإظهار كمالاته تعالى ومكنونات غيبه تعالى ، ومن الحقّ بتجلّيه عقيب ذاك الحال بحال مناسبة للعبد ، فيكون الجزاء من الحقّ تعالى ما عاد إلى العبد من أحواله وتناسب نشأته ، فيكون الجزاء هو العادة ، ويكون الدين هو العادة .

* * * * * * * *

ص: 130

فصّ حكمة نورية في كلمة يوسفية

لمّا كان عالم الأرواح المسمّى ب «العالم المثالي» عالماً نورانياً ، [140] وكان كشف يوسف علیه السلام مثالياً وكان على الوجه الأتمّ والأكمل ، أضاف الحكمة النورية الكاشفة عن الحقائق إلى كلمته .

[شرح فصوص الحكم: 683 ؛ و(ط - الحجري) ص 225]

[140] قوله : «وكان كشف يوسف مثالياً...» إلى آخره .

ليس المراد أنّ مقام يوسف محدود بالكشف المثالي . وكيف ذا ، وهو نبيّ عظيم الشأن لابدّ له من حصول الفناء التامّ والبقاء بالحقّ بعد الفناء ، كما هو شأن الأنبياء علیهم السلام ؟!

بل المراد : أنّ الكشف المثالي مقامه ، وهو علیه السلام صاحب الكشف المثالي وقطبه ، ويستفيد سائر أهل الكشف المثالي من مقامه ، وإن كان هو أيضاً يستفيد من مقام قطب الأقطاب أزلاً وأبداً .

* * * * * * * *

ص: 131

[141] "وكلّ ما يُرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل ، وإن اختلفت الأحوال . . ." .

[شرح فصوص الحكم: 685 ؛ و(ط - الحجري) ص 227]

[141] قوله : «وكلّ ما يرى...» إلى آخره .

ويمكن أن يكون المراد من «النوم» النوم الاصطلاحي لا اليقظة ، ومن «الأحوال» أحوال النائمين ؛ أي وكّل ما يرى في المنام من قبيل ما رأى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في ستّة أشهر ، وإن اختلفت الرؤيا حسب حال أهل المنام ، فإنّ منامات رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من قبيل تمثّلات الحقائق الغيبية في الحضرة الخيال الغير المشتغل عن حضرات الحقائق ، بخلاف منامات سائر الناس .

وإن حملنا النوم على ما ذكره الشارح بمناسبة ما قبله وما بعده ، يكون المراد من اختلاف الأحوال اختلاف أحوال المكاشفين الدخيل في اختلاف كشفهم .

* * * * * * * *

[142] "وعلم ذلك يعقوب حين قصّها عليه ؛ فقال : (يَا بُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً)(1)" .

[شرح فصوص الحكم: 688 ؛ و(ط - الحجري) ص 228]

[142] قوله : «وعلم ذلك يعقوب...» إلى آخره .

يحتمل فيه وجهان :

الأوّل - ولعلّه الأظهر - : أنّ يعقوب علیه السلام أيضاً لم يعلم بما رآه يوسف ؛ أي لم

ص: 132


1- يوسف (12): 5.

يكن رؤياه بقصده ، إلاّ أنّه علم بالمقصود حين قصّها عليه من جهة علم التعبير .

الثاني : أن يكون المراد أنّ رؤياه وإن لم يكن بإرادة إخوته وخالته ، إلاّ أ نّه كان بإرادة يعقوب علیه السلام .

* * * * * * * *

"فكان قول يوسف علیه السلام (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقّاً)(1) بمنزلة من رأى في نومه [143] أ نّه قد استيقظ من رؤيا رآها" .

[شرح فصوص الحكم: 689 ؛ و(ط - الحجري) ص 229]

[143] قوله : «أنّه قد استيقظ...» إلى آخره .

فإنّ يقظته نوم عند المحمّديين . فقوله : (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً) تعبير عن المنام الخيالي في المنام الحسّي الخيالي ، فاستيقاظه انتقال من نوم إلى نومٍ .

* * * * * * * *

وجعل يوسف علیه السلام الصور الحسّية حقّاً ثابتاً ، والصور الخيالية غير ذلك ؛ فصار الحسّ عنده مجالي للحقّ والمعاني الغيبية [144] دون الخيال .

[شرح فصوص الحكم: 690 ؛ و(ط - الحجري) ص 229]

[144] قوله : «دون الخيال».

إن كانت العبارة كذلك يكون المراد : أنّ الحسّ عنده لمّا كان حقّاً يكون

ص: 133


1- يوسف (12): 100.

مجلى للحقّ والمعاني الغيبية . وأمّا الخيال فيكون عبرة إلى الحسّ ، فلا يكشف إلاّ عن الحسّ ، وهذا كشف يوسفي .

وأمّا كشف المحمّديين فغير ذلك ؛ فإنّ الخيال عندهم مجلى للحقّ والمعاني الغيبية ، كما أنّ الحسّ كذلك ؛ أي أنّ الخيال عبرة إلى الغيب ، كما هو عبرة إلى الحسّ الذي هو عبرة إلى الغيب .

* * * * * * * *

"فيقول : اعلم أنّ المقول عليه - سوى الحقّ أو مسمّى العالم - هو بالنسبة إلى الحقّ [145] كالظلّ للشخص" .

[شرح فصوص الحكم: 691 ؛ و(ط - الحجري) ص 230]

[145] قوله : «كالظلّ».

واعلم : أنّ العالَم بأعيانه وحقائقه كالظلّ ، وبوجوده هو الظلّ ، فإنّ الظلّ هو الوجود الانتسابي الذي يتوهّم الجاهل أ نّه للعالم ، والعارف يقول شيئاً آخر .

* * * * * * * *

وذلك لأنّ الظلّ [146] لا وجود له إلاّ بالشخص ، كذلك العالم لا وجود له إلاّ بالحقّ .

[شرح فصوص الحكم: 691 ؛ و(ط - الحجري) ص 230]

[146] قوله : «لا وجود له إلاّ بالشخص . . .» إلى آخره .

بل لا وجود للظلّ أصلاً ، فوجوده وجود خيالي ؛ فإنّ الظلّ عدم تنوّر المحلّ

ص: 134

عن نور المنير ، ولكن يتخيّل أنّه شيء ، مع أ نّه ليس بشيء . كالعالَم يتخيّل أ نّه موجود، وليس بموجود عند التحقيق العرفاني «ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل»(1).

* * * * * * * *

فمحلّ ظهور هذا الظلّ الإلهي المسمّى بالعالم إنّما هو أعيان الممكنات عليها امتدّ هذا الظلّ [147] فتدرك من هذا الظلّ بحسب ما امتدّ عليه من وجود هذه الذات .

[شرح فصوص الحكم: 692 ؛ و(ط - الحجري) ص 231]

[147] قوله : «فيدرك من هذا الظلّ...» إلى آخره .

معنى العبارة حسب شرح الشارح : أنّه يدرك من هذا الظلّ - الذي هو العالم - بحسب الفيض الممتدّ عليه ، الذي هو - أي هذا الفيض - تجلّ إلهي ؛ أي بمقدار التجلّي الإلهي يدرك العالم .

ويمكن أن يكون المعنى : أنّه يدرك بواسطة الظلّ - الذي هو الوجود - بمقدار امتداده على العالم وجود الذات الإلهية ؛ أي يدرك الذات الإلهية بمقدار بسط الفيض على الممكنات .

وهاهنا احتمال آخر أقرب من الاحتمالين بالنظر إلى قوله السابق ، وهو أنّه يدرك الظلّ الذي هو الوجود بحسب ظهوره وامتداده على العالم من قبل وجود الذات الإلهي .

ص: 135


1- تمامه: ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطلٌ وكلّ نعيم لامحالة زائلٌ ديوان لبيد: 132؛ الفتوحات المكّية 3: 378.

[148] وبالاعتبار الثاني : الأعيان هي الظاهرة الموجودة في مرآة الوجود ، والوجود معقول محض .

[شرح فصوص الحكم: 697 ؛ و(ط - الحجري) ص 234]

[148] قوله : «وبالاعتبار الثاني».

ليس مقصوده من الاعتبار الثاني أنّ المحجوبين يشاهدون الموجودات والأعيان في مرآة الحقّ مع تنبّههم بذلك ، بل المراد أنّ الأمر كذلك في نفس الأمر وإن غفل عنه المحجوب ، كما أنّ النور مرآة شهود الأشياء حسّاً ، وإن كان البصر لا يراه ، بل يرى الأجسام المستنيرة .

* * * * * * * *

[149] "فهذا نور ممتدّ عن ظلّ ؛ هو عين الزجاج ، فهو ظلّ نوري لصفائه" .

[شرح فصوص الحكم: 700 ؛ و(ط - الحجري) ص 236]

[149] فنور الحقّ ممتدّ على الأظلال وهو نور خالص ، وعن الأظلال وهو نور ظلّي ؛ لصفائه وكدورة الأظلال . كما أنّ نور الشمس ممتدّ على الزجاج وهو نور صافي ، ثمّ يمتدّ عن الزجاج وهو نور متلوّن .

* * * * * * * *

ص: 136

ويجمع هذا الاعتبار أحكام الاعتبارين المذكورين . [150] وكلام الشيخ - رضوان اللّه تعالى عليه - هنا جامع الاعتبارات الثلاث ، يظهر بأدنى تأمّل .

[شرح فصوص الحكم: 702 ؛ و(ط - الحجري) ص 237]

[150] أي في هذا الفصّ ، وإلاّ فكلامه هاهنا يشير إلى اعتبارين دون جمعهما ، إلاّ مع التكلّف .

* * * * * * * *

"وإذا كانت غنيّة عن العالمين فهو عين غناها عن نسبة الأسماء إليها ؛ [151] لأنّ الأسماء لها كما تدلّ عليها تدلّ على مسمّيات اُخر يحقّق ذلك أثرها" .

[شرح فصوص الحكم: 703 ؛ و(ط - الحجري) ص 238]

[151] قوله : «لأنّ الأسماء . . .» إلى آخره .

لمّا كان الاسم عبارة عن الذات متعيّنة بتعيّن ، يصير منشأً لأثر كان الغناء عن الأثر غناءً عن الاسم أيضاً ، كما أنّ الغناء عن الاسم غناء عن الصفة التي هي مبدؤه أيضاً . فهذا أحد معاني قول مولانا ومولى الثقلين - صلوات اللّه عليه وآله - «كمال الإخلاص نفي الصفات عنه»(1) ؛ لشهادة كلّ موصوف أ نّه غير الصفة ، وهو تعالى غنيّ عن غيره اسماً أو صفة أو عيناً .

* * * * * * * *

ص: 137


1- نهج البلاغة: 39، الخطبة 1.

[152] "(وَلَمْ يُولَد)(1) كذلك . (وَلَمْ يكُن لَه كُفُوَاً أَحَدٌ)(2) كذلك." أي، ولم يولد من حيث هويته؛ ولم يكن له كفواً أحد من حيث هويته؛ لأنّ ماسواه صادر منه ممكن لذاته، وهو واجب بذاته فقط، وأنّى الكفاءة بين الممكن والواجب؟

[شرح فصوص الحكم: 704 ؛ و(ط - الحجري) ص 238]

[152] أي لم يولد من حيث هويته ونحن .

والحاصل : أنّ الهوية المطلقة التي لا هو إلاّ هو ، ومرتبة الأحدية الغيبية ومرتبة الواحدية الجمعية كلّها من حيث عينه ، وصمديته - بكلا معنييه - تكون من جهة استنادنا إليه ، وباقي الأوصاف يكون من حيث الجمع بينهما ؛ أي من ملاحظة هويته التي هي صرف الكمال لا يمكن أن ينفصل منه شيء ويماثله شيء ، ومن حيث استنادنا الظلّي إليه الذي ينافي الانفصال والتقابل .

* * * * * * * *

ص: 138


1- الإخلاص (112): 3.
2- الإخلاص (112): 4.
فصّ حكمة أحدية في كلمة هودية

[153] فما عرض الضلال عليها إلاّ بالاستعداد التعيّني العلمي المختفي بنور الاستعداد الذاتي الحقّاني الظاهر في عالم الأنوار ؛ لقوّة نوريته .

[شرح فصوص الحكم: 711 ؛ و(ط - الحجري) ص 243]

[153] قوله : «فما عرض الضلال عليها»؛ أي إنّ عروض الضلال بواسطة الاستعداد الذي لتعيّنه في الحضرة العلمية ، إلاّ أنّ هذا الاستعداد مختفٍ بنور الاستعداد الوجودي الحقّاني ؛ لقوّة نورانية هذا الاستعداد الحقّاني ؛ لكونه من السرّ الوجودي .

فإذا ظهر في النشأة العينية وغشيته الغواشي الطبيعية ، احتجب الاستعداد النوراني الحقّاني تحت ظلمة الاستعداد التعيّني ، فصار الحكم للغالب . إلى أن يرد إلى عالم الأنوار ، فيغلب الحقّ على الباطل . فإذا جاء الحقّ زهق الباطل ؛ إنّ الباطل كان زهوقاً(1) .

ص: 139


1- راجع الإسراء (17): 81.

أو [154] "وإن دان لك الحقّ" ، الظاهر في صورتك فقد يتّبع الخلق بحكم المناسبة التي بينك وبينهم في الأرواح والأسماء التي يربّها .

