موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 8 کتاب الطهارة المجلد 1

هوية الکتاب

سرشناسه:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 8 کتاب الطهارة المجلد 1/ تحقیق موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س).

مشخصات نشر:تهران : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)، 1396.

مشخصات ظاهری:4 جلد

فروست:موسوعه الامام الخمینی (س).

شابک:3300000 ریال دوره 978-964-212-368-1 : ؛ 200000 ریال: ج.1 978-964-212-358-2 : ؛ 200000 ریال: ج.2 978-964-212-359-9 : ؛ 200000 ریال: ج.3 978-964-212-360-5 : ؛ 200000 ریال: ج.4 978-964-212-361-2 : ؛ 200000 ریال: ج.5 978-964-212-362-9 : ؛ 200000 ریال: ج.6 978-964-212-363-6 : ؛ 200000 ریال: ج.7 978-964-212-364-3 : ؛ 200000 ریال: ج.8 978-964-212-365-0 : ؛ 200000 ریال: ج.9 978-964-212-366-7 : ؛ 200000 ریال: ج.10 978-964-212-367-4 :

وضعیت فهرست نویسی:فاپا(چاپ دوم)

يادداشت:ج.2 - 10 (چاپ اول: 1392)(فیپا).

يادداشت:چاپ دوم.

مندرجات:ج.1. احکام تقلید، طهارت.- ج.2. نماز (از ابتدا تا شرایط شکسته شدن نماز).- ج.3. نماز (از قواطع سفر تا انتها)، روزه، زکات.- ج.4. خمس.- ج.5. حج، امر به معروف و نهی از منکر، مکاسب محرمه.- ج.6. بیع (خرید و فروش) ....- ج.7. وقف و نظایر آن، وصیت، یمین و نذر، کفارات.- ج.8. صید و ذباحه، خوردنی ها و آشامیدنی ها ....- ج.9. نکاح (از اولیای عقد تا انتها)....- ج.10. قضا، شهادات، حدود، قصاص ... .

موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه -- پرسش ها و پاسخ ها

*Islamic law, Ja'fari -- Handbooks, manuals, etc. -- Questions and answers

فتوا های شیعه -- قرن 14

Fatwas, Shiites -- 20th century

شناسه افزوده:موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

شناسه افزوده:Institute for Compilation and Publication of Imam Khomeini's Works

رده بندی کنگره:BP183/9/خ8الف47 1396

رده بندی دیویی:297/3422

شماره کتابشناسی ملی:3421059

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

يعدّ «كتاب الطهارة» أوّل ما دوّنه الإمام الراحل من بحوثه الفقهية التفصيلية (غير بعض الفوائد)، ومن زمن تدوين هذا الكتاب جرت سيرته قدّس سرّه غالباً على تدوين بحوثه العالية الفقهية بقلمه الشريف، فترى أكثر كتبه مصنّفة بقلمه بينما كثر التقرير عن أقرانه ومعاصريه، وهذا م-ن مزايا كتبه. وقبل هذا فقد درّس بعض مباحث المكاسب المحرمة وكتاب الزكاة، ولكن لم يصنّف فيهما شيئاً، وللأسف ليس عندنا تقرير من تلامذته.

أمّا «كتاب الطهارة» فقد كان قدّس سرّه قد شرع ببحثه عام 1370 ق وامتدّ تدريسه إلى عام 1377 ق على حسب ترتيب «شرائع الإسلام» للمحقّق الحلّي رحمه الله علیه الذي عُبّر عنه بقرآن الفقه، ولكن لم يكتب مباحثه من أوّل تدريسه حتّى انتهى إلى مباحث الدماء الثلاثة، فصنّف فيها كتاباً جامعاً لآراء المتقدّمين والمتأخّرين،

ص: 5

سديداً في نقدها ومحاكمتها، فشرع تأليف «كتاب الطهارة» من أوّل مباحث الدماء الثلاثة في عام 1373 ق، ثمّ سار قدّس سرّه على نفس هذا المنهج في مباحث التيمّم والنجاسات وأحكامها إلى أن فرغ منه سنة 1377 ق بمدينة «قم» المقدّسة.

هذا، وقد قرّر جمع من فضلاء بحثه من أوّل تدريس «كتاب الطهارة» وبعض التقريرات موجودة في مكتبة مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه وقد طبع الجزء الأوّل المشتمل على مباحث المياه وبعض الوضوء بقلم آية اللّه العظمى الفاضل اللنكراني رحمه الله علیه سابقاً، وأمّا الجزء الثاني إلى الدماء الثلاثة بقلم آية اللّه الصادق الخلخالي وغيره فلم يطبع بعدُ وهو ممهّد للنشر، لكن حيث يكون هذه الموسوعة غير مشتملة على التقريرات فعلى القارئ الرجوع إلى الكتابين وضمّهما إلى المجلّدات الأربعة من الطهارة حتّى تصير المباحث تامّة.

والقارئ الحاذق يجد أنّ أبرز ما انفرد به هذا الكتاب الشريف، التتبّع الوافي في مجالي الفقه والحديث، والدقّة والعمق في استقصاء الأقوال ومحاكمة الأدلّة ونقدها. ويظهر هذا جليّاً بمراجعة بحوثه ومقارنتها ببحوث المتقدّمين على سماحته والمتأخّرين عنه، حيث يجد فيها الخبير فوائد فقهية كثيرة لم يسبق غيره قدّس سرّه إليها، ويلمس فيه - بوضوح - القريحة القويمة في فهم الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، وفي تحديد مرادات الفقهاء ومقاصدهم.

ومع كلّ هذا فقد اشتمل الكتاب على بعض المباحث الرجالية المفيدة، كالتحقيق في أخبار أصحاب الإجماع، كما واستعرض بعض القواعد الفقهية المهمّة في باب الطهارة، وفيه أيضاً تطبيق لبعض الآراء الاُصولية التي ابتكرها

ص: 6

الإمام رحمه الله علیه خصوصاً مسألة الخطابات القانونية وعدم سراية الأحكام إلى غير موضوعاتها، وما يتفرّع عليها من جواز اجتماع الأمر والنهي وغيره.

وجدير بالذكر أنّ هذا الكتاب له أربع مجلّدات وقد طبع ثلاث مجلّدات منه بقم المقدّسة باهتمام آية اللّه الشيخ علي أكبر المسعودي لطبع المجلّد الأوّل المشتمل على مبحث الدماء الثلاثة وباهتمام آية اللّه السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي لطبع المجلّد الثاني والثالث المختصّ بمبحث التيمّم والنجاسات شكر اللّه لهما سعيهما. وبعد الطبعة الاُولى التي مرّ ذكرها قد طبع المجلّد الثالث مع تحقيقات أكثر وإرجاعات أكمل في النجف الأشرف وقد انضمّ إليه المجلّد الرابع المشتمل على مباحث أحكام النجاسات.

وبعد هذا كلّه طبعته مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه من جديد عام 1379 ش بعد أن بذل جمع من الفضلاء جهدهم في تصحيحه ومقابلته واستخراج المنابع والتقطيع وجعل العناوين والفهارس.

منهجنا في التحقيق

للتحقيق المثالي في عصرنا مراحل عديدة معروفة، وقد أخذت المؤسّسة على نفسها أن تأخذ بأشقّها وأحمزها، بل لم تقنع بمرحلة إلاّ بعد تكرارها وإعادة النظر فيها مراراً، فلم يقع تحقيق هذا الكتاب دفعةً واحدة، ولا من قبل شخص واحد، بل توالت عمليات التحقيق والتصحيح، وتعدّد الأفاضل القائمون عليها؛ حرصاً منها على إخراج كتبه بحلّة قشيبة، وبأقلّ عدد ممكن من الأخطاء التي لايعصم منها إلاّ من عصمه اللّه سبحانه وتعالى. وإلى القارئ الكريم إشارة

ص: 7

إلى هذه المراحل:

1 - تصحيح الكتاب على ضوء النسخة التي هي بخطّ العلاّمة المؤلّف قدّس سرّه

الموجودة عندنا.

2 - تقطيع المتن وتزيينه بعلامات الترقيم المتعارفة.

3 - إضافة عناوين بهدف تسهيل عملية مراجعة الكتاب ومطالعته، ونظ-راً لكثرة ما أضفناه من العناوين فقد جرّدناها من العضادتين [ ] وبهذا امتزجت عناوين المؤلّف بعناوينها.

4 - استخراج الآيات القرآنية مع الإشارة إلى مصادر الأحاديث الأصلية كالكتب الأربعة، وإلى الناقلة عنها ك-«الوسائل»، إلاّ في صورة تكرّر ورود الحديث، حيث اكتفينا بعد ذلك ب-«وسائل الشيعة»، وأسقطنا المصادر الأصلية.

5 - استخراج الأقوال والآراء الفقهية والاُصولية واللغوية والرجالية والتفسيرية والحكمية وغيرها، على قدر ما عثرنا عليه منها؛ سواء منها الصريحة وغيرها.

وقد استعملنا كلمة «اُنظر» مكتفين بالحاكي فيما إذا لم نتمكّن من تشخيص صاحب القول الأصلي بعينه، أو لم نعثر على كتابه وإن عرفناه بشخصه، أو فيما إذا لم يتطابق المحكيّ مع ما هو موجود في المصدر الأصلي.

6 - ذكر وجه الضعف أو الترديد في الأحاديث التي صرّح الإمام بضعفها أو تردّد فيها؛ وذلك على حسب المباني الرجالية للإمام الراحل نفسه.

7 - وضع الفهارس الفنّية لكلّ مجلّد من هذا الكتاب.

وهذه المراحل وإن وقعت في طبعة المؤسّسة الاُولى أيضاً لكن لم نكتف بها

ص: 8

فأخذنا في تسديد المراحل عند نشر الكتاب ضمن موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه

مرّة اُخرى وجدّدنا المصادر حسب تجديد طبع الكتب خلال السنين.

وفي الختام تتقدّم المؤسّسة بالشكر الجزيل والثناء العاطر إلى كلّ الإخوة الفضلاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الكتاب، راجية لهم التسديد والموفّقية في خدمة ديننا الحنيف.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 9

ص: 10

الدماء الثلاثة

اشارة

ص: 1

ص: 2

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّد

وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

وبعدُ . . .

فلمّا انتهى بحثنا في الدورة الفقهية إلى الدماء الثلاثة ، أحببت أن اُفرز رسالة فيها حاوية لمهمّات مسائلها .

وفيها مقاصد :

ص: 3

ص: 4

المقصد الأوّل: في الحيض

اشارة

ص: 5

ص: 6

تمهيد في حدّ الحيض شرعاً

والبحث في أطراف معناه اللغوي غير مهمّ ، ويشبه أن يكون دم الحيض : ما تقذفه الرحم حال استقامتها واستقامة مزاج المرأة ، ودم الاستحاضة : ما تقذفه حال الانحراف ؛ لضعف أو مرض أو غيرهما .

ولمّا كانت النساء نوعاً في حال الاستقامة والسلامة ، لا يقذفن الدم أقلّ من ثلاثة أيّام ، ولا أكثر من عشرة ، ونوعهنّ لا تقذف أرحامهنّ قبل البلوغ وبعد اليأس ، وخلاف ذلك من شذوذ الطبيعة ونوادرها ، تصرّف الشارع المقدّس في الموضوع ، وحدّده بحدود ، لاحظاً فيه حال النوع الغالب ؛ إلحاقاً للشواذّ والنوادر بالعدم .

فلو رأت المرأة قبل سنّ البلوغ ما تراه البالغات منظّمةً مرتّبةً في كلّ شهر ثلاثة أو خمسة مثلاً ؛ بحيث علم أ نّه الدم المعهود الذي تقذفه الرحم بحسب العادة ، أو رأت بعد الخمسين في عادتها كما رأت قبل الخمسين ؛ بحيث علم أ نّه هو الدم المعهود الذي كانت تقذفه رحمها قبل زمان يأسها ، لم يحكم بالحيضية ،

ص: 7

لا لأجل أ نّه ليس بحيض ؛ أي الدم الذي تقذفه الرحم في حال استقامتها واعتدالها ، بل لإسقاط الشارع شواذّ الطبيعة ونوادرها عن الحكم الذي لغالب النسوة ونوعهنّ .

وكذا الحال فيما إذا رأت يومين أو أكثر من عشرة أيّام ، مع فرض كونِ الرحم في حال السلامة ، والدمِ المقذوف هو الدم المعهود الذي تقذفه الأرحام .

وما ذكرنا هو الأقرب لفتاوى الأصحاب رحمه الله علیه والأخبار الكثيرة في الباب . مع

عدم مخالفته للوجدان والضرورة ؛ فإنّ الالتزام بأنّ الدم إلى الدقيقة الأخيرة من اليوم العاشر يكون حيضاً ، ويكون مجراه مجرى خاصّاً ، ثمّ ينسدّ دفعة ذلك المجرى ، وينفتح عرق آخر هو العرق العاذل ، ويخرج منه دم الاستحاضة ، كأ نّه مخالف للضرورة . وكذا حال الدم إلى الدقيقة الأخيرة من عادتها لمن استمرّ بها الدم ، وكذا الأشباه والنظائر .

وبعض الروايات التي يتراءى منها أنّ مجرييهما مختلفان - كرواية معاوية بن

عمّار قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ؛ إنّ دم الاستحاضة بارد ، وإنّ دم الحيض حارّ»(1) - لا بدّ من توجيهها بوجه لا يخالف الوجدان والضرورة ، فكيف يمكن الالتزام بأنّ من استمرّ بها الدم وتكون ذات عادة ، يكون مجرى دمها إلى آن ما قبل العادة وآن ما بعدها ، غيرَ مجراه في زمان العادة ؟ !

وقد حكي عن العلاّمة : «أ نّه لو قيل بأنّ الدم بعد الخمسين من المرأة في زمن

ص: 8


1- الكافي 3 : 91 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 .

عادتها - على ما كانت تراه قبل ذلك - ليس بحيض ، كان تحكّماً لا يقبل»(1) .

ولعلّ مراده أنّ الدم الكذائي ولو كان حيضاً ، ولا افتراق بينه وبين الدم قبل الخمسين ، لكنّ الشارع مع ذلك أسقط حكمه ، وهو يوافق ما ذكرناه نتيجة ، تأمّل .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الشرع حدّد الدم في موارد ؛ فما كان خارجاً عن الحدود التي جعلت للحيض - ولو كان في الواقع حيضاً - لا يكون محكوماً بحكمه .

كلام المحقّق الخراساني وجوابه

فما أفاده المحقّق الخراساني(2) من تقريب خلاف ذلك ، وحمل أخبار الحدود على مورد الاشتباه ؛ لبُعد عدم ترتّب أحكام الحيض شرعاً على ما علم أ نّه حيض واقعاً ، مؤيّداً ببعض الروايات ، كموثّقة سماعة(3) ورواية إسحاق بن عمّار(4) ومنكراً للإجماع استناداً إلى المحكيّ عن «المنتهى» ، كما تقدّم ذكره ، لا يمكن المساعدة عليه .

وليت شعري ، أيّ بُعدٍ في الالتزام بجعل الشارع قسماً خاصّاً من الدم

ص: 9


1- منتهى المطلب 2 : 272 .
2- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 156 - 158 .
3- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 13 .

موضوعاً لحكمه ؛ على ما قرّبنا وجهه ، وهل هذا إلاّ مثل تحديد السفر بثمانية فراسخ . . . وغير ذلك من التحديدات الواقعة في الشرع ، وهل يمكن مع هذا الاستبعاد رفع اليد عن الإجماع والأخبار ، بل ضرورة الفقه ؟ !

وأمّا ما استند إليه من عبارة العلاّمة فغير واضح ، فلعلّه ليس بصدد بيان كون

دم الحيض بعد الخمسين أيضاً موضوعاً لحكمه ، بل مراده أ نّه مع كونه حيضاً لا يترتّب عليه حكمه . ولو كان مراده ذلك ، فلعلّه مبنيّ على أنّ حدّ اليأس زائد على الخمسين ، بل إلى الستّين ، وأمّا بعد اليأس - وهو الستّون على جميع الأقوال - فلا يلتزم أحد ببقاء حكم الحيض ولو كان الدم مثل ما رأت قبلها . كما أ نّه قبل البلوغ لم يذهب أحد منّا إلى ترتّب أحكام الحيض عليه ، وكذا في الدم المرئيّ أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة ؛ ممّا نقل الإجماع عليهما كثير من الفقهاء(1) ، وعن «الأمالي» في الحدّين : «أ نّهما من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به»(2) .

وأمّا الروايات التي استند إليها فلا بدّ من توجيهها ، كما لعلّه يأتي من ذي قبل(3) ، أو ردّ علمها إلى أهلها ؛ بعد مخالفتها للنصوص الكثيرة والإجماع ، بل ضرورة الفقه ، فالأخذ بالحدود الشرعية الواردة في الروايات لا محيص عنه ، فتدبّر .

ثمّ هاهنا مطالب :

ص: 10


1- الخلاف 1 : 236 - 238 ؛ غنية النزوع 1 : 38 ؛ المعتبر 1 : 201 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 230 .
2- الأمالي ، الصدوق : 516 .
3- يأتي في الصفحة 85 .

المطلب الأوّل: فيما يميّز به دم الحيض عن غيره

اشارة

إذا علمت المرأة أنّ دمها من أيّ أقسام الدم تعمل على طبق أحكامه . ومع الاشتباه : فإمّا أن يشتبه دم الحيض بدم الاستحاضة ، أو بدم البكارة ، أو بدم القرحة ، أو بغيرها . وقد يكون الاشتباه ثلاثي الأطراف ، أو رباعيها .

فيتمّ الكلام فيه برسم مسائل :

المسألة الاُولى : فيما يميّز به دم الحيض عن الاستحاضة
اشارة

في أمارية الأوصاف

وردت روايات بذكر أوصاف يشخّص بها دم الحيض والاستحاضة ، كالحرارة والسواد والخروج بالحُرقة وكونه عبيطاً بَحْرانياً ، وله دفع وإقبال إلى غيرها في أوصاف الحيض ، والصفرة والبرودة والفساد والكدرة والإدبار في الاستحاضة .

فيقع الكلام في أنّ تلك الأوصاف هل هي أمارة تعبّدية واحدة ، كالخاصّة

ص: 11

المركّبة ، أو أمارات مستقلّة ؟

أو ليست بأمارات رأساً ؟ بدعوى : أنّ ظاهر الروايات أ نّها بصدد رفع اشتباه الحيض بالاستحاضة ؛ بذكر أوصافها التي تعهدها النساء ، وأ نّه لا مجال معها للاشتباه ؛ لحصول القطع غالباً ، وبالجملة : هذه الأوصاف وردت لرفع الاشتباه ، لا لجعل الأمارة في موضوع الشبهة .

أو يكون بين الأوصاف تفصيل ؛ ففي غير إقبال الدم وإدباره يكون كما ذكر من عدم الأمارية ، بخلافهما بدعوى ظهور الأخبار في هذا التفصيل ؟

وعلى فرض الأمارية ، هل تكون الأمارة لتشخيص الحيض ، أو هو والاستحاضة مطلقاً ، فيجب الأخذ بها في جميع موارد الشبهة إلاّ ما دلّ الدليل على خلافه ، أو تكون لتشخيصه عند اشتباهه بالاستحاضة مطلقاً ، فلو اشتبه دم المبتدئة بينهما تكون الأوصاف أمارة ، أو عند اشتباهه بها في موضوع أخصّ ؛ وهو عند استمرار الدم بها ، ففي المثال المتقدّم لا تكون أمارة ؟

وجوه وأقوال .

ثمّ إنّه يقع كلام آخر في أنّ الأوصاف التي ذكرت للحيض أمارات على الحيضية ، وكذا الأوصاف التي في الاستحاضة أمارات عليها ، فجعل الشارع أمارتين ؛ إحداهما : للحيض ، والاُخرى : للاستحاضة ؟

أو تكون أوصاف الحيض أمارة دون الاستحاضة ؟

ثمّ عند فقد أمارة الحيض ، هل يكون استحاضة من غير جعل أمارة عليها ، أو لا يكون استحاضة أيضاً ، فلا بدّ أن تعمل مع فقد أمارة الحيضية على طبق العلم الإجمالي أو القواعد الاُخر ؟

ص: 12

تفصيل المحقّق الخراساني بين الأوصاف

ذهب المحقّق الخراساني إلى التفصيل المتقدّم ، فأنكر الأمارية التعبّدية في الأوصاف غير إقبال الدم وإدباره ، وفيهما ذهب إلى الأمارية التعبّدية ، وقال :

«نعم ، ظاهر المرسلة الطويلة(1) جعل إقبال الدم وإدباره أمارة تعبّدية على الحيض وعدمه ، لكنّ الإقبال والإدبار لا دخل له بالأوصاف ، بل العبرة بتغيّر الصفة التي كان عليها شدّة وضعفاً»(2) انتهى .

فلا بدّ أوّلاً من الكلام معه حتّى يتّضح الحال من هذه الجهة ، ثمّ الكلام في سائر الجهات ، فلا محيص من ذكر الروايات والبحث في دلالتها :

ففي صحيحة حفص بن البَخْتَري قال : دخلتْ على أبي عبداللّه علیه السلام امرأة ، فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم ، فلا تدري أحيض هو أو غيره ، قال : فقال لها : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود ، له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفرُ باردٌ ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة» .

قال : فخرجت وهي تقول : واللّه ، أن لو كان امرأة ما زاد على هذا !(3) .

ولا

يخفى : أنّ ظاهرها أنّ من لم تدرِ أنّ دمها حيض أو غيره ، فطريق تشخيصها هو هذه الأوصاف ، وإنّما الكلام في أنّ سوق الرواية بصدد بيان ما يرفع به الشبهة تكويناً ؛ وأ نّه مع هذه الأوصاف تقطع المرأة بأ نّه حيض ، أو أ نّها

ص: 13


1- سيأتي متنها في الصفحة 14- 15 .
2- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 160 .
3- الكافي 3 : 91 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 2 .

أوصاف غالبية يحصل بها الظنّ النوعي بالموضوع ، وقد جعلها الشارع أمارة عند الاشتباه ؟ وبعبارة اُخرى : أ نّها بصدد رفع الشبهة تكويناً ؛ وإرشادها إلى آثار

تقطع منها بالواقع ، أو بصدد رفع الشبهة تشريعاً .

الظاهر هو الثاني ؛ لأنّ هذه الأوصاف لا تكون من اللوازم العادية بحيث تقطع النساء غالباً لأجلها بالحيض ، نعم يحصل لهنّ غالباً العلم به ، لكن لا لأجل هذه الأوصاف ، بل للعادة المستمرّة لهنّ ، وعدم اعوجاج طبائعهنّ غالباً ، ففي حال الاستقامة تعلم المرأة - بقرائن غالباً - أنّ ما تقذفه الرحم حيض ، وأمّا لو

استمرّ مثلاً بها الدم أو حصلت شبهة اُخرى لها ، فليس [لها] أن تقطع مع ذلك بالواقع لأجل تلك الصفات ، ومع عدم حصول القطع وجداناً ، لا محيص عن كونها أمارة ظنّية اعتبرها الشارع ، نظير الشهوة والفتور والدفع في المنيّ . مع أنّ

تشخيص المنيّ عادة ، أسهل للرجال من تشخيص الحيض عند الاشتباه للنساء .

وبالجملة : كون الرواية بصدد بيان أنّ هذه الأوصاف علامات يحصل بها القطع فلا معنى للسؤال ، في غاية البعد .

وفي مرسلة يونس موارد للدلالة على أنّ تغيّر لون الدم أمارة تعبّدية ، ففيها : «أنّ فاطمة بنت أبي حُبَيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض ولا أطهر ، فقال لها النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عِرق ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي . . .» .

إلى أن قال : «فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها ، ألا تسمعها تقول : إنّي اُستحاض ولا أطهر ! وكان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين ، ففي أقلّ من هذا تكون الريبة والاختلاط ، فلهذا

ص: 14

احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره ، وتغيّر لونه من السواد . . . إلى غير ذلك ؛ وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف ، ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ؛ لأنّ السُنّة في الحيض أن تكون الصُفرة والكُدرة فما فوقها في أيّام الحيض - إذا عرفت - حيضاً كلّه إن كان الدم أسود أو غير ذلك ، فهذا يبيّن لك أنّ قليل الدم وكثيره أيّام الحيض حيض كلّه إذا كانت الأيّام معلومة ، فإذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيُّر لونه . . .»(1) الحديث .

فإنّ الظاهر منها أنّ إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه أمارة تعبّدية لتشخيصه ، وأ نّها إذا اختلط عليها أيّامها ولم تعرف عددها ولا وقتها - ممّا هي أمارة تعبّدية

اُخرى - احتاجت إلى أمارة دونها في الأمارية ؛ وهي إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه من السواد . . . إلى غير ذلك ، فلا يكون تغيّر لون الدم أمارة قطعية على الحيض ، وإلاّ لم يعقل تأخّرها عن الرجوع إلى العادة المعلومة .

مع أنّ أمارية العادة أيضاً لا تكون قطعية ، خصوصاً مع حصولها بمرّتين ، وبالأخصّ في زمان اختلاط الدم والريبة ، كما هو المفروض .

وبهذا يظهر : أنّ المراد بقوله : «إنّ دم الحيض أسود يعرف» ليس هو المعروفية

الوجدانية القطعية ، بل الظنّية التعبّدية ، ولهذا قال : «ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ؛ لأنّ السُنّة في الحيض . . .» إلى آخره ؛ فإنّ الرجوع إلى معرفة لونه إذا كان بحسب احتياجها إليه ، وعند فقد ما يوصلها

ص: 15


1- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1183 ؛ وسائل الشيعة 2 : 276 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 4 ، والباب 8 ، الحديث 3 .

إلى معرفة الأيّام ولو تعبّداً ، لا يعقل إلاّ أن يكون أمارة ظنّية ، دون أمارية العادة . ويؤكّد ذلك تعليله : بأنّ السُنّة في الحيض أن تكون الصفرة في أيّام الحيض حيضاً .

وممّا يؤكّد ما ذكرنا قوله علیه السلام في المرسلة : «فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث ؛ لا تكاد تخلو من واحدة منهنّ : إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخِلقتها التي جرت عليها ؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها . فإن اختلطت الأيّام عليها ، وتقدّمت وتأخّرت ، وتغيّر عليها الدم ألواناً ، فسنّتها إقبال الدم وإدباره وتغيّر حالاته» .

حيث جعل تغيّر حالات الدم من السنن الثلاث التي سنّها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

قبال السنّتين الاُخريين ، ومعلوم أنّ الأخذ بتغيّر اللون لأجل التبعية للسنّة ، لا للعلم الوجداني بالموضوع . ولهذا تمسّك في ذيلها أيضاً - للرجوع إلى تغيّر دمها مع اختلاط الأيّام - بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ دم الحيض أسودُ يعرف» ولو كان يحصل العلم بالحيض من لون الدم ، لم يعقل التشبّث بالتعبّد .

وبالجملة : لا يشكّ الناظر في المرسلة في أنّ تغيّر الدم ألواناً ، من الأمارات التعبّدية التي جعلها الشارع أمارة عند فقد أمارة هي أقوى في الأمارية منها .

والعجب من المحقّق الخراساني رحمه الله علیه حيث اعترف بظهور المرسلة في أمارية إقبال الدم وإدباره ، وأنكر الأمارية في تغيّر اللون ! مع أنّ الإقبال والإدبار ذكرا

فيها مع تغيّر اللون بسياق واحد ، ولا يمكن التفكيك بينهما .

وممّا ذكرنا يظهر الحال في موثّقة(1) إسحاق بن جرير قال : سألتني امرأة أن

ص: 16


1- والرواية موثّقة بإسحاق بن جرير ؛ فإنّه واقفي . راجع رجال الطوسي : 332 / 24 .

اُدخلها على أبي عبداللّه علیه السلام فاستأذنت لها ، فأَذِنَ لها فدخلتْ . . . إلى أن قال : فقالت له : ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها ؟ قال : «إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ، ثمّ هي مستحاضة» .

قالت : فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة ، كيف تصنع بالصلاة ؟

قال : «تجلس أيّام حيضها ، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين» .

قالت له : إنّ أيّام حيضها تختلف عليها ، وكان يتقدّم الحيض اليوم واليومين

والثلاثة ، ويتأخّر مثل ذلك ، فما علمها به ؟ قال : «دم الحيض ليس به خفاء ؛ هو دم حارّ تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد» .

قال : فالتفتت إلى مولاتها فقالت : أتراه كان امرأة مرّة(1) ؟ !

وهذه الموثّقة عمدة ما تشبّث بها لما ادّعى من عدم إمكان كونها بصدد جعل أمارة تعبّدية .

وأنت خبير : بأنّ المتعيّن فيها أيضاً هو الحمل على جعل الأمارة ، لا إرجاعها إلى ما تقطع بها بالحيض ؛ ضرورة أنّ إرجاعها إلى الأوصاف المذكورة ، يكون بعد فقد أمارة تعبّدية هي أيّام حيضها ، ومعه كيف يمكن أن يقال : إنّ تغيّر الأوصاف ممّا تقطع منه بالحيض ، وكيف يمكن الإرجاع أوّلاً إلى أمارة ظنّية ، ثمّ مع فقدها إلى ما يحصل به العلم ؟ !

وأمّا التعبير بأ نّه «ليس به خفاء» [فهو] وإن كان مشعراً بما ذكره ، لكن مع ما ذكرنا ومع النظر إلى المرسلة المتقدّمة لا ينبغي الشكّ في أنّ المراد أنّ تلك

ص: 17


1- الكافي 3 : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث3 .

الأوصاف أمارات له ، ومعها لا خفاء به . وبعبارة اُخرى : أنّ الموضوع الذي له أمارة من أوصافها وحالاتها ، لا يكون به خفاء .

وأمّا قول المرأة : «أتراه كان . . .» إلى آخره ، فلا يدلّ على تصديقها بأنّ دم الحيض وجداناً كذلك ، بل لا يبعد أن يكون تعجّبها من ذكره أوصافاً لا يطلع عليها إلاّ النساء ؛ فإنّ الحرارة والحرقة ممّا لا يطلع عليهما إلاّ صاحبة الدم ، فتعجّبت من ذكر أبي عبداللّه علیه السلام أوصاف الدم الذي يكون من النساء فقط .

وهذا القول وإن كان ربّما يستشعر منه ما ادّعاه لكن لا يمكن معه رفع اليد عمّا هو كالنصّ في جعل الأمارة ، بل بما ذكرنا يقطع المنصف بأمارية الأوصاف .

مقدار أمارية الأوصاف

ثمّ بعد البناء على الأمارية ، يقع الكلام في أ نّها أمارة مطلقة لتشخيص مطلق الدماء من الحيض ؛ وأنّ الحيض دائر مدار وجودها وعدمها في الثبوت التعبّدي واللاثبوت ، أو أ نّها أمارة لتشخيص الحيض من الاستحاضة مطلقاً ، أو مع استمرار الدم ؟ وجوه وأقوال :

أقربها أوسطها ، ثمّ الأخير .

وأمّا الأوّل - وهو الذي نسب إلى «المدارك» و«الحدائق» و«المستند»(1) - فضعيف :

أمّا أوّلاً : فلأنّ تلك الأوصاف التي ذكرت للحيض لا تكون مختصّة به وجداناً ، خصوصاً مع البناء على استفادة طريقية كلّ واحد منها مستقلاًّ ، كما هو

ص: 18


1- مدارك الأحكام 1 : 311 و313 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 152 ؛ مستند الشيعة 2 : 383 .

الأقوى ؛ ضرورة أنّ نوع الدماء الخارجة من الإنسان - مع خلوّ طبيعته عن الانحراف والضعف والمرض - يكون عبيطاً حارّاً أحمر يضرب إلى السواد ، بل كثير منها يكون له دفع ، ويكون بَحْرانياً مقبلاً ، فلا تكون تلك الأوصاف من خواصّ دم الحيض بحيث تميّزه عن سائر الدماء .

وأمّا دم الاستحاضة فهو - بحسب النوع - لمّا كان مقذوفاً من الطبيعة المنحرفة بواسطة ضعف وفتور ومرض ، لا محالة يكون فاسداً بارداً أصفر مدبراً غير دافع .

فهذا الأمر الوجداني يساعدنا في الاستفادة من الأخبار ؛ وأنّ المنظور من ذكر الأوصاف ليس تمييز دم الحيض من سائر الدماء مع اشتراكها نوعاً فيها ، بل هذه الأوصاف المشتركة بين الحيض وغير الاستحاضة ، ذكرت فيما دار الأمر بين الحيض والاستحاضة ؛ لامتيازها عنه ، لا امتيازه عن غيرها ، ولهذا لم تذكر هذه الأوصاف في دوران الأمر بينه وبين العذرة وكذا بينه وبين القُرحة .

فحينئذٍ لو دار الأمر بين الحيض وبين جريان الدم من شريان لانقطاعه ، لا تكون تلك الأوصاف معتبرة ؛ فإنّ الضرورة حاكمة بأنّ دم الشريان أيضاً طري عبيط له دفع وحرارة ، ويكون أسود كدم الحيض بحسب النوع ، ومعه كيف يمكن الذهاب إلى ما ذهب إليه الأعلام المتقدّم ذكرهم ؟ !

وأمّا ثانياً : فلأنّ سياق الروايات يشهد بأ نّها في مقام تشخيص الحيض عن الاستحاضة لا غير ؛ ألا ترى إلى صحيحة حفص بن البَخْتري(1) مع كون السؤال عن أ نّها لا تدري حيض هو أو غيره ، أجاب عن الحيض والاستحاضة ، وسكت

ص: 19


1- تقدّمت في الصفحة 13 .

عن غيرهما ! وذلك لأنّ نوع الاشتباه الحاصل للنساء إنّما هو الاشتباه بين الدمين ، وأمّا سائر الدماء فنادرة الوجود ؛ لا يكون السؤال والجواب محمولين عليها إلاّ بالتنصيص .

فيكون محطّ الجواب والسؤال هو الاختلاط والاشتباه بين الدمين ، فلا يمكن استفادة الأمارة المطلقة ؛ لا من منطوقها ، ولا من مفهوم مثل رواية حفص .

فدعوى دلالة السياق على مدّعاهم في غاية السقوط ، بل دعوى دلالته على تشخيص الدمين قريبة جدّاً .

حول اختصاص أمارية الصفات بمستمرّة الدم

نعم ، حمل الروايات على التشخيص بين الدمين في حال الاستمرار ؛ بحيث يكون التمييز بها لمستمرّة الدم - كما ذهب إليه الشيخ الأعظم بل نسب إلى المشهور(1) - غير وجيه ظاهراً ؛ لأنّ السؤال في صحيحة ابن البَخْتَري مثلاً وإن كان عن مستمرّة الدم ، لكن ظاهر الجواب هو ذكر الأوصاف التي لماهية دم الحيض في مقابل ماهية دم الاستحاضة ؛ لا قسم خاصّ منه .

فقوله علیه السلام بعد السؤال : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط . . . ودم الاستحاضة

أصفر بارد» ظاهر في أنّ هذه الأوصاف لطبيعة الدمين وماهيتهما ، لا لصنف خاصّ منهما .

كما أنّ قوله علیه السلام في موثّقة إسحاق : إنّ «دم الحيض ليس به خفاء ؛ هو دم

ص: 20


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 122

حارّ . . . ودم الاستحاضة دم فاسد . . .»(1) يدلّ على ما ذكرنا . وحمله على صنف خاصّ - بمجرّد كون السؤال عنه - بعيد .

وقوله : «فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة» - متفرّعاً على قوله السابق في الصحيحة - يؤيّد ما ذكرنا .

ويدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار أو حسنته(2) ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ؛ إنّ دم الاستحاضة بارد ، وإنّ دم الحيض حارّ»(3) .

ولا تكون هذه الرواية مسبوقة بالسؤال حتّى يأتي فيها ما ذُكر في غيرها . ولو سلّم عدم الاستفادة ممّا سبق ، فلا مجال لرفع اليد عن ظهورها في أنّ وصف الحرارة لمطلق دم الحيض ، ولا إشكال في كونها بصدد بيان تشخيص الدمين ، ولا معنى للإهمال في هذا الحال . وغاية الأمر في الروايات الاُخر عدم الدلالة ، لا الدلالة على العدم . مع أنّ عدم الدلالة ممنوع .

الكلام حول دلالة مرسلة يونس الطويلة

نعم ، بقيت المرسلة الطويلة ؛ حيث يدّعى دلالتها على أنّ الرجوع إلى

ص: 21


1- تقدّم في الصفحة 16 .
2- رواها الكليني ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى وابن أبي عمير ، جميعاً عن معاوية بن عمّار . وجه الترديد لوقوع محمّد بن إسماعيل النيسابوري في السند . راجع ما يأتي حوله في الصفحة 77 - 78 .
3- تقدّم في الصفحة 8 .

الصفات ليس سُنّة المبتدئة ؛ وأ نّه مختصّ بالمضطربة التي لها أيّام متقدّمة مغفول عنها ، وأنّ المبتدئة التي لم تُسبق بدم فسنّتها الرجوع إلى الروايات(1) ، ففيها - بعد ذكر السنّتين من السنن الثلاث التي سنّها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - قال :

«وأمّا السُنّة الثالثة فهي التي ليس لها أيّام متقدّمة ، ولم ترَ الدم قطّ ، ورأت أوّل ما أدركت فاستمرّ بها ، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الاُولى والثانية ؛ وذلك أنّ امرأة يقال لها : حَمَنة بنت جحش أتت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي استحضت حيضة شديدة ، فقال : احتشي كُرْسُفاً .

فقالت : إنّه أشدّ من ذلك ؛ إنّي أثجّه ثجّاً فقال : تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة ، ثمّ اغتسلي غسلاً ، وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين . . .» .

إلى أن قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الاُولى والثانية ؛ وذلك لأنّ أمرها مخالف لأمر تَيْنك . . .» .

إلى أن قال : «فهذا بيِّن واضح ؛ إنّ هذه لم يكن لها أيّام قبل ذلك قطّ ، وهذه سنّة التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه ، أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون ، حتّى تصير لها أيّام معلومة فتنتقل إليها .

فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث ؛ لا تكاد أبداً تخلو من واحدة منهنّ :

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقتها التي جرت عليها ؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها .

ص: 22


1- الحدائق الناضرة 3 : 194 .

فإن اختلطت الأيّام عليها وتقدّمت وتأخّرت ، وتغيّر عليها الدم ألواناً ، فسنّتها إقبال الدم وإدباره وتغيّر حالاته .

وإن لم تكن لها أيّام قبل ذلك ، واستحاضت أوّل ما رأت ، فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون .

وإن استمرّ بها الدم أشهراً فعلت في كلّ شهر كما قال لها . . .» .

إلى أن قال بعد ذكر حصول العادة بمرّتين : «وإن اختلط عليها أيّامها ، وزادت ونقصت حتّى لا تقف منها على حدّ ، ولا من الدم على لون ، عملت بإقبال الدم وإدباره ، ليس لها سُنّة غير هذا ؛ لقوله صلی الله علیه و آله وسلم : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي ، ولقوله صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ دم الحيض أسود يعرف ، كقول أبي : «إذا رأيت الدم البَحْراني . . .» .

وإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها ، فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة ، فسنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها كقصّة حَمَنة حين قالت : إنّي أثجّه ثجّاً»(1) .

فهذه الرواية عمدة مستند من ذهب إلى أنّ المبتدئة سنّتها الرجوع إلى السبعة والثلاثة والعشرين ؛ ليس لها سنّة غيرها ، وليس لها الرجوع إلى الصفات .

لكنّ المتأمّل فيها من أوّلها إلى آخرها ، لا يبقى له ريب في أنّ الرجوع إلى التمييز بعد الرجوع إلى العادة مقدّم على الرجوع إلى الروايات ، وأنّ الرجوع إليها - أي إلى السُنّة الثالثة - إنّما هو مع فقد الأمارة على الحيض أو الاستحاضة ، وأنّ

ص: 23


1- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1183 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 3 .

من كانت لها عادة معلومة يجب عليها الرجوع إليها ؛ لأنّ العادة طريق قويّ إلى

الحيض ، ومع فقد الأمارة القويّة ترجع إلى الأمارة التي دونها ؛ وهي إقبال الدم وإدباره وتغيّر حالاته وألوانه ، ومع فقد هذه أيضاً يكون المرجع هو السُنّة الثالثة ، وهي التي لفاقدة الأمارة .

ومعلوم من الرواية - حتّى مع قطع النظر عن ذيلها الذي هو كالصريح في المطلوب - أنّ حَمنة بنت جحش كانت فاقدة الأمارة :

أمّا فقدها للعادة فمعلوم .

وأمّا فقدها للتمييز ؛ فلأنّ الظاهر منها أنّ الدم كان في جميع الأزمنة كثيراً له دفع ؛ حيث قالت : «إنّي استحضت حيضة شديدة» وقالت : «إنّه أشدّ من ذلك ؛ إنّي أثجّه ثجّاً ، فقال : تلجّمي وتحيّضي . . .» فإنّ «الثجّ» : هو سيلان دم الأضاحي والهدي والدم الذي بهذه الشدّة والكثرة لا ينفكّ عن الحرارة والحمرة ، فله دفع وشدّة وحرارة وكثرة من غير تغيّر حال ، وإنّما جعلت السنّة الرجوع إلى السبع لأجل ذلك .

ثمّ لو فرض إبهام فيها من هذه الجهة ، فلا إشكال في أنّ ذيلها يرفع كلّ إبهام

متوهّم ؛ حيث قال : «فإن لم يكن الأمر كذلك . . .» إلى آخرها ، فيعلم من ذلك أنّ قصّة حَمنة هي كون الدم على حالة واحدة من الحرارة والدفع والكثرة ، وعلى لون واحد لا يكون لها تمييز ، وأنّ الثجّ دليل عليه ، كما ذكرنا .

فلا

إشكال في أنّ الرواية تدلّ على أنّ الرجوع إلى السبع والثلاث والعشرين ، سنّة التي فقدت الأمارتين المتقدّمتين ، وتكون الاستحاضة دارّة عليها ، ويكون في جميع الأوقات لها دَرّ ودفع ، وعلى لون واحد ، وعلى حالة واحدة ، فمن

ص: 24

كانت قصّتها هذه فلا إشكال في أ نّها ترجع إلى الروايات .

فلا يستفاد منها أنّ المبتدئة إذا رأت أوّل ما رأت بصفة الحيض ، لا تكون الصفات أمارة لها كيف ! وصدر الرواية يدلّ على أمارية الصفات مطلقاً ، حيث قال : «فلهذا احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره ، وتغيّر لونه من السواد إلى غيره ؛ وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف» فترى كيف علّل رجوعها إلى الصفات بقوله : «إنّ دم الحيض أسود يعرف» فيعلم منها أنّ العلّة في الرجوع ، هي كون ماهية دم الحيض بهذه الصفة ، لا أنّ صنفاً منها كذلك ، فتدلّ على أنّ هذه الصفات من مميّزات هذه الماهية عن ماهية الاستحاضة ، ولهذا أرجعها إليها .

فيستفاد منها أ نّه كلّما وجدت هذه الصفة ، امتاز الحيض عن الاستحاضة فيما دار الأمر بينهما في غير ذات العادة التي سنّتها الرجوع إليها . والظاهر أنّ المسألة

لا تحتاج إلى زيادة إطناب .

هل الأوصاف خاصّة مركّبة ؟

ثمّ إنّ صريح «المستند» وظاهر «الحدائق» والمحكيّ عن «المدارك» أنّ هذه الأوصاف خاصّة مركّبة ؛ متى اجتمعت في الدم يحكم بأ نّه حيض(1) .

واستدلّ الأوّل منهم : «بأنّ ذلك مقتضى الجمع بين الروايات التي ذكرت بعضها وما ذكر الجميع ؛ بتقييد الإطلاق» .

وهو في غاية البعد ؛ فإنّه لا توجد في الروايات رواية تستجمع جميع

ص: 25


1- مستند الشيعة 2 : 384 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 152 ؛ مدارك الأحكام 1 : 313 .

الصفات ، وأجمع الروايات في ذلك صحيحة حفص ؛ حيث قال فيها : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود ، له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة»(1) ومع ذلك لم تذكر فيها «الكثرة» التي ذكرتها صحيحة أبي المغرا (2) ورواية ابن مسلم(3) في باب جمع الحيض والحمل ، وترك «الحرقة» المذكورة في موثّقة إسحاق بن جرير(4) وترك ذكر «العبيط» في ذيلها مع ذكرها في صدرها .

ودعوى تقييد إطلاق كلّ رواية برواية اُخرى في غاية البعد ، بل ارتكابه في مرسلة يونس ممتنع ؛ فإنّ أبا عبداللّه علیه السلام نقل قضيّة شخصية عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال لفاطمة بنت أبي حُبيش : «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي . . .» فترك أبي عبداللّه علیه السلام سائر الصفات لو كانت في كلام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم غير ممكن ، وعدم ذكر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم -

مع كونه في مقام بيان تكليفها وتأثيرها في الحكم - أيضاً غير ممكن .

وليس المقام مقام ذكر الكلّيات والقواعد والمطلقات وترك القرائن إلى زمان آخر ، كما نقول ذلك في الروايات الملقاة إلى أصحاب الاُصول والكتب ؛ ففي مثل المقام لا يجوز تأخير البيان مع حاجتها الفعلية . واحتمال تغيّر الحكم بعد

ص: 26


1- تقدّم في الصفحة 13 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .
4- تقدّم في الصفحة 16 .

قضيّة فاطمة - مع بُعده في نفسه - يدفعه ذكر أبي عبداللّه علیه السلام ذلك في مقام بيان الحكم وإفادة أحكام المستحاضة .

وبالجملة : إنّ روايات الباب على كثرتها لا تشتمل واحدة منها على جميع الصفات ، بل في غالبها اكتفي بخاصّة واحدة ، كصحيحة معاوية بن عمّار(1) حيث ذكر فيها الحرارة وفي مقابلها البرودة ، وكمرسلة يونس حيث ذكر إقبال الدم في مقابل الإدبار تارة ، واستشهد بقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ دم الحيض أسود» وعلّل الحكم ب- «أنّ دم الحيض أسود يعرف» اُخرى . وفي صحيحة أبي المغرا اكتفي بذكر الكثرة وفي مقابلها القلّة . وفي موثّقة إسحاق بن عمّار(2) اقتصر على كون الدم عبيطاً .

وفي بعضها ذكر الوصفين منها ، كموثّقة إسحاق بن جرير حيث اكتفي فيها بذكر الحرارة والحُرْقة في الحيض ، وذكر الفساد والبرودة في الاستحاضة . وفي مرسلة يونس اكتفي بذكر البَحْراني وفسّره بالكثرة واللون . وفي رواية محمّد بن مسلم - في باب جمع الحَبْل والحيض - اقتصر على الكثرة والحمرة في مقابل القلّة والصفرة .

وفي رواية حفص - التي هي أجمعها - ذكر في صدرها أربع صفات ، واقتصر في ذيلها على الثلاث .

فكيف يمكن أن تكون الأوصاف من قبيل الخاصّة المركّبة التي يكون

ص: 27


1- تقدّمت في الصفحة 8 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .

لجميعها دَخْل في الموضوع ، ولم يذكر الجميع في رواية مع كثرتها ، ومعه كيف يمكن تقييد الإطلاق ؟ ! مع الغضّ عمّا ذكرنا من عدم إمكانه بالنسبة إلى المرسلة الطويلة .

فالقول بالخاصّة المركّبة غير صحيح ، إلاّ أن يدّعى أنّ بين الصفات ملازمة عادية غالبية ؛ بحيث يستغني المتكلّم عن ذكر جميعها ، فذكر الواحدة أو الاثنتين بمنزلة ذكر الجميع مع تلك الغلبة .

لكنّ الدعوى غير ثابتة ، فأيّ ملازمة غالبية بين كون الدم عبيطاً وبين كثرته ، أو بين الدفع والسواد ، أو بين الحرقة والعبيطية ؛ فربّما كان الدم أسود غير دافع ، أو حارّاً غير كثير ؟ !

وبالجملة : هذه الدعوى غير ثابتة ، بل خلافها ثابت ، فلا يمكن إلاّ المصير إلى استقلال كلّ صفة في الأمارية .

في حجّية مطلق الظنّ بالحيضية

ثمّ إنّه قد يدّعى كون مطلق الظنّ بالحيضية حجّة ، كما نفى البعد عنه صاحب «الجواهر»(1) أو كون الظنّ الحاصل من أيّ صفة من صفات الحيض حجّة ولو لم تذكر في الروايات ، بل ولو كانت مختصّة بمرأة بحسب حالها ، كما نفى البعد عنه المولى الهمداني(2) .

والظاهر بُعدهما ، خصوصاً الاُولى منهما ؛ فإنّه إن كان المراد أنّ المستفاد من

ص: 28


1- جواهر الكلام 3 : 140 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 217 .

الأخبار هو حجّية الظنّ الشخصي ؛ بحيث يدور الحكم بالحيضية مداره ، فإن حصل من غير الصفات المذكورة في الروايات يكون حجّة ، وإن لم يحصل من المذكورات فيها ظنّ لم يحكم بالحيضية ، فهو تخرّض غريب لا يمكن الالتزام به ، خصوصاً في الشقّ الثاني .

وإن كان المراد هو حجّية الظنّ الحاصل نوعاً من الصفات الخاصّة بالحيض ولو لم تذكر في الروايات - مثل النتن المذكور في بعض الروايات غير المعتبرة(1) - فله وجه ؛ بدعوى عدم خصوصية لتلك الصفات إلاّ كونها من الصفات الغالبية ، فلو فرض صفة اُخرى غالبية ، لاستفيد منها بالارتكاز العرفي وإلغاء الخصوصية ، كونها أمارة أيضاً . لكنّه غير خالٍ عن الإشكال ، وبعيد عن مساق كلامهما ، فالجمود على الروايات أسدّ وأشبه .

ثمّ الظاهر أنّ المستفاد منها هو جعل الأمارتين للحيض والاستحاضة ، فكما أنّ الصفات المذكورة لدم الحيض أمارة تعبّدية له ، كذلك الصفات المذكورة لدم الاستحاضة ، كالبرودة والفساد والصفرة وغيرها ، فلو وجد في دمٍ بعضُ صفاتهما يكون من قبيل تعارض الأمارتين ، وسيأتي زيادة توضيح للمقام إن شاء اللّه (2) .

ص: 29


1- دعائم الإسلام 1 : 127 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 7 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب3 ، الحديث2 .
2- يأتي في الصفحة 49 .
المسألة الثانية فيما يميّز به دم الحيض عن دم العذرة
اشارة

إذا اشتبه دم الحيض بدم العذرة ، فتارة : لايحتمل غيرهما ، واُخرى : يحتمل الآخر ؛ من استحاضة أو قُرحة أو غيرهما ، كاحتمال انقطاع عرق في الباطن .

وعلى أيّ حال : قد يكون زوال البكارة معلوماً ، فيدور الأمر بين كون الدم منها أو من غيرها ، واُخرى : يشكّ في زوالها ، فيحتمل الزوال والخروج منها أو من غيرها ، ويحتمل عدم الزوال والخروج من غيرها .

وعلى أيّ تقدير : قد يكون الدم في أيّام العادة ، وقد يكون في غيرها ، وقد تكون له حالة سابقة من حيض أو غيره ، وقد لا تكون .

فيقع الكلام في جهات :

في أمارية التطوّق للعذرة والانغماس للحيض

منها : أنّ المستفاد من روايات الباب ، هل هو جعل أمارة تعبّدية على العذرة ، أو ما ذُكر فيها - من تطوّق الدم - لرفع الاشتباه ، ومعه يحصل القطع بكونه دم العذرة ، كما تقدّم من المحقّق الخراساني في أوصاف دم الحيض(1) واحتمل ذلك في المقام أيضاً (2) ؟

ص: 30


1- تقدّم في الصفحة 9 .
2- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 173 .

ثمّ على فرض الأمارية ، هل تكون أمارة مطلقة لتشخيص دم العذرة مطلقاً ، أو فيما إذا دار الأمر بينهما مطلقاً أو فيما إذا كان زوال البكارة معلوماً أيضاً ؟

وهل يكون التطوّق أمارة على العذرة ، وعدمُه على عدمها ، أو لا أمارية لعدمه ؟ وهل يكون الاستنقاع أيضاً أمارة على الحيضية ، أو لا ؟

احتمالات يظهر حالها في خلال الجهات المبحوث عنها .

ولا بدّ من تقديم ذكر مستند الحكم حتّى يتّضح الحال :

ففي صحيحة خلف بن حمّاد الكوفي قال : دخلت على أبي الحسن موسى ابن جعفر علیه السلام بمنى ، فقلت له : إنّ رجلاً من مواليك تزوّج جارية مُعصِراً لم تطمث ، فلمّا افتضّها سال الدم ، فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام ، وإنّ القوابل اختلفن في ذلك ، فقال بعضهنّ : دم الحيض ، وقال بعضهنّ : دم العذرة ، فما ينبغي لها أن تصنع ؟ قال : «فلتتّق اللّه ، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتّى ترى الطهر ، وليمسك عنها بعلها ، وإن كان من العذرة فلتتّق اللّه ولتتوضّأ ولتصلّ ، ويأتيها بعلها إن أحبّ ذلك» .

فقلت له : وكيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ما ينبغي ؟ قال : فالتفت يميناً وشمالاً في الفسطاط ؛ مخافة أن يسمع كلامه أحد ، قال : فنهد إليّ فقال : «يا خلف ، سرّ اللّه ، سرّ اللّه فلا تذيعوه ، ولا تعلّموا هذا الخلق اُصول دين اللّه ، بل ارضوا لهم ما رضي اللّه لهم من ضلال» .

قال : ثمّ عقد بيده اليسرى تسعين ، ثمّ قال : «تستدخل القطنة ، ثمّ تدعها مليّاً ، ثمّ تخرجها إخراجاً رفيقاً ، فإن كان الدم مطوّقاً في القطنة فهو من العذرة ، وإن كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض» .

ص: 31

قال خلف : فاستخفّني الفرح فبكيت ، فلمّا سكن بكائي قال : «ما أبكاك ؟» قلت : جعلت فداك ، من كان يُحسن هذا غيرك ! قال : فرفع يده إلى السماء وقال : «إنّي - واللّه - ما اُخبرك إلاّ عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن جبرئيل ، عن اللّه عزّ وجلّ»(1) وقريب منها غيرها (2) .

قال بعض شرّاح الحديث : «إنّ قوله : «عقد بيده اليسرى تسعين» لعلّه من اشتباه الراوي ، أو كان لحساب العقود ترتيب آخر غير مشهور ، وإلاّ فاليد اليسرى للمئات لا العشرات»(3) انتهى .

والأمر سهل بعد وضوح أنّ المراد منه وضع رأس ظفر مسبّحة يسراه على المفصل الأسفل من إبهامها ؛ لإفهام كيفية وضع القطنة .

ولا إشكال في أنّ ظاهر الرواية هو بيان الأمارة الشرعية التعبّدية لرفع الاشتباه تعبّداً ، لا التنبيه على أمر تكويني لحصول القطع ؛ لعدم الملازمة بين الاستنقاع والحيض ؛ لاحتمال اجتماع دم البكارة في جوف المحلّ وحصول الاستنقاع به ، كاحتمال كون الحيض موجباً للتطوّق أحياناً ، فحصول العلم لأجله ممنوع .

مع أنّ الظاهر من صدر الرواية وذيلها - حيث عدّ ذلك من سرّ اللّه الذي لا بدّ من كتمانه وعدم إفشائه للناس ، ومن اُصول دين اللّه ، ومن وحي اللّه إلى

ص: 32


1- المحاسن : 307 / 22 ؛ الكافي 3 : 92 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 272 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 2 : 273 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 2 و3 .
3- الوافي 6 : 447 .

رسوله صلی الله علیه و آله وسلم بتوسّط جبرئيل - أنّ ذلك من أحكام الشريعة والأمارات التعبّدية ، وإلاّ لم يكن وجه لهذه التعبيرات والتقيّة الشديدة مع حصول العلم به لنوع النساء ؛ وكونه من الاُمور الطبيعية ، فاحتمال عدم الأمارية ضعيف لا يمكن رفع اليد عن ظاهر النصوص به .

دخل العلم بالافتضاض في أمارية التطوّق

ومنها : أنّ المفروض في الروايات وإن كان العلم بالافتضاض ؛ وأ نّه مع فرض العلم به دار الأمر بينه وبين الحيض ، لكنّ المتفاهم منها أنّ التطوّق في هذا الحال

- أي حال الدوران بينهما - من خواصّ دم العذرة المميّزة إيّاه من دم الحيض ، وأنّ دم الحيض لا يوجب التطوّق ، بل يوجب الاستنقاع والانغماس .

كما يساعد عليه الاعتبار أيضاً ؛ فإنّ دم الحيض من الباطن ، فلا يتطوّق منه القطنة غالباً ، ودم العذرة من زوال غشاء البكارة وخرقه ، فيخرج الدم من الأطراف ، فتصير مطوّقة نوعاً ، فلأجل هذه الغلبة جعل الشارع التطوّق أمارة للعذرة .

وبالجملة : المتفاهم من الروايات عرفاً أ نّه مع الدوران بين الأمرين يكون التطوّق أمارة للعذرة من غير تأثير للعلم بزوال البكارة وعدمه في ذلك .

فحينئذٍ لو شكّت في زوالها ، ودار الأمر بينهما ، فوضعت القطنة على نحو ما في الرواية فاُخرجت وكانت مطوّقة ، يحكم بكون الدم من العذرة ، فيكشف عن تحقّق زوالها ، فيرفع ذلك الشكّ ؛ لحجّية الأمارة بالنسبة إلى لوازمها وملزوماتها .

ص: 33

في مورد أمارية التطوّق والانغماس

ومنها : أنّ الظاهر من الروايات - خصوصاً من رواية خلف بن حمّاد المتقدّمة - أنّ المفروض في السؤال والجواب هو دوران الدم بين العذرة والحيض ، ولا ثالث للاحتمالين ؛ فإنّ قوله : «إنّ القوابل اختلفن . . .» إلى آخره ،

ظاهر في أ نّهنّ اتّفقن على نفي الثالث ولو لأجل لازم قولهنّ ، فحينئذٍ كان المفروض الاحتمالين ؛ سواء قلنا بأمارية قول القوابل ، وأنّ الأمارتين لدى التعارض لا تسقطان بالنسبة إلى مدلولهما الالتزامي ، أو لا :

أمّا على الأوّل فظاهر .

وأمّا على الثاني ؛ فلأنّ الظاهر أنّ هذا الاختلاف صار سبباً لصرف ذهن السائل عن سائر الدماء واحتمالها . مضافاً إلى أنّ سائر الدماء - حتّى دم الاستحاضة - على خلاف العادة ومن انحرافات الطبيعة ، بخلاف دم الحيض ، فإنّه طبيعي ، فالسؤال والجواب منصرف إليه عن غيره ، ولهذا يفهم ذلك من صحيحة ابن سوقة(1) أيضاً ، مع أنّ ظاهر السؤال فيها هو السؤال عن تكليفها

بالنسبة إلى الصلاة ، فجواب أبي جعفر علیه السلام : بأ نّه مع التطوّق من العذرة ، ومع

ص: 34


1- وهي : سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل افتض امرأته أو أمته فرأت دماً كثيراً لا ينقطع عنها يوماً ، كيف تصنع بالصلاة ؟ قال : تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوّقةً بالدم فإنّه من العذرة ، تغتسل ، وتمسك معها قطنةً وتصلّي ، فإن خرج الكرسف منغمساً بالدم فهو من الطمث ، تقعد عن الصلاة أيّام الحيض . الكافي 3 : 94 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 273 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 2 .

الانغماس من الحيضة ، إنّما هو في الموضوع الخاصّ ؛ لا لأجل كون التطوّق يرفع جميع الاحتمالات إلاّ العذرة ، والانغماس جميعَها إلاّ الحيضة - حتّى يكون الاستنقاع والانغماس من مميّزات الحيض عن جميع الدماء ، لكن لا مطلقاً وإلاّ لذكر مع الأوصاف في الروايات المتقدّمة في المسألة السابقة ، بل عند إضافة احتمال العذرة أيضاً - فإنّ هذا بمكان من البُعد ، كيف ! ولو كان لدم الحيض خاصّة مميّزة ، لم يكن معنى لتأثير زوال العذرة أو احتماله فيها .

هذا مع أنّ الوجدان أيضاً غير مساعد على ذلك ؛ فإنّ دم الحيض والاستحاضة كليهما يخرجان من الجوف ، وتصير القطنة بهما مستنقعة منغمسة نوعاً ، من غير افتراق من هذه الجهة بينهما ، فلا يكون الاستنقاع خاصّة مميّزة للحيض عن مطلق الدماء .

بل الظاهر أ نّه من مميّزات سائر الدماء الخارجة من الجوف عن دم العذرة الذي يخرج من غشاء البكارة على نحو التطوّق . على إشكال في ذلك أيضاً ؛ فإنّ مقتضى الجمود على الروايات ، هو كون التطوّق أمارة على العذرة والاستنقاع على الحيض ؛ في حال دوران الأمر بينهما لا غير .

وغاية ما يمكن من دعوى إلغاء الخصوصية والفهم العرفي هو كون الأمارتين مميّزتين لهما في حال الدوران بينهما مطلقاً ولو مع الشكّ في زوال العذرة ، ولو كان هذا خارجاً عن مفادها بدواً . وأمّا التخطّي عن مورد الدوران بينهما إلى غيره فمشكل بعد خروجه عن مفادها وعدم مساعدة العرف عليه أيضاً .

نعم ، لا إشكال في حصول الظنّ بأنّ التطوّق من العذرة في الدوران بينها وبين

ص: 35

الاستحاضة ، والاستنقاع من الاستحاضة ، لكن لا

دليل على اعتبار هذا الظنّ أو الغلبة مع قصور الأدلّة .

وكما أنّ التطوّق ليس أمارة على العذرة في الدوران بينها وبين الاستحاضة ، كذلك الاستنقاع ليس أمارة على الاستحاضة ، ولا على عدم العذرة حتّى يؤخذ بلازمها ؛ لعدم الدليل على ذلك ، لأنّ الظاهر من الأدلّة أ نّه في الموضوع الخاصّ .

وكما يكون التطوّق أمارة على العذرة ، يكون الاستنقاع أمارة على الحيض ، لا أ نّه أمارة على عدم العذرة .

ولو سُلّم أماريته على عدمها ، فإنّما هي في مورد الدوران فقط لا مطلقاً .

أمارية التطوّق للعذرة مطلقاً

ومنها : أنّ مقتضى إطلاق صحيحة زياد بن سوقة ورواية خلف بن حمّاد الثانية(1) - المحتمل كونها صحيحة ؛ لاحتمال كون جعفر بن محمّد الواقع في سندها ، هو جعفر بن محمّد بن يونس الثقة(2) ، وكونها حسنة ؛ لاحتمال كونه جعفر بن محمّد بن عون(3) - أنّ التطوّق أمارة العذرة في حال الدوران مطلقاً

ص: 36


1- تهذيب الأحكام1 : 385 / 1184 ؛ وسائل الشيعة 2 : 274 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 3 .
2- رجال الطوسي : 374 / 1 .
3- قال النجاشي في ترجمة محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي : «كان أبوه وجهاً روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى» . رجال النجاشي : 373 / 1020 ؛ تنقيح المقال 1 : 225 / السطر 9 .

لذات العادة وغيرها . كما أنّ مقتضى إطلاق جميع الروايات هو أماريته لها ولو

كان الدم بصفة الحيض .

وتوهّم(1) : أنّ وقوع الاختلاف في متن رواية خلف بن حمّاد ، يوجب الترديد في جواز التعويل عليها ؛ حيث قال في الرواية الاُولى : «فقلت له : إنّ رجلاً من مواليك تزوّج جارية مُعصراً لم تطمث ، فلمّا افتضّها سال الدم ، فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام» وفي الثانية قال : «قلت لأبي الحسن الماضي علیه السلام : جعلت فداك ، رجل تزوّج جارية أو اشترى جارية طمثت ، أو لم تطمث ، أو في أوّل ما طمثت ، فلمّا افترعها غلب الدم ، فمكث أيّاماً وليالي . . .» إلى آخره ، فترى

أنّ الظاهر من الاُولى أنّ السؤال كان مقصوراً على مُعصر لم تطمث ، والثانية عن التي طمثت ، أو لم تطمث ، أو في أوّل ما طمثت .

مدفوع : بأنّ هذا ليس من التشويش أو الاختلاف الموجبين للتأمّل فيها ؛ فإنّ ترك بعض الخصوصيات ممّا لا يضرّ بالحكم - لبعض الدواعي ، أو لعدم الداعي في النقل - لا يوجب خللاً فيها ، ولا ريب في أنّ اختلافهما إنّما هو لأجل ذلك ؛ ألا ترى أنّ مقدّمات ملاقاته وغيرها - ممّا هي مذكورة في الرواية الاُولى - إنّما

ترك ذكرها في الثانية لبعض الدواعي ، أو عدم الداعي في النقل ، فترك بعض شقوق المسألة أيضاً من هذا القبيل .

ولا ظهور للرواية الاُولى في كون السؤال مقصوراً على ما ذكر إلاّ لعدم الذكر والسكوت ، والمذكور فيها أحد الشقوق التي ذكرت في الرواية الثانية ؛ وهو قوله : «أو في أوّل ما طمثت» أي في أوّل زمان طمثها ، وهو بمنزلة قوله :

ص: 37


1- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 141 - 142 .

«معصراً» فإنّ المراد منه كونها في عصر الطمث وزمانه .

ومعنى «أوّل ما طمثت» : أوّل زمان طمثها ، في مقابل التي طمثت ؛ أي كانت امرأة ليس أوّل طمثها ، بل طمثت سابقاً . وقوله : «لم تطمث» في مقابلهما ؛ أي التي في سنّ الطمث ولمّا تطمث ؛ أي مضى منها أوقات كان من شأنها أن تطمث فيها ولم تطمث ، فلا إشكال من هذه الجهة فيها .

فتحصّل : أنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ذات العادة وغيرها ، والدم الموصوف بصفات الحيض وغيره .

ولا ينافيها ما دلّ على اعتبار العادة والصفة :

أمّا اعتبار الصفات ؛ فلأنّ الظاهر من أدلّتها هو أنّ تلك الصفات مميّزات الحيض عن الاستحاضة ، لا عن مطلق الدماء كما مرّ(1) .

وأمّا اعتبار العادة فكذلك أيضاً ؛ فإنّ أقوى ما دلّ عليه هو مرسلة يونس القصيرة ، حيث قال فيها : «وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض»(2) .

والظاهر منها - بعد الغضّ عن الإشكالات الآتية فيها سنداً ومتناً (3) - أ نّها ناظرة إلى أنّ الصفات المميّزة بين الحيض والاستحاضة إنّما هي لغير ذات

ص: 38


1- تقدّم في الصفحة 18 .
2- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 3 .
3- يأتي في الصفحة 92 - 95 .

العادة ، وأمّا هي فعلى عادتها ؛ رأت حمرة أو صفرة ، وليست ناظرة إلى مثل ما

نحن فيه ، وليست الكلّية إلاّ في مورد الصفات ، لا مطلق الدم ، فالجمع العرفي يقتضي اختصاص الرجوع إلى العادة بمورد الدوران بين الحيض والاستحاضة ، دون الحيض والعذرة ممّا ذكر له طريق خاصّ وأمارة مستقلّة .

أمارية التطوّق والانغماس في جميع صور الشكّ

ومنها : أنّ المرأة التي اشتبه دم حيضها بالعذرة تارة : تعلم حال سابقها ، واُخرى : لا تعلم ، بل حال حدوث الدم تشكّ في أ نّه منه ، أو منها ، أو مختلط منهما .

وعلى الأوّل تارة : تكون الحالة السابقة هي الحيض ، ثمّ تشكّ في عروض دم العذرة .

واُخرى : تكون هي دم العذرة ، ثمّ يحدث الشكّ في عروض الحيض ، فتحتمل بقاء دم العذرة وعدم كون الدم من الحيض ، وانقطاع دم العذرة وكونَه من الحيض ، واختلاطَهما .

وثالثة : تكون الحالة السابقة هما معاً ، ثمّ تشكّ في بقاء أحدهما وانقطاع الآخر ، أو بقائهما وامتزاجهما . وقد يكون الشكّ سارياً ، ويأتي فيه الفروض المتقدّمة .

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في أنّ المستفاد من روايات الباب : أنّ التطوّق أمارة للعذرة والانغماس للحيض في جميع صور الشكّ أو لا ، وعلى الأوّل هل يجب الاختبار في جميعها أو لا ؟

ص: 39

لا يبعد استفادة جميع الصور ما عدا الشكّ في زوال البكارة منها :

أمّا غير صورة كون الحالة السابقة هي الحيض فلإطلاقها ؛ فإنّه بعد سيلان الدم وعدم انقطاعه يمكن أن يكون الشكّ سارياً ، فتشكّ في أنّ الدم من أوّل الأمر من أيّهما كان ، ويمكن أن تكون عالمة بكونه من العذرة ، وتشكّ في حدوث الحيض ، ويمكن أن تكون عالمة بكونه منهما ، ثمّ تشكّ ؛ لأجل الشكّ في انقطاع أحدهما ، فترك الاستفصال دليل على إطلاق الحكم .

وأمّا الصورة المذكورة فلاستفادتها من رواية خلف الثانية ؛ فإنّ قوله : «جارية طمثت ، أو لم تطمث ، أو في أوّل ما طمثت» يحتمل وجوهاً ، أقربها أن يكون المراد من «التي طمثت» هي المرأة التي كانت تحيض ، ومن «التي لم تطمث» هي من لم تحض سواء كانت معصراً أو لا ، فحينئذٍ يكون المراد من «التي في أوّل ما طمثت» - بقرينة المقابلة - هي التي طمثت فعلاً ، وكان طمثها ذلك أوّلَ طمث لها ، فلمّا افترعها غلب الدم وصار كثيراً ، لا أ نّه حدث الدم ، وعليه فالصورة المذكورة تكون مسؤولاً عنها بالخصوص .

ومع الغضّ عنه يكون قوله : «جارية طمثت» بإطلاقه شاملاً لهذه الصورة ، وقوله «غلب الدم» أعمّ من غلبة الدم حدوثاً وغلبته بعد وجود أصله ؛ لو لم نقل بظهوره في الثاني .

وكيف كان : فلا يبعد استفادة جميع الصور من الرواية .

وأمّا صورة الشكّ في زوال العذرة وإن كانت خارجة منها ، لكن يفهم حكمها منها عرفاً ؛ فإنّ الظاهر - كما مرّ(1) - أنّ التطوّق أمارة لماهية دم

ص: 40


1- تقدّم في الصفحة 33 .

العذرة من غير تأثير للعلم والشكّ فيه ، فمع الشكّ في حصوله لو اختبرت فخرجت القطنة مطوّقة ، يحكم بزوال البكارة ، كما يحكم بكون الدم من العذرة .

حول وجوب الاختبار في جميع صور الشكّ

ثمّ بعد كون التطوّق أمارة مطلقة في حال الدوران بينهما ، وكذا الاستنقاع على الظاهر ، فالظاهر وجوب الاختبار في جميع الصور حتّى صورة الشكّ في زوال البكارة :

أمّا في غير هذه الصورة ، فظاهر بعد دخولها في مفاد الروايات .

وأمّا في هذه الصورة ، فلأنّ الظاهر منها أ نّه مع إمكان تحصيل الأمارة على أحدهما يسقط الأصل ؛ فإنّ صورة عدم المسبوقية بالحيض هي المتيقّنة من الصور في شمول الروايات لها ، ومع ذلك لم يعوّل عليها أبو الحسن علیه السلام

مؤكّداً بقوله : «فلتتّقِ اللّه» فيفهم منه أنّ الأصل في مثل ما يمكن تحصيل الأمارة الشرعية ، غير معوّل عليه . مع أنّ العرف أيضاً لا يساعد على الرجوع إلى الأصل مع وجود الأمارة الحاكمة ؛ وإمكانِ الاطّلاع عليها بالاختبار ، تأمّل .

فوجوب الاختبار مطلقاً أحوط ، بل أوجه وأقوى .

ثمّ إنّ وجوبه ليس نفسياً ولا شرطياً بل طريقي كوجوب العمل بخبر الواحد ، فإذا تركته وصلّت ، فإن كانت حائضاً تستحقّ العقوبة ؛ لأجل الصلاة في حال الحيض ، وإن كانت طاهرة تصحّ صلاتها مع حصول قصد القربة .

ص: 41

وليس في الروايات لإدخال القطنة كيفية خاصّة غير ما في رواية خلف(1) فهل الوَدْع مليّاً والإخراج رفيقاً واجبان ، أو لا ؟ وجهان :

من أنّ مقتضى الجمع بينها وبين إطلاق صحيحة زياد(2) تقييد إطلاقها .

ومن إمكان الحمل على الأولوية والاستحباب ؛ أخذاً بإطلاقها الذي في مقام البيان .

والأوّل أحوط لو لم يكن أقوى . واختلاف روايتي خلف من هذه الجهة لا يضرّ ؛ بعد تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة عند العقلاء ، خصوصاً مثل تلك الزيادة التي لا يحتمل فيها الخطأ والاشتباه ، فعدم الذكر في الرواية الثانية لجهة من الجهات .

ثمّ إنّه إذا تعذّر عليها الاختبار ، ترجع إلى سائر القواعد المقرّرة للشاكّ .

ص: 42


1- تقدّمت في الصفحة 31 .
2- تقدّمت في الصفحة 34 .
المسألة الثالثة فيما يميّز به دم الحيض عن دم القرحة
اشارة

إذا اشتبه دم الحيض بدم القرحة ، فعن المشهور وجوب الاختبار وملاحظة خروج الدم من الأيسر أو الأيمن ، فإن كان من الأيسر فهو من الحيض ، وإن كان من الأيمن فهو من القرحة(1) .

وعن «المعتبر» عدم الاعتبار بالاختبار(2) ، وتبعه الأردبيلي وصاحب «المدارك»(3) . وعن الشهيد في «الدروس» عكس المشهور(4) ، وعن «الذكرى» الميل إليه(5) ، لكنّه أفتى في «البيان» موافقاً للمشهور(6) .

استفادة أمارية خروج الدم من الأيسر أو الأيمن من رواية أبان

ومبنى ذلك هو الاختلاف الواقع في نسخة «الكافي» و«التهذيب» في المرفوعة التي هي الأصل في هذا الحكم ، ففي «الكافي» عن محمّد بن يحيى رفعه عن أبان قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : فتاة منّا بها قرحة في جوفها ، والدم

ص: 43


1- تذكرة الفقهاء 1 : 252 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 128 ؛ مستند الشيعة 2 : 385 - 386 ؛ جواهر الكلام 3 : 144 .
2- المعتبر 1 : 198 - 199 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 141 - 142 ؛ مدارك الأحكام 1 : 318 .
4- الدروس الشرعية 1 : 97 .
5- ذكرى الشيعة 1 : 229 .
6- البيان : 57 .

سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة ، فقال :

«مُرها فلتستلقِ على ظهرها ، ثمّ ترفع رجليها ، ثمّ تستدخل إصبعها الوسطى ، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة»(1) .

وعن الشيخ في «التهذيب» روايتها ، لكن فيها قال : «فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة»(2) .

ثمّ إنّ الظاهر ترجيح نسخة الشيخ على نسخة «الكافي» للشهرة المنقولة

على الفتوى بمضمونها قديماً وحديثاً ، بل عن «جامع المقاصد» نسبتها إلى فتوى الأصحاب(3) ، وعن «حاشية المدارك» نقل اتّفاق المتقدّمين والمتأخّرين من المحدّثين على موافقة المشهور(4) ، وهو الموافق لرسالة علي بن بابويه إلى الصدوق(5) التي قيل : «إنّها كانت المرجع عند إعواز النصوص»(6) والموافق «للفقه الرضوي»(7) وأفتى به المفيد(8) وغيره(9) .

ص: 44


1- الكافي 3 : 94 / 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 385 / 1185 .
3- جامع المقاصد 1 : 284 .
4- الحاشية على مدارك الأحكام 1 : 359 ، ذيل قوله : «وكذا قيل فيما يخرج» .
5- الفقيه 1 : 54 .
6- الحدائق الناضرة 3 : 134 .
7- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 193 .
8- لم نعثر عليه في مصنّفات المفيد رحمه الله ، اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 129 .
9- النهاية : 24 ؛ السرائر 1 : 146 .

فلا إشكال في اشتهار الحكم بين الأصحاب .

وفي مقابله فتوى ابن الجنيد(1) لكن مفروض كلامه دوران الأمر بين الحيض والاستحاضة ؛ فإنّ المحكيّ عنه : «أنّ دم الحيض أسود عبيط تعلوه حمرة ، يخرج من الجانب الأيمن ، وتحسّ المرأة بخروجه ، ودم الاستحاضة بارد رقيق يخرج من الجانب الأيسر» والظاهر أ نّه من الصفات المميّزة بين الحيض والاستحاضة ، كسائر الصفات المذكورة ، فلا يعلم فتواه في المقام .

وعن ابن طاوس والشهيد في «الذكرى» : «أنّ ما في «التهذيب» مخالفاً «للكافي» إنّما هو في النسخ الجديدة» وقطعا بأ نّه تدليس ، وكانت النسخ القديمة موافقة «للكافي»(2) .

وقد رجع «الشهيد» عن هذا الاعتقاد ظاهراً ؛ لفتواه في «البيان» - الذي يقال : إنّه متأخّر في التصنيف عن «الذكرى»(3) - موافقاً للمشهور(4) .

وعن «شرح المفاتيح» : «أنّ ابن طاوس لم ينقل عنه مخالفة المشهور»(5) .

وأمّا حديث التدليس في النسخ الجديدة ، فيردّه فتوى الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» على وفق المشهور(6) ، ولا إشكال في أنّ مستنده هذه الرواية .

ص: 45


1- اُنظر المعتبر 1 : 199 ؛ مختلف الشيعة 1 : 194 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 131 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 229 - 230 .
3- مفتاح الكرامة 3 : 131 .
4- البيان : 57 .
5- مصابيح الظلام 1 : 116 .
6- المبسوط 1 : 43 ؛ النهاية : 24 .

مع أنّ اختلاف النسخ لم ينقل إلاّ من ابن طاوس والشهيد ، فعن ابن طاوس نسبة كون الحيض من الأيسر إلى بعض نسخ «التهذيب» الجديدة ، وعن «الذكرى» : أنّ كثيراً من نسخ «التهذيب» موافقة لرواية الكليني .

وكيف كان : لو كان الاشتباه من النسّاخ ، لما أفتى الشيخ في كتبه الفتوائية

- خصوصاً مثل «النهاية» - بخلافها .

ولو كانت النسخ الموافقة «للكافي» بهذه الكثرة لما خفي على غيرهما ، مع بناء محشّي «التهذيب» - على ما قيل(1) على نقل النسخ المختلفة ، ولم ينقلوا ذلك . بل عن «شرح المفاتيح» : «أ نّه اعترف جميع المحقّقين باتّفاق نسخ «التهذيب» على ما وجدناه»(2) .

فاتّضح أ نّه لم يكن خلاف في المسألة بين المتقدّمين - كالصدوقين والمفيد

والشيخ ومن تأخّر(3) عنهم - سوى المحقّق في «المعتبر» على ما حكي عنه ، وقد حكي عن «المعتبر» : «أنّ ما في «الكافي» لعلّه من وَهْم الناسخ»(4) . وأمّا الأردبيلي فطريقته المناقشة وعدم الاعتناء بالشهرات ، وكذا متابعوه .

ومن ذلك كلّه يقع الترديد فيما نقل عن ابن طاوس والشهيد وليس عندي كتابهما حتّى أتأمّل في عبارتهما ، فمن المحتمل أن يكون قطعهما بالتدليس كان

ص: 46


1- مصابيح الظلام 1 : 116 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 131 ؛ جواهر الكلام 3 : 145 - 146 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 131 ؛ مصابيح الظلام 1 : 116 .
3- المهذّب 1 : 35 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 57 ؛ السرائر 1 : 146 .
4- المعتبر 1 : 199 .

لأمر غير ما ذكر ، كالاعتماد التامّ على «الكافي» وحفظه .

وعلى أيّ حال : فالمسألة مشهورة فتوى ، والخلاف - لو ثبت - شاذّ نادر ، وقد ذكرنا في محلّه : أنّ الشهرة الفتوائية ليست من المرجّحات(1) حتّى يناقش بأنّ ما نحن فيه ليس من الروايتين المتعارضتين ؛ بل بقيامها تمتاز الحجّة عن غيرها وأنّ المشتهرَ بين الأصحاب فتوى بيّنٌ رشده فيتّبع ، والشاذَّ النادرَ بيّنٌ

غيّه فيجتنب .

والإنصاف : أنّ الشهرة في مثل هذا الحكم المخالف للاعتبار والقواعد والتعبّدي المحض ، حجّة معتبرة في نفسها مع قطع النظر عن الرواية ، فضلاً عن المقام الذي يمكن حصول الاطمئنان باتّكالهم على رواية أبان أو «الفقه الرضوي» فالمسألة من هذه الجهة خالية من الإشكال .

وأمّا ما يقال : «من أنّ الحكم على خلاف الاعتبار ، وأنّ القرحة قد تكون في

الطرف الأيسر ، وقد تكون محيطة بالمحلّ»(2) فلا ينبغي الإصغاء إليه في الأحكام التعبّدية . مع أنّ كيفية خروج الدم غير معلومة لنا ، فلعلّ الغالب في خروج الحيض - إذا كانت المرأة مستلقية - كذلك .

وكيف كان : لا يمكن رفع اليد عن الدليل المعتبر بمثل ذلك ، مع دعوى شهادة النساء بما يوافق المشهور(3) .

ص: 47


1- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 115 - 116 و123 .
2- مدارك الأحكام 1 : 318 ؛ مستند الشيعة 2 : 388 .
3- الحاشية على مدارك الأحكام 1 : 359 ، ذيل قوله : «وكذا قيل فيما يخرج» .
الإشكال في مقتضى إطلاق رواية أبان

ثمّ إنّ إطلاق الرواية وترك الاستفصال فيها وإن اقتضى عدم الفرق بين الجهل بمحلّ القرحة والعلم به ؛ سواء كانت في الأيمن أو الأيسر - ودعوى جهل المرأة بمحلّها غالباً ، مع كون القرحة ذات ألم غالباً ، في غير محلّها - لكنّ الالتزام به مع العلم بكون القرحة في الطرف الأيسر ، في غاية الإشكال . مع عدم إحراز فتوى الأصحاب في مثل تلك المسألة التي تكون على خلاف الاعتبار ، فالاتّكال على مثل ترك الاستفصال في القضيّة التي لا يبعد أن تكون شخصية مشكلٌ ، تأمّل .

كما أنّ الظاهر أنّ تلك الأمارة خاصّة بدوران الأمر بين الحيض والقرحة ، لا مطلقاً . وما عن «المدارك» : «أنّ الجانب إن كان له مدخل في الحيض وجب اطّراده ، وإلاّ فلا»(1) فهو كما ترى .

ص: 48


1- مدارك الأحكام 1 : 318 .
المسألة الرابعة في سائر الاشتباهات بين دم الحيض وغيره
اشارة

فإنّ منشأ الشكّ في دم الحيض قد يكون فقدان الأمارة ، كما لو اشتبه بدم الجرح مثلاً ممّا لم يرد فيه نصّ .

وقد يكون تعارض الأمارتين ، كما لو رأت دماً فيه بعض صفات الحيض وبعض صفات الاستحاضة ؛ إن قلنا بأمارية الصفات .

وقد يكون قصور اليد عن الوصول إلى الأمارة المحقّقة ، كما لو علمت بتحقّق التطوّق أو الانغماس ، لكن اشتبه عليها حاله لأجل مانع من ظلمة أو غيرها .

وقد يكون عدم التمكّن من استعمال الأمارة ، كما لو غلب الدم ، أو ضاق المجرى . ومن فقدان الأمارة ما إذا كان الاشتباه ثلاثي الأطراف أو أكثر ، كما لو دار الأمر بين الحيض والاستحاضة والقرحة ، أو هي والجرح أو العذرة ؛ ممّا قصرت النصوص عن شمولها .

وأيضاً : قد يكون الشكّ لأجل الشكّ في المكلّف ، كما لو شكّت الخنثى في ذكورتها واُنوثتها ، فصار منشأً للشكّ في كون الدم حيضاً ، أو شكّت في بلوغها أو يأسها ، فصار منشأً لشكّها في كونه حيضاً .

وقد يكون الشكّ لأجل الشكّ في تحقّق شرط أو مانع ، كما لو شكّت في كون الدم بعد العشرة أو لا ، أو قبل الثلاثة أو لا ، أو شكّت في تحقّق الفصل المعتبر بين الدمين .

ص: 49

وقد يكون لأجل الشكّ في شرطية شيء ، كالتوالي ثلاثة أيّام ، أو مانعية شيء ، كالفترات اليسيرة بين ثلاثة أيّام .

وقد يكون لأجل الشكّ في تحقّق شرطه بعدُ ، كالمبتدئة التي تشكّ في استمرار دمها إلى ثلاثة أيّام .

إلى غير ذلك ، كالشكّ في كونه حيضاً مع وجدان الشرائط وفقدان الموانع بحسب الأدلّة الشرعية ، ومع تحقّق ما تحتمل شرطيته وفقدان ما تحتمل مانعيته بحسب الشبهات الحكمية ، لكن مع ذلك تشكّ في الحيضية لأجل بعض الاحتمالات الشخصية الجزئية التي تختلف بحسب اختلاف الحالات والأمزجة . هذه هي نوع الشكوك الواقعة أو ممكنة الوقوع للنساء .

فيقع الكلام في أ نّه مع فقدان الأمارات أو تعارضها أو عدم إمكان التعويل عليها ، هل تكون قاعدة شرعية أو عقلائية ممضاة ترفع الشكّ شرعاً وتكون معوّلاً عليها لدى الشبهة ، أو لا ؟ وعلى فرض وجودها ، فما حدّها سعةً وضيقاً ؛ وهل يمكن رفع جميع الشكوك المتقدّمة بها ، أو تختصّ ببعضها ؟

الكلام في قاعدة الإمكان

وليعلم : أنّ ما هو الدائر في الألسن والمشتهر بين الأصحاب في المقام هو قاعدة الإمكان ، وهي : «أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» وقد تكرّر نقل الإجماع عليها ، وأرسلوها إرسال المسلّمات(1) ، فلا بدّ من بسط الكلام فيها موضوعاً ومدركاً ومورداً :

ص: 50


1- الخلاف 1 : 235 ؛ المعتبر 1 : 203 ؛ منتهى المطلب 2 : 287 ؛ قواعد الأحكام 1 : 213 .
موضوع قاعدة الإمكان

أمّا الأوّل : فيحتمل في بادئ الأمر أن يكون «الإمكان» بمعنى الاحتمال بقول مطلق ، فيشمل جميع الصور من الشكوك المتصوّرة ؛ لمساوقة الشكّ للاحتمال ، أو أعمّيته من الشكّ .

وأن يكون بمعنى عدم الامتناع بحسب القواعد الشرعية ؛ أي إذا لم يرد دليل شرعي على عدم حيضيته بحسب نفس الأمر ؛ وصل إلينا أو لم يصل .

وأن يكون بمعنى عدم الامتناع بحسب ما وصل إلينا من القواعد الشرعية ؛ أي إذا لم يدلّ دليل شرعي على عدم حيضيته ، واُحرز عدم امتناعه كذلك ، لا بمعنى الإمكان العامّ حتّى يشمل مورد قيام الأمارة على الحيضية ، بل بمعنى أ نّه إذا لم يقم أمارة ودليل شرعي على الطرفين تكون القاعدة معوّلاً عليها . ولعلّ هذا مراد من قال : «إنّ الإمكان هو الاحتمالي ، لكن الاحتمال المستقرّ»(1) .

وأن يكون بمعنى الإمكان الذاتي وعدم الامتناع ذاتاً ؛ أي سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحكم بالحيضية .

هذا ، لكنّ الاحتمال الأخير غير صحيح ؛ لأنّ المراد من «الدم» هو الدم الخارجي الموجود ، لا ماهية الدم ، والدم الموجود إمّا واجب الحيضية ، أو ممتنعها . وكذا الاحتمال الثاني ؛ فإنّ العلم بالواقعيات غير حاصل للمكلّفين ، فتقييد الموضوع بأمر غير محقّق موجب للغوية القاعدة .

ص: 51


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 327 - 328 ؛ الروضة البهيّة 1 : 95 ؛ روض الجنان 1 : 201 ؛ رياض المسائل 1 : 345 .

فيبقى الاحتمال الأوّل والثالث :

ولازم الاحتمال الأوّل هو الحكم بحيضية كلّ محتمل إلاّ ما قام دليل على خلافها . بل المعوّل عليه هو القاعدة في موارد الشبهات المصداقية لأدلّة جعل الأمارات ، فلو شكّت في تحقّق أمارة العذرة أو الاستحاضة مثلاً ، فلا يجوز التمسّك بدليلهما ، ومعه ينسلك في موضوع القاعدة ؛ لأنّ موضوعها هو الاحتمال ، ومع عدم إحراز الأمارة يتحقّق الاحتمال الذي هو موضوعها ، وكذا في تعارض الأمارتين .

ولازم الثاني هو الحكم بحيضية ما اُحرز استجماعه للشرائط المقرّرة له ، فقبل استمرار الدم إلى ثلاثة أيّام لا يحكم بالحيضية إلاّ إذا اُحرز الشرط بالأصل . وكذا مع الشبهة المصداقية للقواعد المقرّرة الشرعية ؛ لعدم إحراز الإمكان بحسب القواعد المقرّرة . وكذا مع الشكّ في قيام الأمارة بعد إحراز أماريتها ، كما لو اشتبهت الأمارتان لأجل الظلمة مثلاً ؛ لعدم إحراز موضوع القاعدة ؛ وهو الإمكان الواقعي بالنظر إلى المقرّرات الشرعية . ثمّ إثباتُ أنّ «الإمكان» في موضوع القاعدة بأيّ معنى يكون ، تابعٌ للدليل الدالّ عليه .

دليل قاعدة الإمكان

وأمّا الثاني : فقد استدلّ عليها بوجوه :

الأوّل

: أصالة السلامة ، وقد عوّل عليها في «الرياض»(1) وقرّبها في «مصباح الفقيه» بما لا مزيد عليه . ومحصّله : أنّ أصل السلامة أصل معتبر معتمد

ص: 52


1- رياض المسائل 1 : 345 .

عليه عند العقلاء كافّةً في جميع اُمورهم معاشاً ومعاداً ، ويشهد به تتبّع الأخبار وسيرة العقلاء ؛ وأنّ دم الحيض تقذفه الرحم بمقتضى طبعها ومع عدم انحرافها عن حالتها الطبيعية ، وأمّا سائر الدماء - حتّى دم الاستحاضة - فدماء غير طبيعية

منشؤها خلل في المزاج أو آفة ، فلا يعتني العقلاء باحتمال ينافي أصالة السلامة ، فعند الاشتباه بين دم الحيض وغيره ، لا بدّ من البناء على الحيضية عملاً بأصل السلامة .

ثمّ بالغ في التأييد والاستشهاد بطوائف من الأخبار يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه (1) وجعل جميعها دليلاً على كون الأصل في دم النساء هو الحيضية ، وأنّ ملاحظة سيرة النساء والأسئلة والأجوبة الواردة في الأخبار ، تكاد تُلحق المسألة بالبديهيات . . . إلى آخر ما فصّل وقرّر(2) .

ويمكن المناقشة فيه بوجوه :

منها : أنّ بناء النساء على أنّ الدم المقذوف حيض لو سلّم ، فكونه لأجل الاتّكال على أصل السلامة غير مسلّم ، خصوصاً مع هذه الحدود التي قرّرها الشارع ، فلو علمت المرأة : أنّ الدم بأيّ صفة وفي أيّ وقت خرج إذا لم يبلغ ثلاثة أيّام ونقص منها ولو ساعة واحدة ، ليس بحيض شرعاً ، وكذلك الدم المتجاوز عن العشرة ولو قليلاً ، والدم الخارج قبل تمام عشرة أيّام من الحيضة السابقة . . . وهكذا ، فهل تبني على الحيضية بمجرّد رؤية الدم اتّكالاً على أصالة الصحّة ، فتحكم باستمراره إلى ثلاثة أيّام ، وهل ترى أنّ العقلاء يحكمون بأنّ

ص: 53


1- ستأتي في الصفحة 56 - 64 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 66 .

الدم مع انقطاعه قبل ثلاثة أيّام بساعة من انحراف المزاج ، بخلافه إذا استمرّ إلى تمام الثلاثة ؟ !

والذي يمكن أن يقال : إنّ بناء النساء على حيضية الدم غالباً غير قابل للإنكار ، لكن لا لأجل الاتّكال على أصالة الصحّة ، بل معهودية الدم ، والحالات التي تعرضهنّ في حال خروج الدم أو قبله ، والأوصافُ والخصوصيات التي للدم المعهود ، وغيرُ ذلك من الغلبة وغيرها ، صارت موجبة لقطعهنّ أو اطمئنانهنّ بكون الدم هو المعهود من النساء ، وأمّا الاتّكال على مجرّد أصالة الصحّة - لو فرض عدم وجود الغلبة والقرائن والعلائم التي للدم وللمرأة في قرب رؤيته أو حينها - فغير معلوم ، لو لم نقل : إنّه معلوم العدم .

ومنها : أ نّه بعد تسليم جريانِ أصالة الصحّة وكونِ اتّكالهنّ عليها ، لا يمكن أن تكون دليلاً على قاعدة الإمكان ؛ سواء فسّرناها بالمعنى الأوّل من المعاني المتقدّمة ، أو بالثالث ؛ ضرورة أنّ أصالة السلامة ليست من الاُصول التعبّدية ؛

فإنّه مضافاً إلى عدم ثبوت التعبّد في الاُمور العقلائية ، لازمه أن لا نحكم على الدم بالحيضية ؛ لأنّ الحيضية من لوازم صحّة المزاج وسلامته ، فأصالة السلامة مجراها المزاج ، ولازم صحّة الرحم أن يكون قذفها طبيعياً ، ولازم ذلك كون الدم حيضاً وكون المرأة حائضاً ، فلا محيص لإثبات المدّعى ، إلاّ أن يدّعى : أنّ أصالة السلامة طريق عقلائي لإثبات متعلّقه ، وأنّ الظنّ الحاصل - لأجل الغلبة وغيرها - طريق إلى السلامة ، ومع ثبوتها تثبت لوازمها .

ص: 54

فمع تسليم هذه الأمارة العقلائية والغضّ عن المناقشة فيها ، لا يمكن أن تكون مبنى القاعدة ؛ لأنّ مفاد القاعدة : أنّ ما يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض ، بمجرّد احتمال الحيضية على المعنى الأوّل ، أو إمكانها - أي عدم الدليل على خلافها - على المعنى الثاني ، ومع قيام الأمارة على الحيضية يخرج المورد عن موضوع القاعدة ، وكيف يمكن أن يكون دليل الشيء مُعدِماً لموضوعه ؟ !

وبعبارة اُخرى : أنّ موضوع القاعدة هو إمكان الحيضية ، فوجوب الحيضية وامتناعها خارجان عن مصبّها ، إلاّ أن يفسّر «الإمكان» بالإمكان العامّ - أي سلب الضرورة عن الجانب المخالف بالنظر إلى القواعد الشرعية - حتّى لا ينافي الوجوب ، وهو كما ترى ؛ فإنّ مرجعها في كثير من الموارد أو جميعها أنّ كلّ ما يجب أن يكون حيضاً فهو حيض ، وأنّ كلّ ما دلّت الأدلّة الشرعية والأمارات المعتبرة على حيضيته فهو حيض .

فلا محيص عن أن يقال : إنّ قاعدة الإمكان قاعدة برأسها ، مؤسّسة للحكم بالحيضية فيما لم يدلّ دليل على أحد الطرفين ، وكانت المرأة فاقدة الأمارة ، فتأسيس القاعدة لرفع الشكّ عند فقد الأمارة . والالتزام بكونها منتزعة من موارد قيام الأدلّة على الحيضية إنكار لأصل القاعدة .

ومنها : أ نّه على فرض تسليم ذلك ، لا تفي أصالة السلامة بجميع موارد

قاعدة الإمكان ، ففي مورد تعارض الأمارتين ، أو الجهل بالأمارة القائمة ، أو كون المرأة في معرض اختلال المزاج وانحرافه ، لا مصير إلى أصالة الصحّة ، مع أنّ موضوع القاعدة يشملها . فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الاستدلال بأصالة السلامة لإثبات المدّعى ممّا لا مجال له .

ص: 55

الثاني : التمسّك بطوائف من الأخبار ؛ إمّا مستقلاًّ ، أو مؤيّداً بها لأصالة السلامة(1) :

منها : ما وردت في تحيّض الحامل معلّلة ب- «أنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم» كصحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن الحبلى ترى الدم ، أتترك الصلاة ؟ قال : «نعم ؛ إنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم»(2) .

وقريب منها مرسلة حَريز(3) . وهي تدلّ على أنّ احتمال قذف الدم موضوع للتحيّض ، وهذا هو قاعدة الإمكان .

وفيه : أنّ الحكم لمّا كان محلّ خلاف بين العامّة وكان أبو حنيفة منكراً لاجتماع الحيض مع الحبل(4) ، وردت هذه الروايات لرفع استبعاد اجتماعهما ، ولهذا ترى في بعضها ذكر وجه خروج دم الحيض ، كصحيحة سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، الحبلى ربّما طمثت ؟ قال : «نعم ؛ وذلك أنّ الولد في بطن اُمّه غذاؤه الدم ، فربّما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته ، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة»(5) .

ص: 56


1- رياض المسائل 1 : 345 - 346 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 68 - 69 ؛ مستمسك العروة الوثقى 3 : 235 - 236 .
2- الكافي 3 : 97 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب30 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1186 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 9 .
4- اُنظر الخلاف 1: 239 ؛ المغني، ابن قدامة 1 : 371 ؛ فتح العزيز، ذيل المجموع 2 : 576 .
5- الكافي 3 : 97 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 14 .

فقوله : «إنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم» إخبار عن الواقع لرفع الاستبعاد ، لا للتعبّد بجعل الدم حيضاً بمجرّد الاحتمال .

كما ترى أنّ ما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الحبلى ، ترى الدم ؟ قال : «نعم ؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم وهي حبلى»(1) كالصريح فيما ذكرنا ؛ فإنّ قوله : «نعم» جواب سؤاله : بأنّ الحبلى ترى الدم أو لا ؟ وقوله : «إنّه ربّما قذفت . . .» إخبار عن واقع محفوظ ، ولا معنى للتعبّد في هذا المقام .

ولا يخفى : أنّ مضمون الروايات التي ذكر فيها هذه الجملة واحد ، فقوله في صحيحة عبداللّه المتقدّمة : «إنّ الحبلى ترى الدم ، أتترك الصلاة ؟» مراده أ نّها

ترى الدم المعهود مثل سائر النساء ، فهل عليها أن تترك الصلاة أو لا ؟

ولهذا عرّف «الدم» في الروايات باللام ، كما ترى في صحيحة عبد الرحمان - قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحبلى ، ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كلّ شهر ، هل تترك الصلاة ؟ قال : «تترك الصلاة إذا دام»(2) وفي صحيحة ابن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الحبلى ، ترى الدم كما كانت ترى أيّام حيضها مستقيماً في كلّ شهر . . .(3) الحديث - أنّ السؤال عن ترك

ص: 57


1- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1188 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 10 .
2- الكافي 3 : 97 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1194 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 7 .

الصلاة بعد الفراغ عن كون الدم في أيّام العادة أو بصفات الحيض ؛ لاحتمال أن لا يجتمع الحيض والحبل ، كما قال أبو حنيفة .

وكيف كان : فالتأمّل في الروايات يورث القطع بعدم كونها في مقام إفادة القاعدة .

بل يمكن أن يدّعى : أنّ في أخبار جواز اجتماع الحمل والحيض ما يشهد بعدم اعتبار قاعدة الإمكان ؛ للإرجاع إلى الصفات ، ففي صحيحة أبي المغرا : «إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(1) .

وفي موثّقة إسحاق : «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلِّ صلاتين»(2) .

وفي رواية محمّد بن مسلم : «إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان دماً قليلاً أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء»(3) .

فتحصّل : أنّ الاستدلال بهذه الروايات للقاعدة في غير محلّه .

ومنه يظهر حال ما دلّ على التحيّض قبل وقت حيضها معلّلاً ب- «إنّه ربّما تعجّل بها الوقت» وهو موثّقة سَماعة قال : سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال : «إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع

ص: 58


1- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .

الصلاة ؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ قوله : «ربّما تعجّل بها الوقت» ليس بصدد بيان أنّ مجرّد احتمال التعجّل موضوع للحكم بالحيضية ، بل بصدد أنّ الدم المعهود للنساء إذا جرى قبل العادة فهو من الحيض ، ويكون من تعجّل الوقت ؛ فإنّ العادة في النساء ليست مضبوطة بالدقّة بحيث لا تتقدّم يوماً أو يومين ، بل كثيراً ما يتعجّل الوقت فيكون من العادة .

بل يمكن دعوى إشعارها - أو دلالتها - بعدم اعتبار قاعدة الإمكان ؛ فإنّها لو كانت معتبرة ، وكان كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً محكوماً بالحيضية ، لم يكن وجه لتخصيص الحكم بما يصدق عليه عرفاً عنوان «تعجّل الوقت» وقد حدّده في بعض الروايات بيوم أو يومين ، فالتقييد بذلك لأجل أمارية العادة للحيض ، لكن لا بمعنى أ نّها منضبطة بحيث لا تتقدّم قليلاً أو لا تتأخّر كذلك .

وبالجملة : لا يستفاد من مثل تلك الرواية قاعدة الإمكان .

وممّا استدلّ به لها ما دلّ على أنّ ما رأت قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة

الاُولى كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة»(2) .

ص: 59


1- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 77 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 298 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 3 .

وروايته عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى ؛ وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة»(1) .

ورواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه في أبواب العدد قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة إذا طلّقها زوجها ، متى تكون هي أملك بنفسها ؟ قال : «إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها» .

قلت : فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قُرْئها ؟ فقال : «إن كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها ، وهو من الحيضة التي طهرت منها ، وإن كان الدم بعد العشرة أيّام فهو من الحيضة الثالثة ، وهي أملك بنفسها»(2) .

دلّت هذه الأخبار على أنّ الدم بمجرّد رؤيته محكوم بالحيضية ، لكن إذا كان قبل العشرة فهو من الاُولى ، وإذا كان بعدها فهو من الثانية .

وأنت خبير : بأنّ الظاهر من الروايات مفروغية كون الدم حيضاً ، وأنّ محلّ البحث كونه من الاُولى أو الثانية .

وبعبارة اُخرى : أ نّها في مقام بيان أنّ أيّ دم من الحيضة الاُولى ، وأيّ دم من الحيضة الثانية ، لا في مقام بيان أنّ كلّ ما رأته فهو من الحيض .

وممّا يوضح ذلك قوله في رواية ابن مسلم : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة»

ص: 60


1- تهذيب الأحكام 1 : 156 / 448 ؛ وسائل الشيعة 2 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب10 ، الحديث 11 .
2- الكافي 6 : 88 / 10 ؛ وسائل الشيعة 22 : 212 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 17 ، الحديث 1 .

فإنّ قوله : «إذا رأت الدم . . .» عقيب ذلك يؤكّد أنّ المراد منه هو دم الحيض . كما أنّ قوله في الرواية الأخيرة : «فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قُرْئها» كالصريح في

تعجّل دم الحيض ، فقوله : «إن كان الدم قبل عشرة أيّام . . .» إلى آخره جواباً عن ذلك ، ظاهر في أنّ الكلام بعد فرض حيضية الدم .

وتوهّم عدم علمها بالحيضية لو لا القاعدة مدفوع بأنّ النساء كثيراً ما علمن بها بواسطة القرائن والأمارات التي عندهنّ . مع أنّ الشارع جعل للحيض طريقاً إذا اشتبه بالاستحاضة ، والاشتباه قلّما يتّفق في غيرهما .

وبالجملة : استفادة مثل تلك القاعدة من مثل تلك الروايات غير ممكن .

ومنها : صحيحة عبداللّه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل في امرأة نفست ، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ، ثمّ طهرت ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال : «تدع الصلاة ؛ لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس»(1) .

حيث حكم بالحيضية بمجرّد عدم الامتناع وخروج أيّام الطهر .

وفيه أوّلاً : أنّ تلك الرواية - في عداد سائر الروايات التي دلّت على أنّ أيّام النفاس يمكن أن تكون ثلاثين يوماً أو أزيد(2) - ممّا أعرض أصحابنا عنها (3) . مع أنّ ظاهرها أنّ أيّام النفاس تجتمع مع أيّام الطهر ، وهو أيضاً يوجب الاضطراب في المتن ؛ وإن أمكن تأويله بالحمل على أيّام النفاس

ص: 61


1- الكافي 3 : 100 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 13 و16 و17 و18 .
3- جواهر الكلام 3 : 378 .

عرفاً وإن لم يكن واقعاً وشرعاً ، لكنّه تأويل بعيد ينافي تقريره ترك الصلاة

ثلاثين يوماً .

إلاّ أن يقال : إنّ قوله : «لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس» في مقام الردع عن ترك الصلاة ؛ فإنّ أيّام النفاس ليست أيّام الطهر عيناً ، فيحمل على أنّ الثلاثين ليست أيّام النفاس جميعاً ، بل بعضها أيّام النفاس ، وبعضها أيّام

الطهر ، فيكون قد أظهر الحكم الواقعي تحت حجاب التقيّة .

وثانياً : أنّ المراد من «الدم» هو دم الحيض مقابل الصفرة ، وهو أمارة الحيض عند دوران الأمر بينه وبين الاستحاضة . والشاهد عليه - مضافاً إلى أنّ «الدم» في الروايات ذُكر في مقابل الصفرة - صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج قال : سألت أبا إبراهيم علیه السلام عن امرأة نفست ، فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر ، ثمّ طهرت وصلّت ، ثمّ رأت دماً أو صفرة ، قال : «إن كان صفرة فلتغتسل ولتصلّ ، ولا تمسك عن الصلاة»(1) .

وروى الشيخ مثلها ، إلاّ أ نّه قال : فمكثت ثلاثين ليلة أو أكثر ، وزاد في آخرها : «فإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها ، ثمّ لتغتسل ولتصلّ»(2) فتدلّ على أنّ مرجعها الصفات ، لا قاعدة الإمكان ، والإنصاف أ نّها على خلاف المطلوب أدلّ .

ص: 62


1- الكافي 3 : 100 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 503 ؛ الاستبصار 1 : 151 / 523 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 3 .

ومنها : صحيحة يونس بن يعقوب أو موثّقته(1) ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة . . . قال : «تدع الصلاة ؛ تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع عنها الدم ، وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة»(2) وقريب منها رواية أبي بصير(3) .

لكنّ التمسّك بمثلهما لا يجوز ؛ للزوم كون الحيض أكثر من عشرة أيّام ، أو كون الطهر أقلّ منها ، وكلاهما خلاف الواقع ، فلا بدّ من طرحهما أو توجيههما ، وقد وجّههما الشيخ والمحقّق بما لا بأس به(4) .

هذا مع أنّ قوله : «ترى الدم» في مقابل «ترى الطهر» أي ترى الحيض والدم المعهود . مضافاً إلى أنّ الرواية في مقام بيان حكم آخر ، ولا يمكن أن يتمسّك بها للمقام ، كما لا يخفى .

ص: 63


1- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس بن يعقوب . والرواية صحيحة أو موثّقة ؛ لأنّ يونس بن يعقوب مردّد بين كونه ثقةً أو موثّقاً ، فإنّه كان فطحياً ثمّ رجع . ولكن لا يخفى أنّ الرواية صحيحة عند المصنّف كما يأتي التصريح بها في الصفحة 126 ، 181 و379 . راجع تنقيح المقال 3 : 344 - 345 (أبواب الياء) .
2- الكافي 3 : 79 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1180 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 3 .
4- الاستبصار 1 : 132 ، ذيل الحديث 454 ؛ المعتبر 1 : 207 .

ومنها : ما دلّ على أنّ الصائمة تفطر بمجرّد رؤية الدم(1) . ولا يخفى ما فيه بعد الرجوع إليها . كما لا يخفى ما في التمسّك بقوله : «والصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض» كصحيحة ابن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى

الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(2) إذ لا إشكال في أنّ الظاهر من «الأيّام» - خصوصاً قوله : «أيّامها» - هو أيّام العادة ، دون أيّام الإمكان كما قيل(3) .

ومنها : صحيحة العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة ذهب طمثها سنين ، ثمّ عاد إليها شيء ، قال : «تترك الصلاة حتّى تطهر»(4) . فإنّ عود شيء أعمّ من الموصوف بصفات الحيض وغيره ، وفي زمان العادة وغيره .

وفيه : أنّ ظاهر العود مجيء الطمث . مع أنّ الأخذ بإطلاق قوله : «شيء» لا معنى له ، فلا بدّ من تقدير ، والظاهر أنّ التقدير : «عاد إليها شيء من الطمث»

فإنّه ذهب فعاد ، ولا أقلّ من احتماله ، ومعه لا يجوز التمسّك به للقاعدة .

الثالث : الإجماع ، كما في «الخلاف» وحكي عن «المعتبر» و«المنتهى» و«النهاية» وبعض من تأخّر عنهما .

ص: 64


1- كخبر منصور بن حازم ، تهذيب الأحكام 1 : 394 / 1218 ؛ وسائل الشيعة 2 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 50 ، الحديث 3 .
2- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
3- المبسوط 1 : 43 ؛ اُنظر جواهر الكلام 3 : 166 .
4- الكافي 3 : 107 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 337 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 32 ، الحديث 1 .

وفيه : - مضافاً إلى وهن دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة التي

كثرت الأخبار والقواعد فيها ؛ بحيث يمكن اتّكال القوم عليها ، فكيف يمكن حصول العلم أو الاطمئنان بوجود شيء آخر غير تلك الأدلّة كان هو منشأ الإجماع ؟ ! - أنّ في أصل الدعوى تأمّلاً وإشكالاً ، فلا بدّ من نقل عباراتهم حتّى

يتّضح الحال :

قال في «الخلاف» (1) : الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض ، وفي أيّام

الطهر طهر ؛ سواء كانت أيّام العادة ، أو الأيّام التي يمكن أن تكون حائضاً فيها ، وعلى هذا أكثر أصحاب الشافعي(2) . . . إلى أن قال : دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة ، وقد بيّنّا أنّ إجماعها حجّة ، وأيضاً : روى محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(3) ثمّ تمسّك برواية أبي بصير(4) .

وقد نقل(5) عن «المبسوط» تفسير قوله : «والصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض» بأيّام الإمكان(6) ، فكأنّ الشيخ فهم من قوله : «أيّامها» و«أيّام الحيض»

ص: 65


1- الخلاف 1 : 235 .
2- فتح العزيز ، ذيل المجموع 2 : 485 ؛ المجموع 2 : 392 .
3- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
4- تأتي في الصفحة 163 .
5- جواهر الكلام 3 : 165 - 166 .
6- المبسوط 1 : 43 .

أيّامَ الإمكان ، فحينئذٍ من الممكن مطابقة عبارات الأصحاب أو جملة منهم لهذا

النصّ الذي استند إليه ، وقد فهم الشيخ منها ما فهم ، وأسند إليهم الحكم باجتهاده ،

فصارت المسألة - بتخلّل اجتهاده - إجماعية .

وبالجملة : بعد استظهار الشيخ أيّامَ الإمكان من «أيّامها» في مثل رواية ابن مسلم لا يبقى وثوق بنقل إجماعه ؛ لإمكان استظهاره ذلك من عبارات الفقهاء أيضاً ، خصوصاً مع دعواه : «أنّ الفقهاء كان بناؤهم على عدم التخطّي عن النصوص ، بل عن عباراتها أيضاً»(1) .

هذا مع أنّ في مطلق إجماعات «الخلاف» كلاماً على نحو الكلام الذي في إجماعات «الغنية»(2) .

وعن «المعتبر» : «وما تراه المرأة بين الثلاثة إلى العشرة حيض إذا انقطع ، ولا عبرة بلونه ما لم يعلم أ نّه لقرح أو لعذرة ، وهو إجماع . ولأ نّه زمان يمكن أن يكون حيضاً ، فيجب أن يكون الدم فيه حيضاً»(3) .

وعن «المنتهى»: «كلّ دم تراه المرأة ما بين الثلاثة إلى العشرة ثمّ ينقطع عليها ،

فهو حيض ما لم يعلم أ نّه لعذرة أو قرح ، ولا اعتبار باللون ، وهو مذهب علمائنا أجمع، ولا نعرف مخالفاً؛ لأ نّه في زمان يمكن أن يكون حيضاً، فيكون حيضاً»(4).

وعن «النهاية» : «كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً وينقطع على العشرة فإنّه

ص: 66


1- المبسوط 1 : 2 .
2- أنوار الهداية 1 : 202 .
3- المعتبر 1 : 203 .
4- منتهى المطلب 2 : 287 .

حيض - سواء اتّفق لونه أو اختلف ، قوي أو ضعف - إجماعاً» ثمّ استدلّ بأ نّه دم في زمان يمكن . . . إلى آخره(1) .

وأنت خبير : بأنّ شيئاً من تلك الكلمات ، لا يدلّ على دعوى الإجماع على القاعدة ، بل يكون محلّ كلامهما هو المسألة الفرعية ؛ وهي ما ترى المرأة بين الثلاثة إلى العشرة ، فادّعيا الإجماع على هذه المسألة الفرعية ، وأضافا التمسّك بالقاعدة من غير دعوى الإجماع عليها .

وتوهّم كون موضوع كلام العلاّمة في «النهاية» قاعدة الإمكان ، فاسد جدّاً ؛ للزوم المصادرة والاستدلال على القاعدة بنفسها .

فمن المحتمل - بعيداً - أن يكون مفروض كلامهما بعد مفروغية كون الثلاثة حيضاً ، ويكون مستندهما في حيضية الزائد إلى العشرة هو الاستصحاب . وذكر إمكان حيضية الدم لتنقيح موضوع الاستصحاب ، لا التمسّك بالقاعدة ، كما عن «الذكرى»(2) : «أنّ ما بين الأقلّ والأكثر حيض مع إمكانه وإن اختلف لونه ؛ لاستصحاب الحيض ، ولخبر سماعة(3)» . ومعلوم أنّ التمسّك بالاستصحاب بعد مفروغية كون الدم في الثلاثة حيضاً .

وممّا ذكرنا يتّضح حال دعوى عدم الخلاف والإجماع والشهرة من المتأخّرين والمقاربين لعصرنا (4) ؛ لعدم الوثوق بها في هذه المسألة التي

ص: 67


1- نهاية الإحكام 1 : 118 و134 ؛ اُنظر الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 319 .
2- ذكرى الشيعة 1 : 231 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 161 / 462 ؛ وسائل الشيعة 2 : 309 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 4 .
4- رياض المسائل 1 : 345 ؛ جواهر الكلام 3 : 163 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 64 .

مرّ حالها من ترامي الأدلّة والاستدلالات فيها . وطريق الاحتياط واضح ، وهو سبيل النجاة .

في مقدار سعة قاعدة الإمكان

وأمّا الثالث : أي بيان موردها ومقدار سعة نطاقها ، فهو تابع لمدرك القاعدة ، فيختلف باختلافه :

فإن كان مثل أصالة السلامة ، فيلاحظ بناء العقلاء في الإجراء والاستناد ، ولا إشكال في عدم مورد لجريانها إلاّ فيما شكّ موضوعاً في أنّ الدم الخارج منها هو الدم الطبيعي المقذوف من الرحم السالم أو لا ، وكان منشأ الشكّ فيها هو الشكّ في السلامة والانحراف ، دون سائر الموارد من الشبهات الحكمية ، أو الشكّ في تحقّق ما يعتبره الشارع ، أو الشبهة الحاصلة من تعارض الأمارات ، أو عدم إمكان العلم بالأمارة الموجودة ، أو عدم إمكان استعمال الأمارة . . . وغير ذلك من الشبهات المتقدّمة(1) .

وإن كان المستند هو الروايات ، فلا بدّ من ملاحظة مفاد المستند ، وأشملها دلالةً على الفرض هو روايات اجتماع الحمل والحيض وما دلّ على أنّ الوقت ربّما يعجّل بها ورواية النفاس(2) وشيء منها لا يدلّ إلاّ على البناء على الحيض في الشبهة الموضوعية والشكّ في أنّ الدم الخارج حيض أو لا ؛ فإنّ الظاهر من الروايات الواردة في الحمل ، أنّ الشبهة كانت في أنّ الحامل تقذف الحيض ، أو

ص: 68


1- تقدّمت في الصفحة 49 .
2- تقدّمت في الصفحة 56 و58 و61 .

لا تقذف ؛ لكون الدم غذاء ولدها ، فدلّت الروايات على أنّ الغذاء قد يزيد عن

الطفل ، فتقذفه الرحم .

وأمّا سائر الشكوك - كالشكّ في اعتبار الشارع أمراً في لزوم ترتّب الآثار ، أو الشكّ في تحقّق ما اعتبره الشارع . . . وأمثال ذلك - فلا دلالة فيها بالبناء عليها

بوجه . ومنه يظهر حال سائر الروايات .

وأمّا الإجماع ، فالقدر المتيقّن منه الشبهة الموضوعية ؛ بعد إحراز ما له مدخل في الحكم بالحيضية ، كالبلوغ وعدم اليأس والاستمرار إلى ثلاثة أيّام . بل مع الشبهة الحكمية في دخل شيء فيه - كالشكّ في شرطية التوالي مثلاً ، أو مانعية شيء - يشكل التمسّك بالقاعدة ؛ لعدم ثبوت الإجماع في مثله أيضاً على فرضه .

والإنصاف : أنّ القاعدة بنفسها غير ثابتة ، وبعض الفروع التي ادّعي الإجماع

فيها - لو ثبت قيامه عليها ، كالفرع المتقدّم الذي سيأتي الكلام فيه(1) - نلتزم به ؛ لا لأجل القاعدة ، بل للإجماع في المسألة الفرعية .

حول أمارية القاعدة وأصليتها وبيان نسبتها مع غيرها

ثمّ إنّ القاعدة - على فرض تماميتها - في كونها أصلاً أو أمارة ، تابعة لمدركها :

فإن كان المدرك لها هو أصالة السلامة ، وقلنا بأماريتها أو الظنّ الحاصل لأجل الغلبة ، فتكون أمارة .

ص: 69


1- يأتي في الصفحة 180 .

وإن كان المدرك لها الإجماع والأخبار ، فلا تكون إلاّ أصلاً معوّلاً عليه لدى الشبهة .

ثمّ إنّ تقديمها على الاستصحاب - بناءً على أماريتها - واضح أصلاً وكيفيةً . وأمّا بناءً على أصليتها فمقدّمة عليه أيضاً ؛ للزوم لغويتها لو عملنا بالاستصحاب ؛

لنُدرة مورد لا يكون فيه استصحاب .

وتأخّرها عن سائر الأمارات الشرعية على الأصلية ، واضح . وأمّا على الأمارية فلأنّ جعل الأمارات الشرعية لغير الحيض رادع عن بناء العقلاء ، فلو دار الأمر بين الحيض والاستحاضة في المبتدئة مثلاً ، وقلنا بأمارية البرودة والصفرة والفتور للاستحاضة ، فلا مجال للتمسّك بالقاعدة حتّى على الأمارية ؛ لعدم اعتبار بناء العقلاء مع قيام الأمارة على خلافه .

هذا تمام الكلام في قاعدة الإمكان .

وقد تحصّل عدم اعتبارها ، فمع الشكّ في كون دمٍ حيضاً أو غيره - ممّا لم تقم أمارة أو دليل على رفع الشبهة - لا محالة يرجع الأمر إلى الاُصول الشرعية ؛ موضوعية أو حكمية ، واللّه العالم .

ص: 70

المطلب الثاني: في حدود الحيض وقيوده وشرائطه

اشارة

وهي اُمور :

الأمر الأوّل : فيما تراه الصبيّة قبل البلوغ
اشارة

لا إشكال نصّاً وفتوى في أنّ ما تراه الصبيّة قبل بلوغها تسعاً ، ليس بحيض وإن كان مع الصفات والمميّزات ، وقد تكرّر دعوى الإجماع عليه(1) ، وتدلّ عليه بعده صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض» .

قال : قلت : وما حدّها ؟ قال : «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين . . .»(2) .

وليس في سندها من يمكن التوقّف فيه إلاّ سهل بن زياد وهو مورد وثوق على الأصحّ(3) .

ص: 71


1- نهاية الإحكام 1 : 116 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 228 ؛ مستند الشيعة 2 : 374 .
2- الكافي 6 : 85 / 4 ؛ وسائل الشيعة 22 : 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 2 ، الحديث 4 .
3- سيأتي وجهه في الصفحة 78 .

ورواها الشيخ بسند فيه الزبيري(1) وفيه توقّف وإن لم يبعد وثاقته .

والظاهر منها أنّ الحدّ هو تمام التسع ؛ لأنّ «تسع سنين» لا تصدق إلاّ من حين الولادة إلى آخر التسعة ، فإتيان تسع سنين لا يكون إلاّ بتمامها ؛ للفرق بين قوله : «أتى لها تسع سنين» وقوله : «أتى لها السنة التاسعة» فمع ورودها في التاسعة أتى لها السنة التاسعة ، ولكن أتى لها أقلّ من تسع سنين ، كما أ نّها لم تبلغ

تسع سنين ، كما في روايته الاُخرى .

كما أنّ المراد منه التحقيق لا التقريب .

لا لما قيل : «إنّ الظاهر من مقام التحديد هو ذلك»(2) وإن لم يخلُ من وجه .

ولا لما قيل : «من أنّ تطبيق المفاهيم على المصاديق يكون بالدقّة العقلية ، لا بتشخيص العرف»(3) فإنّه ضعيف ؛ لأنّ مبنى مخاطبات الشرع معنا كمخاطبات بعضنا مع بعض ، ولا شبهة في أنّ المخاطبات العرفية لا تكون مبنيّة على الدقّة العقلية ؛ لا مفهوماً ولا في تشخيص المصاديق .

ص: 72


1- رواها الشيخ بإسناده ، عن علي بن الحسن ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن صفوان ، عن عبدالرحمان بن الحجّاج . قال الشيخ في المشيخة : «وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضّال فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاً منه وإجازة عن علي بن محمّد ابن الزبير عن علي بن الحسن بن فضّال» . تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 55 - 56 . تهذيب الأحكام 7 : 469 / 1881 ؛ وسائل الشيعة 22 : 183 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 3 ، الحديث 5 .
2- مستند الشيعة 2 : 374 .
3- كفاية الاُصول : 77 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 574 .

فإذا قال : «اغسل ثوبك من الدم» فكما أنّ مفهومه يؤخذ من العرف ، كذلك المعوّل عليه في تشخيص المصداق هو العرف ، فلون الدم دم عقلاً ، لكن لا يجب غسله ؛ لعدم كونه دماً عرفاً ، بل هو لون الدم .

بل لأنّ الميزان في تشخيص المفاهيم والمصاديق نظر العرف بحسب فهمه ودقّته ، لا مع التسامح العرفي .

فإذا كان للمفهوم مثلاً ثلاثة مصاديق :

أحدها : مصداق برهاني عقلي ؛ بحيث لا سبيل للعرف إلى تشخيصه ولو مع الدقّة وعدم التسامح ، كلون الدم ؛ فإنّ العرف لا يدرك استحالة انتقال العرض ؛ وأنّ المنتقل أجزاء صغار جوهرية ، فلا يكون اللون دماً في أدقّ نظر العرف ، ولا يتسامح في سلب الدمية عنه .

وثانيها : مصداق عرفي من غير تسامحٍ عرفي ، بل يكون مصداقاً بدقّته العرفية .

وثالثها : مصداق تسامحي لدى العرف ، كإطلاق «الألف» على عدد ناقص منه بواحد أو اثنين ، وإطلاق «الرطل» على ما نقص بمثقال أو درهم ، ولا إشكال في أنّ هذا الإطلاق مسامحي مجازي يحتاج إلى التأوّل .

فميزان تشخيص موضوعات الأحكام هو الثاني لا الأوّل ، وهو معلوم . ولا الثالث ، إلاّ مع قيام قرينة - حالاً أو مقالاً - على تسامح المتكلّم ، وإلاّ فأصالة الحقيقة محكّمة .

هذا من غير فرق بين الموضوعات ، ولا بين مقام التحديد وغيره ، ف- «الماء» موضوع لهذا المائع المعروف ، وتسامح العرف - في إطلاقه على شيء - لا يكون متّبعاً .

ص: 73

فإطلاق العرف بلوغ التسع على من بلغت التسع إلاّ عدّة أيّام ، مسامحي مجازي . ولهذا لو سئلوا : «هل بلغت تمام التسع ؟» لأجابوا بالنفي ، واعترفوا بالتسامح .

فبلوغ التسع لا يكون إلاّ بتمام الدورة التاسعة من السنة القمرية التي هي المنصرف إليها عند العرف العامّ ، والشمسية يحتاج معرفتها إلى مبانٍ علمية ونجومية لا يعرفها عامّة الناس ، خصوصاً الأعراب وفي تلك الأزمنة ، إلاّ أن تكون قرينة موجبة للتعيّن ، كما قد تدّعى في باب سنة الخمس(1) .

كما لا إشكال في التلفيق وحساب المنكسر ؛ لقضاء العرف به .

في التنافي بين كون الحيض دليل البلوغ وعدم حيضية ما تراه الصبيّة

ثمّ إنّ هاهنا إشكالاً مشهوراً ، بل إشكالين :

أحدهما : ما في «الروض» قال : «إنّ المصنّف وغيره ذكروا : أنّ الحيض للمرأة دليل على بلوغها وإن لم يجامعه السنّ ، وحكموا هنا بأنّ الدم الذي قبل التسع ليس بحيض(2) ، فما الدم المحكوم بكونه حيضاً ؟ !»(3) ، انتهى .

وهذا - كما ترى - ليس إشكال الدور ، بل إشكال التناقض في كلامهم : بأنّ لازم القول الأوّل أنّ الحيض قبل التسع دليل البلوغ ، فيمكن تحقّقه قبله ، وصريح القول الثاني عدم كون الحيض إلاّ بعد التسع ، فلا يمكن أن يتحقّق قبله .

ص: 74


1- شرح تبصرة المتعلّمين ، المحقّق العراقي 3 : 76 .
2- إرشاد الأذهان 1 : 226 و395 ؛ المبسوط 1 : 42 ، و2 : 282 .
3- روض الجنان 1 : 171 .

ثانيهما : أنّ القوم جعلوا الحيض والحمل دليلين على البلوغ ، وقالوا في المقام : «إنّ كلّ دم تراه المرأة قبل التسع ليس بحيض» فإحراز الحيضية يتوقّف على إحراز التسع ، ولو كان إحراز التسع متوقّفاً على إحراز الحيضية ، لدار الأمر على نفسه .

ولقد أجاب الشهيد في «الروض» عن الإشكال الأوّل بما يناسب الإشكال الثاني(1) .

ويمكن أن يجاب عن الأوّل : بأ نّه لا تنافي بين كونِ الحيض دليلاً على البلوغ مستقلاًّ ، وعدمِ كون الدم قبل التسع حيضاً إذا اُريد بالثاني عدم ترتّب آثار الحيضية على الدم قبل التسع ، لا عدم تحقّق الحيض تكويناً ، فالحيض الذي لا يترتّب عليه أحكام الحيض - كترك الصلاة وحرمة مسّ الكتاب مثلاً - دليل على البلوغ ، فيجب على الحائض قبل التسع الصلاة لبلوغها .

لكنّ الالتزام بذلك بعيد ، بل ممنوع وإن شهد به بعض الأخبار(2) . ولعلّ رجوع الشهيد إلى الجواب المذكور لأجل ما ذكر .

فالأولى أن يقال : إنّ المصنّف وغيره ، لم يلتزموا بكون الحيض بلوغاً مستقلاًّ ولو قبل التسع ، بل ادّعي الإجماع أو عدم الخلاف على أنّ الحيض لا يكون بلوغاً (3) .

ص: 75


1- روض الجنان 1 : 172 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 10 و12 .
3- جواهر الكلام 26 : 42 .

فبقي الإشكال الثاني ، فاُجيب عنه : «بأ نّه مع العلم بالسنّ ، لا اعتبار بالدم قبله وإن جمع الصفات ، ومع اشتباهه ووجود الدم في وقت إمكان البلوغ ، يحكم بالبلوغ ، ولا إشكال حينئذٍ»(1) .

لكن هذا الجواب مبنيّ على أنّ الدم المعهود المقذوف من النساء - أعني دم الحيض - لا يتحقّق قبل التسع ، ويكون السنّ دخيلاً في تحقّقه تكويناً ؛ حتّى تكون الأمارة على الحيضية أمارة على السنّ ، أو كان القذف قبل التسع - مع إمكانه - بحدّ من الندرة يعدّ معه قذف الدم المتّصف بالصفات المعهودة من الأمارات العقلائية على السنّ ، وكلاهما محلّ تأمّل وإشكال ؛ وإن كان الثاني لا يخلو من قرب .

عدم صحّة التمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية والسنّ

ثمّ إنّه لا مجال للتمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية والسنّ ؛ لأنّ الصفات أمارات في مقام الدوران بين الحيض والاستحاضة ، والدم الخارج قبل التسع لا يكون أمره دائراً بينهما ، ومع الشكّ في السنّ يشكّ في الموضوع .

مضافاً إلى أنّ مقتضى النصّ والفتوى أنّ الدم الخارج ممّن لم تبلغ التسع ، ليس بحيض ولو كان على صفاته ، ومع استصحاب عدم كونها بالغة يحرز موضوع المخصّص ، فلا مجال معه للتمسّك بأدلّة الصفات .

نعم ، مع العلم أو الاطمئنان بكون الدم المقذوف حيضاً ، لا يبعد الحكم ببلوغ التسع وترتيب آثار البلوغ والحيضية ، على إشكال .

ص: 76


1- الحدائق الناضرة 3 : 170 ؛ جواهر الكلام 3 : 143 - 144 .
الأمر الثاني في بيان حدّ اليأس
اشارة

ما تراه المرأة بعد يأسها ليس بحيض ولو كان بصفاته ؛ بلا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) . إنّما الإشكال في حدّ اليأس هل هو ستّون مطلقاً (3) أو خمسون كذلك(4) أو تفصيل بين القرشية وبين غيرها (5) أو بين القرشية والنبطية وبين غيرهما (6) ؟

وجوه وأقوال منشؤها اختلاف الأخبار ، ففي صحيحة عبدالرحمان ابن الحجّاج عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون سنة»(7) .

