موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 27 وسیلة النجاة المجلد 2

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 27 وسیلة النجاة المجلد 2/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 557ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب العارية

وهي التسليط(1) على العين للانتفاع بها على جهة التبرّع . وهي من العقود تحتاج إلى إيجاب وقبول ، فالإيجاب كلّ لفظ له ظهور عرفي في إرادة هذا المعنى ، كقوله : «أعرتك» أو «أذنت لك في الانتفاع به» أو «انتفع به» أو «خذه لتنتفع به» ونحو ذلك ، والقبول كلّما أفاد الرضا بذلك ، ويجوز أن يكون بالفعل ؛ بأن يأخذ العين المعارة بعد إيجاب المعير بهذا العنوان ، بل الظاهر أ نّه لا يحتاج في وقوعها وصحّتها إلى لفظ أصلاً فتقع بالمعاطاة كما إذا دفع إليه قميصاً ليلبسه فأخذه للبس أو دفع إليه إناءً أو بساطاً ليستعمله فأخذه واستعمله .

(مسألة 1) : يعتبر في المعير أن يكون مالكاً للمنفعة ، وله أهلية التصرّف ، فلا تصحّ إعارة الغاصب عيناً أو منفعة ، وفي جريان الفضولية فيها حتّى تصحّ بإجازة المالك كالبيع والإجارة وجه قويّ . وكذا لا تصحّ إعارة الصبيّ والمجنون والمحجور عليه - لسفه أو فلس - إلاّ مع إذن الوليّ أو الغرماء ، وفي صحّة إعارة الصبيّ بإذن الوليّ احتمال لا يخلو من قوّة .

(مسألة 2) : لا يشترط في المعير ملكية العين ، بل يكفي ملكية المنفعة

ص: 5


1- - أو هي عقد ثمرته ذلك ، أو ثمرته التبرّع بالمنفعة .

بالإجارة أو بكونها موصى بها له بالوصيّة ، نعم إذا اشترط استيفاء المنفعة في الإجارة بنفسه ليس له الإعارة .

(مسألة 3) : يعتبر في المستعير أن يكون أهلاً للانتفاع بالعين ، فلا تصحّ استعارة المصحف للكافر واستعارة الصيد للمحرم ؛ لا من المحلّ ولا من المحرم ، وكذا يعتبر فيه التعيين ، فلو أعار شيئاً ؛ أحد هذين أو أحد هؤلاء ، لم يصحّ . ولا يشترط أن يكون واحداً ، فيصحّ إعارة شيء واحد لجماعة ، كما إذا قال : أعرت هذا الكتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة ، فيستوفون المنفعة بينهم بالتناوب أو القرعة كالعين المستأجرة . وفي جواز كونه عدداً غير محصور كما إذا قال : أعرت هذا الشيء لكلّ الناس ، تأمّل(1) وإشكال .

(مسألة 4) : يعتبر في العين المستعارة كونها ممّا يمكن الانتفاع بها منفعة محلّلة مع بقاء عينها ، كالعقارات والدوابّ والثياب والكتب والأمتعة والصفر والحلي ، بل وفحل الضراب والهرّة والكلب للصيد والحراسة وأشباه ذلك ، فلا يجوز إعارة ما لا منفعة له محلّلة كآلات اللهو ، وكذا آنية الذهب والفضّة بناءً على عموم حرمة الانتفاع بها ، وأمّا بناءً على اختصاص الحرمة باستعمالها في الأكل والشرب فلا تجوز إعارتها لخصوص هذه المنفعة ، وكذا ما لا ينتفع به إلاّ بإتلافه كالخبز والدهن والأشربة وأشباهها .

(مسألة 5) : يجوز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها وصوفها، والبئر(2) للاستقاء منها.

ص: 6


1- - والأقوى عدم الجواز .
2- - على إشكال فيها ، بل الأوّل أيضاً لا يخلو من تأمّل ؛ وإن كان الجواز فيهما لا يخلو من وجه وقوّة .

(مسألة 6) : لا يجوز استعارة الجواري للاستمتاع بها ؛ لانحصار سبب حلّيتها بالتزويج وملك اليمين وبالتحليل الراجع إلى أحدهما ، نعم لا بأس بإعارتهنّ للخدمة ، ولا يجوز للمستعير أن ينظر إلى ما لا يجوز النظر إليه منها لو لا الاستعارة إلاّ بتحليل المعير .

(مسألة 7) : لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة ، فلو قال : أعرني إحدى دوابّك ، فقال : ادخل الإصطبل وخذ ما شئت منها ، صحّت العارية .

(مسألة 8) : العين التي تعلّقت بها العارية ، إن انحصرت جهة الانتفاع بها في منفعة خاصّة ، كالبساط للافتراش واللحاف للتغطية والخيمة للاكتنان وأشباه ذلك ، لا يلزم التعرّض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها واستعارتها ، وإن تعدّدت جهات الانتفاع بها ، كالأرض ينتفع بها للزرع والغرس والبناء ، والدابّة ينتفع بها للحمل والركوب ونحو ذلك ، فإن كانت إعارتها واستعارتها لأجل منفعة أو منافع خاصّة من منافعها يجب التعرّض لها ، واختصّ حلّية الانتفاع للمستعير بما خصّصه المعير ، وإن كانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعميم والتصريح بالعموم ؛ بأن يقول : أعرتك هذه الدابّة - مثلاً - لأجل أن تنتفع بها كلّ انتفاع مباح يحصل منها ، كما أ نّه يجوز إطلاق العارية بأن يقول : أعرتك هذه الدابّة ، فيجوز للمستعير الانتفاع بسائر الانتفاعات المباحة المتعلّقة بها ، نعم ربّما يكون لبعض الانتفاعات بالنسبة إلى بعض الأعيان خفاء لا يندرج في الإطلاق ، ففي مثله لا بدّ من التنصيص به أو التعميم على وجه يعمّه ، وذلك كالدفن فإنّه وإن كان من أحد وجوه الانتفاعات من الأرض كالبناء والزرع والغرس ومع ذلك لو اُعيرت الأرض إعارة مطلقة لا يعمّه الإطلاق .

ص: 7

(مسألة 9) : العارية جائزة من الطرفين ، فللمعير الرجوع متى شاء ، كما أنّ للمستعير الردّ متى شاء . نعم في خصوص إعارة الأرض للدفن لم يجز للمعير بعد الدفن والمواراة الرجوع عن الإعارة ونبش القبر وإخراج الميّت على الأصحّ(1) ، وأمّا قبل ذلك فله الرجوع ، حتّى بعد وضعه في القبر قبل مواراته . وليس على المعير اُجرة الحفظ ومؤونته إذا رجع بعد الحفر قبل الدفن ، كما أ نّه ليس على وليّ الميّت طمّ الحفر بعد ما كان بإذن من المعير .

(مسألة 10) : تبطل العارية بموت المعير ، بل بزوال سلطنته بجنون ونحوه .

(مسألة 11) : يجب على المستعير الاقتصار في نوع المنفعة على ما عيّنها المعير ، فلا يجوز له التعدّي إلى غيرها ولو كانت أدنى وأقلّ ضرراً على المعير ، وكذا يجب أن يقتصر في كيفية الانتفاع على ما جرت به العادة ، فلو أعاره دابّة للحمل لا يحمّلها إلاّ القدر المعتاد بالنسبة إلى ذلك الحيوان وذلك المحمول وذلك الزمان والمكان ، فلو تعدّى نوعاً أو كيفية كان غاصباً وضامناً ، وعليه اُجرة(2) ما استوفاه من المنفعة .

(مسألة 12) : لو أعاره أرضاً للبناء أو الغرس جاز له الرجوع ، وله إلزام المستعير بالقلع ، لكن عليه الأرش ، وكذا في عاريتها للزرع إذا رجع قبل إدراكه ، ويحتمل(3) عدم استحقاق إلزام المعير بقلع الزرع لو رضي المستعير بالبقاء

ص: 8


1- - بل على الأحوط .
2- - إذا تعدّى نوعاً ، وأمّا إذا تعدّى كيفية فلا يبعد أن تكون عليه اُجرة الزيادة .
3- - ويحتمل جواز الإلزام بلا أرش ، والمسألة مشكلة جدّاً ، فلا يترك الاحتياط في أشباهها بالتصالح والتراضي .

بالاُجرة ، والأحوط لهما التراضي والتصالح . ومثل ذلك ما إذا أعار جذوعه للتسقيف ، ثمّ رجع بعد ما أثبتها المستعير في البناء .

(مسألة 13) : العارية أمانة بيد المستعير ، لا يضمنها لو تلفت إلاّ بالتعدّي أو التفريط . نعم لو شرط الضمان ضمنها وإن لم يكن تعدٍّ ولا تفريط ، كما أ نّه لو كانت العين المعارة ذهباً أو فضّة ضمنها ؛ يشترط فيها الضمان أو لم يشترط(1) .

(مسألة 14) : لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة ولا إجارتها إلاّ بإذن المالك ، فيكون إعارته حينئذٍ في الحقيقة إعارة المالك ويكون المستعير وكيلاً ونائباً عنه ، فلو خرج المستعير عن قابلية الإعارة بعد ذلك - كما إذا جنّ - بقيت العارية الثانية على حالها .

(مسألة 15) : إذا تلفت العارية بفعل المستعير ، فإن كان بسبب الاستعمال المأذون فيه من دون التعدّي عن المتعارف ، فليس عليه ضمان كما إذا هلكت الدابّة المستعارة للحمل بسبب الحمل عليها حملاً متعارفاً ، وإن كان بسبب آخر ضمنها .

(مسألة 16) : إنّما يبرأ المستعير عن عهدة العين المستعارة بردّها إلى مالكها أو وكيله أو وليّه ، ولو ردّها إلى حرزها الذي كانت فيه بلا يد من المالك ولا إذن منه لم يبرأ ، كما إذا ردّ الدابّة إلى الإصطبل وربطها فيه بلا إذن من المالك ، فتلفت أو أتلفها متلف .

(مسألة 17) : إذا استعار عيناً من الغاصب ، فإن لم يعلم بغصبه كان قرار

ص: 9


1- - إلاّ إذا اشترط السقوط .

الضمان على الغاصب ، فإن تلفت في يد المستعير(1) فللمالك الرجوع بعوض ماله على كلّ من الغاصب والمستعير ، فإن رجع على المستعير يرجع هو على الغاصب ، وإن رجع على الغاصب لم يكن له الرجوع على المستعير . وكذلك بالنسبة إلى بدل ما استوفاه(2) المستعير من المنفعة ، فإنّه إذا رجع به على المستعير يرجع هو على الغاصب دون العكس . وأمّا لو كان عالماً بالغصب لم يرجع المستعير على الغاصب لو رجع المالك عليه ، بل الأمر بالعكس فيرجع الغاصب على المستعير لو رجع المالك عليه . ولا يجوز له أن يردّ العين إلى الغاصب بعد ما علم بالغصبية ، بل يجب أن يردّها إلى مالكها .

ص: 10


1- - أو في غير يده بعد وقوعها عليها .
2- - وغير ما استوفاه من المنافع الفائتة .

كتاب الوديعة

اشارة

وهي استنابة(1) في الحفظ ، وبعبارة اُخرى : هي وضع المال عند الغير ليحفظه لمالكه ، ويطلق كثيراً على المال الموضوع . ويقال لصاحب المال : المودع ، ولذلك الغير : الودعي والمستودع . وهي عقد يحتاج إلى الإيجاب ، وهو كلّ لفظ دالّ على تلك الاستنابة كأن يقول : «أودعتك هذا المال» أو «احفظه» أو «هو وديعة عندك» ونحو ذلك ، والقبول الدالّ على الرضا بالنيابة في الحفظ ، ولا يعتبر فيها العربية ، بل تقع بكلّ لغة . ويجوز أن يكون الإيجاب باللفظ والقبول بالفعل ؛ بأن قال له المالك مثلاً : هذا المال وديعة عندك ، فتسلّم المال لذلك ، بل يصحّ وقوعها بالمعاطاة ؛ بأن يسلّم مالاً إلى أحد بقصد أن يكون محفوظاً عنده ويحفظه فتسلّمه بهذا العنوان .

(مسألة 1) : لو طرح ثوباً - مثلاً - عند أحد ، وقال : هذا وديعة عندك ، فإن قبلها بالقول أو الفعل الدالّ عليه ولو بالسكوت(2) الدالّ على الرضا بذلك ، صار

ص: 11


1- - أو عقد يفيدها .
2- - تحقّقها به مشكل .

وديعة وترتّبت عليها أحكامها ، بخلاف ما إذا لم يقبلها حتّى فيما إذا طرحه المالك عنده بهذا القصد وذهب عنه ، فلو تركه من قصد استيداعه وذهب ، لم يكن عليه ضمان وإن كان الأحوط القيام بحفظه مع الإمكان .

(مسألة 2) : إنّما يجوز قبول الوديعة لمن كان قادراً على حفظها ، فمن كان عاجزاً لم يجز(1) له قبولها على الأحوط .

(مسألة 3) : الوديعة جائزة من الطرفين ، فللمالك استرداد ماله متى شاء وللمستودع ردّه كذلك ، وليس للمودع الامتناع من قبوله . ولو فسخها المستودع عند نفسه انفسخت وزالت الأمانة المالكية ، وصار المال عنده أمانة شرعية ، فيجب عليه ردّه إلى مالكه أو إلى من يقوم مقامه ، أو إعلامه بالفسخ وكون المال عنده ، فلو أهمل في ذلك لا لعذر عقلي أو شرعي ضمن .

(مسألة 4) : يعتبر في كلّ من المستودع والمودع : البلوغ والعقل ، فلا يصحّ استيداع الصبيّ ولا المجنون وكذا إيداعهما ، من غير فرق بين كون المال لهما أو لغيرهما من الكاملين ، بل لا يجوز وضع اليد على ما أودعاه . ولو أخذ منهما ضمنه ، ولا يبرأ بردّه إليهما وإنّما يبرأ بإيصاله إلى وليّهما . نعم لا بأس بأخذه منهما إذا خيف هلاكه وتلفه في أيديهما ، فيؤخذ بعنوان الحسبة في الحفظ ، ولكن لا يصير بذلك وديعة وأمانة مالكية بل تكون أمانة شرعية يجب عليه حفظها والمبادرة على إيصالها إلى وليّهما ، أو إعلامه بكونها عنده ، وليس عليه ضمان لو تلف في يده .

ص: 12


1- - إلاّ إذا كان المودع أعجز منه في الحفظ مع عدم مستودع آخر ، فإنّ الجواز في هذه الصورة غير بعيد ، خصوصاً مع التفات المودع .

(مسألة 5) : لو أرسل شخص كامل مالاً بواسطة الصبيّ أو المجنون إلى شخص ليكون وديعة عنده وقد أخذه منهما بهذا العنوان ، فالظاهر صيرورته وديعة عنده ؛ لكونها حقيقة بين الكاملين وإنّما الصبيّ والمجنون بمنزلة الآلة .

(مسألة 6) : لو أودع عند الصبيّ والمجنون مالاً لم يضمناه بالتلف(1) ، بل بالإتلاف أيضاً إذا لم يكونا مميّزين في وجه قويّ ؛ لكونه هو السبب الأقوى .

(مسألة 7) : يجب على المستودع حفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها به ووضعها في الحرز الذي يناسبها كالصندوق المقفل للثوب والدراهم والحلي ونحوها والإصطبل المضبوط بالغلق للدابّة والمراح كذلك للشاة . وبالجملة : حفظها في محلّ لا يعدّ معه عند العرف مضيّعاً ومفرّطاً وخائناً ، حتّى فيما إذا علم المودع بعدم وجود حرز لها عند المستودع ، فيجب عليه بعد ما قبل الاستيداع تحصيله مقدّمة للحفظ الواجب عليه ، وكذا يجب عليه القيام بجميع ما له دخل في صونها من التعيّب أو التلف ، كالثوب ينشره في الصيف إذا كان من الصوف أو الإبريسم ، والدابّة يعلفها ويسقيها ويقيها من الحرّ والبرد ، فلو أهمل عن ذلك ضمنها .

(مسألة 8) : لو عيّن المودع موضعاً خاصّاً لحفظ الوديعة اقتصر عليه(2) ، ولا يجوز نقلها إلى غيره بعد وضعها فيه وإن كان أحفظ ، فلو نقلها منه ضمنها . نعم لو كانت في ذلك المحلّ في معرض التلف جاز نقلها إلى مكان آخر أحفظ ، ولا ضمان عليه حتّى مع نهي المالك ؛ بأن قال : لا تنقلها وإن تلفت ،

ص: 13


1- - إذا كانا مميّزين صالحين للاستئمان لا يبعد ضمانهما مع تفريطهما في الحفظ .
2- - إذا فهم منه القيدية .

وإن كان الأحوط حينئذٍ مراجعة الحاكم مع الإمكان .

(مسألة 9) : لو تلفت الوديعة في يد المستودع من دون تعدٍّ منه ولا تفريط لم يضمنها ، وكذا لو أخذها منه ظالم قهراً ؛ سواء انتزعها من يده أو أمره بدفعها له بنفسه فدفعها كرهاً ، نعم يقوى الضمان لو كان هو السبب لذلك ولو من جهة إخباره بها أو إظهارها في محلّ كان مظنّة الوصول إلى الظالم فوصل إليه ، بل مطلقاً(1) على احتمال قويّ .

(مسألة 10) : لو تمكّن من دفع الظالم بالوسائل الموجبة لسلامة الوديعة وجب ، حتّى أ نّه لو توقّف دفعه عنها على إنكارها كاذباً بل الحلف على ذلك جاز بل وجب ، فإن لم يفعل ضمن . وفي وجوب التورية عليه مع الإمكان إشكال ، أحوطه ذلك ، وأقواه العدم .

(مسألة 11) : إذا كانت مدافعته عن الظالم مؤدّية إلى الضرر على بدنه من جرح وغيره أو هتك في عرضه أو خسارة في ماله لا يجب تحمّله ، بل لا يجوز في غير الأخير ، بل فيه أيضاً ببعض مراتبه . نعم لو كان ما يترتّب عليها يسيراً جدّاً بحيث يتحمّله غالب الناس كما إذا تكلّم معه بكلام خشن لا يكون هاتكاً له بالنظر إلى شرفه ورفعة قدره وإن تأذّى منه بالطبع ، فالظاهر وجوب تحمّله .

(مسألة 12) : لو توقّف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو لغيره ، فإن كان بدفع بعضها وجب ، فلو أهمل فأخذ الظالم كلّها ضمن المقدار الزائد على ما

ص: 14


1- - أي وصل إليه أم لا ، فنفس إظهارها في محلّ كذائي موجب لانقلاب يده إلى الضمان ، وهو ليس ببعيد ، وأمّا احتمال رجوع الإطلاق إلى الإظهار فبعيد ، وعلى فرضه ضعيف ، كاحتمال رجوعه إلى الضمان فإنّه بعيد وضعيف بإطلاقه .

يندفع به منها لا تمامها ، فلو كان يندفع بدفع نصفها فأهمل فأخذ تمامها ضمن النصف ، ولو كان يقنع بالثلث فأهمل فأخذ الكلّ ضمن الثلثين وهكذا . وكذا الحال فيما إذا كان عنده من شخص وديعتان وكان الظالم يندفع بدفع إحداهما فأهمل حتّى أخذ كلتيهما ، فإن كان يندفع بإحداهما المعيّن ضمن الاُخرى ، وإن كان بإحداهما لا بعينها ضمن أكثرهما قيمة . ولو توقّف دفعه على المصانعة معه بدفع مال من المستودع لم يجب عليه دفعه تبرّعاً ومجّاناً . وأمّا مع الرجوع به على المالك فإن أمكن الاستئذان منه أو ممّن يقوم مقامه كالحاكم عند عدم الوصول إليه لزم ، فإن دفع بلا استئذان لم يستحقّ الرجوع به عليه وإن كان من قصده ذلك ، وإن لم يمكن الاستئذان فله أن يدفع(1) ويرجع به على المالك إذا كان من قصده الرجوع عليه .

(مسألة 13) : لو كانت الوديعة دابّة يجب عليه سقيها وعلفها ولو(2) لم يأمره المالك بل ولو نهاه ، ولا يجب أن يكون ذلك بمباشرته وأن يكون ذلك في موضعها ، فيجوز أن يسقيها بغلامه - مثلاً - وكذا يجوز إخراجها من منزله للسقي وإن أمكن سقيها في موضعها بعد جريان العادة بذلك . نعم لو كان الطريق مخوفاً لم يجز إخراجها ، كما أ نّه لا يجوز أن يولّي غيره لذلك إذا كان غير مأمون إلاّ مع مصاحبته أو مصاحبة أمين معه . وبالجملة : لا بدّ من مراعاة حفظها على المعتاد ؛ بحيث لا يعدّ معها عرفاً مفرّطاً أو متعدّياً . هذا بالنسبة إلى أصل سقيها وعلفها ، وأمّا بالنسبة إلى نفقتها فإن وضع المالك عنده عينها أو قيمتها أو أذن له في

ص: 15


1- - بل يجب عليه ذلك على الأحوط ، وله الرجوع إليه مع قصده .
2- - أو ردّها إلى مالكها أو القائم مقامه .

الإنفاق عليها من ماله على ذمّته فلا إشكال ، وإلاّ فالواجب أوّلاً الاستئذان من المالك أو وكيله ، فإن تعذّر رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بما يراه صلاحاً ولو ببيع بعضها للنفقة ، فإن تعذّر الحاكم أنفق(1) هو من ماله ويرجع به على المالك مع نيّته .

(مسألة 14) : تبطل الوديعة بموت كلّ واحد من المودع والمستودع أو جنونه ، فإن كان هو المودع تكون في يد الودعي أمانة شرعية ، فيجب عليه فوراً ردّها إلى وارث المودع أو وليّه أو إعلامهما بها ، فإن أهمل لا لعذر شرعي ضمن . نعم لو كان ذلك لعدم العلم بكون من يدّعي الإرث وارثاً ، أو انحصار الوارث فيمن علم كونه وارثاً فأخّر الردّ والإعلام لأجل التروّي والفحص عن الواقع لم يكن عليه ضمان على الأقوى . وإن كان الوارث متعدّداً سلّمها إلى الكلّ أو إلى من يقوم مقامهم . ولو سلّمها إلى البعض من غير إذن ضمن حصص الباقين . وإن كان هو المستودع تكون أمانة شرعية في يد وارثه(2) أو وليّه يجب عليهما ما ذكر من الردّ إلى المودع أو إعلامه فوراً .

(مسألة 15) : يجب ردّ الوديعة عند المطالبة في أوّل وقت الإمكان وإن كان المودع كافراً محترم المال ، بل وإن كان حربياً مباح المال على الأحوط . والذي هو الواجب عليه رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها لا نقلها إلى المالك ، فلو كانت في صندوق مقفل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال : ها هي وديعتك خذها ، فقد أدّى ما هو تكليفه وخرج من عهدته . كما أنّ الواجب عليه مع

ص: 16


1- - وأشهد عليه على الأولى الأحوط .
2- - على فرض كونها تحت يده .

الإمكان الفورية العرفية ، فلا يجب عليه الركض ونحوه والخروج من الحمّام فوراً وقطع الطعام والصلاة وإن كانت نافلة ونحو ذلك . وهل يجوز له التأخير ليشهد عليه ؟ قولان ، أقواهما(1) ذلك ، خصوصاً لو كان الإيداع مع الإشهاد ، هذا إذا لم يرخّص في التأخير وعدم الإسراع والتعجيل وإلاّ فلا إشكال في عدم وجوب المبادرة .

(مسألة 16) : لو أودع اللصّ ما سرقه عند أحد لا يجوز له ردّه عليه مع الإمكان ، بل يكون أمانة شرعية في يده ، فيجب عليه إيصاله إلى صاحبه إن عرفه ، وإلاّ عرّف سنة فإن لم يجد صاحبه تصدّق به(2) عنه ، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار أجر الصدقة كان له ، وإن اختار الغرامة غرم له وكان الأجر له .

(مسألة 17) : وكما يجب ردّ الوديعة عند مطالبة المالك ، يجب ردّها إذا خاف عليها من تلف أو سرق أو حرق ونحو ذلك ، فإن أمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله الخاصّ أو العامّ تعيّن ، وإلاّ فليوصلها إلى الحاكم لو كان قادراً على حفظها . ولو فقد الحاكم أو كانت عنده أيضاً في معرض التلف بسبب من الأسباب ، أودعها عند ثقة أمين متمكّن من حفظها .

(مسألة 18) : إذا ظهر للمستودع أمارة الموت بسبب المرض المخوف أو

ص: 17


1- - إذا كان الإشهاد غير موجب للتأخير الكثير ، وإلاّ فلا يجوز خصوصاً لو كان الإيداع بلا إشهاد .
2- - لا يبعد جريان حكم اللقطة عليه ، لكن لا يترك الاحتياط باختيار التصدّق مع الضمان كما في المتن .

غيره ، يجب عليه ردّها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان وإلاّ فإلى الحاكم ، ومع فقده يوصي ويشهد بها ، فلو أهمل عن ذلك ضمن . وليكن الإيصاء والإشهاد بنحو يترتّب عليهما حفظ الوديعة وعدم ذهابها على مالكها ، فلا بدّ من ذكر الجنس والوصف وتعيين المكان والمالك ، فلا يكفي قوله : عندي وديعة لبعض الناس ، فإنّ مثل هذا لا يجدي في إيصالها إلى مالكها . نعم يقوى عدم لزومها رأساً ومن أصله فيما إذا كان الوارث مطّلعاً عليها وكان ثقة أميناً .

(مسألة 19) : يجوز للمستودع أن يسافر ويبقي الوديعة في حرزها السابق عند أهله وعياله ، لو لم يكن السفر ضرورياً ، إذا لم يتوقّف حفظها على حضوره ، وإلاّ فيلزم عليه إمّا الإقامة وترك السفر وإمّا ردّها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان أو إيصالها إلى الحاكم مع التعذّر ، ومع فقده فالظاهر تعيّن الإقامة وترك السفر . ولا يجوز أن يسافر بها ولو مع أمن الطريق(1) ولا إيداعها عند الأمين على الأحوط ، لو لم يكن أقوى(2) . وأمّا لو كان السفر ضرورياً له ، فإن تعذّر ردّها إلى المالك أو وكيله وكذا إيصالها إلى الحاكم تعيّن إيداعها عند أمين ، فإن تعذّر سافر بها محافظاً لها بقدر الإمكان وليس عليه ضمان . نعم في مثل سفر الحجّ ونحوه من الأسفار الطويلة الكثيرة الخطر اللازم أن يعامل فيه معاملة من ظهر له أمارة الموت من ردّها ثمّ الإيصاء والإشهاد بها على ما سبق تفصيله .

(مسألة 20) : المستودع أمين ليس عليه ضمان لو تلفت الوديعة أو تعيّبت

ص: 18


1- - على الأحوط معه ومع مساواة السفر للحضر في الحفظ ، ولو قيل باختلاف الودائع ؛ فيجوز في بعضها السفر بها لكان حسناً ، لكن لا يترك الاحتياط مطلقاً .
2- - بل الأقوى عدم جواز الإيداع .

بيده إلاّ عند التفريط أو التعدّي ، كما هو الحال في كلّ أمين .

أمّا التفريط فهو الإهمال في محافظتها وترك ما يوجب حفظها على مجرى العادات ؛ بحيث يعدّ معه عند العرف مضيّعاً ومسامحاً ، كما إذا طرحها في محلّ ليس بحرز وذهب عنها غير مراقب لها ، أو ترك سقي الدابّة وعلفها ، أو ترك نشر ثوب الصوف أو الإبريسم في الصيف ، أو أودعها أو سافر بها(1) من غير ضرورة ، أو ترك التحفّظ من الندى فيما تفسده النداوة كالكتب وبعض الأقمشة وغير ذلك .

وأمّا التعدّي فهو أن يتصرّف فيها بما لم يأذن له المالك ، مثل أن يلبس الثوب أو يفرش الفراش أو يركب الدابّة إذا لم يتوقّف حفظها على التصرّف ، كما إذا توقّف حفظ الثوب والفراش من الدود على اللبس والافتراش ، أو يصدر منه بالنسبة إليها ما ينافي الأمانة ويكون يده عليها على وجه الخيانة ، كما إذا جحدها لا لمصلحة الوديعة ولا لعذر من نسيان ونحوه .

وقد يجتمع التفريط مع التعدّي كما إذا طرح الثوب أو القماش أو الكتب ونحوها في موضع يعفّنها أو يفسدها . ولعلّ من ذلك ما إذا أودعه دراهم - مثلاً - في كيس مختوم أو مخيط أو مشدود ، فكسر ختمه أو حلّ خيطه وشدّه من دون ضرورة ومصلحة . ومن التعدّي خلط الوديعة بماله ؛ سواء كان بالجنس أو بغيره وسواء كان بالمساوي أو بالأجود أو بالأردأ ، وأمّا لو مزجه بالجنس من مال المودع كما إذا أودع عنده دراهم في كيسين غير مختومين ولا مشدودين فجعلهما كيساً واحداً ، ففيه إشكال(2) .

(مسألة 21) : معنى كونها مضمونة بالتفريط والتعدّي ، كون ضمانها عليه لو

ص: 19


1- - في عدّ مطلق السفر بها والسفر بمطلقها من التفريط منع .
2- - الظاهر كونه تعدّياً مع احتمال تعلّق غرضه بانفصالهما ، فضلاً عن إحرازه .

تلفت ولو لم يكن تلفها مستنداً إلى تفريطه وتعدّيه ، وبعبارة اُخرى : تتبدّل يده الأمانية الغير الضمانية إلى الخيانة الضمانية .

(مسألة 22) : لو نوى التصرّف في الوديعة ولم يتصرّف فيها ، لم يضمن بمجرّد النيّة ، نعم لو نوى الغصبية بأن قصد الاستيلاء عليها والتغلّب على مالكها كسائر الغاصبين ضمنها ؛ لصيرورة يده يد عدوان بعد ما كانت يد استئمان ، ولو رجع عن قصده لم يزل الضمان . ومثله ما إذا جحد الوديعة أو طلبت منه فامتنع من الردّ مع التمكّن عقلاً وشرعاً ، فإنّه يضمنها بمجرّد ذلك ، ولم يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو امتناعه .

(مسألة 23) : لو كانت الوديعة في كيس مختوم - مثلاً - ففتحها وأخذ بعضها ضمن الجميع ، بل المتّجه الضمان بمجرّد الفتح كما سبق . وأمّا لو لم تكن مودعة في حرز أو كانت في حرز من المستودع(1) فأخذ بعضها ، فإن كان من قصده الاقتصار عليه فالظاهر قصر الضمان على المأخوذ دون ما بقي ، وأمّا لو كان من قصده عدم الاقتصار بل أخذ التمام شيئاً فشيئاً فلا يبعد أن يكون ضامناً للجميع.

(مسألة 24) : لو سلّمها إلى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها ضمن ، إلاّ أن يكونوا كالآلة ؛ لكون ذلك بمحضره وباطّلاعه ومشاهدته .

(مسألة 25) : إذا فرّط في الوديعة ثمّ رجع عن تفريطه ؛ بأن جعلها في الحرز المضبوط وقام بما يوجب حفظها ، أو تعدّى ثمّ رجع كما إذا لبس الثوب ثمّ نزعه

ص: 20


1- - بأن جعلها المستودع في حرزه ، وأمّا لو كان المودع أخذ الحرز من المستودع ، وجعلها فيه وختمه أو خاطه فأودعها ، فالوجه هو ضمان الجميع بمجرّد الفتح من دون مصلحة أو ضرورة .

لم يبرأ من الضمان . نعم لو جدّد المالك له الاستئمان(1) ارتفع الضمان ، فهو مثل ما إذا كان مال بيد الغاصب فجعله بيده أمانة ، فإنّ الظاهر أ نّه بذلك يرتفع الضمان من جهة تبدّل عنوان يده من العدوان إلى الاستئمان . ولو أبرأه من الضمان ففي سقوطه بذلك قولان(2) ، نعم لو تلفت العين في يده واشتغلت ذمّته بعوضها لا إشكال في صحّة الإبراء وسقوط الحقّ به .

(مسألة 26) : لو أنكر الوديعة ، أو اعترف بها وادّعى التلف أو الردّ ولا بيّنة ، فالقول قوله بيمينه ، وكذلك لو تسالما على التلف ولكن ادّعى عليه المودع التفريط أو التعدّي .

(مسألة 27) : لو دفعها إلى غير المالك وادّعى الإذن من المالك فأنكر المالك ولا بيّنة ، فالقول قول المالك ، وأمّا لو صدّقه على الإذن لكن أنكر التسليم إلى من أذن له ، فهو كدعواه الردّ إلى المالك مع إنكاره في أنّ القول قوله .

(مسألة 28) : إذا أنكر الوديعة ، فلمّا أقام المالك البيّنة عليها صدّقها لكن ادّعى كونها تالفة قبل أن ينكر الوديعة لا تسمع دعواه ، فلا يقبل منه اليمين ولا البيّنة على إشكال ، وأمّا لو ادّعى تلفها بعد ذلك ، فلا إشكال في أ نّه تسمع دعواه لكن يحتاج إلى البيّنة(3) .

(مسألة 29) : إذا أقرّ بالوديعة ثمّ مات ، فإن عيّنها في عين شخصية معيّنة موجودة حال موته اُخرجت من التركة . وكذا إذا عيّنها في ضمن مصاديق من

ص: 21


1- - بأن جدّد عقد الوديعة بعد فسخ الأوّل .
2- - أوجههما السقوط .
3- - ومع ذلك عليه الضمان ، إذا كان إنكاره بغير عذر .

جنس واحد موجودة حال الموت كما إذا قال : إحدى هذه الشياه وديعة عندي من فلان ، ولم يعيّنها ، فعلى الورثة إذا احتملوا صدق المورّث ولم يميّزوا الوديعة عن غيرها أن يعاملوا معها معاملة ما إذا علموا إجمالاً بأنّ إحدى هذه الشياه لفلان . وإذا عيّن الوديعة ولم يعيّن المالك كان من مجهول المالك ، وقد مرّ(1) حكم الصورتين في كتاب الخمس . وهل يعتبر قول المودع ويجب تصديقه لو عيّنها في معيّن واحتمل صدقه ؟ وجهان(2) ، وإذا لم يعيّنها بأحد الوجهين لا اعتبار(3) بقوله ، إذا لم يعلم الورثة بوجود الوديعة في تركته ، حتّى إذا ذكر الجنس ولم يوجد من ذلك الجنس في تركته إلاّ واحد ، إلاّ إذا علم أنّ مراده ذلك الواحد .

خاتمة

الأمانة على قسمين : مالكية وشرعية .

أمّا الأوّل : فهو ما كان باستئمان من المالك وإذنه ؛ سواء كان عنوان عمله ممحّضاً في ذلك كالوديعة ، أو بتبع عنوان آخر مقصود بالذات ، كما في الرهن والعارية والإجارة والمضاربة ، فإنّ العين بيد المرتهن والمستعير والمستأجر

ص: 22


1- - لم تمرّ الصورة الاُولى ، والأقوى فيها التعيين بالقرعة .
2- - أوجههما عدم اعتباره .
3- - بل يعتبر قوله فيما لو قال : عندي في هذه التركة وديعة من فلان ، فمات بلا فصل يحتمل معه ردّها أو تلفها بلا تفريط ، فيجب التخلّص بالصلح على الأحوط ، ويحتمل العمل بالقرعة قويّاً ، ومع أحد الاحتمالين المتقدّمين ففي الوجوب تردّد فيما إذا قال : عندي في هذه التركة وديعة ، نعم لو قال : عندي وديعة ، من غير تعيين مطلقاً أو مع تعيين ما ، ولم يذكر : أ نّها في تركتي ، فالظاهر عدم وجوب شيء في التركة مع الاحتمالين ومع عدمهما لو لم يعلم بالتفريط والتلف .

والعامل أمانة مالكية ؛ حيث إنّ المالك قد سلّمها بعنوان الاستئمان وتركها بيدهم من دون مراقبة فجعل حفظها على عهدتهم .

وأمّا الثاني : فهو ما لم يكن الاستيلاء على العين ووضع اليد عليها باستئمان من المالك ولا إذن منه ، وقد صارت تحت يده لا على وجه العدوان ، بل إمّا قهراً كما إذا أطارته الريح أو جاء بها السيل - مثلاً - في ملكه(1) . وإمّا بتسليم المالك لها بدون اطّلاع منهما كما إذا اشترى صندوقاً فوجد فيه المشتري شيئاً من مال البائع بدون اطّلاعه ، أو تسلّم البائع أو المشتري زائداً على حقّهما من جهة الغلط في الحساب ، وإمّا برخصة من الشرع كاللقطة والضالّة وما ينتزع من يد السارق أو الغاصب من مال الغير حسبة للإيصال إلى صاحبه ، وكذا ما يؤخذ من الصبيّ أو المجنون من مالهما عند خوف التلف في أيديهما حسبة للحفظ ، وما يؤخذ ممّا كان في معرض الهلاك والتلف من الأموال المحترمة كحيوان معلوم المالك في مسبعة أو مسيل ونحو ذلك ، فإنّ العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولى عليها أمانة شرعية ، يجب عليه حفظها وإيصالها في أوّل أزمنة الإمكان إلى صاحبها ولو مع عدم المطالبة . وليس عليه ضمان لو تلف في يده إلاّ مع التفريط أو التعدّي كالأمانة المالكية . ويحتمل عدم وجوب إيصالها وكفاية إعلام صاحبها بكونها عنده وتحت يده والتخلية بينها وبينه ؛ بحيث كلّما أراد أن يأخذها أخذها ، بل لا يخلو هذا من قوّة . ولو كانت العين أمانة مالكية بتبع عنوان آخر وقد ارتفع ذلك العنوان ، كالعين المستأجرة بعد انقضاء مدّة الإجارة ، والعين المرهونة بعد فكّ الرهن ، والمال الذي بيد العامل بعد فسخ المضاربة ، ففي كونها أمانة مالكية أو شرعية وجهان ، بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان .

ص: 23


1- - ووقع تحت يده .

كتاب المضاربة

ويسمّى قراضاً ، وهي عقد واقع بين شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة من أحدهما والعمل من الآخر وإذا حصل ربح يكون بينهما . وإذا جعل تمام الربح للمالك يقال له : البضاعة . وحيث إنّها عقد من العقود تحتاج إلى الإيجاب والقبول ، والإيجاب من طرف المالك والقبول من العامل ، ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يفيد هذا المعنى بالظهور العرفي كقوله : «ضاربتك» أو «قارضتك» أو «عاملتك على كذا» وما أفاد هذا المعنى ، وفي القبول «قبلت» وشبهه .

(مسألة 1) : يشترط في المتعاقدين : البلوغ والعقل والاختيار(1) . وفي رأس المال أن يكون عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة ولا بالدين ؛ سواء كان على العامل أو

ص: 24


1- - وفي ربّ المال عدم الحجر لفلس . وفي العامل القدرة على التجارة برأس المال ، فلو كان عاجزاً مطلقاً بطلت ومع العجز في بعضه لا تبعد الصحّة بالنسبة على إشكال ، نعم لو طرأ في أثناء التجارة تبطل من حين طروّه بالنسبة إلى الجميع لو عجز مطلقاً ، وإلى البعض لو عجز عنه على الأقوى .

على غيره إلاّ بعد قبضه ، وأن يكون درهماً(1) أو ديناراً فلا يصحّ بالذهب والفضّة الغير المسكوكين والسبائك والفلوس السود فضلاً عن العروض ، وأن يكون معيّناً فلا يصحّ بالمبهم كأن يقول : قارضتك بأحد هذين المالين أو بأيّهما شئت ، وأن يكون معلوماً قدراً ووصفاً . وفي الربح أن يكون معلوماً ، فلو قال : على أنّ لك مثل ما شرط فلان لعامله ، ولم يعلما ما شرط بطل ، وأن يكون مشاعاً مقدّراً بأحد الكسور كالنصف أو الثلث ، فلو قال : على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي أو بالعكس أو على أنّ لك نصف الربح وعشرة دراهم - مثلاً - لم يصحّ ، وأن يكون بين المالك والعامل لا يشاركهما الغير ، فلو جعلا جزءاً منه لأجنبيّ بطل ، إلاّ أن يكون له عمل متعلّق بالتجارة .

(مسألة 2) : يشترط في المضاربة أن يكون الاسترباح بالتجارة فلو دفع إلى الزارع مالاً ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما أو إلى الطبّاخ أو الخبّاز أو الصبّاغ - مثلاً - ليصرفوها في حرفتهم ويكون الربح والفائدة بينهما لم يصحّ ولم يقع مضاربة .

(مسألة 3) : الدراهم المغشوشة إن كانت رائجة مع وصف كونها مغشوشة يجوز إيقاع المضاربة بها ، فلا يعتبر الخلوص عن الغشّ فيها ، نعم لو كانت قلباً يجب كسرها ولم يجز المعاملة بها ، لم يصحّ المضاربة عليها .

(مسألة 4) : إذا كان له دين على أحد يجوز أن يوكّل أحداً في استيفائه ، ثمّ إيقاع المضاربة عليه ؛ بأن يكون موجباً من طرف المالك وقابلاً من نفسه . وكذا

ص: 25


1- - جوازها بمثل الإسكناس والدينار العراقي ونحوهما من الأثمان غير الذهب والفضّة لا يخلو من قوّة ، وكذا في الفلوس السود .

لو كان المديون هو العامل يجوز توكيله في تعيين ما كان في ذمّته في دراهم أو دنانير معيّنة للدائن ، ثمّ إيقاع عقد المضاربة عليها موجباً وقابلاً من الطرفين .

(مسألة 5) : لو دفع إليه عروضاً وقال : بعها ويكون ثمنها مضاربة ، لم يصحّ ، إلاّ إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها .

(مسألة 6) : إذا دفع إليه شبكة - مثلاً - على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف أو التثليث - مثلاً - لم يكن مضاربة بل هي معاملة فاسدة ، فيكون ما وقع فيها من الصيد للصائد(1) ، وعليه اُجرة مثل الشبكة لصاحبها .

(مسألة 7) : لو دفع إليه مالاً ليشتري نخيلاً أو أغناماً على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما لم يكن مضاربة ، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة والنتاج لربّ المال ، وعليه اُجرة مثل عمل العامل .

(مسألة 8) : يصحّ المضاربة على المشاع كالمفروز ، فلو كان دراهم معلومة مشتركة بين اثنين فقال أحدهما للعامل : «قارضتك بحصّتي من هذه الدراهم» صحّ مع العلم بمقدار حصّته ، وكذا لو كان عنده ألف دينار - مثلاً - وقال : «قارضتك بنصف هذه الدنانير» .

(مسألة 9) : لا فرق بين أن يقول : «خذ هذا المال قرضاً ولكلّ منّا نصف الربح» وبين أن يقول : «والربح بيننا» أو يقول : «ولك نصف الربح» أو «لي نصف الربح» في أنّ الظاهر أ نّه جعل لكلّ منهما نصف الربح ، وكذلك لا فرق بين

ص: 26


1- - مالكيته لما قصد لغيره محلّ إشكال ، ويحتمل بقاؤه على إباحته وعليه اُجرة مثل الشبكة .

أن يقول : «خذه قراضاً ولك نصف ربحه» أو يقول : «لك ربح نصفه» فإنّ مفاد الجميع واحد عرفاً .

(مسألة 10) : يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل في مال واحد مع اشتراط تساويهما فيما يستحقّان من الربح وفضل أحدهما على الآخر وإن تساويا في العمل ، ولو قال : «قارضتكما ولكما نصف الربح» كانا فيه سواء . وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل ؛ بأن كان المال مشتركاً بين اثنين ، فقارضا واحداً بالنصف - مثلاً - متساوياً بينهما ؛ بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسويّة ، وبالاختلاف ؛ بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث - مثلاً - فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة واستحقّ أحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة . نعم إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين وكان التفاضل في استحقاق الشريكين فقط كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف والنصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال ؛ بأن يكون للعامل الستّة من اثني عشر ولأحد الشريكين اثنين وللآخر أربعة ، ففي صحّته وجهان بل قولان ، أقواهما البطلان .

(مسألة 11) : المضاربة جائزة من الطرفين ، يجوز لكلّ منهما فسخها ؛ قبل الشروع في العمل وبعده ؛ قبل حصول الربح وبعده ، صار المال كلّه نقداً أو كان فيه أجناس لم ينضّ بعد ، بل إذا اشترطا فيها الأجل جاز لكلّ منهما فسخها قبل انقضائه . ولو اشترطا فيها عدم الفسخ ، فإن كان المقصود لزومها(1) بحيث لا تنفسخ بفسخ أحدهما بطل الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى ، وإن كان

ص: 27


1- - بأن جعل كناية عن لزومها مع ذكر قرينة دالّة عليه .

المقصود التزامهما بأن لا يفسخاها فلا بأس به ، وإن لم يلزم(1) عليهما العمل به ، إلاّ إذا جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم كالبيع والصلح ونحوهما .

(مسألة 12) : الظاهر جريان المعاطاة والفضولية في المضاربة ، فتصحّ بالمعاطاة ، وإذا وقعت فضولاً من طرف المالك أو العامل تصحّ بإجازتهما كالبيع .

(مسألة 13) : تبطل المضاربة بموت كلّ من المالك والعامل ، وهل يجوز لورثة المالك إجازة العقد فتبقى المضاربة بحالها بسبب إجازتهم أم لا ؟ فيه تأمّل وإشكال(2) .

(مسألة 14) : العامل أمين ، فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، كما أ نّه لا ضمان عليه من جهة الخسارة في التجارة ، بل هي واردة على صاحب المال . ولو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكاً معه في الخسارة كما يكون شريكاً معه في الربح ففي صحّته وجهان ، أقواهما العدم . نعم لو كان مرجعه(3) إلى اشتراط أ نّه على تقدير وقوع الخسارة على المالك خسر العامل نصفه - مثلاً - من كيسه لا بأس به ، لكن لزوم الوفاء به على العامل يتوقّف على إيقاع هذا الشرط في ضمن عقد لازم(4) لا في ضمن مثل عقد المضاربة ممّا هو جائز من الطرفين .

ص: 28


1- - لا يبعد لزوم العمل عليهما ، وكذلك لو شرطاه في ضمن عقد جائزٍ ما لم يفسخ .
2- - لكن الأقوى عدم الجواز .
3- - كما أ نّه لو كان مرجعه إلى انتقالها إلى عهدته بعد حصولها في ملكه بنحو شرط النتيجة لا تبعد صحّته .
4- - قد مرّ أ نّه لا يبعد لزوم الوفاء ولو كان في ضمن عقد جائز ما دام باقياً ، نعم له فسخ عقد المضاربة ورفع موضوعه .

(مسألة 15) : يجب على العامل بعد عقد المضاربة القيام بوظيفته ؛ من تولّي ما يتولاّه التاجر لنفسه على المعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان ومثل ذلك العامل ؛ من عرض القماش والنشر والطيّ مثلاً وقبض الثمن وإحرازه في حرزه ، واستئجار من جرت العادة باستئجاره كالدلاّل والوزّان والحمّال ، ويعطي اُجرتهم من أصل المال ، بل لو باشر مثل هذه الاُمور هو بنفسه لا بقصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ الاُجرة . نعم لو استأجر لما يتعارف فيه مباشرة العامل بنفسه كان عليه الاُجرة .

(مسألة 16) : مع إطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتّجار بالمال على حسب ما يراه من المصلحة ؛ من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وغير ذلك ، حتّى في الثمن ، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بالنقد ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر ، إلاّ أن يكون هناك تعارف ينصرف إليه الإطلاق . نعم لو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلاني ، أو إلاّ الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من الشخص الفلاني ، أو الطائفة الفلانية ، وغير ذلك من الشروط ، لم يجز له المخالفة ، ولو خالف ضمن المال والخسارة . لكن لو حصل الربح وكانت التجارة رابحة شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة .

(مسألة 17) : لا يجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره إلاّ بإذن المالك عموماً أو خصوصاً ، فلو خلط ضمن ، لكن إذا دار المجموع في التجارة وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة .

(مسألة 18) : لا يجوز مع الإطلاق أن يبيع نسيئة ، خصوصاً في بعض الأزمان وعلى بعض الأشخاص ، إلاّ أن يكون متعارفاً بين التجّار ولو بالنسبة إلى

ص: 29

ذلك البلد أو الجنس الفلاني ؛ بحيث ينصرف إليه الإطلاق ، فلو خالف في غير مورد الانصراف ضمن ، ولكن لو استوفاه وحصل ربح كان بينهما .

(مسألة 19) : ليس للعامل أن يسافر بالمال برّاً وبحراً والاتّجار به في بلاد اُخر غير بلد المال إلاّ مع إذن(1) المالك ، فلو سافر ضمن التلف والخسارة ، لكن لو حصل الربح يكون بينهما كما مرّ ، وكذا لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها .

(مسألة 20) : ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض شيئاً وإن قلّ حتّى فلوس السقاء ، وكذا في السفر إذا لم يكن بإذن المالك ، وأمّا لو كان بإذنه فله الإنفاق من رأس المال ، إلاّ إذا اشترط المالك أن يكون نفقته على نفسه . والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه ؛ من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب وآلات وأدوات - كالقربة والجوالق - واُجرة المسكن ونحو ذلك مع مراعاة ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد ، فلو أسرف حسب عليه ، ولو قتّر على نفسه أو لم يحتج إليها من جهة صيرورته ضيفاً عند أحد - مثلاً - لم يحسب له . ولا يكون من النفقة هنا جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك ، فهي على نفسه إلاّ إذا كانت لمصلحة التجارة .

(مسألة 21) : المراد بالسفر المجوّز للإنفاق من المال هو العرفي لا الشرعي ، فيشمل ما دون المسافة ، كما أ نّه يشمل أيّام إقامته عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد ، لكن إذا كان لأجل عوارض السفر كما إذا كان للراحة من التعب أو لانتظار الرفقة أو لخوف الطريق وغير ذلك ، أو لاُمور متعلّقة بالتجارة كما إذا كان

ص: 30


1- - ولو بانصراف لأجل التعارف .

لدفع العشور وأخذ التذكرة من العشّار . وأمّا إذا بقي للتفرّج أو لتحصيل مال لنفسه ونحو ذلك ، فالظاهر كون نفقته على نفسه ، خصوصاً لو كانت الإقامة لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل(1) .

(مسألة 22) : لو كان عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو عاملاً لنفسه وغيره ، توزّع النفقة ، وهل هو على نسبة المالين أو على نسبة العملين ؟ فيه تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط برعاية أقلّ(2) الأمرين .

(مسألة 23) : لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يكن ربح . نعم لو أنفق وحصل ربح فيما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات ، فيعطي المالك تمام رأس ماله ، فإن بقي شيء من الربح يكون بينهما.

(مسألة 24) : الظاهر أ نّه كما يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة ؛ بأن يعيّن دراهم شخصية ويشتري شيئاً بتلك الدراهم الشخصية ، يجوز الشراء بالكلّي في الذمّة والدفع والأداء منه ؛ بأن يشتري جنساً بألف درهم كلّي على ذمّة المالك ودفعه بعد ذلك من المال الذي عنده ، فلو فرض تلف مال المضاربة

ص: 31


1- - وأمّا قبله ، فإن كان بقاؤه لأجل إتمامه وغرض آخر ، فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما ، والأحوط احتسابها على نفسه وإن لم يتوقّف الإتمام على البقاء وإنّما بقي لغرض آخر تكون النفقة على نفسه ، ونفقة الرجوع على مال القراض لو سافر للتجارة به ولو عرض في الأثناء غرض آخر ؛ وإن كان الأحوط التوزيع في هذه الصورة ، وأحوط منه الاحتساب على نفسه .
2- - هذا إذا كان عاملاً لنفسه وغيره ، وأمّا إذا كان عاملاً لاثنين فالأحوط التخلّص بالتصالح بينهما ومعهما .

قبل الأداء أدّاه(1) المالك من غيرها ، ولا يتعيّن النحو الأوّل كما نسب إلى المشهور . هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع الإذن في النحو الثاني ، فلا إشكال في جوازه ، كما أ نّه لا إشكال في عدم الجواز لو اشترط عليه عدمه .

(مسألة 25) : لا يجوز للعامل أن يوكّل وكيلاً في الاتّجار ؛ بأن يوكل إلى الغير أصل التجارة من دون إذن المالك ، نعم يجوز له التوكيل والاستئجار في بعض المقدّمات(2) ، وكذلك لا يجوز له أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلاّ بإذن المالك ، ومع الإذن إذا ضارب غيره فمرجعه إلى فسخ المضاربة الاُولى وإيقاع مضاربة جديدة بين المالك وعامل آخر ، أو بينه وبين العامل مع غيره بالاشتراك . وأمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره ؛ بأن يكون العامل الثاني عاملاً للعامل الأوّل ، ففي صحّته تأمّل(3) وإشكال .

(مسألة 26) : الظاهر أ نّه يصحّ أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً ، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً أو يعطيه درهماً وبالعكس .

(مسألة 27) : الظاهر أ نّه يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره ، ولا يتوقّف على الإنضاض - بمعنى جعل الجنس نقداً - ولا على القسمة ، كما أنّ

ص: 32


1- - لم يجب عليه الأداء لعدم الإذن على هذا الوجه ، وما هو لازم عقد المضاربة هو الإذن بالشراء كلّياً متقيّداً بالأداء من مال المضاربة ؛ لأ نّه من الاتّجار بالمال عرفاً ، نعم للعامل أن يعيّن دراهم شخصية ويشتري بها وإن كان غير متعارف في المعاملات ، لكنّه مأذون فيه قطعاً وأحد مصاديق الاتّجار بالمال .
2- - وفي إيقاع بعض المعاملات التي تعارف إيكالها إلى الدلاّل .
3- - الأقوى عدم الصحّة .

الظاهر صيرورته شريكاً مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة ، فيصحّ له مطالبة القسمة وله التصرّف في حصّته من البيع والصلح ، ويرتّب عليه جميع آثار الملكية ؛ من الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعة وتعلّق حقّ الغرماء وغير ذلك .

(مسألة 28) : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقية ؛ سواء كانت سابقة عليه أو لاحقة ، فملكية العامل له بالظهور متزلزلة تزول كلّها أو بعضها بعروض الخسران فيما بعد إلى أن تستقرّ . والاستقرار يحصل بعد الإنضاض وفسخ المضاربة والقسمة قطعاً ، فلا جبران بعد ذلك جزماً . وفي حصوله بدون اجتماع الثلاثة وجوه وأقوال ، أقواها تحقّقه بالفسخ مع القسمة وإن لم يحصل الإنضاض ، بل لا يبعد تحقّقه بالفسخ والإنضاض(1) وإن لم يحصل القسمة .

(مسألة 29) : وكما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف(2) ، فلو كان المال الدائر في التجارة تلف بعضها بسبب غرق أو حرق أو سرقة أو غيرها وربح بعضها يجبر تلف البعض بربح البعض حتّى يكمل مقدار رأس المال لربّ المال ، فإذا زاد عنه شيء يكون بينهما .

ص: 33


1- - بل تحقّقه بالفسخ فقط أو بتمام أمدها لو كان لها أمد لا يخلو من وجه .
2- - سواء كان بعد الدوران في التجارة أو قبله أو قبل الشروع فيها ، تلف البعض أو الكلّ ، فلو اشترى في الذمّة بألف ، وكان رأس المال ألفاً فتلف ، فباع المبيع بألفين فأدّى الألف ، بقي الألف الآخر جبراً لرأس المال ، نعم لو تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة بطلت المضاربة إلاّ مع الإتلاف بالضمان مع إمكان الوصول .

(مسألة 30) : إذا حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة ، فإن كان قبل الشروع في العمل ومقدّماته فلا إشكال ولا شيء للعامل ولا عليه ، وكذا إن كان بعد تمام العمل والإنضاض ؛ إذ مع حصول الربح يقتسمانه ومع عدمه يأخذ المالك رأس ماله ولا شيء للعامل ولا عليه . وإن كان في الأثناء بعد التشاغل بالعمل ، فإن كان قبل حصول الربح ليس للعامل شيء ولا اُجرة له لما مضى من عمله ؛ سواء كان الفسخ منه أو من المالك أو حصل الانفساخ القهري ، كما أ نّه ليس عليه شيء مطلقاً حتّى فيما إذا حصل الفسخ من العامل في السفر المأذون فيه من المالك ، فلا يضمن ما صرف في نفقته من رأس المال . ولو كان في المال عروض لا يجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك ، كما أ نّه ليس للمالك إلزامه بالبيع والإنضاض . وإن كان بعد حصول الربح ، فإن كان بعد الإنضاض فقد تمّ العمل فيقتسمان ويأخذ كلّ منهما حقّه ، وإن كان قبل الإنضاض فعلى ما مرّ من تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره شارك المالك في العين ، فإن رضيا بالقسمة على هذا الحال أو انتظرا إلى أن تباع العروض ويحصل الإنضاض كان لهما ذلك ولا إشكال ، وإن طلب العامل بيعها لم يجب على المالك إجابته ، بل وكذا إن طلبه المالك لم يجب على العامل إجابته وإن قلنا(1) بعدم استقرار ملكية العامل للربح إلاّ بعد الإنضاض ، غاية الأمر لو حصلت خسارة بعد ذلك قبل القسمة يجب جبرها بالربح .

(مسألة 31) : لو كان في المال ديون على الناس ، فهل يجب على العامل

ص: 34


1- - مرّ المناط في استقرار ملك العامل .

أخذها وجمعها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا ؟ فيه إشكال(1) ، الأحوط إجابة المالك لو طلب منه ذلك .

(مسألة 32) : لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك وماله ، فلا يجب عليه الإيصال إليه ، حتّى لو أرسل المال إلى بلد آخر غير بلد المالك وكان ذلك بإذنه . نعم لو كان ذلك بدون إذنه يجب عليه الردّ إليه ، حتّى أ نّه لو احتاج إلى اُجرة كانت عليه .

(مسألة 33) : إذا كانت المضاربة فاسدة كان الربح بتمامه للمالك(2) ؛ سواء كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين ، وللعامل اُجرة مثل عمله لو كان جاهلاً بالفساد ؛ سواء كان المالك عالماً أو جاهلاً ، ولا يستحقّ(3) شيئاً لو كان عالماً بالفساد . وعلى كلّ حال لا يضمن العامل التلف والنقص الواردين على المال ، نعم يضمن على الأقوى ما أنفقه في السفر على نفسه وإن كان جاهلاً بالفساد .

(مسألة 34) : لو ضارب مع الغير بمال الغير من دون ولاية ولا وكالة وقع فضولياً ، فإن أجازه المالك وقع له وكان الخسران عليه والربح بينه وبين العامل

ص: 35


1- - الأشبه عدم الوجوب ، خصوصاً إذا استند الفسخ إلى غير العامل ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصاً مع فسخه وطلب المالك منه .
2- - إذا لم يكن إذنه في التجارة متقيّداً بالمضاربة ، وإلاّ فيتوقّف على إجازته .
3- - استحقاقه لاُجرة المثل في هذه الصورة أيضاً لا يخلو من وجه . هذا إذا حصل ربح بمقدار كان سهمه على فرض الصحّة مساوياً لاُجرة المثل أو أزيد ، وأمّا مع عدم الربح أو نقصان سهمه عنها فمع علمه بالفساد لا يبعد عدم استحقاق الاُجرة مع عدم الربح وعدم استحقاق الزيادة عن مقدار سهمه مع النقصان ، ومع جهله به فالأحوط التخلّص بالصلح ، بل لا يترك الاحتياط مطلقاً .

على ما شرطاه . وإن ردّه فإن كان قبل أن عومل بماله طالبه ويجب على العامل ردّه إليه ، وإن تلف أو تعيّب كان له الرجوع على كلّ من المضارب والعامل ، فإن رجع على الأوّل لم يرجع(1) على الثاني وإن رجع على الثاني رجع على الأوّل ، وإن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضولية ، فإن أمضاها وقعت له وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه ، وإن ردّها رجع بماله إلى كلّ من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف . ويجوز له أن يجيزها على تقدير حصول الربح ويردّها على تقدير وقوع الخسران ؛ بأن يلاحظ مصلحته فإذا رآها تجارة رابحة أجازها وإذا رآها خاسرة ردّها ، هذا حال المالك مع كلّ من المضارب والعامل .

وأمّا معاملة العامل مع المضارب ، فإذا لم يعمل عملاً لم يستحقّ شيئاً ، وكذا إذا عمل وكان عالماً بكون المال لغير المضارب ، وأمّا إذا عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحقّ اُجرة مثل عمله ورجع بها على المضارب .

(مسألة 35) : إذا أخذ العامل رأس المال ، ليس له ترك الاتّجار به وتعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة على تعطيله وعدّ متوانياً متسامحاً - كالتأخير سنة مثلاً - فإن عطّله كذلك ضمنه لو تلف ، لكن لم يستحقّ المالك عليه غير أصل المال ، وليس له مطالبته بالربح الذي كان يحصل على تقدير الاتّجار به .

(مسألة 36) : إذا اشترى نسيئة بإذن المالك كان الدين في ذمّة المالك ،

ص: 36


1- - إذا لم يعلم العامل بالحال ، وإلاّ ينعكس الأمر ويكون قرار الضمان على من تلف أو تعيّب عنده .

فللدائن الرجوع عليه وله أن يرجع على العامل ، خصوصاً مع جهل الدائن بالحال ، وإذا رجع عليه رجع هو على المالك . ولو لم يتبيّن للدائن أنّ الشراء للغير ، يتعيّن له في الظاهر الرجوع على العامل وإن كان له في الواقع الرجوع على المالك .

(مسألة 37) : لو ضاربه على خمسمائة - مثلاً - فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة اُخرى للمضاربة ، فالظاهر أ نّهما مضاربتان ، فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى . نعم لو ضاربه على ألف - مثلاً - فدفع إليه خمسمائة فعامل بها ثمّ دفع إليه خمسمائة اُخرى فهي مضاربة واحدة ، تجبر خسارة كلّ من التجارتين بربح الاُخرى .

(مسألة 38) : إذا كان رأس المال مشتركاً بين اثنين فضاربا واحداً ، ثمّ فسخ أحد الشريكين، فالظاهر أ نّها تنفسخ من الأصل حتّى بالنسبة إلى الشريك الآخر(1).

(مسألة 39) : إذا تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال ولم يكن بيّنة ، قدّم(2) قول العامل ؛ سواء كان المال موجوداً أو كان تالفاً وكان مضموناً على العامل .

(مسألة 40) : لو ادّعى العامل التلف أو الخسارة أو عدم حصول المطالبات التي عند الناس مع عدم كونه مضموناً عليه وادّعى المالك خلافه ولم يكن بيّنة ، قدّم قول العامل .

ص: 37


1- - محلّ إشكال .
2- - هذا إذا لم يرجع نزاعهما في مقدار نصيب العامل من الربح ، وإلاّ ففيه تفصيل .

(مسألة 41) : لو اختلفا في الربح ولم يكن بيّنة قدّم قول العامل ؛ سواء اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره ، بل وكذا الحال فيما إذا قال العامل : ربحت كذا لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح .

(مسألة 42) : لو اختلفا في نصيب العامل من الربح وأ نّه النصف - مثلاً - أو الثلث ولم يكن بيّنة ، قدّم قول المالك .

(مسألة 43) : إذا تلف المال أو وقع خسران ، فادّعى المالك على العامل الخيانة أو التفريط في الحفظ ولم يكن له بيّنة ، قدّم قول العامل ، وكذا لو ادّعى عليه مخالفته لما شرط عليه ؛ سواء كان النزاع في أصل الاشتراط أو في مخالفته لما شرط عليه ، كما إذا ادّعى المالك أ نّه قد اشترط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني وقد اشتراه فخسر ، وأنكر العامل أصل هذا الاشتراط ، أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه . نعم لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز للعامل إلاّ بإذنه ، كما لو سافر بالمال أو باع نسيئة فتلف أو خسر ، فادّعى العامل كونه بإذن المالك وأنكره ، قدّم قول المالك .

(مسألة 44) : إذا ادّعى ردّ المال إلى المالك وأنكره قدّم قول المالك .

(مسألة 45) : إذا اشترى العامل سلعة ، فظهر فيها ربح فقال : اشتريتها لنفسي ، وقال المالك : اشتريتها للقراض ، أو ظهر خسران فادّعى العامل أ نّه اشتراها للقراض وقال صاحب المال : بل اشتريتها لنفسك ، قدّم قول العامل بيمينه .

(مسألة 46) : إذا حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أ نّه أقرضه ،

ص: 38

وادّعى العامل أ نّه قارضه ، قدّم قول المالك على إشكال(1) ، وأمّا لو حصل ربح فادّعى المالك أ نّه قارضه وادّعى العامل أ نّه أقرضه ، قدّم قول المالك بلا إشكال .

(مسألة 47) : لو ادّعى المالك أ نّه أعطاه المال بعنوان البضاعة فلا يستحقّ العامل شيئاً من الربح ، وادّعى العامل المضاربة فله حصّة منه ، الظاهر أ نّه يقدّم(2) قول المالك بيمينه ، فيحلف على نفي المضاربة ، فله تمام الربح لو كان ، ولو لم يكن ربح أصلاً فلا ثمرة في هذه الدعوى .

(مسألة 48) : يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال وجعل الجعل حصّة من الربح ؛ بأن يقول صاحب المال مثلاً : إذا اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه أو ثلثه ، فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة . لكن لا يشترط فيها ما يشترط في المضاربة ، فلا يعتبر كون رأس المال من النقدين ، بل يجوز أن يكون عروضاً أو ديناً أو منفعة .

(مسألة 49) : يجوز للأب والجدّ المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة(3) ، وكذا القيّم الشرعي كالوصيّ وحاكم الشرع مع الأمن من الهلاك وملاحظة

ص: 39


1- - بل تقديم قوله ممنوع ، ويحتمل التحالف بملاحظة محطّ الدعوى ، ويحتمل تقديم قول العامل بلحاظ مرجعها ، وإذا حصل الربح فادّعى المالك قراضاً والعامل إقراضاً يحتمل التحالف أيضاً بلحاظ محطّها وتقديم قول المالك بلحاظ مرجعها ولعلّ الثاني في الصورتين أقرب .
2- - واحتمال التحالف ضعيف في هذا الفرع ؛ لعدم جريان أصالة عدم البضاعة .
3- - لكن لا ينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة .

الغبطة والمصلحة ، بل يجوز للوصيّ على ثلث الميّت أن يدفعه إلى الغير بالمضاربة وصرف حصّة الميّت من الربح في المصارف المعيّنة للثلث إذا أوصى به الميّت ، بل وإن لم يوص به لكن فوّض أمر الثلث بنظر الوصيّ ، فرأى الصلاح في ذلك .

(مسألة 50) : إذا مات العامل وكان عنده مال المضاربة ، فإن علم بوجوده فيما تركه بعينه فلا إشكال ، وإن علم بوجوده فيه من غير تعيين ؛ بأن كان ما تركه مشتملاً على مال نفسه ومال المضاربة ، أو كان عنده أيضاً ودائع أو بضائع لاُناس آخرين ، واشتبه أعيانها بعضها مع بعض ، يعامل ما هو العلاج في نظائره من اشتباه أموال ملاّك متعدّدين بعضها مع بعض . وهل هو بإعمال القرعة أو إيقاع المصالحة ؟ وجهان(1) ، أحوطهما الثاني ، وأقواهما الأوّل . نعم الظاهر أ نّه لو علم المال جنساً وقدراً واشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره ، كان بحكم(2) المال المشترك ، كما إذا كان له في أنباره مقدار من القند أو السكّر ، وعلم أنّ مقداراً معيّناً من ذلك الجنس مال المضاربة من غير تعيين لشخصه ، فإنّه يكون المجموع مشتركاً بين ربّ المال وورثة الميّت بالنسبة . وأمّا إذا علم بعدم وجوده فيها ، واحتمل أ نّه قد ردّه إلى مالكه ، أو تلف بتفريط منه أو بغيره ، فالظاهر أ نّه لم يحكم على الميّت بالضمان وكان الجميع لورثته ، وكذا لو احتمل

ص: 40


1- - وهنا وجه آخر ؛ وهو التقسيم بينهم على نسبة أموالهم ، ولكن الأقوى ما ذكره . نعم لو كان ديّان للميّت ومال مضاربة ولم يعلم أ نّه بعينه لفلان فهو اُسوة الغرماء .
2- - بل يأتي فيه الوجوه المتقدّمة إذا لم يكن ممتزجاً واشتبه مع أموال الورثة ، والأقوى فيه القرعة أيضاً ، خصوصاً إذا كانت الأجناس مختلفة في الجودة والرداءة .

بقاؤه فيها . نعم لو علم بأنّ مقداراً من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلاً في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها ولم يعلم أ نّه هل بقي فيها أو ردّه إلى المالك أو تلف ؟ لا يبعد(1) أن يكون حاله حال ما لو علم بوجوده فيها ، فيجب إخراجه منها .

ص: 41


1- - مشكل ، بل كون الأموال مورّثة لا يخلو من قوّة .

كتاب الشركة

اشارة

وهي كون شيء واحد لاثنين ، أو أزيد . وهي إمّا في عين ، أو دين ، أو منفعة ، أو حقّ . وسببها قد يكون إرثاً ، وقد يكون عقداً ناقلاً ، كما إذا اشترى اثنان معاً مالاً أو استأجرا عيناً ، أو صولحا عن حقّ تحجير مثلاً . ولها سببان(1) آخران يختصّان بالشركة في الأعيان : أحدهما : الحيازة ، كما إذا اقتلع اثنان معاً شجرة مباحة ، أو اغترفا ماءً مباحاً بآنية واحدة دفعة . وثانيهما : الامتزاج ، كما إذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أو خلّ شخص آخر؛ سواء وقع قهراً أو عمداً واختياراً.

(مسألة 1) : الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعية الحقيقية ، وهو فيما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بين مائعين متجانسين كالماء بالماء والدهن بالدهن ، بل وغير متجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلاً ، ومثله على الظاهر خلط

ص: 42


1- - ولها سبب ثالث : وهو تشريك أحدهما الآخر في ماله ، ويسمّى بالتشريك ، وهو غير الشركة العقدية بوجه .

الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة ، بل لا يبعد(1) أن يلحق بها ذوات الحبّات الصغيرة كالخشخاش والدخن والسمسم وأشباهها . وقد يوجب الشركة الظاهرية الحكمية ، وهي في مثل خلط الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير ، بل والجوز(2) بالجوز واللوز باللوز ، وكذا الدراهم أو الدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض على نحو يرفع الامتياز ، فإنّ الظاهر في أمثال ذلك بقاء أجزاء كلّ من المالين على ملك مالكه ، لكن عند الخلط الرافع للامتياز يعامل مع المجموع معاملة المال المشترك ، ويكون بحكم الشركة الواقعية ؛ من صحّة التقسيم والإفراز وسائر أحكام المال المشترك . نعم الظاهر أ نّه لا تتحقّق الشركة - لا واقعاً ولا ظاهراً - بخلط القيميات بعضها ببعض وإن لم يتميّز ، كما إذا اختلط بعض الثياب ببعضها مع تقارب الصفات ، والعبيد في العبيد ، والإماء في الإماء ، والأغنام في الأغنام ونحو ذلك ، بل ذلك من اشتباه مال أحد المالكين بمال الآخر ، فيكون العلاج بالمصالحة أو القرعة .

(مسألة 2) : لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلاّ برضا الباقين ، بل لو أذن أحد الشريكين شريكه في التصرّف جاز للمأذون ولم يجز للآذن إلاّ أن يأذن له المأذون أيضاً . ويجب أن يقتصر المأذون بالمقدار المأذون فيه كمّاً وكيفاً . نعم الإذن في الشيء إذن في لوازمه عند الإطلاق ، فإذا أذن له في

ص: 43


1- - بعيد ، والأقوى ظاهريتها مع امتزاج المتجانسين وعدم الشركة مع امتزاج غيرهما ، فيتخلّص بصلح ونحوه . وفي الجامدات الناعمة محلّ تأمّل وإشكال ، ولا يبعد ظاهريتها ، نعم في خلط المائعات الرافع للامتياز عرفاً بحسب الواقع وإن لم يكن عقلاً كذلك ، فالظاهر كونها واقعية .
2- - الأحوط التخلّص بالصلح ونحوه فيه وفيما بعده .

سكنى الدار يلزمه(1) إسكان أهله وعياله وأطفاله وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد ، فيجوز ذلك كلّه إلاّ أن يمنع عنه كلاًّ أو بعضاً فيتّبع .

(مسألة 3) : كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم - وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد - تطلق أيضاً على معنى آخر ؛ وهو العقد الواقع بين اثنين ، أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية . وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما ، وحيث إنّها عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب وقبول ، ويكفي قولهما : اشتركنا ، أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر . ولا يبعد جريان المعاطاة فيها ؛ بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به .

(مسألة 4) : يعتبر في الشركة العقدية كلّ ما اعتبر في العقود المالية ؛ من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه .

(مسألة 5) : لا تصحّ الشركة العقدية إلاّ في الأموال ؛ نقوداً كانت أو عروضاً ، وتسمّى تلك : شركة العنان ، ولا تصحّ في الأعمال وهي المسمّاة بشركة الأبدان ؛ بأن يوقع العقد اثنان على أن يكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما ؛ سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين ، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج . ومن ذلك معاقدة شخصين على أنّ كلّ ما يحصل كلّ منهما بالحيازة من الحطب أو الحشيش - مثلاً - يكون مشتركاً بينهما ، فلا تتحقّق الشركة بذلك ، بل يختصّ كلّ منهما باُجرته وبما حازه . نعم لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدّة كذا

ص: 44


1- - في إطلاقه منع ، بل الموارد مختلفة .

- كسنة أو سنتين - بنصف منفعة الآخر إلى تلك المدّة وقبل الآخر صحّ ، واشترك كلّ منهما فيما يحصّله الآخر في تلك المدّة بالاُجرة أو الحيازة . وكذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدّة بعوض معيّن - كدينار مثلاً - وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته في تلك المدّة بذلك العوض . ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه ؛ وهي أن يوقع(1) العقد اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ويكون ما يبتاعه كلّ منهما بينهما فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما ، ولو أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع وكّل كلّ منهما الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه ، بأن يشتري لهما وفي ذمّتهما ، فإذا اشترى شيئاً كذلك يكون لهما فيكون الربح والخسران بينهما . ولا تصحّ أيضاً شركة المفاوضة ؛ وهي أن يعقد اثنان على أن يكون كلّ ما يحصل لكلّ منهما من ربح تجارة أو فائدة زراعة أو اكتساب أو إرث أو وصيّة أو غير ذلك شاركه فيه الآخر ، وكذا كلّ غرامة وخسارة ترد على أحدهما تكون عليهما ، فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأموال المسمّاة بشركة العنان .

(مسألة 6) : لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باُجرة معيّنة ، كانت الاُجرة مشتركة بينهما ، وكذا لو حاز اثنان معاً مباحاً ، كما لو اقتلعا معاً شجرة أو اغترفا ماءً دفعة بآنية واحدة ، كان ما حازاه مشتركاً بينهما ، وليس ذلك من شركة الأبدان حتّى تكون باطلة ، ويقسّم الاُجرة وما حازاه بنسبة عملهما ، ولو لم تعلم النسبة فالأحوط التصالح .

ص: 45


1- - هذه أشهر معانيها على المحكيّ .

(مسألة 7) : حيث إنّ الشركة العنانية هي العقد على المعاملة والتكسّب بالمال المشترك ، فلا بدّ من أن يكون رأس المال مشتركاً بأحد(1) أسباب الشركة ، فإن كان مشتركاً قبل إيقاع عقدها - كالمال الموروث قبل القسمة - فهو ، وإلاّ بأن كان المالان ممتازين ، فإن كانا ممّا تحصل الشركة بمزجهما - كالمائعات والأدقّة بل والحبوبات والدراهم والدنانير على ما مرّ(2) - مزجاهما قبل العقد أو بعده ليتحقّق الاشتراك في رأس المال ، وإن كانا من غيره ؛ بأن كان عند أحدهما جنس وعند الآخر جنس آخر فلا بدّ من إيجاد أحد أسباب الشركة غير المزج ليصير رأس المال مشتركاً ، كأن يبيع أو يصالح كلّ منهما نصف ماله بنصف مال الآخر . وما اشتهر من أنّ في الشركة العقدية لا بدّ من خلط المالين قبل العقد أو بعده مبنيّ على ما هو الغالب من كون رأس المال من الدراهم أو الدنانير وكان لكلّ منهما مقدار ممتاز عمّا للآخر ، وحيث إنّ الخلط والمزج فيها أسهل أسباب الشركة ذكروا أ نّه لا بدّ من امتزاج الدراهم بالدراهم والدنانير بالدنانير حتّى يحصل الاشتراك في رأس المال ، لا أ نّه يعتبر ذلك ، حتّى أ نّه لو فرض كون الدراهم أو الدنانير مشتركة بين اثنين بسبب آخر

ص: 46


1- - ليس الاشتراك شرطاً في عقد الشركة ، بل الشرط فيه هو الامتزاج الرافع للتميّز قبل العقد أو بعده ؛ سواء كان المالان من النقود أم العروض ، حصل به الشركة كالمائعات أم لا كالدراهم والدنانير ، كانا مثليين أم قيميين . نعم في الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتميّز لا بدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة على الأحوط ، كما أ نّه لو كان المال مشتركاً كالمورّث يجوز إيقاع العقد عليه ويفيد الإذن في التجارة في مثله .
2- - مرّ ما هو الأقوى .

غير المزج كالإرث ، أو كان المالان ممّا لا يوجب خلطهما الاشتراك ، لم تقع الشركة العقدية .

(مسألة 8) : إطلاق عقد الشركة يقتضي(1) جواز تصرّف كلّ منهما بالتكسّب برأس المال ، وإذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما مع انضمامهما فهو المتّبع . هذا من حيث العامل ، وأمّا من حيث العمل والتكسّب فمع الإطلاق يجوز مطلقه ممّا يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة ، ولو عيّنا جهة خاصّة كبيع وشراء الأغنام أو الطعام أو البزازة أو غير ذلك اقتصر على ذلك ولا يتعدّى إلى غيره .

(مسألة 9) : حيث إنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن الآخر ، فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسّب أو تكسّب خاصّ يقتصر على المتعارف ، فلا يجوز البيع بالنسيئة(2) ولا السفر بالمال إلاّ مع الإذن الخاصّ ؛ وإن جاز له كلّ ما تعارف من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وأمثال ذلك . نعم لو عيّنا شيئاً من ذلك لم يجز لهما المخالفة عنه إلاّ بإذن من الشريك ، وإن تعدّى أحدهما عمّا عيّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف .

(مسألة 10) : إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على الشريكين على نسبة مالهما ، فإذا تساوى مالهما تساويا في الربح والخسران ، ومع التفاوت

ص: 47


1- - لا يقتضي عقد الشركة ولا إطلاقه جواز تصرّف الشريكين في مال الآخر ، إلاّ إذا دلّت قرينة حالية أو مقالية عليه ، كما إذا كانت الشركة حاصلة كالموروث فأوقعا العقد ومع عدم الدلالة لا بدّ من إذن صاحب المال ويتّبع في الإطلاق والتقييد .
2- - في إطلاقه منع ، وكذا في السفر ، والموارد مختلفة .

يتفاضلان فيهما على حسب تفاوت ماليهما ، من غير فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو منهما مع التساوي فيه أو الاختلاف . ولو شرطا التفاوت في الربح مع التساوي في المال ، أو تساويهما فيه مع التفاوت فيه ، فإن جعلت الزيادة للعامل منهما أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال ، وإن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أزيد ففي صحّة العقد والشرط معاً ، أو بطلانهما ، أو صحّة العقد دون الشرط ، أقوال ؛ أقواها أوّلها .

(مسألة 11) : العامل من الشريكين أمين ، فلا يضمن التلف إذا لم يكن تعدٍّ منه ولا تفريط . وإذا ادّعى التلف قبل قوله مع اليمين ، وكذا إذا ادّعى الشريك عليه التعدّي أو التفريط وقد أنكر .

(مسألة 12) : عقد الشركة جائز من الطرفين ، فيجوز لكلّ منهما فسخه ، فينفسخ لكن لا يبطل(1) بذلك أصل الشركة ، وكذا ينفسخ بعروض الموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس أو السفه ، وتبقى أيضاً أصل الشركة .

(مسألة 13) : لو جعلا للشركة أجلاً لم يلزم ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه ، إلاّ إذا اشترطاه في ضمن عقد لازم فيلزم(2) .

(مسألة 14) : إذا تبيّن بطلان عقد الشركة كانت المعاملات الواقعة قبله

ص: 48


1- - الظاهر البطلان فيما إذا تحقّقت الشركة بعقدها لا بالمزج ، كمزج اللوز باللوز والجوز بالجوز والدرهم والدينار بمثلهما ، فإذا انفسخ العقد يرجع كلّ مال إلى صاحبه فيتخلّص فيه بالتصالح ، نعم في عروض الموت وما يتلوه لأحدهما لا يبعد بقاء أصل الشركة مطلقاً مع عدم جواز تصرّف الشريك .
2- - محلّ تأمّل ، نعم لو شرطا في ضمنه عدم الرجوع يجب عليهما الوفاء .

محكومة بالصحّة(1) ، ولهما الربح وعليهما الخسران على نسبة المالين ، ولكلّ منهما اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر .

القول : في القسمة

وهي تميّز(2) حصص الشركاء بعضها عن بعض ، وليست ببيع ولا معاوضة ، فلا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان المختصّان بالبيع ، ولا يدخل فيها الربا وإن عمّمناها لجميع المعاوضات .

(مسألة 1) : لا بدّ في القسمة من تعديل السهام ، وهو إمّا بحسب الأجزاء والكمّية كيلاً أو وزناً أو عدّاً أو مساحة ، وتسمّى قسمة إفراز ، وهي جارية في المثليات كالحبوب والأدهان والخلول والألبان ، وفي بعض القيميات المتساوية الأجزاء كما في الثوب الواحد الذي تساوت أجزاؤه كطاقة من كرباس وقطعة واحدة من أرض بسيطة تساوت أجزاؤها ، وإمّا بحسب القيمة والمالية كما في القيميات إذا تعدّدت كالعبيد والأغنام والعقار والأشجار إذا ساوى بعضها مع بعض بحسب القيمة ، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام قد ساوى قيمة أحدها مع اثنين منها ، فيجعل الواحد سهماً والاثنان سهماً ، وتسمّى ذلك قسمة التعديل ، وإمّا بضمّ مقدار من المال مع بعض السهام ليعادل البعض الآخر ، كما إذا كان بين اثنين عبدان قيمة أحدهما خمسة دنانير

ص: 49


1- - إذا لم يكن إذنهما متقيّداً بالشركة إذا حصلت بالعقد أو بصحّة عقدها في غيره ، هذا إذا اتّجر كلّ منهما أو واحد منهما مستقلاًّ وإلاّ فلا إشكال .
2- - بل هي تميّز حصصهم ؛ بمعنى جعل التعيين بعد ما لم يكن معيّناً بحسب الواقع ، لا تمييز ما هو معيّن واقعاً ومشتبه ظاهراً .

والآخر أربعة فإنّه إذا ضمّ إلى الثاني نصف دينار ساوى مع الأوّل وتسمّى هذه قسمة الردّ .

(مسألة 2) : الأموال المشتركة : قد لا يتأ تّى فيها إلاّ قسمة الإفراز ، وهو فيما إذا كان من جنس واحد من المثليات كما إذا اشترك اثنان أو أزيد في وزنة من حنطة ، وقد لا يتأ تّى فيها إلاّ قسمة التعديل كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة عبيد قد ساوى أحدهم مع اثنين منهم بحسب القيمة .

وقد لا يتأ تّى فيها إلاّ قسمة الردّ ، كما إذا كان بين اثنين عبدان قيمة أحدهما خمسة دنانير والآخر أربعة ، وقد يتأ تّى فيها قسمة الإفراز والتعديل معاً ، كما إذا اشترك اثنان في جنسين مثليين مختلفي القيمة والمقدار ، وكانت قيمة أقلّهما مساوية لقيمة أكثرهما ، كما إذا كان بين اثنين وزنة من حنطة ووزنتان من شعير وكانت قيمة وزنة من حنطة مساوية لقيمة وزنتين من شعير ، فإذا قسّم المجموع بجعل الحنطة سهماً والشعير سهماً يكون من قسمة التعديل ، وإذا قسّم كلّ منهما منفرداً يكون من قسمة الإفراز .

وقد يتأ تّى فيها قسمة الإفراز والردّ معاً(1) ، كما في المثال السابق إذا فرض كون قيمة الحنطة خمسة عشر درهماً وقيمة الشعير عشرة .

وقد يتأ تّى فيها قسمة التعديل مع قسمة الردّ ، كما إذا كان بينهما ثلاثة عبيد أحدهم يقوّم بعشرة دنانير واثنان منهم كلّ منهما بخمسة ، فيمكن أن يجعل الأوّل سهماً والآخران سهماً فتكون من قسمة التعديل ، وأن يجعل الأوّل مع واحد من

ص: 50


1- - تتأ تّى قسمة التعديل فيما تتأ تّى فيها قسمة الإفراز والردّ ؛ بأن يجعل مقدار من الأكثر قيمة مع أقلّها بحيث يكون مجموعهما مساوياً للبقيّة .

الآخرين سهماً والآخر منهما مع عشرة دنانير سهماً فتكون من قسمة الردّ(1) .

وقد يتأ تّى فيها كلّ من قسمتي الإفراز والردّ ، كما إذا كان بينهما وزنة حنطة كانت قيمتها اثني عشر درهماً مع وزنة شعير قيمتها عشرة ، فيمكن قسمة الإفراز بتقسيم كلّ منهما منفرداً وقسمة الردّ بجعل الحنطة سهماً والشعير مع درهمين سهماً .

وقد يتأ تّى الأقسام الثلاثة ، كما إذا اشترك اثنان في وزنة حنطة قيمتها عشرة دراهم مع وزنة شعير قيمتها خمسة ووزنة حمّص قيمتها خمسة عشر ، فإذا قسّمت كلّ منها بانفرادها كانت قسمة إفراز ، وإن جعلت الحنطة مع الشعير سهماً والحمّص سهماً كانت قسمة تعديل ، وإن جعل الحمّص مع الشعير سهماً والحنطة مع عشرة دراهم سهماً كانت قسمة الردّ . ولا إشكال في صحّة الجميع مع التراضي إلاّ في قسمة الردّ مع إمكان غيرها فإنّ في صحّتها إشكالاً ، بل الظاهر العدم . نعم لا بأس بالمصالحة المفيدة فائدتها .

(مسألة 3) : لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت معدّلة ، فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة فجعلها ثلاثة أقسام معدّلة بمكيال مجهول المقدار ، أو كانت بينهم عرصة أرض متساوية الأجزاء فجعلها ثلاثة أجزاء مساوية بخشبة أو حبل لا يدرى أنّ طولهما كم ذراع صحّ ؛ لما عرفت أنّ القسمة ليست ببيع ولا معاوضة .

ص: 51


1- - جعل هذا من قسمة الردّ ينافي ما مرّ منه ؛ من أ نّه قد لا يتأ تّى فيها إلاّ قسمة التعديل ، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة عبيد قد ساوى أحدهم مع اثنين منهم بحسب القيمة ؛ لجريان قسمة الردّ فيها بما ذكره هاهنا ، بل لازم ذلك جريان قسمة الردّ في جميع الصور حتّى فيما إذا كان من جنس واحد من المثليات .

(مسألة 4) : إذا طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها ، فإن كانت قسمة ردّ ، أو كانت مستلزمة للضرر ، فللشريك الآخر الامتناع عنها ، ولم يجبر عليها لو امتنع ، وتسمّى القسمة قسمة تراضٍ ، بخلاف ما إذا لم تكن قسمة ردّ ولا مستلزمة للضرر فإنّه يجبر عليها الممتنع لو طلبها الشريك الآخر ، وتسمّى القسمة قسمة إجبار ، فإن كان المال المشترك ممّا لا يمكن فيه إلاّ قسمة الإفراز أو التعديل فلا إشكال ، وأمّا فيما أمكن كلتاهما فإن طلب قسمة الإفراز يجبر عليها الممتنع ، بخلاف ما إذا طلب قسمة التعديل . فإذا كانا شريكين في أنواع متساوية الأجزاء كحنطة وشعير وتمر وزبيب فطلب أحدهما قسمة كلّ نوع بانفراده قسمة إفراز اُجبر الممتنع ، وإن طلب قسمتها بالتعديل بحسب القيمة لم يجبر . وكذا إذا كانت بينهما قطعتا أرض أو داران أو دكّانان ، فإنّه يجبر الممتنع لو طلب أحد الشريكين قسمة كلّ منها على حدة ، ولم يجبر إذا طلب قسمتها بالتعديل . نعم لو كانت قسمتها منفردة مستلزمة للضرر دون قسمتها بالتعديل اُجبر الممتنع على الثانية إن طلبها أحد الشريكين دون الاُولى .

(مسألة 5) : إذا اشترك اثنان في دار ذات علو وسفل وأمكن قسمتها على نحو يحصل لكلّ منهما حصّة من العلو والسفل بالتعديل(1) ، وقسمتها على نحو يحصل لأحدهما العلو ولأحدهما السفل . وقسمة كلّ من العلو والسفل بانفراده ، فإن طلب أحد الشريكين النحو الأوّل ولم يستلزم الضرر يجبر الآخر لو امتنع ، ولا يجبر لو طلب أحد النحوين الآخرين . هذا مع إمكان النحو الأوّل وعدم

ص: 52


1- - مع إمكان الإفراز ؛ بأن يصل إلى كلّ بمقدار حصّته منهما ، يقدّم على سائر الأنحاء ، وكذا الحال في مثله من الفروع الآتية .

استلزام الضرر ، وأمّا مع عدم إمكانه أو استلزامه الضرر وانحصار الأمر في النحوين الأخيرين ، فالظاهر تقدّم الثاني ، فلو طلبه أحدهما يجبر الآخر لو امتنع بخلاف الأوّل . نعم لو انحصر الأمر فيه يجبر إذا لم يستلزم الضرر ولا الردّ وإلاّ لم يجبر كما مرّ .

(مسألة 6) : لو كانت دار ذات بيوت ، أو خان ذات حجر بين جماعة ، وطلب بعض الشركاء القسمة اُجبر الباقون ، إلاّ إذا استلزم الضرر من جهة ضيقهما وكثرة الشركاء .

(مسألة 7) : إذا كانت بينهما بستان مشتملة على نخيل وأشجار ، فقسمتها بأشجارها ونخيلها بالتعديل قسمة إجبار إذا طلبها أحدهما يجبر الآخر ، بخلاف قسمة كلّ من الأرض والأشجار على حدة ، فإنّها قسمة تراضٍ لا يجبر عليها الممتنع .

(مسألة 8) : إذا كانت بينهما أرض مزروعة ، يجوز قسمة كلّ من الأرض والزرع قصيلاً كان أو سنبلاً على حدة ، وتكون القسمة قسمة إجبار ، وأمّا قسمتهما معاً فهي قسمة تراضٍ لا يجبر الممتنع عليها إلاّ إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر فيها فيجبر عليها . هذا إذا كان الزرع قصيلاً أو سنبلاً ، وأمّا إذا كان حبّاً مدفوناً أو مخضرّاً في الجملة ولم يكمل نباته فلا إشكال في قسمة الأرض وحدها وبقاء الزرع على إشاعته ، كما أ نّه لا إشكال في عدم جواز قسمة الزرع مستقلاًّ . نعم لا يبعد(1) جواز قسمة الأرض بزرعها بحيث يجعل من توابعها ، وإن كان الأحوط قسمة الأرض وحدها وإفراز الزرع بالمصالحة .

ص: 53


1- - مشكل ، لا يترك الاحتياط المذكور .

(مسألة 9) : إذا كانت بينهم دكاكين متعدّدة - متجاورة أو منفصلة - فإن أمكن قسمة كلّ منها بانفراده وطلبها بعض الشركاء وطلب بعضهم قسمة بعضها في بعض بالتعديل - لكي يتعيّن حصّة كلّ منهم في دكّان تامّ أو أزيد - يقدّم ما طلبه الأوّل ويجبر البعض الآخر ، إلاّ إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر في النحو الثاني فيجبر الأوّل .

(مسألة 10) : إذا كان بينهما حمّام وشبهه - ممّا لم يقبل القسمة الخالية عن الضرر - لم يجبر الممتنع ، نعم لو كان كبيراً بحيث يقبل الانتفاع بصفة الحمّامية من دون ضرر ولو بإحداث مستوقد أو بئر آخر ، فالأقرب الإجبار .

(مسألة 11) : لو كان لأحد الشريكين عشر من دار - مثلاً - وهو لا يصلح للسكنى ويتضرّر هو بالقسمة دون الشريك الآخر ، فلو طلب هو القسمة بغرض صحيح يجبر شريكه ، ولم يجبر هو لو طلبها الآخر .

(مسألة 12) : يكفي في الضرر المانع عن الإجبار ترتّب نقصان في العين أو القيمة بسبب القسمة بما لا يتسامح فيه في العادة ، وإن لم يسقط المال عن قابلية الانتفاع بالمرّة .

(مسألة 13) : لا بدّ في القسمة من تعديل السهام ثمّ القرعة . أمّا كيفية التعديل : فإن كانت حصص الشركاء متساوية ، كما إذا كانوا اثنين ولكلّ منهما نصف ، أو ثلاثة ولكلّ منهم ثلث وهكذا ، يعدّل السهام بعدد الرؤوس ، فيجعل سهمين متساويين إن كانوا اثنين وثلاثة أسهم متساويات إن كانوا ثلاثة وهكذا . ويعلّم كلّ سهم بعلامة تميّزه عن غيره ، فإذا كانت قطعة أرض متساوية الأجزاء بين ثلاثة - مثلاً - يجعل ثلاث قطع متساوية بحسب المساحة ويميّز بينها ؛

ص: 54

أحدها: الاُولى ، والاُخرى : الثانية ، والثالثة : الثالثة . وإذا كانت دار مشتملة على بيوت بين أربعة - مثلاً - تجعل أربعة أجزاء متساوية بحسب القيمة وتميّز كلّ منها بمميّز كالقطعة الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية المحدودات بحدود كذائية ، وإن كانت الحصص متفاوتة كما إذا كان المال بين ثلاثة : سدس لعمرو وثلث لزيد ونصف لبكر يجعل السهام على أقلّ الحصص ، ففي المثال تجعل السهام ستّة معلّمة كلّ منها بعلامة كما مرّ .

وأمّا كيفية القرعة : ففي الأوّل - وهو فيما إذا كانت الحصص متساوية - تؤخذ رقاع بعدد رؤوس الشركاء ؛ رقعتان إذا كانوا اثنين ، وثلاث إن كانوا ثلاثة وهكذا ، ويتخيّر بين أن يكتب عليها أسماء الشركاء ؛ على إحداها زيد ، واُخرى عمرو ، وثالثة بكر - مثلاً - أو أسماء السهام ؛ على إحداها: أوّل ، وعلى اُخرى : ثاني ، وعلى الاُخرى : ثالث - مثلاً - ثمّ تشوّش وتستر ويؤمر من لم يشاهدها فيخرج واحدة واحدة ، فإن كتب عليها اسم الشركاء يعيّن السهم كالأوّل ويخرج رقعة باسم ذلك السهم قاصدين أن يكون هذا السهم لكلّ من خرج اسمه ، فكلّ من خرج اسمه يكون ذلك السهم له ، ثمّ يعيّن السهم الثاني ويخرج رقعة اُخرى لذلك السهم ، فكلّ من خرج اسمه ، كان السهم له وهكذا . وإن كتب عليها اسم السهام يعيّن أحد الشركاء ويخرج رقعة فكلّ سهم خرج اسمه كان ذلك السهم له ، ثمّ يخرج رقعة اُخرى لشخص آخر وهكذا .

وأمّا في الثاني : - وهو ما كانت الحصص متفاوتة ، كما في المثال المتقدّم الذي قد تقدّم أ نّه يجعل السهام على أقلّ الحصص وهو السدس - يتعيّن فيه أن تؤخذ الرقاع بعدد الرؤوس يكتب - مثلاً - على إحداها: زيد ، وعلى الاُخرى: عمرو ، وعلى الثالثة: بكر وتستر - كما مرّ - ويقصد أنّ كلّ من خرج اسمه على

ص: 55

سهم كان له ذلك مع ما يليه بما يكمل تمام حصّته ، ثمّ يخرج إحداها على السهم الأوّل ، فإن كان عليها اسم صاحب السدس تعيّن له ، ثمّ يخرج اُخرى على السهم الثاني ، فإن كان عليها اسم صاحب الثلث كان الثاني والثالث له ويبقى الرابع والخامس والسادس لصاحب النصف ، ولا يحتاج إلى إخراج الثالثة ، وإن كان عليها اسم صاحب النصف كان له الثاني والثالث والرابع ويبقى الأخير لصاحب الثلث ، وإن كان ما خرج على السهم الأوّل صاحب الثلث كان الأوّل والثاني له ثمّ يخرج اُخرى على السهم الثالث ، فإن خرج اسم صاحب السدس كان ذلك له ويبقى الثلاثة الأخيرة لصاحب النصف ، وإن خرج صاحب النصف كان الثالث والرابع والخامس له ويبقى السادس لصاحب السدس ، وقس على ذلك غيرها .

(مسألة 14) : الظاهر أ نّه ليست للقرعة كيفية خاصّة ، وإنّما تكون كيفيته منوطة بمواضعة القاسم والمتقاسمين ؛ بإناطة التعيّن بأمر ليس لإرادة المخلوق مدخلية فيه مفوّضاً للأمر إلى الخالق - جلّ شأنه - سواء كان بكتابة رقاع أو إعلام علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب أو غير ذلك .

(مسألة 15) : الأقوى أ نّه إذا بنوا على التقسيم وعدّلوا السهام وأوقعوا القرعة ، فقد تمّت القسمة ولا يحتاج إلى تراضٍ آخر بعدها ، فضلاً عن إنشائه ؛ وإن كان هو الأحوط في قسمة الردّ .

(مسألة 16) : إذا طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة إمّا بحسب الزمان ؛ بأن يسكن هذا في شهر وذاك في شهر مثلاً ، وإمّا بحسب الأجزاء ؛ بأن يسكن هذا في الفوقاني وذاك في التحتاني - مثلاً - لم يلزم

ص: 56

على شريكه القبول ولم يجبر إذا امتنع . نعم يصحّ مع التراضي لكن ليس بلازم ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع . هذا في شركة الأعيان ، وأمّا في شركة المنافع فينحصر إفرازها بالمهاياة لكنّها فيها أيضاً غير لازمة ، نعم لو حكم الحاكم الشرعي بها في مورد - لأجل حسم النزاع والجدال - يجبر الممتنع وتلزم .

(مسألة 17) : القسمة في الأعيان إذا وقعت وتمّت لزمت(1) ، وليس لأحد من الشركاء إبطالها وفسخها ، بل الظاهر أ نّه ليس لهم فسخها وإبطالها بالتراضي ؛ لأنّ الظاهر عدم مشروعية الإقالة فيها .

(مسألة 18) : لا تشرع القسمة في الديون المشتركة ، فإذا كان لزيد وعمرو معاً ديون على الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث ، فأرادا تقسيمها قبل استيفائها ، فعدّلا بين الديون وجعلا ما على الحاضر - مثلاً - لأحدهما وما على البادي لأحدهما ، لم يفرز ، بل تبقى على إشاعتها ، فكلّ ما حصّل كلّ منهما يكون لهما وكلّ ما يبقى على الناس يكون بينهما . نعم لو اشتركا في دين على أحد واستوفى أحدهما حصّته ؛ بأن قصد كلّ من الدائن والمديون أن يكون ما يأخذه وفاءً وأداءً لحصّته من الدين المشترك ، فالظاهر تعيّنه له وبقاء حصّة الشريك في ذمّة المديون .

(مسألة 19) : لو ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل فيها وأنكر الآخر ، لا تسمع دعواه إلاّ بالبيّنة ، فإن أقامت على دعواه نقضت القسمة واحتاجت إلى قسمة جديدة ، وإن لم يكن بيّنة كان له إحلاف الشريك .

ص: 57


1- - محلّ إشكال في غير صورة القرعة .

(مسألة 20) : إذا قسّم الشريكان فصار في حصّة هذا بيت وفي حصّة الآخر بيت آخر وقد كان يجري ماء أحدهما على الآخر لم يكن للثاني منعه ، إلاّ إذا اشترطا حين القسمة ردّ الماء عنه ، ومثل ذلك لو كان مسلك البيت الواقع لأحدهما في نصيب الآخر من الدار .

(مسألة 21) : لا يجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم ، إلاّ إذا(1) وقع تشاحّ بينهم مؤدّ إلى خرابه ؛ لا يرتفع غائلته إلاّ بالقسمة . نعم يصحّ قسمة الوقف عن الطلق ؛ بأن كان ملك واحد نصفه المشاع وقفاً ونصفه ملكاً ، بل الظاهر جواز قسمة وقف عن وقف ، وهو فيما إذا كان ملك بين اثنين(2) فوقف أحدهما حصّته على ذرّيته - مثلاً - والآخر حصّته على ذرّيته فيجوز إفراز أحدهما عن الآخر بالقسمة ، والمتصدّي لذلك الموجودون من الموقوف عليهم ووليّ البطون اللاحقة .

ص: 58


1- - لا تجوز معه أيضاً إذا كانت مخالفة لمقتضى الوقف بسبب اختلاف البطون قلّة وكثرة ، وترتفع غائلة التشاحّ بالتقسيم بين الطبقة الموجودة فقط .
2- - أو لواحد ، فوقف نصفه على زيد وذرّيته ونصفه الآخر على عمرو كذلك .

كتاب المزارعة

وهي المعاملة على أن تزرع الأرض بحصّة من حاصلها ، وهي عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب من صاحب الأرض ، وهو كلّ لفظ أفاد إنشاء هذا المعنى كقوله : «زارعتك» أو «سلّمت إليك الأرض مدّة كذا على أن تزرعها على كذا» وأمثال ذلك ، وقبول من الزارع بلفظ أفاد إنشاء الرضا بالإيجاب كسائر العقود . والظاهر كفاية القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي ؛ بأن يتسلّم الأرض بهذا القصد ويشتغل لها . ولا يعتبر فيها العربية ، بل يقع عقدها بأيّ لغة كان ، وفي جريان المعاطاة فيها إشكال(1) .

(مسألة 1) : يعتبر فيها زائداً على ما اعتبر في المتعاقدين في سائر العقود - من البلوغ والعقل والقصد والاختيار والرشد(2) - اُمور :

أحدها : جعل الحاصل مشاعاً بينهما ، فلو جعل الكلّ لأحدهما أو شرطا أن يكون بعضه الخاصّ - كالذي يحصل متقدّماً أو الذي يحصل من القطعة الفلانية - لأحدهما والآخر للآخر ، لم يصحّ .

ص: 59


1- - لا يبعد جريانها بعد تعيين ما يلزم تعيينه .
2- - وعدم الحجر لفلس إذا كان تصرّفه مالياً ، وأمّا إذا كان من الزارع العمل فقط فلا .

ثانيها : تعيين حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلك .

ثالثها : تعيين المدّة بالأشهر أو السنين ، ولو اقتصر على ذكر المزروع في سنة واحدة ففي الاكتفاء به عن تعيين المدّة وجهان ، أوجههما الأوّل ، لكن فيما إذا عيّن مبدأ الشروع في الزرع ، وإذا عيّن المدّة بالزمان لا بدّ أن تكون مدّة يدرك فيها الزرع بحسب العادة ، فلا تكفي المدّة القليلة التي تقصر عن إدراكه .

رابعها : أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج والإصلاح وطمّ الحفر وحفر النهر ونحو ذلك ، فلو كانت سبخة لا تقبل للزرع ، أو لم يكن لها ماء ولا يكفيه ماء السماء ولا يمكن تحصيل الماء لها ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء ، لم يصحّ .

خامسها : تعيين(1) المزروع ؛ من أ نّه حنطة أو شعير أو غيرهما مع اختلاف الأغراض فيه ، نعم لو صرّح بالتعميم صحّ ، فيتخيّر الزارع بين أنواعه .

سادسها : تعيين الأرض ، فلو زارعه على قطعة من هذه القطعات ، أو مزرعة من هذه المزارع بطل . نعم لو عيّن قطعة معيّنة من الأرض التي لم تختلف أجزاؤها وقال : زارعتك على جريب من هذه القطعة - على نحو الكلّي في المعيّن - فالظاهر الصحّة ، ويكون التخيير في تعيينه لصاحب الأرض .

سابعها : أن يعيّنا كون البذر وسائر المصارف على أيّ منهما إذا لم يكن تعارف .

(مسألة 2) : لا يعتبر في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع ، بل يكفي كونه

ص: 60


1- - ويكفي فيه تعارف يوجب الانصراف .

مالكاً لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة(1) ونحوها ، أو أخذاً لها من مالكها بعنوان المزارعة ، أو كانت أرضاً خراجية وقد تقبّلها من السلطان أو غيره ، نعم لو لم يكن له فيها حقّ ولا عليها سلطنة أصلاً كالموات لم يصحّ مزارعتها ، وإن أمكن أن يتشاركا في زرعها وحاصلها مع الاشتراك في البذر ، لكنّه ليس من المزارعة في شيء .

(مسألة 3) : إذا أذن مالك الأرض أو المزرعة إذناً عامّاً ؛ بأنّ كلّ من زرع أرضه أو مزرعته فله نصف الحاصل - مثلاً - فأقدم واحد على ذلك ، استحقّ المالك حصّته .

(مسألة 4) : إذا اشترطا أن يكون الحاصل بينهما بعد إخراج الخراج ، أو بعد إخراج البذر لباذله ، أو ما يصرف في تعمير الأرض لصارفه ، فإن اطمئنّا ببقاء شيء بعد ذلك من الحاصل ليكون بينهما صحّ ، وإلاّ بطل .

(مسألة 5) : إذا انقضت المدّة المعيّنة ولم يدرك الزرع لم يستحقّ الزارع إبقاءه ولو بالاُجرة ، بل للمالك الأمر بإزالته من دون أرش وله إبقاؤه مجّاناً أو مع الاُجرة إن رضي الزارع بها .

(مسألة 6) : لو ترك الزارع الزرع حتّى انقضت المدّة ، فهل يضمن اُجرة المثل أو ما يعادل حصّة المالك بحسب التخمين أو لا يضمن شيئاً ؟ وجوه(2) ، والأحوط التراضي والتصالح وإن كان الأخير لا يخلو من قوّة ، هذا إذا لم يكن ترك الزرع

ص: 61


1- - مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرة فيها وفي أمثالها .
2- - أوجهها ضمان اُجرة المثل فيما إذا كانت الأرض تحت يده وترك الزراعة بتفريط منه ، وفي غيره عدم الضمان .

لعذر عامّ كالثلوج الخارقة أو صيرورة المحلّ معسكراً أو مسبعة ونحوها ، وإلاّ انفسخت المزارعة .

(مسألة 7) : إذا زارع على أرض ثمّ تبيّن للزارع أ نّه لا ماء لها فعلاً لكن أمكن تحصيله بحفر بئر ونحوه صحّت المزارعة ، لكن للعامل خيار الفسخ . وكذا لو تبيّن كون الأرض غير صالحة للزراعة إلاّ بالعلاج التامّ كما إذا كانت مستولياً عليها الماء لكن يمكن قطعه عنها ، نعم لو تبيّن أ نّه لا ماء لها فعلاً ولا يمكن تحصيله ، أو كانت مشغولة بمانع لا يمكن إزالته ولا يرجى زواله ، كان باطلاً .

(مسألة 8) : إذا عيّن المالك له نوعاً من الزرع - كالحنطة أو الشعير أو غيرهما - فزرع غيره ببذره كان له الخيار(1) بين الفسخ والإمضاء ، فإن أمضاه أخذ حصّته ، وإن فسخ كان الزرع للزارع وعليه للمالك اُجرة الأرض .

(مسألة 9) : الظاهر أ نّه يعتبر(2) في حقيقة المزارعة كون الأرض من أحدهما والعمل من الآخر ، وأمّا البذر والعوامل وسائر المصارف فبحسب ما يشترطانه ، فيجوز جعل كلّها على المزارع أو على الزارع ، أو بعضها على هذا

ص: 62


1- - هذا إذا كان التعيين على وجه الشرطية في ضمن عقد المزارعة ، وأمّا إذا كان على وجه القيدية فله عليه اُجرة الأرض وأرش نقصها على فرضه .
2- - الأقرب صحّة جعل الأرض والعمل من أحدهما والبذر والعوامل من الآخر ، أو واحد منها من أحدهما والبقيّة من الآخر ، بل الظاهر صحّة الاشتراك في الكلّ ، والظاهر عدم لزوم كون المزارعة بين الاثنين ، فيجوز أن يجعل الأرض من أحدهم والبذر من الآخر والعمل من الثالث والعوامل من الرابع وإن كان الأحوط ترك هذه الصورة وعدم التعدّي عن الاثنين ، بل لا يترك حتّى الإمكان .

وبعضها على ذاك ، ولا بدّ من تعيين ذلك حين العقد إلاّ إذا كان هناك معتاد يغني عن التعيين .

(مسألة 10) : يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصّة من حصّته لمن شاركه ؛ بحيث كأ نّهما معاً طرف للمالك ، كما أ نّه يجوز أن يزارع غيره بحيث كان الزارع الثاني طرفاً للمالك(1) ، لكن لا بدّ أن تكون حصّة المالك محفوظة . فإذا كانت المزارعة الاُولى بالنصف لم يجز أن تجعل المزارعة الثانية بالثلث للمالك والثلثين للعامل ، نعم يجوز أن يجعل حصّة الزارع الثاني أقلّ من حصّة الزارع في المزارعة الاُولى ، فيأخذ الزارع الثاني حصّته والمالك حصّته وما بقي يكون للزارع في المزارعة الاُولى ؛ مثلاً إذا كانت المزارعة الاُولى بالنصف وجعل حصّة الزارع في المزارعة الثانية الربع كان للمالك نصف الحاصل وللزارع الثاني الربع ويبقى الربع للزارع في المزارعة الاُولى . ولا فرق في ذلك كلّه بين أن يكون البذر في المزارعة الاُولى على المالك أو على العامل ، ولو جعل في الاُولى على العامل يجوز في الثانية أن يجعل على المزارع أو على الزارع . ولا يعتبر في صحّة التشريك في المزارعة ولا إيقاع المزارعة الثانية إذن المالك . نعم لا يجوز(2) تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلاّ بإذنه ، كما أ نّه لو شرط عليه المالك أن يباشر بنفسه - بحيث لا يشاركه غيره ولا يزارعه - كان هو المتّبع .

ص: 63


1- - ليس هذا من المزارعة ، ولا يجوز عقدها كذلك . نعم يجوز أن ينقل حصّته إلى الغير ويشترط عليه القيام بأمر الزراعة ، لكن الناقل طرف للمالك وعليه القيام بأمر الزراعة ولو بالتسبيب كما فعل .
2- - على الأحوط .