[شرح فصوص الحكم: 713 ؛ و(ط - الحجري) ص 244]

[154] قوله : «وإن دان لك الحقّ الظاهر»؛ أي كما أنّ انقياد الحقّ الظاهر في غيب روحك بكشف أسراره عليك موجب لانقياد طائفة وامتناع طائفة اُخرى ، كذلك إذا دان لك الحقّ الظاهر في صورتك ؛ بأن يكون صورتك الظاهرة التي هي ظهور الحقّ منقادة لباطن روحك ومقهورة تحت حيطته ومطيعة له ؛ فقد يتّبع الخلق . وقد لا يتّبع الخلق . هكذا أفاد شيخنا العارف ، دام ظلّه العالي .

* * * * * * * *

[155] "واعلم : أنّ العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل اللّه مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها ، مع كونها ترجع إلى عين واحدة" .

[شرح فصوص الحكم: 715 ؛ و(ط - الحجري) ص 244]

[155] قوله : «واعلم : أنّ العلوم الإلهية...» إلى آخره .

لمّا كان المقصود في هذا الفصّ بيان حكمة الأحدية الفعلية - أي مقام أحدية الظهور - وهو من علم الأذواق ولا يتحقّق إلاّ به ، شرع في العلوم الإلهية الذوقية .

وهذه هي المسمّاة ب «العلم الأرجل» مأخوذاً من قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالاْءِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ

ص: 140

أَرْجُلِهِمْ)(1) ، واستنتج منه النتيجة المقصودة ؛ أي الأحدية الفعلية .

* * * * * * * *

والعلوم الإلهية ما تكون [156] موضوعه الحقّ وصفاته ، كعلم الأسماء والصفات . . . .

[شرح فصوص الحكم: 715 ؛ و(ط - الحجري) ص 245]

[156] قوله : «موضوعه الحقّ وصفاته...» إلى آخره .

لا يخفى ما فيه ؛ فإنّ العلم الإلهي الذوقي موضوعه الحقّ من حيث ارتباطه بالخلق وارتباط الخلق به ؛ أي من حيث الارتباطين . ومباديه اُمّهات الأسماء ؛ أي الأسماء الذاتية . وباقي المباحث مسائله ، كعلم الأسماء الصفاتي والأسماء الأفعالي وأحكامها ، وارتباطها الناتجة للحضرات الخمسة ، على التفصيل المذكور في محلّه ؛ خصوصاً في «مفتاح الغيب» للمحقّق القونوي .

* * * * * * * *

[157] "ونسوق المجرمين ، وهم الذين استحقّوا المقام الذي ساقهم إليه بريح «الدبور»" .

[شرح فصوص الحكم: 718 ؛ و(ط - الحجري) ص 245]

[157] التي هي من مغرب الطبيعة ، كما أنّ ريح الصباء من مشرق الحقيقة ، كما

ص: 141


1- المائدة (5): 66.

حكي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «نصرت بالصباء واُهلك عاد بالدبور»(1) .

* * * * * * * *

أمّا بالنسبة إلى أهل الملكوت ومن يدخل فيها من الكمّل [158] فليس مشروطاً بذلك .

[شرح فصوص الحكم: 727 ؛ و(ط - الحجري) ص 252]

[158] قوله : «فليس مشروطاً بذلك»؛ أي بالمزاج المعتدل ؛ فإنّه ليس لهم مزاج ، بل وجوداتهم وجودات نورية مجرّدة عاقلة ظاهرة فيها الحياة والعلم ، بل وجودهم علم كلّه وقدرة كلّه . وليس المراد من «الكمّل» في قوله : «ومن يدخل فيها من الكمّل» أشخاص الأناسي من الكمّل ، بل الموجودات الكاملة الملكوتية ، كما لا يخفى .

* * * * * * * *

"وعذبات الأسواط [159] والأفخاظ"(2) كما جاء في الحديث النبوي .

[شرح فصوص الحكم: 727 ؛ و(ط - الحجري) ص 252]

[159] «والافحاط» الظاهر كونه بالقاف والحاء والطاء المهملتين؛ بمعنى

ص: 142


1- بحار الأنوار 11: 363 / 26؛ المسند، أحمد بن حنبل 1: 223.
2- الصحيح «الأفخاذ» كما في النسخ المصحّحة من شرح فصوص الحكم المنابع الحديثية، لكن أدرجنا «الأفخاظ» عن النسخة التي كانت بيد الإمام الخميني قدس سره حفظاً للأمانة. وقد أوردها الإمام مهملة بلا أيّة نقطة ثمّ بيّن ضبطها بما ذكر. راجع: سنن الترمذي 3: 322 / 2272؛ المسند، أحمد بن حنبل 10: 264 / 11731.

الضرب الشديد . وأمّا ما ذكر فلم نجد في اللغة مادّته .

وكيف كان : فمراده أنّ الهياكل الخاصّة يدرك عذبات الأسواط .

* * * * * * * *

[160] "إلاّ أنّه تعالى وصف نفسه بالغيرة ، ومن غيرته حرّم الفواحش. . ." .

[شرح فصوص الحكم: 728 ؛ و(ط - الحجري) ص 252]

[160] قوله : «إلاّ أنّه تعالى وصف . . .» إلى آخره ، استثناء من كلماته السابقة المصرّحة بأ نّه تعالى عين الطريق والمسافر ؛ فإنّ هذا من الفواحش التي حرّمها اللّه تعالى من غيرته ، لا نطق الجلود والأيدي والأرجل . كذا أفاد الاُستاذ ، دام ظلّه .

ويدلّ على ذلك قوله : «فلمّا حرّم الفواحش...» إلى آخر كلامه ، كما لا يخفى .

* * * * * * * *

وقوله : "هي" راجع إلى الحقيقة ، [161] والمراد بها الحقّ ، أطلقها عليه لأنّه حقيقة الحقائق كلّها .

[شرح فصوص الحكم: 729 ؛ و(ط - الحجري) ص 253]

[161] قوله : «والمراد بها الحقّ...» إلى آخره .

لا وجه لذلك ، بل ضمير المذكّر في قوله : «أ نّه» راجع إلى الحقّ تعالى . والحقّ وإن كان حقيقة الحقائق ، لكن غير مناسب لأن يراد من «حقيقة ما ذكره» الحقّ تعالى شأنه .

* * * * * * * *

ص: 143

[162] "فحفظه تعالى للأشياء كلّها حفظه لصورته" .

[شرح فصوص الحكم: 734 ؛ و(ط - الحجري) ص 256]

[162] قوله : «فحفظه للأشياء...» إلى آخره .

وإنّما ورد : «إنّ اللّه خلق آدم على صورته»(1) دون سائر الأشياء ؛ فإنّه مظهر الاسم الجامع الإلهي . فهو صورة الحقّ على ما هي عليه من الأسماء الحسنى والأمثال العليا .

وأمّا غيره فليس مظهراً تامّاً إلاّ في نظر الاستهلاك ، فهو ينافي الكثرة ومقام الفرق ، وهذا لسان الفرق بوجهٍ لا الجمع المطلق .

* * * * * * * *

[163] "ولهذا الكرب تنفّس ، فنسب النفس إلى الرحمان" .

[شرح فصوص الحكم: 735 ؛ و(ط - الحجري) ص 257]

[163] قوله : «ولهذا الكرب...» إلى آخره .

الكرب والكربة : الغمّ الذي يأخذ بالنفس ؛ فيوجب التنفّس . شبّه اجتماع الحقائق الإلهية والأسماء الربوبية والأعيان الثابتة وتراكمها في الحضرة العلمية الكمالية للظهور المستتبع له بالفيض المقدّس الإطلاقي ، باجتماع الهواء المحبوس في الرئة الموجب للتنفّس المستتبع له .

* * * * * * * *

ص: 144


1- الكافي 1: 104 / 4.

والنفس عبارة عن الوجود العالم المنبسط على الأعيان عيناً ، وعن الهيولى الحاملة لصور الموجودات . [164] والأوّل مرتّب على الثاني .

[شرح فصوص الحكم: 736 ؛ و(ط - الحجري) ص 257]

[164] قوله : «والأوّل مرتّب على الثاني».

فإنّ الهيولى الكلّي مقام القابلية الحاصلة بالفيض الأقدس ، والوجود المنبسط مترتّب عليها ، كما قال الشيخ فيما سبق : «والقابل من فيضه الأقدس»(1) .

* * * * * * * *

[165] "إذ هو الظاهر وهو باطنها ؛ إذ هو الباطن" .

[شرح فصوص الحكم: 736 ؛ و(ط - الحجري) ص 257]

[165] قوله : «إذ هو الظاهر، وهو باطنها» استدلال بقوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)(2) على ما هو بصدد تحقيقه من أنّ العالم ظاهر الحقّ ؛ فإنّ الظهور إذا اختصّ بالحقّ وكذا البطون ، لم يكن لأحد ظهور ولا بطون . فيكون صور الخلائق ظهور الحقّ لا ظهورها ، وباطنها بطونه لا بطونها . فالعالم غيب ما ظهر ، والحقّ ظاهر ما غاب . والغيب بمعنى عدم الوجود مطلقاً ، لا وجود غيبي باطني .

* * * * * * * *

ص: 145


1- اُنظر فصوص الحكم: 49؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 335.
2- الحديد (57): 3.

[166] "فالآخر عين الظاهر ، والباطن عين الأوّل" .

[شرح فصوص الحكم: 737 ؛ و(ط - الحجري) ص 257]

[166] قوله : «فالآخر عين الظاهر» .

وبنظر آخر : الظاهر عين الباطن ، والأوّل عين الآخر . فهو ظاهر من حيث هو باطن وبالعكس ، وأوّل من حيث هو آخر وبالعكس .

* * * * * * * *

كذلك النفس الرحماني إذا وجد في الخارج [167] وحصل له التعيّن يسمّى ب «الجوهر» .

[شرح فصوص الحكم: 737 ؛ و(ط - الحجري) ص 257]

[167] قوله : «وحصل له التعيّن» ، بل نفس النفس الرحماني هو جوهر الجواهر ؛ فإنّ الاستقلال كلّ الاستقلال له ، وتعيّناته هي العوارض المكتنفة به .

* * * * * * * *

كما جاء في الحديث الصحيح : «إنّ الحقّ يتجلّى يوم القيامة للخلق [168] في صورة منكرة ؛ فيقول : أنا ربّكم الأعلى . فيقولون : نعوذ باللّه منك! فيتجلّى في صورة عقائدهم؛ فيسجدون له» .

[شرح فصوص الحكم: 741 ؛ و(ط - الحجري) ص 259]

[168] قوله : «في صورة منكرة» ؛ أي غير معروفة لديهم ، فينكرونه فإنّه خلاف ما توهّموه ، فيتجلّى على صور عقائدهم ، فيقبلونه ولا ينكرونه ، حتّى أنّ

ص: 146

النملة توهّم : أنّ له زبانيتين(1) .

وهذا الحديث يكون من طرق العامّة(2) ، لا الخاصّة على الظاهر .

* * * * * * * *

"ولكن لا تقل هو هاهنا فقط ، بل قف عند ما أدركت ، وألزم الأدب في الاستقبال شطر المسجد الحرام ، [169] وألزم الأدب في عدم حصر الوجه في تلك الأبنية الخاصّة" .

[شرح فصوص الحكم: 746 ؛ و(ط - الحجري) ص 262]

[169] قوله : «وألزم الأدب . . .» إلى آخره ؛ أي ألزم الأدب بحسب ظاهر الشريعة في الاستقبال شطر المسجد الحرام ، وألزم الأدب بحسب باطنها وبحسب العمل القلبي في عدم حصر الوجه في تلك الأبنية .

وقد ورد في أخبار أهل البيت علیهم السلام التمسّك بالآية الشريفة لإتيان النافلة في السفينة ، كرواية زرارة المروية عن «تفسير العيّاشي»(3) وغيرها(4) .

ص: 147


1- شرح اُصول الكافي، صدر المتأ لّهين 3: 133؛ علم اليقين 1: 74؛ بحار الأنوار 66: 293.
2- اُنظر تفسير الطبري 12: 199 / 34685؛ المستدرك على الصحيحين 4: 582؛ وانظر أيضاً: صحيح البخاري 6: 374 / 1007؛ و9: 799 / 2239؛ صحيح مسلم 1: 217 / 302.
3- تفسير العيّاشي 1: 56 / 81.
4- اُنظر وسائل الشيعة 4: 332 و333، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 18 و19 و23.

"وكلّ مصيب مأجور ، وكلّ مأجور سعيد ، وكلّ سعيد مرضيّ عند ربّه ، [170] وإن شقي زماناً في الدار الآخرة" .

[شرح فصوص الحكم: 746 ؛ و(ط - الحجري) ص 262]

[170] قوله : «وإن شقي . . . » إلى آخره ، بدخول النار ، وكونه معذّباً . والمرجع هو الرحمة على مذاقه ، كما نقل عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم : «ويشفع أرحم الراحمين عند المنتقم»(1) .

فالشقاء في زمان لا ينافي السعادة ، كما الأمر كذلك في ابتلاء أهل السعادة في الحياة الدنيا بالأمراض والبليات .

بل التعذيب ليس شقاء في الحقيقة ؛ فإنّ دار الجحيم دار الشفاء الإلهي بالنسبة إلى العصاة من الموحّدين قطعاً ؛ لخلوصهم فيها عن الأمراض النفسانية والكدورات الظلمانية . وبالنسبة إلى الجميع على طريقته ؛ من كون المرجع هو الرحمة ، وسبق الرحمة الغضبَ .

