موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 10 کتاب الطهارة المجلد 3

هویة الکتاب

سرشناسه:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 10 کتاب الطهارة المجلد 3/ تحقیق موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س).

مشخصات نشر:تهران : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)، 1396.

مشخصات ظاهری:4 جلد

فروست:موسوعه الامام الخمینی (س).

شابک:3300000 ریال دوره 978-964-212-368-1 : ؛ 200000 ریال: ج.1 978-964-212-358-2 : ؛ 200000 ریال: ج.2 978-964-212-359-9 : ؛ 200000 ریال: ج.3 978-964-212-360-5 : ؛ 200000 ریال: ج.4 978-964-212-361-2 : ؛ 200000 ریال: ج.5 978-964-212-362-9 : ؛ 200000 ریال: ج.6 978-964-212-363-6 : ؛ 200000 ریال: ج.7 978-964-212-364-3 : ؛ 200000 ریال: ج.8 978-964-212-365-0 : ؛ 200000 ریال: ج.9 978-964-212-366-7 : ؛ 200000 ریال: ج.10 978-964-212-367-4 :

وضعیت فهرست نویسی:فاپا(چاپ دوم)

يادداشت:ج.2 - 10 (چاپ اول: 1392)(فیپا).

يادداشت:چاپ دوم.

مندرجات:ج.1. احکام تقلید، طهارت.- ج.2. نماز (از ابتدا تا شرایط شکسته شدن نماز).- ج.3. نماز (از قواطع سفر تا انتها)، روزه، زکات.- ج.4. خمس.- ج.5. حج، امر به معروف و نهی از منکر، مکاسب محرمه.- ج.6. بیع (خرید و فروش) ....- ج.7. وقف و نظایر آن، وصیت، یمین و نذر، کفارات.- ج.8. صید و ذباحه، خوردنی ها و آشامیدنی ها ....- ج.9. نکاح (از اولیای عقد تا انتها)....- ج.10. قضا، شهادات، حدود، قصاص ... .

موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه -- پرسش ها و پاسخ ها

*Islamic law, Ja'fari -- Handbooks, manuals, etc. -- Questions and answers

فتوا های شیعه -- قرن 14

Fatwas, Shiites -- 20th century

شناسه افزوده:موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

شناسه افزوده:Institute for Compilation and Publication of Imam Khomeini's Works

رده بندی کنگره:BP183/9/خ8الف47 1396

رده بندی دیویی:297/3422

شماره کتابشناسی ملی:3421059

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين .

ص: 5

ص: 6

القول في النجاسات

اشارة

وفيه مقدّمة وفصلان :

ص: 7

ص: 8

المقدّمة

اشاره

أمّا المقدّمة ففيها جهات من البحث :

الاُولى : في تحديد المفهوم العرفي للنظافة والنجاسة

الظاهر أنّ النجاسة والقذارة العرفية ، أمر وجودي مقابل النظافة والنقاوة ؛ فإنّ الأعيان الخارجية على قسمين :

أحدهما : ما هو قذر ورجس ، وهو ما يستكرهه العقلاء ويستقذرونه ، ويتنفّرون منه ، كالبول والغائط والمنيّ والنخامة ، وأمثالها ممّا تجتنب منها العقلاء ؛ لتنفّرهم منها ومن التماس معها .

وثانيهما : ما ليس كذلك ، كسائر الأعيان . والثاني نظيف نقيّ ، لا بمعنى أنّ النظافة أمر وجودي قائم بذاتها وراء أوصافها وأعراضها الذاتية ، فالحجر والمدر والجصّ وأمثالها بذاتها نظيفة ؛ ليست بقاذورة يستكرهها الناس ، وإنّما تصير - بملاقاتها مع بعض الأعيان القذرة وتلطّخها بها - نجسةً قذرة بالعرض ، ويستقذرها الناس لتلك المماسّة وذلك التلطّخ . فالأشياء كلّها - ما عدا الأعيان القذرة - نظيفة ؛ أي نقيّة عن القذارة .

فالنظافة هي كون الشيء نقيّاً عن الأقذار ، فإذا صارت الأشياء بملاقاتها قذرة

ص: 9

فغسلت بالماء ، ترجع إلى حالتها الأصلية ؛ أي النقاوة عنها ، من غير أن يحصل لها أمر وجودي قائم بها خارجاً أو اعتباراً .

وما ذكر موافق للاعتبار والعرف ، وهو ظاهر ، وكذا موافق للّغة ، ففي «الصحاح» : «النظافة : النقاوة ، ونظّفته أنا تنظيفاً ؛ أي نقّيته»(1) .

وفي «القاموس» : «النظافة : النقاوة ، وهو نظيف السراويل ، وعفيف الفرج»(2) انتهى .

والظاهر أنّ «نظيف السراويل» كناية عن عدم التلطّخ بدنس الزنا ومثله .

وفي «المجمع» : «النظافة : النقاوة ، ونظُف الشيء ينظُف - بالضمّ - نظافة : نقيّ من الوسخ والدنس»(3) .

وفي «المنجد» : «نظُف الشيء : كان نقيّاً من الوسخ والدنس ، يقال : فلان نظيف السراويل ؛ أي عفيف ، ونظيف الأخلاق ؛ أي مهذّب ، وتنظّف الرجل ؛ أي تنزّه عن المساوئ»(4) .

هذا حال القذارات العرفية ، ويأتي الكلام في حال اعتبار الشارع وحكمه .

الثانية : في انقسام النجاسة شرعاً إلى مجعولة وغير مجعولة

يحتمل في بادئ النظر أن تكون النجاسة من الأحكام الوضعية الشرعية للأعيان النجسة عند الشارع ؛ حتّى فيما هو قذر عند العرف كالبول والغائط ،

ص: 10


1- الصحاح 4 : 1435 .
2- القاموس المحيط 3 : 207 - 208 .
3- مجمع البحرين 5 : 125 .
4- المنجد : 818 .

فتكون النجاسة قذارة اعتبارية غير ما لدى العرف بحسب الحقيقة ، موضوعةً لأحكام شرعية .

ويحتمل أن تكون أمراً انتزاعياً من الأحكام الشرعية ، كوجوب الغسل ، وبطلان الصلاة معها وهكذا .

ويحتمل أن تكون أمراً واقعياً غير ما يعرفها الناس ، كشف عنها الشارع المقدّس ، ورتّب عليها أحكاماً .

ويحتمل أن تكون الأعيان النجسة مختلفة بحسب الجعل ؛ بمعنى أنّ ما هو قذر عرفاً - كالبول والغائط والمنيّ - لم يجعل الشارع لها القذارة ، بل رتّب عليها

أحكاماً ، وما ليس كذلك كالكافر والخمر والكلب ، ألحقها بها موضوعاً ؛ أي جعل واعتبر لها النجاسة والقذارة ، فيكون للقذارة مصداقان : حقيقي وهو الذي يستقذره العرف ، واعتباري جعلي كالأمثلة المتقدّمة وغيرِها من النجاسات الشرعية التي لا يستقذرها الناس لو خلّيت طباعهم وأنفسها . أو ألحقها بها حكماً ؛ أي رتّب عليها أحكام النجاسة من غير جعل نجاسة لها .

والظاهر بحسب الاعتبار بل الأدلّة ، هو احتمال ما قبل الأخير ؛ لأنّ الظاهر أ نّه لم يكن للشارع اصطلاح خاصّ في القذر والنجس ، فما هو قذر ونجس عند العقلاء والعرف ، لا معنى لجعل القذارة له ؛ لأنّ الجعل التكويني محال ، واعتباراً آخر - نظير التكوين - لغو ، وليست للنجاسة والقذارة حقيقة واقعية لم يصل إليها العرف والعقلاء ، كما هو واضح . نعم ، لمّا كان العرف يستقذر أشياء لم يكن لها أحكام النجاسات الإلزامية - وإن استحبّ التنزّه عنها والتنظيف منها ، كالنخامة والمذي والوذي - يكشف ذلك عن استثناء الشارع إيّاها موضوعاً أو حكماً .

ص: 11

وأمّا النجاسات الشرعية التي ليست لدى العرف قذرة نجسة - كالخمر والكافر - فالظاهر إلحاقها بها موضوعاً ، كما هو المرتكز عند المتشرّعة ؛ فإنّها قذرة عندهم كسائر الأعيان النجسة . ولقوله تعالى : )إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا ا لْمَسْجِدَ ا لْحَرَامَ((1) ، فإنّ الظاهر منه تفريع عدم قربهم المسجد على نجاستهم .

بل وقوله تعالى : )كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّه ُ ا لرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ((2) ، فإنّ الرجس : القذر ، وظاهره أ نّه تعالى جعلهم رجساً .

وقوله تعالى : )قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ . . .( إلى قوله : )أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فإِنَّهُ رِجْسٌ((3) .

ولحسنة(4) خَيْران الخادم قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيصلّى فيه أم لا ؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال

ص: 12


1- التوبة (9) : 28 .
2- الأنعام (6) : 125 .
3- الأنعام (6) : 145 .
4- رواها الكليني ، عن علي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن خيران الخادم . علي بن محمّد المعروف بعلاّن ثقة عين كما قاله النجاشي . وسهل بن زياد ا لآدمي أمره عند المصنّف سهل ؛ لكثرة رواياته وقدمه الراسخ في جميع أبواب الفقه ، وذلك يوجب الاطمئنان بوثاقته . أمّا خيران الخادم وثّقه الشيخ في رجاله وقال في حقّه العلاّمة المامقاني في نتائج التنقيح : «في أعلى الحسن بل ثقة» ، فلذا عبّر المصنّف في الصفحة 255 و270 بحسنة الخيران أو صحيحته . رجال النجاشي : 260 / 682 ؛ رجال الطوسي : 386 / 5686 ؛ نتائج التنقيح ، ضمن تنقيح المقال 1 : 52 / 3803 . وراجع الجزء الأوّل : 78 .

بعضهم صلّ فيه : فإنّ اللّه إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلّ فيه ، فكتب : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس»(1) . فإنّ التعليل دليل على أنّ عدم صحّة الصلاة فيه

لأجل كون الخمر رجساً ، فلا تكون نجاستها منتزعة من الأحكام ، ولمّا لم تكن الخمر رجساً عرفاً ولدى العقلاء ، فلا محالة تكون نجاستها مجعولة شرعاً .

وصحيحةِ أبي العبّاس ، وفيها : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الكلب ، فقال : «رجس نجس ؛ لا يتوضّأ بفضله»(2) .

والتقريب فيها كسابقتها .

وقريب منها صحيحته الاُخرى(3) ، وحسنة(4) معاوية بن شُريح(5) .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ النجاسات على نوعين :

ص: 13


1- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 413 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 11 ، الحديث 1 .
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن أيّوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن شريح . والرواية حسنة لأجل معاوية بن شريح . تنقيح المقال 3 : 224 / السطر الأوّل (أبواب الميم) .
5- عنه عن أبي عبداللّه عليه السلام - في حديث - أ نّه سئل عن سؤر الكلب ، يشرب منه أو يتوضّأ ؟ قال : «لا» ، قلت : أليس هو سبع ؟ قال : «لا واللّه إنّه نجس ، لا واللّه إنّه نجس» . تهذيب الأحكام 1 : 225 / 647 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 6 .

أحدهما : ما يستقذره الناس ، وقد رتّب الشارع عليه أحكاماً .

وثانيهما : ما جعله الشارع قذراً ، وألحقه بها موضوعاً بحسب الاعتبار والجعل ، فصار قذراً في عالم الجعل ووعاء الاعتبار ، ورتّب عليه أحكام القذر .

الثالثة : في اختلاف ملاكات جعل النجاسة للموضوعات

الظاهر أنّ جعل القذارة للموضوعات التي ليست قذرة عند الناس ، ليس بملاك واحد . كما أنّ الظاهر عدم قذارة واقعية لها لم يطّلع عليها الناس ، وكشف عنها الشارع ؛ ضرورة أنّ القذارة ليست من الحقائق المعنوية الغائبة عن أبصار الناس ومداركهم .

بل الظاهر أنّ جعل القذارة لمثل الخمر لأجل أهمّية المفسدة التي في شربها ، فجعلها نجسة لأن يجتنب الناس عنها غاية الاجتناب . كما أنّ الظاهر أنّ جعل النجاسة للكفّار لمصلحة سياسية ؛ هي تجنّب المسلمين عن معاشرتهم ومؤاكلتهم ، لا لقذارة فيهم تؤثّر في رفعها كلمة الشهادتين .

ولعلّ في مباشرة الكلب والخنزير ، مضرّات أراد الشارع تجنيبهم عنهما تحفّظاً عنها . . . إلى غير ذلك .

ولا أظنّ إمكان الالتزام(1) بأنّ القذارة عند الشارع ، ماهية مجهولة الكنه يصير المرتدّ بمجرّد الردّة قذراً واقعاً ، وصارت الردّة سبباً لاتّصافه تكويناً بصفة وجودية تكوينية غائبة عن أبصارنا ، ومجرّد الإقرار بالشهادتين صار سبباً لرفعها تكويناً .

ص: 14


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 19 .

الفصل الأوّل: في تعيين الأعيان النجسة

اشارة

وهي عشرة أنواع على ما في جملة من الكتب أو أكثر ، كما يأتي حال الخلاف في بعض :

ص: 15

ص: 16

البول والغائط

الأوّل والثاني : البول والغائط من كلّ حيوان غير مأكول ذي نفس سائلة ، فما لا يصدق عليه عنوانهما ليس بنجس ، كالحبّ الخارج من الحيوان إذا لم يصدق عليه «العَذِرة» ولو فرض الخروج عن صدق عنوانه الذاتي أيضاً ، فضلاً عمّا إذا صدق عليه وإن زالت صلابته وقوّة نبته . فما عن «المنتهى» من الحكم بنجاسته إذا زالت صلابته(1) غير وجيه .

وقد حكي الإجماع على نجاستهما مع القيدين عن «الخلاف» و«الغنية» و«المعتبر» و«المنتهى» و«التذكرة» و«كشف الالتباس» و«المدارك» و«الدلائل» و«الذخيرة»(2) . وعن «الناصريات» و«الروض» و«المدارك» و«الذخيرة» نقل الإجماع على عدم الفرق بين الأرواث والأبوال(3) ، ولعلّه هو العمدة في

ص: 17


1- منتهى المطلب 3 : 179 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 3 - 4 ؛ الخلاف 1 : 485 - 487 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ المعتبر 1 : 410 ؛ منتهى المطلب 3 : 166 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 49 ؛ كشف الالتباس 1 : 392 ؛ مدارك الأحكام 2 : 258 ؛ ذخيرة المعاد : 145 / السطر 15 .
3- مسائل الناصريات : 88 ؛ روض الجنان 1 : 433 ؛ مدارك الأحكام 2 : 259 ؛ ذخيرة المعاد : 145 / السطر 20 .

الأرواث ؛ لعدم إطلاق أو عموم معتدّ به يمكن الركون إليه وإن لا يبعد في بعضها ، كما سيتّضح الكلام فيه(1) . وأمّا الأبوال ، فلا إشكال في دلالة كثير من الأخبار عموماً أو إطلاقاً على نجاستها (2) ، فلا موجب لنقلها .

والأولى سرد الروايات الواردة في الأرواث :

الروايات الدالّة على نجاسة الأرواث

فمنها : ما عن «المختلف» نقلاً عن «كتاب عمّار بن موسى» عن الصادق علیه السلام

قال : «خُرْء الخُطّاف لا بأس به ؛ هو ممّا يؤكل لحمه ، لكن كره أكله لأ نّه استجار بك وآوى إلى منزلك ، وكلّ طير يستجير بك فأجره»(3) .

بدعوى : أنّ قوله : «هو ممّا يؤكل» تعليل لعدم البأس ، وبرفع العلّة يرفع عدم البأس(4) . وأنّ المراد بعدم البأس صحّة الصلاة معه ، وجواز شرب ملاقيه ، وغير ذلك ؛ ولو بملاحظة معهوديته من البأس واللا بأس في خرء الحيوان وبوله . وبقرينة الروايات الواردة في أبوال ما لا يؤكل لحمه .

وفيها : بعد الغضّ عن أنّ الرواية بعينها نقلت في باب المطاعم عن الشيخ بإسناده عن عمّار ، وفيها : «الخُطّاف لا بأس به»(5) من غير كلمة «خُرْء» .

ص: 18


1- يأتي في الصفحة 20 - 22 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 404 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 .
3- مختلف الشيعة 8 : 310 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 20 .
4- رياض المسائل 2 : 345 ؛ مستند الشيعة 1 : 138 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 80 / 345 .

واحتمال كونها رواية اُخرى نقلها العلاّمة وأهملها الشيخ ، في غاية البعد ، بل مقطوع الفساد .

نعم ، يحتمل اختلاف النسخ ، فدار الأمر بين الزيادة والنقيصة ، فإن قلنا بتقدّم

أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة لدى العقلاء - خصوصاً في المقام ممّا يظنّ لأجل بعض المناسبات ، وجود لفظ «الخرء» - صحّ الاستدلال بها . لكن إثبات بنائهم على ذلك مشكل ، بل إثبات بنائهم على العمل بمثل الرواية أيضاً مشكل ، وقد حرّر في محلّه أ نّه لا دليل على حجّية خبر الثقة إلاّ بناؤهم المشفوع بإمضاء الشارع(1) .

أنّ غاية ما يستفاد من إطلاق التعليل : أنّ أكل اللحم تمام العلّة وتمام الموضوع لعدم البأس ، وأمّا انحصارها به فغير ظاهر ، ولا يكون مقتضى الإطلاق ، فيمكن قيام علّة اُخرى مقامها عند عدمها .

وبعبارة اُخرى : أنّ الإطلاق يقتضي عدم دخالة شيء غير المأكولية في نفي البأس ، فتكون تمام العلّة له ، لا جزءها ، وهو غير الانحصار ، وما يفيد هو انحصارها بها حتّى يقتضي رفعها ثبوت نقيض الحكم أو ضدّه .

ودعوى : أنّ العرف مع خلوّ ذهنه عن هذه المناقشة ، يفهم من الرواية أنّ في خرء غير المأكول بأساً ، غير مسلّمة . مضافاً إلى أنّ البأس أعمّ ، والمعهودية غير معلومة ، وقرينية أخبار الأبوال غير ظاهرة . مع كون البول أشدّ في بعض الموارد ، كلزوم تعدّد غسله ، وعدمِ الاكتفاء با لأحجار فيه .

ص: 19


1- أنوار الهداية 1 : 254 .

ومنها : موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ ما يؤكل فلا بأس

بما يخرج منه»(1) .

بدعوى : أنّ تعليق الحكم على ما يؤكل يفيد العلّية(2) .

والكلام فيها كسابقتها . مضافاً إلى أ نّه لو سلّم دلالتها فلا تدلّ على الكلّية في مفهومها ، فغاية ما يثبت بها أنّ هذه الكلّية غير ثابتة لما لا يؤكل .

بل لو سلّم كون ما يخرج منه عبارة عمّا يخرج من طرفيه من البول والخرء ، فلا يثبت في المفهوم البأس فيهما ، فيمكن أن يكون في أحدهما بأس .

ومنها : رواية الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل يطأ في العَذِرة أو البول ، أيعيد الوضوء ؟ قال : «لا ، ولكن يغسل ما أصابه»(3) .

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ، ثمّ تدخل في الماء ، يتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا ، إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء»(4) .

ورواية علي بن محمّد في حديث قال : سألته عن الفأرة والدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ، ثمّ تطأ الثوب ، أيغسل ؟ قال : «إن كان استبان

ص: 20


1- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 781 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 12 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 22 .
3- الكافي 3 : 39 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 444 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 26 ، الحديث 15 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1326 ؛ وسائل الشيعة 1 : 155 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 13 .

من أثره شيء فاغسله ، وإلاّ فلا بأس»(1) .

وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه أو موثّقته(2) قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام

عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سِنَّوْر أو كلب ، أيعيد صلاته ؟ قال : «إن كان لم يعلم فلا يعيد»(3) .

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفر علیه السلام إذ مرّ على عذرة يابسة ، فوطأ عليها ، فأصابت ثوبه . فقلت : جعلت فداك ، قد وطأت على عذرة فأصابت ثوبك . فقال : «أليس هي يابسة ؟ !» فقلت : بلى . قال : «لا بأس ؛ إنّ

الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(4) .

إلى غير ذلك ، كبعض ما ورد في ماء البئر(5) وأبواب المطاعم(6) .

ص: 21


1- تهذيب الأحكام 1 : 424 / 1347 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 3 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة ، عن أبان ، عن عبد الرحمان بن أبي عبداللّه . والترديد لأجل كلام في مذهب أبان بن عثمان . رجال النجاشي : 13 / 8 ؛ اختيار معرفة الرجال : 352 / 660 ، و : 375 / 705 ؛ تنقيح المقال 1 : 5 / السطر 34 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 359 / 1487 ؛ وسائل الشيعة 3 : 475 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 5 .
4- الكافي 3 : 38 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 457 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 2 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 191 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 20 .
6- راجع وسائل الشيعة 24 : 164 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 27 و28 .

ويظهر منها أنّ نجاسة العذرة بعنوانها كانت معهودة ؛ وإن أمكنت المناقشة في دلالة بعضها وإطلاق بعض .

لكن يتوقّف إثبات عموم الحكم على كون «العَذِرة» خرء مطلق الحيوان ؛ إنساناً وغيره ، طائراً وغيره ، كما هو الظاهر من كلمات كثير من اللغويين :

ففي «القاموس» : «العَذِرة : الغائط وأردأ ما يخرج من الطعام»(1) ونحوه في «المعيار» و«المنجد»(2) .

وفي «الصحاح» : «الخُرء - بالضمّ - : العذرة ، والجمع الخروء ، وقال يهجو :

كأنّ خروء الطير فوق رؤوسهم [ إذا اجتمعت قيسٌ معاً وتميمُ]»(3) .

وفي «المجمع» : «العَذِرة - وزان كَلِمَة - الخُرء»(4) .

وفي «القاموس» : «الخُرء - بالضمّ - : العذرة»(5) وقريب منه ما في «المنجد» و«المعيار»(6) .

وعن «الصراح» : «عذره پليدى مردم و ستور و جز آن»(7) ونحوه عن «منتهى الإرب»(8) .

ويظهر من الفقهاء في المكاسب المحرّمة إطلاق «العذرة» على مطلق مدفوع

ص: 22


1- القاموس المحيط 2 : 89 .
2- معيار اللغة 1 : 462 ؛ المنجد : 494 .
3- الصحاح 1 : 46 .
4- مجمع البحرين 3 : 398 .
5- القاموس المحيط 1 : 14 .
6- المنجد : 172 ؛ معيار اللغة 1 : 44 .
7- صراح اللغة : 126 .
8- منتهى الإرب 3 : 809 .

الحيوان ، وحملوا رواية «لا بأس ببيع العذرة»(1) على عذرة ما يؤكل لحمه ، واستندوا في حرمة عذرة غير المأكول على الإجماع المدّعى على حرمة بيع العذرة . وبالجملة : يظهر منهم إطلاق «العذرة» على مدفوع مطلق الحيوان .

وتدلّ على عدم الاختصاص بعذرة الإنسان - مضافاً إلى صحيحة عبدالرحمان المتقدّمة - رواية سَماعة قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر فقال : إنّي رجل أبيع العذرة ، فما تقول ؟ قال : «حرام بيعها وثمنها» وقال : «لا بأس ببيع العذرة»(2) . حيث تدلّ على أنّ العذرة منها ما يجوز بيعها ، ومنها ما لا يجوز ، وقد حملوا الجزء الثاني منها على عذرة الحيوان المحلّل اللحم .

وتؤيّده صحيحة ابن بَزيع في أحكام البئر قال : كتبت إلى رجل . . . إلى أن قال : أو يسقط فيها شيء من عذرة ، كالبعرة ونحوها (3) ، بناءً على كون البعرة مثالاً للعذرة . لكن في رواية اُخرى بدل «من عذرة» «من غيره»(4) .

ودعوى انصراف العذرة إلى ما هي محلّ الابتلاء ، كعذرة الإنسان والسِنَّوْر والكلب ، دون السباع ونحوها (5) ، غير وجيهة ؛ لفهم العرف أنّ حكم النجاسة

ص: 23


1- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1081 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 2 .
3- الكافي 3 : 5 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 244 / 705 ؛ وسائل الشيعة 1 : 176 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 21 .
4- الاستبصار 1 : 44 / 124 .
5- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 15 .

ثابت لذات العذرة من غير دخالة للإضافة إلى صاحبها . ولعدم الانصراف عن عذرة بعض الطيور وبعض الحيوانات ، كالقردة والخنازير ممّا يبتلى بها ولو قليلاً ، وعدم الفصل جزماً بينها وبين غيرها .

مع أنّ إطلاق «الخُرء» على رجيع الطيور والفئران والكلاب شائع ظاهراً ، وهو مساوق للعذرة ، كما مرّ من كتب اللغة المتقدّمة .

لكن مع ذلك ، إثبات كون العذرة الواردة في الروايات شاملةً لفضلة جميع الحيوانات ، مشكل :

أمّا أوّلاً : فلاختلاف اللغويّين في ذلك ، فعن جمع منهم الاختصاص بفضلة الآدمي ، كالهروي في «الغريبين» و«مهذّب الأسماء» و«تهذيب اللغة»(1) و«دائرة المعارف» لفريد(2) ، بل الظاهر من محكيّ ابن الأثير(3) .

وأمّا ثانياً : فلقرب احتمال انصرافها إلى فضلة الآدمي لو فرض كونها أعمّ .

وأمّا ثالثاً : فلعدم الإطلاق في الروايات الواردة لإثبات الحكم ، كما ستأتي

الإشارة إليه(4) .

وكيف كان : لا إشكال في نجاسة البول والغائط من الحيوان غير المأكول الذي له نفس سائلة إلاّ ما استثني ، كما يأتي(5) ؛ لما مرّ من حكاية الإجماع عليها ، بل في بعضها واضحة .

ص: 24


1- اُنظر كشف اللثام 1 : 327 ؛ تهذيب اللغة 2 : 311 .
2- دائرة معارف القرن العشرين ، فريد وجدي 6 : 225 .
3- النهاية ، ابن الأثير 3 : 199 .
4- يأتي في الصفحة 48 .
5- يأتي في الصفحة 28 .

تنبيهات

اشارة

وينبغي التنبيه على اُمور :

عدم الفرق بين غير المأكول الأصلي والعرضي

منها : قالوا : «لا فرق بين غير المأكول الأصلي والعرضي ، كالجلاّل والموطوء» .

وعن «الغنية» الإجماع على نجاسة خُرء مطلق الجلاّل وبوله(1) .

وعن «المختلف» و«التنقيح» و«المدارك» و«الذخيرة» الإجماع على نجاسة ذرق الدجاج الجلاّل(2) .

وعن ظاهر «الذخيرة» و«الدلائل» الإجماع على نجاسة ذرق الجلاّل والموطوء وكلّ ما لا يؤكل لحمه(3) .

وعن «التذكرة» و«المفاتيح» نفي الخلاف في إلحاق الجلاّل من كلّ حيوان والموطوء بغير المأكول في نجاسة البول والعذرة(4) .

وهو العمدة ، ولولاه لكان للخدشة في الحكم مجال ؛ لأنّ الظاهر من «ما يؤكل» و«ما لا يؤكل» المأخوذين في الأدلّة هو الأنواع ، كالبقر والغنم والإبل

ص: 25


1- غنية النزوع 1 : 40 .
2- مختلف الشيعة 1 : 297 ؛ التنقيح الرائع 1 : 146 ؛ مدارك الأحكام 2 : 265 ؛ ذخيرة المعاد : 146 / السطر 35 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 5 ؛ ذخيرة المعاد : 145 / السطر 15 .
4- تذكرة الفقهاء 1 : 51 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 65 .

والكلب والسِنَّوْر والفأر ، لا أشخاص الأنواع ، فكأ نّه قال : «اغسل ثوبك من

أبوال كلّ نوع لا يؤكل لحمه» كما يظهر من الأمثلة التي في بعض الروايات ، ففي صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه أو موثّقته(1) قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يصيبه بعض أبوال البهائم ، أيغسله أم لا ؟ قال : «يغسل بول الحمار والفرس والبغل ، وأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»(2) .

وعنه مثله ، إلاّ أ نّه قال : «وينضح بول البعير والشاة ، وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»(3) .

إلى غير ذلك ممّا هي ظاهرة في أنّ الحكم في الطرفين معلّق على الأنواع ، ولا ريب في أنّ الظاهر من ذلك التعليق أنّ النوع ممّا اُكل أو لا ، ولا تتنافى مأكوليته مع عروض العدم بالجلل وغيره لبعض الأفراد .

نعم ، لو كان موضوعه أفراد الأنواع كان الجلاّل مصداقه ، لكنّه خلاف ظواهر الأدلّة .

وأمّا الاستشهاد للمطلوب(4) بما ورد من غسل عرق الجلاّل(5) ، ففي

ص: 26


1- تقدّم وجه الترديد في الصفحة 21 ، الهامش 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 247 / 711 و : 266 / 780 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 9 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 422 / 1337 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 10 .
4- جواهر الكلام 5 : 284 .
5- راجع وسائل الشيعة 3 : 423 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 1 و2 .

غير محلّه ولو قلنا بنجاسته ؛ لحرمة القياس . ودعوى الأولوية غير مسموعة بعد

احتمال كون نجاسة عرقه لكونه فضل العذرة ، بخلاف بوله . مع أنّ الأقوى عدم نجاسة عرق ما عدا الإبل الجلاّلة ، كما يأتي(1) .

نعم ، لو اُغمض عمّا ذكرنا ، فلا مجال للقول بتعارض ما دلّ على نجاسة بول غير المأكول وروثه مع ما دلّ على طهارتهما من الغنم والبقر ، تعارضَ العموم من وجه(2) ، فيرجع إلى أصالة الطهارة واستصحابها ؛ لتقدّم الاُولى على الثانية بنحو من الحكومة ، لأنّ المأكولية وغيرها من الأوصاف الانتزاعية الزائدة على الذات ، والدليل الدالّ على الحكم المعلّق عليها ، مقدّم عرفاً على الدالّ على الحكم المعلّق على عناوين الذات .

وكيف كان : لا مجال للتشكيك في الحكم بعد ما عرفت من تسلّمه بين الأصحاب ؛ وإن احتمل أن يكون مستندهم فيه هو الأدلّة اللفظية ؛ بدعوى عمومها للمحرّم بالعرض ، كما صرّح به بعضهم(3) ، وبُعد وصول شيء آخر إليهم غير ما وصل إلينا ، لكن مع ذلك الأقوى ما عليه الأصحاب ، ولفهم العلّية من الأدلّة والدورانِ مدارها ببركة فهمهم منها ، وإمكانِ دعوى إطلاق أدلّة نجاسة البول والعذرة ، والمتيقّن من الخروج هو ما للمأكول فعلاً ، والمتأيّد في روثه بأ نّه

من فضل العذرة ، وهو أردأ منها .

ص: 27


1- يأتي في الصفحة 513 .
2- غنائم الأيّام 1 : 382 - 383 ؛ اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 23 .
3- غنائم الأيّام 1 : 382 ؛ جواهر الكلام 5 : 283 .
نجاسة بول وخرء الطير الذي لا يؤكل لحمه

ومنها : اختلفوا في رجيع الطير ، فعن الصدوق في «الفقيه» : «لا بأس بخرء ما طار وبوله»(1) وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين المأكول وغيره . وحكي القول بطهارته عن ابن أبي عقيل والجعفي(2) ، وتبعهم جمع من متأخّري المتأخّرين(3) .

وعن الشيخ في «المبسوط» القول بها فيما عدا الخُشّاف ، فقال : «بول الطيور وذرقها كلّها طاهر إلاّ الخُشّاف»(4) .

وعن المشهور القول بنجاسة خرء ما لا يؤكل وبوله ، بل في «الجواهر» : «شهرة عظيمة تقرب الإجماع إن قلنا بشمول لفظ «الغائط» و«العذرة» و«الروث» في عبارات الأصحاب لما نحن فيه ، كما قطع به العلاّمة الطباطبائي في «مصابيحه»(5) بالنسبة إلى خصوص عباراتهم»(6) انتهى .

وهو ليس ببعيد ؛ لما عرفت(7) من تصريح اللغويين بمساوقة «العذرة» «للخُرء» وشيوع إطلاق «الخُرء» على رجيع الطير في الأخبار وغيرها .

ص: 28


1- الفقيه 1 : 41 ، ذيل الحديث 164 .
2- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 298 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 110 .
3- مفاتيح الشرائع 1 : 65 ؛ مدارك الأحكام 2 : 262 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 11 ؛ مستند الشيعة 1 : 141 .
4- المبسوط 1 : 39 .
5- المصابيح في الفقه : 174 (مخطوط) .
6- جواهر الكلام 5 : 275 .
7- تقدّم في الصفحة 22 - 24 .

وعن الحلّي في باب البئر : «قد اتّفقنا على نجاسة ذرق غير المأكول من سائر الطيور ، وقد رويت رواية شاذّة لا يعوّل عليها : «أنّ ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم ، أو غير مأكوله» والمعمول عند محقّقي أصحابنا والمحصّلين منهم خلاف هذه الرواية ؛ لأ نّه هو الذي يقتضيه أخبارهم المجمع عليها»(1) انتهى .

وفي «التذكرة» : «البول والغائط من كلّ حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم ، نجسان بإجماع العلماء كافّة ، وللنصوص الواردة عن الأئمّة علیهم السلام بغسل

البول والغائط عن المحلّ الذي أصاباه ، وهي أكثر من أن تحصى . وقول الشيخ في «المبسوط» بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور - لرواية أبي بصير - ضعيف ؛ لأنّ أحداً لم يعمل بها»(2) انتهى .

وهو ظاهر في أنّ الروايات المشتملة على «البول» و«العذرة» و«الخُرء» بإطلاقها شاملة للطيور وغيرها من أصناف الحيوان ، وكذا كلمات الفقهاء المشتملة عليها وعلى «الغائط» ونحوه ، ويظهر ذلك من الحلّي أيضاً .

وعن «الغنية» : «والنجاسات هي بول ما لا يؤكل وخرؤه بلا خلاف ، وما يؤكل لحمه إذا كان جلاّلاً بدليل الإجماع»(3) .

وشمول «الخرء» لرجيع الطير ممّا لا سبيل إلى إنكاره .

وعن «الخلاف» دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم على نجاسة بول وذرق

ص: 29


1- السرائر 1 : 80 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 49 .
3- غنية النزوع 1 : 40 .

ما لا يؤكل طيراً أو غيره(1) .

وعن «الجامعية في شرح الألفية» دعوى إجماع الكلّ على نجاستهما من الطير غير المأكول وغير الطير(2) .

فعليه يشكل العمل بصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه»(3) .

وعن «البحار» : وجدت بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبعي نقلاً من «جامع البَزَنْطي» عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «خرء كلّ شيء يطير وبوله لا بأس به»(4) .

لعدم ثبوت عمل الصدوق بها وإن كان ظاهر «فقيهه»(5) سيّما مع ما عن «مقنعه» قال : «وإن أصاب ثوبك بول الخشاشيف فاغسل ثوبك» . وروي : أ نّه «لا بأس بخرء ما طار وبوله ، ولا تصلّ في ثوب أصابه ذرق الدجاج»(6) انتهى .

فإنّ الظاهر منه عدم عمله بما روي . ولم يحضرني عبارة الجعفي وابن أبي عقيل . ولا يعتمد بما في «المبسوط»(7) مع دعوى الإجماع في «الخلاف»

ص: 30


1- الخلاف 1 : 487 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 276 ؛ المسالك الجامعية : 72 .
3- الكافي 3 : 58 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 1 .
4- بحار الأنوار 77 : 110 .
5- الفقيه 1 : 41 ، ذيل الحديث 164 .
6- المقنع : 13 - 14 .
7- المبسوط 1 : 39 .

على خلافه(1) ، ومع فتواه في «النهاية» - التي هي معدّة لذلك - على نجاسة ذرق غير المأكول من الطيور(2) .

كما أ نّه لا اعتماد على فتوى متأخّري المتأخّرين مع إعراض الأصحاب عن الصحيحة بشهادة الحلّي والعلاّمة ، مع صحّة سندها ، ووضوح دلالتها . ولا شبهة في أنّ المشهور بين قدماء أصحابنا هو النجاسة ، ولهذا لم ينقل الخلاف إلاّ ممّن ذكر ، فتكون الفتوى بالطهارة شاذّة .

ولو اُغمض عن ذلك ، ومحّضنا النظر في الروايات ، فيمكن أن يقال : إنّ بين صحيحة أبي بصير وصحيحة ابن سِنان(3) ، تعارضَ العموم من وجه بدواً ؛ فإنّ الاُولى بعمومها شاملة لغير المأكول ، والثانية بإطلاقها شاملة له .

نعم ، هنا رواية اُخرى عن ابن سِنان رواها الكليني في أبواب لباس المصلّي ،

عن علي بن محمّد ، عن عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «اغسل ثوبك من بول كلّ ما لا يؤكل لحمه»(4) ، فهي أيضاً شاملة له بالعموم .

لكن فيها إرسال ؛ لأنّ علي بن محمّد من مشايخ الكليني ، ولم يدرك ابن سِنان ؛ فإنّه من أصحاب أبي عبداللّه علیه السلام ولم يثبت إدراكه لأبي الحسن موسى علیه السلام

ص: 31


1- الخلاف 1 : 487 .
2- النهاية : 51 .
3- عن عبداللّه بن سنان قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» . الكافي 3 : 57 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 2 .
4- الكافي 3 : 406 / 12 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 3 .

كما يشهد به التتبّع ، وشهد به النجاشي(1) وإن عدّه الشيخ من أصحابه علیه السلام (2)، ولا إشكال في عدم إدراك علي بن محمّد ومن في طبقته له ولمن في طبقته ، بل في طبقة متأخّرة منه أيضاً ، كابن أبي عمير وجميل ومن في طبقتهما .

وعلى أيّ تقدير : بينهما جمع عرفي في مورد الاجتماع ؛ لأنّ الأمر بالغسل من بول ما لا يؤكل من الطير ، حجّة على الإلزام والوجوب ما لم يرد الترخيص ، ونفي البأس ترخيص . ولو سلّم ظهوره في الوجوب لغة يجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ ، وصحيحة أبي بصير نصّ في عدم الوجوب .

وتوهّم عدم إمكان التفكيك في مفاد الهيئة مدفوع :

أمّا على ما ذكرناه في محلّه : بأ نّها لا تدلّ إلاّ على البعث والإغراء من

غير دلالة على الوجوب أو الاستحباب وضعاً (3) ، فظاهر ؛ لعدم لزوم التفكيك في مفادها الذي هو البعث والإغراء وإن انقطعت الحجّة على الإلزام بالنسبة إلى مورد الترخيص دون غيره .

وأمّا على ما قالوا (4) ، فللكشف عن استعمالها في مطلق الرجحان .

وكيف كان : لا تعارض بينهما بعد الجمع العقلائي . مضافاً إلى ما قيل : من تقدّم أصالة العموم على أصالة الإطلاق(5) ، فيقدّم صحيحة أبي بصير بعمومها

ص: 32


1- رجال النجاشي : 214 / 558 .
2- رجال الطوسي : 339 / 14 .
3- مناهج الوصول 1 : 186 و198 .
4- معالم الدين : 46 ؛ قوانين الاُصول 1 : 83 / السطر 15 .
5- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 98 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 511 ، و4 : 729 - 730 .

على إطلاق صحيحة ابن سِنان . وروايتُه الاُخرى وإن كانت عامّة ، لكن قد عرفت أ نّه لا ركون إليها وإن كان في تقديم أصالة العموم على أصالة الإطلاق إشكال وكلام(1) .

مع إمكان أن يقال : إنّ صحيحة ابن سِنان غير ظاهرة في الوجوب ، ولا حجّة عليه ؛ لقرب احتمال أن يكون المراد من «ما لا يؤكل لحمه» ما لا يعدّ للأكل ، ولا يكون أكله متعارفاً ، لا ما يحرم أكله شرعاً . بل لا يبعد دعوى ظهورها في ذلك ؛ لأنّ ما يؤكل وما لا يؤكل ظاهران فيما يأكله الناس وما لا يأكله ، والحمل على ما يحرم أو يحلّ يحتاج إلى تقدير وتأويل .

وتشهد لما ذكر صحيحة عبد الرحمان أو موثّقته(2) ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يصيبه بعض أبوال البهائم ، أيغسله أم لا ؟ قال : «يغسل بول الفرس والحمار والبغل ، فأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»(3) . حيث قابل فيها بين الفرس وأخويه ، وبين ما يؤكل لحمه .

ورواية العيّاشي ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن أبوال الخيل والبغال والحمير ، قال : «فكرهها» .

فقلت : أليس لحمها حلالاً ؟ قال : فقال : «أليس قد بيّن اللّه لكم : )وَالْأَنْعَامَ

ص: 33


1- راجع التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 39 - 41 .
2- تقدّم وجه الترديد في الصفحة 21 ، الهامش 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 247 / 711 ، و : 266 / 780 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 9 .

خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ( وقال في الخيل : )وَالْخَيْلَ

وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة( ؟ ! - إلى أن قال - وليس لحومها بحرام ، ولكنّ الناس عافوها»(1) .

مضافاً إلى الروايات الكثيرة الآمرة بالغسل من أبوال البهائم الثلاث(2) ، فيضعّف ظهور قوله علیه السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) في الوجوب حتّى يستفاد منه النجاسة ؛ بعد معلومية عدم نجاسة بول تلك البهائم من الصدر الأوّل ، خصوصاً في زمان الصادقين علیهما السلام حيث كانت طهارته ضرورية ، مع كثرة ابتلاء الأعراب بها ، وكثرة حشرهم مع تلك الدوابّ في الحروب وغيرها من زمن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلى عصر الصادقين علیهما السلام .

وبالجملة : إن قلنا بظهور صحيحة ابن سِنان

فيما لا يعدّ للأكل ولا يأكله الناس فعلاً ، لا يبقى ظهور الأمر بالغسل في الوجوب .

ثمّ لو اُغمض عن ذلك ، وقلنا بتعارض الروايتين ، وقلنا بعدم شمول أدلّة العلاج للعامّين من وجه كما هو الأقرب(4) ، فالقاعدة تقتضي سقوطهما والرجوعَ إلى أصالة الطهارة . إلاّ أن يقال بإطلاق الروايات الواردة في البول ، كصحيحة ابن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن البول يصيب

ص: 34


1- تفسير العيّاشي 2 : 255 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 558 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 .
3- تقدّم في الصفحة 31 ، الهامش 3 .
4- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 61 - 66 .

الثوب ، قال : «اغسله مرّتين»(1) . ونحوها غيرها (2) .

وإطلاق ما وردت في العذرة تقدّم جملة منها (3) ؛ وإن كان في إطلاقها لبول الطير كلام . وقد يقال بعدم البول للطيور غير الخُفّاش(4) ، كما يظهر من رواية المفضّل اختلافه مع سائر الطيور في اُمور ، منها : أ نّه يبول دونها (5) .

ويحتمل أن يكون بول الطيور مخلوطاً برجيعها ؛ لوحدة مخرجهما .

وتشهد لوجود البول للطيور صحيحة أبي بصير المتقدّمة(6) ؛ لبعد إلقاء الكلّية في بول الطير لمكان الخُفّاش فقط .

والإنصاف : أ نّه لو لا إعراض الأصحاب عن صحيحة أبي بصير ، لكان القول بالطهارة متجهاً ؛ لما مرّ من الوجوه ، والعمدة منها الجمع العقلائي بينها وبين غيرها ، لكن لا مجال للوسوسة بعد ما عرفت . بل ولولا الخدشة المتقدّمة في رواية «المختلف» عن «كتاب عمّار بن موسى»(7) لكانت الرواية من أقوى

ص: 35


1- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 721 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 .
3- تقدّم في الصفحة 20 - 21 .
4- مستند الشيعة 1 : 144 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 18 .
5- نقلها في البحار ، عن المفضّل . . . خلق الخفّاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع أقرب ، وذلك أ نّه ذو اُذنين ناشزتين وأسنان ووبر وهو يلد ولاداً ويرضع ويبول ويمشي إذا مشى على أربع ، وكلّ هذا خلاف صفة الطير . بحار الأنوار 3 : 107 .
6- تقدّمت في الصفحة 30 .
7- تقدّمت في الصفحة 18 .

الشواهد على أنّ علّة عدم البأس في خرء الخُطّاف مأكولية اللحم ، لا الطيران ، وإلاّ كان التعليل به أولى ، بل متعيّناً ، فيظهر منها أنّ الطيور أيضاً على قسمين .

نجاسة بول الخُفّاش

وممّا ذكرنا يظهر حال بول الخُفّاش ، بل القول بالنجاسة فيه أظهر :

لا لرواية داود قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي ، فأطلبه فلا أجده ، فقال : «اغسل ثوبك»(1) .

لضعفها سنداً وعدم مقاومتها لموثّقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه علیهما السلام

قال : «لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف»(2) ، لا سنداً ولا دلالة :

أمّا الأوّل فواضح ؛ لعدم من يتأمّل فيه في سندها إلاّ غياث وهو موثّق أو ثقة (3) بخلاف الاُولى فإنّ في سندها موسى بن عمر ، ويحيى بن عمر ، ولم يرد فيهما توثيق .

وأمّا دلالة ، فلتقدّمها عليها تقدّم النصّ على الظاهر . مع تأيّدها بما عن

ص: 36


1- تهذيب الأحكام 1 : 265 / 777 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 778 ؛ وسائل الشيعة 3 : 413 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 5 .
3- الترديد لأجل الاختلاف في مذهب غياث بن إبراهيم ، فإنّه مردّد بين كونه إمامياً ثقة كما يظهر من النجاشي وكونه بترياً كما في رجال الشيخ الطوسي . راجع رجال النجاشي : 305 / 833 ؛ رجال الطوسي : 142 / 1 ؛ تنقيح المقال 2 : 366 / السطر 13 (أبواب الغين) .

«نوادر الراوندي» بإسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه علیهم السلام : «أنّ أمير المؤمنين علیه السلام سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخشاشيف ، ودماء البراغيث ، فقال : لا بأس به»(1) .

بل لما تقدّم من عدم العامل بمثل هذه الرواية(2) . والشيخ الذي أفتى في «المبسوط» بطهارة بول الطيور وذرقها استثنى الخُفّاش(3) ، وحمل هذه الرواية على التقيّة(4) ، مع أ نّها أخصّ مطلقاً من أدلّة نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه ، فهي إذَن شاذّة لا يعبأ بها .

طهارة خرء الدجاجة

وأمّا خرء الدجاجة ، فلا ينبغي الإشكال في طهارته ، بل مع شدّة ابتلاء الناس به لو كان نجساً لصار من الضروري .

مع إمكان دعوى ضرورية طهارته . مضافاً إلى العمومات(5) ، وخصوص رواية وهب(6) .

ص: 37


1- لم نجده في النسخة المطبوعة من النوادر ، اُنظر بحار الأنوار 77 : 110 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 559 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 30 و35 .
3- المبسوط 1 : 39 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 266 ، ذيل الحديث 778 .
5- وهي العمومات التي وردت فيما يؤكل لحمه ، راجع وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 .
6- عن وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام أ نّه قال : «لا بأسبخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب» . تهذيب الأحكام 1 : 283 / 831 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 2 .

وأمّا رواية فارس قال : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج ، تجوز الصلاة فيه ؟ فكتب : «لا»(1) .

فمردودة على راويها الذي هو فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني الكذّاب اللعين ، المختلط الحديث وشاذّه ، المقتول بيد أصحاب أبي محمّد العسكري علیه السلام

وبأمر أبي الحسن علیه السلام كما هو المرويّ(2) .

فما عن المفيد والشيخ من القول بنجاسته(3) غير وجيه .

بل عن ظاهر الثاني في «التهذيب» و«الاستبصار» موافقة الأصحاب(4) .

طهارة أبوال وأرواث الخيل والبغال والحمير

ومن بعض ما تقدّم يظهر وضوح طهارة أبوال الخيل والبغال والحمير وأرواثها ؛ فإنّها مع هذا الابتلاء الكثير المشاهد - خصوصاً في بلاد الأعراب في حروبهم وغيرها - لو كانت نجسة لصارت ضرورية واضحة لدى المسلمين ؛

ص: 38


1- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 782 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 3 .
2- اختيار معرفة الرجال : 522 - 524 ؛ رجال الطوسي : 390 / 3 ؛ تنقيح المقال 2 : 1 / السطر 2 (أبواب الفاء) .
3- المقنعة : 71 ؛ المبسوط 1 : 36 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 284 ، ذيل الحديث 831 ؛ الاستبصار 1 : 178 ، ذيل الحديث 619 .

لا يشكّ فيها أحد منهم ، مع أنّ الطهارة في جميع الأعصار كالضروري لا يحوم حولها التشكيك .

فالقول بالنجاسة اغتراراً بالروايات الآمرة بالغسل من أبوالها (1) ، في غاية السقوط ولو فرض عدم الروايات النافية للبأس عنها ، وفي مثل المقام يقال : «كلّما ازدادت الروايات صحّة وكثرة ازدادت وهناً وضعفاً» .

مع أنّ الجمع بينها عقلائي ، والتصرّف فيها من أوهن التصرّفات ، ففي حسنة معلّى بن خنيس وعبداللّه بن أبي يعفور أو صحيحتهما قالا : كنّا في جنازة وقدّامنا حمار فبال ، فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا وثيابنا ، فدخلنا على أبي عبداللّه علیه السلام فأخبرناه فقال : «ليس عليكم بأس»(2) .

وليس في سندها من يتأمّل فيه إلاّ الحكم بن مسكين ، وهو - مع كونه كثير الرواية ومقبولها ، وروايةِ مثل ابن أبي عمير وابن محبوب وابن أبي الخطّاب والحسن بن علي بن فضّال عنه ، وكو نِه كثير الكتب - يندرج في الحسان(3) .

بل عن الوحيد في «حاشية المدارك» عن المحقّق الحكم بصحّة رواياته(4) ، ومعه لا مجال للتوقّف فيها . وهي نصّ في المطلوب ، فيحمل عليها ما

ص: 39


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 425 / 1351 ؛ وسائل الشيعة 3 : 410 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 14 .
3- منتهى المقال 3 : 106 ؛ تنقيح المقال 1 : 360 / السطر 28 .
4- الحاشية على مدارك الأحكام 3 : 195 ، قوله : «وهو مجهول . . . » .

هو ظاهر في وجوب الغسل لو سلّم ذلك .

وعن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الدابّة تبول ، فيصيب بولها المسجد أو حائطه ، أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : «إذا جفّ فلا بأس»(1) .

قال في «الوسائل» : «ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله»(2) فهي صحيحة بالطريق الثاني .

وصحيحته الاُخرى ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن الثوب يقع في مربط الدابّة على بولها وروثها ، كيف يصنع ؟ قال : «إن علق به شيء فليغسله ، وإن كان جافّاً فلا بأس»(3) .

والظاهر من فرض وقوعه في الأبوال وصولها إليه وتأثّره منها ، فحينئذٍ يراد بقوله : «إن كان جافّاً» صيرورته جافّاً بعد وصول البول إليه ، لا إبداع الشكّ في الوصول أو فرض عدمه ؛ فإنّهما خلاف الظاهر منها ، تأمّل .

ورواية النخّاس قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي اُعالج الدوابّ ، فربّما خرجت بالليل وقد بالت وراثت ، فيضرب أحدها برجله أو يده ، فينضح على

ص: 40


1- قرب الإسناد : 205 / 794 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 18 .
2- مسائل علي بن جعفر : 188 / 380 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، ذيل الحديث 18 .
3- مسائل علي بن جعفر : 130 / 116 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 21 .

ثيابي ، فاُصبح فأرى أثره فيه ، فقال : «ليس عليك شيء»(1) .

والظاهر أنّ المراد بالدابّة عند الإطلاق الخيل وأخواه ، كما تشهد به رواية زرارة الآتية .

نعم ، يحتمل في رواية النخّاس عدم العلم بوصول البول إلى ثيابه ، لكن بعد فرض أ نّها بالت وراثت ، مع كون بولها وروثها في مكان واحد ، فلا محالة لو كانت الأبوال نجسة صارت الأرواث بملاقاتها نجسة ، سيّما مع فرض دوابّ كثيرة في مكان واحد . فنفي البأس عن الروث دليل على عدم البأس في أبوالها أيضاً . ومنه يظهر إمكان الاستئناس أو الاستدلال للمقصود ببعض ما دلّت على نفي البأس في الأرواث(2) .

وفي رواية زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام : في أبوال الدوابّ تصيب الثوب ، فكرهه .

فقلت : أليس لحومها حلالاً ؟ فقال : «بلى ، ولكن ليس ممّا جعله اللّه للأكل»(3) .

بدعوى ظهور «كرهه» في الكراهة وإن لا تخلو من إشكال .

وفي موثّقة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «أنّ الصلاة

ص: 41


1- الكافي 3 : 58 / 10 ؛ وسائل الشيعة 3 : 407 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 1 و3 و16 .
3- الكافي 3 : 57 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 408 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 7 .

في وبر كلّ شيء حرام أكله ، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد ؛ لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ اللّه أكله» .

ثمّ قال : «يا زرارة ، هذا عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز . . .»(1) إلى آخره .

إلى غير ذلك ممّا هو نصّ في الطهارة وعدم البأس ، والجمع بينها وبين ما اُمر فيها بالغسل عقلائي ؛ بحمل الثانية على رجحان التنزّه عنها .

ولقد أطنب صاحب «الحدائق» في المقام ، وأتى بغرائب ، وأطال اللسان على محقّقي أصحابنا بزعم تنبّهه على اُمور غفل عنها المحصّلون(2) ، ولولا مخافة تضييع الوقت لسردت إيراداته مع ما يرد عليها ، لكنّ الأولى الغضّ عنها بعد وضوح المسألة .

نجاسة بول الرضيع

وأمّا بول الرضيع ، فلم ينقل الخلاف في نجاسته إلاّ عن ابن الجنيد ، فإنّه قال : «بول البالغ وغير البالغ من الناس نجس ، إلاّ أن يكون غير البالغ صبيّاً ذكراً ، فإنّ

بوله ولبنه - ما لم يأكل اللحم - ليس بنجس»(3) .

ص: 42


1- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 20 - 31 .
3- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 301 .

والظاهر منه نجاسة لبنه إذا أكل اللحم ، وهو غريب .

كما أنّ التقييد بأكل اللحم أيضاً غريب ، لكن عن «المدارك» حكاية «الطعام»

بدل «اللحم» عنه(1) .

والأقوى ما عليه الأصحاب ، لا لروايات غسل بول ما لا يؤكل ؛ فإنّها منصرفة عن الإنسان ، بل للإجماع المحكيّ عن السيّد(2) ، بل دخوله في معقد إجماع غيره(3) ، وللروايات الخاصّة الآمرة بالغسل تارة ، كموثّقة سَماعة(4) ، وبالصبّ والعصر اُخرى ، كصحيحة الحسين بن أبي العلاء(5) ؛ بناءً على وثاقته(6) ، وبالصبّ ثالثة ، مفصّلاً بين من كان قد أكل وغيره ، مع الحكم بأنّ الغلام والجارية شرع سواء(7) .

ولا منافاة بين ما دلّت على الغسل وما دلّت على الصبّ ؛ إمّا بحمل الغسل

ص: 43


1- اُنظر جواهر الكلام 5 : 274 ؛ مدارك الأحكام 2 : 263 .
2- مسائل الناصريات : 88 .
3- منتهى المطلب 3 : 163 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 723 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 3 .
5- الكافي 3 : 55 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 1 .
6- راجع تنقيح المقال 1 : 317 / السطر 11 .
7- وهي صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن بول الصبيّ ؟ قال : تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً والغلام والجارية شرع سواء . الكافي 3 : 56 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 2 .

على الصبّ بأن يقال : إنّه نحو من الغسل ، وما دلّت عليه حاكمة على ما دلّت على الغسل ، وبيان لكيفيته .

أو يقال : إنّ ما دلّت على الصبّ مطلقاً محمولة على غير من أكل ، وما دلّت على الغسل محمولة على من أكل ؛ بشهادة صحيحة الحلبي المفصّلة بينهما لو قلنا : بأنّ الغسل مباين له .

وأمّا توهّم : أنّ ما دلّت على الصبّ لا تدلّ على النجاسة ؛ لبعد أن يكون الصبّ مطهّرها مع بقاء الغسالة فيه ، بعد البناء على عدم وجوب العصر ، كما يأتي في محلّه(1) .

فمدفوع : بأنّ غاية ما لزم من عدم لزوم انفصال غسالته أ نّها طاهرة ، فلا يلزم انفصالها ، وهي غير مستبعدة بعد وقوع نظيرها في باب الاستنجاء ، فإنّ لازم طهارة مائه أ نّه يجوز صبّ الماء على الحشفة في السراويل . بل وضعها على ثوب وصبّ الماء عليها .

نعم ، لو قلنا بلزوم انفصال غسالتها ، يكون ذلك نحو افتراق بينهما ، مع اشتراكهما في عدم نجاسة غسالتهما .

فالقائل بالطهارة إن أراد عدم لزوم غسل بول الصبيّ وكذا الصبّ عليه ، فمحجوج بالروايات المعتبرة الدالّة على لزوم الصبّ والغسل ، ولا يمكن رفع اليد عنها بمجرّد الاستبعاد مع تعبّدية الحكم .

وإن أراد أ نّه مع لزومه لا يكون البول نجساً ، فهو أبعد ممّا استبعده ؛ ضرورة

ص: 44


1- يأتي في الجزء الرابع : 146 .

أنّ الأمر بالصبّ ليس إلاّ لنحو تغسيل له ، لا حكم تعبّدي غير مربوط بباب التطهير والتغسيل .

وأمّا ما ورد في قضيّة الحسنين علیهما السلام في رواية الراوندي و«الجعفريات» عن علي علیه السلام : من عدم غسل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ثوبه من بولهما قبل أن يطعما (1) ، فلا تنافي الروايات ؛ لأنّ «الغسل» منصرف أو حقيقة فيما يتعارف من انفصال الغسالة ، وهو غير لازم ، فلم يفعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم ولا ينافي لزوم الصبّ ، كما تشهد به رواية الصدوق في «معاني الأخبار» : «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم اُتي بالحسن بن علي علیه السلام فوضع في حجره فبال ، فقال : «لا تزرموا ابني» ثمّ دعا بماء فصبّ عليه»(2) .

بل لا يبعد أن تكون القضيّة واحدة . بل ورد في مولانا الحسين علیه السلام شبه

القضيّة فقال : «مهلاً يا اُمّ الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني»(3) .

وفي رواية فقال : «مهلاً يا اُمّ الفضل ، إنّ هذه الإراقة الماء يطهّرها ، فأيّ شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين علیه السلام ؟ !»(4) .

ص: 45


1- راجع النوادر ، الراوندي : 189 / 337 ؛ الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 12 / السطر 11 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 2 و4 .
2- معاني الأخبار : 211 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 4 .
3- الملهوف على قتلى الطفوف : 92 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 5 .
4- مستدرك الوسائل 2 : 557 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 4 ، الحديث 5 .

مضافاً إلى أنّ الروايات الواردة في القضيّتين ، ضعاف لا ركون إليها لإثبات حكم .

وأمّا رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «أنّ عليّاً علیه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة اُمّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم ؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين»(1) . فمع اشتمالها على ما يخالف الإجماع والاعتبار ، ومعارضتها لصحيحة الحلبي المصرّحة بالتسوية(2) ، وإمكان كون التصريح بها لدفع مثل ما صدر تقيّة ، وإمكان أن يقال : إنّه لا يغسل من بوله وإن صبّ عليه ، فيكون طريق جمع بينها وبين روايات الصبّ ، لا تصلح لإثبات حكم مخالف للإجماع والأدلّة العامّة والخاصّة .

طهارة بول ورجيع ما لا نفس له

ومنها : لا ينبغي الإشكال في طهارة رجيع ما لا نفس له إذا كان من غير ذوات اللحوم ، كالذباب والخنفساء ونحوهما - وإن حكي عن «المعتبر» التردّد فيه(3) - لانصراف أدلّة ما لا يؤكل لحمه عنها بلا إشكال .

وتوهّم أعمّية ما لا يؤكل من السالبة بسلب الموضوع ، في غاية السقوط .

ص: 46


1- تهذيب الأحكام 1 : 250 / 718 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 4 .
2- تقدّم في الصفحة 43 ، الهامش 7 .
3- المعتبر 1 : 411 .

وأمّا ما لا نفس له من ذوات اللحوم ، ففي طهارة بولها ورجيعها ، ونجاستهما ، والتفصيل بين البول والرجيع بنجاسة الأوّل دون الثاني ، وجوه .

والظاهر عدم إجماع في المسألة يمكن الاتّكال عليه في إثبات شيء ممّا ذكر ؛ وإن قال صاحب «الحدائق» : «الظاهر أ نّه لا خلاف بين الأصحاب في طهارة رجيع ما لا نفس له ، كالذباب ونحوه»(1) .

ويشعر قول العلاّمة في «التذكرة» بعدم الخلاف بيننا ؛ حيث نسب الخلاف إلى الشافعي قال : «رجيع ما لا نفس له سائلة - كالذباب والخنافس - طاهر ؛ لأنّ دمه طاهر ، وكذا ميتته ، وروث السمك ، وللشافعي في الجميع قولان»(2) انتهى .

لكن - مع احتمال أن يكون دعوى عدم الخلاف في مثل الذباب ممّا لا لحم له ، وهو مسلّم - أنّ ذلك غير مجدٍ . مع ما نرى من إطلاق كلام كثير من الأصحاب ، كصاحب «الوسيلة» ، و«النهاية» ، و«المراسم» ، و«الغنية» ، و«إشارة السبق»(3) ، ولا يبعد الاستظهار من «الناصريات» ، ومحكيّ «المقنعة» ، و«الخلاف» ، و«الجمل» ، و«النافع» ، و«الدروس»(4) ، مع تقييد بعضهم في الميتة

ص: 47


1- الحدائق الناضرة 5 : 13 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 51 .
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 - 78 ؛ النهاية : 51 ؛ المراسم : 55 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ إشارة السبق : 79 .
4- مسائل الناصريات : 86 ؛ المقنعة : 69 ؛ الخلاف 1 : 485 ؛ الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، الجمل والعقود : 171 ؛ المختصر النافع : 18 ؛ الدروس الشرعية 1 : 123 .

والدم بما لا نفس له(1) ممّا يؤكّد الإطلاق ، وإطلاق معقد لا خلاف «الغنية» ومحكيّ «الخلاف»(2) .

والإنصاف : أنّ المسألة اجتهادية لا إجماعية ، ومنشأ الخلاف يمكن أن يكون اختلافهم في فهم الإطلاق من الروايات الدالّة على نجاسة العذرة التي مرّت جملة منها (3) ، وكذا اختلافهم في صدقها على غير ما للإنسان ؛ بحيث تشمل رجيع ما لا نفس له ، وكذا في البول من الخلاف في الإطلاق .

والمسألة محلّ تردّد من هذه الجهة ؛ لعدم الوثوق بإطلاق معتدٍّ به في الأدلّة ، واحتمال اختصاص العذرة بالآدمي ، كما قال جمع(4) ، أو بالأعمّ منه ومن السباع ، كالسِنَّوْر والكلب ، لا مثل رجيع الطير وما لا نفس له ، أو منصرفة إليه .

بل يمكن أن يقال : إنّه ليس في الروايات ما أطلق الحكم على العذرة ؛ لأنّ أوضحها دلالة وإطلاقاً رواية علي بن محمّد قال : سألته عن الفأرة والدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ، ثمّ تطأ الثوب ، أيغسل ؟ قال : «إن كان استبان من أثره شيء فاغسله»(5) .

وعبدِ الرحمان : عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّوْر أو

ص: 48


1- الدروس الشرعية 1 : 123 .
2- غنية النزوع 1 : 40 ؛ الخلاف 1 : 487 .
3- تقدّمت في الصفحة 18 .
4- راجع ما تقدّم في الصفحة 24 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 424 / 1347 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 3 .

كلب ، أيعيد صلاته ؟ قال : «إن كان لم يعلم فلا يعيد»(1) .

وعلي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ، ثمّ تدخل في الماء ، يتوضّأ منه للصلاة ؟

قال : «لا ، إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء»(2) .

إلى غير ذلك ممّا هي نظيرها أو أخفى منها .

وهي مع كونها في مقام بيان حكم آخر لا نجاسة العذرة ، موردها عذرة الإنسان وشبهها ممّا هي محلّ الابتلاء التي تطأها المذكورات ، أو تكون في ثوب الإنسان .

وإلغاء الخصوصية عرفاً من موردها حتّى تشمل ممّا لا نفس له ، غير ممكن بعد قرب احتمال الخصوصية ، سيّما مع طهارة ميتتها ودمها .

ومنه يظهر الكلام في صحيحة ابن سِنان قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) .

لعدم الوثوق بإطلاقها لما لا نفس له وميتتها ودمها طاهرة ، وعدم إمكان إلغاء الخصوصية عرفاً بعد ذلك والشكِّ في خروج البول منها بحيث يصيب الثوب .

ص: 49


1- تهذيب الأحكام 2 : 359 / 1487 ؛ وسائل الشيعة 3 : 475 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1326 ؛ وسائل الشيعة 1 : 155 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 13 .
3- الكافي 3 : 57 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 2 .

وأمّا روايته الاُخرى(1) ، فمرسلة(2) لا يمكن إثبات الحكم بعمومها اللغوي . والمسألة محلّ إشكال وإن كانت الطهارة أشبه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصاً في البول .

تردّد صاحب «الجواهر» في الشبهات الموضوعية في المقام

تنبيه : يظهر من صاحب «الجواهر» رحمه الله علیه نوع ترديد في الشبهات الموضوعية ، كفضلة لم يعلم أ نّها من ذي النفس ، قال :

«بقي شيء بناءً على اعتبار هذا القيد - أي كونه من ذي النفس - : وهو أنّ مجهول الحال من الحيوان الذي لم يُدرَ أ نّه من ذي النفس أو لا ، يحكم بطهارة فضلته حتّى يعلم أ نّه من ذي النفس ؛ للأصل واستصحاب طهارة الملاقي ونحوه .

أو يتوقّف الحكم بالطهارة على اختباره بالذبح ونحوه ؛ لتوقّف امتثال الأمر بالاجتناب عليه ، ولأ نّه كسائر الموضوعات التي علّق الشارع عليها أحكاماً ، كالصلاة للوقت والقبلة ونحوهما .

أو يفرّق بين الحكم بطهارته ، وبين عدم تنجيسه للغير ، فلا يحكم بالأوّل إلاّ بعد الاختبار ، بخلاف الثاني ؛ للاستصحاب فيه من غير معارض ، ولأ نّه حينئذٍ كما لو أصابه رطوبة متردّدة بين البول والماء .

ص: 50


1- الكافي 3 : 406 / 12 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 3 .
2- تقدّم وجه كونها مرسلة في الصفحة 31 .

وجوه لم أعثر على تنقيح منها في كلمات الأصحاب»(1) انتهى .

وفيه : أ نّه لا شبهة في جريان الاُصول الشرعية في الشبهات الموضوعية ، بل الحكمية بعد الفحص . بل الأقوى جريان الاُصول العقلية أيضاً بالنسبة إلى أكل ملاقيه وشربه وسائر التكاليف الاستقلالية ، بل والتكاليف الغيرية والإرشادية لو قلنا بمانعية النجاسة .

نعم ، لو قلنا بشرطية الطهارة أو عدم النجاسة يشكل الأصل العقلي ، لكن يجري الشرعي ؛ لأنّ أصالة الطهارة حاكمة على أدلّة الاشتراط ، ومنقّحة لموضوعها ، كما حرّرنا في محلّه(2) .

نعم ، قد يتوقّف في جريانها في الموارد التي ترفع الشبهة بأدنى شيء كالنظر ؛ بدعوى انصراف أدلّة الاُصول عن المشكوك فيه الذي يزول الشكّ عنه بأدنى اختبار .

لكنّ الأقوى خلاف ذلك ، سيّما في باب النجاسات ؛ لصحيحة زرارة فيها : قلت : فهل عليّ إن شككت في أ نّه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال : «لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»(3) .

بل لا يبعد ظهورها في أنّ عدم لزوم الفحص إنّما هو للاتّكال على الاستصحاب ؛ وأ نّه لا ينبغي نقض اليقين بالشكّ ، لا لخصوصية النجاسة . كما أنّ

ص: 51


1- جواهر الكلام 5 : 289 .
2- مناهج الوصول 1 : 255 - 257 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .

الأقرب عدم انصراف الأدلّة عن مثلها .

وما يقال : «إنّ عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ، إنّما هو فيما إذا لم تكن مقدّمات العلم حاصلة ؛ بحيث لا يحتاج حصوله إلى أزيد من النظر ؛ فإنّ في مثله يجب النظر ، ولا يجوز الاقتحام في الشبهات مطلقاً إلاّ بعد النظر في المقدّمات ؛ لعدم صدق الفحص على مجرّد النظر»(1) .

ففيه : أنّ ذلك يتمّ لو كان الاتّكال على الإجماع على عدم وجوب الفحص ، وأمّا لو كان المعوّل عليه إطلاق أدلّة الاُصول ، فصدق الفحص وعدمه أجنبيّ عنه . إلاّ أن يدّعى الانصراف ، وهو غير مسلّم ، والتفصيل موكول إلى محلّه(2) .

ص: 52


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 302 .
2- تهذيب الاُصول 3 : 433 .

المنيّ

اشارة

نجاسة منيّ الآدمي

الثالث : المنيّ ، وهو نجس من الآدمي بلا إشكال ونقل خلاف ، بل في «الانتصار» إجماع الشيعة الإمامية على النجاسة(1) ، وكذا عن «الخلاف» ، و«المسائل الطبرية» ، و«الغنية» ، و«المنتهى» ، و«كشف الحقّ» ، الإجماع على نجاسته من كلّ حيوان ذي نفس(2) . وعن «النهاية» ، و«التذكرة»(3) ، و«كشف الالتباس»(4) : «أ نّها مذهب علمائنا» .

واستدلّ عليها السيّد في «الناصريات» - مضافاً إلى الإجماع - بقوله تعالى : )وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ ا لسَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ا لْشَّيْطَانِ((5) .

ص: 53


1- الانتصار : 95 .
2- مفتاح الكرامة 2 : 7 - 8 ؛ الخلاف 1 : 489 ؛ غنية النزوع 1 : 42 ؛ منتهى المطلب 3 : 179 ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق : 419 .
3- نهاية الإحكام 1 : 267 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 53 .
4- كشف الالتباس 1 : 393 .
5- الأنفال (8) : 11 .

قال : «روي في التفسير أ نّه تعالى أراد بذلك أثر الاحتلام ، فدلّت الآية على نجاسة المنيّ من وجهين :

أحدهما : قوله تعالى : )وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ا لْشَّيْطَانِ( والرجز والنجس بمعنى واحد . . . إلى أن قال :

والثاني : من دلالة الآية أ نّه تعالى أطلق عليه اسم «التطهير» و«التطهير» لا يطلق في الشرع إلاّ لإزالة النجاسة ، أو غسل الأعضاء الأربعة»(1) انتهى .

وفيه : أنّ الظاهر من عطف قوله : )يُذْهِبَ عَنْكُمْ( على قوله : )لِيُطَهِّرَكُمْ(

- بالواو الظاهر في المغايرة - أنّ التطهير بالماء غير إذهاب رجز الشيطان ، فالمراد بالتطهير إمّا التطهير من الخبث ، وبإذهاب الرجز رفع الجنابة .

أو المراد منه أعمّ من رفع الخبث وحدث الجنابة ، فيكون المراد من إذهاب الرجز إذهاب وسوسة الشيطان ، كما عن ابن عبّاس(2) ، وذلك أ نّه حكي : «أنّ الكفّار في وقعة بدر قد سبقوا المسلمين إلى الماء ، فنزلوا على كثيب الرمل ، فأصبحوا محدثين ومجنبين ، وأصابهم الظمأ ، ووسوس إليهم الشيطان ، فقال : إنّ عدوّكم قد سبقكم إلى الماء ، وأنتم تصلّون مع الجنابة والحدث ، وتسوخ أقدامكم في الرمل ، فمطرهم اللّه حتّى اغتسلوا به من الجنابة ، وتطهّروا به من الحدث ، وتلبّدت به أرضهم ، وأوحلت أرض عدوّهم»(3) .

وهذا هو المراد من ذهاب رجز الشيطان ، كما عن ابن عبّاس ، وعليه لا يتمّ

ص: 54


1- مسائل الناصريات : 92 .
2- تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس : 114 .
3- اُنظر مجمع البيان 4 : 808 .

ما ذكره السيّد من الوجهين .

نعم ، تدلّ على النجاسة - مضافاً إلى الإجماع المحكيّ المستفيض - طوائف من الأخبار :

منها : ما اُمر فيها بغسله(1) . واحتمال كونه مانعاً من الصلاة من غير كونه نجساً ، مقطوع الفساد ، خصوصاً بعد إردافه فيها بالدم والبول(2) .

ومنها : ما اُمر فيها بإعادة الصلاة التي صلّي فيه(3) .

ومنها : ما اُمر بالصلاة عرياناً مع كون الثوب منحصراً بما فيه الجنابة(4) .

ومنها : ما دلّ على جواز الصلاة فيه حال الاضطرار(5) .

ومنها : ما صرّح فيه بالنجاسة ، كقول أبي عبداللّه علیه السلام -

على ما في مرسلة شعيب(6) بن أنس - لأبي حنيفة : «أيّهما أرجس : البول ، أو الجنابة ؟ . . .»(7) إلى آخره .

وروايةِ «العلل» عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام : «وإنّما اُمروا

ص: 55


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 423 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 474 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 2 و3 و9 .
3- وسائل الشيعة 3 : 424 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 3 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 46 ، الحديث 1 و3 .
5- وسائل الشيعة 3 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 7 .
6- كذا في طبع المكتبة الإسلامية من الوسائل 1 : 467 / 5 .
7- علل الشرائع : 90 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 180 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 2 ، الحديث 5 .

بالغسل من الجنابة ، ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء ، وهو أنجس من الجنابة»(1) .

إلى غير ذلك ، فلا إشكال فيها نصّاً وفتوى .

نعم ، هنا روايات ربّما يتوهّم ظهورها في الطهارة :

منها : صحيحة أبي اُسامة زيد الشحّام قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : تصيبني

السماء وعليّ ثوب ، فتبلّه وأنا جنب ، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنيّ ، أفاُصلّي فيه ؟ قال : «نعم»(2) .

وموثّقة ابن بكير ، عنه [ أبي اُسامة] قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الثوب يكون فيه الجنابة ، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ ، قال : «لا بأس»(3) .

بدعوى : أنّ الظاهر منهما أنّ ملاقي المنيّ طاهر ، ولازمه طهارته .

وفيه : أنّ الظاهر منهما أنّ السؤال إنّما هو عن أمر بعد مفروغية نجاسة المنيّ ، وليس السائل بصدد السؤال عن نجاسته ، بل بصدد أ نّه بمجرّد كون البدن نجساً من المنيّ وصار الثوب مبتلاًّ بالمطر ، يحكم بنجاسة الثوب إذا أصاب بعض ما أصاب الجسد من المنيّ أو لا ؟ فأجاب بعدم البأس ؛ لأنّ مجرّد ذلك لا يوجب العلم بالسراية ووصول أثر المنيّ إلى الثوب ، لاحتمال كون ما أصابه غير مورد

ص: 56


1- علل الشرائع : 258 / 9 ؛ وسائل الشيعة 2 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 2 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 52 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 53 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 446 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 6 .

البلّة ، أو كون البلّة بمقدار لا يوجب السراية .

وبالجملة : لا يحكم بالنجاسة إلاّ مع العلم بإصابة الثوب بما أصابه المنيّ مع العلم بالسراية ، ومع الشكّ في جهة من الجهات محكوم بالطهارة .

والشاهد على أنّ سؤاله عن الشبهة الموضوعية : أ نّه فرض في الروايتين مصداقين من الشبهة الموضوعية :

أحدهما : فرض كون المنيّ في جسده وثوبه مبتلاًّ ، فسأل عن حال الثوب والصلاة فيه .

وثانيهما : فرض كون الجنابة في ثوبه وإصابة السماء حتّى يبتلّ عليه ، فسأل عن حال جسده .

فهاتان الروايتان من أدلّة نجاسته لا طهارته ؛ لأنّ الظاهر منهما مفروغيتها ، والسؤال عن الشبهة الموضوعية ، والسؤال عنها غير عزيز يظهر بالتتبّع .

ومنها : رواية علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - عن رجل أجنب في ثوبه ، فيعرق فيه ، فقال : «ما أرى به بأساً» .

وقال : إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره ، قال : فقطب أبو عبداللّه علیه السلام

في وجه الرجل فقال : «إن أبيتم فشيء من ماء ينضحه به»(1) .

بدعوى ظهورها في طهارة ملاقيه ، ولازمها طهارته .

وفيه : أنّ فيها احتمالين :

أحدهما : أنّ مراد السائل رفع الشبهة عن عرق الجنب ، كما وردت فيه

ص: 57


1- الكافي 3 : 52 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 4 .

روايات يظهر منها أنّ عرقه كان مورد الشبهة في تلك الأزمنة(1) ، فيكون قوله : «أجنب في ثوبه» يعني به أجنب وعليه ثوب ، فيعرق فيه ، لا أنّ الجنابة وقعت في الثوب .

وثانيهما : أنّ السؤال عن الشبهة الموضوعية ، كما تقدّم في الروايتين المتقدّمتين .

والشاهد عليه قوله : «إنّه يعرق حتّى لو شاء . . .» إلى آخره ، فكأ نّه قال : «مع كون العرق كذلك ، كيف يحتمل عدم الملاقاة ؟ !» ويؤيّده أمره بالنضح الذي ورد الأمر به في غير مورد من الشبهات الموضوعية ، فتكون الرواية من أدلّة نجاسته لا طهارته .

ومنها : صحيحة زرارة قال : سألته عن الرجل يجنب في ثوبه ، أيتجفّف فيه من غسله ؟ قال : «نعم ، لا بأس به ، إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافّة فلا بأس به»(2) .

والظاهر منها التفصيل بين الرطب والجافّ ، كما نسب ذلك إلى أبي حنيفة ، قال السيّد في «الناصريات» : «إنّ أبا حنيفة وأصحابه وإن وافقوا في نجاسته ، فإنّهم يوجبون غسله رطباً ، ويجزي عندهم فركه يابساً (3) » (4) .

ص: 58


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 447 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 1 و4 و8 و9 و10 و12 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1332 ؛ وسائل الشيعة 3 : 446 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 7 .
3- بداية المجتهد 1 : 84 ؛ المجموع 2 : 554 / السطر 6 .
4- مسائل الناصريات : 91 .

والظاهر منهم أنّ ملاقي النطفة ليس بنجس ، ولهذا اكتفوا بالفرك . والظاهر أ نّها صدرت تقيّة موافقة لمذهبهم ، فإنّها نفت البأس عن النطفة اليابسة ؛ لأنّ التجفيف مع يبسها لا يوجب إلاّ الملاقاة معها ، وأمّا التجفيف مع الرطبة فيوجب انتقال أجزائها إلى الجسد . والشيخ البهائي حملها على ما لا يخلو من تعسّف وإشكال(1).

ويمكن أن يقال : إنّه مع اليبوسة لا يحصل العلم بسراية النجاسة إلى البدن ؛ لاحتمال سبق موضع الطاهر للبدن وتجفيفه ، ومعه لا تسري النجاسة ، وأمّا مع الرطوبة ووجود المنيّ الرطب فيه ، فلا محالة تسري إليه ، تأمّل .

وكيف كان : فالعمل على المذهب ، والرواية مأوّلة أو مطروحة .

نجاسة منيّ غير الآدمي من ذي النفس

وأمّا المنيّ من الحيوان غير الآدمي من ذي النفس ، فلا إشكال في نجاسته ، ونقل الإجماع عليها متكرّر(2) ؛ بحيث لا يبقى مجال للتشكيك فيها .

وإنّما الكلام في إطلاق الأدلّة ، فإنّه يظهر من «المعتبر» و«المنتهى» التمسّك

بإطلاقها (3) . وأنكره صاحب «المدارك»(4) ، وشدّد النكير عليه صاحب «الحدائق»(5) ، وتبعهما غيرهما (6) .

ص: 59


1- مشرق الشمسين : 416 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 53 .
3- المعتبر 1 : 415 ؛ منتهى المطلب 3 : 183 - 184 .
4- مدارك الأحكام 2 : 266 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 32 .
6- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 37 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 33 .

وقد علّله في «الجواهر» بتبادر الإنسان من الأدلّة ، قال : «ولعلّه لاشتمالها أو أكثرها على إصابة الثوب ونحوه ؛ ممّا يندر غاية الندرة حصوله من غير الإنسان»(1) انتهى .

أقول : إن كانت دعوى التبادر والانصراف لتوهّم ندرة الوجود ، فلا نسلّمها في المحيط الذي وردت الروايات فيه ؛ ضرورة أ نّه محلّ تربية الحيوانات واستنتاجها وإسفادها ، ولا يخفى على من رأى كيفية إسفاد البهائم ، شدّةُ الابتلاء بمنيّها وكثرته ، وأنّ إصابة منيّها - خصوصاً البهائم الثلاث - للثوب وغيره ممّا يحتاج إليه الإنسان ويبتلي به ، كثيرة لا يمكن معها دعوى الانصراف ، والعرب - سيّما سكّان الجزيرة - كان مهمّ شغلهم تربية الحيوانات التي تحتاج إلى الاستفحال الذي يكثر معه إصابة المنيّ لألبستهم وأيديهم وسائر متاعهم .

والإنصاف : أنّ دعوى الانصراف والتبادر إنّما صدرت ممّن لا يبتلي به ، ونشأ في بيت أو محيط كان الابتلاء به نادراً أو مفقوداً رأساً ، فقاس به سائر الأمكنة والأشخاص ، وإلاّ فأيّ قصور - بعد التنبّه لما ذكرناه - في إطلاق رواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن المنيّ يصيب الثوب ، قال : «إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كلّه» ؟ !(2)

وموثّقةِ سَماعة قال : سألته عن المنيّ يصيب الثوب ، قال : «اغسل الثوب كلّه

ص: 60


1- جواهر الكلام 5 : 290 .
2- الكافي 3 : 53 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 425 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 6 .

إذا خفي عليك مكانه ؛ قليلاً كان أو كثيراً» ؟ !(1)

وصحيحةِ محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : ذكر المنيّ وشدّده وجعله أشدّ من البول . ثمّ قال : «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ، ثمّ صلّيت فيه ، ثمّ رأيته بعدُ ، فلا إعادة عليك ، وكذا البول»(2) . . . إلى غير ذلك ؟ !

بل لا يبعد أن يقال : إنّ العرف يرى أنّ الحكم لماهية المنيّ من غير دخالة للإضافات فيه .

بل يمكن أن يقال : إنّ المراد من تشديد المنيّ وجعله علیه السلام أشدّ من البول ، هو كونه نجساً مطلقاً ، وأمّا البول فطاهر من مأكول اللحم ، فكان أمره أهون في الشريعة من المنيّ ؛ لكون هذا طاهراً في الجملة ، وذاك نجساً مطلقاً ؛ أي حتّى من المأكول ذي النفس .

وأمّا احتمال كونه أشدّ ؛ لاحتياج إزالته إلى الدلك والفرك دون البول(3) فبعيد ؛ لأ نّه أمر واضح لا يحتاج إلى الذكر والنقل ، مع أنّ الظاهر من قوله : «شدّده وجعله أشدّ» أنّ ذلك أمر لا يعرفه الناس ، ويعرفه الإمام علیه السلام .

وأمّا احتمال كون «الأشدّ» بمعنى الأنجس(4) ، فيردّه تصريح أبي عبداللّه علیه السلام

ص: 61


1- الكافي 3 : 54 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 425 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 252 / 730 ؛ وسائل الشيعة 3 : 424 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 2 .
3- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 33 .
4- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 296 - 297 .

في رواية شعيب(1) وأبي الحسن الرضا علیه السلام في رواية «العلل»(2) بأنجسية البول ، بل يدلّ على أنجسيته ما دلّ على لزوم غسله مرّتين دون المنيّ(3) .

واحتمال كون الأشدّية باعتبار وجوب غسل الجنابة منه دون البول ، بعيد أيضاً ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الحكم لطبيعة المنيّ ، لا لخروجه من المجرى ، فبقي الاحتمال الأوّل .

وما ذكر وإن لم يثبت جزماً ، ولا يوجب ظهوراً ، لكن يقرب دعوى الإطلاق فيها .

والإنصاف : أنّ دعواه في تلك الروايات ، لا تقصر عن دعواه في كثير من الموارد التي التزموا به .

نعم ، لا إشكال في اختصاص ما اشتملت على الجنابة أو الاحتلام(4) بالآدمي ، لكن لا يوجب ذلك طرح الإطلاق في غيرها .

وأمّا موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ ما اُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه»(5) ، فالظاهر انصرافها إلى البول والروث ممّا كثرت الروايات في

ص: 62


1- تقدّمت في الصفحة 55 .
2- تقدّمت في الصفحة 55 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 1 و2 و4 و7 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 424 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 4 و7 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 781 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 12 .

التعرّض لهما ولحكمهما ، ولهذا لا ينقدح في الذهن منها عدم البأس بدمه .

نعم ، لو قلنا بإطلاقها وشمولها للمنيّ لا يعارضها تلك المطلقات ؛ لتقدّمها عليها بنحو حكومة .

ولو نوقش فيها فالأهون الجمع بينهما بحملها على الاستحباب ؛ بقرينة نفي البأس النصّ في عدم النجاسة .

وأمّا موثّقة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال : «إن كان ممّا يؤكل

لحمه فالصلاة في وبره وشعره وبوله وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز ؛ إذا علمت أ نّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح»(1) .

فمحمولة على ما كانت التذكية دخيلة فيه بمناسبة الشرطية ، لا مثل الدم والمنيّ .

نعم في مثل البول والروث ظاهرها طهارتهما .

وعلى أيّ تقدير : لا إشكال في الحكم بعد الإجماع وما تقدّم من الأخبار .

طهارة منيّ غير ذي النفس

وأمّا غير ذي النفس من الحيوان ، فلا يبعد انصراف الأدلّة عنه . كما لا يبعد انصرافها عن بعض أقسام ذي النفس أيضاً ، لكن يتمّ فيه بالإجماع ، وفي غيره يكون مقتضى الأصل طهارته بعد الانصراف ، أو عدم إحراز الإطلاق .

بل لا وثوق بإطلاقٍ لمعاقد الإجماعات يشمل غير ذي النفس ، بل وبعض

ص: 63


1- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .

أفراد ذي النفس ؛ فإنّ المحتمل من عبارة السيّد(1) أنّ دعواه الإجماع بالنسبة إلى منيّ الإنسان ، ولهذا استدلّ عليها - بعد الإجماع - بقوله تعالى : )وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ ا لسَّمَاءِ مَاءً . . .((2) إلى آخره ، وهو مخصوص بمنيّه .

والظاهر من إجماع «الخلاف» هو مقابل أبي حنيفة المدّعي بأ نّه يغسل رطباً ،

ويفرك يابساً (3) ؛ بقرينة قوله بعد دعواه : «ودليل الاحتياط ؛ لأنّ من أزال ذلك بالغسل صحّت صلاته بلا خلاف ، وإذا فركه وأزاله بغير الماء فيه خلاف» ثمّ استدلّ بالآية المتقدّمة(4) .

وفي «الغنية» : «والمنيّ نجس لا يجزي فيه إلاّ الغسل ؛ رطباً كان أو يابساً ؛ بدليل الإجماع المذكور ، وقولِه تعالى : )وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ . . .( »(5) ، ثمّ استدلّ بها كما استدلّ السيّد ، ولم يظهر منها دعوى الإجماع حتّى بالنسبة إلى ما لا نفس له ممّا يشكّ في وجود المنيّ له .

لكنّ الإنصاف : أنّ إنكار شمول إجماع «الخلاف» - المصرّح بأنّ المنيّ كلّه نجس من الإنسان وغير الإنسان ، والرجل والمرأة - لغير ذي النفس مكابرة . مع أ نّه استدلّ بالآية أيضاً كما استدلّ بها السيّد ، ومن هنا يمكن دعوى شمول معقد إجماع السيّد وابن زهرة لمطلق الحيوان ذي النفس وغيره ، وإنّما استدلّوا بالآية

ص: 64


1- مسائل الناصريات : 91 .
2- الأنفال (8) : 11 .
3- بداية المجتهد 1 : 84 ؛ المجموع 2 : 554 / السطر 6 .
4- الخلاف 1 : 489 .
5- غنية النزوع 1 : 42 .

في مقابل بعض العامّة القائل بالطهارة مطلقاً (1) ، فاستدلالهم بها لنفي السلب الكلّي ، لا لإثبات جميع المدّعى ، وإنّما دليلهم على جميعه الإجماع والروايات الواردة من الطريقين(2) .

وقد حكي الإجماع بقول مطلق - زائداً على ما ذكرناه - عن «المسائل الطبرية» و«المنتهى» و«كشف الحقّ» و«السرائر»(3) ، وإن قال صاحب «مفتاح الكرامة» : «بأ نّه لم أجده في «السرائر» وإنّما نصّ على نجاسة المنيّ بقول مطلق من غير نقل إجماع»(4) .

وعن «شرح الفاضل» : «أنّ ظاهر الأكثر على نجاسة منيّ غير ذي النفس»(5) .

وعن «نهاية الإحكام» و«الذكرى» و«الدروس» و«الروض» و«الروضة» أ نّه لا فرق بين الآدمي وغيره والحيوان البرّي والبحري كالتمساح(6) ، مع أ نّه من غير ذي النفس ظاهراً . وهو الظاهر ممّن لم يقيّده بغير ذي النفس ، ك- «الوسيلة» ،

ص: 65


1- بداية المجتهد 1 : 84 ؛ المجموع 2 : 553 - 554 .
2- تقدّمت بعض الروايات من طريقنا في الصفحة 60 - 61 ، وأمّا من طريق العامّة ، فراجع الخلاف 1 :490 ؛ صحيح البخاري1 : 168 ، الباب 164 ؛ صحيح مسلم 1 : 302 ، الباب 32 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 7 - 8 ؛ منتهى المطلب 3 : 179 ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق : 419 ؛ السرائر 1 : 178 .
4- مفتاح الكرامة 2 : 8 .
5- كشف اللثام 1 : 409 .
6- نهاية الإحكام 1 : 267 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 111 ؛ الدروس الشرعية 1 : 123 ؛ روض الجنان 1 : 434 ؛ الروضة البهيّة 1 : 65 .

و«المراسم» ، و«إشارة السبق»(1) .

بل لم يحكَ عن أحد قبل المحقّق التفصيل بين ذي النفس وغيره ، ولا تقييد المنيّ بذي النفس ، مع تقييدهم الميتة به(2) ، وهو ممّا يؤكّد الإطلاق ، فحينئذٍ كيف يسوغ دعوى الشهرة جزماً ، بل تقريب الإجماع من السيّد في محكيّ «الرياض»(3) ، ودعوى الإجماع من صاحب «مجمع البرهان» ، وصاحب

«الجواهر»(4) ، واستظهار عدم الخلاف من الشيخ الأعظم(5) ؟ !

فالمسألة مشكلة ؛ من أجل إمكان دعوى إطلاق الأدلّة ومعاقد الإجماعات المتقدّمة ، بل عموم معقد إجماع «الخلاف» . ومن إمكان دعوى الانصراف بالنسبة إلى غير ذي النفس ، خصوصاً مع عدم العلم بكونه ذا منيّ . بل ومن بعض أنواع ذي النفس .

والاحتياط لا يترك مطلقاً ؛ وإن كان التفصيل أشبه بالقواعد بعد قوّة دعوى الانصراف عن غير ذي النفس ، والجزم بعدم التفصيل بين أقسام ذي النفس بعد شمول المطلقات لبعضها ، كما تقدّم ، واللّه العالم .

ص: 66


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 ؛ المراسم : 55 ؛ إشارة السبق : 79 .
2- المقنعة : 72 ؛ إشارة السبق : 79 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 78 .
3- رياض المسائل 2 : 346 - 347 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 303 ؛ جواهر الكلام 5 : 292 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 38 .

الميتة

اشارة

الرابع : الميتة ، وهي إمّا من ذي النفس ، أو غيره ، والاُولى إمّا من آدمي ، أو غيره .

نجاسة الميتة من ذي النفس

فقد استفيض نقل الإجماع على نجاسة ميتة ذي النفس(1) .

وعن «المعالم» : «قد تكرّر في كلام الأصحاب ادّعاء الإجماع على هذا الحكم ، وهو الحجّة ؛ إذ النصوص لا تنهض بإثباته»(2) ثمّ ذكر بعض الروايات ، وناقش في سنده ودلالته في إفادة الحكم بكماله .

وعن «المدارك» المناقشة في أصل الحكم ؛ لفقدان نصّ على نجاستها ، وناقش في دلالة ما اُمر فيها بالغسل ونهي عن الأكل على النجاسة(3) ، ثمّ ذكر

ص: 67


1- المعتبر 1 : 420 ؛ منتهى المطلب 3 : 195 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 113 .
2- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 481 .
3- وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 3 ، و : 194 ، الباب 43 .

رواية «الفقيه» النافية للبأس عن جعل الماء ومثله في جلود الميتة(1) ، مع تصريح الصدوق رحمه الله علیه في أوّله : «بأنّ ما أوردته فيه هو ما أفتي وأحكم بصحّته ، وأعتقد أ نّه حجّة بيني وبين ربّي»(2) . ثمّ قال : «والمسألة قويّة الإشكال»(3) .

نجاسة ميتة غير الآدمي من ذي النفس

أقول : أمّا نجاستها من ذي النفس غير الآدمي فلا ينبغي الإشكال فيها ، لا لدعوى الإجماع المتكرّر فقط ، بل لدلالة طوائف من الروايات عليها ، وقلّما توجد كثرة الأخبار في نجاسة شيء بمثلها ، ونحن نذكر قليلاً من كثير :

فمنها : صحيحة حَريز بن عبداللّه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا توضّأ منه ولا تشرب»(4) .

ورواية أبي خالد القمّاط : أ نّه سمع أبا عبداللّه علیه السلام يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة . فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إن كان الماء قد تغيّر ريحه وطعمه فلا تشرب ، ولا تتوضّأ منه ، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ»(5) .

ص: 68


1- الفقيه 1 : 9 / 15 .
2- الفقيه 1 : 3 .
3- مدارك الأحكام 2 : 268 - 269 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 216 / 625 ؛ وسائل الشيعة 1 : 137 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 40 / 112 ؛ وسائل الشيعة 1 : 138 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 4 .

وموثّقة أبي بصير(1) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل يمرّ بالماء ، وفيه دابّة ميّتة قد أنتنت ، قال : «إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب»(2) .

وموثّقة عبداللّه بن سِنان قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - عن غدير أتوه وفيه جيفة ، فقال : «إن كان الماء قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضّأ»(3) .

ونحوها مرسلة الصدوق(4) .

ولا إشكال في ظهور هذه الطائفة عرفاً في تنجّس الماء بغلبة الريح ، أو تغيّر

الطعم ، ويُستكشف عن ذلك - مضافاً إلى ذلك ، ومضافاً إلى أنّ الظاهر من بعضها مفروغية نجاستها ، كما يظهر بالتأمّل فيه - برواية زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جُرَذ أو صَعْوة ميّتة ، قال : «إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ فصبّها ، وإذا كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ ، واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة ، وكذلك الجرّة وحُبّ الماء والقِرْبة وأشباه ذلك من أوعية الماء» .

ص: 69


1- وفي المصدر : «سماعة» بدل «أبي بصير» .
2- تهذيب الأحكام 1 : 216 / 624 ؛ وسائل الشيعة 1 : 139 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 4 / 4 ؛ وسائل الشيعة 1 : 141 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 11 .
4- الفقيه 1 : 12 / 22 ؛ وسائل الشيعة 1 : 141 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 13 .

قال : وقال أبو جعفر علیه السلام : «إذا كان الماء أكثر من راوية لا ينجّسه شيء ؛ تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ فيه ، إلاّ أن يجيء ريح تغلب على ريح الماء»(1) .

فإنّ ذيلها مفسّر لصدرها ، ومبيّن للنهي عن الشرب والوضوء بأ نّه لأجل النجاسة ، لا لأمر تعبّدي غيرها .

وفي صحيحة زرارة قال : «إذا كان الماء أكثر من راوية . . .»(2) إلى آخر الحديث المتقدّم ، فتفسّر الرواية والصحيحة سائر ما تقدّم ، وتبيّنان أنّ النهي فيها

لنجاسة الماء بملاقاة الميتة إذا كان دون الكرّ ، وبالتغيّر إذا كان كرّاً .

بل يمكن الاستشهاد عليها بمثل صحيحة ابن بَزيع : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء . . .»(3) إلى آخره .

فإذا ضمّت تلك الروايات إلى ما تقدّم من الروايات الناهية عن شرب ملاقي الجيفة والميتة ، والوضوء منه ، تنتج نجاستها مطلقاً .

وتوهّم كون تلك الروايات - بل سائر ما في الباب - في مقام بيان حكم آخر ، فلا إطلاق فيها (4) ، فاسد ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ الحكم لنفس الجيفة ، وأنّ غلبة ريحها مطلقاً موجبة لعدم جواز الشرب والوضوء . كما أنّ عدم الاستفصال في

ص: 70


1- تهذيب الأحكام 1 : 412 / 1298 ؛ وسائل الشيعة 1 : 139 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 8 .
2- الكافي 3 : 2 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 140 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 9 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 234 / 676 ؛ وسائل الشيعة 1 : 172 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 7 .
4- اُنظر معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 481 ؛ مدارك الأحكام 2 : 268 .

صحيحة شهاب الآتية دليل عموم الحكم .

والإنصاف : أنّ توهّم عدم الإطلاق فيها وسوسة مخالفة لفهم العرف ، تأمّل .

ونظيرها في وضوح الدلالة صحيحة شهاب بن عبد ربّه قال : أتيت أبا عبداللّه علیه السلام أسأله ، فابتدأني فقال : «إن شئت فاسأل يا شهاب ، وإن شئت أخبرناك بما جئت له».

قلت : أخبرني . قال : «جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة ، أتوضّأ منه أو لا ؟» قلت : نعم . قال : «توضّأ من الجانب الآخر ، إلاّ أن يغلب الماءَ الريحُ فينتن . وجئت تسأل عن الماء الراكد ، فما لم يكن فيه تغيير وريح غالبة» .

قلت : فما التغيير ؟ قال : «الصفرة ، فتوضّأ منه ، وكلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر»(1) .

فهي مع إطلاقها ، كالصريحة في المطلوب من أنّ الماء ينجس بالتغيير .

وقريب منها في الدلالة رواية زرارة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : بئر قطرت فيه قطرة دم أم خمر .

قال : «الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ، تنزح منه عشرون دلواً ، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب»(2) .

ص: 71


1- بصائر الدرجات : 238 / 13 ؛ وسائل الشيعة 1 : 161 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 11 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 241 / 697 ؛ وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 ، الحديث 3 .

فإنّ إردافها بسائر النجاسات دليل على نجاستها . وحمل نزح العشرين على الاستحباب - لعدم انفعال البئر - لا يوجب قصورها عن الدلالة .

مع موافقة ذيلها لسائر الروايات ، كصحيحة ابن بَزيع ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح

منه حتّى يذهب الريح ، ويطيب طعمه ؛ لأنّ له مادّة»(1) .

لأنّ المراد بالفساد هو النجاسة ، كما هو واضح بل الروايات في النزح من الميتة ، كلّها ظاهرة في مفروغية نجاستها ، كما يظهر بالنظر فيها .

وتدلّ عليها صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن آنية أهل الكتاب ، فقال : «لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير»(2) .

فإنّها ظاهرة في تنجيسها ، سيّما مع إردافها بما ذكر .

ورواية «تحف العقول» عن الصادق علیه السلام في حديث قال : «وأمّا وجوه الحرام

من البيع والشراء . . .» إلى أن قال :

«والبيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير . . . أو الخمر أو شيء من وجوه

النجس ، هذا كلّه حرام محرّم . . .»(3) إلى آخره .

ص: 72


1- تهذيب الأحكام 1 : 234 / 676 ؛ وسائل الشيعة 1 : 172 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 88 / 371 ؛ وسائل الشيعة 24 : 211 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 6 .
3- تحف العقول : 333 ؛ وسائل الشيعة 17 : 84 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

فإنّ الظاهر منها أ نّه في مقام عدّ النجاسات ، فذكر عدّة منها ، وعطف عليها سائرها كما هو واضح .

وما عن «الجعفريات» بسنده عن علي علیه السلام : قال في الزيت والسمن إذا وقع فيه شيء له دم فمات فيه : «استسرجوه ، فمن مسّه فليغسل يده ، وإذا مسّ الثوب أو مسح يده في الثوب أو أصابه منه شيء ، فليغسل الموضع الذي أصاب من الثوب ، أو مسح يده في الثوب يغسل ذلك خاصّة»(1) .

وعن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين علیه السلام : أ نّه رخّص في الإدام والطعام يموت فيه خِشاش الأرض والذباب وما لا دم له ، وقال : «لا ينجّس ذلك شيئاً ولا يحرّمه . فإن مات فيه ما له دم وكان مائعاً فسد ، وإن كان جامداً فسد منه ما حوله ، واُكلت بقيّته»(2) .

إلى غير ذلك ممّا يطول الكلام بسردها . نعم لا ننكر عدم إطلاق كثير منها ممّا يكون بصدد بيان أحكام اُخر .

بل يمكن الاستدلال على المطلوب بموثّقة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

وفيها : «فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز ؛ إذا علمت أ نّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح . . .»(3) إلى آخره .

ص: 73


1- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 26 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 577 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 1 .
2- دعائم الإسلام 2 : 126 / 439 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 580 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 28 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .

بناءً على أنّ المراد بقوله : «ذكّاه» طهّره ، كما لعلّه المناسب لنسبة التذكية إلى الذبح ، وبُعد إرادة الذكاة بمعنى الذبح . والذكاة - بالذال - وإن كان بمعنى الذبح في اللغة ، ولم أرَ في اللغة من عدّ الطهارة من معانيه إلاّ في «مجمع البحرين» حيث قال : «وفي الحديث : «كلّ يابس ذكيّ»(1) ؛ أي طاهر ، ومنه : «ذكاة الأرض يبسها» أي طهارتها من النجاسة ، وفيه «أذك بالأدب قلبك» أي طهّره ونظّفه»(2) انتهى ، لكنّه ذكر في «زكى» - بالزاي - : «زكاة الأرض يبسها»(3) .

ويمكن الاستشهاد لاستعمال «ذكيّ» - بالذال - في الطهارة بروايات ، كقوله علیه السلام : «الحوت ذكيّ حيّه وميّته»(4) .

قال الشيخ الحرّ : «الذكيّ هنا بمعنى الطاهر»(5) .

وقوله علیه السلام : «الجراد ذكيّ كلّه ، والحيتان ذكيّ كلّه ، وأمّا ما هلك في البحر فلا تأكل»(6) .

ص: 74


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 141 ؛ وسائل الشيعة 1 : 351 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 31 ، الحديث 5 .
2- مجمع البحرين 1 : 159 .
3- مجمع البحرين 1 : 206 .
4- المحاسن : 475 / 480 ؛ وسائل الشيعة 24 : 74 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 31 ، الحديث 5 .
5- وسائل الشيعة 24 : 89 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 37 ، ذيل الحديث 8 .
6- المحاسن : 480 / 505 ؛ وسائل الشيعة 24 : 74 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 31 ، الحديث 7 .

بل قوله علیه السلام : «ذكاة الجنين ذكاة اُمّه»(1) .

وقوله علیه السلام : «خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق : الإنفحة ، والبيض . . .»(2) إلى آخره .

وقوله علیه السلام : «اللبن واللباء . . .» إلى أن قال : «وكلّ شيء يفصل من الشاة والدابّة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه»(3) .

إلى غير ذلك وإن كان للمناقشة فيها أو في جلّها مجال .

بل الظاهر أنّ الذكاة في مقابل الميتة في الروايات ، لا بمعنى الطاهرة ، ولا الذبح مطلقاً كيفما كان ، كما لعلّه يأتي التنبيه عليه(4) .

ويمكن الاستدلال للمطلوب بقوله تعالى : )إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ((5) .

بدعوى : أنّ الظاهر رجوع الضمير إلى جميع المذكورات ؛ فإنّ قوله تعالى : )فإِنَّهُ رِجْسٌ( تعليل لاستثنائها من الحلّية ، فلا يناسب أن يجعل تعليلاً للأخير فقط ، وإهمال التعليل في غيره ، وإن كان للتأمّل فيه مجال ، كالتأمّل في كون

ص: 75


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 124 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 36 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 18 ، الحديث 12 .
2- الكافي 6 : 257 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 2 .
3- الكافي 6 : 258 / 4 ؛ وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 3 .
4- يأتي في الصفحة 89 .
5- الأنعام (6) : 145 .

«الرجس» بمعنى النجس وإن لا يبعد ذلك . وفيما ذكرنا من الأخبار كفاية .

نعم ، في الاستدلال للمطلوب(1) بمثل موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سئل عن الخنفساء . . . إلى أن قال : «كلّ ما ليس له دم فلا بأس»(2) ، وصحيحةِ ابن مُسكان عنه علیه السلام قال : «كلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك ، فلا بأس»(3) محلّ إشكال ؛ لأنّ الكلّية في طرف نفي البأس عمّا ليس له دم ، لا تثبت الكلّية في الطرف المقابل .

نعم لا إشكال في الإثبات جزئيةً وفي الجملة .

والظاهر من «البأس» النجاسة ولو بقرائن ولو من سائر الروايات .

وكذا يشكل الاستدلال بمثل موثّقة حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه علیهما السلام قال : «لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة»(4) .

لإعطائها الكلّية في المستثنى منه دون المستثنى ؛ وإن قال الشيخ الأعظم : «إنّها بصدد تنويع الميتة على قسمين مختلفين في الحكم ، لا مجرّد بيان ضابطة كلّية في طرف المنطوق فقط»(5) وهذه الدعوى خالية من الشاهد، وعهدتها عليه.

ص: 76


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 48 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 665 ؛ وسائل الشيعة 3 : 463 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 666 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 3 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 231 / 669 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 2 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 48 .
تنبيهان
التنبيه الأوّل : في حكم جلد الميتة

قال الصدوق في «المقنع» : «ولا بأس أن تتوضّأ من الماء إذا كان في زِقّ من

جلدة ميتة ، ولا بأس بأن تشربه»(1) انتهى .

وقال في «الفقيه» : «وسئل الصادق علیه السلام عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ، ما ترى فيه ؟ فقال : «لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضّأ منه وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيه»(2) .

فصار هذا - مع ضمانه قبل إيراد الحديث بقليل صحّة ما في الكتاب ، وحجّيته بينه وبين ربّه(3) - منشأً لنسبة الخلاف في نجاسة الميتة إليه(4) .

وربّما يجاب عنه : بأ نّه لم يفِ بهذا العهد ، كما يظهر بالتتبّع في «الفقيه»(5) ولعلّه كذلك .

لكن من البعيد حصول البداء له في أوّل كتابه .

لكن لا يظهر من فتواه في «المقنع» ولا روايته في «الفقيه» مخالفته في مسألة نجاسة الميتة ، أو نجاسة جلدها ، واستثناؤه ذلك زائداً على

ص: 77


1- المقنع : 18 .
2- الفقيه 1 : 9 / 15 .
3- الفقيه 1 : 3 .
4- راجع مدارك الأحكام 2 : 268 - 269 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 15 - 16 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 65 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 16 ؛ جواهر الكلام 5 : 300 .

سائر المستثنيات ، كالوبر وغيره ، بل يحتمل ذهابه إلى عدم سراية النجاسة مطلقاً أو في خصوص الجلد أو الميتة إلى ملاقيها . وهو أيضاً في غاية البعد .

نعم ، لا يبعد ذهابه إلى طهارة جلدها بالدباغ ، كما حكي عن ابن الجنيد من القدماء(1) ، وعن الكاشاني(2) .

وكيف كان : فإن كان مراده المخالفة في مسألتنا ، فقد مرّ ما يدلّ على خلافه(3).

وإن كانت في سراية النجاسة أو نجاسة الميتة أو جلدها ، فهي ضعيفة مخالفة للروايات الكثيرة - بل المتواترة - الدالّة على غسل الملاقي ، وانفعال الماء القليل

وسائر المائعات(4) .

وإن كان مراده طهارة الجلود بالدباغ ، فهو مخالف للإجماع المتكرّر في كلام القوم ، ك- «الناصريات» ، و«الخلاف» ، و«الغنية» ، ومحكيّ «الانتصار» ، و«كشف الحقّ»(5) . وعن «المنتهى» و«المختلف» و«ال-دلائل» : «اتّفق علماؤنا

ص: 78


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 342 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 68 - 69 .
3- تقدّم في الصفحة 67 - 73 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، و1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، و205 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 5 .
5- مسائل الناصريات : 102 ؛ الخلاف 1 : 60 - 62 ؛ غنية النزوع 1 : 43 ؛ الانتصار : 91 ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق : 410 .

إلاّ ابن الجنيد على عدمها به»(1) وقريب منه عن «البيان» و«الدروس»(2) . بل عن «شرح المفاتيح» للاُستاذ : «هذا من ضروريات المذهب ، كحرمة القياس»(3) . . . إلى غير ذلك ممّا يعلم منه أ نّه من مسلّمات المذهب ، وهو حجّة قاطعة ، ولولاها لكان للمناقشة في دلالة الأخبار مجال . بل لا يبعد القول بطهارتها بالدباغ بمقتضى الجمع بينها :

فإنّ طائفة منها ظاهرة في حرمة الانتفاع بها مطلقاً الظاهرة في نجاستها ، وعدم طهارتها بالدباغ ، كرواية علي بن أبي المغيرة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، الميتة ينتفع منها بشيء ؟ فقال : «لا» .

قلت : بلغنا أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم مرّ بشاة ميّتة فقال : «ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ؟ !» قال : «تلك شاة لسَوْدَة بنت زَمْعَة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها ، فتركوها حتّى

ماتت ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا

بإهابها أن (أي - خ . ل) تذكّى»(4) .

وحسنةِ أبي مريم بطريق الصدوق ، وموثّقته بطريق الشيخ(5) ، قال : قلت

ص: 79


1- مفتاح الكرامة 2 : 92 ؛ منتهى المطلب 3 : 352 ؛ مختلف الشيعة 1 : 342 .
2- البيان : 93 ؛ الدروس الشرعية 1 : 126 .
3- مصابيح الظلام 4 : 479 .
4- الكافي 6 : 259 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 502 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 2 .
5- وأمّا طريق الصدوق فإنّه رواها بإسناده ، عن يونس بن يعقوب . وقال في مشيخته في طريقه إليه : «وما كان فيه عن يونس بن يعقوب فقد رويته عن أبي رضى الله عنه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الحسين بن الخطّاب ، عن الحكم بن مسكين ، عن يونس بن يعقوب البجلي» . والرواية حسنة بالحكم ، فإنّه روى عنه محمّد بن أبي عمير وجمع من ثقات الأصحاب ، وهو يدلّ على حسنه . راجع الفقيه ، المشيخة 4 : 46 ؛ رجال النجاشي : 136 / 350 . وأمّا طريق الشيخ الطوسي فإنّه رواها بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن فضّال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي مريم . وابن فضّال فطحي ، فالرواية موثّقة . راجع رجال النجاشي : 34 / 72 .

لأبي عبداللّه علیه السلام : السخلة التي مرّ بها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وهي ميّتة فقال : «ما ضرّ أهلها لو انتفعوا بإهابها ؟ !» قال : فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «لم تكن ميّتة يا أبا مريم ، ولكنّها كانت مهزولة ، فذبحها أهلها فرموا بها ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان على أهلها لو انتفعوا بإهابها ؟ !»(1) .

وروايةِ الفتح بن يزيد ، عن أبي الحسن علیه السلام : «لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب»(2) .

وموثّقة سَماعة قال : سألته عن جلود السباع ، أينتفع بها ؟ فقال : «إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا»(3) .

ص: 80


1- الفقيه 3 : 216 / 1004 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 79 / 335 ؛ وسائل الشيعة 24 : 185 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 3 .
2- الكافي 6 : 258 / 6 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 79 / 339 ؛ وسائل الشيعة 3 : 489 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 49 ، الحديث 2 .

إلى غير ذلك ، كرواية قاسم الصيقل قال : كتبت إلى الرضا علیه السلام : إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة ، فتصيب ثيابي ، فاُصلّي فيها ؟ فكتب إليّ : «اتّخذ ثوباً لصلاتك» .

فكتبت إلى أبي جعفر الثاني علیه السلام : كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا ، فصعب عليّ ذلك ، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكيّة . فكتب علیه السلام إليّ : «كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك اللّه ، فإن كان ما تعمل وحشياً ذكيّاً فلا بأس»(1) .

وطائفةً منها دالّة على عدم تذكيتها بالدباغ ، وعدم جواز الصلاة فيها ولو دبغت ، كصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن جلد الميتة يلبس في الصلاة إذا دبغ ؟ قال : «لا ، وإن دبغ سبعين مرّة»(2) .

وروايةِ أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام -

في حديث - : «أنّ علي بن

الحسين علیهما السلام كان يبعث إلى العراق ، فيؤتى ممّا قِبَلكم بالفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه ، فكان يُسأل عن ذلك ، فقال : إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة ، ويزعمون أنّ دباغه ذكاته»(3) .

وروايةِ عبد الرحمان بن الحجّاج قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي أدخل

ص: 81


1- الكافي 3 : 407 / 16 ؛ وسائل الشيعة 3 : 489 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 49 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 203 / 794 ؛ وسائل الشيعة 3 : 501 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 1 .
3- الكافي 3 : 397 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 502 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 3 .

سوق المسلمين - أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام - فأشتري منهم الفراء

للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليس هي ذكيّة ؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أ نّها ذكيّة ؟

فقال : «لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتها منه أ نّها ذكيّة» . قلت : وما أفسد ذلك ؟ قال : «استحلال أهل العراق للميتة ، وزعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته ، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلاّ على رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم »(1) .

وصحيحةِ علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها ، أيصلح له بيع جلودها ودباغها ويلبسها ؟ قال : «لا ، وإن لبسها فلا يصلّي فيها»(2) .

وروايةِ الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام : أ نّه كتب إلى المأمون : «ولا يصلّى في جلود الميتة»(3) .

وروايةِ «فقه الرضا علیه السلام » : «ولا تصلِّ في جلد الميتة على كلّ حال»(4) .

ص: 82


1- الكافي 3 : 398 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 503 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 4 .
2- مسائل علي بن جعفر : 139 / 151 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 6 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 123 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 257 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 6 ، الحديث 3 (ط - المكتبة الإسلامية) .
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 157 ؛ مستدرك الوسائل 3 : 196 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 1 ، الحديث 5 .

وطائفةً منها نصّ في طهارتها ، بل شاهدة للجمع بين الروايات ، كحسنة(1) الحسين بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في جلد شاة ميّتة يدبغ ، فيصبّ فيه اللبن أو الماء ، فأشرب منه وأتوضّأ ؟ قال : «نعم» وقال : «يدبغ فينتفع به ،

ولا يصلّى فيه»(2).

وموثّقةِ سَماعة قال : سألته عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت ، فرخّص فيه وقال : «إن لم تمسّه فهو أفضل»(3) .

وروايةِ «الفقيه» المتقدّمة(4) .

وروايةِ «دعائم الإسلام» عن علي علیه السلام أ نّه قال : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم ولا عصب . فلمّا كان من الغد خرجت معه ، فإذا نحن بسخلة مطروحة على الطريق ، فقال : ما كان على أهل هذه لو انتفعوا بإهابها ؟ ! قال : قلت : يا رسول اللّه ، فأين قولك بالأمس ؟ قال : ينتفع منها

بالإهاب الذي لا يلصق»(5) .

وعن «فقه الرضا» : «وإن كان الصوف والوبر والشعر والريش من الميتة

ص: 83


1- يأتي وجه كونها حسنة في الصفحة 162 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 78 / 332 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 78 / 333 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 8 .
4- تقدّمت في الصفحة 77 .
5- دعائم الإسلام 1 : 126 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 192 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 2 .

وغير الميتة - بعد أن يكون ممّا أحلّ اللّه أكله - فلا بأس به ، وكذلك الجلد ؛ فإنّ دباغه طهارته»(1) .

نعم ، عنه أيضاً : «أنّ ذكاة الحيوان ذبحه ، وذكاة الجلود الميتة دباغه»(2) . . . إلى غير ذلك .

وأنت خبير : بأنّ الجمع العرفي بين الروايات ممكن :

إمّا بحمل الروايات الناهية عن الانتفاع بها مطلقاً على الكراهة في مورد الاجتماع ؛ بقرينة ما هو نصّ في طهارته ، ولقوله : فرخّص فيه وقال : «إن لم تمسّه فهو أفضل» فيلتزم بأنّ جلدها يطهر بالدباغ ، لكن لا يصير ذكيّاً ؛ فإنّها عبارة عن صيرورته بحيث يستحلّ معها جميع الآثار ، كالصلاة فيها والبيع والشراء وغيرها .

والظاهر من الروايات : أنّ الذي كذبوا على رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم هو أنّ دباغه ذكاته ، وهو الذي أنكره الأئمّة علیهم السلام على العامّة ، وأمّا الطهارة فليست التذكية ، بل بعض آثارها ، وليست في الأخبار ما تدلّ على نجاسته بعد الدباغ إلاّ إطلاق النواهي القابل للجمع المذكور بالشواهد التي فيها .

نعم ، في رواية «دعائم الإسلام» عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «الميتة نجس وإن دبغت»(3).

ص: 84


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 302 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 191 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 6 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 303 .
3- دعائم الإسلام 1 : 126 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 592 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 39 ، الحديث 6 .