وليس في طريقها من يتأمّل فيه إلاّ محمّد بن إسماعيل النيسابوري الذي لم يرد فيه توثيق ، وإنّما هو راوية الفضل بن شاذان ، لكن من تفحّص رواياته

ص: 77


1- وسائل الشيعة2 : 336 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 6 و8 .
2- شرائع الإسلام 1 : 21 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 171 ؛ مستند الشيعة 2 : 374 ؛ جواهر الكلام 3 : 160 - 161 .
3- شرائع الإسلام 1 : 21 ؛ منتهى المطلب 2 : 272 .
4- النهاية : 516 ؛ السرائر 1 : 145 ؛ مدارك الأحكام 1 : 323 .
5- المبسوط 1 : 42 ؛ المعتبر 1 : 199 - 200 .
6- المقنعة : 532 ؛ إرشاد الأذهان 1 : 226 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 228 .
7- الكافي 3 : 107 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 335 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 1 .

اطمأنّ بوثاقته وإتقانه ؛ فإنّ كثيراً من رواياته - لو لم نقل أغلبها - منقولة بطريق آخر صحيح أو موثّق أو معتبر طابق النعل بالنعل ، والوثوق والاطمئنان الحاصل من ذلك ، أكثر من الوثوق الذي يحصل بتوثيق الشيخ أو النجاشي أو غيرهما .

وفي صحيحته الاُخرى قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال . . .» إلى أن قال : «والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» .

قال : قلت : وما حدّها ؟ قال : «إذا كان لها خمسون سنة»(1) .

وفي طريقها سهل بن زياد الآدمي وأمره سهل بعد اشتراكه في إتقان الرواية وكثرتها مع النيسابوري . بل هو أكثر رواية منه ، وله قدم راسخ في جميع أبواب الفقه ، كما يتّضح للمتتبّع ، مع قرائن كثيرة توجب الاطمئنان بوثاقته .

وفي مرسلة البزنطي عن بعض أصحابنا قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة»(2) .

نعم ، روى الشيخ - بإسناده عن عبدالرحمان بن الحجّاج - الروايةَ المتقدّمة مع اختلاف يسير من التقديم والتأخير في العبارة ، وفيها : «إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ، ومثلها لا تحيض»(3) .

لكن في سندها تأمّل ؛ فإنّ في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن ، علي بن

ص: 78


1- الكافي 6 : 85 / 4 ؛ وسائل الشيعة 22 : 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 2 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 107 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 335 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 469 / 1881 ؛ وسائل الشيعة 2 : 337 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 8 .

محمّد بن الزبير القرشي(1) ، ولم يرد فيه توثيق .

وإنّما قال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبد الواحد : «وكان قد لقي أبا الحسن علي بن محمّد القرشي المعروف بابن الزبير ، وكان عُلوّاً في الوقت»(2) ، وقد جعل بعض المتأخّرين - كالمحقّق الداماد - الجملة الأخيرة وصفاً له ، ففهم منه التوثيق أو قريباً منه(3) ، مع أنّ قول النجاشي لا يبعد أن يكون مربوطاً بأحمد بن عبدون ؛ لأ نّه في مقام ترجمته ، لا ترجمة ابن الزبير .

مع أنّ قوله : «كان علوّاً في الوقت» يحتمل قريباً جريه على الاصطلاح ؛ من كونه علوّاً في السند من حيث كثرة عمره أو عمر واسطته ؛ فإنّ ابن الزبير عمّر مائة سنة على ما ذكروا (4) ومعنى «عُلُوّ السند» قلّة الوسائط ، فقول النجاشي

مربوط ظاهراً بابن عبدون ، وأ نّه لأجل لقائه القرشي كان عالي السند في رواياته في ذلك الزمان .

وكيف كان : فمع الإشكال في السند - وإن كان الأرجح عندي قبول رواياته - يحتمل قريباً وقوع اشتباه في الرواية ؛ إمّا من الرواة ، أو من النسّاخ ؛ لبُعد كونها

رواية اُخرى مستقلّة غير الصحيحة ، وبُعد الاشتباه في الصحيحة لتأيّدها

ص: 79


1- قال الشيخ الطوسي في مشيخة التهذيب : «وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضّال ، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاً منه وإجازة عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضّال» . تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 55 - 56 .
2- رجال النجاشي : 87 / 211 .
3- اُنظر منتهى المقال 5 : 56 .
4- رجال الطوسي : 430 / 22 ؛ منتهى المقال 5 : 56 .

بالصحيحة الاُولى ومرسلة البَزَنْطي بل ومرسلات ابن أبي عمير والصدوق والمفيد والشيخ(1) .

بل لا يبعد أن يكون الاشتباه من النسّاخ في النسخ الأوّلية من كتاب الشيخ ؛

لأنّ الفتوى بهذه الرواية حدثت بعد زمان الشيخ في عصر المحقّق(2) والعلاّمة(3) .

ونُقل عن «مبسوطه» : «وتيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش ، فإنّه روي : أ نّها ترى دم الحيض إلى ستّين سنة»(4) ولم يُشر إلى رواية الستّين مع إشارته إلى المرسلة .

وكيف كان : فلا يبقى مع ما ذكرنا وثوق بالرواية ، وليست حجّية الخبر الواحد

تعبّدية محضة بل لأجل عدم ردع بناء العقلاء أو تنفيذه(5) .

ولا إشكال في أنّ العقلاء لا يعملون بمثل هذه الرواية ، ولا أقلّ من عدم إحراز بنائهم على العمل بمثلها ، فلا إشكال في ضعف القول بالستّين مطلقاً .

والأقوى هو التفصيل بين القرشية وغيرها . والبحث عن النبطية لا يجدي بعد عدم معروفية هذه الطائفة .

أدلّة التفصيل بين القرشية وغيرها

وأمّا القرشية ، فقد دلّت على التفصيل بينها وبين غيرها ، مرسلة

ص: 80


1- تأتي في الصفحة 81 .
2- شرائع الإسلام 1 : 21 ؛ المعتبر 1 : 199 - 200 .
3- منتهى المطلب 2 : 272 .
4- المبسوط 1 : 42 .
5- أنوار الهداية 1 : 254 - 256 .

ابن أبي عمير(1) التي هي في حكم الصحيحة عندهم(2) حتّى أنّ المجلسي رحمه الله علیه

وصف هذه المرسلة بالصحيحة في «مرآته»(3) .

ولا تقصر عنها مرسلة الصدوق قال : قال الصادق علیه السلام : «المرأة إذا بلغت خمسين لم ترَ حمرة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش ، وهو حدّ المرأة التي تيأس من الحيض»(4) .

فإنّ هذا النحو من الإرسال والنسبة إلى الصادق علیه السلام على نحو الجزم من مثل الصدوق ، لا يصحّ إلاّ مع علمه بصدور الرواية ، ومعلوم من طريقته أنّ النسبة ليست من الاجتهاد ، فهو إمّا اتّكل على مرسلة ابن أبي عمير ، فحكمه على نحو الجزم يوجب الوثوق بها ، وإمّا جزم بصدورها مستقلاًّ ، وهو لا يقصر عن توثيق الوسائط بالنظر إلى طريقته .

ومثلها ما عن «المقنعة» قال : «روي : أنّ القرشية من النساء والنبطية ، تريان الدم إلى ستّين سنة»(5) وعن الشيخ في «المبسوط» : تيأس المرأة إذا بلغت

خمسين سنة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش ، فإنّه روي : «أ نّها ترى دم الحيض

ص: 81


1- الكافي 3 : 107 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 335 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 2 .
2- اُنظر جواهر الكلام 3 : 163 .
3- مرآة العقول 13 : 253 .
4- الفقيه 1 : 51 / 198 ؛ وسائل الشيعة 2 : 336 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 7 .
5- المقنعة : 532 ؛ وسائل الشيعة 2 : 337 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 9 .

إلى ستّين سنة»(1) وهما مرسلتان مستقلّتان غير السابقتين ؛ لافتراقهما عنهما مضموناً كافتراق أنفسهما .

هذا مع اشتهار الحكم بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، وقد نقل الشهرة عن «جامع المقاصد» و«فوائد الشرائع» في التفصيل بين القرشية والنبطية وغيرهما (2) ، وادّعاها في «الروضة»(3) وادّعى الشهرة في التفصيل بين القرشية وغيرها صاحب «المسالك» و«الجواهر»(4) ، وعن «التبيان» و«المجمع» نسبة ذلك إلى الأصحاب(5) ، بل هو مقتضى الجمع بين الروايات على فرض استقلال

رواية ابن الحجّاج(6) ومرسلة الكليني(7) على تأمّل .

فلا ينبغي الإشكال بعدم صراحة «الحمرة» في الحيض ، كما في مرسلتي ابن أبي عمير والصدوق ولا «الدم» فيه ، كما في مرسلة المفيد وعدم ذكر الستّين للقرشية فيهما ، ولعلّ فتوى المشهور كان لأجل الجمع بين روايتي ابن الحجّاج ومرسلة ابن أبي عمير ، وبعد ترجيح تصحيف الستّين ، لا يبقى دليل

ص: 82


1- المبسوط 1 : 42 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 134 ؛ جامع المقاصد 1 : 285 - 286 .
3- الروضة البهيّة 1 : 94 و95 .
4- مسالك الأفهام 1 : 58 ؛ جواهر الكلام 3 : 161 - 163 .
5- التبيان في تفسير القرآن 10 : 30 ؛ مجمع البيان 10 : 457 - 458 .
6- تهذيب الأحكام 7 : 469 / 1881 ؛ وسائل الشيعة 2 : 337 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 8 .
7- الكافي 3 : 107 ، ذيل الحديث 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 336 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 4 .

على التفصيل إلاّ مرسلة الشيخ والمفيد وهما غير كافيتين للاحتجاج بعد احتمال أنّ إرسالهما لأجل الجمع وتخلّل الاجتهاد ؛ ضرورة أنّ مثل هذه الاحتمالات العقلية تأتي في جميع الفقه ، وهي ليست معتدّاً بها ومعياراً لفهم الأحكام .

ولا يجوز نسبة هذا الجمع - الغير المقبول لدى العقلاء - إلى الفقهاء ، وأنّ

مبنى اشتهار الفتوى هذا الجمع البعيد الغير الوجيه . بل عدم ذكر الستّين في المرسلتين يؤكّد كون الحكم كذلك كان مشهوراً لدى الإمامية ومعروفاً من لدن زمن الأئمّة علیهم السلام من غير احتياج إلى الاستناد إلى رواية ، والشهرة في مثل هذا الحكم التعبّدي المخالف للقواعد حجّة مستقلّة ؛ لو لم نقل بكفاية مرسلتي المفيد والشيخ مع انجبارهما بفتوى الطبقة المتقدّمة والمتأخّرة .

مقتضى الأصل عند الشكّ في القرشية والنبطية

ثمّ مع الشكّ في كون امرأة قرشيةً ، لا تجري أصالة عدم القرشية أو عدم الانتساب إلى قريش لو كان المراد بها الاستصحاب ؛ لما حقّق في محلّه(1) .

وإن كان المراد بها الأصل العقلائي المستند إلى الغلبة وندرة الطائفة بين سائر الطوائف ، فلها وجه ، وإن لم يخلُ من إشكال منشؤه عدم ثبوت هذا الأصل ، وعدم ندرة هذه الطائفة بحدّ يتّكل العقلاء على الأصل لدى الشبهة .

نعم ، لا بأس بها مع الشكّ في النبطية ؛ لاحتمال الانقراض رأساً ، فاحتمال النبطية ضعيف إلى حدّ لا يعتني به العقلاء .

ص: 83


1- مناهج الوصول 2 : 234 - 236 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 112 - 113 .
الأمر الثالث في أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام
اشارة

لا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) في عدم كون ما رأت المرأة أقلّ من ثلاثة أيّام حيضاً ، ونقل الإجماع عليه مستفيض(3) ، وعن «الأمالي» : «أ نّه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به»(4) وعن «المعتبر» : «هو مذهب فقهاء أهل البيت علیهم السلام »(5).

نعم ، يقع الكلام هاهنا في جهتين :

حول الروايات الواردة في حدود الحيض

الجهة الاُولى : - وهي التي لا تختصّ بالمقام ، وقد مرّ فيها بعض الكلام(6) - أنّ الروايات الواردة في حدود الحيض - كعدم كونه قبل التسع وبعد اليأس وعدم كونه أقلّ من ثلاثة أيّام وأكثر من عشرة أيّام(7) - هل هي في مقام تحديد واقع الحيض ؛ وأنّ ما خرج على خلاف تلك الحدود ليس من الحيض تكويناً ، بل من

ص: 84


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
2- النهاية : 26 ؛ شرائع الإسلام 1 : 21 ؛ نهاية الإحكام 1 : 117 ؛ مدارك الأحكام 1 : 319 .
3- جواهر الكلام 3 : 147 .
4- الأمالي ، الصدوق : 516 .
5- المعتبر 1 : 201 .
6- تقدّم في الصفحة 9 و75 .
7- راجع وسائل الشيعة 22 : 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 2 ، الحديث 4 ، والباب 3 ، الحديث 5 ، و2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .

مبدأ آخر ؛ إمّا من عرق العاذل أو من القرحة في الجوف ، أو غير ذلك ؟

أو في مقام التحديد الشرعي ؛ بمعنى جعل الشارع موضوع الأحكام صنفاً خاصّاً من دم الحيض لا مطلقَه ، كما جعل موضوع القصر صنفاً خاصّاً من السفر ، فقبل ثمانية فراسخ وإن كان سفراً واقعاً لكن لا يترتّب عليه الأحكام ، وكذا سفر المعصية والصيد ، فكذا لو فرض تحقّق دم الحيض - أي الدم الطبيعي المعهود - قبل التسع أو بعد الخمسين أو أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة ، لم يكن موضوعاً للحكم الشرعي ؟

أو في مقام بيان جعل الشارع أمارات للحيض عند الاشتباه ، وكانت الأحكام مترتّبة على واقع الحيض ونفس طبيعة الدم المعهود ، لكن لمّا كان الموضوع غالباً مورد الاشتباه ، جعل أمارات له أو لعدمه ، فكون الدم أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة أو قبل البلوغ وبعد اليأس ، محكوم بعدم الحيضية ظاهراً ، فلو علمت بحيضية ما خرج قبل البلوغ أو بعد اليأس يجب عليها التحيّض والعمل بالوظائف ؛ لكونها حائضاً ، وهي موضوع للأحكام ؟

قد يقال بالأخير(1) ؛ جمعاً بين أدلّة أحكام الحيض الظاهرة في كون الحكم لنفس ماهية الدم ، وبين موثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة الحُبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : «إن كان الدم عبيطاً فلا تصلِّ ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(2) .

ص: 85


1- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 156 و187 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .

وكذا موثّقة سماعة الظاهرة في وجوب الجلوس إذا رأت الدم يومين ، قال : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين ، وفي الشهر ثلاثة أيّام ، يختلف عليها ، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ؛ ما لم يَجُز العشرة ، فإذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها»(1) .

بدعوى : أنّ الروايتين محمولتان على صورة عدم الشبهة والعلم بكون الدم حيضاً ، وسائر الروايات محمولة على صورة الشبهة .

وأنت خبير : بأنّ ذلك - مضافاً إلى مخالفته للإجماع - ليس من الجمع المقبول ؛ فإنّ الظاهر من الروايتين صورة الاشتباه وعدم العلم ، ولهذا أرجعها إلى الأمارة وكونه عبيطاً أو صفرة .

ودعوى كون الرواية بصدد رفع الاشتباه والتنبيه على عدم كون المورد من موارد الاشتباه ، لا لجعل الأمارة لدى الشبهة ، كما ترى .

كما أنّ رواية سماعة لا

تدلّ على ما ذكر إلاّ من حيث تقرير الإمام قعودها في الشهر يومين ، وهو لا يقاوم الأدلّة الناصّة على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام(2) . مع ما في ذيلها من أ نّه «إذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها» من ظهوره في أكثر من يومين . وأمّا قوله : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة» فحكم ظاهري لمن رأت الدم ، كما في رؤية الدم في أيّام العادة .

ص: 86


1- الكافي 3 : 79 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 14 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .

وإن أبيت عن جميع ذلك ، فلا بدّ من ردّ علمهما إلى قائلهما مع إعراض الأصحاب عنهما ، فالاحتمال الأخير أضعف الاحتمالات .

ولا يبعد أن يكون أقربها ثانيَها ؛ لما مرّ من بُعد كونها تحديداً للواقع ، فإنّ الحيض - أي الدم المعهود - قد يكون أكثر من عشرة أو أقلّ من ثلاثة ، ولا يمكن الالتزام بأنّ الدم إلى الساعة الأخيرة من اليوم العاشر حيض تكويناً وله مجرى ، وإذا بلغ آخر العشرة انسدّ الطريق المخصوص بالحيض ، وانفتح طريق آخر ؛ وإن كان ظاهر بعض الروايات تحديد الواقع كمرسلة يونس القصيرة(1) وغيرها (2) ، لكن ورود التحديد في لسان الشارع محمول على التحديد التعبّدي لا التكويني ؛ لعدم اهتمام الشارع في مقام بيان الأحكام وموضوعاتها ببيان حال التكوين ، بل همّه بيان موضوع أحكامه .

اعتبار التوالي في الأيّام الثلاثة

الجهة الثانية : هل يشترط التوالي في رؤية الدم ثلاثة أيّام ، فلا يحكم بحيضية ما تراه ثلاثة متفرّقة ولو بين العشرة ، أو يكفي كونها في جملة العشرة أو يكفي كونها متفرّقة ؛ بحيث لا يتخلّل بين أبعاضها عشرة أيّام ، أو يفصّل بين الحامل وغيرها ؟

ص: 87


1- يأتي في الصفحة 91 - 92 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 5 و6 .

والمشهور هو الأوّل ، كما في «المسالك» و«الحدائق» و«الجواهر» و«طهارة الشيخ الأعظم» وعن «الذكرى» و«شرح المفاتيح»(1) .

الروايات الدالّة على اعتبار التوالي

وتدلّ عليه - قبل الاُصول التي يأتي البحث عنها (2) - الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثر ما يكون عشرة أيّام»(3) ومثلها أو قريب منها غيرها (4) .

تقريب الاستدلال بها : أنّ الحيض إمّا الدم المعهود ، أو سيلانه ، أو أمر معنوي محصّل به ، وعلى أيّ حال لا يصدق كون أقلّه ثلاثة أيّام إلاّ مع الاستمرار ؛ فإنّ الدم إذا جرى يوماً ، وانقطع يوماً ، ثمّ جرى يوماً ، وانقطع يوماً ، ثمّ جرى يوماً ، وقلنا بأنّ هذه الدماء حيض ، يكون أقلّ الحيض يوماً واحداً ؛ ضرورة أنّ الدم في اليوم الأوّل - بعد تعقّبه بالثاني والثالث - يكون دماً مستقلاًّ منقطعاً عن الدمين

المتأخّرين ، وهو حيض حسب الفرض ، فيكون أقلّ الحيض يوماً واحداً ،

ص: 88


1- مسالك الأفهام 1 : 57 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 159 ؛ جواهر الكلام 3 : 149 - 150 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 153 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 230 ؛ مصابيح الظلام 1 : 120 .
2- يأتي في الصفحة 99 - 100 .
3- الكافي 3 : 75 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .

لا ثلاثة أيّام ، إلاّ بتأويل وتوجيه يأتي الكلام فيه(1) .

وبعبارة اُخرى : أنّ الدم - وكذا كلّ أمر تدريجي الوجود - ما دام كونه سائلاً ، يعدّ مصداقاً واحداً للطبيعة ، وإذا انقطع وتخلّل بينه وبين قطعة اُخرى نقاء أو طهر ، تكون القطعتان مصداقين للطبيعة ، لا مصداقاً واحداً ، فالدماء المتفرّقة في عشرة أيّام إذا كان عدد مجموعها ثلاثة أيّام ، تكون مصاديق متعدّدة مستقلّة للدم ولسيلانه أيضاً وجداناً ، ومع كونها حيضاً تكون ثلاثة مصاديق لدم الحيض ، فيكون أقلّ دم الحيض يوماً واحداً ، وكذا أقلّ سيلانه ، إلاّ بالتأويل وارتكاب التجوّز .

وهكذا لو قلنا : بأنّ الحيض عبارة عن أمر معنوي حاصل بالدم إذا بلغ ثلاثة أيّام في العشرة ، فإنّ هذا الأمر المعنوي يحصل بالدم المتعقّب بثلاثة أيّام ، فإذا

قيل بكفاية التفرّق لا يمكن أن يكون الأقلّ ثلاثة ؛ لأ نّه إذا قلنا بأنّ الفترات طهر ، يكون الحيض في زمان جريان الدم مصداقاً مستقلاًّ ، ومع تخلّل الطهر بينه وبين مصداق آخر ، لا يمكن أن يكون المصداقان واحداً إلاّ بالتأوّل والتجوّز والاعتبار ، فيكون أقلّ الحيض يوماً ، لا ثلاثة أيّام .

ولو قلنا : بأنّ الفترات أيضاً حيض ، يكون أقلّ الحيض في الفرض أكثر من ثلاثة أيّام ؛ لأ نّه إذا فرض جريان الدم يومين ، ثمّ انقطع يوماً وجرى يوماً ، يكون

الحيض - أي الأمر المعنوي - أربعة أيّام ، فكون أقلّ الحيض ثلاثة أيّام حقيقة ، لا يمكن إلاّ بتوالي الأيّام الثلاثة على جميع الاحتمالات .

ص: 89


1- يأتي في الصفحة 106 .

وبما ذكرنا يظهر : أ نّه لا وقع للاعتراض عليه(1) تارة : بمقايسة المقام بنذر الصوم وهو واضح ، واُخرى : بالنقض بالعشرة المقابلة للثلاثة لقيام الإجماع على عدم لزوم التوالي ، فإنّ كون أكثر الحيض - بمعنى الدم أو سيلانه أو الأمر المعنوي - عشرة أيّام ، لا ينافي الإجماع المذكور ؛ ضرورة أ نّه مع هذا الإجماع تكون العشرة مع تفرّق أيّام الدم بعد توالي ثلاثة أيّام حيضاً ، لا دم الحيض وسيلانه ، فإذا كان المراد من «الحيض» في الروايات دم الحيض أو سيلانه ، يكون أكثر الحيض عشرة أيّام متوالية ، وتكون العشرة المذكورة حيضاً حكماً لا حقيقة .

بل لنا أن نقول : إنّ الدم الذي بعد النقاء الحاصل بعد الثلاثة المتوالية ، حيض حكماً ؛ لدلالة الأدلّة على أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، ولو كان الدم

المرئي يوماً حيضاً ، لكان منافياً للروايات المتقدّمة ، تأمّل .

ولو قلنا : بأنّ الحيض أمر معنوي يكون أكثر الحيض عشرة أيّام - سواء استمرّ الدم في العشرة ، أو رأت الدم بعد الثلاثة متفرّقاً إلى العاشر - فلا يرد النقض أصلاً . بل لو قلنا ذلك لم يرد علينا النقض ؛ بأنّ رؤية الدم يوماً واحداً بعد الثلاثة

المتوالية قبل تمام العشرة ، مصداق من الدم ، وهو حيض ، فيكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام ، ضرورة أنّ الحيض - على هذا الفرض - أكثر من ثلاثة أيّام ؛ لأنّ أيّام

النقاء أيضاً حيض ، كما يأتي الكلام فيه(2) .

ص: 90


1- الحدائق الناضرة 3 : 166 .
2- يأتي في الصفحة 119 .

نعم ، بناءً على كون النقاء طهراً - كما يراه صاحب «الحدائق»(1) - يرد هذا النقض ، لكنّ المبنى غير تامّ .

التمسّك بمرسلة يونس القصيرة على عدم اعتبار التوالي

ثمّ إنّ في مقابل هذه الروايات روايات ، عمدتها مرسلة يونس القصيرة التي رواها في «الكافي» عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أدنى الطهر عشرة أيّام ؛ وذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربّما كانت كثيرة الدم ، فيكون حيضها عشرة أيّام ، فلا تزال كلّما كبرت نقصت حتّى ترجع إلى ثلاثة أيّام ، فإذا رجعت إلى ثلاثة أيّام ارتفع حيضها ، ولا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام .

فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض . وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين ، اغتسلت وصلّت ، وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام . فإن رأت في تلك العشرة أيّام - من يوم رأت الدم - يوماً أو يومين حتّى يتمّ لها ثلاثة أيّام ، فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في عشرة ، فهو من الحيض .

وإن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيّام ولم تَرَ الدم ، فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض ، إنّما كان من علّة : إمّا قرحة في جوفها ، وإمّا من الجوف ، فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها ؛ لأ نّها لم تكن حائضاً ، فيجب أن تقضي ما تركت من الصلاة في اليوم واليومين .

ص: 91


1- الحدائق الناضرة 3 : 160 .

وإن تمّ لها ثلاثة أيّام فهو من الحيض ، وهو أدنى الحيض ، ولم يجب عليها القضاء . ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام .

وإذا حاضت المرأة ، وكان حيضها خمسة أيّام ، ثمّ انقطع الدم ، اغتسلت وصلّت . فإن رأت بعد ذلك الدم ، ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرةُ أيّام ، فذلك من الحيض ؛ تدع الصلاة .

وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام ودام عليها ، عدّت - من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني - عشرة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة ؛ تعمل ما تعمله المستحاضة» .

وقال : «كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها - من صفرة أو حمرة - فهو من الحيض ، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض»(1) .

وهذه المرسلة - كما ترى - تدلّ على أنّ الثلاثة لا يلزم أن تكون متّصلة

متوالية ، فتفسّر ما في الروايات : من أنّ الدم لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، فلو لا الإشكالات الآتية ، لكان الجمع بينها وبين تلك الروايات عقلائياً ؛ لحكومتها عليها ، وتكون نتيجته هو القول المخالف للمشهور .

ولكنّ العمل بمثل تلك المرسلة في غاية الإشكال ، لا

لكون الحكم على خلاف المشهور وإن كان له وجه وجيه ، واحتمال تخلّل الاجتهاد في البين ، أو إعمال المعارضة وترجيح الروايات المقابلة - لا الإعراض عنها - بعيد ، بل فاسد مع ما ترى من الجمع الوجيه العقلائي بين الطائفتين ؛ بحيث لا يبقى معه شبهة

ص: 92


1- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 4 ، و : 299 ، الباب 12 ، الحديث 2 .

المعارضة ، فكيف يمكن نسبة عدم فهم هذا النحو من الجمع المقبول العرفي إلى مشهور العلماء وأرباب اللسان ؟ !

بل لأنّ في المرسلة اضطرابات ومناقضات ومخالفات للمشهور ، ربّما تبلغ المناقشات فيها إلى عشر أو أكثر ، مع الغضّ عن التأمّل في سندها بإسماعيل بن مرار الذي لم يرد فيه توثيق وأكثر ما ورد فيه عدم استثناء ابن الوليد إيّاه من رجال يونس(1) ، وفي كفايته تأمّل وإن كانت غير بعيدة ، خصوصاً مع قول الصدوق في شأن ابن الوليد(2) ، وعن إرسالها وإن كان المرسل يونس ؛ لعدم ثبوت كون مرسلاته حجّة ، بل عدم ثبوت ذلك في سائر أصحاب الإجماع أيضاً ؛ لأنّ استفادة ذلك من إجماع الكشّي وعباراته الواردة في شأن الطوائف الثلاث محلّ إشكال ، والشهرة المتأخّرة عنه غير معتمدة ، مع قرب احتمال كون الاشتهار - على فرض ثبوته - من فهم تلك العبارة الواردة من الكشّي ، فراجع عباراته(3) .

فمن الاضطرابات فيها : هو التعليل الواقع فيها لكون أدنى الطهر عشرة أيّام ، لعدم التناسب بينهما ؛ فإنّ كون المرأة في أوّل حيضها كثيرة الدم في بعض الأحيان ، ليس علّة لكون أقلّ الطهر عشرة ، ولا مناسباً له أصلاً (4) .

والتوجيه بأنّ المناسبة المصحّحة للعلّية ، هي معلومية عدم تحيّض النساء

ص: 93


1- اُنظر الفهرست ، الطوسي: 266 / 813 .
2- الفقيه 2 : 55 ، ذيل الحديث 241 .
3- اختيار معرفة الرجال : 238 / 431 ، و : 375 / 705 ، و : 556 / 1050 .
4- سيأتي في باب النفاس ما يمكن أن يكون وجه التناسب أ .[منه قدس سره] (أ) يأتي في الصفحة 533 .

عادة في كلّ شهر إلاّ مرّة ؛ وإن كان ربّما يعجّل بها الوقت بيوم أو يومين ، لكن ليس التحيّض في شهر مرّتين تامّتين عادة لهنّ ، فإذا كان المتعارف بينهنّ ذلك فيحسن التعليل ؛ لأ نّه إذا كان حيض كثيرة الدم عشرة أيّام ولم يتعدّ عنها ، فكيف يكون الطهر أقلّ من عشرة مع أ نّها لا تحيض إلاّ مرّة واحدة في كلّ شهر(1) ؟ !

غير وجيه ؛ لأ نّه إذا كان المتكلّم بصدد بيان عادة نوع النساء ، فمع هذا التوجيه لا بدّ وأن يقول : «لا يكون أقلّ من عشرين» لا عشرة ، وذكر العشرة إنّما

يحسن إذا علّلها : «بأنّ المرأة لا تحيض زائداً عن مرّتين في الشهر كلّ مرّة عشرة أيّام» ومعه يكون أقلّ الطهر عشرة أيّام ، فتعليل كون أقلّ الطهر عشرة أيّام وعدم كونه أقلّ من ذلك بزيادة دم النساء في أوّل الحيض ، لا يكون له وجه صحّة ، فضلاً عن حُسن .

ومنها : قوله : «اغتسلت» مع أنّ الغسل مع الشكّ في الحيض - بل في الاستحاضة ، واحتمال دم ثالث ، كما أبداه في نفس الرواية ؛ حيث قال مع عدم رؤية اليوم الثالث : إنّه ليس بحيض ، بل من قرحة في الجوف أو من الجوف - ليس له وجه مع جريان الاستصحاب ؛ وأ نّه لا ينبغي لها أن تنقض اليقين بالشكّ ، وإيجاب الاحتياط عليها - كما هو ظاهر الرواية - لا يناسب الاحتياط الغير اللازم . بل لا يبعد دعوى عدم ملاءمة أدلّة الاستصحاب لحسن الاحتياط بالعمل على خلافها .

ومنها : الأمر بالانتظار إلى عشرة أيّام من يوم رأت الدم ، مع أنّ الانتظار إلى العشرة إنّما يجب في بعض الأحيان لا مطلقاً ؛ فإنّها إذا رأت يوماً وانقطع ، ولم تَرَ

ص: 94


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 39 .

إلى اليوم التاسع ، انقطع انتظارها ، فإنّ رؤيته في أثناء اليوم التاسع توجب أن لا تكون الثلاثة في أثناء العشرة ، ومعه لا يكون الدم حيضاً بحكم المرسلة ، وإنّما دم الحيض ما إذا تمّت الثلاثة في العشرة ، وكذا سائر الفروض المشابهة لما ذكرنا .

ومنها : أنّ صريحها في موضعين منها أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ، وظاهر بعض فقراتها أنّ الطهر أقلّ من عشرة ، كما اتّكل عليه صاحب «الحدائق» وحمل الأوّل على ما بين الحيضتين المستقلّتين ، والآخر على ما بين الحيض الواحد(1) ، وهو - كما ترى - خروج عن طريق المحاورة . مع أنّ المناسب على زعم صاحب «الحدائق» أن يذكر في الرواية الطهر بين الحيضة الواحدة ويقول : «إنّ الطهر قد يكون أقلّ من عشرة» لا أن يقول : «إنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام» ثمّ يردفه بما يثبت الأقلّية ، ثمّ يعقّب ذلك بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ، فإنّ كلّ ذلك اضطراب واغتشاش .

ومنها : جعل حساب العشرة تارة : من أوّل ما رأت الدم الأوّل ، واُخرى : من أوّل يوم طهرت ، فالدم فيما بعد العشرة من أوّل رؤية الدم ، ليس بحيض على الحساب الأوّل ، وحيض على الحساب الثاني . ولو كان بدل «طهرت» «طمثت» - كما نقل عن نسخة مصحّحة مقروءة على الشيخ العاملي(2) - فهو اغتشاش واضطراب آخر .

ومنها : جعل ميزان الحساب ثالثاً نفس الدم الأوّل والثاني ، وجعل

ص: 95


1- الحدائق الناضرة 3 : 160 - 161 .
2- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 172 .

الاستحاضة بعد العشرة من الدمين ، فلو فرض أ نّها رأت الدم خمسة أيّام ، ورأت

الطهر ثلاثة أيّام ، ثمّ الدمَ عشرة أيّام ، فالدم في اليوم الحادي عشر من مبدأ اليوم

الأوّل ليس بحيض ؛ بناءً على مفاد أوّل الرواية ، وحيض بناءً على الثاني والثالث ، وأمّا الدم في الخامس عشر فليس بحيض بناءً على الأوّل والثاني ، دون الثالث .

ومنها : الحكم بحيضية الدم المتجاوز عن العشرة في ذات العادة ، كما هو ظاهرها . . . إلى غير ذلك .

والإنصاف : أنّ مثل تلك المرسلة مع هذا التشويش ومخالفات الشهرة - بل الإجماع في بعضها - والوهنِ في بعض تعابيرها ، غير صالحة للاتّكال عليها والاحتجاج بها . مع ما مرّ : من أنّ العمل بالروايات ليس لتعبّد صِرف ، بل العمدة هو بناء العقلاء وعدم الردع أو الإمضاء(1) وهم لا يعملون بمثل تلك الروايات مع ما عرفت .

التمسّك بصحيحة ابن مسلم وروايته على عدم اعتبار التوالي

وقد يستدلّ لعدم اشتراط التوالي بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «وإذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الاُولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة»(2) .

ص: 96


1- تقدّم في الصفحة 80 .
2- الكافي 3 : 77 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 298 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 3 .

وروايته عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة»(1) .

بدعوى إطلاقهما لرؤية الدم أوّلاً يوماً أو يومين ، قال في «الحدائق» : «التقريب فيهما : أ نّهما ظاهرتان في أ نّه إذا رأت المرأة الدم بعد ما رأته أوّلاً

- سواء كان يوماً أو أزيد - فإن كان بعد توسّط عشرة أيّام خالية من الدم ، كان الدم الثاني حيضة مستقلّة ، وإن كان قبل ذلك كان من الحيضة الاُولى»(2) .

وأنت خبير بما فيها ؛ فإنّ الرواية الاُولى مع إجمال صدرها - أعني قوله : «إذا رأت الدم قبل عشرة» - لا يفهم منها شيء ، فلا محالة إمّا أ نّها كانت مسبوقة بكلام آخر أسقطه الرواة لبعض الدواعي ، أو كان المعهود أمراً رافعاً للإجمال ، وإلاّ فلا يفهم من «عشرة» مبهمة شيء ، ولا يعلم ما كان معهوداً ذهناً أو ذِكْراً ، فكيف يستدلّ بها ، وبأيّ إطلاق يكون الاستدلال ؟ !

مع إمكان أن يستكشف المعهود من نفس الرواية ؛ أي قوله : «من الحيضة الاُولى» فكأنّ الكلام بتلك القرينة ، كان مسبوقاً بأ نّه إذا حاضت المرأة ، وانقطع حيضها ، ورأت الدم قبل عشرة ، فهو كذلك ، فكأ نّه قال : «إذا رأت المرأة الدم بعد حيضها قبل عشرة أيّام . . .» إلى آخره .

والدليل عليه : أنّ الحيضة كانت مفروضة الوجود ، بل الدم الثاني أيضاً كان

ص: 97


1- تهذيب الأحكام 1 : 156 / 448 ؛ وسائل الشيعة 2 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 11 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 162 .

مفروض الحيضية ، ووقع الكلام في إلحاق الحيض المفروض بالحيض المفروض المتقدّم أوّلاً ، أو كونه بنفسه حيضاً مستقلاًّ ، وهذا هو المتفاهم منها ، ومعه لا دلالة لها على دعوى صاحب «الحدائق» بل لها إشعار أو دلالة على خلافها .

ومنه يظهر الكلام في الرواية الثانية ، بل هي أظهر فيما ذكرنا ؛ لكونها مسبوقةً بقوله : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام» ممّا يفهم منه الاستمرار بالتبادر أو بما قرّرناه سابقاً (1) ، ومتعقّبةً بقوله : «وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام . . .» إلى آخره ، وظاهرها أنّ المرأة بعد أن تحيّضت بثلاثة أيّام ، إذا طهرت ورأت الدم قبل عشرة أيّام ، فهو من الحيض المفروض التحقّق بتحقّق ثلاثة أيّام متوالية ، فتدلّ على خلاف مقصود صاحب «الحدائق» .

وإن تنزّلنا عن ذلك نقول : إنّ الروايتين ليستا في مقام بيان كون الدم حيضاً حتّى يتمسّك بإطلاقها ، بل في مقام بيان أمر آخر ؛ وهو استقلال الحيض وعدمه .

التمسّك برواية عبد الرحمان على عدم اعتبار التوالي

ومنه يظهر الكلام في رواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه المنقولة في أبواب العدد قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة إذا طلّقها زوجها ، متى تكون أملك بنفسها ؟ قال : «إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها» .

قلت : فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قرئها ؟ فقال : «إذا كان الدم قبل عشرة

ص: 98


1- تقدّم في الصفحة 88 - 90 .

أيّام فهو أملك بها ، وهو من الحيضة التي طهرت منها ، وإن كان الدم بعد العشرة أيّام فهو من الحيضة الثالثة ، وهي أملك بنفسها»(1) .

ضرورة أنّ المفروض رؤيتها الحيضتين ، ووقع الكلام في الدم الذي عجّل عليها ، وكانت الشبهة لأجل التعجيل بعد فرض حيضية الثاني ، بل حيضية الدم الذي رأته بعد الثانية ، وإنّما شبهته كانت في أنّ الدم إذا عجّل عليها ، هل يوجب الخروج عن العدّة أم لا ؟ فأجاب بما أجاب ، ففرض الحيضة الثانية ممّا لا إشكال فيه ، فلا وجه للتمسّك بإطلاقها لمدّعاه(2) ، كما مرّ الوجه فيه .

بطلان التمسّك بقاعدة الإمكان على عدم اعتبار التوالي

هذا ، وأمّا التمسّك بقاعدة الإمكان وأدلّة الأوصاف(3) فضعيف ؛ لما مرّ من عدم الدليل على القاعدة . وعلى فرض تماميتها لا ترفع بها الشبهة الحكمية ، بل مصبّها الشبهة الموضوعية ، كما أنّ مصبّ الإرجاع للأوصاف - عند الدوران بين الحيض والاستحاضة - هو الشبهة الموضوعية لا الحكمية .

حول الاُصول الموضوعية والحكمية الدالّة على اعتبار التوالي

ثمّ إنّ هاهنا اُصولاً موضوعية وحكمية مع الغضّ عن الأدلّة ، كأصالة عدم

ص: 99


1- الكافي 6 : 88 / 10 ؛ وسائل الشيعة 22 : 212 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 17 ، الحديث 1 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 163 - 164 .
3- اُنظر مستند الشيعة 2 : 392 .

كون المرأة حائضاً ، وأصالة عدم تحقّق حيضها ، وأصالة عدم كون الدم حيضاً ،

وأصالة عدم حيضية الدم .

والفرق بينها لا يكاد يخفى على المتأمّل ؛ فإنّ القضيّة المتيقّنة في الاُولى «أنّ المرأة ليست بحائض» بنحو الليس الرابط ، فيتحقّق بها موضوع الأدلّة الاجتهادية التي رتّب الحكم بها على من لم تكن حائضاً ، فمن لم تكن حائضاً يجب عليها الصلاة ، ويجوز لها اللبث في المسجد . . . إلى غير ذلك ، والاستصحاب محقّق موضوعها .

وفي الثانية تكون القضيّة المتيقّنة «عدم تحقّق حيضها ، وعدم كون حيضها موجوداً» بنحو العدم المحمولي ، ولا يترتّب على هذا الاستصحاب ما تقدّم من الآثار إلاّ على الأصل المثبت ؛ فإنّ عدم كونها حائضاً من لوازم عدم تحقّق حيضها . نعم لو كان لعدم تحقّق الحيض أثر ، لترتّب عليه بالأصل المذكور .

وفي الثالثة تكون القضيّة المتيقّنة «أنّ الدم ليس بحيض» بنحو الليس الناقص ، وبالاستصحاب يترتّب عليه حكم عدم كون الدم حيضاً إذا كان له حكم شرعي . وأمّا الأحكام السابقة فلا تترتّب عليه إلاّ على الأصل المثبت ؛ فإنّ عدم كون المرأة حائضاً لازم عدم كون الدم حيضاً . كما لا يترتّب عليه حكم عدم حيضتها .

وفي الرابعة تكون القضيّة «عدم تحقّق حيضية الدم» بنحو الليس التامّ ،

ولا يترتّب عليه شيء من الأحكام المتقدّمة المترتّبة على موضوعات سائر القضايا ؛ لعين ما ذكرنا من المثبتية .

ص: 100

ولا يتوهّم : أنّ ما ذكرنا مخالف لصحيحتي زرارة ؛ حيث قال في الاُولى : «فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا

ينقض اليقين أبداً بالشكّ»(1) .

وفي الثانية : «لأ نّك كنت على يقين من طهارتك ، ثمّ شككت»(2) .

وظاهرهما جريان الأصل في الوجود المحمولي ، وترتّب أثر الرابط .

فإنّه مدفوع بمنع الظهور ، بل الظاهر منهما الكون الرابط ؛ فإنّ المتفاهم العرفي

من قوله : «إنّك كنت على يقين من طهارتك» - بإضافتها إلى الضمير - أ نّك كنت على يقين من كونك طاهراً ، أو كونك على وضوء ؛ على نحو ربط الصفة بموصوفها .

ثمّ إنّ جريان أصالة عدم كون الدم حيضاً موقوف على أحد الأمرين :

إمّا كون الدم في الباطن غير حيض، وتكون الحيضية من صفات الدم الخارج .

وإمّا جريان الأصل في الأعدام الأزلية .

وكلاهما ممنوعان ؛ ضرورة أنّ دم الحيض هو الدم المعهود المختزن في الرحم المقذوف في أوقات معيّنة ، كما يظهر من روايات باب اجتماع الحمل والحيض(3) . نعم لا يترتّب عليه حكم إلاّ بعد القذف وتحقّق سائر شرائطه . ولو كان الحيض عبارة عن سيلان الدم ، لم يجرِ الأصل أيضاً . وقد فرغنا عن عدم

ص: 101


1- تهذيب الأحكام 1 : 8 / 11 ؛ وسائل الشيعة 1 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 .

جريان الأصل في الأعدام الأزلية - كأصالة عدم القرشية - في الاُصول(1) فلا نطيل بالبحث حولها .

وبما ذكرنا ظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم خصوصاً في إجراء أصالة عدم كون الدم حيضاً لإثبات كون المرأة مستحاضة ، حيث قال : «إن قلنا بعدم الواسطة بينهما - أي بين دم الحيض ودم الاستحاضة - في دم لم يعلم أ نّه نفاس أو قُرحة أو عُذرة ، فأصالة عدم الحيض حاكمة على أصالة عدم الاستحاضة أيضاً ؛ لأنّ المستفاد من الفتاوى بل النصوص : أنّ كلّ دم لم يحكم عليه بالحيضية شرعاً ، ولم يعلم أ نّه لقرحة أو عذرة أو نفاس ، فهو محكوم عليه بأحكام الاستحاضة ، وحينئذٍ فإذا انتفى كونه حيضاً بحكم الأصل ، تعيّن كونه استحاضة ، فتأمّل»(2) انتهى .

وسيأتي الكلام إن شاء اللّه في النصّ والفتوى المدّعيين(3) . ومع تسليم ما ذكر لا يجري استصحاب عدم كون الدم حيضاً ، كما مرّ . ومع الجريان لا يترتّب على المرأة أحكام المستحاضة بمجرّد جريان أصالة عدم كون الدم حيضاً ، كما يظهر منه ذلك ، إلاّ أن يدّعى كشف التلازم الشرعي - ببركة النصّ والفتوى - بين عدم كون الدم حيضاً وكون المرأة مستحاضة ، وعلى المدّعي إثبات ذلك .

ثمّ على فرض عدم جريان الاُصول الموضوعية تجري الحكمية ، وهي مختلفة ، ولا داعي إلى البحث عنها بعد قلّة الجدوى .

ص: 102


1- مناهج الوصول 2 : 234 - 236 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 112 - 113 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 155 .
3- يأتي في الصفحة 328 وما بعدها .
في اعتبار الاستمرار في الأيّام الثلاثة

وهل المراد من التوالي هو توالي الأيّام وإن لم يستمرّ الدم فيها ؛ بأن ترى في كلّ يوم في الجملة ، لكن تكون أيّام الرؤية متواليات(1) فيحمل عليه قوله في «الفقه الرضوي» : «فإن رأت الدم يوماً أو يومين ، فليس ذلك من الحيض ما لم تَرَ الدم ثلاثة أيّام متواليات»(2) لصدق رؤية الدم في كلّ يوم من الثلاثة المتواليات على ما لو رأت في كلّ يوم منها في الجملة ، خصوصاً إذا كان مقداراً معتدّاً به ؟

وعليه تحمل الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ «أدنى الحيض ثلاثة» أو «أدنى ما يكون من الحيض ثلاثة» أو «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام»(3) على اختلاف التعابير ، فإنّ «الثلاثة» لا يمكن أن تكون محمولة حقيقة على الحيض وأدناه وأقلّه ، بل تكون ظرفاً له ؛ ذُكر حرف الجرّ أو لم يُذكر ، فيكون المراد أنّ

أدنى تحقّق الدم في ثلاثة أيّام ، وهو يصدق مع رؤيتها فيها في الجملة .

وتشهد له موثّقة سَماعة قال : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين ، وفي الشهر ثلاثة أيّام ؛ يختلف عليها ، لا يكون طَمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ؛

ص: 103


1- اُنظر مدارك الأحكام 1 : 322 ؛ ذخيرة المعاد : 63 / السطر 41 ؛ جواهر الكلام 3 : 157.
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 192 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .

ما لم يُجز العشرة ، فإذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها»(1) .

حملاً للقعود يومين على يومين تامّين مع رؤية الدم في ثلاثة أيّام غير مستمرّ إلى تمام الثلاثة . بل لو سلّم دلالة الروايات المتقدّمة على الثلاثة المستمرّة ، تكون هذه الرواية شاهدة على عدم لزوم استمراره إلى آخر اليوم ، فيكون لها نحو حكومة وتفسير ل- «ثلاثة أيّام» في تلك الروايات . بل لا يبعد ظهور مرسلة يونس المتقدّمة(2) في رؤية الدم في الثلاثة في الجملة .

أو المراد استمرار الدم في الثلاثة ؛ بحيث متى وضعت الكُرْسُفة تلوّثت به ، كما نسب إلى المشهور(3) ؟

وعن «جامع المقاصد» : «أنّ المتبادر إلى الأفهام من كون الدم ثلاثة أيّام ،

حصوله فيها على الاتّصال ؛ بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث به . وقد يوجد في بعض الحواشي الاكتفاء بحصوله فيها في الجملة ، وهو رجوع إلى ما ليس له مرجع»(4) . واستجوده «الجواهر» جدّاً ، ويظهر منه ندرة القائل بخلافه(5) .

وعن «الجامع» : «لو رأت يومين ونصفاً وانقطع لم يكن حيضاً ؛ لأ نّه لم يستمرّ ؛ بلا خلاف من أصحابنا»(6) ويظهر منه أنّ اعتبار الاستمرار

ص: 104


1- الكافي 3 : 79 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1178 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 14 ، الحديث 1 .
2- تقدّمت في الصفحة 91 .
3- جواهر الكلام 3 : 157 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 155 و167 .
4- جامع المقاصد 1 : 287 .
5- جواهر الكلام 3 : 158 .
6- الجامع للشرائع : 43 .

غير مختلف فيه لدى الأصحاب .

وعن «التذكرة» : «أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام بلياليها ؛ بلا خلاف بين فقهاء أهل البيت»(1) وظاهره الاستمرار بقرينة ذكر الليالي . بل دعوى الإجماع على عدم إخلال الفترات المعهودة في استمرار الدم - كما عن «التذكرة»(2) - دليل على اعتبارهم الاستمرار ؛ وإن لم يخلّ به بعض الفترات .

وكيف كان : فهذا هو الأقوى ؛ لما ذكرنا سابقاً من أنّ الظاهر من روايات أقلّ الدم ، أنّ ثلاثة أيّام أقلّ مصداق يتحقّق لدم الحيض ، وهو لا يمكن إلاّ باستمراره ، وإلاّ فلو رأت في يوم ساعة وانقطع بحصول النقاء ، ورأت في اليوم الثاني ساعة اُخرى وانقطع ، ورأت في الثالثة ، فهذه الدماء في الساعات المزبورة - كما مرّ(3) - لا تكون مصداقاً واحداً لدم الحيض عرفاً وعقلاً ، بل ثلاثة مصاديق ؛ ضرورة أنّ استقلال كلّ مصداق - حتّى في نظر العرف - عن مصداق آخر إنّما هو بتخلّل الطهر ، وإذا كانت هذه الدماء حيضاً لا يكون أقلّ دم الحيض ثلاثة أيّام ، بل أقلّه ساعة ، فإنّ كلّ ساعة دم حيض مستقلّ في التحقّق والوجود .

ولو فرض كون الحيض أمراً معنوياً محصّلاً من الدم ، لم يكن الأقلّ ثلاثة أيّام أيضاً ؛ سواء جعل النقاء في البين طهراً - وهو ظاهر - أو لا ، فإنّها لو رأت

الدم في اليوم الثالث في أوّل النهار وطهرت ، ولم تر الدم إلى عشرة أيّام ، كان

ص: 105


1- تذكرة الفقهاء 1 : 255 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 322 .
3- تقدّم في الصفحة 88 - 90 .

هذا النقاء من أوّله طهراً ، فيكون أقلّ الحيض يومين وساعة . إلاّ أن يحمل

قوله : «أقلّ الحيض ثلاثة أيّام» على التسامح حتّى يصدق على الثلاثة الناقصة ، وهو كما ترى . كما أنّ حمل الروايات على كونه أمراً معنوياً ، أيضاً بعيد مع ظهورها في كونه نفس الدم أو سيلانه .

وكيف كان : فحملها على عدم الاستمرار والرؤية في الجملة ، يحتاج إلى تكلّف واعتبار وارتكاب تجوُّز محتاج إلى القرينة .

ولا يرد على ما ذكرنا من التقريب ما يرد على دعوى التبادر العرفي(1) ، وهو أن يقال : إنّ قوله : «أقلُّ الحيض ثلاثة أيّام» غير ممكن الحمل على ظاهره ، فلا بدّ وأن تكون «الثلاثة» ظرفاً ، فهي إن كانت ظرفاً لأصل تحقّق الدم ، فلا

يدلّ على الاستمرار ، وإن كانت ظرفاً لاستمراره أو سيلانه ، فلا يبعد ظهوره في الاستمرار في تمام اليوم ، ولم يعلم أ نّه اُريد به في الروايات نفسه أو سيلانه واستمراره . وحذف حرف الجرّ لا يفيد شيئاً ؛ ضرورة أنّ الظرفية باقية معه على حالها .

ولو قيل : إنّه مع حذفه يكون الحمل لتأوّل ، ومع الاستمرار يكون التأويل أقرب ، بخلافه مع عدمه .

فيه : أ نّه مع تسليمه لا يوجب ظهوراً حجّة يتمسّك به لدى الشكّ مع إمكان التأويل بغير ذلك ، خصوصاً إذا كان الدم في كلّ يوم مقداراً معتدّاً به ، أو أكثر من النقاء .

فالعمدة ما ذكرناه ، ومعه لا مجال للتمسّك بموثّقة سماعة . مع أنّ الظاهر منها

ص: 106


1- راجع جواهر الكلام 3 : 157 .

أنّ القعود في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة ، كناية عن رؤية الدم يومين وثلاثة ، كما يشهد به قوله : «يختلف عليها ؛ لا يكون طَمْثها في الشهر عدّة أيّام سواء» فلا دلالة فيها على ما ادّعي حتّى نحتاج إلى جواب الشيخ الأعظم(1) بما لا يخلو من تكلّف ، فلا بدّ من حمل الرواية على لزوم ترك الصلاة إذا رأت الدم ؛ استظهاراً حتّى يتّضح حالها ، أو ردّ علمها إلى أهله مع مخالفتها للأخبار والإجماع . ومرسلة يونس - مع ما عرفت من حالها (2) - لا تدلّ على ما ادّعي ؛ لو لم تدلّ على خلافه .

وممّا ذكرنا يظهر حال الاحتمال الثالث - ممّا نفى البُعدَ عنه شيخنا البهائي(3) على ما نقل عنه ونسب إلى بعض معاصري شيخنا الشهيد الثاني(4) - من اشتراط رؤيته أوّل الأوّل ، وآخرَ الثالث ، وأيَّ وقت من الثاني . نعم ، لو بنينا على أنّ الحيض أمر معنوي ، يكون هذا القول أسلم من الإشكال من القول الأوّل .

عدم إضرار الفترات اليسيرة المعهودة بين النساء

ثمّ لا يبعد عدم مضرّية الفترات اليسيرة المعهودة للنساء ؛ إذا كانت بحيث لا تضرّ بالاستمرار العرفي ورؤية الدم ثلاثة أيّام ، كما نقل عن العلاّمة دعوى الإجماع عليه(5) . ولعلّ مراد القائلين بالاستمرار ليس إلاّ هذا النحو ،

ص: 107


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 166 .
2- تقدّم في الصفحة 92 .
3- الحبل المتين : 47 / السطر 22 .
4- اُنظر الحدائق الناضرة 3 : 169 .
5- تذكرة الفقهاء 1 : 322 .

فقول «جامع المقاصد» : «متى وضعت الكُرْسُف تلوّث به»(1) لعلّه لا ينافي ذلك ، فتأمّل . وهذا لا يخلو من قوّة إذا ثبتت المعهودية ، وإلاّ فمحلّ إشكال وتأمّل .

في دخول الليالي في الأيّام الثلاثة

وهل المراد من «ثلاثة أيّام» هي مع لياليها أو هي مع الليلتين المتوسّطتين أو نفس الأيّام بلا لياليها ، أو تختلف بحسب الموارد ؛ فإن رأت في أوّل الليل لا بدّ من دخول الليالي الثلاث ، وكذا لو رأت وسط النهار ، بخلاف ما لو رأت أوّل النهار ، فلا يدخل فيها الليلة الأخيرة ، أو يختلف الأمر بحسب المبنى المشهور فيدخل فيها الليلتان المتوسّطتان في بعض الفروض ، والليالي الثلاث في آخر ، وبحسب مبنى «صاحب الحدائق»(2) فلا تدخل فيها الليالي مطلقاً ؟

يمكن أن يبتني الحكم على أنّ المراد من قوله : «لا يكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام» أو «أدنى الحيض ثلاثة» هل هو نفس الثلاثة ؛ بحيث يكون النهار دخيلاً في الموضوع ومقوّماً له ، كتقوّم الصوم بالنهار ، والصلاة بالأوقات المخصوصة ، أو أنّ ذكر «ثلاثة أيّام» لمجرّد التقدير ، فتكون آلة محضاً لتقدير مقدار الدم ؛ وأ نّه إذا سال بهذا المقدار يكون حيضاً ؟

ويأتي هذا الكلام في كثير من المواضع ، كالنزح يوماً إلى الليل متراوحاً لموت الكلب مع غلبة الماء .

ص: 108


1- جامع المقاصد 1 : 287 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 159 .

لا إشكال في أ نّه قد يفهم العرف والعقلاء - بمناسبات مغروسة في أذهانهم - أنّ ذكر الأيّام وأمثالها لمجرّد التقدير ؛ من غير دخالة لذات اليوم في الموضوع والحكم ، مثل أن يؤمر بوضع شيء في الماء يوماً ، أو وضع المشمّع على الجرح يوماً ، فإنّ العرف لا يفهم منه إلاّ وضعهما مقدار يوم ، ولا يرى ذكر «اليوم» إلاّ

لمحض التقدير ، فإذا وضعهما بمقدار يوم في الليل أو ملفّقاً ، يرى نفسه عاملاً بالخطاب .

وقد يرى لليوم دخلاً تقويمياً للحكم وموضوعه .

ولا يبعد أن يكون النزح متراوحاً من قبيل الأوّل ؛ فإنّ العرف يرى أنّ تمام الموضوع لتطهير البئر أو تنظيفه ، هو إخراج الماء بهذا المقدار من الزمان متراوحاً ، ولا يرى لليوم دخلاً في الحكم ، بل يكون ذكره لمجرّد التقدير ، فالنزح في الليل بمقدار يوم إلى الليل ، عمل بالنصّ عرفاً .

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ المقام من قبيل ذلك ؛ وإنّما جيء ب- «ثلاثة أيّام» لمجرّد تقدير مقدار خروج الدم من غير مدخل لليوم فيه ؛ بحيث لو رأت مقدار ثلاثة أيّام - أي ستّ وثلاثين ساعة - من أوّل الليل مثلاً إلى مضيّ هذا المقدار مستمرّاً ، كان ذلك كافياً في جعله حيضاً .

وكذا لو كانت المرأة في أقطار تكون لياليها شهرين ، وأيّامها كذلك أو أكثر ، فرأت بمقدار ذلك ، كان حيضاً ، ووجب عليها التحيّض .

وبعبارة اُخرى : أنّ العرف لا يرى لطلوع الشمس وغروبها ، دخلاً في حيضية الدم ، كما لا يرى لهما تأثيراً في تطهير البئر بالنزح ، ووضع المشمّع على الجرح وأمثالهما .

ص: 109

أو يكون المقام من قبيل الأوّل(1) ؛ بأن يكون للأيّام الثلاثة دخل في الموضوع ، فليس الموضوع إلاّ رؤية الدم واستمراره ثلاثة أيّام ، ومع رؤية يوم وليلتين أو بالعكس ، لا يصدق أ نّها رأت ثلاثة أيّام . وليس للمقدار اسم ولفظ حتّى يستفاد منه ذلك . وإلغاء خصوصية الثلاثة غير ممكن ؛ لأ نّه لا بدّ فيه من حكم العرف بذلك ، وهو غير معلوم .

لكنّ الإنصاف : أ نّه لو لا مخالفة ما ذكرنا للقوم - حيث لم أرَ احتماله في كلام أحد - لكان للذهاب إليه وجه ، فتأمّل .

لكنّ الأوجه هو اعتبار الليالي ؛ لأنّ الظاهر من الأدلّة هو اعتبار الاستمرار ، وأنّ المراد من قوله : «لا

يكون دم الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام» من حين رؤيته ، فيفهم منه الاستمرار ، ومن الاستمرار دخول الليالي ، فكأ نّه قال : «إذا رأت الدم من حين ما رأت ثلاثة أيّام ، يكون حيضاً» ففهم دخول الليالي لذلك ، لا لدخل بياض النهار فيه . وفي مثل التراوح أيضاً يفهم ذلك إذا قال : «يتراوح ثلاثة أيّام» لا لفهم تأثير اليوم فيه ، ولذا نقول بالتلفيق ، بل لفهم الاستمرار من التراوح من حين الاشتغال ، ويفهم دخول الليالي لفهم الاستمرار .

فالأقوى هو الجمود على مقتضى النصوص ، مؤيّداً بما قلنا سابقاً (2) : من أنّ التحديدات الشرعية الواردة لدم الحيض ، ليست تحديدات للحيض الواقعي ؛ أي للدم المعهود المقذوف من الرحم في أوقات خاصّة ، بل هي لمعرّفية الموضوع الشرعي الذي هو صنف من الدم المعهود ، فلهذا لو علمنا بأنّ الدم الأقلّ من

ص: 110


1- والصحيح هو «الثاني» .
2- تقدّم في الصفحة 7 - 9 .

ثلاثة أيّام هو الدم المعهود ، لم نحكم عليها بالتحيّض ، ولا تكون حائضاً محكوماً عليها بالأحكام الخاصّة ، ومعه لا مجال للعرف لإلغاء الخصوصية . وليس حال ثلاثة أيّام الحيض حال التراوح ؛ ممّا يمكن فيه إلغاء الخصوصية عرفاً . مع أ نّك قد عرفت في التراوح ما عرفت .

نعم ، لو كان التحديد لواقع دم الحيض ، لكان لما ذكر وجه ، لكنّه ضعيف مخالف للاعتبار والوجدان ، فلا يمكن رفع اليد عن ظواهر الأدلّة المتظافرة الدالّة على كون أقلّ الحيض ثلاثة . وعلى ما ذكرنا يرفع الاستبعاد عن اختلاف أقلّ الحيض - قلّةً وكثرةً - بحسب وقت الرؤية من أوّل الليل أو أوّل النهار .

دخول الليلتين المتوسّطتين والاُولى

ثمّ إنّه على ما ذكرنا ، لا إشكال في دخول الليلتين المتوسّطتين إذا رأت في أوّل النهار ، والليلة الاُولى أيضاً إذا رأت أوّل الليل والتلفيق إذا رأت بين النهار ؛ بحكم العرف وفهمه من قوله : «لا يكون الدم أقلّ من ثلاثة أيّام» ، فإنّها إذا رأت أوّل الزوال إلى أوّل زوال اليوم الرابع ، يصدق عرفاً أ نّها رأت ثلاثة أيّام ، كما أنّ الأمر كذلك في أشباهه ونظائره .

نعم ، بناءً على مذهب صاحب «الحدائق»(1) فالظاهر عدم دخول الليل مطلقاً ؛ لأنّ عمدة مستنده المرسلة(2) وظاهرها أ نّها لو رأت يوماً ، ثمّ رأت بعد

ص: 111


1- الحدائق الناضرة 3 : 159 .
2- تقدّمت في الصفحة 91 .

الانقطاع ما يتمّ به ثلاثة أيّام ، يكون الدمان حيضاً ، ولا شبهة في صدق ثلاثة أيّام متفرّقة بين العشرة على الأيّام بغير لياليها .

ودعوى إطلاق «اليوم» على اليوم والليلة(1) ، ضعيفة مخالفة للعرف واللغة(2) وإنّما فهمنا دخول الليالي من ظهور الأدلّة في الاستمرار ، أو من الوجه الذي سبق .

كما أ نّه على فرض كون المراد من «ثلاثة أيّام» مقدارها ، يكون المقدار المفروض هو مقدار بياض الأيّام ؛ لأ نّه اليوم عرفاً ولغة .

نعم ، قد يطلق على مطلق الوقت ، لكنّ إطلاقه على اليوم والليلة ليس على نحو الحقيقة . ومع التسليم لا ريب في انصرافه إلى بياض النهار فقط ، وهذا أيضاً أحد وجوه المناقشة في مرسلة يونس القصيرة .

ثمّ إنّ التلفيق من الساعات ، خلاف ظواهر الأدلّة ولو على مبنى صاحب «الحدائق» كما يظهر بالنظر في المرسلة .

ص: 112


1- اُنظر جامع المقاصد 1 : 287 ؛ روض الجنان 1 : 175 .
2- لسان العرب 15 : 466 .
الأمر الرابع في أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام
اشارة

لا إشكال في كون أكثر الحيض عشرة أيّام ، وعن «الأمالي» : «هذا من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به»(1) وعن «المعتبر» : «هو مذهب فقهاء أهل البيت»(2) ونقلُ الإجماع عليه متكرّر(3) كنقل عدم الخلاف(4) والنصوص به مستفيضة(5) .

نعم ، في صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ أكثر ما يكون من الحيض ثمانٍ ، وأدنى ما يكون منه ثلاثة»(6) .

وهي - مع ما فيها من احتمال وقوع السهو ؛ لأجل تذكير لفظة «ثمان» كما في النسخ التي عندنا ، أو التقدير الموجب للإجمال - شاذّة ، وعن الشيخ : «أنّ الطائفة

أجمعت على خلاف ما تضمّنه هذا الحديث» أو محمولة على بعض المحامل(7) .

ص: 113


1- الأمالي ، الصدوق : 516 .
2- المعتبر 1 : 201 .
3- الخلاف 1 : 237 - 238 ؛ نهاية الإحكام 1 : 117 ؛ جامع المقاصد 1 : 287 .
4- السرائر 1 : 145 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 256 .
5- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 157 / 450 ؛ وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 14 .
7- تهذيب الأحكام 1 : 157 ، ذيل الحديث 450 ؛ الاستبصار 1 : 131 ، ذيل الحديث 6 .
اعتبار التوالي في العشرة

وإنّما الإشكال والكلام في اعتبار التوالي فيها ، كما عن ظاهر المشهور بل عن ظاهر «النهاية» عدم القائل بالخلاف(1) ، وعدمه كما قال به صاحب «الحدائق»(2) وهو خالف المشهور في توالي الثلاثة ، وتوالي العشرة ، وأقلّ الطهر .

وقد مرّ التقريب في دلالة ما دلّ على أنّ أدنى الحيض ثلاثة أيّام على التوالي(3) ، ويمكن تقريبها في العشرة أيضاً .

لكن لا يمكن إلزام صاحب «الحدائق» بذلك إلاّ بعد إثبات عدم كون الطهر مطلقاً أقلّ من عشرة أيّام ، وإلاّ فله أن يقول : إنّ كون أكثر الحيض عشرة أيّام متوالية ، لا ينافي تفرّق الأيّام على تسعين يوماً ، ومع ذلك لا تكون الأيّام المتفرّقة أكثر أيّام الحيض ؛ لأنّ الأكثرية بأكثرية الدم المستمرّ . لكنّه لا

يلتزم بذلك ، بل يدّعي أنّ الأكثر يمكن أن يكون متفرّقاً ، وعليه يكون التقريب المتقدّم حجّة عليه وملزماً له .

والإنصاف : أنّ ظهور الروايات المحدّدة لأقلّ الحيض وأكثره(4) في التوالي مطلقاً ، ممّا لا ينكر ، وكذا لزوم التوالي في كلّ مصداق واحد من الحيض - كان الأقلّ أو الأكثر أو الأوسط - بالتقريب المتقدّم ، فلا بدّ لرفع اليد عن هذا الظهور

المستقرّ والدليل المتّبع من دليل ، وإلاّ كان هو المتّبع .

ص: 114


1- نهاية الإحكام 1 : 166 ؛ اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 170 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 159 .
3- تقدّم في الصفحة 88 - 89 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
مخالفة صاحب الحدائق المشهور في اعتبار التوالي وأقلّ الطهر

واستند صاحب «الحدائق»(1) لمقالته إلى روايات :

منها : ذيل مرسلة يونس القصيرة ، وهو قوله : «فإذا حاضت المرأة ، وكان حيضها خمسة أيّام ، ثمّ انقطع الدم ، اغتسلت وصلّت ، فإن رأت بعد ذلك الدم ، ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام ، فذلك من الحيض تدع الصلاة ، وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام ودام عليها ، عدّت - من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني - عشرةَ أيّام، ثمّ هي مستحاضة»(2).

والتقريب فيها من وجهين :

أحدهما قوله : «فإن رأت بعد ذلك الدم ، ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام ، فذلك من الحيض» حيث جعل مبدأ الحساب من الطهر ، فإذا رأت خمسة وطهرت خمسة ثمّ رأت خمسة ، فالخمستان الحاشيتان من الحيض ؛ لرؤيتها قبل مضيّ عشرة أيّام من الطهر ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بعدم اعتبار التوالي .

وثانيهما قوله : «وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني . . .» إلى آخره ؛ حيث جعل عدّ الدمين ميزاناً للعشرة ، لا من مبدأ الدم الأوّل إلى عشرة أيّام ؛ حتّى يكون النقاء داخلاً في الحساب ، وهو لا يتمّ إلاّ بعدم اعتبار التوالي .

وفي الوجهين نظر ، حاصله : أنّ صدر المرسلة ظاهر - بل صريح - في أنّ مبدأ حساب عشرة أيّام ، من أوّل رؤية الدم يوماً أو يومين ، وأنّ كلّ دم رأت في

ص: 115


1- الحدائق الناضرة 3 : 159 وما بعدها .
2- تقدّم في الصفحة 92 .

العشرة التي مبدؤها ذلك ، هو من الحيض ، ومع عدم الرؤية فيها ليس اليوم واليومان من الحيض ، بل إمّا من قرحة أو غيرها ، ويجب عليها قضاء الصلاة ، فيكون مبدأ الحساب - بحسب الصدر - هو أوّل رؤية الدم ، فحينئذٍ يكون قوله : «إذا رأت خمسة أيّام» إمّا من أمثلة ما ذكر في الصدر ، وإنّما أعاد مثالاً آخر للتوضيح .

أو فرضاً آخر حكمه غير الفرض الأوّل ، فيستفاد منها التفصيل بين رؤية الدم يوماً أو يومين وبين خمسة أيّام مثلاً .

أو كان الفرض الأوّل لغير ذات العادة ، بخلاف الثاني .

وهذان التفصيلان ممّا لا قائل بهما ظاهراً ؛ وإن لم يبعد التزام صاحب «الحدائق» بهما . ولا يبعد دعوى كون المثال للتوضيح ، لا لبيان مطلب مستقلّ ولو لما ذكرنا من عدم القائل بهما ، فيتعيّن الاحتمال الأوّل ، ومعه يكون الصدر رافعاً لإجمال الذيل ؛ فإنّ قوله : «من يوم طهرت» - في الجملة الاُولى التي استند إليها - يمكن أن يكون متعلّقاً ب- «لم يتمّ» وأن يكون متعلّقاً ب- «عشرة أيّام» ولا ترجيح لأحدهما ابتداءً ، لكن مع ملاحظة الصدر الصريح في كون مبدأ الحساب هو أوّل رؤية الدم ، يرتفع هذا الإجمال ويتعيّن تعلّقه بقوله : «لم يتمّ» ويكون المعنى : «إذا رأت الدم مع عدم تمام العشرة المتقدّمة التي مبدؤها من رؤية الدم . . .» فتكون أيّام الطهر متمّمة للعشرة لا مبدأها .

وبعبارة اُخرى : إذا لم يأتِ عليها من الطهر متمّم للعشرة ، ورأت الدم ، يكون حيضاً ، فصارت هذه الجملة مطابقة للجملة السابقة ، وللشهرة ، بل الإجماع .

ص: 116

هذا مع الغضّ عمّا قال الشيخ الأعظم : من أنّ في نسخة مصحّحة مقروءة على الشيخ الحرّ بدل «طهرت» «طمثت»(1) .

وممّا ذكرنا يظهر حال الجملة الثانية ، مع إجمالها واضطرابها ، فإنّ المراد منها - بعد ضمّ الصدر إليها - أ نّه إن رأت من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته متمّماً للعشرة المتقدّمة التي مبدؤها من رؤية الدم الأوّل . . . فتكون رؤية الدم في العشرة التي مبدؤها مصرّح به في الصدر ، فتكون هذه الجملة أيضاً مطابقة للصدر والقول المشهور .

وإلاّ فلو اُريد من قوله : «تمام العشرة» العشرة التامّة من رؤية الدم الثاني ، تكون هذه الجملة لغواً محضاً ؛ فإنّ رؤية العشرة التامّة من مبدأ الدم الثاني ، لا دخل لها في الحكم المترتّب عليه أصلاً ، ولا في مدّعى صاحب «الحدائق» رأساً ؛ فإنّ الحكم إنّما يكون على الدم المتجاوز عن عشرة أيّام بعد حساب الدمين مجتمعين ، فمع رؤية خمسة أيّام - كما هي مفروضة الرواية - إن طهرت يوماً مثلاً ، ورأت ستّة أيّام ، يكون اليوم السادس منها استحاضة على قول صاحب «الحدائق» ولا دخل لرؤية العشرة الكاملة في ترتّب هذا الحكم عليه . هذا كلّه مع الغضّ عمّا تقدّم في المسألة السابقة(2) .

والإنصاف : أنّ هذه المرسلة مع هذه التكلّفات في توجيهها وتأويلها والإجمالات الكثيرة فيها ، لا يمكن الاتّكال عليها لإثبات حكم شرعي .

ص: 117


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 172 .
2- تقدّم في الصفحة 92 - 95 .

وممّا استدلّ به لمذهب صاحب «الحدائق» : رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة(1) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما يكون من الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة»(2) .

وقريب منها روايته الصحيحة الاُخرى ورواية عبد الرحمان بن أبي عبداللّه المتقدّمتان(3) .

والتقريب فيها : أنّ الظاهر منها أنّ العشرة المذكورة فيها ، عشرة واحدة جعل لرؤية الدم قبلها وبعدها حكم ، ولا إشكال في أنّ مبدأ العشرة في الفقرة الثانية هو أوّل الطهر ، وإلاّ لزم كون الدم حيضة مستقبلة قبل عشرة الطهر ، وهو خلاف الإجماع والنصّ ، فلا محالة يكون مبدأ العشرة في الاُولى أيضاً هو الطهر ، فحينئذٍ إن جعل النقاء المتخلّل حيضاً ، يصير أكثر الحيض أكثر من عشرة أيّام ، وهو أيضاً خلاف الإجماع والنصّ ، فلا بدّ من جعله طهراً ، وبه يتمّ المطلوب ؛ وهو عدم توالي عشرة أيّام الحيض .

بل وتتمّ دعوى اُخرى : وهي كون الطهر أقلّ من العشرة ؛ إذا كان في خلال الحيضة الواحدة .

وفيه : أ نّه لا إشكال في لزوم ارتكاب خلاف ظاهر في المقام ، فلا بدّ

ص: 118


1- تقدّم في الصفحة 60 .
2- الكافي 3 : 77 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 159 / 454 ؛ وسائل الشيعة 2 : 298 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 3 .
3- تقدّمتا في الصفحة 59 - 60 .

من عرض الأخبار الواردة على العرف حتّى نرى أنّ ارتكاب أيّ خلاف ظاهر أهون .

وتوضيحه : أنّ هاهنا طوائف من الروايات :

الطائفة الاُولى : الروايات الكثيرة القائلة : بأنّ أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وأكثره عشرة ، الظاهرة في التوالي ، وهذه الروايات بإطلاقها تدلّ على أنّ العشرة حدّ للأكثر ؛ سواء استمرّ الدم ، أو تخلّل نقاء في البين ، ولازمه كون النقاء حيضاً .

والطائفة الثانية : ما دلّت على أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام ، كمرسلة يونس وغيرها ، وهي بإطلاقها تدلّ على أ نّه لا يكون أقلّ ؛ كان في خلال الحيضة الواحدة ، أو بين الحيضتين .

والطائفة الثالثة : تلك الروايات المتقدّمة الظاهرة في كون العشرة واحدة ، واستفاد صاحب «الحدائق» منها أنّ النقاء المتخلّل طهر ، ولا يشترط التوالي في العشرة ؛ جمعاً بينها (1) .

ولنا أن نقول - مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب ، وعدم الاعتناء بالشهرة والإجماع ، كما هو دأب صاحب «الحدائق» - : إنّ الجمع بينها لا ينحصر فيما ذكر ، بل يمكن الجمع بوجه آخر ؛ وهو رفع اليد عن إطلاق ما دلّ على أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام ، فإنّ مقتضى إطلاقها أنّ الأكثر عشرة ؛ سواء كان الدم سائلاً ، أو تخلّل النقاء في البين ، فمع رفع اليد عن إطلاقها وتخصيصها بما إذا رأت الدم في جميع العشرة ، يجمع بين الروايات أيضاً ، فيكون مبدأ العشرتين من حين

ص: 119


1- الحدائق الناضرة 3 : 164 .

رؤية الدم ، كما هو الظاهر منها ، ومع حفظ ظهور الروايات الدالّة على أنّ أقلّ

الطهر عشرة أيّام ، نحكم بحيضية النقاء المتخلّل ، وتكون النتيجة : أنّ الحيض الحكمي يكون أكثره أكثر من عشرة أيّام .

وهذا الجمع أقرب ممّا ذكره صاحب «الحدائق» لأنّ «الحيض» عبارة عن الدم أو سيلانه لغة(1) ، فما دلّت على أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام ، يمكن دعوى ظهورها في أنّ أكثر جريان الدم الذي هو حيض ، عشرة أيّام ، ولا تكون متعرّضة للحيض الحكمي ، فيجمع حينئذٍ بين الروايات من غير ارتكاب خلاف ظاهر أصلاً .

ولو قيل بالإطلاق كان هذا الجمع أيضاً أقرب ؛ لما ذكر ، أو لاحتماله وضعف الإطلاق . ولا أقلّ من كون الجمعين متساويين من غير ترجيح .

بل بناءً على هذا الجمع ، يكون التصرّف في الأدلّة أقلّ ممّا ارتكبه صاحب «الحدائق» .

بيانه : أنّ الجمع بينها على مسلكه ، يوجب التصرّف في جميع الطوائف الثلاث : أمّا فيما دلّت على أنّ أقلّ الطهر عشرة ، فبتقييد إطلاقها بما بين الحيضتين المستقلّتين .

وأمّا فيما دلّت على أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام ، فبرفع اليد عن ظهورها في العشرة المتوالية .

وأمّا في الطائفة الثالثة ، فبرفع اليد عن ظهورها في أنّ مبدأ العشرة هو الدم ؛ ضرورة أنّ قوله في رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما

ص: 120


1- لسان العرب 3 : 419 ؛ مجمع البحرين 4 : 201 ؛ القاموس المحيط 2 : 341 .

يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى . . .» إلى آخره ، ظاهر في أنّ مبدأ العشرة هو مبدأ الثلاثة المذكورة ، وليس للطهر ذكر حتّى تحمل العشرة على العشرة من الطهر .

وأمّا بناءً على ما ذكرنا من حمل الروايات الدالّة على أكثر الحيض على عشرة الدم ، فلا يكون التصرّف إلاّ فيها - على فرض تسليم إطلاقها وعدم انصرافها إلى وجدان الدم - وفي الطائفة الثانية برفع اليد عن ظهورها في كون العشرة واحدة ، ومبدأ الثانية هو مبدأ الاُولى ، فيكون هذا التصرّف أقلّ ممّا سلكه صاحب «الحدائق» وأهون .

لكن مع ذلك ومع الغضّ عن كونه خلاف الإجماع ، يكون الجمع بينها بما يوافق قول المشهور أهونَ وأقلّ محذوراً منه ، فضلاً عن الجمع على مسلك «الحدائق» فإنّه لو سُلّم كون الطائفة الثالثة مطلقة وفي مقام البيان ، كان التصرّف

مختصّاً بها على مذهب المشهور ، وتكون ما دلّت على أكثر الحيض وأقلّ الطهر ، محفوظةً عن التصرّف .

وأمّا التصرّف في هذه الطائفة ، فإمّا بجعل العشرة الاُولى غير الثانية ، كما قد يؤيّده تنكير الثانية على بعض النسخ(1) .

أو حفظ هذا الظهور ؛ وتقييد الفقرة الثانية بمضيّ أقلّ الطهر ؛ وهو عشرة أيّام طاهرة ، وهذا تصرّف واحد أهون من تصرّفين أو تصرّفات في جميع الأدلّة .

ص: 121


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 49 .

هذا مع التسليم ، وإلاّ فالحقّ أنّ هذه الروايات ليست في مقام البيان من هذه الجهة بلا إشكال ، كما تقدّم ، ويظهر بالمراجعة إليها ؛ فإنّ قوله في رواية ابن مسلم : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة . . .» إلى آخره ، ظاهر في أنّ الحيض في مبدأ العشرة كان مفروض الوجود ، وكذا الدم المتأخّر كان مفروض الحيضية ، وإنّما الكلام في استقلاله وعدمه ؛ وأ نّه من الحيضة الاُولى أو حيضة مستقبلة ، وليست بصدد بيان أنّ الدم كذا حتّى يتمسّك بإطلاقها .

ولهذا لا ينقدح في الذهن تعارض بين صدرها - حيث حكم بأنّ أقلّ الحيض ثلاثة - وبين ذيلها ، ولو كان للذيل إطلاق لكان متعارضاً مع الصدر . وكذا لا ينقدح التعارض بينها وبين ما دلّ على اعتبار شرائط في الحيض ، وذلك آية عدم الإطلاق ، كما ينادي به نفس الرواية .

ومثلها رواية عبد الرحمان المتقدّمة(1) ، فإنّ الظاهر منها أنّ حيضية الدم المتقدّم والمتأخّر مفروضة ، وتكون الرواية في مقام بيان أ نّه ملحق بالثانية أو حيضة مستقلّة ، فحينئذٍ لا يكون الجمع بين تلك الطوائف بما يوافق المشهور موجباً لتصرّف فيها .

نعم ، هنا روايات اُخر يتمسّك بها لعدم اعتبار التوالي ، ولكون أقلّ الطهر بين

الحيضة الواحدة أقلّ من عشرة أيّام ، وأنّ ما دلّت على أنّ أدنى الطهر عشرة ، مختصّة بما بين الحيضتين :

ص: 122


1- تقدّمت في الصفحة 98 .

منها : موضعان من مرسلة يونس(1) :

أحدهما قوله : «وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين ، اغتسلت وصلّت» حيث إنّ الأمر بالاغتسال إنّما يكون للحيض المحتمل ، والأمر بالصلاة لكونها طاهرة .

وفيه : أ نّه كما يحتمل أن يكون ذلك لأجل احتمال الحيض ، يمكن أن يكون لأجل احتمال الاستحاضة . ويمكن أن يقال : إنّ الثاني موافق للأصل ؛ بناءً على أنّ هذه المرأة إذا لم تكن حائضاً فهي مستحاضة شرعاً ، وإحراز عدم كونها حائضاً بالأصل .

ولو اُغمض عن ذلك أو استشكل فيه ، فلا ظهور للرواية في تعيين شيء من الاحتمالين ، كما أنّ الأمر بالصلاة يمكن أن يكون للتكليف الظاهري واستصحاب عدم كونها حائضاً ، فلا ظهور لها فيما ادّعى صاحب «الحدائق»(2) .

وثانيهما قوله : «فذلك الذي رأته في أوّل الأمر ، مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة ، هو من الحيض» حيث حكم بحيضية الدمين ، ولو كان النقاء حيضاً كان عليه بيان حيضية المجموع .

وفيه : أنّ الظاهر من قوله : «فذلك الذي رأته في أوّل الأمر . . .» إلى قوله : «من الحيض» - حيث أتى بلفظة «من» الظاهرة في التبعيض - أنّ مجموع الدم الأوّل والثاني بعض الحيض ، وهو لا يتمّ إلاّ بكون النقاء حيضاً ، وإلاّ كان

ص: 123


1- تقدّمت في الصفحة 91 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 160 .

تخلّل «من» التبعيضية غير مناسب ، بل كان عليه أن يقول : «هو الحيض» لا «هو من الحيض» .

نعم ، لو كان الضمير راجعاً إلى بعض الدم ، كان تخلّلها صحيحاً ، لكن لا إشكال في رجوعه إلى كلّه ، وهو لا يستقيم إلاّ بما ذكرنا .

هذا مضافاً إلى أنّ كون الوسط طهراً ، موجب لاستقلال الدمين في الوجود ، فجعلهما واحداً ومن حيضة واحدة ، لا يستقيم إلاّ بتأوّل وتجوّز واعتبار وحدة .

مع أنّ تصريحه في موضعين منها بأنّ الطهر لا

يكون أقلّ من عشرة ، لا يناسب بيان أقلّيته منها ، فمن يريد أن يبيّن أنّ الطهر يمكن أن يكون أقلّ من عشرة أيّام ، لا يقول بقول مطلق : «إنّ أدنى الطهر عشرة أيّام» ولا يذيّل كلامه :

«بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة» .

والإنصاف : أنّ المرسلة على خلاف قوله أدلّ .

وأضعف ممّا ذكر ، الاستدلال بآخر المرسلة ؛ حيث قال : «عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني ، عشرةَ أيّام» ، وقد مرّ الكلام في الجمل الأخيرة منها (1) .

ومنها : روايتا محمّد بن مسلم المتقدّمتان(2) ، حيث جُعل فيهما الدم بعد الانقطاع من الحيضة الاُولى إذا رأت قبل عشرة أيّام ، فتدلاّن على أنّ النقاء ليس بحيض . ومثلهما رواية عبد الرحمان بن أبي عبداللّه (3) .

ص: 124


1- تقدّم في الصفحة 115 .
2- تقدّمتا في الصفحة 96 - 97 .
3- تقدّم في الصفحة 98 .

والجواب عنهما بما تقدّم : من أنّ الظاهر من قوله : «من الحيضة الاُولى» أنّ الحيضة مستمرّة من مبدأ الدم الأوّل إلى الدم الثاني ، وإلاّ كان حيضاً مستقلاًّ ، فلا يصدق كونه من الاُولى - بلا تجوّز واعتبار وحدة تأوّلاً - إلاّ ببقاء الاُولى

واستمرارها ، فيكون النقاء وجوداً بقائياً لها ، فيكون حيضاً .

مضافاً إلى أنّ تلك الروايات - كما تقدّم(1) - إنّما تكون بصدد بيان أمر آخر ، ولا تكون بصدد بيان حال الطهر ، فلا دلالة لها على مذهب صاحب «الحدائق» . هذا مع الغضّ عن سند رواية عبد الرحمان وإحدى روايتي ابن مسلم وإجمال الاُخرى .

ومنها : رواية داود مولى أبي المغرا عمّن أخبره ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال : قلت له : المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام ، حيضها دائم مستقيم ، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ينقطع عنها الدم ، وترى البياض ؛ لا صُفرة ولا دماً ، قال : «تغتسل وتصلّي» .

قلت : تغتسل وتصلّي وتصوم ، ثمّ يعود الدم ، قال : «إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة والصيام» .

قلت : فإنّها ترى الدم يوماً ، وتطهر يوماً ، قال : فقال : «إذا رأت الدم أمسكت ، وإذا رأت الطهر صلّت ، فإذا مضت أيّام حيضها واستمرّ بها الطهر صلّت ، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة . قد انتظمتُ لك أمرَها كلّه»(2) .

ص: 125


1- تقدّم في الصفحة 98 و122 .
2- الكافي 3 : 90 / 7 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 1 .

حيث أمرها بالغسل والصلاة والصيام في أيّام النقاء ، فتكون طهراً حقيقة . وأيضاً لم يأمرها بقضاء الصوم ، مع أنّ قضاءه لازم على الحائض ، فتدلّ على أنّ النقاء طهر .

وفيه : أنّ عدم الأمر بقضاء الصوم إنّما هو لعدم كونه في مقام بيانه ، ولا يجب بيان جميع الأحكام المرتبطة بالحيض في رواية واحدة ، وأمّا الأمر بالصلاة والصيام فيمكن أن يكون احتياطاً واستظهاراً ، كما هو متكرّر في أبواب الدماء(1) من الأمر بالترك أو الفعل للاستظهار حتّى مع وجود الأصل المنقّح ، فلا تدلّ على تحقّق الطهر الحقيقي ، ولا كون الدم حيضاً .

كما لا محيص عن حمل صحيحتي يونس بن يعقوب(2) وأبي بصير(3) على ذلك ، ففي الاُولى قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام ، قال : «تدع الصلاة» . قلت : فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة ؟ قال : «تصلّي» . قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ؟ قال : «تدع الصلاة ؛ تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع عنها الدم ، وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة»(4) .

ص: 126


1- وسائل الشيعة 2 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 12 و13 ، و : 381 ، أبواب النفاس ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 79 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1180 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 3 .
4- هذا مطابق مع النسخة الحجرية من الوسائل ، راجع وسائل الشيعة 1 : 151 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، السطر 22 (ط - الحجري) .

ضرورة أنّ الحمل على الحيض والطهر في جميع الأيّام إلى شهر ، ممّا لا يمكن ؛ للزوم كون الطهر بين الحيضتين المستقلّتين أقلّ من عشرة إذا كان كلّ دم حيضاً مستقلاًّ ، وكون الحيض الواحد أكثر من عشرة إذا كانت الدماء حيضة واحدة ، فلا محالة تحمل على الأمر بالاحتياط ، وترجيح جانب الحيض في أيّام الدم ، وجانب الطهر في أيّام النقاء ، كما صنع العَلَمان الشيخ والمحقّق(1) وعليه يحمل فتوى من أفتى بمضمونهما (2) .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا يكون القُرْء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد ، وأقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم»(3) - فقد يتمسّك بها للفريقين(4) - بدعوى : أنّ «القُرْء» هو الطهر بين الحيضتين المستقلّتين ، كما تدلّ عليه صحيحتا زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام : «القُرء ما بين الحيضتين»(5) ، فاختصاص «القُرْء» بالذكر لكون الطهر أعمّ ، وهو لا يكون عشرة أيّام . مع ظهور قوله : «أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» في طهرها من الحيض إلى رؤية الدم من الحيضة المستقبلة .

ص: 127


1- الاستبصار 1 : 132 ، ذيل الحديث 3 ؛ المعتبر 1 : 206 - 207 .
2- النهاية : 24 ؛ المبسوط 1 : 43 ؛ اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 235 .
3- الكافي 3 : 76 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 1 .
4- الحدائق الناضرة 3 : 161 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 173 .
5- الكافي 6 : 89 / 2 و3 ؛ وسائل الشيعة 22 : 201 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 14 ، الحديث 1 و2 .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ «القُرْء» - على ما صرّح به أئمّة اللغة - هو الطهر ضدّ الحيض(1) ، ولم أرَ فيما عندي من كتب اللغة وكلام شرّاح الحديث والمفسّرين ، التفسير بما بين الحيضتين ، إلاّ عبارة من الصدوق في «الفقيه»(2) وما في «الصحاح» عن الأخفش عن بعضهم(3) ، وإلاّ فكلماتهم متطابقة على أنّ «القُرْء» هو الطهر والحيض ، وهو من الأضداد ، وعن الأخفش : «أ نّه انقضاء الحيض»(4) والظاهر أنّ كلام الصدوق تبع للرواية ، لا نقل للّغة .

وأمّا الروايات الواردة في باب العدد(5) فهي في مقام بيان الحكم الشرعي ، لا ذكر المعنى اللغوي ؛ لوقوع الخلاف بين الخاصّة وبعض العامّة - كأبي حنيفة - في المراد من «القُرْء» في آية التربّص(6) هل هو الطهر ، كما عليه أصحابنا (7) أو الحيض ، كما عليه أبو حنيفة وبعض آخر منهم(8) ؟ فتلك الروايات واردة في بيان المراد من «القُرْء» في آية التربّص ؛ وأنّ «القرء» ليس بمعنى

ص: 128


1- معجم مقاييس اللغة 5 : 79 ؛ لسان العرب 11 : 80 ؛ القاموس المحيط 1 : 25 .
2- الفقيه 1 : 51 / 198 .
3- الصحاح 1 : 64 .
4- الصحاح 1 : 64 ؛ اُنظر لسان العرب 11 : 81 .
5- وسائل الشيعة 22 : 201 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 14 ، أكثر أحاديث الباب .
6- وهو قوله تعالى : )والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء( ، البقرة (2) : 228 .
7- التبيان في تفسير القرآن 2 : 237 ؛ مجمع البيان 2 : 573 ؛ فقه القرآن 2 : 156 ؛ كنز العرفان 2 : 256 .
8- المبسوط ، السرخسي 6 : 13 ؛ الكشّاف 1 : 271 ؛ المغني ، ابن قدامة 9 : 82 ؛ الجامع لأحكام القرآن 3 : 116 - 117 .

الحيض فيها ، بل هو الطهر بين الحيضتين ، فلا يستفاد منها شيء من المذهبين

في المقام .

مع أ نّه على فرض تفسير «القرء» بما بين الحيضتين ، يمكن الاستدلال بها للمشهور بضميمة ما دلّ على أنّ الأقراء هي الأطهار ، كصحيحة زرارة في باب العدد(1) ، والظاهر - من تخلّل ضمير الفصل - هو كون «القرء» و«الطهر» واحداً ، فما لم يكن قرءاً لا يكون طهراً ، فإذا كان النقاء أقلّ من عشرة لا يكون قرءاً ولا طهراً ، فيكون حيضاً .

والإنصاف : أنّ رواية باب العدد أجنبيّة عمّا نحن بصدده .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم فحاكمة بأنّ القرء لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ،

وهو لغ-ةً الطهر فلا يكون الطهر أقلّ منها ، والجملة التالية - أعني قوله : «وأقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» - تفسير للسابقة ، ومعناها : أنّ الطهر إذا عقّبه الدم ، ليس بقرء ولا طهر إلاّ إذا كان بينهما عشرة أيّام ، فدلالتها

على القول المشهور ظاهرة .

مع إمكان أن يقال : إنّ عمل المشهور على رواية يونس - في تلك الفقرة التي لا إجمال فيها - يكفي في جبران ضعفها سنداً ، والتشويش المتني ليس في هذه الفقرة ، فالحقّ ما عليه المشهور في المسائل الثلاث ، وطريق الاحتياط معلوم ، وهو سبيل النجاة .

ص: 129


1- الكافي 6 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 22 : 201 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 14 ، الحديث 3 .

المطلب الثالث: في أقسام الحائض وأحكامها

اشارة

الحائض إمّا ذات عادة أو لا :

فالاُولى : إمّا وقتية وعددية ، أو وقتية فقط ، أو عددية كذلك .

والثانية : إمّا مبتدئة ، وهي التي لم تَرَ الدم سابقاً ، وكان ما رأت أوّل دمها .

وإمّا مضطربة ، وهي التي لم تستقرّ لها عادة وإن رأت الدم مراراً ، كمن رأت ثلاثة في أوّل شهر ، وخمسة في وسط شهر آخر ، وسبعة في آخر شهر ثالث ، وأربعة في شهر آخر في غير الأيّام المتقدّمة . . . وهكذا .

وإمّا ناسية ، وهي التي كانت لها عادة فنسيتها ، ويقال لها : «المتحيّرة» .

وقد تطلق «المبتدئة» على الأعمّ ممّن تقدّمت ومن لم تستقرّ لها عادة ، كما تطلق «المضطربة» على الناسية ، والأمر سهل .

والأولى صرف الكلام إلى أحكام الأقسام في ضمن مسائل :

ص: 130

المسألة الاُولى في استفادة حصول العادة بمرّتين من الأخبار
اشارة

لا إشكال في حصول العادة برؤية الدم مرّتين في الجملة - دون مرّة واحدة

- نصّاً (1) وفتوى(2) . وخلاف بعض العامّة(3) - كنقل موافقة بعض أصحابنا معه(4) مع عدم ثبوته - لا يعتنى به .

وإنّما الإشكال - مع قطع النظر عن الإجماع أو الشهرة(5) - في استفادة حصول العادة بمرّتين في اُصول أقسام ذات العادة التي تقدّمت من الأدلّة ، كمرسلة يونس الطويلة(6) وغيرها (7) وكذا في استفادة حصولها بهما في سائر الأقسام المتكثّرة المذكورة في كتب المحقّق والعلاّمة والشهيد على ما حكيت(8)

ص: 131


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 7 .
2- النهاية : 25 ؛ المهذّب 1 : 35 ؛ منتهى المطلب 2 : 311 .
3- المغني ، ابن قدامة 1 : 329 / السطر 3 ؛ المجموع 2 : 417 / السطر 16 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 160 ؛ جواهر الكلام 3 : 171 .
5- جامع المقاصد 1 : 289 ؛ مستند الشيعة 2 : 430 - 431 ؛ جواهر الكلام 3 : 171 .
6- تقدّم في الصفحة 14 .
7- كمضمرة سماعة ، راجع الكافي 3 : 79 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1178 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 14 ، الحديث 1 .
8- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 186 ؛ المعتبر 1 : 213 و217 - 218 ؛ نهاية الإحكام 1 : 134 - 162 ؛ منتهى المطلب 2 : 295 ؛ الدروس الشرعية 1 : 97 - 98 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 232 - 234 .

وأشار إلى بعضها الشيخ الأعظم وغيره(1) .

فنقول : لا إشكال في استفادة حصولها بمرّتين في ذات العادة الوقتية والعددية من مرسلة يونس . وادّعى بعضهم استفادة العددية فقط أيضاً منها ؛ أي شمول ظهورها اللفظي لهما ، دون الوقتية فقط(2) .

لكن الظاهر منها - بعد التأمّل التامّ في جميع فقراتها - هو تعرّضها لذات

العادة العددية والوقتية دون غيرها ، بل شمولها لذات العادة الوقتية أقرب من العددية ، فالأولى ذكر بعض فقراتها حتّى يتّضح الحال :

قال بعد كلام : «أمّا إحدى السنن : فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، ثمّ استحاضت واستمرّ بها الدم ، وهي في ذلك تعرف أيّامها ومبلغ عددها . . .» إلى آخره .

لا إشكال في أنّ ما ذكر ، لا ينطبق إلاّ على ذات العادة العددية والوقتية مع كونها ذاكرة لعددها ووقتها ، وأمّا لو كان لها عدد معلوم ، لكن كان مختلطاً في ثلاثين يوماً ، فلا تكون لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، وأيّ اختلاط أكثر من اختلاط ثلاثة في ثلاثين مثلاً ؟ !

وأوضح من ذلك قوله : «تعرف أيّامها ومبلغ عددها» فعرفان الأيّام غير عرفان مبلغ العدد ، فلا إشكال في أنّ موضوع السنّة الاُولى هو ما ذكر .

وأمّا قوله بعد ذلك -

حاكياً عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في تكليف هذه المرأة - :

ص: 132


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 187 - 188 ؛ جواهر الكلام 3 : 171 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 185 .

«تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها» وإن كان في نفسه - مع قطع النظر عن الصدر والذيل - للعددية فقط ، لكن مع لحاظ أنّ ذلك بيان حكم الموضوع المتقدّم ، لا يبقى ريب في أنّ المراد قدر أقرائها التي تعرفها ذاتاً ومبلغاً ، ولهذا

قال بلا فصل : «هذه سنّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم في التي تعرف أيّام أقرائها ؛ لم تختلط عليها» ومعرفة أيّام الأقراء غير معرفة العدد والمبلغ ؛ ضرورة أنّ معرفة نفس اليوم هو العلم بشخصه ؛ وأ نّه في أيّ موضع من الشهر ، ومع الجهل بذلك تكون ممّن تختلط عليها أيّامها ولم تعرفها ، فقوله بلا فصل : «ألا ترى أ نّه لم يسألها : كم يوم هي ؟» لا يدلّ على شموله لذات العادة العددية ؛ ضرورة أ نّه بصدد بيان حال من تقدّم ذكرها ، ولذا قال بلا فصل : «وإنّما سنّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها» ومعلومية نفس الأيّام ومعروفيتها ، لا تصدقان إلاّ بما تقدّم .

ويزيده وضوحاً قوله بعد ذلك في بيان تكليفها : «فلتدع الصلاة أيّام أقرائها» ضرورة أنّ مثل ذلك لا

يقال لمن لا تعلم أيّامها ولا تعرفها بشخصها ؛ للفرق الواضح بين أن يقول : «فلتدع الصلاة مقدار أيّام أقرائها» وبين ما ذكر ، فقوله بعد ذلك : «فهذه سنّة التي تعرف أيّامها ولا وقت لها إلاّ أيّامها ؛ قلّت أو كثرت» ممّا يؤكّد المطلوب .

كما يؤكّده ويوضّحه قوله : «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ، فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر ، فإنّ سنّتها غير ذلك» . . . إلى غير ذلك ممّا يؤكّد المطلوب .

فلا ريب في أنّ المرسلة متعرّضة لذات العادة العددية والوقتية ، فحينئذٍ يكون

ص: 133

ذيلها أيضاً بيان تقسيم الصدر ، لا شيئاً آخر ، فقوله : «فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر من سبع ، فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلّي ، فلا تزال كذلك حتّى تنظر ما يكون في الشهر الثاني ، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواءً حتّى توالى عليها حيضتان . . .» إلى آخره متعرّض لما تقدّم .

فقوله : «لوقته من الشهر الأوّل» أي يكون الانقطاع وقت الشهر الأوّل .

وقوله : «سواء» أي عدداً ؛ بقرينة الصدر والذيل ، فلا إشكال في تعرّضها لذات العادة العددية والوقتية .

فحينئذٍ يقع الإشكال في المرسلة : بأنّ صريحها أنّ سنّ السنن الثلاث لرفع كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ؛ حتّى لا يدع لأحد مقالاً فيه بالرأي ، وأنّ جميع حالات المستحاضة ، تدور على هذه السنن الثلاث ؛ لا تكاد أبداً تخلو عن واحدة منهنّ ، مع أنّ كثيراً من حالات المستحاضة وأقسامها ، غير مذكورة فيها ، كالعددية المحضة ، والوقتية كذلك ، والصور الكثيرة التي تعرّض لها المحقّقون .

ويمكن دفع الإشكال عنها بوجهين :

أحدهما أن يقال : إنّ السنّة الاُولى - أي الرجوع إلى خلقها ووقتها - إنّما هي لمن لها خلق معروف معلوم ، ويكون وجه الإرجاع إلى خلقها هو معروفية الخلق ومعلومية الأيّام ، وذلك تمام الموضوع للإرجاع ، ويكون المثال المذكور أوضح المصاديق ؛ من غير أن يكون الحكم منحصراً به بدعوى : أنّ العرف - بمناسبات الحكم والموضوع وإلغاء الخصوصية - يفهم منها أنّ الخلق المعروف والعدد المعلوم ، يكون مرجعاً لأجل أقوائية أماريته من حالات الدم ، والرجوع إلى صفات الدم إنّما هو مع فقد الأمارة الأقوى ، فإذا كانت المرأة - حسب ما رأت

ص: 134

متكرّراً في الزمان الطويل - ذات خلق معروف عدداً ووقتاً ، أو عدداً فقط ، أو وقتاً فقط ، يكون هو المرجع لأجل معروفية الخلق ومعلومية العادة .

وبالجملة : العادة الحاصلة من تكرّر الدم أقوى الأمارات ، فذاك الخلق مرجعها لأجل كونه عادة وخلقاً ، فالمرأة التي ترى الدم في أوّل الشهر - لا تتخلّف عادتها عنه في الأزمنة المتطاولة ؛ وإن اختلف عددها - يكون لها خلق معروف معلوم بحسب الوقت ، وهو أقوى الأمارات .

وكذا في العددية المحضة ، كما يشهد به قوله في مقابل السنّة الاُولى : «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ، فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر . . .» مع أنّ مقابل ما ذكره في السنّة الاُولى هو إغفال أحدهما ، لا إغفالهما معاً ، فذكر إغفالهما دليل على أنّ الصدر بصدد بيان أمر أوسع ممّا مثّل به ، فيشمل الذاكرة ولو عدداً فقط ، أو وقتاً كذلك . فحينئذٍ يدخل جميع الصور التي ت-تصوّر للخلق المعروف والعادة المعروفة - ولو بنحو التركيب وغيره - في السنّة الاُولى ، ومع فقد الخلق والعادة

يكون المرجع هو الأمارة الاُخرى ؛ أي اختلاف ألوان الدم وتغيّر حالاته ، ومع فقدها يكون المرجع السبع والثلاث والعشرين ، فهذه جميع حالات المستحاضة تقريباً أو تحقيقاً .

وثانيهما أن يقال : إنّ السنّة الاُولى لذات العادة الوقتية والعددية معاً ، والسنّة الثانية لغيرها ؛ سواء لم تكن لها عادة أصلاً ، أو كانت وأغفلتها مطلقاً ، أو أغفلت

إحداهما ، فيدخل فيها جميع الأقسام ما عدا الأوّل ، وإنّما اختصّ بالذكر قسم منها هو أحد مصاديق المفهوم ، فقوله : «إن كانت لها أيّام معلومة فكذا» أو قوله :

ص: 135

«فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها . . .» كذا ، يكون بالمفهوم شاملاً لجميع أقسام المستحاضة غير ما في المنطوق .

فكأ نّه قال : «المستحاضة إمّا ذات عادة وقتية وعددية أو لا ، فالاُولى حكمها الرجوع إلى خلقها ، والثانية إمّا أن يكون لدمها اختلاف لون وتغيّر حال أو لا ، فالاُولى حكمها الرجوع إلى الصفات ، والثانية الرجوع إلى السبع والثلاث والعشرين» وذكر من كلّ مفهوم مصداقاً ؛ فذكر من مفهوم الجملة الاُولى التي أغفلت مطلقاً ، ومن مفهوم الجملة الثانية المبتدئة فقط من باب المثال ، لا من باب كونهما تمام الموضوع للحكم ، فحينئذٍ تحيط السنن الثلاث بجميع حالات المستحاضة إلاّ بعض النوادر .

وهذان الوجهان وإن كان يُدفع بكلٍّ منهما الإشكال عن المرسلة لكنّ الرجحان للوجه الأوّل ؛ لمساعدة الارتكازات العرفية عليه ، ومعها لا يبقى للوجه الثاني محلّ .

ولموافقته لفتوى الأصحاب ودعاوى الشهرة والإجماع على إلحاق العددية المحضة والوقتية المحضة بالسنّة الاُولى .

مضافاً إلى خصوصيات في المرسلة تؤيّد ذلك أو تدلّ عليه ، كقوله في ذيل السنّة الثانية : «فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها . . .» إلى أن قال : «فلهذا احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم . . .» إلى آخره ، فجعل وجه الاحتياج إلى الرجوع إلى الصفات ، عدمَ معرفة العدد ولا الوقت معاً ، فيفهم منه أ نّها لو عرفت وقتها لا تحتاج إلى معرفة لون الدم ، وكذا لو عرفت العدد ، فمورد الاحتياج فقدان الأمارة التي هي أقوى ؛

ص: 136

وه-ي الخلق المعروف والعادة المعلومة .

ويؤكّده قوله : «فإذا جهلت الأيّام وعددها ، احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه . . .» إلى غير ذلك من الخصوصيات .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ من لها خلق معروف - سواء كان خلقها العدد والوقت ، أو أحدهما ، أو كان مركّباً في الوقت ، أو في العدد ، أو في كليهما ، وكذا سائر أقسام

الخلق - فسنّتها الرجوع إلى خلقها المعروف وعادتها المعلومة ؛ لا سنّة لها غيرها .

ولا إشكال في تلك الكبرى الكلّية واستفادتها من الرواية ؛ بعد النظر التامّ في فقراتها والتأمّل في خصوصياتها ، كما قال الإمام علیه السلام في صدرها : «بيَّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها» .

دلالة ذيل مرسلة يونس على تحقّق العادة بحيضتين مطلقاً

فحينئذٍ يقع الكلام في أ نّه هل يستفاد من ذيل المرسلة أنّ الحيضتين مطلقاً وفي جميع الفروع وصغريات الكبرى الكلّية ، موجبتان لتحقّق العادة أو يختصّ ذلك بموضع ومحلّ خاصّ ولا يتجاوز عنه ؟

ووجه الاختصاص هو أخذ خصوصيات في المرسلة في الموضوع :

منها : كون الحيضتين من المرأة المبتدئة لا غيرها ، فإنّ قوله : «فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع» راجع إلى من استمرّ بها الدم أوّل ما رأت ، وهي قسم من المبتدئة ، فالعادة تحصل بالحيضتين بالنسبة إليها خاصّة .

ومنها : تحقّقهما في شهرين هلاليين لا غيرهما ، كما هو ظاهر «الشهر» في لسان الشرع .

ص: 137

ومنها : استواؤهما أخذاً وانقطاعاً ؛ لقوله : «فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواء» ف- «الوقت» إشارة إلى المحلّ من الشهر ، و«السواء» إلى العدد ، فلا بدّ من اختصاص الحيضتين - لتحصيل العادة الشرعية التعبّدية - بالموضوع الذي دلّت عليه المرسلة ، وفيما سواه ترجع إلى العادة العرفية ، ومع عدمها إلى الصفات .

لكن الإنصاف : أنّ المرسلة آبية عن دخل تلك الخصوصيات في موضوع حصول العادة ؛ لأنّ الإمام علیه السلام بيّن لنا طريق استفادة كفاية الحيضتين في حصول العادة والوقت والخلق المعروف ؛ حيث قال - بعد قوله : «فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً ؛ تعمل عليه ، وتدع ما سواه» - بهذه العبارة : «وإنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث ؛ لقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم للتي تعرف أيّامها : دعي الصلاة أيّام أقرائك ، فعلمنا أ نّه لم يجعل القُرء الواحد سُنّة لها ، فيقول لها : دعي الصلاة أيّام قرئك ، ولكن سنّ لها الأقراء ، وأدناه حيضتان فصاعداً . . .» إلى آخره .

فيظهر منه : أنّ الحيضتين - بما هما أقلّ الأقراء الواردة في قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - موضوع السنّة الاُولى ، ولا دخل لشيء آخر فيه ، فكلّ من كان لها أيّام معلومة وأقراء معروفة ، لا بدّ لها من الرجوع إلى أيّامها وأقرائها كائنة من كانت ، وتحصل الأقراء بأدنى مراتبها ؛ وهو حيضتان ، فكونهما موضوع السنّة الاُولى ؛ لدخولهما في قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ليس إلاّ ، فلو كان لما ذكر من الخصوصيات دخل لما تمّ ما ذكره ، ولما أفادنا طريق الاستفادة والاجتهاد كذلك .

ص: 138

فذيل المرسلة حاكم على صدرها بتحصيل موضوع ذات العادة تعبّداً ، وبيان له ، فكأ نّه قال : «كلّ ذات عادة وخلق سنّتها الرجوع إليهما ، ويحصل الخلق والعادة بحيضتين» .

وأمّا ما يقال(1) : من أنّ العادة العرفية تحصل بمرّتين لخصوصية في عادات النساء ؛ من حيث إنّ الرحم بالطبع تقذف الدم بنظام معيّن نوعاً ، فإذا قذفت مرّتين على نسق واحد حصلت العادة . وأنّ الرواية بصدد بيان حدّ المعنى العرفي ، كتعيين ثلاث في باب كثير السهو (2) إلى غير ذلك ممّا أفاد المشايخ فلا يخلو من الإشكال ، خصوصاً بالنسبة إلى بعض الموارد ، بل ظاهر الرواية يأبى عن ذلك .

ص: 139


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 187 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 77 و79 .
2- السرائر 1 : 248 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 3 : 143 - 145 .
المسألة الثانية في ثبوت العددية الناقصة برؤية مرّتين مختلفتين عدداً

هل تثبت العددية الناقصة برؤية مرّتين مختلفتين عدداً ؛ بحيث يلزم الأخذ بالقدر المتيقّن ؛ سواء كانت ذات عادة وقتية أو لا ، فإذا رأت أربعة أيّام في أوّل شهر ، وستّةً في أوّل شهر آخر ، أو أربعةً في أوّل شهر ، وستّةً في وسط شهر آخر ، تصير الأربعة عادة ناقصة لها ، وكذا في جانب الأكثر ، فيكون الخارج عنهما غير أيّام حيضها أو لا ، أو يفصّل بين ذات العادة الوقتية ، فتأخذ بالقدر المتيقّن من العدد ، فتثبت لها العددية الناقصة ، وبين غيرها فلا تثبت ؟

وجوه ، فعن العلاّمة والشهيد ثبوتها (1) ، واختاره بعض المحقّقين(2) وعن «جامع المقاصد» و«الروض» عدمه(3) ، واختاره صاحب «الجواهر» والشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني(4) .

واستدلّ على عدمه(5) بظهور مضمرة سَماعة(6) والمرسلة(7) في اعتبار

ص: 140


1- منتهى المطلب 2 : 316 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 232 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 78 - 79 .
3- جامع المقاصد 1 : 292 ؛ روض الجنان 1 : 180 - 181 .
4- جواهر الكلام 3 : 177 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 197 ؛ الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 203 .
5- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 203 .
6- يأتي متنها في الصفحة 152 .
7- تقدّم في الصفحة 14 .

التساوي في العدد ، وبأنّ أقلّ ما يحصل به العادة حيضتان ، ومن رأت في شهر أربعة وفي شهر ستّة ، فكما أنّ الأخذ بالستّة أخذ بقُرء واحد ، كذلك الأخذ بالأربعة ؛ لأنّ الأربعة في ضمن الستّة لا تكون قرءاً مستقلاًّ ، والقرء الواحد لا يكون عادة بنصّ المرسلة .

ويمكن أن يقال : إنّ المضمرة لا تدفع العددية الناقصة ؛ فإنّ قوله : «فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها» إمّا أن يدّعى دلالته على النفي بمفهوم الشرط ، فلا مفهوم له في المقام ظاهراً - لو سلّم مفهوم الشرط في غيره - فإنّ المفهوم فيه : «إذا لم يتّفق شهران كذلك فليس تلك أيّامها» أي ليس الأيّام المتقدّمة المتساوية في صورة الاختلاف أيّامها ، وهذا نفي بنفي الموضوع ، لا لأجل المفهوم .

وإمّا بمفهوم القيد بأن يقال : «إذا اتّفق شهران عدّة أيّام غير سواء ، فليس تلك أيّامها» ومعناه حينئذٍ أنّ الأيّام التي هي غير سواء ليس أيّامها ، وهو - مع الغضّ

عن عدم المفهوم - لا ينفي إلاّ عدم(1) جميع الأيّام التي هي غير سواء ، وهو مسلّم ، وأمّا الأقلّ فلا ينفيه ، تأمّل .

وبمثله يجاب عن المرسلة أيضاً .

وأمّا كون الناقص قرءاً واحداً فمسلّم ، لكن يمكن دعوى استفادة ذلك من المرسلة بإلغاء الخصوصية عرفاً ؛ بأن يقال : إنّ العرف يفهم منها أنّ تكرّر الدم على نحو واحد ، يوجب الخلق .

وإن شئت قلت : لا

ريب في شمول قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة

ص: 141


1- هكذا في الأصل والصحيح زيادة لفظة «عدم» .

أيّام أقرائك» لمن كانت لها عادة ناقصة عدداً مع كونها ذات العادة المستقرّة وقتاً ، فمن رأت سنين متمادية أوّل الشهر حيضاً مع اختلاف العدد زيادة ونقيصة ، تكون لها أيّام معلومة هي القدر المتيقّن ، كأوّل الشهر إلى اليوم الرابع مثلاً ، فيشملها قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وزيادة العدد ونقصه لا توجبان عدم الشمول بالنسبة إلى القدر المتيقّن ، والمرسلة دلّت على أنّ الرؤية مرّتين موجبة للخلق المعلوم ؛ حيث قال لمن توالى عليها حيضتان : «فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً ؛ تعمل عليه ، وتدع ما سواه» .

نعم ، ظاهرها حيضتان تامّتان ، كما أنّ الظاهر حصولهما في شهرين ، فكما أنّ العرف يفهم منها أنّ خصوصية الشهر غير دخيلة ، يفهم أنّ العدد الزائد على الأربعة في المثال لا دخل له .

وأمّا قولهم : «إنّ ذلك هو الأخذ بقرء واحد ، وقد صرّحت المرسلة بعدم صيرورتها ذات عادة بقرء واحد» . ففيه : أ نّه فرق بين الأخذ بالأربعة بحدّها وجعل الأربعة وقتها ، وبين الأخذ بالجامع بين الناقص والزائد والقدر المتيقّن منهما ، ففي الصورة الثانية لا تكون آخذة بالناقص ، بل به وبما يشاركه ؛ وهو القرء الثاني ، فهي آخذة بهما وإن لم تأخذ بجميعهما .

وقد يقال : إنّ ما ذكر منافٍ لقوله في المرسلة : «وإن اختلط عليها أيّامها ، وزادت ونقصت حتّى لا تقف منها على حدّ ، ولا من الدم على لون ، عملت بإقبال الدم وإدباره ؛ ليس لها سنّة غير هذا»(1) .

وفيه : أنّ ذلك مسلّم في العددية الناقصة غير الوقتية ممّا ذكرنا في صدر

ص: 142


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 79 .

المبحث لا في ذات العادة الوقتية مع العددية الناقصة ، ونحن نلتزم به ونفصّل

بينهما ؛ وذلك لأ نّه في المرسلة - كما يعلم بالنظر في صدرها وذيلها - جعل التمييز مرجعاً لمن لا تكون لها أيّام معلومة ؛ لا من حيث العدد ولا الوقت ، كما صرّح به في موارد منها ، كقوله : «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ؛ فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر . . .» إلى آخره .

وما في ذيلها هو السنّة الثانية التي في صدرها ، وموضوعها هي التي اختلط عليها أيّامها من حيث موضع الشهر ، وزادت ونقصت عدداً ، ولا إشكال - بحسب مفاد المرسلة - في أنّ مرجعها إلى التمييز . وأمّا من عرفت موضعها من الشهر ولم تحصِ عددها ، فهي غير داخلة في السنّة الثانية ، بل داخلة في السنّة الاُولى كما مرّ(1) . كما أنّ من أحصت عددها ولم تعرف موضعها ، لا يكون مرجعها في العدد إلى التمييز . فهذه الفقرة الأخيرة ، غير شاملة لذات العادة الوقتية المحضة ،

وهو ظاهر لمن سمع المرسلة وفهمها .

وأمّا ما أفاده بعض المحقّقين في جواب هذا الإشكال(2) ، فهو كما ترى .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ الأقوى هو التفصيل بين ذات العادة الوقتية المحضة ؛ فتأخذ بالقدر المتيقّن من العدد ، ويصير ذلك عادة لها بمرّتين ، وبين ذات العددية الناقصة مع عدم العادة الوقتية لها ، فمرجعها التمييز ، وليس لها سنّة مع التمييز غيره .

ص: 143


1- تقدّم في الصفحة 134 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 79 .
المسألة الثالثة في تحقّق العادة بالمرّتين مطلقاً

إنّ حصول المرّتين قد يكون بالأخذ والانقطاع ، مع كون الدم حيضاً وجداناً .

وقد يكون بقيام أمارة معتبرة على الحيضية ، كمن كانت مبتدئة واستمرّ بها الدم ، فرأت في أوّل شهرين متّصلين ، عدداً معيّناً بصفات الحيض .

وقد يكون الحكم بحصول الحيض بقاعدة الإمكان ، كمن رأت في أوّل شهرين متّصلين ، عدداً معيّناً محكوماً بالحيضية بقاعدة الإمكان .

وقد يكون ذلك بالاقتداء بعادة نسائها ، كمن كانت عادة نسائها خمسة في أوّل كلّ شهر ، فاقتدت بهنّ مرّتين .

وقد يكون بشهادة القوابل ؛ بناءً على قبولها .

وقد يكون بالاستصحاب ، كما لو فرض العلمُ بحيضية ثلاثة أيّام من أوّل شهرين ، والشكّ في بقائها إلى الخامس ، وقلنا بجريان الاستصحاب فيه .

وقد يكون بالتحيّض سبعة أيّام من شهرين في وقت معيّن ؛ عملاً بالرواية .

لا إشكال في حصول العادة في الفرض الأوّل ، كما لا إشكال في عدم حصولها في الأخير :

أمّا الأوّل فواضح .

وأمّا الأخير ؛ فلأنّ السبعة ليست بحيض وجداناً ولا تعبّداً ، بل المرأة تعمل فيها عمل الحائض ، كما قال في المرسلة تمسّكاً بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «تحيّضي» وليس يكون التحيّض إلاّ للمرأة التي تريد تكلّف ما تعمل الحائض .

ص: 144

وأمّا الأقسام الاُخرى ، فالظاهر تحقّقها بها :

أمّا فيما قامت الأمارة على الحيضية ؛ فلأنّ الأمارة كاشفة عن الحيض الواقعي ، فمع قيامها عليه وتكرّرها مرّتين ، ينقّح بها موضوع قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» مفسّراً بكلام أبي عبداللّه علیه السلام : «وأدناه حيضتان» .

وترجيح بعض المحقّقين العدم بدعوى خروج الفرض عن مورد الروايتين ، وعدم الوثوق بكون واجد الصفات حيضاً لا غير ، وأنّ الأوصاف أمارات ظنّية اعتبرها الشارع في الجملة ، كعادة نسائها التي ترجع إليها في بعض الصور ، فلا تكون موجبة للوثوق بمعرفة أيّام أقرائها حتّى ترجع إليها (1) .

لا يخلو من غرابة ؛ ضرورة أ نّه مع قيام الأمارة المعتبرة على الحيضية ، تصير الحيضية الواقعية ثابتة ولو تعبّداً ، ومع تحقّقها وتكرّرها مرّتين وجداناً ، يتحقّق

موضوع ما دلّ على أنّ أدنى ما يتحقّق به العادة حيضتان .

ولو فرض عدم الوثوق بالحيضية ، لم يضرّ ذلك بلزوم ترتيب الأحكام عليها ؛ لانسلاكها تحت الدليل الشرعي ، فأيّ فرق بين المقام وسائر الموارد ؛ ممّا يكون الحكم مترتّباً على العناوين الواقعية مع إحرازها بالأمارات الشرعية ؟ !

كما أنّ ما في «الجواهر» : «من عدم تناول الخبرين - أي المرسلة(2) والمضمرة(3) - له ، مع ظهور غيرهما في عدمه ، كالأخبار الآمرة بالرجوع إلى

ص: 145


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 81 .
2- تقدّم في الصفحة 14 .
3- يأتي في الصفحة 152 .

الصفات(1) ؛ إذ هي متناولة بإطلاقها ما لو تكرّر الجامع مثلاً مرّتين ، ثمّ اختلف محلّه أو عدده في الدور الثالث ، فإنّه يجب اتّباع الأوصاف أينما كانت ؛ تكرّرت أو لا»(2) .

أيضاً لا يخلو من غرابة ؛ ضرورة أنّ الرجوع إلى التمييز ، إنّما يكون بعد فقد

العادة ، وإلاّ فهي المرجع لا غير ، وبعد ثبوت الحيضتين الواقعيتين بالصفات ، يندرج الموضوع تحت قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» مفسّراً بقول أبي عبداللّه علیه السلام : «أدناه حيضتان» ، فالحيضتان الواقعيتان محقّقتان للعادة ، ومع تحقّقها تكون هي المرجع دون التمييز .

بل لو فرض أنّ الموضوع لحصول العادة هو الحيض المعلوم والأيّام المعروفة ، لقلنا بثبوتها في المقام بالحيضتين ؛ لقوله علیه السلام في المرسلة بعد فرض تكرّر الحيضتين : «فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً» متمسّكاً بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» وأنّ «أدناه حيضتان» فالحيضتان محقّقتان للخلق المعروف والعادة المعلومة التي هي موضوع الحكم ، فتدبّر .

وأمّا ما يمكن أن يقال : إنّ التمسّك بدليل التمييز لمنع الرجوع إلى التمييز ، يلزم منه كون الدليل رافعاً لنفسه أو لعلّته ، وأيضاً يلزم منه حكومته على نفسه .

فممّا لا يصغى إليه بعد التأمّل فيما تقدّم ، ولا مانع من أن تحصل العادة

ص: 146


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 .
2- جواهر الكلام 3 : 178 .

بمصداقين من التمييز ، ولأجله يرتفع موضوع الرجوع إلى التمييز فيما بعد ، كما في الأصل السببي والمسبّبي . بل ما نحن فيه أولى منه ، كما يظهر بالتأمّل .

ثمّ إنّه لو فرض أنّ ثبوت الحيض بقاعدة الإمكان ، أو بالاقتداء بأقراء نسائها ، من قبيل الثبوت بالأمارة ، فالكلام فيهما هو الكلام .

وأمّا لو فرض كون القاعدة أصلاً ، وكذا الاقتداء بعادة النساء ، فكذلك إن كانا

أصلين محرزين ؛ بدعوى أنّ معقد الإجماع القائم على القاعدة - على فرضه - لو لم يكن مفاده التحقّق الواقعي ، فلا أقلّ من ظهوره في التعبّد بتحقّقه ؛ فإنّ معقده

«أنّ كلّ دم أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» فهو إمّا بصدد بيان أنّ أسباب الحيضية وعللها متحقّقة لو لا الامتناع ، والإمكان مساوق للتحقّق الواقعي ، فتكون أمارة للواقع ، أو بصدد بيان التعبّد بوجودها عند إمكانها ، فلا محالة يكون أصلاً محرزاً ، ومع التعبّد بوجودها مرّتين ، تنسلك في موضوع ما دلّ على أنّ العادة تحصل بأدنى الأقراء ؛ وهو حيضتان ، كما ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية بالاُصول المحرزة في غير المقام .

ومن هذا يظهر حال الاقتداء بالأقراء لو أخذنا برواية سَماعة ، فإنّ قوله : «أقراؤها مثل أقراء نسائها»(1) إمّا أمارة ؛ بقرينة أنّ مماثلة حالات النساء في

طائفة ، أمارة على كشف حال مورد الشكّ . ولو اُغمض النظر عنه ، فلا أقلّ من أنّ لسانها لسان التعبّد بأنّ أقراءها مثل أقرائهنّ ، فإذا كانت أقراؤهنّ خمسة في أوّل

ص: 147


1- الكافي 3 : 79 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 2 .

الشهور ، يكون قرؤها كذلك ، فمع الاقتداء بهنّ مرّتين ينقّح الموضوع ، كما مرّ .

ويأتي هذا الكلام في الاستصحاب أيضاً على ما حقّقنا في محلّه : من أنّ الاستصحاب في الموضوعات منقّح لنفس موضوع الأدلّة الاجتهادية(1) ، فتبصّر .

وممّا ذكرنا يظهر حال غيرها من الفروع ، كما لو ثبتت الحيضتان بأمارتين مختلفتين ؛ كأن يكون أحد الدمين واجداً لبعض صفات الحيض ، والآخر لبعض آخر ؛ بعد فرض كون كلّ صفة أمارة مستقلّة .

وأمّا التفصيل بين جامع الصفات وغيره ؛ لحصول الظنّ القويّ في الأوّل دون الثاني(2) ، ففي غير محلّه بعد فرض أمارية كلّ صفة ، فقوّة الظنّ - كأصل حصوله - كالحجر جنب الإنسان .

فلا إشكال في تحقّق العادة بالمرّتين مطلقاً ؛ حتّى لو ثبتت إحدى الحيضتين بالتمييز ، والاُخرى بالقاعدة ، أو إحداهما بالقاعدة ، والاُخرى بالرجوع إلى الأقران . . . وهكذا . وعليك بالتأمّل فيما مرّ واستخراج كلّ فرع يرد عليك .

ص: 148


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 279 - 282 .
2- اُنظر جواهر الكلام 3 : 178 .
المسألة الرابعة في حصول العادة بالمرّتين مع حصول النقاء في البين

هل تحصل العادة بالمرّتين مع حصول النقاء في البين أو لا ؟

وعلى الأوّل : هل العبرة بالدمين مطلقاً ؛ سواء كانت الرؤية في وقت واحد أو عدد معيّن ، فتصير ذات عادة وقتية في الأوّل ، وعددية في الثاني ؛ وسواء كان النقاءان متساويين في المرّتين أو لا ، وسواء كان النقاء في كلتا المرّتين ، أو في

مرّة دون اُخرى ؟

أو يفصّل في المقامات ؟

أو العبرة بالدم المستمرّ أوّلاً ؟

أو بالدمين وإلغاء النقاء ؟

وجوه ، أوجهها الأوّل ؛ أي حصول العادة بالمرّتين واحتساب النقاء والدمين مطلقاً ؛ وذلك لأنّ الظاهر من المرسلة الطويلة(1) أنّ الميزان في حصول العادة المعلومة والخلق المعروف ، هو حصول القُرءين عدّة أيّام سواء ؛ لقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» مفسّراً بقول أبي عبداللّه علیه السلام : إنّ «أدناه حيضتان» فيكون الذيل قاعدة كلّية يندرج فيها جميع أفراد القرء ؛ سواء كانت المرأة في أيّام القرء مستمرّة الدم أو لا ، بشرط صدق أيّام القُرء عليها ، وإنّما

ذكر فيها الدم واستمراره مثالاً للمقام .

ص: 149


1- تقدّم في الصفحة 14 .

فقوله : «فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع . . .» إلى آخره ، وإن كان ظاهراً في استمرار الدم عدّة أيّام سواء ، مع حصول الانقطاع في وقت معيّن من الشهر ، لكن استدلال أبي عبداللّه علیه السلام بكلام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وتحديده الجمع بحيضتين فصاعداً ، حاكم على هذا الظهور ، ومبيِّن للمراد ؛ وأنّ تمام الملاك هو تكرّر أيّام

القُرء مرّتين فصاعداً ، فإذا ضمّ إلى هذه الكلّية كون أيّام النقاء قرءاً وحيضاً تمّ

المطلوب ، وتمّت الحكومة .

ويدلّ على ذلك - مضافاً إلى دعوى عدم وجدان الخلاف ، كما في «الجواهر»(1) وعن «شرح المفاتيح» : «أ نّه لم يُنقل في ذلك خلاف»(2) بل ادّعى الشيخ في «الخلاف» إجماع الفرقة على كون الكلّ حيضاً (3) - ما دلّ على أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام(4) ، وعدم الواسطة بين الطهر والحيض ، فالنقاء في البين إن لم يكن طهراً فهو حيض .

وتدلّ عليه أيضاً رواية يونس القصيرة حيث قال فيها : «فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في عشرة ، فهو من الحيض»(5) بالتقريب الذي مرّ في بعض المسائل السابقة(6) .

ص: 150


1- جواهر الكلام 3 : 187 .
2- مصابيح الظلام 1 : 145 .
3- الخلاف 1 : 243 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 .
5- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 12 ، الحديث 2 .
6- تقدّم في الصفحة 123 - 124 .

وكذا روايتا محمّد بن مسلم حيث قال فيهما : «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى»(1) بالتقريب المتقدّم(2) .

ويؤيّده أنّ كون النقاء طهراً في الواقع مع وجوب ترك الصلاة عليها فيه ، بعيد جدّاً .

وهذا أبعد ممّا استبعده أبو عبداللّه علیه السلام في مرسلة يونس الطويلة حيث قال في السنّة الثالثة : «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع ، وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك ، ما قال لها تحيّضي سبعاً ! فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً ، وهي مستحاضة غير حائض . . .»(3) إلى آخره ، فإذا لم يأمر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

المستحاضة غير الحائض بترك الصلاة ، لم يأمر قطعاً الطاهرة غير الحائض بتركها ، فلا بدّ إمّا من التزام مقالة صاحب «الحدائق»(4) وهو خلاف الإجماع والأدلّة ، أو البناء على كون النقاء حيضاً وجميع الأيّام قرءاً ، وهو المتعيّن ، فحينئذٍ يثبت المطلوب ؛ وهو أنّ القرءين - سواء كانا مع استمرار الدم ، أو مع تخلّل النقاء مطلقاً - موجب لحصول الخلق المعروف .

وبما ذكرنا يظهر النظر في سائر الوجوه والأقوال .