* * * * * * * *

ص: 148


1- اُنظر المسند، أحمد بن حنبل 10: 297 / 11837؛ صحيح مسلم 1: 219 / 302؛ الفتوحات المكّية 3: 175 و440.
فصّ حكمة فتوحية في كلمة صالحية

[171] وإنّما سمّي الأوسط ب «العلّة» لأنّه كالعلّة الصورية للقياس ، بل علّة حصول النتيجة .

[شرح فصوص الحكم: 756 ؛ و(ط - الحجري) ص 267]

[171] ما هو بمنزلة العلّة الصورية في القياس هو الترتيب المخصوص والهيئة المخصوصة ، لا الحدّ الأوسط . فالأولى : الاقتصار بقوله : «بل علّة حصول النتيجة» .

* * * * * * * *

[172] "والحقّ ما أضافه إلاّ إلى الشيء الذي قيل له : «كُن»" .

[شرح فصوص الحكم: 756 ؛ و(ط - الحجري) ص 267]

[172] قوله : «والحقّ ما أضافه» .

ليس مراده قصر التكوين إلى العبد ، كما هو ظاهر كلمة «ما» و«إلاّ» ، بل المقصود رفع قصر النسبة إلى اللّه تعالى ، وإلاّ تكون النتيجة غير صادقة .

ص: 149

فالنتيجة الصادقة حفظ النسبتين .

وكان حقّ العبارة أن يقول : والحقّ أضافه إلى الشيء الذي قيل له «كن» .

* * * * * * * *

فإنّ الأسماء والصفات الإلهية ليست من العالم ؛ لكونها غير موجودة في الخارج ، [173] مع أنّها في فيضانها من اللّه تحتاج إلى سبب .

[شرح فصوص الحكم: 758 ؛ و(ط - الحجري) ص 268]

[173] قوله : «مع أ نّها في فيضانها..» إلى آخره .

ما ذكره الشارح غير مطابق للواقع ولا لمراد الشيخ .

أمّا الأوّل ، فلأنّ الأسماء والصفات ليست موجودات بوجودات زائدة حتّى تحتاج إلى السبب . اللهمّ إلاّ أن يحمل على عالم الجبروت ؛ فإنّها يطلق عليه أيضاً ، إلاّ أ نّها من العالم في نظر الكثرة ، ونظر الاحتياج إلى السبب نظر الكثرة لا الوحدة .

وأمّا الثاني ، فلأنّ مراد الشيخ ما ذكره الشارح في شرح قوله : «أعني الحكم» لا ما ذكره هاهنا . والعجب منه كيف جمع في الشرح بين هذين المعنيين المختلفين .

* * * * * * * *

ص: 150

إذ لا يمكن حمل الحكم هنا على النسبة الحاصلة بين الموضوع والمحمول ؛ [174] لأنّها لا توصف بأنّها أعمّ من طرفيها أو أخصّ أو مساوٍ .

[شرح فصوص الحكم: 758 ؛ و(ط - الحجري) ص 268]

[174] قوله : «لأنّها لا توصف»؛ فإنّها معنىً حرفي آلي لا يكون محكوماً عليها وبها ، ولأنّها مندكّة في طرفيها ، فيكون تابعة لهما . إلاّ أن يلحظ بلحاظ استقلالي ، فيحكم عليها وبها .

* * * * * * * *

اللهمّ إلاّ أن يقال : هذا المثال مثال المساواة ، [175] فحينئذٍ يكون صحيحاً .

[شرح فصوص الحكم: 759 ؛ و(ط - الحجري) ص 268]

[175] قوله : «فحينئذٍ يكون صحيحاً».

حَمْل المثال - أي كلّ حادث فله سبب - على المساواة ، وإن يجعل المثال صحيحاً ، إلاّ أنّه مع ذلك لا يجوز حمل عبارة المتن على السبب الذي في المثال ؛ فإنّ لازمه جواز أعمّية الحكم عنه - ولو في مثال آخر - وهو لا يمكن .

* * * * * * * *

ص: 151

ص: 152

فصّ حكمة قلبية في كلمة شعيبية

وإنّما تسمّى بالقلب لتقلّبها بين العالم العقلي المحض وعالم النفس المنطبعة ، وتقلّبها في [176] وجوهها الخمسة التي لها إلى العوالم الكلّية الخمسة .

[شرح فصوص الحكم: 763 ؛ و(ط - الحجري) ص 270]

[176] قوله : «وجوهها الخمسة».

أحدها : ما يواجه الحقّ ، وهو الوجهة الخاصّة التي لكلّ شيء بالنسبة إلى الحقّ المشار إليه بقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)(1) .

وثانيها : ما يواجه به عالم المجرّدات والأرواح .

وثالثها : ما يواجه به عالم المثال .

ورابعها : ما يواجه به عالم الشهادة .

وخامسها : ما يواجه به إلى مقام أحدية الجمع . والقلب المختصّ بهذه المرتبة

ص: 153


1- البقرة (2): 148.

هو القلب التقيّ النقيّ الذي له النقطة الوسطية بين الأسماء الظاهرة والباطنة الغير المحجوب عن أحكامها وأوصافها .

* * * * * * * *

وليس المراد هنا ب «الرحمة» الوجود ؛ [177] إذ القلب ليس أوسع من الوجود .

[شرح فصوص الحكم: 764 ؛ و(ط - الحجري) ص 271]

[177] قوله : «إذ القلب ليس أوسع من الوجود».

هذا بلسان العموم ، وإلاّ فالقلب أوسع من الوجود ؛ فإنّ الوجود هو الوجود المنبسط ، وقلب الختمي أوسع منه ؛ فإنّه وصل إلى مقام «أو أدنى» ، وهو مقام الاتّصال بالأحدية .

* * * * * * * *

والفرق بين الاُلوهية والربوبية : [178] أنّ الاُلوهية حضرة الأسماء كلّها - أسماء الذات والصفات والأفعال - والربوبية حضرة أسماء الصفات والأفعال فقط .

[شرح فصوص الحكم: 768 ؛ و(ط - الحجري) ص 272]

[178] قوله : «أنّ الاُلوهية...» إلى آخره .

«الربّ» كما أنّه من أسماء الصفات والأفعال ، فكذلك أ نّه من أسماء الذات إذا

ص: 154

اُخذ بمعنى الثابت كما نقل عن الشيخ(1) . فعلى هذا : يكون بينهما المساواة .

ويمكن أن يقال : إنّ الفرق بين الاُلوهية والربوبية - بعد اشتراكهما في كونهما من أسماء الأفعال ، كما هو التحقيق عندنا - أنّ الاُلوهية أشمل من الربوبية ؛ فإنّ الثاني يختصّ بما يحتاج إلى التربية ، كعالم الطبيعة والهيولائيات ، بخلاف الأوّل .

* * * * * * * *

[179] ولمّا كان التجلّي بحسب استعداد المتجلّى له فالقلب الذي يسع الحقّ لا يكون إلاّ لمن له استعداد جميع التجلّيات الإلهية الذاتية والأسمائية .

[شرح فصوص الحكم: 771 ؛ و(ط - الحجري) ص 274]

[179] قوله : «ولمّا كان التجلّي بحسب استعداد...» إلى آخره .

لا يخفى : أنّ الشيخ في هذا المقام ليس بصدد بيان أنّ التجلّي على مقدار استعداد المتجلّى له ، بل هو في مقام بيان أنّ التجلّي يسع القلب ؛ «ولا يسعني أرضي ولا سمائي، بل يسعني قلب عبدي المؤمن».

وبعبارة اُخرى : هذا بيان التجلّي بالفيض الأقدس الذي منه الاستعداد ، والتجلّي بالفيض المقدّس على حسب الاستعداد ، كما صرّح بذلك في قوله : «وهذا عكس ما يشير إليه الطائفة»(2) .

* * * * * * * *

ص: 155


1- اُنظر إنشاء الدوائر: 28.
2- اُنظر فصوص الحكم: 120؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 773.

"وليست نفسه بغير لهوية الحقّ ، ولا شيء من الكون ممّا هو كائن ويكون بغير لهوية الحقّ ، [180] بل هو عين الهوية" .

[شرح فصوص الحكم: 781 ؛ و(ط - الحجري) ص 280]

[180] قوله : «بل هو عين الهوية»؛ أي أ نّه في نظر الوحدة هو العارف والعالم والمنكر ؛ فإنّ العالم - عارفه ومنكره - صورة تجلّياته تعالى ، وهو الظاهر في كلّ شيء .

* * * * * * * *

"فإذا انكشف الغطاء انكشف لكلّ أحد بحسب معتقده ، [181] وقد ينكشف بخلاف معتقده في الحكم" .

[شرح فصوص الحكم: 785 ؛ و(ط - الحجري) ص 283]

[181] قوله : «وقد ينكشف...» إلى آخره ؛ أي إذا انكشف الغطاء قد ينكشف بخلاف المعتقد في الحكم - وهو أكثري - وقد ينكشف بخلاف المعتقد في الهوية ، وهو أقلّي .

* * * * * * * *

[182] "وقد ذكرنا صورة الترقّي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب «التجلّيات» لنا" .

[شرح فصوص الحكم: 786 ؛ و(ط - الحجري) ص 284]

[182] قوله : «وقد ذكرنا صورة الترقّي...» إلى آخره .

اعلم : أنّ الترقّي في البرازخ والدار الآخرة ليس من سنخ الترقّي في الدنيا ؛

ص: 156

فإنّ الدنيا دار الهيولى والاستعداد ، وبه دارت الترقّيات الجوهرية والاستكمالات الذاتية والنفسية . وأمّا ترقّيات دار الآخرة - المعبّر عنها بزيادة الدرجات مثلاً - وكذلك التي وقعت في البرازخ فتكون بإلقاء الغرائب والحجب والكدورات والهيئات المظلمة بضَغْطة القبر والتعذيبات ، نعوذ باللّه منها . فتحصل التجلّيات بعد صفاء المرآة ، وتقع الشفاعة الكبرى التي من الشفع .

وتحقيق هذا المقام من مهمّات علم السلوك والمعرفة ، وليس هذا المقام يسعه .

* * * * * * * *

"وأمّا الأشاعرة : فما علموا أنّ [183] العالم كلّه مجموع أعراض ، فهو يتبدّل في كلّ زمان" .

[شرح فصوص الحكم: 793 ؛ و(ط - الحجري) ص 287]

[183] قوله : «العالم كلّه مجموع الأعراض».

تحقيق كون العالم مجموع الأعراض يظهر لمن نظر إلى حقيقة الوجود المنبسط التي بها ظهرت الأشياء ، وكون الأشياء تعيّناتها ؛ فإنّ الماهيات لا قيام لها بذاتها ، بل قيامها بقيّومها المطلق .

بل التحقيق : أنّ الوجود المنبسط أيضاً عرض قائم بالحقّ ، وإن كان قيامه به تعالى غير قيام الماهيات به ، تدبّر تعرف .

* * * * * * * *

ص: 157

فإنّهم [184] إذا حدّوا الإنسان بالحيوان الناطق ، والحيوان بالجسم الحسّاس المتحرّك بالإرادة . . . .

[شرح فصوص الحكم: 793 ؛ و(ط - الحجري) ص 288]

[184] قوله : «إذا حدّوا الإنسان...» إلى آخره .

ما ذكره إلى آخره خلاف التحقيق الحِكمي ، بل العرفاني ؛ فإنّ الجوهرية المصطلحة عند الحكيم لا ينافي العرضية المصطلحة عند أهل اللّه ؛ فإنّ الماهيات لا حقيقة لها ، فضلاً عن قيامها بذاتها ، فهي قائمة بذات مبدئها . ولا يحتاج إلى هذا التطويل الذي ذكره الشارح . بل التحقيق يقتضي خلاف ما ذكر الشيخ أيضاً .

* * * * * * * *

"ويرون أيضاً - شهوداً - أنّ كلّ تجلٍّ يعطي خلقاً جديداً ، ويذهب بخلق ، [185] فذهابه هو الفناء عند التجلّي" .

[شرح فصوص الحكم: 795 ؛ و(ط - الحجري) ص 289]

[185] قوله : «فذهابه هو الفناء».

ليس الفناء هو العدم ، بل الرجوع من الملك إلى الملكوت . ففي كلّ آنٍ يظهر التجلّي من الملكوت النازل إلى الملك ، ومن الملك إلى الملكوت الصاعد . فدار الوجود بشراشره - ملكه وملكوته - دائم التبدّل والتجدّد ؛ فالعالم حادث في كلّ آنٍ من العقل إلى الهيولى ، تدبّر .

* * * * * * * *

ص: 158

فصّ حكمة مَلكية في كلمة لوطية

[186] والحكمة في هذه الغلبة واختفاء القوى الروحانية تكميل النشأتين وتحصيل السعادتين ؛ لأنّ الربّ كما يربّ الظاهر في ذلك الزمان يربّ الباطن أيضاً .

[شرح فصوص الحكم: 800 ؛ و(ط - الحجري) ص 291]

[186] أي زمان غلبة الأحكام العنصرية يربّ الباطن أيضاً ؛ إمّا بالاسم الباطن أو بالاسم الظاهر ؛ فإنّ الأسماء لها أحدية الجمع ، أو بالاسم الحاكم على ذلك النبيّ ؛ فإنّ الاسم الحاكم على النبيّ له أحدية الجمع على حسب حيطة النبيّ وسِعَة استعداده .