(مسألة 11) : المزارعة عقد لازم من الطرفين ، فلا تنفسخ بفسخ أحدهما إلاّ إذا كان له الخيار بسبب الاشتراط وغيره ، وتنفسخ بالتقايل كسائر العقود اللازمة ، كما أ نّه تبطل وتنفسخ قهراً بخروج الأرض عن قابلية(1) الانتفاع لانقطاع الماء عنها أو استيلائه عليها وغير ذلك .

(مسألة 12) : لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين ، فإن مات ربّ الأرض قام وارثه مقامه ، وإن مات العامل فكذلك ، فإمّا أن يتمّوا العمل ولهم حصّة مورّثهم ، وإمّا أن يستأجروا أحداً لإتمام العمل من مال المورّث ولو بالحصّة المزبورة ، فإن زاد شيء كان لهم . نعم إذا اشترط على العامل مباشرته للعمل تبطل بموته .

(مسألة 13) : إذا تبيّن بطلان المزارعة بعد ما زرع الأرض ، فإن كان البذر لصاحب الأرض كان الزرع له وعليه اُجرة العامل(2) ، وكذا اُجرة العوامل إن كانت من العامل ، وإن كان من العامل كان الزرع له وعليه اُجرة الأرض ، وكذا اُجرة العوامل إن كانت من صاحب الأرض ، وليس عليه إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل ولو بالاُجرة ، فله أن يأمر بقلعه .

(مسألة 14) : كيفية اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل والقرار الواقع بينهما ، فتارة: يشتركان في الزرع من حين طلوعه وبروزه ، فيكون

ص: 64


1- - مع عدم تيسّر العلاج .
2- - إذا كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض فالأقوى عدم اُجرة العمل والعوامل عليه ، وإذا كان مستنداً إلى جعل جميعه للزارع ، فالأقوى عدم اُجرة الأرض والعوامل عليه .

حشيشه وقصيله وتبنه وحبّه كلّها مشتركة بينهما ، واُخرى : يشتركان في خصوص حبّه ؛ إمّا من حين انعقاده أو بعده إلى زمان حصاده ، فيكون الحشيش والقصيل والتبن كلّها لصاحب البذر(1) . هذا مع التصريح منهما ، وأمّا مع عدمه فالظاهر من مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق ، الوجه الأوّل ، فالزرع بمجرّد خروجه يكون مشتركاً بينهما .

ويترتّب على ذلك اُمور : منها : كون القصيل والتبن أيضاً بينهما . ومنها : تعلّق الزكاة بكلّ منهما إذا كان حصّة كلّ منهما بالغاً حدّ النصاب ، وتعلّقها بمن بلغ نصيبه حدّ النصاب إن بلغ نصيب أحدهما ، وعدم تعلّقها أصلاً إن لم يبلغ النصاب نصيب واحد منهما . ومنها : أ نّه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار أو منهما بالتقايل في الأثناء يكون الزرع بينهما ، وليس لصاحب الأرض على العامل اُجرة أرضه ، ولا للعامل عليه اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى ، وأمّا بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ والحصاد ، فإن وقع بينهما التراضي بالبقاء بلا اُجرة أو معها أو على القطع قصيلاً فلا إشكال ، وإلاّ فكلّ منهما مسلّط على حصّته ، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وإبقاء حصّته وإلزام الزارع بقطع حصّته ، كما أنّ للزارع مطالبتها ليقطع حصّته وتبقى حصّة صاحبه .

(مسألة 15) : خراج الأرض ومال الإجارة للأرض المستأجرة على المزارع . وليس على الزارع إلاّ إذا شرط عليه كلاًّ أو بعضاً . وأمّا سائر المؤن - كشقّ الأنهار وحفر الآبار وإصلاح النهر وتهيئة آلات السقي ونصب الدولاب

ص: 65


1- - ويمكن أن يجعل البذر لأحدهما والحشيش والقصيل والتبن للآخر مع الاشتراك في الحبّ .

والناعور ونحو ذلك - فلا بدّ من تعيين كونها على أيّ منهما ، إلاّ إذا كانت هناك عادة تغني عن التعيين .

(مسألة 16) : يجوز لكلّ من المالك والزارع عند بلوغ الحاصل تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معيّن(1) بالتراضي ، والأقوى لزومه من الطرفين بعد القبول . وإن تبيّن بعد ذلك زيادتها أو نقيصتها فعلى المتقبّل تمام ذلك المقدار ولو تبيّن أنّ حصّة صاحبه أقلّ منه ، كما أنّ على صاحبه قبول ذلك وإن تبيّن كونها أكثر منه وليس له مطالبة الزائد .

(مسألة 17) : إذا بقيت في الأرض اُصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء المدّة فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل ، فإن كان القرار الواقع بينهما على اشتراكهما في الزرع واُصوله كان الزرع الجديد بينهما على حسب الزرع السابق ، وإن كان القرار على اشتراكهما فيما خرج من الزرع في ذلك العام فقد كان ذلك لصاحب البذر إلاّ إذا أعرض عنه فهو لمن سبق .

(مسألة 18) : يجوز المزارعة على أرض بائرة - لا يمكن زرعها إلاّ بعد إصلاحها وتعميرها - على أن يعمّرها ويصلحها ويزرعها سنة أو سنتين - مثلاً - لنفسه ، ثمّ يكون الحاصل بينهما بالإشاعة بحصّة معيّنة في مدّة مقدّرة .

ص: 66


1- - من حاصله .

كتاب المساقاة

وهي المعاملة على اُصول ثابتة ؛ بأن يسقيها مدّة معيّنة بحصّة من ثمرها . وهي عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب وقبول ، واللفظ الصريح في إيجابها أن يقول ربّ الاُصول : «ساقيتك» أو «عاملتك»(1) أو «سلّمت إليك» وما أشبه ذلك ، وفي القبول : «قبلت» ونحو ذلك ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور بأيّ لغة كانت ، والظاهر كفاية القبول الفعلي(2) بعد الإيجاب القولي كالمزارعة . ويعتبر فيها - بعد شرائط المتعاقدين من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر(3) - أن تكون الاُصول مملوكة عيناً ومنفعة أو منفعة(4) فقط ، وأن تكون معيّنة عندهما معلومة لديهما ، وأن تكون مغروسة ثابتة ، فلا تصحّ في الفسيل قبل الغرس ، ولا على اُصول غير ثابتة كالبطّيخ والخيار والباذنجان وأشباهها ، وأن تكون المدّة معلومة مقدّرة بما لا يحتمل الزيادة والنقصان كالأشهر والسنين ،

ص: 67


1- - صراحة هذا وتاليه باعتبار المتعلّقات .
2- - كما يجري فيها المعاطاة على ما مرّ في المزارعة .
3- - لسفه فيهما ولفلس من غير العامل .
4- - أو يكون المتعامل نافذ التصرّف ؛ لولاية أو غيرها .

والظاهر كفاية جعل المدّة إلى بلوغ الثمر في العام الواحد إذا عيّن مبدأ الشروع في السقي ، وأن تكون الحصّة معيّنة مشاعة بينهما مقدّرة بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلك ، فلا تصحّ أن يجعل لأحدهما مقداراً معيّناً والبقيّة للآخر ، أو يجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر اُخرى ، نعم لا يبعد جواز أن يشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراك في البقيّة ، أو يشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر أزيد من ذلك المقدار وأ نّه تبقى بقيّة .

(مسألة 1) : لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر ، كما لا إشكال(1) في عدم الصحّة بعد البلوغ والإدراك بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف . وفي صحّتها بعد الظهور وقبل البلوغ قولان ، أقواهما أوّلهما(2) ، خصوصاً إذا كان في جملتها بعض الأشجار التي لم تظهر بعد ثمرها .

(مسألة 2) : لا يجوز المساقاة على الأشجار الغير المثمرة كالخلاف ونحوه . نعم لا يبعد جوازها على ما ينتفع منها بورقه(3) كالتوت الذكر والحنّاء ونحوهما .

(مسألة 3) : يجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن صارت مثمرة ؛ بشرط أن تجعل المدّة بمقدار تصير مثمرة فيها كخمس سنين أو ستّ أو أزيد .

(مسألة 4) : إذا كانت الأشجار لا تحتاج إلى السقي - لاستغنائها بماء السماء

ص: 68


1- - الجزم مشكل ، بل الصحّة محلّ إشكال .
2- - إذا كانت محتاجة إلى السقي أو عمل آخر ممّا تستزاد به الثمرة .
3- - أو ورده .

أو لمصّها من رطوبات الأرض - ولكن احتاجت إلى أعمال اُخر يشكل(1) صحّة المساقاة عليها ، فلا يترك فيه الاحتياط .

(مسألة 5) : إذا اشتملت البستان على أنواع من الشجر والنخيل يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر ، كما إذا جعل النصف في ثمرة النخل والثلث في الكرم والربع في الرمّان - مثلاً - لكن إذا علما(2) بمقدار كلّ نوع من الأنواع .

(مسألة 6) : من المعلوم أنّ ما يحتاج إليه البساتين والنخيل والأشجار في إصلاحها وتعميرها واستزادة ثمارها وحفظها أعمال كثيرة : فمنها : ما يتكرّر كلّ سنة مثل إصلاح الأرض وتنقية الأنهار وإصلاح طريق الماء وإزالة الحشيش المضرّ وتهذيب جرائد النخل والكرم والتلقيح واللقاط والتشميس وإصلاح موضعه وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة وغير ذلك . ومنها : ما لا يتكرّر غالباً كحفر الآبار والأنهار وبناء الحائط والدولاب والدالية ونحو ذلك . فمع إطلاق عقد المساقاة ، الظاهر أنّ القسم الثاني على المالك ، وأمّا القسم الأوّل فيتّبع التعارف والعادة ، فما جرت العادة على كونه على المالك أو العامل كان هو المتّبع ولا يحتاج إلى التعيين ، ولعلّ ذلك يختلف باختلاف البلاد ، وإذا لم يكن عادة لا بدّ من التعيين وأ نّه على المالك أو العامل .

(مسألة 7) : المساقاة لازمة من الطرفين ، لا تنفسخ إلاّ بالتقايل أو الفسخ بخيار بسبب الاشتراط أو تخلّف بعض الشروط . ولا تبطل بموت

ص: 69


1- - الأقرب هو الصحّة إذا احتاجت إلى عمل يستزاد به الثمر ؛ كانت الزيادة عينية أو كيفية .
2- - كما أنّ العلم الرافع للغرر شرط في المعاملة على المجموع بحصّة متّحدة .

أحدهما ، بل يقوم وارثهما مقامهما ، نعم لو كانت مقيّدة بمباشرة العامل تبطل بموته .

(مسألة 8) : لا يشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشراً للعمل بنفسه ، فيجوز أن يستأجر أجيراً لبعض الأعمال وتمامها ويكون عليه الاُجرة . وكذا يجوز أن يتبرّع عنه متبرّع بالعمل ويستحقّ العامل الحصّة المقرّرة ، نعم لو لم يقصد التبرّع عنه ففي كفايته إشكال ، وأشكل منه إذا قصد التبرّع عن المالك ، وكذا الحال فيما إذا لم يكن عليه إلاّ السقي ويستغنى عنه بالأمطار ولم يحتج إلى السقي أصلاً . نعم لو كان عليه أعمال اُخر غير السقي واستغني عنه بالمطر وبقي سائر الأعمال فالظاهر استحقاق حصّته(1) .

(مسألة 9) : يجوز أن يشترط للعامل مع الحصّة من الثمر شيئاً آخر من ذهب أو فضّة أو غيرهما ، وكذا حصّة من الاُصول مشاعاً أو مفروزاً .

(مسألة 10) : كلّ موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك وللعامل اُجرة مثل عمله ، إلاّ إذا كان عالماً بالفساد(2) ومع ذلك أقدم على العمل .

(مسألة 11) : يملك العامل الحصّة من الثمر حين ظهوره ، فإذا مات بعد الظهور قبل القسمة وبطلت المساقاة من جهة أ نّه قد اشترط مباشرته للعمل

ص: 70


1- - إذا كانت الأعمال ممّا يستزاد بها الثمر ، ومع عدمه فمحلّ إشكال .
2- - العلم بالفساد شرعاً لا يوجب سقوط اُجرة المثل ، نعم لو كان الفساد مستنداً إلى اشتراط جميع الثمرة للمالك لم يستحقّ الاُجرة ؛ من غير فرق بين العلم بالفساد والجهل به .

انتقلت إلى وارثه ، وتجب عليه الزكاة إذا بلغت حصّته النصاب .

(مسألة 12) : المغارسة باطلة ، وهي أن يدفع أرضاً إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما ؛ سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضاً للعامل أو لا ، وسواء كانت الاُصول من المالك أو من العامل ، وحينئذٍ يكون الغرس لصاحبه ، فإن كانت من مالك الأرض فعليه اُجرة عمل الغارس ، وإن كانت من الغارس فعليه اُجرة الأرض للمالك . فإن تراضيا على الإبقاء بالاُجرة أو لا معها فذاك ، وإلاّ فلمالك الأرض الأمر بالقلع وعليه أرش نقصانه إن نقص بسبب القلع ، كما أنّ للغارس قلعه وعليه طمّ الحفر ونحو ذلك ممّا حصل بالغرس ، وليس لصاحب الأرض إلزامه بالإبقاء ولو بلا اُجرة .

(مسألة 13) : بعد بطلان المغارسة يمكن أن يتوصّل إلى نتيجتها بإدخالها تحت عنوان آخر مشروع ، كأن يشتركا في الاُصول : إمّا بشرائها بالشركة ولو بأن يوكّل صاحب الأرض الغارس في أنّ كلّ ما يشتري من الفسيل يشتريه لهما بالاشتراك ، ثمّ يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصّة صاحب الأرض وسقيها وخدمتها في مدّة معيّنة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدّة أو بنصف عينها ، أو بتمليك أحدهما للآخر نصف الاُصول - مثلاً - إذا كانت من أحدهما ، ويجعل العوض إذا كانت من صاحب الأرض الغرس والخدمة إلى مدّة معيّنة شارطاً على نفسه بقاء حصّة الغارس في أرضه مجّاناً إلى تلك المدّة ، وإذا كانت من الغارس يجعل العوض نصف عين الأرض أو نصف منفعتها إلى مدّة معيّنة شارطاً على نفسه غرس حصّة صاحب الأرض وخدمتها إلى تلك المدّة .

ص: 71

(مسألة 14) : الخراج الذي يأخذه السلطان من النخيل والأشجار في الأراضي الخراجية على المالك ، إلاّ إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما .

(مسألة 15) : لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي(1) غيره إلاّ بإذن المالك ، لكن مرجع إذنه فيها إلى توكيله في إيقاع مساقاة اُخرى للمالك مع شخص ثالث بعد فسخ المساقاة الاُولى ، فلا يستحقّ العامل الأوّل شيئاً .

ص: 72


1- - لكن يجوز تشريكه في العمل على الظاهر .

كتاب الدين والقرض

اشارة

الدين : هو المال الكلّي الثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الأسباب ، ويقال لمن اشتغلت ذمّته به : المديون والمدين ، وللآخر : الدائن والغريم . وسببه : إمّا الاقتراض أو اُمور اُخر اختيارية ؛ كجعله مبيعاً في السلم أو ثمناً في النسيئة أو اُجرة في الإجارة أو صداقاً في النكاح أو عوضاً للطلاق في الخلع وغير ذلك ، أو قهرية ؛ كما في موارد الضمانات ونفقة الزوجة الدائمة ونحو ذلك . وله أحكام مشتركة وأحكام مختصّة بالقرض :

القول : في أحكام الدين

(مسألة 1) : الدين إمّا حالّ ؛ وهو ما كان(1) للدائن مطالبته واقتضاؤه ، ويجب على المديون أداؤه مع التمكّن واليسار في كلّ وقت ، وإمّا مؤجّل ؛ وهو ما لم يكن للدائن حقّ المطالبة ولا يجب على المديون القضاء إلاّ بعد انقضاء المدّة المضروبة وحلول الأجل . وتعيين الأجل تارة بجعل المتداينين كما في السلم والنسيئة ، واُخرى بجعل الشارع كالنجوم والأقساط

ص: 73


1- - هذا وما ذكره في المؤجّل من أحكامهما ، لا معرّفهما كما يظهر من كلامه .

المقرّرة في الدية ، كما يأتي في بابه إن شاء اللّه تعالى .

(مسألة 2) : إذا كان الدين حالاًّ أو مؤجّلاً وقد حلّ الأجل ، فكما يجب على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن ، كذلك يجب على الدائن أخذه وتسلّمه إذا صار المديون بصدد أدائه وتفريغ ذمّته . وأمّا الدين المؤجّل قبل حلول الأجل ، فلا إشكال في أ نّه ليس للدائن حقّ المطالبة ، وإنّما الإشكال في أ نّه هل يجب عليه القبول لو تبرّع المديون بأدائه أم لا ؟ وجهان بل قولان ، أقواهما الثاني إلاّ إذا علم بالقرائن أنّ التأجيل لمجرّد إرفاق على المديون من دون أن يكون حقّاً للدائن .

(مسألة 3) : قد عرفت أ نّه إذا أدّى المديون الدين عند حلوله يجب على الدائن أخذه ، فإذا امتنع أجبره الحاكم لو التمس منه المديون ، ولو تعذّر إجباره أحضره عنده ومكّنه منه بحيث صار تحت يده وسلطانه عرفاً وبه تفرغ ذمّته ، ولو تلف بعد ذلك لا ضمان عليه وكان من مال الدائن . ولو تعذّر عليه ذلك فله أن يسلّمه إلى الحاكم وقد فرغت ذمّته ، وهل يجب على الحاكم القبول ؟ فيه تأمّل وإشكال . ولو لم يوجد الحاكم فله أن يعيّن(1) الدين في مال مخصوص ويعزله وبه تبرأ ذمّته ، وليس عليه ضمان لو تلف من غير تفريط منه . هذا إذا كان الدائن حاضراً وامتنع من أخذه ، ولو كان غائباً ولا يمكن إيصال المال إليه وأراد المديون تفريغ ذمّته أوصله إلى الحاكم عند وجوده ، وفي وجوب القبول عليه الإشكال السابق ، ولو لم يوجد الحاكم يبقى في ذمّته إلى أن يوصله إلى الدائن أو من يقوم مقامه .

ص: 74


1- - فيه تأمّل وإشكال .

(مسألة 4) : يجوز التبرّع بأداء دين الغير حيّاً كان أو ميّتاً ، وبه تبرأ ذمّته وإن كان بغير إذنه ، بل وإن منعه . ويجب على من له الدين القبول كما في أدائه عن نفسه .

(مسألة 5) : لا يتعيّن الدين فيما عيّنه المدين ، ولا يصير ملكاً للدائن ما لم يقبضه ، إلاّ إذا سقط اعتبار قبضه بسبب الامتناع كما مرّ(1) ، فلو كان عليه درهم وأخرج من كيسه درهماً ليدفعه إليه وفاءً عمّا عليه ، وقبل وصوله بيده سقط وتلف ، كان التالف من ماله وبقي ما في ذمّته على حاله .

(مسألة 6) : يحلّ الدين المؤجّل إذا مات المديون قبل حلول الأجل ، ولو مات الدائن يبقى على حاله ينتظر ورثته انقضاء الأجل ، فلو كان الصداق مؤجّلاً إلى مدّة معيّنة ومات الزوج قبل حلوله استحقّت الزوجة مطالبته بعد موته ، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة ، فليس لورثتها المطالبة قبل انقضاء المدّة . ولا يلحق بموت الزوج طلاقه ، فلو طلّق زوجته يبقى صداقها المؤجّل على حاله ، كما أ نّه لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس ، فلو كان عليه ديون حالّة وديون مؤجّلة يقسّم ماله بين أرباب الديون الحالّة ولا يشاركهم أرباب المؤجّلة .

(مسألة 7) : لا يجوز بيع الدين بالدين(2) ؛ بأن كان العوضان كلاهما ديناً قبل البيع ، كما إذا كان لأحدهما على الآخر طعام كوزنة من حنطة وللآخر عليه طعام آخر كوزنة من شعير فباع الشعير الذي له على الآخر بالحنطة التي للآخر عليه ،

ص: 75


1- - قد مرّ التأمّل فيه .
2- - فيما إذا كانا مؤجّلين ؛ سواء حلاّ أم لا على الأقوى ، وفي غيره على الأحوط .

أو كان لأحدهما على شخص طعام ولآخر على ذلك الشخص طعام آخر فباع ماله على ذلك الشخص بما للآخر على ذلك الشخص ، أو كان لأحدهما طعام على شخص وللآخر طعام على شخص آخر فبيع أحد الطعامين بالآخر . وأمّا إذا لم يكن العوضان كلاهما ديناً قبل البيع - وإن صارا معاً أو صار أحدهما ديناً بسبب البيع كما إذا باع ماله في ذمّة الآخر بثمن في ذمّته نسيئة مثلاً - فله شقوق وصور كثيرة لا يسع هذا المختصر تفصيلها .

(مسألة 8) : يجوز تعجيل الدين المؤجّل بنقصان مع التراضي ، وهو الذي يسمّى في الوقت الحاضر في لسان التجّار ب «النزول» ، ولا يجوز تأجيل الحالّ ولا زيادة أجل المؤجّل بزيادة . نعم لا بأس بالاحتياط بجعل الزيادة المطلوبة في ثمن مبيع - مثلاً - ويجعل التأجيل والتأخير إلى أجل معيّن شرطاً على البائع ؛ بأن يبيع الدائن من المدين - مثلاً - ما يسوى عشرة دراهم بخمسة عشر درهماً على أن لا يطالب المشتري عن الدين الذي عليه إلى وقت كذا ، ومثله ما إذا باع المديون من الدائن ما يكون قيمته خمسة عشر درهماً بعشرة شارطاً عليه تأخير الدين إلى وقت كذا .

(مسألة 9) : لا يجوز قسمة الدين ، فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعدّدة كما إذا باعا عيناً مشتركاً بينهما من أشخاص ، أو كان لمورّثهما دين على أشخاص فورثاه فجعلا بعد التعديل ما في ذمّة بعضهم لأحدهما وما في ذمّة آخرين لآخر لم يصحّ ، وبقي ما في الذمم على الاشتراك السابق ، فكلّ ما استوفي منها يكون بينهما ، وكلّ ما توي وتلف يكون منهما . نعم الظاهر - كما مرّ في كتاب الشركة - أ نّه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي

ص: 76

أحدهما منه حصّته ، فيتعيّن له ويبقى حصّة الآخر في ذمّته ، وهذا ليس من قسمة الدين في شيء .

(مسألة 10) : يجب على المديون عند حلول الدين ومطالبة الدائن ، السعي في أدائه بكلّ وسيلة ولو ببيع سلعته ومتاعه وعقاره أو مطالبة غريم له أو إجارة أملاكه وغير ذلك . وهل يجب عليه التكسّب اللائق بحاله من حيث الشرف والقدرة ؟ وجهان بل قولان ، أحوطهما ذلك ، خصوصاً فيما لا يحتاج إلى تكلّف وفيمن شغله التكسّب ، بل وجوبه حينئذٍ قويّ جدّاً . نعم يستثنى من ذلك بيع دار سكناه ، وثيابه المحتاج إليها ولو للتجمّل ، ودابّة ركوبه وخادمه إذا كان من أهلهما واحتاج إليهما ، بل وضروريات بيته ؛ من فراشه وغطائه وظروفه وإنائه لأكله وشربه وطبخه ولو لأضيافه ، مراعياً في ذلك كلّه مقدار الحاجة بحسب حاله وشرفه ، وأ نّه بحيث لو كلّف ببيعها لوقع في عسر وشدّة وحزازة ومنقصة . وهذه كلّها مستثنيات الدين لا خصوص الدار والمركوب والخادم والثياب ، بل لا يبعد أن يعدّ منها الكتب العلمية لأهلها بمقدار ما يحتاج إليه بحسب حاله ومرتبته .

(مسألة 11) : لو كانت دار سكناه أزيد عمّا يحتاجه ، سكن ما احتاجه وباع ما فضل عن حاجته ، أو باعها واشترى ما هو أدون ممّا يليق بحاله . وإذا كانت له دور متعدّدة واحتاج إليها لسكناه لم يبع شيئاً منها ، وكذلك الحال في الخادم والمركوب والثياب .

(مسألة 12) : لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي(1) لسكناه وله دار مملوكة

ص: 77


1- - ولم يكن سكناه فيها موجباً لمنقصة وحزازة .

فالأحوط - لو لم يكن(1) الأقوى - أن يبيع المملوكة ويكتفي بالموقوفة .

(مسألة 13) : إنّما لا تباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون حيّاً ، فلو مات ولم يترك(2) غير دار سكناه تباع وتصرف في الدين .

(مسألة 14) : معنى كون الدار ونحوها من مستثنيات الدين أ نّه لا يجبر على بيعها لأجل أدائه ولا يجب عليه ذلك ، وأمّا لو رضي هو بذلك وقضى به دينه جاز للدائن أخذه ، نعم ينبغي أن لا يرضى ببيع مسكنه ولا يكون سبباً له وإن رضي هو به وأراده ، ففي خبر عثمان بن زياد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّ لي على رجل ديناً وقد أراد أن يبيع داره فيقضي لي . فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «اُعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه ، اُعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه ، اُعيذك باللّه (3) أن تخرجه من ظلّ رأسه» .

(مسألة 15) : لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائداً على المستثنيات لا تباع إلاّ بأقلّ من قيمتها ، يجب بيعها للدين عند حلوله ومطالبة صاحبه ، ولا يجوز له التأخير وانتظار من يشتريها بالقيمة . نعم لو كان ما يشترى به أقلّ من قيمته بكثير جدّاً بحيث يعدّ بيعه به تضييعاً للمال وإتلافاً له لا يبعد عدم وجوب بيعه .

(مسألة 16) : وكما لا يجب على المُعسر الأداء والقضاء ، يحرم على الدائن

ص: 78


1- - الأقوائية محلّ إشكال .
2- - أو ترك وكان دينه مستوعباً ، أو كالمستوعب .
3- - لم أجد هذا التكرار في «الوسائل» و «الكافي» في النسخ التي عندي ، نعم ما في المتن موافق ل «الحدائق» و«الجواهر» .

إعساره بالمطالبة والاقتضاء ، بل يجب أن ينظره إلى اليسار ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «وكما لا يحلّ لغريمك أن يمطلك وهو موسر ، لا يحلّ لك أن تعسره إذا علمت أ نّه معسر» ، وعن مولانا الصادق علیه السلام في وصيّة طويلة كتبها إلى أصحابه : «إيّاكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشيء يكون لكم قبله وهو معسر ، فإنّ أبانا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يقول : ليس للمسلم أن يعسر مسلماً ، ومن أنظر معسراً أظلّه اللّه يوم القيامة لظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه» ، وعن مولانا الباقر علیه السلام قال : «يبعث يوم القيامة قوم تحت ظلّ العرش وجوههم من نور ورياشهم من نور جلوس على كراسيّ من نور - إلى أن قال - : فينادي منادٍ هؤلاء قوم كانوا ييسّرون على المؤمنين ، ينظرون المعسر حتّى ييسّر» ، وعنه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من سرّه أن يقيه اللّه من نفحات جهنّم فلينظر معسراً أو ليدع له من حقّه» . والأخبار في هذا المعنى كثيرة .

(مسألة 17) : مماطلة الدائن مع القدرة معصية كبيرة(1) ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من مطل على ذي حقّ حقّه وهو يقدر على أداء حقّه فعليه كلّ يوم خطيئة عشّار» ، بل يجب عليه نيّة القضاء مع عدم القدرة ؛ بأن يكون من قصده الأداء عند القدرة .

القول : في القرض

وهو تمليك مال لآخر بالضمان ؛ بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو قيمته ، ويقال للمملّك : المقرض ، وللمتملّك : المقترض والمستقرض .

ص: 79


1- - كونها كبيرة محلّ تأمّل ، وإثباته برواية الحسين بن زيد ويونس بن ظبيان مشكل .

(مسألة 1) : يكره الاقتراض مع عدم الحاجة ، وتخفّ كراهته مع الحاجة ، وكلّما خفّت الحاجة اشتدّت الكراهة وكلّما اشتدّت خفّت إلى أن زالت ، بل ربّما وجب إذا توقّف عليه أمر واجب كحفظ نفسه أو عرضه ونحو ذلك ، فعن مولانا أمير المؤمنين علیه السلام : «إيّاكم والدين فإنّها مذلّة بالنهار ومهمّة بالليل وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة» ، وعن مولانا الكاظم علیه السلام : «من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه ، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه وعلى رسوله ما يقوت به عياله» . والأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه ولم يترقّب حصوله عدم الاستدانة إلاّ عند الضرورة(1) .

(مسألة 2) : إقراض المؤمن من المستحبّات الأكيدة ، سيّما لذوي الحاجة ؛ لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته ، وقد قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف اللّه عنه كربه يوم القيامة ، واللّه في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه» ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «من أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتّى يؤدّيه ، ومن أقرض أخاه المسلم كان له بكلّ درهم أقرضه وزن جبل اُحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات ، وإن رفق به في طلبه تعدّى على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب . ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه - عزّ وجلّ - عليه الجنّة يوم يجزي المحسنين» .

(مسألة 3) : حيث إنّ القرض عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب كقوله : «أقرضتك» وما يؤدّي معناه ، وقبول دالّ على الرضا بالإيجاب . ولا يعتبر في

ص: 80


1- - وإلاّ مع علم المستدان منه بحاله .

عقده العربية ، بل يقع بكلّ لغة ، بل الظاهر جريان المعاطاة فيه ، فيتحقّق حقيقته بإقباض العين وقبضها وتسلّمها بهذا العنوان من دون احتياج إلى الصيغة . ويعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر المعاملات والعقود ؛ من البلوغ والعقل والقصد والاختيار .

(مسألة 4) : يعتبر في المال أن يكون عيناً(1) مملوكاً ، فلا يصحّ إقراض الدين ولا المنفعة ولا ما لا يصحّ تملّكه كالخمر والخنزير ، ولا يعتبر كونه عيناً شخصياً ، فيصحّ إقراض الكلّي(2) ؛ بأن يوقع العقد على الكلّي وإن كان إقباضه لا يكون إلاّ بدفع عين شخصي . ويعتبر(3) مع ذلك كونه ممّا يمكن ضبط أوصافه وخصوصياته التي تختلف باختلافها القيمة والرغبات ؛ مثلياً كان كالحبوبات والأدهان ونحوهما أو قيمياً كالأغنام والجواري والعبيد وأمثالها ، فلا يجوز إقراض ما لا يمكن ضبط أوصافه إلاّ بالمشاهدة كاللحم والجواهر ونحوهما .

(مسألة 5) : لا بدّ من أن يقع القرض على معيّن ، فلا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين ، وأن يكون المال معيّناً قدره بالكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن ، وبالعدّ فيما يقدّر بالعدّ ، فلا يصحّ إقراض صبرة من طعام جزافاً . ولو قدّر بكيلة معيّنة وملأ إناء معيّن غير الكيل المتعارف ، أو وزن بصخرة معيّنة غير العيار المتعارف عند العامّة لم يبعد الاكتفاء به لكنّ الأحوط خلافه .

ص: 81


1- - على الأحوط .
2- - فيه تأمّل .
3- - أمّا في القيميات فلا يبعد عدم اعتبار إمكان ضبط الأوصاف ، بل يكفي فيها العلم بالقيمة حين الإقراض ، فيجوز إقراض الجواهر على الأقرب مع العلم بقيمتها وإن لم يمكن ضبط أوصافها .

(مسألة 6) : يشترط في صحّة القرض القبض والإقباض ، فلا يملك المستقرض المال المقترض إلاّ بعد القبض ولا يتوقّف على التصرّف .

(مسألة 7) : الأقوى أنّ القرض عقد لازم ، فليس للمقرض(1) فسخه والرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودة . نعم له عدم الإنظار ومطالبة المقترض بالأداء والقضاء ولو قبل قضاء وطره أو مضيّ زمان يمكن فيه ذلك .

(مسألة 8) : لو كان المال المقترض مثلياً(2) كالحنطة والشعير والذهب والفضّة ونحوها ثبت في ذمّة المقترض مثل ما اقترض ، ولو كان قيمياً كالغنم ونحوها ثبت في ذمّته قيمته . وفي اعتبار قيمة وقت الاقتراض أو قيمة حال الأداء والقضاء وجهان ، الأحوط(3) التراضي والتصالح في مقدار التفاوت بين القيمتين لو كان .

(مسألة 9) : لا يجوز شرط الزيادة ؛ بأن يقرض مالاً على أن يؤدّي المقترض أزيد ممّا اقترضه ؛ سواء اشترطاه صريحاً أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيّاً عليه ، وهذا هو الرباء القرضي المحرّم الذي وعدنا ذكره في كتاب البيع وذكرنا هناك بعض ما ورد في الكتاب والسنّة من التشديد عليه . ولا فرق في الزيادة بين أن تكون عينية كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي اثني عشر ، أو عملاً كخياطة ثوب له ، أو منفعة ، أو انتفاعاً كالانتفاع بالعين المرهونة عنده ، أو صفة

ص: 82


1- - ولا للمقترض إرجاع العين في القيميات .
2- - ويلحق به أمثال ما يخرج من المكائن كظروف البلّور والصيني ، بل وطاقات الملابس على الأقرب .
3- - وإن كان الأقرب ثبوتها وقت القبض .

مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة . وكذا لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربوياً ؛ بأن كان من المكيل والموزون ، وغيره ؛ بأن كان معدوداً كالجوز والبيض .

(مسألة 10) : إذا أقرضه شيئاً وشرط عليه أن يبيع منه شيئاً بأقلّ من قيمته أو يؤاجره بأقلّ من اُجرته كان داخلاً في شرط الزيادة ، نعم لو باع المقترض من المقرض مالاً بأقلّ من قيمته وشرط عليه أن يقرضه مبلغاً معيّناً لا بأس به ، وإن أفاد فائدة الأوّل ، وبه يحتال في الفرار عن الربا كسائر الحيل الشرعية ، ولنعم الفرار من الحرام إلى الحلال .

(مسألة 11) : إنّما تحرم الزيادة مع الشرط ، وأمّا بدونه فلا بأس به ، بل يستحبّ ذلك للمقترض ؛ حيث إنّه من حسن القضاء ، وخير الناس أحسنهم قضاءً . بل يجوز ذلك إعطاءً وأخذاً لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء ، فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض ، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لو لا ذلك لم يقرضه . نعم يكره أخذه للمقرض خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك ، بل يستحبّ أ نّه إذا أعطاه المقترض شيئاً بعنوان الهديّة ونحوها يحسبه عوض طلبه ؛ بمعنى أ نّه يسقط منه بمقداره .

(مسألة 12) : إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض ، فلا بأس بشرطها للمقترض ، كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي ثمانية أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤدّيها مكسورة . فما تداول بين التجّار من أخذ الزيادة وإعطائها في الحوائل المسمّاة عندهم بصرف البرات ويطلقون عليه بيع الحوالة

ص: 83

وشرائها إن كان بإعطاء مقدار من الدراهم وأخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقلّ منه لا بأس به ، كما إذا احتاج أحد إلى إيصال وجه إلى بلد فيجيء عند التاجر ويعطي له مائة درهم على أن يعطيه الحوالة بتسعين درهماً على طرفه في ذلك البلد ، حيث إنّ في هذا الفرض يكون مائة درهم في ذمّة التاجر وهو المقترض وجعل الزيادة له ، وإن كان بإعطاء الأقلّ وأخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلاً في الربا ، كما إذا احتاج أحد إلى مقدار من الدراهم ويكون له المال في بلد آخر فيجيء عند التاجر ويأخذ منه تسعين درهماً على أن يعطيه الحوالة بمائة درهم على من كان عنده المال في بلد آخر ليدفع إلى طرف التاجر في ذلك البلد ، حيث إنّ التاجر في هذا الفرض قد أقرض تسعين وجعل له زيادة عشرة ، فلا بدّ لأجل التخلّص من الربا من إعمال بعض الحيل الشرعية .

(مسألة 13) : المال المقترض إن كان مثلياً - كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير - كان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه ؛ سواء بقي على سعره الذي كان له وقت الاقتراض أو ترقّى أو تنزّل ، وهذا هو الوفاء الذي لا يتوقّف على التراضي ، فللمقرض أن يطالب المقترَض به ، وليس له الامتناع ولو ترقّى سعره عمّا أخذه بكثير ، كما أنّ المقترض لو أعطاه للمقرض ليس له الامتناع ولو تنزّل بكثير . ويمكن أن يؤدّي بالقيمة أو بغير جنسه ؛ بأن يعطي بدل الدراهم دنانير - مثلاً - أو بالعكس ، لكن هذا النحو من الأداء والوفاء يتوقّف على التراضي . فلو أعطى بدل الدراهم دنانير فللمقرض الامتناع من أخذها ولو تساويا في القيمة ، بل ولو كانت الدنانير أغلى ، كما أ نّه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع وإن تساويا في القيمة أو كانت الدنانير أرخص . وإن كان قيمياً فقد مرّ أ نّه تشتغل ذمّة المقترض بالقيمة ، وإنّما تكون بالنقود الرائجة فأداؤه

ص: 84

- الذي لا يتوقّف على التراضي - بإعطائها . ويمكن أن يؤدّي بجنس آخر من غير النقود بالقيمة ، لكنّه يتوقّف على التراضي . ولو كانت العين المقترضة موجودة فأراد المقرض أداء الدين بإعطائها أو أراد المقترض ذلك ففي جواز امتناع الآخر تأمّل(1) وإشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 14) : يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّيه من غير جنسه ؛ بأن يؤدّي عوض الدراهم - مثلاً - دنانير وبالعكس . ويلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة أو كان ما شرط عليه أقلّ قيمة ممّا اقترض .

(مسألة 15) : الأقوى أ نّه لو شرط التأجيل في القرض صحّ ولزم العمل به ، وكان كسائر الديون المؤجّلة ليس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل .

(مسألة 16) : لو شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد معيّن صحّ ولزم وإن كان في حمله إليه مؤونة ، فإن طالبه في غير ذلك البلد لم تلزم عليه الأداء ، كما أ نّه لو أدّاه في غيره لم يلزم على المقرض القبول . وإن أطلق القرض ولم يعيّن بلد التسليم ، فالذي يجب على المقترض أداؤه فيه - لو طالبه المقرض - ويجب على المقرض القبول - لو أدّاه المقترض - فيه هو بلد القرض ، وأمّا غيره فيحتاج إلى التراضي وإن كان الأحوط(2) للمقترض مع عدم الضرر وعدم الاحتياج إلى مؤونة الحمل ، الأداء لو طالبه الغريم فيه .

ص: 85


1- - الأقوى جواز امتناعه .
2- - لا يترك ، كما أ نّه لا يترك الاحتياط في القبول فيما إذا أدّى المقترض ولم يكن ضرر ومؤونة على المقرض .

(مسألة 17) : يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن أو الكفيل وكلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع للمقرض ولو كان مصلحة له .

(مسألة 18) : لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان وجاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلاّ الدراهم الاُولى . نعم في مثل الصكوك المتعارفة في هذه الأزمنة المسمّاة بالنوط والإسكناس وغيرهما إذا سقطت عن الاعتبار الظاهر اشتغال الذمّة بالدراهم والدنانير التي تتناول هذه الصكوك بدلاً عنها ؛ لأنّ الاقتراض(1) في الحقيقة يقع على الدراهم أو الدنانير التي هي من النقدين ومن الفضّة والذهب المسكوكين ؛ وإن كان في مقام التسليم والإيصال يكتفي بتسليم تلك الصكوك وإيصالها . نعم لو فرض وقوع القرض على الصكّ الخاصّ بنفسه ؛ بأن قال مثلاً : أقرضتك هذا الكاغذ الكذائي المسمّى بالنوط الكذائي ، كان حالها حال الدراهم في أ نّه إذا سقط اعتبارها لم يكن على المقترض إلاّ أداء الصكّ ، وهكذا الحال في المعاملات والمهور الواقعة على الصكوك .

ص: 86


1- - فيه منع ، لكن الحكم كما ذكره .

كتاب الرهن

وهو دفع(1) العين للاستيثاق على الدين ، ويقال للعين : الرهن والمرهون ، ولدافعها : الراهن ، ولآخذها : المرتهن ، ويحتاج إلى العقد المشتمل على الإيجاب والقبول ، والأوّل من الراهن وهو كلّ لفظ أفاد المعنى المقصود في متفاهم أهل المحاورة كقوله : «رهنتك» أو «أرهنتك» أو «هذا وثيقة عندك على مالك» ونحو ذلك ، والثاني من المرتهن وهو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب . ولا يعتبر فيه العربية ، بل الظاهر عدم اعتبار الصيغة فيه أصلاً فيقع بالمعاطاة .

(مسألة 1) : يشترط في الراهن والمرتهن : البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وفي خصوص الأوّل عدم الحجر بالسفه والفلس . ويجوز لوليّ الطفل والمجنون رهن مالهما والارتهان لهما مع المصلحة والغبطة .

ص: 87


1- - بل هو عقد شرّع للاستيثاق على الدين ولا يتقوّم العقد باللفظ ، بل يشمل المعاطاة على الأصحّ .

(مسألة 2) : يشترط في صحّة الرهن القبض من المرتهن بإقباض من الراهن أو بإذن منه . ولو كان في يده شيء وديعة أو عارية بل ولو غصباً ، فأوقعا عقد الرهن عليه كفى ولا يحتاج إلى قبض جديد . ولو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلاّ برضا شريكه ، ولكن لو سلّمه إليه فالظاهر كفايته في تحقّق القبض الذي هو شرط لصحّة الرهن وإن تحقّق العدوان بالنسبة إلى حصّة شريكه .

(مسألة 3) : إنّما يعتبر القبض في الابتداء ولا يعتبر استدامته ، فلو قبضه المرتهن ثمّ صار في يد الراهن أو غيره - بإذن الراهن أو بدونه - لم يضرّ ولم يطرأه البطلان . نعم الظاهر أنّ للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده ، فلا يجوز انتزاعه منه إلاّ إذا شرط في العقد كونه بيد الراهن(1) أو يد ثالث .

(مسألة 4) : يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يمكن قبضه ويصحّ بيعه ، فلا يصحّ رهن الدين(2) قبل قبضه ، ولا المنفعة ، ولا الحرّ ، ولا الخمر والخنزير ، ولا مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، ولا الأرض الخراجية(3) ، ولا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده ، ولا الوقف ولو كان خاصّاً .

(مسألة 5) : لو رهن ما يملك وما لا يملك في عقد واحد ، صحّ في ملكه ، ووقف في ملك غيره على إجازة مالكه .

ص: 88


1- - صحّة هذا الشرط لا تخلو من إشكال .
2- - على الأحوط وإن كان للصحّة وجه ، وقبضه بقبض مصداقه .
3- - ما كانت مفتوحة عنوة وما صولح عليها على أن تكون ملكاً للمسلمين .

(مسألة 6) : لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحّة رهن ما فيها مستقلاًّ وكذا مع أرضها بعنوان التبعية(1) ، وأمّا رهن أرضها مستقلاًّ ففيه إشكال(2) .

(مسألة 7) : لا يعتبر أن يكون الرهن ملكاً لمن عليه الدين ، فيجوز لشخص أن يرهن ماله على دين شخص آخر تبرّعاً ولو من غير إذنه ، بل ولو مع نهيه . وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئاً ليرهنه على دينه ، ولو رهنه وقبضه المرتهن ليس لمالكه الرجوع ، ويبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكاً لمن عليه الدين . ولو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر ، وبقيمته تامّة لو بيع بأقلّ من قيمته . ولو عيّن له أن يرهنه على حقّ مخصوص من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معيّن لم يجز له مخالفته . ولو أذنه في الرهن مطلقاً جاز له الجميع وتخيّر .

(مسألة 8) : لو كان الرهن على الدين المؤجّل وكان ممّا يسرع إليه الفساد قبل الأجل ، فإن شرط بيعه قبل أن يطرأ عليه الفساد صحّ الرهن ويبيعه الراهن أو يوكّل المرتهن في بيعه ، وإن امتنع أجبره الحاكم ، فإن تعذّر باعه الحاكم ومع فقده باعه المرتهن ، فإذا بيع يجعل ثمنه رهناً . وكذلك(3) الحال لو أطلق ولم يشترط البيع ولا عدمه . وأمّا لو شرط عدم البيع إلاّ بعد الأجل بطل الرهن .

ص: 89


1- - فيه إشكال ، بل المنع لا يخلو من قرب .
2- - لا يجوز على الأقوى ، نعم لا يبعد جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال .
3- - محلّ إشكال ، بل الأقرب هو البطلان إذا لم يستفد اشتراط البيع كما لو جعل العين بماليتها رهناً ، فيصحّ وتباع ويجعل ثمنها رهناً .

ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد فعرض ما صيّره عرضة للفساد كالحنطة تبتلّ لم ينفسخ الرهن ، بل يباع ويجعل الثمن رهناً .

(مسألة 9) : لا إشكال في أ نّه يعتبر في المرهون كونه معيّناً ، فلا يصحّ رهن المبهم كأحد هذين ، نعم الظاهر صحّة رهن الكلّي(1) في المعيّن كعبد من عبدين وصاع من صبرة وشاة من هذا القطيع ، وقبضه إمّا بقبض الجميع أو بقبض ما عيّنه الراهن منه . فإذا عيّن بعد العقد عبداً أو صاعاً أو شاةً وقبضه المرتهن صحّ الرهن ولزم . والظاهر عدم صحّة رهن المجهول من جميع الوجوه(2) كما إذا رهن ما في الصندوق المقفل ، وإذا رهن الصندوق بما فيه صحّ بالنسبة إلى الظرف دون المظروف . وأمّا المعلوم الجنس والنوع المجهول المقدار كصبرة من حنطة مشاهدة فالظاهر صحّة رهنه .

(مسألة 10) : يشترط فيما يرهن عليه أن يكون ديناً ثابتاً في الذمّة ؛ لتحقّق موجبه : من اقتراض أو إسلاف مال أو شراء أو استئجار عين بالذمّة وغير ذلك ، حالاًّ كان الدين أو مؤجّلاً ، فلا يصحّ الرهن على ما يقترض ، أو على ثمن ما يشتريه فيما بعد ، فلو رهن شيئاً على ما يقترض ثمّ اقترض لم يصر بذلك رهناً ، ولا على الدية قبل استقرارها بتحقّق الموت وإن علم أنّ الجناية تؤدّي إليه ، ولا على مال الجعالة قبل تمام العمل .

ص: 90


1- - الأقوى عدم الفرق بين الكلّي في المعيّن وغيره ، والصحّة في مطلق الكلّيات لا تخلو من وجه ، وسبيل الاحتياط معلوم .
2- - حتّى كونه ممّا يتموّل ، وأمّا مع علمه بذلك وجهله بعنوان العين فالأحوط ذلك وإن كان الجواز لا يخلو من وجه .

(مسألة 11) : كما يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاُجرة التي في ذمّة المستأجر ، كذلك يصحّ أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمّة المؤجر .

(مسألة 12) : الظاهر أ نّه يصحّ الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوبة والعارية المضمونة والمقبوض بالسوم ونحوها ، وأمّا عهدة الثمن أو المبيع أو الاُجرة أو عوض الصلح وغيرها لو خرجت مستحقّة للغير ففي صحّة الرهن عليها تأمّل(1) وإشكال .

(مسألة 13) : لو اشترى شيئاً بثمن في الذمّة جاز جعل المبيع رهناً على الثمن.

(مسألة 14) : لو رهن على دينه رهناً ثمّ استدان مالاً آخر من المرتهن جاز جعل ذلك الرهن رهناً على الثاني أيضاً وكان رهناً عليهما معاً ؛ سواء كان الثاني مساوياً للأوّل في الجنس والقدر أو مخالفاً ، وكذا له أن يجعله على دين ثالث ورابع إلى ما شاء . وكذا إذا رهن شيئاً على دين جاز أن يرهن شيئاً آخر على ذلك الدين وكانا جميعاً رهناً عليه .

(مسألة 15) : لو رهن شيئاً عند زيد ، ثمّ رهنه عند آخر أيضاً باتّفاق من المرتهنين ، كان رهناً على الحقّين ، إلاّ إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأوّل وكونه رهناً على خصوص الدين الثاني .

(مسألة 16) : لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما ديناً ، ثمّ رهنا عنده مالاً

ص: 91


1- - بل الأقوى عدم صحّته في مثلها .

مشتركاً بينهما ولو بعقد واحد ، ثمّ قضى أحدهما دينه ، انفكّت حصّته عن الرهانة وصارت طلقاً . ولو كان الراهن واحداً والمرتهن متعدّداً ؛ بأن كان عليه دين لاثنين فرهن شيئاً عندهما بعقد واحد ، فكلّ منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدين ، ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقّهما ، فإن قضي دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه . هذا كلّه في التعدّد ابتداءً ، وأمّا التعدّد الطارئ فالظاهر أ نّه لا عبرة به ، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدين ، كما أ نّه لو مات المرتهن عن ولدين فأعطى أحدهما نصيبه من الدين لم ينفكّ بمقداره من الرهن .

(مسألة 17) : لا يدخل الحمل(1) الموجود في رهن الحامل ، ولا الثمر في رهن النخل والشجر ، وكذا ما يتجدّد إلاّ إذا اشترط دخولها . نعم الظاهر دخول الصوف والشعر والوبر في رهن الحيوان ، وكذا الأوراق والأغصان حتّى اليابسة في رهن الشجر ، وأمّا اللبن في الضرع ومغرس الشجر واُسّ الجدار - أعني موضع الأساس من الأرض - ففي دخولها تأمّل وإشكال ، لا يبعد عدم الدخول وإن كان الأحوط التصالح والتراضي .

(مسألة 18) : الرهن لازم من جهة الراهن ، جائز من طرف المرتهن ، فليس للراهن انتزاعه منه بدون رضاه إلاّ أن يسقط حقّه من الارتهان أو ينفكّ الرهن بفراغ ذمّة الراهن من الدين بالأداء أو الإبراء أو غير ذلك . ولو برئت ذمّته من بعض الدين فالظاهر بقاء الجميع رهناً على ما بقي إلاّ إذا اشترطا التوزيع ، فينفكّ

ص: 92


1- - إلاّ إذا كان تعارف يوجب الدخول ، وكذا في الثمر .

منه على مقدار ما برئ منه ويبقى رهناً على مقدار ما بقي ، أو شرطا كونه رهناً على المجموع من حيث المجموع فينفكّ الجميع بالبراءة عن بعض الدين .

(مسألة 19) : لا يجوز للراهن التصرّف(1) في الرهن إلاّ بإذن المرتهن ؛ سواء كان ناقلاً للعين كالبيع أو المنفعة كالإجارة أو مجرّد انتفاع به وإن لم يضرّ به كالاستخدام والركوب والسكنى ونحوها . فإن تصرّف بغير الناقل أثم ولم يترتّب عليه شيء ، إلاّ إذا كان بالإتلاف فيلزم قيمته وتكون رهناً ، وإن كان بالبيع أو الإجارة وغيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن ، ففي مثل الإجارة تصحّ بالإجازة وبقيت الرهانة على حالها ، بخلافها في البيع فإنّه يصحّ بها وتبطل الرهانة ، كما أ نّها تبطل بالبيع إذا كان عن إذن سابق من المرتهن .

(مسألة 20) : لا يجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن ، فلو تصرّف فيه بركوب أو سكنى ونحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدّي ، ولزمه اُجرة المثل لما استوفاه من المنفعة . ولو كان ببيع ونحوه أو بإجارة ونحوها وقع فضولياً ، فإن أجازه الراهن صحّ وكان الثمن والاُجرة المسمّاة له ، وكان الثمن رهناً في البيع لم يجز لكلّ منهما التصرّف فيه إلاّ بإذن الآخر وبقي العين رهناً في الإجارة ، وإن لم يجز كان فاسداً .

(مسألة 21) : منافع الرهن كالسكنى والخدمة وكذا نماءاته المنفصلة - كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر - والمتّصلة - كالسمن والزيادة في

ص: 93


1- - لا يبعد الجواز فيما هو بنفع الرهن إذا لم يخرج من يد المرتهن بمثله ، كسقي الأشجار وعلف الدابّة ومداواة المريض وأمثالها .

الطول والعرض - كلّها للراهن ؛ سواء كانت موجودة حال الارتهان أو وجدت بعده ، ولا يتبعه(1) في الرهانة إلاّ نماءاته المتّصلة .

(مسألة 22) : لو رهن الأصل والثمرة ، أو الثمرة منفردة صحّ ، فلو كان الدين مؤجّلاً وأدركت الثمرة قبل حلول الأجل ، فإن كانت تجفّف ويمكن إبقاؤها بالتجفيف جفّفت وإلاّ بيعت وكان الثمن رهناً(2) .

(مسألة 23) : إذا كان الدين حالاًّ أو حلّ وأراد المرتهن استيفاء حقّه ، فإن كان وكيلاً عن الراهن في بيع الرهن واستيفاء دينه منه ، له ذلك من دون مراجعة إليه ، وإن لم يكن وكيلاً عنه في ذلك ليس له أن يبيعه، بل يراجع الراهن ويطالبه بالوفاء ولو ببيع الرهن أو توكيله في بيعه ؛ فإن امتنع من ذلك رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع ، فإن امتنع على الحاكم إلزامه ، باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير ولو كان هو المرتهن نفسه ، ومع فقد الحاكم أو عدم اقتداره على الإلزام بالبيع وعلى البيع عليه - لعدم بسط اليد - باعه المرتهن(3) بنفسه واستوفى حقّه أو بعضه من ثمنه إذا ساواه أو كان أقلّ ، وإن كان أزيد كان الزائد عنده أمانة شرعية يوصله إلى صاحبه .

(مسألة 24) : إذا لم يكن عند المرتهن بيّنة مقبولة لإثبات دينه وخاف من أ نّه لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن الدين فأخذ منه الرهن بموجب

ص: 94


1- - إلاّ إذا كان تعارف يوجب التقييد كما مرّ .
2- - محلّ إشكال بل منع ، إلاّ إذا استفيد من شرط أو قرينة أ نّها رهن بماليتها .
3- - مع إمكان الإذن من الحاكم والوكالة منه لا يجوز أن يستقلّ المرتهن بالبيع ولو لم تكن للحاكم قدرة على الإلزام بالبيع وعلى البيع عليه ، نعم مع فقد الحاكم أو عدم إمكان الإذن منه يجوز أن يستقلّ بالبيع ، والعبارة لا تخلو من شيء .

اعترافه وطولب بالبيّنة على حقّه ، جاز له بيع الرهن من دون مراجعة إلى الحاكم ، وكذا لو مات المرتهن وخاف الراهن جحود الوارث .

(مسألة 25) : لو وفى بيع بعض الرهن بالدين ، اقتصر عليه على الأحوط - لو لم يكن أقوى - وبقي الباقي أمانة عنده ، إلاّ إذا لم يمكن التبعيض ولو من جهة عدم الراغب ، أو كان فيه ضرر على المالك فيباع الكلّ .

(مسألة 26) : إذا كان الرهن من مستثنيات الدين - كدار سكناه ودابّة ركوبه - جاز(1) للمرتهن بيعه واستيفاء طلبه منه كسائر الرهون .

(مسألة 27) : إذا كان الراهن مفلّساً أو مات وعليه ديون للناس كان المرتهن أحقّ من باقي الغرماء باستيفاء حقّه من الرهن ، فإن فضل شيء يوزّع على الباقين بالحصص ، وإن نقص عن حقّه استوفى بعض حقّه من الرهن ويضرب بما بقي مع الغرماء في سائر أموال الراهن لو كان .

(مسألة 28) : الرهن أمانة في يد المرتهن ، لا يضمنه لو تلف أو تعيّب من دون تعدّ أو تفريط . نعم لو كان في يده مضموناً - لكونه مغصوباً أو عارية مضمونة مثلاً - ثمّ ارتهن عنده لم يزل(2) الضمان ، إلاّ إذا أذن له المالك في بقائه تحت يده ، فيرتفع الضمان على الأقوى . وإذا انفكّ الدين بسبب الأداء أو الإبراء أو غير ذلك يبقى أمانة مالكية في يده لا يجب تسليمه إلى المالك إلاّ مع المطالبة كسائر الأمانات.

ص: 95


1- - لكنّ الأولى الأحوط عدم إخراجه من ظلّ رأسه .
2- - إلاّ إذا استفيد الإذن في بقائه في خصوص المورد من ارتهانه ، كما لا يبعد مع علم الراهن بالحال .

(مسألة 29) : لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن ، فينتقل الرهن إلى ورثة الراهن مرهوناً على دين مورّثهم وينتقل إلى ورثة المرتهن حقّ الرهانة ، فإن امتنع الراهن من استئمانهم كان له ذلك ، فإن اتّفقوا على أمين وإلاّ سلّمه الحاكم إلى من يرتضيه ، وإن فقد الحاكم فعدول المؤمنين .

(مسألة 30) : إذا ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصيّة بالرهن وتعيين المرهون والراهن والإشهاد كسائر الودائع ، ولو لم يفعل كان مفرّطاً وعليه ضمانه .

(مسألة 31) : لو كان عنده الرهن قبل موته ثمّ مات ولم يعلم بوجوده في تركته - لا تفصيلاً ولا إجمالاً - ولم يعلم كونه تالفاً بتفريط منه ، لم يحكم به في ذمّته ولا بكونه موجوداً في تركته ، بل يحكم بكونها لورثته . نعم لو علم أ نّه قد كان موجوداً في أمواله الباقية إلى بعد موته ، ولم يعلم أ نّه بعد باقٍ فيها أم لا ، كما إذا كان سابقاً في صندوقه داخلاً في الأموال التي كانت فيه وبقيت إلى زمان موته ، ولم يعلم أ نّه قد أخرجه وأوصله إلى مالكه ، أو باعه واستوفى ثمنه ، أو تلف بغير تفريط منه أم لا ، لم يبعد(1) أن يحكم ببقائه فيها ، فيكون بحكم معلوم البقاء ، وقد مرّ بعض ما يتعلّق بهذه المسألة في بعض مسائل المضاربة .

(مسألة 32) : لو اقترض من شخص ديناراً - مثلاً - برهن وديناراً آخر منه بلا رهن ، ثمّ دفع إليه ديناراً بنيّة الأداء والوفاء ، فإن نوى كونه عن ذي الرهن سقط وانفكّ رهنه ، وإن نوى كونه عن الآخر لم ينفكّ الرهن وبقي دينه ، وإن لم يقصد

ص: 96


1- - بعيد ، فالأموال مورّثة على الأقوى .

إلاّ أداء دينار من الدينارين من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو غيره ، لا إشكال في عدم انفكاك الرهن . وهل يوزّع ما دفعه على الدينين ، فإذا أكمل أداء دين ذي الرهن انفكّ رهنه أو يحسب ما دفعه أداء لغير ذي الرهن ويبقى ذو الرهن بتمامه لا ينفكّ رهنه إلاّ بأدائه ؟ وجهان(1) .

ص: 97


1- - بل وجوه ، أوجهها بقاء الرهن على رهانته إلى الفكّ اليقيني .

كتاب الحجر

اشارة

وهو في الأصل بمعنى المنع ، وشرعاً : كون الشخص ممنوعاً في الشرع عن التصرّف في ماله بسبب من الأسباب ، وهي كثيرة نذكر منها ما هو العمدة ؛ وهي الصغر والسفه والفلس ومرض الموت .

القول : في الصغر

(مسألة 1) : الصغير - وهو الذي لم يبلغ حدّ البلوغ - محجور عليه شرعاً لا تنفذ تصرّفاته في أمواله ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة وإيداع وإعارة وغيرها(1) ، وإن كان في كمال التميّز والرشد وكان التصرّف في غاية الغبطة والصلاح ، بل لا يجدي في الصحّة إذن الوليّ سابقاً ولا إجازته لاحقاً عند المشهور .

(مسألة 2) : كما أنّ الصبيّ محجور عليه بالنسبة إلى ماله ، كذلك محجور بالنسبة إلى ذمّته ، فلا يصحّ منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمّة بالسلم

ص: 98


1- - إلاّ ما استثني كالوصيّة على ما سيأتي - إن شاء اللّه تعالى - ونفوذ بيعه في الأشياء الغير الخطيرة لا يخلو من قوّة .

والنسيئة وإن كانت مدّة الأداء مصادفة لزمان البلوغ ، وكذلك بالنسبة إلى نفسه فلا ينفذ منه التزويج والطلاق(1) ولا إجارة نفسه ولا جعل نفسه عاملاً في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة وغير ذلك . نعم يجوز حيازته المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما ويملكها بالنيّة ، بل وكذا يملك الجعل في الجعالة بعمله وإن لم يأذن له الوليّ فيهما .

(مسألة 3) : يعرف البلوغ في الذكر والاُنثى بأحد اُمور ثلاثة : الأوّل : نبات الشعر الخشن على العانة ، ولا اعتبار بالزغب والشعر الضعيف . الثاني : خروج المنيّ ؛ سواء خرج يقظة أو نوماً ، بجماع أو احتلام أو غيرهما . الثالث : السنّ ، وهو في الذكر خمسة عشر(2) سنة وفي الاُنثى تسع سنين .

(مسألة 4) : لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبيّ ، بل لا بدّ معه من الرشد وعدم السفه بالمعنى الذي سنبيّنه .

(مسألة 5) : ولاية التصرّف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه لأبيه وجدّه لأبيه ، ومع فقدهما للقيّم من أحدهما ؛ وهو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظراً في أمره ، ومع فقد الوصيّ يكون الولاية والنظر للحاكم الشرعي . وأمّا الاُمّ والجدّ للاُمّ والأخ فضلاً عن الأعمام والأخوال فلا ولاية لهم عليه بحال . نعم الظاهر ثبوتها لعدول(3) المؤمنين مع فقد الحاكم .

(مسألة 6) : الظاهر أ نّه لا يشترط العدالة في ولاية الأب والجدّ ، فلا ولاية

ص: 99


1- - على الأحوط في من بلغ عشراً ، ولو طلّق يتخلّص بالاحتياط .
2- - أي إكمالها ، وفي الاُنثى إكمال التسع.
3- - اعتبار صفة العدالة مبنيّ على الاحتياط .

للحاكم مع فسقهما ، لكن متى ظهر له ولو بقرائن الأحوال الضرر منهما على المولّى عليه عزلهما ومنعهما من التصرّف في أمواله . ولا يجب عليه الفحص عن عملهما وتتبّع سلوكهما .

(مسألة 7) : الأب والجدّ مشتركان في الولاية ، فينفذ تصرّف السابق منهما ولغا تصرّف اللاحق . ولو اقترنا ففي تقديم الجدّ أو الأب أو عدم الترجيح وبطلان تصرّف كليهما وجوه ، بل أقوال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 8) : الظاهر أ نّه لا فرق بين الجدّ القريب والبعيد ، فلو كان له أب وجدّ وأب الجدّ وجدّ الجدّ اشتركوا كلّهم في الولاية .

(مسألة 9) : يجوز للوليّ بيع عقار الصبيّ مع الحاجة واقتضاء المصلحة ، فإن كان البائع هو الأب أو الجدّ جاز للحاكم تسجيله وإن لم يثبت عنده أ نّه مصلحة . وأمّا غيرهما كالوصيّ فلا يسجّله إلاّ بعد ثبوت كونه مصلحة عنده على الأحوط(1) .

(مسألة 10) : يجوز للوليّ المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط وثاقة العامل وأمانته ، فإن دفعه إلى غيره ضمن .

(مسألة 11) : يجوز للوليّ تسليم الصبيّ إلى أمين يعلّمه الصنعة ، أو إلى من يعلّمه القراءة والخطّ والحساب والعلوم العربية وغيرها من العلوم النافعة لدينه ودنياه ، ويلزم عليه أن يصونه عمّا يفسد أخلاقه فضلاً عمّا يضرّ بعقائده .

ص: 100


1- - وإن كان الأقرب جوازه مع وثاقته عنده .

(مسألة 12) : يجوز لوليّ اليتيم إفراده بالمأكول والملبوس من ماله ، وأن يخلطه بعائلته ، ويحسبه كأحدهم فيوزّع المصارف عليهم على الرؤوس ، لكن هذا بالنسبة إلى المأكول والمشروب ، وأمّا الكسوة فيحسب على كلّ شخص كسوته .وكذلك الحال في اليتامى المتعدّدين ، فيجوز لمن يتولّى إنفاقهم إفراد كلّ واحد منهم ، وأن يخلطهم في المأكول والمشروب ويوزّع المصارف عليهم على الرؤوس ، دون الكسوة فإنّه يثبت ويحسب على كلّ واحد ما يحتاج إليه منها .

(مسألة 13) : إذا كان للصغير مال على غيره ، جاز للوليّ أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة ، لكن لا يحلّ على المتصالح باقي المال ، وليس للوليّ إسقاطه بحال .

(مسألة 14) : المجنون كالصغير في جميع ما ذكر ، نعم في ولاية الأب والجدّ ووصيّهما عليه إذا تجدّد جنونه بعد بلوغه ورشده أو كونها للحاكم إشكال(1) ، فلا يترك الاحتياط بتوافقهما معاً .

(مسألة 15) : ينفق الوليّ على الصبيّ بالاقتصاد ، لا بالإسراف ولا بالتقتير ملاحظاً له عادته ونظراءه ، ويطعمه ويكسوه ما يليق بشأنه .

(مسألة 16) : لو ادّعى الوليّ الإنفاق على الصبيّ أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق ، وأنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيته ، فالقول قول الوليّ مع اليمين ، إلاّ أن يكون مع الصبيّ البيّنة .

ص: 101


1- - الأقرب كونها للحاكم ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

القول : في السفه

السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله ، يصرفه في غير موقعه ويتلفه بغير محلّه وليس معاملاته مبنيّة على المكايسة والتحفّظ عن المغابنة ، لا يبالي بالانخداع فيها ، يعرفه أهل العرف والعقلاء بوجدانهم إذا وجدوه خارجاً عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلاً وصرفاً . وهو محجور عليه شرعاً لا ينفذ تصرّفاته في ماله ببيع وصلح وإجارة وإيداع وعارية وغيرها ، ولا يتوقّف(1) حجره على حكم الحاكم على الأقوى . ولا فرق بين أن يكون سفهه متّصلاً بزمان صغره أو تجدّد بعد البلوغ ، فلو كان سفيهاً ثمّ حصل له الرشد ارتفع حجره ، فإن عاد إلى حالته السابقة حجر عليه ، ولو زالت فكّ حجره ، ولو عاد عاد الحجر عليه وهكذا .

(مسألة 1) : ولاية السفيه للأب والجدّ ووصيّهما إذا بلغ سفيهاً ، وفي من طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعي .

(مسألة 2) : كما أنّ السفيه محجور عليه في أمواله ، كذلك في ذمّته - بأن يتعهّد مالاً أو عملاً - فلا يصحّ اقتراضه وضمانه ، ولا بيعه وشراؤه بالذمّة ، ولا إجارة نفسه ، ولا جعل نفسه عاملاً في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة وغير ذلك .

(مسألة 3) : معنى عدم نفوذ تصرّفات السفيه عدم استقلاله ، فلو كان بإذن الوليّ أو إجازته صحّ ونفذ . نعم في مثل العتق والوقف ممّا لا يجري(2) فيه

ص: 102


1- - الأقوى توقّفه عليه ثبوتاً وزوالاً في غير من يكون سفهه متّصلاً بزمان صغره .
2- - عدم جريانها في الوقف محلّ تأمّل ، بل الجريان لا يخلو من رجحان .

الفضولية يشكل صحّته بالإجازة اللاحقة من الوليّ ، ولو أوقع معاملة في حال سفهه ثمّ حصل له الرشد فأجازها كانت كإجازة الوليّ .

(مسألة 4) : لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الوليّ أو إجازته ، لكن يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه . ويقبل إقراره إذا لم يتعلّق بالمال ، كما لو أقرّ بالنسب(1) أو بما يوجب القصاص ونحو ذلك . ولو أقرّ بالسرقة يقبل في القطع دون المال .

(مسألة 5) : لو وكّل السفيه أجنبيّ في بيع أو هبة أو إجارة - مثلاً - جاز ولو كان وكيلاً في أصل المعاملة لا في مجرّد إجراء الصيغة .

(مسألة 6) : إذا حلف السفيه أو نذر على فعل شيء أو تركه ممّا لا يتعلّق بماله انعقد حلفه ونذره . ولو حنث كفّر كسائر ما أوجب الكفّارة ، كقتل الخطأ والإفطار في شهر رمضان ، وهل يتعيّن عليه الصوم لو تمكّن منه أو يتخيّر بينه وبين كفّارة مالية كغيره ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل ، بل لا يخلو من قوّة(2) . نعم لو لم يتمكّن من الصوم تعيّن غيره ، كما إذا فعل ما يوجب الكفّارة المالية على التعيين كما في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها .

(مسألة 7) : لو كان للسفيه حقّ القصاص جاز أن يعفو عنه ، بخلاف الدية وأرش الجناية .

(مسألة 8) : إذا اطّلع الوليّ على بيع أو شراء - مثلاً - من السفيه ولم ير

ص: 103


1- - يقبل في غير لوازمها المالية كالنفقة ، وأمّا فيها فلا يخلو من إشكال وإن كان الثبوت لا يخلو من قرب .
2- - القوّة محلّ تأمّل .

المصلحة في إجازته ، فإن لم يقع إلاّ مجرّد العقد ألغاه ، وإن وقع تسليم وتسلّم للعوضين فما سلّمه إلى الطرف الآخر يستردّه ويحفظه ، وما تسلّمه وكان موجوداً يردّه إلى مالكه ، وإن كان تالفاً ضمنه السفيه ، فعليه مثله أو قيمته لو قبضه بغير إذن من مالكه ، وإن كان بإذن منه وتسليمه لم يضمنه(1) وتلف من مال مالكه . نعم يقوى الضمان لو كان المالك الذي سلّمه الثمن أو المبيع جاهلاً بحاله(2) ، خصوصاً إذا كان التلف بإتلاف منه ، وكذا الحال(3) فيما لو اقترض السفيه وأتلف المال .

(مسألة 9) : لو أودع إنسان وديعة عند السفيه ، فأتلفها ضمنها على الأقوى ؛ سواء علم المودع بحاله أو جهل بها . نعم لو تلف عنده لم يضمنه حتّى مع تفريطه(4) في حفظها .

(مسألة 10) : لا يسلّم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده ، وإذا اشتبه حاله يختبر ؛ بأن يفوّض إليه مدّة معتدّاً بها بعض الاُمور ممّا يناسب شأنه كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار لمن يناسبه مثل هذه الاُمور ، والرتق والفتق في بعض الاُمور مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه أو مصالح الوليّ ونحو ذلك فيمن يناسبه ذلك ، وفي السفيهة يفوّض إليها ما يناسب النساء من إدارة بعض مصالح البيت والمعاملة مع النساء من الإجارة والاستئجار للخياطة أو الغزل والنساجة

ص: 104


1- - لا يبعد الضمان في صورة الإتلاف .
2- - أو بحكم الواقعة .
3- - كما مرّ .
4- - ضمانه مع التفريط أشبه .

وأمثال ذلك ، فإن آنس منه الرشد ؛ بأن رأى منه المداقّة والمكايسة والتحفّظ عن المغابنة في معاملاته وصيانة المال من التضييع وصرفه في موضعه وجريه مجاري العقلاء ، دفع إليه ماله وإلاّ فلا .

(مسألة 11) : الصبيّ إذا احتمل حصول الرشد له قبل البلوغ ، يجب اختباره قبله ليسلّم إليه ماله بمجرّد بلوغه لو آنس منه الرشد ، وإلاّ ففي كلّ زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده . وأمّا غيره فإن ادّعى حصول الرشد له واحتمله الوليّ يجب اختباره ، وإن لم يدّع حصوله ففي وجوب الاختبار بمجرّد الاحتمال إشكال لا يبعد عدم الوجوب ، بل لا يخلو من قوّة .

القول : في المفلّس

وهو من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه .

(مسألة 1) : من كثرت عليه الديون ولو كانت أضعاف أمواله ، يجوز له التصرّف فيها بأنواعه ونفذ أمره فيها بأصنافه ؛ ولو بإخراجها جميعاً عن ملكه مجّاناً أو بعوض ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي . نعم لو كان صلحه عنها ، أو هبتها - مثلاً - لأجل الفرار من أداء الديون يشكل الصحّة ، خصوصاً فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب ونحوه .

(مسألة 2) : لا يجوز الحجر على المفلّس إلاّ بشروط أربعة : الأوّل : أن تكون ديونه ثابتة شرعاً . الثاني : أن تكون أمواله من عروض ونقود ومنافع وديون على الناس - ما عدا مستثنيات الدين - قاصرة عن ديونه . الثالث : أن تكون الديون حالّة ، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجّلة وإن لم يفِ ماله بها لو حلّت ، ولو

ص: 105

كان بعضها حالاًّ وبعضها مؤجّلاً ، فإن قصر ماله عن الحالّة يحجر عليه وإلاّ فلا . الرابع : أن يرجع(1) الغرماء كلّهم أو بعضهم(2) إلى الحاكم ويلتمسوا منه الحجر عليه .

(مسألة 3) : بعد ما تمّت الشرائط الأربعة وحجر عليه الحاكم وحكم بذلك ، تعلّق حقّ الغرماء بأمواله ولا يجوز له التصرّف فيها بعوض كالبيع والإجارة وبغير عوض كالوقف والهبة إلاّ بإذنهم أو إجازتهم . وإنّما يمنع عن التصرّفات الابتدائية ، فلو اشترى شيئاً سابقاً بخيار ثمّ حجر عليه فالخيار باقٍ وكان له فسخ البيع وإجازته . نعم لو كان له حقّ مالي سابقاً على الغير ليس له إسقاطه وإبراؤه كلاًّ أو بعضاً .

(مسألة 4) : إنّما يمنع عن التصرّف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه ، وأمّا الأموال المتجدّدة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث أو باختياره بمثل الاحتطاب والاصطياد وقبول الوصيّة والهبة ونحو ذلك ، ففي شمول(3) الحجر لها إشكال ، نعم لا إشكال في جواز تجديد الحجر عليها .

(مسألة 5) : لو أقرّ بعد الحجر بدين سابق صحّ وشارك(4) المقرّ له مع الغرماء ، وكذا لو أقرّ بدين لاحق وأسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين مثل الإتلاف والجناية ونحوهما ، وأمّا لو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك

ص: 106


1- - إلاّ أن يكون الدين لمن كان الحاكم وليّه كالمجنون واليتيم .
2- - إذا لم يفِ ماله بدين ذلك البعض .
3- - بل في نفوذه على فرض شموله إشكال .
4- - الأقوى عدم مشاركته معهم ، وكذا في الإقرار بمثل الإتلاف والجناية ونحوهما .

كالاقتراض والشراء بما في الذمّة ونحو ذلك نفذ الإقرار في حقّه ، لكن لا يشارك المقرّ له مع الغرماء .

(مسألة 6) : لو أقرّ بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص ، لا إشكال في نفوذ إقراره في حقّه ، فلو سقط حقّ الغرماء وانفكّ الحجر لزمه تسليمها إلى المقرّ له أخذاً بإقراره ، وأمّا نفوذه في حقّ الغرماء بحيث تدفع إلى المقرّ له في الحال ، ففيه إشكال ، الأقوى العدم .

(مسألة 7) : بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلّس ومنعه عن التصرّف في أمواله يشرع في بيعها وقسمتها بين الغرماء بالحصص وعلى نسبة ديونهم ، مستثنياً منها مستثنيات الدين وقد مرّت في كتاب الدين ، وكذا أمواله المرهونة عند الديّان لو كان ، فإنّ المرتهن أحقّ باستيفاء حقّه من الرهن الذي عنده ، ولا يحاصّه فيه سائر الغرماء وقد مرّ في كتاب الرهن .

(مسألة 8) : إن كان من جملة مال المفلّس عين اشتراها ، وكان ثمنها في ذمّته ، كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وبين الضرب مع الغرماء بالثمن ولو لم يكن له مال سواها .

(مسألة 9) : قيل : هذا الخيار على الفور ، فإن لم يبادر بالرجوع في العين تعيّن له الضرب مع الغرماء وهو أحوط ، لكن الظاهر العدم . نعم ليس له الإفراط في تأخير الاختيار بحيث تعطّل أمر التقسيم على الغرماء ، فإذا وقع منه ذلك خيّره الحاكم بين الأمرين فإن امتنع عن اختيار أحدهما ضربه مع الغرماء بالثمن .

ص: 107

(مسألة 10) : يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول(1) الدين ، فلا رجوع لو كان مؤجّلاً.

(مسألة 11) : لو كانت العين من مستثنيات الدين ليس للبائع أن يرجع إليها على الأظهر .

(مسألة 12) : المقرض كالبائع في أنّ له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض ، بل وكذا المؤجر(2) فإنّ له فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء المنفعة .

(مسألة 13) : لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة ، كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصّته من الدين والضرب بالباقي مع الغرماء ، كما أنّ لهما الضرب بتمام الدين معهم . وكذا إذا استوفى المستأجر بعض المنفعة كان للمؤجر فسخ الإجارة بالنسبة إلى ما بقي من المدّة بحصّتها من الاُجرة والضرب مع الغرماء بما قابلت المنفعة الماضية ، كما أنّ له الضرب معهم بتمام الاُجرة .

(مسألة 14) : لو زادت في العين المبيعة أو المقترضة زيادة متّصلة كالسمن تتبع الأصل ، فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي . وأمّا الزيادة المنفصلة كالحمل والولد واللبن والثمر على الشجر فهي للمشتري والمقترض وليس للبائع والمقرض إلاّ الرجوع إلى الأصل.

ص: 108


1- - وإن حلّ قبل فكّ الحجر ، فالأصحّ الرجوع بها .
2- - محلّ إشكال ، والأحوط التخلّص بالصلح ، وكذا فيما إذا استوفى المستأجر بعض المنفعة على ما يأتي في الفرع اللاحق .

(مسألة 15) : لو تعيّبت العين عند المشتري - مثلاً - فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن وأن يضرب بالثمن مع الغرماء ، وكذا لو كان بفعل البائع(1) . وأمّا إن كان بفعل الأجنبيّ فالبائع بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بتمام الثمن وبين أن يأخذ العين معيباً ، وحينئذٍ فيحتمل أن يضارب الغرماء في جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين ، ويحتمل(2) أن يضاربهم في تمام الأرش ، فإذا كان الثمن عشرة وقيمة العين عشرين وأرش النقصان أربعة - خمس القيمة - فعلى الأوّل يضاربهم في اثنين وعلى الثاني في أربعة . ولو فرض العكس بأن كان الثمن عشرين والقيمة عشرة وكان الأرش اثنين - خمس العشرة - يكون الأمر بالعكس يضاربهم في أربعة على الأوّل وفي اثنين على الثاني ، والمسألة محلّ إشكال ، فالأحوط للبائع أن يقتصر على أقلّ الأمرين وهو الاثنان في الصورتين .

(مسألة 16) : لو اشترى أرضاً فأحدث فيها بناءً أو غرساً ثمّ فلس كان للبائع الرجوع إلى أرضه ، لكنّ البناء والغرس للمشتري وليس له حقّ البقاء ولو بالاُجرة ، فإن تراضيا على البقاء مجّاناً أو بالاُجرة ، وإلاّ فللبائع إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش ، كما أنّ للمشتري القلع لكن مع طمّ الحفر ، والأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع والرضا ببقائه ولو بالاُجرة(3) إذا أراده المشتري .

ص: 109


1- - الظاهر أنّ البائع كالأجنبيّ فيما يأتي ، ويكون ما في عهدته من ضمان المبيع جزء أموال المفلّس .
2- - ويحتمل أن يكون له أخذها كما هي والضرب بالثمن كالتلف السماوي فحينئذٍ فالأحوط للبائع ذلك ، لكن المسألة مشكلة ، فالأحوط التخلّص بالصلح .
3- - وأحوط منه الرضا بالبقاء بغير اُجرة .

(مسألة 17) : لو خلط المشتري - مثلاً - ما اشتراه بماله ، فإن كان بغير جنسه ليس للبائع الرجوع في ماله وبطل(1) حقّه من العين ، وإن كان بجنسه كان له ذلك ؛ سواء خلط بالمساوي أو الأردأ أو الأجود ، وبعد الرجوع يشارك المفلّس بنسبة مالهما في المقدار . لكن فيما إذا اختلط بالمساوي اقتسماه عيناً بنسبة مالهما . وأمّا في غيره فيباع المجموع ويخصّ كلّ منهما من الثمن بنسبة قيمة ماله ، فإذا خلط منّ من زيت يسوى درهماً بمنّ من زيت يسوى درهمين يقسّم الثمن بينهما أثلاثاً ، وإذا أراد أحدهما البيع ليس للآخر الامتناع . نعم لصاحب الأجود مطالبة القسمة العينية بنسبة مقدار المالين فإنّه قد رضي بدون حقّه وليس للآخر الامتناع ومطالبة البيع وتقسيم الثمن بنسبة القيمة . هذا ولكن في أصل المسألة - وهو كون البائع أحقّ بماله في صورة الامتزاج - عندي تأمّل(2) وإشكال ، فالأحوط عدم الرجوع إلاّ مع رضا الغرماء .

(مسألة 18) : لو اشترى غزلاً فنسجه ، أو دقيقاً فخبزه ، أو ثوباً فقصّره أو صبغه ، لم يبطل حقّ البائع من العين ، على إشكال في الأوّلين .

(مسألة 19) : غريم الميّت كغريم المفلّس ، فإذا وجد عين ماله في تركته كان له الرجوع إليه ، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافياً بدين الغرماء وإلاّ فليس له ذلك ، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم وإن كان الميّت قد مات محجوراً عليه .

(مسألة 20) : يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته ونفقة

ص: 110


1- - مع الخلط الرافع للتميّز .
2- - بل الأقرب عدم الأحقّية .

من يجب عليه نفقته وكسوته على ما جرت عليه عادته . ولو مات قدّم كفنه بل وسائر مؤن تجهيزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك على حقوق الغرماء ، ويقتصر على الواجب على الأحوط ، وإن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوّة(1) .

(مسألة 21) : لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين غرمائه ، ثمّ ظهر غريم آخر لم ينتقض(2) القسمة على الأقوى ، بل يشارك مع كلّ منهم على الحساب ، فإذا كان مجموع ماله ستّين وكان له غريمان يطلب أحدهما ستّين والآخر ثلاثين فأخذ الأوّل أربعين والثاني عشرين ثمّ ظهر ثالث يطلب منه عشرة يأخذ من الأوّل أربعة ومن الثاني اثنين ، فيصير حصّة الأوّل ستّة وثلاثين والثاني ثمانية عشر والثالث ستّة ، يأخذ كلّ منهم ثلاثة أخماس طلبه وهكذا .

القول : في المرض

المريض إذا لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح ؛ يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء ، وينفذ جميع تصرّفاته في جميع ما يملكه ، إلاّ فيما أوصى بأن يصرف شيء بعد موته ، فإنّه لا ينفذ فيما زاد على ثلث ما يتركه ، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك ويأتي تفصيل ذلك في محلّه . وأمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره ، كما أ نّه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضية المتعلّقة بماله ، كالبيع بثمن المثل والإجارة باُجرة المثل ونحو ذلك . وكذا أيضاً لا إشكال في جواز انتفاعه بماله بالأكل والشرب والإنفاق على نفسه

ص: 111


1- - خصوصاً الكفن .
2- - الأقوى انتقاضها ؛ بمعنى انكشاف عدم صحّتها من رأس .

ومن يعوله والصرف على أضيافه وفي مورد يحفظ شأنه واعتباره وغير ذلك . وبالجملة : كلّ صرف يكون فيه غرض عقلائي ممّا لا يعدّ سرفاً وتبذيراً أيّ مقدار كان ، وإنّما الإشكال والخلاف في مثل الهبة والعتق والوقف والصدقة والإبراء والصلح بغير عوض ونحو ذلك من التصرّفات التبرّعية في ماله ممّا لا يقابل بالعوض ويكون فيه إضرار بالورثة ، وهي المعبّر عنها بالمنجّزات ، وأ نّها هل هي نافذة من الأصل - بمعنى نفوذها وصحّتها مطلقاً وإن زادت على ثلث ماله ، بل وإن تعلّقت بجميع ماله بحيث لم يبق شيء للورثة - أو هي نافذة بمقدار الثلث ، فإن زادت يتوقّف صحّتها ونفوذها في الزائد على إمضاء الورثة ؟ والأقوى هو الأوّل .

(مسألة 1) : لا إشكال ولا خلاف في أنّ الواجبات المالية التي يؤدّيها المريض في مرض موته - كالخمس والزكاة والكفّارات - تخرج من الأصل .

(مسألة 2) : البيع والإجارة المحاباتيان كالهبة بالنسبة إلى ما حاباه ، فيدخلان في المنجّزات التي هي محلّ الإشكال(1) والخلاف ، فإذا باع شيئاً يسوى مائة بخمسين فقد أعطى المشتري خمسين كما إذا وهبه .

(مسألة 3) : وإن كانت الصدقة من المنجّزات كما أشرنا إليه ، لكنّ الظاهر(2) أ نّه ليس منها ما يتصدّق المريض لأجل شفائه وعافيته ، بل هي ملحقة بالمعاوضات ، فكأنّ المريض يشتري به حياته وسلامته .

(مسألة 4) : لو قلنا بكون المنجّزات تنفذ من الثلث ، يشكل القول به في

ص: 112


1- - ومرّ ما هو الأقوى فيها .
2- - بل الظاهر أ نّه منها والتعليل عليل .

المرض الذي يطول سنة أو سنتين أو أزيد ، إلاّ فيما إذا وقع التصرّف في أواخره القريب من الموت ، بل ينبغي أن يقتصر على المرض المخوف الذي يكون معرضاً للخطر والهلاك ، فمثل حمّى يوم خفيف اتّفق الموت به على خلاف مجاري العادة يمكن القول بخروجه(1) . كما أ نّه ينبغي الاقتصار على ما إذا كان الموت بسبب ذلك المرض الذي وقع التصرّف فيه ، فإذا مات فيه لكن بسبب آخر - من قتل أو افتراس سبع أو لدغ حيّة ونحو ذلك - يكون خارجاً(2) .

(مسألة 5) : لا يبعد(3) أن يلحق بالمرض حال كونه معرض الخطر والهلاك ، كأن يكون في حال المراماة في الحرب ، أو في حال إشراف السفينة على الغرق ، أو كانت المرأة في حال الطلق .

(مسألة 6) : لو أقرّ بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو أجنبيّ ، فإن كان مأموناً غير متّهم نفذ إقراره في جميع ما أقرّ به وإن كان زائداً على ثلث ماله بل وإن استوعبه ، وإلاّ فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه . والمراد بكونه متّهماً وجود أمارات يظنّ معها بكذبه ، كأن يكون بينه وبين الورثة معاداة يظنّ معها بأ نّه يريد بذلك إضرارهم ، أو كان له محبّة شديدة مع المقرّ له يظنّ معها بأ نّه يريد بذلك نفعه .

(مسألة 7) : إذا لم يعلم حال المقرّ وأ نّه كان متّهماً أو مأموناً ، ففي الحكم

ص: 113


1- - محلّ تأمّل .
2- - إذا كان المرض مهلكاً لا يكون خارجاً ولو اتّفق الموت بسبب آخر على الأقرب ، والأمر سهل بعد ما كان النفوذ من الأصل .
3- - مشكل .

بنفوذ إقراره في الزائد على الثلث وعدمه إشكال ، فالأحوط(1) التصالح بين الورثة والمقرّ له .

(مسألة 8) : إنّما يحسب الثلث في مسألتي المنجّزات والإقرار بالنسبة إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال عيناً أو ديناً أو منفعة أو حقّاً مالياً يبذل بإزائه المال كحقّ التحجير ، وهل تحسب الدية من التركة وتضمّ إليها ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع أم لا ؟ وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان .

(مسألة 9) : ما ذكرنا من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصيّة وفي المنجّزات على القول به إنّما هو إذا لم يجز الورثة وإلاّ نفذتا بلا إشكال ، ولو أجاز بعضهم نفذ بمقدار حصّته ، ولو أجازوا بعضاً من الزائد عن الثلث نفذ بقدره .

(مسألة 10) : لا إشكال في صحّة إجازة الوارث بعد موت المورّث ، وهل تصحّ منه في حال حياته بحيث تلزم عليه ولا يجوز له الردّ بعد ذلك أم لا ؟ قولان ، أقواهما الأوّل خصوصاً في الوصيّة ، وإذا ردّ في حال الحياة يمكن أن يلحقه الإجازة بعد ذلك على الأقوى .

ص: 114


1- - وإن كان الأقوى عدم النفوذ .

كتاب الضمان

وهو التعهّد بمال ثابت في ذمّة شخص لآخر ، وحيث إنّه عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب صادر من الضامن وقبول من المضمون له ، ويكفي في الأوّل كلّ لفظ دالّ بالمتفاهم العرفي على التعهّد المزبور ولو بضميمة القرائن ، مثل أن يقول : «ضمنت لك» أو «تعهّدت لك الدين الذي لك على فلان» ونحو ذلك ، وفي الثاني كلّ ما دلّ على الرضا بذلك ، ولا يعتبر فيه رضا المضمون عنه .

(مسألة 1) : يشترط في كلّ من الضامن والمضمون له أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً مختاراً(1) ، ولا يشترط ذلك كلّه في المضمون عنه ، فلا يصحّ ضمان الصبيّ ولا الضمان له ، ولكن يصحّ الضمان عنه وهكذا .

(مسألة 2) : يشترط في صحّة الضمان اُمور :

منها : التنجيز(2) ، فلو علّق على أمر كأن يقول : أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي ، أو أنا ضامن إن لم يفِ المديون إلى زمان كذا ، أو إن لم يفِ أصلاً ، بطل .

ص: 115


1- - وكون المضمون له غير محجور عليه لفلس .
2- - على الأحوط .

ومنها : كون الدين الذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه ؛ سواء كان مستقرّاً كالقرض والثمن أو المثمن في البيع الذي لا خيار فيه ، أو متزلزلاً كأحد العوضين في البيع الخياري أو كالمهر قبل الدخول ونحو ذلك ، فلو قال : أقرض فلاناً أو بعه نسيئة وأنا ضامن ، لم يصحّ .

ومنها : تميّز الدين والمضمون له والمضمون عنه ؛ بمعنى عدم الإبهام والترديد ، فلا يصحّ ضمان أحد الدينين ولو لشخص معيّن على شخص معيّن ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معيّن ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو على واحد معيّن . نعم لو كان الدين معيّناً في الواقع ولم يعلم جنسه أو مقداره أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعيّناً في الواقع ولم يعلم شخصه صحّ على الأقوى ، خصوصاً في الأخيرين ، فلو قال: ضمنت ما لفلان على فلان ، ولم يعلم أ نّه درهم أو دينار أو أ نّه دينار أو ديناران صحّ على الأصحّ ، وكذا لو قال : ضمنت الدين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة ، ويعلم بأنّ واحداً منهم يطلبه ولم يعلم شخصه ثمّ قبل بعد ذلك الواحد المعيّن الذي يطلبه ، أو قال : ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء ، ولم يعلم شخصه ، صحّ الضمان على الأقوى .

(مسألة 3) : إذا تحقّق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن وبرئت ذمّته ، فإذا أبرأ المضمون له - وهو صاحب الدين - ذمّة الضامن برئت الذمّتان ؛ الضامن والمضمون عنه ، وإذا أبرأ ذمّة المضمون عنه كان لغواً ؛ لأ نّه لم تشتغل ذمّته بشيء حتّى يبرئها .

(مسألة 4) : الضمان لازم من طرف الضامن ، فليس له فسخه بعد وقوعه

ص: 116

مطلقاً ، وكذا من طرف المضمون له ، إلاّ إذا كان الضامن معسراً وكان المضمون له جاهلاً بإعساره ، فإنّه يجوز له فسخ الضمان والرجوع بحقّه على المضمون عنه . والمدار على الإعسار حال الضمان ، فلو كان موسراً في تلك الحال ثمّ أعسر لم يكن له الخيار ، كما أ نّه لو كان معسراً ثمّ أيسر لم يزل الخيار .

(مسألة 5) : يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن والمضمون له على الأقوى .

(مسألة 6) : يجوز ضمان الدين الحالّ حالاًّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان الدين المؤجّل مؤجّلاً وحالاًّ ، وكذا يجوز ضمان الدين المؤجّل مؤجّلاً بأزيد من أجله وبأنقص منه .

(مسألة 7) : إذا ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه ، وإن كان بإذنه فله الرجوع عليه لكن بعد أداء الدين لا بمجرّد الضمان . وإنّما يرجع عليه بمقدار ما أدّاه ، فلو صالح المضمون له مع الضامن الدين بنصفه أو ثلثه أو أبرأ ذمّته عن بعضه لم يرجع عليه بالمقدار الذي سقط عن ذمّته بالمصالحة أو الإبراء .

(مسألة 8) : إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه ، فإنّما يرجع عليه بالأداء فيما إذا حلّ أجل الدين الذي كان على المضمون عنه ، وإلاّ فليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول أجله ، فلو ضمن الدين المؤجّل حالاًّ أو الدين المؤجّل بأقلّ من أجله فأدّاه ، ليس له(1) الرجوع عليه إلاّ بعد حلول أجل الدين . وأمّا لو كان

ص: 117


1- - إلاّ إذا صرّح بضمانه حالاًّ أو بأقلّ من أجله ؛ فإنّ الأقرب الرجوع عليه حينئذٍ مع أدائه .

بالعكس ، بأن ضمن الدين الحالّ مؤجّلاً أو المؤجّل بأكثر من أجله فأدّاه ولو برضا المضمون له قبل حلول أجله ، جاز له الرجوع إليه بمجرّد الأداء . وكذا لو مات قبل انقضاء الأجل فحلّ الدين وأدّاه الورثة من تركته ، كان لهم الرجوع على المضمون عنه .

(مسألة 9) : لو ضمن بالإذن الدين المؤجّل مؤجّلاً ، فمات قبل انقضاء الأجلين وحلّ ما عليه ، فأخذ من تركته ، ليس لورثته الرجوع إلى المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل الدين الذي كان عليه . ولا يحلّ الدين بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن ، وإنّما يحلّ بالنسبة إليه .

(مسألة 10) : لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون إذن الضامن برئت ذمّته وليس له الرجوع عليه .

(مسألة 11) : يجوز الترامي في الضمان ؛ بأن يضمن - مثلاً - عمرو عن زيد ثمّ يضمن بكر عن عمرو ثمّ يضمن خالد عن بكر وهكذا ، فتبرأ ذمّة الجميع واستقرّ الدين على الضامن الأخير . فإن كانت جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه لم يرجع واحد منهم على سابقه لو أدّى الدين الضامن الأخير ، وإن كانت جميعها بالإذن يرجع الضامن الأخير على سابقه وهو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصلي . وإن كان بعضها بالإذن وبعضها بدونه فإن كان الأخير بدون الإذن كان كالأوّل - لم يرجع واحد منهم على سابقه - وإن كان بالإذن رجع هو على سابقه وهو على سابقه لو ضمن بإذنه ، وإلاّ لم يرجع وانقطع الرجوع عليه . وبالجملة : كلّ ضامن أدّى شيئاً وكان ضمانه بإذن من ضمن عنه يرجع عليه بما أدّاه .

ص: 118

(مسألة 12) : لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك ؛ بأن يكون على كلّ منهما بعض الدين فتشتغل ذمّة كلّ منهما بمقدار منه على حسب ما عيّناه ولو بالتفاوت . ولو أطلقا يقسّط عليهما بالتساوي ، فبالنصف لو كانا اثنين ، وبالثلث لو كانوا ثلاثة وهكذا ، ولكلّ منهما أداء ما عليه وتبرأ ذمّته ولا يتوقّف على أداء الآخر ما عليه . وللمضمون له مطالبة كلّ منهما بحصّته ومطالبة أحدهما أو إبرائه دون الآخر . ولو كان ضمان أحدهما بالإذن دون الآخر رجع هو إلى المضمون عنه بما أدّاه دون الآخر . والظاهر أ نّه لا فرق في جميع ما ذكر بين أن يكون ضمانهما بعقدين - بأن ضمن أحدهما عن نصف الدين ثمّ ضمن الآخر عن نصفه الآخر - أو بعقد واحد كما إذا ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له ، هذا كلّه في ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك .

وأمّا ضمانهما عنه بالاستقلال ؛ بأن كان كلّ منهما ضامناً لتمام الدين فهو وإن لم يخل عن إشكال لكن لا يبعد جوازه(1) ، وحينئذٍ فللمضمون له مطالبة من شاء منهما بكلّ الدين ، كما أنّ له مطالبة أحدهما ببعضه وبالباقي من الآخر ، ولو أبرأ أحدهما انحصر المديون بالآخر . ولو كان ضمان أحدهما بالإذن رجع المأذون إلى المضمون عنه دون غيره .

(مسألة 13) : ضمان اثنين عن واحد بالاستقلال لا يمكن إلاّ بإيقاع الضمانين دفعة ، كما إذا ضمن عنهما كذلك وكيلهما بإيجاب واحد ، ثمّ قبل المضمون له ذلك أو بتعاقب الإيجابين منهما ، ثمّ قبول واحد من المضمون له متعلّق بكليهما ؛

ص: 119


1- - لا إشكال في عدم وقوعه لكلّ منهما مستقلاًّ على ما يقتضي مذهبنا في الضمان ، فهل يقع باطلاً أو يقسّط عليهما بالاشتراك ؟ وجهان ، أقربهما الأوّل .

بأن قال أحدهما مثلاً : ضمنت لك ما لكَ على فلان ، ثمّ قال الآخر مثل ذلك ، فقال المضمون له : قبلت ، قاصداً قبول كلا الضمانين . وأمّا لو تمّ عقد الضمان على تمام الدين فلا يمكن أن يتعقّبه ضمان آخر ؛ إذ بمجرّد وقوع الضمان الأوّل برئت ذمّة المضمون عنه فلا يبقى محلّ لضمان آخر .

(مسألة 14) : يجوز الضمان بغير جنس الدين ، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه إلاّ بجنس الدين .

(مسألة 15) : كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم ، يجوز الضمان عن المنافع والأعمال المستقرّة في الذمم ، فكما أ نّه يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاُجرة ، كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل . نعم لو كان ما عليه يعتبر فيه مباشرته - كما إذا كان عليه خياطة ثوب مباشرة - لم يصحّ ضمانه .

(مسألة 16) : لو ادّعى شخص على شخص ديناً ، فقال ثالث للمدّعي : عليّ ما عليه ، فرضي به المدّعي صحّ الضمان ؛ بمعنى ثبوت الدين في ذمّته على تقدير ثبوته ، فيسقط الدعوى عن المضمون عنه ويصير الضامن طرف الدعوى ، فإذا أقام المدّعي البيّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه ، وكذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدين . وأمّا إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شيء لا على المقرّ لبراءة ذمّته بالضمان حسب الفرض ولا على الضامن لكونه إقراراً على الغير .

(مسألة 17) : الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي في يده .

ص: 120

(مسألة 18) : لا إشكال(1) في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع لو ظهر المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته ، إذا كان ذلك بعد قبض البائع الثمن . وأمّا ضمان درك ما يحدثه المشتري - من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إذا ظهرت مستحقّة للغير وقلعه المالك المشتري - عن البائع ففيه إشكال(2) .

(مسألة 19) : إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن ينفكّ بالضمان على إشكال(3) ، نعم لو شرط الضامن مع المضمون له انفكاكه ، انفكّ بلا إشكال .

(مسألة 20) : لو كان على أحد دين ، فالتمس من غيره أداءه فأدّاه بلا ضمان عنه للدائن ، جاز له الرجوع على الملتمس .

ص: 121


1- - مع بقاء الثمن في يد البائع محلّ تردّد ، نعم لا إشكال فيه مع تلفه .
2- - الأقوى عدم جوازه .
3- - بل بلا إشكال .

كتاب الحوالة والكفالة

اشارة

أمّا الحوالة : فحقيقتها تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره ، وهي متقوّمة بأشخاص ثلاثة : المحيل وهو المديون ، والمحتال وهو الدائن ، والمحال عليه . ويعتبر في الثلاثة : البلوغ والعقل والرشد والاختيار(1) ، وحيث إنّها عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب من المحيل وقبول من المحتال ، وأمّا المحال عليه فليس طرفاً للعقد وإن قلنا باعتبار قبوله . ويعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود ، ومنها التنجيز(2) فلو علّقها على شيء بطل . ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يدلّ على التحويل المزبور مثل : «أحلتك بما في ذمّتي من الدين على فلان» وما يفيد معناه ، وفي القبول ما يدلّ على الرضا نحو «قبلت» و«رضيت» ونحوهما .

(مسألة 1) : يشترط في صحّة الحوالة - مضافاً إلى ما اعتبر في المحيل والمحتال والمحال عليه وما اعتبر في العقد - اُمور :

منها : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ، فلا تصحّ في غير الثابت في ذمّته وإن وجد سببه ، كمال الجعالة قبل العمل ، فضلاً عمّا لم يوجد سببه كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد .

ص: 122


1- - وفي المحتال : عدم الحجر للفلس ، وكذا في المحيل إلاّ على البريء .
2- - على الأحوط .

ومنها : تعيين المال المحال به ؛ بمعنى عدم الإبهام والترديد ، وأمّا معلومية مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها ، فلو كان مجهولاً عندهما لكن كان معلوماً ومعيّناً في الواقع لا بأس به ، خصوصاً مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة بعد ذلك ، كما إذا كان عليه دين لأحد قد أثبته في دفتره ولم يعلما مقداره فحوّله على شخص آخر قبل مراجعتهما إلى الدفتر .

ومنها : رضا المحال عليه وقبوله ؛ وإن اشتغلت ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه على الأقوى(1) .

(مسألة 2) : لا يعتبر في صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه بالدين للمحيل ، فتصحّ الحوالة على البريء على الأقوى .

(مسألة 3) : لا فرق في المحال به بين كونه عيناً ثابتاً في ذمّة المحيل ، وبين كونه منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة ، فتصحّ إحالة مشغول الذمّة بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حجّ أو قراءة قرآن ونحو ذلك ؛ على بريء أو على من اشتغلت ذمّته له بمثل ذلك . وكذا لا فرق بين كونه مثلياً كالحنطة والشعير أو قيمياً كالعبد والثوب بعد ما كان موصوفاً بما يرفع الجهالة ، فإذا اشتغلت ذمّته بشاة موصوفة - مثلاً - بسبب كالسلم جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئاً .

(مسألة 4) : لا إشكال في صحّة الحوالة مع اتّحاد الدين المحال به مع الدين الذي على المحال عليه جنساً ونوعاً ، كما إذا كان عليه لرجل دراهم وله على

ص: 123


1- - بل على الأحوط في هذه الصورة ، وعلى الأقوى في الحوالة على البريء ، أو بغير جنس ما على المحال عليه .

آخر دراهم ، فيحيل الأوّل على الثاني . وأمّا مع الاختلاف ؛ بأن كان عليه - مثلاً - دراهم وله على آخر دنانير فيحيل الأوّل على الثاني ، فهو يقع على أنحاء : فتارة : يحيل الأوّل بدراهمه على الثاني بالدنانير ؛ بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم ، دنانير ، واُخرى : يحيله عليه بالدراهم ؛ بأن يأخذ منه الدراهم ويعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم ، وثالثة : يحيله عليه بالدراهم ؛ بأن يأخذ منه دراهمه وتبقى الدنانير على حالها . لا إشكال في صحّة النحو الأوّل وكذا الثالث ويكون هو كالحوالة على البريء ، وأمّا الثاني ففيه إشكال(1) ، فالأحوط - فيما إذا أراد ذلك - أن يقلب الدنانير التي على المحال عليه دراهم بناقل شرعي أوّلاً ثمّ يحال عليه الدراهم .

(مسألة 5) : إذا تحقّقت الحوالة جامعة للشرائط برئت ذمّة المحيل عن الدين وإن لم يبرئه المحتال واشتغلت ذمّة المحال عليه للمحتال بما اُحيل عليه . هذا حال المحيل مع المحتال والمحتال مع المحال عليه ، وأمّا حال المحال عليه مع المحيل ، فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمّته ممّا له عليه ، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأوّل من الأنحاء الثلاثة المتقدّمة ، وإن وقعت على النحو الثاني فقد عرفت أنّ فيه إشكالاً ، وعلى فرض صحّته كان كالأوّل في براءة ذمّة المحال عليه عمّا عليه ، وأمّا إن وقعت على النحو الأخير أو كانت الحوالة على البريء اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه ، وإن كان له عليه دين يبقى على حاله فيتحاسبان بعد ذلك .

(مسألة 6) : لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كان على غنيّ غير

ص: 124


1- - وإن كان الأقوى صحّته مع التراضي .

مماطلٍ ، ولو قبلها لزم وإن كانت على فقير معدم . نعم لو كان جاهلاً بحاله ثمّ بان إعساره وفقره وقت الحوالة كان له الفسخ والعود على المحيل . وليس له الفسخ بسبب الفقر الطارئ ، كما أ نّه لا يزول الخيار لو تبدّل فقره باليسار .

(مسألة 7) : الحوالة لازمة بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة ، إلاّ على المحتال مع إعسار المحال عليه وجهله بالحال ، كما أشرنا إليه . والمراد بالإعسار : أن لا يكون عنده ما يوفي به الدين زائداً على مستثنيات الدين . ويجوز اشتراط خيار فسخ الحوالة لكلّ من الثلاثة .

(مسألة 8) : يجوز الترامي في الحوالة بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، كما لو أحال المديون زيداً على عمروٍ ، ثمّ أحال عمرو زيداً على بكرٍ ، ثمّ أحال بكر زيداً على خالدٍ وهكذا ، أو بتعدّد المحتال مع اتّحاد المحال عليه ، كما لو أحال المحتال من له دين عليه على المحال عليه ثمّ أحال المحتال من له عليه دين على ذاك المحال عليه وهكذا .

(مسألة 9) : إذا قضى المحيل الدين بعد الحوالة برئت ذمّة المحال عليه ، فإن كان ذلك بمسألته رجع المحيل عليه ، وإن تبرّع لم يرجع عليه .

(مسألة 10) : إذا أحال على بريء وقبل المحال عليه ، فهل له الرجوع على المحيل بمجرّد القبول أو ليس له الرجوع عليه إلاّ بعد أداء الدين للمحتال ؟ فيه تأمّل(1) وإشكال .

(مسألة 11) : إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري ، أو أحال

ص: 125


1- - والأقرب أ نّه ليس له الرجوع .

المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ثمّ تبيّن بطلان البيع بطلت الحوالة ، بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة ، فإنّه تبقى الحوالة ولم تتبع البيع في الانفساخ .

(مسألة 12) : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه وقبل المحتال وجب عليه دفعه إليه ، وإن لم يدفع فله الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمّته .

القول : في الكفالة

وحقيقتها : التعهّد والالتزام لشخص بإحضار نفس له حقّ عليها ؛ وهي عقد واقع بين الكفيل والمكفول له وهو صاحب الحقّ ، والإيجاب من الأوّل والقبول من الثاني . ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ دالّ على الالتزام المزبور كأن يقول : «كفلت لك بدن فلان» أو «نفسه» أو «أنا كفيل لك بإحضاره» ونحو ذلك ، وفي القبول كلّ ما يدلّ على الرضا بذلك .

(مسألة 1) : يعتبر في الكفيل: البلوغ والعقل والاختيار والتمكّن من الإحضار ، ولا يشترط في المكفول له البلوغ والعقل ، فيصحّ الكفالة للصبيّ والمجنون إذا قبلها الوليّ .

(مسألة 2) : لا إشكال في اعتبار رضا الكفيل والمكفول له ، وأمّا المكفول ففي اعتبار رضاه تأمّل وإشكال ، والأحوط(1) اعتباره ، بل الأحوط كونه

ص: 126


1- - لكن الأقوى عدم اعتباره وعدم كونه طرفاً للعقد ، نعم مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائداً على المجرّدة منه .

طرفاً للعقد ؛ بأن يكون عقدها مركّباً من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول .

(مسألة 3) : كلّ من عليه حقّ مالي صحّت الكفالة ببدنه ، ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال . نعم يشترط أن يكون ذلك المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه ، فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه - وإن وجد سببه كمن جعل الجعالة قبل أن يعمل العامل - لم يصحّ . وكذا تصحّ كفالة كلّ من يستحقّ عليه الحضور إلى مجلس الشرع ؛ بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البيّنة عليه بالحقّ . ولا تصحّ كفالة من عليه عقوبة(1) من حدّ أو تعزير .

(مسألة 4) : يصحّ إيقاع الكفالة حالّة(2) ومؤجّلة ، ومع الإطلاق تكون معجّلة(3) . ولو كانت مؤجّلة يلزم تعيين الأجل على وجه لا يختلف زيادة ونقصاً .

(مسألة 5) : عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلاّ بالإقالة ، ويجوز جعل الخيار فيه لكلّ من الكفيل والمكفول له مدّة معيّنة .

(مسألة 6) : إذا تحقّقت الكفالة جامعة للشرائط ، جازت مطالبة المكفول له الكفيل بالمكفول عاجلاً إذا كانت الكفالة مطلقة أو معجّلة . وبعد الأجل إن كانت مؤجّلة ، فإن كان المكفول حاضراً وجب على الكفيل إحضاره ، فإن أحضره وسلّمه تسليماً تامّاً بحيث يتمكّن المكفول له منه فقد برئ ممّا عليه ، وإن امتنع

ص: 127


1- - من حقوق اللّه - كالمثالين - لا من حقوق الخلق كعقوبة القصاص .
2- - إذا كان الحقّ ثابتاً على المكفول كذلك .
3- - مع ثبوت الحقّ كذلك كما مرّ .

عن ذلك كان له حبسه(1) عند الحاكم حتّى يحضره أو يؤدّي(2) ما عليه ، وإن كان غائباً فإن كان موضعه معلوماً يمكن للكفيل ردّه منه اُمهل بقدر ذهابه ومجيئه ، فإذا مضى قدر ذلك ولم يأت به من غير عذر حبس كما مرّ ، وإن كان غائباً غيبة منقطعة لا يعرف موضعه وانقطع خبره لم يكلّف(3) الكفيل إحضاره ، وهل يلزم بأداء ما عليه ؟ الأقرب ذلك ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط من الكفيل ؛ بأن طالبه المكفول له وكان متمكّناً منه فلم يحضره حتّى هرب . نعم لو كان بحيث لا يرجى الظفر به بحسب العادة يشكل(4) صحّة الكفالة من أصلها .

(مسألة 7) : إذا لم يحضر الكفيل المكفول فاُخذ منه المال ، فإن لم يأذن له المكفول لا في الكفالة ولا في الأداء ليس له الرجوع عليه بما أدّاه ، وإذا أذن له في الأداء كان له أن يرجع به عليه ؛ سواء أذن له في الكفالة - أيضاً - أم لا . وأمّا إذا أذن له في الكفالة دون الأداء فهل يرجع عليه أم لا ؟ لا يبعد أن يفصّل بين ما إذا أمكن له مراجعته وإحضاره للمكفول له فالثاني ، وبين ما إذا تعذّر له ذلك فالأوّل .