وقد يقال(5) : إنّ مقتضى المرسلة ومضمرة سماعة اعتبار تساوي عدد أيّام

ص: 151


1- تقدّما في الصفحة 96 - 97 .
2- تقدّم في الصفحة 124 - 125 .
3- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 88 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 3 .
4- الحدائق الناضرة 3 : 160 .
5- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 205 .

الدم في الحيضتين في حصول العادة العددية ، ومقتضى صدق «أيّامها» على أيّام الدم والنقاء في الوقتية ، هو التفصيل بينهما ؛ بأن يقال : إنّ الاعتبار بالدمين في

العددية وبالدمين والنقاء في الوقتية .

وفيه ما لا يخفى ؛ لما عرفت من حال المرسلة . وأمّا المضمرة فلا

بدّ من نقلها وبيان الوجوه فيها حتّى يظهر الأمر :

قال سماعة : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام ؛ يختلف عليها ، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة ، فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها»(1) .

لا ريب في أنّ السائل بصدد رفع شبهته في اختلاف أيّام الطمث ؛ وأ نّه إذا لم يكن طمثها عدّة أيّام سواء فما تكليفها ؟ من غير نظر إلى أنّ الطمث ما هو ؛ وهل هو نفس الدم ، أو هو مع النقاء المتخلّل ؟ وكذا الجواب إنّما هو عن ذلك ؛ وأ نّه مع عدم تجاوز الدم عشرة أيّام ، تجلس وتدع الصلاة .

وقوله : «فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء . . .» يحتمل فيه :

اتّفاق أيّام القعود .

واتّفاق أيّام الطمث .

واتّفاق أيّام الدم المستمرّ المعهود في الكلام .

واتّفاق مطلق الدم .

ص: 152


1- الكافي 3 : 79 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 7 ، الحديث 1 ، و : 304 ، الباب 14 ، الحديث 1 .

ولازم الاحتمال الأوّل أن يكون أيّام النقاء ، محسوبة من العادة ولو لم تكن حيضاً ، إلاّ أن تكون «أيّام القعود» كناية عن الطمث .

ولازم الثاني أن يكون أيّام النقاء - على فرض كونها من أيّام الطمث - محسوبة منها .

ولازم الثالث أن يكون الدم الأوّل المستمرّ محسوباً لا غير .

ولازم الرابع أن يكون الدمان محسوبين دون النقاء .

ولا ترجيح لأحدهما لو لم نقل : إنّه لمّا كان السؤال عن الطمث ، يكون المراد من الجواب اتّفاق أيّامه . ولو فرض الظنّ بترجيح اتّفاق أيّام الدم المذكور في الكلام أخيراً ، فاعتبار مثل هذا الظنّ الغير المستند إلى الظهور مشكل ، بل ممنوع . مع أنّ لازمه كون العبرة بالدم الأوّل المستمرّ لا الدمين .

والإنصاف : أنّ الرواية لا تقاوم ما استظهرناه من المرسلة وسائر الأدلّة ؛ لو لم نقل بظهورها في تأسيس الكبرى الكلّية التي في المرسلة . بل لا يبعد تحكيم المرسلة عليها ؛ على نحو ما مرّ من تحكيم بعض فقرات المرسلة على بعض(1) ، فلا ريب في أنّ الأظهر هو احتساب النقاء والدمين .

ويظهر حال الفروع الكثيرة في المقام من التأمّل فيما ذكرنا واستفدنا من الأدلّة .

ص: 153


1- تقدّم في الصفحة 139 .
المسألة الخامسة في حصول العادة الوقتية بتكرّر الحيض

كما تحصل العادة العددية بتكرّر العدد في شهرين أو أقلّ أو أزيد ، هل تحصل الوقتية بتكرّر الحيض مطلقاً ؟

أو يعتبر في حصولها تخلّل طهرين متساويين مطلقاً ؟

أو لا يعتبر ذلك في شهرين هلاليين مع حفظ الوقت ، كما لو رأت أوّل شهرين أو وسطهما مثلاً ، وأمّا لو رأت في شهر مرّتين ، أو رأت مرّتين في أزيد من شهر - كما لو رأت خمسة ، وطهرت خمسة وخمسين ، فرأت خمسة - فلا تحصل العادة إلاّ برؤية طهر آخر خمسة وخمسين ، وكذا في الناقص عن الشهر ؟

الأقوى هو التفصيل ؛ لأنّ الملاك في حصولها - بعد الرجوع إلى الارتكاز العرفي وإلغاء الخصوصيات بالتقريب المتقدّم(1) - هو تكرّر العدد في حصول العددية ، وتكرّر الوقت في الوقتية ، فمع رؤية الطمث في أوّل شهرين هلاليين مثلاً ، يحصل التكرّر المحصّل للعادة بالنسبة إلى الوقت ؛ لتكرّر الحيض في أوّل الشهر ، وهو أدنى القرء ، كما هو المصرّح به في مرسلة يونس(2) .

وأمّا إذا رأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطهر أو أزيد ، فمع تساوي العدد لا إشكال في حصول العادة العددية ؛ لتكرّر العدد ، وأمّا الوقت فلم يتكرّر ؛ لأنّ

ص: 154


1- تقدّم في الصفحة 134 - 139 .
2- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .

وسط الشهر ليس عوداً لأوّله ، كما هو واضح ، فالحيضتان مكرّرتان من حيث الذات والعدد دون الوقت ، فلا تحصل العادة الوقتية لها إلاّ بتخلّل طهر مساوٍ للأوّل ، فحينئذٍ يصدق أنّ وقتها بعد كلّ عشرة مثلاً . وكذا فيما إذا رأت في أكثر من شهرين .

وعلى ما ذكرنا لا يرد الإشكال : بأنّ ظاهر النصّ حصول العادة بالحيضتين ، ومع اعتبار الطهرين لا يحصل إلاّ بثلاث حيضات(1) ، فإنّ اعتبار الثلاث ليس لأجل حصول العادة بها ، بل لأجل تكرّر الوقت ، وهو موقوف على ذلك .

وبالجملة : الوقت لا ينضبط إلاّ بتخلّل طهرين ، إلاّ إذا انضبط بالشهر كما مرّ .

ص: 155


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 193 .
المسألة السادسة في زوال العادة بعادة شرعية مطلقاً
اشارة

لا إشكال في عدم زوال العادة - عرفية كانت أو تعبّدية - بمرّة واحدة بخلافها ، خلافاً لأبي يوسف على ما حكي عنه(1) . وكذا لا إشكال في زوالها بطروّ عادة اُخرى عرفية . فهل تزول بعادة شرعية مطلقاً ، أو لا تزول كذلك ، أو تزول الشرعية دون العرفية ؟

الأقرب هو الأوّل ؛ لما مرّ من الصغرى والكبرى المستفادتين من مرسلة يونس(2) ؛ وأنّ قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» إذا انطبق على كلّ موضوع عرفي ، تقوم المرّتان مقامه ، ولا إشكال في أنّ العادة الثانية إذا كانت عرفية مستقرّة ، تصير ناسخة للاُولى ؛ لكونها العادة الفعلية ، فقوله : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» وقوله : «ليس لها سنّة إلاّ أيّامها» لا ينطبقان إلاّ على الثانية ، فإذا كان حال العرفية كذلك فالمرّتان تقومان مقامها ؛ لتفسير الصادق علیه السلام

قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» بحيضتين فصاعداً .

وبهذا التقريب يدفع ما يمكن أن يقال : من أنّ المرسلة وكذا المضمرة واردتان في المبتدئة ، ولها خصوصية عرفاً لا يمكن إلغاؤها وإسراء الحكم منها إلى من لها عادة مستمرّة سنين عديدة ، وكذا إلى من لم تستقرّ لها عادة مع رؤيتها الدم

ص: 156


1- منتهى المطلب 2 : 329 ؛ المبسوط ، السرخسي 3 : 183 / السطر 23 .
2- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .

في سنين عديدة ؛ لأنّ طبيعة المبتدئة الخالية من عادة مستمرّة أو اعوجاج مستمرّ ، إذا قذفت مرّتين بمنوال واحد ، يمكن أن يكشف ذلك عن خلقها وعادتها ؛ لأنّ انتظام الدم نوعي للنساء ، فمع حصول المرّتين لا يبعد تحقّق النظم حتّى بنظر العرف .

ولهذا يمكن أن يقال : ليس قول الصادق علیه السلام بأنّ «أدناه حيضتان» لأجل كون أقلّ الجمع كذلك ، بل لكون الموضوع ذا خصوصية بها صار التكرّر كاشفاً عن الخلق المعهود .

وقوله : «فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً» ممّا يؤيّد ما ذكرنا ؛ لأنّ التكرّر المطلق لا يوجب العلم بالخلق المعروف إلاّ بقرائن وخصوصيات مقرونة به ، وهي موجودة بالنسبة إلى المبتدئة ، وأمّا من كانت لها عادة مستمرّة أو انحراف مستمرّ ، فالخروج عن عادتها وانحرافها لا يحصل بدفعتين أو ثلاث .

فإذن فرق بين المبتدئة الواردة فيها الروايتان وذات العادة العرفية أو الانحراف العادي المستمرّ ، فلا يمكن إلغاء الخصوصية من الروايتين ، فلا بدّ في زوال العادة من الرجوع إلى العرف بحصول كرّات ومرّات .

قلت : هذا غاية ما يمكن أن يقال لمنع إلغاء الخصوصية ، ولو كانت الدعوى إسراء الحكم لمحض ارتكاز العرف وإلغاء الخصوصية ، كان لما ذكر وجه وجيه .

بل لو كان المستند هو الفهم العرفي - كما استندوا إليه(1) - كان رفع اليد عن

ص: 157


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 200 - 201 .

الشهرين الهلاليين وإسراء الحكم إلى الشهر الحيضي أو أكثر من الشهرين ، في غاية الإشكال ؛ لأنّ للشهرين المتّصلين أيضاً خصوصية ليست لغيرهما من الأقلّ والأكثر ؛ ضرورة أنّ نوعية عادات النساء ، إنّما هي الرؤية في كلّ شهر مرّة ، لا مرّتين ، ولا التأخير عن الشهر ، فإذن للرؤية مرّتين في شهرين على النظم خصوصية ؛ وهي الغلبة والعادة ، والخروج عنها نوع انحراف عن الطبيعة ، ولذا تكون المرّتان من الطبيعة السليمة الغير المنحرفة ، كاشفتين عن الخلق والعادة ، دون المرّتين من غيرها .

لكنّ العمدة هو تمسّك أبي عبداللّه علیه السلام بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» وقوله علیه السلام : «أدناه حيضتان» والظاهر منه أن لا خصوصية للموضوع إلاّ ذلك ؛ وأنّ الحيضتين تمام الموضوع ، ولو كانت الخصوصيات الاُخر دخيلة في الحكم كان عليه بيانها ، خصوصاً في المورد ممّا يغفل العامّة عن الخصوصيات الخفيّة المربوطة بما في الأرحام .

فقوله علیه السلام : «وإنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث ؛ لقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . . .» إلى آخره ، يدلّ على أنّ الوجه هو قوله صلی الله علیه و آله وسلم من غير مدخل لشيء آخر ، خصوصاً بناءً على دلالة كلمة «إنّما» على الحصر ، ومع إنكارها يكفي الإطلاق في مقام البيان ، ولا مجال للتشكيكات العلمية الخارجة عن أفهام العامّة ، وإلاّ لانسدّ باب التمسّك بالإطلاق في كثير من الموارد .

فتحصّل منه : أنّ الأقرب زوال العادة العرفية بالرؤية على خلافها مرّتين منتظمتين ، وأمّا مع رؤيتها مرّتين غير منتظمتين ، فلا ينبغي الإشكال في عدم

ص: 158

نسخ العادة العرفية بها ؛ لعدم مساعدة العرف عليه ، وعدم دليل شرعي ، فلا

بدّ لزوالها من تكرّرها مراراً حتّى يحكم العرف بنسخ عادتها .

وممّا ذكرنا يظهر الكلام في العادة الحاصلة بمرّتين متماثلتين بعين ما مرّ ، بل هي أولى بذلك من العادة العرفية .

هل تزول العادة برؤية مرّتين غير متماثلتين؟

وهل تزول بمرّتين غير متماثلتين ؟ فيه تردّد ؛ لعدم جريان ما تقدّم فيه ، ولاحتمال انصراف دليل العادة عمّا تكرّر على خلافها كذلك .

وظاهر المحكيّ عن العلاّمة عدم الزوال ؛ حيث قال في ردّ أبي يوسف القائل بزوال العادة بمرّة : «إنّ العادة المتقدّمة دليل على أيّامها التي عادت ، فلا

يبطل حكم هذا الدليل إلاّ بدليل مثله ؛ وهي العادة بخلافه»(1) وقد نفى الريب عن الزوال المحقّق الخراساني وأوّل كلامَ العلاّمة بما هو بعيد عن ظاهره(2) .

والمسألة محلّ إشكال في غير ما تكرّر ؛ بحيث يحكم العرف بزواله . نعم هنا بعض اُصول حكمية ، بل موضوعية على تأمّل في هذه .

ص: 159


1- منتهى المطلب 2 : 329 .
2- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 206 .
المسألة السابعة في أقسام ذات العادة وأحكامها
اشارة

ذات العادة الوقتية - سواء كانت عددية أو لا - إمّا أن ترى الدم في أيّام عادتها أو لا . وعلى الثاني : إمّا أن ترى قبلها ، أو بعدها . وعلى الفرضين : إمّا أن تكون

القبلية والبعدية قريبة من أيّامها - كاليوم واليومين - أو لا .

وعلى الفروض : إمّا أن يكون ما رأت واجداً لصفات الحيض ، كالحمرة والحرارة ، أو لصفات الاستحاضة ، كالصفرة والبرودة ، أو لبعضٍ من كلٍّ منهما ؛ كأن رأت حمرة باردة .

وذات العادة العددية المحضة تارة : ترى ما هو جامع لصفات الحيض ، واُخرى : لصفات الاستحاضة ، وثالثة : لصفتهما . فهذه عمد الوجوه التي لا بدّ من البحث عنها .

ويتمّ الكلام فيها في ضمن جهات :

الجهة الاُولى : في تحيّض ذات العادة الوقتية مطلقاً برؤية الدم في أيّامها

لا إشكال في أنّ ذات العادة الوقتية مطلقاً ، تتحيّض برؤية الدم في أيّامها مطلقاً ؛ كان واجداً لصفات الحيض ، أو صفات الاستحاضة ، أو صفتهما . وحكي الإجماع عليه من «المعتبر» و«التذكرة» و«المنتهى» وغيرها (1) .

ص: 160


1- المعتبر 1 : 213 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 275 ؛ منتهى المطلب 2 : 346 ؛ مستند الشيعة 2 : 433 .

وتدلّ عليه بعده روايات كثيرة - يدّعى تواترها (1) - دلّت على أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض . وتنظّر في دلالة هذه الروايات بعض المحقّقين : «بأنّ مفادها ليس إلاّ أنّ ما تراه من صفرة أو كدرة في أيّامها فهو من الحيض ، وقد ثبت بالنصّ والإجماع تقييدها بما إذا لم يكن أقلّ من ثلاثة أيّام ، فالحكم بتحيّضها برؤية الدم مع عدم العلم بأ نّه يستمرّ ثلاثة أيّام ، يحتاج إلى دليل آخر»(2) .

وهو لا يخلو من غرابة ؛ لأنّ ما دلّ على أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، إنّما هو في مقام تحديد حدود الحيض ، وهو لا ينافي لزوم التحيّض مع قيام الأمارة على الحيضية بمجرّد الرؤية . نعم لو كانت الأمارة متقيّدة بذلك كان لما ذكره وجه ، لكنّه ضعيف مخالف للأدلّة . هذا مع إمكان التشبّث بالأصل لبقاء الدم ثلاثة أيّام .

فالتحقيق : أنّ الصفرة والكدرة في أيّام العادة - بما أ نّها طريق شرعي إلى حيضية ما وقع فيها - محكومة بالحيضية ما لم يعلم الخلاف ، ولا يتوقّف الحكم بحيضية ما وقع فيها على إحراز سائر شرائط الحيض وعدم موانعه ، ولا إحراز القيود المعتبرة فيه ، كما هو الشأن في كلّ أمارة قائمة على موضوع . نعم بعد انقطاع الدم قبل تمام الثلاثة ، يعلم بعدم الحيضية ، فتسقط الأمارة ، وهو واضح .

ويدلّ على المقصود - مضافاً إليها - صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي

ص: 161


1- مستند الشيعة 2 : 433 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 203 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 81 .

أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(1) .

ورواية إسماعيل الجُعْفي عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا رأت المرأة الصفرة

قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ ، وإن كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت»(2) .

ومرسلة يونس القصيرة قال : «فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض»(3) .

ثمّ إنّه لا فرق في التحيّض بمجرّد الرؤية في الوقت بين ذات العادة الوقتية مع العددية التامّة ، أو الناقصة في المورد المتيقّن من العدد ؛ لإطلاق الأدلّة وكون الأيّام أيّامها .

الجهة الثانية : في الحكم بحيضية الدم المتقدّم أو المتأخّر بقليل

إذا رأت الدم أو الصفرة قبل أيّام الحيض قليلاً ، كيوم أو يومين ، أو رأت بعد تمام أيّام الحيض كذلك ، فهل يحكم بحيضيتهما مطلقاً ، أو يفصّل بين ما رأت قبلها أو بعدها ؛ فيحكم بالتحيّض في الأوّل دون الثاني ، أو العكس ؟

وجوه ، لا يبعد دعوى أقربية الأوّل ؛ أمّا فيما رأت قبل وقتها قليلاً ، فلإمكان

ص: 162


1- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 78 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 4 .
3- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 12 ، الحديث 2 .

دعوى دلالة العمومات عليه ، مثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك»(1) ، وقوله علیه السلام : «الصفرة في أيّام العادة حيض»(2) .

بتقريب : أنّ عادات النساء غالباً ليست منضبطة دقيقاً على وجه لا ت-تخلّف بمثل يوم أو يومين ، فغالب النسوة تختلف عليها بمثل ذلك ، ولا أظنّ الانضباط الدقيق - ولو عرفياً - في مرأة ، ولو فرض فهي نادرة ، فحينئذٍ لو قيل لامرأة : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» أو «إنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض» لم ينقدح في ذهنها إلاّ الأيّام التي قد تتقدّم بمثل نصف يوم أو يوم أو يومين ، فإذا رأت الصفرة قُبيل الوقت ، تكون حيضاً بمقتضى فهم العرف من الروايات .

وبعبارة اُخرى : فرق بين جعل الموضوع لحكم أمراً منضبطاً محدوداً بحدّين دقيقين - كاليوم من طلوع الشمس إلى الغروب - وبين الموضوع الغير المنضبط كذلك ، كأيّام العادة ممّا تتقدّم عادةً ونوعاً بيوم أو يومين . وهذا غير بعيد بالنظر

إلى عادات النساء وأحكام العرف ومرتكزاته .

نعم ، هو غير تامّ بالنسبة إلى تأخّر الدم عن تمام العادة ؛ فإنّ التأخّر بمثله غير عادي ولا غالبي ، بل الأمر بالعكس .

ويدلّ على المطلوب روايات خاصّة :

منها : موثّقة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة ترى الصفرة ، فقال :

ص: 163


1- يأتي في ضمن مرسلة يونس في الصفحة 364 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 281 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 9 .

«إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض»(1) .

ومضمرة معاوية بن حكيم قال : قال : «الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيّام الحيض فليس من الحيض ، وهي في أيّام الحيض حيض»(2) .

ولا يضرّ الإضمار بعد كون المضمر مثل معاوية الذي لا يضمر إلاّ عن المعصوم .

وصحيحة الصحّاف وموثّقة سَماعة إلاّ أنّ المذكور فيهما «الدم» بدل «الصفرة» ففي الاُولى : «وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر ، فإنّه من الحيضة . . .»(3) إلى آخره .

وفي الثانية : «إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة ؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت»(4) .

والظاهر منها - ولو بقرينة بعضها - أنّ المراد من جميعها حدوث الرؤية قبل أيّام الحيض ؛ أي قبل أيّام عادتها ، وفي مقابله حدوثه بعد أيّام العادة .

ص: 164


1- الكافي 3 : 78 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 78 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .

واحتمال كون المراد قبل نفس الحيض وبعده في موثّقة أبي بصير ، بعيد محتاج إلى التأويل والتوجيه ، بأن يقال : إنّ الصفرة التي هي من صفات الاستحاضة إذا وقعت قبل الدم الذي قامت الأمارة - أي الوقت - على حيضيته حيض .

وهذا التوجيه وإن أخرج الكلام عن الاختلال ، لكن لا يوجب الإجمال أو الظهور في ذاك الاحتمال ، فإنّ الظاهر العرفي منها هو قبل وقت الحيض وبعده ، كما صرّح به في سائر الروايات ، والاطمئنان حاصل بأنّ مفادها من هذه الجهة ليس مغايراً لسائر الروايات ، وحينئذٍ يستدلّ بها لحدوث الصفرة بعد أيّام الحيض أقلّ من يومين ؛ للتحديد الواقع فيها بيومين . وحمل ما بعدها على غير ما قبلها خلاف الظاهر جدّاً ، وخلاف المتبادر من مقابلته بما قبلها .

نعم ، على الاحتمال المتقدّم يكون مقابلُ الرؤية قبل وجود الحيض ، الرؤية بعد وجوده ، فتكون في أيّام العادة ، فتخرج عمّا نحن بصدده ، لكن قد عرفت بعده وبطلانه .

ويشهد لما قلنا من ترجيح الاحتمال الأوّل - مضافاً إلى ما ذكر - أنّ قوله : «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض» ليس إخباراً عن واقع لغرض

كشف واقعيته ، بل لغرض تحيّضها في وقت رؤية الصفرة ، فلا بدّ من حمل الحيض على أيّامه ؛ لكون الوقت مضبوطاً والأيّام معلومةً ولو تقريباً بحسب النوع ، فتعلم المرأة تكليفها عند رؤية الصفرة قبل وقته ، وأمّا إذا كان المراد نفس

الدم المحكوم بالحيضية بواسطة التمييز أو الوقت ، فلا تعلم وقت حدوثه حتّى تعلم أنّ الصفرة قبله بيومين .

ص: 165

وفرض العلم - على تسليم واقعيته - نادر جدّاً ، فلا محيص عن حمل الرواية على ما ذكرنا .

هذا مضافاً إلى أنّ كون الصفرة قبل أيّام الحيض من الحيض ، إنّما هو لأجل خصوصية في أيّام العادة دون نفس الدم ؛ فإنّ العادة كما أ نّها كاشفة عن كون الصفرة الواقعة في نفسها حيضاً ، لا يبعد كاشفيتها بالنسبة إلى ما حصل قبل وقتها قليلاً ، كيوم أو يومين ، خصوصاً مع ما عرفت من عدم انضباطها نوعاً على الوجه الدقيق ، فحينئذٍ تكون للعادة خصوصية لأجلها حكم بحيضية الصفرة فيها وفيما قبلها بقليل ، كما يشهد به - أو يدلّ عليه - قوله في موثّقة سماعة : «ربّما تعجّل بها الوقت» .

وبالجملة : يحصل من جميع ما ذكرنا الاطمئنان بأنّ المراد من الموثّقة ، هو رؤية الصفرة قبل أيّام الحيض ، وحينئذٍ لا ريب في أنّ المراد من الجملة المقابلة للاُولى هو أيّام الحيض ، والتفكيك بينهما في غاية الفساد .

فتمّت الدلالة على أ نّه إذا حدثت الصفرة بعد أيّام الحيض بأقلّ من يومين ، فهي من الحيض ، فلا بدّ من التحيّض بمجرّد رؤيتها . نعم ، إذا لم تستمرّ إلى ثلاثة

أيّام تعلم بعدم حيضيتها ، كما في سائر الموارد .

هذا مضافاً إلى دعوى عدم القول بالفصل بين المتقدّم والمتأخّر . وأمّا التمسّك بقاعدة الإمكان(1) وبزيادة الانبعاث(2) ، ففيه ما لا يخفى .

ص: 166


1- مصباح الفقيه ؛ الطهارة 4 : 82 .
2- ذكرى الشيعة 1 : 233 ؛ جامع المقاصد 1 : 302 ؛ مسالك الأفهام 1 : 60 .
الجهة الثالثة : في حكم الدم المرئي قبل أيّام العادة أو بعدها بكثير
اشارة

إذا رأت قبل أيّام العادة أو بعدها بما لاتشمله الأدلّة المتقدّمة ، فهل تتحيّض بمجرّد الرؤية مطلقاً ، أو تستظهر إلى ثلاثة أيّام مطلقاً ، أو يفصّل بين المتّصف بصفات الحيض وغيره ، أو يفصّل بين ما قبل الأيّام وما بعدها ؛ فتتحيّض في الثاني مطلقاً ، وفي الأوّل بشرط الاتّصاف ؟ وجوه وأقوال .

والأظهر هو التفصيل بين الجامع للصفة وغيره مطلقاً ؛ سواء كان قبل الأيّام أو بعدها .

الحكم بحيضية الدم الجامع لصفات الحيض مطلقاً في المقام

أمّا في الجامع فلأخبار الصفات(1) وقد مرّ(2) في أوائل هذا المختصر ما يمكن أن يقرّر به وجه استفادة أمارية الصفات للحيض ؛ فيما دار الأمر بينه وبين الاستحاضة مطلقاً ، وعدم اختصاص ذلك بمستمرّة الدم ، فهي أمارة على الحيضية في ذات العادة والمبتدئة والمضطربة فيما دار الأمر بين الدمين ، فراجع .

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة عبداللّه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام : في امرأة نفِست ، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ، ثمّ طهرت ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال : «تدع الصلاة ؛ لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس»(3) .

ص: 167


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 .
2- تقدّم في الصفحة 11 .
3- الكافي 3 : 100 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 1 .

فتدلّ بإطلاقها على لزوم تحيّض ذات العادة وغيرها ؛ كان الرؤية بعد أيّام العادة أو قبلها بقليل أو كثير . وإطلاقها وإن اقتضى شمول الصفرة أيضاً - على إشكال ناشئ من احتمال كون الدم مقابل الصفرة ، كما في بعض الروايات ، كصحيحة ابن الحجّاج الآتية - لكنّه متقيّد بما يأتي .

وتوهّم(1) كون تلك الصحيحة واردة مورد التقيّة ؛ لتقرير الإمام ترك الصلاة ثلاثين يوماً ، وهو موافق لمذهب العامّة القائلين بأنّ أكثر النفاس أربعون أو ستّون يوماً (2) .

مدفوع بأنّ قوله : «لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس» ردع لتركها الصلاة ؛ ضرورة أنّ أيّام النفاس ليست عين أيّام الطهر ، فمعنى مضيّ أيّام الطهر مع أيّام النفاس : هو أنّ الثلاثين ليس جميعها أيّام النفاس ، بل بعضها أيّام

النفاس وبعضها أيّام الطهر وإن استمرّ بها الدم ، فبيّن الحكم الواقعي بنحو لا

يتنبّه له الغالب .

وتدلّ على المطلوب أيضاً صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج قال : سألت أبا إبراهيم علیه السلام عن امرأة نفِست ، فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر ، ثمّ طهرت وصلّت ، ثمّ رأت دماً أو صفرة ، قال : «إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ، ولا تمسك عن الصلاة»(3) .

ص: 168


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 155 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 352 .
2- المجموع 2 : 522 و524 - 525 .
3- الكافي 3 : 100 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 2 .

وفي رواية الشيخ : «وإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها ، ثمّ لتغتسل ولتصلّ»(1) .

وإنّما تدلّ على المطلوب مفهوماً على رواية الكليني ، ومنطوقاً على رواية الشيخ .

وقوله : «فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها» محمول على مقدار أيّام قرئها ، أو أيّام إمكان قرئها .

ولايمكن إبقاؤه على ظاهره ؛ للزوم كون الصفرة في أيّام القرء ، محكومة بعدم الحيضية بقرينة المقابلة ، وهو مقطوع البطلان . والتفكيك بين الفقرتين بعيد جدّاً .

الروايات التي قد تتوهّم دلالتها على عدم التحيّض

نعم ، هنا روايات ربّما يتوهّم دلالتها على عدم التحيّض ، كمرسلة يونس القصيرة قال : «وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها - من صفرة أو حمرة - فهو من الحيض ، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض»(2) .

ومفهوم موثّقة سماعة قال : سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال : «إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة ؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت»(3) .

ص: 169


1- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 503 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 91 .
3- تقدّم في الصفحة 164 .

وصحيحة الصحّاف في الحامل(1) .

لكنّ المرسلة - مضافاً إلى ما تقدّم من ضعفها سنداً ، واضطرابها متناً (2) - لا يبعد بملاحظة ما قبل هذه الفقرة ، أن يكون موردها ما إذا تجاوز الدم عشرة أيّام ، فراجع .

ولا مفهوم لموثّقة سماعة ؛ لأنّ الشرط فيها سيق لتحقّق الموضوع ، ولا مفهوم للقيد ؛ فإنّه من مفهوم اللقب .

وأمّا صحيحة الصحّاف فراجعة إلى الحامل ، وبإزائها روايات لا بدّ من إفراز البحث عنها ، وسيأتي في محلّه(3) .

فالحكم في واجد الصفات خالٍ من الإشكال .

الحكم بعدم حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة في المقام

وأمّا مع اتّصاف الدم بصفات الاستحاضة - كالصفرة والبرودة - فهل تتحيّض

بمجرّد رؤيتها مطلقاً ، أو لا تتحيّض مطلقاً ، أو يفصّل بين ما قبل العادة وما بعدها ؛ فيقال بالتحيّض في الثاني دون الأوّل ؟

وجوه ؛ أقربها العدم مطلقاً .

وتدلّ عليه أدلّة التمييز(4) حيث إنّ الظاهر منها أنّ الأوصاف كالحرارة

ص: 170


1- تقدّم في الصفحة 164 .
2- تقدّم في الصفحة 93 - 96 .
3- يأتي في الصفحة 342.
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 .

والحمرة والدفع وغيرها ، كما تكون أمارة الحيض كذلك مقابلاتها - أي الصفرة

والبرودة والفساد والفتور - أمارات الاستحاضة . ولا وجه للتفكيك بينهما مع كون لسان الدليل واحداً .

وفائدة جعل الأمارتين ظاهرة ؛ ضرورة أ نّه مع أمارية صفات الحيض فقط ، لا يحكم على الدم الخالي منها بكونه استحاضة ، فمع تمامية قاعدة الإمكان يحكم بالحيضية ، ومع عدم تماميتها لا بدّ من الاحتياط والعمل بالعلم الإجمالي ، بخلاف ما لو كانت الصفات المقابلة أمارات الاستحاضة ، فلا تجري القاعدة ؛ لحكومة أدلّة الأمارات عليها وإخراج موضوعها عن القاعدة .

بل يمكن أن يقال : إنّ جعل أوصاف الاستحاضة أمارةً عليها ، أقرب من جعل أوصاف الحيض أمارة عليه ؛ لأنّ صفات الحيض نوعاً صفات مشتركة بينه وبين سائر الدماء ، بخلاف صفات الاستحاضة ، فإنّها صفات مختصّة بها نوعاً ، وكون الصفات المختصّة أمارة على ما تختصّ به ، أقرب من أمارية الصفات المشتركة ولو في فرض الدوران بينهما .

والإنصاف : ظهور الروايات في أمارية كلٍّ من القبيلين ، فحينئذٍ يحكم بكون الصفرة استحاضة مطلقاً إلاّ ما خرج بالدليل ، ككونها في أيّام العادة أو قبلها أو بعدها بقليل ، كما مرّ(1) .

وتدلّ على المطلوب أيضاً روايات ، كصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي

ص: 171


1- تقدّم في الصفحة 162 - 163 .

أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(1) ظاهرها حدوث الرؤية في العادة أو بعدها ، ولو اُنكر الظهور فيه فلا أقلّ من الإطلاق .

والعجب أنّ الشيخ الأعظم تمسّك بها لعدم التحيّض بما رأت قبل أيّام العادة ،

ولم يتمسّك بها لما بعدها ، وأفتى بالتحيّض برؤية الصفرة لوجوه ضعيفة(2) .

وكموثّقة أبي بصير المتقدّمة(3) بالتقريب المتقدّم(4) دلّت على أنّ الصفرة قبل أيّام الحيض بأكثر من يومين وبعدها بيومين وصاعداً ، ليست بحيض .

وكذا الروايات الدالّة على أ نّه إذا رأت الصفرة قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ ، وإن رأت بعدها صلّت(5) ؛ فإنّ إطلاقها يقتضي أن لا تكون الصفرة - وإن حدثت بعد العادة - حيضاً ؛ سواء رأت الدم في العادة فطهرت ثمّ رأت صفرة ، أو لم تَرَ في العادة ورأت بعدها . وتخصيصها بما إذا استمرّ دمها إلى ما بعد العادة ، لا وجه له .

وكصريح صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة(6) . . . إلى غير ذلك من الروايات .

ص: 172


1- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 396 / 1230 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 204 و207 .
3- تقدّم في الصفحة 163 .
4- تقدّم في الصفحة 164 - 165 .
5- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 ، 3 ، 4 و7 .
6- تقدّم في الصفحة 168 .
التمسّك بقاعدة الإمكان لإثبات حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة

وليس في مقابلها إلاّ قاعدة الإمكان ، وقد مرّ عدم الدليل عليها (1) . ومع تسليم تماميتها تكون الأدلّة المتقدّمة حاكمة أو واردة عليها ؛ ضرورة أنّ موضوعها ما يمكن أن يكون حيضاً ، وقد مرّ أنّ معناه : ما لم يدلّ دليل على عدم حيضيته(2) ، فبقيام الأمارة على الاستحاضة وما تقدّم من الأدلّة على عدم الحيضية ، ينتفي موضوعها .

وقد أورد الشيخ الأعظم على القاعدة : «بأنّ موضوعها الإمكان المستقرّ ، ولا يمكن إحرازه بالأصل ؛ لمنع جريان أصالة البقاء في مثل المقام ، بل الأصل عدم حدوث الزائد على ما حدث . ولو سُلّم جريانها ، لكنّه لا يجدي في إثبات الإمكان المستقرّ ليدخل تحت معاقد إجماعات القاعدة ؛ لأنّ مراد المجمعين من «الاستقرار» هو الواقعي المتيقّن ، وبعبارة اُخرى : الدم الموجود في ثلاثة أيّام ،

وليس لفظ «الإمكان المستقرّ» وارداً في نصّ شرعي حتّى يترتّب على الثابت منه بالاستصحاب ما يترتّب على المستقرّ الواقعي ، فافهم»(3) انتهى .

وفيه : أنّ عدم جريان الأصل لو كان لأجل عدم جريانه في المتصرّمات

- لعدم البقاء لها ؛ لأنّ كلّ قطعة منها غير الاُخرى ، فالدم في اليوم الثاني غير ما

ص: 173


1- تقدّم في الصفحة 69 - 70 .
2- تقدّم في الصفحة 50 - 51 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 213 - 215 .

في اليوم الأوّل ، فلا يجري فيها الأصل إلاّ على القول بالجريان في القسم الثالث

من الكلّي ، فلا محيص من إجراء أصل عدم الحدوث بالنسبة إلى غير الموجود - ففيه : أ نّه قد حقّق في محلّه(1) جريان الأصل فيها ؛ وأنّ هذه المتصرّمات ليست مركّبة من قطعات متكثّرة ؛ لا عقلاً ، وإلاّ لزم مفاسد الجزء الذي لا يتجزّأ (2) ، ولا عرفاً ؛ لأنّ العرف يرى الماء الجاري والحركة شيئاً واحداً له البقاء ؛ وإن كانت وحدته وبقاؤه بنحو التصرّم والتغيّر ، فالدم الجاري المتّصل - من أوّل وجوده إلى زمان انقطاعه - شيء واحد متّصل متصرّم باقٍ دائم ، لا اُمور متكثّرة ومصاديق متعدّدة متلاصقة ، فمع العلم بوجوده والشكّ في انقطاعه ، تكون القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها واحدة ، ويصدق عدم نقض اليقين بالشكّ بلا ريب ، فحينئذٍ يكون المستصحب شخصياً لا كلّياً .

مضافاً إلى أنّ التحقيق جريان الأصل في القسم الثالث من الكلّي في مثل الدم

السائل(3) ، وأصالة عدم حدوث الزائد لا تنفي الكلّي إلاّ بالأصل المثبت .

وأمّا ما ذكره ثانياً : من عدم إجداء الأصل في إثبات الإمكان المستقرّ ، الظاهر منه الفرق بين كون الدليل عليه الإجماع والدليل اللفظي ، ففيه : أ نّه إن كان المدّعى أنّ الإجماع قائم على الدم المتيقّن في ثلاثة أيّام ؛ بحيث كان اليقين جزءاً للموضوع ، فلا يخفى ما فيه ؛ ضرورة أنّ ما ادّعي الإجماع عليه - على فرض صحّته - هو «أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» .

ص: 174


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 125 .
2- راجع الإشارات والتنبيهات 2 : 10 ؛ الحكمة المتعالية 5 : 41 - 44 .
3- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 101 - 103 .

وإن كان المراد أنّ الحكم وإن ثبت للدم الواقعي المستمرّ إلى ثلاثة ، لكنّ القدر المتيقّن من الإجماع هو الدم الثابت باليقين ، ففيه : أنّ الثبوت باليقين إن كان قيداً للموضوع ، فيرجع إلى الوجه الأوّل ، وإن كان الحكم ثابتاً للموضوع الواقعي فالأصل محرز له .

نعم ، لو كان موضوع القاعدة هو عنوان «الإمكان» لم يمكن إحرازه بأصالة بقاء الدم إلى ثلاثة أيّام إلاّ بالأصل المثبت . لكنّ الظاهر - كما مرّ سابقاً (1) - أنّ موضوع القاعدة ليس هذا العنوان ؛ إذ ليس المراد ب- «الإمكان» ما هو المصطلح عند المنطقيين ، بل المراد ما لم يقم دليل شرعي على عدم حيضيته ، فكلّ دم لم يقم دليل - من عقل أو شرع - على عدم حيضيته فهو حيض ، فالدم الموجود ممّا لم يقم دليل على عدم حيضيته ؛ من غير ناحية عدم الاستمرار إلى ثلاثة أيّام بالوجدان ، ومن ناحيته بالأصل ، فيحرز الموضوع بهما ؛ لأنّ الموضوع مركّب لا مقيّد .

الجهة الرابعة : في حكم ذات العادة العددية المحضة
اشارة

ذات العادة العددية المحضة ، إن رأت بصفة الحيض تتحيّض بمجرّد الرؤية ؛ لما مرّ من أخبار الصفات(2) ، وقد مرّ عدم اختصاصها بمستمرّة الدم(3) ، وسيأتي

ص: 175


1- تقدّم في الصفحة 51 - 52 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، وقد تقدّمت الروايات في الصفحة 13 وما بعدها .
3- تقدّم في الصفحة 20 .

- إن شاء اللّه - في الاستحاضة تتمّة البحث فيها (1) .

وإن رأت بصفات الاستحاضة يحكم بها ؛ بناءً على أمارية الأوصاف لها .

وقد يقال بتحيّضها مطلقاً ، واستأنس له صاحب «الجواهر» - بعد الإجماع المدّعى على ذات العادة ، وصدق اسم «ذات العادة» عليها - بما دلّ على التحيّض بمجرّد الرؤية في معتادة الوقت لو رأت قبل وقتها ، كخبر علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر عن المرأة ترى الصفرة ، فقال : «ما كان قبل الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه»(2) .

ومضمر معاوية بن حكيم قال : قال : «الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيّام الحيض فليس من الحيض»(3) .

وخبر سماعة : «إنّه ربّما تعجّل بها الوقت»(4) .

بتقريب أن يقال : إنّه لو كان مدار التحيّض بالرؤية على الوقت ، لما حكم في

هذه الأخبار بذلك وإن لم تَرَه فيه(5) .

وفيه ما لا يخفى :

ص: 176


1- يأتي في الصفحة 319 وما بعدها .
2- الكافي 3 : 78 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 396 / 1232 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 5 .
3- الكافي 3 : 78 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 6 .
4- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 158 / 453 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .
5- جواهر الكلام 3 : 179 - 180 .

أمّا الإجماع فلعدم ثبوته ، بل الظاهر اختصاص معقد الإجماع بذات العادة الوقتية ، فعن «المعتبر»(1) : تترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم ، وهو مذهب أهل العلم ؛ لأنّ المعتاد كالمتيقّن ، ولما رواه يونس عن بعض رجاله ، عن الصادق علیه السلام قال : «إذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة»(2) .

وهو - كما ترى - مختصّ بذات العادة الوقتية ؛ ضرورة أنّ ذات العادة العددية ليست بالنسبة إلى الوقت معتادة ، وليس لها أيّام معلومة حتّى ترجع إليها .

وأصرح منه عبارة «المنتهى»(3) قال : وتترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم في وقت عادتها ، وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم ؛ لأنّ العادة كالمتيقّن ، وروى الجمهور عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك»(4) .

وهي - كما ترى - صريحة في ذات العادة الوقتية ، وحينئذٍ لا يبقى وثوق بإطلاق «الشرائع»(5) ولا يحضرني «التذكرة»(6) .

وأمّا الروايات فالاستئناس بها بعيد ، بل غير ممكن ؛ لأنّ لتقدّم الوقت وتأخّره خصوصيةً كما تقدّم(7) ، فلا يمكن إلغاؤها ورفع اليد عن أدلّة التمييز بهذا

ص: 177


1- المعتبر 1 : 213 .
2- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 4 ، و : 299 ، الباب 12 ، الحديث 2 .
3- منتهى المطلب 2 : 346 .
4- سنن الدارقطني 1 : 212 / 36 ؛ شرح السنّة 9 : 207 .
5- شرائع الإسلام 1 : 21 .
6- تذكرة الفقهاء 1 : 275 .
7- تقدّم في الصفحة 162 - 166 .

الوجه المخالف للاعتبار ودلالة الأخبار ، فعدم التحيّض بمجرّد الرؤية مع فقد

صفات الحيض ، أشبه بالقواعد والاُصول .

حكم المبتدئة والمضطربة والناسية

ثمّ إنّه بما مرّ من الأدلّة ظهر حال المبتدئة والمضطربة ، بل الناسية أيضاً ؛ فإنّ الدليل فيها هو تلك الأدلّة ، ويأتي فيها التفصيل المتقدّم .

نعم ، قد يتوهّم في المبتدئة دلالة بعض الأخبار على تحيّضها بمجرّد الرؤية مطلقاً (1) ، كرواية ابن بكير : قال في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدم ، فتكون مستحاضة : «إنّها تنتظر بالصلاة ، فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض . . .»(2) الحديث .

وكموثّقته عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها ، فاستمرّ بها الدم بعد ذلك ، تركت الصلاة عشرة أيّام . . .»(3) إلى آخره .

ومضمرة سماعة قال : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين ، وفي الشهر ثلاثة أيّام ، يختلف عليها ؛ لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى

ص: 178


1- الحدائق الناضرة 3 : 188 - 189 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 400 / 1251 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1182 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 6 .

الدم ؛ ما لم يجُز العشرة»(1) .

وفيه : - مضافاً إلى احتمال انصراف «الدم» إلى المتّصف بصفات الحيض ؛ أي الحمرة ، كما جعلت مقابل الصفرة - أنّ تلك الروايات في مقام بيان حكم آخر ، فلا يمكن التمسّك بإطلاقها لما نحن بصدده ، وهو واضح . وسيأتي الكلام في حال موثّقتي ابن بكير في باب الاستحاضة(2) .

حكم تعارض الأمارتين

بقي من الفروع المتقدّمة ما إذا تعارضت الأمارتان ، كما إذا رأت حمرة باردة أو صفرة بدفع وحرارة ، فمقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين الوظيفتين . وهذا واضح لو قلنا بعدم حرمة العبادة عليها حرمة ذاتية .

ويمكن أن يقال : إنّه كذلك ولو قلنا بها أيضاً ؛ لأنّ العلم الإجمالي بالنسبة إلى العبادات وإن كان غير مؤثّر ؛ للدوران بين المحذورين ، لكن هنا علم إجمالي آخر ؛ وهو العلم بوجوب العبادة عليها ، أو حرمة مسّ الكتاب واللبث في المسجد وغيرهما من المحرّمات على الحائض ، فمقتضى القاعدة هو التخيير بين الترك والفعل في العبادة ، ولزوم الترك في غيرها من تروك الحائض .

لكن تنجيز العلم الإجمالي الذي لا يؤثّر في بعض أطرافه محلّ إشكال ، بل منع ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى(3) .

ص: 179


1- تقدّمت في الصفحة 152 .
2- يأتي في الصفحة 376 - 377 .
3- يأتي في الصفحة 203 - 204 .
المسألة الثامنة في حكم ما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام فانقطع ثمّ رأته بعدها
اشارة

لو رأت الدم ثلاثة أيّام وانقطع ، فلا يخلو إمّا أن تكون ذات عادة أو لا .

وعلى التقديرين : إمّا أن ترى الدم بصفات الحيض أو لا . وعلى التقادير : إمّا أن ترى الدم بعد الانقطاع قبل عشرة أيّام من أوّل الرؤية ، وينقطع على العشرة ، أو على الأقلّ ، أو ترى بعد عشرة أيّام وبعد مضيّ أقلّ الطهر ، أو قبله ، أو ترى قبل العشرة ويتجاوز عنها . والدم الثاني في التقادير : إمّا بصفة الحيض أو لا .

هذه عمد صور المسألة . وأمّا حكمها :

حكم الدم الأوّل

فلا إشكال في أنّ الدم الأوّل إذا كان بصفة الحيض أو في أيّام العادة حيض ؛

لأدلّة الصفات ، ولما دلّ على أنّ «كلّ ما رأت في أيّام العادة - من صفرة أو حمرة - حيض»(1) .

وأمّا إذا لم يكن بصفته ولا في أيّام العادة ، فلا دليل على الحيضية إلاّ قاعدة الإمكان والإجماع المدّعى في خصوص الفرع المعتضد بدعوى الشهرة وعدم الخلاف(2) ، والظاهر أنّ المسألة من المسلّمات ، والقاعدة في المورد مسلّمة ،

ص: 180


1- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 3 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 334 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 83 .

عندهم ، ومع المناقشة في إجماعية القاعدة فالمسألة الفرعية مسلّمة مجمع عليها ظاهراً ، فلا إشكال فيها .

وأمّا التمسّك(1) بصحيحة يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تدع الصلاة» . قلت : فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تصلّي» . قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تدع الصلاة ؛ تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع عنها الدم ، وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة»(2) . وبصحيحة أبي بصير(3) القريبة منها ، ففي غير محلّه ؛ لأ نّه لا يمكن الالتزام بهما لما مرّ(4) ، فلا بدّ من حملهما على ما لا يخالف الإجماع ، مثل ما حملهما الشيخ والمحقّق عليه من اختلاط حيضها ، أو غير ذلك(5) .

حكم الدم الثاني

وأمّا الدم الثاني ، فإن كان بصفة الحيض أو في وقت العادة ، فحيض

بلا إشكال ، وكذا النقاء بينهما ؛ لما مرّ من أنّ النقاء المتخلّل حيض(6) .

ص: 181


1- جواهر الكلام 3 : 187 .
2- الكافي 3 : 79 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1179 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 2 . وراجع ما تقدّم في الصفحة 126 ، الهامش 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1180 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 3 .
4- تقدّم في الصفحة 63 - 64 .
5- الاستبصار 1 : 132 ، ذيل الحديث 454 ؛ المعتبر 1 : 207 .
6- تقدّم في الصفحة 119 .

وأمّا مع عدم الأمرين ، فالحكم بالحيضية إمّا لقاعدة الإمكان على فرض ثبوتها ، أو للإجماع في خصوص هذا الفرع .

وأمّا التمسّك(1) بالأخبار الدالّة على أنّ ما رأت المرأة من الدم قبل عشرة أيّام ، فهو من الحيضة الاُولى(2) ، فمشكل ؛ لما مرّ من أنّ تلك الروايات لا إطلاق لها (3) ، فإنّها بصدد بيان حكم آخر بعد فرض حيضية الدمين ، لا بصدد بيان حال الدم حتّى يتمسّك بإطلاقها . مع احتمال كون «الدم» هو الأحمر - انصرافاً - في مقابل الأصفر ، على إشكال فيه .

مع معارضتها - بالنسبة إلى ذات العادة إذا رأت بعد عادتها بيومين أو أزيد - بالمستفيضة الدالّة على أنّ الصفرة بعد العادة ليست بحيض(4) .

والجمع بينهما بأحد الوجوه :

إمّا بحمل أخبار الصفرة على مورد استمرار الدم إلى بعد العادة .

أو حملها على مورد رؤية الدم بعد الأيّام من غير رؤيته في الأيّام .

أو حمل الروايات المقابلة لها على غير الصفرة . وهذا الوجه - على فرض إطلاقها - أقرب الوجوه ، لكن مع ذلك لا يمكن الالتزام به ؛ للشهرات والإجماعات المنقولة ، وعدم وجدان التفصيل بين الدم والصفرة في خصوص

ص: 182


1- جواهر الكلام 3 : 188 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 11، والباب 11 ، الحديث 3، والباب 12 ، الحديث 1 .
3- تقدّم في الصفحة 97 - 98 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 .

المسألة ، فتتقيّد بها أخبار الصفرة بمثل الفرض .

هذا إن رأت قبل تمام العشرة وانقطع عليها .

وإن رأت بعد العشرة وبعد تخلّل أقلّ الطهر ، فإن كان الدمان على صفة الحيض ، أو في العادة ، أو كان أحدهما في العادة والآخر مع الصفة ، فلا إشكال .

وأمّا مع فقد الأمرين ، فالدليل عليه هو قاعدة الإمكان لو تمّت ، أو الإجماع على أنّ الدم المستمرّ إلى ثلاثة أيّام حيض . وأمّا الحكم بالحيضية بمجرّد الرؤية فموقوف على الاتّصاف أو الوقوع في العادة ، ومع عدمهما فلا يحكم بها ، بل يحكم بالاستحاضة مع صفاتها ؛ لأدلّتها .

اللهمّ إلاّ أن يقال : بعد قيام الإجماع على أنّ الدم المستمرّ ثلاثة أيّام حيض ، ينقّح الموضوع بالاستصحاب . لكنّ الشأن في ثبوت الإجماع في الفرع .

ولو رأت بعد العشرة وقبل مضيّ أقلّ الطهر ، فإن كان الحكم بحيضية الدم الأوّل بقاعدة الإمكان أو الإجماع ؛ لفقد الصفات ، وكان الدم الثاني أيضاً فاقداً لها ، فانطباق القاعدة على الدم الأوّل يُخرج الدم الثاني عن موضوع القاعدة ؛ لأنّ الدم الأوّل في زمان تحقّقه كان ممكن الحيضية ، فهو حيض ، ومع حيضيته لا يمكن أن يكون الدم الثاني حيضاً ؛ للزوم كون أقلّ الطهر أقلّ من عشرة ، أو كون الحيض أكثر منها .

والقول بعدم الترجيح بين انطباق القاعدة في الموردين(1) غير تامّ ؛ لأنّ الدم الأوّل ممكن بلا معارض ، فتنطبق عليه القاعدة ، ومعه يخرج الثاني عن الإمكان ، ولا وجه لعدم جريانها مع تحقّق موضوعها بلا معارض ، تأمّل ؛ فإنّ

ص: 183


1- مستمسك العروة الوثقى 3 : 249 .

فيه إشكالاً ربّما يأتي التعرّض له .

وأمّا لو كان الدم الثاني بصفة الحيض ، ففيه وجهان :

أحدهما : ما تقدّم ، ومع خروج الثاني عن الإمكان لا اعتبار بالصفات .

وثانيهما : تحكيم أدلّة الصفات على القاعدة ؛ لكون الصفات أمارة ، وهي قاعدة معتبرة حيث لا أمارة ، وهو الأظهر . هذا بحسب القاعدة .

لكن نسب إلى الأصحاب كون الثاني استحاضة ولو كان بصفة الحيض وما رأته أوّلاً بصفة الاستحاضة . واستدلّ عليه(1) - مضافاً إلى إطلاق الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المنقولة - بصحيحة صفوان بن يحيى على الأصحّ من كون محمّد بن إسماعيل النيسابوري ثقة(2) ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : قلت له : إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم ، ثمّ طهرت ، فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، أتمسك عن الصلاة ؟ قال : «لا ؛ هذه مستحاضة»(3) .

على تأمّل في دلالتها على الصفرة ، وإن كانت أقوى ؛ لأ نّها دم ، ومقابلتها في بعض الروايات بالدم(4) لا توجب الانصراف . وأمّا إذا تجاوز الدم عن العشرة فسيأتي الكلام فيه(5) .

ص: 184


1- جواهر الكلام 3 : 189 .
2- تقدّم وجهه في الصفحة 77 - 78 .
3- الكافي 3 : 90 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 3 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 8 ، و : 391 ، أبواب النفاس ، الباب 4 ، الحديث 1 و3 ، والباب 5 ، الحديث 2 .
5- يأتي في الصفحة 385 وما بعدها .
المسألة التاسعة في وجوب الاستبراء عند الانقطاع لدون العشرة
اشارة

مقتضى الأصل في المقام

إذا انقطع الدم في الظاهر ، واحتمل بقاؤه في الباطن ، مع احتمال الحيضية - بأن كان الانقطاع قبل عشرة أيّام - فمقتضى الأصل عدم وجوب الاختبار والفحص على المرأة ؛ لإطلاق أدلّة الاستصحاب .

واحتمالُ وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية إذا كان رفع الشبهة سهلاً ، كالنظر والاختبار ، أو كان الموضوع ممّا يترتّب عليه أمر مهمّ ، مثل ترك الصلاة ، أو لزم من الرجوع إلى الأصل الوقوع في مخالفة الواقع كثيراً (1) ، مدفوعٌ بإطلاق الأدلّة .

بل في صحيحة زرارة الواردة في باب الاستصحاب : قلت : فهل عليّ إن شككت في أ نّه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال : «لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»(2) ، مع أنّ الشكّ كان يرفع بمجرّد النظر بسهولة .

ثمّ إنّه مع جريان الاستصحاب في المقام - على ما هو التحقيق في جريانه

ص: 185


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 88 و91 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 301 - 302 .
2- علل الشرائع : 361 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .

في مثل الاُمور التدريجية(1) - والقول بحرمة الغسل عليها ذاتاً ، لا إشكال في عدم إمكان التقرّب به مع التفاتها حكماً وموضوعاً . وأمّا لو اغتسلت عن غفلة بقصد التقرّب فصادف الطهر صحّ . كما أ نّه يصحّ إن قلنا بعدم حرمته ذاتاً ، فأتت به رجاءً وصادف الطهر ، فالحكم بوجوب الفحص وعدم صحّة الغسل قبله مطلقاً ، يحتاج إلى الدليل .

الاستدلال على وجوب الاستبراء بالأخبار

واستدلّ على وجوب الاستبراء(2) بروايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم ترَ شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلت-توضّأ»(3) .

وفيها احتمالات :

كاحتمال الوجوب التعبّدي الشرعي .

واحتمال الوجوب الشرطي ؛ بمعنى كون الاختبار شرطاً لصحّة الغسل .

واحتمال عدم الوجوب ، بل الأمر به لمجرّد الإرشاد إلى حسن الاحتياط ؛

ص: 186


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 126 - 134 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 191 ؛ اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 336 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 88 - 90 .
3- الكافي 3 : 80 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 1 .

لئلاّ يقع غسلها لغواً وعملها باطلاً .

واحتمال الوجوب الطريقي ؛ بمعنى وجوب الاختبار لأجل الاطّلاع على الواقع ؛ بحيث لو تركته فكان مخالفاً للواقع ، عوقبت على مخالفته ، لا على ترك الاختبار ، ولو اغتسلت وصلّت وصادف غسلها الطهر ، صحّ غسلها وصلاتها وإن كانت متجرّية في ترك التكليف الطريقي .

أقربها الأخير ، وأبعدها الأوّل . وأمّا الاحتمال الثاني فبعيد أيضاً .

والقول(1) بظهور أمثال ذلك في الوضع ، كقوله تعالى : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ . . .((2) إلى آخره ، وقولِه علیه السلام : «لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه»(3) ممّا هي ظاهرة في الشرطية والمانعية ، فوِزان قوله : «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة» وِزان قوله تعالى : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا . . .(إلى آخره ، فيستفاد منه الوجوب الشرطي .

غير وجيه ، والقياس مع الفارق ؛ ضرورة أنّ الاختبار في المقام ليس له نفسية ، بل طريق إلى العلم بالواقع ، ومعه لا يستفاد منه شرطية نفس الاختبار ؛ لعدم كونه ملحوظاً بذاته ، بل هو ملحوظ لمحض إراءة الواقع ، والمنظور إليه نفس الواقع ، ومعه لا يبقى له ظهور في الشرطية ، ويتّضح الفارق بينه وبين المثالين .

ص: 187


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 89 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- اُنظر علل الشرائع : 342 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 347 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 7 .

وأمّا الاحتمال الثالث وإن لم يكن بذلك البعد ، لكن رفع اليد عن الأمر بلا حجّة غير جائز .

فالأظهر هو الوجوب الطريقي عند إرادة الغسل ، لكن هذا لا يثبت وجوب الاختبار عند الانقطاع ، بل يجب عند إرادة الغسل ، فيمكن الاتّكال على استصحاب عدم وجوب التكاليف عليها ؛ لو قلنا بسقوط الاستصحاب الموضوعي ، فيحكم بعدم وجوب الغسل عليها ، لكن عند إرادة الغسل يجب عليها الاختبار .

نعم ، لو قلنا بسقوط الاستصحاب في المقام مطلقاً ، ولزوم العمل على طبق العلم الإجمالي - بالجمع بين ما على الطاهرة وما على الحائض - فلا محيص عن الغسل ، ومعه يجب الاختبار .

لكن يمكن أن يقال : إنّ الصحيحة دلّت على الوجوب عند الانقطاع وحضور وقت الصلاة ؛ بدعوى أنّ قوله : «إذا أرادت الحائض أن تغتسل . . .» ليس بصدد إيكال الأمر إلى إرادتها ، بل بصدد بيان أ نّها إذا احتاجت إلى الغسل بحضور وقت العبادة المشروطة به ، وأرادته بحسب طبع التكليف .

وبعبارة اُخرى : إذا احتاجت إليه ، وكان - في الخروج عن التكليف - لا

بدّ منه ، فعليها الاختبار ، فوجوب الغسل ولزوم إرادته مفروض الوجود ، وإنّما أوجب عليها الاختبار عنده .

وهذا وإن كان بعيداً عن ظاهر اللفظ ، لكنّه غير بعيد بالنظر إلى أنّ إيكال الأمر إلى إرادته ، أبعد منه جدّاً .

ص: 188

ومنها : مرسلة يونس(1) ورواية شُرَحْبيل الكندي(2) ، وهما - مع ضعفهما سنداً (3) - لا تدلاّن على وجوب الاختبار ، بل ظاهرتان في كيفية معرفة المرأة بطمثها وطهرها عند الشكّ فيهما .

ومثلهما موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : المرأة ترى الطهر ، وترى الصفرة أو الشيء ، فلا تدري أطهرت أم لا ؟ قال : «فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط ، وترفع رجلها على حائط ، كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول ، ثمّ تستدخل الكرسف ، فإذا كان ثَمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج ، فإن خرج دم فلم تطهر ، وإن لم يخرج فقد طهرت»(4) .

ص: 189


1- الكافي 3 : 80 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 309 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 2 .
2- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن ابن مسكان ، عن شرحبيل الكندي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت : كيف تعرف الطامث طهرها ؟ قال : تعمد برجلها اليسرى على الحائط ، وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى ، فإن كان ثمّ مثل رأس الذباب خرج على الكرسف . الكافي 3 : 80 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 309 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 3 .
3- قد تقدّم وجه ضعف مرسلة يونس في الصفحة 92 ، وأمّا رواية الكندي فإنّها ضعيفة بسلمة بن الخطاب الضعيف وشرحبيل الكندي المجهول . رجال النجاشي : 187 / 498 ؛ الفهرست ، الطوسي : 140 / 334 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 161 / 462 ؛ وسائل الشيعة 2 : 309 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 4 .

وسؤاله وإن احتمل فيه أمران ؛ أحدهما : السؤال عن الوظيفة الشرعية ، وثانيهما : عن كيفية معرفتها بالطمث ، كما في رواية الكندي ، بل الاحتمال الأوّل أقربهما ، لكن يظهر من الجواب أنّ مقصوده كان معرفة الطمث ؛ فإنّ قوله : «فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج» هو الجواب عن سؤاله ، وهو مناسب للاحتمال الثاني .

وبالجملة : إنّ جوابه إنّما يكون عن أمر تكويني ، إلاّ أن يقال : إنّه مقدّمة للأمر الشرعي والوظيفة ، وهو كما ترى ، فلا تدلّ الموثّقة على المطلوب بوجه .

ومنه يظهر الحال في دلالة ما عن «الفقه الرضوي»(1) مع الغضّ عن سنده(2) .

فالعمدة هي صحيحة ابن مسلم مع تأيّدها بدعوى الشهرة وعدم الخلاف(3) .

ثمّ لا إشكال في أنّ الوجوب الطريقي ، مقدّمة لوضوح حالها لأجل العبادات ؛ لأنّ الغسل ليس بواجب نفسي ، فالوجوب هاهنا لأجل تحصيل الواجب الشرطي للعبادات التي هي واجبات نفسية .

هل يجب الاستبراء ثانياً وثالثاً ؟

وهل يجب الاختبار ثانياً وثالثاً إذا اختبرت ورأت الدم ، أو لا يجب إلاّ دفعة واحدة ؟ وجهان :

ص: 190


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 193 .
2- لأنّ كون هذا الكتاب روايةً غير ثابت فضلاً عن اعتباره كما قاله المصنّف قدس سره في الجزء الثالث : 506 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 191 ؛ جواهر الكلام 3 : 189 ؛ مستمسك العروة الوثقى 3 : 257 .

من أنّ القطع عن الظاهر يوجب الظنّ نوعاً بالقطع عن الداخل ، فيمكن أن يكون ذلك منشأ إلغاء الاستصحاب وإيجاب الفحص ، وأمّا لو اختبرت ورأت الدم في الداخل فيجري الاستصحاب ، فتترك العبادة - اتّكالاً عليه - إلى العلم بالنقاء أو تجاوز العشرة .

ومن أنّ الظاهر من صحيحة ابن مسلم - بالتقريب المتقدّم - أ نّها كلّما احتاجت إلى الغسل - حسب احتياج سائر المكلّفين - يجب عليها الاختبار . والفرق المذكور بين موردي الاستصحاب بعيد .

مضافاً إلى العلم الإجمالي بوجوب العبادات أو حرمةٍ ما على الحائض ، كالدخول في المسجدين ، واللبث في سائر المساجد .

فمع عدم الحرمة الذاتية في العبادات ، يجب عليها الإتيان بها بمقتضى العلم الإجمالي ، فيجب الغسل بحكم العقل ، فإذا أرادت الغسل يجب عليها الاختبار بحكم صحيحة ابن مسلم .

وإن قلنا بالحرمة الذاتية كان من قبيل الدوران بين المحذورين ، فمع عدم جريان الاستصحاب ، يجب الاختبار بحكم العقل لاتّضاح الحال .

ولا يبعد ترجيح الوجه الثاني .

حكم نسيان الاستبراء

ثمّ على القول بشرطية الاختبار للغسل ، لا يصحّ بدونه ولو صادف الطهر . وهل يصحّ مع فرض وقوعه على وجه تُعْذر فيه ، كنسيان الاستبراء ونحوه ؟

ص: 191

قطع بذلك صاحب «الجواهر»(1) وفيه تأمّل وإشكال ؛ لأ نّه على فرض الشرطية ، يكون الشرط هو واقع الاختبار من غير دخل لعذر المكلّف فيه .

نعم ، لو قلنا بأنّ الوضع ينتزع من التكليف ، ولا يجوز تكليف المعذور ، فلا منشأ لانتزاع الوضع ، كان له وجه .

لكنّ المبنى صغرى وكبرى محلّ إشكال ؛ ضرورة أنّ الظاهر من مثل قوله : «لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه»(2) - بحسب فهم العرف في أمثال المقام - أنّ النهي إرشاد إلى عدم تحقّق الصلاة مع الوبر ، فالنهي لأجل عدم إمكان الوجود ، فيستفاد منه مانعية ما لا يؤكل للصلاة مطلقاً ، وكذا سائر المقامات التي تكون مثل ذلك ، ومنها ما نحن بصدده .

مع أنّ في عدم تعلّق التكليف بالمعذور ، كلاماً وإشكالاً قد تعرّضنا له في محلّه(3) . نعم ، في خصوص النسيان لا يبعد التمسّك بحديث الرفع ؛ على ما قوّينا شموله لمثل المقام(4) .

حول سقوط شرطية الاستبراء مع تعذّره

وهل يسقط الشرط - على فرض الشرطية - مع التعذّر ، كالعمى والظلمة وضيق المجرى ؟ وجهان :

ص: 192


1- جواهر الكلام 3 : 191 .
2- تقدّم في الصفحة 187 .
3- أنوار الهداية 2 : 204 .
4- أنوار الهداية 2 : 43 - 44 .

من دعوى قصور الأدلّة عن قطع الاستصحاب في مثله ؛ لكونها واردة في غير المعذورة ، والمعذورة لها الاتّكال على الاستصحاب وترك العبادات إلى القطع بالنقاء أو تجاوز العشرة(1) .

ومن احتمال قطع الاستصحاب في المقام وكذا الشرطية ؛ لتعذّره ، فلا بدّ من الاحتياط(2) .

ويمكن أن يقال : إنّ الشرطية لا تنافي التعذّر ، وورود الروايات كذلك لا ينافي انفهام الشرطية منها مطلقاً ، ومعها لا يصحّ غسلها إلاّ بعد العلم بالنقاء أو تجاوز العشرة .

كيفية الاستبراء

ثمّ إنّه لا إشكال في عدم تعيّن كيفية خاصّة في الاستبراء ؛ لإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم(3) وعدم استفادة التعيين من سائر الروايات ؛ بعد اختلافِها

ومعلوميةِ ورودها للإرشاد إلى ما هو الأسهل ، ومعلوميةِ عدم دخل بعض الخصوصيات ، كالإدخال بيدها اليمنى ، فالمقصود هو حصول الاستبراء بأيّ وجه كان ، إلاّ أنّ الأحوط العمل عليها .

وأمّا ترجيح رفع اليسرى كما صنع الشيخ الأعظم - بدعوى تعدّد ما دلّ عليه

ص: 193


1- مستمسك العروة الوثقى 3 : 273 .
2- العروة الوثقى 1 : 592 ، مسألة 27 .
3- الكافي 3 : 80 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 1 .

وقوّة سنده(1) - فغير معلوم ؛ لأنّ سند ما دلّ على رفع اليمنى أرجح ، فإنّ مرسلة يونس أرجح من رواية الكندي و«الفقه الرضوي» .

ولمّا كان الاستبراء والفحص لا يحصل غالباً إلاّ بالمكث - ولو قليلاً - لا يبعد لزومه ، كما ورد مثله في رواية خلف بن حمّاد الواردة في اشتباه دم العذرة بالحيض(2) ، فالأحوط اعتباره لو لم يكن الأقوى .

ص: 194


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 340 .
2- الكافي 3 : 92 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 272 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث1 ، وتقدّم أيضاً في الصفحة 31 .
المسألة العاشرة في صور ما بعد الاستبراء وبيان أحكامها
اشارة

المرأة إمّا مبتدئة ، أو مضطربة لم تستقرّ لها عادة ، أو ذات عادة . وعلى أيّ تقدير : إمّا أن تخرج القطنة بعد الاستبراء نقيّة ، أو ملوّثة بالدم ، أو بالصفرة .

وذات العادة إمّا ذات عادة عرفية ؛ بحصول العادة في أزمنة كثيرة ، أو ذات عادة بحكم الشرع بالمرّتين أو ثلاث مرّات .

فهاهنا صور لا بدّ من البحث عنها :

الصورة الاُولى : فيما إذا خرجت القطنة نقيّة بعد الاستبراء

إذا كانت مبتدئة أو مضطربة وخرجت القطنة نقيّة ، فلا إشكال في أ نّها طاهرة

يجب عليها الغسل شرطاً عند وجوب مشروطه . ولا يجب عليها الاستظهار ، بل لا يجوز ؛ لأصالة عدم حدوث الدم ، وأصالة بقاء الطهر ، ولأخبار الاستبراء المتقدّمة(1) ولو ظنّت العود لعدم اعتباره ، ولا يرفع اليد عن الدليل به .

وقد يقال بالاستظهار مستظهراً بدليل الحرج(2) ، وهو كما ترى ؛ لمنع الحرج .

وأمّا ذات العادة ، فإن كانت لها عادة عرفية توجب الاطمئنان بنظامها وكانت عادتها انقطاع الدم وعوده ، فلا إشكال في عدم الاستبراء لها ولزوم ترك العبادة ؛ لقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» ، والنقاء المتخلّل من أيّام الأقراء .

ص: 195


1- تقدّم في الصفحة 186 - 190 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 341 .

وكذا لو كانت العادة غير موجبة للاطمئنان - كالعادة الشرعية - فالظاهر عدم لزوم الاستبراء ولزوم ترك العبادة ، لا لما قيل من لزوم الحرج(1) ؛ لما مرّ من عدم الحرج ، مع أنّ الحرج لا يوجب التفصيل بين الظنّ الحاصل من العادة وغيره ، كما نسب إلى جمع(2) ، بل لحكومة مرسلة يونس الطويلة(3) على أدلّة الاستبراء ، فإنّ تلك الأدلّة موضوعها «من لم تدرِ أطهرت أم لا ؟» والمرسلة - بالتقريب الذي تقدّم(4) - تدلّ على أنّ العادة الحاصلة بالمرّتين ، توجب الخلق المعروف والأيّام المعلومة ، وقد مرّ(5) عدم اختصاصها بمستمرّة الدم ، فإذا رأت خمسة أيّام دماً ويومين نقاءً ويومين دماً في شهرين بهذا النظام ، تصير تلك الأيّام عادتها وخلقها المعروف ، ولا تكون ممّن لم تدرِ أطهرت أم لا ؟ بل تكون عالمة بعدم طهرها ؛ لقيام الأمارة عليها ، فتكون مشمولة لقوله : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» فتخرج بالمرسلة عن موضوع تلك الأدلّة .

ثمّ اعلم : أنّ ترك العبادة في هذا المورد ليس لأجل الاستظهار ، بل لأجل الدليل على الحيضية ، ولهذا لو قلنا باستحباب الاستظهار وجواز العبادة ، لم نقل به في المقام .

وبالجملة : إنّ الاستظهار للمردّدة ، وهذه ليست كذلك .

ص: 196


1- مدارك الأحكام 1 : 332 .
2- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 341 ؛ مدارك الأحكام 1 : 332 ؛ ذخيرة المعاد : 69 / السطر 28 .
3- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .
4- تقدّم في الصفحة 131 - 139 .
5- تقدّم في الصفحة 149 - 151 .
الصورة الثانية فيما إذا خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة أو الصفرة

إذا رأت المبتدئة أو المضطربة حمرة بالاستبراء - أي خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة - فلا إشكال في لزوم التحيّض وترك العبادة ؛ للأصل ودلالة جملة من الأخبار :

منها : أخبار الاستبراء ، ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل . . .»(1) الحديث .

وفي موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام : «فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج ، فإن خرج دم فلم تطهر»(2) .

ومنها : رواية خلف بن حمّاد(3) الواردة في اشتباه الحيض بدم العذرة ، الدالّة على لزوم ترك العبادة لمن استمرّ بها الدم إلى عشرة أيّام ؛ إذا خرجت القطنة مستنقعة .

ومنها : روايتا محمّد بن مسلم الدالّتان على أ نّه إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام ، فهو من الحيضة الاُولى(4) .

ص: 197


1- تقدّمت في الصفحة 186 .
2- تقدّمت في الصفحة 189 .
3- الكافي 3 : 92 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 272 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 1 ، وتقدّمت أيضاً في الصفحة 31 .
4- تقدّمتا في الصفحة 96 - 97 .

ومثلهما ما ورد في باب العدد(1) على تأمّل فيها .

ومنها : ما ورد في خصوص المبتدئة أو خصوص المضطربة ، كموثّقة ابن بكير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك ، تركت الصلاة عشرة أيّام ، ثمّ تصلّي عشرين يوماً»(2) ، وقريب منها روايته الاُخرى(3) .

وفي موثّقة سماعة قال : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ؛ تقعد في الشهر يومين ، وفي الشهر ثلاثة أيّام ؛ يختلف عليها ، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة ، فإذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها»(4) .

فلا إشكال في المسألة . إنّما الإشكال فيما إذا خرجت ملوّثة بالصفرة ، هل هو كالتلوّث بالحمرة ؛ فتمكث إلى حصول النقاء أو مضيّ عشرة أيّام ، أو يجب عليها العبادات وعمل المستحاضة ؟

مقتضى الاستصحاب هو الأوّل ، كإطلاق الأدلّة المتقدّمة الواردة في الجارية

ص: 198


1- الكافي 6 : 88 / 10 ؛ وسائل الشيعة 22 : 212 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 17 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1182 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 400 / 1251 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 .
4- الكافي 3 : 79 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 14 ، الحديث 1 .

البكر وغيرها وإن لم يخلُ من تأمّل ؛ لاحتمال كون المراد من «الدم» هو غير الصفرة ؛ وإن كان الأقرب شمولها لها . ومجرّد جعله في بعض الروايات في مقابلها (1) ، لا يوجب صرف المطلقات عنها مع دخولها في عنوان «الدم» .

نعم ، إذا قوبلت به يكون المراد منه صنفاً خاصّاً ، وهو الأحمر .

وأمّا صحيحة سعيد بن يسار - بناءً على وثاقة الرواسي كما لا يبعد(2) - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة تحيض ثمّ تطهر ، وربّما رأت بعد ذلك الشيء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها ، فقال : «تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة ، ثمّ تصلّي»(3) .

فهي في غير ما نحن فيه ؛ لأنّ كلامنا فيمن انقطع الدم عن ظاهرها دون الباطن ، وظاهر الصحيحة هو تطهّرها واغتسالها منه ثمّ رؤية الدم الرقيق ، وهو موضوع آخر . مع ظهورها في ذات العادة بمقتضى كون مصبّ أخبار الاستظهار هو هي ، وظهور قوله «بعد أيّامها» فيمن لها أيّام وعادة .

ص: 199


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 8 ، و : 391 ، أبواب النفاس ، الباب 4 ، الحديث 1 و3 .
2- الرواسي هو أبو عمرو عثمان بن عيسى الكلابي ، كان شيخ الواقفة ووجهها ، ثمّ تاب ورجع وهو من أصحاب الإجماع على قول . رجال النجاشي : 300 / 817 ؛ اختيار معرفة الرجال : 597 / 1117 ؛ تنقيح المقال 2 : 247 - 249 (أبواب العين) .
3- تهذيب الأحكام 1 : 172 / 490 ؛ وسائل الشيعة 2 : 302 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 8 .

وأبعد منه التمسّك(1) بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام ؛ حيث قال : «وإن لم تَرَ شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ ولتصلّ»(2) ؛ لتعليق الاغتسال على عدم رؤية شيء .

ففيه : أنّ هذه الجملة ملحوقة بقوله : «فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل» ومعه لا

إطلاق فيها ، كما لا يخفى .

وأمّا ذيلها فلا يخالف مسألتنا ، لا لما في «الجواهر» من حمله على العلم بعدم الحيضية(3) ؛ لأ نّه غير وجيه ، ولا شاهد عليه ، بل لما أشرنا إليه آنفاً : من أنّ كلامنا فيمن استمرّ دمها في الباطن ، لا من انقطع دمها عن الظاهر والباطن وصارت طاهرة ، ثمّ رأت بعد اغتسالها .

نعم ، هي تنافي صحيحة سعيد بن يسار ، فلا بدّ من الجمع بينهما إمّا بحمل «الدم الرقيق» على الأحمر الرقيق ، أو حمل صحيحة ابن مسلم على ما بعد أيّام الاستظهار ، أو بعد عشرة أيّام ، والأوّل أقرب لو لا مخافة مخالفته للإجماع أو الشهرة .

كما أنّ الرجوع إلى الأوصاف وأمارية الصفرة للاستحاضة ، أقرب بحسب الأدلّة فيما نحن فيه ، وبه يقطع الاستصحاب ، وترفع اليد عن إطلاق الروايات - على فرض ثبوته - لو لا تلك المخافة .

ص: 200


1- جواهر الكلام 3 : 192 .
2- الكافي 3 : 80 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 1 .
3- جواهر الكلام 3 : 192 .
الصورة الثالثة في حكم ما إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة

إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة ، فهل يجب عليها أو يستحبّ الاستظهار ؛

بمقتضى ما دلّ عليه(1) ، أو تعمل عمل المستحاضة ؛ بمقتضى ما دلّ على أنّ

الصفرة بعد الحيض أو بعد أيّام الحيض ، ليست بحيض(2) ؟

فعن «الرياض» : «أنّ تلك الأخبار مخالفة للإجماع ؛ بسيطاً أو مركّباً ، ولأخبار الاستظهار»(3) ولهذا حملها في «الجواهر» على ما بعد الحيض والاستظهار(4) . وهو المتّجه لو كانت مخالفة للإجماع ، وإلاّ فالجمع العقلائي بينها وبين أدلّة الاستظهار يقتضي تحكيمها عليها ؛ لأنّ موضوع أدلّة الاستظهار هو من لم تعلم أنّ الدم حيض أو لا ، ولهذا عبّر في بعضها : بأ نّها «تحتاط»(5) ، بل نفس «الاستظهار» يدلّ على ذلك .

بل المورد مورد الشبهة والتحيّر ؛ لأنّ الدم إذا انقطع على العشرة ، يكون جميعه حيضاً بمقتضى الأدلّة ، وإذا تجاوز عنها تكون أيّام العادة كذلك ، فتكون

ص: 201


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 .
3- رياض المسائل 1 : 368 .
4- جواهر الكلام 3 : 193 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 302 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 7 .

شاكّة في حيضية ما تجاوز عن العادة ؛ لأجل الشكّ في تجاوزه عن العشرة ، والأخبار الدالّة على أنّ الصفرة بعد أيّام العادة ليست بحيض ، حاكمة على أدلّة الاستظهار ونافية لموضوعها ؛ سواء كان بينها وبين أدلّة الاستظهار عموم مطلق - وذلك إذا حملت تلك الأخبار على من استمرّ بها الدم ، كما احتمله أو قرّبه الشيخ الأعظم(1) - أو عموم من وجه ؛ بناءً على إطلاقها كما هو الأقرب .

هذا إذا حملنا موثّقة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة ترى الصفرة ، فقال : «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض»(2) على ما حدث بعد الأيّام ، كما لا يبعد بلحاظ قوله : «ترى الصفرة» .

وإلاّ فالوجه حمل مطلقات تلك الأخبار عليها فيمن استمرّ بها الدم ؛ أي تجاوز عن عادتها ، فحينئذٍ يمكن القول : بأنّ المراد من قوله : «وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض» هو أيّام الاستظهار ، فتكون مطابقة لما دلّ(3) على أ نّه «إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام ، استظهرت بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة» فيحمل عدم الحيضية على التكليف الظاهري بكونها مستحاضة ، لا على عدم الحيضية الواقعية .

وهذا الوجه أقرب إلى جمع الأخبار وكلمات الأصحاب ؛ وإن لم يخلُ من إشكال .

ص: 202


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 208 .
2- الكافي 3 : 78 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 2 .
3- وسائل الشيعة 2 : 301 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 3 ، 4 و13 .
الصورة الرابعة في حكم ذات العادة مع تلوّث القطنة بعد أيّامها
اشارة

إذا خرجت القطنة بعد أيّام عادتها ملوّثة بالدم ، بل بالصفرة بناءً على ما تقدّم آنفاً ففيه جهات من البحث .

وقبل الورود فيها لا بأس بذكر ما تقتضي القاعدة :

مقتضى القاعدة في المقام

فنقول : لو قلنا بجريان الاستصحاب في المقام ، فالظاهر جريان استصحاب استمرار الدم إلى ما بعد العشرة ، فيترتّب عليه كون العادة أيّامها ، ولا سنّة لها غيرها .

ولو قلنا بعدم جريانه - إمّا لعدم الجريان في التدريجيات ، أو لقطع الاستصحاب في المقام - فمقتضى القاعدة الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة ؛ للعلم الإجمالي بكونها حائضاً أو مستحاضة . هذا إذا قلنا بالحرمة التشريعية في العبادات .

وما قيل : «من أ نّه لا يجب عليها للأصل ؛ لأنّ الشكّ بالنسبة إليها مرجعه إلى الشكّ في أصل التكليف ، والمرجع فيه البراءة»(1) في غير محلّه بعد العلم الإجمالي .

ص: 203


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 93 .

وأمّا إن قلنا بالحرمة الذاتية ففي العبادات يدور الأمر بين المحذورين ، فتتخيّر مع عدم الترجيح محتملاً واحتمالاً ، وإلاّ فتأخذ بأرجحهما .

وأمّا بالنسبة إلى محرّمات الحائض - كمسّ الكتابة وغيره - فقد يقال بلزوم

تركها ؛ لكونها طرفاً للعلم الإجمالي ؛ وإن كان أحد الطرفين من قبيل الدوران بين المحذورين .

لكنّ الظاهر عدم لزومه ؛ لأنّ العلم ليس منجّزاً بالنسبة إلى أحد الطرفين ؛ أي العبادات التي دار أمرها بين المحذورين ، ومعه يكون الآخر في حكم الشبهة البدوية ؛ لأنّ من شروط تنجيز العلم تعلّقه بتكليف منجّز به على كلّ تقدير .

ثمّ إنّ التخيير العقلي في المقام استمراري لا بدوي ، فهي مخيّرة في كلّ واقعة في الأخذ بأيّ طرف شاءت ، إلاّ أن يلزم منه محذور ، كحصول العلم التفصيلي ببطلان عملها في بعض الصور ، كما لو تركت الظهر وأتت بالعصر ، فتعلم تفصيلاً ببطلانها ؛ لفقد الترتيب أو الطهور .

الجهة الاُولى : في مصبّ أخبار الاستظهار وموردها

لا إشكال في أنّ مصبّ أخبار الاستظهار(1) هو الامرأة المتحيّرة ؛ أي التي تتحيّر في أ نّها حائض أو مستحاضة ، ومنشأ هذا الشكّ هو الشكّ في تجاوز دمها عن العشرة حتّى لا تكون لها سنّة إلاّ أيّامها ، كما سيأتي(2) وعدمه حتّى

ص: 204


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
2- يأتي في الصفحة 219 .

يكون المجموع حيضاً كما مرّ(1) ، وذلك لظهور عنوان «الاستظهار» و«الاحتياط» في ذلك ، وأخبار الباب تدور على هذين العنوانين ، فمن علمت أو اطمأ نّت بعدم تجاوز دمها عن العشرة أو تجاوزه ، فهي خارجة عن مصبّها ، فمثل المرأة التي يستمرّ بها الدم شهوراً أو أقلّ خارجة عن مصبّها ، كما يظهر بالتأمّل فيها ؛ فإنّه - مضافاً إلى اقتضاء العنوانين ذلك - قد وردت الروايات في موردين :

أحدهما : وهو ما ورد فيه غالب الروايات - حتّى أنّ غيره بالنسبة إليه قليل - وهو من رأت الدم وقت حيضها أو قبله وجاز أيّامها ، وممّا ورد في ذلك موثّقتا سَماعة(2) ورواية إسحاق بن جرير(3) ومرسلة داود مولى أبي المغرا ، وصحيحتا سعيد بن يسار وابن أبي نصر ورواية محمّد بن عمرو وعبداللّه بن المغيرة ويونس بن يعقوب وزرارة ومحمّد بن مسلم(4) وما وردت في النفساء ، كصحيحة زرارة ورواية يونس ومالك بن أعين وزرارة ويونس بن يعقوب وأبي بصير وغيرها (5) .

وهذه الطائفة لا إشكال فيها من حيث كون مصبّها ما ذكرنا .

وثانيهما : ما وردت في المستحاضة ، كرواية إسماعيل الجُعفي عن

ص: 205


1- تقدّم في الصفحة 201 .
2- وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 و6 .
3- وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 3 .
4- وسائل الشيعة 2 : 301 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 4 و8 - 13 و15 .
5- وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 - 5، و: 381، الباب 1 ، الحديث 1 ، و : 389 ، الباب 3 ، الحديث 20 و : 386 ، الباب 3 ، الحديث 11 .

أبي جعفر علیه السلام قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها ، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ، فإن هي رأت طهراً اغتسلت»(1) .

ورواية زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها ، فتقتدي بأقرائها ، ثمّ تستظهر على ذلك بيوم»(2) . ورواية اُخرى لزرارة ، عنه علیه السلام قال : «المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين»(3) .

ورواية فضيل وزرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «المستحاضة تكفّ عن

الصلاة أيّام أقرائها ، وتحتاط بيوم أو اثنين ، ثمّ تغتسل . . .»(4) إلى آخره .

ورواية عبد الرحمان ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المستحاضة ، أيطأها زوجها ، وهل تطوف بالبيت ؟ قال : «تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به ، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل . . .»(5) إلى آخره .

ص: 206


1- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1252 ؛ وسائل الشيعة 2 : 302 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1256 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 14 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1253 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 12 .
5- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

والمستحاضة وإن كانت أعمّ ممّن يستمرّ بها الدم شهراً أو أزيد ، وممّن تجاوز دمها عن أيّام عادتها ، لكن لا بدّ من حملها في تلك الروايات على الثانية ؛

بقرينة قوله : «تستظهر» و«تحتاط» فإنّ العنوانين لا ينطبقان إلاّ عليها ، وأمّا من استمرّ

بها الدم فلا يكون لها احتياط ؛ لكون عادتها هي الحيض ، والزائدِ عليها استحاضةً ، كما صرّح به في المرسلة الطويلة(1) من غير ريب وشائبة إشكال .

ودعوى الشيخ الأعظم ظهور بعض فقراتها في غير مستمرّة الدم(2) ، غير وجيهة ، كما يظهر للمتأمّل .

وما ذكرنا هو الظاهر من روايات اُخر ، كصحيحة معاوية بن عمّار والحلبي وعبداللّه بن سنان وغيرها (3) .

فلا إشكال في هذا الحمل في الروايات سوى موثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه حيث فصّل فيها بين استقامة القروء وغيرها .

والظاهر كون المراد فيها مستمرّة الدم ، وهي لا

تنافي الروايات ؛ لأنّ صدرها موافق لمرسلة يونس وما هو بمضمونها ، وذيلها فرض آخر غير المفروض في سائر الروايات .

ولا بأس بالحكم بالاحتياط في مستمرّة الدم مع الخلاف في عادتها ، كما تدلّ عليه الرواية .

ص: 207


1- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 352 - 353 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 و2 و4 و5 .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ مستمرّة الدم لا سنّة لها إلاّ أيّامها إذا كانت لها أيّام معلومة غير مختلفة ، ومع الاختلاف تحتاط بيوم أو يومين ، كما في موثّقة البصري وأنّ الحائض والنفساء إذا جاوز دمهما عن عادتهما شرع في حقّهما الاستظهار .

ويشهد للجمع موثّقة إسحاق بن جرير ؛ حيث فصّل فيها بين من تحيض وجازت أيّام حيضها ، فأمرها بالاستظهار ، وبين من استمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة ، فأمرها بالجلوس أيّام حيضها ، ثمّ الاغتسال للصلاة .

الجهة الثانية : في اختلاف أخبار الاستظهار

قد اختلفت الروايات في هذه المسألة غاية الاختلاف ، وهي على اختلافها على طوائف :

منها : ما هي ظاهرة في مستمرّة الدم ، كالمرسلة وأشباهها ممّا قد مرّ الكلام فيها .

ومنها : ما هي ظاهرة أو صريحة في غير المستمرّة ، وقد حكم فيها بالاستظهار إمّا مطلقاً أو بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام . . . إلى غير ذلك(1) .

ومنها : ما هي محمولة على الثانية ؛ لبعض القرائن الداخلية والخارجية ، وهي الروايات الواردة في أنّ «المستحاضة تستظهر»(2) ، كما مرّ الكلام فيها .

ص: 208


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 302 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الح-ديث 5 و14 .

ومنها : ما وردت في غير مستمرّة الدم ، واُمر فيها بالاغتسال والصلاة بعد عادتها ، كصحيحة زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها ، ثمّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة»(1) .

وكحسنة(2) عبد الرحمان بن أعين قال : قلت له : إنّ امرأة عبدالملك ولدت ، فعدّ لها أيّام حيضها ، ثمّ أمرها فاغتسلت واحتشت ، وأمرها أن تلبس ثوبين نظيفين ، وأمرها بالصلاة ، فقالت له : لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد ، فدعني أقوم خارجاً عنه وأسجد فيه ، فقال : «قد أمر بذا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » قال : «فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر ، وأمر علي علیه السلام بهذا قبلكم ، فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر ، فما فعلت صاحبتكم ؟» قلت : ما أدري(3) .

حيث تدلّ على أ نّه أمرها بعد عادتها وعدول الدم عنها بالاغتسال والصلاة ، فقال له : إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام أمرا بذلك .

ص: 209


1- الكافي 3 : 97 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 495 ؛ وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- رواها الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن عبداللّه بن بكير ، عن عبد الرحمان بن أعين . عبد الرحمان بن أعين إمامي ممدوح ، وعبداللّه بن بكير فطحي ثقة ، وبقيّة رجال السند لا كلام فيهم ، فحينئذٍ يتّصف السند بالحسن ، كما عبّر به هنا بناءً على كون الموثّق أقوى من الحسن ، ويتّصف بالموثّق كما عبّر به في الصفحة 212 بناءً على كون الحسن أقوى من الموثّق . راجع تنقيح المقال 2 : 140 / السطر 22 (أبواب العين) و : 171 / السطر 3 ((أبواب العين)) .
3- الكافي 3 : 98 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 9 .

وكمرسلة داود مولى أبي المغرا ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له : المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام ؛ حيضها دائم مستقيم ، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ينقطع عنها الدم ، وترى البياض ؛ لا صفرةً ولا دماً ، قال : «تغتسل وتصلّي» .

قلت : تغتسل وتصلّي وتصوم ، ثمّ يعود الدم ، قال : «إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة والصيام» .

قلت : فإنّها ترى الدم يوماً وتطهر يوماً ، قال : فقال : «إذا رأت الدم أمسكت ، وإذا رأت الطهر صلّت ، فإذا مضت أيّام حيضها واستمرّ بها الطهر صلّت ، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة ، قد انتظمت لك أمرها كلّه»(1) .

وكصحيحة الصحّاف(2) على بعض الوجوه والاحتمالات .

واختلاف هذه الأخبار صار سبباً لاختلاف الأنظار في الجمع بينها في موضوع الاستظهار والاقتصار ، وفي حكم الاستظهار ومقداره ، وقد مرّ في الجهة الاُولى : أنّ مصبّ أخبار الاستظهار هو ذات العادة التي تجاوز دمها عن عادتها ، وصارت متحيّرة لأجله ، وأنّ مصبّ طائفة من روايات الاقتصار هو مستمرّة الدم ، فموضوع كلٍّ غيرُ الآخر ، ولا اختلاف في الأخبار من هذه الجهة .

ص: 210


1- الكافي 3 : 90 / 7 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 284 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 5 ، الحديث 6 .

وأمّا الروايات الواردة في استظهار المستحاضة ، فهي ظاهرة في الطائفة الاُولى - أي من تجاوز دمها عن عادتها - بمقتضى عنوان «الاستظهار» ومقتضى رواية الجُعفي ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها ، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ، فإذا هي رأت طهراً اغتسلت ، وإن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت واحتشت»(1) .

أو محمولة عليها بمقتضى مرسلة يونس التي نصّت على أنّ مستمرّة الدم إذا كانت لها عادة ، لا وقت لها ولا سنّة إلاّ أيّامها ، وهي على أيّامها .

تعارض روايات الاستظهار مع أدلّة الاقتصار وبيان وجه الجمع بينها

وأمّا الروايات الواردة في الاقتصار ، فما هي ظاهرة في مستمرّة الدم - كمرسلة يونس وصحيحة معاوية والحلبي وعبداللّه بن سنان(2) - فلا إشكال فيها ، وما هي مطلقة يحفظ ظهورها في الوجوب بالنسبة إلى مستمرّة الدم ، ويرفع اليد عن وجوب الاقتصار بالنسبة إلى ذات العادة التي جازت أيّامها ، فتصير كالطائفة التي دلّت على الاقتصار في ذات العادة التي جازت أيّامها ، فحينئذٍ يقع التعارض ظاهراً بين روايات الاستظهار وهذه الطائفة من أدلّة الاقتصار - ممّا تكون ظاهرة في ذات العادة التي جازت أيّامها - بالإطلاق أو بالورود في هذا المورد ، كصحيحة زرارة ، فلا بدّ من الجمع بينهما .

ص: 211


1- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .
2- تقدّم تخريجها في الصفحة 207 .

والأقرب في النظر حمل جميع الروايات على الإرشاد إلى حكم العقل ، وقد مرّ(1) أنّ العقل في المقام يحكم بالتخيير ما دام لم يتّضح حالها ، ودار الأمر بين المحذورين ؛ بناءً على حرمة العبادات ذاتاً كما هو الأقوى ، وسيأتي الكلام فيه(2) ، فإذا حكم العقل - بعد مضيّ أيّام العادة وتحيّر المرأة بين انقطاع الدم على العشرة وعدمه - بتخييرها بين الفعل والترك ، لم يبقَ ظهور في الروايات في إعمال التعبّد ، فلا يفهم منها إلاّ ما هو حكم العقل .

وتوهّم دلالة هذه الأخبار الكثيرة على وجوب الاستظهار بيوم واحد ؛ فإنّ الاستظهار بالأقلّ هو القدر المتيقّن الثابت بجميع الروايات ، فلا بدّ من الأخذ به

وحمل سائر المراتب على التخيير أو الاستحباب .

مدفوع بما دلّ على الاقتصار على اليوم الأوّل في الموضوع الذي دلّت الروايات فيه على الاستظهار ، كصحيحة زرارة وموثّقة عبد الرحمان بن أعين وغيرهما ، ومعها لا بدّ من رفع اليد عن ظهور الروايات في الوجوب لو سلّم ظهورها .

مع أ نّه غير مسلّم أوّلاً : لما مرّ من ورودها في مورد حكم العقل ، وفي مثله لا يسلّم الظهور في التعبّد .

وثانياً : مع هذا الاختلاف الفاحش فيها ، لا يبقى ظهور لها في الوجوب ، فضلاً عن التعييني ، فضلاً عنه في اليوم الواحد .

ص: 212


1- تقدّم في الصفحة 204 .
2- يأتي في الصفحة 214 .

لا يقال : لا يمكن رفع اليد عن الأوامر الكثيرة الواردة في الاستظهار

والاحتياط . ولو سلّم عدم بقاء ظهورها في الوجوب ، فلا محيص عن الحكم بالرجحان ، لا رجحان نفس الاستظهار والاحتياط ، بل يفهم منها ترجيح الشارع جانب الحرمة على جانب الوجوب ، فالرجحان - بهذا المعنى - ممّا لا مناص عنه .

فإنّه يقال : هذا صحيح لو كانت أخبار الاستظهار خالية عن المعارض ، لكنّ الأمر ليس كذلك ؛ فإنّه في كلّ مورد من اليوم الأوّل إلى العاشر ممّا وردت رواية أو روايات في الأمر بالاستظهار ، وردت رواية أو روايات اُخر في الأمر بالاغتسال والصلاة وعمل الاستحاضة :

ففي اليوم الأوّل - أي بعد مضيّ أيّام العادة - كما وردت روايات بالاستظهار ، وردت روايات بالاغتسال والصلاة وعمل المستحاضة ، كما مرّ .

وفي اليوم الثاني أيضاً وردت روايات بالاستظهار ، مثل ما دلّ عليه بيوم أو يومين ، ووردت روايات على أ نّها مستحاضة ، وهي روايات الاقتصار ، والروايات التي دلّت على لزوم الاستظهار بيوم واحد ، ثمّ الحكم بأ نّها مستحاضة .

وفي اليوم الثالث دلّت الطوائف الثلاث على كونها مستحاضة ، وطائفة اُخرى على لزوم الاستظهار . . . وهكذا .

ففي كلّ مورد تعارضت الروايات ، فلا يبقى مجال للحمل على الرجحان في جانب منها .

ص: 213

رجحان الحمل على الإرشاد العقلي على ما ذكره المحقّقون

ولا يخفى على المتأمّل في جميع الروايات - مع التوجّه إلى حكم العقل ، وتخالف الروايات هذا التخالف الفاحش - أنّ ما ذكرنا أولى ممّا ذكره المحقِّقون :

كالحمل على الوجوب التخييري(1) ؛ فإنّه مع الإشكال في أصل التخيير كذلك ، يرد عليه : أنّ الروايات - كما عرفت - متعارضة في كلّ يوم يوم ، فكما ورد الأمر بالاستظهار يوماً أو يومين أو ثلاثة إلى عشرة ، كذلك وردت الروايات الآمرة بعمل الاستحاضة في كلّ يوم إلى العاشر ، فلا بدّ من حمل هذه الطائفة أيضاً على الوجوب التخييري ، فتتخيّر بعد العادة بين الاستظهار بيوم أو يومين إلى العاشر ؛ بمقتضى أدلّة الاستظهار على ما تقدّم ، وتتخيّر في عمل الاستحاضة بين يوم أو يومين إلى العاشر ، وهل هذا إلاّ حكم العقل بالتخيير ؟ !

نعم ، لو قلنا : بأنّ حكم العقل بالتخيير إنّما هو تساوي الاحتمالين ، وأمّا مع كون أحد احتمالي الحيض والاستحاضة أقوى ، يتعيّن الأخذ بالأقوى ، وقلنا بإطلاق الروايات بالنسبة إلى قوّة الاحتمال وعدمها ، كان لحمل الروايات على التخيير إلى اليوم العاشر وجه ، وعليه كان التخيير شرعياً لا عقلياً .

وتوهّم عدم جواز التخيير بين فعل الواجب وتركه لا إلى بدل(2) ، فاسد ؛ لأنّ

ص: 214


1- اُنظر جواهر الكلام 3 : 199 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 359 .
2- جواهر الكلام 3 : 200 ؛ اُنظر الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراسانى : 219 .

العبادات في أيّام الحيض حرام ذاتي ، فيكون التخيير بين الحرام والواجب ، ومن قبيل الدوران بين المحذورين ؛ وإن كان الموضوع في الأخبار أعمّ من الموضوع العقلي .

وكالحمل على الاستحباب(1) وهو أسوأ من الأوّل ؛ لعدم رجحان في حمل أخبار الاستظهار على الاستحباب ، دون الأخبار الآمرة بالاغتسال وعمل الاستحاضة .

وأبعد منهما ما صنعه صاحب «الجواهر» والشيخ الأعظم من حمل الروايات على التنويع :

تارة : بحمل ما دلّ على استظهار يوم على من كانت عادتها تسعة أيّام ، وما دلّ على يومين على من كانت عادتها ثمانية . . . وهكذا .

واُخرى : بحمل ما دلّ على يوم على من تظهر حالها بيوم ، وما دلّ على يومين على من تظهر حالها بعد يومين . . . وهكذا (2) .

ولعمري ، إنّ الطرح أولى من مثل هذا الحمل الغريب البعيد عن الأذهان ، المستحيل ورود مثله من متكلّم يريد إفهام الحكم !

وأغرب منه ما أيّد به صاحب «الجواهر» : «من أنّ كلام المعصومين ككلام

واحد من متكلّم واحد»(3) ، وهو - كما ترى - لا يمكن الالتزام به ، ولا معنى له . مع أ نّه مستلزم لمفاسد يختلّ بها الفقه . على أ نّه لا يصلح الحمل المذكور أيضاً .

ص: 215


1- رياض المسائل 1 : 372 .
2- جواهر الكلام 3 : 199 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 358 - 359 .
3- جواهر الكلام 3 : 199 .

كما أنّ الاستدلال بالاستصحاب وقاعدة الإمكان وما دلّ على أنّ ما رأت المرأة قبل عشرة أيّام من الحيضة الاُولى(1) ، في غير محلّه ؛ ضرورة أنّ الاستصحاب قد انقطع بالروايات ، وكذا قاعدة الإمكان ، والروايات الأخيرة لا بدّ وأن يكون موضوعها غير موضوع هذه الروايات ، وإلاّ فمع فرض الاستصحاب والقاعدة والروايات المذكورة ، لا يبقى مجال للاحتياط والاستظهار ، كما هو واضح .

ثمّ إنّ موضوع الاستظهار - كما قلنا - هو المرأة المتحيّرة لأجل الشكّ في قطع الدم على العشرة وعدمه(2) ، فمع فرض العلم أو الاطمئنان بأحد الطرفين ، تخرج عن موضوع الاستظهار .

وهذا لا ينافي ما تقدّم منّا آنفاً من الإشكال على ما صنعه المحقّقان صاحب «الجواهر» والشيخ الأعظم .

وبما ذكرنا ظهر ما هو الحقّ في الجهة الثالثة ؛ وهي مقدار الاستظهار ، وهو تابع لبقاء موضوعه .

ص: 216


1- جواهر الكلام 3 : 198 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 361 .
2- تقدّم في الصفحة 204 .
تتميم

في حكم انقطاع الدم على العشرة وتجاوزه

لو انقطع الدم على العشرة ، فهل المجموع حيض ، أو أيّام العادة ، أو هي مع أيّام الاستظهار دون ما بعدها ؟

وهذه المسألة غير ما سبقت من الرؤية ثلاثة أيّام مثلاً وانقطاع الدم ، ثمّ الرؤية ثانياً والانقطاع قبل عشرة أيّام ؛ وإن اشتركتا في بعض الأدلّة .

حيضية جميع الأيّام فيما لو انقطع على العشرة

وكيف كان : فالأقوى كون الجميع حيضاً ، كما هو المشهور على ما في طهارة شيخنا الأعظم(1) ، بل نسب إلى الأصحاب(2) ، بل ادّعي الإجماع عليه ، كما عن «الخلاف»(3) و«المعتبر»(4) و«التذكرة» و«المنتهى» و«النهاية»(5) .

ويدلّ عليه - بعد ذلك - ما دلّ على حيضية الجميع في المسألة المتقدّمة المشار إليها آنفاً ، كروايتي محمّد بن مسلم : أنّ «ما رأت المرأة . . . قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى»(6) على تأمّل فيه ، وقاعدة الإمكان ، في خصوص مثل

ص: 217


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 362 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 223 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 299 .
3- الخلاف 1 : 243 .
4- المعتبر 1 : 203 .
5- تذكرة الفقهاء 1 : 294 ؛ منتهى المطلب 2 : 331 - 332 ؛ نهاية الإحكام 1 : 134 .
6- تقدّمتا في الصفحة 96 - 97 .

المسألة . مضافاً إلى الاستصحاب - تأمّل - وأخبار الاستبراء الدالّة على أنّ القطنة إذا خرجت ملوّثة ، لم تطهر(1) .

وليس في مقابلها إلاّ توهّم دلالة أدلّة الاستظهار على أنّ ما بعد أيّامه استحاضة(2) .

وهو كما ترى ؛ ضرورة أنّ هذه الروايات(3) بنفسها ، تدلّ على أنّ الحكم بالاستحاضة ظاهري لا واقعي ؛ فإنّ جملة منها تدلّ على أ نّها في اليوم الثاني بعد الاستظهار مستحاضة وجملة منها تدلّ على أ نّها في اليوم الثاني مستظهِرة وكذا في اليوم الثالث تدلّ جملة على أ نّها مستحاضة وجملة على الترخيص في الاستظهار ، ومعه كيف يمكن القول بالاستحاضة الواقعية ؟ ! إلاّ أن يقال بالتنويع وقد مرّ تضعيفه(4) .

هذا مضافاً إلى ما ورد من أ نّها تعمل كما تعمل المستحاضة ، كموثّقة سماعة(5) ورواية يعقوب الأحمر عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في النفساء(6).

ص: 218


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 223 - 224 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
4- تقدّم في الصفحة 215 .
5- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 158 / 453 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 403 / 1262 ؛ وسائل الشيعة 2 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 20 .

وأوضح منهما رواية حُمران بن أعين ، عن أبي جعفر علیه السلام ففيها : قلت : فما حدّ النفساء ؟

قال : «تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام قرئها ، فإن هي طهرت ، وإلاّ استظهرت بيومين أو ثلاثة أيّام ، ثمّ اغتسلت واحتشت ، فإن كان انقطع الدم فقد طهرت ، وإن لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة»(1) .

فيحمل ما دلّت على أ نّها مستحاضة ، على أ نّها بمنزلة المستحاضة وتصنع كما تصنع المستحاضة ، وكذا يحمل على ذلك ما دلّت على أنّ الصفرة بعد أيّام الحيض بيومين ، ليس من الحيض ، كما سبقت الإشارة إليه(2) .

حيضية خصوص أيّام العادة مع تجاوز الدم عن العشرة

وكيف كان : فلا إشكال في هذه المسألة ، ولأجل ذلك يرفع الشكّ عن مسألة اُخرى : وهي كون أيّام العادة حيضاً دون غيرها إذا تجاوز الدم عن العشرة ؛ ضرورة أ نّه لو كان جميع العشرة حيضاً - سواء انقطع الدم عليها ، أو تجاوز عنها - لم يبقَ للمرأة شكّ في حيضية ما بعد العادة ، ووقع جميع أخبار الاستظهار والاحتياط بلا مورد ، ولزم منه الحكم بالعبادة وعمل الاستحاضة في زمان الحيض المعلوم ، وهو واضح الفساد ، وسيأتي في الاستحاضة تحقيق المقام(3) .

ص: 219


1- منتقى الجمان 1 : 235 ؛ وسائل الشيعة 2 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 11 .
2- تقدّمت في الصفحة 201 - 202.
3- يأتي في الصفحة 419 .
لزوم قضاء الصوم مع انقطاع الدم على العشرة

ثمّ إنّه إذا انقطع على العشرة ، هل يجب قضاء ما صامت بعد أيّام العادة ؛ لتبيّن فساده ، أو الأمر بالصيام موجب للإجزاء لو قلنا : بأنّ التخييرَ شرعي ، والحكمَ بالاستحاضة وعملَ ما تعمله المستحاضة تعبّدي ظاهري ؛ فإنّ الأمر الظاهري بالصيام ، موجب للإجزاء وإلغاء اعتبار الطهارة من الحيض في الصيام ؟

ولو لا كون العبادة في أيّام الحيض محرّمة ذاتية عليها ، لم يكن الحكم بالإجزاء بعيداً ، كما رجّحنا في أمثال المقام(1) لكن مع كونها محرّمة ذاتية ، وكون الأمر بالاستحاضة - لأجل الدوران بين ترك الواجب وفعل الحرام - كالدوران بين المحذورين عقلاً ، لا مجال للإجزاء ، ففي مثله لا يستفاد من الأمر بالصيام إلغاء اعتبار الطهور أو إلغاء مانعية الحيض .

هذا مضافاً إلى الإشكال في أصل المبنى ؛ أي كون التخيير شرعياً ، فعليها قضاء ما فعلته ، كما ادّعي عدم الخلاف(2) بل الإجماع عليه(3) .

صحّة صيام ما بعد العادة مع تجاوز العشرة

وأمّا مع تجاوز الدم وكشف كون جميع ما بعد العادة استحاضة ، فلا إشكال في صحّة ما فعلت بعد أيّام الاستظهار ، وكذا قضاء ما تركت في أيّامه .

ص: 220


1- مناهج الوصول 1 : 255 - 259 ؛ الاجتهاد والتقليد ، الإمام الخميني قدس سره : 106 - 109 .
2- مفتاح الكرامة 3 : 299 ؛ جواهر الكلام 3 : 202 .
3- تذكرة الفقهاء 1 : 305 ؛ رياض المسائل 1 : 375 ؛ جواهر الكلام 3 : 202 .

ودعوى عدم وجوب القضاء ؛ لعدم وجوب الأداء ، وكون القضاء تابعاً له ، بل كون الأداء حراماً على فرض وجوب الاستظهار ، كما ترى ؛ ضرورة أنّ المستفاد من الأخبار أنّ الاستظهار والاحتياط بترك العبادة - كعمل المستحاضة - حكم ظاهري ، كحكم العقل بالتخيير في الدوران بين المحذورين ، فيكون الحكم الواقعي محفوظاً ، فيجب قضاء ما تركت لدى انكشاف الخلاف .

كما أنّ دعوى استفادة عدم القضاء من الأخبار الكثيرة الساكتة عنه ، في غير محلّها ؛ ضرورة أنّ الأخبار تكون في مقام بيان حكم آخر ، كدعوى فهم إلحاق أيّام الاستظهار بالحيض حكماً في جميع الآثار .

وكيف كان : فلا إشكال في الحكم ، كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً ، بل لعلّه لا خلاف فيه سوى ما عسى أن يظهر من المنقول عن العلاّمة(1) كما في «الجواهر»(2) .

ص: 221


1- نهاية الإحكام 1 : 123 .
2- جواهر الكلام 3 : 204 .

المطلب الرابع في بعض مهمّات أحكام الحيض والحائض

اشارة

ولمّا كان كثير من أحكامهما واضح المأخذ ، اقتصرنا على المهمّ منها . وهو اُمور :

الأمر الأوّل : حرمة الوط ء
اشارة

لا إشكال في حرمة وطئها في القبل حتّى تطهر كتاباً (1) وسنّة(2) وإجماعاً (3) ، بل في «المدارك» : «أجمع علماء الإسلام على تحريم وط ء الحائض قبلاً ، بل صرّح جمع من الأصحاب(4) بكفر مستحلّه ما لم يدّعِ شبهة محتملة لإنكاره ما

ص: 222


1- لقوله تعالى : )وَيَسأَ لُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعتَزِلُوا النِساءَ فِى المَحِيضِ وَلاَ تَقرَبُوهُنَّ حَتّى يَطهُرنَ . . .( البقرة (2) : 222 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 317 - 323 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 24 و25 .
3- المعتبر 1 : 224 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 264 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 151 ؛ جواهر الكلام 3 : 225 .
4- جامع المقاصد 1 : 320 ؛ روض الجنان 1 : 211 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 151 .

علم من الدين ضرورة . ولا ريب في فسق الواطئ بذلك ، ووجوب تعزيره بما يراه الحاكم مع علمه بالحيض وحكمه»(1) انتهى .

أقول : أمّا كون حرمة الوط ء من ضروريات الإسلام ، ففي محلّ المنع ؛ فإنّ معنى كون الشيء ضرورياً في الإسلام : أن يكون واضحاً لدى قاطبة المسلمين ، كما أنّ كون الشيء ضرورياً عقلاً : أ نّه واضح لا يحتاج إلى الدليل لدى العقول ، ككون الواحد نصف الاثنين ، وكون الكلّ أعظم من جزئه .

وأمّا كون شيء ضرورياً واضحاً لقيام الأدلّة الواضحة عليه لدى طائفة خاصّة دون اُخرى ، فلا يوجب ضروريته ؛ لا في الاُمور العقلية ، ولا في الاُمور الشرعية ؛ فإنّ كثيراً من الأحكام الشرعية ضرورية واضحة لدى الفقهاء ، أو صارت ضرورية لدى المتعبّدين ، أو في بلدة غلب فيها العلماء ، مع أ نّها ليست ضرورية واضحة عند جميع المسلمين ، كمطهّرية المطر والشمس ، وما نحن فيه من هذا القبيل .

ثمّ إنّ إنكار الضروري لا يكون بنفسه موجباً للكفر ، بل إنّما يوجبه إذا كان مستلزماً لإنكار الاُلوهية أو التوحيد أو النبوّة ، كما حقّق في محلّه(2) .

وأمّا فسق الواطئ ، فمبتنٍ على أن يكون الفسق عبارة عن مطلق الخروج

عن طاعة اللّه . وأمّا لو قلنا : بأ نّه عبارة عن ارتكاب الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة فلا ؛ لعدم ثبوت كون الوط ء حال الحيض كبيرة ، وتحقيق المسألة موكول إلى محلّه .

ص: 223


1- مدارك الأحكام 1 : 350 .
2- يأتي في الجزء الثالث : 466 .

ثمّ لا إشكال في الحرمة ظاهراً مع قيام أمارة على الحيضية ، ككون الدم في أيّام العادة ، أو متّصفاً بالصفات في مورد أماريتها .

كما أ نّه لو تمّت قاعدة الإمكان وجب ترتيب أحكام الحيضية ؛ للتعبّد بوجود الحيض مع إمكان كون الدم حيضاً إن قلنا : بأنّ التعبّد بحيضية الدم ، مستلزم عرفاً للتعبّد بحائضية المرأة .

كما أنّ الظاهر أنّ ما اختارت المتحيّرة من أيّام الشهر للحيض ، يترتّب عليه أحكام الحيض ، لا لكون اختيارها طريقاً تعبّدياً شرعاً للحيضية ؛ ضرورة أ نّه ليست لاختيارها طريقية عقلائية أمضاها الشارع ، ولا دلّ دليل على طريقيته التعبّدية .

بل لظهور قوله في المرسلة : «تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه سبعة أيّام . . .»(1) في أنّ اختيارها موجب للزوم ترتّب جميع أحكام الحيض على المختار ، فتجب معاملة الحيضية مع ما اختارته ، فمعنى «التحيّض» : جعل نفسها حائضاً في سبعة أيّام ، ومع جعلها تصير حائضاً تعبّداً بحسب الأحكام .

اللهمّ إلاّ أن يقال : معنى «تحيّضي» تكلّفي أعمال الحائض ، كما فسّره به أبو عبداللّه علیه السلام ، وحينئذٍ لا يدلّ على الحيضية التعبّدية . نعم ، لا يبعد استفادتها من قوله : «فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون» ، فإنّ الوقت المقابل للطهر هو الحيض . وفي قوله : «فسنّتها السبع والثلاث والعشرون» إشعار بها .

هذا مضافاً إلى أنّ مقتضى العلم الإجمالي بحيضها في الشهر أيّاماً مع عدم

ص: 224


1- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .

العلم بالتعيين ، لزوم الاحتياط في جميع الشهر للزوج ، لكن بعد اختيارها السبع

للحيض والثلاث والعشرين للطهر ، رخّص الشارع في وطئها أيّام اختيارها الطهر ؛ لقوله : «طهرها ثلاث وعشرون» ولقوله في بعض الروايات : «كلّ شيء

استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها»(1) .

في لحوق أيّام الاستظهار بالحيض في جميع أحكامه

مقتضى الأصل العملي في المقام

وأمّا أيّام الاستظهار ، فهل تلحق بالحيض ويترتّب عليها جميع أحكامه فلا يجوز للزوج وطؤها ؟

فيه إشكال ينشأ من : أنّ مقتضى استصحاب بقاء الدم إلى [ما] بعد عشرة أيّام ، هو كون أيّام ما بعد العادة استحاضة ؛ فإنّ كون أيّام العادة حيضاً وما بعدها

استحاضة ، من الأحكام الشرعية المترتّبة على من استمرّ بها الدم ، وباستصحاب بقاء الدم واستمراره بها يثبت الموضوع ويترتّب عليه الأحكام ، فيكون حاكماً على استصحاب الحرمة الثابتة في أيّام الحيض .

كما أ نّه حاكم على استصحاب بقاء الحيض أيضاً ؛ لأنّ الشكّ في بقاء الحيضية وكون ما بعد الأيّام حيضاً ، ناشئ عن الشكّ في استمرار الدم وبقائه إلى [ما] بعد العشرة ، وباستصحاب بقائه إلى ما بعدها ، يرفع هذا الشكّ بالدليل

ص: 225


1- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

الاجتهادي المنقَّح موضوعه بالاستصحاب ، على ما حقّقنا في محلّه من سرّ تقدّم الأصل السببي على المسبّبي(1) .

هذا إذا لم نقل بعدم كون الاستصحاب في المقام معوّلاً عليه ، وإلاّ فإن قلنا : بأنّ الإرجاع إلى الاستظهار والاحتياط ، دليل على عدم كون الأصل مرجعاً في المقام ، فمقتضى أصل البراءة مع الشكّ في انقطاع الدم على العشرة وعدمه ، هو جواز الوط ء . هذا حال الأصل .

مقتضى أدلّة الاستظهار

وأمّا حال أدلّة الاستظهار(2) ، فلا يفهم منها - على كثرتها - أنّ أيّام الاستظهار حيض ، أو يترتّب عليها جميع أحكام الحيض حتّى بالنسبة إلى الزوج ؛ ضرورة أنّ مفادها الاحتياط والاستظهار .

ولو قلنا بوجوب الاستظهار ، لم يفهم منها إلاّ وجوب الاحتياط على المرأة ، وأمّا على الزوج فلا يفهم من مجرّد الأمرِ بالاستظهار ووجوبِ الاحتياط على المرأة ، وجوبُه عليه ؛ لاختصاص الأدلّة بها ، وللفرق بينهما ؛ فإنّ المرأة تعلم إجمالاً إمّا بحرمة الصلاة عليها ، أو وجوبها ، فيكون المورد من دوران الأمر بين المحذورين - بعد القول بالحرمة الذاتية ، كما هو الأظهر - فرجّح الشارع جانب الحرمة ، وأمّا الزوج فمقتضى الاُصول جواز الوط ء له ، فلا يقاس حاله بحالها .

ص: 226


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 278 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
الروايات التي يمكن استفادة الحرمة منها وجوابها

نعم ، هنا روايات يمكن استفادة الحرمة منها ، لكن بناءً على وجوب الاحتياط والاستظهار دون استحبابه :

منها : رواية الفضيل وزرارة ، عن أحدهما علیهما السلام -

ولا يبعد كونها موثّقة ؛ للكلام المتقدّم في الزبيري(1) ، ولتوثيق جمعٍ محمّد بن عبداللّه بن زرارة(2) - قال : «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها ، وتحتاط بيوم أو اثنين ، ثمّ تغتسل كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات ، وتحتشي لصلاة الغداة ، وتغتسل وتجمع بين الظهر والعصر بغسل ، وتجمع بين المغرب والعشاء بغسل ، فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها»(3) .

فإنّها تدلّ على أنّ حلّية الغشيان ، ملازمة لحلّية الصلاة أو مترتّبة عليها ؛ فإن وجب عليها الاستظهار كانت الحلّية بعده ، وأمّا مع الاستحباب فيكون الحلّ بعد أيّام الأقراء .

ص: 227


1- تقدّم في الصفحة 72 و78 - 79 .
2- نقل النجاشي : أ نّه رجل فاضل ديّن وأ نّه أصدق لهجة من أحمد بن الحسن بن فضّال، مع كونه ثقة . وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته : « وفي الوجيزة أ نّه ثقة ، وقال جدي : وثّقه بعض أصحابنا المعاصرين» . اُنظر رجال النجاشي : 35 / 72 ، و: 80 / 194 ؛ تعليقات على منهج المقال ، الوحيد البهبهاني : 302 ؛ منتهى المقال 6 : 97 / 2713 ؛ تنقيح المقال 3 : 143 / السطر 24 (أبواب الميم) .
3- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1253 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 12 .

ومجرّد اختيار الاستظهار لا يوجب حرمة الصلاة عليها ؛ لعدم الدليل على صيرورتها حائضاً أو بحكم الحائض بالاختيار ، ففي اليوم الأوّل لها الاحتياط بترك العبادات ، ولها إتيانها ، وبالاختيار لا تصير حراماً عليها .

ويمكن أن تكون الرواية ناظرة إلى ترتّب جواز الوط ء على الحلّية الفعلية التي هي أعمّ من الذاتية والتشريعية ، ويكون المراد ترتّب الحلّية على الغسل ، أو عليه مع سائر أعمال المستحاضة ، فتكون خارجة عمّا نحن فيه .

نعم ، بناءً على حرمة الصلاة ظاهراً ووجوب الاحتياط عليها ، تستفاد حرمة الوط ء منها .

وفيها احتمال آخر : وهو كونها مربوطة بالمستحاضة المستمرّة الدم ؛ أي في غير الدورة الاُولى ، فالحكم فيها وجوب الاستظهار بعد أيّام العادة يوماً أو يومين .

لكن بعد تقييدها بموثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه (1) ؛ حيث فصّلت بين كون قرئها «مستقيماً فلتأخذ به» وبين كونه غير مستقيم «فيه خلاف فلتحتط

بيوم أو يومين» وقد قلنا سابقاً : إنّه لا بأس بالعمل بتلك الموثّقة(2) .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب عن أبي جعفر علیه السلام : في الحائض : «إذا رأت دماً بعد أيّامها التي كانت

ص: 228


1- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
2- تقدّمت في الصفحة 207 .

ترى الدم فيها ، فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين ، ثمّ تمسك قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل ، ويصيب منها زوجها إن أحبّ ، وحلّت لها الصلاة»(1) .

هذه الرواية راجعة إلى الدورة الاُولى ، لكن دلالتها على حرمة الوط ء في أيّام الاستظهار وعلى وجوب الاستظهار ، أضعف من الاُولى .

ومنها : رواية مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ، يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها ؛ يأمرها فتغتسل ، ثمّ يغشاها إن أحبّ»(2) .

وهي تدلّ على ثبوت البأس قبل الاستظهار بيوم ، وهو أعمّ من الحرمة . مع أ نّها ظاهرة في لزوم الاستظهار ، وقد فرغنا عن عدم لزومه(3) .

والإنصاف : أ نّه لا دليل على حرمة الوط ء في أيّام الاستظهار لو قلنا بعدم وجوبه .

وأمّا توقّف الحلّية على الغسل ، فمسألة اُخرى سيأتي إن شاء اللّه التعرّض لها (4) .

ص: 229


1- المعتبر 1 : 215 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 14 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 505 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 4 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 211 - 212 .
4- يأتي في الصفحة 253 .
الأمر الثاني فيما يجوز الاستمتاع به من الحائض
اشارة

لا إشكال في جواز استمتاع الزوج من زوجته الحائض بما فوق السرّة ودون الركبة ، بل الظاهر أنّ الحكم مسلّم بين الفريقين(1) ، فما في بعض الروايات من عدم جواز مطلق الاستمتاع(2) شاذّ مطروح أو مأوّل .

وأمّا الاستمتاع بما بينهما ، ففيه خلاف بين الفريقين :

فعن الحنفية والشافعية حرمة الاستمتاع بما بين السرّة والركبة بغير حائل ، وجوازه بحائل . وأمّا الوط ء فغير جائز مطلقاً ولو بحائل(3) .

وعن المالكية عدم جواز التمتّع بما بينهما بوط ء ، وأمّا الاستمتاع بغيره ففيه

قولان، والمشهور بينهم عدم الجواز ولو بحائل . وعن بعضهم الجواز بغير حائل(4).

وعن الحنابلة(5) حرمة الوط ء فقط ، وأمّا الاستمتاع بما بينهما بغير حائل

فجائز عندهم .

ص: 230


1- الخلاف 1 : 226 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 264 ؛ المجموع 2 : 364 - 365 ؛ الشرح الكبير ، ذيل المغني 1 : 316 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 155 / 444 ؛ وسائل الشيعة 2 : 320 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 24 ، الحديث 12 .
3- اُنظر الخلاف 1 : 226 ؛ الاُم 1 : 59 ؛ بداية المجتهد 1 : 58 ؛ المجموع 2 : 362 و365 ؛ الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 134 .
4- الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 134 .
5- الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 134 ؛ الشرح الكبير ، ذيل المغني 1 : 316 .

والمشهور بين أصحابنا (1) - بل ادّعى الشيخ في «الخلاف» الإجماع عليه(2) - جواز الاستمتاع بما بينهما مطلقاً ؛ حتّى الوط ء في الدبر ، وعن ظاهر «التبيان» و«المجمع» أيضاً الإجماع عليه(3) . خلافاً لما نقل عن السيّد في «شرح الرسالة» من تحريم الوط ء في الدبر ، بل مطلق الاستمتاع بما بين السرّة والركبة(4) ، وعن الأردبيلي الميل إليه(5) .

عدم دلالة آية المحيض إلاّ على حرمة الوط ء في الفرج

والأولى بيان ما يستفاد من الآية الكريمة ، ثمّ النظر في الأخبار .

قال تعالى : )يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه ُ((6).

لا إشكال بين المسلمين في جواز معاشرة النساء بغير الاستمتاعات في أيّام الحيض ، فلا يمكن الأخذ بالمعنى اللغوي «للاعتزال» و«القرب» ، فلا بدّ من أن تكون الجملتان كناية .

ولا

يمكن جعلهما كناية عن مطلق الاستمتاعات ولو بمثل القبلة ولمس ما فوق السرّة والأخذ بالساق ؛ لإجماع الفريقن على جوازه ،

ص: 231


1- المعتبر 1 : 224 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 264 ؛ روض الجنان 1 : 224 .
2- الخلاف 1 : 226 - 227 .
3- التبيان في تفسير القرآن 2 : 220 ؛ مجمع البيان 2 : 563 .
4- اُنظر المعتبر 1 : 224 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 272 .
5- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 153 - 154 .
6- البقرة (2) : 222 .

فلا بدّ من جعلهما كناية عن أحد اُمور :

إمّا الإدخال في القبل . وإمّا الأعمّ منه ومن الدبر . وإمّا هما مع الاستمتاع بما بين السرّة والركبة .

والأرجح هو الأوّل ؛ لأنّ التكنية عنه مناسبة لقوله : )قُلْ هُوَ أَذىً( ومعلوم أنّ «الأذى» - على ما هو المتفاهم العرفي - هو القذارة التي ابتلي بها الفرج خاصّة في زمان الحيض ؛ ولقوله : )حَتّى يَطْهُرْنَ( فإنّ «الطهر» - على ما مرّ سابقاً - هو النقاء من الدم ، فمناسبة الحكم والموضوع قرينة على المعنى المكني عنه .

وأمّا التكنية عن حدّ خاصّ ، مثل الاستمتاع بما بين السرّة والركبة بلا حائل ، كما قال المخالفون أو عن الوط ء في الدبر والقبل أو عنهما وعن التفخيذ مثلاً - من غير قيام شاهد وقرينة وتناسب تدلّ عليها - فغير صحيح ، وبعيد عن الكلام المتعارف ، فضلاً عن القرآن الكريم .

وبالجملة : بعد رفع اليد عن المعنى اللغوي والحقيقي وعن الكناية عن مطلق الاستمتاع المتعارف بين الرجال والنساء ، لا يمكن التكنية عن غير إتيان الفرج والقبل ؛ لعدم التناسب وعدم القرينة ، وأمّا هو فموافق للفهم العرفي ، ومناسب لكون المحيض أذىً ولسائر الجمل التي في الآية صدراً وذيلاً ؛ لو لم نقل : إنّ الاعتزال عن النساء وعدم القرب بنفسهما ، كناية عرفاً عن الدخول المتعارف ولم نقل : إنّ «المحيض» عبارة عن مكان الحيض ، كما قال الشيخ الطوسي رحمه الله علیه (1) .

ص: 232


1- الخلاف 1 : 227 .
دلالة الأخبار على جواز الاستمتاع بغير الفرج

وتدلّ على المقصود روايات :

منها : حسنة عبد الملك بن عمرو قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام : ما لصاحب المرأة الحائض منها ؟ فقال : «كلّ شيء ما عدا القبل منها بعينه»(1) .

ومنها : مرسلة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا حاضت المرأة فليأتها

زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم»(2) .

ومنها : موثّقة هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج وهي حائض ، قال : «لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع»(3) .

ولا إشكال في أنّ المراد ب- «ذلك الموضع» هو موضع الدم . وبها تفسّر ما في رواية عبداللّه بن سِنان(4) وموثّقة معاوية بن عمّار(5) ممّا دلّت على حلّية ما دون الفرج لو سلّم أعمّيته عرفاً من الدبر . مع أ نّه في موضع المنع أيضاً . ويرفع

ص: 233


1- الكافي 5 : 538 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 154 / 437 ؛ وسائل الشيعة 2 : 321 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 154 / 436 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 154 / 438 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 6 .
4- الكافي 5 : 539 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 321 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 3 .
5- الكافي 5 : 538 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 321 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 2 .

الإجمال المتوهّم في قوله : «ما دون الفرج» باحتمال كون المراد منه ما دون ، مقابل ما فوق ؛ وإن كان فيه ما فيه .

ومنها : رواية اُخرى لعبد الملك بن عمرو قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام : ما يحلّ للرجل من المرأة وهي حائض ؟ قال : «كلّ شيء غير الفرج» ، قال : ثمّ قال : «إنّما المرأة لعبة الرجل»(1) .

ولا يبعد أن تكون إحدى الروايتين نقلاً بالمعنى عن الاُخرى ؛ لبعد سؤاله من

أبي عبداللّه علیه السلام هذه المسألة مرّتين ، فحينئذٍ تدلّ تلك الرواية على أنّ «الفرج» هو القبل ولو انصرافاً في تلك الأزمنة أيضاً . فدلالة تلك الروايات المتقدّمة على المقصود واضحة .

الروايات التي قد يتوهّم معارضتها لما سبق وبيان وجه الجمع بينهما

ولا يعارضها ما دلّ على أنّ الاستمتاع مقصور على ما بين الفخذين أو بين الألْيين ، كرواية عمر بن حنظلة وصحيحة عمر بن يزيد ، ففي الاُولى : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما للرجل من الحائض ؟ قال : «ما بين الفخذين»(2) .

وفي الثانية : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما للرجل من الحائض ؟ ق-ال :

ص: 234


1- الكافي 5 : 539 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 155 / 442 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 7 .

«ما بين ألْيتيها ، ولا يوقب»(1) .

وكذا ما دلّ على لزوم الاتّزار ، كصحيحة الحلبي : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الحائض : ما يحلّ لزوجها منها ؟ قال : «تتّزر بإزار إلى الركبتين ، وتُخرج سُرّتها ، ثمّ له ما فوق الإزار»(2) . وقريب منها غيرها (3) .

من وجوه :

منها : الجمع العقلائي بينها ؛ لصراحة الأخبار المتقدّمة بعدم البأس بما عدا القبل بعينه ، وظهور هذه في الحرمة ، والجمع بينهما بحملها على الكراهة .

ومنها : موافقة مضمونها - خصوصاً صحيحة الحلبي ونحوها - لمذهب أبي حنيفة والشافعي .

ومنها : مخالفتها للمشهور بين الأصحاب ولإطلاق الكتاب ، ولهذا يُشكل

القول بالكراهة بواسطة تلك الروايات . لكن لا يبعد القول بها ؛ لغيرها ممّا يحكي فعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم (4) ، مع أنّ كراهة الإتيان في الدبر كراهة شديدة ثابتة ، فالمسألة

بلا إشكال ، والاحتياط حسن على كلّ حال .