* * * * * * * *

"فإن قلت : فما يمنعه من الهمّة المؤثّرة ، وهي موجودة في السالكين من الأتباع ، والرسل أولى بها؟

ص: 159

قلنا : صدقت ، ولكن نقصّك علم آخر ؛ وذلك [187] أنّ المعرفة لا تترك الهمّة تصرّفاً" .

[شرح فصوص الحكم: 801 ؛ و(ط - الحجري) ص 291]

[187] قوله : «أنّ المعرفة لا تترك الهمّة...» إلى آخره .

وأمّا إظهار المعجزات على أيدي الأنبياء ؛ فلأنّ الاحتياج دعاهم إلى ذلك ، بل هو لبسط ربوبية الحقّ ، لا لإظهار قدرتهم ؛ ولذا كان ديدنهم بحسب الغالب التوجّه الظاهري أيضاً إلى اللّه تعالى .

* * * * * * * *

ص: 160

فصّ حكمة قدرية في كلمة عزيرية

فأشهده اللّه في نفسه وحماره ذلك [188] بإماتتهما وإحيائهما ، كمال قال : (فَأَمَاتَهُ اللّه ُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)(1) إظهاراً للقدرة على الإعادة .

[شرح فصوص الحكم: 813 ؛ و(ط - الحجري) ص 298]

[188] قوله : «بإماتتهما وإحيائهما...» إلى آخره .

قال شيخنا العارف الكامل - مدّ ظلّه - : «يمكن أن يقال : إنّ علاقة الروح بعد الموت باقية بالنسبة إلى البدن ؛ فإنّه دار قراره ونشوه ومادّة ظهوره ، فعليه فلا إشكال في إحياء الموتى في هذا العالم .

ويمكن أن يقال : إنّ الإحياء عبارة عن التمثّل ببدنه الحسّي أو المثالي المنتقل معه في هذا العالم ، كما الأمر كذلك في الرجعة ؛ أي تصحيحه بأحد الوجهين» .

أقول : ما ذكره أوّلاً قد أشار إليه السيّد المحقّق الداماد - قدّس اللّه نفسه - في

ص: 161


1- البقرة (2): 259.

رسالة فارسية منسوبة إليه(1) راجعة إلى سرّ زيارة الأموات ؛ فقال - على ما ببالي - ما ترجمته : أنّ للنفس علاقتين بالبدن : علاقة صورية ، وعلاقة مادّية . والموت يوجب سلب العلاقة الصورية لا المادّية ؛ ولهذا شرّع زيارة الأموات .

* * * * * * * *

قد مرّ في المقدّمات : أنّ [189] العلم في المرتبة الأحدية عين الذات مطلقاً .

[شرح فصوص الحكم: 814 ؛ و(ط - الحجري) ص 299]

[189] قوله : «العلم في المرتبة الأحدية...» إلى آخره .

إن كان المراد بالمرتبة الأحدية ما هي المعروف من مرتبة الذات الغيبية فهي لا اسم لها ولا رسم ، فلا يعتبر في هذه المرتبة صفة حتّى يقال : عين أو غير . وما مرّ في المقدّمات أيضاً كذلك ؛ فإنّ الوجود بشرط لا لا يتّصف بالعلم ، ولا بغيره من الصفات .

نعم ، المرتبة الأحدية في اصطلاح آخر غير مرتبة الذات من حيث هي - التي لا يتّصف بصفة - كما أشار إليه صاحب «مصباح الاُنس» في أوّل كتابه(2) . وعليه : يكون مرتبة الأحدية هي مرتبة الذات مع تعيّنها بالأسماء الذاتية . ويمكن جعل العلم بالذات منها .

* * * * * * * *

ص: 162


1- لم نعثر على هذه الرسالة، لكن راجع: القبسات: 455 - 456.
2- اُنظر مفتاح الغيب: 35؛ مصباح الاُنس: 332.

"وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهر (لِمَنْ كَانَ [190] لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ»)(1) .

[شرح فصوص الحكم: 815 ؛ و(ط - الحجري) ص 299]

[190] قوله : «له قلب»؛ أي قلب أحدي جمعي متّصل بعالم الأسماء مطّلع بالأعيان الثابتة في الحضرة العلمية .

* * * * * * * *

فإنّ النبي إذا اطّلع عليه [191] لا يقدر على الدعوة وإجراء أحكام الشريعة على الاُمّة .

[شرح فصوص الحكم: 820 ؛ و(ط - الحجري) ص 300]

[191] قوله : «لا يقدر على الدعوة...» إلى آخره .

ليس الاطّلاع على سرّ القدر مانعاً عن الدعوة وإجراء أحكام الشريعة ؛ فإنّ ذلك أيضاً من سرّ القدر . فعين العاصي يقتضي العصيان ويقتضي إجراء الحدّ عليها ، وعين النبيّ يقتضي الدعوة وتبليغ الحجّة .

فالنبيّ يبلغ الحجّة بمقتضى عينه الثابتة ، والعاصي يعصي بمقتضى عينه الثابتة ، ويقتضي عينه إجراء الحدود عليه .

* * * * * * * *

ص: 163


1- ق (50): 37.

[192] فضمير "فيها" عائد إلى القدرة .

[شرح فصوص الحكم: 830 ؛ و(ط - الحجري) ص 306]

[192] لا وجه لعود الضمير إلى القدرة كما لا يخفى ، ولعلّه من سهو قلم الناسخ . ويمكن إرجاع الضمير إلى غير اللّه باعتبار عينه الثابتة .

* * * * * * * *

وإنّما اُطلق اسم الفلك عليها لأنّها حقيقة محيطة لكلّ من يتّصف بالنبوّة والرسالة والولاية ، كإحاطة الأفلاك لما تحتها من الأجسام ؛ [193] ولكون الولاية عامّة شاملة على الأنبياء والأولياء .

[شرح فصوص الحكم: 832 ؛ و(ط - الحجري) ص 308]

[193] قوله : «ولكون الولاية عامّة...» إلى آخره .

أقول : لمّا كان مدار الرسالة على الاحتياجات الملكية من السياسات والمعاملات والعبادات ، وهي من الاُمور الكونية منقطعة بانقطاعه ، فلا محالة تنقطع هي أيضاً ، بل بالتشريع التامّ المتكفّل لجميع الاحتياجات ، كتشريع نبيّنا صلی الله علیه و آله وسلم ، بخلاف الولاية فإنّ حقيقتها تحصل بالقرب أو نفس القرب التامّ ، وهو غير منقطع ، كما لا يخفى .

* * * * * * * *

ص: 164

[194] "وهذا الحديث قصَم ظهور أولياء اللّه ؛ لأنّه يتضمّن انقطاع ذوق العبودية الكاملة التامّة" .

[شرح فصوص الحكم: 832 ؛ و(ط - الحجري) ص 308]

[194] قوله : «وهذا الحديث قصم. . .» إلى آخره .

اعلم : أنّ الأولياء الكاملين مع كون مقام ولايتهم أتمّ وأكمل من مقام عبوديتهم - فإنّ الولاية التامّة إفناء رسوم العبودية ، فهي الربوبية التي هي كنه العبودية - إلاّ أنّ الظهور بالربوبية التي هي من مختصّات الحقّ - جلّ وعلا - كان من أصعب الاُمور عليهم ؛ فإنّ مقام العبد الكامل هو التذلّل بين يدي سيّده . وإظهار المعجزات في بعض الأحيان - في الحقيقة - إظهار ربوبية الحقّ في المظهر الكامل .

* * * * * * * *

[195] ولا تجتمع هذه النبوّة العامّة والتشريع الموروث في شخص واحد .

[شرح فصوص الحكم: 835 ؛ و(ط - الحجري) ص 309]

[195] قوله : «ولا تجتمع هذه النبوّة . . . » إلى آخره ؛ أي لا تجتمع النبوّة العامّة التي هي الإنباء عن الحقائق والمعارف بمرتبتها الكاملة المنطبقة على الوليّ الخاصّ ، مع التشريع الموروث الذي هو الاجتهاد في شخص واحد ؛ فإنّ الوليّ الخاصّ يأخذ الأحكام عن معدن أخذ النبيّ منه وينكشف الأحكام عنده بواسطة التبعية ، والنبيّ ينكشف لديه بالأصالة .

ص: 165

ص: 166

فصّ حكمة نبوية في كلمة عيسوية

وغيره لا يتّصف بالولاية والإنباء إلاّ عند تحصيل شرائطها ، [196] كما أنّ نبيّنا - صلّى اللّه عليه وسلّم - نبيّ أزلاً بالنبوّة التشريعية .

[شرح فصوص الحكم: 844 ؛ و(ط - الحجري) ص 314]

[196] قوله : «كما أنّ نبيّنا نبيّ أزلاً...» إلى آخره .

فإنّ عينه الثابتة جامعة لجميع أعيان الموجودات ؛ منهم المشرّعين علیهم السلام . فأعيانهم مظاهر عينه صلی الله علیه و آله وسلم في الحضرة العلمية ، وأعيانهم الخارجية مظاهر هويته التي هي الفيض المقدّس والنفس الرحماني ، وكلّ الشرائع مظاهر شريعته . فهو خليفة اللّه أزلاً وأبداً ، كما أنّه نبيّ ورسول كذلك .

ولقد أفردنا - بحمد اللّه - رسالة في تحقيق سريان الخلافة والنبوّة ، وتفرّدنا فيها بتحقيقات أنيقة(1) ؛ فضلاً من اللّه تعالى وليّ الهداية .

* * * * * * * *

ص: 167


1- وهي: «مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية».

واعلم : [197] أنّ الأرواح المهيّمة التي منها العقل الأوّل... .

[شرح فصوص الحكم: 849 ؛ و(ط - الحجري) ص 316]

[197] ليس العقل الأوّل من الأرواح المهيّمة ؛ فإنّ الملائكة المهيّمين مستغرقون في بحار أنوار جمال المحبوب ، لا يفترون عنه طرفة عين ، ولا يعلمون أنّ اللّه خلق خلقاً ، بل لا ينظرون إلى أنفسهم وكمالات أنفسهم .

ولا بدّ في صيرورة العقل واسطة للإفاضة أن لا يكون بهذه المثابة ، كما هو المقرّر في محلّه(1) .

* * * * * * * *

"فلمّا قال لها : (إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) جئت (لِأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً)(2)

[198] انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها" .

[شرح فصوص الحكم: 854 ؛ و(ط - الحجري) ص 318]

[198] قوله : «انبسطت عن ذلك...» إلى آخره .

وإنّما قبلت مريم سلام الله علیها قوله بمجرّد الإظهار وانبسطت من قوله ؛ إمّا لما ذكره الشارح ، أو لحصول الروح المعنوي لها منه ، أو لكليهما .

* * * * * * * *

ص: 168


1- اُنظر الشفاء، الإلهيات: 528 - 534؛ مجموعه مصنّفات شيخ إشراق، حكمة الإشراق 2: 126 - 135؛ الحكمة المتعالية 7: 192 - 281؛ المبدأ والمعاد، صدر المتأ لّهين: 138 - 141.
2- مريم 19: 19.

لمّا كان وجود عيسى علیه السلام بالنفخ الجبرئيلي بلا واسطة أبٍ بشري ، وروحه فائضاً من الحضرة الإلهية بلا واسطة روح من الأرواح

[199] أو اسم من الأسماء ، حصل في الوجود الخارجي متّصفاً بالصفة الإلهية .

[شرح فصوص الحكم: 857 ؛ و(ط - الحجري) ص 321]

[199] قوله : «أو اسم من الأسماء» ؛ أي اسم خاصّ من الأسماء ، بل بتوسّط الاسم الجامع . وإلاّ فالفيض من الحضرة الإلهية بلا توسّط اسم مطلقاً غير مفاضٍ ؛ فإنّ الذات من حيث هي ، بل من حيث مقامها الأحدي غير مربوط بالخلق ، ولم يكن منشأً للآثار والفيوضات . وقد أشبعنا التحقيق في ذلك في رسالتنا الموسومة ب «مصباح الهداية»(1) .

* * * * * * * *

وإذن اللّه لعبده في الإتيان بخوارق العادات قسمان : [200] ذاتي قديم ، وعرضي حادث .

[شرح فصوص الحكم: 859 ؛ و(ط - الحجري) ص 322]

[200] قوله : «ذاتي قديم...» إلى آخره .

قال شيخنا الاُستاد : «الذاتي القديم كإذن اللّه للعين الثابتة الأحمدية ؛ لإحاطته بجميع الأعيان ، وكون سائر الأعيان مندكّة فيه فانية في حضرته .

ص: 169


1- اُنظر مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، المشكاة الاُولى، مصباح 3، 7، 13، 15، 38 و40.

والعرض غير ذلك» .

أقول : ليس المراد ذلك ، بل المراد : أنّ القابليات لمّا كانت بالفيض الأقدس في النشأة العلمية - كما قال الشيخ : «والقابل من فيضه الأقدس»(1) - كان الإذن في تلك النشأة إذناً ذاتياً قديماً تبعاً للتجلّي الذاتي القديم . وأمّا الوجود المفاض بالفيض المقدّس على الأعيان في النشأة العينية فعارض حادث ؛ فالإذن عرض حادث تابع .

والفرق بين ما ذكرنا وبين ما أفاد شيخنا - دام ظلّه - واضح ، كما لا يخفى .

* * * * * * * *

[201] وفيه سرّ آخر يظهر لمن عرف أحوال الكمّل ودرجاتهم .

[شرح فصوص الحكم: 861 ؛ و(ط - الحجري) ص 323]

[201] قوله : «وفيه سرّ آخر».