لكنّها - مع ضعفها وإرسالها ومخالفتها لروايته الاُخرى المتقدّمة - يمكن حملها على القذارة العرفية ؛ لكونها من الميتة التي يستقذرها العرف .

والإنصاف : أنّ هذا الجمع عقلائي . بل لو لا تصريح الأصحاب والعلم من الخارج بأنّ الطهارة بعد الدبغ كانت محلّ الخلاف بين الفريقين ، لقلنا - بحسب الأخبار - إنّ النزاع بينهم في عصر الأئمّة علیهم السلام كان في أنّ دباغه ذكاته ، لا دباغه طهارته . وقد مرّ أنّ الحمل على الكراهة في بعض مدلول النهي ، لا يلزم منه محذور .

أو حمل المطلقات على المقيّد ، فيحكم بعدم الانتفاع بها إلاّ بمثل جعله ظرفاً للماء وغيره .

أو حمل النهي عن الانتفاع بالميتة على الانتفاع قبل الدباغ ؛ بقرينة ما نصّ على أنّ الجلد يدبغ فينتفع به ، لكن لا يصلَّ فيه ، ولا يصير مذكّى به .

هذا كلّه مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب ، وإلاّ فلا ينبغي الترديد في عدم طهارته بالدباغ . كما أنّ الظاهر أنّ محطّ البحث بينهم هو الطهارة والنجاسة ؛ فإنّ أبا حنيفة رأى طهارة جميع الجلود بالدباغ إلاّ جلد الخنزير ، وقال داود : «يطهر الجميع» ، وقال الشافعي : «كلّ حيوان طاهر حال حياته فجلده إذا مات يطهر بالدباغ» ، وقال مالك : «يطهر الظاهر منه دون الباطن»(1) . فلا إشكال في المسألة .

بل لم تثبت مخالفة الصدوق للطائفة ؛ أمّا روايته في «الفقيه» مع الضمان المذكور(2) ، فللجزم بأنّ مراده منه ليس الإفتاء بكلّ ما نقل فيه ؛ ضرورة أ نّه نقل

ص: 85


1- بداية المجتهد 1 : 81 ؛ المجموع 1 : 217 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 77 .

فيه المطلق والمقيّد ، والعامّ والخاصّ ، والمتعارضين ، ولا يعقل الفتوى بعموم

العامّ وإطلاق المطلق وبما يقابلهما ، ولا بالمتعارضين ، فالمراد منه حجّية الروايات في ذاتها والفتوى بمضمونها بعد الجمع أو الترجيح .

بل يظهر من أوّل «مقنعه» أيضاً أنّ ما فيه روايات محذوفة الإسناد(1) ، فلم يعلم من عبارته المتقدّمة فيه فتواه به ، بل من البعيد جدّاً فتوى مثل الصدوق بما يخالف جميع الأصحاب . نعم لا يبعد ذلك من ابن الجنيد ، كما يظهر من فتاواه .

التنبيه الثاني : حكم الميتة من الحيوانات البحرية غير المأكولة

قال الشيخ في «الخلاف» : «إذا مات في الماء القليل ضفدع أو غيره ممّا لا يؤكل لحمه ممّا يعيش في الماء ، لا ينجس الماء ، وبه قال أبو حنيفة(2) . وقال الشافعي : «إذا قلنا إنّه لا يؤكل لحمه فإنّه ينجّسه»(3) .

دليلنا : أنّ الماء على أصل الطهارة ، والحكم بنجاسته يحتاج إلى دليل . وروي

عنهم علیهم السلام قالوا : «إذا مات في الماء ما فيه حياته لا ينجّسه» وهو يتناول هذا الموضع أيضاً»(4) .

ورُدّ الأصل بإطلاق الأدلّة ، والرواية بعدم العثور عليها (5) .

ص: 86


1- المقنع : 5 .
2- المبسوط ، السرخسي 1 : 57 / السطر 15 .
3- مغني المحتاج 1 : 23 / السطر 26 .
4- الخلاف 1 : 189 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 71 - 72 .

وعن المحقّق أ نّه ردّ الشيخ : بأ نّه لا حجّة له في قوله علیه السلام في البحر : «هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته»(1) ؛ لأنّ التحليل مختصّ بالسُمُوك(2) .

أقول : أمّا قطع الأصل فموقوف على إطلاق الأدلّة ، والقائل بالعموم والإطلاق هاهنا أنكر إطلاق أدلّة نجاسة المنيّ ، كصاحب «الجواهر» ، والشيخ الأعظم ، وصاحب «مصباح الفقيه»(3) ، مع أنّ المانع المدّعى في المنيّ - وهو ندرة إصابته الثوب - موجود في المقام ؛ لأنّ الروايات المتقدّمة الدالّة على نجاسة الميتة على طوائف ، كلّها منصرفة عن الحيوان البحري لو كانت ندرة الابتلاء موجبة له ، كما قالوا في المنيّ .

أمّا أخبار البئر(4) فواضح انصرافها ؛ لعدم وقوع الحيوان البحري فيه مطلقاً . ولو فرض وقوعه فهو من أشذّ الشواذّ .

وكذا أخبار الجيفة ووقوعها في الغدير والماء النقيع(5) ، فإنّ الجيفة الواقعة في المياه والغدران ، هي الجيف المتداولة الموجودة في البرّ ، كالكلب والحمار ، أو بعض السباع البرّية ، دون الحيوانات البحرية .

وكذا ما دلّ على وقوع بعض الحيوانات في الإدام أو السمن أو الزيت

ص: 87


1- وسائل الشيعة 1 : 136 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 2 ، الحديث 4 .
2- المعتبر 1 : 102 .
3- جواهر الكلام 5 : 290 و296 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 37 و50 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 33 و52 .
4- راجع وسائل الشيعة 1 : 170 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 137 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 .

وأمثالها (1) ، وما دلّ على نجاسة إناء اليهود لأكلهم الميتة(2) ؛ فإنّ الميتة المأكولة ليست مثل الفرس البحري وكلبه . والروايات التي اُستثني فيها من الميتة بعض الأعضاء - كالشعر والإنفحة واللبن واللباء(3) - موردها الحيوانات البرّية بلا إشكال .

وأمّا رواية «تحف العقول» المتقدّمة(4) ، فمع ضعفها سنداً (5) تكون في مقام بيان حكم آخر يشكل استفادة الإطلاق منها . وقد مرّت المناقشة في رواية جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام : «إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء»(6) .

نعم ، يمكن التمسّك بإطلاق الآية الكريمة المتقدّمة(7) ؛ لو قلنا برجوع الضمير إلى جميع المذكورات . لكنّه محلّ إشكال ، والترجيح الظنّي بما تقدّم غير مفيد .

وبموثّقة ابن بكير لو استظهرنا منها أنّ المراد بالتذكية التطهير ، كما مرّ(8) . لكنّه محلّ إشكال ، بل منع ؛ بعد عدم ثبوت كونها بمعناه لغةً . والاستعمال فيه في

ص: 88


1- تقدّم في الصفحة 73 .
2- تقدّم في الصفحة 72 .
3- راجع وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، وقد تقدّم بعضها أيضاً في الصفحة 75 .
4- تقدّمت في الصفحة 72 .
5- وجه الضعف هو الإرسال .
6- تهذيب الأحكام 1 : 420 / 1327 ؛ وسائل الشيعة 1 : 206 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 5 ، الحديث 2 .
7- تقدّمت في الصفحة 75 .
8- تقدّم في الصفحة 74 .

بعض الموارد - لو سلّم - لا يوجب ثبوت الحقيقة . ولقوّة احتمال أن يكون المراد

ب- «التذكية» الواردة في الروايات هي معنى مقابل للميتة ، فمعنى «ذكّاه الذبح» أ نّه جعله مذكّى ، والمراجع للروايات في الأبواب المتفرّقة لعلّه يطمئنّ بكون «المذكّى» فيها مقابلها ، لا مطلق ما ذبح ، فراجع .

فيبقى الأصل سليماً ؛ بناءً على مبناهم من أنّ ندرة الوجود موجبة للانصراف .

بل المقام أولى بدعواه ؛ لما عرفت أنّ إصابة الثوب بمنيّ الحيوانات ليست نادرة(1) .

لكن كما قد عرفت بطلان دعوى الانصراف في المنيّ(2) ، فكذلك تبطل ولو كان ندرة الابتلاء فيه مسلّمةً ؛ ضرورة أنّ مثل قوله علیه السلام في صحيحة ابن مسلم : «لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير»(3) ، ظاهر في أنّ الحكم لنفس الميتة وماهيتها من غير دخالة خصوصياتها فيه .

وكذا قوله علیه السلام في رواية زرارة : «الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد»(4) ، وكذا غيرها (5) ظاهر في ذلك ، فإنكار الإطلاق في مثل المقام خلاف فهم العرف ، بل ربّما يوجب اختلالاً في الفقه ، فلا إشكال في سقوط الأصل .

ص: 89


1- تقدّم في الصفحة 60 .
2- تقدّم في الصفحة 60 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 88 / 371 ؛ وسائل الشيعة 24 : 211 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 6 .
4- تقدّم في الصفحة 71 .
5- وسائل الشيعة 24 : 212 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 55 ، الحديث 1 .

وأمّا الرواية التي أشار إليها الشيخ ، فالظاهر أ نّها غير ما ذكرها المحقّق وأجاب عنها ؛ لأنّ «الحلّ» ظاهر في حلّية اللحم ، ولهذا تختصّ ببعض السُمُوك .

وقد يقال : إنّ نظر الشيخ إلى صحيحة ابن الحجّاج قال : سأل أبا عبداللّه علیه السلام

رجل - وأنا عنده - عن جلود الخزّ ، فقال : «ليس به بأس» .

فقال الرجل : جعلت فداك ، إنّها علاجي ، وإنّما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء ؟» فقال الرجل : لا ، قال : «ليس به بأس»(1) .

بدعوى : أنّ ظاهر التعليل نفي البأس عن كلّ ما لا يعيش إلاّ في الماء ، فكأ نّه فهم من ذلك طهارة ميتته ؛ لعدم معهودية ذبحه ، وعدمِ إشعار في الرواية باشتراطه(2) .

وفيه : أنّ الشبهة في الخزّ إنّما هي من قِبل عدم تذكيته ، وإخراجِه من الماء وأخذ الجلد بلا ذبح ، ونفي البأس لأجل أنّ أخذه من الماء ذكاته . وتشهد لذلك رواية ابن أبي يعفور قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه رجل من الخزّازين ، فقال له : جعلت فداك ، ما تقول في الصلاة في الخزّ ؟ فقال : «لا بأس بالصلاة فيه» .

فقال له الرجل : جعلت فداك ، إنّه ميّت ، وهو علاجي ، وأنا أعرفه ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «أنا أعرف به منك» .

ص: 90


1- الكافي 6 : 451 / 3 ؛ وسائل الشيعة 4 : 362 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 10 ، الحديث 1 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 52 .

فقال له الرجل : إنّه علاجي ، وليس أحد أعرف به منّي ، فتبسّم أبو عبداللّه علیه السلام

ثمّ قال : «أتقول إنّه دابّة تخرج من الماء ، أو تصاد من الماء فتخرج ، فإذا فقد الماء مات ؟» فقال الرجل : صدقت جعلت فداك ، هكذا هو .

فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «فإنّك تقول : إنّه دابّة تمشي على أربع ، وليس هو في حدّ الحيتان ، فتكون ذكاته خروجه من الماء» فقال له الرجل : إي واللّه ، هكذا أقول .

فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «فإنّ اللّه تعالى أحلّه وجعل ذكاته موته ، كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها»(1) .

وهي كما ترى ظاهرة في أنّ الشبهة فيه إنّما هي في كونه ميتة ؛ لعدم تعارف ذبحه ، وليس مثل الحيتان يكون خروجها من الماء ذكاتها ، فأجاب بأ نّه مثلها في ذلك . ولا يبعد أن تكون رواية ابن الحجّاج أيضاً حكايةً عن هذه القضيّة التي حكاها ابن أبي يعفور ، فترك ابن الحجّاج ما لا دخالة له في الحكم ، ونقل بالمعنى ما هو دخيل فيه . ولو كانت الواقعة قضيّ-تين فلا ريب في أنّ الشبهة ما ذكرناه ، فتكون الرواية أجنبيّة عمّا نحن بصدده .

ولا أظنّ أنّ الشيخ كان متمسّكه هذه الصحيحة أو الذي ذكره المحقّق ، بل الظاهر عثوره على رواية بالمضمون المحكيّ .

ص: 91


1- الكافي 3 : 399 / 11 ؛ وسائل الشيعة 4 : 359 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 8 ، الحديث 4 .
نجاسة ميتة الآدمي

وأمّا الآدمي منها ، فهل هي نجسة أم لا ؟

وعلى الأوّل ، هل هي نجسة عيناً أو حكماً ؟ وعلى التقديرين ، هل تكون نجاستها على حذو سائر النجاسات في السراية ؛ فلا تسري إلاّ بالملاقاة معها رطباً بنحو يتأثّر منه الملاقي ، أم تسري مع اليبس أيضاً ؟

وعلى التقادير ، هل يكون حال ملاقي ملاقيها كسائر النجاسات أم لا ؟

ربّما يتشبّث القائل بعدم النجاسة العينية بوجه عقلي : وهو أنّ عين النجاسة

لا يعقل رفعها وزوالها بالاغتسال ، مع أنّ الميّت بعد الغسل طاهر بلا إشكال(1) .

وفيه : أنّ ذلك موجّه لو كانت أعيان النجاسات اُموراً تكوينية ، ويكون الميّت - كالمنيّ والعَذِرة - قذراً ذاتاً ، ويكون منشأ نجاسته شرعاً قذارته الذاتية ، لكن

قد عرفت أنّ القذارات الشرعية مختلفة :

فمنها : ما هي مستقذرة عرفاً ، كالأخبثين .

ومنها : ما ليست كذلك ، كالكافر والخمر ، فإنّ القذارة فيهما مجعولة لجهات اُخر غير القذارة العرفية والذاتية(2) . ولا مانع من أن تكون نجاسة الميّت كذلك ؛ أي مجعولة لجهة مرفوعة بالغسل .

ولو قيل : إنّ الميّت ولو كان آدمياً مستقذر عرفاً ، وكان الناس تستقذره ، وتتجنّب منه ، ولعلّه منشأ الحكم بنجاسته .

ص: 92


1- مفاتيح الشرائع 1 : 66 - 67 .
2- تقدّم في الصفحة 14 .

لقلنا : هذا لو صحّ يوجب بقاء نجاسته حتّى بعد الغسل ، فلا بدّ أن يقال بعدم طهارته بالغسل ، لا عدم نجاسته بالموت ؛ ضرورة أنّ التجنّب والاحتراز والاستقذار باقٍ بعد الغسل أيضاً .

والتحقيق : أنّ النجاسة في مثله مجعولة كرافعها . فلا إشكال عقلي في المقام .

وظنّي أنّ الإشكالات في خصوص ميتة الآدمي ، نشأت غالباً من توهّم دلالة الروايات(1) على وجوب غسل ملاقيها ولو مع اليبس ، فظنّ أنّ الميتة ليست كسائر النجاسات المتداولة :

فمنهم : من التزم بعدم النجاسة(2) ، ومنهم : من التزم بالنجاسة الحكمية(3) . وهو أيضاً يرجع إلى الالتزام بعدم النجاسة ؛ فإنّه لا معنى للنجاسة الحكمية إلاّ لزوم ترتيب آثارها تعبّداً على ما ليس بنجس .

وإن قيل : إنّ المراد بالنجاسة الحكمية هي الجعلية مقابل العرفية والذاتية .

قلنا : إنّ لازمه الالتزام بالنجاسة الحكمية في الكافر والخمر ، بل الكلب أيضاً ، مع عدم التزامهم بها في سائر النجاسات .

فأساس الالتزام بالنجاسة الحكمية - وكذا الالتزام بعدم سرايتها إلى ما يلاقيها ، فلا ينجس ملاقي ملاقيها - لا يبعد أن يكون البناء على لزوم غسل الملاقي ولو مع اليبوسة ، فيقال : إنّها لو كانت نجسة كسائر النجاسات ، لكانت نجاسة ملاقيها للسراية ، كما في سائر أنواعها ، وهي لا تتحقّق إلاّ مع الرطوبة ،

ص: 93


1- ستأتي في الصفحة 95 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 67 .
3- منتهى المطلب 2 : 456 .

وهذه لازم عرفي للنجاسات ، ومع فقده يكشف إمّا عن عدم النجاسة رأساً ، ولزوم غسل ملاقيه تعبّداً لا لتنجّسه ، كلزوم غسل المسّ ، أو عن النجاسة الحكمية التي ترجع إلى عدم النجاسة .

فالأولى عطف الكلام على ذلك ، فنقول : لو لا الإجماعات المنقولة المتكرّرة في كلام الأصحاب على عدم الفرق بين الآدمي وغيره - كمحكيّ ظاهر «الطبريات» ، وصريح «الغنية» ، و«المعتبر» ، و«المنتهى» ، و«نهاية الإحكام» ، و«التذكرة» ، و«الذكرى» ، و«كشف الالتباس» ، و«الروض» ، و«الدلائل» ، و«الذخيرة» ، و«شرح الفاضل» (1) ، بل ومحكيّ «الخلاف»(2) - لأمكن المناقشة في نجاستها لو خلّينا والروايات .

بل يمكن المناقشة في الإجماع أيضاً ؛ بدعوى تخلّل الاجتهاد والجزم بعدم شيء عندهم إلاّ تلك الروايات التي باب الاجتهاد فيها واسع ، ولهذا اختلفت الآراء في أصل النجاسة ، فإنّ القول بالنجاسة الحكمية وعدم السراية إلى ما يلاقيها ، يرجع إلى عدم النجاسة كما مرّ .

بل لازم محكيّ كلام الحلّي دعوى عدم الخلاف في عدم النجاسة العينية ، قال - فيما حكي عنه(3) - في مقام الاستدلال على عدم السراية مع الرطوبة

ص: 94


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 15 ؛ غنية النزوع 1 : 42 ؛ المعتبر 1 : 420 ؛ منتهى المطلب 3 : 195 ؛ نهاية الإحكام 1 : 269 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 59 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 113 ؛ كشف الالتباس 1 : 396 ؛ روض الجنان 1 : 434 ؛ ذخيرة المعاد : 147 ؛ كشف اللثام 1 : 392 .
2- الخلاف 1 : 700 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 43 .

أيضاً : «لأنّ هذه النجاسات حكميات ، وليست عينيات ، ولا خلاف بين الاُمّة كافّة أنّ المساجد يجب أن تجتنب النجاسات العينية ، وأجمعنا بغير خلاف على أنّ من غسّل ميّتاً له أن يدخل المسجد ، ويجلس فيه ، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك . ولأنّ الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف ، ومن جملة الأغسال غسل من مسّ ميّتاً ، ولو كان ما لاقى الميّت نجساً ، لما كان الماء الذي يغتسل به طاهراً»(1) انتهى .

فكأ نّه ادّعى الإجماع بالملازمة على المسألة ، فلو كانت إجماعية بنفسها لا يتأتّى له ذلك . وليس المقصود في المقام تصحيح كلامه وصحّةَ دعوى إجماعه ، حتّى يقال : إنّ للمناقشة فيه مجالاً واسعاً ، بل المقصود هدم بناء إجماعية المسألة ، وفتح باب احتمال اجتهاديتها .

الروايات التي يمكن الاستدلال بها على نجاسة ميتة الآدمي

وأمّا الروايات ، فما يمكن الاستدلال بها للنجاسة كثيرة :

منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت ، فقال : «يغسل ما أصاب الثوب»(2) .

ورواية إبراهيم بن ميمون قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت ، قال : «إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ،

ص: 95


1- السرائر 1 : 163 .
2- الكافي 3 : 161 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 462 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 2 .

وإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه» يعني إذا برد الميّت(1) .

وفيهما احتمالان :

أحدهما : قراءة «الثوبَ» بالفتح على أن يكون مفعول «أصاب» فيكون المعنى : اغسل ما وصل إلى ثوبك من الميّت ، والمراد غسل الثوب ممّا أصابه منه ، وعلى هذا الاحتمال تكون الروايتان ظاهرتين في لزوم غسل الملاقي لأجل السراية ، ويكون المتفاهم منه عرفاً - بل عند المتشرّعة - نجاسته عيناً كسائر النجاسات .

ثانيهما : قراءته بالضمّ على أن يكون فاعله ، ويكون الموصول كناية عن موضع الإصابة ، ويرجع الضمير المجرور إلى الميّت مع حذف العائد ، فيكون المعنى : اغسل موضع إصابة الثوب من الميّت ، نظير صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : وسألته عن الرجل يعرق في الثوب ، ولم يعلم(2) أنّ فيه جنابة ، كيف يصنع ؟ هل يصلح أن يصلّي قبل أن يغسله ؟ قال : «إذا علم أ نّه إذا عرق فيه أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب ، فليغسل ما أصاب من ذلك . . .»(3) إلى آخره .

والمظنون وإن كان الاحتمال الأوّل ، لكنّه ظنّ خارجي غير حجّة ،

ص: 96


1- الكافي 3 : 61 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 461 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 1 .
2- هكذا في طبعة المكتبة الإسلامية من الوسائل 2 : 1007 ، ولكن في بقيّة المصادر «يعلم» بدل «ولم يعلم» .
3- مسائل علي بن جعفر : 159 / 238 ؛ وسائل الشيعة 3 : 404 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 10 .

ولا يوجب الظهور . نعم لو كان الاحتمال الثاني غلطاً أدباً - كما قد يدّعى - لتعيّن الأوّل ، لكنّه غير متّضح .

إن قلت : لا فرق بين الاحتمالين في فهم نجاسة الميّت ؛ بعد كون الارتكاز على أنّ الغَسل إنّما هو بالسراية والرطوبة ، ومعه تدلاّن على نجاسته عيناً كباقي النجاسات .

قلت : ما هو المرتكز عند العرف أو المتشرّعة ؛ أنّ ملاقي النجس لا ينجس إلاّ مع السراية والرطوبة السارية ، وأمّا ارتكازية أنّ الأمر بغسل ملاقي كلّ شيء للسراية ، فغير معلومة ، فإن علم أنّ الكلب نجس ، وقيل : «اغسل ثوبك إذا أصاب الكلب» يفهم منه أنّ الغسل لدى السراية كسائر النجاسات ، وأمّا لو احتمل عدم نجاسة شيء ، ولزومُ تطهير ملاقيه تعبّداً ، فلا يثبت ارتكاز بعدم لزوم الغَسل إلاّ بالسراية .

ومنها : رواية «الاحتجاج» قال : ممّا خرج عن صاحب الزمان علیه السلام إلى

محمّد بن عبداللّه بن جعفر الحِميري حيث كتب إليه : روي لنا عن العالم علیه السلام : أ نّه سئل عن إمام قوم يصلّي بهم بعض صلاتهم ، وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه ؟ فقال : «يؤخَّر ، ويتقدّم بعضهم ويتمّ صلاتهم ، ويغتسل من مسّه» التوقيع : «ليس على من مسّه إلاّ غسل اليد . . .»(1) إلى آخره .

وعنه قال : وكتب إليه علیه السلام : وروي عن العالم علیه السلام : «أنّ من مسّ ميّتاً بحرارته غَسل يده ، ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل» وهذا الميّت في هذه

ص: 97


1- الاحتجاج 2 : 564 / 354 ؛ وسائل الشيعة 3 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 4 .

الحال لا يكون إلاّ بحرارته ، فالعمل في ذلك على ما هو ، ولعلّه ينحّيه بثيابه

ولا يمسّه ، فكيف يجب عليه الغسل ؟ التوقيع : «إذا مسّه في هذه الحال لم يكن عليه إلاّ غسل يده»(1) .

ويمكن أن يقال : إنّ ظاهرهما أنّ المسّ بلا رطوبة موجب لغسل اليد ، ولا أقلّ من الإطلاق .

إلاّ أن يقال : إنّهما بصدد بيان حكم المستثنى منه ، لا المستثنى ، فلا إطلاق فيهما .

وفيه تأمّل ؛ لقوّة إطلاقهما بالنسبة إلى حال اليبوسة . بل القدر المتيقّن منهما ذلك ، خصوصاً مع أنّ الظاهر منهما أنّ الموضوع في غسل اليد وغسل المسّ واحد ، فيشكل ظهورهما في النجاسة ؛ لما عرفت من أنّ لزوم الغسل لأجل النجاسة ملازم للسراية ، وعدم سرايتها من اليابس ارتكازي عقلائي .

ومنها : رواية الحسن بن عبيد قال : كتبت إلى الصادق علیه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين علیه السلام حين غسَّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عند موته ؟ فأجابه : «النبي طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين علیه السلام وجرت به السنّة»(2) .

بدعوى ظهورها في اختصاص الطاهرية والمطهّرية بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم ويلحق به

ص: 98


1- الاحتجاج 2 : 564 / 354 ؛ وسائل الشيعة 3 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 469 / 1541 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 7 .

سائر المعصومين علیهم السلام بمقتضى المذهب ، وأمّا غيرهم فمسلوب عنه

هذه الخاصّية .

لكن في دلالتها - بعد ضعف سندها (1) - إشكال ؛ لقوّة احتمال أن يكون المراد الطهارة من الحدث الحاصل للميّت ، سيّما مع ما ورد : من أنّ علّة غُسل الميّت هي الجنابة الحاصلة له بواسطة خروج النطفة التي خلق منها (2) ، والنبي صلی الله علیه و آله وسلم لا تصيبه الجنابة بغير اختياره ، بل هي المناسبة للسؤال ، لا النجاسة العينية . وكيف كان يشكل فهم النجاسة منها .

ومنه يعرف عدم دلالة رواية محمّد بن سِنان ، عن الرضا علیه السلام قال : «وعلّة اغتسال من غسَّل الميّت أو مسّه ، الطهارة لما أصابه من نضح الميّت ؛ لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته ، فلذلك يتطهّر منه ويطهَّر»(3) .

لأنّ الظاهر منها - ولو بقرينة الصدر - التطهير منه من حدث المسّ ، وتطهّره من حدث الموت أو الجنابة العارضة له بالموت .

ومنها : رواية زرارة : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ؛ ينزح منه

ص: 99


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد ، عن محمّد بن عيسى العبيدي ، عن الحسين بن عبيد . والحسن (الحسين) بن عبيد مجهول .
2- كرواية محمّد بن علي بن الحسين قال : سئل الصادق عليه السلام لأيّ علّة يغسّل الميّت ؟ قال : «تخرج منه النطفة التي خلق منها ، تخرج من عينيه ، أو من فيه . . .» الحديث . راجع وسائل الشيعة 2 : 488 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 ، الحديث 5 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 89 / 1 ؛ علل الشرائع : 300 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 12 .

عشرون دلواً ، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب»(1) .

بدعوى إطلاق «الميْت» وشموله للإنسان . ولا ينافيها ما سيأتي من نزح سبعين للإنسان ؛ لأنّ ذلك لأجل اختلاف الحدود في النزح ؛ لكونه مستحبّاً ، كما يختلف في سائر المنزوحات أيضاً ، فراجع .

لكن في إطلاقها - مضافاً إلى ضعفها (2) - تأمّل ؛ لاحتمال أن يكون «الميْت» الحيوان الذي لم يذكَّ ، مع كون الرواية بصدد بيان حكم آخر . نعم لو كان بتضعيف الياء يكون ظاهراً في الإنسان ، لكنّه غير ثابت ، بل بعيد .

ومنها : موثّقة عمّار الساباطي قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن رجل ذبح طيراً ، فوقع بدمه في البئر ، فقال : «ينزح منه دلاء . هذا إذا كان ذكيّاً فهو هكذا .

وما سوى ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه ، فأكبره الإنسان ينزح منها سبعون دلواً ، وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد ، وما سوى ذلك فيما بين هذين»(3) .

ص: 100


1- تهذيب الأحكام 1 : 241 / 697 ؛ وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 ، الحديث 3 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي إسحاق ، عن نوح بن شعيب الخراساني ، عن ياسين ، عن حريز ، عن زرارة . نوح بن شعيب الخراساني مجهول ، وياسين الراوي عن حريز هو ياسين الضرير وهو مهمل ، فتكون الرواية ضعيفة . رجال النجاشي : 453 / 1227 ؛ الفهرست ، الطوسي : 267 / 819 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 234 / 678 ؛ وسائل الشيعة 1 : 194 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 21 ، الحديث 2 .

بدعوى : أنّ المراد من أكبرية الإنسان ليس أكبرية جسمه ، وهو معلوم ، ولا أكبرية شأنه ؛ فإنّها لا تناسب أكثرية النزح ، بل أنجسيته وأقذريته من سائر الميتات .

ويمكن الخدشة في دلالتها على النجاسة ؛ لاستحباب النزح ، وبُعْد كون المراد أنّ الإنسان أنجس من الكلب والخنزير جدّاً ، ولذلك تضعف دلالتها على النجاسة . بل لا يبعد أن يكون أكثرية النزح حكماً تعبّدياً غير ناشئ من نجاسته ، وإلاّ فكيف يمكن أن يقال : إنّ المؤمن - الذي له تلك المنزلة الرفيعة عند اللّه تعالى حيّاً وميّتاً - أنجس من سائر الميْتات ؟ ! تأمّل .

الروايات الدالّة أو المشعرة بطهارة ميتة الآدمي

ثمّ لو سلّمت دلالة هذه الروايات على النجاسة ، لكن في مقابلها طوائف من الروايات الدالّة أو المشعرة بالطهارة :

منها : ما وردت في علّة غُسل الميّت ، كرواية الفضل بن شاذان - التي لا يبعد أن تكون حسنة(1) - عن الرضا علیه السلام قال : «إنّما اُمر بغُسل الميّت ؛ لأ نّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والأذى ، فأحبّ أن يكون طاهراً إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه ويماسّونه ، فيماسّهم نظيفاً

ص: 101


1- رواها الصدوق في عيونه ، عن عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار ، عن علي بن محمّد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان . راجع عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 99 / 1 ؛ تنقيح المقال 2 : 233 / السطر20 ، و : 308 / السطر 28 (أبواب العين) ؛ المكاسب المحرّمة ، ا لإمام الخميني قدس سره 2 : 91 .

موجّهاً به إلى اللّه عزّ وجلّ»(1) .

وروايةِ محمّد بن سِنان ، عن الرضا علیه السلام : كتب إليه في جواب مسائله : «علّة

غُسل الميّت أ نّه يغسّل ليتطهّر وينظّف عن أدناس أمراضه ، وما أصابه من صنوف علله . . .»(2) إلى آخره .

فإنّ الظاهر منهما أنّ علّة غُسله رفع القذارات العرضية ، ولو كان الميّت نجساً

عيناً مع قطع النظر عنها والغسلُ مطهّرَة كان الأولى أو المتعيّن التعليل به لا بأمر

عرضي. واحتمال أن يكون المراد من قوله علیه السلام في الثانية : «ليتطهّر وينظّف»

التطهيرَ من النجاسة الذاتية ، والنظافةَ من العرضية ، خلافُ الظاهر جدّاً ، فتدلاّن على عدم نجاسته عيناً وذاتاً . ولا ينافي دلالتها على المقصود كونُ العلّة في أمثالها نكتةً للتشريع ، لا علّةً حقيقيةً .

ومنها : ما دلّت على أنّ غسل الميّت لأجل الجنابة الحاصلة له ، كرواية الديلمي ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال في حديث : «إنّ رجلاً سأل أبا جعفر علیه السلام عن الميّت لِمَ يغسّل غُسلَ الجنابة ؟ قال : إذا خرجت الروح من البدن ، خرجت النطفة التي خلق منها بعينها منه ؛ كائناً ما كان ، صغيراً أو كبيراً ،

ذكراً أو اُنثى ، فلذلك يغسّل غسلَ الجنابة»(3) .

ص: 102


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 114 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 89 / 1 ؛ علل الشرائع : 300 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 1 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 161 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 487 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 ، الحديث 2 .

وبهذا المضمون روايات اُخر(1) ، فلو كان الميّت نجساً عيناً ، ويطهّر بالغسل ، كان الأنسب تعليله به ، لا بالأمر العارضي .

إلاّ أن يقال : إنّ غسل الميّت ليس لتطهير بدنه وإن رتّب عليه ، وهو كما ترى .

ومنها : الروايات الكثيرة الواردة في غُسل الميّت(2) ، وموردها الغسل بالماء القليل ، ولم يتعرّض فيها لنجاسة الملاقيات . وكذا ما ورد في تجهيزه من حال خروج الروح إلى ما بعد الغسل(3) ؛ من غير تعرّض لتطهير ما يلاقيه ، وهي وإن كانت في مقام بيان أحكام اُخر ، لكن كان اللازم التنبيه لهذا الأمر الكثير الابتلاء ، المغفول عنه لدى العامّة .

والالتزام بصيرورة يد الغاسل وآلات الغسل المتعارفة طاهرة بالتبع وإن أمكن ، إلاّ أ نّه - مع اختصاصه بحال الغسل ، دون الملاقيات قبله من حال نزع الروح إلى حال الغسل - مسلّم بعد تسلّم نجاسته ، وأمّا مع عدم تسلّمها فهذه الطائفة من أقوى الشواهد على الطهارة ؛ فإنّ التطهير بالتبعية أمر بعيد عن الأذهان ، مخالف للقواعد ، لا يصار إليه إلاّ مع الإلجاء .

ومنها : ما دلّت على رجحان توضّي الميّت قبل الغُسل(4) ، مع أنّ شرطه طهارة الأعضاء ، وإن أمكن المناقشة فيه ، لكن يؤيّد القول بالطهارة .

بل يمكن الاستشهاد أو الاستدلال على الطهارة بمكاتبة الصفّار الصحيحة

ص: 103


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 479 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 452 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاحتضار ، الباب 35 و44 و46 و47 ، و : 491 ، أبواب غسل الميّت ، الباب 5 و7 و8 و9 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 6 .

قال : كتبت إليه : رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه ؟ فوقّع علیه السلام : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ «الغُسل» بالضمّ لا بالفتح ؛ لأنّ في صورة الفتح كان المناسب أن يقول : «غسلها» أو «غسل يدك» كما ترى في سائر الموارد من الأشباه والنظائر(2) ، مع أنّ فرض السائل ملاقاة يده ثوبَ الميّت ، فتغيير الجواب يؤيّد أن يكون المراد أ نّه ليس في إصابة الثوب شيء ، بل يجب الغسل في إصابة الجسد ، فتدلّ على أ نّه ليس في إصابة الثوب شيء ، ولا في ملاقاة جسده إلاّ الغسل ، لا غسل اليد ، تأمّل .

بل عدم النجاسة واستحباب غسل ملاقيه ، مقتضى الجمع بين صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس»(3) ، وبين مكاتبة الحِمْيري المتقدّمة : «إذا مسّه في هذه الحال» أي حال الحرارة «لم يكن عليه إلاّ غسل يده»(4) ؛ فإنّ في الصحيحة نفي البأس عن مسّه في حال الحرارة ، وفي التوقيع جعل عليه في حالها غسل اليد . إلاّ أن يقال بإمكان حمل المطلق على المقيّد .

ص: 104


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1368 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- مثل روايتي الاحتجاج اللتين تقدّمتا في الصفحة 97 - 98 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1370 ؛ وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 1 .
4- تقدّمت في الصفحة 97 .

إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيّدات ، كبُعد نجاسة بدن المؤمن عيناً ، كالكلب والخنزير ، مع ما يعلم من منزلته عند اللّه تعالى .

وعدمِ معروفية نجاسته لدى عامّة المكلّفين ، مع أ نّه لو كان نجساً لكان ينبغي اشتهارها بين الناس ، كسائر النجاسات ؛ لابتلائهم بملاقاته من لدن خروج روحه إلى آخر تجهيزه .

التحقيق في المقام

لكن مع ذلك كلّه الأقوى نجاسته كسائر النجاسات ؛ لصحيحة الحلبي ، ورواية ابن ميمون ، وموثّقة عمّار ، والتوقيعين المباركين وغيرها (1) ، خصوصاً مع عدم إفادة النجاسة في سائر النجاسات إلاّ بغسل الملاقيات ، وقلّما اتّفق فيها التصريح بها ، كالكلب(2) والخنزير(3) ، وغالب الروايات فيهما أيضاً يفيدها بالأمر بغسل الملاقي ، أو النهي عن شرب ملاقيهما (4) ، سيّما مع فهم الأصحاب قاطبة من تلك الروايات - وسائر الروايات التي من قبيلها - النجاسةَ ، وهم أهل اللسان ، وفهمِ أساليب الكلام ، وأهل الحلّ والعقد في اللغة والأدب .

بل كثيراً ما في العرف اُفيدت القذارة بغَسل الملاقي ، فإذا قال الطبيب : «اغسل

ص: 105


1- تقدّمت الروايات في الصفحة 95 وما بعدها .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 418 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 و13 .

فمك إذا شربت الدواء الفلاني» لا ينقدح في الذهن إلاّ نجاسته وقذارته ، تأمّل .

فالشبهة في دلالة تلك الروايات من الوسوسة ، وكإبداء احتمالات عقلية في مقابل الظهور العرفي والدلالة الواضحة . ومعه لا يبقى مجال لما أطنبنا من سرد طوائف من الروايات في مقابلها ؛ فإنّ الروايات الواردة في «العلل»(1) - بعد الغضّ عن إسنادها - لا تصلح لصرف الظواهر ؛ بعد وضوح أنّ العلل فيها من قبيل تقريبات ، لا عللاً واقعيةً ، ولهذا ترى فيها التعليل لشيء واحد باُمور مختلفة ، ففي المقام علّل اغتسال الميّت تارة : بتنظيفه وتطهيره عن أدناس الأمراض ، وما أصابه من صنوف علله ، فجعل ما ذكر علّة .

واُخرى : بأنّ الغالب عليه النجاسة والآفة ، فجعل النجاسة العارضة علّة ، مع أنّ آفة المرض أسبق من النجاسة العارضة في حال المرض .

وثالثة : بخروج المنيّ الذي خلق منه حين الموت ، مع أ نّه متأخّر عنهما .

مضافاً إلى أنّ الروايات الواردة في علّة اغتسال الميّت غسل الجنابة ، ضعاف غالباً ، مجهولة المراد ، بل موهونة المتن لا يمكن الاتّكال عليها في إثبات حكم شرعي .

وأمّا السكوت عن غسل يد الغاسل وآلات الغسل وما يلاقيه عنده عادة ، فمع كونه غير مقاوم للأدلّة اللفظية الدالّة على النجاسة ، ومع كون ما وردت في الغسل في مقام بيان حكم آخر ، أ نّه بعد ثبوت النجاسة نصّاً وفتوى لا بدّ من الالتزام بطهارتها تبعاً ، كآلات نزح البئر .

وأمّا دعوى السكوت عن غسل ملاقيه من حال الموت إلى حال الغسل ،

ص: 106


1- علل الشرائع : 299 ، الباب 238 .

فغير وجيهة بعد ما وردت الروايات المتقدّمة في غسل الثوب واليد الملاقيين لجسد الميّت(1) .

وأمّا التأييد باستحباب توضّيه ، فلا يخفى ما فيه .

وأمّا مكاتبة الصفّار(2) ، فهي وإن كان المظنون ضمّ «الغسل» فيها ، لكن دعوى

الظهور اللفظي في غير محلّها ، بل هو ظنّ خارجي حاصل من بعض الاعتبارات ، وهو غير حجّة .

مع إمكان أن يقال : إنّه من البعيد أن يترك جواب السؤال عن نجاسة الميّت ، وأجاب عن غُسل المسّ ، فالأنسب قراءته بالفتح . وإنّما ذكر ملاقي البدن لإفادة أنّ ملاقاة الثوب الذي يلي البدن ، لا توجب التنجّس ، وإنّما الموجب له ملاقاة بدنه .

مع أنّ الظاهر منها أنّ النجاسة كانت مفروغاً عنها ، وإنّما سأل - بعد الفراغ عنها - عن أمر آخر ، فهذا الاحتمال إن لم يكن أقوى ، فلا أقلّ من مساواته للاحتمال السابق ، فلا تدلّ الرواية على شيء من طرفي الدعوى .

وأمّا دعوى : أنّ عدم النجاسة مقتضى الجمع بين صحيحة ابن مسلم(3) والتوقيع الشريف(4)، فلا يخفى ما فيها ، وسيأتي التعرّض للصحيحة والاحتمالات

التي فيها .

ص: 107


1- تقدّمت في الصفحة 95 .
2- تقدّمت في الصفحة 103 - 104 .
3- تقدّمت في الصفحة 104 .
4- تقدّم في الصفحة 104 .

وأمّا الاستبعاد لنجاسة بدن المؤمن ، فلا يوجب رفع اليد به عن الدليل المعتبر من النصّ والإجماع . مع أنّ شرفه بروحه وقلبه ، لا بجسده ، ولزوم احترامه حيّاً وميّتاً لشرف إيمانه ، وهو حظّ روحه ، ولا يلزم منه عدم نجاسة بدنه بعد خروج روحه . وكيف كان لا يمكن ترك الأدلّة بمجرّد الاستبعاد والاعتبار .

وأمّا دعوى : أ نّه لو كان نجساً لاشتهر وصار واضحاً ، ففي غير محلّها ؛ لأنّ الابتلاء بملاقاة جسد الميّت مع رطوبته ، نادر حتّى بالنسبة إلى أقربائه ، وليس أمره بحيث يدّعى فيه لزوم الاشتهار .

فالأقوى ما عليه الأصحاب من نجاسته عيناً ، كسائر النجاسات ، فينجس ملاقيه مع الرطوبة ، كما هو المرتكز عند العقلاء - بل المتشرّعة - في سائر النجاسات ، فدعوى عدم نجاسة ملاقيه مع نجاسته(1) - كدعوى نجاسة ملاقيه أو لزوم غسله حتّى مع ملاقاته يابساً (2) - ضعيفة مخالفة للأدلّة وفهم العرف .

وأمّا دعوى الحلّي عدمَ السراية مع الرطوبة أيضاً ؛ لما تقدّم منه من دعوى عدم الخلاف في وجوب تجنّب النجاسات العينية عن المساجد ، ودعوى الإجماع على جواز دخول من غسّل ميّتاً المساجد ، فاستنتج منهما عدم نجاسته(3) ، ففيها ما لا يخفى .

أمّا أوّلاً : فلأنّ الإجماع - لو كان - إنّما هو في أعيان النجاسات ، لا في ملاقياتها . مع أ نّه في الأعيان أيضاً محلّ منع مع عدم السراية أو الإهانة . كما

ص: 108


1- مفاتيح الشرائع 1 : 67 .
2- منتهى المطلب 2 : 456 .
3- تقدّم كلام الحلّي في الصفحة 94 - 95 .

أنّ الدعوى الثانية أيضاً محلّ إشكال .

وأمّا ثانياً : فلأ نّه لو سلّم الإجماعان فلا يلزم منهما عدم النجاسة ، بل يمكن أن يقال بحصول الطهارة له تبعاً ، بل المتعيّن ذلك بعد الإجماعين المفروضين وقيامِ الدليل على نجاسته .

وأمّا حال الملاقي مع الواسطة أو الوسائط ، فسيأتي في محلّه(1) بعد عدم خصوصية لهذه النجاسة .

نجاسة الآدمي بمجرّد موته

وهل ينجس بمجرّد الموت ، كما عليه جمع من المحقّقين(2) ، أو بعد البرد ، كما عليه جمع آخر(3) ؟

الأقوى هو الأوّل ؛ لإطلاق صحيحة الحلبي(4) ، وروايةِ ابن ميمون(5) ؛ فإنّ الظاهر أنّ التفسير فيها ليس من المعصوم ، وتفسير غيره لا يوجب رفع اليد عن إطلاقها وإطلاقِ غير الروايتين ممّا مرّ(6) .

وليس في الباب ما يصلح لتقييدها ؛ لأنّ العمدة فيه صحيحة محمّد ابن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة

ص: 109


1- يأتي في الجزء الرابع : 9 .
2- المبسوط 1 : 179 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 135 ؛ روض الجنان 1 : 306 - 307 .
3- ذكرى الشيعة 2 : 99 ؛ جامع المقاصد 1 : 459 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 209 .
4- تقدّمت في الصفحة 95 .
5- تقدّمت في الصفحة 95 .
6- تقدّم في الصفحة 105 .

ليس به بأس» ورواها في «الفقيه» مرسلاً ، وهي مضافاً إلى اختلاف النسخ في نقلها - قال الكاشاني في ذيلها : «ربّما يوجد في بعض النسخ «بعد موته» وهو تصحيف»(1) انتهى . قوله : «وهو تصحيف» اجتهاد منه سيأتي الكلام فيه ، ولا يدفع به اختلاف النسخ المحكيّة وجداناً . وفي نسخة «الوسائل» وبعض نسخ «الفقيه» : «بها» بدل «به»(2) وفي النسخة المطبوعة من «الفقيه» أخيراً : وقال أبو جعفر الباقر علیه السلام : «من مسّ الميّت بعد موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس»(3) ، وجعل علامة بدل النسخة «عند موته وعند غسله» والموصول في أوّلها وإن كان من زيادة النسّاخ جزماً ، كما هو ظاهر ، لكن يظهر منها أنّ النسخة التي عند المصحّح كان فيها : «بعد موته وبعد غسله» بنحو جعل ذلك الأصل في الكتاب ، وجعل «عند موته وعند غسله» بدلاً - لا تصلح لذلك :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «عند موته» - مع قطع النظر عن القرائن ، كنظائره مثل «عند غروب الشمس» - هو قُبَيْل الموت ، ولا يطلق على ما بعده ، فلا يقال : «عند طلوع الفجر» لما بعده . كما أنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «مسّ الميّت» مع عدم القرينة هو الميّت فعلاً ، لا من أشرف على الموت ، فعند اجتماعهما في كلام واحد - مثل ما في الصحيحة - يحتمل أن يكون كلّ منهما صارفاً للآخر على سبيل منع الجمع .

ص: 110


1- الوافي 6 : 431 ، ذيل الحديث 14 .
2- وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 1 ؛ الفقيه 1 : 87 / 403 .
3- الفقيه : 36 (مطبعة آفتاب) .

ويحتمل عروض الإجمال عليهما ، ولا ترجيح لحفظ ظهور «الميّت» وجعله قرينة على أنّ المراد من «عنده» بعده ؛ لو لم يكن الترجيح مع عكسه .

ويحتمل بعيداً أن يكون المراد من «عنده» كونه مقارناً له ؛ لإفادة أنّ المسّ

المقارن للموت لا يوجب شيئاً ؛ بمعنى أ نّه إذا وقع المسّ وزهاق الروح في آنٍ واحد ، لا يوجب شيئاً ، كما قيل في حدوث الكرّية وملاقاة النجاسة معاً : «إنّ كلاًّ من أدلّة الاعتصام والانفعال قاصر عن شموله ؛ لأنّ الظاهر منهما أن يكون الملاقاة بعد تحقّق الكرّية أو القلّة»(1) .

فيقال في المقام : إنّ مسّ الميّت يوجب الغسل أو التنجّس ، ومع مقارنته للموت لا يصدق «مسّ الميّت» لأنّ الظاهر منه أن يقع عليه ، ويكون حلول الموت مقدّماً على المسّ .

وأمّا ثانياً : فلأنّ رفع اليد عن إطلاقها ، وصرفَها إلى عدم البأس نفساً ، أو عدم إيجاب الغسل ، أو هما معاً ، أهون من تقييد الروايات المتقدّمة ، سيّما رواية ابن ميمون(2) ؛ وذلك لأنّ الغالب في الأسئلة والأجوبة البحث عن إيجاب الغسل ، وكأ نّه هو مورد الشبهة نوعاً ، أو هو مع حزازته النفسية ، كما يظهر من رواية تقبيل أبي عبداللّه علیه السلام ابنه إسماعيل(3) وغيرها (4) ، وذلك يوجب وهن إطلاقها ، وأوهنية صرفها من الروايات المتقدّمة . ولقوّة ظهور الشرطيتين في

ص: 111


1- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 168 .
2- تقدّمت في الصفحة 95 .
3- سيأتي قريباً .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 289 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 .

رواية ابن ميمون في أنّ الغُسل علّة لرفع النجاسة ، والموت لعروضها ، فهي

أظهر في مفادها من الصحيحة . هذا بناءً على النسخة المعروفة .

وأمّا بناءً على النسخة الاُخرى - أي «بعد الموت وبعد الغسل» - فالأمر أوضح ؛ لأنّ المراد منه حينئذٍ عدم البأس النفسي ، إن كان المراد نفي البأس عن مسّه بعد الموت مستقلاًّ ، ونفيه عمّا بعده كذلك .

وأمّا احتمال معاملة الإطلاق والتقييد ؛ بمعنى تقييد إطلاق الصحيحة بما دلّ على إيجاب الغسل - بالضمّ والفتح - بعد البرد ، ففي غاية البعد ، بل مقطوع الفساد ، وموجب لحملها على النادر .

وإن كان المراد نفي البأس عن مسّه بعد الموت والغسل معاً باحتمال بعيد ، فتشعر أو تدلّ على النجاسة بمجرّد الموت . وأمّا قول الكاشاني : بأ نّه تصحيف ، فلم يتّضح وجهه إن كان مراده اختلالاً في المعنى .

نعم ، لا يبعد أن يكون حكمه به لأجل أنّ النسخ المشهورة تخالفها ، وهو غير بعيد . كما أنّ النسخة المطبوعة أخيراً مصحّفة من جهات .

وكيف كان : لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الأدلّة بمثل هذه الصحيحة .

ومنه يظهر الكلام في صحيحة إسماعيل بن جابر قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر ، فجعل يقبّله وهو ميّت ، فقلت : جعلت فداك ، أليس لا ينبغي أن يمسّ الميّت بعد ما يموت ، ومن مسّه فعليه الغسل ؟ فقال : «أمّا بحرارته فلا بأس ، إنّما ذلك إذا برد»(1) .

ص: 112


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1366 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 2 .

فإنّ الظاهر من نفي البأس هو نفي إيجاب الغسل ، أو مع حزازته النفسية ، كما لا يخفى .

هذا كلّه مع قطع النظر عن روايتي «الاحتجاج»(1) ، وإلاّ فالأمر أوضح وإن كان في سندهما كلام .

وأمّا سائر تشبّثات الخصم - كالتمسّك بالأصل موضوعاً ؛ للشكّ في الموت قبل البرد(2) ، أو حكماً ؛ للجزم بعدم رفع جميع آثار الحياة ، كما قال به صاحب «الحدائق»(3) ، وكدعوى ملازمة الغسل بالفتح والضمّ ، مع أنّ مضمومه

لا يكون إلاّ عند البرد ، وكذا مفتوحه(4) - ففيها ما لا يخفى وإن استشهد(5) للثالث بمكاتبة الحسن بن عبيد قال : كتبت إلى الصادق علیه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين علیه السلام حين غسّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عند موته ؟ فأجابه : «النبي طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين ، وجرت به السنّة»(6) . ونحوها مكاتبة القاسم الصيقل(7) .

ص: 113


1- تقدّمتا في الصفحة 97 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 209 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 336 - 337 .
4- ذكرى الشيعة 2 : 99 ؛ جواهر الكلام 5 : 308 .
5- جواهر الكلام 5 : 308 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 469 / 1541 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 7 .
7- الاستبصار 1 : 99 / 323 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، ذيل الحديث 7 .

ويمكن الاستشهاد له برواية محمّد بن سِنان ، عن الرضا علیه السلام قال : «وعلّة اغتسال من غسّل الميّت أو مسّه ، الطهارة لما أصابه من نضح الميّت ؛ لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته ، فلذلك يتطهّر منه ويطهّر»(1) .

لكنّ المكاتبة - مع ضعفها (2) - ظاهرة في الطهارة من حدث الجنابة التي تعرض على الميّت ؛ فإنّ المعصوم علیه السلام لا تصيبه الجنابة غير الاختيارية ، تأمّل . أو في الطهارة من حدث الموت الموجب للغُسل وللاغتسال من مسّه . أو منهما ومن النجاسة العينية ؛ بحيث يكون المجموع علّة للاغتسال من مسّه ، ومع الحرارة لا يوجبه ؛ لفقد جزء منها ، فلا تدلّ على الملازمة المدّعاة .

والثانية - مع ضعفها سنداً (3) - موهونة متناً باشتمالها على أنّ غسل المسّ للتطهير من إصابة نضح الميّت ورشحه ، اللازم منه عدم الغسل إذا مسّه بلا نضح ورشح ، وهو كما ترى ، تأمّل .

ثمّ إنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «يتطهّر منه ويطهّر» يغتسل مِن مسّه ويغسّل

ص: 114


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 89 / 1 ؛ علل الشرائع : 300 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 12 .
2- تقدّم وجه الضعف في الصفحة 99 ، الهامش 1 .
3- رواها الصدوق في عيونه ، عن محمّد بن ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن محمّد بن سنان . والرواية ضعيفة بمحمّد بن علي الكوفي وهو الصيرفي أبو سمينة ، فإنّه مرميّ بالكذب . اختيار معرفة الرجال : 545 - 546 / 1032 و1033 ؛ الفهرست ، الطوسي : 223 / 624 ؛ تنقيح المقال 3 : 157 / السطر 22 ، و : 159 / السطر 26 (أبواب الميم) .

بمناسبة صدرها ، فالقول بالملازمة ممّا لا دليل عليه .

بل يمكن الاستشهاد لعدم الملازمة بمرسلة أيّوب بن نوح ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(1) .

بناءً على جبر سندها بالشهرة ، كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في محلّه(2) ؛ فإنّ القطعة المبانة من الحيّ نجسة ؛ سواء اشتملت على العظم أو لا ، كما يأتي(3) ، ولا يوجب مسّها الغُسل إلاّ إذا اشتملت على العظم ، كما قد يوجب الغسل مسّ ما ليس بنجس ، مثل ما لا تحلّه الحياة .

طهارة الميتة من غير ذي النفس

وأمّا الميتة من غير ذي النفس ، فلا ينبغي الإشكال في طهارتها نصّاً وفتوى ،

إلاّ في العقرب والوزغ والعظاية - وهي نوع من الوزغة ظاهراً - فإنّه يظهر من بعضهم نجاسة ميتتها ، كالشيخين في محكيّ «المقنعة» ، و«النهاية»(4) . بل عن «الوسيلة» : «أنّ الوزغة كالكلب نجسة حال الحياة»(5) .

ص: 115


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1369 ؛ وسائل الشيعة 3 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- يأتي في الصفحة 198 .
3- يأتي في الصفحة 121 و124 .
4- المقنعة : 70 ؛ النهاية : 54 .
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 .

والأقوى ما هو المشهور ، بل عليه الإجماع في محكيّ «الخلاف» ، و«الغنية» ، و«السرائر» ، و«المعتبر» ، و«المنتهى»(1) ؛ لقول الصادق علیه السلام في موثّقة عمّار الساباطي قال : سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك ، يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : «كلّ ما ليس له دم فلا بأس»(2) .

وموثّقة حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام قال : «لا يفسد الماء إلاّ

ما كانت له نفس سائلة»(3) .

ولا إشكال فيهما سنداً - سيّما اُولاهما - ولا دلالة ؛ ضرورة أنّ المراد من نفي البأس وعدم الإفساد هو عدم التنجيس ، كما هو المراد منهما في سائر الموارد المشابهة للمقام(4) .

وقد تقدّم جملة اُخرى من الروايات الدالّة على المقصود(5) .

وليس شيء صالح لتخصيص العامّ أو تقييد المطلق إلاّ موثّقة سَماعة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن جرّة دخل فيها خنفساء قد مات ، قال : «ألقه وتوضّأ

ص: 116


1- الخلاف 1 : 188 ؛ غنية النزوع 1 : 42 ؛ السرائر 1 : 93 ؛ المعتبر 1 : 427 ؛ منتهى المطلب 1 : 165 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 665 ؛ وسائل الشيعة 3 : 463 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 231 / 669 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 1 : 170 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 .
5- تقدّم في الصفحة 73 و75 .

منه . وإن كان عقرباً فأرق الماء ، وتوضّأ من ماء غيره»(1) .

ونحوها رواية أبي بصير(2) .

ويمكن المناقشة في دلالتها على النجاسة ؛ لأنّ العقرب لمّا كان من ذوي السموم ، يمكن أن يكون الأمر بالإراقة لأجل سمّه واحتمالِ دخوله في منافذ البدن عند التوضّي ، فلا ظهور لمثله في أنّ الإراقة لنجاسته .

نعم ، يمكن التمسّك لنجاسة ميتته برواية منهال قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : العقرب تخرج من البئر ميتة ، قال : «استق منها عشرة دلاء» .

قال : قلت : فغيرها من الجيف ؟ قال : «الجيف كلّها سواء . . .»(3) إلى آخره .

بدعوى : أنّ الحكم بالنزح لجيفة العقرب كما في سائر الجيف ، والتسوية بين الجيف كلّها ، دليل على أنّ النزح لأجل ميتته وجيفته ، فتدلّ على النجاسة كما في سائر الجيف .

وهي غير بعيدة لو لا ضعف سندها (4) ، ومعارضتها بدواً لرواية علي بن جعفر :

ص: 117


1- الكافي 3 : 10 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 4 .
2- عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الخنفساء تقع في الماء أيتوضّأ به ؟ قال : «نعم ، لا بأس به» . قلت : فالعقرب ؟ قال : «أرقه» . تهذيب الأحكام 1 : 230 / 664 ؛ وسائل الشيعة 1 : 240 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 231 / 667 ؛ وسائل الشيعة 1 : 196 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 22 ، الحديث 7 .
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن منهال بن عمرو . وضعف السند لوجود المنهال فيه وهو مهمل . رجال البرقي : 44 و46 ؛ رجال الطوسي : 105 / 2 ، و : 147 / 61 ، و :306 / 538 ؛ رجال ابن داود : 193 / 1606 .

أ نّه سأل أخاه موسى بن جعفر علیهما السلام عن العقرب والخنفساء وأشباههما يموت في الجرّة والدَنّ ، يتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا بأس»(1) .

وصحيحةِ ابن مُسْكان قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «كلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم - مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك - فلا بأس»(2) .

والجمع العرفي يقتضي عدم نجاسته وإن رجح الاستقاء عشرة دلاء للنظافة ، أو احتمال الضرر .

وإلاّ ما دلّت على النزح من الوزغة ، كحسنة هارون بن حمزة الغَنَوي أو صحيحته(3) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع

ص: 118


1- مسائل علي بن جعفر : 193 / 405 ؛ قرب الإسناد : 178 / 657 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 666 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 3 .
3- رواها الشيخ الطوسي ، عن الشيخ - هو المفيد رحمه الله - عن أبي جعفر محمّد بن علي ، عن محمّد بن الحسن ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب والحسن بن موسى الخشّاب جميعاً ، عن يزيد بن إسحاق شعر ، عن هارون بن حمزة الغنوي . ووجه الترديد هو الاختلاف في يزيد بن إسحاق من كونه موثّقاً أو ممدوحاً فقط . اختيار معرفة الرجال : 605 / 1126 ؛ خلاصة الأقوال : 295 / 3 ؛ تنقيح المقال 3 : 324 / السطر 15 (أبواب الياء) .

في الماء ، فيخرج حيّاً ، هل يشرب من ذلك الماء ويتوضّأ منه ؟ قال : «يسكب منه ثلاث مرّات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثمّ يشرب منه ويتوضّأ منه ، غير الوزغ ، فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه(1) .

بدعوى دلالتها على نجاسته العينية ، فميتته نجسة أيضاً .

وروايةِ يعقوب بن عُثيم قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : سامّ أبرص وجدناه قد تفسّخ في البئر ، قال : «إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء»(2) .

والظاهر أ نّه أيضاً نوع من الوزغة .

وصحيحةِ معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر ، قال : «ينزح منها ثلاث دلاء»(3) .

لكنّها محمولة على الاستحباب بقرينة غيرها ، كرواية جابر بن يزيد الجُعفي قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن السامّ أبرص يقع في البئر . فقال : «ليس بشيء ، حرّك الماء بالدلو في البئر»(4) . فإنّ الظاهر منها أنّ سامّ أبرص ليس بشيء ينجّس الماء ، لا أنّ ماء البئر معتصم .

ص: 119


1- تهذيب الأحكام 1 : 238 / 690 ؛ وسائل الشيعة 1 : 188 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 5 .
2- الفقيه 1 : 15 / 32 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 245 / 707 ؛ وسائل الشيعة 1 : 189 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 238 / 688 ؛ وسائل الشيعة 1 : 187 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 2 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 245 / 708 ؛ وسائل الشيعة 1 : 189 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 8 .

ومرسلةِ ابن المغيرة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : بئر يخرج من مائها قطع جلود ، قال : «ليس بشيء ؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده» وقال : «يكفيك دلو من ماء»(1) .

دلّت على عدم نجاستها عيناً ، فتصير شاه-دة على حمل رواي-ة الغَنوي على الكراهة .

وصحيحةِ علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن العظاية والحيّة والوزغ يقع في الماء فلا يموت ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا بأس به»(2) . دلّت على عدم نجاسته عيناً .

وموثّق-ةِ عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سئل عن العظاية يقع في اللبن ، قال : «يحرم اللبن» قال : «إنّ فيها السمّ»(3) .

وهذه الموثّقة حاكمة على سائر الروايات ، ومفسّرة لها بأنّ علّة النزح وعدم الانتفاع هو كونه ذا سمّ ، ونحن الآن لسنا بصدد بيان حرمة ما مات فيه الوزغ ، أو وقع فيه ، بل بصدد عدم نجاسته ، فلا إشكال فيه . بل الاتّكال على الروايات المتقدّمة الواردة في النزح - مع مخالفتها للمشهور أو المجمع عليه بين

ص: 120


1- الكافي 3 : 6 / 9 ؛ وسائل الشيعة 1 : 189 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 9 .
2- مسائل علي بن جعفر : 193 / 404 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1326 ؛ وسائل الشيعة 3 : 460 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 33 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 285 / 832 ؛ وسائل الشيعة 24 : 200 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 46 ، الحديث 2 .

الأصحاب(1) - في غير محلّه . بل تقدّم الإشكال في دلالتها أيضاً ، فتبقى الأدلّة العامّة أو المطلقة بلا مخصّص ومقيّد .

ثمّ إنّه قد وقع في بعض الحيوانات كلام في كونه ذا نفس أو لا ، وتحقيقه ليس من شأن الفقيه ، نعم في مورد الشبهة موضوعاً فالمرجع هو الاُصول .

وينبغي التنبيه على اُمور :

نجاسة القطعة المبانة من كلّ ما ينجس بالموت

منها : أ نّه كلّ ما ينجس بالموت فما قطع من جسده حيّاً أو ميّتاً فهو

نجس «بلا خلاف ظاهراً» كما في «الحدائق»(2) ، و«لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب» كما عن «المعالم»(3) ، و«هو المقطوع به في كلامهم» كما عن «المدارك»(4) .

وعن الاُستاذ الأكبر : «أنّ أجزاءه نجسة ولو قطعت من الحيّ باتّفاق الفقهاء . بل الظاهر كونه إجماعياً ، وعليه الشيعة في الأعصار والأمصار»(5) .

وعن «الذخيرة» : «أنّ المسألة كأ نّها إجماعية ، ولولا الإجماع لم نقل بها ؛

لضعف الأدلّة»(6) .

ص: 121


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 116 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 72 .
3- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 482 .
4- مدارك الأحكام 2 : 271 .
5- مصابيح الظلام 4 : 448 .
6- ذخيرة المعاد : 147 / 30 .

وقال في محكيّ «المدارك» : «احتجّ عليه في «المنتهى» : بأنّ المقتضي لنجاسة الجملة الموت ، وهذا المقتضي موجود في الأجزاء ، فيتعلّق بها الحكم(1) . وضعفه ظاهر ؛ إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميّت ، وهو لا يصدق على الأجزاء قطعاً .

نعم ، يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميّت استصحاباً لحكمها حال الاتّصال ، ولا يخفى ما فيه»(2) انتهى .

نجاسة القطعة المبانة من الميّت

أقول : أمّا القطعة المبانة من الميّت فلا ينبغي الإشكال في نجاستها ، لا للإجماع حتّى يستشكل تارة : بعدم ثبوته وتحصيله ، وأنّ المنقول منه في كتب المتأخّرين غير حجّة ، سيّما مع ترديد النقلة ، كما يظهر من كلماتهم .

واُخرى : بأ نّه مسألة اجتهادية فرعية لا يعلم أنّ استناد المجمعين إلى غير الأدلّة التي في الباب .

ولا للاستصحاب وإن كان جريانه ممّا لا إشكال فيه ؛ بعد وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ، لأنّ الجزء حال اتّصاله بالكلّ كان نجساً قطعاً ، ويشكّ في بقاء نجاسته بعد الانفصال ، ولا ريب في أنّ الاتّصال والانفصال من حالات الموضوع ، ولا يوجبان تبدّله .

وتوهّم : أنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين ، وعنوان «الميتة» لا يصدق على الجزء

ص: 122


1- منتهى المطلب 3 : 202 .
2- مدارك الأحكام 2 : 271 - 272 .

بعد الانفصال ، وإنّما يصدق على المجموع حال الاتّصال ، ناشئ من الخلط بين موضوع الدليل الاجتهادي وموضوع الاستصحاب ، فإنّ الأوّل هو العناوين ، ومع الشكّ في تبدّلها لا يمكن التمسّك بالدليل ، فضلاً عمّا إذا علم ذلك كما في المقام ،

لكن بعد تحقّق العنوان خارجاً - بوجود مصداقه - يصير المصداق الخارجي متعلّقاً لليقين بثبوت الحكم له ، فإذا تبدّل بعض حالاته فصار منشأً للشكّ ، فلا مانع من جريان الاستصحاب ؛ لوحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها .

فإذا تعلّق حكم النجاسة بالميتة ، فلا إشكال في أ نّها تثبت لأجزائها -

كاليد والرجل وغيرهما - عند تحقّق العنوان في الخارج ، فيتعلّق اليقين بنجاسة الأجزاء الخارجية ، وبعد الانفصال يصحّ أن يقال : «إنّي كنت على يقين من نجاسة هذه اليد الموجودة في الخارج ، فأشكّ في بقائها بعد الانفصال» ولا إشكال في وحدة القضيّ-تين ، وهي المعتبرة في الاستصحاب ، لا بقاء موضوع الدليل الاجتهادي ، فقول صاحب «المدارك» : «ولا يخفى ما فيه»(1) - تضعيفاً للاستصحاب - لا يخفى ما فيه .

ومنه يعلم : أنّ مقتضى الاستصحاب في الجزء المبان من الحيّ الطهارة وعدم النجاسة ؛ ما لم يدلّ دليل على خلافه .

بل للأدلّة المثبتة للحكم على الميتة ؛ فإنّ معروض النجاسة - بحسب نظر العرف - هو أجزاء الميتة ، من غير فرق في نظرهم بين الاتّصال والانفصال . كما أنّ ما دلّ على أنّ الكلب رجس نجس(2) ، يفهم منه أ نّه بجميع أجزائه نجس ،

ص: 123


1- مدارك الأحكام 2 : 272 ، الهامش 3 .
2- وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .

ولا يحتاج في إثبات النجاسة للأجزاء إلى التمسّك بدليل آخر غيره ، كما لا يحتاج في إثبات نجاستها بعد الانفصال إلى غيره .

وبعبارة اُخرى : أنّ العرف يرى أنّ موضوع النجاسة ذات الأجزاء ؛ من غير دخالة للاتّصال والانفصال فيها ، كما أنّ الاستقذار من الكلب - على فرضه - استقذار من أجزائه ؛ اتّصلت بالكلّ ، أو انفصلت ، وهو ممّا لا شبهة فيه .

نجاسة القطعة المنفصلة من الحيّ غير الآدمي

وأمّا المنفصل من الحيّ ، فقد عرفت أنّ مقتضى الأصل طهارته ، فلا بدّ في الخروج من مقتضاه من قيام دليل . وقد عرفت من محكيّ «المنتهى» أنّ المقتضي لنجاسة المجموع - وهو الموت - موجود في الأجزاء ، فيتعلّق بها الحكم(1) .

وفيه : أ نّه إن أراد من وجود المقتضي في الأجزاء ، التشبّثَ بالقطع بوجود المناط الذي في الكلّ فيها ، فالعهدة عليه ، فأ نّى لنا القطع في الاُمور التشريعية المجهولة المناط ، وأيّ مناط في وجوب غسل المسّ في الأجزاء المبانة من الحيّ إذا اشتملت على العظم ، وعدمه في اللحم المجرّد ؟ ! بل لازمه الحكم بنجاسة الجزء المتّصل إذا علم موته وفساده .

وبالجملة : الطريق إلى العلم بمناطات مثل تلك الأحكام التعبّدية مسدود .

وإن أراد استفادة الحكم من الأدلّة المثبتة للحكم على الميتة ؛ بدعوى إلغاء خصوصية الكلّية والجزئية عرفاً .

ففيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ العرف - مع ما يرى من الخصوصية بين الميّت

ص: 124


1- تقدّم في الصفحة 122 .

وأجزائه ، وبين الحيّ وجزئه المبان منه - لا يمكن له إلغاؤها ، فلا يمكن إثبات الحكم بمثله .

كما لا يمكن التشبّث بالأدلّة العامّة المثبتة للنجاسة لعنوان «الميتة» و«الجيفة» لعدم صدقهما على الجزء المبان من الحيّ . وإنّما قلنا بثبوت الحكم للجزء المبان من الميّت بواسطة الأدلّة المثبتة للنجاسة للميّت والجيفة ، لا لأجل صدقهما عليه استقلالاً ، بل لأجل أنّ الحكم الثابت للميّت ثابت لأجزائه بنفس ثبوته له عرفاً ، والفرض أ نّه في المقام لم يثبت الحكم للكلّ حتّى يجري على الأجزاء تبعاً واستجراراً ؛ لأنّ الجزء مقطوع من الحيّ ، فصار مستقلاًّ بالقطع ، وهو

ليس بميتة عرفاً ولغةً ، فلا يمكن إثبات الحكم له بدليل نجاسة الميتة .

كما أنّ إثباته بقول العلاّمة - في محكيّ «التذكرة» : «إنّ كلّ ما اُبين من الحيّ ممّا تحلّه الحياة فهو ميْت ، فإن كان من آدمي فهو نجس عندنا ، خلافاً للشافعي»(1) انتهى - مشكل .

نعم ، هنا روايات خاصّة يمكن التمسّك بها :

منها : صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام : ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه ؛ فإنّه ميْت ، وكلوا ممّا أدركتم حيّاً وذكرتم اسم اللّه عليه»(2) .

وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه - برواية الصدوق - عن أبي عبداللّه علیه السلام

ص: 125


1- تذكرة الفقهاء 1 : 60 .
2- الكافي 6 : 214 / 1 ؛ وسائل الشيعة 23 : 376 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 24 ، الحديث 1 .

قال : «ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميْت ، وما أدركت من سائر جسده حيّاً فذكّه ، ثمّ كل منه»(1) . ونحوها خبر زرارة(2) .

ورواية عبداللّه بن سليمان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ما أخذت الحِبالة فانقطع منه شيء فهو ميتة»(3) .

والظاهر منها - بعد العلم بعدم كون الجزء ميتة عرفاً ولغة - أ نّه ميتة تنزيلاً وبلحاظ الآثار ، وإطلاق التنزيل يقتضي النجاسة .

وتوهّم : أنّ المتبادر منها هو التنزيل من حيث حرمة الأكل ؛ بقرينة ما ذكر فيها من أكل ما اُدرك حيّاً بعد التذكية ، ولهذا يستفاد منها حرمة الأجزاء الصغار المقطوعة بالحِبالة ولو كانت في غاية الصغر ، ولا يستفاد نجاستها (4) .

فاسد ؛ لأنّ التعليل في صحيحة ابن قيس ، يقتضي أن يكون وجوب رفضه بسبب كونه ميْتاً ، والحمل على أ نّه ميْت في هذا الحكم ، مستهجن ؛ ومن قبيل تعليل الشيء بنفسه ، تأمّل ، وأمّا إذا كان الجزء بمنزلة الميْت في جميع الأحكام ، يكون التعليل حسناً .

وبالجملة : فرق بين قوله علیه السلام : «فذروه ؛ فإنّه ميْت» وبين قوله علیه السلام في موثّقة

ص: 126


1- الفقيه 3 : 202 / 918 ؛ وسائل الشيعة 23 : 376 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 24 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 214 / 5 ؛ وسائل الشيعة 23 : 377 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 24 ، الحديث 4 .
3- الكافي 6 : 214 / 4 ؛ وسائل الشيعة 23 : 377 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 24 ، الحديث 3 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 70 .

معاوية بن عمّار في العصير : «خمر لا تشربه»(1) ، فإنّ الثاني لا يستبعد فيه التنزيل من جهة الشرب من غير استهجان ، بخلاف الأوّل الذي ذكر القضيّة معلّلة ، كما لا يخفى على العارف بالمحاورات العرفية .

هذا لو سلّم أنّ قوله علیه السلام : «فذروه» بمعنى : لا تأكلوه ؛ بقرينة قوله : «وكلوا ممّا أدركتم حيّاً» مع أ نّه غير مسلّم ؛ لاحتمال أن يكون المراد منه : لا تنتفعوا به ، وإنّما ذكر أحد الانتفاعات التي هي أهمّ من سائرها فيما اُدرك حيّاً .

بل لأحد أن يقول : إنّ قوله : «وكلوا ممّا أدركتم حيّاً» كناية عن جواز الانتفاع به مع ذكر أوضح الانتفاعات ، ولهذا لا يفهم منه جواز الانتفاع أكلاً فقط ؛ حتّى يكون مقابله عدم جواز ذلك .

وكذا تدلّ الصحيحة الثانية على المطلوب ؛ لإطلاق التنزيل . ولا يكون ذيلها قرينة على اختصاصه بالأكل ، سيّما مع ذكر التذكية في مقابل الميتة ، وخصوصاً مع كون قوله علیه السلام : «ثمّ كل منه» من متفرّعات التذكية بحسب ظاهرها ، وسيأتي تتمّة لذلك عن قريب(2) . وأوضح منهما في الإطلاق رواية عبداللّه بن سليمان .

وأمّا توهّم استفادة حرمة الأجزاء التي في غاية الصغر ، وعدمِ استفادة النجاسة منها (3) ، فغير وجيه سيأتي التعرّض له(4) .

ص: 127


1- يأتي متنها الكامل وبيان ما فيها من اختلاف النسخ في الصفحة 294 - 296 .
2- يأتي في الصفحة 132 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 70 .
4- يأتي في الصفحة 133 .

وتدلّ على النجاسة أيضاً صحيحة عبداللّه بن يحيى الكاهلي بطريق الصدوق(1) ، بل بطريق الكليني أيضاً بناءً على وثاقة سهل بن زياد(2) قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام - وأنا عنده - عن قطع أليات الغنم ، فقال : «لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك» .

ثمّ قال : «إنّ في كتاب علي علیه السلام : أنّ ما قطع منها ، ميْت لا ينتفع به»(3) .

فإنّ الاستشهاد بكتاب علي علیه السلام دليل على أ نّه ميْت تنزيلاً وحكماً ، لا عرفاً ولغةً ، وإطلاق التنزيل وتفريع عدم الانتفاع به مطلقاً ، دليل على نجاسته .

وأوضح منها رواية الحسن بن علي قال : سألت أبا الحسن علیه السلام فقلت : جعلت فداك ، إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها ، قال : «هي حرام» .

قلت : فنصطبح بها ؟ قال : «أما تعلم أ نّه يصيب اليد والثوب وهو حرام ؟ !»(4) .

والظاهر عدم إرادة النجس من «الحرام» بل الظاهر منها معروفية الملازمة بين حرمة الأكل في العضو المقطوع وبين النجاسة في عصر الصدور ، كما

ص: 128


1- رواه عن أبيه رضى الله عنه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن الكاهلي . الفقيه ، المشيخة 4 : 101 .
2- رواه الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الكاهلي .
3- الكافي 6 : 254 / 1 ؛ الفقيه 3 : 209 / 967 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 1 .
4- الكافي 6 : 255 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 2 .

هو مقتضى التأمّل في ألفاظ الرواية ، فيستفاد منها نجاسة كلّ عضو حرام أكله .

ويدلّ عليها إطلاق رواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه قال في أليات الضأن تقطع وهي أحياء : «إنّها ميتة»(1) .

وأمّا ما في صحيحة الحلبي : «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ؛ إنّ الصوف ليس فيه روح»(2) ، فالظاهر عدم دلالتها على المقصود ؛ فإنّ موضوع

الكلام فيها هو جزء الميتة ، فتدلّ على أنّ الأجزاء التي فيها روح لا يصلّى فيها إذا قطعت من الميْت .

هذا حال غير الآدمي .

نجاسة القطعة المنفصلة من الحيّ الآدمي

وأمّا هو فتدلّ على نجاسته مرسلة أيّوب بن نوح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(3) .

ص: 129


1- الكافي 6 : 255 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 72 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1369 ؛ وسائل الشيعة 3 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 2 ، الحديث 1 .

وتفريع الذيل والتفصيل بين ما له العظم وغيره ، جعله كالنصّ في عموم التنزيل وعدم الاختصاص بغسل المسّ ، وسيأتي الكلام في حال سندها في غسل المسّ إن شاء اللّه (1) .

تذنيب : في طهارة الأجزاء الصغار المنفصلة من الإنسان

حكي عن العلاّمة في «المنتهى» : «أنّ الأقرب طهارة ما ينفصل عن بدن الإنسان من الأجزاء الصغيرة ، مثل البُثُور والثُؤْلُول وغيرهما ؛ لعدم إمكان التحرّز

عنها ، فكان عفواً دفعاً للمشقّة»(2) .

واعترض عليه : «بأنّ التمسّك بدليل الحرج دليل على أنّ أدلّة النجاسة شاملة

لها ، وإنّما تستثنى منها بدليل الحرج ، مع قصورها عن شمولها»(3) .

أقول : لا بأس بذكر محتملات الروايات المتقدّمة ، خصوصاً صحيحة محمّد بن قيس(4) حتّى يتّضح الحال :

فنقول : إنّ في قوله علیه السلام - فيها : «ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه ؛ فإنّه ميْت . . .» إلى آخره - احتمالاتٍ :

الأوّل : أن يكون المراد من قوله علیه السلام : «فإنّه ميْت» أ نّه ميت حكماً ، على معنى أنّ مصحّح الادّعاء - بعد عدم الصدق على نحو الحقيقة - هو محكومية

ص: 130


1- يأتي في الصفحة 198 .
2- منتهى المطلب 3 : 210 .
3- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 483 .
4- تقدّمت في الصفحة 125 .

الجزء بأحكام الميت ، كقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الطواف بالبيت صلاة»(1) ، فيكون مفاده أنّ وجوب رفضه لأجل كونه ميتة حكماً ، ولازم هذا الاحتمال أنّ الأجزاء المقطوعة بالحِبالة في حكم الميتة ، وقد قلنا سابقاً : إنّ مقتضى إطلاق التنزيل وتناسب التعليل نجاستها أيضاً (2) .

لكن لا يكون هذا التعليل كسائر التعليلات المعمّمة ، فالموضوع للحكم هو الأجزاء المقطوعة بالحِبالة ؛ لكونها في حكم الميتة ، فلا تشمل الأجزاء المتّصلة ، ولا ما انفصلت لا بالقطع ، بل برفض الطبيعة المودوعة من قِبَل اللّه تعالى في الحيوان ، كفأرة المسك ، وكجلد الحيّة الذي رفضته وأفرزته ؛ بناءً على كون الحيّة من ذي النفس .

بل يمكن أن يقال بعدم شمولها للأجزاء الصغار ولو كانت ذا روح ، وزهق بالقطع ؛ ممّا لا تأخذها الحِبالة لصغرها . ودعوى إلغاء الخصوصية - بعد احتمال أن يكون للجزء المعتدّ به خصوصية ، كما فرّق في المسّ بين ذي العظم وغيره - في غير محلّها . نعم ، لا خصوصية في الحِبالة ولا الرجل واليد بنظر العرف .

الثاني : أنّ المصحّح للدعوى بأ نّه ميْت ؛ هو مشابهة الجزء للكلّ في زهاق الروح ، فكأ نّه قال : «فذروه ؛ لأ نّه زهق روحه» فعليه تكون العلّة للحكم برفضه هي زهاق روحه ، والعلّة تعمّم ، فتشمل الأجزاء المتّصلة إذا زهق روحها ، وذهبت إلى الفساد والنتن . وكذا ما زهق روحه ولو باقتضاء الطبع ، كالبُثُور

ص: 131


1- راجع السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 87 ؛ عوالي اللآلي 1 : 214 / 70 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 410 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 38 ، الحديث 2 .
2- تقدّم في الصفحة 126 .

والثُؤْلُول والفأر ونظائرها ؛ لوجود العلّة ، وتحقّقِ موضوع الحكم .

نعم ، لو كان المراد من قوله علیه السلام : «فذروه» ترك الأكل - بقرينة ذيلها - لما استفيد النجاسة منها . لكنّه ضعيف قد أشرنا إليه(1) ، وسنشير إليه تارة اُخرى .

الثالث : أن يقال : إنّ المراد بقوله علیه السلام : «فإنّه ميْت» أ نّه غير مذكّى ؛ لإفادة أنّ الحيوان بأجزائه إذا لم يكن مذكّى بما جعله الشارع سبباً لتذكيته ، فهو ميْت ، فالميتة مقابلة المذكّى في الشرع ، كما يظهر بالرجوع إلى الروايات وموارد الاستعمالات ، وليست «التذكية» في لسان الشارع وعرف المتشرّعة عبارةً عمّا في عرف اللغة ؛ فإنّ «الذكاة» لغةً الذبح(2) ، وليست كذلك في الشرع ؛ إذ «التذكية» ذبح بخصوصيات معتبرة في الشرع ، ولهذا ترى لم تطلق هي ولا مشتقّاتها في الذبح بغير طريق شرعي ، كذبائح أهل الكتاب والكفّار ، وكذا لو ذبح بغير تسمية ، أو على غير القبلة عمداً (3) وهكذا .

فدعوى : أنّ للتذكية حقيقةً شرعيةً قريبةٌ جدّاً ، وكذا للميتة التي هي في مقابلها ، فالمذبوح بغير ما قرّر شرعاً ميتة وإن قلنا بعدم صدقها عرفاً إلاّ على ما

مات حتف أنفه ، أو بغير الذبح . وكذا الأجزاء المبانة من الحيوان ميتة ؛ أي غير مذكّاة وإن لم تصدق عليها في العرف واللغة .

وإطلاق «الميتة» و«غير المذكّى» على الأجزاء كإطلاق «المذكّى» و«الذكيّ»

ص: 132


1- تقدّم في الصفحة 127 .
2- القاموس المحيط 4 : 332 ؛ أقرب الموارد 1 : 371 ؛ المنجد : 237 .
3- راجع وسائل الشيعة 24 : 52 و29 و27 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 27 و15 و14 .

عليها ، في الأخبار شائع فيراد في تلك الروايات ب- «الميتة» مقابل المذكّى .

ويشهد له ذيل الصحيحة ، حيث قال علیه السلام : «وكلوا ممّا أدركتم حيّاً وذكرتم اسم اللّه عليه» ، فإنّ الظاهر من مقابلتهما أنّ ما اُدرك حيّاً وذبح على الشرائط مذكّى ، والجزء المقطوع ميتة غير مذكّى . ولا ريب في أنّ قوله علیه السلام : «كلوا» من قبيل التمثيل ، وإلاّ فيجوز بيعه ، والصلاة فيه ، ويكون طاهراً . . . إلى غير ذلك .

فالصحيحة بصدد بيان أنّ ما قطع بالحِبالة ميْت وغير مذكّى ، وما ذبح على الشرائط هو المذكّى .

ولازم هذا الوجه نجاسة الأجزاء ولو كانت صغيرة ، بل نجاسة ما خرج منه الروح برفض الطبيعة ؛ لعدم ورود التذكية عليه ، فهو ميت على إشكال . بل منع في هذا الأخير ؛ لأنّ ظواهر الأدلّة لا تشملها ، ضرورة عدم شمول ما قطعت الحِبالة لمثل ثُؤْلُول الإنسان وبُثُوره ، ولمثل الألياف الصغيرة في أطراف أظفاره ،

وما يتطاير من القشور عند حكّها ، وما يعلو الجراحات . . . إلى غير ذلك .

وكذا رواية ابن نوح(1) ؛ لعدم صدق «القطعة» على مثلها ، أو انصرافها . بل لا تشمل الأدلّة أمثال ما ذكر في الحيوانات غير الإنسان أيضاً .

وبالجملة : عناوين الروايات قاصرة عن شمولها . بل عن شمول الأجزاء الصغار الحيّة .

وما يساعد عليه العرف في إلغاء الخصوصية ؛ هو عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة التي فيها روح ، وزال بالقطع ؛ لإمكان دعوى استفادته من النصوص

ص: 133


1- تقدّمت في الصفحة 129 .

بدعوى : أنّ المستفاد منها أنّ موضوع الحكم -

بعد إلغاء الخصوصية - هو قطع الأجزاء التي فيها حياة ، وأمّا إلغاؤها بالنسبة إلى ما رفضه الطبيعة وألقته بإذن اللّه

تعالى فلا ؛ لوجود الخصوصية في نظر العرف ، سيّما إذا كانت الإبانة أيضاً - كإزالة الحياة - برفضها .

ثمّ إنّ الاحتمالات المتقدّمة إنّما تأتي في صحيحة ابن قيس لو خلّيت ونفسها ، وأمّا مع لحاظ سائر الروايات فيسقط الاحتمال الثاني جزماً ؛ لعدم تأتّيه في سائرها ، للفرق الظاهر بين قوله علیه السلام في الصحيحة : «فذروه ؛ فإنّه ميت»

وبين التعبير الذي في غيرها ؛ أي قوله علیه السلام : «ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت» .

نعم ، يأتي احتماله - على بُعد - في رواية الكاهلي . وأبعد منه احتماله في رواية الحسن بن علي .

وبعد عدم صحّة الاحتمال الثاني في غير الصحيحة ، يسقط فيها أيضاً ؛ للجزم بوحدة مفاد الجميع ، وعدم إعطاء حكم فيها غير ما في سائرها .

فبقي الاحتمالان ، والأقرب الأخير منهما ؛ لما عرفت من كثرة استعمال «الميتة» قبال المذكّى ؛ بحيث صارت كحقيقة شرعية ، أو متشرّعية ، أو نفسهما ، بل لو ادّعاها أحد فليس بمجازف . فاتّضح ممّا مرّ قوّة التفصيل بين الأجزاء الصغار التي زالت حياتها بالقطع ، وغيرها كالثُؤْلُول والبُثُور .

وقد يتمسّك(1) لطهارة أمثالها بصحيحة علي بن جعفر : أ نّه سأل أخاه

ص: 134


1- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 272 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 76 - 77 ؛ مستند الشيعة 1 : 175 .

موسى بن جعفر علیه السلام عن الرجل يكون به الثُؤْلُول أو الجرح ، هل يصلح له أن يقطع الثُؤْلُول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال : «إذا لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله»(1).

ولا تخلو من دلالة ؛ لأنّ السؤال ولو كان -

بملاحظة صدرها الذي سأل عن نزع الأسنان - من نفس هذا العمل ، لكن الجواب - مع تعرّضه لخوف السيلان ، وعدم تعرّضه لملاقاته مع الرطوبة ، خصوصاً مع كون بلد السؤال ممّا يعرق فيه الأبدان كثيراً ، وسيّما مع السؤال عن اللحم ، وهو مرطوب نوعاً ، خصوصاً ما هو على الجرح - يدلّ على أنّ المانع من جوازه الإدماء لا غير ، فلا بأس بملاقيه رطباً ، وحمله في الصلاة .

طهارة فأرة المسك

وأمّا فأرة المسك - وهي الجلدة التي وعاؤه - فعن العلاّمة في «التذكرة» و«النهاية» والشهيد في «الذكرى» التصريح باستثنائها من القطعة المبانة ؛ سواء انفصلت من الظبي في حال حياته ، أو اُبينت بعد موته(2) .

بل عن ظاهر «التذكرة» و«الذكرى» الإجماع عليه .

وعن «كشف اللثام» القول بنجاستها مطلقاً ؛ سواء انفصلت عن الحيّ أو

ص: 135


1- الفقيه 1 : 164 / 775 ؛ وسائل الشيعة 7 : 284 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 27 ، الحديث 1 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 58 ؛ نهاية الإحكام 1 : 270 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 118 .

الميت ، إلاّ إذا كان ذكيّاً (1) .

وعن «المنتهى» التفصيل بين الأخذ من الميتة ، وبين الأخذ من الحيّ والمذكّى(2) .

والظاهر أنّ محطّ البحث فيها هي الفأرة التي انقطعت علاقتها الروحية من غزالها ، وزالت حياتها ، واستقلّت وبلغت وآن أوانُ رفضها ؛ سواء انفصلت بطبعها من الحيّ ، أو بقيت على اتّصالها ، وسواء كان الحيوان حيّاً أو ميْتاً ، وأمّا ما كانت

حيّة ، وعلاقتها الروحية باقية ، فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها محلّ البحث ، كما يظهر من كلماتهم ؛ لأ نّها جزء حيواني ، كسائر الأجزاء التي قد مرّ أنّ مبانها من الميْت والحيّ نجس(3) .

وكيف كان : تدلّ على طهارتها في الحيّ أصالة الطهارة ، أو استصحاب الطهارة الثابتة لها حال اتّصالها .

ولا يعارضه الاستصحاب التعليقي ؛ بأن يقال : إنّ هذا الجزء قبل ذهاب الروح منه إذا كان مباناً من الحيّ نجس ، فيستصحب الحكم التعليقي ، وحصول المعلّق عليه وجداني ، وهو مقدّم على الاستصحاب التنجيزي ؛ لحكومته عليه ، كما حرّر في محلّه(4) .

وذلك لأنّ الاستصحاب التعليقي إنّما يجري فيما إذا كان الحكم الصادر

ص: 136


1- كشف اللثام 1 : 406 .
2- منتهى المطلب 3 : 209 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 121 .
4- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 161 - 164.

من الشارع على نحو التعليق ، كقوله علیه السلام : «العصير العنبي إذا نشّ وغلى يحرم»(1) ، دون ما إذا كان الحكم تنجيزياً ، وانتزعنا منه التعليق ؛ لأ نّه ليس حكماً شرعياً ، ولا موضوعاً ذا حكم ، والمقام من هذا القبيل ؛ فإنّ في أدلّة الحِبالة والأليات علّق الحكم التنجيزي على الأجزاء المبانة ، ولم يرد حكم تعليقي في الجزء المتّصل حتّى يستصحب .

وقد أشرنا إلى قصور أدلّة نجاسة الجزء المبان من الحيّ عن شمول نحو الفأرة التي استقلّت وبلغت ، وصارت كشيء أجنبيّ من الحيوان(2) .

وفي الميّت أصالةُ الطهارة بعد قصور أدلّة نجاسة الميتة عن إثباتها لها ؛ فإنّ ما تدلّ على نجاستها - على كثرتها - إنّما تدلّ على نجاسة «الجيفة» و«الميتة» كما تقدّم(3) ، ولا تشمل الجزء ؛ لعدم صدقهما عليه .

وإنّما قلنا بنجاسة أجزائها مبانة أو غير مبانة ؛ لارتكاز العقلاء على أنّ ثبوتها للميتة ليس إلاّ للموجود الخارجي بأجزائه ، فلا بدّ في إسراء الحكم لمثل هذا الجزء المستقلّ - الذي زالت حياته برفض الطبيعة ، وبلوغه حدّ الاستقلال - من دعوى عدم الفارق بين الأجزاء ، وأ نّى لنا بهذه بعد ظهور الفارق بين هذا الجزء وغيره ؟ !

ولم يرد في دليل أنّ ملاقي الميتة أو ملاقي جسدها نجس - حتّى يستفاد منه

ص: 137


1- الموجود في المجاميع الروائية هو : «إذا نشّ العصير أو غلى حرم» . وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب3 ، الحديث 4 .
2- تقدّم في الصفحة 131 .
3- تقدّم في الصفحة 68 .

نجاسة هذا الجزء ؛ بدعوى كونه من أجزائها ومن جسدها حال اتّصاله بها ، ودعوى إلغاء خصوصية الاتّصال والانفصال - إلاّ في صحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت ، فقال : «يغسل ما أصاب الثوب»(1) . وهي منصرفة إلى ميّت الإنسان إن كانت الياء مشدّدة . نعم لو ثبت سكونها وتخفيفها لا يبعد انصرافها إلى غير الإنسان .

والشاهد على انصراف الأوّل - بعد موافقة العرف - رواية ابن ميمون قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت ، قال : «إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه . . .»(2) إلى آخره .

حيث حمل الإطلاق على ميّت الإنسان ، والظاهر أنّ الياء مشدّدة فيها . بل لا يبعد دعوى ظهور صحيحة الحلبي في ذلك ، ولهذا ذكرها الفقهاء في أدلّة نجاسة الميّت الآدمي ، لا الحيواني(3) .

وأمّا صحيحة عبداللّه بن جعفر قال : كتبت إليه - يعني أبا محمّد علیه السلام - : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك ؟ فكتب : «لا بأس به إذا كان ذكيّاً»(4) .

ص: 138


1- الكافي 3 : 161 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 462 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 61 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 461 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 1 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 65 ؛ جواهر الكلام 5 : 305 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 41 .
4- تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1500 ؛ وسائل الشيعة 4 : 433 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 41 ، الحديث 2 .

فاحتمال عود الضمير المذكّر إلى الغزال الذي يؤخذ منه الفأرة - حتّى تدلّ على نجاسة ما يؤخذ من الميتة ومن الحيّ - غير موجّه ، ولا حجّة فيه . كاحتمال كون «الذكي» بمعنى الطاهر ، وعوده إلى المسك . بل هذا الاحتمال بعيد جدّاً ؛ لأنّ السؤال إنّما هو عن الفأرة ، ولا يناسب الجواب عن مسكها .

كما أنّ احتمال عوده إلى الفأرة ، وكون «الذكي» بمعنى الطاهر أيضاً بعيد ؛ لعدم موافقته للّغة ، وبُعْد استعمال «الذكي» فيه مجازاً ، بل المظنون قويّاً أنّ «الذكي» في مقابل الميتة ، كما في سائر الروايات(1) .

وعود الضمير إلى الفأرة إمّا بأنّ الأمر في التذكير والتأنيث سهل يتسامح فيه ، وإمّا بمناسبة كونه معها ، فعاد إلى ما معها .

فتدلّ على أنّ للفأرة نوعين : ذكيّة ، وغيرها . لكن لا يستفاد منها أنّ أيّ قسم منها ذكيّة أو غيرها ، فمن المحتمل أن تكون بعد استقلالها وبلوغها ، وخروج الروح منها برفض الطبيعة ، صارت ذكيّة ، وتكون حالها حينئذٍ كالظفر والحافر ، ويكون القسم غير المذكّى ما لم تبلغ إلى هذا الحدّ ، وقطعت قبل أوان بلوغها ، ونحن لا نعلم حال الفأرة ، فمن الممكن أن تكون هي أو نوع منها تتبدّل ما في جوفها مسكاً قبل تمام استقلالها ، ولا شبهة في أنّ هذا النوع تذكيتها بتذكية غزالها ، وسائر أقسامها يمكن أن يكون من القسم المذكّى .

وبالجملة : لا ركون إلى هذه الرواية مع هذا التشويش والإجمال في إثبات الحكم .

ص: 139


1- كصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه التي تقدّمت في الصفحة 125 .

وقد يتمسّك للطهارة بالتعليل الوارد في صوف الميتة بقوله علیه السلام : «إنّ الصوف ليس فيه روح»(1) . وفي رواية : «ليس في الصوف روح ألا ترى أ نّه يجزّ ويباع وهو حيّ ؟ !»(2) .

وبصحيحة حَريز قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام لزرارة ومحمّد بن مسلم : «اللبن

واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكلّ شيء يفصل من الشاة والدابّة ، فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه»(3) .

وبرواية أبي حمزة الثُمالي ، عن أبي جعفر علیه السلام ، حيث علّل عدم البأس في الإنفحة بأ نّها «ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم ، إنّما تخرج من بين فرث ودم . إنّ الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة اُخرجت منها بيضة»(4) .

وبصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي وهو في جيبه ، أو ثيابه ، فقال : «لا بأس بذلك»(5) .

ص: 140


1- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 1 .
2- مكارم الأخلاق 1 : 237 / 700 ؛ وسائل الشيعة 3 : 514 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 7 .
3- الكافي 6 : 258 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 75 / 321 ؛ وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 3 .
4- الكافي 6 : 256 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 1 .
5- الفقيه 1 : 164 / 775 ؛ وسائل الشيعة 4 : 433 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 41 ، الحديث 1 .

وبفحوى ما دلّ على طهارة المسك .

وبالحرج .

وفي الكلّ نظر ؛ لأنّ المراد من كون الصوف غير ذي روح أ نّه كذلك رأساً ، فلا يشمل ما كان ذا روح فزهق ، ولذلك لا يتوهّم شموله للعضو الفَلِج ، فالمراد منه أنّ الصوف من غير ذوات الأرواح ، لا أ نّه ليس له روح فعلاً ولو بزهاقه ، وإلاّ

فالميتة أيضاً كذلك .

وتشهد له رواية الحسين بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «الشعر والصوف والريش وكلّ نابت لا يكون ميتاً»(1) ، فإنّها بمنزلة المفسّر لغير ذي الروح ؛ أي ما كان من قبيل النبات ليس له روح حيواني .

ومنه يظهر ما في الاستشهاد بصحيحة زرارة(2) ؛ فإنّ المراد من «كلّ ما يفصل من الشاة والدابّة» ما كان من قبيل المعدودات فيها ؛ أي ما يجزّ في حال حياتها ، لا كلّ ما يفصل حتّى من قبيل اليد والرجل ، وليس المراد ممّا يفصل ما ينقطع عنه بطبعه ؛ فإنّ المذكورات ليست كذلك .

والتعليل الذي في الإنفحة لا يعلم تحقّقه في الفأرة ، فمن أين يعلم أنّ الفأرة ليس لها عروق ولا دم حال نموّها وارتزاقها وحياتها الحيوانية ، أو خروجها من بين فرث ودم ، أو كونها بمنزلة البيضة ؟ ! بل المظنون - لو لم يكن المقطوع - أنّ طريق نموّها وارتزاقها بالدم والعروق الضعيفة ،

ص: 141


1- الكافي 6 : 258 ، ذيل الحديث 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 8 .
2- وهي صحيحة حريز .

كسائر الأعضاء ذوات الأرواح . بل في الإنفحة أيضاً كلام سيأتي في محلّه

إن شاء اللّه (1) .

وصحيحة علي بن جعفر علیه السلام - مع أنّ التمسّك بها مبنيّ على عدم صحّة الصلاة في المحمول - إطلاقها محلّ تأمّل ، مع كون المتعارف من الفأرة ما هي موجودة في بلاد المسلمين . مضافاً إلى أ نّها متقيّدة بصحيحة عبداللّه بن جعفر المتقدّمة ، والاستدلال مبنيّ على عدم سراية إجمال القيد ، كعدم سراية إجمال المخصّص ، وهو لا يخلو من كلام .

والفحوى ليست بشيء ؛ بعد عدم معلومية الحكم بطهارته الواقعية حتّى مع الملاقاة رطباً مع جلدته ، وبعد إمكان كون المسك كاللبن واللباء والإنفحة على بعض الاحتمالات ، ووقوع النظائر لها في الميتة يرفع الاستبعاد . ولا يخفى ما في التمسّك بالحرج .

نعم ، قد يقال بعدم معلومية كون الفأرة ممّا تحلّها الحياة ، ومجرّد كونها جلدة

لا يستلزم حلول الروح ، ومعه لا إشكال في طهارتها (2) .

لكنّ الظاهر حلول الروح فيها كسائر الجلود ، وليس الجلد كالظفر والحافر والقرن وسائر النابتات ، ومع إحراز الروح فيها فالأقوى أيضاً طهارة ما بلغت واستقلّت وح-ان حينُ لفظها ؛ سواء انفصلت بطبعها ، أم قطعت م-ن الحيّ أو الميت .

ثمّ إنّ ملاقي ما قلنا بنجاستها نجس ؛ سواء كان المسك الذي فيه أو غيره ،

ص: 142


1- سيأتي في الصفحة 154 .
2- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 59 .

كسائر ملاقيات النجاسات . وليس شيء موجباً للخروج عن القاعدة إلاّ توهّم إطلاق أدلّة طهارة المسك ، وفيه ما لا يخفى ؛ لفقد إطلاق يقتضي ذلك ، كما يظهر من المراجعة إليها .

عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة من الميتة

ومنها : لا ينجس من الميتة ما لا تحلّه الحياة ، كالعظم والقرن والسنّ والمنقار

والظفر والظِلْف والحافر والشعر والصوف والوبر والريش ، اتّفاقاً كما عن «كشف اللثام»(1) ، وبلا خلاف كما عن «المدارك»(2) . وعن «الذخيرة» : «لا أعرف خلافاً بين الأصحاب في ذلك»(3) . وعن «الغنية» دعوى الإجماع في شعر الميتة وصوفها (4) . وعن «المنتهى» دعواه على طهارة العظم(5) .

وعن شارح «الدروس» : «أنّ العمدة في طهارة هذه الأجزاء عدم وجود نصّ يدلّ على نجاسة الميتة حتّى تدخل ، لا عدم حلول الحياة ، وإلاّ لو كان هناك نصّ كذلك لدخلت ، كشعر الكلب والخنزير ، وإلاّ فزوال الحياة ليس سبباً للنجاسة ، وإلاّ لاقتضى نجاسة المذكّى . على أ نّه لا استبعاد في صيرورة الموت سبباً لنجاسة جميع أجزاء الحيوان وإن لم تحلّه الحياة»(6) انتهى .

ص: 143


1- كشف اللثام 1 : 407 .
2- مدارك الأحكام 2 : 272 .
3- ذخيرة المعاد : 147 / السطر 38 .
4- غنية النزوع 1 : 42 .
5- منتهى المطلب 3 : 199 .
6- مشارق الشموس : 316 / السطر 30 .

وفيه : أ نّه إن أراد عدم الدليل على نجاسة الميتة ، فقد مرّ ما يدلّ عليها (1) .

وإن أراد أ نّه لا دليل على نجاسة أجزائها ؛ فإنّ «الميتة» اسم للمجموع ، فقد مرّ ما فيه(2) . مع أنّ التعليل لعدم الأكل في آنية أهل الكتاب : بأ نّهم يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير ، دليل على أنّ الأجزاء نجسة ؛ فإنّ المأكول لحمها .

وإن أراد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة ما لا تحلّه الحياة منها ، فهو لا يخلو من وجه ؛ لأنّ ما دلّ على نجاسة الميتة - على كثرتها - إنّما علّق فيها الحكم على عنوان «الجيفة» و«الميتة» ، وهما بمالهما من المعنى الوصفي لا تشملان ما لا تحلّه الحياة ؛ فإنّ «الجيفة» هي جثّة الميتة المنتنة ، والنتن وصف لما تحلّه الحياة ، ولا ينتن الشعر والظفر وغيرهما من غير ما تحلّه الحياة .

ودعوى : أ نّها وإن كانت معنى وصفياً ، ولكنّها صارت اسماً للمجموع الذي من جملته ما لا تحلّه ، في غير محلّها ؛ لعدم ثبوت ذلك ، بل الظاهر من اللغة أنّ «الجيفة» اسم للجثّة المنتنة ، فتكون تلك الأجزاء خارجة عن مسمّاها ، ففي «القاموس» و«الصحاح» : «الجيفة : جثّة الميت وقد أراح ؛ أي أنتن»(3) . وفي «المنجد» : «الجيفة : جثّة الميت المنتنة» وفيه : «جافت الجثّة أي أنتنت»(4) .

والميتة ما زال عنها الروح في مقابل الحيّ ، ولا تطلق على الأجزاء التي

ص: 144


1- تقدّم في الصفحة 67 .
2- تقدّم في الصفحة 122 - 123 .
3- القاموس المحيط 3 : 129 ؛ الصحاح 4 : 1340 .
4- المنجد : 112 .

لم تحلّها الحياة ولو بتأوّل ، كما تطلق كذلك على ما تحلّها . وصيرورتها اسماً للمجموع الداخل فيه تلك الأجزاء غير ثابت ، وارتكاز العقلاء على إسراء النجاسة إلى الأجزاء ، إنّما يوافق بالنسبة إلى ما تحلّه الحياة لا غير ، فالحكم بنجاسة الجيفة والميتة لا يشمل تلك الأجزاء ؛ لا لفظاً ، ولا بمدد الارتكاز ، فأصالة الطهارة بالنسبة إليها محكّمة .

هذا بالنسبة إلى ما لا تحلّها ، أو ما شكّ في حلولها فيها . وأمّا لو فرض بعض تلك الأجزاء المستثناة ممّا تحلّه الحياة كالإنفحة ، فلا يأتي فيه ما ذكر ، فلا بدّ

من إقامة دليل على استثنائه .

ثمّ إنّ المنسوب إلى المحقّق المتقدّم : أ نّه لو دلّ دليل على النجاسة ، لا تصلح الأدلّة الخاصّة لتخصيصه واستثناء المذكورات(1) . ولا تبعد استفادة ذلك من كلامه المتقدّم .

وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ تلك الأدلّة الناصّة على أنّ تلك الأجزاء ذكيّة ، دالّة على طهارتها سواء كان «الذكي» بمعنى الطاهر كما قيل(2) ، أو مقابل الميتة كما هو التحقيق .

فلا إشكال في أصل الحكم بالنسبة إلى ما لا تحلّه الحياة ، وكذا بالنسبة إلى ما هو المنصوص به في الأدلّة والفتاوى ، من غير فرق في الصوف والريش والشعر والوبر بين الأخذ من الميتة جزّاً أو قلعاً ؛ وإن احتاج الاُصول في الثاني إلى الغسل لو كان ملاقاتها للميتة مع الرطوبة ؛ لإطلاق الأدلّة ، وكونها

ص: 145


1- الحدائق الناضرة 5 : 82 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 74 .

ممّا لا تحلّها الحياة وإن فرض عدم استحالتها إلى المذكورات ، بل لو شكّ فيها فالأصل يقتضي الطهارة .

فما عن «نهاية الشيخ» من تخصيص الطهارة بالمقطوع جزّاً (1) ، كأ نّه ليس خلافاً في المسألة حكماً ، بل موضوعاً ؛ بدعوى كونها من الأجزاء التي حلّت فيها الحياة ، ولم تخرج بالاستحالة إلى أحد المذكورات ، وفيه ما لا يخفى .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ مقتضى إطلاق قوله علیه السلام في صحيحة حَريز : «وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه»(2) ، لزوم الغسل ولو لم يلاقِ المأخوذ جلدَ الميتة برطوبة ، وهو يقتضي نجاسة أمثال ذلك بعد الموت ، ويكون الغسل موجباً لزوالها ، فالموت سبب لنجاسة ما تحلّه الحياة ذاتاً ، فلا تزول بالغسل وغيره ، وفي مثل المذكورات بمرتبةٍ ترتفع بالغسل .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ مقتضى ما دلّ على طهارة المذكورات ذاتاً ، والأمرِ في

هذه الرواية بالغسل ، هو أنّ الغسل إنّما هو لملاقاتها للميتة برطوبة ، فالعرف - بالارتكاز - يقيّدها بالصورة المذكورة ، كما ورد نظيره في ملاقي الكلب ، ومصافحة اليهود ، وغيرهما (3) ممّا لا يفهم منها إلاّ مع الملاقاة رطباً .

نعم ، ظاهر موثّقة مَسْعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام قال : «قال جابر بن عبداللّه : إنّ دباغة الصوف والشعر غسله بالماء ، وأيّ شيء يكون

ص: 146


1- النهاية : 585 .
2- تقدّمت في الصفحة 140 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 و14 .

أطهر من الماء ؟ !»(1) ، أنّ الشعر والصوف يحتاجان إلى التطهير بذاتهما . والتعبير ب- «الدباغة» مكان «التطهير» لعلّه بمناسبة قول العامّة بأنّ دباغة جلد الميتة مطهّرة(2).

فالظاهر منها أنّ الشعر بذاته لا يكون طاهراً ، ويحتاج إلى الدباغة ليتطهّر ، ودباغته غسله بالماء . وحملها على النجاسة العرضية خلاف الظاهر جدّاً .

لكنّها - مع مخالفتها لفتوى الأصحاب(3) ، وإعراضهم عن ظاهرها - مخالفة للأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ المذكورات ذكيّة ؛ معلّلاً في الصوف بعدم الروح فيه(4) ، وهي أظهر في مفادها من تلك الموثّقة ، فتحمل على الاستحباب ، أو غسل موضع الملاقاة رطباً .

ومنه يظهر الكلام في صحيحة الحلبي الظاهرة في اشتراط الذكاة في السنّ الذي يضعه مكان سنّه(5) .

ثمّ إنّه قد يتراءى منافاة في الروايات الواردة في استثناء المذكورات ، ففي

ص: 147


1- قرب الإسناد : 76 / 246 ؛ وسائل الشيعة 3 : 514 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 6 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 85 .
3- تقدّم في الصفحة 143 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 1 و2 و3 و4 و7 ، و24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 .
5- المحاسن : 644 / 174 ؛ وسائل الشيعة 3 : 514 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 5 .

رواية يونس ، عنهم علیهم السلام قالوا : «خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق : الإنفحة والبيض والصوف والشعر والوبر . . .»(1) إلى آخره .

والظاهر منها انحصار الاستثناء بها وإن قلنا بعدم مفهوم العدد في غير المقام . وأيضاً تشعر بأنّ الاستثناء لأجل منفعة الخلق وإن كان فيها اقتضاء النجاسة ، فهي بهاتين الجهتين مخالفة لغيرها .

ويمكن أن يجاب عنها : - مضافاً إلى أنّ اختصاصها بالذكر لعلّه لكونها ذات منافع للخلق نوعاً ، بخلاف غيرها حتّى مثل لبنها . نعم في الريش أيضاً منافع ، ولعلّه داخل بإلغاء الخصوصية في إحدى الثلاثة الأخيرة ، تأمّل ، ومعه لا مفهوم فيه جزماً - بأنّ من الممكن أن تكون «ذكيّة» صفة لخمسة ، وخبرها بعدها ، فيكون المراد الإخبار بأنّ في بعض المستثنيات منافع الناس ، تأمّل .

وكيف كان : لا ريب في عدم صلاحيتها لمعارضة سائر النصوص ، كعدم صلاحية رواية الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيّاً ، فكتب علیه السلام : «لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ، وكلّ ما كان من السِخال : الصوف إن جزّ(2) ، والشعر والوبر والإنفحة والقرن ، ولا يتعدّى إلى غيرها إن شاء اللّه»(3) .

ص: 148


1- الكافي 6 : 257 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 2 .
2- هكذا في الوسائل طبع المكتبة الإسلامية ولكن في الوسائل طبع آل البيت «وإن جزّ» بدل «إن جزّ» .
3- الكافي 6 : 258 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 76 / 323 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 7 .

الظاهرة في أنّ جواز الانتفاع في الصوف مشروط بالجزّ ، وأنّ المستثنيات منحصرة بما ذكر فيها لا تتعدّى إلى غيرها ، بعد ضعف سندها (1) ، ووهن متنها بوجوه ، ومخالفتها للنصوص المعتبرة الصريحة(2) ، ولفتوى الأصحاب(3) . ولعلّ الاشتراط في الصوف للانتفاع به فعلاً مع الجزّ . وأمّا مع القلع فبعد الغسل ، والظاهر عدم اختصاصه بالصوف دون الشعر والوبر .

طهارة الإنفحة من الميتة

ثمّ إنّه قد صرّح في النصوص والفتاوى بخروج أشياء اُخر ما عدا المذكورات ، منها : الإنفحة ، ولا إشكال نصّاً وفتوى في طهارتها ، فعن «المدارك» : «أ نّه مقطوع به في كلام الأصحاب»(4) . وعن «المنتهى» : «أ نّه قول علمائنا»(5) . وعن «الغنية» و«كشف اللثام» دعوى الإجماع عليه(6) .

ص: 149


1- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد بن المختار ومحمّد بن الحسن ، عن عبداللّه بن الحسن العلوي جميعاً ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني . والرواية ضعيفة ؛ لأنّ عبداللّه بن الحسن العلوي مجهول والفتح بن يزيد الجرجاني مهمل . رجال النجاشي : 311 / 853 ؛ الفهرست ، الطوسي : 201 / 573 .
2- راجع وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 .
3- تقدّمت في الصفحة 143 .
4- مدارك الأحكام 2 : 273 .
5- منتهى المطلب 3 : 207 .
6- غنية النزوع 1 : 401 ؛ كشف اللثام 1 : 422 .

وتدلّ عليها صحيحة زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الإنفحة تُخرج من الجدي الميت . قال : «لا بأس به . . .»(1) إلى آخره .

ورواية الحسين بن زرارة أو موثّقته(2) قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام وأبي

يسأله عن اللبن من الميتة ، والبيضة من الميتة ، وإنفحة الميتة ، فقال : «كلّ هذا ذكيّ»(3) .

ورواية يونس المتقدّمة(4) أو حسنته(5) ، وغيرها (6) .

نعم ، يظهر من عدّة روايات خلاف ذلك ، كرواية بكر بن حبيب قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الجبن ، وأ نّه توضع فيه الإنفحة من الميتة ، قال : «لا تصلح» .

ثمّ أرسل بدرهم فقال : «اشترِ من رجل مسلم ، ولا تسأله عن شيء»(7) .

ص: 150


1- تهذيب الأحكام 9 : 76 / 324 ؛ وسائل الشيعة 24 : 182 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 10 .
2- سيأتي من المصنّف رحمه الله وجه الترديد وما يفيد للمقام في الصفحة 162 و164 .
3- الكافي 6 : 258 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب33 ، الحديث 4 .
4- تقدّمت في الصفحة 148 .
5- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس . ووجه الترديد وقوع إسماعيل بن مرّار في السند ، لأنّ وثاقته مختلف فيها . تنقيح المقال 1 : 144 / السطر 38 ، وراجع أيضاً الجزء الأوّل : 93 .
6- كرواية الحسين بن زرارة ، راجع تهذيب الأحكام 9 : 78 / 332 ؛ وسائل الشيعة 24 : 183 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 12 .
7- المحاسن : 496 / 598 ؛ وسائل الشيعة 25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 4 .

وروايةِ عبداللّه بن سليمان ، عنه علیه السلام في الجبن قال : «كلّ شيء لك حلال

حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتةً»(1) .

وروايتِه الاُخرى قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن . . . إلى أن قال : قلت : ما تقول في الجبن ؟ قال : «أو لم ترني آكله ؟!» قلت : بلى ، ولكنّي اُحبّ أن أسمعه منك ، فقال : «ساُخبرك عن الجبن وغيره : كلّ ما كان فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه»(2) .

وروايةِ أبي الجارود قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن فقلت له : أخبرني من رأى أ نّه يجعل فيه الميتة ، فقال : «أمِن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في جميع الأرضين ؟ ! إذا علمت أ نّه ميتة فلا تأكله ، وإن لم تعلم فاشترِ وبعْ وكلْ ، واللّه ِ إنّي لأعترض السوق ، فأشتري بها اللحم والسمن والجبن ، واللّه ِ ما أظنّ كلّهم يسمّون : هذه البربر ، وهذه السودان»(3) .

ولا شبهة في أنّ ما يجعل في الجبن وما كان محلّ الكلام هو الإنفحة ، كما نصّ عليه روايتا بكر بن حبيب المتقدّمة ، وأبي حمزة الآتية .

لكنّها محمولة على بعض المحامل ، كالتقيّة والمماشاة معهم ، والجدل بما

ص: 151


1- الكافي 6 : 339 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 339 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 1 .
3- المحاسن : 495 / 597 ؛ وسائل الشيعة 25 : 119 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 5 .

هو أحسن(1) ، كما تشهد به رواية أبي حمزة الثُمالي ، عن أبي جعفر علیه السلام في حديث : أنّ قتادة قال له : أخبرني عن الجبن فقال : «لا بأس به» .

فقال : إنّه ربّما جعلت فيه إنفحة الميتة ، فقال : «ليس به بأس ؛ إنّ الإنفحة ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم ، إنّما تخرج من بين فرث ودم ، وإنّما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة اُخرجت منها بيضة . . .» .

إلى أن قال : «فاشترِ الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين ، ولا تسأل عنه ، إلاّ أن يأتيك من يخبرك عنه»(2) .

فإنّ الإرجاع إلى الحكم الظاهري - بعد بيان الحكم الواقعي - إنّما هو على طريق المماشاة والجدل بما هو أحسن ، فلا إشكال في أصل الحكم .

بيان ماهية الإنفحة

إنّما الكلام في ماهية الإنفحة ، حيث اختلفت كلمات أهل اللغة في تفسيرها ، ففي «الصحاح» : «والإنفَحة : - بكسر الهمزة ، وفتح الفاء مخفّفة - كَرِش الحمل أو

الجدي ما لم يأكل ، فإذا أكل فهو كرش ، عن أبي زيد»(3) .

وفي «القاموس» : «الإنفحّة - بكسر الهمزة وتشديد الحاء ، وقد تكسر الفاء - والمنفحة ، والبنفحة : شيء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفرُ ، فيعصر في

ص: 152


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 93 .
2- الكافي 6 : 256 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 1 .
3- الصحاح 1 : 413 .

صوفة فيغلظ كالجبن ، فإذا أكل الجدي فهو كرش وتفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو»(1) . وقريب منه في «المنجد»(2) ، وعن «المغرب»(3) .

واختلفت كلمات الفقهاء على حذو اختلاف اللغويّين .

وقد اتّفقت كلمات اللغويّين - فيما رأيت في مادّة «الكرش» - أ نّها بمنزلة

المعدة للإنسان ، وأنّ الإنفحة صارت كرشاً إذا رعى الجدي وأكل ، ففي «الصحاح» : «الكرش لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان . . .» إلى أن قال : «واستكرشت الإنفحة ؛ لأنّ الكرش تسمّى إنفحة ما لم يأكل الجدي ، فإذا أكل تسمّى كرشاً»(4) .