ص: 235


1- تهذيب الأحكام 1 : 155 / 443 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 8 .
2- الفقيه 1 : 54 / 204 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 154 / 439 ؛ وسائل الشيعة 2 : 323 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 26 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 154 / 440 ؛ وسائل الشيعة 2 : 323 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 26 ، الحديث 2 .
4- الفقيه 1 : 54 / 205 ؛ وسائل الشيعة 2 : 323 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 26 ، الحديث 1 .
الأمر الثالث في كفّارة وط ء الحائض
اشارة

إن وطأها الزوج قبلاً في أيّام الحيض وجبت عليه الكفّارة دونها وإن كانت مطاوعة ، كما هو خيرة قدماء أصحابنا (1) بل هو المجمع عليه ، كما في «الانتصار» و«الخلاف» و«الغنية»(2) ، وعن «السرائر» : «أ نّه الأظهر في المذهب»(3) ، وعن «الدروس» و«كشف اللثام» : «أ نّه المشهور»(4) .

وعن «التذكرة» و«الذكرى» و«جامع المقاصد» و«شرح الجعفرية» : «أ نّه مذهب الأكثر»(5) .

وفي «مفتاح الكرامة» : «أنّ اتّفاق قدماء الأصحاب عليه»(6) .

وقيل : «لا تجب» وهو مذهب أكثر المتأخّرين كما عن «شرح المفاتيح»(7) وهو خيرة «النهاية» ومحكيّ «المبسوط» و«المعتبر» و«النافع»(8) وخيرة

ص: 236


1- المقنع : 51 ؛ المقنعة : 55 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 58 .
2- الانتصار : 126 ؛ الخلاف 1 : 225 ؛ غنية النزوع 1 : 39 .
3- السرائر 1 : 144 .
4- الدروس الشرعية 1 : 101 ؛ كشف اللثام 2 : 107 - 108 .
5- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 257 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 266 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 271 ؛ جامع المقاصد 1 : 321 .
6- مفتاح الكرامة 3 : 258 .
7- مصابيح الظلام 1 : 206 .
8- النهاية : 26 ؛ المبسوط 4 : 242 ؛ المعتبر 1 : 231 ؛ المختصر النافع : 10 .

«الشرائع»(1) بناءً على أنّ مراده من «الأحوط» هو الاستحباب ، كما عن تلميذه(2) وفيه إشكال .

الروايات الدالّة على مختار القدماء من أصحابنا

وتدلّ على الأوّل رواية داود بن فرقد التي فيها إرسال وضعف(3) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في كفّارة الطمث : «أ نّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي وسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار» .

قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر ؟ قال : «فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلاّ استغفر اللّه ولا يعود ؛ فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شيء من الكفّارة»(4) .

وعن «الفقه الرضوي» : «ومتى ما جامعتها وهي حائض فعليك أن تتصدّق

ص: 237


1- شرائع الإسلام 1 : 23 .
2- كشف الرموز 1 : 82 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، عن الطيالسي ، عن أحمد بن محمّد ، عن داود بن فرقد . والرواية مع إرسالها ضعيفة بمحمّد بن خالد الطيالسي ؛ لأ نّه مهمل في كتب الرجال ، وضعّفه المحقّق في المعتبر . رجال النجاشي : 340 / 910 ؛ رجال الطوسي : 343 / 26 و : 438 / 11 و : 441 / 54 ؛ الفهرست ، الطوسي : 228 / 648 ؛ المعتبر 1 : 230 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 164 / 471 ؛ وسائل الشيعة 2 : 327 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 1 .

بدينار ، وإن جامعت أمتك وهي حائض فعليك أن تتصدّق بثلاثة أمداد من

الطعام . وإن جامعت امرأتك في أوّل الحيض تصدّقت بدينار ، وإن كان في وسطه فنصف دينار ، وإن كان في آخره فربع دينار»(1) .

وفي «المقنع» : وروي : «إن جامعها في أوّل الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار . . .»(2) إلى آخر التفصيل .

وعن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل أتى المرأة وهي حائض ، قال : «يجب عليه في استقبال الحيض دينار ، وفي وسطه(3) نصف دينار»(4) .

وهذه الروايات تدلّ على ما هو المشهور بين القدماء .

نعم ، ربّما يحتمل في رواية داود بن فرقد كونها بصدد بيان مقدار الكفّارة بعد فرض ثبوتها ، فلا تدلّ على الوجوب . لكنّه ضعيف ؛ لعدم مسبوقيتها بالسؤال ، بل الظاهر منها أنّ البيان ابتدائي ، وهو ظاهر في الوجوب ، خصوصاً قوله في ذيلها : «فليتصدّق على مسكين» ممّا هو ظاهر في الوجوب بلا إشكال ، ويرفع الاحتمال المتقدّم على ضعفه ؛ ضرورة أنّ وجوب البدل دليل على وجوب المبدل منه .

ص: 238


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 236 .
2- المقنع : 51 .
3- في المصدر : «في استدباره» بدل «في وسطه» والمتن مطابق لبعض الكتب الفقهية ، راجع جواهر الكلام 3 : 231 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 150 .
4- الكافي 7 : 243 / 20 ؛ وسائل الشيعة 28 : 377 ، كتاب الحدود ، أبواب بقيّة الحدود ، الباب 13 ، الحديث 1 .
الروايات المنافية للطائفة السابقة وبيان إعراض الأصحاب عنها

نعم ، بإزاء هذه الروايات روايات اُخر إمّا دالّة على وجوب الكفّارة ، لكن لا يمكن جمعها معها ، أو معارضة معها في وجوبها :

فمن الاُولى : رواية محمّد بن مسلم التي لا يبعد أن تكون صحيحة(1) ، قال : سألته عمّن أتى امرأته وهي طامث ، قال : «يتصدّق بدينار ويستغفر اللّه»(2) .

وموثّقة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «من أتى حائضاً فعليه نصف دينار ، يتصدّق به»(3) .

وفي موثّقة الحلبي التصدّق «على مسكين بقدر شبعه»(4) .

ص: 239


1- رواها الشيخ الطوسي ، عن الشيخ - وهو المفيد - عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن عبداللّه بن سنان ، عن حفص ، عن محمّد بن مسلم . وحفص مشترك بين حفص الأعور المجهول وحفص بن البختري الثقة ، ولكن لا يبعد أن يكون المراد بحفص في هذا السند بقرينة الراوي والمرويّ عنه هو حفص بن البختري ، وعلى هذا تكون الرواية صحيحة . رجال النجاشي : 134 / 344 ؛ رجال الطوسي : 196 / 329 ؛ تنقيح المقال 1 : 352 / السطر 3 و7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 163 / 467 ؛ وسائل الشيعة 2 : 327 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 163 / 468 ؛ وسائل الشيعة 2 : 327 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 163 / 469 ؛ وسائل الشيعة 2 : 328 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 5 .

وفي مرسلة علي بن إبراهيم التصدّق بدينار في أوّل الحيض ، وبنصف دينار في آخره(1) .

ومن الثانية : صحيحة عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل

واقع امرأته وهي طامث ، قال : «لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى اللّه أن يقربها» .

قلت : فإن فعل أعليه كفّارة ؟ قال : «لا أعلم فيه شيئاً»(2) .

وفي موثّقة زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الحائض يأتيها زوجها ، قال : «ليس عليه شيء ، يستغفر اللّه ، ولا يعود»(3) .

وفي رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطأً ، قال : «ليس عليه شيء ، وقد عصى ربّه»(4) بناءً على كون المراد من «الخطأ» هو العصيان .

وهذه الروايات - كما ترى - لا يمكن الجمع بينها ؛ لا بين الروايات الدالّة

على مقدار الكفّارة ؛ ضرورة أنّ حمل الدينار بقول مطلق في رواية محمّد بن مسلم ونصف دينار كذلك في رواية أبي بصير والتصدّق على مسكين كذلك في

ص: 240


1- تفسير القمّي 1 : 73 ؛ وسائل الشيعة 2 : 328 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 164 / 472 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 29 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 165 / 474 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 29 ، الحديث 2 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 165 / 473 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب29 ، الحديث 3 .

رواية الحلبي على التفصيل في رواية داود ، ليس جمعاً عقلائياً مقبولاً ، ولهذا

قد يقال : إنّ هذه الاختلافات في نفس تلك الروايات ، شاهدة على أنّ الحكم ليس بإلزامي ، بل حكم استحبابي ولو مع الغضّ عن الروايات المعارضة لها .

ولا بين الطائفة الأخيرة مع الروايات الدالّة على لزوم الكفّارة ؛ ضرورة معارضة قوله : «لا أعلم فيه شيئاً» في جواب قوله : أعليه كفّارة ؟ مع قوله : «عليه أن يتصدّق» وقوله : «يجب عليه في استقبال الحيض دينار» .

ولو حاول أحدٌ الجمع بينهما بحمل «لا أعلم فيه شيئاً» على عدم العلم بثبوت شيء على نحو الوجوب وقوله : «عليه» كذا ، أو «يجب عليه» على ثبوته استحباباً ، لما بقي مورد للتعارض بين الأخبار . مع أنّ ميزان الجمع وعدم التعارض هو نظر العرف ، ولا إشكال في معارضة هذه الأخبار بنظر العرف ؛ إذ ليس بينها جمع مقبول عقلائي .

ولو لا الجهات الخارجية لكان المتعيّن إعمال باب التعارض والعلاج ، لكنّ الظاهر عدم وصول النوبة إلى ذلك ؛ ضرورة أنّ إعراضَ قدماء أصحابنا عن مثل صحيحة عيص وموثّقة زرارة ممّا هي معتبرة الإسناد صريحة الدلالة ، والعملَ بمثل رواية داود بن فرقد ممّا هي مرسلة ضعيفة(1) غير صريحة في المفاد ، يوجب الوثوق بثبوت الحكم يداً بيد وجيلاً من جيل إلى عصر المعصوم علیه السلام

خصوصاً بالنظر إلى أنّ العامل بها أو بمضمونها والمدّعي للإجماع(2) أو الأظهرية

ص: 241


1- تقدّم وجه ضعفها في الصفحة 237 ، الهامش 3 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 236 .

في المذهب(1) ، من تكون طريقته العمل بالقطعيات(2) .

وإن شئت قلت : إنّ الدليل على العمل بخبر الواحد ليس إلاّ طريقة العقلاء ، وما ورد من الشارع في هذا الباب ليس إلاّ الإنفاذ لما عليه العقلاء ، ولا تأسيس ولا تعبّد للشارع في العمل به ، وليس بناء العقلاء على العمل بمثل تلك الروايات ، التي خرجت عن تحت نظر كبراء الأصحاب وفقهاء المذاهب مع تمامية السند والدلالة ، ولم يعملوا بها مع كونها موافقة للأصل والقاعدة ، وإنّما عملوا على رواية مرسلة ضعيفة .

والإنصاف : أنّ الإعراض والجبر لو كان لهما محلّ ، فهذا هو محلّهما .

وأضعف شيء في المقام هو حمل الروايات الأخيرة على نفي الوجوب والأوّلة على الاستحباب ، مع أنّ التعارض وعدم الجمع العقلائي بينهما كالنار على المنار ، فلا بدّ لهم من طرح تلك الروايات المعمول بها ، والعمل بما هي معرض عنها بين الأصحاب ، وإلاّ فلا مجال للجمع .

ولكن مع ذلك إنّ المسألة مشكلة ، فلا بدّ من أخذ طريق الاحتياط فيها .

تكرّر الكفّارة بتكرّر الوط ء في وقت واحد

ثمّ إنّه لا إشكال في تكرّر الكفّارة مع تكرّر الوط ء منه في أوّل الحيض ووسطه وآخره ؛ بمعنى كون التكرار مع اختلاف الزمان .

ص: 242


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 236 .
2- الذريعة إلى اُصول الشريعة 2 : 528 - 531 ؛ غنية النزوع 2 : 356 ؛ السرائر 1 : 50 .

وأمّا إذا تكرّر في وقت واحد كالثلث الأوّل ، فهل تتكرّر مطلقاً ، أو لا كذلك ، أو يفصّل بين ما إذا تخلّل التكفير فتتكرّر ، وما لم يتخلّل فلا ؟ وجوه .

مقتضى مقام الثبوت والتصوّر

1 - بيان حال السبب للكفّارة

وقبل النظر في مقام الإثبات ، لا بأس بذكر ما يتصوّر ثبوتاً ولوازمه :

فنقول : يمكن أن يكون السبب للكفّارة صِرف وجود الوط ء ، ومعناه : هو أخذ الطبيعة بقيود لا تنطبق إلاّ على أوّل الوجود ، ولازم ذلك عدم تكرّر السبب بتكرّر أفراد الطبيعة ؛ لأنّ تكرّرها لا يوجب تكرّره ، فوجود الثاني وجود للطبيعة وفرد لها ، لا لما اُخذ سبباً ؛ لعدم انطباق السبب إلاّ على أوّل الوجودات ، ومع عدم تكرّر السبب لا وجه لتكرّر الكفّارة .

ويمكن أن يكون السبب أفراد الطبيعة ؛ سواء كانت الأفراد هي الأفراد الذاتية بنفسها ، أو مع الخصوصيات الفردية المقارنة أو المتّحدة معها خارجاً . والفرق بينهما : أنّ المأخوذ سبباً في الأوّل هو نفس ما ينطبق عليه العنوان ذاتاً ، وتكون الخصوصيات اللاحقة للأفراد في الخارج ، غيرَ دخيلة في موضوع الحكم .

مثلاً إذا قال : «أكرم كلّ عالم» فتارة : يكون الموضوع للحكم بوجوب الإكرام ، هو ما ينطبق عليه عنوان «العالم» بالذات ، وهو الفرد بما أ نّه عالم ، فتكون حيثية العدالة والرومية والزنجية وأمثالها ، خارجةً عن الموضوع ، فيكون تمام الموضوع هو العالم بما أ نّه عالم .

وتارة : يكون الموضوع هو الهوية الخارجية مع جميع خصوصياتها

ص: 243

ومتّحداتها ، فيكون الفرد بجميع خصوصياته موضوعاً للحكم ، وحيثية العالم جزءَ موضوعٍ له .

ولازم أخذ الموضوع أفرادَ الطبيعة بكلتا الصورتين ، هو استقلال كلّ فرد بالسببية ؛ وجد قبله مصداق آخر أو لا ، لكن تكرّر المسبّب يحتاج إلى جهات اُخر ، كإمكان تكرّره ، وعدم التداخل في الامتثال ، وغير ذلك ممّا تأتي الإشارة إليه .

ويمكن أن يكون السبب هو نفس الطبيعة بلا نظر إلى أفرادها ، ولا أخذها مع قيد لا تنطبق معه إلاّ على أوّل الوجودات ، فهل لازم ذلك تكرّر السبب بتكرّر وجود الطبيعة أو لا ؟

قولان مبنيّان على أنّ الطبيعة في الخارج متكثّرة ، أو واحدة ، وإنّما التكثّر لأفرادها لا لنفسها ، فعلى الأوّل يتكرّر السبب بتكرّر المصاديق ، دون الثاني .

والتحقيق هو الأوّل :

أمّا عقلاً : فواضح لدى أهله .

وأمّا عرفاً : فلأنّ العرف أيضاً يرى أنّ كلّ فرد من أفراد الإنسان إنسان ، وكذا سائر الطبائع ، ويرى تكرّر الإنسان وسائر الطبائع بتكرّر الأفراد ، فزيد عند العرف إنسان ، وعمرو إنسان آخر ، وبكر كذلك .

فإذا كان الموضوع لحكم - كالحلّية - طبيعة البيع ، فكلّ فرد وجد في الخارج يحكم العرف بحلّيته ؛ لكونه بيعاً . وليس معنى )أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ((1) : أحلّ اللّه أفراد البيع؛ لما حقّق في محلّه من أنّ الطبائع لا يمكن أن تكون مرآة لخصوصيات

ص: 244


1- البقرة (2) : 275 .

الأفراد(1) ، بل المتفاهم العرفي من قوله : )أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ( هو كون البيع بنفسه موضوعاً ، فإذا وجد في الخارج مصداق وجد به طبيعة البيع التي هي الموضوع ، وبمصداق آخر أيضاً توجد الطبيعة ، فتصير محكومة بالحلّية . . . وهكذا .

فإذا كانت طبيعة المجامعة موضوعة لحكم التكفير وسبباً له ، فكلّ مجامعة في الخارج عين الطبيعة ، وتتكرّر الطبيعة بتكرّره ، فيقال : «وُجدت مجامعات كثيرة» .

والشيخ الأعظم قد أصاب الحقّ في أوّل كلامه(2) وحقٌّ له أن يصيب ، لكنّه رجع في آخر كلامه(3) إلى غير ما هو التحقيق ، وتبعه المحقّق صاحب «المصباح» في ذلك :

فقال : «إنّ تعليق الجزاء على طبيعة الشرط ، لا يقتضي إلاّ سببية ماهية الشرط - من حيث هي بلحاظ تحقّقها في الخارج مطلقاً - في الجزاء من دون أن يكون لأفرادها من حيث خصوصياتها الشخصية ، مدخلية في الحكم ، ومن المعلوم أنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرار ، وإنّما المتكرّر أفرادها التي لا مدخلية لخصوصياتها في ثبوت الجزاء ، فيكون تحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الثاني من الأفراد المتعاقبة ، بمنزلة تحقّقها في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى ، فكما أ نّه لا أثر لتحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى عند استدامته إلى الزمان الثاني ، كذا لا أثر لتحقّقها في ضمن الفرد الثاني

ص: 245


1- مناهج الوصول 2 : 201 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 391 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 393 .

بعد كونه مسبوقاً بتحقّقها في ضمن الفرد الأوّل . . .» ، إلى أن قال : «والإنصاف : أنّ هذا الكلام قويّ جدّاً»(1) .

أقول : بل الإنصاف أنّ هذا الكلام بمكان م-ن الضعف ، ولا يساعد عليه العقل ولا العرف ؛ فإنّ تكرّر الطبائع بتكرّر الأفراد من المرتكزات العرفية التي تساعد عليها العقول ؛ ألا ترى أنّ علامة التثنية والجمع الداخلة على الطبائع ، إنّما هي لتكثير مدخولها ، وليس في نظر العرف العامّ وأهل اللغات في مثلها مسامحة وتجوّز ! وليس ذلك إلاّ لما ارتكز في أذهانهم من قبول الطبائع الكثرة .

وما قرع الأسماع : «من أنّ الماهية من حيث هي ليست إلاّ هي»(2) أمر غير مربوط بالمقام ، وليس المراد منه أ نّها لا تقبل الكثرة ، كما أشار إليه في صدر كلامه بقوله : «إنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرار» ولهذا قال بعض أئمّة الفنّ : «إنّ الماهية لمّا لم تكن كثيرة ولا واحدة ، كثيرة وواحدة»(3) ، وما أفاد وفصّل هذا المحقّق الهمداني هو ما ذهب إليه الرجل الهمداني الذي صادف الشيخ أبا علي بمدينة همدان(4) ، ونحن لسنا بصدد إثبات المطلوب بالوجوه العقلية البعيدة عن هذا المضمار ، لكنّ المدّعى أنّ العرف أيضاً مساعد على ما عليه العقل في هذا المقام .

ص: 246


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 160 - 163 .
2- الشفاء ، الإلهيات : 195 ؛ الحكمة المتعالية 2 : 3 ؛ شرح المنظومة ، قسم الحكمة 2 : 333 .
3- الشفاء ، الإلهيات : 197 - 198 .
4- رسائل ابن سينا : 466 ؛ الحكمة المتعالية 1 : 273 - 274 .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ في إثبات استقلال كلّ مصداق للطبيعة بالسببية ، لا نحتاج إلى إثبات جعل السببية للأفراد ، بل جعل السببية لنفس الطبيعة بلا قيد يثبت المطلوب ، فما في تقريرات بعض أعاظم فنّ الاُصول من إتعاب النفس لإرجاع القضايا الشرطية إلى القضايا الحقيقية ، وإثبات أنّ كلّ فرد سبب مستقلّ(1) ، غير محتاج إليه . مع أنّ أصل الدعوى غير تامّ ، كما حقّق في محلّه(2) . هذا كلّه حال السبب .

2 - بيان حال المسبّب

وأمّا المسبّب في المقام فتارة : يكون حكماً تكليفياً ، مثل قوله : «يجب عليه في استقبال الحيض دينار» أو قوله : «يتصدّق بدينار» أو «عليه أن يتصدّق» ممّا هو بمنزلة إيجاب التصدّق .

واُخرى : يكون حكماً وضعياً ، كقوله في رواية أبي بصير : «من أتى حائضاً فعليه نصف دينار ، ويتصدّق به»(3) .

فإن كان الجزاء على النحو الثاني - ممّا هو ظاهر في الوضع ، ويستفاد منه العهدة والضمان لنفس الدينار - يقع التعارض بين إطلاق الجزاء وإطلاق الشرط ، ولازم إطلاق الشرط هو سببية الطبيعة مطلقاً للضمان ، ولازم إطلاق الجزاء هو كون الجزاء نفس الطبيعة ، وليس الضمان لنفس طبيعة الدينار متكثِّراً ، إلاّ بعلّة توجب العهدة للطبيعة بوجود آخر ، فلا بدّ من تقييد «الدينار» ب- «دينار آخر»

ص: 247


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 494 .
2- أنوار الهداية 2: 134 - 135 .
3- تقدّمت في الصفحة 239 .

وإلاّ فالدينار لا يمكن أن يقع في العهدة مرّتين إلاّ بتبع وجود آخر ، وهو ينافي الإطلاق . وما ذكرنا هاهنا لا ينافي ما تقدّم منّا آنفاً من كون الطبيعة قابلة للتكرار ، تأمّل ، تعرف .

وأمّا إذا كان الجزاء من قبيل الحكم التكليفي - أي إيجاب التصدّق - فلأحد أن يقول : أن لا معارضة بين الجزاء والشرط ؛ لأنّ كلّ فرد من الطبيعة علّة لإيجاب نفس الدينار ، وتصير النتيجة التأكيد في الحكم . ولا يكون التأكيد خلاف الظاهر ؛ لأنّ الهيئة تستعمل في باب التأكيد في معناها المستعمل فيه أوّلاً ؛ أي معناها الحقيقي ، وهو البعث الصادر عن الإرادة الأكيدة ، وليس معنى التأكيد استعمال الهيئة في هذا المعنى الاسمي ، بل هو أمر انتزاعي من استعمال الهيئة مرّة ثانية فيما استعملت أوّلاً فيه متعلّقةً بما تعلّقت به في الأوّل .

فلا يكون خلاف ظاهر إلاّ لما قيل : «من أنّ التأسيس أولى من التأكيد» وهذا على فرض كونه ظهوراً سياقياً ، لا يقاوم ظهور الإطلاق .

هذا ، لكنّ الإنصاف : أنّ العرف - بمساعدة الاُمور المرتكزة في ذهنه - إذا رأى دلالة الصدر على سببية الطبيعة لجميع مصاديقها ، لا ينقدح في ذهنه أنّ في تكرّر المسبّب خلاف ظاهر ؛ من غير فرق بين كون المسبّب أمراً وضعياً أو تكليفياً ، ولا يحمل الأمر على التأكيد ، ويكون الصدر عند العرف قرينة على الذيل . ولعلّ سرّه : هو الارتكاز الذي حصل في ذهنه من العلل الطبيعية ، كما احتملناه في الاُصول وحقّقنا المسألة بجميع شؤونها فيه(1) .

هذا حال مقام الثبوت .

ص: 248


1- مناهج الوصول 2 : 178 - 184 .
مقتضى مقام الإثبات والدلالة

وأمّا حال الدلالة ومقام الإثبات ، فالظاهر أنّ مستند المشهور في أصل الحكم هو رواية داود بن فرقد(1) كما تمسّك بها شيخ الطائفة(2) . ولا يبعد أن تكون مرسلة «المقنع»(3) أيضاً إشارة إليها وإن كان يحتمل كونها مرسلة اُخرى مستقلّة .

وكيف كان : فالظاهر المتفاهم عرفاً منها أنّ الإتيان في حال الطمث ، موضوع لحكم الكفّارة ، وتكون الرواية من هذه الجهة في مقام البيان . ولا يضرّ عدم ذكر اسم «كان» بالمقصود بعد القطع بأنّ اسمه «الجماع» أو «الإتيان» أو نحو ذلك .

كما أنّ لمرسلة «المقنع» إطلاقاً في مقام البيان ، ومفاده أنّ المجامعة تمام الموضوع لوجوب الكفّارة ، كإطلاق معاقد الإجماعات .

فدعوى صاحب «الجواهر» : «أ نّها في مقام الإهمال»(4) في غير محلّها . مع أ نّه على فرض الإهمال لا وجه للفرق بين تخلّل الكفّارة وعدمه ، وتشبّثه بوجود المقتضي وعدم المانع ممّا لا مجال له ؛ لعدم ثبوت المقتضي بعد فرض إهمال الأدلّة وكون مفادها أنّ الوط ء في الجملة سبب .

والإنصاف : أ نّه لا إهمال في الروايات .

نعم ، لو قيل بعدم ثبوت كون مستند المشهور هو رواية داود أو مرسلة

ص: 249


1- تقدّمت في الصفحة 237 .
2- الخلاف 1 : 226 .
3- تقدّمت في الصفحة 238 .
4- جواهر الكلام 3 : 236 .

«المقنع» والقدر المتيقّن من الإجماع هو ثبوت السببية في الجملة ، لكان للقول بعدم التكرّر مطلقاً - حتّى مع التخلّل - مجال . لكنّ الاحتمال ضعيف ؛ لحصول الوثوق بكون مستندهم هو رواية داود ، أو هي مع مرسلة «المقنع» و«فقه الرضا»(1) ، خصوصاً بعد تمسّك الشيخ بها .

هل يتعدّى الحكم إلى الأجنبيّة المشتبهة أو المزنيّ بها ؟

ومع إطلاقها لا يبعد إلحاق الزنا والشبهة في وجوب الكفّارة . ودعوى الانصراف(2) في غير محلّها بعد تعليق الحكم على الطمث . ولا ينافي أن يكون للوقاع في حال الطمث كفّارة ، وللزنا حدّ من غير كفّارة ، ومع اجتماع العنوانين في محلّ يرتّب الحكمان عليه ، فلا تكون الكفّارة للزنا حتّى يقال : إنّ الزنا أعظم

من ذلك . كما أنّ دعوى الأولوية(3) في غير محلّها .

والإنصاف : أنّ الوسوسة في الإطلاق أو تخيّل الانصراف ، غير وجيهين .

المراد ب- «الدينار» في المقام

ثمّ إنّ «الدينار» هو الشرعي المسكوك المتداول في عصر صدور الروايات ، لكن لمّا كان الرائج في تلك الأعصار هو الدرهم والدينار ، وكانا ثمنين متداولين

ص: 250


1- تقدّمتا في الصفحة 237 - 238 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 396 - 397 .
3- جامع المقاصد 1 : 321 - 322 ؛ روض الجنان 1 : 214 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 396 .

بين الناس ، لا يفهم من الأدلّة خصوصية لعين الدينار ، فيجوز قيمته بالأثمان

لا بالعروض ، وكذا في كلّ مورد حكم بالدينار .

نعم ، لو كان عصر الصدور كعصرنا في كونِ الدينار - أي الذهب المسكوك - غير رائج في المعاملات ، وكونِ حكمه حكم العروض ، لكان لاحتمال الخصوصية وجه ، لكن من المعلوم خلافه ، فلا ينبغي الإشكال في كفاية الثمن الرائج .

كما لا ينبغي الإشكال في اعتبار القيمة يوم الأداء ؛ لأنّ التكليف متعلّق بالتصدّق بدينار ، فيجب التصدّق بدينار وقت الأداء .

تحديد أوّل الحيض ووسطه وآخره

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ لكلّ حيض أوّلاً ووسطاً وآخراً ، ولو لا تسلّم الحكم بين الأصحاب(1) وادّعاء السيّد في «الغنية» الإجماع على أنّ في الثلث الأوّل ديناراً وفي الثلث الوسط نصفاً وفي الثلث الآخر ربعاً (2) ، لكان للإشكال في تعيينها مجال ؛ فإنّ أوّل الحيض ووسطه وآخره كأوّل الشهر ووسطه وآخره ، فكما أنّ المتفاهم من الثاني اليوم الأوّل والوسط والآخر ، فكذا في الأوّل .

ولو قيل : إنّ الحيض أمر ممتدّ إلى ستّة أيّام مثلاً ، لكان الأوّل منه والوسط والآخر ، غيرَ الثلث الأوّل والوسط والآخر عرفاً ، خصوصاً على نسخة

ص: 251


1- المقنعة : 55 - 56 ؛ النهاية : 26 ؛ المعتبر 1 : 231 - 232 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 267 .
2- غنية النزوع 1 : 39 .

«الوسائل» حيث نقل فيها مرسلة «المقنع» مكان «الوسط» «النصف»(1) ، ولكنّ الظاهر خطأ النسخة ؛ لأنّ ما في «المقنع» هو «الوسط»(2) كما في سائر الروايات(3) .

لكن بعد تسلّم كون ما بين اليوم الأوّل والوسط - وكذا ما بين الوسط والآخر - غيرَ خالٍ عن الكفّارة ، لا يبعد دعوى فهم العرف التثليث .

وأمّا احتمال كون الوسط بين اليوم الأوّل والآخر أيَّ مقدار كان ، فضعيف ؛ لأنّ «الوسط» نسب إلى «الحيض» لا إلى «الأوّل» و«الآخر» .

نعم ، لو كان اللفظ «الأوّل والآخر وما بينهما» لكان ظاهراً في ذلك ، لكن «أوّل الحيض» و«وسطه» و«آخره» ظاهر في الاحتمال الأوّل ، وبعد ثبوت الكفّارة في جميع أيّامه لا محيص من التثليث .

عدم إلحاق وط ء النفساء بالحائض في ثبوت الكفّارة

ثمّ إنّ إلحاق النفاس بالحيض في ذلك ممّا لا دليل عليه ، ودعوى الإجماع المتكرّرة على أنّ النفاس في جميع الأحكام كالحيض(4) - بعد استثناء موارد كثيرة واختلافهما في الأحكام العديدة(5) - لا يمكن الاتّكال عليها . مع إمكان أن يكون الاشتراك المدّعى في التكليفيات .

ص: 252


1- وسائل الشيعة 2 : 328 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 7 .
2- المقنع : 51 .
3- تقدّم بعض الروايات في الصفحة 237 - 238 .
4- غنية النزوع 1 : 40 ؛ السرائر 1 : 154 ؛ منتهى المطلب 2 : 449 .
5- راجع ما يأتي في الصفحة 544 و548 - 552 .
الأمر الرابع في جواز وط ء الزوجة قبلاً بعد نقائها وقبل الغسل
اشارة

إذا طهرت الحائض جاز لزوجها وطؤها قبلاً قبل الغسل ، ولا يجب عليها الغسل للوط ء ، كما هو المشهور نقلاً عن «التذكرة» و«المختلف» و«المنتهى» و«جامع المقاصد»(1) .

وعن «الخلاف» و«الانتصار» و«الغنية» وظاهر «التبيان» و«المجمع» و«السرائر» و«الروض» و«أحكام الراوندي» دعوى الإجماع عليه(2) .

وعن الصدوق عدم الجواز قبل اغتسالها ، لكنّه قال في آخر كلامه :

«إنّه إن كان زوجها شَبِقاً أو مستعجلاً ، وأراد وطأها قبل الغسل ، أمرها أن تغسل فرجها ، ثمّ يجامعها»(3) .

وهذا كما ترى ، خصوصاً بملاحظة عطف «الاستعجال» على «الشبق» يدلّ على أنّ مراده الكراهة الشديدة ، لا الحرمة .

ص: 253


1- تذكرة الفقهاء 1 : 265 ؛ مختلف الشيعة 1 : 189 ؛ منتهى المطلب 2 : 394 ؛ جامع المقاصد 1 : 333 .
2- الخلاف 1 : 228 - 229 ؛ الانتصار : 128 ؛ غنية النزوع 1 : 39 ؛ التبيان في تفسير القرآن 2 : 221 ؛ مجمع البيان 2 : 563 ؛ السائر 1 : 151 ؛ روض الجنان 1 : 219 - 220 ؛ فقه القرآن 1 : 55 .
3- الفقيه 1 : 53 / 199 ؛ الهداية ، الصدوق : 264 .
دلالة آية المحيض على الجواز

وكيف كان : فيدلّ على المشهور الآية الشريفة ، وهي قوله عزّ وعلا : )يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِى ا لمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فأتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه ُ إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ((1) سواء في ذلك قراءة التخفيف والتضعيف :

تقريب دلالة الآية بناءً على قراءة التخفيف

أمّا الاُولى فظاهر ؛ ضرورة أنّ صدر الآية يدلّ على أنّ وجوب الاعتزال ، متفرّع على الأذى ، وأنّ المحيض بما أ نّه أذىً صار سبباً لإيجابه .

وقوله : )وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ( ظاهر في كونه بياناً لقوله : )فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ(

لا لأمر آخر غير مربوط بالحيض والأذى ، فكأ نّه قال : «إنّ المحيض لمّا كان أذىً فاعتزلوهنّ ولا تقربوهنّ حتّى يرتفع الأذى ويطهرن من الطمث» .

وقوله : )فَإِذا تَطَهَّرْنَ( تفريع على ذلك ، وليس مطلباً مستأنفاً مستقلاًّ ؛ بشهادة فاء التفريع والفهم العرفي ، فيكون معناه «إذا صرن طاهرات» على أحد معاني باب «التفعّل» . والحمل على الاغتسال أو الوضوء أو غسل الفرج يدفعه السياق والتفريع ، وينافي صدر الآية الذي هو ظاهر في علّية نفس المحيض - الذي هو أذىً - في وجوب الاعتزال وحرمة القرب .

ص: 254


1- البقرة (2) : 222 .

وما قيل(1) : «من أنّ التطهّر فعل اختياري ، ويشهد به ذيل الآية ؛ لأنّ تعلّق الحبّ إنّما هو بفعل اختياري» في غير محلّه إن اُريد ظهوره في ذلك ؛ ضرورة أنّ لصيغة «التفعّل» معاني وموارد للاستعمال : بعضها مشهور ، وبعضها غير مشهور ، كالمجيء للصيرورة ، نحو «تأيّمت المرأة» أي صارت أيّماً ، أو للانتساب ، نحو «تبدّى» أي انتسب إلى البادية . والظاهر في المقام - بمناسبة التفريع على ما سبق ، وبما أنّ الظاهر من الآية أنّ المحيض هو تمام الموضوع للحكم بالاعتزال وعدم القرب - هو كونه بمعنى الصيرورة .

ودعوى عدم تعلّق الحبّ إلاّ بالفعل الاختياري غير وجيهة ، كما ورد : «إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال»(2) ، ولا إشكال في تعلّق الحبّ باُمور غير اختيارية إلى ما شاء اللّه .

وأغرب من ذلك دعوى كون «الطهر» حقيقة شرعية في الطهارات الثلاث(3) ! ! ضرورة أنّ استعمال «الطهر» في المقابل للطمث شائع لغة(4) وعرفاً وفي الأخبار المتظافرة(5) ، فاختصاصه بها - على فرض تسليم الحقيقة الشرعية - ممنوع . كما أنّ حصول الحقيقة الشرعية عند نزول الآية ممنوع . وتقدّم الحقيقة الشرعية على

ص: 255


1- روض الجنان 1 : 218 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 14 / 29 ؛ وسائل الشيعة 4 : 455 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 54 ، الحديث 6 .
3- روض الجنان 1 : 217 - 218 .
4- مفردات ألفاظ القرآن : 525 ؛ القاموس المحيط 2 : 82 ؛ مجمع البحرين 3 : 379 .
5- راجع وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 .

العرفية واللغوية(1) ، لا يخلو من منع .

وبالجملة : من تأمّل الآية الكريمة وخصوصياتها صدراً وذيلاً ، لا يشكّ في أنّ المراد من «الطهر» و«التطهّر» هو زوال الأذى الذي هو المحيض .

تقريب دلالة الآية بناءً على قراءة التضعيف

وممّا ذكرنا يظهر تقريب الدلالة على قراءة التضعيف ؛ فإنّ صدر الآية - كما عرفت - ظاهر في أنّ المحيض الذي هو أذىً موجب لوجوب الاعتزال ، ومعه تكون الغاية لرفعه هو ارتفاع الأذى ، فيصير ذلك قرينة على تعيين أحد المعاني لباب «التفعّل» وهو الصيرورة ، وليس في هذا ارتكاب خلاف ظاهر بوجه .

ولا يمكن العكس بحمل «التطهّر» على الاغتسال ، ورفع اليد عن ظهور الصدر ؛ لأنّ حمله عليه بلا قرينة - بل مع القرينة على ضدّه - غير جائز ، ويلزم منه حمل صدر الآية على خلاف ظاهره ؛ ضرورة أ نّه مع كون غاية الحرمة هي الاغتسال ، لا يكون المحيض الذي هو أذىً سبباً لوجوب الاعتزال ، بل لا بدّ وأن يكون حدث الحيض - ممّا هو باقٍ بعد رفعه - سبباً له . مع أ نّه خلافُ ظاهرٍ بارد بلا قرينة وشاهد .

وبالجملة : دار الأمر بين حفظ ظهور الصدر وقرينيته لتعيين أحد المعاني للفظ المشترك ، وبين حملِ اللفظ المشترك على بعض معانيه بلا قرينة ، ورفعِ اليد عن ظاهر آخر بلا وجه .

ص: 256


1- روض الجنان 1 : 217 - 218 .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ ما عليه أصحابنا هو الظاهر من الآية الشريفة ؛ بعد ملاحظة الصدر والذيل وقرينية بعض الكلام المبارك على بعض ، وعليه فلا مجال للدعاوي التي في الباب ، خصوصاً ما فصّل شيخنا الشهيد في «الروض» من الوجوه الكثيرة ، وتبعه في بعضها الشيخ الأعظم(1) مع إضافات غير وجيهة .

ترجيح قراءة التخفيف وإبطال القراءات السبع أو العشر

هذا مع أنّ ترجيح قراءة التخفيف على التضعيف ، كالنار على المنار عند اُولي الأبصار ؛ ضرورة أنّ ما هو الآن بين أيدينا من الكتاب العزيز ، متواتر فوق حدّ التواتر بالاُلوف والآلاف ؛ فإنّ كلّ طبقة من المسلمين وغيرهم ممّن يبلغ الملايين ، أخذوا هذا القرآن بهذه المادّة والهيئة عن طبقة سابقة مثلهم في العدد . . . وهكذا إلى صدر الإسلام ، وقلّما يكون شيء في العالم كذلك .

وهذه القراءات السبع أو العشر لم تمسّ كرامة القرآن رأساً ، ولم يعتنِ المسلمون بها وبقرّائها ، فسورة الحمد هذه ممّا يقرأها الملايين من المسلمين في الصلوات آناء الليل وأطراف النهار ، وقرأها كلّ جيل على جيل ، وأخذ كلّ طائفة قراءةً وسماعاً من طائفة قبلها إلى زمان الوحي ، ترى أنّ القرّاء تلاعبوا بها

بما شاؤوا ، ومع ذلك بقيت على سيطرتها ، ولم يمسّ كرامتها هذا التلاعب الفضيح وهذا الدسّ القبيح ؟ ! وهو أدلّ دليل على عدم الأساس لتواتر القراءات(2)

ص: 257


1- روض الجنان 1 : 216 - 219 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 400 .
2- اُنظر جواهر الكلام 9 : 291 .

إن كان المراد تواترها عن النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم مؤيّداً بحديث وضعه بعض أهل الضلال والجهل(1) ، وقد كذّبه أولياء العصمة وأهل بيت الوحي بقولهم : «إنّ القرآن واحد من عند واحد»(2) .

هذا مع أنّ كلاًّ من القرّاء - على ما حكي عنهم - استبدّ برأيه بترجيحات

أدبية(3) ، و)كُلَّمَا دَخَلَتْ اُمَّةٌ لَعَنَتْ اُخْتَها((4) وظنّي أنّ سوق القراءة لمّا كان رائجاً في تلك الأعصار فتح كلٌّ دكّةً لترويج متاعه ، واللّه تعالى بريء من المشركين ورسولُه صلی الله علیه و آله وسلم .

نعم ، ما هو المتواتر هو القرآن الكريم الموجود بين أيدي المسلمين وغيرهم ، وأمّا غيره من القراءات والدعاوي فخرافات فوق خرافات )ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ((5) وهو تعالى نزّل الذكر وحفظه أيَّ حفظ ، فإنّك لو ترى القرآن في أقصى بلاد الكفر ، لرأيته كما تراه في مركز الإسلام وأيدي المسلمين ، وأيُّ حفظ أعظم من ذلك !

ص: 258


1- عن اُبي بن كعب قال : «لقي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم جبرئيل ، فقال : يا جبرئيل إنّي بعثت إلى اُمّة اُمّيين منهم العجوز والشيخ الكبير . . . إلى أن قال : يا محمّد إنّ القرآن اُنزل على سبعة أحرف» . سنن الترمذي 4 : 263 / 4013 .
2- الكافي 2 : 630 / 13 .
3- اُنظر جواهر الكلام 9 : 296 ؛ الصلاة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 6 : 356 وما بعدها .
4- الأعراف (7) : 38 .
5- النور (24) : 40 .
بيان وجه الجمع العقلائي بين قراءتي التخفيف والتضعيف

ثمّ إنّه لو فرضنا تواتر القراءات والإجماع على وجوب العمل بكلّ قراءة ، وقع التعارض ظاهراً بين القراءتين .

ولكنّ التأمّل فيما أسلفناه ، يقضي بالجمع العقلائي بينهما بحمل «التطهّر» على الطهر بعد الحيض ؛ فإنّ رفعَ اليد عن ظهور «التطهّر» في الفعل الاختياري - على فرض تسليمه - وحفظَ ظهور الصدر الدالّ على أنّ المحيض بما هو أذىً علّة أو موضوع لحرمة الوط ء ووجوب الاعتزال ، أهون من رفع اليد عن الظهور السياقي «للطهر» في كونه مقابل الحيض ، وعن الظهور القويّ للصدر المشعر بالعلّية أو الظاهر فيها ؛ فإنّ الغاية إذا كانت هي الاغتسال ، فلا بدّ أن تكون العلّةُ

أو الموضوعُ حدثَ الحيض ، لا الحيض الذي اُخذ في الآية موضوعاً .

بل لا بدّ وأن يحمل «الأذى» على التعبّدي ، لا العرفي المعلوم للعقلاء ، وكلّ

ذلك خلاف الظاهر ، وارتكابه بعيد ، وأمّا حمل «التطهّر» على صيرورتها طاهرة ، فغير بعيد بعد قضاء مناسبة الحكم والموضوع له ، فترجيح الشيخ الأعظم(1) كأ نّه وقع في غير محلّه .

دلالة عموم الكتاب والسنّة على جواز الوط ء قبل الغسل

ثمّ مع الغضّ عن دلالة الآية الشريفة ، فمقتضى عموم الكتاب والسنّة أو إطلاقهما هو جواز إتيان النساء في كلّ زمان ، خرج منه أيّام المحيض ، وبقي

ص: 259


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 401 .

الباقي تحت العموم أو الإطلاق . ولا مجال للتمسّك باستصحاب حكم المخصّص ، كما حقّق في محلّه(1) خصوصاً إذا قلنا : إنّ قوله تعالى : )فَأْتُوا

حَرْثَكُمْ أَ نَّى شِئْتُمْ((2) بمعنى : متى شئتم .

وأمّا الإشكال في أصل جريان الاستصحاب بدعوى : «أنّ الحرمة منوطة بأيّام الحيض أو بالحائض ، وقد ارتفع المناط على كلّ تقدير بعد الطهر من الحيض»(3) فغير وجيه :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الموضوع لوجوب الاعتزال وحرمة القرب هو النساء بعلّية الحيض ، ومع الشكّ في كون العلّة واسطة في الثبوت أو العروض ، لا إشكال في جريان الاستصحاب . ودعوى دلالة الآية على قطع الحرمة عند رفع الحيض ، خروج عن محلّ البحث الذي هو التمسّك بالأصل عند فقدان الدليل الاجتهادي.

وأمّا ثانياً : فلأ نّه لو فرضنا أنّ الحكم تعلّق بعنوان «الحائض» لكن بعد انطباق العنوان على الخارج ، تكون المرأة الحائض موضوعاً له ، وبعد ارتفاع صفتها بقي موضوع الاستصحاب وإن لم يبقَ موضوع الدليل ، فمناقشة الشيخ الأعظم في الاستصحاب وتمسّكه بأصل الإباحة ، كأ نّها على خلاف مبناه في الاُصول(4) . هذا كلّه مع قطع النظر عن الأخبار .

ص: 260


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 214 - 224 .
2- البقرة (2) : 223 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 399 - 400 .
4- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 295 - 302 ؛ اُنظر الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 245 - 247 .
دلالة الأخبار الخاصّة على جواز الوط ء قبل الغسل

وأمّا بالنظر إليها فالحكم أوضح ؛ لدلالة روايات ابن بكير وابن يقطين وابن المغيرة على الجواز صراحة :

ففي الاُولى : - التي لا يبعد كونها موثّقة(1) - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء»(2) .

وفي الثانية : - التي سندها كذلك(3) - عن أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن الحائض ترى الطهر ، أيقع بها زوجها قبل أن تغتسل ؟ قال : «لا بأس ، وبعد الغسل أحبّ إليّ»(4) .

وفي الثالثة : - التي فيها إرسال - عن العبد الصالح في المرأة : «إذا طهرت من الحيض ولم تمسّ الماء ، فلا يقع عليها زوجها حتّى تغتسل ، وإن فعل

ص: 261


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد وأحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبداللّه بن بكير . ولا يخفى أنّ في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن ، علي بن محمّد بن الزبير القرشي ، ولم يرد فيه توثيق ، ولكنّ الأرجح عند المصنّف قدس سره قبول رواياته . راجع ما تقدّم في الصفحة 72 و78 - 79 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 166 / 476 ؛ وسائل الشيعة 2 : 325 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 3 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن أيّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن علي بن يقطين . قد تقدّم وجه عدم بُعد كونها موثّقة في الهامش 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 167 / 481 ؛ وسائل الشيعة 2 : 325 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 5 .

فلا بأس به» وقال : «تمسّ الماء أحبّ إليّ»(1) .

ولا تعارضها رواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر ، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل» .

قال : وسألته عن امرأة حاضت في السفر ، ثمّ طهرت فلم تجد ماءً يوماً واثنين ، أيحلّ لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل ؟ قال : «لا يصلح حتّى تغتسل»(2) .

ورواية سعيد بن يسار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له : المرأة تحرم عليها الصلاة ، ثمّ تطهر ، فتوضّأ من غير أن تغتسل ، أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل»(3) .

وصحيحة أبي عبيدة - على الأصحّ(4) - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام . . . إلى أن قال : فيأتيها زوجها في تلك الحال ؟ قال : «نعم ؛ إذا غسلت فرجها وتيمّمت فلا بأس»(5) .

وموثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة

ص: 262


1- تهذيب الأحكام 1 : 167 / 480 ؛ وسائل الشيعة 2 : 325 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 166 / 478 ؛ وسائل الشيعة 2 : 326 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 167 / 479 ؛ وسائل الشيعة 2 : 326 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 7 .
4- سيأتي وجهه في الصفحة 267 - 268 .
5- الكافي 3 : 82 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 312 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 21 ، الحديث 1 .

حاضت ، ثمّ طهرت في سفر ، فلم تجد الماء يومين أو ثلاثاً ، هل لزوجها أن يقع

عليها ؟ قال : «لا يصلح لزوجها أن يقع عليها حتّى تغتسل»(1) .

من وجوه :

أقربها وجود الجمع العقلائي المقبول بينها . بل في روايات المنع إشعار أو دلالة على الكراهة . هذا مع موافقتها للعامّة(2) ومخالفتها للكتاب(3) والشهرة(4) ، فلا إشكال في الحكم من هذه الجهة .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام : في المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيض في آخر أيّامها ، قال : «إذا أصاب زوجها شَبق فليأمرها فلتغسل فرجها ، ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل»(5) .

فغير صالحة للشهادة بالجمع بين الأخبار والتفصيل بين الشبِق وغيره ، كما عن الصدوق(6) ؛ ضرورة أنّ نفس تلك الصحيحة - بتعليق الحكم على الشبق - دالّة على أنّ الحكم على سبيل الكراهة لا الحرمة ، وإلاّ فلم يكن يعلّقه على شدّة الميل والشبق .

ص: 263


1- تهذيب الأحكام 1 : 399 / 1244 ؛ وسائل الشيعة 2 : 313 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 21 ، الحديث 3 .
2- المجموع 2 : 370 ؛ الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 110 و134 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 254 .
4- راجع ما تقدّم في الصفحة 253 .
5- الكافي 5 : 539 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 166 / 475 ؛ وسائل الشيعة 2 : 324 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 1 .
6- الفقيه 1 : 53 / 199 ؛ المقنع : 322 .
اعتبار وقوع الانقطاع في آخر أيّام الحيض لا بعد أيّامه

ثمّ إنّ ظاهر الصحيحة هو كون الانقطاع في آخر أيّام الحيض ، لا بعد أيّامه ، كما هو ظاهر «آخر أيّامها» بل يشعر به قوله : «ينقطع عنها الدم» فما في «الروض»: «من أنّ الدليل والفتوى شاملان للانقطاع قبل انقطاع العادة»(1) وجيه؛ لما ذكرنا ، ولإطلاق بعض الأدلّة(2) ، فما ربّما يستشكل من جهة احتمال معاودة الدم ؛ لأنّ عوده في العادة من الاُمور الجِبِلّية ، بخلافه بعدها (3) ، في غير محلّه .

نعم ، لو كانت عادتها الرجوع بعد الانقطاع ولو بالعادة الشرعية ، لكان الإشكال في محلّه . بل الظاهر خروج مثله عن موضوع أدلّة الجواز ، ودخوله في أيّام العادة ، كما مرّ الكلام فيه(4) .

جواز الوط ء قبل غسل الفرج

ثمّ إنّ ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم(5) وجوب غسل الفرج شرطاً لجواز

ص: 264


1- روض الجنان 1 : 222 .
2- كموثّقة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» . راجع ما تقدّم في الصفحة 261 .
3- اُنظر روض الجنان 1 : 222 .
4- تقدّم في الصفحة 197 - 198 .
5- الكافي 5 : 539 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 166 / 475 ؛ وسائل الشيعة 2 : 324 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 1 . وقد تقدّم في الصفحة 263 .

إتيان الزوج ، كما عن ظاهر الأكثر(1) وصريح «الغنية»(2) .

وفي «المجمع»(3) وعن ظاهر «التبيان»(4) و«أحكام الراوندي»(5) توقّفه على أحد الأمرين : غسل الفرج ، أو الوضوء ، ولم يتّضح دليل الثاني .

وعن الحلّي والمحقّق في «المعتبر» والشهيد الندب(6) ، وهو الأقوى ؛ لقوّة ظهور الآية الشريفة في عدم دخل شيء غير ارتفاع الحيض وحصول الطهر من وجوه :

كالتعليل المستفاد من تفريع الاعتزال على الأذى الذي هو المحيض .

ومن جعل الغاية لحرمة القرب ، الطهر منه .

ومن تفريع التطهّر عليه ، وقد مرّ ترجيح حمله على حصول الطهر(7) .

ومن ظهور الآية في علّية التطهّر - الذي هو حصول الطهر - لجواز الإتيان .

ولعموم آية حرثية النساء أو إطلاقها ، وإطلاقات الروايات التي في مقام البيان .

ومن جعل غسل الفرج قريناً للتيمّم في صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة(8) .

ص: 265


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 403 .
2- غنية النزوع 1 : 39 .
3- مجمع البيان 2 : 563 .
4- التبيان في تفسير القرآن 2 : 221 .
5- فقه القرآن 1 : 57 .
6- السرائر 1 : 151 ؛ المعتبر 1 : 236 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 272 .
7- تقدّم في الصفحة 254 - 255 .
8- تقدّمت في الصفحة 262 .

ولا إشكال في عدم شرطية التيمّم وجوباً ؛ لأ نّه بدل الغسل الذي قد عرفت

عدم شرطيته للجواز ، فنفس هذا الاقتران يشعر - بل يدلّ - على كون الغسل من قبيل التيمّم . كما أنّ جعل الجزاء عدم البأس ، مشعر أو دالّ على الكراهة مع فقدانهما أو فقدان أحدهما .

ومن جميع ذلك يعلم تعيّن حمل صحيحة ابن مسلم على الرجحان ، أو رفع الكراهة ، فيستفاد من مجموع الروايات كون الكراهة ذات مراتب ، يرفع جميعها بالغسل ، وبعضها بالتيمّم وغسل الفرج ، ثمّ بالتيمّم فقط ، أو غسل الفرج فقط .

وأمّا الوضوء وإن لم نعثر على دليله ، لكن لا

بأس باستحبابه بعد ظهور فتوى الشيخ في «التبيان» و«أحكام الراوندي» على ما حكي وبعد نسبة الطبرسي ذلك إلى مذهبنا ، والأولى الإتيان به رجاءً .

ارتفاع المنع أو المرجوحية مع تيمّم المرأة

ثمّ إنّ الظاهر من أدلّة بدلية التيمّم للغسل(1) والتراب للماء(2) وكونه أحد الطهورين(3) وربّه وربّ الماء واحد(4) هو قيامه مقامه في زوال المنع على

ص: 266


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 346 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 1 ، والباب 24 ، الحديث 2 .
3- وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث1 .
4- وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب14 ، الحديث 13 و15 و17 .

القول به وفي زوال الكراهة على المشهور لو لا بعض الأخبار الدالّة على بقاء

الكراهة بمرتبة .

وما يقال : «من أنّ بدليته له إنّما هي فيما يشترط بالطهر ، دون مطلق الأغسال»(1) .

ففيه : أنّ ما نحن فيه أيضاً كذلك ؛ لأنّ الظاهر من الأدلّة هو اشتراط الجواز

- على فرضه - وزوال الكراهة بالطهور الذي هو شرط الصلاة .

وقد يقال : إنّ أثر التيمّم يزول بالجماع ، ومعه لا معنى له(2) .

وفيه - على ما سيأتي في محلّه(3) - منع زوال أثره ؛ أي رفع حدث الحيض عن موضوع الفاقد كسائر الأحداث ، وأنّ التيمّم رافع لا مبيح .

هذا مع أنّ صحيحة أبي عبيدة(4) ورواية الساباطي(5) تدلاّن على المقصود .

والمناقشة في سند الاُولى(6) في غير محلّها ؛ فإنّ سهل بن زياد وإن

ص: 267


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 405 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 119 .
3- يأتي في الجزء الثاني : 242 .
4- تقدّم في الصفحة 262 .
5- عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن المرأة إذا تيمّمت من الحيض ، هل تحلّ لزوجها ؟ قال : « نعم » . تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1268 ؛ وسائل الشيعة 2 : 313 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 21 ، الحديث 2 .
6- جواهر الكلام 3 : 208 .

ضُعّف(1) لكنّ المتتبّع في رواياته يطمئنّ بوثاقته - من كثرة رواياته وإتقانها واعتناء المشايخ بها - فوق ما يطمئنّ من توثيق أصحاب الرجال ، كما رجّحنا بذلك وثاقة إبراهيم بن هاشم القمّي ومحمّد بن إسماعيل النيسابوري راوية الفضل بن شاذان وغيرهما (2) . ولا أستبعد كون الزبيري أيضاً من هذا القبيل .

ص: 268


1- قال النجاشي في شأنه : «كان ضعيفاً في الحديث ، غير معتمد فيه ، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب وأخرجه من قم إلى الري» . رجال النجاشي : 185 / 490 ؛ تنقيح المقال 2 : 75 / السطر 19 (أبواب السين) .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 77 - 78 .
الأمر الخامس عدم إجزاء غسل الحيض عن الوضوء
اشارة

في الوجوب الشرطي لغسل الحيض

إذا طهرت وجب عليها الغسل للغايات المشروطة بالطهارة وجوباً شرطياً . وهو غير الوجوب المقدّمي ؛ لما قد ذكرنا في محلّه من عدم وجوب المقدّمة شرعاً ، بل أثبتنا عدم تعقّل وجوبها الشرعي(1) .

وأمّا الوجوب الشرطي للطهور - سواء كان بمعنى نفس الأغسال والوضوء ، أو أمراً حاصلاً منها - فلا مانع منه ؛ لكونه إرشاداً إلى الحكم الوضعي ، لا

بمعنى استعمال الهيئات الموضوعة للبعث والإغراء في المعنى الوضعي ، بل بمعنى استعمالها في معانيها لغرض إفهام التوقّف والحكم الوضعي ، فقوله تعالى : )إِذَا

قُمْتُمْ إِلَى الصّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ . . .((2) إلى آخره ، بعث وإغراء إلى الغسل والمسح ، لكن لغرض إفهام اشتراط الصلاة بهما ، أو بما يحصل منهما ، وبهذا المعنى يقال للوضوء : «إنّه فريضة» وكذا للغسل .

ويمكن أن يقال : إنّ المراد ب- «الفريضة» المستعملة في الروايات على الوضوء(3) والغسل(4) هو الفريضة في الصلاة ؛ أي ما هو لازم للصلاة ، كما يشهد

ص: 269


1- مناهج الوصول 1 : 342 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 1 و4 .

بذلك صحيحة زرارة في باب الوضوء ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الفرض في الصلاة ، فقال : «الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والتوجّه ، والركوع ، والسجود ، والدعاء»(1) .

فمقارنة الوقت بسائر المذكورات ، دليل على أنّ الفرض فيها كالفرض فيه ، ومعلوم أنّ المراد بكون الوقت فرضاً في الصلاة ، ليس إلاّ كون الوقت شرطاً فيها ، أو كون الصلاة المقيّدة به واجبة ، لا أنّ الوقت واجب نفسي أو غيري . وحال سائر المذكورات كحاله ، فلا يكون الوضوء والغسل فريضة نفسية أو غيرية ، بل هما مستحبّان عباديان ، وجُعلا شرطاً للصلاة بما هما كذلك ، ولهذا لا يقعان بلا قصد التقرّب .

ولا يمكن أن يكون ذلك لأجل الأمر الغيري المقدّمي - لو فرض إمكان هذا الأمر وتحقّقه - ضرورة أنّ الأمر الغيري لا يتعلّق إلاّ بما هو موقوف عليه ، وبه يتوصّل إلى ذي المقدّمة ، فلو توقّفت الصلاة على الغسل مطلقاً لم يدعُ الأمر إلاّ إليه ، ولازمه صحّته ولو بلا قصد التقرّب ، كسائر الشرائط . ولو توقّفت على الغسل العبادي ، فلا بدّ من تقدّم عباديته على الأمر الغيري ، ولا يعقل أن يكون الأمر الغيري مصحّحاً لعباديته ، والتفصيل موكول إلى محلّه(2) .

وكيف كان : فالتحقيق عدم وقوع الطهارات إلاّ مستحبّة نفسية ، ولا تخرج بواسطة وقوعها مقدّمة للواجب عمّا هي عليه ، كما لا يوجب تعلّق النذر

ص: 270


1- الكافي 3 : 272 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 241 / 955 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- مناهج الوصول 1 : 315 .

والعهد بها انقلابَها عمّا هي عليه ؛ ضرورة أنّ متعلّق وجوب النذر هو عنوان

«الوفاء» لا عنوان «الوضوء» و«الغسل» وإن اتّحد العنوانان في الخارج ، والاتّحاد في ظرف العين لا يمكن أن يكون موجباً لسراية الوجوب من عنوان إلى آخر .

فالواجب المقدّمي الغيري - على فرض التسليم - ليس إلاّ حيثية ما يتوصّل به إلى ذي المقدّمة ، لا ذات المقدّمة ؛ على ما هو التحقيق من وجوب المقدّمة الموصلة بما أ نّها موصلة على فرض وجوبها (1) ، وهي متّحدة في الخارج مع ذات المقدّمة ، ولا يسري الوجوب من موضوعه إلى موضوع آخر ولو اتّحد العنوانان في الخارج ، كما حقّق في محلّه(2) ، فلا يكون الغسل واجباً غيرياً ، كما لا يكون واجباً نفسياً ، ولا يمكن استفادة الوجوب النفسي من الأوامر المتعلّقة به ؛ ضرورة ظهورها في الإرشاد بالمعنى المتقدّم في أمثال المقام ، فما عن «المدارك» من تقوية الوجوب لذاته(3) في غير محلّه .

عدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء عدا غسل الجنابة

ثمّ إنّ المشهور عدم إجزاء الغسل - غير الجنابة - عن الوضوء للصلاة وغيرها ممّا هي مشروطة بالطهور(4) .

ص: 271


1- مناهج الوصول 1 : 321 .
2- مناهج الوصول 2 : 66 و114 .
3- مدارك الأحكام 1 : 357 .
4- مدارك الأحكام 1 : 357 - 358 ، وراجع ما يأتي في الصفحة 282 - 283 .

بل عن الصدوق : «أنّ لزوم الوضوء معه من دين الإمامية»(1) ، ولم ينقل الخلاف عن المتقدّمين إلاّ عن السيّد وأبي علي(2) .

والأقوى ما هو المشهور حتّى مع قطع النظر عن الشهرة التي هي في مثل تلك المسألة حجّة برأسها ؛ للعمومات الدالّة على لزوم الوضوء عند عروض أسبابه(3) ، ولا يمكن تخلّفه فيما نحن فيه حتّى نحتاج إلى عدم القول بالفصل ، مع عدم تمامية أدلّة الخصم ، فلا بدّ من بيان حال الروايات حتّى يتّضح الحال :

حول الأخبار الواردة في المقام

فنقول : إنّ الأخبار على طوائف :

منها : ما يدلّ على أنّ الغسل يجزي عن الوضوء من غير قيد ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل ؟ !»(4) .

ومرسلة الكليني قال : روي : «أيُّ وضوء أطهر من الغسل ؟ !»(5) .

ص: 272


1- الأمالي، الصدوق : 515 .
2- رسائل الشريف المرتضى، جمل العلم والعمل 3 : 24 ؛ اُنظر مختلف الشيعة 1 : 178 .
3- المائدة (5) : 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 139 / 390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 244 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 1 .
5- الكافي 3 : 45 ، ذيل الحديث 13 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 8 .

وصحيحة حكم بن حكيم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن غسل الجنابة . . . إلى أن قال : قلت : إنّ الناس يقولون : يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك وقال : «وأيُّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ ؟ !»(1) بناءً على كون الذيل بصدد بيان الماهية ، لا غسل الجنابة .

ومنها : ما دلّ على أنّ الوضوء معه بدعة ، كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي جعفر علیه السلام قال : «الوضوء بعد الغسل بدعة»(2) .

ورواية عبداللّه بن سليمان قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الوضوء بعد الغسل بدعة»(3) .

ومرسلة محمّد بن أحمد بن يحيى : «أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة»(4) .

ومنها : ما ورد في خصوص غسل الجنابة ، كصحيحة زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ذكر فيها كيفية غسل الجنابة فقال : «ليس قبله ولا بعده وضوء»(5) .

ص: 273


1- تهذيب الأحكام 1 : 139 / 392 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 140 / 396 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 9 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 140 / 395 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 6 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 140 / 394 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 5 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 148 / 422 ؛ وسائل الشيعة 2 : 230 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 26 ، الحديث 5 .

ورواية محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إنّ أهل الكوفة يروون عن علي علیه السلام أ نّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ، قال : «كذبوا على علي علیه السلام ، ما وجدوا ذلك في كتاب علي علیه السلام ، قال اللّه تعالى : )وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبَاً فَاطَّهَّرُوا((1) »(2) .

وصحيحة البزنطي ، عن أبي الحسن علیه السلام قال بعد ذكر كيفية غسل الجنابة وآدابه : «ولا وضوء فيه»(3) .

ومنها : ما فصّل بين غسل الجنابة وغيره ، كمرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة»(4) .

وروايته الاُخرى الصحيحة إليه ، عن حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة»(5) .

وهذه الروايات - كما ترى - قابلة للجمع العقلائي ؛ بحمل الروايات المطلقة

على غسل الجنابة بشهادة الطوائف الاُخر .

ص: 274


1- المائدة (5) : 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 139 / 389 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 131 / 363 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 45 / 13 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 143 / 403 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 2 .

ولا يبعد هذا الجمع بعد كون غسل الجنابة هو الغسل المتداول الأكثري المحتاج إليه جميع طوائف المكلّفين ، بخلاف سائر الأغسال ، كالحيض والنفاس ممّا يحتاج إليهما طائفة منهم في بعض أوقاتها ، وكغسل الاستحاضة الذي يكون الاحتياج إليه نادراً لبعض المكلّفين ، وكغسل الجمعة وغيره ممّا لا يكون إلاّ في بعض الأحيان ولبعض المكلّفين ، فلا يكون الحمل المذكور موجباً لحمل المطلق على الفرد النادر البشيع .

هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر من صحيحة حكم بن حكيم - حيث قال فيها : «إنّ الناس يقولون : يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل . . .» إلى آخره ، ورواية محمّد بن مسلم حيث قال فيها : «إنّ أهل الكوفة يروون عن علي علیه السلام . . .» إلى آخره - أنّ كون الوضوء قبل غسل الجنابة ، كان مورداً للبحث بين الناس ، حتّى كذبوا على علي علیه السلام بأ نّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ،

وهو يوجب قرب الحمل المذكور ، وقرب احتمال أن يكون تلك الروايات - القائلة ب- «أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة» وأنّ «الغسل يجزي عن الوضوء» وأنّ «أيّ وضوء أطهر من الغسل ؟ !» - ناظرةً إلى الكذب المذكور والخلاف المعهود .

مع أنّ أحد قولي الشافعي أيضاً وجوب الوضوء قبل الغسل من الجنابة أو بعده(1) . وكيف كان فلا أرى بأساً بهذا الجمع بعد التنبّه إلى ما ذكرنا .

نعم ، هنا طائفة اُخرى من الروايات متعرّضة للأغسال الاُخرى - إمّا ضعيفةٌ

ص: 275


1- المغني ، ابن قدامة 1 : 217 - 218 .

سنداً وإن كانت تامّة الدلالة ، أو معتبرةٌ سنداً ، ضعيفةٌ دلالةً - لا

بدّ من التعرّض لها :

فمن الاُولى : رواية إبراهيم بن محمّد : أنّ محمّد بن عبد الرحمان الهمداني كتب إلى أبي الحسن الثالث علیه السلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة ، فكتب : «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة وغيره»(1) .

وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة ، إلاّ أنّ ضعف سندها (2) مانع عن العمل بها ، كمرسلة حمّاد بن عثمان الضعيفة(3) زائداً على الإرسال عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك ، أيجزيه من الوضوء ؟

ص: 276


1- تهذيب الأحكام 1 : 141 / 397 ؛ وسائل الشيعة 2 : 244 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 2 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد بن عبداللّه ، عن الحسن بن علي بن إبراهيم ، عن جدّه إبراهيم بن محمّد . والرواية ضعيفة بالحسن بن علي بن إبراهيم الهمداني ، فإنّه مهمل .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد ، عن موسى بن جعفر عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن حمّاد بن عثمان ، عن رجل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام. والرواية ضعيفة بموسى بن جعفر بن وهب البغدادي والحسن بن الحسين اللؤلؤي ، فإنّ الأوّل مهمل لم يرد في شأنه شيء من الجرح أو التعديل . والثاني اختلف في وثاقته ، فوثّقه النجاشي في ترجمته واستثناه ابن الوليد من رجال محمّد بن أحمد بن يحيى ، ولهذا ضعّفه المصنّف قدس سره في الجزء الثاني : 409 . رجال النجاشي : 40 / 83 ، و : 348 / 939 ، و : 406 / 1076 ؛ الفهرست ، الطوسي : 243 / 719 .

فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «وأيُّ وضوء أطهر من الغسل»(1) .

ومن الثانية : موثّقة عمّار الساباطي قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد ، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده ؟ فقال : «لا ، ليس عليه قبلُ ولا بعدُ ، قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك ؛ إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبلُ ولا بعدُ ، قد أجزأها الغسل»(2) .

وهذه الرواية وإن كانت معتبرة سنداً ، لكن في دلالتها ضعف ومناقشة ؛ لقرب احتمال كون المراد منها أنّ الأغسال - جنابة كانت أو جمعة أو غيرها - لا يشترط فيها الوضوء ؛ لا قبلُ ولا بعدُ ، فليست الرواية بصدد بيان حكم الصلاة ، بل بصدد بيان حكم الغسل ؛ وأنّ الغسل هل يتمّ بلا وضوء ، ويجزي غسل الجنابة عن رفع الحدث ، وكذا غسل الحيض ، ويجزي غسل الجمعة عن الوظيفة المستحبّة ، أو يحتاج إلى ضمّ وضوء قبله أو بعده ؟

والشاهد على قرب هذا الاحتمال ذكر «قبل» و«بعد» ممّا يشعر بارتباط بين الوضوء والغسل ، وإلاّ فوضوء الصلاة غير مرتبط بالغسل ، فكان على السائل أن يسأل : «أنّ الغسل مجزٍ عن الوضوء للصلاة ؟» كما في مكاتبة الهمداني .

ص: 277


1- تهذيب الأحكام 1 : 141 / 399 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 141 / 398 ؛ وسائل الشيعة 2 : 244 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 3 .

وعليه يمكن حمل الروايات الواردة في أنّ الوضوء قبل الغسل أو بعده بدعة على هذا المعنى ؛ أي على أنّ الوضوء لأجل تتميم الغسل قبله أو بعده بدعة ، وهو كذلك في جميع الأغسال من غير فرق بين غسل الجنابة وغيره ، وهو غير مربوط بإجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة .

ويشهد لما ذكرنا ملاحظة سائر الروايات الواردة في هذا المضمار ، كصحيحة يعقوب بن يقطين ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن غسل الجنابة ، فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل ؟ قال : «الجنب يغتسل ؛ يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء ، ثمّ يغسل ما أصابه من أذىً ثمّ يصبّ على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كلّه ، ثمّ قد قضى الغسل ، ولا وضوء عليه»(1) .

حيث إنّ الظاهر من سؤاله - أنّ غسل الجنابة فيه وضوء أم لا ؟ وأنّ جبرئيل

كيف بيّن ماهية غسل الجنابة وشرح كيفيته ؟ - أنّ ما نزل به جبرئيل هل هو مع الوضوء بحيث يكون الوضوء شرطاً له أم لا ؟

ويشهد لذلك كيفية الجواب ؛ حيث شرع في بيان كيفية الغسل ، وقال بعد تمام الكيفية : «ثمّ قد قضى الغسل ، ولا وضوء عليه» أي تمّ الغسل من غير مدخل للوضوء في تحقّقه وتماميته ، وهو أمر آخر غير إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة ، ولو كان السؤال عنه لما كان بهذه العبارة ، كما أنّ الجواب لا يناسب ذلك .

ص: 278


1- تهذيب الأحكام 1 : 142 / 402 ؛ وسائل الشيعة 2 : 246 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 1 .

ومثلها صحيحة زرارة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تبدأ فتغسل كفّيك ، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ثمّ تمضمض واستنشق ، ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ، ليس قبله ولا بعده وضوء ، وكلّ شيء أمسسته الماء فقد أنقيته ، ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة ، أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده»(1) .

فإنّ زرارة سأله عن كيفية غسل الجنابة ، وهو علیه السلام بصدد بيانها ، وذكر عدم الوضوء قبله وبعده ، خصوصاً في خلال بيان الكيفية ، وبالأخصّ مع تعقيبه بقوله : «وكلّ شيء أمسسته الماء فقد أنقيته» ممّا يوجب الظهور في أنّ المراد عدم دخل الوضوء في كيفية الغسل وتحقّقه ورفع الجنابة ، وهو أمر غير احتياج الصلاة إلى الوضوء وعدمه بعد رفع الجنابة .

ومثلهما - بل أوضح منهما - صحيحة حكم بن حكيم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن غسل الجنابة ، قال : «أفِضْ على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها . . .» وذكر كيفية الغسل إلى أن قال : قلت : إنّ الناس يقولون يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك وقال : «وأيُّ وضوءٍ أنقى من الغسل وأبلغ ؟ !»(2) .

حيث إنّ السائل سأل عن الكيفية ، وبعد ما رأى عدم ذكر الوضوء في كيفية

ص: 279


1- تهذيب الأحكام 1 : 148 / 422 ؛ وسائل الشيعة 2 : 230 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 26 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 139 / 392 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 4 .

الغسل قال : «إنّ الناس يقولون . . .» إلى آخره ، ومراده - ظاهراً - أنّ الناس يزعمون في كيفية الغسل : أنّ للغسل وضوءاً كوضوء الصلاة ، فكما أنّ الصلاة لا تصحّ بلا وضوء كذلك الغسل ، وهذا كالصريح فيما ذكرنا من عدم كون السائل والمجيب في مقام بيان إجزاء الغسل عن الوضوء ، بل بصدد السؤال والجواب عن دخله في تحقّق الغسل وصحّته .

ويؤيّده قوله : «أيُّ وضوءٍ أنقى من الغسل وأبلغ ؟ !» أي لا دخل له في النقاء ، والغسل أبلغ في حصول الطهارة والرافعية من الوضوء .

وممّا ذكرنا يظهر حال سائر الروايات ؛ حتّى أنّ رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر علیه السلام - التي تخالف تلك الروايات - تشهد بما ذكرنا ، قال : سألته قلت : كيف أصنع إذا أجنبت ؟ قال : «اغسل كفّك وفرجك ، وتوضّأ وضوء الصلاة ، ثمّ اغتسل»(1) .

لأنّ الظاهر منها أنّ هذا الأمر ، كان معهوداً في تلك الأعصار ؛ وأنّ اشتراط تحقّق الغسل بالوضوء كان مورد البحث والكلام ، فورود تلك الروايات لرفع الشبهة المذكورة .

وحينئذٍ لا يبعد أن تكون مرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة»(2) ومرسلته الاُخرى أو

ص: 280


1- تهذيب الأحكام 1 : 140 / 393 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 6 .
2- الكافي 3 : 45 / 13 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 1 .

صحيحته عنه(1) قال : «في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة»(2) أيضاً من هذا الوادي ، ولا تكون ناظرة إلى إجزائه عنه للصلاة .

فتبقى صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيُّ وضوءٍ أطهر من الغسل ؟ !»(3) بلا معارض .

إلاّ أن يقال : إنّه بعد كون جميع الروايات - إلاّ رواية واحدة هي مكاتبة الهمداني - مربوطة بتلك المسألة ؛ أي بدخل الوضوء في تحقّق الغسل ، وأنّ تلك المسألة كانت مطرحاً في ذلك العصر ، لم يبقَ ظهور للصحيحة في إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة ، بل من المحتمل قويّاً كونها بصدد بيان ما تكون سائر الروايات بصدده ؛ من إجزاء كلّ غسل وكفايته عن الوضوء في رفع الجنابة أو حدث الحيض أو حصول وظيفة الجمعة والعيد ، خصوصاً مع ورود نظير قوله : «أيُّ وضوءٍ أطهر من الغسل ؟ !» في صحيحة حكم بن حكيم التي عرفت ظهورها في عدم شرطية الوضوء للغسل .

فحينئذٍ يبقى إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء للصلاة بلا دليل إلاّ قوله تعالى :

ص: 281


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، فإنّ الطريق إلى ابن أبي عمير صحيح كما تقدّم في الصفحة 274 ، ولكنّ الراوي عن أبي عبداللّه عليه السلاممردّد بين حمّاد بن عثمان وراوٍ آخر غير معلوم ، فالرواية إمّا صحيحة أو مرسلة .
2- تهذيب الأحكام 1 : 143 / 403 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 2 .
3- تقدّم في الصفحة 272 .

)وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا((1) على تأمّل في دلالته . لكنّ الحكم واضح لا يحتاج إلى إقامة دليل .

وأمّا سائر الأغسال :

فمقتضى القاعدة والعمومات عدم كفايتها للصلاة مع الابتلاء بالحدث الأصغر ، وفي غير مورده يتمّ بعدم القول بالفصل .

ويدلّ على المقصود في خصوص ما نحن فيه - بل في أعمّ منه ومن غسل الاستحاضة - بعضُ الروايات ، كمرسلة يونس الطويلة ، وفيها في السنّة الاُولى من السنن الثلاث : «وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما هو عِرق غابر أو رَكْضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ثمّ تغتسل ، وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل الشِّعْب»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ الغسل هو غسل الحيض وقد أمرها بالوضوء لكلّ صلاة ، تأمّل .

وقد يستدلّ لعدم الاحتياج إلى الوضوء بإطلاق الأوامر الواردة في الأغسال من غير ذكر وضوء(3) . وهو محلّ المنع .

نعم ، وردت روايات في باب الاستحاضة لا يبعد إطلاقها ، وسيأتي الكلام فيها إن شاء اللّه (4) .

ص: 282


1- المائدة (5) : 6 .
2- يأتي متنها الكامل فيالصفحة 363 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 129 .
4- يأتي في الصفحة 476 .

هذا كلّه مع قطع النظر عن اشتهار الحكم بين الأصحاب ؛ ممّا يُشرف المنصف - بالنظر إليه - على القطع بكون الحكم معروفاً من الصدر الأوّل ، ومأخوذاً من الطبقات المعاصرة لزمن المعصومين علیهم السلام . وخلاف ابن الجنيد(1) غير معتدّ به ، وخلاف السيّد(2) لا يضرّ بعد عدم موافق له من المتقدّمين ، كخلاف الأردبيلي

وأتباعه(3) ممّن لا يعتنون بالشهرات والإجماعات .

حول وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً

وممّا ذكرنا يظهر الحال في خلاف آخر : وهو وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً في خصوص الأغسال الواجبة ، أو فيها وفي المستحبّة(4) أو وجوب التقديم شرعياً لا شرطياً ، كما عن المولى البهبهاني(5) .

ووجه اللزوم شرطياً : هو الاستظهار من مرسلتي ابن أبي عمير وحمل المطلق على المقيّد ؛ أي إحدى المرسلتين على الاُخرى ، فمع دعوى اختصاصهما بالواجبات تكونان مبنى الأوّل .

ومع التعميم مؤيّداً برواية علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام قال :

ص: 283


1- تقدّم في الصفحة 272 .
2- تقدّم في الصفحة 272 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 126 - 132 ؛ مدارك الأحكام 1 : 361 ؛ ذخيرة المعاد : 49 / السطر 7 .
4- اُنظر جواهر الكلام 3 : 246 .
5- مصابيح الظلام 3 : 131 .

«إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل»(1) تكونان مبنى الثاني .

ومع إنكار الظهور في الشرطية مبنى الثالث .

لكن قد عرفت كون جميع روايات الباب - تقريباً - من وادٍ واحد ؛ هو إثبات الشرطية ونفيها ، فحينئذٍ يقع التعارض بين ما تقدّم وبين موثّقة عمّار الساباطي ؛ حيث صرّح فيها بعدم الوضوء قبل غسل الجنابة والجمعة والعيد والحيض وبعدها (2) ، فلا بدّ من حمل المرسلتين ورواية ابن يقطين على الاستحباب جمعاً ، وإن كان القول بالاستحباب أيضاً لا يخلو من مناقشة ؛ لما دلّ على أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة ، ولعدم ذكر الوضوء في شيء من الروايات الواردة في باب الأغسال الواجبة والمستحبّة ، مع كثرتها جدّاً ، وكون كثير منها في مقام بيان الآداب ، وبعد عدم التنبيه على هذا الأدب الذي لو كان مستحبّاً لكان أهمّ من سائر الآداب ، وإنّما ذكر ذلك في رواية واحدة هي رواية ابن يقطين ومرسلةٍ يمكن أن تكون عين تلك الرواية، مع ظهورها في الشرطية التي قد عرفت حالها .

وكيف كان : فممّا يوجب الجزم بعدم شرطية الوضوء للأغسال الواجبة

والمستحبّة ، هو تلك الروايات الكثيرة الواردة في مقام بيان كيفية الغسل ، كروايات غسل الميّت(3) وغسل المسّ(4) وما ورد في الأغسال المستحبّة

ص: 284


1- تهذيب الأحكام 1 : 142 / 401 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 3 .
2- تقدّمت في الصفحة 277 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 479 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 301 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 7 .

على كثرتها (1) ؛ فإنّ عدم ذكره فيها دليل قطعي على عدم اشتراطها به ، وعدم وجوبه قبلها .

في كيفية رفع غسل الحيض والوضوء الحدثين

بقي الكلام في شيء تعرّض له صاحب «الجواهر» وهو : «أنّ الغسل والوضوء هل هما مشتركان في رفع الحدثين ، أو هما رافعان على التوزيع ؛ فالغسل للأكبر ، والوضوء للأصغر ؟»(2) .

وتفصيل الكلام بحسب مقام التصوّر : أ نّه قد يقع الكلام فيما إذا وجد سبب الأصغر والأكبر ، وتقدّم أحدهما على الآخر أو تأخّر أو تقارنا .

وقد يقع فيما إذا وجد سبب الأكبر فقط .

فعلى الأوّل : يمكن أن يكون الحدثان ماهيتين متباينتين ؛ فيؤثّر الأصغر في ماهية ، والأكبر في ماهية مباينة لها .

ويمكن أن يؤثّر كلٌّ في ماهية متخالفة مع الاُخرى ؛ قابلة للانطباق على وجود خارجي في القدر المشترك ، فيكون «الحدث الأصغر» عنواناً منطبقاً على مرتبة من الحدث الأكبر ، ويكون الأكبر ذا مراتب : مرتبة غير منطبق عليها عنوان «الأصغر» ، ومرتبة منطبق عليها عنوانه .

ويمكن أن يكون المقدار المشترك وجوداً شخصياً ؛ إن قدّم سبب الأصغر في

ص: 285


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 303 - 340 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، أحاديث الأبواب .
2- جواهر الكلام 3 : 247 .

إيجاده ، يكون سبب الأكبر مؤثّراً في مرتبة اُخرى ، وإن قدّم سبب الأكبر لا يؤثّر الأصغر ، فيكون السببان بالنسبة إلى المرتبة المشتركة كالأسباب المتعاقبة للحدث الأصغر .

ثمّ إنّ مقتضى الاحتمال الأوّل والثاني ؛ هو فعلية سببية كلّ موجِبٍ في مسبَّبه الخاصّ ، ورافعية الوضوء للحدث الأصغر والغسل للأكبر ، فمع الغسل ترفع الماهية الآتية من سبب الأكبر ، وتبقى الماهية الآتية من سبب الأصغر . وأمّا احتمال اشتراكهما في رفع المجموع فضعيف جدّاً .

ولازم الثالث هو رفع الغسل ما يأتي من قِبل سبب الأكبر ، وعدم الاحتياج إلى الوضوء إن كان الغسل رافعاً لتمام ما يجيء من سبب الأكبر ، وبمقدار الاختصاص لو قلنا : بأنّ ما يجيء من سبب الأكبر لا يرتفع تمامه به ، فيكون الرافع للبقيّة هو الوضوء .

وأمّا احتمال كونهما مشتركين في أصل الرفع - بمعنى عدم تأثير الغسل مطلقاً إلاّ بضمّ الوضوء - فقد دفعناه في المسألة السابقة . كما أنّ احتمال كون الغسل رافعاً لتمام ما يأتي من سبب الأكبر في الفرض الثالث - ممّا يلزم منه عدم الاحتياج إلى الوضوء - تدفعه الشهرة السابقة مع عمومات أسباب الوضوء ، كما مرّ(1) . فاحتمال الاشتراك بهذا المعنى ضعيف مدفوع بما سلف ، وأمّا على سائر الاحتمالات ، فلا يكون الاشتراك إلاّ بوجه لا ينافي الاختصاص .

ص: 286


1- تقدّم في الصفحة 272 - 273 .

فحينئذٍ يكون الوضوء - على جميع الاحتمالات المعتبرة - رافعاً لما يأتي من سبب الأصغر ، والغسل لما يأتي من سبب الأكبر على بعض الاحتمالات المتقدّمة ، وعلى بعض الاحتمالات يكون الوضوء رافعاً لبعض ما يأتي من سبب الأكبر ، والغسل لبعض آخر ، فيكون كلٌّ منهما رافعاً ، فما عن «السرائر» : من كون الوضوء غير رافع ، بل مبيح تقدّم أو تأخّر ، والغسل رافع كذلك(1) ، غير وجيه .

هذا كلّه مع تحقّق السببين .

في الالتزام بالتوزيع مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر

وأمّا مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر ، فمع القول بلزوم الوضوء للصلاة ، لا بدّ وأن يكون سبب الأكبر موجباً لشيء لا يرتفع بالغسل ، فحينئذٍ إن قام الدليل على جواز دخول المرأة في المسجدين واللبث في المساجد مثلاً مع الغسل فقط ، يكون هو مع ما دلّ على لزوم الوضوء للصلاة ، دالّين بالاقتضاء على التوزيع في التأثير ، فيكون الوضوء رافعاً لمرتبة ممّا يأتي بسبب الحيض ، والغسل لمرتبة اُخرى . وأمّا احتمال كون الوضوء مبيحاً غير رافع فضعيف .

وكيف كان : فالقول بالتوزيع هو الأقوى ، مع كون الحكم موافقاً لارتكاز

المتشرِّعة ، والظاهر استفادته من مجموع الأدلّة ، فتدبّر .

ص: 287


1- السرائر 1 : 151 .
الأمر السادس في حكم الحيض بعد دخول وقت الصلاة
اشارة

إذا دخل وقت الصلاة فحاضت فتارة : تدرك طاهرة من الوقت بمقدار أداء الصلاة ، وفعل الطهارة ، وتحصيل سائر الشرائط بحسب حالها وتكليفها الفعلي ؛ من القصر والإتمام والوضوء والغسل والتيمّم وغيرها من الشرائط ؛ مطلقة كانت أو غيرها .

واُخرى : لا تكون سعة الوقت بهذا المقدار ؛ سواء كانت بمقدار أداء الصلاة فقط ، أو أدائها مع الطهارة المائية أو الترابية فقط ، دون سائر الشرائط .

وثالثة : لا تكون السعة حتّى بمقدار صلاة المضطرّ .

والأولى البحث أوّلاً عن مقتضى القواعد الأوّلية ؛ أي أدلّة القضاء وأدلّة عدم القضاء على الحائض ، ثمّ النظر في الأدلّة الخاصّة .

مقتضى أدلّة القضاء وعدمه على الحائض

فنقول : إنّ أدلّة القضاء على طائفتين :

إحداهما : ما يظهر منها أنّ القضاء تابع لعنوان «الفوت» كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام أ نّه قال : «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة : صلاة فات-تك ، فمتى ذكرتها أدّيتها . . .»(1) الحديث ، وغيرها ممّا هي قريبة منها .

ص: 288


1- الكافي 3 : 288 / 3 ؛ الفقيه 1 : 278 / 1265 ؛ وسائل الشيعة 8 : 256 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 2 ، الحديث 1 .

وهذه الطائفة وإن كانت في الغالب بصدد بيان حكم آخر ، لكن يستفاد منها مفروغية لزوم قضاء ما فات من الصلاة . وهذا ممّا لا إشكال فيه .

لكنّ الإشكال في أنّ «الفوت» عبارة عن نفس عدم الإتيان مطلقاً ولو مع عدم مجعولية الصلاة في حقّ المكلّف ، بل مع حرمتها عليه ، كصلاة الحائض ، أو هو عنوان أخصّ منه ؟

الظاهر هو الثاني ؛ ضرورة أنّ المتفاهم عرفاً من هذا العنوان ؛ هو ذهاب شيء مرغوب فيه من يد المكلّف ولو من قبيل طاعة المولى أو الوالدين ؛ ممّا هو مستحسن عقلاً ؛ سواء كان لازماً أو راجحاً ، فإذا نام عن صلاة الليل يقال : «فاتته» إمّا لأجل فوت المثوبة المترتّبة عليها ، أو لأجل ترك نفس أمر المولى الراجح عقلاً ، وأمّا إذا كان الفعل ذا مفسدة أو غير راجح عقلاً وشرعاً فتركه العبد ، فلا يقال «فاته ذلك» .

فعنوان «الفوت» ليس نفس ترك الفعل ولو لم يكن فيه رجحان أو في تركه منقصة . وهذا واضح عند مراجعة موارد استعمال اللفظ عرفاً وفي الأخبار الواردة فيها هذه اللفظة .

فدعوى كونه عبارة عن عدم إتيان الصلاة في وقتها ولو كانت غير مطلوبة ولا راجحة بل ولو كانت محرّمة(1) غير وجيهة .

ولا يرد النقض(2) على ذلك بمثل ترك النائم والساهي ، ولا بمثل من اُكره على ترك الصلاة ؛ بحيث صار اللازم على المكلّف تركها ؛ ضرورة أنّ النائم

ص: 289


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 123 .
2- نفس المصدر .

والساهي ، فاتتهما الصلاة لأجل ذهاب مثوبتها ومصلحتها من يدهما بل لأجل ترك أمر المولى بلا اختيار ؛ على ما حقّقنا في محلّه : من أنّ الأوامر فعلية بالنسبة

إليهما وإن كانا معذورين في تركها (1) .

وأمّا المكرَه فهو أيضاً كذلك ، ولا تصير الصلاة بالإكراه على الترك حراماً بعنوانها ، بل ما هو المحرّم إيقاع المكلّف نفسه في التهلكة ونحوها ، وهو لا يوجب حرمة الصلاة بعنوانها وإن اتّحد العنوانان في الخارج .

ودعوى صدق «الفوت» بمجرّد الشأنية أو بملاحظة نوع المكلّفين(2) ، غير وجيهة ؛ فإنّ ميزان وجوب القضاء هو الفوت من كلّ مكلّف بحسب حال نفسه ، وهو لا يصدق بالنسبة إلى الشخص الذي لم تجعل الصلاة له ، أو حرّمت عليه كالحائض ، والشأنية لا محصّل لها إلاّ معنىً تعليقي لا يوجب صدق «الفوت» فعلاً .

وأعجب من ذلك ما قد يقال : «إنّ المستفاد من الأمر بالقضاء أنّ الأوامر المتعلّقة بالصلاة ، من قبيل تعدّد المطلوب ، فكونها في الوقت مطلوب ، لكن بفوات الوقت لا تفوت المطلوبية مطلقاً»(3) فإنّ ذلك - على فرض تسليمه كما لا يبعد - أدلّ دليل على خلاف مطلوبه ؛ لأنّ استفادة تعدّد المطلوب فرع وجود الطلب والمطلوب في الوقت ، ومع حرمة الصلاة على الحائض في الوقت ، أين الطلب والمطلوب حتّى يستفاد منه تعدّده ؟ !

ص: 290


1- مناهج الوصول 2 : 18 - 20 ؛ أنوار الهداية 2 : 210 - 211 و321 - 322 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 124 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 123 - 124 .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ القاعدة في باب القضاء - على فرض أخذ عنوان «الفوت» في موضوعه - هو وجوب القضاء في كلّ مورد يكون الأداء مطلوباً أو راجحاً ذاتاً ؛ ولو فرض سقوط الطلب لأجل بعض المحاذير ، على فرض صحّة ذلك المبنى ، وأمّا مع عدم الرجحان والمطلوبية الذاتية فلا ، فضلاً عن الحرمة الذاتية .

فالحائض إذا أدركت من الوقت بمقدار تعلّق الطلب ، يجب عليها القضاء مع تركها ، ومع عدم توجّه الطلب أو توجّه النهي إليها ، لا يجب عليها القضاء بحسب القاعدة .

بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو تمكّنت من الصلاة الاضطرارية ، فلو قلنا : بأ نّها

لو علمت مفاجأة الطمث لها - بعد مقدار من الزمان تتمكّن فيه من إتيان صلاة مع الطهارة الترابية وفقدان بعض الشرائط الاختيارية - تجب عليها الصلاة كذلك ، فالقاعدة تقتضي القضاء مع تركها لأجل الجهل بالواقعة ؛ لتوجّه أمر الصلاة إليها وفوتها منها .

بل الأمر كذلك لو تمسّكنا في وجوب القضاء بالطائفة الثانية من أخبار القضاء ؛ وهي ما لم يؤخذ فيها عنوان «الفوت» ؛ لأنّ مساقها فيما إذا ترك المكلّف الصلاة التي كانت مكتوبة عليه في الوقت ، كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام : أ نّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلّها ، أو نام عنها ، قال : «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها»(1) . . . إلى غير ذلك من الروايات ،

ص: 291


1- الكافي 3 : 292 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1059 ؛ وسائل الشيعة 8 : 256 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 2 ، الحديث 3 .

وليس فيها ما يدلّ على وجوب القضاء على من ترك الصلاة التي هي غير مشروعة له ، فضلاً عمّا كانت محرّمة عليه .

بل الظاهر أنّ نفس عنوان «القضاء» أيضاً يدلّ على المطلوب ؛ لأ نّه - بحسب المتفاهم العرفي - عبارة عن جبران ما شرع في الوقت - إيجاباً أو استحباباً - خارج الوقت ، وأمّا إذا لم يشرع في الوقت أو كان حراماً عليه ، فلا يصدق على إتيانه خارج الوقت عنوان «القضاء» ، فتبعية القضاء للأداء - على ما ذكرنا - موافقة للقاعدة .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ كلّ مورد لو اطّلع المكلّف على الواقعة وكان واجباً عليه إتيان الصلاة ولو بنحو الاضطرار ، يجب عليه القضاء لو تركها ؛ لصدق «الفوت» ، فإذا وسع الوقت بحسب الواقع بمقدار صلاة اضطرارية - بل بمقدار نفس الصلاة فقط - فطمثت ، وجب عليها بمقتضى أدلّة القضاء إتيانها بعد الطهر قضاءً .

وما يتوهّم من عدم الأمر بالمقدّمات قبل الوقت ، قد فرغنا عن ضعفه(1) ، وذكرنا في محلّه : أنّ مناط عبادية الطهارات ليس هو الأوامر الغيرية ، بل الأمر النفسي المتعلّق بها (2) ، وذكرنا في محلّه حال التيمّم أيضاً (3) .

ص: 292


1- مناهج الوصول 1 : 289 - 292 .
2- مناهج الوصول 1 : 316 - 320 .
3- يأتي في الجزء الثاني : 10 .
تعارض أدلّة عدم القضاء مع الأدلّة السابقة

هذا ، ولكن في مقابل أدلّة القضاء ما دلّ على أنّ الحائض لا تقضي الصلاة ،

ففي صحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قضاء الحائض الصلاة ، ثمّ تقضي الصيام ، قال : «ليس عليها أن تقضي الصلاة ، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان» ثمّ أقبل عليّ فقال : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر بذلك فاطمة ، وكانت تأمر بذلك المؤمنات»(1) .

ورواية الحسن بن راشد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الحائض تقضي الصلاة ؟ قال : «لا» . قلت : تقضي الصوم ؟ قال : «نعم» . قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «أوّل من قاس إبليس . . .»(2) الحديث . . . إلى غير ذلك .

ويقع الكلام فيها - بعد القطع بلزوم استناد الترك في عدم وجوب القضاء إلى الحيض في الجملة - في أ نّه هل المتفاهم منها أنّ الصلاة إذا كان تركها مستنداً إلى الحيض في الجملة - ولو في بعض الوقت - لا تقضي ؛ حتّى يكون لازمه عدم القضاء ولو حاضت قبل تمام الوقت بمقدار يسع الصلاة ؛ لأنّ تركها وإن كان غير مستند إلى الحيض فقط ، لكنّه مستند إليه في الجملة ؟

أو أنّ المراد هو الاستناد إليه فقط ، فإذا تركتها في بعض الوقت بتخيّل سعته

ص: 293


1- الكافي 3 : 104 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 160 / 459 ؛ وسائل الشيعة 2 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 104 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 160 / 458 ؛ وسائل الشيعة 2 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 3 .

فأدركها الطمث ، وجب عليها القضاء ؛ لعدم كون الترك مستنداً إلى الحيض فقط ،

بل كان الاستناد في بعض الوقت إلى غيره ؟

الظاهر هو الثاني ؛ لظهور الأدلّة في أنّ ترك الطبيعة إذا كان مستنداً إلى الحيض ، لا يجب القضاء ، وهو لا يصدق إلاّ على الوجه الثاني بحسب نظر العرف المتّبع في مثل المقام . وهذا ظاهر .

لكنّ الإشكال في أنّ الظاهر من الأدلّة ، هل هو ترك الصلاة المتعارفة لها مع قطع النظر عن عروض الحيض ؛ أي إذا استند ترك صلاتها إليه بحسب حالها المتعارف - من القصر والإتمام والطول والقصر والاشتمال على المستحبّات المتداولة - لا يجب عليها القضاء ؟

أو إذا كان مستنداً إليه مع أقلّ الواجب ؟

أو إذا كان مستنداً إليه حتّى بمصداقها الاضطراري من الطهور وغيره ؛ حتّى مثل ترك بعض الواجبات كالسورة مثلاً ؟

وبعبارة اُخرى : ترك الصلاة التي لو علمت بالواقعة وجب عليها إتيانها إذا كان مستنداً إلى الحيض ، لا يجب عليها قضاؤها ، فيجب عليها القضاء إذا وسع الوقت لنفس الصلاة بمصداقها الاضطراري ، مع فقد جميع المستحبّات وبعض الواجبات ؛ إذا قلنا بسقوطه عند الاضطرار والضيق ؟

الأقوى هو الأوّل ؛ لا بمعنى ملاحظة حالها الشخصي ولو كان غير متعارف ، كقراءة السور الطوال والأذكار الكثيرة الغير المتداولة ، بل بمعنى المصداق المتعارف عند نوع المكلّفين ؛ أي المشتمل على الواجبات والمستحبّات المتداولة ، والواجد للشرائط بحسب تكليفها الفعلي ؛ من القصر والإتمام ،

ص: 294

ووجدان الماء وفقدانه ، وواجديتها للمقدّمات وعدمها . . . إلى غير ذلك ؛ ضرورة

أنّ العرف لا ينقدح في ذهنه - عند سماع تلك الروايات وعرضها عليه - إلاّ ذلك ، وغيره يحتاج إلى تقدير الحائض على غير ما هي عليه ، وهو خلاف الارتكاز العرفي والمتفاهم العقلائي من الروايات .

فهل ترى من نفسك أنّ المرأة إذا سمعت فقيهاً يقول : «إذا تركتِ صلاتك لأجل عروض الحيض فليس عليك قضاء» فاشتغلت في أوّل الوقت بالطهور والصلاة ، فعرض لها الطمث في الركعة الثالثة ، تشكّ في كونها مشمولة للفتوى ؛ باحتمال لزوم تقدير نفسها في مقام المضطرّ الفاقد للماء المضيّق عليها الوقت ؟ ! أم لا ينقدح في ذهنها إلاّ صلاتها المتعارفة بحسب حالها مع قطع النظر عن عروض الحيض ؟

ولعمري ، إنّ هذا التنزيل والتقدير ممّا لا

ينقدح إلاّ في ذهن الأوحدي من الناس ؛ أي أهل العلم فقط ، لا نوع العقلاء والعرف ممّن يكون فهمهم معياراً لتعيين مفاهيم الأخبار .

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى الشرائط التي يتعارف تحصيلها في الوقت ، كالوضوء والغسل مثلاً ، على تأمّل في الثاني .

وأمّا الشرائط الحاصلة لنوع المكلّفين قبل الوقت - كالستر والعلم بالقبلة - فلا يلاحظ مقدار تحصيلها لو اتّفق عدم حصولها ، فالفاقدة للساتر والجاهلة بالقبلة إذا كانتا بصدد تحصيلهما ، وطال الوقت حتّى عرض لهما الطمث ، يجب عليهما قضاء صلاتهما ؛ لإطلاق أدلّة الفوت وعدم وجود مقيّد لها ؛ لخروج هذه الفروض النادرة عن مثل قوله : «الحائض لا تقضي الصلاة» لأنّ ترك الصلاة

ص: 295

بحسب المتعارف غير مستند إلى الحيض فقط .

وكذا من كان تكليفها التيمّم ، لكن أخّرت الصلاة إلى آخر الوقت فطمثت ، يجب عليها القضاء ؛ لعدم الاستناد - بحسب المتعارف - إلى الحيض .

وبالجملة : لا بدّ من لحاظ حال المرأة وحال الشرائط وتعارفها ، وتكليف المرأة بالفعل وحالاتها الاختيارية ، إلاّ أن يكون الاضطرار من غير جهة الحيض .

هذا كلّه بحسب القواعد الأوّلية .

مقتضى الأخبار الخاصّة في المقام

وأمّا الأخبار الخاصّة ، ففي موثّقة يونس بن يعقوب - بناءً على وثاقة الزبيري(1) - عن أبي عبداللّه علیه السلام : قال في امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهرة ، فأخّرت الصلاة حتّى حاضت ، قال : «تقضي إذا طهرت»(2) .

وليست هذه مخالفة للقاعدة المتقدّمة ؛ لظهورها في سعة الوقت وتأخيرها حتّى طمثت .

نعم ، يخالفها إطلاق رواية عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة ؟ قال : «نعم»(3) .

ص: 296


1- تقدّم الكلام فيه في الصفحة 72 و79 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 392 / 1211 ؛ وسائل الشيعة 2 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 394 / 1221 ؛ وسائل الشيعة 2 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 5 .

وإطلاقها يشمل ما إذا ضاق الوقت عن إدراك الصلاة . وليس لها ظهور في سعة الوقت للصلاة ؛ لو لم نقل : إنّ السؤال منحصر بما إذا زالت الشمس وطمثت ، ولم يُمهلها أن تصلّي ، فكأ نّه قال : «لو طمثت بعد زوال الشمس بلا مهلة وقبل صلاتها ، هل عليها القضاء ، أو لا بدّ من مضيّ زمان تدرك الصلاة ؟» ولو لم يسلّم ذلك فلا أقلّ من الإطلاق .

ودعوى : أنّ الظاهر أنّ السلب بسلب المحمول لا الموضوع ، كأ نّها في غير موقعها .

ولو لا ضعف سندها بشاذان بن الخليل ، أو عدم ثبوت اعتبارها لأجل عدم ثبوت وثاقته(1) ، ومخالفتها لفتاوى الأصحاب ، لكان العمل بها متعيّناً ، ولا تنافيها الأخبار المتقدّمة ، لكنّهما مانعان عن العمل بها .

وأمّا موثّقة سماعة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ، ثمّ إنّها طمثت وهي جالسة ، فقال : «تقوم من مكانها ، ولا تقضي الركعتين»(2) .

فلا بدّ من حملها على النهي عن إتيان بقيّة الصلاة ؛ لو لم نقل بظهورها فيه ؛ بملاحظة قوله : «تقوم من مكانها» فكأ نّه قال : «تقوم عن مكانها ، ولا تأتي بالركعتين الأخيرتين» ، وحمل «القضاء» على المعنى اللغوي غير بعيد ، كحمل الركعتين على الأخيرتين ، وإلاّ فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ؛ فإنّ الحمل على

ص: 297


1- راجع تنقيح المقال 2 : 80 / السطر 3 (أبواب الشين) .
2- تهذيب الأحكام 1 : 394 / 1220 ؛ وسائل الشيعة 2 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 6 .

أوّل الوقت حمل على النادر .

والظاهر منها عدم قضاء الركعتين الاُوليين لو حمل «القضاء» على الاصطلاحي منه ، وفي مقام التحديد والبيان يفهم منها عدم لزوم قضاء الاُوليين ولزوم قضاء البقيّة ، وهو - كما ترى - لا يمكن الالتزام به ، فمصيرها حينئذٍ مصير

ضعيفة أبي الورد(1) قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ،ثمّ ترى الدم ، قال : «تقوم من مسجدها ، ولا تقضي الركعتين ، وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين ، فلتقم من مسجدها ، فإذا تطهّرت فلتقضِ الركعة التي فاتتها من المغرب»(2) .

فلا بدّ من توجيهها كما وجّهها العلاّمة في «المختلف»(3) أو ردّ علمها إلى أهله .

كما أنّ موثّقة الفضل بن يونس(4) - ممّا هي دالّة على خروج وقت الظهر بعد أربعة أقدام - في سلك الروايات الواردة في تحديد الوقت على خلاف الإجماع ، بل الضرورة والروايات الكثيرة المعمول بها ، فهي أيضاً مطروحة أو مأوّلة .

ص: 298


1- توصيف الرواية بالضعف لوقوع أبي الورد في السند ؛ فإنّه مهمل لم يرد في شأنه شيء من الجرح أو التعديل . اُنظر رجال الطوسي : 150 / 1 ؛ رجال البرقي : 58 / 151 .
2- الكافي 3 : 103 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 392 / 1210 ؛ وسائل الشيعة 2 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 3 .
3- مختلف الشيعة 1 : 208 .
4- الكافي 3 : 102 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 389 / 1199 ؛ وسائل الشيعة 2 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 1 .
الأمر السابع في حكم صلاة الحائض إن طهرت آخر الوقت
اشارة

إن طهرت الحائض في آخر الوقت ، فإن أدركت جميع الصلاة بشرائطها الاختيارية ، فلا إشكال في وجوبها عليها ومع تركها في وجوب القضاء ، بحسب القواعد والنصوص الخاصّة(1) ، وعليه الفتوى(2) .

حكم إدراك ركعة من العصر والعشاء والصبح مع الشرائط الاختيارية

وكذا لو أدركت ركعة من وقت العصر والعشاء والصبح مع جميع الشرائط الاختيارية ؛ بلا وجدان خلاف كما في «الجواهر»(3) ، وعن «المنتهى» نفي الخلاف بين أهل العلم(4) ، وفي «الخلاف» و«المدارك» الإجماع عليه(5) .

ويدلّ عليه النبوي المشهور : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(6) .

ص: 299


1- وسائل الشيعة 2 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 .
2- النهاية : 27 ؛ المعتبر 1 : 237 ؛ تحرير الأحكام 1 : 106 .
3- جواهر الكلام 3 : 212 .
4- منتهى المطلب 4 : 108 .
5- الخلاف 1 : 271 - 272 ؛ مدارك الأحكام 1 : 342 .
6- ذكرى الشيعة 2 : 352 ؛ وسائل الشيعة 4 : 218 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 4 ؛ صحيح البخاري 1 : 298 / 547 ؛ صحيح مسلم 2 : 70 / 161 .

والعلوي : «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر»(1) .

ورواية أصبغ بن نُباتة قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام : «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة»(2) .

وضعف إسنادها منجبر بالعمل بها قديماً وحديثاً ، فقد تمسّك بها الشيخ في «الخلاف» وادّعى إجماع الاُمّة على ذلك . وقال في الصبيّ والمجنون والحائض والنفساء والكافر :

«إنّه لا خلاف بين أهل العلم في أنّ واحداً من هؤلاء الذين ذكرناهم إذا أدرك

قبل غروب الشمس بركعة ، أ نّه يلزمه العصر ، وكذلك إذا أدرك قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة ، أ نّه يلزمه العشاء ، وقبل طلوع الشمس بركعة يلزمه الصبح ؛ لما روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(3) وكذلك روي عن أئمّتنا»(4) .

وفي «المدارك» بعد ذكر الروايات : «وهذه الروايات وإن ضعف سندها إلاّ أنّ

ص: 300


1- اُنظر جواهر الكلام 3 : 213 ؛ وسائل الشيعة 4 : 218 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 38 / 119 ؛ وسائل الشيعة 4 : 217 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 2 .
3- صحيح البخاري 1 : 298 / 546 ؛ صحيح مسلم 2 : 71 / 163 ؛ سنن ابن ماجة 1 : 229 / 700 .
4- الخلاف 1 : 271 - 272 .

عمل الطائفة عليها ، ولا معارض لها ، فيتعيّن العمل بها»(1) .

والإنصاف : أنّ فتوى الأصحاب على طبقها وتمسّكَ أرباب الاستدلال بها - في مثل تلك المسألة المخالفة للقواعد - موجب لانجبار سندها ، فلا إشكال من هذه الحيثية .

وإنّما الإشكال في دلالتها وحدود مفادها ،فقد يستشكل في النبوي الذي هو أوسع دلالة : باحتمال أنّ إدراك ركعة مع الإمام بمنزلة إدراك جميع الصلاة(2) .

وفيه : - مع أ نّه مخالف لظاهره ؛ فإنّ الظاهر إدراك نفس الصلاة ، لا إدراك الجماعة أو فضيلتها ، وهو لا ينطبق إلاّ على إدراك الوقت - أنّ ورود سائر الروايات في الغداة والعصر بهذا المضمون ، يوجب الاطمئنان بأنّ النبوي وسائر ما يشابهه مضموناً وعبارةً من وادٍ واحد ، فيرفع الاحتمال أو الإجمال منه - على فرضه - بغيره . مع أنّ فهم الأصحاب - بل سائر العلماء قديماً وحديثاً - يوجب الوثوق بمفاده ، فلا إشكال من هذه الجهة أيضاً .

وقد يستشكل فيها : بأنّ مفادها هو مضيّ الركعة خارجاً ، لا جواز الدخول في الصلاة من أوّل الأمر لمن علم إدراك ركعة من الوقت ، فمعنى «من أدرك ركعة . . .» : من دخل في الصلاة غافلاً أو باعتقاد سعة الوقت ، ثمّ أدرك ركعة منها ، فقد أدرك الوقت . وهذا نظير إدراك أوّل الوقت إذا دخل في الصلاة قبل الوقت ، فوقع بعضها فيه(3) .

ص: 301


1- مدارك الأحكام 3 : 93 .
2- الصلاة ، المحقّق الحائري : 17 ؛ مستمسك العروة الوثقى 5 : 101 .
3- نفس المصدر .

وفيه : أنّ المتفاهم من هذه العبارة هو توسعة الوقت للمدرك ركعة ، فكأ نّه قال : «إدراك ركعة من الوقت إدراك لجميع الوقت» .

وبعبارة اُخرى : لا يفهم العرف خصوصية للدخول في الصلاة ، بل ما يفهم منه أنّ لإدراك بعض الوقت خصوصيةً .

وقياس آخر الوقت بأوّله في غير محلّه بعد كون لسان الدليلين مختلفين . والشاهد على هذا الفهم العرفي فهم علماء الفريقين ، وليس شيء في الباب غير تلك الروايات .

مع عدم بُعد استفادة المعنى الاستقبالي منه ، فقوله : «من أدرك ركعة . . .» معناه : من يدرك ، فحينئذٍ لا قصور في دلالة اللفظ أيضاً .

ثمّ إنّ المتفاهم منها أنّ المدرك لركعة من الصلاة التي هي تكليفها فعلاً - بشرائطها الاختيارية من الطهور وغيره - بمنزلة مدرك الوقت ، فلا تعمّ ما إذا أدركها بمصداقها الاضطراري ، فإدراك ركعة مع الطهارة الترابية لمن كان تكليفها الطهارة المائية ، غير مشمول لها ، كإدراكها مع فقد سائر الشرائط .

وبعبارة اُخرى : أنّ الظاهر منها أنّ الصلاة المكتوبة على الشخص الذي تكون وظيفته الإتيان بها ، إذا أدرك ركعة منها في الوقت ، فقد أدرك الوقت .

نعم ، لا إشكال في خروج الآداب والمستحبّات ، فمن أدركها بواجباتها وشرائطها فقد أدرك وإن كان الوقت مضيّقاً عن إتيان المستحبّات .

هذا كلّه في إدراك العشاء والعصر والصبح ممّا لا مزاحم لها .

ص: 302

حكم إدراك ركعة من الظهر والمغرب مع الشرائط الاختيارية

وأمّا بالنسبة إلى صلاة المغرب والظهر فهو أيضاً كذلك ، كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً ، على ما في «الجواهر»(1) ، وادّعى في «الخلاف» عدم الخلاف فيه(2) .

وعن طهارة «المبسوط» وعن بعض آخر الاستحباب(3) .

وعن بعضٍ استحباب فعل الظهرين بإدراك خمس قبل الغروب ، والعشاءين بإدراك أربع قبل الفجر(4) .

وعن «الفقيه» : «إن بقي من النهار بمقدار ستّ ركعات بدأ بالظهر»(5) .

ويدلّ على ما ذكرنا النبوي المتقدّم .

وقد يقال : إنّ «من أدرك . . .» لا يقتضي مزاحمة الظهر مثلاً للوقت الاختياري من العصر ، وإنّ مقتضى أدلّة الاختصاص عدم وقوع الظهر في الوقت الاختصاصي . بل الظاهر قصور دليل «من أدرك . . .» عن تجويز تأخير العصر اختياراً إلى إدراك ركعة منه ، كما لا يستفاد منه جواز تأخير الصلاة في سعة الوقت إلى زمان إدراك الركعة(6) .

ص: 303


1- جواهر الكلام 3 : 212 .
2- الخلاف 1 : 273 .
3- المبسوط 1 : 45 ؛ المهذّب 1 : 36 .
4- إصباح الشيعة : 36 .
5- الفقيه 1 : 232 ، ذيل الحديث 46 .
6- الصلاة ، المحقّق الحائري : 17 - 18 ؛ نهاية التقرير 1 : 43 - 44 .

وفيه : أ نّه إن كان المانع من التمسّك به هو أدلّة الاختصاص ، فلا تكون مزاحمة له ؛ فإنّ مفادها هو لزوم العصر إذا بقي من الوقت أربع ركعات ، ففي صحيحة إسماعيل بن همّام - على الأصحّ(1) - عن أبي الحسن علیه السلام : أ نّه قال في الرجل يؤخّر الظهر حتّى يدخل وقت العصر : «إنّه يبدأ بالعصر ، ثمّ يصلّي الظهر»(2) .

وفي صحيحة الحلبي قال : سألته عن رجل نسي الاُولى والعصر جميعاً ، ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس ، فقال : «إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ، ثمّ ليصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ، ولا يؤخّرها فتفوته ، فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقي

ص: 304


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس ، عن إسماعيل بن همّام . لا إشكال في السند إلاّ في طريق الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب ، فإنّ فيه أحمد ابن محمّد بن يحيى العطّار - حيث قال في مشيخته : وما ذكرته في هذا الكتاب عن محمّد بن علي بن محبوب فقد أخبرني به الحسين بن عبيداللّه ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبيه محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن علي بن محبوب - وهو محلّ كلام إلاّ أ نّه وثّقه العلاّمة والمجلسي ، ولا إشكال في وثاقته بلحاظ رواياته الكثيرة في أبواب الفقه ، كما قال المصنّف قدس سره في بعض تقريراته الاُصولية في تصحيح حديث الرفع . تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 72 ؛ تنقيح المقال 1 : 95 / السطر 24 ؛ تنقيح الاُصول 3 : 217 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 271 / 1080 ؛ وسائل الشيعة 4 : 129 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 4 ، الحديث 17 .

من وقتها ، ثمّ ليصلِّ الاُولى بعد ذلك على أثرها»(1) . . . إلى غير ذلك .

وظاهر الاُولى هو أ نّه إذا دخل وقت العصر - أي الوقت الاختصاصي - يجب البدء به ، وهو الظاهر من الثانية أيضاً ، وحينئذٍ تكون تلك الروايات مشعرة بأنّ الظهر لا يزاحم العصر في جميع وقتها ، لا في بعضه ، وإلاّ كان الحقّ أن يقول : «إذا بقي من الوقت سبع ركعات يصلّي العصر» فهذه إن لم تكن مؤيّدة لانطباق حديث «من أدرك . . .» على الظهر ، لم تكن مخالفة له أيضاً .

وإن كان المانع هو الأدلّة العامّة لجعل الأوقات(2) ، فلاإشكال في حكومته عليها .

وإن كان المانع هو عدم انطباقه على العصر الذي يمكن إدراكه بجميع وقته ، فلا يجوز تأخير العصر اختياراً إلى ضيق الوقت بمقدار إدراك ركعة ، ففيه : أنّ انطباقه على الظهر موجب لحصول الموضوع للعصر ؛ ضرورة أنّ ترك العصر حينئذٍ ليس باختيار المكلّف ، بل بحكم الشارع .

وبعبارة اُخرى : أ نّه لا إشكال - على فرض اختصاص الوقت بالعصر - في أ نّه إن بقي من الوقت خمس ركعات ، يكون الظهر مشمولاً للنبوي ومع شموله له يجب بحكمه إتيان الظهر المدرك لوقته التنزيلي ، ومع لزوم إتيانه يبقى للعصر ركعة ، فيشمله النبوي . وليس هذا تأخير العصر اختياراً حتّى يقال : لا يجوز التأخير إلى زمان إدراك الركعة ، بل هو تأخير بحكم الشرع .

هذا كلّه حال إدراك ركعة جامعة للشرائط .

ص: 305


1- تهذيب الأحكام 2 : 269 / 1074 ؛ وسائل الشيعة 4 : 129 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 4 ، الحديث 18 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 156 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 10 .
حكم إدراك أقلّ من ركعة مع الشرائط الاختيارية

وأمّا لو لم تدرك ركعة ، بل أدركت أقلّ منها ، فمقتضى القواعد الأوّلية والثانوية فوتها :

أمّا الأوّلية فواضح .

وأمّا الثانوية فكذلك أيضاً ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ إدراك الركعة غاية ما يمكن الإدراك معه ، ولو كانت تدرك الصلاة بأقلّ منها لما جاز التحديد بالركعة . نعم هنا روايات سيأتي التكلّم عليها .

حكم إدراك تمام الصلاة بفردها الاضطراري

ثمّ لو أمكن لها إدراك تمام الصلاة في الوقت ، لكن لا الاختياري منها ، بل الاضطراري ، كالصلاة مع التيمّم ، أو بلا ستر ، أو مع نجاسة البدن ، أو غير ذلك ، فهل القواعد - مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة - تقتضي لزوم الإتيان ، وعلى فرض الترك القضاء ؟

مقتضى القواعد في المقام

قد يقال : «إنّ الأصل في كلّ شرط انتفاء المشروط بانتفائه ، مع الشكّ في شمول ما دلّ على سقوطه عند الاضطرار لمثل المقام الذي هو ابتداء التكليف»(1) .

ص: 306


1- جواهر الكلام 3 : 215 .

لكنّ الإنصاف : أنّ ملاحظة الموارد الكثيرة التي رجّح الشارع فيها جانب الوقت على سائر الشرائط - كترجيحه على الطهارة المائية(1) وعلى الستر(2)

وطهارة البدن(3) ، بل ترجيحه على الركوع والسجود الاختياريين . . . إلى غير ذلك من الموارد(4) - توجب القطع بأنّ للوقت خصوصية ليست لسائر الشرائط ، وأنّ المكلّف إذا أمكنه إتيان الصلاة بأيّ نحو في الوقت ، يلزم عليه الإتيان .

ويدلّ عليه قوله : «إنّ الصلاة لا تترك بحال»(5) ، فمع النظر إلى هذا وإلى تلك الموارد الكثيرة ، يشرف الفقيه على القطع بأنّ المكلّف إذا أمكنه إدراك الصلاة في الوقت ولو بفردها الاضطراري ، يجب عليه الإتيان ، ومع الترك يجب القضاء للفوت ؛ من غير فرق بين التكليف الابتدائي وغيره .

هذا كلّه بحسب القواعد .

ص: 307


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 341 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 451 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب52 ، الحديث1.
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 19 .
4- راجع وسائل الشيعة 8 : 439 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة الخوف والمطاردة ، الباب 3 و4 و5 و6 .
5- لم نعثر على هذا الحديث بهذا اللفظ في الكتب الروائية ، نعم في صحيحة زرارة الواردة في أبواب الاستحاضة : «لا تدع الصلاة على حال» . وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 ، وراجع ما يأتي في الجزء الثاني : 393 .
مقتضى الروايات الخاصّة

وأمّا الروايات الخاصّة ، فهي على طوائف :

منها : ما دلّت على أ نّها إن طهرت قبل غروب الشمس أو قبل الفجر صلّت ، كرواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر»(1) ومثلها موثّقة ابن سنان(2) ورواية الدجاجي(3) ورواية عمر بن حنظلة(4) .

والظاهر أ نّها مستند المحقّق في إيجابه الصلاة عليها مع تمكّنها من الطهارة

والشروع في الصلاة ، كما هو المحكيّ عن «المعتبر»(5) .

لكنّ الظاهر منها - مع قطع النظر عن سائر الروايات - هو حصول الطهر قبل خروج الوقت بمقدار يمكنها إدراك الصلاة أداءً ؛ فإنّها ظاهرة في كون الصلاة أداءً لا قضاءً ، فهي متعرّضة لوجوب الصلاة عليها إذا طهرت قبل

ص: 308


1- تهذيب الأحكام 1 : 390 / 1203 ؛ وسائل الشيعة 2 : 363 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 390 / 1204 ؛ وسائل الشيعة 2 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 10 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 390 / 1205 ؛ وسائل الشيعة 2 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 11 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 391 / 1206 ؛ وسائل الشيعة 2 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 12 .
5- المعتبر 1 : 240 .

غروب الشمس ، وأدركت ما هو تكليفها الفعلي .

وعلى فرض الأخذ بإطلاقها والجمود عليه ، يكون مفادها - بالإطلاق - أوسع ممّا ذكره المحقّق ، فلا يلزم في وجوبها عليها إدراك الطهور وبعض الصلاة في الوقت ؛ ضرورة صدق «الطهر قبل أن يطلع الفجر» على الطهر قبله بهنيئة لا يمكنها فيها التطهّر وإدراك بعض الصلاة ، مع أ نّه لا يلتزم به ، وبعده لا

وجه لما ذكره ، بل الوجه هو إدراك الصلاة أداءً على ما هو وظيفتها .

نعم ، لا فرق ظاهراً بين إدراكها مع الطهارة المائية أو الترابية ، أو مع إدراك سائر الشرائط الاختيارية وعدمه ، فلا تنافي تلك الروايات القاعدة المؤسّسة المتقدّمة بل تعاضدها ، فتجب عليها الصلاة إذا أدركت ثماني ركعات مع الطهارة الترابية وفقد الشرائط الاختيارية ، كما يجب عليها مع إدراك ركعة بشرائطها الاختيارية ، حسب ما فصّلناه آنفاً .

ومنها : ما فصّلت بين حصول الطهر قبل العصر وغيره ، كرواية منصور بن حازم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر»(1) .

والظاهر أنّ المراد ب- «قبل العصر» قبل الوقت المختصّ ، وب- «آخر الوقت» هو المختصّ ، وهي شارحة لمفاد الروايات المتقدّمة ، أو مقيّدة لها على فرض إطلاقها .

لكنّ المستفاد منها أ نّها إن طهرت في آخر وقت العصر - أي الوقت المختصّ

ص: 309


1- تهذيب الأحكام 1 : 390 / 1202 ؛ وسائل الشيعة 2 : 363 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 6 .

به - تجب عليها الصلاة ، ومعلوم أنّ نوع النساء لا يمكنهنّ إدراك الطهارة

المائية إذا طهرن آخر وقت العصر ، فإيجاب الصلاة عليهنّ لا يكون إلاّ مع الطهارة الترابية . وحملها على آخر الوقت الإضافي - أي أواخر الوقت ؛ بحيث يمكنهنّ الطهارة وإدراك الصلاة ولو ركعة - في غاية البعد ، خصوصاً مع السبق بالجملة المتقدّمة .

وأمّا صحيحة إسماعيل بن همّام ، عن أبي الحسن علیه السلام : «في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر : تصلّي العصر ، ثمّ تصلّي الظهر»(1) فقد حملها الشيخ على أ نّها طهرت وقت الظهر ، وأخّرت الغسل حتّى ضاق الوقت(2) . ولا بأس به جمعاً بينها وبين سائر الروايات . مع أنّ التعبير ب- «اغتسلت في وقت العصر» - دون «طهرت» - لا يخلو من إشعار بذلك .

ومنها : ما تعرّضت للقضاء ، واستدلّوا بها للزوم سعة الوقت في الأداء والقضاء بمقدار الطهارة المائية وعدم كفاية الترابية ، كصحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قال : «أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل

في وقت صلاة ، ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة اُخرى ، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها ، وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك ، فجاز وقت الصلاة ، ودخل وقت صلاة اُخرى ، فليس عليها قضاء ، وتصلّي

ص: 310


1- تهذيب الأحكام 1 : 398 / 1241 ؛ وسائل الشيعة 2 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 14 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 398 ، ذيل الحديث 1241 ؛ الاستبصار 1 : 143 ، ذيل الحديث 488 .

الصلاة التي دخل وقتها»(1) .

وموثّقة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة تقوم في وقت الصلاة ، فلا تقضي ظهرها حتّى تفوتها الصلاة ، ويخرج الوقت ، أتقضي الصلاة التي فاتتها ؟ قال : «إن كانت تَوانَتْ قضتها ، وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي»(2) .

وموثّقة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : قلت : المرأة ترى الطهر عند الظهر ، فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر ، قال : «تُصلّي العصر وحدها ، فإن ضيّعت فعليها صلاتان»(3) .

وادّعى الأعلام استفادة اشتراط سعة الوقت للطهارة المائية منها . وفي «الجواهر» : «أ نّه مجمع عليه هنا بحسب الظاهر»(4) ، وكلمات الأصحاب وإن كانت مقصورة على ذكر الطهارة بلا قيد «المائية»(5) لكنّ الظاهر أنّ مرادهم المائية ؛ لأنّ الترابية ليست عندهم طهارة ، بل مبيحة على المشهور نقلاً وتحصيلاً ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، كما في «الجواهر»(6) .

ص: 311


1- الكافي 3 : 103 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 392 / 1209 ؛ وسائل الشيعة 2 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 391 / 1207 ؛ وسائل الشيعة 2 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 8 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 389 / 1200 ؛ الاستبصار 1 : 142 / 486 ؛ وسائل الشيعة 2 : 363 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 5 .
4- جواهر الكلام 3 : 215 .
5- المعتبر 1 : 237 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 274 ؛ جامع المقاصد 1 : 335 - 336 .
6- جواهر الكلام 5 : 167 .

ولو لا اشتهار الحكم بين الأصحاب على الظاهر ، لكان للخدشة فيه مجال ؛ فإنّ الروايات كلّها بصدد بيان حكم القضاء ، وأنّ المرأة إذا طهرت ففرّطت يجب عليها القضاء، وإن طهرت فقامت في تهيئة الغسل والعمل بالوظيفة ، فجاز الوقت، ليس عليها القضاء، ولا يبعد أن يكون المتفاهم منها - ولو بحسب القرائن الخارجية -

أنّ المرأة إذا طهرت فقامت لإتيان الغسل وتهيئة أسبابه ، فجاز الوقت فجأة ، مع غفلتها عن أنّ الاشتغال بشأنها يوجب فوت الوقت ، ليس عليها قضاء ، وهذا لا يدلّ على عدم وجوب الأداء عليها مع الطهارة الترابية لو علمت بضيق الوقت .

وبالجملة : إنّ الروايات متعرّضة لحكم آخر ؛ وهو حكم القضاء على فرض عدم تقصيرها وتفريطها ، وأمّا تكليفها في الوقت ماذا ، وأ نّه مع ضيق الوقت عن الطهارة المائية ، ليس عليها الأداء ، أو عليها ذلك ؟ فليست ناظرة إليها ، فرفع اليد

عن إطلاق ما دلّت على وجوب الصلاة عليها لو طهرت قبل الغروب أو آخر وقت العصر مشكل .

هذا إذا كان المراد منها ما إذا اشتغلت المرأة بشأنها حتّى جاز الوقت فجأة ، كما لا يبعد من سوق الروايات .

وأمّا إذا كان لها إطلاق من حيث العمد وعدمه ؛ وأ نّها مع الالتفات إلى ضيق الوقت وعدم الفرصة لتحصيل الطهارة المائية ، اشتغلت بتهيئة الغسل حتّى جاز الوقت ، فالظاهر دلالتها على مقصودهم ؛ بملاحظة استفادة ذلك من الدلالة على عدم تفريطها والعمل بوظيفتها ، وبملاحظة أنّ القضاء تابع للأداء ، والحكم بعدم القضاء عليها يكشف عن عدم الأداء عليها .

والإنصاف : أنّ الإطلاق وإن كان مشكلاً أو ممنوعاً في بعض الروايات ، لكنّ

ص: 312

الظاهر إطلاق بعضٍ منها ، فالوجه ما عليه الأصحاب واشتهر بينهم ، وادّعي الإجماع عليه ، فلا بدّ من تقييد المطلقات .

وأمّا رواية منصور بن حازم المتقدّمة ، ففيها ضعف بمحمّد بن الربيع المجهول . بل المطلقات المتقدّمة أيضاً ضعيفة :

أمّا رواية أبي الصباح فلاشتراك محمّد بن الفضيل بين الثقة وغيره . ورواية عمر بن حنظلة بأبي جميلة مفضّل بن صالح الضعيف .

نعم ، رواية عبداللّه بن سنان لا يبعد أن تكون موثّقة وإن كان في سندها الزبيري(1). لكن يمكن إنكار الإطلاق فيها بدعوى : أ نّه بعد عدم إمكان الأخذ بهذا الظاهر - أي مجرّد الطهر قبل الفجر والغروب - فلا محالة يكون المراد منها وقتاً تدرك فيه الصلاة ، ولم يعلم مقدار هذا الوقت ، ولعلّ المقدار المقدّر هو بمقدار الطهارة المائية ، فليتأمّل .

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً اُخرى تنقيح بعضها مربوط بغير هذا المقام ، وبعضها واضح مدركاً وقولاً تركناه مخافة التطويل ، ونتعرّض لبعضها في المقصد الثاني إن شاء اللّه تعالى .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً .

ص: 313


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن عبد الرحمان بن أبي نجران ، عن عبداللّه بن سنان . ولا يخفى أنّ في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن ، علي بن محمّد بن الزبير القرشي . راجع ما تقدّم من الكلام في الزبيري في الصفحة 72 و79 .

ص: 314

المقصد الثاني: في الاستحاضة

اشارة

ص: 315

ص: 316

القول في حقيقة الاستحاضة

في ذكر معنى الاستحاضة لغة

وقد اختلفت كلمات اللغويين فيها ؛ ففي «الصحاح» : «استُحيضت المرأة : أي استمرّ بها الدم بعد أيّامها ، فهي مستحاضة»(1) ، وقريب منه عن «نهاية ابن الأثير»(2) ، ويشعر ذلك بعدم استعمال المعلوم(3) فيها ، مع استعمالها معلومة مراراً في مرسلة يونس الطويلة(4) .

وفي «القاموس» : «والمستحاضة من يسيل دمها لا من الحيض ، بل من عرق العاذل»(5) وقال أيضاً : «العاذل : عِرق يخرج منه دم الاستحاضة»(6) .

ص: 317


1- الصحاح 3 : 1073 .
2- النهاية ، ابن الأثير 1 : 469 .
3- أي بصيغة المبنيّ للمعلوم .
4- تأتي في الصفحة 363 .
5- القاموس المحيط 2 : 341 .
6- القاموس المحيط 4 : 14 .