فإنّ عيسى علیه السلام لمّا بلغ مدارج الكمالات المعنوية حتّى اتّصل قوسه بقوس ولاية رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، يكون تشريع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - الذي هو ظهور الولاية ورقيقتها - تشريعه علیه السلام ، فصحّ أن يقال شرع عيسى علیه السلام الجزية .

وأيضاً : لمّا كان لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم مقام جمعي إحاطي أحدي تكون شريعته كلّ الشرائع ، فيكون تشريعه تشريع عيسى علیه السلام ، فلذا يكون الإيمان به إيماناً بكلّ الأنبياء روحاً .

ص: 170


1- فصوص الحكم: 49؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 335.

وهذا أحد الاحتمالات في الآية الشريفة الآمرة بالإيمان بالأنبياء(1) ، وجعله من أركان الإيمان ؛ فإنّ الإيمان بالأنبياء ليس مجرّد العلم بوجودهم والتصديق بكونهم صاحب الشريعة ، بل الظاهر منه تحمّل شريعتهم ، كما لا يخفى .

* * * * * * * *

فلا يعلم ماهية كلمة «كن» ؛ [202] لأنّ كلامه عين ذاته ، وماهية الذات غير معلومة لبشر .

[شرح فصوص الحكم: 870 ؛ و(ط - الحجري) ص 327]

[202] قوله : «لأنّ كلامه عين ذاته...» إلى آخره .

قال شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي - دام ظلّه العالي - : «ليس هذا الكلام القولي عين الذات ، بل الكلام الذي هو عين - وهو كلام نفسي - عبارة عن إعرابه تعالى عمّا في غيب أحديته - تقدّس وتعالى - بالتجلّي الذاتي على الحضرة الواحدية ، كما أنّ «كن» الذي وقع في قوله تعالى هو «كن» الوجودي الذي هو الفيض المنبسط . فقول الشارح في صدر الصفحة أيضاً مردود» .

أقول : هذا مسلك الحكيم . وأمّا ذوق العارف فيقتضي غير ذلك ؛ فإنّ الكلمات القولية أيضاً تجلّي الذات باسمه الظاهر المتكلّم ، كما أنّ الكلام القولي الأمري له والإطاعة الوجودية لنفس الأعيان ، لا أنّ الإيجاد له تعالى على مسلكه ، كما مرّ(2) .

ص: 171


1- البقرة (2): 136؛ آل عمران (3): 84؛ النساء (4): 171.
2- اُنظر شرح فصوص الحكم، القيصري: 859.

وبالجملة : بين كلماتهم وإن كان وجه جمع ، كما جمع بينها صدر المتألّهين(1) - قدّس اللّه نفسه - وذكرنا سرّ الاختلاف بينها في بعض الرسائل(2) ، إلاّ أنّ مسلكهم أدقّ وأحلى ، ولكن بشرط سلامة الفطرة وعدم اعوجاج السليقة .

* * * * * * * *

[203] وأعطانا ما علم وظهر له من أعياننا ؛ من الإمكان والحدوث والفقر والعجز .

[شرح فصوص الحكم: 875 ؛ و(ط - الحجري) ص 330]

[203] قوله : «وأعطانا».

ليس المراد ما أفاده الشارح ، بل المراد هو البقاء بعد الفناء ؛ أي فأعطيناه ما أعطانا أوّلاً ، فحلّ الفناء في المقامات الثلاثة . فإذا أعطيناه أرجعنا إلى مملكتنا ؛ فصرنا حقّاً وخلقاً .

فقوله : «فكن حقّاً وكن خلقاً»(3) إشارة إلى هذا المقام . وفي المصراعين اللذين بعده أشار إلى كيفية السلوك والوصول .

فيكون حاصل المعنى : كن حقّاً وخلقاً بحيث لا تحجبك الحقّية عن الخلقية ، ولا الخلقية عن الحقّية ؛ فتصير رحمتك رحمة باللّه وبالوجود الحقّاني . وطريق

ص: 172


1- اُنظر الحكمة المتعالية 7: 2 - 19.
2- اُنظر شرح چهل حديث، (اربعين حديث)، الإمام الخميني قدس سره، ذيل الحديث 36؛ آداب الصلوة، الإمام الخميني قدس سره: 311 - 312.
3- فصوص الحكم: 143؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 874.

الوصول إلى هذا المقام الشامخ أن نجعل بالمجاهدات الحقّ غذاء الخلق متخلّلاً فيه تخلّل الغذاء في المتغذّي ؛ فإنّ الحقّ باطن والخلق ظهور الحقّ ؛ أي ترى أنّ الخلق مقام الظهور . فأرجع الظهور إلى البطون ، فأعطه ما أعطاك ؛ فتصير صاحب القلب الجمعي الأحدي .

* * * * * * * *

[204] "فالكلّ في عين النفَس***كالضوء في ذات الغلس"

[شرح فصوص الحكم: 888 ؛ و(ط - الحجري) ص 337]

[204] قوله : «فالكلّ».

والشارح الجامي جعل التشبيه مركّباً ؛ أي كما أنّ النور غير مشهود إلاّ في الظلمة واختلاطه بها ، كذلك النفس لا يشاهد إلاّ بالتعيّنات . وهذا أقرب بالاعتبار ممّا ذكره الشارح ، وإن كان له وجه أيضاً باعتبار أنّ النفس الرحماني في حجاب التعيّنات ، فهو محجوب دائماً بالأسماء والصفات التي هي أعيان الموجودات .

* * * * * * * *

[205] "لأنّه جعل الشهود له" ؛ أي لأنّ عيسى علیه السلام جعل الشهود للحقّ بقوله : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)(1) ، ومعناه : أنّ الحقّ يرقّبهم

ص: 173


1- المائدة (5): 117.

ويشاهدهم من عين أعيانهم وهم لا يشعرون .

[شرح فصوص الحكم: 898 ؛ و(ط - الحجري) ص 344]

[205] قوله : «لأنّه جعل الشهود له»؛ أي لأنّ عيسى علیه السلام جعل الشهود لنفسه بقوله : (وَكُنتَ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) ، وجعله للحقّ بقوله : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) . هذا مناسب للتفريع بقوله : «فأراد أن يفصّل .. .» إلى آخره ، لا ما ذكره الشارح من عود الضمير إلى الحقّ ، تدبّر .

* * * * * * * *

[206] وأيضاً : التقديم يفيد الحصر ؛ فهو في حقّ الحقّ صادق .

[شرح فصوص الحكم: 899 ؛ و(ط - الحجري) ص 344]

[206] قوله : «وأيضاً : التقديم يفيد الحصر...» إلى آخره .

هذا منه غريب ؛ فإنّ تقديم ما حقّه التأخير يفيد الحصر ، والمتعلّق حقّه التأخير . نعم يستفاد الحصر من ضمير الفصل ، ومن قوله : )كُنْتَ عَلَيْهِمْ شَهِيداً( ؛ أي لا على غيرهم ، كما لا يخفى .

* * * * * * * *

ص: 174

فصّ حكمة رحمانية في كلمة سليمانية

المراد بالحكمة الرحمانية بيان أسرار الرحمتين الصفاتيتين الناشئتين من الرحمتين الذاتيتين [207] المشار إليهما بقوله تعالى : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(1) .

[شرح فصوص الحكم: 909 ؛ و(ط - الحجري) ص 349]

[207] قوله : «المشار إليهما بقوله تعالى...» إلى آخره .

قال شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي - مدّ ظلّه - : «إنّ (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

في قوله تعالى : (بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) صفتان للاسم ، لا للّه تعالى . وهما ليستا من الرحمتين الذاتيتين ؛ فإنّهما مندرجتان في اسم الجلالة» .

فحاصل مفاد التسمية : أنّه بالمشيّة الرحمانية والرحيمية من اللّه تعالى ظهر الحمد ؛ أي عالم الحمد الذي هو العالم العقلي الجبروتي ؛ فإنّ حقيقتها محامد إلهية . وبمشيّته الربوبية ظهر العالمون ؛ أي العالم الملك الذي يكون في صراط التربية والترقّي ، وغاية الترقّي هو الوصول إلى المشيّة الرحمانية والرحيمية ؛

ص: 175


1- النمل (27): 30.

ولذا أعادهما اللّه تعالى في الفاتحة .

وأمّا المشيّة المالكية فهي في مقابلة المشيّة الرحمانية ؛ فإنّها لقبض الوجود ، كما أنّ الرحمانية لبسطه .

وتفسير باقي السورة ليس هنا محلّ ذكره .

* * * * * * * *

[208] وأصل هذا الوجوب قوله تعالى : (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(1) ؛ أي أوجبها على نفسه .

[شرح فصوص الحكم: 913 ؛ و(ط - الحجري) ص 350]

[208] قوله : «وأصل هذا...» إلى آخره ؛ أي الإيجاب من ذاته تعالى ، لا بتأثير من العبد ؛ فإنّه كتب على نفسه الرحمة من دون سبق تأثير من العبد .

* * * * * * * *

ثمّ نبّه بقوله : "إلاّ أنّه بطن عن إدراك بعض الناس" على أنّ كونه حيواناً ليس باطناً في نفس ذلك الشيء حتّى تكون له الحياة بالقوّة لا بالفعل كباقي الصفات ، بل هو حيوان بالفعل [209] وإن كان باقي صفاته بالقوّة . وظهر في الآخرة كونه حيواناً لكلّ الناس ؛ فإنّها الدار الحيوان .

[شرح فصوص الحكم: 922 ؛ و(ط - الحجري) ص 356]

ص: 176


1- الأنعام (6): 12.

[209] قوله : «وإن كان باقي صفاته بالقوّة...» إلى آخره .

سريان الحقيقة الوجودية والهوية الإلهية المستجمعة لجميع الصفات الكمالية في الأشياء يقتضي أن يكون جميع الأشياء مستجمعاً لجميعها بالفعل ، وإن كان المحجوب لا يدركها .

بل كلّ موجود عند الكمّل اسم أعظم ؛ ولذا ورد عن مولانا أمير المؤمنين(1) أو الصادق عليهما السلام(2) : «ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت اللّه قبله ومعه» . واللّه هو الاسم الجامع لجميع الأسماء والصفات ، وفي هذا المقام لا تفاضل بين الموجودات . ولقد حقّقنا ذلك في شرحنا لبعض الأدعية(3) .

* * * * * * * *

عملت بلقيس ذلك لتعلم وتخبر توابعها "أنّ لها اتّصالاً إلى اُمور لا يعلمون طريقها" ؛ أي إلى أسرار ومعانى من عالم الجبروت والملكوت لا يعلمون طريق الوصول إليها .

" [210] وهذا من التدبير الإلهي في الملك ؛ لأنّه إذا جهل طريق الإخبار الواصل للملك خاف أهل الدولة على أنفسهم في تصرّفاتهم" .

[شرح فصوص الحكم: 924 ؛ و(ط - الحجري) ص 358]

[210] ليس المراد من تلك الاُمور أسرار الملكوت والجبروت كما لا يخفى ،

ص: 177


1- اُنظر شرح اُصول الكافي، صدر المتأ لّهين 3: 432؛ الحكمة المتعالية 1: 117؛ شرح الأسماء، السبزواري: 516.
2- لقاء اللّه، الملكي التبريزي: 29.
3- اُنظر شرح دعاء السحر: 75 - 102.

بل المراد ما أفاد الشيخ نفسه بقوله : «وهذا من التدبير الإلهي .. .» إلى آخره .

* * * * * * * *

[211] "وإنّما كان إعدام وإيجاد من حيث لا يشعر أحد بذلك إلاّ من عرفه" .

[شرح فصوص الحكم: 926 ؛ و(ط - الحجري) ص 359]

[211] قوله : «وإنّما كان إعدام وإيجاد...» إلى آخره .

ليس هذا الإعدام إعداماً مطلقاً حتّى يكون الإيجاد من قبيل إعادة المعدوم ، بل الإعدام هو الإدخال تحت الأسماء الباطنة المناسبة ، والإيجاد هو الإظهار من الأسماء الظاهرة المناسبة .

وليس هذا البطون والظهور بطريق الانتقال ؛ فإنّ أفعال الكمّل - التي هي أفعال اللّه - أجلّ من أن يكون للزمان والحركة سلطنة عليها .

ويمكن أن يكون أمثال هذه الأفاعيل بطيّ المكان ، كما أنّه يمكن أن يكون ببسط الزمان ؛ فإنّ العوالم كلّها خاضعة للوليّ الكامل الذي عنده من الاسم الأعظم شيء .

وقد ورد عن موالينا : أنّ عند آصف حرفاً واحداً من الاسم الأعظم ، فتكلّم به ، فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ ، فتناول عرش بلقيس حتّى صيّره إلى سليمان ، ثمّ انبسطت الأرض في أقلّ من طرفة عين . وأ نّه - أي الاسم الأعظم - ثلاثة وسبعون حرفاً ، وعندهم علیهم السلام منه اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند اللّه استأثر به في علم الغيب(1) .

ص: 178


1- الكافي 1: 230 / 3.

وقد بسطنا الكلام والتحقيق في بعض الرسائل في أطراف الحديث الشريف(1) .

* * * * * * * *

"فإنّ مسألة حصول عرش بلقيس [212] من أشكل المسائل ، إلاّ عند من عرف ما ذكرناه آنفاً في قصّته . . . " .