وفي «القاموس» : «الكَرِش - ككتف - لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان . . .» إلى أن قال : «استكرشت الإنفحة صارت كرشاً ، وذلك إذا رعى الجدي النبات»(5) . وقريب منهما في «المنجد» ، و«المجمع» ، و«البستان»(6) .

والظاهر منهما أنّ الكرش عين الإنفحة ، والفرق بينهما أنّ الإنفحة معدة الجدي قبل الرعي والأكل ، والكرش معدته بعده . فنسبة السهو إلى الجوهري كأ نّها في غير محلّها .

وتوهّم : أنّ المادّة الصفراء - التي هي كاللبن ، ولم تكن مربوطة بالحيوان

ص: 153


1- القاموس المحيط 1 : 262 .
2- المنجد : 823 .
3- المغرب في ترتيب المعرب 2 : 220 .
4- الصحاح 3 : 1017 .
5- القاموس المحيط 2 : 297 .
6- المنجد : 681 ؛ مجمع البحرين 4 : 152 ؛ البستان 2 : 2072 / السطر 24 .

ارتباطاً حياتياً واتّصالاً حيوانياً - صارت كرشاً ، مقطوع الفساد .

فعلم من اتّفاق أهل اللغة : بأنّ الإنفحة التي صارت كرشاً بالأكل أ نّها هي الجلدة ، لا المادّة التي في جوفها . غاية الأمر أنّ الجلدة في الجدي قبل الرعي رقيقة ، وإذا بلغ حدّه ورعى صارت غليظة مستكرشة . فالأظهر - بحسب كلمات أهل اللغة - أنّ الإنفحة هي الجلدة الرقيقة ، لا المادّة في جوفها .

نعم ، يظهر من رواية الثُمالي المتقدّمة أ نّها المادّة التي كاللبن ، أو هي اللبن بعينه ؛ وإن صارت في جوف الجدي غليظةً . كما أنّ الظاهر أنّ تلك المادّة كانت فيها منافع الناس ، وهي التي تجعل في الجبن ؛ وإن احتمل أن تكون الجلدة الرقيقة بما في جوفها مادّتَه .

بيان حكم الإنفحة

وكيف كان : لا إشكال في طهارة المظروف ؛ إمّا لطهارة ظرفه إن كان إنفحة ، أو لعدم انفعاله منه إن كان المظروف إنفحة .

ولو شكّ في أ نّها ظرف أو مظروف ، فيمكن أن يقال بوقوع التعارض بين أصالة الإطلاق في أدلّة نجاسة أجزاء الميتة التي تحلّها الحياة ، وأصالة الإطلاق في دليل منجّسية النجس ، فيرجع إلى أصالة الطهارة في الظرف بعد العلم تفصيلاً بطهارة المظروف .

لكن التحقيق نجاسة الظرف ؛ أخذاً بإطلاق دليل نجاسة الميتة . ولا تعارض أصالة الإطلاق فيها بأصالة الإطلاق في دليل منجّسية النجس ؛ لعدم جريانها فيما علم الطهارة ، وشكّ في أ نّه من باب التخصيص ، أو التقييد ، أو التخصّص

ص: 154

والخروج موضوعاً ؛ لأنّ تلك الاُصول العقلائية عملية يتّكل عليها العقلاء في

مقام الاحتجاج والعمل دون غيره ، نظير أصالة الحقيقة فيما دار الأمر بينها وبين المجاز ، فإنّها جارية مع الشكّ في المراد ، لا مع الشكّ في نحو الاستعمال بعد العلم بالمراد .

ففيما نحن فيه بعد ما علمنا بأنّ المظروف طاهر ، وشككنا في أنّ طهارته لأجل التقييد في إطلاق «النجس منجّس» أو التخصيص في عمومه ، أو لأجل الخروج موضوعاً والتخصّص ، لا تجري أصالة الإطلاق ؛ لعدم بناء العقلاء على إجرائها في مثله بعد عدم الأثر العملي لها ، فبقيت أصالة العموم أو الإطلاق في نجاسة الميتة على حالها . نعم لو شكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة فالأصل الطهارة .

هذا إذا كان ما في جوف الجلدة جامداً طبعاً ، أو مائعاً كذلك ، وقلنا بعدم انفعاله بملاقاة الجلدة النجسة .

وأمّا إذا كان جامداً طبعاً كالخميرة ، وقلنا بانفعاله ولزوم غسل ظاهره الملاقي للجلدة ، فالأمر بالأخذ بأصالة الإطلاق في نجاسة أجزاء الميت ممّا تحلّه الحياة ، والحكم بنجاسة الجلدة أوضح ؛ للعلم بدخولها فيما تحلّه الحياة ، والشكّ في ورود المخصّص عليه ؛ للشكّ في كون الإنفحة الظرف أو المظروف ، فمقتضى الإطلاق نجاستها وتنجيس ما في جوفها .

وهذا - بوجه - نظير العلم بعدم وجوب إكرام زيد ، وتردّد الأمر بين كونه زيداً العالم حتّى خصّص «أكرم العلماء» أو غير العالم حتّى بقي العالم في العموم ، فمقتضى العموم وجوب إكرام زيد العالم ؛ للشكّ في التخصيص .

ص: 155

نعم ، لا يستكشف بأصالة العموم والإطلاق حال الفرد الخارج ، ففيما نحن فيه لا يحرز بها أنّ الإنفحة هي ما في الجوف .

ثمّ إنّ الأظهر وجوب غسل ظاهر الإنفحة الملاقي للميت برطوبة ؛ إن قلنا : بأ نّها هي الجلدة ، أو قلنا : بأ نّها ما في جوفها ، مع كونها طبعاً ونوعاً جامدةً ؛ لعدم استفادة عدم انفعالها حينئذٍ من الأدلّة ، لقصور دلالتها إلاّ على طهارتها الذاتية ، كالشعر والوبر والصوف ، حيث نصّت الروايات بأ نّها ذكيّة ، مع الأمر بغسلها إذا قلعت من الميتة ، فيظهر منها أنّ الحكم بذكاتها في مقابل الميتة التي هي نجسة ذاتاً .

وهذا بخلاف اللبن واللباء والإنفحة - إذا كانت ممّا في الجوف ، وهي مائعة - فإنّ لازم نفي البأس عنها والحكم بأ نّها ذكيّة ، عدم انفعالها ؛ لعدم إمكان غسلها ،

ولا معنى لبيان طهارتها الذاتية مع لزوم النجاسة معها .

ولا يبعد اختصاص الحكم بالإنفحة المتعارفة التي تجعل في الجبن ، والظاهر أ نّها من الجدي والعَناق والسِخال والحمل ، لا من غير المأكول ، ولا من المأكول كالحمار والفرس . بل في البقر والبعير أيضاً تأمّل ؛ لعدم العلم بتعارف الأخذ منهما . بل في صدق «الإنفحة» على غير المأخوذ من الجدي والحمل إشكال ؛ لظهور كلمات اللغويين في الاختصاص بهما (1) .

نعم ، في بعض الروايات شبهة الإطلاق على فرض صدق «الإنفحة» على سائر الحيوانات ، كمرسلة الصدوق قال : قال الصادق علیه السلام : «عشرة أشياء من

ص: 156


1- تقدّمت أقوال اللغويّين في الصفحة 152 - 153 .

الميتة ذكيّة . . .»(1) وعدّ منها الإنفحة ، وروايةِ الحسين بن زرارة(2) .

لكنّ المظنون أنّ ما هو محلّ الكلام هي الإنفحة التي تجعل في الجبن ، كما يظهر من الروايات الواردة في الجبن(3) ، فإنّها التي فيها منافع الناس ، وتكون مورد السؤال غالباً ، ومعه يشكل الإطلاق فيهما .

فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - اختصاص الحكم بما يتعارف جعلها في الجبن ، والمتيقّن منه إنفحة الجدي والحمل .

نعم ، لو شكّ في كونها ممّا تحلّها الحياة - كما تدلّ عليه رواية الثُمالي(4) - فالأصل طهارتها مطلقاً .

طهارة البيض المأخوذ من الميتة

وأمّا البيض ، فلا إشكال في طهارته نصّاً وفتوى . بل مقتضى القاعدة طهارته ؛ لعدم كونه من أجزاء الميتة بعد استقلاله واكتسائه الجلد الأعلى ، وعدم كونه ممّا تحلّه الحياة قبله ، مع الشكّ في ملاقاته للميتة ، فضلاً عن القطع به ، والعلمِ بعدم

سراية النجاسة من الجلدة الرقيقة ، فضلاً عن الغليظة .

لكن حكي اتّفاق الأصحاب على التقييد باكتسائه الجلد الأعلى أو الغليظ ،

ص: 157


1- الفقيه 3 : 219 / 1011 ؛ وسائل الشيعة 24 : 182 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 9 .
2- تقدّمت في الصفحة 150 .
3- وسائل الشيعة 25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 .
4- تقدّمت في الصفحة 152 .

بل عن جمهور العامّة موافقتنا في ذلك ، فذهبوا إلى عدم حيلولة الجلد الرقيق

بينه وبين النجاسة(1) .

أقول : لو لا ذلك لكان للمناقشة في الحكم مجال ، لا لضعف(2) رواية غياث ابن إبراهيم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة ، قال : «إن كانت اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها»(3) .

فإنّها من الموثّق ؛ لو لم تكن من الصحيح .

بل لقوّة احتمال أن يكون السؤال عن حلّيتها وحرمتها ، لا نجاستها ، والجواب موافق للقاعدة ؛ لأنّ البيضة قبل اكتسائها الجلد الغليظ ، تكون من أجزاء الحيوان ، مرتزقةً منه ، متّصلةً به ، وبعده تصير مستقلّة منحازة ، فخرجت عن جزئيتها ، فهي قبل الاكتساء جزء الميتة حرام أكلها ؛ وإن كانت طاهرة لكونها ممّا لا تحلّه الحياة ، وللشكّ في سراية النجاسة منها إليها ؛ لقطع الارتزاق بالموت ، وعدم العلم بالسراية ، وبعد الاستقلال خرجت عن الجزئية ، فحلال أكلها وطاهرة ، فنفي البأس بعد الاكتساء لا يدلّ على نجاستها قبله ؛ إن كانت الشبهة في الحلّية والحرمة ، ويكفي الشكّ في وجه السؤال بعد كون الطهارة موافقة للأصل .

لكن مخالفة الأصحاب غير ممكنة . واحتمال أن يكون مستندهم الموثّقة

ص: 158


1- مصابيح الظلام 4 : 463 - 464 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 53 .
2- كما قاله صاحب المدارك ، مدارك الأحكام 2 : 273 .
3- الكافي 6 : 258 / 5 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 6 .

المتقدّمة - مع تخلّل اجتهاد منهم - ضعيف ؛ لاشتهار الحكم بين الفريقين قديماً وحديثاً على ما حكي ، وفي مثله لا يمكن أن يكون المستند رواية غياث فقط . مع أنّ المفهوم منها ثبوت البأس ، وهو أعمّ من النجاسة ، مضافاً إلى ما مرّ من الاحتمال ، فالأقوى ما عليه الأصحاب .

لكن لا يشترط فيه صلابة الجلد ؛ فإنّها تحصل -

على ما قيل - بعد خروجها من است الدجاجة بتصرّف الهواء الخارج ، وحين الخروج لا تكون صلبة وإن كانت غليظة . وكيف كان : فالحكم مترتّب على الجلد الغليظ ، لا الصلب ولو حصل في جوف الدجاجة .

طهارة اللبن في ضرع الميتة

وأمّا اللبن ، فعن الصدوق والمفيد والشيخ والقاضي وابني زهرة وحمزة وصاحبي «كشفي الرموز واللثام» والشهيد(1) وغيرهم(2) ، القول بالطهارة .

وعن «البيان» : «أ نّه قول المشهور» . وعن «الدروس» : «أنّ القائل بخبر المنع

نادر»(3) . وعن «الخلاف» الإجماع على طهارة ما في ضرع الشاة(4) .

ص: 159


1- الهداية ، الصدوق : 309 - 310 ؛ المقنعة : 583 ؛ النهاية : 585 ؛ المهذّب 2 : 441 ؛ غنية النزوع 1 : 401 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 361 - 362 ؛ كشف الرموز 2 : 368 - 369 ؛ كشف اللثام 9 : 273 ؛ الدروس الشرعية 1 : 124 .
2- مدارك الأحكام 2 : 274 ؛ ذخيرة المعاد : 148 / السطر 17 - 19 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 93 .
3- البيان : 90 ؛ الدروس الشرعية 3 : 15 .
4- الخلاف 1 : 519 .

وعن «الغنية» الإجماع على جواز الانتفاع بلبن ميتة ما يقع الذكاة عليه(1) .

وتدلّ عليه صحيحة زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الإنفحة . . . إلى أن قال : قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت ، قال : «لا بأس به»(2) .

وخبر الحسين بن زرارة أو موثّقته(3) قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام وأبي يسأله عن اللبن من الميتة ، والبيضة من الميتة ، وإنفحة الميتة ، فقال : «كلّ هذا ذكيّ»(4) .

ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق علیه السلام : «عشرة أشياء من الميتة ذكيّة . . .» وعدّ منها اللبن(5) .

ورواها في «الخصال» بسند غير نقيّ ، عن ابن أبي عمير ، رفعه إلى أبي عبداللّه علیه السلام مع مخالفة في الترتيب(6) .

بل وصحيحة حَريز قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام لزرارة ومحمّد بن مسلم : «اللبن

واللباء . . .» إلى أن قال : «وكلّ شيء يفصل من الشاة والدابّة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله ، وصلّ فيه»(7) .

ص: 160


1- غنية النزوع 1 : 401 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 76 / 324 ؛ وسائل الشيعة 24 : 182 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 10 .
3- سيأتي وجه الترديد وما يفيد للمقام في الصفحة 162 و164 .
4- تقدّم في الصفحة 150 .
5- الفقيه 3 : 219 / 1011 .
6- الخصال : 434 / 19 .
7- الكافي 6 : 258 / 4 ؛ وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 3 .

خلافاً للمحكيّ عن أبي علي وأبي يعلى والعجلي والمحقّق وأبي العبّاس والعلاّمة والمحقّق الثاني والصيمري والمقداد(1) .

وعن الحلّي : «أ نّه لا خلاف فيه بين المحصّلين من أصحابنا»(2) .

وعن «المنتهى» : «أ نّه المشهور»(3) .

وعن «جامع المقاصد» : «أ نّه المشهور الموافق لاُصول المذهب ، وعليه الفتوى»(4) .

ويمكن تأييده بدعوى قصور الأدلّة عن إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد ، بل المنكر في أذهان المتشرّعة ، لا لما ذكره الشيخ الأعظم : «من أنّ طرح الأخبار الصحيحة المخالفة لاُصول المذهب غير عزيز ، إلاّ أن تعضد بفتوى الأصحاب ، كما في الإنفحة ، أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف ، وما نحن فيه ليس كذلك»(5) .

فإنّ قاعدة منجّسية النجس ليست من القواعد المعدودة من اُصول المذهب ؛ بحيث لا يمكن تخصيصها بالرواية الصحيحة ، فضلاً عن الروايات الصحيحة المؤيّدة بفتوى من عرفت .

ص: 161


1- اُنظر مختلف الشيعة 8 : 333 ؛ المراسم : 211 ؛ السرائر 3 : 112 ؛ شرائع الإسلام 3 : 174 ؛ المهذّب البارع 4 : 213 - 214 ؛ نهاية الإحكام 1 : 270 ؛ جامع المقاصد 1 : 167 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 86 ؛ التنقيح الرائع 4 : 44 .
2- السرائر 3 : 112 .
3- منتهى المطلب 3 : 204 .
4- جامع المقاصد 1 : 167 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 71 .

بل لو لم يثبت إعراض الأصحاب عنها لوجب العمل بها ، ولا ريب في عدم إعراضهم عنها ، بل عملهم بها .

بل لاستضعاف سند روايةِ الحسين بن زرارة ؛ لكونه مجهولاً وإن دعا له أبو عبداللّه علیه السلام دعاءً بليغاً (1) ؛ إذ لا يوجب ذلك ثقته في الحديث ، وحجّية روايته . مع أنّ في نسخة من «الوسائل» بدل «اللبن» : «السنّ»(2) .

ومرسلةِ الصدوق - وإن نسب إلى الصادق علیه السلام جزماً ، ونحن قلنا بقرب اعتبار مثل هذا الإرسال(3) - وذلك لما قال في ذيلها في «الفقيه» : «وقد ذكرت

ذلك مسنداً في كتاب «الخصال» في باب العشرات»(4) وسند «الخصال»(5) ضعيف بجهالة علي بن أحمد بن عبداللّه وأبيه .

ولعدم الإطلاق في صحيحة حَريز . بل إشعار ذيلها بأنّ ما ذكر في صدرها هو ما يفصل من الحيّ .

فبقيت صحيحة واحدة هي صحيحة زرارة وهي - مع اشتمالها على «الجلد» ممّا هو خلاف الإجماع ، واختلافِ متنها ؛ لسقوط «الجلد» في رواية الصدوق(6) ،

ص: 162


1- راجع اختيار معرفة الرجال : 138 / 221 .
2- وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 4 .
3- راجع ما تقدّم في الجزء الأوّل : 81 .
4- الفقيه 3 : 219 ، ذيل الحديث 1011 .
5- الخصال : 434 / 19 .
6- الفقيه 3 : 216 / 1006 .

وثبوتِه في رواية الشيخ(1) ، وهو يوجب نحو وهن فيها - لا يمكن الاتّكال عليها في الخروج عن القاعدة . مع أ نّها مخصوصة بالشاة ، ولم يقل أحد بالاختصاص .

خصوصاً مع ما عن الحلّي : «أ نّه نجس بغير خلاف عند المحصّلين من أصحابنا ؛ لأ نّه مائع في ميتة ملامس لها» قال : «وما أورده شيخنا في «نهايته»(2) رواية شاذّة مخالفة لاُصول المذهب ، ولا يعضدها كتاب اللّه تعالى ولا سنّة مقطوعة بها ، ولا إجماع»(3) .

ودعوى العلاّمة الشهرة على النجاسة(4) . سيّما مع اعتضادها برواية وهب ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «أنّ عليّاً علیه السلام سئل عن شاة ماتت ، فحلب منها لبن ، فقال علي علیه السلام : ذلك الحرام محضاً»(5) .

وروايةِ الفتح بن يزيد ، عن أبي الحسن علیه السلام وفيها : «وكلّ ما كان من السِخال : الصوف وإن جزّ ، والشعر والوبر والإنفحة والقرن ، ولا يتعدّى إلى غيرها إن شاء اللّه»(6) .

ص: 163


1- تهذيب الأحكام 9 : 76 / 324 .
2- النهاية : 585 .
3- السرائر 3 : 112 .
4- تقدّمت في الصفحة 161 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 76 / 325 ؛ وسائل الشيعة 24 : 183 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 11 .
6- الكافي 6 : 258 / 6 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 7 .

وروايةِ يونس ، عنهم علیهم السلام قالوا : «خمسة أشياء ذكيّة . . .»(1) ولم يعدّ اللبن منها . لكن مع ذلك الأقوى هو الطهارة .

والمناقشة في تلك الروايات - المعمول بها ، المعوّل عليها قديماً وحديثاً - في غاية الفساد والضعف .

مع أنّ تضعيف رواية الحسين - مع كونه إمامياً ممدوحاً يروي عنه الأجلّة ، كصفوان بن يحيى(2) - في غير محلّه . مضافاً إلى أنّ ظاهر الكليني حيث قال : وزاد فيه علي بن عقبة وعلي بن الحسن بن رباط قال : «والشعر والصوف كلّه ذكيّ»(3) ، أ نّهما رويا ما روى الحسين مع زيادة عمّن روى لا عنه ؛ فإنّهما لم يرويا عن الحسين . بل علي بن عقبة من رجال الصادق علیه السلام (4) وقيل في علي بن الحسن أيضاً ذلك(5) . ولو كان من أصحاب الرضا علیه السلام (6) لا يبعد إدراكه مجلس أبي عبداللّه علیه السلام وإن لم يكن راوياً عنه ، فتكون الرواية صحيحة لوثاقتهما (7) .

ولا شبهة في خطأ نسخة «الوسائل» لروايتها في مورد آخر وفيها : «اللبن»(8)،

ص: 164


1- تقدّمت في الصفحة 148 .
2- راجع تنقيح المقال 1 : 328 / السطر 10 .
3- الكافي 6 : 258 / 3 .
4- رجال الطوسي : 245 / 302 .
5- اُنظر تنقيح المقال 2 : 277 / السطر 31 (أبواب العين) .
6- رجال النجاشي : 251 / 659 ؛ خلاصة الأقوال : 186 / 39 .
7- رجال النجاشي : 251 / 659 ، و : 271 / 710 .
8- وسائل الشيعة 3 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 2 و3 .

وفي «مرآة العقول» كذلك(1) ، وفي كتب الفروع أيضاً كذلك ، فالنسخة من خطأ النسّاخ جزماً .

بل المناقشة في مرسلة الصدوق أيضاً لا تخلو من إشكال ؛ بعد انتساب الرواية جزماً إلى الصادق علیه السلام وهو غير ممكن من مثل الصدوق إلاّ مع وثاقة رواتها ، أو محفوفيتها بقرائن توجب جزمه بالصدور ، فيمكن أن يجعل ذلك توثيقاً منه للرجلين .

ولو نوقش فيه فلا أقلّ من كونها معتمدة عنده ، ومجزوماً بها ، سيّما مع ما في

أوّل «الفقيه» من الضمان(2) .

مضافاً إلى أنّ المحكيّ عن العلاّمة تصحيح بعض روايات ابن مسلم إلى الصدوق ، وعلي بن أحمد فيه(3) .

وقيل : «إنّ الصدوق كثيراً ما يذكره مترضّياً عنه ، ومترحّماً عليه»(4) .

وعن المجلسي الأوّل توثيق أبيه ؛ مستنداً إلى اعتماد الصدوق عليه في كثير من الروايات(5) .

ص: 165


1- مرآة العقول 22 : 53 / 3 .
2- الفقيه 1 : 3 .
3- اُنظر تعليقات على منهج المقال ، المحقّق الوحيد البهبهاني : 225 ؛ منتهى المقال 4 : 338 ؛ مختلف الشيعة 1 : 145 ، و4 : 94 و106 .
4- اُنظر تعليقات على منهج المقال ، المحقّق الوحيد البهبهاني : 225 ؛ منتهى المقال 4 : 338 ؛ التوحيد : 99 / 6 ؛ الخصال : 98 / 48 ، و : 102 / 59 .
5- روضة المتّقين 14 : 255 .

وعن الفاضل الخراساني تصحيح خبرهما في سنده ، وجعلهما من مشايخ الإجازة(1) .

والظاهر أنّ لصحيحة حريز إطلاقاً . ولا يكون ذيلها قرينة على عدمه لو لم يكن مؤكّداً له ؛ فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه» ، هو ذكر أحد شقّي المذكور في الصدر ، فكأ نّه قال : «كلّ ما يفصل من الدابّة ذكيّ ذاتاً ، لكن إذا أخذت من الميّت اغسله ؛ لنجاسته العرضية» .

وأغرب من جميع ذلك ، المناقشة في صحيحة زرارة بمجرّد اشتمالها على «الجلد» إمّا لاشتباه من النسّاخ ، أو الرواة ، أو لجهة في الصدور ، مع كون سائر المذكورات فيها موافقة للنصوص والفتاوى ، فلا وجه لردّها .

وأغرب من ذلك ، المناقشة في الصحيحة بطريق الصدوق ، مع عدم اشتمالها على «الجلد» بل يكشف ذلك عن الاشتباه في رواية الشيخ ، فلا وهن فيها بوجه ، وهي حجّة كافية في رفع اليد عن قاعدة منجّسية النجس .

وفي دعوى الحلّي ما لا يخفى ، سيّما في نسبة الشذوذ إلى الرواية ، مع أ نّها مشهورة فتوى ، متكرّرة نقلاً ، موافقة لفتوى المحصّلين من أصحابنا .

ولعلّ مراد العلاّمة الشهرة عند المتأخّرين ، وإلاّ فقد مرّت كلمات القوم ، وإجماع «الخلاف» ، و«الغنية» . والشهرة المتأخّرة لا تفيد جرحاً ولا جبراً ، ومن ذلك لا يعبأ برواية وهب بن وهب أكذب البرية(2) .

ص: 166


1- ذخيرة المعاد : 39 / السطر 29 .
2- اختيار معرفة الرجال : 309 / 558 .

مع أنّ الحرمة غير النجاسة ، فيمكن أن يكون اللبن من الميت حراماً غير نجس ، فلو كانت الرواية معتمدة ، يمكن الجمع بينها وبين سائر الروايات بذلك ، فبقي ما دلّ على الطهارة بلا معارض .

وأمّا رواية الفتح فمع ضعفها سنداً ، ووهنها متناً ، مخالفة للإجماع والنصوص المعتبرة .

وقد مرّ الكلام في رواية يونس(1) . مع أنّ الانحصار بالخمسة ممّا لم يقل به أحد ، فلا مفهوم لها جزماً .

نجاسة ما لا تحلّه الحياة من نجس العين

ثمّ إنّه يأتي الكلام - إن شاء اللّه - في نجاسة شعر الكلب وأخويه في محلّه

المناسب له(2) ، فإنّ الكلام هاهنا في نجاسة الميتة . نعم ينبغي الجزم بعدم تأثير الموت في تنجيس ميتتها ، بعد الجزم بعدم كون النجاسة بالموت أغلظ من نجاستها الذاتية ؛ لعدم معنى تنجّس النجس .

لكن لو كان للميت بما هو كذلك حكم ، يترتّب عليها بموتها ، فما يشعر به كلام الشيخ الأعظم من ارتضائه بتنجّسها بالموت ، مضافاً إلى نجاستها العينية ، وعدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة منها بالموت ، بل تكون على نجاستها الأوّلية(3) ، لا يخلو عن الإشكال . ولعلّه أشار إليه بقوله : «فافهم» .

ص: 167


1- تقدّمت في الصفحة 148 .
2- يأتي في الصفحة 227 و232 و439 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 72 - 73 .
تنبيه استطرادي في وجوب غسل مسّ الميّت

ذكر المحقّق هاهنا غسل المسّ فقال : «يجب الغسل على من مسّ ميّتاً من الناس قبل تطهيره وبعد برده»(1) .

والظاهر منه أنّ محلّ الكلام موضوع واحد هو مسّه ، كما هو المعروف .

لكن يظهر من الشيخ في «الخلاف» أنّ محطّ البحث بين الفريقين أمران :

الأوّل : أ نّه هل يجب الغسل على غاسل الميّت ؟

والثاني : هل يجب ذلك على من مسّ ميّتاً بعد برده وقبل غسله ؟

وذلك أ نّه عنون المسألة الاُولى فقال : «يجب الغسل على من غسّل ميّتاً ، وبه قال الشافعي في «البويطي»(2) ، وهو قول علي علیه السلام وأبي هريرة(3) . وذهب ابن عمر وابن عبّاس وعائشة والفقهاء أجمع - مالك وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي ، قاله في عامّة كتبه - أنّ ذلك مستحبّ»(4) .

ثمّ استدلّ على الوجوب بإجماع الفرقة ، وقاعدة الاحتياط ، ورواية

ص: 168


1- شرائع الإسلام 1 : 44 .
2- المجموع 5 : 185 - 186 .
3- المحلّى بالآثار 1 : 270 - 271 ؛ المجموع 2 : 203 ، و5 : 185 - 186 .
4- الاُمّ 1 : 38 و266 ؛ سنن الترمذي 2 : 231 / 998 ؛ المحلّى بالآثار 1 : 270 - 271 ؛ المجموع 2 : 202 - 203 ، و5 : 185 - 186 .

أبي هريرة : أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «من غسّل ميّتاً فليغتسل ، ومن حمله فليتوضّأ»(1).

ثمّ عنون الثانية ، وجعل المخالف جميع الفقهاء ، واستدلّ بالإجماع والاحتياط ، دون الرواية(2) . وهو ظاهر في أنّ خلافهم في الاُولى دون الثانية .

ثمّ إنّ الموضوع في المسألة الاُولى يحتمل أن يكون عنوان «الغاسل» ولو لم يمسّ الميّت ، فيكون الخلاف في أنّ الغاسل بما هو هل يجب عليه أم لا ؟

ويحتمل أن يكون المسّ الحاصل بتبع الغسل ؛ بمعنى أنّ للمسّ مصداقين :

الأوّل : ما هو تبع الغسل ، وهو محلّ الخلاف الأوّل .

والثاني : ما هو مستقلّ ، وهو مورد الثاني .

ومقتضى الجمود على ظاهر عنوان «الخلاف» أنّ محطّ البحث الأوّلُ ، كما ربّما تشهد له بعض الروايات ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام

قال : قلت : الرجل يغمّض عين الميّت ، أعليه غسل ؟ قال : «إذا مسّه بحرارته فلا ، ولكن إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل» .

قلت : فالذي يغسّله يغتسل ؟ قال : «نعم»(3) .

وصحيحتِه الاُخرى ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «الغُسل في سبعة عشر

ص: 169


1- سنن أبي داود 2 : 218 / 3161 .
2- الخلاف 1 : 700 - 701 .
3- الكافي 3 : 160 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 428 / 1364 ؛ وسائل الشيعة 3 : 289 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 1 .

موطناً . . .» إلى أن قال : «وإذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته . . .»(1) إلى آخره .

ورواها الصدوق عن أبي جعفر علیه السلام باختلاف يسير ، لكن عطف فيها «كفّنته»

بالواو(2) ، وهو الصحيح .

وصحيحةِ معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الذي يغسّل الميّت أعليه غسل ؟ قال : «نعم» .

قلت : فإذا مسّه وهو سُخْن ؟ قال : «لا غسل عليه ، فإذا برد فعليه الغسل»(3) .

حيث يظهر منها أنّ عنوان «الغاسل» غير عنوان «الماسّ» ويجب على كلّ منهما الغسل .

مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى الجمود على ظاهر ما علّق فيها الغسل على عنوان «من يغسّل الميّت» تارة ، وعلى «من مسّه» اُخرى في سائر الروايات(4) .

لكن مع ذلك لا يمكن الالتزام بوجوبه عليه ولو مع عدم المسّ ؛ لعدم احتماله في كلمات القوم ، فضلاً عن اختياره ، فلا بدّ من حمل ما دلّ على وجوبه على من مسّه حال غسله :

ص: 170


1- تهذيب الأحكام 1 : 114 / 302 ؛ وسائل الشيعة 3 : 307 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 11 .
2- هكذا في الوسائل وفي بعض نسخ الفقيه . راجع الفقيه 1 : 77 / 172 (ط - مؤسسة النشر الإسلامي) ؛ وسائل الشيعة 3 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1367 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 289 و295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 و3 .

أمّا حمل مثل صحيحة ابن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «من غسّل ميّتاً وكفّنه اغتسل غسل الجنابة»(1) على ذلك ؛ فلأنّ غسله ملازم عادة لمسّه ، وقلّما يتّفق التفكيك ، لو لم نقل : لم يتّفق .

وأمّا صحيحته الاُولى المتقدّمة ؛ فلاحتمال أن يكون سؤاله لشبهة أنّ مسّه حال الغسل لا يوجبه ، أو أنّ غسله موجب لسقوط غسل المسّ تبعاً . كما أنّ السؤال في صحيحة معاوية محمول عليه أيضاً ، فلا يكون سؤاله عن عنوان «الغسل» بل عن مسّه في ضمنه ، كما لعلّه المتفاهم عرفاً منها ، بل هو ظاهرها .

وعليه تحمل صحيحة ابن مسلم الاُخرى ؛ ضرورة أنّ التكفين لا يوجب شيئاً ، فيكون المقصود المسّ حال الغسل ، وذكر التكفين لعلّه لأجل أنّ الغاسل هو المكفّن ، ولهذا عدّ فيها للثلاثة غسلاً واحداً ، ولولا ذلك للزم أن يكون الغسل في تسعة عشر موطناً ، لا سبعة عشر ، فالغسل في الثلاثة لعنوان واحد هو «المسّ» فتكون الرواية شاهدة على عدم تعدّد العنوان . وتشهد لذلك حسنة الفضل الآتية الواردة في علّة غسل من غسّل ميّتاً (2) ، بل هي حاكمة على غيرها .

فموضوع البحث هو مسّ الميّت بعد برده وقبل غسله ، كما عنون المحقّق(3) وغيره(4) ، وقد عرفت عنوان الشيخ .

ص: 171


1- تهذيب الأحكام 1 : 447 / 1446 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- تأتي في الصفحة 174 .
3- شرائع الإسلام 1 : 44 .
4- مختلف الشيعة 1 : 149 ؛ جامع المقاصد 1 : 458 .

ولعلّ خلاف العامّة في الغاسل الذي مسّه ، لا الأعمّ ، ولا أظنّ الخلاف في عدم وجوبه على من لم يمسّه .

أدلّة وجوب الغسل

وكيف كان : فالغسل واجب لمسّه إجماعاً ، كما في «الخلاف»(1) ، وعن «الغنية»(2). وفي استفادته من كلامهما كلام. و«هو المشهور» كما عن «المختلف» و«جامع المقاصد» ، و«الكفاية»(3) ، و«مذهب الأكثر» كما عن طهارة «الخلاف» و«التذكرة» و«المنتهى» و«المدارك» و«الكفاية» في موضع آخر(4).

ولم يحكَ الخلاف صريحاً إلاّ عن السيّد(5) . وفي «الخلاف» : «أنّ من شذّ منهم لا يعتدّ بخلافه»(6) .

وتدلّ عليه روايات مستفيضة أو متواترة ، فهي بين آمرةٍ بالغسل ، كصحيحة

محمّد بن مسلم المتقدّمة ، عن أحدهما علیهما السلام (7) ، وصحيحة عاصم بن حُمَيْد(8) ،

ص: 172


1- الخلاف 1 : 701 .
2- غنية النزوع 1 : 40 .
3- مختلف الشيعة 1 : 149 ؛ جامع المقاصد 1 : 458 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 17 .
4- الخلاف 1 : 222 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 134 ؛ منتهى المطلب 2 : 452 ؛ مدارك الأحكام 2 : 277 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 38 .
5- اُنظر الخلاف 1 : 222 ؛ رسائل الشريف المرتضى 3 : 25 .
6- الخلاف 1 : 701 .
7- تقدّمت في الصفحة 169 .
8- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1365 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 3 .

وصحيحة ابن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «من غسّل ميّتاً وكفّنه اغتسل غسل الجنابة»(1) .

وصحيحةِ الحلبي وفيها : «ويغتسل من مسّه»(2) ، وصحيحةِ الأقطع(3) ، وصحيحة حَريز ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (4) .

ومعبّرةٍ ب- «أنّ عليه الغسل» كصحيحة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الذي يغسّل الميّت أعليه غسل ؟ قال : «نعم . . .» إلى أن قال : «فإذا برد فعليه الغسل . . .»(5) إلى آخره .

وصحيحةِ عبداللّه بن سِنان - على الأصحّ (6) - عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «ولكن إذا مسّه وقبّله وقد برد فعليه الغسل»(7) .

وصحيحةِ علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن رجل مسّ ميّتاً ،

ص: 173


1- تقدّمت في الصفحة 171 .
2- الفقيه 1 : 262 / 1197 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 9 .
3- الفقيه 1 : 98 / 451 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 10 .
4- الكافي 3 : 160 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 14 .
5- تقدّمت في الصفحة 170 .
6- بناءً على وثاقة سهل بن زياد وقد تقدّم ما يدلّ على توثيقه في الجزء الأوّل : 78 و267 - 268 .
7- الكافي 3 : 160 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 15 .

عليه الغسل ؟ قال : فقال : «إن كان الميّت لم يبرد فلا غسل عليه ، وإن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسّه»(1) .

ومعبّرةٍ ب- «أ نّه الفرض» كرواية يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : «الغسل في سبعة عشر موطناً ، منها الفرض ثلاثة» .

قلت : ما الفرض منها ؟ قال : «غسل الجنابة ، وغسل من مسّ ميّتاً ، وغسل الإحرام»(2) .

ومعبّرةٍ بمادّة «الأمر» كحسنة الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام قال : «إنّما اُمر من يغسّل الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت ؛ لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته»(3) .

ومعبّرةٍ بمادّة «الوجوب» كصحيحة الصفّار قال : كتبت إليه علیه السلام : رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه ؟ فوقّع : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغُسل»(4) . بناءً على ضمّ المعجمة ، كما لا يبعد .

ص: 174


1- مسائل علي بن جعفر : 198 / 426 ؛ وسائل الشيعة 3 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب1 ، الحديث 18 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 105 / 271 ؛ وسائل الشيعة 2 : 174 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 4 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 114 / 1 ؛ علل الشرائع : 268 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 11 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1368 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 5 .

وفي موثّقة سَماعة أو صحيحته(1) : «وغسل من مسّ الميّت واجب»(2) تأمّل .

إلى غير ذلك ، فلا إشكال في دلالتها على وجوبه . والخدشة فيها من بعضهم(3) في غير محلّها .

حول ما يتمسّك به لعدم وجوب الغسل

نعم ، هنا روايات ربّما يتمسّك بها لعدم الوجوب(4) ، كرواية سعد بن أبي خلف - ولا يبعد أن تكون صحيحة(5) - قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الغسل في

ص: 175


1- رواها الشيخ الطوسي ، عن الشيخ - وهو المفيد رحمه الله - قال : أخبرني أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة . وجه الترديد وقوع عثمان بن عيسى وسماعة في السند ؛ لأنّ عثمان بن عيسى كان شيخ الواقفة ووجهها ومن أصحاب الإجماع على قول ، ولكنّ الظاهر رجوعه عن الوقف . وسماعة بن مهران ثقة عند النجاشي وواقفي عند الشيخ الطوسي . رجال النجاشي : 193 / 517 و : 300 / 817 ؛ رجال الطوسي : 337 / 4 ؛ الفهرست ، الطوسي : 193 / 545 .
2- الفقيه 1 : 45 / 176 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 104 / 270 ؛ وسائل الشيعة 2 : 174 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، ذيل الحديث 3 .
3- ذخيرة المعاد : 91 / السطر 31 .
4- اُنظر التنقيح الرائع 1 : 128 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 331 .
5- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن أحمد بن محمّد ، عن سعد بن أبي خلف . وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، وقد تقدّم الكلام فيه من المصنّف في الجزء الثاني : 409 .

أربعة عشر موطناً ، واحد فريضة ، والباقي سنّة»(1) .

وفيه : أنّ المواطن غير مذكورة فيها ، ولعلّ الباقي المراد منها الأغسال المندوبة ، وإلاّ فلا شبهة في وجوب أغسال اُخر . كما لا إشكال في زيادتها عن أربعة عشر .

ولو قيل : باندراج بعضها في بعض ، يقال : من المحتمل اندراج الواجبات في غسل الجنابة ؛ باعتبار اشتراكها في رفع الحدث الأكبر .

ومع الإغماض عنه لا بدّ من حمل «الفريضة» على ما ثبت وجوبه بالكتاب ، وإلاّ فلا ينحصر الواجب في غسل الجنابة بالضرورة ، فسبيل هذه الرواية سبيل صحيحة عبد الرحمان بن أبي نجران : أ نّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر علیه السلام

عن ثلاثة نفر كانوا في سفر : أحدهم جنب ، والثاني ميّت . . . إلى أن قال : «لأنّ غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة»(2) .

وقريب منها رواية الحسين بن النضر(3) ، وغيرها (4) ؛ ضرورة وجوب غسل الميّت .

ولو كان المراد من «أربعة عشر موطناً» هو المعدودة في محكيّ «الخصال»

ص: 176


1- تهذيب الأحكام 1 : 110 / 289 ؛ وسائل الشيعة 2 : 176 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 11 .
2- الفقيه 1 : 59 / 222 ؛ وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 110 / 287 ؛ وسائل الشيعة 3 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 .

صحيحةً عن عبداللّه بن سِنان(1) ، لوجب حملها على ما ذكر ؛ لأنّ فيها غسل الميّت ، وهو واجب بلا شبهة .

ومنه يظهر الجواب عن مرسلة الصدوق ، عن أبي جعفر علیه السلام وصحيحة محمّد ابن مسلم ، والظاهر كونهما واحدة كما مرّ(2) ، وفيها - بعد عدّ جملة من الأغسال ، منها غسل المسّ - قال : «وغسل الجنابة فريضة» . هذا مع عدم المفهوم لها .

ومنه يظهر الجواب عن رواية الأعمش ، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام ، وفيها

- بعد عدّ جملة منها غسل المسّ - قال : «وأمّا الفرض فغسل الجنابة ، وغسل الجنابة والحيض واحد»(3) .

مضافاً إلى أنّ من جملة المعدود فيها غسل الميّت ، وهو معلوم الوجوب ، فلا بدّ من رفع اليد عن مفهومها - لو سلّم المفهوم - أو حملها على ما تقدّم .

ومن بعض ما تقدّم يظهر الجواب عن رواية عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي علیهم السلام قال : «الغسل من سبعة : من الجنابة ، وهو واجب ، ومن غسل الميّت ، وإن تطهّرت أجزأك . . .»(4) وذكر غير ذلك .

فإنّ إثبات الوجوب لغسل الجنابة ، لا يدلّ على النفي عن غيره . ولو استدلّ له بقوله علیه السلام : «وإن تطهّرت . . .» إلى آخره ، فلم يتّضح معناه ؛ لاحتمال كون

ص: 177


1- الخصال : 498 / 5 .
2- تقدّم في الصفحة 170 .
3- الخصال : 603 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 306 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 464 / 1517 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 8 .

المراد من «التطهّر» غسل الجنابة ، ويريد إجزاءه عن غسل المسّ . ولعلّ التعبير

ب- «التطهّر» تبعاً للكتاب ، حيث قال : )وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا((1) .

وحملها الشيخ على التقيّة(2) ، ولا بأس به لو اُغمض عمّا ذكرناه .

وأمّا رواية الحسن بن عبيد قال : كتبت إلى الصادق علیه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عند موته ؟ فأجاب : «النبيّ طاهر

مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين ، وجرت به السنّة»(3) .

فهي ظاهرة في معروفية ثبوت الغسل لمسّ الميّت ، وإنّما سأل عن مسّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لخصوصية فيه ، فأجاب بما أجاب ، فيظهر منها أنّ غسل مسّ المعصوم علیه السلام سنّة ؛ لكونه طاهراً مطهّراً ، وحكمه غير حكم مسّ غيره ، فلا بدّ - بعد ثبوته - أن يكون واجباً ، فتدلّ على المقصود ؛ أي وجوبه لمسّ غير الطاهر .

وأمّا رواية «الاحتجاج»(4) ، فظاهرة في المسّ حال الحرارة كما لا يخفى . وتدلّ عليه مكاتبة اُخرى(5) ، فراجع .

ص: 178


1- المائدة (5) : 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 464 ، ذيل الحديث 1517 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 469 / 1541 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 7 .
4- الاحتجاج 2 : 564 / 354 ؛ وسائل الشيعة 3 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 4 ، وقد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 97 .
5- الاحتجاج 2 : 564 / 354 ؛ وسائل الشيعة 3 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 5 ، وقد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 97 - 98 .

وأمّا عدّه في عداد المستحبّات(1) ، فلا دلالة على استحبابه ، كما عُدّ غسل الميّت والحيض في عدادها .

وأمّا ما دلّ على حصر النواقض في غيره(2) ، فمضافاً إلى أنّ الكلام في وجوبه لا ناقضيته ، أنّ تلك الروايات في مقام الردّ على العامّة الذين عدّوا كثيراً من الاُمور من النواقض ، فالحصر إضافي ، فراجعها .

فتحصّل ممّا ذكر : أن لا معارض للروايات الدالّة على وجوبه ، فلا إشكال فيه . كما لا إشكال في عدم الغسل لمسّه قبل البرد ، كما صرّحت به جملة من الروايات(3) ، فيحمل عليها إطلاق غيرها لو كان .

وكذا لا إشكال في عدم شيء بمسّه بعد الغسل ، كما صرّح به في صحيحة ابن مسلم(4) ، وعبداللّه بن سِنان(5) ، فلا بدّ من حمل موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «يغتسل الذي غسّل الميّت ، وكلّ من مسّ ميّ-تاً فعليه

ص: 179


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 4 - 11 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 4 و15 و18 .
4- عن أبي جعفر عليه السلام قال : «مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس» . تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1370 ؛ وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1372 ؛ وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 2 .

الغسل وإن كان الميّت قد غسّل»(1) على الاستحباب ، أو غير ذلك .

هذا إذا لم يجز جعل اسم «كان» ضميراً راجعاً إلى «من مسّ» وجعل الجملة التي بعدها خبرها ؛ بدعوى عدم جواز جعل معمول الخبر تلو العامل(2) ، وإلاّ فتسقط عن الدلالة على الخلاف . فلا دليل على استحبابه إلاّ إشعار بعض الروايات ، كصحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها قال : فمن أدخله القبر ؟ قال : «لا ، إنّما مسّ الثياب»(3) .

ونحوها صحيحة حَريز(4) ، فهما مشعرتان أو ظاهرتان في أ نّه إذا مسّ جسده فعليه الغسل ، فلا بدّ من حملهما على الاستحباب جمعاً ، والأمر سهل .

ناقضية مسّ الميّت للطهارة

ثمّ الظاهر أنّ المسّ من الأحداث الموجبة لنقض الطهارة ، كما عن «النهاية» ،

و«الدروس» ، و«الذكرى» ، و«الألفية»(5) .

وعن «شرح المفاتيح» : «أنّ المشهور المعروف بين الفقهاء أنّ مسّ الميّت

ص: 180


1- تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1373 ؛ وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- أوضح المسالك 1 : 248 ؛ البهجة المرضيّة 1 : 102 .
3- الفقيه 1 : 98 / 451 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 10 .
4- الكافي 3 : 160 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 14 .
5- النهاية : 18 ؛ الدروس الشرعية 1 : 88 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 217 ؛ رسائل الشهيد الأوّل ، الألفي-ة : 162 .

من الناس حدث أكبر ، كالجنابة والحيض»(1) . وعن «الحدائق» دعوى عدم الخلاف بينهم(2) .

لا لمجرّد أنّ الأمر بالغُسل عند مسّه ، ظاهر في أ نّه مثل الجنابة من الأحداث المقتضية للطهارة ؛ لأنّ الظاهر منه أنّ الغسل رافع لما يحدث بالمسّ ، لكن لا يجدي ذلك في إثبات أنّ ما يحدث به حدث مانع للصلاة . وقياسه على سائر الأحداث كما ترى .

وبعبارة اُخرى : أنّ الظاهر من ترتّب وجوب الغُسل على المسّ ، أ نّه دخيل في ذلك ، والمتفاهم منه عرفاً أنّ المسّ موجب لحدوث حالة معنوية للماسّ لا ترتفع إلاّ بالغسل ، وأمّا كون تلك الحالة مانعة عن الصلاة ، أو أنّ الغسل منه شرط لها فلا ، إلاّ بالقياس على الجنابة وغيرها .

بل لدلالة جملة من الروايات كمكاتبتي الحسن بن عبيد والصيقل قال : كتبت إلى الصادق علیه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عند موته ، فأجابه : «النبي طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين ، وجرت به السنّة»(3).

حيث إنّ الظاهر منهما أنّ مسّ غير الطاهر المطهّر من حدث الموت ، موجب للغسل ، والظاهر منه أنّ إيجابه له إنّما هو بنحو من السراية ، كما أنّ الظاهر من

ص: 181


1- مصابيح الظلام 4 : 38 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 339 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 469 / 1541 ؛ الاستبصار 1 : 99 / 323 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 7 .

أدلّة غسل ملاقي النجاسات ذلك ، فالمفهوم منهما أنّ مسّ الأموات موجب لحصول حالة شبيهة بما في الأموات ؛ أي القذارة المعنوية المقابلة للطهارة ، وترتفع بالغسل وتتطهّر به .

فإذا ضمّ ذلك إلى قوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور»(1) ، يتمّ المطلوب . ويؤيّده - بل يدلّ عليه - ما دلّ على أنّ غسل الأموات غسل الجنابة(2) .

وكحسنة(3) الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام قال : «إنّما اُمر من يغسّل

الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت . . .»(4) إلى آخره .

وقريب منها رواية محمّد بن سِنان ، عنه علیه السلام . لكن في ذيلها : «لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته ، فلذلك يتطهّر منه ويطهّر»(5) .

وهما كالصريح في أنّ المسّ موجب للقذارة والحدث المقابلين للطهارة ، وهي تحصل بالغُسل ، ولمّا كان بصدد بيان علّة الاغتسال فلا بدّ من حمل «ما أصابه» على قذارة معنوية مقابلة للطهور الحاصل بالغُسل - بالضمّ - .

وأصرح من ذلك ذيل الثانية ؛ أي «يتطهّر منه ويطهّر» إذ معلوم أنّ المراد التطهير من الحدث ، كتطهير الميّت منه .

ص: 182


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 101 ، الهامش 1 .
4- تقدّمت في الصفحة 174 .
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 89 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 12 .

بل يمكن الاستشهاد لذلك بالقول المحكيّ عن أمير المؤمنين علیه السلام في رواية

زيد بن علي علیه السلام قال : «الغسل من سبعة : من الجنابة ، وهو واجب ، ومن غسل الميّت ، وإن تطهّرت أجزأك»(1) .

بناءً على أنّ المراد التطهير من الجنابة ، كما احتملناه(2) ، أو التطهير من مسّ الميّت ، كما احتمله الحرّ في «الوسائل»(3) . وكيف كان : لا إشكال في كونه حدثاً مانعاً من الصلاة وغيرها ممّا هو مشروط بالطهارة .

وهل هو ناقض للوضوء ، فلو كان على وضوء ومسّه ، يجب عليه الغسل والوضوء إن قلنا بعدم كفاية الأوّل عن الثاني كما هو الحقّ ؟ وجهان :

لا يبعد أقربية الأوّل ، ويمكن الاستدلال عليه برواية ابن أبي عمير ، عن

حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «في كلّ غسل وضوء إلاّ

الجنابة»(4) .

وفي مرسلته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : «كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة»(5) .

ص: 183


1- تهذيب الأحكام 1 : 464 / 1517 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 8 .
2- تقدّم في الصفحة 177 - 178 .
3- وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، ذيل الحديث 8 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 143 / 403 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 2 .
5- الكافي 3 : 45 / 13 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 139 / 391 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 1 .

بدعوى : أنّ الظاهر أنّ الحكم فعلي ؛ وأنّ كلّ غسل يجب قبله أو بعده وضوء ، ومقتضى الإطلاق لزومه ولو مع كونه على وضوء قبل تحقّق السبب ، لا حيثي يراد به أنّ غير غسل الجنابة لا يجزي عن الوضوء ، حتّى يقال : لا يراد لزوم الوضوء حتّى مع الفرض ، فتدلّ على سببية ما يوجب الغسل للوضوء أيضاً ، وعدم إجزاء الغسل عنه .

نعم ، على ما احتملناه سابقاً من أنّ المراد اشتراط تحقّق الغسل بالوضوء(1) ، تكون أجنبيّة عن المقام . لكن لا يبعد دعوى كون ذلك الاحتمال خلاف الظاهر ، ولهذا لم أجد احتماله في كلماتهم .

وكيف كان لو لم يكن الناقضية أقوى فهي أحوط .

بدلية التيمّم عن الغسل بالنسبة إلى الميّت في جميع الآثار

وهل يلحق المتيمّم بالمغتسل مطلقاً في رفع حدثه وخبثه ، أو لا مطلقاً ، أو يلحق في رفع الأوّل ؟ وجوه :

أقواها الأوّل ، لا لما قد يقال : «إنّه مقتضى عموم أدلّة البدلية»(2) ؛ لعدم الدليل على عمومها حتّى في الخليطين :

أمّا دليل تنزيل التراب منزلة الماء فظاهر .

وأمّا مثل قوله علیه السلام : «إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء

ص: 184


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 278 - 281 .
2- كشف اللثام 2 : 245 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 269 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 5 : 200 .

طهوراً»(1) ؛ فلأنّ تلك الروايات ناظرة إلى الآية الكريمة(2) التي أفادت بدليته عن الماء في الوضوء وغسل الجنابة ، وليست مطلقة خرجت منها الطهارة من الأخباث في جميع الموارد إلاّ ما ندر ، كما لا يخفى ، فسبيل تلك الطائفة سبيل دليل التنزيل .

ولا لما يقال : «إنّه حيث علم أنّ غسله ليس إلاّ غسل الجنابة ، وأ نّه يغسّل الميّت لصيرورته جنباً ، فيكون الحال حينئذٍ بمنزلة ما لو بيّن الشارع للجنابة سبباً آخر غير السببين المعهودين ، فلا يشكّ حينئذٍ في قيام التيمّم مقام غسلها حال الضرورة ؛ بمقتضى عموم ما دلّ على أ نّه أحد الطهورين ، فيعلم أنّ التعدّد وتشريك غير الماء معه في طهوريته لخصوصية المورد ، فاعتبار ذلك لا يمنع من شمول أدلّة البدلية . خصوصاً مع أنّ السبب الأعظم الذي يستند إلى الطهورية إنّما هو الماء ، وخصوصياته المعتبرة - ككونه بماء السدر والكافور - بمنزلة الأوصاف غير المقوّمة»(3) .

وذلك لأ نّه بعد الاعتراف بأنّ الخليط دخيل في الرفع ، وليس الماء القُراح تمام السبب في ذلك ، لا بدّ من التماس دليل على قيام التراب منزلة الماء المخلوط الذي يكون الخلط جزء سبب الرفع . ومجرّد كون الماء ، السبب الأعظم - على فرض تسليمه - لا يفيد في قيام التيمّم مقامه .

ص: 185


1- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 1 .
2- المائدة (5): 6 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 5 : 200 .

وكون غسله غسل الجنابة - على فرض تسليم كون تلك الجنابة كسائر الجنابات ، والغضِّ عمّا في النصوص من خروج النطفة التي خلق منها من فمه أو غيره(1) ، الدالّ على أنّ هذه من غير سنخ سائر الجنابات - لا يفيد أيضاً بعد كون السبب الرافع - ولو لخصوصية المورد - غير الماء القراح ، بل الأغسال الثلاثة بالمقرّرات الخاصّة ، ومعه لا بدّ من دلالة دليل على قيام التراب منزلة السبب ، وهو مفقود .

بل للأدلّة الخاصّة الدالّة على وجوب تيمّم الميّت مع فقد الماء ، كصحيحة عبد الرحمان بن أبي نجران : أ نّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر علیه السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر : أحدهم جنب ، والثاني ميّت ، والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ، ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء ، وكيف يصنعون ؟ قال : «يغتسل الجنب ، ويدفن الميّت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء ؛ لأنّ غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة ، والتيمّم للآخر جائز»(2) .

وفي نسخة من «الوسائل» الموجودة لديّ نقلها بهذا المتن عن الشيخ ، بسنده عن عبد الرحمان ، عمّن حدّثه ، عن الرضا علیه السلام لكن عن «المدارك» نقل الصحيحة مع سقوط لفظ «بتيمّم»(3) .

ص: 186


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 .
2- الفقيه 1 : 59 / 222 ؛ وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 1 .
3- مدارك الأحكام 2 : 85 .

وأورد عليه صاحب «الحدائق» : «بأنّ الصحيحة بسند الصدوق مشتملة عليه . نعم لم تشتمل عليه رواية الشيخ(1) ، وهي غير صحيحة» .

ثمّ قال : «إنّ صاحب «الوافي»(2) و«الوسائل» قد نقلا هذه الرواية من «التهذيب» بهذا المتن - الذي ذكره ؛ أي مع سقوطه - ثمّ نقلاها عن «الفقيه» وأحالا المتن على ما نقلاه عن «التهذيب» ولم ينبّها على الزيادة» .

ثمّ قال : «إنّي قد تتبّعت نسخاً عديدة مضبوطة من «الفقيه» فوجدت الرواية فيها كما ذكرته من الزيادة»(3) انتهى .

لكن في نسخة «الوسائل» عكس ما قال في «الحدائق» فإنّه نقل صحيحة ابن أبي نجران من «الفقيه» مع الزيادة ، ثمّ نقل عن «التهذيب» وأحال المتن على ما نقل عن «الفقيه»(4) .

وكيف كان : هذه الصحيحة المشتملة على الزيادة ، حجّة قاطعة على وجوب تيمّمه مع فقد الماء .

وتدلّ على وجوبه عند العذر رواية عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي علیهم السلام قال : «إنّ قوماً أتوا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقالوا : يا رسول اللّه ، مات صاحب لنا وهو مجدور ، فإن غسّلناه انسلخ ، فقال : يمّموه»(5) .

ص: 187


1- تهذيب الأحكام 1 : 109 / 285 .
2- الوافي 6 : 569 / 32 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 473 - 474 .
4- وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 333 / 977 ؛ وسائل الشيعة 2 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 16 ، الحديث 3 .

وقد يقال بجبر سندها بفتوى الأصحاب بمضمونها ، وذكره في المتون(1) .

وجه الدلالة على المقصود : أنّ المتفاهم منهما - بعد مسبوقية ذهن المتشرّعة بقيام التيمّم مقام الغسل في الجنابة وغيرها - أنّ الأمر بالتيمّم عند فقد الماء والتعذّر ؛ لأجل حصول ما يحصل بالغسل به في هذا الحال ، ولا يكون التيمّم أجنبيّاً غير مؤثّر في تطهير الميّت ؛ لمقطوعية خلافه ، ومخالفته لارتكاز المتشرّعة ، فالمفهوم منهما أ نّه يقوم مقام الغسل في جميع الآثار ومنها رفع الخبث ؛ فإنّ الرافع له مع نجاسته العينية ليس الغَسل - بالفتح - بل الغُسل .

وبالجملة : إنّ أدلّة البدلية كتاباً وسنّة ، صارت موجبة لاستظهار ما ذكرناه

من الدليل الخاصّ لو فرض قصوره ؛ وإن لم تكن بنفسها دالّة عليه ، فالأقوى قيامه مقامه في رفع الخبث أيضاً . نعم ، رفعه لهما في موضوع خاصّ ، أو إلى أمد خاصّ ، كما مرّ في باب التيمّم(2) .

قيام الأغسال الاضطرارية للميّت مقام الغسل الاختياري

ومن هنا يظهر حال الأغسال الاضطرارية ؛ سواء كان مستندها الأدلّة الخاصّة ، كغسل المحرم بلا كافور ، أو كون الغاسل كافراً أو مخالفاً ، أو مستندها أدلّة التقيّة ، كالغسل على طبق أهل الخلاف تقيّةً ، أو دليل الميسور ، أو إطلاق أدلّة

الغسل مع قصور دليل اعتبار الشرط والقيد مثلاً : أمّا الأخير فواضح .

وأمّا ما عداه ، فلظهور الأدلّة الخاصّة والعامّة في أنّ الطبيعة المأتيّ بها حينئذٍ ،

ص: 188


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 5 : 199 - 200 .
2- تقدّم في الجزء الثاني : 242 .

ليست أمراً أجنبيّاً عن تحصيل ما يترقّب من الغسل من رفع الحدث والخبث ، بل

المتفاهم منها أنّ الغسل الذي أوجبه اللّه تعالى - لتطهير الميّت حدثاً وخبثاً ، ولملاقاته لملائكة اللّه طاهراً نظيفاً - هو المصداق الاضطراري لدى الاضطرار ، وأ نّه موجب لتطهّره ، فهل يمكن أن يقال : إنّ المحرم المحروم من الكافور باقٍ على جنابته ونجاسته ، ويكون الأمر بغسله لا للتطهير منهما ، بل لمطلوبية نفسية بلا ترتّب أثر عليه ؟ ! ولا أظنّ التزام مثل الشيخ الأعظم المستشكل في المسألة بذلك فيه(1) . وكذا فيما إذا كان الغاسل كافراً ، فإنّ الظاهر من الأدلّة أ نّه يأتي بالغسل الذي يترتّب عليه الآثار المطلوبة .

بل الأمر كذلك لو كان الدليل المثبت قاعدة الميسور ؛ لأنّ الأرجح في معنى قوله علیه السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور»(2) أنّ ميسور الطبيعة لا يسقط بمعسورها ؛ بمعنى أنّ الطبيعة المأمور بها التي يكون لها فردان - اختياري واضطراري - لا تسقط عن العهدة بمعسورية الاختياري ، بل يؤتى بها بمصداقها الميسور ، فالطبيعة المأتيّ بها حال الاضطرار عين المأتيّ بها حال الاختيار ، والاختلاف في الخصوصيات الفردية ، فيترتّب عليها ما يترتّب على الاختياري منها .

وقد فرغنا في رسالة التقيّة عن أنّ المأتيّ به حالها مجزٍ عن الواقع ، ويترتّب

عليه ما يترتّب على الفرد المأتيّ به في غير حالها (3) .

ص: 189


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 266 .
2- عوالي اللآلي 4 : 58 / 205 .
3- الرسالات الفقهية والاُصولية ، الإمام الخميني قدس سره: 67 .

فما أفاده شيخنا الأعظم : «من انصراف الغسل في الأخبار إلى الغسل الاختياري التامّ ، ولا دليل على قيام الاضطراري مقام الاختياري في جميع الأحكام»(1) ، غير متّجه .

حكم من لا يجب تغسيله بعد الموت

وأمّا من لا يجب تغسيله :

إمّا لتقديم غسله على موته كالمرجوم ، أو لكونه شهيداً لا يغسّل كرامةً ، أو لكونه كافراً لا يغسّل إهانةً ، ولقصور المحلّ عن التأثّر .

فالأظهر عدم إيجاب الموت في الأوّلين الجنابة والنجاسة ؛ لظهور دليل أوّلهما في أنّ غسله المعهود صار مقدّماً .

ولا يتوهّم عدم معقولية تأثير السبب المتقدّم في رفع أثر السبب المتأخّر زماناً ؛ لأ نّه بعد ظهور الدليل في أنّ غسله غسل الميّت قدّم على موته ، نلتزم بمانعيته عن تأثير السبب - أي الموت - في الحدث والخبث .

وبالجملة : الظاهر من دليل تقديم الغسل ، أنّ الأثر المترتّب على الغسل المتأخّر مترتّب عليه وإن كان نحو التأثير مختلفاً ؛ لكون المتأخّر رافعاً ، وهو دافع .

واحتمال أنّ وجوب الغسل المتقدّم بملاك آخر غير ملاك سائر الأغسال ، وأنّ المرجوم لا بدّ وأن يدفن جنباً ونجساً ، في غاية السقوط .

وأمّا الشهيد ، فلا شبهة في أنّ سقوط غسله إنّما هو لكرامة فيه ؛ وأ نّه لعلوّ

ص: 190


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 433 .

قدره لا يصير جنباً ، ولا نجساً ، ومعه لا يجب على من مسّه غَسل ولا غُسل .

أمّا بالفتح فواضح .

وأمّا بالضمّ ؛ فلظهور الأدلّة في أنّ الموجب له مسّ غير المطهّر .

فلا إشكال في المسألة وإن قال الشيخ الأعظم : «إنّ المسألة لا تخلو من إشكال»(1) .

وأمّا الثالث ، فيجب الغسل بمسّه ؛ لإطلاق مثل صحيحة عاصم بن حُمَيْد قال :

سألته عن الميّت إذا مسّه إنسان ، أفيه غسل ؟ قال : فقال : «إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل»(2) .

بل الظاهر من سائر الأخبار أنّ الموجب للغسل هو المسّ ؛ وأنّ الغسل غاية لرفع الحكم ، لا قيد في الموضوع ، فظاهر مثل قوله علیه السلام : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل»(3) ، أنّ مسّ جسده موجب لذلك ، والغسل غاية لرفع الحكم ، لا أنّ مسّ جسد من يجب غسله أو من يغسّل موجب له . وتدلّ عليه رواية «العلل»(4) ، وغيرها (5) .

بل ربّما يتمسّك له(6) بمثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام :

ص: 191


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 434 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1365 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 3 .
3- تقدّم في الصفحة 174 .
4- تقدّمت في الصفحة 174 .
5- راجع وسائل الشيعة 3 : 289 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 .
6- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 437 .

في رجل مسّ ميتة ، أعليه الغسل ؟ قال : «لا ، إنّما ذلك من الإنسان»(1) .

وفيه كلام وإشكال .

عدم الفرق في الماسّ والممسوس بين ما تحلّه الحياة وغيره
اشارة

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق بعض الروايات - كصحيحتي علي بن جعفر(2) ، ومحمّد بن مسلم(3) وغيرهما - عدم الفرق في الماسّ والممسوس بين ما تحلّه الحياة وغيره .

نعم ، لا يبعد الانصراف أو عدم الصدق في الشعر ، سيّما المسترسل منه . وعلى فرض الإطلاق يمكن القول بالتفصيل في الممسوس بينه وبين غيره ؛ لصحيحة عاصم بن حميد المتقدّمة آنفاً ؛ فإنّ الظاهر من ذكر الجسد - سيّما بعد فرض الراوي مسّ الميّت - أنّ له دخالة في الحكم ، وهو علیه السلام ذو عناية بذكره ، والظاهر عدم صدقه على الشعر . بل لا يبعد مساوقته للبشرة .

نعم ، لا شبهة في صدقه على مثل الظفر والعظم والسنّ .

وأمّا مكاتبة الصفّار الصحيحة قال : كتبت إليه : رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه ؟ فوقّع علیه السلام : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل»(4) .

ص: 192


1- تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1374 ؛ وسائل الشيعة 3 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- تقدّمت في الصفحة 173 - 174 .
3- تقدّمت في الصفحة 169 .
4- تقدّمت في الصفحة 174 .

ففي دلالتها تأمّل ناشئ من احتمال كون «الغسل» بالفتح بمناسبة السؤال ، وإن كان المظنون ضمّه ، ومن احتمال كون ذكر الجسد في مقابل الثوب المذكور في السؤال .

ويمكن التمسّك للتفصيل بين الشعر وغيره بمكاتبة الحسن بن عبيد المتقدّمة (1)، فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «النبي طاهر مطهّر» ، أنّ علّة الغسل من المسّ نحو سراية من الممسوس إلى الماسّ ، والمناسبة تقتضي أن تكون السراية في الخبثية نحوَها ، وفي الحدثية نحوَها ، فإن قلنا : بأنّ الشعر كما أ نّه لا ينجس

لا يصير معروضاً للحدث ، ولا يجب غسله في غسل الجنابة ولا غسل الميّت ، تدلّ الرواية على عدم لزوم الغسل بمسّه ؛ لعدم السراية منه . ومنه يظهر دلالة رواية «العلل» و«العيون»(2) ومحمّد بن سِنان عن الرضا علیه السلام (3) عليه .

نعم ، إن قلنا بوجوب غسل الشعر في الجنابة وغسل الميّت - كما لا يبعد - فلا تكون الروايات شاهدة على التفصيل .

وكيف كان : الأقوى التفصيل في الممسوس ، كما لا يبعد في الماسّ أيضاً ؛ لقوّة دعوى الانصراف ، أو عدم الصدق .

وأمّا التفصيل بين ما تحلّه الحياة وغيره ؛ تشبّثاً بحسنة(4) الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام قال : «إنّما لم يجب الغسل على من مسّ شيئاً من الأموات

ص: 193


1- تقدّمت في الصفحة 178 .
2- تقدّمت في الصفحة 174 .
3- تقدّمت في الصفحة 182 .
4- راجع ما تقدّم في الصفحة 101 ، الهامش 1 .

غير الإنسان - كالطيور والبهائم والسباع وغير ذلك - لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبّسة ريشاً وصوفاً وشعراً ووبراً ، وهذا كلّه ذكيّ لا يموت ، وإنّما يماسّ منه الشيء الذي هو ذكيّ من الحيّ والميّت»(1) .

ففي غاية الإشكال ، بل غير وجيه وإن ذهب إليه الشيخ الأعظم(2) ؛ فإنّ ما ذكر إن كان علّة للتفصيل بين ما تحلّه الحياة وغيره ، لا بين الإنسان وغيره ، فلا إشكال في مخالفتها للإجماع ، بل الضرورة .

وإن كان نكتة للتشريع بمعنى أنّ الأغلب لمّا كان الملاقاة لغير الإنسان بما ذكر صار ذلك علّة لجعل عدم البأس لملاقاته مطلقاً ، أو لعدم جعل الحكم له كذلك مسّ البشرة أو غيرها ، يكون مقتضى المقابلة أنّ مسّ ميّت الإنسان مطلقاً موجب له ، وإن كانت نكتة التشريع غلبة المباشرة مع البشرة ، فتكون شاهدة على خلاف المقصود . ولا أقلّ من عدم الدلالة على التفصيل .

وبالجملة : كيف يمكن الاستدلال للتفصيل بما يكون محلّ التفصيل منه غير مراد جزماً ، فما أفاده شيخنا الأعظم في وجه التمسّك غير وجيه . والتفصيل بين ما تحلّه وغيره في الممسوس ضعيف ، فضلاً عن الماسّ وإن فصّل الشهيد في «الروض» بينهما في الماسّ والممسوس(3) .

ص: 194


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 114 / 1 ؛ علل الشرائع : 268 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 6 ، الحديث 5 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 437 .
3- روض الجنان 1 : 311 .

فروع :

الفرع الأوّل: في حكم مسّ القطعة المبانة من الميّت والحيّ
اشارة

مقتضى الأصل : أنّ مسّ القطعة المبانة من الميّت موجب للغسل ؛ سواء كانت مشتملة على العظم ، أو لا ، أو عظماً مجرّداً ؛ حتّى السنّ والظفر ، فكلّ ما يوجب مسّه الغسل حال الاتّصال يوجبه حال الانفصال ؛ لاستصحاب الحكم التعليقي ، وقد فرغنا عن جريانه إذا كان التعليق شرعياً (1) ، كما في المقام .

وقد يتوهّم عدم جريانه «لأ نّه فرع إحراز الموضوع ، والقدر المتيقّن الذي علم ثبوته عند اتّصال العضو بالميّت ، إنّما هو وجوب الغسل بمسّ الميّت المتحقّق بمسّ عضوه ، وهو مفروض الانتفاء عند الانفصال . وسببية العضو من حيث هو لم يعلم في السابق حتّى يستصحب»(2) .

وفيه : أنّ موضوع الاستصحاب ليس عين الدليل الاجتهادي حتّى يشكّ فيه مع الشكّ في الثاني ، ويعلم انتفاؤه مع العلم بانتفائه ؛ ضرورة أنّ موضوع الأدلّة الاجتهادية هو العناوين الأوّلية ، مثل «الميّت» و«العنب» و«العالم» وغيرها .

وأمّا الاستصحاب فجريانه يتوقّف على صدق نقض اليقين بالشكّ ، ووحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها .

فإذا اُشير إلى موضوع خارجي كالعنب ويقال : «إنّ هذا الموجود إذا غلى

ص: 195


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 151 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 122 .

عصيره يحرم» ثمّ يبس وخرج عن عنوان العنبية ، لكن بقيت هذيته وتشخّصه عرفاً - بحيث يقال : «إنّ هذا الموجود عين الموجود سابقاً وإن تغيّر صفةً» - فلا شبهة في جريان الاستصحاب فيه مع العلم بتبدّل موضوع الدليل الاجتهادي ، كما في المثال ؛ لأنّ موضوعه عصير العنب ، وهو لا يصدق على الزبيب جزماً ، لكن العنب الخارجي متيقّن الحكم بهذيته ، لا بمعنى تعلّق الحكم على عنوان «هذيته» بل بمعنى تعلّق اليقين بأنّ هذا الموجود الذي هو مصداق العنوان ذو حكم ؛ بتشكيل صغرى وجدانية وكبرى اجتهادية .

ففي المقام يصحّ أن يقال مشيراً إلى كفّ الميّت المتّصلة به : «إذا مسست هذه يجب عليّ الغسل» فإذا قطعت منه وانفصلت لا تتغيّر إلاّ في بعض الحالات ، فالقضيّة المتيقّنة عين المشكوك فيها ، وهو الميزان في جريان الاستصحاب ، وأمّا تغي-ير موضوع الدليل الاجتهادي فأجنبيّ عن جريانه ولا جريانه . وهذا الخلط يسدّ باب جريانه في كثير من الموارد .

والعجب من قوله أخيراً : «إنّ سببية مسّ يده من حيث هو لم تعلم في السابق حتّى تستصحب»(1) لأ نّه إذا علم سببيته من حيث هو بلا دخالة شيء آخر ، فيتمسّك بإطلاق الدليل لا الاستصحاب ، إلاّ مع دعوى قصور الأدلّة عن إثبات الحكم حال الانفصال ولو في الفرض .

ثمّ إنّه لا فرق في اقتضاء الاستصحاب ذلك بين القطعات ، كما أشرنا إليه(2) . هذا حال الجزء المبان من الميّت .

ص: 196


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 122 .
2- تقدّمت في الصفحة 195 .

وأمّا المبان من الحيّ ، فمقتضى الاستصحاب عدم إيجابه شيئاً إن قلنا بجريانه في مثل المقام ، وإلاّ فمقتضى البراءة ذلك . والخروج في المسألتين عن مقتضى الأصل يحتاج إلى الدليل .

وأمّا الأدلّة الاجتهادية ، فما اشتملت على مسّ الميّت أو مسّ جسده ، فلا إشكال في عدم شمولها لمسّ القطعة المنفصلة ؛ لعدم صدق «الميّت» ولا «جسده» عليها عرفاً ؛ سواء انفصلت من حيّ أو ميّت .

ودعوى إلغاء الخصوصية عرفاً ؛ إذ لم يفرّق العرف بين حال الاتّصال والانفصال ، فاسدة جدّاً في مثل هذا الحكم التعبّدي المجهول العلّة .

كما أنّ التمسّك بالتعليل الوارد في رواية «العلل» وغيرها ؛ بدعوى أنّ العلّة لوجوب الغسل إذا كانت إصابة نضح الميّت وآفاته ، فهي متحقّقة مع الانفصال من الميّت ، في غير محلّه ؛ لأنّ العلّة فيها غير حقيقية ، ولا يكون الحكم دائراً مدارها ، وإلاّ لزم الالتزام بعدم الوجوب إذا فرض العلم بنظافة الميّت ، وعدمِ آفات صورية فيه ، وهو كما ترى ، فتلك العلل ليست معمّمة ولا مخصّصة .

مع أنّ المراد فيها ليس النضح الظاهري ، ولا الآفات الظاهرية ؛ فإنّها ترتفع بتنظيف اليد المماسّة وتطهيرها ، لا بالغسل الذي هو أمر تعبّدي ، كما لا يخفى .

وقد يستدلّ(1) لإثبات الحكم للقطعة المنفصلة من الميّت بإطلاق مرسلة أيّوب بن نوح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم ، فقد وجب على من

ص: 197


1- راجع تذكرة الفقهاء 2 : 135 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 426 .

يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(1) .

ولا شبهة في جبرها باتّكال الأصحاب عليها قديماً وحديثاً (2) ؛ ضرورة أنّ الفتوى بمثل هذا الحكم التعبّدي - الذي هو مضمون المرسلة - لا يمكن إلاّ بالاتّكال عليها ؛ فإنّ ما في «الفقه الرضوي»(3) مخصوص بالميّت ، فلم يكن مستند الحكم في الحيّ ، فالخدشة فيها من جهة القطع(4) في غير محلّها .

كما أنّ إطلاقها غير بعيد ، سيّما إذا قلنا : بأنّ «الرجل» بكسر الراء وسكون المعجمة ، كما لا يبعد ، ولا يكون قوله علیه السلام : «فهي ميتة» موجباً لصرفها إلى الحيّ ؛ فإنّ المراد بقوله ذلك تنزيل القطعة منزلة الميتة ، وإلاّ فليس صدق الميتة على العضو حقيقياً .

وكيف كان : لا يبعد الإطلاق . بل لو شكّ في الانصراف - بعد شمول اللفظ ، وصدق الطبيعة عليهما - يشكل رفع اليد عنه بمجرّده ؛ لأ نّه شكّ في انصراف الكلام عن ظاهره اللغوي . إلاّ أن يقال : بأنّ إحراز عدم الانصراف من مقدّمات الأخذ بالإطلاق وهو ممنوع .

ص: 198


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1369 ؛ وسائل الشيعة 3 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- راجع تذكرة الفقهاء 2 : 135 ؛ مستند الشيعة 3 : 66 ؛ جواهر الكلام 5 : 340 .
3- في فقه الرضا عليه السلام : «وإن مسست شيئاً من جسد أكيلة السبع فعليك الغسل ، إن كان فيما مسست عظم ، وما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسّه» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 174 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 2 ، الحديث 1 .
4- المعتبر 1 : 352 .

وأمّا ما قيل : «من أنّ الرواية وإن انصرفت إلى الحيّ ، لكن يلحق به الميّت

بالأولوية القطعية»(1) .

ففيه : أنّ ذلك موجّه في إيجاب الغسل في مسّ القطعة المشتملة على العظم ، لا في عدم إيجاب مسّ القطعة المجرّدة ، ففائدة القول بالإطلاق تظهر في ذلك الذي هو مخالف للاستصحاب .

لكن لو قلنا بانصرافها إلى الحيّ - وقد عرفت عدم الأولوية في الفقرة الثانية - يلزم منه أن لا تكون مستند المشهور تلك الرواية ، فإمّا أن يكون مستندهم «الفقه الرضوي» وهو بعيد ، أو يكون الشهرة أو الإجماع المدّعى في «الخلاف» بلا استناد إلى رواية ، وهي أيضاً حجّة قاطعة في مثل تلك المسألة المخالفة للقواعد والبعيدة عن العقول .

نعم ، يحتمل في عبارة الخلاف أن يكون قوله : «وكان فيها عظم» راجعاً إلى ما قطعت من الحيّ ، حيث قال : «إن مسّ قطعة من ميّت أو قطعة قطعت من حيّ ، وكان فيها عظم ، وجب عليه الغسل . وخالف جميع الفقهاء في ذلك»(2) ، فتكون القطعة المبانة من الميّت مطلقاً مورد دعوى الإجماع . لكن عبارته في «النهاية» صريحة في أنّ القطعة المبانة من الميّت أيضاً مقيّدة باشتمالها على العظم(3) ، ومنها يرفع الاحتمال من عبارة «الخلاف» بإرجاع القيد إلى كليهما ، كما فهم الأصحاب ، ولم أجد في كلماتهم احتمال الرجوع إلى الأخير .

ص: 199


1- اُنظر مصباح الفقيه ؛ الطهارة 7 : 119 ؛ مستمسك العروة الوثقى 3 : 473 .
2- الخلاف 1 : 701 .
3- النهاية : 53 .

فتحصّل ممّا ذكر : قوّة التفصيل بين المشتمل على العظم وبين غيره في الحيّ والميّت ، كما هو معقد إجماع «الخلاف» على ما استظهرناه .

وفي «التذكرة» نسب الخلاف إلى الجمهور ، مع التنصيص باشتمال القطعة على العظم من آدمي حيّ أو ميّت ، وتمسّك بالمرسلة ناسباً بنحو الجزم إلى الصادق علیه السلام (1) ، وهو دليل على جبرها عنده ، بل ثبوت الصدور لديه .

و«هو المشهور» كما عن «جامع المقاصد»(2) . وفي «الحدائق» كذلك(3) . وفي «التذكرة» : «عن الأكثر»(4) . وفي «روض الجنان» : «هو الأشهر»(5) . وفي «الجواهر» : «على المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، بل لا أجد خلافاً إلاّ من الإسكافي ، فقيّده في المبان من الحيّ بما بينه وبين سنة(6) ، وإلاّ من المصنّف في «المعتبر»(7) ، والسيّد في «المدارك»(8) فلم يوجباه»(9) انتهى .

وفي «طهارة» شيخنا الأعظم دعوى معروفيته ممّن عدا المحقّق في «المعتبر» تارة ، ومشهوريته ومخالفته للجمهور اُخرى(10) .

ص: 200


1- تذكرة الفقهاء 2 : 135 .
2- جامع المقاصد 1 : 459 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 341 .
4- تذكرة الفقهاء 2 : 134 - 135 .
5- روض الجنان 1 : 306 .
6- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 151 .
7- المعتبر 1 : 352 - 353 .
8- مدارك الأحكام 2 : 280 .
9- جواهر الكلام 5 : 340 .
10- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 440 - 441 .
عدم وجوب الغسل بمسّ العظم المبان من الحيّ دون الميّت

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية وجوب الغسل بمسّ القطعة المشتملة على العظم ، وأمّا مسّ عظم تلك القطعة فهي قاصرة عن إثبات وجوبه به ؛ فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(1) رجوع ضمير «يمسّه» إلى الموصول ، فيصير المعنى : إذا مسّ ما كان فيه عظم ، والظاهر منه اللحم الذي فيه عظم .

ويؤكّده قوله علیه السلام : «فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» لأنّ الظاهر أنّ الموضوع في كليهما مسّ ما كان مشتملاً عليه . والحمل على اشتمال الكلّ على الجزء خلاف الظاهر جدّاً .

بل لا يبعد أن يكون ذلك ظاهر كلمات الفقهاء ، كالشيخ والعلاّمة(2) وغيرهما ؛ فإنّهم عبّروا بمثل الرواية أو قريباً منها ، فمسّ العظم من القطعة المبانة من الحيّ

لا يوجب شيئاً على الأقرب ، فضلاً عن العظم المجرّد منه .

نعم ، العظم المبان من الميّت يوجبه ؛ مجرّداً كان أو لا ؛ لما تقدّم من الأصل(3) ، ولإشعار ما دلّت على أنّ العظام يجب غسلها (4) ؛ بعد ما يظهر من

ص: 201


1- تقدّم في الصفحة 197 - 198 .
2- النهاية : 53 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 135 .
3- تقدّم في الصفحة 195 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 134 ، كتاب الطهارة ، أبواب صلاة الجنازة ، الباب 38 ، الحديث 1 و5 .

الروايات أنّ غسل المسّ لنحو من السراية(1) .

ولا فرق بين الضرس والظفر وغيرهما . ودعوى السيرة القطعية على عدم الغسل بملاقاتهما في الميّت(2) كما ترى ، نعم هي في الحيّ في محلّها .

توقّف وجوب الغسل على برودة القطعة المبانة من الحيّ والميّت

ثمّ إنّ الأظهر اعتبار حصول البرد في القطعة المبانة من الحيّ أو الميّت ؛ لظهور الرواية في أنّ إيجاب مسّها للغسل ، متفرّع على التنزيل منزلة الميّت ، فهي باعتبار كونها ميتة في نظر الشارع يوجب مسّها الغسل ، فلا محالة يعتبر فيها ما يعتبر في الميّت .

واحتمال أن يكون التنزيل في النجاسة فقط ؛ باعتبار لفظ «الميتة» التي لا تطلق على الإنسان ، وباعتبار التفصيل بين ذي العظم وغيره ، غير وجيه ؛ لظهور الرواية في أنّ إيجاب المسّ للغسل متفرّع على كونها ميتة ، وهي قرينة على أنّ «الميتة» هاهنا مستعملة في الإنسان لو سلّم عدم استعمالها فيه . مع أ نّه غير مسلّم وإن لا يبعد انصرافها إليه عند الإطلاق .

وبالجملة : ظهور التفريع محكّم على ذلك وعلى إشعار التفصيل بأنّ الحكم ليس للميّت ، فالأظهر اعتبار البرودة ، كما أنّ الأظهر اعتبار كونه قبل الغسل .

ص: 202


1- راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 181 - 182 .
2- جواهر الكلام 5 : 342 .
الفرع الثاني في حكم ما يوجد في المقابر

لو وجد ميّت أو جزء منه في مقبرة ، فإمّا أن تكون المقبرة للمسلمين ، أو لغيرهم ، أو مشتركة بينهما ، أو غير معلومة الحال ، فعلى أيّ تقدير إنّ الأصل يقتضي وجوب الغسل بمسّه ؛ وإن يقع الكلام في جريانه موضوعاً أو حكماً .

توضيحه : أ نّه إن قلنا بأنّ موضوع وجوبه بحسب الأدلّة مسّ الميّت قبل غسله - بدعوى دلالة مكاتبة الصفّار عليه ، إذ فيها : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل»(1) ، ومفهوم صحيحتي محمّد بن مسلم وعبداللّه بن سِنان ، إذ قال علیه السلام فيهما : «لا بأس أن يمسّه بعد الغسل ويقبّله»(2) ؛ لأنّ مفهومه عرفاً أنّ قبل الغسل فيه بأس - فلا يجري استصحاب عدم غسله لإثبات كون المسّ قبل الغسل ؛ لكونه مثبتاً ، وأمّا الاستصحاب الحكمي التعليقي فلا مانع منه ، وقد قلنا بجريانه في مثل المقام(3) .

وإن قلنا : بأنّ موضوعه هو الميّت الذي لم يغسّل - كما هو الأقرب - فلا مانع من الاستصحاب الموضوعي ، سواء في الميّت أو العضو منه ؛ وإن قلنا بأنّ الغُسل من واجبات الميّت لا العضو ؛ لصحّة أن يقال : «إنّ هذا العضو كان

ص: 203


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1368 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- تقدّم تخريجهما في الصفحة 179 .
3- تقدّم في الصفحة 195 .

في زمان لم يغسّل صاحبه ، والآن كما كان» والفرض أنّ عدم غسل الميّت موضوع لوجوب الغسل بمسّ أعضائه شرعاً . وبهذا يظهر جريانه فيما وجد في مقبرة الكفّار . وكذا لو وجد الميّت في المقبرة المشتركة ، أو مجهولة الحال .

وأمّا إذا وجد عضو منه في المقبرة المشتركة ، فيدور الأمر بين كون هذا العضو من معلوم الاغتسال ، أو من معلوم العدم ، فحينئذٍ إن قلنا : بأنّ الغُسل صفة الميّت لا العضو ، فيقع الإشكال في الأصل الموضوعي ، نظير الإشكال في أصالة عدم التذكية في العضو المردّد في أخذه من معلوم التذكية أو معلوم العدم : بأنّ الأصل غير جارٍ بالنسبة إلى نفس الحيوانين ؛ لعدم الشكّ فرضاً فيهما ، ولا في العضو ؛ لعدم كون التذكية من صفاته ، ولا أصل يثبت كونه من أحد القسمين .

وقد يقال بجريان الموضوعي فضلاً عن الحكمي ؛ فإنّ هذا العضو كان في زمان لم يغسّل صاحبه ، فيستصحب(1) . وبهذا التقرير يمكن إجراؤه في المثال المتقدّم ؛ فإنّ هذا العضو لم يكن صاحبه مذكّى في زمان ، والفرض أنّ عدم تذكية الحيوان موجب شرعاً لحرمة أجزائه ، وعدمِ صحّة الصلاة فيها .

وفيه إشكال؛ لأنّ صاحب هذا العضو ليس مشكوكاً فيه حتّى يجري الاستصحاب فيه ، بل الشكّ في أخذ هذا العضو من هذا المعلوم أو ذاك ، ولا أصل محرز له .

وقد يقال : بأنّ ما وجد في مقبرة المسلمين محكوم بالتغسيل ؛ فإنّ الغلبة كافية في إحراز كونه منهم ، وإحراز جريان يدهم عليه بمثل الدفن والكفن ،

ص: 204


1- جواهر الكلام 5 : 344 .

بل وإحراز كونه مغسّلاً ، سيّما مع شدّة اهتمام المسلمين في أمر موتاهم وتجهيزها ، وخلوّ مقابرهم من سائر الأموات ، بل وشدّة اهتمام سائر الطوائف في اختصاص مقابرهم بموتاهم ، وعدمِ التدفين في مقابر غيرهم ، ومثل هذه الغلبة حجّة .

بل مع إحراز جريان يد المسلمين عليه من تكفينه وتدفينه يحكم بطهارته وعدم الغسل بمسّه ؛ لكون تصرّفهم من قبيل تصرّف ذي اليد فيما يتعلّق به تصرّفاً مشروطاً بالطهارة ؛ فإنّه - كإخباره بالطهارة - حجّة شرعية حاكمة على الاستصحاب(1) .

وفيه : أنّ مجرّد الغلبة أو بناء العقلاء على عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف ، لا يوجب الحجّية إلاّ مع انضمام عدم ردع من الشارع الكاشف عن رضائه به ، وهو مفقود في المقام ؛ لعدم إحراز وجوده في زمان الشارع الصادع صلی الله علیه و آله وسلم أو أئمّة الهدى علیهم السلام وعمل العقلاء على طبقه ولم يردع عنه الشارع .

وإن شئت قلت : إمضاء بناء العقلاء ليس بدليل لفظي يتمسّك بإطلاقه ، بل يحرز لأجل السكوت عمّا يعمل العقلاء بمرءى ومنظر من الشارع ، فهو كاشف قطعي عن الرضا به ، كالعمل بخبر الثقة واليد وأصالة الصحّة ، وأمّا في مثل المقام الذي يكون نادر الاتّفاق ، ولم يعلم تحقّقه في زمانه وارتضائه به ، فلا يمكن الحكم بحجّية الغلبة أو بناء العقلاء ؛ لعدم الدليل على الإمضاء .

نعم ، مع حصول الاطمئنان الشخصي لا كلام فيه ؛ لأ نّه علم عادي ، وهو غاية للاستصحاب .

ص: 205


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 127 .

ومنه يظهر ما في دعوى السيرة(1) ؛ لعدم إحراز اتّصالها بزمنهم ، على فرض تسليم تحقّقها ، وعدم القول : بأنّ عدم اعتنائهم لحصول العلم - ولو عادياً - على اغتسال ما وجد .

وأمّا دعوى : أنّ تصرّف المسلم فيما يكون مترتّباً على الغسل كتصرّف ذي اليد ، وهو بمنزلة إخباره .

ففيها : - بعد تسليم كون تصرّفه كتصرّف ذي اليد ، وأنّ تصرّف ذي اليد مطلقاً حجّة - أ نّه لا يسلّم كونه كإخباره بالطهارة ؛ فإنّ غاية ما في الباب أنّ تصرّفه في

الدفن كان موافقاً لوظيفته ، وهو لا يكفي في دفع احتمال كون ترك الغسل والتيمّم لعذر ، فلا بدّ في دفعه من التشبّث بالغلبة وبناء العقلاء على عدم الاعتناء ، وقد عرفت ما فيه .

فالأحوط - لو لم يكن أقوى - وجوب الغسل بمسّه إلاّ مع الاطمئنان ، كما هو حاصل غالباً .

الفرع الثالث وجوب الغسل بمسّ السقط بعد ولوج الروح فيه لا قبله

السقط بعد ولوج الروح كغيره يجب في مسّه الغسل ؛ لصدق «الميّت» عليه بلا إشكال .

كما لا إشكال في عدم الوجوب قبله ؛ لعدم الصدق ، فإنّ «الميّت» ما زال عنه الروح ، لا ما لم يلج فيه ولو مع شأنيته . ومقتضى الأصل طهارته وإن حكي عن

ص: 206


1- جواهر الكلام 5 : 343 .

العلاّمة التصريح بوجوب غسل اليد منه(1) ، وعن النراقي عدم الخلاف فيه(2) ، لكن إثبات الحكم به مشكل ، بل ممنوع .

ودعوى : أنّ نجاسته لكونه قطعة مبانة من الحيّ(3) ، كما ترى ؛ لأ نّه ليس قطعة من اُمّه ، وعلى فرضه لا يكون ممّا تحلّه الحياة .

ودعوى حلول روح الاُمّ فيه قبل حلول روحه ، وبحلوله زال روحها (4) ، مجازفة مقطوعة الخلاف ، ولا أقلّ من الشكّ فيه ، والأصل معه الطهارة .

كما أنّ دعوى استفادة نجاسته من قوله علیه السلام : «ذكاة الجنين ذكاة اُمّه»(5) ؛ بدعوى أنّ الظاهر منه قبول الجنين للتذكية ، وأنّ ما عدا المذكّى ميتة شرعاً (6) ، غير وجيهة ؛ فإنّ قوله ذلك لا يثبت إلاّ أنّ تذكية ما يحتاج إلى التذكية بتذكية اُمّه ، لا أنّ لكلّ جنين تذكية حتّى يقال : إذا لم يذكَّ يكون ميتة .

وبالجملة : لا تدلّ الرواية على أنّ لكلّ جنين تذكيةً ، بل تدلّ على أنّ ما فرض قبوله لها تكون تذكيته بتذكية اُمّه .

وبعبارة اُخرى : أنّ الموضوع المفروض ما يمكن أن تقع عليه التذكية ، لا مطلق الجنين .

ص: 207


1- منتهى المطلب 2 : 457 - 458 .
2- لوامع الأحكام : 143 .
3- اُنظر جواهر الكلام 5 : 345 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 72 .
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 124 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 36 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 18 ، الحديث 12 .
6- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 126 .

الدم

اشارة

الخامس من النجاسات : الدم ، ونجاسته في الجملة واضحة . بل يظهر منهم أ نّها إجماعية بين المسلمين ، بل قيل : «إنّها من ضروريات الدين»(1) .

لكن لمّا كان بعض مصاديقه محلّ الشبهة -

كالعلقة ودم البيضة والمخلوق آية والمصنوع بتركيب أجزائه لو فرض اصطناعه . . . إلى غير ذلك - فلا بدّ من النظر في الأدلّة ؛ حتّى يعلم أنّ الأصل في الدم النجاسة ، والاستثناءَ يحتاج إلى دليل ، أو العكسُ وإلحاقَ المورد المشكوك فيه يحتاج إليه .

الاستدلال على أصالة النجاسة في الدم مطلقاً وما فيه

وقد استدلّ(2) على نجاسته مطلقاً بالآية الكريمة : )قُلْ لاَ أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ((3) .

ص: 208


1- جواهر الكلام 5 : 354 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 75 .
3- الأنعام (6) : 145 .

بناءً على كون «الرجس» بمعنى النجس ، وعودِ الضمير إلى جميع ما تقدّم .

وفيه تأمّل حتّى بعد تسليم الأمرين كما لا يبعد ؛ فإنّ «الرجس» - على ما نصّ عليه أهل اللغة - هو القذر(1) ، وهو عرفاً بمعنى النجس وإن قيل : «إنّه أعمّ»(2) .

وعلى فرض أعمّيته لا يبعد دعوى : أ نّه في الآية بمعناه ، كما حكي ع-ن شيخ الطائفة في «التهذيب» : «أنّ الرجس هو النجس بلا خلاف»(3) ، وقيل : «ظاهره أ نّه لا خلاف بين علمائنا في أ نّه في الآية بمعنى النجس»(4) .

ولا يبعد استظهاره من الآية بأن يقال :

إنّ ما قيل في معنى «الرجس» لا يناسب في الآية إلاّ القذارة بالمعنى الأعمّ ؛ أي ما يقابل النظافة ، ولا ريب في أنّ لحم الخنزير - الذي هو المتيقّن في عود الضمير إليه - لا يكون غير نظيف عرفاً ، وإنّما يستقذره المسلمون للتلقين الحاصل لهم تبعاً للشرع ، وحكمِه بنجاسته وحرمته ، لا لقذارة فيه عند العرف والعقلاء ، وليس استقذارهم منه إلاّ كاستقذارهم من الكافر والخمر والكلب .

فلا مجال في حمل الآية على القذارة العرفية المقابلة للنظافة ، ومع عدم إرادة ذلك يتعيّن الحمل على النجاسة بالمعنى المعهود شرعاً ؛ إذ لا يتناسب شيء آخر ممّا ذكر في معناه يصحّ الانتساب إليه ، كالقذارة المعنوية ، مع بُعدها عن الأذهان .

ص: 209


1- راجع القاموس المحيط 2 : 227 ؛ الصحاح 3 : 933 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 309 ؛ ذخيرة المعاد : 149 / السطر 14 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 278 ، ذيل الحديث 816 .
4- اُنظر مجمع البحرين 4 : 74 .

ويؤيّد ذلك ما ورد في الكلب : أ نّه «رجس نجس»(1) ، وفي الخمر : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس»(2) .

بل لا يبعد أن يكون «الرجس» بمعنى النجس والقذر ، وإطلاقه على مثل الأوثان والميسر والأنصاب والأزلام بنحو من التوسعة . بل لا يبعد أن يكون الشرع والعرف موافقين في مفهومه ؛ وإن ألحق الشارع بعض ما ليس بقذر عرفاً به ، واستثنى بعض ما يستقذره العرف عنه .

وكيف كان : دعوى ظهور الرجس في النجس المعهود - ولو بواسطة القرائن الداخلية والخارجية - غير مجازفة .

كما لا يبعد عود الضمير إلى جميع المذكورات بواسطة القرينة ؛ بأن يقال : إنّ الظاهر من الآية تعليل حرمة الأكل بما ذكر ، وهو لا يناسب قصره على الأخير .

ودعوى عدم احتياج الأوّلين إلى التعليل - لاستقذار الناس منهما دون الأخير ؛ ضرورة أنّ النهي عن أكلهما لردع الناس عنه ، ومع استقذارهم لا يحتاج إليه - كما ترى ، سيّما إذا كان المراد ب- «الميتة» غير المذكّى ، لا ما مات حتف أنفه ، فإنّه ليس بمستقذر عندهم رأساً . وفي «المجمع» إرجاع الضمير إلى جميع المذكورات بلا احتمال خلاف(3) .

ص: 210


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .
3- مجمع البيان 4 : 583 .

لكن مع ذلك استفادة الإطلاق من الآية ، مشكلة بعد كونها بصدد بيان حرمة أكل المذكورات ؛ وذلك لأنّ الدم مطلقاً وبجميع أنواعه ، ليس مأكولاً أو متعارف الأكل ، فالمستفاد منها - بعد تسليم ما تقدّم - هو نجاسة الدم المطعوم لا مطلقه .

بل لو اُغمض عن ذلك يمكن منع الإطلاق في المستثنى ؛ بدعوى عدم كونها في مقام بيان حكمه ، بل الظاهر كونها بصدد بيان العقد السلبي ؛ وأ نّه لم يوجد - غير المذكورات - محرّم ، لا بصدد بيان حرمة المذكورات حتّى يؤخذ بإطلاقها في المشتبهات .

إلاّ أن يقال : إنّ تقييد الدم ب- «المسفوح» وتعليل المذكورات بقوله تعالى : )فَإِنَّهُ رِجْسٌ( دليل على كونها بصدد بيان المستثنى وعنايتها بحكمه أيضاً ، فيؤخذ بإطلاقها .

وفيه تأمّل ؛ لأنّ القيد - على فرض قيديته - لعلّه لأجل تعارف أكل المسفوح . ويحتمل أن يكون التعليل لبيان أنّ حرمتها ليست إلاّ لنجاستها لا لعناوينها ، تأمّل .

وأمّا الروايات : فعلى كثرتها لم أجد فيها ما يمكن الاتّكال على إطلاقها إلاّ النبوي : «يغسل الثوب من المنيّ والدم والبول»(1) .

ورواية «دعائم الإسلام» عن الباقر والصادق علیهما السلام : أ نّهما قالا في الدم يصيب الثوب : «يغسل كما تغسل النجاسات»(2) .

ص: 211


1- راجع ذكرى الشيعة 1 : 111 - 112 ؛ سنن الدارقطني 1 : 127 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 1 : 14 .
2- دعائم الإسلام 1 : 117 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 565 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 2 .

وهما ضعيفان سنداً ؛ إذ لم يحرز اتّكال القوم عليهما ، بل الظاهر عدم استنادهم إليهما .

وربّما يحتمل في الثانية كونها بصدد بيان كيفية غسل الدم لا أصله ، وهو كما ترى ، سيّما مع اختلاف النجاسات في كيفية التطهير .

وأمّا سائر الروايات فلا إطلاق فيها ؛ لكونها بصدد بيان أحكام اُخر ، كموثّقة

عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : فقال : «كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلاّ أن ترى في منقاره دماً ، فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب»(1) .

فإنّها بصدد بيان سؤر الطيور لا نجاسة الدم ، فكأ نّه قال : «سؤر الطير لا بأس به إلاّ أن يتنجّس بالدم» .

ونظيرها رواية زرارة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ؛ ينزح منه عشرون دلواً ، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب»(2) ، فإنّها في مقام بيان حكم البئر لا الدم .

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في بيان أحكام الصلاة والماء والمكاسب المحرّمة وآنية أهل الكتاب وغيرها ممّا لا مجال لتوهّم الإطلاق فيها .

ص: 212


1- الكافي 3 : 9 / 5 ؛ وسائل الشيعة 1 : 230 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 4 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 241 / 697 ؛ وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 ، الحديث 3 .

وأمّا رواية السَكوني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ عليّاً علیه السلام كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل - يعني دم السمك - »(1) .

فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى ما يذكّى ؛ لأ نّه بصدد بيان نفي البأس عمّا لم يذكّ ، لا إثبات البأس فيما يذكّى .

ثمّ إن قلنا بعدم الإطلاق في الروايات ، فكما لا يمكن التمسّك بها لإثبات نجاسة مطلق الدم ، لا يمكن التمسّك بها لإثبات نجاسة دم ما له نفس سائلة ، فلو شكّ في نجاسته ما دام كونه في الباطن ، أو في نجاسة العلقة إن قلنا : بأ نّها لذي النفس ، أو في بعض أقسام الدم المتخلّف ، كالمتخلّف في القلب والكبد ، أو في العضو المحرّم ، أو المتخلّف في الحيوان غير المأكول ، لا تصلح تلك الروايات لرفع الشكّ فيها .

ودعوى : أنّ الناظر في تلك الروايات الكثيرة في الأبواب المختلفة ، لا يشكّ في أنّ نجاسة الدم مطلقاً كانت معهودة مفروضة التحقّق لدى السائل والمسؤول(2) ، كما تشهد به صحيحة أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر علیه السلام وهو يصلّي ، فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دماً ، فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً ، فقال : «إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ»(3) .

ص: 213


1- الكافي 3 : 59 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 436 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 23 ، الحديث 2 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 135 .
3- الكافي 3 : 58 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 433 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 1 .

في غير محلّها ؛ لأنّ المسلّم من معهوديتها إنّما هو بنحو الإجمال لا الإطلاق ، كما هو واضح ، وأمّا الرواية فلا تدلّ على معهوديتها مطلقاً ؛ فإنّ الدم في ثوبه لم يكن إلاّ من دمه الشريف عادة أو نظيره ، ولم يحتمل الناظر غير ذلك ، كدم العلقة أو المخلوق آية .

كدعوى : إلغاء الخصوصية عرفاً من الروايات الواردة في دم الرعاف وحكّة الجلد وغيرهما (1) ؛ فإنّ إلغاء الخصوصية إنّما هو فيما لا تحتمل خصوصية عرفاً ، وأمّا مع احتمال أنّ للدم الظاهر أو في الأجزاء الأصلية خصوصيةً ، فلا مجال لإلغائها .

مع إمكان أن يقال : إنَّ إلغاء الخصوصية إنّما هو فيما إذا كانت الروايات بصدد بيان نجاسة الدم ، وأمّا بعد مفروضية نجاسته والسؤال عن حال الابتلاء به ، فلا مجال لإلغائها .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الأصل في الدم الطهارة إلاّ أن يدلّ دليل على نجاسته.

نجاسة الدم الخارج من ذي النفس

والظاهر أنّ دم ما له نفس سائلة مع خروجه إلى الظاهر ، ممّا لا كلام ولا إشكال في نجاسته ، وقد ادّعي الإجماع في الدم من ذي النفس السائلة في محكيّ «المختلف» و«الذكرى» و«كشف الالتباس» و«شرح الفاضل» (2) . وعن

ص: 214


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 133 - 134 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 11 ؛ مختلف الشيعة 1 : 318 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 112 ؛ كشف الالتباس 1 : 394 ؛ كشف اللثام 1 : 391 .

«الغنية» و«التذكرة» : «لا خلاف فيه»(1) .

وعن «المنتهى» و«نهاية الإحكام» و«المعتبر» و«المدارك» و«الدلائل» : «هو مذهب أصحابنا»(2) مع استثناء ابن الجنيد في الثلاثة الأخيرة ، ونقل عنه : «الدماء كلّها تنجّس الثوب بحلولها فيه ، وأغلظها نجاسةً دم الحيض»(3) .

لكن يظهر من جماعة التقييد بالمسفوح ، فعن الحلّي الاستدلال على طهارة دم السمك ونحوه : «بأ نّه ليس بمسفوح» . وعنه أيضاً : «الدم الطاهر هو دم السمك والبراغيث وما ليس بمسفوح»(4) .

وقد نسب العلاّمة في «المنتهى» التقييد به إلى علمائنا قال : «قال علماؤنا : الدم المسفوح من كلّ حيوان ذي نفس سائلة - أي يكون خارجاً بدفع من عرق - نجس ، وهو مذهب علماء الإسلام ؛ لقوله تعالى : )قُلْ لاَ أَجِدُ . . .((5) إلى آخره .

وقال : «دم السمك طاهر ، وهو مذهب علمائنا - إلى أن قال - : وقوله تعالى :

)دَمَاً مَسْفُوحَاً( ودم السمك ليس بمسفوح»(6) .

والظاهر أنّ كلّ من قيّد الدم به إنّما هو بتبع الآية الكريمة ، كما ترى تمسّك

ص: 215


1- غنية النزوع 1 : 41 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 56 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 11 ؛ منتهى المطلب 3 : 188 ؛ نهاية الإحكام 1 : 268 ؛ المعتبر 1 : 420 ؛ مدارك الأحكام 2 : 281 .
3- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 314 .
4- السرائر 1 : 174 .
5- الأنعام (6) : 145 .
6- منتهى المطلب 3 : 188 و191 - 192 .

العلاّمة بها ، فالأولى عطف الكلام على مفادها .

فنقول : إنّ في بادئ النظر وإن احتمل أن يكون التوصيف ب- «المسفوح» للاحتراز عمّا لا يخرج من العرق صبّاً وإهراقاً بدفع ، في مقابل الرشح ، كدم السمك وغيره ممّا لا نفس سائلة له ، أو للاحتراز عن الدم المتخلّف في الذبيحة ، أو للاحتراز عن الدم في الباطن مقابل الظاهر ، أو للاحتراز عن جميع المذكورات ، لكنّ الأقرب عدم قيدية الوصف ؛ لأنّ ما هو المتعارف أكله هو الدم المسفوح ؛ أي الدم المأخوذ من الذبائح دون سائر الدماء ، ومعه لا يصلح القيد للاحتراز .

مضافاً إلى أنّ الاستثناء لمّا كان من حرمة الأكل ، لا يراد بالقيد الاحترازُ عن المذكورات وإثباتُ الحلّية لسائر أقسام الدم المقابل للمسفوح ولا أظنّ من أحد احتمال حلّية دم خرج من عرق حيوان بلا صبّ ودفع تمسّكاً بالآية الكريمة .

نعم ، لو قيل : بأنّ المراد ب- «غير المسفوح» هو ما اختلط باللحم ممّا لا يتعارف الاحتراز عنه أو لا يمكن ، لكان له وجه ، لكنّه خلاف ظاهر القيد ؛ فإنّ الظاهر منه - كما مرّ في كلام العلاّمة - هو ما خرج بدفع من العرق .

والإنصاف : أنّ فهم القيدية واحترازية الوصف مشكل ، ومعه لا يجوز التمسّك بها لطهارة ما في الباطن أو المتخلّف في الذبيحة ، وإن لا تدلّ على نجاستهما أيضاً ؛ لأنّ عدم احترازية القيد لا يلازم الإطلاق .

وبعبارة اُخرى : أنّ المدّعى أنّ الآية حرّمت ما يتعارف بينهم أكله ؛ أي الدم المسفوح ، والتقييد للتعارف لا للاحتراز ، فتكون ساكتة عن حكم غيره إثباتاً ونفياً .

ص: 216

هذا كلّه مع عدم المفهوم للوصف ، فلا تدلّ على حلّية غير محلّ الوصف ، فضلاً عن طهارته ، فالاستدلال لطهارة دم السمك أو المتخلّف بالآية في غير محلّه ، سيّما مع القول بحرمة دمهما إذا لم يكن تبعاً للّحم .

وبهذا كلّه ظهر عدم صلاحية القيد في الآية لتقييد قوله تعالى : )حُرِّمَتْ

عَلَيْكُمُ ا لْمَيْتَةُ وَا لدَّمُ((1) . وللمسألة محلّ آخر .

طهارة الدم المخلوق آيةً والصناعي والموجود في البيضة

ثمّ إنّ المتفاهم أو المتيقّن من معاقد الإجماعات ؛ نجاسة الدم الخارج من حيوان له نفس سائلة ، والتقييد بالمسفوح في كلام الحلّي والعلاّمة وغيرهما ، ليس لإخراج مثل دم الرعاف والدماميل بالضرورة ، بل لإخراج المتخلّف وما لا نفس له ؛ ضرورة نجاسة المذكورات نصّاً وفتوى ، فمثل الدم المخلوق آية أو الصناعي - فرضاً - ليس مشمولاً لها ، كما لا تشمل الدم الذي يوجد في البيضة ؛ فإنّه ليس دم الحيوان ، والأصل فيه الطهارة .

ودعوى : غلبة الظنّ بمعهودية نجاسة مطلق الدم في الشريعة ، عهدتها على مدعيها . مع أنّ الظنّ لا يدفع الأصل إلاّ أن يكون حجّة شرعية .

كدعوى : مغروسية نجاسة مثله في أذهان المتشرّعة ؛ بحيث أمكن دعوى تلقّيه من الشارع الأقدس(2) ، فإنّها بلا بيّنة .

ص: 217


1- المائدة (5) : 3 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 137 .
نجاسة العلقة من ذي النفس لا ما في البيضة

وكذا العلقة غير معلومة الشمول للإجماع ؛ لأنّ الظاهر من دم الحيوان غيرها ، فإنّها نطفة تبدّلت بالعلقة ، فلا تكون دم الاُمّ عرفاً ، ولا دم الحيوان الذي تنقلب

إليه بعد حين .

لكنّ الشيخ ادّعى في «الخلاف» إجماعَ الفرقة على نجاستها ، واستدلّ لها أيضاً بإطلاق الأدلّة(1) .

ويظهر من المحقّق والعلاّمة ومحكيّ غيرهما التمسّك لها بأ نّها دم ، أو دم ذي نفس(2) ، ومن ذلك ربّما توهن دعوى إجماع «الخلاف» .

ولعلّ مراد القاضي في محكيّ «المهذّب» من «أ نّه الذي يقتضيه المذهب»(3) ظاهر الأدلّة .

لكن مع ذلك الأحوط نجاستها ، بل لا تخلو من ترجيح .

وأمّا العلقة في البيضة ، فغير معلومة الشمول لإجماع «الخلاف» بل الظاهر عدم إطلاق «العلقة» عليها حقيقة ، ولا أقلّ من انصرافها عنها ، فالأقوى طهارتها .

ص: 218


1- الخلاف 1 : 490 - 491 .
2- المعتبر 1 : 422 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 57 ؛ جامع المقاصد 1 : 167 .
3- القول لابن فهد الحلّي في المهذّب البارع 4 : 222 ، وقد نسب إلى المهذّب في مفتاح الكرامة 2 : 13 .
طهارة الدم المتخلّف في الحيوان

كما أنّ الحكم بطهارة الدم المتخلّف ، لا يحتاج إلى إقامة برهان بعد قصور الأدلّة اللفظية عن إثبات نجاسة مطلق دم ذي النفس ، وعدم دليل آخر على نجاسته وإن قام الدليل على طهارته :

كما عن «المختلف» و«كنز العرفان» و«الحدائق» و«آيات الجواد» دعوى الإجماع عليها (1) وإن كان في معقد بعضها قيد .

وعن المجلسي وصاحب «كشف اللثام» و«الذخيرة» و«الكفاية» عدم الخلاف فيها (2) .

بل هو الظاهر من «الجواهر»(3) أيضاً ، وعن أطعمة «المسالك» : «أنّ ظاهرهم الاتّفاق عليه»(4) .

نعم ، استثنى بعضهم ما في الجزء المحرّم كالطحال(5) ؛ بزعم أنّ حرمة أكله ملازمة لنجاسته ، وهو كما ترى . أو بزعم إطلاق أدلّة نجاسة الدم ،

ص: 219


1- مختلف الشيعة 1 : 315 ؛ كنز العرفان 2 : 300 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 45 ؛ مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 4 : 151 .
2- بحار الأنوار 77 : 86 ؛ كشف اللثام 1 : 407 ؛ ذخيرة المعاد : 149 / السطر 14 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 59 .
3- جواهر الكلام 5 : 363 .
4- مسالك الأفهام 12 : 78 .
5- اُنظر جواهر الكلام 5 : 363 ؛ جامع المقاصد 1 : 163 ؛ روض الجنان 1 : 436 .

وقصورِ دليل الإخراج ، وقد مرّ ما فيه(1) .

هذا مع استقرار السيرة على عدم الاجتناب عنه وعن اللحم الملاقي له ، من غير فرق بين دم القلب والكبد والطحال وغيرها ، وبين الدم الظاهر الخارج منها والمخلوط بها ، فما عن بعضهم من احتمال الفرق أو اختياره(2) ، في غير محلّه .

ولو نوقش في شمول معقد الإجماع لبعض المذكورات ، أو ثبوت السيرة في بعض ، فلا مجال للمناقشة في الأصل بعد ما تقدّم من فقد الإطلاق(3) . مع أنّ المناقشة في السيرة لعلّها في غير محلّها .

كما أنّ مقتضى الأصل طهارة المتخلّف في الحيوان المحرّم . لكن عن «البحار» و«الذخيرة» و«الكفاية» و«شرح الاُستاذ» : «أنّ ظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته في غير المأكول»(4) ، وثبوت الحكم بمثله مشكل ، لكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه .

طهارة دم ما لا نفس سائلة له

كما أنّ طهارة دم ما لا نفس سائلة له ، لا تحتاج إلى تجشّم استدلال بعد ما عرفت ؛ وإن تكرّر نقل الإجماع عليها من السيّد ، والشيخ ، وابن زهرة ، والحلّي ،

ص: 220


1- تقدّم في الصفحة 213 - 214 و219 .
2- اُنظر مشارق الشموس : 305 / السطر 17 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 142 .
3- تقدّم في الصفحة 213 - 214 و219 .
4- بحار الأنوار 77 : 86 ؛ ذخيرة المعاد : 149 / السطر 19 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 59 ؛ مصابيح الظلام 4 : 440 .

والمحقّق ، والعلاّمة ، والشهيدين ، وغيرهم(1) .

وتشهد لبعضها السيرةُ المستمرّة ، وروايةُ السَكوني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ عليّاً علیه السلام كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل ؛ يعني دم السمك »(2) .

وكون التفسير من أبي عبداللّه علیه السلام غير معلوم ، فتدلّ على عدم البأس في مطلق ما لم يذكّ ، تأمّل .

بل لا يبعد صحّة الاستدلال ببعض الروايات الواردة في ماء البئر والمياه ، كموثّقتي عمّار(3) وحفص بن غياث(4) .

فما يظهر من بعضهم كالمحكيّ عن «المبسوط» و«الجمل» و«المراسم» و«الوسيلة»(5) ممّا يوهم النجاسة وإن عفي عنه على فرض ثبوته ، لعلّه لزعم قصور الأدلّة عن إثبات طهارتها بعد إطلاق أدلّة النجاسة ؛ لأنّ نفي البأس أعمّ

ص: 221


1- مسائل الناصريات : 94 ؛ الخلاف 1 : 476 - 477 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ السرائر 1 : 174 ؛ المعتبر 1 : 421 ؛ منتهى المطلب 3 : 190 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 112 ؛ روض الجنان 1 : 435 ؛ جواهر الكلام 5 : 363 .
2- تقدّمت في الصفحة 213 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 665 ؛ وسائل الشيعة 3 : 463 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 1 ، وقد تقدّم أيضاً في الصفحة 76 و116 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 231 / 669 ؛ وسائل الشيعة 1 : 241 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 10 ، الحديث 2 ، وقد تقدّم أيضاً في الصفحة 76 و116 .
5- المبسوط 1 : 35 ؛ الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، الجمل والعقود : 170 - 171 ؛ المراسم : 55 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 76 - 77 .

من الطهارة ، فلا يدلّ إلاّ على العفو ، وهو مقتضى الجمع بين الأدلّة والاقتصار على تقييد المطلقات وتخصيص العمومات .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ المتفاهم من نفي البأس في المقام الطهارة - أ نّه

لا إطلاق ولا عموم في الأدلّة - كما مرّ مراراً (1) - حتّى يأتي فيها ما ذكر .

فرع : في طهارة الدم المشكوك فيه

المشكوك في كونه دماً أو غيره ، أو كونه ممّا له نفس أو غيره ، أو من الدم المتخلّف أو غيره ، محكوم بالطهارة ؛ للأصل بعد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة الدم مطلقاً ، فلا مجال للتشبّث بترك الاستفصال(2) في الروايات الكثيرة الواردة في الدم ، كقوله : «بئر قطرت فيه قطرة دم»(3) .

وقوله علیه السلام : «فإن رأيت في منقاره دماً»(4) .

وقوله علیه السلام : «إن رأيت في ثوبك دماً»(5) .

وقوله : «فأصاب ثوباً نصفه دم»(6) ، وغيرها .

ص: 222


1- تقدّم في الصفحة 211 - 214 .
2- جواهر الكلام 5 : 357 - 358 .
3- تقدّم في الصفحة 212 .
4- تقدّم في الصفحة 212 .
5- السرائر 3 : 592 ؛ وسائل الشيعة 3 : 483 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 44 ، الحديث 3 .
6- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 884 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 5 .

ضرورة أنّ ترك الاستفصال دليل العموم أو الإطلاق ؛ فيما إذا كان المتكلّم في مقام بيان الحكم ، وتلك الروايات في مقام بيان أحكام اُخر .

وبعبارة اُخرى : أ نّه بعد فرض نجاسة قسم من الدم ، سأل فيها عن الابتلاء بما هو نجس ، وفي مثله لا معنى للاستفصال ، ولا وجه لتوهّم العموم مع تركه .

وهذا الإشكال مشترك الورود في جميع الروايات ، ويختصّ بعضها بإشكال أو إشكالات لا مجال لعدّها بعد ضعف أصل الدعوى .