وبه قال الجوهري أيضاً ، ونقل عن ابن عبّاس أ نّه قال حين سئل عن دم الاستحاضة : «ذاك العاذل»(1) .

وعن «المغرب» : «استُحيضت - بضمّ التاء - استمرّ بها الدم»(2) .

وفي «المجمع» : «إذا سال الدم من غير عِرق الحيض فهي مستحاضة»(3) .

ولم يذكر في «المنجد» الاستحاضة ، ولا عِرق العاذل .

وعن الزمخشري : «الاستحاضة تخرج من عِرق يقال له : العاذل» . وعن «الفائق» : «كأنّ تسمية ذلك العِرق بالعاذل لأ نّه سبب لعذل المرأة ؛ أي ملامتها عند زوجها»(4) .

والمظنون أنّ اللغة في المقام لا تخلو من شوب بما عن الشرع . ولعلّ قول ابن عبّاس أو بعض الروايات - كبعض فقرات مرسلة يونس على بعض النسخ - صار منشأً لذلك .

وعدم ذكر «المنجد» ما ذكره غيره غير خالٍ عن التأييد لما ذكرنا ، وإلاّ فمن المستبعد جدّاً بل كاد أن يكون ممتنعاً ، أن تكون الاستحاضة - بتلك الحدود التي لها في الشرع ، أو أفتى بها الفقهاء - منطبقة على ما ذكره الجماعة : من خروجها من عرق العاذل ، وكون مجراها غير مجرى الحيض ، فيكون الدم إلى آخر دقائق

ص: 318


1- الصحاح 5 : 1762 .
2- المغرب في ترتيب المعرب 1 : 236 .
3- مجمع البحرين 4 : 201 .
4- الفائق ، الزمخشري 2 : 408 .

اليوم العاشر مثلاً ، خارجاً من عرق الحيض ، وبعد ذلك ينسدّ ذلك العرق ، وينفتح

عرق العاذل لدفع الاستحاضة .

والناظر في مثل المرسلة ، لا ينبغي أن يشكّ في أنّ التعبيرات التي فيها تعبّدية

خارجة عن فهم العرف وأهل اللغة ، كقوله : «إنّما هو عزف» بالزاي المعجمة والفاء على ما في أكثر النسخ ، كما قال المجلسي(1) ، أو قوله : «عزف عامر» أو «ركضة من الشيطان» .

قال في «الوافي» - بعد نقله عن «نهاية ابن الأثير» : «أنّ العزف : بمعنى اللعب

بالمعازف أي الدفوف وغيرها»(2) - : «أقول : كأنّ المراد أ نّه لعب الشيطان بها في عبادتها ، كما يدلّ عليه قول الباقر علیه السلام : «عزف عامر» فإنّ «عامر» اسم الشيطان»(3) انتهى .

نعم ، في بعض النسخ بدل «عزف» : «إنّما هو عِرق» وبدل قوله : «عزف عامر» : «عرق غابر»(4) ، وعن بعض روايات العامّة : «عرق عاند»(5) .

وكيف كان : فلا يمكن لنا استفادة موضوع الاستحاضة من اللغة ؛ بحيث

يخرج عن الإبهام .

ص: 319


1- مرآة العقول 13 : 217 .
2- النهاية ، ابن الأثير 3 : 230 .
3- الوافي 6 : 459 - 460 .
4- الكافي 3 : 84 / 1 ؛ جامع أحاديث الشيعة 2 : 589 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 5 ، الحديث 2947 .
5- اُنظر مرآة العقول 13 : 218 ؛ الفائق ، الزمخشري 2 : 407 ؛ النهاية ، ابن الأثير 3 : 308 .

وما ذكره الجوهري(1) - مع إمكان أخذه من الروايات ، ومخالفته لمقتضى الاشتقاق - لا يمكن الركون إليه والوثوق به .

والأخبار الواردة في الاستحاضة وإن وردت غالباً فيمن استمرّ بها الدم بعد العادة(2) ، إلاّ أ نّها ليست على وجه يستفاد منها انحصار الاستحاضة بالدم المستمرّ بعد العادة ؛ وإن كان بعضها لا يخلو من إشعار بذلك . وسيأتي دلالة بعضها على كونها أعمّ من ذلك(3) .

وليس للاستحاضة معنى عرفي لدى العرف العامّ يمكن تطبيقه على الحدود التي وردت لها في الشرع بل لا يرى العرف الاستحاضة والحيض دمين ، بل قد يرى دم الحيض قليلاً محدوداً ، وقد يراه كثيراً مستمرّاً ويقال : «صارت فلانة دائمة الحيض» كما هو ظاهر الاشتقاق على وجه .

وفي مرسلة يونس : «أنّ حمنة بنت جحش قالت لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّي

استحضت حيضة شديدة» .

وفيها أيضاً : «أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض فلا أطهر ، فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عزف» .

فأرادت بقولها : «إنّي اُستحاض فلا أطهر» صرت حائضاً حيضاً دائماً ، ولذا نفى حيضيته وقال : «إنّه عزف» أي لعب الشيطان ، كما مرّ .

ص: 320


1- تقدّم في الصفحة 317 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 .
3- يأتي في الصفحة 328 - 335 .

التحقيق في بيان موضوع الاستحاضة

نعم ، هنا كلام قد مرّ في أوّل بحث الحيض(1) ، ومجمله : أنّ الحيض هو الدم الطبيعي المقذوف من أرحام النساء ، ولمّا كانت الأرحام السليمة من الآفات والصحيحة من الأمراض ، لا تقذف - بحسب النوع - أقلّ من ثلاثة أيّام ، ولا أكثر من عشرة أيّام ، وقذف الأقلّ والأكثر منهما بحسب الطبع نادر جدّاً ، وكذا الحال بالنسبة إلى ما قبل البلوغ وبعد اليأس ، حدّد الشارع لدم الحيض حدوداً : فجعل أقلّ الحيض ثلاثة ، وأكثره عشرة ، وعلّق أحكاماً على الدم المقذوف من الثلاثة إلى العشرة بحيث لو علمنا أنّ الأقلّ أو الأكثر هو الدم المعهود المقذوف ، وكذا لو قذفت قبل البلوغ وبعد اليأس وعلمنا أ نّه هو المعهود المقذوف بحسب طبيعتها الشخصية ، لم نحكم بحيضيته ، ولم نرتّب عليه أحكامها ؛ لتحديد الشارع موضوع حكمه .

فلا يكون الدم الطبيعي مطلقاً موضوعاً لحكمه ، بل ألغى النادر عن الحساب ، وحكم عليه بغير حكم الحيض ، فالأقلّ من الثلاثة ليس من الحيض ، كالأكثر من العشرة ، وكالمرئي في حال الصغر واليأس . . . وغير ذلك ممّا حدّده الشارع .

ثمّ إذا اختلّت الرحم وخرجت عن السلامة والصحّة والاعتدال التي لنوع الأرحام ، قذفت الأقلّ أو الأكثر ، فاستمرار الدم لعارض ، وعدم الرؤية على طبق

ص: 321


1- تقدّم في الصفحة 7 .

عادات النوع أيضاً لعارض وخلل ، ولذا يحتاج كلّ ذلك إلى العلاج واسترجاع الصحّة والسلامة .

ولمّا كانت الأرحام في غير أحوالها الطبيعية وفي حال اختلالها وخروجها عن الاعتدال ، لا تقذف نوعاً الدم الصالح الطبيعي ، بل يكون غالباً فاسداً كدراً له

فتور - ممّا هي لازمة لضعف المزاج وخروجه عن الاعتدال - جعل الشارع المقدّس الصفات الغالبية أمارة على الاستحاضة ؛ أي الدم المقذوف حال خروج المزاج والرحم عن الاعتدال نوعاً ، فالصفات أمارات غالبية يرجع إليها لدى الشكّ ، إلاّ إذا قام الدليل على خلافها .

إذا عرفت ذلك فالكلام يقع في مقامات :

ص: 322

المقام الأوّل في الأوصاف التي جعلت بحسب الروايات أمارة

اشارة

وهي كثيرة مستفادة منها ؛ إمّا لذكرها فيها ، أو لذكر مقابلها للحيض مع الدوران بينهما ؛ ففي صحيحة معاوية بن عمّار(1) ذكر البرودة صفة للاستحاضة مقابل الحرارة للحيض .

وفي موثّقة إسحاق بن جرير(2) جعل الفساد والبرودة صفة الاستحاضة ، والحرقة والحرارة صفة الحيض .

وفي صحيحة حفص بن البَخْتَري : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد»(3) ومنها يستفاد أنّ لدم الاستحاضة كدرةً وفتوراً ، أو فساداً وفتوراً ؛ فإنّ «العبيط» هو الطري الصالح(4) .

وفي مرسلة يونس(5) جعل إقبال الدم علامةَ الحيض وإدباره علامةَ

الاستحاضة ، و«الإدبار» هو الضعف والفتور والقلّة مقابل الكثرة والدفع والقوّة .

ص: 323


1- الكافي 3 : 91 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 ، ويأتي أيضاً في الصفحة 328 .
2- الكافي 3 : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 91 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 2 .
4- اُنظر المصباح المنير : 390 ، وفيه «دم عبيط : طري خالص» .
5- تأتي في الصفحة 363 .

وفيها أيضاً وصف دم الحيض ب- «البحراني» وقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّما سمّاه أبي بحرانياً لكثرته ولونه» ومقابله القلّة وضعف اللون ؛ وهو الاصفرار ، كما في غيرها .

وفي صحيحة أبي المغرا (1) - في باب اجتماع الحيض والحمل - جعل القلّة موضوعاً لوجوب الغسل عند كلّ صلاتين .

وفي موثّقة إسحاق بن عمّار(2) جعل الصفرة موضوعاً .

وفي رواية محمّد بن مسلم(3) جعل القلّة والصفرة موضوعاً لوجوب الوضوء ، كصحيحته الاُخرى(4) وروايتي علي بن جعفر عن أخيه علیه السلام (5) .

وفي صحيحة علي بن يقطين(6) ذكر الرقّة صفة للاستحاضة .

وعن «دعائم الإسلام» : روينا عنهم علیهم السلام : «أنّ دم الحيض كدر غليظ

ص: 324


1- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .
4- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
5- تأتي الروايتان في الصفحة 333 - 334 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 174 / 497 ؛ وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 16 .

منتن ، ودم الاستحاضة دم رقيق»(1) .

وعن «فقه الرضا» : «أنّ دمها يكون رقيقاً تعلوه صفرة»(2) .

وفي مرسلة يونس : «تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيّام الحيض - إذا عرفت - حيضاً كلّه» ويعلم منها كون الكدرة من صفات الاستحاضة . . . إلى غير ذلك .

لكنّ الفقهاء لم يذكروا غالباً في صفة الاستحاضة غير الصفرة والبرودة والرقّة والفتور ؛ على اختلاف منهم في ذكر الأربعة(3) ، أو الاقتصار على بعضها (4) .

وعن «المقنعة» : «أ نّه دم رقيق بارد صاف»(5) فذكر الصفاء وترك الصفرة والفتور .

ولا يبعد أن يكون بعض تلك الصفات ملازماً لبعض ، ويرجع اُصولها إلى أربع أو أقلّ منها . وبه يجمع بين الكلمات بل الأخبار ، لا بأن تكون خاصّة مركّبة كما مرّ في باب الحيض دفع القول به(6) ، بل كلّ صفة من الاُصول مستقلّة في الأمارية ، لكن بعضها لا ينفكّ عن بعض الصفات . ولا يبعد أن تكون الصفرة

ص: 325


1- دعائم الإسلام 1 : 127 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 7 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث2 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 192 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 7 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- راجع شرائع الإسلام 1 : 23 ؛ قواعد الأحكام 1 : 219 .
4- المبسوط 1 : 45 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 279 .
5- المقنعة : 56 .
6- تقدّم في الصفحة 25 .

غير منفكّة عن الفتور والرقّة غالباً ، والكدرة عن الفساد ، والبرودة عن الفتور ، وقد مرّ في باب الحيض ما يفيد في المقام(1) ، فراجع .

عدم حصول التمييز بغير الأوصاف المنصوصة

ثمّ إنّه لا إشكال في حصول التمييز بالأوصاف المنصوصة في الحيض والاستحاضة .

وأمّا غيرها - كالغلظة والنتن وغيرهما - فالأقرب عدم الاعتداد بها ؛ لعدم

دليل معتبر عليها . نعم ورد في «الدعائم» - كما تقدّم - الكدِر والغليظ والمنتن ،

وفي دم الاستحاضة الرقيق ، لكنّ الاعتماد على مثل تلك المرسلة غير جائز .

وما يقال : «من أنّ المستفاد من الأدلّة - كقوله في المرسلة الطويلة : «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي . . .» إلى آخره ، وقوله : «دم الحيض أسود يعرف» وقوله : «دم الحيض ليس به خفاء» - أنّ العبرة بمطلق الأمارات المختصّة بالحيض غالباً الكاشفة عنه ظنّاً ؛ فإنّ الظاهر من إيكاله إلى الوضوح - مع أ نّه لا يتّضح عند العرف إلاّ بالقوّة والضعف مطلقاً ، لا خصوص ما

نصّ عليه - هو ما ذكرنا»(2) .

ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ قوله : «إذا أقبلت الحيضة . . .» يراد به الكثرة والدفع الواردان في الأمارات ، ولا يفهم منه اعتبار مطلق الظنّ الحاصل بكلّ وصف .

وقوله : «أسود يعرف» أو «ليس به خفاء» لا تسلّم دلالتهما على ما ذكر

ص: 326


1- تقدّم في الصفحة 27 - 28 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 258 - 259 .

بعد عدم إرادة حصول العلم من الأوصاف ، كما يدلّ عليه تأخير ذكرها عن العادة .

بل لا يبعد أن يكون المراد منهما أنّ له أمارات شرعية ليس به لأجلها خفاء ؛

ضرورة أنّ هذه الأوصاف ليست أمارة - ولو ظنّية - عند العقلاء فيمن استمرّ بها الدم ؛ فإنّ الدم المستمرّ عندهم ليس طبائع مختلفة ، كما مرّ مراراً (1) .

نعم ، قد يكون بعض الأمارات والقرائن - في غير من استمرّ بها الدم - موجباً لحصول العلم أو الاطمئنان ، وقلّما يتّفق ذلك في مستمرّة الدم التي هي موضوع البحث هاهنا ، فالتجاوز عن الأوصاف المنصوصة ممّا لا يمكن الالتزام به .

ص: 327


1- تقدّم في الصفحة 8 - 9 و321 - 322 .

المقام الثاني في بيان حدود دلالة الروايات

الدالّة على أمارية الصفات على الاستحاضة

وأ نّه هل يكون فيها ما يدلّ على كون الصفات أمارة مطلقاً ؛ حتّى بالنسبة إلى ما قبل البلوغ وبعد اليأس ، وبالنسبة إلى الأقلّ من الثلاثة ؟

وبالجملة : هل تدلّ على ثبوت الكلّية المذكورة في كلام المحقّق(1) ومن بعده(2) ، وهي : «أنّ كلّ دم تراه المرأة ولم يكن حيضاً ولا دم قرح ولا جرح ، فهو استحاضة ، وكذا ما يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة ، أو يزيد عن أيّام النفاس ، وما تراه بعد اليأس ، أو قبل البلوغ ، أو مع الحمل» بناءً على عدم اجتماع الحمل والحيض .

وبعبارة اُخرى : هل يمكن إثبات أنّ كلّ دم ليس بحيض ولا نفاس ، ولم يعلم كونه استحاضة أو قرحاً أو جرحاً ، فهو استحاضة مع الاتّصاف بصفاتها ؟

فلا بدّ من ذكر ما يمكن أن يستدلّ به للمطلوب أو بعضه وحدود دلالته ؛ حتّى يتّضح الحال ، فنقول وعلى اللّه الاتّكال :

منها : صحيحة معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ؛ إنّ دم الاستحاضة

ص: 328


1- شرائع الإسلام 1 : 24 ؛ المعتبر 1 : 242 .
2- نهاية الإحكام 1 : 126 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 241 ؛ جامع المقاصد 1 : 338 ؛ جواهر الكلام 3 : 260 .

بارد ، وإنّ دم الحيض حارّ»(1) .

وهي لا تدلّ إلاّ على أنّ الفرق بينهما ذلك ، وفي دوران الأمر بينهما يمتاز أحدهما عن الآخر بما ذكر ، وأمّا أنّ كلّ بارد استحاضة أو كلّ حارّ حيض فلا يستفاد منها .

نعم ، إذا كان الاحتمال ثلاثياً أو أكثر وكان الدم بارداً ، يحكم بعدم الحيضية ، وإن كان حارّاً يحكم بعدم كونه استحاضة ؛ لظهورها في أنّ ما كان بارداً ليس بحيض ، فإنّ صفته هي الحرارة ، وما كان حارّاً ليس باستحاضة .

وكذا إذا كان الدوران بين الاستحاضة والجرح مثلاً وكان الدم حارّاً ، يحكم بعدم كونه استحاضة . ولا يبعد إثبات مقابلها بلازمه .

ومنها : صحيحة حفص بن البَخْتَري قال : دخلتْ على أبي عبداللّه علیه السلام امرأة ، فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم ؛ فلا تدري أحيض هو أو غيره ؟ قال : فقال لها : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد . . .»(2) إلى آخره .

تقريب الاستدلال بها على جعل الأمارة مطلقاً - سواء كان الاحتمال ثنائياً أو أكثر - : أ نّها سألت عمّن استمرّ بها الدم مطلقاً ، فلا يختصّ سؤالها بذات العادة أو غيرها ، فيشمل جميع النسوة .

ص: 329


1- الكافي 3 : 91 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 91 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 2 .

وأيضاً : فرضت استمرار الدم من غير سبقه بالحيض ، فلا يكون مفروضها استمرار الدم بعد الحيض .

وأيضاً قالت : «فلا تدري أحيض هو أو غيره» ولم تقل : «أو استحاضة» ومع ذلك أجاب الإمام علیه السلام بما أجاب بلا اعتناء بسائر الاحتمالات ، فكأنّ احتمال كون الدم من قرح أو جرح أو مبدأ آخر غير ذلك ، غير معتنىً به ، فتكون الأوصاف الاُولى أمارة أو أمارات على الحيضية، والاُخرى على كونه استحاضة .

وإن شئت قلت : إنّ الحرارة مثلاً أمارة الحيض مطلقاً ؛ احتمل معه الاستحاضة أو القرح والجرح أو غيرها ، وكذا البرودة أمارة الاستحاضة مطلقاً .

بل بمناسبة الإرجاع إلى الصفات - بعد كون الرجوع إليها متأخّراً عن الرجوع إلى العادة - يعلم أنّ المرأة التي كانت غير ذات عادة ، تكليفها الرجوع إلى صفة الحيض وصفة الاستحاضة ، فيعلم منها أنّ الاستحاضة لا تنحصر بما يخرج بعد العادة ، كما زعم صاحب «الصحاح»(1) ونقل عن «النهاية»(2) ، بل الدم المستمرّ ولو من غير ذات العادة - مبتدئةً كانت أو مضطربةً - إذا كان بصفة الاستحاضة استحاضة . فما في بعض كلمات أهل التحقيق(3) : من أنّ «الاستحاضة» لم تستعمل في الأخبار إلاّ فيما استمرّ الدم وتجاوز عن أيّام الحيض - كما قال الجوهري - ليس على ما ينبغي . وستعرف استعمالها في غيره في بعض الروايات الاُخر . مع أنّ فيما ذكر كفاية .

ص: 330


1- الصحاح 3 : 1073 .
2- النهاية ، ابن الأثير 1 : 469 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 190 .

هذا ، ولكن يمكن أن يقال : - مضافاً إلى قصور الرواية عن إثبات عموم

المدّعى ؛ أي الكلّية المتقدّمة - إنّ معهودية دم النساء في الدمين أو الدماء الثلاثة

- وكون احتمال القرح والجرح ممّا لا ينقدح في الذهن غالباً ؛ لندرتهما - توجب أن تكون الرواية سؤالاً وجواباً ، منصرفةً عن سائر الدماء غير الدمين ، فكأنّ السؤال عن الدم المعهود بينهنّ الدائر أمره بين الحيض والاستحاضة . وقولها : «أو غيره» ليس المراد منه إبداء احتمال غير الاستحاضة والحيض ، فكأ نّها قالت : «حيض أو لا» ولهذا أجاب علیه السلام عن الحيض والاستحاضة فقط ، فحينئذٍ لا يستفاد منها أمارية الصفات في غير مورد الدوران .

نعم ، يستفاد منها أنّ الاستحاضة لا تنحصر بالدم المستمرّ بعد أيّام العادة ، كما

أ نّه مستفاد من مرسلة يونس ، فإنّ تقسيمَ حالات المستحاضة إلى الأقسام الثلاثة ، وجعلَ السنّة الثالثة للمستحاضة «التي لم تر الدم قطّ ، ورأت أوّل ما أدركت . . . واستحاضت أوّل ما رأت» وغيرها من التعبيرات ، دليل على عدم الانحصار بما ذكره الجوهري وابن الأثير .

نعم ، لا تدلّ هي ولا الصحيحة - على إطلاقها - على غير استمرار الدم ، ولا

على الاستمرار مطلقاً ، كالاستمرار قبل البلوغ وبعد اليأس .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى

الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(1) .

ص: 331


1- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 396 / 1230 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .

والظاهر من «رؤية الصفرة في غير أيّامها» حدوثها في غير أيّامها ؛ سواء كان قبلها أو بعدها .

وأمّا احتمال كون المراد استمرار الصفرة إلى ما بعد أيّامها ففاسد .

كما أنّ قوله : «توضّأت وصلّت» ظاهر في أنّ الصفرة موجبة للوضوء ، لا أنّ ذكر الوضوء إنّما هو لكونه شرطاً للصلاة ؛ ضرورة أنّ ظاهر الشرطية دخل الشرط في ترتّب الجزاء . مع أنّ تخصيص الوضوء بالذكر من بين سائر الشرائط ، يبقى بلا وجه .

وكيف كان : فلا إشكال في ظهورها في أنّ الصفرة مطلقاً - في غير أيّام العادة - موجبة للوضوء ، وتكون حدثاً بصِرف وجودها ؛ استمرّت أو لا ، يخرج منها المستمرّة إلى ثلاثة أيّام مع عدم التجاوز عن العشرة ؛ للإجماعات المتقدّمة(1) ويبقى الباقي .

ولعلّ ذكر الوضوء دون الغسل - مع أنّ المتوسّطة والكثيرة توجبانه - لكون الصفرة غالباً غير منفكّة عن القلّة ، كما تشهد له - بل تدلّ عليه - صحيحة يونس في أبواب النفاس ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة ولدت ، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، قال : «فلتقعد أيّام قُرئها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة ، وإن رأت صفرة فلتتوضّأ ثمّ لتصلّ»(2) . حيث جعل الصفرة في مقابل الصبيب ؛

ص: 332


1- تقدّمت في الصفحة 65 - 67 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 175 / 502 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 3 .

أي المنحدر الكثير . مع أ نّه إطلاق قابل للتقييد .

ثمّ إنّ دلالتها على أنّ الصفرة في غير أيّامها أمارة الاستحاضة ، لا ينبغي أن تنكر ؛ لأنّ ما يوجب الوضوء من الدماء ليس إلاّ الاستحاضة ، فيكشف الأمر بالوضوء عن كونها استحاضة .

واحتمالُ كون الأمر بالوضوء للزوم عمل الاستحاضة عليها ، ولا يلزم أن تكون مستحاضة والدم استحاضة ، بعيدٌ عن فهم العرف والصواب .

والإنصاف : أنّ العرف بعد ما يرى أنّ الصفرة جعلت علامة للاستحاضة في الجملة ، ويرى أنّ حكم الاستحاضة الوضوء دون سائر الدماء ، ثمّ يسمع هذا الحديث ، لا تنقدح في ذهنه هذه الوساوس ، ويفهم من الرواية أنّ الصفرة أمارة الاستحاضة . نعم ، لو ثبت كون «الاستحاضة» لغةً وعرفاً هي ما قال الجوهري لم يكن بدّ من الالتزام بلزوم ترتيب أحكامها ؛ من غير أن يكون الدم استحاضة والمرأة مستحاضة ، بل مع احتمال ذلك أيضاً يشكل الحكم بهما . لكن معهودية انحصار دم النساء بالثلاثة توجب الكشف المشار إليه آنفاً .

ومنها : رواية «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن المرأة ترى الصفرة أيّام طمثها ، كيف تصنع ؟

قال : «تترك لذلك الصلاة بعدد أيّامها التي كانت تقعد في طمثها ، ثمّ تغتسل وتصلّي ، فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها ؛ يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة وتصلّي»(1) .

ص: 333


1- مسائل علي بن جعفر : 210 / 454 ؛ قرب الإسناد : 225 / 879 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 7 .

ودلالتها واضحة ؛ لأنّ الوضوء عند كلّ صلاة ، حكم الاستحاضة .

ومنها : روايته الاُخرى عنه ، عن أخيه علیه السلام ، قال : سألته عن المرأة ترى الدم في غير أيّام طمثها ، فتراها اليومَ واليومين ، والساعةَ والساعتين ، ويذهب مثل ذلك ، كيف تصنع ؟ قال : «تترك الصلاة إذا كانت تلك حالها ما دام الدم ، وتغتسل كلّما انقطع عنها» . قلت : كيف تصنع ؟ قال : «ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة وتصلّي ، ولا غسل عليها من صفرة تراها إلاّ في أيّام طمثها . . .»(1) إلى آخره .

والظاهر سقوط شيء أو تقديم وتأخير في الرواية ، ولعلّ الصحيح : قلت : كيف تصنع إذا رأت صفرة ؟ قال . . . إلى آخره ، أو : قلت : كيف تصنع ما دامت ترى الصفرة ؟ قال : «فلتتوضّأ من الصفرة» .

وكيف كان : فهي ناصّة على أنّ الوضوء من الصفرة ، وأ نّها حدث . ويدفع به الاحتمال عن صحيحة محمّد بن مسلم على فرضه ، وتقريب الدلالة كما تقدّم . ولا بدّ من توجيه صدرها ، ولعلّه حكم ظاهري عند رؤية الدم والطهر .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : «وإن لم تر شيئاً» أي بعد الاستبراء «فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتوضّأ ولتصلّ»(2) .

ومنها : روايات في باب اجتماع الحيض والحمل ، كصحيحة أبي المغرا ، وفيها :

ص: 334


1- قرب الإسناد : 225 / 880 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 8 .
2- الكافي 3 : 80 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 1 .

«إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(1) .

وكموثّقة إسحاق بن عمّار : عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(2) بعد توجيه صدرها .

وكرواية محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام : «إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء»(3) .

وغاية ما يستفاد من مجموع الروايات : أمارية الصفات للاستحاضة فيما دار الأمر بينها وبين الحيض ولو في غير مستمرّة الدم ، أو في الأعمّ منه وممّا احتمل فيه شيء آخر - من قرح أو جرح - بشرط عدم تحقّق مبدئهما ، على تأمّل فيه كما مرّ(4) . وأمّا استفادة حكم دم الصغيرة واليائسة فلا ؛ لعدم عموم أو إطلاق يرجع إليهما ، ولعدم إمكان تنقيح المناط وإلغاء الخصوصية عرفاً .

ص: 335


1- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .
4- تقدّم في الصفحة 19 - 20 .

المقام الثالث في أنّ «كلّ ما يمتنع أن يكون حيضاً فهو استحاضة»

اشارة

ومنه يظهر الكلام في المقام الثالث ؛ أي أنّ كلّ ما يمتنع أن يكون حيضاً فهو

استحاضة ولو لم يتّصف بصفاتها ؛ حيث إنّ الروايات التي استدلّ بها أو يمكن أن يستدلّ بها لذلك - مثل ما دلّت على أ نّها مستحاضة بعد الاستظهار(1) ومثل صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن علیه السلام قال : قلت له : إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم ، ثمّ طهرت ، فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، أتُمسك عن الصلاة ؟ قال : «لا ، هذه مستحاضة ؛ تغتسل وتستدخل قطنة . . .»(2) إلى آخره وكصحيحة الصحّاف الواردة في الحامل(3) - لا يمكن استفادة تلك الكلّية منها .

كلام بعض الأعلام وردّه

نعم ، قد يقال : «إنّ المستفاد من موارد الدماء الممتنع كونها حيضاً - التي تعرّض لها الشارع ابتداءً ، وفي جواب السؤال ، وحكم بكونها استحاضة حقيقية

ص: 336


1- وسائل الشيعة 2 : 301 - 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 3 و4 و6 و10 .
2- الكافي 3 : 90 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 3 .

أو حكمية ، أو كون صاحبتها مستحاضة ، مع احتمال وجود دم آخر في الجوف غير الحيض والاستحاضة - عدمُ الاعتناء بهذا الاحتمال في كلّ ما امتنع كونه حيضاً وإن لم يتعرّض له في الأخبار ، فيحصل حدس قطعي للفقيه بأ نّه لو تعرّض الإمام علیه السلام للدم الخارج من اليائسة الفاقد لصفات الاستحاضة ، لحكم بكونه استحاضة . مع إمكان أن يقال : إنّه إذا حكم على الصفرة مطلقاً بكونها حدثاً - كما تقدّم استفادة ذلك من بعض الأخبار - تكون الحمرة الممتنع كونها حيضاً ، كذلك بطريق أولى ، فتأمّل»(1) ، انتهى .

وفيه : - مع ممنوعية الحدس القطعي ، وكون العهدة على مدّعيه - أ نّه على فرض تسليمه غير مفيد .

بل القطعُ بكون ما تقذفه بعد اليأس أو قبل البلوغ هو الدم الطبيعي الذي تقذفه الرحم في أيّام إمكان الحيض ، بل القطعُ بكونه استحاضةً ، غيرُ مفيد ما لم يدلّ دليل على أنّ كلّ استحاضة أو مستحاضة ، محكومة بتلك الأحكام ، وإلاّ فقد أوضحنا سابقاً (2) أنّ الدم المقذوف من الرحم يعدّه العرف - مع قطع

النظر عن حكم الشارع - حيضاً ؛ كان مستمرّاً بعد العادة أو لا ، كان أقلّ من ثلاثة أيّام أو لا ، أكثر من عشرة أيّام أو لا ، بعد اليأس أو قبله ، لكنّ الشارع جعل لقسم منه أحكاماً ، ولقسم آخر أحكاماً اُخرى ، وسمّى الثاني : «استحاضة» فما جعله الشارع موضوعاً لحكمه الأوّل ، ليس ماهية مباينة لما جعله موضوعاً لحكمه الثاني ، فحينئذٍ بعد العلم بكون الدم حيضاً أو استحاضة ، لا بدّ

ص: 337


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 15 .
2- تقدّم في الصفحة 8 - 9 و321 - 322 .

من التماس الدليل على موضوعيته للحكم . فالدم المقذوف قبل البلوغ أو بعد اليأس ، ليسا حيضاً حكماً بلا إشكال وكلام .

وإن ثبت كونهما حيضاً موضوعاً - أي ثبت كونهما الدم المعهود المقذوف بحسب العادة الطبيعية - فلا بدّ في ثبوت حكم الاستحاضة لهما من قيام دليل على أنّ كلّ دم لم يكن حيضاً ولو حكماً ، فهو استحاضة حكماً ، أو إثبات الحكم لكلّ مستحاضة . والأخبار الواردة في أبواب الحيض والاستحاضة ، ليس فيها ما يدلّ على ذلك غير موثّقة سَماعة قال : قال : «المستحاضة إذا ثقب الدمُ الكُرْسُفَ اغتسلت لكلّ صلاتين»(1) ثمّ ذكر فيها أقسام الاستحاضة وأحكامها .

لكن استفادة الإطلاق منها مشكلة ؛ حيث إنّها في مقام بيان أقسام الاستحاضة والمستحاضة ، فكأ نّه قال : «المستحاضة على أنواع : منها كذا ، ومنها كذا . . .» فاستفادة ثبوت الأحكام لكلّ مستحاضة حتّى في حال الصغر ممنوعة ؛ لعدم كون الأحكام للصغيرة ، وكذلك بعد الكبر .

وغير رواية «العيون» عن الرضا علیه السلام في كتابه إلى المأمون : «والمستحاضة تغتسل وتحتشي وتصلّي ، والحائض تترك الصلاة ولا تقضي ، وتترك الصوم وتقضي»(2) .

ص: 338


1- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 124 ؛ وسائل الشيعة 2 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 9 .

وهي أيضاً في مقام بيان حكم آخر ؛ فإنّ جعل المستحاضة في مقابل الحائض - وأ نّها كذا وهي كذا - يمنع عن الإطلاق .

وأمّا سائر الأخبار فكلّها - على الظاهر - واردة في التي تحيض ، كأخبار الاستحاضة ، وأخبار النفاس ، وأخبار الاستظهار .

توجيه الحكم باستحاضة اليائسة والصغيرة

لكن يمكن أن يقال : إنّ الشكّ في ثبوت أحكام المستحاضة لما بعد اليأس وقبل البلوغ ؛ إمّا لأجل احتمال كون الدم بعد اليأس وقبل البلوغ ، ماهية غير ماهية دم الحيض والاستحاضة ، ويكون مجراه غير مجراهما ، ولا تكون حقيقته هي الدم الطبيعي المقذوف من الأرحام كسائر الدماء المقذوفة منها .

فهو مقطوع الفساد ، ومخالف للوجدان في بعض مصاديقها ، كما لو استمرّ دم المرأة ممّا قبل يأسها إلى ما بعده ، فهل يحتمل كونه إلى آنٍ ما قبل اليأس من مجرى مستقلٍّ ، مقذوفاً من الرحم ، معهوداً من النساء ، فلمّا انقضى ذلك الآن تغيّر

المجرى ؛ وخرج من مجرى آخر غير السابق ، ولا يكون الدمَ المقذوف المعهود ؟ ! وكذا الحال فيما قبل البلوغ ، فإذا فرض رؤية الدم على النهج المألوف في سنة قبل بلوغها ، واستمرّ في شهر قبل البلوغ حتّى بلغت ، فهل يجوز احتمال اختلاف طبيعته ومجراه ساعةً ما قبل البلوغ وما بعده ؟ !

والإنصاف : أنّ الشكّ من جهة الموضوع في مثل ما ذكر في غاية الوهن ، ويعدّ من الوسوسة ومخالفاً للعرف واللغة .

ص: 339

وبعد رفع الشكّ من هذه الجهة يبقى الشكّ من جهة اُخرى : وهي احتمال أن يكون الدم المحكوم بكونه استحاضة شرعاً ، هو ما ترى في زمان البلوغ إلى حدّ اليأس . وهذا الشكّ مدفوع :

أمّا بالنسبة إلى اليائسة ، فبإطلاق الأدلّة في بعض الموارد ، كما إذا رأت دماً عشرة أيّام مثلاً ، وطهراً ثلاثة أيّام ، وتكون هذه الأيّام قبل اليأس ، ثمّ رأت دماً

بعده ، فهذا مشمول لإطلاق صحيحة صفوان بن يحيى المتقدّمة .

وكون ما ذكر فرداً نادراً لا يوجب الانصراف وعدم الإطلاق ، فهل ترى عدم إطلاقها بالنسبة إلى ما قبل اليأس بشهر مثلاً ، مع عدم الفرق بينه وبين ما ذكرنا في ذلك ؟ !

وكذا يشمل بعض الفروض إطلاق مرسلة يونس الطويلة ، كما إذا استمرّ دم ذات العادة إلى ما بعد اليأس ، ويكون آخر عادتها متّصلاً بيأسها ، فتكون مشمولة لقوله : «فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة» وكذا يشمل بعض فقراتها بعض الفروض الاُخرى .

فحينئذٍ تثبت لليائسة أحكام الاستحاضة في بعض الفروض بالأدلّة ، وفي بعضها بالاستصحاب أيضاً ، ويتمّ فيما عداها بالقطع بعدم الفرق وبعدم القول بالفصل قطعاً .

بل لا يبعد إطلاق مثل موثّقة سَماعة ورواية «العيون» ، والمناقشة المتقدّمة لعلّها في غير محلّها بعد فرض تحقّق الموضوع عرفاً ولغ-ةً .

بل يمكن أن يقال : إنّ الأحكام المترتّبة على المستحاضة ، مترتّبة ظاهراً على نفس الطبيعة ؛ وإن كان مورد كثير منها ذات العادة أو من تحيض ، لكن لا يفهم

ص: 340

منها الخصوصية . بل كثير منها يشمل بعض الفروض المتقدّمة .

هذا كلّه حال اليائسة .

وأمّا الصغيرة ، فبعد فرض تحقّق الموضوع - أي كون الدم المستمرّ منها استحاضة - يمكن استفادة حكمها من بعض الأدلّة في الجملة ؛ فإنّ الظاهر من مثل قوله : «وإذا رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت»(1) وقوله : «ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة»(2) أنّ لها سببية للوضوء ؛ وأنّ دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء وضعاً .

فيكون المقام نظير ما ورد في سببية النوم والبول للوضوء ؛ ممّا يعلم منه كونهما سببين من غير فرق بين صدورهما من الصغير والكبير والمجنون وغيرهم .

فقوله : «فلتتوضّأ من الصفرة» ظاهر في سببية طبيعتها للوضوء ، ويكون إيجاب الوضوء إرشاداً إلى السببية ، فيفهم العرف أنّ نفس الطبيعة سبب وضعاً للوضوء ؛ وإن كان التكليف لا يتعلّق بالصغيرة في حال صغرها . والإنصاف أنّ الحكم ثابت بعد تحقّق الموضوع .

نعم ، مع الشكّ في تحقّقه - كما لو رأت الصغيرة الدم في أوائل سِني ولادتها - لا يمكن إثبات الحكم . والظاهر أنّ مثلها خارج عن نظر الفقهاء رضوان اللّه عليهم .

ص: 341


1- تقدّم في الصفحة 321 .
2- تقدّم في الصفحة 334 .
فرع في اجتماع الحمل والحيض

كان مقتضى الترتيب ذكر جواز اجتماع الحمل والحيض في باب الحيض ، لكن لمّا كان بحثنا على ترتيب «الشرائع» وقع بعض المباحث خلاف الترتيب ، والأمر سهل .

الأقوال في المقام
اشارة

وقد اختلفت كلمات الأصحاب اختلافاً كثيراً في هذا الفرع :

فقيل باجتماعهما مطلقاً ، كما عن «المبسوط» في العدد ، و«الفقيه» و«المقنع» و«الناصريات»(1) وعن كثير من كتب العلاّمة(2) وعن الشهيد والمحقِّق الثاني وغيرهم(3) . وعن «المدارك» : «أ نّه مذهب الأكثر»(4) . وعن «جامع المقاصد» : «أ نّه مذهب المشهور»(5) ، بل عن «الناصريات» الإجماع عليه(6) . وفي «الجواهر» : «أ نّه المشهور نقلاً وتحصيلاً»(7) .

ص: 342


1- المبسوط 5 : 240 ؛ الفقيه 1 : 51 ؛ المقنع : 50 ؛ مسائل الناصريات : 169 .
2- مختلف الشيعة 1 : 195 ؛ منتهى المطلب 2 : 274 ؛ نهاية الإحكام 1 : 117 .
3- الدروس الشرعية 1 : 97 ؛ جامع المقاصد 1 : 287 ؛ مسالك الأفهام 1 : 67 .
4- مدارك الأحكام 2 : 9 .
5- جامع المقاصد 1 : 286 .
6- مسائل الناصريات : 170 .
7- جواهر الكلام 3 : 262 .

وقيل بعدمه مطلقاً ، كما عن الكاتب(1) والمفيد(2) والحلّي العجلي(3) وهو مختار «الشرائع»(4) وعن «النافع» : «أ نّه أشهر الروايات»(5) وعن «شرح المفاتيح» : «وادّعي تواتر الأخبار في ذلك»(6) .

ولعلّ المراد ب- «أشهر الروايات أو الروايات المتواترة» الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة ، كما وردت في استبراء الجواري والسبايا (7) وما وردت في جواز طلاق الحامل على كلّ حال(8) وغيرها ممّا سيأتي الكلام فيها (9) .

وقيل بالتفصيل بين استبانة الحمل وعدمها ، فلا تحيض في الأوّل ، كما عن «الخلاف» و«السرائر»(10) وعن الأوّل دعوى الإجماع عليه ، وجعل الخلاف فيما قبل الاستبانة .

ص: 343


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 195 .
2- أحكام النساء ، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد9 : 24 .
3- السرائر 1 : 150 ؛ عزاه إليه في الذكرى والتنقيح وجامع المقاصد . راجع مفتاح الكرامة 3 : 140 .
4- شرائع الإسلام 1 : 24 .
5- المختصر النافع : 9 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 140 ؛ مصابيح الظلام 1 : 217 .
7- وسائل الشيعة 21 : 83 و84 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 3 ، الحديث 1 و4 .
8- وسائل الشيعة 22 : 55 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ، الباب 25 ، الحديث 3 و5 .
9- يأتي في الصفحة 346 - 351 .
10- الخلاف 1 : 247 ؛ السرائر 1 : 150 .

وقيل : «إنّ المتأخّر عن عادتها عشرين يوماً استحاضة» ، كما عن «النهاية» و«التهذيب» و«الاستبصار»(1) ، وعن المحقّق في «المعتبر» الميل إليه(2) ، وعن «المدارك» تقويته(3) .

وقيل : «إنّه إن رأت في أيّام عادتها واستمرّ ثلاثة أيّام فهو حيض»(4) .

وقيل بحيضية ما ترى في العادة وما تقدّمها وما ترى جامعاً للصفات ، وبعدم الحيضية في غيرهما (5) . . . إلى غير ذلك(6) .

فالمسألة ليست من المسائل التي يمكن فيها التمسّك بالشهرة والإجماع ، فلا بدّ من النظر في أدلّة القوم :

أدلّة الاجتماع مطلقاً

فتدلّ على الأوّل ؛ أي الاجتماع مطلقاً - بعد الأصل في بعض الفروض والعمومات الدالّة على أنّ ما رأت في أيّام العادة حيض(7) ، وأدلّة الصفات - الأخبار المستفيضة المعتبرة الإسناد والواضحة الدلالة ، مثل صحيحة عبداللّه بن

ص: 344


1- النهاية : 25 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 388 ، ذيل الحديث 1196 ؛ الاستبصار 1 : 140 ، ذيل الحديث 481 .
2- المعتبر 1 : 201 .
3- مدارك الأحكام 2 : 12 .
4- الجامع للشرائع : 44 .
5- جواهر الكلام 3 : 265 .
6- مثل ما قاله الصدوق رحمه الله في الفقيه 1 : 51 ، ذيل الحديث 6 .
7- مثل مرسلة يونس القصيرة ؛ الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 3 .

سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن الحبلى ترى الدم ، أتترك الصلاة ؟ فقال : «نعم ؛ إنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم»(1) .

وصحيحة صفوان قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام ، تصلّي ؟

قال : «تمسك عن الصلاة»(2) .

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الحبلى ، ترى الدم - كما كانت ترى أيّام حيضها - مستقيماً في كلّ شهر ؟

قال : «تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها ، فإذا طهرت صلّت»(3) .

وصحيحة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الحبلى ترى الدم ؟

قال : «نعم ؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم وهي حبلى»(4) .

وصحيحة سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، الحبلى ربّما طمثت ؟

ص: 345


1- الكافي 3 : 97 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1187 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1193 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1194 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 7 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1188 ؛ الاستبصار 1 : 139 / 475 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 10 .

قال : «نعم ؛ وذلك أنّ الولد في بطن اُمّه غذاؤه الدم ، فربّما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته ، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة»(1) . . . إلى غير ذلك ممّا لا شبهة في دلالتها .

أدلّة الاجتماع في الجملة

وتدلّ على الاجتماع في الجملة جملة كثيرة من الروايات الاُخر ، كصحيحة ابن الحجّاج(2) والحسين بن نعيم الصحّاف(3) وأبي المغرا حُمَيد بن المثنّى(4) وموثّقة إسحاق بن عمّار(5) ممّا صرّحت بالجمع مع قيود سيأتي الكلام فيها (6) .

أدلّة عدم الاجتماع مطلقاً

واستدلّ على النفي مطلقاً بطوائف من الروايات :

منها : ما في هذا الباب ، وعمدتها قويّة السكوني عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام أ نّه قال : «قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حَبَلٍ ؛ يعني إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة ، إلاّ أن ترى على رأس الولد ، إذا ضربها الطلق

ص: 346


1- الكافي 3 : 97 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 14 .
2- تأتي في الصفحة 353 .
3- تأتي في الصفحة 355 .
4- تقدّمت في الصفحة 334 - 335 .
5- تقدّمت في الصفحة 335 .
6- يأتي في الصفحة 355 .

ورأت الدم تركت الصلاة»(1) .

ولا يعلم أنّ التفسير لأبي جعفر علیه السلام أو لأبي عبداللّه علیه السلام أو للسكوني ، ومع الاحتمال وعدم الدليل على كونه للإمام علیه السلام لا يمكن التمسّك بالتفسير . ومع قطع النظر عنه يمكن الخدشة فيما نقل عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم :

أمّا أوّلاً : فلأنّ هذا التعبير ممّا يستشمّ منه الطفرة عن بيان الحكم ؛ فإنّ لمثل هذا التعبير مقاماً خاصّاً ، ولا يناسب عدم اجتماع الحمل والحيض ، فإنّ قوله : «ما كان اللّه ليفعل كذا . . .» يناسب مورداً يكون صدور الفعل خلاف شأن الفاعل أو المفعول به ، كقوله تعالى : )وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّه ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ((2) . وقوله : )مَا كَانَ اللّه ُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّه َ يَجْتَبِى مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ((3) . وقوله : )وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً((4) . . . إلى غير ذلك ممّا هو على هذا الاُسلوب .

ومعلوم أنّ اجتماع الحيض والحمل ليس كذلك ؛ لا تكويناً ولا تشريعاً . والظاهر أنّ الرواية بصدد بيان التشريع ، وإلاّ فلا شبهة بحسب التكوين في اجتماع الدم - المعهود قذفه من طبيعة الأرحام في بعض الأوقات - مع الحمل ،

ص: 347


1- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1196 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 12 .
2- الأنفال (8) : 33 .
3- آل عمران (3) : 179 .
4- التوبة (9) : 122 .

كما أشار إليه بعض الروايات المتقدّمة ، فحينئذٍ أيّ محذور في جعل الحكم على

الدم المقذوف في حال الحمل حتّى يستحقّ هذا التعبير ؟ ! تأمّل .

وأمّا ثانياً : فلإمكان أن يقال : إنّ المراد من قوله هذا هو نفي التلازم بين

حيض وحمل ، فقوله : «ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حَبَل» أي ما كان اللّه ليجعل المعية والملازمة بينهما ، بل قد يفترقان وقد يجتمعان . وهذا التوجيه وإن كان مخالفاً لفهم العرف بدءاً ، لكن في مقام الجمع بينها وبين ما صرّح بالقذف في بعض الأحيان ، لا يكون بذلك البعد .

وإن أبيت عنه فلا محيص من ردّ علمها إلى أهله ؛ بعد عدم مقاومتها سنداً ودلالةً لما تقدّم ، وبعد كونها موافقة لأشهر فتاوى العامّة(1) وكون الراوي عامّياً (2) . وسيأتي بعض الكلام في الرواية في باب النفاس(3) ، فراجع .

وأمّا صحيحة حُمَيد بن المثنّى - قال : سألت أبا الحسن الأوّل علیه السلام عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيّام وفي الشهر والشهرين ، فقال : «تلك الهِراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة»(4) - فلا ربط لها بالمقام ؛ فإنّ عدم الإمساك عنها لأجل عدم حصول شرط الحيض ، فغير الحبلى أيضاً كذلك ، لكنّ السائل لمّا سأل عن الحبلى أجاب عنها ، ولو سأله عن غيرها أيضاً كان الحكم عدم الإمساك .

ص: 348


1- المغني ، ابن قدامة 1 : 313 ؛ المجموع 2 : 386 ؛ الشرح الكبير ، ذيل المغني 1 : 313 .
2- العدّة في اُصول الفقه 1 : 149 ؛ تنقيح المقال 1 : 127 / السطر 29 .
3- يأتي في الصفحة 540 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 8 .

وكذا رواية مُقَرِّن الفتياني عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «سأل سلمان علياً علیه السلام عن رزق الولد في بطن اُمّه ، فقال : إنّ اللّه تبارك وتعالى حبس عليه الحيضة ، فجعلها رزقه في بطن اُمّه»(1) فإنّها لا تدلّ على عدم الاجتماع ، بل هو إخبار عن الواقع ، ويكفي في صحّته احتباسها نوعاً أو احتباس مقدار منها ، كما في بعض ما تقدّم .

وأمّا التمسّك(2) بروايات صحّة طلاق الحبلى(3) مع الإجماع على عدم صحّة طلاق الحائض ، ففيه : أنّ الإجماع في الحامل ممنوع ، فلا تدلّ تلك الروايات على عدم الاجتماع . كما أنّ في تلك الروايات صحّة طلاق الغائب وغير المدخول بها ، فتكون تلك الروايات مخصّصة لأدلّة اعتبار الطهر في الطلاق(4) ، بل حاكمة عليها .

وأمّا روايات الاستبراء بحيضة(5) فهي أيضاً غير دالّة على عدم الاجتماع مطلقاً ؛ فإنّ الاجتماع إنّما يكون في بعض الأحيان ، كما أشار إليه بعض الروايات

ص: 349


1- علل الشرائع : 291 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 13 .
2- السرائر 1 : 150 .
3- وسائل الشيعة 22 : 54 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ، الباب 25 ، و : 59 ، الباب27 .
4- وسائل الشيعة 22 : 23 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ، الباب 9 .
5- وسائل الشيعة 21 : 84 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 3 ، الحديث 4 ، و : 93 ، الباب 8 ، الحديث 5 ، و : 96 ، الباب 10 ، الحديث 2 ، و : 104 ، الباب 17 ، الحديث 1 .

المتقدّمة بقوله : «ربّما قذفت بالدم» أو «فربّما فضل عنه» أي عن غذاء الطفل «فدفقته» . . . إلى غير ذلك ، فحينئذٍ يكون الاستبراء بحيضة أمارةً على عدم الحمل ؛ لنُدرة الاجتماع . بل جَعْلُ العدّة لأجل استبراء الأرحام ثلاث حِيَض أو حيضتين(1) دليلٌ على جواز الاجتماع .

نعم ، هناك روايات اُخر ربّما تشعر بعدم الاجتماع :

منها : رواية محمّد بن حكيم المنقولة في أبواب العدد ، عن العبد الصالح علیه السلام

قال : قلت له : المرأة الشابّة التي تحيض مثلها ، يطلّقها زوجها ، فيرتفع طَمْثها ، ما عدّتها ؟ قال : «ثلاثة أشهر» .

قلت : فإنّها تزوّجت بعد ثلاثة أشهر ، فتبيّن بها - بعد ما دخلت على زوجها - أ نّها حامل ، قال : «هيهات من ذلك يابن حكيم ! رفع الطمث ضربان : إمّا فساد من حيضة ، فقد حلّ لها الأزواج ، وليس بحامل ، وإمّا حامل ، فهو يستبين في ثلاثة أشهر»(2) .

ومنها : روايته الاُخرى عن أبي عبداللّه أو أبي الحسن علیهما السلام قال : قلت له : رجل طلّق امرأته ، فلمّا مضت ثلاثة أشهر ادّعت حبلاً . . . إلى أن قال : «هيهات ! هيهات ! إنّما يرتفع الطمث من ضربين : إمّا حبل بيّن ، وإمّا فساد من الطمث»(3) .

ص: 350


1- راجع وسائل الشيعة 22 : 198 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 12 - 15 .
2- الكافي 6 : 102 / 4 ؛ وسائل الشيعة 22 : 224 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 25 ، الحديث 4 .
3- الكافي 6 : 102 / 5 ؛ وسائل الشيعة 22 : 224 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 25 ، الحديث 5 .

وفي رواية رِفاعة المنقولة في أبواب نكاح العبيد والإماء ، قال : سألت أبا الحسن موسى علیه السلام . . . إلى أن قال : فقال : «إنّ الطمث تحبسه الريح من غير حبل»(1) .

وفي رواية عبداللّه بن محمّد قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فقلت له : اشتريت جارية . . . إلى أن قال : ثمّ أقبل عليَّ فقال : «إنّ الرجل يأتي جاريته فتعلق منه ، ثمّ ترى الدم وهي حبلى ، فيرى أنّ ذلك طمث فيبيعها ، فما اُحبّ للرجل المسلم أن يأتي الجارية حبلى»(2) . . . إلى غير ذلك .

وجه الجمع بين ما دلّت على الاجتماع وما دلّت على عدمه مع قطع النظر عن صحيحة الصحّاف

وهذه الروايات وإن كانت تشعر أو يدلّ بعضها على عدم الاجتماع ، لكنّ الجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة الصريحة في اجتماعهما ، يقتضي حمل هذه على رفع الحيض بالحمل نوعاً ، وأنّ وقوعه في أيّام الحيض نادر ، فيصحّ أن يقال : «يرتفع طمثها ، وأنّ ارتفاعه قد يكون بالحمل . . .» إلى غير ذلك من التعبيرات ، فلا ينافي ذلك قذف الرحم في بعض الأحيان ، كما في الروايات المتقدّمة من أ نّه «ربّما قذفت» أو «ربّما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته» وهذا

ص: 351


1- الكافي 5 : 475 / 2 ؛ وسائل الشيعة 21 : 86 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 8 : 178 / 623 ؛ وسائل الشيعة 21 : 87 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 5 ، الحديث 1 .

جمع عقلائي بين الطائفتين ، ولا إشكال فيه .

ثمّ إنّه بعد ما قلنا بالجمع في الجملة ، فالأرج-ح في الجمع بين روايات الباب - مع قطع النظر عن صحيحة الصحّاف(1) - هو الحكم بالتحيّض إذا رأت في أيّام العادة ؛ دماً كان أو صفرة أو كدرة ، والتحيّض بالصفات في غيرها ، والحكم بالاستحاضة مع الاتّصاف بصفاتها ؛ وذلك لأنّ الروايات على طوائف :

منها : ما دلّت على وجوب ترك الحبلى الصلاة إذا رأت الدم ، كصحيحة عبداللّه بن سنان وصحيحة صفوان(2) ومرسلة حريز(3) وصحيحتي أبي بصير وسليمان بن خالد(4) ورواية رُزَيق بن الزبير(5) .

وغالب هذه الروايات ليس في مقام بيان أنّ الدم في زمان الحبل حيض ، بل لها إهمال من هذه الجهة ، وإنّما هي بصدد بيان أنّ الحبل يجتمع مع الحيض ، ولمّا كان القول بامتناع الاجتماع معروفاً وموافقاً لفتوى أكثر فقهاء العامّة وأشهر مذاهبهم - على ما حكي(6) - كانت الأسئلة والأجوبة في مقام التعرّض لهم والردّ

ص: 352


1- تأتي في الصفحة 355 .
2- تقدّمتا في الصفحة 344 - 345 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1186 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 9 .
4- تقدّمتا في الصفحة 345 .
5- الأمالي ، الطوسي : 699 / 34 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 17 ، ويأتي متنها في الصفحة 530 .
6- وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، ذيل الحديث 12 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 179 .

عليهم وبيان نكتة قذف الحبلى الدم ، كقوله : «ربّما كثر ففضل عنه» أي عن غذاء الولد «فدفقته» .

وكقوله في صحيحة أبي بصير قال : سألته عن الحبلى ترى الدم ، قال : «نعم ؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم وهي حبلى» فلا يمكن مع ذلك استفادة الإطلاق من غيرها أيضاً - كصحيحة صفوان - ممّا يوهم الإطلاق .

ولو فرض إطلاق فيها أو في بعض آخر فلا إشكال في عدم الإطلاق في غالبها . والإطلاق في البعض - على فرض التسليم - ضعيف يرفع اليد عنه بما دلّت على الرجوع إلى الصفات ، فيقيّد إطلاقها بما دلّ على أ نّه «إن كان دماً كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين» .

وقوله : «إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء» .

وهذه هي الطائفة الثانية المقيّدة للاُولى على فرض إطلاقها .

والطائفة الثالثة : ما تعرّضت لأيّام العادة ، كصحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحبلى ترى الدم وهي حامل - كما كانت ترى قبل ذلك - في كلّ شهر ، هل تترك الصلاة ؟ قال : «تترك الصلاة إذا دام»(1) .

والظاهر منها هو السؤال عن ذات العادة ؛ وإن كان لاحتمال الأعمّ أيضاً وجه . وقوله : «تترك الصلاة إذا دام» ليس المراد منه إلاّ الدوام إلى زمان حضور

ص: 353


1- الكافي 3 : 97 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1189 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 2 .

الصلاة في مقابل الدفقة والدفقتين ، لا الدوام إلى ثلاثة أيّام ، كما قد يتوهّم .

وكصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الحبلى ترى الدم - كما كانت ترى أيّام حيضها - مستقيماً في كلّ شهر ، قال : «تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها ، فإذا طهرت صلّت» .

وهي تدلّ على أنّ الحبلى وغيرها سواء ؛ إذا رأت الدم في أيّام حيضها فسبيلها سبيل غيرها ، وغاية ترك الصلاة هي الطهر .

وموثّقة سَماعة قال : سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل ، قال : «تقعد أيّامها التي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم على الأيّام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة»(1) .

ورواية الصحّاف الآتية ، وفيها : «وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر ، فإنّه من الحيضة ، فلتمسك عن الصلاة» .

والظاهر منها عدم التفصيل في التحيّض في العادة بين كون الدم موصوفاً بصفات الحيض أو غيرها . وإطلاق أدلّة الصفات وإن اقتضى التفصيل ، لكن قوّة ظهور صحيحة محمّد بن مسلم في عدم الافتراق بين الحامل وغيرها فيما إذا رأت في أيّام الحيض - المؤيّدة بما دلّت على أنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض(2) ، وما دلّت على تقديم العادة على

ص: 354


1- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1190 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 11 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 .

الأوصاف(1) - وقوّة الظنّ الحاصل من العادات ، توجب تقديمَ تلك الأخبار على أخبار الأوصاف ، وحملَ أخبارها على غير ذات العادة والرؤية في غير العادة .

فتحصّل من جميع ما ذكر بعد ردِّ المطلقات إلى المقيّدات وتقديمِ ما حقّه التقديم : أنّ الحبلى إذا رأت في أيّام عادتها تتحيّض مطلقاً ، وإذا رأت في غيرها - إمّا لأجل عدم كونها ذات عادة، أو لأجل رؤيتها في غيرها - يجب عليها التحيّض مع اتّصاف الدم بصفة الحيض ؛ من الحمرة ، أو الكثرة التي تلازم الدفع ، أو غيرها من الأوصاف ، وإذا رأت بصفة الاستحاضة تجعله استحاضة ، وتعمل عملها .

قوّة العمل بصحيحة الصحّاف

بقي الكلام في صحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّ اُمّ ولد لي ترى الدم وهي حامل ، كيف تصنع بالصلاة ؟

قال : فقال لي : «إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت

الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث ، فلتتوضّأ وتحتشي بالكُرسُف وتصلّي . وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر ، فإنّه من الحيضة ، فلتمسك عن الصلاة عدد أيّامها التي كانت تقعد في حيضها . . .»(2) الحديث .

ص: 355


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 .
2- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 168 / 482 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 3 .

وهي تدلّ على ثبوت التحيّض برؤية الدم في أيّام العادة وقبلها بقليل ، وعلى عدم حيضية ما رأت بعد عشرين يوماً .

وعن الشيخ في «النهاية» و«التهذيب» الفتوى بمضمونها (1) . وعن المحقّق في «المعتبر» الميل إليه(2) .

وفي «المدارك» : «أ نّه يتعيّن العمل بها»(3) .

وهو لا يخلو من قوّة ؛ لصحّة سندها ، ووضوح دلالتها ، وحكومتها على أدلّة الصفات الواردة في الحبلى ؛ فإنّ مدلول أدلّة الصفات أنّ الحبلى إذا رأت دماً كثيراً أو دماً أحمر كثيراً أو دماً عبيطاً فلا تصلّي(4) ، فهي تدلّ على ثبوت الحكم ، والصحيحة تدلّ على نفي الموضوع بقوله : «فإنّ ذلك ليس من الرحم ، ولا من الطمث» وهذا لسان الحكومة ، ويقدّم عرفاً على ما كان لسانه ثبوت الحكم .

نعم ، بين الصحيحة وأدلّة الأوصاف - من غير الباب - كصحيحة معاوية بن عمّار وحفص بن البَخْتَري وما يحذو حذوهما (5) معارضة العموم من وجه .

لكن قوّة ظهور الصحيحة في مضمونها ، وبُعد حملها على الدم الفاقد للصفات - مع أنّ الفاقد غير محكوم بالحيضية ؛ كان قبل عشرين أو بعدها ، ولا وجه

ص: 356


1- النهاية : 25 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 388 ، ذيل الحديث 1196 .
2- المعتبر 1 : 201 .
3- مدارك الأحكام 2 : 12 .
4- وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 و6 و16 .
5- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 - 3 .

لتخصيص هذا المصداق القليل الوجود بالذكر - يوجب تقديمها على أدلّة الأوصاف .

وأنت إذا راجعت وجدانك ، ونظرت في الصحيحة وروايات الأوصاف ، وعرضتهما على الفهم العرفي الخالي من الدقائق العقلية ، ترى أنّ ذهن العرف لا يتوجّه إلى كون نسبة الصحيحة مع مقابلاتها عموماً من وجه ، ولا ينقدح في ذهنك التعارض ، بل ترى أنّ الصحيحة مقيّدة عرفاً لأدلّة الصفات . وهذا هو الميزان لتقديم دليل على غيره ؛ كان بينهما عموم من وجه أو لا ، ولهذا يقدّم الحاكم على المحكوم ولا يلاحظ النسبة ؛ لحكومة العرف بذلك ، فميزان تشخيص التعارض والتقديم والجمع هو فهم العرف العامّ ، لا الدقّة العقلية .

وأمّا ردّ الصحيحة بدعوى إعراض معظم الأصحاب عنها ، وعدم إمكان التأويل في الروايات الكثيرة ، مع قبولها للتوجيه القريب(1) .

فلا يبعد أن يكون في غير محلّه :

أمّا الإعراض غير ثابت ؛ لأنّ المحتمل قريباً بل الظاهر من بعض الكلمات(2) ، أنّ الأصحاب إنّما كانوا بصدد بيان اجتماع الحمل والحيض في الجملة - في مقابل أكثر العامّة القائلين بعدم الاجتماع مطلقاً (3) - من غير تعرّض لهذه المسألة التي هي من فروع الاجتماع ، والمتأخّرون لم يردّوها لشذوذها وعدم العمل بها ،

ص: 357


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 206 .
2- اُنظر جواهر الكلام 3 : 265 .
3- تقدّم تخريجه في الصفحة 348 .

بل جمعوا بينها وبين غيرها ورجّحوا غيرها (1) ، وبعضهم عملوا بها (2) .

نعم ، بعض المتأخّرين رماها بالوحدة وعدم اشتهار القول بها بل وإعراض الأصحاب عنها ، وهو غير ظاهر من المتقدّمين الذين إعراضهم مناط الوهن .

وأمّا عدم إمكان التأويل في الروايات الكثيرة ، فقد مرّ عدم إطلاق أكثر الروايات(3) ، وما هو مطلق قليل ضعيف الإطلاق ، وما هو متعرّض للصفات وإن كان مطلقاً ، لكن رواية محمّد بن مسلم مرسلة ، ورواية إسحاق بن عمّار مطروحة ؛ لعدم العمل بها ، فلا يبقى إلاّ صحيحة أبي المغرا ، ولا مانع من التصرّف فيها ، خصوصاً بعد ما عرفت من الحكومة .

وأمّا القبول للتوجيه فقد عرفت ما فيه ، بعد ما ظهر من مساعدة العرف على الجمع المتقدّم .

لكن مع ذلك كلّه لا تخلو المسألة من إشكال منشأه احتمال الإعراض ، مع شهادة مثل السيّد في «الرياض» وصاحب «الجواهر» وغيرهما (4) على تأمّل في استفادة الإعراض من كلام الأوّل ، فلا بدّ من الاحتياط إلى ما بعد الفحص الكامل حتّى يتّضح الحال .

ثمّ إنّ هاهنا مطالب :

ص: 358


1- جامع المقاصد 1 : 286 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 179 - 181 ؛ جواهر الكلام 3 : 264 - 265 .
2- مدارك الأحكام 2 : 12 .
3- تقدّم في الصفحة 352 - 353 .
4- رياض المسائل 1 : 338 ؛ جواهر الكلام 3 : 265 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 159 .
المطلب الأوّل: في حكم تجاوز الدم عن أكثر الحيض
اشارة

إذا تجاوز الدم عن أكثر الحيض ممّن تحيض ، فلايخلو إمّا أن تكون المرأة ممّن لم تَرَ الدم قبل ذلك أو لا .

والثانية : إمّا ذات عادة مستقرّة أو لا . والاُولى منهما : إمّا أن تكون ذاكرة لعادتها أو لا .

فالاُولى من الأقسام هي المبتدئة ، وقد تطلق على الثالثة ؛ أي من لم تستقرّ لها عادة ، وقد تطلق عليها «المضطربة» كما تطلق على الناسية ، ف- «المبتدئة» - ك- «المضطربة» - لها إطلاقان : عامّ ، وخاصّ(1) ، والأمر سهل . والمتّبع في الأحكام هو الدليل .

فلا بدّ في بيان الأقسام وأحكامها من ذكر مسائل :

ص: 359


1- راجع جواهر الكلام 3 : 267 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 208 - 209 .
المسألة الاُولى: في اعتبار التمييز في المبتدئة
اشارة

المبتدئة بالمعنى الأعمّ - أي من لم تستقرّ لها عادة ؛ إمّا لعدم سبق الدم ، أو لعدم استقرار العادة لها - ترجع أوّلاً إلى التمييز ، فتجعل ما شابه دم الحيض حيضاً ، وما شابه الاستحاضة استحاضة .

وهو «مذهب فقهاء أهل البيت» كما عن «المعتبر»(1) و«مذهب علمائنا» كما عن «المنتهى»(2) .

وعن «الخلاف» و«التذكرة» الإجماع في المبتدئة(3) ، وعن «المدارك» فيها : «أنّ هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب»(4) .

وعن «المعتبر»(5) : «أنّ جماعة من الأصحاب لم يتعرّضوا للتمييز فيما أجد ، كالصدوقين والمفيد وأبي المكارم وسلاّر . وأمّا أبو الصلاح فقد قال : إنّ المضطربة ترجع إلى نسائها ، وإن فقدت فإلى التمييز ، واقتصر للمبتدئة على

ص: 360


1- المعتبر 1 : 204 .
2- منتهى المطلب 2 : 322 .
3- الخلاف 1 : 229 - 230 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 294 .
4- مدارك الأحكام 2 : 14 .
5- والموجود في مفتاح الكرامة هكذا : «وفي المدارك : في المبتدئة هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، قاله في المعتبر . وليعلم أنّ جماعة . . .» . مفتاح الكرامة 3 : 167 .

الرجوع إلى نسائها إلى أن يستقرّ لها عادة(1) . ونصّ في «الغنية»(2) على أنّ عمل المبتدئة والمضطربة على أصل أقلّ الطهر وأكثر الحيض . . .» إلى آخره ، وعن «المبسوط» ما يلوح منه عدم اعتبار التمييز(3) .

وكيف كان : فتدلّ على اعتبار التمييز في المبتدئة - بالمعنى الأعمّ - إطلاقات أدلّة التمييز ، كصحيحة معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ؛ إنّ دم الاستحاضة بارد ، وإنّ دم الحيض حارٌّ»(4) .

وظاهرها أنّ الصفة لماهية الدمين ، وأنّ التمييز حاصل بهما عند الاشتباه والاختلاط بينهما مطلقاً ؛ من غير فرق بين أقسام الاستحاضة والمستحاضة .

وصحيحة حفص بن البَخْتَري وفيها : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة»(5) .

وإطلاق هذه الرواية قويّ جدّاً ، والسؤال إنّما هو عن مستمرّة الدم مطلقاً ، والجواب بيان الأمارات لماهية الدمين ؛ استمرّ الدم أو لا ، كانت المرأة مبتدئة أو

ص: 361


1- الكافي في الفقه : 128 - 129 .
2- غنية النزوع 1 : 38 .
3- المبسوط 1 : 43 .
4- الكافي 3 : 91 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 .
5- الكافي 3 : 91 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 2 .

غيرها . وعدمُ الاكتفاء بذكر الأمارات فقط وتعقيبه بقوله : «فإذا كان للدم حرارة . . .» إلى آخره تحكيمٌ للإطلاق .

والإطلاق في الصحيحتين وغيرهما متّبع لا يرفع اليد عنه إلاّ بدليل ومقيّد ، كما ورد في ذات العادة ، ففي موثّقة إسحاق بن جرير :

قال : سألتني امرأة منّا أن اُدخلها على أبي عبداللّه علیه السلام فاستأذنتُ لها ، فأذن لها فدخلت . . . إلى أن قال :

فقالت له : ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها ؟

قال : «إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ، ثمّ هي مستحاضة» .

قالت : فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة ، كيف تصنع بالصلاة ؟

قال : «تجلس أيّام حيضها ، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين» .

قالت له : إنّ أيّام حيضها تختلف عليها ؛ وكان يتقدّم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ، ويتأخّر مثل ذلك ، فما علمها به ؟

قال : «دم الحيض ليس به خفاء ؛ هو دم حارّ تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد»(1) .

فأرجعها إلى الصفات بعد اختلاف العادة ، كما سيأتي الكلام فيه(2) ، وإطلاقها لما نحن بصدده لا يقصر عن المتقدّمين .

ص: 362


1- الكافي 3 : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- يأتي في الصفحة 373 - 374 و419 .
الروايات التي زعم صاحب «الحدائق» دلالتها على عدم اعتبار التمييز

نعم ، هنا روايات اُخر تمسّك بها صاحب «الحدائق» ردّاً على الأصحاب ، زاعماً أنّ الحكم في المبتدئة وسنّتها عدم الرجوع إلى التمييز مطلقاً (1) :

مرسلة يونس الطويلة

منها : مرسلة يونس الطويلة ، ولمّا كان فيها أحكام كثيرة تدور عليها سنن الاستحاضة والمستحاضة ، فلا بدّ من التيمّن بنقلها على طولها وبيان بعض فقراتها :

روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى العبيدي - وهو ثقة على الأصحّ(2) - عن يونس بن عبد الرحمان ، عن غير واحد سألوا

أبا عبداللّه علیه السلام عن الحيض والسنّة في وقته ، فقال : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم سنّ

في الحيض ثلاث سنن ، بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ؛ حتّى لم يدعْ لأحدٍ مقالاً فيه بالرأي :

أمّا إحدى السنن : فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط

ص: 363


1- الحدائق الناضرة 3 : 193 - 194 .
2- قد وقع الخلاف بين أصحابنا في العبيدي على قولين : أحدهما : أ نّه ضعيف وهو الذي صرّح به جمع ، منهم الشيخ الطوسي رحمه الله . ثانيهما : أ نّه ثقة وهو الذي صرّح به النجاشي والكشّي . رجال النجاشي : 333 / 896 ؛ اختيار معرفة الرجال : 507 / 980 ؛ رجال الطوسي : 391 / 10 ؛ تنقيح المقال 3 : 167 / السطر 26 (أبواب الميم) .

عليها ، ثمّ استحاضت واستمرّ بها الدم ، وهي في ذلك تعرف أيّامها ومبلغ

عددها ، فإنّ امرأة يقال لها : فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت ، فأتت اُمَّ سلمة ، فسألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن ذلك فقال : تدع الصلاة قدر أقرائها» أو «قدر حيضها ، وقال : إنّما هو عَزْف وأمرها أن تغتسل وتَسْتثفِر بثوب وتصلّي» .

قال أبو عبداللّه علیه السلام : «هذه سنّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم في التي تعرف أيّام أقرائها لم تختلط عليها ؛ ألا ترى أ نّه لم يسألها : كم يوم هي ! ولم يقل : إذا زادت على كذا يوماً فأنت مستحاضة ! وإنّما سنَّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها . وكذلك أفتى أبي علیه السلام وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما ذلك عَزف عامر أو ركضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضَّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب» .

قال أبو عبداللّه علیه السلام : «هذا تفسير حديث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وهو موافق له ، فهذه سنّة التي تعرف أيّام أقرائها لا وقت لها إلاّ أيّامها ؛ قلّت أو كثرت .

وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ؛

فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر : فإنّ سنّتها غير ذلك ؛ وذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض فلا أطهر ، فقال لها النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عزف ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلّي ، وكانت تغتسل في كلّ صلاة ، وكانت تجلس في مِرْكَن لاُختها ، وكانت صفرة الدم تعلو الماء» .

قال أبو عبداللّه علیه السلام : «أما تسمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر هذه بغير ما أمر به تلك ! ألا تراه لم يقل لها : دعي الصلاة أيّام أقرائك ، ولكن قال لها : إذا أقبلت

ص: 364

الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلّي !

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها ؛ ألا تسمعها تقول : إنّي اُستحاض فلا أطهر ! وكان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين ، ففي أقلّ من هذا تكون الريبة والاختلاط ، فلهذا احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره ، وتغيّرَ لونه من السواد إلى غيره ؛ وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف ، ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ؛ لأنّ السنّة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيّام الحيض - إذا عرفت - حيضاً كلّه ؛ إن كان الدم أسود أو غير ذلك .

فهذا يبيّن لك أنّ قليل الدم وكثيره أيّام الحيض ، حيض كلّه إذا كانت الأيّام

معلومة ، فإذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه ، ثمّ تدع الصلاة على قدر ذلك . ولا أرى النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال

لها : اجلسي كذا وكذا يوماً ، فما زادت فأنت مستحاضة ، كما لم يأمر الاُولى بذلك .

وكذلك أبي أفتى في مثل هذا ؛ وذلك أنّ امرأة من أهلنا استحاضت ، فسألت أبي عن ذلك ، فقال : إذا رأيت الدم البَحْراني فدعي الصلاة ، وإذا رأيت الطهر - ولو ساعة من نهار - فاغتسلي وصلّي .

وأرى جواب أبي هاهنا غير جوابه في المستحاضة الاُولى : ألا ترى أ نّه قال : تدع الصلاة أيّام أقرائها ! لأ نّه نظر إلى عدد الأيّام ، وقال هاهنا : إذا رأت الدم

البحراني فلتدع الصلاة ، وأمرها هاهنا أن تنظر إلى الدم إذا أقبل وأدبر وتغيّر .

وقوله : البحراني شبه قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ دم الحيض أسود يعرف . وإنّما

ص: 365

سمّاه أبي : بحرانياً لكثرته ولونه .

فهذه سنّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم في التي اختلط عليها أيّامها حتّى لا

تعرفها ، وإنّما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيّام وكثيره» .

قال : «وأمّا السنّة الثالثة : ففي التي ليس لها أيّام متقدّمة ، ولم تَرَ الدم قطّ ، ورأت أوّل ما أدركت ، واستمرّ بها ، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الاُولى والثانية ؛ وذلك أنّ امرأة يقال لها : حَمَنة بنت جحش أتت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي استحضت حيضة شديدة ، فقال : احتشي كُرْسفاً .

فقالت : إنّه أشدّ من ذلك ؛ إنّي أثجّه ثجّاً ! فقال : تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر - في علم اللّه - ستّة أيّام أو سبعة ، ثمّ اغتسلي غسلاً ، وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلاً ، وأخّري الظهر ، وعجّلي العصر ، واغتسلي غسلاً ، وأخّري المغرب ، وعجّلي العشاء ، واغتسلي غسلاً» .

قال أبو عبداللّه علیه السلام : «فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الاُولى والثانية ؛ وذلك لأنّ أمرها مخالف لأمر تينك ؛ ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع ؛ وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك ، ما قال لها : تحيّضي سبعاً ، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً وهي مستحاضة غير حائض ! وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع ؛ وكان أيّامها عشرة أو أكثر ، لم يأمرها بالصلاة وهي حائض !

ثمّ ممّا يزيد هذا بياناً قوله علیه السلام لها : تحيّضي ، وليس يكون التحيّض إلاّ للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض ؛ ألا تراه لم يقل لها أيّاماً معلومة : تحيّضي أيّام حيضك !

ص: 366

وممّا يبيّن هذا قوله لها : في علم اللّه ؛ لأ نّه قد كان لها وإن كانت الأشياء كلّها في علم اللّه ، فهذا بيّن واضح أنّ هذه لم تكن لها أيّام قبل ذلك قطّ . وهذه

سنّة التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه ؛ أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون ، حتّى تصير لها أيّام معلومة ، فتنتقل إليها .

فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث ؛ لا تكاد أبداً تخلو من واحدة منهنّ :

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقها الذي جرت عليه ؛ ليس فيه عدد معلوم موقّت غير أيّامها .

وإن اختلطت الأيّام عليها وتقدّمت وتأخّرت وتغيّر عليها الدم ألواناً ، فسنّتها إقبال الدم وإدباره وتغيّر حالاته .

وإن لم تكن لها أيّام قبل ذلك واستحاضت أوّل ما رأت ، فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون . وإن استمرّ بها الدم أشهراً فعلت في كلّ شهر كما قال لها ، فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر من سبع ، فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلّي ، فلا تزال كذلك حتّى تنظر إلى ما يكون في الشهر الثاني ، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواءً حتّى توالى عليها حيضتان أو ثلاث ، فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً ؛ تعمل عليه وتدع ما سواه ، وتكون سنّتها فيما يستقبل إن استحاضت ، قد صارت سنّة إلى أن تجلس أقراؤها .

وإنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث ؛ لقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم للتي تعرف أيّامها : دعي الصلاة أيّام أقرائك ، فعلمنا أ نّه لم يجعل القرء الواحد

ص: 367

سنّة لها ، فيقول لها : دعي الصلاة أيّام قرئك ، ولكن سَنّ لها الأقراء ، وأدناه حيضتان فصاعداً .

وإن اختلط عليها أيّامها وزادت ونقصت - حتّى لا تقف فيها على حدّ ، ولا من الدم على لون - عملت بإقبال الدم وإدباره وليس لها سنّة غير هذا ؛ لقوله علیه السلام : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي ، ولقوله : إنّ دم الحيض أسود يعرف ، كقول أبي : إذا رأيت الدم البحراني . وإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها ، فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة ، فسنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة حين قالت : إنّي أثجّه ثجّاً»(1) ، انتهى الحديث المبارك .

بيان بعض فقرات المرسلة

وقد استدلّ به صاحب «الحدائق» على أنّ المبتدئة ليس لها سنّة إلاّ الرجوع إلى الأيّام ، وإنّما التمييز سنّة المضطربة خاصّة(2) . وما ذكره وإن كان يوهمه بعض فقرات المرسلة ، لكنّ التأمّل الصادق في مجموعها يدفع ذلك ، فلا بأس ببيان بعض فقرات الحديث حتّى يتّضح الحال :

فنقول أوّلاً على نحو الإجمال : إنّ الظاهر منها أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أجاب عن ثلاث وقائع شخصية : وردت اثنتان منها عليه لفاطمة بنت أبي حبيش ؛ إن كانت

ص: 368


1- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 276 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 4 ، والباب 5 ، الحديث 1 ، والباب 7 ، الحديث 2 ، والباب 8 ، الحديث 3 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 194 .

الواقعتان لمرأة واحدة في حالتين مختلفتين - ويحتمل أن تكون فاطمة بنت أبي حبيش اثنتين ، كما ربّما يشعر به بعض فقرات المرسلة ، كقوله : «أما تسمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر هذه بغير ما أمر به تلك !» وقوله : «فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها» - والواقعة الثالثة هي واقعة حمنة بنت جحش ، لكنّ الصادق علیه السلام قال :

«إنّه صلی الله علیه و آله وسلم بيّن في هذه السنن كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ، ولم يدعْ لأحدٍ مقالاً فيه بالرأي والاجتهادات الظنّية ، الخارجة عن طريق فهم السنّة» .

وهذا يبيّن أنّ فهم القواعد الكلّية من بعض القضايا الشخصية - بإلغاء الخصوصيات عرفاً - ليس من الاجتهاد الممنوع والمقال بالرأي ، كما أفاد أبو عبداللّه علیه السلام طريقه في هذه الرواية ، ونبّه على طريق الاستفادة واستنباط الأحكام الكلّية من السنّة ، كما هو الطريق المألوف .

ثمّ إنّ الظاهر من قول السائل لأبي عبداللّه علیه السلام عن الحيض والسنّة في وقته ، هو أنّ السؤال إنّما كان عن السنّة في تعيين وقت الحيض ، لا عن موضوعه ، ولا عن حكمه ، وإنّما يصحّ هذا السؤال فيما إذا اختلط الحيض بغيره ؛ ولم يعلم أنّ الدم الخارج أيُّ مقدار منه حيض ، وأيُّ الأيّام أيّامه ووقته ، فأجاب بما هو مناسب لشبهته ببيان السنن الثلاث .

فهذه السنن كفيلة لرفع الشبهة الواقعة في وقت الحيض فيما إذا اختلط الحيض بالاستحاضة ، فبمقتضى سوق الرواية والحصر في السنن الثلاث ، لا بدّ من دخولِ سنن جميع أقسام المستحاضة في الرواية الشريفة ؛ واستفادةِ حكم جميع حالات المستحاضة منها .

ص: 369

ثمّ إنّ الظاهر منها في السنن الثلاث ، أنّ إرجاع كلٍّ منهنّ إلى سنّة ليس لأجل اختصاص السنّة بها ، بل لأجل اختصاص مرجعها بها .

مثلاً : إنّ الرجوع إلى العادة ليس مختصّاً بذات العادة التي استمرّ بها الدم مع علمها بعادتها ، بل ذات العادة الكذائية لا مرجع لها إلاّ عادتها ، كما نصّ

عليه في الرواية ، وكذا الحال في السنّتين الاُخرَيين ، فلا يكون الرجوع إلى التمييز مختصّاً بالتي اختلط عليها أيّامها ، بل التي اختلط عليها أيّامها ولا يكون دمها على لون واحد وحالة واحدة ، لا مرجع لها إلاّ الرجوع إلى التمييز . وكذا الحال في المبتدئة التي سيأتي الكلام فيها في ذيل الحديث(1) .

ثمّ لا إشكال في أنّ ذاتَ العادة مع إحصائها أيّام حيضها وعدم اختلاط فيها وعلمها بها ، مرجعُها إلى عادتها ، ويأتي الكلام فيها في محلّه(2) .

ونحن الآن بصدد بيان السنّة الثانية والثالثة ، فقوله : «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ، فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر . . .» فيه احتمالان :

أحدهما : أنّ المراد ممّا ذكر هي الناسية ؛ فإنّ طول زمان استمرار الدم ، صار سبباً لغفلتها عن عددها وموضعها من الشهر بعد كون العدد والموضع معلومين لها .

ويؤيّد ذلك - إذا استظهر من الرواية كون فاطمة بنت أبي حبيش امرأة واحدة - أ نّها أتت مرّة اُمَّ سلمة في زمان كانت ذاكرة لعدد أيّامها ووقتها من

ص: 370


1- يأتي في الصفحة 374 - 375 .
2- يأتي في الصفحة 419 .

الشهر ، واُخرى أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم بعد طول مدّة الدم ونسيانها لهما ، كما يشهد به قوله : «وكان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين» .

وثانيهما : أنّ المراد منه هي التي كانت لها أوّلاً أيّام مضبوطة ، وكانت ذات عادة مستقرّة عدداً ووقتاً ، ثمّ اختلطت الأيّام ؛ وتقدّمت وتأخّرت ، وزادت ونقصت ، ثمّ استمرّ عليها الدم .

ويشهد لهذا الاحتمال - بعد منع كون فاطمة امرأة واحدة طرأت عليها الحالتان ؛ لما تقدّم من ظهور الرواية في كون ما ذكرت فيها مرأتين مسمّيتين ب- «فاطمة» وأنّ أباهما كان مكنّىً ب- «أبي حبيش» - قوله : «زادت ونقصت» ، فإنّ الظاهر منه أنّ الزيادة والنقص إنّما عرضتا للأيّام المتقدّمة ، فكانت الأيّام أوّلاً

مضبوطة غير مختلفة ، ثمّ صارت مختلفة ؛ ناقصة تارة ، وزائدة اُخرى ، وهذا المعنى لا يتصوّر في مستمرّة الدم .

ويؤيّده قوله فيما بعد : «وإن اختلطت الأيّام عليها ، وتقدّمت وتأخّرت» فإنّ التقدُّم والتأخّر المنسوبين إلى الأيّام لا يتصوّران إلاّ قبل استمرار الدم .

ويشهد بذلك قوله : «أغفلت» بصيغة «إفعال» فإنّ معنى «أغفل الشيء» أهمله وتركه ، على ما في «المنجد»(1) ، وفي «الصحاح» : «أغفلتُ الشيء : إذا تركتَه على ذِكر منك»(2) ، فالعدول عن «غَفَلت عن عددها» إلى «أغفلت عددها» لأجل أنّ أيّامها كانت مضبوطة ، وكانت آخذة بعددها وموضعها من الشهر ، ثمّ

ص: 371


1- المنجد : 555 .
2- الصحاح 5 : 1783 .

اختلطت ؛ فزادت ونقصت ، وتقدّمت وتأخّرت ، حتّى تركت الأيّام المضبوطة وأهملتها ، فحينئذٍ تكون الرواية متعرّضة لقسم من المضطربة .

ولا ينافي ما ذكرناه بعض فقراتها ، كقوله : «إنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها» لأنّ مختلطة الأيّام بما ذكرنا أيضاً لا تعرف عددَها ؛ لأنّ أيّامها زادت ونقصت ، ولا وقتها ؛ لتقدّمها وتأخّرها .

ولا يبعد أن يكون أرجح الاحتمالين هو الثاني ، كما استظهر المحقّق الخونساري ظاهراً (1) وإن ضعّفه شيخنا الأعظم قائلاً : «إنّ عدّة مواضع من الرواية تأبى عن ذلك»(2) ولم تتّضح موارد الإباء .

نعم ، ربّما يأباه قوله : «ثمّ اختلط عليها من طول الدم» فإنّ الظاهر منه أنّ طول الدم واستمراره صار سبباً للاختلاط ، وهو لا ينطبق إلاّ على النسيان .

ويمكن أن يقال : إنّ المراد من «طول الدم» ليس طول استمراره ، بل المراد أنّ طول سني رؤيته أوجب الاختلاط ؛ لأنّ في أوائل الأمر لمّا كانت الرحم معتدلة سليمة ، كانت تقذف مضبوطاً عدداً ووقتاً ، ثمّ بعد طول الزمان صارت ضعيفة ، فخرج قذفها عن الاعتدال والانضباط .

وهذا التوجيه وإن كان لا

يخلو من خلاف ظاهر ، لكنّه أهون من رفعِ اليد عن قوله : «زادت ونقصت وتقدّمت وتأخّرت» أو توجيهِه بوجه بعيد . بل لا يبعد أن يكون التعبير ب- «طول الدم» دون «استمراره» لإفادة ذلك .

ص: 372


1- الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية ، المحقّق الخوانساري : 61 / السطر 5 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 226 .

وكيف كان : فيظهر من التأمّل في فقرات الرواية ، أنّ أبا عبداللّه الصادق علیه السلام استشهد على حكمِ من كان لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلطت عليها ، كما هو مفروض كلامه بالسنّة التي سنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في واقعة فاطمة ؛ باعتبار عدم إرجاعِها إلى العادة ، وإرجاعِها إلى التمييز ، فاستفاد من ذلك أنّ هذه امرأة اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها ؛ ممّا هي معتبرة في الرجوع إلى العادة ، فعدم الإرجاع إليها شاهد على اختلاط الأيّام وعدم معرفتها بها ؛ وإن لم يكن شاهداً على كون الاختلاط بعد ما كانت لها أيّام مضبوطة متقدّمة أوّلاً .

ففتوى الصادق علیه السلام في الامرأة التي كانت لها أيّام متقدّمة ثمّ اختلطت ، لم تكن لأجل معلومية أنّ فاطمة بنت أبي حبيش كانت كذلك ، بل لأجل معلوميةِ اختلاط أيّامها ، وعدمِ معرفتها بها ، وكونِ دمها ذا تميّز ؛ وإن لم يعلم أ نّها كانت ذات عادة منضبطة ، ثمّ اختلطت أيّامها ، كما يظهر من قوله : «فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط . . .» إلى آخره ، فمن أجل ذلك يستفاد أنّ تمام الموضوع للرجوع إلى الصفات ، هو الاختلاط وعدم المعرفة مع كون الدم ذا تميّز .

بل يظهر من التعبيرات المختلفة في الرواية - تارة : ب- «التي كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها» .

واُخرى : بأنّ «هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها» من غير ذكر للأيّام المتقدّمة ، وثالثة بقوله : «إذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت . . .» إلى آخره . . . إلى غير ذلك - أ نّه لا يعتبر في الرجوع إلى التمييز إلاّ عدم إمكان الرجوع إلى العادة ؛ سواء كان لفقدانها ، أو اختلاطها ، أو نسيانها ، أو غير ذلك .

ص: 373

وممّا يبيّن ذلك ، التأمّل الصادق في قوله : «فلهذا احتاجت إلى أن تعرف . . .» إلى قوله : «ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت . . .» إلى آخره ؛ فإنّ المتفاهم عرفاً منه : أنّ الاحتياج إلى معرفة لون الدم ، إنّما هو فيما قصرت يدها عن الأمارة التي هي أقوى منها عرفاً وشرعاً ، وأنّ الرجوع إلى التمييز لأجل أنّ دم الحيض أسود يعرف ، فأمارية الصفات أوجبت الإرجاع إليها عند فقد الأمارة المتقدّمة عليها قوّة وكشفاً ؛ من غير دخل لتقدّم الأيّام وعدمه أو اختلاطها وعدمه في ذلك ، فموضوع الإرجاع عرفاً هو وجدان هذه الأمارة وفقدان ما هي أقوى منها .

ولو فرض كون المرأة مبتدئة ذات تمييز ، يفهم من التأمّل في الفقرات أنّ تكليفها الرجوع إلى التمييز ، وعند فقدانه يكون تكليفها غير ذلك .

وأمّا السنّة الثالثة : فإنّه وإن كان يوهم بعض فقرات الرواية كونها للمبتدئة ؛ كانت ذات تمييز أو لا ، لكنّ التأمّل في جميع فقراتها يدفع هذا الوهم ؛ فإنّ الظاهر منها - كما تقدّم - أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم سنّ في ثلاث وقائع شخصية ثلاث سنن ، يفهم منها جميع حالات المستحاضة ، فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن ، لا أنّ المستحاضة تنحصر في الموارد الثلاثة التي وردت على النبي صلی الله علیه و آله وسلم وبيّن أحكامها .

نعم ، وردت السنّة الثالثة -

بحسب الواقعة الشخصية - فيمن لم تَرَ الدم ، ورأت أوّل ما أدركت ، واستمرّ بها ، وكانت كثيرة الدم ، وكان دمها ذا دفع وشدّة ، وعلى لون واحد وحالة واحدة ، كما يستفاد من قولها : «أثجّه ثجّاً» وقد صرّح به في آخر الرواية .

ص: 374

فالمستفاد من جميع المرسلة : أنّ السنّة الثالثة وإن وردت فيمن رأت الدم أوّل ما أدركت ، واستمرّ بها على لون واحد ؛ بحسب الواقعة الشخصية والقضيّة الخارجية ، لكنّها سنّة لكلّ من لم تكن لها عادة ولا تمييز ، كما ينادي به قوله في آخر الرواية : «وإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها ؛ فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة ، فسنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة حين قالت : أثجّه ثجّاً» .

فيستفاد منه : أنّ كلّ من كانت قصّتها كقصّة حمنة من هذه الحيثية - أي إطباق

الدم ؛ وكونه على لون واحد وحالة واحدة المستفادة من قولها : «أثجّه ثجّاً» - تكون سنّتها كسنّتها ، ولا تكون السنّة التي وردت لها ، مختصّة بها وبمن رأت الدم أوّل ما أدركت ، بل الميزان في قصّتها هو الاستمرار وعدم تغيّره .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ المستحاضة لا تخلو إمّا أن تكون ذات عادة معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، أو لا :

فالاُولى : مرجعها إلى العادة لا غيرها .

والثانية : إمّا أن تكون ذات تميّز وتغيّر في لون الدم وحالاته ، أو لا :

فالاُولى : مرجعها إلى التمييز .

والثانية : إلى السبع والثلاث والعشرين .

ولا تخلو مستحاضة من تلك الحالات ، ويستفاد جميع سنن المستحاضة وحالاتها من السنن الثلاث بعد التأمّل التامّ والتدبّر الصادق في فقراتها ، كما قال

في أوّل الرواية : «بيّن كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها» ثمّ أفاد علیه السلام طريق

ص: 375

الاستفادة من قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم .

ولا يخفى : أنّ أبا عبداللّه علیه السلام إنّما أرشد السائلين إلى طريق الاستفادة من كلام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأبي جعفر علیه السلام لفتح باب الاجتهاد عليهم ، لا أنّ طريق علمه بالأحكام هو هذا النحو من الاجتهادات الظنّية والاستظهارات العرفية ، كما هو مقتضى اُصول المذهب .

رواية سماعة وموثّقة ابن بكير

وممّا تمسّك به صاحب «الحدائق» لمذهبه(1) رواية سَماعة قال : سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها ، فدام دمها ثلاثة أشهر ، وهي لا تعرف أيّام أقرائها ، فقال : «أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام ، وأقلّه ثلاثة أيّام»(2) .

وموثّقة عبداللّه بن بكير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك ، تركت الصلاة عشرة أيّام ، ثمّ تصلّي عشرين يوماً ، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام ، وصلّت سبعة وعشرين يوماً»(3) .

وفيه : أنّ لأدلّة الأوصاف نحو حكومة عليهما :

ص: 376


1- الحدائق الناضرة 3 : 194 .
2- الكافي 3 : 79 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1181 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1182 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 6 .

أمّا على الاُولى فظاهر ؛ لأنّ السؤال عمّن لا تعرف أيّام أقرائها ، ولسان روايات الأوصاف - مثل قوله : «إنّ دم الحيض أسود يعرف» وقوله : «إنّ دم الحيض ليس به خفاء» - هو أ نّه مع الأوصاف تخرج المرأة عن موضوع عدم المعرفة .

وأمّا على الثانية : فلأنّ الظاهر منها أنّ ترك الصلاة عشرة أيّام في الدورة الاُولى وثلاثة أيّام فيما بعدها ، ليس لأجل كونها حيضاً ، بل هو حكم تعبّدي لدى التحيّر في معرفة أيّامها .

ويشهد له قول ابن بكير في روايته الاُخرى - التي لا يبعد أن تكون عين الاُولى ، ويكون الاختلاف في النقل ، فتارة : نقلها بجميع ألفاظها ، وتارة : اقتصر على جوهر القضيّة - حيث قال : «فإذا مضى ذلك - وهو عشرة أيّام - فعلت ما تفعله المستحاضة» .

وقال في ذيلها : «وجعلت وقت طهرِها أكثرَ ما يكون من الطهر ، وتركِها للصلاة أقلَّ ما يكون من الحيض»(1) .

ومعلوم : أنّ ظاهر هذه الفقرات ، هو أنّ الحيض والاستحاضة لمّا لم يكونا معلومين وكانا مختلطين ، وجب عليها التحيّض في أيّام والصلاة في اُخرى .

وهذا نظير قوله في مرسلة يونس المتقدّمة : «تحيّضي في علم اللّه . . .» فلسان الروايتين لسان الأصل ، ولسان أدلّة الأوصاف لسان الأمارة ، فتكون حاكمة عليهما .

وينبغي التنبيه على اُمور :

ص: 377


1- تهذيب الأحكام 1 : 400 / 1251 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 .
الأمر الأوّل في شرائط الرجوع إلى التمييز

يشترط في الرجوع إلى التمييز اُمور :

منها : أن لا ينقص ما شابه دم الحيض عن ثلاثة أيّام .

ومنها : أن لا يزيد على عشرة أيّام .

ومنها : عدم نقصان ما شابه الاستحاضة عن عشرة أيّام .

وهذه الشروط - أي عدم جواز جعل ما شابه الحيض حيضاً ؛ إذا نقص عن ثلاثة أيّام أو زاد عن عشرة ، وعدم جواز جعل الطهر بين الحيضتين أقلّ من عشرة أيّام - ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ؛ لما دلّ من المستفيضة على أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، ولا أكثرَ من عشرة أيّام(1) ، وما دلّ على أنّ الطهر لا يكون أقلَّ من عشرة أيّام(2) .

مختار صاحب «الحدائق» في المقام ونقده

وهذه الأدلّة حاكمة على أدلّة الأوصاف ؛ لأنّ جعل الأمارة إنّما هو بعد الفراغ عن إمكان الحيض الواقعي واحتمال وجوده ، وهذه الأدلّة تحديد لواقع الحيض ، وليست الأمارة إلاّ كاشفة عمّا يمكن أن يكون حيضاً ويحتمل تحقّقه ،

ص: 378


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 .

وهذه الروايات ترفع الموضوع وتخرجه عمّا يمكن فيه ذلك ، فهي بلسانها مقدّمة على لسان الأمارات عرفاً .

فما ذهب إليه صاحب «الحدائق»(1) من أ نّها تتحيّض بالأقلّ والأكثر ؛ زاعماً أنّ ذلك مقتضى إطلاق الروايات ، بل مقتضى قوله في مرسلة يونس : «ما كان من قليل الأيّام وكثيره»(2) .

مردود ؛ ضرورة أنّ أدلّة التحديد الحاكمة على أدلّة الصفات ، توجب تحديد القليل والكثير بأيّام إمكان الحيض .

وممّا ذكرنا ظهر حال ما تمسّك به لردّ الشرط الثالث ، وهو بلوغ الدم الضعيف - وحده أو مع النقاء - عشرة أيّام ، قائلاً :

«إنّ ذلك لا دليل عليه ، بل ظاهر الأخبار يردُّه ، كموثّقة أبي بصير قال : سألت الصادق علیه السلام عن المرأة ترى الدم خمسة أيّام ، والطهرَ خمسةَ أيّام ، وترى الدم أربعة أيّام ، وترى الطهرَ ستّةَ أيّام ، فقال : «إن رأت الدم لم تصلِّ ، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين ثلاثين يوماً ، فإذا مضت ثلاثون يوماً . . .»(3) إلى آخره ، وقريب منها موثّقة يونس بن يعقوب(4)»(5) .

ص: 379


1- الحدائق الناضرة 3 : 195 .
2- تقدّمت في الصفحة 366 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1180 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 79 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1179 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 2 .
5- الحدائق الناضرة 3 : 195 .

والروايتان صحيحتان ، وتوصيفهما ب- «الموثّقة» كأ نّه في غير محلّه .

وكيف كان : فأمّا قوله : «لا دليل عليه» فقد مرّ الدليل عليه(1) .

وأمّا تمسّكه بالروايتين ، ففيه أوّلاً : أنّ مفادهما غير ما نحن فيه ؛ لظهورهما في حصول النقاء ، لا في استمرار الدم واختلاف الألوان .

وثانياً : قد مرّ في محلّه ما هو مفادهما (2) ، وقد حملهما الشيخ على محمل صحيح(3) ، وبيّن المحقّق ما هو المحمل فيهما (4) ، فلا نعيد .

ص: 380


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 118 - 129 .
2- تقدّم في الصفحة 127 - 128 .
3- الاستبصار 1 : 132 ، ذيل الحديث 454 .
4- المعتبر 1 : 207 .
الأمر الثاني في حكم ما تراه بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام

إذا فقد الشرط الأوّل - أي كان ما رأت بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام - فهل

هي فاقدة التمييز ، ولا بدّ لها من الرجوع إلى الأقارب أو الروايات ؛ لو قلنا برجوع الفاقدة إليهما مطلقاً ، أو هي واجدة له في الجملة ؟

قد يقال بالأوّل : «لأنّ أمارة الحيض في اليومين مثلاً التي يلزم منها كون الثالث حيضاً - لما دلّ على عدم كون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام - معارضة لأمارة الاستحاضة في اليوم الثالث التي يلزم منها كون اليومين أيضاً استحاضة ، فتتساقط الأمارتان ، فهي فاقدة التمييز» .

وقد يجاب عنه : «بأنّ سوق الأخبار يشهد بورودها لتمييز الحيض عمّا ليس بحيض الذي هو الاستحاضة ، وإنّما ذكر أوصاف الاستحاضة استطراداً لبيان أ نّه ليس بحيض ، فإذا تبيّن كون بعض ما رأته بصفة الاستحاضة حيضاً - باعتبار كونه مكمّلاً لما علم حيضيته بالأوصاف التي اعتبرها الشارع - فلا تنافيه هذه الأدلّة»(1) انتهى .

وفيه : أ نّه لم يتّضح معنى «الاستطراد» فإن كان المراد أنّ ذكر أوصاف الاستحاضة وقع بعد أوصاف الحيض تبعاً له ، فهو - مع عدم تماميته في جميع الروايات ؛ فإنّ في صحيحة معاوية بن عمّار قدّم ذكر الاستحاضة وصفتها على

ص: 381


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 224 - 225 .

الحيض وصفته(1) - لا يوجب عدم كون الصفات أمارة ، أو رفع اليد عن أماريتها لدى التعارض .

وإن كان المراد أنّ الإمام علیه السلام ليس بصدد بيان أمارية أوصاف الاستحاضة ، بل يكون بصدد أمارية الحيض فقط ، وذكر الأوصاف المقابلة ليس لأجل أماريتها ، بل لبيان فقد أمارة الحيض ، كما يظهر من القائل في خلال كلامه ، فهو غير وجيه ؛ ضرورة ظهور الأدلّة في أمارية كلٍّ من الطائفتين ، ولا يمكن الالتزام بذلك ، خصوصاً في صحيحة معاوية . بل كأ نّه أشرنا سابقاً إلى أولوية أمارية صفات الاستحاضة من صفات الحيض(2) .

وكيف كان : فلا وجه لرفع اليد عن ظهور الروايات في أمارية صفاتهما .

ويمكن أن يقال في جواب الإشكال المتقدّم : إنّ أمارة الاستحاضة فيما نحن فيه ، لا يمكن أن تعارض أمارة الحيض ؛ للعلم بكذب مفادها ، فإنّ المفروض أنّ غير اليومين من أيّام الدم يكون بصفة الاستحاضة ، فالأخذ بدليل صفات الاستحاضة - اللازم منه جعل اليومين أيضاً استحاضة - ممّا لا يمكن ؛ للعلم بكون بعض الأيّام حيضاً ، ضرورة اتّفاق النصّ والفتوى على حيضية بعض الدم المستمرّ ، فحينئذٍ تكون الأمارة الدالّة على كون الجميع استحاضةً ، مخالفةً للواقع ، فلا يمكن الأخذ بها ، فتبقى أمارة الحيض في اليومين بلا معارض ، ولازمها تتميم ما نقص .

ص: 382


1- تقدّمت في الصفحة 361 .
2- تقدّم في الصفحة 171 .
الكلام في كيفية التتميم

نعم ، يبقى الكلام في كيفية التتميم ، فقد يقال : «بالرجوع إلى عادات النساء أو الروايات ؛ فإنّه لم يعرف من أخبار التمييز إلاّ كون اليومين مثلاً حيضاً في الجملة ، وهذا المقدار من المعرفة ، لا يوجب خروجها من موضوع ما دلّ على الرجوع إلى عادات النساء أو الأخبار . وعلى تقدير انصراف الأخبار يفهم حكمه منها عرفاً ؛ لأنّ هذه الأخبار ليست تعبّدية محضة ، بل مناطها اُمور مغروسة في الأذهان»(1) .

وفيه : أنّ إطلاق أدلّة التمييز يحكم بأنّ اليومين حيض ، ولو لم يكن دليل تحديد الحيض بثلاثة أيّام ، لقلنا بمفادها بمقتضى إطلاقها . ودعوى عدم الإطلاق في الروايات وخروج الفرض وأمثاله منها ، في غاية السقوط ؛ ضرورة أنّ الروايات في مقام البيان بلا إشكال ، وإطلاقها محكّم ، وإنّما يخرج منه بقدر ما ورد من التقييد .

ولا تنافيها أدلّة تحديد الحيض بثلاثة أيّام ؛ لعدم المنافاة بين كون اليومين حيضاً ، مع كون اليوم الثالث أيضاً حيضاً ؛ لأنّ وجدان الصفة أمارة على الحيضية ، وأمّا فقدانها فليس أمارة على شيء . نعم وجدان صفات الاستحاضة أمارة عليها ، ولازمها عدم الحيضية . لكن قد عرفت عدم إمكان الأخذ بها .

فحينئذٍ يؤخذ بأمارة الحيض في اليومين ، وتترك أمارة الاستحاضة بمقدار

ص: 383


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 227 - 228 .

تتميم أقلّ الحيض ؛ لما دلّ على عدم كون الحيض أقلّ من ثلاثة ، وتبقى أمارية صفات الاستحاضة في اليوم الرابع وما زاد بلا معارض ، فيؤخذ بها .

ومع قيام الأمارة على الاستحاضة في الأيّام الزائدة ، وقيام الأمارة أيضاً على

حيضية ثلاثة أيّام ، لا وجه للرجوع إلى عادات النساء ممّا ثبت - نصّاً وفتوى - تأخّر أماريتها عن أمارية التمييز . وأوضح منه عدم الرجوع إلى الروايات ، الذي هو تكليف فاقدة التمييز والأمارة .

فرفع اليد عن أدلّة التمييز إمّا لدعوى قصور أدلّتها عن شمول هذه الفروض ، فهي مدفوعة بما تقدّم من إطلاق الأدلّة . ويظهر إطلاقها من الرجوع إليها والتأمّل في مفادها . ولَعَمْري ، إنّ الناظر فيها لا يشكّ في شمولها لجميع الفروض ؛ مع قطع النظر عن روايات التحديد .

وإمّا لدعوى دخول الفروض في أدلّة الرجوع إلى النساء والأخبار ، ففيها : أ نّه مع شمول إطلاقات أدلّة التمييز لها لا معنى للرجوع إليهما ؛ لحكومة أدلّة التمييز عليهما على فرض شمولهما لها . فالتتميم - بالرجوع إلى العادات والأخبار - ممّا لا أرى له وجهاً وجيهاً .

ثمّ إنّه على فرض خروج هذه الفروض عن مفاد الأدلّة وانصرافها عنها ، لا وجه لفهم أحكامها بالرجوع إلى العرف بدعوى ارتكازية المناط .

اللهمّ إلاّ أن يدّعى : أنّ الارتكاز والمغروسية في أذهان العرف ، يوجب عدمَ الانصراف ، بل إلغاءَ الخصوصيات عرفاً ، فله وجه ، لكنّه يرجع إلى دلالة الأدلّة ، لا إلى حكم العرف ؛ فإنّه لا معنى للرجوع إليه إلاّ في فهم مفادها .

ص: 384

الأمر الثالث في حكم ما تراه بصفة الحيض أكثر من عشرة أيّام

إذا فقد الشرط الثاني - بأن ترى زائداً على العشرة بصفة الحيض - فهل هي فاقدة التمييز مطلقاً أو لا ؟

وعلى الثاني : هل يجب عليها التحيّض من أوّل الرؤية إلى عشرة أيّام ، أو التحيّض من أوّل الرؤية وتتميمه بمقدار عادات النساء أو الأخبار ، أو يجب عليها الرجوع إلى عادات النساء أو الأخبار - في أيّام رؤية الدم بصفة الحيض - مخيّرة بينهما ، أو يفصّل بين ما إذا كانت للأمارات جهة مشتركة أو لا ، كما تأتي الإشارة إليه ؟

وجوه ، مقتضى القواعد هو التفصيل الأخير .

وأمّا القول بكونها فاقدة التمييز مطلقاً (1) فضعيف ؛ لأنّ رفع اليد عن أمارة الاستحاضة في أيّام رأته بصفتها ، ممّا لا وجه له بعد ما عرفت من إطلاق الأدلّة .

كما أنّ لازم الأمارات المتعارضة في صورة التعارض بينها ، هو عدم حيضية الضعيف في الجملة ، فأمارات الحيضية المتعارضة - لأجل أدلّة تحديد الحيض بالعشرة - متّفقة في عدم حيضية الضعيف وإن تعارضت في محلّ الحيض من

ص: 385


1- المعتبر 1 : 206 .

الأيّام ، ولازمُ الأمارات المتعارضة مع اتّفاقها فيه حجّةٌ ، فلا إشكال في التمييز في الجملة ؛ لا لفهم العرف بعد انصراف الأدلّة ، كما قيل(1) ، بل لما ذكرنا من إطلاقِ أدلّة أمارات الاستحاضة ، ولازمِ أمارات الحيض في فرض التعارض .

وأمّا التحيّض في أوّل الرؤية بعشرة أيّام ، كما عن شيخ الطائفة(2) أو بالتتميم بالعادات أو الأخبار(3) فغير تامّ ؛ لعدم الترجيح بين الأيّام في بعض الصور ، بل الترجيح لغير الأوّل في بعضها ، كما يأتي . والتمسّك بقاعدة الإمكان(4) - مع ما تقدّم من عدم الدليل عليها (5) - لا وجه له هاهنا ولو فرض الدليل عليها ؛ لعدم الرجحان بين الأيّام بعد قيام الأمارة على جميعها وتساوي جريان القاعدة فيها .

ودعوى ظهور الأدلّة في التحيّض أوّل ما رأت ، كقوله في صحيحة حفص بن البَخْتَري : «فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة»(6) ، وقوله في مرسلة يونس : «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة»(7) .

غير وجيهة ؛ لأنّ الأدلّة إنّما هي بصدد بيان أمارية الأوصاف مطلقاً ، لا في أوّل الحدوث ، فمعنى قوله : «إذا كان للدم حرارة . . .» إلى آخره : أ نّه كلّما كان

ص: 386


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 224 .
2- المبسوط 1 : 46 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 228 .
4- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 249 .
5- راجع ما تقدّم في الصفحة 68 .
6- تقدّمت في الصفحة 361 .
7- تقدّمت في الصفحة 364 .

للدم حرارة كان حيضاً ، ولهذا لو لم تكن أدلّة التحديد لقلنا بحيضية جميع الأيّام ، ومع تلك الأدلّة يقع التعارض في الأيّام بين الأمارات من غير ترجيح . والترجيح بتقدّم الزمان - بدعوى خروج الزمان المتأخّر عن إمكان الحيضية بعد انطباق الأدلّة بلا مانع على الأيّام الاُولى - ممّا لا وجه له ؛ لأنّ التقدّم الزماني لا يوجب الترجيح . والتطبيق على الاُولى ورفع اليد عن الأدلّة في الأيّام الاُخرى من غير مرجّح ، لا وجه له .

والأقوى - بحسب القواعد - هو التفصيل بين ما إذا كانت للأمارة جهة مشتركة ، كما إذا رأت خمسة عشر يوماً ، فإنّ اليوم السادس إلى العاشر مورد اتّفاق الأمارات على حيضيتها ؛ بعد الأخذِ بإطلاق أدلّتها ، وتحديدِ الحيض بما دلّ على أ نّه لا يزيد على عشرة أيّام ، فحينئذٍ يقع التعارض بين الأمارات من أوّل

رؤية الدم بصفة الحيض إلى الخامس ، ومن اليوم الحادي عشر إلى الخامس عشر ، وتتّفق في المفاد من اليوم السادس إلى العاشر ، فتكون المرأة ذات تمييز وقتاً وعدداً ، فلا ترجع إلى عادات نسائها والأخبار مطلقاً ؛ لتقدّم التمييز عليهما .

وأمّا إذا وقع التعارض بينها من غير اتّفاق - كما لو رأت عشرين يوماً بصفة الحيض - فتتعارض الأمارات في جميع الأيّام ، فتكون من جهة الوقت ذات تمييز في الجملة ، ومن جهة العدد غير ذات تمييز ، فترجع إلى التمييز في الوقت في الجملة ؛ بمعنى أ نّه لو كانت عادة النساء في آخر الشهر خمسة أيّام ، ورأت متّصفاً بصفات الحيض من أوّل الشهر إلى العشرين ، تحيّضت في أيّام التمييز ، فتقدّم أدلّة التمييز على أدلّة عادات النساء بالنسبة إلى الوقت ، وأمّا بالنسبة إلى

العدد ، فلا مزاحم لإطلاق أدلّة الرجوع إلى عادات النساء ؛ لأنّ رفع اليد عنها

ص: 387

- بعد إطلاقها - إنّما هو لفهم تقدّم أدلّة التمييز عليها ؛ وكونِ التمييز أمارة أقوى من أمارة العادات ، كما تشهد به رواية سَماعة(1) بل يمكن الاستدلال عليه بمرسلة يونس ، ومع التعارض بين أمارات التمييز تصير فاقدة بالنسبة إلى العدد .

هذا مع إمكان أن يقال : إنّ التعارض بين الأمارات إنّما وقع في محلّ التحيّض ، لا في عدد الأيّام ، فهي ذات أمارة وتمييز بالنسبة إلى العشرة ، وغير ذات تمييز بالنسبة إلى المحلّ الخاصّ ، فتتخيّر في جعل العشرة في أيّ محلّ من اليوم الأوّل إلى العشرين ، إلاّ إذا عيّنت عادات النساء وقت حيضها ، كما لو فرض كون العادات من أوّل الشهر إلى خمسة أيّام ، فيجب عليها الأخذ بالعشرة من أوّل الشهر ؛ لأ نّها بالنسبة إلى الوقت غير ذات تمييز ، فلا بدّ من رجوعها إلى

الأمارة المتأخّرة عن التمييز .

ثمّ إنّ ما ذكرنا من لزوم الأخذ بعشرة أيّام ، جارٍ في الفرع المتقدّم ؛ أي ما إذا كانت للأمارات جهة مشتركة ؛ لعدم ما يدفع لزوم الأخذ بعشرة أيّام ، فإنّ عادات نسائها أمارة متأخّرة عن أمارة التمييز على عشرة أيّام ، فتدبّر .

ولو فقدت النساء ، وقلنا بأ نّها غير ذات تمييز بالنسبة إلى العدد ، فلا

يبعد الرجوع إلى الأخبار ؛ بدعوى فهم ذلك من رواية يونس ؛ حيث قال في ذيلها عند بيان القاعدة الكلّية - بعد بيان السنّتين الاُوليين - : «فإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها ؛ فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد . . .» إلى آخره ؛ بأن يقال :

ص: 388


1- تقدّمت في الصفحة 376 .

إنّ قوله : «فإن لم يكن الأمر كذلك» له مصاديق ، ويكون جميع مصاديقها موضوعاً للحكم المترتّب عليه ؛ أي السبع والثلاث والعشرين ، وإنّما ذكر بعض مصاديقه الواضحة من غير أن يكون الحكم منحصراً في هذا المصداق ، فمع فقدان التمييز الذي يمكن الرجوع إليه ، يكون تكليفها الرجوع إلى الروايات ؛ لصدق قوله : «لم يكن الأمر كذلك» .

وبعبارة اُخرى : أنّ الإرجاع إلى التمييز في السنّة الثانية ، إنّما يكون فيما

يمكن الإرجاع إليه ؛ وهو كون التمييز بلا مزاحم ، فموضوع الحكم في التمييز هو التمييز القابل للإرجاع إليه . وفي مقابله المعبّر عنه بقوله : «فإن لم يكن الأمر كذلك» هو مطلق ما لا

يكون التمييز مرجعاً لها ؛ سواء فقد التمييز - وهو المصداق الواضح المذكور في المرسلة - أو كان تمييز ، لكن لم يمكن الرجوع إليه ، كما فيما نحن فيه ، فتدبّر جيّداً .

لكن قد عرفت : أ نّها بالنسبة إلى العدد ذات تمييز ، فلا يجوز لها الرجوع إلى عادات النساء في العدد ، فضلاً عن الرجوع إلى الروايات .

نعم ، لو كانت بالنسبة إلى الوقت غير ذات تمييز - كما لو رأت عشرين يوماً - رجعت إلى عادات النساء في تعيين الوقت ، وإلاّ فتتخيَّر .

وأمّا لو كانت ذات تمييز بالنسبة إليه أيضاً - كما لو رأت خمسة عشر يوماً - كانت بالنسبة إلى اليوم السادس إلى العاشر ذات تمييز وقتاً ، فتأخذ به . لكن لو كانت عادة النساء في أوّل الشهر - مثلاً - لا يبعد تقدّم الأخذ بالعشرة - من أوّل

الشهر إلى العاشر - على الأخذ من السادس إلى العاشر ، وفي العكس تقدُّم العكس .

ص: 389

الأمر الرابع في حكم ما إذا رأت ذات التمييز صفرة بين الدمين

إذا فقد الشرط الثالث ؛ بأن ترى بين الدمين المتّصفين بصفة الحيض - الصالح كلٌّ منهما في نفسه أن يكون حيضاً - دماً بصفة الاستحاضة أقلّ من عشرة أيّام ، فتارة : يكون مجموع الطرفين والوسط عشرة أيّام أو أقلّ .

واُخرى : يكون متجاوزاً عنها .

وحينئذٍ تارة : يكون بعض الدم الثالث متمّماً للعشرة .

واُخرى : يكون الدم المتوسّط متمّماً لها .

فعلى الأوّل : هل يحكم بكون الطرفين حيضاً ، ويتّبعهما الوسط ؛ إمّا بدعوى أولوية جعل الدم المتوسّط حيضاً من جعل النقاء حيضاً ، كما مرّ سابقاً ؟

أو بدعوى : أنّ أوصاف الاستحاضة ليست أمارات لها ، بل الأمارية مختصّة بأوصاف الحيض ، وإنّما ذكر أوصافها استطراداً ولبيان فقدان أوصاف الحيض ، لا لوجدان أوصاف الاستحاضة ، فحينئذٍ تكون الأمارة القائمة على حيضية الطرفين بلا مانع ، فتأخذ بها ، وتجعل الوسط حيضاً تبعاً ؛ لكون أقلّ الطهر عشرة أيّام ؟

ولا يخفى ما في الدعويين ؛ لما مرّ من ظهور الأدلّة في أمارية الوصفين(1) ، ولا دليل على كون صفة الاستحاضة مذكورة استطراداً ، فحينئذٍ لا يكون جعل

ص: 390


1- تقدّم في الصفحة 170 - 171 و381 - 382.

الدم الموصوف بصفات الاستحاضة حيضاً أولى من جعل النقاء كذلك ؛ لقيام الأمارة هاهنا على الاستحاضة وعدم الحيضية ، بخلاف ما هناك .

فقدان المرأة للتمييز بناءً على أمارية أوصاف الاستحاضة

ثمّ على فرض أمارية أوصاف الاستحاضة كما هو التحقيق ، فهل تصير المرأة فاقدة التمييز ، أو يحكم بكون الدم المتقدّم حيضاً ، والمتوسّط استحاضة ، ويتبعها المتأخّر ، أو يعكس الأمر ؛ فيحكم بكون الدم المتقدّم والمتوسّط استحاضة ، دون المتأخّر ؟

وجوه ، أوجهها الأوّل ؛ لمعارضة الأمارات في الأطراف ، فالأخذ بأمارة الطرفين تعارضه أمارة الوسط ، والأخذ بالوسط واتّباع الأوّل أو الثاني تعارضه أمارة الحيضية ، ومع عدم رجحان شيء منها لا يمكن الأخذ بواحدة منها ، فتصير فاقدة التمييز من هذه الجهة وإن كانت واجدة من بعض الجهات ؛ فإنّ أمارة الحيض في الطرفين توجب انحصار الحيض في أحدهما ، كما أنّ أمارة الاستحاضة فيما بعد الأيّام تدفع حيضيته .

وقد يقال : إنّ المتّجه في هذه الصورة الحكم بكونِ الوسط استحاضة ، وكونِ الأسود اللاحق تابعاً له ؛ لإطلاق أدلّة الأوصاف المقيّدة بالإمكان ، فحينئذٍ يكون الأصفر موجوداً في زمان إمكان الاستحاضة ، بخلاف الأسود اللاحق ، فإنّه وجد في زمان امتناع الحيضية إلاّ على فرض كون الأصفر حيضاً ، وحيث إنّ الأصفر طهر - بمقتضى إطلاق الأدلّة - فالأسود اللاحق ليس بحيض . وببيان آخر : اعتبار وصف الدم اللاحق موقوف على عدم اعتبار صفة الدم السابق ، فلو كان

ص: 391

عدم اعتبار صفة السابق موقوفاً على اعتبار صفة اللاحق ، لزم الدور(1) .

وفيه : أنّ ترجيح أمارية صفة السابق على صفة اللاحق ، إن كان لتقدّمها

الزماني فلا وجه له ؛ ضرورة أنّ مجرّد القبلية في التحقّق ، لا يوجب الترجيح عقلاً ولا نقلاً .

وإن كان لأجل امتناع الأخذ بالثاني ؛ لكونه موجوداً في زمان يمتنع أن يكون حيضاً ، ففيه : أ نّه مستلزم للدور ؛ لأنّ الامتناع يتوقّف على الترجيح ، ولو كان الترجيح متوقّفاً على الامتناع لزم الدور .

وأمّا الدور المدّعى ففيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أ نّه لا توقّف لأحد الطرفين على الآخر ، ولا تقدّم ولا تأخّر لأحدهما حتّى يتحقّق التوقّف . مع أ نّه يمكن المعارضة : بأنّ اعتبار وصف الدم السابق موقوف على عدم اعتبار صفة اللاحق ، ولو كان عدم اعتبار صفة اللاحق موقوفاً على اعتبار صفة السابق ، لزم الدور .

والحقّ : أ نّه لا توقّف ولا دور ، ولا وجه لترجيح إحدى الأمارات على الاُخرى .

ومنه يظهر الحال في الصورتين الأخيرتين ، فإنّ التحقيق فيهما أيضاً كونها فاقدة التمييز ؛ لتعارض الأمارات وعدم رجحان شيء منها .

ثمّ إنّه مع إمكان التمييز من بعض الجهات دون بعض ، يجب عليها تقديم التمييز فيما يمكن ، والأخذ بعادة النساء أو الأخبار فيما لا يمكن ، ويظهر الحال ممّا مرّ .

ص: 392


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 229 - 230 .
الأمر الخامس في حكم المبتدئة الفاقدة للتمييز
اشارة

إن فقدت المبتدئة التمييز ؛ بأن ترى على لون واحد وحالة واحدة ، أو كان التمييز بحيث لا يجوز الرجوع إليه ، كما في تعارض الأمارات فيما لا يجوز الاتّكال عليها مطلقاً ، فالمشهور - كما عن جماعة - الرجوع إلى عادة نسائها (1) ، بل عن جماعة دعوى الإجماع والاتّفاق عليه(2) . وهذا على الإجمال ممّا لا إشكال فيه .

لكنّ الكلام يقع في جهات :

الجهة الاُولى : في كيفية الجمع بين الروايات

منها : بيان كيفية الجمع بين روايات التمييز وروايات العدد وروايات الرجوع إلى عادة النساء .

فنقول : إنّ الظاهر من روايات التمييز(3) أنّ أمارية ألوان الدم وحالاته قويّة كاملة ؛ بحيث تستحقّ أن يطلق عليها : «إنّ دم الحيض ليس به خفاء» وأ نّه «أسود يعرف» وإن كانت أماريته متأخّرة عن العادة نصّاً وفتوى .

وأمّا لسان روايات الرجوع إلى العدد والأخبار فلسان أصل عملي ، كما يظهر

ص: 393


1- مدارك الأحكام 2 : 15 - 16 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 15 ؛ كشف اللثام 2 : 76 .
2- الخلاف 1 : 234 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 295 ؛ التنقيح الرائع 1 : 104 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 .

بالنظر في مرسلة يونس ؛ حيث قال فيها :

«تحيّضي في علم اللّه . . .»(1) وفسّره الإمام علیه السلام بتكلّف عمل الحائض .

وكذا الحال في رواية عبداللّه بن بكير ؛ حيث قال فيها :

«جعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر ، وتركها الصلاة أقلّ ما يكون

من الحيض»(2) .

فالظاهر من روايات العدد ، هو كون مفادها تكليف من لا طريق لها إلى حيضها ؛ وتكون متحيّرة فيه ، ولهذا أرجعها في مضمرة سَماعة إلى العدد بعد اختلاف عادات النساء ، فلا إشكال في تأخّر الرجوع إلى العدد عن الرجوع إلى عادات النساء والتمييز .

وأمّا حال التمييز مع عادات النساء :

فالظاهر من أدلّتهما تقدّم التمييز على العادات ؛ لأنّ ما وردت في الرجوع إلى

العادات منها : موثّقة سماعة على رواية الشيخ(3) وقد حكم فيها بالرجوع إلى عادة النساء فيمن لم تعرف أيّام أقرائها .

ومنها : رواية أبي بصير وفيها : «وإن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت ،

ص: 394


1- تقدّمت في الصفحة 366 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 400 / 1251 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 .
3- رواها الشيخ بإسناده ، عن زرعة ، عن سماعة ، ورواها الكليني مرفوعةً عن زرعة ، عن سماعة . الاستبصار 1 : 138 / 471 ؛ الكافي 3 : 79 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 2 .

جلست بمثل أيّام اُمّها أو اُختها أو خالتها . . .» إلى آخره(1) ؛ بناءً على كون النفاس بحكم الحيض على ما قيل(2) وإن كان للإشكال فيه مجال .

وكيف كان : فأدلّة التمييز حاكمة عليهما ؛ لأنّ لسان تلك الأدلّة هو معروفية الحيض بالأمارات ، وهما حكما بالرجوع إلى النساء مع عدم المعرفة .

وأمّا رواية زرارة ومحمّد بن مسلم - الموثّقة على الأقرب - عن أبي جعفر علیه السلام قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها ، فتقتدي بأقرائها ، ثمّ تستظهر على ذلك بيوم»(3) ، فهي وإن لم تكن مثلهما ، لكنّ الظاهر حكومة مثل قوله : «إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقها الذي جرت عليه ؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها» وقوله في ذات التمييز : «إنّما تعرفها» أي تعرف أيّامها «بالدم» وقوله : «وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف» . . . إلى غير ذلك على مثل قوله : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها» .

فإنّه لا معنى للاقتداء بالغير مع معلومية العدد والأيّام ، وإنّما الاقتداء بالنساء والأقارب لأجل الكشف الظنّي عن أيّامها ، ومع كون الطريق لنفسها وفي دمها لا مجال للرجوع إلى عادة الغير . وهذا بوجهٍ نظير ظنّ المأموم

ص: 395


1- تهذيب الأحكام 1 : 403 / 1262 ؛ وسائل الشيعة 2 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 20 .
2- غنية النزوع 1 : 40 ؛ منتهى المطلب 2 : 449 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1252 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 1 .

مع اعتباره إذا عارض ظنّ الإمام ؛ حيث إنّ الظاهر تقدّم ظنّه على ظنّ الإمام ، بل ما نحن فيه أولى منه بوجوه .

وبالجملة : بعد النظر في الروايات ، لا يبقى شكّ في تقدّم أدلّة التمييز على الرجوع إلى عادات النساء ، كتقدّم عادتهنّ على العدد والأخبار .

هذا مع أنّ في موثّقة محمّد بن مسلم وجوهاً من الخدشة توهن متنها ؛ بحيث توجب الإشكال في الاتّكال عليها :

كورود التخصيص الكثير المستهجن عليها ، فإنّ إطلاقها يشمل جميع أقسام المستحاضة ؛ ذات عادة كانت أو مميّزة أو مبتدئة أو غيرها ، ولا فرق في الاستهجان بين التقييد والتخصيص الاصطلاحيّين .

ودعوى الانصراف في غاية الوهن ؛ ألا ترى أ نّه لو لم يكن عندنا إلاّ هي ، لما

توقّفنا - ولا توقّف أحد - في كون حكم المستحاضة الاقتداء ببعض نسائها ؛ كانت الاستحاضة ما كانت ، والمستحاضة من كانت ، وميزان الانصراف هو النظر في نفس الرواية دون معارضاتها ومقيّداتها ، فلا إشكال في إطلاقها .

مع أنّ ذاتَ العادة سواء كانت حافظة لعادتها أو ناسية لها ، وذاتَ التمييز سواء كانت مبتدئة أو غيرها ، خارجتان منها نصّاً وفتوى وإجماعاً في بعضها ، فلا تبقى فيها إلاّ المبتدئ-ةُ بلا تمييز ، وغيرُ مستقرّة العادة مع عدم التمييز ؛ على إشكال في الثانية ، ولا إشكال في ندرة غير ذات العادة والتمييز ، فذكر هذا المطلق في مقام البيان لإفادة حكم أفراد قليلة غير صحيح ، فيوهن ذلك جواز التمسّك بها .

وكالإرجاع إلى بعض نسائها ، وهو مخالف للنصّ والفتوى . والعذر بأنّ عادة

ص: 396

بعض نسائها أمارة على عادة سائرهنّ(1) ، غير موجّه :

أمّا أوّلاً : فلعدم أمارية عادة فرد واحد من طائفة على عادة جميعها ؛ لا عقلاً ولا عرفاً ، ولا يحصل منها الظنّ بها بلا شبهة وريب .

وأمّا ثانياً : فلأنّ ظاهرها أنّ الاقتداء ببعض النسوة هو تكليفها الأوّلي ، لا لأجل كشف عادتها عن عادات الطائفة ، ولا إشكال في أنّ العرف يرى التعارض بينها وبين موثّقة سماعة التي تلقّاها الأصحاب بالقبول .

وكالأمر بالاستظهار الذي لم يعهد القول به .

فالظاهر إعراض الأصحاب عن مضمونها ، فلا يمكن الاتّكال عليها ، كعدم إمكان الاتّكال على موثّقة أبي بصير التي هي كالنصّ في تخييرها بين الرجوع إلى اُمّها أو اُختها أو خالتها مع فرض اختلافهنّ في العادة .

الجهة الثانية : في رجوع غير مستقرّة العادة إلى عادة نسائها

ومنها : أ نّه لا إشكال نصّاً وفتوى في رجوع المبتدئة - بالمعنى الأخصّ - إلى عادة نسائها ، فهل هو مختصّ بها ، أو يعمّ من لم تستقرّ لها عادة ولو رأت مراراً ؟

يمكن أن يقال بالتعميم ؛ بدعوى استفادة حكمها من مضمرة سماعة ؛ فإنّ الحكم بكون الأقراء أقراء نسائها وإن كان في مورد الجارية التي حاضت أوّل حيضها ، واستمرّ بها الدم ، وهي لا تعرف أيّام أقرائها ، لكنّ العرف لا يرى لابتداء

الدم خصوصية ؛ لأنّ الإرجاع إلى الأقارب حكم موافق لارتكاز العقلاء ، لارتكازية كون عادات نساء طائفة إذا كانت متوافقةً ، كاشفةً عن حال

ص: 397


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 237 .