[شرح فصوص الحكم: 931 ؛ و(ط - الحجري) ص 361]

[212] أقول : ولكونها من أشكل المسائل اشتبه على الشيخ وزعم أ نّه بطريق الإيجاد والإعدام فحسب ؛ أي لا يمكن حصول أمثالها إلاّ بهذا الطريق . فقيّد قدرة الوليّ الذي له من الاسم الأعظم نصيب . فهذا مقدار معرفة هذا العارف وكشفه .

وأمّا الكشف المحمّدي صلی الله علیه و آله وسلم الكاشف عنه أهل بيته - صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين - فهو يقتضي أن لا يقيّد القدرة الإلهية ، ويحكم بصحّة الانتقال من مسافات بعيدة قبل ارتداد الطرف وأقلّ منه .

ألا ترى أنّ النور الحسّي - مع كونه من عالم الملك والقوى الملكية لا يقاس بالقوى الروحانية - يقطع في ثانية واحدة من المسافة قريباً من ستّين ألف فرسخاً على ما عيّنه أهل الهيئة الجديدة . فاجعل هذا مقياساً لما لا يقاس بالعالم الطبيعي وقواه .

* * * * * * * *

ص: 179


1- اُنظر شرح دعاء السحر: 82.

"والهبة عطاء الواهب بطريق الإنعام ، لا بطريق [213] الجزاء الوفاق" .

[شرح فصوص الحكم: 932 ؛ و(ط - الحجري) ص 361]

[213] قوله : «الجزاء الوفاق»؛ أي الجزاء الذي يكون بحسب الأعمال ، وهو جنّة الأعمال ؛ لقوله تعالى : (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً)(1) ، كما أنّ الاستحقاق هو جنّة الصفات والأخلاق التي يحصل بحصول الملكات الحسنة والهيئات النورية . واُشير إليه في الكتاب الإلهي بقوله : (فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)(2) .

* * * * * * * *

[214] وأمّا رتبة داود فبالاجتهاد ، وإن وقع خلاف ما في علم اللّه .

[شرح فصوص الحكم: 934 ؛ و(ط - الحجري) ص 362]

[214] قوله : «وأمّا رتبة داود فبالاجتهاد».

ليس علم الأنبياء بالأحكام من قبيل الاجتهاد ؛ فإنّهم علیهم السلام يستكشفون الحقائق من الاطّلاع على ما في علم الحقّ أو اللوح المحفوظ ، حسب مراتبهم .

وليس النسخ من قبيل كشف خطأ النبيّ السابق ، بل الحكم في زمن النبيّ السابق كان بالنسبة إلى الاُمّة ما حكم به ذلك النبيّ . والنسخ عبارة عن استكشاف حدّ الحكم السابق ، لا رفع الحكم المطلق .

ص: 180


1- الكهف (18): 49.
2- الزخرف (43): 71.

إلاّ أنّ كشف الشيخ يقتضي أن يكون داود ، بل الأنبياء المرسلون مخطئين في أحكامهم ، وقوم نوح وسائر الكفّار - كفرعون - عرفاء شامخين!

* * * * * * * *

[215] "لمّا رأى في النوم أنّه اُوتي بقدح لبن ، فشربه وأعطى فضله عمر بن الخطّاب" .

[شرح فصوص الحكم: 940 ؛ و(ط - الحجري) ص 366]

[215] قد عرفت سابقاً تعبير ذلك(1) .

* * * * * * * *

ص: 181


1- تقدّم في الصفحة 111.

ص: 182

فصّ حكمة وجودية في كلمة داودية

"فأوّل نعمة أنعم اللّه بها على داود علیه السلام أن أعطاه اسماً ليس فيه حرف من حروف الاتّصال" ؛ أي ليس فيه حرف يتّصل بما بعده.

[216] واتّصال ما قبله من الحروف به واتّصاله بما قبله في غير هذا الإسم لا يوجب كونه من حروف الاتّصال مطلقاً.

[شرح فصوص الحكم: 948 ؛ و(ط - الحجري) ص 369]

[216] قوله : «واتّصال ما قبله من الحروف...» إلى آخره .

فإنّ الاتّصال بما قبله هو الاتّصال بالحقيقة الغيبية التي كلّ دابّة متّصلة بها و(مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)(1) أو الاتّصال بالحقّ بمقامه الأسمائي ، وهو كمال العبد ويوجب الانقطاع عمّا بعده . ولولا الانقطاع عمّا بعده من الحروف لم يتّصل بما قبله .

وأمّا المقام المحمّدي : فهو مقام البرزخية الكبرى والجامعة للوحدة والكثرة والحقّ والخلق ، وهو الأوّل والآخر والظاهر والباطن . واسمه المحمّدي ملكي ،

ص: 183


1- هود (11): 56.

ولهذا يكون حروف الاتّصال فيه أكثر . واسمه الأحمدي ملكوتي ، ولهذا احتفّ بحروف الانفصال . وفي كون حرف الاتّصال [ظ . الانفصال] آخر اسمه المحمّدي سرّ ، بل أسرار .

* * * * * * * *

"ولهذا مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [217] وما نصّ بخلافته عنه إلى أحد ولا عيّنه" .

[شرح فصوص الحكم: 955 ؛ و(ط - الحجري) ص 373]

[217] قوله : «وما نصّ بخلافته منه».

الخلافة المعنوية - التي هي عبارة عن المكاشفة المعنوية للحقائق بالاطّلاع على عالم الأسماء أو الأعيان - لا يجب النصّ عليها .

وأمّا الخلافة الظاهرة التي هي من شؤون الإنباء والرسالة التي هي تحت الأسماء الكونية فهي واجب إظهارها ، ولهذا نصّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم على الخلفاء الظاهرة .

والخلافة الظاهرة - كالنبوّة - تكون تحت الأسماء الكونية ، فكما يكون النبوّة من المناصب الإلهية التي من آثارها الأولوية على الأنفس والأموال، فكذا الخلافة الظاهرة . والمنصب الإلهي أمر خفيّ على الخلق لابدّ من إظهاره بالتنصيص .

ولعمر الحبيب يكون التنصيص على الخلافة من أعظم الفرائض على رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؛ فإنّ تضييع هذا الأمر الخطير الذي بتضييعه يتشتّت أمر الاُمّة ويختلّ أساس النبوّة ويضمحلّ آثار الشريعة ، من أقبح القبائح التي لا يرضى أحد

ص: 184

أن ينسبها إلى أوسط الناس ، فضلاً عن نبيّ مكرّم ورسول معظّم ، نعوذ باللّه من شرور أنفسنا ، تدبّر .

* * * * * * * *

"ويعرفون فضل المتقدّم هناك ؛ لأنّ الرسول [218] قابل للزيادة ، وهذا الخليفة ليس بقابل للزيادة التي لو كان الرسول قبلها" .

[شرح فصوص الحكم: 961 ؛ و(ط - الحجري) ص 373]

[218] قوله : «قابل للزيادة»؛ أي أنّ مكاشفة الرسول يمكن أن يكون زائدة على مكاشفة خليفته ، دون العكس ؛ فإنّ خليفة الرسول يكون على قلبه ، فلا يمكن الزيادة عنه .

وأمّا ما ذكره الشارح في توجيه عدم الزيادة في الخليفة فليس في محلّه كما لا يخفى ، تدبّر .

* * * * * * * *

[219] "فمن حكم الأصل الذي به يخيّل وجود إلهين" .

[شرح فصوص الحكم: 964 ؛ و(ط - الحجري) ص 375]

[219] فإنّ الخليفة الظاهرة لمّا كان منصوباً من قبل اللّه تعالى ومجرياً لأحكام اللّه ، وبالأخرة له شأن الرسالة ، لا يمكن أن يكون الاثنين إلاّ أن يكون الناصب اثنين . كما الأمر كذلك في الحكومات الظاهرة . وما ذكره الشارح حقّ إن رجع إلى ما ذكرنا .

ص: 185

[220] "فالمشيّة سلطانها عظيم ، ولهذا جعلها أبو طالب عرش الذات" .

[شرح فصوص الحكم: 966 ؛ و(ط - الحجري) ص 376]

[220] إن كان المراد بها هي المشيّة الذاتية التي يعبّر عنها غالباً ب «الإرادة» ، تكون عرش الذات الأحدي الجمعي ومستواه . وإن كان المراد بها المشيّة المصطلحة - أي الفيض المقدّس الإطلاقي - ، تكون عرش الذات الإلهي .

وبالأوّل يظهر الوجود العلمي في النشأة العلمية وحضرة الأعيان ، وبالثاني الوجود العيني في النشأة الكونية وحضرة الإمكان .

* * * * * * * *

ص: 186

فصّ حكمة نفسية في كلمة يونسية

[221] "وإن شئت قلت : إنّ اللّه تجلّى مثل هذا الأمر ، وإن شئت قلت : إنّ العالم في النظر إليه وفيه مثل الحقّ في التجلّي" .

[شرح فصوص الحكم: 984 ؛ و(ط - الحجري) ص 386]

[221] قوله : «وإن شئت قلت»؛ أي إن نظرت إلى ظهور الوحدة في الكثرات ، تحكم بأنّ الحقّ تجلّى مثل ذلك . وإن نظرت إلى ظهور الكثرات في الوحدة ، تحكم بأنّ العالم تجلّى مثل الحقّ بصور مختلفة .

* * * * * * * *

[222] فيتنوّع التجلّي في عيون الناظرين بحسب أمزجتهم الروحانية واستعداداتهم ، فتظهر بصورها . لكن يتنوّع الاستعدادات والأمزجة أيضاً على حسب التجلّي .

[شرح فصوص الحكم: 985 ؛ و(ط - الحجري) ص 386]

[222] أي كما أنّ تنوّع التجلّيات قد يكون بحسب اختلاف الاستعدادات ،

ص: 187

كذلك قد يكون اختلاف الاستعدادات حسب تنوّع التجلّيات . ويمكن أن يكون الأوّل بحسب الفيض المقدّس ، والثاني بحسب الفيض الأقدس ، كما قال الشيخ : «والقابل من فيضه الأقدس»(1) .

* * * * * * * *

فبالتجلّي الغيبي يهب للقلب الاستعداد ، [223] فيتّسع ، فيتجلّى بالشهود على حسب ذلك الاستعداد .

[شرح فصوص الحكم: 985 ؛ و(ط - الحجري) ص 386]

[223] قوله : «فيتّسع...» إلى آخره .

كما في شيخ الأنبياء إبراهيم - صلوات اللّه عليه - فإنّ اختلاف التجلّيات جعل قلبه متّسعاً قابلاً للتجلّي باسمه الإطلاقي ؛ فقال : (إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ)(2) .

* * * * * * * *

ص: 188


1- فصوص الحكم: 49؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 335.
2- الأنعام (6): 79.
فصّ حكمة غيبية في كلمة أيّوبية

"قد قال في حقّ طائفة : [224] (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ)ثمّ نكّر وعمّم ؛ فقال : (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ)(1) . . . " .

[شرح فصوص الحكم: 994 ؛ و(ط - الحجري) ص 390]

[224] قوله : «ولو أ نّهم أقاموا التوراة والإنجيل...» إلى آخره ؛ أي ولو أ نّهم اتّبعوا الشريعة التي هي إقامة التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب المنزّلة وأقاموها ، لحصل لهم الطريقة التي هي علم الأرجل وهو الطعام من التحت ، وعلم الحقيقة التي هي الطعام من الفوق .

وهذا يدلّ على أنّ الطريقة والحقيقة لا يحصلان إلاّ من طريق الشريعة ؛ فإنّ الظاهر طريق الباطن ، بل يفهم منه : أنّ الظاهر غير منفكّ عن الباطن .

فمن رأى أنّ الباطن لم يحصل له مع الأعمال الظاهرة واتّباع التكاليف الإلهية ، فليعلم : أ نّه لم يقم على الظاهر على ما هو عليه . ومن أراد أن يصل

ص: 189


1- المائدة (5): 66.

إلى الباطن من غير طريق الظاهر - كبعض عوامّ الصوفية - فهو على غير بيّنة من ربّه .

* * * * * * * *

"ولهذا كان الطبّ النقص من الزائد والزيادة في الناقص . والمقصود طلب الاعتدال ، ولا سبيل إليه [225] إلاّ أنّه يقاربه" .

[شرح فصوص الحكم: 997 ؛ و(ط - الحجري) ص 391]

[225] قوله : «إلاّ أنّه يقاربه...» إلى آخره .

هذا - أي القرب بالاعتدال - مختصّ بالمزاج ، وغير محقّق في التكوين ؛ فإنّ أمر التكوين ليس إلاّ بالانحراف الصرف والإرادة المعيّنة لأحد الأطراف ؛ فإنّ الترجيح بالأولوية محال ، لا سبيل إليه .

* * * * * * * *

وأمّا بالنسبة إلى أعيان تلك الصفات الحاصلة في الجناب الإلهي والحضرة الأسمائية فليس كذلك ؛ [226] لأنّه مقام الجمع ولا غلبة لأحدهما على الآخر .

[شرح فصوص الحكم: 1000 ؛ و(ط - الحجري) ص 392]

[226] قوله : «لأنّه مقام الجمع ولا غلبة لأحدهما...» إلى آخره .

ليس مقام الواحدية التي هي حضرة الأسماء مقام الجمع المطلق حتّى لا يتصوّر الغلبة ، بل هي مقام الكثرة الأسمائية . فللأسماء في تلك الحضرة محيطية

ص: 190

ومحاطية وحاكمية ومحكومية وغالبية ومغلوبية .