ثمّ على فرض تسليم كون الأدلّة أو بعضها في مقام البيان ، لكن لا مجال لتوهّم العموم اللفظي فيها ؛ لفقدانه جزماً ، فلا يكون في المقام إلاّ الإطلاق المتوهّم ، والتمسّك بالشبهة الموردية في المطلقات المتقيّدة ولو بتقييد منفصل ، أضعف جدّاً من التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ؛ لقرب احتمال صيرورة المطلق بعد التقييد بمنزلة المقيّد ، فتكون الشبهة من قبيل الشبهة الموردية في المقيّد المتّصل ، بخلاف تخصيص العامّ بالمنفصل ، فإنّه لا يوجب حصول عنوان أو قيد فيه ؛ وإن توهّمه بعضهم قياساً بالمطلق والمقيّد(1) ، وقد فرغنا عن تهجينه في محلّه(2) .

وكيف كان : لا عموم في المقام حتّى يأتيَ فيه ما ذكر في بيان جواز التمسّك به في الشبهة المصداقية للمخصّص : من تمامية الحجّة بالنسبة إلى الفرد المشمول للعامّ ، وعدم حجّة على دفعها ؛ لكون الفرد من الشبهة المصداقية لنفس

ص: 223


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 525 .
2- مناهج الوصول 2 : 218 .

المخصّص ، فالعامّ حجّة بالنسبة إلى الفرد ، والخاصّ ليس بحجّة(1) .

ونحتاجَ إلى الجواب عنه : بأنّ حجّية العامّ تتوقّف على مقدّمات : منها أصالة الجدّ ، وبعد خروج أفراد من العامّ ، يعلم عدمُ تطابق الجدّ والاستعمال بالنسبة إلى

الأفراد الواقعية من المخصّص ، وتطابقُهما بالنسبة إلى غير مورد التخصيص والمورد المشتبه من الشبهة المصداقية لأصالة التطابق ، وليس بناء العقلاء على جريانها في مورده ، كما لا يخفى .

أو نحتاجَ إلى ما أتعب به شيخنا الأعظم نفسه الشريفة من التصدّي للجواب عن التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية(2) .

وربّما يقال في الدم المتخلّف في الذبيحة إذا شكّ في أ نّه من القسم الطاهر أو النجس : «بأنّ الظاهر الحكم بنجاسته عملاً بالاستصحاب ، أو بالعامّ مع لبّية المخصّص(3) . ويحتمل التفصيل بين ما إذا كان الشكّ من جهة احتمال ردّ النفس ، فيحكم بالطهارة ؛ لأصالة عدم الردّ ، وبين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علوّ ، فيحكم بالنجاسة عملاً بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف»(4) .

وفيه : أنّ الاستصحاب في الدم غير جارٍ ؛ لعدم العلم بنجاسته في الباطن ، لقصور الأدلّة عن إثباتها ، والتمسّكَ بالعامّ في المخصّص اللبّي فرع وجوده ،

ص: 224


1- اُنظر مطارح الأنظار 2 : 141 ؛ كفاية الاُصول : 258 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 528 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 86 ؛ مطارح الأنظار 2 : 136 .
3- العروة الوثقى 1 : 64 ، الهامش 10 ، تعليقة المحقّق الرفيعي (ط - مؤسّسة الأعلمي) .
4- العروة الوثقى 1 : 134 - 135 ، مسألة 7 .

وهو مفقود . مع أنّ في التمسّك به مع لبّيته إذا كان الإخراج بعنوان واحد إشكالاً ، بل منعاً .

وأمّا أصالة عدم ردّ النفس فلا تثبت كون هذا متخلّفاً ؛ لأنّ خروج الدم بالمقدار المتعارف لازم عقلي أو عادي لعدم ردّ النفس ، وكون الدم متخلّفاً لازم لهذا اللازم .

كما أنّ أصالة عدم خروج المقدار المتعارف ، لا تثبت كون هذا الدم نجساً ؛ لأنّ الدم النجس هو «الدم غير المتخلّف» أو «الدم المسفوح» أو نحوهما ، والأصل المتقدّم لا يثبت تلك العناوين .

بل أصالة عدم خروج الدم المتعارف ، لا تثبت لمصداق الدم حكماً ، نظير ما إذا علمنا بأنّ واحداً من الشخصين الموجودين في البيت عالم ، فخرج أحدهما منه ، فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء العالم فيه ، لكن لا يثبت به أنّ الموجود في البيت عالم حتّى يترتّب عليه أثره .

ثمّ لو حاولنا جريان أصالة عدم ردّ النفس لإثبات طهارة بقيّة الدم ، لجرى أصل عدم كون رأسه على علوّ لإثبات طهارته ، وهو حاكم على أصالة عدم خروج الدم المتعارف .

لكن التحقيق عدم جريان واحد من تلك الاُصول ، والحكم بطهارة المشكوك فيه ؛ لأصالة الطهارة .

ص: 225

الكلب والخنزير

اشارة

السادس والسابع : الكلب والخنزير ، ونجاستهما في الجملة واضحة لا تحتاج إلى تجشّم استدلال ؛ وإن ذهب إلى طهارتهما مالك والزُهري وداود ، على ما حكى عنهم العلاّمة في «المنتهى»(1) .

نجاسة الكلب

ونقل في «التذكرة» عن أبي حنيفة القول بطهارة الكلب دون الخنزير(2). ونسب الشيخ في «الخلاف» إلى أبي حنيفة القول بنجاسة الكلب حكماً لا عيناً (3) .

واستدلّ(4) على طهارته بقوله تعالى : )فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ((5) .

وفيه ما لا يخفى من الوهن ؛ ضرورة أ نّها في مقام بيان حلّيته وتذكيته ،

ص: 226


1- منتهى المطلب 3 : 211 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 66 .
3- الخلاف 1 : 177 .
4- اُنظر المجموع 2 : 567 .
5- المائدة (5) : 4 .

ولا إطلاق فيها من جهة اُخرى ، ولهذا لا يجوز التمسّك بها لجواز أكله من غير تغسيل عن دمه الخارج من موضع عضّ الكلب ، وهو واضح .

وتدلّ على نجاسته - مضافاً إلى الإجماع المستفيض(1) - روايات مستفيضة ، كقوله علیه السلام في صحيحة البَقباق : «رجس نجس لا يتوضّأ بفضله»(2) .

وكصحيحة ابن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل ، قال : «يغسل المكان الذي أصابه»(3) .

وفي رواية معاوية بن شريح : «لا واللّه ، إنّه نجس ، لا واللّه ، إنّه نجس»(4) . . . إلى غير ذلك .

عدم الفرق في أجزاء الكلب بين ما تحلّه الحياة وغيره

ولا فرق بين ما تحلّه الحياة وغيره ؛ فإنّ الكلب عبارة عن الموجود الخارجي بجميع أجزائه : من الشعر والظفر وغيرهما . فما عن السيّد من إنكار أنّ ما لا تحلّه الحياة من جملة الحيّ وإن كان متّصلاً به(5) ، إن كان مراده

ص: 227


1- راجع الخلاف 1 : 176 - 177 ؛ منتهى المطلب 3 : 210 ؛ جواهر الكلام 5 : 366 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 260 / 758 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 647 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 6 .
5- مسائل الناصريات : 101 .

أ نّه ليس من جملته بما هو حيّ - أي لا تحلّه الحياة - فهو معلوم لا كلام

فيه ، لكن لا دليل على تخصيص النجاسة بما تحلّه الحياة في الكلب أو الخنزير .

وإن أراد أ نّه ليس من أجزائه مطلقاً ، فهو غير وجيه ، فكيف يمكن نفي جزئية العظم والظفر ، بل الشعر ؟ ! فإنّ الكلب في الخارج كلب بجميع أجزائه .

بل المتيقّن من قوله : «الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل» ، وقوله علیه السلام في

صحيحة ابن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الكلب السَلوقي ، فقال : «إذا

مسسته فاغسل يدك»(1) ، ونحوِهما ، ملاقاة شعره ؛ لأ نّه نوعي غالبي . ولو نوقش فيه فلا أقلّ من الإطلاق ، بل هو الفرد الشائع .

وكيف يمكن أن يقال في مثل قول علي علیه السلام -

على ما في حديث الأربعمائة - «تنزّهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله ، وإن كان جافّاً فلينضح ثوبه بالماء»(2) : لا يراد منه إصابة ظاهره المحفوف بالشعر ، ولا يلاقي الملاقي - نوعاً - إلاّ شعره ؟ !

نعم ، يمكن المناقشة في دلالة مثل صحيحة أبي العبّاس قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء» .

ص: 228


1- الكافي 6 : 553 / 12 ؛ وسائل الشيعة 3 : 416 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 9 .
2- الخصال : 626 / 10 ؛ وسائل الشيعة 3 : 417 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 11 .

قلت : ولِمَ صار بهذه المنزلة ؟ قال : «لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله»(1) .

لاحتمال أن يكون المراد برطوبة الكلب مثلَ لعابه ، لا ملاقاته رطباً ؛ وإن

لا يبعد الاحتمال الثاني بقرينة قوله علیه السلام : «أصابه جافّاً»، تأمّل .

وكيف كان : لا شبهة في نجاسة شعره وسائر ما لا تحلّه الحياة . ودعوى السيّد الإجماع على طهارته(2) موهونة ؛ لعدم الموافق له ظاهراً ، فضلاً عن الإجماع عليها .

حكم الرطوبات الذاتية للكلب

نعم ، ربّما يمكن المناقشة في استفادة نجاسة لعابه وسائر رطوباته ذاتاً من الروايات ، بل من الإجماع أيضاً ؛ بدعوى أنّ الرطوبات خارجة عن اسمه ، فكما أنّ خرءه لا يدخل فيه ؛ لأ نّه منفصل عنه وإن كان في جوفه ، كذلك سائر رطوباته ، فما دلّت على نجاسته عيناً لا تدلّ على نجاستها ذاتاً وعيناً .

بل لمّا كانت الرطوبات ملاقية له ، لا يمكن استفادة نجاستها الذاتية من دليل ناطق بنجاستها ؛ فإنّها أعمّ من العينية .

لكن الظاهر أ نّه شبهة في مقابل المسلّم ، بل البديهي . بل يمكن دعوى دخول الرطوبات في إطلاقه عرفاً كدخول دمه فيه وإن لم يدخل فيه خرؤه .

ص: 229


1- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 759 ؛ وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .
2- مسائل الناصريات : 100 .
نجاسة كلب الصيد

ومقتضى إطلاق الأدلّة(1) وخصوص صحيحة ابن مسلم المتقدّمة(2) في الكلب السَلُوقي ، نجاسة كلب الصيد كسائر الكلاب ، فما عن ظاهر الصدوق من طهارته(3) ضعيف . وربّما كان منشأه دعوى عدم صدق «الكلب» عليه ، أو انصراف الأدلّة عنه ، أو إطلاق قوله تعالى : )فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ((4) والجميع كما ترى . هذا مع عدم ورود شيء منها على الصحيحة .

وبهذا كلّه ظهر لزوم التصرّف في صحيحة ابن مُسْكان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه والسِنَّوْر ، أو شرب منه جمل أو دابّة أو غير ذلك ، أيتوضّأ منه أو يغتسل ؟ قال : «نعم ، إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنه»(5) ، بتقييد إطلاقها بما فصّل في سؤر الكلب بين الماء الكثير والقليل(6) . هذا كلّه في الكلب .

ص: 230


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 413 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 11 و12 .
2- تقدّمت في الصفحة 228 .
3- الفقيه 1 : 43 .
4- المائدة (5) : 4 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 226 / 649 ؛ وسائل الشيعة 1 : 228 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 2 ، الحديث 6 .
6- كرواية أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام وفيها : «لا يشرب سؤر الكلب إلاّ أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه» . تهذيب الأحكام 1 : 226 / 650 ؛ وسائل الشيعة 1 : 226 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 7 .
نجاسة الخنزير

وأمّا الخنزير ، فيدلّ على نجاسته - مضافاً إلى الآية الكريمة(1) والإجماعات المتقدّمة - صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله ، فذكر وهو في صلاته ، كيف يصنع به ؟ قال : «إن كان دخل في صلاته فليمضِ ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصابه من ثوبه ، إلاّ أن يكون فيه أثر فيغسله» .

قال : وسألته عن خنزير يشرب من إناء ، كيف يصنع به ؟ قال : «يغسل سبع مرّات»(2) .

فإنّها ظاهرة في معهودية نجاسته ، وإنّما سأل بعدها عن حكم آخر ، فحينئذٍ يكون المراد من التفصيل بين ما إذا كان له أثر ولم يكن ، التفصيلَ مطلقاً ؛ سواء كان قبل الصلاة أو بعدها . مع أنّ ذيلها أيضاً دالّ على نجاسته ، فالأمر بالمضيّ مع

دخوله في الصلاة في صورة الشبهة ، لا العلم بوجود الأثر .

مضافاً إلى أنّ الأمر بالمضيّ لا يدلّ على طهارته ، بل دليل على صحّة الصلاة مع النجس إذا تذكّر في الأثناء ، كما هو واضح . وحمل الغسل على الاستحباب - بقرينة الأمر بالمضيّ - بعيد جدّاً .

ورواية ابن رِئاب ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في الشطرنج قال : «المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير» . قال : قلت : ما على من قلّب لحم الخنزير ؟ قال :

ص: 231


1- الأنعام (6) : 145 .
2- الكافي 3 : 61 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 261 / 760 ؛ وسائل الشيعة 3 : 417 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 1 .

«يغسل يده»(1) . وفي دلالتها تأمّل .

ورواية زرارة الواردة في البئر(2) .

وتدلّ على نجاسة شعره مصحّحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك يعمل الحمايل بشعر الخنزير ، قال : «إذا فرغ فليغسل يده»(3) .

ورواية بُرْد الإسكاف قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن شعر الخنزير يعمل به . . . إلى أن قال : «فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة» .

قلت : ووضوء ؟ قال : «لا ، اغسل يدك كما تمسّ الكلب»(4) .

ولعلّ قوله : «ووضوء» بالرفع ؛ أي ووضوء عليّ إذا مسسته ، أو وضوء في مسّه ؟ قال : «لا» ولكن «اغسل يدك كما تمسّ الكلب» فكما لا وضوء معه ، فكذا مع مسّ الخنزير . وقريب منها روايته الاُخرى(5) .

ص: 232


1- الكافي 6 : 437 / 15 ؛ وسائل الشيعة 17 : 322 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 103 ، الحديث 3 .
2- وهي «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : بئر قطرت فيها قطرة دم ، أو خمر ، قال : الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ، ينزح منه عشرون دلواً» . تهذيب الأحكام 1 : 241 / 697 ؛ وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1129 ؛ وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 1 .
4- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1130 ؛ وسائل الشيعة 17 : 228 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 2 .
5- الفقيه 3 : 220 / 1019 ؛ وسائل الشيعة 17 : 228 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 4 .

ورواية سليمان الإسكاف قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن شعر الخنزير يخرز به ، قال : «لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي»(1) .

فلا إشكال في نجاسته ونجاسة ما لا تحلّ الحياة منه . ويأتي في لعابه ورطوباته ما مرّ في الكلب(2) ، والظاهر نجاستها ذاتاً كما في الكلب .

طهارة كلب الماء وخنزيره

وعن «النهاية» و«التحرير» و«التذكرة» و«الذكرى» طهارة كلب الماء(3) ، وعن «الكفاية» : «أ نّه المشهور»(4) . وعن الحلّي نجاسته(5) ، وعن «المنتهى» تقريب شموله له معلّلاً : «بأنّ اللفظ يقال له بالاشتراك»(6) .

والأقوى طهارة كلب الماء وخنزيره ، لا لانصراف الأدلّة ، على فرض صدق العنوان عليهما ؛ فإنّه ممنوع . ومجرّد كون بعض الأفراد يعيش في محلّ أو يندر الابتلاء به ، لا يوجب الانصراف .

بل لعدم صدق العنوانين عليهما جزماً ، وعدم كونهما مع البرّي منهما من نوع

ص: 233


1- تهذيب الأحكام 9 : 85 / 357 ؛ وسائل الشيعة 3 : 418 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 229 .
3- نهاية الإحكام 1 : 272 ؛ تحرير الأحكام 1 : 157 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 67 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 119 .
4- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 59 .
5- السرائر 2 : 220 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 18 ؛ منتهى المطلب 3 : 213 .

واحد ، وقد طبع في «المنجد» رسمهما (1) ، فترى لا يوجد بينهما وبين البرّي منهما أدنى شباهة ؛ وإن قال في الكلب : «كلب الماء وكلب البحر : سمك بينه وبين الكلب بعض الشبه» .

وقال : «خنزير البحر : جنس من الحيتان أصغر من الدلفين»(2) .

وتدلّ على طهارة كلبه - بل وخنزيره على وجهٍ - صحيحة عبد الرحمان ابن الحجّاج قال : سأل أبا عبداللّه علیه السلام رجل وأنا عنده عن جلود الخزّ ، فقال : «ليس به بأس» .

فقال الرجل : جعلت فداك ، إنّها علاجي ، وإنّما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء ؟» فقال الرجل : لا ، قال : «ليس به بأس»(3) .

حكم المتولّد من نجس العين

ثمّ إنّ المتولّد من النجسين أو أحدهما إن صدق عليه اسم أحدهما ، فلا إشكال في نجاسته . وإن صدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة ، فلا ينبغي الإشكال في طهارته ؛ إمّا لإطلاق دليل طهارته لو كان ، وإمّا للأصل .

ص: 234


1- المنجد : 200 و696 .
2- المنجد : 197 و694 .
3- الكافي 6 : 451 / 3 ؛ علل الشرائع : 357 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 362 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 10 ، الحديث 1 .

ودعوى ارتكازية نجاسة المتولّد من الكلبين أو الكلب والخنزير عند المتشرّعة ، وتبعية ولدهما لهما فيها كتبعية ولد الكافر له . أو كونِه حقيقة من جنس الوالدين وإن كان غيرهما ظاهراً ، والأحكام مترتّبة على الحقيقة ، والأسماء كاشفة عنها . أو القطعِ بالمناط(1) .

غير وجيهة وإن صدرت عن الشيخ الأعظم - نضّر اللّه وجهه - لعدم ثبوت ارتكازيتها في مثل المقام ، ولا دليل على التبعية هاهنا ، والتبعية في الكافر لا توجب الحكم بها في غيره . وممنوعية كون حقيقته ما ذكر بعد صدق عنوان آخر عليه ، وسلب صدق اسمهما عنه . ولو سلّم ذلك فلا دليل على أنّ الأحكام مترتّبة على الحقائق بذلك المعنى . وممنوعية القطع بالمناط بعد كونهما عنوانين .

وأمّا استصحاب النجاسة فيما إذا كانت اُمّه نجسة - سواء كان أبوه طاهراً أو لا - بدعوى كون الجنين جزءاً من الاُمّ ، ولا يتبدّل الموضوع بنفخ الروح فيه(2) .

ففيه ما لا يخفى بعد عدم الدليل على نجاسته ، وممنوعية جزئيته لاُمّه .

وأضعف منه استصحاب نجاسته في حال كونه علقة أو منيّاً ؛ حتّى فيما إذا كانت الاُمّ نجساً (3) ، ضرورة تبدّل الموضوع .

وقد يقال : بجريان استصحاب الكلّي الجامع بين الذاتي والعرضي في جميع

ص: 235


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 95 - 96 .
2- راجع الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 94 .
3- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 111 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 366 .

الموارد المشكوك فيها ؛ فإنّه عند ملاقاته لرطوبات اُمّه نعلم بنجاسته إمّا عرضاً أو ذاتاً ، ومع الغسل عن العرضية نشكّ في بقاء الذاتية(1) .

أقول : تارة نقول بتنجّس الجنين في الباطن ؛ لملاقاته النجس ، واُخرى نقول بعدمه ؛ إمّا لقصور أدلّة النجاسة عن إثبات نجاسة البواطن ، أو لقصور أدلّة نجاسة الملاقى لإثبات نجاسة الملاقي في الباطن ، أو لغير ذلك .

فعلى الثاني لا إشكال في جريان أصالة الطهارة في الجنين في بطن اُمّه مع الشكّ في نجاسته ذاتاً ، فحينئذٍ إن تنجّس حين التولّد عرضاً ، فلا يجري الاستصحاب بعد زوالها وتطهيرها ؛ لأ نّه مع جريان أصل الطهارة في الجنين ، لا مجال لدعوى العلم الإجمالي بأ نّه إمّا نجس ذاتاً أو عرضاً ؛ للعلم بالطهارة الظاهرية وترتّب جميع آثار الطهارة عليه ، ومعه ينقّح موضوع تنجّس الظاهر بالملاقاة نجاسةً عرضيةً ؛ بناءً على عدم تنجّس النجس .

وبالجملة : إنّ العلم الإجمالي بأنّ الجنين في الخارج بعد ملاقاة اُمّه ؛ إمّا نجس ذاتاً أو عرضاً ، ممّا لا أثر له مع جريان أصالة الطهارة في أحد طرفيه .

وإن شئت قلت : إنّ محتمل البقاء هو الذي حكم الشارع بطهارته ، أو قلت بعد غسل ظاهره : نعلم بأ نّه إمّا طاهر واقعاً ، أو طاهر ظاهراً .

ولو حاول أحد جريان مثل هذا الاستصحاب ، للزم عليه إجراؤه فيما إذا شكّ في نجاسة عينية لواحد من الحيوانات كالوزغة ، فيحكم بطهارتها قبل عروض

ص: 236


1- مستمسك العروة الوثقى 1 : 366 .

النجاسة عليها ، وبنجاستها بعد عروضها وغسلها ، وهو كما ترى .

وكذا لو فرض نجاسة طرف من الثوب ، وشكّ في نجاسة الباقي ، فغسل موضع النجس ، لزم عليه الحكم ببقاء نجاسته ؛ لاحتمال البقاء .

والجواب والحلّ : أ نّه مع هذا الاحتمال المحكوم عليه بالطهارة ، لا مجرى للأصل ، ولا أثر للعلم . تأمّل جيّداً حتّى لا يختلط عليك بين المقام والمقامات التي يكون الاستصحاب حاكماً على أصل الطهارة ، وكذا لا يختلط بينه وبين المقامات التي قلنا بعدم جريان الأصل في الفرد المشكوك في حدوثه ؛ للتحكيم على استصحاب بقاء الكلّي ، فإنّ الفارق بينهما ظاهر لدى التأمّل .

وممّا ذكرنا ظهر الحال فيما إذا قلنا بتنجّس ما في الباطن ؛ فإنّ الظاهر جريان أصالة الطهارة في الجنين لإثبات طهارته العينية ظاهراً حتّى مع تنجّسها بالعرض ؛ لوجود الأثر في جريانها كما عرفت .

ص: 237

الاختلاف في نجاسة الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة والمسوخ

ثمّ إنّه قد وقع الخلاف من قدماء أصحابنا في نجاسة جملة اُخرى غيرهما ، كالثعلب والأرنب والفأرة والوزغة والمسوخ ، بل وما لا يؤكل لحمه .

فعن «المقنعة» نجاسة الأربعة الاُول(1) . وعن ظاهر «الفقيه» و«المقنع» نجاسة الفأرة(2) .

وعن «المراسم» : «أنّ الفأرة والوزغة كالكلب والخنزير في رشّ ما مسّاه بيبوسة»(3) .

وعن الشيخ : «أنّ الأربعة المذكورة كالكلب والخنزير في وجوب إراقة ما باشرته من المياه»(4) .

وعن «الوسيلة» عدّها في عداد الكلب والخنزير والكافر والناصب في وجوب غسل ما مسّته رطباً ، ورشّه يابساً (5) .

بل عن «الغنية» دعوى الإجماع في بعض المذكورات(6) .

ص: 238


1- المقنعة : 70 و150 .
2- الفقيه 1 : 43 / 167 ؛ المقنع : 14 .
3- المراسم : 56 .
4- المبسوط 1 : 37 .
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 .
6- غنية النزوع 1 : 44 .

وعن الشيخ في«التهذيب» النصّ بنجاسة ما لا يؤكل لحمه(1) . وعن «الاستبصار» استثناء ما لا يمكن التحرّز عنه(2) .

وعن «الخلاف» القول بنجاسة المسوخ(3) . وعزي في محكيّ «المختلف» إلى سلاّر وابن حمزة(4) . وعن «المعالم» حكايته عن ابن الجنيد(5) .

فيما يدلّ على طهارة جميع المذكورات

وكيف كان : تدلّ على طهارة الجميع صحيحة الفضل أبي العبّاس قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن فضل الهرّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئاً إلاّ سألت عنه ، فقال : «لا بأس» حتّى انتهيت إلى الكلب . . .(6) إلى آخره ؛ لدخول الثعلب والأرنب في الوحش والسباع ؛ فإنّ الأوّل سبع بلا إشكال ، وعدّ بعضهم الثاني فيه أيضاً (7) . ويظهر من بعض الروايات أنّ الأرنب بمنزلة الهرّة ، وله مخالب كسباع الوحش(8) .

ص: 239


1- تهذيب الأحكام 1 : 224 ، ذيل الحديث 642 .
2- الاستبصار 1 : 26 ، ذيل الحديث 65 .
3- الخلاف 3 : 184 .
4- مختلف الشيعة 1 : 307 ؛ المراسم : 55 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 78 .
5- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 548 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 1 : 226 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 4 .
7- اُنظر جواهر الكلام 5 : 369 ؛ المنجد : 9 .
8- راجع وسائل الشيعة 24 : 109 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .

بل تدخل الوزغة في الوحش ، وكذا بعض أنواع الفأرة ؛ إن كان «الوحش» مطلق الحيوان البرّي مقابل الأهلي ، إذ الظاهر أنّ سؤاله كان عن عنوان «الوحش» و«السباع» لا عن أفرادهما تفصيلاً . بل المظنون أنّ الفأرة والوزغة كانتا من جملة ما سأل عنها ؛ فإنّ قوله : «فلم أترك شيئاً» وإن كان على سبيل المبالغة ، لكن من البعيد جدّاً ترك السؤال عن الفأرة المبتلى بها والمعهودة في الذهن والوزغة المعروفة ، سيّما في بلد السؤال والراوي .

ويظهر ممّا مرّ جواز الاستدلال لطهارة الأوّلين - بناءً على سبعيتهما - بكلّ ما دلّ على طهارة السباع ، كصحيحة ابن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ، قال : «اغسل الإناء» .

وعن السِنَّوْر ، قال : «لا بأس أن تتوضّأ من فضلها ؛ إنّما هي من السباع»(1) .

وصحيحة زرارة ، عنه علیه السلام قال : «في كتاب علي علیه السلام : أنّ الهرّ سبع ، ولا بأس بسؤره»(2) . . . إلى غير ذلك ممّا يعلم منه مفروغية طهارة السبع(3) إلاّ ما استثني .

ص: 240


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 644 ؛ الاستبصار 1 : 18 / 39 ؛ وسائل الشيعة 1 : 227 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 2 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 227 / 655 ؛ وسائل الشيعة 1 : 227 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 2 ، الحديث 2 .
3- كرواية أبي الصباح عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان علي عليه السلام يقول : لا تدع فضل السنّور أن تتوضّأ منه ، إنّما هي سبع» . تهذيب الأحكام 1 : 227 / 653 ؛ وسائل الشيعة 1 : 228 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 2 ، الحديث 4 .
طهارة الوزغة والفأرة

وتدلّ على طهارة الوزغة والفأرة مصحّحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام في حديث قال : سألته عن العظاية والحيّة والوزغ يقع في الماء فلا يموت ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا بأس به» .

وسألته عن فأرة وقعت في حبّ دهن ، واُخرجت قبل أن تموت ، أيبيعه من مسلم ؟ قال : «نعم ، ويدهن منه»(1) .

وعلى طهارة الفأرة صحيحة إسحاق بن عمّار(2) ، ورواية أبي البَخْتري(3) ، وصدر صحيحة هارون بن حمزة الغَنوي(4) ، وصحيحة سعيد الأعرج - برواية الشيخ - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة يقع في السمن والزيت ، ثمّ يخرج حيّاً ، قال : «لا بأس بأكله»(5) .

ص: 241


1- تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1326 ؛ وسائل الشيعة 1 : 238 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول : «لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه ويتوضّأ منه» . تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1323 ؛ وسائل الشيعة 1 : 239 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 2 .
3- عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهماالسلام أنّ عليّاً عليه السلام قال : «لا بأس بسؤر الفأرة أن يشرب منه ويتوضّأ» . قرب الإسناد : 150 / 542 ؛ وسائل الشيعة 1 : 241 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 8 .
4- سيأتي نقل الحديث بكامله في الصفحة 245 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 86 / 362 .

وفي رواية الكليني : «عن الفأرة والكلب يقع . . .»(1) إلى آخره .

والظاهر زيادة لفظ «الكلب» من النسّاخ ، أو بعض الرواة ؛ فإنّ أصالة عدم الزيادة - ولو كانت أرجح من أصالة عدم النقيصة - لم تسلم في مثل المقام الذي كانت نجاسة الكلب معهودة من الصدر الأوّل . مع بُعد سمن أو زيت يقع الكلب فيه ، ويكون في معرض الموت ، فالمظنون وقوع الزيادة ، سيّما مع إفراد الضمير .

ويدلّ على طهارة الوزغ كلّ ما دلّ على طهارة ميتة ما لا نفس له(2) ؛ ضرورة أنّ الموت لو لم يؤثّر في تغليظ النجاسة ، لم يؤثّر في تطهير الميت . مضافاً إلى حسنة(3) يعقوب بن عُثيم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : بئر يخرج من مائها قطع جلود ، قال : «ليس بشيء ؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده» .

وقال : «يكفيك دلو واحد من ماء»(4) .

ص: 242


1- الكافي 6 : 261 / 4 .
2- تقدّم في الصفحة 115 - 121 .
3- رواها الصدوق بإسناده ، عن يعقوب بن عثيم ، وقال في المشيخة : «وما كان فيه عن يعقوب بن عثيم فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه ، عن علي بن إبراهيم ابن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن يعقوب بن عثيم . وجه كونها حسنة ، وقوع يعقوب بن عُثيم في السند ويعلم حسن حاله وصحّة حديثه من عدّ العلاّمة رحمه الله طريق الصدوق إ ليه في الفقيه صحيحاً ومن رواية أبان وابن أبي عمير وأضرابهما عنه ومن استصحاح الأصحاب أخباراً هو في طريقها . الفقيه ، المشيخة 4 : 6 ؛ منتهى المقال 7 : 67 - 68 ؛ تنقيح المقال 3 : 331 / السطر 36 (أبواب الياء) .
4- الفقيه 1 : 15 / 30 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1325 ؛ وسائل الشيعة 1 : 189 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 9 .
طهارة الثعلب

وعلى طهارة الثعلب جملة من الروايات الواردة في لباس المصلّي الدالّة على قبوله التذكية ، كرواية جعفر بن محمّد بن أبي زيد قال : سئل الرضا علیه السلام عن

جلود الثعالب الذكيّة ، قال : «لا تصلّ فيها»(1) .

ورواية الوليد بن أبان قال : قلت للرضا علیه السلام : يصلّى في الثعالب إذا كانت ذكيّة ؟ قال : «لا تصلّ فيها»(2) .

فإنّ الظاهر تقريره لقبوله التذكية .

بل وصحيحة ابن أبي نجران(3) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الصلاة في جلود الثعالب فقال : «إذا كانت ذكيّة فلا بأس»(4) ، ونحوها غيرها (5) .

وهي وإن صدرت تقيّة من جهة تجويز الصلاة فيها ، لكن لا دليل على أنّ التعليق أيضاً صدر كذلك .

ص: 243


1- تهذيب الأحكام 2 : 210 / 824 ؛ وسائل الشيعة 4 : 357 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 7 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 207 / 811 ؛ وسائل الشيعة 4 : 357 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 7 ، الحديث 7 .
3- كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل (1 : 294 / السطر 35) ولكن في سائر النسخ والمصادر الروائية «جميل» بدل «ابن أبي نجران» وهذا هو الصحيح .
4- تهذيب الأحكام 2 : 206 / 809 ؛ الاستبصار 1 : 382 / 1447 ؛ وسائل الشيعة 4 : 357 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 7 ، الحديث 9 .
5- راجع وسائل الشيعة 4 : 358 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 7 ، الحديث 10 و11 .
طهارة الأرنب

بل قد يشعر بعض الروايات بقبول الأرنب التذكي-ة ، كمكاتب-ة محمّ-د بن عبدالجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد علیه السلام أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لايؤكل لحمه ، أو تكّة حرير محض ، أو تكّة من وبر الأرانب ؟ فكتب : «لاتحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّه»(1) .

ومن المعلوم أنّ التذكية لا تقع على نجس العين .

فيما يستدلّ به لنجاسة المذكورات

وفي مقابلها جملة من الروايات ربّما يستدلّ بها للنجاسة ، كمرسلة يونس ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته هل يحلّ أن يمسّ الثعلب والأرنب أو شيئاً من السباع حيّاً وميّتاً ؟ قال : «لا يضرّه ، ولكن يغسل يده»(2) .

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء ، فتمشي على الثياب ، أيصلّى فيها ؟ قال : «اغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تره انضحه بالماء»(3) .

ص: 244


1- تهذيب الأحكام 2 : 207 / 810 ؛ وسائل الشيعة 4 : 377 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 14 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 60 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 462 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 761 ؛ وسائل الشيعة 3 : 460 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 33 ، الحديث 2 .

وصحيحته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : سألته عن الفأرة والكلب إذا أكلا من الخبز أو شمّاه ، أيؤكل ؟ قال : «يطرح ما شمّاه ، ويؤكل ما بقي»(1) . وقريب منها موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (2) .

ورواية الحسين بن زيد ، عن الصادق علیه السلام في حديث المناهي قال : «نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن أكل سؤر الفأر»(3) .

وذيل صحيحة هارون بن حمزة الغَنوي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّاً ، هل يشرب من ذلك الماء ويتوضّأ به ؟ قال : «يسكب منه ثلاث مرّات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثمّ يشرب منه ويتوضّأ منه ، غير الوزغ ، فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه»(4) .

وصحيحة معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر قال : «ينزح منها ثلاث دلاء»(5) .

ص: 245


1- تهذيب الأحكام 1 : 229 / 663 ؛ وسائل الشيعة 3 : 465 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 36 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 465 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 36 ، الحديث 2 .
3- الفقيه 4 : 2 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 240 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 7 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 238 / 690 ؛ وسائل الشيعة 1 : 188 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 5 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 238 / 688 ، و : 245 / 706 ؛ وسائل الشيعة 1 : 187 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 2 .

ورواية «العلل» و«العيون» عن محمّد بن سِنان ، عن الرضا علیه السلام فيما كتب إليه من جواب مسائله في «العلل» : «وحرّم الأرنب لأ نّها بمنزلة السِنَّوْر ، ولها مخالب كمخالب السِنَّوْر وسباع الوحش ، فجرت مجراها ، مع قذرها في نفسها ، وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء ؛ لأ نّها مسخ»(1) ؛ بدعوى أنّ «القذر» النجس .

إلى غير ذلك ممّا لا بدّ من حملها على استحباب الغسل والتنزّه وكراهة الارتكاب ؛ جمعاً بينها وبين ما هو نصّ في الطهارة ، خصوصاً في الفأرة والوزغة .

هذا لو سلّم ظهورها في النجاسة ، وهو ممنوع في جلّها ؛ فإنّ المرسلة -

بعد إرسالها ، وكلامٍ في محمّد بن عيسى ، عن يونس(2) - لا يمكن حملها على النجاسة بعد اقترانهما ب- «شيء من السباع حيّاً وميّتاً» مع كون جميع السباع طاهراً حيّاً إلاّ ما ندر ، واستثناؤها لا يخلو من استهجان .

مضافاً إلى أنّ السؤال عن حلّية المسّ ، وإطلاقه شامل للمسّ يابساً ، ولا ينصرف إلى حال الرطوبة كما ينصرف في ملاقي النجس ، ومعه لا محيص

ص: 246


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 93 / 1 ؛ علل الشرائع : 482 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 109 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .
2- إشارة إ لى ما ذكره النجاشي في ترجمة محمّد بن عيسى من أ نّه «ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أ نّه قال : ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه . ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : مَن مِثل أبي جعفر محمّد بن عيسى» . رجال النجاشي : 333 / 896 ؛ تنقيح المقال 3 : 167 / السطر 26 (أبواب الميم) .

عن حمل الأمر على الاستحباب ، وهو أولى في المقام من ارتكاب التخصيص والتقييد ، كما لا يخفى .

وصحيحة علي بن جعفر وغيرها ممّا وردت في الفأرة ، لا تحمل عليها أيضاً ؛ للسيرة المستمرّة على عدم التحرّز عن سؤرها ، ومعها لا ينقدح في الذهن من الأمر بالغسل النجاسة .

وصحيحته الاُخرى الواردة في أكل الكلب والفأرة وشمّهما ، لا محيص عن حملها على الاستحباب أو كراهة الأكل ؛ ضرورة أنّ مجرّد الشمّ - بل الأكل - لا يوجب النجاسة ، ولم يفرض فيها سراية رطوبتهما ، ومع الشكّ محكوم بالطهارة .

وصحيحة معاوية في النزح - مع عدم دلالتها على النجاسة بعد كونه استحبابياً ، تأمّل - محمولة على موتهما فيه ، كما هو مورد السؤال في باب المنزوحات غالباً .

وذيل صحيحة الغنوي محمول على الكراهة ؛ بصراحة صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة(1) ، تأمّل .

و«القذر» في رواية «العلل» - بعد الغضّ عن السند(2) - لا يراد به النجاسة ، وإلاّ كان تمام الموضوع للحرمة ، مع أنّ الظاهر منها أ نّها جزء العلّة . ويشهد له ما

رواه في «العلل» : «وأمّا الأرنب ، فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض

ص: 247


1- تقدّمت في الصفحة 241 .
2- تقدّم وجه ضعفه في الصفحة 114 ، الهامش 3 .

ولا جنابة»(1) ، والظاهر أنّ القذارة فيه كالقذارة التي في المرأة الحائض والجنب ، وهي ليست النجاسة .

وكيف كان : لا إشكال في طهارة المذكورات ، فضلاً عن طهارة المسوخ وما لا يؤكل لحمه إلاّ ما استثني ؛ فإنّ نجاستهما بنحو العموم مخالف للنصّ والإجماع ، بل الضرورة ، ولذا لا بدّ من تأويل ما نسب إلى الشيخ رحمه الله علیه (2) .

ص: 248


1- علل الشرائع : 486 / 2 .
2- مفتاح الكرامة 2 : 67 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 224 ، ذيل الحديث 642 .

المسكر المائع بالأصالة

اشارة

الثامن : المسكر المائع بالأصالة ، كالخمر وغيرها ، فالمشهور بيننا نجاسته ،

ولم ينقل من قدماء أصحابنا القول بالطهارة إلاّ من الصدوق(1) ووالده في «الرسالة»(2) وابن أبي عقيل والجُعْفي(3) .

لكن في «الجواهر» : «عدم ثبوت ذلك عن الثاني ، بل أنكره بعض الأساطين ، وعدم صراحة الأوّل فيه أيضاً ، سيّما بملاحظة ما نقل عنه من إيجابه نزح البئر منه ، كعدم معروفية حكاية ذلك عن الجُعْفي في كثير من كتب الأصحاب ، كالعلاّمة وغيره . نعم حكاه في «الذكرى» وتبعه بعض من تأخّر عنه»(4) انتهى .

أقول : إنّ الصدوق نفى البأس - على المحكيّ(5) - عن الصلاة في ثوب أصابه

ص: 249


1- الفقيه 1 : 43 / 167 .
2- اُنظر الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام : 281 ؛ السرائر 1 : 179 .
3- مختلف الشيعة 1 : 310 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 114 .
4- جواهر الكلام 6 : 3 .
5- مختلف الشيعة 1 : 310 .

خمر قائلاً : «إنّ اللّه حرّم شربها ، ولم يحرّم الصلاة في ثوب أصابته»(1) وهو ظاهر في طهارتها . لكن من المحتمل بعيداً أن يكون مراده العفو في الصلاة ، كقليل الدم .

وكذا لم ينقل من الجمهور إلاّ عن داود وربيعة(2) ، وهو أحد قولي الشافعي على ما في «التذكرة»(3) لكن لم ينسبها إليه في «المنتهى»(4) وظاهره انحصار المخالف فيهم بداود ، وفي حكايةٍ ربيعة .

وربّما يظهر من البهائي عدم كون الشافعي قائلاً بها ، حيث قال في «الحبل المتين» : «وقد أطبق علماء الخاصّة والعامّة على ذلك ، إلاّ شرذمة منّا ومنهم لم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم»(5) .

بل من السيّد أيضاً حيث قال : «لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر ، إلاّ

ما يحكى عن شذّاذ لا اعتبار بقولهم»(6) ، فإنّ الشافعي ليس من الشذّاذ الذين لا اعتداد بقولهم ، ولم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم .

وأمّا الصدوق منّا فلم يصرّح بالطهارة كما مرّ .

بل لعلّ المجتهدين - كالسيّد والمفيد والشيخ وأضرابهم - لم يعتدّوا برأيه

ص: 250


1- الفقيه 1 : 43 ، ذيل الحديث 167 .
2- الجامع لأحكام القرآن 6 : 288 ؛ المجموع 2 : 563 .
3- تذكرة الفقهاء 1 : 64 .
4- منتهى المطلب 3 : 213 .
5- الحبل المتين : 102 / السطر 7 .
6- مسائل الناصريات : 95 .

وإن اعتدّوا بنقله ونفسه ، ولهذا حكي عن الشيخ : «أنّ الخمر نجس بلا خلاف»(1) ولم يستثن أحداً .

الاستدلال على نجاسة الخمر بالإجماع والكتاب

وكيف كان : قد تكرّر نقل الإجماع بيننا - بل بين المسلمين - على نجاسة الخمر(2) .

وتدلّ عليها الآية الكريمة : )إِنَّمَا ا لْخَمْرُ وَا لْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ ا لشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ((3) .

بناءً على أنّ «الرجس» بمعنى النجس إمّا مطلقاً ، أو في المقام ؛ إمّا لنقل الإجماع في محكيّ «التهذيب» على أ نّه هاهنا بمعنى النجس(4) ، أو لمناسبة المقام ؛ فإنّ اللّه تعالى فرّع وجوب الاجتناب عن المذكورات على كونها رجساً من عمل الشيطان ، ولا يناسب التفريعَ على مطلق الرجس المشترك بين ما لا بأس به ولا يجب الاجتناب عنه ، وبين ما به بأس ، فرفع اليد عن ذات العناوين والتفريع على الرجس ، لا يناسب إلاّ كونه بمعنى النجس المعهود الذي كان وجوب الاجتناب عنه معهوداً بينهم .

ويؤيّده إطلاق «الرجس» على لحم الخنزير ، أو عليه وعلى الميتة والدم في

ص: 251


1- المبسوط 1 : 36 .
2- راجع المبسوط 1 : 36 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ السرائر 1 : 178 ؛ جواهر الكلام 6 : 2 .
3- المائدة (5) : 90 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 278 ، ذيل الحديث 816 .

آية اُخرى(1) ، وإطلاقه على لحم الخنزير والخمر في بعض الروايات(2) . ولا يبعد أن يكون ذلك تبعاً للآية .

وبناءً على أنّ باب المجازات مطلقاً ، ليس من قبيل استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، بل من قبيل ادّعاء ما ليس بمصداق الماهية حقيقةً مصداقَها ، وتطبيق المعنى الحقيقي الذي استعمل اللفظ فيه عليه ، كما حقّق في محلّه(3) .

ففي المقام استعمل «الرجس» في النجس الذي هو أحد معانيه بالتقريب المتقدّم ، وادّعي كون الثلاثة التي بعد الخمر مصداقاً له ؛ تنزيلاً لما ليس بنجس منزلته ، لقيام القرينة العقلية عليه ، ولم تقم قرينة على التنزيل والادّعاء في الخمر ، فيحمل على الحقيقة ، فتثبت نجاستها .

لكن بعد اللتيّا والتي ، إثبات نجاستها بالآية محلّ إشكال ومناقشة لا مجال للتفصيل حولها .

الاستدلال على نجاسة الخمر بالروايات

وأمّا الروايات فعلى طوائف :

منها : ما هي ظاهرة في النجاسة ، وهي التي اُمر فيها بغسل ملاقيها ، أو النهي عن الصلاة فيما يلاقيها ، وهي كثيرة ، كموثّقة عمّار بن موسى قال : سألته عن الدَنّ يكون فيه الخمر ، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء

ص: 252


1- الأنعام (6) : 145 .
2- وسائل الشيعة 3 : 418 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 2 .
3- مناهج الوصول 1 : 62 .

كامخ أو زيتون ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» .

وعن الإبريق وغيره يكون فيه خمر ، أيصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» .

وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ، قال : «تغسله ثلاث مرّات» .

وسئل : أيجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرّات»(1) .

والفقرات منها ظاهرة في النجاسة ، والأخيرة كالنصّ فيها .

وموثّقتِه الاُخرى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر ، واغسله إن عرفت موضعه ، فإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، فإن صلّيت فيه فأعد صلاتك»(2) .

ونحوها مرسلة يونس ، عنه علیه السلام (3) .

ورواية أبي جميلة البصري قال : كنت مع يونس ببغداد وأنا أمشي في السوق ، ففتح صاحب الفُقّاع فُقّاعه ، فقفز فأصاب ثوب يونس ، فرأيته قد اغتمّ لذلك حتّى زالت الشمس ، فقلت له : يا أبا محمّد ، ألا تصلّي ؟ قال : فقال لي : ليس اُريد

أن اُصلّي حتّى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي .

ص: 253


1- الكافي 6 : 427 / 1 ؛ وسائل الشيع-ة 3 : 494 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 51 ، الحديث 1 .
2- هذه محكيّة في الحدائق وغيره ، ولم أجدها الآن عاجلاً في كتب الحديث .[ منه قدس سره]
3- الكافي 3 : 405 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 3 .

فقلت له : هذا رأي رأيته ، أو شيء ترويه ؟ فقال : أخبرني هشام بن الحكم : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الفُقّاع ، فقال : «لا تشربه ، فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله»(1) .

ولا تخفى دلالتها على النجاسة من وجوه .

وصحيحة علي بن جعفر المنقولة في الأشربة المحرّمة ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن النَضُوح يجعل فيه النبيذ ، أيصلح للمرأة أن تصلّي وهو على رأسها ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل منه»(2) .

وصحيحته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : سألته عن الشرب في الإناء يشرب فيه الخمر قدحاً عيدان أو باطية ، قال : «إذا غسله فلا بأس» .

قال : وسألته عن دَنّ الخمر يجعل فيه الخلّ والزيتون أو شبهه ، قال : «إذا غسل فلا بأس»(3) . . . إلى غير ذلك .

بل يظهر من بعضها مفروغية النجاسة ، كصحيحة معاوية بن عمّار الواردة في الثياب يعملها المجوس(4) .

ص: 254


1- الكافي 6 : 423 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 282 / 828 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 5 .
2- مسائل علي بن جعفر : 151 / 200 ؛ قرب الإسناد : 225 / 878 ؛ وسائل الشيعة 25 : 380 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 3 .
3- مسائل علي بن جعفر : 154 / 212 و : 155 / 216 ؛ وسائل الشيعة 25 : 369 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 5 و6 .
4- تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1497 ؛ وسائل الشيعة 3 : 518 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 73 ، الحديث 1 .

ومنها : ما هي كصريحة أو صريحة فيها ، كرواية أبي بصير في حديث اُمّ خالد العبدية في التداوي بالنبيذ ، قال في ذيلها : ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء» يقولها ثلاثاً (1) .

وحسنةِ خَيْران الخادم أو صحيحته قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيصلّى فيه أم لا ؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال

بعضهم : صلّ فيه ؛ فإنّ اللّه إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلّ فيه . فوقّع : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس . . .»(2) إلى آخره .

ضرورة أنّ «الرجس» في الحديث بمعنى النجس ؛ فإنّ اختلاف الأصحاب لم يكن في استحباب غسله ، بل في نجاسته كما هو واضح .

وصحيحةِ عبداللّه بن سِنان قال : سأل أبي أبا عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر : إنّي أعير الذمّي ثوبي ، وأنا أعلم أ نّه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليّ ،

فأغسله قبل أن اُصلّي فيه ؟ فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ؛ فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أ نّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه»(3) .

فإنّ الظاهر منها مفروغية نجاسة الخمر ولحم الخنزير ، وإنّما سأل عن الشبهة

ص: 255


1- الكافي 6 : 413 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 344 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 361 / 1495 ؛ وسائل الشيعة 3 : 521 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 74 ، الحديث 1 .

الموضوعية ، فأجاب بما أجاب ، حيث يعلم منه أ نّه مع ملاقاته يصير نجساً ، سيّما مع اقترانه بلحم الخنزير .

وصحيحةِ هارون بن حمزة الغَنوي - بناءً على وثاقة يزيد بن إسحاق ، كما لا تبعد - عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل اشتكى عينيه ، فنعت له بكحل يعجن بالخمر ، فقال : «هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به»(1) .

فإنّ التنزيل منزلة الميتة إمّا يكون في النجاسة ، أو مع الحرمة ، لا في الحرمة

فقط ، سيّما مع قوله علیه السلام : «خبيث» وسيّما أنّ الاكتحال ليس بأكل ، وأنّ الخمر مستهلك في الكحل ، فالأنسب فيه النجاسة ، ولا أقلّ من إطلاق التنزيل .

ومنه يظهر صحّة الاستدلال برواية الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن

دواء يعجن بالخمر لا يجوز أن يعجن إلاّ به ، إنّما هو اضطرار؟ فقال : «لا واللّه ، لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه ، فكيف يتداوى به ؟ ! وإنّما هو بمنزلة شحم الخنزير الذي يقع في كذا وكذا . . .»(2) إلى آخره ، تأمّل .

ويمكن عدّ الروايات الواردة في باب المنزوحات(3) من تلك الطائفة ؛ فإنّ الناظر فيها لا يشكّ في أنّ نجاستها كانت مفروغاً عنها ، وإنّما وقع بعدها السؤال عن حال البئر .

ص: 256


1- تهذيب الأحكام 9 : 114 / 493 ؛ وسائل الشيعة 25 : 350 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 21 ، الحديث 5 .
2- بحار الأنوار 59 : 88 / 15 ؛ وسائل الشيعة 25 : 346 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 10 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 .

بل جميع الروايات في منزوحات البئر - إلاّ ما شذّ منها - واردة في ملاقاته لنجاسات مفروغ عنها ، فلا شبهة في دلالتها عليها ، سيّما مع إردافها بالدم والميتة ولحم الخنزير ، وتسويتها معها ، فجعلها كالصريحة في المطلوب .

كما أنّ منها : موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سأله عن الإناء يشرب فيه النبيذ ، فقال : «تغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب»(1) .

فإنّ اقترانه بالكلب وتنظير الكلب به ، جعله كالصريح في النجاسة وإن قلنا بأنّ السبع استحبابي .

ومنها : ما اُمر فيها بإهراق ملاقيها ، كرواية زكريّا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر ، قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ، قال : «يهراق المرق ، أو تطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله» . قلت : فإنّه قطر فيه دم ، قال : «الدم تأكله النار إن شاء اللّه» .

قلت : فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم ، قال فقال : «فسد» . قلت : أبيعه من اليهود والنصارى واُبيّن لهم ؟ قال : «نعم ؛ فإنّهم يستحلّون شربه» .

قلت : والفُقّاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شيء من ذلك ؟ قال فقال : «أكره أن آكله إذا قطر في شيء من طعامي»(2) .

واشتمالها على أكل النار الدم ، لا يضرّ بالمطلوب مع احتمال كون الدم مردّداً

ص: 257


1- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 377 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 35 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 820 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 .

بين النجس وغيره ، سيّما مع تعقيبه بأ نّه مع تقطير الدم في العجين يوجب الفساد . ودلالتها على النجاسة لا تكاد تخفى ؛ فإنّ إهراق المرق الكثير لأمر استحبابي بعيد .

نعم ، فيها إشعار بأنّ حرمة الخمر صارت موجبة للإهراق ، على تأمّل ؛ إذ لا يبعد أن يكون قوله علیه السلام : «يستحلّون شربه» إشارة إلى ملازمة الحرمة والنجاسة ، وإلاّ فمجرّد حرمة الخمر أو الدم مع استهلاكهما لا يوجب التحريم .

وحسنة(1) عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته ، ويذهب سكره ؟ فقال : «لا واللّه ،

ولا قطرة قطرت في حبّ إلاّ اُهريق ذلك الحبّ»(2) .

وإطلاقها يقتضي لزوم إهراق كلّ ما لاقاها ولو مثل الزيت والدبس ، ومع عدم النجاسة يكون الإهراق بعيداً مع استهلاكها . واحتمال أن يكون ذلك لأجل

ص: 258


1- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، وعن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن علي بن الحكم ، عن أبي المغرا ، عن عمر بن حنظلة . وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ عمر بن حنظلة ، وهو حسن لوجود الشواهد الكثيرة المذكورة في محلّه ، فإنّها لو لم تدلّ على وثاقته فلا أقلّ من دلالتها على حسنه ، كما قال المصنّف في كتاب «البيع» . منتهى المقال 5 : 128 ؛ تنقيح المقال 2 : 342 / السطر 15 (أبواب العين) ؛ البيع 2 : 678 .
2- الكافي 6 : 410 / 15 ؛ وسائل الشيعة 25 : 341 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 18 ، الحديث 1 .

المبالغة في أمر الخمر وشربها ، أيضاً بعيد ؛ لإمكان بيان حرمتها والمبالغة فيها بنحو آخر غير الأمر بإهراق مال محترم .

الاستدلال على طهارة الخمر بالروايات وردّه

وفي مقابلها روايات استدلّ بها للطهارة ربّما يقال ببلوغها اثنتي عشرة(1) ، وهو غير ظاهر ، إلاّ أن يلحق بها بعض أدلّة النجاسة ، كرواية إعارة الثوب لمن يعلم أ نّه يشرب الخمر ، حيث أجاز الصلاة فيه قبل غسله ، وروايةٍ دلّت على جواز الصلاة فيما يعمله المجوس وهم يشربون الخمر ، وغيرهما ، وقد مرّ أ نّها ظاهرة في مفروغية نجاستها .

فممّا استدلّ بها صحيحة أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أصاب ثوبي نبيذ ، اُصلّي فيه ؟ قال : «نعم» .

قلت : قطرة من نبيذ قطر في حبّ ، أشرب منه ؟ قال : «نعم ؛ إنّ أصل النبيذ حلال ، وأصل الخمر حرام»(2) .

وفيه : أ نّها تدلّ على خلاف مطلوبهم إن جعلت العلّة مربوطة بالفقرتين ؛ لدلالتها على ملازمة حرمة المشروب لنجاسته ، ولا محيص عن حمل قوله علیه السلام : «أصل النبيذ حلال . . .» إلى آخره ، على حلّية نفس النبيذ ، وحرمة نفس الخمر ، وإلاّ فما يؤخذ منه الخمر حلال بالضرورة . إلاّ أن يراد من

ص: 259


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 162 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 821 ؛ وسائل الشيعة 3 : 471 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 9 .

«الأصل» حال الغليان قبل صيرورته خمراً ، وهو كما ترى .

ولا تدلّ على مطلوبهم إن جعلت علّة للأخيرة ؛ فإنّها قرينة على أنّ المراد من «النبيذ» في الفقرة المتقدّمة قسم الحلال منه . ولا يبعد شيوع النبيذ الحلال في تلك الأزمنة ؛ بحيث كان اللفظ منصرفاً إليه ، ولهذا ترى في بعض الروايات تقييده بالمسكر(1) ، وفي بعضها سئل عنه بلا قيد ، فأجاب بأ نّه حلال ، كرواية الكلبي النسّابة : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن النبيذ ، فقال : «حلال» .

فقال : إنّا ننبذه ، فنطرح فيه العَكَر وما سوى ذلك ، فقال : «شه ، شه ، تلك الخمرة المنتنة . . .»(2) إلى آخره .

وموثّقة حنان بن سَدير قال : سمعت رجلاً يقول لأبي عبداللّه علیه السلام : ما

تقول في النبيذ ، فإنّ أبا مريم يشربه ، ويزعم أ نّك أمرته بشربه ؟ فقال : «صدق أبو مريم ، سألني عن النبيذ ، فأخبرته أ نّه حلال ، ولم يسألني عن المسكر»(3) .

فيظهر منهما شيوع استعماله في القسم الحلال ، ومعه لا مجال للاستدلال بها للطهارة في القسم الحرام .

والعجب من الأردبيلي حيث اقتصر على نقل صدرها لمطلوبه ، وترك ذيلها

ص: 260


1- وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 3 و8 و14 .
2- الكافي 6 : 416 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 203 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 2 ، الحديث 2 .
3- الكافي 6 : 415 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 352 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 22 ، الحديث 5 .

الذي هو قرينة على الصدر ، أو دالّ على خلاف مطلوبه(1) .

وأعجب منه توهّم(2) انحصار الصحيحة في الروايات الدالّة على النجاسة

بصحيحة ابن مهزيار(3) ، مع أنّ فيها جملةً من الصحاح تدلّ عليها ، كصحيحتي(4) عبداللّه بن سِنان في باب إعارة الثوب الذمّيَّ ، ومعاوية بن عمّار في باب طهارة ما يعمله الكفّار من الثياب ما لم يعلم تنجيسهم لها وغيرها .

مع أنّ الموثّق - سيّما مثل موثّق عمّار(5) - لا يقصر في إثبات الحكم عن الصحاح .

والعجب منه أيضاً تصحيح رواية الحسين بن أبي سارة بمجرّد ظنّه بأنّ ما وقع في «التهذيب» في موضعين(6) ، من اشتباه النسّاخ ، وأنّ الصحيح : «الحسن بن أبي سارة» لوقوعه في «الاستبصار» مكبّراً (7) ، وعدم ذكر من الحسين في الرجال(8) ، فإنّ مجرّد وقوعه فيه كذلك وإهمال الحسين ، لا يوجب الاطمئنان به ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً ، مع أنّ إهمال الراوي في كتب الرجال ليس بعزيز ، ومن المحتمل أنّ لأبي سارة ولداً آخر يسمّى

ص: 261


1- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 310 .
2- نفس المصدر .
3- ستأتي في الصفحة 269 .
4- تقدّمتا في الصفحة 254 و255 .
5- تقدّم في الصفحة 252 - 253 .
6- تهذيب الأحكام : 99 (ط - الحجري) ؛ تهذيب الأحكام 1 : 280 / 822 و824 .
7- الاستبصار 1 : 189 / 664 و666 .
8- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 311 .

ب- «الحسين» وقد أهمله أصحاب الرجال لجهالته .

نعم لو قيل : بأنّ ذلك لا يوجب جواز طرح رواية «الاستبصار» التي في سندها الحسن الثقة ، لكان له وجه .

لكنّه غير وجيه ؛ لعدم احتمال كون ما في «الاستبصار» حديثاً ثالثاً غير ما في «التهذيب» مع اتّحادهما من جميع الجهات إلاّ الاختلاف في الحسن مكبّراً ومصغّراً ، ومع ما يقال : إنّ «الاستبصار» قطعة من «التهذيب»(1) .

وقد قلنا في محلّه : أن لا دليل على حجّية أخبار الثقة إلاّ بناء العقلاء الممضى

من الشارع المقدّس(2) ، وليس بناؤهم على الاحتجاج بمثل هذه الرواية مع هذه الحال . مضافاً إلى أنّ متنها أيضاً لا يخلو من نحو اختلال ، وهو هذا : قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إن أصاب ثوبي شيء من الخمر ، اُصلّي فيه قبل أن أغسله ؟

قال : «لا بأس ؛ إنّ الثوب لا يسكر»(3) .

فإنّ هذا التعليل غير المناسب للسؤال والحكم ، ربّما يوجب وهناً فيها ، سيّما في المقام ؛ سواء كان «لا يسكر» من باب الإفعال ؛ ويراد به أنّ الثوب لا يوجب سكر لابسه حتّى لا تصحّ صلاته لأجل كونه سكرانَ ، أو يراد به أنّ الثوب لا يكون مسكراً حتّى لا تصحّ الصلاة فيه ، أو من المجرّد ؛ ويراد به أنّ الثوب لا يصير سكرانَ ؛ فإنّ إفادة طهارة الثوب أو الخمر بتلك العلّة البعيدة عن الأذهان

ص: 262


1- وسائل الشيعة ، الخاتمة 30 : 542 .
2- أنوار الهداية 1 : 254 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 280 / 822 ؛ وسائل الشيعة 3 : 471 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 10 .

وغير المناسبة للمقام ، توجب وهناً فيها ، وينقدح في الذهن أ نّها معلّلة . مع أ نّه على الاحتمال الثاني تشعر بنجاسة الخمر ، أو تدلّ عليها .

وأضعف منها سنداً ودلالة روايته الاُخرى :

قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّا نخالط اليهود والنصارى والمجوس ، وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون ، فيمرّ ساقيهم ، ويصبّ على ثيابي الخمر ، فقال : «لا بأس به ، إلاّ أن تشتهي أن تغسله لأثره»(1) .

فإنّها - مضافاً إلى اشتراكها مع ما قبلها في الحسين بن أبي سارة - في سندها صالح بن سَيابة ، وهو مجهول .

مع أنّ في متنها أيضاً وهناً :

من جهة تقريره حضورهم في مجلس شربهم ، والمخالطة معهم حتّى في المجالس التي يشربون فيها ، ويدور الساقي حولها ، مع أ نّه حرام منهيّ عنه .

ومن جهة دلالتها على طهارة الطوائف الثلاث ؛ فإنّ الظاهر أنّ الخمر التي أصابت ثيابه من يد ساقيهم ، كانت من فضلهم ، ومن الكأس الدائر بينهم للشرب ، فتعارض ما دلّت على نجاستهم آيةً وروايةً وإجماعاً (2) ، وسيأتي محمل لمثلها (3) .

ويتلوهما في ذلك رواية الصدوق قال : سئل أبو جعفر وأبو عبداللّه علیهما السلام فقيل لهما : إنّا نشتري ثياباً يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها ، أنصلّي فيها قبل

ص: 263


1- تهذيب الأحكام 1 : 280 / 824 ؛ وسائل الشيعة 3 : 471 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 12 .
2- يأتي في الصفحة 412 .
3- سيأتي في الصفحة 265 - 266 .

أن نغسلها ؟ فقالا : «نعم ، لا بأس ؛ إنّ اللّه إنّما حرّم أكله وشربه ، ولم يحرّم لبسه ولمسه والصلاة فيه»(1) .

إذ اشتمالها على «ودك الخنزير» - أي شحمه ودسمه - الذي لا يجوز الصلاة فيه بما أ نّه نجس العين ، وبما أ نّه ميتة ، وبما أ نّه من غير المأكول ، موجب لوهنها

وعدم جواز التمسّك بها . والتفكيك في مثله كما ترى .

ونظيرهما في ضعف السند بل الدلالة رواية حفص الأعور قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الدَنّ يكون فيه الخمر ، ثمّ يجفّف فيجعل فيه الخلّ ، قال : «نعم»(2) ؛ لجهالة حفص ، وقوّةِ احتمال أن يكون السائل بصدد السؤال عن أنّ الدنّ الذي هو وعاء من خزف ينفذ فيه الخمر إذا جفّف يجعل فيه الخلّ ، ولا ينفذ من جوفه الخمر ؛ فتسري إلى الخلّ فتفسده وتنجّسه ؟ ولم يكن في مقام السؤال عن طهارة الخمر ونجاستها .

بل تشعر الرواية أو تدلّ على نجاستها من حيث مفروغيتها ، والسؤال عن نفوذها وتنجيسها ، تأمّل . وكيف كان ؛ الظاهر عدم الإطلاق فيها .

وبالجملة : لمّا كانت الظروف التي تصنع فيها الخمر من نظائره ، منهيّاً عنها في الروايات - كما في رواية أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن كلّ مسكر ، فكلّ مسكر حرام» . قلت : فالظروف التي

ص: 264


1- الفقيه 1 : 160 / 752 ؛ وسائل الشيعة 3 : 472 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 13 .
2- الكافي 6 : 428 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 495 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 51 ، الحديث 2 .

يصنع فيها منه ؟ قال : «نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الدباء والمُزَفَّت والحَنْتَم والنَقير . . .»(1) إلى آخره - فلعلّ ذلك صار سبباً للسؤال عن نحوها ، فلا يكون لها إطلاق يتمسّك به للطهارة ؛ لو لم نقل بدلالتها على خلافها .

ومنه يظهر الكلام في حسنة(2) علي الواسطي قال : دخلت الجويرية - وكانت تحت عيسى بن موسى - على أبي عبداللّه علیه السلام وكانت صالحة ، فقالت : إنّي أتطيّب لزوجي ، فيجعل في المشطة التي أمتشط بها الخمر ، وأجعله في رأسي ، قال : «لا بأس»(3) .

لقرب احتمال أن تكون شبهتها في حلّية الانتفاع بالخمر ، وجواز التمشّط بها ؛ ضرورة أ نّه مع تلك التشديدات في أمر الخمر والمسكر - كقوله علیه السلام : «لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه»(4) ، وقوله علیه السلام : «ما اُحبّ أن أنظر إليه ،

ص: 265


1- الكافي 6 : 418 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 52 ، الحديث 2 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العبّاس بن معروف ، عن سعدان بن مسلم ، عن علي الواسطي ، والرواية حسنة بسعدان بن مسلم بناءً على كون علي الواسطي هو علي بن حسّان الواسطي . راجع تنقيح المقال 2 : 23 / السطر 6 (أبواب السين) و : 276 / السطر 25 (أبواب العين) ؛ منتهى المقال 3 : 331 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 123 / 530 ؛ وسائل الشيعة 25 : 379 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 25 : 346 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 10 .

ولا أشمّه»(1) ، والنهي عن الانتفاع بها (2) ، وتحريم الأكل على مائدة تشرب عليها الخمر(3) ، والنهي عن الجلوس عند شرّاب الخمر(4) ، وعن الصلاة في بيت فيه خمر(5) ، وعن الظروف التي يصنع فيها الخمر(6) ، وعن التداوي بها (7) . . . إلى غير ذلك(8) - ينقدح في الأذهان عدم جواز التطيّب بها ، بل وسائر الانتفاعات . بل لعلّه تنقدح فيها شبهة جواز مسّها ولمسها ، ولبس الثوب الذي أصابها .

وعليه لا يبقى لمثل قوله علیه السلام : «لا بأس» ظهور في الطهارة مع قرب احتمال نفي الحرمة النفسية ، فإذن فرق بين الخمر والمسكر ، وبين سائر الموارد ممّا

ص: 266


1- وسائل الشيعة 25 : 345 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 6 .
2- وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3- وسائل الشيعة 25 : 374 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 1 .
4- وسائل الشيعة 25 : 374 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 2 .
5- وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 7 .
6- وسائل الشيعة 25 : 357 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 1 .
7- وسائل الشيعة 25 : 343 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 1 .
8- مثل تحريم الاكتحال بالخمر ، راجع وسائل الشيعة 25 : 349 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 21 .

لا يحتمل الحرمة النفسية احتمالاً معتدّاً به ، حيث يقال فيها : بظهور نفي البأس في نفي المانعية أو النجاسة ، فإنّه مع هذا الاحتمال القريب ، لا يبقى لنفي البأس ظهور في الغيرية حتّى يستفاد منه ذلك .

وعليه لا يبعد إنكار ظهور موثّقة ابن بكير - قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام

وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب ، قال : «لا بأس»(1) - في نفي البأس الغيري حتّى يستفاد منه الطهارة ، أو عدم المانعية ؛ بعد احتمال أن يكون نفيه عن لبس ما يصيبه الخمر ، كما نفى البأس عنه في موثّقته الاُخرى المتقدّمة ، وفيها : «نعم لا بأس ، إنّ اللّه حرّم أكله وشربه ، ولم يحرّم لبسه ولمسه والصلاة فيه»(2) ، فإنّها تشعر أو تدلّ على أنّ جواز اللبس واللمس ، أيضاً كان مورد الشبهة والنظر ، فلا يبقى ظهورها في الطهارة بعد ما عرفت . وهذا ليس ببعيد بعد التأمّل فيما مرّ ، والتدبّر فيما ورد في الخمر ؛ وإن كان بعيداً بدواً .

وأمّا صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن البيت يبال على ظهره ، ويغتسل من الجنابة ، ثمّ يصيبه المطر ، أيؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة ؟ فقال : «إذا جرى فلا بأس به» .

قال : وسألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر ، فأصاب ثوبه ، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ فقال : «لا يغسل ثوبه ولا رجله ،

ص: 267


1- تهذيب الأحكام 1 : 280 / 823 ؛ وسائل الشيعة 3 : 471 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 11 .
2- تقدّم في الصفحة 264 ، لكن رواها الصدوق مرسلة في الفقيه ومسندة في العلل بسند صحيح إلى بكير دون ابن بكير . الفقيه 1 : 160 / 752 ؛ علل الشرائع : 357 / 1 .

ويصلّي فيه ، ولا بأس به»(1) .

وعن «كتاب علي بن جعفر» مثله(2) وزاد : وسألته عن الكنيف يكون فوق البيت ، فيصيبه المطر ، فيكفّ فيصيب الثياب ، أيصلّى فيها قبل أن تغسل ؟ قال : «إذا جرى من ماء المطر لا بأس ، ويصلّى فيه»(3) .

فهي من أدلّة نجاسة الخمر لا طهارتها ؛ ضرورة أنّ السؤال عنها - كالسؤال عن البول والكنيف بعد الفراغ عن نجاستها - إنّما هو عن حال إصابة المطر لها .

والإنصاف : أنّ الاستدلال بمثلها للطهارة ، ليس إلاّ لتكثير سواد الدليل ، وإلاّ فهي من أدلّة نجاستها .

وأمّا رواية «فقه الرضا»(4) - فمع ضعفها بل عدم ثبوت كونها رواية(5) - مشتملة على ما لا نقول به ، فراجعها .

فما بقي في الباب إلاّ صحيحة ابن رئاب قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن

ص: 268


1- الفقيه 1 : 7 / 6 و7 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 2 .
2- مسائل علي بن جعفر : 204 / 433 .
3- مسائل علي بن جعفر : 192 / 398 .
4- وهي هكذا «لا بأس أن تصلّي في ثوب أصابه خمر ؛ لأنّ اللّه حرّم شربها ولم يحرّم الصلاة في ثوب أصابته ، وإن خاط خياط ثوبك بريقه وهو شارب الخمر ؛ إن كان يشرب غبّاً فلا بأس ، وإن كان مدمناً للشرب كلّ يوم فلا تصلّ في ذلك الثوب حتّى يغسل» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 281 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 584 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 4 .
5- لوجود الشواهد على أنّ هذا الكتاب من تصنيف بعض العلماء ، وليس كتاب مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام كما قاله المصنّف قدس سره في الجزء الأوّل : 552 .

الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي ، فأغسله ، أو اُصلّي فيه ؟ قال : «صلّ فيه ، إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر ؛ إنّ اللّه تعالى إنّما حرّم شربها»(1) ، فإنّها سليمة سنداً ودلالةً من الخدشة .

بل يمكن أن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «إلاّ أن تقذره فتغسل منه . . .» إلى آخره ، نحو تفسير للأوامر الواردة في غسل الثوب منها . بل لقوله : «رجس» و«نجس» بدعوى : أنّ القذارة فيها بالمعنى العرفي ، فتكون شاهدة للرجس والنجس في غيرها .

بل قوله علیه السلام : «إنّ اللّه إنّما حرّم شربها . . .» إلى آخره ، حاكم على ما تقدّم لولا صحيحة علي بن مَهْزِيار قال : قرأت في «كتاب عبداللّه بن محمّد» إلى أبي الحسن علیه السلام : جعلت فداك ، روى زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام : في الخمر يصيب ثوب الرجل ، أ نّهما قالا : «لا بأس بأن تصلّي فيه ؛ إنّما حرّم شربها» .

وروى غير زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ - يعني المسكر

- فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك» . فأعلمني ما آخذ به ؟ فوقّع علیه السلام بخطّه وقرأته : «خذ بقول أبي عبداللّه علیه السلام »(2) .

ص: 269


1- قرب الإسناد : 163 / 595 ؛ وسائل الشيعة 3 : 472 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 14 .
2- الكافي 3 : 407 / 14 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 281 / 826 ؛ وسائل الشيعة 3 : 468 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 2 .

وحسنة خَيْران الخادم أو صحيحته المتقدّمة(1) ، فإنّهما حاكمتان عليها وعلى جميع الروايات في الباب ؛ على فرض تسليم دلالتها .

والعجب من الأردبيلي ، حيث ردّ الاُولى تارة : باحتمال أنّ المراد من الأخذ

بقول أبي عبداللّه علیه السلام هو الأخذ بقوله المشترك مع أبي جعفر علیه السلام ، واُخرى : بأنّ المشافهة خير من المكاتبة(2) ، وأنت خبير بما فيه من الضعف .

ثمّ إنّه على فرض تسليم دلالة الروايات المذكورة على الطهارة ، والغضّ عمّا

مرّ ، فلا شبهة في تعارض الطائفتين من غير جمع مقبول بينهما ؛ ضرورة وقوع المعارضة والمخالفة بين قوله علیه السلام : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس» ، وقوله علیه السلام : «ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء» ، وقوله علیه السلام : «لا واللّه ، ولا قطرة قطرت في حبّ إلاّ اُهريق ذلك الحبّ» ، وقوله علیه السلام : «إنّه خبيث بمنزلة الميتة ، وإنّه بمنزلة شحم الخنزير» ، وقوله علیه السلام : «تغسل الإناء منه سبع مرّات ، وكذلك الكلب» . . . إلى غير ذلك .

وبين قوله علیه السلام : «لا بأس بالصلاة فيه» ، وقوله علیه السلام : «صلّ فيه» معلّلاً ب- «أنّ اللّه إنّما حرّم شربها» . . . إلى غير ذلك .

ولو حاول أحد الجمع بينهما ؛ بحمل الطائفة الاُولى على الاستحباب(3) ، أو حمل «الرجس» و«النجس» على غير ما هو المعهود(4) ، لساغ له الجمع بين

ص: 270


1- تقدّم وجه الترديد في الصفحة 12 ، الهامش 4 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 310 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 312 ؛ مدارك الأحكام 2 : 292 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 401 .
4- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 291 .

جميع الروايات المتعارضة ، فإنّه ما من مورد إلاّ ويمكن حمل الروايات على ما

يخرجها عن التعارض ، فبقيت أخبار العلاج بلا مورد ، وقد حقّق في محلّه : أنّ ميزان الجمع هو الجمع العرفي لا العقلي(1) ، وهو مفقود في المقام .

وقد قلنا في محلّه : إنّ الشهرة التي اُمرنا في مقبولة عمر بن حنظلة(2) في باب التعارض بالأخذ بها ، وترك الشاذّ النادر المقابل لها ، هو الشهرة في الفتوى ، لا في النقل ، وتلك الشهرة ومقابلها معيار تشخيص الحجّة عن اللا حجّة ، والمشهور بين الأصحاب بيّن رشده ، ومقابله بيّن غيّه ، والمقام من هذا القبيل ، والتفصيل موكول إلى محلّه(3) .

سريان حكم الخمر في جميع المسكرات المائعة بالأصالة

ثمّ إنّ حكم الخمر سارٍ في جميع المسكرات المائعة بالأصالة ، ولا يختصّ بالخمر والنبيذ المنصوص عليهما في الروايات :

لا لصدق «الخمر» عليها لغة أو عرفاً ؛ ضرورة عدم ثبوت ذلك لو لم نقل بثبوت خلافه .

ولا للحقيقة الشرعية كما ادّعاها صاحب «الحدائق» مستدلاًّ بجملة من الروايات ، كرواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : )إِنَّمَا ا لْخَمْرُ

ص: 271


1- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 27 - 28 .
2- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .
3- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 121 .

وَا لْمَيْسِرُ . . .((1) الآية : «أمّا الخمر : فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر ، وما أسكر كثيره فقليله حرام . . .» ثمّ ذكر قضيّة أبي بكر .

ثمّ قال : «إنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البُسْر والتمر ، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقعد في المسجد ، ثمّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفأها ، وقال : هذه كلّها خمر حرّمها اللّه ، فكان أكثر شيء أكفى في ذلك اليوم الفضيخ ، ولم أعلم اُكفئ يومئذٍ من خمر العنب شيء إلاّ إناء واحد كان فيه زبيب وتمر جميعاً ، وأمّا عصير العنب فلم يكن منه يومئذٍ بالمدينة شيء ، وحرّم اللّه الخمر قليلها وكثيرها ، وبيعها وشراءها ، والانتفاع بها . . .»(2) إلى آخره .

وبما عن ابن عبّاس في تفسير الآية قال : «يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر»(3) .

وبقوله صلی الله علیه و آله وسلم المحكيّ في رواية عطاء بن يسار ، عن الباقر علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر»(4) .

وبجملة من الروايات المصرّحة بأنّ الخمر من خمسة أو ستّة أشياء ، كصحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

ص: 272


1- المائدة (5) : 90 .
2- تفسير القمّي 1 : 180 ؛ وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3- اُنظر مجمع البيان 3 : 370 .
4- الكافي 6 : 408 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 326 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 5 .

«قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمِزْر من الشعير ، والنبيذ من التمر»(1) ، ونحوها غيرها (2) .

قال في «الحدائق» : «فقد ظهر بما نقلناه من الأخبار ، تطابق كلام اللّه تعالى

ورسوله على أنّ الخمر أعمّ ممّا ذكروه من التخصيص بالمتّخذ من العنب ، فيكون حقيقة شرعية في ذلك بلا إشكال»(3) .

وأنت خبير بما فيه ؛ ضرورة أنّ تلك الروايات وقول ابن عبّاس ، لا يثبت بها إلاّ إطلاق «الخمر» على غير المتّخذ من العنب أحياناً ، وأمّا كونه على وجه الحقيقة فغير ظاهر . والتمسّك بأصالة الحقيقة مع معلومية المراد والشكّ في الوضع لإثباته كما ترى . مع أنّ شأن الرسول والأئمّة - صلوات اللّه عليهم - ليس بيان اللغة ووضعها .

والعجب منه كيف غفل عن سائر الروايات الظاهرة في أنّ الخمر مختصّة بالمتّخذ من العنب ، وأنّ ما حرّم اللّه تعالى هو ذلك بعينه ، وأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

حرّم غيره من المسكرات ؟ ! كرواية زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «وضع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم دية العين ودية النفس ، وحرّم النبيذ وكلّ مسكر» .

ص: 273


1- الكافي 6 : 392 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 279 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 279 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 2 و3 و6 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 113 - 114 .

فقال له رجل : وضع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من غير أن يكون جاء فيه شيء ؟ فقال : «نعم ؛ ليعلم من يطيع الرسول ممّن يعصيه»(1) .

فانظر كيف صرّح فيها بعدم ورود شيء في حرمة المسكرات ، مع ورود حكم الخمر في الكتاب العزيز .

وروايةِ أبي الربيع الشامي قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ اللّه حرّم الخمر بعينها ، فقليلها وكثيرها حرام ، كما حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الشراب من كلّ مسكر ، وما حرّمه رسول اللّه فقد حرّمه اللّه عزّ وجلّ»(2) .

وروايةِ الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سألته عن النبيذ ، فقال : «حرّم اللّه الخمر بعينها ، وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من الأشربة كلّ مسكر(3) .

وأوضح منها صحيحة علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الماضي علیه السلام قال : «إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر

فهو خمر»(4) .

ص: 274


1- الكافي 1 : 267 / 7 ؛ وسائل الشيعة 25 : 354 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 408 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 325 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 4 .
3- الكافي 6 : 408 / 5 ؛ وسائل الشيعة 25 : 326 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 6 .
4- الكافي 6 : 412 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 342 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 19 ، الحديث 1 .

فإنّها صريحة في أنّ اسم «الخمر» لا يطلق على غيرها من المسكرات ، لكنّها خمر عاقبة وأثراً وحكماً ، وهي شاهدة للمراد في الروايات - التي تمسّك بها صاحب «الحدائق»(1) - بأنّ المراد من كون الخمر من خمسة : أ نّها خمر لأجل كون عاقبتها عاقبة الخمر ، فهي خمر حكماً ، لا اسماً ولغة .

ولا تنافي بينها وبين ما تقدّم من أنّ تحريم غيرها من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

فإنّ الظاهر منها أيضاً أنّ اللّه إنّما حرّم الخمر ، لكن سرّ تحريمه عاقبتها ،

ورسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حرّم كلّ ما فيه هذا السرّ .

وبعبارة اُخرى : أنّ اللّه تعالى حرّم الخمر فقط ، لكن حكمة الجعل إسكاره ،

ورسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حرّم كلّ ما فيه هذه الحكمة .

ولا لكون «النبيذ» حقيقة في جميع الأنبذة ؛ وإن ظهر ذلك من بعض اللغويين ، قال في «القاموس» : «النبيذ : الملقى ، وما نبذ من عصير ونحوه»(2) .

وفي «المجمع» : «والنبيذ : ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك»(3) .

وفي «المنجد» : «النبيذ : المنبوذ ، الخمر المعتصر من العنب أو التمر ،

الشراب عموماً»(4) .

وذلك لأنّ الشائع في عصر صدور الروايات ومحلّه ؛ هو استعماله في النبيذ

ص: 275


1- الحدائق الناضرة 5 : 113 - 114 .
2- القاموس المحيط 1 : 372 .
3- مجمع البحرين 3 : 189 .
4- المنجد : 785 .

من التمر ، وقد يطلق على الزبيب ، فكان المستعمل فيها منصرفاً عن سائر الأنبذة

جزماً ، وعن الزبيب ظاهراً ، وقد تقدّم عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أنّ «الخمر من خمسة . . .»(1) وخصّ النبيذ بالتمر ، والنقيع بالزبيب ، ولعلّ شيوع استعماله فيه لأجل كون التمر في محيط صدور الروايات شائعاً جدّاً ، وما كانوا ينبذون من غيره إلاّ نادراً .

وكيف كان : لا يمكن استفادة حكم سائر المسكرات من روايات النبيذ .

بل لروايات خاصّة - مضافاً إلى عدم الخلاف فيه ممّن قال بحرمته(2) ، وقد مرّ عدم الاعتداد بخلاف من خالف في المسألة المتقدّمة(3) - كموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا تصلّ في بيت فيه خمر ولا مسكر ؛ لأنّ الملائكة لا تدخله ، ولا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله»(4) .

والخدشة فيها : بأنّ اشتمالها على النهي عن الصلاة في بيت فيه خمر المحمول على الكراهة ، يوهن دلالتها على الحرمة الوضعية(5) .

مدفوعة أوّلاً : بأنّ مجرّد ورود نهي في صدرها قام الدليل على عدم حرمته ، لا يوجب الوهن في نهي آخر مستقلّ مستأنف .

ص: 276


1- تقدّم في الصفحة 273 .
2- مسائل الناصريات : 96 .
3- تقدّم في الصفحة 250 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 278 / 817 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 7 .
5- مشارق الشموس : 331 / السطر 24 .

وثانياً : اقتران «المسكر» ب- «الخمر» وعطفه عليها يدفع توهّم الوهن لو فرض ؛ فإنّ النهي عن الصلاة في ثوب أصابه خمر ، تحريمي كما مرّ(1) ، ولأجل نجاستها ، كما صرّحت بها رواية خَيْران الخادم(2) ، وكذلك في «المسكر» المعطوف عليه .

وحسنةِ عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته ، ويذهب سكره ؟ فقال : «لا واللّه ، ولا قطرة قطرت في حبّ إلاّ اُهريق ذلك الحبّ»(3) .

بل وصحيحة علي بن مهْزيار(4) ؛ بناءً على أنّ قوله : «يعني المسكر» لم يكن تفسيراً للنبيذ ، بل يكون المراد التعميم في السؤال ، وهو وإن كان للراوي ظاهراً ، لكن تقرير أبي الحسن علیه السلام إيّاه ، وإرجاعه إلى قول أبي عبداللّه علیه السلام من غير التعرّض للتفسير ، دالّ على ارتضائه به .

لكن للخدشة فيها مجال ؛ لاحتمال أن يكون التفسير للنبيذ ؛ فإنّه على قسمين : محلّل ، ومحرّم مسكر .

والإنصاف : أنّ روايات النبيذ مع التقييد بالمسكر ، أو التفسير به ، وما وردت في الخمر - كقوله علیه السلام : «إنّ الثوب لا يسكر» ، وقوله علیه السلام : «إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، لكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر

ص: 277


1- تقدّم في الصفحة 252 .
2- تقدّم في الصفحة 255 .
3- تقدّمت في الصفحة 258 .
4- تقدّمت في الصفحة 269 .

فهو خمر» - ممّا تؤيّد نجاسة مطلق المسكر .

بل لأحد أن يقول : إنّ المستفاد من الأخيرة عموم التنزيل وإطلاقه . ومجرّد كون صدرها في مقام بيان التحريم ، لا يوجب صرف الإطلاق .

إلاّ أن يقال : إنّ المعروف من خاصّة الخمر في تلك الأزمنة هو حرمتها لا نجاستها ، فإنّها كانت محلّ خلاف وكلام ، فينزّل على الخاصّة المعروفة في زمان الصدور . وهو لا يخلو من تأمّل وكلام .

وأمّا التمسّك لإثبات النجاسة بما دلّت على أنّ الخمر من خمسة أشياء(1) ؛ بدعوى أنّ الحمل إمّا حقيقي كما قد يدّعى(2) ، وإمّا لثبوت أحكام الحقيقة(3) ، فغير تامّ ؛ لأنّ الحمل ليس بحقيقي كما تقدّم(4) ، وليس في تلك الروايات إطلاق جزماً ، فهي أسوأ حالاً من الرواية المتقدّمة ؛ وإن عكس الأمر شيخنا الأعظم رحمه الله علیه (5) .

طهارة المسكر الجامد بالأصالة

ثمّ إنّ مقتضى الأصل طهارة المسكر الجامد بالأصالة وإن صار مائعاً بالعرض ، كما نصّ عليها في محكيّ «التذكرة» ، و«الذكرى» ، و«جامع المقاصد» ،

ص: 278


1- تقدّم في الصفحة 273 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 114 .
3- راجع الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 162 .
4- تقدّم في الصفحة 271 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 161 .

و«الروض» ، و«المسالك» ، و«المدارك» ، و«الذخيرة»(1) .

بل عن الأخير : «أنّ الحكم بنجاسة المسكرات مخصوص عند الأصحاب بما هو مائع بالأصالة» . وعن «المدارك» : «أنّ الحكم به مقطوع به في كلام الأصحاب» .

بل عن «الدلائل» نقل الإجماع عليه(2) . وعن «الحدائق» اتّفاق كلّهم عليه(3) . وعن «شرح الدروس» عدم ظهور الخلاف فيه(4) .

وقد يتوهّم شمول بعض الروايات الدالّة على النجاسة له أيضاً (5) ، كعموم التنزيل في الرواية المتقدّمة(6) ، وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر»(7) . . . إلى غير ذلك .

وفيه : أ نّها منصرفة إلى المائعات ، خصوصاً مع حصر الخمر في الروايات التي تقدّم بعضها بالأشياء التي كلّها مائعات بالأصالة . مضافاً إلى قوله علیه السلام

في رواية أبي الجارود : «فكلّ مسكر من الشراب فهو خمر» .

ص: 279


1- تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 118 ؛ جامع المقاصد 1 : 161 ؛ روض الجنان 1 : 437 ؛ مسالك الأفهام 1 : 122 ؛ مدارك الأحكام 2 : 289 ؛ ذخيرة المعاد : 154 / السطر 39 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 23 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 117 .
4- مشارق الشموس : 335 / السطر الأخير .
5- مشارق الشموس : 335 / السطر الأخير ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 404 .
6- تقدّمت في الصفحة 274 .
7- تقدّم في الصفحة 272 .

هذا مع عدم الجزم بعموم التنزيل في تلك الروايات ، فلا ينبغي التأمّل في قصورها عن إثباتها .

نجاسة المسكر المنجمد المائع بالأصالة

كما لا ينبغي التأمّل في نجاسة المنجمد من المسكر المائع بالأصالة ؛ للأصل ، بل إطلاق الأدلّة ، ضرورة أ نّه لو جمد الخمر أو المسكر ، لا يسلب عنه الاسم ، فتكون خمراً جامدة ومسكرة كذلك ؛ لعدم انقلاب الحقيقة بالجمود عمّا هي عليه .

نعم ، لو زال عن غير الخمر والنبيذ إسكاره ، يتشبّث فيه بالاستصحاب لإثبات نجاسته ، ولا شبهة في جريانه ، وأمّا الخمر والنبيذ فالحكم تابع لعنوانهما .

ص: 280

تنبيه في حكم العصير العنبي

قد وقع الخلاف بين أصحابنا قديماً وحديثاً في نجاسة عصير العنب الذي غلى ولم يذهب ثلثاه ، ولم يعرض له إسكار ، بعد عدم الإشكال والريب في حرمته .

ثمّ اعلم : أ نّه لا يجوز الاتّكال في المسألة على دعاوى الشهرة وعدم الخلاف والاتّفاق ؛ لتراكم الأقوال والدعاوى فيها من الطرفين :

فربّما يدّعى الشهرة على نجاسته بين المتأخّرين(1) ، أو مطلقاً (2) . أو يدّعى(3) عدم الوقوف على القول بها إلاّ من ابن حمزة من القدماء(4) ، والمحقّق في «المعتبر»(5) . أو يقال : «إنّ القول بالنجاسة بين الطبقة الاُولى من فقهائنا إمّا قليل

ص: 281


1- مسالك الأفهام 1 : 123 ؛ مدارك الأحكام 2 : 292 .
2- جامع المقاصد 1 : 162 ؛ روض الجنان 1 : 438 .
3- ذكرى الشيعة 1 : 115 .
4- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 365 .
5- المعتبر 1 : 424 .

أو معدوم»(1) وهو كذلك ظاهراً، كما يظهر بالمراجعة إلى كتبهم، ك- «الناصريات»، و «النهاية» ، و «المراسم» ، و «الغنية» ، بل و «الوسيلة»(2) . بل هو الظاهر من كلّ من قيّده بالاشتداد(3) .

وأمّا الصدوقان وإن يظهر منهما أنّ العصير المغليّ خمر(4) ، لكن قد مرّ أنّ الظاهر منهما عدم نجاسة الخمر(5) .

وبالجملة : إنّ المسألة ممّا لا يمكن تحصيل الشهرة والإجماع فيها ؛ فإنّ في

كثير من عبارات الأصحاب التقييدَ بالاشتداد ، حتّى قيل : «إنّ نجاسته إذا غلى واشتدّ مشهورة بين الأصحاب»(6) وحكي ذلك عن «الذكرى» ، و«جامع المقاصد» ، وغيرهما (7) . بل في «المجمع» وعن «كنز العرفان» دعوى الإجماع

على نجاسته وحرمته مع الاشتداد(8) .

والظاهر أو المحتمل أن يكون مرادهم من «الاشتداد» السكر ، كما احتمله

ص: 282


1- مستند الشيعة 1 : 214 .
2- مسائل الناصريات : 96 ؛ النهاية : 591 ؛ المراسم : 55 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 365 .
3- السرائر 1 : 66 ؛ شرائع الإسلام 1 : 44 ؛ منتهى المطلب 3 : 219 .
4- الفقيه 4 : 40 ، ذيل الحديث 131 ؛ المقنع : 453 .
5- تقدّم في الصفحة 249 .
6- مفتاح الكرامة 2 : 30 .
7- ذكرى الشيعة 1 : 115 ، (وليس فيه القول بالشهرة لكن نقلها عنه في مفتاح الكرامة 2 : 30 ؛ جامع المقاصد 1 : 162 ؛ روض الجنان 1 : 438 .
8- مجمع البحرين 3 : 407 ؛ كنز العرفان 1 : 53 .

جمع ، منهم النراقي(1) ، وتبعهم بعض أهل التتبّع والتحقيق ، وأصرّ عليه(2) ، فحينئذٍ تكون المسألة خارجة عن بحثنا ؛ أي إلحاق العصير المغليّ غير المسكر بالمسكر .

تعيين المراد من «العصير» المبحوث عنه

وكيف كان : لا بأس قبل الاشتغال بالاستدلال بتحصيل المراد من «العصير» الوارد في النصّ والفتوى .

فنقول : لا شبهة في أنّ المراد منه فيهما هو العصير العنبي ، لا لأ نّه موضوع لخصوصه وضعاً جامداً ؛ فإنّه غير ثابت .

كما أنّ وضعه لمطلق عصارة الأجسام غير ثابت ؛ وإن يوهمه بعض تعبيرات اللغويين ، أو يظهر منه ذلك :

ففي «القاموس» : «عصر العنب ونحوه يعصره ، فهو معصور وعصير - إلى أن قال - وعصارته وعصاره وعصيره : ما تحلَّب منه»(3) .

وفي «المنجد» : «العصير والعصيرة والعصار : ما تحلَّب ممّا عصر ، العصير أيضاً : المعصور»(4) .

والمستفاد منهما - ظاهراً - أ نّه موضوع له نحو موضوعية «العصارة» له ، لا أ نّه يطلق عليه نحو إطلاق العنوان الاشتقاقي عليه .

ص: 283


1- مستند الشيعة 1 : 215 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 41 .
3- القاموس المحيط 2 : 93 .
4- المنجد : 509 .

نعم ، في «المجمع» : «عصرت العنب عصراً - من باب ضرب - : استخرجت ماءه ، واسم الماء العصير فعيل بمعنى مفعول»(1) .

ومراده من اسمه - بقرينة قوله : «فعيل بمعنى مفعول» - أ نّه يطلق عليه وصفاً .

كلام المحقّق شيخ الشريعة في المقام ونقده

ولعلّه منه أخذ بعض أهل التحقيق ، حيث ذهب في رسالته المعمولة في عصير العنب إلى أنّ «العصير» اُطلق على الماء المستخرج من العنب وغيره بالمعنى الوصفي ، ومن قبيل استعمال «فعيل» بمعنى مفعول .

ووجّهه تارة : بأنّ العصر إذا وقع على الشيء المتضمّن للماء ، فقد وقع على جميع أجزائه التي منها الماء .

واُخرى : بأنّ إطلاق «الفعيل» بمعنى المفعول حقيقةً ، لا يختصّ بما إذا كان مفعولاً من غير تقييد ، بل يصحّ إذا كان مفعولاً مع التقييد بحرف ، كالنبيذ والنقيع والمريس ، فإنّ «النبيذ» استعمل في الماء الذي ينبذ فيه التمر ، والنقيع فيما نقع فيه الزبيب ، والمريس في الماء الذي دلك فيه التمر أو الزبيب ، فهي «فعيل» بمعنى المفعول مع التقييد ، والعصير أيضاً يستعمل في الماء المستخرج استعمال «الفعيل» في المفعول المقيّد . وقد جعل ذلك دقيقة لغوية .

وقال أيضاً في تقريبه :

إنّه إذا تحقّق العصر فالفاعل عاصر ، وذلك الشيء معصور ، والماء معصور منه ، وقد يؤدّى هذا المعنى بالفعل المجهول ، فيقال : «عُصِر هذا من ذاك»

ص: 284


1- مجمع البحرين 3 : 407 .

وقد يؤدّى بصيغة المفعول ، فيقال : «إنّه معصور منه» فالعنب وماؤه كلاهما معصور منه ، لكن كلمة «منه» في الأوّل نائب الفاعل ، وفي الثاني الضمير المستتر في المعصور الراجع إلى الماء ، هو نائب الفاعل(1) انتهى ملخّصاً .

وفيه مواقع للنظر :

منها : ما يدّعي من أنّ العصر إذا وقع على العنب ، وقع على مائه الذي في جوفه ، لأنّ الماء ونحوه من المائعات لا يقع عليها العصر ، ولا تصير معصوراً حقيقة في العرف واللغة ، فإذا وقع العصر على شيء كان في جوفه الماء ، يقع العصر على ذلك الشيء ، ويفرّ الماء من تحت يد العاصر ، وربّما يخرج من المعصور .

فالماء لا يقبل العصر ولا يقع عليه ، إلاّ ببعض الآلات الحديثة ممّا توجب تكاثفه ، وأمّا الماء في جوف العنب أو الثوب فلا يصير معصوراً ، وإلاّ لكان «العصير» صادقاً على الماء الذي في جوف العنب إذا عصر العنب رقيقاً ؛ بحيث لا يخرج ماؤه ، ولكان «المعصور» و«العصير» صادقاً على الماء في جوف القربة إذا عصرت ، وهو كما ترى . والسرّ فيه عدم قبول المائعات العصر .

ومنها : أنّ ما جعله دقيقة لغوية في العصير والنبيذ ومثلهما - من إطلاق «الفعيل» بمعنى المفعول مع التقييد - يخالف الموازين الأدبية والدقائق اللغوية ، ومغالطة نشأت من الخلط بين المفعول الصرفي والمفعول النحوي ، فإنّ «الفعيل» يجيء بمعنى المفعول الصرفي لا النحوي ، والمفعول الصرفي - مقابل الفاعل

ص: 285


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 6 - 9 .

الصرفي - لا يصدق حقيقة إلاّ على ما وقع عليه الفعل ، فهل ترى صحّة إطلاق «الفعيل» على المفعول فيه حقيقة ، فيقال : «الجريح» على زمان الجرح ومكانه ، وعلى سائر المفاعيل ، كالمفعول المطلق والمفعول له ؟ !

ففي المقام ما وقع عليه العصر هو العنب ، ولأجله خرج الماء من جوفه ، فالعنب معصور وعصير ؛ بمعنى المعصور ، والماء مستخرج منه ، لا معصور منه .

بل لا محصّل عند التأمّل للمعصور منه ، إلاّ أن يراد أ نّه معصور من قِبَله . مع أنّ الماء ليس معصوراً لا من قِبَل العاصر ، كما عرفت ، ولا من قِبَل العنب ، فلو اُطلق على الماء «المعصور منه» يكون المراد أ نّه مستخرج من العنب بالعصر الواقع عليه ، لا على الماء . نعم لا مانع من الإطلاق الاستعاري والمجازي .

ومنها : أنّ دعواه أنّ العنب معصور منه وكذا الماء ؛ مستشهداً بصدق «عصر هذا من ذاك» في غير محلّها ؛ لأنّ العنب معصور ، لا معصور منه ؛ فإنّ «عصر» متعدٍّ ، يقال : «عصر العنب يعصره ، فهو عاصر ، وذاك معصور» ولا معنى لتعديته ب- «من» .

وأمّا الماء فلا يطلق عليه : «أ نّه معصور منه» بمعنى وقع عليه العصر من العاصر ، فلا يصحّ إطلاق «العصير» عليه ، إلاّ أن يراد أ نّه يستخرج من العنب عصراً ؛ بمعنى وقوعه على العنب ، لا وقوعه عليه ، وكذا الحال في «عصر هذا من ذاك» يراد به أ نّه خارج منه عصراً ، لا أ نّه معصور منه ، فإنّه لا يرجع إلى محصّل ، فما زعمه دقيقة ففي الحقيقة غفلة عن دقيقة .

نعم ، لا إشكال في أنّ «العصير» في الأخبار - على كثرتها - لم يعهد

ص: 286

استعماله في غير الماء المستخرج من العنب ، كما أنّ استعماله فيه شائع كثير

الورود فيها (1) ؛ بحيث لا يبقى شبهة للمتتبّع فيها في أنّ «العصير» فيها ليس إلاّ الماء المستخرج من العنب ، وهذا كافٍ في حمل المطلقات عليه ولو قلنا بأنّ استعماله حقيقة في مطلق المعتصر من الأجسام ، فضلاً عن القول بأ نّه ليس على نحو الحقيقة ؛ لأنّ المتيقّن منه حينئذٍ عصير العنب ، وإرادة غيره مشكوك فيها .

والإنصاف : أ نّه لا مجال للتشكيك في أنّ المراد من المطلقات والعمومات هو خصوص العنبي منه .

الروايات الدالّة على إرادة خصوص العنبي من العصير

هذا مع أنّ جملة من الروايات شاهدة على أنّ ما هو محطّ النظر فيها هو خصوص ذلك ، كرواية أبي الربيع الشامي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن أصل

الخمر ، كيف كان بدء حلالها وحرامها ، ومتى اتّخذ الخمر ؟ فقال : «إنّ آدم لمّا اُهبط من الجنّة اشتهى من ثمارها ، فأنزل اللّه عليه قضيبتين من عنب فغرسهما . . .» ثمّ ساق قضيّة منازعته مع إبليس ، إلى أن قال : «فرضيا بينهما بروح القدس ، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم عليه قصّته ، فأخذ روح القدس ضغثاً من نار فرمى به عليهما والعنب في أغصانهما ، حتّى ظنّ آدم أ نّه لم يبقَ منهما شيء ، وظنّ إبليس مثل ذلك» .

ص: 287


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 و4 و8 .

قال : «فدخلت النار حيث دخلت وقد ذهب منهما ثلثاهما ، وبقي الثلث ، فقال الروح : أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس ، وما بقي فلك يا آدم»(1) .

وموثّقةِ زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إنّ نوحاً لمّا هبط من السفينة غرس غرساً ، فكان فيما غرس الحَبَلَة(2) ، فجاء إبليس فقلعها . . .» إلى أن قال : «فجعل له الثلثين» .

فقال أبو جعفر علیه السلام : «إذا أخذت عصيراً فاطبخه حتّى يذهب الثلثان ، وكل واشرب ، فذاك نصيب الشيطان» . كذا في «الكافي»(3) .

وقال المجلسي : «وفي بعض النسخ : النخلة»(4) .

ونقلها في «الوسائل» باختلاف ما ، وذكر بدل «الحَبَلَة» «النخلة»(5) .

أقول : والأصحّ «الحَبَلَة» لأنّ الظاهر من المجلسي أنّ النسخة المشهورة كذلك . مضافاً إلى أنّ سائر الروايات قرينة عليها ، كموثّقة سعيد بن يسار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ إبليس - لعنه اللّه - نازع نوحاً في الكرم ، فأتاه جبرئيل فقال له : إنّ له حقّاً فأعطه ، فأعطاه الثلث فلم يرضَ إبليس ، ثمّ أعطاه النصف فلم يرضَ ، فطرح جبرئيل ناراً ، فأحرقت الثلثين ، وبقي الثلث ، فقال : ما أحرقت

ص: 288


1- الكافي 6 : 393 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 2 .
2- الحَبَلَة ، القضيب من شجر العنب . [ منه قدس سره]
3- الكافي 6 : 394 / 3 .
4- مرآة العقول 22 : 249 .
5- وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 4 .

النار فهو نصيبه ، وما بقي فهو لك يا نوح»(1) .

وفي رواية وهب بن مُنبِّه ذكر قضيّة نوح قال : «وكان آخر شيء أخرج حَبَلَة العنب . . .» ثمّ ساق القضيّة فقال : «فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس ، وهو حظّه ، وما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح ، وهو حظّه ، وذلك الحلال الطيّب يشرب منه»(2) .

يظهر من تلك الروايات أنّ أصل قضيّة التثليث ، والنزاع بين إبليس وآدم علیه السلام

تارة ، وبينه وبين نوح علیه السلام اُخرى ، إنّما هو في الكرم والحَبَلَة والعصير هو العنبي المورد للنزاع .

وتدلّ عليه طوائف اُخرى من الروايات :

منها : ما حكي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أنّ «الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب . . .»(3) إلى آخره .

ومنها : ما وردت في جواز بيع العصير ممّن يعمل خمراً ، مثل رواية أبي كَهْمَس قال : «سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن العصير فقال : لي كرم ، وأنا أعصره كلّ سنة وأجعله في الدنان . . .»(4) إلى آخره .

ص: 289


1- الكافي 6 : 394 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 5 .
2- علل الشرائع : 477 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .
3- تقدّم في الصفحة 273 .
4- الكافي 5 : 232 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 6 .

وصحيحةِ رِفاعة بن موسى قال : «سئل أبو عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - عن بيع العصير ممّن يخمّره . . .»(1) إلى غير ذلك .

ومنها : ما سئل فيه عن بيعه ، فيصير خمراً قبل قبض الثمن(2) .

ومنها : ما حكي فيها لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها . . . إلى آخره(3) .

ومنها : أخبار متفرّقة ، كصحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه قال في الرجل إذا باع عصيراً ، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً ، فجعله صاحبه خلاًّ ، فقال : «إذا تحوّل عن اسم «الخمر» فلا بأس»(4) .

وصحيحةِ عبدالعزيز قال : «كتبت إلى الرضا علیه السلام : جعلت فداك ، العصير يصير خمراً فيصبّ عليه الخلّ . . .»(5) إلى آخره .

وجه دلالة تلك الروايات : هو أنّ «الخمر» - كما عرفت - اسم لما يختمر

ص: 290


1- تهذيب الأحكام 7 : 136 / 603 ؛ وسائل الشيعة 17 : 231 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 8 .
2- الكافي 5 : 230 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 398 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 3 .
4- تهذيب الأحكام 9 : 117 / 507 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 5 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 118 / 509 ؛ وسائل الشيعة 25 : 372 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 8 .

من العنب(1) ، وغيره لا يسمّى «خمراً» عرفاً ولغة ، كما هو الظاهر من الروايات أيضاً (2) .

إرادة العصير العنبي أيضاً من «الطِلاء» و«البختج»

كما أنّ «الطِلاء» الوارد في الأخبار - كصحيحة ابن أبي يعفور ، عن

أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا زاد الطِلاء على الثلث فهو حرام»(3) - هو العصير العنبي ، إمّا المطبوخ منه إلى ذهاب الثلثين ، كما في بعض كتب اللغة ، أو أعمّ من ذلك ، كما في بعض : ففي «الصحاح» : «الطِلاء : ما طبخ من عصير العنب حتّى ذهب ثلثاه ، وتسمّيه العجم : المَيْبخْتَج»(4) .

وفي «المجمع» و«المنجد» تفسيره بذلك(5) . وعن «النهاية» تفسيره بالشراب المطبوخ من عصير العنب(6) .

وفي «دعائم الإسلام» : «روينا عن علي علیه السلام : أ نّه كان يروِّق الطِلاء ؛ وهو ما طبخ من عصير العنب حتّى يصير له قوام»(7) . والظاهر أنّ التفسير من صاحب

ص: 291


1- تقدّم في الصفحة 271 - 276 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 273 .
3- الكافي 6 : 420 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 8 .
4- الصحاح 6 : 2414 .
5- مجمع البحرين 1 : 277 ؛ المنجد : 471 .
6- النهاية ، ابن الأثير 3 : 137 .
7- دعائم الإسلام 2 : 128 / 441 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .

«الدعائم» ولعلّ مراده من «القوام» ذهاب الثلثين .

وكيف كان : لا شبهة في أنّ «الطِلاء» هو العصير العنبي المطبوخ ، كما يظهر أيضاً من قصّة ورود عمر بالشام ، وتوصيف أهله ما صنعوا من العنب شراباً يشبه العسل ، فجعل عمر يرفعه بإصبعه يتمدّد كهيئة العسل ، فقال : «كأنّ هذا طِلاء الإبل»(1) ولعلّ هذا صار سبباً لتسميته به .

كما أنّ «البُخْتُج» الوارد في بعض الروايات هو العصير المطبوخ ، لا مطلق المطبوخ ، وهو واضح ، ولا المطبوخ من سائر العصارات التي تجعل خمراً ؛ لتعارف الطبخ في العصير دون غيره . ولأنّ الطبخ على الثلث - كما في بعض رواياته - هو التثليث المعهود في عصير العنب ، ولم يعهد وروده في الروايات في غيره إلاّ في شاذّ غير معتمد عليه(2) . ولتفسيره به ، فعن «النهاية» : «البُخْتُج العصير المطبوخ ، وأصله بالفارسية : مَيْ پُخْتَه»(3) . وفسّره في «المجمع» أيضاً به(4) . بل قد يقال : «إنّه مفسّر في كلام الكلّ بالعصير المطبوخ»(5) . وقد يقال : «باتّفاق اللغويين على ذلك»(6) .

ولعلّ مراده اتّفاق المتعرّض لتفسيره ، وإلاّ فلم يتعرّض الكلّ لذكره أو

ص: 292


1- الموطّأ 2 : 847 / 14 .
2- كرواية خليلان بن هاشم ، التي تأتي في الصفحة 394 - 395 .
3- النهاية ، ابن الأثير 1 : 101 .
4- مجمع البحرين 2 : 276 .
5- إفاضة القدير في أحكام العصير : 13 .
6- إفاضة القدير في أحكام العصير : 101 .

تفسيره . نعم الفقهاء المستدلّون(1) على نجاسة العصير المغليّ بصحيحة معاوية ابن عمّار الآتية ، لم يعهد استدلالهم بها على نجاسة سائر العصارات .

فقد تحصّل ممّا مرّ : أنّ العناوين الثلاثة الواردة في الأخبار حرمتها قبل ذهاب الثلثين - أي العصير والطِلاء والبُخْتُج - هي خصوص العصير العنبي ؛ حتّى المطلقات والعمومات ، كصحيحة عبداللّه بن سِنان قال : ذكر أبو عبداللّه علیه السلام : «أنّ العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، فهو حلال»(2) .

وصحيحته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه»(3) ، وغيرهما (4) .

ص: 293


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 123 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 168 .
2- الكافي 6 : 420 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 288 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 419 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 7 ، والباب 3 ، الحديث 1 و2 و3 .
حول ما استدلّ به لنجاسة العصير المغليّ

وكيف كان : فقد استدلّ(1) على نجاسة العصير المغليّ تارة : بالإجماع والشهرة ، وقد عرفت حالهما (2) .

واُخرى : بموثّقة معاوية بن عمّار أو صحيحته(3) قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام

عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ ، يأتيني بالبُخْتُج ويقول : قد طبخ على الثلث ، وأنا أعرفه أ نّه يشربه على النصف ، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف ؟ فقال : «خمر ، لا تشربه» . قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث ، ولا يستحلّه على النصف ، يخبرنا أنّ عنده بُخْتُجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه ، يشرب منه ؟ قال : «نعم»(4) .

ص: 294


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 122 - 123 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 197 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 405 .
2- تقدّم في الصفحة 281 - 282 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن يونس بن يعقوب ، عن معاوية بن عمّار . وجه الترديد وقوع يونس بن يعقوب في السند ، فإنّه ثقة ولكن اختلفوا في مذهبه بين كونه إمامياً أو فطحياً . رجال النجاشي : 446 / 1207 ؛ تنقيح المقال 3 : 344 / السطر 9 (أبواب الياء) .
4- تهذيب الأحكام 9 : 122 / 526 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 41 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 4 ، الحديث 1 .

بتقريب : أنّ الحمل إمّا حقيقي ، كما هو المحكيّ عن جمع من الفريقين : «أنّ

«الخمر» اسم للعصير»(1) ، وإمّا تنزيلي(2) ، فمقتضى إطلاق التنزيل ثبوت جميع أحكامه له .

والجواب : أنّ الحمل لا يمكن أن يكون حقيقياً ؛ لأنّ الموضوع هو المغليّ المشتبه بين كونه على الثلث أو النصف ، ولا يجوز حمل «الخمر» حقيقةً على مشتبه الخمرية ، فضلاً عن العصير المشتبه . مع أنّ خمرية العصير بمجرّد الغليان ممنوعة ؛ لعدم صدق «الخمر» عليه عرفاً ولغة ، وسيأتي الكلام في ذلك(3) .

ولا يمكن أن يكون تنزيلياً ؛ لأنّ المشتبه لا يكون منزّلاً منزلته واقعاً ؛ بحيث يكون محرّماً ونجساً واقعاً ولو كان مطبوخاً على الثلث . بل الظاهر من الرواية صدراً وذيلاً هو السؤال عن الحكم الظاهري ؛ وعن حال شهادة ذي اليد بالتثليث ، فالمراد بقوله علیه السلام : «خمر» أي خمر ظاهراً يجب البناء على خمريته ؛ للاستصحاب ، وهو وإن يكشف عن كون المغليّ قبل التثليث نازلاً منزلة الخمر في الجملة ، لكن لا يكشف عن إطلاق دليل التنزيل .

وبعبارة اُخرى : أ نّها ليست في مقام بيان التنزيل وحكم العصير حتّى يتمسّك بإطلاقها ، بل بعد الفراغ عن حكمه كانت بصدد بيان حال الشكّ ، فدعوى إمكان استكشاف دليل مطلق من الحكم الظاهري ممنوعة .

ص: 295


1- اُنظر جواهر الكلام 6 : 14 - 15 ؛ الفقيه 4 : 40 ، ذيل الحديث 131 ؛ المهذّب البارع 5 : 79 ؛ صحيح البخاري 7 : 198 .
2- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 123 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 169 .
3- يأتي في الصفحة 299 - 300 .

وليس لأحد أن يقول : إنّه يمكن أن تكون بصدد أمرين ؛ أحدهما : تنزيل العصير منزلة الخمر ، والآخر : التعبّد ببقاء خمريته ، لأنّ ذلك غير معقول بجعل واحد . بل هو أسوأ حالاً من استفادة قاعدة الطهارة والاستصحاب من مثل قوله علیه السلام : «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أ نّه حرام»(1) ؛ لأنّ القائل بها إنّما قال باستفادة الثاني من الغاية(2) ، والمقام ليس كذلك .

وأمّا احتمال أن يكون قوله علیه السلام : «خمر» خبراً عن العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه ؛ إفادةً للحكم الواقعي بالتنزيل ، وقوله علیه السلام : «لا تشربه» يكون نهياً عن شرب المشتبه ، فهو - كما ترى - لا يستأهل جواباً . وعلى فرض كونها بصدد التنزيل فإطلاقه أيضاً لا يخلو من مناقشة .

ثمّ إنّ ذلك مع الغضّ عمّا في الرواية من الإشكال ؛ فإنّها في «الكافي» - بل والنسخة من «التهذيب» التي كانت عند الحرّ والكاشاني(3) - خالية من لفظة «خمر»(4) مع إتقان «الكافي» وشدّة ضبط الكليني ، وما يقال : من الاغتشاش والتحريف والزيادة والنقيصة في «التهذيب»(5) .

ص: 296


1- وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 و4 ، و25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 1 و7 .
2- كفاية الاُصول : 452 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 4 ؛ الوافي 20 : 655 / 13 .
4- الكافي 6 : 421 / 7 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 124 .

ويؤيّد ذلك : - مضافاً إلى ما قيل : من عدم تمسّك الفقهاء بها لنجاسته ، وأوّل من تمسّك بها الأسترآبادي(1) - أنّ هذا التعبير غير معهود في أدلّة الاستصحاب

على كثرتها عموماً وخصوصاً ، بل التعبير فيها ب- «عدم نقض اليقين بالشكّ» وما يشبهه . بل الزيادة في مثل الرواية ليست بذلك البعد ؛ لأنّ خمرية عصير العنب لمّا كانت مورداً للبحث والجدال ، فربّما تنسبق إلى ذهن الراوي أو الناسخ ، فيأتي بها ارتكازاً ، كما قلنا (2) نظيره في قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»(3) . فما يقال : «من تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة

عدم النقيصة»(4) ، ليس مسلّماً مطلقاً لو سلّم في الجملة .

وكذا ما أفاد شيخنا الأعظم : «من أنّ الظاهر عدم الزيادة حتّى من الشيخ الذي

يكثر منه الخلل»(5) غير موجّه إن أراد ب- «الظاهر» غير الأصل العقلائي ؛ لعدم الدليل عليه . وقد عرفت عدم ثبوت الأصل العقلائي في مثل المقام .

كما أنّ تأييده وجود لفظ «الخمر» في الرواية بتعبير والد الصدوق بمضمونها في رسالته إلى ولده(6) التي هي كالروايات المنقولة بالمعنى ، غير وجيه ؛ لأنّ تعبير والد الصدوق غير مضمون الرواية ؛ فإنّه بصدد بيان حكم العصير العنبي إذا

ص: 297


1- الحدائق الناضرة 5 : 123 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 39 .
2- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره : 24 .
3- الفقيه 4 : 243 / 777 ؛ وسائل الشيعة 26 : 14 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب موانع الإرث ، الباب 1 ، الحديث 10 .
4- جواهر الكلام 6 : 14 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 169 .
6- ستأتي في الصفحة 309 .

غلى أو نشّ بنفسه ، وهي بصدد بيان الحكم الظاهري ؛ وأنّ المشتبه محكوم بحرمة الشرب ، فأين أحدهما من الآخر ؟ !

إلاّ أن يراد به مجرّد اشتماله على لفظة «خمر» وهو كما ترى .

أو يراد أنّ والد الصدوق عثر على رواية بذلك المضمون ، وهو كذلك ؛ لأنّ عبارته عين عبارة «الفقه الرضوي»(1) لو كان رواية . لكن لا يوجب ذلك تأييد اشتمال الموثّقة عليها مع اختلافهما في المضمون .

وقد يستدلّ بصحيحة عمر بن يزيد - بناءً على كونه بيّاع السابري ، كما لا يبعد - قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الرجل يهدي إليّ البُخْتُج من غير أصحابنا ، فقال : «إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه ، وإن كان ممّن لا يستحلّ شربه فاقبله» أو قال : «اشربه»(2) .

احتجّ بها صاحب «الجواهر»(3) . والعجب من بعض أهل التتبّع من دعوى عدم وجدان الاحتجاج بها من أحد(4) .

وتقريبه : أنّ المنع عن شرب ما في يد المستحلّ إنّما هو لخوف الإسكار ، فيظهر منه أنّ للعصير المطبوخ قسمين : مسكر ، وغيره ، والمستحلّ لا يأبى عن هديّة المسكر منه ، فلا يقبل هديته . وليس المراد من ذكر الاستحلال بيان فسقه جزماً ، بل ذكر لمناسبة بينهما ، كما لا يخفى .

ص: 298


1- ستأتي في الصفحة 302 .
2- الكافي 6 : 420 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 292 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 1 .
3- جواهر الكلام 6 : 16 .
4- إفاضة القدير في أحكام العصير : 106 .

وفيه أوّلاً : أنّ غاية ما تدلّ الرواية عليه وجود قسم مسكر للبُخْتُج ، وهو لا يدلّ على أنّ مطلق المغليّ قبل التثليث مسكر ، ولعلّ المستحلّ كان يطبخ عصيراً ويعالجه حتّى يصير مسكراً ، كما كانوا يعالجون النبيذ .