ص: 128


1- - بل للحاكم حبسه بعد الرفع إليه .
2- - في مثل الدين ، وأمّا في غيره كحقّ القصاص والكفالة عن الزوجة فيلزم بالإحضار ويحبس حتّى يحضره .
3- - مع رجاء الظفر به مع الفحص لا يبعد أن يكلّف بإحضاره وحبسه لذلك ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه . وأمّا إلزامه بأداء الدين فمع رجاء الظفر به محلّ تأمّل ، نعم لو أدّى تخلّصاً من الحبس يطلق منه .
4- - إذا تكفّل ابتداءً ، وأمّا عروض البطلان بعروض عدم الرجاء بالظفر فمحلّ إشكال بل منع ، خصوصاً إذا كان بتفريط من الكفيل فلا يبعد إلزامه بالأداء ، أو حبسه حتّى يتخلّص بالأداء خصوصاً في هذه الصورة .

(مسألة 8) : إذا عيّن الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعيّن ، فلا يجب عليه تسليمه في غيره ، ولو طلب ذلك المكفول له لم تجب إجابته . كما أ نّه لو سلّمه في غير ما عيّن لم يجب على المكفول له تسلّمه . ولو أطلق ولم يعيّن مكان التسليم ، فإن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد قراره انصرف إليه ، وإن أوقعاه في برّية أو بلد غربة لم يكن من قصده القرار والاستقرار فيه ، فإن كانت قرينة على التعيين فهو بمنزلته ، وإلاّ بطلت(1) الكفالة من أصلها .

(مسألة 9) : يجب على الكفيل التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة لإحضار المكفول ، حتّى أ نّه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر - لم يكن فيها مفسدة أو مضرّة دينية أو دنيوية - لم يبعد وجوبها . ولو كان غائباً واحتاج حمله إلى مؤونة فعلى المكفول(2) نفسه . ولو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرّع ، له أن يرجع بها عليه ، على إشكال في بعضها .

(مسألة 10) : تبرأ ذمّة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره وتسليم(3) نفسه تسليماً تامّاً ، وكذا تبرأ ذمّته لو أخذ المكفول له المكفول طوعاً أو كرهاً بحيث تمكّن من استيفاء حقّه أو إحضاره مجلس الحكم ، أو إبراء المكفول عن الحقّ الذي عليه أو الكفيل من الكفالة .

(مسألة 11) : إذا مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة ، بخلاف ما لو مات

ص: 129


1- - في إطلاقه إشكال .
2- - لو كانت الكفالة بإذنه ، وكذا لو صرف لا بعنوان التبرّع ، فإنّ الرجوع إليه إنّما هو فيما إذا أذنه فيها .
3- - إذا كان التسليم عن الكفيل ، وإلاّ فمحلّ إشكال بل منع ، وكذا لو أخذه المكفول له ، فإنّ براءة الكفيل بمجرّده محلّ إشكال بل منع .

المكفول له ، فإنّه تكون الكفالة باقية وينتقل حقّ المكفول له منها إلى ورثته .

(مسألة 12) : لو نقل المكفول له الحقّ الذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة .

(مسألة 13) : من خلّى غريماً من يد صاحبه قهراً وإجباراً ، ضمن إحضاره أو أداء(1) ما عليه ، ولو خلّى قاتلاً من يد وليّ الدم لزمه إحضاره أو إعطاء(2) الدية وإن كان القتل عمداً .

(مسألة 14) : يجوز ترامي الكفالات ؛ بأن يكفل الكفيل كفيل آخر ، ثمّ يكفل كفيل الكفيل كفيل آخر وهكذا ، وحيث إنّ الكلّ فروع الكفالة الاُولى وكلّ لاحق فرع سابقه فلو أبرأ المستحقّ الكفيل الأوّل أو أحضر الأوّل المكفول الأوّل أو مات أحدهما برئوا أجمع . ولو أبرأ المستحقّ بعض من توسّط برئ هو ومن بعده دون من قبله ، وكذا لو مات برئ من كان فرعاً له .

(مسألة 15) : يكره التعرّض للكفالات ، وقد قال مولانا الصادق علیه السلام في خبر لبعض أصحابه : «مالك والكفالات ؟! أما علمت أ نّها أهلكت القرون الاُولى» ، وعنه علیه السلام : «الكفالة : خسارة غرامة ندامة» .

ص: 130


1- - بل ضمن إحضاره ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه . هذا في مثل الدين ، وأمّا في مثل حقّ القصاص فضمن إحضاره ، ومع تعذّره فمحلّ إشكال .
2- - بل ضمن إحضاره ومع تعذّره بموت ونحوه تؤخذ منه الدية . هذا في القتل العمدي ، وأمّا ما يوجب الدية فلا يبعد جريان حكم الدين عليه ؛ من ضمان إحضاره ، ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه .

كتاب الوكالة

وهي تولية الغير في إمضاء أمر(1) ، أو استنابته في التصرّف فيما كان له ذلك ، وحيث إنّها من العقود تحتاج إلى إيجاب وقبول ، ويكفي في الإيجاب كلّ ما دلّ على التولية والاستنابة المزبورتين كقوله : «وكّلتك» أو «أنت وكيلي في كذا» أو «فوّضته إليك» أو «استنبتك فيه» ونحوها ، بل الظاهر كفاية قوله : «بع داري» مثلاً قاصداً به الاستنابة في بيعها ، وفي القبول كلّ ما دلّ على الرضا ، بل الظاهر أ نّه يكفي فيه فعل ما وكّل فيه كما إذا وكّله في بيع شيء فباعه أو شراء شيء فاشتراه له ، بل يقوى وقوعها بالمعاطاة ؛ بأن سلّم إليه متاعاً ليبيعه فتسلّمه لذلك ، بل لا يبعد تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل والرضا بما فيها من طرف الوكيل وإن تأخّر وصولها إليه مدّة ، فلا يعتبر فيها الموالاة بين إيجابها وقبولها . وبالجملة :

يتّسع الأمر فيها بما لا يتّسع في غيرها من العقود ، حتّى أ نّه لو قال الوكيل : «أنا وكيلك في بيع دارك ؟» مستفهماً ، فقال : «نعم» ، صحّ وتمّ وإن لم نكتف بمثله في سائر العقود .

ص: 131


1- - في حال حياته ، فتمتاز عن الوصاية .

(مسألة 1) : يشترط فيها التنجيز(1) ؛ بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة بشيء ، كأن يقول مثلاً : «إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر وكّلتك - أو أنت وكيلي - في أمر كذا» . نعم لا بأس بتعليق متعلّق الوكالة والتصرّف الذي استنابه فيه ، كما لو قال : «أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد» أو «وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا» .

(مسألة 2) : يشترط في كلّ من الموكّل والوكيل البلوغ(2) والعقل والقصد والاختيار ، فلا يصحّ التوكيل ولا التوكّل من الصبيّ والمجنون والمكره . وفي الموكّل كونه جائز التصرّف(3) فيما وكّل فيه، فلا يصحّ توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما فيه دون ما لم يحجر عليهما فيه كالطلاق ونحوهما . وفي الوكيل كونه متمكّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما توكّل فيه ، فلا تصحّ وكالة المحرم فيما لا يجوز له ، كابتياع الصيد وإمساكه ، وإيقاع عقد النكاح .

(مسألة 3) : لا يشترط في الوكيل الإسلام ، فتصحّ وكالة الكافر بل والمرتدّ وإن كان عن فطرة عن المسلم والكافر إلاّ فيما لا يصحّ وقوعه من الكافر ، كابتياع مصحف أو مسلم لكافر أو مسلم - على إشكال(4) فيما إذا

ص: 132


1- - على الأحوط .
2- - إلاّ في الوكيل في مجرّد إجراء العقد على الأقرب ، فيصحّ توكيله فيه إذا كان مميّزاً مراعياً للشرائط .
3- - وأن يكون إيقاعه جائزاً له ولو بالتسبيب ، فلا يصحّ أن يوكّل المحرم في عقد النكاح ولا ابتياع الصيد .
4- - بل الظاهر صحّتها فيما إذا كان لمسلم ، خصوصاً إذا لم يقعا تحت يده وتسلّمهما المسلم فلا ينبغي الإشكال حينئذٍ في جوازه .

كان لمسلم - وكاستيفاء حقّ أو مخاصمة مع مسلم ، على تردّد(1) خصوصاً إذا كان لمسلم .

(مسألة 4) : تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممّن لا حجر عليه ؛ لاختصاص ممنوعيتها بالتصرّف في أموالهما .

(مسألة 5) : لو جوّزنا للصبيّ بعض التصرّفات في ماله كالوصيّة بالمعروف لمن بلغ عشر سنين - كما يأتي - جاز له التوكيل فيما جاز له .

(مسألة 6) : ما كان شرطاً في الموكّل والوكيل ابتداءً شرط فيهما استدامة ، فلو جنّا أو اُغمي عليهما أو حجر على الموكّل بالنسبة إلى ما وكّل فيه بطلت(2) الوكالة ، ولو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد .

(مسألة 7) : يشترط فيما وكّل فيه أن يكون سائغاً في نفسه ، وأن يكون للموكّل السلطنة شرعاً على إيقاعه ، فلا توكيل في المعاصي كالغصب والسرقة والقمار ونحوها ، ولا فيما ليس له السلطنة على إيقاعه كبيع مال الغير من دون ولاية له عليه . ولا تعتبر القدرة عليه خارجاً مع كونه ممّا يصحّ وقوعه منه شرعاً ، فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكّل في أخذه منه من يقدر عليه .

(مسألة 8) : إذا لم يتمكّن شرعاً أو عقلاً من إيقاع أمر إلاّ بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل - كتطليق امرأة لم تكن في حبالته وتزويج من كانت

ص: 133


1- - التردّد في غير محلّه .
2- - على الأحوط .

مزوّجة أو معتدّة وإعتاق عبد غير مملوك له ونحو ذلك - لا إشكال(1) في جواز التوكيل فيه تبعاً لما تمكّن منه ؛ بأن يوكّله في إيقاع المرتّب عليه ، ثمّ إيقاع ما رتّب عليه ؛ بأن يوكّله - مثلاً - في تزويج امرأة له ثمّ طلاقها ، أو شراء عبد له ثمّ إعتاقه ، أو شراء مال ثمّ بيعه ونحو ذلك . وأمّا التوكيل فيه استقلالاً من دون التوكيل في المرتّب عليه ففيه إشكال ، بل الظاهر عدم الصحّة ، من غير فرق بين ما كان المرتّب عليه غير قابل للتوكيل كانقضاء العدّة وبين غيره ، فلا يجوز أن يوكّل في تزويج المعتدّة بعد انقضاء العدّة والمزوّجة بعد طلاق زوجها أو بعد موته ، وكذا في طلاق زوجة سينكحها أو إعتاق عبد سيملكه أو بيع متاع سيشتريه ونحو ذلك .

(مسألة 9) : يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلاً للنيابة ؛ بأن لم يعتبر في مشروعية وقوعه عن الإنسان إيقاعه بالمباشرة ، كالعبادات البدنية من الطهارات الثلاث والصلاة(2) والصيام - فرضها ونفلها - دون المالية منها ، كالزكاة والخمس والكفّارات ، فإنّه لا يعتبر فيها المباشرة فيصحّ التوكيل والنيابة فيها ؛ إخراجاً وإيصالاً إلى مستحقّيها .

(مسألة 10) : يصحّ التوكيل في جميع العقود ، كالبيع والصلح والإجارة والهبة والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن والشركة

ص: 134


1- - كما أنّ الظاهر جوازه إذا وقعت الوكالة على كلّي يكون هو من مصاديقه ، كما لو وكّله على جميع اُموره ، فيكون وكيلاً في المتجدّد في ملكه بهبة أو إرث ؛ بيعاً ورهناً وغيرهما.
2- - إلاّ في ركعتي الطواف تبعاً للحجّ للعاجز ، ومستقلاًّ في بعض الفروض على إشكال ، وتدخل النيابة أيضاً في غسل الأعضاء ومسحها عن العاجز .

والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح ؛ إيجاباً وقبولاً في الجميع ، وكذا في الوصيّة والوقف وفي الطلاق والإعتاق والإبراء والأخذ بالشفعة وإسقاطها ، وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه . نعم الظاهر أ نّه لا يصحّ التوكيل في الرجوع(1) إلى المطلّقة في الطلاق الرجعي ، كما أ نّه لا يصحّ في اليمين والنذر والعهد واللعان والإيلاء والظهار وفي الشهادة والإقرار ، على إشكال في الأخير .

(مسألة 11) : يصحّ التوكيل في القبض والإقباض في موارد لزومهما ، كما في الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين والسلم بالنسبة إلى الثمن وفي إيفاء الديون واستيفائها وغيرها .

(مسألة 12) : يجوز التوكيل في الطلاق - غائباً كان الزوج أم حاضراً - بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها ، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها .

(مسألة 13) : يجوز الوكالة والنيابة في حيازة المباح ، كالاستقاء والاحتطاب والاحتشاش وغيرها ، فإذا وكّل واستناب شخصاً في حيازتها وقد حازها بعنوان النيابة عنه كانت بمنزلة حيازة المنوب عنه وصار ما حازه ملكاً له .

(مسألة 14) : يشترط في الموكّل فيه التعيين ؛ بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً ، فلو قال : وكّلتك ، من غير تعيين ، أو على أمر من الاُمور ، أو على شيء ممّا يتعلّق بي ونحو ذلك ، لم يصحّ . نعم لا بأس بالتعميم أو الإطلاق كما نفصّله .

ص: 135


1- - بل الظاهر صحّتها على وجه لا يكون صرف التوكيل تمسّكاً بالزوجية حتّى يكون رجعة وارتفع بها متعلّق الوكالة ، كما أ نّه لا تبعد صحّتها في النذر والعهد والظهار .

(مسألة 15) : الوكالة : إمّا خاصّة وإمّا عامّة وإمّا مطلقة : فالاُولى : ما تعلّقت بتصرّف معيّن في شخص معيّن ، كما إذا وكّله في شراء عبد شخصي معيّن ، وهذا ممّا لا إشكال في صحّته . وأمّا الثانية : فإمّا عامّة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة متعلّقه ، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في داره المعيّنة من بيعها وهبتها وإجارتها وغيرها ، وإمّا بالعكس ، كما إذا وكّله في بيع جميع ما يملكه ، وإمّا عامّة من كلتا الجهتين ، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في جميع ما يملكه ، أو في إيقاع جميع ما كان له فيما يتعلّق به ؛ بحيث يشمل التزويج له وطلاق زوجته . وكذا الثالثة : قد تكون مطلقة من جهة التصرّف خاصّة من جهة متعلّقه ، كما إذا وكّله في أ نّه إمّا يبيع داره المعيّنة بيعاً لازماً أو خيارياً(1) أو يرهنها أو يؤجرها ، وأوكل التعيين إلى نظره ، وقد تكون بالعكس ، كما إذا احتاج إلى بيع أحد أملاكه من داره أو عقاره أو دوابّه أو غيرها ، فوكّل شخصاً في أن يبيع أحدها وفوّض الأمر في تعيينه بنظره ومصلحته ، وقد تكون مطلقة من كلتا الجهتين ، كما إذا وكّله في إيقاع أحد العقود المعاوضية من البيع أو الصلح أو الإجارة - مثلاً - على أحد أملاكه ؛ من داره أو دكّانه أو خانه - مثلاً - وأوكل التعيين من الجهتين إلى نظره . والظاهر صحّة الجميع وإن كان بعضها لا يخلو من مناقشة ، لكنّها مندفعة .

(مسألة 16) : قد مرّ أ نّه يعتبر في الموكّل فيه التعيين ولو بالإطلاق أو

ص: 136


1- - ليست الأمثلة المذكورة للمطلقة منها ، بل هي وكالة مخيّرة كالواجب التخييري ، والوكالة المطلقة كالتوكيل في بيع داره في مقابل المقيّدة بثمن معيّن أو شخص معيّن ، والأمر سهل بعد صحّة جميعها على الأقوى .

التعميم ، فإنّهما أيضاً نحو من التعيين ، ويقتصر الوكيل في التصرّف على ما شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً ولو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية ؛ ولو كانت هي العادة الجارية على أنّ من يوكّل في أمر كذا يريد ما يشمل كذا ، كما إذا وكّله في البيع بالنسبة إلى تسليم المبيع أو في الشراء بالنسبة إلى تسليم الثمن دون قبض الثمن والمثمن ، إلاّ إذا شهدت قرائن الأحوال بأ نّه قد وكّله في البيع أو الشراء بجميع ما يترتّب عليهما .

(مسألة 17) : لو خالف الوكيل عمّا عيّن له وأتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة ، فإن كان ممّا يجري فيه الفضولية كالعقود ، توقّفت صحّته على إجازة الموكّل وإلاّ بطل ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التخالف بالمباينة ، كما إذا وكّله في بيع داره فآجرها ، أو ببعض الخصوصيات ، كما إذا وكّله في أن يبيع نقداً فباع نسيئة أو بالعكس ، أو يبيع بخيار فباع بدونه أو بالعكس ، أو يبيعه من فلان فباعه من غيره وهكذا . نعم لو علم شمول التوكيل لفاقد الخصوصية أيضاً صحّ(1) ، كما إذا وكّله في أن يبيع السلعة بدينار فباعها بدينارين ؛ حيث إنّ الظاهر عرفاً بل المعلوم من حال الموكّل أنّ تحديد الثمن بدينار إنّما هو من طرف النقيصة فقط لا من طرف النقيصة والزيادة معاً ، فكأ نّه قال : إنّ ثمنها لا ينقص عن دينار . نعم لو فرض وجود غرض صحيح في التحديد به زيادة ونقيصة كان بيعها بالزيادة كبيعها بالنقيصة فضولياً يحتاج إلى الإجازة . ومن هذا القبيل ما إذا وكّله في أن يبيعها في سوق مخصوصة بثمن معيّن فباعها في غيرها بذلك الثمن ،

ص: 137


1- - في الظاهر ، كما أ نّه في الفرض اللاحق فضولي في الظاهر ، وأمّا الصحّة والفضولية الواقعيتان فتابعتان للواقع ، فربّما يكون غرض صحيح في التحديد ولم يحدّدها ، وربّما يكون الظاهر متخلّفاً عن الواقع .

فربّما يفهم عرفاً أ نّه ليس الغرض إلاّ تحصيل الثمن فيكون ذكر السوق المخصوص من باب المثال . ولو فرض احتمال وجود غرض عقلائي في تعيينها - احتمالاً معتدّاً به - لم يجز التعدّي عنه .

(مسألة 18) : يجوز للوليّ - كالأب والجدّ للصغير - أن يوكّل غيره فيما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية فيه .

(مسألة 19) : لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما توكّل فيه - لا عن نفسه ولا عن الموكّل - إلاّ بإذن الموكّل ، ويجوز بإذنه بكلا النحوين . فإن عيّن الموكّل في إذنه أحدهما بأن قال مثلاً : وكّل غيرك عنّي أو عنك ، فهو المتّبع ولا يجوز له التعدّي عمّا عيّنه . ولو أطلق فإن وكّله في أن يوكّل ، كما إذا قال مثلاً : وكّلتك في أن توكّل غيرك ، فهو إذن في توكيل الغير عن الموكّل ، وإن كان مجرّد الإذن فيه ، كما إذا قال : وكّل غيرك ، فهو إذن(1) في توكيله عن نفسه على تأمّل .

(مسألة 20) : لو كان الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكّل ، كان في عرض الوكيل الأوّل ، فليس له أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله ، بل لو مات الأوّل يبقى الثاني على وكالته ، وأمّا لو كان وكيلاً عن الوكيل كان له أن يعزله وكانت وكالته تبعاً لوكالته ، فينعزل بانعزاله ، أو موته ، وهل للموكّل أن يعزله حينئذٍ من دون أن يعزل الوكيل الأوّل ؟ لا يبعد أن يكون له ذلك .

(مسألة 21) : يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد ، فإن

ص: 138


1- - ممنوع .

صرّح(1) الموكّل بانفرادهما جاز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر ، وإلاّ لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه ؛ سواء صرّح بالانضمام والاجتماع أو أطلق ؛ بأن قال مثلاً : وكّلتكما ، أو أنتما وكيلاي ونحو ذلك . ولو مات أحدهما بطلت الوكالة رأساً مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته ، وبقي وكالة الباقي فيما لو صرّح بالانفراد .

(مسألة 22) : الوكالة عقد جائز من الطرفين ، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته ، وكذا للموكّل أن يعزله ، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه ، فلو أنشأ عزله ولكن لم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل ، فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه العزل ولو بإخبار ثقة كان ماضياً نافذاً .

(مسألة 23) : تبطل الوكالة بموت الوكيل ، وكذا بموت الموكّل وإن لم يعلم الوكيل بموته ، وبعروض الجنون(2) والإغماء على كلّ منهما ، وبتلف ما تعلّقت به الوكالة ، وبفعل الموكّل ما تعلّقت به الوكالة ، كما لو وكّله في بيع سلعة ثمّ باعها ، أو فعل ما ينافيه كما لو وكّله في بيع عبد ثمّ أعتقه .

(مسألة 24) : يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة ، فيجوز لكلّ من المدّعي والمدّعى عليه أن يوكّل شخصاً عن نفسه ، بل يكره لذوي المروءات - من أهل الشرف والمناصب الجليلة - أن يتولّوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم ، خصوصاً إذا كان الطرف بذيء اللسان . ولا يعتبر رضا صاحبه فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل .

ص: 139


1- - أو كان لكلامه ظاهر متّبع .
2- - على الأقوى في الإطباقي ، وعلى الأحوط في غيره وفي الإغماء .

(مسألة 25) : الوكيل بالخصومة إن كان وكيلاً عن المدّعي كان وظيفته بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم وإقامة البيّنة وتعديلها وتحليف المنكر وطلب الحكم على الخصم والقضاء عليه ، وبالجملة : كلّ ما يقع وسيلة إلى الإثبات . وأمّا الوكيل عن المدّعى عليه فوظيفته الإنكار والطعن على الشهود وإقامة بيّنة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها ، وبالجملة : عليه السعي في الدفع ما أمكن .

(مسألة 26) : لو ادّعى منكر الدين - مثلاً - في أثناء مرافعة وكيله ومدافعته عنه الأداء أو الإبراء ، انقلب مدّعياً ، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى وطلب الحكم بها من الحاكم ، وصارت وظيفة وكيل خصمه الإنكار والطعن في الشهود وغير ذلك .

(مسألة 27) : لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله ، فلو أقرّ وكيل المدّعي القبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأنّ الحقّ مؤجّل أو أنّ البيّنة فسقة أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي ، لم يقبل وبقيت الخصومة على حالها ؛ سواء أقرّ في مجلس الحكم أو في غيره ، لكن ينعزل وتبطل وكالته وليس له المرافعة ؛ لأ نّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه .

(مسألة 28) : الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحقّ ولا الإبراء منه ، إلاّ أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً بالخصوص .

(مسألة 29) : يجوز أن يوكّل اثنين فصاعداً بالخصومة كسائر الاُمور ، فإن لم يصرّح(1) باستقلال كلّ واحد منهما لم يستقلّ بها أحدهما ، بل يتشاوران

ص: 140


1- - ولم يكن لكلامه ظاهر فيه .

ويتباصران ويعضد كلّ واحد منهما صاحبه ويعينه على ما فوّض إليهما .

(مسألة 30) : إذا وكّل الرجل وكيلاً بحضور الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقاً أو في خصومة شخصية ثمّ قدّم الوكيل خصماً لموكّله ونشر الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه ، وكذا إذا ادّعى عند الحاكم أن يكون وكيلاً في الدعوى وأقام البيّنة عنده على وكالته . وأمّا إذا ادّعى الوكالة من دون بيّنة عليها فإن لم يحضر خصماً عنده أو أحضر ولم يصدّقه في وكالته لم يسمع دعواه ، وأمّا إذا صدّقه فيها فالظاهر أ نّه يسمع دعواه لكن لم يثبت بذلك وكالته عن موكّله ؛ بحيث يكون حجّة عليه ، فإذا قضت موازين القضاء بحقّية المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ ، وأمّا إذا قضت بحقّية المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته ، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها(1) .

(مسألة 31) : إذا وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه وثبّته لم يكن له قبض الحقّ ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل .

(مسألة 32) : لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره ، فجحده من عليه الحقّ ، لم يكن للوكيل مخاصمته والمرافعة معه وتثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة .

(مسألة 33) : يجوز التوكيل بجعل وبغير جعل ، وإنّما يستحقّ الجعل فيما جعل له الجعل بتسليم العمل الموكّل فيه ، فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جعلاً كان للوكيل مطالبة الموكّل به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل

ص: 141


1- - وللمدّعى عليه ، أو وكيل المدّعي إقامة البيّنة على ثبوت الوكالة ، ومعها تثبت حقّية المدّعى عليه في ماهية الدعوى .

الثمن أو المثمن ، وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت حقّه استحقّ الجعل بمجرّد إتمام المرافعة وثبوت الحقّ وإن لم يتسلّمه الموكّل .

(مسألة 34) : لو وكّله في قبض دينه من شخص ، فمات قبل الأداء لم يكن له مطالبة وارثه ، نعم لو كانت عبارة الوكالة شاملة له كما لو قال : اقبض حقّي الذي على فلان ، كان له ذلك .

(مسألة 35) : لو وكّله في استيفاء دينه من زيد ، فجاء إلى زيد للمطالبة فقال زيد للوكيل : خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان - يعني موكّله - فأخذها ، صار الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه ، وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها(1) صاحب الدين ، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله . ولو قال : خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان ، فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد وليس له الاسترداد .

(مسألة 36) : الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه إلاّ مع التفريط أو التعدّي ، كما إذا لبس ثوباً توكّل في بيعه أو حمل على دابّة توكّل في بيعها ؛ لكن لا تبطل بذلك وكالته ، فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بيعه وإن كان ضامناً له لو تلف قبل أن يبيعه ، وبتسليمه(2) إلى المشتري يبرأ عن ضمانه .

(مسألة 37) : لو وكّله في إيداع مال ، فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل ، إلاّ إذا وكّله في أن يودعه عنده مع الإشهاد ، فأودع بلا إشهاد .

ص: 142


1- - وللوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء ، إلاّ أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل .
2- - لا يبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع .

وكذا الحال فيما لو وكّله في قضاء دينه ، فأدّاه بلا إشهاد وأنكر الدائن .

(مسألة 38) : إذا وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع ، فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال ، وإن أطلق وقال : أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلاني ، فهل يعمّ نفس الوكيل فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه أم لا ؟ وجهان بل قولان ، أقواهما الأوّل وأحوطهما الثاني .

(مسألة 39) : إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها ، ولو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل ، وإذا اختلفا في دفع المال إلى الموكّل فالظاهر أنّ القول قول الموكّل خصوصاً إذا كانت بجعل . وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصيّ والموصى له في دفع المال الموصى به إليه ، والأولياء حتّى الأب والجدّ إذا اختلفوا مع المولّى عليه بعد زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه ، فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك . نعم لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم ، الظاهر أنّ القول قول الأولياء بيمينهم .

ص: 143

كتاب الإقرار

الذي هو الإخبار الجازم بحقّ لازم(1) على المخبر أو بنفي حقّ له كقوله : «له أو لك عليّ كذا» أو «عندي أو في ذمّتي كذا» أو «هذا الذي في يدي لفلان» أو «ليس لي حقّ على فلان» وما أشبه ذلك بأيّ لغة كان ، بل يصحّ إقرار العربي بالعجمي وبالعكس ، والهندي بالتركي وبالعكس إذا كان عالماً بمعنى ما تلفّظ به في تلك اللغة . والمعتبر فيه الجزم ؛ بمعنى عدم إظهار الترديد وعدم الجزم به ، فلو قال : «أظنّ أو أحتمل أ نّك تطلبني كذا» لم يكن إقراراً .

(مسألة 1) : يعتبر في صحّة الإقرار بل في حقيقته وأخذ المقرّ بإقراره ، كونه دالاًّ على الإخبار المزبور بالصراحة أو الظهور ، فإن احتمل إرادة غيره احتمالاً يخلّ بظهوره عند أهل المحاورة لم يصحّ ، وتشخيص ذلك راجع إلى العرف وأهل اللسان كسائر التكلّمات العادية ، فكلّ كلام - ولو لخصوصية مقام - يفهم منه أهل اللسان أ نّه قد أخبر بثبوت حقّ عليه أو سلب حقّ عن نفسه من غير ترديد كان

ص: 144


1- - أو بما يستتبع حقّاً أو حكماً على المخبر ، كالإقرار بالنسب وبما يوجب القصاص أو الحدّ ، وفي جانب النفي أيضاً أعمّ من الإخبار بنفي الحقّ أو ما يستتبعه .

ذلك إقراراً ، وكلّ ما لم يفهم منه ذلك من جهة تطرّق الاحتمال الموجب للتردّد والإجمال لم يكن إقراراً .

(مسألة 2) : لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقرّ ابتداءً وكونه مقصوداً بالإفادة ، بل يكفي كونه مستفاداً من تصديقه لكلام آخر واستفادة ذلك من كلامه بنوع من الاستفادة كقوله : «نعم»(1) أو «بلى» أو «أجل» في جواب من قال : «لي عليك كذا ؟» أو قال : «أليس لي عليك كذا ؟» وكقوله في جواب من قال : «استقرضت ألفاً ، أو لي عليك ألف» : «رددتها» أو «أدّيتها» لأ نّه إقرار منه بأصل ثبوت الحقّ عليه ودعوى منه بسقوطه . ومثل ذلك ما إذا قال في جواب من قال : «هذه الدار التي تسكنها لي» : «اشتريتها منك» فإنّ الإخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملك له ودعوى منه بانتقاله إليه ، ومن ذلك ما إذا قال لمن يدّعي ملكية شيء معيّن : «ملّكني» . نعم قد توجد قرائن على أنّ تصديقه لكلام الآخر ليس تصديقاً حقيقياً له فلم يتحقّق الإقرار ، بل دخل في عنوان الإنكار كما إذا قال في جواب من قال «لي عليك ألف دينار» : «نعم» أو «صدقت» محرّكاً رأسه مع صدور حركات منه دلّت على أ نّه في مقام الاستهزاء والتهكّم وشدّة التعجّب والإنكار .

(مسألة 3) : يشترط في المقرّ به أن يكون أمراً لو كان المقرّ صادقاً في إخباره كان للمقرّ له(2) حقّ إلزام عليه ومطالبته به ؛ بأن يكون مالاً في ذمّته عيناً أو منفعة ، أو عملاً ، أو ملكاً تحت يده ، أو حقّاً يجوز مطالبته كحقّ الشفعة والخيار والقصاص وحقّ الاستطراق في درب وإجراء الماء في نهر ونصب الميزاب على

ص: 145


1- - كونه إقراراً في جواب : أليس لي عليك كذا ؟ محلّ تردّد .
2- - أو كان للمقرّ به حكم وأثر ، كالإقرار بما يوجب حدّاً .

ملك ووضع الجذوع على حائط ، أو يكون نسباً أوجب نقصاً في الميراث أو حرماناً في حقّ المقرّ وغير ذلك .

(مسألة 4) : إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ ويمضي عليه فيما يكون ضرراً عليه لا بالنسبة إلى غيره ولا فيما يكون فيه نفع المقرّ إذا لم يصدّقه الغير ، فإذا أقرّ بزوجية امرأة لم تصدّقه ، تثبت الزوجية بالنسبة إلى وجوب إنفاقها(1) عليه لا بالنسبة إلى وجوب تمكينها منه .

(مسألة 5) : يصحّ الإقرار بالمجهول والمبهم ويقبل من المقرّ ويلزم ويطالب بالتفسير والبيان ورفع الإبهام ، ويقبل منه ما فسّره به ويلزم به لو طابق التفسير مع المبهم بحسب العرف واللغة ، وأمكن بحسبهما أن يكون مراداً منه ، فلو قال : «لك عليّ شيء» ، اُلزم التفسير ، فإذا فسّره بأيّ شيء كان ممّا يصحّ أن يكون في الذمّة وعلى العهدة يقبل منه وإن لم يكن متموّلاً كحبّة من حنطة ، وأمّا لو قال : «لك عليّ مال» لم يقبل منه إلاّ إذا كان ما فسّره به من الأموال ، لا مثل حبّة من حنطة ، أو حفنة من تراب أو الخمر أو الخنزير .

(مسألة 6) : لو قال : «لك عليّ أحد هذين» ممّا كان تحت يده ، أو «لك عليّ إمّا وزنة من حنطة أو شعير» اُلزم بالتفسير وكشف الإبهام ، فإن عيّن اُلزم به ولا يلزم بغيره ، فإن لم يصدّقه المقرّ له وقال : «ليس لي ما عيّنت» سقط(2) حقّه لو كان المقرّ به في الذمّة ، ولو كان عيناً كان بينهما مسلوباً بحسب الظاهر عن كلّ منهما ، فيبقى إلى أن يتّضح الحال ولو برجوع المقرّ عن إقراره أو المنكر عن إنكاره . ولو

ص: 146


1- - وجوب الإنفاق مع إنكارها وعدم تمكينها ممنوع .
2- - بحسب الظاهر ، إذا كان في مقام الإخبار عن الواقع لا إنشاء الإسقاط لو جوّزنا بمثله .

ادّعى عدم المعرفة حتّى يفسّره فإن صدّقه المقرّ له في ذلك وقال : أنا أيضاً لا أدري ، فلا محيص عن الصلح أو القرعة مع احتمال الحكم بالاشتراك ، والأحوط هو الأوّل(1) . وإن ادّعى المعرفة وعيّن أحدهما فإن صدّقه المقرّ فذاك وإلاّ فله أن يطالبه بالبيّنة ، ومع عدمها فله أن يحلّفه ، وإن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معاً، فلا محيص عن التخلّص بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة.

(مسألة 7) : وكما لا يضرّ الإبهام والجهالة في المقرّ به ، لا يضرّان في المقرّ له فلو قال : هذه الدار التي بيدي لأحد هذين ، يقبل ويلزم بالتعيين ، فمن عيّنه يقبل ويكون هو المقرّ له ، فإن صدّقه الآخر فذاك ، وإلاّ تقع المخاصمة بينه وبين من عيّنه المقرّ . ولو ادّعى عدم المعرفة وصدّقاه في ذلك سقط عنه الإلزام بالتعيين . ولو ادّعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه .

(مسألة 8) : يعتبر في المقرّ : البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا اعتبار بإقرار الصبيّ والمجنون والسكران وكذا الهازل والساهي والغافل وكذا المكره . نعم لا يبعد صحّة إقرار الصبيّ إذا تعلّق بما له أن يفعله كالوصيّة بالمعروف ممّن له عشر سنين .

(مسألة 9) : السفيه إن أقرّ بمال في ذمّته أو تحت يده لم يقبل ، ويقبل فيما عدا المال كالطلاق والخلع(2) ونحوهما . وإن أقرّ بأمر مشتمل على مال وغيره كالسرقة لم يقبل بالنسبة إلى المال ، وقبل بالنسبة إلى غيره ، فيحدّ من أقرّ بالسرقة ولا يلزم بأداء المال .

ص: 147


1- - والأقوى هو الثاني .
2- - بالنسبة إلى الفداء محلّ إشكال ، بل الأقرب عدم القبول .

(مسألة 10) : المملوك لا يقبل(1) إقراره بما يوجب حدّاً عليه ، ولا بجناية أوجبت أرشاً أو قصاصاً أو استرقاقاً ، ولا بمال تحت يده من مولاه أو من نفسه بناءً على ملكه . نعم لو كان مأذوناً في التجارة من مولاه يقبل إقراره بما يتعلّق بها ويؤخذ ما أقرّ به ممّا في يده ، فإن كان أكثر لم يضمنه المولى بل يضمنه المملوك يتبع به إذا اُعتق ، كما أ نّه لو أقرّ بما يوجب مالاً على ذمّته من إتلاف ونحوه يقبل في حقّه ويتبع به إذا اُعتق .

(مسألة 11) : يقبل إقرار المفلّس بالدين - سابقاً ولاحقاً - ويشارك المقرّ له مع الغرماء على التفصيل الذي تقدّم(2) في كتاب الحجر ، كما تقدّم الكلام في إقرار المريض بمرض الموت وأ نّه نافذ ، إلاّ مع التهمة فينفذ بمقدار الثلث .

(مسألة 12) : إذا ادّعى الصبيّ البلوغ ، فإن ادّعاه بالإنبات اعتبر ولا يثبت بمجرّد دعواه ، وكذا إن ادّعاه بالسنّ فإنّه يطالب بالبيّنة ، وأمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين ، بل مع اليمين محلّ تأمّل وإشكال .

(مسألة 13) : يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهلية الاستحقاق فلو أقرّ لدابّة(3)

ص: 148


1- - بل يقبل في غير ما يوجب الاسترقاق ، وما في يده من مولاه ويتبع به بعد العتق ، فالمراد من عدم القبول هو المعجّل منه ؛ من غير فرق بين ما يوجب حدّاً وغيره على الأقوى .
2- - تقدّم ما هو الأقوى ؛ من عدم المشاركة مع الغرماء .
3- - بحيث يرجع إلى مالكيتها ، وأمّا إذا أقرّ باختصاص المقرّ به بها . كأن يقول : «هذا الجلّ مختصّ بهذا الفرس» أو «لهذا الفرس» يقبل على الأقوى ويحكم بمالكية مالكها ، نعم لو أقرّ بدين لحمار - مثلاً - بطل إقراره .

- مثلاً - لغا ، نعم لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال ، الظاهر قبوله وصحّته ؛ حيث إنّ المقصود من ذلك في المتعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها .

(مسألة 14) : إذا كذّب المقرّ له المقرّ في إقراره ، فإن كان المقرّ به ديناً أو حقّاً لم يطالب به المقرّ وفرغت ذمّته في الظاهر ، وإن كان عيناً كانت مجهول المالك بحسب الظاهر ، فتبقى في يد المقرّ أو في يد الحاكم إلى أن يتبيّن مالكه . هذا بحسب الظاهر ، وأمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ - بينه وبين اللّه - تفريغ ذمّته من الدين وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسّه في أمواله ، ولو رجع المقرّ له عن إنكاره يلزم(1) المقرّ بالدفع إليه .

(مسألة 15) : إذا أقرّ بشيء ثمّ عقّبه بما يضادّه وينافيه يؤخذ بإقراره ويلغى ما ينافيه ، فلو قال : له عليّ عشرة لا بل تسعة ، يلزم بالعشرة ، ولو قال : له عليّ كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار ، يلزم بالمال ولا يسمع منه ما عقّبه ، وكذا لو قال : عندي وديعة وقد هلكت ، فإنّ إخباره بتلف الوديعة وهلاكها ينافي قوله : له عندي ، الظاهر في وجودها عنده . نعم لو قال : كانت له عندي وديعة وقد هلكت ، فهو بحسب الظاهر إقرار بالإيداع عنده سابقاً ولا تنافي بينه وبين طروّ الهلاك عليها ، لكن هذا دعوى منه لا بدّ من فصلها على الموازين الشرعية .

(مسألة 16) : ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي ، بل يكون المقرّ به ما بقي

ص: 149


1- - مع بقائه على الإقرار ، وإلاّ ففيه تأمّل .

بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت ، ونفس المستثنى إن كان الاستثناء من المنفيّ ؛ لأنّ الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات ، فلو قال : له عليّ عشرة إلاّ درهماً ، أو هذه الدار التي بيدي لزيد إلاّ القبّة الفلانية ، كان إقراراً بالتسعة وبالدار ما عدا القبّة ، ولو قال : ما له عليّ شيء إلاّ درهم ، أو ليس له من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية ، كان إقراراً بدرهم والقبّة . هذا إذا كان الإخبار بالإثبات أو النفي متعلّقاً بحقّ الغير عليه ، وأمّا لو كان متعلّقاً بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس ، فلو قال : لي عليك عشرة إلاّ درهماً ، أو لي هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية ، كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن الدراهم الزائدة على التسعة ونفي ملكية القبّة ، فلو ادّعى بعد ذلك استحقاقه تمام العشرة أو تمام الدار حتّى القبّة لم يسمع منه ، ولو قال : ليس لي عليك إلاّ درهم أو ليس لي من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانية كان إقراراً منه بنفي استحقاق ما عدا درهم وما عدا القبّة .

(مسألة 17) : لو أقرّ بعين لشخص ، ثمّ أقرّ بها لشخص آخر كما إذا قال : هذه الدار لزيد ، ثمّ قال : بل لعمرو ، حكم بكونها للأوّل واُعطيت له واُغرم للثاني بقيمتها .

(مسألة 18) : من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب - كالبنوّة والاُخوّة وغيرهما - والمراد بنفوذه إلزام المقرّ وأخذه بإقراره بالنسبة إلى ما عليه ؛ من وجوب إنفاق أو حرمة نكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف ونحو ذلك . وأمّا ثبوت النسب بين المقرّ والمقرّ به بحيث يترتّب جميع آثاره ففيه تفصيل ؛ وهو أ نّه إن كان الإقرار بالولد وكان صغيراً غير بالغ يثبت ولادته بإقراره إذا لم يكذّبه الحسّ والعادة كالإقرار ببنوّة من يقاربه في السنّ بما لم تجر العادة بتولّده من

ص: 150

مثله ، ولا الشرع كإقراره ببنوّة من كان ملتحقاً بغيره من جهة الفراش ونحوه ، ولم ينازعه فيه منازع ، فحينئذٍ يثبت بإقراره كونه ولداً له ويترتّب جميع آثاره ويتعدّى إلى أنسابهما ، فيثبت بذلك كون ولد المقرّ به حفيداً للمقرّ وولد المقرّ أخاً للمقرّ به وأبيه جدّه ويقع التوارث بينهما ، وكذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض . وكذا الحال لو كان كبيراً وصدّق المقرّ في إقراره مع الشروط المزبورة ، وإن كان الإقرار بغير الولد وإن كان ولد ولد ، فإن كان المقرّ كبيراً وصدّقه أو كان صغيراً وصدّقه بعد بلوغه يتوارثان إذا لم يكن لهما وارث معلوم ومحقّق . ولا يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى إلى أولادهما . ومع عدم التصادق أو وجود وارث محقّق لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث بينهما إلاّ بالبيّنة .

(مسألة 19) : إذا أقرّ بولد صغير ، فثبت نسبه ، ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره .

(مسألة 20) : إذا أقرّ أحد ولدي الميّت بولد آخر له وأنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّ به ، فيأخذ المنكر نصف التركة ويأخذ المقرّ الثلث ؛ حيث إنّ هذا نصيبه بمقتضى إقراره ، ويأخذ المقرّ به السدس وهو تكملة نصيب المقرّ وقد تنقّص بسبب إقراره .

(مسألة 21) : لو كان للميّت إخوة وزوجة فأقرّت بولد له ، كان لها الثمن وكان الباقي للولد إن صدّقها الإخوة ، وإن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع وللزوجة الثمن وباقي حصّتها للولد .

(مسألة 22) : إذا مات صبيّ مجهول النسب ، فأقرّ إنسان ببنوّته ثبت نسبه وكان ميراثه للمقرّ إذا كان له مال .

ص: 151

(مسألة 23) : ينفذ إقرار المريض كالصحيح ، ويصحّ إلاّ في مرض الموت مع التهمة ، فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثلث ؛ سواء أقرّ لوارث أو أجنبيّ ، وقد تقدّم في كتاب الحجر .

(مسألة 24) : لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشيء من ماله للغير كان مقبولاً ؛ لأ نّه كإقرار الميّت ، ولو أقرّ بعضهم وأنكر البعض فإن أقرّ اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميّت وكذا العين للمقرّ له بشهادتهما ، وإن لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة ويؤخذ منه من الدين الذي أقرّ به - مثلاً - بنسبة نصيبه من التركة ، فإذا كانت التركة مائة ونصيب كلّ من الوارثين خمسين فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين وكذّبه الآخر أخذ المقرّ له من نصيب المقرّ خمسة وعشرين ، وكذا الحال فيما إذا أقرّ بعض الورثة بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشيء وأنكر البعض .

ص: 152

كتاب الهبة

وهي تمليك(1) عين مجّاناً ومن غير عوض ، وقد يعبّر عنها بالعطيّة والنحلة . وهي عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول ، ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ دلّ على التمليك المذكور مثل : «وهبتك» أو «ملّكتك» أو «هذا لك» ونحو ذلك ، وفي القبول كلّ ما دلّ على الرضا بالإيجاب ، ولا يعتبر فيه العربية . والأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين وتسلّمها بعنوان التمليك والتملّك .

(مسألة 1) : يعتبر في كلّ من الواهب والموهوب له(2) : البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وفي الواهب : عدم الحجر عليه بسفه أو فلس ، وتصحّ من المريض بمرض الموت وإن زاد على الثلث ، بناءً على ما هو الأقوى من أنّ منجّزات المريض تنفذ من الأصل ، كما تقدّم في كتاب الحجر .

ص: 153


1- - هذا للهبة بالمعنى الأعمّ ، وأمّا المصطلح في مقابل أخواتها ، فلا بدّ له من قيود تخرج بها الهديّة والنحلة والجائزة والوقف والصدقة والوصيّة ، والأمر سهل .
2- - أي القابل ، فيصحّ قبول الوليّ عن المولّى عليه الموهوب له ، ويشترط في الموهوب له - زائداً على ما ذكر - أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر ، وفي الواهب كونه مالكاً لها ، فلا تصحّ هبة مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته .

(مسألة 2) : يشترط في الموهوب أن يكون عيناً ، فلا تصحّ هبة المنافع ، وأمّا الدين فإن كانت لمن عليه الحقّ صحّت بلا إشكال وأفادت فائدة الإبراء . ويعتبر فيها القبول على الأحوط - لو لم يكن(1) الأقوى - وإن لم يعتبر في الإبراء على الأقوى . والفرق بين هذه الهبة والإبراء : أنّ الثاني إسقاط لما في ذمّة المديون ، وهذه تمليك له وإن كان يترتّب عليه السقوط كبيع الدين على من عليه الدين ، وإن كانت لغير من عليه الحقّ ففيه إشكال(2) .

(مسألة 3) : يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له ، ولو في غير مجلس العقد ، ويشترط(3) في صحّة القبض كونه بإذن الواهب ، نعم لو وهب ما كان في يد الموهوب له صحّ ولا يحتاج إلى قبض جديد ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض . وكذا لو كان الواهب وليّاً على الموهوب له - كالأب والجدّ للولد الصغير - وقد وهبه ما في يده صحّ بمجرّد العقد ؛ لأنّ قبض الوليّ قبض عن المولّى عليه ، والأحوط أن يقصد القبض عن المولّى عليه بعد الهبة . ولو وهب الصغير غير الوليّ فلا بدّ من القبض ويتولاّه الوليّ .

(مسألة 4) : القبض في الهبة كالقبض في البيع ، وهو في غير المنقول - كالدار والبستان - التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات والإذن للموهوب له في التصرّف ؛ بحيث صار تحت استيلائه ، وفي المنقول الاستقلال والاستيلاء عليه باليد ، أو ما هو بمنزلته كوضعه في حجره ، أو في جيبه ونحو ذلك .

ص: 154


1- - بل هو الأقوى .
2- - الأقوى صحّتها ، ويكون قبض الموهوب بقبض مصداقه .
3- - على الأحوط .

(مسألة 5) : يجوز هبة المشاع ؛ لإمكان قبضه ، ولو بقبض المجموع بإذن الشريك أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقّق القبض الذي هو شرط للصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، وترتّب الأثر عليه وإن كان تعدّياً(1) بالنسبة إليه .

(مسألة 6) : لا يعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، ولو تراخى يحصل الانتقال إلى الموهوب له من حينه ، فما كان له من النماء سابقاً على القبض يكون للواهب .

(مسألة 7) : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وانفسخ وانتقل الموهوب إلى ورثته ولا يقومون مقامه في الإقباض ، فيحتاج إلى إيقاع هبة جديدة بينهم وبين الموهوب له ، كما أ نّه لو مات الموهوب له لا يقوم ورثته مقامه في القبض ، بل يحتاج إلى هبة جديدة من الواهب إيّاهم .

(مسألة 8) : إذا تمّت الهبة بالقبض فإن كانت لذي رحم ؛ أباً كان أو اُمّاً أو ولداً ، أو غيرهم ، وكذا إن كانت للزوج أو الزوجة على الأقوى(2) لم يكن للواهب الرجوع في هبته . وإن كانت لأجنبيّ غير الزوج والزوجة كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، فإن تلفت كلاًّ أو بعضاً(3) فلا رجوع ، وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً ؛ من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره ؛ بأن أطلق في العقد ، لكن المتّهب أثاب الواهب

ص: 155


1- - في بعض الصور .
2- - بل الأقوى جواز الرجوع للزوج والزوجة على كراهة ، والأحوط عدم الرجوع .
3- - بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً .

وأعطاه العوض . وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب في هبته القربة وأراد بها وجه اللّه تعالى .

(مسألة 9) : يلحق بالتلف التصرّف الناقل - كالبيع والهبة - أو المغيّر للعين ؛ بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها كالحنطة يطحنها والدقيق يخبزه والثوب يفصّله أو يصبغه ونحو ذلك ، دون الغير المغيّر كالثوب يلبسه والفراش يفرشه والدابّة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها ، فإنّ أمثال ذلك لا يمنع عن الرجوع . ومن الأوّل - على الظاهر - الامتزاج الرافع للامتياز ولو بالجنس ، كما أنّ من الثاني - على الظاهر - قصارة الثوب .

(مسألة 10) : فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ والبعض ، فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما ، بل لو وهب شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو معيّناً ومفروزاً .

(مسألة 11) : الهبة : إمّا معوّضة أو غير معوّضة ، والمراد بالاُولى ما شرط فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض ، أو عوّض عنها وإن لم يشترط فيها العوض .

(مسألة 12) : إذا وهب وأطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب والعوض؛ سواء كانت من الأدنى للأعلى أو العكس أو من المساوي للمساوي وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الاُولى إعطاء العوض ، وكيف كان لو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله وإن قبل وأخذه لزمت الهبة ولم يكن له الرجوع فيما وهبه ، ولم يكن للمتّهب أيضاً الرجوع في ثوابه .

(مسألة 13) : إذا شرط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض ؛ بأن يهبه

ص: 156

شيئاً مكافأةً وثواباً لهبته ووقع منه القبول على ما اشترط وكذا القبض للموهوب يلزم عليه(1) دفع العوض ، فإن دفع لزمت الهبة الاُولى على الواهب وإلاّ فله الرجوع في هبته .

(مسألة 14) : لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن ، ويلزم على المتّهب بذل ما عيّن ، ولو أطلق ؛ بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض فإن اتّفقا على قدر فذاك وإلاّ وجب(2) عليه أن يثيب مقدار الموهوب مثلاً أو قيمةً .

(مسألة 15) : الظاهر أ نّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض ، أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة ؛ بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئاً ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه ولم يكن له الرجوع في هبته . وكذا يجوز أن يكون إبراءً عن حقّ أو إيقاع عمل له كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك ، فإذا أبرأه عن ذلك الحقّ ، أو عمل له ذلك العمل فقد أثابه وعوّضه .

(مسألة 16) : لو رجع الواهب في هبته - فيما جاز له الرجوع - وكان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض ، كالثمرة والحمل والولد واللبن في الضرع ، كان من مال المتّهب ولا يرجع إلى الواهب ، بخلاف المتّصل كالسمن

ص: 157


1- - بل يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، والأحوط دفعه .
2- - على الأحوط ، وأحوط منه تعويضه بأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له .

فإنّه يرجع إليه . ويحتمل(1) أن يكون ذلك مانعاً عن الرجوع ؛ لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 17) : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب ، لزمت الهبة وإن كانت لأجنبيّ ولم تكن معوّضة وليس لورثته الرجوع ، وكذلك لو مات الموهوب له ، فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً .

(مسألة 18) : لو باع الواهب العين الموهوبة ، فإن كانت الهبة لازمة - بأن كانت لذي رحم - أو معوّضة ، أو قصد بها القربة يقع البيع فضولياً ، فإن أجاز المتّهب صحّ وإلاّ بطل ، وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحّة البيع ووقوعه من الواهب وكان رجوعاً في الهبة . هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته ، وأمّا لو كان ناسياً أو غافلاً وذاهلاً ففي كونه رجوعاً قهرياً تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 19) : الرجوع : إمّا بالقول كأن يقول : رجعت ، وما يفيد معناه ، وإمّا بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد المتّهب ، ومن ذلك بيعها بل وإجارتها ورهنها إذا كان ذلك بقصد الرجوع .

(مسألة 20) : لا يشترط في الرجوع اطّلاع المتّهب ، فلو أنشأ الرجوع من غير اطّلاعه صحّ .

(مسألة 21) : يستحبّ العطيّة للأرحام الذين أمر اللّه تعالى أكيداً بصلتهم ونهى شديداً عن قطيعتهم ، فعن مولانا الباقر علیه السلام : «قال في كتاب عليّ علیه السلام ثلاثة

ص: 158


1- - كما أنّ الظاهر أنّ حصول الثمرة والحمل بل والولد - أيضاً - من ذلك ، ومعها لا تكون العين قائمة بعينها .

لا يموت صاحبهنّ أبداً حتّى يرى وبالهنّ : البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز اللّه بها ، وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم ، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون ، وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها» ، وخصوصاً الوالدين اللذين أمر اللّه تعالى ببرّهما ، فعن مولانا الصادق علیه السلام : «إنّ رجلاً أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال : أوصني ، قال : لا تشرك باللّه شيئاً وإن اُحرقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبك مطمئنّ بالإيمان ، ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الإيمان» .

وعن منصور بن حازم عنه علیه السلام قال : قلت أيّ الأعمال أفضل ؟ قال : «الصلاة لوقتها وبرّ الوالدين والجهاد في سبيل اللّه» ، ولاسيّما الاُمّ التي يتأكّد برّها وصلتها أزيد من الأب ، فعن الصادق علیه السلام : «جاء رجل إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول اللّه من أبرّ ؟ قال : اُمّك ، قال : ثمّ إلى من ؟ قال : اُمّك ، قال : ثمّ من ؟ قال : اُمّك . قال : ثمّ من ؟ قال : أباك» . وعنه علیه السلام : «أ نّه سئل صلی الله علیه و آله وسلم عن برّ الوالدين ، قال : «أبرر اُمّك أبرر اُمّك أبرر اُمّك ، أبرر أباك أبرر أباك أبرر أباك» ، وبدأ بالاُمّ قبل الأب . والأخبار في هذه المعاني كثيرة لا تحصى ، فلتطلب من مظانّها .

(مسألة 22) : يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على كراهية ، وربّما يحرم إذا كان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدّية إلى الفساد ، كما أ نّه ربّما يفضل التفضيل فيما إذا يؤمن من الفساد ويكون لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته .

ص: 159

كتاب الوقف وأخواته

اشارة

الوقف هو تحبيس العين وتسبيل منفعتها ، وفيه فضل كثير وثواب جزيل ، قال رسول اللّه (1) : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ عن ثلاثة: ولد صالح يدعو له ، وعلم ينتفع به بعد موته ، وصدقة جارية» وفسّرت الصدقة الجارية بالوقف .

(مسألة 1) : يعتبر في الوقف الصيغة ، وهي كلّ ما دلّ على إنشاء المعنى المذكور مثل : «وقفت» و«حبست» و«سبّلت» بل و«تصدّقت» إذا اقترن به بعض ما يدلّ على إرادة المعنى المقصود كقوله : «صدقة مؤبّدة لا تباع ولا توهب» ونحو ذلك ، وكذا قوله : «جعلت أرضي أو داري أو بستاني موقوفة» أو « . . . محبّسة» أو « . . . مسبّلة على كذا» . ولا يعتبر فيه العربية ولا الماضوية ، بل يكفي الجملة الاسمية كقوله : «هذا وقف» ، أو «هذه أرضي موقوفة» أو « . . . محبّسة» أو « . . . مسبّلة» .

(مسألة 2) : لا بدّ في وقف المسجد قصد عنوان المسجدية ، فلو وقف مكاناً

ص: 160


1- - على رواية العامّة .

على صلاة المصلّين وعبادة المتعبّدين لم يصر بذلك مسجداً ، ما لم يكن المقصود ذلك العنوان . والظاهر كفاية قوله: «جعلته مسجداً» في صيغته وإن لم يذكر ما يدلّ على وقفه وتحبيسه ، وإن كان أحوط بأن يقول : «وقفت هذا المكان - أو هذا البنيان - مسجداً» أو « . . . على أن يكون مسجداً» .

(مسألة 3) : الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد والمقابر والطرق والشوارع والقناطر والربط المعدّة لنزول المسافرين والأشجار المغروسة لانتفاع المارّة بظلّها أو ثمرها ، بل ومثل البواري للمساجد والقناديل للمشاهد وأشباه ذلك ، وبالجملة : ما كان محبساً على مصلحة عامّة ، فلو بنى بناءً بعنوان المسجدية وأذن في الصلاة فيه للعموم وصلّى فيه بعض الناس ، كفى في وقفه وصيرورته مسجداً . وكذا لو عيّن قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين وخلّى بينها وبينهم وأذن إذناً عامّاً لهم في الإقبار فيها فأقبروا فيها بعض الأموات ، أو بنى قنطرة وخلّى بينها وبين العابرين فشرعوا في العبور عنها وهكذا .

(مسألة 4) : ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد ، إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء والتعمير في المسجد بقصد المسجدية ؛ بأن نوى ببنائه وتعميره أن يكون مسجداً ، خصوصاً إذا حاز أرضاً مباحاً لأجل المسجد وبنى فيها بتلك النيّة . وأمّا إذا كان له بناء مملوك - كدار أو خان - فنوى أن يكون مسجداً ، وصرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء صيغة الوقف عليه ، يشكل الاكتفاء به . وكذلك الحال في مثل الرباط والقنطرة ، فإذا بنى رباطاً في ملكه ، أو في أرض مباحة للمارّة والمسافرين ثمّ خلّى بينه وبينهم ونزل به بعض القوافل كفى ذلك

ص: 161

في وقفيته على تلك الجهة ، بخلاف ما إذا كان له خان مملوك له معدّ للإجارة ومحلاًّ للتجارة - مثلاً - فنوى أن يكون وقفاً على الغرباء والنازلين من المسافرين وخلّى بينه وبينهم من دون إجراء صيغة الوقف عليه .

(مسألة 5) : لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف ، وفي جريان الفضولية فيه خلاف وإشكال ، لا يبعد جريانها فيه ، لكنّ الأحوط خلافه ، فلو وقع فضولاً لا يكتفى بالإجازة بل تجدّد الصيغة .

(مسألة 6) : الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامّة كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها ، وكذا الوقف على العناوين الكلّية كالوقف على الفقراء والفقهاء ونحوها . وأمّا الوقف الخاصّ كالوقف على الذرّية فالأحوط(1) اعتباره فيه ، فيقبله الموقوف عليهم ، وإن كانوا صغاراً قام به وليّهم . ويكفي قبول الموجودين ولا يحتاج إلى قبول لمن سيوجد منهم بعد وجوده ، والأحوط رعاية القبول في الوقف العامّ أيضاً ، والقائم به الحاكم أو المنصوب من قبله .

(مسألة 7) : الأحوط(2) قصد القربة في الوقف ، وإن كان في اعتباره نظر ، خصوصاً في الوقف الخاصّ كالوقف على زيد وذرّيته ونحو ذلك .

(مسألة 8) : يشترط في صحّة الوقف القبض ، ويعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف . ففي الوقف الخاصّ - وهو الوقف الذي كان على أشخاص كالوقف على أولاده وذرّيته - يعتبر قبض الموقوف عليهم ، ويكفي قبض الطبقة الاُولى عن

ص: 162


1- - وإن كان الأقوى عدم اعتباره فيه أيضاً .
2- - والأقوى عدم اعتباره .

بقيّة الطبقات فلا يعتبر قبض الطبقات اللاحقة ، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الاُولى عمّن يوجد منهم فيما بعد ، فإذا وقف على أولاده ثمّ على أولاد أولاده وكان الموجود من أولاده ثلاثة فقبضوا ثمّ تولّد رابع بعد ذلك فلا حاجة إلى قبضه ، ولو كان الموجودون جماعة فقبض بعضهم دون بعض صحّ بالنسبة إلى من قبض وبطل بالنسبة إلى من لم يقبض .

وأمّا الوقف على الجهات والمصالح كالمساجد وما وقف عليها ، فإن جعل الواقف له قيّماً ومتولّياً اُعتبر قبضه أو قبض الحاكم ، والأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود الأوّل ، وإن لم يكن قيّم تعيّن قبض الحاكم . وكذا الحال في الوقف على العناوين العامّة كالفقراء والطلبة والعلماء . وهل يكفي قبض بعض المستحقّين من أفراد ذلك العنوان العامّ ؛ بأن يقبض - مثلاً - فقير من الفقراء في الوقف على الفقراء أو عالم من العلماء في الوقف على العلماء ؟ قيل : «نعم» وقيل : «لا» ولعلّ الأوّل هو الأقوى فيما إذا سلّم الوقف إلى المستحقّ لاستيفاء ما يستحقّ ، كما إذا سلّم الدار الموقوفة على سكنى الفقراء إلى فقير فسكنها ، أو الدابّة الموقوفة على الزوّار أو الحجّاج إلى زائر وحاجّ فركبها . نعم لا يكفي مجرّد استيفاء المنفعة والثمرة من دون استيلاء على العين ، فإذا وقف بستاناً على الفقراء لا يكفي في القبض إعطاء شيء من ثمرتها لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده .

(مسألة 9) : لو وقف مسجداً أو مقبرة ، كفى في قبضها صلاة(1) واحدة في المسجد ، ودفن ميّت واحد في المقبرة .

ص: 163


1- - بإذن الواقف وبعنوان التسليم والقبض ، وكذا في المقبرة .

(مسألة 10) : لو وقف الأب على أولاده الصغار ، لم يحتج إلى قبض جديد ، وكذا كلّ وليّ إذا وقف على المولّى عليه ؛ لأنّ قبض الوليّ قبض المولّى عليه ، والأحوط(1) أن يقصد كون قبضه عنه .

(مسألة 11) : فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي - كالوقف على الجهات العامّة - لو جعل الواقف التولية لنفسه ، لا يحتاج إلى قبض آخر ويكفي(2) قبضه الذي هو حاصل .

(مسألة 12) : لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية أو على وجه آخر ، لم يحتج إلى قبض جديد ؛ بأن يستردّها ثمّ يقبضها ، نعم لا بدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف(3) ، بناءً على اشتراط كون القبض بإذنه كما مرّ .

(مسألة 13) : لا يشترط في القبض الفورية ، فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمان متأخّر كفى وتمّ الوقف من حينه .

(مسألة 14) : لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثاً .

(مسألة 15) : يشترط في الوقف الدوام ؛ بمعنى عدم توقيته بمدّة ، فلو قال : «وقفت هذه البستان على الفقراء إلى سنة» بطل وقفاً ، وفي صحّته حبساً أو بطلانه كذلك أيضاً وجهان ، أوجههما الثاني(4) ، إلاّ إذا علم أ نّه قصد كونه حبساً .

ص: 164


1- - بل لا يخلو من وجه .
2- - والأحوط ، بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أ نّه متولّي الوقف .
3- - بعنوان الوقفية على الأحوط ، بل الأوجه .
4- - محلّ إشكال .

(مسألة 16) : إذا وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده واقتصر على بطن أو بطون ممّن ينقرض غالباً ، ولم يذكر المصرف بعد انقراضهم ، ففي صحّته وقفاً أو حبساً أو بطلانه رأساً أقوال ، والأقوى هو الأوّل ، فيصحّ الوقف المنقطع الآخر ؛ بأن يكون وقفاً حقيقة إلى زمان الانقراض والانقطاع ، وينقضي بعد ذلك ويرجع(1) إلى الواقف أو ورثته .

(مسألة 17) : الفرق(2) بين الوقف والحبس : أنّ الوقف يوجب زوال ملك الواقف ، أو ممنوعيته(3) من جميع التصرّفات وسلب أنحاء السلطنة منه حتّى أ نّه لا يورث ، بخلاف الحبس ، فإنّه باقٍ(4) على ملك الحابس ويورث ويجوز له جميع التصرّفات الغير المنافية(5) لاستيفاء المحبّس عليه المنفعة .

(مسألة 18) : إذا انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت أو ورثته حين الانقراض ؟ قولان ، أظهرهما الأوّل . وتظهر الثمرة بين القولين فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل انقراض الموقوف عليهم ثمّ انقرضوا ، فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي خاصّة ؛ لأ نّه الوارث حين الانقراض ، وعلى الأوّل يشاركه ابن أخيه ؛ حيث إنّه يقوم مقام أبيه فشارك عمّه .

ص: 165


1- - بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع .
2- - هذا الفرق بين الوقف المؤبّد والحبس وجيه - على إشكال في بعض فروعه - وأمّا بين الوقف المنقطع الآخر وبينه ، خصوصاً بعض صوره فمحلّ تأمّل .
3- - بل الظاهر زواله .
4- - في إطلاقه منع .
5- - في جواز التصرّفات الناقلة منع ، بل الظاهر عدم جواز رهنها أيضاً .

(مسألة 19) : ومن الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام ، لكن كان وقفاً على من يصحّ الوقف عليه في أوّله دون آخره ، كما إذا وقف على زيد وأولاده وبعد انقراضهم على الكنائس والبِيَع - مثلاً - فعلى ما اخترناه في الوقف على من ينقرض ، يصحّ وقفاً بالنسبة إلى من يصحّ الوقف عليه ، ويبطل بالنسبة إلى ما لا يصحّ . فظهر أنّ صور الوقف المنقطع الآخر ثلاث يبطل الوقف رأساً(1) في صورة ويصحّ في صورتين .

(مسألة 20) : الوقف المنقطع الأوّل: إمّا بجعل الواقف ، كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي ، وإمّا بحكم الشرع ؛ بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ثمّ على غيره ، الظاهر بطلانه(2) رأساً ، وإن كان الأحوط في الثاني تجديد صيغة الوقف عند انقراض الأوّل ، أو عمل الوقف بعده . وأمّا المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه ، بخلافه في المبدأ والمنتهى ، فهو بالنسبة إلى شطره الأوّل كالمنقطع الآخر ، فيصحّ وقفاً ، وبالنسبة إلى شطره الآخر كالمنقطع الأوّل يبطل رأساً .

(مسألة 21) : إذا وقف على غيره أو على جهة وشرط عوده إليه عند حاجته صحّ على الأقوى ، ومرجعه إلى كونه وقفاً ما دام لم يحتج إليه ، فإذا احتاج إليه ينقطع ويدخل في منقطع الآخر ، وقد مرّ حكمه . وإذا مات الواقف فإن كان بعد طروّ الحاجة كان ميراثاً وإلاّ بقي على وقفيته .

ص: 166


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - على الأحوط في الأوّل ، وأمّا الثاني فالظاهر صحّته بالنسبة إلى من يصحّ ، وكذا الحال في المنقطع الوسط فيصحّ على الظاهر في الطرفين ، لكن الأحوط تجديد الوقف عند انقراض الأوّل في الأوّل ، والوسط في الثاني .

(مسألة 22) : يشترط في صحّة الوقف التنجيز(1) ، فلو علّقه على شرط متوقّع الحصول كمجيء زيد أو شيء غير حاصل يقيني الحصول فيما بعد كما إذا قال : «وقفت إذا جاء رأس الشهر» بطل . نعم لا بأس بالتعليق على شيء حاصل مع القبض به كما إذا قال : «وقفت إن كان اليوم يوم الجمعة» مع علمه(2) .

(مسألة 23) : لو قال : «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه في متفاهم العرف أ نّه وصيّة بالوقف صحّ ، وإلاّ بطل .

(مسألة 24) : ومن شرائط صحّة الوقف إخراج نفسه عن الوقف ، فلو وقف على نفسه لم يصحّ ، ولو وقف على نفسه وعلى غيره فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه وصحّ بالنسبة إلى غيره ، وإن كان بنحو الترتيب ، فإن وقف على نفسه ثمّ على غيره كان من الوقف المنقطع الأوّل ، وإن كان بالعكس كان من المنقطع الآخر ، وإن كان على غيره ثمّ على نفسه ثمّ على غيره كان من المنقطع الوسط ، وقد مرّ حكم هذه الصور .

(مسألة 25) : لو وقف على غيره - كأولاده أو الفقراء مثلاً - وشرط أن يقضي ديونه أو يؤدّي ما عليه من الحقوق المالية كالزكاة والخمس، أو ينفق عليه من غلّة الوقف، لم يصحّ(3) وبطل الوقف ، من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عيّن ،

ص: 167


1- - على الأحوط .
2- - بل مطلقاً على الأقوى .
3- - إن رجع الشرط إلى الوقف لنفسه ، وأمّا إن رجع إلى الشرط على الموقوف عليهم ؛ بأن يؤدّوا ما عليه من منافع الوقف التي صارت ملكاً لهم فالأقوى صحّته ، كما أنّ الأقوى صحّة استثناء مقدار ما عليه من منافع الوقف . ثمّ إنّ في صورة بطلان الشرط تختلف الصور ، ففي بعضها يمكن أن يقال بالصحّة بالنسبة إلى ما يصحّ ، وفي بعضها يصير من قبيل الوقف المنقطع الأوّل فيصحّ على الظاهر فيما بعده ، لكن الاحتياط بإجراء الصيغة في مواردها لا ينبغي تركه .

وكذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه وإدرار مؤونته إلى آخر عمره أو إلى مدّة معيّنة ، وكذا بين تعيين مقدار المؤونة وعدمه . نعم لو شرط ذلك على الموقوف عليه من ماله ولو من غير منافع الوقف جاز .

(مسألة 26) : لو شرط أكل أضيافه ومن يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز ، وكذا لو شرط إدرار مؤونة أهله وعياله وإن كان ممّن يجب عليه نفقته حتّى الزوجة الدائمة إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه حتّى تسقط عنه ، وإلاّ رجع إلى الوقف على النفس ، مثل شرط أداء ديونه .

(مسألة 27) : إذا آجر عيناً ثمّ وقفها ، صحّ الوقف وبقيت الإجارة على حالها وكان الوقف مسلوبة المنفعة في مدّة الإجارة ، فإذا انفسخت الإجارة بالفسخ أو الإقالة بعد تمام الوقف رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر ولا يملكها الموقوف عليهم . فمن أراد أن ينتفع بما يوقف يمكنه الاحتيال بأن يؤجره مدّة كعشرين سنة - مثلاً - مع شرط خيار الفسخ له ، ثمّ يفسخ الإجارة بعد تمامية الوقف ، فترجع إليه منفعة تلك المدّة .

(مسألة 28) : لا إشكال في جواز انتفاع الواقف بالأوقاف على الجهات العامّة كالمساجد والمدارس والقناطر والخانات المعدّة لنزول الزوّار والحجّاج والمسافرين ونحوها . وأمّا الوقف على العناوين العامّة كالفقراء والعلماء إذا كان

ص: 168

الواقف داخلاً في العنوان حين الوقف أو صار داخلاً فيه فيما بعد ، فإن كان المراد التوزيع عليهم فلا إشكال في عدم جواز أخذه حصّته من المنافع ، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه ويقصد خروجه عنه . ومن ذلك ما إذا وقف شيئاً على ذرّية أبيه أو جدّه إذا كان المقصود البسط والتوزيع كما هو الشائع المتعارف . وإن كان المراد بيان المصرف كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء والزوّار والحجّاج والفقهاء والطلبة ونحوها ، فلا إشكال في خروجه وعدم جواز انتفاعه منه إذا قصد خروجه . وإنّما الإشكال فيما لو قصد(1) الإطلاق والعموم بحيث شمل نفسه وأ نّه هل يجوز له الانتفاع به أم لا ؟ أقواهما الأوّل ، وأحوطهما الثاني ، خصوصاً فيما إذا قصد دخول نفسه .

(مسألة 29) : يعتبر في الواقف: البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر - لفلس أو سفه - فلا يصحّ وقف الصبيّ وإن بلغ عشراً على الأقوى ، نعم حيث إنّ الأقوى صحّة وصيّة من بلغ ذلك كما يأتي ، فإذا أوصى بالوقف صحّ وقف الوصيّ عنه .

(مسألة 30) : لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلماً ، فيصحّ وقف الكافر فيما يصحّ(2) من المسلم على الأقوى .

(مسألة 31) : يعتبر في الموقوف : أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ الانتفاع به منفعة محلّلة مع بقاء عينه(3) ويمكن قبضه ، فلا يصحّ وقف المنافع ، ولا الديون ،

ص: 169


1- - بل يكفي عدم قصد الخروج في جواز الانتفاع .
2- - وفيما يصحّ منه على مذهبه ؛ إقراراً له على مذهبه .
3- - بقاءً معتدّاً به ، فلا يصحّ وقف ريحانة للشمّ على الأصحّ . ومن الشرائط كون العين غير متعلّقة لحقّ الغير المانع من التصرّف ، فلا يصحّ وقف العين المرهونة .

ولا وقف ما لا يملك مطلقاً كالحرّ ، أو لا يملكه المسلم كالخنزير ، ولا ما لا انتفاع به إلاّ بإتلافه كالأطعمة والفواكه ، ولا ما انحصر انتفاعه المقصود في المحرّم كآلات اللهو والقمار . ويلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرّمة ، كما إذا وقف الدابّة لحمل الخمر أو الدكّان لحرزه أو بيعه ، وكذا لا يصحّ ما لا يمكن قبضه كالعبد الآبق والدابّة الشاردة . ويصحّ وقف كلّ ما صحّ الانتفاع به مع بقاء عينه ، كالأراضي والدور والعقار والثياب والسلاح والآلات المباحة والأشجار والمصاحف والكتب والحلي وصنوف الحيوان حتّى الكلب المملوك والسنّور ونحوها .

(مسألة 32) : لا يعتبر في العين الموقوفة كونها ممّا ينتفع بها فعلاً ، بل يكفي كونها معرضاً للانتفاع ولو بعد مدّة وزمان ، فيصحّ وقف الدابّة الصغيرة والاُصول المغروسة التي لا تثمر إلاّ بعد سنين .

(مسألة 33) : المنفعة المقصودة في الوقف أعمّ من المنفعة المقصودة في العارية والإجارة فتشمل النماءات والثمرات ، فيصحّ وقف الأشجار لثمرها والشاة لصوفها ولبنها ونتاجها وإن لم يصحّ إجارتها لذلك .

(مسألة 34) : ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين : الوقف الخاصّ ؛ وهو ما كان وقفاً على شخص أو أشخاص كالوقف على أولاده وذرّيته ، أو على زيد وذرّيته ، والوقف العامّ ؛ وهو ما كان على جهة ومصلحة عامّة كالمساجد والقناطر والخانات المعدّة لنزول القوافل ، أو على عنوان عامّ كالفقراء والفقهاء والطلبة والأيتام .

(مسألة 35) : يعتبر في الوقف الخاصّ وجود الموقوف عليه حين الوقف ،

ص: 170

فلا يصحّ الوقف ابتداءً على المعدوم ومن سيوجد ، بل وكذا على الحمل قبل أن يولد . والمراد بكونه ابتداءً أن يكون هو الطبقة الاُولى من دون مشاركة موجود في تلك الطبقة . نعم لو وقف على المعدوم أو الحمل تبعاً للموجود ؛ بأن يجعل طبقة ثانية أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث لو وجد لشاركه صحّ بلا إشكال ، كما إذا وقف على أولاده الموجودين ومن سيولد له على التشريك أو الترتيب . وبالجملة : لا بدّ في الوقف الخاصّ من وجود شخص خاصّ في كلّ زمان(1) يكون هو الموقوف عليه في ذلك الزمان ، ولا يكفي كونه ممّن سيوجد إذا لم يوجد شخص في ذلك الزمان ، فإذا وقف على من سيوجد وسيولد من ولده ثمّ على الموجود لم يتحقّق الوقف في الابتداء وكان من المنقطع الأوّل ، ولو وقف على ولده الموجود ثمّ على أولاد الولد ثمّ على زيد فتوفّى ولده قبل أن يولد له الولد ثمّ تولّد انقطع الوقف بعد موت ولد الواقف وكان من المنقطع الوسط ، كما أ نّه لو وقف على ذرّيته نسلاً بعد نسل وكان له أولاد وأولاد أولاد ثمّ انقرضوا كان من المنقطع الآخر .

(مسألة 36) : لا يعتبر في الوقف على العنوان العامّ وجوده في كلّ زمان ، بل يكفي إمكان وجوده مع وجوده فعلاً في بعض الأزمان ، فإذا وقف بستاناً - مثلاً - على فقراء البلد ولم يكن في زمان الوقف فقير في البلد لكن سيوجد ، صحّ الوقف ولم يكن من المنقطع الأوّل ، كما أ نّه لو كان موجوداً لكن لم يوجد في

ص: 171


1- - هذا ممنوع على ما فصّل ، بل ما يعتبر فيه : وجود الموقوف عليه حين الوقف ، فلا يصحّ الوقف على المعدوم أو الحمل ابتداءً بنحو الاستقلال لا التبعية . وأمّا لزوم وجود شخص في كلّ زمان فممنوع ، فلو وقف على ولده الموجود وعلى ولد ولده بعده ومات الولد قبل ولادة ولده فالظاهر صحّته ، ويكون الموقوف عليه بعد موت الولد هو الحمل .

زمان ثمّ وجد لم يكن من المنقطع الوسط ، بل هو باقٍ على وقفيته فيحفظ غلّته في زمان عدم وجود الفقير إلى أن يوجد .

(مسألة 37) : يشترط في الموقوف عليه التعيين ، فلو وقف على أحد الشخصين أو أحد المشهدين أو أحد المسجدين أو أحد الفريقين لم يصحّ .

(مسألة 38) : لا يصحّ(1) الوقف على الكافر الحربي والمرتدّ عن فطرة ، وأمّا الذمّي والمرتدّ لا عن فطرة ، فالظاهر صحّته ، سيّما إذا كان رحماً للواقف .

(مسألة 39) : لا يصحّ الوقف على الجهات المحرّمة وما فيه إعانة على المعصية ، كمعونة الزنا وقطّاع الطريق وكتابة كتب الضلال ، وكالوقف على البِيَع والكنائس وبيوت النيران لجهة عمارتها وخدمتها وفرشها ومعلّقاتها وغيرها ، نعم يصحّ وقف الكافر عليها .

(مسألة 40) : إذا وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد انصرف إلى فقراء المسلمين ، بل الظاهر أ نّه لو كان الواقف شيعياً انصرف إلى فقراء الشيعة ، وإذا وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته ، فاليهود إلى اليهود، والنصارى إلى النصارى وهكذا . بل الظاهر أ نّه لو كان الواقف سنّياً انصرف إلى فقراء أهل السنّة ، نعم الظاهر أ نّه لا يختصّ بمن يوافقه في المذهب ، فلا انصراف لو وقف الحنفي إلى الحنفي والشافعي إلى الشافعي وهكذا .

(مسألة 41) : إذا كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد

ص: 172


1- - محلّ تأمّل .

محصورة ، كما إذا وقف على فقراء محلّة أو قرية صغيرة ، توزّع منافع الوقف على الجميع ، وإن كانوا غير محصورين لم يجب الاستيعاب ، لكن لا يترك الاحتياط بمراعاة الاستيعاب العرفي مع كثرة المنفعة ، فيوزّع على جماعة معتدّ بها بحسب مقدار المنفعة .

(مسألة 42) : إذا وقف على فقراء قبيلة - كبني فلان - وكانوا متفرّقين لم يقتصر(1) على الحاضرين ، بل يجب تتبّع الغائبين وحفظ حصّتهم للإيصال إليهم ، نعم إذا لم يمكن التفتيش عنهم وصعب إحصاؤهم لم يجب الاستقصاء ، بل يقتصر(2) على من حضر .

(مسألة 43) : إذا وقف على المسلمين كان لكلّ(3) من أقرّ بالشهادتين ، ولو وقف على المؤمنين اختصّ بالاثني عشرية لو كان الواقف إمامياً وكذا لو وقف على الشيعة .

(مسألة 44) : إذا وقف في سبيل اللّه يصرف في كلّ ما يكون وصلة إلى الثواب ، وكذلك لو وقف في وجوه البرّ .

(مسألة 45) : إذا وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف ، وإذا وقف على الأقرب فالأقرب كان ترتيبياً على كيفية طبقات الإرث .

(مسألة 46) : إذا وقف على أولاده اشترك الذكر والاُنثى والخنثى ويكون

ص: 173


1- - إلاّ إذا كان عددهم غير محصور كبني هاشم .
2- - بل يجب الاستقصاء بمقدار الإمكان وعدم الحرج على الأحوط، إلاّ أن يكون على الجهة.
3- - إذا كان الواقف ممّن يرى أنّ غير أهل مذهبه أيضاً من المسلمين .

التقسيم بينهم على السواء ، وإذا وقف على أولاد أولاده عمّ أولاد البنين والبنات ذكورهم وإناثهم بالسويّة .

(مسألة 47) : إذا قال : «وقفت على ذرّيتي» عمّ الأولاد بنين وبنات وأولادهم بلاواسطة ومعها ذكوراً وإناثاً ، ويكون الوقف تشريكياً يشارك الطبقات اللاحقة مع السابقة ويكون على الرؤوس بالسويّة . وأمّا إذا قال : «وقفت على أولادي» أو قال : «على أولادي وأولاد أولادي» فالمشهور أنّ الأوّل ينصرف إلى الصلبي فلا يشمل أولاد الأولاد ، والثاني يختصّ بطنين ، فلا يشمل سائر البطون ، لكن الظاهر خلافه وأنّ الظاهر منهما عرفاً التعميم(1) خصوصاً في الثاني .

(مسألة 48) : إذا قال : «وقفت على أولادي نسلاً بعد نسل وبطناً بعد بطن» الظاهر المتبادر منه عند العرف أ نّه وقف ترتيب ، فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمّه .

(مسألة 49) : إذا قال : «وقفت على ذرّيتي» أو قال : «على أولادي وأولاد أولادي» ولم يذكر أ نّه وقف تشريك أو وقف ترتيب ، يحمل على الأوّل ، وكذا(2) لو علم من الخارج وقفية شيء على الذرّية ولم يعلم أ نّه وقف تشريك أو وقف ترتيب .

(مسألة 50) : لو قال : «وقفت على أولادي الذكور نسلاً بعد نسل» يختصّ

ص: 174


1- - نعم لا يبعد أن يفصّل بين ما ذكر وبين ما إذا قال : «وقفت على أولادي ثمّ على الفقراء» أو قال : «وقفت على أولادي وأولاد أولادي ثمّ على الفقراء» فيختصّ بالبطن الأوّل في الأوّل ، وبالبطنين في الثاني ، خصوصاً في الصورة الاُولى .
2- - محلّ إشكال بل منع ، فالظاهر فيما عدا قسمة الطبقة الاُولى الرجوع إلى القرعة .

بالذكور من الذكور في جميع الطبقات ولا يشمل الذكور من الإناث .

(مسألة 51) : إذا كان الوقف ترتيبياً كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف ، فتارة : جعل الترتيب بين الطبقة السابقة واللاحقة ويراعى الأقرب فالأقرب إلى الواقف ، فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمّه وعمّته ولا ابن الاُخت خاله وخالته ، واُخرى : جعل الترتيب بين خصوص الآباء من كلّ طبقة وأبنائهم . فإذا كانت إخوة ولبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شيء ما دام حياة الآباء ، فإذا توفّى الآباء شارك الأولاد أعمامهم . ويمكن أن يجعل الترتيب على نحو آخر ويتّبع فإنّ الوقوف على حسب ما يقفها أهلها .

(مسألة 52) : لو قال : «وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة وإذا مات أحدهم وكان له ولد فنصيبه لولده» فلو مات أحدهم وله ولد يكون نصيبه لولده ، ولو تعدّد الولد يقسّم النصيب بينهم على الرؤوس . وإذا مات من لا ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته ولا يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده .

(مسألة 53) : لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة ، فلا يشمل غيرهم كعلماء الطبّ والنجوم والحكمة .

(مسألة 54) : لو وقف على أهل مشهدٍ - كالنجف مثلاً - اختصّ بالمتوطّنين والمجاورين ولا يشمل الزوّار والمتردّدين .

(مسألة 55) : لو وقف على المشتغلين في النجف - مثلاً - من أهل البلد الفلاني كطهران أو غيره من البلدان اختصّ بمن هاجر من بلده إلى النجف للاشتغال ولا يشمل من جعله وطناً له معرضاً عن بلده .

ص: 175

(مسألة 56) : لو وقف على مسجد صرفت منافعه مع الإطلاق في تعميره وضوئه وفرشه وخادمه ، ولو زاد شيء يعطى لإمامه .

(مسألة 57) : لو وقف على مشهد يصرف في تعميره وضوئه وخدّامه المواظبين لبعض الأشغال اللازمة المتعلّقة بذلك المشهد .

(مسألة 58) : لو وقف على الحسين علیه السلام يصرف في إقامة تعزيته من اُجرة القارئ وما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين .

(مسألة 59) : لا إشكال في أ نّه بعد تمام الوقف ليس للواقف التغيير في الموقوف عليه بإخراج بعض من كان داخلاً أو إدخال من كان خارجاً ، إذا لم يشترط ذلك في ضمن عقد الوقف ، وهل يصحّ ذلك إذا شرط ذلك ؟ فالمشهور - وهو المنصور(1) - جواز الإدخال دون الإخراج ، فلو شرط إدخال من يريد صحّ وجاز له ذلك ، ولو شرط إخراج من يريد بطل الشرط بل الوقف أيضاً على إشكال . ومثل ذلك لو شرط نقل الوقف من الموقوف عليهم إلى من سيوجد ، نعم لو وقف على جماعة إلى أن يوجد من سيوجد وبعد ذلك كان الوقف على من سيوجد صحّ بلا إشكال .

(مسألة 60) : إذا علم وقفية شيء ولم يعلم مصرفه ولو من جهة نسيانه ، فإن كانت المحتملات متصادقة غير متباينة يصرف في المتيقّن ، كما إذا لم يدر أ نّه وقف على الفقراء أو على الفقهاء فتقتصر على مورد تصادق العنوانين وهو الفقهاء الفقراء ، وإن كانت متباينة فإن كان الاحتمال بين اُمور محصورة ، كما إذا

ص: 176


1- - كون جواز الإدخال منصوراً أو مشهوراً محلّ إشكال ، فلا يبعد عدم جواز الإدخال كالإخراج .

لم يدر أ نّه وقف على أهالي النجف أو كربلاء ، أو لم يدر أ نّه وقف على المسجد الفلاني أو المشهد الفلاني ونحو ذلك يوزّع بين المحتملات بالتنصيف لو كان مردّداً بين أمرين ، والتثليث لو كان مردّداً بين ثلاثة وهكذا ، ويحتمل(1) القرعة . وإن كان بين اُمور غير محصورة ، فإن كان مردّداً بين عناوين وأشخاص غير محصورين ، كما إذا لم يدر أ نّه وقف على فقراء البلد الفلاني أو فقهاء البلد الفلاني أو سادة البلد الفلاني أو ذرّية زيد أو ذرّية عمرو أو ذرّية خالد وهكذا ، كانت منافعه بحكم مجهول المالك فيتصدّق بها . وإن كان مردّداً بين جهات غير محصورة ، كما إذا لم يعلم أ نّه وقف على المسجد أو المشهد أو القناطر أو إعانة الزوّار أو تعزية سيّد الشهداء uوهكذا ، يصرف في وجوه البرّ(2) .

(مسألة 61) : إذا كانت للعين الموقوفة منافع متجدّدة وثمرات متنوّعة ، يملك الموقوف عليهم جميعها مع إطلاق الوقف ، فإذا وقف العبد يملكون جميع منافعه من مكتسباته وحيازاته من الالتقاط والاصطياد والاحتشاش وغير ذلك ، وفي الشاة الموقوفة يملكون صوفها المتجدّد ولبنها ونتاجها ، وفي الشجر والنخل ثمرهما ومنفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة ، بل وغيرها إذا قطّعت للإصلاح ، وكذا فروخهما وغير ذلك ، وهل يجوز التخصيص ببعض المنافع حتّى يكون للموقوف عليهم بعض المنافع دون بعض ؟ فيه تأمّل(3) وإشكال .

ص: 177


1- - وهو الأقوى .
2- - بشرط عدم الخروج عن محلّ الترديد .
3- - الأقوى جوازه .

(مسألة 62) : لو وقف على مصلحة فبطل رسمها ، كما إذا وقف على مسجد أو مدرسة أو قنطرة فخربت ولم يمكن تعميرها ، أو لم يحتج المسجد إلى مصرف لانقطاع من يصلّي فيه ، والمدرسة لعدم الطلبة ، والقنطرة لعدم المارّة ، صرف الوقف في وجوه البرّ ، والأحوط صرفه في مصلحة اُخرى من جنس تلك المصلحة ، ومع التعذّر يراعى الأقرب فالأقرب منها .

(مسألة 63) : إذا خرب المسجد لم تخرج(1) عرصته عن المسجدية ، فتجري عليها أحكامها ، وكذا لو خربت القرية التي هو فيها بقى المسجد على صفة المسجدية .

(مسألة 64) : لو وقف داراً على أولاده أو على المحتاجين منهم ، فإن أطلق فهو وقف منفعة ، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خاناً أو دكّاناً ونحوها يملكون منافعها ، فلهم استنماؤها ، فيقسّمون بينهم ما يحصّلون منها - بإجارة وغيرها - على حسب ما قرّره الواقف من الكمّية والكيفية ، وإن لم يقرّر كيفية في القسمة يقسّمونه بينهم بالسويّة . وإن وقفها عليهم لسكناهم ، فهو وقف انتفاع ويتعيّن لهم ذلك وليس لهم إجارتها ، وحينئذٍ فإن كفت لسكنى الجميع سكنوها وليس لبعضهم أن يستقلّ به ويمنع غيره . وإذا وقع بينهم التشاحّ في اختيار الحجر ، فإن جعل الواقف متولّياً يكون له النظر في تعيين المسكن للساكن ، كان نظره وتعيينه هو المتّبع ، ومع عدمه كانت القرعة هي المرجع . ولو سكن بعضهم ولم يسكنها البعض ، فليس له مطالبة الساكن باُجرة حصّته إذا لم يكن مانعاً عنه ، بل كان باذلاً له الإسكان وهو لم يسكن بميله واختياره أو لمانع خارجي . هذا

ص: 178


1- - في بعض فروضه محلّ تأمّل بل منع .

كلّه إذا كانت كافية لسكنى الجميع ، وإن لم تكف لسكنى الجميع سكنها البعض ، ومع التشاحّ وعدم متولٍّ من قبل الواقف يكون له النظر في تعيين الساكن وعدم تسالمهم على المهاياة لا محيص عن القرعة ، ومن خرج اسمه يسكن وليس لمن لم يسكن مطالبته باُجرة حصّته .

(مسألة 65) : الثمر الموجود حال الوقف على النخل والشجر لا يكون للموقوف عليهم ، بل هو باقٍ على ملك الواقف ، وكذلك الحمل الموجود حال وقف الحامل ، نعم في الصوف على الشاة واللبن في ضرعها إشكال فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 66) : لو قال : «وقفت على أولادي وأولاد أولادي» شمل جميع البطون - كما أشرنا سابقاً - فمع اشتراط الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو قيد الذكورية أو الاُنوثية أو غير ذلك يكون هو المتّبع ، وإذا أطلق فمقتضاه التشريك والشمول للذكور والإناث والمساواة وعدم التفضيل . ولو قال : «وقفت على أولادي ثمّ على أولاد أولادي» أفاد الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد قطعاً ، وأمّا أولاد الأولاد بناءً على شموله لجميع البطون فالظاهر عدم الدلالة على الترتيب بينهم ، إلاّ إذا قامت قرينة على أنّ حكمهم كحكمهم مع الأولاد وأنّ ذكر الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد من باب المثال ، والمقصود الترتيب في سلسلة الأولاد وأنّ الوقف للأقرب فالأقرب إلى الواقف .

(مسألة 67) : لا ينبغي الإشكال في أنّ الوقف بعد ما تمّ يوجب زوال(1) ملك الواقف عن العين الموقوفة ، كما أ نّه لا ينبغي الريب في أنّ الوقف على الجهات

ص: 179


1- - مرّ الإشكال في المنقطع الآخر .

العامّة - كالمساجد والمشاهد والقناطر والخانات المعدّة لنزول القوافل والمقابر والمدارس ، وكذا أوقاف المساجد والمشاهد وأشباه ذلك - لا يملكها أحد ، بل هو فكّ ملك بمنزلة التحرير بالنسبة إلى الرقّية وتسبيل للمنافع على جهات معيّنة .

وأمّا الوقف الخاصّ ، كالوقف على الأولاد ، والوقف العامّ على العناوين العامّة ، كالوقف على الفقراء والفقهاء والطلبة ونحوها ، فإن كانت وقف منفعة ؛ بأن وقف عليهم ليكون منافع الوقف لهم فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة وغير ذلك ، فالظاهر أ نّهم كما يملكون المنافع ملكاً طلقاً يملكون الرقبة أيضاً(1) ملكاً غير طلق ، وإن كان وقف انتفاع ، كما إذا وقف الدار لسكنى ذرّيته أو الخان لسكنى الفقراء ، ففي كونه كوقف المنفعة فيكون ملكاً غير طلق للموقوف عليهم ، أو كالوقف على الجهات العامّة فلا يملكه أحد ، أو الفرق بين الوقف الخاصّ فالأوّل والوقف العامّ فالثاني ، وجوه .

(مسألة 68) : لا يجوز تغيير الوقف وإبطال رسمه وإزالة عنوانه ولو إلى عنوان آخر ، كجعل الدار خاناً أو دكّاناً أو بالعكس ، نعم إذا كان الوقف وقف منفعة وصار بعنوانه الفعلي مسلوب المنفعة أو قليلها في الغاية ، لا يبعد جواز تبديله إلى عنوان آخر ذي منفعة ، كما إذا صارت البستان الموقوفة من جهة انقطاع الماء عنها أو لعارض آخر لم ينتفع عنها ، بخلاف ما إذا جعلت داراً أو خاناً .

ص: 180


1- - لا يبعد أن يكون اعتبار الوقف في جميع أقسامه إيقاف العين لدرّ المنفعة على الموقوف عليه ، فلا تصير العين ملكاً لهم وتخرج عن ملك الواقف إلاّ في بعض صور المنقطع الآخر .

(مسألة 69) : لو خرب الوقف وانهدم وزال عنوانه ، كالبستان انقلعت أو يبست أشجارها والدار تهدّمت حيطانها وعفت آثارها ، فإن أمكن تعميره وإعادة عنوانه ولو بصرف حاصله الحاصل بالإجارة ونحوها فيه ، لزم(1) وتعيّن ، وإلاّ ففي خروج العرصة عن الوقفية وعدمه فيستنمى منها بوجه آخر - ولو بزرع ونحوه - وجهان بل قولان ؛ أقواهما الثاني ، والأحوط أن يجعل وقفاً ويجعل مصرفه وكيفياته على حسب الوقف الأوّل .

(مسألة 70) : إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير وترميم وإصلاح لبقائها والاستنماء بها ، فإن عيّن الواقف لها ما يصرف فيها فهو ، وإلاّ يصرف(2) فيها من نمائها مقدّماً على حقّ الموقوف عليهم ، حتّى أ نّه إذا توقّف بقاؤها على بيع بعضها جاز .

(مسألة 71) : الأوقاف على الجهات العامّة - التي قد مرّ أ نّه لا يملكها أحد كالمساجد والمشاهد والمدارس والمقابر والقناطر ونحوها - لا يجوز بيعها بلا إشكال(3) وإن آل إلى ما آل ، حتّى عند خرابها واندراسها بحيث لا يرجى الانتفاع بها في الجهة المقصودة أصلاً بل تبقى على حالها ، فلو خرب المسجد وخربت القرية التي هو فيها وانقطعت المارّة عن الطريق الذي يسلك إليه لم يجز بيعه وصرف ثمنه في إحداث مسجد آخر أو تعميره . هذا بالنسبة إلى أعيان هذه الأوقاف ، وأمّا ما يتعلّق بها من الآلات والفرش والحيوانات وثياب الضرائح

ص: 181


1- - على الأحوط .
2- - على الأحوط .
3- - في مثل المساجد والمشاهد ، وأمّا غيرها فمحلّ إشكال ، لا يترك الاحتياط بما ذكر .

وأشباه ذلك فما دام يمكن الانتفاع بها باقية على حالها لا يجوز بيعها ، فإن أمكن الانتفاع بها في المحلّ الذي اُعدّت له ولو بغير ذلك الانتفاع الذي اُعدّت له بقيت على حالها في ذلك المحلّ ، فالفرش المتعلّقة بمسجد أو مشهد إذا أمكن الانتفاع بها في ذلك المحلّ ، بقيت على حالها فيه . ولو فرض استغناء المحلّ عن الافتراش بالمرّة لكن يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحرّ أو البرد تجعل ستراً لذلك المحلّ . ولو فرض استغناء المحلّ عنها بالمرّة بحيث لا يترتّب على إمساكها وإبقائها فيه إلاّ الضياع والضرر والتلف ، تجعل في محلّ آخر مماثل له ؛ بأن تجعل ما للمسجد لمسجد آخر ، وما للمشهد لمشهد آخر . فإن لم يكن المماثل ، أو استغنى عنها بالمرّة جعلت في المصالح العامّة . هذا إذا أمكن الانتفاع بها باقية على حالها ، وأمّا لو فرض أ نّه لا يمكن الانتفاع بها إلاّ ببيعها وكانت بحيث لو بقيت على حالها ضاعت وتلفت ، بيعت وصرف ثمنها في ذلك المحلّ إن احتاج إليه ، وإلاّ ففي المماثل ، ثمّ المصالح حسب ما مرّ .

(مسألة 72) : كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف ، الظاهر أ نّه لا يجوز إجارتها ، ولو غصبها غاصب واستوفى منها غير تلك المنافع المقصودة منها - كما إذا جعل المسجد أو المدرسة بيت المسكن أو محرزاً - لم يكن عليه اُجرة(1) المثل . نعم لو أتلف أعيانها متلف ، الظاهر ضمانه فيؤخذ منه القيمة وتصرف في بدل التالف ومثله .

(مسألة 73) : الأوقاف الخاصّة كالوقف على الأولاد ، والأوقاف العامّة التي كانت على العناوين العامّة كالفقراء وإن كانت ملكاً للموقوف عليهم كما

ص: 182


1- - لا يبعد ضمانها في مثل المدارس والخانات والحمّامات .

مرّ(1) ، لكنّها ليست ملكاً طلقاً لهم حتّى يجوز لهم بيعها ونقلها بأحد النواقل متى شاؤوا وأرادوا كسائر أملاكهم ، وإنّما يجوز لهم ذلك لعروض بعض العوارض وطروّ بعض الطوارئ وهي اُمور :

أحدها : فيما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالتها الاُولى ولا الانتفاع بها إلاّ ببيعها ، فينتفع بثمنها كالحيوان المذبوح والجذع البالي والحصير الخلق ، فتباع ويشترى بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم ، والأحوط - لو لم يكن الأقوى - مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة .

الثاني : أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتدّ به(2) ؛ بحيث كان الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى منفعة أمثال العين الموقوفة ، كما إذا انهدمت الدار واندرست البستان فصارت عرصة لا يمكن الانتفاع بها إلاّ بمقدار جزئي جدّاً يكون بحكم العدم بالنسبة إليهما ، لكن إذا بيعت يمكن أن يشترى بثمنها دار أو بستان اُخرى أو ملك آخر تكون منفعتها تساوي منفعة الدار والبستان أو تقرب منها . نعم لو فرض أ نّه على تقدير بيع العرصة لا يشترى بثمنها إلاّ ما يكون منفعتها بمقدار منفعتها باقية على حالها لم يجز بيعها بل تبقى على حالها .

الثالث : فيما إذا علم أو ظنّ أ نّه يؤدّي(3) بقاؤه إلى خرابه على وجه لا ينتفع بها أصلاً ، أو ينتفع به قليلاً ملحقاً بالعدم ؛ سواء كان ذلك بسبب الاختلاف الواقع بين أربابه أو لأمر آخر .

الرابع : فيما إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر ، مثل قلّة

ص: 183


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - ولا يرجى العود ، وإلاّ فالأقوى عدم الجواز كما مرّ .
3- - فيه إشكال ، بل فيما إذا كان أداؤه مظنوناً لا يخلو عدم الجواز من قوّة كما مرّ .

المنفعة أو كثرة الخراج أو المخارج أو وقوع الاختلاف بين أربابه أو حصول ضرورة أو حاجة لهم أو غير ذلك ، فإنّه لا مانع حينئذٍ من بيعه عند حدوث ذلك الأمر على الأقوى .

الخامس : فيما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف الأموال والنفوس ، ولا ينحسم ذلك إلاّ ببيعه ، فيجوز حينئذٍ بيعه وتقسيم ثمنه بينهم . نعم لو فرض أ نّه يرتفع الاختلاف بمجرّد بيعه وصرف الثمن في شراء عين اُخرى لهم ، أو تبديل العين الموقوفة بعين اُخرى تعيّن ذلك ، فيشتري بالثمن عيناً اُخرى أو يبدّل بملك آخر ، فيجعل وقفاً ويبقى لسائر البطون والطبقات .

(مسألة 74) : لا إشكال في جواز إجارة ما وقف وقف منفعة ؛ سواء كان وقفاً خاصّاً أو عامّاً كالدكاكين والمزارع والخانات الموقوفة على الأولاد أو الفقراء أو الجهات والمصالح العامّة ؛ حيث إنّ المقصود استنماؤها بإجارة ونحوها ووصول نفعها ونمائها إلى الموقوف عليهم ، بخلاف ما كان وقف انتفاع كالدار الموقوفة على سكنى الذرّية وكالمدرسة والمقبرة والقنطرة والخانات الموقوفة لنزول المارّة ، فإنّ الظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال .

(مسألة 75) : إذا خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه ، واحتاج بعضه الآخر إلى تعمير ولو لأجل توفير المنفعة ، لا يبعد(1) أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف ثمن البعض الخراب في تعمير البعض الآخر .

ص: 184


1- - جواز صرفه لأجل توفير المنفعة بعيد ، كما أ نّه مع إمكان تعمير البعض الخراب من منافعه ، فالأحوط تعميره منها وصرف ثمن المبيع في اشتراء مثل الموقوفة ، نعم فيما إذا لم تكن له منفعة كذلك لا يبعد ما في المتن .

(مسألة 76) : لا إشكال في جواز قسمة الوقف عن الملك الطلق فيما إذا كانت العين مشتركة بين الوقف والطلق ، فيتصدّيها مالك الطلق مع متولّي الوقف أو الموقوف عليهم ، بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضاً لو تعدّد الوقف والموقوف عليه ، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين فوقف كلّ منهما حصّته على أولاده . بل لا يبعد جوازها فيما إذا تعدّد الوقف والموقوف عليه مع اتّحاد الواقف ، كما إذا وقف نصف داره مشاعاً على مسجد والنصف الآخر على مشهد . ولا يجوز قسمته بين أربابه إذا اتّحد الوقف والواقف مع كون الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة ، نعم لو وقع خلف بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولا ينحسم ذلك الاختلاف إلاّ بالقسمة جازت على الأقوى(1) .

(مسألة 77) : لو آجر الوقف البطن الأوّل وانقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة ، بطلت بالنسبة إلى بقيّة المدّة ، وفي صحّتها بإجازة البطن اللاحق إشكال(2) ، فالأحوط تجديد الإجارة منهم لو أرادوا بقاءها . هذا إذا آجر البطن الأوّل ، وأمّا لو آجر المتولّي ، فإن لاحظ في ذلك مصلحة الوقف ، صحّت ونفذت بالنسبة إلى سائر البطون ، وأمّا لو كانت لأجل مراعاة البطن اللاحق دون أصل الوقف ، فنفوذها بالنسبة إليهم بدون إجازتهم لا يخلو من إشكال(3) .

(مسألة 78) : يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه ؛ دائماً أو

ص: 185


1- - لكن لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، ففي الحقيقة تكون هذه القسمة قسمة المنافع ، والظاهر جوازها مطلقاً ، وأمّا قسمة العين بحيث تكون نافذة بالنسبة إلى سائر البطون فالأقوى عدم جوازها مطلقاً .
2- - الأقوى صحّتها بإجازتهم ؛ كما مرّ منه رحمه الله في كتاب الإجارة .
3- - الظاهر نفوذها بدون إجازتهم ؛ كما مرّ منه رحمه الله في كتاب الإجارة .

إلى مدّة ، مستقلاًّ أو مشتركاً مع غيره ، وكذا يجوز جعلها للغير كذلك ، بل يجوز أن يجعل أمر التولية بيد شخص ؛ بأن يكون المتولّي كلّ من يعيّنه ذلك الشخص ، بل يجوز أن يجعل التولية لشخص ويجعل أمر تعيين المتولّي بعده بيده ، وهكذا كلّ متولٍّ يعيّن المتولّي بعده .

(مسألة 79) : إنّما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع الوقف وفي ضمن عقده ، وأمّا بعد تمامه فهو أجنبيّ عن الوقف ، فليس له جعل التولية لأحد ولا عزل من جعله متولّياً عن التولية إلاّ إذا اشترط لنفسه ذلك ؛ بأن جعل التولية لشخص وشرط أ نّه متى أراد أن يعزله عزله .

(مسألة 80) : لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية والنظر لنفسه ، وفي اعتبارها فيما إذا جعل النظر لغيره قولان ، أقواهما العدم . نعم الظاهر أ نّه يعتبر فيه الأمانة والكفاية ، فلا يجوز جعل التولية - خصوصاً في الجهات والمصالح العامّة - لمن كان خائناً غير موثوق به ، وكذا من ليس له الكفاية في تولية اُمور الوقف . ومن هنا يقوى اعتبار التميّز والعقل فيه ، فلا يصحّ تولية المجنون والصبيّ الغير المميّز(1) .

(مسألة 81) : لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول ؛ سواء كان حاضراً في مجلس العقد أو لم يكن حاضراً فيه ثمّ بلغ إليه الخبر ولو بعد وفاة الواقف . ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم لم يجب القبول على المتولّين بعده ، فمع عدم القبول كان الوقف بلا متولٍّ منصوب ، ولو قبل

ص: 186


1- - بل المميّز أيضاً إن اُريد عمل التولية من إجارة الوقف وأمثالها منه مباشرة ، وأمّا إذا جعل التولية له حتّى يقوم القيّم بأمرها ما دام قاصراً ، فالظاهر جوازه ولو كان غير مميّز .

التولية فهل يجوز له عزل نفسه بعد ذلك كالوكيل أم لا ؟ قولان ، لا يترك الاحتياط ؛ بأن لا يرفع اليد عن الأمر ولا يعزل نفسه ، ولو عزل يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم .

(مسألة 82) : لو شرط التولية لاثنين ، فإن صرّح باستقلال كلّ منهما استقلّ ولا يلزم عليه مراجعة الآخر ، وإذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية انفرد الآخر ، وإن صرّح بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال ، وكذا لو أطلق ولم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال ، وحينئذٍ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهلية يضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر على الأحوط ، لو لم يكن الأقوى .

(مسألة 83) : لو عيّن الواقف وظيفة المتولّي وشغله فهو المتّبع ، ولو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من تعمير الوقف وإجارته وتحصيل اُجرته وقسمتها على أربابه وأداء خراجه ونحو ذلك ، كلّ ذلك على وجه الاحتياط ومراعاة الصلاح ، وليس لأحد مزاحمته في ذلك حتّى الموقوف عليهم . ويجوز أن ينصب الواقف متولّياً في بعض الاُمور وآخر في الآخر ، كما إذا جعل أمر التعمير وتحصيل المنافع إلى أحد ، وأمر حفظها وقسمتها على أربابها إلى آخر ، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده و حفظه وللآخر التصرّف . ولو فوّض إلى واحد التعمير وتحصيل الفائدة وأهمل باقي الجهات من الحفظ والقسمة وغيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍّ منصوب فيجري عليه حكمه وسيأتي .

(مسألة 84) : لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع تعيّن وكان ذلك اُجرة

ص: 187

عمله ؛ ليس له أزيد من ذلك وإن كان أقلّ من اُجرة مثله ، ولو لم يذكر شيئاً فالأقرب أنّ له اُجرة المثل .

(مسألة 85) : ليس للمتولّي تفويض التولية إلى غيره حتّى مع عجزه عن التصدّي ، إلاّ إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متولّياً ، نعم يجوز له التوكيل في بعض ما كان تصدّيه من وظيفته إذا لم يشترط عليه المباشرة .

(مسألة 86) : يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي ، فإن أحرز أنّ المقصود مجرّد اطّلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقلّ في تصرّفاته ، ولا يعتبر إذن الناظر في صحّتها ونفوذها ، وإنّما اللازم عليه إطلاعه ، وإن كان المقصود إعمال نظره وتصويب عمله لم يجز له التصرّف إلاّ بإذنه وتصويبه ، ولو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين .

(مسألة 87) : إذا لم يعيّن الواقف متولّياً أصلاً ؛ فأمّا الأوقاف العامّة فالمتولّي لها الحاكم أو المنصوب من قبله على الأقوى ، وأمّا الأوقاف الخاصّة فالحقّ أ نّه بالنسبة إلى ما كان راجعاً إلى مصلحة الوقف ومراعاة البطون - من تعميره وحفظ الاُصول وإجارته على البطون اللاحقة ونحوها - كالأوقاف العامّة توليتها للحاكم أو منصوبه ، وأمّا بالنسبة إلى تنميته واصلاحاته الجزئية المتوقّف عليها في حصول النماء الفعلي كتنقية أنهاره وكريه وحرثه وجمع حاصله وتقسيمه وأمثال ذلك ، فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين .

(مسألة 88) : في الأوقاف التي توليتها للحاكم ومنصوبه ، مع فقده وعدم الوصول إليه توليتها لعدول المؤمنين .

ص: 188

(مسألة 89) : لا فرق فيما كان أمره راجعاً إلى الحاكم بين ما إذا لم يعيّن الواقف متولّياً وبين ما إذا عيّن ولم يكن أهلاً لها أو خرج عن الأهلية ، فإذا جعل التولية للعادل من أولاده ولم يكن بينهم عادل أو كان ففسق كان كأن لم ينصب متولّياً .