نعم ، لا تكون تلك الكثرات في مقام الأحدية المطلقة وإن كان في ذاك المقام اعتبار الأسماء الذاتية . وأمّا في مقام الذات من حيث هي فليس اسم وصفة ولا كثرة أصلاً .

* * * * * * * *

"فكلّ مشهود قريب من العين ، ولو كان بعيداً بالمسافة ؛ [227] فإنّ البصر متّصل به من حيث شهوده ، ولولا ذلك" الاتّصال "لم يشهده" إشارة إلى مذهب من يقول بخروج الشعاع من البصر في زمان الإبصار "أو يتّصل المشهود بالبصر" إشارة إلى مذهب من يقول بالانطباع .

[شرح فصوص الحكم: 1004 ؛ و(ط - الحجري) ص 394]

[227] قوله : «فإنّ البصر متّصل...» إلى آخره .

يمكن تطبيق هذا على مسلك شيخ الإشراق في باب الإبصار ؛ فإنّ النفس باسمه «البصير» يحيط على المبصر على مذاقه(1) ، وقوله : «أو يتّصل المشهود بالبصر» على مسلك صدر المتألّهين قدّس سرّه في باب الإبصار ؛ فإنّ المشهود متّصل بالبصر على مذاقه ؛ اتّصال المعلول بعلّته والمظهر بظاهره(2) ، تأمّل .

* * * * * * * *

ص: 191


1- راجع مجموعه مصنّفات شيخ إشراق، حكمة الإشراق 2: 134.
2- الحكمة المتعالية 8: 179.

ولمّا قال : «البعيد منّي قريب» كأنّ القائل يقول : كيف يكون البعيد قريباً منه؟ فقال : "وقد علمت : أنّ القرب والبعد [228] أمران إضافيان" .

[شرح فصوص الحكم: 1005 ؛ و(ط - الحجري) ص 395]

[228] قوله : «أمران إضافيان»؛ أي يمكن أن يكون شيء قريباً من وجه بعيداً من وجه آخر ، أو قريباً من شخص بعيداً عن شخص آخر ، أو قريباً في نظر بعيداً في نظر آخر .

* * * * * * * *

إنّما جعل الافتقار - الذي هو صفة العبد - عين حقيقته [229] لكونه لازماً ذاتياً له ، وبه يتميّز العبد عن ربّه .

[شرح فصوص الحكم: 1008 ؛ و(ط - الحجري) ص 397]

[229] قوله : «لكونه لازماً ذاتياً» .

ليس الافتقار لازم الحقيقة ، بل عينها ؛ فإنّ الحقيقة هي الوجود الذي عين الربط والافتقار .

اللهمّ إلاّ أن جعل الحقيقة هي الماهية ، فيكون الافتقار لازماً لها لا عينها ؛ فإنّ الماهيات مناط الاستغناء لا الافتقار . هذا على مسلك الحكيم المتأ لّه .

وأمّا ذوق العرفان ، فيقتضي أن يكون المفتقر ذات الماهية ؛ فإنّها المجعول ، وليس في الوجود جعل أبداً . نعم له الظهور والبطون والأوّلية والآخرية ، وليس هذا بجعل ، تدبّر تعرف . وتحت ذاك سرّ لا يجوز إظهاره .

* * * * * * * *

ص: 192

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - الأشعار

7 - مصادر التحقيق

8 - الموضوعات

ص: 193

ص: 194

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

الفاتحة (1)

(بِسْمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ) 1 7

(الْحَمْدُ للّه ِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) 1 - 3 43

البقرة (2)

(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللّه َ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) 132 127

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) 148 17، 153

(فَأَمَاتَهُ اللّه ُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) 259 161

المائدة (5)

(كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) 117 173، 174

(وَكُنتَ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) 117 174

ص: 195

الآية رقمها الصفحة

(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالاْءِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) 66 140، 141، 189

الأنعام (6)

(كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) 12 176

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوكَباً...) 76 130

(إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ) 79 188

(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ) 59 15

(فَلَو شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) 149 102

(لاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللّه ُ إِلاَّ بِالحَقِّ) 151 110

هود (11)

(مَا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) 56 14، 17، 183

يوسف (12)

(يَا بُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) 5 132

(ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ) 84 128

(يَا بَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَايْئسُوا مِنْ رَوْحِ اللّه ِ إِنَّهُ لاَ يَاْيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللّه ِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) 87 127

(إِنِّى لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) 94 128

ص: 196

الآية رقمها الصفحة

(قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقّاً) 100 133

الإسراء (17)

(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) 23 38

(لاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللّه ُ إِلاَّ بِالحَقِّ) 33 110

الكهف (18)

(وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً) 49 180

مريم (19)

(إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) 19 168

(لِأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً) 19 168

الفرقان (25)

(أَلَم تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيفَ مَدَّ الظِّلَّ) 45 69

النمل (27)

(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) 30 175

القصص (28)

(كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)

88 84

ص: 197

الآية رقمها الصفحة

يس (36)

(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) 82 15

الصافات (37)

(يَا أَبَتِ افْعَلْ...) 102 91

(وَمَا مِنَّا إِلاّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) 164 105

الغافر (40)

(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ للّه ِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) 16 43

الشورى (42)

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) 11 80

الزخرف (43)

(فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) 71 180

ق (50)

(لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) 37 163

النجم (53)

(قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) 9 101

ص: 198

الآية رقمها الصفحة

الحديد (57)

(هُوَ الْأَوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) 3 83، 145

القلم (68)

(ن وَ الْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) 1 84

نوح (71)

(دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً) 5 79

(ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّى أَعْلَنتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً) 8 - 9 79

البروج (85)

(وَ اللّه ُ مِن وَرَائِهِم مُحِيطٌ) 20 28

(لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرضِ) 26 82

القدر (97)

(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ) 1 49

(سَلاَمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)

5 50

العصر (103)

(وَالْعَصرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ) 1 - 2 109

(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) 3 109

ص: 199

الآية رقمها الصفحة

الإخلاص (112)

(قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ) 1 98

(وَلَمْ يُولَد * وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُوَاً أَحَدٌ) 3 - 4 138

ص: 200

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

اُذن اللّه الواعية 77

أنّ السعيد سعيد في بطن اُمّه ، والشقيّ شقيّ في بطن اُمّه 103

إنّ اللّه خلق آدم على صورته 89، 144

إنّ للّه علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه إلاّ هو، من ذلك يكون البداء... 103

إنّه قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء؛ وإنّي أبرأ إلى اللّه أن أتّخذ أحداً منكم خليلاً 96

أجسادكم في الأجساد وأرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس 77، 96

أنا وعليّ أبوا هذه الاُمّة 38

إنّ ربّك يصلّي 34

أوليائي تحت قبابي لايعرفهم غيري 95

خلقت الخلق لكي اُعرف 45، 62

رأيت أ نّي أشرب اللبن؛ حتّى خرج الريّ من أظافيري 27

ضلَّت فيك الصفات وتفسّخت دونك النعوت 100

عين اللّه الناطرة 77

الفقر فخري 53، 81

في عماء 9

كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه 8، 137

كنت سمعه وبصره 96، 99

ص: 201

كنت كنزاً مخفيّاً فأحببتُ أن اُعرف 45

لا يسعني أرضي ولا سمائي، بل يسعني قلب عبدي المؤمن 115، 155

لك يا إلهي وحدانية العدد 78، 89، 90

اللهمّ إنّي أسألك من أسمائك بأكبرها، وكلّ أسمائك كبيرة 11، 25، 92

ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت اللّه فيه 11، 177

من أخلص للّه أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه 124

نصرت بالصباء واُهلك عاد بالدبور 142

واحدٌ لا بالعدد 90

وإنّما يعرف القرآن من خوطب به 40

ويشفع أرحم الراحمين عند المنتقم 148

يا باطناً في ظهوره وظاهراً في بطونه ومكنونه 83، 89

يداللّه 77

ص: 202

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، الخاتم، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم =محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 27، 28، 34، 37، 40، 41، 43، 58، 63، 78، 79، 80، 83، 90، 97، 100، 101، 102، 111، 113، 128، 131، 132، 142، 148، 159، 164، 167، 170، 179، 183، 184، 185

أمير المؤمنين، مولى الموالي، علي علیه السلام =علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 8، 18، 97، 177

أهل البيت 114، 147

السجاد، علي بن الحسين، الإمام الرابع 89

باقر العلوم، أبو جعفر علیه السلام =محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 11

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام =جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 11، 103، 177

صاحب الأمر=صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر

صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر 83، 88

آدم، النبي 90، 144

نوح، النبي 78، 81، 181

شيخ الأنبياء=إبراهيم النبي

إبراهيم، النبي 91، 96، 107، 110، 111، 113، 127، 188

ص: 203

إسماعيل، النبي 107

موسى، نبي اليهود 79، 125

عيسى المسيح 169، 170، 173، 174

يوسف، النبي 127، 128، 131، 132، 133

يعقوب، النبي 127، 132، 133

سليمان، النبي 175، 178

داود، النبي 180، 181، 182

إسحاق، النبي 107، 108

ص: 204

4 - فهرس الأعلام

ابن العربي، محيي الدين محمّد بن علي 41، 43، 48، 64، 67، 82، 99، 104، 105، 107، 113، 137، 145، 150، 155، 170، 178، 179، 181، 188

ابن سينا، حسين بن عبداللّه 86

أبو يزيد=بايزيد البسطامي، طيفور بن عيسى

أبو بكر=أبو بكر، عبداللّه بن أبي قحافة

أبو بكر، عبداللّه بن أبي قحافة 47، 96

أبو طالب=أبو طالب المكيّ، محمّد بن علي

أبو طالب المكيّ، محمّد بن علي 186

إسرافيل 109

أويس القرني 128

بايزيد البسطامي، طيفور بن عيسى 114

بلقيس 177، 178، 179

الترمذي=الحكيم الترمذي، محمّد بن علي

الجامي، عبدالرحمن بن أحمد 173

جبرئيل 34، 169

الحكيم الترمذي، محمّد بن علي 81

زرارة 147

السهروردي، يحيى بن حبش 52، 66، 191

السيّد المحقّق الداماد=الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد

الشارح الجامي=الجامي، عبدالرحمن بن أحمد

الشارح الفاضل=القيصي، داود بن محمود

الشاه آبادي، محمّد علي 74، 78، 83،

ص: 205

87، 89، 91، 98، 102، 107، 110، 117، 120، 123، 124، 161، 169،170، 171، 175

الشيخ الرئيس=ابن سينا، حسين بن عبداللّه

الشيخ، الشيخ الكبير، محيي الدين=ابن العربي، محيي الدين محمّد بن علي

الشيخ المقتول شهاب الدين=السهروردي، يحيى بن حبش

الشيخنا الاُستاذ=الشاه آبادي، محمّد بن علي

شيخ الطائفة الإشراقية=السهروردي، يحيى بن حبش

شيخنا العارف، شيخنا العارف الكامل، شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي=الشاه آبادي، محمّد علي

صدر الدين القونيوي، محمّد بن إسحاق 141

صدر الدين الشيرازي، محمّد بن إبراهيم 172، 191

صدر المتأ لّهين=صدر الدين الشيرازي، محمّد بن إبراهيم

عبدالرزّاق الكاشي=عبدالرزّاق الكاشي،

عبدالرزّاق بن حلال الدين

عبدالرزّاق الكاشي، عبدالرزّاق بن حلال الدين 109

عمر بن الخطاب 111، 181

فرعون 181

القونوي=صدر الدين القونيوي، محمّد بن إسحاق

القيصي، داود بن محمود 19، 33، 37، 39، 41، 54

مريم 168

الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد 161

ص: 206

5 - فهرس كتب واردة في المتن

القرآن

اصطلاحات الشيخ=اصطلاحات العرفاء

اصطلاحات الصوفية 109

اصطلاحات العرفاء 82

اصطلاحات الكاشي=اصطلاحات الصوفية

الإنجيل 140، 189

إنشاء الدوائر 46

التوراة 140، 189

تفسير العيّاشي 147

دعاء الأسحار=شرح دعاء السحر

زبور آل محمّد=الصحيفة السجّادية

شرح دعاء السحر 92

الصحيفة السجّادية 77، 78، 90، 100

الفتوحات المكّية 104

الفتوحات=الفتوحات المكّية

الكافي 103

مصباح الاُنس 162

مصباح الهداية=مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية

مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية 169

مفتاح الغيب 141

ص: 207

ص: 208

6 - فهرس الأشعار

عنقا شكار كس نشود دام بازگير***كانجا هميشه باد به دست است دام را 6، 122

قبله عشق يكى آمده و بس***هست آيين دو بينى زهوس 8

عنكبوتان مگس قديد كنند***عارفان هر دمى دو عيد كنند 24

رقّ الزجاج ورقّت الخمر***فتشابها وتشاكل الأمر 106

فكأنّما خمر ولا قدح***وكأنّما قدح ولا خمر

وتقبل في مجلى العقول وفي الذي***يسمّى خيالاً والصحيح النواظر 113

من وسع الحقّ فما ضاق عن***خلق فكيف الأمر يا سامع 115

كه اى صوفى شراب آنگه شود صاف***كه اندر خم بماند اربعينى 124

ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل***وكلّ نعيم لا محالة زائلٌ 135

فالكلّ في عين النفَس***كالضوء في ذات الغلس 173

ص: 209

ص: 210

7 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - آداب الصلوة، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

2 - إحياء علوم الدين . أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي (م 505) ، الطبعة المحقّقة الاُولى ، 5 مجلّدات + الفهارس ، بيروت ، دار الهادي ، 1412 ق / 1992 م .