وثانياً : أنّ الإسكار - كما هو الظاهر من الروايات وغيرها - إنّما يحصل بالاختمار والفساد ، لا بالغليان بالنار والطبخ المانع منهما ، ومعه لا خوف من الإسكار إذا كان منشأ الشكّ طبخه على الثلث أو أزيد . فلا بدّ من حمل الرواية على أنّ المستحلّ للمسكر لمّا لا يبالي بالعصير المطبوخ ، ولا يرى غير الخمر حراماً ، لا يجوز الاعتماد عليه في هديته ، بخلاف غير المستحلّ .

مضافاً إلى أنّ المستحلّ لا يبالي بإبقاء العصير قبل تثليثه للشرب مدّة ؛ حتّى يعرض عليه الاختمار المطلوب لأصحابه .

وأمّا الاستدلال عليها بالروايات الحاكية لقضيّتي آدم ونوح علیهما السلام مع إبليس(1) ؛ بدعوى دلالتها على أنّ تلك الواقعة منشأ تحريم الخمر ، وفيها دلالة واضحة على أنّ عصير العنب إذا غلى بالنار أو نشّ بنفسه ، حكمه حكم الخمر ، إلاّ أن يذهب ثلثاه ، أو يصير خلاًّ ، كما أفاده الشيخ الأعظم(2) .

ففيه : أ نّه لا دلالة فيها رأساً ، فضلاً عن وضوح الدلالة :

أمّا رواية أبي الربيع الشامي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن أصل الخمر ، كيف كان بدء حلالها وحرامها ، ومتى اتّخذ الخمر ؟ فقال : «إنّ آدم لمّا اُهبط من

ص: 299


1- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 171 .

الجنّة. . .»(1) ثمّ ساق القضيّة في بيان حرمة عصير العنب المغليّ قبل ذهاب ثلثيه .

ففيها إشعار بأنّ العصير المغليّ خمر حقيقة ، حيث تصدّى لبيان حرمته عند السؤال عن بدو حرمة الخمر ، لكن لمّا كانت خمرية العصير المغليّ خلاف الوجدان والضرورة ، وإن فرض مسكريته مع ممنوعيتها أيضاً ، فلا محالة لا يريد بذكر القضيّة بيان خمريته ، بل أراد بيان بدو القضيّة ومقدّماتها ؛ حتّى انجرّ إلى حرمة الخمر ، فكأنّ نزاع آدم مع إبليس في الكرم صار موجباً لتحريم الخمر ، لا أنّ محلّ النزاع هو الخمر ، فإنّه خلاف الواقع .

وأمّا احتمال كونه بصدد بيان أنّ حكم العصير حكم الخمر ، ففي غاية البعد ؛ لعدم تطابق السؤال والجواب ، فإنّه سأل عن بدو حرمة الخمر ، فالجواب بأنّ عصير العنب خمر حكماً ، غير مربوط به .

وبالجملة : هذه الرواية محمولة على أ نّه بصدد بيان أنّ الخمر كانت حراماً من

لدن زمن آدم علیه السلام كما وردت به روايات ، وبدو قصّتها نزاع آدم علیه السلام مع إبليس

في الكرم وعصيره ، لا بصدد بيان أنّ العصير خمر أو في حكمه ، كما يظهر بالتأمّل في سائر روايات الباب . هذا مع ما فيها من الضعف سنداً (2) .

ص: 300


1- تقدّمت في الصفحة 287 - 288 .
2- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن خا لد بن جرير ، عن أبي الربيع الشامي . والرواية ضعيفة بأبي الربيع الشامي فإنّه مجهول . الكافي 6 : 393 / 1 ؛ رجال النجاشي : 153 / 403 ؛ الفهرست ، الطوسي : 271 / 841 ؛ تنقيح المقال 3 : 16 / السطر 17 (فصل الكُنى) .

وأمّا سائر الروايات الواردة في تلك القضيّة أو قضيّة نوح علیه السلام (1) فلا إشعار فيها بما ذكره رحمه الله علیه .

وأمّا الاستدلال عليها بقوله علیه السلام : «فلا خير فيه»(2) ، وقوله علیه السلام : «فمن هنا طاب الطِلاء على الثلث»(3) ، وقوله علیه السلام : «وذلك الحلال الطيّب»(4) ، وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الخمر من خمسة : العصير من الكرم»(5) ففيه ما لا يخفى .

نعم ، يمكن الاستدلال عليها برواية «فقه الرضا علیه السلام » قال : «الخمر حرام بعينها . . .» إلى أن قال : «ولها خمسة أسامٍ ، فالعصير من الكرم ، وهي الخمرة الملعونة»(6) .

بأن يقال : إنّ العصير لمّا لم يكن وجداناً الخمرة الملعونة ، لا بدّ من الحمل على التنزيل ، وإطلاقه وإن اقتضى كونه بمنزلتها حتّى قبل الغليان وبعد التثليث ، لكنّهما خارجان نصّاً وفتوى ، وبقي الباقي ، ومقتضى إطلاق التنزيل ثبوت جميع الأحكام له .

ص: 301


1- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 .
2- وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 7 .
3- وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 10 .
4- وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .
5- تقدّم في الصفحة 273 .
6- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 280 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 37 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 2 .

وفيه : - مضافاً إلى ضعفها (1) - أنّ ظاهرها بقرينة قوله : «ولها خمسة أسامٍ» وسائرِ فقراتها ، أنّ المراد بها الخمرة الواقعية لا التنزيلية ، كما يشعر به توصيفها ب- «الملعونة» ولمّا كان العصير قبل غليانه وبعده إذا كان بالنار ليس خمراً حقيقة بلا شبهة ، فلا محالة يراد بذلك العصير الخاصّ المختمر .

ويمكن الاستدلال عليها ب- «الفقه الرضوي» أيضاً ، قال فيه : «اعلم : أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار ، فهو خمر ولا يحلّ شربه إلاّ أن يذهب ثلثاه . . .»(2) إلى آخره . وهو بعينه عبارة والد الصدوق رحمهما اللّه (3) .

بأن يقال : إنّ حمل «الخمر» عليه بعد ما لم يكن حقيقياً يحمل على التنزيل ، وعمومه يقتضي ترتّب جميع الآثار . لكنّه غير صالح للاستناد عليه ؛ لضعفه . بل عدم ثبوت كونه رواية . مع احتمال أن يكون التنزيل في حرمة شربه ، كما قيل(4) في موثّقة ابن عمّار(5) .

وممّا جعله صاحب «الجواهر» مؤكّداً لنجاسته قوله :

«إنّه قد استفاضت الروايات - بل كادت تكون متواترة - بتعليق الحرمة في

ص: 302


1- تقدّم وجه الضعف في الصفحة 268 ، الهامش 5 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 280 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 5 .
3- ستأتي في الصفحة 309 .
4- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 124 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 203 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 408 .
5- تقدّم في الصفحة 294 .

النبيذ وغيره على الإسكار ، وعدمها على عدمه ، مع استفاضة الروايات بحرمة عصير العنب إذا غلى قبل ذهاب الثلثين . وحملها على التخصيص ، ليس بأولى من حملها على تحقّق الإسكار فيه . بل هو أولى ؛ لأصالة عدم التجوّز ، بل لعلّه متعيّن ؛ لعدم القرينة . بل قد يقطع به ؛ لعدم ظهور شيء من روايات الحرمة في خروج ذلك عن تلك الكلّية ، بل ولا إشارة»(1) انتهى .

وهو لا يخلو من غرابة ؛ لعدم ورود رواية في مطلق الأشربة ولا في الخمر أو العصير أو النبيذ بنحو ما ذكره من التعليق ، فضلاً عن استفاضتها .

نعم ، وردت روايات كثيرة بأنّ كلّ مسكر حرام ، وأنّ المسكر حرام(2) ، وفي النبيذ روايات بأنّ المسكر منه حرام(3) . وأمّا ورود روايات بأنّ ما ليس بمسكر فليس بحرام فكلاّ ، لا بنحو الإطلاق أو العموم ، ولا في موضوع خاصّ ، فدوران الأمر بين التخصيص والتخصّص لا موضوع له جزماً .

ثمّ لو فرض ورود روايات في النبيذ بذلك المضمون ، فلا ربط له بالعصير العنبي الذي هو عنوان خاصّ مغاير له ، فما معنى تخصيص ما ورد في النبيذ بما ورد في العصير ؟ !

مضافاً إلى أنّ أولوية التخصّص من التخصيص فيما إذا علم المراد ممنوعة ،

ص: 303


1- جواهر الكلام 6 : 17 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 336 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 17 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 355 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 5 و6 و8 .

فإذا علم عدم وجوب إكرام زيد ، ولم يعلم أ نّه عالم وخارج عن وجوب إكرام العلماء تخصيصاً ، أو ليس بعالم ، فخرج تخصّصاً ، لا دليل على تقديم الثاني ، فأصالة عدم التخصيص - كأصالة الحقيقة - غير معوّل عليها مطلقاً في نحو المقام . وأمّا تشبّثه بأصالة عدم التجوّز فلا يخفى ما فيه . وفي كلامه موارد اُخر للمناقشة .

فتحصّل من جميع ما ذكر عدم دليل على نجاسته ، فالأصل طهارته ؛ من غير فرق بين ما غلى بنفسه ، أو بالنار وغيرها .

حول تفصيل ابن حمزة بين ما غلى بنفسه وغيره

وقد فصّل ابن حمزة في «الوسيلة» بين ما غلى بنفسه ، فذهب إلى نجاسته وحرمته إلى أن يصير خلاًّ ، وبين ما غلى بالنار ، فذهب إلى حرمته إلى ذهاب الثلثين دون نجاسته(1) .

وربّما يتوهّم : أنّ تفصيله ليس في الحكم الشرعي ، بل لإحراز مسكرية ما غلى بنفسه ، فحكمه بالنجاسة لمسكريته ، لا للتفصيل في العصير . ولقد أصرّ على ذلك بعض أهل التتبّع ، حتّى نسب الغفلة إلى أساطين العلم وجهابذة الفنّ ، وأرعد وأبرق في رسالته المعمولة لحكم العصير ، ولم يأتِ بشيء مربوط بجوهر المسألة الفقهية .

وقد وقع منه فلتات عجيبة ، من جملتها دعوى عدم تفرّد ابن حمزة في ذلك التفصيل ، وزعم أنّ مرجع أقوال عدا من شذّ إلى هذا القول ، وعدّ منهم شيخ

ص: 304


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 365 .

الطائفة والحلّي والقاضي صاحب «دعائم الإسلام» والقاضي ابن البرّاج في «المهذّب» والشهيد في «الدروس» . بل استظهر من «رسالة علي بن بابويه» ومن عبارة «فقه الرضا» .

ثمّ قال : «إنّ المحقّق والعلاّمة والفاضل المقداد كلّهم ، موافقون لما عزي إلى ابن حمزة من التفصيل ، وإنّ عدّ قولهم مقابلاً لقوله ناشئ من عدم تدقيق النظر وتحديد البصر ، فانتظر لهذه الفائدة التي لم يتنبّه لها أحد في الحديث والقديم ، ولا ينبّئك مثل الخبير العليم»(1) انتهى .

وأنا أقول : لم أرَ من وافق ابن حمزة ؛ حتّى صاحب هذه الرسالة نفسه ، ولتوضيح ذلك لا بدّ من تحرير المسألة حتّى يتّضح موضع الخلط .

فنقول : إنّ محطّ البحث في هذه المسألة - بعد الفراغ عن حكم المسكر ونجاسته - في أنّ العصير العنبي هل هو ملحق بالمسكرات في النجاسة مطلقاً ، أو لا مطلقاً ، أو ملحق بها إذا غلى بنفسه ، دون ما إذا غلى بالنار ؟ والأقوال إنّما تتقابل في المسألة الفقهية إذا كان محطّ كلامهم العصير الذي لا يسكر ، أو لم يحرز إسكاره ، وأمّا إذا ادّعى أحد مسكريته فحكم بنجاسته ، والآخر عدمها فذهب إلى طهارته ، والمفصّل يرى مسكرية قسم منه ، فلا تتقابل في المسألة الفقهية . ولو فرض اختلاف كلامهم موضوعاً فلا تتقابل الأقوال رأساً .

ص: 305


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 28 - 33 .
حول الاختلاف في غاية حرمة العصير

ثمّ إنّه قد وقع خلاف آخر بين الفقهاء في غاية حرمة العصير لا نجاسته ، فذهب جمع إلى أنّ غايتها ذهاب الثلثين ، وجمع آخر إلى التفصيل بين ما غلى بنفسه فغايتها انقلابه خلاًّ ، وما غلى بالنار فذهاب الثلثين .

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ ابن حمزة قائل بالتفصيل في المسألتين ، ولم يوافقه أحد - فيما أعلم - في المسألة الاُولى ، ووافقه جملة من الأساطين في الثانية ، والخلط بين المسألتين صار سبباً لنسبة التفصيل في المسألة الاُولى إليهم ، وقلّة التأمّل في كلام ابن حمزة - بل وفي المسألة أيضاً - صارت منشأً لتوهّم أنّ ابن حمزة قائل بنجاسة ما غلى بنفسه ؛ لصيرورته مسكراً . كما أنّ قلّة التدبّر في كلمات القوم ، صارت منشأً لزعم موافقتهم مع ابن حمزة في التفصيل بما زعم أ نّه قائل به .

ونحن نحكي كلام ابن حمزة والشيخ حتّى يتّضح مورد خلط صاحب الرسالة في كلامهما ، ثمّ راجع غيرهما من كلمات الأصحاب حتّى يتّضح لك الأمر :

قال ابن حمزة في «الوسيلة» - بعد ذكر الأشربة التي تؤخذ من الحيوان - هذه العبارة : «وأمّا ما يؤخذ من الأشربة من غير الحيوان فضربان : مسكر ، وغير مسكر ، فالمسكر نجس حرام . . .» . ثمّ قال : «وغير المسكر ضربان : ربّ ، وغيره . . .»(1) . ثمّ قال : «وغير الربّ ضربان : إمّا جعل فيه شيء من المسكرات ،

ص: 306


1- في المصدر: «وغير المسكر ضربان : فقّاع وغيره ، فالفقّاع حرام نجس ، وغير الفقّاع ضربان : ربّ وغيره» .

ويحرم شربه ، وينجس بوقوع المسكر فيه ، أو لم يجعل فيه شيء منها : فإن كان عصيراً لم يخلُ إمّا غلى ، أو لم يغلِ : فإن غلى لم يخلُ إمّا غلى من قِبَل نفسه ، أو

بالنار : فإن غلى من قِبَل نفسه حتّى يعود أسفله أعلاه حرم ونجس ، إلاّ أن يصير خلاًّ بنفسه أو بفعل غيره ، فيعود حلالاً طيّباً . وإن غلى بالنار حرم شربه حتّى يذهب على النار نصفه ونصف سدسه ، ولم ينجس أو يخضب الإناء ويعلق به ويحلو»(1) انتهى .

وظاهر كلامه كالصريح في أنّ التفصيل بين المغليّ بنفسه وغيره ، بعد الفراغ عن عدم كونه مسكراً ، فإنّه من قسم غير المسكر الذي لم يقع فيه مسكر ، كما هو واضح ، فهو مفصّل في مسألتنا ، وقائل بنجاسة العصير الذي غلى بنفسه ، ولم يكن مسكراً ، وجعل غاية النجاسة الانقلاب بالخلّ .

كما أ نّه مفصّل في المسألة الثانية بأنّ غاية الحلّية(2) فيما إذا غلى بنفسه ، صيرورته خلاًّ ، وفيما إذا غلى بالنار التثليث .

وكثير من الأصحاب وافقوه في المسألة الثانية دون الاُولى ؛ حتّى أنّ صاحب الرسالة أيضاً لم يوافقه فيها ، ولم يلتزم بالنجاسة لو فرض عدم إسكاره ، لكنّه مدّعٍ لذلك ، وسيأتي الكلام فيه(3) .

وقال الشيخ في «النهاية» : «كلّ ما أسكر كثيره فالقليل منه حرام ؛ لا يجوز استعماله بالشرب ، والتصرّف فيه بالبيع والهبة ، وينجس ما يحصل فيه ؛ خمراً

ص: 307


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 364 - 365 .
2- والصحيح هو «غاية الحرمة» .
3- سيأتي في الصفحة 311 .

كان أو نبيذاً أو بتعاً أو نقيعاً أو مزراً ، أو غير ذلك من أجناس المسكرات .

وحكم الفُقّاع حكم الخمر على السواء في أ نّه حرام شربه وبيعه والتصرّف فيه .

والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغلِ . وحدّ الغليان الذي يحرّم ذلك هو أن يصير أسفله أعلاه ، فإذا غلى حرم شربه وبيعه إلى أن يعود إلى كونه خلاًّ ، وإذا غلى العصير على النار لم يجز شربه إلى أن يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه»(1) انتهى .

وأنت خبير : بأنّ الظاهر منه موافقة ابن حمزة في غاية الحلّية ، لا في النجاسة . بل الظاهر منه عدم نجاسة العصير مطلقاً ، حيث جعله مقابل النجس ، ولم يحكم بالتسوية فيه كما حكم في الفُقّاع ؛ وإن كانت عبارته في الفُقّاع لا تخلو من نوع إجمال .

وعلى هذا المنوال أو قريب منه العبارات المحكيّة عن ابن إدريس ، وصاحب «الدعائم» ، والقاضي ابن البرّاج ، والشهيد(2) ، فإنّها أيضاً بصدد بيان المسألة الثانية لا الاُولى ، فراجع .

وأعجب من ذلك إرجاع كلمات المحقّق والعلاّمة والفاضل المقداد إلى ما فصّل ابن حمزة ، مع أنّ المتأمّل في عباراتهم لا ينبغي أن يشكّ في خلافه ؛ وأ نّهم في طرف النقيض منه :

ص: 308


1- النهاية : 590 - 591 .
2- السرائر 3: 130 ؛ دعائم الإسلام 2 : 127 / 440 ؛ المهذّب 2 : 433 ؛ الدروس الشرعية 3 : 16 .

قال المحقّق في «المعتبر» : «وفي نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردّد أمّا

التحريم فعليه إجماع فقهائنا ، ثمّ منهم من اتّبع التحريم النجاسة . والوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتّى يذهب الثلثان ، ووقوف النجاسة على الاشتداد»(1) .

وهو صريح في خلاف ابن حمزة القائل بالنجاسة مع عدم السكر ؛ إن أراد ب- «الاشتداد» السكر ، كما قال به صاحب الرسالة(2) .

ونحوه في ذلك كلام العلاّمة ، والمحكيّ عن الفاضل المقداد(3) .

وأمّا والد الصدوق ، فقال في وصيّته إلى ابنه : «اعلم يا بنيّ : أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار ، أو غلى من غير أن تصيبه النار فيصير أسفله أعلاه ، فهو خمر لا يحلّ شربه إلى أن يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه ، فإن نشّ من غير أن تصيبه النار فدعه حتّى يصير خلاًّ من ذاته من غير أن تلقي فيه شيئاً فإذا صار خلاًّ من ذاته حلّ أكله ، فإن تغيّر بعد ذلك وصار خمراً فلا بأس أن تلقي فيه ملحاً أو غيره حتّى يتحوّل خلاًّ»(4) انتهى .

وهو كما ترى مخالف لابن حمزة وموافقيه في المسألة الثانية ؛ أي غاية الحلّية .

وأمّا قوله : «فإن نشّ . . .» إلى آخره ، فمسألة اُخرى غير مربوطة بما ذكرها أوّلاً ، كما لا يخفى على المتأمّل في قوله : «من غير أن تلقي . . .» إلى آخره ، لكن

ص: 309


1- المعتبر 1 : 424 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 40 - 41 .
3- تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ كنز العرفان 1 : 53 .
4- اُنظر الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 280 ؛ الفقيه 4 : 40 / 131 .

صاحب الرسالة لم يرتضِ إلاّ بأن يأوّل كلامه وكذا عبارة «فقه الرضا»(1) الموافقة له بما لا يرضى به صاحبهما ، ولا منصف متأمّل(2) .

فتبيّن ممّا مرّ : أنّ ابن حمزة متفرّد في تفصيله في مسألتنا ؛ بذهابه إلى النجاسة في المغليّ بنفسه مع عدم إسكاره ، وعدمها في المغليّ بالنار .

ثمّ إنّ تفصيله خالٍ عن الوجه .

بل لو فصّل أحد بعكس ما فصّل - أي ذهب إلى نجاسة ما يغلي بالنار ، دون ما يغلي بنفسه - لكان أوجه ؛ بدعوى أنّ عمدة ما يمكن أن يتمسّك بها للنجاسة موثّقةُ معاوية بن عمّار وصحيحة عمر بن يزيد المتقدّمتان(3) ، وهما واردتان في البُخْتُج ؛ وهو العصير المطبوخ ، بل غالب ما يستدلّ به لها إنّما هو في العصير المغليّ بالنار .

وكيف كان : فالأقوى طهارة العصير ؛ سواء غلى بالنار أو بنفسه ، إلاّ أن يحرز مسكريته ، وهو أمر آخر .

حول مسكرية العصير المغليّ بنفسه

ثمّ إنّه لا يلزم علينا دفع الشبهة الموضوعية ، وليس تحقيق مسكرية ما غلى بنفسه شأن الفقيه ، لكن لا بأس في البحث عنها على سبيل الاختصار ؛ دفعاً لتوهّم دلالة الروايات عليها .

ص: 310


1- تقدّمت في الصفحة 302 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 33 .
3- تقدّمتا في الصفحة 294 و298 .

والعجب من صاحب الرسالة ! أ نّه لمّا سمع أنّ قائلاً من معاصريه قال : «إنّ البحث في الشبهة الموضوعية ليس بمهمّ للفقيه» ، اعترض عليه ، ونسبه إلى الغرور والغفلة ، والبعد عن تلك المسائل بمراحل ، وأ نّه عدوّ لما جهله ، وقال :

«إنّ الذي لا يهمّ للفقيه أن يتكلّم في موضوع وهمي فرضي ، من قبيل اتّصاف الشيء بنقيضه ، أو سلب الشيء عن نفسه ، أو يتعرّض لحكم الكوسج العريض اللحية ، أو العنّين المستهتر بالجماع»(1) انتهى .

وأنت خبير بما في كلامه من الوهن ، وكيف غفل عن أمر واضح : وهو أنّ تنقيح الموضوعات ؛ وإثبات كون شيء خمراً أو خلاًّ ، أو أنّ الأدوية الكذائية مسكرة ، أو ليست بمسكرة ، أو أنّ المسافة الكذائية ثمانية فراسخ أو لا وهكذا ، ليس من المسائل الفقهية التي للفقيه البحث عنها ، وليس رأي الفقيه فيها حجّة على غيره ، وإنّما شأنه البحث عن الأحكام الكلّية ومداركها ، لا عن موضوعاتها؟!

إعضالات المحقّق شيخ الشريعة وحلّها

وكيف كان : فقد زعم أنّ في المسألة إعضالات لا تنحلّ إلاّ بالالتزام بمسكرية العصير المغليّ بنفسه :

الإعضال الأوّل : أنّ الروايات المتضمّنة لحرمة العصير المطبوخ ، كلّها مغيّاة

ص: 311


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 34 - 35 .

بذهاب الثلثين(1) ، ولم يتّفق التحديد بذهابهما إلاّ فيما تضمّن لفظ «الطبخ» ، أو ما يساوقه ، ك- «البُخْتُج» ، و«الطِلاء» ، وأمّا الروايات الحاكمة بتحريم العصير بالغليان(2) ، فكلّها خالية من التحديد بهما (3) .

فجعل هذا شاهداً على أنّ العصير المغليّ بنفسه مسكر ، وشاهداً على التفصيل المتقدّم ، بعد التنبيه على أنّ الغليان والنشيش إذا اُسندا إلى الأشياء التي يحدثان فيها تارة بسبب ، واُخرى باقتضاء نفسها من غير ذكر السبب ، كان المراد بهما حصولهما بنفسها لا بالسبب ، وبعد دعوى حصول السكر بمجرّد الغليان(4) .

وفيه : أ نّه بعد تسليم كون الروايات كما زعمها ، لا تدلّ هي إلاّ على أنّ غاية الحرمة فيما نشّ بنفسه ، ليست التثليث ، وهو موافق للتفصيل في المسألة الثانية المشار إليها في صدر البحث ، وغير مربوط بالمسألة الاُولى ، ولا هي شاهدة على حصول السكر في المغليّ بنفسه . مع أنّ دعاويه بجميع شعبها ممنوعة ، أو غير مسلّمة .

أمّا دعوى كون الغليان إذا لم يسند إلى سبب ومؤثّر خارجي ، يكون المراد ما حصل بذاته ، ففيها - مضافاً إلى كونها مجرّدة من الدليل - ما لا يخفى ؛ فإنّ المتبادر من «الغليان» عرفاً ولغةً هو الفوران والقلب بقوّة ، ولا يبعد أن يكون

ص: 312


1- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 و4 و5 و8 .
2- وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 .
3- إفاضة القدير في أحكام العصير : 16 .
4- إفاضة القدير في أحكام العصير : 20 .

مأخوذاً من الصوت في الأصل ، ثمّ اشتقّ منه :

ففي «المجمع» : «غلت القدر غلياناً : إذا اشتدّ فورانها»(1) .

وفي «المنجد» : «غلت القدر : جاشت بقوّة الحرارة»(2) . ولم يفسّره في «الصحاح» و«القاموس»(3) لوضوحه عرفاً .

ومعلوم : أنّ الفوران واشتداده لا يحصل فيما إذا غلى العصير بنفسه ، بل ما حصل بنفسه هو النشّ والجيش الضعيف ، فإذن لأحد أن يقول : إنّ «الغليان» وسائر تصاريفه إذا اُسند إلى شيء بلا إضافة إلى نفسه ، يتبادر منه الفوران الشديد بقوّة الحرارة النارية وغيرها ، وإذا قيل : «غلى بنفسه» يراد منه القلب الضعيف غالباً .

ولعلّ «النشّ» المستعمل في الروايات(4) فيما إذا غلى العصير بنفسه ، عبارة عن الصوت الحاصل من الجيش الضعيف للعصير المغليّ بنفسه ؛ وإن كان لغةً أعمّ منه(5) .

وكيف كان : لا بيّنة على دعواه ، بل على خلافها ، ولا أقلّ من أن يكون «الغليان» أعمّ .

ص: 313


1- مجمع البحرين 1 : 319 .
2- المنجد : 558 .
3- الصحاح 6 : 2448 ؛ القاموس المحيط 4 : 373 .
4- وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 4 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 38 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 و5 .
5- القاموس المحيط 2 : 301 .

وأمّا دعوى حصول الإسكار بمجرّد الغليان ، فسيأتي الكلام فيها (1) .

وممّا ذكرنا يظهر حال مستنده : وهو أنّ كلّ ما ذكر فيه «الغليان» لم يذكر فيه الثلثان لإثبات أنّ الغليان بنفسه موجب للإسكار . مع أنّ الواقع ليس كما ذكره :

أمّا صحيحة حمّاد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا يحرم العصير حتّى

يغلي»(2) - فمع الغضّ عمّا ذكرناه آنفاً ، والغضّ عن احتمال كون «يغلّى» مجهولاً من باب «التفعيل» ولا دافع له إلاّ الظنّ الخارجي غير الحجّة ، والغضّ عن أنّ المراد في المقام الذي بصدد بيان الكبرى الكلّية هو مطلق الغليان بنفسه أو بغيره جزماً ، ولا تعارض بينها وبين ما دلّ على حرمة العصير المغليّ بالنار ، وأنّ الاختصاص موجب لمخالفته للواقع نصّاً وفتوى - فلا معنى لذكر الثلثين فيها ؛ لأ نّها بصدد بيان غاية الحلّية ، لا غاية الحرمة كما هو واضح .

ومنه يظهر الحال في روايته الاُخرى قال : سألته عن شرب العصير ، قال : «تشرب ما لم يغلِ ، فإذا غلى فلا تشربه» .

قلت : أيّ شيء الغليان ؟ قال : «القلب»(3) .

فإنّها أيضاً بيان غاية الحلّية صدراً وذيلاً ، فلا معنى لذكر التثليث فيها .

وأمّا موثّقة ذُرَيح - قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «إذا نشّ العصير أو

ص: 314


1- سيأتي في الصفحة 326 - 332 .
2- الكافي 6 : 419 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 419 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 3 .

غلى حرم»(1) - فهي كالنصّ في خلاف دعواه ، ولهذا تشبّث بدعوى اُخرى : وهي أنّ الرواية في النسخ المصحّحة من «الكافي» بالواو ، وفي «التهذيب» : «أو» بدلها .

قال : «والأوّل أصحّ ؛ لأضبطية «الكافي» وأ نّه لا وجه لجعل النشيش - وهو الصوت الحاصل بالغليان - مقابلاً له ، إلاّ على وجه راجع إلى عدم المقابلة»(2) انتهى .

وفيه : أنّ الرواية - على ما هو الموجود في كتب الأخبار والفقه واللغة ك- «المرآة» ، و«الوسائل» ، و«الحدائق» ، و«الجواهر» ، و«المستند» ، و«طهارة الشيخ» ، و«مصباح الفقيه» ، و«مجمع البحرين» - إنّما هي ب- «أو» لا بالواو(3) ، ولم يشر أحدهم - حتّى المجلسي - إلى اختلاف نسخ «الكافي» فضلاً عن كون النسخ المصحّحة كذلك ، فأضبطية «الكافي» إنّما تفيد إذا ثبت كونها كذلك فيه ، وأمّا مع اختلاف نسخه - على فرض التسليم - واتّفاق نسخ «التهذيب» بذكر «أو» موافقةً للنسخ المشهورة المتداولة من «الكافي» فلا وجه لرجحان ما ذكر .

مع أنّ الأصحّ بحسب الاعتبار نسخة «التهذيب» لما أشرنا إليه من أنّ «النشّ»

ص: 315


1- الكافي 6 : 419 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 4 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 4 .
3- مرآة العقول 22 : 282 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 4 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 127 ؛ جواهر الكلام 6 : 19 ؛ مستند الشيعة 15 : 174 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 193 ؛ لم نجدها في مصباح الفقيه ؛ مجمع البحرين 4 : 154 .

كلّما اُطلق في الأخبار اُريد به الجيش بنفسه ، و«الغليان» عند الإطلاق - بمناسبة ما ذكرناه(1) - هو ما حصل بالنار ، ولا أقلّ من كونه أعمّ ، لكن في الرواية بعد عدم معنى لذكر «النشّ» و«الغليان» معاً بعد كون أحدهما موضوعاً للحكم ، لا بدّ وأن يراد ب- «النشّ» ما ذكرناه ، كما في سائر الروايات ، وب- «الغليان»

ما غلى بغيره ، فلا بدّ من العطف ب- «أو» لا الواو ، لكن صاحب الرسالة لمّا اغترّ بإصابة رأيه فتح باب التأويل والتحريف في الروايات المخالفة له .

وأمّا دعواه : بأنّ كلّ ما ورد بلفظ «الطبخ» أو ما يساوقه ، فهو مغيّا بذهاب

الثلثين ، ففيها : أ نّه إن أراد بذلك أنّ ما ذكر فيها ذهاب الثلثين منحصر بالمطبوخ

- كما هو الظاهر منه ، ولهذا ادّعى أمراً آخر : وهو أنّ المغليّ بنفسه إذا ذهب ثلثاه

بالنار يكون حراماً ، ولا يفيد التثليث إلاّ في العصير الذي طبخ قبل نشيشه بنفسه - ففيها منع ؛ فإنّ الظاهر من غير واحد من الروايات أنّ التثليث غاية مطلقاً ، ففي رواية أبي الربيع الشامي - بعد ذكر منازعة آدم علیه السلام وإبليس لعنه اللّه - قال : «فرضيا بينهما بروح القدس ، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم علیه السلام عليه قصّته ، فأخذ روح القدس ضغثاً من نار فرمى به عليهما» أي على القضيبين «والعنب في أغصانهما ؛ حتّى ظنّ آدم أ نّه لم يبقَ منهما شيء ، وظنّ إبليس مثل ذلك» قال : «فدخلت النار حيث دخلت ، وقد ذهب منهما ثلثاهما ، وبقي الثلث ، فقال الروح : أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس ، وما بقي فلك يا آدم»(2) .

ص: 316


1- تقدّم في الصفحة 312 .
2- الكافي 6 : 393 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 2 .

فإنّ الظاهر منها أنّ التثليث مطلقاً موجب للحلّية ؛ لأنّ إحراق نفس القضيبين

إنّما هو لتعيين حظّ آدم وإبليس ، وهو غير مربوط بطبخ عصير العنب وتثليثه بالنار ، فبعد تعيين ذلك وتحديد الحدود قال الروح : «أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس» أي مقدار ما ذهب من القضيبين - وهو الثلثان - فحظّ إبليس من العصير الذي نشّ أو غلى بالنار ، وإنّما قيّدناه بذلك ؛ لقيام الإجماع والضرورة بعدم حظّ لإبليس في نفس العنب ، ولا في عصيره قبل الغليان .

فاتّضح ممّا ذكر من فقه الحديث : أنّ مقتضى إطلاقه أنّ الثلثين من العصير المغليّ بنفسه أو بغيره لإبليس ، وبعد ذهابهما يتخلّص سهم آدم علیه السلام ويحلّ ما بقي . ومنه يظهر الكلام في موثّقة سعيد بن يسار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (1) .

وكأنّ صاحب الرسالة حمل الطبخ في الروايتين ونحوهما على طبخ العصير ، فصار ذلك موجباً لدعواه المتقدّمة ، مع أ نّهما صريحتان في أنّ الإحراق وقع في نفس القضيبين والكرم لتعيين الحظّين ، لا في العصير للتثليث .

وفي موثّقة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام -

بعد ذكر معارضة إبليس نوحاً علیه السلام في الحَبَلَة - : «فقال جبرئيل : أحسن يا رسول اللّه ، فإنّ منك الإحسان ، فعلم نوح أ نّه قد جُعل له عليها سلطان ، فجعل له الثلثين» فقال أبو جعفر علیه السلام : «فإذا أخذت عصيراً فطبخته حتّى يذهب الثلثان - نصيب الشيطان - فكل واشرب»(2) .

وهو أيضاً ظاهر في أنّ حظّ إبليس هو الثلثان ، وأمّا قول أبي جعفر علیه السلام

ص: 317


1- تقدّم في الصفحة 288 .
2- الكافي 6 : 394 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 4 .

فتفريع على قول نوح لا ينبغي أن يتوهّم منه اختصاص الغاية بذهاب الثلثين بالنار ، كما لا يتوهّم منه اختصاص الحرمة بالغليان بها .

وفي حسنة(1) محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «كان أبي علیه السلام يقول : إنّ نوحاً حين اُمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه ، فلمّا أراد أن يغرس العنب قال : هذه الشجرة لي ، فقال له نوح : كذبت ، فقال إبليس : فما لي منها ؟ فقال نوح : لك الثلثان ، فمن هناك طاب الطِلاء على الثلث»(2) .

وهي أوضح في تفريع قوله : «فمن هناك . . .» إلى آخره ، على كلّية : هي كون الثلثين من العصير المغليّ لإبليس لعنه اللّه ، والثلثِ لنوح علیه السلام . ومن هنا يظهر حال رواية وهب بن منبّه(3) .

وفي مرسلة محمّد بن الهيثم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن العصير يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته ، أيشربه صاحبه ؟ فقال : «إذا تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه»(4) .

ص: 318


1- رواها الصدوق في العلل ، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس بن عبد الرحمان ، عن العلاء ، عن محمّد ابن مسلم . والرواية حسنة بإسماعيل بن مرّار الذي لم يرد فيه توثيق . راجع الجزء الأوّل : 93 ؛ تنقيح المقال 1 : 144 / السطر 38 .
2- علل الشرائع : 477 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 10 .
3- تقدّمت في الصفحة 289 .
4- الكافي 6 : 419 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 7 .

وهي أوضح فيما ذكرناه ؛ فإنّ فاعل «تغيّر» و«غلى» ضمير راجع إلى العصير ، لا هو مع قيد الطبخ والغليان ، وهو واضح ، فحينئذٍ إعراضه عن الموضوع المفروض في السؤال ، واستئناف الكلام بأ نّه «إذا تغيّر العصير عن حاله وغلى» لإعطاء قاعدة كلّية : وهي أنّ مطلق التغيّر عن حاله والغليان موجب للحرمة إلى ذهاب الثلثين .

مع أنّ قوله علیه السلام : «تغيّر عن حاله» لا يبعد أن يكون ظاهراً في الفساد الذي يحصل من الجيش بنفسه . وكيف كان لا وجه لاختصاصه بالنار .

وفي «فقه الرضا» : «اعلم : أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار ، أو غلى من غير أن تصيبه النار ، فهو خمر ، ولا يحلّ شربه إلاّ أن يذهب ثلثاه على النار ، وبقي ثلثه ، فإن نشّ من غير أن تصيبه النار فدعه حتّى يصير خلاًّ من ذاته من غير أن يلقى فيه شيء»(1) .

وهي ظاهرة في أنّ ما غلى بنفسه يحلّ إذا ذهب ثلثاه على النار ، وأمّا قوله :

«فإذا نشّ . . . فدعه . . .» إلى آخره ، فمتعرّض لفرع آخر : وهو عدم جواز إلقاء شيء خارجي فيما يجعل خلاًّ ، بل لا بدّ من أن يدعه حتّى يصير خلاًّ بذاته من دون إلقاء شيء فيه .

وإنّما قيد ذهاب الثلثين بكونه على النار ؛ لأجل أنّ التثليث بغير النار قلّما يتّفق . بل العصير إذا غلى بنفسه يصير خلاًّ أو خمراً بعلاج أو بغيره قبل أن يذهب ثلثاه . لا أقول : إنّه يصير خمراً أو مسكراً بمجرّد الغليان بنفسه ، بل أقول : قبل

ص: 319


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 280 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 5 .

ذهاب الثلثين يتبدّل إليه أو إلى الخلّ ، ولهذا قيّده بقوله : «على النار» .

ولعلّه لأجل ما ذكرناه - من عدم دخالة النار في الحلّية لو اتّفق التثليث بغيرها - أسقطها علي بن بابويه ، فقال : «لا يحلّ شربه إلى أن يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه»(1) مع أنّ كلامه عين ما في «فقه الرضا» تقريباً ، لكن صاحب الرسالة نقل كلام ابن بابويه ، ثمّ قال :

«والذي اُحصّله من هذا الكلام : أنّ عصير الكرم إذا أصابته النار ولم يذهب ثلثاه ، وترك على هذا الحال ، أو غلى من غير أن يصيبه النار ، فهو خمر ، وإن لم يترك طبخه حتّى ذهب ثلثاه كان حلالاً ، وإن غلى بنفسه كان خمراً لا يفيد فيه التثليث إلاّ أن ينقلب خلاًّ»(2) انتهى .

وليت شعري ، من أين حصل له هذا الأمر المخالف لظاهر الكلام ، بل صريحه ، ومن أين لفّق بالعبارة قولَه : «وترك على هذا الحال» وقولَه : «وإن لم يترك طبخه حتّى يذهب ثلثاه كان حلالاً» حتّى وافقت مذهبه بعد مخالفتها له ؟ !

مع أ نّه على فرض كون مراده ذلك لا يتّضح موافقته لمذهبه ؛ لما مرّ من أنّ هؤلاء إنّما يكون كلامهم في مسألة الحلّية والحرمة ، لا النجاسة والطهارة(3) ، ولم يتّضح أنّ مراده من كونه خمراً أ نّه هو تكويناً ، ولعلّه تبع بعض النصوص(4) في إطلاق «الخمر» عليه ، كما هو دأبه ، ولم يظهر منه ولا من الفقهاء ملازمة النشيش

ص: 320


1- تقدّم في الصفحة 309 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 33 .
3- تقدّم في الصفحة 305 وما بعدها .
4- تقدّم في الصفحة 294 .

والغليان من قِبَل نفسه للإسكار ؛ وإن نسب صاحب الرسالة ذلك أيضاً إليهم(1) من غير حجّة . بل مع الحجّة على خلافه ، كما لعلّنا أشرنا إليها من ذي قبل(2) .

الإعضال الثاني: أ نّه قد ورد في صحيحة عبداللّه بن سِنان عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه»(3).

هذا التقييد لا يتّضح وجهه مع أ نّه بصدد إعطاء القاعدة ، وموضوع الحكم مطلق ما غلى بنفسه أو بالنار ، فالتقييد مخلّ إن قلنا بمفهوم الوصف ، وموجب لعدم دلالته على حكم ما غلى بنفسه إن لم نقل به ، فالمناسب أو المتعيّن أن يقول : «كلّ عصير غلى فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه» .

وجعل وجه حلّه : أنّ الحديث في مقام بيان الحرمة المحدودة بذهاب الثلثين ، وليست إلاّ في العصير المطبوخ ، فالتقييد في موقعه ، والضابطة تامّة ، والقاعدة محكمة(4) انتهى ملخّصاً .

وفيه أوّلاً : أ نّه بعد تسليم ما ذكره ، لا تدلّ إلاّ على أنّ غاية الحرمة في المغليّ بالنار ذهاب الثلثين ، لا في المغليّ بنفسه ، وهو غير مربوط بمدّعاه الذي ذكر الإعضالات والانحلالات المتوهّمة لأجله ؛ وهي مسكرية ما غلى بنفسه ، دون ما غلى بالنار .

وقد عرفت : أنّ مورد البحث ومحطّ كلام الفقهاء في مسألتين :

ص: 321


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 40 .
2- يأتي في الصفحة 326 وما بعدها .
3- تقدّمت في الصفحة 293 .
4- إفاضة القدير في أحكام العصير : 17 و21 .

إحداهما : في النجاسة والطهارة .

وثانيتهما : في غاية الحلّية .

فالرواية - على فرض تمامية مدّعاه - مربوطة بالثانية ، وهو يريد الاستدلال بها للاُولى على زعمه في طرح المسألة .

وثانياً : أ نّه لا إشكال في أنّ الصحيحة بصدد بيان حرمة ما أصابته النار ، لا مطلق العصير المغليّ ، كما لا إشكال في أنّ ذهاب الثلثين غاية للحرمة فيه ، وأمّا عدم ذكر العصير المغليّ بنفسه مع حرمته بنحو الإطلاق ، فهو إشكال مشترك لو فرض وروده .

والعذر بأ نّها بصدد بيان العصير الذي يصير حلالاً بذهاب الثلثين ، تسليم للإشكال ، لا دافع له .

إلاّ أن يقال : إنّها بصدد بيان الغاية فقط ، وهو كما ترى .

هذا مع عدم ورود الإشكال رأساً ؛ لأنّ السكوت عن بعض أنواع موضوع بعد عدم المفهوم للقيد هنا جزماً ، غير عزيز ، سيّما إذا كان المذكور أخفى حكماً ، كما في المقام .

والظاهر أ نّه غفل عمّا التزم به من اختصاص مثل رواية حمّاد بن عثمان ، ع-ن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا يحرم العصير حتّى يغلي»(1) ، بما يغلي بنفسه(2) ، مع أ نّها بصدد بيان الضابطة والقاعدة الكلّية جزماً ، والضابطة مع ذلك الاختصاص مخلّة بالمقصود جزماً ؛ لأنّ ما غلى بالنار حرام أيضاً ، ولم يذكر فيها

ص: 322


1- تقدّمت في الصفحة 314 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 20 .

الغاية حتّى يتوهّم أ نّها بصدد بيان ما كانت غايته التخليل .

اللهمّ إلاّ أن يقول : الذي اُحصّله منها ذلك ، كما قال في عبارة الصدوق(1) ، فلا كلام لنا حينئذٍ .

وثالثاً : أ نّه لقائل أن يقول : إنّ إطلاق ذيل الصحيحة يقتضي أن يحلّ ما أصابته النار بذهاب الثلثين ولو بغير النار ، ومجرّد كون الغليان بالنار لا يوجب صرفه إلى كون التثليث بها . ولو توهّم الانصراف فهو بدوي . كما أنّ ندرة الوجود لا توجبه .

بل مقتضى إطلاق صدرها أنّ ما أصابته النار أعمّ ممّا كانت الإصابة بعد النشّ بنفسه أو لا ، وأوّل مراتب النشّ ليس بنادر في العصير الذي يتهيّأ للطبخ ، سيّما إذا كان كثيراً ، ويعصر بتدريج ، وسيّما إذا كان في المناطق الحارّة ، وليس ظهور الصحيحة في حدوث الحرمة بإصابة النار ظهوراً يدفع الإطلاق ، سيّما مع قوّة احتمال أن يكون المقصود الأصلي فيها بيان غاية التحريم .

فتكون دالّة على خلاف مدّعاه من وجهين :

أحدهما : دعواه بأنّ ما غلى بنفسه لا يحلّ ولا يطهر إلاّ بصيرورته خلاًّ ، ولا يفيده ذهاب الثلثين بالنار ، وهي دالّة على خلافها .

وثانيهما : دعواه بأنّ ما غلى بالنار لا يحلّ إلاّ بذهاب ثلثيه بها ، وهي دالّة على خلافها .

الإعضال الثالث : أ نّه قد وقع في موثّقة عمّار ما لم يهتدِ إلى وجهه وسرّه أغلب الواقفين عليها ، قال عمّار : وصف لي أبو عبداللّه علیه السلام المطبوخ كيف يطبخ

ص: 323


1- تقدّم في الصفحة 320 .

حتّى يصير حلالاً ، فقال : «تأخذ ربعاً من زبيب وتنقّيه ، ثمّ تصبّ عليه اثني عشر رطلاً من ماء ، ثمّ تنقعه ليلة ، فإذا كان أيّام الصيف وخشيت أن ينشّ جعلته في تنّور مسجور قليلاً حتّى لا ينشّ . . .» .

إلى أن قال : «ثمّ تغليه بالنار ، فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان ، ويبقى الثلث»(1) .

فإنّ هذه الفقرة ممّا تحيّر الناظر من وجهين :

أحدهما : أ نّه إذا نشّ خارج التنُّور فهو بأن ينشّ فيه أولى ، فكيف داواه بما يضاعفه ؟ !

ثانيهما : أ نّه أمره بعد ذلك بالتثليث ، فالنشيش ليس فيه محذور يخاف منه .

ولو فرض خوف فيندفع بعد الغليان والتثليث(2) .

ثمّ حلّ هذه المعضلة : بأ نّه إذا نشّ بنفسه حدث فيه الإسكار ، وبطل المقصود ؛ إذ لا بدّ من إراقته أو تخليله ، بخلاف تعجيل غليانه بالتنُّور المسجور ،

فإنّه يمنع من تسارع الفساد إليه(3) انتهى بتلخيص .

وفيه : بعد الغضّ عن تسميتها «موثّقة» مع تردّدها بين موثّقة ومرسلة(4) ،

ص: 324


1- الكافي 6 : 424 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 289 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 18 - 19 .
3- إفاضة القدير في أحكام العصير : 22 .
4- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن علي بن الحسن - أو عن رجل ، عن علي بن الحسن - بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار بن موسى الساباطي .

وبعد الغضّ عن أنّ ذلك بعد تسليم المقدّمات لا ينتج مقصوده ؛ لأنّ غاية ما يستفاد منها أ نّه مع النشيش بنفسه لا يحلّله التثليث ، وهو المسألة الثانية من المسألتين المتقدّمتين(1) ، وهو استدلّ بها للاُولى .

أنّ هذه الرواية لا يمكن التعويل عليها حتّى في حرمة ما ينشّ بنفسه لو لا دليل آخر ؛ ضرورة أنّ القيود الكثيرة المأخوذة فيها ، ممّا لا دخالة لها في الحلّية

تمنع عن الاستدلال بها ، فمن المحتمل قريباً أن يكون الأمر بجعله في التنُّور لئلاّ ينشّ ؛ لأجل أنّ النشيش بنفسه يوجب الفساد تكويناً ، فلا يحصل معه المقصود من تحصيل مشروب لذيذ طبّي مطبوخ له خواصّ وآثار ، لا لما ذكره من لزوم إراقته أو تخليله .

إلاّ أن يقول : الذي اُحصّله ذلك ، ولا كلام معه .

نعم ، لا إشكال في أنّ الرواية دالّة على أ نّه بعد ما عمل بدستوره ، حصل له مطبوخ حلال ، وأمّا لو نشّ فلم يصر حلالاً لإسكاره ولا يحلّ إلاّ بالتخليل ، فلا تدلّ عليه بوجه .

هذا مع أنّ هذه الفقرة غير مذكورة في روايته الاُخرى الموثّقة(2) ، مع أنّ الناظر فيهما يرى أ نّهما رواية واحدة نقلتا بالمعنى لحكاية قضيّة واحدة ، نعم ترك في الثانية ذيل الاُولى ، فلو كان النشّ موجباً لحرمته وعدم حلّيته بالتثليث ، كان عليه ذكره . إلاّ أن يقال بوقوع السقط في الثانية اشتباهاً ، أو

ص: 325


1- تقدّمت في الصفحة 304 و306 .
2- الكافي 6 : 425 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 290 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 3 .

بتوهّم الساباطي عدم الدخالة .

وأولى بالدلالة على عدم الدخالة ما لو كانت الموثّقة رواية مستقلّة اُخرى .

الإعضال الرابع : أ نّه قد ورد في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام

أ نّه قال : سألته عن نبيذ قد سكن غليانه ، قال : «كلّ مسكر حرام» .

وجه الإشكال : أ نّه قد دلّ الجواب - سيّما مع ترك الاستفصال - على أنّ مطلق الغليان في النبيذ يوجب إسكاره ؛ غلى بنفسه أو بالنار ، بل يدلّ على أنّ اندراجه في موضوع الجواب مفروغ عنه عند السائل ، وهو - مع مخالفته للوجدان ، وصريح رواية وفد اليمن - يشكل : بأ نّه لو كان الغليان موجباً لإسكاره ، لم يكن معنى لجعل ذهاب الثلثين محلّلاً ؛ فإنّ تسخين المسكر وتغليظه لا يزيل إسكاره(1) .

ثمّ أجاب عنه : بأنّ المراد من «الغليان» ما كان بنفسه ، فاندراجه تحت الكبرى لمّا كان مفروغاً عنه أجاب بما أجاب(2) .

وفيه : بعد إصلاح الرواية ؛ فإنّ صحيحة ابن مسلم ليست كما نقلها ، بل هي هكذا : محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن نبيذ سكن غليانه ، فقال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام»(3) .

وبعد تسليم اندراج مورد السؤال في موضوع الجواب ، بل مفروغيته لدى

ص: 326


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 19 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 22 .
3- الكافي 6 : 418 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 357 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 1 .

السائل ، والغضّ عن احتمال أنّ إلقاء الكبرى لأجل إفادة أنّ الحرمة دائرة مدار

السكر ، فإن كان ما وصفته مسكراً فهو حرام ، وإلاّ فلا ، كما في رواية وفد اليمن ، حيث إنّ فيها قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - بعد توصيفهم ما صنعوا - : «يا هذا ، قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟» قال : نعم ، فقال : «كلّ مسكر حرام»(1) .

أنّ مضمون الرواية غير مرتبط بدعواه التي من أجلها أسّس أساس المعضلات المتوهّمة ؛ أي مسكرية العصير إذا نشّ وغلى بنفسه ، لو لم نقل : إنّه ضدّها ، لا لأ نّها واردة في النبيذ ، وكلامنا في العصير ، بل لأنّ موضوع السؤال نبيذ سكن غليانه ، لا حدث فيه الغليان ، فلو فرض كون النبيذ الذي غلى بنفسه وبقي حتّى سكن غليانه مسكراً ، لم يثبت به مسكرية ما غلى في أوّل غليانه فيه ، فضلاً عن العصير .

بل يمكن أن يقال : إنّ عدم مسكرية ما غلى بنفسه مفروغ عنه لدى السائل ، وإنّما شبهته فيما سكن غليانه .

وهذه الصحيحة نظير جملة اُخرى من الروايات التي تمسّك بها لإثبات مدّعاه بعد عدّة مقالات ، كرواية إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه قال : كنت عند أبي جعفر علیه السلام فقلت : يا جارية ، اسقيني ماءً ، فقال لها : «اسقيه من نبيذي» فجاءت بنبيذ مَرِيس في قدح من صفر .

قلت : لكن أهل الكوفة لا يرضون بهذا ، قال : «فما نبيذهم ؟» قلت : يجعلون

ص: 327


1- الكافي 6 : 417 / 7 ؛ وسائل الشيعة 25 : 355 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 6 .

فيه القعوة ، قال : «وما القعوة ؟» قلت : الدازي ، قال : «وما الدازي ؟» قلت : ثفل التمر يفرى به الإناء حتّى يهدر النبيذ فيغلي ، ثمّ يسكن فيشرب ، قال : «ذاك حرام»(1) .

وقريب منها رواية إبراهيم بن أبي البلاد ، عن [ ابن] الرضا علیه السلام (2) .

وفي نسخة «مرآة العقول» : «ثمّ يسكر» بدل «ثمّ يسكن»(3) فعليها تدلّ الرواية على ضدّ مقصوده ، لمكان «ثمّ» .

وكصحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج قال : استأذنت لبعض أصحابنا على أبي عبداللّه علیه السلام فسأله عن النبيذ ، فقال : «حلال» .

فقال : إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر ، [فيغلي] ثمّ يسكن ، فقال

أبو عبداللّه علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام»(4) .

وفي نسخة «المرآة» : «فيغلي حتّى يسكر»(5) فعليها تدلّ على ضدّ مقصوده ؛ فإنّ الظاهر منها أ نّه يغلي إلى أن ينتهي إلى السكر ، فتدلّ على أنّ السكر بعد الغليان بمدّة .

وفي رواية وفد اليمن في وصف النبيذ : يؤخذ التمر فينبذ في إناء ، ثمّ يصبّ

ص: 328


1- الكافي 6 : 416 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 353 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 1 .
2- الكافي 6 : 416 / 5 ؛ وسائل الشيعة 25 : 354 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 3 .
3- مرآة العقول 22 : 277 / 4 .
4- الكافي 6 : 417 / 6 ؛ وسائل الشيعة 25 : 355 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 5 .
5- مرآة العقول 22 : 278 / 6 .

عليه الماء حتّى يمتلي ، ثمّ يوقد تحته حتّى ينطبخ ، فإذا انطبخ أخرجوه فألقوه

في إناء آخر ، ثمّ صبّوا عليه ماءً ، ثمّ مرس ، ثمّ صفّوه بثوب ، ثمّ اُلقي في إناء ، ثمّ صبّ عليه من عكر ما كان قبله ، ثمّ هدر وغلى ، ثمّ سكن على عكره ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «يا هذا ، قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟» قال : نعم ، فقال : «كلّ مسكر حرام»(1) .

وهذه الروايات - كما ترى - تدلّ على أنّ النبيذ بعد العلاج وإلقاء العكر فيه والغليان والسكون بعده ، صار مسكراً ، فتدلّ على أنّ الإسكار إنّما هو بعد تلك المقدّمات لا بمجرّده ، فتكون دالّة على ضدّ مقصوده .

ولو منعت دلالتها على ذلك فلا شبهة في عدم دلالتها - بل ولا إشعارها - بحصول السكر بمجرّد الغليان . لكن صاحب الرسالة لا يبالي بعدم الدلالة ؛ حتّى استدلّ بها على حصول السكر بمجرّده .

كما استدلّ عليه بروايات اُخر نظيرها في عدم الدلالة ، كذيل رواية إبراهيم في باب تحريم العصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ثمّ إنّ إبليس ذهب بعد وفاة آدم علیه السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة ، فجرى الماء في عودهما ببول عدوّ اللّه ، فمن ثمّ يختمر العنب والتمر ، فحرّم اللّه على ذرّية آدم كلّ مسكر ؛ لأنّ الماء جرى ببول عدوّ اللّه في النخلة والعنب ، وصار كلّ مختمر خمراً ؛ لأنّ الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدوّ اللّه»(2) .

ص: 329


1- تقدّمت تخريجها في الصفحة 327 .
2- الكافي 6 : 393 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 283 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .

واستشهد لإتمام الدلالة بقول ابن الأعرابي(1) : «سمّيت الخمر خمراً ؛ لأ نّها تركت واختمرت» ، قال : «واختمارها تغيّر ريحها»(2) .

أقول : أمّا الرواية فلا دلالة لها على منظوره بوجه ؛ فإنّ صيرورة الخمر حراماً لجريان بول عدوّ اللّه في عود النخلة والكرم ، وصيرورةَ كلّ مختمر خمراً لاختمار الماء فيهما من رائحة بوله ، لا تدلّ على أنّ العصير بمجرّد غليانه بنفسه صار مسكراً أو خمراً ، وأيّ ربط بين تلك الفقرات ودعواه ؟ !

إلاّ أن يقال : إنّ رائحة الخمر إذا كانت في شيء ، تكشف عن بول عدوّ اللّه واختماره ببوله . وهو حسن لمن أراد الدعابة والمزاح . مع أنّ موافقة رائحة الخمر لرائحة العصير إذا نشّ ، غير معلومة ، بل معلومة العدم .

وأمّا التشبّث بقول ابن الأعرابي وغيره من أئمّة اللغة(3) ، فمع الغضّ عن عدم حجّية قولهم في غير المعاني اللغوية ، وذكر وجه التسمية غير داخل في فنّهم ، بل من قبيل الاجتهاد في أصل اللغة ، أنّ العبارة المنقولة عنه غير دالّة على أنّ كلّ

ما تغيّر ريحها تسمّى «خمراً» بل تدلّ على أنّ الخمر سمّيت بذلك لهذا الوجه ، والافتراق بينهما ظاهر لا يخفى .

وأمّا قوله : «اختمارها تغيّر ريحها» فإن أراد به الإخبار عن حقيقة كيمياوية ، فهو غير مسموع منه ؛ لعدم كونه داخلاً في فنّه . إلاّ أن يدّعي التجربة ، وهي كما ترى .

ص: 330


1- اُنظر الصحاح 2 : 649 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 51 .
3- راجع الصحاح 2 : 649 ؛ المصباح المنير 1 : 182 ؛ تاج العروس 3 : 188 .

هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر من تلك العبارة أنّ الخمر سمّيت «خمراً» لأ نّها - أي الخمر - تركت واختمرت وتغيّرت حالها ، لا أنّ العصير إذا ترك وتغيّر حاله يصير خمراً ويسمّى بها ، فلعلّ مراده أنّ وجه تسمية الخمر أ نّها إذا تركت تتغيّر في ريحها . وتأويل كلامه بما يرجع إلى ما أراد المستدلّ - بلا حجّة - لا داعي له .

واستدلّ أيضاً (1) بما دلّ على حرمة ما تغيّر من العصير وغيره إذا نشّ وغلى بنفسه(2) . وأمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بإهراق ما تغيّر ونشّ(3) . والأمرِ بغسل الإناء الذي ينبذ فيه لكيلا يغتلم(4) . وبروايات النهي عن الانتباذ في جملة من الأواني ، أو مطلق استعمالها ، كالدباء والمزَّفَت والحَنْتَم والنَقير(5) .

وأنت خبير بما في الاستدلال بها لإثبات مسكرية ما غلى بنفسه من الوهن ؛ بعد التأمّل فيما مرّ ، والتمييز بين المسألتين المتقدّمتين ؛ أي مسألة حرمة ما نشّ

وغلى والاختلاف في غايتها ، ومسألة نجاسة العصير المغليّ التي تفرّد بالتفصيل فيها ابن حمزة كما مرّ(6) ، ومع جعل ذلك نصب عينيك ، تهتدي إلى أنّ ما تمسّك

ص: 331


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 50 - 63 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 283 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .
3- دعائم الإسلام 2 : 128 / 444 .
4- الكافي 6 : 415 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 352 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 22 ، الحديث 5 .
5- وسائل الشيعة 25 : 357 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 25 .
6- تقدّم في الصفحة 304 .

به لمدّعاه من الأخبار وكلمات الأصحاب ، إمّا مخالف لمذهبه ، أو غير مربوط به ، إلاّ بعض إشعارات في بعض الكلمات .

ولو كان الوقت متّسعاً ، والحال مقتضياً ، والمسألة مهمّة ، لسردت عليك موارد خلطه حتّى لا تغترّ بعباراته ودعاويه ، واتّضح لك وهن اعتراضاته على أئمّة الفقه ومهرة الفنّ ، واللّه العاصم .

فاتّضح ممّا مرّ عدم قيام دليل على نجاسته مطلقاً ؛ لا ما غلى بنفسه ، ولا ما غلى بغيره .

حول المراد بالاشتداد

ثمّ إنّ «الاشتداد» الواقع في كلام جملة من الأصحاب - كالمحقّق والعلاّمة(1) - إن كان المراد منه الإسكار فالتعبير ب- «الإلحاق بالمسكر» غير مناسب .

وإن كان المراد الثخانة والخثورة ، فلا دليل على اعتباره إلاّ ما احتمله الشيخ

الأعظم : «من أنّ عمدة الدليل على النجاسة لمّا كانت الموثّقة المتقدّمة المختصّة بما بعد الثخونة المحسوسة ، وفتوى المشهور المتيقّن منها ذلك ، كان الاقتصار في مخالفة الأصل عليها أولى ؛ وإن كان الإطلاق لا يخلو من قوّة»(2) انتهى .

وهو غير وجيه ؛ فإنّه على فرض كون المستند هو الموثّقة ، لا يظهر منها الاختصاص ، بل الظاهر منها ولو بالقرائن الداخلية والخارجية هو الإطلاق .

ص: 332


1- المعتبر 1 : 424 ؛ منتهى المطلب 3 : 219 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 172 .

مضافاً إلى أنّ في كونها مستندهم إشكالاً ؛ بعد كونها في مقام بيان الحكم الظاهري كما مرّ(1) ، وبعد ما قيل : «من عدم معهودية التمسّك بها إلى زمان الأسترآبادي»(2) .

ولو قيل باستنادهم إلى مثل الرضوي المتقدّم(3) ، وصحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة(4) ، كان أولى ، ولم يظهر منهما الاختصاص :

أمّا الرضوي فظاهر .

وأمّا الصحيحة ، فلأنّ «البُخْتُج» صادق على أوّل مراتب الطبخ الحاصل بالغليان . ويحتمل أن يكون المراد به الاشتداد في الغليان وإن كان بعيداً بل غير وجيه .

وكيف كان : فبعد بطلان أصل الدعوى ، لا داعي للبحث في متفرّعاتها وقيودها .

ص: 333


1- تقدّم في الصفحة 295 - 296 .
2- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 123 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 39 .
3- تقدّم في الصفحة 302 .
4- تقدّمت في الصفحة 298 .
في طهارة عصير الزبيب

وأمّا عصير الزبيب ، فلا ينبغي الإشكال في طهارته ، وإن قلنا بنجاسة عصير العنب . بل في «الحدائق» : «الظاهر أ نّه لا خلاف في طهارته وعدم نجاسته بالغليان ؛ فإنّي لم أقف على قائل بالنجاسة هنا»(1) . وحكي ذلك عن «الذخيرة» أيضاً (2) .

لكن يظهر من بعضهم وجود قول بها (3) ، بل عن أطعمة «مجمع البرهان» : «أ نّه يظهر من «الذكرى» اختيار نجاسة عصير التمر والزبيب»(4) .

لكن في «مفتاح الكرامة» ليس لذلك في «الذكرى» عين ولا أثر ، قال : «وفي «الذكرى» - بعد أن نسب الحكم بالنجاسة إلى ابن حمزة والمحقّق في «المعتبر» ، وذكر أنّ المصنّف تردّد في «النهاية» - قال : ولم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة(5) . نعم اختار في «الألفية» النجاسة(6)»(7) انتهى .

أقول : ولم أرَ في «الوسيلة» و«المعتبر» ما نسب إليهما . إلاّ أن يقال : إنّ العصير شامل للأقسام ، وهو غير ظاهر ، سيّما بعد معروفية اختصاصه عند

ص: 334


1- الحدائق الناضرة 5 : 125 .
2- ذخيرة المعاد : 155 / السطر 3 .
3- جامع المقاصد 1 : 162 ؛ روض الجنان 1 : 439 ؛ الدرّة النجفية : 50 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 203 .
5- ذكرى الشيعة 1 : 115 .
6- راجع رسائل الشهيد الأوّل ، الألفية : 166 .
7- مفتاح الكرامة 2 : 31 .

الإطلاق بالعنبي وتسميةِ غيره بأسماء اُخر .

وكيف كان : فالأصل فيه الطهارة إلى قيام دليل على نجاسته .

التمسّك بالاستصحاب لإثبات النجاسة وجوابه

وربّما يتمسّك لنجاسته - بعد البناء على نجاسة العصير العنبي المغليّ - بالاستصحاب التعليقي تارة ، وبالتنجيزي اُخرى ؛ وهو استصحاب سببية غليانه للحرمة والنجاسة ، أو استصحاب ملازمته لهما (1) .

أقول : إنّ ظواهر الأدلّة المستدلّ بها لنجاسة العصير مختلفة ، ويختلف حال الاستصحاب حسب اختلاف المستند ، فإنّ ظاهر موثّقة معاوية بن عمّار(2) ، وصحيحة عمر بن يزيد(3) ، جعل الحكم التنجيزي للعصير المطبوخ ؛ لأنّ موضوع

السؤال فيهما البُخْتُج ؛ وهو العصير المطبوخ ، فقد نزّله في الموثّقة منزلة الخمر في الآثار فرضاً ، ومنها النجاسة ، فكأ نّه قال : «البُخْتُج حرام ونجس» وكذا الحال

في الصحيحة ، فإنّ الحكم فيها أيضاً تنجيزي لا تعليقي .

وأمّا ظاهر مرسلة محمّد بن الهيثم(4) ، وخبر «فقه الرضا»(5) ، بل خبر أبي بصير(6) ، المستدلّ بكلّ منها عليها ، فهو إنشاء قضايا تعليقية ؛ أي «إذا

ص: 335


1- المصابيح في الفقه : 193 (مخطوط) .
2- تقدّمت في الصفحة 294 .
3- تقدّمت في الصفحة 298 .
4- تقدّمت في الصفحة 318 .
5- تقدّم في الصفحة 319 .
6- عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام وسئل عن الطلاء فقال : «إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان ويبقى واحد فهو حلال ، وما كان دون ذلك فليس فيه خير» . الكافي 6 : 420 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 6 .

تغيّر العصير وغلى فلا خير فيه» أو «إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه

النار فهو خمر» فإنّ المستفاد من مثلهما جعل حكم على العصير معلّقاً على الغليان .

ولا يرجع ذلك إلى الحكم التنجيزي مطلقاً ؛ لا في الجعل ، ولا في الاعتبار ، ولا في الواقع ، لا قبل حصول المعلّق عليه ، ولا بعده ؛ لاختلاف موضوعهما اعتباراً وواقعاً ، وكذا حكمهما ؛ لأنّ المجعول في القضايا التنجيزية - أي مفاد الطائفة الاُولى - هو الحكم الفعلي المنجّز على موضوع مقيّد ؛ أي العصير المغليّ ولو تحليلاً ؛ فإنّ البُخْتُج هو العصير المغليّ أو المطبوخ ، وفي القضايا التعليقية

يكون الموضوع ذات العصير ، والغليان واسطةً ومعلّقاً عليه الحكم ، وهو أمر تعليقي يتوقّف فعليته على حصول المعلّق عليه .

فقبل حصول المعلّق عليه وبعده ، لا يفترق الموضوع ولا الحكم المجعول ؛ فإنّ القضيّة لا تنقلب عمّا هي عليها ؛ حصل المعلّق عليه ، أو لم يحصل .

نعم ، بعد حصول المعلّق عليه يصير الحكم فعلياً منجّزاً على العبد ، وحجّة عليه ، لا بانقلاب القضيّة التعليقية إلى التنجيزية ، أو انقلاب موضوعها إلى موضوع آخر ؛ فإنّه غير معقول ، فالموضوع في القضيّة التعليقية هو العصير - لا العصير المغليّ - ولو بعد حصول المعلّق عليه ، فالغليان ليس قيداً له في وعاء من الأوعية .

ص: 336

وما قرع الأسماع : «من أنّ الجهات التعليلية ترجع إلى التقي-يدية»(1) ، إنّما هو في القضايا العقلية ، لا القضايا العرفية والظواهر اللفظية ، وهو ظاهر لدى التأمّل .

ثمّ إنّ الظاهر من القضايا التعليقية ؛ هو جعل الحكم على الموضوع على تقدير وجود المعلّق عليه ، ففي المقام جعل النجاسة والحرمة على تقدير وجود الغليان ، وينتزع منه سببية الغليان لهما ، أو ملازمتهما معه .

لا أقول : لا يمكن جعل السببية أو الملازمة ثبوتاً ، بل أقول : إنّ الظاهر منها في مقام الإثبات جعل الحكم ، لا جعل السببية أو الملازمة ، فهما منتزعتان من جعل الحكم عقلاً ، لا مجعولتان شرعاً .

إذا عرفت ذلك فاعلم : أ نّه إن قلنا : بأنّ النجاسة في العصير العنبي مستفادة من القضيّة التعليقية ، فإن قلنا : بأنّ المستفاد منها هو سببية الغليان لها ، أو ملازمته

لها ، فاستصحابهما وإن كان تنجيزياً ، والسببية والملازمة شرعية ، لكن تحقّق المسبّب بتحقّق سببه - وكذا تحقّق الملازم بتحقّق صاحبه - عقلي ، فاستصحاب السببية المجعولة لعصير العنب ، لا يثبت نجاسة عصير الزبيب المغليّ إلاّ بالأصل المثبت ، وكذا استصحاب الملازمة ، فصِرف كون السببية أو الملازمة شرعية ، لا يوجب التخلّص من المثبتية .

وإن قلنا : بأنّ المستفاد منها الحكم التعليقي ، فيجري استصحابه من غير شبهة المثبتية ؛ لأنّ حصول الحكم بحصول المعلّق عليه شرعي ، فكأنّ الشارع المقدّس قال : «تعبَّدْ بأ نّه إذا وجد غليان عصير الزبيب ، وجدت النجاسة» أو

ص: 337


1- نهاية الدراية 2 : 131 ؛ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 387 ؛ مناهج الوصول 1 : 323 .

«تعبَّدْ بوجودها عند وجوده» فلا إشكال من هذه الجهة .

وكذا لو قلنا : بأنّ السببية الشرعية ليست على مثابة السببية التكوينية ، بل ترجع إلى التعبّد بوجود المسبّب عند وجود سببه ، يكون استصحابها كاستصحاب الحكم التعليقي جارياً .

في الإشكالات الواردة على الاستصحاب التعليقي

لكن قد يستشكل في الاستصحاب :

تارة : بعدم بقاء الموضوع ؛ فإنّ «العنب» و«الزبيب» عنوانان مختلفان عرفاً وعقلاً ، وكذا مصاديقهما ، ولهذا لا يمكن التمسّك بدليل حكم العنب على حكم الزبيب(1) .

وفيه : أنّ المعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة مع القضيّة المشكوك فيها ، لا وحدة المستصحب مع موضوع الدليل الاجتهادي ، ولمّا كان الزبيب في الخارج مسبوقاً بالعنبية ، فحين كان عنباً يقال : «هذا الموجود في الخارج إذا غلى عصيره ينجس ويحرم» وذلك بالاستنتاج من كبرى كلّية اجتهادية ، وصغرى وجدانية .

فموضوع القضيّة المتيقّنة فيه ليس عنوان «العنب» الكلّي ، بل الموجود الخارجي المشار إليه ؛ لانطباق الكبرى عليه ، فإذا جفّ رطوبته لم يصر موجوداً آخر ؛ وإن صدق عليه عنوان آخر ، وسلب عنه عنوانه الأوّلي ، فالرطوبة

ص: 338


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 223 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 173 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 209 .

واليبوسة فيه نظير الكبر والصغر والمرض والصحّة في الشخص الخارجي ، حيث بقيت شخصيته عرفاً وعقلاً مع تبادل العناوين والعوارض عليه ، فموضوع القضيّة المتيقّنة باقٍ مع العلم بعدم بقاء موضوع الدليل الاجتهادي .

واُخرى : بأنّ الحكم التعليقي والتقديري ليس بشيء ، ولا بدّ في الاستصحاب من ثبوت حكم وضعي أو تكليفي أو موضوع ذي حكم ، والشكّ في بقائه(1) .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الحكم التكليفي أو الوضعي المشروط ، أمر مجعول محقّق في وعائه ، وليس معدوماً ولا شيء - أ نّه لا يشترط في الاستصحاب كون المستصحب أمراً موجوداً ، بل ما يعتبر فيه هو فعليةُ الشكّ واليقين ، لا فعلية المتيقّن والمشكوك فيه ، وكونُ المتعلّق ذا أثر قابل للتعبّد في زمان الشكّ .

فلو تعلّق اليقين بعدم شيء ، وكان له أثر في زمان الشكّ ، يجري الاستصحاب بلا شبهة ، فضلاً عن المقام ؛ فإنّ اليقين متعلّق بقضيّة شرعية هي «أ نّه إذا نشّ العصير أو غلى يحرم» أو «إذا أصابته النار فهو خمر» وشكّ في بقائها بعد انطباقها على العنب الخارجي لأجل صيرورته زبيباً ، والتعبّد به ذو أثر في زمان الشكّ ، وهو الحكم بالنجاسة والحرمة إذا تحقّق الغليان .

وأمّا ما قيل : بأنّ معنى الاستصحاب التعليقي ؛ هو الشكّ في بقاء الحكم المرتّب على موضوع مركّب من جزءين عند فرض وجود أحد جزءيه ، وتبدّل بعض حالاته قبل فرض وجود الجزء الآخر .

ثمّ استشكل على الاستصحاب التعليقي تارة : بأنّ الحكم المرتّب على

ص: 339


1- اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 222 ؛ المناهل : 652 / السطر 31 .

الموضوع المركّب ، إنّما يكون وجوده وتقرّره بوجود الموضوع بما له من الأجزاء والشرائط ؛ لأنّ الموضوع كالعلّة للحكم ، ولا يعقل تقدّم الحكم عليه ، فلا معنى لاستصحاب ما لا وجود له .

وتارة : بأ نّه ليس للجزء الموجود من المركّب أثر إلاّ إذا انضمّ إليه الغليان ، وهذا ممّا لا شكّ فيه ، فلا معنى لاستصحابه .

وتارة : بأنّ هذه القضيّة التعليقية عقلية ؛ لأ نّها لازم جعل الحكم على الموضوع المركّب(1) .

فلا ينبغي أن يصغى إليه ؛ بعد خلطه بين القضايا التعليقية التي موضوعها نفس العناوين ، وحكمها تعليقي ، والمعلّق عليه واسطة في ثبوت الحكم للموضوع ، وبين القضايا التنجيزية التي موضوعها أمر مركّب من جزءين ؛ أي العصير ، والغليان ، وهو مبنى إشكاله الأوّل .

وأعجب منه إشكاله الثاني ، فإنّ ما لا شكّ فيه هو عصير العنب إذا ضمّ إليه الغليان ، لا عصير الزبيب .

وأعجب من ذلك إشكاله الثالث ، حيث أرجع القضايا التعليقية الواردة في الشرع إلى القضايا التنجيزية المركّبة الموضوع ، ثمّ قال : «إنّ القضيّة التعليقية لازمة عقلاً لجعل الحكم على الموضوع المركّب» .

وثالثة: بأنّ الاستصحاب التعليقي معارض دائماً باستصحاب تنجيزي(2)؛ فإنّ

ص: 340


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 463 - 469 .
2- المناهل : 653 / السطر 2 ؛ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 223 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 174 ؛ نهاية النهاية 2 : 203 .

العصير الزبيبي المغليّ ، كما هو محكوم بالنجاسة والحرمة للاستصحاب التعليقي

وبعد حصول المعلّق عليه، كذلك محكوم بالطهارة والحلّية الثابتتين له قبل الغليان.

فأجابوا عنه : بحكومة الأصل التعليقي السببي على التنجيزي المسبّبي ، وذكروا في وجهها ما لا يخلو من مناقشة أو مناقشات(1) .

والتحقيق في تقريرها أن يقال : إنّ الاستصحاب التعليقي جارٍ بلحاظ حال قبل الغليان ، والمستصحب فيه هو القضيّة التعليقية ، فإذا شكّ في بقائها يستصحب ، وأمّا مفاد القضيّة المستصحبة فهو : أنّ هذا العصير إذا غلى ينجس ويحرم ، وبعد حصول الغليان وضمّ الوجدان إلى القضيّة المستصحبة تصير النتيجة : أنّ هذا العصير نجس وحرام ، لا أنّ العصير المشكوك في نجاسته أو حرمته كذا ؛ لأنّ الاستصحاب لم يجرِ في المغليّ المشكوك فيه ، بل يجري في التعليقي بلحاظ قبل الغليان ، فيحرز الدليل الاجتهادي في ظرفه .

وأمّا استصحاب الحلّ والطهارة ، فإنّما يجري في العصير المغليّ المشكوك في حلّيته وطهارته .

فالدليل الاجتهادي المستصحب لسانه نجاسة هذا العصير إذا غلى ، وبعد الغليان ينتج نجاسة هذا العصير من غير قيد الشكّ ، ولسان استصحاب الحلّ والطهارة الجاري في المغليّ : أنّ المشكوك فيه طاهر وحلال ، فالأوّل بلسانه مقدّم على الثاني .

وهذا هو السرّ في تقدّم الأصل السببي على المسبّبي في جميع الموارد ، مثلاً

ص: 341


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 223 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 174 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 473 - 477 .

إذا شكّ في نجاسة الثوب المغسول بما شكّ في كرّيته ، فاستصحاب الكرّية ينقّح موضوع الدليل الاجتهادي تعبّداً ، فينطبق عليه الدليل الاجتهادي ؛ أي أنّ الكرّ مطهّر لما أصابه وغسل فيه ، وليس مفاده : إذا شككت فيما غسل فيه فهو طاهر ، بخلاف مفاد استصحاب نجاسة الثوب ، فإنّ مفاده : إذا شكّ في نجاسته فهو باقٍ عليها ، فمفاد الأوّل بعد تطبيق الدليل : أنّ هذا طاهر ، ومفاد الثاني : إذا شكّ في

نجاسته فهو نجس .

وإن شئت قلت : إنّ استصحاب الكرّية في المثال ، لا يعارض استصحاب النجاسة ؛ لتعدّد موضوعهما ، وإنّما التعارض بين مفاد الدليل الاجتهادي المنطبق على المستصحب تعبّداً بعد ضمّ الوجدان ، وبين مفاد استصحاب نجاسة الثوب ، والأوّل مقدّم بلسانه على الثاني وحاكم عليه ؛ ولو كان تنقيحه ببركة التعبّد ببقاء الكرّية بالاستصحاب ، وكذا الحال في المقام ، فتدبّر واغتنم .

ورابعة : بأنّ الحكم إنّما تعلّق بالعصير ، لا بالعنب حتّى يقال ببقاء الموضوع . وهذا الإشكال يقرّر بوجهين :

أحدهما : أنّ موضوع الدليل الاجتهادي عصير العنب لا نفسه ، وهو غير باقٍ ؛ فإنّ الزبيب لمّا كان مسبوقاً بالعنبية صحّ أن يقال : «إنّ هذا الموجود كان كذا ، والآن كما كان» لكن عصيره لم يكن مسبوقاً بعصيرية العنب حتّى يجيء فيه ما ذكر ، فإسراء الحكم من عصير العنب إلى عصيره ، إسراء له من موضوع إلى موضوع مباين له في المفهوم والحقيقة والوجود(1) .

ص: 342


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 472 - 473 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 119 .

وفيه : أ نّه بعد فرض تعلّق الحكم بعصير العنب ، يصحّ أن يقال عليه : «إنّ عصير هذا الموجود إذا غلى يحرم وينجس» فإذا يبس وصار زبيباً يقال : «إنّ هذا الموجود كان عصيره كذا ، والآن كما كان» .

وثانيهما : أ نّه ليس للزبيب عصير ، فإنّ العنب بعد جفاف ما في جوفه من الماء صار زبيباً ، وما بقي فيه هو الجرم اللزج ، وهو ليس بعصير جزماً ، وموضوع الحكم في العنب هو عصيره لا نفسه ، فإذا صار زبيباً لا يبقى فيه ماء يعتصر ويغلي ، والماء الخارجي الذي يراق فيه لإخراج حلاوته غير العصير العنبي جزماً ، فالقضيّة المتيقّنة غير القضيّة المشكوك فيها يقيناً (1) .

وهذا الإشكال متين ، وهو الجواب عن الاستصحاب التعليقي .

هذا كلّه إذا كان المستند للنجاسة والحرمة هو القضايا التعليقية .

وأمّا إذا كان المستند لهما القضايا التنجيزية ، كقوله : «البُخْتُج خمر» أو «لا تشرب البُخْتُج من يد مستحلّ المسكر» فعدم جريان الاستصحاب واضح ؛ لأنّ الحكم التنجيزي على الموضوع المقيّد ، لا يتحقّق إلاّ بعد تحقّق موضوعه بجميع قيوده ، وقبله لا وجود له ولو بنحو الاعتبار في الخارج حتّى يشكّ في بقائه ويستصحب .

وتوهّم إجراء الاستصحاب التعليقي بتقريب : أنّ العنب كان إذا انضمّ إليه الغليان محكوماً بالحرمة والنجاسة ، فإذا صار زبيباً يستصحب الحكم التعليقي ، فاسد ؛ فإنّ هذا التعليق عقلي لا شرعي ؛ لأنّ المفروض أ نّه ليس للشارع إلاّ

ص: 343


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 173 - 174 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 209 - 210 .

حكم تنجيزي على العصير المغليّ ، فالحكم التعليقي غير مجعول ، بل من اللوازم العقلية ، وفي مثله لا يجري الاستصحاب .

مضافاً إلى ورود الإشكال الأخير - أي عدم بقاء الموضوع - عليه أيضاً .

فتحصّل ممّا ذكر عدم جريان الأصل ، وعدم الدليل على نجاسة العصير الزبيبي .

ودعوى صدق «العصير» عليه قد مرّ جوابها (1) .

هذا كلّه على فرض تسليم نجاسة عصير العنب ، وإلاّ فقد عرفت عدم نجاسته(2) ، فضلاً عن نجاسة عصير الزبيب .

في حلّية عصير الزبيب

ثمّ إنّه لا بأس بصرف الكلام إلى حكم عصير الزبيب من جهة الحرمة - وإن كان خارجاً عن محطّ البحث - لكونه محلاًّ للابتلاء .

فنقول : المشهور كما في «الحدائق» حلّيته(3) . بل في طهارة شيخنا الأعظم عن جماعة دعوى الشهرة عليه(4) . بل عن «الرياض» : «كادت تكون إجماعية»(5) .

وهي مقتضى الأصل السالم عن المعارض :

أمّا الاستصحاب فقد عرفت الكلام فيه . وأمّا غيره :

ص: 344


1- تقدّم في الصفحة 334 .
2- تقدّم في الصفحة 337 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 152 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 174 .
5- رياض المسائل 12 : 206 .
حول التمسّك برواية زيد النرسي للحرمة

فعمدة المستند للحرمة رواية زيد النرْسي في أصله قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام

عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر ، ثمّ يصبّ عليه الماء ، ويوقد تحته ، فقال : «لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ، ويبقى الثلث ؛ فإنّ النار قد أصابته» .

قلت : فالزبيب كما هو في القدر ، ويصبّ عليه الماء ، ثمّ يطبخ ويصفّى عنه الماء ، فقال : «كذلك هو سواء ، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء ، فصار حلواً بمنزلة العصير ، ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم ، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فسد»(1) .

ص: 345


1- أصل زيد النرسي : 58 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 38 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
تحقيق في حجّية أصل زيد النرسي
حول محاولة العلاّمة الطباطبائي

وقد حاول العلاّمة الطباطبائي تصحيح سندها تبعاً للمجلسي رحمه الله علیه (1) واستند في ذلك :

تارة : على قول النجاشي : «له كتاب يرويه عنه جماعة» قال : «أخبرنا أحمد بن علي بن نوح السِيرافي ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد الصفواني ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي بكتابه»(2) .

وعلى نصّ الشيخ رواية ابن أبي عمير كتابه(3) . وعن «البحار» وغيره طريق إليه بتوسّط ابن أبي عمير(4) .

قال : «وروايته لهذا الأصل تدلّ على صحّته واعتباره والوثوق بمن رواه ؛ فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث وكتب الرجال ، بلوغه الغاية في الثقة والعدالة والورع والضبط ، والتحذّر عن التخليط ، والرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، ولهذا ترى أنّ

ص: 346


1- بحار الأنوار 1 : 43 .
2- رجال النجاشي : 174 / 460 .
3- الفهرست ، الطوسي : 130 / 299 .
4- بحار الأنوار 1 : 43 ؛ تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 79 ؛ الفهرست ، الطوسي : 130 / 299 .

الأصحاب يسكنون إلى روايته ، ويعتمدون على مراسيله ، وقد ذكر الشيخ في «العدّة» : «أ نّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عمّن يوثق به»(1) ، وهذا توثيق عامّ لمن روى عنه ، ولا معارض له هاهنا» .

ثمّ ذكر إجماع الكَشّي على تصحيح ما يصحّ عنه(2) ، وأجال القلم حوله(3) .

واُخرى : على قول الشيخ : «له أصل»(4) قال : «وعدّ النَرْسي من أصحاب الاُصول ، وتسمية كتابه «أصلاً» ممّا يشهد بحسن حاله واعتبار كتابه ؛ فإنّ «الأصل» في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر ، وليس بمعنى مطلق الكتاب ، فإنّه قد يجعل مقابلاً له فيقال : له كتاب ، وله أصل» .

ثمّ حكى الكلام المنقول عن المفيد - طاب ثراه - ب- «إنّه صنّفت الإمامية من

عهد أمير المؤمنين علیه السلام إلى عهد أبي محمّد الحسن بن علي العسكري علیه السلام

أربعمائة كتاب تسمّى : الاُصول . قال : وهذا معنى قولهم : له أصل(5) .

ومعلوم أنّ مصنّفات الإمامية فيما ذكر من المدّة ، تزيد على ذلك بكثير ، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال ، فالأصل أخصّ من الكتاب .

ولا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر وإن لم يكن معتمداً ، فإنّه

ص: 347


1- العدّة في اُصول الفقه 1 : 154 .
2- اختيار معرفة الرجال : 556 / 1050 .
3- الفوائد الرجالية ، بحر العلوم 2 : 362 - 367 .
4- الفهرست ، الطوسي : 130 / 299 .
5- اُنظر معالم العلماء : 3 .

يؤخذ في كلام الأصحاب مدحاً لصاحبه ، ووجهاً للاعتماد على ما تضمّنه ، وربّما ضعّفوا الرواية لعدم وجدان متنها في شيء من الاُصول»(1) .

وثالثة : بسكوت ابن الغضائري عن الطعن فيه ، مع طعنه في جملة من المشايخ وأجلاّء الأصحاب ، حتّى قيل : «السالم من رجال الحديث من سلم منه» . بل قال : «زيد الزَرّاد وزيد النَرْسي : رويا عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال أبو جعفر بن بابويه : «إنّ كتابهما موضوع وضعه محمّد بن موسى السمّان» ، وغلط أبو جعفر في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمّد بن أبي عمير»(2) انتهى .

قال : «ولولا أنّ هذا الأصل من الاُصول المعتمدة المتلقّاة بالقبول بين الطائفة ، لما سلم من طعنه ومن غمزه ؛ على ما جرت به عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض»(3) .

ورابعة : بإخراج الكليني في جامعه «الكافي» الذي ذكر أ نّه قد جمع الآثار الصحيحة عن الصادقين علیهم السلام (4) روايتين عنه :

إحداهما : في باب التقبيل من كتاب الإيمان والكفر(5) .

وثانيتهما : في كتاب الصوم في باب صوم العاشوراء(6) .

ص: 348


1- الفوائد الرجالية ، بحر العلوم 2 : 367 .
2- الرجال ، ابن الغضائري : 61 - 62 / 52 و53 .
3- الفوائد الرجالية ، بحر العلوم 2 : 369 .
4- الكافي 1 : 8 .
5- الكافي 2 : 185 / 3 .
6- الكافي 4 : 147 / 6 .

وأخرج الشيخ عنه حديثاً في كتاب الوصايا من «التهذيب»(1) ، مع إيراده الرواية الأخيرة في كتابي الأخبار بإسناده عن الكليني(2) ، فلا تخلو الكتب الأربعة من أخباره(3) .

بل روى جعفر بن قولويه ، عن علي بن الحسين وغيره ، بسندهم عن النرسي(4) ، ومنه يعلم رواية علي بن بابويه والد الصدوق أصل النرسي . ويظهر منه أنّ أصل نسبة اعتقاد وضعهما إلى الصدوق تبعاً لشيخه ضعيف ، أو رجع عنه بعد ما ذكره في فهرسته(5) ، فإنّ والده - شيخ القمّي-ين وفقيههم وثقتهم والذي

خاطبه الإمام العسكري علیه السلام بقوله في توقيعه : «يا شيخي ومعتمدي . . .» - يروي الأصل المذكور ، وولده يعتقد كونه موضوعاً ؟ ! هذا ممّا لا ينبغي نسبته إليه(6) ، انتهى ملخّصاً .

وهو تفصيل ما أفاده المجلسي على ما حكي عنه تقريباً ، قال بعد نقل كلمات الجماعة في الأصلين وصاحبيهما : «أقول : وإن لم يوثّقهما أصحاب الرجال ، لكن أخذُ أكابر المحدّثين من كتابهما ، واعتمادهم عليهما حتّى الصدوق في «معاني الأخبار» وغيره ، ورواية ابن أبي عمير عنهما ، وعدّ

ص: 349


1- تهذيب الأحكام 9 : 228 / 896 .
2- تهذيب الأحكام 4 : 301 / 912 ؛ الاستبصار 2 : 135 / 443 .
3- إلى هنا تمّ كلام العلاّمة الطباطبائي ، وبقيّة الكلام من صاحب المستدرك . الفوائد الرجالية ، بحر العلوم 2 : 372 - 374 .
4- كامل الزيارات : 510 / 10 .
5- اُنظر الفهرست ، الطوسي : 130 / 299 .
6- خاتمة مستدرك الوسائل 1 :72 .

الشيخ كتابهما من الاُصول ، لعلّها تكفي لجواز الاعتماد عليهما»(1) انتهى ، ثمّ ذكر حال نسخته العتيقة .

التحقيق في أخبار أصحاب الإجماع وهو الجواب عمّا تشبّث به أوّلاً

أقول : لا بأس بصرف الكلام إلى حال ما تشبّثا به ، سيّما إجماع الكَشّي الذي هو العمدة في المقام وغيره من الموارد الكثيرة المبتلى بها .

فعن الكَشّي في حقّ فقهاء أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام : «اجتمعت

العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام

وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة . . .»(2) . ثمّ ساق أسماءهم .

وفي فقهاء أصحاب أبي عبداللّه علیه السلام : «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء ، وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه . . .»(3) . ثمّ ساق أسماءهم .

وفي فقهاء أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن علیهما السلام : «اجتمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء ، وتصديقهم ، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم . . .»(4) . ثمّ ذكر أسماءهم .

ويقع الكلام تارة : في المفهوم المراد من تلك العبارات .

ص: 350


1- بحار الأنوار 1 : 43 .
2- اختيار معرفة الرجال : 238 / 431 .
3- اختيار معرفة الرجال : 375 / 705 .
4- اختيار معرفة الرجال : 556 / 1050 .

واُخرى : حول كلمات الأصحاب ، وفهمهم المعنى المراد منها ، وحال دعوى تلقّيهم هذا الإجماع بالقبول .

المراد من تصديق أصحاب الإجماع وتصحيح ما يصحّ عنهم

أمّا الأوّل : ففيها احتمالات ، أظهرها أنّ المراد تصديقهم بما أخبروا عنه ،

وليس إخبارهم في الإخبار مع الواسطة إلاّ الإخبار عن قول الواسطة وتحديثه ، فإذا قال محمّد بن أبي عمير : «حدّثني زيد النَرْسي قال : حدّثني علي بن مَزْيَد قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام كذا» لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلاّ بتحديث زيد . وهذا فيما ورد في الطبقة الاُولى واضح .

وكذلك الحال في الطبقتين الأخيرتين ؛ أي الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم ؛ لأنّ ما يصحّ عنهم ليس متن الحديث في الإخبار مع الواسطة ؛ لو لم نقل مطلقاً . فحينئذٍ إن كان المراد من الموصول مطلق ما صحّ عنهم ، يكون لازمه قيام الإجماع على صحّة مطلق إخبارهم ؛ سواء كان مع الواسطة أو لا ، إلاّ أ نّه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقهم وتصحيح ما صحّ عنهم بالنسبة إلى الوسائط ، فلا بدّ من ملاحظة حالهم ووثاقتهم وعدمها .

وإن كان المراد منه متن الحديث بدعوى : أنّ الصحّة والضعف من صفات المتن ولو بلحاظ سنده ، فلازمه قيام الإجماع على تصحيح الإخبار بلا واسطة ؛ فإنّ ما يصحّ عنهم من المتن هو الذي أخبروا عن نفسه ، وأمّا الإخبار مع الواسطة فليس إخبارهم عن متنه ، بل عن تحديث الغير ذلك .

وإن شئت قلت : ما صحّ عنهم الذي يجب تصحيحه ، لا بدّ وأن يكون الإخبار

ص: 351

عن واقع حتّى يجوز فيه الصدق والكذب ، والتصحيح وعدمه ، فإذا قال ابن أبي عمير : «حدّثني النرسي قال : حدّثني علي بن مَزْيَد : قال الصادق علیه السلام

كذا» فما أخبر به ابن أبي عمير ويصحّ أن يكون كاذباً فيه وصادقاً ويمكن الحكم بصحّته والإجماع على تصحيحه ، هو إخباره بأنّ زيداً حدّثني ، وأمّا قول النرسي وعلي بن مَزْيَد وكذا قول الصادق علیه السلام فليس من إخباره ، ولهذا لو كان إخبار النرسي أو علي بن مَزْيَد كاذباً لا يكون ابن أبي عمير كاذباً ، وليس ذلك إلاّ لعدم إخباره به ، وصحّة سلبه عنه .

وهو واضح جدّاً ، فهل ترى من نفسك لزوم تصديق الجماعة حتّى فيما لا يقولون ، بل قالوا : «إنّا لم نقله» ؟ ! فإذا كذب علي بن مزيد مثلاً على الصادق علیه السلام ونقل ابن أبي عمير قوله ، ثمّ قيل له : «لِمَ كذبت على الصادق علیه السلام ؟» يصحّ له أن يقول : «إنّي لم أكذب عليه ، بل نقلت عن زيد ، وهو عن علي بن مزيد ، وهو كاذب ، لا أنا ، ولا زيد» وإنّما كرّرنا هذا الأمر الواضح لما هو مورد الاشتباه كثيراً .

فما قد يقال في ردّ هذا الاحتمال : «من أ نّه لا يخفى ما فيه من الركاكة ؛ خصوصاً بالنسبة إلى هؤلاء الأعلام ، ولو كان المراد ما ذكر اكتفي بقوله : «أجمعت العصابة على تصديقهم» بل هنا دقيقة اُخرى : وهي أنّ الصحّة والضعف من أوصاف متن الحديث ، تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند»(1) .

لا

يخفى ما فيه من الغفلة عن أنّ ذلك من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب ،

ص: 352


1- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 23 .

فإنّه يلزم منه عدم قيام الإجماع على تصديقهم في الإخبار مع الواسطة ؛ حتّى بالنسبة إلى تحديث الوسائط ، إلاّ بدعوى تنقيح المناط . نعم لازم تصديقهم وثاقتهم وصداقتهم في النقل ، وهو واضح .

وأمّا دعوى ركاكة دعوى الإجماع على صِرْف تصديقهم ، سيّما في هؤلاء العظماء ، ففيها أ نّه إذا قام الإجماع على تصديق هؤلاء ، فأيّة ركاكة في نقله ؟ ! كما لا ركاكة في نقل الإجماع على فقاهتهم والإقرار لهم بالعلم ، كما نقله أيضاً (1) .

ودعوى عدم اختصاص هذا الإجماع بهم(2) - بعد تسليمها - يمكن أن لا يكون عند الكَشّي ثابتاً في غيرهم .

هذا مضافاً إلى أنّ لزوم الركاكة في ظاهر لفظ ، لا يوجب جواز صرفه عن ظاهره ، وحمله على ما لا تلزم منه الركاكة كائناً ما كان .

وقوله : «لو كان المراد ذلك لاكتفى بقوله : «أجمعت العصابة على تصديقهم» .

فيه أوّلاً : اكتفى به في الطبقة الاُولى ، ومن في الطبقتين الأخيرتين ليسوا بأوثق وأورع ممّن في الاُولى ، ومن ذلك يمكن أن يقال : إنّ مراده في الجميع واحد ، وحيث لم يرد في الاُولى إلاّ تصديقهم وتوثيقهم لم يرد في غيرها إلاّ ذلك .

إلاّ أن يقال : إنّ الطبقة الاُولى لمّا لم يكن إخبارهم مع الواسطة ، لم يحتج إلى دعوى الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم ، وهو كذلك نوعاً . لكن دعوى

ص: 353


1- اختيار معرفة الرجال : 556 / 1050 .
2- اُنظر خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 25 .

الإجماع على تصديقهم لو كانت ركيكة ، كانت بالنسبة إليهم ركيكة أيضاً ، بل أشدّ ركاكة .

وثانياً : لنا أن نقول : لو كان المراد من العبارة ما ذكرتم من تصحيح الرواية مع توثيق من بعده ، لكان عليه أن يقول : «اجتمعت العصابة على وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء» أو نحو ذلك من العبارات ، حتّى لا يشتبه الأمر على الناظر ، وما الداعي إلى ذكر تلك العبارة التي هي ظاهرة في خلاف المقصود ؟ !

وربّما يقال : «إنّ بناء فقهاء أصحاب الأئمّة علیهم السلام نقل فتواهم بالرواية ، فكلّ ما روى أحد هؤلاء العظماء كان مضمونها فتواه ، فكما صحّ من أصحاب الإجماع التحديث بالمعنى الذي تقدّم ، صحّ منهم الفتوى على مضمون حديثه ، ومقتضى تصديقهم وتصحيح ما صحّ عنهم ، تصديق التحديث ومضمون الحديث جميعاً ، فيتمّ المطلوب»(1) .

وفيه : - بعد تسليم ذلك ، وبعد الغضّ عن أنّ ذلك الإجماع لو ثبت ، فإنّما قام على تصديقهم في النقل لا الفتوى ، كما هو الظاهر من معقده - أنّ ما ينتج لإتمام المطلوب إثبات أنّ كلّ ما رووا موافق لفتواهم ، وهو مقطوع البطلان ؛ ضرورة وجود رواية المتعارضين من شخص واحد في مرويّاتنا ، ورواية ما هو خلاف المذهب اُصولاً أو فروعاً فيها ممّا لا يمكن مطابقتها لفتواهم .

وأمّا إثبات كون فتواهم بنحو الرواية فلا ينتج المطلوب ، فإذا علمنا أنّ بعض ما روى ابن أبي عمير مطابق لفتواه ، لا ينتج ذلك لزوم الأخذ بجميع رواياته ،

ص: 354


1- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 60 .

وكذا لو علمنا أنّ كلّ ما أفتى به فهو بنحو الرواية . وهذا مغالطة نشأت من إيهام الانعكاس . مع أنّ في أصل الدعوى أيضاً كلاماً .

في وجه حجّية هذا الإجماع

ثمّ إنّهم ذكروا في وجه حجّية هذا الإجماع -

بعد عدم كونه بالمعنى المصطلح - أحد الأمرين :

الأوّل : اطّلاع العصابة على احتفاف جميع الأخبار التي هي منقولة بتوسّطهم بقرائن خارجية ، يوجب الاطّلاع عليها العلم بصحّة الخبر(1) .

وهذا غير ممكن عادة ؛ ضرورة عدم حصر تلك الأخبار ، وعدم إمكان اطّلاع جميع العصابة على القرائن الموجبة لكلّ ناظر في كلّ واحد من الأخبار التي لاتحصى ، فهذا محمّد بن مسلم أحد الجماعة ، روي عن الكَشّي ، عن حَريز ، عنه أ نّه قال : «ما شجر في رأيي [ شيء] قطّ إلاّ سألت عنه أبا جعفر علیه السلام حتّى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبداللّه علیه السلام عن ستّة عشر ألف حديث»(2) .

والظاهر أنّ أحاديث زرارة لم تقصر عنها ؛ لو لم تكن أزيد ، ومن المحال اطّلاع جميع الأصحاب على جميع ما روى هؤلاء مع اطّلاعهم على قرائن موجبة للقطع ، بل من المحال عادة احتفاف جميع أخبارهم بالقرائن الكذائية ، فهذا ليس وجه إجماعهم ، ولا ذاك وجه حجّيته .

الثاني : اطّلاعهم على جميع مشايخ هؤلاء ومن يروون عنهم مسنداً

ص: 355


1- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 21 .
2- اختيار معرفة الرجال : 163 / 276 .

ومرسلاً ، والعلم بوثاقة جميعهم ، فحكموا بصحّة أحاديثهم لأجل صحّة سندها إلى المعصوم علیه السلام (1) . هذا وجه إجماعهم ، ومنه يظهر وجه حجّيته .

وهو وإن كان دون الأوّل في البطلان ، لكنّه يتلوه فيه :

أمّا أوّلاً : فلأنّ اطّلاع جميع العصابة على جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة ومع الواسطة ، بعيد في الغاية ، بل غير ممكن عادة ، مع عدم تدوين كتب الحديث والرجال في تلك الأعصار ؛ بنحو يصل الكلّ إلى الكلّ ، وبُعْد وصول أخبار البلاد البعيدة بعضها إلى بعض . وتصوير تهيئة الأسباب جميعاً لجميعهم ، مجرّد تصوّر لا يمكن تصديقه .

وأمّا ثانياً : فلأنّ مشايخ الجماعة ومن يروون عنهم ، لم يكن كلّهم ثقاة ، بل فيهم من كان كاذباً وضّاعاً ضعيفاً لا يعتنى برواياته وبكتبه :

هذا ابن أبي عمير - وهو أشهر الطائفة في هذه الخاصّة - يروي عن يونس ابن ظَبْيان الذي قال النجاشي فيه - على ما حكي عنه - : «ضعيف جدّاً ، لا يلتفت إلى ما رواه ، كلّ كتبه تخليط»(2) . وعن ابن الغضائري : «أ نّه غالٍ وضّاع للحديث»(3) . وعن الفضل في بعض كتبه : «الكذّابون المشهورون : أبو الخطّاب ، ويونس بن ظبيان ، ويزيد الصائغ . . .»(4) إلى آخره .

وقد ورد فيه عن أبي الحسن الرضا علیه السلام اللعن البليغ(5) .

ص: 356


1- اُنظر خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 54 - 55 ، و5 : 127 .
2- رجال النجاشي : 448 / 1210 .
3- الرجال ، ابن الغضائري : 101 / 152 .
4- اُنظر اختيار معرفة الرجال : 546 / 1033 .
5- اختيار معرفة الرجال : 363 / 673 .

وعن عبداللّه بن القاسم الحضرمي ، الذي قال فيه ابن الغضائري : «ضعيف غالٍ متهافت»(1) . وقال النجاشي : «كذّاب غالٍ يروي عن الغلاة ، لا خير فيه ، ولا يعتدّ بروايته»(2) . وقريب منه بل أزيد عن «الخلاصة»(3) .

وعن علي بن أبي حمزة البطائني ، الذي قال فيه أبو الحسن علي بن الحسن ابن فضّال - على المحكيّ - : «علي بن أبي حمزة كذّاب متّهم ملعون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن من أوّله إلى آخره ، إلاّ أ نّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً»(4) .

نعم ، عن صاحب «المعالم» أنّ ذلك في حقّ ابنه الحسن بن علي بن أبي حمزة(5).

وعن ابن الغضائري : «أ نّه - لعنه اللّه - أصل الوقف ، وأشدّ الخلق عداوة

للمولى» يعني الرضا علیه السلام (6) .

ونقل عنه نفسه : قال لي أبو الحسن موسى علیه السلام : «إنّما أنت يا علي وأصحابك أشباه الحمير»(7) .

وروى الكَشّي روايات في ذمّه :

ص: 357


1- الرجال ، ابن الغضائري : 78 / 91 .
2- رجال النجاشي : 226 / 594 .
3- خلاصة الأقوال : 370 / 9 .
4- اُنظر اختيار معرفة الرجال : 404 / 756 .
5- التحرير الطاوسي : 354 .
6- الرجال ، ابن الغضائري : 83 / 107 .
7- اختيار معرفة الرجال : 404 / 757 .

منها : ما رواه بسنده عن يونس بن عبد الرحمان قال : «مات أبو الحسن وليس من قوّامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم موته ، وكان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار» .

ومنها : ما رواه بسنده عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام

حديثاً ، وفيه : وسمعته يقول في ابن أبي حمزة : «أما استبان لكم كذبه ؟ !» . . . إلى غير ذلك(1) .

والاعتذار بأنّ رواية ابن أبي عمير عنه كانت قبل وقفه ، غير مقبول ؛ لظهور ما

تقدّم وغيره في سوء حاله قبل الوقف ، وأنّ الوقف لأجل حطام الدنيا ، ولهذا لم يستحلّ علي بن الحسن بن فضّال أن يروي عنه رواية واحدة ، فلو كان قبل الوقف صحيح الرواية ، لم يستحلّ له ترك روايته ؛ بناءً على كون ذلك في حقّه كما عن ابن طاوس والعلاّمة(2) .

وعمل الطائفة برواياته لا يوجب توثيقه . مع أ نّه غير مسلّم بعد ما نقل عن المشهور عدم العمل بها (3) ، تأمّل .

وعن أبي جميلة الذي ضعّفه النجاشي(4) ، وقال ابن الغضائري والعلاّمة : «إنّه ضعيف كذّاب يصنع الحديث»(5) .

ص: 358


1- اختيار معرفة الرجال : 403 - 405 / 759 و760 و755 .
2- التحرير الطاوسي : 353 / 245 ؛ خلاصة الأقوال : 362 / 1 .
3- تنقيح المقال 2 : 262 / السطر 7 (أبواب العين) .
4- رجال النجاشي : 128 / 332 .
5- الرجال ، ابن الغضائري : 88 / 118 ؛ خلاصة الأقوال : 407 / 2 .

وعن علي بن حديد الذي قال الشيخ في محكيّ «الاستبصار» : «إنّه ضعيف جدّاً لا يعوّل على ما ينفرد بنقله»(1) . وضعّفه في محكيّ «التهذيب» أيضاً (2) .

وعن الحسين بن أحمد المِنْقَري الذي ضعّفه الشيخ والنجاشي والعلاّمة وغيرهم . . .(3) ، إلى غير ذلك(4) .

وأمّا نقله عن غير المعتمد والمجهول والمهمل ومن ضعّفه المتأخّرون -

أمثال محمّد بن ميمون التميمي(5) ، وهاشم بن حيّان(6) - فكثير يظهر للمتتبّع .

وأمّا صفوان بن يحيى ، فقد روى عن علي بن أبي حمزة ، وأبي جميلة المفضّل بن صالح المتقدّمين ، وعن محمّد بن سِنان الذي ضعّفوه(7) ، بل عن الفضل : «أ نّه من الكذّابين المشهورين»(8) وعن عبداللّه بن خِداش الذي قال فيه النجاشي : «ضعيف جدّاً»(9) . . . إلى غير ذلك .

وأمّا البَزَنْطي ، فروى عن أبي جميلة المتقدّم ، وأحمد بن زياد الخزّاز

ص: 359


1- الاستبصار 3 : 95 / 325 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 101 / 435 .
3- رجال الطوسي : 334 / 8 ؛ رجال النجاشي : 53 / 118 ؛ خلاصة الأقوال : 338 / 2 .
4- كأبي البختري وهب بن وهب الذي قال النجاشي فيه «كان كذّاباً» ، رجال النجاشي : 430 / 1155 ؛ وراجع تهذيب الأحكام 3 : 150 / 325 .
5- رجال النجاشي : 355 / 950 ؛ خلاصة الأقوال : 402 / 48 .
6- خلاصة الأقوال : 335 / 10 ؛ تنقيح المقال 3 : 287 / السطر 26 (أبواب الهاء) .
7- اختيار معرفة الرجال : 389 / 729 ؛ رجال النجاشي : 328 / 888 ؛ الفهرست ، الطوسي : 219 / 619 .
8- اختيار معرفة الرجال : 546 / 1033 ؛ خلاصة الأقوال : 394 / 17 .
9- رجال النجاشي : 228 / 604 .

الضعيف(1) ، والحسن بن علي بن أبي حمزة الضعيف المطعون ، فعن ابن الغضائري : «أ نّه واقفي ابن واقفي ، ضعيف في نفسه ، وأبوه أوثق منه . وقال الحسن بن علي بن فضّال : إنّي لأستحيي من اللّه أن أروي عن الحسن ابن علي»(2) .

وقد مرّ أنّ ما حكي عن ابن فضّال في علي بن أبي حمزة ذهب صاحب «المعالم» إلى أ نّه في ابنه الحسن . وحكى الكَشّي عن بعضهم : «أنّ الحسن ابن علي بن أبي حمزة كذّاب»(3) .

وأمّا الحسن بن محبوب ، فروى عن أبي الجارود الضعيف جدّاً ، الوارد فيه عن الصادق علیه السلام : «أ نّه كذّاب مكذّب كافر عليه لعنة اللّه»(4) . وعن محمّد ابن سِنان أ نّه قال : «أبو الجارود لم يمت حتّى شرب المسكر ، وتولّى الكافرين»(5) .

وعن صالح بن سهل الهمداني ، الذي قال ابن الغضائري فيه : «إنّه غالٍ كذّاب وضّاع للحديث ، روى عن أبي عبداللّه علیه السلام ، لا خير فيه ولا في سائر ما رواه»(6) وقد روي أ نّه قال باُلوهية الصادق علیه السلام (7) .

ص: 360


1- خلاصة الأقوال : 319 / 1 ؛ تنقيح المقال 1 : 62 / السطر 4 .
2- الرجال ، ابن الغضائري : 51 / 33 .
3- اختيار معرفة الرجال : 552 / 1042 .
4- اختيار معرفة الرجال : 230 / 416 .
5- الفهرست ، ابن النديم : 221 ؛ تنقيح المقال 1 : 460 / السطر 1 .
6- الرجال ، ابن الغضائري : 69 / 69 .
7- اختيار معرفة الرجال : 341 / 632 .

وعن عمرو بن شمر ، الذي قال فيه النجاشي : «إنّه ضعيف جدّاً ، زيّد أحاديث في كتب جابر الجعفي»(1) .

وغيرِهم ، كعبدالعزيز العبدي ، وأبي جميلة ، ومحمّد بن سِنان ، ومقاتل ابن سليمان من الضعاف والموصوفين بالوضع(2) ، فقد حكي أ نّه قيل لأبي حنيفة : «قدم مقاتل بن سليمان» قال : «إذن يجيئك بكذب كثير»(3) فويل لمن . . .(4) .

وأمّا يونس بن عبد الرحمان ، فقد روى عن صالح بن سهل ، وعمرو بن جميع(5) ، وأبي جميلة ، ومحمّد بن سِنان ، ومحمّد بن مصادف(6) . . . إلى غير ذلك من الضعفاء .

وكذا حال غيرهم ، كرواية ابن بُكير وابن مُسْكان عن محمّد بن مصادف ، وجميل وأبان بن عثمان عن صالح بن الحكم النيلي(7) . . . إلى غير ذلك .

وأمّا روايتهم عن المجاهيل وغير الموثّقين فإلى ما شاء اللّه .

وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن دعوى شيخ الطائفة ، قال في محكيّ «العدّة» :

«إذا كان أحد الراويين مسنِداً ، والآخر مرسِلاً ، نظر في حال المرسل ، فإن كان ممّن يعلم أ نّه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على

ص: 361


1- رجال النجاشي : 287 / 765 .
2- رجال النجاشي : 244 / 641 و : 128 / 332 و : 328 / 888 .
3- تنقيح المقال 3 : 244 / السطر 9 (أبواب الميم) .
4- إشارة إلى ما يقال : ويل لمن كفّره نمرود .
5- رجال النجاشي : 288 / 769 .
6- الرجال ، ابن الغضائري : 91 / 128 .
7- رجال النجاشي : 200 / 533 .

خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما رواه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر - وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأ نّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به - وبين ما يسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم»(1) انتهى .

فإنّ هذا الإجماع المدّعى معلّل ، ونحن إذا وجدنا خلاف ما وجدوا أو ادّعوا لا يمكننا التعويل على إجماعهم ، فضلاً عن دعواه .

وما قيل : من عدم منافاة خروج فرد أو فردين للظنّ بل الاطمئنان بالوثاقة(2) .

مدفوع : بأنّ الخارج كثير ، سيّما مع انضمام المجهول والمهمل إلى الضعيف ، ومعه كيف يمكن حصول الاطمئنان بذلك ؟ ! والظنّ لو حصل لا يغني من الحقّ شيئاً .

هذا مع عدم إحراز اتّكال أصحابنا على دعوى إجماع الكَشّي ، ولا على إجماع الشيخ .

دعوى اتّكال الأصحاب على إجماع الكشّي وجوابها

وقد يقال(3) : باتّكالهم على إجماع الكشّي ؛ فإنّ شيخ الطائفة قال في أوّل كتابه المختار من «رجال الكشّي» هذه العبارة :

«فإنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتاب «الرجال» لأبي عمرو محمّد بن

ص: 362


1- العدّة في اُصول الفقه 1 : 154 .
2- خاتمة مستدرك الوسائل 5 : 124 .
3- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 12 - 14 .

عمر بن عبدالعزيز الكشّي ، واخترت ما فيها»(1) انتهى .

بدعوى ظهورها أو صراحتها في أنّ ما في الكتاب مختاره ومرضيه .

وأيضاً : عبارته المتقدّمة المحكيّة عن «العدّة» إشارة إلى الإجماع المذكور .

وأيضاً : نقل الشهيد في «الروضة» عنه : «أنّ العصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عن عبداللّه بن بكير ، وأقرّوا له بالفقه والثقة»(2) .

وفيه : أنّ ما ذكر في أوّل الرجال لا إشعار فيه بكون ما فيه مختاره ؛ لو لم نقل بإشعاره بخلافه ، فضلاً عن الظهور أو الصراحة فيه ؛ فإنّ الضمير المؤنّث في قوله : «ما فيها» يرجع إلى الأخبار المذكورة قبله ، فيظهر منه أنّ مختاره بعض الأخبار التي اختصرها من كتابه ، وإلاّ لكان عليه أن يقول : «واخترناها» أو «اخترنا ما فيه» مع أنّ الاختيار في مقام التصنيف غير الارتضاء والاختيار بحسب الرأي ، كما هو ظاهر بعد التدبّر .

ثمّ إنّ «رجال الكشّي» - على ما يظهر من مختاره ومختصره - مشحون بالروايات والأحاديث ، وإنّما قال الشيخ : «إنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتابه» وظاهره الأخبار المصطلحة ، فأيّ ربط لهذا الكلام مع ما ذكر من اختياره لدعاوي الكشّي وسائر ما في الكتاب ؟ !

مع أنّ الضرورة قائمة على عدم كون جميع ما في الكتاب الذي اختصره من «كتاب الكشّي» مرضيّاً له ؛ فإنّ فيه روايات الطعن على زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وبُرَيْد بن معاوية من مشايخ أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام

ص: 363


1- اُنظر فرج المهموم : 130 - 131 .
2- الروضة البهيّة 3 : 361 .

وغيرهم ، وفيه الأخبار المتناقضة ، فهل يمكن أن تكون تلك الأخبار مختاراً له ؟ ! ولو كان كذلك لزم منه هدم إجماع الكشّي .

وأمّا عبارته المتقدّمة(1) ، فمفادها غير مفاد إجماع الكشّي ، على ما تقدّم مستقصىً مفاده(2) . إلاّ أن يقال : إنّه اتّكل على إجماعه ؛ ونقله بالمعنى ، وأخطأ في فهم المراد منه . وفيه ما فيه .

بل الظاهر عدم اعتماده على إجماع الكشّي ، وقد طعن على عبداللّه بن بكير بجواز وضعه الرواية والكذب على زرارة ؛ نصرةً لمذهبه ، في محكيّ كتاب الطلاق من «التهذيب» ، و«الاستبصار» ، قال - بعد ذكر روايته عن زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام في هدم كلّ طلاق ما قبله إذا تركت الزوجة حتّى تخرج العدّة ولو كان مائة مرّة - هذه العبارة : «هذه الرواية في طريقها ابن بكير ، وقد قدّمنا أ نّه قال حين سئل عن هذه المسألة : «هذا ممّا رزق اللّه من الرأي» ولو كان سمع ذلك لكان يقول : «نعم ، رواية زرارة» ويجوز أن يكون أسند إلى زرارة نصرةً لمذهبه لمّا رأى أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه . وقد وقع منه من اعتقاد الفطحية ما هو أعظم من ذلك»(3) انتهى .

وأنت خبير : بأنّ ما ذكره فيه لا يجتمع مع تصديقه إجماع الكشّي ؛ لما عرفت(4) أنّ لازم إجماعه وثاقة الجماعة ، أو مع من بعدهم على زعم بعضهم ،

ص: 364


1- تقدّمت في الصفحة 361 - 362 .
2- تقدّم في الصفحة 350 - 354 .
3- تهذيب الأحكام 8 : 35 ، ذيل الحديث 107 ؛ الاستبصار 3 : 276، ذيل الحديث 982 .
4- تقدّم في الصفحة 351 .

ولا يمكن دعوى احتفاف جميع رواياتهم بالقرائن الموجبة للاطمئنان أو القطع بالصدور سوى هذه الرواية من ابن بكير .

هذا مع ما يأتي من شواهد اُخر على عدم اعتماده على إجماعه .

وأمّا العبارة المحكيّة عن «الروضة»(1) - فمع عدم وجودها في كتب الشيخ ، كما قال بعض أهل التتبّع(2) ، واحتمال أن يكون النقل بالمعنى من العبارة المتقدّمة ؛ بزعم كونها إشارة إلى إجماع الكشّي ، أو زعم أنّ ما في مختصر الكشّي مختاره ومرضيّه ، ومنه دعوى الإجماع ، كما زعمها غيره(3) - فلا يمكن الاتّكال عليها في نسبة تصديق الإجماع إليه مع وجود الشواهد على خلافه ، كما مرّ ويأتي . هذا حال شيخ الطائفة .