(مسألة 90) : لو جعل التولية لعدلين من أولاده - مثلاً - ولم يكن فيهم إلاّ عدل واحد ضمّ الحاكم إليه عدلاً آخر ، وأمّا لو لم يوجد فيهم عدل أصلاً ، فهل اللازم على الحاكم نصب عدلين أو يكفي نصب واحد ؟ أحوطهما الأوّل وأقواهما الثاني .

(مسألة 91) : إذا احتاج الوقف إلى التعمير ولم يكن وجه يصرف فيه ، يجوز للمتولّي أن يقترض له قاصداً أداء ما في ذمّته بعد ذلك ممّا يرجع إليه كمنافعه أو منافع موقوفاته ، فيقترض متولّي البستان - مثلاً - لتعميرها بقصد أن يؤدّي بعد ذلك دينه من عائداتها ، ومتولّي المسجد أو المشهد أو المقبرة ونحوها بقصد أن يؤدّي دينه من عائدات موقوفاتها ، بل يجوز أن يصرف في ذلك من ماله بقصد الاستيفاء ممّا ذكر . نعم لو اقترض له لا بقصد الأداء منه ، أو صرف من ماله لا بنيّة الاستيفاء منه ، لم يكن له ذلك بعد ذلك .

(مسألة 92) : تثبت الوقفية بالشياع - إذا أفاد العلم أو الاطمئنان - وبإقرار ذي اليد أو ورثته ، وبكونه في تصرّف الوقف ؛ بأن يعامل المتصرّفون فيه معاملة الوقف بلا معارض ، وكذا تثبت بالبيّنة الشرعية .

(مسألة 93) : إذا أقرّ بالوقف ثمّ ادّعى أنّ إقراره كان لمصلحة يسمع منه ، لكن يحتاج إلى الإثبات ، بخلاف ما إذا أوقع العقد وحصل القبض ، ثمّ ادّعى أ نّه لم

ص: 189

يكن قاصداً فإنّه لا يسمع منه أصلاً ، كما هو الحال في جميع العقود والإيقاعات .

(مسألة 94) : كما أنّ معاملة المتصرّفين معاملة الوقفية دليل على أصل الوقفية ما لم يثبت خلافها ، كذلك كيفية عملهم - من الترتيب أو التشريك والمصرف وغير ذلك - دليل على كيفيته ، فيتّبع ما لم يعلم خلافها .

(مسألة 95) : إذا كان ملك بيد شخص يتصرّف فيه بعنوان الملكية ، لكن علم أ نّه قد كان في السابق وقفاً ، لم ينتزع من يده بمجرّد ذلك ، ما لم يثبت وقفيته فعلاً . وكذا لو ادّعى أحد أ نّه قد وقف على آبائه نسلاً بعد نسل ، وأثبت ذلك من دون أن يثبت كونه وقفاً فعلاً . نعم لو أقرّ ذو اليد في مقابل خصمه ؛ بأ نّه قد كان وقفاً إلاّ أ نّه قد حصل المسوّغ للبيع وقد اشتراه ، سقط حكم يده وينتزع منه ، ويلزم بإثبات الأمرين: وجود المسوّغ للبيع ووقوع الشراء .

(مسألة 96) : إذا كان كتاب أو مصحف أو صُفر - مثلاً - بيد شخص ، وهو يدّعي ملكيته وكان مكتوباً عليه أ نّه وقف ، لم يحكم بوقفيته بمجرّد ذلك ، فيجوز الشراء منه . نعم الظاهر أنّ وجود مثل ذلك عيب ونقص في العين ، فلو خفي على المشتري ثمّ اطّلع عليه كان له خيار الفسخ .

(مسألة 97) : لو ظهر في تركة الميّت ورقة بخطّه : أنّ ملكه الفلاني وقف وأ نّه وقع القبض والإقباض ، لم يحكم بوقفيته بمجرّد ذلك ما لم يحصل العلم أو الاطمئنان به ؛ لاحتمال أ نّه كتب ليجعله وقفاً كما يتّفق ذلك كثيراً .

(مسألة 98) : إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية - كالأنعام الثلاثة - لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها وإن بلغت حصّة كلّ منهم حدّ النصاب ،

ص: 190

وأمّا لو كانت نماؤها منها كالعنب والتمر ففي الوقف الخاصّ وجبت الزكاة على كلّ من بلغت حصّته النصاب من الموقوف عليهم ؛ لأ نّها ملك طلق لهم بخلاف الوقف العامّ وإن كان مثل الوقف على الفقراء ؛ لعدم كونه ملكاً لواحد منهم إلاّ بعد قبضه ، نعم لو اُعطي الفقير - مثلاً - حصّة من الحاصل على الشجر قبل وقت تعلّق الزكاة ، كما قبل(1) احمرار التمر أو اصفراره ، وجبت عليه الزكاة إذا بلغت حدّ النصاب .

(مسألة 99) : الوقف المتداول بين الأعراب وبعض الطوائف من غيرهم ؛ يعمدون إلى نعجة أو بقرة ويتكلّمون بألفاظ متعارفة بينهم ، ويكون المقصود أن تبقى وتذبح أولادها الذكور وتبقى الإناث وهكذا ، الظاهر بطلانها ؛ لعدم الصيغة وعدم القبض وعدم تعيين المصرف وغير ذلك .

خاتمة

تشتمل على أمرين : أحدهما : في الحبس وما يلحق به ، ثانيهما : في الصدقة .

القول : في الحبس وأخواته

(مسألة 1) : يجوز للإنسان أن يحبس ملكه على كلّ ما يصحّ الوقف عليه ؛ بأن يصرف منافعه فيما عيّنه على ما عيّنه ، فلو حبسه على سبيل من سبل الخير ومواقع قرب العبادات ، مثل الكعبة المعظّمة والمساجد والمشاهد المشرّفة ، فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع(2) ولا يعود على ملك المالك ولا يورث ،

ص: 191


1- - مرّ في كتاب الزكاة وقت التعلّق والميزان في الانتقال قبل وقته .
2- - بعد القبض .

وإن كان إلى مدّة فلا رجوع في تلك المدّة ، وبعد انقضائها يرجع إلى المالك . ولو حبسه على شخص ، فإن عيّن مدّة ، أو مدّة حياته ، لزم حبسه عليه في تلك المدّة ، ولو مات الحابس قبل انقضائها يبقى على حاله إلى أن تنقضي ، وإن أطلق ولم يعيّن وقتاً لزم ما دام حياة الحابس ، وإن مات كان ميراثاً . وهكذا الحال لو حبس على عنوان عامّ كالفقراء ، فإن حدّده بوقت لزم إلى انقضائه ، وإن لم يوقّت لزم ما دام حياة الحابس .

(مسألة 2) : إذا جعل لأحد سكنى داره - مثلاً - بأن سلّطه على إسكانها مع بقائها على ملكه يقال له السكنى ؛ سواء أطلق ولم يعيّن مدّة أصلاً كأن يقول : «أسكنتك داري» أو «لك سكناها» ، أو قدّره بعمر أحدهما كما إذا قال : «لك سكنى داري مدّة حياتك» ، أو « . . . مدّة حياتي» ، أو قدّره بالزمان كسنة وسنتين مثلاً . نعم في كلّ من الأخيرين له اسم يختصّ به وهو «العمرى» في أوّلهما و«الرقبى» في ثانيهما .

(مسألة 3) : يحتاج كلّ من هذه الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من المالك وقبول من الساكن ، فالإيجاب : كلّ ما أفاد التسليط المزبور بحسب المتفاهم العرفي كأن يقول في السكنى : «أسكنتك هذه الدار» أو «لك سكناها» وما أفاد معناهما ؛ بأيّ لغة كان ، وفي العمرى : «أسكنتكها - أو لك سكناها - مدّة حياتك أو حياتي» وفي الرقبى : «أسكنتكها سنة أو سنتين» مثلاً ، وللعمرى والرقبى لفظان آخران فللاُولى : «أعمرتك هذه الدار عمرك» أو « . . .عمري» أو « . . . ما بقيتَ» أو « . . . بقيتُ» أو « . . . ما حييتَ» أو « . . . حييتُ» أو « . . . ما عشتَ» أو « . . . عشتُ» ونحوها ، وللثانية : «أرقبتك مدّة كذا» . وأمّا

ص: 192

القبول : فهو كلّ ما دلّ على الرضا والقبول من الساكن .

(مسألة 4) : يشترط في كلّ من الثلاثة قبض(1) الساكن ، فلو لم يقبض حتّى مات المالك بطلت كالوقف .

(مسألة 5) : هذه العقود الثلاثة لازمة يجب العمل بمقتضاها ، وليس للمالك الرجوع وإخراج الساكن ، ففي السكنى المطلقة حيث إنّ الساكن استحقّ مسمّى الإسكان ولو يوماً لزم العقد في هذا المقدار ، فليس للمالك منعه عن ذلك ، نعم له الرجوع والأمر بالخروج في الزائد متى شاء . وفي العمرى المقدّرة بعمر الساكن أو عمر المالك ، لزمت مدّة حياة أحدهما ، وفي الرقبى لزمت المدّة المضروبة ، فليس للمالك إخراجه قبل انقضائها .

(مسألة 6) : إذا جعل داره سكنى أو عمرى أو رقبى لشخص ، لم تخرج عن ملكه وجاز له بيعها ولم يبطل(2) الإسكان ولا الإعمار ولا الإرقاب ، بل يستحقّ الساكن السكنى على النحو الذي جعلت له وكذا ليس للمشتري إبطالها ، نعم لو كان جاهلاً كان له الخيار بين فسخ البيع وإمضائه بجميع الثمن .

(مسألة 7) : لو جعل المدّة في العمرى طول حياة المالك ومات الساكن قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك ، ولو جعل المدّة طول حياة الساكن ومات المالك قبله لم يكن لورثته إزعاج الساكن بل يسكن طول حياته، ولو مات الساكن لم يكن لورثته السكنى ، إلاّ إذا جعل له السكنى مدّة حياته ولعقبه ونسله بعد وفاته ، فلهم ذلك ما لم ينقرضوا فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته .

ص: 193


1- - وهل القبض شرط الصحّة أو اللزوم ؟ وجهان ، لا يبعد ترجيح الأوّل كما في المتن .
2- - إلاّ في السكنى المطلقة ، إذا اُريد بالبيع فسخها وتسليط المشتري على المنافع .

(مسألة 8) : إطلاق السكنى يقتضي(1) أن يسكن من جعلت له السكنى بنفسه وأهله وأولاده ، والأقرب جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه كغلامه وجاريته ومرضعة ولده وضيوفه ، بل كذا دابّته إذا كان الموضع معدّاً لمثلها . ولا يجوز أن يسكن غيرهم إلاّ أن يشترط ذلك أو يرضى المالك ، وكذا لا يجوز أن يؤجر المسكن أو يعيره لغيره على الأقوى .

(مسألة 9) : كلّ ما صحّ وقفه صحّ إعماره ؛ من العقار والحيوان والأثاث وغيرها ، ويختصّ مورد السكنى بالمساكن ، وأمّا الرقبى ففي كونها في ذلك بحكم العمرى ، أو بحكم السكنى تأمّل(2) وإشكال .

القول : في الصدقة

التي قد تواتر النصوص على ندبها والحثّ عليها ، خصوصاً في أوقات مخصوصة كالجمعة وعرفة وشهر رمضان ، وعلى طوائف مخصوصة كالجيران

ص: 194


1- - هذه المسألة محلّ تردّد ناشئ من أنّ مقتضى العقد تمليك سكنى الدار فيرجع إلى تمليك المنفعة الخاصّة ، فله استيفاؤها بأيّ نحو شاء ؛ من نفسه وغيره ، وله الإجارة والإعارة ، وتورث إذا كانت المدّة عمر المالك ومات الساكن دون المالك ، أو مقتضاه الالتزام بسكونة المعمر على أن يكون له الانتفاع والسكنى من غير أن تنتقل إليه المنافع ، ولازمه ما في المتن من جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه وعدم جواز الإجارة والإعارة ، ويورث ذلك الحقّ بموت الساكن ، أو مقتضاه نحو إباحة لازمة ، ولازمه عدم التوريث وعدم جواز الإجارة والإعارة وجواز إسكان من جرت العادة بسكناه ، ولعلّ الأوّل أقرب خصوصاً في مثل «لك سكنى الدار» وفي العمرى والرقبى ، ولا تخلو المسألة من إشكال .
2- - الظاهر كونها بحكم العمرى .

والأرحام ، بل ورد في الخبر : «لا صدقة وذو رحم محتاج » . وهي دواء المريض ودافعة البلاء وقد اُبرم إبراماً ، وبها يستنزل الرزق ويقضى الدين وتخلف البركة وتزيد في المال ، وبها تدفع ميتة السوء والداء والحرق والغرق والهدم والجنون إلى سبعين باباً من السوء ، وبها في أوّل كلّ يوم يدفع نحوسة ذلك اليوم وشروره ، وفي أوّل كلّ ليلة تدفع نحوسة تلك الليلة وشرورها . ولا يستقلّ قليلها فقد ورد : «تصدّقوا ، ولو بقبضة أو ببعض قبضة ولو بشقّ تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيّبة» ، ولا يستكثر كثيرها فإنّها تجارة رابحة ، ففي الخبر : «إذا أملقتم تاجروا اللّه بالصدقة» ، وفي خبر آخر : «إنّها خير الذخائر» ، وفي آخر : «إنّ اللّه تعالى يربي الصدقات لصاحبها حتّى يلقيها يوم القيامة كجبل عظيم» .

(مسألة 1) : يعتبر في الصدقة قصد القربة ، والأقوى أ نّه لا يعتبر فيها العقد المشتمل على الإيجاب والقبول - كما نسب إلى المشهور - بل يكفي المعاطاة ، فتتحقّق بكلّ لفظ أو فعل ؛ من إعطاء أو تسليط قصد به التمليك مجّاناً مع نيّة القربة ، ويشترط فيها الإقباض والقبض .

(مسألة 2) : لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت على أجنبيّ على الأصحّ .

(مسألة 3) : تحلّ صدقة الهاشمي لمثله ولغيره مطلقاً ، حتّى الزكاة المفروضة والفطرة ، وأمّا صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحلّ في المندوبة وتحرم في الزكاة المفروضة والفطرة . وأمّا المفروضة غيرهما - كالمظالم والكفّارات ونحوها - فالظاهر أ نّها كالمندوبة وإن كان الأحوط عدم إعطائهم لها وتنزّههم عنها .

(مسألة 4) : يعتبر في المتصدّق : البلوغ والعقل وعدم الحجر لفلس أو سفه ،

ص: 195

نعم في صحّة صدقة من بلغ عشر سنين وجه(1) ، لكنّه لا يخلو عن إشكال .

(مسألة 5) : لا يعتبر في المتصدّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ولا الإيمان ، بل ولا الإسلام ، فيجوز على الغنيّ وعلى المخالف وعلى الذمّي وإن كانا أجنبيّين ، نعم لا يجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين .

(مسألة 6) : الصدقة المندوبة سرّاً أفضل ، فقد ورد : «إنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وتدفع سبعين باباً من البلاء» ، وفي خبر آخر عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه - إلى أن قال - ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لم تعلم يمينه ما تنفق شماله» . نعم إذا اتّهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه أو قصد اقتداء غيره به لا بأس بالإجهار بها ولم يتأكّد إخفاؤها ، هذا في الصدقة المندوبة ، وأمّا الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقاً .

(مسألة 7) : يستحبّ المساعدة والتوسّط في إيصال الصدقة إلى المستحقّ ، فعن مولانا الصادق علیه السلام : «لو جرى المعروف على ثمانين كفّاً لاُوجروا كلّهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئاً» ، بل في خبر آخر عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال في خطبة له : «من تصدّق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره ولو تداولها أربعون ألف إنسان ثمّ وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل» .

(مسألة 8) : يكره كراهة شديدة أن يتملّك من الفقير ما تصدّق به ؛ بشراء أو اتّهاب أو بسبب آخر ، بل قيل بحرمته ، نعم لا بأس بأن يرجع إليه بالميراث .

ص: 196


1- - غير معتدّ به .

(مسألة 9) : يكره ردّ السائل ولو ظنّ غناه ، بل أعطاه ولو شيئاً يسيراً ، فعن مولانا الباقر علیه السلام : «اعط السائل ولو كان على ظهر فرس» ، وعنه علیه السلام قال : «كان فيما ناجى اللّه - عزّ وجلّ - به موسى علیه السلام قال : يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو بردٍّ جميل . . .» الخبر .

(مسألة 10) : يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج ، بل مع الحاجة أيضاً ، وربّما يقال بحرمة الأوّل ولا يخلو من قوّة(1) ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من فتح على نفسه باب مسألة فتح اللّه عليه باب فقر» ، وعن مولانا الصادق علیه السلام قال : «قال عليّ بن الحسين علیهما السلام : ضمنت على ربّي أ نّه لا يسأل أحد من غير حاجة إلاّ اضطرّ به المسألة يوماً إلى أن يسأل من حاجة» ، وعن مولانا الباقر علیه السلام : «لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحداً ، ولو يعلم المعطي ما في العطية ما ردّ أحد أحداً» ، ثمّ قال علیه السلام : «إنّه من سأل وهو يظهر غنىً لقي اللّه مخموشاً وجهه يوم القيامة» ، وفي خبر آخر : «من سأل من غير فقر فإنّما يأكل الخمر» ، وفي خبر آخر : «من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيّام لقي اللّه يوم القيامة وليس على وجهه لحم» ، وفي آخر قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ثلاثة لا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم : الديّوث والفاحش المتفحّش والذي يسأل الناس وفي يده ظهر غنىً» .

ص: 197


1- - لا قوّة فيه ، ولا ينبغي ترك الاحتياط .

كتاب الوصيّة

وهي على ضربين(1) : تمليكية ، كأن يوصي بشيء من تركته لزيد ، وعهدية ، كأن يوصي بما يتعلّق بتجهيزه أو باستئجار الحجّ أو الصوم أو الصلاة أو الزيارات له .

(مسألة 1) : إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت يجب عليه(2) أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس من الودائع والبضائع ونحوها إلى أربابها والإشهاد عليها ، خصوصاً إذا خفيت على الورثة ، وكذا بأداء ما عليه من الحقوق المالية ؛ خلقياً كان كالديون والضمانات والديات واُروش الجنايات ، أو خالقياً كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات ، بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنية ممّا يصحّ فيها النيابة والاستئجار كقضاء الصوم والصلاة إذا لم يكن له وليّ يقضيها عنه ، بل ولو كان له وليّ لا يصحّ منه العمل

ص: 198


1- - غير الوصيّة بالفكّ .
2- - إذا لم يتمكّن من إيصاله بنفسه ، وإلاّ فيجب عليه ذلك فيما عنده وعليه ؛ خالقياً ، أو خلقياً ، إلاّ الديون المؤجّلة فيجب عليه قضاء الصلاة والصوم وأداء الكفّارات وغيرها مع الإمكان ، ومع عدمه يجب عليه الإيصاء والإشهاد .

كالصبيّ ، أو كان ممّن لا وثوق بإتيانه أو صحّة عمله .

(مسألة 2) : إذا كان عنده أموال الناس ، أو كان عليه حقوق وواجبات ، لكن يعلم أو يطمئنّ بأنّ أخلافه يوصلون الأموال ويؤدّون الحقوق والواجبات ، لم يجب عليه الإيصاء وإن كان أحوط وأولى .

(مسألة 3) : يكفي في الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ من أيّ لغة كان ، ولا يعتبر فيها لفظ خاصّ . ولفظها الصريح في التمليكية أن يقول : «أوصيت لفلان بكذا» أو «أعطوا فلاناً أو ادفعوا إليه بعد موتي أو لفلان بعد موتي كذا» وهكذا ، وفي العهدية : «افعلوا بعد موتي كذا وكذا» وهكذا . والظاهر عدم(1) كفاية الإشارة إلاّ مع العجز عن النطق ، بخلاف الكتابة فإنّ الظاهر الاكتفاء بها مطلقاً ، خصوصاً في الوصيّة العهدية إذا علم أ نّه قد كان في مقام الوصيّة وكانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود ، فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطّه وخاتمه إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصيّة فيجب تنفيذها .

(مسألة 4) : الوصيّة التمليكية لها أركان ثلاثة : الموصي والموصى به والموصى له ، وأمّا الوصيّة العهدية فإنّما يكون قوامها بأمرين : الموصي والموصى به ، نعم إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذها تقوم حينئذٍ باُمور ثلاثة : الموصي والموصى به والموصى إليه ، وهو الذي يطلق عليه الوصيّ .

(مسألة 5) : لا إشكال في أنّ الوصيّة العهدية لا يحتاج إلى قبول ، نعم لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لا بدّ من قبوله ، لكن في وصايته لا في أصل الوصيّة . وأمّا الوصيّة

ص: 199


1- - هذا مبنيّ على الاحتياط ، بل الاكتفاء بها لا يخلو من قوّة .

التمليكية فإن كانت تمليكاً للنوع كالوصيّة للفقراء والسادة والطلبة ، فهي كالعهدية لا يعتبر فيها القبول ، وإن كانت تمليكاً للشخص ، فالمشهور على أ نّه يعتبر فيها القبول من الموصى له ، ولا يبعد(1) عدم اعتباره وكفاية عدم الردّ ، فتبطل الوصيّة بالردّ لا أنّ القبول شرط .

(مسألة 6) : يكفي في القبول - بناءً على اعتباره - كلّ ما دلّ على الرضا ؛ قولاً أو فعلاً كأخذ الموصى به والتصرّف فيه .

(مسألة 7) : بناءً على اعتبار القبول ، لا فرق بين وقوعه في حياة الموصي أو بعد موته ، كما أ نّه لا فرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متّصلاً به أو متأخّراً عنه مدّة .

(مسألة 8) : لو ردّ بعضاً وقبل بعضاً ، صحّ(2) فيما قبله ، وبطل فيما ردّه على الأقوى .

(مسألة 9) : لو مات الموصى له في حياة الموصي ، أو بعد موته قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول ، قام ورثته مقامه في الردّ والقبول ، فيملكون الموصى به بقبولهم(3) أو عدم ردّهم كمورّثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيّته قبل موته .

(مسألة 10) : الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال الموصى به من الموصي ابتداءً لا

ص: 200


1- - الظاهر أنّ تحقّق الوصيّة وترتّب أحكامها ؛ من حرمة التبديل وغيرها لا يتوقّف على القبول ، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه ، فلا يتملّك قهراً ، فالوصيّة من الإيقاعات لكنّها جزء سبب للملكية في الفرض .
2- - إلاّ إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع .
3- - وهو الأقوى .

أ نّه ينتقل إلى الموصى له أوّلاً ثمّ إلى وارثه ، وإن كانت القسمة بين الورثة في صورة التعدّد على حسب قسمة المواريث ، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له ولا تنفذ فيه وصاياه .

(مسألة 11) : إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم ، صحّت الوصيّة فيمن قبل ، وبطلت فيمن ردّ بالنسبة .

(مسألة 12) : يعتبر في الموصي : البلوغ والعقل والاختيار والرشد والحرّية ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ . نعم الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ والمعروف كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرّات ، وكذا لا تصحّ وصيّة المجنون ولو أدوارياً في دور جنونه ولا السكران وكذا المكره والسفيه(1) والمملوك وإن قلنا بملكه كما هو(2) الأقوى .

(مسألة 13) : يعتبر في الموصي مضافاً إلى ما ذكر : أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً ، فمن أوقع على نفسه جرحاً أو شرب السمّ أو ألقى نفسه من شاهق - مثلاً - ممّا يقطع أو يظنّ كونه مؤدّياً إلى الهلاك لم تصحّ وصيّته المتعلّقة بأمواله إذا وقع منه ذلك متعمّداً ، فإن كان إيقاع ذلك خطأً أو كان مع ظنّ السلامة فاتّفق موته به نفذت وصيّته . ولو أوصى ثمّ أحدث في نفسه ما يؤدّي إلى هلاكه ، لم تبطل وصيّته وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها .

(مسألة 14) : لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء والجنون للموصي وإن داما حين الممات .

ص: 201


1- - بعد حجر الحاكم ، إلاّ إذا كان سفهه متّصلاً بصغره .
2- - محلّ إشكال .

(مسألة 15) : يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة ، فلا تصحّ الوصيّة للمعدوم ، كما أوصى للميّت أو لما تحمله المرأة في المستقبل ولمن يوجد من أولاد فلان . ويجوز الوصيّة للحمل بشرط وجوده حين الوصيّة - وإن لم تلجه الروح - وانفصاله حيّاً ، فلو انفصل ميّتاً بطلت الوصيّة ورجع المال ميراثاً لورثة الموصي .

(مسألة 16) : تصحّ الوصيّة للذمّي ، وكذا للمرتدّ الملّي إذا لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر كالمصحف والعبد المسلم ، ولا تصحّ(1) للحربي ولا للمرتدّ عن فطرة على إشكال .

(مسألة 17) : لا تصحّ(2) الوصيّة لمملوك الغير وإن أجاز المالك ، وتصحّ(3) لمملوك نفسه ، ولكن لا يملك الموصى به كالأحرار ، بل إن كان بقدر قيمته ينعتق ولا شيء له ، وإن كان أكثر من قيمته انعتق وكان الفاضل له ، وإن كان أقلّ ينعتق منه بمقداره ، وسعى للورثة في البقيّة .

(مسألة 18) : يشترط في الموصى به في الوصيّة التمليكية أن يكون مالاً أو حقّاً قابلاً للنقل كحقّي التحجير والاختصاص ؛ من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير أو منفعة ، وفي العين بين كونها موجودة فعلاً أو ممّا سيوجد ، فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة أو تثمر الشجرة في المستقبل .

(مسألة 19) : لا بدّ أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة

ص: 202


1- - محلّ تأمّل فيه وفي المرتدّ عن فطرة .
2- - إلاّ في المكاتب المحرّر بعضه ، فصحّت بالنسبة .
3- - للمسألة صور بعضها محلّ تأمّل وإشكال ، فتحتاج إلى زيادة فحص وتدبّر .

حتّى تكون مالاً شرعاً ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر(1) والخنزير وآلات اللهو والقمار ، ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها ، وأن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية وآلات اللهو ، وكذا منافع القردة ونحوها .

(مسألة 20) : لا تصحّ الوصيّة بمال الغير وإن أجاز المالك ؛ سواء كان الإيصاء به عن نفسه - بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه - أو عن الغير(2) بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه .

(مسألة 21) : يشترط في الوصيّة العهدية أن يكون ما أوصى به عملاً سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء ، فلا تصحّ الوصيّة بصرف ماله في معونة الظلاّم وقطّاع الطريق وتعمير الكنائس ونسخ كتب الضلال ونحوها ، وكذا الوصيّة بما يكون صرف المال فيه سفهاً أو عبثاً .

(مسألة 22) : لو أوصى بما هو سائغ عنده اجتهاداً أو تقليداً وغير سائغ عند الوصيّ ، كما إذا أوصى بنقل جنازته مع عروض الفساد عليها إلى أحد المشاهد وكان ذلك سائغاً عند الموصي لم يجب ، بل لم يجز عليه تنفيذها ، ولو انعكس الأمر انعكس الأمر .

(مسألة 23) : لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه كتغسيله والصلاة عليه مع وجود الوليّ ، ففي نفوذها وتقديمه على الوليّ وعدمه وجهان بل قولان ، لا يخلو

ص: 203


1- - إلاّ المتّخذ للتخليل .
2- - لا تبعد صحّة ذلك ونفوذه بعد الإجازة .

أوّلهما من رجحان ، والأحوط(1) أن يكون ذلك بإذن الوليّ ؛ بأن يستأذن الوصيّ من الوليّ ويأذن الوليّ للوصيّ .

(مسألة 24) : يشترط في نفوذ الوصيّة في الجملة أن لا يكون زائداً على الثلث . وتفصيله: أنّ الوصيّة إن كانت بواجب مالي - كأداء ديونه وأداء ما عليه من الحقوق كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات - تخرج من أصل المال بلغ ما بلغ ، بل لو لم يوص بها يخرج من الأصل وإن استوعبت التركة ، ويلحق به الواجب المالي المشوب بالبدني كالحجّ ولو كان منذوراً على الأقوى . وإن كانت تمليكية أو عهدية تبرّعية - كما إذا أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارات أو إقامة التعزية ونحو ذلك - نفذت بمقدار الثلث ، وفي الزائد يتوقّف على إمضاء الورثة وإجازتهم ، فإن أمضوا صحّت ، وإلاّ بطلت ؛ من غير فرق بين وقوع الوصيّة في حال الصحّة أو في حال المرض . وكذلك إذا كانت بواجب غير مالي على الأقوى ، كما إذا أوصى بالصلاة والصوم عنه إذا اشتغلت ذمّته بهما .

(مسألة 25) : لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع أو بمال معيّن أو بمقدار من المال ، فكما أ نّه لو أوصى بثلث ماله نفذت في تمامه ، ولو أوصى بالنصف نفذت بمقدار الثلث وبطلت في الزائد - وهو السدس - بدون إجازة الورثة ، كذلك لو أوصى بمال معيّن ، فإنّه ينسب إلى مجموع التركة ، فإن كان بمقدار ثلث المجموع أو أقلّ نفذت في تمامه ، وإن كان أكثر نفذت فيه بمقدار ما يساوي الثلث ، وفي الزائد يتوقّف على إمضاء الورثة . وكذلك الحال لو أوصى بمقدار من المال ، كما إذا أوصى بألف دينار - مثلاً - يقوّم مجموع التركة

ص: 204


1- - لا يترك .

وينسب ما أوصى به إلى قيمة المجموع ، فتنفذ في تمامه لو كان بمقدار الثلث أو أقلّ ، وفي المقدار الذي يساوي ثلث التركة لو كان أزيد ولم يجز الورثة .

(مسألة 26) : لو كانت إجازة الوارث لما زاد على الثلث بعد موت الموصي نفذت بلا إشكال وإن ردّها قبل الموت ، وكذا لو أجازها قبل الموت وبقي على إجازتها إلى ما بعد الموت . وأمّا لو ردّها بعد الموت فهل تنفذ الإجازة السابقة ولا أثر للردّ بعدها أم لا ؟ قولان ، أقواهما الأوّل .

(مسألة 27) : لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها ، نفذت بمقدار ما أجاز ، فلو أوصى بثلثي ماله وأجاز الوارث النصف نفذت في هذا المقدار ، وبطلت في الزائد وهو السدس من ماله .

(مسألة 28) : لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم ، نفذت الوصيّة في حقّ المجيز في الزيادة وبطلت في حقّ غيره ، فإذا كان للموصي ابن وبنت وأوصى لزيد بنصف ماله قسمت التركة ثمانية عشر ونفذت في ثلثها - وهو ستّة - وفي الزائد - وهو ثلاثة - احتاج إلى إمضاء الابن والبنت ، فإن أمضيا معاً نفذت في تمامها ، وإن أمضى الابن دون البنت نفذت في الاثنين وبطلت في واحد ، فكان للموصى له ثمانية ، وإن كان بالعكس كان بالعكس وكان للموصى له سبعة .

(مسألة 29) : لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال كمائة دينار ، يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالنسبة إلى أموال الموصي حين الوفاة لا بالنسبة إلى أمواله الموجودة حال الوصيّة ، فلو أوصى لزيد بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، لكن من جهة نقصان قيمتها أو زيادة قيمة غيرها أو تجدّد مال آخر له بعد ذلك صارت قيمتها بمقدار الثلث ممّا ترك ، نفذت

ص: 205

في جميعها ، ولو فرض أ نّها كانت بمقدار الثلث حين الوصيّة ، لكن من جهة ارتفاع قيمتها أو نقصان قيمة غيرها أو تلف بعض أمواله صارت بمقدار نصف ما تركه حين الموت ، نفذت فيها بما يساوي الثلث وبطلت في الزائد لو لم تجز الورثة ، وهذا ممّا لا إشكال فيه . وإنّما الإشكال فيما إذا أوصى بكسر مشاع كما إذا قال : «ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة بعض الأموال وأ نّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا ؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، لكنّ الظاهر - نظراً إلى شاهد الحال - أنّ المراد بالمال : المال الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة ، وهو ما كان له عند الوفاة ، نعم لو كانت قرينة في كلامه تدلّ على أنّ المراد الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها ، كما إذا عدّ أمواله ثمّ قال : «ثلث أموالي لزيد بعد وفاتي» .

(مسألة 30) : الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ ، فلا يكفي فيها مجرّد الرضا وطيب النفس من دون قول أو فعل يدلاّن على التنفيذ والإمضاء .

(مسألة 31) : لا يعتبر في الإجازة كونها على الفور .

(مسألة 32) : يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية ، بل وكذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل الموت ، مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته ، فيخرج منه الدين ووصايا(1) الميّت إذا أوصى بالثلث .

(مسألة 33) : للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة ، وله تفويض التعيين إلى الوصيّ فيتعيّن فيما عيّنه ، ومع الإطلاق كما لو قال : «ثلث

ص: 206


1- - محلّ تأمّل في بعض الصور .

مالي لفلان» كان شريكاً مع الورثة بالإشاعة ، فلا بدّ أن يكون الإفراز والتعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة .

(مسألة 34) : إنّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين والواجبات المالية ، فإن بقي بعد ذلك شيء يخرج ثلثه .

(مسألة 35) : لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة ، فإن كانت من نوع واحد ، فإن كانت الجميع واجبة مالية أو واجبة بدنية كانت الجميع بمنزلة وصيّة واحدة ، فتنفذ الجميع من الأصل في الواجب المالي ومن الثلث في الواجب البدني ، فإن وفى الثلث بالجميع نفذت في الجميع ، وكذا إن زادت عليه وأجاز الورثة . وأمّا لو لم يجيزوا يوزّع(1) النقص على الجميع بالنسبة ، فلو أوصى بمقدار من الصوم ومقدار من الصلاة ولم يفِ الثلث بهما وكانت اُجرة الصلاة ضعف اُجرة الصوم ينتقص من وصيّة الصلاة ضعف ما ينتقص من وصيّة الصوم ، كما إذا كانت التركة ثمانية عشر وأوصى بستّة لاستئجار الصلاة ثمّ أوصى بثلاثة لاستئجار الصوم ، فإن أجاز الوارث نفذت الوصيّتان ، وإن لم يجز بطلتا بالنسبة إلى ثلاثة وتوزّعت على الوصيّتين بالنسبة ، فينقص عن الوصيّة الاُولى اثنان وعن الثانية واحد ، فيصرف في الصلاة أربعة وفي الصوم اثنان .

وإن كانت الجميع تبرّعية ، فإن لم يكن بينها ترتيب بل كانت مجتمعة كما إذا قال : «أعطوا زيداً وعمراً وخالداً كلاًّ منهم مائة» كانت بمنزلة وصيّة واحدة ، فإن زادت على الثلث ولم يجز الورثة ورد النقص على الجميع بالنسبة ، وإن كانت بينها ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر ؛ بأن كانت الثانية بعد تمامية الوصيّة

ص: 207


1- - الظاهر جريان الحكم الآتي في التبرّعية ؛ من التفصيل في ذلك أيضاً .

الاُولى والثالثة بعد تمامية الثانية وهكذا ، كما إذا قال : «أعطوا زيداً مائة» ثمّ قال : «أعطوا عمراً مائة» ثمّ قال : «أعطوا خالداً مائة» وكانت المجموع أزيد من الثلث ولم يجز الورثة يبدأ بالأوّل فالأوّل إلى أن يكمل الثلث فإذا كان الثلث مائة نفذت الاُولى ولغت الأخيرتان ، وإن كان مائتين نفذت الاُوليان ولغت الأخيرة ، وإن كان مائة وخمسين نفذت الاُولى ، والثانية في نصف الموصى به ، ولغت البواقي وهكذا .

(مسألة 36) : لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع ، كما إذا أوصى بأن يعطى مقداراً معيّناً خمساً وزكاة ، ومقداراً صوماً وصلاة ، ومقداراً لإطعام الفقراء ، فإن أطلق ولم يذكر المخرج يبدأ بالواجب المالي فيخرج من الأصل ، فإذا بقي شيء يعيّن ثلثه ويخرج منه البدني والتبرّعي ، فإن وفى بهما أو لم يفِ بهما وأجاز الوارث نفذت في كليهما ، وإن لم يفِ بهما ولم يجز الوارث في الزيادة يقدّم الواجب البدني ويرد النقص على التبرّعي . وإن ذكر المخرج وأوصى بأن تخرج من الثلث ، يعيّن الثلث فيخرج منه(1) الواجب المالي ، فإن بقي منه شيء يصرف في الواجب البدني ، فإن بقي شيء يصرف في التبرّعي ، حتّى أ نّه لو لم يفِ الثلث إلاّ بالواجبات المالية لغت الوصايا الأخيرة بالمرّة ، إلاّ أن يجيز الورثة .

(مسألة 37) : لو أوصى بوصايا متعدّدة متضادّة ؛ بأن كانت المتأخّرة منافية

ص: 208


1- - الأقوى تقدّم الواجبات مطلقاً على التبرّعي ، وأمّا تقدّم المالي على غيره فممنوع ، بل الظاهر أ نّه إن أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم ثمّ المقدّم إلى أن يفنى الثلث ، فإن بقي من الواجب المالي شيء يخرج من الأصل وإن بقي من البدني يلغى ، وإن لم يكن بينهما ترتيب يوزّع عليها ويتمّ الواجب المالي من الأصل دون البدني .

للمتقدّمة ، كما لو أوصى بعين شخصية لواحد ثمّ أوصى بها لآخر ، ومثله ما إذا أوصى بثلثه لشخص وقال : «أعطوا ثلثي لزيد بعد موتي» ثمّ قال : «أعطوا ثلثي لعمرو بعد موتي» كانت اللاحقة عدولاً عن السابقة فيعمل باللاحقة . ولو أوصى بعين شخصية لشخص ثمّ أوصى بنصفها - مثلاً - لشخص آخر ، فالظاهر كون الثانية عدولاً بالنسبة إلى نصفها لا تمامها ، فيبقى النصف الآخر للأوّل .

(مسألة 38) : متعلّق الوصيّة إن كان كسراً مشاعاً من التركة كالثلث أو الربع - مثلاً - ملكه الموصى له بالموت والقبول بناءً على اعتباره ، وكان له من كلّ شيء ثلثه أو ربعه - مثلاً - وشارك الورثة في التركة من حين ما ملكه . هذا في الوصيّة التمليكية ، وأمّا في الوصيّة العهدية كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات والزيارات ، كان الموصى به فيها باقياً على حكم مال الميّت ، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث ، فكان للميّت من كلّ شيء ثلثه أو ربعه - مثلاً - والباقي للورثة ، وهذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مال الورثة ولم تقع القسمة بينهم وبين الموصى له ، فلو حصل نماء متّصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما ، ولو تلفت من التركة شيء كان منهما .

وإن كان ما أوصى به مالاً معيّناً يساوي الثلث أو دونه ، اختصّ به الموصى له ولا اعتراض فيه للورثة ولا حاجة إلى إجازتهم ؛ لما عرفت سابقاً أنّ للموصي تعيين ثلثه فيما شاء من تركته ، لكن إنّما يستقرّ ملكية الموصى له أو الميّت في تمام الموصى به إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به ، فإذا كان له مال حاضر عند الورثة بهذا المقدار استقرّت ملكية تمام المال المعيّن ، فللموصى له أو الوصيّ أن يتصرّف فيه أنحاء التصرّف . وإن كان ما عدا ما عيّن للوصيّة

ص: 209

غائباً توقّف(1) التصرّف فيه على حصول مثليه بيد الورثة ، فإن لم يحصل بيدهم شيء منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً : ثلث للموصى له ، وثلثان للورثة .

(مسألة 39) : يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه وتنفيذها ، فيتعيّن ويقال له الموصى إليه والوصيّ . ويشترط فيه اُمور : البلوغ والعقل والإسلام ، فلا تصحّ وصاية الصغير ولا المجنون ولا الكافر عن المسلم وإن كان ذمّياً قريباً ، وهل يشترط فيه العدالة كما نسب إلى المشهور أم يكفي الوثاقة ؟ لا يبعد الثاني وإن كان الأوّل أحوط .

(مسألة 40) : إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً ، وأمّا منضمّاً إلى الكامل فلا بأس به ، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمن بلوغ الصغير ولا ينتظر بلوغه ، فإذا بلغ شاركه من حينه ، وليس له اعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً إلاّ ما كان على خلاف ما أوصى به الميّت فيردّه إلى ما أوصى به . ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للكامل الانفراد بالوصاية .

(مسألة 41) : لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي بطلت(2) وصايته ، ولو أفاق بعد ذلك لم تعد واحتاج إلى نصب جديد من الحاكم .

ص: 210


1- - ما يتوقّف على حصول مثليه هو التصرّف في الجميع ، أمّا التصرّف في ثلثه بمثل الانتقال إلى الغير فلا ، بل له المطالبة بتعيين الثلث حتّى يتصرّف فيه كيف شاء وإن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين بوجه .
2- - عدم البطلان لا يخلو من وجه ، وإن لم تنفذ تصرّفاته ، فحينئذٍ لو أفاق جازت تصرّفاته ، لكن الأحوط نصب الحاكم إيّاه ، نعم لو كان بحيث لا يرجى زواله فالظاهر بطلانها .

(مسألة 42) : لا يجب(1) على الموصى إليه قبول الوصاية ، وله أن يردّها ما دام الموصي حيّاً بشرط أن يبلغه الردّ ، فلو كان الردّ بعد موت الموصي أو قبله ولكن لم يبلغه الردّ حتّى مات ، لم يكن أثر للردّ وكانت الوصاية لازمة على الوصيّ ، بل لو لم يبلغه أ نّه قد أوصى إليه وجعله وصيّاً إلاّ بعد موت الموصي لزمته الوصاية وليس له ردّها .

(مسألة 43) : يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق ، فإن نصّ(2) على الاستقلال والانفراد فهو ، وإلاّ فليس لكلّ منهما الاستقلال بالتصرّف ؛ لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه ، وليس لهما أن يقسّما الثلث - مثلاً - وينفرد كلّ منهما في نصفه ، من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق . ولو تشاحّا ولم يجتمعا أجبرهما(3) الحاكم على الاجتماع فإن تعذّر استبدل بهما .

(مسألة 44) : لو مات أحد الوصيّين أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته استقلّ(4) الآخر ولا يحتاج إلى ضمّ شخص آخر من قبل الحاكم . نعم لو ماتا معاً احتاج إلى النصب من قبله ، فهل اللازم نصب اثنين أو يكفي نصب واحد إذا كان كافياً ؟ وجهان ؛ أحوطهما الأوّل وأقواهما الثاني .

ص: 211


1- - الأحوط أن لا يردّ الابن وصيّة والده ، والأولى الأحوط أن لا يردّ الموصى إليه غير الولد - أيضاً - فيما إذا لم يتمكّن الموصي من الإيصاء إلى غيره .
2- - وكذا لو كان لكلامه ظهور ولو بقرينة حال أو مقال فيتّبع .
3- - إذا لم يكن التشاحّ لاختلاف اجتهادهما ونظرهما ، وإلاّ فألزمهما على نظر ثالث إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصاية ، فإن امتنعا أو امتنع أحدهما استبدل به .
4- - محلّ إشكال ، فالأحوط ضمّ الحاكم شخصاً إليه ، بل اللزوم لا يخلو من قوّة .

(مسألة 45) : يجوز أن يوصي إلى واحد في شيء بعينه وإلى آخر في غيره ، ولا يشارك أحدهما الآخر .

(مسألة 46) : لو قال : «أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ ويكونان وصيّين ، إلاّ أنّ وصاية عمرو موقوفة على موت زيد ، وكذا لو قال : «أوصيت إلى زيد فإن كبر ابني أو تاب عن فسقه أو اشتغل بالعلم فهو وصيّي» .

(مسألة 47) : إذا ظهرت خيانة الوصيّ فللحاكم(1) عزله ونصب شخص آخر مكانه ، أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة ، وأمّا لو ظهر منه العجز ضمّ إليه(2) من يساعده .

(مسألة 48) : إذا لم ينجّز الوصيّ ما أوصى إليه في زمن حياته ، ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزه وإمضائه بعد موته ، إلاّ إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء .

(مسألة 49) : الوصيّ أمين ، فلا يضمن ما كان في يده إلاّ مع التعدّي أو التفريط ولو بمخالفة الوصيّة ، فيضمن لو تلف ، فضلاً عمّا لو أتلف .

(مسألة 50) : لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفية خاصّة ، اقتصر عليه ولم يتجاوز عنه إلى غيره ، وأمّا لو أطلق بأن قال : «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق ، فالأقرب وقوعه لغواً إلاّ إذا كان هناك عرف خاصّ وتعارف

ص: 212


1- - بل يجب عليه .
2- - هذا إذا كان العجز عن الاستقلال ، وأمّا مع العجز عن التدبير والعمل مطلقاً بحيث لا يرجى زواله كالهرم الخرف ، فالظاهر انعزاله ، فعلى الحاكم نصب شخص آخر مكانه .

يدلّ على المراد فهو المتّبع ، كما في عرف الأعراب وبعض طوائف الأعجام ؛ حيث إنّ مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون واستيفاء ما له على الناس وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها وأخذها وإخراج ثلثه وصرفه فيما ينفعه ولو بنظر حاكم الشرع ؛ من استئجار العبادات وأداء الحقوق والمظالم ونحوها . نعم في شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل وإشكال ، فالأحوط أن يكون تصدّيه لاُمورهم بإذن من الحاكم ، ولعلّ المنساق منه في بعض البلاد ما يشملها . وبالجملة : بعد ما كان التعارف هو المدار فيختلف باختلاف الأعصار والأمصار .

(مسألة 51) : ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي ، ولا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره . نعم له التوكيل في إيقاع بعض الأعمال المتعلّقة بالوصيّة ممّا لم يتعلّق الغرض إلاّ بوقوعها من أيّ مباشر كان ، خصوصاً إذا كان ممّا لم تجر العادة على مباشرة أمثال هذا الوصيّ ولم يشترط عليه المباشرة .

(مسألة 52) : لو نسي(1) الوصيّ مصرف الوصيّة ، صرف الموصى به في وجوه البرّ .

(مسألة 53) : إذا أوصى الميّت وصيّة عهدية ولم يعيّن وصيّاً ، أو بطل وصاية من عيّنه بموت أو جنون أو غير ذلك ، تولّى الحاكم أمرها أو عيّن من يتولاّه ، ولو لم يكن الحاكم ولا منصوبه ، تولاّه من المؤمنين من يوثق به .

ص: 213


1- - إذا كان النسيان مطلقاً ، فلو تردّد بين أشخاص محصورة ، يقرع بينهم على الأقوى ، أو جهات محصورة يقسّط بينها ، وتحتمل القرعة ، ويحتمل التخيير في صرفه في أيّ الجهات شاء ، ولا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب .

(مسألة 54) : يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ ، ووظيفته تابعة لجعل الموصي : فتارة : من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به على ما أوصى به يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ وأن يكون أعماله باطّلاعه ، حتّى أ نّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه . واُخرى: من جهة عدم الاطمئنان بأنظار الوصيّ والاطمئنان التامّ بأنظار الناظر يجعل على الوصيّ أن يكون أعماله على طبق نظر الناظر ولا يعمل إلاّ ما رآه صلاحاً . فالوصيّ وإن كان وليّاً مستقلاًّ في التصرّف لكنّه غير مستقلّ في الرأي والنظر ، فلا يمضي من أعماله إلاّ ما وافق نظر الناظر ، فلو استبدّ الوصيّ بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر واطّلاعه وكان عمله على طبق ما قرّره الموصي فالظاهر صحّة عمله ونفوذه على الأوّل بخلافه على الثاني . ولعلّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو النحو الأوّل .

(مسألة 55) : يجوز للأب مع عدم الجدّ وللجدّ للأب مع فقد الأب ، جعل القيّم على الصغار ، ومعه لا ولاية للحاكم . وليس لغير الأب والجدّ للأب أن ينصب القيّم عليهم حتّى الاُمّ .

(مسألة 56) : يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال . والقول باعتبار العدالة هنا لا يخلو من قوّة(1) ، وإن كان الاكتفاء بالأمانة ووجود المصلحة ليس ببعيد .

(مسألة 57) : لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً اقتصر عليه ، ويكون أمره في غيره إلى الحاكم أو المنصوب من قبله ،

ص: 214


1- - محلّ تأمّل .

فلو جعله قيّماً بالنسبة إلى حفظ أمواله وما يتعلّق بإنفاقه ليس له الولاية على أمواله بالبيع والإجارة والمزارعة وغيرها ، وعلى نفسه بالإجارة ونحوها ، وعلى ديونه بالوفاء والاستيفاء . ولو أطلق وقال : «فلان قيّم على أولادي» - مثلاً - كان وليّاً على جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية عليه ، فله الإنفاق عليهم بالمعروف ، والإنفاق على من عليهم نفقته كالأبوين(1) الفقيرين ، وحفظ أموالهم واستنماؤها واستيفاء ديونهم وإيفاء ما عليهم ، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس وكفّارة(2) القتل دون الدية ، فإنّها في العمد والخطأ على العاقلة ، وكذا إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم كالخمس إذا تعلّق بمالهم وغير ذلك ، نعم في ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى .

(مسألة 58) : يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد ؛ بالاستقلال والاشتراك ، وجعل الناظر على الوصيّ كالوصيّة بالمال .

(مسألة 59) : ينفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف ولا تقتير ، فيطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه ، فإن أسرف ضمن الزيادة . ولو بلغ فأنكر أصل الإنفاق أو ادّعى عليه الإسراف فالقول قول الوصيّ بيمينه ، وكذا لو ادّعى عليه أ نّه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة . نعم لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ فادّعاه الوصيّ وأنكره الصبيّ قدّم قول الصبيّ والبيّنة على الوصيّ .

(مسألة 60) : يجوز للقيّم الذي يتولّى اُمور اليتيم أن يأخذ من ماله اُجرة مثل

ص: 215


1- - في المثال مناقشة بالنسبة إلى الأب ، إلاّ أن يراد تمثيل من يجب نفقته به ، وهو خلاف ظاهره ، أو يراد أب الاُمّ أو أب الأب مع عدم صلوحه للولاية بجنون أو غيره .
2- - بناءً على ثبوتها عليه ، وهو محلّ تأمّل وإشكال .

عمله ، سواء كان غنيّاً أو فقيراً ، وإن كان الأحوط الأولى للأوّل التجنّب . وأمّا الوصيّ على الأموال ، فإن عيّن الموصي مقدار المال الموصى به وطبّقه على مصرفه المعيّن المقدّر بحيث لم يبق شيئاً لاُجرة الوصيّ واستلزم أخذ الاُجرة إمّا الزيادة عن المال الموصى به أو النقصان في مقدار المصرف - كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو عيناً معيّناً من تركته أو مقداراً من المال كألف درهم في استئجار عشرين سنة عبادة كلّ سنة كذا مقداراً وإطعام خمسين فقيراً بخمسين درهماً وقد ساوى المال مع المصرف بحيث لو أراد أن يأخذ شيئاً لنفسه لزم أحد الأمرين المذكورين - لم يجز له أن يأخذ الاُجرة لنفسه ؛ حيث إنّ مرجع هذه الوصيّة إلى الإيصاء إليه بأن يتولّى اُمور الوصيّة تبرّعاً وبلا اُجرة ، فهو كما لو نصّ على ذلك ، والوصيّ قد قبل الوصاية على هذا النحو فلم يستحقّ شيئاً . وإن عيّن المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان كان حاله حال متولّي الوقف في أ نّه لو لم يعيّن له جعلاً معيّناً جاز له أن يأخذ اُجرة مثل عمله ، وذلك كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو مقداراً معيّناً من المال في بناء القناطر وتسوية المعابر وتعمير المساجد . وكذا لو أوصى بأن يعمّر المسجد الفلاني من ماله أو من ثلثه .

(مسألة 61) : الوصيّة جائزة من طرف الموصي ، فله أن يرجع عن وصيّته - ما دام فيه الروح - وتبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها وكيفياتها ومتعلّقاتها ، فله تبديل الموصى به كلاًّ أو بعضاً ، وتغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك . ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحالها ، فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعل الوصاية لعمرو تبقى أصل الوصيّة بحالها ، وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في

ص: 216

مصارف معيّنة على يد زيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف وعيّن مصارف اُخر وهكذا . وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على الأطفال .

(مسألة 62) : يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول ، وهو كلّ لفظ دالّ عليه بحسب متفاهم العرف بأيّ لغة كان نحو : «رجعت عن وصيّتي» أو «أبطلتها» أو «عدلت عنها» أو «نقضتها» ونحوها ، وبالفعل ؛ وهو إمّا بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به ، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع أو جائز كالهبة مع القبض ، وإمّا بما يعدّ عند العرف رجوعاً وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه ، كما إذا وكّل شخصاً على بيعه أو وهبه ولم يقبضه بعد .

(مسألة 63) : الوصيّة بعد ما وقعت تبقى على حالها ويعمل بها ما لم يرجع الموصي وإن طالت المدّة . ولو شكّ في الرجوع - ولو للشكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً - يحكم ببقائها وعدم الرجوع ، لكنّه فيما إذا كانت الوصيّة مطلقة ؛ بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى اللّه عليه ، فلو كانت مقيّدة بموته في سفر كذا أو عن مرض كذا ، ولم يتّفق موته في ذلك السفر أو عن ذاك المرض ، بطلت تلك الوصيّة واحتاج إلى وصيّة جديدة . ولاريب أنّ الغالب في الوصايا ولاسيّما ما تقع عند المسافرة إلى البلاد البعيدة بالطرق الغير المأمونة كسفر الحجّ ونحوه وفي حال الأمراض الشديدة وأمثال ذلك قصر نظر الموصي إلى موته في ذلك السفر وفي ذلك المرض ، وقد يصرّح بذلك وقد يشهد بذلك ظاهر حاله بحيث لو سئل عنه : «إذا رجعت عن هذا السفر سالماً أو طبت عن هذا المرض - إن شاء اللّه تعالى - وبقيت مدّة مديدة

ص: 217

هل نعمل بهذه الوصيّة أم لا ؟» لقال : «لا ، لا بدّ لي من نظر جديد ووصيّة اُخرى» وحينئذٍ يشكل(1) العمل بالوصايا الصادرة عند الأسفار وفي حال الأمراض بمجرّد عدم رجوع الموصي وعدم نسخها بوصيّة اُخرى ، خصوصاً مع طول المدّة ، إلاّ إذا علم بالقرائن وظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد منه إنّما هو لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة ، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصيّة وتكرّر منه ذكرها عند الناس وإشهادهم بها .

(مسألة 64) : لا تثبت الوصيّة بالولاية ؛ سواء كانت على المال أو على الأطفال ، إلاّ بشهادة عدلين من الرجال ، ولا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات بالرجال . وأمّا الوصيّة بالمال فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين وشاهد ويمين وشهادة رجل وامرأتين ، وتمتاز من بين الدعاوي المالية بأمرين : أحدهما : أ نّها تثبت بشهادة النساء منفردات وإن لم تكمل أربع ولم تنضمّ اليمين ، فتثبت ربع الوصيّة بواحدة ونصفها باثنتين وثلاثة أرباعها بثلاث وتمامها بأربع . ثانيهما : أ نّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيين عدلين في دينهما عند الضرورة وعدم عدول المسلمين ، ولا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار .

(مسألة 65) : إذا كانت الورثة كباراً ، وأقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث وما دونه لوارث أو أجنبيّ ، أو بأن يصرف على الفقراء - مثلاً - تثبت في تمام الموصى به ويلزمون بالعمل بها أخذاً بإقرارهم ، ولا يحتاج إلى بيّنة . وإذا أقرّ بها بعضهم دون

ص: 218


1- - مع شهادة القرائن أو ظاهر حاله على تقيّدها ، وإلاّ فالأقرب الأخذ بها ولو مع طول المدّة .

بعض فإن كان المقرّ اثنين عادلين ثبتت أيضاً في التمام ؛ لكونه إقراراً بالنسبة إلى المقرّ وشهادة بالنسبة إلى غيره ، فلا يحتاج إلى بيّنة اُخرى ، وإلاّ ثبتت بالنسبة إلى حصّة المقرّ خاصّة أخذاً بإقراره ، وأمّا بالنسبة إلى حصّة الباقين يحتاج إلى البيّنة . نعم لو كان المقرّ عدلاً واحداً وكانت الوصيّة بالمال لشخص أو أشخاص كفى ضمّ يمين المقرّ له مع إقرار المقرّ في ثبوت التمام ، بل لو كان المقرّ امرأة ثبتت في ربع حصّة الباقين إن كانت واحدة(1) وفي نصفها إن كانت اثنتين وفي ثلاثة أرباعها إن كانت ثلاثاً وفي تمامها إن كانت أربعاً . وبالجملة : بعد ما كان المقرّ من الورثة شاهداً بالنسبة إلى حصّة الباقي ، كان كالشاهد الأجنبيّ فيثبت به ما يثبت به .

(مسألة 66) : إذا أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبيّ ، فليس له إنكار وصاية من يدّعي الوصاية ولا يسمع منه هذا الإنكار كغيره . نعم لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر أو العناوين العامّة كالفقراء أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد أو الميّت نفسه كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك ، كان لكلّ من يعلم بكذب من يدّعي الوصاية - خصوصاً إذا رأى منه الخيانة - الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة ، لكن الوارث والأجنبيّ في ذلك سيّان . نعم فيما إذا تعلّقت باُمور الميّت لا يبعد أولوية الوارث من غيره واختصاص حقّ الدعوى به مقدّماً على غيره .

(مسألة 67) : إذا تصرّف الإنسان في مرض موته ، فإن كان معلّقاً على موته كما إذا قال : «أعطوا فلاناً بعد موتي كذا أو هذا المال المعيّن أو ثلث مالي أو ربعه

ص: 219


1- - عادلة وكذا في سائرها .

أو نصفه - مثلاً - لفلان بعد موتي» ونحو ذلك فهو وصيّة ، وقد عرفت أ نّها نافذة مع اجتماع الشرائط ما لم تزد على الثلث ، وفي الزائد موقوف على إجازة الورثة كالواقعة في مرض آخر غير مرض الموت أو في حال الصحّة وإن كان منجّزاً ؛ بمعنى كونه غير معلّق على الموت ، وإن كان معلّقاً على أمر آخر فإن لم يكن مشتملاً على المجّانية والمحاباة كبيع شيء بثمن المثل وإجارة عين باُجرة المثل ، فهو نافذ بلا إشكال ، وإن كان مشتملاً على المحاباة ، بأن لم يصل ما يساوي ماله إليه ؛ سواء كان مجّاناً محضاً كالوقف والعتق والإبراء والهبة الغير المعوّضة ، أم لا كالبيع بأقلّ من ثمن المثل ، والإجارة بأقلّ من اُجرة المثل ، والهبة المعوّضة بما دون القيمة وغير ذلك ، ففي نفوذه مطلقاً أو كونه مثل الوصيّة في توقّف ما زاد على الثلث على إمضاء الورثة قولان معروفان ، أقواهما الأوّل كما مرّ في كتاب الحجر .

(مسألة 68) : إذا جمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة ومعلّقة بالموت ، فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلّقتا به ، وإن لم يفِ بهما فعلى المختار من إخراج المنجّزة من الأصل يبدأ بها ، فتخرج من الأصل وتخرج المعلّقة من ثلث ما بقي . وأمّا على القول الآخر ، فإن أمضى الورثة تنفذان معاً ، وإن لم يمضوا تخرجان معاً من الثلث ، ويبدأ أوّلاً بالمنجّزة ، فإن بقي شيء يصرف في المعلّقة .

ص: 220

كتاب الأيمان والنذور

القول : في اليمين

ويطلق عليه الحلف والقسم ، وهو على ثلاثة أقسام :

الأوّل : ما يقع تأكيداً وتحقيقاً للإخبار عمّا وقع في الماضي أو عن الواقع في الحال(1) ، كما يقال : «واللّه جاء زيد بالأمس» أو « . . . هذا المال لي» .

الثاني : يمين المناشدة وهو ما يقرن به الطلب والسؤال ، يقصد به حثّ المسؤول على إنجاح المقصود ، كقول السائل : «أسأ لُك باللّه أن تعطيني كذا» ويقال للقائل: الحالف والمقسم ، وللمسؤول : المحلوف عليه والمقسم عليه . والأدعية المأثورة وغيرها مشحونة بهذا القسم من القسم .

الثالث : يمين العقد وهو ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه ، والتزم به من إيقاع أمر أو تركه في المستقبل كقوله : «واللّه لأصومنّ» أو « . . . لأتركنّ شرب الدخان» مثلاً .

لا إشكال في أ نّه لا ينعقد القسم الأوّل ولا يترتّب عليه شيء سوى الإثم فيما

ص: 221


1- - أو ما يقع في المستقبل .

لو كان كاذباً في إخباره عن عمد ، وهي المسمّاة بيمين الغموس(1) التي في بعض الأخبار عدّت من الكبائر وفي بعضها : أ نّها تدع الديار بلاقع ، وقد قيل : إنّها سمّيت بالغموس لأ نّها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار . وكذا لا ينعقد القسم الثاني ولا يترتّب عليه شيء من إثم أو كفّارة لا على الحالف في إحلافه ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم إنجاح مسؤوله . وأمّا القسم الثالث فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية ويجب برّه والوفاء به ، ويحرم حنثه ويترتّب على حنثه الكفّارة .

(مسألة 1) : لا ينعقد اليمين إلاّ باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس ، وفي انعقاده بالكتابة إشكال(2) ، والظاهر أ نّه لا يعتبر فيه العربية خصوصاً في متعلّقاته .

(مسألة 2) : لا ينعقد اليمين إلاّ إذا كان المقسم به هو اللّه - جلّ شأنه - أعني ذاته المقدّسة ؛ إمّا بذكر اسمه العلمي المختصّ به كلفظ الجلالة ، ويلحق به ما لا يطلق على غيره ك «الرحمان» ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المختصّة به التي لا يشاركه فيها غيره كقوله : «ومقلّب القلوب والأبصار» ، «والذي نفسي بيده» ، «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة» وأشباه ذلك ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة التي تطلق في حقّه تعالى وفي حقّ غيره ، لكنّ الغالب إطلاقها في حقّه بحيث ينصرف إطلاقها إليه كقوله : «والربّ» ، «والخالق» ،

ص: 222


1- - فسّرت اليمين الغموس في الروايات : بأنّ الرجل يحلف على حقّ امرء مسلم على حبس ماله .
2- - الأقرب عدم الانعقاد بها .

«والبارئ» ، «والرازق» ، «والرحيم» . ولا ينعقد بما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود والحيّ والسميع والبصير والقادر وإن نوى بها الحلف بذاته المقدّسة ، على إشكال فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 3) : المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف باللّه تعالى لا بغيره ، فكلّ ما صدق عرفاً أ نّه قد حلف به تعالى انعقد اليمين به ، والظاهر صدق ذلك بأن يقول : «وحقّ اللّه» ، «وبجلال اللّه» ، «وعظمة اللّه» ، «وكبرياء اللّه» ، بل وبقوله : «وقدرة اللّه (1) » ، «وعلم اللّه» ، «ولعمر اللّه» .

(مسألة 4) : لا يعتبر في انعقاده أن يكون إنشاء القسم بحروفه بأن يقول : «واللّه - أو باللّه أو تاللّه - لأفعلنّ» ، بل لو أنشأه بصيغتي القسم والحلف كقوله : «أقسمت باللّه» أو «حلفت باللّه» انعقد أيضاً . نعم لا يكفي لفظي «أقسمت» و«حلفت» بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته .

(مسألة 5) : لا ينعقد اليمين بالحلف بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة علیهم السلام وسائر النفوس المقدّسة المعظّمة ، ولا بالقرآن الشريف ، ولا بالكعبة المشرّفة وسائر الأمكنة الشريفة المحترمة .

(مسألة 6) : لا ينعقد اليمين بالطلاق والعتاق بأن يقول : «زوجتي طالق وعبدي حرّ إن فعلت كذا» أو « . . . إن لم أفعل كذا» فلا يؤثّر مثل هذا اليمين لا في حصول الطلاق والعتاق بالحنث ولا في ترتّب إثم أو كفّارة عليه ، وكذا اليمين بالبراءة من اللّه أو من رسوله صلی الله علیه و آله وسلم أو من دينه أو من الأئمّة بأن يقول مثلاً :

ص: 223


1- - في انعقادها بذلك ، وبعلم اللّه تأمّل وإن لا يخلو من قرب .

«برئت من اللّه - أو من دين الإسلام - إن فعلت كذا» أو « . . . إن لم أفعل كذا» فلا يؤثّر في ترتّب الإثم أو الكفّارة على حنثه . نعم هذا اليمين بنفسه حرام ويأثم حالفه من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث وعدمه ، ففي خبر يونس بن ظبيان عن الصادق علیه السلام أ نّه قال : «يايونس لا تحلف بالبراءة منّا ، فإنّ من حلف بالبراءة منّا صادقاً أو كاذباً برئ منّا» ، وفي خبر آخر عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه سمع رجلاً يقول : أنا بريء من دين محمّد ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «ويلك إذا برئت من دين محمّد فعلى دين مَنْ تكون ؟» قال : فما كلّمه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حتّى مات . بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ويستغفر اللّه تعالى شأنه . ومثل اليمين(1) بالبراءة أن يقول : «إن لم يفعل كذا - أو لم يترك كذا - فهو يهودي أو نصراني» مثلاً .

(مسألة 7) : لو علّق اليمين على مشيّة اللّه بأن قال : «واللّه لأفعلنّ كذا إن شاء اللّه» وكان المقصود التعليق على مشيّته تعالى لا مجرّد التبرّك بهذه الكلمة ، لم تنعقد إلاّ إذا(2) كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، بخلاف ما إذا علّق على مشيّة غيره بأن قال : «واللّه لأفعلنّ كذا إن شاء زيد» - مثلاً - فإنّه تنعقد على تقدير مشيّته ، فإن قال زيد: «أنا شئت أن تفعل كذا» انعقدت وتحقّق الحنث بتركه وإن قال : «لم أشأ» لم تنعقد ، وكذا لو لم يعلم أ نّه شاء أو لم يشأ . وكذلك الحال لو علّق على شيء آخر غير المشيّة ، فإنّه تنعقد على تقدير حصول المعلّق عليه ، فيحنث لو لم يأت بالمحلوف عليه على ذلك التقدير .

ص: 224


1- - في عدم الانعقاد ، وأمّا الإثم فغير معلوم ، والاحتياط بالكفّارة ضعيف .
2- - بل حتّى إذا كان فعل واجب أو ترك حرام .

(مسألة 8) : يعتبر في الحالف : البلوغ والعقل والاختيار والقصد ، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون - مطبقاً أو أدواراً - ولا المكره ولا السكران ، بل ولا الغضبان في شدّة الغضب السالب للقصد .

(مسألة 9) : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد ، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج ، ولا يمين المملوك مع منع المالك ، إلاّ أن يكون المحلوف عليه فعل واجب(1) أو ترك حرام . ولو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك ، كان للأب أو الزوج أو المالك حلّ اليمين وارتفع أثرها ، فلو حنث لا كفّارة عليه ، وهل يشترط إذنهم ورضاهم في انعقاد يمينهم حتّى أ نّه لو لم يطّلعوا على حلفهم أو لم يحلّوا مع علمهم لم تنعقد من أصلها أو لا ، بل كان منعهم مانعاً عن انعقادها وحلّهم رافعاً لاستمرارها ، فصحّت وانعقدت في الصورتين المزبورتين ؟ قولان ، أحوطهما ثانيهما ، بل لا يخلو من قوّة(2) .

(مسألة 10) : لا إشكال في انعقاد اليمين إذا تعلّقت بفعل واجب أو مستحبّ ، أو بترك حرام أو مكروه ، وفي عدم انعقادها إذا تعلّقت بترك واجب أو مستحبّ أو بفعل حرام أو مكروه . وأمّا المباح المتساوي الطرفين في الدين وفي نظر الشرع ، فإن ترجّح فعله على تركه بحسب المنافع والأغراض العقلائية الدنيوية أو العكس فلا إشكال في انعقادها إذا تعلّقت بطرفه الراجح وعدم

ص: 225


1- - إذا كان منعهم متوجّهاً إلى المحلوف عليه ، وأمّا إذا كان متوجّهاً إلى الحلف ، فلا يبعد عدم انعقاده .
2- - في القوّة منع ، بل أوّلهما لا يخلو من رجحان ، فحينئذٍ لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهم حتّى في فعل الواجب أو ترك الحرام ، لكن لا يترك الاحتياط خصوصاً فيهما .

انعقادها إذا تعلّقت بطرفه المرجوح ، وأمّا إذا ساوى طرفاه بحسب الدنيا أيضاً فهل تنعقد إذا تعلّقت به فعلاً أو تركاً ؟ قولان ، أشهرهما وأحوطهما أوّلهما ولا يخلو من قوّة .

(مسألة 11) : فكما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحاً ، تنحلّ إذا تعلّقت براجح ثمّ صار مرجوحاً ، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى .

(مسألة 12) : إنّما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره ، ولو كان مقدوراً ثمّ طرأ العجز(1) عنه بعد اليمين انحلّت اليمين ، ويلحق بالعجز العسر والحرج الرافعان للتكليف .

(مسألة 13) : إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها وحرمت عليه مخالفتها ، ووجبت الكفّارة بحنثها . والحنث الموجب للكفّارة هي المخالفة عمداً ، فلو كانت جهلاً أو نسياناً أو اضطراراً أو إكراهاً فلا حنث ولا كفّارة .

(مسألة 14) : إذا كان متعلّق اليمين الفعل - كالصلاة والصوم - فإن عيّن له وقتاً تعيّن وكان الوفاء بها بالإتيان به في وقته ، وحنثها بعدم الإتيان به في وقته وإن أتى به في وقت آخر ، وإن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أيّ وقت كان - ولو مرّة - وحنثها بتركه بالمرّة ، ولا يجب التكرار ولا الفور والبدار . ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز أو عروض الموت .

ص: 226


1- - في تمام الوقت المضروب للمحلوف عليه ، أو أبداً إذا كان مطلقاً ، وكذا الحال في العسر والحرج .

وإن كان متعلّقها الترك ، كما إذا حلف أن لا يأكل الثوم أو لا يشرب الدخان ، فإن قيّده بزمان كان حنثها بإيجاده ولو مرّة في ذلك الزمان ، وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدّة العمر فلو أتى به مدّته - ولو مرّة في أيّ زمان كان - تحقّق الحنث .

(مسألة 15) : إذا كان المحلوف عليه الإتيان بعمل كصوم يوم ؛ سواء كان مقيّداً بزمان كصوم يوم من شعبان ، أو مطلقاً من حيث الزمان ، لم يكن له إلاّ حنث واحد ، فلا تتكرّر فيه الكفّارة ؛ إذ مع الإتيان به في الوقت المعيّن أو مدّة العمر - ولو مرّة - لا مخالفة ولا حنث ، ومع تركه بالمرّة يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة . وكذلك إذا كان ترك عمل على الإطلاق ؛ سواء كان مقيّداً بزمان كما إذا حلف على ترك شرب الدخان في يوم الجمعة ، أو غير مقيّد به كما إذا حلف على تركه مطلقاً ؛ لأنّ الوفاء بهذا اليمين إنّما هو بترك ذلك العمل بالمرّة في يوم الجمعة أو مطلقاً ، وحنثها بإيقاعه ولو مرّة ، فلو أتى به حنث وانحلّت اليمين ، فلو أتى به مراراً لم يحنث إلاّ بالمرّة الاُولى فلا تتكرّر الكفّارة ، وهذا ممّا لا إشكال فيه ، إنّما الإشكال في مثل ما إذا حلف على أن يصوم كلّ خميس أو حلف على أن لا يأكل الثوم في كلّ جمعة - مثلاً - فهل يتكرّر الحنث والكفّارة إذا ترك الصوم في أكثر من يوم ، أو أكل الثوم في أكثر من جمعة واحدة أم لا ، بل تنحلّ اليمين بالمخالفة الاُولى فلا حنث بعدها ؟ قولان ، أحوطهما الأوّل وأشهرهما الثاني(1) .

(مسألة 16) : كفّارة اليمين عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ،

ص: 227


1- - وهو الأقوى .

فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام ، وسيجيء تفصيلها وما يتعلّق بها من الأحكام في كتاب الكفّارات إن شاء اللّه تعالى .

(مسألة 17) : الأيمان الصادقة كلّها مكروهة ؛ سواء كانت على الماضي أو المستقبل ، وتتأكّد الكراهة في الأوّل(1) ، ففي خبر الخزّاز عن مولانا الصادق علیه السلام : «لا تحلفوا باللّه صادقين ولا كاذبين فإنّه يقول - عزّ وجلّ - : )وَلا تَجْعَلُوا اللّه َ عُرْضَةً لِأيْمَانِكُمْ(» ، وفي خبر ابن سنان عنه علیه السلام : «اجتمع الحواريّون إلى عيسى - على نبيّنا وآله وعليه السلام - فقالوا : يا معلّم الخير أرشدنا ، فقال لهم : إنّ موسى نبي اللّه أمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين وأنا آمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين ولا صادقين» . نعم لو قصد بها رفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره من إخوانه جاز بلا كراهة ولو كذباً ، ففي خبر زرارة عن الباقر علیه السلام : إنّا نمرّ بالمال على العشّارين فيطلبون منّا أن نحلف لهم ويخلّون سبيلنا ولا يرضون منّا إلاّ بذلك ، فقال : «احلف لهم فهو أحلى من التمر والزبد» . بل ربّما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه أو عن نفس مؤمن أو عرضه ، لكن إذا كان ملتفتاً إلى التورية ويحسنها ، فالأحوط - لو لم يكن الأقوى(2) - أن يورّي ؛ بأن يقصد باللفظ خلاف ظاهره من دون قرينة مفهمة .

(مسألة 18) : الأقوى أ نّه يجوز الحلف بغير اللّه في الماضي والمستقبل وإن لم يترتّب على مخالفتها إثم ولا كفّارة ، كما أ نّه ليس قسماً فاصلاً في الدعاوي والمرافعات .

ص: 228


1- - غير ثابت .
2- - بل الأقوى عدم لزومها .

القول : في النذر والعهد

(مسألة 1) : النذر هو الالتزام بعمل للّه تعالى على نحو مخصوص ، لا ينعقد بمجرّد النيّة ، بل لا بدّ من الصيغة ، وهي ما كانت مفادها إنشاء الالتزام بفعل أو ترك للّه تعالى ؛ كأن يقول : «للّه عليّ أن أصوم» أو « . . . أن أترك شرب الخمر» مثلاً . وهل يعتبر في الصيغة قول «للّه» بالخصوص ، أو يجزي غير هذه اللفظة من أسمائه المختصّة كما تقدّم في اليمين ؟ الظاهر هو الثاني ، فكلّ ما دلّ على الالتزام بعمل للّه - جلّ شأنه - يكفي في الانعقاد . بل لا يبعد انعقاده بما يرادف القول المزبور من كلّ لغة ، خصوصاً لمن لم يحسن العربية ، نعم لو اقتصر على قوله : «عليّ كذا» لم ينعقد النذر وإن نوى في ضميره معنى «للّه» ، ولو قال : «نذرت للّه أن أصوم» مثلاً ، أو «للّه عليّ نذر صوم يوم» مثلاً ، لم ينعقد ، على إشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 2) : يشترط في الناذر : البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء الحجر في متعلّق النذر ، فلا ينعقد نذر الصبيّ وإن كان مميّزاً وبلغ عشراً ، ولا المجنون ولو أدوارياً حال دوره ، ولا المكره ، ولا السكران ، بل ولا الغضبان غضباً رافعاً للقصد ، وكذا السفيه إن كان المنذور مالاً ولو في ذمّته ، والمفلّس إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه وتعلّق به حقّ الغرماء .

(مسألة 3) : لا يصحّ نذر الزوجة مع منع(1) الزوج ، ولو نذرت بدون إذنه كان له حلّه كاليمين وإن كان متعلّقاً بمالها ولم يكن العمل به مانعاً عن الاستمتاع بها .

ص: 229


1- - بل الظاهر اشتراط انعقاده بإذنه .

ولو أذن لها في النذر فنذرت عن إذنه انعقد وليس له بعد ذلك حلّه ولا المنع عن الوفاء به . وهل يشترط انعقاد نذر الولد بإذن الوالد ، فلا ينعقد بدونه ، أو ينعقد وله حلّه ، أو لا يشترط(1) بالإذن ولا له حلّه ؟ فيه خلاف وإشكال ، والأحوط أن يكون بإذنه ثمّ بعد ذلك لزم وليس له حلّه ولا منعه عن الوفاء به .

(مسألة 4) : النذر : إمّا نذر برّ ، ويقال له نذر المجازاة وهو ما علّق على أمر: إمّا شكراً لنعمة دنيوية أو اُخروية ؛ كأن يقول : «إن رزقت ولداً - أو إن وفّقت لزيارة بيت اللّه - فللّه عليّ كذا» ، وإمّا استدفاعاً لبليّة ، كأن يقول : «إن شفى اللّه مريضي فللّه عليّ كذا» ، وإمّا نذر زجر ، وهو ما علّق على فعل حرام أو مكروه زجراً للنفس عن ارتكابهما ، مثل أن يقول : «إن تعمّدت الكذب - أو بلت في الماء - فللّه عليّ كذا» ، أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً لها عن تركهما مثل أن يقول : «إن تركت فريضة أو نافلة الليل فللّه عليّ كذا» وإمّا نذر تبرّع ، وهو ما كان مطلقاً ولم يعلّق على شيء كأن يقول : «للّه عليّ أن أصوم غداً» . لا إشكال ولا خلاف في انعقاد الأوّلين ، وفي انعقاد الأخير قولان ، أقواهما الانعقاد .

(مسألة 5) : يشترط في متعلّق النذر - سواء كان معلّقاً ومشروطاً شكراً أو زجراً أو كان تبرّعاً - أن يكون مقدوراً للناذر ، وأن يكون طاعة للّه تعالى صلاةً أو صوماً أو حجّاً أو صدقةً أو عتقاً ونحوها ممّا يعتبر في صحّتها القربة ، أو أمراً ندب إليه الشرع ويصحّ التقرّب به كزيارة المؤمنين وتشييع الجنائز وعيادة المرضى وغيرها ، فينعقد في كلّ واجب أو مندوب ، ولو كفائياً ، كتجهيز الموتى إذا تعلّق بفعله ، وفي كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه . وأمّا المباح ، كما إذا نذر

ص: 230


1- - وهو الأوجه .

أكل طعام أو تركه ، فإن قصد به معنىً راجحاً كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة أو بتركه منع النفس عن الشهوة ، فلا إشكال في انعقاده ، كما لا إشكال في عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّق النذر فعلاً أو تركاً بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحاً ولو دنيوياً ، وأمّا إذا لم يقصد به معنىً راجحاً ولم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيته ، فالظاهر(1) عدم انعقاد النذر به .

(مسألة 6) : قد عرفت أنّ النذر : إمّا معلّق على أمر أو غير معلّق ، والأوّل على قسمين : نذر شكر ونذر زجر ، فليعلم أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر أو من فعل غيره أو من فعل اللّه تعالى ، ولا بدّ في الجميع من أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه حتّى يقع المنذور مجازاة له ، فإن كان من فعل الناذر فلا بدّ أن يكون طاعة للّه تعالى ؛ من فعل واجب أو مندوب أو ترك حرام أو مكروه ، فيلتزم بالمنذور شكراً له تعالى ؛ حيث إنّه وفّقه عليها مثل أن يقول : «إن حججت في هذه السنة - أو زرت زيارة عرفة أو إن تركت الكبائر أو المكروه الفلاني في شهر رمضان - فللّه عليّ أن أصوم شهراً» . فلو علّق النذر شكراً على ترك واجب أو مندوب أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد . وإن كان من فعل غيره ، فلا بدّ أن يكون ممّا فيه منفعة دينية ، أو دنيوية للناذر صالحة لأن يشكر عليها شرعاً أو عرفاً ، مثل أن يقول : «إن أقبل الناس على الطاعات فللّه عليّ كذا» أو يقول : «إن قدم مسافري - أو لم يقدم عدوّي الذي يؤذيني - فللّه عليّ كذا» فإن كان على عكس ذلك مثل أن يقول : «إن تجاهر الناس على المعاصي - أو شاع بينهم المنكرات - فللّه عليّ صوم شهر» مثلاً ، لم ينعقد . وإن كان من فعله تعالى لزم

ص: 231


1- - لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه .

أن يكون أمراً يسوغ تمنّيه ويحسن طلبه منه تعالى كشفاء مريض أو إهلاك عدوّ ديني أو أمن في البلاد أو سعة على العباد ونحو ذلك ، فلا ينعقد إن كان على عكس ذلك كما إذا قال : «إن أهلك اللّه هذا المؤمن الصالح - أو إن شفى اللّه هذا الكافر الطالح أو قال: إن وقع القحط في البلاد أو شمل الخوف على العباد - فللّه عليّ كذا» هذا في نذر الشكر . وأمّا نذر الزجر ، فلا بدّ أن يكون الشرط والمعلّق عليه فعلاً أو تركاً اختيارياً للناذر وكان صالحاً لأن يزجر عنه حتّى يقع النذر زاجراً عنه كفعل حرام أو مكروه ، مثل أن يقول : «إن تعمّدت الكذب - أو تعمّدت الضحك في المقابر مثلاً - فللّه عليّ كذا » أو ترك واجب أو مندوب كما إذا قال : «إن تركت الصلاة - أو نافلة الليل - فللّه عليّ كذا ».

(مسألة 7) : إذا كان الشرط فعلاً اختيارياً للناذر ، فالنذر المعلّق عليه قابل لأن يكون نذر شكر وأن يكون نذر زجر ، والمائز هو القصد ، مثلاً إذا قال : «إن شربت الخمر فللّه عليّ كذا» إن كان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب وإنّما أوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً عنه فهو نذر زجر فينعقد ، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها وقد جعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتهيّؤ أسبابه له ، كان نذر شكر فلا ينعقد .

(مسألة 8) : لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في زمان آخر مقدّم أو مؤخّر لم يجز ، وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان ، فلا يجزي في غيره وإن كان أفضل . وأمّا لو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ففي انعقاده وتعيّنه وجهان بل قولان ، أقواهما الانعقاد . نعم لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض نوافله الراتبة كصلاة الليل أو صوم شهر رمضان - مثلاً - في

ص: 232

مكان أو بلد لا رجحان فيه ؛ بحيث لم يتعلّق النذر بأصل الصلاة والصيام بل تعلّق بإيقاعهما في المكان الخاصّ فالظاهر عدم انعقاد النذر ؛ لعدم الرجحان في متعلّقه . هذا إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح مثل كونه أفرغ للعبادة أو أبعد عن الرياء ونحو ذلك ، وإلاّ فلا إشكال في الانعقاد .

(مسألة 9) : لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم ، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفية والكمّية يجزي ركعتان ولا يجزي(1) ركعة على الأقوى ، ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الاسم ، ولو نذر أن يفعل قربة أتى بعمل قربي ويكفي صيام يوم أو التصدّق بشيء أو صلاة ولو مفردة الوتر وغير ذلك .

(مسألة 10) : لو نذر صوم عشرة أيّام - مثلاً - فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن وإلاّ تخيّر بينهما ، وكذا لو نذر صيام سنة فإنّ الظاهر أ نّه مع الإطلاق يكفي صوم اثني عشر شهراً ، ولو متفرّقاً . نعم لو نذر صوم شهر لم يبعد(2) ظهوره في التتابع ويكفي ما بين الهلالين من شهر ولو ناقصاً ، وله أن يشرع فيه في أثناء الشهر . وحينئذٍ فهل يجب إكمال ثلاثين أو يكفي التلفيق بأن يكمل من الشهر التالي مقدار ما مضى من الشهر الأوّل ؟ أظهرهما الثاني وأحوطهما الأوّل .

(مسألة 11) : إذا نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان ، فيفطر فيهما ولا قضاء عليه ، وكذا يفطر في الأيّام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام من

ص: 233


1- - لا يبعد إجزاء ركعة الوتر ، إلاّ أن يكون قصده غير الرواتب ، فلا يجزي إلاّ الإتيان بالركعتين .
2- - غير معلوم .

مرض أو حيض أو نفاس أو سفر ، لكن يجب القضاء على الأقوى .

(مسألة 12) : لو نذر صوم كلّ خميس - مثلاً - فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيح للإفطار ؛ من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر ، أفطر ويجب عليه القضاء حتّى في الأوّل على الأقوى(1) .

(مسألة 13) : لو نذر صوم يوم معيّن فأفطر عمداً يجب قضاؤه مع الكفّارة .

(مسألة 14) : إذا نذر صوم يوم معيّن جاز له السفر وإن كان غير ضروري ويفطر ، ثمّ يقضيه ولا كفّارة عليه .

(مسألة 15) : لو نذر زيارة أحد من الأئمّة علیهم السلام ، أو بعض الصالحين لزم ، ويكفي الحضور والسلام على المزور . والظاهر عدم وجوب غسل الزيارة وصلاتها مع الإطلاق وعدم ذكرهما في النذر . وإن عيّن إماماً لم يجز غيره وإن كان زيارته أفضل ، كما أ نّه إن عجز عن زيارة من عيّنه لم يجب زيارة غيره بدلاً عنه . وإن عيّن للزيارة زماناً تعيّن ، فلو تركها في وقتها عامداً حنث وتجب الكفّارة ، وهل يجب معها القضاء ؟ فيه تردّد(2) وإشكال .

(مسألة 16) : لو نذر أن يحجّ أو يزور الحسين علیه السلام ماشياً انعقد مع القدرة وعدم الضرر ، فلو حجّ أو زار راكباً مع القدرة على المشي ، فإن كان النذر مطلقاً ولم يعيّن الوقت أعاده ماشياً ، وإن عيّن وقتاً وفات الوقت حنث بلا إشكال ولزم الكفّارة . وهل يجب مع ذلك القضاء ماشياً ؟ فيه تردّد(3) ، والأحوط القضاء ،

ص: 234


1- - في غير العيدين والسفر ، وفيهما على الأحوط وإن لا يخلو الأوّل من قوّة .
2- - والأقوى عدم الوجوب .
3- - والأقوى عدم الوجوب .

وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشى في البعض .

(مسألة 17) : ليس لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر ، أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ولو لأجل العبور من الشطّ ونحوه . ولو انحصر الطريق في البحر ، فإن كان كذلك من أوّل الأمر لم ينعقد النذر ، وإن طرأ ذلك بعد النذر ، فإن كان النذر مطلقاً وتوقّع المكنة من طريق البرّ والمشي منه فيما بعد انتظر ، وإن كان معيّناً وطرأ ذلك في الوقت أو مطلقاً ويئس من المكنة بالمرّة سقط عنه ولا شيء عليه .

(مسألة 18) : لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون البعض ، الأحوط - لو لم يكن الأقوى - أن يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض ولا شيء عليه(1) ، ولو اضطرّ إلى ركوب السفينة ، الأحوط أن يقوم فيها بقدر الإمكان .

(مسألة 19) : لو نذر التصدّق بعين شخصية تعيّنت ، ولا يجزي مثلها أو قيمتها مع وجودها . ومع التلف ، فإن كان لا بإتلاف منه انحلّ النذر ولا شيء عليه ، وإن كان بإتلاف منه ضمنها(2) بالمثل أو القيمة ، فيتصدّق بالبدل ، بل يكفّر أيضاً على الأحوط(3) .

(مسألة 20) : لو نذر الصدقة على شخص معيّن لزم ، ولا يملك المنذور له الإبراء منه ، فلا يسقط عن الناذر بإبرائه ، وهل يلزم على المنذور له القبول ؟

ص: 235


1- - والأولى الأحوط له سياق بدنة .
2- - على الأحوط .
3- - بل الأقوى .

الظاهر لا ، فينحلّ(1) النذر بعدم قبوله ؛ للتعذّر . ولو امتنع ثمّ رجع إلى القبول فهل يعود النذر ويجب التصدّق عليه ؟ فيه تأمّل ، والاحتياط لا يترك . ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته ، وكذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات المالية . ولو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه قام وارثه مقامه على احتمال مطابق للاحتياط ، ويقوى هذا الاحتمال لو نذر أن يكون مال معيّن صدقة(2) على فلان ، فمات قبل قبضه .

(مسألة 21) : لو نذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه كتعميره وضيائه وطيبه وفرشه وقوّامه وخدّامه ونحو ذلك ، وفي معونة زوّاره(3) . وأمّا لو نذر شيئاً للإمام أو بعض أولاد الأئمّة ، كما لو نذر شيئاً للأمير أو الحسين أو العبّاس علیهم السلام ، فالظاهر أنّ المراد صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إليهم ، من غير فرق بين الصدقة على المساكين وإعانة الزائرين وغيرهما من وجوه الخير كبناء مسجد أو قنطرة ونحو ذلك ، وإن كان الأحوط الاقتصار على معونة زوّارهم وصلة من يلوذ بهم من المجاورين المحتاجين والصلحاء من الخدّام المواظبين بشؤون مشاهدهم وإقامة مجالس تعازيهم ، هذا إذا لم يكن في

ص: 236


1- - لا يبعد عدم انحلاله ، إلاّ إذا امتنع عن قبوله في تمام الوقت المضروب له في الموقّت ، ومطلقاً في غيره ، فلو رجع عن امتناعه في الموقّت قبل خروج وقته وفي غيره يجب التصدّق عليه ، نعم لو كان نذره الصدقة بعين معيّنة فامتنع ، جاز له إتلافه ولا ضمان عليه لو رجع ولا كفّارة .
2- - إن كان بنحو نذر النتيجة فصحّته محلّ إشكال .
3- - محلّ إشكال ، بل الأحوط أن يصرفه في مصارف المشهد وإن لا يبعد جواز صرفه في الخدّام .

قصد الناذر جهة خاصّة(1) ، وإلاّ اقتصر عليها .

(مسألة 22) : لو عيّن شاة للصدقة ، أو لأحد الأئمّة ، أو لمشهد من المشاهد ، يتبعها نماؤها المتّصل كالسمن . وأمّا المنفصل كالنتاج(2) واللبن ، فالظاهر أ نّه ملك للناذر .

(مسألة 23) : لو نذر التصدّق بجميع ما يملكه لزم ، فإن شقّ عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمّته وتصرّف في أمواله بما يشاء وكيف شاء ، ثمّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً ، ويحسب منها ما يعطي إلى الفقراء والمساكين وأرحامه المحتاجين ، ويقيّد ذلك في دفتر إلى أن يوفي التمام ، فإن بقي منه شيء أوصى بأن يؤدّى ممّا تركه بعد موته .

(مسألة 24) : إذا عجز الناذر عن المنذور في وقته إن كان موقّتاً ، ومطلقاً إن كان مطلقاً ، انحلّ نذره وسقط عنه ولا شيء عليه ، نعم لو نذر صوماً فعجز عنه ، تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على الأحوط(3) ، وأحوط منه التصدّق بمدّين .

(مسألة 25) : النذر كاليمين في أ نّه إذا تعلّق بإيجاد عمل ؛ من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها ، فإن عيّن له وقتاً تعيّن ويتحقّق الحنث ويجب الكفّارة بتركه فيه ، فإن كان صوماً أو صلاة يجب قضاؤه أيضاً على الأقوى(4) ، بل وإن كان

ص: 237


1- - ولم يكن انصراف .
2- - لا يترك الاحتياط في الحمل واللبن ، بل لا يخلو من وجه .
3- - بل الأقوى .
4- - في الصوم ، وعلى الأحوط في الصلاة ، وأمّا في غيرهما فالظاهر عدم الوجوب .

غيرهما أيضاً على الأحوط ، وإن كان مطلقاً كان وقته العمر وجاز له التأخير إلى أن يظنّ بالوفاة ، فيتضيّق ويتحقّق الحنث بتركه مدّة الحياة . هذا إذا كان المنذور فعل شيء ، وإن كان ترك شيء ، فإن عيّن له الوقت كان حنثه بإيجاده فيه ، وإن كان مطلقاً كان حنثه بإيجاده مدّة حياته - ولو مرّة - ولو أتى به تحقّق الحنث وانحلّ النذر كما مرّ في اليمين .

(مسألة 26) : إنّما يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة بمخالفة النذر اختياراً ، فلو أتى بشيء تعلّق النذر بتركه نسياناً أو جهلاً أو اضطراراً ، لم يترتّب عليه شيء ، بل الظاهر عدم انحلال النذر به ، فيجب الترك بعد ارتفاع العذر لو كان النذر مطلقاً أو موقّتاً وقد بقي الوقت .

(مسألة 27) : لو نذر: إن برئ مريضه أو قدم مسافره صام يوماً - مثلاً - فبان أنّ المريض برئ أو المسافر قدم قبل النذر لم يلزم .

(مسألة 28) : كفّارة حنث النذر كفّارة اليمين ، وقيل(1) : كفّارة من أفطر شهر رمضان ، وسيجيء في كتاب الكفّارات إن شاء اللّه تعالى .

القول : في العهد

لا ينعقد العهد بمجرّد النيّة ، بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى ، وصورتها أن يقول : «عاهدت اللّه» أو «عليّ عهد اللّه» ، ويقع مطلقاً ومعلّقاً على شرط كالنذر . والظاهر أ نّه يعتبر في المعلّق عليه إذا كان مشروطاً ما اعتبر فيه في النذر المشروط . وأمّا ما عاهد عليه فهو بالنسبة إليه كاليمين ، يعتبر فيه أن لا يكون

ص: 238


1- - وهو الأقوى .

مرجوحاً ديناً أو دنياً ، ولا يعتبر فيه الرجحان فضلاً عن كونه طاعة كما اعتبر ذلك في النذر ، فلو عاهد على فعل مباح لزم كاليمين . نعم لو عاهد على فعل كان تركه أرجح ، أو على ترك أمر كان فعله أولى ولو من جهة الدنيا لم ينعقد ، ولو لم يكن كذلك من أوّل الأمر ثمّ طرأ عليه ذلك انحلّ .

(مسألة) : مخالفة العهد بعد انعقاده يوجب الكفّارة ، وهل هي كفّارة من أفطر شهر رمضان أو كفّارة اليمين ؟ قولان ، أظهرهما الأوّل كما يجيء في الكفّارات .

ص: 239

كتاب الكفّارات

اشارة

والكلام في أقسامها وأحكامها

القول : في أقسام الكفّارات

وهي على أربعة أقسام : مرتّبة ، ومخيّرة ، وما اجتمع فيه الأمران ، وكفّارة الجمع .

أمّا المرتّبة فهي ثلاث : كفّارة الظهار ، وكفّارة قتل الخطأ ، يجب فيهما العتق ، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين ، فإن عجز فإطعام ستّين مسكيناً ، وكفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال ، وهي إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام متتابعات(1) .

وأمّا المخيّرة فهي أيضاً ثلاث(2) : كفّارة من أفطر في شهر رمضان بأحد الأسباب الموجبة للكفّارة التي مرّت في كتاب الصوم وكفّارة حنث العهد ، وكفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب ، وهي العتق أو صيام شهرين متتابعين أو

ص: 240


1- - على الأحوط .
2- - قد مرّ أنّ كفّارة حنث النذر كفّارة إفطار شهر رمضان .

إطعام ستّين مسكيناً مخيّراً بينها على الأظهر .

وأمّا ما اجتمع فيه الأمران : فهي كفّارة حنث اليمين ، وكفّارة حنث النذر(1) على الأظهر ، وكفّارة نتف المرأة شعرها وخدش وجهها في المصاب ، وشقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته . يجب في جميع ذلك عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيّراً بينها ، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيّام . وقيل : إنّ كفّارة النذر مثل كفّارة إفطار شهر رمضان وحيث إنّ هذا هو المشهور فلا ينبغي ترك الاحتياط لمن عجز عن العتق باختيار الإطعام وإكمال ستّين ، ومع العجز عنه صيام شهرين متتابعين فقط مع العجز عن إكساء عشرة مساكين ، والجمع بينهما مع التمكّن منه .

وأمّا كفّارة الجمع : فهي كفّارة قتل المؤمن عمداً وظلماً ، وكفّارة الإفطار في شهر رمضان بالمحرّم على الأحوط - لو لم يكن الأقوى(2) - وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً .

(مسألة 1) : لا فرق في جزّ المرأة شعرها بين جزّ تمام شعر رأسها ، وجزّ بعضه بما يصدق عرفاً أ نّه قد جزّت شعرها ، كما أ نّه لا فرق بين كونه في مصاب زوجها ومصاب غيره ، وبين القريب والبعيد . ولا يبعد(3) إلحاق الحلق بالجزّ ، بل الأحوط إلحاق الإحراق به أيضاً .

(مسألة 2) : لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه بل يكفي مسمّاه ، نعم

ص: 241


1- - قد مرّ .
2- - الأقوائية محلّ تأمّل .
3- - الأقوى عدم إلحاق الحلق والإحراق به .

الظاهر أ نّه يعتبر فيه الإدماء . ولا عبرة بخدش غير الوجه ولو مع الإدماء ، ولا بشقّ ثوبها وإن كان على ولدها أو زوجها ، كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه ، ولا بجزّ شعره ، ولا بشقّ ثوبه على غير ولده وزوجته . نعم لا فرق في الولد بين الذكروالاُنثى، وفي شموله لولد الولد خصوصاً ولد البنت تأمّل(1) وإن كان الأحوط الشمول ، وكذلك في شمول الزوجة لغير الدائمة ، فإنّه قد يشكّ فيه لكن لا يبعد الشمول ، خصوصاً لمن كانت مدّتها طويلة كتسعين سنة .

القول : في أحكام الكفّارات

(مسألة 1) : لا يجزي عتق الكافر في الكفّارة مطلقاً فيشترط فيه الإسلام . ويستوي في الإجزاء الذكر والاُنثى والكبير والصغير(2) الذي كان بحكم المسلم ؛ بأن كان أحد أبويه مسلماً ، ويشترط أيضاً أن يكون سالماً من العيوب التي يوجب الانعتاق قهراً ، كالعمى والجذام والإقعاد والتنكيل ، ولا بأس بسائر العيوب ، فيجزي عتق الأصمّ والأخرس وغيرهما ، ويجزي عتق الآبق وإن لم يعلم مكانه إذا لم يعلم موته .

(مسألة 2) : يعتبر في الخصال الثلاث - العتق والصيام والإطعام - النيّة المشتملة على قصد العمل وقصد القربة وقصد كونه عن الكفّارة وتعيين نوعها إذا كانت عليه أنواع متعدّدة ، فلو كانت عليه كفّارة ظهار وكفّارة يمين وكفّارة إفطار ، فأعتق عبداً ونوى القربة والتكفير لم يجز عن واحد منها . نعم في المتعدّد من نوع واحد يكفي قصد النوع ولا يحتاج إلى تعيين آخر ، فلو أفطر أيّاماً من

ص: 242


1- - الظاهر عدم الشمول لولد البنت .
2- - لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في القتل بعتق البالغ .

شهر رمضان من سنة أو سنين متعدّدة فأعتق عبداً بقصد أ نّه عن كفّارة الإفطار كفى وإن لم يعيّن اليوم الذي أفطر فيه ، وكذلك بالنسبة إلى الصيام والإطعام . ولو كان عليه كفّارة ولا يدري نوعها كفى الإتيان بإحدى الخصال ناوياً عمّا في ذمّته ، بل لو علم أنّ عليه إعتاق عبد - مثلاً - ولا يدري أ نّه منذور أو عن كفّارة القتل - مثلاً - كفى إعتاق عبد بقصد ما في الذمّة .

(مسألة 3) : يتحقّق العجز عن العتق - الموجب لوجوب الصيام أو الإطعام في الكفّارة المرتّبة - : إمّا بعدم الرقبة ، أو عدم ثمنها ، أو عدم التمكّن من شرائها وإن وجد الثمن ، أو احتياجه إلى خدمتها لمرض(1) أو كبر أو زمانة أو لرفعة شأن ، أو احتياجه إلى ثمنها في نفقته ونفقة عياله الواجبي النفقة ، أو أداء ديونه ، بل كلّ واجب يجب صرف المال فيه ، بل إذا لم يكن عنده إلاّ مستثنيات(2) الدين لا تباع في العتق وكان داخلاً في عنوان العاجز عنه . نعم لو بيع العبد بأزيد من ثمن المثل وكان عنده الثمن وجب الشراء ، ولا يعدّ ذلك عجزاً إلاّ إذا استلزم قبحاً وضرراً مجحفاً ، وكذا لو كان له مال غائب يصل إليه قريباً ، أو كان عنده ثمن الرقبة دون عينها ويتوقّع وجودها بعد مدّة غير مديدة لم يعدّ ذلك من العجز بل ينتظر ، إلاّ إذا شقّ عليه تأخير التكفير ، كالمظاهر الشبق الذي يشقّ عليه(3) ترك مباشرة زوجته .

ويتحقّق العجز من الصيام - الموجب لتعيّن الإطعام - بالمرض المانع منه أو

ص: 243


1- - بحيث كان مضطرّاً إلى خدمتها اضطراراً عرفياً .
2- - بل لا يبعد عدم وجوب بيع ما لا بدّ منه عرفاً في جريان معاشه ؛ بحيث لو باع وقع في ضيق وكلفة .
3- - ولم يمكن له تجديد الفراش .

خوف حدوثه أو زيادته ، وبكونه شاقّاً عليه مشقّة لا يتحمّل . وهل يكفي وجود المرض أو خوف حدوثه أو زيادته في الحال ولو مع رجاء البرء وتبدّل الأحوال أو يعتبر اليأس ؟ وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان . نعم لو رجا البرء بعد زمان قصير كيوم أو يومين يشكل الانتقال إلى الإطعام . وكيف كان لو أخّر الصيام والإطعام إلى أن برئ من المرض وتمكّن من الصوم لا شكّ في تعيّنه في المرتّبة ولم يجز الإطعام .

(مسألة 4) : ليس طروّ الحيض والنفاس موجباً للعجز عن الصيام والانتقال إلى الإطعام ، وكذا طروّ الاضطرار على السفر الموجب للإفطار ؛ لعدم انقطاع التتابع بطروّ ذلك .

(مسألة 5) : المعتبر في العجز والقدرة على حال الأداء لا حال الوجوب ، فلو كان حال حدوث موجب الكفّارة قادراً على العتق عاجزاً عن الصيام فلم يعتق حتّى صار بالعكس ، صار فرضه الصيام وسقط عنه وجوب العتق .

(مسألة 6) : إذا عجز عن العتق في المرتّبة ، فشرع في الصوم ولو ساعة من النهار ، ثمّ وجد ما يعتق لم يلزمه العتق ، فله إتمام الصيام ويجزي عن الكفّارة . وفي جواز رفع اليد عن الصوم واختيار العتق وجه ، بل ربّما قيل : إنّه الأفضل(1) ، لكن لا يخلو من إشكال ، فالأحوط إتمام الصيام . نعم لو عرض ما يوجب استئنافه ؛ بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع ، تعيّن عليه العتق مع بقاء القدرة عليه ، وكذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام فدخل في الإطعام ثمّ زال العجز .

ص: 244


1- - وهو كذلك ، والإشكال ضعيف .

(مسألة 7) : يجب التتابع في الصيام في جميع(1) الكفّارات بعدم تخلّل الإفطار ولا صوم آخر غير الكفّارة(2) بين أيّامها ، من غير فرق بين ما وجب فيه شهران مرتّباً على غيره أو مخيّراً أو جمعاً ، وكذا بين ما وجب فيه شهران وما وجب فيه ثلاثة أيّام ككفّارة اليمين ، ومتى أخلّ بالتتابع وجب الاستئناف . ويتفرّع على وجوب التتابع أ نّه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلّل صوم آخر يجب في زمان معيّن بين أيّامه ، فلو شرع في صيام ثلاثة أيّام قبل شهر رمضان أو قبل خميس معيّن نذر صومه بيوم أو يومين لم يجز ، بل وجب استئنافه .

(مسألة 8) : إنّما يضرّ بالتتابع ما إذا وقع الإفطار في البين بالاختيار ، فلو وقع ذلك لعذر من الأعذار كما إذا كان الإفطار بسبب الإكراه أو الاضطرار أو بسبب عروض المرض أو طروّ الحيض أو النفاس لم يضرّ به . ومن العذر وقوع السفر في الأثناء إذا كان ضرورياً دون ما كان بالاختيار ، وكذا منه ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها ؛ بأن تذكّر بعد الزوال ، وكذا الحال فيما إذا كان تخلّل صوم آخر في البين لا بالاختيار كما إذا نسي فنوى صوماً آخر ولم يتذكّر إلاّ بعد الزوال ، ومنه ما إذا نذر صوم كلّ خميس - مثلاً - ثمّ وجب عليه صوم شهرين متتابعين فلا يضرّ بالتتابع تخلّل المنذور في البين ولا يتعيّن عليه البدل في المخيّرة ولا ينتقل إلى الإطعام في المرتّبة . نعم في صوم ثلاثة أيّام يخلّ(3) تخلّله ، فيلزم

ص: 245


1- - هذا العموم محلّ تأمّل .
2- - أي غير شخص الكفّارة لا نوعها .
3- - إلاّ إذا كان المنذور على وجه لا يمكن معه تحصيل التتابع ، كما إذا نذر الصيام يوماً ويوماً لا .

الشروع فيها من زمان لم يتخلّل المنذور بينها كما أشرنا إليه في المسألة السابقة .

(مسألة 9) : يكفي في تتابع الشهرين في الكفّارة - مرتّبة كانت أو مخيّرة - صيام شهر ويوم متتابعاً ، ويجوز له التفريق في البقيّة ولو اختياراً لا لعذر . فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين يجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم ولا يجوز له الاقتصار على شعبان لتخلّل شهر رمضان قبل إكمال شهر ويوم ، وكذا يجوز له الشروع قبل الأضحى بواحد وثلاثين يوماً ولا يجوز قبله بثلاثين .

(مسألة 10) : من وجب عليه صيام شهرين ، فإن شرع فيه من أوّل الشهر يجزي هلاليان وإن كانا ناقصين ، وإن شرع في أثناء الشهر وإن كان فيه وجوه(1) بل أقوال ، ولكن الأحوط انكسار الشهرين وجعل كلّ شهر ثلاثين ، فيصوم ستّين يوماً مطلقاً ؛ سواء كان الشهر الذي شرع فيه مع تاليه تامّين أو ناقصين أو مختلفين . ويتعيّن ذلك بلا إشكال فيما إذا وقع التفريق بين الأيّام بتخلّل ما لا يضرّ بالتتابع شرعاً .

(مسألة 11) : يتخيّر في الإطعام الواجب في الكفّارات بين إشباع المساكين والتسليم لهم ، ويجوز إشباع البعض والتسليم إلى البعض . ولا يتقدّر الإشباع بمقدار بل المدار على أن يأكلوا بمقدار شبعهم قلّ أو كثر . وأمّا التسليم فلا بدّ من أن يسلّم إلى كلّ منهم مدّاً من الطعام لا أقلّ ، والأفضل بل الأحوط مدّان . ولا بدّ في كلّ من النحوين كمال العدد من ستّين أو عشرة فلا يجزي إشباع ثلاثين أو خمسة مرّتين أو تسليم كلّ واحد منهم مدّين ، ولا يجب الاجتماع لا في التسليم

ص: 246


1- - أوجهها تكسير الشهرين وتتميم ما نقص ، فلو شرع فيه عاشر شوّال يتمّ بصيام تاسع ذي الحجّة ؛ من غير فرق بين نقص الشهرين أو تمامهما أو اختلافهما .

ولا في الإشباع فلو أطعم ستّين مسكيناً في أوقات متفرّقة من بلاد مختلفة ولو كان هذا في سنة وذلك في سنة اُخرى لأجزأ وكفى .

(مسألة 12) : الواجب في الإشباع إشباع كلّ واحد من العدد مرّة وإن كان الأفضل إشباعه في يومه وليله غداة وعشاءً .

(مسألة 13) : يجزي(1) في الإشباع كلّ ما يتعارف التغذّي والتقوّت به لغالب الناس ؛ من المطبوخ ، وما يُصنع من أنواع الأطعمة ، ومن الخبز من أيّ جنس كان ممّا يتعارف تخبيزه من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن وغيرها وإن كان بلا إدام ، والأفضل أن يكون مع الإدام ، وهو كلّ ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامداً أو مائعاً وإن كان خلاًّ أو ملحاً أو بصلاً ، وكلّ ما كان أفضل كان أفضل وفي التسليم بذل ما يسمّى طعاماً من نيٍّ ومطبوخ ؛ من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والأرز وغير ذلك ، والأحوط الحنطة أو دقيقه ، ويجزي التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً .

(مسألة 14) : التسليم إلى المسكين تمليك له كسائر الصدقات ، فيملك ما قبضه ويفعل به ما شاء ، ولا يتعيّن عليه صرفه في الأكل .

(مسألة 15) : يتساوى الصغير والكبير إن كان التكفير بنحو التسليم ، فيعطى الصغير مدّاً من طعام كما يعطى الكبير وإن كان اللازم في الصغير التسليم إلى الوليّ ، وإن كان بنحو الإشباع فكذلك إذا اختلط(2) الصغار مع

ص: 247


1- - الأحوط في كفّارة اليمين وما هو كفّارته كفّارتها ، عدم كون الإطعام بل والتسليم أدون ممّا يطعمون أهليهم وإن كان الإجزاء بما ذكر لا يخلو من قوّة .
2- - وإن كان الأحوط احتساب الاثنين بواحدة مطلقاً .

الكبار ، فإذا أشبع عائلة كانت ستّين نفساً مشتملة على كبار وصغار أجزأ ، وإن كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد ، فيلزم إشباع مائة وعشرين بدل ستّين وعشرين بدل عشرة ، والظاهر أ نّه لا يعتبر في إشباع الصغير إذن الوليّ .

(مسألة 16) : لا إشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة ولو مع الاختيار ، من غير فرق بين الإشباع والتسليم ، فلو أفطر تمام شهر رمضان جاز له إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً ، أو تسليم ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم وإن وجد غيرهم .

(مسألة 17) : لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره وإن تعذّر انتظر ، ولو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفى المقدار . ويقتصر في التكرار على مقدار التعذّر فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات ولا يجوز التكرار على خمسة اثنتي عشرة مرّة ، والأحوط عند تعذّر العدد الاقتصار على الإشباع دون التسليم ، وأن يكون في أيّام متعدّدة .

(مسألة 18) : المراد بالمسكين - الذي هو مصرف الكفّارة - هو الفقير الذي يستحقّ الزكاة ، وهو من لم يملك قوت سنته لا فعلاً ولا قوّة . ويشترط فيه الإسلام بل الإيمان على الأحوط(1) ، وأن لا يكون ممّن يجب نفقته على الدافع ، كالوالدين والأولاد والمملوك والزوجة الدائمة ، دون المنقطعة ودون سائر الأقارب والأرحام حتّى الإخوة والأخوات . ولا يشترط فيه العدالة ولا عدم الفسق ، نعم لا يعطى المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء . وفي

ص: 248


1- - جواز إعطاء المستضعف من الناس غير الناصب لا يخلو من قوّة .