المجهولة ، ولحوقِ مجهولة الحال بهنّ ، ولا ريب في أنّ أمارية عادتهنّ إنّما هي لقرب أمزجتهنّ ، وعادة النساء أمارة لمن لم تكن لها أمارة من نفسها ، كعادتها الشخصية ، أو تميّز دمها ، فإذا لم تعرف عادتها بالأمارات التي عندها ، تكون عادات الطائفة والأرحام نحو طريق إلى عادتها .

وهذا أمر ارتكازي عقلائي وإن لم يصل إلى حدّ يعتني به العقلاء بترتيب الآثار ، لكن إذا ورد من الشارع على هذا الموضوع حكم الاقتداء بنسائها وأنّ أقراءها أقراؤهنّ ، لا ينقدح في ذهن العقلاء إلاّ ما هو المغروس في أذهانهم من كون عادات الطائفة متشابهة ، وما هو المغروس في الأذهان ليس إلاّ ذلك من غير دخل لابتدائية الدم وعدمها ، فإذا ضُمّ هذا الارتكاز إلى موثّقة سماعة ، تُلغى خصوصية كون الجارية في أوّل ما حاضت ، ويرى العقلاء أنّ تمام الموضوع للإرجاع هو عدمُ معرفتها بأيّامها - ولو بالطرق الخاصّة التي عندها - وكونُ عادات الطائفة متشابهة .

هذا غاية التقريب لاستفادة حكم غير مستقرّة العادة من موثّقة سَماعة .

وفيه : أنّ ذلك إنّما يتمّ لو لم تكن للمبتدئة خصوصية لدى العرف ، ولا لغير مستقرّة الدم خصوصية مخالفة لخصوصية المبتدئة ؛ بحيث تكون تلك الخصوصية ، موجبةً لقرب احتمال الافتراق بينهما في الحكم ، لكن فرق بين المبتدئة وغير مستقرّة الدم ؛ فإنّ الثانية مخالفة في رؤية الدم لنسائها ، فإنّها ترى

في كلّ شهر بعددٍ و وقت مغايرين لما ترى في الشهر الآخر ، في حين تكون عادة نسائها - على الفرض - منتظمة متوافقة في العدد ، أو مع الوقت أيضاً ، فلا يمكن مع هذا الاختلاف بينها وبين الطائفة ، أن تكون عادة الطائفة - لدى

ص: 398

استمرار دمها - كاشفةً ولو ظنّاً عن عادتها ، بل الظنّ حاصل ببقاء الاختلاف ، وهذا بخلاف المبتدئة التي لم تَرَ الدم قطّ ، ولم تخالف نساءها في العادة بعدُ ، فتكون عاداتهنّ كاشفة ظنّاً عند العقلاء عن عادتها .

فهذا الفرق لا يدع مجالاً لإلغاء الخصوصية المأخوذة في موضوع الحكم ؛ ولو كانت في سؤال السائل .

والعجب من صاحب «الجواهر» حيث قال - في الردّ على أنّ ثبوت اختلافها مع نسائها ، يمنع من الرجوع إلى عادتهنّ عند الاشتباه - : «إنّ ذلك مجرّد اعتبار لا يصلح مدركاً للأحكام الشرعية»(1) ، فإنّ هذا الاعتبار والاحتمال يمنع عن إثبات الحكم الشرعي لها بإلغاء الخصوصية ، لا أنّ مجرّده مدرك للحكم الشرعي ، وبينهما فرق واضح .

نعم ، مع التقريب المتقدّم ، لا يبعد إلحاق من رأت مرّة واحدة كعادة نسائها ثمّ استمرّ بها الدم بها ، وهذا لا يوجب إلحاق المخالفة لهنّ بهنّ .

كما يمكن دعوى إلحاق بعض ناسيات العادة بالمبتدئة ، وهي من تكون ناسية لعادتها ولم تعلم إجمالاً مخالفتها لعادات نسائها . لكنّ المحكيّ عدم التزامهم بذلك .

وقد يتمسّك(2) لإثبات الحكم في غير المستقرّة بموثّقة محمّد بن مسلم المتقدّمة . وقد مرّ أ نّها بما لها من الظاهر غير معمول بها (3) .

ص: 399


1- جواهر الكلام 3 : 281 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 266 - 267 .
3- تقدّم في الصفحة 396 .

بل بما قيل في تأويلها - من كون الرجوع إلى بعض النساء أمارة على عادة الكلّ(1) - أيضاً غير معمول بها ، بل قد عرفت وهن إطلاقها ؛ لورود التقييد الكثير عليه(2) ، فيكشف ذلك عن خلل فيها ، ولعلّه كان فيها قيد لم يصل إلينا . مع أنّ فيها حكمين غير معمول بهما لا غير .

ولا يمكن أن يقال : إنّ المراد ب- «بعض النساء» هي التي تكون معتدّاً بها بمقدار تُكشف من عادتها عادةُ سائر النساء ، أو المراد الحدّ الذي يكون غيره بالنسبة إليه نادراً بحكم العدم ، فإنّ مثل ذلك التصرّف غير مرضيّ عند العقلاء .

والإنصاف : أنّ تلك الرواية موهونة المتن ، مغشوشة الظاهر ؛ ولهذا خصّ الشيخ - على ما حكي عنه(3) - رواية سماعة بكونها متلقّاة بالقبول بين الأصحاب(4) .

الجهة الثالثة : في بيان ما هو المعتبر عند الرجوع إلى عادة النساء
اشارة

ومنها : أنّ المعتبر في الرجوع إلى الأقارب ، هل هو اتّفاق جميع نسائها وأقاربها من الأبوين أو أحدهما ؛ حيّاً وميّتاً وقريباً وبعيداً كائنة من كانت ، أو

يكفي اتّفاق الغالب مع الجهل بحال البقيّة ، أو مع العلم بالمخالفة أيضاً ؛ أو يكفي

الغالب إذا كانت المخالفة معهنّ كالمعدومة ، أو إذا لم يعلم حال النادر كذلك ، أو

ص: 400


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 237 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 396 .
3- مدارك الأحكام 2 : 17 .
4- الخلاف 1 : 234 .

يكفي موافقة بعضهنّ مع الجهل بحال البقيّة ؟

وهل يعتبر التساوي أو التقارب في السنّ معهنّ ؟

أو يعتبر اتّحاد البلد أو قربه من حيث الآفاق أو لا ؟

احتمالات ووجوه :

لا يبعد القول : بأنّ المتفاهم عرفاً من موثّقة سماعة - ولو بضميمة ارتكاز العقلاء على أنّ الإرجاع إليهنّ ، ليس لمحض التعبّد الصِرف ، بل لأجل أمارية خلق الطائفة على خلقها ؛ لتشابه أفراد الطائفة في الأمزجة وغيرها - أنّ اتّفاق النوع بمثابةٍ تكون من تخالف معهنّ نادرةً ، يكفي في الأمارية ؛ لأنّ مثل تلك المخالفة لا يصدق عليها قوله : «فإن كانت نساؤها مختلفات» ولا «أ نّهنّ غير متّفقات» بل تكون عادة تلك المرأة النادرة المخالفة لنوع الطائفة عند العقلاء ، معلولة بعلّة ، فيقال : «إنّ الطائفة متّفقة ، وإنّما تخلّفت عنها تلك النادرة»

وهذا لا يعدّ اختلاف الطائفة ، ولا يضرّ بأمارية حال النوع على مجهولة الحال ارتكازاً .

وبالجملة : بعد ارتكازية الحكم يفهم العرف من رواية سماعة أنّ الشارع جعل موافقة أمزجة الطائفة ، كاشفةً عن عادة المبتدئة المستمرّة الدم ؛ على وزان الارتكاز العقلائي ؛ وهو عدم إضرار التخلّف النادر بها . وأولى بذلك ما إذا جهل حال بعضهنّ إذا كانت البقيّة بحيث يقال : «إنّ الطائفة خلقها كذا» .

ثمّ إنّ ما هو المتفاهم من الموثّقة بضميمة الارتكاز المشار إليه ؛ أنّ عدد النساء لو كان قليلاً جدّاً - كالاثنتين والثلاث مثلاً - لا يجوز الاقتداء بعادتهنّ إلاّ إذا علم حال الأموات منهنّ ؛ بحيث يصدق على اتّفاقهنّ «أنّ نساء الطائفة كانت

ص: 401

عادتهنّ كذلك» . وبالجملة الميزان في الرجوع إلى نسائها هو ما ذكرنا .

ومن هنا يظهر : أنّ الإرجاع إلى عادة النساء من الفروض النادرة التحقّق ؛ بحيث لا ينافي الحصر المستفاد من المرسلة ، فإنّ السكوت عنه فيها كالسكوت عن مصداق غير مبتلى به ، وأمّا التعرّض له في المرسلة فلا مانع منه ؛ لأنّ التعرّض بالخصوص لفرد نادر غير عزيز .

حول إجراء أصالة العدم الأزلي لإحراز موضوع الرجوع

ثمّ إنّ الظاهر من الموثّقة ، هو كون موضوع الإرجاع إلى النساء متقيّداً بأمر وجودي ؛ وهو كون النساء متماثلة الأقراء ، وأمّا الإرجاع إلى العدد فلا يتوقّف إلاّ على فقد هذا المرجع .

وبعبارة اُخرى : أنّ الاختلاف المفروض ليس موضوعاً للحكم بالرجوع إلى العدد ، بل عدم الموافقة موضوع له .

فحينئذٍ لو قلنا بجريان أصالة عدم الموافقة على نحو أصل العدم الأزلي ، يحرز موضوع الرجوع إلى الروايات مع الشكّ في الموافقة والمخالفة ، وهذا بخلاف ما لو كانت المخالفة أيضاً مأخوذة في موضوع العدد ؛ لكونها أمراً وجودياً غير مسبوق بالعلم .

لكن في أصل جريان تلك الاُصول العدمية إشكال ومنع ، وقد فرغنا عن عدم جريانها في محلّه(1) ، فلا يبقى لذلك النزاع ثمرة .

ص: 402


1- مناهج الوصول 2 : 234 - 236 ؛ أنوار الهداية 2 : 97 - 102 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 110 - 117 .
كفاية الاتّفاق في خصوص العدد أو خصوص الوقت

ثمّ إنّ نساءها قد يتّفقن في العدد والوقت ، وقد يتّفقن في واحد منهما دون الآخر ، فهل المستفاد من الموثّقة هو كون النساء مرجعاً لها عند اتّفاقهنّ فيهما ، ومع الاختلاف ولو في واحد منهما لا ترجع إليهنّ ، بل ترجع إلى العدد ؟

وبعبارة اُخرى : هل يكون الاختلاف أو عدم الاتّفاق في الجملة ، موضوعاً للرجوع إلى العدد ، أو يكون الاتّفاق في الجملة موضوعاً للرجوع إلى النساء ، وعدم الاتّفاق مطلقاً والاختلاف فيهما موضوعاً للرجوع إلى العدد ؟

قد يقال : «إنّ ظاهر ذيل الموثّقة - حيث تعرّض للعدد - هو الإرجاع إليهنّ مع اتّفاقهنّ في العدد ، ولا تعرّض لها للوقت . مع أ نّه لو توقّف الرجوع إلى النساء

على اتّفاقهنّ عدداً ووقتاً ، لزم منه أن يكون الرجوع إليهنّ فرضاً في غاية القلّة»(1) .

وفيه : أنّ التعرّض للعدد في الذيل ، لا يدلّ على كون فرض الصدر كذلك ؛ لإمكان أن يكون الاتّفاق عدداً ووقتاً أمارة على عادتها ، ومع الاختلاف في الجملة تكون فاقدة الأمارة ، وحكمها الرجوع إلى العدد والتخيير في الوقت .

مع إمكان أن يقال : إنّ الرواية لا تكون بصدد التعرّض للعدد والإرجاع إليه ، بل تكون بصدد بيان أ نّه مع اختلافهنّ ، تكون غاية جلوسها من طرف الزيادة هي العشر ، ومن طرف النقيصة هي الثلاث ؛ مخيّرةً بين الحدّين ، فتكون في العدد والوقت مخيّرة ، وسيأتي بيان ذيل الرواية عن قريب .

ص: 403


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 239 .

وأمّا صيرورة الفرد نادراً فلا محذور فيه ، بل هي مؤيّدة لحصر رواية يونس ، وموجبة لتوافق الروايات .

لكنّ التحقيق شمول الموثّقة لاتّفاقهنّ عدداً فقط ، ووقتاً كذلك ؛ فإنّ الظاهر من صدرها - حيث جعل أقراءها أقراء نسائها - أ نّه إذا كان للنساء أقراء يكون أقراؤها مثلها ، ومع اتّفاق النساء في العدد لا شبهة في صدق «كونهنّ ذوات الأقراء» بل وكذلك إذا اتّفقن في الوقت يصدق «أنّ لهنّ أقراءً» ، فيجب عليها - بحسب إطلاق الرواية - الرجوع إليهنّ في أقرائهنّ .

وأمّا ذيل الرواية - أي قوله : «فإن كانت نساؤها مختلفات» - فقد عرفت أنّ الاختلاف ليس موضوعاً للحكم ، بل ما يتفاهم عرفاً من الرواية أنّ الذيل في مقام بيان مقابل ما يفهم من الصدر ، فكأ نّه قال : «إذا لم يكن لهنّ أقراء . . .» وعدم

الأقراء عرفاً بعدم جميع المصاديق ، كما أنّ تحقّقها بتحقّق فردٍ ما .

هذا مع موافقة الارتكاز العرفي لذلك ، وقد عرفت أنّ الظاهر أنّ الرواية وردت موافقة له ، لا تعبّداً محضاً . مع أ نّه لو قلنا : بأنّ الرواية تعرّضت للعدد

فقط ، وجب أن يلتزم بأ نّه إذا اتّفقن في العدد والوقت ، جاز لها أن تخالفهنّ في الوقت دون العدد ، مع أ نّه مخالف لفهم العرف من الرواية ، كما لا يخفى .

الجهة الرابعة : في عدم الرجوع إلى عادة أقرانها عند فقد نسائها

ومنها : أ نّه نسب إلى المشهور تارة : أ نّها ترجع إلى عادة أقرانها مع فقد نسائها أو اختلافهنّ ، واُخرى : إلى مذهب الأكثر وثالثة : إلى ظاهر كلام المتأخّرين(1) .

ص: 404


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 182 .

واستظهر بعضهم(1) دعوى الإجماع عليه من عبارة «السرائر»(2) وهو في محلّ المنع ، كما يظهر وجهه من الرجوع إليها . مع ضعف دعواه بعد أنّ القول بعدم اعتبار الرجوع إليهنّ محكيّ عن جمع من الأصحاب ، كالصدوق والمرتضى والشيخ في «الخلاف» و«النهاية» والمحقّق والعلاّمة وغيرهم ، فلا تكون المسألة إجماعية ولا مشهورة بحيث يمكن الاتّكال عليها .

ولا دليل عليها إلاّ بعض وجوه ضعيفة :

كحصول الظنّ من موافقة الأقران . وهو - على فرض حصوله - لا يعتمد عليه ، ولا دليل على اعتباره .

وكالتشبّث بمرسلة يونس القصيرة ؛ حيث اعتبرت فيها مراتب السنين في القلّة والكثرة في الحيض . وفيه : أ نّها - مع ضعفها سنداً ، ووهنها متناً ، كما تقدّم(3) - لا تدلّ على المقصود ، غاية الأمر أنّ فيها إشعاراً لا يصل إلى حدّ الدلالة .

وكدعوى شمول «نسائها» لأقرانها ، خصوصاً إذا كنّ في بلدها . وفيه : - مع منع ذلك - أنّ لازمه اشتراك الأقرباء والأقران في جواز الرجوع إليهنّ ، وهو ليس بمراد قطعاً ، ولم يقل به أحد . والاتّكال في الترتيب بينهما على فهم العرف في غير محلّه ؛ لمنع ذلك .

فالأقوى هو عدم اعتبار الأقران ، ومعه لا داعي إلى تعيين الموضوع .

ص: 405


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 182 .
2- السرائر 1 : 146 .
3- تقدّم في الصفحة 92 .
الأمر السادس في حكم من لا يمكنها الرجوع إلى نسائها
اشارة

إذا لم يمكن لها الرجوع إلى نسائها - إمّا لأجل اختلافهنّ ، أو فقدان عدّة يمكن الرجوع إليهنّ ؛ بناءً على ما تقدّم(1) : من أنّ الميزان في الرجوع إمكان كشف حال النوع منهنّ ؛ بأن تكون عدّتهنّ بمقدار يقال عند اتّفاقهنّ : «إنّ الطائفة عادتها ذلك» - فأقوال الأصحاب فيه مختلفة جدّاً (2) ، فلا يمكن الاتّكال على دعوى الشهرة(3) أو الاتّفاق فيه(4)، فلا بدّ من النظر في روايات الباب ليتّضح الحال :

فنقول : إنّ الروايات مختلفة ؛ بحيث لا يكون بينها جمع عقلائي مقبول يمكن الاتّكال عليه . وما قيل في وجه الجمع بينها غير مرضيّ ، ففي موثّقة سَماعة - بطريق الشيخ - : «فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام ، وأقلّه ثلاثة أيّام»(5) .

ص: 406


1- تقدّم في الصفحة 400 - 401 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 187 .
3- مفاتيح الشرائع 1 : 15 .
4- الخلاف 1 : 234 .
5- الاستبصار 1 : 138 / 471 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 2 .

وفي رواية الخزّاز - التي لا يبعد أن تكون موثّقة(1) - عن أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم ، وإذا رأت الصفرة ، وكم تدع الصلاة ؟ فقال : «أقلّ الحيض ثلاثة ، وأكثره عشرة ، وتجمع بين الصلاتين»(2) .

وجه للجمع بين أخبار المقام وبيان ما فيه

وقد يجمع(3) بينهما وبين سائر الروايات - كموثّقتي ابن بكير(4) ومرسلة يونس الطويلة(5) - بحملهما على التخيير بين الثلاثة إلى عشرة أيّام ، وحمل رواية يونس وابن بكير على مراتب الفضل .

وفيه أوّلاً : أنّ موثّقة سماعة لا تدلّ على التخيير بين الثلاثة إلى العشرة ، بل يحتمل أن يكون المراد التخيير بين خصوص الحدّين ، تأمّل . والأظهر أ نّها ليست في مقام بيان كيفية جلوس عشرة أيّام وثلاثة ، بل من هذه الجهة مهملة أو مجملة ، ترفع إجمالها رواية ابن بكير الظاهرة في أنّ العشرة إنّما تكون في

ص: 407


1- رواها الشيخ ، عن أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن ابن فضّال ، عن الحسن بن علي بن زياد الخزّاز ، وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ محمّد ابن الزبير القرشي ، وقد تقدّم الكلام فيه في الصفحة 78 - 79 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 156 / 449 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 4 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 251 - 252 .
4- وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 و6 ، وقد تقدّمتا أيضاً في الصفحة 376 - 377 .
5- تقدّم في الصفحة 363 .

الدورة الاُولى ، والثلاثة في بقيّة الدورات ، فالجمع بينهما عقلائي .

وأمّا حمل روايتي ابن بكير على أحد طرفي التخيير - لأجل كونه أفضل الأفراد - فهو فرع كون دلالة موثّقة سماعة على التخيير أقوى من دلالتهما على التعيين ، وهو في محلّ المنع . بل التصرّف في موثّقة سماعة - بقرينية الموثّقتين

- أهون ، لو لم نقل : بأ نّه ليس تصرّفاً فيها ، بل من قبيل تفصيل ما اُجمل فيها وتوضيح ما اُبهم ، كما لا يخفى وجهه على الناظر فيهما .

ومنه يظهر الحال في رواية الخزّاز حرفاً بحرف ، مع الغضّ عن الوهن الذي في متنها :

من حيث ورود التقييد الكثير عليها ؛ فإنّ موضوعها المستحاضة ، مع أنّ الحكم لقليل من أفرادها . إلاّ أن يقال : إنّ المراد بقوله : «إذا رأت الدم . . .» و«إذا رأت الصفرة . . .» هو رؤية الدم محضاً بلا تغيّر حال ، أو رؤية الصفرة كذلك ، فلا إشكال من هذه الجهة .

ومن حيث إنّ ظاهرها أنّ مقدار تركها الصلاة ، أقلّ الحيض وأكثره ؛ أي مجموعهما .

ومن حيث إنّ قوله : «وتجمع بين الصلاتين» وقع في غير محلّه ، فلا يخلو متنها من التشويش والاضطراب .

وثانياً : أنّ فقرات مرسلة يونس آبية عن هذا الجمع :

كالانحصار المستفاد منها . وكقوله : «إنّ التحيّض بالستّة أو السبعة إنّما هو في علم اللّه» . وكقوله : «أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون» . وكقوله : «فسنّتها السبع والثلاث والعشرون» ممّا هي آبية عن

ص: 408

الحمل على الأفضلية ، ولا يكون الجمع المذكور بينها وبين تلك الروايات

مقبولاً عقلائياً .

ترجيح العمل بمرسلة يونس على ما ينافيها

والذي يمكن أن يقال في المقام : أنّ الجمع بين موثّقتي ابن بكير وموثّقة سماعة - بما تقدّم - جمع عقلائي ، فتحمل الموثّقة على الموثّقتين حملاً للمجمل على المفصّل والمبيّن ، فيقع التعارض بينها وبين مرسلة يونس من غير إمكان الجمع بينهما .

لكن لا إشكال في أنّ المشهور اتّكلوا على المرسلة ، ولا ريب في أنّ مبنى أحد طرفي التخيير - سواء كان سبعة ، أو كانت مخيَّرة بين السبعة والستّة - إنّما

هو المرسلة .

وأمّا الطرف الآخر للتخيير بالمعنى الذي ادّعي الشهرة والاتّفاق عليه - وهو ثلاثة من شهر ، وعشرة من شهر ، كما نسب إلى أشهر الروايات تارة(1) ، وإلى المشهور اُخرى(2) ، أو الثلاثة في الأوّل ، والعشرة في الثاني ، كما ادّعي الإجماع عليه(3) ، أو أنّ المضطربة مخيّرة بين الستّة والسبعة في شهر ، والثلاثة والعشرة في شهر آخر ، كما قيل : «إنّ هذا الحكم هو المعروف بين الأصحاب»(4) - فلا يمكن

ص: 409


1- الدروس الشرعية 1 : 98 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 15 .
3- الخلاف 1 : 234 .
4- مسالك الأفهام 1 : 73 ؛ مدارك الأحكام 2 : 28 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 189 .

أن تكون الروايات الواردة في الباب مستنداً له ؛ ضرورة عدم دلالة شيء منها عليه ؛ لا فرداً ولا جمعاً ؛ فإنّ الموثّقتين ظاهرتان ظهوراً قويّاً في التفصيل بين

الدور الأوّل فثلاثة ، وسائر الأدوار فعشرة .

ولو نوقش في دلالتهما على التفصيل المذكور ، فلا شبهة في عدم شائبة دلالة لهما على فتوى المشهور ، خصوصاً إذا قيل بتقدّم الثلاثة على العشرة ، فإنّه على عكس مفاد الروايتين .

كما أنّ موثّقة سماعة أيضاً لا يمكن أن تكون مستنداً لفتوى المشهور ؛ سواء قلنا بظهورها في التخيير بين الثلاثة إلى العشرة ، أو في التخيير بين خصوص الحدّين ، أو قلنا بإجمالها من هذه الجهة . والجمع بينهما أيضاً لا يقتضي ذلك . وتوهّم غفلة المشهور عن ظاهر الموثّقتين ، أو عدم دلالة موثّقة سماعة ، في غاية السقوط .

فهذه الروايات ممّا لا يمكن الاتّكال عليها ؛ بعد شذوذها وعدم نقل العمل بها

إلاّ عن الإسكافي(1) وبعض متأخّري المتأخّرين(2) ، ولا يجوز رفع اليد عن ظهور مرسلة يونس - التي لا إشكال في كونها مورد اعتماد الأصحاب - بمثل تلك الروايات . وليست الشهرة في المسألة الفرعية بحيث يمكن الاتّكال عليها ويثبت الحكم بها ؛ بعد كون المسألة ذات أقوال كثيرة .

وبعبارة اُخرى : أنّ الأصحاب - على اختلافهم في الفتوى - متّفقون تقريباً

ص: 410


1- اُنظر رياض المسائل 1 : 358 ؛ مختلف الشيعة 1 : 202 .
2- اُنظر جواهر الكلام 3 : 285 ؛ مدارك الأحكام 2 : 20 - 21 .

على العمل بمرسلة يونس وعلى ترك العمل بالموثّقات ، ومعه لا يبقى مجال للعمل بها ، ولكن لا يوجب ذلك جواز الاتّكال على نقل الشهرة في المسألة الفرعية ؛ لعدم قيام الشهرة المعتبرة بحيث يمكن كشف دليل معتبر ، فتبقى مرسلة يونس بلا معارض .

تعارض فقرات المرسلة وقوّة الأخذ بالسبعة

نعم ، تختلف فقرات المرسلة في التخيير بين الستّة والسبعة المستفاد من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «تحيّضي في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام» وتعيينِ خصوص السبعة المستفاد من جملة من فقراتها ، كقول أبي عبداللّه علیه السلام : «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك ، ما قال لها : تحيّضي سبعاً !» .

وقوله : «لو كان حيضها أكثر من سبع . . .» إلى آخره .

وقوله : «أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون» .

وقوله : «فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون» .

وقوله : «فسنّتها السبع والثلاث والعشرون» .

والجمع بينهما بحمل ما عدا الفقرة الاُولى على الإجمال في البيان ؛ والإشارة إلى تكليفها التخييري الذي سبق الكلام فيه ، وحمل قوله : «أقصى طهرها . . .» إلى آخره على الأقصى مع الأخذ بالسبع ، في غاية البعد ، خصوصاً الحمل الأخير ؛ ضرورة أنّ الأخذ بالسبع لا يوجب صيرورة الثلاث والعشرين أقلّ الطهر .

ص: 411

وما قيل : «إنّ الثلاث والعشرين أقصاه على تقدير اختيار السبع ؛ حيث إنّه ربّما يكون على هذا التقدير طهرها أقلّ من ذلك إذا كان الشهر ناقصاً»(1) مبنيّ على كون المراد ب- «الشهر» هو الشهر الهلالي ، وسيأتي الإشكال فيه(2) . أو أنّ المقصود فيما إذا اتّفق سيلان الدم في أوّل الشهر الهلالي ، وقلنا في مثل الفرض : بأنّ الميزان هو الشهر الهلالي ولو كان ناقصاً ، فيكون الأقصى إضافياً في بعض الفروض النادرة ، فهو - كما ترى - مخالف للفهم العرفي .

فلا إشكال في تعارض الفقرات ؛ فإنّ قوله : «وقتها السبع» أو «سنّتها السبع» أو «أقصى طهرها ثلاث وعشرون» لا يجتمع مع التخيير .

كما أنّ القول بسهو الراوي(3) مخالف للأصل ، بل بعيد جدّاً في المقام ، خصوصاً مع تكرار الترديد بقوله : «صومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين» وخصوصاً مع الجزم في سائر الفقرات .

لكن مع ذلك لزوم الأخذ بالسبعة لا يخلو من قوّة ؛ إمّا لأجل الدوران بين التعيين والتخيير ولزوم الأخذ بالتعيين ، وإمّا لأنّ أصالة عدم الخطأ أصل عقلائي يشكل جريانها في مثل المقام الذي كانت الفقرات المتأخّرة كلّها شاهدة عليه ، وليس الكلام ظاهراً في التخيير ، بل وقوع التعارض إنّما هو لأجل جريان الأصل العقلائي ، وهو محلّ إشكال ، فالأخذ بالسبعة لو لم يكن أقوى فهو أحوط .

ص: 412


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 246 .
2- يأتي في الصفحة 411 - 412 .
3- رياض المسائل 1 : 357 .
عدم اختصاص المرسلة بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ بخلاف الموثّقات

ثمّ إنّ الظاهر عدم اختصاص لزوم الأخذ بالسبعة - بعد ما رجّحنا العمل بالمرسلة - بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ ؛ لما تقدّم من استفادة حكم من لم تستقرّ لها عادة من ذيل المرسلة(1) .

نعم ، لا إشكال في اختصاص الموثّقات بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ ، فلو رجّحناها على المرسلة أو قلنا بالتخيير بين المضمونين ، لما جاز إسراء الحكم إلى غيرها .

والقول : «بأنّ اختصاص مورد تلك الموثّقات بالمبتدئة ، مثل اختصاص مورد المرسلة بها ، والمناط في الجميع سواء»(2) كما ترى ؛ فإنّ مورد ما سئل عنه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في المرسلة وإن كان المبتدئة ، لكنّ الذيل ظاهر في أعمّية الحكم ، مضافاً إلى حصر السنن ، ولو لا ذلك لما تعدّينا عن مفاد الصدر ، وهذا بخلاف الموثّقات ، فإنّها واردة في المبتدئة من غير دليل على التعدّي ، ودعوى وحدة المناط في غير محلّها .

كما أنّ دعوى استفادة ذلك من قوله في ذيل المرسلة - عند بيان من لم تستقرّ لها عادة - : «إنّ سنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة» بعد أن مثّل للمبتدئة بالمعنى الأخصّ بحمنة ، وعلم من سائر الروايات أنّ لها

ص: 413


1- تقدّم في الصفحة 375 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 253 .

الخيار(1) ، في غير محلّها ؛ لأنّ كون قصّتها قصّة حمنة في الأخذ بالسبعة ، لا يوجب أن يكون حكمها حكم حمنة مطلقاً .

وبعبارة اُخرى : يستفاد من التعليل أنّ من كانت قصّتها قصّة حمنة تكون سنّتها السبعة والثلاثة والعشرين ، لا أنّ كلّ ما لحمنة يكون لها ، فالتخيير المستفاد من الجمع بين الروايتين - على فرض صحّته - أو من الفتوى بالتخيير - على فرضه - لا يشمل غير المبتدئة بالمعنى الأخصّ .

ص: 414


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 253 .
تنبيه

في أنّ المبتدئة يتعيّن عليها جعل ما تختاره من العدد أوّل الرؤية

هل تتخيّر في وضع العدد فيما تشاء من الشهر ، أو يتعيّن عليها جعله في أوّل الشهر الهلالي ، أو يتعيّن جعله في أوّل رؤية الدم ؟

نسب صاحب «الحدائق» إلى الأصحاب تخيّرها (1) ، وعن «المعتبر» و«المنتهى» و«جامع المقاصد» و«المسالك» و«المدارك» وغيرها اختيارها (2) ، وكذا عن ظاهر «المبسوط»(3) .

وعن «التذكرة» و«كشف اللثام» : «أ نّه يتعيّن عليها وضع ما تختاره من العدد

أوّل ما ترى الدم»(4) وهو الأقوى ؛ لظهور مرسلة يونس فيه ؛ حيث قال فيها : «تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام ، ثمّ اغتسلي غسلاً وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلاً . . .»(5) إلى آخره .

و«الشهر» في غير المورد وإن كان ظاهراً في الهلالي ، لكن حمله في المورد على الهلالي في غاية البعد ، بل فاسد ؛ لأنّ لازمه عدم التعرّض لحكمها من حين

ص: 415


1- الحدائق الناضرة 3 : 207 .
2- المعتبر 1 : 209 ؛ منتهى المطلب 2 : 308 ؛ جامع المقاصد 1 : 299 ؛ مسالك الأفهام 1 : 69 ؛ مدارك الأحكام 2 : 21 ؛ تحرير الأحكام 1 : 100 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 197 - 198 ؛ المبسوط 1 : 67 .
4- تذكرة الفقهاء 1 : 300 ؛ كشف اللثام 2 : 85 .
5- تقدّم في الصفحة 366 .

الرؤية إلى أوّل الشهر الهلالي ، أو عدم حكم لها إذا رأت الدم فيما بين الشهر ، وكلاهما فاسدان .

مضافاً إلى أنّ الظاهر من المرسلة أنّ السبعة - وكذا الثلاثة والعشرون - يجب

أن تكون متّصلة لا متفرّقة ، ومع حساب الشهر من أوّل الهلالي ، يلزم إمّا زيادة الطهر على الثلاثة والعشرين ، أو التفرّق بين أجزائها ، وهما خلاف المتفاهم من الرواية .

وبالجملة : الظاهر منها أ نّه من حين رؤية الدم يحسب الشهر ، ولا تكون بقيّة الشهر من حين الرؤية ساقطةً عن الحكم ، فحينئذٍ يكون ظاهرها أ نّه من حين الرؤية تجعل الستّة أو السبعة حيضاً ، ثمّ تجعل ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين طهراً ، ولا إشكال في أنّ الظاهر منها مع العطف ب- «ثمّ» هو تقديم الحيض على الطهر ، وبعد كون الظاهر منها أنّ الحساب من حين الرؤية ، وأنّ أيّام الحيض والطهر لا بدّ وأن تكون متّصلة لا متفرّقة - كما هو المتفاهم من المرسلة - لا يبقى ريب فيما تقدّم ذكره .

وتوهّم عدم كون المرسلة في مقام البيان ، فاسد جدّاً ؛ فإنّ عدم البيان المدّعى

إن كان في نقل أبي عبداللّه علیه السلام قصّة حمنة ، فظاهر المرسلة أ نّه علیه السلام ذكر جميع الخصوصيات ؛ حتّى ما لا تكون دخيلة في الحكم .

وإن كان في بيان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فهو - مع فساده عقلاً ؛ لأنّ حمنة سألته عن تكليفها الفعلي ، فلا يعقل الإهمال في الجواب - خلاف ظاهر الرواية ؛ بعد بيان خصوصيات تكليفها : من الغسل ، وتأخير الظهر والمغرب ، وتقديم العصر والعشاء . . . إلى غير ذلك .

ص: 416

فلا إشكال في كونه صلی الله علیه و آله وسلم في مقام البيان ، وكون أبي عبداللّه علیه السلام في مقام نقل خصوصيات القضيّة ، فلا بدّ من الأخذ بجميع الخصوصيات التي يستفاد منها الحكم ، ومنها تخلّل «ثمّ» المستفاد منه تأخّر ثلاثة وعشرين عن السبعة . وعدم الأخذ ببعض مفاد القضيّة لخلل ، لا يوجب عدم الأخذ بالخصوصية التي لا خلل فيها ، فإذا ضمّ إليه ما قلنا من كون مبدأ الشهر أوّل الرؤية ، يستفاد المقصود منها .

وأمّا موثّقة ابن بكير فقد عرفت أ نّها ليست مستنداً للحكم(1) . كما أنّ التشبّث(2) بمرسلة يونس القصيرة(3) غير محتاج إليه . مع أنّ موردها غير ما نحن فيه . مضافاً إلى ورود الإشكالات المتقدّمة عليها (4) .

وأمّا تقريب كون المعيار من أوّل الرؤية : «بأ نّه ربّما يمتنع جعل الابتداء من أوّل الشهر الهلالي ، كما لو كان ابتداء رؤيتها في أواخر الشهر ؛ بحيث لا يتخلّل بين أقلّ الحيض منه وبين أوّل الشهر الثاني أقلُّ الطهر ؛ فإنّ الأظهر - بل المعلوم - أ نّه يجب عليها في أوّل الرؤية أن تتحيّض إلى العاشر ، كما يدلّ عليه - مضافاً إلى الإجماع وقاعدة الإمكان - النصوص الكثيرة التي منها موثّقتا ابن بكير ، ومع التجاوز عن العشرة وعدم التصادف للعادة والتمييز ، فلا مقتضي لرفع اليد عمّا ثبت عليها بمقتضى تكليفها الظاهري ، ولا دليل على عدم كونه حيضاً»(5) .

ص: 417


1- تقدّم في الصفحة 409 - 410 .
2- كشف اللثام 2 : 85 .
3- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 12 ، الحديث 2 .
4- تقدّمت في الصفحة 93 .
5- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 254 .

فغير وجيه ؛ فإنّ لزوم التحيّض في أوّل الرؤية لا يوجب كونه حيضاً ، نعم لو انقطع على العاشر أو قبله يكون المجموع حيضاً ، وهو القدر المتيقّن من الإجماع المدّعى على قاعدة الإمكان ، كما تقدّم ، وأمّا مع التجاوز فلا إشكال في عدم الدليل على الحيضية ، فضلاً عن قيام النصوص الكثيرة .

وموثّقتا ابن بكير ظاهرتان في أنّ تكليف مستمرّة الدم هو العدد ، لكن في الدورة الاُولى يكون عددها عشرة ، وفي سائر الدورات ثلاثة ، ولا دلالة فيهما - ولا في غيرهما - على أنّ العشرة الاُولى حيض واقعاً ؛ حتّى يمتنع جعل أوّل الهلالي المفروض حيضاً .

ومنه يظهر : أنّ القول : «بأنّ الأخذ بالعدد مطلقاً إنّما هو بعد العشرة الاُولى ، وأمّا قبل تمامها فليست مستحاضة»(1) غير تامّ ؛ لأنّ ظاهر المرسلة والموثّقات ، هو أنّ تكليف مستمرّة الدم مطلقاً هو الأخذ بالعدد ، وعدم علمها بكونها مستمرّة الدم لا يوجب عدم محكوميتها بحكمها .

وكيف كان : فالمعوّل عليه في المقام هو المرسلة ، وقد عرفت ظهورها في لزوم التحيّض من حين رؤيتها في كلّ شهر سبعةً ، وبعده محلّ طهرها .

ثمّ الظاهر : أ نّه لو صادف أوّل الرؤية أوّل الشهر الهلالي ، وجب عليها في السبع الأوّل منه التحيّض ، وفي بقيّة الشهر الصلاة وإن كان ناقصاً . وذكر الثلاثة والعشرين إنّما هو لأجل كون الوقوع في أوّل الهلالي نادراً ، خصوصاً في صورة نقصان الشهر ، والغالب وقوعه بين الهلالين ، فيجب عليها التلفيق والأخذ بالثلاثة والعشرين .

ص: 418


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 254 - 255 .
المسألة الثانية في تقديم ذات العادة لعادتها على التمييز

لا إشكال في أنّ ذات العادة تجعل عادتها حيضاً - مع استمرار دمها وتجاوزه

عن العشرة - وما سواها استحاضة مع عدم معارضتها للتمييز . وأمّا مع اجتماع العادة والتمييز والتعارض بينهما ؛ كأن لا يفصل بينهما أقلّ الطهر من الدم غير المتميّز ، فهل تعمل على العادة ، كما عن المشهور(1) ، أو على التمييز ، كما عن ظاهر «الخلاف» و«المبسوط»(2) ، أو تتخيّر بينهما ، كما عن «الوسيلة»(3) ؟

لا ريب في أنّ العادة مقدّمة ؛ لما يظهر من مرسلة يونس(4) وموثّقة إسحاق بن جرير(5) أنّ ذات العادة لا وقت لها إلاّ أيّامها المعلومة ، وأنّ الرجوع إلى التمييز متأخّر عن الرجوع إلى العادة التي هي أقوى الأمارات ، وأنّ الصفرة والكدرة في أيّام العادة حيض ، فلا إشكال في المسألة .

بل الظاهر أنّ ذات العادة الوقتية فقط ، ترجع في وقتها إلى عادتها ، وترجع إلى غيرها - من التمييز وغيره - في عددها . وكذا ذات العددية ترجع في العدد إلى العادة ، وفي الوقت إلى غيرها ، كما يظهر ذلك كلّه من المرسلة ، وتقدّم بعض الكلام فيها .

ص: 419


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 199 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 239 .
2- الخلاف 1 : 241 ؛ المبسوط 1 : 48 - 49 .
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 60 .
4- تقدّمت في الصفحة 363 .
5- تقدّمت في الصفحة 362 .
المسألة الثالثة في أقسام الناسية وأحكامها
اشارة

وفيها جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في أقسام الناسية

الناسية إمّا ناسية للعادة وقتاً وعدداً ، أو وقتاً فقط مع ذكر عددها ، أو عدداً مع ذكر وقتها .

وأيضاً : قد تكون ناسية للوقت والعدد مطلقاً ، وقد تكون ذاكرة في الجملة لهما ، وناسية كذلك ، كما إذا علمت أ نّها في أوّل الشهر كانت حائضاً ، ولم تعلم أنّ

أوّل الشهر أوّل حيضها أو آخره أو وسطه . هذا بالنسبة إلى الوقت .

وأمّا العدد ، فكما إذا علمت أ نّه لم يكن أقلّ من خمسة أيّام ، ونسيت الزيادة أ نّها يوم واحد أو أكثر .

وقد تكون ذاكرة في الجملة لأحدهما ، وناسية للآخر مطلقاً .

وأيضاً : قد تكون ذاكرة لكون حيضها في النصف الأوّل من الشهر مثلاً ، وناسية لمحلّه من النصف ، وحينئذٍ قد يكون تمييزها في هذا النصف من الشهر ، وقد يكون في النصف الآخر .

وأيضاً : قد تعلم أنّ عادتها في كلّ شهر مرّة واحدة ، وقد تنسى ذلك .

وأيضاً : قد يكون تمييزها بمقدار عددها ، وقد يكون أقلّ ، وقد يكون أكثر .

والحاصل : أنّ الناسية قد تكون غير ذاكرة بقول مطلق ؛ فلا تكون لها جهة

ص: 420

ذُكر مطلقاً ، وقد تكون ذاكرة لجهة من الجهات . وعلى أيّ تقدير قد تكون ذات تمييز ، وقد لا تكون كذلك .

الجهة الثانية في دلالة المرسلة على رجوع الناسية إلى العادة أوّلاً ثمّ إلى التمييز

لا ينبغي الإشكال في رجوع الناسية ذات التمييز إلى التمييز في الجملة ، وذلك لا لكونها القدر المتيقّن من مرسلة يونس ، كما قيل(1) ؛ لما تقدّم(2) من أنّ فيها احتمالين ، وأرجحهما أنّ المراد من «مختلطة الأيّام» هي التي كانت لها أيّام منضبطة ، ثمّ اختلطت بالنقص والزيادة والتقدّم والتأخّر حتّى أهملت وتركت أيّامها .

بل لاستفادة حكمها من المرسلة بعد التأمّل في مفادها ؛ حيث إنّ أبا عبداللّه علیه السلام وإن بيّن أوّلاً في السنّة الثانية سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلطت عليها ، لكن تمسّك في ذيلها بقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال : «وذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش . . .» إلى أن قال : «أما تسمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر هذه بغير ما أمر به تلك ! ألا ترى أ نّه لم يقل لها : دعي الصلاة أيّام أقرائك ، ولكن قال لها : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة !» .

فطريق استفادة حكم مختلطة الأيّام - بالمعنى المتقدّم ؛ بناءً على إرشاد أبي عبداللّه علیه السلام - هو أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لم يأمرها بترك الصلاة أيّام الأقراء ، وأمرها بتركها إذا أقبلت الحيضة ، فدلّ ذلك على أنّ هذه امرأة لم تكن عارفة

ص: 421


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 290 .
2- تقدّم في الصفحة 370 .

بوقتها ، ولم تكن أيّامها معلومة قد أحصتها ، كما في السنّة الاُولى ، فمنه تعلم قاعدة كلّية هي : «أنّ كلّ امرأة لم تعلم عددها ولا وقتها ، لا بدّ لها من الرجوع إلى التمييز» ويستفاد من تلك القاعدة حال مختلطة الأيّام بالمعنى المتقدّم التي هي إحدى المصاديق لمطلق الجاهلة بالأيّام ، والتي لم تعرف أيّامها .

فقوله علیه السلام : «فهذا يبيِّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها» ليس المراد منه المختلطة بالمعنى المتقدّم ؛ ضرورة أنّ مجرّد إرجاع النبي صلی الله علیه و آله وسلم إيّاها إلى التمييز وعدمِ إرجاعها إلى العادة ، لا يبيّن ذلك ، بل يبيّن الاختلاط بمعنى أعمّ منه ، فيكون المراد من «الاختلاط» في هذه الفقرة هو عدم المعرفة بالعدد والوقت مطلقاً ، ولهذا جعل عدم معرفتهما موضّحاً للاختلاط .

وممّا يبيّن ذلك قوله علیه السلام : «فهذا يبيّن لك أنّ قليلَ الدم وكثيره أيّام الحيض ، حيضٌ كلّه إذا كانت الأيّام معلومة ، فإذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلى إقبال الدم وإدباره» حيث جعل الجهل بالأيّام مطلقاً - مقابل العلم بها - موضوعاً لاحتياجها إلى التمييز .

وبالجملة : إنّ التأمّل في فقرات الرواية ، يدفع الريب في دلالتها على حكم الناسية . وهذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه .

كما أنّ الأظهر اعتبار العادة وتقدّمها على التمييز ؛ إذا أمكن التشخيص بها ولو في الجملة ، فإذا ذكرت عادتها من حيث الوقت - في الجملة - ونسيت العدد ، وجب عليها التحيّض في الوقت على حسب ذُكرها ، وفي العدد الرجوع إلى المرتبة المتأخّرة .

وكذا مع ذكر العدد ونسيان الوقت ، لا بدّ لها من أخذ العدد حسب عادتها ،

ص: 422

والعمل بالتمييز لتشخيص وقتها بمقدار الإمكان ؛ حتّى أ نّه لا يبعد ذلك لو كانت عالمة إجمالاً : بأنّ وقتها لا يكون خارجاً عن النصف الأوّل ، فلا يبعد تقديم العادة - في هذه الصورة - على التمييز الحاصل في النصف الآخر ، ومع عدم التمييز في الأوّل ترجع إلى المرتبة المتأخّرة .

كما أ نّه لا يبعد عدم الاعتبار بالتمييز ؛ إذا كان في الشهر أزيد من مرّة واحدة ، مع علمها بعدم زيادة عادتها في كلّ شهر على مرّة واحدة .

وبالجملة : لا يبعد أن يكون المتفاهم من الرواية والحصر المصرّح به وغير ذلك من الفقرات : أنّ الدم في العادة لمّا كان أمارة قويّة على الحيض ، تكون تلك الأمارة مقدّمة على التمييز الذي هو أيضاً أمارة بعدها ، وكلّما يمكن كشف الحيض بالأمارة القويّة ، لا تصل النوبة إلى الأمارة المتأخّرة ؛ سواء كانت كاشفة عن الوقت والعدد مطلقاً ، أو عن واحد منهما ، أو عنهما في الجملة ، فيجب عليها الرجوع إلى العادة حتّى الإمكان ، ومع عدمه ترجع إلى التمييز ، كما يشعر به - بل يدلّ عليه في الجملة - قوله : «حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر» فعلّق الحكم بالرجوع إلى التمييز على إغفال العدد والموضع من الشهر ، فيستفاد منه أ نّه مع عدم إغفال أحدهما ، لا يجوز الرجوع إلى التمييز في مورده ، فيعلم من ذلك حال جميع الصور المتقدّمة في الجهة الاُولى وغيرها .

ثمّ إنّ المتحيّرة التي كان تكليفها الرجوع إلى التمييز ، يجب عليها التحيّض عند وجود التمييز ، ولا تنتظر استقرار حيضها بمضيّ ثلاثة أيّام مثلاً ؛ لأدلّة التمييز ، كصحيحة معاوية بن عمّار ومرسلة يونس وغيرهما (1) .

ص: 423


1- وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 و4 و2 .
الجهة الثالثة في حكم الناسية إذا فقدت التمييز
اشارة

إذا فقدت الناسية التمييز ؛ بأن استمرّ عليها الدم على نهج واحد ، أو اختلف ، لكن لا على وجه يمكن الرجوع إليه ، فإمّا أن تكون ذاكرة العدد ناسية الوقت ، أو العكس ، أو ناسيتهما ، فيقع الكلام في ثلاثة مواضع :

الموضع الأوّل : في ناسية الوقت دون العدد
اشارة

القول بوجوب الاحتياط في المقام

لو ذكرت العدد دون الوقت ؛ بأن تكون ناسية للوقت مطلقاً ؛ بحيث لا تذكر منه شيئاً لا تفصيلاً ولا إجمالاً - بأن كان العدد المحفوظ في ضمن عدد ، لا يزيد عن نصف ما وقع الضلال فيه ، كالخمسة أو الأربعة في العشرة ، لا كالستّة فيها - فعن «المبسوط» وجوب الاحتياط عليها (1) ؛ بأن تعمل في الزمان الذي وقع الضلال فيه عمل المستحاضة ، وتترك ما يحرم على الحائض ، وتغتسل للحيض في كلّ وقت تحتمل انقطاع دم الحيض فيه ، وتقضي صوم عادتها ؛ قضاءً للعلم الإجمالي .

ونوقش فيه : «بأنّ الاحتياط مستلزم للحرج والضرر المنفيين في الشريعة»(2).

ص: 424


1- المبسوط 1 : 51 .
2- اُنظر مستند الشيعة 2 : 455 ؛ جواهر الكلام 3 : 303 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 269 .

وفيه : أنّ دليل نفي الحرج ظاهر في أنّ اللّه تعالى لم يجعل في الدين الحرج ، كالغسل والوضوء الحرجيين بواسطة شدّة البرد والمرض وغيرهما ، وفيما نحن فيه لا يكون المجعول الشرعي أو موضوعه حرجياً ، وإنّما الحرج من قبل الجمع بين المحتملات اللازم عقلاً ، وهو أمر غير مجعول ؛ لعدم كون الاحتياط واجباً شرعياً حتّى يرفع بدليل الحرج ، ولا دليل على أنّ كلّ تكليف يستلزم الحرج مطلقاً مرفوع ، وما ورد من الآيات والأخبار في هذا المضمار ، إنّما يدلّ على عدم جعل الشارع العسر والحرج في الدين .

إلاّ أن يقال : إنّ قوله تعالى : )يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ((1) دالّ على أنّ الجمع بين المحتملات اللازم منه العسر ، خلاف إرادة اللّه ورضاه .

لكنّ الظاهر من سياق الآية - وهي قوله : )وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ اُخَرَ يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ . . .( إلى آخره - أنّ أحكام اللّه تعالى لا تكون حرجية ، ولا يريد في أحكامه الحرج على العبيد . وهو نظير قوله في ذيل آية الوضوء : )مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ((2) .

هذا ، ولكنّ الظاهر منهم عدم الفرق بين الحرج الذي في أصل التكليف أو موضوعه ، والذي يلزم منه ولو بواسطة جهات خارجية . والمسألة تحتاج إلى زيادة تأمّل .

ص: 425


1- البقرة (2) : 185 .
2- المائدة (5) : 6 .

هذا مضافاً إلى أنّ الحرج إنّما ينفي مثل الغسل والوضوء - على الفرض - بعد تسليم حصول الحرج بمثل هذا الاحتياط ، دون مثل حرمة اللبث في المسجد ومسّ الكتاب وقراءة العزائم وأمثالها . مع أنّ الموارد مختلفة ، والأشخاص متفاوتون ، فلا يفي دليل الحرج بجميع الموارد .

وقد يُردّ دليل الاحتياط : بعدم تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات(1) . وهو ضعيف ؛ لما حقّق في محلّه من عدم الفرق بين الدفعيات والتدريجيات في تنجيز العلم(2) . لكنّ التنجيز في المقام إنّما هو إذا قلنا في العبادات بالحرمة التشريعية ، وهو خلاف ظاهر الأدلّة ، وأمّا إذا قلنا بالحرمة الذاتية فمحلّ إشكال ، كما سبقت الإشارة إليه(3) : من أنّ أمر العبادات حينئذٍ دائر بين المحذورين ، فلا يكون العلم في مورد الدوران منجّزاً ، ومع عدم التنجيز في أحد الأطراف ، تبقى بقيّة الأطراف بلا منجّز ، فالقاعدة تقتضي جواز ترك الصلاة وارتكاب محرّمات الحائض ، إلاّ أ نّه قام الإجماع على عدم جواز ترك الصلاة في جميع الأيّام .

التمسّك بمثل مرسلة يونس على التحيّض ونفي الاحتياط

هذا ، ولكنّ الذي يسهّل الخطب أنّ استفادة حكم الواقعة من الأدلّة - كمرسلة يونس - لا يدع مجالاً للعلم الإجمالي والاحتياط ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ ذات

ص: 426


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 296 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 269 .
2- تهذيب الاُصول 3 : 215 .
3- تقدّمت في الصفحة 203 - 204 .

العادة لا وقت لها إلاّ عادتها ، وقد مرّ(1) أنّ المتفاهم منها بعد التأمّل في فقراتها ؛ أنّ الدم في العادة أمارة قويّة لا تصل النوبة معها إلى التمييز الذي هو أيضاً أمارة

عليه ، فضلاً عمّا إذا لم يكن لها تمييز ، ففي المرسلة - في ضمن بيان السنّة الثالثة - قال : «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع ، وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك ، ما قال لها تحيّضي سبعاً ، فيكون قد أمرها بترك الصلاة وهي مستحاضة غير حائض ! وكذا لو كان حيضها أكثر من سبع ، وكانت أيّامها عشراً أو أكثر ، لم يأمرها بالصلاة وهي حائض !» .

وهذا صريح في أنّ ذات العادة أيّامها حيض ، والزائد عليها استحاضة ، ومع كون أيّامها عدداً معيّناً يكون هذا العدد بخصوصه حيضها ، ولا يجوز لها التحيّض زائداً عنه ولا ناقصاً .

ويدلّ على المقصود أيضاً قوله : «ممّا يزيد هذا بياناً قوله لها : تحيّضي ، وليس يكون التحيّض إلاّ للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض ، ألا تراه لم يقل لها أيّاماً معلومة : تحيّضي أيّام حيضك !» .

فإنّ الظاهر منه أنّ من كانت لها أيّام معلومة ، تكون أيّامها أيّام الحيض ، لا أنّ عليها التحيّض والتكلّف ، وإنّما يقال : «تحيّضي وتكلّفي عمل الحائض» لمن لم تكن لها أيّام .

ويدلّ عليه أيضاً قوله : «إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقها . . .» إلى غير ذلك من فقراتها .

ص: 427


1- تقدّم في الصفحة 422 - 423 .
في كيفية تحيّض الناسية

ثمّ إنّ تلك الناسية هل هي مختارة في جعل عددها في الشهر حيث شاءت ، أو يتعيّن عليها جعله فيما يظنّ كونه وقتاً لحيضها ، أو يتعيّن جعله في أوّل الدورة

إذا علمت أوّلها ، وفي سائر الدورات على هذا النسق ، فلو كان مبدأ دورتها أوّل الشهر وجب عليها التحيّض في أوّل كلّ شهر ، أو يتعيّن جعله في أوّل الدورة الاُولى ، وتختار في سائر الدورات ، أو يجب عليها التحيّض في الوقت المظنون كونه وقتاً لها في غير الدورة الاُولى ؟

قد يقال : «بوجوب جعله في أوّل الدورة ؛ فإنّ الأخبار وإن كانت منصرفة عن الناسية ، لكن لمّا كان المتعيّن عليها التحيّض في ابتداء رؤية الدم إلى العشرة ، يتعيّن عليها جعل حيضها في جملة العشرة ؛ إذ لا دليل على جواز تحيّضها ثانياً بعد انكشاف أمرها وصيرورتها مستحاضة ، بل الأدلّة قاضية بخلافه ، كما أشرنا إليه في المبتدئة . وإذا تعيّن عليها ذلك في الدور الأوّل يتبعه سائر الأدوار ؛ لما

يستفاد من جملة من الأخبار من وجوب جعل المستحاضة حيضها قبل طهرها»(1) انتهى .

وفيه : أ نّه بعد فرض الانصراف لا وجه لذلك ؛ لعدم الدليل على وجوب تحيّضها في ابتداء رؤية الدم مطلقاً ؛ لعدم تمامية قاعدة الإمكان ، خصوصاً في مثل ناسية الوقت . وليس في المقام إجماع أو نصّ ، فإنّ موثّقتي ابن بكير(2) - مع

ص: 428


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 274 .
2- تقدّمتا في الصفحة 376 - 377 .

ما تقدّم من الإشكال فيهما (1) - مختصّتان بالمبتدئة .

نعم ، لو رأت بصفة الحيض أوّل ما رأت وجب عليها العمل بالأمارة ، لكن بعد بقاء الدم على صفة واحدة إلى تجاوزه عن العشرة ، تتعارض الأمارتان ، ويكشف ذلك عن خطئها .

والقول : «بأنّ المتعيّن هو الأخذ بالأمارة المتقدّمة زماناً ؛ لإمكان كون الدم

حيضاً في الزمان الأوّل وتحقّق موضوع الأمارة ، وبعد ذلك يخرج الدم في الزمان المتأخّر عن الإمكان ، فلا تكون الأمارة حجّة» . قد سبق الإشكال فيه : بأنّ التقدّم الزماني ليس مناطاً لتقدّم الأمارة(2) ، فراجع .

مع أ نّه لو سلّم الأمر في الدورة الاُولى ، فلا دليل على تبعية سائر الدورات

لها . وما دلّ على أنّ المستحاضة تجعل حيضها قبل طهرها - على فرض ارتباطه بالمقام - إنّما يدلّ على التقديم في الدورة الاُولى من غير تعرّض له لسائر الدورات ، كما يأتي الكلام فيه .

وأمّا الاستدلال على وجوب الجعل في أوّل الدورة الاُولى - وعلى نسقه في سائر الدورات - بدوران الأمر بين التعيين والتخيير ، والأصل فيه الاشتغال(3) .

ففيه : أ نّه على فرض الدوران بينهما ، فالاشتغال في مثل هذا الدوران غير مسلّم ، بل المسلّم في الاشتغال هو في مورد يعلم بتعلّق تكليف بمعيّن ، ويشكّ في أنّ له طرفاً يسقط التكليف بإتيانه أو لا ، وأمّا إذا كان الدوران من

ص: 429


1- تقدّم في الصفحة 410 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 392 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 :271 .

أوّل الأمر بينهما فلا . والمسألة تحتاج إلى زيادة بحث وتحقيق لا يسعها المجال .

وقد يقال بلزوم التحيّض في أوّل الدورة ؛ لظهور بعض الأخبار في وجوب عمل المستحاضة بعد التحيّض بمقدار العادة والاستظهار .

وفي مقابله احتمال إطلاق بعض الأدلّة لأخذ المستحاضة مقدار عادتها ، ومقتضى الإطلاق تخييرها في وضعه حيث شاءت ، وكما أ نّها بإطلاقها تنفي تعيّن التحيّض في أوّل الدورة الاُولى ، وعلى نسقه في سائر الدورات ، كذلك تنفي تعيّن جعل العدد في الوقت المظنون ؛ فإنّ تعيّنه إنّما يكون فيما إذا كان الحاكم بالتخيير العقل - بأن يقال : إنّما يحكم العقل بالتخيير مع تساوي الأزمنة ،

وأمّا مع ترجيح بعضها ولو ظنّاً فيرتفع موضوع حكمه - وأمّا إذا استفيد حكم التخيير من إطلاق الدليل ، فلا يبقى للترجيح بالظنّ مجال .

ولا بأس بذكر بعض الروايات التي يمكن دعوى إطلاقها أو دلالتها على التعيين ؛ حتّى يتّضح الحال :

الروايات التي بإطلاقها يقتضي التخيير

فمنها : رواية محمّد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : سألته

عن الطامث وقدر جلوسها ، فقال : «تنتظر عدّة ما كانت تحيض ، ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة»(1) .

ص: 430


1- تهذيب الأحكام 1 : 172 / 491 ؛ وسائل الشيعة 2 : 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 10 .

بدعوى : أنّ المراد من «الطامث» و«قدر جلوسها» هي من استمرّ بها الدم ولو بقرينة الجواب ، وإطلاقها يقتضي كونها مخيّرة في وضع عدّة أيّام حيضها حيث شاءت .

وفيه : أ نّها بصدد بيان مقدار الجلوس سؤالاً وجواباً ، فلا إطلاق فيها من جهة محلّ الجلوس ؛ لو لم نقل بانصرافها إلى الجلوس في أوّل الرؤية .

نعم ، هي تدلّ بإطلاقها على أنّ مقدار جلوس ذاكرة العدد - ولو كانت ناسية

للوقت - هو عدّة أيّام العادة .

ومنها : رواية يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتّى تجاوز وقتها ، متى ينبغي لها أن تصلّي ؟ قال : «تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام . . .»(1) إلى آخره ، بدعوى إطلاق الجواب وإن كان السؤال عن ذاكرة الوقت .

وفيه ما لا يخفى .

ومنها : رواية عبداللّه بن المغيرة عن رجل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة التي ترى الدم ، فقال : «إن كان قُرؤها دون العشرة انتظرت العشرة ، وإن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر»(2) .

وهي أيضاً لا إطلاق فيها ؛ لكونها في مقام بيان حكم الاستظهار .

ص: 431


1- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1259 ؛ وسائل الشيعة 2 : 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 12 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 172 / 493 ؛ وسائل الشيعة 2 : 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 11 .
الروايات التي يمكن الاستدلال بها على لزوم التحيّض في أوّل الرؤية

وأمّا ما يمكن أن يستدلّ به على لزوم التحيّض في أوّل الرؤية :

فمنها : رواية عبداللّه بن المغيرة المتقدّمة ، بدعوى : أنّ المنصرف منها أ نّها تنتظر من أوّل الرؤية إلى العشرة . ولا يبعد ذلك لو لا ضعف سندها (1) . وقد يحتمل هذا الانصراف في رواية محمّد بن عمرو المتقدّمة ، لكنّه بعيد ، بل ممنوع .

ومنها : صحيحة زرارة قال : قلت له : النفساء متى تصلّي ؟ فقال : «تقعد بقدر حيضها ، وتستظهر بيومين ، فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت . . .» إلى أن قال : قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء»(2) ، بدعوى : أ نّه لا إشكال في أنّ الواجب على النفساء الجلوس أوّل ما رأت الدم ، فعموم التسوية بينها وبين الحائض يدلّ على المطلوب ؛ وهو تحيّضها في أوّل الدورة .

لكنّه لا يخلو من إشكال ؛ لاحتمال انصراف التسوية إلى مقدار التحيّض والاستظهار وسائر الأحكام المذكورة ، دون مبدأ التحيّض .

ص: 432


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد بن عبداللّه ، عن موسى بن الحسن ، عن أحمد ابن هلال ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عبداللّه بن المغيرة ، عن رجل . والرواية ضعيفة بأحمد بن هلال العبرتائي ، فإنّه رُمي بالغلوّ ومتّهم في دينه . رجال النجاشي : 83 / 199 ؛ الفهرست ، الطوسي : 83 / 107 ؛ اختيار معرفة الرجال : 535 / 1020 .
2- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

ثمّ لو سلّم دلالة الأدلّة على لزوم التحيّض في أوّل الدورة الاُولى ، فلا دليل على تبعية سائر الدورات لها إلاّ بعض اُمور اعتبارية لا يصلح للاستناد إليه ، وإن كان الأحوط ذلك .

ولو قلنا بدلالة الأدلّة على تعيّن التحيّض في مبدأ الدورة الاُولى ؛ وأنّ المتفاهم منها النظم على نهج واحد ، فلا وجه لتقدّم العمل بالظنّ عليها ، بل المتعيّن تقدّم العمل بها على الظنّ ، كما هو واضح .

الموضع الثاني : في ناسية العدد دون الوقت

لو ذكرت الوقت في الجملة ونسيت العدد ، فإمّا ذاكرة لأوّل حيضها ، أو لآخره ، أو لوسطه الحقيقي ، أو لوسطه غير الحقيقي ، أو ذاكرة لكون اليوم الكذائي بين أيّام الحيض ؛ أي بين المبدأ والمنتهى ، أو عالمة بكون اليوم الفلاني من أيّام الحيض في الجملة .

وهاهنا صور كثيرة يعلم حكمها من ذكر حكم بعضها . وعلى أيّ حالٍ قد تعلم أنّ عددها كان مخالفاً لما في الروايات ، وقد لا تعلم ذلك .

فإن كانت ذاكرة لأوّل حيضها ، ولم تعلم مخالفة عددها للروايات ، فلا إشكال في لزوم إكماله ثلاثة أيّام ؛ إذا لم تعلم زيادة عددها عليها ، وإلاّ فبمقدار العلم

بالزيادة ؛ لما دلّ(1) على أنّ الصفرة والكدرة وما فوقها في أيّام الحيض حيض ، وأنّ قليل الدم وكثيره أيّام الحيض حيضٌ كلّه إذا كانت الأيّام معلومة . والتقييد

ص: 433


1- وهي مرسلة يونس الطويلة التي تقدّمت في الصفحة 363 .

بالعلم بالأيّام ليس إلاّ لطريقيته إلى الواقع ، لا لتقييد واقع الحيض به ، فمع العلم بكون اليوم الفلاني أوّل حيضها ، يكون الدم فيه دم الحيض بمقتضى إطلاق الأدلّة ، وأقلّ الحيض - وهو ثلاثة أيّام - متيقّن الحيضية ، فيجب عليها إكماله بالثلاثة ، أو بما فوقها ممّا تعلم عدم نقصان حيضها عنه .

وهذا لا إشكال فيه . إنّما الإشكال فيما زاد على العشرة ممّا تحتمل كونه من عادتها .

فقد يقال : «إنّ مقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة وغسل الحيض في وقت تحتمل انقطاعه وقضاء صوم عشرة أيّام» وهو الذي اختاره المحقّق رحمه الله علیه (1) .

وفيه أوّلاً : ما مرّ مراراً (2) من عدم منجّزية هذا العلم الإجمالي ؛ بناءً على

الحرمة الذاتية في العبادات ، كما هي ظاهر الأدلّة .

وثانياً : على فرض منجّزيته ينحلّ بالاستصحاب ، ولا إشكال في جريان استصحاب الحيضية .

وما أفاد الشيخ الأعظم في المقام : «من عدم جريانه في الاُمور التدريجية ، بل يجري استصحاب عدم الحيضية بالنسبة إلى الأيّام المشكوك فيها ، فيجب عليها أن تعمل عمل المستحاضة بعد ثلاثة أيّام»(3) فغير وجيه ؛ لما حقّق في

ص: 434


1- شرائع الإسلام 1 : 26 .
2- تقدّم في الصفحة 191 و204 و427 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 308 .

محلّه من جريانه فيها (1) ، فلا يبقى مجال للاحتياط والاشتغال ، ولا للزوم عمل المستحاضة .

هذا ، لكنّ التحقيق استفادة حكم المسألة من مرسلة يونس ؛ فإنّ المتأمّل في جميع فقراتها لا يكاد يشكّ في أنّ التي ليس مرجعها العادة ولا التمييز ، مرجعها السبعة والثلاثة والعشرون ، خصوصاً فقراتها الأخيرة من قوله : «فجميع حالات المستحاضة . . . » إلى آخر الرواية ، فقوله : «وإن اختلط عليها أيّامها وزادت ونقصت - حتّى لا يقف منها على حدّ ، ولا من الدم على لون - عملت بإقبال الدم . .» شامل لذاكرة الوقت في الجملة ، فحينئذٍ قوله : «وإن لم يكن الأمر كذلك . . .» إلى آخره ، دالٌّ على المقصود .

والإنصاف : أنّ المتأمّل في المرسلة والحصر المستفاد منها والقواعد المستنبطة من السنن الثلاث الواردة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في ثلاث قضايا

شخصية ، لا ينبغي أن يرتاب في أنّ السنن المذكورة مرجع المستحاضة على الترتيب الذي فيها ، ولا تكاد تكون امرأة خارجة عنها ؛ وأ نّها مع الإمكان ترجع إلى العادة ولو في الجملة ، ومع التمييز وعدم إمكان الرجوع إلى العادة ، ترجع إليه ولو في الجملة ، ومع فقدانهما ترجع إلى العدد ، ومع إمكان الرجوع إلى إحدى المتقدّمتين لا ترجع إلى الأخيرة . وأمّا الرجوع إلى الأقارب فقد عرفت أ نّه - لشدّة ندرته - لا يكون مضرّاً بالحصر(2) .

ص: 435


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 125 .
2- تقدّم في الصفحة 402 .

وممّا ذكرنا يظهر حال سائر الصور ، فلا تحتاج إلى التطويل .

وقد مرّ : أنّ الرجوع إلى خصوص السبعة - من بين الروايات - لو لم يكن أقوى فهو أحوط(1) . نعم لو بنينا على العمل بالأصل وأغمضنا عن الروايات ، يكون حال الأصل بالنسبة إلى الصور المتقدّمة مختلفاً ، كما هو واضح .

الموضع الثالث : في ناسية الوقت والعدد

وأمّا الموضع الثالث : وهو ما إذا نسيت الوقت والعدد جميعاً ؛ ولم تحفظ شيئاً منهما ، فقد ظهر ممّا مرّ أنّ سنّتها السبعة والثلاثة والعشرون على الأحوط ، بل الأقرب ؛ لما مرّ(2) من المناقشة في سائر الروايات وفي الستّة الواردة في المرسلة .

ص: 436


1- تقدّم في الصفحة 411 - 412 .
2- تقدّم في الصفحة 411 - 412 .
المطلب الثاني: في أقسام الاستحاضة
اشارة

المشهور بين الأصحاب - نقلاً وتحصيلاً ، شهرةً كادت أن تكون إجماعاً ، كما في «الجواهر»(1) - أنّ للاستحاضة أقساماً ثلاثة : القليلة ، والكثيرة ، والمتوسّطة . خلافاً للمحكيّ عن ابن أبي عقيل فأنكر القسم الأوّل(2) . وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل أيضاً (3) والفاضلين في «المعتبر»(4) و«المنتهى»(5) إدخال الثانية في الثالثة ، فأوجبوا الأغسال الثلاثة فيها .

والمحقّق الخراساني فصّل بين الدم والصفرة ، وقسّم الدم إلى قسمين ؛ الأوّل : أن يثقب الكرسف ، فأوجب فيه الأغسال الثلاثة ، والثاني : أن لا يثقب ، فأوجب

ص: 437


1- جواهر الكلام 3 : 310 .
2- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 209 .
3- اُنظر مختلف الشيعة 1: 209 - 210 .
4- المعتبر 1 : 244 - 245 .
5- منتهى المطلب 2 : 412 .

الغسلَ في كلّ يوم مرّةً واحدة ، والوضوءَ لكلّ صلاة .

وقسّم الصفرة أيضاً إلى قسمين : القليلة ، فأوجب فيها الوضوء لكلّ صلاة ، ولم يوجب الغسل ، والكثيرة ، فأوجب فيها الأغسال الثلاثة ، وادّعى أنّ ذلك مقتضى الجمع بين الأخبار ؛ بحمل مطلقها على مقيّدها وتقديم نصّها على ظاهرها (1) .

مقتضى الجمع بين الروايات تثليث الأقسام

والحقّ : هو القول المشهور ، لا لصريح «الفقه الرضوي»(2) الموافق لفتوى الصدوق(3) - وإن لم يخل من وجه ؛ لتطابق الفتاوى على وفقه بعد كون الاختلاف بينهما في اللفظ دون المعنى - بل لأنّ تثليث الأقسام في الجملة مقتضى الجمع بين الروايات ، ففي رواية معاوية بن عمّار الصحيحة على الأصحّ(4) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكُرسُف ،

اغتسلت للظهر والعصر . . .» إلى أن قال : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء»(5) .

فأوجب الأغسال الثلاثة للثاقب الأعمّ من السائل وغيره ، والمتجاوز عن

ص: 438


1- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 287 - 290 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 193 .
3- الفقيه 1 : 50 ؛ المقنع : 48 ؛ الهداية ، الصدوق : 98 - 99 .
4- تقدّم وجهه في الصفحة 21 ، الهامش 2 .
5- الكافي 3 : 88 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 .

الكرسف وغيره ، ولغير الثاقب لم يوجب إلاّ الوضوء .

وفي صحيحة زرارة في النفساء : «فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، وإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ، ثمّ صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدمُ الكرسفَ صلّت بغسل واحد» .

قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء»(1) .

والجمع بينها وبين الصحيحة المتقدّمة بتثليث الأقسام ؛ فإنّ إطلاق صدر صحيحة معاوية يقيّد بقوله في صحيحة زرارة : «وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» فإنّ «الثاقب» أعمّ من المتجاوز ، و«التجاوز» عرفاً عبارة عن عبور الدم عن القطنة إلى غيرها ، وهو موافق للسيلان ، والجمع العرفي بين الفقرتين يقتضي حمل «الثقب» على الثقب المتجاوز . ولا يبعد أن يكون الثاقب نوعاً متجاوزاً وسائلاً ، فلا يكون تقييده تقييداً بعيداً .

وتقيّد الفقرة الثانية من صحيحة زرارة - وهي قوله : «وإن لم يجز الدم الكرسف» - بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية ؛ وهي قوله : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف . . .» فإنّ غير المتجاوز أعمّ من الثاقب وغيره ، وغير الثاقب أخصّ منه مطلقاً .

فإن شئت قلت : إنّه بعد تقييد الفقرة الثانية من صحيحة زرارة بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية ، تصير أخصّ مطلقاً من الفقرة الاُولى من صحيحة زرارة ،

ص: 439


1- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

ونتيجة التقييدين تثليث الأقسام .

وإن شئت قلت : إنّ الجمع العقلائي بين فقرات الصحيحتين هو تثليث الأقسام ؛ وإن كان بين بعض الفقرات عموم من وجه .

وتشهد لما ذكرنا - من حمل «الثاقب» في صحيحة معاوية على الثاقب المتجاوز المنطبق على الكثير - موثّقة سماعة قال : قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسفَ اغتسلت لكلّ صلاتين ، وللفجر غسلاً ، وإن لم يجز الدم الكرسفَ فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة»(1) .

حيث قابل فيها بين الثقب وعدم التجاوز ، فيعلم أنّ مراده ب- «الثقب» هو التجاوز . كما أ نّه يقيّد قوله : «وإن لم يَجُز الدمُ الكُرْسفَ . . .» بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية .

وأمّا قوله في الموثّقة : «وإن كان صفرة فعليها الوضوء» فمحمول على القليلة ؛ لنوعية كون الصفرة قليلة ، كما قيل(2) .

بل ربّما يشهد له قوله في رواية محمّد بن مسلم - في باب اجتماع الحيض والحمل - : «إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء»(3) .

ص: 440


1- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- مصابيح الظلام 1 : 230 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .

وتشهد لتثليث الأقسام صحيحة عبد الرحمان قال فيها : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل ، ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر ثمّ تصلّي ، فإذا كان سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد»(1) .

فإنّها متعرّضة للمتوسّطة والكثيرة ، فأوجبت الغسلَ الواحد إن ظهر على الكرسف ، والأغسالَ الثلاثة إن سال الدم ، فهي بضميمة روايات اُخر تفيد الأقسام الثلاثة ، كموثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ففيها :

«ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»(2) .

وعليها تحمل صحيحة الصحّاف حيث يظهر منها التثليث . لكن قد يتراءى منها خلاف ما تقدّم في الجملة ؛ حيث قال فيها بعد الاستظهار بيوم أو يومين : «فلتغتسل ، ثمّ تحتشي وتستذفر وتصلّي الظهر والعصر ، ثمّ لتنظر ؛ فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف ، فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها ، فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم ، وجب عليها الغسل ، وإن طرحت الكرسف ولم يسل فلتتوضّأ ولتصلّ ، ولا غسل عليها» . قال : «وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف ، يسيل من خلف

ص: 441


1- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 169 / 483 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 9 .

الكرسف صبيباً لا يرقأ ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات»(1) .

فإنّها أيضاً - بعد تقييد قوله : «لا يسيل . . .» إلى آخره ، ببعض الروايات المتقدّمة ، وحملِ قوله : «فسال الدم وجب عليها الغسل» على سيلانه بلا مانع ؛ بحيث إن وضعت الكرسف ثَقَبَه ولم يسل منه ؛ بقرينة قوله : «وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف . . .» إلى آخره - تفيد الأقسام الثلاثة ؛ فإنّ قوله : «فإن طرحت الكرسف . . .» إلى آخره ، صريح في ثلاثة أقسام :

أحدها : عدم السيلان بعد طرح الكرسف ، وهو لا

ينطبق إلاّ على القليلة .

ثانيها : سيلانه بعد طرحه ، فإنّه بملاحظة مقابلته مع الثالث - أي ما إذا

أمسكت الكرسف سال من خلفه - لا ينطبق إلاّ على المتوسّطة ؛ فإنّ الدم إذا كان سائلاً مع طرح الكرسف ، وليس سيلانه بحيث إذا أمسكت الكرسف سال من خلفه ، لا محالة يكون ثاقباً ونافذاً .

ثالثها : ما أفاد بقوله : «إذا أمسكت الكرسف يسيل . . .» .

فلا إشكال في إفادتها الأقسام الثلاثة موافقاً للمشهور .

فتحصّل ؛ أنّ تثليث الأقسام - مضافاً إلى كونه مشهوراً شهرة كادت أن تكون

إجماعاً ، كما مرّ(2) - هو مقتضى الجمع بين الروايات وحمل بعضها على بعض ، ومقتضى ظهور بعض الروايات أيضاً .

ثمّ إنّ «الدم» في مثل صحيحة الصحّاف ، لا ينصرف إلى الحمرة مقابل

ص: 442


1- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 7 .
2- تقدّم في الصفحة 437 .

الصفرة لو قلنا بانصرافه في بعض الروايات ؛ فإنّ الصفرة في دم الاستحاضة لعلّها غالبة نوعية ، ولهذا جعلت علامة لها وأمارة عليها . بل الانصراف مطلقاً محلّ منع .

نعم ، إذا ذكرت «الصفرة» مقابل «الدم» يكون ذلك قرينة على إرادة الحمرة من «الدم» المقابل لها ، وهذا نظير ما إذا قيل : «الماء لا ينفعل ، وإذا كان قليلاً

ينفعل» حيث يفهم من المقابلة أنّ «الماء» في الصدر هو الكثير ، وهذا لا يوجب الانصراف إذا لم يكن مقابلاً له .

فحينئذٍ يستفاد من الصحيحة وغيرها أنّ الدم مطلقاً ثلاثي الأقسام ، ويحمل عليها ما ورد من أنّ في الصفرة الوضوء خاصّةً ، كموثّقة سَماعة(1) وروايتي «قرب الإسناد»(2) وصحيحة يونس بن يعقوب(3) وما ورد من أنّ فيها الغسل عند كلّ صلاة مطلقاً (4) ، فتحمل الروايات الاُولى على القليلة ، بل في بعضها إشعار بقلّة الدم والثانية على الكثيرة .

فتثليث الأقسام مطلقاً - كما عليه المشهور - ممّا لا إشكال فيه .

ص: 443


1- تقدّمت في الصفحة 440 .
2- قرب الإسناد : 225 / 879 و880 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 7 و8 ، وقد تقدّم متنهما في الصفحة 334 - 335 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 175 / 502 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 3 ، وقد تقدّم متنها في الصفحة 332 .
4- كرواية إسحاق بن عمّار ، راجع وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .
ضابطة الاستحاضة الكثيرة والمتوسّطة والقليلة

ثمّ إنّ عبارات الأصحاب مختلفة في ضابطة الأقسام ؛ فعن جملة منهم التعبير ب- «غير الثاقب» في القليلة ، وب- «الثاقب غير السائل» في المتوسّطة ، وب- «السائل» في الكثيرة(1) .

وعن جملةٍ التعبير ب- «غير الراشح» و«الراشح غير السائل» و«السائل»(2). وعن بعضهم ب- «غير الظاهر على الكرسف» و«الظاهر عليه غير السائل» و«السائل»(3).

وعن جملة من كتب العلاّمة التعبير عنها ب- «عدم غمس القطنة» و«غمسها من غير سيل» و«مع السيل»(4) وبعضهم حمل سائر العبارات على ما يوافق عبارات العلاّمة(5) . وبعضهم عكس الأمر(6) .

والحقّ : أ نّه لا

وجه لإرجاع عبارات القوم إلى فتوى العلاّمة ، ولا يمكن إرجاع بعض عباراته - مثل ما في «القواعد» - إلى عبارات القوم ؛ فإنّ قوله فيه : «إن ظهر على القطنة ولم يغمسها وجب عليها تجديد الوضوء . . .»(7) إلى آخره ، ظاهر - لو لم يكن نصّاً - في أنّ الثقب والظهور على الكرسف ، لا يخرج الدم عن

ص: 444


1- السرائر 1 : 152 - 153 ؛ شرائع الإسلام 1 : 26 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 277 .
2- المقنعة : 56 ؛ المراسم : 44 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 61 .
3- مصباح المتهجّد : 27 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 325 .
4- تحرير الأحكام 1 : 109 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 279 - 282 ؛ مختلف الشيعة 1 : 209 .
5- جامع المقاصد 1 : 340 .
6- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 ؛ جواهر الكلام 3 : 311 - 312 .
7- قواعد الأحكام 1 : 219 .

القلّة ما لم يغمس القطنة .

وكيف كان : فالمتّبع هو الأدلّة ، وقد وردت فيها عناوين ك- «الثقب» و«النفوذ» و«الظهور على القطنة» و«الثقب» وإن كان أعمّ ظاهراً من «النفوذ» لكن لا إشكال في كون المراد من العناوين شيئاً واحداً : هو الثاقب النافذ والظاهر على القطنة ؛ سواء غمسها أو لا ، فلو نفذ من القطنة ولم يغمسها كانت الاستحاضة متوسّطة .

وما قيل : «من أنّ الدم بنفسه لا يكون بمقتضى العادة ثاقباً إلاّ بعد إحاطته بأطراف القطنة الملاصقة للباطن فينفذ فيها شيئاً فشيئاً إلى أن ترتوي القطنة ، فيظهر الدم على الجانب الآخر الملاصق للخرقة ، فيكون الثقب ملازماً للغمس»(1) .

فيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ القطنة الموضوعة على المحلّ ، تكون نقطتها المحاذية لمخرج الدم ، أسرعَ انفعالاً من سائر أطرافها ، ويكون الدم بمقتضى طبعه - خصوصاً في المحلّ ممّا تكون فيه حرارة الدم محفوظة - نافذاً في وسط القطنة ، وثاقباً لقطرها قبل غمسها وارتوائها .

وتوصيف دم الاستحاضة بالبرودة ، إنّما هو في مقابل الحرقة والحرارة القويّة في دم الحيض ، وإلاّ فلا شبهة في عدم كونه كالماء البارد ؛ حتّى لا يكون نافذاً في مثل القطنة .

وكيف كان : فملاك القلّة عدمُ الثقب النافذ ، والتوسّطِ الثقبُ النافذ غير السائل ، والكثرةِ الثاقبُ السائل .

ص: 445


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 281 - 282 .
المطلب الثالث: في بيان أحكام الأقسام الثلاثة
حكم الاستحاضة القليلة

أمّا القسم الأوّل ؛ أي القليلة : فحكمه تغيير القطنة ، وتجديد الوضوء عند كلّ صلاة .

1 - تغيير القطنة

أمّا الأوّل : فإجماعاً كما عن ظاهر «الناصريات» و«الغنية» و«جامع المقاصد»(1) ، وهو مذهب علمائنا كما عن «التذكرة»(2) ، ولا خلاف فيه عندنا كما عن «المنتهى»(3) ، وهو المشهور كما عن «كاشف الالتباس» و«الكفاية» وظاهر «الذكرى»(4) ، وبه قطع أكثر الأصحاب كما عن «كشف اللثام»(5) .

ص: 446


1- مسائل الناصريات : 147 ؛ غنية النزوع 1 : 39 - 40 ؛ جامع المقاصد 1 : 339 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 329 - 330 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 279 .
3- منتهى المطلب 2 : 409 .
4- كشف الالتباس 1 : 237 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 241 .
5- كشف اللثام 2 : 148 .

وعن «الكفاية» التأمّل في الإجماع(1) ، وعن «كشف اللثام» : «أ نّه لم يذكره الصدوقان ولا القاضي»(2) .

وفي «الجواهر» : «لزوم التغيير مشهور نقلاً وتحصيلاً ، ونَقل عن «مجمع البرهان»(3) : أنّ لزومه كأ نّه إجماعي»(4) .

والعمدة في المقام هي هذه الشهرة المسلّمة ، مع كون الأدلّة - بظاهرها أو إطلاقها - تدلّ على عدم لزوم التغيير ، وهما بمثابة لا يمكن أن يقال : إنّ الشهرة

لعلّها لتخلّل الاجتهاد ، أو لتحكيم إجماع «الغنية» ونفي خلاف «السرائر» - المحكيّ-ين على إلحاق دم الاستحاضة بالحيض في عدم العفو(5) - على هذه الأدلّة ، أو تحكيم ما دلّ في الكثيرة والمتوسّطة على لزوم التغيير(6) ، مع عدم تعقّل الفرق ، أو عدم القائل به ، أو تحكيم الإجماع المركّب كما عن «الرياض»(7) على هذه الأدلّة ؛ فإنّ تلك الأدلّة ظاهرة الدلالة في عدم لزوم التبديل :

ففي صحيحة الحلبي عن أبي جعفر علیه السلام قال : «سئل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن

ص: 447


1- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 .
2- كشف اللثام 2 : 148 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 155 .
4- جواهر الكلام 3 : 313 .
5- غنية النزوع 1 : 41 ؛ السرائر 1 : 176 .
6- راجع وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 و10 .
7- رياض المسائل 2 : 111 .

المرأة تستحاض ، فأمرها أن تمكث أيّام حيضها ؛ لا تصلّي فيها ، ثمّ تغتسل وتستدخل قطنة وتستثفر بثوب ، ثمّ تصلّي حتّى يخرج الدم من وراء الثوب»(1) .

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، فإن جاز الدم الكُرْسُف تعصّبت واغتسلت»(2) .

وفي صحيحة الصحّاف عن أبي عبداللّه علیه السلام : «وإن لم ينقطع الدم عنها إلاّ بعد ما تمضي الأيّام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ، ثمّ تحتشي وتستذفر ، وتصلّي الظهر والعصر ، ثمّ لتنظر ؛ فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف ، فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها»(3) .

وفي موثّقة عبد الرحمان عن أبي عبداللّه علیه السلام : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر»(4) .

ص: 448


1- الكافي 3 : 89 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 7 .
4- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

وفي موثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم»(1) .

وفي رواية الجُعْفي عن أبي جعفر علیه السلام : «وإن لم تر طهراً اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف»(2) . . . إلى غير ذلك من الروايات التي لا مجال للشبهة

فيها وفي دلالتها ؛ حتّى يتوهّم تخلّل الاجتهاد فيها .

كما أ نّه لا وجه لتخيّل تحكيم إجماع «الغنية» أو التحكيم المذكور بعده على تلك الأدلّة ؛ ضرورة أنّ إجماع «الغنية» - على فرض صحّته - لا إطلاق فيه بالنسبة إلى البواطن ، بل العفو عنها ممّا لا إشكال فيه .

كما أنّ دعوى عدم تعقّل الفرق بين القليلة وغيرها ، في محلّ المنع بعد اختلاف أحكام الثلاثة ، وعدم طريق للعقول إلى الواقع في التعبّديات . مع أنّ في دلالة الخبرين في موردهما إشكالاً .

وكيف كان : فلا يمكن رفع اليد عن الشهرة الثابتة والإجماع المحكيّ لأجل تلك الأدلّة المعرض عنها مع كونها بمنظر منهم ، فالأحوط - لو لم يكن أقوى - لزوم تغيير الكرسف .

وأمّا الخرقة : فمع تلوّثها يجب تبديلها مطلقاً ؛ إن قلنا بعدم العفو في دم

ص: 449


1- تهذيب الأحكام 1 : 169 / 483 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 9 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .

الاستحاضة ، وإلاّ ففي المقدار الغير المعفوّ عنه . مع إمكان أن يقال : إنّ الشهرة على وجوب التبديل في القطنة ، تدلّ على مانعية دم الاستحاضة ولو كان قليلاً ، ومنه يظهر مانعيته إذا كان في الخرقة ، بل مانعيته فيها أولى .

وكذا الحال في ظاهر الفرج ، وهو - على ما قالوا - «ما يبدو منه عند الجلوس على القدمين»(1) وهو الأحوط .

2 - تجديد الوضوء

وأمّا الثاني : أي تجديد الوضوء لكلّ صلاة ، فهو إجماعي في الجملة ، كما عن

«الخلاف» و«جامع المقاصد» وظاهر «الناصريات» و«الغنية»(2) ، وعن «التذكرة» : «أ نّه مذهب علمائنا»(3) ، وهو المشهور ، كما عن جملة من الأعلام(4) ، وهو مذهب الخمسة وأتباعهم ، كما عن «المعتبر»(5) .

خلافاً للمحكيّ عن ابن عقيل فلم يوجب في القليلة غسلاً ولا وضوءاً (6) ،

ص: 450


1- مسالك الأفهام 1 : 74 ؛ روض الجنان 1 :229 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 34 .
2- الخلاف 1 : 249 - 250 ؛ جامع المقاصد 1 : 340 ؛ مسائل الناصريات : 147 ؛ غنية النزوع 1 : 39 - 40 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 327 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 279 .
4- مختلف الشيعة 1 : 209 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 327 - 328 .
5- اُنظر جواهر الكلام 3 : 315 ؛ المعتبر 1 : 242 .
6- اُنظر المعتبر 1 : 242 .

وللمحكيّ عن ابن الجنيد فأوجب فيها غسلاً واحداً في كلّ يوم وليلة(1) . وقد تقدّم نقل ذهاب المحقّق الخراساني أيضاً إلى إيجاب الغسلِ الواحد عليها ، والوضوء لكلّ صلاة(2) .

والأقوى ما عليه المشهور ، ويدلّ عليه - مضافاً إلى ما تقدّم من عدم نقل خلاف إلاّ ممّن تقدّم - صحيحة معاوية عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد، وصلّت كلّ صلاة بوضوء»(3).

وهو في مقابل الصدر - حيث أوجب الغسل عليها إذا ثقبه - كالصريح في عدم وجوب الغسل عليها .

وأوضح منها موثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال : سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها ، كيف تصنع ؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين ، ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»(4) .

ولا إشكال في ظهورهما في المقصود ، ومعهما لا مجال للتمسّك بإطلاق بعض الأدلّة ، أو عدم ذكر الوضوء في آخر ، مثل صحيحة صفوان عن أبي الحسن علیه السلام وفيها قال : «لا ، هذه مستحاضة ؛ تغتسل وتستدخل قطنة بعد

ص: 451


1- المعتبر 1 : 244 .
2- تقدّم في الصفحة 437 .
3- تقدّمت في الصفحة 438 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 169 / 483 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 9 .

قطنة ، وتجمع بين صلاتين بغسل»(1) .

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت»(2) .

وصحيحة الصحّاف(3) حيث أمر فيها بالاحتشاء وصلاة الظهر والعصر ، ومع

عدم السيلان بالوضوء عند وقت كلّ صلاة ، فأوجب الوضوء للصلاتين لا لكلّ صلاة ؛ بمناسبة ذكر الوقت فيها . . . إلى غير ذلك ممّا يكون الجمع العرفي بينها وبين الروايتين بتقييد إطلاقها ؛ لأنّ السكوت في مقام البيان ، لا يقاوم ما هو ظاهر في وجوب الوضوء لكلّ صلاة .

بل يدلّ على المقصود إطلاق موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «غسل الاستحاضة واجب ؛ إذا احتشت بالكرسف وجاز الدم الكرسفَ ، فعليها الغسل لكلّ صلاتين ، وللفجر غسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف ، فعليها الغسل كلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة»(4) .

وعدم تجاوز الدم أعمّ من كونه ثاقباً وغيره ، فيقيّد إطلاق وجوب الغسل بما دلّ على عدم وجوبه لغير الثاقب ، ويبقى إطلاق وجوب الوضوء لكلّ صلاة

ص: 452


1- الكافي 3 : 90 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- تقدّمت في الصفحة 448 .
3- تقدّمت في الصفحة 448 .
4- الكافي 3 : 40 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 3 .

للثاقب وغيره . وكون الغسل على المستحاضة الوسطى دون الصغرى ، لا يوجب أن يكون قوله : «لم يجز الدم» مختصّاً بالوسطى حتّى في الوضوء ؛ فإنّ تقييد الإطلاق بالنسبة إلى حكم بدليل ، لا يوجب تقييده بالنسبة إلى حكم آخر لم يقم دليل على تقييده .

وأولى من ذلك ، الاستدلال عليه بمرسلة يونس الطويلة ، قال فيها : «وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما ذلك عزف عامر أو ركضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب»(1) .

فإنّ إطلاقها يقتضي وجوب الوضوء لكلّ صلاة ؛ سال الدم أو لا ، كان سيلانه كثيراً مثل المَثْعَب أو لا .

بل لا يبعد التمسّك بموثّقة سماعة المضمرة ، وفيها : «وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة ، وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل . هذا إذا كان دمها عبيطاً ، وإن كان صفرة فعليها الوضوء»(2) .

إمّا بإطلاق قوله : «وإن لم يجز . . .» بالتقريب المتقدّم .

وإمّا بحمل «الصفرة» على القليلة ، والوضوء على المعهود في الصدر ؛ أي يكون عليها الوضوء المذكور لزومه لكلّ صلاة ، وليس عليها الغسل . بل

ص: 453


1- تقدّمت في الصفحة 364 .
2- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .

لا منافاة بين التمسّكين ، كما يظهر بالتأمّل .

وعلى تلك الروايات يحمل ما ورد في صحيح الصحّاف من إيجاب الوضوء عند وقت كلّ صلاة ، خصوصاً مع تعارف التفريق بين الصلوات في تلك الأزمنة ؛ بحيث كانت الأوقات الخمسة معروفة بين المسلمين . وأمّا قوله : «تحتشي وتصلّي الظهر والعصر ، ثمّ لتنظر» فلا يقاوم ظهور تلك الأدلّة ، خصوصاً مع تذييله بقوله : «فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة» بالتقريب المذكور .

وبالجملة : مقتضى الجمع بين الأدلّة وجوب الوضوء لكلّ صلاة في القليلة وعدم الغسل .

عدم الفرق بين الفريضة والنافلة في الحكم

ثمّ إنّ مقتضى عموم تلك الأدلّة وإطلاقها ، عدم الفرق بين الفريضة والنافلة ؛ كانت النافلة من الرواتب أو لا ، خصوصاً مع تعارف الإتيان بالنوافل في الصدر الأوّل ، بل تعارف إتيان صلاة التحيّة ونحوها ، فحينئذٍ لا وجه لدعوى(1) انصراف الأدلّة إلى الفرائض .

وأمّا قضيّة حرجية ذلك وبناء الشريعة السهلة على التسامح والتساهل ، فهي غير جارية في النوافل التي لا إلزام في إتيانها ، فإن أرادت الوصول إلى الثواب الجزيل ، تأتي بها مع ما فيها من المشقّة ، فتنال فضيلة أحمز الأعمال .

بل يمكن الاستدلال على المطلوب : بأنّ المتفاهم من الأدلّة حدثية دم

ص: 454


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 295 .

الاستحاضة في الجملة ، فحينئذٍ نقول :

إمّا أن يكون حدثاً - ولو اقتضاءً - بأوّل حدوثه دون استمراره . أو يكون

بوجوده المستمرّ إلى آخره حدثاً ؛ بحيث لا تتحقّق الحدثية إلاّ بعد تمام الاستمرار . أو يكون حدثاً بحدوثه واستمراره ؛ أي يكون كلّ قطعة وقطرة منه حدثاً .

لا سبيل إلى الأوّلين ؛ ضرورة مخالفتهما لما دلّ على لزوم الوضوء لكلّ صلاة ، كما يظهر بأدنى تأمّل ، فلا محالة يكون حدثاً على النحو الثالث ، فحينئذٍ لا محيص عن القول : بأنّ ما دلّ على العفو أو سلب الحدثية ، إنّما هو بالنسبة إلى القطرات التي تخرج بعد الوضوء أو بينه إلى آخر الصلاة التي صلّت به ، ولم يثبت العفو عن غيرها ، وكذا سلب الحدثية .

وبما ذكرنا يدفع ما قيل : «من عدم ثبوت حدثيته»(1) و «منع كون طبيعته حدثاً»(2) فتدبّر .

هذا مضافاً إلى بُعد الالتزام بأنّ الدم الخارج بعد الفريضة حدث دون غيره لو لم نقل : بأ نّه مقطوع الخلاف . إلاّ أن يلتزم الخصم بأنّ الفريضة حدث! وهو كما ترى .

وأمّا التفصيل بين الرواتب وغيرها (3) فغير وجيه ، كما لا يخفى .

ص: 455


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 31 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 294 .
3- جواهر الكلام 3 : 318 .
حكم الاستحاضة المتوسّطة

1 - وجوب تبديل القطنة

وأمّا القسم الثاني ؛ أي المتوسّطة : فيجب فيه تبديل القطنة «بلا خلاف صريح

أجده فيه» كما في «الجواهر»(1) وعن «شرح الإرشاد» لفخر الإسلام إجماع المسلمين عليه(2) .

وتدلّ عليه الشهرة القطعية الكاشفة عن معروفية الحكم - من لدن زمن الأئمّة علیهم السلام - في الاستحاضة القليلة ، وفهم الحكم منها عرفاً بالأولوية القطعية في المتوسّطة والكثيرة ؛ ضرورة أنّ العرف والعقلاء إذا سمعوا «أنّ من الأحكام تبديل الكُرْسُف إذا تلوّث بدم الاستحاضة في الجملة ، ولا تصحّ صلاة المستحاضة القليلة بلا تبديله» يفهمون منه أنّ دم الاستحاضة قليله وكثيره مانع عن الصلاة ، ويجب على المرأة تبديل الكرسف مطلقاً ؛ بلا التماس دليل بالنسبة إلى المتوسّطة والكثيرة .

فالخدشة في دلالة الأخبار على جميع المقصود(3) في غير محلّها . وعلى

ص: 456


1- جواهر الكلام 3 : 319 .
2- اُنظر كشف اللثام 2 : 151 ؛ جواهر الكلام 3 : 319 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 284 و297 .

فرض الصحّة لا توجب الخدشة في أصل الحكم .

كما أنّ الخدشة في الشهرة أو الإجماع في المقام - لاحتمال تخلّل الاجتهاد

وفهم الأصحاب الحكم من الأخبار الواردة فيها - لا توجب الخدشة في الحكم ؛ لما عرفت(1) من أنّ الشهرة في المسألة السابقة ، من الشهرات التي انسدّ فيها باب الاجتهاد ، مع ورود أخبار دالّة على الخلاف ، فهي حجّة فيها ، ومنها يتّضح الحكم في القسمين الآخرين أيضاً .

هذا ، مع إمكان الاستدلال على لزوم التبديل بموثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه قال فيها : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر ، ثمّ تصلّي ، فإذا كان دماً سائلاً . . .»(2) إلى آخره .

ولا إشكال في ظهوره في تبديل الكرسف ؛ فإنّ القطنة التي ظهر الدم عليها تخرج حين الغسل ، فإذا قيل بعد فرض إخراجها : «تضع كرسفاً آخر» يفهم منه تبديلها ، ولا يحتمل وضع كرسف على كرسفها ، فحينئذٍ لا إشكال في ظهوره في مانعية الدم - الذي ظهر على الكرسُف - عن الصلاة .

ولا وجه لحمل ذلك على الجري مجرى العادة(3) . لأنّ العناية بوضع كرسف آخر - في مقام التعبّد وبيان التكليف - دليل على دخله في الحكم ، فلا حجّة على رفع اليد عن الظهور باحتمال الجري مجرى العادة .

ص: 457


1- تقدّم في الصفحة 447 .
2- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 297 .

وبعد فهم المانعية عن الصلاة ، لا ينقدح في الذهن أنّ المانعية منحصرة في صلاةٍ ، فاحتمال كون التبديل مختصّاً بما بعد الغسل فقط ، مخالف لفهم العرف من قوله : «تضع كرسفاً آخر ، ثمّ تصلّي» أنّ الكرسف الكذائي مانع عن طبيعة الصلاة ، لا عن مصداق منها .

ومنه يظهر وجه الاستدلال عليه برواية الجُعْفي(1) فإنّ قوله : «فإذا ظهر أعادت الغسل ، وأعادت الكرسف» ظاهر في التبديل ، لا إعادة الكرسف المتلوّث .

وأمّا قوله في رواية ابن أبي يعفور : «فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها»(2) فيحتمل فيه إرادة زيادة كرسف على كرسفها ، ويحتمل إرادة وضع كرسف زائد حجماً على الكرسف الأوّل على المحلّ ؛ أي تبديل كرسفها بكرسف آخر زائد عليه ، ولا ترجيح لأحدهما ، فيرفع هذا الإجمال بالروايتين السابقتين .

مع أنّ الظهور على الكرسف موجب للغسل بحسب دلالة الروايتين ، وحين الغسل لا يمكن إبقاء الكرسف ، فحينئذٍ يمكن ترجيح الاحتمال الثاني . وكيف كان فلا إشكال في المسألة .

كما لا إشكال في لزوم تبديل الخرقة على فرض التلوّث ؛ لاستفادة مانعية

ص: 458


1- تقدّمت في الصفحة 449 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1258 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 13 .

الدم - ولو كان قليلاً - من الشهرة في المسألة السابقة على ما مرّ(1) . هذا إذا قلنا بالعفو عن دم الاستحاضة ، وإلاّ فالأمر أوضح .

2 - وجوب الوضوء

وكذا يجب عليها الوضوء لكلّ صلاة حتّى صلاة الغداة التي اغتسلت قبلها ؛ لعدم الخلاف في غير الغداة ، كما احتمله في «الجواهر»(2) بل قد يدّعي(3) تناول إجماع «الناصريات» و«الغنية»(4) لغيرها ، بل احتمل في «الجواهر» كون المسألة مطلقاً غير خلافية ؛ لحمل غير بعيد لعبارات بعض الأصحاب ممّا احتمل الخلاف منهم(5) .

وتدلّ على المطلوب موثّقتا سماعة الصريحتان في وجوب الوضوء لكلّ صلاة(6) ، ومرسلة يونس حيث قال فيها : «وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما ذلك عزف عامر ، أو ركضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب»(7) .

ص: 459


1- تقدّم في الصفحة 449 .
2- جواهر الكلام 3 : 320 .
3- نفس المصدر .
4- تقدّم في الصفحة 450 .
5- جواهر الكلام 3 : 320 .
6- وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 3 ، و : 374 ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .
7- تقدّمت في الصفحة 364 .

حيث دلّت على وجوب الوضوء لكلّ صلاة ؛ سال الدم أو لم يسل ، كان سيلانه قليلاً أو كثيراً .

ورواية ابن أبي يعفور ، وفيها : «وتنظر ؛ فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها ، وتوضّأت وصلّت» .

فهي ظاهرة في أنّ الظهور على الكرسف موجب للوضوء ، فبضميمة ما دلّت على أنّ الظهور عليه موجب للغسل وإعادة الكرسف ، تدلّ على المدّعى .

وبعبارة اُخرى : الظاهر من رواية ابن أبي يعفور ورواية الجُعفي وموثّقة عبد الرحمان أنّ الظهور على الكرسف سبب لاُمور ثلاثة : الاغتسال ، والتبديل ، والوضوء ، فيفهم منها أنّ الغسل لا يجزي عن الوضوء . وتدلّ على المطلوب أيضاً صحيحة الصحّاف .

وليس في مقابلها إلاّ توهّم إطلاق بعض الروايات ، والسكوت عنه في مقام البيان في بعضها ، ولا يخفى ما فيهما :

أمّا الإطلاق فيجب تقييده .

وأمّا السكوت ، فعلى فرض كونه في مقام البيان ، لا يقاوم الأدلّة المصرّحة . مع إمكان أن يقال : إنّ غالب الأدلّة ليس في مقام البيان ، كصحيحة زرارة في النفساء(1) ؛ لإمكان كونها بصدد بيان مورد لزوم الغسل الواحد والمتعدّد ، لا في مقام بيان جميع الأحكام ، ولهذا لم يذكر فيها الوضوء للقليلة أيضاً . ومثلها موثّقة

عبد الرحمان ، فالمسألة خالية عن الإشكال بحمد اللّه .

ص: 460


1- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

3 - وجوب الغسل

وكذا يجب عليها الغسل ، وهو - في الجملة - ممّا لا إشكال فيه نصّاً وفتوى ، وعن «الناصريات» و«الخلاف» وظاهر «الغنية» الإجماع عليه(1) .

وإنّما الإشكال والخلاف في أ نّه هل يجب عليها - مضافاً إلى غسل للغداة

- غسلان آخران للظهرين والعشاءين أو لا ؟

فعن المشهور عدم وجوب غير ما للغداة عليها (2) ، وفي «الجواهر» : «ظاهر الجميع - بل صريحهم - عدم وجوب غيره»(3) .

وعن ابني عقيل والجنيد(4) والمحقّق في «المعتبر»(5) والعلاّمة في «المنتهى»(6) وبعض متأخّري المتأخّرين(7) إدخال هذا القسم في الثالثة ، فأوجبوا الأغسال الثلاثة عليها .

وظاهر بعض المحقّقين لزوم الغسل عليها كلّما ظهر الدم على الكرسف ، وإذا كان سائلاً يتعذّر عليها أو يتعسّر استمساكه بالكرسف - لكونه صبيباً لا يرقأ -

ص: 461


1- مسائل الناصريات : 147 ؛ الخلاف 1 : 249 - 250 ؛ غنية النزوع 1 : 39 - 40 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 337 .
3- جواهر الكلام 3 : 321 .
4- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 209 و210 .
5- المعتبر 1 : 245 .
6- منتهى المطلب 2 : 410 - 412 .
7- مدارك الأحكام 2 : 31 - 32 .

فعليها الأغسال الثلاثة(1) . ولازمه وجوب خمسة أغسال عليها في اليوم والليلة في بعض الأحيان ، فتكون أسوأ حالاً من الكثيرة .

منشأ الاختلاف في عدد الغسل

ومنشأ الاختلاف اختلاف أنظارهم في الجمع بين شتات الروايات ، وقد تقدّم بعض الكلام في استفادة الأقسام الثلاثة من الروايات في أوّل البحث(2) .

ومحصّله : أنّ التحقيق في الجمع بين الروايات هو تثليث الأقسام ؛ وعدم وجوب الغسل على الصغرى ، ووجوب غسل واحد على الوسطى ، وثلاثة أغسال على الكبرى .

ففي موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام : «وغسل الاستحاضة واجب ؛ إذا احتشت بالكرسف وجاز الدم الكرسفَ فعليها الغسل لكلّ صلاتين ، وللفجر غسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة ، والوضوء لكلّ صلاة»(3) .

وقريب منها موثّقته الاُخرى قال : قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين ، وللفجر غسلاً ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة ، والوضوء لكلّ صلاة ، وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل .

ص: 462


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 305 و313 .
2- تقدّم في الصفحة 438 .
3- الكافي 3 : 40 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 3 .

هذا إذا كان دمها عبيطاً ، وإن كان صفرة فعليها الوضوء»(1) .

والمراد بثقب الدم في هذه هو التجاوز ؛ بقرينة تقابله بعدم التجاوز ، وبقرينة

موثّقته السابقة ، وبقرينة أنّ الثقب ملازم للتجاوز بحسب الغالب ، ولا إشكال في أنّ معنى «التجاوز» - عرفاً ولغةً - غير الثقب والظهور على الكرسف والنفوذ ، بل هو عبارة عن العبور من الكرسف والسراية إلى شيء آخر ، وهو عبارة اُخرى عن «السيلان» الذي في الروايات الاُخر .

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ، ثمّ صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» .

قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء»(2) .

ولا إشكال في أنّ ظاهرها أنّ الدم المتجاوز ، يوجب الأغسال الثلاثة ، وغير المتجاوز لا يوجب إلاّ غسلاً واحداً . نعم غير المتجاوز - بإطلاقه - شامل للثاقب وغيره ، لكن يتقيّد بموثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال : سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها ، كيف تصنع ؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين ، ثمّ هي مستحاضة ، فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما

ص: 463


1- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»(1) .

ومقتضى الجمع بينها وبين ما تقدّم هو تثليث الأقسام بلا إشكال .

وممّا ذكرنا ظهر حال صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المستحاضة تنظر أيّامها ؛ فلا تصلّي فيها ، ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكرسف ، اغتسلت للظهر والعصر ؛ تؤخّر هذه ، وتعجّل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلاً ؛ تؤخّر هذه ، وتعجّل هذه ، وتغتسل للصبح ، وتحتشي وتستثفر وتحشّي ، وتضمُّ فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج ، ولا يأتيها بعلها أيّام قرئها ، وإن كان الدم لا يثقب الكرسف ، توضّأت ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء ، وهذه يأتيها بعلها إلاّ في أيّام حيضها»(2) .

فإنّ صدرها إمّا مطلق يجب تقييده بمثل قوله : «إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» أو يكون ظاهراً في الكثيرة بمقتضى قوله : «وتحتشي وتستثفر وتحشّي وتضمّ فخذيها في المسجد» الوارد للتحفّظ عن السيلان وتلويث أثوابها .

قال صاحب «الوافي» : «تحشّي» مضبوط في بعض النسخ المعتمد عليها بالحاء المهملة والشين المعجمة ، وفسّر بربط خرقة محشوّة بالقطن يقال لها : «المِحْشى» على عجيزتها للتحفّظ من تعدّي الدم حال القعود .

ص: 464


1- تهذيب الأحكام 1 : 169 / 483 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 9 .
2- الكافي 3 : 88 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 .

وفي «الصحاح» : «المِحْشى : العِظامة تعظّم بها المرأة عجيزتها»(1) .

وفي بعض النسخ : «تحتبي» - بالتاء المثنّاة من فوق والباء الموحّدة - من الاحتباء ، وهو جمع الساقين والفخذين إلى الظهر بعمامة ونحوها ؛ ليكون ذلك موجباً لزيادة تحفّظها من تعدّي الدم(2) ، انتهى .

وعلى النسختين ، يكون الاحتشاء والاستثفار والربط بالخرقة المحشوّة أو الاحتباء ؛ لكثرة التحفّظ ، ومعلوم أنّ هذه المبالغة إنّما هي في الكثيرة لا غيرها .

نعم ، بناءً عليه يكون عدم الثقب المقابل له مساوقاً لغير المتجاوز ، فيكون أعمّ من المتوسّطة والقليلة ، فيقيّد بما دلّ على عدم الغسل مع عدم النفوذ والثقب ، فتصير النتيجة تثليث الأقسام .

وتدلّ على تثليثها صحيحة الصحّاف(3) أيضاً ؛ فإنّ الظاهر منها - بعد ردّ الصدرِ على الذيل ، والإجمالِ فيه على التفصيل في ذيلها - : أنّ الدم إمّا أن يكون

غير سائل مطلقاً ؛ وُضع الكرسف أو لا ، أو سائلاً مطلقاً ؛ وضع الكرسف أو لا ، أو سائلاً بلا وضعه ، وغير سائل معه .

ففي الأوّل ليس عليها إلاّ الوضوء .

وفي الثاني عليها ثلاثة أغسال .

وفي الثالث عليها طبيعة الغسل ، لا أغسال ثلاثة .

ص: 465


1- الصحاح 6 : 2314 .
2- الوافي 6 : 469 - 470 .
3- تقدّمت في الصفحة 448 .

ومعلوم : أنّ الدم إذا لم يكن سائلاً حتّى مع عدم الكرسف ، لا يكون إلاّ قليلاً ، وإذا كان سائلاً مع الكرسف يكون كثيراً ، والمتوسّط بينهما - أي السائل بلا مانع - لا ينطبق إلاّ على المتوسّطة .

وما احتمله فيها الشيخ الأعظم(1) خلاف المتفاهم منها عرفاً . فحينئذٍ لا مخالفة بينها وبين الجمع المتقدّم في سائر الروايات . بل هي شاهدة للجمع المذكور .

بقيت روايات :

منها : موثّقة عبد الرحمان وفيها : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر ، ثمّ تصلّي ، فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ، ثمّ تصلّي

صلاتين بغسل واحد»(2) .

والظاهر المتفاهم منها عرفاً - بعد ارتكازية كون الدم الكثير أسوأ حالاً من المتوسّط - أنّ الغسل في مقابل ثلاثة أغسال ، هو نفس الطبيعة التي يسقط الأمر بها بأوّل الوجود . ولو سلّم كون الظهور الأوّلي منه هو سببية الظهور بجميع وجوداته للغسل - فيجب عليها كلّما ظهر على الكرسف - يجب رفع اليد عنه بما صرّح : بأنّ الدم الغير المتجاوز لا يكون سبباً إلاّ لغسل واحد في كلّ يوم ،

ص: 466


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 37 .
2- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

ولا إشكال في أظهرية ذلك من الموثّقة ؛ على فرض تسليم الظهور المتقدّم .

وبه يظهر الكلام في رواية إسماعيل بن جابر قال : «وإن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف»(1) .

فإنّ الظاهر منها أنّ الغسل الأوّل فيها غسل الحيض ، وظاهرها أنّ غسل الحيض يكفيها ، ولا يلزم عليها غسل إلاّ عند الظهور ، فإذا ظهر أعادت الغسل ، ولا تكتفي بغسل الحيض ، وهذا لا يدلّ على لزوم الغسل عند كلّ ظهور . ولو سلّم ظهورها يرفع اليد عنه بنصّ موثّقتي سماعة . مع أ نّها ضعيفة السند بالقاسم بن محمّد الجوهري .

والإنصاف : أنّ الناظر في مجموع الروايات - بعد ردّ ظاهرِها على نصّها ، ومطلقِها على مقيّدها ، ومجملِها على مفصّلها - لا ينبغي أن يرتاب في تثليث الأقسام على ما هو المشهور بين الأصحاب .

وأمّا ما يقال : من أنّ تقييد الموثّقتين - أي قوله : «إن لم يجز الدمُ الكرسف» بالثقب الغير المتجاوز تقييدٌ بالفرد النادر ، بل ارتكاب التقييد في الموثّقة المضمرة(2) - ولو مع قطع النظر عن ذلك - متعذّر ؛ لما في صدرها من التنصيص على أنّ المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف ، اغتسلت لكلّ صلاتين وللفجر غسلاً ، وعدم التجاوز نقيض ما في الصدر ، فيكون المراد منه عدم الثقب .

ص: 467


1- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .
2- وهي موثّقة سماعة الاُخرى، وقد تقدّمت كلتا الموثّقتين في الصفحة 462 .

والتعبير ب- «لم يجُز» للجري مجرى الغالب .

وادّعاء العكس لا يجدي ؛ وإن أمكن أن يكون المراد من قوله : «إذا ثقب» إذا جاز ؛ اعتماداً على الغلبة ، لكنّ التعبير به عنواناً للموضوع - ولو بملاحظة الغلبة - مانع عن أن يكون المقصود من قوله : «إن لم يجز» خصوص الثاقب الغير المتجاوز ، خصوصاً مع ما في ذيلها من تأكيد مضمون الجملة ببيان مورد الحكم ؛ حيث قال : «هذا إذا كان دماً عبيطاً» . فالإنصاف : أنّ الأخذ بظاهر هذه الروايات غير ممكن ؛ لمخالفته للنصوص والفتاوى(1) ، انتهى ملخّصاً .

ففيه ما لا يخفى :

أمّا لزوم التقييد بالفرد النادر ، ففيه : أنّ المضمرة تعرّضت للأقسام الثلاثة ، فأراد ب- «الثاقب» المتجاوز ؛ لملازمة الثقبِ التجاوزَ نوعاً .

ويؤيّده موثّقته الاُخرى ؛ حيث قابل فيها بين المتجاوز وغير المتجاوز ، وصحيحة معاوية حيث عبّر فيها ب- «الثقب» وذكر بعده اُموراً كانت قرينة على كثرة الدم وكونها من الكثيرة ، والظاهر إرادة القليلة من «الصفرة» لكونها نوعاً قليلة غير نافذة ، فيبقى غير المتجاوز المقابل لهما ، وهو لا ينطبق إلاّ على المتوسّطة .

هذا ، مضافاً إلى أنّ الندرة لو سلّمت ، فإنّما هي مقابلة الثاقب المتجاوز ، لا مقابلة عدم الثاقب ، ومع التعرّض للثاقب المتجاوز - بقرينة ما ذكرنا - لا

يبقى مجال لاحتمال كون التقييد بشيعاً .

ص: 468


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 307 - 308 .

وبما ذكرنا ينحلّ الإشكال الثاني ؛ لما عرفت من لزوم حمل «الثاقب» على المتجاوز ؛ للقرائن المتقدّمة .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ الجمع بين شتات الروايات ، لا يمكن إلاّ بما ذهب إليه المشهور ، ولا يلزم منه شيء مخالف لارتكاز العقلاء في الجمع بينها .

وجوب الغسل بنحو الوجوب الشرطي المتقدّم لجميع الصلوات

ثمّ إنّه - بحسب الاحتمال العقلي - يحتمل أن يكون الغسل واجباً نفسياً .

ويحتمل أن يكون واجباً شرطياً لصلاة الغداة ، فلو صارت متوسّطة بعد صلاة الفجر ، لم يجب عليها الغسل لسائر الصلوات وإن وجب لصلاة الغداة المستقبلة .

ويحتمل أن يكون شرطاً للصلوات إذا حصل الدم وقت صلاة الغداة ؛ بمعنى أنّ ظهور الدم في ذلك الوقت ، حدث أكبر ولو حدث بعد صلاة الغداة .

ويحتمل أن يكون واجباً شرطياً لجميع الصلوات ، لكن لا بمعنى وجوب إيجاده قبلها ، بل بمعنى وجوب إيجاده في اليوم والليلة مرّة ، فيكون شرطاً متقدّماً للصلاة المتأخّرة ، ومتأخّراً للصلاة المتقدّمة .

ويحتمل أن يكون شرطاً متقدّماً لجميع الصلوات ؛ بمعنى أ نّه إذا حدث الدم قبل صلاة الفجر يجب الغسل قبلها ، ويكون شرطاً لسائر الصلوات أيضاً ، فلو تركته بطل جميع صلواتها ، ولو حدث بعد صلاة الغداة يجب عليها الغسل لسائر الصلوات . . . إلى غير ذلك من الاحتمالات .

لا إشكال في أنّ الظاهر من الأدلّة هو الاحتمال الأخير ؛ فإنّ قوله في صحيحة زرارة : «فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ، ثمّ صلّت الغداة

ص: 469

بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدم

الكرسف صلّت بغسل واحد» ظاهر في الوجوب الشرطي ؛ وأنّ تلك الصلوات التي تصلّيها المستحاضة الكبرى بالأغسال الثلاثة وتكون الأغسال شرطاً لها ، تصلّيها الوسطى بغسل واحد ، ويكون هو شرطاً لها ، فقوله : «صلّت» أي صلّت الصبح والظهرين والعشاءين ، ولا معنى لاختصاصه بالغداة . ولا وجه لاحتمال كون الحدث إذا وجد في وقت الصبح كان أكبر .

وبالجملة : لا شبهة في فهم العرف من مقابلة قوله : «صلّت بغسل واحد» بقوله : «صلّت الغداة بغسل . . .» إلى آخره أ نّها تصلّي تلك الصلوات بغسل واحد ،

ويكون الغسل الواحد من الصلوات بمنزلة الأغسال الثلاثة منها .

واحتمال أن يكون شرطاً لمجموعها من حيث المجموع ؛ بحيث لو حدث الدم بعد الغداة لم يكن حدثاً ، ولا الغسل شرطاً ، بعيد جدّاً ، بل مقطوع الخلاف بعد كون كلّ صلاة مستقلّة في الوجوب والشرائط والموانع .

ومن ذلك يظهر الكلام في موثّقتي سماعة ؛ فإنّ قوله : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين ، وللفجر غسلاً ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة ، والوضوء لكلّ صلاة» ظاهر في أنّ الغسل الواحد للوسطى - كالأغسال الثلاثة - إنّما يكون بملاحظة الصلوات وشرطاً فيها ، وقوله : «لكلّ يوم» - في مقابل الأغسال - ظاهر في أنّ الغسل الواحد في كلّ يوم مرّة إنّما هو للصلوات اليومية ، لا لنفس اليوم ، ولا إشكال في فهم العرف منهما ومن صحيحة زرارة ، الشرطَ المتقدّم لكلّ صلاة ؛ لأنّ الشرط المتأخّر - مع كونه خلاف ارتكاز العقلاء - مخالف للمتفاهم من

ص: 470

مثل قوله : «صلّت بغسل واحد» .

وعلى أيّ حال : لا إشكال في فهم العرف من تلك الروايات ، اشتراطَ جميع الصلوات اليومية بالغسل . وأمّا مخالفة ذلك لفتاوى الأصحاب كما قيل فلقد أجاب عنها الشيخ الأعظم(1) وأجاد . ولو فرض عدم الوثوق بمراد القوم ممّا أفاده رحمه الله علیه فلا أقلّ من احتماله احتمالاً معتدّاً به ، ومعه لا يجوز رفع اليد عن ظواهر الأدلّة .

حكم الاستحاضة الكثيرة
اشارة

1 - وجوب تبديل القطنة ونحوها

وأمّا القسم الثالث ؛ أي الكثيرة : فيجب فيه تبديل القطنة والخرقة وكلّ ما تلوّث بالدم بلا إشكال ؛ لما ذكرنا في المتوسّطة : من فهم العرف من ثبوت الحكم للقليلة ثبوتَه لها ، وكذا الحال في الكثيرة ؛ ضرورة أنّ وجوب تبديل القطنة التي تلوّث شيء منها ، دليل على مانعية هذا الدم عن الصلاة ولو كان قليلاً وفي الباطن ، فضلاً عمّا كان كثيراً وفي الظاهر . ومنه يعلم لزوم تبديل الخرقة وكلّ ما تلوّث بالدم ؛ كلّ ذلك لفهم العرف من حكم القليلة مانعيةَ هذا الدم مطلقاً .

هذا مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على لزوم تبديل الكرسف إذا ظهر الدم عليه(2) ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ ظهوره عليه مانع عن الصلاة ، ويصدق في الكثيرة أنّ الدم

ص: 471


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 45 .
2- وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 و10 .

ظهر على الكرسف . ولو فرض اختصاص الأدلّة بالمتوسّطة ، فلا إشكال في فهم العرف منها حكم الكثيرة أيضاً بإلغاء الخصوصية ، كما يفهم منها مانعيته مطلقاً ؛ سواء كان في الكرسف أو في غيره .

2 - وجوب الغسل والوضوء

وأمّا الوضوء فهل يجب لكلّ صلاة ، كما عن «الخلاف» دعوى الإجماع عليه(1) ، وعن «المختلف» دعوى الشهرة(2) ، وهو المنقول عن «السرائر» و«النافع»(3) وكتب العلاّمة(4) والشهيدين(5) والمحقّق الثاني(6) وهو مختار «الشرائع»(7) ، وعن «المدارك» : «أنّ عليه عامّة المتأخّرين»(8) ، وعن «الكفاية» : «عليه جمهور المتأخّرين»(9) ؟

أو لا يجب مطلقاً وتكفي الأغسال عنه ، كما عن ظاهر الصدوقين وعن السيّد

ص: 472


1- الخلاف 1 : 249 - 250 .
2- مختلف الشيعة 1 : 209 و212 .
3- السرائر 1 : 153 ؛ المختصر النافع : 11 .
4- نهاية الإحكام 1 : 126 ؛ منتهى المطلب 2 : 415 ؛ قواعد الأحكام 1 : 219 ؛ تبصرة المتعلّمين : 10 .
5- الدروس الشرعية 1 : 99 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 241 ؛ روض الجنان 1 : 231 ؛ الروضة البهيّة 1 : 102 .
6- جامع المقاصد 1 : 341 - 342 .
7- شرائع الإسلام 1 : 26 .
8- مدارك الأحكام 2 : 34 .
9- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 30 .

في «الناصريات» والشيخ وابني زهرة وحمزة والحلبي والقاضي وسلاّر(1) ؟

أو يجب مع كلّ غسل ، كما عن «المقنعة» و«الجمل» و«المعتبر» وابن طاوس وشارح «المفاتيح» والسيّد في «الرياض»(2) ؟

وعن «المعتبر» دعوى عدم ذهاب أحد من طائفتنا إلى وجوب الوضوء لكلّ صلاة ، ونسبة من ذهب إلى ذلك إلى الغلط(3) . وهذا منه غريب بعد ذهاب من عرفت إليه ، وقد اختاره في «الشرائع» ومحكيّ «النافع» .

وإلى القول الأخير ذهب شيخنا الأعظم قائلاً : «إنّه لا دليل على وجوبه لكلّ

صلاة»(4) ، وقد حقّق في محلّه عدم إجزاء غسل عن الوضوء إلاّ غسل الجنابة(5) .

ووجه عدم وجوبه مطلقاً : دعوى ورود الأدلّة الكثيرة المطلقة في مقام البيان مع السكوت عن الوضوء . والأخذ بها أولى من الأخذ بظاهر مثل رواية يونس(6) على فرض تسليم ظهورها ، وقد أنكر الشيخ الأعظم ظهورها بدعوى :

ص: 473


1- المقنع : 48 ؛ الفقيه 1 : 50 ؛ مسائل الناصريات : 147 - 148 ؛ النهاية : 28 - 29 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 61 ؛ الكافي في الفقه : 129 ؛ المهذّب 1 : 37 - 38 ؛ المراسم : 44 .
2- المقنعة : 56 - 57 ؛ رسائل الشريف المرتضى ، جمل العلم والعمل 3 : 27 ؛ المعتبر 1 : 247 ؛ اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 244 ؛ مصابيح الظلام 1 : 243 ؛ رياض المسائل 2 : 123 .
3- المعتبر 1 : 247 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 50 .
5- تقدّم في الصفحة 271 .
6- تقدّمت في الصفحة 363 .

«أنّ قوله : «فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب» - ممّا يتوهّم كونه بملاحظة ذيله ، نصّاً في أنّ الوضوء لكلّ صلاة حتّى في الكثيرة - لا يدلّ على الوجوب ؛ لأنّ الغسل فيه هو غسل الاستحاضة ، وإلاّ لزم إهمال ما هو الأهمّ ، ويكون الظرف متعلّقاً بمجموع الجملتين ، فحينئذٍ لا محيص عن الحمل على الاستحباب ؛ لعدم وجوب الغسل لكلّ صلاة إجماعاً»(1) .

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّ الظاهر أنّ الغسل الوارد في تلك الرواية - كسائر الروايات - هو غسل الحيض ، وأنت إذا تفحّصت الروايات الواردة في باب المستحاضة ، لا يبقى لك ريب في أنّ الاغتسال الوارد في المرسلة ، هو الاغتسال من الحيض ، وترك بيان غسل الحيض ليس بأهون من ترك بيان غسل الاستحاضة .

ثمّ إنّ تعلّق الظرف بالجملتين محلّ إشكال ، ودعوى الظهور في محلّ المنع ، بل المتيقّن - لو لم نقل : إنّه الظاهر - تعلّقه بالجملة الأخيرة . ولو سلّم ظهور تعلّقه بهما ، فقيام الدليل الخارجي على عدم وجوب الغسل لكلّ صلاة ، لا يوجب عدم ظهور ذلك في لزوم الوضوء لكلّ صلاة .

هذا كلّه مع أ نّه لو سلّم جميع ما أفاد ، فلا

يصير مدّعاه ثابتاً إلاّ بتقديم ما دلّ على عدم إجزاء غير غسل الجنابة عن الوضوء ، على الإطلاقات الواردة في مقام البيان ، وهو محلّ تأمّل .

ص: 474


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 50 - 51 .

وقد اختار بعض أهل التحقيق عدم الوضوء عليها مطلقاً ، وأجاب عن المرسلة : «بأنّ المراد من الأمر بالغسل فيها هو غسل الحيض ، والمراد من تعميم الحكم إنّما هو في أ نّها تصلّي في مقابل أيّام قرئها ، لا أ نّها تصلّي بعد غسل الحيض بالوضوء مطلقاً ، وليس الكلام في هذا المقام لبيان تكليف المستحاضة إلاّ في الجملة ، فلا ينافيه الإهمال»(1) .

وأنت خبير : بأنّ ظاهر المرسلة هو رجوع التعميم إلى الوضوء لكلّ صلاة ؛ فإنّ وجوب أصل الصلاة ليس مورد العناية في الكلام ، بل ما هو مورد البيان والعناية هو الاغتسال والوضوء لكلّ صلاة ، وإنّما يفهم لزوم الصلاة عليها بالتبع ، ورجوع التعميم إلى ما هو مورد البيان أولى ، أو متعيّن .

نعم ، لو كان الاستبعاد بالنسبة إلى الوضوء لكلّ صلاة في غير محلّه ، وإلى أصل الصلاة في محلّه ، لم يكن بدّ من رفع اليد عن الظهور . لكنّ استبعاد الوضوء في صورة سيلان الدم الذي هو حدث في محلّه ، بل أولى من استبعاد أصل الصلاة ؛ فإنّ الوضوء - بحسب الأدلّة وارتكاز المتشرّعة - إنّما هو لرفع الحدث ،

وبعد كون الحدث سائلاً دائماً ، يكون إيجاد الرافع في نظر السائل أمراً غريباً مستبعداً ، فسأل عنه وأجاب : بأ نّها «تتوضّأ . . . وإن سال مثل المثعب» .

والإنصاف : أنّ ظهور المرسلة في وجوب الوضوء لكلّ صلاة ، ممّا لا ينبغي إنكاره .

نعم ، يبقى الكلام في أنّ حمل هذا الظاهر على الاستحباب أولى ، أو تقييد الإطلاقات الواردة في مقام البيان ؟

ص: 475


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 319 .

وقد يدّعى ورود الأخبار المستفيضة التي كادت أن تكون متواترة في مقام

بيان تكليف المستحاضة ساكتةً عن الوضوء ، والالتزام بإهمال هذه الروايات من هذه الجهة في غاية الإشكال ، ورفع اليد عن ظهور المرسلة متعيّن(1) .

أقول : أمّا كون الالتزام بإهمال الروايات بأسرها في غاية الإشكال فحقّ ، لكن لا يلزم من ذلك كون جميع الروايات - التي يدّعى استفاضتها - في مقام البيان ؛ حتّى نستوحش من ورود الروايات المستفيضة في مقام البيان ، مع عدم ذكر الوضوء لكلّ صلاة .

بل الناظر في الروايات والمتأمِّل فيها ، لا يرى فيها ما هي في مقام البيان

- من هذه الجهة - إلاّ موثّقة سماعة(2) السالمة عن المناقشة ؛ حيث ذكر فيها الغسل الواحد والوضوء لكلّ صلاة في المتوسّطة ، والوضوء فقط للصفرة المحمولة على القليلة ، وفي مقابلهما ذكر الكثيرة ؛ وأوجب فيها الغسل لكلّ صلاتين وللفجر ، ولو كانت من جهة الوضوء في مقام الإهمال لما ذكره في المتوسّطة .

والإنصاف : أنّ إنكار كونها مطلقة في مقام البيان في غير محلّه . وقريب منها موثّقته الاُخرى . وأمّا سائر الروايات فلا تخلو من مناقشة في سندها أو إطلاقها . ورفع اليد عن إطلاق رواية أو روايتين بظهور رواية اُخرى ليس بعزيز ، بل مبنى فقه الإسلام على تقييد الإطلاقات وتخصيص العمومات .