وأمّا النجاشي - الذي هو أبو عُذْرة هذا الفنّ ، وسابق حلبته ، ومقدّم على الكلّ فيه - فلم ترَ منه إشارة ما إلى هذا الإجماع ، ولم يظهر منه أدنى اتّكال عليه ، مع شدّة حرصه على توضيح أحوال الرجال ، والفحص عن وثاقتهم ، وعنايته بنقل توثيق الثقات ، ولو كان هذا الإجماع صالحاً للاتّكال عليه لما غفل عنه ، بل لما خفي عليه إجماعهم مع تضلّعه وكثرة اطّلاعه ، وتقدّمه عليه في سعة الباع والإحاطة ، وقرب عهده منه ، فلو ثبت عنده ما ثبت عند الكشّي ، أو كان نقله معتمداً عنده ، لما صحّ منه التوقّف في أحد من الجماعة ورجالهم ، فضلاً عن تضعيف بعض رجالهم .

ص: 365


1- تقدّمت في الصفحة 363 .
2- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 14 .
3- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 12 .

فعدم التعرّض لهذا الإجماع ، وعدم توثيق بعض أصحابه ، كأبان بن عثمان وعبداللّه بن بكير(1) ، وتضعيف بعض رجالهم ، ورميه بالكذب والوضع كما تقدّم

منه(2) ، كاشف قطعي عن عدم ثبوت الإجماع عنده ، وعدم اعتنائه بنقل الكشّي ، لا لعدم اتّكاله على الإجماع المنقول بخبر الواحد ، بل لوجدان خلافه مع قربه منه ، وكان كتاب الكشّي موجوداً عنده .

قال في ترجمته : «محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّي أبو عمرو : كان ثقة عيناً ، وروى عن الضعفاء كثيراً - إلى أن قال - : له كتاب «الرجال» كثير العلم ، وفيه أغلاط كثيرة ، أخبرنا أحمد بن علي بن نوح وغيره ، عن جعفر بن محمّد ، عنه بكتابه»(3) انتهى .

سيّما مع تعرّضه في ترجمة ابن أبي عمير لسكون الأصحاب إلى مرسلاته ، فلو كان إجماعه ثابتاً ، أو كان متّكلاً عليه في ابن أبي عمير ، لأشار إليه في سائر

الرجال المشاركين له فيه ، قال في ترجمة ابن أبي عمير :

«وكان حبس في أيّام الرشيد - إلى أن قال - وقيل : «إنّ اُخته دفنت كتبه في

حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب» وقيل : «بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت» فحدّث من حفظه وممّا سلف له في أيدي الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله»(4) انتهى .

ص: 366


1- رجال النجاشي : 13 / 8 ، و : 222 / 581 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 356 - 361 .
3- رجال النجاشي : 372 / 1018 .
4- رجال النجاشي : 326 / 887 .

وهو واضح الدلالة على أنّ الأمر ليس كما ذكره الكشّي أو نسب إليه ، بل هذا خاصّة ابن أبي عمير عنده .

نعم ، صِرْف ضياع الكتب ليس موجباً لعملهم على مراسيله ؛ لو كان السكون بمعنى العمل والاعتماد ، وفيه كلام ، بل لا بدّ من علمهم أو ثقتهم بأ نّه لا يرسل إلاّ

عن ثقة ، وهو يدلّ على أنّ مرسلاته فقط مورد اعتماد أصحابنا ، دون غيرها .

بل المتيقّن منها ما إذا أسقط الواسطة ، ورفع الحديث إلى الإمام علیه السلام لا ما

ذكره بلفظ مبهم ك- «رجل» أو «بعض أصحابنا» وكون المرسلة في تلك الأزمنة أعمّ غير واضح عندي عجالةً ، ولا بدّ من الفحص والتحقيق .

فاتّضح بما ذكر : أنّ النجاشي لم يكن مبالياً بإجماع الكشّي ، وكان يرى سكون الأصحاب إلى خصوص مرسلات ابن أبي عمير ، دون مسنداته ، ولا بمرسلات غيره ومسنداته .

وكذا لم يظهر من ابن الغضائري المعاصر لشيخ الطائفة - بل له نحو شيخوخة وتقدّم عليه - أدنى اعتماد على ذلك الإجماع ، تأمّل .

وكذا المفيد وغيره ممّن هو في عصر الكشّي أو قريب منه . وقد ضعّف القمّيون يونس بن عبد الرحمان ، وطعنوا فيه(1) ، وبهذا يظهر المناقشة في دعوى إجماع شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة(2) . هذا حال تلك الأعصار .

وأمّا الأعصار المتأخّرة عنها التي اشتهر هذا الإجماع فيها ، وكلّما مضى الزمان قوى الاشتهار ، فلا حجّية في شهرتهم وإجماعهم ، لا في مثل المسألة ،

ص: 367


1- رجال الطوسي : 346 / 11 .
2- تقدّم في الصفحة 361 - 362 .

ولا في المسائل الفرعية ؛ لعدم شيء عندهم غير ما عندنا .

ومع ذلك فإنّ المحقّق اختلفت كلماته ، فربّما مال إلى حجّية مرسلات ابن أبي عمير ، أو قال بها (1) ، وربّما صرّح بعدمها ، فعن موضع من «المعتبر» قال : «الجواب : الطعن في السند ؛ لمكان الإرسال ، ولو قال قائل : مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب ، منعنا ذلك ؛ لأنّ في رجاله من طعن الأصحاب فيه ، فإذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم»(2) انتهى .

هذا بالنسبة إلى ابن أبي عمير ، فما حال مرسلات غيره ، كصفوان والبَزَنْطي ، فضلاً عن غيرهما ؟ !

وعنه في زكاة المستحقّين : «أنّ في أبان بن عثمان ضعفاً»(3) . وقريب منه عن العلاّمة والفخر والمقداد والشهيد(4) .

وعن الشهيد الثاني : «أنّ ظاهر كلام الأصحاب قبول مرسلات ابن أبي عمير ؛ لأجل إحراز أ نّه لا يرسل إلاّ عن ثقة ، ودون إثباته خرط القَتَاد ، وقد نازعهم صاحب «البشرى» في ذلك ؛ ومنع تلك الدعوى»(5) انتهى .

ومع كون العلاّمة اتّكل كثيراً على الإجماع المذكور(6) ، حكى عنه فخر الدين

ص: 368


1- المعتبر 1 : 47 .
2- المعتبر 1: 165 .
3- المعتبر 2 : 580 .
4- اُنظر تنقيح المقال 1 : 7 / السطر 17 ؛ منتهى المطلب 8 : 362 ؛ إيضاح الفوائد 4 : 631 ؛ التنقيح الرائع 1 : 324 ؛ غاية المراد 1 : 259 .
5- الرعاية في علم الدراية : 138 .
6- اُنظر خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 16 ؛ خلاصة الأقوال : 74 / 3 ، و : 107 / 24 .

قال : «سألت والدي عن أبان بن عثمان قال : الأقرب عدم قبول روايته ؛ لقوله تعالى : )إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ . . .((1) الآية ، ولا فسق أعظم من عدم الإيمان»(2) .

وردّ ابن طاوس رواية ابن بكير(3) ، وضعّفه المحقّق والفاضل المقداد والشهيد ، وطعنوا في روايات هو في سندها لأجله(4) . ويظهر من ابن طاوس نحو تردّد في جميل بن درّاج(5) . والاختلاف في الأسدي والمرادي معروف(6) .

ولم يتعرّض النجاشي لمعروف بن خَرَّبوذ ، ولم يوثّقه الشيخ(7) والعلاّمة ، وقال الثاني : «روى الكشّي فيه مدحاً وقدحاً»(8) . وقال ابن داود : «وثقته أصحّ»(9) ، وهو ظاهر أو مشعر بوجود الخلاف فيه .

وعن ابن داود في بُرَيد بن معاوية : «مدحه الكشّي ثمّ ذمّه ، ويقوى عندي أنّ ذمّه إنّما هو لإطباق العامّة على مدحه والثناء عليه، فساء ظنّ بعض أصحابنا به»(10)

ص: 369


1- الحجرات (49) : 6 .
2- ذكر ذلك الشهيد الثاني رحمه الله في تعليقته على الخلاصة . راجع رسائل الشهيد الثاني 2 : 911 .
3- التحرير الطاوسي : 561 .
4- المعتبر 1 : 210 ؛ التنقيح الرائع 1 : 105 ، و3 : 320 ؛ مسالك الأفهام 9 : 128 .
5- التحرير الطاوسي : 118 / 85 .
6- اختيار معرفة الرجال : 238 / 431 ؛ رسالة في أحوال أبي بصير ، ضمن الجوامع الفقهية : 64 .
7- رجال الطوسي : 311 / 644 .
8- خلاصة الأقوال : 278 / 10 .
9- رجال ابن داود : 190 / 1576 .
10- رجال ابن داود : 233 / 72 .

وهو ظاهر في أنّ الذامّ غير منحصر بالكشّي .

هذا حال أصحاب الإجماع ، وقد تقدّم حال جملة من رجالهم ومشايخهم ، وعليك بالفحص في حال سائرهم حتّى يتّضح لك حال إجماع الكشّي والشيخ . هذا شطر من الكلام في أوّل ما تشبّث به الطباطبائي في إصلاح حال النَرْسي وكتابه .

المراد من «الأصل» و«الكتاب» وهو الجواب عمّا تشبّث به ثانياً

وأمّا ما تشبّث به ثانياً من أ نّه ذو أصل(1) ، وهو في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر . . . إلى آخر ما تقدّم منه ، فهو ينحلّ إلى دعويين ، أو دعاوٍ ثلاث إن حاول به إصلاح حال النرسي الراوي له :

الدعوى الاُولى : أنّ الأصل عبارة عن كتاب معتمد ، لا مطلق الكتاب .

ويرد عليها أوّلاً : أ نّه لا مستند له في ذلك من قول متقدّمي أصحابنا إلاّ قول المفيد المتقدّم(2) ؛ أي انحصار الاُصول بالأربعمائة ، مع كون الكتب أكثر من ذلك ، وأنت خبير بأنّ مجرّد ذلك لا يدلّ على مطلوبه ، بل يدلّ على أخصّية الأصل من الكتاب ، فيمكن أن يكون الأصل عبارة عن كتاب جامع لعدّة كتب يكون نسبته إليها كنسبة كتاب «الشرائع» إلى كتاب الطهارة والصلاة . . . إلى الديات ، فتكون تلك الكتب متفرّعة عن الكتاب الأصل ، وعددها أكثر من الأصل بكثير .

ص: 370


1- تقدّم في الصفحة 347 .
2- تقدّم في الصفحة 347 .

ويمكن أن يكون الأصل كتاباً غير مأخوذ من كتاب آخر من غير قيد الاعتماد فيه ، والكتاب أعمّ منه ، ولا دليل على أكثرية الكتب بلا واسطة من أربعمائة ، سيّما إذا قلنا : بأنّ الأصل عبارة عن مجموع كتب غير مأخوذ من آخر ؛ أي أخذنا فيه القيدين ، وسيجيء احتمال أقرب منها ، فانتظر(1) . وبالجملة دليله أعمّ .

وثانياً : يظهر من التصفّح في كتب الرجال خلاف ما أفاده ؛ لأنّ جعل الاصطلاح - على فرضه - لا يمكن أن يكون لمحض التفنّن لغواً - والعياذ باللّه

- سيّما من مثل هؤلاء الأعاظم ، بل لا بدّ أن يكون لتمييز من تأخّر منهم الكتبَ المعتمدة من غيرها ، فحينئذٍ كان عليهم التصريح به في كتبهم الموضوعة في الرجال والحديث ، مع عدم نقله منهم ، وعدم تصريح أو إشارة إليه فيها ، وإلاّ لما اختلفت كلمة المتأخّرين في معنى الأصل هذا الاختلاف ، ولكان عليهم عدّ جميع الكتب التي بهذه الخاصّية أصلاً .

مع أ نّه خلاف ما نجد في الفهارس وكتب الرجال ؛ لعدم إطلاقهم «الأصل» على كتب أصحاب الإجماع في جميع الطبقات غير «كتاب جميل بن درّاج» فإنّ الشيخ قال : «له أصل»(2) وأثبت النجاشي له كتاباً وأصلاً(3) ، وغي-ر أبان بن عثمان ، فأثبت الشيخ له أصلاً(4) ، وقال النجاشي : «له كتاب»(5) .

ص: 371


1- يأتي في الصفحة 380 - 381 .
2- الفهرست ، الطوسي : 94 / 154 .
3- رجال النجاشي : 126 / 328 .
4- الفهرست ، الطوسي : 59 / 62 .
5- رجال النجاشي : 13 / 8 .

وكذا لا يطلقون «الأصل» على نوع كتب أصحاب الأئمّة أكابرهم وغيرهم ، وإنّما أطلق النجاشي على كتب معدودة منهم لعلّها لم تتجاوز عدد الأصابع(1) .

والشيخ وإن أطلقه على كتب جمع منهم كثيراً نسبةً ، لكن نسبته إلى ما لا يطلق عليه - بل اُطلق «الكتاب» عليه - كنسبة القطرة إلى البحر ، فممّن لم يذكر له أصل من كبار أصحاب الأئمّة - غير من تقدّم من أصحاب الإجماع - أبو بصير ليث المرادي ، والحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيّوب ، وعثمان ابن عيسى - وهؤلاء من أصحاب الإجماع على نقل بعضهم(2) - وجعفر بن بشير ، وصفوان الجمّال ، وعبد الرحمان بن الحجّاج ، وعبّاس بن معروف ، وعبد الرحمان بن أبي نجران ، وعبداللّه بن سِنان ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، وعلي بن الحسن بن فضّال ، ومحمّد الحلبي ، وعبيداللّه الحلبي ، وعمّار بن موسى الساباطي ، وعلي بن النعمان ، والحسن بن موسى الخشّاب ، وحَريز بن عبداللّه ، وسعد بن سعد ، وعلي بن يقطين ، والصفّار ، والحِمْيري . . . إلى

غير ذلك من المشايخ وأصحاب الكتب المتعدّدة والاُصول المعوّل عليها ممّن يطول ذكرهم ، كثعلبة بن ميمون ، ومعاوية بن وهب ، ومعاوية بن عمّار ، ومعاوية ابن حكيم ، والحسين بن سعيد ، وسعد بن عبداللّه وغيرهم .

فهل ترى من نفسك أنّ هؤلاء المشايخ اصطلحوا على أنّ الأصل الكتاب المعتمد ، ثمّ لم يعدّوا كتب جميع المشايخ والأصحاب - مع كونها معتمدة - في الاُصول إلاّ نادراً منها ، فما عذر هذا الإغراء بالجهل ؟ !

ص: 372


1- رجال النجاشي : 51 / 113 ، و : 104 / 260 و261 ، و : 106 / 267 .
2- اختيار معرفة الرجال : 238 / 431 ، و : 556 / 1050 .

وثالثاً : ربّما اُطلق «الأصل» على كتب غير معتمدة من قوم ضعاف بتصريح منهم :

كالحسن بن صالح بن حيّ . قال الشيخ : «إنّه زيدي ، إليه تنسب الصالحية منهم»(1) ، وعن «التهذيب» : «أ نّه زيدي بتري ، متروك العمل بما يختصّ بروايته»(2) ، ومع ذلك قال في «الفهرست» : «الحسن الرباطي له أصل ، والحسن بن صالح بن حيّ له أصل»(3) ، والرباطي أيضاً غير موثّق ، و«سعيد الأعرج له أصل»(4) . وقال العلاّمة : «لا حجّة في روايته»(5) .

وزكريّا بن مؤمن عدّه الشيخ في ترجمة أحمد بن الحسين المفلّس من صاحب الاُصول(6) ، وقال النجاشي : «حكي عنه ما يدلّ على أ نّه كان واقفاً ، وكان مختلط الأمر في حديثه»(7) .

وقال الشيخ في أحمد بن عمر الحلاّل : «إنّه كوفي رديء الأصل ثقة»(8) . وتوقّف العلاّمة في قبول روايته لقوله هذا (9) .

ص: 373


1- رجال الطوسي : 130 / 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 408 ، ذيل الحديث 1282 .
3- الفهرست ، الطوسي : 100 / 175 و176 .
4- الفهرست، الطوسي : 137 / 2 .
5- مختلف الشيعة 8 : 347 .
6- رجال الطوسي : 409 / 26 .
7- رجال النجاشي : 172 / 453 .
8- رجال الطوسي : 352 / 19 .
9- خلاصة الأقوال : 62 / 4 .

والغرض من ذكره : أنّ الأصل لو كان بحسب اصطلاحهم الكتاب المعتمد ، لم يتوقّف العلاّمة في ذلك ، بل كان يحمل «رديء الأصل» على محامل اُخر .

وأثبت الشيخ الأصل لجماعة اُخر من الضعاف ، أو غير الموثّقين ، كعلي بن أبي حمزة ، وسفيان بن صالح(1) ، وعلي بن بُزُرْج(2) ، وشهاب بن عبد ربّه(3) ، وعبداللّه بن سليمان(4) ، وسعدان بن مسلم ، وزيد الزرّاد ، وزيد النَرْسي ، وإبراهيم ابن عمر اليماني ، وإبراهيم بن يحيى(5) . . . إلى غير ذلك ممّن يطلع عليه المتتبّع ، فهل تكون كتب تلك الجماعة المتقدّمة غير معتبرة عندهم ، دون هذه الجماعة من الضعفاء والمردودين ، أو اصطلحوا على أمر ، وخالفوه في غالب الموارد ؟ !

اللهمّ لا ، ولكن . . .

وأيضاً : بعض تعابيرهم تشعر أو تدلّ على خلاف هذه الدعوى ، كقول الشيخ في الساباطي : «له أصل ، وكان فطحياً ، إلاّ أ نّه ثقة ، وأصله معتمد عليه»(6) .

وكالمحكيّ عن الشيخ البهائي في «مشرق الشمسين» في الاُمور الموجبة لحكم القدماء بصحّة الحديث : «منها : وجوده في كثير من الاُصول الأربعمائة المشهورة ، أو تكرّره في أصل أو أصلين منها بأسانيد مختلفة متعدّدة ، أو وجوده

ص: 374


1- الفهرست ، الطوسي : 161 / 418 ، و : 143 / 344 .
2- رجال الطوسي : 430 / 20 .
3- الفهرست ، الطوسي : 145 / 355 .
4- لم نعثر عليه في كتب الشيخ ، ولكنّ النجاشي أثبت «الأصل» له ، رجال النجاشي : 225 / 592 .
5- الفهرست ، الطوسي : 140 / 336 ، و : 130 / 300 و299 ، و : 43 / 20 ، و : 44 / 23 .
6- الفهرست ، الطوسي : 54 / 52 .

في أصل رجل واحد من أصحاب الإجماع»(1) انتهى .

ولو كان الأصل هو الكتاب المعتمد عليه ، لكان وجوده في أصل واحد من أيّ شخص موجباً للحكم بالصحّة ؛ وإن كان في كلام البهائي كلام من جهة اُخرى .

وكالمحكيّ عن «رواشح المحقّق الداماد» : «وليعلم : أنّ الأخذ من الاُصول المصحّحة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية»(2) .

وأنت خبير : بأنّ التقييد ب- «المصحّحة المعتمدة» مع كون الأصل الكتاب المعتمد ، بشيع مخلّ بالمقصود .

الدعوى الثانية : أنّ الأصل هو الكتاب الذي لم ينتزع من كتاب .

وفيها أوّلاً : - مضافاً إلى أ نّه على فرض صحّتها ، لا تنتج المدّعى إلاّ مع ضمّ الدعوى الاُولى إليها ، وقد عرفت ما فيها (3) - أ نّها مجرّد دعوى خالية عن البيّنة . وكون كتب أصحابنا أكثر من الاُصول المنحصرة بالأربعمائة ، أعمّ من مدّعاه ، كما مرّ في دعواه الاُولى(4) .

وقد يقال : إنّ الأصل بمعناه اللغوي ، وهو مقابل الفرع ، فإن كان الكتاب مأخوذاً من كتاب آخر يكون ذلك فرع ما اُخذ منه ، وهو أصله(5) .

ص: 375


1- مشرق الشمسين : 26 - 27 .
2- الرواشح السماوية : 161 .
3- تقدّم في الصفحة 370 .
4- تقدّم في الصفحة 370 .
5- مقباس الهداية 3 : 26 ؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 : 125 .

وفيه : - مضافاً إلى أ نّه أيضاً دعوى بلا بيّنة ، والتمسّك بأصالة عدم النقل كما ترى - أ نّه أعمّ من المدّعى ؛ لصحّة أن يقال لكتاب كبير مشتمل على كتب كثيرة - ككتاب الشرائع المشتمل على عدّة كتب - : «إنّ هذه فروع ، وذاك أصل» .

بل يصحّ إطلاق «الأصل» حقيقةً على كتاب مشتمل على أخبار اُصول الدين والمذهب ، ككتاب التوحيد والإمامة ، مقابل كتب الفروع .

كما يصحّ إطلاق «الأصل» أو «الاُصول» على مطلق كتب الأخبار في مقابل كتب الفروع المستنبطة منها ، كالكتب الفقهية ، كما يظهر من البهائي(1) .

وثانياً : أنّ المحدّثين أطلقوا «الأصل» على كتاب منتزع من كتب آخر : قال الشيخ البهائي في «الوجيزة» - بعد ذكر الاُصول الأربعمائة - : «ثمّ تصدّى جماعة من المتأخّرين - شكر اللّه سعيهم - لجمع تلك الكتب وترتيبها تقليلاً للانتشار ، وتسهيلاً على طالبي تلك الأخبار ، فأ لّفوا كتباً مبسوطة مبوّبة ، واُصولاً مضبوطة مهذّبة ، مشتملة على الأسانيد المتّصلة بأصحاب العصمة سلام اللّه عليهم ، ك- «الكافي» وكتاب «من لا يحضره الفقيه» و«التهذيب» و«الاستبصار» و«مدينة العلم» و«الخصال» و«الأمالي» و«عيون أخبار الرضا» وغيرها ، والاُصول الأربعة الاُوَل هي التي عليها المدار في هذه الأعصار» .

إلى أن قال : «فجمعت في كتاب «الحبل المتين» خلاصة ما تضمّنه الاُصول الأربعة من الأحاديث الصحاح والحسان والموثّقات التي منها تستنبط اُمّهات الأحكام الفقهية ، وإليها تردّ مهمّات المطالب الفرعية»(2) انتهى .

ص: 376


1- الوجيزة ، ضمن الحبل المتين : 6 / السطر 27 .
2- نفس المصدر .

وظاهره أنّ الاُصول عبارة عن كتب الأخبار مطلقاً ، مقابل الفروع التي هي الكتب المشتملة على ما يستنبط منها مثل الكتب الفقهية .

وقد تكرّر من المحدّث الكاشاني إطلاق «الاُصول» على الكتب الأربعة في مقدّمات «الوافي»(1) . وقال المحدّث المجلسي في أوّل «مرآة العقول» : «إنّ «الكافي» أضبط الاُصول وأجمعها»(2) . وعن السيّد الجزائري : «أنّ هذه الاُصول الأربعة لم تستوفِ الأحكام»(3) .

وقال شيخ الطائفة في ترجمة أحمد بن محمّد بن زيد : «إنّه لم يروِ عنهم» وقال : «روى عنه حُمَيْد اُصولاً كثيرة»(4) .

وعدّ أحمد بن محمّد بن عمّار في باب من لم يروِ عنهم(5) ، ومع ذلك قال في «الفهرست» : «إنّه كثير الحديث والاُصول ، وصنّف كتباً . . . وعن الحسين بن عبيداللّه : أ نّه مات سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة»(6) .

وعدّ علي بن بُزُرْج ممّن لم يروِ عنهم ، وقال : «روى عنه حُمَيْد كتباً كثيرة من الاُصول»(7) .

ومن البعيد جدّاً -

لو لم نقل : مقطوع الخلاف - أن تكون تلك الاُصول الكثيرة

ص: 377


1- الوافي 1 : 4 و28 و29 .
2- مرآة العقول 1 : 3 .
3- اُنظر الحدائق الناضرة 1 : 25 .
4- رجال الطوسي : 408 / 23 .
5- رجال الطوسي : 416 / 98 .
6- الفهرست ، الطوسي : 75 / 88 .
7- رجال الطوسي : 430 / 20 .

من الجماعة ، رواياتٍ بلا واسطة ، أو مع الواسطة سماعاً ، لا من كتاب مدوّن

قبلهم ، مع شدّة حرص أصحابنا على ضبط أخبار الأئمّة علیهم السلام وكتابتها .

واحتمال أن لا تكون تلك الاُصول من الجماعة بل من غيرهم ، في غاية البعد ، بل كخلاف الصريح في مثل قوله : «كثير الحديث والاُصول» .

مضافاً إلى أنّ عدمَ إنهاء الكتب والاُصول إلى صاحبها والروايةَ عن الواسطة ، خلاف المعهود بينهم والمتعارف ، كما لا يخفى ، وعليه يمكن الاستدلال لضدّ مطلوبهم بكلّ من كان كذلك ، ك- [ عبيداللّه بن] أحمد بن نَهِيك وعلي بن إبراهيم الخيّاط وغيرهما ممّن لم يرووا عنهم ، وروي عنهم اُصول أو أصل(1) .

فتحصّل من جميع ما تقدّم : عدم وجاهة دعوييه ، بل دعاويه الثلاث لو حاول إثبات وثاقة النرسي أو حسنه .

تحقيق في المراد من الأصل

ثمّ بعد ما لم يثبت كون الأصل في اصطلاح متقدّمي أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد المعوّل عليه أو ثبت خلافه ، لا نتيجة معتدّ بها في التحقيق عن مرادهم من «كون الرجل ذا أصل» أو «له اُصول» لكن لمّا بلغ الكلام إلى هذا المجال ، لا بأس بالإشارة إلى احتمالين منقدحين في ذهني القاصر :

أحدهما : الذي انقدح في ذهني لأجل بعض التعبيرات والقرائن ؛ من أ نّه عبارة عن كتاب معدّ لتدوين ما هو مرتبط باُصول الدين أو المذهب ، كالإمامة والعصمة والبداء والرجعة وبطلان الجبر والتفويض . . . إلى غير ذلك من المطالب الكثيرة

ص: 378


1- رجال الطوسي : 430 / 19 و21 ، و : 408 / 21 و24 .

الأصلية التي كان التصنيف فيها متعارفاً في تلك الأزمنة ، كما يظهر من الفهارس

والتراجم ، والكتاب أعمّ منه .

والذي أوقعني في هذا الاحتمال إثباتهم الأصل لكثير من أصحابنا المتكلّمين ، كهشام بن الحكم وهشام بن سالم وجميل بن درّاج وسعيد ابن غزوان الذي يظهر من ترجمته أ نّه أيضاً منهم(1) ؛ روى الكشّي بإسناده عن جعفر بن حكيم الخَثْعَمي قال : «اجتمع هشام بن سالم وهشام بن الحكم وجميل بن درّاج وعبد الرحمان بن الحجّاج ومحمّد بن حُمْران وسعيد بن غزوان ونحو من خمسة عشر رجلاً من أصحابنا ، فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التوحيد وصفة اللّه عزّ وجلّ ؛ لينظروا أيّهما أقوى»(2) .

ويؤيّد هذا الاحتمال قول الشيخ في «الفهرست» في ترجمة أبي منصور الصرّام : «إنّه من جملة المتكلّمين من أهل نيسابور ، وكان رئيساً مقدّماً ، وله كتب

كثيرة : منها كتاب في الاُصول سمّاه : بيان الدين»(3) .

وقال في ترجمة هشام بن الحكم : «له مباحث كثيرة مع المخالفين في الاُصول وغيرها ، وله أصل»(4) .

وعن منتجب الدين في ترجمة أبي الخير بركة بن محمّد : «أ نّه فقيه ديّن ، قرأ

ص: 379


1- راجع الفهرست، الطوسي: 257 / 782، و 258 / 783، و: 94 / 154، و: 138 / 324.
2- اختيار معرفة الرجال : 279 / 500 .
3- الفهرست ، الطوسي : 277 / 876 .
4- الفهرست ، الطوسي : 258 / 783 .

على شيخنا أبي جعفر الطوسي ، وله كتاب «حقائق الإيمان» في الاُصول وكتاب «الحجج» في الإمامة(1) . . . إلى غير ذلك من التعبيرات .

ثانيهما : ثمّ عدلت عن هذا الاحتمال ، وقوي في نفسي احتمال آخر لعلّ المنصف يجزم به بعد الفحص الأكيد ؛ وهو أنّ لأصحابنا - كما يظهر من كلماتهم - تعبيراتٍ عن مؤلّفات أصحاب الكتب ، فقد يعبّر عنها ب- «الكتاب» فيقال : «لفلان كتاب» أو «له كتب» وهو أكثر تداولاً وإطلاقاً .

وقد يعبّر ب- «الأصل» فيقال : «له أصل» أو «له اُصول» كما مرّ(2) ، وهو أقلّ تداولاً .

وقد يعبّر ب- «المصنَّف» فيقال : «له مصنّفات» أو «له من المصنّفات كتاب كذا» .

وقد يعبّر ب- «النوادر» وقد يقال : «له روايات» أو «أخبار» .

كما أنّ لأصحاب الأئمّة علیهم السلام ومن بعدهم وغيرهم كتباً مختلفة ؛ فربّما كان الكتاب ممحّضاً في نقل الرواية لا غيرها . وربّما كان لمقصد آخر ، كالتأريخ والأدب والرجال والتفسير وإثبات المعراج والرجعة والبداء . . . إلى غير ذلك ممّا شاع تصنيفها في تلك الأعصار ، كما يظهر بأدنى مراجعة إلى تراجمهم ، وتلك المصنّفات وإن عملت لأجل إثبات مقصد ، لكنّها كانت مشحونة بالآيات والروايات ، وكان مصنّفوها استشهدوا بها كثيراً .

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ الظاهر المقطوع به أنّ الكتاب أعمّ من المصنّفات والاُصول ، وهما قسمان منه ، وكلٌّ قسيم الآخر .

ص: 380


1- الفهرست ، منتجب الدين : 42 / 54 .
2- تقدّم في الصفحة 373 - 374 و378 .

والظاهر أنّ الأصل : عبارة عن كتاب معمول لنقل الحديث ؛ سواء كان مسموعاً عن الإمام علیه السلام بلا واسطة أو معها ، وسواء كان مأخوذاً من كتاب وأصل آخر أو لا . ولا يبعد أن يكون غالب استعماله فيما لم يؤخذ من كتاب آخر .

والمصنَّف : عبارة عن كتاب معمول لأجل مقصد ممّا تقدّم ؛ وإن اُطلق أحياناً على مطلق الكتاب .

والشاهد على ما ذكرناه ما عن الشيخ في «الفهرست» قال : «إنّي رأيت جماعة من أصحابنا من شيوخ طائفتنا من أصحاب التصانيف ، عملوا فهرست كتب أصحابنا ، وما صنّفوه من التصانيف ، ورووه من الاُصول ، فلم أجد أحداً استوفى ذلك إلاّ أحمد بن الحسين الغضائري ، فإنّه عمل كتابين ؛ أحدهما : ذكر فيه المصنّفات ، والآخر : فيه الاُصول»(1) انتهى .

وهذا - كما ترى - ظاهر الدلالة في أنّ الكتاب أعمّ من التصانيف والاُصول ، وهما متقابلان .

بل يمكن أن يقال : إنّ ظاهر قوله : «ما صنّفوه من التصانيف ، ورووه من الاُصول» أنّ كلمة «من» في الفقرتين بيانية ، فتدلّ على أنّ مطلق كتب الرواية أصل .

ويشهد له أيضاً ما قال في ترجمة أبان بن عثمان : «وما عرفت من مصنّفاته إلاّ كتابه الذي يجمع المبدأ والمبعث والمغازي والوفاة والسقيفة والردّة . . .» . ثمّ

ذكر طرقه إليه ، ثمّ أنهى طريقه إلى أصل له إلى محسن بن أحمد وابن أبي نصر(2) .

ص: 381


1- الفهرست ، الطوسي : 31 .
2- الفهرست ، الطوسي : 59 / 62 .

فترى كيف جعل المعروف من مصنّفاته منحصراً في كتابه الكذائي ، وأثبت له أصلاً ، وأنهى طريقه إليه . وفيه شهادة على مقابلة التصنيف بالأصل ، وعلى سنخ الكتب المصنّفة .

وعنه في ترجمة هشام بن الحكم : «كانت له مباحث كثيرة مع المخالفين في الاُصول وغيرها ، وكان له أصل أخبرنا به جماعة - إلى أن قال - وله من المصنّفات كتب كثيرة» ثمّ عدّ ثمانية وعشرين كتاباً (1) انتهى .

ومع الأسف ، ليس عندي «فهرست الشيخ» حتّى أنظر في تلك الكتب ، وإنّما أنقل عنه بواسطة . وعلى أيّ حال يظهر منه مقابلة المصنّف بالاُصول .

وعنه في ترجمة أحمد بن محمّد بن عمّار : «أ نّه كثير الحديث والاُصول ، وصنّف كتباً : منها كتاب «أخبار آل النبي وفضائلهم» و«إيمان أبي طالب علیه السلام » وكتاب «المبيِّضة»(2) وهي - على ما حكي - الفرقة المخالفة لبني العبّاس في البيعة والرأي(3) . وعدّ النجاشي من كتبه كتاب «الفلك» وكتاب «الممدوحين

والمذمومين»(4) ويظهر منه - مضافاً إلى التقابل بين المصنّف والأصل - سنخ المصنّفات .

وعن المفيد - بعد ذكر جماعة من الأصحاب - قال : «هم أصحاب الاُصول

ص: 382


1- اُنظر تنقيح المق-ال 3 : 294 / السطر 27 (أبواب الهاء) ؛ الفهرست ، الطوسي : 258 / 783 .
2- الفهرست ، الطوسي : 75 / 88 .
3- تنقيح المقال 1 : 89 / السطر 35 .
4- رجال النجاشي : 95 / 236 . والموجود فيه «العلل» بدل «الفلك» ولكنّ المتن مطابق للطبعة الحجرية منه .

المدوّنة والمصنّفات المشهورة»(1) .

وقال الشيخ الصدوق في «الفقيه» بعد ذكر جملة من الكتب : «ورسالة أبي—إليّ ، وغيرها من الاُصول والمصنّفات»(2) .

وقال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبيداللّه بن يحيى : «ذكره أصحابنا في المصنّفين ، وأنّ له كتاباً يصف فيه سيّدنا أبا محمّد علیه السلام »(3) . . . إلى غير ذلك . فاتّضح ممّا مرّ مقابلة المصنّف بالأصل .

ثمّ إنّك لو تصفّحت مليّاً ، تجد أنّ «التصنيف» يطلق غالباً في لسانهم على الكتاب الذي عمل لمقصد غير جمع الأخبار ؛ وإن ذكرت فيه استشهاداً بها مثل بيان الفروع ، ك- «كتاب علي بن الحسين» إلى ابنه ، أو لغير ذلك ، كالرجال والطبّ والنجوم وما يرتبط باُصول المذهب ونحوها ، فالكتاب أعمّ من الصنفين .

ثمّ لا يبعد أن يقال : إنّ سرّ عدم إطلاق «الأصل» على كتب من في الطبقة الاُولى من أصحاب الإجماع وأضرابهم - إلاّ ما استثني - عدم كونهم من المصنّفين ، وتعارف التصنيف في الطبقات المتأخّرة عنهم ، وإنّما اُطلق على كتاب أبان بن عثمان لكونه ذا تصنيف ، مضافاً إلى أ نّه ذو أصل(4) ، وكذا يظهر من ترجمة جميل بن درّاج أنّ له أصلاً ، وله كتاباً (5) .

ص: 383


1- جوابات أهل الموصل ، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 9 : 25 .
2- الفقيه 1 : 5 .
3- رجال النجاشي : 87 / 213 .
4- الفهرست ، الطوسي : 59 / 62 .
5- رجال النجاشي : 126 / 328 .

هذه جملة حول الأصل والكتاب ، وقد اتّضح عدم دلالة قولهم : «إنّ له أصلاً» على الاعتماد عليه أو على صاحبه ، فضلاً عن قولهم : «له كتاب» .

الجواب عمّا تشبّث به العلاّمة الطباطبائي ثالثاً

وأمّا ما تشبّث به ثالثاً لإصلاح حال زيد : من عدم طعن ابن الغضائري عليه(1) ، ففيه ما لا يخفى :

أمّا تغليطه الشيخ الصدوق ، فهو غير مرتبط بوثاقة النَرْسي أو صحّة أصله ، بل غايته أ نّه غير مجعول ، ولم يكذب محمّد بن موسى الهمداني على زيد النرسي ، ففي الحقيقة هو دفاع عن الهمداني .

وأمّا سكوته فلا يدلّ على شيء ، ولعلّه لم يطّلع على طعن فيه ، وكان عنده من المجاهيل ، وهو لا يكفي في الاعتماد عليه .

الجواب عمّا تشبّث به العلاّمة الطباطبائي رابعاً

وأمّا ما تشبّث به رابعاً : من عدم خلوّ الكتب الأربعة من أخبار «أصل النرسي»(2) فهو عجيب منه ؛ فإنّه لو لم يكن إلاّ هذا الأمر في سلب الوثوق عن أصله لكان كافياً ؛ لأنّ اقتصار المشايخ الثلاثة من روايات أصله على حديثين أو ثلاثة أحاديث ، دليل على عدم اعتمادهم على أصله من حيث هو أصله ، أو من حيث رواية ابن أبي عمير عنه ، فكانت لما نقلوا منه خصوصية خارجية ، وإلاّ

ص: 384


1- تقدّم في الصفحة 348 .
2- تقدّم في الصفحة 348 .

فلأيّ علّة تركوا جميع أصله ، واقتصروا على روايتين منه ، مع كون الأصل عندهم ، وبمرءى ومنظرهم ؟ !

بل لو ثبت أنّ كتاباً كان عندهم ، فتركوا الرواية عنه إلاّ واحدة أو اثنتين مثلاً ، صار ذلك موجباً لعدم الاكتفاء بتوثيق أصحاب الرجال صاحبه في جواز الأخذ بالكتاب . وهذا واضح جدّاً ، وموجب لرفع اليد عن كتاب النرسي جزماً .

بل تركهم الرواية عنه مع كون الراوي عنه ابن أبي عمير ، دليل على عدم تمامية ما قيل في شأن ابن أبي عمير : «من أ نّه لا يروي إلاّ عن ثقة»(1) تأمّل .

وبما ذكرنا في حال «أصل النرسي» يظهر الكلام في «أصل زيد الزرّاد» فإنّهما مشتركان غالباً فيما ذكر .

تتمّة الكلام فيما يرد على التمسّك برواية زيد النرسي

هذا كلّه مع عدم وصول النسخة التي عند المحدّث المجلسي إليه بسند يمكن الاتّكال عليه ؛ لجهالة منصور بن الحسن الآبي الذي كانت النسخة بخطّه مؤرّخة بأربع وسبعين وثلاثمائة(2) . وهو غير منصور بن الحسين الآبي الذي ترجمه منتجب الدين ، وقال : «فاضل عالم فقيه ، وله نظم حسن ، قرأ على شيخنا المحقّق أبي جعفر الطوسي»(3) انتهى ، لتأخّره عن كتابة النسخة عصراً بناءً على ما

ص: 385


1- العدّة في اُصول الفقه 1 : 154 .
2- بحار الأنوار 1 : 43 .
3- الفهرست ، منتجب الدين : 104 / 376 .

ترجمه ؛ وإن صرّح بعض بأ نّه معاصر الصاحب بن عبّاد(1) . مضافاً إلى اختلافهما في الأب .

هذا مع عدم ثبوت وثاقة الثاني أيضاً ، وعدم كفاية ما قال منتجب الدين فيها .

هذا مع ما حكي من اشتمال أصله على المناكير وما يخالف المذهب(2) ، تأمّل .

أضف إلى كلّ ذلك أنّ الرواية مغشوشة المتن ؛ فإنّ المحكيّ عن جملة من المشايخ - كسليمان بن عبداللّه البحراني رحمه الله علیه والوحيد البهبهاني وصاحب «البرهان»(3) والموجود في «الحدائق»(4) و«الجواهر»(5) و«طهارة شيخنا الأعظم»(6) - نقلها بغير المتن الذي نقله المجلسي(7) وتبعه جملة اُخرى من المشايخ(8) .

والعجب من بعض أهل التتبّع ! حيث رأى صراحة الرواية بذلك المتن على خلاف مدّعاه الذي قد فرغنا عن فساده ، فأخذ في الإشكال - بل الطعن - على

ص: 386


1- معجم البلدان 1 : 51 .
2- اُنظر قاموس الرجال 4 : 549 / 3041 .
3- اُنظر إفاضة القدير في أحكام العصير : 22 و24 ؛ البرهان القاطع 1 : 462 / السطر الأخير .
4- الحدائق الناضرة 5 : 158 .
5- جواهر الكلام 6 : 34 .
6- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 177 .
7- بحار الأنوار 76 : 177 .
8- كالعلاّمة الطباطبائي في المصابيح والمحقّق الكاظمي في الوسائل والعلاّمة النراقي في المستند . اُنظر إفاضة القدير في أحكام العصير : 24 ؛ مستند الشيعة 15 : 220 .

أكابر المشايخ ، فقال : «هذا الذي اتّفق من هؤلاء الأكابر ، أمر ينبغي الاسترجاع

عند تذكّر مثله ، والاستعاذة باللّه العاصم من الوقوع في شبهه»(1) .

ثمّ نقل الرواية على طبق رواية المجلسي من النسخة المتقدّمة ، وقد سبقه إلى

ذكر هذا الاختلاف المحدّث النوري في «مستدركه»(2) .

ثمّ ذكر موارد الاختلاف بين المتنين مسمّياً لما يخالف مذهبه ب- «التصحيف والزيادة الباطلة» .

ثمّ قال : «والذي نقلناه مطابق لجميع نسخ «أصل زيد» المصحّحة الموجودة في عصرنا المنتشرة في بلاد مختلفة» .

ثمّ قال بعد كلام : «وأوّل من عثرت عليه ممّن وقع في تلك الورطة الموحشة والهوّة المظلمة : الشيخ الفاضل المتبحّر الشيخ سليمان الماحوزي البحراني ، فتبعه من تبعه ممّن لا يراجع إلى «أصل زيد» ولا «البحار» كالذين سمّيناهم أوّلاً ، وسلم منه من راجعه أو «البحار» كالذين سمّيناهم أخيراً» .

ثمّ ذكر وصيّة الفاضل الهندي في آخ-ر «كشف اللثام» تتميماً لإشكاله وطعنه(3) .

أقول : لأحد أن يسترجع عند تذكّر مثله من مثله من إطالة اللسان على هؤلاء الأكابر من غير دليل وثيق على خطئهم ؛ فإنّ الشيخ الأجلّ أبا الحسن سليمان بن عبداللّه البحراني - كما يظهر من ترجمته ، وشهدت له الأكابر -

ص: 387


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 23 .
2- مستدرك الوسائل 17 : 38 ، ذيل الحديث 1 .
3- إفاضة القدير في أحكام العصير : 23 - 24 .

كان زميلاً للمحدّث المجلسي ، وعديلاً له عصراً وثقة وحفظاً وإحاطةً وعلماً

وخبراً ؛ فعن المولى الوحيد :

«أ نّه العالم العامل والفاضل الكامل المحقّق المدقّق الفقيه النبيه نادرة العصر

والزمان المحقّق الشيخ سليمان»(1) .

وعن تلميذه - أي تلميذ الشيخ سليمان - الشيخ عبداللّه بن صالح في إجازاته : «كان هذا الشيخ اُعجوبةً في الحفظ والدقّة وسرعة الانتقال في الجواب والمناظرة وطلاقة اللسان ، لم أرَ مثله قطّ ، وكان ثقة في النقل ضابطاً ، إماماً في

عصره ، وحيداً في دهره ، أذعنت له جميع العلماء ، وأقرّت بفضله جميع الحكماء ، وكان جامعاً لجميع العلوم ، علاّمة في جميع الفنون ، حسن التقرير ، عجيب التحرير ، خطيباً شاعراً مفوّهاً ، وكان أيضاً في غاية الإنصاف ، وكان أعظم علومه الحديث والرجال والتواريخ»(2) انتهى .

وقريب منهما عن صاحب «الحدائق» مع ذكر تأريخ وفاته ، وهو سنة سبع وثلاثين ومائة وألف(3) .

فكان هذا الشيخ معاصراً للمولى المجلسي ، وهو يروي هذا الحديث - على ما حكي - بمتن روى صاحب «الحدائق» وغيره(4) ، وكيف يمكن تغليطه ونسبة التصحيف والخطأ إليه بمجرّد مخالفة حديثه نسخة المحدّث المجلسي ، وهل هذا

ص: 388


1- اُنظر تنقيح المقال 2 : 63 / السطر 35 (أبواب السين) ؛ منتهى المقال 3 : 400 .
2- اُنظر لؤلؤة البحرين : 7 - 8 ؛ تنقيح المقال 2 : 63 / السطر 35 (أبواب السين) .
3- لؤلؤة البحرين : 9 .
4- اُنظر إفاضة القدير في أحكام العصير : 24 .

إلاّ مثل تغليط المجلسي في رواية روى بعض معاصريه على خلافها ؛ ولو من نسخة عتيقة أو غيرها ؟ !

مع احتمال كون ما روى من نسخة غيرها ، سيّما مثل هذا الشيخ الذي كان عمدة علومه الحديث والرجال ، كيف يمكن منه رواية حديث والاستناد إليه من غير إسناد إلى كتاب ونسخة أصل ؟ ! بل المحدّث صاحب «الحدائق» أيضاً مثله في ذلك . وشأن الوحيد البهبهاني وتقدّمه في العلوم ، معلوم لا يحتاج إلى إطالة الكلام فيه .

نعم ، لا يبعد من صاحب «الجواهر» وشيخنا المرتضى نقل رواية اتّكالاً على نقل صاحب «الحدائق» .

وليت شعري ، كيف لغير العالم بالغيب الاطلاع على جميع نسخ كتاب - سيّما مثل «أصل النرسي» - حتّى يحكم بخطأ هؤلاء الأكابر ؟ !

والعجب أ نّه ادّعى : «أنّ ما نقلناه مطابق لجميع نسخ أصل زيد . . .»(1) إلى آخره! لا لأنّ الاطلاع على جميعها بل غالبها غير ممكن ، سيّما لمن لم يخرج من سور بلد ، وهل هذه الدعوى إلاّ من سذوجة النفس وصفاء الضمير ، حيث رأى أو سمع كون بعض النسخ كذلك ، فجزم بمطابقته لجميع النسخ المتفرّقة في البلاد ؟ !

بل لأنّ الآلاف من النسخ المصحّحة إذا انتهت إلى نسخة المجلسي ، لا تفيد شيئاً إلاّ الجزم بأ نّها موافقة لما في «البحار» وعند المجلسي ، وأ نّها

ص: 389


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 23 .

فيه بعين هذه الألفاظ ، ولا يكشف منها عدم نسخة اُخرى عند الشيخ سليمان وغيره .

هذا مضافاً إلى اختلاف بعض ما حكي عن «أصل زيد» في «الكافي» مع ما هو الموجود عند المجلسي(1) ، وهو دليل على اختلاف في النسخ ، فراجع .

فاتّضح من جميع ذلك : عدم إمكان الاتّكال على أصلي الزيدين وما هو من قبيلهما .

وأمّا مع الغضّ عنه فالإنصاف : أنّ الخدشة في دلالتها في غير محلّها ؛ لظهورها صدراً وذيلاً في حرمة عصير الزبيب إذا غلى بالنار أو بنفسه .

وما يقال : «من أنّ التعبير في ذيلها عن الحكم ب- «الفساد» دون التحريم ، لا يبعد أن يكون الوجه فيه أ نّه بعد إصابة النار صار مَعْرضاً لطروّ الفساد والإسكار لا لحرمته»(2) لا ينبغي الإصغاء إليه ؛ لأنّ مجرّد الاحتمال لا يوجب جواز رفع اليد عن الظاهر المتفاهم عرفاً . وإطلاقُ «الفاسد» على ما يكون مَعْرضاً للإسكار - على فرض تسليم دعوى : أنّ إصابة النار توجب تسريع الإسكار والمعرضية له - مجازٌ لا يصار إليه بلا وجه ، ولم يظهر - ولو إشعاراً - التفكيك بين ما غلى بنفسه وغيره ، بل ظاهرها عدم التفكيك كما لا يخفى ، فالعمدة ما مرّ .

ص: 390


1- راجع الكافي 7 : 21 / 1 ؛ بحار الأنوار 100 : 208 / 21 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 127 .
حول التمسّك بباقي الروايات لحرمة العصير الزبيبي

ثمّ إنّه قد يتمسّك للتحريم بوجوه مخدوشة(1) ، كعموم قوله علیه السلام : «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام . . .»(2) إلى آخره .

وفيه ما مرّ في أوائل البحث : من أنّ «العصير» في الروايات هو العنبي منه لا غير(3) . مضافاً إلى أنّ مطلق العصير لا يكون موضوعاً للحكم بالضرورة .

ولو كان المدّعى الأخذ بالعموم بعد خروج ما خرج منه(4) ، ففيه : أ نّه من تخصيص الأكثر البشيع ، فلا بدّ أن يحمل على عصير معهود ، والمتيقّن هو العنبي ، وغيره مشكوك فيه .

مع أنّ العصير بنفسه ليس موضوع الحكم ، فلا محيص من أن يقال : إنّ الموضوع عصير العنب ونحوه ، ومن الواضح أ نّه ليس للزبيب والتمر بلا نقع في الماء عصير ، ومعه يَجذب الماءَ الخارجي ، وهو ليس عصير الزبيب ؛ فإنّ المتفاهم من «عصير الشيء» هو عصيره بالذات ، لا بمداخلة شيء أجنبيّ فيه وإخراجه منه .

نعم ، لو دلّ دليل على «أنّ عصير الزبيب أو التمر إذا غلى يحرم» لا يكون بدّ

ص: 391


1- اُنظر مجمع الفائدة والبرهان 1 : 313 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 145 ؛ مستند الشيعة 15 : 188 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 120 .
2- الكافي 6 : 419 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- تقدّم في الصفحة 287 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 313 .

إلاّ بالحمل على الماء الخارجي المعصور منه بعد نقعه فيه ، وهو مفقود ، وإطلاق «العصير» لا يحمل إلاّ على ما بنفسه عصير الشيء ، فالعصير منحصر بالعنب أو ما يشبهه .

مضافاً إلى أنّ الزبيب المنقوع في الماء ، لا يجذب من الماء ما يمكن أن يعصر منه شيء معتدّ به ، بل دائماً يكون المعصور منه مستهلكاً في الماء المصبوب فيه ، فلا يطلق على المجموع «العصير» .

وكالروايات الواردة في خصوص الزبيب ، كمرسلة الساباطي أو موثّقته(1) قال : «وصف لي أبو عبداللّه علیه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً . . .»(2) .

وموثّقته عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «سئل عن الزبيب كيف طبخه حتّى يشرب حلالاً . . .»(3) إلى آخره .

فذكر فيهما كيفية طبخه ، وأمر بالإغلاء حتّى يذهب الثلثان .

وفيه : أنّ الرواية الاُولى وإن كانت ظاهرة في أنّ المفروض لدى الساباطي ؛ أنّ المغليّ من الزبيب حرام إلى غاية ، ويصير حلالاً بما وصف أبو عبداللّه علیه السلام ، لكن لم يظهر منها أنّ أبا عبداللّه علیه السلام أفتى بحرمته وصيرورته حلالاً بالتثليث ، بل

ص: 392


1- تقدّم وجه الترديد في الصفحة 324 ، الهامش 4 .
2- الكافي 6 : 424 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 289 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 2 .
3- الكافي 6 : 425 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 290 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 3 .

فيها توصيف أبي عبداللّه علیه السلام طبخه من غير ذكر الحرمة والحلّية ، ولعلّ الساباطي توهّم من ذكر التثليث أنّ الغليانَ موجب للحرمة ، والتثليثَ لرفعها ؛ قياساً على عصير العنب المعهود فيه ذلك . مع أ نّها مردّدة بين المرسلة والموثّقة ،

ولا اعتماد عليها .

والثانية وإن كانت موثّقة ، لكن لا ظهور فيها في المدّعى ؛ للفرق الظاهر بين قوله : «كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً ؟» وبين قوله : «كيف طبخه حتّى يشرب حلالاً ؟» لأنّ المتعارف في طبخ الزبيب - مع تلك التفصيلات والتشريفات المذكورة في الروايتين - طبخ مقدار كثير حتّى بقي عدّة أيّام كثيرة ، بل إلى شهور أو سنة أو أزيد ، كما قال في رواية علي بن جعفر الآتية ، فيشرب منه السنة ، فإذا لم يذهب الثلثان لا يبعد أن يعرض عليه الفساد والإسكار إذا طال بقاؤه ، سيّما في تلك الآفاق ، فإذا اُريد أن يشرب ذاك المشروب حلالاً من غير عروض الإسكار عليه ، فلا بدّ من طبخه حتّى يذهب ثلثاه ، فيشرب حلالاً إلى آخر أمده .

والإنصاف : أنّ هذا الاحتمال لو لم يكن ظاهراً فيها ، فلا أقلّ من عدم مرجوحيته بالنسبة إلى احتمال آخر يوافق دعوى المدّعي .

ويشهد لرجحانه - بل تعيّنه - ذيل رواية إسماعيل الهاشمي ، حيث قال بعد وصف النبيذ : «وهو شراب طيّب لا يتغيّر إذا بقي إن شاء اللّه»(1) .

ولعلّ «الطيّب» مقابل «الخبيث» الذي اُطلق على الخمر والمسكر .

ص: 393


1- الكافي 6 : 426 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 290 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 4 .

وكذا تشهد له صحيحة علي بن جعفر - بناءً على وثاقة سهل بن زياد ، كما هو الأصحّ(1) - عن أخيه موسى أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن الزبيب ، هل يصلح أن يطبخ حتّى يخرج طعمه ، ثمّ يؤخذ الماء ، فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه ، ثمّ يرفع فيشرب منه السنة ؟ فقال : «لا بأس به»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ علي بن جعفر لم يكن شكّه إلاّ في أنّ ماء الزبيب المطبوخ كذلك إذا بقي سنة ، يحلّ شربه ، أو يعرضه الفساد والإسكار ، وإلاّ فحلّيته بعد ذهاب الثلثين كانت واضحة ، فتصير شاهدة لسائر الروايات أيضاً .

وبما ذكرناه يظهر ضعف الاستدلال بها على حرمة عصير الزبيب قبل التثليث بتوهّم دلالتها على معهوديتها ؛ وذلك لما عرفت من أنّ السؤال لم يكن عن حلّيته بالتثليث ، بل عن بقائه حلالاً إلى آخر السنة ؛ لاحتمال عروض الفساد عليه .

هذا مضافاً إلى أنّ غاية ما تدلّ عليه هذه الصحيحة - بل سائر الروايات - معهودية التثليث ، وأمّا كونه لرفع الحرمة فلا ، والظاهر أنّ تعارفه لأجل عدم عروض الفساد والإسكار عليه .

ويشهد لذلك - مضافاً إلى ما تقدّم - ورود التثليث في السفرجل والعسل في رواية خليلان بن هاشم قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : جعلت فداك ، عندنا شراب يسمّى : «المَيْبِهْ» نعمد إلى السفرجل فنقشره ونلقيه في الماء ، ثمّ نعمد

ص: 394


1- تقدّم الكلام في سهل بن زياد في الجزء الأوّل : 78 و267 - 268 .
2- الكافي 6 : 421 / 10 ؛ وسائل الشيعة 25 : 295 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 8 ، الحديث 2 .

إلى العصير فنطبخه على الثلث ، ثمّ ندقّ ذلك السفرجل ونأخذ ماءه ، ونعمد إلى

هذا المثلّث وهذا السفرجل فنلقي فيه المسك والأفاوي والزعفران والعسل ، فنطبخه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، أيحلّ شربه ؟ فكتب : «لا بأس به ما لم يتغيّر»(1) .

مع وضوح عدم حرمة عصير السفرجل والعسل بالغليان بالنار . ووروده في دستور الطبيب أيضاً في رواية إسحاق بن عمّار(2) ، وليس ذلك ظاهراً إلاّ لعدم عروض الفساد أو الإسكار عليه بطول المدّة .

وربّما يتمسّك(3) للحرمة بالروايات الحاكية لمشاجرة إبليس -

لعنه اللّه - آدم ونوحاً علیهما السلام (4) بدعوى إعطائهما إبليس من ثمرة الحَبَلة الثلثين .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الأخذ بظاهر تلك الروايات ، مستلزم لمالكية إبليس ثلثي جميع شجرة الكرم ، كما هو مقتضى بعضها (5) ، ولزوم تثليث ماء العنب بإغلائه وإخراج حظّ إبليس ، وعدم جواز شربه قبل غليانه ، وهو كما ترى ،

ص: 395


1- الكافي 6 : 427 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 367 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 29 ، الحديث 3 .
2- الكافي 6 : 426 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 291 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 5 .
3- اُنظر مستند الشيعة 15 : 211 - 212 ؛ جواهر الكلام 6 : 34 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 121 .
4- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 .
5- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 2 و5 .

فلا بدّ من حملها على بيان سرّ حرمة الخمر أو عصير العنب المغليّ ، كما هو

المتيقّن منها ، بل الظاهر من بعضها (1) .

وبعبارة اُخرى : لا يستفاد الإطلاق من هذه الروايات التي هي بصدد بيان سرّ مخفيّ ، وحكمةٍ غير معقولة لنا لحرمة شيء معهود ، كما لا يخفى .

وأضعف منه التمسّك(2) بموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سأل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول : هذا مطبوخ على الثلث ، قال : «إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب»(3) .

ونحوها رواية علي بن جعفر ، عن أخيه(4) لأ نّها بصدد بيان حكم آخر ، فلا إطلاق فيها .

فتحصّل من جميع ذلك : حلّية عصير الزبيب المغليّ وطهارته .

ص: 396


1- وسائل الشيعة 25 : 283 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .
2- اُنظر مستند الشيعة 15 : 201 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 121 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 294 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 6 .
4- تهذيب الأحكام 9 : 122 / 528 ؛ وسائل الشيعة 25 : 294 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 7 .
حلّية العصير التمري وطهارته

وأمّا العصير التمري فأولى بهما ؛ لفقد الأصل الذي تمسّك به للزبيبي ، وعدم

دليل على حرمته عدا ما عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد علیه السلام أ نّه قال : «الحلال من النبيذ أن تنبذه وتشربه من يومه ومن الغد ، فإذا تغيّر فلا تشربه ، ونحن نشربه حلواً قبل أن يغلي»(1) .

وفيه : - مضافاً إلى ضعف سنده وإرساله ، ونقل الإجماع على خلافه(2) ، ومعارضته بما يأتي(3) - أنّ المراد ب- «التغيّر» يمكن أن يكون الإسكار ، لا مطلق التغيّر أو الغليان . ويمكن الاستشهاد عليه بقوله علیه السلام : «نحن نشربه . . .» إلى آخره ، حيث يشعر بأنّ عدم الشرب بعد الغليان ليس حكماً إلزامياً على الناس ، بل أهل البيت علیهم السلام كانوا لا يشربونه .

ونحو هذا التعبير غير عزيز في الروايات ، كرواية زرارة قال : قلت : في مسح الخفّين تقيّة ؟ فقال : «ثلاث لا أتقي فيهنّ أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ» قال زرارة : ولم يقل : «الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهنّ أحداً»(4) .

ص: 397


1- دعائم الإسلام 2 : 129 / 445 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 2 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 141 .
3- يأتي في الصفحة 399 .
4- الكافي 3 : 32 / 2 ؛ وسائل الشيعة 1 : 457 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 38 ، الحديث 1 .

وورد نظيره في إتيان أدبار النساء(1) . . . إلى غير ذلك ، فحينئذٍ يكون التغيّر مقابلاً للغليان ، فيرجع إلى الاستحالة وصيرورته خمراً ومسكراً ، تأمّل .

ولا على نجاسته إلاّ بعض الروايات الشاذّة المشعرة بها - كموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سئل عن النَضُوح المُعَتَّق ، كيف يصنع به حتّى يحلّ ؟ قال : «خذ ماء التمر فأغله حتّى يذهب ثلثا ماء التمر»(2) وموثّقته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : سألته عن النَضُوح ، قال : «يطبخ التمر حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثمّ يمتشطن»(3) - ممّا يجب طرحها على فرض دلالتها ؛ لقيام الشهرة على طهارته . بل حكى شيخنا المرتضى الأنصاري خمسة إجماعات عليها (4) ، ولو ضمّ إليها ما حكي على حلّيته(5) المستلزم للطهارة لزاد عددها .

مع ما في دلالتهما من الإشكال :

أمّا الثانية فواضح .

وأمّا الاُولى ، فبعد القطع بأنّ المراد من «الحلّية» ليس حلّية الشرب ؛ لكونه من الطيب ، بل إمّا حلّية الاستعمال تكليفاً ، أو حلّية الصلاة فيه وضعاً ، أنّ الوصف

ص: 398


1- تهذيب الأحكام 7 : 415 / 1663 ؛ راجع وسائل الشيعة 20 : 145 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ، الباب 73 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 373 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 32 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 123 / 531 ؛ وسائل الشيعة 25 : 379 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 1 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 182 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 141 .

ب- «المُعتَّق» مشعر أو دالّ على أنّ المراد أ نّه كيف يصنع النَضُوح - أي الطيب الخاصّ - حتّى يحلّ استعماله معتَّقاً ؟

وبعبارة اُخرى : كيف يصنع حتّى لا يصير مع صيرورته عتيقاً ، فاسداً ومسكراً ؟ فالأمر بإذهاب الثلثين حينئذٍ لأجل عدم طروّ الفساد عليه . ويظهر من الروايات تعارف جعل الخمر أو النبيذ في النَضُوح في تلك الأزمنة(1) .

مضافاً إلى دلالة بعض الأخبار على أنّ حرمته ونجاسته تابعة لإسكاره ، كخبر وفد اليمن ، وفيها - بعد توصيفهم النبيذ من التمر لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

وتصريحهم بطبخه - قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟» قال : نعم ، قال : «كلّ مسكر حرام»(2) .

يظهر منها أ نّه مع طبخه وعدم عروض الإسكار عليه ليس بحرام ، ولازمه عدم نجاسته ، فالمسألة واضحة بحمد اللّه .

ص: 399


1- كرواية علي بن جعفر ، قال : سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ ، أيصلح للمرأة أن تصلّي وهو على رأسها ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل منه» . مسائل علي بن جعفر : 151 / 200 ؛ وسائل الشيعة 25 : 380 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 3 .
2- الكافي 6 : 417 / 7 ؛ وسائل الشيعة 25 : 355 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 6 .

الفُقّاع

اشارة

التاسع : الفُقّاع ، ولا ريب في نجاسته ، وقد حكي الإجماع عليها مستفيضاً ،

كما في «الانتصار» و«الخلاف» ومحكيّ «الغنية» و«المنتهى» و«المهذّب البارع» و«التنقيح» و«كشف الالتباس» و«إرشاد الجعفرية» وظاهر «المبسوط» و«التذكرة» و«الذكرى»(1) .

وعن «المدارك» تأمّل في نجاسته ، حيث قال : «وردت به رواية ضعيفة»(2) .

أراد رواية «الكافي» عن أبي جميلة البصري قال : كنت مع يونس ببغداد وأنا أمشي معه في السوق ، ففتح صاحب الفُقّاع فُقّاعه ، فقفز(3) فأصاب يونس ، فرأيته قد اغتمّ لذلك حتّى زالت الشمس ، فقلت له : يا أبا محمّد ، ألا تصلّي ؟ قال :

فقال لي : ليس اُريد أن اُصلّي حتّى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي .

فقلت له : هذا رأي رأيته ، أو شيء ترويه ؟

ص: 400


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 34 ؛ الانتصار : 418 ؛ الخلاف 5 : 489 - 490 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ منتهى المطلب 3 : 217 ؛ المهذّب البارع 5 : 79 ؛ التنقيح الرائع 1 : 145 ؛ كشف الالتباس 1 : 403 ؛ المبسوط 1 : 36 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 115 .
2- مدارك الأحكام 2 : 293 .
3- قفز بالقاف ثمّ الزاء : وثب (الوافي) . [ منه قدس سره]

فقال : أخبرني هشام بن الحكم : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الفُقّاع ، فقال : «لا تشربه ؛ فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله»(1) .

ولا مجال للتردّد في الحكم بعد ذلك الاشتهار وتلك الإجماعات . ولو نوقش في الرواية بضعف السند - بل وعدم العلم بالجبر ؛ لاشتراطه بإحراز الاستناد ، وهو ممنوع - لما تصحّ المناقشة في دلالة الروايات المتظافرة الآتية(2) الحاكمة بأ نّه «خمر بعينها» أو «من الخمر» أو «خمرة استصغرها الناس» . . . إلى غير ذلك ، فإنّها : إمّا تدلّ على خمريته ومسكريته واقعاً ، فقد فرغنا عن نجاسة المسكرات المائعة(3) .

وإمّا تدلّ على التنزيل منزلته حكماً ، فلا شبهة في استفادة عموم التنزيل مع هذه التعبيرات والتأكيدات ، ولولا كونه بمنزلته في جميع الآثار ، لما صحّ هذا التنزيل بهذا اللسان الأكيد .

والشاهد عليه ثبوت حكم شارب الخمر عليه(4) فلا ينبغي الإشكال في نجاسته وحرمته .

ص: 401


1- الكافي 6 : 423 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 282 / 828 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 5 .
2- يأتي في الصفحة 406 .
3- تقدّم في الصفحة 249 .
4- كما في رواية ابن فضّال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقّاع فقال : «هو الخمر وفيه حدّ شارب الخمر» . راجع وسائل الشيعة 25 : 360 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 27 ، الحديث 2 و11 ، والباب 28 ، الحديث 1 .

فما في رواية زكريّا بن آدم ، عن أبي الحسن علیه السلام (1) ممّا يشعر أو يدلّ على الخلاف ، لا يعوّل عليه . مع ضعفها سنداً بابن المبارك ، ووهنها متناً باشتمالها على

حكم في الدم لا نقول به ، وموافقتها للناس ، ومخالفتها للإجماع والنصوص .

عدم خمرية الفقّاع وعدم مسكريته

نعم ، يأتي الكلام في جهة اُخرى : وهي أنّ الفقّاع ليس خمراً حقيقة ، ولم يسمّ باسمها عرفاً ولغة ، والدليل عليه - مضافاً إلى وضوحه - وفاق أهل الخلاف في عدم حرمته ونجاسته(2) ، مع أنّ كثيراً منهم من أهل اللسان وعلماء العربية وأئمّة الأدب واللغة ، فلو كان «الخمر» صادقاً عليه حقيقة لما اتّفق بينهم هذا الاتّفاق مع حرمتها بنصّ الكتاب(3) .

مضافاً إلى استفادة ذلك من الأخبار وكلمات أصحابنا :

أمّا الأخبار فقد تقدّم الكلام فيها : من أنّ الظاهر منها أنّ «الخمر» اسم للمادّة الخبيثة المأخوذة من العنب ، وهي التي حرّمها اللّه تعالى ، وإنّما حرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم سائر المسكرات ، وفي بعضها «إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، بل حرّمها لعاقبتها» وهو كالنصّ في أنّ الاسم مختصّ بالمتّخذ من العنب .

ص: 402


1- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 820 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 .
2- اُنظر الخلاف 5 : 490 ؛ المغني ، ابن قدامة 10 : 341 ؛ الشرح الكبير ، ذيل المغني 10 : 342 .
3- وهو قوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصابُ وَالأَزلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَيطانِ فَاجتَنِبُوه( . المائدة (5) : 90 .

وإطلاقها على غيرها بضرب من التأويل(1) ، فراجع .

وأمّا كلمات الأصحاب فبين ظاهرة في ذلك ؛ لأنّ مقابلة المسكرات مع الفقّاع في كلماتهم - في أبواب النجاسات والأشربة المحرّمة والمكاسب المحرّمة والحدود - ظاهرة في أ نّه بعنوانه موضوع الحكم لا لإسكاره ، ولا لصدق «الخمر» عليه .

مضافاً إلى أ نّه لم نرَ استدلالهم على خلاف العامّة في حرمته بظاهر القرآن ، فقد استدلّوا عليه تارة : بروايات من طرقهم ، واُخرى : بدليل الاحتياط ، ولو أمكن الاستدلال عليه بظاهر الآية - ولو بوجه - لاستدلّوا عليه ، سيّما علم الهدى—الذي عمل «الانتصار» لانتصار الحقّ وإزهاق الباطل ، جزاه اللّه عن الإسلام أفضل جزاء ، ومن دأبه التشبّث بظواهر الآيات عليهم حيثما أمكن . مع أ نّه من أئمّة الأدب واللسان . وكذا شيخ الطائفة في «خلافه» بل وابن زهرة(2) .

وقد تمسّك الشيخ في حدود «نهايته» لإثبات أحكام الخمر له بثبوت سوائيته مع الخمر من أئمّة آل محمّد عليهم الصلاة والسلام(3) .

وبالجملة : يظهر من كلمات أصحابنا عدم كونه خمراً أو مسكراً ، وليست حرمته لهما ؛ ففي «النهاية» بعد ذكر المسكرات : «وحكم الفقّاع حكم الخمر على السواء»(4) .

ص: 403


1- تقدّم في الصفحة 273 .
2- الانتصار : 418 ؛ الخلاف 5 : 489 - 490 ؛ غنية النزوع 1 : 41 .
3- النهاية : 713 .
4- النهاية : 591 .

وفي «المراسم» : «والخمر وسائر المسكرات والفقّاع»(1) .

وفي «الغنية» : «وكلّ شراب مسكر نجس ، وكلّ فقّاع نجس»(2) .

وكذا سائر الكتب والمصنّفات على هذا المنوال قديماً وحديثاً .

وبين ناصّة على عدم مسكريته مطلقاً ، أو قسم منه ، المتفاهم منه عدم خمريته أيضاً ؛ لبعد تسميته «خمراً» مع عدم الإسكار .

ففي «الانتصار» : «وقد روى أصحاب الحديث من طرق معروفة : أنّ قوماً من العرب سألوا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الشراب المتّخذ من القمح ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «هل يسكر ؟» قالوا : نعم ، فقال : «لا تقربوه»(3) ولم يسأل من الشراب المتّخذ من الشعير عن الإسكار ، بل حرّم ذلك على الإطلاق ، وحرّم الشراب الآخر إذا كان مسكراً»(4) .

وقال قبل ذلك : «وممّا انفردت به الإمامية القول بتحريم الفقّاع ؛ وأ نّه جارٍ

مجرى الخمر في جميع الأحكام»(5) .

وهو كالنصّ في أ نّه بمنزلة الخمر لا نفسها .

وفي «الوسيلة» : «وغير المسكر ضربان : فقّاع ، وغيره ، والفقّاع حرام نجس»(6) .

ص: 404


1- المراسم : 55 .
2- غنية النزوع 1 : 41 .
3- المسند ، أحمد بن حنبل 14 : 44 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 8 : 292 .
4- الانتصار : 420 .
5- الانتصار : 418 .
6- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 364 .

وعن «فقه الرضا» : «واعلم : أنّ كلّ صنف من صنوف الأشربة التي لا يغيّر العقل شرب الكثير منها لا بأس به ، سوى الفقّاع ، فإنّه منصوص عليه لغير هذه العلّة»(1) .

وعن الاُستاذ في «حاشية المدارك» : «أ نّهم صرّحوا بأنّ حرمة الفقّاع ونجاسته يدوران مع الاسم والغليان لا السكر ، فهو حرام ونجس وإن لم يكن مسكراً ؛ لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حكم بالحرمة من دون استفصال»(2) .

وفي «المجمع» : «الفُقّاع - كرُمّان - : شيء يشرب ، يتّخذ من ماء الشعير فقط ، ليس بمسكر ، ولكن ورد النهي عنه»(3) .

نعم ، ظاهر «المعتبر»(4) أ نّه خمر اسماً وإن لم يكن مسكراً ، متمسّكاً بالتسمية الشرعية ، وأصالة الحقيقة - وهو كما ترى - وبقول أبي هاشم الواسطي المحكيّ في «الانتصار» : «الفُقّاع نبيذ الشعير ، فإذا نشّ فهو خمر»(5) .

وهو أيضاً غير وجيه ؛ لأنّ الظاهر أنّ مراده من كونه خمراً أ نّه مسكر ، لا أ نّه مسمّى بها . مع أنّ التعويل على قوله - مع ما عرفت - في غير محلّه ، ولهذا لم يعوّل عليه علم الهدى ، وإلاّ لاستدلّ على حرمته بظاهر الكتاب .

ص: 405


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 255 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 72 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 19 ، الحديث 8 .
2- الحاشية على مدارك الأحكام 2 : 197 ، قوله : «والحكم بنجاسته . . . » .
3- مجمع البحرين 4 : 376 .
4- المعتبر 1 : 425 .
5- الانتصار : 421 .

إلاّ أن يقال : إنّ الكتاب منصرف عنه . وهو غير معلوم ، بل ممنوع بعد الصدق حقيقة .

ثمّ إنّه بعد العلم بعدم خمريته حقيقة ، لا بدّ من حمل الروايات الحاكمة بأ نّه «خمر بعينها»(1) أو «من الخمر»(2) أو «خمرة استصغرها الناس»(3) على نحو من التنزيل ، فيدور الأمر بين احتمالين :

إمّا البناء على التنزيل باعتبار الحكم ؛ بمعنى أنّ الأئمّة علیهم السلام لمّا رأوا ثبوت جميع آثار الخمر له ، أطلقوها عليه ادّعاءً ومجازاً .

وإمّا البناء على التنزيل باعتبار الخاصّية ؛ وأ نّه لمّا كان عاقبته عاقبة الخمر وفعله فعلها ، نزّلوه منزلتها .

والفرق بينهما : أ نّه على الأوّل يحكم بترتّب الأحكام بمجرّد صدق الفُقّاع وإن لم يكن مسكراً ؛ لأنّ التنزيل ليس بلحاظ إسكاره ، وعلى الثاني يترتّب الأحكام على قسم المسكر ؛ لأنّ التنزيل باعتبار مسكريته .

ولا شبهة في أنّ مقتضى إطلاق الأخبار البناء على الوجه الأوّل ، ولا وجه لرفع اليد عن إطلاقها بلا دليل مقيّد ، ودعوى الانصراف إلى القسم المسكر ممنوعة .

ص: 406


1- الكافي 6 : 423 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 361 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 27 ، الحديث 7 .
2- الكافي 6 : 422 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 361 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 27 ، الحديث 6 .
3- الكافي 6 : 423 / 9 ؛ وسائل الشيعة 25 : 365 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 28 ، الحديث 1 .

فالأقوى حرمته ونجاسته وترتّب سائر الآثار عليه بمجرّد صدق الاسم ولو لم يكن مسكراً ، كما نصّ عليه الأصحاب في كلماتهم المتقدّمة ، وأرسلوه إرسال المسلّمات(1) .

حلّية الفقّاع في صورة عدم غليانه

نعم ، الظاهر عدم ترتّبها قبل الغليان ؛ لصحيحة ابن أبي عمير ، عن مُرازِم قال : «كان يعمل لأبي الحسن علیه السلام الفقّاع في منزله» قال ابن أبي عمير : «ولم يعمل

فقّاع يغلي»(2) .

والظاهر أنّ ابن أبي عمير كان بصدد دفع توهّم عمل الفقّاع الحرام .

وموثّقةِ عثمان بن عيسى قال : كتب عبداللّه بن محمّد الرازي إلى أبي جعفر الثاني علیه السلام : إن رأيت أن تفسّر لي الفقّاع ، فإنّه قد اشتبه علينا ، أمكروه هو بعد غليانه ، أم قبله ؟ فكتب علیه السلام : «لا تقرب الفقّاع إلاّ ما لم يضرّ آنيته ، أو كان جديداً» .

فأعاد الكتاب إليه : كتبت أسأل عن الفقّاع ما لم يغلِ ، فأتاني : أن اشربه ماكان في إناء جديد ، أو غير ضارّ ، ولم أعرف حدّ الضراوة والجديد ، وسأل أن يفسّر ذلك له ، وهل يجوز شرب ما يعمل في الغَضارة والزجاج والخشب ونحوه من الأواني ؟ فكتب علیه السلام : «يفعل الفقّاع في الزجاج وفي الفخّار الجديد إلى قدر

ص: 407


1- تقدّمت في الصفحة 400 و403 - 404 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 126 / 545 ؛ وسائل الشيعة 25 : 381 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 39 ، الحديث 1 .

ثلاث عملات ، ثمّ لا يعد منه بعد ثلاث عملات إلاّ في إناء جديد ، والخشب

مثل ذلك»(1) .

والظاهر منها أنّ النهي عن هذه الظروف لأجل حصول النشيش والغليان له إذا نبذ فيها . ويمكن أن يكون لحصول الإسكار له ، لكن هذا مجرّد احتمال لا يمكن رفع اليد به عن إطلاق الأدلّة وكلمات الأجلّة .

وصحيحةِ علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الماضي علیه السلام قال : سألته عن شرب الفقّاع الذي يعمل في السوق ويباع ، ولا أدري كيف عمل ، ولا متى عمل ، أيحلّ أن أشربه ؟ قال : «لا اُحبّه»(2) .

والظاهر منها وجود قسمين منه : حلال ، وحرام ، والظاهر من الروايتين المتقدّمتين أنّ الحلال منه قبل غليانه ونشيشه ، والحرامَ بعده ، وكذا الأخيرة أيضاً ؛ لإشعار قوله : «متى عمل» - أو ظهوره - في شكّه في بقائه إلى حال التغيّر والنشيش ، ولا يبعد حمل إطلاق كلمات الأصحاب على ما بعده ، كما مرّ ما عن الاُستاذ في «حاشية المدارك» : «أ نّهم صرّحوا بأنّ حرمة الفقّاع ونجاسته تدوران مع الاسم والغليان»(3) .

بل الظاهر من اللغويين عدم صدقه على ما لم ينشّ ؛ قال في «القاموس» :

ص: 408


1- تهذيب الأحكام 9 : 126 / 546 ؛ وسائل الشيعة 25 : 381 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 39 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 126 / 547 ؛ وسائل الشيعة 25 : 382 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 39 ، الحديث 3 .
3- تقدّم في الصفحة 405 .

«الفُقّاع - كرمّان - : هذا الذي يشرب ، سمّي به لما يرتفع في رأسه من الزَبَد»(1) ونحوه في «المنجد» و«معيار اللغة»(2) .

وفي «المجمع» : «قيل : سمّي «فقّاعاً» لما يرتفع في رأسه من الزَبَد»(3) .

ويظهر من الشهيد في محكيّ «الروض» اعتباره في الصدق(4) .

اختصاص حكم الفقّاع بالمتّخذ من الشعير دون غيره

ثمّ إنّ المتيقّن منه ما اُخذ من الشعير ، والظاهر عدم الكلام فيه ، وإنّما الكلام والإشكال فيما يؤخذ من سائر الأشياء ، كالقمح والذرة والزبيب وغيرها . وقد مرّ كلام الطريحي في «المجمع» في انحصاره بما يؤخذ من الشعير(5) . وهو ظاهر السيّد في «الانتصار» حيث استدلّ على حرمة الفقّاع مطلقاً بعدم استفصال النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيما يؤخذ من الشعير ، دون ما يؤخذ من القمح(6) ، فما نسب إليه من أخذه من القمح أيضاً (7) مخالف لذلك .

نعم ، حكى هو من طريق الناس ، عن اُمّ حبيبة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم : أنّ اُناساً

من أهل اليمن قدموا على رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ليعلّمهم الصلاة والسنن والفرائض ،

ص: 409


1- القاموس المحيط 3 : 66 .
2- المنجد : 590 ؛ معيار اللغة 2 : 125 .
3- مجمع البحرين 4 : 376 .
4- روض الجنان 1 : 440 .
5- تقدّم في الصفحة 405 .
6- الانتصار : 420 .
7- مفتاح الكرامة 2 : 34 .

فقالوا : يا رسول اللّه ، إنّ لنا شراباً نعمله من القمح والشعير ، فقال : «الغُبَيْراء ؟» قالوا : نعم ، قال : «لا تطعموه . . .»(1) إلى آخره .

ثمّ حكى تفسير زيد بن أسلم «الغُبَيْراء» بالسُكُرْكة ، وهي بالفقّاع(2) .

ولعلّ «الغُبَيْراء» في كلام النبي صلی الله علیه و آله وسلم كان مربوطاً بالمتّخذ من الشعير المتأخّر في الذكر في كلام السائل ، لا منه ومن القمح ، تأمّل . ويظهر من السيّد اختصاص الغُبَيْراء بما يؤخذ من الشعير ، فراجع «الانتصار» بتعمّق(3) .

وعن «المدنيات» : «أ نّه شراب معمول من الشعير»(4) وحكى السيّد عن الواسطي : «أنّ الفقّاع نبيذ الشعير ، وإذا نشّ فهو خمر»(5) .

وعن بعض آخر عدم الاختصاص به ؛ فعن «رازيات السيّد» و«الانتصار» : «كان يعمل من الشعير ومن القمح»(6) وقد عرفت حال ما في «الانتصار» وليس عندي «الرازيات» .

وعن «مقداديات الشهيد» : «كان قديماً يتّخذ من الشعير غالباً ، ويحصّل حتّى يحصل فيه التنشّر ، وكأ نّه الآن يتّخذ من الزبيب»(7) انتهى . كذا في

ص: 410


1- المسند ، أحمد بن حنبل 18 : 536 / 27280 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 8 : 292 .
2- الانتصار : 419 .
3- الانتصار : 419 - 421 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 34 .
5- الانتصار : 421 .
6- مفتاح الكرامة 2 : 34 ؛ رسائل الشريف المرتضى 1 : 102 ؛ الانتصار : 420 .
7- رسائل الشهيد الأوّل ، أجوبة مسائل الفاضل المقداد : 272 .

«مفتاح الكرامة»(1) ولعلّ مراده أ نّه يبقى حتّى ينشّ .

وعن أبي عبيد : «أنّ السُكُرْكة من الذرة»(2) .

وعن «مخزن الأدوية» : «أنّ الفقّاع اسم لنوع من النبيذ مركّب طعمه من حلاوة قليلة وحموضة ومرارة ، ويصنع من أكثر الحبوب ، كالشعير والأرُزّ والدخن والذرّة والخبز الحواري والزبيب والتمر والسكّر والعسل ، وقد يضيفون إليه الفلفل وسنبل الطيب والقرنفل»(3) انتهى .

والمتحصّل من الجميع : أنّ ما يؤخذ من الشعير فقّاع بلا ريب ، وصدقَه على ما عداه مشكوك فيه ، ومقتضى الأصل الحلّية والطهارة بعد كون الشكّ في المفهوم والوضع . ومجرّد إطلاقه في الأزمنة المتأخّرة على المأخوذ من غيره ، لا يفيد . وأصالة عدم النقل والاشتراك - على فرض جريانهما - لا تفيد في إثبات الوضع ولو كانت عقلائية .

ص: 411


1- مفتاح الكرامة 2 : 34 . ولكنّ المتن مطابق للطبعة القديمة .
2- لسان العرب 6 : 307 .
3- قرابادين كبير (مخزن الأدوية) : 314 / السطر 26 .

الكافر

اشارة

العاشر : الكافر بجميع أنواعه ؛ ذمّياً كان أو غيره ، أصلياً أو مرتدّاً ، إجماعاً كما في «الانتصار» و«الناصريات» مع التصريح بالكلّية(1) . وفي «الخلاف» دعواه في المشرك الذمّي وغيره(2) .

وفي «الغنية» ادّعى الإجماع المركّب ، وقال : «التفرقة بين نجاسة المشرك وغيره خلاف الإجماع»(3) .

وادّعى الإجماع صريحاً في «المنتهى»(4) وظاهراً في «التذكرة»(5) وهو المحكيّ عن «السرائر» و«البحار» و«الدلائل» و«شرح الفاضل»(6) وظاهر «نهاية الإحكام»(7) .

ص: 412


1- الانتصار : 88 ؛ مسائل الناصريات : 84 .
2- الخلاف 1 : 70 .
3- غنية النزوع 1 : 44 .
4- منتهى المطلب 3 : 222 .
5- تذكرة الفقهاء 1 : 67 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 35 ؛ السرائر 3 : 124 ؛ بحار الأنوار 77 : 44 ؛ كشف اللثام 1 : 400 .
7- نهاية الإحكام 1 : 273 .

وعن «التهذيب» : «إجماع المسلمين»(1) ولعلّ مراده المؤمنون الذين هم المسلمون حقّاً . وحكي تأويله عن الفاضل الهندي بما هو أبعد ممّا ذكرناه(2) .

وعن «حاشية المدارك» : «أنّ الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماء العامّة منهم ، بل وعوامّهم يعرفون أنّ هذا مذهب الشيعة ، بل ونساؤهم وصبيانهم يعرفون ذلك ، وجميع الشيعة يعرفون أنّ هذا مذهبهم في الأعصار والأمصار»(3) .

وعن القديمين القول بعدم نجاسة أسآر اليهود والنصارى(4) ، وكذا عن ظاهر المفيد(5) ، وعن موضع من «النهاية»(6) .

لكن عن «حاشية المدارك» : «لا يحسن جعل ابن أبي عقيل من المخالفين مع تخصيصه عدم النجاسة بأسآرهم ؛ لأ نّه لا يقول بانفعال الماء القليل ، والسؤر هو الماء الملاقي لجسم حيوان» .

قال : «والكراهة في كلام المفيد لعلّه يريد منها المعنى اللغوي»(7) انتهى . وهو حسن .

وأمّا ما نسب إلى «نهاية الشيخ» ففي غير محلّه جزماً ، قال فيها : «ولا يجوز

ص: 413


1- تهذيب الأحكام 1 : 223 ، ذيل الحديث 637 .
2- كشف اللثام 1 : 399 .
3- الحاشية على مدارك الأحكام : 2 199 ، قوله : «بل ادّعى عليه . . . » .
4- اُنظر مختلف الشيعة 8 : 316 .
5- اُنظر المعتبر 1 : 96 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 36 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 36 ؛ النهاية : 589 - 590 .
7- الحاشية على مدارك الأحكام 2 : 199 ، قوله : «ونقل عن ابن الجنيد . . . ».

مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم ، ولا استعمال أوانيهم إلاّ بعد غسلها بالماء ، وكلّ طعام تولاّه بعض الكفّار بأيديهم وباشروه بنفوسهم لم يجز أكله ؛ لأ نّهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إيّاه» .

قال بعد أسطر : «ويكره أن يدعو الإنسان أحداً من الكفّار إلى طعامه فيأكل منه ، وإن دعاه فليأمره بغسل يديه»(1) انتهى .

وهو كما ترى محمول - كما عن «نكتها»(2) - على الطعام اليابس ، كالتمر والخبز ونحوهما ؛ بقرينة ما تقدّم ، والأمر بغسل يدهم لدفع القذارة العرفية . وأمّا

ما عن ابن إدريس من أ نّه ذكر ذلك إيراداً لا اعتقاداً (3) فبعيد .

والظاهر استناد الشيخ فيما ذكره إلى صحيحة عِيص بن القاسم(4) ، فإنّها بمضمون ما ذكره ظاهراً .

ولم يحضرني كلام ابن الجنيد ، وما نقل عنه(5) غير ظاهر في المخالفة .

ونسب إلى صاحب «المدارك» و«المفاتيح» الميل إلى طهارتهم(6) ، لكن لم يظهر من «المدارك» ذلك فراجع(7) ، ولم يحضرني «المفاتيح»(8) .

ص: 414


1- النهاية : 589 - 590 .
2- النهاية ونكتها 3 : 107 .
3- السرائر 3 : 123 .
4- تأتي في الصفحة 430 .
5- مختلف الشيعة 8 : 316 .
6- مفتاح الكرامة 2 : 36 .
7- مدارك الأحكام 2 : 294 - 298 .
8- مفاتيح الشرائع 1 : 70 - 71 .

نعم ، قد يظهر من «الوافي» ذلك ؛ لأ نّه بعد ذكر الأخبار قال : «وقد مضى في

باب طهارة الماء خبر في جواز الشرب من كوز شرب منه اليهودي(1) ، والتطهير من مسّهم ممّا لا ينبغي تركه»(2) وفيه إشعار برجحان التطهير منه لا لزومه .

التمسّك بالإجماع والسيرة لإثبات نجاسة الكفّار

وكيف كان : فالعمدة هو الإجماعات المتقدّمة ، والمعروفية بين جميع طبقات الشيعة ؛ بحيث صار شعارهم عند الفريقين ، كما تقدّم عن الاُستاذ الوحيد . ولا يمكن أن يقال : إنّ ذلك لتخلّل اجتهاد من الفقهاء ، وتبعهم العوامّ :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الأخبار - كما تأتي جملة منها (3) - ظاهرة الدلالة على طهارة أهل الكتاب ، ولها جمع عقلائي مقبول مع غيرها لا يمكن خفاؤه على فاضل ، فضلاً عن جميع الطبقات من أهل الحلّ والعقد من الطائفة ، وهو دليل على أنّ استنادهم إلى بعض الآيات والأخبار(4) ليس مبنى فتواهم ، بل المبنى هو المعلومية من الصدر الأوّل ؛ وأخذ كلّ طبقة لاحقة عن سابقتها .

واحتمال تخلّل الاجتهاد وخطأ جميع طبقات الفقهاء في هذه المسألة الواضحة المأخذ بحسب الرواية ، ممّا تبطله الضرورة . ولا تقاس هذه المسألة بمسألة المنزوحات التي اختلفت الآراء والأخبار فيها ؛ بحيث تكون مظنّة

ص: 415


1- الوافي 6 : 26 / 26 .
2- الوافي 6 : 211 ، ذيل الحديث 31 .
3- تأتي في الصفحة 427 .
4- راجع ما يأتي في الصفحة 415 وما بعدها .

تخلّل الاجتهاد ، كما يظهر بالرجوع إليها .

وأمّا ثانياً : فلأنّ احتمال كون المعروفية عند جميع الطبقات - من النساء والصبيان والحاضر والبادي - من فتوى فقهائهم ، بعيد جدّاً ، بل غير وجيه ؛ فإنّ المسائل الاجتهادية التي أجمعت الفقهاء عليها غير عزيزة ، مع عدم معروفيتها لدى العامّة ؛ حتّى فيما تكون محلّ الابتلاء ، كحرمة العصير العنبي ، وحرمة كثير من أجزاء الذبيحة .

هذا مع أنّ كثيراً ممّن يكون الحكم واضحاً عندهم ، لعلّه لا عهد لهم بالفقهاء وآرائهم .

وبالجملة : هذه الشهرة والمعروفية في جميع الطبقات في الأعصار والأمصار ، تكشف جزماً عن رأي أئمّتهم علیهم السلام ولا يبقى فيها محلّ تشكيك وريب ، سيّما مع مخالفة العامّة جميعاً ، فذهبوا إلى طهارة الكفّار مطلقاً ، قال السيّد :

«وممّا انفردت به الإمامية القول بنجاسة سؤر اليهودي والنصراني وكلّ كافر ،

وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، وحكى الطحاوي عن مالك في سؤر النصراني والمشرك : «أ نّه لا يتوضّأ به» ووجدت المحصّلين من أصحاب مالك يقولون : «إنّ ذلك على سبيل الكراهة لا التحريم» لأجل استحلالهم الخمر والخنزير ، وليس بمقطوع على نجاسته ، فالإمامية منفردة بهذا المذهب»(1) انتهى .

هذا أيضاً يؤكّد البناء على نجاستهم ، وعلى معلّلية ما دلّت على طهارتهم من

ص: 416


1- الانتصار : 88 .

الأخبار ، وقد تكرّر منّا (1) : أ نّه لا دليل معتدّ به على حجّية خبر الثقة إلاّ بناء العقلاء ، والتي وردت في هذا المضمار - آيةً وروايةً - لا يستشعر منها التأسيس ، بل كلّها أو جلّها دالّة على إمضاء ما لدى العقلاء ، وليس للشارع المقدّس طريق خاصّ وتعبّد في ذلك ، ولو وجد فيها ما يشعر بخلاف ذلك لم تصل إلى حدّ الدلالة .

ولا شبهة في عدم بناء العقلاء على العمل بمثل الروايات التي أعرض عنها الأصحاب مع كونها بمرءى ومنظر منهم ، وكونهم متعبّدين بالعمل بما وصل إليهم من طريق أهل البيت علیهم السلام فيكون إعراضهم إمّا موجباً للوهن في سندها ، أو مع عدم إمكان ذلك - لكثرة الروايات ، والقطع بصدور بعضها - فلا محالة يوجب الوهن في جهة صدورها مع اتّفاق أهل الخلاف على طهارتهم(2) .

فالقول(3) : «بأنّ مجرّد وثاقة الراوي يكفي في العمل بالرواية» تارة ، و«بأنّ احتمال صدورها تقيّة في المقال في مقام بيان الحكم ، بعيد عن مساق الأخبار» اُخرى ، لا ينبغي أن يصغى إليه .

كما أنّ القول : «بحدوث هذه السيرة والمعروفية بعد عصر الأئمّة علیهم السلام

ولم يكن الحكم معروفاً في زمانهم ؛ لشهادة جلّ الروايات بخلوّ أذهان السائلين - الذين هم من عظماء الشيعة ورواة الأحاديث - من احتمال نجاستهم الذاتية ، وأنّ الذي أوقعهم في الريبة الموجبة للسؤال عدم تجنّبهم عن النجاسات ؛ حتّى

ص: 417


1- تقدّم في الصفحة 19 و262 .
2- المغني ، ابن قدامة 1 : 43 ؛ الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 6 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 255 .

أنّ محمّد بن عبداللّه بن جعفر الحميري الذي كتب إلى صاحب الزمان في عصر الغيبة استشكل في الصلاة في الثياب المتّخذة من المجوس ؛ لأجل أ نّهم كانوا يأكلون الميتة ، ولا يغتسلون من الجنابة(1) ، فيستفاد منه عدم انقداح نجاستهم الذاتية في ذهنه ، فيظنّ منه حدوث المعروفية لدى العلماء للاجتهاد ، ولدى العوامّ للتقليد»(2) .

في غاية الضعف :

أمّا أسئلة الرواة ، فلا تدلّ على عدم المعروفية لدى الشيعة ؛ فإنّ المتتبّع في أسئلتهم في المسائل الفقهية ، يرى أنّ كثيراً ما لم تكن الأسئلة الصادرة من فقهاء أصحابهم لرفع شبهة ، بل كان بناؤهم على السؤال لضبط الجواب عن كلّ إمام في اُصولهم وكتبهم ، فمثل مشايخ أصحاب أبي عبداللّه علیه السلام -

نظير زرارة ومحمّد ابن مسلم وأبي بصير ، وغيرهم ممّن أدركوا عصر أبي جعفر علیه السلام وأخذوا المسائل منه - سألوا أبا عبداللّه علیه السلام عن تلك المسائل بعينها ، وربّما سألوا عن مسائل

واضحة لا يمكن خفاؤها عليهم إلى زمان الصادق علیه السلام ككيفية غسل الجنابة وغسل الميّت والوضوء وجواز المسح على الخفّين بل وعدد الصلوات الفرائض ، إلى غير ذلك ممّا لا تحصى ، حيث كان السؤال لمقاصد اُخر ، كالحفظ في الكتب للبقاء والوصول إلى الطبقة المتأخّرة ، وكثرة الانتشار ، وغير ذلك .

وأمّا دعوى : أنّ جلّ الروايات شاهدة على خلوّ أذهان السائلين عن

ص: 418


1- الاحتجاج 2 : 570 ؛ وسائل الشيعة 3 : 520 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 73 ، الحديث 9 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 258 - 259 .

نجاستهم ذاتاً ، ففيها : أنّ الواقع خلاف ذلك ؛ فإنّ جلّها خالية من الإشعار بما ذكر ، فضلاً عن الشهادة به ، كما يظهر للمراجع إليها في كتاب الطهارة والأطعمة .

نعم ، في بعضها إشعار بذلك ، كرواية الحميري المتقدّمة . لكن ليس محطّ نظره السؤال عن نجاسة المجوس ، بل نظره إلى السؤال عن حال الثوب المنسوج بيدهم . ولا يبعد أن يكون بعد الفراغ عن نجاستهم ، ولهذا خصّهم بالذكر ، وإنّما ذكر أكلهم الميتة وعدم اغتسالهم من الجنابة ؛ لفرض قوّة احتمال تنجّس الثوب ، وأ نّه مع كونهم نجساً كانوا كذلك ، ولأجله صار ما بأيديهم أقرب إلى التنجّس ، ولهذا أضاف إلى أكل الميتة عدم اغتسالهم من الجنابة .

فهي نظير صحيحة معاوية بن عمّار قال : «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الثياب

السابرية يعملها المجوس ، وهم أخباث ، وهم يشربون الخمر ، ونساؤهم على تلك الحال ، ألبسها ولا أغسلها . . .»(1) إلى آخره .

والظاهر أنّ المراد ب- «الأخباث» الأنجاس ؛ فإنّ الخبث الباطني النفساني لا يناسب المقام ، وذكر النجاسة العرضية غير مناسب لقوله بعده : «وهم يشربون الخمر» فالظاهر فرض قوّة احتمال تلوّث الثياب وتنجّسها بفرض نجاسات ذاتاً وعرضاً فيهم وفيما بأيديهم .

ونحوها صحيحة عبداللّه بن سِنان(2) حيث فرض فيها إعارة الذمّي الثوب ،

ص: 419


1- تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1497 ؛ وسائل الشيعة 3 : 518 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 73 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 361 / 1495 ؛ وسائل الشيعة 3 : 521 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 74 ، الحديث 1 .

ويعلم أ نّه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير . بل الأسئلة الكثيرة في الروايات

عن ثياب المجوس والنصارى واليهود وبواريهم وما يعملونه وغير ذلك(1) ، ظاهرة الدلالة في معهودية نجاستهم في ذلك العصر . إلاّ أن يقال : اختصاصهم بالذكر لكثرة ابتلائهم بها ، كما ربّما يشهد به بعضها .

التمسّك بالكتاب لإثبات نجاسة الكفّار

ثمّ إنّه قد استدلّ(2) على نجاستهم بقوله تعالى : )إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ((3) .

ويمكن تقريبه بنحو لا يرد عليه بعض الإشكالات : وهو أنّ المستفاد من كلمة الحصر وحمل المصدر ؛ أنّ المشركين ليسوا إلاّ حقيقة النجاسة بالمعنى المصدري ، وهو مبنيّ على الادّعاء والتأوّل ، وهو لا يناسب طهارتهم ونظافتهم ظاهراً التي هي بنظر العرف أوضح مقابل للنجاسة وأظهره ، فلا يجوز الحمل على القذارة الباطنية : من كفرهم أو جنابتهم ؛ لبشاعة أن يقال : «إنّ الكافر ليس إلاّ عين القذارة ، لكنّه طاهر نظيف في ظاهره ، كسائر الأعيان الطاهرة» .

بل لو منع من إفادة كلمة «إنّما» الحصر ، يكون حمل المصدر الدالّ على الاتّحاد في الوجود ، موجباً لذلك أيضاً ، كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام.

ص: 420


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 419 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، و : 518 ، الباب 73 .
2- المعتبر 1 : 96 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 164 ؛ جواهر الكلام 6 : 41 و42 .
3- التوبة (9) : 28 .

نعم ، لو قرن الكلام بدعوى اُخرى : هي دعوى أنّ المشركين ليسوا إلاّ بواطنهم ، لكان لإنكار الدلالة وجه ، لكنّها على فرض صحّتها خلاف الأصل .

والحمل على القذارة الصورية العرفية غير جائز ؛ لعدم مطابقته للواقع إن اُريد الحقيقة ، فلا بدّ من ارتكاب تجوّز ؛ وهو دعوى : أ نّه من هو نظيف بينهم كالعدم ، وهي لا تصحّ إلاّ إذا كان النظيف بينهم نادراً يلحق بالعدم ، وهو غير معلوم ، بل معلوم العدم . مع أنّ المجاز خلاف الأصل ، ولا قرينة عليه .

وكذا إن اُريد نجاستهم عرضاً لا بدّ من ارتكاب التجوّز ، وهو أيضاً خلاف الأصل لو فرض كثرة ابتلائهم بحدّ تصحّح الدعوى .

مضافاً إلى أنّ دعوى كونهم عين النجاسة بالمعنى المصدري أو حاصله ، أيضاً لا تتناسب في النجاسة العرضية إلاّ في بعض الأحيان ، كما لو تلوّث جميع البدن تحقيقاً أو تقريباً ، وإلاّ فمع الملاقاة ببعض البدن لا يصحّ دعوى أ نّه عين القذارة ، وتلوّث جميع أفراد المشركين أو أكثرهم - بنحو تصحّ دعوى أنّ جميعهم نجاسة ونجَس بالفتح - معلوم العدم . مع أنّ المجاز خلاف الأصل .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ حمل الآية على إرادة القذارة المعنوية فقط ، غير صحيح لا يناسب البلاغة ، وحملَها على القذارة العرفية حقيقة ، غير موافق للواقع ، وعلى التأوّل غير صحيح ، ومع فرض الصحّة مخالف للأصل ، وكذا على القذارة العرضية .

فبقي احتمال أن يكون المراد به النجاسة الجعلية الاعتبارية ، فهو :

إمّا محمول على الإخبار عن الواقع ، فلا بدّ من مسبوقيته بجعل آخر ، وهو بعيد .

ص: 421

أو على الإخبار في مقام الإنشاء ، فيصحّ دعوى أ نّهم عين القذارة والنجاسة بعد كون جميع أبدانهم قذراً ، سيّما إذا اُريد نجاستهم الباطنية أيضاً ، فتكون دعوى أ نّهم عين القذارة - بعد كونهم ظاهراً وباطناً ملوّثين بالكفر والخباثة والجنابة والقذارة - في غاية البلاغة ، فإبقاء المصدر على ظاهره أبلغ في إفادة المطلوب من حمله على خلاف ظاهره مرادفاً للنجِس بالكسر .

وبما ذكرناه يندفع الإشكال : «بأ نّه نمنع كون «النجَس» في زمان صدور الآية

حقيقة في المعنى المصطلح ، بل المتبادر منه هو المعنى اللغوي الذي هو أعمّ من الاصطلاحي»(1) لما عرفت من أنّ الحمل على المعنى الحقيقي -

أي القذارة العرفية - غير ممكن ، كما تقدّم .

ولو قيل : إنّه يدور الأمر بين حمل «النجَس» على المعنى الحقيقي ، والتصرّف والتأويل في «المشركين» أو العكس ، ولا ترجيح .

يقال : إنّ الترجيح مع حمل «النجَس» على الجعلي الاعتباري ؛ لمساعدة العرف . مع أنّ مصحّح الادّعاء في المشركين غير محقّق ؛ لما تقدّم .

هذا مضافاً إلى ما أشرنا إليه(2) في هذا المختصر : بأنْ ليس للشارع اصطلاح خاصّ في النجاسة والقذارة مقابل العرف ، بل وضع أحكاماً لبعض القذارات العرفية ، وأخرج بعضها عنها ، وألحق اُموراً بها ، فالبول والغائط ونحوهما قذرة عرفاً وشرعاً ، ووضع الشارع لها أحكاماً ، وأخرج مثل النخامة والقيح - ونحوهما من القذارات العرفية - عنها حكماً بلسان نفي الموضوع في بعضها ،

ص: 422


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 236 .
2- تقدّم في الصفحة 11 .

وألحق مثل الكافر والخمر والكلب بها بجعلها نجَساً ؛ أي اعتبر القذارة لها .

ففي الحقيقة أخرج مصاديق من المفاهيم تعبّداً ، وأدخل مصاديق فيه كذلك ؛ من غير تصرّف في المفهوم ، فإن اُريد من الاصطلاح الشرعي ذلك فلا كلام ، وإن اُريد أنّ مفهوم «القذارة» عند الشرع والعرف مختلفان ، فهو ممنوع .

ولا إشكال في أنّ الأحكام الشرعية كانت مترتبة على قذارات - كالأخبثين وغيرهما - في عصر الشارع الأقدس ، فقوله تعالى : )إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ

نَجَسٌ((1) محمول على النجاسة بمفهومها ، لكن لا بمعنى الإخبار عن الواقع ، فإنّه غير محقّق ، ومع فرض تحقّقه لا يكون الإخبار به وظيفة الشارع ، بل بمعنى جعل ما ليس بمصداق مصداقاً تعبّداً ، وهو الأقرب بعد قيام القرينة العقلية والعادية ، كما عرفت الكلام فيها مستقصىً(2) .

فتحصّل من ذلك : أنّ دلالة الآية الكريمة بالنسبة إلى المشركين تامّة .

وأمّا بالنسبة إلى الذمّي :

فقد يقال بانسلاكه فيهم(3) ؛ لقوله تعالى : )وَقَالَتِ ا ليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّه ِ . . .( إلى قوله : )سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ((4) .

وفيه : أنّ تلك الآية مسبوقة باُخرى ؛ وهي : )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللّه ِ وَا لْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا اُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً

ص: 423


1- التوبة (9) : 28 .
2- تقدّم في الصفحة 11 - 13 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 166 .
4- التوبة (9) : 30 - 31 .

لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ( .

والمراد باتّخاذهم أرباباً ليس ما هو ظاهرها ؛ لعدم قولهم باُلوهيتهم ، ففي

«مجمع البيان» عن الثعلبي ، عن عديّ بن حاتم في حديث قال : انتهيت إليه - أي إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - وهو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية : )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ . . .( حتّى فرغ منها ، فقلت له : لسنا نعبدهم ، فقال : «أليس يحرّمون ما أحلّ اللّه فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم اللّه فتستحلّونه ؟» قال : قلت : بلى ، قال : «فتلك عبادتهم»(1) .

وقريب منها في رواياتنا (2) ، فعليه لا يكون الشرك بمعناه الحقيقي .

إلاّ أن يقول النصارى : بأنّ المسيح اللّه ، كما قال تعالى : )أ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّى إِلهَيْنِ((3) .

وقال تعالى في الآية المتقدّمة : )وَا لْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ( ولم ينفه عديّ بن حاتم ، بل الظاهر نفي عبادتهم للأحبار والرهبان .

وقال تعالى : )لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ((4) .

قال في «المجمع» : «القائلون بهذه المقالة جمهور النصارى : من الملكانية ، واليعقوبية ، والنسطورية ؛ لأ نّهم يقولون بثلاثة أقانيم»(5) .

ص: 424


1- مجمع البيان 5 : 37 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 86 - 87 ؛ مجمع البيان 5 : 37 .
3- المائدة (5) : 116 .
4- المائدة (5) : 73 .
5- مجمع البيان 3 : 353 .

وفي «مجمع البحرين» : «قيل : هو ردّ على النصارى لإثباتهم قدم الاُقْنوم»(1) انتهى .

وقال تعالى : )لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ هُوَ ا لْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ا لْمَسِيحُ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللّه َ رَبِّى وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّه ِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّه ُ عَلَيْهِ ا لْجَنَّةَ((2) .

حيث يظهر منها شركهم . ولعلّه لقولهم بأنّ المسيح هو الربّ المتجسّد في الناسوت ؛ حتّى أنّ صاحب «المنجد» المسيحي قال : «المسيح : لقب الربّ ، يسوع ابن اللّه المتجسّد» وقال : «المسيحي : المنسوب إلى المسيح الربّ»(3) .

تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً .

وفي «مجمع البيان» : «هذا مذهب اليعقوبية منهم ؛ لأ نّهم قالوا : إنّ اللّه اتّحد بالمسيح اتّحاد الذات ، فصارا شيئاً واحداً ، وصار الناسوت لاهوتاً ، وذلك قولهم : إنّه الإله»(4) .

وكيف كان : لا يمكن لنا إثبات الشرك لجميع طوائفهم ، ولا إثباته لليهود مطلقاً .

وليس في قول النصارى : )ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ((5) إشعار بأنّ اليهود قائلون : إنّه

ص: 425


1- مجمع البحرين 2 : 239 .
2- المائدة (5) : 72 .
3- المنجد (الطبعة الثانية) : 560 .
4- مجمع البيان 3 : 352 .
5- المائدة (5) : 73 .

ثاني اثنين ، ومجرّد القول : بأنّ عزيراً ابن اللّه لا يوجب الشرك وإن لزم منه الكفر . مع أنّ القائلين بذلك - على ما قيل(1) - طائفة منهم قد انقرضوا .

وأمّا المجوس :

فإن قالوا بإلهية النور والظلمة ، أو يزدان وأهْرمن ، فهم مشركون داخلون في إطلاق الآية الكريمة . مع احتمال أن يكون المراد بالمشركين في الآية هو مشركو العرب ؛ أي الوثنيون .

كما أنّ الطبيعيين من الكفّار والمنتحلين للإسلام ، خارجون عن الشرك ، فالآية الشريفة غير وافية لإثبات تمام المدّعى ؛ أي نجاسة تمام صنوف الكفّار .

واستدلّ المحقّق لنجاستهم(2) بقوله تعالى : )كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّه ُ ا لرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ((3) .

وهو مشكل مع اشتراكه بين العذاب واللعنة وغيرهما ؛ وإن حكي عن الشيخ في «التهذيب» : «أنّ )ا لرِّجْسَ( هو النجس بلا خلاف»(4) .

وقال في «المجمع» : «ظاهره أ نّه لا خلاف بين علمائنا في أ نّه في الآية بمعنى النجس»(5) انتهى .

ولعلّ دعواه ناشئة من عدم الخلاف في نجاستهم ، وإلاّ فلم يفسّره

ص: 426


1- مجمع البيان 5 : 36 .
2- المعتبر 1 : 96 .
3- الأنعام (6) : 125 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 278 ، ذيل الحديث 816 .
5- مجمع البحرين 4 : 74 .

المفسّرون به ، كما يظهر من المحقّق(1) ، ولم يحتمله في «مجمع البيان» ولم ينقله من أحد(2) ، مع أنّ بناءه على نقل الأقوال .

التمسّك بطوائف من الروايات لإثبات نجاسة أهل الكتاب وما فيه

واستدلّ على نجاسة أهل الكتاب بروايات مستفيضة ، وهي على طوائف :

منها : ما وردت في النهي عن مصافحتهم ، والأمر بغسل اليد إن صافحهم ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام : في رجل صافح رجلاً مجوسياً ، فقال : «يغسل يده ، ولا يتوضّأ»(3) .

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى علیه السلام قال : سألته عن مؤاكلة المجوسي في قَصْعة واحدة ، وأرقد معه على فراش واحد ، واُصافحه ، قال : «لا»(4) . وقريب منها صحيحته الاُخرى(5) .

فإنّ الأمر بالغسل محمول على ما إذا كان في اليد رطوبة سارية ، فهو ظاهر في نجاستهم ، كالأمر بغسل الثوب من ملاقاة الكلب(6) .

ص: 427


1- المعتبر 1 : 96 .
2- راجع مجمع البيان 4 : 562 .
3- الكافي 2 : 650 / 12 ؛ وسائل الشيعة 3 : 419 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 3 .
4- الكافي 6 : 264 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 6 .
5- تأتي في الصفحة 429 .
6- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .

وفيه : أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى صحيحة ابن مسلم لو لا سائر الروايات ، وأمّا مع ملاحظتها فالظاهر منها أنّ مصافحة الذمّي مرجوح نفساً ؛ لأجل ترك المحابّة معهم ، والأمر بالغسل محمول على الاستحباب لإظهار التنفّر والانزجار عنهم ؛ سواء كانت اليد مرطوبة أو لا .

والدليل على المرجوحية مطلقاً - مضافاً إلى رواية الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه علیهم السلام عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «أ نّه نهى عن مصافحة الذمّي»(1) - صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة ، وصحيحته الاُخرى الظاهرتان في أنّ المصافحة معهم مطلقاً مرجوح . وحمل النهي فيها على الغيري خلاف الظاهر ، سيّما في مثل المقام ممّا يعلم مرجوحية إظهار الموادّة معهم بأيّ نحو كان .

ويؤيّده بل يدلّ عليه إرداف النهي عن المصافحة بالرقود مع المجوس على فراش واحد ، وبالنهي عن إقعاد اليهودي والنصراني على فراشه ومسجده في صحيحته الاُخرى .

وتدلّ على أنّ الغسل ليس للتطهير بل لإظهار التنفّر - مضافاً إلى ما تقدّم - رواية خالد القَلانسي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ألقى الذمّي فيصافحني ، قال : «امسحها بالتراب أو بالحائط» . قلت : فالناصب ، قال : «اغسلها»(2) .

فإنّ الظاهر منها أنّ الموضوع في الموردين واحد ، فيكون المسح بالتراب أو

ص: 428


1- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيع-ة 12 : 225 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 127 ، الحديث 7 .
2- الكافي 2 : 650 / 11 ؛ وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 4 .

الحائط لإظهار نفرة وانزجار منهم ، وهو في الناصب أشدّ . ويمكن أن يكون الغسل في الناصب للنجاسة ، والمسح في الذمّي لإظهار النفرة ، فالرواية دالّة على طهارتهم .

وموثّقة أبي بصير ، عن أحدهما علیهما السلام : في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني قال : «من وراء الثوب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك»(1) .

والظاهر منها أنّ غسل اليد ليس للنجاسة ، وإلاّ لكان يأمر بغسل الثوب أيضاً ، بل لأجل التماسّ مع يدهما ، وهو نحو انزجار ونفور . والحمل على عرق اليدين مشترك ، والتفكيك كما ترى ، فتلك الطائفة أجنبيّة عن الدلالة على النجاسة .

ومنها : ما دلّت على النهي عن مؤاكلتهم في قَصْعة واحدة ، كصحيحة علي ابن جعفر المتقدّمة وصحيحته الاُخرى ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن فراش اليهودي والنصراني ، ينام عليه ؟ قال : «لا بأس ، ولا يصلّى في ثيابهما ، ولا يأكل المسلم مع المجوسي في قَصْعة واحدة ، ولا يقعده على فراشه ، ولا مسجده ، ولا يصافحه . . .»(2) إلى آخره .

وصحيحة هارون بن خارجة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي اُخالط المجوس ، فآكل من طعامهم ؟ فقال : «لا»(3) .

ص: 429


1- الكافي 2 : 650 / 10 ؛ وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 263 / 766 ؛ وسائل الشيعة 3 : 421 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 10 .
3- الكافي 6 : 264 / 8 ؛ وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 7 .

والظاهر منها النهي عن المؤاكلة ، فتدلّ على نجاستهم .

وفيه : أ نّه لا دلالة لها على النجاسة ؛ لقوّة احتمال مرجوحية المؤاكلة معهم مطلقاً ، لا للسراية ، كما أ نّه مقتضى إطلاقها الشامل لليابس ، سيّما مع اشتمالها على النهي عن الإقعاد على الفراش والمسجد ونحوهما .

وتشهد له حسنة الكاهلي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قوم مسلمين يأكلون ، وحضرهم رجل مجوسي ، أيدعونه إلى طعامهم ؟ فقال : «أمّا أنا فلا اُؤاكل المجوس ، وأكره أن اُحرّم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم»(1) .

والمراد من التحريم المنع ، وظاهرها أنّ الحكم على سبيل التنزّه لا الحرمة ، كما هو ظاهر هذا التعبير في غير واحد من المقامات .

وصحيحةُ عِيص بن القاسم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي ، فقال : «إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس»(2) .

وصحيحتهُ الاُخرى قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني ، فقال : «لا بأس إذا كان من طعامك» .

وسألت عن مؤاكلة المجوسي ، فقال : «إذا توضّأ فلا بأس»(3) .

ولعلّ المراد بالتوضّي الاستنجاء بالماء ، أو غسل يده . وهما ظاهرتا الدلالة

ص: 430


1- الكافي 6 : 263 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 419 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 263 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 208 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 53 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 88 / 373 ؛ وسائل الشيعة 24 : 209 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 53 ، الحديث 4 .

في عدم نجاستهم ، والنهي عن مؤاكلتهم على سبيل الكراهة مطلقاً ، أو في بعض الصور .

ومنها : ما وردت في النهي عن آنيتهم ، كصحيحة إسماعيل بن جابر قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «لا تأكل ذبائحهم ، ولا تأكل في آنيتهم» يعني أهل الكتاب(1) ونحوها روايته الاُخرى(2) وكذا رواية عبداللّه بن طلحة(3) .

وصحيحةِ محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس ، فقال : «لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم الذي يشربون فيه الخمر»(4) . بدعوى : أنّ النهي عنه ظاهر في نجاستهم .

وفيها : أنّ هاهنا احتمالين آخرين أقرب ممّا ذكر :

أحدهما : احتمال المرجوحية النفسية ؛ لكون الأكل في آنيتهم أيضاً نحو عِشْرة معهم .

والدليل عليه -

مضافاً إلى أنّ إطلاقها يقتضي منع الأكل من مطلق أوانيهم ؛

ص: 431


1- الكافي 6 : 240 / 13 ؛ وسائل الشيعة 24 : 55 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 27 ، الحديث 10 .
2- الكافي 6 : 240 / 11 ؛ وسائل الشيعة 24 : 54 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 27 ، الحديث 7 .
3- المحاسن : 584 / 72 ؛ وسائل الشيعة 24 : 212 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 7 .
4- الكافي 6 : 264 / 5 ؛ وسائل الشيعة 24 : 210 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 3 .

سواء كان المأكول يابساً أو لا ، والآنية يابسة أو لا - رواية زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في آنية المجوس ، فقال : «إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء»(1) .

فإنّ الظاهر منها أنّ المنع ليس لنجاستهم ، وإلاّ لما قيّده بالاضطرار .

نعم ، ظاهر الأمر بالغسل نجاسة إنائهم ، وإطلاقه يقتضي نجاستهم ؛ وإن أمكن أن يقال : إنّ إطلاقه يقتضي لزوم غسل إنائهم ولو لم يستعملوه في المائعات ، أو شكّ فيه ، فيكون الغسل نحو نفور وانزجار عنهم ، تأمّل .