جواز إعطاء غير الهاشمي إلى الهاشمي قولان ، لا يخلو الجواز من رجحان ، وإن كان الأحوط الاقتصار على مورد الاضطرار والاحتياج التامّ الذي يحلّ معه أخذ الزكاة .

(مسألة 19) : يعتبر في الكسوة التي تخيّر بينها وبين العتق والإطعام في كفّارة اليمين وما بحكمها أن يكون ما يعدّ لباساً عرفاً ، من غير فرق بين الجديد وغيره ما لم يكن منخرقاً أو منسحقاً وبالياً بحيث ينخرق بالاستعمال ، فلا يكتفى بالعمامة والقلنسوة والحزام والخفّ والجورب . والأحوط عدم الاكتفاء(1) بثوب واحد خصوصاً بمثل السراويل أو القميص القصير ، بل لا يكون أقلّ من قميص مع سراويل . ويعتبر فيها العدد كالإطعام فلو كرّر على واحد - بأن كساه عشر مرّات - لم تحسب له إلاّ واحدة . ولا فرق في المكسوّ بين الصغير والكبير والحرّ والعبد والذكر والاُنثى ، نعم في الاكتفاء بكسوة البالغ نهاية الصغر كابن شهر أو شهرين إشكال فلا يترك الاحتياط . والظاهر اعتبار كونه مخيطاً(2) فلو سلّم إليه الثوب غير مخيط لم يكن مجزياً ، نعم الظاهر أ نّه لا بأس بأن يدفع اُجرة الخياطة معه ليخيطه ويلبسه . ولا يجزي إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس ولا إعطاء لباس الصغير للكبير ، ولا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتّان أو قنّبٍ أو حرير ، وفي الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال(3) . ولو تعذّر تمام العدد كسا الموجود وانتظر للباقي ، والأحوط التكرار على الموجود ، فإذا وجد باقي العدد كساه .

ص: 249


1- - وإن كان الأقوى الاكتفاء به ، والأحوط أن يكون بحيث يواري عورته .
2- - أي فيما كان المتعارف فيه المخيطية دون ما لا يحتاج إلى الخياطة .
3- - إلاّ إذا جاز لهم لبسه لضرورة أو غيرها .

(مسألة 20) : لا تجزي القيمة في الكفّارة لا في الإطعام ولا في الكسوة ، بل لا بدّ في الإطعام من بذل الطعام إشباعاً أو تمليكاً وكذلك في الكسوة . نعم لا بأس بأن يدفع القيمة إلى المستحقّ(1) ويوكّله في أن يشتري بها طعاماً فيأكله أو كسوة فيلبسها ، فيكون هو المعطي عن المالك ومعطى له لنفسه باعتبارين .

(مسألة 21) : إذا وجبت عليه كفّارة مخيّرة لم يجز أن يكفّر بجنسين ؛ بأن يصوم شهراً ويطعم ثلاثين في كفّارة شهر رمضان ، أو يطعم خمسة ويكسو خمسة - مثلاً - في كفّارة اليمين ، نعم لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها ، كما لو أطعم بعض العدد طعاماً خاصّاً وبعضه غيره ، أو كسا بعضهم ثوباً من جنس وبعضهم من جنس آخر ، بل يجوز في الإطعام أن يشبع بعضاً ويسلّم إلى بعض كما مرّ .

(مسألة 22) : لا بدل شرعاً للعتق في الكفّارة - مخيّرة كانت أو مرتّبة أو كفّارة الجمع - فيسقط بالتعذّر ، وأمّا صيام شهرين متتابعين والإطعام لو تعذّرا بالتمام صام(2) ثمانية عشر(3) يوماً متتابعات(4) ، فإن عجز عنه صام ما استطاع(5) أو تصدّق بما وجد ، ومع العجز عنهما بالمرّة استغفر اللّه تعالى ولو مرّة .

ص: 250


1- - إذا كان ثقة .
2- - إلاّ في كفّارة شهر رمضان ، فإنّه مع العجز عن الخصال يتصدّق بما يطيق ، ومع عدم التمكّن يستغفر اللّه وتكفي المرّة ، والأحوط في هذه الصورة التكفير إن تمكّن بعد ذلك .
3- - في الظهار على الأقوى ، وفي غيره على الأحوط .
4- - على الأحوط .
5- - على الأحوط في شقّي التخيير .

(مسألة 23) : الظاهر أنّ وجوب الكفّارات موسّع ، فلا تجب المبادرة إليها ، ويجوز التأخير ما لم يؤدّ إلى حدّ التهاون .

(مسألة 24) : يجوز التوكيل في إخراج الكفّارات المالية وأدائها ، ويتولّى الوكيل النيّة إذا كان وكيلاً في الإخراج ، والموكّل حين دفعه إلى الوكيل(1) إذا كان وكيلاً في الأداء . وأمّا الكفّارات البدنية ، فلا يجزي فيها التوكيل ، ولا تجوز فيها النيابة على الأقوى إلاّ عن الميّت .

(مسألة 25) : الكفّارات المالية بحكم الديون ، فإذا مات من وجبت عليه تخرج من أصل المال ، وأمّا البدنية فلا يجب على الورثة أداؤها ولا إخراجها من التركة ما لم يوص بها الميّت فيخرج من ثلثه ، نعم في وجوبها على الوليّ وهو الولد الأكبر احتمال قويّ . وإنّما يجري هذا الاحتمال فيما إذا تعيّن على الميّت الصيام ، وأمّا إذا تعيّن عليه غيره ؛ بأن كانت مرتّبة وتعيّن عليه الإطعام أو كانت مخيّرة وكان متمكّناً من الصيام والإطعام ، لم يجب على الوليّ قطعاً(2) ، بل يخرج من تركة الميّت مقدار الإطعام .

ص: 251


1- - بل ينوي حين دفع الوكيل إلى الفقير ، ويكفي أن يكون من نيّته أنّ دفع وكيله إلى الفقير كفّارة ، ولا يلزم العلم بوقت الأداء تفصيلاً .
2- - دعوى القطع في الثانية غير وجيهة ، والأحوط على الوليّ الصيام مع عدم التمكّن من الإطعام بتلف التركة ، أو إباء الورثة .

كتاب الصيد والذباحة

القول : في الصيد

وليعلم أ نّه كما يذكّى الحيوان ويحلّ أكل لحم ما حلّ أكله بالذبح الواقع على النحو المعتبر شرعاً ، يذكّى أيضاً بالصيد على النحو المعتبر ، وهو إمّا بالحيوان أو بغير الحيوان . وبعبارة اُخرى : الآلة التي يصاد بها : إمّا حيوانية أو جمادية ، ويتمّ الكلام في القسمين في ضمن مسائل :

(مسألة 1) : لا يحلّ من صيد الحيوان ومقتوله إلاّ ما كان بالكلب المعلّم ؛ سواء كان سلوقياً أو غيره ، وسواء كان أسود أو غيره ، فلا يحلّ صيد غير الكلب من جوارح السباع كالفهد والنمر وغيرهما وجوارح الطير كالبازي والعقاب والباشق وغيرها وإن كانت معلّمة ، فما يأخذه الكلب المعلّم ويقتله بعقره وجرحه مذكّىً حلال أكله من غير ذبح ، فيكون عضّ الكلب وجرحه - على أيّ موضع من الحيوان كان - بمنزلة ذبحه .

(مسألة 2) : يعتبر في حلّية صيد الكلب أن يكون معلّماً للاصطياد ، وعلامة كونه بتلك الصفة : أن يكون من عادته مع عدم المانع أن يسترسل ويهيج إلى

ص: 252

الصيد لو أرسله صاحبه وأغراه به ، وأن ينزجر(1) ويقف عن الذهاب والهياج إذا زجره . واعتبر المشهور مع ذلك أن يكون من عادته - التي لا تتخلّف إلاّ نادراً - أن يمسك الصيد ولا يأكل منه شيئاً حتّى يصل صاحبه ، وفي اعتبار ذلك نظر وإن كان أحوط(2) .

(مسألة 3) : يشترط في حلّية صيد الكلب اُمور :

الأوّل : أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد ، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ مقتوله وإن أغراه صاحبه بعد الاسترسال ، حتّى فيما إذا أثّر إغراؤه فيه - بأن زاد في عدوه بسببه - على الأحوط . وكذلك الحال لو أرسله لا للاصطياد بل لأمر آخر من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك فصادف غزالاً - مثلاً - فصاده . والمعتبر قصد الجنس لا الشخص ، فلو أرسله مسلم إلى صيد غزال فصادف غزالاً آخر فأخذه وقتله كفى في حلّه ، وكذا لو أرسله إلى صيد فصاده وغيره حلاّ معاً .

الثاني : أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه كالصبيّ(3) الملحق به ، فلو أرسله كافر بجميع أنواعه أو من كان بحكمه كالنواصب لم يحلّ أكل ما يقتله .

الثالث : أن يسمّي ؛ بأن يذكر اسم اللّه عند إرساله ، فلو ترك التسمية عمداً لم يحلّ مقتوله ، ولا يضرّ لو كان الترك نسياناً . وفي الاكتفاء بالتسمية قبل الإصابة وجه قويّ(4) ، إلاّ أنّ الأحوط - احتياطاً لا يترك - أن تكون عند الإرسال .

ص: 253


1- - في الجملة ، وإن لم ينزجر حين رؤية الصيد وقربه إليه .
2- - لا يترك .
3- - إذا كان مميّزاً .
4- - محلّ تأمّل ، فلا يترك الاحتياط .

الرابع : أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرحه وعقره ، فلو كان بسبب صدمه أو خنقه أو إتعابه في العدو أو ذهاب مرارته من جهة شدّة خوفه لم يحلّ .

الخامس : عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيّاً مع تمكّنه من تذكيته ؛ بأن أدركه ميّتاً أو أدركه حيّاً لكن لم يسع الزمان لذبحه . وملخّص هذا الشرط أ نّه إذا أرسل كلبه إلى الصيد فإن لحق به بعد ما أخذه وعقره وصار غير ممتنع فوجده ميّتاً كان ذكيّاً وحلّ أكله ، وكذا إن وجده حيّاً ولم يتّسع الزمان لذبحه فتركه حتّى مات . وأمّا إن اتسع الزمان لذبحه لا يحلّ إلاّ بالذبح ، فلو تركه حتّى مات كان ميتة . وأدنى ما يدرك ذكاته أن يجده تطرف عينيه أو تركض رجله أو يحرّك ذنبه أو يده ، فإن وجده هكذا واتّسع الزمان لذبحه لم يحلّ أكله إلاّ بالذبح . وكذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعاً فجعل يعدو خلفه فوقف له ، فإن بقي من حياته زماناً يتّسع لذبحه لم يحلّ إلاّ بالذبح ، وإن لم يتّسع له حلّ بدونه . ويلحق بعدم اتّساع الزمان ما إذا وسع ولكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه ، كما إذا اشتغل(1) بأخذ الآلة وسلّ السكّين وامتنع الصيد من التمكين - بما فيه من بقيّة قوّة ونحو ذلك - فمات قبل أن يمكنه الذبح . نعم لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط - لو لم يكن أقوى - فلو وجده حيّاً واتّسع الزمان لذبحه إلاّ أ نّه لم يكن عنده السكّين فلم يذبحه لذلك حتّى مات ، لم يحلّ أكله .

(مسألة 4) : هل يجب على من أرسل الكلب ، المسارعة والمبادرة إلى الصيد من حين الإرسال ، أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد وإن كان بعدُ على

ص: 254


1- - مع المسارعة العرفية وكون الآلات على النحو المتعارف ، فلو كان السكّين في غمد ضيّق غير متعارف فلم يدرك الذكاة لأجل سلّه منه لم يحلّ ، وكذا لو كان لأجل لصوقه به بدم ونحوه .

امتناعه ، أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع ، أو لا تجب أصلاً ؟ الظاهر وجوبها من حين الإيقاف ، فإذا أشعر بإيقافه وعدم امتناعه يجب عليه المسارعة العرفية حتّى أ نّه لو أدركه حيّاً ذبحه ، فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله . وأمّا قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه . هذا إذا احتمل ترتّب أثر على المسارعة واللحوق بالصيد ؛ بأن احتمل أ نّه يدركه حيّاً ويقدر على ذبحه من جهة اتّساع الزمان ووجود الآلة ، وأمّا مع عدم احتماله - ولو من جهة عدم ما يذبح به - فلا إشكال في عدم وجوبها ، فلو خلاّه حينئذٍ على حاله إلى أن قتله الكلب وأزهق روحه بعقره حلّ أكله . نعم لو توقّف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب لا بسبب آخر على التسارع إليه وتعرّف حاله لزم عليه لأجل ذلك .

(مسألة 5) : لا يعتبر في حلّية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب ، فلو أرسل جماعة كلباً واحداً أو أرسل واحد أو جماعة كلاباً متعدّدة فقتلت صيداً حلّ أكله ، نعم يعتبر في المتعدّد - صائداً أو آلة - أن يكون الجميع واجداً للاُمور المعتبرة شرعاً ، فلو كان المرسل اثنين أحدهما مسلم والآخر كافر ، أو سمّى أحدهما دون الآخر ، أو اُرسل كلبان أحدهما معلّم والآخر غير معلّم ، لم يحلّ .

(مسألة 6) : لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجمادية إلاّ ما قتله السيف والسكّين والخنجر ونحوها ؛ من الأسلحة التي تقطع بحدّها أو الرمح والسهم والنشّاب ممّا يشاك بحدّه حتّى العصا التي في طرفها حديدة محدّدة ، من غير فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه . بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد ، فيكفي بعد كونه سلاحاً

ص: 255

قاطعاً أو شائكاً كونه من أيّ فلزّ كان حتّى الصفر والذهب والفضّة . بل يحتمل قويّاً عدم اعتبار كونه مستعملاً سلاحاً في العادة فيشمل المخيط والسكّ والسفود ونحوها ، إلاّ أنّ الأحوط(1) خلافه . والظاهر أ نّه لا يعتبر الخرق والجرح في الآلة المذكورة - أعني ذات الحديد المحدّدة - فلو رمى الصيد بسهم أو طعنه برمح فقتله بالرمي والطعن من دون أن يكون فيه أثر السهم والرمح حلّ أكله . ويلحق بالآلة الحديدية ما لم تشتمل على الحديد ، لكن تكون محدّدة كالمعراض(2) - الذي هو كما قيل : خشبة لا نصل فيها إلاّ أ نّها محدّدة الطرفين ثقيلة الوسط - والسهم الحادّ الرأس الذي لا نصل فيه . لكن إنّما يحلّ مقتول هذه الآلة لو قتلت الصيد بخرقها إيّاه وشوكها فيه ولو يسيراً ، فلو قتلته بثقلها من دون خرق لم يحلّ . والحاصل أ نّه يعتبر في الآلة الجمادية : إمّا أن تكون حديدة(3) محدّدة وإن لم تكن خارقة ، وإمّا أن تكون محدّدة غير حديدية بشرط كونها خارقة .

(مسألة 7) : كلّ آلة جمادية لم تكن ذات حديد محدّدة ولا محدّدة غير حديدية قتلت بخرقها من المثقلات كالحجارة والمقمعة والعمود والبندقة لا يحلّ مقتولها ، كالمقتول بالحبالة والشبكة والشرك ونحوها . نعم لا بأس بالاصطياد بها وبالحيوان غير الكلب كالفهد والنمر والبازي ونحوها ؛ بمعنى جعل الحيوان الممتنع بها غير ممتنع وتحت اليد ، لكنّه لا يحلّ ما يصطاد بها إلاّ إذا أدرك ذكاته فذكّاه .

ص: 256


1- - لا يترك .
2- - الحكم يختصّ بالمعراض على الأحوط ، فلا يتجاوز المحدّدة غير الحديد .
3- - مع صدق السلاح عليها ، وإلاّ فلا على الأحوط .

(مسألة 8) : لا يبعد حلّية ما قتل بالآلة المعروفة المسمّاة بالتفنك(1) إذا سمّى الرامي واجتمعت سائر الشرائط ، والبندقة التي قلنا في المسألة السابقة بحرمة مقتولها غير هذه البندقة النافذة الخارقة ، خصوصاً في الطرز الجديد منها المستحدث في هذه الأعصار الأخيرة ممّا صنع الرصاص فيه بشكل يشبه المخروط ولا يكون بشكل البندقة .

(مسألة 9) : لا يعتبر في حلّية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد ، ولا وحدة الآلة ، فلو رمى شخص بالسهم وطعن آخر بالرمح وسمّيا معاً فقتلا صيداً حلّ إذا اجتمع الشرائط في كليهما ، بل إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد ورماه آخر بسهم فقتل بهما حلّ ما قتلاه .

(مسألة 10) : يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما اشترط في الصيد بالآلة الحيوانية ، فيشترط كون الصائد مسلماً ، والتسمية عند استعمال الآلة ، وأن يكون استعمال الآلة للاصطياد ، فلو رمى إلى هدف أو إلى عدوّ أو إلى خنزير فأصاب غزالاً فقتله لم يحلّ وإن كان مسمّياً عند الرمي لغرض من الأغراض ، وكذا لو أفلت من يده فأصاب صيداً فقتله ، وأن لا يدركه حيّاً زماناً اتّسع للذبح ، فلو أدركه كذلك لم يحلّ إلاّ بالذبح ، والكلام في وجوب المسارعة وعدمه كما مرّ ، وأن يستقلّ الآلة المحلّلة في قتل الصيد فلو شاركها فيه غيرها لم يحلّ ، فلو سقط بعد إصابة السهم من الجبل أو وقع في الماء واستند موته إليهما ، بل وإن لم يعلم استقلال إصابة السهم في إماتته لم يحلّ ، وكذا لو رماه شخصان

ص: 257


1- - الأحوط الاجتناب ممّا قتل بالبندق الذي ليس محدّداً نافذاً بحدّته وإن جرح وخرق بقوّته .

فقتلاه وسمّى أحدهما ولم يسمّ الآخر أو كان أحدهما مسلماً دون الآخر .

(مسألة 11) : لا يشترط في حلّية الصيد إباحة الآلة فيحلّ الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين وإن فعل حراماً وعليه الاُجرة ويملكه الصائد دون صاحب الآلة .

(مسألة 12) : الحيوان الذي يحلّ مقتوله - بالكلب والآلة مع اجتماع الشرائط - كلّ حيوان ممتنع مستوحش من طير أو وحش ؛ سواء كان كذلك بالأصل كالحمام والظبي وبقر الوحش ، أو كان إنسياً فتوحّش أو استعصى كالبقر المستعصي والبعير العاصي وكذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل ونحوه ، وبالجملة : كلّ ما لا يجيء تحت اليد ولا يقدر عليه غالباً إلاّ بالعلاج . فلا تقع التذكية الصيدية على كلّ حيوان أهلي مستأنس ؛ سواء كان استئناسه أصلياً كالدجاج والشاة والبعير والبقر أو عارضياً كالظبي والطير المستأنسين ، وكذا ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو ، وفرخ الطير قبل نهوضه للطيران ، فلو رمى طائراً وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما ، حلّ الطائر دون الفرخ .

(مسألة 13) : الظاهر أ نّه كما تقع التذكية الصيدية على الحيوان المأكول اللحم فيحلّ بها أكل لحمه ، تقع على غير المأكول اللحم القابل للتذكية أيضاً ، فيطهر بها جلده ويجوز الانتفاع به . نعم القدر المتيقّن ما إذا كانت بالآلة الجمادية ، وأمّا الحيوانية ففيها تأمّل وإشكال .

(مسألة 14) : لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان ، فإن كانت الآلة غير محلّلة كالشبكة والحبالة يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية وكذلك

ص: 258

الجزء الآخر إذا زال(1) عنه الحياة المستقرّة ، وإن بقيت حياته المستقرّة يحلّ بالتذكية . وإن كانت الآلة محلّلة كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط ، فإن زال الحياة المستقرّة عن الجزئين بهذا التقطيع حلاّ معاً ، وكذا إن بقيت الحياة المستقرّة ولم يتّسع(2) الزمان للتذكية ، وإن اتّسع لها لا يحلّ الجزء الذي فيه الرأس إلاّ بالذبح ، وأمّا الجزء الآخر فهو جزء مبان من الحيّ فيكون ميتة .

(مسألة 15) : يملك الحيوان الوحشي - وحشاً كان أو طيراً - بأحد اُمور ثلاثة : أحدها : وضع اليد(3) عليه وأخذه حقيقة ، مثل أن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو شدّه بحبل ونحوه . ثانيها : وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها ، كالحبالة والشرك والشبكة ونحوها إذا نصبها لذلك . ثالثها : أن يصيّره غير ممتنع ويمسكه بآلة ، مثل أن رماه فجرحه جراحة منعته عن العدو ، أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران ؛ سواء كانت الآلة من الآلات المحلّلة للصيد كالسهم والكلب المعلّم ، أو من غيرها كالحجارة والخشب والفهد والباز والشاهين وغيرها . ويعتبر في هذا أيضاً أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد والتملّك ، فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لم يملكه الرامي ، فلو أخذه شخص آخر بقصد التملّك ملكه .

(مسألة 16) : الظاهر أ نّه يلحق بآلة الاصطياد كلّ ما جعل وسيلة لإثبات

ص: 259


1- - أي تكون حركته حركة المذبوح ، والحكم مبنيّ على الاحتياط .
2- - إذا بقيت الحياة المستقرّة حرم الجزء الآخر ويكون ميتة وإن لم يتّسع الزمان للتذكية ، نعم تحلّ ما فيه الحياة مع عدم الاتّساع للتذكية .
3- - بقصد الاصطياد والتملّك ومع عدم القصد ففيه إشكال ، كما أ نّه مع قصد الخلاف لا يملك .

الحيوان وزوال امتناعه ؛ ولو بحفر حفيرة في طريقه ليقع فيها فوقع فيها ، أو باتّخاذ أرض وإجراء الماء عليها لتصير موحلة فيتوحّل فيها فتوحّل فيها ، أو فتح باب البيت وإلقاء الحبوب فيه ليدخل فيه العصافير فدخلت فأغلق(1) عليها الباب . نعم لو عشّش الطير في داره لم يملكه بمجرّد ذلك ، وكذا لو توحّل حيوان في أرضه الموحلة ما لم يجعلها كذلك لأجل ذلك ، فلو أخذه إنسان بعد ذلك ملكه وإن عصى في دخول داره أو أرضه بغير إذنه .

(مسألة 17) : لو سعى خلف حيوان حتّى أعياه ووقف عن العدو لم يملكه ما لم يأخذه ، فلو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه .

(مسألة 18) : لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد ، ولم تمسكه الشبكة لضعفها وقوّته فانفلت منها ، لم يملكه ناصبها ، وكذا إن أخذ الشبكة وانفلت بها من دون أن يزول عنه الامتناع ، فإن صاده غيره ملكه وردّ الشبكة إلى صاحبها ، نعم لو أمسكته الشبكة وأثبتته ثمّ انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجية لم يخرج بذلك عن ملكه ، كما لو أمسكه بيده ثمّ انفلت منها ، وكذا لو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فإنّه لناصبها ، فلو أخذه غيره لم يملكه ، بل يجب أن يردّه إليه .

(مسألة 19) : لو رماه فجرحه لكن لم يخرجه عن الامتناع فدخل داراً فأخذه صاحب الدار ملكه بأخذه لا بدخول الدار ، كما أ نّه لو رماه ولم يثبته فرماه شخص آخر(2) فهو للثاني لا الأوّل .

ص: 260


1- - مجرّد ذلك مع بقائها على الامتناع لا يوجب الملكية على الظاهر .
2- - فأثبته .

(مسألة 20) : لو أطلق الصائد صيده من يده ، فإن لم يقصد الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه ولا يملكه غيره باصطياده ، وإن قصد الإعراض وزوال ملكه عنه فالظاهر أ نّه يصير كالمباح جاز اصطياده لغيره ويملكه ، وليس للأوّل الرجوع إلى الثاني بعد ما ملكه على الأقوى .

(مسألة 21) : إنّما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكاً للغير ولو من جهة وجود آثار اليد - التي هي أمارة على الملك - فيه كما إذا كان طوق في عنقه أو قرط في اُذنه أو شدّ حبل في أحد قوائمه . وأمّا إذا علم ذلك لم يملكه الصائد بل يردّ إلى صاحبه إن عرفه ، وإن لم يعرفه يكون بحكم اللقطة ومجهول المالك . وأمّا الطير فإن كان مقصوص الجناحين كان بحكم ما علم أنّ له مالكاً(1) ،فيردّ إلى صاحبه إن عرف ، وإن لم يعرف كان لقطة ، وأمّا إن ملك جناحيه يتملّك بالاصطياد إلاّ إذا كان له مالك معلوم ، فيجب عليه ردّه إليه ، والأحوط فيما إذا علم أنّ له مالكاً ولم يعرفه أن يعامل معه معاملة اللقطة ومجهول المالك كغير الطير .

(مسألة 22) : لو صنع برجاً لتعشيش الحمام فعشّشت فيه لم يملكها ، خصوصاً لو كان الغرض حيازة زرقها - مثلاً - فيجوز لغيره صيدها ويملك ما صاده ، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها وإن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن مالكه ، وكذلك فيما إذا عشّشت في بئر مملوكة فإنّه لا يملكها مالك البئر .

(مسألة 23) : الظاهر أ نّه يكفي في تملّك النحل الغير المملوكة أخذ أميرها ، فمن أخذه من الجبال - مثلاً - واستولى عليه يملكه ، ويملك كلّ ما تتبعه من

ص: 261


1- - ولو من جهة وجود آثار اليد فيه .

النحل ممّا تسير بسيره وتقف بوقوفه ، وتدخل الكنّ وتخرج منه بدخوله وخروجه .

(مسألة 24) : ذكاة السمك إمّا بإخراجه من الماء حيّاً ، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته ؛ سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة ونحوها ، فلو وثب على الجدّ أو نبذه البحر إلى الساحل أو نضب الماء الذي كان فيه ، حلّ لو أخذه إنسان قبل أن يموت ، وحرم لو مات قبل الأخذ وإن أدركه حيّاً ناظراً إليه على الأقوى .

(مسألة 25) : لا يشترط في تذكية السمك - عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه منه - التسمية ، كما أ نّه لا يعتبر في صائده الإسلام ، فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ ؛ سواء كان كتابياً أو غيره . نعم لو وجده في يده ميّتاً لم يحلّ أكله ما لم يعلم أ نّه قد مات خارج الماء بعد إخراجه أو أخذه بعد خروجه وقبل موته ، ولا يحرز ذلك بكونه في يده ولا بقوله لو أخبر به ، بخلاف ما إذا كان في يد مسلم فإنّه يحكم بتذكيته حتّى يعلم خلافها .

(مسألة 26) : لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ ما لم يؤخذ باليد ، ولم يملكه السفّان ولا صاحب السفينة بل كلّ من أخذه ملكه . نعم لو قصد صاحب السفينة الصيد بها ؛ بأن جعل في السفينة ضوءاً بالليل ودقّ بشيء كالجرس ليثب فيها السموك فوثبت فيها فالوجه أ نّه يملكها ، ويكون وثوبها فيها بسبب هذا الصنع بمنزلة إخراجها حيّاً فيكون به تذكيتها .

(مسألة 27) : لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك فكلّ ما وقع واحتبس فيهما ملكه ، فإن أخرج ما فيها من الماء حيّاً حلّ بلا إشكال ،

ص: 262

وكذا لو نضب الماء وغار ولو بسبب جزره فماتت فيهما بعد نضوبه ، وأمّا لو ماتت في الماء فهل هي حلال أم لا ؟ قولان ، أشهرهما وأحوطهما الثاني ، بل لا يخلو من قوّة . نعم لو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيه من السمك أو كلّه ميّتاً ، ولم يدر أ نّه قد مات في الماء أو بعد خروجه لا يبعد(1) البناء على الثاني وحلّية أكله .

(مسألة 28) : لو أخرج السمك من الماء حيّاً ثمّ أعاده إلى الماء - مربوطاً أو غير مربوط - فمات فيه حرم .

(مسألة 29) : لو طفا السمك على الماء وزال امتناعه بسبب من الأسباب ، مثل أن ضرب بمضراب أو بلع ما يسمّى ب «الزهر» في لسان بعض الناس أو غير ذلك ، فإن أدركه إنسان وأخذه وأخرجه من الماء قبل أن يموت حلّ وإن مات على الماء حرم . وإن ألقى الزهر أحد فبلعه السمك وصار على وجه الماء لم يملكه الملقي ما لم يأخذه ، فلو أخذه غيره ملكه ، من غير فرق بين ما إذا لم يقصد سمكاً معيّناً كما إذا ألقاه في الشطّ فبلعه بعض السموك أو قصد سمكاً معيّناً وألقاه له فبلعه فطفا على الماء ، على إشكال في الثاني(2) ؛ لاحتمال كونه كإثبات صيد البرّ وإزالة امتناعه بالرمي وقد مرّ في بابه أ نّه للرامي فلا يملكه غيره بالأخذ . وكذلك الحال فيما إذا اُزيل امتناع السمك باستعمال آلة كما لو رماه بالرصاص فطفا على الماء وفيه حياة ، بل الأمر

ص: 263


1- - الأحوط الاجتناب عنه .
2- - بل في الأوّل أيضاً إذا كان بقصد الاصطياد ، بل لا يبعد أن تكون إزالة امتناعه في جميع الصور بحكم الحيازة في كونها مملّكاً .

فيه أشكل ؛ لقوّة احتمال كونه ملكاً لراميه لا لمن أخذه .

(مسألة 30) : لا يعتبر في حلّية السمك - بعد ما اُخرج من الماء حيّاً أو اُخذ حيّاً بعد خروجه - أن يموت خارج الماء بنفسه ، فلو قطعه قبل أن يموت ومات بالتقطيع ، بل لو شوّاه حيّاً حلّ أكله . بل لا يعتبر في حلّه الموت من أصله فيحلّ بلعه حيّاً ، بل لو قطع منه قطعة واُعيد الباقي إلى الماء حلّ ما قطعه ؛ سواء مات الباقي في الماء أم لا ، نعم لو قطع منه قطعة وهو في الماء حيّ أو ميّت لم يحلّ ما قطعه .

(مسألة 31) : ذكاة الجراد أخذه حيّاً ؛ سواء كان باليد أو بالآلة ، فلو مات قبل أخذه حرم . ولا يعتبر فيه التسمية ولا إسلام الآخذ كما مرّ في السمك . نعم لو وجده ميّتاً في يد الكافر لم يحلّ ما لم يعلم بأخذه حيّاً ، ولا يجدي يده ولا إخباره في إحراز ذلك كما تقدّم في السمك .

(مسألة 32) : لو وقعت نار في أجمة ونحوها فأحرقت ما فيها من الجراد ، لم يحلّ وإن قصده المحرق ، نعم لو أحرقها أو شوّاها أو طبخها بعد ما اُخذت قبل أن تموت حلّ كما مرّ في السمك ، كما أ نّه لو فرض كون النار آلة صيد الجراد بأ نّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف وألقت أنفسها فيها فأجّجها لذلك فاجتمعت واحترقت بها ، لا يبعد حلّية ما احترقت بها من الجراد ؛ لكونها حينئذٍ من آلات الصيد كالشبكة والحظيرة للسمك .

(مسألة 33) : لا يحلّ من الجراد ما لم يستقلّ بالطيران وهو المسمّى ب «الدبى» على وزن العصا ، وهو الجراد إذا تحرّك ولم تنبت بعدُ أجنحته .

ص: 264

القول : في الذباحة

والكلام في الذابح وآلة الذبح وكيفيته وبعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل :

(مسألة 1) : يشترط في الذابح أن يكون مسلماً أو بحكمه كالمتولّد منه ، فلا تحلّ ذبيحة الكافر ؛ مشركاً كان أم غيره حتّى الكتابي على الأقوى . ولا يشترط فيه الإيمان فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا النواصب المحكوم بكفرهم ، وهم المعلنون بعداوة أهل البيت Gكالخارجي وإن أظهر الإسلام .

(مسألة 2) : لا يشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك ، فتحلّ ذبيحة المرأة فضلاً عن الخنثى ، وكذا الحائض والجنب والنفساء والطفل إذا كان مميّزاً والأعمى والأغلف وولد الزنا .

(مسألة 3) : لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار ، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ ؛ وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب والفضّة وغيرها . نعم لو لم يوجد الحديد وخيف(1) فوت الذبيحة بتأخير ذبحها جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح ؛ ولو كان قصباً أو ليطة أو حجارة حادّة أو زجاجة أو غيرها . نعم في وقوع الذكاة بالسنّ والظفر مع الضرورة إشكال ، وإن كان الوقوع لا يخلو من رجحان(2) .

ص: 265


1- - أو اضطرّ إليه .
2- - بل خلافه لا يخلو من رجحان إن كانا متّصلين ، والأحوط الاجتناب مع الانفصال وإن كان الجواز لا يخلو من قرب .

(مسألة 4) : الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة : الحلقوم وهو مجرى النفس دخولاً وخروجاً ، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب ومحلّه تحت الحلقوم ، والودجان وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو المريء ، وربّما يطلق على هذه الأربعة الأوداج الأربعة واللازم قطعها رأساً ، فلا يكفي شقّها من دون قطعها وفصلها .

(مسألة 5) : محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة ، واللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان ب «الجوزة» وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن ، بناءً على ما قد يدّعى : من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة على وجه لو لم يبقها الذابح في الرأس بتمامها ولم يقع الذبح من تحتها لم تقطع الأوداج بتمامها ، وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة الممارسون لذلك ، فإن كان الأمر كذلك ، أو لم يحصل القطع بقطع الأوداج بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته ، كما أ نّه يلزم أن يكون شيء من هذه الأعضاء الأربعة على الرأس حتّى يعلم أ نّها قد انقطعت وانفصلت عمّا يلي الرأس .

(مسألة 6) : يشترط أن يكون الذبح من القدّام فلو ذبح من القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت ، نعم لو قطعها من القدّام لكن لا من الفوق ؛ بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى فوق ، لم تحرم الذبيحة وإن فعل مكروهاً على قول ومحرّماً على قول آخر ، ولعلّه الأظهر(1) .

ص: 266


1- - بل الأوّل أوجه .

(مسألة 7) : يجب التتابع في الذبح ؛ بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح من الذبيحة ، فلو قطع بعضها وأرسلها حتّى انتهت إلى الموت ثمّ استأنف وقطع الباقي حرمت ، بل لا يترك الاحتياط ؛ بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد ولا يعدّ معه عملاً واحداً عرفاً ، بل يعدّ عملين وإن استوفى التمام قبل خروج الروح منها .

(مسألة 8) : لو قطع رقبة الذبيحة من القفا وبقيت أعضاء الذباحة ، فإن بقيت لها الحياة المستكشفة بالحركة(1) ولو كانت يسيرة ، ذبحت وحلّت وإلاّ لم تحلّ وصارت ميتة .

(مسألة 9) : لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم يقطع الأعضاء الأربعة فإن لم تبق لها الحياة حرمت وإن بقيت لها الحياة يمكن أن يتدارك ؛ بأن يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت وقطع الأعضاء وحلّت .

(مسألة 10) : لو أكل الذئب - مثلاً - مذبح الحيوان وأدركه حيّاً فإن أكل الأوداج من فوق أو من تحت وبقي مقدار من الجميع معلّقة بالرأس أو متّصلة بالبدن يمكن(2) ذبحه الشرعي ؛ بأن يقطع ما بقي منها ، وكذلك لو أكل بعضها تماماً وأبقى بعضها كذلك ، كما إذا أكل الحلقوم بالتمام وأبقى الباقي كذلك وكان بعد حيّاً ، فلو قطع الباقي مع الشرائط وقعت عليه الذكاة وكان حلالاً ، وأمّا إن أكل التمام بالتمام بحيث لم يبق شيء منها فالظاهر أ نّه غير قابل للتذكية .

(مسألة 11) : يشترط في التذكية الذبحية - مضافاً إلى ما مرّ - اُمور :

ص: 267


1- - بعد الذبح ، وأمّا قبله فقط فمحلّ إشكال إذا لم يخرج الدم المعتدل أيضاً .
2- - هذا وما بعده مشكل ، فلا يترك الاحتياط فيهما .

أحدها : الاستقبال بالذبيحة حال الذبح بأن يوجّه مذبحها ومقاديم بدنها إلى القبلة ، فإن أخلّ به ، فإن كان عامداً عالماً حرمت ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو خطأً في القبلة أو في العمل لم تحرم . ولو لم يعلم جهة القبلة أو لم يتمكّن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط . ولا يشترط استقبال الذابح على الأقوى وإن كان أحوط وأولى .

ثانيها : التسمية من الذابح ؛ بأن يذكر اسم اللّه عليه حينما يتشاغل بالذبح أو متّصلاً به(1) عرفاً ، فلو أخلّ بها فإن كان عمداً حرمت ، وإن كان نسياناً لم تحرم . وفي إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان ، أظهرهما الثاني . والمعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد ؛ أعني بعنوان كونها على الذبيحة ولا تجزي التسمية الاتّفاقية الصادرة لغرض آخر .

ثالثها : صدور حركة منها بعد تمامية الذبح كي تدلّ على وقوعه على الحيّ ولو كانت جزئية ، مثل أن تطرف عينها أو تحرّك اُذنها أو ذنبها أو تركض برجلها ونحوها ، ولا يحتاج مع ذلك إلى خروج الدم المعتدل ، فلو تحرّك ولم يخرج الدم أو خرج متثاقلاً ومتقاطراً لا سائلاً معتدلاً كفى في التذكية ، وفي الاكتفاء به أيضاً حتّى يكون المعتبر أحد الأمرين من الحركة أو خروج الدم المعتدل قول مشهور(2) ، لكن عندي فيه تردّد وإشكال . هذا إذا لم يعلم حياته ، وأمّا إذا علم حياته بخروج مثل هذا الدم اكتفي به بلا إشكال .

(مسألة 12) : لا يعتبر كيفية خاصّة في وضع الذبيحة على الأرض حال

ص: 268


1- - أي قبيله المتّصل به .
2- - بين المتأخّرين ولا يخلو من وجه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

الذبح ، فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن كهيئة الميّت حال الدفن ، وأن يضعها على الأيسر .

(مسألة 13) : لا يعتبر في التسمية كيفية خاصّة وأن يكون في ضمن البسملة ، بل المدار على صدق ذكر اسم اللّه عليها فيكفي أن يقول : «باسم اللّه» أو «اللّه أكبر» أو «الحمد للّه» أو «لا إله إلاّ اللّه» ونحو ذلك . وفي الاكتفاء بلفظ «اللّه» من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالاًّ على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد إشكال ، كالتعدّي من لفظ «اللّه» إلى سائر أسمائه الحسنى كالرحمان والرحيم والخالق وغيرها ، وكذا التعدّي إلى ما يرادف هذه اللفظة المباركة في لغة اُخرى كلفظة «يزدان» في الفارسية وغيرها في غيرها ، فإنّ فيه إشكالاً ، بل عدم الجواز قويّ جدّاً(1) .

(مسألة 14) : ذهب جماعة من الفقهاء إلى أ نّه يشترط في حلّية الذبيحة استقرار الحياة لها قبل الذبح فلو كانت غير مستقرّة الحياة لم تحلّ بالذبح وكانت ميتة . وفسّروا الاستقرار المزبور : بأن لا تكون مشرفة على الموت ؛ بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها اليوم أو نصف يوم كالمشقوق بطنه ، والمخرج حشوته ، والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه ، والساقط عن شاهق تكسّرت عظامه ، وما أكل السبع بعض ما به حياته وأمثال ذلك . والأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة بالمعنى المزبور ، بل المعتبر أصل الحياة ولو كانت عند إشراف انقطاعها وخروجها ، فإن علم ذلك ، وإلاّ يكون الكاشف عنها الحركة

ص: 269


1- - لا قوّة فيه ، بل الجواز لا يخلو من وجه وقوّة ، بل لا يبعد التعدّي إلى أسمائه الخاصّة ، لكن لا يترك الاحتياط في هذا الأخير ، بل لا ينبغي تركه في مراعاة العربية .

بعد الذبح ولو كانت جزئية يسيرة كما تقدّم .

(مسألة 15) : لا يشترط في حلّية أكل الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّاً أن يكون خروج روحها بذلك الذبح ، فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثمّ وقعت في نار أو ماء أو سقطت من جبل ونحو ذلك فماتت بذلك حلّت على الأقوى .

(مسألة 16) : يختصّ الإبل من بين البهائم بأنّ تذكيته بالنحر ، كما أنّ غيره يختصّ بالذبح ، فلو ذبح الإبل أو نحر غيره كان ميتة ، نعم لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد ما نحر ، أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبحه ووقعت عليه التذكية .

(مسألة 17) : كيفية النحر ومحلّه : أن يدخل سكّيناً أو رمحاً ونحوهما من الآلات الحادّة الحديدية في لبّته ، وهي المحلّ المنخفض الواقع بين أصل العنق والصدر . ويشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحية ، فيشترط في الناحر ما اشترط في الذابح ، وفي آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح ، وتجب التسمية عند النحر كما تجب عند الذبح ، ويجب الاستقبال بالمنحور كما يجب بالذبيحة ، وفي اعتبار الحياة أو استقرارها هنا ما مرّ في الذبيحة .

(مسألة 18) : يجوز نحر الإبل قائمة وباركة مقبلة إلى القبلة ، بل يجوز نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة ، وإن كان الأفضل كونها قائمة .

(مسألة 19) : كلّ ما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان - إمّا لاستعصائه أو لوقوعه في موضع لا يتمكّن الإنسان من الوصول إلى موضع الذكاة ليذبحه أو

ص: 270

ينحره ، كما لو تردّى في البئر أو وقع في مكان ضيّق وخيف موته - جاز أن يعقره بسيف أو سكّين أو رمح أو غيرها ممّا يجرحه ويقتله ، ويحلّ أكله وإن لم يصادف العقر موضع التذكية ، وسقطت شرطية الذبح والنحر وكذلك الاستقبال ، نعم سائر الشرائط من التسمية وشرائط الذابح والناحر تجب مراعاتها . وأمّا الآلة فيعتبر فيها ما مرّ في آلة الصيد الجمادية فراجع . وفي الاجتزاء هنا بعقر الكلب وجهان ، أقواهما ذلك في المستعصي(1) دون غيره كالمتردّي .

(مسألة 20) : للذباحة والنحر آداب ووظائف بين مستحبّة ومكروهة :

أمّا المستحبّة :

فمنها : أن يربط(2) يدي الغنم مع إحدى رجليه ويطلق الاُخرى ويمسك صوفه وشعره بيده حتّى تبرد ، وفي البقر أن يعقل قوائمه الأربع ويطلق ذنبه ، وفي الإبل أن تكون قائمة ويربط يديها ما بين الخفّين إلى الركبتين ، أو الإبطين ويطلق رجليها ، وفي الطير أن يرسله بعد الذبح حتّى يرفرف .

ومنها : أن يكون الذابح أو الناحر مستقبل القبلة .

ومنها : أن يعرض عليه الماء قبل الذبح أو النحر .

ومنها : أن يعامل مع الحيوان في الذبح أو النحر ومقدّماتهما ما هو الأسهل والأروح وأبعد من التعذيب والأذيّة له ؛ بأن يساق إلى الذبح أو النحر برفق ويضجعه للذبح برفق ، وأن يحدّد الشفرة وتوارى وتستر عنه حتّى لا يراها ، وأن يسرع في العمل ويمرّ السكين في المذبح بقوّة ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه تعالى

ص: 271


1- - ومنه الصائل المستصعب .
2- - على ما حكي الفتوى به عن جماعة .

شأنه كتب عليكم الإحسان في كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» ، وفي نبوي آخر أ نّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر أن تحدّ الشفار وأن توارى عن البهائم .

وأمّا المكروهة :

فمنها : إبانة الرأس قبل خروج الروح منها عند الأكثر وحرّمها جماعة وهو الأحوط(1) ، ولا تحرم الذبيحة بفعلها ولو قلنا بالحرمة على الأقوى . هذا مع التعمّد ، وأمّا مع الغفلة أو سبق السكّين ، فلا حرمة ولا كراهة لا في الأكل ولا في الإبانة بلا إشكال .

ومنها : أن تنخع(2) الذبيحة ؛ بمعنى إصابة السكّين إلى نخاعها ، وهو الخيط الأبيض وسط الفقار الممتدّ من الرقبة إلى عجز الذنب .

ومنها : أن يسلخ جلدها قبل خروج الروح منها ، وقيل فيه بالحرمة وإن لم تحرم الذبيحة وهي الأحوط .

ومنها : أن يقرب السكّين ويدخلها تحت الحلقوم ويقطع إلى فوق .

ومنها : أن يذبح حيوان وحيوان آخر(3) ينظر إليه .

ومنها : أن يذبح ليلاً ، وبالنهار قبل الزوال يوم الجمعة إلاّ مع الضرورة .

ومنها : أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم .

(مسألة 21) : إذا خرج الجنين أو اُخرج من بطن اُمّه ، فمع حياة الاُمّ أو موتها بدون التذكية لم يحل أكله إلاّ إذا كان حيّاً ووقعت عليه التذكية ، وكذا إن خرج أو

ص: 272


1- - لا يترك ، بل لا يخلو من قوّة .
2- - الأحوط تركه .
3- - مجانس له ، وأمّا غيره ففيه تأمّل وإن لا يخلو من وجه .

اُخرج حيّاً من بطن اُمّه المذكّاة فإنّه لم يحلّ إلاّ بالتذكية ، فلو لم يذكّ لم يحلّ وإن كان عدم التذكية من جهة عدم اتّساع الزمان لها على الأقوى . وأمّا لو خرج أو اُخرج ميّتاً من بطن اُمّه المذكّاة حلّ أكله وكانت تذكيته بتذكية اُمّه ، لكن بشرط كونه تامّ الخلقة وقد أشعر أو أوبر ، فإن لم تتمّ خلقته ولم يشعر ولا أوبر كان ميتة وحراماً . ولا فرق في حلّيته مع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح بعد ، وبين ما ولجته فمات في بطن اُمّه على الأقوى .

(مسألة 22) : لو كان الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على اُمّه ومات بعده قبل أن يشقّوا بطنها ويستخرج منها ، حلّ على الأقوى لو بادر على شقّ بطنها ولم يدرك حياته ، بل ولو لم يبادر ولم يؤخّر زائداً على القدر المتعارف في شقّ بطون الذبائح بعد الذبح ، وإن كان الأحوط المبادرة وعدم التأخير حتّى بالمقدار المتعارف . وأمّا لو أخّر زائداً عن المقدار المتعارف ومات قبل أن يشقّ البطن فالظاهر(1) عدم حلّيته .

(مسألة 23) : لا إشكال في وقوع التذكية على كلّ حيوان حلّ أكله ذاتاً - وإن حرم بالعارض كالجلاّل والموطوء - بحرياً كان أو برّياً ، وحشياً كان أو إنسياً ، طيراً كان أو غيره ، وإن اختلف في كيفية التذكية على ما سبق تفصيلها . وأثر التذكية فيها : طهارة لحمها وجلدها وحلّية أكل لحمها لو لم يحرم بالعارض . وأمّا غير المأكول من الحيوان ، فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه ؛ لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحلّية ؛ لأ نّه طاهر ومحرّم أكله على كلّ حال ، وأمّا ما كان له نفس سائلة ، فما كان نجس العين كالكلب والخنزير ليس قابلاً للتذكية

ص: 273


1- - بل الأحوط .

وكذا المسوخ غير السباع كالفيل والدبّ والقرد ونحوها والحشرات ؛ وهي الدوابّ الصغار التي تسكن باطن الأرض كالفأرة وابن عرس والضبّ ونحوها على الأحوط - لو لم يكن الأقوى - فيهما(1) . وأمّا السباع - وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم - سواء كانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آوى وغيرها أو من الطيور كالصقر والبازي والباشق وغيرها ، فالأقوى قبولها التذكية ، وبها يطهر لحومها وجلودها ، فيحلّ الانتفاع بها ؛ بأن تلبس في غير الصلاة ويفترش بها ، بل بأن تجعل وعاءً للمائعات كأن تجعل قربة ماء أو عكّة سمن أو دبّة دهن ونحوها وإن لم تدبغ على الأقوى ، وإن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة .

(مسألة 24) : الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل ممّا كانت له نفس سائلة - غير ما ذكر من أنواع الوحوش والطيور المحرّمة - تقع عليها التذكية ، فتطهر بها لحومها وجلودها .

(مسألة 25) : تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل إنّما يكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل ، وكذا بالاصطياد بالآلة الجمادية في خصوص الممتنع منها كالمحلّل . وفي تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلّم تردّد وإشكال .

(مسألة 26) : ما كان بيد المسلم(2) من اللحوم والشحوم والجلود إذا لم يعلم

ص: 274


1- - الأقوائية محلّ تأمّل ، ولا يترك الاحتياط فيهما وإن كانت الطهارة فيهما لا تخلو من وجه .
2- - مع تصرّفه فيه تصرّفاً مشروطاً بالتذكية على الأحوط .

كونها من غير الذكيّ يؤخذ منه ويعامل معه معاملة المذكّى ، فيجوز بيعه وشراؤه وأكله واستصحابه في الصلاة وسائر الاستعمالات المتوقّفة على التذكية . ولا يجب عليه الفحص والسؤال ، بل ولا يستحبّ بل نهي عنه . وكذلك ما يباع منها في سوق المسلمين ؛ سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال ، بل وكذا ما كان مطروحاً في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال ، كما إذا كان اللحم مطبوخاً أو الجلد مخيطاً أو مدبوغاً ، وبالجملة : كانت فيه أمارة تدلّ على وقوع اليد عليه ، بل وكذا إذا اُخذ من الكافر وعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم على الأقوى . وأمّا ما يؤخذ من يد الكافر ولو في بلاد المسلمين ولم يعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم ، وما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفّار ، أو كان مطروحاً في أرضهم يعامل معه معاملة غير المذكّى ، وهو بحكم الميتة . والمدار في كون البلد أو الأرض منسوباً إلى المسلمين : غلبة السكّان والقاطنين بحيث ينسب عرفاً إليهم ولو كانوا تحت سلطنة الكفّار ، كما أنّ هذا هو المدار في بلد الكفّار . ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفّار .

(مسألة 27) : لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ويستحلّ ذبائح أهل الكتاب ولا يراعى الشروط التي اعتبرناها في التذكية ، وكذا لا فرق بين كون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهاداً أو تقليداً ، أو مخالفاً معه فيها إذا احتمل تذكيته على وفق مذهب الآخذ ، كما إذا كان المأخوذ منه يعتقد كفاية قطع الحلقوم في الذبح ويعتقد الآخذ لزوم قطع الأوداج الأربعة ، إذا احتمل أنّ ما بيده قد روعي فيه ذلك وإن لم يلزم رعايته عنده ، واللّه العالم .

ص: 275

كتاب الأطعمة والأشربة

اشارة

والمقصود من هذا الكتاب بيان المحلّل والمحرّم من الحيوان وغير الحيوان .

القول : في الحيوان

(مسألة 1) : لا يؤكل من حيوان البحر إلاّ السمك(1) ، فيحرم غيره من أنواع حيوانه ، حتّى ما يؤكل مثله في البرّ كبقره على الأقوى .

(مسألة 2) : لا يؤكل من السمك إلاّ ما كان له فلس وقشور بالأصل وإن لم تبق وزالت بالعارض كالكنعت ؛ فإنّه على ما ورد فيه حوت سيّئة الخلق تحتكّ بكلّ شيء فيذهب فلسها ، ولذا لو نظرتَ إلى أصل اُذنها وجدته فيه . ولا فرق بين أقسام السمك ذي القشور فيحلّ جميعها ؛ صغيرها وكبيرها من البزّ والبنّي والشبّوط والقطّان والطيرامي والإبلامي وغيرها ، ولا يؤكل منه ما ليس له فلس في الأصل كالجرّي والزمّار والزهو والمارماهي .

(مسألة 3) : الإربيان - المسمّى في لسان أهل هذا الزمان ب «الروبيان» -

ص: 276


1- - والطير في الجملة .

من جنس السمك الذي له فلس ، فيجوز أكله .

(مسألة 4) : بيض السمك تتبع السمك ، فبيض المحلّل حلال وإن كان أملس ، وبيض المحرّم حرام وإن كان خشناً . وإذا اشتبه أ نّه من المحلّل أو من المحرّم حلّ أكله والأحوط(1) في حال الاشتباه عدم أكل ما كان أملس .

(مسألة 5) : البهائم البرّية من الحيوان صنفان : إنسية ووحشية ، أمّا الإنسية : فيحلّ منها جميع أصناف الغنم والبقر والإبل ، ويكره الخيل والبغال والحمير ، وأخفّها كراهة الأوّل ، واختلف في الأخيرين فقيل بأخفّية الثاني وقيل بأخفّية الأوّل . وتحرم منها غير ذلك كالكلب والسنّور وغيرهما . وأمّا الوحشية : فتحلّ منها الظبي والغزلان والبقر والكباش الجبلية واليحمور والحمير الوحشية(2) . وتحرم منها السباع ؛ وهي ما كان مفترساً وله ظفر وناب ؛ قويّاً كان كالأسد والنمر والفهد والذئب ، أو ضعيفاً كالثعلب والضبع وابن آوى ، وكذا يحرم الأرنب وإن لم يكن من السباع ، وكذا تحرم الحشرات كلّها كالحيّة والفأرة والضبّ واليربوع والقنفذ والصراصر والجُعل والبراغيث والقمّل وغيرها ممّا لا تحصى .

(مسألة 6) : يحلّ من الطير : الحمام بجميع أصنافه كالقماري - وهو الأزرق - والدباسي - وهو الأحمر - والورشان - وهو الأبيض - والدرّاج والقبج والقطا والطيهوج والبطّ والكروان والحبارى والكركي والدجاج بجميع أقسامه والعصفور بجميع أنواعه ومنه البلبل والزرزور والقبّرة ؛ وهي التي على رأسها القزعة ، وقد ورد أ نّها من مسحة سليمان علیه السلام . ويكره منه الهدهد والخطّاف

ص: 277


1- - لا يترك .
2- - الظاهر عدم الانحصار بما ذكر .

- وهو الذي يأوي البيوت وآنس الطيور بالناس ، والصرد وهو طائر ضخم الرأس والمنقار يصيد العصافير أبقع - نصفه أسود ونصفه أبيض - والصوام وهو طائر أغبر اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل والشقرّاق وهو طائر أخضر مليح بقدر الحمام خضرته حسنة مشبعة في أجنحته سواد ويكون مخطّطاً بحمرة وخضرة وسواد ولا يحرم شيء منها حتّى الخطّاف على الأقوى . ويحرم منه الخفّاش والطاووس وكلّ ذي مخلب ؛ سواء كان قويّاً يقوى به على افتراس الطير ، كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق ، أو ضعيفاً لا يقوى به على ذلك كالنسر والبغاث .

(مسألة 7) : الأحوط(1) التنزّه والاجتناب عن الغراب بجميع أنواعه حتّى الزاغ - وهو غراب الزرع - والغداف - الذي هو أصغر منه أغبر اللون كالرماد - ويتأكّد الاحتياط في الأبقع - الذي فيه سواد وبياض ويقال له العقعق - والأسود الكبير - الذي يسكن الجبال - وهما يأكلان الجيف ، ويحتمل قويّاً كونهما من سباع الطير فيقوى فيهما الحرمة .

(مسألة 8) : يميّز محلّل الطير عن محرّمه بأمرين ، جعل كلّ منهما في الشرع علامة للحلّ والحرمة فيما لم ينصّ على حلّيته ولا على حرمته دون ما نصّ فيه على حكمه من حيث الحلّ أو الحرمة كالأنواع المتقدّمة : أحدهما : الصفيف والدفيف ، فكلّ ما كان صفيفه - وهو بسط جناحيه عند الطيران - أكثر من دفيفه - وهو تحريكهما عنده - فهو حرام وما كان بالعكس بأن كان دفيفه أكثر من صفيفه فهو حلال . ثانيهما : الحوصلة والقانصة والصيصية ، فما كان فيه أحد هذه

ص: 278


1- - الحرمة في مطلق الغراب لا تخلو من قرب .

الثلاثة فهو حلال ، وما لم يكن فيه شيء منها فهو حرام . والحوصلة : ما يجتمع فيه الحبّ وغيره من المأكول عند الحلق ، والقانصة : في الطير بمنزلة الكرش(1) لغيره ، أو هي قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير ، والصيصية : هي الشوكة التي في رجل الطير موضع العقب . ويتساوى طير الماء مع غيره في العلامتين المزبورتين فما كان دفيفه أكثر من صفيفه ، أو كان فيه أحد الثلاثة - الحوصلة والقانصة والصيصية - فهو حلال وإن كان يأكل السمك ، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه ، أو لم يوجد فيه شيء من الثلاثة فهو حرام .

(مسألة 9) : لو تعارضت العلامتان كما إذا كان ما صفيفه أكثر من دفيفه ذا حوصلة أو قانصة أو صيصية ، أو كان ما دفيفه أكثر من صفيفه فاقداً للثلاثة ، فالظاهر أنّ الاعتبار بالصفيف والدفيف ، فيحرم الأوّل ويحلّ الثاني ، على إشكال في الثاني فلا يترك(2) الاحتياط . لكن ربّما قيل بالتلازم بين العلامتين وعدم وقوع التعارض بينهما فلا إشكال .

(مسألة 10) : لو رأى طيراً يطير وله صفيف ودفيف ولم يتبيّن أيّهما أكثر تعيّن له الرجوع إلى العلامة الثانية ؛ وهي وجود أحد الثلاثة وعدمها فيه ، وكذا إذا وجد طيراً مذبوحاً لم يعرف حاله(3) .

(مسألة 11) : لو فرض تساوي الصفيف والدفيف فيه فالمشهور على حلّيته ، لكن لا يخلو من إشكال ، فالأحوط أن يرجع فيه إلى العلامة الثانية .

ص: 279


1- - محلّ إشكال ، بل الظاهر هو التفسير الثاني .
2- - وإن كان الحلّ أقرب .
3- - ولو لم يعرف حاله مطلقاً فالأقرب الحلّ ، وكذا في الفرع الآتي .

(مسألة 12) : بيض الطيور تابعة لها في الحلّ والحرمة ، فبيض المحلّل حلال وبيض المحرّم حرام . وما اشتبه أ نّه من المحلّل أو المحرّم يؤكل ما اختلف طرفاها وتميّز رأسها من تحتها مثل بيض الدجاج دون ما اتّفق وتساوى طرفاه .

(مسألة 13) : النعامة من الطيور ؛ وهي حلال لحماً وبيضاً على الأقوى .

(مسألة 14) : اللقلق لم ينصّ على حرمته ولا على حلّيته فليرجع في حكمه إلى علامات الحلّ والحرمة ؛ أمّا من جهة الدفيف والصفيف فقد اختلف في ذلك أنظار من تفقّده ؛ فبعض ادّعى أنّ دفيفه أكثر من صفيفه ، وبعض ادّعى العكس ، ولعلّ طيرانه غير منتظم . وكيف كان إذا تبيّن حاله من جهة الدفيف والصفيف فهو ، وإلاّ فليرجع إلى العلامة الثانية ؛ وهي وجود إحدى الثلاث وعدمها .

(مسألة 15) : تعرض الحرمة على الحيوان المحلّل بالأصل من اُمور :

فمنها : الجلل ، وهو أن يتغذّى الحيوان عذرة الإنسان بحيث يصدق عرفاً أ نّها غذاؤه . ولا يلحق بعذرة الإنسان عذرة غيره ولا سائر النجاسات . ويتحقّق الصدق المزبور بانحصار غذائه بها ، فلو كان يتغذّى بها مع غيرها لم يتحقّق الصدق فلم يحرم ، إلاّ أن يكون تغذّيه بغيرها نادراً جدّاً بحيث يكون بأنظار العرف بحكم العدم ، وبأن يكون تغذّيه بها مدّة معتدّاً بها . والظاهر عدم كفاية يوم وليلة بل يشكّ صدقه بأقلّ من يومين بل ثلاثة .

(مسألة 16) : يعمّ حكم الجلل كلّ حيوان محلّل حتّى الطير والسمك .

(مسألة 17) : وكما يحرم لحم الحيوان بالجلل ، يحرم لبنه وبيضه ، ويحلاّن

ص: 280

بما يحلّ به لحمه . وبالجملة : هذا الحيوان المحرّم بالعارض كالحيوان المحرّم بالأصل في جميع(1) الأحكام قبل أن يستبرأ ويزول حكمه .

(مسألة 18) : الظاهر أنّ الجلل ليس مانعاً عن وقوع التذكية ، فيذكّى الجلاّل بما يذكّى به غيره ، ويترتّب عليها طهارة لحمه وجلده كسائر الحيوان المحرّم بالأصل القابل للتذكية .

(مسألة 19) : تزول حرمة الجلاّل بالاستبراء بترك التغذّي بالعذرة والتغذّي بغيرها مدّة ، وهي في الإبل أربعون يوماً ، وفي البقر عشرون يوماً والأحوط ثلاثون يوماً ، وفي الشاة عشرة أيّام ، وفي البطّة خمسة أيّام ، وفي الدجاجة ثلاثة أيّام ، وفي السمك يوم وليلة . وفي غير ما ذكر فالمدار على زوال اسم الجلل بحيث لم يصدق عليه أ نّه يتغذّى بالعذرة ، بل صدق أنّ غذاءه غيرها .

(مسألة 20) : كيفية الاستبراء أن يمنع الحيوان بربط أو حبس عن التغذّي بالعذرة في المدّة المقرّرة ويعلف في تلك المدّة علفاً طاهراً على الأحوط ، وإن كان الاكتفاء بالتغذّي بغير ما أوجب الجلل مطلقاً وإن كان متنجّساً أو نجساً لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في المتنجّس .

(مسألة 21) : يستحبّ ربط الدجاجة التي يراد أكلها أيّاماً ، ثمّ ذبحها وإن لم يعلم جللها .

(مسألة 22) : وممّا يوجب حرمة الحيوان(2) المحلّل بالأصل أن يطأه الإنسان

ص: 281


1- - الحكم في بعض أفراد الكلّية مبنيّ على الاحتياط .
2- - الظاهر اختصاص الحكم بالبهيمة ولا يجري في سائر الحيوانات .

قبلاً أو دبراً وإن لم ينزل ؛ صغيراً كان الواطئ أو كبيراً ، عالماً كان أو جاهلاً ، مختاراً كان أو مكرهاً ، فحلاً كان الموطوء أو اُنثى ، فيحرم بذلك لحمه ولحم نسله(1) المتجدّد بعد الوط ء ولبنهما(2) .

(مسألة 23) : الحيوان الموطوء إن كان ممّا يراد أكله كالشاة والبقرة والناقة يجب أن يذبح ، ثمّ يحرق ، ويغرم الواطئ قيمته لمالكه إذا كان غير المالك . وإن كان ممّا يراد ظهره - حملاً أو ركوباً - وليس يعتاد أكله كالحمار والبغل والفرس اُخرج من المحلّ الذي فعل به إلى بلد آخر فيباع فيه ، فيعطى ثمنه للواطئ ويغرم قيمته إن كان غير المالك . ولعلّنا نستوفي بعض ما يتعلّق بهذه المسألة في كتاب الحدود لو ساعدنا التوفيق .

(مسألة 24) : وممّا يوجب عروض الحرمة على الحيوان المحلّل بالأصل أن يرضع حمل أو جدي أو عجل من لبن خنزيرة حتّى قوي ونبت لحمه واشتدّ عظمه ، فيحرم لحمه ولحم نسله ولبنهما ، ولا تلحق بالخنزيرة الكلبة ولا الكافرة ، وفي تعميم الحكم للشرب من دون رضاع وللرضاع بعد ما كبر وفطم إشكال ، وإن كان أحوط . هذا إذا اشتدّ ، وأمّا إذا لم يشتدّ كره لحمه ، وتزول الكراهة بالاستبراء سبعة أيّام ؛ بأن يمنع عن التغذّي بلبن الخنزيرة ويعلف إن استغنى عن اللبن، وإن لم يستغن عنه يلقى على ضرع شاة - مثلاً - في تلك المدّة.

(مسألة 25) : لو شرب الحيوان المحلّل الخمر حتّى سكر وذبح في تلك

ص: 282


1- - على الأقوى في نسل الاُنثى ، وعلى الأحوط في نسل الذكر .
2- - وصوفهما وشعرهما .

الحال يؤكل لحمه ، لكن بعد غسله(1) ، ولا يؤكل ما في جوفه من الأمعاء والكرش والقلب والكبد وغيرها وإن غسل . ولو شرب بولاً ثمّ ذبح عقيب الشرب حلّ لحمه بلا غسل ويؤكل ما في جوفه بعد ما يغسل .

(مسألة 26) : لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتّى فطم وكبر ، لم يحرم لحمه ، لكنّه مكروه .

(مسألة 27) : يحرم من الحيوان المحلّل وإن ذكّي أربعة عشر(2) شيئاً : الدم والروث والطحال والقضيب والاُنثيان والمثانة والمرارة والنخاع - وهو خيط أبيض كالمخّ في وسط فقار الظهر - والغدد - وهي كلّ عقدة في الجسد مدوّرة تشبه البندق في الأغلب - والمشيمة - وهي موضع الولد أو قرينه(3) الذي يخرج معه - ويجب الاحتياط بالتنزّه عنهما والعلباوان - وهما عصبتان عريضتان صفراوان ممتدّتان على الظهر من الرقبة إلى الذنب - وخرزة الدماغ - وهي حبّة في وسط الدماغ بقدر الحمّصة تميل إلى الغبرة في الجملة يخالف لونها لون المخّ الذي في الجمجمة - والحدقة - وهي الحبّة الناظرة من العين - لا جسم العين كلّه.

(مسألة 28) : تختصّ حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة والمنحورة ، فلا يحرم من السمك والجراد شيء منها ما عدا الرجيع والدم على إشكال فيهما .

(مسألة 29) : لا يوجد(4) في الطيور شيء ممّا ذكر عدا الرجيع والدم والمرارة

ص: 283


1- - على الأحوط .
2- - عدّ في النسخة الموجودة عندي ثلاثة عشر ، وسقط منها الفرج ظاهره وباطنه .
3- - الظاهر هو التفسير الأوّل ، لكن لا يترك الاحتياط فيه أيضاً .
4- - غير معلوم ، فلو وجد شيء منها فالأحوط حرمته ، لو لم يكن الأقوى .

والطحال والبيضتين في الديكة ، ولا إشكال في حرمة الأوّلين منها فيها ، وأمّا البواقي ففيها إشكال فلا يترك فيها الاحتياط .

(مسألة 30) : يؤكل من الذبيحة غير ما مرّ ، فيؤكل القلب والكبد والكرش والأمعاء والغضروف والعضلات وغيرها ، نعم يكره الكليتان واُذنا القلب والعروق ، خصوصاً الأوداج . وهل يؤكل منها الجلد والعظم مع عدم الضرر أم لا ؟ أظهرهما الأوّل وأحوطهما الثاني . نعم لا إشكال في جلد الرأس وجلد الدجاج وغيره من الطيور ، وكذا في عظم صغار الطيور كالعصفور .

(مسألة 31) : يجوز أكل لحم ما حلّ أكله نيّاً ومطبوخاً ، بل ومحروقاً أيضاً إذا لم يكن مضرّاً ، نعم يكره أكله غريضاً ؛ بمعنى كونه طريّاً لم يتغيّر بشمس ولا نار ولا بذرّ الملح عليه وتجفيفه في الظلّ وجعله قديداً .

(مسألة 32) : اختلفوا في حلّية بول ما يؤكل لحمه كالغنم والبقر عند عدم الضرورة على قولين : فقال بعض بالحلّية(1) ، وحرّمه جماعة وهو الأحوط ، نعم لا إشكال في حلّية بول الإبل للاستشفاء .

(مسألة 33) : يحرم رجيع كلّ حيوان ، ولو كان ممّا حلّ أكله ، نعم الظاهر عدم حرمة فضلات الديدان الملتصقة بأجواف الفواكه والبطائخ ونحوها ، وكذا ما في جوف السمك والجراد إذا اُكل معهما .

(مسألة 34) : يحرم الدم من الحيوان ذي النفس حتّى العلقة والدم في البيضة(2)،

ص: 284


1- - وهو الأقوى .
2- - على الأحوط .

عدا ما يتخلّف في الذبيحة على إشكال فيما يجتمع منه في القلب والكبد . وأمّا الدم من غير ذي النفس ، فما كان ممّا حرم أكله كالوزغ والضفدع والقرد فلا إشكال في حرمته ، وأمّا ما كان ممّا حلّ أكله كالسمك الحلال ففيه خلاف ، والظاهر حلّيته إذا اُكل مع السمك بأن اُكل السمك بدمه ، وأمّا إذا اُكل منفرداً ففيه إشكال .

(مسألة 35) : قد مرّ في كتاب الطهارة طهارة ما لا تحلّه الحياة من الميتة ، حتّى اللبن والبيضة إذا اكتست جلدها الأعلى الصلب ، والإنفحّة وهي كما أ نّها طاهرة ، حلال أيضاً .

(مسألة 36) : لا إشكال في حرمة القيح والوسخ والبلغم والنخامة من كلّ حيوان ، وأمّا البصاق والعرق من غير نجس العين فالظاهر حلّيتهما ، خصوصاً الأوّل وخصوصاً إذا كان من الإنسان أو ممّا يؤكل لحمه من الحيوان .

القول : في غير الحيوان

(مسألة 1) : يحرم تناول الأعيان النجسة وكذا المتنجّسة ما دامت باقية على النجاسة ؛ مائعة كانت أو جامدة .

(مسألة 2) : يحرم تناول كلّ ما يضرّ بالبدن ؛ سواء كان موجباً للهلاك كشرب السموم القاتلة وشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين أو سبباً لانحراف المزاج أو لتعطيل بعض الحواسّ ؛ ظاهرة أو باطنة أو لفقد بعض القوى ، كالرجل يشرب ما يقطع به قوّة الباه والتناسل ، أو المرأة تشرب ما به تصير عقيماً لا تلد .

ص: 285

(مسألة 3) : لا فرق(1) في حرمة تناول المضرّ بين المعلوم الضرر ومظنونه ، بل ومحتمله أيضاً إذا كان احتماله معتدّاً به عند العقلاء بحيث أوجب الخوف عندهم ، وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتّب عليه عاجلاً أو بعد مدّة .

(مسألة 4) : يجوز التداوي والمعالجة بما يحتمل فيه الخطر ويؤدّي إليه أحياناً ؛ إذا كان النفع المترتّب عليه - حسب ما ساعدت عليه التجربة وحكم به الحذّاق وأهل الخبرة - غالبياً ، بل يجوز المعالجة بالمضرّ العاجل الفعلي المقطوع به إذا يدفع به ما هو أعظم ضرراً وأشدّ خطراً . ومن هذا القبيل : قطع بعض الأعضاء دفعاً للسراية المؤدّية إلى الهلاك ، وبطّ الجرح والكيّ بالنار ، وبعض العمليات المعمولة في هذه الأعصار ؛ بشرط أن يكون الإقدام على ذلك جارياً مجرى العقلاء بأن يكون المباشر للعمل حاذقاً محتاطاً مبالياً غير مسامح ولا متهوّر ، لا إذا كان على خلاف ذلك كبعض المتطبّبين .

(مسألة 5) : ما كان يضرّ كثيره دون قليله ، يحرم كثيره المضرّ دون قليله الغير المضرّ ، ولو فرض العكس كان بالعكس ، وكذا ما يضرّ منفرداً لا منضمّاً مع غيره ، يحرم منفرداً لا منضمّاً ، وما كان بالعكس كان بالعكس .

(مسألة 6) : إذا كان لا يضرّ تناوله مرّة أو مرّتين - مثلاً - ولكن يضرّ إدمانه وزيادة تكريره والتعوّد به يحرم تكريره المضرّ خاصّة . ومن ذلك شرب الأفيون بابتلاعه أو شرب دخانه فإنّه لا يضرّ مرّة أو مرّتين ، لكن تكراره والمداومة عليه والتعوّد به - كما هو المتداول في بعض البلاد ، خصوصاً ببعض كيفياته المعروفة عند أهله - مضرّ غايته وفيه فساد ، وأيّ فساد ! بل هو بلاء وأيّ بلاء ! داء عظيم

ص: 286


1- - على الأقوى فيما يوجب التهلكة ، وعلى الأحوط في غيره .

وبلاء جسيم وخطر خطير وفساد كبير - أعاذ اللّه المسلمين منه - فمن رام شربه لغرض من الأغراض فليلتفت إلى أن لا يكثّره ولا يكرّره إلى حدّ يتعوّد ويبتلى به ، ومن تعوّد به يجب عليه الاجتهاد في تركه(1) وكفّ النفس والعلاج بما يزيل عنه هذا الاعتياد .

(مسألة 7) : يحرم أكل الطين - وهو التراب المختلط بالماء حال بلّته - وكذا المدر - وهو الطين اليابس - ويلحق بهما التراب أيضاً على الأحوط(2) . نعم لا بأس بما يختلط به الحنطة أو الشعير - مثلاً - من التراب والمدر(3) ، وكذا ما يكون على وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار ، وكذا الطين الممتزج بالماء المتوحّل الباقي على إطلاقه ؛ وذلك لاستهلاك الخليط في المخلوط . نعم لو أحسّ ذائقته الأجزاء الطينية حين الشرب فلا يترك(4) الاحتياط بترك شربه أو تركه إلاّ أن يصفو وترسب تلك الأجزاء .

(مسألة 8) : الظاهر أ نّه لا يلحق بالطين الرمل والأحجار وأنواع المعادن فهي حلال كلّها مع عدم الضرر .

(مسألة 9) : يستثنى من الطين طين قبر الحسين علیه السلام للاستشفاء ، فإنّ في

ص: 287


1- - إذا لم يورث ضرراً أعظم .
2- - عدم الإلحاق لا يخلو من قوّة ، نعم مع إضراره محرّم بعنوانه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .
3- - إذا اختلط معهما وصارا دقيقاً واستهلك فيه ، وأمّا مع صرف الاختلاط معهما فلا معنى للاستهلاك المجوّز للأكل ، كما أنّ الغبار الذي على وجه الفواكه والحنطة والشعير ، ليس مستهلكاً فيها ، لكن يجوز أكلها معه لا للاستهلاك .
4- - وإن كان الجواز أقرب مع الاستهلاك .

تربته(1) المقدّسة الشفاء من كلّ داء ، وإنّها من الأدوية المفردة ، وإنّها لا تمرّ بداء إلاّ هضمته . ولا يجوز أكلها لغير الاستشفاء ، ولا أكل ما زاد عن قدر الحمّصة المتوسّطة . ولا يلحق به طين غير قبره حتّى قبر النبي والأئمّة علیهم السلام على الأحوط(2) لو لم يكن الأقوى ، نعم لا بأس بأن يمزج بماء أو شربة والتبرّك والاستشفاء بذلك الماء وتلك الشربة .

(مسألة 10) : لأخذ التربة المقدّسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في محالّها ، خصوصاً في كتب المزار ولا سيّما مزار «بحار الأنوار» ، لكن الظاهر أ نّها كلّها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أ نّها شرط لجواز تناولها .

(مسألة 11) : القدر المتيقّن من محلّ أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً ، ولعلّه كذلك الحائر(3) المقدّس بأجمعه . لكن في بعض الأخبار يؤخذ طين قبر الحسين علیه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً ، وفي بعضها طين قبر الحسين uفيه شفاء وإن اُخذ على رأس ميل ، بل وفي بعضها أ نّه يستشفى ممّا بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، بل وفي بعضها على عشرة أميال ، وفي بعضها فرسخ في فرسخ ، بل وروي إلى أربعة فراسخ . ولعلّ الاختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل فكلّ ما قرب إلى القبر الشريف كان أفضل ، والأحوط الاقتصار على ما حول القبر إلى

ص: 288


1- - هذا وما بعده مضمون بعض الروايات .
2- - بل الأقوى .
3- - محلّ تردّد .

سبعين(1) ذراعاً ، وفيما زاد على ذلك أن تستعمل ممزوجاً بماء ، أو شربة على نحو لا يصدق عليه الطين ويستشفى به رجاءً .

(مسألة 12) : تناول التربة المقدّسة للاستشفاء : إمّا بازدرادها وابتلاعها ، وإمّا بحلّها في الماء وشربه ، أو بأن يمزجها بشربة ويشربها بقصد التبرّك والشفاء .

(مسألة 13) : إذا أخذ التربة بنفسه ، أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدّسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البيّنة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة ، وهل يكفي إخبار ذي اليد(2) بكونه منها أو بذله لها على أ نّه منها ؟ لا يبعد ذلك وإن كان الأحوط في غير صورة العلم وقيام البيّنة تناولها بالامتزاج بماء أو شربة .

(مسألة 14) : قد استثنى بعض العلماء من الطين طين الأرمني للتداوي به وهو غير بعيد ، لكن الأحوط عدم تناوله إلاّ عند انحصار العلاج أو ممزوجاً بالماء أو شربة أو أجزاء اُخر بحيث لا يصدق معه أكل الطين .

(مسألة 15) : يحرم الخمر بالضرورة من الدين بحيث يكون مستحلّه في زمرة الكافرين(3) ، بل عن مولانا الباقر علیه السلام : «أ نّه لا يبعث اللّه نبياً ولا يرسل

ص: 289


1- - بل الأحوط الاقتصار على القبر الشريف وما يلحق به عرفاً ، وأحوط منه استعمال الأتربة التي في هذه الأعصار ممزوجاً بالماء أو غيره على نحو الاستهلاك ، بل لا يترك هذا الاحتياط إذا كان المأخوذ طيناً أو مدراً . نعم بناءً على ما قدّمناه من عدم حرمة التراب مطلقاً لا بأس بأخذ التراب للاستشفاء من الحائر وغيره إلى رأس ميل ، بل أزيد ممّا اشتملت عليه الأخبار رجاءً ، ولا يحرم تناوله ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .
2- - محلّ إشكال .
3- - مع الالتفات إلى لازمه ؛ أي تكذيب النبي صلى الله عليه و آله وسلم والعياذ باللّه .

رسولاً إلاّ ويجعل في شريعته تحريم الخمر» ، وعن الرضا علیه السلام : «أ نّه ما بعث اللّه نبيّاً قطّ إلاّ بتحريم الخمر» ، وعن الصادق علیه السلام : «أنّ الخمر اُمّ الخبائث ورأس كلّ شرّ ، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبّه فلا يعرف ربّه ، ولا يترك معصية إلاّ ركبها ، ولا يترك حرمة إلاّ انتهكها ، ولا رحماً ماسّة إلاّ قطعها ، ولا فاحشة إلاّ أتاها ، وإنّ من شرب منها جرعة لعنه اللّه وملائكته ورسله والمؤمنون ، وإن شربها حتّى سكر منها نزع روح الإيمان من جسده ، وركبت فيه روح سخيفة خبيثة ملعونة ، ولم تقبل صلاته أربعين يوماً ، ويأتي شاربها يوم القيامة مسودّاً وجهه مدلعاً لسانه يسيل لعابه على صدره ينادي : العطش العطش» ، وقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «من شرب الخمر بعد ما حرّمها اللّه على لساني ، فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب ، ولا يشفّع إذا شفع ، ولا يصدّق إذا حدّث ، ولا يعاد إذا مرض ، ولا يشهد له جنازة ، ولا يؤتمن على أمانة» ، بل لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فيها عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمول إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها ، وقد ورد : أنّ من تركها ولو لغير اللّه بل صيانة لنفسه سقاه اللّه من الرحيق المختوم .

وبالجملة : الأخبار في تشديد أمرها والترغيب في تركها أكثر من أن تحصى ، بل نصّ في بعضها أ نّه أكبر الكبائر ، خصوصاً مدمنه ، فقد ورد في أخبار مستفيضة أو متواترة : أ نّه كعابد وثن أو كمن عبد الأوثان ، وقد فسّر المدمن في بعض الأخبار بأ نّه ليس الذي يشربها كلّ يوم ولكنّه الموطّن نفسه أ نّه إذا وجدها شربها ، هذا مع كثرة المضارّ في شربها التي اكتشفها حذّاق الأطبّاء في هذه الأزمنة وأذعن بها المنصفون من غير ملّتنا .

(مسألة 16) : يلحق بالخمر موضوعاً أوحكماً كلّ مسكر ؛ جامداً كان أو

ص: 290

مائعاً ، وما أسكر كثيره دون قليله ، حرم قليله وكثيره .

(مسألة 17) : إذا انقلبت الخمر خلاًّ حلّت ؛ سواء كان بنفسها أو بعلاج ، وسواء كان العلاج بدون ممازجة شيء فيها ، كما إذا كان بتدخين أو مجاورة شيء ، أو كان بالممازجة ؛ سواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلاًّ ، كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخلّ فاستهلكا فيها ثمّ انقلبت خلاًّ ، أو لم يستهلك(1) ، بل بقي فيها إلى ما بعد الانقلاب ، ويطهر ذلك الممتزج الباقي بالتبعية كما يطهر بها الإناء .

(مسألة 18) : ومن المحرّمات المائعة الفقّاع إذا صار فيه غليان ونشيش وإن لم يسكر ، وهو شراب معروف كان في الصدر الأوّل يتّخذ من الشعير في الأغلب ، وليس منه ماء الشعير المعمول بين الأطبّاء .

(مسألة 19) : يحرم عصير العنب إذا نشّ وغلى بنفسه ، أو غلى بالنار . وكذا عصير الزبيب(2) على الأحوط لو لم يكن الأقوى . وأمّا عصير التمر ، فالأقوى أ نّه يحرم إذا غلى بنفسه(3) ويحلّ إذا غلى بالنار . والظاهر أنّ الغليان بالشمس كالغليان بالنار فله حكمه .

(مسألة 20) : الظاهر أنّ الماء الذي في جوف حبّة العنب بحكم عصيره ، فيحرم إذا غلى بنفسه أو بالنار ، نعم لا يحكم بحرمته ما لم يعلم بغليانه ، وهو

ص: 291


1- - إذا كان الخلط للعلاج بمقدار متعارف ، وأمّا مع الزيادة عنه فمحلّ إشكال ، بل مع الغلبة فالأقوى حرمتها ونجاستها .
2- - الأقوى حلّيته .
3- - إن ثبت أ نّه بالغليان بنفسه يصير خمراً ، وإلاّ فلا .

نادر جدّاً ؛ لعدم الاطّلاع على باطنها غالباً ، فلو وقعت حبّة من العنب في قدر يغلي وهي تعلو وتسفل في الماء المغليّ ، فمن يطّلع على كيفية ما في جوف تلك الحبّة ؟ ولا ملازمة بين غليان ماء القدر وغليان ما في جوفها ، بل لعلّ المظنون عدمها ؛ لأنّ المظنون أ نّه لو غلى ما في جوفها لتفسّخت وانشقّت . وبالجملة : المدار على حصول العلم بالغليان وعدمه ، فمن علم به حرم عليه ومن لم يعلم به حلّ له .

(مسألة 21) : من المعلوم أنّ الزبيب ليس له عصير في نفسه ، فالمراد بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة: إمّا بأن يدقّ ويخلط بالماء ، وإمّا بأن ينقع في الماء ويمكث إلى أن يكتسب حلاوته بحيث صار في الحلاوة بمثابة عصير العنب ، وإمّا بأن يمرس ويعصر بعد النقع فيستخرج عصارته . وأمّا إذا كان الزبيب على حاله وحصل في جوفه ماء فالظاهر أنّ ما فيه ليس من عصير الزبيب ، فلا يحرم بالغليان وإن كان الأحوط الاجتناب عنه ، لكنّ العلم به غير حاصل عادة ، فإذا اُلقى زبيب في قدر فيه ماء أو مرق وكان يغلي ، فرأينا الزبيب فيه منتفخاً من أين ندري أنّ ما في جوفه قد غلى مع أ نّه بحسب العادة لو غلى ما في جوفه لانشقّ وتفسّخ ؟! وأولى من ذلك - بعدم وجوب الاجتناب - ما إذا وضع في وسط طبيخ أو كبّة أو محشيّ ونحوها ممّا ليس فيه ماء وإن انتفخ فيه لأجل الأبخرة الحاصلة فيه .

(مسألة 22) : الظاهر أنّ ما غلى بنفسه من أقسام العصير لا تزول حرمته إلاّ بالتخليل ، كالخمر حيث إنّها لا تحلّ إلاّ بانقلابها خلاًّ ولا أثر فيه لذهاب الثلثين . وأمّا ما غلى بالنار تزول حرمته بذهاب ثلثيه وبقاء ثلث منه ، والأحوط أن يكون

ص: 292

ذلك بالنار(1) لا بالهواء وطول المكث مثلاً . نعم لا يلزم أن يكون ذهاب الثلثين في حال غليانه بل يكفي كون ذلك مستنداً إلى النار ولو بضميمة ما ينقص منه بعد غليانه قبل أن يبرد ، فلو كان العصير في القدر على النار وقد غلى حتّى ذهب نصفه - ثلاثة أسداسه - ثمّ وضع القدر على الأرض فنقص منه قبل أن يبرد بسبب صعود البخار سدس آخر كفى في الحلّية .

(مسألة 23) : إذا صار العصير المغليّ دبساً قبل أن يذهب ثلثاه ، لا يكفي في حلّيته على الأقوى(2) .

(مسألة 24) : إذا اختلط العصير بالماء ثمّ غلى ، يكفي(3) في حلّيته ذهاب ثلثي المجموع وبقاء ثلثه ، فلو صبّ عشرين رطلاً من ماء في عشرة أرطال من عصير العنب ثمّ طبخه حتّى ذهب منه عشرون وبقي عشرة فهو حلال . وبهذا يمكن العلاج في طبخ بعض أقسام العصير ممّا لا يمكن لغلظها وقوامها أن تطبخ على الثلث ؛ لأ نّه يحترق ويفسد قبل أن يذهب ثلثاه فيصبّ فيه الماء بمقداره أو أقلّ منه أو أكثر ، ثمّ يطبخ إلى أن يذهب الثلثان ويبقى الثلث .

(مسألة 25) : لو صبّ على العصير المغليّ قبل أن يذهب ثلثاه مقدار من العصير الغير المغليّ ، وجب(4) ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأوّل مع ما صبّ ثانياً ، ولا يحسب ما ذهب من الأوّل أوّلاً ، فإذا كان في القدر تسعة أرطال من

ص: 293


1- - أو بما يغليه .
2- - بل الأحوط .
3- - محلّ إشكال ، إلاّ إذا علم ذهاب ثلثي العصير .
4- - الأحوط ترك هذا العمل فيطبخ كلّ على حدة ، وإن كان لما ذكره وجه .

العصير فغلى حتّى ذهب منه ثلاثة وبقي ستّة ثمّ صبّ عليه تسعة أرطال اُخر فصار خمسة عشر يجب أن يغلي حتّى يذهب عشرة ويبقى خمسة ، ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستّة .

(مسألة 26) : لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين مثل اليقطين والسفرجل والتفّاح وغيرها(1) ويطبخ فيه حتّى يذهب ثلثاه ، فإذا حلّ حلّ ما طبخ فيه .

(مسألة 27) : يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغليّ بالعلم وبالبيّنة وبإخبار ذي اليد المسلم ، بل وبالأخذ منه إذا كان ممّن يعتقد حرمة ما لم يذهب ثلثاه ، بل وإذا لم يعلم اعتقاده أيضاً . نعم إذا علم أ نّه ممّن يستحلّ العصير المغليّ قبل أن يذهب ثلثاه ، مثل أن يعتقد أ نّه يكفي في حلّيته صيرورته دبساً - إمّا اجتهاداً أو تقليداً - ففي جواز الاستئمان بقوله إذا أخبر عن حصول التثليث خلاف وإشكال ، وأولى بالإشكال جواز الأخذ منه والبناء على أ نّه طبخ على الثلث إذا احتمل ذلك من دون تفحّص عن حاله ، ولكنّ الأقوى(2) جواز الاعتماد بقوله ، وكذا جواز الأخذ منه والبناء على التثليث على كراهية .

(مسألة 28) : يحرم تناول مال الغير - وإن كان كافراً محترم المال - بدون إذنه ورضاه، حتّى ورد: «أنّ من أكل من طعام لم يدع إليه فكأ نّما أكل قطعة من النار».

ص: 294


1- - إذا كان ما يطرح فيه ممّا يجذب العصير بجوفه ، فلا بدّ في حلّيته من ذهاب ثلثي ما في جوفه أيضاً .
2- - فيه إشكال ، والأحوط الاجتناب عنه وعدم الاعتماد على قوله وعدم البناء على التثليث ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 29) : يجوز أن يأكل الإنسان - ولو مع عدم الضرورة - من بيوت من تضمّنته الآية الشريفة في سورة «النور» وهم : الآباء والاُمّهات والإخوان والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات . وكذا يجوز لمن كان وكيلاً على بيت أحد مفوّضاً إليه اُموره وحفظه بما فيه ، أن يأكل من بيت موكّله ، وهو المراد من : )مَا مَلَكتُمْ مَفاتِحَهُ( المذكور في تلك الآية الشريفة . وكذا يجوز أن يأكل الصديق من بيت صديقه ، وكذا الزوجة من بيت زوجها ، والأب والاُمّ من بيت الولد . وإنّما يجوز الأكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت ، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقّف جواز الأكل منها على إحراز الرضا والإذن من صاحبها ، فيجوز مع الشكّ ، بل ومع الظنّ بالعدم أيضاً على الأقوى(1) بخلاف غيرها . والأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز والتمر والإدام والفواكه والبقول ونحوها ، دون نفائس الأطعمة التي تدّخر غالباً لمواقع الحاجة وللأضياف ذوي الشرف والعزّة . والظاهر التعدية إلى غير المأكول من المشروبات العادية ؛ من الماء واللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها . نعم لا يتعدّى إلى بيوت غيرهم ، ولا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم ، كما أ نّه يقتصر على ما في البيت من المأكول ، فلا يتعدّى إلى ما يشترى من الخارج بثمن يؤخذ من البيت .

(مسألة 30) : تباح جميع المحرّمات المزبورة حال الضرورة ؛ إمّا لتوقّف حفظ نفسه وسدّ رمقه على تناوله ، أو لعروض المرض الشديد الذي لا يتحمّل عادة بتركه ، أو لأداء تركه إلى لحوق الضعف المفرط المؤدّي إلى

ص: 295


1- - لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصاً مع غلبته .

المرض(1) أو التلف ، أو المؤدّي للتخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب ، ومنها : ما إذا خيف بتركه على نفس اُخرى محترمة ، كالحامل تخاف على جنينها ، والمرضعة على طفلها ، بل ومن الضرورة خوف طول المرض(2) أو عسر علاجه بترك التناول . والمدار في الكلّ على الخوف الحاصل من العلم أو الظنّ(3) بالترتّب ، لا مجرّد الوهم والاحتمال .

(مسألة 31) : ومن الضرورات المبيحة للمحرّمات الإكراه والتقيّة عمّن يخاف منه على نفسه أو نفس محترمة ، أو على عرضه أو عرض محترم ، أو مال محترم(4) يجب عليه حفظه .

(مسألة 32) : في كلّ مورد يتوقّف حفظ النفس على ارتكاب محرّم ، يجب الارتكاب فلا يجوز له التنزّه والحال هذه . ولا فرق بين الخمر والطين وبين سائر المحرّمات في هذا الحكم والقول بوجوب التنزّه عن الخمر والطين حتّى مع الضرورة وأ نّه لا يباحان بها ضعيف ، خصوصاً في ثانيهما . فإذا أصابه عطش حتّى خاف على نفسه فأصاب خمراً جاز بل وجب شربها ، وكذا إن اضطرّ إلى أكل الطين .

(مسألة 33) : إذا اضطرّ إلى محرّم فليقتصر على مقدار الضرورة ولا يجوز له الزيادة ، فإذا اقتضت الضرورة أن يأكل الميتة لسدّ رمقه فليقتصر على ذلك ،

ص: 296


1- - الذي لا يتحمّل عادة ، أو لنفس الجوع والعطش اللذين لا يتحمّلان عادة .
2- - الذي لا يتحمّل عادة .
3- - بل أو الاحتمال الذي يكون له منشأ عقلائي .
4- - معتدّ به ، ممّا يكون تحمّله حرجياً .

ولا يجوز له أن يأكل حدّ الشبع ، إلاّ إذا فرض أنّ ضرورته لا تندفع إلاّ بالشبع .

(مسألة 34) : يجوز التداوي لمعالجة الأمراض بكلّ محرّم إذا انحصر به العلاج ولو بحكم الحذّاق الثقات من الأطبّاء . والمدار على انحصار العلاج به بين ما بأيدي الناس ممّا يعالج به هذا الداء ، لا الانحصار واقعاً فإنّه ممّا لا يحيط به إدراك البشر .

(مسألة 35) : المشهور عدم جواز التداوي بالخمر ، بل بكلّ مسكر حتّى مع الانحصار ، لكن الجواز لا يخلو من قوّة بشرط العلم بكون المرض قابلاً للعلاج والعلم بأنّ ترك معالجته يؤدّي إلى الهلاك أو إلى ما يدانيه ، والعلم بانحصار العلاج به بالمعنى الذي ذكرناه . نعم لا يخفى شدّة أمر الخمر فلا يبادر إلى تناولها والمعالجة بها إلاّ إذا رأى من نفسه الهلاك لو ترك التداوي بها ولو بسبب توافق جماعة من الحذّاق واُولي الديانة والدراية من الأطبّاء ، وإلاّ فليصطبر على المشقّة ، فلعلّ الباري تعالى شأنه يعافيه لما رأى منه التحفّظ على دينه ، فعن الثقة الجليل عبداللّه بن أبي يعفور أ نّه قال : كان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدّت شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه ، فدخل على أبي عبداللّه علیه السلام فأخبره بوجعه وأ نّه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه فقال له : «لا تشربه» ، فلمّا أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه ، فأقبل أهله فلم يزالوا به حتّى شرب فساعة شرب منه سكن عنه ، فعاد إلى أبي عبداللّه uفأخبره بوجعه وشربه فقال له : «يابن أبي يعفور لا تشرب فإنّه حرام ، إنّما هو الشيطان موكّل بك ، ولو قد يئس منك ذهب» . فلمّا أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه أشدّ ممّا كان فأقبل أهله عليه فقال لهم : لا واللّه ما أذوق منه قطرة أبداً فآيسوا منه أهله فكان يتّهم

ص: 297

على شيء ولا يحلف وكان إذا حلف على شيء لا يخلف ، فلمّا سمعوا آيسوا منه واشتدّ به الوجع أيّاماً ثمّ أذهب اللّه به عنه ، فما عاد إليه حتّى مات رحمة اللّه عليه .

(مسألة 36) : لو اضطرّ إلى أكل طعام الغير لسدّ رمقه وكان المالك حاضراً ، فإن كان هو أيضاً مضطرّاً لم يجب عليه ، بل لا يجوز(1) له بذله ولا يجوز للمضطرّ قهره . وإن لم يكن مضطرّاً يجب عليه بذله للمضطرّ ، وإن امتنع عن البذل جاز له قهره ، بل مقاتلته والأخذ منه قهراً . ولا يتعيّن على المالك بذله مجّاناً ، فله أن لا يبذله إلاّ بالعوض ، وليس للمضطرّ قهره بدونه ، فإن اختار البذل بالعوض فإن لم يقدّره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله ، أو مثله إن كان مثلياً ، وإن قدّره لم يتعيّن عليه تقديره بثمن المثل أو أقلّ ، بل له أن يقدّره بأزيد منه(2) ، وحينئذٍ إذا كان المضطرّ قادراً على دفعه يجب عليه الدفع إذا طالبه به وإن كان عاجزاً يكون في ذمّته يتّبع تمكّنه . هذا إذا كان المالك حاضراً ، وأمّا إذا كان غائباً فله الأكل منه بمقدار سدّ رمقه وتقدير الثمن وجعله في ذمّته ، ولا يكون أقلّ من ثمن المثل . والأحوط المراجعة إلى الحاكم لو وجد ، ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين .

(مسألة 37) : يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شيء من الخمر ، بل وغيرها من المسكرات وكذا الفقّاع ، بل ذهب بعض العلماء إلى حرمة كلّ طعام يعصى اللّه تعالى به أو عليه .

ص: 298


1- - محلّ تأمّل .
2- - إن لم ينته إلى الحرج وإلاّ فليس له .

خاتمة: في بعض الآداب المتعلّقة بالأكل والشرب

فأمّا آداب الأكل فهي بين مستحبّ ومكروه .

أمّا المستحبّ فاُمور :

منها : غسل اليدين معاً قبل الطعام وبعده ؛ مائعاً كان الطعام أو جامداً . وإذا كانت جماعة على المائدة يبدأ في الغسل الأوّل بصاحب الطعام ثمّ بمن على يمينه ويدور إلى أن يتمّ الدور على من في يسار صاحب الطعام ، وفي الغسل الثاني يبدأ بمن في يسار صاحب الطعام ثمّ يدور إلى أن يختم بصاحب الطعام .

ومنها : المسح بالمنديل بعد الغسل الثاني وترك المسح به بعد الغسل الأوّل .

ومنها : أن يسمّي عند الشروع في الأكل ، بل على كلّ لون على انفراده عند الشروع في الأكل منه .

ومنها : أن يحمد اللّه تعالى بعد الفراغ .

ومنها : الأكل باليمين .

ومنها : أن يبدأ صاحب الطعام وأن يكون آخر من يمتنع .

ومنها : أن يأكل بثلاث أصابع أو أكثر ولا يأكل بإصبعين ، وقد ورد أ نّه من فعل الجبّارين .

ومنها : أن يأكل ممّا يليه إذا كان مع جماعة على مائدة ولا يتناول من قدّام الآخر .

ومنها : تصغير اللقمة .

ومنها : تجويد المضغ .

ومنها : طول الجلوس على الموائد وطول الأكل .

ص: 299

ومنها : لعق الأصابع ومصّها وكذا لطع القصعة ولحسها بعد الفراغ .

ومنها : الخلال بعد الطعام وأن لا يكون بعود الريحان وقضيب الرمّان والخوص والقصب .

ومنها : التقاط ما يسقط من الخوان خارج السفرة والطبق وأكله ، فإنّه شفاء من كلّ داءٍ إذا قصد به الاستشفاء ، وإنّه ينفي الفقر ويكثر الولد ، وهذا في غير الصحراء ونحوها ، وأمّا فيها فيستحبّ أن يترك للطير والسبع ، بل ورد أنّ ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة .

ومنها : الأكل غداءً وعشيّاً وعدم الأكل بينهما .

ومنها : أن يستلقي بعد الأكل على قفاه ويجعل رجله اليمنى على اليسرى .

ومنها : الافتتاح بالملح والاختتام به ، فقد ورد أنّ فيه المعافاة عن اثنين وسبعين من البلاء ، وفي خبر آخر : «ابدؤوا بالملح في أوّل طعامكم ، فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرّب» .

ومنها : غسل الثمار بالماء قبل أكلها ، ففي الخبر : «إنّ لكلّ ثمرة سمّاً فإذا أتيتم بها اغمسوها في الماء» يعني اغسلوها .

وأمّا المكروه :

فمنها : الأكل على الشبع .

ومنها : التملّؤ من الطعام ، ففي الخبر : «ما من شيء أبغض إلى اللّه من بطن مملوء» ، وفي خبر آخر «أقرب ما يكون العبد إلى اللّه إذا خفّ بطنه ، وأبغض ما يكون العبد إلى اللّه إذا امتلأ بطنه» . وفي خبر آخر : «لو أنّ الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم» . بل ينبغي الاقتصار على ما دون الشبع ، ففي الخبر : «أنّ البطن إذا شبع طغى» ، وفي خبر آخر عن مولانا الصادق علیه السلام : «أنّ

ص: 300

عيسى بن مريم قام خطيباً فقال : يا بني إسرائيل لا تأكلوا حتّى تجوعوا ، وإذا جعتم فكلوا ولا تشبعوا ، فإنّكم إذا شبعتم غلظت رقابكم وسمنت جنوبكم ونسيتم ربّكم» .

ومنها : النظر في وجوه الناس عند الأكل على المائدة .

ومنها : أكل الحارّ .

ومنها : النفخ على الطعام والشراب .

ومنها : انتظار غير الخبز إذا وضع الخبز .

ومنها : قطع الخبز بالسكّين .

ومنها : أن يوضع الخبز تحت إناء ووضع الإناء عليه .

ومنها : المبالغة في أكل اللحم الذي على العظم .

ومنها : تقشير الثمرة .

ومنها : رمي بقيّة الثمرة قبل الاستقصاء في أكلها .

وأمّا آداب الشرب : فهي أيضاً بين مندوب ومكروه .

أمّا المندوب :

فمنها : أن يشرب الماء مصّاً لا عبّاً ، فإنّه كما في الخبر يوجد منه الكباد ؛ يعني وجع الكبد.

ومنها : أن يشرب قائماً بالنهار فإنّه أقوى وأصحّ للبدن ويمرئ الطعام .

ومنها : أن يسمّي عند الشروع ويحمد اللّه بعد ما فرغ .

ومنها : أن يشرب بثلاثة أنفاس .

ومنها : التلذّذ بالماء ، ففي الخبر : «من تلذّذ بالماء في الدنيا لذّذه اللّه من أشربة الجنّة» .

ص: 301

ومنها : أن يذكر الحسين علیه السلام وأهل بيته ويلعن قاتله بعد شرب الماء ، فعن داود الرقّي قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذا استسقى الماء ، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ، ثمّ قال لي : «يا داود لعن اللّه قاتل الحسين علیه السلام فما أنغص ذكر الحسين uللعيش ، إنّي ما شربت ماءً بارداً إلاّ ذكرت الحسين علیه السلام ، وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين علیه السلام وأهل بيته ولعن قاتله إلاّ كتب اللّه - عزّ وجلّ - له مائة ألف حسنة ، وحطّ عنه مائة ألف سيّئة ورفع له مائة ألف درجة ، وكأ نّما أعتق مائة ألف نسمة وحشره اللّه يوم القيامة ثلج الفؤاد» .

وأمّا المكروه :

فمنها : الإكثار في شرب الماء ، فإنّه كما في الخبر مادّة لكلّ داء ، وكان مولانا الصادق uيوصي رجلاً فقال له : «أقلّ شرب الماء ، فإنّه يمدّ كلّ داء واجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء» ، وعنه علیه السلام : «لو أنّ الناس أقلّوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم» .

ومنها : شرب الماء بعد أكل الطعام الدسم ، فإنّه كما في الخبر يهيّج الداء ، وعن الصادق علیه السلام قال : «كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إذا أكل الدسم أقلّ شرب الماء» ، فقيل له : يا رسول اللّه إنّك لتقلّ شرب الماء . قال : هو أمرأ لطعامي .

ومنها : الشرب باليسار .

ومنها : الشرب من قيام في الليل ، فإنّه كما في الخبر يورث الماء الأصفر .

ومنها : أن يشرب من عند كسر الكوز إن كان فيه كسر ، ومن عند عروته .

تذييل : في الكافي بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر علیه السلام : «من سقى مؤمناً من ظمأ سقاه اللّه من الرحيق المختوم» ، وعن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

ص: 302

«قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من سقى مؤمناً شربة من ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه بكلّ شربة سبعين ألف حسنة ، وإن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأ نّما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل» ، وفي «الأمالي» بإسناده عن الصادق علیه السلام عن آبائه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنّة ، ومن كساه من عرىً كساه اللّه من استبرق وحرير ، ومن سقاه شربة من عطش سقاه اللّه من الرحيق المختوم ، ومن أعانه أو كشف كربته أظلّه اللّه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه» ، وفي «المحاسن» قال : سأل رجل أبا جعفر علیه السلام عن عمل يعدل عتق رقبة فقال : «لإن أدعو ثلاثة نفر من المسلمين فأطعمهم حتّى يشبعوا وأسقيهم حتّى يرووا ، أحبّ إليّ أن أعتق نسمة ونسمة» حتّى عدّ سبعاً أو أكثر .

ص: 303

كتاب الغصب

وهو الاستيلاء على ما للغير ؛ من مال أو حقّ عدواناً ، وقد تطابق العقل والنقل كتاباً وسنّة وإجماعاً على حرمته ، وهو من أفحش الظلم الذي قد استقلّ العقل بقبحه . وفي النبوي صلی الله علیه و آله وسلم : «من غصب شبراً من الأرض طوّقه اللّه من سبع أرضين يوم القيامة» ، وفي نبوي آخر : «من خان جاره شبراً من الأرض جعله اللّه طوقاً في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتّى يلقى اللّه يوم القيامة مطوّقاً ، إلاّ أن يتوب ويرجع» ، وفي آخر : «من أخذ أرضاً بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر» ، ومن كلام أمير المؤمنين علیه السلام : «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها» .

(مسألة 1) : المغصوب : إمّا عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين ، وإمّا عين بلا منفعة ، وإمّا منفعة مجرّدة ، وإمّا حقّ مالي متعلّق بالعين . فالأوّل : كغصب الدار من مالكها ، وكغصب العين المستأجرة إذا غصبها غير المؤجر والمستأجر فهو غاصب للعين من المؤجر ، وللمنفعة من المستأجر . والثاني : كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها مدّة الإجارة . والثالث : كما إذا غصب المؤجر العين المؤجرة ، وانتزعها من يد المستأجر ، واستولى على منفعتها مدّة

ص: 304

الإجارة . والرابع : كما إذا استولى على أرض محجّرة ، أو العين المرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حقّ الرهانة ، ومن ذلك غصب المساجد والمدارس والربط والقناطر والطرق والشوارع العامّة ، وغصب المكان الذي سبق إليه أحد في المساجد والمشاهد .

(مسألة 2) : المغصوب منه : قد يكون شخصاً كما في غصب الأعيان والمنافع المملوكة للأشخاص والحقوق كذلك ، وقد يكون هو النوع كما في غصب مال تعيّن خمساً أو زكاة قبل أن يدفع إلى المستحقّ وغصب الرباط المعدّ لنزول القوافل والمدرسة المعدّة لسكنى الطلبة ، فإذا استولى على حجرة قد سكنها واحد من الطلبة وانتزعها منه ، فهو غاصب لحقّ الشخص . وإذا استولى على أصل المدرسة ومنع عن أن يسكنها الطلبة ، فهو غاصب لحقّ النوع .

(مسألة 3) : للغصب حكمان تكليفيان وهما : الحرمة ، ووجوب رفع اليد والردّ إلى المغصوب منه أو وليّه ، وحكم وضعي ، وهو الضمان ؛ بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب وكون تلفه وخسارته عليه وأ نّه إذا تلف يجب عليه دفع بدله ، ويقال لهذا الضمان ضمان اليد .

(مسألة 4) : يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب ، ففي الجميع : الغاصب آثم ويجب عليه رفع اليد وردّ المغصوب إلى المغصوب منه . وأمّا الحكم الوضعي وهو الضمان فيختصّ بما إذا كان المغصوب من الأموال عيناً كان أو منفعة ، فليس في غصب الحقوق هذا الضمان - أعني ضمان اليد - على إشكال(1) في بعضها كحقّي التحجير والاختصاص .

ص: 305


1- - الأقرب عدم الضمان فيهما أيضاً .

(مسألة 5) : لو استولى على حرّ فحبسه ، لم يتحقّق الغصب لا بالنسبة إلى عينه ولا بالنسبة إلى منفعته وإن أثم بذلك وظلمه ؛ سواء كان كبيراً أو صغيراً ، فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب ، فلو أصابه حرق أو غرق أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن ، وكذا لا يضمن منافعه كما إذا كان صانعاً ولم يشتغل بصنعته في تلك المدّة فلا يضمن اُجرته . نعم لو استوفى منه بعض منافعه ، كما إذا استخدمه لزمه اُجرته ، وكذا لو تلف بتسبيب منه ، مثل ما إذا حبسه في دار فيه حيّة مؤذية فلدغته ، أو في محلّ السباع فافترسته ، ضمنه من جهة سببيته للتلف لا لأجل الغصب واليد .

(مسألة 6) : لو منع غيره عن إمساك دابّته المرسلة أو من القعود على فراشه أو عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه لم يكن غاصباً ؛ لعدم وضع اليد على ماله وإن كان عاصياً وظالماً له من جهة منعه ، فلو هلكت الدابّة ، أو تلف الفراش ، أو انهدمت الدار ، أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المانع ضمان من جهة الغصب واليد . وهل عليه ضمان من جهة اُخرى أم لا ؟ أقواهما العدم في الأخير - وهو ما إذا تنقّصت القيمة - وأمّا في غيره ، فإن كان الهلاك والتلف والانهدام غير مستند إلى منعه ؛ بأن كانت بآفة سماوية وسبب قهري - لا يتفاوت في ترتّبها بين ممنوعية المالك وعدمها - لم يكن عليه ضمان قطعاً ، وأمّا إذا كان مستنداً إليه ، كما إذا كانت الدابّة ضعيفة أو في موضع السباع ، وكان المالك يحفظها ، فلمّا منعه المانع ولم يقدر على حفظها وقع عليها الهلاك ، فللضمان وجه ، بل لا يخلو من قوّة(1) .

ص: 306


1- - فيه تأمّل لكنّه أحوط .

(مسألة 7) : وحيث عرفت أنّ المدار في تحقّق الغصب على استيلاء الغاصب على المغصوب ، وصيرورته تحت يده عرفاً بدون إذن صاحبه ، فليعلم أ نّه يختلف(1) ذلك باختلاف المغصوبات ، ففي المنقول غير الحيوان يتحقّق بأخذه باليد أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكّانه أو أنباره وغيرها ممّا يكون محرزاً لأمواله ولو كان ذلك بأمره ، فلو نقل حمّال بأمره متاعاً من الغير بدون إذنه إلى بيته أو طعاماً منه إلى أنباره كان بذلك غاصباً للمتاع والطعام . ويلحق بالأخذ باليد قعوده على البساط والفراش بقصد(2) الاستيلاء . وأمّا في الحيوان ، ففي الصامت منه يكفي الركوب عليه أو أخذ مقوده وزمامه ، بل وكذا سوقه بعد طرد المالك أو عدم حضوره إذا كان يمشي بسياقه ويكون منقاداً لسائقه ، فلو كانت قطيع غنم في الصحراء معها راعيها فطرده واستولى عليها بعنوان القهر والانتزاع من مالكها وجعل يسوقها وصار بمنزلة راعيها يحافظها ويمنعها عن التفرّق والتشتّت ، فالظاهر أ نّه يكفي ذلك في تحقّق الغصب ؛ لصدق الاستيلاء ووضع اليد عرفاً . وأمّا في العبيد والإماء ، فيكفي مع رفع يد المالك أو عدم حضوره القهر عليه ؛ بحبسه عنده أو في بيته واستخدامه في حوائجه ، هذا كلّه في المنقول .

وأمّا غير المنقول ، فيكفي في غصب الدار أن يسكنها أو يسكن غيره ممّن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها ، أو عدم حضوره ، وكذا لو أخذ مفاتحها من صاحبها قهراً وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردّد فيها . وكذلك الحال في الدكّان

ص: 307


1- - والميزان : صيرورة الشيء تحت يده ، واستيلائه عليه عدواناً ، ولو كان المنقول في بيته أو دكّانه وطالب المالك ولم يؤدّه إليه يكفي في الضمان .
2- - لا يكفي مجرّد القصد ما لم يصدق الاستيلاء ، ومجرّد قعوده لا يوجبه ، بل الموارد مختلفة .