وليعلم : أنّ المطلقات على ضربين :

ص: 476


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 318 .
2- تقدّمت في الصفحة 462 .

أحدهما : المطلقات الملقاة على أصحاب الكتب والاُصول ، وهي كثيرة وعليها مدار الفقه .

وثانيهما : ما يلقى على غيرهم ممّن كان محتاجاً في مقام العمل .

ولا إشكال في أنّ رفع اليد عن الضرب الثاني بورود أمر أو نهي أو مثلهما غير ممكن ؛ للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، بخلاف الضرب الأوّل ؛ فإنّ إلقاء الإطلاقات والعمومات على أصحاب الكتب والاُصول إلى ما شاء اللّه ، مع بيان مقيّداتها ومخصّصاتها منفصلةً ببيان مستقلّ لأغراض ومصالح ، منها : فتح باب الاجتهاد والدراسة ، وفيهما من البركات وتشييد أركان الدين إلى ما شاء اللّه ، ففيها يكون تقييد المطلق وتخصيص العامّ رائجاً هيّناً ، عليه بناء فقه الإسلام ، ورفع اليد عنه مستلزم لتأسيس فقه جديد ، كما لا يخفى على المتتبّع .

بل لا نستبعد فيها تقييد مطلقات كثيرة بمقيّد واحد .

وهاهنا كلام آخر في باب المطلقات الكثيرة نطوي عنه كشحاً ؛ حذراً من التطويل .

نعم ، لو كان ذيل مرسلة يونس - أي قوله : «وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة . . .» إلى أن قال : «واغتسلي للفجر غسلاً . . .» إلى آخره - مطلقاً في مقام البيان لكان رفع اليد عنه مشكلاً ، بل كان حمل الأمر على الاستحباب متعيّناً .

لكنّ الشأن في إطلاقه ؛ فإنّ الظاهر من صدر المرسلة إلى ذيلها ، أنّ عناية أبي عبداللّه علیه السلام في نقل كلام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأبي جعفر علیه السلام إنّما هي للاستشهاد بهما للسنن الثلاث ؛ وأنّ ذات الأقراء سنّتها الرجوع إلى أقرائها ،

ص: 477

وذات التمييز إلى التمييز ، وغيرهما إلى السبعة والثلاثة والعشرين ؛ من غير أن يكون نظره إلى بيان تكليف المستحاضة ، وإنّما ذكر بعض تكاليفها ضمناً واستطراداً . كما أنّ نقل مقالة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في القضايا الثلاث ، إنّما هو بداعي الاستشهاد للمقصود المتقدّم .

فلم يكن أبو عبداللّه علیه السلام - بحسب سياق الرواية - في مقام بيان جميع خصوصيات قصّتي فاطمة وحمنة إلاّ ما له دخل في مقصوده ، فذكر الأغسال الثلاثة لا يدلّ على كونه بصدد بيان جميع الخصوصيات ، فحينئذٍ يمكن أنّ حمنة كانت عالمة بتكليف الوضوء للاستحاضة الكثيرة ، وإنّما راجعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لبيان حالها من شدّة الاستحاضة ، كما يظهر من قصّتها .

وبالجملة : لم يظهر من المرسلة كون أبي عبداللّه علیه السلام في مقام بيان القصّة بخصوصياتها ، ولا كون رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في مقام بيان جميع تكاليفها ؛ فإنّها قضيّة شخصية يمكن أن يكون رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عالماً بحال حمنة وبعلمها بلزوم الوضوء ، خصوصاً بالنظر إلى كونها اُخت زينب بنت جحش زوجته صلی الله علیه و آله وسلم .

فتحصَّل من جميع ذلك لزوم الوضوء عليها مع كلّ صلاة . لكن ينبغي مراعاة الاحتياط بإتيان الوضوء في خلال الإقامة .

وينبغي التنبيه على اُمور :

ص: 478

الأمر الأوّل: في أنّ نفس الدم الكثير بذاته موجب للغسل
محتملات ما يوجب الأغسال الثلاثة بحسب التصوّر

1 - يحتمل بحسب التصوّر أن يكون صِرف وجود الدم الكثير - مطلقاً ، أو في وقت صلاة - موجباً للأغسال الثلاثة ؛ ولو فرض حدوثه في أوّل الفجر وانقطاعه ، أو قبل الزوال كذلك .

2 - وفي مقابل هذا الاحتمال احتمال كون الموجب لها ، هو الدم المستمرّ في الأوقات الثلاثة ؛ بحيث لو انقطع في وقت العشاء ، كشف عن عدم لزوم الغسل للصبح والظهرين .

3 - ويحتمل أن يكون كلّ قطعة من الدم المستمرّ إلى الأوقات الثلاثة - في وقت كلّ فريضة - سبباً ؛ بحيث تكون القطعة الموجودة في الصبح من الدم المستمرّ إلى العشاء ، سبباً لوجوب الغسل للصبح ، والقطعة الموجودة في الظهر منه سبباً للغسل للظهرين ، وهكذا في العشاءين .

4 - ويحتمل أن يكون الدم المستمرّ إلى كلّ وقت سبباً للغسل لفريضته ، لا الحادث ولو في الوقت .

ص: 479

5 - ويحتمل أن يكون الدم الحادث في كلّ وقت أو المستمرّ إلى كلّ وقت ، سبباً للغسل لفريضة ذلك الوقت ، فإن حدث في الصبح كان سبباً للغسل لفريضته ، وكذا إن حدث في الزوال أو استمرّ إليه ، وكذا في المغرب ، فلو حدث قبل الزوال وانقطع ، ولم يحدث في الزوال ولم يستمرّ إليه ، لم يكن سبباً ، وكذا قبل الغروب للعشاءين .

6 - ويحتمل أن يكون صِرف وجوده سبباً - كلّما وجد - لصِرف وجود الغسل ، فإذا اغتسلت ارتفع حكمه ، فلو حدث قبل الزوال وانقطع وجب عليها الغسل للظهرين ، ولو اغتسلت ارتفع حكمه ، ولم يجب للعشاءين إلاّ إذا حدث بعد الظهرين أو استمرّ إلى ما بعدهما . وسيأتي الكلام في الحدوث بين الغسل أو بعده ، وقبل الفريضة أو بينها (1) .

ثمّ إنّ لكلٍّ من الاحتمالات المتقدّمة وجهاً ، ولبعضٍ منها قائلاً يزعم استفادة ما ذهب إليه من أخبار الباب .

مناقشة الاحتمال الأوّل

وربما يقال : إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة هو الوجه الأوّل ، بل مال إليه في «الجواهر» لو لا مخافة مخالفة الإجماع(2) . وقال الشيخ الأعظم : «إنّ هذا القول لا يرجع إلى محصّل»(3) .

ص: 480


1- يأتي في الصفحة 483 - 486 .
2- جواهر الكلام 3 : 330 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 54 .

ويمكن أن يستدلّ عليه بصحيحة يونس بن يعقوب قال : قلت

لأبي عبداللّه علیه السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتّى تجاوز وقتها ، متى ينبغي لها أن تصلّي ؟ قال : «تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة»(1) ؛ حيث دلّت بإطلاقها على أنّ مجرّد رؤية الدم الصبيب ، موجب للأغسال ، فلو رأت دماً صبيباً قبل الفجر ، وجب عليها الاغتسال في وقت الصلوات بدعوى : أنّ سائر الروايات لا ينافيها ؛ فإنّ كون موردها الدم الجاري في الأوقات ، لا يوجب تقييدها .

وفيه : أنّ ما ذكر - على فرض الإطلاق ، كما لا يبعد - إنّما هو في غير صحيحة الصحّاف ، وأمّا هي فمقيّدة لها ، ففيها : «وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيباً لا يرقأ ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات ، وتحتشي وتصلّي وتغتسل للفجر ، وتغتسل للظهر والعصر ، وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة» . قال : «وكذلك تفعل المستحاضة ؛ فإنّها إذا فعلت ذلك أذهب اللّه بالدم عنها»(2) .

فالتقييد بعدم السكون والانقطاع - الذي يراد منه الاستمرار في الأوقات ، كما يظهر من الرواية إلى آخرها - دليل على أنّ موضوع الحكم ليس مجرّد كونه صبيباً ، بل الصبيب الذي لا يرقأ ولا يسكن .

ص: 481


1- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1259 ؛ الاستبصار 1 : 149 / 516 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 11 .
2- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 7 .

كما تشعر أو تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل . . .»(1) إلى آخره .

هذا مع أنّ الالتزام بلوازم هذا الاحتمال مشكل ، بل ممتنع ؛ لأنّ صِرف وجود

الدم إذا كان حدثاً موجباً للأغسال الثلاثة ، فلا بدّ إمّا من الالتزام بكون الغسل للصبح - مثلاً - رافعاً للحدث ، وأنّ الغسلين الآخرين واجب تعبّدي نفسي لا يرفع حدثاً ، أو كون نفس الغسل - بلا رافعيته للحدث - شرطاً للصلاة ، وهو بشقّيه فاسد لا أظنّ أن يلتزم به فقيه .

وإمّا من الالتزام بكون الحدث ذا مراتب ترفع كلّ مرتبة منه بغسل ، فتكون مانعية الحدث مختلفة بالنسبة إلى الصلوات : فمرتبة منه مانعة من صلاة الفجر مثلاً ، وترتفع بغسلها ، ومرتبة اُخرى لصلاة الظهرين ، وترتفع بغسلهما . . . وهكذا ،

وهو أيضاً فاسد مخالف للأدلّة ومذاق الشرع والمتشرّعة .

مناقشة الاحتمالين الثاني والثالث

وأمّا الاحتمال الثاني والثالث اللذان يلزم منهما كون الحدث المتأخّر ، سبباً أو شرطاً للسبب بالنسبة إلى الغسل المتقدّم ، فهما أردأ من الاحتمال الأوّل ، ومخالفان للمتفاهم العرفي من الروايات . ولو سلّم إمكان سببية الأمر المتأخّر للمتقدّم أو شرطيته له ، فهو تصوير عقلي لا يذهب إليه إلاّ بورود نصّ غير ممكن التأويل ، ولا تحمل الأدلّة عليه إلاّ بعد ضيق الخناق .

ص: 482


1- المعتبر 1 : 215 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 14 .
مناقشة الاحتمال الرابع

وأمّا احتمال كون الدم المستمرّ إلى كلّ وقت سبباً للغسل لفريضته ، لا الحادث في الوقت ، ولا غير المستمرّ إليه ، ففيه : أنّ لازمه إمّا التفكيك بين الصلوات في مانعية الدم ، وفي الأغسال في سببيته لها ؛ بأن يقال : إنّ السبب أو المانع بالنسبة إلى الصلاة الاُولى ، هو الدم الحادث حدوثاً أوّلياً ، وأمّا بالنسبة إلى سائر الصلوات فهو استمرار الدم لا الحدوث ؛ فإنّ الحدوث الثانوي - أي الحدوث بعد الحدوث - ليس سبباً ولا مانعاً .

وإمّا الالتزام بأنّ السبب هو الدم المستمرّ من وقت إلى وقت آخر ، أو من قبل الوقت إلى الوقت ، وأمّا الحادث في الوقت - حتّى بالنسبة إلى الصلاة الاُولى أيضاً - فليس مانعاً ولا سبباً للغسل ، فإذا رأت الكثرة في وقت فريضة الصبح ، لا يجب عليها الغسل ؛ لعدم كونه دماً مستمرّاً إلى وقتها .

وهو - كما ترى - بكلا شقّيه مخالف للأدلّة ومذاق الفقه .

مناقشة الاحتمال الخامس وترجيح السادس

فبقي الاحتمالان الأخيران ، وقد ذهب إلى كلٍّ عدّة من المحقّقين ، واختار ثاني الاحتمالين الشيخ الأعظم ونسبه إلى العلاّمة(1) والشهيدين(2)

ص: 483


1- نهاية الإحكام 1 : 129 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 292 .
2- البيان : 66 ؛ الروضة البهيّة 1 : 103 .

و«جامع المقاصد»(1) وجماعة اُخرى من متأخّري المتأخّرين(2) . ونسب أوّلهما إلى صريح «الدروس» وظاهر «الذكرى» وإلى المنقول عن «الموجز» و«كشف الالتباس» و«حاشية الروضة» لجمال الدين(3) وادّعى ظهور الروايات فيما اختاره(4) .

وقد تمسّك صاحب «الجواهر» له بإطلاق النصّ والفتوى ، وقال : «وما يقال : من أنّ ظاهر الأخبار الاستمرار ، قد يُمنع إن أراد به الاشتراط . نعم قد يشعر به ما

في بعضها ، لكن لا ظهور فيها بالاشتراط - أي اشتراط وجوب الأغسال بالاستمرار المتقدّم - حتّى تصلح لتقييد غيرها ، سيّما مفهوم قوله علیه السلام في خبر الصحّاف : «فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف ، فلتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة»(5) انتهى .

أقول : أمّا إطلاق الأدلّة فعلى فرضه - كما لا

يبعد في بعضها - مقيّد بذيل صحيحة الصحّاف الدالّ على أنّ الدم إذا كان صبيباً لا يرقأ يوجب الأغسال ،

ص: 484


1- جامع المقاصد 1 : 342 - 343 .
2- مدارك الأحكام 2 : 36 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 30 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 289 .
3- الدروس الشرعية 1 : 99 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 243 ؛ الرسائل العشر لابن فهد الحلّي ، الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى : 47 ؛ كشف الالتباس 1 : 242 ؛ الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية ، المحقّق الخوانساري : 71 / السطر 9 و18 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 53 - 54 .
5- جواهر الكلام 3 : 330 .

ويفهم من قوله : «لا يرقأ» ومن ذيلها ، أنّ المراد هو عدم الانقطاع في الأوقات الثلاثة ، وإنّما ترفع اليد عنه بالنسبة إلى الحادث في الأوقات بما تقدّم ، فتصير نتيجة ردّ المطلق إلى المقيّد - مع الوجه المتقدّم في إلحاق الحادث في كلّ زمان بالمستمرّ إليه - هو أوّل الاحتمالين .

وأمّا مفهوم صدر الصحيحة ، فعلى فرضه مطلق قابل للتقييد . مع أنّ الظاهر عدم إرادة المفهوم منه بعد تعرّض المتكلّم فيها لأقسام الدم والمستحاضة .

وأمّا استبعاد عدم كون الدم قبل الوقت حدثاً ، ومخالفة هذا الدم لسائر الأحداث التي يكون وجودها مطلقاً سبباً ، فلعلّه في غير محلّه بعد اقتضاء الدليل. مع منع الاستبعاد بعد عدم ترتّب الأثر ؛ عفواً أو رفعاً للسببية عن هذا الدم إذا سال في أثناء الغسل ، أو بينه وبين الصلاة ، أو في أثناء الصلاة ، فأيّ مانع من العفو أو الرفع بالنسبة إلى غير أوقات الصلاة؟! والقياس بسائر الأحداث كما ترى.

وبالجملة : لا دليل على حدثية مطلق هذا الدم ؛ لو لم نقل بقيام الدليل على الخلاف ، كما عرفت .

ومن ذلك يظهر النظر فيما قيل : «من أنّ العفو في الدم الحاصل بين الغسل والصلاة ، إنّما هو بالنسبة إلى تلك الصلاة والغسل ، لا الصلوات الاُخر»(1) ؛ لأنّ ذلك فرع الإطلاق المفقود في المقام . وعلى فرض الإطلاق في بعض الروايات

ص: 485


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 54 .

- كما هو ليس ببعيد - يكون مقيّداً بصحيحة الصحّاف وابن مسلم .

هذا ، لكنّ الأقوى في النظر : هو كون نفس الدم الكثير بذاته موجباً للغسل ، وأنّ المستفاد من الروايات : أنّ دم الاستحاضة المتوسّطة والكثيرة لا يفترقان إلاّ

بسببية الأوّل لغسل واحد ، والثاني للأغسال ، وأنّ الحكم في المتوسّطة كما هو مرتّب على ظهور الدم على الكرسف ، كذلك الحكم في الكثيرة مرتّب على التجاوز والسيلان .

والالتزام بالفرق بين أقسام الاستحاضة في أصل السببية - بأنّ الكثيرة لا تكون بنفسها سبباً - مشكل مخالف لارتكاز المتشرّعة . مع أنّ العكس أولى . بل الالتزام بأنّ لدلوك الشمس ، أو ذهاب الحمرة ، أو تبيّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر ، دخلاً في حدثية الدم ؛ وأنّ الدم المتقيّد بتلك العناوين أو في تلك الظروف ، حدث في خصوص الكثيرة ، وتفرّد هذا الدم من بين جميع الأحداث بهذه الخصوصية ، مشكل ، بل مخالف لارتكاز عرف المتشرّعة .

مع أنّ لازم الجمود على مفاد الروايات ، هو عدم حدثية الدم المستمرّ إلى الوقت ، أو الحادث فيه في الجملة ، بل الحدث هو الدم المستمرّ في جميع الوقت ، أو في زمان الاشتغال بالصلاة ؛ لأنّ سياقها هو فرض ابتلائها بالكثرة في حال اشتغالها بها ، ولهذا أمرها بتعجيل العصر وتأخير الظهر ، وكذا في العشاءين ، وبالاحتشاء وإمساك الكرسف .

ولهذا كلّه لا يبقى وثوق - بل ظهور - لكون المراد من كونه «صبيباً لا يرقأ»

ص: 486

في صحيحة الصحّاف ، هو الاستمرار في الأوقات الثلاثة ؛ بحيث يكون للوقت دخل وموضوعية ، فيؤخذ بإطلاق بعض الأدلّة، كصحيحة يونس بن يعقوب . وبعد رفع اليد عن إطلاقها في سببية الدم - في الجملة - للأغسال الثلاثة بالإجماع المدّعى أو بالوجوه المتقدّمة يكون موافقاً لمختار الأعاظم ، كالشيخ الأعظم وغيره.

سببية الدم الفعلي للأغسال

ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة هو سببية الدم الفعلي للأغسال ، لا الأعمّ منه وما هو بالقوّة ، فلو رأت الدم السائل ، واغتسلت منه بعد انقطاعه ، وعلمت بعوده ، فلا يوجب ذلك غسلاً عند حضور وقت الصلاة . هذا على المختار .

وكذا على القول بلزوم الاستمرار في الوقت ، لو رأت مستمرّاً إلى ما قبل الوقت وانقطع وعلمت بعوده ، لم يوجب ذلك غسلاً عند وقت الصلاة ما لم تَرَ الدم الفعلي الكثير ؛ وذلك لتعليق وجوب الغسل على تجاوز الدم وسيلانه وكونه صبيباً ؛ ممّا هو ظاهر فيما ذكرنا .

وما يقال : «من أنّ الحكم مترتّب على المرأة الدمية في صحيحة الحلبي(1) وعلى المستحاضة في صحيحة صفوان وعبداللّه بن سنان وغيرهما (2)

ص: 487


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث3 و4 و6 .

ولا إشكال في صدق المرأة الدمية والمستحاضة على التي انقطع دمها انقطاع فترة وعود»(1) .

منظور فيه : أمّا أوّلاً : فلأنّ ظاهر تلك الروايات ، هو ابتلاء المرأة بالدم وسيلانه في أوقات الصلاة ؛ فإنّ الأمر باستدخال قطنة بعد قطنة والجمع بين الصلاتين - كما فيها وفي غيرها - ليس تعبّدياً ، بل لحفظ الدم وتقليل الابتلاء قدر الإمكان . هذا مع الغضّ عن الإشكال ، بل الإشكالات الواردة على صحيحة الحلبي ؛ ممّا تقدّمت الإشارة إلى بعضها (2) .

وأمّا ثانياً : فلأ نّها على فرض الإطلاق فيها ، تتقيّد بما دلّ على تعليق الحكم على سيلان الدم وتجاوزه .

هذا ، مضافاً إلى أنّ تعليق الحكم على عنوانين بينهما تقدّم وتأخّر وسببية ومسبّبية ، يوجب الظهور في أن يكون الحكم للمتقدّم بحسب العقل ، بل العرف ، ولمّا كان حصول الدم مقدّماً على حصول عنوان «المستحاضة» وقد علّق الحكم عليهما ، يكون التعليق الثاني - عرفاً وعقلاً - فرعاً على الأوّل ، لا مستقلاًّ في السببية ، فما يكون سبباً ، هو الدم ، لا عنوان «المستحاضة» المسبّب منه .

ص: 488


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 59 - 60 .
2- تقدّمت في الصفحة 447- 449 .
الأمر الثاني في حكم انقطاع دم الاستحاضة لبرء أو فترة
اشارة

إذا انقطع دم الاستحاضة ، فإمّا أن يكون لبُرء ، أو لفترة ، أو لا تعلم بأحدهما .

وإن كان لفترة ، فإمّا أن تعلم بسعتها للطهارة والصلاة ، أو لإحداهما ، أو تعلم عدمها أو لا تعلم .

وعلى أيّ حال : فإمّا أن يكون الانقطاع بعد الصلاة ، أو في أثنائها ، أو بينها وبين فعل الطهارة ، أو في أثناء فعل الطهارة ، أو قبله .

وعلى أيّ تقدير : قد يلاحظ حال الانقطاع بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة ، وقد تلاحظ بالنسبة إلى الماضية أو الحاضرة . ونحن نتعرّض لمهمّاتها حتّى يتّضح حال البقيّة .

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال المستقبلة

فنقول : إن انقطع للبرء أو الفترة ، فالتكليف بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة يتفرّع على المسألة السابقة ؛ فإن قلنا : بأنّ نفس طبيعة الدم الفعلي حدث وسبب للغسل أو الوضوء ، كما قوّيناه أخيراً ، وأنّ خروجه في أثناء الصلاة والطهارة معفوّ

عنه ، فلا إشكال في لزوم الغسل والوضوء بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة ؛ ولو خرج الدم في أثناء الأعمال ؛ لتحقّق السبب وعدم الدليل على العفو .

وإن قلنا : بأنّ استمرار الدم إلى أوقات الصلوات فعلاً أو حدوثه فيها ، سبب لهما ، فلا يجب الغسل والوضوء لو انقطع قبل تحقّق الوقت ؛ ولو كان مستمرّاً إلى ما قبل الأوقات .

ص: 489

وإن قلنا : بأنّ الاستمرار الأعمّ من الفعلي سبب ، فلا بدّ من التفصيل بين الانقطاع للبرء والانقطاع للعود .

ويمكن أن يفصّل بين الوضوء والغسل ، ويلتزم بعدم وجوب الغسل دون الوضوء ؛ تمسّكاً في وجوب الوضوء بإطلاق مرسلة يونس ، وفيها : «وسئل عن المستحاضة ، فقال : إنّما هو عزف عامر ، أو ركضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب»(1) .

حيث أمر بالوضوء لكلّ صلاة ؛ سال الدم أو لم يسل ، ومقتضى إطلاقه وجوب الوضوء بمجرّد تحقّق الدم ، وبمقتضى المناسبات المرتكزة في أذهان المتشرّعة والعرف ، يعلم أنّ دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء ، ولو تحقّق السبب لزم المسبّب ، ولا يرتفع بانقطاع الدم .

وأمّا عدم وجوب الغسل ، فبما تقدّم من إنكار الإطلاق ، أو لزوم التقييد على

فرضه ، فلا يكون دليل على سببية الدم للغسل إلاّ إذا كان مستمرّاً ، كما تقدّم الكلام فيه(2) .

فحينئذٍ يكون للتفصيل وجه ، وإنكار الشيخ الأعظم الفرق بين الوضوء والغسل ، ومطالبته بالدليل على التفرقة(3) ، مبنيّ على ما تقدّم منه من إنكار دلالة مرسلة يونس ، وقد مرّ الجواب عنه(4) ، فالوجه للتفصيل هو ما ذكرنا ؛ وإن كان

ص: 490


1- تقدّمت في الصفحة 364 .
2- تقدّم في الصفحة 479 - 487 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 64 .
4- تقدّم في الصفحة 474 .

الأوجه وجوب الغسل والوضوء ؛ لما تقدّم(1) من تقوية سببية صِرف وجود الدم لهما .

ثمّ لا

يخفى : أنّ في تعبير بعضهم : «بأنّ انقطاع الدم موجب للوضوء أو الغسل» أو «غير موجب» مسامحة ؛ لما مرّت الإشارة إلى أنّ مبنى الخلاف هو الخلاف في كون السبب ماذا ؟ فوجوب الغسل والوضوء - على القول به - إنّما هو لسببية الدم ، لا لسببية الانقطاع ، وعدم وجوب الغسل ووجوب الوضوء ، أيضاً للالتزام بسببية نفس الطبيعة للوضوء ، وعدم سببيتها للغسل إلاّ إذا كان مستمرّاً ، والأمر سهل . هذا كلّه بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة .

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال الماضية

وأمّا بالنسبة إلى الأعمال الماضية ، فإن انقطع بعد الصلاة فلا ينبغي الإشكال في عدم لزوم الإعادة وصحّة صلاتها ؛ لإطلاق الأدلّة ؛ سواء احتملت الانقطاع حين العمل أو قبله ، أو كانت قاطعة بعدم الانقطاع ، أو ظانّة به ، بل ولو كانت ظانّة

بالانقطاع . ودعوى الانصراف عمّا إذا انقطع في الوقت مطلقاً أو إذا كانت ظانّة(2) في غير محلّها ، خصوصاً في غير الظانّة .

نعم ، لو كانت قاطعة بالانقطاع للبرء أو الفترة الواسعة ، فالظاهر لزوم الانتظار وعدم جواز البدار ؛ لقصور الأدلّة عن إثبات جواز البدار ، وعدم إطلاقها من هذه الجهة ، بل تكون منصرفة عن الفرض .

ص: 491


1- تقدّم في الصفحة 479 وما بعدها .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 324 .

وأمّا إذا انقطع في الأثناء ، فالظاهر لزوم الإعادة إذا كان الانقطاع لبرء أو فترة واسعة ، وفي غير الواسعة تأمّل ؛ أمّا الإعادة فيهما فلما مرّ من استفادة سببية مطلق الدم ، ولم يثبت العفو في غير ما هو مستمرّ إلى آخر العمل ، فيبقى مقتضى السببية على حاله ، ولا إطلاق - على الظاهر - للأدلّة بالنسبة إلى هذه الصورة ؛ حتّى يقال لأجله بالعفو وصحّة الأعمال . هذا بحسب الثبوت والواقع .

وأمّا تكليفها في الظاهر ، فقد يتشبّث له باستصحاب بقاء الفترة إلى زمان يسع العمل بشرائطه ؛ إذا كانت شاكّة في كون الانقطاع للبرء ، أو الفترة مع الشكّ في سعتها ، أو كانت عالمة بالثانية ، وشاكّة في سعتها (1) .

وفيه : أنّ هذا الاستصحاب - مع كونه مثبتاً - لا أصل له ؛ لعدم كون المستصحب موضوعاً لأثر شرعي ، بل بعد العلم بوجوب الصلاة واشتراطها بالطهور ، وكونِ الدم سبباً بذاته ، وعدمِ إطلاق في الأدلّة ، يحكم العقل بلزوم التأخير إلى زمان الفترة الواسعة ، ولاتكون الفترة الواسعة موضوعاً لحكم شرعي .

كما أنّ التشبّث باستصحاب الصحّة أو الطهارة وأمثالهما (2) ، في غير محلّه بعد ثبوت حدثية الدم ، وعدم الدليل على العفو ، واشتراط الصلاة بالطهور ، فيكون الاستصحاب محكوماً بتلك الأدلّة على فرض الجريان .

نعم ، لو أنكرنا سببية مطلق الدم للغسل كان له مجال ، ومع عدمه تكفي أصالة البراءة . لكن ما مرّ هو الأقوى .

وممّا ذكرنا يظهر حال بقيّة الصور ، فتدبّر .

ص: 492


1- اُنظر جواهر الكلام 3 : 335 .
2- جواهر الكلام 3 : 335 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 324 .
الأمر الثالث في جواز تفريق الصلوات والغسل لكلّ صلاة
اشارة

الظاهر جواز تفريق الصلوات والغسل لكلّ صلاة ؛ لعدم استفادة كون الجمع بين كلّ صلاتين عزيمة ، بعد ظهور كون ذلك لمراعاة حال النساء . وقد حكي عن المحقّق الثاني وصاحب «المدارك» دعوى القطع بالجواز(1) ، وتبعهما كثير من متأخّري المتأخّرين(2) .

ويمكن أن يستدلّ عليه بجملة من الروايات ، كصحيحة يونس بن يعقوب وفيها : «فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة»(3) ؛ لأنّ وقت الصلاة في تلك الأزمنة كان هو الأوقات المعهودة التي كان المسلمون يجتمعون فيها لإقامة الصلوات ؛ حتّى اشتهرت الأوقات الخمسة وصارت معهودة ؛ بحيث ينصرف إليها اللفظ . بل يمكن استفادة الاستحباب من مثلها ؛ بعد كون الظاهر أنّ الأمر بالجمع وتعجيل العصر والعشاء وتأخير الظهر والمغرب ؛ لمحض الترخيص وملاحظة حالهنّ .

ويمكن أن يستدلّ عليه بوجه آخر : وهو أ نّها لو فرّقت بين الصلاتين عمداً أو نسياناً ؛ فصلّت الظهر بغسل ، وتركت العصر ، فلا يخلو :

إمّا أن يجب عليها إعادة الظهر والجمع بينهما بغسل .

ص: 493


1- جامع المقاصد 1 : 342 ؛ مدارك الأحكام 2 : 35 .
2- ذخيرة المعاد : 75 / السطر 40 ؛ مصابيح الظلام 1 : 243 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 287 .
3- تقدّم في الصفحة 481 .

أو لا يجب عليها العصر أيضاً .

أو يجب عليها العصر بلا غسل ، ويجوز لها الاكتفاء بغسلها للظهر .

أو يجب عليها الغسل للعصر .

لا سبيل إلى شيء من الاحتمالات إلاّ الأخير منها ؛ ضرورة أ نّه لا وجه لإعادة الظهر ؛ لعدم مغايرة تكليفها في صلاة الظهر لسائر المكلّفين ، تأمّل . وبداهة وجوب العصر عليها ، وعدم سقوطها عنها ، والاكتفاءُ بالغسل المتقدّم مخالف لظواهر الأدلّة ، ولما مرّ من كون الدم بذاته حدثاً ، مع عدم ثبوت العفو مع التفريق ، فيبقى الاحتمال الأخير ، ولا ريب في عدم كون الجمع واجباً تعبّدياً نفسياً غير ملحوظ فيه حال الصلاة واشتراطها بالطهور ، ولا التفريق حراماً كذلك.

فتلخّص - بعد بطلان جميع المحتملات عقلاً وشرعاً - أنّ التفريق جائز ، ومعه يجب الغسل ؛ لأنّ الدم الحاصل بعد الصلاة إلى زمان إتيان الصلاة الاُخرى ، حدث موجب للغسل ، فلا بدّ منه . هذا كلّه مع تفريق الصلوات .

في جواز إيقاع غسلين مع الجمع بين الصلاتين

وهل يجوز لها بعد صلاة الظهر والمغرب بلا فصل ، الاغتسال للعصر والعشاء ، بأن يقال بمثل ما قيل في الفرض المتقدّم : من عدم استفادة العزيمة من الأدلّة ؛ لورودها في مقام توهّم وجوب الأغسال الخمسة ؟

فيه تأمّل وإشكال ؛ لأنّ عدم دلالة الأدلّة على العزيمة ، لا يوجب دلالتها على جواز الغسل ، وبعد عدم دليل على مشروعيته فلأحدٍ أن يقول : إنّ مقتضى الأدلّة حدثية ذات الدم وناقضيته للغسل والوضوء ، خرج منها - عفواً أو إسقاطاً

ص: 494

للسببية - الدم السائل في حال الاشتغال بالغسل للصلاتين إلى آخر الصلاة الثانية ، مع عدم الفصل بينهما بمقدار غير متعارف ، وعدم الفصل بأجنبيّ ، وبقي الباقي ، فعليه لا دليل على العفو في الدم السائل بين الغسل الثاني أو بعده ، بل وبين صلاة العصر ، مع التفريق بالأجنبيّ ، ولا يمكن أن يكون الغسل الثاني رافعاً لما حصل بينه أو بعده ، فلا بدّ حينئذٍ من غسل آخر لصلاة العصر بعد حصول هذا التفريق بالأجنبيّ بالبيان المتقدّم .

فالأحوط - لو لم نقل : الأقوى - هو الجمع بين الصلاتين بغسل واحد ؛ وإن جاز لها التفريق والأغسال الخمسة . بل الأولى والأحوط الجمع وعدم التفريق .

الأمر الرابع في وجوب تعاقب الصلاة للغسل والوضوء
اشارة

بيان حال الغسل

الظاهر وجوب معاقبة الصلاة للغسل ، وفي «الجواهر» : «لم أعرف مخالفاً فيه»(1) ، وفي طهارة شيخنا الأعظم : «المشهور بين الأصحاب وجوبها ، بل قد يظهر نفي الخلاف فيه»(2) .

وعن كاشف اللثام والعلاّمة الطباطبائي رحمه الله علیه جواز الفصل(3) ، واختاره الشيخ

ص: 495


1- جواهر الكلام 3 : 342 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 72 .
3- كشف اللثام 2 : 161 ؛ المصابيح في الفقه : 148 (مخطوط) .

الأعظم تمسّكاً بالإطلاقات الواردة في مقام البيان ، واستظهاراً ممّا دلّ على

وجوب الغسل عند كلّ صلاة ، إضافته إلى الوقت ؛ أي زمان حضور وقت كلّ صلاة ، لا حضور فعلها ، واستشهاداً بقوله في رواية ابن سنان : «ثمّ تغتسل عند المغرب ، فتصلّي المغرب والعشاء ، ثمّ تغتسل عند الصبح ، فتصلّي الفجر(1) »(2) .

وفيه : - مضافاً إلى عدم إطلاق يمكن الاتّكال عليه والوثوق به في المقام ، فضلاً عن إطلاقات واردة في مقام البيان ، كما ادّعاها ؛ فإنّ الروايات في مقام بيان وجوب ثلاثة أغسال في مقابل غسل واحد ، كصحيحتي زرارة والصحّاف(3) - أنّ الإطلاقات على فرضها مقيّدة بما دلّ على لزوم إيقاعها عند الصلاة ، والاحتمال الذي أبداه خلاف الظاهر حتّى في رواية ابن سنان ؛ فإنّ قوله : «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلّي الظهر والعصر» ظاهر - بلا تأمّل - في كونه عند نفس صلاة الظهر لا وقتها ، فحينئذٍ يكون قوله بعده :

«ثمّ تغتسل عند المغرب» ظاهراً في صلاته ؛ بعد شيوع إطلاق «المغرب» على صلاته في الروايات(4) ، وبعد القطع بعدم كون المراد قبل وقت المغرب .

ص: 496


1- الكافي 3 : 90 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 72 - 73 .
3- الكافي 3 : 99 / 4 ، و : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 و7 .
4- راجع وسائل الشيعة 4 : 156 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 10 و16 و17 .

مع أنّ لازم إضافة الظرف إلى الوقت ، كون وقت إيقاع الغسل قبل وقت الصلاة ؛ لظهور لفظة «عند» في ذلك .

ويؤيّد ما ذكرنا الأمر بالجمع بين الصلاتين ؛ لبُعد الالتزام بالتفرقة بين صلاة الظهر والعصر ؛ بجواز الفصل بين الغسل والصلاتين ، وعدم جواز التفرقة بين صلاة الظهر والعصر .

والإنصاف : أنّ الناظر في الروايات ، لا يكاد يشكّ في أنّ الأمر بالجمع والتقديم والتأخير ، إنّما هو بملاحظة حال الصلاة وعدم الابتلاء بالدم قدر الإمكان ، ومعه لا مجال لاحتمال جواز الفصل .

هذا كلّه مع أنّ المختار - كما تقدّم(1) - هو ناقضية الدم ؛ وكونه حدثاً بذاته موجباً للغسل إلاّ ما عفي عنه ، وبعد قصور الإطلاقات لا دليل على العفو مع الفصل .

بيان حال الوضوء

وبهذا يظهر الحال في الوضوء في الأقسام الثلاثة . مع إمكان الاستدلال له بقوله في رواية «قرب الإسناد» : «فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها ، يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة وتصلّي»(2) وبها يقيّد الإطلاق على فرض وجوده.

هذا مضافاً إلى أنّ الأمر بالوضوء لكلّ صلاة ، دليل على أنّ الدم السائل بين

ص: 497


1- تقدّم في الصفحة 486 .
2- قرب الإسناد : 225 / 879 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 7 .

الوضوء والصلاة أو بعدهما - ولو بلا فصل - حدث أصغر غير معفوّ عنه ، فلا مجال للارتياب في لزوم معاقبة الصلاة للوضوء .

نعم ، لا إشكال في أنّ المبادرة إلى الصلاة بعد الغسل والوضوء ، ليست على النحو الدقيق العقلي ، بل العرفي ، مع الإتيان بما تحتاج إليه للصلاة عادة ، كالتستّر

ولبس الثوب ، وما هو المتعارف بحسب حالها ، لا غير المتعارف ، كشراء الستر ، ويجوز لها الأذان والإقامة للصلاتين ، بل والتعقيب بالمقدار المتعارف ، وانتظار الجماعة كذلك ؛ وإن كان الأحوط في بعضها خلافه .

وأمّا الاستدلال(1) لجواز تأخير الصلاة عن الوضوء - إمّا مطلقاً ، أو بمقدار غير معتدّ به - بقوله في صحيحة معاوية : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء»(2) .

ففيه أوّلاً : أنّ الوضوء لعلّه لدخول المسجد ، ويشهد له تصريحه بعده : بأ نّها «صلّت كلّ صلاة بوضوء» .

وثانياً : أنّ قوله : «ودخلت المسجد» يمكن أن يكون بياناً لجواز دخولها المسجد ؛ أي يجوز لها الدخول في المسجد ، ويجوز لبعلها إتيانها ، كما في ذيل الصحيحة ، فحينئذٍ لا يكون قوله : «دخلت المسجد» لبيان إيقاع

الصلاة فيه .

ص: 498


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 325 - 326 .
2- الكافي 3 : 88 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
الأمر الخامس في وجوب الفحص والاختبار لتعيين نوع الاستحاضة
اشارة

هل يجب عليها الفحص والاختبار لتشخيص كونها من أيّ الثلاثة مطلقاً ، أو لا مطلقاً ، أو يفصّل بين ما إذا كان متعذّراً وغيره ، أو بين ما إذا كان كثير المؤونة

والمقدّمات وغيره ؟

قد يقال بوجوبه مطلقاً : إمّا لأ نّه من الموضوعات التي لا يمكن معرفتها غالباً إلاّ بالاختبار ، فلو رجعت إلى الأصل لزم منه الوقوع في محذور مخالفة التكليف غالباً ، كما لو رجع الشاكّ في الاستطاعة والنصاب والدين إلى الأصل قبل الفحص(1) .

وفيه : - مع منع الصغرى ؛ أي لزوم الوقوع في المخالفة غالباً - أ نّه لا محذور فيه بعد إطلاق أدلّة الاُصول . ودعوى انصرافها في محلّ المنع .

وإمّا للعلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو الغسل عليها (2) .

وفيه : أنّ الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي الجاري في جميع الموارد أو غالبها ، يوجب عدم تأثير العلم وانحلاله . مضافاً إلى ما تقدّم من وجوب الوضوء لكلّ صلاة في الأقسام الثلاثة(3) ، فيكون من قبيل الأقلّ والأكثر .

ص: 499


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 326 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 327 .
3- تقدّم في الصفحة 450 و459 و472 .

وإمّا لإطلاق بعض الأخبار الدالّة على وجوب الاختبار ، كموثّقة

عبد الرحمان بن أبي عبداللّه عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر ، ثمّ تصلّي ، فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة»(1) .

بدعوى ظهورها في أنّ استدخال الكرسف ؛ لأجل اختبار أ نّه هل يظهر على الكرسف أو يسيل من ورائه أو لا ؟

وفيه : منع الظهور في ذلك ، بل الظاهر أنّ المراد منها أ نّها تغتسل بعد الاستظهار بيوم أو يومين ، وتستدخل كرسفاً ، وتصلّي بلا غسل وتغيير قطنة ؛ حتّى يظهر الدم على الكرسف ، فعند ذلك تعيد الغسل ، وتعيد الكرسف .

وهذه نظيرة رواية الجُعفي عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «وإن لم تَرَ طهراً

اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف»(2) .

وقريب منها صحيحة الصحّاف وموثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام (3) .

ومنه يظهر الحال في صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن مشيخة

ص: 500


1- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .
3- تقدّمتا في الصفحة 448 و449 .

ابن محبوب ، عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «ثمّ تمسك قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع ، فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ المراد منها هو ما في الروايات السابقة ؛ أي فلتمسك قطنة فتصلّي ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع وصار كثيراً ، فلتجمع بين الصلاتين بغسل . ولا أقلّ من الاحتمال المساوي لاحتمال كون الإمساك للاختبار ، ويرجّح ما ذكرنا بقرينة سائر الروايات .

ويمكن الاستدلال للاختبار برواية ابن أبي يعفور عن أبي عبداللّه قال : «المستحاضة إذا مضت أيّام قرئها اغتسلت واحتشت كرسفها وتنظر ، فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها ، وتوضّأت وصلّت»(2) .

بدعوى : أنّ قوله : «تنظر» ظاهر في وجوب النظر لتشخيص الحال .

وفيه: منع الظهور في ذلك ، بل الظاهر أ نّها تمكث وتمهل حتّى يظهر الدم على الكرسف ، خصوصاً بملاحظة قوله : «زادت كرسفها» بل يحتمل أن يكون «تنظر» من باب الإفعال . وعلى أيّ تقدير تكون هذه الرواية أيضاً ؛ موافقة لسائر الروايات .

والإنصاف : أنّ التمسّك بمثل تلك الروايات لذلك ، في غير محلّه ، كما يظهر بالتأمّل فيها .

ص: 501


1- المعتبر 1 : 215 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث14 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1258 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 13 .
التفصيل بين سهولة الاختبار وغيره

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الاختبار لو كان سهلاً لا يحتاج إلاّ إلى وضع القطنة وإخراجها ، كان واجباً ؛ لانصراف أدلّة الاُصول - استصحاباً أو غيره - عمّا إذا

كان العلم بالموضوع لا يحتاج إلى الفحص والتفتيش ، بل يحتاج إلى مجرّد النظر والاختبار .

إلاّ أن يقال : إنّ عدم وجوب ذلك وجريان الأصل في مثله ، يستفاد من مضمرة زرارة الدالّة على حجّية الاستصحاب ، وفيها قلت : فهل عليّ إن شككت في أ نّه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال : «لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك . . .»(1) إلى آخره .

ولكن لم يظهر منها أنّ ذلك للاتّكال على الاستصحاب ؛ حتّى نقول بجريانه في أمثاله من غير خصوصية في الموضوع ، فمن المحتمل أنّ في باب النجاسات مساهلات ليست في غيره ، كما يظهر من بعض روايات اُخر(2) ، فالتفصيل بين ما كان التشخيص محتاجاً إلى فحص ومقدّمات وبين غيره ، لا يخلو من وجه .

ومن ذلك يظهر : أنّ التشخيص إن كان متعذّراً أو متعسّراً ، تعمل على الاُصول الموضوعية - لو كانت - أو الحكمية .

ص: 502


1- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 .

ثمّ لا إشكال في أنّ وجوب الاختبار - على فرض ثبوته - ليس نفسياً ولا شرطياً ، فلو لم تختبر وصلّت مع حصول قصد القربة ومطابقة الواقع ، أو احتاطت بالأخذ بأسوأ الأحوال ، فلا ريب في صحّة عباداتها وعدم كونها عاصية . نعم تكون في بعض الصور متجرّية . ولو صلّت وخالفت الواقع وقلنا بوجوب الاختبار ، استحقّت العقوبة ؛ لمخالفة الواقع ، لا لترك الفحص .

الأمر السادس لزوم منع خروج الدم قدر الإمكان
اشارة

يجب على المستحاضة الاستظهار في منع خروج الدم قدر الإمكان ؛ إذا لم تتضرّر بحبسه ، وفي «الجواهر» : «لم أجد فيه خلافاً ، بل لعلّه ممّا يقضي به بعض الإجماعات»(1) وهذا في الجملة ممّا لا ينبغي الإشكال فيه .

ويدلّ عليه - مضافاً إلى ذلك ، وإلى اشتراط طهارة البدن واللباس من الدم ووجوب تقليله على الظاهر ، وإلى حدثية دم الاستحاضة كما مرّ(2) ولزوم الاقتصار على القدر المتيقّن في العفو أو إلغاء السببية ، وأ نّه لو خرج مع التقصير يكون حدثاً غير معفوّ عنه ، ويجب عليها إعادة الوضوء أو الغسل على الأحوط لو لم يكن أقوى ؛ مع التسامح في الاحتشاء والاستثفار

ص: 503


1- جواهر الكلام 3 : 348 .
2- تقدّم في الصفحة 490 .

ونحوهما ، أو مع الصلاة لو صلّت بعد الخروج كذلك - الأخبارُ المتظافرة

الآمرة بالاستظهار(1) .

عدم وجوب الاستظهار قبل الوضوء أو الغسل ولا بعدهما

إنّما الكلام في أ نّه قبل الوضوء أو الغسل ، أو بعدهما ، أو قبل الوضوء وبعد الغسل ، الأقوى عدم وجوب كونه قبلهما ولا بعدهما :

أمّا الوضوء ، فلإطلاق ما دلّ على التوضّؤ لكلّ صلاة(2) ؛ من غير إشعار فيها بتقديم الاستظهار عليه أو تأخيره ، وبه يرفع اليد عمّا دلّ على حدثيته . مع إمكان إنكارها في مثل المقام .

وأمّا الغسل ، فلأنّ الأخبار وإن كانت ظاهرة في تقديم الغسل على الاستظهار - إمّا لأجل العطف ب- «ثمّ» في بعضها (3) وإمّا بدعوى كون مساقها والمتفاهم ممّا عطف فيها بالواو(4) أيضاً هو ما يتعارف عادةً من تقديم الغسل على الاحتشاء ، وهو على الاستثفار - لكن لا إشكال في عدم فهم شرطية ذلك في

ص: 504


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 - 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 ، 3 ، 7 و 8 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 و6 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 7 و8 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 ، 2 ، 3 ، 5 ، 9 و10 .

صحّة الصلاة أو الغسل ؛ بحيث لو أمكن لها الغسل مع الاستثفار ، وقع غسلها وصلاتها باطلين ؛ ضرورة عدم فهم التعبّد من مثلها ، بل الظاهر منها أنّ ذلك لأجل العادة والتعارف وعدم تيسّر الاستثفار نوعاً ما بين الغسل ، فلا ينبغي الإشكال في جواز الاستثفار والاحتشاء قبل الغسل . بل أولوية التقديم مع الإمكان .

نعم ، الظاهر أ نّه مع إمكانه لا يجب ، ولا

يكون التحفّظ بذلك الحدّ من الضيق ، وإلاّ لتعرّض له في تلك الأخبار الكثيرة .

والإنصاف : أنّ دعوى القطع بعدم شرطية التأخير وعدم وجوبه التعبّدي - وكذا دعوى القطع بعدم لزومه مع الإمكان - في محلّهما .

وممّا ذكرنا - من عدم تعبّدية الاحتشاء والاستثفار ، وكونهما لأجل التحفّظ عن الدم - يعلم أ نّه لا كيفية خاصّة لهما ، فلو أمكنها التحفّظ بكيفية اُخرى مثلها ، فلا إشكال في كفايتها ، فلا داعي إلى تحصيل معنى «الاستثفار ، والاستذفار ، والتحشّي ، والاحتشاء» .

كما أنّ «الاستذفار» إن كان بمعنى التطيّب والاستجمار بالدخنة وغير ذلك ، لا يكون واجباً بلا إشكال ، بل لا يبعد أن يكون «الاستذفار» بمعنى الاستثفار ، ويكون التفسير ب- «التدخين» من الشيخ الكليني(1) ، كما احتمله في «الوافي»(2) .

ص: 505


1- الكافي 3 : 89 ، ذيل الحديث 3 .
2- الوافي 6 : 471 / 2 .
الأمر السابع في أنّ المستحاضة بعد أفعالها بحكم الطاهر
اشارة

قال المحقّق : «وإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر»(1) .

وقال العلاّمة في «القواعد» : «ومع الأفعال تصير بحكم الطاهر»(2) ، وفي «مفتاح الكرامة» : «إجماعاً كما في «الغنية» و«المعتبر» و«التذكرة» و«مجمع البرهان» و«شرح الجعفرية» و«كشف الالتباس» ، وفي «المنتهى» : «أ نّه مذهب علمائنا» ، وفي «المدارك» : «لا خلاف فيه بين العلماء»(3) ، انتهى .

بيان منطوق ومفهوم قولهم : «إذا فعلت ذلك تصير بحكم الطاهر»

ومنطوق هذه القضيّة - على إجماله - كأ نّه ممّا لا إشكال فيه ، لكن يحتمل أن يكون المراد منه أ نّها بحكم الطاهر ، لا أ نّها طاهرة ، فلا يجري عليها حكم الطاهر الحقيقي ، بل التنزيلي بمقدار دلالة دليل التنزيل ، فحينئذٍ يكون المقصود : أ نّه لا يترتّب عليها جميع أحكام الطاهر ، مثل مسّ الكتاب وغيره .

لكنّ الظاهر : أنّ هذا الاحتمال - كاحتمال كون المقصود تبيين ما تقدّم

ص: 506


1- شرائع الإسلام 1 : 27 .
2- قواعد الأحكام1 : 219 .
3- مفتاح الكرامة 3 : 349 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ المعتبر 1 : 248 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 290 - 291 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 163 ؛ كشف الالتباس1 : 243 ؛ منتهى المطلب 2 : 417 ؛ مدارك الأحكام 2 : 37 .

من الأحكام - غير وجيه ، ولهذا استثنى الشيخ وابن حمزة دخول الكعبة منه(1) ؛ لمرسلة يونس(2) ، وقد عدّوا الشيخ مخالفاً لهذا الحكم(3) .

ويحتمل أن يكون المراد أ نّها بحكم الطاهر إلى الإتيان بما فعلت لأجله ، فيكون إيجاد الغاية التي اغتسلت لأجلها نهايةً للحكم ؛ بمعنى أنّ العفو لا يكون إلاّ إلى تمام العمل الذي اغتسلت له .

ويحتمل أن يكون بحكمه إلى خروج الوقت ، أو إلى دخول وقت خطاب آخر ، أو إلى زمان الاشتغال بغسل آخر .

أو تكون بحكمه في جميع الآثار ، فلها مسّ الكتاب وغيره .

أو أ نّها بحكم الطاهر فيما تضطرّ إلى إتيانه ، كالطواف الواجب وركعتيه ، لا كمسّ الكتاب والإتيان بالصلوات المستحبّة .

ثمّ إنّه بعد قيام الدليل على كون الدم حدثاً ، وكون الخروج إنّما هو في بعض الأحيان عفواً أو إسقاطاً للسببية ، لا بدّ من قيام الدليل عليهما ، والقدر المتيقّن من الإجماع المدّعى أو عدم الخلاف هو أ نّها بحكم الطاهر إلى زمان إتيان ما فعلت لأجله ، فلو اغتسلت لصلاة الصبح فما لم تأتِ بها تكون بحكم الطاهر ، وأمّا بعد الإتيان بها فلا دليل على العفو وكونها بحكمه ؛ وإن قال شيخنا الأعظم : «ويمكن دعوى الإجماع على كونها كذلك ما دام وقت الصلاة

ص: 507


1- النهاية : 277 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 61 و193 .
2- الكافي 4 : 449 / 2 ؛ وسائل الشيعة 13 : 462 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 91 ، الحديث 2 .
3- كشف اللثام 2 : 156 ؛ رياض المسائل 2 : 120 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 331 .

باقياً»(1) فلو ثبت الإجماع ، وإلاّ فالتحقيق ما عرفت . ومراعاة الاحتياط طريق النجاة .

ثمّ إنّ الظاهر جواز الإتيان بالوضوء والغسل للغايات الاضطرارية ، كالطواف وصلاته إذا ضاق وقتهما ، أو مطلقاً بدعوى فهمه من الأدلّة بإلغاء الخصوصية ، بعد كون الأمر بالوضوء والغسل ؛ لتحصيل مرتبة من الطهارة بحسب ارتكاز المتشرّعة وفهم العرف ، وأمّا ما لا يجب عليها ولا تضطرّ إليه فلا دليل على العفو ، ولا يمكن فهمه من الأدلّة .

نعم ، دلّت رواية إسماعيل بن عبد الخالق على تقديم ركعتين قبل الغداة ، ثمّ إتيان الغداة بغسل واحد(2) . لكنّها - مع ضعف السند - لا تثبت إلاّ نافلة الفجر ، ولها خصوصية ؛ لمكانِ أفضليتها من سائر الرواتب ، وكونِ تمام الوظيفة ركعتين ، فلا يمكن التعدّي إلى غيرها . إلاّ أن يتشبّث بالإجماع المنقول - عن «الغنية» و«المعتبر» و«المنتهى» و«التذكرة» و«كشف الالتباس» و«شرح الجعفرية» - على أ نّها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ، كانت بحكم الطاهر ، وهو لا يخلو من تأمّل وإن لم يخلُ من وجه . والظاهر تسالمهم على جواز إتيان النوافل . هذا كلّه في منطوق القضيّة المتقدّمة .

وأمّا مفهومها ، فلا يبعد أن يكون غير مراد ، ولو كان مراداً فليس مفهومها إلاّ أ نّها مع عدم الإتيان بذلك ، ليست بحكم الطاهر ، ولا يفهم منه إلاّ عدم كونها

ص: 508


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 90 .
2- قرب الإسناد : 127 / 447 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 15 .

كذلك في الجملة ، وأمّا كونها بحكم الحائض فلا ؛ وإن كان يُشعر به بعض العبارات بل بعض معاقد الإجماعات ، لكنّهما ليسا بنحو يمكن الاعتماد عليهما في الخروج عن مقتضى القواعد .

بل ظاهر العبارة المحكيّة عن «المعتبر» يرفع الإجمال عن سائر العبارات ، ويبيّن المراد من المفهوم ؛ حيث قال : «إنّ مذهب علمائنا أجمع أنّ الاستحاضة حدث تبطل الطهارة بوجوده ، فمع الإتيان بما ذكر - من الوضوء إن كان قليلاً ، والأغسال إن كان كثيراً - تخرج عن حكم الحدث لا محالة ، وتستبيح كلّ ما تستبيحه الطاهر : من الصلاة ، والطواف ، ودخول المساجد ، وحلّ وطؤها ، وإن لم تفعل كان حدثها باقياً ، ولم يجز أن تستبيح شيئاً ممّا يشترط فيه الطهارة»(1) انتهى . وعن «التذكرة» قريب منها (2) .

والمستفاد منهما أ نّها مع عدم الإتيان تكون محدثة ، وهذا هو الذي دلّت عليه الأدلّة ؛ ضرورة أنّ الأمر بالوضوء والغسل لصلاتها لكون الدم حدثاً ، وهما رافعان له حكماً .

فتحصّل : أنّ الظاهر من الأدلّة بل الإجماع هو عدم جواز ما يشترط فيه الطهارة إلاّ بالإتيان بالوظائف ، وأمّا ما لا يكون مشروطاً بها كدخول المسجدين ، والمكث في سائرالمساجد ، وقراءة العزائم ، فلايستفاد منها تحريمه عليها ، ولا قام الإجماع أو الشهرة على التحريم بعد كون المسألة محلّ خلاف قديماً وحديثاً .

نعم ، قد وردت في خصوص الوط ء روايات لا بدّ من البحث عنها مستقلاًّ .

ص: 509


1- المعتبر 1 : 248 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 290 - 291 .
جواز وط ء المستحاضة

فنقول : قد اختلفت الآراء في جواز وط ء المستحاضة ، فقيل بالإباحة مطلقاً من دون توقّفه على شيء ، كما عن «البيان» و«المدارك» و«الكفاية» و«التحرير» و«الموجز» و«مجمع البرهان»(1) .

وقيل بالكراهة ، كما عن «المعتبر» و«التذكرة» و«الدروس» و«الروض» و«كشف الالتباس» و«الذخيرة» و«جامع المقاصد» و «شرحي الجعفرية»(2) .

وقيل بتوقّفه على جميع ما عليها من الأفعال ، كما نسب إلى ظاهر «المقنعة» و«الاقتصاد» و«الجمل والعقود» و«الكافي» و«الإصباح» و«السرائر»(3) بل عن «المعتبر» و«التذكرة» و«الذكرى» نسبته إلى ظاهر الأصحاب(4) .

وقيل بتوقّفه على الغسل والوضوء ، كما عن ظاهر «المبسوط»(5) .

ص: 510


1- البيان : 66 ؛ مدارك الأحكام 2 : 37 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 31 ؛ تحرير الأحكام 1 : 110 ؛ الرسائل العشر لابن فهد الحلّي ، الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى : 47 - 48 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 164 - 166 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 351 ؛ المعتبر 1 : 248 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 291 ؛ الدروس الشرعية 1 : 99 ؛ روض الجنان 1 : 235 - 236 ؛ كشف الالتباس 1 : 244 ؛ ذخيرة المعاد : 76 / السطر 12 و16 ؛ جامع المقاصد 1 : 344 .
3- اُنظر كشف اللثام 2 : 157 ؛ المقنعة : 57 ؛ الاقتصاد : 246 ؛ الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، الجمل والعقود : 164 - 165 ؛ الكافي في الفقه : 129 ؛ إصباح الشيعة : 39 ؛ السرائر 1 : 153 .
4- المعتبر 1 : 248 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 291 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 250 .
5- المبسوط 1 : 67 .

وقيل بتوقّفه على الغسل خاصّةً ، كما عن الصدوقين(1) بل ربّما احتمل تنزيل كلمات كثير منهم على هذا القول(2) .

واستدلّ للجواز(3) - بعد الأصل ، وعمومات حلّ الأزواج ، وخصوص قوله تعالى : )حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ((4) - بإطلاقات روايات :

منها : صحيحة صفوان عن أبي الحسن علیه السلام قال : قلت له : إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم ، ثمّ طهرت فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، أتمسك عن الصلاة ؟ قال : «لا ؛ هذه مستحاضة ، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة ، وتجمع بين صلاتين بغسل ، ويأتيها زوجها إن أراد»(5) .

والظاهر منها أنّ جواز الإتيان حكم فعلي من أحكام المستحاضة ، كما أنّ الجمع بين الصلاتين بغسل واستدخال القطنة أيضاً من أحكامها ، وإطلاقها يقتضي الجواز بلا شرط .

ومثلها : صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلّي الظهر والعصر . . .» إلى أن قال : «ولا بأس

ص: 511


1- الفقيه 1 : 50 ، ذيل الحديث 195 ؛ الهداية ، الصدوق : 99 .
2- جامع المقاصد 1 : 343 ؛ اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم4 : 102 - 103 ؛ جواهر الكلام 3 : 356 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 164 ؛ مدارك الأحكام 2 : 37 ؛ مستند الشيعة 3 : 31 - 32 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 342 - 343 .
4- البقرة (2) : 222 .
5- الكافي 3 : 90 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 3 .

بأن يأتيها بعلها إذا شاء إلاّ أيّام حيضها»(1) .

والظاهر منها - بقرينة الاستثناء - أنّ جواز الإتيان من أحكام المستحاضة ، لا من أحكام التي فعلت الأفعال المذكورة ؛ لبطلان الاستثناء لو اُريد ذلك . مع أنّ

جواز الوط ء لا يكون معلّقاً على جميع الأغسال الثلاثة بلا إشكال .

ومنه يظهر الحال في ذيل صحيحة معاوية : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء ، وهذه يأتيها بعلها إلاّ في أيّام حيضها»(2) .

فإنّ الاستثناء قرينة على أنّ المشار إليها ب- «هذه» هي نفس المستحاضة القليلة ، لا من توضّأت لكلّ صلاة ، وبهذا التقريب يقوى الإطلاق . واحتمال كون الحكم حيثياً ، بعيد عن ظاهر الرواية ومساقها .

وقريب منها صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن مشيخة ابن محبوب(3) ، وموثّقة حفص بن غياث(4) .

ويمكن أن يستدلّ له بموثّقة فضيل وزرارة عن أحدهما علیهما السلام قال :

ص: 512


1- الكافي 3 : 90 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 171 / 487 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 88 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
3- المعتبر 1 : 215 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث14 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 177 / 506 ؛ وسائل الشيعة 2 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 17 .

«المستحاضة تكفُّ عن الصلاة أيّام أقرائها . . .» إلى أن قال : «وتجمع بين المغرب والعشاء بغسل ، فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها»(1) .

فإنّ المراد ب- «حلّية الصلاة» هي المقابلة للحرمة الثابتة في أيّام أقرائها ، فيكون المراد أنّ حلّية الوط ء ملازمة لحلّية الصلاة ، ولا إشكال في أ نّه بعد أيّام

الأقراء ، تحلّ لها الصلاة فعلاً . ولا ينافي حلّيتها اشتراط تحقّقها باُمور : فإنّ تلك الاُمور ليست من شرائط الحلّية ، بل هي من شرائط تحقّق الصلاة ، فالمرأة إذا خرجت من أيّامها ، صارت الصلاة واجبة عليها بالضرورة من غير توقّف على شيء ، والصلاة الواجبة لا يمكن أن تكون محرّمة عليها ، بل محلّلة وإن كانت مشروطة بالأغسال والوضوءات وغير ذلك .

ومنها يظهر الحال في موثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه ، وفيها : «فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد ، وكلّ شيء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ، ولتطف بالبيت»(2) .

فإنّ الظاهر منها أنّ كلّ ما يستحلّ به الصلاة - أي نفس الطبيعة - يستحلّ به الوط ء ، ولا إشكال في أنّ الأغسال غير دخيلة في استحلال الصلاة حتّى الاستحلال الفعلي للطبيعة ، كما أنّ الستر والقبلة وغيرهما لا دخل لها فيه ، بل هي شرائط لتحقّقها .

ص: 513


1- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1253 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 12 .
2- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

ولو اُنكر ظهورها فيما ذكر ، فلا أقلّ من الاحتمال المسقط لاستدلال الخصم .

وفي قبال تلك الروايات روايات :

منها : رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المستحاضة كيف تصنع ؟ . . . إلى أن قال : «فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ، ثمّ تصلّي ركعتين قبل الغداة ، ثمّ تصلّي الغداة» .

قلت : يواقعها زوجها ؟ قال : «إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضّأ ، ثمّ يواقعها إن أراد»(1) .

ولعلّها مستند الشيخ في ظاهر «المبسوط»(2) لكنّها - مع ضعف سندها بالطيالسي ووهن متنها من حيث انفرادها في اُمور ؛ منها : الأمر بصلاة ركعتين قبل صلاة الغداة ، ومنها : تعليق جواز الوط ء على طول المدّة ممّا لم يقل به أحد ، ومنها : الأمر بالتوضّؤ - لا يمكن الاتّكال عليها في تقييد المطلقات .

ومنها : رواية مالك بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المستحاضة ، كيف يغشاها زوجها ؟ قال : «تنظر الأيّام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة ، فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام من ذلك الشهر ، ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيّام ، ولا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل ، ثمّ يغشاها إن أراد»(3) .

ص: 514


1- قرب الإسناد : 127 / 447 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 15 .
2- المبسوط 1 : 67 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1257 ؛ وسائل الشيعة 2 : 379 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 3 ، الحديث 1 .

وهي أيضاً مخدوشة السند بمالك . وتصحيح العلاّمة والشهيد(1) حديثاً (2) هو في سنده أعمّ من توثيق الرجل ، والروايات التي تدلّ على حسنه كلّها تنتهي إليه(3) ، وكيف يمكن الوثوق بحال الرجل من قول نفسه ونقله ؟! وتوصيف

الرواية بالصحّة - كما وقع من بعض متأخّري المتأخّرين(4) - غير وجيه ولو قلنا بوثاقة الجهني ؛ لأنّ في سندها الزبيري ، وهو لا يخلو من كلام ؛ وإن كان الأصحّ وثاقته(5) ووثاقة علي بن الحسن بن فضّال .

فالرواية موثّقة مع الغضّ عن الجهني ، وضعيفة مع النظر إليه ، ومخدوشة الدلالة باحتمال كون الغسل المأمور به هو غسل الحيض .

وما يقال : «من أنّ حمل «الغسل» على غسل الحيض بعيد ؛ لأنّ ظاهرها توقّف الوط ء مطلقاً في غير تلك الأيّام على الغسل»(6) .

غير تامّ ؛ لمنع ظهورها في توقّف كلّ وط ء على غسل ، بل من المحتمل قريباً

ص: 515


1- مختلف الشيعة 9 : 74 ؛ الدروس الشرعية 2 : 345 .
2- الكافي 7 : 143 / 1 ؛ الفقيه 4 : 245 / 788 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 368 / 1315 ؛ وسائل الشيعة 26 : 18 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب موانع الإرث ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- الكافي 2 : 180 / 6 ، و8 : 146 / 122 ؛ كشف الغمّة 2 : 353 و408 و414 ؛ اُنظر تنقيح المقال 2 : 47 / السطر 29 (أبواب الميم) .
4- ذخيرة المعاد : 70 / السطر8 ؛ وراجع أيضاً الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 97 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 348 .
5- تقدّم بعض الكلام في وثاقته في الصفحة 79 .
6- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 348 .

أن يكون مفادها أنّ الوط ء مطلقاً - فيما سوى الأيّام - متوقّف على صِرف وجود الغسل ، وهو غسل الحيض الذي يجب عليها بعد أيّامها .

وتؤيّد هذا الاحتمال روايته الاُخرى بعين هذا السند ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ، يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم ؛ إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها ؛ يأمرها فتغتسل ، ثمّ يغشاها إن أحبّ»(1) وهي ظاهرة في غسل النفاس .

ووجه التأييد : أنّ من المحتمل قريباً كونهما رواية واحدة سأل عن المستحاضة والنفساء ، وحينئذٍ يكون الجواب في النفساء رافعاً لإبهام الجواب عن المستحاضة على فرض إبهامه ، تأمّل . وكيف كان فلا يمكن تقييد المطلقات بمثل هذه الرواية .

بقيت موثّقة سماعة قال : قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف . . .» إلى أن قال : «وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل»(2) .

والتمسّك بها إمّا بمفهوم الشرط ، ولا مفهوم له في المقام على فرض تسليمه في غيره ؛ لأنّ مفهومه : إن لم يرد زوجها . . . ولا إشكال في عدم إثباته المطلوب .

وإمّا بمفهوم القيد ؛ بأن يقال : إنّ جواز الإتيان حين الغسل ، وفي غير حينه

ص: 516


1- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 505 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .

لا يجوز ، وهو كما ترى ؛ حيث إنّ القيد لا مفهوم له أوّلاً ، ولا يعلم أنّ المقدّر ماذا ثانياً ؛ أي إن أراد أن يأتيها فحين تغتسل يأتيها ؟ أو حين تغتسل لا بأس بأن يأتيها ؟ والظاهر وإن كان الأوّل ، لكن لا يدلّ على حرمة الإتيان قبل الغسل ؛ لأنّ

الأمر بالإتيان حين تغتسل - المستفاد من الجملة الخبرية - يحتمل أن يكون للاستحباب ، فيدلّ على نفيه عند انتفاء القيد .

والإنصاف : أنّ رفع اليد عن الإطلاقات المتقدّمة بمثلها غير ممكن . بل لو قلنا بدلالة جميع الروايات على ما يدّعى من اعتبار القيود المأخوذة فيها - فكان قوله : «كلّ شيء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها» دالاًّ على التعليق على جميع الأعمال ، وكذا قوله : «إذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» ورواية إسماعيل دالّةً على اعتبار الغسل والوضوء ، ورواية مالك وسماعة دالّتين على الغسل فقط ، ورواية الرضوي على الغسل وتنظيف المحلّ(1) - كان الأرجح هو حملها على مراتب الكراهة أو الاستحباب ، لا التقييد بالأخصّ مضموناً ؛ فإنّ الحمل الأوّل أوفق بنظر العرف والعقلاء ، فتدبّر .

ص: 517


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 191 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 45 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 3 ، الحديث1 .
الأمر الثامن في حكم صوم المستحاضة
اشارة

بطلان صوم المستحاضة إذا أخلّت بأغسالها

قالوا : «إن أخلّت بالأغسال التي عليها لم يصحّ صومها» ، وفي «الجواهر» : «من غير خلاف أجده فيه»(1) ، وعن «جامع المقاصد» و«الروض» الإجماع عليه(2) ، وعن «المبسوط» : «هو الذي رواه أصحابنا»(3) ، وعن «المدارك» و«الذخيرة» و«شرح المفاتيح» : «هو مذهب الأصحاب»(4) .

والأصل فيه - على الظاهر - صحيحة علي بن مَهْزيار قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ، ثمّ استحاضت ، فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة ؛ من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب : «تقضي صومها ، ولا تقضي صلاتها؛ لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك»(5).

ص: 518


1- جواهر الكلام 3 : 364 .
2- جامع المقاصد 1 : 73 ؛ روض الجنان 1 : 59 .
3- المبسوط 1 : 68 .
4- مدارك الأحكام 2 : 38 ؛ ذخيرة المعاد : 76 / السطر 23 ؛ مصابيح الظلام 1 : 252 .
5- الفقيه 2 : 94 / 419 ؛ وسائل الشيعة 2 : 349 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 7 .

وفي رواية الكليني والشيخ : «كان يأمر فاطمة والمؤمنات . . .»(1) .

والإشكال فيها بالإضمار(2) في غير محلّه بعد كون المكاتب مثل ابن مهزيار ،

كالإشكال(3) باشتمالها على رؤية الصدّيقة الطاهرة ما تراه النساء ، مع أ نّه مخالف للأخبار(4) لعدم معلومية كونها الصدّيقة ، ولعلّها فاطمة بنت

أبي حبيش . وعلى فرض كونها الصدّيقة الطاهرة ، فلعلّه كان يأمرها لتأمر النساء ، كما في بعض روايات الحيض(5) . مع أنّ رواية الصدوق لا تشتمل على ذلك .

وكالإشكال باشتمالها على ما هو خلاف مذهب الأصحاب ؛ من عدم قضاء الصلاة(6) .

ولهذا ربّما يقال : «لا ينبغي الارتياب في أنّ ما كتبه الإمام في الجواب ؛ إنّما هو لبيان حكم الحائض ، كما يدلّ عليه قوله : «ولا تقضي الصلاة» وقوله : «لأنّ

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر...» إلى آخره ، فإنّه كان يأمر بذلك بالنسبة إلى

ص: 519


1- الكافي 4 : 136 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 4 : 310 / 937 .
2- مدارك الأحكام 2 : 39 ؛ مستند الشيعة 3 : 38 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 296 .
4- راجع الكافي 1 : 458 / 2 ؛ علل الشرائع : 179 / 4 و181 / 1 ؛ الفقيه 1 : 50 / 194 ؛ كشف الغمّة 2 : 91 و92 ؛ بحار الأنوار 78 : 112 / 36 و37 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 37 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 37 ، الحديث 3 و4 و16 .
5- وسائل الشيعة 2 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 2 .
6- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 161 ؛ مدارك الأحكام 2 : 39 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 351 .

الحيض ، كما في أخباره . مع أ نّه قضيّة فرضية لا يبعد عدم تحقّقها في الخارج . والحمل على القضيّة التقديرية بعيد . وما يقال : «من أنّ كون بعض فقرات الرواية مطروحةً ، لا يخرجها عن الحجّية فيما عداها»(1) جمود بحت في مثل المورد ؛ إذ لا نقول بحجّية الأخبار من باب السببية المحضة تعبّداً من حيث السند أو الدلالة ؛ حتّى نلتزم بمثل هذه التفكيكات ، وإنّما نلتزم بعدم خروج بعض الفقرات من الحجّية بخروج بعض آخر ؛ إذا تطرّق احتمال خلل في الفقرة المطروحة يخصّها ؛ من نحو السقط والتحريف والتقيّة ، وأمّا مثل هذه الرواية - التي يشهد سوقها وتعليلها ومخالفة مدلولها للعامّة باشتراك الفقرتين في الاحتمالات المتطرّقة ، وعدم اختصاص ثانيتهما باحتمال يعتدّ به - فالتفكيك في غاية الإشكال» (2)، انتهى .

وفيه : أنّ نفي الارتياب عن كون الجواب عن الحيض في مكاتبةٍ لا يكون المسؤول عنه إلاّ تكليف قضاء المستحاضة والنفساء صومَهما وصلاتَهما مع عدم الإتيان بالأغسال التي عليهما ، في غاية الغرابة .

وأغرب منه الاستدلال عليه : «بأنّ هذا تكليف الحائض ؛ وأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - بحسب روايةٍ - أمر المؤمنات الحائضات بذلك» فإنّ ما ذكر

لا يدلّ على أنّ الإمام علیه السلام أجاب عن الحيض في جواب السؤال عن الاستحاضة . بل كون الحكم بالنسبة إلى الصلاة خلافَ الواقع ، دليلٌ على وجود خلل في الرواية .

ص: 520


1- جواهر الكلام 3 : 365 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 109 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 350 - 351 .

ولا يبعد أن يكون الخلل زيادة لفظة «لا» قبل «تقضي صلاتها» وأن يكون الصواب «تقضي صومها ، وتقضي صلاتها» ولمّا كان المعروف الوارد في روايات كثيرة : أنّ الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، صار هذا الارتكاز والمعروفية سبباً للاشتباه ، فزاد بعض الرواة أو بعض النسّاخ ذلك . وهذا الخلل الجزئي في فقرة من الرواية ، لا يوجب رفع اليد عن الفقرة الاُخرى المفتى بها ، ولا ريب أنّ منشأ فتواهم هو هذه الصحيحة .

وأمّا ما استشهد به لمدّعاه : «من أ نّه قضيّة فرضية ؛ لا يبعد عدم تحقّقها في الخارج» فلم يظهر وجهه ؛ فإنّ النسيان والجهل بالحكم - خصوصاً في النساء - ليس أمراً حادثاً في الأزمنة المتأخّرة ، ولا أمراً عزيزاً .

وأمّا ما ذكره أخيراً : «من أنّ التفكيك بين الفقرتين في مثل تلك الرواية ، في غاية الإشكال» فلم يتّضح وجهه . مع أنّ زيادة لفظة «لا» فيها - خطأً واشتباهاً - غير بعيد مع الارتكاز المشار إليه آنفاً ، وما ذكره دليلاً على عدم إمكان التفكيك أوهن من أصل الدعوى .

والإنصاف: أنّ رفع اليد عن رواية صحيحة واضحة الدلالة في فقرة منها ؛ لأجل خلل في فقرتها الاُخرى - مع اتّكال الأصحاب عليها قديماً وحديثاً - غير ممكن .

وأمّا الاحتمالات التي ذكرت في الرواية ممّا ينبو عنها الطبع السليم ، فلا ينبغي التعرّض لها .

فالحكم - على إجماله - ممّا لا إشكال فيه نصّاً وفتوى .

ص: 521

توقّف صحّة صوم المستحاضة على الأغسال النهارية

وإنّما الكلام في أنّ صحّة صومها ، هل تتوقّف على جميع الأغسال حتّى غسل الليلة المستقبلة ، أو تتوقّف على غير غسل الليلة المستقبلة ، أو على الأغسال النهارية فقط ، أو على غسل الليلة الماضية فقط ، أو على غسل من الأغسال في الجملة ؟

احتمالات ، ولبعضها وجه وقول ، ولا يظهر من النصّ(1) إلاّ أنّ تركها للجميع موجب للقضاء ، وأمّا أنّ السبب ترك المجموع أو الجميع أو غير ذلك ، فلايعلم منه .

كما أنّ ما في المتون - مثل قوله في «الشرائع» : «وإن أخلّت بالأغسال لم يصحّ صومها»(2) ومثله ما في «القواعد»(3) - لم يظهر منه أنّ الإخلال بالمجموع أو الجميع يوجب ذلك . ويحتمل أن يكون مرادهم أنّ الإخلال بشيء منها يوجبه ؛ وإن يبعّده اختيار العلاّمة على ما عن «التذكرة» و«المنتهى»(4) والشهيد كما عن «البيان» و«الذكرى»(5) وبعضٍ آخر(6) التوقّفَ على الأغسال النهارية ، والتردّد في غسل الليلة الماضية ، بعد الحكم بعدم التوقّف على غسل الليلة المستقبلة .

ص: 522


1- وهي صحيحة علي بن مهزيار ، التي تقدّمت في الصفحة 518 .
2- شرائع الإسلام 1 : 27 .
3- قواعد الأحكام 1 : 219 .
4- تذكرة الفقهاء 6 : 104 - 105 ؛ منتهى المطلب 9 : 208 .
5- البيان : 66 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 249 .
6- جامع المقاصد 1 : 344 ؛ مسالك الأفهام 1 : 75 ؛ روض الجنان 1 : 239 .

ثمّ إنّ ما ذكر بالنسبة إلى الليلة المستقبلة وجيه ؛ لعدم انقداح مؤثّرية الأمر المتأخّر في المتقدّم في ذهن العرف من النصّ ومعقد الإجماع المدّعى ، فالنصّ والفتوى منصرفان عنه ، ولو لا تسالمهم على توقّفه على النهارية ، وترديدهم في غسل الليلة الماضية - حيث يظهر منهم أنّ القدر المتيقّن هو النهارية - لكان للإشكال في النهارية مجال ، وللذهاب إلى توقّفه على الغسل للعشاءين فقط وجه .

لكنّ الأوجه هو التوقّف على النهارية ؛ لكونها المتيقّنة ظاهراً . ويمكن أن يوجّه ذلك بأنّ المستفاد من النصّ والفتوى ، حدثية الاستحاضة الكبرى ومنافاتها للصوم إجمالاً ، واحتمال التعبّد في غاية البُعد وخلافُ المتفاهم من النصّ ، فحينئذٍ مع عدم الغسل يكون الخروج اختيارياً بلا عفو ، ومع الغسل يكون معفوّاً عنه ، فلا محيص عن الأغسال النهارية لصحّته . كما يمكن الاستدلال لغسل الليلة الماضية بذلك . وكيف كان : فلو تركت غسل العشاءين فالأحوط غسل لصلاة الفجر قبله ، أو للصوم قبله .

ثمّ إنّ ظاهر النصّ اختصاص الحكم بالكثيرة ، ولهذا نقل عن ظاهر كثير من الفقهاء اختصاصه بها (1) ، فالمتوسّطة تحتاج إلى دليل . ويمكن التقريب المتقدّم

فيها بعد البناء على كونها حدثاً أكبر ؛ بدعوى كون الحكم للحدث الأكبر ؛ وإن لم يخلُ عن تأمّل وإشكال .

والحمد للّه تعالى

ص: 523


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 109 - 110 ؛ شرائع الإسلام 1 : 27 ؛ الجامع للشرائع : 157 ؛ قواعد الأحكام 1 : 219 ؛ البيان : 35 .

ص: 524

المقصد الثالث: في النفاس

اشارة

ص: 525

ص: 526

تمهيد فيما

هو موضوع الأحكام الشرعية في المقام

والظاهر أ نّه لا ثمرة معتدّاً بها في تحصيل معناه اللغوي أو العرفي ؛ لعدم تعليق حكم في النصوص على هذا العنوان بنحو الإطلاق ؛ حتّى يكون العرف أو اللغة مرجعاً لتحصيله ، بل الروايات الواردة في هذا الباب ، ظاهرة في ترتّب الأحكام على دم الولادة لا على نفسها . مضافاً إلى بُعد كون الولد بنفسه حدثاً ، بل الظاهر من روايات الباب وارتكاز المتشرّعة ، أنّ الدم هو الحدث ، كما في دم الحيض والاستحاضة .

وبالجملة : لو سلّم كون «النفاس» صادقاً على نفس الولادة ، فلا دليل على كون مطلق النفاس موضوعاً لحكم شرعي ، فكما ذكرنا في باب الحيض : أنّ الشارع المقدّس جعل صنفاً خاصّاً من دم الحيض موضوعاً لحكمه ، وحدّده بحدود لا يتجاوز عنها ؛ ولو علمنا بأنّ الخارج عنها يكون حيضاً أيضاً (1) ،

ص: 527


1- تقدّم في الصفحة 7 - 8 .

فكذلك نقول في المقام : إنّ المستفاد من النصوص والفتاوى : أنّ دم الولادة موضوع للأحكام الشرعية ، فلو كان عنوان «النفاس» أعمّ منه ، فلا محالة يكون حاله حال الحيض أو شبيهاً به .

كما أنّ الأمر كذلك في جانب الأكثر ؛ فإنّ «دم النفاس» لو صدق على الأكثر من العشرة أو الثمانية عشر - كما هو الظاهر - فلا إشكال في أنّ الحكم مترتّب على حدّ خاصّ ؛ هو العشرة أو الثمانية عشر ؛ على اختلاف فيه ، فالزائد عن الحدّ وإن صدق عليه عنوان «النفاس» و«دم الولادة» لكنّ الأحكام لا تترتّب إلاّ على المحدود بالحدّ الشرعي .

والحاصل : أ نّه لا دليل على ثبوت حكم لمطلق عنوان «النفاس» حتّى يلزم الفحص والتحقيق لعنوانه لغةً وعرفاً . وقوله : «وغسل النفاس واجب»(1) لا إطلاق فيه ، كما لا يخفى . واحتمال إطلاقه - من حيث التعرّض في غسل الاستحاضة لخصوصيات الكثيرة - غير معتنى به بعد كونه في جميع الفقرات بصدد بيان أصل الوجوب .

هذا مع أنّ تعليق الحكم في جميع الروايات على دم الولادة ، يوجب رفع اليد عن الإطلاق في رواية واحدة ؛ على فرض تسليمه .

ولكنّ الأشبه بنظر العرف : أنّ «النفاس» هو دم الولادة من «النفس» بمعنى الدم . ولو اُطلق على نفس الولادة - كما اُطلق «المنفوس» في بعض الروايات

ص: 528


1- الكافي 3 : 40 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 3 .

على المولود(1) - فلا يبعد أن يكون بضرب من التأوّل باعتبار خروج الدم معها ، وكذا على تنفّس الرحم ، ولهذا نقل عن المطرزي : «وأمّا اشتقاقه من تنفّس الرحم أو خروج النفس بمعنى الولد ، فليس بذاك»(2) .

وممّا ذكرنا يظهر : أ نّه لو خرج الطفل تامّاً ولم يخرج الدم ، لم يكن لها نفاس ، فما عن الشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين من ثبوت الحكم لها (3) ، ليس بشيء .

نعم ، ربّما يتوهّم من بعض الروايات : أنّ الولادة موضوع الحكم ، كموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو

يومين ، فترى الصفرة أو دماً ، قال : «تصلّي ما لم تلد . . .»(4) إلى آخره .

ومثلها موثّقته الاُخرى(5) ، والظاهر أ نّهما واحدة .

وجه التوهّم : أنّ المفهوم منها أ نّها إذا ولدت لم تصلّ ، فتكون الولادة تمام الموضوع لحرمة الصلاة .

ص: 529


1- وسائل الشيعة 26 : 302 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخُنثى ، الباب 7 ، الحديث 1 ، 2 ، 3 ، 5 و6 .
2- اُنظر كشف اللثام 2 : 169 ؛ المغرب في ترتيب المعرب 2 : 222 .
3- اُنظر الخلاف 1 : 245 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 326 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 209 ؛ المجموع 2 : 149 - 150 .
4- الكافي 3 : 100 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 403 / 1261 ؛ وسائل الشيعة 2 : 391 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 4 ، الحديث 1 .
5- الفقيه 1 : 56 / 211 ؛ وسائل الشيعة 2 : 392 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 4 ، الحديث 3 .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ رؤية الصفرة والدم قبل الولادة ، لا توجب حرمة الصلاة ، دون ما بعدها ، فحينئذٍ تدلّ الموثّقة على ما هو المشهور ؛ من أنّ الدم موضوع الحكم لا الولادة .

ويشهد له خبر زُرَيْق بن الزبير الخلقاني عن أبي عبداللّه علیه السلام : أنّ رجلاً سأله عن امرأة حامل رأت الدم ، فقال : «تدع الصلاة» .

قال : فإنّها رأت الدم وقد أصابها الطلق ، فرأته وهي تمخض ، قال : «تصلّي حتّى يخرج رأس الصبيّ ، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة . . .» .

إلى أن قال : ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض ؟ قال : «إنّ الحامل قذفت بدم الحيض ، وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد ، فعند ذلك يصير دم النفاس ، فيجب أن تدع في النفاس والحيض ، فأمّا ما لم يكن حيضاً أو نفاساً فإنّما ذلك من فتق الرحم»(1) .

حيث علّق الحكم على الدم الخارج مع خروج رأس الطفل ، فيظهر منها أنّ الموضوع للحكم هو الدم ، لا خروج رأس الولد ، كما يتّضح ذلك بالتأمّل فيها ، فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة .

وكيف كان : فيتمّ المقصد بذكر مسائل :

ص: 530


1- الأمالي ، الطوسي : 699 / 34 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 17 .

المسألة الاُولى في أحكام الدم الخارج قبل الولادة وبعدها والمقارن لها

اشارة

1 - حكم الدم المتقدّم على الولادة

لو رأت دماً قبل الأخذ في الولادة وظهور شيء من الولد ، لم يكن نفاساً وإن كان بعد الطلق ؛ بلا خلاف كما عن «الخلاف» و«كشف الرموز» و«التنقيح» و«جامع المقاصد» و«شرحي الجعفرية» وغيرها (1) بل عن «المختلف» و«التذكرة» و«المدارك» و«حاشية الإرشاد» الإجماع عليه(2) .

وتدلّ عليه أيضاً موثّقة عمّار بن موسى ورواية زُريق الخلقاني المتقدّمتان(3) ، فلا إشكال في ذلك .

حول الحكم بحيضية الدم المتقدّم المستجمع لشرائط الحيض

إنّما الإشكال في أ نّه على تقدير جامعيته لشرائط الحيض - من غير تحقّق فصل أقلّ الطهر بينه وبين دم النفاس - يحكم بحيضيته ؛ بدعوى عدم اعتبار أقلّ

ص: 531


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 373 ؛ الخلاف 1 : 246 ؛ كشف الرموز 1 : 84 ؛ التنقيح الرائع 1 : 113 ؛ جامع المقاصد 1 : 346 ؛ الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية ، المحقّق الخوانساري : 73 / السطر 29 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 373 ؛ مختلف الشيعة 1 : 215 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 325 ؛ مدارك الأحكام 2 : 44 .
3- تقدّمتا في الصفحة 529 و530.

الطهر بينه وبين النفاس المتأخّر ، أو لا باعتبار اشتراط ذلك ؟

ومورد الكلام ما إذا لم يكن مانع من جعله حيضاً إلاّ عدم فصل أقلّ الطهر ؛ كأن رأت ثلاثة أيّام في أيّام العادة ، أو جامعاً للصفات ، أو في زمان إمكانه ، ورأت

الطهر تسعة أيّام ، فرأت دم الولادة ، فبعد قيام النصّ والإجماع على كون دم الولادة نفاساً ، دار الأمر بين حيضية الدم السابق وكونه استحاضة ، بعد البناء على اجتماع الحيض والحمل ، كما هو الأقوى . فدعوى وفاق «الخلاف»(1) المبتنية على عدم اجتماعهما ، ليست وجيهة في ردّ ما نحن فيه .

وكيف كان : فلا بدّ في المقام من بسط الكلام في أمرين :

أحدهما : فيما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر .

وثانيهما : - بعد الفراغ فرضاً عن عدم الدليل على الاشتراط - في أ نّه هل يكفي ذلك في الحكم بالحيضية بواسطة قاعدة الإمكان - لو تمّت - أو أمارات الحيض ، أو لا بدّ فيه من إحراز عدم الاشتراط ؟

ما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر

فنقول : استدلّ على الاشتراط(2) بإطلاق مرسلة يونس القصيرة(3) وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام

ص: 532


1- الخلاف 1 : 246 - 247 .
2- كشف اللثام 2 : 172 .
3- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 157 / 452 ؛ وسائل الشيعة 2 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 4 .

فما زاد ، وأقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم»(1) .

وفيهما إشكال :

أمّا المرسلة ، ففيها : - مضافاً إلى الإشكالات المتقدّمة في محلّها (2) عليها - أنّ سياقها يشهد بأنّ الطهر الذي فيه ، هو الذي يكون لاختزان الدم لأجل القذف في وقته ؛ فإنّ قوله : «أدنى الطهر عشرة أيّام» لا

يناسب قوله : «وذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم . . .» إلى آخره ، إلاّ باعتبار أنّ أدنى ما يمكن اختزان الدم فيه - بحسب النوع ، وبحسب الأمزجة المتعارفة - هو عشرة أيّام ، ففي تلك العشرة يجتمع الدم في الرحم ، فتقذفه عشرة أيّام في أوائل الأمر وكثرة الدم ، وأقلّ منها كلّما كبرت إلى ثلاثة أيّام .

وبالجملة : إنّما يكون أدنى الطهر عشرة أيّام ؛ لأ نّها أقلّ زمان يمكن فيه اختزان الدم للقذف عشرة أيّام أو أقلّ ؛ بحسب اختلاف سني العمر ، فلا يكون فيه إطلاق لمطلق الطهر ؛ سواء كان بين الحيضين أو لا ، بل ولا لمطلق الحيضتين أيضاً ، إلاّ ما يكون الطهر طهر الاختزان والادّخار .

ومنه يظهر : أ نّه لا إطلاق في قوله في ذيلها : «ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام» ضرورة أ نّه لا يزيد على ما في الصدر . مع أنّ كون المرسلة - صدراً وذيلاً - في مقام بيان الحيض ، يمنع عن استفادة الإطلاق ، كما يظهر بالتأمّل فيها .

وأمّا صحيحة ابن مسلم ، فلأنّ كون «القرء» بمعنى مطلق الطهر غير ثابت ؛

ص: 533


1- الكافي 3 : 76 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 157 / 451 ؛ وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 92 - 96 .

وإن ورد في كتب اللغة : «أ نّه من الأضداد ؛ فيطلق على الطهر والحيض»(1) فإنّ الظاهر أ نّه لا إطلاق لكلام أهل اللغة حتّى يستفاد منه إطلاقه على مطلق الطهر ، بل من المحتمل أن يكون إطلاق «القرء» على الطهر ؛ لأجل اجتماع الدم واختزانه في تلك الأيّام للقذف في وقته ، وأمّا إذا كان الاختزان بسبب آخر - ككونه لأجل رزق الولد - فلا تدلّ عليه ، ولا يستفاد حكمه منها .

وبالجملة : القدر المتيقّن من «القرء» هو الطهر الخاصّ لا مطلقاً ، ولا دليل على إطلاقه على مطلق الطهر ، فلا يمكن التشبّث بها لذلك .

ويشعر بذلك قوله : «لا يكون القرء في أقلّ من عشرة» بتخلّل لفظة «في» ، ولو كان «القرء» هو الطهر كان حقّ العبارة أن يقال : «لا يكون القرء أقلّ . . .» بخلاف ما إذا كان بمعنى جمع الدم ، فإنّ المناسب هو تخلّلها ، كما لا يخفى ، تأمّل.

وإن قيل : «إنّ الأدلّة قد دلّت على أنّ النفاس حيض محتبِس وأنّ النفساء كالحائض ، فيتحقّق موضوع ما دلّ على أنّ الطهر بين الحيضتين ، لا يكون أقلّ من عشرة ؛ لو سلّم اختصاصها بذلك»(2) .

يجاب عنه : بمنع الصغرى أوّلاً ؛ لعدم ما يدلّ على أ نّه حيض محتبس .

نعم ، في رواية مُقرِّن عن أبي عبداللّه علیه السلام : قال : «سأل سلمان رحمه الله علیه علياً علیه السلام عن رزق الولد في بطن اُمّه ، فقال : إنّ اللّه تبارك وتعالى حبس عليه الحيضة ،

ص: 534


1- الصحاح 1 : 64 ؛ لسان العرب 11 : 80 ؛ القاموس المحيط 1 : 25 .
2- جواهر الكلام 3 : 369 .

فجعلها رزقه في بطن اُمّه»(1) .

وفي صحيحة سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، الحبلى ربّما طمثت ؟ قال : «نعم ؛ وذلك أنّ الولد في بطن اُمّه غذاؤه الدم ، فربّما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته ، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة»(2) .

وهما - كما ترى - لا تدلاّن على أنّ النفاس حيض محتبِس ، بل الاُولى تدلّ

على أنّ الحيض محتبس لأجل رزق الولد من غير تعرّض للنفاس ؛ وأ نّه حيض محتبس ، ولِمَ لا يجوز أن يكون النفاس دماً غير الحيض موضوعاً أو حكماً ؛ وأنّ الرحم بابتلائها بالولد وخروجه عنها تقذف دماً غيره ، كما هو الظاهر من مقابلته بدم الحيض في النصّ(3) والفتوى ؟! ولا أقلّ من كون حكمه غير حكم الحيض . ومجرّد اشتراكهما في بعض الأحكام لا يوجب وحدتهما ذاتاً ؛ لو لم نقل : بأنّ اختلافهما في بعض الأحكام ، دليل على اختلافهما في الموضوع ، كما أنّ الجنابة أيضاً مشتركة معه في كثير من الأحكام .

وأوهن منها دلالة الرواية الثانية ؛ فإنّ مفادها فضول دم الحيض عن غذاء الولد وقذفه في زمان الحمل ، فلا ربط له بما نحن فيه .

ص: 535


1- علل الشرائع : 291 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 13 .
2- الكافي 3 : 97 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 14 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 2 و4 و5 .

كما أنّ ما دلّ على لزوم قعود النساء بمقدار أيّام العادة(1) ، لا تدلّ على كون دم النفاس عين دم الحيض ؛ لو لم يدلّ على خلافه بأن يقال : إنّه لو كان دم الحيض كان عليها القعود أيّام العادة ، لا بعد رؤية الدم بمقدارها ، كما هو مفاد الروايات ، تأمّل .

وبمنع الكبرى ثانياً بدعوى : أ نّه بعد تسليم كون النفاس حيضاً محتبساً ، لكن لا دليل على أنّ الطهر بين الحيضتين مطلقاً لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ، بل المتيقّن من الروايتين - بالبيان المتقدّم - أنّ الطهر الذي يكون منشأً لاختزان الدم

واجتماعه ، لا يكون أقلّ ، وعدم أقلّيته لأجل كون ذلك المقدار من الزمان صالحاً لجمعه واختزانه ، وأمّا إذا كان الاختزان بسبب آخر فلا ، فتدبّر .

وأمّا قضيّة «أنّ النفساء كالحائض في جميع الأحكام»(2) :

فإن استدلّ عليه بصحيحة زرارة قال : قلت له : النفساء متى تصلّي ؟ . . . إلى أن قال : قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء ، فإن انقطع عنها الدم وإلاّ فهي مستحاضة ؛ تصنع مثل النفساء سواء»(3) .

ففيه : أ نّها بصدد بيان كون الحائض كالنفساء في الحكم المذكور فيها ، لا في جميع الأحكام .

وإن استدلّ عليه بالإجماع أو بعدم الخلاف ، فنفس هذه المسألة خلافية ،

ص: 536


1- وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث3 .
2- جواهر الكلام 3 : 369 .
3- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

وقد مرّ حال دعوى «الخلاف» نفيَ الخلاف فيها (1) . مضافاً إلى احتمال استفادة المجمعين من الأدلّة ، التسوية ، وهي غير تامّة الدلالة عندنا .

وأمّا الاستدلال(2) على المسألة بإطلاق موثّقة عمّار ورواية رُزيق(3) ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ في موثّقة عمّار الاُولى قد فرّع رؤية الصفرة أو الدم على الطلق

فقال : «فرأت صفرة أو دماً» ويظهر منه أنّ رؤيتهما من حصول الطلق .

بل يمكن أن يقال : إنّ رؤية الدم بعد الطلق أمارة عقلائية على كونها منه ، لا

من شيء آخر ، ولهذا قال في رواية الخلقاني - بعد قوله : ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض ؟ - : «إنّ الحامل قذفت بدم الحيض ، وهذه قذفت بدم المخاض» مع عدم دليل على كونه منه إلاّ رؤيتها بعده ، فالجزم بكونه منه دليل على الأمارية .

ومنه يظهر حال موثّقة عمّار الثانية(4) بل هما رواية واحدة نقلها الشيخان مع اختلاف يسير .

كما أنّ الاستدلال(5) بصحيحة عبداللّه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام : في امرأة نفست ، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ، ثمّ طهرت ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال : «تدع الصلاة ؛ لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس»(6)

ص: 537


1- اُنظر ما تقدّم في الصفحة 532 .
2- جواهر الكلام 3 : 369 .
3- تقدّمتا في الصفحة 529 و530 .
4- تقدّم تخريجه في الصفحة 529 .
5- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 118 .
6- الكافي 3 : 100 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1260 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 1 .

بدعوى إلغاء الخصوصية بين النفاس المتقدّم والمتأخّر ، أو الإجماع على عدم الفصل ، أو كون ذلك قرينة على إطلاق مرسلة يونس وصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمتين .

غير وجيه ؛ لأنّ الخصوصية بينهما غير ممكنة الإلغاء ؛ للفرق بين المتقدّم والمتأخّر ؛ فإنّ في النفاس المتقدّم ، يكون مرور الأيّام موجباً لاختزان الدم للقذف

المتأخّر ، بخلاف المتأخّر ؛ فإنّ الاختزان بسبب الولد ، وبعد انفتاحه يمكن خروج المختزن للولد ، تأمّل . ولا إجماع على عدم الفصل بعد كون الفرق بينهما مفتى به . ولا قرينية لذلك على إطلاق الروايتين بعد ما مرّ من عدم إطلاقهما .

الرجوع إلى الأمارات لإثبات الحيضية

ثمّ إنّ ما مرّ من الأدلّة قاصر عن إثبات اشتراط الفصل ، وأمّا عدم الاشتراط فليس في شيء منها ، فحينئذٍ يمكن أن يقال : كما لا دليل على الاشتراط لا دليل على نفيه ، فتكون الشبهة حكمية ، ولا يمكن التمسّك في رفعها بأدلّة أمارات الحيض ، ولا بإطلاق أدلّة الأحكام :

أمّا الاُولى ، فلأنّ سياق أدلّة الأمارات - عادة كانت أو صفة - إنّما هو في الشبهة الموضوعية ، ولا تدفع بها الشبهة الحكمية .

وأمّا التمسّك بإطلاق أدلّة الأحكام ، فهو تمسّك به في الشبهة المصداقية ؛ للشكّ في كون الدم حيضاً .

نعم ، يمكن أن تدفع الشبهة الحكمية بأصالة عدم الاشتراط المعلوم قبل جعل الشرع ، ولا يلزم فيها الأثر بعد كونه حكماً شرعياً ، فحينئذٍ تندفع الشبهة

ص: 538

الحكمية ، وتبقى الشبهة الموضوعية ، فيرجع إلى الأمارات في إثبات الحيضية .

وأمّا قاعدة الإمكان فقد مرّ ما فيها (1) .

هذا كلّه في الدم المتقدّم على الولادة .

2 - حكم الدم المتأخّر عن الولادة

وأمّ-ا الدم عقيب تمام الولادة ، فلا إشكال في كونه نفاساً نصّاً (2) وفتوى(3) .

3 - حكم الدم المقارن للولادة

إنّما الكلام في الدم المقارن لها ، فعن المشهور كونه نفاساً ، ففي «الجواهر» : «المشهور نقلاً وتحصيلاً أ نّه كذلك»(4) ، وعن «الخلاف» : «أنّ ما يخرج مع الولد عندنا يكون نفاساً ، واختلف أصحاب الشافعي »(5) وهو يشعر بعدم الخلاف في المسألة ، ولهذا حملت(6) العبارات الموهمة للخلاف - كما عن ظاهر السيّد و«جمل الشيخ» و«الغنية» و«الكافي» و«الوسيلة» و«الجامع»(7) - على ما لا ينافي ذلك .

ص: 539


1- تقدّم في الصفحة 68 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 .
3- راجع مفتاح الكرامة 3 : 374 .
4- جواهر الكلام 3 : 371 .
5- الخلاف 1 : 246 .
6- كشف اللثام 2 : 170 - 171 ؛ جواهر الكلام 3 : 371 .
7- مسائل الناصريات : 173 ؛ الرسائل العشر ، الجمل والعقود : 165 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ الكافي في الفقه : 129 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 61 ؛ الجامع للشرائع : 44 .

وتدلّ عليه رواية الخلقاني قال فيها : «إنّ الحامل قذفت بدم الحيض ، وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد ، فعند ذلك يصير دم النفاس»(1) .

ورواية السكوني عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام قال : «قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما

كان اللّه ليجعل حيضاً مع حبل ؛ يعني إذا رأت المرأة الدم وهي حامل لا تدع الصلاة ، إلاّ أن ترى على رأس الولد ، إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة»(2) .

ولا إشكال فيها من حيث السند على الأصحّ(3) . واحتمال كون التفسير من السكوني(4) بعيد ، بل فاسد ؛ فإنّ ما ذكر ليس تفسير العبارة المنقولة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ؛ لأنّ الاستثناء فيه أمر زائد عليها ، ولا

يكون تفسيرها ، فهو إمّا من اجتهاده ، وهو - مع غاية بُعده - مخالف لقوله : «يعني» وإمّا من أبي عبداللّه أو أبي جعفر علیهما السلام وهو غير بعيد منهما ؛ لاطّلاعهما على الأحكام وعلى تفسير ما

ص: 540


1- تقدّم في الصفحة 530 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1196 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 12 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني . لا إشكال في السند ؛ لأنّ النوفلي وإن لم يرد فيه توثيق ، والسكوني وإن كان عامّياً إلاّ أنّ الأرجح عند المصنّف قدس سره وثاقتهما ، كما يظهر بالفحص والتدبّر في رواياتهما وعمل الأصحاب بها . راجع ما يأتي في الجزء الثاني : 35 .
4- جواهر الكلام 3 : 371 .

ورد عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم زائداً على الأفهام العامّة ، كما ورد منهما نظائره .

ويشهد لما ذكرنا ورود هذه الرواية بعينها - مع اختلاف يسير في الألفاظ بدون كلمة «يعني» - في «الجعفريات» عن علي علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان اللّه عزّ وجلّ ليجعل حيضها مع حمل ، فإذا رأت المرأة الدم وهي حبلى فلا تدع الصلاة ، إلاّ أن ترى الدم على رأس ولادتها ، إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة»(1) .

وهي - كما ترى - عين تلك الرواية . والظاهر أنّ قوله : «رأس ولادتها» من أغلاط النسخ ، والصحيح : «على رأس ولدها» أو «وليدتها» وهذه الرواية توجب الوثوق بأنّ التفسير في رواية السكوني ليس منه ، فتصير حجّة معتبرة . مع احتمال اعتبار «الجعفريات» في نفسها ، ويطول الكلام بذكر سندها والبحث عن رجاله .

وأمّا مطروحية صدرهما فلا تضرّ بالعمل بذيلهما ، خصوصاً مع كون الاستثناء الواقع في الذيل ، زائداً على أصل الحكم ، ويكون حكماً مستقلاًّ .

هذا مع قوّة احتمال صدق «النفاس» على الدم المقارن للولادة . بل يمكن أن يقال بصدقه على ما حصل قبل الولادة إذا كان من مقدّماتها ؛ لأنّ دم الولادة - على فرض كونه نفاساً لغةً - يصدق على كلّ دم يرتبط بالولادة ؛ سواء كان قبلها ومن مقدّماتها ، أو معها ، أو بعدها ، وإنّما خرجنا عمّا قبل الولادة لقيام

ص: 541


1- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 25 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 25 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 7 .

الدليل ، فلو نوقش في الدم المتقدّم فلا ينبغي المناقشة في المصاحب . بل لعلّ

صدقه عليه أولى منه على المتأخّر ، تأمّل .

وكيف كان : فيظهر من مجموع ما ذكر أنّ الدم المصاحب نفاس ، فيجب التصرّف في موثّقة عمّار(1) وإن كان الظاهر منها أنّ الغاية لوجوب الصلاة عليها

حصول الولادة ؛ باعتبار تصدير المضارع بلفظة «لم» الموجب لنقل المعنى إلى المضيّ ، لكنّ التصرّف فيها أهون من رفع اليد عن جميع ما تقدّم ، كما لا يخفى على المنصف .

نفاسية الدم الخارج مع المضغة

ثمّ إنّ مقتضى الجمود على عبارة اللغويين وعلى الروايات في الباب ، هو عدم الحكم بنفاسية الدم الخارج مع المضغة ، فضلاً عن الخارج مع العَلَقة أو النُطفة المستقرّة ؛ لعدم صدق «الولادة» إلاّ مع صدق «الولد» على الخارج ، ف- «الولادة» و«الولد» و«المولود» من المتضايفات التي لا يصدق واحد منها على موضوعه إلاّ مع صدق غيره على موضوعه .

لكنّه جمود غير وجيه لدى العرف ؛ فإنّ الظاهر أنّ نظر أهل اللغة من «كون النفاس دم الولادة» ليس إلى ما ذكر ؛ بحيث يكون دم النفاس دائراً مدار صدق عنوان «الولد» حتّى يكون الدم الخارج مع المضغة - التي تصير متشكّلة بصورة آدمي بعد يومين - غير دم النفاس ، ثمّ يصير بعد اليومين دمه .

ص: 542


1- تقدّم في الصفحة 529 .

والظاهر أنّ الروايات المشعرة بكون النفاس دم الولادة ، أيضاً لا يستفاد منها اعتبار صدق «الولادة» بالمعنى المتقدّم ، ولهذا ترى تسالم الفقهاء على نفاسية ما خرج عقيب ما كان منشأ آدمي ، فعن «التذكرة» و«شرح الجعفرية» الإجماع على نفاسية الدم إذا ولدت علقة أو مضغة بعد شهادة القوابل بذلك أو العلم به(1) ، وعلّله في «التذكرة» : «بأ نّه دم جاء عقيب حمل»(2) ، وإنكار بعضهم ذلك معلّلاً بعدم العلم بكونه مبدأ نشوء آدمي(3) ، يدلّ على أنّ الإنكار لأجل الشكّ في الموضوع .

ولهذا حكي عن «المنتهى» : «لو وضعت شيئاً تبيّن فيه خلق الإنسان فرأت الدم ، فهو نفاس إجماعاً»(4) .

والظاهر أنّ مراده من تبيّن خلق الإنسان فيه ، أ نّه علم كونه مبدأ خلقه ، لا أ نّه ظهر فيه خلقه بحصول الصورة الإنسانية فيه ؛ بقرينة دعواه الإجماع على العلقة والمضغة ، ولأ نّه ليس الإنسان بعد تمامية خلقته موضوعاً للبحث والجدال ، فإنكار بعض المتأخّرين نفاسية ذلك(5) كأ نّه ليس في محلّه .

بل الظاهر نفاسية ما خرج مع النطفة إذا علم أ نّها كانت مستقرّة في الرحم لنشوء آدمي ؛ لعدم الفرق بينها وبين العلقة - بل المضغة - في الإبرام والإنكار .

ص: 543


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 378 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 326 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 326 .
3- المعتبر 1 : 252 ؛ جامع المقاصد 1 : 346 ؛ روض الجنان 1 : 242 - 243 .
4- منتهى المطلب 2 : 427 .
5- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 169 .

المسألة الثانية: في حدّ النفاس في طرف القلّة

لا حدّ لأقلّ النفاس ؛ إجماعاً عن «الخلاف» و«الغنية» و«المعتبر» و«المنتهى» و«التذكرة» و«الذكرى» و«كشف الالتباس»(1) ، وعن «جامع المقاصد» و«شرحي الجعفرية» : «لا خلاف فيه بين أحد من الأصحاب»(2) ، وعن «المدارك» و«شرح المفاتيح» : «هو مذهب علمائنا وأكثر العامّة»(3) .

ويدلّ عليه - بعد ذلك - خبر رزيق بن الزبير المتقدّم(4) ؛ لإطلاق قوله : «فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة» الظاهر في أ نّها إذا رأت الدم بعد خروج رأسه . . . بمناسبة صدره وذيله ، وإطلاقه يقتضي عدم وجوبها عليها ولو رأت لحظة .

ولقوله : «وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد ، فعند ذلك يصير دم النفاس ، فيجب أن تدع في النفاس والحيض» .

فإنّ قوله : «يصير دم النفاس» ظاهر في أنّ الدم المرئيّ بعد ظهور الولد نفاس وهو بمنزلة الصغرى لقوله : «فيجب أن تدع في النفاس والحيض» فعلّق الحكم

ص: 544


1- الخلاف 1 : 245 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ المعتبر 1 : 252 ؛ منتهى المطلب 2 : 430 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 326 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 259 ؛ كشف الالتباس 1 : 248 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 382 - 383 ؛ جامع المقاصد 1 : 347 .
3- مدارك الأحكام 2 : 44 ؛ مصابيح الظلام 1 : 267 .
4- تقدّم في الصفحة 530 .

على عنوان «النفاس» وعيّن الصغرى بقوله : «يصير دم النفاس» فيظهر منه أنّ دم النفاس مطلقاً موجب لعدم وجوب الصلاة عليها وهو المطلوب .

وليس في الروايات ما علّق الحكم على «دم النفاس» إلاّ ذلك ، وهو وإن كان ضعيف السند(1) ، لكن لا يبعد أن يكون مستند الأصحاب ، فيجبر سنده وإن لم يخل من التأمّل .

ويدلّ عليه إطلاق قويّة السكوني ، وقد تقدّم الكلام فيها (2) ؛ وإن أمكن المناقشة في إطلاقها .

وأمّا الاستدلال بموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو يومين ، فترى الصفرة أو دماً ، قال : «تصلّي ما لم تلد . . .»(3) إلى آخره .

بدعوى : أنّ جعل الغاية للصلاة عدم الولادة ، يدلّ على أنّ الولادة مع رؤية الدم أو الصفرة مطلقاً ، موضوع لقطع وجوب الصلاة .

أو بدعوى : أنّ إطلاق المفهوم يقتضي ذلك .

ففيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ الظاهر منها أ نّه بصدد بيان المغيّى ؛ وأ نّه تجب

ص: 545


1- رواها الشيخ الطوسي ، عن الحسين بن عبيداللّه بن إبراهيم ، عن هارون بن موسى التلعكبري ، عن محمّد بن همام بن سهيل ، عن عبداللّه بن جعفر الحميري ، عن محمّد بن خالد الطيالسي الخزّاز ، عن زريق . والرواية ضعيفة بالطيالسي وزريق فإنّهما مهملان . رجال النجاشي : 340 / 910 و : 168 / 442 .
2- تقدّم في الصفحة 540 .
3- تقدّم في الصفحة 529 .

عليها الصلاة قبل الولادة ، ولا يكون في مقام بيان حكم المفهوم حتّى يؤخذ بإطلاقه ، فتدلّ الرواية على ثبوت الصلاة مطلقاً ما لم تلد ، لا على سقوطها مطلقاً

لدى الولادة ، ولعلّه مشروط بشرط آخر .

كما أنّ الاستدلال(1) بصحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الماضي علیه السلام عن النفساء ؛ وكم يجب عليها ترك الصلاة ؟ قال : «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً . . .»(2) إلى آخره ؛ بدعوى تعليق الحكم على رؤية الدم العبيط ، فإطلاقه يقتضي نفاسية الدم ولو لحظة .

في غير محلّه ؛ ضرورة أنّ السؤال والجواب إنّما هو عن جانب الأكثر ، فهي بصدد بيان حدّه في ذاك الطرف ، لا في طرف القلّة . مع وهنها بموافقة العامّة(3) ومخالفة الشهرة(4) .

ومنها يظهر الحال في رواية ليث المرادي(5) مع ضعف سندها (6) .

ص: 546


1- مدارك الأحكام 2 : 44 ؛ جواهر الكلام 3 : 368 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 174 / 497 ؛ وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 16 .
3- المجموع 2 : 525 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 384 ؛ وراجع ما يأتي في الصفحة 548 .
5- عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن النفساء ، كم حدّ نفاسها حتّى تجب عليها الصلاة ؟ وكيف تصنع؟ قال : «ليس لها حدّ» . تهذيب الأحكام 1 : 180 / 516 ؛ وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 2 ، الحديث 1 .
6- يأتي وجه ضعفها في الصفحة 548 .

فعمدة المستند الإجماع ورواية الخلقاني(1) .

وقد يستدلّ عليه بإناطة الأحكام بالمسمّى الصادق على القليل والكثير(2) .

وفيه : أ نّه ليس في الأخبار - على كثرتها - ما اُنيط فيه حكم بالمسمّى بنحو الإطلاق غير رواية الخلقاني المتقدّمة ، وقد ذكرنا إهمال قوله : «غسل النفساء واجب»(3) .

ص: 547


1- تقدّمت في الصفحة 530 و540 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 123 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 357 .
3- تقدّم في الصفحة 528 .

المسألة الثالثة في حدّ النفاس في طرف الكثرة

اشارة

لا إشكال في أنّ للنفاس في جانب الكثرة حدّاً ، فما في رواية المرادي(1) من نفي الحدّ له الظاهر في نفيه في الجانب الأكثر - مع ضعف سندها بأبي جميلة الضعيف الذي قالوا فيه : «إنّه كذّاب يضع الحديث»(2) وبمجهولية أحمد بن عبدوس - مطروح أو مأوّل ، كمرسلة «المقنع»(3) .

وقد وقع الخلاف في حدّ الأكثر ، فعن المشهور : «أنّ أكثره عشرة» ، وقد حكيت الشهرة عن «التذكرة» و«الذكرى» و«كشف الالتباس» و«جامع المقاصد» و«فوائد الشرائع» و«شرح الجعفرية» و«الروضة»(4) ، وعن «الجعفرية» : «أ نّه الأشهر»(5) ، وعن «المبسوط» و«كشف اللثام» : «أ نّه مذهب الأكثر»(6) ، وعن موضع من «الذكرى» : «أ نّه مذهب الأصحاب»(7) ، وعن

ص: 548


1- تقدّم في الصفحة 546 ، الهامش 5 .
2- رجال ابن داود : 280 / 511 ؛ خلاصة الأقوال : 407 / 2 ؛ مجمع الرجال 6 : 122 .
3- روي عن أبي عبداللّه عليه السلام أ نّه قال : «إنّ نساءكم لسن كالنساء الاُول ، إنّ نساءكم أكبر لحماً وأكثر دماً فلتقعد حتّى تطهر» . المقنع : 51 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 384 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 327 - 328 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 260 ؛ كشف الالتباس 1 : 248 ؛ جامع المقاصد 1 : 347 ؛ الروضة البهيّة 1 : 104 .
5- حياة المحقّق الكركي وآثاره ، الرسالة الجعفرية 4 : 146 .
6- المبسوط 1 : 69 ؛ كشف اللثام 2 : 174 .
7- ذكرى الشيعة 1 : 261 .

«كشف الرموز» : «أ نّه الأظهر بين الأصحاب»(1) ، وعن «الخلاف» و«الغنية» الإجماع عليه(2) .

ولا يبعد أن لا يكون مراد المشهور - كما عليه الأعلام(3) - أنّ العشرة حدّ قعود النساء في النفاس مطلقاً ، بل مرادهم أ نّه لا يتجاوز نفاس عن عشرة أيّام ، كما أنّ قولهم في الحيض : «إنّ أكثره عشرة أيّام»(4) هو ذلك . ولا ينافي ذلك وجوب رجوع بعض النفساوات إلى غير العشرة ، كذات العادة مع تجاوز دمها عنها ، فإنّ الرجوع إلى العادة حكم ظاهري ، ولا تكون أيّام العادة حدّاً للنفاس . ولا يبعد أن يكون مرادهم من «أنّ الحدّ له عشرة أيّام» هو الحدّ للنفاس واقعاً ، واتّكلوا في حكم ذات العادة على ما قالوا : «من أنّ حكم النفساء حكم الحائض مطلقاً إلاّ ما استثني»(5) .

وإطلاق كلام بعضهم : «أنّ النفساء تقعد عشرة أيّام إلاّ أن تطهر قبل ذلك»(6) لا ينافي رجوع ذات العادة إلى عادتها مع التجاوز ؛ لإمكان كون المراد أ نّها تقعد إلى عشرة أيّام استظهاراً .

وبالجملة : كون الحدّ الواقعي عشرة أيّام ، لا ينافي رجوع ذات العادة مع استمرار دمها وتجاوزه عن العشرة إلى عادتها ، فإنّه حكم ظاهري ، لا حدّ واقعي .

ص: 549


1- كشف الرموز 1 : 85 .
2- الخلاف 1 : 243 - 244 ؛ غنية النزوع 1 : 40 .
3- مستند الشيعة 3 : 51 ؛ جواهر الكلام 3 : 374 .
4- راجع ما تقدّم في الصفحة 113 .
5- راجع ما يأتي في الصفحة 585 .
6- المقنع : 50 .

فما عن الشهيد في «الذكرى» : «أنّ الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها إلى عادتها في الحيض ، والأصحاب يفتون بالعشرة ، وبينهما تنافٍ ظاهر»(1) ليس بوجيه .

وعن المحقّق في «المعتبر» اختيار عشرة أيّام مطلقاً حتّى في ذات العادة ، قال : «لا ترجع النفساء مع تجاوز الدم إلى عادتها في النفاس ، ولا إلى عادتها في الحيض ، ولا إلى عادة نسائها ، بل تجعل عشرة نفاساً ، وما زاد استحاضة حتّى تستوفي عشرة أيّام ، وهي أقلّ الطهر»(2) انتهى .

ولا يخفى : أنّ قوله ليس مخالفاً للقوم في حدّ النفاس ، بل مخالف لهم في رجوع ذات العادة إلى عادتها .

وعن جملة من كتب الأصحاب ثمانية عشر مطلقاً ك- «الفقيه» و«الانتصار»(3) - قائلاً : «وممّا انفردت به الإمامية : القول بأنّ أكثر النفاس مع الاستظهار التامّ

ثمانية عشر يوماً» والظاهر أ نّه ليس اختيار ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ أيّام الاستظهار ليست أيّام النفاس بيقين ، نعم يظهر منه إمكانه إلى ثمانية عشر يوماً - و «المراسم»(4) و«المختلف»(5) وظاهر «الهداية»(6) وعن أبي علي(7)

ص: 550


1- ذكرى الشيعة 1 : 261 .
2- المعتبر 1 : 257 .
3- الفقيه 1 : 55 / 19 ؛ الانتصار : 129 .
4- المراسم : 44 .
5- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 386 - 387 ؛ مختلف الشيعة 1 : 216 .
6- الهداية ، الصدوق : 100 - 101 .
7- اُنظر المعتبر 1 : 253 ؛ مختلف الشيعة 1 : 216 .

و«الأمالي»(1) و«جمل السيّد»(2) ، وحكي تقريبُه إلى الصواب عن «المنتهى»(3) واستحسانه عن «التنقيح»(4) ، ونفيُ البعد عنه عن «مجمع الفائدة والبرهان»(5) .

وعن العلاّمة في «المختلف» التفصيل بين ذات العادة وغيرها : «وأ نّها ترجع إلى عادتها في الحيض إن كانت ذات عادة في الحيض ، وإن كانت مبتدئة صبرت ثمانية عشر يوماً»(6) . والظاهر أنّ غير مستقرّة العادة حكمها عنده كالمبتدئة ، كما يظهر بالتأمّل في عبارة «المختلف» وصرّح بالتسوية في «القواعد»(7) وعن المقداد استحسانه(8) ، ونقل ميل بعض متأخّري المتأخّرين إليه(9) .

ويظهر ممّا مرّ آنفاً أنّ هذا ليس تفصيلاً في المسألة ؛ فإنّ رجوع ذات العادة إلى عادتها حكم ظاهري ، ولا قولاً مخالفاً للمشهور ، كما نفينا عنه البُعد .

وعن العماني : «أنّ أكثره أحد وعشرون يوماً»(10) والظاهر منه أ نّه حدّ إمكانه .

ص: 551


1- الأمالي ، الصدوق : 516 .
2- لم نعثر عليه في جمل العلم والعمل ، اُنظر كشف اللثام 2 : 175 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 387 .
3- اُنظر منتهى المطلب 2 : 444 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 387 .
4- اُنظر التنقيح الرائع 1 : 114 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 387 .
5- اُنظر مجمع الفائدة والبرهان 1 : 169 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 387 .
6- مختلف الشيعة 1 : 216 .
7- قواعد الأحكام 1 : 220 .
8- التنقيح الرائع 1 : 114 .
9- مدارك الأحكام 2 : 48 .
10- اُنظر المعتبر 1 : 253 .

وعن المفيد : «أ نّه أحد عشر يوماً»(1) .

وعن «الفقه الرضوي» : «النفساء تدع الصلاة ؛ أكثره مثل أيّام حيضة ، وهي عشرة أيّام ، وتستظهر بثلاثة أيّام ، ثمّ تغتسل ، فإذا رأت الدم عملت كما تعمل المستحاضة . وقد روي ثمانية عشر يوماً ، وروي ثلاثة وعشرين يوماً ، وبأيّ هذه الأحاديث اُخذ - من جهة التسليم - جاز»(2) انتهى .

وأمثال هذه العبارة من «فقه الرضا» شاهدة على أنّ هذا الكتاب من تصنيف بعض العلماء ، لا كتاب مولانا أبي الحسن الرضا علیه السلام .

وكيف كان : فمنشأ اختلاف الآراء هو اختلاف الأخبار واختلاف أنظارهم في فهمها والجمع بين شتاتها ؛ لأنّ الأخبار على طوائف :

حول الأخبار الواردة في أكثر النفاس

الطائفة الاُولى :

منها : ما وردت في ذات العادة ، فأرجعتها إلى عادتها والاستظهار بعدها بيوم أو يومين أو زائداً ، وهي أسدّ الروايات سنداً ، وأوضحها دلالةً ، كصحيحة زرارة قال : قلت له : النفساء متى تصلّي ؟ فقال : «تقعد بقدر حيضها ، وتستظهر بيومين ، فإذا انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت . . .» .

ص: 552


1- لم نعثر عليه في أحكام النساء المطبوعة ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، ولكن نقل عنه في السرائر والمفتاح . اُنظر السرائر 1 : 52 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 388 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 191 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 47 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 1 ، الحديث 1 .

إلى أن قال : قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء ، فإن انقطع عنها الدم ، وإلاّ فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء . . .»(1) إلى آخره .

وهذه الصحيحة وإن لم يستفد منها أنّ النفساء كالحائض في جميع الأحكام كما مرّ(2) ، لكن يستفاد منها سوائيتهما في هذا الحكم المذكور فيها ؛ من القعود بقدر أيّام الحيض والاستظهار ، ثمّ عمل المستحاضة . وقد تقدّم في الحيض عدم كونه أكثر من عشرة(3) ، وإنّما الاستظهار إلى العشرة لأجل احتمال الانقطاع إليها وكون المجموع حيضاً ، والتجاوز عنها وكون الزائد على أيّام العادة استحاضةً ، ولمّا لم يكن الأمر معلوماً اُمرت بالاستظهار ؛ تغليباً لجانب الحيض .

وكيف كان : فيتّضح من الصحيحة سوائية الحائض والنفساء في الرجوع إلى العادة والاستظهار وعمل الاستحاضة ، وكما أنّ في الحيض يحكم بعدم تجاوزه عن العشرة ، فكذلك في النفاس ؛ لما ذكر ، ولما يفهم من شدّة المناسبة بينهما من الصحيحة وغيرها ممّا يأتي .

وكصحيحة اُخرى له ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «النفساء تكفّ عن الصلاة

أيّامها التي تمكث فيها ، ثمّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة»(4) .

وصحيحة يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة ولدت ،

ص: 553


1- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- تقدّم في الصفحة 536 .
3- تقدّم في الصفحة 113 .
4- الكافي 3 : 97 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 495 ؛ وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 1 .

فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ؟ قال : «فلتقعد أيّام قرئها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام»(1) .

والمراد عشرة أيّام من يوم رأت الدم ؛ أي إلى عشرة من أوّل أيّام القعود ؛ بقرينة سائر الروايات ، وورود مثلها بعين السند في الحيض أيضاً (2) . والحمل على عشرة من بعد أيّام العادة في التي عادتها ثمانية(3) - مع فساده في نفسه - لا ينطبق على رأي من قال بكون النفاس ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ الاستظهار ينافي الجزم بكون الدم نفاساً .

والمراد من القعود أيّام العادة ، هو بقدر أيّام العادة من حين وضعت في الدورة الاُولى ؛ بشهادة حسنة مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ،

يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها . . .»(4) إلى غير ذلك(5) .

ص: 554


1- تهذيب الأحكام 1 : 175 / 502 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1259 ؛ الاستبصار 1 : 149 / 516 ؛ وسائل الشيعة 2 : 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 12 .
3- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 127 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 505 ؛ وسائل الشيعة 2 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 7 ، الحديث 1 .
5- وسائل الشيعة 2 : 384 - 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 5 و8 و11 .

وهذه الطائفة المشتملة على الصحاح ، ممّا استدلّ به لمذهب المشهور ؛ بدعوى استفادة شدّة المناسبة بين النفاس والحيض ؛ بحيث يفهم منها أ نّها بعد الاستظهار إلى عشرة أيّام مستحاضة ، كما قلنا في الحيض ، فيستفاد منه أنّ أكثره - كأكثر الحيض - عشرة أيّام(1) .

وفيه : أنّ تلك الروايات - كروايات الاستظهار في باب الحيض - لا يستفاد منها إلاّ الرجوع إلى العادة والاستظهار ، ثمّ العمل بما تعمل المستحاضة ؛ من غير تعرّض فيها لحدّ الحيض أو النفاس بحسب الواقع .

بل المستفاد من تلك الروايات إمكان كون النفاس أكثر من عشرة أيّام ؛ لأنّ إطلاق ما دلّ على الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام(2) ، شامل لمن كانت عادتها عشرة أيّام أو تسعة أو ثمانية . ومن كانت عادتها عشرة أيّام يكون حكمها الاستظهار بيوم إلى ثلاثة أيّام ، فيثبت به أنّ النفاس ممكن إلى ثلاثة عشر يوماً .

وكذا إطلاق موثّقة أبي بصير عن أبيعبداللّه علیه السلام - الحاكمة بالاستظهار بمثل ثلثي أيّامها (3) - شاهد على إمكانه إلى سبعة عشر يوماً تقريباً . كما أنّ ظاهر صحيحة يونس بن يعقوب(4) الحاكمة بالاستظهار بعشرة أيّام ، هو إمكانه إلى عشرين يوماً .

ص: 555


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 377 .
2- وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 4 و2 و11 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 403 / 1262 وفيه : «بمثل أيّام اُمّها أيّامها» ؛ وسائل الشيعة 2 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 20 .
4- تقدمت في الصفحة 553 - 554.

وإنّما خرجنا عن إطلاق أدلّة الاستظهار في الحيض(1) ؛ لأجل ورود نصوص مستفيضة مفتى بها بين الأصحاب بأنّ أكثر الحيض عشرة أيّام(2) ، ولو لم ترد تلك النصوص فيه ، لم تدلّ أدلّة الاستظهار على أنّ حدّه عشرة أيّام ، بل مقتضى إطلاقها وشمولها للمعتادة عشرة أيّام ، إمكان استمرار الحيض إلى ثلاثة عشر يوماً .

بل مقتضى ظهور رواية يونس بن يعقوب - الواردة في الحيض بعين السند في النفاس الحاكمة بالاستظهار بعشرة أيّام - إمكانه إلى عشرين يوماً . وإنّما قلنا

برفع الاستظهار بعد العشرة من أوّل العادة ، وعدم الاستظهار فيمن كانت عادتها عشرة أيّام ، وعدم الاستظهار بيومين فيمن كانت عادتها تسعة أيّام . . . وهكذا ؛ للأدلّة الدالّة على تحديد أكثر الحيض .

والإنصاف : أ نّه لو لم يكن في المقام دليل على تحديد النفاس ، لكانت تلك الأدلّة الواردة في الاستظهار فيه ، من أقوى الشواهد على عدم تحديده بعشرة أيّام ، بل من الأدلّة الدالّة على ثمانية عشر ، بعد تقييد ما دلّ على الزائد عليها

بالإجماع على عدم الزيادة عليها ، فلا بدّ من التماس دليل على التحديد حتّى نرفع اليد عن إطلاق تلك الأدلّة .

ومن ذلك يعرف : أنّ استناد المشهور لإثبات التحديد بالعشرة لا يمكن أن يكون إلى تلك الروايات ، وأنّ قول المفيد أو الشيخ(3) بمجيء روايات

ص: 556


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
3- المقنعة : 57 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 174 .

معتمدة دالّة عليه ، لا يكون ناظراً إليها ، إلاّ أن نقول بخطأ المفيد وغيره

من الفقهاء ، وهو كما ترى .

الطائفة الثانية :

ومنها : ما وردت في قضيّة أسماء بنت عُمَيْس : كصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «أنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة - أن تحتشي بالكرسف

والخرق وتهلّ بالحجّ ، فلمّا قدموا مكّة وقد نسكوا المناسك وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً ، فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن تطوف بالبيت وتصلّي ، ولم ينقطع عنها الدم ، ففعلت ذلك»(1) .

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ، كم تقعد ؟ فقال : «إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين»(2) .

ومرسلة الصدوق قال : «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر في حجّة الوداع ، فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن تقعد ثمانية عشر يوماً»(3) .

ص: 557


1- الكافي 4 : 449 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 179 / 513 ؛ وسائل الشيعة 2 : 384 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 178 / 511 ؛ وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 15 .
3- الفقيه 1 : 55 / 209 ؛ وسائل الشيعة 2 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 21 .

وهذه الطائفة لا تنافي الطائفة الاُولى ، بل توافقها وتؤيّدها . بل صحيحة محمّد والمرسلة تدلاّن على أنّ أكثر النفاس ثمانية عشر يوماً .

نعم ، لا بدّ من رفع اليد عن الاستظهار بيومين في صحيحة ابن مسلم ؛ لعدم الاستظهار بعد قعودها ثمانية عشر يوماً ؛ لعدم احتمال النفاس بعدها إجماعاً .

وأمّا الاستظهار بيوم - بعد ظهور الصحيحة بمقتضى تذكير العدد في ثمان عشرة ليلة - فلا بأس به إلاّ في بعض الصور ، فيرفع اليد عنه فيه .

وكذا لا تنافيها مرفوعة إبراهيم بن هاشم قال : سألتْ امرأةٌ أبا عبداللّه علیه السلام فقالت : إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتّى أفتوني بثمانية عشر يوماً .

فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «ولِمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً ؟» فقال رجل : للحديث الذي روي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أ نّه قال لأسماء بنت عميس حيث نفست بمحمّد بن أبي بكر ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ أسماء سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً ، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعل المستحاضة»(1) .

لأ نّه علیه السلام لم ينفِ كون حدّ النفاس ثمانية عشر يوماً ، بل نفى لزوم قعودها ثمانية عشر يوماً مستنداً إلى قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وقال : «إنّها لو سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قبل ذلك لأمرها بما أمرها بعد ثمانية عشر» فيمكن أن يكون الحدّ الواقعي للنفاس ثمانية عشر يوماً ، لكن يجب لذات العادة القعود أيّام العادة ، ثمّ الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة ، ثمّ عمل المستحاضة .

ص: 558


1- الكافي 3 : 98 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 178 / 512 ؛ وسائل الشيعة 2 : 384 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 7 .

وظاهر المرفوعة وإن كان عدم جواز القعود ثمانية عشر يوماً ، كما هو ظاهر بعض الروايات الواردة في الاستظهار(1) ، لكن مقتضى الصناعة رفع اليد عن هذا الظاهر بما دلّ على جواز القعود إلى ثمانية عشر يوماً ، كالروايات الآتية وبعض ما تقدّمت ، وحمل المرفوعة على استحباب عمل المستحاضة قبل ثمانية عشر يوماً ، إلاّ إذا كانت أيّامها قريبة من أيّام العادة ، كاليوم واليومين وثلاثة أيّام ، بل إلى عشرة أيّام ، فيستحبّ الاستظهار .

وممّا ذكرنا يظهر الحال في رواية حُمْران بن أعين المنقولة عن «كتاب الأغسال» لأحمد بن محمّد بن عيّاش الجوهري ، وقوله فيها قلت : فما حدّ النفساء ؟ قال : «تقعد أيّامها»(2) محمولٌ على الحكم ، ومعناه : فما تكليفها ؟ بل

المتفاهم من العبارة هو السؤال عنه ، لا عن حدّ النفاس ، وإلاّ لقال : «فما حدّ النفاس ؟» ولهذا أجاب عن تكليفها في الظاهر بالقعود أيّام الطمث والاستظهار ، وهو لا يناسب السؤال عن الحدّ الواقعي للنفاس .

الطائفة الثالثة :

كما أ نّه بما ذكرنا يظهر حال طائفة اُخرى من الروايات ، كصحيحة محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : كم تقعد النفساء حتّى تصلّي ؟ قال : «ثمان

ص: 559


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 2 و3 و5 .
2- منتقى الجمان 1 : 234 - 235 ؛ وسائل الشيعة 2 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 11 .

عشرة ؛ سبع عشرة ، ثمّ تغتسل وتحتشي وتصلّي»(1) .

وصحيحة ابن سنان - بناءً على كونه عبداللّه ، كما هو الظاهر - قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «تقعد النفساء سبع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة»(2) .

ورواية الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام في كتابه إلى المأمون ، قال : «والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً ، فإن طهرت قبل ذلك صلّت ، وإن لم تطهر حتّى تجاوز ثمانية عشر يوماً ، اغتسلت وصلّت وعملت بما تعمل المستحاضة»(3) .

مقتضى الجمع بين الأخبار الواردة في أكثر النفاس

فمقتضى الجمع بينها أنّ لذات العادة القعود إلى ثمانية عشر يوماً ؛ أيّام عادتها نفاساً ، والزائد استظهاراً ، فتكون جميع الطوائف شاهدة على إمكان كون النفاس أكثر من عشرة أيّام ، بل إلى ثمانية عشر يوماً ، فتكون مؤيّدة للطائفة الاُخرى المتعرّضة لحدّ النفاس بحسب الواقع ، كمرسلة الصدوق ورواية حنّان بن سدير

ص: 560


1- تهذيب الأحكام 1 : 177 / 508 ؛ وسائل الشيعة 2 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 12 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 177 / 510 ؛ وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 14 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 125 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 390 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 24 .

قال : قلت : لأيّ علّة اُعطيت النفساء ثمانية عشر يوماً ؟ قال : «لأنّ أقلّ أيّام الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثرها عشرة أيّام ، وأوسطها خمسة أيّام ، فجعل اللّه عزّ وجلّ للنفساء أقلّ الحيض وأوسطه وأكثره»(1) .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ مقتضى الجمع بين جميع الطوائف ، هو كون حدّ النفاس واقعاً ثمانية عشر يوماً مطلقاً ، وذات العادة إنّما ترجع إلى عادتها بحسب تكليفها الظاهري ، وتستظهر - جوازاً - إلى ثمانية عشر يوماً ؛ وإن كان المستحبّ لها أن تعمل عمل المستحاضة بعد الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام ، ويحمل اختلاف الروايات في الاستظهار على اختلاف مراتب الفضل ، أو على ما ذكرنا في الحيض(2) .

ويظهر ممّا مرّ : أنّ مستند فتوى المشهور وكذا الروايات التي ادّعى المفيد أو الشيخ ورودها (3) ، بعيد غايته أن تكون تلك الروايات الدالّة على خلاف مذهب المشهور ؛ ممّا هي بين صريح فيه أو ظاهر . وعثور المفيد رحمه الله علیه على بعض الروايات أو الاُصول التي لم تصل إلينا ، ليس كثير البُعد ، كما لم تصل إلينا مرسلته المنقولة عن «السرائر» وهي :

أنّ المفيد سئل : كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة ، وكم مبلغ أيّام ذلك ؟ فقد رأيت في كتاب «أحكام النساء» أحد عشر يوماً ، وفي رسالة «المقنعة» ثمانية

ص: 561


1- علل الشرائع : 291 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 390 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 23 .
2- تقدّم في الصفحة 211 - 212 .
3- تقدّم تخريجها في الصفحة 556، الهامش 3 .

عشر يوماً ، وفي كتاب «الإعلام» أحداً وعشرين ، فعلى أيّها العمل دون صاحبه ؟ فأجابه بأن قال : الواجب على النفساء أن تقعد عشرة أيّام ، وإنّما ذكرت في كتبي ما روي من قعودها ثمانية عشر يوماً وما روي في النوادر استظهاراً بأحد وعشرين يوماً ، وعملي في ذلك على عشرة أيّام ؛ لقول الصادق علیه السلام : «لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض»(1) انتهى .

فكما لم تصل إلينا تلك المرسلة الصريحة التي عمل مثل المفيد على طبقها ، وترك الروايات الصحيحة الصريحة في القعود ثمانية عشر ، أو سبع عشرة ؛ ثمان عشرة ، كصحيحتي محمّد بن مسلم وابن سنان مع كون الروايات بمنظر منه ، كذلك يمكن وصول روايات اُخر مثل المرسلة .

كما لا يمكن أن يقال : إنّ اتّكال المشهور في كون النفاس عشرة أيّام ، على تلك الروايات التي بين صريح في زيادة الحدّ على العشرة وكونه ثمانية عشر يوماً ، وظاهر فيه . فحينئذٍ تكون تلك الشهرةُ المعرضةُ عن الروايات الصريحة الصحيحة المخالفة للاُصول والقواعد ؛ لما عرفت سابقاً من جريان الأصل الموضوعي في التدريجيات والحكمي في مثل المقام(2) ، معتمدةً معتبرةً كاشفةً عن مسلّمية الحكم من زمان الأئمّة علیهم السلام إلى زمان أصحاب الفتوى .

كما أنّ قول المفيد بمجيء أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدّة النفاس مدّة

ص: 562


1- السرائر 1 : 52 - 53 ؛ اُنظر جواهر الكلام 3 : 378 .
2- تقدّم في الصفحة 185 - 186 .

الحيض - وهي عشرة أيّام - حجّة معتبرة اُخرى ؛ ضرورة أ نّه مع وجود روايات

صحيحة صريحة في زيادة الأيّام على العشرة ، لا يمكن أن يكون مقصوده هو ما احتملوا ؛ أي روايات الرجوع إلى العادة والاستظهار .

مع أنّ الظاهر من تلك العبارة هو مجيء الروايات بهذا العنوان والمضمون ، وفي روايات الرجوع إلى العادة ليست رواية كذلك . بل لو فرض دلالتها بنحو من اللزوم - بل والاجتهاد - لم يكن لمثل المفيد أن يقول : «جاءت أخبار في أنّ أقصى مدّة النفاس كذا» الظاهر في ورود الرواية بهذا المضمون ؛ فإنّ ذلك نحو تدليس في النقل والرواية ، وأصحابنا رضوان اللّه عليهم بريئون منه .

كما أنّ مرسلته الاُخرى المتقدّمة حجّة معتبرة اُخرى ؛ فإنّ مثل المفيد لا يقول : «لقول الصادق علیه السلام » - بنحو الجزم - إلاّ مع كون الرواية معتمدة معتبرة ، ولا يمكن منه تقديم رواية مرسلة على روايات صحاح إلاّ مع كون الحكمِ قطعياً ، والروايةِ قطعيةَ الصدور والدلالة ، وراجحةً على سائر الروايات ، وكون البقيّة معلولةً ؛ بحيث لا يمكن الاتّكال عليها . فالمسألة خالية عن الإشكال بحمد اللّه تعالى ؛ وإن كان الاحتياط حسناً على كلّ حال .

حول تفصيل العلاّمة في أكثر النفاس

وبما ذكرنا يظهر النظر في التفصيل الذي تقدّم نقله عن العلاّمة(1) لو كان تفصيلاً في المسألة . وقد بالغ الشيخ الأعظم في تقريبه وتقويته ؛ حتّى قال :

ص: 563


1- تقدّم في الصفحة 551 .

«فالإنصاف أنّ هذا القول لا يقصر في القوّة عن القول المشهور»(1) .

ومحصّل نظره هو الجمع بين الروايات ؛ لاختصاص روايات الاستظهار بذات العادة ، ومنها يستفاد كون الحدّ عشرة أيّام ، فتختصّ العشرة بذات العادة ، وصرف رواية «العلل» و«العيون» إلى غير ذات العادة ، وتضعيف مرسلة المفيد ، أو حملها على الأفراد الغالبة ؛ وهي ذات العادة .

وأنت خبير بما فيه بعد التأمّل فيما تقدّم ؛ لما عرفت من أنّ أخبار الاستظهار لا يستفاد منها كون الحدّ عشرة(2) ، بل يستفاد منها كونه أكثر بل إلى ثمانية عشر يوماً ، فمقتضى الجمع بينها وبين سائر الروايات هو كون الحدّ ثمانية عشر ، فلا مجال للتفصيل بحسب الروايات . مع ورود بعض إشكالات اُخرى عليه تركناه مخافة التطويل .

وأمّا تضعيف مرسلة المفيد ففي غير محلّه ؛ لما عرفت آنفاً . وحملها على ذات العادة بعيد جدّاً ، بل المرسلة - بحسب نحو مضمونها - آبية عنه .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ الحدّ مطلقاً - لذات العادة وغيرها - عشرة أيّام ، إلاّ أنّ تكليف ذات العادة الرجوع إلى عادتها ، ثمّ الاستظهار إلى عشرة أيّام ، ثمّ عمل المستحاضة ، وغير ذات العادة تقعد عشرة أيّام ، وهي أقصى الأيّام .

ص: 564


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 138 .
2- تقدّم في الصفحة 555 - 556 .
حول الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء في المقام

وأمّا الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء(1) ، فلا دليل عليه ؛ لاختصاص أدلّة الصفات - كما تقدّم - بالدوران بين الحيض والاستحاضة(2) .

وأمّا موثّقة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام الدالّة على رجوعها إلى أيّام اُمّها أو اُختها أو خالتها مع عدم معرفة أيّام نفاسها (3) ، ففيها وجوه من الخلل لا يمكن لأجلها الاتّكال عليها :

كالحكم بقعودها بقدر أيّام نفاسها ، مع أنّ النصّ(4) والفتوى(5) على خلافه .

وكالأمر بالاستظهار بمثل ثلثي أيّامها ؛ ممّا لا يجوز إلاّ في بعض الأفراد النادرة .

وكالحكم بتخييرها بين الرجوع إلى اُمّها أو اُختها أو خالتها الظاهر في التخيير مع اختلافهنّ ، وهو أيضاً غير مفتى به .

نعم ، لو ثبت الإجماع على كون النفساء كالحائض في جميع الاُمور والأحكام إلاّ ما استثني ، لكان الوجه ما ذكر .

ص: 565


1- البيان : 67 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 397 .
2- تقدّم في الصفحة 18 - 19 .
3- تقدّم في الصفحة 555 .
4- تقدّم في الصفحة 552 - 559 .
5- تقدّمت في الصفحة 549 - 552 .

المسألة الرابعة في حكم الحامل باثنين

اشارة

لو كانت حاملاً باثنين ، فإن ولدتهما معاً بحيث عدّت ولادة واحدة عرفاً ، يكون لها نفاس واحد . وسيأتي حال مبدأ حساب العشرة(1) .

وإن تأخّرت ولادة أحدهما عن الآخر مع رؤية الدم فيهما ، فلا يخلو أن تكون الولادة الثانية قبل تمام عشرة أيّام من الاُولى أو بعد تمامها بلا فصل أو معه .

وعلى أيّ حال : إمّا أن يكون الدم مستمرّاً إلى الولادة الثانية ، أو نقت قبلها ورأت بعدها .

فهل يكون كلّ من الدمين بعد الولادتين نفاساً مستقلاًّ أو هما نفاس واحد إذا استمرّ الدم ورأت الثاني قبل تجاوز العشرة ، أو لا يكون الدم بعد الولادة الاُولى نفاساً ، أو لا يكون بعد الثانية نفاساً ؟

الأقوى هو الأوّل ، ومحصّل الكلام فيه أ نّه بحسب التصوّر : يحتمل أن يكون «النفاس» هو الدم المسبّب عن الولادة ، بحيث تكون سببية الولادة للدم دخيلة في الموضوع ، كما يظهر من صاحب «الجواهر»(2) ناسباً إلى نصّ غير واحد من الأصحاب(3) .

ص: 566


1- يأتي في الصفحة 571 - 573 .
2- جواهر الكلام 3 : 367 .
3- جامع المقاصد 1 : 346 ؛ مدارك الأحكام 2 : 43 .

ولازمه لزوم إحراز سببيتها له في ترتيب الأحكام على النفساء ؛ سواء في التوأمين وغيرهما ، فلو سال الدم منها قبل الولادة ، فخرجت علقة أو مضغة أو خرج طفل في غاية الصغر مع سيلانه - بحيث يعلم أو يحتمل عدم استناد الدم إلى خروج الحمل - لم يحكم بنفاسيته ، ولا بكون المرأة نفساء . وكذا لو خرج الطفل الأوّل في التوأمين وسال الدم وخرج الثاني - مع الجزمِ بعدم سببيته ، أو احتمالِ ذلك - لم يحكم بها .

ويحتمل أن يكون الدم الخارج عقيب الولادة نفاساً كانت الولادة سبباً له أو لا ، لكن لا مطلقاً ، بل الدم الذي له نحو انتساب وارتباط بالولادة ؛ وإن لم يكن الارتباط بالسببية والمسبّبية . ولعلّ مراد القوم بل صاحب «الجواهر» ذلك وإن لم يناسب ظاهر كلامه . ومع استمرار الدم يكون منتسباً إلى الولادتين ؛ لأنّ اختزانه كان لارتزاقهما .

بل يمكن أن يقال : إنّه مع استمراره يكون دم كلّ ولادة - بحسب الواقع - غير الآخر وإن لم يمكن امتيازهما خارجاً ؛ لعدم استهلاك أحد المتماثلين في الآخر .

ولازم هذا الاحتمال كون الدم عقيب كلّ ولادة - مع كونه الدم الطبيعي - نفاساً وموضوعاً للحكم ، وتكون «النفساء» هي التي ولدت وخرج الدم عقيب ولادتها أو معها ، فيكون الدم الخارج عقيب الولادة الثانية قبل تمام العشرة نفاسين مستقلّين ، فيصدق عليه عنوانان ؛ أحدهما : الدم الذي عقيب الولادة الاُولى ، وثانيهما : الدم الذي عقيب الولادة الثانية ، ولكلّ عنوانٍ حكمه مع الانفراد ، ومع اجتماعهما تتداخل الأحكام .

ص: 567

ويحتمل أن يكون «النفاس» هو الحدث الحاصل من الدم المسبّب عن الولادة ، أو الدم الذي عقيبها .

ولازمه عدم إمكان تكرّر الحدث الحادث برؤية الدم بعد الولادة الاُولى ؛ للزوم اجتماع المثلين ، وهذا ظاهر المحقّق الخراساني(1) ، فيكون النفاس الواحد مستمرّاً بتعدّد سببه إلى عشرين يوماً أو أكثر ، ولا يكون للمرأة نفاسان .

والأقوى هو ثاني الاحتمالات ؛ لمساعدة العرف واللغة على أنّ الدم عقيب الولادة نفاس ، ولا يتوقّف أحد في أنّ الدم إذا خرج عقيب الولادة يكون نفاساً ، ويقال للمرأة : «نفساء» مع أ نّه لو كان «النفاس» عبارة عن الدم المسبّب عنها ، لم يكن بدّ في ترتيب الأحكام من إحراز الموضوع ، ومع الشكّ كان يرجع إلى الاُصول ، ولم ينقل عن فقيه احتمال ذلك ، أو العمل على الاُصول ، وليس ذلك إلاّ لما ذكر ، تأمّل .

قال السيّد في «الناصريات» : «لا يختلف أهل اللغة في أنّ المرأة إذا ولدت وخرج الدم عقيب الولادة ، فإنّه يقال : «قد تنفّست» ولا يعتبرون بقاء ولد في بطنها ، ويسمّون الولد : «منفوساً»(2) انتهى .

وهو وإن كان في مقام الردّ على من ذهب إلى أنّ النفاس من مولد الثاني ، لكن ظاهره اتّفاق أهل اللغة على هذا العنوان ؛ أي كون الدم عقيب الولادة نفاساً ، وهو حجّة معتبرة .

ص: 568


1- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 323 .
2- مسائل الناصريات : 174 .

بل نفس قول مثل السيّد البارع في اللغة والأدب ، حجّة معتبرة مثبتة للّغة .

ويؤيّده قول شيخ الطائفة - عند الاستدلال على أ نّه إذا ولدت ولدين ورأت عقيبهما ، اعتبرت النفاس من الأوّل ، وآخره يكون من الثاني : - «دليلنا : أنّ كلّ واحد من الدمين يستحقّ الاسم بأ نّه «نفاس» فينبغي أن يتناوله اللفظ»(1) .

بل ادّعى عدم الخلاف في أنّ ما يخرج بعد الولد يكون نفاساً (2) ، والظاهر أنّ المراد من الدم عقيب الولادة ما له نحو انتساب وارتباط لها ، لا مطلقاً .

الروايات الدالّة على استقلال كلّ من النفاسين

بل يمكن الاستئناس أو الاستدلال على استقلال كلٍّ من النفاسين ببعض الروايات ، كحسنة مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر علیه السلام ع-ن النفساء ، يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها . . .»(3) .

حيث تدلّ على حرمة الغشيان قبل مضيّ مقدار أيّامها من يوم وضعت ؛ من غير تفصيل بين الوضع الأوّل والثاني ؛ وإن أمكن الخدشة فيها تارة : بأ نّها في مقام بيان حكم آخر ، واُخرى : بأنّ مفروض السائل كونها في نفاسها من الدم .

ص: 569


1- الخلاف 1 : 247 - 248 .
2- الخلاف 1 : 246 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 505 ؛ وسائل الشيعة 2 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 7 ، الحديث 1 .

وكصحيحة يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة ولدت ، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، قال : «فلتقعد أيّام قرئها الذي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام»(1) .

حيث لم يفصّل بين الاُولى والثانية ، فمن ولدت ورأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، تكون موضوعة للحكم بوجوب القعود ، ففي الولادة الثانية إذا رأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، يصدق «أ نّها ولدت ورأت الدم . . .» إلى آخره ، فتكون الولادة ورؤية الدم تمام الموضوع للحكم ، تأمّل .

وكرواية الخلقاني المتقدّمة ؛ حيث قال فيها : «تصلّي حتّى يخرج رأس الصبيّ ، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة»(2) .

فإنّ الظاهر منها : أنّ السبب لوجوب تركها هو خروج رأس الصبيّ مطلقاً ، نعم يقيّد ذلك بذيلها الدالّ على لزوم رؤية الدم عند خروج بعض الولد ، فيكون الموضوع هو خروج بعض الولد مع رؤية الدم ، أو رؤيته عند ظهور رأس الولد ، فتدلّ على موضوعية كلّ دم عند كلّ ولادة لحرمة الصلاة ، أو موضوعية كلّ ولادة مع رؤية الدم لها ، وهذا معنى الاستقلال . ولو نوقش في دلالة الروايات ، فلا مجال للمناقشة في الصدق العرفي .

وأمّا احتمال كون «النفاس» عبارة عن حدث معنوي ، فإن كان المراد منه أنّ حدث النفاس كحدث الحيض والجنابة ، فالضرورة قاضية بمخالفته للنفاس ؛ فإنّ

ص: 570


1- تهذيب الأحكام 1 : 175 / 502 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 530 .

المرأة بعد عشرة أيّام أو ثمانية عشر ، ليست بنفساء بلا إشكال وإن كانت محدثة

بحدث النفاس ، فحدثه غير نفسه ، كحدث الحيض فإنّه غير الحيض . وإن كان المراد أنّ هنا أمراً معنوياً آخر هو حدث النفاس ، فلا دليل عليه ، بل الأدلّة - قاطبةً - على خلافه .

ويظهر ممّا مرّ حال احتمال عدم نفاسية الأوّل ، كما احتمله المحقّق في محكيّ «المعتبر» بدعوى عدم اجتماع النفاس - كالحيض - مع الحمل(1) .

وفيه : منع عدم اجتماع الحيض معه كما تقدّم(2) ، وعلى فرض تسليمه منع كون النفاس كالحيض في ذلك .

حكم ما إذا وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً

بقي شيء : وهو أ نّه لو وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً ، فهل يكون لكلّ قطعة نفاس مستقلّ مطلقاً ، أو لا يكون للجميع إلاّ نفاس ، أو يفصّل بين كون القطعة معتدّاً بها - بحيث يكون خروجها بمنزلة ولادة - وبين غيره ، أو يفصّل بين وقوع الفصل بأقلّ الطهر بين خروج القطعة الاُولى والثانية وعدمه ؟ وجوه .

والأقرب - في غير الفصل بأقلّ الطهر - كونه نفاساً واحداً ؛ لكون الولادة واحدةً عرفاً ولغةً وإن خرج المولود قطعةً قطعةً ، والنفاس واحدٌ مع استمرار الدم . بل مع الفصل بالأقلّ من أقلّ الطهر إذا قلنا : بأ نّه نفاس .

ص: 571


1- المعتبر 1 : 257 .
2- تقدّم في الصفحة 355 .

بل مع الفصل بأقلّ الطهر يمكن أن يقال أيضاً : إنّه نفاس واحد وإن فصل بين أجزائه طهر ؛ فإنّ العرف كما يرى الولادة واحدةً والمولود واحداً ، يرى الدم دم الولادة الواحدة ومن تتمّة النفاس ، لا نفاساً مستقلاًّ ، ولا مانع من الفصل بين أجزائه بأجنبيّ .

ولا ثمرة ظاهراً في خصوص الفرع إن قلنا : بأنّ النفاس من خروج الدم ، وحساب العدد من وضع القطعة الأخيرة ، كما يأتي الكلام فيه قريباً .

وكيف كان : ففي خروج القطعات هل يكون مبدأ النفاس من بعد وضع المجموع ، كما احتمله صاحب «الجواهر» حيث قال : «ويحتمل هنا توقّف النفاس على خروج المجموع ؛ وإن اكتفينا ببروز الجزء مع الاتّصال ؛ للفرق بينه وبين الانفصال»(1) انتهى .

ولم يذكر وجه الفرق ، فكأ نّه دعوى قصور الدليل عن شمول المنفصل .

وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة صدق «دم الولادة» مع الخروج مقارناً للجزء كما مرّ(2) بل احتملنا أولوية الصدق من الدم بعد الولادة ، ولا فرق بنظر العرف في دمها بين كون الرأس منفصلاً عن الجسد أو متّصلاً به . كما لا ريب في شمول الأدلّة - كخبر الخلقاني - للمنفصل أيضاً ، ودعوى الانصراف غير مسموعة ، فالفرق بينهما غير وجيه .

أو يكون مبدأ النفاس والحساب من أوّل خروج القطعة الاُولى ؛ لمرسلة

ص: 572


1- جواهر الكلام 3 : 393 .
2- تقدّم في الصفحة 541 .

المفيد بل لمرسلاته(1) ولظهور أدلّة الأمر بالقعود مقدار أيّام عادتها ، في كون المبدأ أوّل ما صدق عليها «النفساء» ؟

أو يكون مبدأ النفاس خروج الدم مع بروز أوّل الجزء ، ومبدأ حساب أيّام القعود وحساب عشرة أيّام من زمان تمام الوضع ؟

الأقوى هو الأخير ؛ لأنّ روايات الباب على طوائف :

منها : ما تدلّ على لزوم ترك الصلاة إذا رأت على رأس الولد دماً ، كرواية الخلقاني والسكوني و«الجعفريات» المتقدّمات(2) ، وهذه الطائفة لم تتعرّض لمقدار القعود ولا لمبدئه .

ومنها : ما تدلّ على أنّ النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام ، كمرسلات المفيد(3) ومرسلة الشيخ عن ابن سنان(4) .

ومنها : ما تدلّ على أنّ النفساء تقعد بمقدار أيّام عادتها وتستظهر(5) .

وهاتان الطائفتان ظاهرتان - ولو بالإطلاق - في كون المبدأ هو مبدأ تحقّق

النفاس وإن لم تتعرّض لخصوص المبدأ .

لكن حسنة مالك بن أعين المتقدّمة حاكمة على الروايات ومبيّنة لحدودها ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ، يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟

ص: 573


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 561 .
2- تقدّمت هذه الروايات في الصفحة 540 - 541 .
3- تقدّمت في الصفحة 561 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 178 ، ذيل الحديث 510 .
5- وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 2 و3 و5 .

قال : «نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها»(1) .

وهي - كما ترى - لا تنافي الروايات الدالّة على لزوم ترك الصلاة من أوّل

بروز الدم ، وهو ظاهر ، ولا ما دلّت على القعود بمقدار أيّام العادة ؛ لعدم تعرّضها

لمبدأ القعود ، وإنّما يفهم منها ذلك بالإطلاق والسكوت في مقام البيان ، وهو لا يقاوم ما تعرّض لمبدأ الحساب ؛ وأ نّه منذ يوم وضعت .

بل هي حاكمة على مثل المرسلات ؛ فإنّها تدلّ على عدم زيادة عددها على الحيض ، وهي تدلّ على أنّ عدم الزيادة يحسب من أوّل يوم وضعت ، فلها حكومة عليها عرفاً .

نعم ، لأحد أن يقول : إنّ مقتضى الأدلّة هو التفصيل بين ذات العادة وغيرها ؛ والأخذ في غيرها بإطلاق ما دلّ على عدم الزيادة من حين الرؤية .

لكنّه تفصيل لم يلتزم به أحد ظاهراً ، ولم أرَ احتماله من أحد ، بل الظاهر أنّ حدّ النفاس في جميع النسوة بحسب الواقع واحد ؛ ولا يزيد على عشرة أيّام من يوم الوضع .

حول ثمرة القول بتعدّد النفاسين

ثمّ إنّه حكي عن «الروض» : «أ نّه تترتّب الثمرة على تعدّد النفاسين ؛ ما لو ولدت فرأت الدم ، وانقطع فولدت الثاني ، فرأت قبل مضيّ عشرة أيّام من

ص: 574


1- تقدّمت في الصفحة 554 .

الولادة الاُولى ، فإنّه على التعدّد لا يحكم بنفاسية النقاء المتخلّل ، وعلى الوحدة يحكم بها»(1) .

وفيه : أنّ هذه الثمرة ليست من ثمرات القول بالتعدّد والوحدة ؛ لعدم إبطال الولادة الثانية نفاسية الاُولى ، فيكون النقاء خلال نفاس واحد ، فهو محكوم بالنفاسية ؛ بناءً على ما يأتي من نفاسية النقاء المتخلّل أثناء النفاس الواحد(2) . وكون الدم معنوناً بعنوان آخر وهو نفاس آخر ، لا يوجب إبطال حكم النفاس الواحد . بل هي من ثمرات القول بلزوم الارتباط - بنحو السببية أو غيرها - بين الولادة والدم الخارج عقيبها وعدمه :

فعلى الثاني : يكون الدم الخارج عقيب الثانية نفاسين ، وباعتبار كونه من تتمّة النفاس الأوّل ، يكون النقاء المتخلّل في أثنائه نفاساً .

وعلى الأوّل : لا يكون ما رأت عقيب الثانية مع النقاء بعد الولادة الاُولى - خصوصاً إذا كان معتدّاً به - نفاسين ، بل هو نفاس واحد مربوط بالولادة الثانية ، وقد تقدّم ترجيح ذلك(3) ، فحينئذٍ لا يكون النقاء المتخلّل بحكم النفاس . لكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه .

ص: 575


1- روض الجنان 1 : 248 .
2- يأتي في الصفحة 583 .
3- تقدّم في الصفحة 568 .

المسألة الخامسة في حكم تأخّر الدم عن الولادة

اشارة

لو لم تَرَ دماً أوّلاً ثمّ رأت : فإمّا أن يكون بعد عشرة أيّام من يوم الولادة ، أو أثناء العشرة قبل مضيّ مقدار عادتها ، كما لو كان مقدار عادتها ستّة ورأت في اليوم الرابع ، أو بعد مضيّ مقدارها ، كما لو رأت في الفرض في اليوم السابع أو العاشر .

وعلى أيّ تقدير : فإمّا أن ينقطع إلى عشرة من يوم الولادة ، أو يتجاوز عنها .

فيقع الكلام في الفروض تارة : في نفاسية الدم ، واُخرى : في مقدار قعودها ، وثالثة : في حال ذات العادة وغيرها .

الكلام في أصل نفاسية الدم

فنقول : قد يقال بانصراف الأدلّة عن صورة تخلّف الدم عن حال الولادة ، خصوصاً إذا كان الفصل طويلاً ، كتسعة أيّام أو عشرة ، فيعمل في الدم على القواعد ، فيحكم بنفاسيته ؛ لصدق كونه نفاساً ، ولقاعدة الإمكان مع الشكّ في الصدق(1) .

وفيه : أ نّه مع فرض الانصراف ، لا دليل على ترتّب الأحكام حتّى مع العلم بكونه نفاساً وكون المرأة نفساء ؛ لأنّ وجه الانصراف ندرة تخلّف الدم عن الولادة ، فيكون هذا الوجه موجوداً في جميع أدلّة الباب .

ص: 576


1- جواهر الكلام 3 : 394 - 395 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 163 - 164 .

ودعوى امتناع تخلّف الأحكام مع كون المرأة نفساء ، مدفوعة بأنّ الأحكام يمكن أن تكون مترتّبة على قسم من النفاس والنفساء ، كما ذكرنا في الحيض(1) ؛ ألا ترى أنّ «النفساء» صادقة على من ترى الدم إلى الحادي عشر بلا ريب ؛ ضرورة أنّ الدم الجاري إلى الساعة الأخيرة من اليوم العاشر ، نفاس في غير ذات العادة ، وبعدها ليس بنفاس حكماً ؟! ولا يمكن أن يقال : إنّ الدم بحسب التكوين إلى هذه الساعة نفاس دون ما بعدها ، أو بحسب العرف والعادة كذلك ، فلا محالة يكون التصرّف في الموضوع من الشارع ، فجعل دمَ النفاس - في مقدار معيّن أو وقت معيّن - موضوعَ حكمه دون غيره ، مع كونه نفاساً واقعاً .

فحينئذٍ نقول : بعد قصور الأدلّة عن إثبات الحكم لمن لم ترَ دماً مع الولادة أو قريباً منها - للانصراف حسب الفرض - يكون مقتضى الاُصول والقواعد عدم محكومية المرأة بأحكام النفساء ، فلا يجب التنفّس عليها إذا لم تَرَ الدم ، ثمّ رأت

بعد فصل .

وأمّا قاعدة الإمكان فلا أصل لها في الحيض كما عرفت(2) فضلاً عن النفاس . بل لو قلنا : بأنّ دليل القاعدة هو الأصل العقلائي كما قيل في باب الحيض(3) ، وثبت بها كون الدم نفاساً والمرأة نفساء ، لا يفيد في المقام ، مع عدم دليل على ترتّب الأحكام على النفساء مطلقاً ، كما تقدّم .

ص: 577


1- تقدّم في الصفحة 7 - 8 .
2- تقدّم في الصفحة 68 - 69 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 52 .

لكنّ الإنصاف : أنّ دعوى الانصراف في الأدلّة مطلقاً - سواء فيما دلّت على أنّ النفساء تقعد أيّامها أو قدر عادتها (1) أو ما دلّت على جواز الغشيان إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها (2) ، أو ما دلّت على أنّ دم النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام(3) - غير وجيهة ؛ فإنّ ندرة الوجود وإن كانت موجبة لعدم انتقال الذهن إلى الفرد النادر ، لكن لا توجب الانصراف وخروج العنوان المأخوذ في الأدلّة عن كونه تمام الموضوع للحكم ، خصوصاً في مثل المقام الذي كان موضوع الحكم النفساء ، وتقتضي المناسبة بين الحكم والموضوع ، أن يكون الموضوع هو نفس العنوان ؛ من غير دخل للاُمور الخارجة فيها ، ولا يرى العرف للظرف والوقت موضوعية للأحكام .

وهذا نظير قوله : «الماء يطهِّر»(4) حيث يكون بعض مصاديقه نادر الوجود جدّاً ؛ بحيث ينصرف الذهن عنه ، لكنّ المناسبة بين الحكم والموضوع توجب دفع الانصراف ؛ لأنّ المطهّرية بنظر العرف لا تكون إلاّ لنفس طبيعة الماء ؛ من غير دخل لشيء آخر فيها . بل العرف قد يلغي بعض القيود لأجل بعض المناسبات . وكيف كان فلا مجال لدعوى الانصراف .

ص: 578


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 1 و2 و3 و5 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 4 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 10 .
4- الكافي 3 : 1 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 134 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 1 ، الحديث 6 .

وأوهن منها دعوى(1) الانصراف في بعض الأدلّة كحسنة مالك بن أعين(2) دون بعض ؛ ضرورة أ نّه لا وجه للتفصيل بعد كون وجه الانصراف ما تقدّم ، ولا يكون قوله : «وهي في نفاسها من الدم» موجباً للانصراف إلاّ للوجه المتقدّم .

مقدار قعود ذات العادة مع انقطاع دمها في العشرة

ثمّ إنّه بعد البناء على إنكار الانصراف في الأدلّة ، لا بدّ من بيان مفادها ووجه الجمع بينها .

فنقول : مقتضى إطلاق ما دلّت على أنّ النفساء تقعد قدر حيضها وتستظهر يوماً أو يومين إلى عشرة أيّام ، أنّ كلّ من صدق عليها عنوان «النفساء» يجب عليها القعود قدر حيضها والاستظهار بعده ؛ كان الدم متّصلاً بالوضع أو منفصلاً ، قبل مضيّ مقدار العادة من يوم الوضع أو بعده ، بل قبل عشرة أيّام أو بعدها ، مع صدق «دم الولادة» وعنوان «النفساء» . ولا منافاة بين هذه الطائفة وبين ما دلّت على أنّ دم النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام ، كما هو واضح .

بقيت رواية مالك بن أعين ، حيث دلّت على أنّ مقدار أيّام العادة إنّما هو من يوم وضعت ، وإطلاقها يقتضي أن يكون حساب الأيّام من يوم الوضع ؛ سواء رأت الدم من حال الوضع أو لا ، ومقتضى تحكيمها على سائر الأدلّة : أنّ ذات العادة تقعد مع رؤية الدم ، مقدار أيّام عادتها من زمان الوضع ، فيكون ظرف القعود مقدار أيّام العادة من أوّل الوضع ، لكن مع رؤية الدم .

ص: 579


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 403 - 404 .
2- تقدّمت في الصفحة 554 .

وأمّا مع عدم الرؤية رأساً فلا قعود لها ؛ لما دلّ على أنّ النفاس هو دم الولادة . ولمثل قويّة السكوني ورواية «الجعفريات» والخلقاني(1) حيث علّق الحكم فيها على الدم المرئيّ على رأس الطفل ، فالقعود يتوقّف على رؤية الدم ، وكونِ ظرف الرؤية أيّام العادة من يوم الوضع . فالمرأة التي لم تَرَ دماً أوّل الوضع ليست موضوعة للحكم ؛ لفقدان قيد هو رؤية الدم .

وبعد مضيّ مقدار العادة من زمن الوضع ، أيضاً لا تكون موضوعة له ؛ لفقدان قيد آخر هو عدم المضيّ من يوم الوضع بمقدار العادة .

ومع رؤيتها في زمان العادة - ولو بعضها - تكون موضوعة له ؛ لتحقّق جميع قيود الموضوع ، فهي امرأة وضعت ، ورأت الدم قبل مضيّ مقدار عادتها في الحيض منذ يوم وضعت .

فمحصّل مفاد الأدلّة بعد تحكيم بعضها على بعض وردّ بعضها إلى بعض : أنّ المرأة ذات العادة إذا رأت الدم من أوّل الوضع ، يجب عليها القعود مقدار أيّام عادتها ، وتستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة إلى عشرة أيّام من يوم الوضع ، ولا يجب الاستظهار ، كما مرّ في الحيض(2) .

وإن رأت بعد عدم رؤيتها أوّل الوضع قبل مضيّ مقدار عادتها ، يجب عليها التنفّس تتمّة مقدار العادة ، وتستظهر بعدها إلى العشرة .

وإن رأت بعد مضيّ مقدار العادة ، فلا يجب عليها القعود والتنفّس ، فهل لها الاستظهار إلى العشرة أو لا ؟

ص: 580


1- تقدّمت هذه الروايات في الصفحة 540 - 541 .
2- تقدّم في الصفحة 212 .

لا تبعد مشروعيته ؛ لأنّ الظاهر أنّ الاستظهار إنّما هو لطلب ظهور حالها في زمان يمكن تحقّق النفاس فيه ، وبعد العادة إلى العشرة يمكن تحقّقه ؛ لأنّ الدم المرئيّ بعد العادة إذا انقطع على العشرة فهو نفاس ؛ للصدق العرفي ، ومع التجاوز عنها لا يكون نفاساً ؛ لخروج ما بعد العشرة من يوم الوضع ، وعدم الدليل على نفاسيته بعد العادة مع التجاوز ، تأمّل .

بل يمكن الاستدلال على عدم كونه نفاساً بأدلّة الاستظهار بعد أيّام العادة ؛ فإنّ أيّام العادة أيّام النفاس ظاهراً بحسب تلك الأدلّة ، وأيّام الاستظهار أيّام يمكن

أن يكون الدم فيها نفاساً وغير نفاس ، فيحتمل بدواً أن تكون النفاسية مع التجاوز ، وعدمها مع عدمه ، وبالعكس بأن تكون النفاسية مع عدم التجاوز ، وعدمها معه . ولا ريب في تعيّن الثاني ؛ بعد كون الاستظهار هاهنا كالاستظهار في الحيض .

وبالجملة : لا يكون الاستظهار ملازماً للقعود ومن توابعه ، بل هو حكم مستقلّ شرع لأجل الاستظهار والاحتياط ؛ قعدت وتنفّست أو لا .

وأمّا غير ذات العادة وذات العادة عشرة أيّام ، فتجعل ما رأت بين العشرة نفاساً ، وما بعدها استحاضة ؛ لأنّ النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام من حين الوضع . هذا حال من انقطع دمها في العشرة .

مقدار قعود ذات العادة مع تجاوز دمها عن العشرة

وأمّا إن تجاوز عنها فإن رأت في بعض أيّام العادة واستمرّ وتجاوز - كمن كانت عادتها سبعة ، فرأت في الخامس مثلاً ، وتجاوز عن العشرة - فيحتمل

ص: 581

شمول الأدلّة لها ، فيجب عليها القعود بقيّة عادتها . ولها الاستظهار بيوم إلى تمام العشرة من يوم الوضع ، وبعدها مستحاضة .

ويحتمل أن تكون بقيّة أيّام العادة أيّام نفاسها ، ثمّ هي مستحاضة . ولا يبعد أقربية ذلك ؛ لاستفادته من أدلّة الاستظهار ، فإنّه لطلب ظهور الحال كما مرّ ، ولا يكون ذلك إلاّ على احتمال التجاوز وعدم نفاسية غير أيّام العادة ، وعدم التجاوز ونفاسية الجميع ، فإذا رأت في العادة وتجاوز ، تكون بقيّة الأيّام أيّام نفاسها ، والزائد عليها استحاضة .

وإن رأت بعدها - كمن كانت عادتها سبعة ، فرأت في الثامن وتجاوز عن العاشر - ففي شمول الروايات لها إشكال ، بل منع ؛ لعدم أيّام للقعود لها حتّى تؤمر به فيها ، وليس لها أيّام للاستظهار ؛ لأنّ الاستظهار إنّما هو فيما إذا رأت الدم

في العادة وتجاوز عنها ، فاحتملت الانقطاعَ على العشرة فيكون تمام الدم نفاساً ، وتجاوزَه عنها ، فتكون أيّام عادتها فقط نفاساً ، ومع هذه الشبهة وهذا الاحتمال ، يتحقّق موضوع الاستظهار وطلب ظهور حالها ، وأمّا إذا لم يكن تكليفها الرجوع إلى أيّام عادتها مع التجاوز ، فلا تكون مشتبهة في حالها موضوعاً ، ولا مشمولة لأدلّة ذات العادة ، فالأيّام التي بعد العادة إلى العشرة إمّا نفاس مطلقاً ؛ تجاوز الدم عن العشرة أو لا ، أو ليس بنفاس كذلك ، فلا تكون موضوعة للاستظهار .

والظاهر تسالمهم على أنّ النفساء قبل تمام عشرة أيّام - إذا لم تكن مشمولة لأدلّة العادة - موضوعة للأحكام ، ويجب عليها التنفّس ؛ وإن أمكن المناقشة في دلالة الأدلّة . ولا ينبغي ترك الاحتياط إلى العاشر ؛ بالجمع بين الوظيفتين ، بل لا يترك .

ص: 582

المسألة السادسة في تخلّل النقاء أثناء النفاس الواحد

لو رأت في الأوّل ونقت ، ثمّ رأت ، فإمّا أن ترى الدم الثاني في بعض أيّام العادة أو لا . وعلى أيّ حال : فإمّا أن يتجاوز الدم عن العشرة أو لا .

فإن رأت في أيّام العادة فلا إشكال في كون الحاشيتين نفاساً ، والظاهر شمول أدلّة القعود أيّام العادة والاستظهار لها . كما أنّ الظاهر أنّ الدمين نفاس مع الانقطاع على العشرة مطلقاً ؛ للصدق العرفي ، وموضوعية النفساء قبل تجاوز دمها عن عشرة أيّام للحكم . ومع التجاوز لا إشكال ظاهراً في ذات عادة عشرة أيّام وفي غير ذات العادة في كون الحاشيتين نفاساً .

وأمّا ذات العادة إذا كانت عادتها أقلّ منها ، فإن قلنا بشمول أدلّة الرجوع إلى العادة لها - لأجل إمكان القعود في أيّام عادتها في الجملة - فلا يكون الدم الثاني

نفاساً . وإن قلنا بعدم شمولها لها فلا يبعد الحكم بنفاسية الطرفين ؛ ولو قلنا بكون

النقاء في البين في حكم النفاس .

وما قيل : «من أنّ كون الدم الثاني نفاساً ممتنع ؛ لأ نّه يلزم من وجوده عدمه ؛ حيث إنّ نفاسيته سبب لاندراج المرأة في موضوع الأخبار الدالّة على أ نّها لا تقعد أزيد من أيّامها ؛ وأنّ ما تراه استحاضة»(1) .

مدفوع : بأنّ الظاهر من الأدلّة كون الدم من أيّام العادة مستمرّاً إلى ما بعد

ص: 583


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 407 .

العشرة ، وشمولها لما اُلحِق به حكماً محلّ إشكال ، بل منع .

وكيف كان : فيقع الكلام في أنّ الطهر المتخلّل بين النفاس الواحد نفاس أو لا ؟

الظاهر نفاسيته ؛ لإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم : «لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام»(1) وخروج الطهر بين النفاسين من مفادها - بالتقريب المتقدّم - لا يلزم منه خروج الطهر بين النفاس الواحد ؛ فإنّ القرء في النفاسين لا يكون للاختزان بل جمع الدم إنّما هو لأجل الولد ، بخلاف المقام .

وبالجملة : لا مانع من الأخذ بإطلاق الصحيحة .

نعم ، يشكل التمسّك بمرسلة يونس بما مرّ(2) ، والظاهر أنّ الحكم متسالم عليه بينهم .

وأمّا الاستدلال على المطلوب بصدق «النفساء» على المرأة في أيّام النقاء ؛ إذ لا يعتبر في مثل هذا المشتقّ تلبّس الذات بالمبدأ على الدوام ، فيشمله حينئذٍ كلّ ما دلّ على أنّ النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام قرئها ، كما أفاد الشيخ الأعظم(3) .

فغير تامّ ؛ ضرورة أ نّه لو سلّم الصدق في الفترات القليلة ، لم يسلّم في مثل المفروض ممّا كان أيّام النقاء ثمانية مثلاً ، وأيّام التلبّس يوماً أو يومين من الحاشيتين بعد فرض كون المبدأ هو الدم .

نعم ، لو فرض أنّ المبدأ هو حال معنوي محفوظ أو استعداد لقذف الدم ، كان حاصلاً والمشتقّ صادقاً . لكنّه ممنوع مخالف للأدلّة ، كما لا يخفى .

ص: 584


1- الكافي 3 : 76 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب11 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 92 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 168 .

المسألة السابعة في اتّحاد أحكام النفساء والحائض

النفساء كالحائض في جميع الأحكام إلاّ ما استثني - وتقدّم بعضها (1) - إجماعاً كما عن «الغنية» و«شرح المفاتيح»(2) ، وهو قول الأصحاب كما عن «المسالك» و«الكفاية»(3) ، و«لا نعرف فيه خلافاً بين أهل العلم» كما عن «المعتبر» و«المنتهى» و«التذكرة»(4) ، وهو الحجّة بعد ظهور التسالم بينهم .

وأمّا الاستدلال(5) عليه بأنّ النفاس هو الحيض المحتبس ، فقد مرّ عدم الدليل عليه(6) ، وبعد الإجماع على مشاركتهما في الحكم ، لا وقع لدعوى الإجماع

على أ نّه حيض محتبس ؛ فإنّه يرجع إلى مشاركتهما حكماً ، وهو عين الإجماع المتقدّم . وأمّا وحدة الموضوع تكويناً ، فالاتّكال على الإجماع لإثباتها مشكل .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً قد وقع الفراغ من هذه الوجيزة يوم السبت ، 22 من شهر ربيع الأوّل من سنة 1376 ه- .ق .

ص: 585


1- تقدّم في الصفحة 544 و548 - 552 .
2- غنية النزوع 1 : 40 ؛ مصابيح الظلام 1 : 280 .
3- مسالك الأفهام 1 : 77 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 32 .
4- المعتبر 1 : 257 ؛ منتهى المطلب 2 : 449 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 332 .
5- الحدائق الناضرة 3 : 325 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 408 .
6- تقدّم في الصفحة 534 .

ص: 586

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 587

ص: 588

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ

مِنْ أَيَّامٍ اُخَرَ يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ) 185 425

(يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ

الْعُسْرَ) 185 425

(يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ

أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى الْمَحِيضِ

وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا

تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه ُ) 222 231

(يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً

فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى ا لْمَحِيضِ وَلاَ

تَق-ْ-رَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ

فَأ تُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه ُ إِنَّ اللّه َ

يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) 222 254

(قُلْ هُوَ أَذىً( 222 232

ص: 589

الآية رقمها الصفحة

(فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ) 222 254

(وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ) 222 254

(حَتَّى يَطْهُرْنَ) 222 232

(حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) 222 511

(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) 222 254

(فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّى شِئْتُمْ) 223 260

(أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) 275 244، 245

آل عمران (3)

(مَا كَانَ اللّه ُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى

مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ

مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُطْلِعَكُمْ

عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللّه َ يَجْتَبِى مِنْ

رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) 179 347

المائدة (5)

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا) 6 187

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ() 6 187، 269

(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) 6 274، 282

(مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ

حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) 6 425

ص: 590

الآية رقمها الصفحة

الأعراف (7)

(كُلَّمَا دَخَلَتْ اُمَّةٌ لَعَنَتْ اُخْتَهَا) 38 258

الأنفال (8)

(وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا

كَانَ اللّه ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) 33 347

التوبة (9)

(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) 122 347

النور (24)

(ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) 40 258

ص: 591

ص: 592

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

أثجّه ثجّاً 374، 375

أدناه حيضتان 146، 149، 157، 158

أدنى الحيض ثلاثة 103، 108

أدنى الطهر عشرة أيّام 533

أدنى الطهر عشرة أيّام ؛ وذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربّما كانت كثيرة الدم... 91

أدنى ما يكون من الحيض ثلاثة 103

إذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها 86

إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين . . . 71

إذا أرادت الحائض أن تغتسل . . . 188

إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة... 186، 187، 197

إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل 284

إذا أصاب زوجها شَبق فليأمرها فلتغسل فرجها ، ثمّ يمسّها إن شاء 263

إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة 26، 326، 386

إذا أمسكت الكرسف يسيل . . . 442

إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء 261

إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ، ومثلها لا تحيض 78

إذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت . . . 373

ص: 593

إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم 233

إذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها 517

إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت... 355

إذا رأت الدم . . . 61، 408

إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة والصيام 125، 210

إذا رأت الدم أمسكت ، وإذا رأت الطهر صلّت 125، 210

إذا رأت الدم قبل عشرة... 97

إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة 59، 164، 169

إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها 60، 98

إذا رأت الصفرة . . . 408

إذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة 177

إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى 59، 151

إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ 162

إذا رأت خمسة أيّام... 116

إذا رأت دماً بعد أيّامها التي كانت ترى الدم فيها ، فلتقعد عن الصلاة 229

إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضّأ ، ثمّ يواقعها إن أراد 514

إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر 309

إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء 308

إذا طهرت من الحيض ولم تمسّ الماء ، فلا يقع عليها زوجها حتّى تغتسل 261

إذا كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها ، وهو من الحيضة التي طهرت منها 99

إذا كان للدم حرارة . . . 386

إذا كان لها خمسون سنة... 78

أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة : صلاة فاتتك ، فمتى ذكرتها أدّيتها . . . 288

أسود يعرف . . . 393

ص: 594

اغسل كفّك وفرجك ، وتوضّأ وضوء الصلاة ، ثمّ اغتسل 280

أغفلت عددها 371

أفِضْ على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها . . . 279

أقراؤها مثل أقراء نسائها 147

أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة 376

أقصى طهرها . . . 411

أقصى طهرها ثلاث وعشرون 412

أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون 408، 411

أقلّ الحيض ثلاثة أيّام 106

أقلّ الحيض ثلاثة ، وأكثره عشرة ، وتجمع بين الصلاتين 407

أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة 60

أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام 98، 103

أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثر ما يكون عشرة أيّام 88

أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة . . . 60، 97، 121، 122

أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم 127

أقلّ ما يكون من الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام . . . 118

ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع ، وكانت خمساً . . . 151، 411، 427

ألا ترى أ نّه لم يسألها : كم يوم هي ؟133

التي كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها 373

التي لم تر الدم قطّ ، ورأت أوّل ما أدركت . . . واستحاضت أوّل ما رأت 331

أمّا إحدى السنن : فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها... 132

أما تسمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر هذه بغير ما أمر به تلك! 364، 369، 421

إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن تغتسل لثمان عشرة 557

أنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ... 557

ص: 595

إنّ أسماء سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً 558

إنّ أكثر ما يكون من الحيض ثمانٍ ، وأدنى ما يكون منه ثلاثة 113

إنّ الحامل قذفت بدم الحيض ، وهذه قذفت بدم المخاض 530، 537، 540

أنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم 56، 57

إنّ الرجل يأتي جاريته فتعلق منه ، ثمّ ترى الدم وهي حبلى . . . 351

إنّ الطمث تحبسه الريح من غير حبل 351

إنّ القرآن واحد من عند واحد 258

أنّ القرشية من النساء والنبطية ، تريان الدم إلى ستّين سنة 81

إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال 255

أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة 273، 275

إن جامعها في أوّل الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار 238

أنّ حمنة بنت جحش قالت لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّي استحضت . . . 320

إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد 8، 21، 328، 361

إنّ دم الحيض أسود يعرف . . . 15، 16، 25، 27، 377

إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة . . . 329

إنّ دم الحيض حارّ عبيط . . . ودم الاستحاضة أصفر بارد 13، 20، 26، 323، 361

أنّ دم الحيض كدر غليظ منتن ، ودم الاستحاضة دم رقيق 325

إنّ دم الحيض ليس به خفاء 377، 393

أنّ دمها يكون رقيقاً تعلوه صفرة 325

إن رأت الدم لم تصلِّ ، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين ثلاثين يوماً 379

إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم سنّ في الحيض ثلاث سنن 363

إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر بذلك فاطمة ، وكانت تأمر بذلك المؤمنات 293

إنّ سنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة 413

أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض فلا أطهر 320

ص: 596

أنّ فاطمة بنت أبي حُبَيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض ولا أطهر 14

إن كان الدم عبيطاً فلا تصلِّ ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل 85

إن كان الدم قبل عشرة أيّام . . . 61

إن كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها 60

إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام ، استظهرت بيوم أو يومين 202

إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد 17، 362

إن كانت تَوانَتْ قضتها ، وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي 311

إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ، ولا تمسك عن الصلاة 168

إن كانت لها أيّام معلومة . . . 135

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقها 395، 427

إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان . . . 58، 335، 353، 440

إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل 58، 335

إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين 58، 335

إن كان دماً كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين 353

إن كان صفرة فلتغتسل ولتصلّ ، ولا تمسك عن الصلاة 62

إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر 304

إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض 164، 165، 202

إن كان قُرؤها دون العشرة انتظرت العشرة 431

إنّك كنت على يقين من طهارتك 101

إن لم يجز الدمُ الكرسف . . . 467

إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد 464

إنّما المرأة لعبة الرجل 234

إنّما سمّاه أبي بحرانياً لكثرته ولونه 324

إنّما هو عِرق 319

ص: 597

إنّما هو عزف 319

أ نّها ترى دم الحيض إلى ستّين سنة 82

إنّها تنتظر بالصلاة ، فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض 178

إنّه أشدّ من ذلك ؛ إنّي أثجّه ثجّاً ، فقال : تلجّمي وتحيّضي . . . 24

إنّه صلی الله علیه و آله وسلم بيّن في هذه السنن كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها 369

إنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها 372

إنّه ربّما تعجّل بها الوقت 58، 176

إنّه ربّما قذفت . . . 57

إنّه عزف 320

إنّه يبدأ بالعصر ، ثمّ يصلّي الظهر 304

أ نّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي وسطه نصف دينار 237

إنّي اُستحاض فلا أطهر 320

إنّي استحضت حيضة شديدة . . . 24

إنّي - واللّه - ما اُخبرك إلاّ عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن جبرئيل ، عن اللّه 32

أوّل من قاس إبليس 293

أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ... 310

أيُّ وضوء أطهر من الغسل ؟ ! 272، 275، 281

أيُّ وضوءٍ أنقى من الغسل وأبلغ ؟ ! 280

بيَّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها 137

بيّن كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها 375

تبدأ فتغسل كفّيك ، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك 279

تترك الصلاة إذا دام 57، 353

تترك الصلاة إذا كانت تلك حالها ما دام الدم ، وتغتسل كلّما انقطع عنها 334

تترك الصلاة حتّى تطهر 64

ص: 598

تترك لذلك الصلاة بعدد أيّامها التي كانت تقعد في طمثها 333

تتّزر بإزار إلى الركبتين ، وتُخرج سُرّتها ، ثمّ له ما فوق الإزار 235

تتوضّأ . . . وإن سال مثل المثعب 475

تجلس أيّام حيضها ، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين 17، 362

تحتشي وتصلّي الظهر والعصر ، ثمّ لتنظر 454

تحيّضي في علم اللّه . . . 377، 394

تحيّضي في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام 411

تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه سبعة أيّام . . . 224، 415

تدع الصلاة 126، 181، 530

تدع الصلاة ؛ تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع عنها الدم... 63، 126، 181

تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها 133

تدع الصلاة ؛ لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس 61، 167، 537

تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً 546

تستدخل القطنة ، ثمّ تدعها مليّاً ، ثمّ تخرجها إخراجاً رفيقاً 31

تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة ، ثمّ تصلّي 199

تستظهر بيوم أو يومين ، ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل 451، 463

تُصلّي العصر وحدها ، فإن ضيّعت فعليها صلاتان 311

تصلّي حتّى يخرج رأس الصبيّ ، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة 530، 570

تصلّي ما لم تلد 529، 545

تضع كرسفاً آخر 457، 458

تعرف أيّامها ومبلغ عددها 132

تغتسل وتصلّي 125، 210

تقضي إذا طهرت 296

تقضي صلاتها 521

ص: 599

تقضي صومها ، ولا تقضي صلاتها 518

تقعد النفساء سبع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة 560

تقعد أيّامها 559

تقعد أيّامها التي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم على الأيّام . . . استظهرت 354

تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام قرئها ، فإن هي طهرت... 219

تقعد بقدر حيضها ، وتستظهر بيومين ، فإذا انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت 552

تقعد بقدر حيضها ، وتستظهر بيومين ، فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت 432

تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به 206

تقوم من مسجدها ، ولا تقضي الركعتين ، وإن كانت رأت الدم... 298

تقوم من مكانها ، ولا تقضي الركعتين 297

تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيّام الحيض . . . حيضاً كلّه 325

تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة 348

تمسّ الماء أحبّ إليّ 262

تمسك عن الصلاة 345

تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها ، فإذا طهرت صلّت 345، 354

تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام . . . 431، 481

تنتظر عدّة ما كانت تحيض ، ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة 430

تنظر الأيّام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة ، فلا يقربها 514

توضّأت وصلّت 332

ثلاث يتزوّجن على كلّ حال . . . 71، 78

ثمّ اختلط عليها من طول الدم 372

ثمان عشرة ؛ سبع عشرة ، ثمّ تغتسل وتحتشي وتصلّي 560

ثمّ تغتسل عند المغرب ، فتصلّي المغرب والعشاء 496

ثمّ تمسك قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع ، فلتجمع 501

ص: 600

ثمّ قد قضى الغسل ، ولا وضوء عليه 278

ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل وتستوثق من نفسها 441، 449

جعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر 394

الجنب يغتسل ؛ يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما . . . 278

الحائض لا تقضي الصلاة 295

حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر 423

حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون سنة 77

دخلت المسجد 498

دعي الصلاة أيّام أقرائك 142، 145، 146، 149،

156، 158، 163، 177،

195، 196

دم الحيض أسود يعرف 326

دم الحيض ليس به خفاء 326

دم الحيض ليس به خفاء ؛ هو دم حارّ 17، 21، 362

ربّما تعجّل بها الوقت 59، 166

ربّما قذفت 351

ربّما قذفت بالدم 350

ربّما كثر ففضل عنه 351، 353

ركضة من الشيطان 319

زادت كرسفها 501

زادت ونقصت 371

زادت ونقصت وتقدّمت وتأخّرت 372

سئل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن المرأة تستحاض ، فأمرها أن تمكث 448

سأل سلمان علياً علیه السلام عن رزق الولد في بطن اُمّه . . . 349، 534

ص: 601

سنّتها السبع 412

صبيباً لا يرقأ 486

الصفرة في أيّام العادة حيض 163

الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض 164، 176

صلّت الغداة بغسل . . . 470

صلّت بغسل واحد 470، 471

صلّت كلّ صلاة بوضوء 498

صومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين 412

طهرها ثلاث وعشرون 225

ع-دّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني ، عشرةَ أيّام 124

عرق غابر 319

عزف عامر 319

على مسكين بقدر شبعه 239

عليه أن يتصدّق 241، 247

غسل الاستحاضة واجب ؛ إذا احتشت بالكرسف . . . 452

غسل النفساء واجب 547

الغسل يجزي عن الوضوء 275

الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل ؟ ! 272، 281

فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء . . . 152

فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها 141

فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكُرسُف ، اغتسلت للظهر والعصر 438

فإذا جهلت الأيّام وعددها ، احتاجت إلى النظر حينئذٍ 137

فإذا حاضت المرأة ، وكان حيضها خمسة أيّام . . . اغتسلت وصلّت 115

فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة 544

ص: 602

فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة 162

فإذا ظهر أعادت الغسل ، وأعادت الكرسف 458

فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج 190، 197

فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة 513

فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر 514

فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط . . . 189

فإذا كان للدم حرارة . . . 362

فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة 21، 386

فإذا مضى ذلك - وهو عشرة أيّام - فعلت ما تفعله المستحاضة 377

فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الاُولى والثانية 22، 366

فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها 136

فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع . . . 134، 137، 150

فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواء 138

فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت 439، 448، 452

فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ، ثمّ صلّت الغداة بغسل 463، 469

فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض 44

فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل 200

فإنّ ذلك ليس من الرحم ، ولا من الطمث 356

فإن رأت الدم يوماً أو يومين ، فليس ذلك من الحيض 103

فإن رأت بعد ذلك الدم ، ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام . . . 115

فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة 493

فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها 497

فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل 482

فإن طرحت الكرسف . . . 442

ص: 603

فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها 458

فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر ، وأمر علي علیه السلام بهذا قبلكم 209

فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب . . . فلتوضّأ 484

فإن كانت نساؤها مختلفات . . . 401، 404

فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام 406

فإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها 62

فإن لم يكن الأمر كذلك . . . 24، 389

فإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها . . . 388

فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ 101

فجميع حالات المستحاضة . . . 435

فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث 16

فذلك الذي رأته في أوّل الأمر . . . 123

فذلك الذي رأته في أوّل الأمر ، مع هذا الذي رأته . . . هو من الحيض 123، 150

فرأت صفرة أو دماً 537

فربّما فضل عنه 350

فسال الدم وجب عليها الغسل 442

فسنّتها السبع والثلاث والعشرون 224، 408، 411

فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً 138، 142، 146، 157

فلتتّق اللّه ، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة 31

فلتتوضّأ من الصفرة 334، 341

فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة 454

فلتدع الصلاة أيّام أقرائها 133

فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة 340، 474

فلتغتسل ، ثمّ تحتشي وتستذفر وتصلّي الظهر والعصر 441

ص: 604

فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتوضّأ ولتصلّ 334

فلتقعد أيّام قُرئها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام 332، 554

فلتقعد أيّام قرئها الذي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام 570

فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها 169

فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم 86، 104، 152،

179، 198

فلهذا احتاجت إلى أن تعرف . . . 25، 136، 374

فليتصدّق على مسكين 238

فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلاّ استغفر اللّه ولا يعود 237

فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون 224، 411

فهذا بيِّن واضح ؛ إنّ هذه لم يكن لها أيّام قبل ذلك قطّ 22

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط . . . 369، 373

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها 14، 136، 422

فهذا يبيّن لك أنّ قليلَ الدم وكثيره أيّام الحيض ، حيضٌ كلّه 422

فهذه سنّة التي تعرف أيّام أقرائها لا وقت لها إلاّ أيّامها 364

فهذه سنّة التي تعرف أيّامها ولا وقت لها إلاّ أيّامها ؛ قلّت أو كثرت 133

في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر : تصلّي العصر ، ثمّ تصلّي الظهر 310

فيجب أن تدع في النفاس والحيض 544

في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة 274، 281

قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حَبَلٍ 346، 540

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان اللّه عزّ وجلّ ليجعل حيضها مع حمل... 541

قد أمر بذا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم 209

قدر حيضها ، وقال : إنّما هو عَزْف وأمرها أن تغتسل وتَسْتثفِر بثوب وتصلّي 364

القُرء ما بين الحيضتين 127

ص: 605

كان يأمر فاطمة والمؤمنات . . . 519

كذبوا على علي علیه السلام ، ما وجدوا ذلك في كتاب علي علیه السلام 274

كلّ شيء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها 225، 517

كلّ شيء غير الفرج 234

كلّ شيء ما عدا القبل منها بعينه 233

كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة 274، 280

كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها - من صفرة أو حمرة - فهو من الحيض 92

كلّ ما رأت في أيّام العادة - من صفرة أو حمرة - حيض 180

لا أعلم فيه شيئاً 240، 241

لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع 233

لا بأس ، وبعد الغسل أحبّ إليّ 261

لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه 187، 192

لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها . . . 64، 65، 162،

172، 331

لا ، حتّى تغتسل 262

لا ، ليس عليه قبلُ ولا بعدُ ، قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك . . . 277

لأنّ أقلّ أيّام الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثرها عشرة أيّام ، وأوسطها خمسة أيّام 561

لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس 62، 168

لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر . . . 519

لأ نّك كنت على يقين من طهارتك ، ثمّ شككت 101

لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة وغيره 276

لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك 185، 502

لا ؛ هذه مستحاضة 184

لا ، هذه مستحاضة ؛ تغتسل وتستدخل قطنة 336، 451، 511

ص: 606

لا يرقأ 485

لا يصلح حتّى تغتسل 262

لا يصلح لزوجها أن يقع عليها حتّى تغتسل 263

لا يكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام 108

لا يكون الدم أقلّ من ثلاثة أيّام 111

لا يكون القرء في أقلّ من عشرة 534، 584

لا يكون القُرْء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد... 127، 533

لا يكون دم الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام 110

لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض 562

لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى اللّه أن يقربها 240

لم يجز الدم . . . 453

لوقته من الشهر الأوّل 134

لو كان حيضها أكثر من سبع . . . 411

ليس عليها أن تقضي الصلاة ، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان 293

ليس عليه شيء ، وقد عصى ربّه 240

ليس عليه شيء ، يستغفر اللّه ، ولا يعود 240

ليس قبله ولا بعده وضوء 273

ليس لها سنّة إلاّ أيّامها 156

الماء يطهِّر 578

ما أبكاك ؟32

ما بين الفخذين 234

ما بي-ن ألْيتيها ، ولا يوقب 235

ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة 341

ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة وتصلّي 334

ص: 607

ما دون الفرج 234

ما رأت المرأة . . . قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى 217

ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حَبَل 348

ما كان قبل الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه 176

ما كان من قليل الأيّام وكثيره... 379

مثل ذلك سواء ، فإن انقطع عنها الدم وإلاّ فهي مستحاضة 536، 553

المرأة إذا بلغت خمسين لم ترَ حمرة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش 81

المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها ، فاستمرّ بها الدم . . . 178، 198، 376

المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة 78

مُرها فلتستلقِ على ظهرها ، ثمّ ترفع رجليها ، ثمّ تستدخل إصبعها الوسطى... 44

المستحاضة إذا ثقب الدمُ الكُرْسُفَ اغتسلت لكلّ صلاتين 338، 440، 462،

470، 516

المستحاضة إذا مضت أيّام قرئها اغتسلت واحتشت كرسفها وتنظر . . . 501

المستحاضة تستظهر 206، 208

المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلّي الظهر والعصر 496، 511

المستحاضة تقعد أيّام قرئها ، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين 206، 211

المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها ، وتحتاط بيوم أو اثنين 206، 227، 513

المستحاضة تنظر أيّامها ؛ فلا تصلّي فيها ، ولا يقربها بعلها 464

ممّا يزيد هذا بياناً قوله لها : تحيّضي ، وليس يكون التحيّض إلاّ للمرأة... 427

من أتى حائضاً فعليه نصف دينار ، ويتصدّق به 247

من أتى حائضاً فعليه نصف دينار ، يتصدّق به 239

من أدرك . . . 305

من أدرك ركعة . . . 301، 302

من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح... 300

ص: 608

من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة 299

من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر 300

من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة 300

من الحيضة الاُولى 97، 125

نعم ؛ إذا غسلت فرجها وتيمّمت فلا بأس 262

نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها 229، 516، 554،

569، 574

نعم ؛ إنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم 56، 345

نعم ؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم وهي حبلى 57، 345، 353

نعم ؛ وذلك أنّ الولد في بطن اُمّه غذاؤه الدم ، فربّما كثر ففضل عنه 56، 346، 535

النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي تمكث فيها ، ثمّ تغتسل 553

النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها ، ثمّ تغتسل 209

وأدناه حيضتان 145

وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل... 164، 354

وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام . . . 98

وإذا رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت 341

وإذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الاُولى 96

واغتسلي للفجر غسلاً . . . 477

وأقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم 129

والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض . . . 78

والمستحاضة تغتسل وتحتشي وتصلّي ، والحائض تترك الصلاة 338

والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً 560

وأمّا السنّة الثالثة : ففي التي ليس لها أيّام متقدّمة ، ولم تَرَ الدم قطّ 366

وأمّا السُنّة الثالثة فهي التي ليس لها أيّام متقدّمة ، ولم ترَ الدم قطّ... 22

ص: 609

وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها . . . 133، 135،

143، 370

وإن اختلطت الأيّام عليها ، وتقدّمت وتأخّرت 371

وإن اختلط عليها أيّامها وزادت ونقصت . . . عملت بإقبال الدم 23، 142، 435

وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل 516

وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين ، اغتسلت وصلّت 123

وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني . . . 115

وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف ، يسيل من خلف الكرسف صبيباً . . . 442، 481

وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ، ودخلت المسجد 438، 439، 451،

498، 512

وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض 202

وإن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت ، جلست بمثل أيّام اُمّها أو اُختها 395

وإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها ، ثمّ لتغتسل ولتصلّ 169

وإن كان صفرة فعليها الوضوء 440

وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل 441، 448، 457،

466، 500

وإن لم تَرَ شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ ولتصلّ 200، 334

وإن لم تر طهراً اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل 449، 500

وإن لم يجز . . . 453

وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد 439، 440

وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة 453

وإن لم يكن الأمر كذلك . . . 435

وإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها... 375

وإن لم ينقطع الدم عنها إلاّ بعد ما تمضي الأيّام... فلتغتسل 448

ص: 610

وإنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث ... 138، 158

وإنّما سنّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها 133

وإن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل 467

وأيُّ وضوء أطهر من الغسل 277

وأيُّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ ؟ ! 273، 279

وتجمع بين الصلاتين 408

وتجمع بين المغرب والعشاء بغسل ، فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها 513

وتحتشي وتستثفر وتحشّي وتضمّ فخذيها في المسجد 464

وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة 477

وتنظر ؛ فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها ، وتوضّأت وصلّت 460

وجعلت وقت طهرِها أكثرَ ما يكون من الطهر 377

وذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم 533

وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف 15، 395

وذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش . . . 421

وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما ذلك عزف عامر 453، 459

وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما هو عِرق غابر أو رَكْضة من الشيطان 282

وسئل عن المستحاضة ، فقال : إنّما هو عزف عامر ، أو ركضة من الشيطان 490

الوضوء بعد الغسل بدعة 273

وغسل الاستحاضة واجب ؛ إذا احتشت بالكرسف وجاز الدم . . . 462

وغسل النفاس واجب 528

الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والتوجّه ، والركوع ، والسجود ، والدعاء 270

وكان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين 371

وكذلك تفعل المستحاضة ؛ فإنّها إذا فعلت ذلك أذهب اللّه بالدم عنها 481

وكلّ شيء أمسسته الماء فقد أنقيته 279

ص: 611

وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها . . . فهو من الحيض 38، 169

ولا بأس بأن يأتيها بعلها إذا شاء إلاّ أيّام حيضها 512

ولا تقضي الصلاة 519

ولا وضوء فيه 274

ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام 533

ولِمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً ؟558

ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم 15، 374

ومتى ما جامعتها وهي حائض فعليك أن تتصدّق بدينار 237

وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد 544

وهي في نفاسها من الدم 579

هذا إذا كان دماً عبيطاً 468

هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها 373

هذه سنّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم في التي تعرف أيّام أقرائها ؛ لم تختلط عليها 133، 364

هيهات ! إنّما يرتفع الطمث من ضربين : إمّا حبل بيّن ، وإمّا فساد من الطمث 350

هيهات من ذلك يابن حكيم ! رفع الطمث ضربان . . . 350

يا خلف ، سرّ اللّه ، سرّ اللّه فلا تذيعوه ، ولا تعلّموا هذا الخلق اُصول دين اللّه 31

يتصدّق بدينار 247

يتصدّق بدينار ويستغفر اللّه 239

يجب عليه في استقبال الحيض دينار 241، 238، 247

يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها ، فتقتدي بأقرائها 206، 395

يصير دم النفاس 544، 545

يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها 291

ص: 612

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم = محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 3، 14، 16، 22، 26، 27، 32، 33، 132، 133، 138، 141، 142، 144، 145، 146، 149، 150، 151، 156، 158، 177، 209، 235، 258، 293، 300، 320، 346، 347، 363، 364، 365، 366، 367، 368، 369، 371، 373، 374، 376، 413، 416، 421، 422، 435، 447، 477، 478، 518، 519، 520، 540، 541، 557، 558

أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 209، 274، 275، 300، 541

فاطمة (سلام اللّه عليها)= فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها)

فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) 293، 519

الباقر، أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 35، 59، 96، 127، 186، 197، 200، 206، 211، 219، 228، 229، 238، 263، 270، 272، 273، 274، 280، 281، 288، 291، 293، 298، 334، 347، 376، 395، 441، 447، 448، 449، 451، 452، 463، 477، 482، 500، 501، 514، 516، 532، 540، 554، 557، 569، 573

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام= جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 8،

ص: 613

13، 16، 18، 21، 22، 26، 27، 43، 56، 57، 60، 63، 64، 65، 71، 77، 78، 81، 85، 88، 91، 97، 98، 113، 118، 120، 125، 126، 145، 146، 149، 150، 151، 156، 157، 158، 161، 162، 163، 171، 176، 177، 178، 181، 189، 197، 198، 199، 202، 206، 210، 218، 224، 233، 234، 235، 237، 239، 240، 261، 262، 273، 274، 276، 277، 279، 280، 293، 296، 297، 308، 309، 310، 311، 324، 328، 329، 331، 332، 345، 346، 347، 349، 350، 351، 355، 361، 362، 363، 364، 366، 369، 373، 376، 379، 411، 416، 417، 421، 431، 438، 448، 451، 452، 462، 464، 477، 478، 481، 500، 501، 511، 514، 529، 530، 534، 535، 540، 545، 553، 555، 558، 559، 560، 562، 563، 565، 570

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس) 57، 206، 209، 227، 240، 311، 335، 345، 354، 512، 553

العبد الصالح، أبو إبراهيم، أبو الحسن الأوّل، أبو الحسن الماضي علیه السلام ‘موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 31، 37، 41، 57، 61، 62، 167، 168، 184، 261، 274، 278، 283، 304، 310، 336، 348، 350، 351، 353، 407، 451، 511، 537، 546

الرضا، أبو الحسن علیه السلام ‘علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 338، 345، 430، 552، 560

أبو الحسن الثالث علیه السلام ‘علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 276

ص: 614

4 - فهرس الأعلام

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين 9، 13، 16، 30، 140، 159، 437، 451، 568

الآقا جمال خوانساري، محمّد بن الحسين 372، 484

أبان= أبان بن عثمان

أبان بن عثمان 43، 47، 48

إبراهيم بن محمّد 276

ابن أبي عقيل العمّاني، الحسن بن علي 437، 450، 461، 551

ابن أبي عمير، محمّد 80، 81، 82، 83،274، 280، 283

ابن أبي نصر= البزنطي، أحمد بن محمّد

ابن أبي يعفور= عبداللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 265، 343

ابن الأثير 317، 319، 330

ابن البختري= حفص بن البختري

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 447، 473

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد 45، 272، 283، 343، 410، 437، 451، 461، 550

ابن الحجّاج= عبدالرحمان بن الحجّاج

ابن الزبير= علي بن محمّد بن الزبير

ابن المغيرة= عبداللّه بن المغيرة

ابن الوليد 93

ابن بابويه، محمّد بن علي 44، 80، 81، 82، 93، 128، 253، 263، 272، 405، 438، 519، 557، 560

ابن بكير 178، 179، 198، 233، 261، 376، 377، 394، 407، 408، 409، 417، 418، 428

ابن حكيم= محمّد بن حكيم

ابن حمزة، محمّد بن علي 473، 507

ص: 615

ابن زهرة، حمزة بن علي 251، 360، 473

ابن سنان= عبداللّه بن سنان

ابن سوقة= زياد بن سوقة

ابن سينا، الحسين بن عبداللّه 246

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 77، 268، 560

ابن طاوس، أحمد بن موسى 45، 46، 473

ابن عبّاس، عبداللّه بن عبّاس 318

ابن عبدون= أحمد بن عبدون

ابن محبوب= الحسن بن محبوب

ابن مسلم= محمّد بن مسلم

ابن مهزيار= علي بن مهزيار

ابن يقطين= علي بن يقطين

أبو الصباح الكناني 308، 313

أبو الصلاح الحلبي، التقي بن نجم 360، 473

أبو المغرا= حميد بن المثنّى

أبو المكارم= ابن زهرة، حمزة بن علي

أبو عبيدة= الحذّاء، زياد بن عيسى

أبو علي سينا= ابن سينا، الحسين بن عبداللّه

أبو علي= ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

أبو بصير 57، 63، 65، 126، 163، 165، 172، 181، 202، 205، 218، 239، 240، 247، 262، 345، 352، 353، 379، 394، 397، 555، 565

أبو بصير، ليث المرادي 546، 548

أبو جميلة= المفضّل بن صالح

أبو حنيفة 56، 58، 128، 235

أبو يوسف= أبو يوسف القاضي، يعقوب بن إبراهيم

أبو يوسف القاضي، يعقوب بن إبراهيم 156، 159

أحمد بن عبدالواحد= أحمد بن عبدون

أحمد بن عبدوس 548

أحمد بن عبدون 79

أحمد بن محمّد بن عيّاش= الجوهري، أحمد بن محمّد

الأخفش 128

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 43، 46، 231، 283

إسحاق بن جرير 16، 26، 27، 205، 208، 323، 362، 419

إسحاق= إسحاق بن عمّار

إسحاق بن عمّار 9، 20، 27، 58، 85، 324، 335، 346، 358

ص: 616

الإسكافي ‘ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

إسماعيل بن عبدالخالق 508، 514، 517

إسماعيل بن مرار 91، 93

إسماعيل بن همّام 304، 310

أسماء بنت عميس 557، 558

الأشعري، محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران 273

أصبغ= الأصبغ بن نباتة

الأصبغ بن نباتة 300

الأقطع، سليمان بن خالد 56، 273، 345، 352، 535

اُمّ سلمة 364، 370

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 20، 88، 102، 107، 117، 132، 140، 172، 173، 193، 202، 207، 215، 216، 217، 245، 257، 259، 260، 372، 434، 466، 471، 473، 480، 483، 487، 490، 495، 496، 507، 563، 584

بحر العلوم 495

البحراني، يوسف بن أحمد 91، 95، 98، 111، 112، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 123، 125، 151، 363، 368، 376، 378، 379، 415

البزنطي، أحمد بن محمّد 78، 80، 274، 205

البصري= عبدالرحمان بن أبي عبداللّه

البطائني، علي بن أبي حمزة 176

بعض المحقّقين= الهمداني، رضا بن محمّد هادي

البهائي= شيخ البهائي، محمّد بن الحسين

البهبهاني، محمّد باقر بن محمّد أكمل 283، 473

التقي= أبو الصلاح الحلبي، التقي بن نجم

جعفر بن محمّد 36

جعفر بن محمّد بن عون 36

جعفر بن محمّد بن يونس 36

الجعفي، إسماعيل بن جابر 162، 205، 211، 449، 458، 460، 467، 500

الجوهري، أحمد بن محمّد 559

الجوهري، إسماعيل بن حمّاد 318، 320، 330، 331، 333

الجوهري، القاسم بن محمّد 467

ص: 617

الجهني= مالك بن أعين

الحذّاء، زياد بن عيسى 262، 265، 267

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 95، 117

حريز= السجستاني، حريز بن عبداللّه

الحسن بن راشد 293

الحسن بن محبوب= السرّاد، الحسن بن محبوب

الحسين بن نعيم الصحّاف= الصحّاف، الحسين بن نعيم

الحضرمي، أبو بكر 280

حفص بن البختري 13، 19، 20، 26، 27، 323، 329، 356، 361، 386

حفص بن غياث 512

حكم بن حكيم 273، 275، 279، 281

الحلبي، عبيداللّه بن علي 207، 211، 235، 239، 241، 304، 311، 447، 487، 488

الحلبي= أبو الصلاح الحلبي، التقي بن نجم

الحلّي= ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان 274، 276

حمران بن أعين 219، 559

حمنة بنت جحش 22، 23، 24، 320، 366، 368، 369، 375، 413، 414، 416، 478

حميد بن المثنّى 26، 27، 58، 125، 205، 209، 324، 334، 346، 348، 358

حنّان بن سدير 560

الخثعمي، محمّد بن حكيم 350

الخراساني= الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين

خلف بن حمّاد= الكوفي، خلف بن حمّاد

الخونساري= الآقا جمال خوانساري، محمّد بن الحسين

الداماد= الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد

داود بن فرقد 237، 238، 241، 249، 250

داود مولى أبي المغرا 125، 205، 210

الدجاجي، داود 308

الراوندي= القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه

رُزيق (زُريق) بن الزبير الخلقاني 352، 530، 531، 537، 540، 544، 547، 570، 572، 573، 580

رفاعة= النخّاس، رفاعة بن موسى

ص: 618

الزبيري= علي بن محمّد بن الزبير

زرارة 101، 127، 129، 185، 205، 206، 209، 211، 212، 227، 240، 241، 270، 273، 279، 288، 291، 293، 395، 432، 439، 441، 448، 449، 451، 452، 460، 463، 469، 470، 496، 500، 502، 512، 536، 552، 557

الزمخشري، محمود بن عمر 318

زياد بن سوقة 34، 36، 42

زينب بنت جحش 478

الساباطي، عمّار بن موسى 267، 277، 284، 529، 531، 537، 542، 545

السجستاني، حريز بن عبداللّه 56، 352

السرّاد، الحسن بن محبوب 228، 501، 512

سعيد بن يسار 199، 200، 205، 262

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 346، 347، 540، 541، 545، 573، 580

سلاّر الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز 360، 473

سلمان 349، 534

سليمان بن خالد= الأقطع، سليمان بن خالد

سماعة بن مهران 9، 58، 67، 86، 103،106، 140، 147، 151، 152، 164، 166، 169، 170، 176، 178، 189، 197، 198، 205، 218، 297، 338، 340، 354، 376، 388، 394، 397، 398، 400، 401، 406، 407، 408، 409، 410، 440، 443، 452، 453، 459، 462، 467، 470، 476، 516، 517

سهل بن زياد الآدمي 71، 78، 267

السيّد= ابن زهرة، حمزة بن علي

السيّد المرتضى= علم الهدى، علي بن الحسين

السيّد (صاحب الرياض)= الطباطبائي، علي بن محمّد علي

شاذان بن الخليل 297

شارح المفاتيح= البهبهاني، محمّد باقر بن محمّد أكمل

الشافعي، محمّد بن إدريس 65، 235، 275، 529، 539

شرحبيل الكندي= الكندي، شرحبيل

الشهيد= الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي

الشهيد= الشهيد الثاني، زين الدين بن علي

ص: 619

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 43، 45، 46، 131، 140، 265، 342، 515، 522، 550

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 75، 82، 107، 257

الشهيدان (الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي / الشهيد الثاني، زين الدين بن علي) 472، 483

الشيخ ‘الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخان (الكليني، محمّد بن يعقوب / ابن بابويه، محمّد بن علي) 537

الشيخ الأعظم= الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

شيخ البهائي، محمّد بن الحسين 107

شيخ الطائفة ‘الطوسي، محمّد بن الحسن

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر 28، 140، 176، 192، 215، 216، 249، 285، 358، 399، 484، 566، 567، 572

صاحب الحدائق= البحراني، يوسف بن أحمد

صاحب الصحاح= الجوهري، إسماعيل بن حمّاد

صاحب المدارك= الموسوي العاملي، محمّد بن علي

صاحب المسالك= الشهيد الثاني، زين الدين بن علي

صاحب المصباح= الهمداني، رضا بن محمّد هادي

صاحب الوافي= الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه المرتضى

الصحّاف، الحسين بن نعيم 164، 170، 210، 336، 346، 351، 352، 354، 355، 441، 442، 448، 452، 454، 460، 465، 481، 484، 486، 487، 496، 500

الصدوق= ابن بابويه، محمّد بن علي

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين / ابن بابويه، محمّد بن علي) 46، 360، 447،472، 511

صفوان بن يحيى 184، 336، 340، 345، 352، 353، 451، 487، 511

الطباطبائي= الطباطبائي، علي بن محمّد علي

الطباطبائي، علي بن محمّد علي 358، 473

الطبرسي، فضل بن الحسن 266

ص: 620

الطوسي ‘الطوسي، محمّد بن الحسن

الطوسي، محمّد بن الحسن 44، 45، 46، 62، 63، 66، 72، 78، 80، 81، 83، 113، 127، 150، 169، 181، 231، 232، 249، 250، 266، 300، 310، 356، 380، 386، 394، 400، 405، 406، 473، 507، 514، 519، 539، 556، 561، 569، 573

الطيالسي، محمّد بن خالد 514

عبدالرحمان 57، 98، 122، 125، 206، 441، 448، 460، 466

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 60، 98، 118، 124، 207، 208، 228، 262، 457، 513

عبدالرحمان بن أعين 209، 212

عبدالرحمان بن الحجّاج 62، 71، 77، 78، 82، 168، 172، 296، 346، 353

عبداللّه بن أبي يعفور 458، 460، 501

عبداللّه بن المغيرة 61، 167، 205، 261، 431، 432، 537

عبداللّه بن بكير= ابن بكير

عبداللّه بن سليمان 273

عبداللّه بن سنان 56، 57، 113، 207، 211، 233، 308، 313، 345، 352، 487، 496، 511، 560، 562، 573

عبداللّه بن محمّد 351

عبدالملك 209

عبدالملك بن عمرو 233، 234

عبيد بن زرارة 310

العبيدي، محمّد بن عيسى 363

العجلي= ابن إدريس، محمّد بن أحمد

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 8، 10، 67، 80، 107، 131، 140، 159، 221، 298، 342، 405، 444، 461، 472، 483، 506، 515، 522، 551، 563

العلاّمة الطباطبائي= بحر العلوم، محمّد مهدي بن مرتضى

علم الهدى، علي بن الحسين 231، 272، 283، 472، 539، 551، 568، 569

علي بن إبراهيم= القمّي، علي بن إبراهيم

علي بن أبي حمزة= البطائني، علي بن أبي حمزة

علي بن الحسن بن فضّال 78، 515

علي بن بابويه 44

علي بن جعفر 324، 333

ص: 621

علي بن محمّد بن الزبير 72، 79، 227، 268، 296، 313، 515

علي بن محمّد بن الزبير القرشي ‘الزبيري، علي بن محمّد بن زبير

علي بن مهزيار 518، 519

علي بن يقطين 261، 283، 284، 324، 546

العمّاني= ابن أبيعقيل، الحسن بن علي

عمر بن حنظلة 234، 308، 313

عمر بن يزيد 234

عيص= العيص بن القاسم

العيص بن القاسم 64، 240، 241

الفاضلان (المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن / العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف) 437

فاطمة بنت أبي حبيش 14، 26، 27، 320، 364، 368، 369، 370، 371، 373، 421، 478، 519

الفتياني، المقرن 349، 534

فخر الإسلام= فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 456

الفضل بن شاذان= ابن شاذان، الفضل بن شاذان

فضل بن يونس 298

الفضيل= الفضيل بن يسار

الفضيل بن يسار 206، 227، 512

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى 464

القاضي= ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 253، 265، 266

القمّي، إبراهيم بن هاشم 268، 558

القمّي، علي بن إبراهيم 91، 240، 363

الكاتب= ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

الكشّي، محمّد بن عمر 93

الكليني، محمّد بن يعقوب 46، 82، 169، 272، 363، 505، 519

الكناني، أبو الصباح= أبو الصباح الكناني

الكندي، شرحبيل 189، 190، 194

الكوفي، خلف بن حمّاد 31، 32، 34، 36، 37، 40، 42، 194، 197

ليث المرادي= أبو بصير، ليث المرادي

مالك بن أعين 205، 229، 514، 515، 517، 554، 569، 573، 579

ص: 622

المأمون، خليفة العبّاسي 338، 560

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 81، 319

المحقّق الثاني ‘المحقّق الكركي، علي بن الحسين

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 46، 63، 80، 127، 131، 181، 265، 308، 309، 328، 344، 356، 380، 405، 434، 461، 506، 550، 571

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 342، 472، 493

محمّد بن أبي بكر 557، 558

محمّد بن أحمد بن يحيى= الأشعري، محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران

محمّد بن الربيع 313

محمّد بن الفضيل 313

محمّد بن حكيم= الخثعمي، محمّد بن حكيم

محمّد بن عبداللّه بن زرارة 227

محمّد بن عمرو بن سعيد 205، 430، 432

محمّد بن مسلم 26، 27، 57، 58، 59، 60، 64، 65، 66، 96، 118، 120، 122، 124، 125، 127، 129، 151، 161، 171، 186، 190، 191، 193، 197، 200، 205، 206، 217، 228، 238، 239، 240، 263، 264، 266، 272، 274، 275، 281، 311، 324، 331، 334، 335، 345، 354، 358، 395، 396، 399، 440، 482، 486، 500، 512، 532، 533، 538، 557، 558، 559، 562، 584

محمّد بن يحيى= محمّد بن يحيى العطّار

محمّد بن يحيى العطّار 43

المرادي= أبو بصير، ليث المرادي

معاوية بن حكيم 164، 176

معاوية بن عمّار 8، 21، 27، 88، 207، 211، 233، 323، 328، 356، 361، 381، 382، 423، 438، 439، 440، 451، 464، 468، 498، 512

المفضّل بن صالح 313، 548

المفيد، محمّد بن محمّد 44، 46، 80، 82، 83، 343، 360، 552، 556، 557، 561، 562، 563، 564، 573

المقرن الفتياني= الفتياني، المقرن

منصور بن حازم 309، 313

الموسوي العاملي، محمّد بن علي 43، 493

ص: 623

المولى البهبهاني= البهبهاني، محمّد باقر بن محمّد أكمل

الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد 79

النجاشي، أحمد بن علي 78، 79

النجفي، محمّد حسن بن باقر= صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

النخّاس، رفاعة بن موسى 351

النيسابوري، محمّد بن إسماعيل 77، 78، 184، 268

هشام بن سالم 233

الهمداني، رضا بن محمّد هادي 28، 140، 143، 145، 161، 245، 246، 461

الهمداني، محمّد بن عبدالرحمان 276، 277، 281

يعقوب الأحمر 218

يعقوب بن يقطين 278

يونس= يونس بن عبدالرحمان

يونس بن عبدالرحمان 14، 21، 26، 27، 38، 87، 91، 93، 104، 107، 112، 115، 119، 123، 129، 131، 132، 137، 150، 151، 154، 156، 162، 169، 177، 189، 194، 196، 205، 207، 211، 282، 317، 318، 320، 323، 325، 331، 332، 340، 363، 377، 379، 386، 388، 394، 404، 405، 407، 408، 409، 410، 411، 415، 417، 419، 421، 423، 426، 435، 453، 459، 473، 477، 490، 507، 532، 538، 584

يونس بن يعقوب 63، 126، 181، 205، 296، 379، 431، 443، 481، 487، 493، 553، 555، 556، 570

ص: 624

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 232، 257، 258

أحكام الراوندي 253، 265، 266

أحكام النساء 561

الاستبصار 344

الإصباح= إصباح الشيعة

إصباح الشيعة 510

الإعلام 562

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد 510

الأمالي للصدوق 10، 84، 113، 551

الانتصار 236، 253، 550

البيان 43، 45، 510، 522

التبيان 82، 231، 253، 265، 266

التحرير= تحرير الأحكام

تحرير الأحكام 510

التذكرة= تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 105، 160، 177، 217، 236، 253، 360، 415، 446، 450، 506، 508، 509، 510، 522، 531، 543، 544، 548، 585

تقريرات بعض أعاظم فنّ الاُصول ‘فوائد الاُصول

التنقيح الرائع 531، 551

التهذيب= تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 43، 44، 45، 46، 80، 344، 356

جامع المقاصد 44، 82، 104، 108، 140، 236، 253، 342، 415، 446، 450، 484، 510، 518، 531، 544، 548

الجامع للشرائع 104، 167، 539

الجعفريات 541، 573، 580

الجعفرية 548

جمل العلم والعمل 473، 551

الجمل والعقود 510، 539

ص: 625

الجواهر= جواهر الكلام

جواهر الكلام 28، 82، 88، 104، 140، 145، 150، 176، 192، 200، 201، 215، 216، 221، 249، 285، 299، 303، 311، 342، 358، 399، 437، 447، 456، 459، 461، 480، 484، 495، 503، 518، 539، 566، 567، 572

حاشية الإرشاد 531

حاشية الروضة= الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية

حاشية المدارك= الحاشية على مدارك الأحكام

الحاشية على مدارك الأحكام 44

الحدائق الناضرة 18، 25، 88، 91، 95، 97، 98، 108، 111، 112، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 123، 125، 151، 363، 368، 376، 378، 379، 415

الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية 484

الخلاف 65، 66، 150، 217، 231، 236، 253، 299، 300، 303، 343، 360، 405، 419، 450، 461، 472، 531، 532، 537، 539، 544، 549

الدروس= الدروس الشرعية

الدروس الشرعية 43، 236، 484، 510

الدعائم= دعائم الإسلام

دعائم الإسلام 324، 326

الذخيرة= ذخيرة المعاد

ذخيرة المعاد 510، 518

الذكرى= ذكرى الشيعة

ذكرى الشيعة 43، 45، 46، 67، 88، 236، 446، 484، 510، 522، 544، 548، 550

رسالة علي بن بابويه 44

الروض= روض الجنان

روض الجنان 74، 75، 140، 253، 257، 264، 510، 518، 574

الروضة البهيّة 82، 548

الرياض= رياض المسائل

رياض المسائل 52، 201، 358، 447، 473

السرائر 236، 253، 287، 343، 405، 447، 472، 510، 561

الشرائع= شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 177، 237، 342، 343، 472، 473، 522

ص: 626

شرح الإرشاد 456

شرح الجعفرية 236، 506، 508، 543، 548

شرح الرسالة للسيّد المرتضى 231

شرح المفاتيح= مصابيح الظلام

شرحي الجعفرية= «المطالب المظفرية» و«الفوائد الغروية»

الصحاح 128، 317، 330، 371، 465

الطهارة للشيخ الأنصاري 88، 217، 495

العلل= علل الشرائع

علل الشرائع 564

العيون= عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 338، 340، 564

الغنية= غنية النزوع

غنية النزوع 66، 236، 251، 253، 265، 361، 446، 447، 449، 450، 459، 461، 506، 508، 539، 544، 549، 585

الفائق 318

الفقه الرضوي= الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام

فقه الرضا= الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 44، 47، 103، 190، 194، 237، 250، 325، 438، 552

المطالب المظفرية 510، 531، 544

الفقيه= من لا يحضره الفقيه

فوائد الاُصول 247

فوائد الشرائع 82، 548

الفوائد الغروية 510، 531، 544

القاموس المحيط 317

قرب الإسناد 333، 443، 497

القواعد= قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 444، 506، 522، 551

الكافي 43، 44، 45، 46، 47، 91

الكافي في الفقه 510، 539

كتاب علي علیه السلام 274

كتاب الشيخ الطوسي= تهذيب الأحكام

كشف الالتباس 484، 506، 508، 510، 544، 548

كشف الرموز 531، 549

كشف اللثام 236، 415، 446، 447، 548

الكفاية= كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 446، 447، 472، 510، 585

المبسوط 45، 65، 80، 81، 236، 303،

ص: 627

342، 361، 415، 419، 424، 510، 514، 518، 548

مجمع البرهان= مجمع الفائدة والبرهان

مجمع الفائدة والبرهان 447، 506، 510، 551

المجمع= مجمع البحرين

مجمع البحرين 318

المجمع= مجمع البيان

مجمع البيان 82، 231، 253، 265

المختصر النافع 236، 343، 472، 473

المختلف= مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 253، 298، 472، 531، 550، 551

المدارك= مدارك الأحكام

مدارك الأحكام 18، 25، 43، 48، 222، 271، 299، 300، 342، 344، 356، 360، 415، 472، 493، 506، 510، 518، 531، 544

مرآة العقول 81

المراسم 550

المسالك= مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 82، 88، 415، 585

المستند= مستند الشيعة

مستند الشيعة 18، 25

المشيخة للحسن بن محبوب 228، 500، 512

مصابيح الظلام 45، 46، 88، 150، 236، 343، 518، 544، 585

مصباح الفقيه 52، 245

المعتبر 43، 46، 65، 66، 84، 113، 160، 177، 217، 236، 265، 308، 344، 356، 360، 415، 437، 450، 461، 473، 506، 508، 509، 510، 544، 550، 571، 585

المفاتيح= مفاتيح الشرائع

مفاتيح الشرائع 473

مفتاح الكرامة 236، 506

المقنع 238، 249، 250، 252، 342، 548

المقنعة 81، 325، 473، 510، 561

المنتهى= منتهى المطلب

منتهى المطلب 9، 65، 66، 160، 177، 217، 253، 299، 360، 415، 437، 446، 461، 506، 508، 522، 543، 544، 551، 585

المنجد 318، 371

من لا يحضره الفقيه 128، 303، 342، 550

ص: 628

الموجز= الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى

الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى 484، 510

الناصريات 342، 446، 450، 459، 461، 473، 568

النافع= المختصر النافع

النهاية= نهاية الإحكام

النهاية= النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى

النهاية= النهاية في غريب الحديث والأثر

النهاية في غريب الحديث والأثر 317، 319، 330

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 45، 46، 236، 344، 356، 405

نهاية الإحكام 64، 66، 67، 114، 217

الوافي 319، 464، 505

الوسائل= وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 252

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 419، 539

الهداية للصدوق 550

ص: 629

ص: 630

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - الاجتهاد والتقليد ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

2 - أحكام النساء ، ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد» ج 9 . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري (336 - 413) ، الطبعة الاُولى ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ

المفيد ، 1413 ق .

3 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

4 - إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق فارس الحسّون ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1410 ق .

5 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

ص: 631

6 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

7 - الإشارات والتنبيهات ، مع الشرح للمحقّق نصير الدين الطوسي وشرح الشرح للعلاّمة قطب الدين الرازي . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، طهران ، دفتر نشر كتاب ، 1403 ق .

8 - إصباح الشيعة بمصباح الشريعة . قطب الدين محمّد بن الحسين الكيدرى ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1416 ق .

9 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، طهران ، مكتبة جامع چهلستون ، 1400 ق .

10 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .

11 - الأمالي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ق .

12 - الأمالي أو المجالس . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1400 ق .

13 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

14 - أنوار الهداية في التعليقة علي الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . ‘موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ب»

15 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ (إلاّ 6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

ص: 632

16 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد . محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520 - 595) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، 1412 ق / 1371 ش .

17 - البيان . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، 1412 ق .

«ت»

18 - تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد أحمد الحسينى والشيخ هادي اليوسفي ، قم ، مجمع الذخائر الإسلامية .

19 - التبيان في تفسير القرآن . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي ، بيروت ، 10 مجلّدات ، دار إحياء التراث العربي .

20 - تحرير الأحكام الشرعية علي مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

21 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

22 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

23 - تعليقات علي منهج المقال . المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 - 1206) ، الطبعة الحجرية .

24 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي ( أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

ص: 633

25 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307) ، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، الطبعة الثالثة ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ق .

26 - تنقيح الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . حسين التقوي الاشتهاردي (1304 - 1378 ش) ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1418 - 1419 ق / 1376 - 1377 ش .

27 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوه كمري ، الطبعة الاُولى ، 4

مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

28 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

29 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

30 - تهذيب الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ جعفر السبحاني التبريزي ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1424 ق .

«ج»

31 - جامع أحاديث الشيعة ، الذي اُلّف تحت إشراف آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي (1291 - 1380) . الشيخ إسماعيل المعزّي الملايري ، الطبعة الثانيه ، 26 مجلّداً ، مطبعة مهر ، 1413 ق / 1371 ش .

32 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي

ص: 634

(868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

33 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) . أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 672) ، الطبعة الثانية ، 24 مجلّداً ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1405 ق / 1985 م .

34 - الجامع للشرائع . نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601 - 689) ، تحقيق جمع من الفضلاء ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1405 ق .

35 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

36 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

37 - الحاشية علي مدارك الأحكام . المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 - 1206) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1419 ق .

38 - الحبل المتين . الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 - 1030) ، قم ، مكتبة بصيرتي ، 1398 ق .

39 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

40 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة . صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، الطبعة الثانية ، 9 مجلّدات ، قم ، مكتبة المصطفوي .

ص: 635

41 - الحواشي علي شرح اللمعة الدمشقية . آقا حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري (1019 - 1099) ، قم ، منشورات المدرسة الرضوية .

42 - حياة المحقّق الكركي وآثاره . المحقّق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (868 - 940) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، 12 مجلّداً ، قم ، منشورات الاحتجاج ، 1423 ق .

«خ»

43 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

44 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

«د»

45 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

46 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م.

«ذ»

47 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد . المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017 - 1090) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

48 - الذريعة إلى اُصول الشريعة . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف

المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق أبو القاسم گرجي ، مجلّدان ، الطبعة

ص: 636

الاُولى ، طهران ، مؤسّسه انتشارات و چاپ دانشگاه طهران ، 1363 ش .

49 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

«ر»

50 - رجال ابن داود . تقيّ الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي (647 - 707) ، إعداد السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1392 ق .

51 - رجال البرقى . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة القيّوم ، 1419 ق .

52 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1415 ق .

53 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

54 - رسائل ابن سينا . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، قم ، نشر مكتبة البيدار ، 1400 ق .

55 - رسائل الشريف المرتضى . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، إعداد السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، دار القرآن الكريم ، 1405 - 1410 ق .

56 - الرسائل العشر . أبو جعفر محمّد بن حسن بن علي الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

ص: 637

57 - الرسائل العشر . جمال الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، قم ، منشورات مكتبة آية اللّه العظمى

المرعشي النجفي ، 1409 ق .

58 - الرسائل الفقهية . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق السيّد صالح المدرّسي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مرصاد ، 1424 ق / 1382 ش .

59 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والآثار الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق .

60 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

61 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«س»

62 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

63 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

64 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

ص: 638

65 - سنن الدار قطني . علي بن عمر الدارقطني (306 - 385) ، 4 أجزاء في مجلّدين ،

بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1413 ق / 1993 م .

«ش»

66 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

67 - شرح السنّة . المحدّث الفقيه الحسين بن مسعود البغوي (436 - 516) ، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمّد زهير الشاويش ، الطبعة الاُولى ، 16 مجلّداً ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، 1403 ق .

68 - الشرح الكبير . أبو الفرج عبدالرحمن بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (597 - 682) ، المطبوع مع المغني ، لعبداللّه بن أحمد بن قدامة ، 12 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار الكتاب العربي .

69 - شرح المنظومة . المولى هادي بن مهدي السبزواري (1212 - 1289) ، تصحيح و تعليق وتحقيق حسن حسن زاده الآملي ومسعود الطالبي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، طهران ، نشر ناب ، 1369 - 1379 ش .

70 - شرح تبصرة المتعلّمين . الشيخ ضياء الدين العراقي (1278 - 1361) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

71 - الشفاء . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، تحقيق عدّة من الأساتذة ، 10 مجلّداً ( الإلهيات + المنطق 4 مجلّدات + الطبيعيات 3 مجلّدات + الرياضيات مجلّدان) ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

«ص»

72 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ،

1407 ق / 1987 م .

ص: 639

73 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

74 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

75 - الصلاة . المحقّق الحائري (م 1355) ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1362 ش .

«ط»

76 - الطهارة ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 1 - 5 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، المكتبة الفقهية ، 1415 ق .

«ع»

77 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ،

قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .

78 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

79 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

80 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

ص: 640

«غ»

81 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

82 - الفائق في غريب الحديث . أبو القاسم جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري (م 538) ، تحقيق علي محمّد البجاوي ومحمّد أبي الفضل إبراهيم ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1414 ق / 1993 م .

83 - فتح العزيز (شرح الوجيز) .= المجموع شرح المهذّب.

84 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

85 - فقه القرآن . قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة اللّه الراوندي (م 573) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

86 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

87 - الفقه علي المذاهب الأربعة . عبدالرحمن الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .

88 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

89 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

ص: 641

90 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

«ق»

91 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجدالدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

92 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

93 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

«ك»

94 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

95 - الكافي في الفقه . تقيّ الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 - 447) ، تحقيق رضا الاُستادي ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1403 ق .

96 - الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل . جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467 - 528) ، إعداد مصطفى حسين أحمد ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1407 ق / 1987 م .

97 - كشف الالتباس عن موجز أبي العبّاس . مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصميري (م حدود 900) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر (عج) ، قم ، مؤسّسة صاحب الأمر (عج) ، 1417 ق .

ص: 642

98 - كشف الرموز في شرح المختصر النافع . زين الدين أبو علي الحسن بن أبيطالب ابن أبيالمجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي (م بعد 672) ، تحقيق علي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ،

1408 ق .

99 - كشف الغُمّة في معرفة الأئمّة . أبو الحسن علي بن عيسى بن أبو الفتح الإربلي ، إعداد السيّد الهاشم الرسولي ، مجلّدان ، مكتبة بني هاشمي ، 1381 ق .

100 - كشف اللّثام . محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1137) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1416 - 1424 .

101 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

102 - كفاية الفقه المشتهر ب- «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

103 - كنز العرفان في فقه القرآن . الشيخ جمال الدين المقداد بن عبداللّه السيوري (م 826) ، تعليق الشيخ محمّد باقر شريف زاده ، الطبعة الرابعة ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة الرضوية ، 1369 ش .

«ل»

104 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

105 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

ص: 643

106 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في

4 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

107 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

108 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ،

دار المعرفة للطباعة والنشر .

109 - مجمع الرجال . زكيّ الدين المولى عناية اللّه علي القهپائي (قرن 11 ق) ، تصحيح وتعليق السيّد ضياء الدين (العلاّمة الأصفهاني) ، [الطبعة الاُولى] ، 7 جزءاً في ثلاث مجلّدات ، قم ، موسّسة إسماعيليان ، 1384 ق .

110 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

111 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

112 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

113 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

114 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 644

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

115 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق .

116 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

117 - المراسم في فقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

118 - مسائل الناصريات . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، قم ، مؤسّسة الهدى ، 1417 ق .

119 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق / 1990 م .

120 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

121 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

122 - مستمسك العروة الوثقى . السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة دار التفسير ، 1416 ق / 1374 ش .

ص: 645

123 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

124 - مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع . المولى محمّد باقر بن محمّد الوحيد البهبهاني (1117 - 1205) ، تحقيق مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الاُولى ،

11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة علاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، 1424 ق .

125 - المصابيح في الفقه . السيّد محمّد مهدي الطباطبائي المعروف ب- «بحر العلوم» (1155 - 1212) ، مخطوط .

126 - مصباح الفقيه (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ، الصوم ، الرهن) . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، الطبعة الاُولى ، 19 مجلّداً :

الطهارة والصلاة . تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث ، (ج 1 - 17) ، قم ، مؤسّسة

مهديّ الموعود(عج) ، 1417 - 1431 ق .

الزكاة والخمس والصوم والرهن . (ج 13 و14 ، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

127 - مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1418 ق / 1998 م .

128 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1364 ش .

129 - معجم مقاييس اللغة . أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا (م 395) ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404 ق .

130 - المغرب في ترتيب المعرب . أبو الفتح ناصر الدين بن عبد السيّد بن علي بن المطرّزي

ص: 646

(538 - 610) ، تحقيق محمود فاخوري وعبد الحميد مختار ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، حلب ، مكتبة اُسامة بن زيد ، 1979 م .

131 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682) ، الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .

132 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .

133 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

134 - مفردات ألفاظ القرآن . حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م حدود 425) ، تحقيق عدنان صفوان داوودي ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات ذوي القربى ، 1423 ق .

135 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

136 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1410 ق .

137 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . ‘موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

138 - منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان . جمال الدين أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الجباعي (م 1011) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1362 - 1365 ش .

ص: 647

139 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

140 - منتهى المقال في أحوال الرجال . أبو علي محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني (1159 - 1215) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 7 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1416 ق .

141 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

142 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

143 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

«ن»

144 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ،

مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .

145 - نهاية التقرير في مباحث الصلاة (تقريرات المحقّق البروجردي) . محمّد الموحّدي الفاضل اللنكراني ، تحقيق مركز فقه الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، 1420 ق .

146 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود

ص: 648

محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364 ش .

147 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

«و»

148 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

149 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

والطبعة الحجرية منه 3 مجلّدات ، طهران ، دار الطباعة ، 1293 ق .

150 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1408 ق .

«ه- »

151 - الهداية [في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1418 ق .

ص: 649

ص: 650

7 - فهرس الموضوعات

مقدمة التحقيق ... ه-

المقصد الأوّل : في الحيض

تمهيد : في حدّ الحيض شرعاً ... 7

كلام المحقّق الخراساني وجوابه ... 9

في هذا المقصد مطالب :

المطلب الأوّل : فيما يميّز به دم الحيض عن غيره

يتمّ الكلام فيه برسم مسائل :

المسألة الاُولى : فيما يميّز به دم الحيض عن الاستحاضة ... 11

في أمارية الأوصاف ... 11

تفصيل المحقّق الخراساني بين الأوصاف ... 13

مقدار أمارية الأوصاف ... 18

حول اختصاص أمارية الصفات بمستمرّة الدم ... 20

ص: 651

الكلام حول دلالة مرسلة يونس الطويلة ... 21

هل الأوصاف خاصّة مركّبة ؟... 25

في حجّية مطلق الظنّ بالحيضية ... 28

المسألة الثانية : فيما يميّز به دم الحيض عن دم العذرة ... 30

في أمارية التطوّق للعذرة والانغماس للحيض ... 30

دخل العلم بالافتضاض في أمارية التطوّق ... 33

في مورد أمارية التطوّق والانغماس ... 34

أمارية التطوّق للعذرة مطلقاً ... 36

أمارية التطوّق والانغماس في جميع صور الشكّ ... 39

حول وجوب الاختبار في جميع صور الشكّ ... 41

المسألة الثالثة : فيما يميّز به دم الحيض عن دم القرحة ... 43

استفادة أمارية خروج الدم من الأيسر أو الأيمن من رواية أبان ... 43

الإشكال في مقتضى إطلاق رواية أبان ... 48

المسألة الرابعة : في سائر الاشتباهات بين دم الحيض وغيره ... 49

الكلام في قاعدة الإمكان ... 50

موضوع قاعدة الإمكان ... 51

دليل قاعدة الإمكان:

الأوّل : أصالة السلامة ... 52

الثاني : التمسّك بطوائف من الأخبار ... 56

الثالث : الإجماع ... 65

في مقدار سعة قاعدة الإمكان ... 68

حول أمارية القاعدة وأصليتها وبيان نسبتها مع غيرها ... 69

ص: 652

المطلب الثاني : في حدود الحيض وقيوده وشرائطه

وهي اُمور :

الأمر الأوّل : فيما تراه الصبيّة قبل البلوغ ... 71

في التنافي بين كون الحيض دليل البلوغ وعدم حيضية ما تراه الصبيّة ... 74

عدم صحّة التمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية والسنّ ... 76

الأمر الثاني : في بيان حدّ اليأس ... 77

أدلّة التفصيل بين القرشية وغيرها ... 80

مقتضى الأصل عند الشكّ في القرشية والنبطية ... 83

الأمر الثالث : في أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ... 84

حول الروايات الواردة في حدود الحيض ... 84

اعتبار التوالي في الأيّام الثلاثة ... 87

الروايات الدالّة على اعتبار التوالي ... 88

التمسّك بمرسلة يونس القصيرة على عدم اعتبار التوالي ... 91

التمسّك بصحيحة ابن مسلم وروايته على عدم اعتبار التوالي ... 96

التمسّك برواية عبد الرحمان على عدم اعتبار التوالي ... 98

بطلان التمسّك بقاعدة الإمكان على عدم اعتبار التوالي ... 99

حول الاُصول الموضوعية والحكمية الدالّة على اعتبار التوالي ... 99

في اعتبار الاستمرار في الأيّام الثلاثة ... 103

عدم إضرار الفترات اليسيرة المعهودة بين النساء ... 107

في دخول الليالي في الأيّام الثلاثة ... 108

دخول الليلتين المتوسّطتين والاُولى ... 111

الأمر الرابع : في أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام ... 113

ص: 653

اعتبار التوالي في العشرة ... 114

مخالفة صاحب الحدائق المشهور في اعتبار التوالي وأقلّ الطهر ... 115

المطلب الثالث : في أقسام الحائض وأحكامها

أقسام الحائض ... 130

الكلام في أحكام الحائض في ضمن مسائل :

المسألة الاُولى : في استفادة حصول العادة بمرّتين من الأخبار ... 131

دلالة ذيل مرسلة يونس على تحقّق العادة بحيضتين مطلقاً ... 137

المسألة الثانية : في ثبوت العددية الناقصة برؤية مرّتين مختلفتين عدداً ... 140

المسألة الثالثة : في تحقّق العادة بالمرّتين مطلقاً ... 144

المسألة الرابعة : في حصول العادة بالمرّتين مع حصول النقاء في البين ... 149

المسألة الخامسة : في حصول العادة الوقتية بتكرّر الحيض ... 154

المسألة السادسة : في زوال العادة بعادة شرعية مطلقاً ... 156

هل تزول العادة برؤية مرّتين غير متماثلتين ؟... 159

المسألة السابعة : في أقسام ذات العادة وأحكامها ... 160

يتمّ الكلام فيها في ضمن جهات :

الجهة الاُولى : في تحيّض ذات العادة الوقتية مطلقاً برؤية الدم في أيّامها ... 160

الجهة الثانية : في الحكم بحيضية الدم المتقدّم أو المتأخّر بقليل ... 162

الجهة الثالثة : في حكم الدم المرئي قبل أيّام العادة أو بعدها بكثير ... 167

الحكم بحيضية الدم الجامع لصفات الحيض مطلقاً في المقام ... 167

الروايات التي قد ت-توهّم دلالتها على عدم التحيّض ... 169

الحكم بعدم حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة في المقام ... 170

التمسّك بقاعدة الإمكان لإثبات حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة ... 173

ص: 654

الجهة الرابعة : في حكم ذات العادة العددية المحضة ... 175

حكم المبتدئة والمضطربة والناسية ... 178

حكم تعارض الأمارتين ... 179

المسألة الثامنة : في حكم ما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام فانقطع ثمّ رأته بعدها ... 180

حكم الدم الأوّل ... 180

حكم الدم الثاني ... 181

المسألة التاسعة : في وجوب الاستبراء عند الانقطاع لدون العشرة ... 185

مقتضى الأصل في المقام ... 185

الاستدلال على وجوب الاستبراء بالأخبار ... 186

هل يجب الاستبراء ثانياً وثالثاً ؟... 190

حكم نسيان الاستبراء ... 191

حول سقوط شرطية الاستبراء مع تعذّره ... 192

كيفية الاستبراء ... 193

المسألة العاشرة : في صور ما بعد الاستبراء وبيان أحكامها ... 195

الصورة الاُولى : فيما إذا خرجت القطنة نقيّة بعد الاستبراء ... 195

الصورة الثانية : فيما إذا خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة أو الصفرة ... 197

الصورة الثالثة : في حكم ما إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة ... 201

الصورة الرابعة : في حكم ذات العادة مع تلوّث القطنة بعد أيّامها ... 203

مقتضى القاعدة في المقام ... 203

في الصورة الرابعة جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في مصبّ أخبار الاستظهار وموردها ... 204

الجهة الثانية : في اختلاف أخبار الاستظهار ... 208

تعارض روايات الاستظهار مع أدلّة الاقتصار وبيان وجه الجمع بينها ... 211

رجحان الحمل على الإرشاد العقلي على ما ذكره المحقّقون ... 214

ص: 655

تتميم : في حكم انقطاع الدم على العشرة وتجاوزه ... 217

حيضية جميع الأيّام فيما لو انقطع على العشرة ... 217

حيضية خصوص أيّام العادة مع تجاوز الدم عن العشرة ... 219

لزوم قضاء الصوم مع انقطاع الدم على العشرة ... 220

صحّة صيام ما بعد العادة مع تجاوز العشرة ... 220

المطلب الرابع : في بعض مهمّات أحكام الحيض والحائض

وهو اُمور :

الأمر الأوّل : حرمة الوط ء ... 222

في لحوق أيّام الاستظهار بالحيض في جميع أحكامه ... 225

مقتضى الأصل العملي في المقام ... 225

مقتضى أدلّة الاستظهار ... 226

الروايات التي يمكن استفادة الحرمة منها وجوابها ... 227

الأمر الثاني : فيما يجوز الاستمتاع به من الحائض ... 230

عدم دلالة آية المحيض إلاّ على حرمة الوط ء في الفرج ... 231

دلالة الأخبار على جواز الاستمتاع بغير الفرج ... 233

الروايات التي قد يتوهّم معارضتها لما سبق وبيان وجه الجمع بينهما ... 234

الأمر الثالث : في كفّارة وط ء الحائض ... 236

الروايات الدالّة على مختار القدماء من أصحابنا ... 237

الروايات المنافية للطائفة السابقة وبيان إعراض الأصحاب عنها ... 239

تكرّر الكفّارة بتكرّر الوط ء في وقت واحد ... 242

مقتضى مقام الثبوت والتصوّر ... 243

مقتضى مقام الإثبات والدلالة ... 249

ص: 656

هل يتعدّى الحكم إلى الأجنبيّة المشتبهة أو المزنيّ بها ؟... 250

المراد ب- «الدينار» في المقام ... 250

تحديد أوّل الحيض ووسطه وآخره ... 251

عدم إلحاق وط ء النفساء بالحائض في ثبوت الكفّارة ... 252

الأمر الرابع : في جواز وط ء الزوجة قبلاً بعد نقائها وقبل الغسل ... 253

دلالة آية المحيض على الجواز ... 254

تقريب دلالة الآية بناءً على قراءة التخفيف ... 254

تقريب دلالة الآية بناءً على قراءة التضعيف ... 256

ترجيح قراءة التخفيف وإبطال القراءات السبع أو العشر ... 257

بيان وجه الجمع العقلائي بين قراءتي التخفيف والتضعيف ... 259

دلالة عموم الكتاب والسنّة على جواز الوط ء قبل الغسل ... 259

دلالة الأخبار الخاصّة على جواز الوط ء قبل الغسل ... 261

اعتبار وقوع الانقطاع في آخر أيّام الحيض لا بعد أيّامه ... 264

جواز الوط ء قبل غسل الفرج ... 264

ارتفاع المنع أو المرجوحية مع تيمّم المرأة ... 266

الأمر الخامس : عدم إجزاء غسل الحيض عن الوضوء ... 269

في الوجوب الشرطي لغسل الحيض ... 269

عدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء عدا غسل الجنابة ... 271

حول الأخبار الواردة في المقام ... 272

حول وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً ... 283

في كيفية رفع غسل الحيض والوضوء الحدثين ... 285

في الالتزام بالتوزيع مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر ... 287

الأمر السادس : في حكم الحيض بعد دخول وقت الصلاة ... 288

ص: 657

مقتضى أدلّة القضاء وعدمه على الحائض ... 288

تعارض أدلّة عدم القضاء مع الأدلّة السابقة ... 293

مقتضى الأخبار الخاصّة في المقام ... 296

الأمر السابع : في حكم صلاة الحائض إن طهرت آخر الوقت ... 299

حكم إدراك ركعة من العصر والعشاء والصبح مع الشرائط الاختيارية ... 299

حكم إدراك ركعة من الظهر والمغرب مع الشرائط الاختيارية ... 303

حكم إدراك أقلّ من ركعة مع الشرائط الاختيارية ... 306

حكم إدراك تمام الصلاة بفردها الاضطراري ... 306

مقتضى القواعد في المقام ... 306

مقتضى الروايات الخاصّة ... 308

المقصد الثاني : في الاستحاضة

القول : في حقيقة الاستحاضة ... 317

في ذكر معنى الاستحاضة لغة ... 317

التحقيق في بيان موضوع الاستحاضة ... 321

الكلام يقع في مقامات :

المقام الأوّل : في الأوصاف التي جعلت بحسب الروايات أمارة ... 323

عدم حصول التمييز بغير الأوصاف المنصوصة ... 326

المقام الثاني : في بيان حدود دلالة الروايات ... 328

الدالّة على أمارية الصفات على الاستحاضة ... 328

المقام الثالث : في أنّ «كلّ ما يمتنع أن يكون حيضاً فهو استحاضة» ... 336

كلام بعض الأعلام وردّه ... 336

توجيه الحكم باستحاضة اليائسة والصغيرة ... 339

ص: 658

فرع : في اجتماع الحمل والحيض ... 342

الأقوال في المقام ... 342

أدلّة الاجتماع مطلقاً ... 344

أدلّة الاجتماع في الجملة ... 346

أدلّة عدم الاجتماع مطلقاً ... 346

وجه الجمع بين ما دلّت على الاجتماع وما دلّت على عدمه ... 351

قوّة العمل بصحيحة الصحّاف ... 355

هاهنا مطالب :

المطلب الأوّل : في حكم تجاوز الدم عن أكثر الحيض

فلابدّ في بيان الأقسام وأحكامها من ذكر مسائل:

المسألة الاُولى : في اعتبار التمييز في المبتدئة ... 360

الروايات التي زعم صاحب «الحدائق» دلالتها على عدم اعتبار التمييز ... 363

مرسلة يونس الطويلة ... 363

بيان بعض فقرات المرسلة ... 368

رواية سماعة وموثّقة ابن بكير ... 376

ينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل : في شرائط الرجوع إلى التمييز ... 378

مختار صاحب «الحدائق» في المقام ونقده ... 378

الأمر الثاني : في حكم ما تراه بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام ... 381

الكلام في كيفية التتميم ... 383

الأمر الثالث : في حكم ما تراه بصفة الحيض أكثر من عشرة أيّام ... 385

الأمر الرابع : في حكم ما إذا رأت ذات التمييز صفرة بين الدمين ... 390

فقدان المرأة للتمييز بناءً على أمارية أوصاف الاستحاضة ... 391

ص: 659

الأمر الخامس : في حكم المبتدئة الفاقدة للتمييز ... 393

الكلام يقع في جهات:

الجهة الاُولى : في كيفية الجمع بين الروايات ... 393

الجهة الثانية : في رجوع غير مستقرّة العادة إلى عادة نسائها ... 397

الجهة الثالثة : في بيان ما هو المعتبر عند الرجوع إلى عادة النساء ... 400

حول إجراء أصالة العدم الأزلي لإحراز موضوع الرجوع ... 402

كفاية الاتّفاق في خصوص العدد أو خصوص الوقت ... 403

الجهة الرابعة : في عدم الرجوع إلى عادة أقرانها عند فقد نسائها ... 404

الأمر السادس : في حكم من لا يمكنها الرجوع إلى نسائها ... 406

وجه للجمع بين أخبار المقام وبيان ما فيه ... 407

ترجيح العمل بمرسلة يونس على ما ينافيها ... 409

تعارض فقرات المرسلة وقوّة الأخذ بالسبعة ... 411

عدم اختصاص المرسلة بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ بخلاف الموثّقات ... 413

تنبيه : في أنّ المبتدئة يتعيّن عليها جعل ما تختاره من العدد أوّل الرؤية ... 415

المسألة الثانية : في تقديم ذات العادة لعادتها على التمييز ... 419

المسألة الثالثة : في أقسام الناسية وأحكامها ... 420

وفيها جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في أقسام الناسية ... 420

الجهة الثانية : في دلالة المرسلة على رجوع الناسية إلى العادة أوّلاً ثمّ إلى التمييز ... 421

الجهة الثالثة : في حكم الناسية إذا فقدت التمييز ... 424

يقع الكلام في ثلاثة مواضع :

الموضع الأوّل : في ناسية الوقت دون العدد ... 424

القول بوجوب الاحتياط في المقام ... 424

التمسّك بمثل مرسلة يونس على التحيّض ونفي الاحتياط ... 426

ص: 660

في كيفية تحيّض الناسية ... 428

الروايات التي بإطلاقها يقتضي التخيير ... 430

الروايات التي يمكن الاستدلال بها على لزوم التحيّض في أوّل الرؤية ... 432

الموضع الثاني : في ناسية العدد دون الوقت ... 433

الموضع الثالث : في ناسية الوقت والعدد ... 436

المطلب الثاني : في أقسام الاستحاضة

مقتضى الجمع بين الروايات تثليث الأقسام ... 438

ضابطة الاستحاضة الكثيرة والمتوسّطة والقليلة ... 444

المطلب الثالث : في بيان أحكام الأقسام الثلاثة

حكم الاستحاضة القليلة ... 446

1 - تغيير القطنة ... 446

2 - تجديد الوضوء ... 450

عدم الفرق بين الفريضة والنافلة في الحكم ... 454

حكم الاستحاضة المتوسّطة ... 456

1 - وجوب تبديل القطنة ... 456

2 - وجوب الوضوء ... 459

3 - وجوب الغسل ... 461

منشأ الاختلاف في عدد الغسل ... 462

بقيت روايات : ... 466

وجوب الغسل بنحو الوجوب الشرطي المتقدّم لجميع الصلوات ... 469

حكم الاستحاضة الكثيرة ... 471

ص: 661

1 - وجوب تبديل القطنة ونحوها ... 471

2 - وجوب الغسل والوضوء ... 472

ينبغي التنبيه على اُمور :

الأمر الأوّل : في أنّ نفس الدم الكثير بذاته موجب للغسل ... 479

محتملات ما يوجب الأغسال الثلاثة بحسب التصوّر ... 479

مناقشة الاحتمال الأوّل ... 480

مناقشة الاحتمالين الثاني والثالث ... 482

مناقشة الاحتمال الرابع ... 483

مناقشة الاحتمال الخامس وترجيح السادس ... 483

سببية الدم الفعلي للأغسال ... 487

الأمر الثاني : في حكم انقطاع دم الاستحاضة لبرء أو فترة ... 489

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال المستقبلة ... 489

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال الماضية ... 491

الأمر الثالث : في جواز تفريق الصلوات والغسل لكلّ صلاة ... 493

في جواز إيقاع غسلين مع الجمع بين الصلاتين ... 494

الأمر الرابع : في وجوب تعاقب الصلاة للغسل والوضوء ... 495

بيان حال الغسل ... 495

بيان حال الوضوء ... 497

الأمر الخامس : في وجوب الفحص والاختبار لتعيين نوع الاستحاضة ... 499

التفصيل بين سهولة الاختبار وغيره ... 502

الأمر السادس : لزوم منع خروج الدم قدر الإمكان ... 503

عدم وجوب الاستظهار قبل الوضوء أو الغسل ولا بعدهما ... 504

الأمر السابع : في أنّ المستحاضة بعد أفعالها بحكم الطاهر ... 506

بيان منطوق ومفهوم قولهم : «إذا فعلت ذلك تصير بحكم الطاهر» ... 506

ص: 662

جواز وط ء المستحاضة ... 510

الأمر الثامن : في حكم صوم المستحاضة ... 518

بطلان صوم المستحاضة إذا أخلّت بأغسالها ... 518

توقّف صحّة صوم المستحاضة على الأغسال النهارية ... 522

المقصد الثالث : في النفاس

تمهيد : فيما هو موضوع الأحكام الشرعية في المقام ... 527

يتمّ المقصد بذكر مسائل :

المسألة الاُولى : في أحكام الدم الخارج قبل الولادة وبعدها والمقارن لها ... 531

1 - حكم الدم المتقدّم على الولادة ... 531

حول الحكم بحيضية الدم المتقدّم المستجمع لشرائط الحيض ... 531

ما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر ... 532

الرجوع إلى الأمارات لإثبات الحيضية ... 538

2 - حكم الدم المتأخّر عن الولادة ... 539

3 - حكم الدم المقارن للولادة ... 539

نفاسية الدم الخارج مع المضغة ... 542

المسألة الثانية : في حدّ النفاس في طرف القلّة ... 544

المسألة الثالثة : في حدّ النفاس في طرف الكثرة ... 548

حول الأخبار الواردة في أكثر النفاس ... 552

الطائفة الاُولى : ... 552

الطائفة الثانية : ... 557

الطائفة الثالثة : ... 559

مقتضى الجمع بين الأخبار الواردة في أكثر النفاس ... 560

حول تفصيل العلاّمة في أكثر النفاس ... 563

ص: 663

حول الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء في المقام ... 565

المسألة الرابعة : في حكم الحامل باثنين ... 566

الروايات الدالّة على استقلال كلّ من النفاسين ... 569

حكم ما إذا وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً ... 571

حول ثمرة القول بتعدّد النفاسين ... 574

المسألة الخامسة : في حكم تأخّر الدم عن الولادة ... 576

الكلام في أصل نفاسية الدم ... 576

مقدار قعود ذات العادة مع انقطاع دمها في العشرة ... 579

مقدار قعود ذات العادة مع تجاوز دمها عن العشرة ... 581

المسألة السادسة : في تخلّل النقاء أثناء النفاس الواحد ... 583

المسألة السابعة : في اتّحاد أحكام النفساء والحائض ... 585

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ... 589

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ... 593

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ... 613

4 - فهرس الأعلام ... 615

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ... 625

6 - فهرس مصادر التحقيق ... 631

7 - فهرس الموضوعات ... 651

ص: 664

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.