ثانيهما : أنّ الأمر بالغسل لكونها مستعملة في أكل النجس وشربه ، وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن آنية أهل الكتاب ، فقال : «لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير»(2) .

وصحيحةُ إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ فقال : «لا تأكله» ثمّ سكت هنيئة ، ثمّ قال : «لا تأكله» ثمّ سكت هنيئة ، ثمّ قال : «لا تأكله ، ولا تتركه ، تقول : إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه» «تنزّهاً» - خ . ل - «عنه ؛ إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير»(3) .

وهما مفسّرتان لسائر الروايات ، وظاهرتان في طهارتهم ، وشاهدتان للجمع

ص: 432


1- المحاسن : 584 / 73 ؛ وسائل الشيعة 24 : 212 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 88 / 371 ؛ وسائل الشيعة 24 : 211 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 6 .
3- الكافي 6 : 264 / 9 ؛ وسائل الشيعة 24 : 210 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 4 .

بين جميع الروايات ؛ لو فرضت دلالتها على النجاسة في نفسها .

ومنها : ما وردت في سؤرهم ، كصحيحة سعيد الأعرج - بناءً على كونه ابن عبد الرحمان ، كما هو الظاهر - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن سؤر اليهودي والنصراني ، فقال : «لا»(1) .

ومرسلة الوشّاء ، عمّن ذكره ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه كره سؤر ولد الزنا ، وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك ، وكلّ من خالف الإسلام ، وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب»(2) .

بناءً على كون الكراهة الانزجار على نحو الالتزام .

وفيه : - مضافاً إلى معارضتهما بما هو كالصريح في الطهارة ؛ أعني موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أ نّه يهودي ؟ فقال : «نعم» فقلت : من ذلك الماء الذي يشرب منه ؟ ! قال : «نعم»(3) .

والظاهر أنّ المراد بقوله : «على أ نّه يهودي» أ نّه على فرض كون الرجل يهودياً . والحمل على الظنّ بكونه يهودياً خلاف الظاهر .

وصحيحةَ إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا علیه السلام : الجارية النصرانية

ص: 433


1- الكافي 3 : 11 / 5 ؛ وسائل الشيعة 1 : 229 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 11 / 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 229 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 3 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 223 / 641 ؛ وسائل الشيعة 1 : 229 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 3 ، الحديث 3 .

تخدمك ، وأنت تعلم أ نّها نصرانية ؛ لا تتوضّأ ، ولا تغتسل من جنابة ، قال : «لا بأس ، تغسل يديها»(1) .

ومقتضى الجمع بينهما وبين ما تقدّم حمل النهي على الكراهة ؛ لاحتمال النجاسة العرفية بل الصحيحة الأخيرة شاهدة للجمع بين الروايات المتفرّقة كما هو واضح - أ نّه يمكن منع دلالتهما :

أمّا الثانية : فهي على خلاف المطلوب أدلّ ، سيّما مع اقترانه بولد الزنا .

وأمّا الاُولى : فلأنّ استفادة نجاستهم منها ، إنّما هي بمدد ارتكاز العقلاء

على أنّ النهي عن سؤرهم لانفعال الماء منه ، كما تستفاد النجاسة في سائر النجاسات من الأمر بالغسل ، أو النهي عن الصلاة فيها ، أو نحو ذلك ، وهو في المقام ممنوع بعد الاحتمال العقلائي المعوّل عليه بأنّ الشرب من سؤرهم وفضلهم - بما أ نّهم أعداء اللّه - كان منهيّاً عنه ومنفوراً ، سيّما مع ورود النهي عن مؤاكلتهم ومصافحتهم ، والنوم معهم على فراش واحد ، وإقعادهم على الفراش والمسجد(2) ، فإنّها توجب قوّة احتمال أن تكون النواهي الواردة فيهم ، نواهيَ نفسية لتجنّب المسلمين ونفورهم عنهم ، لا لنجاستهم العرضية أو الذاتية ، بل لمحض كونهم مخالفين للإسلام وأعداء اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم .

ويؤيّده قوله في المرسلة : «وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب» .

ص: 434


1- تهذيب الأحكام 1 : 399 / 1245 ؛ وسائل الشيعة 3 : 422 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 11 .
2- راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 427 .

وبالجملة : لو لم نقل بأنّ تلك النواهي ظاهرة في ذلك ، فلا أقلّ من الاحتمال الراجح أو المساوي ، فلا يستفاد منها نجاستهم بوجه .

وممّا ذكرناه يظهر الكلام في روايات اُخر ، كموثّقة عبداللّه بن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال :

«وإيّاك أن تغتسل من غُسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غُسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم ؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه»(1) .

فإنّ استفادة نجاستهم منها لمقارنتهم بالناصب ، مع تصريحه بأ نّهم «أنجس من الكلب» وهي لم تصل إلى حدّ الدلالة ، فضلاً عن معارضة غيرها .

ولو سلّمت دلالتها فمقتضى الجمع بينها وبين ما هو كالصريح في طهارتهم ، حملها على الكراهة ، أو على ابتلائهم بالنجاسات .

مضافاً إلى قيام شواهد على ذلك في روايات المنع عن الاغتسال بغسالة الحمّام ، أو على الحمل على الكراهة ، كالتعليل بأنّ فيها غسالة ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء(2) ؛ لمعلومية أنّ الطهارة فيها غير ما تقابل نجاسة ظاهر أبدانهم ، كرواية محمّد بن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : «من

ص: 435


1- علل الشرائع : 292 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 220 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 5 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 4 .

اغتسل من الماء الذي قد اغتُسل فيه فأصابه الجُذام ، فلا يلومنّ إلاّ نفسه» .

فقلت لأبي الحسن : إنّ أهل المدينة يقولون : إنّ فيه شفاء من العين ، فقال :

«كذبوا ، يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرّهما وكلّ من خلق اللّه ، ثمّ يكون فيه شفاء من العين ؟ !»(1) . بناءً على أنّ المراد ، الغسل من غسالة الحمّام .

وعنه علیه السلام في حديث أ نّه قال : «لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا ، ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم»(2) .

وغيرها ممّا تشعر أو تدلّ على الكراه-ة . هذا إذا كان المراد م-ن «الغسالة» غير ماء الحمّام ، كما لا يبعد .

وأمّا لو كان المراد ذلك ، فلا إشكال في كونها محمولة على الكراهة ؛ للمستفيضة الدالّة على عدم انفعال ماء الحمّام ، وأ نّه «كماء النهر»(3) و«لا ينجّسه شيء»(4) فعليها أيضاً تحمل صحيحة علي بن جعفر : أ نّه سأل أخاه موسى

ص: 436


1- الكافي 6 : 503 / 38 ؛ وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 498 / 10 ؛ وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 14 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 ، الحديث 7 .
4- قرب الإسناد : 309 / 1205 ؛ وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 ، الحديث 8 .

ابن جعفر علیه السلام عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام ، قال : «إذا علم أ نّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام ، إلاّ أن يغتسل وحده على الحوض ، فيغسله ثمّ يغتسل» .

وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال :

«لا ، إلاّ أن يضطرّ إليه»(1) .

فإنّ الظاهر منها الاغتسال بماء الحمّام ، لا غسالته المجتمعة في البئر ، فلا محيص عن الحمل على الكراهة ؛ لعدم انفعاله . مع أنّ الظاهر من ذيلها طهارتهم . والحمل على الاضطرار للتقيّة ، كما ترى .

ومنها : ما وردت فيما يعملون من الثياب أو يستعيرونها (2) فإنّها وإن اشتملت على نفي البأس غالباً ، لكن يظهر منها معهودية نجاستهم .

وفيه : أ نّها أعمّ من الذاتية ، كما تشعر أو تدلّ على العرضية نفس الروايات . مع أ نّها لا تقاوم الأدلّة الصريحة أو كالصريحة بطهارتهم ، كما مرّت(3) .

فتحصّل من جميع ذلك : أنْ لا دليل على نجاسة أهل الكتاب ولا الملحدين ما عدا المشركين ، بل مقتضى الأصل طهارتهم . بل قامت الأدلّة على طهارة الطائفة الاُولى . بل هي مقتضى الأخبار الكثيرة الدالّة على جواز تزويج الكتابية(4)

ص: 437


1- تهذيب الأحكام 1 : 223 / 640 ؛ وسائل الشيعة 3 : 421 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 9 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 518 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 73 و74 .
3- تقدّمت في الصفحة 433 .
4- راجع وسائل الشيعة 20 : 536 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالكفر ، الباب 2 .

واتّخاذها ظِئراً (1) ، وتغسيل الكتابي للميّت المسلم بعض الأحيان(2) . . . إلى غير ذلك . ويؤيّدها مخالطة الأئمّة علیهم السلام وخواصّهم للعامّة غير المتحرّزين عن معاشرتهم .

فالمسألة مع هذه الحال التيتراها لا ينبغي وقوع خطأ عمّن له قدم في الصناعة فيها ، فضلاً عن أكابر أصحاب الفنّ ومهرة الصناعة ، فكيف بجميع طبقاتهم ؟ !

ومن ذلك يعلم : أنّ المسألة معروفة بينهم من الأوّل ، وأخذ كلّ طائفة من سابقتها . . . وهكذا إلى عصر الأئمّة علیهم السلام والتمسّك بالأدلّة أحياناً ليس لابتناء الفتوى عليها .

ولقد أجاد العلَم المحقّق صاحب «الجواهر» قدّس اللّه نفسه حيث قال : «فتطويل البحث في المقام تضييع للأيّام في غير ما أعدّ له الملك العلاّم»(3) وتعريض بعض الأجلّة عليه(4) وقع في غير محلّه ، وخروجٌ عن الحدّ في حقّ من عجز البيان عن وصفه ، وعقم الدهر عن الإتيان بمثله في التحقيق والتدقيق ، والكرّ والفرّ ، والرتق والفتق ، وجودة الذهن ، وثقابة الفكر ، والإحاطة

بأطراف المسائل والآثار والدلائل ، شكر اللّه سعيه ، ونضّر اللّه وجهه ، وجزاه اللّه

عنّا وعن الإسلام أفضل الجزاء .

ص: 438


1- راجع وسائل الشيعة 21 : 464 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب 76 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 515 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 19 .
3- جواهر الكلام 6 : 44 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 259 .
عدم الفرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة وغيره

ثمّ إنّه لا فرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة وما لا تحلّه ، لا للآية الكريمة المتقدّمة(1) الظاهرة في نجاسة المشرك الذي هو الموجود الخارجي بجميع أجزائه ، ك- «الكلب» الذي هو اسم للموجود كذلك ، وتتميمه بعدم القول بالفصل .

ولا لما دلّ على نجاسة الناصب بعنوانه الشامل لما ذكر(2) ، وتتميمه بما ذكر ؛ وإن كان لهما وجه .

بل لإطلاق معاقد الإجماعات وإطلاق فتاوى الأصحاب(3) ؛ لعدم تعقّل طهارة ما لا تحلّه الحياة من الكفّار وعدم استثناء الفقهاء ، مع شمول اللفظ للموجود بجميع أجزائه ، وهل هذا إلاّ الفتوى بغير ما أنزل اللّه تعالى ، وهل ترى أنّ استثناء ما لا تحلّ في الميتة وقع من باب الاتّفاق ، كعدم الاستثناء هاهنا ؟ !

ولو كان اللفظ غير شامل له عندهم ، واحتمل خطأ الكلّ في مثل هذا الأمر الواضح ، فلِمَ استثنوها في الميتة(4) ، وتركوها هاهنا ؟ ! بل ليس ذلك إلاّ لعدم كونها مستثناةً عندهم .

نعم ، مقتضى كلام السيّد في «الناصريات» واستدلاله في خروج ما لا تحلّه الحياة في الكلب والخنزير(5) ، جريان بحثه هاهنا أيضاً ، لكنّه ضعيف .

ص: 439


1- تقدّمت في الصفحة 420 .
2- تقدّمت في الصفحة 434 - 435 .
3- تقدّمت في الصفحة 412 - 413 .
4- تقدّم في الصفحة 143 .
5- مسائل الناصريات : 101 .
إلحاق المتولّد من الكافرين بالكافر

ويلحق بالكافر ما تولّد من الكافرين ، كما عن «المبسوط» و«التذكرة» و«الإيضاح» و«كشف الالتباس»(1) وعن الاُستاذ : «أنّ الصبيّ الذي يبلغ مجنوناً نجس عند الأصحاب»(2) وهو مؤذن بالإجماع .

وعن «الكفاية» : «أ نّه مشهور»(3) وقرّبه العلاّمة(4) ، قيل : «وهو مؤذن بالخلاف»(5) وهو غير معلوم . وفي جهاد «الجواهر» دعوى الإجماع بقسميه على تبعية الولد لوالديه في النجاسة والطهارة(6) .

وعن جملة من الكتب دعوى الإجماع صريحاً على تبعية الولد المسبيّ مع أبويه لهما في النجاسة(7) . والدليل عليها - مضافاً إلى ذلك ، وإلى احتمال صدق «اليهودي» و«النصراني» و«المجوسي» على أولادهم ، كما جزم به النراقي حتّى في الناصب(8) ؛ وإن لا يخلو من نظر ، بل منع ، سيّما في الأخير ، وإلى

ص: 440


1- المبسوط 3 : 342 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 68 ؛ إيضاح الفوائد 2 : 141 ؛ كشف الالتباس 1 : 402 .
2- مصابيح الظلام 4 : 519 - 520 .
3- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 60 .
4- نهاية الإحكام 1 : 274 .
5- مفتاح الكرامة 2 : 41 .
6- جواهر الكلام 21 : 134 - 135 .
7- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 381 و384 ؛ الخلاف 5 : 533 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 10 : 414 ؛ جواهر الكلام 21 : 138 ، و38 : 184 .
8- مستند الشيعة 1 : 209 .

صدق العناوين على أطفالهم المميّزين المظهرين لدين آبائهم ، سيّما مع قربهم

بأوان التكليف ، مع عدم القول بالفصل جزماً - السيرة القطعية على معاملة الطائفة الحقّة معهم معاملة آبائهم في الاحتراز عنهم ، وإلحاقهم بآبائهم ، وعدم التفريق بينهم .

وأمّا سائر الاستدلالات فغير تامّ ، كالاستصحاب ، وتنقيح المناط عند أهل الشرع ، حيث إنّهم يتعدّون من نجاسة الأبوين ذاتاً إلى أولادهما ، وهو شيء مركوز في أذهانهم(1) ؛ إن لم يرجع إلى ما تقدّم من السيرة القطعية .

وكقوله تعالى : )وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (2)((3) .

وقولِه صلی الله علیه و آله وسلم : «أبواه يهوّدانه»(4) بدعوى أنّ المراد منه يجعلانه تبعاً لهما في التهوّد(5) .

وصحيحة عبداللّه بن سِنان(6) وغيرها (7) ممّا وردت في أولاد الكفّار(8) .

ص: 441


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 261 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 381 .
2- نوح (71) : 27 .
3- اُنظر إيضاح الفوائد 2 : 141 ؛ جواهر الكلام 6 : 45 - 46 .
4- يأتي في الصفحة 443 .
5- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 114 .
6- قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث ، قال : «كفّار . . .» إلى آخره . الفقيه 3 : 317 / 1544 .
7- كرواية وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهماالسلام قال : قال علي عليه السلام : «أولاد المشركين مع آبائهم في النار . . .» إلى آخره . الفقيه 3 : 317 / 1543 .
8- الحدائق الناضرة 5 : 198 ؛ جواهر الكلام 6 : 44 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 381 .

ورواية حفص بن غياث قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب ، فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك ، فقال : «إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار ، وهم أحرار ، وولده ومتاعه ورقيقه له ، وأمّا الولد الكبار فهم فيء للمسلمين ، إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل ذلك . . .»(1) إلى آخره .

لما مرّ في نظائره : من أنّ الطفل في بطن اُمّه ليس من أجزائها (2) .

واستصحاب الكلّي الجامع بين الذاتية والعرضية ، قد عرفت ما فيه(3) .

وتنقيح المناط - إن لم يرجع إلى السيرة المتقدّمة - ممنوع بعد عدم كفر الصغار وعدم نصبهم .

ولا يراد من عدم توليدهم إلاّ فاجراً كفّاراً ، هو كونهم كذلك لدى الولادة ؛ ضرورة عدم كونه فاجراً ، بل المراد أ نّهم يصيرون كذلك بسوء تربيتهم وتلقيناتهم ، وهو المراد من تهويد الوالدين .

والروايات المشار إليها - مع مخالفتها لاُصول العدلية - غير مربوطة بعالم

التكليف . مضافاً إلى معارضتها لجملة اُخرى من الروايات الدالّة على امتحانهم في الآخرة بتأجيج النار ، وأمرهم بالدخول فيها (4) .

ص: 442


1- تهذيب الأحكام 6 : 151 / 262 ؛ وسائل الشيعة 15 : 116 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 43 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 235 .
3- تقدّم في الصفحة 235 - 236 .
4- راجع الكافي 3 : 248 / 1 و2 و6 و7 .

ورواية حفص - مع الغضّ عن سندها - لا تدلّ على المقصود ؛ لأنّ قوله علیه السلام : «إسلامه إسلام . . .» إلى آخره ، ليس على وجه الحقيقة ، بل على نحو التنزيل ، ولم يتّضح التنزيل من جميع الجهات وإن لا يبعد . ثمّ لو سلّم ذلك لا تدلّ على عمومه للكفر أيضاً ، كما لا يخفى .

وأمّا الاستدلال على طهارتهم بالأصل(1) ، وقوله تعالى : )فِطْرَتَ اللّه ِ ا لَّتِى فَطَرَ ا لنَّاسَ عَلَيْهَا((2) المفسّر بفطرة التوحيد والمعرفة والإسلام(3) .

وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «كلّ مولود يولد على فطرة الإسلام ثمّ أبواه يهوّدانه . . .(4) »(5).

ففيه ما لا يخفى ؛ لانقطاع الأصل بما تقدّم ، وعدم كون المراد من فطرة التوحيد أو الإسلام هو كونهم موحّدين مسلمين ، بل المراد - ظاهراً - أ نّهم مولودون على وجهٍ لو لا إضلال الأبوين وتلقيناتهما ، لاهتدوا بنور فطرتهم إلى تصديق الحقّ ورفض الباطل عند التنبّه على آثار التوحيد وأدلّة المذهب الحقّ ، وهو المراد من النبوي المعروف .

ص: 443


1- غنائم الأيّام 1 : 420 .
2- الروم (30) : 30 .
3- الكافي 2 : 12 ، باب فطرة الخلق على التوحيد .
4- عوالي اللآلي 1 : 35 / 18 ؛ وسائل الشيعة 15 : 125 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 48 ، الحديث 3 (مع اختلاف) ؛ صحيح مسلم 5 : 212 - 214 .
5- كما ا ستدلّ به الشيخ الأعظم قدس سره . راجع الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 114 .
إلحاق الولد الكافر بأشرف أبويه

ولو أسلم أحد الأبوين اُلحق به ولده ، لا لقوله علیه السلام : «الإسلام يعلو ، ولا يعلى عليه(1)»(2) لمنع دلالته على ذلك ؛ لاحتمال أن يكون المراد منه غلبة حجّته على سائر الحجج . أو يكون المراد منه عدم علوّ غير المسلم على المسلم ، نظير قوله : )وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه ُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ا لْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً((3) .

ولا لقوله تعالى : )وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ . . .(4) ((5) لكونه أجنبيّاً عمّا نحن بصدده .

ولا للنبوي : «كلّ مولود . . .(6) »(7) ؛ لما تقدّم(8) .

ولا لكون عمدة دليل الحكم بالتبعية الإجماع والسيرة ، فليقتصر على القدر المتيقّن منهما ؛ وهو ثبوت الحكم مع تبعيته لهما ، ومقتضى الأصل الطهارة(9) ؛ لما

ص: 444


1- الفقيه 4 : 243 / 778 ؛ وسائل الشيعة 26 : 14 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب موانع الإرث ، الباب 1 ، الحديث 11 .
2- كما استدلّ به في جواهر الكلام 21 : 136 ومصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 262 .
3- النساء (4) : 141 .
4- الطور (52) : 21 .
5- كما استدلّ به في الخلاف 3 : 591 .
6- تقدّم تخريجه في الصفحة 443.
7- كما استدلّ به في الخلاف 3 : 591 .
8- تقدّم في الصفحة 443 .
9- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 262 .

يأتي من جريان استصحاب النجاسة فيه وفي المسبيّ(1) .

بل لعدم نقل الخلاف في المسألة ، ودعوى الشيخ الإجماع عليها في لقطة «الخلاف» .

قال : «إذا أسلمت الاُمّ وهي حبلى من مشرك ، أو كان لها منه ولد غير بالغ ،

فإنّه يحكم للولد والحمل بالإسلام ويتبعانها» ثمّ قال : «دليلنا : إجماع الفرقة» وفي نسخة : «وأخبارهم»(2) .

وفي جهاد «الجواهر»(3) نفى وجدان الخلاف عنها ، كما اعترف به بعضهم ، واستدلّ برواية حفص بن غياث المتقدّمة(4) ، ولا يبعد دعوى عموم التنزيل فيها تمسّكاً بإطلاقه .

حكم ولد الكافر المسبيّ

وأمّا المسبيّ ، فإن انفرد عن أبويه ففي إلحاقه بالسابي المسلم في مطلق الأحكام ، أو في الطهارة فقط ، أو عدم الإلحاق مطلقاً ، وجوه ؛ أوجهها الأخير ؛ لاستصحاب نجاسته المتيقّنة قبل السبي ، وكذا غيرها من الأحكام .

واستشكل الشيخ الأعظم فيه :

«بأنّ الدليل على ثبوت النجاسة للطفل هو الإجماع ، ولم يعلم ثبوتها لنفس الطفل أو الطفل المصاحب للأبوين ، فلعلّ لوصف المصاحبة مدخلاً في الموضوع

ص: 445


1- يأتي في الصفحة 445 .
2- الخلاف 3 : 591 .
3- جواهر الكلام 21 : 135 .
4- تقدّمت في الصفحة 443 .

الذي يعتبر القطع ببقائه في جريان الاستصحاب»(1) .

وإليه يرجع ما في كلام بعض أهل التحقيق في الإشكال على استصحاب نجاسة من أسلم أحد أبويه : «بتبدّل الموضوع وعدم بقائه عرفاً ؛ لأنّ وصف التبعية من مقوّمات الموضوع عرفاً في مثل هذه الأحكام الثابتة له بالتبع» .

وأضاف إليه : «أنّ الاستصحاب فيه من قبيل الشكّ في المقتضي»(2) .

والجواب عنه ما مرّ مراراً (3) : من أنّ المعتبر في جريان الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ؛ من غير مدخلية لبقاء موضوع الدليل الاجتهادي وعدمه ، بل ومع القطع بعدم بقاء ما اُخذ في موضوعه ، فلو علمنا بأنّ المأخوذ في الدليل الاجتهادي هو الطفل المصاحب لأبويه ، لكن كان الدليل قاصراً عن نفي الحكم عمّا بعد المصاحبة ، وشككنا في بقاء الحكم ؛ لاحتمال أن يكون وصف المصاحبة واسطة في الإثبات ودخيلاً في ثبوت الحكم ، لا في بقائه ، فلا إشكال في جريانه ؛ لأ نّا على يقين من أنّ الطفل الموجود في الخارج ، كان نجساً ببركة الكبرى الكلّية المنضمّة إلى الصغرى الوجدانية ، فيشار إلى الطفل الموجود ويقال :

«هذا كان مصاحباً لأبويه الكافرين ، وكلّ طفل كان كذلك كان نجساً ولو لأجل مصاحبته ، فهذا كان نجساً» وهو القضيّة المتيقّنة المتّحدة مع القضيّة المشكوك فيها .

ص: 446


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 113 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 263 .
3- تقدّم في الصفحة 123 و195 .

ولو قيل : إنّ القضيّة المتيقّنة ببركة الدليل الاجتهادي ، لا بدّ وأن تكون على طبقه ، وهو لم يثبت الحكم على نفس الذات ، بل على الذات الموصوفة ، وهي غير باقية .

يقال له : إنّ الذات الموصوفة متّحدة الوجود في الخارج مع الذات ، ولا يعقل حصول القطع بنجاسة الذات الموصوفة الخارجية ، وعدم حصول القطع بنجاسة الذات .

والتفكيك بين العناوين الكلّية ، لا يستلزم التفكيك في الموجود الخارجي عرفاً . فإذا كان زيد عالماً في الخارج ، يحصل القطع بأنّ ابن عمرو وابن أخ خالد عالم ؛ لمكان الاتّحاد ولو كانت العناوين مختلفة .

وبالجملة : إنكار العلم بأنّ الطفل الموجود المسمّى بفلان نجس مكابرة ، فالقضيّة المتيقّنة موضوعها الطفل المسمّى بكذا ، وهو باقٍ بعينه عقلاً وعرفاً .

مع أنّ ما ذكر مستلزم للبناء على طهارة من انقطعت عنه هذه المصاحبة ولو بغير السبي ، كما لو فرّ الطفل من حجر أبويه ، أو مات الأبوان ، أو أخذه الوالي وسلّمه إلى دار الرضاعة من غير البناء على إعادته إليهما . . . إلى غير ذلك ممّا لا يمكن الالتزام به .

ودعوى دخالة السبي في الحكم بالطهارة - مع خلوّها عن الدليل - خروج عن محطّ البحث ، وفرار عن المبنى .

والاستدلال(1) للتبعية ببعض ما تقدّم من النبوي وغيره ، كما ترى .

ص: 447


1- اُنظر مجمع الفائدة والبرهان 7 : 465 ؛ جواهر الكلام 21 : 136 .

فالأقوى عدم تبعيته مطلقاً إذا سبي منفرداً ، فضلاً عمّن سبي مع أبويه أو أحدهما .

حكم اللقيط

وأمّا اللقيط ، فمقتضى الأصل طهارته ، وعدم جريان الأحكام المخالفة للقواعد عليه .

نعم ، لا يبعد جريان حكم المسلم عليه إذا غلب على البلد المسلمون ؛ بحيث يكون غيرهم نادراً ، وحكم الكافر إذا غلبت الكفّار كذلك ؛ لعدم اعتناء العقلاء في أمثال ذلك على الاحتمال ، كما في الشبهة غير المحصورة ونحوها .

إلاّ أن يقال : مجرّد الغلبة لا يكون حجّة ما لم يحصل العلم العادي والاطمئنان ، إلاّ إذا كان بناء العقلاء على العمل ، وأحرزنا إمضاء الشارع ، وهو مشكل .

ص: 448

تنبيه
اشارة

في تحصيل مفهوم الكفر

والظاهر مقابلته مع الإسلام تقابل العدم والملكة ، والكافر وغير المسلم متساوقان ، فمن لم يعتقد بالاُلوهية - ولو لم يعتقد بخلافها ، ولم ينقدح في ذهنه شيء من المعارف ومقابلاتها - يكون كافراً .

وما ذكرناه هو المرتكز عند المتشرّعة ، والمستفاد من الأدلّة ، فما في بعض الروايات ممّا يوهم خلاف ذلك ، لا بدّ من توجيهه ، كقوله علیه السلام في رواية

عبد الرحيم القصير : «ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال»(1) .

وفي صحيحةِ زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا»(2) .

وروايةِ محمّد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام جالساً عن يساره ، وزرارة عن يمينه ، إذ دخل أبو بصير فقال : يا أبا عبداللّه ، ما تقول فيمن شكّ في اللّه تعالى ؟ قال : «كافر ، يا أبا محمّد» .

قال : فشكّ في رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؟ فقال : «كافر» .

ص: 449


1- الكافي 2 : 27 / 1 ؛ وسائل الشيعة 28 : 354 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 50 .
2- الكافي 2 : 388 / 19 ؛ وسائل الشيعة 27 : 158 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 11 .

ثمّ التفت إلى زرارة فقال : «إنّما يكفر إذا جحد»(1) .

ولعلّ المراد أ نّه لا يحكم بكفره إلاّ مع الجحود .

ومن المحتمل أن يكون «يُكفَّر» من التفعيل مبنيّاً للمفعول ، بل هو مقتضى الجمع بين صدرها وذيلها ، ومقتضى الجمع بينها وبين غيرها ممّا حكم فيه بكفر الشاكّ ، كصحيحة منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : من شكّ في رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «كافر» .

قال : قلت : فمن شكّ في كفر الشاكّ فهو كافر ؟ فأمسك عنّي ، فرددت عليه ثلاث مرّات ، فاستبنت في وجهه الغضب(2) .

وعن أمير المؤمنين علیه السلام في خطبة : «لا ترتابوا فتشكّوا ، ولا تشكّوا فتكفروا»(3) .

وفي صحيحة ابن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «من شكّ في اللّه تعالى

وفي رسوله صلی الله علیه و آله وسلم فهو كافر»(4) .

وبالجملة : لا إشكال بحسب ارتكاز المتشرّعة في مقابلة الكفر والإسلام ؛ وأنّ الكافر من لم يكن مسلماً ومن شأنه ذلك ، فلا بدّ في تحصيل معنى الكفر من

ص: 450


1- الكافي 2 : 399 / 3 ؛ وسائل الشيعة 28 : 356 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 56 .
2- الكافي 2 : 387 / 11 ؛ وسائل الشيعة 28 : 355 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 53 .
3- الكافي 2 : 399 / 2 .
4- الكافي 2 : 386 / 10 ؛ وسائل الشيعة 28 : 355 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 52 .

تحصيل مفهوم الإسلام حتّى يتّضح هو بمقابلته .

فنقول : إنّ المسلم بحسب ارتكاز المتشرّعة هو المعتقد باللّه تعالى ، ووحدانيته ، ورسالة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، أو الشهادة بالثلاثة ، على احتمالين يأتي الكلام فيهما (1) . وهذه الثلاثة ممّا لا شبهة ولا خلاف في اعتبارها في معنى الإسلام .

ويحتمل أن يكون الاعتقاد بالمعاد إجمالاً أيضاً مأخوذاً فيه لدى المتشرّعة ،

على تأمّل يأتي وجهه(2) .

في حكم المخالفين

وأمّا الاعتقاد بالولاية فلا شبهة في عدم اعتباره فيه ، وينبغي أن يعدّ ذلك من الواضحات لدى كافّة الطائفة الحقّة ؛ إن اُريد بالكفر المقابل له ما يطلق على مثل أهل الذمّة : من نجاستهم وحرمة ذبيحتهم ومساورتهم وتزويجهم ، ضرورة استمرار السيرة من صدر الإسلام إلى زماننا على عشرتهم ومؤاكلتهم ومساورتهم وأكل ذبائحهم والصلاة في جلودها ، وترتيب آثار سوق المسلمين على أسواقهم ؛ من غير أن يكون ذلك لأجل التقيّة .

وذلك واضح لا يحتاج إلى مزيد تجشّم ، لكن اغترّ بعض(3) من اختلّت طريقته ببعض ظواهر الأخبار وكلمات الأصحاب من غير غور في مغزاها ،

ص: 451


1- يأتي في الصفحة 468 وما بعدها .
2- يأتي في الصفحة 469 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 178 وما بعدها .

فحكم بنجاستهم وكفرهم ، وأطال في التشنيع على المحقّق القائل بطهارتهم(1) بما لا ينبغي له وله ، غافلاً عن أ نّه حفظ أشياء هو غافل عنها .

تمسّك صاحب «الحدائق» بالأخبار الدالّة على الكفر لإثبات نجاستهم

فقد تمسّك لنجاستهم باُمور ؛ منها روايات مستفيضة(2) دلّت على كفرهم ، كموثّقة الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إنّ اللّه تعالى نصب عليّاً علماً بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً ، ومن أنكره كان كافراً ، ومن جهله كان ضالاًّ ، ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة ، ومن جاء بعداوته دخل النار»(3) .

وروايةِ أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : «إنّ عليّاً باب فتحه

اللّه تعالى ، من دخله كان مؤمناً ، ومن خرج منه كان كافراً»(4) ونحوهما أخبار كثيرة(5) .

وفيه : أنّ كفرهم - على فرض تسليمه - لا يفيد ما لم يضمّ إليه كبرى كلّية هي : «كلّ كافر نجس» ولا دليل عليها سوى توهّم إطلاق معاقد إجماعات

ص: 452


1- المعتبر 1 : 97 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 177 و181 - 183 .
3- الكافي 2 : 388 / 20 ؛ وسائل الشيعة 28 : 353 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 48 .
4- الكافي 2 : 388 / 16 ؛ وسائل الشيعة 28 : 354 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 49 .
5- راجع الكافي 2 : 388 / 17 و18 و21 .

نجاسة الكفّار(1) ، وهو وهم ظاهر ؛ ضرورة أنّ المراد من «الكفّار» فيها مقابل المسلمين الأعمّ من العامّة والخاصّة ، ولهذا ترى إلحاقهم بعض المنتحلين للإسلام - كالخوارج والغلاة - بالكفّار(2) ، فلو كان مطلق المخالف نجساً عندهم فلا معنى لذلك .

بل يمكن دعوى الإجماع أو الضرورة على عدم نجاستهم . وتخيّل أنّ المحقّق أوّل من قال بطهارتهم(3) باطل ؛ لقلّة مصرّح بنجاستهم قبله أيضاً .

نعم ، قد صرّح جمع بكفرهم ، منهم المحقّق في أوصاف المستحقّين من كتاب الزكاة ، قال : «وكذا لا يعطى غير الإمامي وإن اتّصف بالإسلام ، ونعني بهم كلّ مخالف في اعتقادهم الحقّ ، كالخوارج والمجسّمة ، وغيرهم من الفرق الذين يخرجهم اعتقادهم عن الإيمان . . .» .

إلى أن قال : «إنّ الإيمان هو تصديق النبي صلی الله علیه و آله وسلم في كلّ ما جاء به ، والكفر جحود ذلك ، فمن ليس بمؤمن فهو كافر»(4) انتهى .

ومع ذلك قد صرّح بطهارتهم في كتاب الطهارة(5) ، فالقول بكفرهم وطهارتهم غير متناقضين ؛ لعدم الدليل على نجاسة مطلق الكفّار .

والعلاّمة أيضاً - مع ظهور كلامه في محكيّ شرحه لكتاب «فصّ الياقوت»

ص: 453


1- تقدّمت الإجماعات في الصفحة 412 .
2- راجع شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 68 ؛ جامع المقاصد 1 : 164 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 178 .
4- المعتبر 2 : 579 .
5- المعتبر 1 : 97 .

تصنيف الشيخ ابن نوبَخْت في كفرهم بالمعنى المعروف(1) ، على تأمّل - لم يحكم بنجاستهم في طهارة «القواعد» و«التذكرة» و«المنتهى»(2) بل صرّح في «التذكرة» بطهارة من عدا النواصب منهم(3) ، فيظهر منه أنّ كفرهم لا يلازم نجاستهم .

ومن ذلك يعلم عدم استفادة النجاسة من مثل قول ابن نوبَخْت : «دافِعو النصّ كفرة عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا من يفسّقهم»(4) .

ولا من قول ابن إدريس المحكيّ عن «السرائر» - بعد اختيار عدم جواز الصلاة على المخالف تبعاً للمفيد(5) - «وهو أظهر ، ويعضده القرآن ، وهو قوله تعالى : )وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدَاً((6) يعني الكفّار ، والمخالف لأهل الحقّ كافر بلا خلاف بيننا»(7) انتهى .

ولعلّ السيّد المرتضى أيضاً حكم بكفرهم دون نجاستهم(8) ؛ وإن كان ما نقل

ص: 454


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 175 ؛ أنوار الملكوت في شرح الياقوت : 204 - 205 ، المسألة الثانية عشر في حكم المخالفين (سقطت هذه المسألة في النسخة المطبوعة) .
2- قواعد الأحكام 1 : 192 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 68 ؛ منتهى المطلب 1 : 148 ، و3 : 224 و225 .
3- تذكرة الفقهاء 1 : 68 .
4- أنوار الملكوت في شرح الياقوت : 204 ، المسألة الثانية عشر في حكم المخالفين (سقطت هذه المسألة في النسخة المطبوعة) .
5- المقنعة : 85 .
6- التوبة (9) : 84 .
7- السرائر 1 : 356 .
8- الانتصار : 217 .

عنه خلاف ذلك(1) . وهكذا حال سائر العبارات الموجبة لاغترار الغافل .

وبالجملة : لو التزمنا بكفرهم لا يوجب ذلك الالتزام بنجاستهم ؛ بعد عدم الدليل عليها ولا على نجاسة مطلق الكفّار الشامل لهم .

بل مع قيام الأدلّة على طهارتهم من النصوص المتفرّقة في أبواب الصيد والذباحة(2) وسوق المسلم(3) وغيرها (4) .

وتوهّم أنّ المراد من «المسلم» في النصوص والفتاوى في تلك الأبواب خصوص الشيعة الاثني عشرية(5) ، من أفحش التوهّمات .

هذا كلّه لو سلّم أ نّهم كفّار ، مع أ نّه غير مسلّم ؛ لتطابق النصوص والفتاوى في الأبواب المتفرّقة على إطلاق «المسلم» عليهم ، فلا يراد ب- «ذبيحة المسلمين» ولا «سوقهم» و«بلادهم» إلاّ ما هو الأعمّ من الخاصّة والعامّة ؛ لو لم نقل باختصاصها بهم ؛ لعدم السوق في تلك الأعصار للشيعة ، كما هو ظاهر .

كما أنّ المراد من «إجماع المسلمين» في كتب أصحابنا ، هو الأعمّ من الطائفتين .

هذا مع ما تقدّم من ارتكاز المتشرّعة خلفاً بعد سلف على إسلامهم(6) .

ص: 455


1- الحدائق الناضرة 5 : 176 .
2- وسائل الشيعة 24 : 44 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 23 ، الحديث 6 و7 و11 ، والباب 26 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 24 : 70 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 29 .
4- وسائل الشيعة 3 : 490 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 181 .
6- تقدّم في الصفحة 451 .

وأمّا الأخبار المتقدّمة(1) ونظائرها ، فمحمولة على بعض مراتب الكفر ؛ فإنّ «الإسلام» و«الإيمان» و«الشرك» اُطلقت في الكتاب والسنّة بمعانٍ مختلفة ، ولها مراتب متفاوتة ، ومدارج متكثّرة ، كما صرّحت بها النصوص ، ويظهر من التدبّر في الآيات ، ففي آية : )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْءِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ((2) .

وفي آية : )فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً((3) .

وفي آية : )إِنَّ ا لدِّينَ عِنْدَ اللّه ِ الاْءِسْلاَمُ((4) .

وفي آية : )فَإِنْ أسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا((5) .

وفي آية : )فَمَنْ يُرِدِ اللّه ُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلاْءِسْلامِ((6) .

وفي رواية : «الإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها» .

وفي اُخرى : « والإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » .

وفي ثالثة : «إنّ اللّه خلق الإسلام فجعل له عرصة ، وجعل له نوراً ، وجعل له حصناً ، وجعل له ناصراً . . .» إلى آخره .

ص: 456


1- تقدّمت في الصفحة 452 .
2- الحجرات (49) : 14 .
3- الجنّ (72) : 14 .
4- آل عمران (3) : 19 .
5- آل عمران (3) : 20 .
6- الأنعام (6) : 125 .

وفي رابعة : «الإسلام عريان ، فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروّته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكلّ شيء أساس ، وأساس الإسلام حبّنا أهلَ البيت».

وفي خامسة : قال أمير المؤمنين علیه السلام : «لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ، ولا ينسبه أحد بعدي إلاّ بمثل ذلك : إنّ الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الإقرار ، والإقرار هو العمل ، والعمل هو الأداء . . .»(1) إلى آخره .

وكذا للإيمان مراتب ، لو حاولنا ذكرها خرجنا عمّا هو مقصدنا الآن ، وبإزاء كلّ مرتبة من مراتب الإسلام والإيمان مرتبة من مراتب الكفر والشرك ، فراجع أبواب اُصول «الكافي» وغيره ، كباب وجوه الكفر ، وباب وجوه الشرك ، وباب أدنى الكفر والشرك ، ترى أ نّهما اُطلقا على غير الإمامي(2) وعلى الكافر بالنعمة(3) وعلى تارك ما أمر اللّه به(4) وعلى تارك الصلاة وعلى تاركها مع الجحد(5) وعلى تارك عمل أقرّ به(6) وعلى من عصى عليّاً علیه السلام (7) وعلى الزاني وشارب الخمر(8) ومن ابتدع رأياً ، فيحبّ عليه

ص: 457


1- الكافي 2 : 26 / 5 ، و2 : 25 / 1 ، و2 : 46 / 3 ، و2 : 46 / 2 ، و2 : 45 / 1 .
2- الكافي 2 : 388 / 20 .
3- الكافي 2 : 389 / 1 .
4- نفس المصدر .
5- وسائل الشيعة 4 : 41 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 11 .
6- الكافي 2 : 384 / 5 .
7- الكافي 1 : 437 / 7 .
8- الكافي 5 : 123 / 4 ، و6 : 405 / 9 .

ويبغض(1) ومن سمع عن ناطق يروي عن الشيطان(2) وعلى من قال للنواة : إنّها حصاة ، وللحصاة : إنّها نواة ، ثمّ دان به(3) .

وقد استفاضت الروايات في إطلاق «المشرك» على المرائي(4) بل يستفاد من بعض الروايات أنّ من لقي اللّه وفي قلبه غيره تعالى فهو مشرك(5) . . . إلى غير ذلك .

فهل لصاحب «الحدائق» وأمثاله أن يقولوا : إنّ كلّ من اُطلق في الروايات عليه «المشرك» أو «الكافر» فهو نجس ، وملحق بالكفّار وأهل الكتاب ، فهلاّ تنبّه إلى أنّ الروايات التي تشبّث بها ، لم يرد في واحدة منها أنّ من عرف علياً علیه السلام فهو مسلم ، ومن جهله فهو كافر ، بل قوبل في جميعها بين المؤمن والكافر ، والكافر المقابل للمسلم غير المقابل للمؤمن ؟ !

والإنصاف : أنّ سِنخ هذه الروايات الواردة في المعارف ، غير سنخ ما وردت في الفقه ، والخلط بين المقامين أوقعه فيما أوقعه ، ولهذا فإنّ صاحب «الوسائل» لم يورد تلك الروايات في أبواب النجاسات في جامعه ؛ لأ نّها أجنبيّة عن إفادة الحكم الفقهي .

ص: 458


1- الكافي 2 : 397 / 2 .
2- اُنظر الكافي 6 : 434 / 24 .
3- الكافي 2 : 397 / 1 .
4- الكافي 2 : 293 / 3 و4 و9 ؛ وسائل الشيعة 1 : 68 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 11 ، الحديث 13 ، والباب 12 ، الحديث 2 ، 4 ، 6 و11 .
5- الكافي 2 : 295 / 9 و10 .

ثمّ مع الغضّ عن كلّ ذلك ، فقد وردت روايات اُخر حاكمة عليها لا يشكّ معها ناظر في أنّ إطلاق «الكافر» عليهم ليس على ما هو موضوع للنجاسة وسائر الآثار الظاهرة ، كموثّقة سَماعة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أخبرني عن الإسلام والإيمان ، أهما مختلفان ؟ فقال : «إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان» .

فقلت : فصفهما لي ، فقال : «الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس . . .»(1) إلى آخره .

وحسنةِ حُمران بن أعين أو صحيحته(2) ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : «الإيمان : ما استقرّ في القلب ، وأفضى به إلى اللّه ، وصدّقه العمل بالطاعة للّه ، والتسليم لأمر اللّه ، والإسلام : ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي

عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح . . .» إلى أن قال : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك ؟ فقال : «لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم . . .»(3) إلى آخره .

ص: 459


1- الكافي 2 : 25 / 1 .
2- رواها الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد ابن محمّد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن حمران بن أعين . والترديد لأجل وقوع حُمران بن أعين في السند . منتهى المقال 3 : 126 ؛ تنقيح المقال 1 : 370 / السطر 16 .
3- الكافي 2 : 26 / 5 .

وبعض فقرات هذا الحديث لا يخلو من تشويش ، فراجع .

وروايةِ سفيان بن السِمْط قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن الإسلام

والإيمان ، ما الفرق بينهما ؟ فلم يجبه ، ثمّ سأله فلم يجبه ، ثمّ التقيا في الطريق

وقد أزف من الرجل الرحيل ، فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «كأ نّه قد أزف منك رحيل ؟» فقال : نعم ، قال : «فالقني في البيت» فلقيه ، فسأل عن الإسلام والإيمان ، ما الفرق بينهما ؟ فقال : «الإسلام : هو الظاهر الذي عليه الناس ؛ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، فهذا الإسلام» . وقال : «الإيمان : معرفة هذا الأمر مع هذا ، فإن أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً ، وكان ضالاًّ»(1) .

وروايةِ قاسم الصيرفي قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الإسلام يحقن به الدم ، وتؤدّى به الأمانة ، وتستحلّ به الفروج ، والثواب على الإيمان»(2) .

وقريب منها روايات اُخر يظهر منها - بنحو حكومة - أنّ الناس مسلمون ، وأنّ الإسلام عبارة عن الشهادتين ، وبهما حقنت الدماء ، وجرت الأحكام ؛ وإن كان الثواب على الإيمان والفضل له(3) .

هذا مع ما مرّ(4) من أنّ الكفر يقابل الإسلام تقابل العدم والملكة ؛ حسب

ص: 460


1- الكافي 2 : 24 / 4 .
2- الكافي 2 : 24 / 1 .
3- الكافي 2 : 24 - 27 .
4- تقدّم في الصفحة 449 - 451 .

ارتكاز المتشرّعة ، وأنّ ما اُخذ في ماهية الإسلام ليس إلاّ الشهادة بالوحدانية ، والرسالة ، والاعتقاد بالمعاد ، بلا إشكال في الأوّلين ، وعلى احتمال اعتبار الأخير أيضاً ولو بنحو الإجمال ، ولا يعتبر فيها سوى ذلك ؛ سواء فيه الاعتقاد بالولاية وغيرها ، فالإمامة من اُصول المذهب ، لا الدين .

فالعامّة العمياء من المسلمين ؛ بشهادة جميع الملل مسلمة وغيرها ، وإنكاره إنكار لأمر واضح عند جميع طبقات الناس .

فما وردت في أ نّهم كفّار لا يراد به الحقيقة بلا إشكال ، ولا التنزيل

في الأحكام الظاهرة ؛ لأ نّه - مع مخالفته للأخبار المستفيضة ، بل المتواترة

التي مرّت جملة منها - واضح البطلان ؛ ضرورة معاشرة أهل الحقّ معهم أنواع العشرة من لدن عصر الأئمّة علیهم السلام إلى الحال من غير نكير ، ومن غير شائبة تقيّة .

فلا بدّ من حملها إمّا على التنزيل في الأحكام الباطنة ، كالثواب في الآخرة ، كما صرّحت به رواية الصيرفي ، أو على بعض المراتب التي هي غير مربوطة بالأحكام الظاهرة .

وأمّا الحمل على أ نّهم كفّار حقيقة ، لكن يجري عليهم أحكام الإسلام ظاهراً

- ولو من باب المصالح العالية ؛ وعدم التفرقة بين جماعات المسلمين(1) - فغير وجيه بعد ما تقدّم من أ نّه لا يعتبر في الإسلام إلاّ ما مرّ ذكره(2) .

ص: 461


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 184 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 268 .
2- تقدّم في الصفحة 449 - 451 .
تمسّك صاحب «الحدائق» بكونهم نصّاباً لإثبات نجاستهم

وممّا ذكرناه يتّضح الجواب عن دعوى صاحب «الحدائق» بأ نّهم نصّاب ، وكلّ ناصب نجس(1) :

أمّا الصغرى ، فلروايات :

منها : رواية عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ليس الناصب من نصب لنا أهلَ البيت ؛ لأ نّك لا تجد رجلاً يقول : أنا أبغض محمّداً وآل محمّد ، ولكنّ الناصب من نصب لكم وهو يعلم أ نّكم تتولّونا ، وأ نّكم من شيعتنا»(2) ونحوها عن المعلّى بن خُنيس(3) .

ومنها : مكاتبة محمّد بن علي بن عيسى المنقولة عن «السرائر» قال : كتبت إليه - يعني علي بن محمّد علیهما السلام - أسأله عن الناصب : هل أحتاج في امتحانه إلى

أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت ، واعتقاد إمامتهما ؟ فرجع الجواب : «من كان على هذا فهو ناصب»(4) .

وأمّا الكبرى ، فللإجماع والأخبار على نجاسة الناصب(5) .

ص: 462


1- الحدائق الناضرة 5 : 185 - 188 .
2- ثواب الأعمال : 247 / 4 ؛ وسائل الشيعة 9 : 486 ، كتاب الخمس ، أبواب ما يجب فيه الخمس ، الباب 2 ، الحديث 3 .
3- صفات الشيعة : 9 / 17 ؛ وسائل الشيعة 9 : 486 ، كتاب الخمس ، أبواب ما يجب فيه الخمس ، الباب 2 ، ذيل الحديث 3 .
4- السرائر 3 : 583 ؛ وسائل الشيعة 9 : 490 ، كتاب الخمس ، أبواب ما يجب فيه الخمس ، الباب 2 ، الحديث 14 .
5- راجع الحدائق الناضرة 5 : 187 - 188 .

والجواب : بمنع المقدّمة الاُولى ؛ لضعف مستندها :

أمّا الرواية الاُولى : فمضافاً إلى ضعف سندها(1) بجميع طرقها ، في متنها وهن :

أمّا أوّلاً : فلورود روايات تدلّ على وجود الناصب لهم أهل البيت علیهم السلام (2) وحملها على الناصب لشيعتهم بعيد جدّاً . مع أنّ الواقع على خلاف ذلك ، فكم لهم ناصب وعدوّ في عصرهم !

وأمّا ثانياً : فلأنّ الظاهر منها أنّ كلّ من نصب لمن يعلم أ نّه يتولاّهم وشيعتهم فهو ناصب ، ولا يمكن الالتزام به .

إلاّ أن يقال : إنّ من نصب لجميع الشيعة التي تتولّى الأئمّة علیهم السلام مع علمه

بذلك فهو ناصب ؛ أي ناصب للشيعة وللموالي بما هم كذلك ، لكنّه ملازم لعداوتهم ، سيّما مع ضمّ تولّيهم ؛ فإنّ البغض لمن يتولاّهم بما هو كذلك يرجع إلى البغض لهم ، ولعلّ المراد أنّ الناصب لم يصرّح بعداوتنا ، ولو نصب لكم بما أنتم من موالينا يكون ذلك دليلاً على نصبه .

وأمّا الرواية الثانية : فمع ضعفها سنداً (3) ، أيضاً مخالفة للواقع إن كان المراد أنّ

ص: 463


1- والرواية ضعيفة بجميع طرقها بإبراهيم بن إسحاق ؛ فإنّه كان ضعيفاً في حديثه ومتّهماً في دينه . الفهرست ، الطوسي : 39 / 9 ؛ رجال النجاشي : 19 / 21 ؛ تنقيح المقال 1 : 13 / السطر 21 .
2- وسائل الشيعة 1 : 218 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 1 و3 و5 .
3- والرواية ضعيفة بمحمّد بن علي الكوفي وهو الصيرفي أبو سمينة ، فإنّه ضعيف جدّاً . رجال النجاشي : 332 / 894 ؛ تنقيح المقال 3 : 157 / السطر 22 و : 159 / السطر 26 (أبواب الميم) .

كلّ من قدّمهما فهو ناصب لهم حقيقة ، كيف ؟ ! وكثير منهم لا يكونون ناصبين لهم

وإن قدّموا الجبت والطاغوت ، فيحتمل التنزيل بحسب الآثار في يوم القيامة ، وأمّا بحسب الآثار ظاهراً فلا ؛ لما تقدّم(1) .

وبمنع المقدّمة الثانية :

أمّا دعوى الإجماع على الكلّي بحيث يشمل محلّ البحث ، فواضحة الفساد ، بل يمكن دعوى الإجماع على خلافها ، بل الإجماع العملي من جميع الطبقات على خلافها .

وأمّا الأخبار فصرّح في جملة منها ب- «الناصب لنا أهلَ البيت»(2) وما اشتملت على «الناصب» بلا قيد(3) فمحمول عليه ؛ لتبادر الناصب للناصب لهم لا لشيعتهم . بل مع تلك السيرة القطعية والإجماع العملي ، لا يمكن العمل برواية على خلافهما لو وردت كذلك ، فضلاً عن فقدانها .

وممّا ذكرنا : يظهر الحال في غير الاثني عشري من سائر فرق الشيعة ، كالزيدي والواقفي .

نعم ، لو كان فيهم من نصب لأهل البيت فمحكوم بحكمه ، وسيأتي الكلام فيه(4) ، وأمّا مجرّد الزيدية والواقفية فلا يوجب الكفر المقابل

ص: 464


1- تقدّم في الصفحة 461 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 218 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 1 و3 و5 .
3- وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 4 .
4- سيأتي في الصفحة 480 - 483 .

للإسلام ، وحال الأخبار الواردة فيهم(1) حال ما وردت في الناس ، وقد عرفت الكلام فيها (2) .

تمسّك صاحب «الحدائق» بكونهم منكرين للضروري لإثبات نجاستهم

ومن بعض ما ذكر يظهر حال الدعوى الاُخرى لصاحب «الحدائق» : وهي أ نّهم منكرون للضروري من الإسلام ، ومن كان كذلك فكافر(3) ، لكنّه خلط بين مطلق العامّة ، ونصّابهم من قبيل يزيد وابن زياد عليهما لعائن اللّه .

وفيها أوّلاً : أنّ الإمامة بالمعنى الذي عند الإمامية ، ليست من ضروريات الدين ، فإنّها عبارة عن اُمور واضحة بديهية عند جميع طبقات المسلمين ، ولعلّ الضرورة عند كثير على خلافها ، فضلاً عن كونها ضرورة . نعم هي من اُصول المذهب ، ومنكرها خارج عنه ، لا عن الإسلام .

وأمّا التمثيل بمثل قاتلي الأئمّة علیهم السلام وناصبيهم ، فغير مربوط بالمدّعى .

وثانياً : أنّ منكر الضروري بوجه يشمل منكر أصل الإمامة ، لا دليل على نجاسته من إجماع أو غيره ، بل الأدلّة على خلافها ، كما تقدّم الكلام فيها (4) .

ص: 465


1- اختيار معرفة الرجال : 228 - 229 / 409 - 411 ، و : 456 / 861 و862 و867 ؛ بحار الأنوار 48 : 256 / 10 ، و : 263 / 18 و19 .
2- تقدّم في الصفحة 456 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 175 .
4- تقدّم في الصفحة 451 .
تنبيه آخر في كفر منكر الضروري ونجاسته

قد اختلفت كلماتهم في كفر منكر الضروري ونجاسته ، فلا بدّ من تمحيص البحث في منكره بما هو ؛ في مقابل منكر الاُلوهية والنبوّة .

وأمّا البحث عن المنكر الذي يرجع إنكاره إلى إنكار اللّه تعالى أو النبي صلی الله علیه و آله وسلم

فهو خارج عن محطّ البحث ؛ ضرورة أنّ الموجب للكفر حينئذٍ هو إنكار الأصلين لا الضروري ، وهو بأيّ نحو موجب له ، نعم أحد مبرزاته إنكار الضروري أحياناً .

فالبحث المفيد هاهنا : هو أنّ إنكاره مستقلاًّ موجب للكفر كإنكارهما أو لا ؟

ثمّ إنّ القائل : بأنّ إنكاره موجب له إذا رجع إلى إنكار أحد الأصلين ، من المنكرين لموجبيته له .

حول استدلال الشيخ الأعظم على كفر منكر الضروري

فقد استدلّ الشيخ الأعظم على كفره بوجوه :

منها : أنّ الإسلام عرفاً وشرعاً عبارة عن التديّن بهذا الدين الخاصّ الذي يراد منه مجموع حدود شرعية منجّزة على العباد ، كما قال اللّه تعالى : )إِنَّ

ا لدِّينَ عِنْدَ اللّه ِ الاْءسْلاَمُ((1) ثمّ تمسّك بروايات يأتي حالها (2) .

ص: 466


1- آل عمران (3) : 19 .
2- يأتي في الصفحة 471 .

ثمّ قال : «وأمّا ما دلّ من النصوص والفتاوى على كفاية الشهادتين في الإسلام ، فالظاهر أنّ المراد به حدوث الإسلام ممّن ينكرهما من غير منتحلي الإسلام ؛ إذ يكفي منه الشهادة بالوحدانية والرسالة المستلزمة للالتزام بجميع ما جاء به النبي صلی الله علیه و آله وسلم إجمالاً ، فلا ينافي ما ذكرنا : من أنّ عدم التديّن ببعض الشريعة أو التديّن بخلافه ، موجب للخروج عن الإسلام .

وكيف كان : فلا إشكال في أنّ عدم التديّن بالشريعة كلاًّ أو بعضاً ، مخرج عن الدين والإسلام» .

ثمّ ذكر أقسام المنكرين ، وساق الكلام إلى أن قال في تأييد عموم كلام الفقهاء في نجاسة الخوارج والنواصب للقاصر والمقصّر : «ويؤيّدها ما ذكرنا : من أنّ التارك للتديّن ببعض الدين خارج عن الدين»(1) انتهى ملخّصاً .

وفيه : أنّ لازم دليله - من أنّ الإسلام عبارة عن مجموع الأحكام ، والتديّن بالمجموع إسلام ، وعدم التديّن به كفر - هو كفر كلّ من لم يتديّن بمجموع ما جاء به النبي واقعاً ؛ أصلاً وفرعاً ، ضرورياً وغيره ، منجّزاً على المكلّف أو لا ؛ لأنّ عدم التنجّز العقلي لا يوجب خروج غير المنجّز عن قواعد الإسلام ، فلا وجه للتقييد بالمنجّز .

مع أنّ هذا التقييد ينافي التأييد في ذيل كلامه ؛ لعدم تنجّز التكليف على القاصر .

كما لا ينبغي معه الفرق بين الاُمور الاعتقادية والعملية ؛ بعد كون الإسلام

ص: 467


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 134 - 141 .

عبارة عن مجموع ما ذكر ، فالتفصيل بين الأمرين - كما وقع في خلال كلامه - منافٍ لدليله .

ومجرّد أنّ المطلوب في الأحكام العملية ليس إلاّ العمل ، لا يوجب خروجها عن ماهيته التي ادّعى أ نّها مجموع هذه الحدود الشرعية ، وبترك التديّن ببعضها يخرج عن الإسلام .

والإنصاف : أنّ كلامه في تقرير هذا المدّعى ، لا يخلو من تدافع واغتشاش .

والتحقيق: أنّ ما يعتبر في حقيقة الإسلام بحيث يقال للمتديّن به : «إنّه مسلم» ليس إلاّ الاعتقاد بالاُصول الثلاثة ، أو الأربعة ؛ أي الاُلوهية ، والتوحيد ، والنبوّة ، والمعاد على احتمال ، وسائر القواعد عبارة عن أحكام الإسلام ، ولا دخل لها في ماهيته ؛ سواء عند الحدوث أو البقاء ، فإذا فرض الجمع بين الاعتقاد بتلك الاُصول وعدم الاعتقاد بغيرها لشبهة - بحيث لا يرجع إلى إنكارها - يكون مسلماً.

نعم ، لا يمكن الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة ، مع عدم الاعتقاد بشيء من الأحكام ، وهذا بخلاف بعضها - ضرورياً كان أو غيره - لأجل بعض الشبهات والاعوجاجات ، فإذا علم أنّ فلاناً اعتقد بالاُصول ، والتزم بما جاء به النبي صلی الله علیه و آله وسلم إجمالاً الذي هو لازم الاعتقاد بنبوّته ، لكن وقع في شبهة من وجوب الصلاة أو الحجّ ، وتخيّل أ نّهما كانا واجبين في أوّل الإسلام مثلاً ، دون الأعصار المتأخّرة ، لا يقال : «إنّه ليس بمسلم» في عرف المتشرّعة .

وتدلّ على إسلامه الأدلّة المتقدّمة(1) الدالّة على أنّ الإسلام هو الشهادتان .

ص: 468


1- تقدّمت في الصفحة 459 - 460 .

ودعوى : أ نّهما كافيتان في حدوث الإسلام ، وأمّا المسلم فيعتبر في إسلامه اُمور اُخر زائداً عليهما ، خالية عن الشاهد ، بل الشواهد في نفس تلك الروايات على خلافها ، كما في حسنة حُمران : «والإسلام : ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء»(1) وغيرها ممّا تقدّم ذكرها .

والإنصاف : أنّ دعوى كون الإسلامِ عبارةً عن مجموع ما جاء به النبي صلی الله علیه و آله وسلم

وتركِ الالتزام ببعضها - بأيّ نحو - موجباً للكفر ، ممّا لا يمكن تصديقها ، ولهذا

فإنّ الشيخ الأعظم لم يلتزم به بعد الكرّ والفرّ .

ومع الإغماض عمّا تقدّم ، يلزم من دليله كفر كلّ من أنكر شيئاً ممّا يطلب فيه

الاعتقاد ولو لم يكن ضرورياً ، كبعض أحوال القبر والبرزخ والقيامة ، وكعصمة الأنبياء والأئمّة علیهم السلام ونظائرها . والتفكيك بين الضروري وغيره خروج عن

التمسّك بهذا الدليل .

ثمّ إنّ اندراج منكر المعاد أيضاً في الكفّار حقيقة ، ودعوى كون الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأركان الأربعة ، والاعتقاد بالمعاد داخل في ماهيته ، أيضاً لا يخلو من إشكال ، بل منع ؛ لإطلاق الأدلّة المتقدّمة الشارحة لماهية الإسلام الذي به حقنت الدماء(2) ، وقوّةِ احتمال أن يكون الارتكاز المدّعى لأجل

وضوح عدم الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة وإنكار المعاد ، الذي لأجل كمال بداهة كونه من الإسلام عدّ في الاُصول .

ص: 469


1- تقدّمت في الصفحة 459 .
2- تقدّمت في الصفحة 459 - 460 .

فدعوى كون الإسلام هو الاعتقاد بالاُلوهية والتوحيد والنبوّة ، غير بعيدة .

وكلامنا هاهنا في مقام الثبوت والواقع ، وإلاّ فمنكر الضروري - سيّما مثل المعاد - محكوم بالكفر ظاهراً ، ويعدّ منكراً للاُلوهية أو النبوّة . بل لا يقبل قوله

إذا ادّعى الشبهة إلاّ في بعض أشخاص أو بعض اُمور يمكن عادة وقوع الشبهة منه أو فيه ، كما أنّ إنكار البديهيات لدى العقول لا يقبل من متعارف الناس ، فلو ادّعى أحد : أنّ اعتقاده أنّ الاثنين أكثر من الألف ، لا يقبل منه ، بل يحمل على أ نّه

خلاف الواقع ، إلاّ أن يكون خلاف المتعارف .

ويمكن أن يقال : إنّ أصلَ الإمامة كان في الصدر الأوّل من ضروريات الإسلام ، والطبقةَ الاُولى المنكرين لإمامة المولى أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه ولنصّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم على خلافته ووزارته ، كانوا منكرين للضروري من غير شبهة مقبولة من نوعهم ، سيّما أصحاب الحلّ والعقد ، وسيأتي الكلام فيهم(1) .

ثمّ وقعت الشبهة للطبقات المتأخّرة ؛ لشدّة وثوقهم بالطبقة الاُولى ، وعدم احتمال تخلّفهم عمداً عن قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ونصّه على المولى سلام اللّه عليه ، وعدم انقداح احتمال السهو والنسيان من هذا الجمّ الغفير .

ولعلّ ما ذكرناه هو سرّ ما ورد من ارتداد الناس بعد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلاّ

أربعة أو أقلّ أو أكثر(2) .

ص: 470


1- يأتي في الصفحة 482 .
2- اختيار معرفة الرجال : 8 / 17 ، و : 11 / 24 ؛ بحار الأنوار 28 : 238 - 239 / 25 - 26 .

والظاهر عدم إرادة ارتداد جميع الناس ؛ سواء كانوا حاضرين في بلد الوحي أو لا .

ويحتمل أن يكون المراد من «ارتداد الناس» نكث عهد الولاية ولو ظاهراً وتقيّة ، لا الارتداد عن الإسلام ، وهو أقرب .

وممّا استدلّ به على كفره جملة من الروايات ؛ منها : مصحّحة أبي الصباح ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قيل لأميرالمؤمنين علیه السلام : من شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه كان مؤمناً ؟ قال : فأين فرائض اللّه ؟ !» قال : وسمعته يقول :

«كان علي علیه السلام يقول : لو كان الإيمان كلاماً لم ينزّل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام» .

قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إنّ عندنا قوماً يقولون : إذا شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، فهو مؤمن ، قال : «فلِمَ يضربون الحدود ، ولِمَ يقطع أيديهم وما خلق اللّه تعالى خلقاً أكرم على اللّه من مؤمن ؛ لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين ، وأنّ جوار اللّه تعالى للمؤمنين ، وأنّ الجنّة للمؤمنين ، وأنّ الحور العين

للمؤمنين ؟ !» . ثمّ قال : «فما بال من جحد الفرائض كان كافراً !»(1) .

قال الشيخ الأعظم : «فهذه الرواية واضحة الدلالة على أنّ التشرّع بالفرائض ،

مأخوذ في الإيمان المرادف للإسلام ، كما هو ظاهر السؤال والجواب ، كما لا يخفى»(2) انتهى .

ص: 471


1- الكافي 2 : 33 / 2 ؛ وسائل الشيعة 1 : 34 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 13 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 134 .

أقول : بل هي واضحة الدلالة على أنّ المراد من «الإيمان» فيها هو الإيمان الكامل المنافي لترك ما فرضه اللّه ، ولفعل ما يوجب إجراء الحدّ عليه ، والمؤمن الذي هذا صفته وملائكة اللّه خدّامه وجوار اللّه له ، هو المؤمن الكامل ،

لا المرادف للمسلم الذي لا ينافي إسلامه ارتكاب المعاصي وإجراء الحدود عليه . . . إلى غير ذلك .

نعم ، ذيلها يدلّ على أنّ جحد الفرائض موجب للكفر ، فهو محمول - بقرينة صدرها - على أنّ الجحد موجب للكفر المقابل للإيمان لا الإسلام ، فيكون شاهداً على الحمل في سائر الروايات ، فإنّها - على كثرتها - طائفتان :

إحداهما : ما دلّت على أنّ ترك الفرائض أو ترك ما أمر اللّه به ، موجب للكفر ، وهي كثيرة جدّاً ، كرواية زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «من اجترى على اللّه في المعصية وارتكاب الكبائر فهو كافر ، ومن نصب ديناً غير دين اللّه فهو مشرك»(1) .

وروايةِ حُمران بن أعين قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : )إِنّا هَدَيْنَاهُ ا لسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً((2) قال : «إمّا آخذ فهو شاكر ، وإمّا تارك فهو كافر»(3) .

ص: 472


1- المحاسن : 209 / 75 ؛ وسائل الشيعة 1 : 38 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 21 .
2- الإنسان (76) : 3 .
3- الكافي 2 : 384 / 4 ؛ وسائل الشيعة 1 : 31 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 5 .

وروايةِ عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : )وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ((1) فقال : «ترك العمل الذي أقرّ به ، منه الذي يدع الصلاة متعمّداً ، لا من سكر ، ولا من علّة»(2) .

وروايةِ أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه . . .» إلى أن قال : «والوجه الرابع من الكفر : ترك ما أمر اللّه عزّ وجلّ به ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : )أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ا لْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ((3) فكفّرهم بترك ما أمر اللّه عزّ وجلّ به»(4) .

وفي كثير من الروايات ورد كفر تارك الصلاة(5) ومانع الزكاة(6) وتارك الحجّ(7) . . . إلى غير ذلك .

وثانيتهما : ما دلّت على أنّ تركها مع الجحود أو الاستكبار أو نفس الجحد موجب له ، وهي كثيرة أيضاً :

كصحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : «كلّ شيء

ص: 473


1- المائدة (5) : 5 .
2- الكافي 2 : 387 / 12 ؛ وسائل الشيعة 1 : 31 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 6 .
3- البقرة (2) : 85 .
4- الكافي 2 : 389 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 9 .
5- راجع وسائل الشيعة 4 : 41 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 11 .
6- وسائل الشيعة 9 : 34 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 4 ، الحديث 7 .
7- وسائل الشيعة 11 : 29 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوب الحجّ ، الباب 7 .

يجرّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان ، وكلّ شيء يجرّه الإنكار والجحود فهو الكفر»(1) .

وروايةِ داود بن كثير الرقّي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : سنن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . . . إلى أن قال : «فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً»(2) .

وروايةِ عبد الرحيم القصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «ولم يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال ، فإذا قال للحلال : هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلك ، فعندها يكون خارجاً من الإيمان والإسلام إلى الكفر»(3) .

وروايةِ زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا»(4) .

وروايةِ عبداللّه بن سِنان قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام . . . إلى أن قال فقال : «من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أ نّها حلال ، أخرجه ذلك من الإسلام ، وعذّب أشدّ العذاب ، وإن كان معترفاً أ نّه ذنب ومات عليها ، أخرجه من الإيمان ،

ص: 474


1- الكافي 2 : 387 / 15 ؛ وسائل الشيعة 1 : 30 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الكافي 2 : 383 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 30 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 2 .
3- التوحيد : 229 / 7 ؛ وسائل الشيعة 1 : 37 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 18 .
4- الكافي 2 : 388 / 19 ؛ وسائل الشيعة 1 : 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 8 .

ولم يخرجه من الإسلام ، وكان عذابه أهون من عذاب الأوّل»(1) .

وروايةِ زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام أ نّه قال في حديث : «الكفر أقدم من الشرك . . .» ثمّ ذكر كفر إبليس .

ثمّ قال : «فمن اجترى على اللّه فأبى الطاعة وأقام على الكبائر ، فهو كافر» يعني مستخفّ كافر(2) . . . إلى غير ذلك(3) .

ويمكن الجمع بينها :

إمّا بحمل الجميع على مراتب الكفر والشرك والإيمان والإسلام ؛ فأوّل مراتب الإسلام هو ما يحقن به الدماء ، ويترتّب عليه أحكام ظاهرة ، وهو شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كما في موثّقة سَماعة ونحوها (4) ، وأكمل مراتبه هو ما عرّفه أمير المؤمنين علیه السلام -

على ما في مرفوعة البرقي - قال : «لأنسبنّ الإسلام . . .»(5) إلى آخره .

ولعلّه المراد بقوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً((6) .

فهذه المرتبة من الإسلام أعلى من كثير من مراتب الإيمان . وبين المرتبتين

ص: 475


1- الكافي 2 : 285 / 23 ؛ وسائل الشيعة 1 : 33 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 10 .
2- الكافي 2 : 384 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 31 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 4 .
3- وسائل الشيعة 1 : 33 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 11 و13 .
4- تقدّمت في الصفحة 459 .
5- تقدّمت في الصفحة 457 .
6- البقرة (2) : 208 .

مراتب إلى ما شاء اللّه ، وبإزاء كلّ مرتبة مرتبة من الكفر أو الشرك . وكذا للإيمان درجات ومراتب كثيرة يشهد بها الوجدان والروايات(1) .

وبذلك يجمع بين جميع الروايات الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرّقة ، وله شواهد كثيرة في نفس الروايات ، فخرجت الروايات المستشهد بها لكفر منكر الضروري عن صلاحية الاستشهاد بها ، وعن صلاحية تقييد مثل موثّقة سَماعة المتقدّمة وغيرها .

وإمّا بحمل الطائفة الاُولى المتقدّمة على الثانية ، وحمل الطائفة الثانية على ما إذا جحد حكماً علم أ نّه من الدين ، لكن لا لكونه موجباً للكفر بنفسه ، بل لكونه مستلزماً لإنكار الاُلوهية أو النبوّة وتكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم بدعوى عدم ملاءمة تصديق النبوّة مع إنكار ما علم أ نّه جاء به منتسباً إلى اللّه ، من غير فرق بين الضروري منها وغيره .

وهذا أقرب إلى حفظ ظواهرها من حملها على إنكار الضروري . بل حملها عليه خالٍ من الشاهد ، بل مخالف لكثير منها ، سيّما إذا قيل بالتسوية بين الجحد عن علم وغير علم ؛ وإن لم نقل : بأنّ الجحد هو الإنكار عن علم ، وإلاّ فالأمر أوضح .

وهنا احتمال ثالث - بعد حمل المطلقات على المقيّدات - : وهو حملها على الحكم الظاهري ؛ وأنّ الجاحد لمّا علم أ نّه من الدين محكوم بالكفر . لكنّه لا يلائم جميع الروايات وإن لاءم بعضها .

ص: 476


1- الكافي 2 : 42 ، باب درجات الإيمان .

كما أنّ الجمع الثاني كذلك وإن كان أقرب من الثالث . وأقرب منهما الجمع الأوّل .

وكيف كان : لا دلالة لها على كفر منكر الضروري من حيث هو .

عدم قيام الإجماع أو الشهرة على نجاسة منكر الضروري

والظاهر أنّ غالب كلمات الأصحاب في الأبواب المختلفة - سيّما أبواب الحدود - ناظر إلى الحكم الظاهري ، وبعضها محتمل للوجه الثاني ، أو محمول عليه ، فلا يمكن تحصيل الشهرة أو الإجماع على المدّعى ؛ ففي كتاب المرتدّ من «الخلاف» : «من ترك الصلاة معتقداً أ نّها غير واجبة ، كان كافراً يجب قتله بلا خلاف»(1) .

وفي «النهاية» : «من استحلّ الميتة والدم ولحم الخنزير ممّن هو مولود على فطرة الإسلام ، فقد ارتدّ بذلك عن دين الإسلام ، ووجب عليه القتل بالإجماع»(2).

وفي حدود «الشرائع» : «من شرب الخمر مستحلاًّ استتيب ، فإن تاب اُقيم عليه الحدّ ، وإن امتنع قتل . وقيل : «يكون حكمه حكم المرتدّ» وهو قويّ . وأمّا سائر المسكرات فلا يقتل مستحلّها ؛ لتحقّق الخلاف بين المسلمين» .

وقال : «من استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع عليها - كالميتة والدم ولحم

ص: 477


1- الخلاف 5 : 359 .
2- النهاية : 713 .

الخنزير - ممّن ولد على الفطرة يقتل»(1) .

ويحتمل في هذه العبارات أحد الوجهين ، ولهذا قال المحقّق في حدود «الشرائع» : «كلمة الإسلام أن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه»(2) .

نعم ، صريح بعض(3) وظاهر جمع(4) حصول الارتداد بإنكار الضروري ، أو ما يعلم أ نّه من الدين مطلقاً ، وأ نّه سبب مستقلّ . كما أنّ صريح بعض(5) وظاهر جمع(6) أ نّه ليس سبباً مستقلاًّ ، بل هو لأجل رجوعه إلى إنكار الأصلين . ولم يظهر من قدماء أصحابنا شيء من الوجهين يمكن الوثوق بمرادهم ، فضلاً عن تحصيل الشهرة في المسألة .

نعم قد يقال : بأنّ تسالمهم على نجاسة الخوارج والنصّاب ، مع استدلالهم لها : بأ نّهم منكرو الضروري من الدين ، دليل على تسالمهم على أنّ إنكاره مطلقاً موجب للكفر ؛ ضرورة أنّ كثيراً منهم - بل غالبهم - كانوا يتقرّبون إلى اللّه تعالى

بالنصب لهم والحرب معهم ؛ لجهلهم بما ورد في حقّهم من الكتاب والسنّة(7) .

ص: 478


1- شرائع الإسلام 4 : 157 - 158 .
2- شرائع الإسلام 4 : 172 .
3- جواهر الكلام 6 : 47 ، و41 : 601 .
4- شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ تحرير الأحكام 1 : 158 ؛ الروضة البهيّة 1 : 66 .
5- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 284 ؛ العروة الوثقى 1 : 138 - 139 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 378 - 380 .
6- مجمع الفائدة والبرهان 3 : 199 ؛ كشف اللثام 1 : 402 .
7- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 282 .

وفيه : أنّ التمسّك لنجاستهم بإنكارهم الضروري ، إنّما وقع من بعضهم ، ولم يظهر تسالمهم عليه ، بل الظاهر أنّ نجاسة الطائفتين مسلّمة عندهم بعنوان النصب والحرب ، ولهذا لم ينقل الخلاف في نجاستهما ، مع وقوع الخلاف في منكر الضروري .

فالأقوى عدم نجاسة منكر الضروري ، إلاّ أن يرجع إلى إنكار الأصلين ولو قلنا : بأنّ الإنكار مطلقاً موجب للكفر ؛ لعدم الدليل على نجاسة الكفّار بحيث يشمل المرتدّ بهذا المعنى :

أمّا الآية(1) فواضح .

وأمّا الروايات فقد مرّ الكلام فيها (2) .

وأمّا الإجماع فلم يقم عليها .

بل لا يبعد أن يكون دعوى الشيخ الإجماع على كفر مستحلّ الميتة والدم ولحم الخنزير وارتداده تارةً ، ودعوى عدم الخلاف في كفر من ترك الصلاة معتقداً أ نّها غير واجبة اُخرى - مضافاً إلى ما تقدّم - هي ارتداده بحسب بعض الآثار كالقتل وغيره ، دون النجاسة ، تأمّل .

وكيف كان : لا يمكن إثبات نجاسته بالإجماع أو الشهرة .

ص: 479


1- التوبة (9) : 28 .
2- تقدّمت في الصفحة 427 .
في كفر النواصب والخوارج ونجاستهم

وأمّا الطائفتان فالظاهر نجاستهما ، كما نقل الإجماع وعدم الخلاف وعدم الكلام فيها من جملة من الأعاظم ، وإرسالهم إيّاها إرسال المسلّمات(1) .

ويمكن الاستدلال عليها بموثّقة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال : «وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم ؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه»(2) .

فإنّه بعد ثبوت نجاسة الطوائف الثلاث بما مرّ مستقصىً(3) ، جعل هذه الطائفة الخبيثة قرينةً لهم ، يشعر أو يدلّ على كونها نجسة .

هذا مع التصريح بأ نّهم «أنجس من الكلب» الظاهر - بمناسبة الحكم والموضوع - في النجاسة الظاهرية . ومجرّد جعلهم أنجس من الكلب ، لا يوجب رفع اليد عن الظاهر الحجّة .

ص: 480


1- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 387 ؛ جامع المقاصد 1 : 164 ؛ روض الجنان 1 : 437 ؛ جواهر الكلام 6 : 50 .
2- علل الشرائع : 292 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 220 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 5 .
3- تقدّم في الصفحة 426 - 438 .

ولا ينافي ذلك ما مرّ منّا من الخدشة في الاستدلال عليها لنجاسة الطوائف الثلاث(1) ؛ لأنّ الاستدلال هناك كان لمقارنتهم مع النصّاب ، وقلنا : إنّ صِرف ذلك لا يدلّ على المطلوب ، وهاهنا بعد ثبوت النجاسة للطوائف ، يستدلّ من المقارنة على أنّ المراد بتلك النجاسة هي النجاسة الظاهرة التي للطوائف والكلب بالدليل الخارجي ، تأمّل .

وأمّا الاستدلال لها برجوع إنكارهم فضائل أهل البيت - الواردة من النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم - إلى تخطئته واعتقاد الغفلة والجهل بعواقب اُمورهم في حقّه صلی الله علیه و آله وسلم وهو كفر(2) ، فغير تامّ صغرى وكبرى ؛ لمنع عموم المدّعى في جميع

طبقاتهم ، ومنع صيرورته موجباً للكفر والنجاسة ، سيّما مع ذهاب بعض أصحابنا - كابن الوليد - إلى أنّ نفي السهو عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أوّل مراتب الغلوّ(3) ، وظهور بعض الآيات(4) والروايات(5) في سهوه .

وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في كفر الطائفتين ونجاستهما .

ص: 481


1- تقدّم في الصفحة 435 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 283 - 284 .
3- اُنظر الفقيه 1 : 235 .
4- كقوله تعالى : )وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَيطَانُ فَلاَ تَقعُدْ بَعدَ الذِّكرى مَعَ القَومِ الظَّالِمِينَ( . الأنعام (6) : 68 .
5- كرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمسها فسلّم في ركعتين ثمّ ذكر . . .» إلى آخره . راجع بحار الأنوار 17 : 97 - 129 .
المستثنى من حكم النواصب والخوارج

ثمّ إنّ المتيقّن من الإجماع هو كفر النواصب والخوارج ؛ أي الطائفتين المعروفتين ، وهم الذين نصبوا للأئمّة علیهم السلام أو لأحدهم بعنوان التديّن به ؛ وأنّ ذلك وظيفة دينية لهم ، أو خرجوا على أحدهم كذلك ، كالخوارج المعروفة ، والظاهر أنّ «الناصب» الوارد في الروايات - كموثّقة ابن أبي يعفور المتقدّمة - أيضاً يراد به ذلك ؛ فإنّ النواصب كانوا طائفة معهودة في تلك الأعصار ، كما يظهر من الموثّقة أيضاً ، حيث نهي فيها عن الاغتسال في غسالة الحمّام التي يغتسل فيها الطوائف الثلاث والناصب ، وليس المراد منه المعنى الاشتقاقي الصادق على كلّ من نصب بأيّ عنوان كان ، بل المراد هو الطائفة المعروفة ، وهم النصّاب الذين كانوا يتديّنون بالنصب ، ولعلّهم من شعب الخوارج .

وأمّا سائر الطوائف من النصّاب بل الخوارج ، فلا دليل على نجاستهم وإن كانوا أشدّ عذاباً من الكفّار ، فلو خرج سلطان على أمير المؤمنين علیه السلام لا بعنوان

التديّن ، بل للمعارضة في الملك ، أو غرض آخر ، كعائشة والزبير وطلحة ومعاوية وأشباههم ، أو نصب أحد عداوة له أو لأحد من الأئمّة علیهم السلام لا بعنوان

التديّن ، بل لعداوة قريش ، أو بني هاشم ، أو العرب ، أو لأجل كونه قاتل ولده أو أبيه ، أو غير ذلك ، لا يوجب - ظاهراً - شيءٌ منها نجاسة ظاهرية وإن كانوا أخبث من الكلاب والخنازير ؛ لعدم دليل من إجماع أو أخبار عليه .

بل الدليل على خلافه ؛ فإنّ الظاهر أنّ كثيراً من المسلمين بعد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - كأصحاب الجمل وصفّين وأهل الشام وكثير من أهالي الحرمين

ص: 482

الشريفين - كانوا مبغضين لأميرالمؤمنين وأهل بيته الطاهرين - صلوات اللّه

عليهم - وتجاهروا فيه ، ولم ينقل مجانبة أمير المؤمنين وأولاده المعصومين علیهم السلام

وشيعته المنتجبين عن مساورتهم ومؤاكلتهم وسائر أنواع العشرة .

والقول : بأنّ الحكم لم يكن معلوماً في ذلك الزمان ، وإنّما صار معلوماً في

عصر الصادقين علیهما السلام (1) كما ترى . مع عدم نقل مجانبة الصادقين علیهما السلام

وأصحابهما وشيعتهما وكذا سائر الأئمّة علیهم السلام المتأخّرة عنهما وشيعتهم عن مساورة شيعة بني اُميّة وبني العبّاس ، ولا من خلفاء الجور .

والظاهر أنّ ذلك لعدم نجاسة مطلق المحارب والناصب ، وأنّ الطائفتين - لعنهما اللّه - لم تنصبا للأئمّة علیهم السلام لاقتضاء تديّنهما ذلك ، بل لطلب الجاه والرياسة وحبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، أعاذنا اللّه منه بفضله .

بل المنقول عن بعض خلفاء بني العبّاس أ نّه كان شيعياً ، ونقل عن المأمون أ نّه قال : «إنّي أخذت التشيّع من أبي»(2) ومع ذلك كان هو وأبوه على أشدّ عداوة لأبي الحسن موسى بن جعفر وابنه الرضا علیهما السلام لمّا رأيا توجّه النفوس إليهما ، فخافا على ملكهما من وجودهما .

وبالجملة : لا دليل على نجاسة النصّاب والخوارج إلاّ الإجماع وبعض الأخبار ، وشيء منهما لا يصلح لإثبات نجاسة مطلق الناصب والخارج ؛ وإن قلنا بكفرهم مطلقاً ، بل وجوب قتلهم في بعض الأحيان .

ص: 483


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 148 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 88 / 11 .
حكم سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع

ثمّ إنّ المتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ المحكوم بالنجاسة هو الكافر المنكر للاُلوهية ، أو التوحيد ، أو النبوّة ، وخصوص النواصب والخوارج بالمعنى المذكور.

وأمّا سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع - كالزيدية والواقفة والغلاة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة وغيرهم - إن اندرجوا في منكري الاُصول أو في إحدى الطائفتين ، فلا إشكال في نجاستهم ، كما يقال : «إنّ الواقفة من النصّاب لسائر الأئمّة من بعد الصادق علیه السلام »(1) .

وأمّا مع عدم الاندراج فلا دليل على نجاستهم ؛ فإنّ بعض الأخبار الواردة في كفر بعضهم - كقوله علیه السلام : «من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر»(2) وقوله علیه السلام : «من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك»(3) وقوله علیه السلام : «والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك»(4) وغير

ص: 484


1- اختيار معرفة الرجال : 229 / 410 و411 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 189 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 114 / 1 ؛ وسائل الشيعة 28 : 339 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 1 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 143 / 45 ؛ وسائل الشيعة 28 : 340 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 5 .
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 124 / 17 ؛ وسائل الشيعة 28 : 340 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 4 .

ذلك(1) - فسبيله سبيل الأخبار الكثيرة المتقدّمة(2) وغيرها ممّا لا يحصى ممّا اُطلق فيها «الكافر» و«المشرك» على كثير ممّن يعلم عدم كفرهم وشركهم في ظاهر الإسلام ، وقد حملناها على مراتب الشرك والكفر(3) ، كما قامت الشواهد في نفس الروايات عليه .

والإنصاف : أنّ كثرة استعمال اللفظين في غير الكفر والشرك الظاهريين ، صارت بحيث لم يبقَ لهما ظهور يمكن الاتّكال عليه لإثبات الكفر والشرك الموجبين للنجاسة فيمن اُطلقا عليه ، ولا لإثبات التنزيل في جميع الآثار ، وهو واضح جدّاً لمن تتبّع الروايات ، ولا دليل آخر من إجماع أو غيره على نجاستهم .

حكم الغلاة

وأمّا الغلاة ، فإن قالوا بإلهية أحد الأئمّة علیهم السلام مع نفي إله آخر أو إثباته ، أو قالوا بنبوّته ، فلا إشكال في كفرهم .

وأمّا مع الاعتقاد باُلوهيته تعالى ، ووحدانيته ، ونبوّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فلا يوجب شيء من عقائدهم الفاسدة كفرَهم ونجاستهم ؛ حتّى القول بالاتّحاد أو الحلول إن لم يرجع إلى كون اللّه تعالى هو هذا الموجود المحسوس - والعياذ باللّه - فإنّه

يرجع إلى إنكار اللّه تعالى ، بل يراد بهما ما عند بعض الصوفية : من فناء العبد

ص: 485


1- راجع وسائل الشيع-ة 28 : 339 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 .
2- تقدّم في الصفحة 472 - 475 .
3- تقدّم في الصفحة 475 .

في اللّه واتّحاده معه نحو فناء الظلّ في ذيه ، فإنّ تلك الدعاوى لا توجب الكفر

وإن كانت فاسدة .

وكالاعتقاد بأنّ اللّه تعالى فوّض أمر الخلق مطلقاً إلى أمير المؤمنين علیه السلام فهو

بتفويض اللّه تعالى إليه خالق ما يرى وما لا يرى ، ورازق الورى ، وأ نّه محي ومميت . . . إلى غير ذلك من الدعاوى الفاسدة ، فإنّ شيئاً منها لا يوجب الكفر وإن كان غلوّاً ، وكان الأئمّة علیهم السلام يبرأون منها ، وينهون الناس عن الاعتقاد

بها .

ودعوى : أنّ إثبات ما هو مختصّ باللّه تعالى لغيره ، إنكار للضروري(1) ، ممنوعة إن اُريد به ضروري الإسلام ؛ فإنّ تلك الاُمور من ضروري العقول لا الإسلام . مع أنّ منكر الضروري ليس بكافر ، كما مرّ(2) .

حكم المجسّمة

وأمّا المجسّمة ، فإن التزموا بأ نّه تعالى جسم حادث كسائر الحوادث ، فلا إشكال في كفرهم ؛ لإنكار اُلوهيته تعالى ، ولا أظنّ التزامهم به . ومع عدمه : بأن اعتقد بجسميته تعالى ؛ بمعنى أن يعتقد أنّ الإله القديم الذي يعتقد به كافّة الموحّدين جسم - لنقص معرفته وعقله - فلا يوجب ذلك كفراً ونجاسة .

هذا إن ذهب إلى أ نّه جسم حقيقة ، فضلاً عمّا إذا قال بأ نّه جسم لا كالأجسام ، كما نسب إلى هشام بن الحكم الثقة الجليل المتكلّم(3) ولقد ذبّ

ص: 486


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 293 .
2- تقدّم في الصفحة 475 - 476 .
3- اُنظر الشافي في الإمامة 1 : 82 - 84 ؛ الملل والنحل 1 : 164 - 165 .

أصحابنا عنه ، وقالوا : «إنّما قال ذلك معارضةً لطائفة لا اعتقاداً»(1) وبعض الأخبار وإن كان ينافي ذلك(2) ، لكن ساحة مثل هشام مبرّأ عن مثل هذا الاعتقاد السخيف . مع أنّ مراده غير معلوم على فرض ثبوت اعتقاده به .

حكم المجبّرة والمفوّضة

وأمّا القول بالجبر أو التفويض ، فلا إشكال في عدم استلزامه الكفر - بمعنى نفي الاُصول - إلاّ على وجه دقيق يغفل عنه الأعلام ، فضلاً عن عامّة الناس ، ومع عدم الالتفات إلى اللازم لا يوجب الكفر جزماً .

ودعوى استلزام الجبر لنفي العقاب والثواب ، وذلك إبطال للنبوّات(3) ، لو فرضت صحّتها لم يلتزم المجبّرة به ، ولا إشكال في أنّ القائل بهما ليس منكراً للضروري ؛ لعدم كون الأمر بين الأمرين من ضروريات الدين ، بل ولا من ضروريات المذهب ؛ وإن كان ثابتاً بحسب الأخبار(4) ، بل البرهان كما حقّق في محلّه(5) .

والإنصاف : أنّ الأمر بين الأمرين - بالمعنى المستفاد من الأخبار ، والقائم عليه البرهان الدقيق - لا يمكن تحميل الاعتقاد به على فضلاء الناس ، فضلاً عن

ص: 487


1- اُنظر الشافي في الإمامة 1 : 82 - 86 ؛ تنقيح المقال 3 : 294 / السطر23 (أبواب الهاء) .
2- الكافي 1 : 104 / 1 و4 - 7 .
3- كشف اللثام 1 : 404 ؛ جواهر الكلام 6 : 54 .
4- الكافي 1 : 155 ، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ؛ التوحيد ، الصدوق : 359 ، الباب 59 .
5- الطلب والإرادة ، الإمام الخميني قدس سره : 20 .

عوامّهم وعامّتهم ، ولهذا ترى أ نّه قلّما يتّفق لأحد تحقيق الحقّ فيه وسلوك مسلك الأمر بين الأمرين من دون الوقوع في أحد الطرفين ؛ أي الجبر والتفويض سيّما الثاني .

فتحصّل ممّا ذكر عدم كفر الطوائف المتقدّمة ، فما عن غير واحد : «من أنّ نجاسة الغلاة إجماعية»(1) أو : «لا خلاف»(2) و : «لا كلام فيها»(3) فالقدر المتيقّن منه هو الغلوّ بالمعنى الأوّل ، لا بمعنى التجاوز عن الحدّ مطلقاً . وما عن الشيخ وغيره من نجاسة المجسّمة(4) وعن «حاشية المقاصد»(5) و«الدلائل» : «لا كلام في نجاستهم»(6) لعلّ المراد لهم مَن توجّه والتفت إلى لازمه ، وإلاّ فلا دليل عليها كما تقدّم ، وكذا الكلام في المجبّرة والمفوّضة .

حكم المنافقين

بقي الكلام في المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر :

فإن قلنا : بأنّ الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالاُصول الثلاثة ، وكلمة الشهادتين طريق إثباته في الظاهر ، أو أ نّه عبارة عن الإقرار باللسان ، والاعتقاد بالجنان ،

ص: 488


1- روض الجنان 1 : 437 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 43 .
3- جامع المقاصد 1 : 164 .
4- المبسوط 1 : 14 ؛ منتهى المطلب 3 : 224 .
5- هكذا في الطبعة الحجرية من مفتاح الكرامة ولكن في الطبعة الحديثة المصحّحة : «جامع المقاصد» بدل «حاشية المقاصد» .
6- جامع المقاصد 1 : 164 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 43 .

فيكون موضوع الأحكام مركّباً من جزءين ، وجُعل أحدهما طريقاً للآخر ، فلا إشكال في كفرهم واقعاً وإن رتّبت عليهم أحكام الإسلام ظاهراً ما لم يثبت خلافه .

فإذا علمنا بنفاقهم لا يجوز إجراء الأحكام عليهم ، فحينئذٍ يقع الإشكال في المنافقين الذين كانوا في صدر الإسلام ، وكان النبي صلی الله علیه و آله وسلم والوصيّ علیه السلام يتعاملان معهم معاملة الإسلام .

وطريق دفعه إمّا بأن يقال : إنّ مصالح الإسلام اقتضت جعل أحكام ثانوية واقعية نظير باب التقيّة ، فجريان أحكام الإسلام عليهم واقعاً لمصلحة تقوية الإسلام في أوائل حدوثه ، فإنّه مع عدم إجرائها في حال ضعفه ونفوذ المنافقين وقوّتهم ، كان يلزم منه الفساد والتفرقة ، فأجرى اللّه تعالى أحكامه عليهم واقعاً ،

وأمّا بعد قوّة الإسلام وعدم الخوف منهم وعدم لزوم تلك المفسدة ، فلا تجري الأحكام عليهم .

وإمّا بأن يقال : إنّ ترتيب الآثار كان - ظاهراً - لخوف تفرقة المسلمين ، فهم مع كفرهم وعدم محكوميتهم بأحكامه واقعاً ، كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ووصيّه علیه السلام يتعاملان معهم معاملة المسلمين ظاهراً ؛ حفظاً لشوكة الإسلام .

والالتزام بالثاني في غاية الإشكال . بل مقطوع الخلاف بالنسبة إلى بعض الأحكام .

وإمّا بأن يقال : إنّ العلم غير العادي -

كالعلم من طريق الوحي - لم يكن معتبراً ، لا بمعنى نفي اعتباره حتّى يلزم منه الإشكال ، بل بالتزام تقييد في الموضوع . وهو أيضاً بعيد .

ص: 489

وإن قلنا : بأنّ الإسلام عبارة عن صِرف الإقرار ظاهراً والشهادة باللسان ، وهو تمام الموضوع لإجراء الأحكام واقعاً ، فلا إشكال في طهارتهم وإجراء الأحكام عليهم ، ولا يرد الإشكال على معاملة النبي صلی الله علیه و آله وسلم معهم معاملة الإسلام ، فإنّهم مسلمون حقيقة ، إلاّ أن يظهر منهم مخالفة الإسلام ؛ بأن يقال : إنّ

الإسلام عبارة عن التسليم والانقياد ظاهراً ، مقابل الجحد والخروج عن السلم ، فمن ترك عبادة الأوثان مثلاً ، ودخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين ، وانقاد لأحكامه ، كان مسلماً منقاداً يجري عليه أحكامه واقعاً ، إلاّ أن يظهر منه ما يخالف الاُصول . هذا بحسب مقام الثبوت .

وأمّا بحسب مقام الإثبات والتصديق :

فقد عرفت في صدر المبحث : أنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة أنّ الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالاُصول الثلاثة(1) ، فلو علمنا بأنّ نصرانياً أظهر الإسلام من غير اعتقاد ، بل يبقى على اعتقاد التنصّر ، لم يكن في ارتكازهم مسلماً .

لكن يظهر من الكتاب والأخبار خلاف ذلك ؛ قال تعالى : )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْءِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ((2) .

في «المجمع» : «هم قوم من بني أسد أتوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم في سنة جَدْبة ، وأظهروا الإسلام ، ولم يكونوا مؤمنين في السرّ» .

ثمّ قال : «قال الزجّاج : الإسلام : إظهار الخضوع والقبول لما أتى به

ص: 490


1- تقدّم في الصفحة 451 .
2- الحجرات (49) : 14 .

الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بذلك يحقن الدم ، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان - إلى أن قال : - وروى أنس ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «الإسلام علانية ، والإيمان في القلب» أشار إلى صدره»(1) انتهى .

وفي موثّقة أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا( فمن زعم أ نّهم آمنوا فقد كذب ، ومن زعم أ نّهم لم يسلموا فقد كذب»(2) .

وفي موثّقة جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه تعالى : )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْءِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ( فقال لي : «ألا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام !»(3) .

وفي حسنة(4) حُمران بن أعين ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : «الإيمان : ما استقرّ في القلب ، وأفضى به إلى اللّه ، وصدّقه العمل بالطاعة للّه ، والتسليم لأمر اللّه ، والإسلام : ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح» . ثمّ استشهد بالآية المتقدّمة وقال :

«فقول اللّه أصدق القول»(5) .

ص: 491


1- مجمع البيان 9 : 207 - 208 .
2- الكافي 2 : 25 / 5 .
3- الكافي 2 : 24 / 3 .
4- تقدّم وجهها في الصفحة 459 ، الهامش 2 .
5- الكافي 2 : 26 / 5 .

وتدلّ عليه أيضاً جملة من الروايات الاُخر ، كموثّقة سَماعة المتقدّمة(1) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : فقلت : فصفهما لي ، فقال : «الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ، والإيمان : الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل به ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ؛ إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر ، والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن ؛ وإن اجتمعا في القول والصفة»(2) .

وهي بحسب ذيلها كالصريحة أو الصريحة في المقصود .

ويمكن المناقشة في صدرها بأن يقال : إنّ الشهادة لا تصدق إلاّ مع الموافقة للقلوب ، ولهذا كذّب اللّه تعالى المنافقين مع شهادتهم برسالة النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : )وَاللّه ُ يَشْهَدُ إِنَّ ا لْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ((3) والظاهر أنّ تكذيبهم لعدم موافقة شهادتهم لقلوبهم .

ويمكن دفعها : بأنّ «الشهادة» صادقة بصِرف الشهادة ظاهراً ، ولهذا تجعل مقسماً للصادقة والكاذبة بلا تأوّل ، ولعلّ التكذيب في الآية كان لقرينة على دعواهم موافقة القلوب للظاهر .

وكيف كان : لا إشكال في دلالتها عليه .

ص: 492


1- تقدّمت في الصفحة 459 .
2- الكافي 2 : 25 / 1 .
3- المنافقون (63) : 1 .

وفي صحيحة الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، ولا يشاركه الإسلام ؛ إنّ الإيمان ما وقر في القلوب ، والإسلام ما عليه المناكح والمواريث ، وحقن الدماء»(1) .

وفي رواية حفص بن خارجة قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام . . . إلى أن قال : «فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ، ويجري عليه أحكام المؤمنين ، وهو عند اللّه كافر ، وقد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله !»(2) . . . إلى غير ذلك .

وحمل تلك الروايات على لزوم جريان الأحكام في الظاهر لو أمكن في بعضها ، لكن يأبى عنه أكثرها .

ص: 493


1- الكافي 2 : 26 / 3 .
2- الكافي 2 : 39 / 8 .
طهارة ولد الزنا وإسلامه

ثمّ إنّ المشهور - على ما حكاه جماعة(1) - طهارة ولد الزنا وإسلامه . بل عن «الخلاف» الإجماع على طهارته(2) ، ولعلّه مبنيّ على أنّ فتوى السيّد بكفره(3) لا تلازم فتواه بنجاسته ، كما أنّ فتوى الصدوق بعدم جواز الوضوء بسؤره(4) لا تستلزم القول بها .

ولم يحضرني كلام السيّد ولا الحلّي ، واختلف النقل عنهما ؛ ففي «الجواهر» :

«في «السرائر» : «أنّ ولد الزنا قد ثبت كفره بالأدلّة بلا خلاف بيننا» بل يظهر

منه أ نّه من المسلّمات ، كما عن المرتضى الحكم بكفره أيضاً»(5) انتهى .

ويظهر ذلك أيضاً من الشيخ سليمان البحراني ، كما في «الحدائق»(6) .

وهو لا يدلّ على حكمهما بنجاسته ؛ لعدم الملازمة بينهما بعد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة مطلق الكافر . إلاّ أن يقال : إنّ السيّد قائل بنجاسة كلّ كافر ، كما يظهر من «انتصاره»(7) و«ناصرياته»(8) .

ص: 494


1- جواهر الكلام 6 : 68 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 155 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 68 ؛ الخلاف 1 : 713 .
3- الانتصار : 544 .
4- الفقيه 1 : 8 / 11 .
5- جواهر الكلام 6 : 68 .
6- الحدائق الناضرة 5 : 191 .
7- الانتصار : 88 .
8- مسائل الناصريات : 84 .

وكيف كان : تدلّ على إسلامه الأخبار الشارحة للإسلام الذي عليه المناكح والمواريث(1) ، وإطلاقها شامل له بلا شبهة ، ودعوى عدم الإطلاق(2) في غاية الضعف ، وهي حاكمة على جميع ما ورد في حقّ ولد الزنا ، فإنّ غاية ما في الباب تصريح الأخبار بكفره ، فتكون حالها حال الأخبار التي وردت في كفر كثير من الطوائف وشركهم ممّا مرّ الكلام فيها (3) ، مع عدم دليل عليه أيضاً ، كما سنشير إليه .

ثمّ إنّ القائل بكفره إن أراد منه أ نّه لا يمكن منه الإسلام عقلاً ، أو لا يقع منه خارجاً ، فلا بدّ من طرح إظهاره للشهادتين ؛ للعلم بتخلّفه عن الواقع .

ففيه : - مضافاً إلى عدم الدليل على ذلك لو لم نقل : إنّ الدليل على خلافه - أ نّه لو سلّم لا يوجب كفره ؛ لما مرّ من أنّ الإسلام الذي يجري عليه الأحكام ظاهراً ، ليس إلاّ التسليم الظاهري والانقياد بإظهار الشهادتين ، فما لم يظهر منه شيء مخالف لذلك ، يكون محكوماً بالإسلام ولو علم عدم اعتقاده ، كما قلنا في المنافقين(4) .

وإن أراد منه أ نّه محكوم بأحكام الكفر من عدم جواز التزويج وغيره ، فهو ممكن ، لكن يحتاج إلى قيام دليل عليه ، وهو مفقود ؛ لأنّ الأخبار الواردة

ص: 495


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 459 - 460 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 299 .
3- تقدّم في الصفحة 472 - 475 .
4- تقدّم في الصفحة 489 .

فيهم الدالّة على عدم دخولهم في الجنّة(1) - فإنّها للمطهّرين - لا تدلّ على كفرهم ، بل فيها ما تدلّ على صحّة إيمانهم ، مثل ما دلّ على بناء بيت في النار لولد الزنا العارف ، وكان منعّماً فيها ، ومحفوظاً عن لهيبها (2) ، وهذا دليل على صحّة إيمانه .

ولا يجب على اللّه تعالى أن يدخله الجنّة ؛ فإنّ ما يحكم به العقل امتناع تعذيب اللّه تعالى أحداً من غير كفر أو عصيان ، وأمّا لزوم إدخاله في الجنّة - بل لزوم جزائه واستحقاقه على اللّه تعالى شيئاً - فلا دليل عليه ، بل العقل

حاكم على خلافه .

نعم ، لا يمكن تخلّف وعده ، لكن لو دلّ دليل على اختصاص وعده بطائفة خاصّة ، لا ينافي حكم العقل .

وكيف كان : هذه الطائفة من الأخبار أجنبيّة عن الأحكام الظاهرية ، كأجنبيّة

سائر ما تشبّث به في «الحدائق»(3) كما وردت في مساواة ديتهم لدية أهل الكتاب(4) ، مع عدم عمل الطائفة بهذه الأخبار على ما حكي(5) .

وما وردت من «أنّ حبّ علي علیه السلام علامة طيب الولادة وبغضه علامة خبثها»(6) .

ص: 496


1- راجع المحاسن : 139 / 28 و29 ؛ بحار الأنوار 5 : 287 / 10 و11 .
2- المحاسن : 149 / 64 ؛ بحار الأنوار 5 : 287 / 12 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 194 - 196 .
4- وسائل الشيعة 29 : 222 ، كتاب الديات ، أبواب ديات النفس ، الباب 15 .
5- جواهر الكلام 6 : 70 .
6- بحار الأنوار 38 : 189 ، الباب 63 ؛ الغدير 4 : 322 - 323 .

وما وردت من «أنّ لبن أهل الكتاب أحبّ إليّ من لبن ولد الزنا»(1) .

وما وردت من «أنّ نوحاً علیه السلام لم يحمل في السفينة ولد الزنا ، مع حمله الكلب والخنزير»(2) .

وما وردت من عدم قبول شهادته ، وعدم جواز توليته القضاء والإمامة(3) . . . إلى غير ذلك ممّا لا دخل لها بكفره ونجاسته(4) ، كما لا يخفى .

نعم ، ربّما يتمسّك لنجاسته بأخبار غسالة الحمّام وبكفره ؛ بدعوى ملازمتها مع كفره ، وفي المقدّمتين إشكال ومنع .

أمّا الثانية : فلعدم الدليل عليها .

وأمّا الاُولى : فللإشكال في رواياتها سنداً ودلالةً :

أمّا رواية حمزة بن أحمد ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : سألته - أو سأله غيري - عن الحمّام ، قال : «ادخله بمئزر ، وغضّ بصرك ، ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ؛ فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا

ص: 497


1- الكافي 6 : 43 / 5 ؛ وسائل الشيعة 21 : 462 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب 75 ، الحديث 2 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 148 / 27 و28 ؛ وسائل الشيعة 27 : 377 ، كتاب الشهادات ، الباب 31 ، الحديث 9 و10 .
3- وسائل الشيعة 27 : 374 ، كتاب الشهادات ، الباب 31 ، و8 : 321 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب 14 ، الحديث 1 و2 و4 و6 .
4- مثل رواية زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «لا خير في ولد الزنا ولا في بشره ولا شعره ولا لحمه ولا في دمه ولا في شيء منه» . المحاسن : 108 / 100 ؛ بحار الأنوار 5 : 285 / 6 .

والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم»(1) .

فم-ع ضعفها وإرسالها (2) ، أنّ الظاهر منها أنّ اغتسال الجنب بما هو ، مانع عن الاغتسال بغسالة الحمّام لا للنجاسة ، ولعلّه لكون البقيّة هو الماء المستعمل ، فلا يمكن الاستدلال بها لنجاسة ولد الزنا ولو كان الناصب نجساً .

وقريب منها رواية علي بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي الحسن علیه السلام في حديث أ نّه قال :

«لا تغتسل من غسالة الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا ، ويغتسل فيه ولد الزنا ، والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم»(3) .

والظاهر منها أنّ غسالة الغسل من الزنا بما هي من غسل الزنا مانع ، وهو غير نجس بالضرورة . والحمل على نجاسة عرقه خلاف ظاهرها .

وأمّا رواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

«لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمّام ؛ فإنّ فيها غسالة

ص: 498


1- تهذيب الأحكام 1 : 373 / 1143 ؛ وسائل الشيعة 1 : 218 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 1 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن حمزة بن أحمد . والرواية ضعيفة بحمزة بن أحمد ؛ فإنّه مهمل . رجال الطوسي : 335 / 13 .
3- الكافي 6 : 498 / 10 ؛ وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 3 .

ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبع آباء»(1) .

فمع ضعفها وإرسالها (2) ، تدلّ على خلاف مطلوبه ؛ ضرورة أنّ قوله علیه السلام : «لا يطهر إلى سبع آباء» بمنزلة التعليل للمنع ، مع قيام الضرورة على عدم

نجاسة آباء ولد الزنا أو أبنائه ، فيعلم أنّ ما أوجب النهي عن غسالته هو خباثته المعنوية ، لا النجاسة الصورية .

ولو كان المراد منه المبالغة فلا تناسب إلاّ الخباثة المعنوية .

بل هي شاهدة على صرف سائر الروايات على فرض دلالتها ، فأخبار هذا الباب ينبغي أن تعدّ من أدلّة طهارة ولد الزنا لا نجاسته .

فما في «الحدائق» من دعوى دلالة الأخبار الصحيحة الصريحة غير القابلة للتأويل على كفره أو نجاسته(3) على فرض إرادتها أيضاً ، في غاية الغرابة ؛ بعد ما عرفت من عدم دلالة رواية واحدة على مطلوبه . بل عرفت دلالتها على خلافه .

وأغرب منه توهّم عدم وقوف علمائنا الأعلام على هذه الأخبار(4) التي خرجت من لديهم إليه وإلى مثله ، وهو عيال عليهم في العثور عليها ، وكم له من نظير !

ص: 499


1- الكافي 3 : 14 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 4 .
2- رواها الكليني ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور ، عن محمّد بن القاسم ، عن ابن أبي يعفور . والرواية ضعيفة بمحمّد بن القاسم فإنّه مجهول .
3- الحدائق الناضرة 5 : 193 .
4- نفس المصدر .
تتميم يذكر

فيه بعض ما هو محلّ خلاف بين الأصحاب

منها : عرق الجنب من الحرام

فعن جملة من المتقدّمين - كالصدوقين والشيخين والقاضي وابن الجنيد - القول بالنجاسة(1) . وعن «الخلاف» الإجماع عليه(2) . وعن الاُستاذ دعوى الشهرة العظيمة عليه(3) ، وعن «الرياض» الشهرة العظيمة بين القدماء(4) .

وعن «المراسم» و«الغنية» نسبته إلى أصحابنا (5) . وعن «المبسوط» إلى رواية أصحابنا (6) . وعن «أمالي الشيخ الصدوق» : «أ نّه من دين الإمامية»(7) .

ص: 500


1- المقنع : 43 نقله عن رسالة أبيه إليه ؛ الفقيه 1 : 40 / 153 ؛ المقنعة : 71 ؛ النهاية : 53 ؛ المهذّب 1 : 51 ؛ اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 214 .
2- الخلاف 1 : 483 .
3- مصابيح الظلام 5 : 35 و36 .
4- رياض المسائل 2 : 366 .
5- المراسم : 56 ؛ غنية النزوع 1 : 45 .
6- المبسوط 1 : 37 - 38 .
7- الأمالي ، الصدوق : 516 .

واستدلّ عليه بجملة من الروايات :

كرواية إدريس بن زياد الكَفَرْتوثي : أ نّه كان يقول بالوقف ، فدخل سرّ من رأى في عهد أبي الحسن علیه السلام وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب ، أيصلّي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره حرّكه أبو الحسن علیه السلام بمقرعة ، وقال مبتدئاً : «إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ فيه»(1) .

وعن «إثبات الوصيّة» لعلي بن الحسين المسعودي نقل الرواية بتفصيل آخر ، وفي آخرها :

فقال لي : «يا إدريس ، أما آن لك ؟» فقلت : بلى يا سيّدي ، فقال : «إن كان العرق من الحلال فحلال ، وإن كان من الحرام فحرام» من غير أن أسأله ، فقلت به ، وسلّمت لأمره(2) .

وعن «البحار» : «وجدت في كتاب عتيق من مؤلّفات قدماء أصحابنا رواه عن أبي الفتح غازي بن محمّد الطريفي ، عن علي بن عبداللّه الميموني ، عن محمّد بن علي بن معمر ، عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي ، عن الكاظم علیه السلام مثله ، وقال : «إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال ، وإن كان

من حرام فالصلاة في الثوب حرام»(3) .

ص: 501


1- ذكرى الشيعة 1 : 120 ؛ وسائل الشيعة 3 : 447 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 12 .
2- إثبات الوصيّة : 238 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 571 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 7 .
3- بحار الأنوار 77 : 118 / 6 .

كذا في «مفتاح الكرامة»(1) وفي «المستدرك» ذكره بعد رواية «المناقب» نقلاً عن «البحار»(2) .

وعن «مناقب ابن شهر آشوب» : أنّ علي بن مَهْزِيار كان أراد أن يسأل أبا الحسن علیه السلام عن ذلك وهو شاكّ في الإمامة . . . إلى أن قال : ثمّ قلت : اُريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب ، فقلت في نفسي : إن كشف عن وجهه فهو الإمام ، فلمّا قرب منّي كشف وجهه ، ثمّ قال : «إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام ، لا تجوز الصلاة فيه ، وإن كان جنابته من حلال فلا بأس» فلم يبقَ في نفسي بعد ذلك شبهة(3) .

وعن «الفقه الرضوي» : «إن عرقت في ثوبك وأنت جنب فكانت الجنابة من الحلال ، فتجوز الصلاة فيه، وإن كان حراماً فلا تجوز الصلاة فيه حتّى يغسل»(4) .

نقله في «الحدائق»(5) ولم ينقله صاحب «المستدرك» .

وقد يؤيّد بما ورد في غسالة الحمّام ، كرواية علي بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : «لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا»(6) .

ص: 502


1- مفتاح الكرامة 2 : 70 .
2- مستدرك الوسائل 2 : 569 - 570 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 5 .
3- مناقب آل أبي طالب 4 : 413 - 414 .
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 84 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 217 .
6- تقدّمت في الصفحة 498 .

وفي الكلّ نظر :

أمّا الإجماع أو الشهرة ، فغير ثابت لا بالنسبة إلى النجاسة ، ولا المانعية ؛ لأنّ عبارات القدماء - إلاّ الشاذّ منهم - خالية عن التصريح بالنجاسة ، بل ولا ظهور فيها يمكن الاتّكال عليه ، ففي «الأمالي» فيما يملي من دين الإمامية : «وإذا عرق الجنب في ثوبه وكانت الجنابة من حلال ، فحلال الصلاة في الثوب ، وإن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه»(1) .

وفي «الفقيه» : «ومتى عرق في ثوبه وهو جنب ، فليستنشف فيه إذا اغتسل ، وإن كانت الجنابة من حلال فحلال الصلاة فيه ، وإن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه»(2) .

وهما - كما ترى - ظاهران في المانعية لا النجاسة . بل الظاهر من الثاني الطهارة مع المانعية ؛ لأنّ الظاهر أنّ الضمير المجرور في ذيله راجع إلى الثوب الذي أجاز التنشيف به .

وفي «الخلاف» : «عرق الجنب إذا كان الجنابة من حرام يحرم الصلاة فيه ، وإذا كان من حلال فلا بأس بالصلاة فيه» .

ثمّ قال : «دليلنا : إجماع الفرقة ، ودليل الاحتياط ، والأخبار التي ذكرناها في

الكتابين المتقدّم ذكرهما»(3) .

وهو - كما ترى - نقل الإجماع على حرمة الصلاة ، وهي أعمّ من النجاسة ،

ص: 503


1- الأمالي ، الصدوق : 516 .
2- الفقيه 1 : 40 / 153 .
3- الخلاف 1 : 483 .

كحرمة الصلاة في وبر ما لا يؤكل .

وتوهّم : أنّ مراده النجاسة ؛ بقرينة تصريحه في «نهايته» بنجاسته(1) ، وتظهر من «تهذيبه» أيضاً (2) ، في غير محلّه حتّى بالنسبة إلى فتواه ، فضلاً عن نقل فتوى الفرقة ؛ لاحتمال عدوله عن الفتوى بالنجاسة . كما يظهر من محكيّ «مبسوطه» التوقّف في الحكم(3) .

وفي «التهذيب» في ذيل كلام المفيد حيث قال : «ولا يجب غسل الثوب منه - أي من عرق الجنب - إلاّ أن تكون الجنابة من حرام ، فتغسل ما أصابه من عرق صاحبها من جسد وثوب ، ويعمل في الطهارة بالاحتياط»(4) .

قال بهذه العبارة : «فأمّا ما يدلّ على أنّ الجنابة من حرام فإنّه يغسل الثوب

منها احتياطاً ، فهو ما أخبرني . . .» ثمّ نقل صحيحة الحلبي قال : «قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل أجنب في ثوبه . . .» إلى آخره ، ثمّ حمل الرواية على عرق المجنب من حرام .

ثمّ قال : «مع أ نّه يحتمل أن يكون المعنى فيه أن يكون أصاب الثوب نجاسة ، فحينئذٍ يصلّي فيه ويعيد»(5) انتهى .

فترى أنّ كلام الشيخين مبنيّ على الاحتياط .

ص: 504


1- النهاية : 53 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 271 ، ذيل الحديث 799 .
3- المبسوط 1 : 37 - 38 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 268 ، ذيل الحديث 785 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 271 ، ذيل الحديث 798 .

نعم يظهر منهما - سيّما الأوّل - أ نّه لاحتمال النجاسة .

وفي «المراسم» : «وأمّا غسل الثياب من ذرق الدجاج وعرق الجلاّل وعرق الجنب من الحرام ، فأصحابنا يوجبون إزالته ، وهو عندي ندب»(1) .

والظاهر أنّ المسألة لم تكن إجماعية ؛ لمخالفته صريحاً ، وذكرِ ذرق الدجاج . مضافاً إلى عدم ظهور معتدّ به لكلامه في النجاسة .

وفي «الغنية» : «وقد ألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلاّلة ، وعرق الجنب إذا أجنب من حرام»(2) .

وهو غير صريح ، بل ولا ظاهر في النجاسة ؛ لاحتمال أن يكون مراده الإلحاق الحكمي مطلقاً ، أو في خصوص الصلاة ، فيمكن تأييد شارح «الموجز» فعنه : «أنّ القول بالنجاسة للشيخ ، وهو متروك»(3) بل تصديقه . بل تصديق دعوى الحلّي الإجماع على الطهارة ؛ بدعوى رجوع الشيخ عن القول بها (4) ، فضلاً عن تصديق دعوى صاحب «المختلف» و«الذكرى» و«الكفاية» و«الدلائل» الشهرة عليها (5) .