والخان . وأمّا البستان ، فإن كان لها باب وحيطان ، فيكفي في غصبها أخذ المفتاح وغلق الباب وفتحه مع التردّد فيها بعنوان الاستيلاء ، وأمّا لو لم يكن لها باب ولا حيطان ، فيكفي دخولها والتردّد فيها بعد طرد المالك بعنوان الاستيلاء وبعض التصرّفات فيها ، وكذا الحال في غصب القرية والمزرعة ، هذا كلّه في غصب الأعيان .

وأمّا غصب المنافع ، فإنّما هو بانتزاع العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة وجعلها تحت يده ، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو شخص ثالث من المستأجر واستولى عليها في مدّة الإجارة ؛ سواء استوفى تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا .

(مسألة 8) : لو دخل الدار وسكنها مع مالكها ، فإن كان المالك ضعيفاً غير قادر على مدافعته وإخراجه ، فإن اختصّ استيلاؤه وتصرّفه بطرف معيّن منها اختصّ الغصب والضمان بذلك الطرف دون الأطراف الاُخر ، وإن كان استيلاؤه وتصرّفاته وتقلّباته في أطراف الدار وأجزائها بنسبة واحدة وتساوى يد الساكن مع يد المالك عليها فالظاهر كونه غاصباً للنصف ، فيكون ضامناً له خاصّة ؛ بمعنى أ نّه لو انهدمت تمام الدار ضمن الساكن نصفها ، ولو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض ، وكذا يضمن نصف منافعها . ولو فرض أنّ المالك الساكن أزيد من واحد ضمن الساكن الغاصب بالنسبة ، فإن كانا اثنين ضمن الثلث ، وإن كانوا ثلاثة ضمن الربع وهكذا . هذا إذا كان المالك ضعيفاً ، وأمّا لو كان الساكن ضعيفاً ؛ بمعنى أ نّه لا يقدر على مقاومة المالك وأ نّه كلّما أراد أن يخرجه من داره أخرجه ، فالظاهر عدم تحقّق الغصب ، بل ولا اليد ، فليس عليه ضمان اليد . نعم عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام كونه فيها لو كان لها بدل .

ص: 308

(مسألة 9) : لو أخذ بمقود الدابّة فقادها وكان المالك راكباً عليها فإن كان في الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها كان القائد غاصباً لها بتمامها ويتبعه الضمان ، ولو كان بالعكس - بأن كان المالك الراكب قويّاً قادراً على مقاومته ومدافعته - فالظاهر عدم تحقّق الغصب من القائد أصلاً ، فلا ضمان عليه لو تلفت الدابّة في تلك الحال . نعم لا إشكال في ضمانه لها لو اتّفق تلفها بسبب قوده لها ، كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح فشردت بسوقه ، فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع فتلفت .

(مسألة 10) : إذا اشترك اثنان في الغصب ، فإن لم يستقلّ واحد منهما بانفراده - بأن كان كلّ منهما ضعيفاً وإنّما كان استيلاؤهما على المغصوب ودفع المالك بالتعاضد والتعاون - فالظاهر اشتراكهما في اليد والضمان ، فكلّ منهما يضمن النصف ، وأمّا إذا كان كلّ واحد منهما مستقلاًّ في الاستيلاء - بأن كان كلّ منهما كافياً في دفع المالك والقهر عليه ، أو لم يكن المالك حاضراً - فالظاهر أنّ كلّ واحد منهما ضامن(1) للتمام ، فيتخيّر المالك في تضمين أيّهما شاء كما يأتي في الأيادي المتعاقبة .

(مسألة 11) : غصب الأوقاف العامّة - كالمساجد والمقابر والمدارس والقناطر والربط المعدّة لنزول المسافرين والطرق والشوارع العامّة ونحوها - والاستيلاء عليها وإن كان حراماً ويجب ردّها ورفع اليد عنها لكنّ الظاهر أ نّه

ص: 309


1- - مع فرض اشتراكهما في الغصب لا يكون كلّ واحد منهما مستقلاًّ في الاستيلاء واليد ، فيكون كلّ منهما ضامناً للبعض بنسبة الاستيلاء ؛ إن نصفاً فنصف وهكذا ، وقياسه بالأيادي المتعاقبة مع الفارق .

لا يوجب الضمان ؛ لا عيناً ولا منفعة ضمان اليد ، فلو غصب مسجداً أو مدرسة أو رباطاً ووضع اليد عليها فانهدمت تحت يده من دون تسبيب منه لم يضمن عينهما ، كما أ نّه لو كانت تحت يده مدّة ثمّ رفع يده عنها لم يكن عليه اُجرتها في تلك المدّة . نعم الأوقاف العامّة على العناوين الكلّية كالفقراء والطلبة بنحو وقف المنفعة يوجب غصبها الضمان عيناً ومنفعة ، فإذا غصب خاناً أو دكّاناً أو بستاناً كانت وقفاً على الفقراء أو الطلبة ؛ على أن يكون منفعتها ونماؤها لهم ، ترتّب عليه الضمان فإذا تلفت تحت يده كان ضامناً لعينها ، وإذا كانت تحت يده مدّة ثمّ ردّها كان عليه اُجرة مثلها ، فيكون غصبها كغصب الأعيان المملوكة للأشخاص .

(مسألة 12) : إذا حبس حرّاً لم يضمن لا نفسه ولا منافعه ضمان اليد حتّى فيما إذا كان صانعاً ، فليس على الحابس اُجرة صنعته مدّة حبسه . نعم لو كان أجيراً(1) لغيره ضمن منفعته الفائتة للمستأجر ، وكذا لو استخدمه واستوفى منفعته كان عليه اُجرة عمله . هذا كلّه في حبس الحرّ ، وأمّا لو غصب عبداً أو دابّة - مثلاً - ضمن منافعها ؛ سواء استوفاها الغاصب أم لا .

(مسألة 13) : لو منع حرّاً أو عبداً(2) عن عمل له اُجرة من غير تصرّف واستيفاء ولا وضع يده عليه لم يضمن عمله ولم يكن عليه اُجرته .

(مسألة 14) : يلحق بالغصب في الضمان، المقبوض بالعقد المعاوضي الفاسد(3)،

ص: 310


1- - في زمان فحبسه حتّى مضى .
2- - لو كان عمله لمولاه ، فالظاهر ضمانه له بالتفويت .
3- - أو كالمعاوضي مثل المهر ، بل ويلحق به المقبوض بمثل الجعالة الفاسدة ممّا لا يكون عقداً .

فالمبيع الذي يأخذه المشتري والثمن الذي يأخذه البائع في البيع الفاسد يكون في ضمانهما كالمغصوب ؛ سواء علما بالفساد أو جهلا به ، وكذلك الاُجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة . وأمّا المقبوض بالعقد الفاسد الغير المعاوضي فليس فيه الضمان ، فلو قبض المتّهب ما وهب له بالهبة الفاسدة ليس عليه ضمان . وكذا يلحق بالغصب المقبوض بالسوم ؛ والمراد به ما يأخذه الشخص لينظر فيه أو يضع عنده ليطّلع على خصوصياته لكي يشتريه إذا وافق نظره ، فهذا في ضمان آخذه فلو تلف عنده ضمنه .

(مسألة 15) : يجب ردّ المغصوب إلى مالكه ما دام باقياً وإن كان في ردّه مؤونة ، بل وإن استلزم ردّه الضرر عليه ، حتّى أ نّه لو أدخل الخشبة المغصوبة في بناء لزم عليه إخراجها وردّها لو أرادها المالك وإن أدّى إلى خراب البناء ، وكذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه نزعه إلاّ إذا خيف من قلعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم(1) ، وهكذا الحال فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة فإنّ للمالك إلزامه بنزعها ويجب عليه ذلك وإن أدّى إلى فساد الثوب ، وإن ورد نقص على الخشب أو اللوح أو الخيط بسبب إخراجها ونزعها يجب على الغاصب تداركه . هذا إذا يبقى للمُخرج من الخشبة والمنزوع من الخيط قيمة ، وأمّا إذا كان بحيث لا يبقى له قيمة بعد الإخراج أصلاً كما إذا كان الخيط ضعيفاً يفسد بنزعه ، فالظاهر أ نّه بحكم التالف فيلزم الغاصب بدفع البدل ، وليس للمالك مطالبة العين .

(مسألة 16) : لو مزج المغصوب بما يمكن تميّزه ولكن مع المشقّة ، كما إذا

ص: 311


1- - لغير الغاصب الجاهل بالغصب ، وإلاّ ففيه تفصيل .

مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرة ، يجب عليه أن يميّزه ويردّه .

(مسألة 17) : يجب على الغاصب مع ردّ العين بدل ما كانت لها من المنفعة في تلك المدّة إن كانت لها منفعة ؛ سواء استوفاها كالدار سكنها والدابّة ركبها ، أو لم يستوفها بل كانت العين معطّلة .

(مسألة 18) : إذا كانت للعين منافع متعدّدة وكانت معطّلة ، فالمدار على المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين ، ولا ينظر إلى مجرّد قابليتها لبعض المنافع ، فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى وإن كانت قابلة في نفسها بأن تجعل محرزاً أو مسكناً لبعض الدوابّ وغير ذلك ، فلا ينظر إلى غير السكنى ، ومنفعة بعض الدوابّ كالفرس بحسب المتعارف الركوب ومنفعة بعضها الحمل وإن كانت قابلة في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى والدولاب أيضاً ، فالمضمون في غصب كلّ عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين . ولو فرض تعدّد المتعارف(1) منها فيها كبعض الدوابّ التي تعارف استعمالها في الحمل والركوب معاً ، فإن لم تتفاوت اُجرة تلك المنافع ضمن تلك الاُجرة ، فلو غصب يوماً دابّة تستعمل في الركوب والحمل معاً وكانت اُجرة كلّ منهما في كلّ يوم درهماً ، كان عليه درهم واحد ، وإن كانت اُجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى ، فلو فرض أنّ اُجرة الحمل في كلّ يوم درهمان واُجرة الركوب درهم كان عليه درهمان . والظاهر أنّ الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضاً ، فمع تساوي المنافع في الاُجرة كان عليه اُجرة ما استوفاه ، ومع التفاوت كان عليه اُجرة الأعلى ؛ سواء استوفى الأعلى أو الأدنى .

ص: 312


1- - على نحو التبادل .

(مسألة 19) : إن كان المغصوب منه شخصاً يجب الردّ إليه أو إلى وكيله إن كان كاملاً ، وإلى وليّه إن كان قاصراً ، كما إذا كان صبيّاً أو مجنوناً ، فلو ردّ في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان . وإن كان المغصوب منه هو النوع ، كما إذا كان المغصوب وقفاً على الفقراء وقف منفعة فإن كان له متولٍّ خاصّ يردّه إليه وإلاّ فيردّه إلى الوليّ العامّ وهو الحاكم ، وليس له أن يردّه إلى بعض أفراد النوع ؛ بأن يسلّمه في المثال المذكور إلى أحد الفقراء . نعم في مثل المساجد والشوارع والقناطر بل الربط إذا غصبها ، يكفي في ردّها رفع اليد عنها وإبقاؤها على حالها ، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس ، فإذا غصب مدرسة يكفي في ردّها رفع اليد عنها والتخلية بينها وبين الطلبة ، لكنّ(1) الأحوط الردّ إلى الناظر الخاصّ لو كان ، وإلاّ فإلى الحاكم .

(مسألة 20) : إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في بلد الغصب فلا إشكال ، وكذا إن نقل المال إلى بلد آخر وكان المالك في بلد الغصب فإنّه يجب عليه عود المال إلى ذلك البلد وتسليمه إلى المالك . وأمّا إن كان المالك في غير بلد الغصب ، فإن كان في بلد المال فله إلزامه بأحد أمرين : إمّا بتسليمه له في ذلك البلد ، وإمّا بنقله إلى بلد الغصب ، وأمّا إن كان في بلد آخر فلا إشكال في أنّ له إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب . وهل له إلزامه بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك ؟ فيه إشكال(2) .

(مسألة 21) : لو حدث في المغصوب نقص وعيب وجب على الغاصب أرش

ص: 313


1- - هذا إذا غصبها ولم يكن فيها ساكن ، وإلاّ فلا يبعد وجوب الردّ إلى الطلبة الساكنين فيها حال الغصب .
2- - الظاهر أ نّه ليس له ذلك .

النقصان - وهو التفاوت بين قيمته صحيحاً وقيمته معيباً - وردّ المعيوب إلى مالكه ، وليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب ودفع تمام القيمة . ولا فرق على الظاهر بين ما كان العيب مستقرّاً وبين ما كان ممّا يسري(1) ويتزايد شيئاً فشيئاً حتّى يتلف المال بالمرّة ، كما إذا عرضت على الحنطة أو الأرز بلّة وعفونة ، ففي الثاني أيضاً يجب على الغاصب أرش النقصان وتفاوت القيمة بين كونها مبلولة وغير مبلولة ؛ فإنّ للحنطة المبلولة أيضاً قيمة عند العرف وأهل الخبرة .

(مسألة 22) : لو كان المغصوب باقياً لكن نزلت قيمته السوقية ردّه ولم يضمن نقصان القيمة ، ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين .

(مسألة 23) : لو تلف المغصوب أو ما بحكمه - كالمقبوض بالعقد الفاسد والمقبوض بالسوم قبل ردّه إلى المالك - ضمنه بمثله إن كان مثلياً ، أو بقيمته إن كان قيمياً . والمراد بالمثلي(2) ما تساوت قيمة أجزائه لتقاربها في غالب الصفات والخواصّ كالحبوبات من الحنطة والشعير والأرز والذرة والدخن والماش والعدس وغيرها ، وكذا الأدهان وعقاقير الأدوية ونحوها . والمراد من القيمي ما يكون بخلافه كالعبيد والإماء وأنواع الحيوان كالفرس والبغل والحمار والغنم والبقر وغيرها ، وكذا الجواهر الكبار والثياب والفرش والبسط وأنواع المصنوعات وغيرها .

(مسألة 24) : إنّما يكون مثل الحنطة مثلياً إذا لوحظ أشخاص كلّ صنف منها

ص: 314


1- - ولا يبعد ضمان السراية أيضاً ، فكلّما ازداد يجب دفع أرش الزيادة .
2- - الظاهر أنّ المصنوعات بالمكائن في هذا العصر مثليات أو بحكمها ، كما يأتي منه؛ فحينئذٍ ينافي تعريفه المثلي مع ما ذكر إلاّ أن يريد الإلحاق الحكمي .

على حدة ، ولم يلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر منها مبائن له في كثير من الصفات والخصوصيات ، فإذا تلف عنده مقدار من صنف خاصّ من الحنطة يجب عليه دفع ذلك المقدار من ذلك الصنف لا صنف آخر . نعم التفاوت الذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه . وكذلك الأرز ، فإنّ فيه أصنافاً متفاوتة جدّاً ، فأين العنبر من الحويزاوي أو غيره ، فإذا تلف عنده مقدار من العنبر يجب عليه دفع ذلك المقدار منه لا من غيره . وكذلك الحال في التمر وأصنافه والأدهان وغير ذلك ممّا لا يحصى .

(مسألة 25) : لو تعذّر المثل في المثلي ضمن قيمته ، وإن تفاوتت القيمة وزادت ونقصت بحسب الأزمنة ؛ بأن كان له حين الغصب قيمة وفي وقت تلف العين قيمة ويوم التعذّر قيمة واليوم الذي يدفع القيمة إلى المغصوب منه قيمة ، فالمدار على الأخير ، فيجب عليه دفع تلك القيمة . فلو غصب منّاً من الحنطة كان قيمتها درهمين فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودة وكانت قيمتها ثلاثة دراهم ، ثمّ تعذّرت وكانت قيمتها أربعة دراهم ، ثمّ مضى زمان وأراد أن يدفع القيمة من جهة تفريغ ذمّته وكانت قيمة الحنطة في ذلك الزمان خمسة دراهم يجب عليه دفع هذه القيمة .

(مسألة 26) : يكفي في التعذّر الذي يجب معه دفع القيمة ، فقدانه في البلد وما حوله ممّا ينقل منها إليه عادة .

(مسألة 27) : لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب(1) عليه الشراء ودفعه إلى المالك .

ص: 315


1- - ما لم يؤدّ إلى الحرج .

(مسألة 28) : لو وجد المثل ولكن تنزّل قيمته لم يكن على الغاصب إلاّ إعطاؤه ، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت ، فلو غصب منّاً من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دراهم وأتلفها ولم يدفع مثلها - قصوراً أو تقصيراً - إلى زمان قد تنزّلت قيمتها وصارت خمسة دراهم ، لم يكن عليه إلاّ إعطاء منّ من الحنطة ، ولم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا مطالبة خمسة دراهم مع منّ من الحنطة . بل ليس له الامتناع عن الأخذ فعلاً وإبقاؤها في ذمّة الغاصب إلى أن تترقّى القيمة ؛ إذا كان الغاصب يريد الأداء وتفريغ ذمّته فعلاً .

(مسألة 29) : لو سقط المثل عن المالية بالمرّة ؛ من جهة الزمان أو المكان ، فالظاهر أ نّه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل . ولا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك ، فلو غصب جمداً في الصيف وأتلفه وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء ، أو قربة ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند الشطّ ليس له ذلك ، وللمالك الامتناع ، فله أن يصبر وينتظر زماناً أو مكاناً آخر فيطالبها بالمثل الذي له القيمة ، وله أن يطالب الغاصب بالقيمة فعلاً ، كما في صورة تعذّر المثل ، وحينئذٍ فالظاهر أ نّه يراعى(1) قيمة المغصوب في زمان الغصب ومكانه .

(مسألة 30) : لو تلف المغصوب وكان قيمياً كالدوابّ والثياب ضمن قيمته ، فإن لم يتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه فلا إشكال ، وإن تفاوتت بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس

ص: 316


1- - المسألة مشكلة ، فالأحوط التخلّص بالتصالح .

فهل يراعى الأوّل أو الثاني ؟ فيه قولان(1) مشهوران ، لا يخلو ثانيهما من رجحان ، لكن الأحوط التراضي والتصالح فيما به التفاوت . هذا إذا كان تفاوت القيمة من جهة السوق وتفاوت رغبة الناس ، وأمّا إن كان من جهة زيادة ونقصان في العين - كالسمن والهزال - فلا إشكال في أ نّه يراعى أعلى القيم وأحسن الأحوال ، بل لو فرض أ نّه لم يتفاوت قيمة زماني الغصب والتلف من هذه الجهة لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين ثمّ زال ، ضمن ارتفاع قيمته الحاصل في تلك الحال ، مثل أ نّه كان الحيوان هازلاً حين الغصب ثمّ سمن ثمّ عاد إلى الهزال وتلف ، فإنّه يضمن قيمته حال سمنه .

(مسألة 31) : إذا اختلفت القيمة باختلاف المكان ، كما إذا كان المغصوب في بلد الغصب بعشرة وفي بلد التلف بعشرين ، فالظاهر(2) اعتبار محلّ التلف .

(مسألة 32) : كما أ نّه عند تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك - مثلاً أو قيمة - كذلك فيما إذا تعذّر على الغاصب عادة تسليمه ، كما إذا سرق أو دُفن في مكان لا يقدر على إخراجه أو أبق العبد أو شردت الدابّة ونحو ذلك ، فإنّه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك ، ويسمّى ذلك البدل «بدل الحيلولة» ويملك المالك البدل مع بقاء المغصوب في ملكه ، وإذا أمكن تسليم المغصوب وردّه يسترجع البدل .

(مسألة 33) : لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدّة كان للمغصوب منه ،

ص: 317


1- - وهنا وجه آخر لا يخلو من قرب ، وهو مراعاة قيمة يوم الدفع ، لكن لا يترك الاحتياط بأكثر الأمرين بين يوم التلف ويوم الدفع .
2- - لا يبعد اعتبار محلّ الأداء ، ولا يترك الاحتياط المتقدّم .

نعم نماؤه المتّصل كالسمن تتبع العين ، فإذا استرجعها الغاصب استرجعها بنمائها . وأمّا المبدل فلمّا كان باقياً على ملك مالكه فنماؤه ومنافعه له ، لكن الغاصب لا يضمن منافعها الغير المستوفاة في تلك المدّة على الأقوى .

(مسألة 34) : القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات وفي المثليات عند تعذّر المثل هو نقد البلد من الذهب والفضّة(1) المضروبين بسكّة المعاملة ، وهذا هو الذي يستحقّه المغصوب منه ، كما هو كذلك في جميع الغرامات والضمانات ، فليس للضامن دفع غيره إلاّ بالتراضي بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيساً إلى النقدين .

(مسألة 35) : الظاهر أنّ الفلزّات والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس كلّها مثلية حتّى الذهب والفضّة مضروبين أو غير مضروبين ، وحينئذٍ تضمن جميعها بالمثل ، وعند التعذّر تضمن بالقيمة كسائر المثليات المتعذّر المثل . نعم في خصوص الذهب والفضّة تفصيل ؛ وهو أ نّه إذا قوّم بغير الجنس - كما إذا قوّم الذهب بالدرهم أو قوّم الفضّة بالدينار - فلا إشكال ، وأمّا إذا قوّم بالجنس - بأن قوّم الفضّة بالدرهم أو قوّم الذهب بالدينار - فإن تساوى القيمة والمقوّم وزناً كما إذا كانت الفضّة المضمونة المقوّمة عشرة مثاقيل فقوّمت بثمانية دراهم وكان وزنها أيضاً عشرة مثاقيل ، فلا إشكال أيضاً ، وإن كان بينهما التفاوت بأن كانت الفضّة المقوّمة عشرة مثاقيل - مثلاً - وقد قوّمت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل فيشكل دفعها غرامة عن الفضّة ؛ لاحتمال كونه داخلاً في الربا فيحرم ، كما أفتى به جماعة ، فالأحوط أن يقوّم بغير الجنس ؛ بأن يقوّم الفضّة

ص: 318


1- - وغيرهما ممّا هو نقد البلد كالإسكناس .

بالدينار والذهب بالدرهم حتّى يسلم من شبهة الربا .

(مسألة 36) : لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمّ تلفت ؛ بأن غصبها شخص عن مالكها ثمّ غصبها من الغاصب شخص آخر ثمّ غصبها من الثاني شخص ثالث وهكذا ثمّ تلفت ، ضمن الجميع ، فللمالك أن يرجع ببدل ماله - من المثل أو القيمة - إلى كلّ واحد منهم وإلى أكثر من واحد بالتوزيع متساوياً أو متفاوتاً ، حتّى أ نّه لو كانوا عشرة - مثلاً - له أن يرجع إلى الجميع ويأخذ من كلّ منهم عشر ما يستحقّه من البدل ، وله أن يأخذ من واحد منهم النصف والباقي من الباقين بالتوزيع متساوياً أو بالتفاوت هذا حكم المالك معهم . وأمّا حكم بعضهم مع بعض : فأمّا الغاصب الأخير الذي تلف المال عنده فعليه قرار الضمان ؛ بمعنى أ نّه لو رجع عليه المالك وغرمه لم يرجع هو على غيره بما غرمه ، بخلاف غيره من الأيادي السابقة ، فإنّ المالك لو رجع إلى واحد منهم فله أن يرجع على الأخير الذي تلف المال عنده ، كما أنّ لكلّ منهم الرجوع على تاليه وهو على تاليه وهكذا إلى أن ينتهي إلى الأخير .

(مسألة 37) : لو غصب شيئاً مثلياً فيه صنعة محلّلة - كالحلي من الذهب والفضّة وكالآنية من النحاس وشبهه - فتلف عنده أو أتلفه ضمن مادّته بالمثل وصنعته بالقيمة ، فلو غصب قرطاً من ذهب كان وزنه مثقالين وقيمة صنعته وصياغته عشرة دراهم ضمن مثقالين من ذهب بدل مادّته ، وعشرة دراهم قيمة صنعته ، ويحتمل قريباً صيرورته بعد الصياغة وبعد ما عرض عليه الصنعة قيمياً فيقوّم القرط - مثلاً - بمادّته وصنعته ويعطى قيمته السوقية ، والأحوط التصالح . وأمّا احتمال كون المصنوع مثلياً مع صنعته فبعيد جدّاً . نعم لا يبعد ذلك بل قريب

ص: 319

جدّاً في المصنوعات التي لها أمثال متقاربة جدّاً كالمصنوعات بالمكائن والمعامل المعمولة في هذه الأعصار من أنواع الظروف والأدوات والأثواب وغيرها فتضمن كلّها بالمثل مع مراعاة صنفها .

(مسألة 38) : لو غصب المصنوع وتلفت عنده الهيئة والصنعة فقط دون المادّة ردّ العين وعليه قيمة الصنعة ، وليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة ، كما أ نّه ليس عليه القبول لو بذله الغاصب وقال : إنّي أصنعه كما كان سابقاً .

(مسألة 39) : لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرّمة غير محترمة كما في آلات القمار والملاهي وآنية(1) الذهب والفضّة ونحوها لم يضمن الصنعة ؛ سواء أتلفها خاصّة أو مع ذيها ، فيردّ المادّة لو بقيت(2) إلى المالك وليس عليه شيء لأجل الهيئة والصنعة .

(مسألة 40) : إذا تعيّب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش النقصان ، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغير الحيوان . نعم اختصّ العبيد والإماء ببعض الأحكام وتفاصيل لا يسعها المقام .

(مسألة 41) : لو غصب شيئين تنقص قيمة كلّ واحد منهما منفرداً عنها فيما إذا كانا مجتمعين - كمصراعي الباب والخفّين - فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن قيمة التالف مجتمعاً وردّ الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده . فلو غصب خفّين كان قيمتهما مجتمعين عشرة وكان قيمة كلّ منهما منفرداً ثلاثة فتلف أحدهما عنده ، ضمن التالف بقيمته مجتمعاً وهي خمسة وردّ الآخر مع ما ورد عليه من

ص: 320


1- - الظاهر أ نّها محترمة ؛ لجواز اقتنائها على الأقوى .
2- - ومثلها لو تلفت .

النقص بسبب انفراده وهو اثنان ، فيعطي للمالك سبعة مع أحد الخفّين . ولو غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً - وهي خمسة في الفرض المذكور - وهل يضمن النقص الوارد على الثاني - وهو اثنان - حتّى تكون عليه سبعة أم لا ؟ فيه وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان .

(مسألة 42) : لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة فهي على أقسام ثلاثة : أحدها : أن يكون أثراً محضاً ، كتعليم الصنعة في العبد وخياطة الثوب بخيوط المالك وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الطعام وصياغة الفضّة ونحو ذلك . ثانيها : أن تكون عينية محضة ، كغرس الأشجار والبناء في الأرض البسيطة ونحو ذلك . ثالثها : أن تكون أثراً مشوباً بالعينية ، كصبغ الثوب ونحوه .

(مسألة 43) : لو زادت في العين المغصوبة بما يكون أثراً محضاً ردّها كما هي ، ولا شيء له لأجل تلك الزيادة ولا من جهة اُجرة العمل ، وليس له إزالة الأثر وإعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك ؛ حيث إنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه ، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قيمته للمالك وإن لم يرد نقص على العين ، وللمالك إلزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الاُولى للعين إذا كان فيه غرض عقلائي ، ولا يضمن الغاصب حينئذٍ قيمة الصنعة ، نعم لو ورد نقص على العين ضمن أرش النقصان .

(مسألة 44) : لو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها ، فالزرع والغرس ونماؤهما للغاصب وعليه اُجرة الأرض ما دامت مزروعة أو مغروسة ، ويلزم عليه إزالة غرسه وزرعه وإن تضرّر بذلك . وعليه أيضاً طمّ الحفر وأرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع والقلع ، إلاّ أن يرضى المالك بالبقاء مجّاناً أو بالاُجرة . ولو بذل

ص: 321

صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب إجابته ، وكذا لو بذل الغاصب اُجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبوله . ولو حفر الغاصب في الأرض بئراً كان عليه طمّها مع طلب المالك ، وليس له طمّها مع عدم الطلب فضلاً عمّا لو منعه . ولو بنى في الأرض المغصوبة بناءً فهو كما لو غرس فيها ، فيكون البناء للغاصب إن كان أجزاؤه له وللمالك إلزامه بالقلع ، فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكر .

(مسألة 45) : لو غرس أو بنى في أرض غصبها وكان الغراس وأجزاء البناء لصاحب الأرض كان الكلّ له وليس للغاصب قلعها أو مطالبة الاُجرة ، وللمالك إلزامه بالقلع والهدم(1) إن كان له غرض عقلائي في ذلك .

(مسألة 46) : لو غصب ثوباً وصبغه بصبغه ، فإن أمكن إزالته مع بقاء مالية له كان له ذلك وليس لمالك الثوب منعه ، كما أنّ للمالك إلزامه به . ولو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب . ولو طلب مالك الثوب من الغاصب أن يملّكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته ، كالعكس ؛ بأن يطلب الغاصب منه أن يملّكه الثوب . هذا إذا أمكن إزالة الصبغ ، وأمّا إذا لم يمكن الإزالة(2) أو تراضيا على بقائه اشتركا في الثوب المغصوب بنسبة القيمة ، فلو كان قيمة الثوب قبل الصبغ يساوي قيمة(3) الصبغ كان بينهما نصفين ، وإن كانت

ص: 322


1- - وعلى الغاصب أرش نقص الأرض وطمّ حفرها .
2- - وكان للصبغ عين متموّلة .
3- - وبقيت قيمتهما على ما هي عليها إلى ما بعده ، وإلاّ فإن زادت قيمة الثوب ونقصت قيمة الصبغ لأجله فالزيادة لصاحب الثوب ، كما لو ارتفعت قيمة الثوب إلى اثني عشر ونقصت قيمة الصبغ إلى ثمانية ، ولو انعكس ضمن الغاصب أرش نقص الثوب . وهكذا الأمر في سائر الأمثلة ، ولو زادت قيمة الثوب بالصبغ وبقيت قيمة الصبغ على ما هي عليه كانت الزيادة لصاحب الثوب ، ولو انعكس فالزيادة للغاصب .

ضعف قيمته كان بينهما أثلاثاً ؛ ثلثان لصاحب الثوب وثلث لصاحب الصبغ ، فإن بقيت قيمة كلّ واحد منهما محفوظة من غير زيادة ولا نقصان فالثمن بينهما على نسبة ماليهما ، ولم يكن على الغاصب ضمان ، كما إذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وقيمة الثوب المصبوغ عشرين ، أو كانت قيمة الثوب عشرين وقيمة الصبغ عشرة وقيمة المجموع ثلاثين ، فيكون الثمن بينهما بالتنصيف في الأوّل وفي الثاني أثلاثاً ، وكذا لو زادت قيمة المجموع تكون الزيادة بينهما بتلك النسبة ، فلو فرض أ نّه بيع الثوب المصبوغ في الأوّل بثلاثين ، كانت العشرة الزائدة بينهما بالسويّة ، ولو بيع في الفرض الثاني بأربعين كانت العشرة الزائدة بينهما أثلاثاً ؛ ثلثان لصاحب الثوب وثلث لصاحب الصبغ ، وإن نقصت قيمته مصبوغاً عن قيمتهما منفردين كما إذا كانت قيمة كلّ منهما عشرة وكانت قيمة الثوب مصبوغاً خمسة عشر فإن كان ذلك من جهة انتقاص الثوب بسبب الصبغ ضمنه الغاصب ، وإن كان بسبب تنزّل القيمة السوقية فهو محسوب على صاحبه ولا يضمنه الغاصب .

(مسألة 47) : لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب حصلت الشركة(1) بين صاحبي الثوب والصبغ بنسبة قيمتهما ولا غرامة على الغاصب لو لم يرد نقص عليهما ، وإن ورد ضمنه الغاصب لمن ورد عليه ، فلو فرض أنّ قيمة كلّ من الثوب والصبغ عشرة وكانت قيمة الثوب المصبوغ خمسة عشر ،

ص: 323


1- - إذا كانت للصبغ بعده عين متموّلة .

ضمن الغاصب لهما خمسة(1) ؛ لكلّ منهما اثنان ونصف .

(مسألة 48) : لو مزج الغاصب المغصوب بغيره ، أو امتزج في يده بغير اختياره مزجاً رافعاً للتميّز بينهما ، فإن كان بجنسه وكانا متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخر وأردأ ، تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما ، وليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة ، بل الذي عليه تسليم المال والإقدام على الإفراز والتقسيم بنسبة المالين أو البيع وأخذ كلّ واحد منهما حصّته من الثمن كسائر الأموال المشتركة . وإن خلط المغصوب بما هو أجود أو أردأ منه تشاركا أيضاً بنسبة المالين ، إلاّ أنّ التقسيم وتوزيع الثمن بينهما بنسبة القيمة ، فلو خلط منّاً من زيت قيمته خمسة بمنّ منه قيمته عشرة ، كان لكلّ منهما نصف المجموع ، لكن إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم ويعطى لصاحب الأوّل سهم ولصاحب الثاني سهمان . وإذا باعاه يقسّم الثمن بينهما أثلاثاً ، والأحوط في مثل ذلك - أعني اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد - البيع وتوزيع الثمن بنسبة القيمة لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني كما قال به جماعة . هذا إذا مزج المغصوب بجنسه ، وأمّا إذا اختلط بغير جنسه ، فإن كان فيما يعدّ معه تالفاً كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت ضمن المثل ، وإن لم يكن كذلك كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخلّ بالعسل ، فالظاهر أ نّه بحكم الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد ، فيشتركان في العين بنسبة المالين ويقسّمان العين ويوزّعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما مرّ .

(مسألة 49) : لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ وصار قيمة المجموع

ص: 324


1- - إن ورد النقص عليهما بالسويّة وإلاّ فبحسب النسبة .

المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين ، فورد بذلك النقص المالي على المغصوب ضمنه الغاصب ، كما لو غصب منّاً من زيت جيّد قيمته عشرة وخلطه بمنّ منه رديء قيمته خمسة وبسبب الاختلاط يكون قيمة المنّين اثني عشر ، فصار حصّة المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية والحال أنّ زيته غير مخلوط كان يسوى عشرة ، فورد النقص عليه باثنين ، وهذا النقص يغرمه الغاصب ، وإن شئت قلت : يستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط من الثمن وما بقي يكون للغاصب .

(مسألة 50) : فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه وإن تجدّدت بعد الغصب ، وهي كلّها مضمونة على الغاصب أعياناً كانت كاللبن والولد والشعر والثمر أو منافع كسكنى الدار وركوب الدابّة ، بل كلّ صفة زادت بها قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب ثمّ زالت وتنقّصت بزوالها قيمته ، ضمنها الغاصب وإن ردّ العين كما كانت قبل الغصب ، فلو غصب دابّة هازلة أو عبداً جاهلاً ثمّ سمنت الدابّة أو تعلّم العبد الصنعة فزادت قيمتهما بسبب ذلك ثمّ هزلت الدابّة أو نسي المملوك الصنعة ، ضمن الغاصب تلك الزيادة التي حصلت ثمّ زالت . نعم لو زادت القيمة لزيادة صفة ثمّ زالت تلك الصفة ثمّ عادت الصفة بعينها لم يضمن قيمة الزيادة التالفة ؛ لانجبارها بالزيادة العائدة ، كما إذا سمنت الدابّة في يده فزادت قيمتها ثمّ هزلت ثمّ سمنت ، فإنّه لا يضمن الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل ، إلاّ إذا نقصت الزيادة الثانية عن الاُولى ؛ بأن كانت الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل درهمين والحاصلة بالثاني درهماً - مثلاً - فيضمن التفاوت .

ص: 325

(مسألة 51) : لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته ثمّ زالت فنقصت ثمّ حصلت فيه صفة اُخرى زادت بها قيمته ، لم يزل ضمان الزيادة الاُولى ولم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية ، كما إذا سمنت الجارية المغصوبة ثمّ هزلت فنقصت قيمتها ، ثمّ تعلّمت الخياطة فزادت قيمتها بقدر الزيادة الاُولى أو أزيد ، لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الاُولى .

(مسألة 52) : إذا غصب حبّاً فزرعه أو بيضاً فاستفرخه تحت دجاجته - مثلاً - كان الزرع والفرخ للمغصوب منه ، وكذا لو غصب خمراً فصار خلاًّ أو غصب عصيراً فصار خمراً عنده ثمّ صار خلاًّ ، فإنّه ملك للمغصوب منه لا الغاصب . وأمّا لو غصب فحلاً فأنزاه على الاُنثى وأولدها كان الولد لصاحب الاُنثى ، وإن كان هو الغاصب وعليه اُجرة الضراب .

(مسألة 53) : جميع ما مرّ من الضمان وكيفيته وأحكامه وتفاصيله جارية في كلّ يد جارية على مال الغير بغير حقّ وإن لم تكن عادية وغاصبة وظالمة ، إلاّ في موارد الأمانات - مالكية كانت أو شرعية كما عرفت التفصيل في كتاب الوديعة - فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة وما وضعت اليد عليه بسبب الجهل والاشتباه ، كما إذا لبس مداس غيره أو ثوبه اشتباهاً ، أو أخذ شيئاً من سارق عارية باعتقاد أ نّه ماله وغير ذلك ممّا لا يحصى .

(مسألة 54) : كما أنّ اليد الغاصبة وما يلحق بها موجبة للضمان - وهو المسمّى بضمان اليد وقد عرفت تفصيله في المسائل السابقة - كذلك للضمان سببان آخران: الإتلاف ، والتسبيب ، وبعبارة اُخرى: له سبب آخر وهو الإتلاف ؛ سواء كان بالمباشرة أو التسبيب .

ص: 326

(مسألة 55) : الإتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه ، كما إذا ذبح حيواناً أو رماه بسهم فقتله ، أو ضرب على إناء فكسره ، أو رمى شيئاً في النار فأحرقته وغير ذلك ممّا لا يحصى ، وأمّا الإتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شيء يترتّب عليه الإتلاف بسبب وقوع شيء ، كما لو حفر بئراً في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان ، أو طرح المعاثر والمزالق كقشر البطّيخ والرقّي في المسالك ، أو أوتد وتداً في الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو إنسان ، أو وضع شيئاً على الطريق فتمرّ به الدابّة فتنفر بصاحبها فتعقره ، أو أخرج ميزاباً على الطريق فأضرّ بالمارّة ، أو ألقى صبياً أو حيواناً يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع ، ومن ذلك ما لو فكّ القيد عن الدابّة فشردت ، أو فتح قفصاً عن طائر فطار مبادراً أو بعد مكث وغير ذلك ، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامناً ويكون عليه غرامة التالف وبدله ؛ إن كان مثلياً فبالمثل وإن كان قيمياً فبالقيمة ، وإن صار سبباً لتعيّب المال كان عليه الأرش كما مرّ في ضمان اليد .

(مسألة 56) : لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعاً ، أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتّفق تلفها لم يضمن بسبب التسبيب ، إلاّ إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من اُمّه وكانت الماشية في محالّ السباع ومظانّ الخطر وانحصر حفظها بحراسة راعيها ، فعليه الضمان حينئذٍ على الأقوى(1) .

(مسألة 57) : ومن التسبيب الموجب للضمان ما لو فكّ وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه ، وأمّا لو فتح رأس الظرف ثمّ اتّفق أ نّه قلبته الريح الحادثة أو انقلب بوقوع طائر عليه - مثلاً - فسال ما فيه ، ففي الضمان تردّد وإشكال . نعم يقوى

ص: 327


1- - بل على الأحوط .

الضمان فيما كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة أو في مجتمع الطيور ومظانّ وقوعها عليه .

(مسألة 58) : ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح باباً على مال فسرق ، أو دلّ سارقاً عليه فسرقه ، فلا ضمان عليه .

(مسألة 59) : لو وقع الحائط على الطريق - مثلاً - فتلف بوقوعه مال أو نفس لم يضمن صاحبه ، إلاّ إذا بناه مائلاً إلى الطريق أو مال إليه بعد ما كان مستوياً وقد تمكّن صاحبه من الإزالة ولم يزله ، فعليه الضمان في الصورتين على الأقوى .

(مسألة 60) : لو وضع شربة أو كوزاً - مثلاً - على حائطه ، فسقط وتلف به مال أو نفس لم يضمن ، إلاّ إذا وضعه مائلاً إلى الطريق أو وضعه على وجه يسقط مثله .

(مسألة 61) : ومن التسبيب الموجب للضمان أن يشعل ناراً في ملكه وداره فتعدّت وأحرقت دار جاره - مثلاً - فيما إذا تجاوز قدر حاجته ويعلم أو يظنّ تعدّيها لعصف الهواء مثلاً ، بل الظاهر كفاية الثاني فيضمن مع العلم أو الظنّ بالتعدّي ولو كان بمقدار الحاجة ، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدّية فتبيّن خلافه ، كما إذا كانت ريح حين إشعال النار وهو قد اعتقد أنّ بمثل هذه الريح لا تسري النار إلى الجار فتبيّن خلافه . نعم لو كان الهواء ساكناً ؛ بحيث يؤمن معه من التعدّي ، فاتّفق عصف الهواء بغتة فطارت شرارتها يقوى عدم الضمان .

(مسألة 62) : إذا أرسل الماء في ملكه فتعدّى إلى ملك غيره فأضرّ به

ص: 328

ضمن(1) مطلقاً ولو مع اعتقاده عدم التعدّي ، فضلاً عمّا لو علم أو ظنّ به .

(مسألة 63) : لو تعب حمّال الخشبة فأسندها إلى جدار الغير ليستريح - بدون إذن صاحب الجدار - فوقع بإسناده إليه ضمنه ، وضمن ما تلف بوقوعه عليه . ولو وقعت الخشبة فأتلفت شيئاً ضمنه ؛ سواء وقعت في الحال أو بعد ساعة(2) .

(مسألة 64) : لو فتح قفصاً عن طائر فخرج وكسر بخروجه قارورة شخص - مثلاً - ضمنها(3) الفاتح ، وكذا لو كان القفص ضيّقاً - مثلاً - فاضطرب بخروجه فسقط وانكسر ضمنه .

(مسألة 65) : إذا أكلت دابّة شخص زرع غيره أو أفسدته ، فإن كان معها صاحبها راكباً أو سائقاً أو قائداً أو مصاحباً ضمن ما أتلفته ، وإن لم يكن معها ؛ بأن انفلتت من مراحها - مثلاً - فدخلت زرع غيره ، ضمن(4) ما أتلفته إن كان ذلك ليلاً ، وليس عليه ضمان إن كان نهاراً .

(مسألة 66) : لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي ، أو الدابّة في يد المستعير أو المستأجر ، فأتلفتا زرعاً أو غيره ، كان الضمان على الراعي والمستأجر والمستعير ، لا على المالك والمعير .

(مسألة 67) : لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين ، فإن لم يكن أحدهما

ص: 329


1- - إلاّ إذا كان طريقه إلى ملك الغير مسدوداً حين الإرسال ، فدفع بغير فعله فتعدّى فإنّه حينئذٍ لا يضمن .
2- - إذا كان مستنداً إليه .
3- - على الأحوط في الفرعين .
4- - ضمانه فيما إذا خرجت من اختياره محلّ إشكال ، والأحوط الضمان .

أسبق في التأثير اشتركا في الضمان ، وإلاّ كان الضمان على المتقدّم في التأثير ، فلو حفر شخص بئراً في الطريق ووضع شخص آخر حجراً بقربها ، فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضع الحجر دون حافر البئر ، ويحتمل قويّاً اشتراكهما في الضمان مطلقاً .

(مسألة 68) : لو اجتمع السبب مع المباشر ، كان الضمان على المباشر دون فاعل السبب ، فلو حفر شخص بئراً في الطريق فدفع غيره فيها إنساناً أو حيواناً كان الضمان على الدافع دون الحافر . نعم لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر ، فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمدّ رجله وكسرها كان الضمان على الواضع دون النائم .

(مسألة 69) : لو اُكره على إتلاف مال غيره ، كان الضمان على من أكرهه وليس عليه ضمان ؛ لكون ذي السبب أقوى من المباشر . هذا إذا لم يكن المال مضموناً في يده ؛ بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده أو على إتلاف الوديعة التي عنده مثلاً ، وأمّا إذا كان المال مضموناً في يده ، كما إذا غصب مالاً فأكرهه شخص على إتلافه ، فالظاهر ضمان كليهما ، فللمالك الرجوع على أيّهما شاء ، فإن رجع على المكره - بالكسر - لم يرجع على المكره - بالفتح - بخلاف العكس . هذا إذا اُكره على إتلاف المال ، وأمّا لو اُكره على قتل أحد معصوم الدم فقتله ، فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره - بالكسر - وإن كان عليه عقوبة ، فإنّه لا إكراه في الدماء .

(مسألة 70) : لو غصب مأكولاً - مثلاً - فأطعمه المالك مع جهله بأ نّه ماله ؛ بأن قال له : هذا ملكي وطعامي ، أو قدّمه إليه ضيافة ، مثلاً لو غصب شاة واستدعى

ص: 330

من المالك ذبحها فذبحها مع جهله بأ نّها شاته ، ضمن الغاصب وإن كان المالك هو المباشر للإتلاف . نعم لو دخل المالك دار الغاصب - مثلاً - ورأى طعاماً فأكله على اعتقاد أ نّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل ، فالظاهر عدم ضمان الغاصب ، وقد برئ عن ضمان الطعام .

(مسألة 71) : لو غصب طعاماً من شخص وأطعمه غير المالك على أ نّه ماله مع جهل الآكل بأ نّه مال غيره ، كما إذا قدّمه إليه بعنوان الضيافة - مثلاً - ضمن كلاهما ، فللمالك أن يغرم أيّهما شاء فإن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل وإن أغرم الآكل رجع على الغاصب ؛ لأ نّه قد غرّه .

(مسألة 72) : إذا سعى إلى الظالم على أحد أو اشتكى عليه عنده بحقّ أو بغير حقّ ، فأخذ الظالم منه مالاً بغير حقّ لم يضمن الساعي والمشتكي ما خسره وإن أثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حقّ ، وإنّما الضمان على من أخذ المال .

(مسألة 73) : إذا تلف المغصوب وتنازع المالك والغاصب في القيمة ولم تكن بيّنة فالقول قول الغاصب(1) مع يمينه ، وكذا لو تنازعا في صفة تزيد بها الثمن ؛ بأن ادّعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه ، أو حدوثها بعده وإن زالت

ص: 331


1- - فيه تردّد ناشئ من التردّد في معنى «على اليد ما أخذت» واحتمال أن تكون نفس المأخوذ على عهدته حتّى بعد التلف ، ويكون أداء المثل أو القيمة نحو أداء له ، فيكون القول قول المالك بيمينه ، واحتمال أن ينتقل بالتلف إلى القيمة ، فيكون القول قول الغاصب بيمينه ولا يخلو الثاني من قوّة ، نعم في الفرع الآتي وهو ما تنازعا في وجود صفة أو حدوثها يكون القول قول الغاصب بلا إشكال .

فيما بعد وأنكره الغاصب ولم يكن بيّنة ، فالقول قول الغاصب مع يمينه .

(مسألة 74) : إذا كان على العبد المغصوب الذي تحت يد الغاصب ثوب أو خاتم - مثلاً - أو على الدابّة المغصوبة رحل ، أو علّق بها حبل ، واختلفا فيما عليهما فقال المغصوب منه : هو لي ، وقال الغاصب : هو لي ، ولم تكن بيّنة فالقول قول الغاصب مع يمينه ؛ لكونه ذا يد فعلية عليه .

ص: 332

كتاب إحياء الموات والمشتركات

القول : في إحياء الموات

الموات هي الأرض العطلة التي لا ينتفع بها : إمّا لانقطاع الماء عنها ، أو لاستيلاء المياه والرمول أو السبخ أو الأحجار عليها ، أو لاستئجامها والتفاف القصب والأشجار بها ، أو لغير ذلك ، وهو على قسمين : الأوّل : الموات بالأصل ، وهو ما لم يعلم مسبوقيته بالملك والإحياء ، أو علم عدم مسبوقيته بهما كأكثر المفاوز(1) والبراري والبوادي وصفحات الجبال وأذيالها ونحوها . الثاني : الموات بالعارض ، وهو ما عرض عليه الخراب والموتان بعد الحياة والعمران ، كالأراضي الدارسة التي بها آثار المرور والأنهار والقرى الخربة التي بقيت منها رسوم العمارة .

(مسألة 1) : الموات بالأصل وإن كان ملكاً للإمام علیه السلام - حيث إنّه من الأنفال كما مرّ في كتاب الخمس - لكن يجوز في زمان الغيبة لكلّ أحد إحياؤه مع

ص: 333


1- - حصول العلم غالباً بل مطلقاً مشكل والعهدة على مدّعيه ، ثمّ كون ما لم يعلم مسبوقيته بالإحياء والملك مواتاً بالأصل موضوعاً ممنوع ، نعم هو كذلك حكماً .

الشروط الآتية والقيام بعمارته ، ويملكه المحيي على الأقوى ؛ سواء كان في دار الإسلام أو في دار الكفر ، وسواء كان في أرض الخراج كأرض العراق أو في غيرها ، وسواء كان المحيي مسلماً أو كافراً .

(مسألة 2) : الموات بالعارض الذي كان مسبوقاً بالملك والإحياء إذا لم يكن له مالك معروف على قسمين :

الأوّل : ما باد أهلها وصارت بسبب مرور الزمان وتقادم الأيّام بلا مالك ، وذلك كالأراضي الدارسة والقرى والبلاد الخربة والقنوات الطامسة التي كانت للاُمم الماضين الذين لم يبق منهم اسم ولا رسم ، أو نسبت إلى أقوام أو أشخاص لم يعرف منهم إلاّ الاسم .

الثاني : ما لم يكن كذلك ولم تكن بحيث عدّت بلا مالك ، بل كانت لمالك موجود ولم يعرف شخصه ويقال لها : مجهولة المالك .

فأمّا القسم الأوّل : فهو بحكم الموات بالأصل في كونه من الأنفال ، وأ نّه يجوز إحياؤه ويملكه المحيي ، فيجوز إحياء الأراضي الدارسة التي بقيت فيها آثار الأنهار والسواقي والمروز وتنقية القنوات والآبار المطمومة وتعمير الخربة من القرى والبلاد القديمة التي بقيت بلا مالك ، ولا يعامل معها معاملة مجهول المالك ، ولا يحتاج إلى الإذن من حاكم الشرع أو الشراء منه ، بل يملكها المحيي والمعمّر بنفس الإحياء والتعمير .

وأمّا القسم الثاني : فلا إشكال(1) في جواز إحيائه والقيام بتعميره والتصرّف

ص: 334


1- - لا يخلو من إشكال ، فالأحوط الاستئذان من الحاكم في التصرّف ومعاملة مجهول المالك معه .

فيه بأنواع التصرّفات . وهل يملكه المحيي عيناً ومنفعة وليس عليه شيء إلاّ الزكاة عند اجتماع شرائطها كالقسم الأوّل أم لا ؟ ظاهر المشهور هو الأوّل ، لكنّه لا يخلو من إشكال ، فالأحوط أن يتفحّص عن صاحبه وبعد اليأس عنه يعامل معه معاملة مجهول المالك ، فإمّا أن يشتري عينها من حاكم الشرع ويصرف ثمنها على الفقراء ، وإمّا أن يستأجرها منه باُجرة معيّنة أو يقدّر ما هو اُجرة مثلها لو انتفع بها ويتصدّق بها على الفقراء . نعم لو علم أنّ مالكها قد أعرض عنها أو انجلى عنها أهلها وتركوها لقوم آخرين ، جاز إحياؤها وتملّكها بلا إشكال .

(مسألة 3) : إذا كان ما طرأ عليه الخراب لمالك معلوم ، فإن أعرض عنه مالكه ، كان لكلّ أحد إحياؤه وتملّكه ، وإن لم يعرض عنه ، فإن أبقاه مواتاً للانتفاع بها في تلك الحال من جهة تعليف دوابّه أو بيع حشيشه أو قصبه ونحو ذلك - فربّما ينتفع منها مواتاً أكثر ممّا ينتفع منها محياة - فلا إشكال في أ نّه لا يجوز لأحد إحياؤها والتصرّف فيها بدون إذن مالكها ، وكذا فيما إذا كان مهتمّاً بإحيائها عازماً عليه وإنّما أخّر الاشتغال به لجمع الآلات وتهيئة الأسباب المتوقّعة الحصول أو لانتظار وقت صالح له . وأمّا لو ترك تعمير الأرض وإصلاحها وأبقاها إلى الخراب ؛ من جهة عدم الاعتناء بشأنها وعدم الاهتمام والالتفات إلى مرمّتها وعدم عزمه على إحيائها - إمّا لعدم حاجته إليها أو لاشتغاله بتعمير غيرها - فبقيت مهجورة مدّة معتدّاً بها حتّى آل إلى الخراب ، فإن كان سبب ملك المالك غير الإحياء مثل أ نّه ملكها بالإرث أو الشراء ، فليس لأحد وضع اليد عليها وإحياؤها والتصرّف فيها إلاّ بإذن مالكها ، ولو أحياها أحد وتصرّف فيها وانتفع بها بزرع أو غيره فعليه اُجرتها لمالكها ، وإن كان

ص: 335

سبب ملكه الإحياء ؛ بأن كانت أرضاً مواتاً بالأصل ، فأحياها وملكها ثمّ بعد ذلك عطّلها وترك تعميرها حتّى آلت إلى الخراب ، فالظاهر(1) أ نّه يجوز إحياؤها لغيره ، فلو أحياها غيره وعمّرها كان الثاني أحقّ بها من الأوّل وليس للأوّل انتزاعها من يده ، وإن كان الأحوط أ نّه لو رجع الأوّل إليه أعطى حقّه إليه ولم يتصرّف فيها إلاّ بإذنه .

(مسألة 4) : كما يجوز إحياء القرى الدارسة والبلاد القديمة التي باد أهلها وصارت بلا مالك بجعلها مزرعاً أو مسكناً أو غيرهما ، كذا يجوز حيازة أجزائها الباقية من أحجارها وأخشابها وآجرها وغيرها ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملّك .

(مسألة 5) : لو كانت الأرض موقوفة وطرأها الموتان والخراب ، فإن كانت من الموقوفات القديمة الدارسة التي لم يعلم كيفية وقفها وأ نّها خاصّ أو عامّ أو وقف على الجهات ، ولم يعلم من الاستفاضة والشهرة غير كونها وقفاً على أقوام ماضين لم يبق منهم اسم ولا رسم ، أو قبيلة لم يعرف منهم إلاّ الاسم ، فالظاهر أ نّها من الأنفال فيجوز إحياؤها ، كما إذا كان الموات المسبوق بالملك على هذا الحال . وإن علم أ نّها وقف على الجهات ولم تتعيّن ؛ بأن علم أ نّها وقف إمّا على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها ولم يعلمها بعينها ، أو علم أ نّها وقف على أشخاص لم يعرفهم بأشخاصهم أو أعيانهم كما إذا علم أنّ مالكها قد وقفها على ذرّيته ولم يعلم من الواقف ومن الذرّية ، فالظاهر أنّ ذلك بحكم الموات المجهول المالك - الذي نسب إلى المشهور القول بأ نّه من الأنفال ، وقد مرّ ما فيه

ص: 336


1- - في غاية الإشكال ، بل عدم الجواز لا يخلو من قوّة .

من الإشكال ، بل القول به هنا أشكل - فالأحوط القيام(1) بإحيائها وتعميرها والتصرّف فيها والانتفاع بها بزرع أو غيره ، وأن يصرف اُجرة مثلها في الأوّل في وجوه البرّ وفي الثاني على الفقراء ، بل الأحوط خصوصاً في الأوّل مراجعة حاكم الشرع . وأمّا لو طرأ الموتان على الوقف الذي علم مصرفه ، أو الموقوف عليهم ، فلا ينبغي الإشكال في أ نّه لو أحياه(2) أحد وعمّره وجب عليه صرف منفعته في مصرفه المعلوم في الأوّل ، ودفعها وإيصالها إلى الموقوف عليهم المعلومين في الثاني ، وإن كان المتولّي أو الموقوف عليهم تاركين إصلاحه وتعميره ومرمّته إلى أن آل إلى الخراب .

(مسألة 6) : إذا كانت الموات بالأصل حريماً لعامر مملوك ، لا يجوز لغير مالكه إحياؤه ، وإن أحياه لم يملكه . وتوضيح ذلك : أنّ من أحيى مواتاً لإحداث شيء ؛ من دار أو بستان أو مزرع أو غيرها ، تبع ذلك الشيء الذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة من ذلك الشيء الحادث ، ممّا يحتاج إليها لتمام الانتفاع به ، ويتعلّق بمصالحه عادة ، ويسمّى ذلك المقدار التابع حريماً لذلك المتبوع ، ويختلف مقدار الحريم زيادة ونقيصة باختلاف ذي الحريم ، وذلك من جهة تفاوت الأشياء في المصالح والمرافق المحتاج إليها ، فما يحتاج إليه الدار من المرافق بحسب العادة غير ما يحتاج إليه البئر والنهر - مثلاً - وهكذا باقي

ص: 337


1- - لا يجب القيام بإحيائها ، لكنّ الأحوط لمن أراد القيام به أن يستأذن من الحاكم فيه وفي الصرف المذكور .
2- - لكن ليس له الإحياء والتصرّف فيه مع المتولّي المعلوم إلاّ بإذنه ، أو الاستئذان من الحاكم مع عدمه في الأوّل ، ومن المتولّي أو الموقوف عليهم - إن كان خاصّاً - أو الحاكم - إن كان عامّاً - في الثاني .

الأشياء ، بل يختلف ذلك باختلاف البلاد والعادات أيضاً ، فإذا أراد شخص إحياء حوالي ماله الحريم ، لا يجوز له إحياء مقدار الحريم بدون إذن المالك ورضاه ، وإن أحياه لم يملكه وكان غاصباً .

(مسألة 7) : حريم الدار : مطرح ترابها وكناستها ورمادها ومصبّ مائها ومطرح ثلوجها ومسلك الدخول والخروج منها في الصوب الذي يفتح إليه الباب ، فلو بنى داراً في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها ، فليس لأحد أن يحيي هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار . وليس المراد من استحقاق الممرّ في قبالة الباب استحقاقه على الاستقامة وعلى امتداد الموات ، بل المراد أن يبقى مسلك له يدخل ويخرج إلى الخارج بنفسه وعياله وأضيافه وما تعلّق به من دوابّه وأحماله وأثقاله بدون مشقّة بأيّ نحو كان ، فيجوز لغيره إحياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له الممرّ ولو بانعطاف وانحراف . وحريم الحائط لو لم يكن من الدار ، بأن كان - مثلاً - جدار حصار أو بستان أو غير ذلك : مقدار ما يحتاج إليه لطرح التراب والآلات وبلّ الطين لو انتقض واحتاج إلى البناء والترميم . وحريم النهر : مقدار مطرح طينه وترابه إذا احتاج إلى التنقية والمجاز على حافّتيه للمواظبة عليه ولإصلاحه على قدر ما يحتاج إليه . وحريم البئر : ما يحتاج إليه لأجل السقي منها والانتفاع بها من الموضع الذي يقف فيه النازح إن كان الاستقاء منها باليد ، وموضع الدولاب ومتردّد البهيمة إن كان الاستقاء بهما ، ومصبّ الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو الزرع من حوض ونحوه ، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين وغيره لو اتّفق الاحتياج إليه . وحريم العين : ما يحتاج إليه لأجل الانتفاع بها ، أو إصلاحها وحفظها على قياس غيرها .

ص: 338

(مسألة 8) : لكلّ من البئر والعين والقناة - أعني بئرها الأخيرة(1) التي هي منبع الماء ويقال لها بئر العين واُمّ الآبار - حريم آخر بمعنىً آخر ، وهو المقدار الذي ليس لأحد أن يحدث بئراً أو قناة اُخرى فيما دون ذلك المقدار بدون إذن صاحبهما ، وهو في البئر أربعون ذراعاً إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية من الإبل ونحوها منها ، وستّون ذراعاً إذا كان لأجل الزرع وغيره ، فلو أحدث شخص بئراً في موات من الأرض لم يكن لشخص آخر إحداث بئر اُخرى في جنبها بدون إذنه ، بل ما لم يكن الفصل بينهما أربعين ذراعاً ، أو ستّين فما زاد على ما فصّل . وفي العين والقناة خمسمائة ذراع في الأرض الصلبة ، وألف ذراع في الأرض الرخوة ، فإذا استنبط إنسان عيناً أو قناة في أرض موات صلبة وأراد غيره حفر اُخرى ، تباعد عنه بخمسمائة ذراع ، وإن كانت رخوة تباعد بألف ذراع . ولو فرض أنّ الثانية تضرّ بالاُولى وتنقص ماءها مع البعد المزبور ، فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو التراضي مع صاحب الاُولى .

(مسألة 9) : اعتبار البعد المزبور في القناة إنّما هو في إحداث قناة اُخرى كما أشرنا إليه آنفاً ، وأمّا إحياء الموات الذي في حواليها لزرع أو بناء أو غيرهما ، فلا مانع منه إذا بقي من جوانبها مقدار تحتاج للنزح والاستقاء أو الإصلاح والتنقية وغيرهما ممّا ذكر في مطلق البئر ، بل لا مانع من إحياء الموات الذي فوق الآبار وما بينها إذا اُبقي من أطراف حلقها مقدار ما يحتاج إليه لمصالحها ، فليس

ص: 339


1- - وغيرها إذا كان منشأً للماء ؛ لعدم اختصاص الأخيرة بذلك نوعاً ، بل الأحوط لحاظ الحريم كذلك بين القناتين مطلقاً وإن كان الجواز في غير ما كان منشأً أشبه .

لصاحب القناة المنع عن الإحياء للزرع وغيره فوقها إذا لم يضرّ بها .

(مسألة 10) : الظاهر(1) أنّ التباعد المزبور في القناة إنّما يلاحظ بالنسبة إلى البئر التي هي منبع الماء المسمّاة باُمّ الآبار ، فلا يجوز لأحد أن يحدث قناة اُخرى يكون منبعها بعيداً عن منبع الاُخرى بأقلّ من خمسمائة أو ألف ذراع . وأمّا الآبار الاُخر التي هي مجرى الماء فلا يراعى الفصل المذكور بينها ، فلو أحدث الثاني قناة في أرض صلبة وكان منبعها بعيداً عن منبع الاُولى بخمسمائة ذراع ، ثمّ تقارب في الآبار الاُخر - التي هي مجرى الماء إلى الآبار الاُخر - للاُخرى ، إلى أن صار بينها وبينها عشرة أذرع - مثلاً - لم يكن لصاحب الاُولى منعه . نعم لو فرض أنّ قرب تلك الآبار أضرّ بتلك الآبار من جهة جذبها للماء الجاري فيها ، أو من جهة اُخرى تباعد بما يندفع به الضرر .

(مسألة 11) : القرية المبنيّة في الموات لها حريم ليس لأحد إحياؤه ، ولو أحياه لم يملكه ، وهو ما يتعلّق بمصالحها ومصالح أهليها ؛ من طرقها المسلوكة منها وإليها ومسيل مائها ومجمع ترابها وكناستها ومطرح سمادها ورمادها ومشرعها ومجمع أهاليها لمصالحهم على حسب مجرى عادتهم ومدفن موتاهم ومرعى ماشيتهم ومحتطبهم وغير ذلك . والمراد بالقرية : البيوت والمساكن المجتمعة المسكونة ، فلم يثبت هذا الحريم للضيعة والمزرعة ذات المزارع والبساتين المتّصلة الخالية من البيوت والمساكن والسكنة ، فلو أحدث شخص قناة في فلاة وأحيى أرضاً بسيطة بمقدار ما يكفيه ماء القناة ، وزرع فيها وغرس فيها النخيل والأشجار لم يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريماً لها ،

ص: 340


1- - مرّ الكلام فيه آنفاً .

فضلاً عن التلال والجبال القريبة منها ، بل لو أحدث بعد ذلك في تلك المحياة دوراً ومساكن حتّى صارت قرية كبيرة ، يشكل(1) ثبوت الحريم لها . فالقدر المتيقّن من ثبوت الحريم للقرية فيما إذا أحدثت في أرض موات . نعم للمزرعة بنفسها أيضاً حريم وهو ما تحتاج إليه في مصالحها ويكون من مرافقها ؛ من مسالك الدخول والخروج ، ومحلّ بيادرها وحظائرها ، ومجتمع سمادها وترابها وغيرها .

(مسألة 12) : حدّ المرعى الذي هو حريم للقرية ومحتطبها مقدار حاجة أهاليها بحسب العادة ؛ بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في الضيق والحرج . ويختلف ذلك بكثرة الأهالي وقلّتهم وكثرة المواشي والدوابّ وقلّتها ، وبذلك يتفاوت المقدار سعةً وضيقاً طولاً وعرضاً .

(مسألة 13) : إذا كان موات بقرب العامر ولم يكن من حريمه ومرافقه ، جاز لكلّ أحد إحياؤه ولم يختصّ بمالك ذلك العامر ولا أولوية له ، فإذا طلع شاطئ من الشطّ بقرب أرض محياة أو بستان - مثلاً - كان كسائر الموات ، فمن سبق إلى إحيائه وحيازته كان له ، وليس لصاحب الأرض أو البستان منعه .

(مسألة 14) : لا إشكال في أنّ حريم القناة - المقدّر بخمسمائة ذراع أو ألف ذراع - ليس ملكاً لصاحب القناة ولا متعلّقاً لحقّه المانع عن سائر تصرّفات غيره بدون إذنه ، بل ليس له إلاّ حقّ المنع عن إحداث قناة اُخرى كما مرّ . والظاهر أنّ حريم القرية أيضاً ليس ملكاً لسكّانها وأهليها ، بل إنّما لهم حقّ الأولوية . وأمّا

ص: 341


1- - إذا أحدثها في جنب المزرعة والبساتين في أراضي الموات ، فالظاهر ثبوت الحريم لها ، بل لا يبعد ثبوت بعض الحريم من قبيل مرعى الماشية لها مطلقاً .

حريم النهر والدار فالظاهر أ نّه ملك(1) لصاحب ذي الحريم ، فيجوز له بيعه منفرداً كسائر الأملاك .

(مسألة 15) : ما مرّ من الحريم لبعض الأملاك إنّما هو فيما إذا ابتكرت في أرض موات ، وأمّا في الأملاك المتجاورة فلا حريم لها ، فلو أحدث المالكان المجاوران حائطاً في البين لم يكن له حريم من الجانبين ، ولو أحدث أحدهما في آخر حدود ملكه حائطاً أو نهراً لم يكن لهما حريم في ملك الآخر ، وكذا لو حفر أحدهما قناة في ملكه كان للآخر إحداث قناة اُخرى في ملكه وإن لم يكن بينهما الحدّ .

(مسألة 16) : ذكر جماعة : أ نّه يجوز لكلّ من المالكين المتجاورين التصرّف في ملكه بما شاء وإن استلزم ضرراً على الجار ، لكنّه مشكل على إطلاقه ، بل الحقّ عدم جواز(2) ما يكون سبباً لعروض فساد في ملك الجار ، كما إذا دقّ دقّاً عنيفاً انزعج منه حيطان داره بما أوجب خللاً فيها ، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنشر منه النداوة في حائطه ، أو أحدث بالوعة أو كنيفاً بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها ، بل وكذا لو حفر بئراً بقرب بئره ؛ إذا أوجب نقص مائها وكان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الاُولى ، وأمّا إذا كان من جهة أنّ الثانية لكونها أعمق ووقوعها في سمت مجرى المياه يتحدّر فيها الماء من عروق الأرض قبل أن يصل إلى الاُولى ، فالظاهر أ نّه لا مانع منه ، والمائز بين الصورتين اُولوا

ص: 342


1- - محلّ تردّد وإن لا يخلو من وجه .
2- - على الأحوط ، بل لا يخلو من قرب ، إلاّ إذا كان في تركه حرج أو ضرر عليه ، فحينئذٍ يجوز له التصرّف .

الحدس الصائب من أهل الخبرة . وكذا لا مانع من إطالة البناء وإن كان مانعاً من الشمس والقمر والهواء ، أو جعل داره مدبغة ، أو مخبزة - مثلاً - وإن تأذّى الجار من الريح والدخان إذا لم يكن بقصد الإيذاء ، وكذا إحداث ثقبة في جداره إلى دار جاره موجبة للإشراف أو لانجذاب الهواء ، فإنّ المحرّم هو التطلّع على دار الجار لا مجرّد ثقب الجدار .

(مسألة 17) : لا يخفى أنّ أمر الجار شديد ، وحثّ الشرع الأقدس على رعايته أكيد ، والأخبار في وجوب كفّ الأذى عن الجار وفي الحثّ على حسن الجوار كثيرة لا تحصى ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتّى ظننت أ نّه سيورثه» ، وفي حديث آخر «أ نّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر علياً علیه السلام وسلمان وأباذرّ - قال الراوي : ونسيت آخر وأظنّه المقداد - أن ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم بأ نّه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه ، فنادوا بها ثلاثاً» ، وفي «الكافي» عن الصادق uعن أبيه قال : «قرأت في كتاب عليّ علیه السلام ؛ أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم ، وحرمة الجار كحرمة اُمّه» ، وروى الصدوق بإسناده عن الصادق علیه السلام عن علي uعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «من آذى جاره حرّم اللّه عليه ريح الجنّة ومأواه جهنّم وبئس المصير ، ومن ضيّع جاره فليس منّي» ، وعن الرضا علیه السلام ؛ «ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه» ، وعن الصادق علیه السلام أ نّه قال والبيت غاصّ بأهله : «اعلموا أ نّه ليس منّا من لم يحسن مجاورة من جاوره» ، وعنه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : حسن الجوار يعمّر الديار وينسئ في الأعمار» .

ص: 343

فاللازم على كلّ من يؤمن باللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم واليوم الآخر الاجتناب عن كلّ ما يؤذي الجار وإن لم يكن ممّا يوجب فساداً وضرراً في ملكه ، إلاّ أن يكون في تركه ضرراً فاحشاً على نفسه . ولا ريب أنّ مثل ثقب الجدار الموجب للإشراف على دار الجار إيذاء عليه وأيّ إيذاء ! وكذا إحداث ما يتأذّى من ريحه أو دخانه أو صوته أو ما يمنع عن وصول الهواء إليه أو عن إشراق الشمس عليه وغير ذلك .

(مسألة 18) : يشترط في التملّك بالإحياء أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير ، فإنّ التحجير يفيد أولوية المحجّر ، فهو أولى بالإحياء والتملّك من غيره فله منعه ، ولو أحياه قهراً على المحجّر لم يملكه . والمراد بالتحجير أن يحدث ما يدلّ على إرادة الإحياء ، كوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه وجوانبه ، أو يشرع في إحياء ما يريد إحياءه ، كما إذا حفر بئراً من آبار القناة الدارسة التي يريد إحياءها ، فإنّه تحجير بالنسبة إلى سائر آبار القناة ، بل وبالنسبة إلى أراضي الموات التي تسقى بمائها بعد جريانه ، فليس لأحد إحياء تلك القناة ولا إحياء تلك الأراضي . وكما إذا أراد إحياء أجمة فيها الماء والقصب فعمد على قطع مائها فقط فهو تحجير لها ، فليس لأحد إحياؤها بقطع قصبها .

(مسألة 19) : لا بدّ من أن يكون التحجير - مضافاً إلى دلالته على أصل الإحياء - دالاًّ على مقدار ما يريد إحياءه ، فلو كان ذلك بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب - مثلاً - لا بدّ أن يكون ذلك في جميع الجوانب حتّى يدلّ على أنّ جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحياءه . نعم في مثل إحياء

ص: 344

القناة البائرة يكفي الشروع في حفر إحدى آبارها كما أشرنا إليه آنفاً ، فإنّه دليل بحسب العرف على كونه بصدد إحياء جميع القناة ، بل الأراضي المتعلّقة بها أيضاً ، بل إذا حفر بئراً في أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة يمكن أن يقال : إنّه يكون تحجيراً بالنسبة إلى أصل القناة وإلى الأراضي الموات التي تسقى بمائها بعد تمامها وجريان مائها ، فليس لأحد إحياء تلك الجوانب حتّى يتمّ القناة ويعيّن ما تحتاج إليه من الأراضي . نعم الأرض الموات التي ليس من حريم القناة وممّا علم أ نّه لا يصل إليه ماؤها بعد جريانه ، لا بأس بإحيائها .

(مسألة 20) : التحجير - كما أشرنا إليه - يفيد حقّ الأولوية ولا يفيد الملكية ، فلا يصحّ بيعه(1) ، نعم يصحّ الصلح عنه ويورث ويقع ثمناً في البيع ؛ لأ نّه حقّ قابل للنقل والانتقال .

(مسألة 21) : يشترط في مانعية التحجير أن يكون المحجّر متمكّناً(2) من القيام بتعميره ، فلو حجّر من لم يقدر على إحياء ما حجّره ؛ إمّا لفقره ، أو لعجزه عن تهيئة أسبابه ، فلا أثر لتحجيره وجاز لغيره إحياؤه . وكذا لو حجّر زائداً على مقدار تمكّنه من الإحياء لا أثر لتحجيره إلاّ في مقدار ما تمكّن من تعميره ، وأمّا في الزائد فليس له منع الغير عن إحيائه . فعلى هذا ليس لمن عجز عن إحياء الموات تحجيره ثمّ نقل ما حجّره إلى غيره بصلح أو غيره مجّاناً أو بالعوض ؛ لأ نّه لم يحصل له حقّ حتّى ينقله إلى غيره .

(مسألة 22) : لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة ، بل يجوز أن يكون

ص: 345


1- - على الأحوط .
2- - ولو بعد زمان طويل ، بشرط أن لا يوجب تعطيل الموات .

بتوكيل الغير أو استئجاره ، فيكون الحقّ الحاصل بسببه ثابتاً للموكّل والمستأجر لا للوكيل والأجير ، بل لا يبعد(1) كفاية وقوعه عن شخص نيابة عن غيره ثمّ إجازة ذلك الغير في ثبوته للمنوب عنه ، وإن لم يخل عن إشكال ، فلا ينبغي ترك الاحتياط .

(مسألة 23) : لو انمحت(2) آثار التحجير قبل أن يقوم المحجّر بالتعمير ، بطل حقّه وعاد الموات إلى ما كان قبل التحجير .

(مسألة 24) : ليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه والإهمال في التعمير ، بل اللازم أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير ، فإن أهمل وطالت المدّة وأراد شخص آخر إحياءه فالأحوط أن يرفع الأمر إلى الحاكم مع وجوده وبسط يده ، فيلزم المحجّر بأحد أمرين : إمّا العمارة ، أو رفع يده عنه ليعمّره غيره ، إلاّ أن يبدي عذراً موجّهاً مثل انتظار وقت صالح له أو إصلاح آلاته أو حضور العملة فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر ، وليس من العذر عدم التمكّن من تهيئة الأسباب لفقره(3) ، منتظراً للغنى والتمكّن ، فإذا مضت المدّة ولم يشتغل بالعمارة بطل حقّه وجاز لغيره القيام بالعمارة . وإذا لم يكن حاكم يقوم بهذه الشؤون ، فالظاهر أ نّه يسقط حقّه أيضاً لو أهمل في التعمير وطال الإهمال مدّة طويلة يعدّ مثله في العرف تعطيلاً فجاز لغيره إحياؤه ، وليس له منعه ،

ص: 346


1- - بعيد .
2- - بنفسها لا بفعل غير المحجّر وإلاّ فلا يبعد بقاؤه مع قرب زمان المحو ، ومع طول المدّة فالظاهر بطلانه مطلقاً ، بل لا يبعد بقاء الحقّ مع المحو بنفسه إذا لم يكن لطول مدّة التعطيل .
3- - إلاّ إذا كان متوقّعاً حصول الغنى بحصول أسبابه .

والأحوط مراعاة حقّه ما لم تمض مدّة تعطيله وإهماله ثلاث سنين .

(مسألة 25) : الظاهر أ نّه يشترط في التملّك بالإحياء قصد التملّك كالتملّك بالحيازة ، مثل الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش ونحوها ، فلو حفر بئراً في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته ما دام باقياً لم يملكه ، بل لم يكن له إلاّ حقّ الأولوية ما دام مقيماً ، فإذا ارتحل زالت تلك الأولوية وصارت مباحاً للجميع .

(مسألة 26) : الإحياء المفيد للملك : عبارة عن جعل الأرض حيّة بعد الموتان وإخراجها عن صفة الخراب إلى العمران ، ومن المعلوم أنّ عمارة الأرض إمّا بكونها مزرعاً أو بستاناً ، وإمّا بكونها مسكناً وداراً ، وإمّا حظيرة للأغنام والمواشي أو لحوائج اُخر كتجفيف الثمار أو جمع الحطب أو غير ذلك . فلا بدّ في صدق إحياء الموات من العمل فيه وإنهائه إلى حدّ صدق عليه أحد العناوين العامرة ؛ بأن صدق عليه المزرع ، أو الدار - مثلاً - أو غيرها عند العرف ، ويكفي تحقّق أوّل مراتب وجودها ، ولا يعتبر إنهاؤها إلى حدّ كمالها ، وقبل أن يبلغ إلى ذلك الحدّ وإن صنع فيه ما صنع لم يكن إحياءً بل يكون تحجيراً ، وقد مرّ أ نّه لا يفيد الملك ، بل لا يفيد إلاّ الأولوية . فإذا تبيّن هذه الجملة فليعلم أ نّه يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة التي يقصدها المحيي فما اعتبر في إحياء الموات مزرعاً أو بستاناً غير ما اعتبر في إحيائه مسكناً وداراً ، وما اعتبر في إحيائه قناة أو بئراً غير ما اعتبر في إحيائه نهراً وهكذا . ويشترط في الكلّ إزالة الاُمور المانعة عن التعمير كالمياه الغالبة أو الرمول والأحجار أو القصب والأشجار لو كانت مستأجمة وغير ذلك . ويختصّ كلّ

ص: 347

منها ببعض الاُمور عند المشهور(1) ونحن نبيّنها في ضمن مسائل .

(مسألة 27) : يعتبر في إحياء الموات داراً ومسكناً - بعد إزالة الموانع لو كان - أن يدار عليه حائط بما يعتاد في تلك البلاد ؛ ولو كان بخشب أو قصب أو حديد أو غيرها ويسقّف ؛ ولو بعضها ممّا يمكن أن يسكن فيه . ولا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب ولا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف ، نعم يكفي ذلك في إحيائه حظيرة للغنم وغيره ، أو لأن يجفّف فيها الثمار أو يجمع فيها الحشيش والحطب . ولو بنى حائطاً في الموات بقصد بناء الدار وقبل أن يسقّف عليه بدا له وقصد كونه حظيرة ملكها ، كما لو قصد ذلك من أوّل الأمر ، وكذلك في العكس(2) ؛ بأن حوّطه بقصد كونه حظيرة فبدا له أن يسقّفه ويجعله داراً .

(مسألة 28) : يعتبر في إحياء الموات مزرعاً - بعد إزالة الموانع - تسوية الأرض لو كانت فيها حفر وتلال مانعة عن قابليتها للزرع وترتيب مائها : إمّا بشقّ ساقية من نهر ، أو حفر قناة لها ، أو بئر ، وبذلك يتمّ إحياؤها ويملكها المحيي ، ولا يعتبر في إحيائها حرثها فضلاً عن زرعها . وإن كانت الأرض ممّا لا تحتاج في زراعتها إلى ترتيب ماء - لأ نّه يكفيه ماء السماء - كفى في إحيائها إعمال الاُمور الاُخر عدا ترتيب الماء ، وإن كانت مهيّأة للزرع بنفسها ؛ بأن لم يكن فيها مانع عنه ممّا ذكر ولم يحتج إلاّ إلى سوق الماء كفى في إحيائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إليها ، وإن لم يحتج إلى سوق الماء أيضاً - من جهة أ نّه يكفيه ماء السماء - كبعض الأراضي السهلة والتلال التي لا تحتاج في

ص: 348


1- - كون كلّ ما ذكره مشهوراً غير ثابت .
2- - أي ملكه وإن بدا له .

زرعها إلى علاج وقابلة لأن تزرع ديمياً - فالظاهر أنّ إحياءها المفيد لتملّكها إنّما هو بإدارة المرز حولها مع حرثها وزرعها ، بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث في تملّكها ، وأمّا الاكتفاء بالمرز من دون حراثة وزراعة ففيه إشكال ، نعم لا إشكال في كونه تحجيراً مفيداً للأولوية .

(مسألة 29) : يعتبر في إحياء البستان كلّ ما اعتبر في إحياء الزرع بزيادة غرس النخيل أو الأشجار مع سقيها(1) حتّى تستعدّ للنموّ إن لم يسقها ماء السماء . ولا يعتبر التحويط حتّى في البلاد التي جرت عاداتهم عليه على الأقوى .

(مسألة 30) : يحصل إحياء البئر في الموات بأن يحفرها إلى أن يصل إلى الماء ، فيملكها بذلك ، وقبل ذلك يكون تحجيراً لا إحياءً . وإحياء القناة بأن يحفر الآبار إلى أن يجري ماؤها على الأرض ، وإحياء النهر بحفره وإنهائه إلى الماء المباح كالشطّ ونحوه ؛ بحيث كان الفاصل بينهما يسيراً كالمرز والمسنّاة الصغيرة ، وبذلك يتمّ إحياء النهر فيملكه الحافر ، ولا يعتبر فيه جريان الماء فيه فعلاً وإن اعتبر ذلك في تملّك الماء .

القول : في المشتركات

وهي الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والربط والمياه والمعادن .

(مسألة 1) : الطريق نوعان : نافذ وغير نافذ ، فأمّا الأوّل - وهو المسمّى بالشارع العامّ - فهو محبوس على كافّة الأنام والناس فيه شرع سواء ، وليس

ص: 349


1- - الظاهر عدم اعتبار السقي ، بل مجرّد غرس الأشجار القابلة للنموّ كافٍ فيه .

لأحد إحياؤه والاختصاص به ، ولا التصرّف في أرضه ببناء دكّة أو حائط أو حفر بئر أو نهر أو غرس شجر(1) أو غير ذلك وإن لم يضرّ بالمارّة . نعم الظاهر أ نّه يجوز أن يحفر فيه بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر وغيره لكونها من مصالحه ومرافقه ، لكن مع سدّها في غير أوقات الحاجة حفظاً للمستطرقين والمارّة ، بل الظاهر جواز حفر سرداب تحته إذا اُحكم الأساس والسقف ؛ بحيث يؤمن معه من النقض والخسف . وأمّا التصرّف في فضائه بإخراج روشن أو جناح أو بناء ساباط أو فتح باب أو نصب ميزاب ونحو ذلك فلا إشكال في جوازه إذا لم يضرّ بالمارّة ، وليس لأحد منعه حتّى من يقابل داره داره كما مرّ في كتاب الصلح .

وأمّا الثاني : أعني الطريق الغير النافذ المسمّى بالسكّة المرفوعة ، وقد يطلق عليه «الدريبة» وهو الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو مباح بل اُحيط بثلاث جوانبه الدور والحيطان والجدران - فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه ، دون من كان حائط داره إليه من غير أن يكون بابها إليه ، فيكون هو كسائر الأملاك المشتركة يجوز لأربابه سدّه وتقسيمه بينهم وإدخال كلّ منهم حصّته في داره ، ولا يجوز لأحد من غيرهم ، بل ولا منهم أن يتصرّف فيه ولا في فضائه إلاّ بإذن الجميع(2) ورضاهم .

(مسألة 2) : الظاهر أنّ أرباب الدور المفتوحة في الدريبة كلّهم مشتركون في

ص: 350


1- - لا يبعد جوازه لمصلحة المارّة إذا كان الطريق واسعاً جدّاً ، كالشوارع الوسيعة المستحدثة في هذه الأعصار .
2- - يأتي الكلام فيه في المسألة الآتية .

كلّها(1) من رأسها إلى صدرها ، حتّى أ نّه إذا كانت في صدرها فضلة لم يفتح إليها باب ، اشترك الجميع فيها ، فلا يجوز لأحد منهم إخراج جناح أو روشن أو بناء ساباط أو حفر بالوعة أو سرداب ولا نصب ميزاب وغير ذلك في أيّ موضع منها إلاّ بإذن الجميع . نعم لكلّ منهم حقّ الاستطراق إلى داره من أيّ موضع من جداره ، فلكلّ منهم فتح باب آخر أدخل من بابه الأوّل ، أو أسبق ؛ مع سدّ الباب الأوّل وعدمه .

(مسألة 3) : ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة ، فتح باب إليها إلاّ بإذن أربابها ، نعم له فتح ثقبة وشبّاك إليها ، وليس لهم منعه لكونه تصرّفاً في جداره لا في ملكهم . وهل له فتح باب إليها لا للاستطراق بل لمجرّد الاستضاءة ودخول الهواء ؟ فيه إشكال(2) .

(مسألة 4) : يجوز لكلّ من أرباب الدريبة الجلوس فيها ، والاستطراق والتردّد منها إلى داره بنفسه وما يتعلّق به ؛ من عياله ودوابّه وأضيافه وعائديه وزائريه ، وكذا وضع الحطب ونحوه فيها لإدخاله في الدار ووضع الأحمال والأثقال عند

ص: 351


1- - مشكل ، بل لا يبعد أن يشارك الداخل للأدخل إلى قبالة بابه ممّا هو ممرّه مع ما يتعارف من المرافق المحتاج إليها نوعاً ، ولا يبعد أن يشارك الداخل إلى منتهى جدار داره وينفرد الأدخل بما بعده ، ومع تعدّد الشركاء يشارك الأدخل من الجميع معهم وينفرد بما يكون طريقه الخاصّ ، فيشترك الجميع من أوّل الدريبة إلى الباب الأوّل أو منتهى الجدار ، ثمّ يشترك فيما عداه ما عدا صاحب الباب الأوّل ، وهكذا يقلّ الشركاء إلى آخر الزقاق ، ولا يبعد اختصاص الآخر بالفضلة التي في آخر الزقاق ، فيجوز لمن هو أدخل من الجميع أيّ تصرّف شاء فيما ينفرد به ، بل وفي الفضلة المذكورة .
2- - الأقرب جوازه ، وعلى صاحب الدريبة تحكيم سند المالكية لدفع الشبهة .

إدخالها وإخراجها من دون إذن الشركاء ، بل وإن كان فيهم القصّر والمولّى عليهم من دون رعاية المساواة مع الباقين .

(مسألة 5) : الشوارع والطرق العامّة وإن كانت معدّة لاستطراق عامّة الناس ، ومنفعتها الأصلية التردّد فيها بالذهاب والإياب ، إلاّ أ نّه يجوز لكلّ أحد الانتفاع بها بغير ذلك ؛ من جلوس أو نوم أو صلاة وغيرها بشرط أن لا يتضرّر(1) بها أحد ولم يزاحم المستطرقين ولا يتضيّق على المارّة .

(مسألة 6) : لا فرق في الجلوس الغير المضرّ بين ما كان للاستراحة أو النزهة ، وبين ما كان للحرفة والمعاملة إذا جلس في الرحاب والمواضع المتّسعة لئلاّ يتضيّق على المارّة ، فلو جلس فيها بأيّ غرض من الأغراض لم يكن لأحد إزعاجه .

(مسألة 7) : لو جلس في موضع من الطريق ثمّ قام عنه ، فإن كان جلوس استراحة ونحوها بطل حقّه فجاز لغيره الجلوس فيه ، وكذا إن كان لحرفة ومعاملة وقام بعد استيفاء غرضه وعدم نيّة العود ، فلو عاد إليه بعد أن جلس في مجلسه غيره لم يكن له دفعه ، وأمّا لو قام قبل استيفاء غرضه ناوياً للعود ، فإن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط فالظاهر بقاء حقّه(2) وإن لم يكن منه فيه شيء ففي بقاء حقّه بمجرّد نيّة العود إشكال ، فلا يترك الاحتياط .

ص: 352


1- - على الأحوط .
2- - ثبوت الحقّ في أمثال ذلك محلّ إشكال ، نعم لا يجوز لأحد إزعاج الجالس عن محلّه ولا التصرّف في بساطه ، فحينئذٍ لو قام ولو بنيّة العود ورفع بساطه فالظاهر جواز جلوس غيره مكانه والاحتياط حسن .

(مسألة 8) : كما أنّ موضع الجلوس حقّ(1) للجالس للمعاملة فلا يجوز مزاحمته ، كذا ما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين فيه ، بل ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه .

(مسألة 9) : يجوز للجالس للمعاملة أن يظلّل على موضع جلوسه بما لا يضرّ بالمارّة بثوب أو بارية ونحوهما ، وليس له بناء دكّة ونحوها فيها .

(مسألة 10) : إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم ، فسبقه في يوم آخر شخص آخر وأخذ مكانه كان الثاني أحقّ به ، فليس للأوّل إزعاجه .

(مسألة 11) : إنّما يصير الموضع شارعاً عامّاً باُمور : أحدها : بكثرة التردّد والاستطراق ومرور القوافل في الأرض الموات كالجادّات الحاصلة في البراري والقفار التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد . الثاني : أن يجعل إنسان ملكه شارعاً ، وسبّله تسبيلاً دائمياً لسلوك عامّة الناس وسلك فيه بعض الناس ، فإنّه يصير بذلك طريقاً عامّاً ولم يكن للمسبّل الرجوع بعد ذلك . الثالث : أن يحيي جماعة أرضاً مواتاً - قرية أو بلدة - ويتركوا مسلكاً نافذاً بين الدور والمساكن ويفتحوا إليه الأبواب . والمراد بكونه نافذاً أن يكون له مدخل ومخرج ؛ يدخل فيه الناس من جانب ويخرجون من جانب آخر إلى جادّة عامّة أو أرض موات .

(مسألة 12) : لا حريم للشارع العامّ لو وقع بين الأملاك ، فلو كانت بين الأملاك قطعة أرض موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع - مثلاً - واستطرقها الناس حتّى صارت جادّة لم يجب على الملاّك توسيعها وإن تضيّقت على المارّة ، وكذا

ص: 353


1- - مرّ الإشكال فيه ، فيسقط ما يتفرّع عليه .

لو سبّل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره ثلاثة أو أربعة أذرع - مثلاً - للشارع ، وأمّا لو كان الشارع محدوداً بالموات بطرفيه أو أحد طرفيه ، فيكون له الحريم ، وهو المقدار الذي يوجب إحياؤه نقص الشارع عن سبعة(1) أذرع ، فلو حدث بسبب الاستطراق شارع في وسط الموات جاز إحياء طرفيه إلى حدّ يبقى له سبعة أذرع ولا يتجاوز عن هذا الحدّ . وكذا لو كان لأحد في وسط المباح ملك عرضه أربعة أذرع - مثلاً - فسبّله شارعاً لا يجوز إحياء طرفيه بما لم يبق للطريق سبعة أذرع . ولو كان في أحد طرفي الشارع أرض مملوكة وفي الطرف الآخر أرض موات كان الحريم من طرف الموات ، بل لو كان طريق بين الموات وسبق شخص وأحيى أحد طرفيه إلى حدّ الطريق اختصّ الحريم بالطرف الآخر ، فلا يجوز لآخر الإحياء إلى حدّ لا يبقى للطريق سبعة أذرع ، فلو بنى بناءً مجاوزاً لذلك الحدّ اُلزم هو بهدمه وتبعيده دون المحيي الأوّل .

(مسألة 13) : إذا استؤجم الطريق أو انقطعت عنه المارّة زال حكمه ، بل ارتفع موضوعه وعنوانه ، فجاز(2) لكلّ أحد إحياؤه كالموات ، من غير فرق في صورة انقطاع المارّة بين أن يكون ذلك لعدم وجودهم ، أو بمنع قاهر إيّاهم ، أو لهجرهم إيّاه واستطراقهم غيره ، أو بسبب آخر .

(مسألة 14) : لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة أذرع ، فأمّا المسبّل فلا يجوز لأحد أخذ ما زاد عليها وإحياؤه وتملّكه قطعاً ، وأمّا غيره ففي جواز

ص: 354


1- - على الأحوط .
2- - لا يخلو في المسبّل من إشكال .

إحياء الزائد وعدمه وجهان ، أوجههما(1) التفصيل بين الحاجة إليه لكثرة المارّة فالثاني ، وعدمها لقلّتهم فالأوّل .

(مسألة 15) : ومن المشتركات : المسجد ، وهو المكان(2) المعدّ لتعبّد المتعبّدين وصلاة المصلّين ، وهو من مرافق المسلمين يشترك فيه عامّتهم ، وهم شرع سواء في الانتفاع به إلاّ بما لا يناسبه ونهى الشرع عنه ، كمكث الجنب فيه ونحوه . فمن سبق إلى مكان منه لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء بل وتدريس أو وعظ أو إفتاء وغيرها كان أحقّ به وليس لأحد إزعاجه ؛ سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه ، فليس لأحد بأيّ غرض كان مزاحمة من سبق إلى مكان منه بأيّ غرض كان . نعم لا يبعد تقدّم الصلاة جماعة أو فرادى على غيرها من الأغراض ، فلو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدريس وأراد أحد أن يصلّي في ذلك المكان جماعة أو فرادى يجب عليه تخلية المكان له . نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن اختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرّد الاقتراح ، بل كان إمّا لانحصار محلّ الصلاة فيه ، أو لغرض راجح ديني كالالتحاق بصفوف الجماعة ونحوه . هذا ، ولكن أصل المسألة لا تخلو من إشكال فيما إذا كان جلوس السابق لغرض العبادة كالدعاء والقراءة لا لمجرّد النزهة والاستراحة ، فلا ينبغي فيه ترك الاحتياط للمسبوق بعدم المزاحمة وللسابق بتخلية المكان له . والظاهر تسوية الصلاة فرادى مع الصلاة جماعة ، فلا أولوية للثانية على الاُولى ، فمن سبق إلى مكان للصلاة

ص: 355


1- - بل الأوجه المنع ، إلاّ إذا كان الزائد معرضاً عنه .
2- - لا يخلو التعريف من قصور والأمر سهل .

منفرداً فليس لمريد الصلاة جماعة إزعاجه لها ، وإن كان الأولى له تخلية المكان له إذا وجد مكان آخر له ، ولا يكون منّاعاً للخير عن أخيه .

(مسألة 16) : لو قام الجالس السابق وفارق المكان رافعاً يده منه معرضاً عنه بطل حقّه وإن بقي رحله ، فلو عاد إليه وقد أخذه غيره كان هو الأولى وليس له إزعاجه ، وإن كان ناوياً للعود ، فإن كان رحله باقياً بقي حقّه بلا إشكال ، وإلاّ ففيه إشكال(1) ، والأحوط شديداً مراعاة حقّه ، خصوصاً إذا كان خروجه لضرورة كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو قضاء حاجة ونحوها .

(مسألة 17) : الظاهر أنّ وضع الرحل مقدّمة للجلوس كالجلوس في إفادة الأولوية ، لكن إذا كان ذلك بمثل فرش سجّادة ونحوها ممّا يشغل مقدار مكان الصلاة أو معظمه ، لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواك وشبهها .

(مسألة 18) : يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل ومجيئه طول زمان بحيث استلزم تعطيل المكان وإلاّ لم يفد حقّاً ، فجاز لغيره أخذ المكان قبل مجيئه ورفع رحله والصلاة مكانه ؛ إذا شغل المحلّ بحيث لا يمكن الصلاة فيه إلاّ برفعه ، والظاهر أ نّه يضمنه الرافع إلى أن يوصله إلى صاحبه ، وكذا الحال فيما لو فارق المكان معرضاً عنه مع بقاء رحله فيه .

(مسألة 19) : المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام ، فإنّ المسلمين فيها شرع سواء ، سواء العاكف فيها والباد ، والمجاور لها والمتحمّل

ص: 356


1- - الظاهر سقوطه على فرض ثبوته أيضاً ، كما يظهر منهم التسالم على ثبوت الحقّ في خصوص المساجد وإن لا يخلو من تأمّل .

إليها من بعد البلاد . ومن سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة كان أحقّ وأولى به ، وليس لأحد إزعاجه ، وهل للزيارة أولوية على غيرها كالصلاة في المسجد بالنسبة إلى غيرها لو قلنا بأولويتها ؟ لا يخلو من وجه ، لكنّه غير وجيه كأولوية من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين وإن كان ينبغي لهم مراعاتهم . وحكم مفارقة المكان ووضع الرحل وبقائه كما سبق(1) في المساجد .

(مسألة 20) : ومن المشتركات : المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم ، أو الطائفة الخاصّة منهم إذا خصّها الواقف بصنف خاصّ ، كما إذا خصّها بصنف العرب أو العجم أو طالبي العلوم الشرعية أو خصوص الفقه - مثلاً - فهي بالنسبة إلى مستحقّي السكنى بها كالمساجد(2) ، فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحقّ بها ما لم يفارقها معرضاً عنها وإن طالت مدّة السكنى ، إلاّ إذا اشترط الواقف له مدّة معيّنة كثلاث سنين - مثلاً - فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة وإن لم يؤمر به ، أو شرط اتّصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة ، كما إذا شرط كونه مشغولاً بالتحصيل أو التدريس فطرأ عليه العجز لمرض أو هرم ونحو ذلك .

(مسألة 21) : لا يبطل حقّ الساكن بالخروج لحاجة معتادة كشراء مأكول أو مشروب أو كسوة ونحوها قطعاً وإن لم يترك رحله فيها ، ولا يلزم تخليف أحد مكانه ، بل ولا بالأسفار المتعارفة المعتادة كالرواح للزيارة أو لتحصيل المعاش

ص: 357


1- - وقد سبق منّا أيضاً .
2- - لكن الظاهر ثبوت الحقّ لمن سبق فيها على نحو ما ذكر ؛ وإن كان في مثل المساجد تأمّل كما سبق .

أو للمعالجة مع نيّة العود وبقاء متاعه ورحله ، ما لم تطل المدّة إلى حدّ لم يصدق معه السكنى والإقامة عرفاً(1) ، ولم يشترط الواقف لذلك مدّة معيّنة ، كما إذا شرط أن لا يكون خروجه أزيد من شهر أو شهرين - مثلاً - فيبطل حقّه لو تعدّى زمن خروجه عن تلك المدّة .

(مسألة 22) : من أقام في حجرة منها ممّن يستحقّ السكنى بها ، له أن يمنع من أن يشاركه غيره إذا كان المسكن معدّاً لواحد ؛ إمّا بحسب قابلية المحلّ أو بسبب شرط الواقف ، ولو اُعدّ لما فوقه لم يكن له منع غيره إلاّ إذا بلغ العدد الذي اُعدّ له ، فللسكنة منع الزائد .

(مسألة 23) : ويلحق بالمدارس الربط ، وهي المواضع المبنيّة لسكنى الفقراء والملحوظ فيها غالباً للغرباء ، فمن سبق منهم إلى إقامة بيت منها كان أحقّ به وليس لأحد إزعاجه . والكلام في مقدار حقّه ، وما به يبطل حقّه ، وجواز منع الشريك وعدمه فيها كما سبق في المدارس .

(مسألة 24) : ومن المشتركات : المياه ، والمراد بها مياه الشطوط والأنهار الكبار كدجلة والفرات والنيل ، أو الصغار التي لم يجرها أحد ، بل جرت بنفسها ؛ من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج ، وكذلك العيون المنفجرة من الجبال أو في أراضي الموات والمياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار ، فإنّ الناس في جميع ذلك شرع سواء . ومن حاز منها شيئاً بآنية أو مصنع أو حوض ونحوها ملكه وجرى عليه أحكام الملك ؛ من غير فرق بين المسلم والكافر . وأمّا مياه العيون والآبار والقنوات التي حفرها أحد في ملكه ، أو في الموات بقصد تملّك

ص: 358


1- - ولم يوجب تعطيل المحلّ زائداً عن المتعارف .

مائها ، فهي ملك للحافر كسائر الأملاك لا يجوز لأحد أخذها والتصرّف(1) فيها إلاّ بإذن المالك . وينتقل إلى غيره بالنواقل الشرعية ؛ قهريةً كانت كالإرث ، أو اختياريةً كالبيع والصلح والهبة وغيرها .

(مسألة 25) : إذا شقّ نهراً من ماء مباح كالشطّ ونحوه ، ملك ما يدخل فيه من الماء ويجري عليه أحكام الملك ، كالماء المحوز في آنية ونحوها . وتتبع ملكية الماء ملكية النهر ، فإن كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام ، وإن كان لجماعة ملك كلّ منهم من الماء بمقدار حصّته من ذلك النهر ، فإن كان لواحد نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه ملكوا الماء بتلك النسبة وهكذا . ولا يتبع مقدار استحقاق الماء مقدار الأراضي التي تسقى منه ، فلو كان النهر مشتركاً بين ثلاثة أشخاص بالتساوي ، كان لكلّ منهم ثلث الماء وإن كانت الأراضي التي تسقى منه لأحدهم ألف جريب ولآخر جريباً ولآخر نصف جريب ؛ يصرفان ما زاد على احتياج أرضهما فيما شائا . بل لو كان لأحدهما رحىً يدور به ، ولم يكن له أرض أصلاً ، يساوي مع كلّ من شريكيه في استحقاق الماء .

(مسألة 26) : إنّما يملك النهر المتّصل بالمباح ؛ إمّا بحفره في أرض مملوكة له ، وإمّا بحفره في الموات بقصد إحيائه نهراً مع نيّة تملّكه إلى أن أوصله بالمباح - كما مرّ في إحياء الموات - فإن كان الحافر واحداً ملكه بالتمام ، وإن كان جماعة كان بينهم(2) على قدر ما عملوا وأنفقوا(3) ؛ فمع

ص: 359


1- - إلاّ بعض التصرّفات التي مرّ بيانها في كتاب الطهارة .
2- - إذا كان الحفر في الممات .
3- - والميزان تساوي العمل .

التساوي بالتساوي ومع التفاوت بالتفاوت .

(مسألة 27) : لمّا كان الماء الذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة مشتركاً بينهم ، كان حكمه حكم سائر الأموال المشتركة ، فلا يجوز لكلّ واحد منهم التصرّف فيه وأخذه والسقاية به إلاّ بإذن باقي الشركاء ، فإن لم يكن بينهم تعاسر ويبيح كلّ منهم سائر شركائه أن يقضي منه حاجته في كلّ وقت وزمان فلا بحث ، وإن وقع بينهم تعاسر فإن تراضوا بالتناوب والمهاياة بحسب الساعات أو الأيّام أو الأسابيع - مثلاً - فهو ، وإلاّ فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء ؛ بأن توضع على فم النهر خشبة أو صخرة أو حديدة ذات ثقب متساوية السعة حتّى يتساوى الماء الجاري فيها ويجعل لكلّ منهم من الثقب بمقدار حصّته ، ويجري كلّ منهم ما يجري في الثقبة المختصّة به في ساقية تختصّ به ؛ فإذا كان بين ثلاثة وسهامهم متساوية ، فإن كانت الثقب ثلاثاً متساوية جعلت لكلّ منهم ثقبة ، وإن كانت ستّاً جعلت لكلّ منهم ثقبتان . وإن كانت سهامهم متفاوتة تجعل الثقب على أقلّهم سهماً ؛ فإذا كان لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه جعلت الثقب ستّاً ؛ ثلاث منها لذي النصف واثنتان لذي الثلث وواحدة لذي السدس وهكذا . وبعد ما اُفرزت حصّة كلّ منهم من الماء يصنع بمائه ما شاء ؛ إن شاء استعمله في الاستقاء أو في غيره ، وإن شاء باعه أو أباحه لغيره .

(مسألة 28) : الظاهر أنّ القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار ، فإذا طلبها أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها ، وهي لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها ، وأمّا المهاياة فهي موقوفة على التراضي وليست بلازمة ، فلبعضهم الرجوع عنها حتّى فيما إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف الآخر

ص: 360

نوبته ، وإن ضمن حينئذٍ مقدار ما استوفاه بالقيمة(1) .

(مسألة 29) : إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح - من عين أو وادٍ أو نهر ونحوها - بأن أحياها أشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي أو الدوالي أو النواعير أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار ، كان للجميع حقّ السقي منه ، فليس لأحد أن يشقّ نهراً فوقها يقبض الماء كلّه أو ينقّصه عن مقدار احتياج تلك الأملاك . وحينئذٍ فإن وفى الماء لسقي الجميع من دون مزاحمة في البين فهو ، وإن لم يفِ ووقع بين أربابها في التقدّم والتأخّر التشاحّ والتعاسر يقدّم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن علم السابق ، وإلاّ يقدّم الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء وأصله ، فيقضي الأعلى حاجته(2) ثمّ يرسله لمن يليه وهكذا .

(مسألة 30) : الأنهار المملوكة المنشقّة من الشطوط ونحوها ؛ إذا وقع التعاسر بين أربابها - بأن كان الشطّ لا يفي في زمان واحد بإملاء جميع تلك الأنهار - كان حالها كحال اجتماع الأملاك على الماء المباح المتقدّم في المسألة السابقة ، فالأحقّ ما كان شقّه أسبق ثمّ الأسبق ، وإن لم يعلم الأسبق فالمدار على الأعلى فالأعلى ، فيقبض الأعلى ما يسعه ثمّ ما يليه وهكذا .

(مسألة 31) : لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية أو حفر أو إصلاح أو سدّ خرق ونحو ذلك ، فإن أقدم الجميع على ذلك كانت المؤونة

ص: 361


1- - بل بالمثل مع إمكانه وإلاّ فبالقيمة .
2- - ولا يزيد للنخل عن الكعب ؛ أي قبّة القدم على الأحوط وإن كان الجواز إلى أوّل الساق لا يخلو من قوّة ، وللشجر عن القدم ، وللزرع عن الشراك .

على الجميع بنسبة ملكهم للنهر ؛ سواء كان إقدامهم بالاختيار أو بالإجبار من حاكم قاهر جائر أو بإلزام من الشرع ، كما إذا كان مشتركاً بين المولّى عليهم ورأى الوليّ المصلحة الملزمة في تعميره مثلاً ، وإن لم يقدم إلاّ البعض لم يجبر الممتنع وليس للمقدمين مطالبته بحصّته من المؤونة ، ما لم يكن إقدامهم بالتماس منه وتعهّده ببذل حصّته . نعم لو كان النهر مشتركاً بين القاصر وغيره ، وكان إقدام غير القاصر متوقّفاً على مشاركة القاصر - إمّا لعدم اقتداره بدونه أو لغير ذلك - وجب على وليّ القاصر مراعاة لمصلحته تشريكه في التعمير وبذل المؤونة من ماله بمقدار حصّته .

(مسألة 32) : ومن المشتركات : المعادن ، وهي إمّا ظاهرة ؛ وهي ما لا يحتاج في استخراجها والوصول إليها إلى عمل ومؤونة كالملح(1) والقير والكبريت والموميا والكحل ، وكذا النفط إذا لم يحتج في استخراجه إلى الحفر والعمل ، وإمّا باطنة ؛ وهي ما لا تظهر إلاّ بالعمل والعلاج كالذهب والفضّة والنحاس والرصاص ، وكذا النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار ، كما هو المعمول غالباً في هذه الأعصار ، فأمّا الظاهرة ؛ فهي تملك بالحيازة لا بالإحياء فمن أخذ منها شيئاً ملك ما أخذه ؛ قليلاً كان أو كثيراً وإن كان زائداً على ما يعتاد لمثله وعلى مقدار حاجته ، ويبقى الباقي ممّا لم يأخذه على الاشتراك ، ولا يختصّ بالسابق في الأخذ ، وليس له(2) أن يحوز مقداراً يوجب الضيق والمضارّة على الناس ، وأمّا الباطنة ؛ فهي تملك بالإحياء ؛ بأن ينهى العمل والنقب والحفر إلى

ص: 362


1- - الظاهر الغير المحتاج إلى عمل معتدّ به كالنقب ، وكذا في غيره .
2- - على الأحوط .

أن يبلغ نيلها ، فيكون حالها حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء ، وقد مرّ أ نّها تملك بحفرها حتّى يبلغ الماء ويملك بتبعها الماء ، ولو عمل فيها عملاً لم يبلغ به نيلها كان تحجيراً أفاد الأحقّية والأولوية دون الملكية .

(مسألة 33) : إذا شرع في إحياء معدن ثمّ أهمله وعطّله اُجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنه . ولو أبدى عذراً اُنظر بمقدار زوال عذره ثمّ اُلزم على أحد الأمرين ، كما سبق ذلك كلّه في إحياء الموات .

(مسألة 34) : لو أحيا أرضاً - مزرعاً أو مسكناً مثلاً - فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها ؛ سواء كان عالماً به حين إحيائها أم لا .

(مسألة 35) : لو قال ربّ المعدن لآخر : اعمل فيه ولك نصف الخارج مثلاً ، بطل إن كان بعنوان الإجارة ، وصحّ لو كان بعنوان الجعالة .

ص: 363

كتاب اللقطة

اشارة

التي بمعناها الأعمّ : كلّ مال ضائع عن مالكه ولم يكن يد عليه ، وهي إمّا حيوان ، أو غير حيوان :

القول : في لقطة الحيوان

وهي المسمّاة ب «الضالّة» .

(مسألة 1) : إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه أيّ حيوان كان ، فمن أخذه ضمنه ، ويجب عليه حفظه(1) من التلف والإنفاق عليه بما يلزم ، وليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق . نعم لو كان في معرض الخطر لمرض أو غيره جاز له أخذه من دون ضمان ويجب عليه الإنفاق عليه ، وجاز له الرجوع بما أنفقه على مالكه ، لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع عليه ، وإن كان له منفعة من ركوب أو حمل عليه أو لبن ونحوه ،

ص: 364


1- - وإن كان شاة حبسها ثلاثة أيّام ، فإن لم يأت صاحبها باعها وتصدّق بثمنها ، والظاهر ضمانها لو جاء صاحبها ولم يرض بالتصدّق ، ولا يبعد جواز حفظها لصاحبها ودفعها إلى الحاكم أيضاً .

جاز له استيفاؤها واحتسابها بإزاء(1) ما أنفق .

(مسألة 2) : بعد ما أخذ الحيوان في العمران وصار تحت يده ، يجب عليه الفحص عن صاحبه في صورتي جواز الأخذ وعدمه ، فإذا يئس من صاحبه تصدّق به أو بثمنه ، كغيره من مجهول المالك .

(مسألة 3) : ما يدخل في دار الإنسان من الحيوان - كالدجاج والحمام - ممّا لم يعرف صاحبه ، الظاهر خروجه عن عنوان اللقطة ، بل هو داخل في عنوان مجهول المالك ، فيتفحّص عن صاحبه وعند اليأس منه يتصدّق به . والفحص اللازم هو المتعارف في أمثال ذلك ؛ بأن يسأل من الجيران والقريبة من الدور والعمران . نعم لا يبعد جواز تملّك مثل الحمام إذا ملك جناحيه ولم يعرف(2) صاحبه من دون فحص عنه ، كما مرّ في كتاب الصيد .