3 - أسرار الحكم. المولى هادي بن مهديّ السبزواري (1212 - 1289) ، تصحيح كريم فيضى، قم، چاپ اوّل، انتشارات مطبوعات دينى، 1383 ش.

4 - الإشارات والتنبيهات. مع الشرح للمحقّق نصير الدين الطوسي وشرح الشرح للعلاّمة قطب الدين الرازي الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427)، الطبعة الثانية، 3 مجلّدات، طهران، دفتر نشر كتاب، 1403 ق.

5 - اصطلاحات الصوفية. كمال الدين عبدالرزّاق الكاشاني (م 736)، تحقيق محمّد كمال إبراهيم جعفر، الطبعة الثانية، قم، منشورات بيدار، 1370 ش.

6 - إعجاز البيان في تفسير اُمّ القرآن. أبو المعالي صدر الدين محمّد بن إسحاق القونوي (القونيوي) (607 - 673)، تحقيق سيّد جلال الدين الآشتياني، الطبعة الاُولى، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1381 ش.

7 - إقبال الأعمال. السيّد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس (589 - 664)،

ص: 211

بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1417 ق.

8 - إنشاء الدوائر. محيي الدين بن العربي (م 638)، ليدن، مطبعة بريل، 1336 ق.

«ب»

9 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلداً ( إلاّ 6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

«ت»

10 - التحصيل. بهمنيار بن المرزبان (م 458)، تحقيق و تعليق مرتضى مطهري، تهران، انتشارات دانشگاه تهران، 1375 ش.

11 - تذكرة الأولياء . أبو حامد محمّد بن أبو بكر إبراهيم الشهير بفريد الدين عطّار النيسابوري، تهران، انتشارات مولى، 1346 ش .

12 - تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن) . أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310) ، إعداد أحمد إسماعيل شكوكاني ، الطبعة الثالثة ، 12 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار الكتب العلمية 1420 ق / 1999 م .

13 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

14 - تفسير القرآن الكريم. صدر المتأ لّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050)، تصحيح محمّد خواجوي، الطبعة الثانية، قم، منشورات بيدار، 1366 ش.

15 - تفسير القرآن الكريم. محيي الدين بن عربي (م 638)، تحقيق مصطفى غالب، تهران، انتشارات ناصر خسرو، 1368 ش.

16 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1398 ق.

ص: 212

«ج»

17 - جامع الأسرار ومنبع الأنوار. الشيخ حيدر الآملي، تهران، انتشارات علمى و فرهنگى، 1368 ش.

«ح»

18 - حديقة الحقيقة وشريعة الطريقة. أبو المجد مجدود بن آدم سنائي غزنوي، تصحيح مدرّس رضوي، تهران، مؤسّسه انتشارات و چاپ دانشگاه تهران، 1374 ش.

19 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة . صدر المتأ لّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، الطبعة الثانية ، 9 مجلّدات ، قم ، مكتبة المصطفوي، 1387 ق .

«د»

20 - ديوان حافظ. خواجه شمس الدين محمّد حافظ شيرازى (791 - ؟)، تصحيح محمّد قدسي، چاپ دوّم، تهران، انتشارات نشر چشمه، 1387 ش.

21 - ديوان لبيد. لبيد بن ربيعة العامري (م 41)، شرحه وقدّم له عمر الطبّاع، الطبعة الاُولى، بيروت، دار الأرقم، 1417 ق.

«ر»

22 - رسائل ابن سينا . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، قم ، انتشارات بيدار، 1400 ق.

«س»

23 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

24 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

«ش»

25 - شرح الأسماء. المولى هادي بن مهدي السبزواري (1212 - 1289)، تحقيق نجفقلي

ص: 213

حبيبي، تهران، مؤسّسه انتشارات و چاپ دانشگاه تهران، 1373 ش.

26 - شرح اُصول الكافي. صدر المتأ لّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ، المعروف ب «ملاّصدرا» (979 - 1050)، تصحيح محمّد خواجوي، تهران، مؤسّسة مطالعات و تحقيقات فرهنگى، 1366 ش.

27 - شرح چهل حديث، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

28 - شرح دعاء السحر، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

29 - شرح فصوص الحكم. محمّد داوود قيصري رومي (م 751)، بإهتمام سيّد جلال الدين الآشتياني، تهران، شركت انتشارات علمى و فرهنگى، 1375 ش.

30 - شرح فصوص الحكم. كمال الدين عبدالرزّاق الكاشاني (م 736)، قم، منشورات بيدار، 1370 ش.

31 - شرح فصوص الحكم. مؤيّد الدين الجندي، تصحيح سيّد جلال الدين الآشتياني، منشورات جامعة المشهد، 1361 ش.

32 - شرح المنظومة . المولى هادي بن مهديّ السبزواري (1212 - 1289) ، تصحيح وتعليق وتحقيق حسن حسن زاده الآملي ومسعود الطالبي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، طهران ، نشر ناب ، 1369 - 1379 ش .

33 - شرح منازل السائرين. كمال الدين عبدالرزّاق الكاشاني (م 736)، تحقيق محسن بيدارفر، الطبعة الاُولى، قم، منشورات بيدار، 1372 ش.

34 - شرح الهداية الأثيرية. صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي المعروف ب«ملاّصدرا» (979 - 1050)، الطبعة الحجرية.

35 - الشفاء . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، تحقيق عدّة من الأساتذة ، 10 مجلّداً ( الإلهيات + المنطق 4 مجلّدات + الطبيعيات 3 مجلّدات + الرياضيات مجلّدان) ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

ص: 214

«ص»

36 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

37 - صحيفه كامله سجاديه . الإمام علي بن الحسين زين العابدين علیه السلام ، الطبعة الثامنة، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1378 ش.

38 - صحيح مسلم. أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيشابوري (206 - 261)، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، بيروت، مؤسّسة عزّ الدين، 1407 ق / 1987 م.

«ع»

39 - عدّة الداعي ونجاح الساعي. أبو العبّاس أحمد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841)، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، 1420 ق.

40 - علم اليقين. محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091)، قم، انتشارات بيدار، 1385 ش.

41 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

42 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي، الطبعة الثانية، منشورات جهان.

«ف»

43 - الفتوحات المكّية. محيي الدين بن عربي (م 638)، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

44 - فصوص الحكم. الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي (م 638)، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، تهران، مكتبة الزهراء، 1366 ش.

ص: 215

45 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

«ق»

46 - القبسات . السيّد محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي المعروف ب«الميرداماد» (م 1041) ، تحقيق الدكتور مهدي المحقّق ، الطبعة الثانية ، طهران ، انتشارات و چاپ دانشگاه تهران ، 1374 ش .

«ك»

47 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

48 - كشف المحجوب. أبو الحسن علي بن عثمان الجلاّبي الهجويري الغزنوي (من علماء القرن الخامس)، تصحيح ژوكوفسكي، الطبعة الثالثة، تهران، كتابخانه طهورى، 1373 ش.

49 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، تحقيق الشيخ حسن حسن زاده الآملي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

50 - كلمات مكنونه. محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091)، تصحيح وتعليق عزيزاللّه العطاردي القوچاني، الطبعة الثانية، تهران، انتشارات فراهانى، 1360 ش.

51 - كمال الدين وتمام النعمة . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق عليّ أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1390 ق .

52 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال . علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي

ص: 216

(888 - 975) ، إعداد بكري حيّاني وصفوة السقا ، الطبعة الثالثة ، 16 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، 1409 ق / 1989 م .

«ل»

53 - لقاء اللّه. ميرزا جواد آقا الملكى التبريزي (م 1343)، مصححّ صادق حسن زاده، قم، آل على، 1385 ش.

«م»

54 - المبدأ والمعاد. صدر المتأ لّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050)، تصحيح سيّد جلال الدين الآشتياني، تهران، انتشارات انجمن فلسفه ايران، 1354 ش.

55 - مجموعه مصنّفات شيخ إشراق. شهاب الدين يحيى سهروردي، تصحيح هنري كربين، الطبعة الثانية، تهران، مؤسسة مطالعات و تحقيقات فرهنگى، 1372 ش.

56 - مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد. شيخ نجم الدين رازي، تهران، كتابخانه سنائى، 1363 ش.

57 - المستدرك على الصحيحين . الإمام الحافظ أبو عبداللّه الحاكم النيسابوري (312 - 405) ، تحت إشراف يوسف عبدالرحمن المرعشلي ، 4 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة .

58 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .

59 - مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين. الحافظ رجب البرسي (أعلام القرن الثامن)، تهران، دفتر نشر فرهنگ اهل بيت علیهم السلام .

60 - مصباح الاُنس. محمّد بن حمزة الفناري، مع تعليقات الميرزا هاشم الإشكوري والآية اللّه الخميني، وسيّد محمّد القمي وآقا محمّدرضا قمشه اى و حسن حسن زاده آملي، وفتح المفتاح، تصحيح محمّد خواجوي، تهران، انتشارات مولى، 1374 ش.

والطبع الحجري منه، تعليقات ميرزا هاشم بن حسن بن محمّد علي الكيلاني إشكوري وآية اللّه حسن حسن زاده آملي، الطبعة الثانية، طهران، انتشارات فجر، 1363 ش.

ص: 217

61 - مصباح الكفعمي، أو جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية. تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن ابن محمّد بن صالح بن إسماعيل الحارثي الكفعمي العاملي (840 - 905)، قم، منشورات الرضي.

62 - مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي ، 1418 ق / 1998 م .

63 - مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

64 - مفاتيح الغيب. صدر المتأ لّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي المعروف ب«ملاّصدرا» (979 - 1050)، تصحيح محمّد خواجوي، تهران، مؤسّسه مطالعات و تحقيقات فرهنگى، 1363 ش.

65 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش.

«ن»

66 - نقد المحصل. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، الطبعة الثانية، بيروت، دار الأضواء، 1405 ق.

67 - نهج البلاغة ، من كلام مولانا أمير المؤمنين علیه السلام . جمعة الشريف الرضي ، محمّد بن الحسين (359 - 406) ، إعداد الدكتور صبحي صالح ، انتشارات الهجرة ، قم ، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق» .

«و»

68 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

«ه»

69 - هفت اورنگ. عبدالرحمان جامى (817 - 898)، تصحيح مرتضى مدرّس گيلانى.

ص: 218

8 - فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق ··· ه

مقدّمة الطبعة الاُولى ··· يج

مقدّمة شرح فصوص الحكم

وفيه فصول:

الفصل الأوّل: في الوجود وأ نّه هو الحقّ ··· 5

إشارة إلى بعض المراتب الكلّية واصطلاحات الطائفة فيها ··· 5

الفصل الثاني: في أسمائه وصفاته تعالى ··· 9

الفصل الثالث: في الأعيان الثابتة ، والتنبيه على بعض المظاهر الأسمائية ··· 14

تنبيه ··· 16

تنبيه آخر ··· 16

هداية للناظرين ··· 17

تتميم ··· 18

الفصل الرابع: في الجوهر والعرض على طريقة أهل اللّه ··· 19

تنبيه: بلسان أهل النظر ··· 20

خاتمة : في التعيّن ··· 20

الفصل الخامس: في بيان العوالم الكلّية والحضرات الخمس الإلهية ··· 22

ص: 219

تنبيه ··· 24

الفصل السادس: فيما يتعلّق بالعالم المثالي ··· 26

الفصل السابع: في مراتب الكشف وأنواعها إجمالاً ··· 27

الفصل التاسع: في بيان خلافه الحقيقة المحمدية(صلی الله علیه وآله وسلم) ··· 28

الفصل الثاني عشر: في النبوّة والرسالة والولاية . ··· 29

شرح فصوص الحكم

شرح مقدّمة فصوص الحكم ··· 33

فصّ حكمة إلهية في كلمة آدمية ··· 45

فصّ حكمة نفثية في كلمة شيثية ··· 61

فصّ حكمة سُبُّوحية في كلمة نوحية ··· 73

فصّ حكمة قدّوسية في كلمة إدريسية ··· 85

فصّ حكمة مهيّمية في كلمة إبراهيمية ··· 95

فصّ حكمة حقّية في كلمة إسحاقيه ··· 107

فصّ حكمة عليّة في كلمة إسماعيلية ··· 119

فصّ حكمة روحية في كلمة يعقوبية ··· 127

فصّ حكمة نورية في كلمة يوسفية ··· 131

فصّ حكمة أحدية في كلمة هودية ··· 139

فصّ حكمة فتوحية في كلمة صالحية ··· 149

فصّ حكمة قلبية في كلمة شعيبية ··· 153

فصّ حكمة مَلكية في كلمة لوطية ··· 159

فصّ حكمة قدرية في كلمة عزيرية ··· 161

فصّ حكمة نبوية في كلمة عيسوية ··· 167

فصّ حكمة رحمانية في كلمة سليمانية ··· 175

ص: 220

فصّ حكمة وجودية في كلمة داودية ··· 183

فصّ حكمة نفسية في كلمة يونسية ··· 187

فصّ حكمة غيبية في كلمة أيّوبية ··· 189

الفهارس

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 195

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ··· 201

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ··· 203

4 - فهرس الأعلام ··· 205

5 - فهرس كتب واردة في المتن ··· 207

6 - فهرس الأشعار ··· 209

7 - فهرس مصادر التحقيق ··· 211

ص: 221

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.