وأمّا الأخبار ، فلا دلالة لشيء منها على النجاسة ، نعم ظاهرها مانعيته عن الصلاة ، وهي أعمّ منها .

ص: 505


1- المراسم : 56 .
2- غنية النزوع 1 : 45 .
3- كشف الالتباس 1 : 404 .
4- السرائر 1 : 181 .
5- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 69 ؛ مختلف الشيعة 1 : 303 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 120 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 60 .

نعم ما عن «الفقه الرضوي»(1) لا يخلو من إشعار بها ، لكن كون هذا الكتاب رواية غير ثابت ، فضلاً عن اعتباره .

فلو ثبت اعتماد الأصحاب على تلك الروايات الدالّة على عدم جواز الصلاة فيه ، فلا محيص عن العمل بها . لكنّه أيضاً محلّ إشكال ، سيّما مع ما في «الخلاف» كما تقدّم(2) ، حيث تمسّك في الحكم بالأخبار التي في «التهذيبين»(3) فلو كان اعتماده على تلك الأخبار لم يقل ذلك ، ولم يكن وجه لترك التمسّك بها في الكتابين ، وسيّما مع نقل «الدلائل» عن «المبسوط» نسبة كراهة الصلاة فيه إلى الأصحاب(4) ؛ وإن قال صاحب «مفتاح الكرامة» : «ولم أجد ذكر ذلك فيه»(5) فإنّ عدم وجدانه أعمّ .

فإثبات المانعية بتلك الروايات الضعيفة غير المجبورة ، مشكل بل ممنوع ، والاتّكال على نفس الشهرة والإجماع المنقول في «الخلاف» وغيره أيضاً لا يخلو من إشكال ؛ لإعراض المتأخّرين عنه من زمن الحلّي .

مضافاً إلى أنّ مدّعي الإجماع - كالشيخ - توقّف أو مال إلى الخلاف ، على ما

في محكيّ «مبسوطه»(6) ويظهر من «تهذيبه»(7) .

ص: 506


1- تقدّم في الصفحة 502 .
2- تقدّم في الصفحة 503 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 271 / 799 ؛ الاستبصار 1 : 187 / 655 .
4- راجع المبسوط 1 : 91 .
5- مفتاح الكرامة 2 : 70 .
6- المبسوط 1 : 91 .
7- تهذيب الأحكام 1 : 271 ، ذيل الحديث 799 .

والناسب إلى الأصحاب توقّف ، كابن زهرة(1) ، أو أفتى بالخلاف ، كأبي يعلى سلاّر بن عبدالعزيز(2) .

وأمّا ما في «الأمالي» فالظاهر أنّ ما أدّى إليه نظره عدّه من دين الإمامية ، كما يظهر بالرجوع إلى أحكام ذكرها في ذلك المجلس .

هذا مع ما في جملة من الروايات المصرّحة بعدم البأس عن عرق الجنب ، ولا يبعد دعوى تحكيم بعضها على تلك الأخبار :

مثل ما عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : «سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الجنب

والحائض يعرقان في الثوب حتّى يلصق عليهما ، فقال : إنّ الحيض والجنابة حيث جعلهما اللّه عزّ وجلّ ، ليس في العرق ، فلا يغسلان ثوبهما»(3) .

وعن أبي عبداللّه علیه السلام : «لا يجنّب الثوب الرجل ، ولا يجنّب الرجل الثوب»(4) .

فلو كان عرق الجنب موجباً للنجاسة أو المانعية في الجملة ، لم يعبّرا بمثل ما ذكر فيهما .

هذا ولكن الاحتياط لا ينبغي أن يترك ، سيّما بالنسبة إلى المانعية .

ص: 507


1- غنية النزوع 1 : 45 .
2- المراسم : 56 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 269 / 792 ؛ وسائل الشيعة 3 : 447 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 9 .
4- الكافي 3 : 52 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 5 .
ومنها : عرق الإبل الجلاّلة

والأقوى نجاسته ، وفاقاً للمحكيّ عن الصدوقين(1) والشيخين في«المقنعة» و«النهاية» و«المبسوط» والقاضي والعلاّمة في «المنتهى» وصاحب «كشف اللثام» و«الحدائق» و«اللوامع»(2) . وعن «الرياض» : «أ نّها الأشهر بين القدماء»(3) .

وقد تقدّم ما في «الغنية» و«المراسم» من نسبة إلحاقه بالنجاسات في الأوّل ونسبة وجوب إزالته عن الثياب في الثاني إلى الأصحاب(4) .

وما قلنا في المسألة السابقة : «إنّ المحتمل في الأوّل الإلحاق الحكمي ، ولم يكن الثاني صريحاً في النجاسة»(5) - لدفع تحصيل الشهرة أو الإجماع بإبداء الاحتمال - لا ينافي تشبّثنا بكلامهما في المقام ؛ للفرق بين المسألتين : بأنّ

هناك لم يدلّ دليل معتمد على النجاسة ، بل ولا على المانعية ، فاحتجنا في إثباتها إليهما ولو لجبر سند بعض ما تقدّم ، والمناقشة في تحقّقهما

ص: 508


1- نسبه في اللوامع إلى الصدوقين على ما في الجواهر . اُنظر جواهر الكلام 6 : 77 ؛ الفقيه 3 : 214 / 991 ؛ المقنع : 421 .
2- المقنعة : 71 ؛ النهاية : 53 ؛ المبسوط 1 : 38 ؛ شرح جمل العلم والعمل : 56 ؛ منتهى المطلب 3 : 234 ؛ كشف اللثام 1 : 415 - 416 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 221 ؛ لوامع الأحكام : 141 .
3- رياض المسائل 2 : 367 .
4- تقدّم في الصفحة 505 .
5- تقدّم في الصفحة 505 .

أو جبر الإسناد بهما بما تقدّم كافية فيه .

وهاهنا تدلّ الرواية الصحيحة على نجاسته ، فلا يجوز رفع اليد عنها إلاّ بإثبات إعراض الأصحاب عنها ، ومع المناقشة فيه - باحتمال كون مراد صاحب «الغنية» و«المراسم» ذهابَ الأصحاب إلى نجاسته - تبقى الصحيحة سليمة عن الموهن ، وهي صحيحة حفص بن البَخْتَري ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : «لا تشرب من ألبان الإبل الجلاّلة ، وإن أصابك شيء من عرقها فاغسله»(1) .

وإطلاق صحيح هشام بن سالم ، عنه علیه السلام قال : قال : «لا تأكل اللحوم

الجلاّلة ، وإن أصابك من عرقها فاغسله»(2) .

وعن «الفقيه» : نهى علیه السلام عن ركوب الجلاّلات وشرب ألبانها «وإن أصابك من عرقها فاغسله»(3) .

وخلافاً ل- «المراسم»(4) وع-ن الديلمي(5) والحلّي(6) وجمهور المتأخّرين(7) .

ص: 509


1- الكافي 6 : 251 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 423 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 250 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 263 / 768 ؛ وسائل الشيعة 3 : 423 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 1 .
3- الفقيه 3 : 214 / 991 .
4- المراسم : 56 .
5- نفس المصدر .
6- اُنظر جواهر الكلام 6 : 78 ؛ السرائر 1 : 181 .
7- اُنظر ذخيرة المعاد : 155 / السطر الأخير .

بل عن «كشف الالتباس» و«الذكرى» و«البحار» وغيرها نسبته إلى الشهرة من غير تقييد(1) . بل عن «كشف الالتباس» : «أنّ القول بالنجاسة للشيخ ، وهو متروك»(2) .

حول تأييد صاحب الجواهر القول بالطهارة

وقد بالغ المحقّق صاحب «الجواهر» في تشييده وتأييده بما لا مزيد عليه ، ولم يأتِ بشيء مقنع يتّجه معه ترك العمل بالحجّة الظاهرة في النجاسة :

أمّا تمسّكه بالاُصول ، فمع الإشكال في بعضها فظاهر ، كتمسّكه بعمومات طهارة الحيوان أو سؤره . وكون الجلاّل طاهر العين . وملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه ؛ لعدم الانفكاك غالباً . واستبعاد الفرق بينه وبين ما حرّم أكله أصالة ، بل وبين سائر الجلاّلات ، بل وبين سائر فضلات نفسه . وما دلّ على حلّ أكله بعد الاستبراء من غير ذكر نجاسته . وبفحوى عدم حرمة استعماله في الركوب وحمل الأثقال - مع استلزامه للعرق غالباً - من غير الأمر بالتجنّب(3) .

إذ العمومات - على فرض وجودها - قابلة للتخصيص . مع أنّ الظاهر عدم عموم لفظي يدلّ على طهارة الجلاّل أو سؤره ، بل لو كان شيء يكون إطلاقاً . مع أ نّه أيضاً محلّ تأمّل ومناقشة ، وعلى فرضه قابل للتقييد .

ص: 510


1- كشف الالتباس 1 : 403 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 120 ؛ بحار الأنوار 77 : 120 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 60 .
2- كشف الالتباس 1 : 404 .
3- جواهر الكلام 6 : 78 - 80 .

وقضيّة ملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه - على فرضها - إنّما هي متّجهة لو ورد دليل في خصوص سؤر الجلاّل ، وهو مفقود ، والعمومات والإطلاقات لا تقتضي ما ذكر ، مع أ نّها مخصّصة أو مقيّدة .

والاستبعاد المذكور غير معتمد في الأحكام التعبّدية ، مع عدم بُعْد في بعض ، وعدم إطلاق فيما دلّ على حلّ الأكل بعد الاستبراء ؛ لكونها في مقام بيان حكم آخر .

ومنه يظهر حال الفحوى المدّعاة . . . إلى غير ذلك من مؤيّداته .

وأمّا ما أفاده : «من أنّ صحيحة هشام ومرسل «الفقيه» لا اختصاص فيهما بالإبل ولا قائل غير «النزهة» بالأعمّ(1) ، والتخصيص إلى واحد غير جائز والحمل على العهد تكلّف ، فلا بدّ من الحمل على غير الوجوب ، وإلاّ لكان الخبر من الشواذّ . ومجاز الندب أولى من عموم المجاز ؛ لشيوعه حتّى قيل : «إنّه مساوٍ للحقيقة»(2) فيكون قرينة على إرادة الندب أيضاً بالنسبة إلى الإبل في حسنة حفص»(3) .

ففيه : - بعد تسليم جميع المقدّمات - أ نّه لا يوجب رفع اليد عن الحسنة ، ودعوى قرينية ما ذكر لإرادة الندب فيها ممنوعة ، بل هي مخصّصة أو مقيّدة للصحيح والمرسل .

مع أنّ ما ذكر من المقدّمات غير سليمة عن المناقشة ، بل المنع ؛ لمنع لزوم

ص: 511


1- نزهة الناظر : 19 .
2- معالم الدين : 53 .
3- جواهر الكلام 6 : 79 .

الاستهجان لو قلنا بعدم نجاسة غير عرق الإبل ، فإنّ هيئة الأمر - على ما ذكرنا

في محلّه - لا تدلّ على الوجوب دلالة لفظية وضعية ، بل هي موضوعة للبعث والإغراء(1) ، كما أنّ هيئة النهي موضوعة للزجر(2) ، فهي في عالم الألفاظ كالإشارة المغرية أو الزاجرة .

نعم ، مع عدم قيام دليل على الترخيص تكون حجّة على العبد ؛ لحكم العقل والعقلاء بلزوم تبعية إغراء المولى وزجره مع عدم الدليل على الترخيص ، كما ترى في الإشارة الإغرائية أو الزاجرة مع عدم وضعها لشيء .

فحينئذٍ نقول : إنّ الترخيص إلى واحد ، لا يوجب الاستهجان مع بقاء أصل البعث بالنسبة إلى سائر الأفراد ؛ فإنّ الترخيص ليس مخصّصاً للدليل ، بل يكون كاشفاً عن عدم الإرادة الإلزامية بالنسبة إلى مورد الترخيص ، مع بقاء البعث بحاله من غير ارتكاب خلاف ظاهر .

نعم ، لو دلّ دليل على عدم استحباب غسل عرق سائر الجلاّلات ، لا يبعد القول بالاستهجان .

هذا لو لم نقل : بأنّ كثرة ابتلاء أهالي محيط ورود الروايات ، بالإبل دون سائر الجلاّلات ، فإنّها بالنسبة إلى غير الإبل كانت قليلة ؛ بحيث توجب الانصراف أو عدم استهجان التخصيص ، وإلاّ فالأمر أوضح .

والإنصاف : عدم قيام الحجّة بما ذكره لرفع اليد عن الحجّة القائمة على النجاسة ، فالأقوى نجاسته .

ص: 512


1- مناهج الوصول 1 : 186 .
2- مناهج الوصول 2 : 90 .
طهارة عرق سائر الجلاّلات

كما أنّ الأقوى طهارة عرق سائر الجلاّلات ، والأحوط التجنّب منه أيضاً .

وقد وقع من الشيخ الأعظم هنا أمر ناشئ عن الاستناد إلى حافظته الشريفة والتعجيل في التصنيف : وهو أ نّه نقل حسنة ابن البَخْتَري مع إسقاط لفظة «الإبل» فقال : «إنّ ظاهر الصحيحة الاُولى - كالحسنة - عدم اختصاص الحكم بالإبل»(1) .

مع أنّ جميع النسخ الموجودة عندي وكذا الكتب الفرعية التي راجعتها ، مشتملة عليها ، ومن هنا لزم على كلّ باحث أن يراجع المدارك عند التأليف والفتوى ، ولا يكتفي بالكتب الاستدلالية لنقل الرواية ، ولا يتّكل عليها ، فضلاً عن حفظ نفسه ؛ بعد ما رأى وقوع مثله مِن مثل مَن هو تالي العصمة وفقيهُ الاُمّة ، واللّه العاصم .

ثمّ إنّه قد تقدّم الكلام في المسوخ(2) ، فلا نطيل بالإعادة . وهنا بعض اُمور اُخر قد ذهب بعض إلى نجاسته ، ودلّت بعض الأخبار عليها ، كلبن الجارية(3)

ص: 513


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 202 .
2- تقدّم في الصفحة 238 .
3- ذهب ابن حمزة إلى نجاسة لبن الجارية . الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 78 . والرواية التي يستدلّ عليها ، هو خبر السكوني وفيه «لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم . . .» إلى آخره . تهذيب الأحكام 1 : 250 / 718 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 4 .

والحديد(1) وأبوال البغال والحمير(2) ، وغيرها (3) ممّا هي ضعيفة المستند بعد كون طهارتها كأمر ضروري ، فلا نطيل بذكرها .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً،

وقد وقع الفراغ من مبيضَّة هذه الوريقات في صبيحة العاشر من ذي الحجّة الحرام سنة 1377 ه- . ق

ص: 514


1- لم نقف على قائل بنجاسته ولكن قد ورد في بعض الأخبار ما يمكن استفادة النجاسة منه ، نحو : «لا تجوز الصلاة في شيء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ» . راجع الحدائق الناضرة 5 : 233 ؛ جواهر الكلام 6 : 84 ؛ وسائل الشيعة 3 : 530 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 83 ، الحديث 5 و6 و7 .
2- والمنقول عن ابن الجنيد وعليه الشيخ في النهاية : نجاسة أبوال البغال والحمير . اُنظر المعتبر 1 : 413 ؛ النهاية : 51 ، وأمّا الروايات فقد ورد في بعضها «يغسل بول الحمار والفرس والبغل . . .» إلى آخره . وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 5 ، 8 ، 9 ، 11 و13 .
3- كالقيء كما نقل عن بعض الأصحاب نجاسته ، اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 233 ، وقد ورد في بعض الروايات «يجزيك من الرعاف والقيء أن تغسله ولا تعيد الوضوء» . تهذيب الأحكام 1 : 349 / 1026 ؛ وسائل الشيعة 1 : 266 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 7 ، الحديث 8 .

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 515

ص: 516

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ا لْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ

بِبَعْضٍ) 85 473

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى

السِّلْمِ كَافَّةً) 208 475

آل عمران (3)

(إِنَّ ا لدِّينَ عِنْدَ اللّه ِ الاْءِسْلاَمُ) 19 456، 466

(فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) 20 456

النساء (4)

(وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه ُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى

الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) 141 444

ص: 517

الآية رقمها الصفحة

المائدة (5)

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ا لْمَيْتَةُ وَا لدَّمُ) 3 217

(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) 4 230

(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) 4 226

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِالاْءِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ

عَمَلُهُ) 5 473

(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) 6 178

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ هُوَ

ا لْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ا لْمَسِيحُ يَا

بَنِى إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللّه َ رَبِّى وَرَبَّكُمْ

إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّه ِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّه ُ عَلَيْهِ

ا لْجَنَّةَ) 72 425

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ ثَالِثُ

ثَلاَثَةٍ( 73 424

(ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ) 73 425

(إِنَّمَا ا لْخَمْرُ وَا لْمَيْسِرُ) 90 272

(إِنَّمَا ا لْخَمْرُ وَا لْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ

وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

فَاجْتَنِبُوهُ) 90 251

(أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ

إِلهَيْنِ) 116 424

ص: 518

الآية رقمها الصفحة

الأنعام (6)

(فَمَنْ يُرِدِ اللّه ُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ

صَدْرَهُ لِلاْءِسْلاَمِ) 125 456

(كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّه ُ ا لرِّجْسَ عَلَى

الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) 125 12، 426

(الرِّجْسَ) 125 426

(قُلْ لاَ أَجِدُ فِى مَا أُوِحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّماً

عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً

أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ

رِجْسٌ) 145 208

(قُلْ لاَ أَجِدُ) 145 215

(قُلْ لاَ أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ) 145 12

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً

أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) 145 75

(دَماً مَسْفُوحاً) 145 215

(أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ) 145 12

(فإِنَّهُ رِجْسٌ) 145 75، 211

الأنفال (8)

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ) 11 64

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) 11 64

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً

ص: 519

الآية رقمها الصفحة

لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ

ا لشَّيْطَانِ) 11 53

(لِيُطَهِّرَكُمْ) 11 54

(يُذْهِبَ عَنْكُمْ( 11 54

(وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ا لشَّيْطَانِ) 11 54

التوبة (9)

(إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) 28 420، 423

(إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا

ا لْمَسْجِدَ ا لْحَرَامَ) 28 12

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللّه ِ) 30 423

(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ) 31 424

(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً

مِنْ دُونِ اللّه ِ وَا لْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا

أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ

هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) 31 424

(وَا لْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) 31 424

(سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) 31 423

(وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً) 84 454

النحل (16)

(وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ

وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) 5 34

ص: 520

الآية رقمها الصفحة

(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا

وَزِينَةً) 8 34

الروم (30)

(فِطْرَتَ اللّه ِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) 30 443

الحجرات (49)

(إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ) 6 369

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا

وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) 14 491

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا

وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ

الاْءِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ) 14 456، 490، 491

الطور (52)

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ

بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) 21 444

المنافقون (63)

(وَاللّه ُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) 1 492

نوح (71)

(وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) 27 441

ص: 521

الآية رقمها الصفحة

الجنّ (72)

(فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) 14 456

الإنسان (76)

(إِنَّا هَدَيْنَاهُ ا لسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا

كَفُوراً) 3 472

ص: 522

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

أبواه يهوّدانه 441

اتّخذ ثوباً لصلاتك 81

أتقول إنّه دابّة تخرج من الماء ، أو تصاد من الماء فتخرج 91

ادخله بمئزر . . . ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام 498

إذا أخذت عصيراً فاطبخه حتّى يذهب الثلثان ، وكل واشرب 288

إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ - يعني المسكر - فاغسله 269

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل 104، 174، 191،

192، 203

إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء 432

إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس 290

إذا تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه 318

إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ فصبّها 69

إذا توضّأ فلا بأس 430

إذا جرى فلا بأس به 267

إذا جرى من ماء المطر لا بأس ، ويصلّى فيه 268

إذا جفّ فلا بأس 40

ص: 523

إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء ؟ 90، 234

إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا 80

إذا زاد الطِلاء على الثلث فهو حرام 291

إذا علم أ نّه إذا عرق فيه أصاب جسده من تلك الجنابة . . . فليغسل 96

إذا علم أ نّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام 437

إذا غسل فلا بأس 253، 254

إذا فرغ فليغسل يده 232

إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان . . . 115، 129، 197

إذا كان الماء أكثر من راوية لا ينجّسه شيء ؛ تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ فيه 70

إذا كانت ذكية فلا بأس 243

إذا لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله 135

إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل 191

إذا مسسته فاغسل يدك 228

إذا مسّه بحرارته فلا ، ولكن إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل 169

إذا مسّه في هذه الحال . . . 104

إذا مسّه في هذه الحال لم يكن عليه إلاّ غسل يده 98

إذا نشّ العصير أو غلى حرم 315

أذك بالأدب قلبك 74

استحلال أهل العراق للميت-ة ، وزعموا أنّ دباغ جلد الميت-ة ذكاته 82

استسرجوه ، فمن مسّه فليغسل يده ، وإذا مسّ الثوب . . . 73

استق منها عشرة دلاء 117

اسقيه من نبيذي 327

الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم 459، 492

ص: 524

الإسلام عريان ، فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروّته العمل الصالح 457

الإسلام علانية ، والإيمان في القلب 491

الإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس 456

إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار ، وهم أحرار 442

الإسلام : هو الظاهر الذي عليه الناس ؛ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه . . . 460

الإسلام يحقن به الدم ، وتؤدّى به الأمانة ، وتستحلّ به الفروج 460

الإسلام يعلو ، ولا يعلى عليه 444

اشترِ من رجل مسلم ، ولا تسأله عن شيء 150

أصابه جافّاً 229

أصل النبيذ حلال 259

اعلم : أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى... 302، 319

اغسل الإناء 240

اغسل الثوب كلّه إذا خفي عليك مكانه ؛ قليلاً كان أو كثيراً 61

اغسل ثوبك 36

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه 34، 49

اغسل ثوبك من بول كلّ ما لا يؤكل لحمه 31

اغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تره انضحه بالماء 244

اغسله مرّتين 35

اغسل يدك كما تمسّ الكلب 232

أكره أن آكله إذا قطر في شيء من طعامي 257

إلاّ أن تقذره فتغسل منه . . . 269

ألا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام ! 491

ألقه وتوضّأ منه . وإن كان عقرباً فأرق الماء ، وتوضّأ من ماء غيره 117

ص: 525

أ ليس هي يابسة ؟ ! 21

أ ليس يحرّمون ما أحلّ اللّه فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم اللّه فتستحلّونه ؟ 424

إمّا آخذ فهو شاكر ، وإمّا تارك فهو كافر 472

أما استبان لكم كذبه ؟ ! 358

أمّا الخمر : فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر 272

أمّا أنا فلا اُؤاكل المجوس ، وأكره أن اُحرّم عليكم شيئاً تصنعونه 430

أمّا بحرارته فلا بأس ، إنّما ذلك إذا برد 112

أما تعلم أ نّه يصيب اليد والثوب وهو حرام ؟ ! 128

أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس 317

امسحها بالتراب أو بالحائط 428

أمِن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في جميع الأرضين ؟ ! . . . 151

إنّ آدم لمّا اُهبط من الجنّة. . . 300

إنّ آدم لمّا اُهبط من الجنّة اشتهى من ثمارها ، فأنزل اللّه عليه . . . 287

أنا أعرف به منك 90

إنّ إبليس - لعنه اللّه - نازع نوحاً في الكرم ، فأتاه جبرئيل فقال له... 288

إن أبيتم فشيء من ماء ينضحه به 57

إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن أصابه جافّاً . . . 228

إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان 459

إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، ولا يشاركه الإسلام 493

إنّ الثوب لا يسكر 277

أنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله . . . فاسد 42

إنّ الصوف ليس فيه روح 140

أنّ العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، فهو حلال 293

ص: 526

إنّ اللّه إنّما حرّم شربها 269، 270

إنّ اللّه تعالى نصب عليّاً علماً بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً 452

إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً 185

إنّ اللّه حرّم الخمر بعينها ، فقليلها وكثيرها حرام 274

إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء 88

إنّ اللّه خلق الإسلام فجعل له عرصة ، وجعل له نوراً . . . 456

إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، بل حرّمها لعاقبتها 402

إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، لكن حرّمها لعاقبتها 277

أنّ أمير المؤمنين علیه السلام سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه . . . 37

إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ 213

أنجس من الكلب 435، 480

إنّ دباغة الصوف والشعر غسله بالماء ، وأيّ شيء يكون أطهر من الماء ؟ ! 147

أنّ ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم ، أو غير مأكوله 29

أنّ ذكاة الحيوان ذبحه ، وذكاة الجلود الميتة دباغه 84

إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة 61

إن رأيت في ثوبك دماً... 222

إنّ رجلاً سأل أبا جعفر علیه السلام عن الميّت لِمَ يغسّل غُسلَ الجنابة ؟ . . . 102

إن شئت فاسأل يا شهاب ، وإن شئت أخبرناك بما جئت له 71

إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كلّه 60

إن عرقت في ثوبك وأنت جنب فكانت الجنابة من الحلال . . . 502

إن علق به شيء فليغسله ، وإن كان جافّاً فلا بأس 40

إنّ عليّاً باب فتحه اللّه تعالى ، من دخله كان مؤمناً 452

أنّ عليّاً علیه السلام سئل عن شاة ماتت ، فحلب منها لبن . . . 163

ص: 527

أنّ عليّاً علیه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم 46

إنّ عليّاً علیه السلام كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب... 213، 221

أنّ علي بن الحسين علیهما السلام كان يبعث إلى العراق ، فيؤتى . . . 81

إنّ في آنيتهم الخمر ولحكم الخنزير 432

إنّ في كتاب علي علیه السلام : أنّ ما قطع منها ، ميْت لا ينتفع به 128

إنّ فيها السمّ 120

إنّ قوماً أتوا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقالوا : . . . فإن غسّلناه انسلخ ، فقال : يمّموه 187

إن كان استبان من أثره شيء فاغسله 21، 48

إن كان العرق من الحلال فحلال ، وإن كان من الحرام فحرام 501

إن كان الماء قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضّأ 69

إن كان الماء قد تغيّر ريحه وطعمه فلا تشرب ، ولا تتوضّأ منه 68

إن كان الميّت لم يبرد فلا غسل عليه ، وإن كان قد برد فعليه الغسل 174

إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب 69

إن كانت اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها 158

إن كان دخل في صلاته فليمضِ ، وإن لم يكن دخل في صلاته . . . 231

إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام ، لا تجوز الصلاة فيه . . . 502

إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه 95، 138

إن كان لم يعلم فلا يعيد 21، 49

إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب 396

إن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وشعره وبوله وروثه . . . جائز 63

إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه ، وإن كان ممّن لا يستحلّ . . . 298

إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال ، وإن كان من حرام . . . 501

إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ فيه 501

ص: 528

إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس 430

إن لم تمسّه فهو أفضل 83، 84

إنّما اُمر بغُسل الميّت ؛ لأ نّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة 101

إنّما اُمر من يغسّل الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه 174، 182

إنّما أنت يا علي وأصحابك أشباه الحمير 357

إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء 119

إنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البُسْر والتمر 272

إنّما لم يجب الغسل على من مسّ شيئاً من الأموات غير الإنسان . . . 193

إنّما يكفر إذا جحد 450

أنّ من مسّ ميّتاً بحرارته غَسل يده ، ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل 97

إنّ نوحاً حين اُمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه . . . 318

إنّ نوحاً لمّا هبط من السفينة غرس غرساً ، فكان فيما غرس الحَبَلَة 288

إنّه خبيث بمنزلة الميتة ، وإنّه بمنزلة شحم الخنزير 270

أ نّه نهى عن مصافحة الذمّي 428

أو لم ترني آكله ؟! 151

الإيمان : ما استقرّ في القلب ، وأفضى به إلى اللّه ، وصدّقه العمل بالطاعة للّه . . . 459، 491

الإيمان : معرفة هذا الأمر مع هذا ، فإن أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً 460

أيّهما أرجس : البول ، أو الجنابة ؟ 55

بعد الموت وبعد الغسل 112

بعد موته وبعد غسله 110

بلى ، ولكن ليس ممّا جعله اللّه للأكل 41

تأخذ ربعاً من زبيب وتنقّيه ، ثمّ تصبّ عليه اثني عشر رطلاً من ماء 324

ترك العمل الذي أقرّ به ، منه الذي يدع الصلاة متعمّداً 473

ص: 529

تشرب ما لم يغلِ ، فإذا غلى فلا تشربه 314

تغسل الإناء منه سبع مرّات ، وكذلك الكلب 270

تغسله ثلاث مرّات 253

تغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب 257

تلك شاة لسَوْدَة بنت زَمْعَة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكانت شاة مهزولة . . . 79

تنزّهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله 228

توضّأ من الجانب الآخر ، إلاّ أن يغلب الماءَ الريحُ فينتن 71

ثلاث لا أتقي فيهنّ أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ 397

ثمّ إنّ إبليس ذهب بعد وفاة آدم علیه السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة 329

ثمّ تغليه بالنار ، فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان ، ويبقى الثلث 324

جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة ، أتوضّأ منه أو لا ؟ 71

الجراد ذكيّ كلّه ، والحيتان ذكيّ كلّه ، وأمّا ما هلك في البحر فلا تأكل 74

الجيف كلّها سواء 117

حرام بيعها وثمنها 23

حرّم اللّه الخمر بعينها ، وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من الأشربة كلّ مسكر 274

الحلال من النبيذ أن تنبذه وتشربه من يومه ومن الغد ، فإذا تغيّر فلا تشربه . . . 397

الحوت ذكيّ حيّه وميّته 74

خذ بقول أبي عبداللّه علیه السلام 269

خذ ماء التمر فأغله حتّى يذهب ثلثا ماء التمر 398

خُرْء الخُطّاف لا بأس به ؛ هو ممّا يؤكل لحمه ، لكن كره أكله . . . 18

خرء كلّ شيء يطير وبوله لا بأس به 30

الخُطّاف لا بأس به 18

الخمر حرام بعينها 301

ص: 530

خمر لا تشربه 127، 294

الخمر من خمسة . . . 276

الخمر من خمسة : العصير من الكرم... 289، 301

خمرة استصغرها الناس 401، 406

خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق : الإنفحة ، والبيض . . . 75، 148، 164

الدم تأكله النار إن شاء اللّه 257

الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد 71، 89، 99، 212

ذكاة الأرض يبسها 74

ذكاة الجنين ذكاة اُمّه 75، 207

ذكّاه الذبح 89

رجس نجس 210

رجس نجس ؛ لا يتوضّأ بفضله 13، 227

زكاة الأرض يبسها 74

ساُخبرك عن الجبن وغيره : كلّ ما كان فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال 151

سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب . . . 507

سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم 83

الشعر والصوف والريش وكلّ نابت لا يكون ميتاً 141

شه ، شه ، تلك الخمرة المنتنة 260

صدق أبو مريم ، سألني عن النبيذ ، فأخبرته أ نّه حلال 260

الصفرة ، فتوضّأ منه ، وكلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر 71

صلّ فيه ، إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر 269

صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ؛ فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر . . . 255

الطواف بالبيت صلاة 131

ص: 531

عشرة أشياء من الميتة ذكيّة . . . 157، 160

العصير العنبي إذا نشّ وغلى يحرم 137

علّة غُسل الميّت أ نّه يغسّل ليتطهّر وينظّف عن أدناس أمراضه 102

عند موته وعند غسله 110

غسل الجنابة ، وغسل من مسّ ميّتاً ، وغسل الإحرام 174

الغسل في أربعة عشر موطناً ، واحد فريضة ، والباقي سنّة 176

الغُسل في سبعة عشر موطناً . . . 170

الغسل في سبعة عشر موطناً ، منها الفرض ثلاثة 174

الغسل من سبعة : من الجنابة ، وهو واجب ، ومن غسل الميّت . . . 177، 183

فإذا أخذت عصيراً فطبخته حتّى يذهب الثلثان . . . فكل واشرب 317

فإذا برد فعليه الغسل . . . 173

فإذا نشّ . . . فدعه 319

فاشترِ الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين 152

فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة 232

فالقني في البيت 460

فإنّ اللّه تعالى أحلّه وجعل ذكاته موته 91

فإن رأيت في منقاره دماً... 222

فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وشعره . . . 73

فإنّك تقول : إنّه دابّة تمشي على أربع ، وليس هو في حدّ الحيتان 91

فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه 201

فدخلت النار حيث دخلت وقد ذهب منهما ثلثاهما ، وبقي الثلث 288، 316

فذروه ؛ فإنّه ميْت 126، 134

فرضيا بينهما بروح القدس ، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم عليه قصّته . . . 287، 316

ص: 532

فقال جبرئيل : أحسن يا رسول اللّه ، فإنّ منك الإحسان 317

فقول اللّه أصدق القول 491

فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل 201

فكلّ مسكر من الشراب فهو خمر 279

فلِمَ يضربون الحدود ، ولِمَ يقطع أيديهم 471

فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ، ويجري عليه أحكام المؤمنين 493

فما بال من جحد الفرائض كان كافراً ! 471

فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس ، وهو حظّه 289

فمن اجترى على اللّه فأبى الطاعة وأقام على الكبائر ، فهو كافر 475

فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً 474

فمن هنا طاب الطِلاء على الثلث 301

في كتاب علي علیه السلام : أنّ الهرّ سبع ، ولا بأس بسؤره 240

في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة 183

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : الخمر من خمسة : العصير من الكرم... 273

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام 326، 328

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر 272

قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟ 399

قيل لأميرالمؤمنين علیه السلام : من شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، و... كان مؤمناً؟ 471

كافر ، يا أبا محمّد 449

كأ نّه قد أزف منك رحيل ؟ 436

كذبوا ، يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب . . . 436

كذلك هو سواء ، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء ، فصار حلواً بمنزلة العصير . . . 345

الكفر أقدم من الشرك . . . 475

ص: 533

الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه . . . 473

كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك اللّه ، فإن كان ما تعمل وحشياً . . . 81

كلّ شيء حلال حتّى تعرف أ نّه حرام 296

كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتةً 151

كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلاّ أن ترى في منقاره دماً 212

كلّ شيء يجرّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان 474

كلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب... فلا بأس 76، 118

كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه 30

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام 391

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه 293، 321

كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة 183

كلّ ما اُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه 62

كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب 68

كلّ ما ليس له دم فلا بأس 76، 116

كلّ ما يفصل من الشاة والدابّة... 141

كلّ ما يؤكل فلا بأس بما يخرج منه 20

كلّ مسكر حرام 326، 327، 329، 399

كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر 279

كلّ مولود يولد على فطرة الإسلام ثمّ أبواه يهوّدانه 443

كلّ هذا ذكيّ 150، 160

كلّ يابس ذكيّ 74

لا ، اغسل يدك كما تمسّ الكلب 232

لا ، إلاّ أن يضطرّ إليه 437

ص: 534

لا ، إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء 20، 49

لا ، إنّما ذلك من الإنسان 192

لا ، إنّما مسّ الثياب 180

لا بأس إذا كان من طعامك 430

لا بأس ؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً 21

لا بأس ؛ إنّ الثوب لا يسكر 262

لا بأس أن تتوضّأ من فضلها ؛ إنّما هي من السباع 240

لا بأس أن يمسّه بعد الغسل ويقبّله 203

لا بأس بأكله 241

لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ؛ إنّ الصوف ليس فيه روح 129

لا بأس بالصلاة فيه 90، 270

لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن 77

لا بأس بأن تصلّي فيه ؛ إنّما حرّم شربها 269

لا بأس ببيع العذرة 23

لا بأس بخرء ما طار وبوله ، ولا تصلّ في ثوب أصابه ذرق الدجاج 30

لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف 36

لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك 128

لا بأس به إذا كان ذكيّاً 138

لا بأس به ، إلاّ أن تشتهي أن تغسله لأثره 263

لا بأس به ما لم يتغيّر 395

لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي 233

لا بأس ، تغسل يديها 434

لا بأس ، ولا يصلّى في ثيابهما ، ولا يأكل المسلم مع المجوسي 429

ص: 535

لا تأكل اللحوم الجلاّلة ، وإن أصابك من عرقها فاغسله 509

لا تأكل ذبائحهم ، ولا تأكل في آنيتهم 431

لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير 72، 89، 432

لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون 431

لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ، ويبقى الثلث ؛ فإنّ النار قد أصابته 345

لا تأكله ، ولا تتركه ، تقول : إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه 432

لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكياً حلّت 244

لا ترتابوا فتشكّوا ، ولا تشكّوا فتكفروا 450

لا تزرموا ابني 45

لا تشرب من ألبان الإبل الجلاّلة ، وإن أصابك شيء من عرقها فاغسله 509

لا تشربه ، فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله 254، 401

لا تصلّ في بيت فيه خمر ولا مسكر ؛ لأنّ الملائكة لا تدخله 276

لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر ، واغسله إن عرفت موضعه 253

لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس 13، 210، 255، 270

لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمّام 498

لا تغتسل من غسالة الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا 498

لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا 436، 502

لا تقرب الفقّاع إلاّ ما لم يضرّ آنيته ، أو كان جديداً 407

لا ، حتّى تغتسل منه 254

لا صلاة إلاّ بطهور 182

لا ضرر ولا ضرار في الإسلام 297

لا غسل عليه ، فإذا برد فعليه الغسل 170

لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته ، فلذلك يتطهّر منه ويطهّر 182

ص: 536

لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله 229

لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ، ولا ينسبه أحد بعدي 457

لأنّ غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة 176

لا واللّه ، إنّه نجس ، لا واللّه ، إنّه نجس 227

لا واللّه ، لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه ، فكيف يتداوى به ؟ ! . . . 256

لا واللّه ، ولا قطرة قطرت في حبّ إلاّ اُهريق ذلك الحبّ 258، 270، 277

لا ، وإن دبغ سبعين مرّة 81

لا ، وإن لبسها فلا يصلّي فيها 82

لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك 51

لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتها منه أ نّها ذكية 82

لا ، ولكن يغسل ما أصابه 20

لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم 459

لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرّات 253

لا يجنّب الثوب الرجل ، ولا يجنّب الرجل الثوب 507

لا يحرم العصير حتّى يغلي 314، 322

لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه 265

لا يضرّه ، ولكن يغسل يده 244

لا يطهر إلى سبع آباء 499

لا يغسل ثوبه ولا رجله ، ويصلّي فيه ، ولا بأس به 268

لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة 76، 116

لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب 80، 148

لا ينجّس ذلك شيئاً ولا يحرّمه . فإن مات فيه ما له دم وكان مائعاً فسد 73

اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر . . . فهو ذكيّ 140

ص: 537

لم تكن ميّتة يا أبا مريم ، ولكنّها كانت مهزولة ، فذبحها أهلها فرموا بها 80

لم يكن عليه إلاّ غسل يده 104

لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا 449، 474

لو كان الإيمان كلاماً لم ينزّل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام 471

ليتطهّر وينظّف 102

ليس الناصب من نصب لنا أهلَ البيت ؛ لأ نّك لا تجد رجلاً . . . 462

ليس بشيء ؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده 120، 242

ليس بشيء ، حرّك الماء بالدلو في البئر 119

ليس به بأس ؛ إنّ الإنفحة ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم 152

ليس عليك شيء 41

ليس عليكم بأس 39

ليس على من مسّه إلاّ غسل اليد 97

ليس في الصوف روح ألا ترى أ نّه يجزّ ويباع وهو حيّ ؟ ! 140

ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم 140

ماء البئر واسع لا يفسده شيء . . . 70

ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه 72

ما اُحبّ أن أنظر إليه ، ولا أشمّه 266

ما أخذت الحِبالة فانقطع منه شيء فهو ميتة 126

ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت 126، 134

ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه 125، 130

ما أرى به بأساً 57

ما ضرّ أهلها لو انتفعوا بإهابها ؟ ! 80

ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ؟ ! 79

ص: 538

ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء 255، 270

مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس 104

مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس 110

المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير 231

من اجترى على اللّه في المعصية وارتكاب الكبائر فهو كافر 472

من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أ نّها حلال ، أخرجه ذلك من الإسلام 474

من اغتسل من الماء الذي قد اغتُسل فيه فأصابه الجُذام . . . 436

من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر 484

من شكّ في اللّه تعالى وفي رسوله صلی الله علیه و آله وسلم فهو كافر 450

من غسّل ميّتاً فليغتسل ، ومن حمله فليتوضّأ 169

من غسّل ميّتاً وكفّنه اغتسل غسل الجنابة 171، 173

من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك 484

من كان على هذا فهو ناصب 462

من مسّ الميّت بعد موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس 110

من وراء الثوب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك 429

مهلاً يا اُمّ الفضل ، إنّ هذه الإراقة الماء يطهّرها 45

مهلاً يا اُمّ الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني 45

الميت-ة نجس وإن دبغت 84

الميسور لا يسقط بالمعسور 189

الناصب لنا أهلَ البيت... 464

النبي طاهر مطهّر 193

النبي طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين علیه السلام وجرت . . . 98، 113، 178، 181

نعم ، إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنه 230

ص: 539

نعم ؛ إنّ أصل النبيذ حلال ، وأصل الخمر حرام 259

نعم ؛ فإنّهم يستحلّون شربه 257

نعم ، لا بأس ؛ إنّ اللّه إنّما حرّم أكله وشربه ، ولم يحرّم لبسه ولمسه 264، 267

نعم ، لا بأس به ، إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافّة فلا بأس به 58

نعم ؛ ليعلم من يطيع الرسول ممّن يعصيه 274

نعم ، ويدهن منه 241

نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن أكل سؤر الفأر 245

نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الدباء والمُزَفَّت والحَنْتَم والنَقير . . . 265

نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن كلّ مسكر ، فكلّ مسكر حرام 265

وإذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته . . . 170

واعلم : أنّ كلّ صنف من صنوف الأشربة التي لا يغيّر العقل . . . 405

والإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم 456

والإسلام : ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس 469

والبيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير . . . 72

والشعر والصوف كلّه ذكيّ 164

والعنب في أغصانهما ؛ حتّى ظنّ آدم أ نّه لم يبقَ منهما شيء 316

والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك 484

والوجه الرابع من الكفر : ترك ما أمر اللّه عزّ وجلّ به 473

وأمّا الأرنب ، فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا جنابة 248

وأمّا الفرض فغسل الجنابة ، وغسل الجنابة والحيض واحد 177

وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء . . . 72

وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه 146، 166

وإن أصابك من عرقها فاغسله 509

ص: 540

وإن كان الصوف والوبر والشعر والريش من الميتة وغير الميتة . . . فلا بأس به 83

وإنّما اُمروا بالغسل من الجنابة ، ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء 56

وإيّاك أن تغتسل من غُسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غُسالة اليهودي . . . 435، 480

وحرّم الأرنب لأ نّها بمنزلة السِنَّوْر ، ولها مخالب كمخالب السِنَّوْر 246

وضع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم دية العين ودية النفس ، وحرّم النبيذ وكلّ مسكر 273

وعلّة اغتسال من غسَّل الميّت أو مسّه ، الطهارة لما أصابه 99، 114

وغسل الجنابة فريضة 177

وغسل من مسّ الميّت واجب 175

وكان آخر شيء أخرج حَبَلَة العنب . . . 289

وكلّ شيء يفصل من الشاة والدابّة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه . . . 75، 160

وكلّ ما كان من السِخال : الصوف وإن جزّ ، والشعر والوبر . . . 163

وكلوا ممّا أدركتم حيّاً 127

وكلوا ممّا أدركتم حيّاً وذكرتم اسم اللّه عليه 133

ولا تصلِّ في جلد الميتة على كلّ حال 82

ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال 449

ولا يصلّى في جلود الميتة 82

ولكن إذا مسّه وقبّله وقد برد فعليه الغسل 173

ولم يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال 474

ولها خمسة أسامٍ... 302

ولها خمسة أسامٍ ، فالعصير من الكرم ، وهي الخمرة الملعونة 301

وليس لحومها بحرام ، ولكنّ الناس عافوها 34

وما الدازي ؟ 328

وما القعوة ؟ 328

ص: 541

ويغتسل من مسّه 173

وينضح بول البعير والشاة ، وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله 26

هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته 87

هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به 256

هو ممّا يؤكل 18

يا إدريس ، أما آن لك ؟ 501

يا زرارة ، هذا عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فاحفظ ذلك يا زرارة 42

يا شيخي ومعتمدي . . . 349

يا هذا ، قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟ 327، 329

يتطهّر منه ويطهّر 114، 182

يدبغ فينتفع به ، ولا يصلّى فيه 83

يستحلّون شربه 258

يسكب منه ثلاث مرّات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة 119، 245

يطبخ التمر حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثمّ يمتشطن 398

يطرح ما شمّاه ، ويؤكل ما بقي 245

يغتسل الجنب ، ويدفن الميّت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء 186

يغتسل الذي غسّل الميّت ، وكلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغسل 180

يغسل الثوب من المنيّ والدم والبول 211

يغسل المكان الذي أصابه 227

يغسل بول الحمار والفرس والبغل ، وأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله 26

يغسل بول الفرس... فأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله 33

يغسل سبع مرّات 231

يغسل كما تغسل النجاسات 211

ص: 542

يغسل ما أصاب الثوب 95، 138

يغسل يده ، ولا يتوضّأ 427

يفعل الفقّاع في الزجاج وفي الفخّار الجديد إلى قدر ثلاث عملات . . . 407

يكفيك دلو من ماء 120

يكفيك دلو واحد من ماء 242

ينزح منها ثلاث دلاء 119، 245

ينزح منه دلاء . هذا إذا كان ذكيّاً فهو هكذا . وما سوى ذلك . . . 100

يؤخَّر ، ويتقدّم بعضهم ويتمّ صلاتهم ، ويغتسل من مسّه 97

يهراق المرق ، أو تطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله 257

ص: 543

ص: 544

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي ، محمّد ، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم = محمّد

بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 5،

34، 41، 42، 45، 79، 80، 82، 83،

84، 98، 99، 113، 169، 178،

181، 187، 193، 229، 245، 265،

272، 273، 274، 275، 276، 289،

290، 317، 326، 327، 328، 329،

331، 399، 402، 403، 404، 405،

409، 410، 424، 428، 434، 449،

450، 451، 453، 456، 459، 460،

462، 466، 467، 468، 469، 470،

471، 474، 475، 476، 478، 481،

482، 485، 489، 490، 491، 492،

507

أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي

طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 37،

45، 73، 83، 98، 113، 125، 128،

163، 168، 177، 178، 181، 183،

187، 228، 240، 291، 347، 450،

457، 470، 471، 475، 482، 483،

486، 496، 507

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الثاني 45

الإمام الحسين بن علي علیه السلام = الحسين

بن علي علیه السلام ، الإمام الثالث

الحسين بن علي علیه السلام ، الإمام الثالث 45

الحسنين علیهما السلام (الحسن بن علي علیه السلام ،

الإمام الثاني / الحسين بن علي علیه السلام ،

الإمام الثالث)45

علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع 81

الباقر، أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن

علي علیه السلام ، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 21،

ص: 545

69، 70، 88، 102، 104، 109،

110، 119، 125، 140، 151، 152،

170، 177، 211، 213، 232، 263،

269، 270، 271، 272، 273، 274،

288، 317، 326، 327، 350، 355،

363، 364، 418، 427، 431، 452،

459، 471، 472، 473، 475، 491

الصادق ، أبو عبداللّه علیه السلام = جعفر بن

محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 13،

18، 20، 21، 23، 26، 30، 31، 33،

36، 39 40، 41، 46، 49، 55، 56،

57، 60، 61، 62، 63، 68، 69، 71،

72، 73، 76، 77، 79، 80، 81، 83،

90، 91، 95، 98، 99، 100، 102،

111، 112، 113، 115، 116، 117،

118، 119، 120، 125، 126، 128،

129، 138، 140، 141، 146، 150،

156، 158، 160، 162، 163، 164،

165، 170، 171، 173، 174، 175،

177، 178، 179، 180، 181، 183،

197، 200، 211، 212، 213، 221،

227، 228، 230، 231، 232، 234،

239، 240، 241، 242، 243، 244،

245، 253، 254، 255، 256، 257،

258، 259، 260، 262، 263، 264،

265، 267، 268، 269، 270، 272،

274، 276، 277، 287، 288، 289،

290، 291، 293، 294، 298، 299،

314، 317، 318، 321، 322، 323،

328، 329، 345، 348، 350، 351،

352، 355، 360، 363، 366، 392،

393، 396، 397، 398، 401، 418،

419، 428، 429، 430، 431، 432،

433، 435، 442، 449، 450، 459،

460، 462، 472، 473، 474، 480،

484، 491، 492، 493، 498، 504،

507، 509

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 34، 483

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 33، 34، 41، 72، 169،

172، 191، 326، 429

الكاظم ، أبو الحسن ، أبو الحسن الماضي ،

أبو إبراهيم ، موسى بن جعفر علیه السلام =

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

ص: 546

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 20،

31، 37، 40، 82، 118، 120، 135،

140، 176، 186، 231، 241، 244،

267، 274، 350، 357، 358، 394،

407، 408، 427، 429، 437، 497،

498

الرضا ، أبو الحسن ، أبو الحسن الرضا علیه السلام

‘ علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 55،

62، 72، 80، 81، 82، 83، 99، 101،

102، 113، 128، 148، 163، 164،

174، 182، 186، 193، 243، 246،

257، 268، 269، 277، 290، 301،

305، 310، 319، 320، 335، 350،

356، 357، 358، 376، 402، 405،

433، 435، 436، 483، 498، 502

أبو جعفر الثاني ، ابن الرضا علیه السلام = محمّد

بن علي علیه السلام ، الإمام التاسع

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام التاسع 81،

328، 407

أبو الحسن علیه السلام = علي بن محمّد علیه السلام ،

الإمام العاشر

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 38،

80، 148، 163، 462، 501

العسكري ، أبو محمّد علیه السلام = الحسن بن

علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

38، 138، 244، 347، 383

صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه

الشريف)، الإمام الثاني عشر 97،

418

آدم 287، 288، 289، 299، 300، 316،

317، 329، 395

نوح، النبي 288، 289، 299، 301،

317، 318، 395، 497

عيسى المسيح 423، 424، 425

ص: 547

ص: 548

4 - فهرس الأعلام

الآبي، الحسن بن أبي طالب 159

آل بحر العلوم، علي بن محمّد رضا 386

أبان بن عثمان 361، 366، 368، 369،

371، 381، 383

إبراهيم بن أبي البلاد 327، 328

إبراهيم بن أبي محمود 433

إبراهيم بن عمر 329

إبراهيم بن ميمون 95، 105، 109، 111،

112، 138

إبراهيم بن يحيى 374

إبراهيم = إبراهيم بن عمر

ابن أبي الخطّاب = محمّد بن الحسين بن

أبي الخطّاب

ابن أبي حمزة = البطائني، علي بن أبي

حمزة

ابن أبي عقيل، الحسن بن علي 28، 30،

249، 413

ابن أبي عمير، محمّد 32، 39، 160،

183، 346، 348، 349، 351، 352،

354، 356، 358، 362، 366، 367،

368، 384، 385، 407

ابن أبي نجران = عبدالرحمان بن أبي

نجران

ابن أبي نصر = البزنطي، أحمد بن محمّد

ابن أبي يعفور = عبداللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 29، 31،

94، 108، 161، 163، 166، 215،

217، 220، 233، 304، 308، 414،

454، 494، 505، 506، 509

ابن الأثير 24

ابن الأعرابي 330

ابن البختري = حفص بن البختري

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 159،

218، 305، 308، 500، 508

ص: 549

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

42، 78، 79، 86، 161، 200، 215،

239، 414، 500

ابن الحجّاج = عبدالرحمان بن الحجّاج

ابن الشهيد الثاني، الحسن بن زيد بن علي

357، 360

ابن الغضائري، أحمد بن الحسين

الغضائري 348، 356، 357، 358،

360، 367، 381، 384

ابن المبارك 402

ابن المغيرة، عبداللّه = عبداللّه بن المغيرة

ابن الوليد 481

ابن بابويه، علي بن الحسين 249، 297،

298، 302، 305، 309، 320، 349

ابن بابويه، محمّد بن علي 28، 30، 45،

68، 69، 77، 79، 85، 86، 125،

128، 156، 159، 160، 162، 165،

166، 170، 177، 187، 230، 249،

250، 263، 320، 323، 348، 349،

383، 384، 494، 500

ابن بزيع = محمّد بن إسماعيل بن بزيع

ابن بكير، عبداللّه 41، 56، 63، 73، 88،

267، 361، 363، 364، 365، 366،

369

ابن حمزة، محمّد بن علي 47، 159،

239، 281، 304، 305، 306، 308،

309، 310، 331، 334

ابن حنبل، أحمد بن محمّد 168

ابن داود = ابن داود الحلّي، الحسن بن

علي

ابن داود الحلّي، الحسن بن علي 369

ابن رئاب = علي بن رئاب

ابن زهرة، حمزة بن علي 47، 64، 159،

220، 403، 507، 509

ابن زياد، عبيداللّه 465

ابن سنان = عبداللّه بن سنان

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 55، 82،

101، 171، 174، 182، 193، 356،

359

ابن شهر آشوب، محمّد بن علي 502

ابن طاوس، أحمد بن موسى 358، 368،

369

ابن عبّاس، عبداللّه بن عبّاس 54، 168،

272، 273

ابن عبدالرحمان = سعيد الأعرج

ابن عمّار = معاوية بن عمّار

ابن عمر 168

ابن فضّال، الحسن بن علي 39، 360،

372

ص: 550

ابن فهد الحلّي، أحمد بن محمّد 161

ابن قيس = محمّد بن قيس

ابن محبوب = الحسن بن محبوب

ابن مسكان = عبداللّه بن مسكان

ابن مسلم = محمّد بن مسلم

ابن مهزيار = علي بن مهزيار

ابن ميمون = إبراهيم بن ميمون

ابن نوبخت، أبو إسحاق 454

ابن نوح = أيّوب بن نوح

أبو اُسامة زيد الشحّام = زيد الشحّام

أبو البختري 37، 163، 166، 241

أبو الجارود 151، 271، 279، 360

أبو الحسن علي بن الحسن بن فضّال 357

أبو الحسين البصري = البصري، محمّد

بن علي

أبو الخطّاب = محمّد بن الحسين بن أبي

الخطّاب

أبو الخير بركة بن محمّد 379

أبو الربيع الشامي = الشامي، أبو الربيع

أبو الصباح = أبو الصباح الكناني

أبو الصباح الكناني 471

أبو العبّاس = ابن فهد الحلّي، أحمد بن

محمّد

أبو بصير 29، 30، 31، 32، 35، 69، 81،

117، 129، 213، 255، 335، 363،

369، 418، 429، 449، 491

أبو بصير، ليث المرادي 372

أبو بكر = أبو بكر، عبداللّه بن أبي قحافة

أبو بكر، عبداللّه بن أبي قحافة 272

أبو جميلة المفضّل بن صالح = المفضّل

بن صالح

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 140،

151، 152، 154، 157، 452

أبو حنيفة 55، 58، 64، 85، 86، 168،

226، 361

أبو خالد القمّاط = القمّاط، أبو خالد

أبو زيد 152

أبو سارة 261

أبو طالب بن عبدالمطّلب 382

أبو عبيد 411

أبو عبيد الهروي، أحمد بن محمّد 24

أبو علي = ابن الجنيد الإسكافي، محمّد

بن أحمد

أبو كهمس، الهيثم بن عبيد 289

أبو محمّد = أبو بصير

أبو محمّد = يونس بن عبدالرحمان

أبو مريم 79، 80، 260

أبو منصور الصرّام = الصرّام، أبو منصور

ص: 551

أبو هريرة، عبداللّه بن عامر 167، 169

أبو يعلى، سلاّر بن عبد العزيز = سلاّر

الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز

أبو يعلى = سلاّر الديلمي، حمزة بن

عبدالعزيز

أحمد بن الحسين الغضائري = ابن

الغضائري، أحمد بن الحسين

الغضائري

أحمد بن حنبل = ابن حنبل، أحمد بن

محمّد

أحمد بن عبيداللّه بن يحيى 383

أحمد بن محمّد بن أبي نصر = البزنطي،

أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد بن زيد 377

أحمد بن محمّد بن عمّار 377، 382

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 66، 260،

270

الاُستاذ الأكبر = البهبهاني، محمّد باقر

بن محمّد أكمل

الاُستاذ الوحيد = البهبهاني، محمّد باقر

بن محمّد أكمل

الاُستاذ = البهبهاني، محمّد باقر بن

محمّد أكمل

الأسترآبادي، محمّد أمين بن محمّد

شريف 297، 333

إسحاق = إسحاق بن عمّار

إسحاق بن عمّار 168، 241، 395

الأسدي = أبو بصير

الإسكافي = ابن الجنيد الإسكافي،

محمّد بن أحمد

إسماعيل، ابن الإمام الصادق علیه السلام 111،

112

إسماعيل بن جابر 112، 431، 432

الأعمش، سليمان بن مهران 177

الأقطع، سليمان بن خالد 173، 180

اُمّ الفضل 45

اُمّ حبيبة 409

اُمّ خالد العبدية 255

أنس 491

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 66،

76، 87، 161، 167، 189، 190،

191، 194، 200، 224، 235، 278،

297، 299، 332، 344، 386، 389،

398، 445، 466، 469، 471، 513

الأنصاري، جابر بن عبداللّه 146

الأهوازي، الحسين بن سعيد 372

أيّوب بن نوح 115، 129، 133، 197

بحر العلوم، محمّد مهدي بن مرتضى 28،

ص: 552

346، 370، 384

البحراني، سليمان بن عبداللّه 386، 387،

388، 390، 494

البحراني، يوسف بن أحمد 42، 47، 59،

113، 187، 271، 275، 388، 389،

452، 458، 462، 465، 508

بُرد الإسكاف 232

البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد 475

بريد بن معاوية 363، 369

البزنطي، أحمد بن محمّد 30، 359،

362، 368، 381

البصري، أبو جميلة 253، 400

البصري، محمّد بن علي 132

البطائني، الحسن بن علي بن أبي حمزة

357، 360

البطائني، علي بن أبي حمزة 57، 357،

358، 359، 360، 374

بعض الأجلّة = الهمداني، رضا بن محمّد

هادي

بعض أهل التتبّع = الشريعة الأصفهاني،

فتح اللّه بن محمّد جواد

بعض أهل التحقيق = الشريعة

الأصفهاني، فتح اللّه بن محمّد جواد

بعض أهل التحقيق = الهمداني، رضا بن

محمّد هادي

البقباق = الفضل بن عبدالملك البقباق

بكر بن حبيب 150، 151

البهائي = شيخ البهائي، محمّد بن

الحسين

البهبهاني محمّد باقر بن محمّد أكمل 39،

79، 121، 220، 386، 388، 389،

405، 408، 415، 440، 441، 500

التميمي المغربي، النعمان بن محمّد 292،

305، 308

التميمي، محمّد بن ميمون 359

ثعلبة بن ميمون 372

الثعلبي، أحمد بن محمّد 424

الثمالي = أبو حمزة الثمالي، ثابت بن

دينار

جابر بن عبداللّه = الأنصاري، جابر بن

عبداللّه

الجبعي، محمّد بن علي 30

الجرجانى، الفتح بن يزيد 80، 148،

163، 167

الجزائري، نعمت اللّه بن عبداللّه 377

جعفر بن بشير 372

جعفر بن قولويه 349

جعفر بن محمّد 366

جعفر بن محمّد بن أبي زيد 243

ص: 553

الجعفي، جابر بن يزيد 28، 30، 88،

119، 249، 361

جميل بن درّاج 32، 361، 369، 371،

379، 383، 491

الجوهري، إسماعيل بن حمّاد 153

الجويرية 265

حاكم النيسابوري، محمّد بن عبداللّه 502

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 74،

183، 187، 296، 458

حريز بن عبداللّه = السجستاني، حريز

بن عبداللّه

الحسن بن أبي سارة 261، 262

الحسن بن صالح بن حيّ 373

الحسن بن عبيد 98، 113، 178، 181،

193

الحسن بن علي بن أبي حمزة =

البطائني، الحسن بن علي بن أبي

حمزة

الحسن بن علي بن فضّال = ابن فضّال،

الحسن بن علي

الحسن بن علي = الوشّاء، الحسن بن

علي

الحسن بن محبوب = السرّاد، الحسن بن

محبوب

الحسين بن أبي العلاء 43

الحسين بن أبي سارة 261، 262، 263

الحسين بن النضر 176

الحسين بن زرارة 83، 141، 150، 157،

160، 162، 164

الحسين بن زيد 245، 428

الحسين بن سعيد = الأهوازي، الحسين

بن سعيد

الحسين بن عبيداللّه 377

الحضرمي، أبو بكر 259

الحضرمي، عبداللّه بن القاسم 357

حفص الأعور 264

حفص بن البختري 509، 511، 513

حفص بن خارجة 493

حفص بن غياث 76، 116، 221، 442،

443، 445

الحكم بن مسكين 39

الحلاّل، أحمد بن عمر 373

الحلبي، عبيداللّه بن علي 20، 44، 46،

95، 105، 109، 129، 138، 147،

173، 256، 372، 504

الحلبي، محمّد 372

الحلّي، علاء الدين أبو الحسن علي بن

أبي الفضل 47

ص: 554

الحلّي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان 183، 314، 322

حمران بن أعين 459، 469، 472، 491

حمزة بن أحمد 497

حميد = حميد بن زياد

حميد بن زياد 377

الحميري، محمّد بن عبداللّه 97، 104،

372، 418، 419

حنّان بن سدير 260

الخادم، خيران 12، 255، 270، 277

الخثعمي، جعفر بن الحكيم 379

الخزّاز، أحمد بن زياد 359

الخشّاب، الحسن بن موسى 372

الخيّاط، علي بن إبراهيم 378

خيران الخادم = الخادم، خيران

الداماد، محمّد باقر بن محمّد =

الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد

داود 36، 85، 226، 250

الديلمي، محمّد بن سليمان 102

الديلمي = سلاّر الديلمي، حمزة بن عبد

العزيز

ذريح = المحاربي، ذريح بن محمّد

الرازي، عبداللّه بن محمّد 407

الراوندي الكاشاني، فضل اللّه بن علي

37، 45

الرباطي، الحسن 373

ربيعة 250

الرشيد = هارون الرشيد

رفاعة بن موسى = النخّاس، رفاعة بن

موسى

الرقّي، داود بن كثير 474

الزبير 482

الزبيري، أبو عمرو 473

زرارة 33، 41، 42، 51، 58، 69، 70،

71، 89، 99، 126، 140، 141،

150، 160، 162، 166، 212، 232،

240، 269، 273، 288، 317، 355،

363، 364، 397، 418، 432، 449،

450، 472، 474، 475

زكريّا بن آدم = القمّي، زكريّا بن آدم

زكريّا بن مؤمن 373

زيد 351، 352، 384، 387، 389، 390

زيد الزرّاد 348، 374، 385

زيد الشحّام 56

زيد بن أسلم 410

زيد بن علي 177، 183، 187

الساباطي، عمّار بن موسى 18، 20، 35،

62، 76، 100، 105، 116، 120،

ص: 555

179، 212، 221، 245، 252، 257،

261، 276، 323، 326، 372، 374،

392، 293، 396، 398، 433

السجستاني، حريز بن عبداللّه 68، 140،

146، 160، 162، 166، 173، 180،

355، 372

السرّاد، الحسن بن محبوب 360

سعدان بن مسلم 374

سعد بن أبي خلف 175

سعد بن سعد 372

سعد بن عبداللّه 372

سعيد الأعرج = السمّان، سعيد الأعرج

سعيد بن غزوان 379

سعيد بن يسار 288، 317

سفيان بن السمط 460

سفيان بن صالح 374

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 46،

213، 221

سلاّر الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز 47،

161، 239، 507، 509

سليمان الإسكاف 233

سليمان الماحوزي = البحراني، سليمان

بن عبداللّه

سليمان بن خالد = الأقطع، سليمان بن

خالد

سليمان بن عبداللّه البحراني = البحراني،

سليمان بن عبداللّه

سماعة بن مهران 23، 43، 60، 80، 83،

116، 175، 459، 475، 476، 491

السمّان، سعيد الأعرج 241، 373، 433

السمّان، محمّد بن موسى 348

سودة بنت زمعة 79

سهل بن زياد الآدمي 128، 394

السيّد الجزائري = الجزائري، نعمت اللّه

بن عبداللّه

السيّد المرتضى = علم الهدى، علي بن

الحسين

السيّد (محمّد العاملي) = الموسوي

العاملي، محمّد بن علي

السيرافي، أحمد بن علي 346، 366

شارح الدروس = المحقّق الخوانساري،

الحسين بن محمّد

شارح الموجز = الصيمري، مفلح بن

الحسن

الشافعي، محمّد بن إدريس 47، 85، 86،

125، 168، 250

الشامي، أبو الربيع 265، 274، 287،

299، 316

الشريعة الأصفهاني، فتح اللّه بن محمّد

ص: 556

جواد 283، 284، 298، 304، 305،

306، 307، 309، 310، 311، 316،

317، 320، 321، 329، 365، 386

شعيب بن أنس 55، 62

شهاب بن عبد ربّه 71، 374

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 505

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 368

الشيخ = الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ الأعظم = الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الشيخان (المفيد، محمّد بن محمّد /

الطوسي، محمّد بن حسن) 115،

500، 504، 508

شيخ البهائي، محمّد بن الحسين 59،

250، 374، 375، 376

شيخ الطائفة = الطوسي، محمّد بن

الحسن

الصائغ، يزيد 356

صاحب إشارة السبق = الحلّي، علاء

الدين أبو الحسن علي بن أبي الفضل

صاحب البرهان = آل بحر العلوم، علي

بن محمّد رضا

صاحب البشرى = ابن طاوس، أحمد بن

موسى

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

50، 66، 87، 298، 302، 389،

438، 510

صاحب الحدائق = البحراني

الماحوزي، يوسف بن أحمد

صاحب الدلائل 505

صاحب الذخيرة = المحقّق السبزواري،

محمّد باقر بن محمّد مؤمن

صاحب الذكرى = الشهيد الأوّل، محمّد

بن مكّي

صاحب الرسالة = الشريعة الأصفهاني،

فتح اللّه بن محمّد جواد

صاحب الصحاح = الجوهري، إسماعيل

بن حمّاد

صاحب الغنية = ابن زهرة، حمزة بن

علي

صاحب الكفاية = المحقّق السبزواري،

محمّد باقر بن محمّد مؤمن

صاحب اللوامع = النراقي، مهدي بن

أبي ذرّ

صاحب المختلف = العلاّمة الحلّي،

الحسن بن يوسف

صاحب المدارك = الموسوي العاملي،

محمّد بن علي

ص: 557

صاحب المراسم = سلاّر الديلمي، حمزة

بن عبدالعزيز

صاحب المستدرك = حاكم النيسابوري،

محمّد بن عبداللّه

صاحب المعالم = ابن الشهيد الثاني،

الحسن بن زين الدين

صاحب المفاتيح = الطباطبائي، محمّد

بن علي

صاحب المنجد = المعلوف، لويس

صاحب النهاية = الطوسي، محمّد بن

الحسن

صاحب الوافي = فيض الكاشاني،

محمّد بن شاه المرتضى

صاحب الوسائل = الحرّ العاملي، محمّد

بن الحسن

صاحب الوسيلة = ابن حمزة، محمّد بن

علي

الصاحب بن عبّاد، إسماعيل بن عبّاد 386

صاحب دعائم الإسلام = التميمي

المغربي، نعمان بن محمّد

صاحب كشف الرموز = الآبي، الحسن

بن أبي طالب

صاحب كشف اللثام = الفاضل الهندي،

محمّد بن الحسن

صاحب مجمع البرهان = الأردبيلي،

أحمد بن محمّد

صاحب مصباح الفقيه = الهمداني، رضا

بن محمّد هادي

صاحب مفتاح الكرامة = العاملي

الغروي، جواد بن محمّد

صالح بن سيّابة 263

الصدوق = ابن بابويه، محمّد بن علي

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين /

ابن بابويه، محمّد بن علي) 282، 500،

508

الصرّام، أبو منصور 379

الصفّار، محمّد بن الحسن 103، 107،

174، 192، 203، 372

صفوان الجمّال 372

صفوان بن يحيى 164، 359، 362، 368

الصفواني، محمّد بن أحمد 346

الصيرفي، القاسم 460، 461

الصيقل، القاسم 81، 113، 181

الصيمري، مفلح بن الحسن 161، 505

الطباطبائي (بحر العلوم) = بحر العلوم،

محمّد مهدي بن مرتضى

الطباطبائي، محمّد بن علي 414

الطحاوي، أحمد بن محمّد 416

ص: 558

الطريحي، فخر الدين بن محمّد 409

الطريفي، أبو الفتح غازي بن محمّد 501

طلحة 482

الطوسي، محمّد بن الحسن 18، 19، 28،

29، 32، 37، 38، 47، 79، 86، 87،

90، 91، 146، 159، 163، 166،

168، 171، 178، 186، 187، 201،

209، 218، 220، 226، 238، 239،

241، 248، 250، 251، 297، 305،

306، 307، 315، 346، 347، 349،

350، 359، 361، 362، 363، 365،

367، 369، 370، 371، 372، 373،

374، 377، 379، 380، 381، 382،

385، 403، 413، 414، 426، 445،

479، 488، 505، 506، 510

عائشة بنت أبي بكر 168، 482

عاصم بن حميد 172، 191، 192

العاملي الغروي، جواد بن محمّد 65،

506

عبّاس بن معروف 372

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 21، 23، 33،

48، 26، 125

عبدالرحمان بن أبي نجران 176، 186،

187، 243، 372

عبدالرحمان بن الحجّاج 81، 90، 91،

234، 272، 328، 372، 379

عبدالرحيم القصير 449، 474

عبدالعزيز العبدي 361

عبدالعزيز بن المهتدي 290

عبداللّه بن أبي يعفور 39، 60، 90، 91،

291، 435، 480، 482، 498

عبداللّه بن المغيرة 120

عبداللّه بن جعفر 138، 142

عبداللّه بن خداش 359

عبداللّه بن سليمان 126، 127، 150،

374

عبداللّه بن سنان 31، 33، 34، 49، 69،

173، 177، 179، 203، 255، 261،

293، 321، 372، 419، 441، 450،

462، 474

عبداللّه بن صالح 388

عبداللّه بن طلحة 431

عبداللّه بن محمّد 269

عبداللّه بن محمّد الرازي = الرازي،

عبداللّه بن محمّد

عبداللّه بن مسكان 76، 118، 230، 361

عبيداللّه بن أحمد بن نهيك 378

عبيد بن زرارة 290، 473

ص: 559

عثمان بن عيسى 372، 407

العجلي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

عدي بن حاتم 424

عطاء بن يسار 272

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 19،

31، 47، 125، 130، 135، 161،

163، 165، 166، 201، 207، 215،

216، 217، 218، 221، 226، 249،

305، 308، 309، 332، 358، 359،

368، 369، 373، 374، 440، 453،

505، 508

العلاّمة الطباطبائي = بحر العلوم، محمّد

مهدي بن مرتضى

علم الهدى، علي بن الحسين 43، 53،

55، 58، 64، 66، 172، 220، 227،

229، 250، 403، 405، 409، 410،

416، 439، 454، 494

علي بن إبراهيم بن هاشم = القمّي، علي

بن إبراهيم

علي بن أبي المغيرة 79

علي بن أحمد بن عبداللّه 162، 165

علي بن الحسن بن رباط 164

علي بن الحسن بن فضّال 358، 372

علي بن الحسين 349، 383

علي بن الحكم 498، 502

علي بن النعمان 372

علي بن بزرج 374، 377

علي بن جعفر 20، 40، 49، 82، 96،

117، 120، 134، 140، 142، 173،

192، 231، 241، 244، 247، 254،

267، 268، 393، 394، 396، 427،

428، 429، 436

علي بن حديد 359

علي بن رئاب 231، 268

علي بن عقبة 164

علي بن محمّد 20، 31، 32، 48

علي بن مَزْيَد 351، 352

علي بن مهزيار 261، 269، 277، 502

علي بن يقطين 274، 372، 408، 501

علي بن يقطين بن موسى الأهوازي =

علي بن يقطين

عمر (الخليفة الثاني) = عمر بن الخطّاب

عمر بن حنظلة 258، 271، 277

عمر بن الخطّاب 292

عمر بن يزيد 298، 310، 333، 335

عمرو بن جميع 361

عمرو بن خالد 177، 187

عمرو بن شمر 361

ص: 560

العيّاشي، محمّد بن مسعود 33

عيسى بن موسى 265

العيص بن القاسم 414، 430

عيص = العيص بن القاسم

الغنوي، هارون بن حمزة 118، 120،

241، 245، 247، 256

غياث بن إبراهيم 36، 158، 159

فارس بن حاتم بن ماهويه = القزويني،

فارس بن حاتم

الفاضل الخراساني = المحقّق

السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن

الفاضل = الفاضل الهندي، محمّد بن

الحسن

الفاضل المقداد، المقداد بن عبداللّه 161،

305، 308، 309، 368، 369

الفاضل الهندي، محمّد بن الحسن 65،

94، 159، 214، 219، 387، 412،

413، 508

الفتح بن يزيد = الجرجاني، الفتح بن

يزيد

فخر الدين = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 368

الفخر = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فريد = وجدي، فريد

فضالة بن أيّوب 372

الفضل أبو العبّاس = الفضل بن

عبدالملك البقباق

الفضل بن شاذان = ابن شاذان، الفضل

بن شاذان

الفضل بن عبد الملك البقباق 13، 227،

228، 239

الفضيل بن يسار 274، 452، 493

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

78، 110، 112، 187، 296، 377

قاسم الصيرفي = الصيرفي، قاسم

القاضي = ابن البرّاج، عبدالعزيز بن

نحرير

قتادة 152

القزويني، فارس بن حاتم 38

القلانسي، خالد 428

القمّاط، أبو خالد 68

القمّي، زكريّا بن آدم 257، 402

القمّي، علي بن إبراهيم 346

الكاشاني = الفيض الكاشاني، محمّد بن

شاه مرتضى

ص: 561

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 128، 134،

430

الكشّي، محمّد بن عمر 347، 350، 353،

355، 357، 360، 362، 363، 364،

365، 366، 367، 369، 370، 379

الكفرتوثي، إدريس بن زياد 501

الكليني، محمّد بن يعقوب 31، 128،

164، 242، 296، 348، 349

مالك 85، 168، 226، 416

المأمون، خليفة العبّاسي 82، 483

المجلسي الأوّل = المجلسي، محمّد تقي

بن مقصود علي

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي

219، 288، 315، 346، 349، 377،

385، 386، 387، 388، 389، 390

المجلسي، محمّد تقي بن مقصود علي

165

المحاربي، ذريح بن محمّد 314

المحدّث الكاشاني = الفيض الكاشاني،

محمّد بن شاه مرتضى

المحدّث النوري = نوري، الحسين بن

محمّد تقي

محسن بن أحمد 381

المحقّق الثاني = المحقّق الكركي، علي

بن الحسين

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 39، 66،

86، 90، 91، 161، 168، 171،

200، 218، 221، 281، 305، 308،

309، 332، 334، 368، 369، 426،

427، 452، 453، 478

المحقّق الخوانساري، الحسين بن محمّد

143

المحقّق السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن 166، 219، 509

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 161

محمّد بن أبي عمير = ابن أبي عمير،

محمّد

محمّد بن أحمد بن الصفواني =

الصفواني، محمّد بن أحمد

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 23، 70، 72

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب 39،

356، 372

محمّد بن الفضيل 358

محمّد بن الهيثم 318، 335

محمّد بن حمران 379

محمّد بن سنان 99، 102، 114، 182،

193، 246، 359، 360، 361

محمّد بن عبدالجبّار 244

ص: 562

محمّد بن علي بن جعفر 435

محمّد بن علي بن عيسى 462

محمّد بن علي بن معمّر 501

محمّد بن عيسى 246

محمّد بن قيس 125، 126، 130، 134

محمّد بن مسلم 21، 34، 61، 72، 81،

89، 104، 107، 109، 140، 160،

165، 169، 171، 172، 173، 177،

179، 191، 192، 203، 227، 228،

230، 240، 318، 326، 355، 363،

418، 427، 428، 431، 432، 449،

473

محمّد بن مصادف 361

المرادي 369

مرازم 407

المسعودي، علي بن الحسين 501

المشايخ الثلاثة (الكليني، محمّد بن

يعقوب / ابن بابويه، محمّد بن علي /

الطوسي، محمّد بن حسن) 384

معاوية بن أبي سفيان، خليفة الاُموي

482

معاوية بن حكيم 372

معاوية بن شريح 13، 227

معاوية بن عمّار 119، 127، 170، 171،

173، 245، 247، 254، 261، 293،

294، 302، 310، 335، 372، 419

معاوية بن وهب 372

معروف بن خرّبوذ 369

المعلوف، لويس 425

المعلّى بن خنيس 39، 462

المفضّل = المفضّل بن عمر

المفضّل بن صالح 358، 359، 361

المفضّل بن عمر 35

المفلّس، أحمد بن الحسين 373

المفيد، محمّد بن محمّد 38، 159، 250،

347، 367، 370، 382، 413، 454،

504

مقاتل بن سليمان 361

منتجب الدين الرازي، علي بن عبيداللّه

379، 385، 386

منتجب الدين = منتجب الدين الرازي،

علي بن عبيداللّه

منصور بن الحسن الآبي 385

منصور بن حازم 450

المنقري، الحسين بن أحمد 359

الموسوي العاملي، محمّد بن علي 59،

123، 200، 414

موسى بن عمر 36

ص: 563

الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد 375

الميموني، علي بن عبداللّه 501

النجاشي، أحمد بن علي 32، 346، 356،

357، 358، 359، 361، 365، 367،

369، 371، 372، 373، 382، 383

النخّاس، رفاعة بن موسى 40، 41، 290

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 207،

283، 440

النراقي، مهدى بن أبي ذرّ 508

النرسي، زيد 345، 346، 347، 348،

349، 351، 352، 372، 374، 378،

384، 385، 389

نوري، الحسين بن محمّد تقي 387

النيلي، صالح بن الحكم 361

الواسطي، أبو هاشم 405، 410

الواسطي، علي 265

والد الصدوق = ابن بابويه، علي بن

الحسين

والد الفخر المحقّقين = العلاّمة الحلّي،

الحسن بن يوسف

وجدي، فريد 24

الوحيد البهبهاني = البهبهاني محمّد باقر

بن محمّد أكمل

الوشّاء، الحسن بن علي 128، 134، 433

الوليد بن أبان 243

وهب بن منبّه 289، 318

وهب بن وهب = أبو البختري

هارون الرشيد 366

هارون بن خارجه 429

هاشم بن حيّان 359

الهاشمي، إسماعيل بن الفضل 393

الهروي = أبو عبيد الهروي، أحمد بن

محمّد

هشام بن الحكم 254، 379، 382، 401،

486، 487

هشام بن سالم 379، 509، 511

الهمداني، رضا بن محمّد هادي 87،

438، 446

الهمداني، صالح بن سهل 360، 361

الهمداني، محمّد بن موسى 384

يحيى بن عمر 36

يزيد الصائغ = الصائغ، يزيد

يزيد بن إسحاق 256

يزيد بن معاوية 465

يعقوب بن عثيم 119، 242

اليماني، إبراهيم بن عمر 374

يونس بن ظبيان 356

يونس بن عبدالرحمان 148، 150، 164،

167، 174، 244، 246، 253، 358،

361، 367، 400

ص: 564

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 357، 403، 454

آيات الجواد = مسالك الأفهام إلى آيات

الأحكام

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 219

إثبات الوصية 501

أجوبة مسائل الفاضل المقداد 410

الاحتجاج 97، 113، 178

أخبار آل النبي وفضائلهم 382

إرشاد الجعفرية 400

الاستبصار 38، 239، 261، 262، 359،

364، 376

إشارة السبق 47، 66

أصل زيد الزرّاد 385

أصل زيد النرسي 345، 346، 349،

384، 385، 387، 389، 390

إفاضة القدير في أحكام العصير 305،

306، 307، 309، 310، 311، 316،

317، 320، 321، 329

الألفية والنفلية 180، 334

الأمالي للصدوق 376، 500، 503، 507

الانتصار 53، 78، 400، 403، 404،

405، 409، 410، 412، 494

أنوار الملكوت في شرح الياقوت 453

الإيضاح = إيضاح الفوائد

إيضاح الفوائد 440

كتاب إيمان أبي طالب 382

البحار = بحار الأنوار

بحار الأنوار 30، 220، 346، 387،

389، 412، 501، 502، 510

البرهان القاطع 386

البستان 153

البويطي 168

البيان 79، 159

التحرير = تحرير الأحكام

ص: 565

تحرير الأحكام 233

تحف العقول 72، 88

التذكرة = تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 17، 25، 29، 47، 53، 94،

125، 135، 172، 200، 215، 226،

233، 250، 278، 400، 412، 440،

454

التنقيح الرائع 25، 400

التهذيب = تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 38، 187، 209، 239،

251، 261، 262، 296، 315، 349،

359، 364، 373، 376، 413، 426،

504، 506

التهذيبين (تهذيب الأحكام /

الاستبصار) 506

جامع البزنطي 30

جامع المقاصد 161، 172، 200، 279،

282، 488

الجعفريات 45، 73

الجمل = الجمل والعقود

الجمل والعقود 47، 221

الجواهر = جواهر الكلام

جواهر الكلام 28، 50، 60، 66، 87،

200، 219، 249، 298، 302، 315،

386، 389، 438، 440، 445، 494،

510

حاشية المدارك = الحاشية على مدارك

الأحكام

الحاشية على مدارك الأحكام 39، 405،

408، 413

حاشية المقاصد = جامع المقاصد

الحبل المتين 250، 376

الحجج 380

الحدائق الناضرة 42، 47، 59، 113،

121، 181، 187، 200، 219، 271،

273، 275، 279، 315، 334، 344،

386، 388، 389، 452، 458، 462،

465، 494، 496، 499، 502، 508

حقائق الإيمان 380

الخصال 160، 162، 176، 376

الخلاف 17، 29، 30، 47، 48، 53، 64،

66، 78، 86، 94، 116، 159، 166،

168، 169، 172، 199، 200، 218،

226، 239، 400، 403، 412، 445،

477، 494، 500، 503، 506

دائرة المعارف = دائرة معارف القرن

العشرين

دائرة معارف القرن العشرين 24

ص: 566

الدروس الشرعية 47، 65، 79، 143،

159، 180، 305

الدعائم = دعائم الإسلام

دعائم الإسلام 73، 83، 84، 211، 291،

292، 305، 308، 397

الدلائل 17، 25، 78، 94، 215، 279،

412، 488، 505، 506

الذخيرة = ذخيرة المعاد

ذخيرة المعاد 17، 25، 94، 121، 143،

219، 220، 279، 334

الذكرى = ذكرى الشيعة

ذكرى الشيعة 65، 94، 135، 180، 214،

233، 249، 278، 282، 334، 400،

505، 510

الرازيات 410

رجال الكشّي 362، 363، 366

الرسالة = إفاضة القدير في أحكام

العصير

رسالة التقية للإمام الخميني(سلام اللّه

عليه) 189

رسالة علي بن بابويه 249، 305

الرواشح السماوية 375

الروض = روض الجنان

روض الجنان 17، 65، 94، 194، 200،

279، 409

الروضة البهيّة 65، 363، 365

الرياض = رياض المسائل

رياض المسائل 66، 344، 500، 508

السرائر 65، 116، 412، 454، 462،

494

الشرائع = شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 370، 376، 477، 478

شرح الدروس = مشارق الشموس

شرح الفاضل = كشف اللثام

شرح فصّ الياقوت = أنوار الملكوت في

شرح الياقوت

الصحاح 10، 22، 144، 152، 153،

291، 313

الصراح = صراح اللغة

صراح اللغة 22

الطبريات 94

الطهارة للشيخ الأنصاري 200، 315،

344، 386

العدّة في اُصول الفقه 347، 361، 363

العلل = علل الشرائع

علل الشرائع 55، 62، 106، 191، 193،

197، 246، 247

العيون = عيون أخبار الرضا علیه السلام

ص: 567

عيون أخبار الرضا علیه السلام 193، 246، 376

الغريبين 24

الغنية = غنية النزوع

غنية النزوع 17، 25، 29، 47، 48، 53،

64، 78، 94، 116، 143، 149،

160، 166، 172، 215، 238، 282،

400، 404، 412، 500، 505، 508،

509

فصّ الياقوت 453

فقه الرضا علیه السلام = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه الرضوي = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 82، 83،

198، 199، 268، 298، 301، 302،

305، 310، 319، 320، 335، 405،

502، 506

الفقيه = من لا يحضره الفقيه

الفلك 382

الفهرست للشيخ الطوسي 349، 373،

377، 379، 381، 382

القاموس المحيط 10، 22، 144، 152،

153، 275، 283، 313، 408

القواعد = قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 454

الكافي 288، 296، 315، 348، 376،

377، 390، 400، 457

كتاب أبان بن عثمان 383

كتاب أحمد بن عبيداللّه بن يحيى 383

كتاب الكشّي 363، 366

كتاب النرسي 370، 385

كتاب جميل بن درّاج 371

كتاب عبداللّه بن محمّد 269

كتاب علي علیه السلام 128، 240

كتاب علي بن الحسين 383

كتاب علي بن جعفر 40، 268

كتاب عمّار بن موسى 18، 35

كشف الالتباس 17، 53، 94، 214،

400، 440، 510

كشف الحقّ 53، 65، 78

كشف الرموز 159

كشف اللثام 65، 94، 135، 143، 149،

159، 214، 219، 387، 412، 508

الكفاية = كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 172، 219،

220، 233، 440، 505

كنز العرفان في فقه القرآن 219، 282

اللوامع 508

ص: 568

المبسوط 28، 29، 30، 37، 221، 400،

440، 500، 504، 506، 508

المبيضّة 382

المجمع = مجمع البحرين

المجمع = مجمع البيان

مجمع البرهان = مجمع الفائدة والبرهان

مجمع الفائدة والبرهان 66، 334

مجمع البحرين 10، 22، 74، 153، 275،

282، 284، 291، 292، 313، 315،

405، 409، 425، 426

مجمع البيان 210، 424، 425، 427،

490

المختصر النافع 48

المختلف = مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 18، 25، 35، 78، 172،

214، 219، 239، 505

مخزن الأدوية (قرابادين كبير) 411

المدارك = مدارك الأحكام

مدارك الأحكام 17، 25، 43، 59، 67،

121، 122، 123، 143، 149، 172،

186، 200، 215، 279، 400، 414

المدنيات 410

مدينة العلم 376

مرآة العقول 165، 315، 328، 377

المراسم 47، 66، 221، 238، 282،

404، 500، 505، 508، 509

المسائل الطبرية 53، 65

المسالك = مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 219، 279

المسالك الجامعية 30

المستدرك = مستدرك الوسائل

مستدرك الوسائل 387، 502

المستند = مستند الشيعة

مستند الشيعة 315

مشارق الشموس 279

مشرق الشمسين 374

مصابيح الظلام 79، 180، 220

المصابيح في الفقه 28

مصباح الفقيه 87، 315

المعالم = معالم الدين

معالم الدين 67، 121، 239، 357، 360

معاني الأخبار 45، 349

المعتبر 17، 46، 59، 94، 116، 200،

215، 281، 309، 334، 368، 405

المعيار = معيار اللغة

معيار اللغة 22، 409

المغرب في ترتيب المعرب 153

المفاتيح = مفاتيح الشرائع

ص: 569

مفاتيح الشرائع 25، 414

مفتاح الكرامة 65، 334، 410، 502،

506

مقداديات = أجوبة مسائل الفاضل

المقداد

المقنع 30، 77، 86، 238

المقنعة 47، 115، 238، 508

المناقب = مناقب آل أبي طالب

مناقب آل أبي طالب 502

من لا يحضره الفقيه 28، 30، 68، 77،

83، 85، 110، 162، 165، 187،

238، 376، 383، 503، 509، 511

منتهى الإرب 22

المنتهى = منتهى المطلب

منتهى المطلب 17، 53، 59، 65، 78،

94، 116، 122، 124، 130، 136،

143، 149، 161، 172، 215، 226،

233، 250، 400، 412، 454، 508

المنجد 10، 22، 144، 153، 234، 275،

283، 291، 313، 409، 425

الموجز 505

المهذّب 218، 305

مهذّب الأسماء 24

المهذّب البارع 400

الناصريات 17، 47، 53، 58، 78، 282،

412، 439، 494

النافع = المختصر النافع

النهاية = النهاية في مجرّد الفقه

والفتاوى

النهاية = النهاية في غريب الحديث

والأثر

النهاية = نهاية الإحكام

نهاية الإحكام 53، 65، 94، 135، 215،

233، 334، 412

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 31، 47،

53، 115، 146، 163، 180، 199،

282، 307، 334، 403، 413، 477،

504، 508

النهاية في غريب الحديث والأثر 291،

292

الوافي 187، 377، 415

الوجيزة للشيخ البهائي 376

الوسائل = وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 40، 110، 162، 164،

183، 186، 187، 288، 315، 458

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 47، 65، 115،

221، 238، 282، 304، 306، 334،

404

ص: 570

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - إثبات الوصيّة للإمام علي بن أبي طالب . أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (م 346) ، قم ، مؤسّسة أنصاريان 1417 ق / 1996 م .

2 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ،

1413 ق .

3 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

4 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

5 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

6 - إشارة السبق . علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي (م القرن السادس) ، تحقيق الشيخ إبراهيم بهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1414 ق .

ص: 571

7 - أصل زيد النرسي ، ضمن «الاُصول الستّة عشر» . لعدّة من الرواة القدماء ، قم ، دار الشبستري للمطبوعات ، 1405 ق .

8 - إفاضة القدير في أحكام العصير ، المطبوع مع «قاعدة لا ضرر» ، العلاّمة شيخ الشريعة الأصفهاني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

9 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

10 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .

11 - الأمالي أو المجالس . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الخامسة، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1400 ق .

12 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

13 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

14 - أوضح المسالك . أبو محمّد عبداللّه جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبداللّه بن هشام الأنصاري (م 761) ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، الطبعة الخامسة ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتبة سيّد الشهداء ، 1366 ش .

15 - إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد . فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682 - 771) ، إعداد عدّة من العلماء ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، المطبعة العلمية ، 1387 ق .

«ب»

16 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ (إلاّ 6

ص: 572

مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

17 - بدائع الأفكار في الاُصول (تقريرات المحقّق العراقي) . الشيخ هاشم الآملي (1282 - 1371 ش) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، 1370 ق .

18 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

19 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد . محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520 - 595) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، 1412 ق / 1371 ش .

20 - البرهان القاطع في شرح المختصر النافع . السيّد علي آل بحر العلوم (م 1298) ، 3 مجلّدات ، الطبعة الحجرية .

21 - البستان في اللغة . عبداللّه بن ميخائيل بن ناصيف البستاني الماروني (1271 - 1348) ، مجلّدان ، بيروت .

22 - بصائر الدرجات . أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار (م 290) ، تصحيح الميرزا محسن كوچه باغي ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

23 - البهجة المرضيّة . جلال الدين السيوطي ، تعليق مصطفى الحسيني الدشتي .

24 - البيان . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، 1412 ق .

25 - البيع (تقرير بحث آية اللّه العظمى السيّد محمّد الحجة الكوه كمري) . الشيخ أبوطالب التجليل التبريزي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1409 ق .

«ت»

26 - تاج العروس من جواهر القاموس . السيّد محمّد بن محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي (1145 - 1205) ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّداً ، بيروت ، منشورات دار مكتبة الحياة ،

1306 ق .

ص: 573

27 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات + الفهارس ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

28 - التحرير الطاوسي المستخرج من كتاب حلّ الإشكال . الشيخ حسن بن زين الدين بن علي صاحب المعالم (م 1011) ، تحقيق فاضل الجواهري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1411 ق .

29 - تحف العقول عن آل الرسول . أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

30 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

31 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

32 - تعليقات على منهج المقال . المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 - 1206) ، الطبعة الحجرية .

33 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

34 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307) ، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، الطبعة الثالثة ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ق .

35 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوه كمري ، الطبعة الاُولى ، 4

مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

ص: 574

36 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

37 - تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ، وبهامشه كتابان : لباب النقول في أسباب النزول ومعرفة الناسخ والمنسوخ. أبوطاهر محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (م 817) ، تحقيق لجنة من العلماء برياسة أحمد سعد علي ، بيروت ، دار الجيل .

38 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1398 ق .

39 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

والطبع الحجري منه مجلّدان ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مكتبة الفراهاني ، 1363 ش .

40 - تهذيب الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ جعفر السبحاني التبريزي ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1424 ق .

41 - تهذيب اللغة . أبو منصور محمّد بن أحمد الأزهري (282 - 370) ، القاهرة ، 1384 - 1387 ق .

«ث»

42 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1391 ق .

«ج»

43 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي

ص: 575

(868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

44 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) . أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 672) ، الطبعة الثانية ، 24 مجلّداً ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1405

ق / 1985 م .

45 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

46 - جوابات أهل الموصل ، ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد» ج 9 . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد ابن النعمان البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (336 - 413) ، الطبعة الاُولى ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ق .

47 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

48 - الحاشية على مدارك الأحكام . المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 - 1206) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1419 ق .

49 - الحبل المتين . الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 - 1030) ، قم ، مكتبة بصيرتي ، 1398 ق .

50 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

ص: 576

«خ»

51 - الخصال . أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

52 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

53 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

«د»

54 - دائرة معارف القرن العشرين . محمّد فريد بن مصطفى وجدي بن علي رشاد (1292 - 1373) ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر ، 1399 ق / 1979 م .

55 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

56 - الدرّة النجفية (منظومة في الفقه) . العلاّمة السيّد محمّدمهديّ بحرالعلوم الطباطبائي (1155 - 1212) ، الطبعة الثانية ، قم ، مكتبة المفيد ، 1414 ق / 1372 ش .

57 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

«ذ»

58 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد . المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017

ص: 577

- 1090) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

59 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة . الشيخ محمّدمحسن آقا بزرگ الطهراني (1293 - 1389) ، 25 جزءاً في 28 مجلّداً (الجزء 9 في 4 مجلّدات) ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان.

60 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

«ر»

61 - رجال ابن داود . تقيّ الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي (647 - 707) ، إعداد السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1392 ق .

62 - رجال البرقي . أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة القيّوم ، 1419 ق .

63 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1415 ق .

64 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

65 - الرجال لابن الغضائري . أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي (القرن الخامس) ، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الحديث ، 1422 ق .

66 - رسائل الشريف المرتضى . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف

المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، إعداد السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ،

ص: 578

4 مجلّدات ، قم ، دار القرآن الكريم ، 1405 - 1410 ق .

67 - رسائل الشهيد الأوّل . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، إعداد مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1423 ق / 1381 ش .

68 - رسائل الشهيد الثاني . زين الدين بن علي العاملي المشهور بالشهيد الثاني (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1421 ق / 1379 ش .

69 - الرسائل العشر . أبو العبّاس أحمد بن شمس الدين محمّد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1409 ق .

70 - الرسالات الفقهية والاُصولية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

71 - رسالة في أحوال أبي بصير ضمن «الجوامع الفقهية» . السيّد محمّد مهدي الخوانساري ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي .

72 - الرعاية في علم الدراية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثانية ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1413 ق .

73 - الرواشح السماوية في شرح أحاديث الإمامية . السيّد محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي المعروف ب- «الميرداماد» (م 1041) ، تحقيق غلامحسين قيصرى ها ونعمة اللّه الجليلي ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الحديث للطباعة والنشر ،

1422 ق / 1380 ش .

74 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والآثار الإسلامية ، الطبعة الاُولى ،

ص: 579

مجلّدان ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق .

75 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

76 - روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه . العلاّمة المولى محمّد تقيّ المجلسي (1003 - 1070) ، إعداد السيّد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الاشتهاردي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، بنياد فرهنگ إسلامي ، حاج محمّد حسين كوشانپور ، 1393 - 1399 ق .

77 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«س»

78 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

79 - سنن أبي داود . أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275) ، إعداد كمال يوسف الحوت ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الجنان ، 1409 ق / 1988 م .

80 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

81 - سنن الدارقطني . علي بن عمر الدارقطني (306 - 385) ، 4 أجزاء في مجلّدين ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1413 ق / 1993 م .

82 - السنن الكبرى . أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458) ، إعداد

ص: 580

الدكتور يوسف عبدالرحمان المرعشلي ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات + الفهرس ،

بيروت ، دار المعرفة ، 1413 ق / 1992 م .

«ش»

83 - الشافي في الإمامة . الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (م 436) ، الطبعة الثانية ، طهران ، مؤسّسة الصادق ، 1410 ق .

84 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

85 - الشرح الكبير . أبو الفرج عبدالرحمان بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (597 - 682) ، المطبوع مع المغني ، لعبداللّه بن أحمد بن قدامة ، 12 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار الكتاب العربي .

86 - شرح جمل العلم والعمل . القاضي ابن البرّاج أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز (400 - 481) ، تحقيق كاظم مدير شانه چى ، الطبعة الاُولى ، مشهد ، جامعة مشهد ، 1352 ش .

«ص»

87 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ،

1407 ق / 1987 م .

88 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

89 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة

ص: 581

الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

90 - صراح اللغة . أبو الفضل محمّد بن عمر بن خالد المدعوّ بجمّال القرشي (م بعد 681)، الطبع الحجري .

91 - صفات الشيعة ، المطبوع مع «المواعظ» و«فضائل الشيعة» . محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمّي (م 381) ، تحقيق محمود البدري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1421 ق .

«ط»

92 - الطلب والإرادة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

93 - الطهارة ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 1 - 5 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، المكتبة الفقهية ، 1415 ق .

«ع»

94 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ،

قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .

95 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

96 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

97 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

ص: 582

98 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«غ»

99 - غاية المراد . شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي الشهيد الأوّل (م 786) ، تحقيق رضا المختاري ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، 1414

ق .

100 - الغدير في الكتاب والسنّة والأدب . العلاّمة الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني (1320 - 1390) ، الطبعة الثانية ، 11 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1366 ش .

101 - غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام . الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني المعروف بالمحقّق القمّي (1151 - 1231) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 - 1420 ق / 1375 - 1378 ش .

102 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

103 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

104 - فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم . رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر ابن محمّد بن طاوس (م 664) ، قم ، منشورات الرضي ، 1363 ش .

105 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

ص: 583

106 - الفقه على المذاهب الأربعة . عبدالرحمان الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .

107 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

108 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

109 - الفوائد الرجالية . السيّد محمّد المهدي بحر العلوم الطباطبائي (م 1212) ، تحقيق محمّد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، طهران ، مكتبة الصادق ، 1363 ش .

110 - الفهرست . أبو الفرج محمّد بن إسحاق ، ابن النديم (م 385) ، إعداد الشيخ إبراهيم رمضان ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر.

111 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

112 - الفهرست . منتجب الدين أبو الحسن علي بن عبيداللّه بن بابويه الرازي (504 - 600) ، تحقيق السيّد جلال الدين المحدّث اُرموي ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1366 ش .

«ق»

113 - قاموس الرجال . الشيخ محمّد تقيّ التستري (1320 - 1415) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 12 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 ق .

114 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

115 - قرابادين كبير (مخزن الأدوية) . مير محمّد خان عقيلي شيرازي ، الطبعة الحجرية ، طهران ، 1277 .

ص: 584

116 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

117 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

118 - قوانين الاُصول . المحقّق ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151 - 1231) ، مجلّدان ، الطبعة الحجرية ، المجلّد الأوّل ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية ، 1378 ، والمجلّد الثاني ، طهران ، المستنسخة سنة

1310 ق .

«ك»

119 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

120 - كامل الزيارات . أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي ، الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

121 - كشف الالتباس عن موجز أبي العبّاس . مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري (م حدود 900) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر (عج) ، قم ، مؤسّسة صاحب الأمر(عج) ، 1417 ق .

122 - كشف الرموز في شرح المختصر النافع . زين الدين أبو علي الحسن بن أبيطالب بن أبيالمجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي (م بعد 672) ، تحقيق علي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ،

1408 ق .

ص: 585

123 - كشف اللثام عن قواعد الأحكام . بهاء الدين محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1135) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 - 1424 ق .

124 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

125 - كفاية الفقه المشتهر ب- «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

126 - كنز العرفان في فقه القرآن . الشيخ جمال الدين المقداد بن عبداللّه السيوري (م826) ، تعليق الشيخ محمّد باقر شريف زاده ، الطبعة الرابعة ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة الرضوية ، 1369 ش .

«ل»

127 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

128 - لوامع الأحكام في فقه شريعة الإسلام . المولى محمّد مهديّ بن أبي ذرّ النراقي (1128 - 1209) ، الطبعة الاُولى ، قم .

129 - لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني صاحب الحدائق (1107 - 1186) ، تحقيق السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

«م»

130 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

ص: 586

131 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في

4 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

132 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985م .

133 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار

المعرفة للطباعة والنشر .

134 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

135 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

136 - المحاسن. أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

137 - المحلّى بالآثار . أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (م 456) ، تحقيق الدكتور عبدالغفّار سليمان البنداري ، 12 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

138 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبع-ة الثاني-ة ، ق-م ، منشورات مؤسّس-ة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

139 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ،

ص: 587

9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

140 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق .

141 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

142 - المراسم في الفقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

143 - مسائل الناصريات . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، قم ، مؤسّسة الهدى ، 1417 ق .

144 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق / 1990 م .

145 - مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام . العلاّمة الفاضل الجواد الكاظمي (م - أواسط القرن الحادي عشر) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي والشيخ محمّد باقر شريف زاده ، 4 أجزاء في مجلّدان ، طهران ، المكتبة المرتضوية لآثار الجعفرية .

146 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

147 - المسالك الجامعية في شرح الرسالة الألفية ، ضمن «المقاصد العلية» . محمّد بن علي بن أبيجمهور الأحسائي (م القرن العاشر) ، الطبعة الحجرية ، 1312 ق .

148 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي

ص: 588

(1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

149 - مستمسك العروة الوثقى . السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة دار التفسير ، 1416 ق / 1374 ش .

150 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

151 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .

152 - مشارق الشموس في شرح الدروس . آقا حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري (1019 - 1099) ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

153 - مشرق الشمسين واكسير السعادتين . الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثي العاملي (953 - 1030) ، مع تعليقات للعلاّمة المحقّق محمّد إسماعيل بن الحسين المازندراني الخواجوئي ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، مشهد ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة ، 1414 ق /

1372 ش .

154 - مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع . المولى محمّد باقر بن محمّد الوحيد البهبهاني (1117 - 1205) ، تحقيق مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الاُولى ،

11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة علاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، 1424 ق .

155 - المصابيح في الفقه . السيّد محمّد مهدي بن مرتضى بن محمّد الطباطبائي البروجردي (م 1212) ، مخطوط .

156 - مصباح الفقيه (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ، الصوم ، الرهن) . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، الطبعة الاُولى ، 19 مجلّداً :

ص: 589

الطهارة والصلاة . تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث ، (ج 1 - 17) ، قم ، مؤسّسة مهديّ الموعود(عج) ، 1417 - 1431 ق .

الزكاة والخمس والصوم والرهن . (ج 13 و14 ، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

157 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

158 - مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري) . الميرزا أبو القاسم الكلانتري (1236 - 1292) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1425 ق .

159 - معالم الدين وملاذ المجتهدين «قسم الاُصول» . أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 - 1011) ، تحقيق لجنة التحقيق ، الطبعة الحادي عشر ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

160 - معالم الدين وملاذ المجتهدين «قسم الفقه» . أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 - 1011) ، تحقيق السيّد منذر الحكيم ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة الفقه للطباعة والنشر ، 1418 ق .

161 - معالم العلماء . أبو جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (م 588) ، إعداد السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1380 ق .

162 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

163 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1364 ش .

ص: 590

164 - معجم البلدان . شهاب الدين أبو عبداللّه ياقوت بن عبداللّه الرومي الحموي البغدادي (574 - 626) ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار بيروت للطباع-ة والنشر ، 1408 ق / 1988 م .

165 - معيار اللّغة . الميرزا محمّد عليّ بن محمّد صادق الشيرازي ، الطبعة الحجرية ، ايران ، 1311 - 1316 ق .

166 - المغرب في ترتيب المعرب . أبو الفتح ناصر بن عبدالسيّد بن علي المطرزي (538 - 610) ، بيروت ، دار الكتاب العربي .

167 - مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج . شمس الدين محمّد بن أحمد الشربيتي الشافعي (م 977) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1377 ق / 1958 م .

168 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682) ، الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .

169 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، 4 مجلّدات، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .

170 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

171 - مقباس الهداية في علم الدراية . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، تحقيق محمّد رضا المامقاني ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1411 - 1413 ق .

172 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق

ص: 591

(311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

173 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1410 ق .

174 - مكارم الأخلاق . أبو نصر رضيّ الدين الحسن بن الفضل الطبرسي ( القرن السادس الهجري) ، تحقيق علاء آل جعفر ، مجلّدان ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

175 - المكاسب المحرّمة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

176 - الملل والنحل . أبو الفتح محمّد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (479 - 548) ، تخريج محمّد بن فتح اللّه بدران ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ، القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية ، 1375 ق / 1956 م .

177 - الملهوف على قتلى الطفوف . أبو القاسم رضيّ الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاوس الحسني (م 664) ، تحقيق الشيخ فارس تبريزيان «الحسّون» ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الاُسوة للطباعة والنشر ، 1417 ق / 1375 ش .

178 - مناقب آل أبي طالب . أبو جعفر رشيد الدين محمّد علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (م 588) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسه انتشارات علاّمه ، 1379 ق .

179 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

180 - المناهل . السيّد المجاهد محمّد الطباطبائي (م 1242) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

ص: 592

181 - منتهى الإرب في لغة العرب . عبدالرحيم بن عبدالكريم الصفيپور ، 4 أجزاء في مجلّدين ، طهران ، كتابخانه سنائي ، 1298 ق .

182 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

183 - منتهى المقال في أحوال الرجال . أبو علي محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني (1159 - 1215) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 7 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1416 ق .

184 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

185 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

186 - الموطّأ . أبو عبداللّه مالك بن أنس بن مالك (93 - 179) ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1985 م .

187 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1406 ق .

188 - المهذّب البارع في شرح المختصر النافع . العلاّمة أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 - 1413 ق .

«ن»

189 - نزهة الناظر . أبو زكريّا نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد

ص: 593

الهذلي الحلّي (م 690) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ونورالدين الواعظي ، النجف

الأشرف ، مطبعة الآداب ، 1386 ق .

190 - النوادر . السيّد فضل اللّه بن علي الحسيني الراوندي (483 - 571) ، تحقيق سعيد رضا علي عسكري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة دار الحديث ، 1377 ش .

191 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ،

مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .

192 - نهاية الدراية في شرح الكفاية . الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

193 - نهاية النهاية في شرح الكفاية . الميرزا علي الإيرواني النجفي (1301 - 1354) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1370 ش .

194 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364 ش .

195 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

196 - النهاية ونكتها . الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 ق .

197 - نهج الحقّ وكشف الصدق . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ عين اللّه الحسيني الاُرموي ، الطبعة الرابعة ، قم ، دار الهجرة ، 1414 ق .

ص: 594

«و»

198 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

199 - الوجيزة . = الحبل المتين.

200 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

والطبعة الحجرية منه 3 مجلّدات ، طهران ، دار الطباعة ، 1293 ق .

201 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية

اللّه المرعشي ، 1408 ق .

«ه-»

202 - الهداية[في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة

الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1418 ق .

ص: 595

ص: 596

7 - فهرس الموضوعات

القول في النجاسات

وفيه مقدّمة وفصلان :

المقدّمة ... 9

فيها جهات من البحث :

الاُولى : في تحديد المفهوم العرفي للنظافة والنجاسة ... 9

الثانية : في انقسام النجاسة شرعاً إلى مجعولة وغير مجعولة ... 10

الثالثة : في اختلاف ملاكات جعل النجاسة للموضوعات ... 14

الفصل الأوّل : في تعيين الأعيان النجسة

وهي عشرة أنواع على ما في جملة من الكتب :

النوع الأوّل والثاني : البول والغائط

الروايات الدالّة على نجاسة الأرواث ... 18

تنبيهات :

منها : عدم الفرق بين غير المأكول الأصلي والعرضي ... 25

ومنها : نجاسة بول وخرء الطير الذي لا يؤكل لحمه ... 28

ص: 597

نجاسة بول الخُفّاش ... 36

طهارة خرء الدجاجة ... 37

طهارة أبوال وأرواث الخيل والبغال والحمير ... 38

نجاسة بول الرضيع ... 42

ومنها : طهارة بول ورجيع ما لا نفس له ... 46

تردّد صاحب «الجواهر» في الشبهات الموضوعية في المقام ... 50

النوع الثالث : المنيّ

نجاسة منيّ الآدمي ... 53

نجاسة منيّ غير الآدمي من ذي النفس ... 59

طهارة منيّ غير ذي النفس ... 63

النوع الرابع : الميتة

نجاسة الميتة من ذي النفس ... 67

نجاسة ميتة غير الآدمي من ذي النفس ... 68

تنبيهان :

التنبيه الأوّل : في حكم جلد الميتة ... 77

التنبيه الثاني : حكم الميتة من الحيوانات البحرية غير المأكولة ... 86

نجاسة ميتة الآدمي ... 92

الروايات التي يمكن الاستدلال بها على نجاسة ميتة الآدمي ... 95

الروايات الدالّة أو المشعرة بطهارة ميتة الآدمي ... 101

التحقيق في المقام ... 105

نجاسة الآدمي بمجرّد موته ... 109

ص: 598

طهارة الميتة من غير ذي النفس ... 115

نجاسة القطعة المبانة من كلّ ما ينجس بالموت ... 121

نجاسة القطعة المبانة من الميّت ... 122

نجاسة القطعة المنفصلة من الحيّ غير الآدمي ... 124

نجاسة القطعة المنفصلة من الحيّ الآدمي ... 129

تذنيب : في طهارة الأجزاء الصغار المنفصلة من الإنسان ... 130

طهارة فأرة المسك ... 135

عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة من الميتة ... 143

طهارة الإنفحة من الميتة ... 149

بيان ماهية الإنفحة ... 152

بيان حكم الإنفحة ... 154

طهارة البيض المأخوذ من الميتة ... 157

طهارة اللبن في ضرع الميتة ... 159

نجاسة ما لا تحلّه الحياة من نجس العين ... 167

تنبيه استطرادي : في وجوب غسل مسّ الميّت ... 168

أدلّة وجوب الغسل ... 172

حول ما يتمسّك به لعدم وجوب الغسل ... 175

ناقضية مسّ الميّت للطهارة ... 180

بدلية التيمّم عن الغسل بالنسبة إلى الميّت في جميع الآثار ... 184

قيام الأغسال الاضطرارية للميّت مقام الغسل الاختياري ... 188

حكم من لا يجب تغسيله بعد الموت ... 190

عدم الفرق في الماسّ والممسوس بين ما تحلّه الحياة وغيره ... 192

فروع :

الفرع الأوّل : في حكم مسّ القطعة المبانة من الميّت والحيّ ... 195

ص: 599

عدم وجوب الغسل بمسّ العظم المبان من الحيّ دون الميّت ... 201

توقّف وجوب الغسل على برودة القطعة المبانة من الحيّ والميّت ... 202

الفرع الثاني : في حكم ما يوجد في المقابر ... 203

الفرع الثالث : وجوب الغسل بمسّ السقط بعد ولوج الروح فيه لا قبله ... 206

النوع الخامس : الدم

الاستدلال على أصالة النجاسة في الدم مطلقاً وما فيه ... 208

نجاسة الدم الخارج من ذي النفس ... 214

طهارة الدم المخلوق آيةً والصناعي والموجود في البيضة ... 217

نجاسة العلقة من ذي النفس لا ما في البيضة ... 218

طهارة الدم المتخلّف في الحيوان ... 219

طهارة دم ما لا نفس سائلة له ... 220

فرع : في طهارة الدم المشكوك فيه ... 222

النوع السادس والسابع : الكلب والخنزير

نجاسة الكلب ... 226

عدم الفرق في أجزاء الكلب بين ما تحلّه الحياة وغيره ... 227

حكم الرطوبات الذاتية للكلب ... 229

نجاسة كلب الصيد ... 230

نجاسة الخنزير ... 231

طهارة كلب الماء وخنزيره ... 233

حكم المتولّد من نجس العين ... 234

الاختلاف في نجاسة الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة والمسوخ ... 238

ص: 600

فيما يدلّ على طهارة جميع المذكورات ... 239

طهارة الوزغة والفأرة ... 241

طهارة الثعلب ... 243

طهارة الأرنب ... 244

فيما يستدلّ به لنجاسة المذكورات ... 244

النوع الثامن : المسكر المائع بالأصالة

الاستدلال على نجاسة الخمر بالإجماع والكتاب ... 251

الاستدلال على نجاسة الخمر بالروايات ... 252

الاستدلال على طهارة الخمر بالروايات وردّه ... 259

سريان حكم الخمر في جميع المسكرات المائعة بالأصالة ... 271

طهارة المسكر الجامد بالأصالة ... 278

نجاسة المسكر المنجمد المائع بالأصالة ... 280

تنبيه : في حكم العصير العنبي ... 281

تعي-ين المراد من «العصير» المبحوث عنه ... 283

كلام المحقّق شيخ الشريعة في المقام ونقده ... 284

الروايات الدالّة على إرادة خصوص العنبي من العصير ... 287

إرادة العصير العنبي أيضاً من «الطِلاء» و«البختج» ... 291

حول ما استدلّ به لنجاسة العصير المغليّ ... 294

حول تفصيل ابن حمزة بين ما غلى بنفسه وغيره ... 304

حول الاختلاف في غاية حرمة العصير ... 306

حول مسكرية العصير المغليّ بنفسه ... 310

إعضالات المحقّق شيخ الشريعة وحلّها ... 311

ص: 601

حول المراد بالاشتداد ... 332

في طهارة عصير الزبيب ... 334

التمسّك بالاستصحاب لإثبات النجاسة وجوابه ... 335

في الإشكالات الواردة على الاستصحاب التعليقي ... 338

في حلّية عصير الزبيب ... 344

حول التمسّك برواية زيد النرسي للحرمة ... 345

تحقيق : في حجّية أصل زيد النرسي ... 346

حول محاولة العلاّمة الطباطبائي ... 346

التحقيق في أخبار أصحاب الإجماع وهو الجواب عمّا تشبّث به أوّلاً ... 350

المراد من تصديق أصحاب الإجماع وتصحيح ما يصحّ عنهم ... 351

في وجه حجّية هذا الإجماع ... 355

دعوى اتّكال الأصحاب على إجماع الكشّي وجوابها ... 362

المراد من «الأصل» و«الكتاب» وهو الجواب عمّا تشبّث به ثانياً ... 370

تحقيق في المراد من الأصل ... 378

الجواب عمّا تشبّث به العلاّمة الطباطبائي ثالثاً ... 384

الجواب عمّا تشبّث به العلاّمة الطباطبائي رابعاً ... 384

تتمّة الكلام فيما يرد على التمسّك برواية زيد النرسي ... 385

حول التمسّك بباقي الروايات لحرمة العصير الزبيبي ... 391

حلّية العصير التمري وطهارته ... 397

النوع التاسع : الفُقّاع

عدم خمرية الفقّاع وعدم مسكريته ... 402

حلّية الفقّاع في صورة عدم غليانه ... 407

اختصاص حكم الفقّاع بالمتّخذ من الشعير دون غيره ... 409

ص: 602

النوع العاشر : الكافر

التمسّك بالإجماع والسيرة لإثبات نجاسة الكفّار ... 415

التمسّك بالكتاب لإثبات نجاسة الكفّار ... 420

التمسّك بطوائف من الروايات لإثبات نجاسة أهل الكتاب وما فيه ... 427

عدم الفرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة وغيره ... 439

إلحاق المتولّد من الكافرين بالكافر ... 440

إلحاق الولد الكافر بأشرف أبويه ... 444

حكم ولد الكافر المسبيّ ... 445

حكم اللقيط ... 448

تنبيه : في تحصيل مفهوم الكفر ... 449

في حكم المخالفين ... 451

تمسّك صاحب «الحدائق» بالأخبار الدالّة على الكفر لإثبات نجاستهم ... 452

تمسّك صاحب «الحدائق» بكونهم نصّاباً لإثبات نجاستهم ... 462

تمسّك صاحب «الحدائق» بكونهم منكرين للضروري لإثبات نجاستهم ... 465

تنبيه آخر : في كفر منكر الضروري ونجاسته ... 466

حول استدلال الشيخ الأعظم على كفر منكر الضروري ... 466

عدم قيام الإجماع أو الشهرة على نجاسة منكر الضروري ... 477

في كفر النواصب والخوارج ونجاستهم ... 480

المستثنى من حكم النواصب والخوارج ... 482

حكم سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع ... 484

حكم الغلاة ... 485

حكم المجسّمة ... 486

ص: 603

حكم المجبّرة والمفوّضة ... 487

حكم المنافقين ... 488

طهارة ولد الزنا وإسلامه ... 494

تتميم : يذكر فيه بعض ما هو محلّ خلاف بين الأصحاب ... 500

منها : عرق الجنب من الحرام ... 500

ومنها : عرق الإبل الجلاّلة ... 508

حول تأي-يد صاحب الجواهر القول بالطهارة ... 510

طهارة عرق سائر الجلاّلات ... 513

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ... 517

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ... 523

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ... 545

4 - فهرس الأعلام ... 549

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ... 565

6 - فهرس مصادر التحقيق ... 571

7 - فهرس الموضوعات ... 597

ص: 604

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.