(مسألة 4) : ما يوجد من الحيوان في غير العمران - من الطرق والشوارع والمفاوز والصحاري والبراري والجبال والآجام ونحوها - إن كان ممّا يحفظ نفسه بحسب العادة من صغار السباع مثل الثعالب وابن آوى والذئب والضبع ونحوها - إمّا لكبر جثّته كالبعير ، أو لسرعة عدوه كالفرس والغزال ، أو لقوّته وبطشه كالجاموس والثور - لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه إذا كان في كلأ وماء ، أو كان صحيحاً يقدر على تحصيل الماء والكلأ ، وإن كان ممّا تغلب عليه صغار السباع كالشاة وأطفال البعير والدوابّ جاز أخذه ، فإذا أخذه

ص: 365


1- - ويرجع كلّ ذي فضل بفضله .
2- - والأحوط فيما إذا عرف أنّ له مالكاً - ولو من جهة آثار اليد - أن يعامل معه معاملة مجهول المالك .

عرّفه(1) في المكان الذي أصابه وحواليه إن كان فيه أحد ، فإن عرف صاحبه ردّه إليه ، وإلاّ كان له تملّكه وبيعه وأكله مع الضمان لمالكه لو وجد ، كما أنّ له إبقاءه وحفظه لمالكه ولا ضمان عليه .

(مسألة 5) : لو أخذ البعير ونحوه في صورة لا يجوز له أخذه ضمنه ، ويجب عليه الإنفاق عليه ، وليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه وإن كان من قصده الرجوع عليه ، كما مرّ فيما يؤخذ من العمران .

(مسألة 6) : إذا ترك الحيوان صاحبه ، وسرّحه في الطرق أو الصحاري والبراري ، فإن كان بقصد الإعراض عنه جاز لكلّ أحد أخذه وتملّكه ، كما هو الحال في كلّ مال أعرض عنه صاحبه ، وإن لم يكن بقصد الإعراض ، بل كان من جهة العجز عن إنفاقه ، أو من جهة جهد الحيوان وكلاله - كما يتّفق كثيراً أنّ الإنسان إذا كلّت دابّته في الطرق والمفاوز ولم يتمكّن من الوقوف عندها يأخذ رحلها أو سرجها ويسرّحها ويذهب - فإن تركه في كلأ وماء وأمن ليس لأحد أن يأخذه ، فلو أخذه كان غاصباً ضامناً له ، وإن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج من الضمان . وفي وجوب حفظه والإنفاق عليه وعدم الرجوع على صاحبه ما مرّ فيما يؤخذ في العمران ، وإن تركه في خوف وعلى غير ماء وكلأ جاز أخذه والإنفاق عليه وهو للآخذ إذا تملّكه .

(مسألة 7) : إذا أصاب دابّة وعلم بالقرائن أنّ صاحبها قد تركها ولم يدر أ نّه قد تركها بقصد الإعراض أو بسبب آخر كان بحكم الثاني ، فليس له أخذها وتملّكها ، إلاّ إذا كانت في مكان خوف بلا ماء ولا كلأ .

ص: 366


1- - على الأحوط .

(مسألة 8) : إذا أصاب حيواناً في غير العمران ، ولم يدر أنّ صاحبه قد تركه بأحد النحوين ، أو لم يتركه بل ضاعه أو شرد عنه ، كان بحكم الثاني من التفصيل المتقدّم ، فإن كان مثل البعير لم يجز أخذه وتملّكه إلاّ إذا كان غير صحيح ولم يكن في ماء وكلأ ، وإن كان مثل الشاة جاز أخذه مطلقاً .

القول : في لقطة غير الحيوان

التي يطلق عليها «اللقطة» عند الإطلاق واللقطة بالمعنى الأخصّ . ويعتبر فيها عدم معرفة المالك ، فهو قسم من المجهول المالك ، له أحكام خاصّة .

(مسألة 1) : يعتبر فيه الضياع عن المالك ، فما يؤخذ من يد الغاصب والسارق ليس من اللقطة ؛ لعدم الضياع عن مالكه ، بل لا بدّ في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع ، ولو بشاهد الحال ، فالمداس المتبدّل بمداسه في المساجد ونحوها يشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه ، وكذا الثوب المتبدّل بثوبه في الحمّام ونحوه ؛ لاحتمال تقصّد المالك في التبديل ، ومعه يكون من المجهول المالك لا من اللقطة .

(مسألة 2) : يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط ، فلو رأى شيئاً وأخبر به غيره فأخذه ، كان حكمها على الآخذ دون الرائي وإن تسبّب منه ، بل لو قال : ناولنيه ، فنوى المأمور الأخذ لنفسه ، كان هو الملتقط دون الآمر .

نعم لو أخذه لا لنفسه وناوله إيّاه الظاهر صدق الملتقط على الآمر(1) المتناول ، بل بناءً على صحّة الاستنابة والنيابة في الالتقاط - كما في حيازة المباحات وإحياء

ص: 367


1- - فيه إشكال وكذا في تاليه .

الموات - يكفي مجرّد أخذ المأمور النائب في صيرورة الآمر ملتقطاً ؛ لكون يده بمنزلة يده وأخذه بمنزلة أخذه .

(مسألة 3) : لو رأى شيئاً مطروحاً على الأرض فأخذه بظنّ أ نّه ماله فتبيّن أ نّه ضائع عن غيره ، صار بذلك لقطة وعليه حكمها ، وكذا لو رأى مالاً ضائعاً فنحّاه(1) من جانب إلى آخر ، نعم لو دفعه برجله(2) ليتعرّفه ، الظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطاً بل ولا ضامناً ؛ لعدم صدق اليد والأخذ .

(مسألة 4) : المال المجهول المالك الغير الضائع لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه ، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً إلاّ إذا كان في معرض التلف فيجوز بقصد الحفظ . ويكون حينئذٍ في يده أمانة شرعية لا يضمن إلاّ بالتعدّي أو التفريط . وعلى كلّ من تقديري جواز الأخذ وعدمه لو أخذه يجب عليه الفحص(3) عن مالكه إلى أن يئس من الظفر به ، وعند ذلك يجب عليه أن يتصدّق به(4) .

(مسألة 5) : كلّ مال غير الحيوان اُحرز ضياعه عن مالكه المجهول ؛ ولو بشاهد الحال - وهو الذي يطلق عليه اللقطة كما مرّ - يجوز أخذه والتقاطه على كراهة ، وإن كان المال الضائع في الحرم - أي حرم مكّة زادها اللّه شرفاً وتعظيماً - اشتدّت كراهة التقاطه ، بل نسب إلى المشهور(5) حرمته ، فلا يترك فيه الاحتياط .

ص: 368


1- - بعد أخذه .
2- - أو بيده من غير أخذ .
3- - بعد بيع ما لا يبقى ويعرضه الفساد ، أو تقويمه وصرفه ، والأحوط أن يكون البيع بإذن الحاكم مع الإمكان .
4- - أو بثمنه في الصورة المتقدّمة .
5- - الشهرة ممنوعة ، فالأقوى كراهته ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

(مسألة 6) : اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم ، جاز تملّكها في الحال من دون تعريف وفحص عن مالكها ، ولا يملكها قهراً بدون قصد التملّك على الأقوى ، فإن جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها إليه مع بقائها وإن تملّكها على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، وإن كانت تالفة لم يضمنها الملتقط وليس عليه عوضها إن كان بعد التملّك(1) ، وإن كانت قيمتها درهماً أو أزيد وجب عليه تعريفها والفحص عن صاحبها ، فإن لم يظفر به ، فإن كانت لقطة الحرم تخيّر بين أمرين : التصدّق بها(2) أو إبقاؤها عنده وحفظها لمالكها ، وليس له تملّكها ، وإن كانت لقطة غير الحرم تخيّر بين اُمور ثلاثة : تملّكها ، والتصدّق بها مع الضمان فيهما ، وإبقاؤها أمانة بيده من غير ضمان .

(مسألة 7) : الدرهم : هو الفضّة المسكوكة الرائجة في المعاملة ، وهو وإن اختلف عياره بحسب الأزمنة والأمكنة إلاّ أنّ المراد هنا ما كان على وزن اثنتي عشر حمّصة ونصف حمّصة وعشرها ؛ وبعبارة اُخرى : نصف مثقال وربع عشر مثقال بالمثقال الصيرفي - الذي يساوي أربعاً وعشرين حمّصة معتدلة - فالدرهم يقارب نصف ريال عجمي ، وكذا ربع روبية إنكليسية .

(مسألة 8) : المدار في القيمة على مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة وفي الدرهم ، فإن وجد شيئاً في بلاد العجم - مثلاً - وكان قيمته في بلد الالتقاط وزمانه أقلّ من نصف ريال ، أو وجد في بلاد تكون الرائج فيها الروبية وكان قيمته أقلّ من ربعها جاز تملّكه في الحال ولا يجب تعريفه .

ص: 369


1- - وكذا قبله إن تلفت من غير تفريط منه .
2- - مع الضمان كاللقطة في غير الحرم ، فلو حفظها لمالكها فلا ضمان .

(مسألة 9) : يجب التعريف فوراً(1) فيما لم يكن أقلّ من درهم ، فلو أخّره من أوّل زمن الالتقاط عصى إلاّ إذا كان لعذر ولو أخّره لعذر أو لا لعذر لم يسقط .

(مسألة 10) : قيل : لا يجب التعريف إلاّ إذا كان ناوياً للتملّك بعده ، والأقوى وجوبه مطلقاً وإن كان من نيّته التصدّق أو الحفظ لمالكها أو غير ناوٍ لشيء أصلاً .

(مسألة 11) : مدّة التعريف الواجب سنة كاملة ولا يشترط فيها التوالي ، فإن عرّفها في ثلاثة شهور في سنة على نحو يقال في العرف : أ نّه عرّفها في تلك المدّة ، ثمّ ترك التعريف بالمرّة ، ثمّ عرّفها في سنة اُخرى ثلاثة شهور وهكذا إلى أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات - مثلاً - كفى في تحقّق التعريف الذي هو شرط لجواز التملّك والتصدّق ، وسقط عنه ما وجب عليه وإن كان عاصياً في تأخيره(2) إن كان بدون عذر .

(مسألة 12) : لا يعتبر في التعريف مباشرة الملتقط ، بل يجوز استنابة الغير مجّاناً أو بالاُجرة مع الاطمئنان بإيقاعه . والظاهر أنّ اُجرة التعريف على الملتقط إلاّ إذا كان من قصده أن يبقى(3) بيده ويحفظها لمالكه .

(مسألة 13) : لو علم بأنّ التعريف لا فائدة فيه أو حصل له اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة سقط ، وتخيّر بين الأمرين في لقطة الحرم ، والاُمور الثلاثة

ص: 370


1- - على الأحوط ، نعم لا يجوز التسامح والإهمال والتساهل فيه .
2- - بهذا المقدار .
3- - في كون الاُجرة في هذه الصورة على المالك تردّد ، والأحوط التصالح .

في لقطة غيره ، والأحوط(1) في الثاني أن يتصدّق بها ولا يتملّك .

(مسألة 14) : لو تعذّر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر ، وليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة بل يكفي تتميمها .

(مسألة 15) : لو علم بعد تعريف سنة أ نّه لو زاد عليها عثر على صاحبه ، فهل يجب الزيادة إلى أن يعثر عليه أم لا ؟ وجهان ، أحوطهما(2) الأوّل وإن كان الثاني لا يخلو من قوّة .

(مسألة 16) : لو ضاعت اللقطة من الملتقط ووجدها شخص آخر ، لم يجب عليه التعريف ، بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأوّل ، نعم لو لم يعرّفه وجب عليه التعريف سنة طالباً به المالك أو الملتقط الأوّل ، فأيّاً منهما عثر عليه يجب دفعها إليه ، من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنة أو بعده .

(مسألة 17) : إذا كانت اللقطة ممّا لا تبقى سنة - كالطبيخ والبطّيخ واللحم والفواكه والخضروات - جاز أن يقوّمها على نفسه ويأكلها ويتصرّف بها أو يبيعها من غيره ويحفظ ثمنها لمالكها ، والأحوط(3) أن يكون بيعها بإذن الحاكم مع الإمكان . ولا يسقط التعريف فيحفظ خصوصياتها وصفاتها قبل أن يأكلها أو يبيعها ثمّ يعرّفها سنة ، فإن جاء صاحبها وقد باعها دفع ثمنها إليه وإن أكلها غرمه بقيمته ، وإن لم يجئ فلا شيء عليه .

ص: 371


1- - لا يترك .
2- - لا يترك ، خصوصاً إذا علم بعثوره مع زيادة يسيرة .
3- - وإن كان الأقوى عدم اعتبار إذنه ، والأحوط حفظها إلى آخر زمان الخوف من الفساد ، بل الوجوب لا يخلو من قوّة .

(مسألة 18) : يتحقّق تعريف سنة : بأن يكون في مدّة سنة - متوالية أو غير متوالية - مشغولاً بالتعريف ؛ بحيث لم يعدّ في العرف متسامحاً متساهلاً في الفحص عن مالكه ، بل عدّوه فاحصاً عنه في هذه المدّة . ولا يتقدّر ذلك بمقدار معيّن ، بل هو أمر عرفي ، وقد نسب إلى المشهور تحديده بأن يعرّف في الاُسبوع الأوّل في كلّ يوم مرّة ، ثمّ في بقيّة الشهر في كلّ اُسبوع مرّة ، وبعد ذلك في كلّ شهر مرّة . والظاهر أنّ المراد بيان أقلّ ما يصدق عليه تعريف سنة عرفاً ومرجعه إلى كفاية بضع وعشرين مرّة بهذه الكيفية ، وفيه إشكال من جهة الإشكال في كفاية كلّ شهر مرّة في غير الشهر الأوّل ، والظاهر كفاية كلّ اُسبوع مرّة إلى تمام الحول ، والأحوط أن يكون في الاُسبوع الأوّل كلّ يوم مرّة .

(مسألة 19) : محلّ التعريف مجامع الناس ، كالأسواق والمشاهد ومحلّ إقامة الجماعات ومجالس التعازي وكذا المساجد حين اجتماع الناس فيها وإن كره ذلك فيها فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها أو خروجهم عنها .

(مسألة 20) : يجب أن يعرّف اللقطة في موضع(1) الالتقاط إن وجدها في محلّ متأهّل من بلد أو قرية ونحوهما ، ولو لم يقدر على البقاء لم يسافر بها ، بل استناب شخصاً أميناً ثقة ليعرّفها ، وإن وجدها في المفاوز والبراري والشوارع وأمثال ذلك عرّفها لمن يجده فيها ، حتّى أ نّه لو اجتازت قافلة تبعهم وعرّفها فيهم ، فإن لم يجد المالك فيها أتمّ التعريف في غيرها من البلاد أيّ بلد شاء ممّا احتمل وجود صاحبها فيه ، وينبغي أن يكون في أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الإمكان .

ص: 372


1- - مع احتمال وجود صاحبها فيه .

(مسألة 21) : كيفية التعريف أن يقول المنادي : من ضاع له ذهب أو فضّة أو ثوب ؟ وما شاكل ذلك من الألفاظ بلغة يفهمها الأغلب ، ويجوز أن يقول : من ضاع له شيء ، أو مال ؟ بل ربّما قيل : إنّ ذلك أحوط وأولى فإذا ادّعى أحد ضياعه سأله عن خصوصياته وصفاته وعلاماته ؛ من وعائه وخيطه وصنعته واُمور يبعد اطّلاع غير المالك عليه من عدده وزمان ضياعه ومكانه وغير ذلك ، فإذا توافقت الصفات والخصوصيات التي ذكره مع الخصوصيات الموجودة في ذلك المال فقد تمّ التعريف . ولا يضرّ جهله ببعض الخصوصيات التي لا يطّلع عليها المالك غالباً ولا يلتفت إليها إلاّ نادراً ، ألا ترى أنّ الكتاب الذي يملكه الإنسان ويقرؤه ويطالعه مدّة طويلة من الزمان لا يطّلع غالباً على عدد أوراقه وصفحاته ، فلو لم يعرف مثل ذلك ، لكن وصفه بصفات وعلامات اُخر لا تخفى على المالك ، كفى في تعريفه وتوصيفه .

(مسألة 22) : إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف - بأن لم تكن لها علامة وخصوصيات ممتازة عن غيرها حتّى يصف بها من يدّعيها ويسأل عنها الملتقط ، كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرور ولا مكسور - سقط التعريف ، وحينئذٍ هل يتخيّر بين الاُمور الثلاثة المتقدّمة من دون تعريف مثل ما حصل اليأس من وجدان مالكه ، أو يعامل معه معاملة مجهول المالك فيتعيّن التصدّق به ؟ وجهان ، أحوطهما الثاني .

(مسألة 23) : إذا التقط اثنان لقطة واحدة ، فإن كان المجموع دون درهم جاز لهما تملّكها في الحال من دون تعريف وكان بينهما بالتساوي ، وإن كانت بمقدار درهم فما زاد وجب عليهما تعريفها وإن كانت حصّة كلّ منهما أقلّ من درهم .

ص: 373

ويجوز أن يتصدّى للتعريف كلاهما أو أحدهما(1) أو يوزّع الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل ، فإن توافقا على أحد الأنحاء فقد تأدّى ما هو الواجب عليهما وسقط عنهما ، وإن تعاسر يوزّع الحول عليهما بالتساوي ، وهكذا بالنسبة إلى اُجرة التعريف لو كانت عليهما ، وبعد ما تمّ حول التعريف يجوز اتّفاقهما على التملّك أو التصدّق أو الإبقاء أمانة . ويجوز أن يختار أحدهما غير ما يختاره الآخر ؛ بأن يختار أحدهما التملّك والآخر التصدّق مثلاً ؛ كلّ في نصفه .

(مسألة 24) : إذا التقط الصبيّ أو المجنون ، فما كان دون درهم ملكاه إن قصدا(2) أو قصد وليّهما التملّك ، وما كان مقدار درهم فما زاد يعرّف وكان التعريف على وليّهما ، وبعد تمام الحول يختار من التملّك لهما والتصدّق والإبقاء أمانة ما هو الأصلح لهما .

(مسألة 25) : اللقطة في مدّة التعريف أمانة لا يضمنها الملتقط إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، وكذا بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة لمالكها ، وأمّا إن اختار التملّك أو التصدّق ، فإنّه تصير في ضمانه كما تعرفه .

(مسألة 26) : إن وجد المالك وقد تملّكه الملتقط بعد التعريف ، فإن كانت العين باقية أخذها وليس له إلزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو القيمة ، وكذا

ص: 374


1- - إذا تصدّى أحدهما لأداء تكليفه وترك الآخر عصياناً أو لعذر ، فالظاهر عدم جواز تملّك التارك حصّته ، وأمّا المتصدّي فيجوز له تملّك حصّته إذا عرّفها سنة . والأحوط لهما في صورة التوافق على التوزيع أن ينوي كلّ منهما التعريف عنه وعن صاحبه وإلاّ فيشكل تملّكهما .
2- - تأثير قصدهما فيه محلّ إشكال بل منع .

ليس له إلزام المالك بأخذ البدل ، وإن كانت تالفة أو منتقلة إلى الغير ببيع ونحوه أخذ بدله من الملتقط من المثل أو القيمة ، وإن وجد بعد ما تصدّق به فليس له أن يرجع إلى العين وإن كانت موجودة عند المتصدّق له ، وإنّما له أن يرجع على الملتقط ويأخذ منه بدل ماله إن لم يرض بالتصدّق ، وإن رضي به لم يكن له الرجوع عليه وكان أجر الصدقة له . هذا إذا وُجد المالك ، وأمّا إذا لم يوجد فلا شيء عليه في الصورتين .

(مسألة 27) : لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم وإن جاز له دفعها إليه قبل التعريف وبعده ، بل إن اختار التصدّق بها بعد التعريف كان الأولى أن يدفعها إليه ليتصدّق بها .

(مسألة 28) : لو وجد المالك وقد حصل للّقطة نماء متّصل يتبع العين ، فيأخذ العين بنمائه ؛ سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده ، وسواء حصل قبل التملّك أو بعده . وأمّا النماء المنفصل ، فإن حصل بعد التملّك كان للملتقط ، فإذا كانت العين موجودة تدفعها إلى المالك دون نمائها ، وإن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملّك كان للمالك .

(مسألة 29) : لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط ، فعرّف العين حولاً ولم يجد المالك فهل له تملّك النماء بتبع العين أم لا ؟ وجهان ، بل قولان ، أظهرهما الأوّل وأحوطهما(1) الثاني ؛ بأن يعمل معه معاملة مجهول المالك فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك .

ص: 375


1- - لا يترك .

(مسألة 30) : ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة التي باد أهلها وفي المفاوز وكلّ أرض لا ربّ لها ، فهو لواجده من دون تعريف ، وعليه الخمس(1) كما مرّ في كتابه ، وكذا ما كان مطروحاً وعلم أو ظنّ بشهادة بعض العلائم والخصوصيات أ نّه ليس لأهل زمن الواجد . وأمّا ما علم أ نّه لأهل زمانه فهي لقطة ، فيجب تعريفها إن كان بمقدار الدرهم فما زاد ، وقد مرّ أ نّه يعرّف في أيّ بلد شاء .

(مسألة 31) : لو علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده ، لكن لم يمكن الإيصال إليه ولا إلى وارثه ، ففي إجراء حكم اللقطة عليه من التخيير بين الاُمور الثلاثة ، أو إجراء حكم مجهول المالك عليه وتعيّن التصدّق به وجهان ، الأحوط الثاني(2) ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 32) : لو مات الملتقط ، فإن كان بعد التعريف والتملّك ينتقل إلى وارثه ، وإن كان بعد التعريف وقبل التملّك ، يتخيّر وارثه بين الاُمور الثلاثة ، وإن كان قبل التعريف أو في أثنائه يتولاّه(3) وارثه في الأوّل ، ويتمّه في الثاني ، ثمّ هو مخيّر بين الاُمور الثلاثة . ولو تعدّدت الورثة كان حكمهم حكم الملتقط المتعدّد مع وحدة اللقطة ، وقد مرّ حكمه في بعض المسائل السابقة .

(مسألة 33) : لو وجد مالاً في دار معمورة يسكنها الغير - سواء كانت ملكاً له أو مستأجرة أو مستعارة بل أو مغصوبة - عرّفه الساكن ، فإن ادّعى ملكيته فهو له ،

ص: 376


1- - مع صدق الكنز عليه .
2- - الأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم .
3- - محلّ إشكال ، بل لا يبعد جريان حكم مجهول المالك عليه .

فليدفع إليه بلا بيّنة ، وكذا لو قال : لا أدري(1) ، وإن سلبه عن نفسه فقد نُسب إلى المشهور(2) : أ نّه ملك للواجد ، وفيه إشكال ، فالأحوط إجراء حكم اللقطة عليه ، وأحوط منه إجراء حكم مجهول المالك ، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك .

(مسألة 34) : لو وجد شيئاً في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره ، فإن كان غير السمك كالغنم والبقر عرّفه صاحبه السابق ، فإن ادّعاه دفعه إليه ، وكذا إن قال : «لا أدري» على الأحوط(3) ، وإن أنكره كان للواجد . وإن وجد شيئاً - لؤلؤة أو غيرها - في جوف سمكة اشتراها من غيره فهو له . والظاهر أنّ الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق غير السمك بحكم السمك ، كما إذا اصطاد غزالاً فوجد في جوفه شيئاً ، وإن كان الأحوط إجراء حكم اللقطة أو المجهول المالك عليه .

(مسألة 35) : لو وجد في داره التي يسكنها شيئاً ، ولم يعلم أ نّه ماله أو مال غيره ، فإن لم يدخلها غيره ، أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتّفاق ، كالدخلانية المعدّة لأهله وعياله فهو له ، وإن كانت ممّا يتردّد فيها الناس ، كالبرّانية المعدّة للأضياف والواردين والعائدين والمضايف ونحوها ، فهي لقطة يجري عليه حكمها ، وإن وجد في صندوقه شيئاً ولم يعلم أ نّه ماله أو مال غيره ، فهو له إلاّ إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئاً ، فيعرّفه ذلك الغير ، فإن أنكره كان له ، لا لذلك الغير ، فإن ادّعاه دفعه إليه ، وإن قال : «لا أدري» فالأحوط التصالح .

ص: 377


1- - لا يخلو من إشكال .
2- - ما نسب إلى المشهور : أ نّه إذا لم يعرفه فهو لواجده .
3- - وإن كان الأقوى أ نّه لواجده .

(مسألة 36) : لو أخذ من شخص مالاً ، ثمّ علم أ نّه لغيره قد أخذ منه بغير وجه شرعي وعدواناً ولم يعرف المالك ، يجري عليه حكم مجهول المالك لا اللقطة ؛ لما مرّ أ نّه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ولا ضياع في هذا الفرض . نعم في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالاً ثمّ تبيّن أ نّه مال غيره ولم يعرفه ، يجب عليه أن يمسكه ، ولا يردّه إلى السارق مع الإمكان ، ثمّ هو بحكم اللقطة فيعرّفها حولاً ، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه ، وإلاّ تصدّق بها ، فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له ، وكان الأجر له ، وليس له(1) أن يتملّكه بعد التعريف ، فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة .

(مسألة 37) : لو التقط شيئاً فبعد ما صار في يده ادّعاه شخص حاضر وقال : «إنّه مالي» يشكل دفعه إليه بمجرّد دعواه ، بل يحتاج إلى البيّنة ، إلاّ إذا كان بحيث يصدق عرفاً أ نّه في يده أو ادّعاه قبل أن يلتقطه ، فيحكم بكونه ملكاً للمدّعي ، ولا يجوز له أن يلتقطه .

(مسألة 38) : لا يجب دفع اللقطة إلى من يدّعيها إلاّ مع العلم أو البيّنة ، وإن وصفها بصفات وعلامات لا يطّلع عليها غير المالك غالباً إذا لم يفد القطع بكونه المالك . نعم نسب إلى الأكثر : أ نّه إن أفاد الظنّ جاز(2) دفعها إليه ، فإن تبرّع بالدفع عليه لم يمنع ، وإن امتنع لم يجبر ، وفيه إشكال ، فالأحوط الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البيّنة .

ص: 378


1- - على الأحوط .
2- - وهو الأقوى .

(مسألة 39) : لو تبدّل مداسه بمداس آخر في مسجد أو غيره ، أو تبدّل ثيابه في حمّام أو غيره بثياب آخر ، فإن علم أنّ الموجود لمن أخذ ماله جاز أن يتصرّف فيه ، بل يتملّكه بعنوان التقاصّ(1) عن ماله ، خصوصاً فيما إذا علم ولو بشاهد الحال أنّ صاحبه قد بدّله متعمّداً . نعم لو كان الموجود أجود ممّا أخذ يلاحظ التفاوت فيقوّمان معاً ويتصدّق مقدار التفاوت بعد اليأس عن صاحب المتروك ، وإن لم يعلم بأنّ المتروك لمن أخذ ماله أو لغيره ، يعامل معه معاملة مجهول المالك ، فيتفحّص عن صاحبه ، ومع اليأس عنه يتصدّق به ، بل الأحوط ذلك - أيضاً - فيما لو علم أنّ الموجود للآخذ ، لكن لم يعلم أ نّه قد بدّل متعمّداً .

خاتمة

إذا وجد صبياً ضائعاً لا كافل له ، ولا يستقلّ بنفسه على السعي فيما يصلحه والدفع عمّا يضرّه ويهلكه - ويقال له : «اللقيط» - يجوز بل يستحبّ التقاطه وأخذه ، بل يجب(2) إذا كان في معرض التلف ؛ سواء كان منبوذاً قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما - عجزاً عن النفقة ، أو خوفاً من التهمة - أو غيره ، بل وإن كان مميّزاً بعد صدق كونه ضائعاً تائهاً لا كافل له . وبعد ما أخذ اللقيط والتقطه ، يجب عليه حضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره وهو أحقّ به من غيره إلى أن يبلغ ، فليس لأحد أن ينتزعه من يده ويتصدّى

ص: 379


1- - في غير صورة العلم بالتعمّد محلّ إشكال وإن لا يخلو من قرب ، لكن بعد الفحص عن صاحبه واليأس منه ، وكذا يجب الفحص في صورة التعمّد .
2- - مقدّمة ؛ إذا توقّف حفظه عليه .

حضانته ، غير من له حقّ الحضانة شرعاً بحقّ النسب كالأبوين والأجداد وسائر الأقارب ، أو بحقّ الوصاية كوصيّ الأب أو الجدّ إذا وجد أحد هؤلاء ، فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط ؛ لوجود الكافل له حينئذٍ ، واللقيط من لا كافل له ، وكما لهؤلاء حقّ الحضانة ، فلهم انتزاعه من يد آخذه كذلك عليهم ذلك ، فلو امتنعوا اُجبروا عليه .

(مسألة 1) : إذا كان للّقيط مال ؛ من فراش أو غطاء زائدين على مقدار حاجته ، أو غير ذلك ، جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله ، ومع تعذّرهما(1) جاز له ذلك بنفسه ولا ضمان عليه ، وإن لم يكن له مال ، فإن وجد من ينفق عليه - من حاكم بيده بيت المال ، أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها ، أو متبرّع - كان له الاستعانة بهم في إنفاقه ، أو الإنفاق عليه من ماله ، وليس له حينئذٍ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه ويساره وإن نوى الرجوع عليه ، وإن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعيّن عليه وكان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه .

(مسألة 2) : يشترط في الملتقط : البلوغ والعقل والحرّية ، وكذا الإسلام إن كان اللقيط محكوماً بالإسلام .

(مسألة 3) : لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام ، وكذا لقيط دار الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل تولّد اللقيط منه . وإن كان في دار الكفر ولم يكن فيها مسلم أو كان ولم يحتمل كونه منه يحكم بكفره . وفيما كان محكوماً بالإسلام لو أعرب

ص: 380


1- - وتعذّر عدول المؤمنين على الأحوط .

عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره ، لكن لا يجري عليه حكم المرتدّ الفطري على الأقوى .

(مسألة 4) : اللقيط محكوم بالحرّية ما لم يعلم خلافه ، أو أقرّ على نفسه بالرقّ بعد بلوغه ، حتّى فيما(1) لو التقط من دار الكفر ولم يكن فيها مسلم احتمل تولّده منه ، غاية الأمر أ نّه يجوز استرقاقه حينئذٍ ، وهذا غير الحكم برقّيته كما لا يخفى .

ص: 381


1- - محلّ تأمّل .

كتاب النكاح

اشارة

وهو من المستحبّات الأكيدة ، وما ورد في الحثّ عليه والذمّ على تركه ممّا لا يحصى كثرة ، فعن مولانا الباقر علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللّه - عزّ وجلّ - من التزويج» ، وعن مولانا الصادق علیه السلام : «ركعتان يصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيها عزب» ، وعنه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : رذال موتاكم العزّاب» ، وفي خبر آخر عنه صلی الله علیه و آله وسلم : «أكثر أهل النار العزّاب» . ولا ينبغي أن يمنعه عنه الفقر والعيلة بعد ما وعد اللّه - عزّ وجلّ - بالإغناء والسعة بقوله عزّ من قائل: )إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّه ُ مِنْ فَضلِهِ( ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من ترك التزويج مخافة العيلة ، فقد أساء الظنّ باللّه عزّ وجلّ» .

هذا ، وممّا يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب اُمور : بعضها متعلّق بمن ينبغي اختياره للزواج ومن لا ينبغي ، وبعضها في آداب العقد ، وبعضها في آداب الخلوة مع الزوجة ، وبعضها من اللواحق التي لها مناسبة بالمقام ، وهي تذكر في ضمن مسائل :

(مسألة 1) : ممّا ينبغي أن يهتمّ به الإنسان النظر في صفات من يريد

ص: 382

تزويجها ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «اختاروا لنطفكم ، فإنّ الخال أحد الضجيعين» ، وفي خبر آخر : «تخيّروا لنطفكم ، فإنّ الأبناء تشبه الأخوال» ، وعن مولانا الصادق uلبعض أصحابه - حين قال : قد هممت أن أتزوّج - : «انظر أين تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرّك ، فإن كنت لا بدّ فاعلاً ، فبكراً تنسب إلى الخير وحسن الخلق . . .» الخبر ، وعنه علیه السلام : «إنّما المرأة قلاّدة فانظر ما تتقلّد ، وليس للمرأة خطر لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهنّ ، فأمّا صالحتهنّ فليس خطرها الذهب والفضّة ، هي خير من الذهب والفضّة ، وأمّا طالحتهنّ فليس خطرها التراب ، التراب خير منها» .

وكما ينبغي للرجل أن ينظر فيمن يختارها للتزويج ، كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل ، فعن مولانا الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «النكاح رقّ فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقّها ، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته» .

(مسألة 2) : ينبغي أن لا يكون النظر في اختيار المرأة مقصوراً على الجمال والمال ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من تزّوج المرأة لا يتزوّجها إلاّ لجمالها لم ير فيها ما يحبّ ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلاّ له وكله اللّه إليه ، فعليكم بذات الدين» ، بل يختار من كانت واجدة لصفات شريفة صالحة قد وردت في مدحها الأخبار ، فاقدة لصفات ذميمة قد نطقت بذمّها الآثار ، وأجمع خبر في هذا الباب ما عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «خير نسائكم الولود ، الودود ، العفيفة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرّجة مع زوجها ، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله ، وتطيع أمره - إلى أن قال - ألا اُخبركم بشرار نسائكم ؟ الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم ، الحقود ، التي لا تورّع من قبيح ، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها ،

ص: 383

الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنّع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذراً ، ولا تقيل له ذنباً» . وفي خبر آخر عنه صلی الله علیه و آله وسلم : «إيّاكم وخضراء الدمن» . قيل : يا رسول اللّه وما خضراء الدمن ؟ قال : «المرأة الحسناء في منبت السوء» ، أشار(1) إلى كونها ممّن تنال آباءها واُمّهاتها وعشيرتها الألسن ، وكانوا معروفين بعدم النجابة .

(مسألة 3) : يكره تزويج الزانية والمتولّدة من الزنا ، وأن يتزوّج الشخص قابلته أو ابنتها .

(مسألة 4) : لا ينبغي للمرأة أن تختار زوجاً سيّئ الخلق والمخنّث والفاسق وشارب الخمر ، ومن كان من الزنج أو الأكراد أو الخوزي أو الخزر .

(مسألة 5) : يستحبّ الإشهاد في العقد والإعلان به والخطبة أمامه ؛ أكملها ما اشتمل على التحميد والصلاة على النبي والأئمّة المعصومين والشهادتين والوصيّة بالتقوى والدعاء للزوجين ، ويجزي(2) «الحمد للّه والصلاة على محمّد وآله» ، وإيقاعه ليلاً ، ويكره إيقاعه والقمر في برج العقرب ، وإيقاعه في محاق الشهر ، وفي أحد الأيّام المنحوسة في كلّ شهر المشتهرة في الألسن بكوامل الشهر ، وهي سبعة : الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون .

(مسألة 6) : يستحبّ أن يكون الزفاف ليلاً ، والوليمة في ليله أو نهاره ، فإنّها

ص: 384


1- - حصره في ذلك ممنوع .
2- - بل يجزي التحميد فقط .

من سنن المرسلين ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا وليمة إلاّ في خمس : في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز» ؛ يعني للتزويج أو ولادة الولد أو الختان أو شراء الدار أو القدوم من مكّة . وإنّما تستحبّ يوماً أو يومين لا أزيد ، للنبوي : «الوليمة في الأوّل حقّ ، ويومان مكرمة ، وثلاثة أيّام رياء وسمعة» وينبغي أن يدعى لها المؤمنون ، ويستحبّ لهم الإجابة والأكل وإن كان المدعوّ صائماً نفلاً ، وينبغي أن يعمّ صاحب الدعوة الأغنياء والفقراء وأن لا يخصّها بالأغنياء ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «شرّ الولائم أن يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء» .

(مسألة 7) : يستحبّ لمن أراد الدخول بالمرأة ليلة الزفاف أو يومه أن يصلّي ركعتين ، ثمّ يدعو بعدهما بالمأثور ، وأن يكونا على طهر وأن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول : «اللهُمّ على كتابك تزوّجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله ذكراً مسلماً سويّاً ولا تجعله شرك شيطان» .

(مسألة 8) : للخلوة بالمرأة مطلقاً - ولو في غير ليلة الزفاف - آداب ، وهي بين مستحبّ ومكروه :

أمّا المستحبّ : فمنها : أن يسمّي عند الجماع ، فإنّه وقاية عن شرك الشيطان ، فعن الصادق علیه السلام : «إذا أتى أحدكم أهله فليذكر اللّه ، فإن لم يفعل وكان منه ولد ، كان شرك شيطان» ، وفي معناه أخبار كثيرة . ومنها : أن يسأل اللّه تعالى أن يرزقه ولداً تقياً مباركاً زكيّاً ذكراً سويّاً . ومنها : أن يكون على وضوء ، سيّما إذا كانت المرأة حاملاً .

وأمّا المكروه : فيكره الجماع في ليلة خسوف القمر ، ويوم كسوف الشمس ،

ص: 385

ويوم هبوب الريح السوداء والصفراء ، والزلزلة ، وعند غروب الشمس حتّى يذهب الشفق ، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي المحاق ، وفي أوّل ليلة من كلّ شهر ما عدا شهر رمضان ، وفي ليلة النصف من كلّ شهر ، وليلة الأربعاء ، وفي ليلتي الأضحى والفطر . ويستحبّ ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة ، ويوم الخميس عند الزوال ، ويوم الجمعة بعد العصر . ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به ، والجماع وهو عريان ، وعقيب الاحتلام قبل الغسل ، نعم لا بأس بأن يجامع مرّات من غير تخلّل الغسل بينها ويكون غسله أخيراً ، لكن يستحبّ غسل الفرج والوضوء عند كلّ مرّة ، وأن يجامع وعنده من ينظر إليه حتّى الصبيّ والصبيّة ، والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها ، وفي السفينة ، والكلام عند الجماع بغير ذكر اللّه ، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة، وعلى الامتلاء من الطعام، فعن الصادق علیه السلام : «ثلاث يهدمن البدن وربّما قتلن : دخول الحمّام على البطنة ، والغشيان على الامتلاء ، ونكاح العجائز» . ويكره الجماع قائماً ، وتحت السماء ، وتحت الشجرة المثمرة ، ويكره أن تكون خرقة الرجل والمرأة واحدة ، بل يكون له خرقة ولها خرقة ، ولا يمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة ، ففي الخبر : أنّ ذلك يعقب بينهما العداوة .

(مسألة 9) : يستحبّ التعجيل في تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند بلوغها ، فعن الصادق علیه السلام : «من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته» ، وفي الخبر : «إنّ الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر ؛ إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الرياح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فليس لهنّ دواء إلاّ البعولة» وأن لا يردّ الخاطب إذا كان من يرضى خلقه ودينه وأمانته وكان عفيفاً صاحب يسار ، ولا ينظر إلى شرافة الحسب وعلوّ النسب ، فعن علي علیه السلام

ص: 386

عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه» قلت : يا رسول اللّه وإن كان دنيّاً في نسبه ؟ قال : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» .

(مسألة 10) : يستحبّ السعي في التزويج والشفاعة فيه وإرضاء الطرفين ، فعن الصادق علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام : أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتّى يجمع اللّه بينهما» ، وعن الكاظم علیه السلام قال : «ثلاثة يستظلّون بظلّ عرش اللّه يوم القيامة يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم أو أخدمه أو كتم له سرّاً» ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من عمل في تزويج بين مؤمنين حتّى يجمع بينهما ، زوّجه اللّه ألف امرأة من الحور العين كلّ امرأة في قصر من درّ وياقوت ، وكان له بكلّ خطوة خطاها أو بكلّ كلمة تكلّم بها في ذلك عمل سنة قام ليلها وصام نهارها ، ومن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه غضب اللّه ولعنته في الدنيا والآخرة ، وكان حقّاً على اللّه أن يرضخه بألف صخرة من نار ، ومن مشى في فساد ما بينهما ولم يفرّق كان في سخط اللّه - عزّ وجلّ - ولعنته في الدنيا والآخرة وحرّم عليه النظر إلى وجهه» .

(مسألة 11) : المشهور(1) جواز وط ء الزوجة والمملوكة دبراً على كراهية شديدة ، والأحوط تركه خصوصاً مع عدم رضاها .

(مسألة 12) : لا يجوز وط ء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ؛ دواماً كان النكاح أو منقطعاً ، وأمّا سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتقبيل والضمّ والتفخيذ فلا بأس بها حتّى في الرضيعة . ولو وطئها قبل التسع ولم يفضها لم يترتّب عليه

ص: 387


1- - وهو الأقوى .

شيء غير الإثم على الأقوى ، وإن أفضاها - بأن جعل مسلكي البول والحيض أو مسلكي الحيض والغائط(1) واحداً - حرم عليه وطؤها أبداً ، ولكن لم تخرج عن زوجيته على الأقوى ، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة اُختها معها وغيرها . ويجب عليه نفقتها ما دامت حيّة وإن طلّقها ، بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط(2) . ويجب عليه دية الإفضاء - وهي دية النفس - فإذا كانت حرّة ، فلها نصف دية الرجل ، مضافاً إلى المهر الذي استحقّته بالعقد والدخول . ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية ، ولكنّ الأحوط(3) الإنفاق عليها ما دامت حيّة .

(مسألة 13) : لا يجوز ترك وط ء الزوجة أكثر من أربعة أشهر إلاّ بإذنها ؛ حتّى المنقطعة على الأحوط(4) . ويختصّ الحكم بصورة عدم العذر ، وأمّا معه فيجوز الترك مطلقاً ما دام وجود العذر ، كما إذا خيف الضرر عليه أو عليها ، ومن العذر عدم الميل المانع عن انتشار العضو. وهل يختصّ الحكم بالحاضر، فلا بأس على المسافر وإن طال سفره أو يعمّهما ، فلا يجوز للمسافر إطالة سفره أزيد من أربعة أشهر، بل يجب عليه مع عدم العذر الحضور لإيفاء حقّ زوجته؟ قولان، أظهرهما الأوّل ، لكن بشرط كون السفر ضرورياً - ولو عرفاً - كسفر تجارة أو زيارة أو تحصيل علم ونحو ذلك، دون(5) ما كان لمجرّد الميل والاُنس والتفرّج ونحو ذلك.

ص: 388


1- - على الأحوط في هذه الصورة .
2- - بل لا يخلو من قوّة .
3- - وإن كان الأقوى عدم الوجوب .
4- - بل الأقوى .
5- - على الأحوط .

(مسألة 14) : لا إشكال في جواز العزل ، وهو إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المنيّ إلى الخارج في غير الزوجة الدائمة الحرّة ، وكذا فيها مع إذنها . وأمّا فيها بدون إذنها ففيه قولان ، أشهرهما الجواز مع الكراهة(1) وهو الأقوى ، كما أنّ الأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة ، وقيل بوجوبها عليه للزوجة ؛ وهي عشرة دنانير ، وهو ضعيف في الغاية .

(مسألة 15) : يجوز لكلّ من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر ؛ ظاهره وباطنه حتّى العورة ، وكذا مسّ كلّ منهما بكلّ عضو منه كلّ عضو من الآخر مع التلذّذ وبدونه .

(مسألة 16) : لا إشكال في جواز نظر الرجل إلى ما عدا العورة من مماثله ؛ شيخاً كان المنظور إليه أو شابّاً ، حسن الصورة أو قبيحها ، ما لم يكن بتلذّذ وريبة - والعورة : هي القبل والدبر والبيضتان كما سبق في أحكام التخلّي من كتاب الطهارة - وكذا لا إشكال في جواز نظر المرأة إلى ما عدا العورة من مماثلها ، وأمّا عورتها فيحرم أن تنظر إليها كالرجل .

(مسألة 17) : يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه - ما عدا العورة - إذا لم يكن مع تلذّذ وريبة . والمراد بالمحارم من يحرم عليه نكاحهنّ من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة . وكذا يجوز لهنّ النظر إلى ما عدا العورة من جسده بدون تلذّذ أو ريبة .

(مسألة 18) : لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه والكفّين

ص: 389


1- - بل لا يبعد عدم الكراهة في التي علم أ نّها لا تلد ، وفي المسنّة والسليطة والبذيئة والتي لا ترضع ولدها .

من المرأة الأجنبيّة من شعرها وسائر جسدها ؛ سواء كان فيه تلذّذ وريبة أم لا ، وكذا الوجه والكفّان إذا كان بتلذّذ وريبة ، وأمّا بدونها ففيه قولان ، بل أقوال : الجواز مطلقاً وعدمه مطلقاً والتفصيل بين نظرة واحدة فالأوّل وتكرار النظر فالثاني ، وأحوط الأقوال ، بل أقواها(1) أوسطها .

(مسألة 19) : لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبيّ كالعكس ، واستثناء الوجه والكفّين فيه أشكل(2) منه في العكس .

(مسألة 20) : كلّ من يحرم النظر إليه يحرم مسّه ، فلا يجوز مسّ الأجنبيّ الأجنبيّة وبالعكس ، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة لم نقل بجواز مسّهما منها ، فلا يجوز للرجل مصافحتها ، نعم لا بأس بها من وراء الثوب(3) .

(مسألة 21) : لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبيّ والأجنبيّة ، نعم الظاهر أ نّه لا بأس بالنظر إلى السنّ والظفر والشعر(4) المنفصلات .

(مسألة 22) : يستثنى من حرمة النظر واللمس في الأجنبيّ والأجنبيّة مقام المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل كمعرفة النبض(5) والفَصد والحجامة وجبر الكسر ونحو ذلك ، ومقام الضرورة كما إذا توقّف استنقاذه من الغرق أو الحرق على

ص: 390


1- - الأقوائية ممنوعة .
2- - فيه منع ، بل الجواز لا يخلو من قرب .
3- - لكن لا يغمز كفّها احتياطاً .
4- - لا يترك الاحتياط فيه .
5- - إذا لم يمكن بآلة نحو الدرجة وغيرها .

النظر واللمس . وإذا اقتضت الضرورة أو توقّف العلاج على النظر دون اللمس أو العكس اقتصر(1) على ما اضطرّ إليه فلا يجوز الآخر .

(مسألة 23) : وكما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبيّة يجب عليها التستّر من الأجانب . ولا يجب على الرجال التستّر وإن كان يحرم على النساء(2) النظر إليهم ، نعم إذا علموا بأنّ النساء يتعمّدن في النظر إليهم يجب عليهم(3) التستّر منهنّ من باب حرمة الإعانة على الإثم .

(مسألة 24) : لا إشكال في أنّ الغير المميّز من الصبيّ والصبيّة خارج عن أحكام النظر واللمس(4) والتستّر ، بل هو بمنزلة سائر الحيوانات .

(مسألة 25) : يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبيّة ما لم تبلغ ؛ إذا لم يكن فيه تلذّذ وشهوة ، نعم الأحوط(5) الاقتصار على مواضع لم تجر العادة على سترها بالألبسة المتعارفة مثل الوجه والكفّين وشعر الرأس والذراعين والقدمين ، لا مثل الفخذ والأليين والظهر والصدر والثديين ، وكذا الأحوط عدم تقبيلها وعدم وضعها في حجره إذا بلغت ستّ سنين .

(مسألة 26) : يجوز للمرأة النظر إلى الصبيّ المميّز ما لم يبلغ ، ولا يجب عليها التستّر عنه ما لم يبلغ مبلغاً يترتّب(6) على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة .

ص: 391


1- - وفيما يضطرّ إليه اقتصر على مقدار الضرورة .
2- - مرّ بالنسبة إلى الوجه والكفّين .
3- - الأقوى عدم الوجوب ؛ لمنع صدق الإعانة .
4- - بغير شهوة لا معها لو فرض ثورانها .
5- - والأولى ، لكن لا ينبغي تركه .
6- - على الأقوى في الترتّب الفعلي ، وعلى الأحوط في غيره .

(مسألة 27) : يجوز النظر إلى نساء أهل الذمّة ، بل مطلق الكفّار ، مع عدم التلذّذ والريبة ؛ أعني خوف الوقوع في الحرام ، والأحوط الاقتصار على المواضع التي جرت عادتهنّ على عدم التستّر عنها . وقد تلحق بهنّ نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم اللاتي جرت عادتهنّ على عدم التستّر وإذا نهين لا ينتهين وهو مشكل . نعم الظاهر أ نّه يجوز التردّد في القرى والأسواق ومواقع تردّد تلك النسوة ومجامعهنّ ومحالّ معاملاتهنّ مع العلم عادة بوقوع النظر عليهنّ ، ولا يجب غضّ البصر في تلك المحالّ إذا لم يكن خوف افتتان .

(مسألة 28) : يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إليها ؛ بشرط(1) أن لا يكون بقصد التلذّذ وإن علم أ نّه يحصل بسبب النظر قهراً . والأحوط الاقتصار على وجهها(2) وكفّيها وشعرها ومحاسنها ، كما أنّ الأحوط - لو لم يكن الأقوى - الاقتصار على ما إذا كان قاصداً لتزويج المنظورة بالخصوص ، فلا يعمّ الحكم ما إذا كان قاصداً لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار . ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطّلاع عليها بالنظرة الاُولى .

(مسألة 29) : الأقوى جواز سماع صوت الأجنبيّة ما لم يكن تلذّذ وريبة ، وكذا يجوز لها إسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة ، وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة ، خصوصاً في الشابّة . وذهب جماعة إلى حرمة

ص: 392


1- - وبشرط أن يحتمل حصول زيادة بصيرة بها ، وبشرط أن يجوز تزويجها فعلاً ، لا مثل ذات البعل والعدّة .
2- - وإن كان الأقوى جواز التعدّي إلى المعاصم ، بل وسائر الجسد ما عدا العورة ، والأحوط أن يكون من وراء الثوب الرقيق .

السماع والإسماع وهو ضعيف في الغاية . نعم يحرم عليها المكالمة مع الرجال بكيفية مهيّجة ؛ بترقيق القول وتليين الكلام وتحسين الصوت ، فيطمع الذي في قلبه مرض .

فصل : في عقد النكاح وأحكامه

النكاح على قسمين : دائم ومنقطع ، وكلّ منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين دالّين على إنشاء المعنى المقصود والرضا به دلالة معتبرة عند أهل المحاورة ، فلا يكفي مجرّد الرضا القلبي من الطرفين ، ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات ، ولا الكتابة ، وكذا الإشارة المفهمة في غير الأخرس . والأحوط لزوماً كونه فيهما باللفظ العربي ، فلا يجزي غيره من سائر اللغات إلاّ مع العجز عنه ولو بتوكيل الغير(1) ، وعند ذلك لا بأس بإيقاعه بغيره ، لكن بعبارة يكون مفادها مفاد اللفظ العربي بحيث تعدّ ترجمته .

(مسألة 1) : الأحوط - لو لم يكن الأقوى - أن يكون الإيجاب من طرف الزوجة(2) والقبول من طرف الزوج ، وكذا الأحوط تقديم الأوّل على الثاني وإن كان الأظهر جواز العكس إذا لم يكن القبول بلفظ «قبلت»(3) .

(مسألة 2) : الأحوط أن يكون الإيجاب في النكاح الدائم بلفظي «أنكحت» أو «زوّجت» فلا يوقع بلفظ «متّعت»(4) فضلاً عن ألفاظ «بعت» أو «وهبت» أو

ص: 393


1- - الظاهر عدم وجوب التوكيل ويجوز بغير العربي مع عجزه .
2- - فلا يجزي أن يقول الزوج : «زوّجتك نفسي» فتقول الزوجة : «قبلت» على الأحوط .
3- - وأشباهه .
4- - لا يبعد وقوعه به مع الإتيان بما يجعله ظاهراً في الدوام ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

«ملّكت» أو «آجرت» ، وأن يكون القبول بلفظ «قبلت» أو «رضيت» . ويجوز الاقتصار في القبول بذكر «قبلت» فقط بعد الإيجاب من دون ذكر المتعلّقات التي ذكرت فيه ، فلو قال الموجب الوكيل عن الزوجة للزوج : «أنكحتك موكّلتي فلانة على المهر الفلاني» فقال الزوج : «قبلت» من دون أن يقول : «قبلت النكاح لنفسي على المهر الفلاني» صحّ .

(مسألة 3) : يتعدّى كلّ من الإنكاح والتزويج إلى مفعولين ، ويجعل الزوجة(1) مفعولاً أوّلاً والزوج مفعولاً ثانياً ؛ حيث إنّها بمنزلة المملّك نفسها له وأ نّه بمنزلة المتملّك لها لنفسه ، ويشتركان في أنّ كلاًّ منهما يتعدّيان إلى المفعول الثاني بنفسه تارة وبواسطة «من» اُخرى ، فيقال : «أنكحت - أو زوّجت - هنداً زيداً» أو « . . . من زيد» ويختصّ الأوّل بتعديته إليه باللام(2) فيقال : «أنكحت هنداً لزيد» والثاني بتعديته إليه بواسطة الباء فيقال : «زوّجت هنداً بزيد» . وبالجملة : يتعدّى كلّ منهما إلى المفعول الثاني على ثلاثة أوجه . هذا بحسب المشهور والمأنوس من الاستعمال ، وربّما يستعملان على غير تلك الوجوه ولكنّه ليس بمشهور ولا مأنوس .

(مسألة 4) : عقد النكاح قد يقع بين الزوج والزوجة وبمباشرتهما فبعد التقاول والتواطؤ وتعيين المهر ، تقول الزوجة مخاطبة للزوج : «أنكحتك نفسي - أو أنكحت نفسي منك ، أو لك - على المهر المعلوم» فيقول الزوج بغير فصل

ص: 394


1- - بل الأولى جعل الزوج مفعولاً أوّلاً ؛ لأ نّه بمنزلة الآخذ ، كما ورد كذلك في القرآن الكريم وفي الأخبار غالباً .
2- - بل يتعدّى الثاني أيضاً باللام .

معتدّ به : «قبلت النكاح لنفسي على المهر المعلوم» أو « . . . هكذا» أو تقول : «زوّجتك نفسي - أو زوّجت نفسي منك أو بك - على المهر المعلوم» فيقول : «قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم» أو « . . . هكذا» . وقد يقع بين وكيليهما ، فبعد التقاول وتعيين الموكّلين والمهر يقول وكيل الزوجة مخاطباً لوكيل الزوج : «أنكحت موكّلتي(1) فلانة موكّلك فلان - أو من موكّلك أو لموكّلك فلان - على المهر المعلوم» فيقول وكيل الزوج : «قبلت النكاح لموكّلي على المهر المعلوم» أو « . . . هكذا» أو يقول وكيلها : «زوّجت موكّلتي موكّلك - أو من موكّلك أو بموكّلك - فلان على المهر المعلوم» فيقول وكيله :«قبلت التزويج لموكّلي على المهر المعلوم» أو « . . . هكذا» . وقد يقع بين وليّيهما كالأب والجدّ ، فبعد التقاول وتعيين المولّى عليهما والمهر يقول وليّ الزوجة : «أنكحت ابنتي ، أو ابنة ابني فلانة مثلاً ابنك - أو ابن ابنك فلان أو من ابنك أو ابن ابنك أو لابنك أو لابن ابنك - على المهر المعلوم» أو يقول : «زوّجت بنتي ابنك مثلاً أو من ابنك أو بابنك» فيقول وليّ الزوج : «قبلت النكاح - أو التزويج - لابني - أو لابن ابني - على المهر المعلوم» . وقد يكون بالاختلاف ؛ بأن يقع بين الزوجة ووكيل الزوج وبالعكس ، أو بينها وبين وليّ الزوج وبالعكس ، أو بين وكيل الزوجة ووليّ الزوج وبالعكس ، ويعرف كيفية إيقاع العقد في هذه الصور الستّ ممّا فصّلناه في الصور الثلاث المتقدّمة .

(مسألة 5) : لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الإيجاب ، بل يصحّ

ص: 395


1- - الأولى أن يقول : «أنكحت موكّلك موكّلتي» بتقديم الزوج كما مرّ ، وهكذا في سائر الصيغ .

الإيجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر ، فلو قال : «زوّجتك» فقال : «قبلت النكاح» أو قال : «أنكحتك» فقال : «قبلت التزويج» صحّ وإن كان الأحوط المطابقة .

(مسألة 6) : إذا لحن في الصيغة ، فإن كان مغيّراً للمعنى ؛ بحيث يعدّ اللفظ عبارة لمعنىً آخر غير ما هو المقصود لم يكف ، وإن لم يكن مغيّراً بل كان بحيث يفهم منه المعنى المقصود ويعدّ لفظاً لهذا المعنى إلاّ أ نّه يقال له : لفظ ملحون وعبارة ملحونة من حيث المادّة أو من جهة الإعراب والحركات ، فالاكتفاء به لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط خلافه ، وأولى بالاكتفاء اللغات المحرّفة عن اللغة العربية الأصلية كلغة أهالي سواد العراق في هذا الزمان إذا كان المباشر للعقد من أهالي تلك اللغة ، فلو قال عراقي في الإيجاب : جوّزت بدل زوّجت صحّ(1) .

(مسألة 7) : يعتبر في العقد القصد إلى مضمونه ، وهو متوقّف على فهم معنى لفظي : «أنكحت» و«زوّجت» ولو بنحو الإجمال ؛ حتّى لا يكون مجرّد لقلقة لسان . نعم لا يعتبر العلم بالقواعد العربية ولا العلم والإحاطة بخصوصيات معنى اللفظين على التفصيل ، بل يكفي علمه إجمالاً ، فإذا كان الموجب بقوله : «أنكحت» أو «زوّجت» قاصداً لإيقاع العلقة الخاصّة المعروفة المرتكزة في الأذهان التي يطلق عليها : «النكاح» و«الزواج» في لغة العرب ويعبّر عنها في لغات اُخر بعبارات اُخر ، وكان القابل قابلاً لذلك المعنى كفى(2) .

ص: 396


1- - مشكل جدّاً ؛ لأ نّه لحن مغيّر للمعنى ، إلاّ إذا فرض صيرورته في لغتهم كالمنقول .
2- - إذا كان جاهلاً باللغات بحيث لا يفهم أنّ العُلقة واقعة بلفظ «زوّجت» أو بلفظ «موكّلتي» فصحّته مشكلة وإن علم إجمالاً أنّ هذه الجملة لهذا المعنى .

(مسألة 8) : يعتبر في العقد قصد الإنشاء ؛ بأن يكون الموجب في قوله : «أنكحت» أو «زوّجت» قاصداً إيقاع النكاح والزواج وإحداث وإيجاد ما لم يكن ، لا الإخبار والحكاية عن وقوع شيء في الخارج ، والقابل بقوله : «قبلت» منشئاً لقبول ما أوقعه الموجب .

(مسألة 9) : يعتبر الموالاة وعدم الفصل المعتدّ به بين الإيجاب والقبول .

(مسألة 10) : يشترط في صحّة العقد التنجيز ، فلو علّقه على شرط أو مجيء زمان بطل . نعم لو علّقه على أمر محقّق الحصول ، كما إذا قال في يوم الجمعة : «أنكحت إذا كان اليوم يوم الجمعة» لم يبعد الصحّة ، وكذا لو علّقه على أمر كان صحّة العقد متوقّفة عليه(1) كما إذا قالت : «إذا صحّ نكاحي معك ولم أكن اُختك فقد أنكحتك نفسي» .

(مسألة 11) : يشترط في العاقد المجري للصيغة : البلوغ والعقل ، فلا اعتبار بعقد الصبيّ والمجنون ، ولو أدوارياً حال جنونه ؛ سواء عقدا لنفسهما أو لغيرهما ، على إشكال(2) في الصبيّ إذا كان مميّزاً قاصداً للمعنى وعقد لغيره وكالة أو فضولاً وأجاز ، بل وفيما إذا عقد لنفسه مع إذن الوليّ أو إجازته أو أجاز هو بعد البلوغ . وكذا يعتبر فيه القصد ، فلا اعتبار بعقد الساهي والغالط والسكران(3) وأشباههم .

ص: 397


1- - مع جهله بالواقعة محلّ إشكال ، ومع علمه بحصول المتوقّف عليه يكون من قبيل الأوّل .
2- - الأحوط سقوط عبارته ومع إيقاعه يتخلّص بالاحتياط .
3- - وفي خصوص عقد السكرى إذا عقّبه الإجازة حال الإفاقة لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق .

(مسألة 12) : يشترط في صحّة العقد تعيين الزوجين على وجه يمتازان عن غيرهما ؛ بالاسم أو الإشارة أو الوصف الموجب لذلك ، فلو قال : «زوّجتك إحدى بناتي» أو قال : «زوّجت بنتي فلانة من أحد بنيك» أو « . . . من أحد هذين» بطل . نعم يشكل فيما لو كانا معيّنين بحسب قصد المتعاقدين ومتميّزين في ذهنهما ، لكن لم يعيّناهما عند إجراء الصيغة ولم يكن ما يدلّ عليه ؛ من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية مفهمة ، كما إذا تقاولا(1) وتعاهدا على تزويج بنته الكبرى من ابنه الكبير ولكن في مقام إجراء الصيغة قال : «زوّجت إحدى بناتي من أحد بنيك» وقبل الآخر .

(مسألة 13) : لو اختلف الاسم مع الوصف أو اختلفا أو أحدهما مع الإشارة يتبع العقد لما هو المقصود ويلغى ما وقع غلطاً وخطأً ، فإذا كان المقصود تزويج البنت الكبرى وتخيّل أنّ اسمها فاطمة وكانت المسمّاة بفاطمة هي الصغرى وكانت الكبرى مسمّاة بخديجة وقال : «زوّجتك الكبرى من بناتي فاطمة» وقع العقد على الكبرى التي اسمها خديجة ويلغى تسميتها بفاطمة . وإن كان المقصود تزويج فاطمة وتخيّل أ نّها كبرى فتبيّن أ نّها صغرى وقع العقد على المسمّاة بفاطمة واُلغي وصفها بأ نّها الكبرى . وكذا لو كان المقصود تزويج المرأة الحاضرة وتخيّل أ نّها كبرى واسمها فاطمة فقال : «زوّجتك هذه وهي فاطمة وهي الكبرى من بناتي» فتبيّن أ نّها الصغرى

ص: 398


1- - إذا تقاولا وتعاهدا على واحدة فعقدا مبنيّاً عليه فالظاهر الصحّة ، كما إذا قال بعد التقاول: «زوّجت بنتي منك» نعم لو قال : «زوّجت إحدى بناتي» فتشكل الصحّة ولو مع التقاول .

واسمها خديجة وقع العقد على المشار إليها ويلغى الاسم والوصف . ولو كان المقصود العقد على الكبرى فلمّا تخيّل أنّ هذه المرأة الحاضرة هي تلك الكبرى قال : «زوّجتك هذه وهى الكبرى» وقع العقد على تلك الكبرى وتلغى الإشارة(1) وهكذا .

(مسألة 14) : لا إشكال في صحّة التوكيل في النكاح من طرف واحد أو من طرفين ؛ بتوكيل الزوج أو الزوجة إن كانا كاملين أو بتوكيل وليّهما إذا كانا قاصرين . ويجب على الوكيل أن لا يتعدّى عمّا عيّنه الموكّل من حيث الشخص والمهر وسائر الخصوصيات ، فإن تعدّى كان فضولياً موقوفاً على الإجازة . وكذا يجب عليه مراعاة مصلحة الموكّل ، فإن تعدّى وأتى بما هو خلاف المصلحة كان فضولياً . نعم لو عيّن خصوصية تعيّنت ونفذ عمل الوكيل وإن كان ذلك على خلاف مصلحة الموكّل .

(مسألة 15) : لو وكّلت المرأة رجلاً في تزويجها ليس له أن يزوّجها من نفسه إلاّ إذا صرّحت بالتعميم ، أو كان كلامها بحسب متفاهم العرف ظاهراً في العموم بحيث شمل نفسه .

(مسألة 16) : الأقوى جواز تولّي شخص واحد في طرفي العقد ؛ بأن يكون موجباً وقابلاً من الطرفين ؛ أصالة من طرف ووكالة من آخر ، أو ولاية من الطرفين أو وكالة عنهما أو بالاختلاف ، وإن كان الأحوط مع الإمكان تولّي الاثنين وعدم تولّي شخص واحد للطرفين ، خصوصاً في تولّي الزوج

ص: 399


1- - في هذه الصورة لا يقع العقد على الكبرى بلا إشكال ، وفي وقوعه على المشار إليها وجه ، لكن لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق .

طرفي العقد أصالة من طرفه ووكالة عن الزوجة في عقد الانقطاع ، فإنّه لا يخلو من إشكال(1) ، فلا ينبغي فيه ترك الاحتياط .

(مسألة 17) : إذا وكّلا وكيلاً في العقد في زمان معيّن ، لا يجوز لهما المقاربة بعد ذلك الزمان ما لم يحصل لهما العلم بإيقاعه ، ولا يكفي الظنّ . نعم لو أخبر الوكيل بالإيقاع كفى ؛ لأنّ قوله حجّة فيما وكّل فيه .

(مسألة 18) : لا يجوز اشتراط الخيار في عقد النكاح دواماً أو انقطاعاً ؛ لا للزوج ولا للزوجة ، فلو شرطاه بطل الشرط . بل المشهور على بطلان العقد أيضاً ، وقيل ببطلان الشرط دون العقد ولا يخلو من قوّة . ويجوز اشتراط الخيار في المهر مع تعيين المدّة ، فلو فسخ ذو الخيار سقط المهر المسمّى فيكون كالعقد بلا ذكر المهر ، فيرجع إلى مهر المثل . هذا في العقد الدائم الذي لا يعتبر فيه ذكر المهر ، وأمّا المتعة التي لا تصحّ بلا مهر ، فالظاهر(2) أ نّه لا يصحّ فيها اشتراط الخيار في المهر .

(مسألة 19) : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة فصدّقته ، أو ادّعت امرأة زوجية رجل فصدّقها، حكم لهما(3) بذلك ، وليس لأحد الاعتراض عليهما ، من غير فرق بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين . وأمّا إذا ادّعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر ، فالبيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، فإن كان للمدّعي بيّنة حكم له وإلاّ فيتوجّه اليمين على المنكر ، فإن حلف سقط دعوى المدّعي وإن نكل عن

ص: 400


1- - غير معتدّ به .
2- - لا يخلو من إشكال .
3- - مع الاحتمال .

اليمين(1) ثبت دعواه ، وإن ردّ اليمين على المدّعي وحلف ثبت دعواه ، وإن نكل سقطت . هذا بحسب موازين القضاء وقواعد الدعوى ، وأمّا بحسب الواقع فيجب على كلّ منهما العمل على ما هو تكليفه بينه وبين اللّه تعالى .

(مسألة 20) : إذا رجع المنكر عن إنكاره إلى الإقرار ، يسمع منه ويحكم بالزوجية بينهما وإن كان ذلك بعد الحلف على الأقوى .

(مسألة 21) : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة وأنكرت ، فهل لها أن تتزوّج من غيره وللغير أن يتزوّجها قبل فصل الدعوى والحكم ببطلان دعوى المدّعي أم لا ؟ وجهان ، أقواهما الأوّل ، خصوصاً فيما لو تراخى المدّعي في الدعوى أو سكت عنها حتّى طال الأمر عليها ، وحينئذٍ إن أقام المدّعي بعد العقد عليها بيّنة حكم له بها وبفساد العقد عليها ، وإن لم تكن بيّنة يتوجّه اليمين على المعقود عليها ، فإن حلفت بقيت على زوجيتها وسقطت دعوى المدّعي ، وكذا لو ردّت اليمين إلى المدّعي ونكل عن اليمين . وإنّما الإشكال فيما إذا نكلت عن اليمين أو ردّت اليمين إلى المدّعي وحلف ، فهل يحكم بسببهما على فساد العقد عليها فيفرّق بينها وبين زوجها أم لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني ، لكن إذا طلّقها الذي عقد عليها أو مات عنها زال المانع فتردّ على المدّعي بسبب نكولها(2) عن اليمين أو اليمين المردودة .

(مسألة 22) : يجوز تزويج امرأة تدّعي أ نّها خليّة من الزوج - مع احتمال

ص: 401


1- - الظاهر عدم ثبوت الحقّ بمجرّد النكول ، بل يردّ الحاكم الحلف على المدّعي ، فإن حلف يثبت الحقّ .
2- - مرّ الكلام في النكول .

صدقها - من غير فحص ، حتّى فيما إذا كانت ذات بعل سابقاً فادّعت طلاقها أو موته . نعم لو كانت متّهمة في دعواها ، فالأحوط(1) الفحص عن حالها ، فمن غاب غيبة منقطعة لم يعلم موته وحياته إذا ادّعت زوجته حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن وإخبار المخبرين جاز تزويجها وإن لم يحصل العلم بقولها . ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها إذا لم يعلم كذبها في دعوى العلم ، ولكنّ الأحوط الترك ، خصوصاً إذا كانت متّهمة .

(مسألة 23) : إذا تزوّج بامرأة تدّعي أ نّها خليّة عن الزوج ، فادّعى رجل آخر زوجيتها ، فهذه الدعوى متوجّهة على كلّ من الزوج والزوجة ، فإن أقام المدّعي بيّنة شرعية حكم له عليهما وفرّق بينهما وسلّمت إليه . ومع عدم البيّنة توجّه اليمين عليهما ، فإن حلفا معاً على عدم زوجيته سقطت دعواه عليهما ، وإن نكلا(2) عن اليمين أو ردّاها عليه وحلف ثبت مدّعاه ، وإن حلف أحدهما دون الآخر ؛ بأن نكل عن اليمين أو ردّ اليمين على المدّعي ، فحلف سقط دعواه بالنسبة إلى الحالف ، وأمّا بالنسبة إلى الآخر وإن ثبت دعوى المدّعي بالنسبة إليه لكن ليس لهذا الثبوت أثر بالنسبة إلى من حلف ، فإن كان الحالف هو الزوج والناكل هي الزوجة ليس لنكولها أثر بالنسبة إلى الزوج ، إلاّ أ نّه لو طلّقها أو مات عنها ردّت إلى المدّعي . وإن كان الحالف هي الزوجة والناكل هو الزوج سقطت دعوى المدّعي بالنسبة إليها وليس له سبيل إليها على كلّ حال .

(مسألة 24) : إذا ادّعت امرأة أ نّها خليّة فتزوّجها رجل ، ثمّ ادّعت بعد ذلك

ص: 402


1- - والأولى .
2- - قد مرّ .

أ نّها كانت ذات بعل لم تسمع دعواها . نعم لو أقامت البيّنة على ذلك فرّق بينهما ، ويكفي في ذلك أن تشهد بأ نّها ذات(1) بعل من غير تعيين زوج معيّن .

(مسألة 25) : يشترط في صحّة العقد الاختيار ؛ أعني اختيار الزوجين ، فلو اُكرها أو اُكره أحدهما على الزواج لم يصحّ . نعم لو لحقه الرضا صحّ على الأقوى .

فصل : في أولياء العقد

(مسألة 1) : للأب والجدّ من طرف الأب - بمعنى أب الأب فصاعداً - ولاية على الصغير والصغيرة والمجنون المتّصل جنونه بالبلوغ ، وأمّا المنفصل عنه ففيه إشكال(2) . ولا ولاية للاُمّ عليهم وللجدّ من طرف الاُمّ ولو من قبل اُمّ الأب ؛ بأن كان أباً لاُمّ الأب مثلاً ، ولا للأخ والعمّ والخال وأولادهم .

(مسألة 2) : ليس للأب والجدّ للأب ولاية على البالغ الرشيد ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّبة ، وأمّا إذا كانت بكراً ففيه أقوال: استقلالها وعدم الولاية لهما عليها لا مستقلاًّ ولا منضمّاً ، واستقلالهما وعدم سلطنة وولاية لها كذلك ، والتشريك ؛ بمعنى اعتبار إذن الوليّ وإذنها معاً ، والتفصيل بين الدوام والانقطاع ؛ إمّا باستقلالها في الأوّل دون الثاني ، أو العكس ، والأقوى هو القول الأوّل وإن كان الأحوط(3) شديداً الاستئذان منهما . نعم لا إشكال في سقوط اعتبار إذنهما

ص: 403


1- - بأن تشهد بأ نّها كانت ذات بعل فتزوّجت حين كونها كذلك من الثاني .
2- - الظاهر ثبوتها أيضاً .
3- - لا يترك .

إن منعاها من التزويج بمن هو كفو لها شرعاً وعرفاً مع ميلها ، وكذا إذا كانا غائبين بحيث لا يمكن الاستئذان منهما مع حاجتها إلى التزويج .

(مسألة 3) : ولاية الجدّ ليست منوطة بحياة الأب ولا موته ، فعند وجودهما استقلّ كلّ منهما بالولاية ، وإذا مات أحدهما اختصّت بالآخر . وأيّهما سبق في تزويج المولّى عليه عند وجودهما لم يبق محلّ للآخر ، ولو زوّج كلّ منهما من شخص ، فإن علم السابق منهما فهو المقدّم ولغا الآخر ، وإن علم التقارن قدّم عقد الجدّ ولغا عقد الأب . وكذا إن جهل(1) تأريخ العقدين ، فلا يعلم السبق واللحوق والتقارن . وإن علم تأريخ أحدهما دون الآخر ، فإن كان المعلوم تأريخ عقد الجدّ قدّم على عقد الأب ، وإن كان عقد الأب ففي تقدّم أيّ منهما على الآخر إشكال(2) فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 4) : يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة ، وإلاّ يكون العقد فضولياً كالأجنبيّ يتوقّف صحّته على إجازة الصغير بعد البلوغ ، بل الأحوط مراعاة المصلحة .

(مسألة 5) : إذا وقع العقد من الأب أو الجدّ عن الصغير أو الصغيرة مع مراعاة ما يجب مراعاته ، لا خيار لهما بعد بلوغهما بل هو لازم عليهما .

(مسألة 6) : لو زوّج الوليّ الصغيرة بدون مهر المثل ، أو زوّج الصغير بأزيد منه ، فإن كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك صحّ العقد والمهر ولزم ، وإن كانت المصلحة في نفس التزويج دون المهر فالأقوى صحّة العقد ولزومه وبطلان

ص: 404


1- - الأقوى فيه لزوم إجراء حكم العلم الإجمالي بكونها زوجة لأحدهما .
2- - الظاهر تقدّم عقد الأب ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

المهر ؛ بمعنى عدم نفوذه وتوقّفه على الإجازة بعد البلوغ ، فإن أجاز استقرّ وإلاّ رجع إلى مهر المثل .

(مسألة 7) : السفيه(1) المبذّر لا يصحّ نكاحه إلاّ بإذن أبيه أو جدّه أو الحاكم مع فقدهما ، وتعيين المهر والمرأة إلى الوليّ ، ولو تزوّج بدون الإذن وقف على الإجازة ، فإن رأى المصلحة وأجاز جاز ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة .

(مسألة 8) : إذا زوّج الوليّ المولّى عليه بمن له عيب لم يصحّ(2) ولم ينفذ ؛ سواء كان من العيوب الموجبة للخيار أو غيرها ككونه منهمكاً في المعاصي أو كونه شارب الخمر أو بذيء اللسان سيّئ الخلق وأمثال ذلك ، إلاّ إذا كانت مصلحة ملزمة في تزويجه ، وحينئذٍ لم يكن خيار الفسخ لا له ولا للمولّى عليه إذا لم يكن العيب من العيوب المجوّزة للفسخ ، وإن كان منها فالظاهر ثبوت الخيار للمولّى عليه بعد بلوغه .

(مسألة 9) : ينبغي - بل يستحبّ - للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدّها ، وإن لم يكونا فأخاها وإن تعدّد الأخ قدّمت الأكبر .

(مسألة 10) : لا ولاية(3) للوصيّ ؛ أي القيّم من قبل الأب أو الجدّ على الصغير

ص: 405


1- - إذا حجر عليه للتبذير ، هذا في غير من كان سفهه متّصلاً بزمان صغره وإلاّ فهو محجور مطلقاً .
2- - مع علمه بالعيب ، وإلاّ ففيه تأمّل وتردّد وإن لا تبعد الصحّة مع إعمال جهده في إحراز المصلحة ، وعلى الصحّة له الخيار في العيوب الموجبة للفسخ ، كما أنّ للمولّى عليه ذلك بعد رفع الحجر عنه ، وفي غيرها لا خيار له ولا للمولّى عليه على الأقوى .
3- - المسألة مشكلة لا يترك فيها الاحتياط .

والصغيرة وإن نصّ له الموصي على النكاح على الأظهر .

(مسألة 11) : ليس للحاكم ولاية في النكاح على الصغير ؛ ذكراً كان أو اُنثى مع فقد الأب والجدّ . نعم لو قضت الحاجة والضرورة والمصلحة اللازمة المراعاة على النكاح ؛ بحيث ترتّبت على تركه مفسدة يلزم التحرّز عنها ، كانت له الولاية(1) من باب الحسبة ، وكذا له الولاية حينئذٍ على من بلغ فاسد العقل أو تجدّد فساد عقله ولم يكن له أب ولا جدّ .

(مسألة 12) : للمولى أن يزوّج مملوكه بغيره ؛ ذكراً كان أو اُنثى ، صغيراً كان أو كبيراً ، عاقلاً كان أو مجنوناً ، راغباً كان أو كارهاً ، ولا خيار له معه .

(مسألة 13) : يشترط في ولاية الأولياء : البلوغ والعقل والحرّية والإسلام إذا كان المولّى عليه مسلماً ، فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما من عبد أو أمة بل الولاية حينئذٍ لوليّهما ، وكذا لا ولاية للأب والجدّ إذا جنّا ، وإن جنّ أحدهما تختصّ الولاية بالآخر ، وكذا لا ولاية للمملوك على ولده حرّاً كان أو عبداً ، وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم فتكون للجدّ إذا كان مسلماً ، والظاهر ثبوت ولايته على ولده الكافر(2) .

(مسألة 14) : العقد الصادر من غير الوكيل والوليّ - المسمّى بالفضولي - يصحّ مع الإجازة ؛ سواء كان فضولياً من الطرفين أو من أحدهما ، وسواء كان المعقود عليه صغيراً أو كبيراً ، حرّاً أو عبداً ، وسواء كان العاقد قريباً للمعقود

ص: 406


1- - ولا يترك الاحتياط بضمّ إجازة الوصيّ للأب أو الجدّ مع وجوده ، وكذا فيمن بلغ فاسد العقل أو تجدّد فساد عقله ؛ إذا كان البلوغ والتجدّد في زمان حياة الأب أو الجدّ .
2- - إذا لم يكن له جدّ مسلم ، وإلاّ فلا يبعد ثبوت الولاية للمسلم دون الكافر .

عليه كالأخ والعمّ والخال أو أجنبيّاً ، ومنه العقد الصادر من العبد أو الأمة لنفسهما بدون إذن المولى ، والصادر من الوليّ أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه ؛ بأن أوقع الوليّ على خلاف المصلحة أو الوكيل على خلاف ما عيّنه الموكّل .

(مسألة 15) : إن كان المعقود له ممّن صحّ منه العقد لنفسه ؛ بأن كان بالغاً عاقلاً حرّاً ، فإنّما يصحّ العقد الصادر من الفضولي بإجازته . وإن كان ممّن لا يصحّ منه العقد وكان مولّىً عليه - بأن كان صغيراً أو مجنوناً أو مملوكاً - فإنّما يصحّ إمّا بإجازة وليّه في زمان قصوره أو إجازته بنفسه بعد كماله ، فلو أوقع الأجنبيّ عقداً على الصغير أو الصغيرة ، وقفت صحّة عقده على إجازتهما له بعد بلوغهما ورشدهما ، إن لم يجز أبوهما أو جدّهما في حال صغرهما ، فأيّ من الإجازتين حصلت كفت . نعم يعتبر في صحّة إجازة الوليّ ما اعتبر في صحّة عقده ، فلو أجاز العقد الواقع على خلاف مصلحة الصغير لغت إجازته وانحصر الأمر في إجازته بنفسه بعد بلوغه ورشده .

(مسألة 16) : ليست الإجازة على الفور ، فلو تأخّرت عن العقد بزمن طويل صحّت ؛ سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوعه ، أو لأجل التروّي أو للاستشارة أو غير ذلك .

(مسألة 17) : لا أثر للإجازة بعد الردّ ، وكذا لا أثر للردّ بعد الإجازة ، فبها يلزم العقد وبه ينفسخ ؛ سواء كان السابق من الردّ أو الإجازة واقعاً من المعقود له أو وليّه ، فلو أجاز أو ردّ وليّ الصغير العقد الواقع عليهما فضولاً ، ليس لهما بعد البلوغ ردّ في الأوّل ولا إجازة في الثاني .

ص: 407

(مسألة 18) : إذا كان أحد الزوجين كارهاً حال العقد لكن لم يصدر منه ردّ له ، فالظاهر أ نّه يصحّ لو أجاز بعد ذلك ، نعم لو استؤذن فنهى ولم يأذن ومع ذلك أوقع الفضولي العقد يشكل(1) صحّته بالإجازة . ولا يقاس بما إذا كان مكرهاً على الزواج فعقد لنفسه بالمباشرة أو بتوكيل الغير ، وقد مرّ أنّ الأقوى صحّته إذا لحقه الرضا .

(مسألة 19) : يكفي في الإجازة المصحّحة لعقد الفضولي كلّ ما دلّ على إنشاء الرضا بذلك العقد ، بل يكفي الفعل الدالّ عليه .

(مسألة 20) : لا يكفي الرضا القلبي في صحّة العقد وخروجه عن الفضولية وعدم الاحتياج إلى الإجازة ، فلو كان حاضراً حال العقد راضياً به إلاّ أ نّه لم يصدر منه قول أو فعل يدلّ على رضاه ، فالظاهر أ نّه من الفضولي(2) ، فله أن لا يجيز ويردّه . نعم في خصوص البكر إذا ظهر من حالها الرضا وإنّما سكتت ولم تنطق بالإذن لحيائها ، كفى ذلك ، وكان سكوتها إذنها ، كما نطقت بذلك بعض الأخبار وأفتى به علماؤنا الأخيار .

(مسألة 21) : لا يعتبر في وقوع العقد فضولياً قصد الفضولية ، ولا الالتفات إليها ، بل المدار في الفضولية وعدمها على كون العقد بحسب الواقع صادراً عن غير من هو مالك للعقد أو عن مالكه وإن تخيّل خلافه ، فلو تخيّل كونه وليّاً أو وكيلاً وأوقع العقد فتبيّن خلافه كان من الفضولي ويصحّ بالإجازة ، كما أ نّه لو

ص: 408


1- - الأقوى صحّته بها .
2- - نعم قد يكون السكوت إجازة وإقراراً ، وعليه تحمل الأخبار في البكر وفي العبد إذا تزوّج بغير إذن مولاه فسكت عنه بعد علمه ، لا على التعبّد .

اعتقد أ نّه ليس بوكيل ولا وليّ فأوقع العقد بعنوان الفضولية فتبيّن خلافه صحّ العقد ولزم(1) بلا توقّف على الإجازة .

(مسألة 22) : إذا زوّج صغيران فضولاً ، فإن أجاز وليّهما قبل بلوغهما أو أجازا بعد بلوغهما أو بالاختلاف - بأن أجاز وليّ أحدهما قبل بلوغه فأجاز الآخر بعد بلوغه - ثبتت الزوجية ويترتّب جميع أحكامها . وإن ردّ وليّهما قبل بلوغهما ، أو ردّ وليّ أحدهما قبل بلوغه ، أو ردّا بعد بلوغهما ، أو ردّ أحدهما بعد بلوغه ، أو ماتا ، أو مات أحدهما قبل الإجازة ، بطل العقد من أصله بحيث لم يترتّب عليه أثر أصلاً ؛ من توارث وغيره من سائر الآثار . نعم لو بلغ أحدهما وأجاز ثمّ مات قبل بلوغ الآخر وإجازته يعزل من تركته مقدار ما يرث الآخر على تقدير الزوجية ، فإن بلغ وأجاز يدفع إليه لكن بعد ما يحلف على أ نّه لم تكن إجازته للطمع في الإرث ، وإن لم يجز أو أجاز ولم يحلف على ذلك لم يدفع إليه بل يردّ إلى الورثة . والظاهر أنّ الحاجة إلى الحلف إنّما هو فيما إذا كان متّهماً بأنّ إجازته لأجل الإرث ، وأمّا مع عدمه كما إذا أجاز مع الجهل بموت الآخر ، أو كان الباقي هو الزوج وكان المهر اللازم عليه على تقدير الزوجية أزيد ممّا يرث ، يدفع إليه بدون الحلف .

(مسألة 23) : وكما يترتّب الإرث على تقدير الإجازة والحلف ، يترتّب الآثار الاُخر المترتّبة على الزوجية أيضاً ؛ من المهر وحرمة الاُمّ والبنت ، وحرمتها على أب الزوج وابنه ؛ إن كانت الزوجة هي الباقية وغير ذلك ، بل يمكن أن يقال(2)

ص: 409


1- - مع فرض مراعاة المصلحة .
2- - لكنّه ضعيف ، فالأقوى ترتّب جميع الآثار في الظاهر على الحلف .

بترتّب تلك الآثار بمجرّد الإجازة من غير حاجة إلى الحلف ، وإءن كان متّهماً فيفكّك بين الإرث وسائر الآثار ، على إشكال خصوصاً بالنسبة إلى استحقاق المهر إذا كانت الباقية هي الزوجة .

(مسألة 24) : الظاهر جريان هذا الحكم في كلّ مورد مات من لزم العقد من طرفه وبقي من يتوقّف زوجيته على إجازته ، كما إذا زوّج أحد الصغيرين الوليّ وزوّج الآخر الفضولي ، فمات الأوّل قبل بلوغ الثاني وإجازته . نعم يشكل جريان الحكم فيما لو كانا كبيرين(1) فأجاز أحدهما ومات قبل موت الثاني وإجازته ، بل المتّجه فيه بطلان العقد .

(مسألة 25) : إذا كان العقد فضولياً من أحد الطرفين ، كان لازماً من طرف الأصيل ، فلو كان هي الزوجة ليس لها أن تتزوّج بالغير قبل أن يردّ الآخر العقد ويفسخه . وهل يثبت في حقّه تحريم المصاهرة قبل إجازة الآخر وردّه ؛ فلو كان زوجاً حرم عليه نكاح اُمّ المرأة وبنتها واُختها والخامسة إن كانت هي الرابعة ؟ الأحوط ذلك(2) .

(مسألة 26) : إذا ردّ المعقود أو المعقودة العقد الواقع فضولاً ، صار العقد كأ نّه لم يقع ؛ سواء كان العقد فضولياً من الطرفين وردّاه معاً أو ردّه أحدهما ، بل ولو أجاز أحدهما وردّ الآخر ، أو من طرف واحد وردّ ذلك الطرف فتحلّ المعقودة على أب المعقود وابنه وتحلّ بنتها واُمّها على المعقود ، على إشكال(3) في الاُمّ .

ص: 410


1- - لا يبعد جريان الحكم فيهما أيضاً ، لكن الحلف مبنيّ على الاحتياط كالحلف في بعض صور اُخر .
2- - وإن كان الأقوى خلافه .
3- - ضعيف جدّاً .

(مسألة 27) : إذا زوّج الفضولي امرأة برجل من دون اطّلاعها ، وتزوّجت هي برجل آخر ، صحّ ولزم الثاني ولم يبق محلّ لإجازة الأوّل ، وكذا لو زوّج الفضولي رجلاً بامرأة من دون اطّلاعه وزوّج هو باُمّها أو بنتها ثمّ علم .

(مسألة 28) : لو زوّج فضوليان امرأة ؛ كلّ منهما برجل ، كانت بالخيار في إجازة أيّهما شاءت وإن شاءت ردّتهما ؛ سواء تقارن العقدان أو تقدّم أحدهما على الآخر . وكذلك الحال فيما إذا زوّج أحد الفضولين رجلاً بامرأة والآخر باُمّها أو بنتها أو اُختها ، فإنّ له إجازة أيّهما شاء .

(مسألة 29) : لو وكّلت رجلين في تزويجها ، فزوّجها كلّ منهما برجل ، فإن سبق أحدهما صحّ ولغا الآخر ، وإن تقارنا بطلا معاً ، وإن لم يعلم الحال ، فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر ، وإن جهل تأريخهما ، فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معاً في حقّ كلّ من الزوجة والزوجين ، وإن علم عدم التقارن فيعلم إجمالاً بصحّة أحد العقدين وتكون المرأة زوجة لأحد الرجلين أجنبيّة عن أحدهما ، فليس للزوجة أن تتزوّج بغيرهما ولا للغير أن يتزوّج بها ؛ لكونها ذات بعل قطعاً . وأمّا حالها بالنسبة إلى الزوجين وحالهما بالنسبة إليها ، فالأولى أن يطلّقاها ويجدّد النكاح عليها أحدهما برضاها ، وإن تعاسرا وكان في التوقّف إلى أن يظهر الحال عسر وحرج على الزوجة ، أو لا يرجى ظهور الحال ، فالمتّجه تعيين الزوج منهما بالقرعة ، فيحكم بزوجية من وقعت عليه .

(مسألة 30) : لو ادّعى أحد الزوجين سبق عقده ، فإن صدّقه الآخر وكذا

ص: 411

الزوجة أو صدّقه أحدهما وقال الآخر : «لا أدري» أو قال كلاهما(1) : «لا أدري» فالزوجة لمدّعي السبق . وإن صدّقه الآخر ولكن كذّبته الزوجة كانت الدعوى بين الزوجة وكلا الزوجين ، فالزوج الأوّل يدّعي زوجيتها وصحّة عقده ، وهي تنكر زوجيته وتدّعي فساد عقده ، وتنعكس الدعوى بينها وبين الزوج الثاني ؛ حيث إنّه يدّعي فساد عقده وهي تدّعي صحّته ، ففي الدعوى الاُولى تكون هي المدّعية(2) والزوج هو المنكر وفي الثانية بالعكس . فإن أقامت البيّنة على فساد الأوّل المستلزم لصحّة الثاني حكم لها بزوجيتها للثاني دون الأوّل ، وإن أقام الزوج الثاني بيّنة على فساد عقده يحكم بعدم زوجيتها له وثبوتها للأوّل ، وإن لم تكن بيّنة يتوجّه الحلف إلى الزوج الأوّل في الدعوى الاُولى وإلى الزوجة في الدعوة الثانية ، فإن حلف الزوج الأوّل ونكلت الزوجة ثبتت زوجيتها للأوّل ، وإن كان العكس بأن حلفت هي دونه حكم بزوجيتها للثاني ، وإن حلفا معاً فالمرجع هي القرعة ، وإن ادّعى كلّ من الزوجين سبق عقده ، فإن قالت الزوجة : «لا أدري» تكون الدعوى بين الزوجين ، فإن أقام أحدهما بيّنة دون الآخر حكم له وكانت الزوجة له ، وإن أقام كلّ منهما بيّنة تعارضت البيّنتان فيرجع إلى القرعة فيحكم بزوجية من وقعت عليه . وإن لم تكن بيّنة يتوجّه الحلف إليهما ، فإن

ص: 412


1- - وجوب تمكين الزوجة من المدّعي في هذه الصورة - بل جوازه - محلّ تأمّل ، إلاّ إذا رجع عدم دراية الرجل إلى الجهل حين إجراء العقد واحتمل تطبيقه على الصحيح من باب الاتّفاق .
2- - إذا كان مصبّ الدعوى صحّة العقد وفساده لا السبق وعدمه ، أو السبق واللحوق ، أو الزوجية وعدمها ، فالميزان في تشخيص المدّعي والمنكر - نوعاً - مصبّ الدعاوي وكذا في الفرع الآتي .

حلف أحدهما حكم له ، وإن حلفا أو نكلا يرجع إلى القرعة ، وإن صدّقت المرأة أحدهما كان أحد طرفي الدعوى من لم تصدّقه الزوجة والطرف الآخر الزوج الآخر مع الزوجة ، فمع إقامة البيّنة من أحد الطرفين ، أو من كليهما الحكم كما مرّ ، وأمّا مع عدمها وانتهاء الأمر إلى الحلف ، فإن حلف من لم تصدّقه الزوجة يحكم له على كلّ من الزوجة والزوج الآخر، وأمّا مع حلف من صدّقته فلا يترتّب على حلفه رفع دعوى الزوج الآخر على الزوجة ، بل لا بدّ من حلفها أيضاً .

(مسألة 31) : لو زوّج أحدُ الوكيلين عن الرجل له بامرأة ، والآخر بنتها صحّ السابق ولغا اللاحق ، ومع التقارن بطلا معاً ، وإن لم يعلم السابق ، فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر ، وإن جهل تأريخهما ، فإن احتمل تقارنهما يحكم ببطلان كليهما ، وإن علم بعدم التقارن فقد علم بصحّة أحد العقدين وبطلان أحدهما ، فلا يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما ، كما أ نّه لا يجوز لهما التمكين منه . نعم يجوز له النظر بالاُمّ ولا يجب عليها التستّر عنه ؛ للعلم بأ نّه إمّا زوجها أو زوج بنتها ، وأمّا البنت فحيث إنّه لم يحرز زوجيتها وبنت الزوجة إنّما يحلّ النظر إليها إن دخل بالاُمّ والمفروض عدمه ، فلم يحرز ما هو سبب لحلّية النظر إليها ، ويجب عليها التستّر عنه ، نعم لو فرض الدخول بالاُمّ ولو بالشبهة كان حالها حال الاُمّ .

فصل : في أسباب التحريم

أعني ما بسببه يحرم ولا يصحّ تزويج الرجل بالمرأة ولا يقع الزواج بينهما ، وهي اُمور : النسب ، والرضاع ، والمصاهرة ، وما يلحق بها ، والكفر ، وعدم الكفاءة ، واستيفاء العدد ، والاعتداد ، والإحرام .

ص: 413

القول : في النسب

يحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال :

الاُمّ بما شملت الجدّات ؛ عاليات وسافلات ، لأب كنّ أو لاُمّ ، فتحرم المرأة على ابنها وعلى ابن ابنها وابن ابن ابنها ، وعلى ابن بنتها وابن بنت بنتها وابن بنت ابنها وهكذا . وبالجملة : تحرم على كلّ ذكر ينتمي إليها بالولادة ؛ سواء كان بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، وسواء كانت الوسائط ذكوراً أو إناثاً أو بالاختلاف .

والبنت بما شملت الحفيدة ولو بواسطة أو وسائط ، فتحرم هي على أبيها بما شمل الجدّ ؛ لأب كان أو لاُمّ ، فتحرم على الرجل بنته وبنت ابنه وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته وبنت بنت بنته وبنت ابن بنته . وبالجملة : كلّ اُنثى تنتمي إليه بالولادة بواسطة أو وسائط ؛ ذكوراً كانوا أو إناثاً أو بالاختلاف .

والاُخت ؛ لأب كانت أو لاُمّ أو لهما .

وبنت الأخ ؛ سواء كان لأب أو لاُمّ أو لهما ، وهي كلّ مرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت ؛ سواء كان الانتماء إليه بالآباء أو الاُمّهات أو بالاختلاف ، فتحرم عليه بنت أخيه وبنت ابنه وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته وبنت بنت بنته وبنت ابن بنته وهكذا .

وبنت الاُخت ، وهي كلّ اُنثى تنتمي إلى اُخته بالولادة على النحو الذي ذكر في بنت الأخ .

والعمّة ، وهي اُخت أبيه لأب أو لاُمّ أو لهما والمراد بها ما يشمل العاليات ؛ أعني عمّة الأب ؛ اُخت الجدّ للأب ؛ لأب أو لاُمّ أو لهما ، وعمّة الاُمّ ؛ اُخت أبيها لأب أو لاُمّ أو لهما ، وعمّة الجدّ للأب والجدّ للاُمّ ، والجدّة كذلك ، فمراتب

ص: 414

العمّات مراتب الآباء ، فهي كلّ اُنثى هي اُخت لذكر تنتمي إليك بالولادة من طرف أبيك أو اُمّك .

والخالة ، والمراد بها أيضاً ما يشمل العاليات ، فهي كالعمّة إلاّ أ نّها اُخت إحدى اُمّهاتك ولو من طرف أبيك والعمّة اُخت أحد آبائك ولو من طرف اُمّك ، فاُخت جدّتك للأب خالتك حيث إنّها خالة أبيك ، واُخت جدّك للاُمّ عمّتك حيث إنّها عمّة اُمّك .

(مسألة 1) : لا تحرم عمّة العمّة ولا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنواني العمّة والخالة ولو بالواسطة ، وهما قد تدخلان فيهما فتحرمان ، كما إذا كانت عمّتك اُختاً لأبيك لأب واُمّ أو لأب ، ولأبي أبيك اُخت لأب أو اُمّ أو لهما ، فهذه عمّة لعمّتك بلا واسطة وعمّة لك معها ، وكما إذا كانت خالتك اُختاً لاُمّك لاُمّها أو لاُمّها وأبيها ، وكانت لاُمّ اُمّك اُخت ، فهي خالة لخالتك بلا واسطة وخالة لك معها . وقد لا تدخلان فيهما فلا تحرمان ، كما إذا كانت عمّتك اُختاً لأبيك لاُمّه لا لأبيه ، وكانت لأبي الاُخت اُخت ، فالاُخت الثانية عمّة لعمّتك وليس بينك وبينها نسب أصلاً ، وكما إذا كانت خالتك اُختاً لاُمّك لأبيها لا لاُمّها ، وكانت لاُمّ الاُخت اُخت ، فهي خالة لخالتك وليست خالتك ولو مع الواسطة ، وكذلك اُخت الأخ أو الاُخت إنّما تحرم إذا كانت اُختاً لا مطلقاً ، فلو كان لك أخ أو اُخت لأبيك وكانت لاُمّها بنت من زوج آخر فهي اُخت لأخيك أو اُختك وليست اُختاً لك ؛ لا من طرف أبيك ولا من طرف اُمّك ، فلا تحرم عليك .

(مسألة 2) : النسب إمّا شرعي وهو ما كان بسبب وط ء حلال ذاتاً بسبب شرعي ؛ من نكاح أو ملك يمين أو تحليل وإن حرم لعارض من حيض أو صيام

ص: 415

أو اعتكاف أو إحرام ونحوها ، ويلحق به وط ء الشبهة ، وإمّا غير شرعي ، وهو ما حصل بالسفاح والزنا . والأحكام المترتّبة على النسب الثابتة في الشرع من التوارث وغيره وإن اختصّت بالأوّل لكنّ الظاهر بل المقطوع أنّ موضوع حرمة النكاح أعمّ ، فيعمّ الغير الشرعي ، فلو زنى بامرأة فولدت منه ذكراً واُنثى حرمت المزاوجة بينهما ، وكذا بين كلّ منهما وبين أولاد الزاني والزانية الحاصلين بالنكاح(1) الصحيح ، وكذا حرمت الزانية واُمّها واُمّ الزاني واُختهما على الذكر ، وحرمت الاُنثى على الزاني وأبيه وأجداده وإخوته وأعمامه .

(مسألة 3) : المراد بوط ء الشبهة الوط ء الذي ليس بمستحقّ مع عدم العلم(2) بالتحريم ، كما إذا وطئ أجنبيّة باعتقاد أ نّها زوجته ، ويلحق به وط ء المجنون والنائم وشبههما ، دون السكران إذا كان سكره بشرب المسكر عن عمد(3) .

القول : في الرضاع

انتشار الحرمة بالرضاع يتوقّف على شروط :

الأوّل : أن يكون اللبن حاصلاً من وط ء(4) جائز شرعاً بسبب نكاح أو ملك يمين أو تحليل ، ويلحق به وط ء الشبهة على الأقوى ، فلو درّ اللبن من الامرأة من دون نكاح(5) لم ينشر الحرمة ، وكذا لو كان اللبن من زناً .

ص: 416


1- - أو بالزنا بامرأة اُخرى .
2- - أو الطريق المعتبر عليه ، بل الأصل كذلك ، ومع ذلك فالمسألة محلّ إشكال .
3- - وعصيان .
4- - وما بحكمه ، كسبق الماء إلى الفرج من غير وط ء .
5- - وما يلحق به ، أو من دون وط ء ولو مع النكاح ، بل الظاهر اعتبار كون الدرّ بعد الولادة ، فلو درّ من غير ولادة ولو مع الحمل لم ينشر به الحرمة على الأقوى .

(مسألة 1) : لا يعتبر في النشر بقاء المرأة في حبال الرجل ، فلو طلّقها الزوج أو مات عنها وهي حامل منه أو مرضع ، فأرضعت ولداً نشر الحرمة ؛ وإن تزوّجت ودخل بها الزوج الثاني ولم تحمل منه ، أو حملت منه وكان اللبن بحاله لم ينقطع ولم تحدث فيه زيادة(1) .

الثاني : أن يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي ، فلو وجر في حلقه اللبن ، أو شرب اللبن المحلوب من المرأة ، لم ينشر الحرمة .

الثالث : أن تكون المرضعة حيّة ، فلو ماتت في أثناء الرضاع وأكمل النصاب حال موتها ولو رضعة ، لم ينشر الحرمة .

الرابع : أن يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل استكمالهما ، فلا عبرة برضاعه بعدهما . ولا يعتبر الحولان في ولد المرضعة على الأقوى ، فلو وقع الرضاع بعد كمال حوليه نشر الحرمة إذا كان قبل حولي المرتضع .

(مسألة 2) : المراد بالحولين أربع وعشرون شهراً هلالياً من حين الولادة ، ولو وقعت في أثناء الشهر يكمل من الشهر الخامس والعشرين ما مضى من الشهر الأوّل على الأظهر ، فلو تولّد في العاشر من شهر تكمل حولاه في العاشر من الخامس والعشرين .

الشرط الخامس : الكمّية ، وهي بلوغه حدّاً معيّناً ، فلا يكفي مسمّى الرضاع ولا رضعة كاملة ، وله في الأخبار وعند فقهائنا الأخيار تحديدات وتقديرات ثلاثة(2) : الأثر والزمان والعدد ، وأيّ واحد منها حصل كفى في نشر الحرمة : فأمّا

ص: 417


1- - بل مع حدوثها إذا احتمل كونه للأوّل .
2- - لا يبعد كون الأثر هو الأصل والباقيان أمارتان عليه ، لكن لا يترك الاحتياط لو فرض حصول أحدهما دونه .

الأثر فهو أن يرضع بمقدار نبت اللحم وشدّ العظم ، وأمّا الزمان فهو أن يرتضع من المرأة يوماً وليلة مع اتّصالهما ؛ بأن يكون غذاؤه في هذه المدّة منحصراً بلبن المرأة ، وأمّا العدد فهو أن يرتضع منها خمس عشرة رضعة كاملة .

(مسألة 3) : المعتبر في إنبات اللحم وشدّ العظم ، استقلال الرضاع في حصولهما على وجه ينسبان إليه ، فلو فرض ضمّ السكّر ونحوه إليه على نحو ينسبان إليهما أشكل ثبوت التحريم . كما أنّ المدار على الإنبات والشدّ المعتدّ به منهما على نحو مبان يصدقان عرفاً ، ولا يكفي حصولهما بالدقّة العقلية . وإذا شكّ في حصولهما بهذه المرتبة أو في استقلال الرضاع في حصولهما يرجع إلى التقديرين الآخرين .

(مسألة 4) : يعتبر في التقدير بالزمان أن يكون غذاؤه في اليوم والليلة منحصراً باللبن ، ولا يقدح شرب الماء للعطش ولا ما يأكل أو يشرب دواء(1) . والظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ بالرضاع في أثناء الليل أو النهار .

(مسألة 5) : يعتبر في التقدير بالعدد اُمور : منها : كمال الرضعة ؛ بأن يروي الصبيّ ويصدر من قبل نفسه ، ولا تحسب الرضعة الناقصة ولا تضمّ الناقصات بعضها ببعض ؛ بأن تحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث رضعات ناقصات - مثلاً - واحدة . نعم لو التقم الصبيّ الثدي ثمّ رفضه لا بقصد الإعراض بأن كان للتنفّس ، أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي إلى آخر أو غير ذلك ، كان الكلّ رضعة واحدة . ومنها : توالي الرضعات ؛ بأن لا يفصل بينها رضاع

ص: 418


1- - إن لم يخرج عن المتعارف .

امرأة(1) اُخرى ، ولا يقدح في التوالي تخلّل غير الرضاع من المأكول والمشروب وإن تغذّى به . ومنها : أن يكون كمال العدد من امرأة واحدة ، فلو ارتضع بعض الرضعات من امرأة وأكملها من امرأة اُخرى لم ينشر الحرمة وإن اتّحد الفحل ، فلا تكون واحدة من المرضعتين اُمّاً للمرتضع ولا الفحل أباً له . ومنها : اتّحاد الفحل ؛ بأن يكون تمام العدد من لبن فحل واحد ، ولا يكفي اتّحاد المرضعة ، فلو أرضعت امرأة من لبن فحل ثمان رضعات ثمّ طلّقها الفحل وتزوّجت بآخر وحملت منه ثمّ أرضعت ذلك الطفل من لبن الفحل الثاني تكملة العدد من دون تخلّل رضاع امرأة اُخرى في البين - بأن يتغذّى الولد في هذه المدّة المتخلّلة بالمأكول والمشروب - لم ينشر الحرمة .

(مسألة 6) : ما ذكرنا من الشروط شروط لناشرية الرضاع للحرمة ، فلو انتفى بعضها لا أثر له وليس بناشر لها أصلاً ، حتّى بين الفحل والمرتضعة ، وكذا بين المرتضع والمرضعة ، فضلاً عن الاُصول والفروع والحواشي . وفي الرضاع شرط آخر زائد على ما مرّ مختصّ بنشر الحرمة بين المرتضعين وبين أحدهما وفروع الآخر ، وبعبارة اُخرى : شرط لتحقّق الاُخوّة الرضاعية بين المرتضعين ؛ وهو اتّحاد الفحل الذي ارتضع المرتضعان من لبنه ، فلو ارتضع صبيّ من امرأة من لبن شخص رضاعاً كاملاً ، وارتضعت صبيّة من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك ؛ بأن طلّقها الأوّل وزوّجها الثاني وصارت ذات لبن منه فأرضعتها رضاعاً كاملاً ، لم تحرم الصبيّة على ذلك الصبيّ ، ولا فروع أحدهما على الآخر ، بخلاف ما إذا كان الفحل وصاحب اللبن واحداً وتعدّدت المرضعة ، كما إذا كانت لشخص

ص: 419


1- - رضاعاً تامّاً كاملاً على الأقوى ، ومطلقاً على الأحوط ، نعم لا يقدح القليل جدّاً .

نسوة متعدّدة وأرضعت كلّ واحدة منهنّ من لبنه طفلاً رضاعاً كاملاً ، فإنّه يحرم بعضهم على بعض وعلى فروعه ؛ لحصول الاُخوّة الرضاعية بينهم .

(مسألة 7) : إذا تحقّق الرضاع الجامع للشرائط ، صار الفحل والمرضعة أباً واُمّاً للمرتضع ، واُصولهما أجداداً وجدّات ، وفروعهما إخوة وأولاد إخوة له ، ومن في حاشيتهما وفي حاشية اُصولهما أعماماً أو عمّات وأخوالاً أو خالات له ، وصار هو - أعني المرتضع - ابناً أو بنتاً لهما وفروعه أحفاداً لهما . وإذا تبيّن ذلك فكلّ عنوان نسبي محرّم من العناوين السبعة المتقدّمة إذا تحقّق مثله في الرضاع يكون محرّماً ، فالاُمّ الرضاعية كالاُمّ النسبية ، والبنت الرضاعية كالبنت النسبية وهكذا . فلو أرضعت امرأة من لبن فحل طفلاً حرمت المرضعة واُمّها واُمّ الفحل على المرتضع للاُمومة ، والمرتضعة وبناتها وبنات المرتضع على الفحل وعلى أبيه وأبي المرضعة للبنتية ، وحرمت اُخت الفحل واُخت المرضعة على المرتضع لكونهما عمّة وخالة له ، والمرتضعة على أخي الفحل وأخي المرضعة لكونها بنت أخ أو بنت اُخت لهما ، وحرمت بنات الفحل على المرتضع والمرتضعة على أبنائه - نسبيين كانوا أم رضاعيين - وكذا بنات المرضعة على المرتضع والمرتضعة على أبنائها إذا كانوا نسبيين للاُخوّة . وأمّا أولاد المرضعة الرضاعيون ممّن أرضعتهم بلبن فحل آخر غير الفحل الذي ارتضع المرتضع بلبنه لم يحرموا على المرتضع ؛ لما مرّ من اشتراط اتّحاد الفحل في نشر الحرمة بين المرتضعين .

(مسألة 8) : تكفي في حصول العلاقة الرضاعية المحرّمة دخالة الرضاع فيه في الجملة ، فقد تحصل من دون دخالة غيره فيها ، كعلاقة الاُبوّة والاُمومة والابنية والبنتية الحاصلة بين الفحل والمرضعة وبين المرتضع ، وكذا الحاصلة

ص: 420

بينه وبين اُصولهما الرضاعيين ، كما إذا كان لهما أب أو اُمّ من الرضاعة ؛ حيث إنّهما جدّ وجدّة للمرتضع من جهة الرضاع محضاً وقد تحصل به مع دخالة النسب في حصولها ، كعلاقة الاُخوّة الحاصلة بين المرتضع وأولاد الفحل والمرضعة النسبيين ، فإنّهم وإن كانوا منسوبين إليهما بالولادة إلاّ أنّ اُخوّتهم للمرتضع حصلت بسبب الرضاع ، فهم إخوة أو أخوات له من الرضاعة .

توضيح ذلك : أنّ النسبة بين شخصين قد تحصل بعلاقة واحدة كالنسبة بين الولد ووالده ووالدته ، وقد تحصل بعلاقتين كالنسبة بين الأخوين فإنّها تحصل بعلاقة كلّ منهما مع الأب أو الاُمّ أو كليهما ، وكالنسبة بين الشخص وجدّه الأدنى فإنّها تحصل بعلاقة بينه وبين أبيه - مثلاً - وعلاقة بين أبيه وبين جدّه ، وقد تحصل بعلاقات ثلاث ، كالنسبة بين الشخص وبين جدّه الثاني ، وكالنسبة بينه وبين عمّه الأدنى ، فإنّه تحصل بعلاقة بينك وبين أبيك وبعلاقة كلّ من أبيك وأخيه مع أبيهما - مثلاً - وهكذا تتصاعد وتتنازل النسب وتنشعب بقلّة العلاقات وكثرتها ، حتّى أ نّه قد تتوقّف نسبته بين شخصين على عشر علائق أو أقلّ أو أكثر . وإذا تبيّن ذلك ، فإن كانت تلك العلائق كلّها حاصلة بالولادة كانت العلاقة نسبية ، وإن حصلت كلّها أو بعضها ولو واحدة من العشر بالرضاع كانت العلاقة رضاعية .

(مسألة 9) : لمّا كانت المصاهرة - التي هي أحد أسباب تحريم النكاح كما يأتي - علاقة بين أحد الزوجين وبعض أقرباء الآخر ، فهي تتوقّف على أمرين : مزاوجة وقرابة ، والرضاع إنّما يقوم مقام الثاني دون الأوّل ، فمرضعة ولدك لا تكون بمنزلة زوجتك حتّى تحرم اُمّها عليك لكنّ الاُمّ والبنت الرضاعيتين لزوجتك تكونان كالاُمّ والبنت النسبيين لها فتحرمان عليك ، وكذلك حليلة

ص: 421

الابن الرضاعي كحليلة الابن النسبي ، وحليلة الأب الرضاعي كحليلة الأب النسبي ، تحرم الاُولى على أبيه الرضاعي والثانية على ابنه الرضاعي .

(مسألة 10) : قد تبيّن ممّا سبق : أنّ العلاقة الرضاعية المحضة قد تحصل برضاع واحد كالحاصلة بين المرتضع وبين المرضعة وصاحب اللبن ، وقد تحصل برضاعين كالحاصلة بين المرتضع وبين أبوي الفحل والمرضعة الرضاعيين ، وقد تحصل برضاعات متعدّدة ، فإذا كان لصاحب اللبن - مثلاً - أب من جهة الرضاع وكان لذلك الأب الرضاعي أيضاً أب من الرضاع وكان للأخير أيضاً أب من الرضاع وهكذا إلى عشرة آباء ، كان الجميع أجداداً رضاعيين للمرتضع الأخير وجميع المرضعات جدّات له ، فإن كانت اُنثى ، حرمت على جميع الأجداد ، وإن كان ذكراً ، حرمت عليه جميع الجدّات ، بل لو كانت للجدّ الرضاعي الأعلى اُخت رضاعية ، حرمت على المرتضع الأخير لكونها عمّته العليا من الرضاع ، ولو كانت للمرضعة الأبعد التي هي الجدّة العليا للمرتضع اُخت ، حرمت عليه لكونها خالته العليا من الرضاع .

(مسألة 11) : قد عرفت فيما سبق : أ نّه يشترط في حصول الاُخوّة الرضاعية بين المرتضعين اتّحاد الفحل ، ويتفرّع على ذلك مراعاة هذا الشرط في العمومة والخؤولة الحاصلتين بالرضاع أيضاً ؛ لأنّ العمّ والعمّة أخ واُخت للأب ، والخال والخالة أخ واُخت للاُمّ ، فلو تراضع أبوك أو اُمّك مع صبيّة من امرأة فإن اتّحد الفحل كانت الصبيّة عمّتك أو خالتك من الرضاعة بخلاف ما إذا لم يتّحد ، فحيث لم تحصل الاُخوّة الرضاعية بين أبيك أو اُمّك مع الصبيّة لم تكن هي عمّتك أو خالتك ، فلم تحرم عليك .

ص: 422

(مسألة 12) : لا يجوز أن ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعاً(1) ، وكذا في أولاد المرضعة نسباً لا رضاعاً ، وأمّا أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن فيجوز نكاحهم في أولاد صاحب اللبن وفي أولاد المرضعة التي أرضعت أخاهم وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .

(مسألة 13) : إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن فحلها ، ثمّ أرضعت بنت شخص آخر من لبن ذلك الفحل ، فتلك البنت وإن حرمت على ذلك الابن لكن تحلّ أخوات كلّ منهما لإخوة الآخر .

(مسألة 14) : الرضاع المحرّم كما يمنع من النكاح لو كان سابقاً ، يبطله لو حصل لاحقاً ، فلو كانت له زوجة صغيرة فأرضعته بنته أو اُمّه أو اُخته أو بنت أخيه أو بنت اُخته أو زوجة أخيه بلبنه رضاعاً كاملاً بطل نكاحها وحرمت عليه ؛ لصيرورتها بالرضاع بنتاً أو اُختاً أو بنت أخ أو بنت اُخت له ، فحرمت عليه لاحقاً ، كما كانت تحرم عليه سابقاً . وكذا لو كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت عليه الكبيرة ، لأ نّها صارت اُمّ زوجته ، وكذلك الصغيرة إن كان رضاعها من لبنه ، أو دخل(2) بالكبيرة ؛ لكونها بنتاً له في الأوّل وبنت زوجته المدخول بها في الثاني .

تنبيه

إذا كان أخوان في بيت واحد - مثلاً - وكانت زوجة كلّ منهما أجنبيّة عن الآخر ، وأرادا أن تصير زوجة كلّ منهما من محارم الآخر حتّى يحلّ له النظر

ص: 423


1- - على الأحوط .
2- - نعم ينفسخ عقدها وإن لم يكن الرضاع من لبنه ولم يدخل بالكبيرة وإن لم تحرم عليه .

إليها يمكن لهما الاحتيال ؛ بأن يتزوّج كلّ منهما بصبيّة وترضع زوجة كلّ منهما زوجة الآخر رضاعاً كاملاً ، فصارت زوجة كلّ منهما اُمّاً لزوجة الآخر ، فصارت من محارمه وحلّ نظره إليها ، وبطل نكاح كلتا الصبيّتين ؛ لصيرورة كلّ منهما بالرضاع بنت أخي زوجها .

(مسألة 1) : إذا أرضعت امرأة ولد بنتها ، وبعبارة اُخرى : أرضعت الولد جدّته من طرف الاُمّ ، حرمت بنتها - اُمّ الولد - على زوجها وبطل نكاحها ؛ سواء أرضعته بلبن أبي البنت أو بلبن غيره ؛ وذلك لأنّ زوج البنت أب للمرتضع وزوجته بنت للمرضعة جدّة الولد ، وقد مرّ أ نّه يحرم على أبي المرتضع نكاح أولاد المرضعة ، فإذا منع منه سابقاً أبطله لاحقاً . وكذا إذا أرضعت زوجة أبي البنت من لبنه ولد البنت ، بطل نكاح البنت ؛ لما مرّ من أ نّه يحرم نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن . وأمّا الجدّة من طرف الأب إذا أرضعت ولد ابنها فلا يترتّب عليه شيء ، كما أ نّه لو كان رضاع الجدّة من طرف الاُمّ ولد بنتها بعد وفاة بنتها أو طلاقها أو وفاة زوجها لم يترتّب(1) عليه شيء ، فلا مانع منه .

(مسألة 2) : لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ، ثمّ أرضعت جدّتهما(2) من طرف الأب أو الاُمّ أحدهما انفسخ نكاحهما ؛ لأنّ المرتضع إن كان هو الذكر ، فإن أرضعته جدّته من طرف الأب صار عمّاً لزوجته ، وإن أرضعته جدّته من طرف الاُمّ صار خالاً لزوجته ، وإن كان هو الاُنثى صارت هي عمّة لزوجها على الأوّل ، وخالة له على الثاني ، فبطل النكاح على أيّ حال .

ص: 424


1- - وإن يترتّب عليه حرمة نكاح المطلّقة واُختها ، وكذا اُخت المتوفّاة .
2- - وذلك فيما إذا تزوّج الأخوان الاُختين .

(مسألة 3) : إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح ، فإمّا أن يبطل نكاح المرضعة بإرضاعها ، كما في إرضاع الزوجة الكبيرة لشخص زوجته الصغيرة بالنسبة إلى نكاحها ، وإمّا أن يبطل نكاح المرتضعة ، كالمثال بالنسبة إلى نكاح الصغيرة ، وإمّا أن يبطل نكاح غيرهما ، كما في إرضاع الجدّة من طرف الاُمّ ولد بنتها . والظاهر بقاء استحقاق الزوجة للمهر في الجميع إلاّ في الصورة الاُولى(1) فيما إذا كان الإرضاع وانفساخ العقد قبل الدخول ، وهل تضمن المرضعة ما يغرمه الزوج من المهر قبل الدخول فيما إذا كان إرضاعها مبطلاً لنكاح غيرها ؟ قولان ، أقواهما العدم ، والأحوط التصالح .

(مسألة 4) : قد سبق أنّ العناوين المحرّمة من جهة الولادة والنسب سبعة : الاُمّهات والبنات والأخوات والعمّات والخالات وبنات الأخ وبنات الاُخت . فإن حصل بسبب الرضاع أحد هذه العناوين كان محرّماً كالحاصل بالولادة ، وقد عرفت فيما سبق كيفية حصولها بالرضاع مفصّلاً . وأمّا لو لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين السبعة ، لكن حصل عنوان خاصّ لو كان حاصلاً بالولادة لكان ملازماً ومتّحداً مع أحد تلك العناوين السبعة - كما لو أرضعت امرأة ولد بنته فصارت اُمّ ولد بنته واُمّ ولد البنت ليست من تلك السبع ، لكن لو كانت اُمومة ولد البنت بالولادة كانت بنتاً له والبنت من المحرّمات السبعة - فهل مثل هذا الرضاع أيضاً محرّم ، فتكون مرضعة ولد البنت كالبنت أم لا ؟ الحقّ هو الثاني ، وقيل بالأوّل . وهذا هو الذي اشتهر في الألسنة بعموم المنزلة الذي ذهب إليه بعض الأجلّة ولنذكر لذلك أمثلة :

ص: 425


1- - محلّ تأمّل ، فالأحوط التخلّص بالصلح ، بل الأحوط ذلك في جميع الصور وإن كان الاستحقاق أقرب .

أحدها : زوجتك أرضعت بلبنك أخاها فصار ولدك ، وزوجتك اُخت له ، فهل تحرم عليك من جهة أنّ اُخت ولدك إمّا بنتك أو ربيبتك وهما محرّمتان عليك وزوجتك بمنزلتهما أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

ثانيها : زوجتك أرضعت بلبنك ابن أخيها فصار ولدك وهي عمّته ، وعمّة ولدك حرام عليك ؛ لأ نّها اُختك ، فهل تحرم من الرضاع أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

ثالثها : زوجتك أرضعت عمّها أو عمّتها أو خالها أو خالتها ، فصارت اُمّهم واُمّ عمّ وعمّة زوجتك حرام عليك ؛ حيث إنّها جدّتها من الأب ، وكذا اُمّ خال وخالة زوجتك حرام عليك ؛ حيث إنّها جدّتها من الاُمّ ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

رابعها : زوجتك أرضعت بلبنك ولد عمّها أو ولد خالها ، فصرت أبا ابن عمّها أو أبا ابن خالها وهي تحرم على أبي ابن عمّها وأبي ابن خالها ؛ لكونهما عمّها وخالها ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم، ومن قال بالعدم يقول : لا.

خامسها : امرأة أرضعت أخاك أو اُختك لأبويك ، فصارت اُمّاً لهما ، وهي محرّمة في النسب ؛ لأ نّها اُمّ لك ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع ويبطل نكاح المرضعة إن كانت زوجتك أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

سادسها : امرأة أرضعت ولد بنتك ، فصارت اُمّاً له ، فهل تحرم عليك لكونها بمنزلة بنتك وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها أم لا ؟ فمن قال بعموم

ص: 426

المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

سابعها : امرأة أرضعت ولد اُختك ، فصارت اُمّاً له ، فهل تحرم عليك من جهة أنّ اُمّ ولد الاُخت حرام عليك ؛ لأ نّها اُختك ، وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

ثامنها : امرأة أرضعت عمّك أو عمّتك أو خالك أو خالتك ، فصارت اُمّهم ، واُمّ عمّك وعمّتك نسباً تحرم عليك ؛ لأ نّها جدّتك من طرف أبيك ، وكذا اُمّ خالك وخالتك ؛ لأ نّها جدّتك من طرف الاُمّ ، فهل تحرم عليك بسبب الرضاع وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها أم لا ؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول : نعم ، ومن قال بالعدم يقول : لا .

(مسألة 5) : لو شكّ في وقوع الرضاع أو في حصول بعض شروطه من الكمّية أو الكيفية بنى على العدم ، نعم يشكل فيما لو علم بوقوع الرضاع بشروطه ، ولم يعلم بوقوعه في الحولين أو بعدهما ، وعلم تأريخ الرضاع وجهل تأريخ ولادة المرتضع ، فحينئذٍ لا يترك الاحتياط .

(مسألة 6) : لا تقبل الشهادة على الرضاع إلاّ مفصّلة ؛ بأن يشهد الشهود على الارتضاع في الحولين بالامتصاص من الثدي خمس عشرة رضعة متواليات - مثلاً - إلى آخر ما مرّ من الشروط . ولا يكفي(1) الشهادة المطلقة والمجملة ؛ بأن يشهد على وقوع الرضاع المحرّم أو يشهد - مثلاً - على أنّ فلان ولد فلانة ، أو فلانة بنت فلان من الرضاع ، بل يسأل منه التفصيل .

(مسألة 7) : الأقوى أ نّه تقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع مستقلاّت ؛

ص: 427


1- - إلاّ إذا علم عرفانهما شرائط الرضاع وأ نّهما موافقان معه في الرأي اجتهاداً أو تقليداً .

بأن تشهد أربع نسوة عليه ، ومنضمّات ؛ بأن تشهد به امرأتان مع رجل واحد .

(مسألة 8) : يستحبّ أن يختار لرضاع الأولاد ، المسلمة العاقلة العفيفة الوضيئة ذات الأوصاف الحسنة ، فإنّ للّبن تأثيراً تامّاً في المرتضع كما يشهد به الاختبار ونطقت به الأخبار والآثار ، فعن الباقر علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء ، فإنّ اللبن يعدي» ، وعن أمير المؤمنين علیه السلام : «لا تسترضعوا الحمقاء ، فإنّ اللبن يغلب الطباع» ، وعنه علیه السلام : «انظروا من ترضع أولادكم فإنّ الولد يشبّ عليه» ، إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها رجحان اختيار ذوات الصفات الحميدة خلقاً وخُلقاً ومرجوحية اختيار أضدادهنّ وكراهته ، ولا سيّما الكافرة ، وإن اضطرّ إلى استرضاعها فليختر اليهودية والنصرانية على المشركة والمجوسية ، ومع ذلك لا يسلّم الطفل إليهنّ ولا يذهبن بالولد إلى بيوتهنّ ويمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير . ومثل الكافرة أو أشدّ كراهة استرضاع الزانية باللبن الحاصل من الزنا والمرأة المتولّدة من زناً ، فعن الباقر علیه السلام : «لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ إليّ من ولد الزنا» ، وعن الكاظم علیه السلام سئل عن امرأة زنت هل يصلح أن تسترضع ؟ قال : «لا يصلح ولا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا» .

القول : في المصاهرة وما يلحق بها

المصاهرة : هي علاقة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر موجبة لحرمة النكاح إمّا عيناً أو جمعاً على تفصيل يأتي .

(مسألة 1) : تحرم معقودة الأب على ابنه وبالعكس - فصاعداً في الأوّل ونازلاً في الثاني - حرمة دائمية ؛ سواء كان العقد دائمياً أو انقطاعياً ، وسواء دخل

ص: 428

العاقد بالمعقودة أو لم يدخل بها، وسواء كان الأب والابن نسبيين أو رضاعيين.

(مسألة 2) : إذا عقد على امرأة حرمت عليه اُمّها وإن علت نسباً أو رضاعاً ؛ سواء دخلت بها أو لا ، وسواء كان العقد دواماً أم انقطاعاً ، وسواء كانت المعقودة صغيرة أو كبيرة . نعم الأحوط(1) - لو لم يكن الأقوى - في العقد على الصغيرة انقطاعاً أن تكون بالغة إلى حدّ تقبل للاستمتاع والتلذّذ بها ولو بغير الوط ء ؛ بأن كانت بالغة ستّ سنوات فما فوق - مثلاً - أو يدخل في المدّة بلوغها إلى هذا الحدّ . فما تعارف من إيقاع عقد الانقطاع ساعة أو ساعتين على الصغيرة الرضيعة أو من يقاربها مريدين بذلك محرمية اُمّها على المعقود له في غاية الإشكال من جهة الإشكال في صحّة مثل هذا العقد حتّى يترتّب عليه حرمة اُمّ المعقود عليها .

(مسألة 3) : إذا عقد على امرأة ، حرمت عليه بنتها وإن نزلت ؛ إذا دخل بالاُمّ ولو دبراً ، وأمّا إذا لم يدخل بها لم تحرم عليه بنتها عيناً وإنّما تحرم عليه جمعاً ؛ بمعنى أ نّها تحرم عليه ما دامت الاُمّ في حباله ، فإذا خرجت بموت أو طلاق أو غير ذلك جاز له نكاحها .

(مسألة 4) : لا فرق في حرمة بنت الزوجة بين أن تكون البنت موجودة في زمان زوجية الاُمّ أو تولّدت بعد خروجها عن الزوجية ، فلو عقد على امرأة ودخل بها ثمّ طلّقها ثمّ تزوّجت وولدت من الزوج الثاني بنتاً ، تحرم هذه البنت على الزوج الأوّل .

ص: 429


1- - لكن لو عقد كذلك ؛ أي الساعة أو الساعتين لا يترك الاحتياط بترتيب آثار المصاهرة وعدم المحرمية ؛ إذا قصد تحقّق الزوجية ولو بداعي بعض الآثار كالمحرمية .

(مسألة 5) : لا إشكال في ترتّب الحرمات الأربع على النكاح والوط ء الصحيحين . وهل تترتّب على الزنا ووط ء الشبهة أم لا ؟ قولان ، أقواهما(1) وأشهرهما أوّلهما ، فلو زنى بامرأة حرمت على أبي الزاني وحرمت على الزاني اُمّ المزني بها وبنتها ، وكذلك الموطوءة بالشبهة . نعم الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة ؛ سواء كان بعد الوط ء أو قبله ، فلو تزوّج بامرأة ثمّ زنى باُمّها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته ، وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن ، ولو زنى الابن بامرأة الأب لم تحرم على أبيه .

(مسألة 6) : لا فرق في الحكم بين الزنا(2) في القبل والدبر .

(مسألة 7) : إذا علم بالزنا وشكّ في كونه سابقاً على العقد أو طارئاً بنى على الثاني(3) .

(مسألة 8) : إذا لمس امرأة أجنبيّة ، أو نظر إليها بشهوة ، حرمت الملموسة والمنظورة على أبي اللامس والناظر وابنهما على قول(4) ، بل قيل بحرمة اُمّ المنظورة والملموسة على الناظر واللامس أيضاً ، وهذا وإن كان أحوط ، لكنّ الأقوى خلافه . نعم لو كانت للأب جارية منظورة(5) أو ملموسة له بشهوة حرمت على ابنه ، وكذا العكس على الأقوى .

ص: 430


1- - بل أحوطهما .
2- - وفي الشبهة أيضاً .
3- - أي على الصحّة .
4- - ضعيف وأضعف منه القيل .
5- - إلى ما لا يحلّ لغيره النظر إليه إن كان نظره بشهوة ، نعم النظر إلى الفرج محرِّم ولو بغير شهوة على الأظهر .

(مسألة 9) : لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمّة ، وبنت الاُخت على الخالة إلاّ بإذنهما ، من غير فرق بين كون النكاحين دائمين أو منقطعين أو مختلفين ، ولا بين علم العمّة والخالة حال العقد وجهلهما ، ولا بين اطّلاعهما على ذلك وعدم اطّلاعهما أبداً ، فلو تزوّجهما عليهما بدون إذنهما كان العقد الطارئ كالفضولي على الأقوى ؛ يتوقّف صحّته على إجازة العمّة والخالة ، فإن أجازتا جاز وإلاّ بطل . ويجوز نكاح العمّة والخالة على بنتي الأخ والاُخت وإن كانت العمّة والخالة جاهلتين ، وليس لهما الخيار لا في فسخ عقد أنفسهما ولا في فسخ عقد بنتي الأخ والاُخت على الأقوى .

(مسألة 10) : الظاهر أ نّه لا فرق في العمّة والخالة بين الدنيا منهما والعليا ، كما أ نّه لا فرق بين نسبيتين منهما والرضاعيتين .

(مسألة 11) : إذا أذنتا ثمّ رجعتا عن الإذن ، فإن كان رجوعهما بعد العقد لم يؤثّر في البطلان ، وإن كان قبله بطل الإذن السابق ، فلو لم يبلغه الرجوع وتزوّج اعتماداً عليه توقّف صحّته على الإجازة اللاحقة .

(مسألة 12) : الظاهر أنّ اعتبار إذنهما ليس حقّاً لهما كالخيار حتّى يسقط بالإسقاط ، فلو اشترط في ضمن عقدهما أن لا يكون لهما ذلك لم يؤثّر شيئاً ، ولو اشترط عليهما أن يكون للزوج العقد على بنت الأخ أو الاُخت ففي سقوط(1) اعتبار إذنهما بذلك إشكال ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 13) : إذا تزوّج بالعمّة وابنة الأخ وشكّ في السابق منهما حكم بصحّة

ص: 431


1- - الظاهر كون قبول هذا الشرط إذناً ، نعم لو رجع عنه قبل العقد لم يصحّ العقد ، ولو شرط عليه أنّ له ذلك ولو مع الرجوع بحيث يرجع إلى إسقاط إذنه فالظاهر بطلان الشرط .

العقدين ، وكذلك فيما إذا تزوّج ببنت الأخ أو الاُخت وشكّ في أ نّه هل كان عن إذن من العمّة أو الخالة أم لا ، حكم بالصحّة وحصول الإذن منهما .

(مسألة 14) : إذا طلّق العمّة أو الخالة ، فإن كان بائناً صحّ العقد على بنتي الأخ والاُخت بمجرّد الطلاق ، وإن كان رجعياً لم يجز إلاّ بعد انقضاء العدّة .

(مسألة 15) : لا يجوز الجمع في النكاح بين الاُختين نسبيتين أو رضاعيتين دواماً أو انقطاعاً أو بالاختلاف ، فلو تزوّج بإحدى الاُختين ثمّ تزوّج باُخرى بطل العقد الثاني دون الأوّل ؛ سواء دخل بالاُولى أو لا ، ولو اقترن عقدهما ؛ بأن تزوّجهما بعقد واحد ، أو عقد هو على إحداهما ووكيله على الاُخرى في زمان واحد - مثلاً - بطلا معاً .

(مسألة 16) : لو تزوّج بالاُختين ولم يعلم السابق واللاحق من العقدين ، فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر ، وإن جهل تأريخهما فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معاً ، وإن علم عدم الاقتران فقد علم إجمالاً بصحّة أحد العقدين وبطلان أحدهما ، فلا يجوز له وطؤهما ولا وط ء إحداهما ما دام الاشتباه ، فيحتمل(1) تعيين السابق بالقرعة ، لكنّ الأحوط أن يطلّقهما أو يطلّق الزوجة الواقعية منهما ثمّ يزوّج من شاء منهما ، على إشكال في الثاني(2) ، وله أن يطلّق إحداهما ويجدّد العقد على الاُخرى بعد انقضاء عدّة الاُولى إذا كانت مدخولاً بها .

ص: 432


1- - وهو الأقوى .
2- - الإشكال غير معتدّ به .

(مسألة 17) : لو طلّقهما والحال هذه فإن كان قبل الدخول فعليه للزوجة الواقعية نصف مهرها ، وإن كان بعد الدخول فلها عليه تمام مهرها ، فإن كان المهران مثليين واتّفقا جنساً وقدراً ، فقد علم من عليه الحقّ ومقدار الحقّ ، وإنّما الاشتباه فيمن له الحقّ ، وفي غير ذلك يكون الاشتباه في الحقّ أيضاً ، فإن اصطلحوا بما تسالموا عليه فهو ، وإلاّ فلا محيص إلاّ عن القرعة ، فمن خرجت عليها من الاُختين كان لها نصف مهرها المسمّى أو تمامه ، ولم تستحقّ الاُخرى شيئاً . نعم مع الدخول بها تفصيل لا يسعه هذا المختصر .

(مسألة 18) : الظاهر جريان حكم تحريم الجمع فيما إذا كانت الاُختان كلتاهما أو إحداهما من زناً .

(مسألة 19) : إذا طلّق زوجته ، فإن كان الطلاق رجعياً لا يجوز ولا يصحّ نكاح اُختها ما لم تنقض عدّتها ، وإن كان بائناً كالطلاق الثالث أو كانت المطلّقة ممّن لا عدّة لها كالصغيرة وغير المدخولة واليائسة جاز له نكاح اُختها في الحال . نعم لو كانت متمتّعة وانقضت مدّتها أو وهب المدّة لا يجوز له على الأحوط - لو لم يكن أقوى - نكاح اُختها قبل انقضاء العدّة وإن كانت بائنة .

(مسألة 20) : ذهب بعض الأخباريين إلى حرمة الجمع بين الفاطميتين في النكاح ، والحقّ جوازه وإن كان الترك أحوط وأولى ، ولو قلنا بالحرمة فهي تكليفية لا يترتّب عليها غير الإثم والمعصية من دون أن تؤثّر في بطلان عقديهما . والقول به كما عن بعضهم وجعله كالجمع بين الاُختين إفراط من القول ضعيف في الغاية .

ص: 433

(مسألة 21) : الأحوط ترك تزويج الحرّ للأمة دواماً(1) ، إلاّ إذا لم يتمكّن من مهر الحرّة وشقّ عليه الصبر على الشبق بحيث خيف من الوقوع في الزنا ، فيجوز بلا إشكال .

(مسألة 22) : لا يجوز تزويج الأمة على الحرّة إلاّ بإذنها ، فلو نكحها عليها تتوقّف صحّة عقد الأمة على إجازة الحرّة ، فإن أجازت جاز وإلاّ بطل . ويجوز العكس وهو نكاح الحرّة على الأمة ، فإن كانت الحرّة عالمة بالحال لزم العقدان ، وإن كانت جاهلة فلها الخيار في فسخ عقدها لا في فسخ عقد الأمة .

(مسألة 23) : لو زنت امرأة ذات بعل لم تحرم على زوجها ، ولا يجب على زوجها أن يطلّقها وإن كانت مصرّة على ذلك .

(مسألة 24) : من زنى بذات بعل دواماً أو متعة حرمت عليه أبداً ؛ سواء كانت حرّة أو أمة ، مسلمة كانت أو كافرة ، مدخولاً بها من زوجها أو غيرها ، فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها أو زوال عقدها بطلاق أو فسخ أو انقضاء مدّة وغيرها ، ولا فرق على الظاهر بين أن يكون الزاني عالماً بأ نّها ذات بعل أو لا ، ولو كان مكرهاً على الزنا ففي لحوق الحكم إشكال .

(مسألة 25) : إذا زنى بامرأة في العدّة الرجعية حرمت عليه أبداً كذات البعل ، دون البائنة وعدّة الوفاة ، ولو علم بأ نّها كانت في العدّة ولم يعلم بأ نّها كانت رجعية أو بائنة فلا حرمة . نعم لو علم بكونها في عدّة رجعية وشكّ في انقضائها فالظاهر الحرمة .

ص: 434


1- - بل ومتعة .

(مسألة 26) : من لاط بغلام فأوقبه ولو ببعض الحشفة حرمت عليه أبداً اُمّ الغلام وإن علت ، وبنته وإن نزلت ، واُخته ؛ من غير فرق بين كونهما صغيرين أو كبيرين أو مختلفين ، ولا تحرم على المفعول اُمّ الفاعل وبنته واُخته على الأقوى ، والاُمّ والبنت والاُخت الرضاعيات للمفعول كالنسبيات .

(مسألة 27) : إنّما يوجب اللواط حرمة المذكورات إذا كان سابقاً ، وأمّا إذا كان طارئاً على التزويج فلا يوجب الحرمة وبطلان النكاح ، فلو تزوّج امرأة ثمّ لاط بابنها أو أبيها أو أخيها لم تحرم عليه امرأته ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .

(مسألة 28) : لو شكّ في تحقّق الإيقاب حينما عبث بالغلام أو بعده بنى على العدم .

القول : في النكاح في العدّة وتكميل العدد

(مسألة 1) : لا يجوز نكاح المرأة لا دائماً ولا منقطعاً إذا كانت في عدّة الغير ؛ رجعية كانت أو بائنة ، عدّة وفاة أو غيرها ، من نكاح دائم أو منقطع أو من وط ء شبهة ، ولو تزوّجها ، فإن كانا عالمين بالموضوع والحكم ؛ بأن علما بكونها في العدّة وعلما بأ نّه لا يجوز النكاح في العدّة ، أو كان أحدهما عالماً بهما ، بطل النكاح وحرمت عليه أبداً ؛ سواء دخل بها أو لا ، وكذا إن جهلا بهما أو بأحدهما ودخل بها ولو دبراً ، وأمّا لو لم يدخل بها بطل العقد ولكن لم تحرم عليه أبداً فله استئناف العقد عليها بعد انقضاء العدّة التي كانت فيها .

(مسألة 2) : لو وكّل أحداً في تزويج امرأة له ، ولم يعيّن الزوجة فزوّجه امرأة

ص: 435

ذات عدّة لم تحرم عليه وإن علم الوكيل بكونها في العدّة ، وإنّما تحرم عليه مع الدخول . وأمّا لو عيّن الزوجة ، فإن كان الموكّل عالماً بالحكم والموضوع حرمت عليه وإن كان الوكيل جاهلاً بهما ، بخلاف العكس ، فالمدار على علم الموكّل وجهله لا الوكيل .

(مسألة 3) : لا يلحق بالتزويج في العدّة وط ء الشبهة أو الزنا بالمعتدّة ، فلو وطئ شبهة أو زنى بالمرأة في حال عدّتها لم يؤثّر في الحرمة الأبدية ؛ أيّة عدّة كانت ، إلاّ العدّة الرجعية إذا زنى بها فيها ، فإنّه يوجب الحرمة كما مرّ .

(مسألة 4) : إذا كانت المرأة في عدّة الرجل جاز له(1) العقد عليها في الحال ، ولا ينتظر انقضاء العدّة . نعم فيما إذا كانت معتدّة له بالعدّة الرجعية يبطل منه العقد عليها لكونها بمنزلة زوجته ولا يصحّ عقد الزوج على زوجته ، فلو كانت عنده متعة وأراد أن يجعل عقدها دواماً ، جاز أن يهب مدّتها ويعقد عليها عقد الدوام في الحال ، بخلاف ما إذا كانت عنده زوجة دائمة وأراد أن يجعلها منقطعة فطلّقها لذلك طلاقاً غير بائن ، فإنّه لا يجوز له إيقاع عقد الانقطاع عليها إلاّ بعد خروجها عن العدّة .

(مسألة 5) : هل يعتبر في الدخول الذي هو شرط للحرمة الأبدية في صورة الجهل أن يكون في العدّة ، أو يكفي وقوع العقد في العدّة وإن كان الدخول واقعاً بعد انقضائها ؟ قولان ، أحوطهما(2) الثاني وأقواهما الأوّل .

(مسألة 6) : لو شكّ في أ نّها معتدّة أم لا ، حكم بالعدم وجاز له تزويجها ،

ص: 436


1- - إلاّ في موارد لموانع طارئة ، كالطلاق الثالث المحتاج إلى المحلّل ، والتاسع المحرّم أبداً .
2- - لا يترك ، بل لا يخلو من قوّة .

ولا يجب عليه التفحّص عن حالها ، وكذا لو شكّ في انقضاء عدّتها وأخبرت هي بالانقضاء ، فتصدّق وجاز تزويجها .

(مسألة 7) : لو علم أنّ التزويج كان في العدّة مع الجهل موضوعاً أو حكماً ، ولكن شكّ في أ نّه قد دخل بها حتّى تحرم عليه أبداً أو لا ، بنى على عدم الدخول ، فلم تحرم عليه ، وكذا لو علم بعدم الدخول لكن شكّ في أنّ أحدهما قد كان عالماً أم لا ، بنى على عدم العلم ، فلا يحكم بالحرمة الأبدية .

(مسألة 8) : يلحق بالتزويج في العدّة في إيجاب الحرمة الأبدية التزويج بذات البعل ، فلو تزوّجها مع العلم بأ نّها ذات بعل حرمت عليه أبداً ؛ سواء دخل بها أم لا ، ولو تزوّجها مع الجهل لم تحرم عليه إلاّ مع الدخول بها .

(مسألة 9) : إذا تزوّج بامرأة عليها عدّة ولم تشرع فيها لعدم تحقّق مبدئها ، كما إذا تزوّج بمن مات زوجها ولم يبلغها الخبر ، فإنّ مبدأ عدّتها من حين بلوغ الخبر ، فهل يوجب الحرمة الأبدية أم لا ؟ قولان ، أحوطهما الأوّل وأرجحهما الثاني .

(مسألة 10) : من كان(1) عنده أربع زوجات دائمية تحرم عليه الخامسة ما دامت الأربع في حباله ؛ سواء كان حرّاً أو عبداً ، وسواء كنّ حرائر أو إماءً أو مختلفات . وكذا يحرم على الحرّ أزيد من أمتين وعلى العبد أزيد من حرّتين ،

ص: 437


1- - لا يخفى ما في هذه المسألة من سوء التأدية . وحقّ العبارة أن يقال : لا يجوز للحرّ أن يجمع بين أزيد من أربع حرائر بالعقد الدائم ولا أزيد من أمتين كذلك ؛ سواء كانتا من جملة الأربع أو لا ، ويجوز له أمتان وحرّتان ، وأمّا العبد فالحرّة في حقّه بمنزلة الأمتين ، فيجوز له أربع إماء أو حرّتان أو أمتان وحرّة لا غير بالعقد الدائم .

وإن لم تزد من عنده من الزوجات على الأربع ، فلا يجوز للأوّل الجمع بين ثلاث إماء وحرّة ولا للثاني الجمع بين ثلاث حرائر وأمة . ويجوز للأوّل الجمع بين أربع حرائر ؛ فضلاً عن ثلاث حرائر وأمة أو حرّتين وأمتين ، وأمّا الثاني فلا يجوز له إلاّ الجمع بين أربع إماء أو حرّتين أو حرّة وأمتين ، ولا يجوز له الجمع بين ثلاث إماء وحرّة ، وكذا بين أمتين وحرّتين فضلاً عن أربع حرائر أو ثلاث .

(مسألة 11) : ما ذكر إنّما هو في العقد الدائم ، وأمّا في المنقطع(1) فيجوز الجمع بما شاء وإن كانت عند الحرّ أربع دائميات حرائر وعند العبد أربع إماء دائميات ، فيجوز لكلّ منهما أن يزيد عليهنّ انقطاعاً بما شاء ولو إلى ألف .

(مسألة 12) : إذا كانت عنده أربع فماتت إحداهنّ ، يجوز له تزويج اُخرى في الحال ، وكذا لو فارق إحداهنّ بالفسخ أو الانفساخ أو بالطلاق البائن ، وأولى بذلك ما إذا لم تكن لها عدّة كالغير المدخول بها واليائسة ، وأمّا إذا طلّقها بالطلاق الرجعي ، فلا يجوز له تزويج اُخرى إلاّ بعد انقضاء عدّة الاُولى .

(مسألة 13) : إذا طلّق الرجل - حرّاً كان أو عبداً - زوجته الحرّة ثلاث طلقات ، لم يتخلّل بينها نكاح رجل آخر ، حرمت عليه ، ولا يجوز له نكاحها حتّى تنكح زوجاً غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق . وكذا إذا طلّق زوجته الغير الحرّة طلقتين لم يتخلّل بينهما نكاح رجل آخر ، وإذا طلّقها تسعاً للعدّة بتخلّل محلّلين في البين - بأن نكحت غير المطلّق بعد الثلاثة الاُولى والثانية - حرمت عليه أبداً . وكيفية وقوع تسع طلقات للعدّة : أن يطلّقها بالشرائط ثمّ يراجعها في العدّة ويطأها ثمّ يطلّقها في طهر آخر ثمّ يراجع

ص: 438


1- - وكذا ملك اليمين .

ثمّ يطأ ثمّ يطلّقها الثالثة ، ثمّ ينكحها بعد عدّتها زوج آخر ، ثمّ يفارقها بعد أن يطأها ثمّ يتزوّجها الأوّل بعد عدّتها ، ثمّ يوقع عليها ثلاث طلقات مثل ما أوقع أوّلاً ، ثمّ ينكحها زوج آخر ويطأها ، ثمّ يفارقها ويتزوّجها الأوّل ويوقع عليها ثلاث طلقات اُخرى(1) إلى أن يكمل لها تسعاً تخلّل بينها نكاح رجلين ، فتحرم عليه في التاسعة أبداً ، وسيجيء تفاصيل هذه المسائل في كتاب الطلاق إن شاء اللّه تعالى .

القول : في الكفر

لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر دواماً وانقطاعاً ؛ سواء كان أصلياً - حربياً كان أو كتابياً - أو كان مرتدّاً ؛ عن فطرة كان أو عن ملّة . وكذا لا يجوز للمسلم تزويج غير الكتابية من أصناف الكفّار ولا المرتدّة ؛ عن فطرة كانت أو ملّة . وأمّا الكتابية من اليهودية والنصرانية ففيه أقوال : أشهرها المنع في النكاح الدائم والجواز في المنقطع ، وقيل بالمنع مطلقاً ، وقيل بالجواز كذلك وهو لا يخلو من قوّة(2) على كراهية خصوصاً في الدائم ، بل الاحتياط فيه لا يترك إن استطاع نكاح المسلمة .

(مسألة 1) : الأقوى(3) أنّ المجوسية بحكم اليهودية والنصرانية ، وأمّا الصابئة ففيها إشكال ؛ حيث إنّه لم يتحقّق عندنا إلى الآن حقيقة دينهم ، فإن تحقّق أ نّهم طائفة من النصارى - كما قيل - كانوا بحكمهم .

ص: 439


1- - مثل السابقات .
2- - القوّة بالنسبة إلى الدائم لا يخلو من إشكال ، فلا يترك الاحتياط فيه .
3- - بل الأقوى حرمة نكاحها ويجوز بملك اليمين .

(مسألة 2) : العقد الواقع بين الكفّار لو وقع صحيحاً عندهم وعلى طبق مذهبهم يترتّب عليه آثار الصحيح عندنا ؛ سواء كان الزوجان كتابيين أو وثنيين أو مختلفين ؛ حتّى أ نّه لو أسلما معاً دفعة اُقرّا على نكاحهما الأوّل ولم يحتج إلى عقد جديد على طبق مذهبنا ، بل وكذا لو أسلم أحدهما أيضاً في بعض الصور الآتية . نعم لو كان نكاحهم مشتملاً على ما يقتضي الفساد ابتداءً واستدامة ، كنكاح إحدى المحرّمات عيناً أو جمعاً ، جرى عليه بعد الإسلام حكم الإسلام .

(مسألة 3) : إذا أسلم زوج الكتابية بقيا على نكاحهما الأوّل ؛ سواء كان كتابياً أو وثنياً ، وسواء كان إسلامه قبل الدخول أو بعده . وإذا أسلم زوج الوثنية - وثنياً كان أو كتابياً - فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن كان بعده ينتظر(1) انقضاء العدّة ، فإن أسلمت الزوجة قبل انقضائها بقيا على نكاحهما وإلاّ انفسخ النكاح ؛ بمعنى أ نّه يتبيّن انفساخه من حين إسلام الزوج .

(مسألة 4) : إذا أسلمت زوجة الوثني أو الكتابي ؛ وثنية كانت أو كتابية ، فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن كان بعده وقف(2) على انقضاء العدّة ، فإن أسلم قبل انقضائها فهي امرأته وإلاّ بان أ نّها بانت منه حين إسلامها .

(مسألة 5) : لو ارتدّ أحد الزوجين أو ارتدّا معاً دفعة قبل الدخول وقع الانفساخ في الحال ؛ سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملّة ، وكذا بعد الدخول إذا

ص: 440


1- - لكن يفرّق بينهما .
2- - لكن يفرّق بينهما .

كان الارتداد من الزوج وكان عن فطرة ، وأمّا إن كان ارتداده عن ملّة أو كان الارتداد من الزوجة مطلقاً وقف الفسخ على انقضاء العدّة ، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته وإلاّ انكشف أ نّها بانت منه عند الارتداد .

(مسألة 6) : العدّة في ارتداد الزوج عن فطرة كالوفاة ، وفي غيره كالطلاق .

(مسألة 7) : لا يجوز للمؤمنة أن تنكح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت G، ولا الغالي المعتقد باُلوهيتهم أو نبوّتهم ، وكذا لا يجوز للمؤمن أن ينكح الناصبة والغالية ؛ لأ نّهما بحكم الكفّار وإن انتحلا دين الإسلام .

(مسألة 8) : لا إشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفة الغير الناصبة ، وأمّا نكاح المؤمنة المخالف الغير الناصب ففيه خلاف ، والجواز مع الكراهة لا يخلو من قوّة . وحيث إنّه نسب إلى المشهور عدم الجواز ، فلا ينبغي ترك الاحتياط مهما أمكن .

(مسألة 9) : لا يشترط في صحّة النكاح تمكّن الزوج من النفقة ، نعم لو زوّج الصغيرة وليّها بغير القادر عليها لم يلزم العقد عليها ، فلها الردّ بعد كمالها ؛ لما مرّ من أ نّه يعتبر في نفوذ عقد الوليّ على المولّى عليه عدم المفسدة ، ولا ريب أنّ هذا مفسدة وأيّ مفسدة ! إلاّ إذا زوحمت بمصلحة غالبة عليها .

(مسألة 10) : بعد ما لم يكن التمكّن من النفقة شرطاً لصحّة العقد ولا لزومه ، فلو كان متمكّناً منها حين العقد ثمّ تجدّد العجز عنها بعد ذلك لم يكن لها التسلّط على الفسخ ؛ لا بنفسها ولا بالحاكم على الأقوى . نعم لو كان ممتنعاً عن الإنفاق مع اليسار ورفعت أمرها إلى الحاكم ألزمه بأحد الأمرين : إمّا الإنفاق أو الطلاق ،

ص: 441

فإذا امتنع عن الأمرين ولم يمكن الإنفاق من ماله ولا إجباره بالطلاق ، فالظاهر أنّ للحاكم أن يطلّقها إن أرادت الطلاق .

(مسألة 11) : لا إشكال في جواز تزويج الحرّة بالعبد والعربية بالعجمي والهاشمية بغير الهاشمي وبالعكس ، وكذا ذوات البيوتات الشريفة بأرباب الصنائع الدنية كالكنّاس والحجّام ونحوهما ؛ لأنّ المسلم كفو المسلمة والمؤمن كفو المؤمنة والمؤمنون بعضهم أكفاء بعض كما في الخبر . نعم يكره التزويج بالفاسق خصوصاً شارب الخمر والزاني كما مرّ .

(مسألة 12) : وممّا يوجب الحرمة الأبدية التزويج حال الإحرام - دواماً أو انقطاعاً - سواء كانت المرأة محرمة أو محلّة ، وسواء كان إيقاع التزويج له بمباشرته أو بتوكيل الغير محرماً كان الوكيل أو محلاًّ ، كان التوكيل قبل الإحرام أو حاله . هذا مع العلم بالحرمة ، وأمّا مع جهله بها وإن بطل النكاح في جميع الصور المذكورة لكن لا يوجب الحرمة الأبدية .

(مسألة 13) : لا فرق فيما ذكر - من التحريم مع العلم ، والبطلان مع الجهل - بين أن يكون الإحرام لحجّ واجب أو مندوب أو لعمرة واجبة أو مندوبة ، ولا بين أن يكون حجّه وعمرته لنفسه أو نيابة عن غيره .

(مسألة 14) : لو كانت الزوجة محرمة عالمة بالحرمة وكان الزوج محلاًّ فهل يوجب الحرمة الأبدية بينهما ؟ قولان ؛ أحوطهما ذلك ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 15) : يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدّة(1) الرجعية ، وكذا

ص: 442


1- - من غير فرق بين المطلّقة تبرّعاً ، أو المختلعة إذا رجعت في البذل .

يجوز له أن يوكّل محلاًّ في أن يزوّج له بعد إحلاله ، بل وكذا أن يوكّل محرماً في أن يزوّج له بعد إحلالهما .

(مسألة 16) : ومن أسباب التحريم اللعان بشروطه المذكورة في بابه ؛ بأن يرميها بالزنا ويدّعي المشاهدة بلا بيّنة ، أو ينفي ولدها الجامع لشرائط الإلحاق به وتنكر ذلك ، ورفعا أمرهما إلى الحاكم فيأمرهما بالملاعنة بالكيفية الخاصّة ، فإذا تلاعنا سقط عنه حدّ القذف وعنها حدّ الزنا وانتفى الولد عنه وحرمت عليه مؤبّداً .

(مسألة 17) : نكاح الشغار باطل ، وهو أن تتزوّج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كلّ واحدة منهما نكاح الاُخرى ولا يكون بينهما مهر غير النكاحين والتزويجين ، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر : «زوّجتك بنتي - أو اُختي - على أن تزوّجني بنتك - أو اُختك - ويكون صداق كلّ منهما نكاح الاُخرى » ويقول الآخر : «قبلت وزوّجتك بنتي - أو اُختي - هكذا» وأمّا لو زوّج إحداهما الآخر بمهر معلوم وشرط عليه أن يزوّجه الاُخرى بمهر معلوم فصحّ العقدان ، مثل أن يقول : «زوّجتك بنتي - أو اُختي - على صداق مائة دينار على أن تزوّجني اُختك - أو بنتك - هكذا» ويقول الآخر : «قبلت وزوّجتك بنتي - أو اُختي - على مائة دينار» بل وكذا لو شرط أن يزوّجه الاُخرى ولم يذكر مهراً أصلاً ، مثل أن يقول : «زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك» فقال : «قبلت وزوّجتك بنتي» فإنّه يصحّ العقدان ، لكن حيث إنّه لم يذكر المهر تستحقّ كلّ منهما مهر المثل ، كما يأتي في محلّه ؛ من أنّ ذكر المهر ليس شرطاً في صحّة النكاح الدائم ، وأ نّها تستحقّ مهر المثل لو لم يذكر المهر .

ص: 443

القول : في النكاح المنقطع

ويقال له المتعة والنكاح المؤجّل .

(مسألة 1) : النكاح المنقطع كالدائم في أ نّه يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين ، وأ نّه لا يكفي مجرّد الرضا القلبي من الطرفين ، ولا المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة ، وفي اعتبار العربية وفي كون الإيجاب من طرف الزوجة ، كما فصّل ذلك كلّه فيما سبق .

(مسألة 2) : ألفاظ الإيجاب في هذا العقد ثلاثة : «متّعت» و«زوّجت» و«أنكحت» ، أيّها حصل وقع الإيجاب به ، ولا ينعقد بغيرها كلفظ التمليك والهبة والإجارة . والقبول كلّ لفظ دالّ على إنشاء الرضا بذلك الإيجاب كقوله : «قبلت المتعة» أو «التزويج» أو «النكاح» ، ولو قال : «قبلت» أو «رضيت» واقتصر كفى . ولو بدأ بالقبول فقال : «تزوّجتك» فقالت : «زوّجتك نفسي» صحّ .

(مسألة 3) : لا يجوز تمتّع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه ، وكذا لا يجوز تمتّع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفّار ، ولا بالمرتدّة ، ولا بالناصبية المعلنة بالعداوة كالخارجية .

(مسألة 4) : لا يتمتّع بأمة وعنده حرّة إلاّ بإذنها ، ولو فعل وقف على إجازتها . وكذا لا يدخل على العمّة بنت أخيها ولا على الخالة بنت اُختها إلاّ بإذنهما أو إجازتهما ، وكذا لا يجمع بين الاُختين .

(مسألة 5) : يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر ، فلو أخلّ به بطل . ويعتبر فيه أن يكون ممّا يتموّل ؛ سواء كان عيناً خارجياً أو كلّياً في الذمّة أو منفعة أو

ص: 444

عملاً محلّلاً صالحاً للعوضية ، بل وحقّاً من الحقوق المالية كحقّ التحجير ونحوه ، وأن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن في المكيل والموزون ، والعدّ في المعدود ، أو المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة ، ويتقدّر بالمراضاة قلّ أو كثر ولو كان كفّاً من طعام .

(مسألة 6) : تملك المتمتّعة المهر بالعقد ، فيلزم عليه دفعه إليها بعده لو طالبته ، وإن كان استقراره بالتمام مراعىً بالدخول ووفائها بالتمكين في تمام المدّة ، فلو وهبها المدّة ، فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر ، وإن كان بعده لزمه الجميع وإن مضت من المدّة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام فلا يُقسّط المهر على ما مضى منها وما بقي . نعم لو لم يهب المدّة ولكنّها لم تف بها ولم تمكّنه من نفسها في تمامها كان له أن يضع من المهر بنسبتها ؛ إن نصفاً فنصف وإن ثلثاً فثلث وهكذا ما عدا أيّام حيضها ، فلا ينقص لها شيء من المهر . وفي إلحاق سائر الأعذار كالمرض المدنف ونحوه بها أو عدمه وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان ، والأحوط(1) التصالح .

(مسألة 7) : لو أوقع العقد ولم يدخل(2) بها حتّى انقضت المدّة ، استقرّ عليه تمام المهر .

(مسألة 8) : لو تبيّن فساد العقد ؛ بأن ظهر لها زوج أو كانت اُخت زوجته أو اُمّها - مثلاً - ولم يدخل بها فلا مهر لها . ولو قبضته كان له استعادته ، بل لو تلف كان عليها بدله ، وكذا إن دخل بها وكانت عالمة بالفساد ، وأمّا إن كانت جاهلة

ص: 445


1- - لا يترك .
2- - مع تمكينها .

فلها مهر المثل ، فإن كان ما أخذت أزيد منه استعاد الزائد وإن كان أقلّ أكمله .

(مسألة 9) : يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل ، فلو لم يذكره متعمّداً أو نسياناً بطل متعةً وانعقد دائماً على إشكال(1) ، وتقدير الأجل إليهما طال أو قصر . ولا بدّ أن يكون معيّناً بالزمان محروساً من الزيادة والنقصان ، ولو قدّره بالمرّة أو مرّتين من دون أن يقدّره بزمان بطل متعة وانعقد دائماً ، وفيه الإشكال المتقدّم بل هنا أشكل(2) .

(مسألة 10) : إذا قالت : «زوّجتك نفسي إلى شهر» أو « . . . شهراً» مثلاً وأطلقت ، اقتضى الاتّصال بالعقد ، وهل يجوز أن تجعل المدّة منفصلاً عن العقد ؛ بأن تعيّن المدّة شهراً - مثلاً - ويجعل مبدؤه بعد شهر من حين وقوع العقد أم لا ؟ قولان ، أحوطهما الثاني بل لا يخلو من قوّة(3) .

(مسألة 11) : لا يصحّ تجديد العقد عليها دائماً ومنقطعاً قبل انقضاء الأجل أو بذل المدّة ، فلو كانت المدّة شهراً وأراد أن تكون شهرين ، لا بدّ أن يهبها المدّة ثمّ يعقد عليها ويجعل المدّة شهرين ، ولا يجوز أن يعقد عليها عقداً آخر ويجعل المدّة شهراً بعد الشهر الأوّل حتّى يصير المجموع شهرين .

(مسألة 12) : يجوز أن يشترط عليها وعليه الإتيان ليلاً أو نهاراً ، وأن يشترط المرّة أو المرّات مع تعيين المدّة بالزمان .

ص: 446


1- - لا يعتدّ به .
2- - الأحوط فيه إجراء الطلاق وتجديد النكاح لو أراد ، وأحوط منه مع ذلك الصبر إلى انقضاء المدّة المقدّرة بالمرّة أو المرّتين أو هبتها .
3- - القوّة محلّ منع .

(مسألة 13) : يجوز العزل للمتمتّع من دون إذنها وإن قلنا بعدم جوازه في الدائم ، ولكن يلحق به الولد لو حملت وإن عزل ؛ لاحتمال سبق المنيّ من غير تنبّه ، ولو نفاه عن نفسه انتفى(1) ظاهراً ولم يفتقر إلى اللعان ، ولكن لا يجوز له النفي بينه وبين اللّه إلاّ مع العلم بالانتفاء .

(مسألة 14) : لا يقع بها طلاق وإنّما تبين بانقضاء المدّة أو هبتها ، ولا رجوع له بعد ذلك .

(مسألة 15) : لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين ، ولو شرطا التوارث أو توريث أحدهما فالظاهر التوريث على حسب شرطهما(2) ، وإن كان الأحوط التصالح مع باقي الورثة .

(مسألة 16) : إذا انقضى أجلها أو وهب مدّتها قبل الدخول فلا عدّة عليها ، وإن كان بعده ولم تكن غير بالغة ولا يائسة فعليها العدّة . وعدّتها على الأشهر الأظهر حيضتان ، وإن كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوماً ، والظاهر اعتبار حيضتين تامّتين ، فلو انقضى الأجل أو وهب المدّة في أثناء الحيض لم يحسب تلك الحيضة منها ، بل لا بدّ من حيضتين تامّتين بعد ذلك . هذا فيما إذا كانت حائلاً ، وأمّا لو كانت حاملاً فعدّتها إلى أن تضع حملها كالمطلّقة على إشكال ، فالأحوط مراعاة أبعد الأجلين من وضع الحمل ومن

ص: 447


1- - إذا لم يعلم أنّ نفيه كان عن إثم ، ومع احتمال كونه منه .
2- - من توريث أحدهما أو كليهما دون غيره ، كاشتراط إرث غير الزوج والزوجة ، والمسألة مشكلة جدّاً ؛ فلا يترك الاحتياط بترك هذا الشرط ، ومعه لا يترك الاحتياط بالتصالح مع الورثة .

انقضاء خمسة وأربعين يوماً أو حيضتين . وأمّا عدّتها من الوفاة فهي أربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت حائلاً ، وأبعد الأجلين منها ومن وضع حملها إن كانت حاملاً كالدائمة .

(مسألة 17) : يستحبّ أن تكون المتمتّع بها مؤمنة عفيفة ، والسؤال(1) عن حالها وأ نّها ذات بعل أو ذات عدّة أم لا ، وليس السؤال والفحص عن حالها شرطاً في الصحّة .

(مسألة 18) : يجوز التمتّع بالزانية على كراهية ، خصوصاً لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور .

القول : في نكاح العبيد والإماء

(مسألة 1) : لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يتزوّجا بدون إذن المولى ، فلو تزوّجا من غير إذنه وقف على إجازته فإذا أجاز جاز ، ولو ردّ ثمّ أجاز أو العكس لا أثر(2) للتالي ، ولو كان العبد والأمة لمالكين أو أكثر وقف على إذن الجميع أو إجازتهم ، فلو أذن أو أجاز بعضهم دون بعض بطل النكاح .

(مسألة 2) : للسيّد تزويج عبده بحرّة أو أمة ، وكذا تزويج أمته بحرّ أو عبد قهراً عليهما ، ولو كانا مبعّضين توقّف صحّته على رضاهما وإذن السيّد معاً وليس له إجبارهما .

ص: 448


1- - قبل التزويج ، وأمّا بعده فمكروه .
2- - على الأحوط في الإجازة بعد الردّ ، وعلى الأقوى في العكس ، بل الأوّل أيضاً لا يخلو من قوّة .

(مسألة 3) : لو أذن المولى عبده في التزويج كان عليه المهر(1) ونفقة زوجته . نعم إن عيّن كون المهر في ذمّة العبد تعيّن ويتبع به بعد العتق .

(مسألة 4) : مهر الأمة المزوّجة للمولى ؛ سواء كان هو المباشر لتزويجها أو هي بإذنه أو إجازته ، ونفقتها على الزوج ، وللمولى استخدامها بما لا ينافي حقّ الزوج .

(مسألة 5) : يجوز للمولى تزويج أمته من عبده قهراً عليهما ، وله بعد ذلك التفريق بينهما، ولا يحتاج إلى الطلاق، بل يكفي أن يأمرهما بالمفارقة والاعتزال.

(مسألة 6) : لا يجوز للمولى وط ء أمته المزوّجة ولو من عبده حتّى يفارقها وتخرج من العدّة ، بل لا يجوز له النظر منها إلى ما لا يجوز لغير الزوج والمالك ، فضلاً عن سائر الاستمتاعات بها كاللمس والقبلة على الأحوط لو لم يكن الأقوى .

(مسألة 7) : المتولّد بين الرقّين رقّ ؛ سواء كان عن نكاح صحيح أو شبهة أو عن زناً من طرف واحد أو طرفين ، فإن كان العبد والأمة لمالك واحد فالولد له ، وإن كان كلّ منهما لمالك فالولد بينهما بالسويّة ، إلاّ إذا كان الولد عن زناً من طرف العبد فإنّ الولد لمالك الأمة ؛ سواء كان من طرفها زناً أو شبهة .

(مسألة 8) : إذا أوقع المالكان العقد بين العبد والأمة ، وشرطا أن يكون الولد لأحدهما دون الآخر ، أو كان نصيب أحدهما منه أزيد من الآخر ؛ بأن

ص: 449


1- - إن كان بمقدار مهر المثل وأطلق في الإجازة ، ولا يبعد أن يكون الزائد عليه بذمّة العبد يتبع به بعد التحرير ، وكذا لو عيّن مقدار المهر فزاد عليه على إشكال في الأخير .

يكون له ثلثاه وللآخر ثلث - مثلاً - صحّ الشرط ولزم .

(مسألة 9) : إذا كان أحد أبوي الولد حرّاً فالولد حرّ ، وإذا شرط مالك العبد أو الأمة في ضمن العقد كونه رقّاً له ، فالمشهور صحّة الشرط ولزومه ، وهو لا يخلو من قوّة وإن لم يخل من إشكال .

(مسألة 10) : إذا زنى العبد بحرّة فالولد حرّ وإن كانت هي أيضاً زانية ، بخلاف ما لو زنى حرّ بأمة الغير فإنّ الولد رقّ لمولاها وإن كانت هي أيضاً زانية ، وكذا لو زنى عبد شخص بأمة الغير فإنّ الولد لمولاها .

(مسألة 11) : إذا اُعتقت الأمة المزوّجة ، كان لها فسخ نكاحها وإن كانت تحت حرّ على الأقوى ؛ سواء كان نكاحها دائماً أو منقطعاً ، وسواء كان قبل الدخول أو بعده ، وهذا الخيار على الفور - على الأحوط(1) - فوراً عرفياً . نعم لو كانت جاهلة بالعتق أو الخيار أو الفورية جاز لها الفسخ بعد العلم ولا يضرّه التأخير الواقع من جهة الجهل بأحدها .

(مسألة 12) : يجوز للمولى تحليل أمته للغير في وطئها وسائر الاستمتاعات منها ، ولو اقتصر على بعضها كالنظر أو التقبيل أو اللمس - مثلاً - لا يستبيح غيره . نعم لو أحلّ له الوط ء حلّ له ما دونه(2) من ضروب الاستمتاع ، لكن لا يحلّ بذلك استخدامها .

ص: 450


1- - بمعنى أنّ الأحوط لها إعمال الخيار فوراً إن أرادت ، ومع عدم الإعمال فالأحوط لها أن لا تفسخ ، ومع الفسخ فالأحوط الافتراق بالطلاق إن أرادت التزوّج أو الاجتماع بتجديد النكاح .
2- - ما لم يصرّح بخلافه .

(مسألة 13) : لا يكفي في التحليل مجرّد التراضي والتعاطي ، بل يحتاج إلى الصيغة بأن يقول : «أحللت لك وط ءها» أو «جعلتك في حلّ من وطئها» مثلاً ، والأقوى جواز إيقاعه بلفظ الإباحة بأن يقول : «أبحت لك وط ءها» مثلاً ، بل عدم اعتبار لفظ مخصوص وكفاية كلّ لفظ أفاد المقصود بحسب متفاهم العرف لا يخلو من قوّة ، بل الظاهر عدم اعتبار العربية أيضاً .

(مسألة 14) : المحلّلة للوط ء كالمزوّجة على الأحوط(1) لو لم يكن أقوى ، فلا يجوز للمولى وطؤها ولا سائر الاستمتاعات بها . وأمّا المحلّلة لغير الوط ء ، فالظاهر(2) جواز وطئها للمالك فضلاً عن النظر وسائر الاستمتاعات ، إلاّ أنّ الأحوط خلافه خصوصاً في الوط ء ، بل الاحتياط فيه لا يترك .

القول : في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس

وهي قسمان : مشترك ومختصّ . أمّا المشترك : فهو الجنون ، وهو اختلال العقل ، وليس منه الإغماء ومرض الصرع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات . ولكلّ من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه ، في الرجل مطلقاً ؛ سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به أو حدث بعده(3) قبل الوط ء أو بعده ، وأمّا في المرأة ففيما إذا كان جنونها قبل العقد ولم يعلم الرجل ، دون ما إذا طرأ بعده . ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق والأدوار وإن وقع

ص: 451


1- - بل الأقوى .
2- - مشكل جدّاً ، فلا يترك الاحتياط .
3- - في الحادث بعده إذا لم يبلغ حدّاً لا يعرف أوقات الصلاة تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط .

العقد حال إفاقته ، كما أنّ الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم والمنقطع .

وأمّا المختصّ : فأمّا المختصّ بالرجل فثلاثة : الخصاء وهو سَلُّ الاُنثيين أو رضّهما ، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به ، والجبّ ، وهو قطع الذكر بشرط أن لا يبقى منه ما يمكن معه الوط ء ولو قدر الحشفة ، وتفسخ به المرأة ؛ سواء سبق العقد أو لحقه(1) بشرط كونه قبل الوط ء لا بعده ، والعنن ، وهو مرض تضعف معه الآلة عن الانتشار ؛ بحيث يعجز عن الإيلاج ، وهو سبب لتسلّط المرأة على الفسخ بشرط عجزه عن الوط ء بها ووط ء غيرها ، فلو لم يقدر على وطئها وقدر على وط ء غيرها لا خيار لها . ويثبت به الخيار ؛ سواء سبق العقد أو تجدّد بعده ، لكن بشرط أن لم يقع منه وطؤها ولو مرّة ، فلو وطئها(2) ثمّ حدثت به العنّة بحيث لم يقدر على الوط ء بالمرّة فلا خيار لها .

وأمّا المختصّ بالمرأة فستّة : البرص ، والجذام ، والإفضاء - وقد مرّ تفسيره فيما سبق - والقرن ويقال له العفل وهو لحم(3) ينبت في فم الرحم يمنع(4) من الوط ء ، والعرج البيّن ؛ وإن لم يبلغ حدّ الإقعاد والزمانة على الأظهر ، والعمى وهو ذهاب البصر عن العينين وإن كانتا مفتوحتين ، ولا اعتبار بالعور ، ولا بالعشا ، وهي علّة في العين لا يبصر في الليل ويبصر بالنهار ، ولا بالعمش ، وهو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات .

ص: 452


1- - فيه تأمّل ، بل لا يبعد عدم الخيار في اللاحق مطلقاً .
2- - ولو دبراً .
3- - أو غدّة أو عظم .
4- - بل ولو لم يمنع ؛ إذا كان موجباً للتنفّر والانقباض على الأظهر .

(مسألة 1) : إنّما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبيّن وجودها قبل العقد ، وأمّا ما يتجدّد بعده فلا اعتبار به ؛ سواء كان قبل الوط ء أو بعده .

(مسألة 2) : ليس العقم من العيوب الموجبة للخيار ؛ لا من طرف الرجل ولا من طرف المرأة .

(مسألة 3) : ليس الجذام والبرص من عيوب الرجل الموجبة لخيار المرأة عند المشهور(1) ، وقيل بكونهما منها ، فهما من العيوب المشتركة بين الرجل والمرأة وهو ليس ببعيد ، لكن لا يترك الاحتياط من طرف الزوجة بإرضاء الزوج بالطلاق ومن طرف الزوج بتطليقها إذا أرادت الفسخ وفسخت النكاح .

(مسألة 4) : خيار الفسخ في كلّ من الرجل والمرأة على الفور ، فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادرا بالفسخ لزم العقد . نعم الظاهر أنّ الجهل بالخيار بل والفورية عذر ، فلو كان عدم المبادرة بالفسخ من جهة الجهل بأحدهما لم يسقط الخيار .

(مسألة 5) : إذا اختلفا في العيب ، فالقول قول منكره مع اليمين إذا لم يكن لمدّعيه بيّنة ، ويثبت بها العيب حتّى العنن على الأقوى ، كما أ نّه يثبت كلّ عيب بإقرار صاحبه أو البيّنة على إقراره ، وكذا يثبت باليمين المردودة على المدّعي ونكول(2) المنكر عن اليمين كسائر الدعاوي ، وتثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع نسوة عادلات كما في نظائرها .

ص: 453


1- - وهو المنصور .
2- - الأقوى أنّ نكول المنكر لا يوجب الثبوت ، بل لا بدّ من ردّ الحاكم الحلف على المدّعي ، فإن حلف يثبت به .

(مسألة 6) : إذا ثبت عنن الرجل بأحد الوجوه المذكورة ، فإن صبرت فلا كلام ، وإن لم تصبر ورفعت أمرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه أجّلها سنة كاملة من حين المرافعة ، فإن واقعها أو واقع غيرها في أثناء هذه المدّة فلا خيار لها ، وإلاّ كان لها الفسخ فوراً عرفياً ، وإن لم تبادر بالفسخ ، فإن كان بسبب جهلها بالخيار أو فوريته لم يضرّ كما مرّ ، وإلاّ سقط خيارها ، وكذا إن رضيت أن تقيم معه ثمّ طلبت الفسخ بعد ذلك ، فإنّه ليس لها ذلك .

(مسألة 7) : الفسخ بالعيب ليس بطلاق ؛ سواء وقع من الزوج أو الزوجة ، فليس له أحكامه(1) ولا يترتّب عليه لوازمه . ولا يعتبر فيه شروطه ، فلا يحسب من الثلاثة المحرّمة المحتاجة إلى المحلّل ، ولا يعتبر فيه الخلوّ من الحيض والنفاس ولا حضور العدلين .

(مسألة 8) : يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة من دون إذن الحاكم ، وكذا المرأة بعيب الرجل . نعم مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم ، لكن من جهة ضرب الأجل ، حيث إنّه من وظائفه لا من جهة نفوذ فسخها ، فبعد ما ضرب الأجل لها كان لها التفرّد بالفسخ عند انقضائه وتعذّر الوط ء في المدّة من دون مراجعته .

(مسألة 9) : إذا فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها ، وإن كان بعده استقرّ عليه المهر المسمّى . وكذا الحال فيما إذا فسخت المرأة بعيب الرجل فتستحقّ تمام المهر إن كان بعد الدخول ، وإن كان قبله لم تستحقّ شيئاً إلاّ في العنن ، فإنّها تستحقّ عليه فيه نصف المهر المسمّى .

ص: 454


1- - إلاّ تنصيف المهر في الفسخ بالعنن ، كما يأتي .

(مسألة 10) : إذا دلّست المرأة نفسها على الرجل في أحد عيوبها الموجبة للخيار وتبيّن له بعد الدخول ، فإن اختار البقاء فعليه تمام المهر كما مرّ ، وإن اختار الفسخ لم تستحقّ المهر ، وإن دفعه إليها استعاده . وإن كان المدلّس غير الزوجة ، فالمهر المسمّى وإن استقرّ على الزوج بالدخول واستحقّت عليه الزوجة إلاّ أ نّه بعد ما دفعه إليها يرجع به على المدلّس ويأخذه منه .

(مسألة 11) : يتحقّق التدليس بتوصيف المرأة بالصحّة عند الزوج للتزويج ؛ بحيث صار ذلك سبباً لغروره وانخداعه ، فلا يتحقّق بالإخبار لا للتزويج أو لغير الزوج ، والظاهر تحقّقه أيضاً بالسكوت عن العيب مع العلم به وخفائه على الزوج واعتقاده بالعدم .

(مسألة 12) : من يكون تدليسه موجباً للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند إليه التزويج من وليّها الشرعي أو العرفي - كأبيها وجدّها واُمّها وأخيها الكبير وعمّها وخالها - ممّن لا تصدر إلاّ عن رأيهم ويتصدّون تزويجها ويرجع إليهم فيه في العرف والعادة ، ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب ممّن له شدّة علاقة وارتباط بها بحيث لا تصدر إلاّ عن رأيه ، ويكون هو المرجع في اُمورها المهمّة ويركن إليه فيما يتعلّق بها ، بل لا يبعد أن يلحق بمن ذكر الغير الذي يراود عند الطرفين ويعالج في إيجاد وسائل الائتلاف في البين .

(مسألة 13) : كما يتحقّق التدليس في العيوب الموجبة للخيار كالجنون والعمى وغيرهما ، كذلك يتحقّق في مطلق النقص كالعور ونحوه بإخفائه ، وكذا في صفات الكمال كالشرف والحسب والنسب والجمال والبكارة وغيرها بتوصيفها بها مع فقدانها ، ولا أثر للأوّل - أي التدليس في العيوب الموجبة

ص: 455

للخيار - إلاّ رجوع الزوج على المدلّس بالمهر كما مرّ ، وأمّا الخيار فإنّما هو بسبب نفس وجود العيب . وأمّا الثاني - وهو التدليس في سائر أنواع النقص وفي صفة الكمال - فهو موجب للخيار إذا كان عدم النقص أو وجود صفة الكمال مذكورين في العقد بنحو الاشتراط . ويلحق به توصيفها به في العقد وإن لم يكن بعبارة الاشتراط ، كما إذا قال : «زوّجتك هذه البنت الباكرة» أو « . . . غير الثيّبة» ، بل الظاهر أ نّه إذا وصفها بصفتي الكمال أو عدم النقص قبل العقد عند الخطبة والمقاولة ، ثمّ أوقع العقد مبنيّاً على ما ذكر ، كان بمنزلة الاشتراط فيوجب الخيار ، وإذا تبيّن ذلك بعد العقد والدخول واختار الفسخ ودفع المهر رجع به على المدلّس .

(مسألة 14) : ليس من التدليس الموجب للخيار سكوت الزوجة أو وليّها عن النقص مع وجوده واعتقاد الزوج عدمه في غير العيوب الموجبة للخيار ، وأولى بذلك سكوتهما عن فقد صفة الكمال مع اعتقاد الزوج وجودها .

(مسألة 15) : لو تزوّج امرأة على أ نّها حرّة بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة ؛ من اشتراط الحرّية في العقد أو توصيفها بها أو إيقاع العقد بانياً عليها ، فبانت أمة مع إذن السيّد أو إجازته كان له الفسخ ، ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول ، ولها المهر تماماً لو كان الفسخ بعده وكان المهر لمولى الأمة ، ويرجع الزوج به على المدلّس . وكذا لو تزوّجت المرأة برجل على أ نّه حرّ فبان مملوكاً كان لها الفسخ قبل الدخول وبعده ، ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول ولها المهر المسمّى لو فسخت بعده .

(مسألة 16) : لو تزوّج امرأة على أ نّها بكر بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة ،

ص: 456

فوجدها ثيّباً لم يكن له الفسخ ، إلاّ إذا ثبت بالإقرار أو البيّنة سبق ذلك على العقد فحينئذٍ كان له الفسخ . نعم لو تزوّجها باعتقاد البكارة ولم يكن اشتراط ولا توصيف وإخبار وبناء على ثبوتها فبان خلافها ، ليس له الفسخ وإن ثبت زوالها قبل العقد .

(مسألة 17) : إذا فسخ(1) حيث يكون له الفسخ ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر ، وإن كان بعده استقرّ المهر ورجع به على المدلّس ، وإن كانت هي المدلّس لم تستحقّ شيئاً ، وإن لم يكن تدليس استقرّ عليه المهر ولا رجوع له على أحد ، وإذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ - كما في صورة اعتقاد البكارة(2) من دون اشتراط وتوصيف وبناء - كان له أن ينقص من مهرها شيئاً ، وهو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكراً وثيّباً ، فإذا كان المهر المسمّى مائة وكان مهر مثلها بكراً ثمانين وثيّباً ستّين ينقص من المائة ربعها - وهي خمسة وعشرون - وتبقى خمسة وسبعون .

فصل : في المهر ويقال له الصداق

(مسألة 1) : كلّ ما يملكه المسلم يصحّ جعله مهراً ؛ عيناً كان أو ديناً أو منفعة لعين مملوكة ؛ من دار أو عقار أو حيوان ، ويصحّ جعله منفعة الحرّ كتعليم صنعة ونحوه من كلّ عمل محلّل ، بل الظاهر صحّة جعله حقّاً مالياً قابلاً للنقل والانتقال كحقّ التحجير ونحوه . ولا يتقدّر بقدر بل ما تراضى عليه الزوجان ؛

ص: 457


1- - في المسألة السابقة .
2- - وأمّا في صورة العلم بالتجدّد أو احتماله ، فالأحوط التصالح وإن كان التنقيص لا يخلو من وجه .

كثيراً كان أو قليلاً ما لم يخرج بسبب القلّة عن المالية كحبّة من حنطة ، نعم يستحبّ في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنّة وهو خمسمائة درهم .

(مسألة 2) : لو جعل المهر ما لا يملكه المسلم - كالخمر والخنزير - صحّ العقد وبطل(1) المهر ، فلم تملك شيئاً بالعقد وإنّما تستحقّ مهر المثل بالدخول .

(مسألة 3) : لا بدّ من تعيين المهر بما يخرج عن الإبهام ، فلو أمهرها أحد هذين أو خياطة أحد ثوبين - مثلاً - بطل المهر دون العقد ، وكان لها مع الدخول مهر المثل . نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع ونحوه من المعاوضات ، فيكفي مشاهدة عين حاضرة وإن جهل كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه ، كصبرة من الطعام وقطعة من الذهب وطاقة مشاهدة من الثوب وصبرة حاضرة من الجوز وأمثال ذلك .

(مسألة 4) : ذكر المهر ليس شرطاً في صحّة العقد الدائم ، فلو عقد عليها ولم يذكر مهراً أصلاً ؛ بأن قالت الزوجة للزوج مثلاً : «زوّجتك نفسي» أو قال وكيلها : «زوّجت موكّلتي فلانة» فقال الزوج : «قبلت» صحّ العقد ، بل لو صرّحت بعدم المهر بأن قالت : «زوّجتك نفسي بلا مهر» فقال : «قبلت» صحّ . ويقال لهذا - أي لإيقاع العقد بلا مهر - : تفويض البضع ، وللمرأة التي لم يذكر في عقدها مهر :

مفوّضة البضع .

(مسألة 5) : إذا وقع العقد بلا مهر لم تستحقّ المرأة قبل الدخول شيئاً ، إلاّ إذا طلّقها حينئذٍ فتستحقّ عليه أن يعطيها شيئاً بحسب حاله - من الغنى والفقر

ص: 458


1- - هذا إذا كان الزوج مسلماً ، وإلاّ ففيه تفصيل .

واليسار والإعسار - من دينار أو درهم أو ثوب أو دابّة أو غيرها ، ويقال لذلك الشيء : المتعة ، ولو انفسخ العقد قبل الدخول بأمر غير الطلاق لم تستحقّ شيئاً لا مهراً ولا متعةً ، وكذا لو مات أحدهما قبله ، وأمّا لو دخل بها استحقّت عليه بسبب الدخول مهر أمثالها .

(مسألة 6) : المعتبر في مهر المثل هنا(1) وفي كلّ مورد نحكم به ، ملاحظة حال المرأة وصفاتها من السنّ والبكارة والنجابة والعفّة والعقل والأدب والشرف والجمال والكمال وأضدادها ، بل يلاحظ كلّ ما له دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه ، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها وغير ذلك أيضاً .

(مسألة 7) : لو أمهر ما لا يملكه أحد كالحرّ ، أو ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير ، صحّ العقد وبطل المهر واستحقّت عليه مهر المثل بالدخول . وكذلك الحال فيما إذا جعل المهر شيئاً باعتقاد كونه خلاًّ فبان خمراً ، أو شخصاً باعتقاد كونه عبداً فبان حرّاً ، بل وكذا الحال فيما إذا جعل المهر مال الغير أو شيئاً باعتقاد كونه ماله فبان خلافه .

(مسألة 8) : لو شرّك أباها في المهر ؛ بأن سمّى لها مهراً ولأبيها شيئاً معيّناً ، تعيّن ما سمّى لها مهراً لها وسقط ما سمّى لأبيها ، فلا يستحقّ الأب شيئاً .

(مسألة 9) : ما تعارف في بعض البلاد من أ نّه يأخذ بعض أقارب البنت كأبيها أو اُمّها أو اُختها من الزوج شيئاً وهو المسمّى في لسان بعض ب «شير بها» وفي لسان بعض آخر بشيء آخر ، ليس بعنوان المهر وجزءاً منه ، بل هو شيء آخر

ص: 459


1- - الأحوط هنا التصالح فيما زاد عن مهر السنّة ، وللمرأة عدم أخذ الزائد مع عدم الصلح .

يؤخذ زائداً على المهر . وحكمه : أ نّه إن كان إعطاؤه وأخذه بعنوان الجعالة لعمل مباح ، كما إذا أعطى شيئاً للأخ لأن يتوسّط في البين ويرضي اُخته ويسعى في رفع بعض الموانع ، فلا إشكال في جوازه وحلّيته ، بل في استحقاق القريب له وعدم سلطنة الزوج على استرجاعه بعد إعطائه . وإن لم يكن بعنوان الجعالة ، فإن كان إعطاء الزوج للقريب بطيب نفس منه وإن كان لأجل جلب خاطره وتحبيبه وإرضائه ؛ حيث إنّ رضاءه في نفسه مقصود ، أو من جهة أنّ رضا البنت منوط برضائه ، فبملاحظة هذه الجهات يطيب خاطر الزوج ببذل المال ، فالظاهر جواز أخذه للقريب ، لكن يجوز للزوج استرجاعه ما دام موجوداً . وأمّا مع عدم الرضا من الزوج وإنّما أعطاه من جهة استخلاص البنت ؛ حيث إنّ القريب مانع عن تمشية الأمر مع رضاها بالتزويج بما بذل لها من المهر ، فيحرم أخذه وأكله ، ويجوز للزوج الرجوع فيه ؛ باقياً كان أو تالفاً .

(مسألة 10) : إذا وقع العقد بلا مهر جاز أن يتراضيا بعد العقد على شيء ؛ سواء كان بقدر مهر المثل أو أقلّ منه أو أكثر ، ويتعيّن ذلك مهراً وكان كالمذكور في العقد .

(مسألة 11) : يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاًّ - أي بلا أجل - ومؤجّلاً ، وأن يجعل بعضه حالاًّ وبعضه مؤجّلاً ، وللزوجة مطالبة الحالّ في كلّ حال بشرط مقدرة الزوج واليسار ، بل لها أن تمتنع من التمكين وتسليم نفسها حتّى تقبض مهرها الحالّ ؛ سواء كان الزوج موسراً أو معسراً . نعم ليس لها الامتناع فيما لو كان المهر مؤجّلاً كلّه أو بعضه وقد أخذت بعضه الحالّ .

(مسألة 12) : يجوز أن يذكر المهر في العقد في الجملة ، ويفوّض تقديره

ص: 460

وتعيينه إلى أحد الزوجين ؛ بأن تقول الزوجة - مثلاً - : «زوّجتك نفسي على ما تحكم - أو أحكم - من المهر» فقال : «قبلت» فإن كان الحاكم الذي فوّض إليه تقدير المهر في العقد هو الزوج جاز أن يحكم بما شاء ولم يتقدّر بقدر لا في طرف الكثرة ولا في طرف القلّة ما دام متموّلاً ، وإن كان الحكم إليها كان لها الحكم في طرف القلّة بما شاءت(1) ، وأمّا في طرف الكثرة فلا يمضي حكمها فيما زاد على مهر السنّة ، وهو خمسمائة درهم .

(مسألة 13) : إذا طلّق قبل الدخول سقط نصف المهر المسمّى وبقي نصفه ، فإن كان ديناً عليه ولم يكن قد دفعه برئت ذمّته من نصفه ، وإن كان عيناً صارت مشتركة بينه وبينها ، ولو كان دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقياً . وإن كان تالفاً استعاد نصف مثله إن كان مثلياً ونصف قيمته إن كان قيمياً . وفي حكم التلف نقله إلى الغير بناقل لازم ، وأمّا لو كان انتقاله منها إلى الغير بناقل جائز كالبيع بخيار تخيّرت(2) في الرجوع ودفع نصف العين وفي دفع بدل النصف .

(مسألة 14) : إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول ، فالمشهور : استحقاق المرأة تمام المهر ، وقيل بأنّ الموت كالطلاق يكون سبباً لتنصيف المهر ، وهو الأقوى خصوصاً في موت المرأة ، وإن كان الأحوط التصالح خصوصاً في موت الرجل .

(مسألة 15) : الصداق تملكه المرأة بنفس العقد وتستقرّ ملكية تمامه بالدخول ، فإذا طلّقها الزوج قبل الدخول عاد إليه النصف وبقي للمرأة النصف ،

ص: 461


1- - مع كونه متموّلاً .
2- - فيه تأمّل ، فالأحوط الرجوع ودفع نصف العين إن طالبها الزوج .

فلها التصرّف فيه بعد العقد بأنواع التصرّفات ، ولو حصل له نماء كان لها خاصّة ، وبعد ما طلّقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه(1) العقد ، ولا يستحقّ من النماء السابق شيئاً .

(مسألة 16) : لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه ثمّ طلّقها قبل الدخول ، رجع بنصفه إليها ، وكذا لو كان الصداق عيناً فوهبته إيّاها ، رجع بنصف مثلها إليها أو قيمة نصفها .

(مسألة 17) : الدخول الذي يستقرّ به تمام المهر هو مطلق الوط ء ولو دبراً ، وإذا اختلف الزوجان بعد ما طلّقها فادّعت وقوع المواقعة وأنكرها فالقول قوله بيمينه ، وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البيّنة على العدم إن أمكن ، كما إذا ادّعت المواقعة قبلاً وكانت بكراً وكانت عنده بيّنة على بقاء بكارتها .

(مسألة 18) : إذا اختلف الزوجان في أصل المهر فادّعته الزوجة وأنكر الزوج ، فإن كان قبل الدخول فالقول قوله بيمينه ، وإن كان بعد الدخول كلّفت بالتعيين ، بل لا يبعد عدم سماع الدعوى منها ما لم تفسّر ، وأ نّه لا يسمع منها مجرّد قولها : «لي عليه المهر» ما لم تبيّن المقدار ، فإذا فسّرت وقالت : «إنّي أطلب منك مهري وهو المبلغ الفلاني» ولم يكن أزيد من مهر المثل ، حكم لها عليه بما تدّعيه ولا يسمع منه إنكار أصل المهر . نعم لو قال في جوابها : «نعم قد كان عليّ كذا إلاّ أ نّه قد سقط عنّي ، إمّا بالأداء أو الإبراء» يسمع منه ذلك إلاّ أ نّه يحتاج إلى الإثبات ، فإن أقامت البيّنة على ذلك ثبت مدّعاه وإلاّ فله عليها اليمين ، فإن حلفت على نفي الأداء أو الإبراء ثبتت دعواها ، وإن

ص: 462


1- - إذا كانت الزيادة منفصلة ، كما هو المفروض ظاهراً .

نكلت(1) سقطت ، ولها ردّ اليمين على الزوج ، فإن حلف على الإبراء أو الأداء سقطت دعواها وإن نكل عن اليمين ثبتت . هذا لو كان ما تدّعيه بمقدار مهر المثل أو أقلّ ، وإن كان أكثر كان عليها الإثبات ، وإلاّ فلها على الزوج اليمين .

(مسألة 19) : إذا توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره ، كان القول قول الزوج بيمينه ، إلاّ إذا أثبتت الزوجة بالموازين الشرعية ، وكذا إذا ادّعت كون عين من الأعيان كدار أو بستان مهراً لها وأنكر الزوج فإنّ القول قوله بيمينه وعليها البيّنة .

(مسألة 20) : إذا اختلفا في التعجيل والتأجيل ، فقالت المرأة : «إنّه حالّ معجّل» وقال الزوج : «إنّه مؤجّل» ولم يكن بيّنة ، كان القول قولها بيمينها . وكذا لو اختلفا في زيادة الأجل كما إذا ادّعت أ نّه سنة وادّعى أ نّه سنتان .

(مسألة 21) : لو توافقا على المهر وادّعى تسليمه ولا بيّنة، فالقول قولها بيمينها.

(مسألة 22) : لو دفع إليها قدر مهرها ثمّ اختلفا بعد ذلك فقالت : «دفعته هبة» وقال : «بل دفعته صداقاً» فالقول قوله(2) بيمينه .

(مسألة 23) : إذا زوّج ولده الصغير ، فإن كان للولد مال فالمهر على الولد ، وإن لم يكن له مال فالمهر في عهدة(3) الوالد ، فلو مات الوالد اُخرج المهر من أصل تركته ؛ سواء بلغ الولد وأيسر أم لا .

ص: 463


1- - الأقوى أ نّه مع النكول لا تسقط دعواها ، بل يردّ الحاكم الحلف على الطرف ، فإن حلف تسقط الدعوى .
2- - تحتاج المسألة إلى زيادة تأمّل وإن كان التداعي أرجح عجالتاً .
3- - إلاّ إذا تبرّأ من ضمان العهدة في ضمن العقد .

(مسألة 24) : لو دفع الوالد المهر الذي كان عليه من جهة إعسار الولد ، ثمّ بلغ الصبيّ فطلّق قبل الدخول استعاد الولد نصف المهر وكان له دون والده .

خاتمة : في الشروط المذكورة في عقد النكاح

(مسألة 1) : يجوز أن يشترط في ضمن عقد النكاح كلّ شرط سائغ ، ويجب على المشروط عليه الوفاء به كما في سائر العقود ، لكن تخلّفه أو تعذّره لا يوجب الخيار في عقد النكاح بخلاف سائر العقود . نعم لو كان الشرط الالتزام بوجود صفة في أحد الزوجين ، مثل كون الزوجة باكرة أو كون الزوج حرّاً أو مؤمناً غير مخالف ، فتبيّن خلافه ، أوجب الخيار كما مرّت الإشارة إليه في ضمن بعض المسائل السابقة .

(مسألة 2) : إذا شرط في عقد النكاح ما يخالف المشروع ، مثل أن لا يتزوّج(1) عليها أو لا يتسرّى أو لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت وإلى أين شاءت أو لا يعطي حقّ ضرّتها من المضاجعة أو المواقعة أو النفقة ونحو ذلك ، بطل الشرط ، لكن صحّ العقد والمهر وإن قلنا بأنّ الشرط الفاسد يفسد العقد ، فبهذا أيضاً امتاز عقد النكاح عن سائر العقود .

(مسألة 3) : لو شرط أن لا يفتضّها ، لزم الشرط ، ولو أذنت بعد ذلك جاز ، من غير فرق في ذلك بين النكاح الدائم والمنقطع .

(مسألة 4) : إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها أو أن يسكنها في بلد معلوم أو منزل مخصوص يلزم العمل بالشرط .

ص: 464


1- - الحكم كما ذكره ، لكن كون المثالين الأوّلين ممّا يخالف الشرع يحتاج إلى تأوّل .

فصل : في القسم والنشوز والشقاق

لكلّ واحد من الزوجين حقّ على صاحبه يجب عليه القيام به وإن كان حقّ الزوج أعظم ، حتّى أ نّه قد ورد عن سيّد البششر : «لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» الخبر . ومن حقّه (1) عليها : أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه ولو إلى أهلها ولو لعيادة والدها أو في عزائه ، بل ليس لها أمر مع زوجها في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلاّ بإذن زوجها إلاّ في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها ، بل أيّما امرأة قالت لزوجها : «ما رأيت منك خيراً قطّ - أو من وجهك خيراً - فقد حبط عملها» وأيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ لم تقبل منها صلاة حتّى يرضى عنها ، وإن خرجت من غير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتّى ترجع إلى بيتها .

وأمّا حقّها عليه: فهو أن يشبعها ويكسوها وأن يغفر لها إذا جهلت ولا يقبّح لها وجهاً ، وفي الخبر عن سيّد البشر صلی الله علیه و آله وسلم : «أوصاني جبرئيل بالمرأة حتّى ظننت أن لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة» و«عيال الرجل اُسراؤه وأحبّ العباد إلى اللّه تعالى أحسنهم صنعاً إلى اُسرائه» .

(مسألة 1) : من كانت له زوجة واحدة ، ليس لها على زوجها حقّ المبيت عندها والمضاجعة معها في كلّ ليلة ، بل ولا في كلّ أربع ليال ليلة على الأقوى ، بل القدر اللازم أن لا يهجرها ولا يذرها كالمعلّقة ؛ لا هي ذات بعل ولا مطلّقة . نعم لها عليه حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر مرّة كما مرّ . نعم إن كانت عنده أكثر

ص: 465


1- ما ذكره هو الذي ورد في الأخبار ، وأمّا حكمه وتفصيله فموكول إلى محلّه .

من واحدة إذا بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً ، فإذا كنّ أربعاً وبات عند إحداهنّ طاف عليهنّ في أربع ليال لكلّ منهنّ ليلة ، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض ، وإذا كانت عنده ثلاث فإذا بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند الاُخريين في ليلتين ، وإذا كانت عنده زوجتان وبات عند إحداهما بات في ليلة اُخرى عند الاُخرى ، وبعد ذلك إن شاء ترك المبيت عند الجميع وإن شاء(1) شرع فيه على النحو المتقدّم . والمشهور : أ نّه إذا كانت عنده زوجة واحدة كانت لها في كلّ أربع ليال ليلة وله ثلاث ليال ، وإذا كانت عنده زوجات متعدّدة يجب عليه القسم بينهنّ في كلّ أربع ليال ، فإذا كانت عنده أربع كانت لكلّ منهنّ ليلة ، فإذا تمّ الدور يجب عليه الابتداء بإحداهنّ وإتمام الدور وهكذا . فليس له ليلة بل يكون جميع لياليه لزوجاته ، وإذا كانت له زوجتان فلهما ليلتان من كلّ أربع ليال وليلتان له ، وإذا كانت له ثلاث كانت لهنّ ثلاث والفاضل له ، والعمل بهذا القول أحوط ، خصوصاً في أكثر من واحدة ، ولكن الأقوى ما قدّمناه خصوصاً في الواحدة .

(مسألة 2) : يختصّ وجوب المبيت والمضاجعة فيما قلنا به بالدائمة ، فليس للمتمتّع بها هذا الحقّ ؛ سواء كانت واحدة أو متعدّدة .

(مسألة 3) : في كلّ ليلة كان للمرأة حقّ المبيت يجوز لها أن ترفع اليد عنه وتهبه للزوج ليصرف ليله فيما يشاء ، وأن تهبه لضرّتها فصار الحقّ لها .

ص: 466


1- - وإن شاء فضّل بعضهنّ ما لم يكن أربعاً ، فإن تك عنده مرأتان يجوز له أن يأتي إحداهما ثلاث ليال والاُخرى ليلة ، وإن تك ثلاث يجوز أن يأتي إحداهنّ ليلتين والليلتان الاُخريان للاُخريين .

(مسألة 4) : تختصّ البكر أوّل عرسها بسبع ليال والثيّب بثلاث تتفضّلان(1) بذلك على غيرهما ، ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي لنسائه القديمة .

(مسألة 5) : لا قسمة للصغيرة ولا للمجنونة المطبقة(2) ولا للناشزة . وتسقط القسمة وحقّ المضاجعة بالسفر وليس عليه القضاء .

(مسألة 6) : إذا شرع في القسمة بين نسائه كان له الابتداء بأيّ منهنّ(3) شاء وإن كان الأولى والأحوط التعيين بالقرعة .

(مسألة 7) : تستحبّ التسوية بين الزوجات في الإنفاق والالتفات وإطلاق الوجه والمواقعة ، وأن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها ، وأن يأذن لها في حضور موت أبيها واُمّها وإن كان له منعها عن ذلك وعن عيادة أبيها واُمّها ، فضلاً عن غيرهما وعن الخروج من منزله إلاّ لحقّ واجب .

القول : في النشوز

وهو في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها ؛ من عدم تمكين نفسها ، وعدم إزالة المنفّرات المضادّة للتمتّع والالتذاذ بها ، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها ، وكذا خروجها من بيته من دون إذنه وغير ذلك . ولا يتحقّق النشوز بترك طاعته فيما ليست بواجبة عليها ، فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع ؛ من الكنس أو الخياطة أو

ص: 467


1- - على سبيل الجواز .
2- - ولا ذات الأدوار حين دور جنونها .
3- - وبعدها بأيّ منهنّ وهكذا ، وإن كانت القرعة في تعيين ما عدا الاُولى أشدّ احتياطاً .

الطبخ أو غير ذلك حتّى سقي الماء وتمهيد الفراش لم يتحقّق النشوز .

(مسألة 1) : إذا ظهرت منها أمارات النشوز والطغيان بسبب تغيير عادتها معه في القول أو الفعل ؛ بأن تجيبه بكلام خشن بعد ما كان بكلام ليّن ، أو أن تظهر عبوساً وتقطّباً في وجهه وتثاقلاً ودمدمة بعد أن كانت على خلاف ذلك وغير ذلك ، جاز له هجرها في المضجع : إمّا بأن يحوّل إليها ظهره في الفراش ، أو يعتزل فراشها بعد أن يعظها ، فإذا لم يؤثّر ذلك فيها حتّى وقع(1) منها النشوز جاز له ضربها ، ويقتصر على ما يؤمّل معه رجوعها ، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به ، وإلاّ تدرّج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثّراً في اسوداد بدنها أو احمراره ، واللازم أن يكون ذلك بقصد الإصلاح لا التشفّي والانتقام . ولو حصل بالضرب جناية وجب الغرم .

(مسألة 2) : كما يكون النشوز من طرف الزوجة يكون من طرف الزوج أيضاً بتعدّيه عليها وعدم القيام على حقوقها الواجبة ، فإذا ظهر منه النشوز بمنع حقوقها من قسم ونفقة ونحوهما ، فلها المطالبة بها ووعظها إيّاه ، فإن لم يؤثّر رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها ، وليس لها هجره ولا ضربه . وإذا اطّلع الحاكم على نشوزه وتعدّيه نهاه عن فعل ما يحرم عليه وأمره بفعل ما يجب ، فإن نفع وإلاّ عزّره بما يراه ، وله أيضاً الإنفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولو ببيع عقاره إذا توقّف عليه .

ص: 468


1- - الظاهر أ نّه بعد ظهور الأمارات إذا وعظها ولم تسمع يتحقّق النشوز ؛ لخروجها عن طاعته فيما يرجع إلى الاستمتاع ، وإذا هجرها ولم ترجع وأصرّت عليه جاز الضرب ؛ فالموعظة مترتّبة على ظهور أمارات النشوز ، والهجر في المضجع على نفسه ، والضرب على إصرارها به .

(مسألة 3) : إذا ترك الزوج بعض حقوقها الغير الواجبة أو همّ بطلاقها لكراهته لها لكبر سنّها أو غيره أو همّ بالتزويج عليها ، فبذلت له مالاً أو بعض حقوقها الواجبة من قسم أو نفقة استمالة له ، صحّ وحلّ له ذلك ، وأمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو آذاها بالضرب أو الشتم وغير ذلك ، فبذلت مالاً أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقّها أو ليمسك عن أذيّتها أو ليخلعها فتخلّص من يده ، حرم عليه ما بذلت وإن لم يكن من قصده إلجاؤها بالبذل على الأقوى .

(مسألة 4) : إذا وقع نشوز(1) من الزوجين ومنافرة وشقاق بين الطرفين وانجرّ أمرهما إلى الحاكم بعث حكمين ؛ حكماً من جانبه وحكماً من جانبها للإصلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصلاح ؛ من الجمع أو الفراق ، ويجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما ، وفيما هو السبب والعلّة لحصول الشقاق بينهما ، ثمّ يسعيان في أمرهما ، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ، ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغاً ، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني ، أو في مسكن مخصوص ، أو عند أبويها ، أو لا يسكن معها في الدار اُمّه أو اُخته ولو في بيت منفرد ، أو لا تسكن معها ضرّتها في دار واحدة ونحو ذلك ، أو شرطا عليها أن تؤجّله بالمهر الحالّ إلى أجل ، أو تردّ عليه ما قبضته قرضاً ونحو ذلك ، بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرّة من قسم أو نفقة ، أو رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت ونحو ذلك .

(مسألة 5) : إذا اجتمع الحكمان على التفريق ، ليس لهما ذلك إلاّ إذا شرطا

ص: 469


1- - حتّى خيف الشقاق والفراق بينهما .

عليهما حين بعثهما بأ نّهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا . وحيث إنّ التفريق لا يكون إلاّ بالطلاق فلا بدّ من وقوعه عند اجتماع شرائطه ؛ بأن وقع في طهر لم يواقعها فيه ، وعند حضور العدلين وغير ذلك .

(مسألة 6) : الأولى - بل الأحوط - أن يكون الحكمان من أهل الطرفين ؛ بأن يكون حكم من أهله وحكم من أهلها ، فإن لم يكن لهما أهل أو لم يكن أهلهما أهلاً لهذا الأمر تعيّن من غيرهم . ولا يعتبر أن يكون من جانب كلّ منهما حكم واحد بل لو اقتضت المصلحة بعث أزيد تعيّن .

(مسألة 7) : ينبغي للحكمين إخلاص النيّة وقصد الإصلاح ، فمن حسنت نيّته فيما تحرّاه أصلح اللّه مسعاه ، كما يرشد إلى ذلك قوله - جلّ شأنه - في هذا المقام :)إِنْ يُرِيدا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّه ُ بَيْنَهُما( .

فصل : في أحكام الأولاد والولادة

(مسألة 1) : إنّما يلحق ما ولدته المرأة بزوجها بشروط ثلاثة : الدخول(1) ، ومضيّ ستّة أشهر أو أكثر من حين الوط ء إلى زمن الولادة ، وأن لا يتجاوز عن أقصى مدّة الحمل - وهو تسعة(2) أشهر على الأقوى - فلو لم يدخل(3) بها أصلاً لم يلحق به قطعاً بل يجب نفيه عنه ، وكذا لو دخل بها وجاءت بولد حيّ كامل لأقلّ من ستّة أشهر من حين الدخول أو جاءت به وقد مضى من حين وطئه

ص: 470


1- - أو الإنزال في الفرج وحواليه ، وفي الدخول بلا إنزال إشكال .
2- - محلّ إشكال .
3- - ولم ينزل في فرجها أو حواليه بحيث يحتمل الجذب .

إيّاها أزيد من تسعة(1) أشهر ، كما إذا اعتزلها أو غاب عنها عشرة أشهر أو أكثر وولدت بعدها .

(مسألة 2) : إذا تحقّقت الشروط الثلاثة لحق الولد به ولا يجوز له نفيه وإن وطئها واطئ فجوراً ، فضلاً عمّا لو اتّهمها بالفجور . ولا ينتفي عنه لو نفاه إن كان العقد دائماً إلاّ باللعان ، بخلاف ما إذا كان العقد منقطعاً وجاءت بولد أمكن إلحاقه به ، فإنّه وإن لم يجز له نفيه ، لكن لو نفاه ينتفي منه ظاهراً من غير لعان ، لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى الولد النسب .

(مسألة 3) : لا يجوز نفي الولد لمكان العزل ، فلو نفاه لم ينتف إلاّ باللعان .

(مسألة 4) : الموطوءة بشبهة - كما إذا وطئ أجنبيّة بظنّ أ نّها زوجته - يلحق ولدها بالواطئ ؛ بشرط(2) أن تكون ولادته لستّة أشهر من حين الوط ء أو أكثر ، وأن لا يتجاوز عن أقصى الحمل .

(مسألة 5) : إذا اختلفا في الدخول الموجب لإلحاق الولد وعدمه ، فادّعته المرأة ليلحق الولد به وأنكره ، أو اختلفا في ولادته فنفاها الزوج وادّعى أ نّها أتت به من خارج ، فالقول قوله بيمينه ، وأمّا لو اتّفقا في الدخول والولادة واختلفا في المدّة فادّعى ولادتها لدون ستّة أشهر أو لأزيد من أقصى الحمل وادّعت هي خلافه فالقول قولها بيمينها ، ويلحق الولد به ولا ينتفي عنه إلاّ باللعان .

(مسألة 6) : لو طلّق زوجته المدخول بها ، فاعتدّت وتزوّجت ثمّ أتت بولد ،

ص: 471


1- - مرّ الإشكال فيها .
2- - وبشرط أن لا تكون تحت زوج مع إمكان التولّد منه بشروطه .

فإن لم يمكن لحوقه بالثاني وأمكن لحوقه بالأوّل ، كما إذا ولدته لدون ستّة أشهر من وط ء الثاني ولتمامها من غير تجاوز عن أقصى الحمل من وط ء الأوّل ، فهو للأوّل ، وتبيّن بطلان نكاح الثاني لتبيّن وقوعه في العدّة ، وحرمت عليه مؤبّداً لوطئه إيّاها ، وإن انعكس الأمر ؛ بأن أمكن لحوقه بالثاني دون الأوّل لحق بالثاني ، بأن ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وط ء الأوّل ولأقلّ الحمل إلى الأقصى من وط ء الثاني ، وإن لم يمكن لحوقه بأحدهما ؛ بأن ولدته لأزيد من أقصى الحمل من وط ء الأوّل ، ولدون ستّة أشهر من وط ء الثاني انتفى منهما ، وإن أمكن إلحاقه بهما ؛ بأن كان ولادته لستّة أشهر من وط ء الثاني ولدون أقصى الحمل من وط ء الأوّل فهو للثاني .

(مسألة 7) : لو طلّقها ثمّ بعد ذلك وطئت بشبهة ثمّ أتت بولد ، فهو كالتزويج بعد العدّة ، فيجيء فيه الصور الأربع المتقدّمة حتّى الصورة الأخيرة ؛ وهي ما إذا أمكن اللحوق بكلّ منهما ، فإنّه يلحق بالأخير هنا أيضاً .

(مسألة 8) : إذا كانت تحت زوج ووطئها شخص آخر بشبهة ثمّ أتت بولد ، فإن أمكن لحوقه بأحدهما دون الآخر يلحق به ، وإن لم يمكن اللحوق بهما انتفى عنهما ، وإن أمكن لحوقه بكلّ منهما اُقرع بينهما .

القول : في أحكام الولادة وما يلحق بها

للولادة والمولود سنن وآداب - بعضها واجبة وبعضها مندوبة - نذكر مهمّاتها في ضمن مسائل :

(مسألة 1) : يجب استبداد النساء في شؤون المرأة حين ولادتها دون

ص: 472

الرجال(1) إلاّ مع عدم النساء ، نعم لا بأس بالزوج وإن وجدت النساء .

(مسألة 2) : يستحبّ غسل المولود عند وضعه مع الأمن من الضرر ، والأذان في اُذنه اليمنى والإقامة في اليسرى فإنّه عصمة من الشيطان الرجيم ، وتحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين علیه السلام ، وتسميته بالأسماء المستحسنة فإنّ ذلك من حقّ الولد على الوالد ، وأفضلها ما يتضمّن العبودية للّه - جلّ شأنه - كعبد اللّه وعبدالرحيم وعبدالرحمان ونحو ذلك ، ويليها أسماء الأنبياء والأئمّة علیهم السلام وأفضلها اسم محمّد صلی الله علیه و آله وسلم ، بل يكره ترك التسمية به إذا ولد له أربعة أولاد ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «من ولد له أربعة أولاد ولم يسمّ أحدهم باسمي فقد جفاني» . ويكره أن يكنّيه أبا القاسم إذا كان اسمه محمّد . ويستحبّ أن يحلق رأس الولد يوم السابع ، وأن يتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضّة ، ويكره أن يحلق من رأسه موضع ويترك موضع .

(مسألة 3) : وتستحبّ الوليمة عند الولادة ، وهي إحدى الخمس التي سنّ فيها الوليمة ، كما أنّ إحداها عند الختان . ولا يعتبر في السنّة الاُولى إيقاعها في يوم الولادة ، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيّام قلائل ، والظاهر أ نّه إن ختن في اليوم السابع أو قبله فأولم في يوم الختان بقصدهما تتأدّى السنّتان .

(مسألة 4) : يجب ختان الذكور ، بل ربّما يعدّ من الضروريات ، ويستحبّ إيقاعه في اليوم السابع ، ويجوز التأخير عنه ، وإن تأخّر إلى ما بعد البلوغ يجب عليه أن يختن نفسه ، حتّى أنّ الكافر إذا أسلم غير مختون يجب عليه الختان وإن طعن في السنّ . وهل يجب على الوليّ أن يختن الصبيّ ، فلا يجوز

ص: 473


1- - مع ملازمة اطّلاعهم على ما يحرم عليهم .

له تأخيره إلى ما بعد بلوغه إلاّ لعذر ، فإن أخّره إليه بدون عذر عصى الوليّ وإن وجب حينئذٍ على الصبيّ أم لا ؟ قولان ، المشهور(1) على الثاني وقيل بالأوّل وهو الأحوط .

(مسألة 5) : الختان واجب لنفسه وشرط لصحّة طوافه في حجّ أو عمرة ؛ واجبين أو مندوبين ، وليس شرطاً في صحّة الصلاة على الأقوى ، فضلاً عن سائر العبادات .

(مسألة 6) : الظاهر أنّ الحدّ الواجب في الختان أن تقطع الجلدة الساترة للحشفة المسمّاة بالغلفة ؛ بحيث تظهر ثقبة الحشفة ومقدار من بشرتها وإن لم تستأصل تلك الجلدة ولم يظهر(2) تمام الحشفة ، وبعبارة اُخرى قطعها بحيث لم يصدق عليه الأغلف الذي ورد: «إنّ الأرض تضجّ من بوله أربعين صباحاً» .

(مسألة 7) : لا بأس بكون الختّان كافراً حربياً أو ذمّياً ، فلا يعتبر فيه الإسلام .

(مسألة 8) : لو ولد الصبيّ مختوناً سقط الختان وإن استحبّ إمرار الموسى على المحلّ لإصابة السنّة .

(مسألة 9) : ومن المستحبّات الأكيدة العقيقة للذكر والاُنثى . ويستحبّ أن يعقّ عن الذكر ذكراً وعن الاُنثى اُنثى ، وأن يكون يوم السابع ، وإن تأخّر عنه لعذر أو لغير عذر لم يسقط ، بل لو لم يعقّ عن الصبيّ حتّى بلغ وكبر عقّ عن نفسه ، بل لو لم يعقّ عن نفسه في حياته يستحبّ أن يعقّ عنه بعد موته . ولا بدّ أن تكون

ص: 474


1- - وهو الأقوى .
2- - الأحوط قطع الغلاف بحيث يظهر تمام الحشفة ، كما هو المتعارف ، بل لا يخلو من قوّة .

من أحد الأنعام الثلاثة : الغنم - ضأناً كان أو معزاً - والبقر والإبل . ولا يجزي عنها التصدّق بثمنها . ويستحبّ أن تجتمع فيها شروط الاُضحية(1) من كونها سليمة من العيوب ، ولا يكون سنّها أقلّ من خمس سنين كاملة في الإبل ، وأقلّ من سنتين في البقر ، وأقلّ من سنة كاملة في المعز ، وأقلّ من سبعة شهور في الضأن . ويستحبّ أن تخصّ القابلة منها بالرجل(2) والورك ، ولو لم تكن قابلة اُعطي الاُمّ تتصدّق به .

(مسألة 10) : يتخيّر في العقيقة بين أن يفرّقها لحماً أو مطبوخاً أو تطبخ ويدعى عليها جماعة من المؤمنين ، ولا أقلّ من عشرة ، وإن زاد فهو أفضل ؛ يأكلون منها ويدعون للولد . وأفضل أحوال طبخها أن يكون بماء(3) وملح ، ولا بأس بإضافة شيء إليها من الحبوب كالحمّص وغيره .

(مسألة 11) : لا يجب على الاُمّ إرضاع ولدها لا مجّاناً ولا بالاُجرة مع عدم الانحصار(4) بها ، كما أ نّه لا يجب عليها إرضاعه مجّاناً وإن انحصر بها ، بل لها المطالبة باُجرة رضاعها من مال الولد إذا كان له مال ، ومن أبيه إذا لم يكن له مال وكان الأب موسراً . نعم لو لم يكن للولد مال ولم يكن الأب(5) موسراً تعيّن على

ص: 475


1- - استحباب شروط الاُضحية فيها لا يخلو من إشكال ، كما أنّ تعيين السنين بما ذكر لا يخلو بعضها من إشكال .
2- - والأفضل أن يخصّها بالربع ، وإن جمع بين الربع والرجل والورك - بأن أعطاها الربع الذي هما فيه - لا يبعد أن يكون عاملاً بالاستحبابين .
3- - بل لا بأس بطبخه على ما هو المتعارف ، وكون الأفضل ما ذكر غير معلوم .
4- - بل ومع الانحصار لو أمكن حفظ الولد بلبن ومثله .
5- - والجدّ وإن علا .

الاُمّ إرضاعه مجّاناً ؛ إمّا بنفسها أو باستئجار(1) مرضعة اُخرى ، وتكون اُجرتها عليها من حيث وجوب إنفاقه عليها .

(مسألة 12) : الاُمّ أحقّ بإرضاع ولدها من غيرها إذا كانت متبرّعة أو تطلب ما تطلب غيرها أو أنقص ، وأمّا لو طلبت زيادة أو تطلب الاُجرة ووجدت متبرّعة كان للأب نزعه منها وتسليمه إلى غيرها ، وهل يسقط حينئذٍ حقّ الحضانة الثابت للاُمّ أيضاً ؟ أقواهما(2) العدم ؛ لعدم التنافي بين سقوط حقّ الإرضاع وثبوت الحقّ الآخر ؛ لإمكان كون الولد في حضانة الاُمّ مع كون رضاعه من امرأة اُخرى ، إمّا بحمل الاُمّ الولد إلى المرضعة عند الاحتياج إلى اللبن أو بإحضار المرضعة مثلاً .

(مسألة 13) : لو ادّعى الأب وجود متبرّعة ، وأنكرت الاُمّ ولم يكن له بيّنة على وجودها ، فالقول قولها بيمينها .

(مسألة 14) : يستحبّ أن يكون رضاع الصبيّ بلبن اُمّه ، فإنّه أبرك من غيره ، إلاّ إذا اقتضت بعض الجهات أولوية غيرها ؛ من حيث شرافتها وطيب لبنها وخباثة الاُمّ .

(مسألة 15) : كمال الرضاع حولان كاملان ؛ أربعة وعشرون شهراً ، ويجوز أن ينقص عن ذلك إلى ثلاثة شهور ؛ بأن يفطم على أحد وعشرين شهراً ، ولا يجوز أن ينقص عن ذلك ، ولو نقص عن ذلك مع الإمكان ومن غير ضرورة كان جوراً على الصبيّ كما في الخبر .

ص: 476


1- - أو بغيره من طرق الحفظ إذا لم يكن مضرّاً .
2- - محلّ تأمّل ، لكن الأحوط عدم السقوط .

(مسألة 16) : الاُمّ أحقّ(1) بحضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه مدّة الرضاع - أعني حولين(2) كاملين - ذكراً كان أو اُنثى ؛ سواء أرضعته هي بنفسها أو بغيرها ، فلا يجوز للأب أن يأخذه في هذه المدّة منها . فإذا فصل وانقضت مدّة الرضاع فالأب أحقّ بالذكر والاُمّ أحقّ بالاُنثى حتّى تبلغ سبع سنين من عمرها ، ثمّ يكون الأب أحقّ بها . وإن فارق الاُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين لم يسقط حقّ حضانتها ما لم تتزوّج بالغير ، فلو تزوّجت سقط حقّها(3) وكانت الحضانة للأب . ولو فارقها الثاني فهل تعود حضانتها أم لا ؟ وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان ، والأحوط لهما التصالح والتسالم .

(مسألة 17) : لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله ، كانت الاُمّ أحقّ بحضانة الولد وإن كانت مزوّجة - ذكراً كان أو اُنثى - من وصيّ أبيه ، وكذا من باقي أقاربه حتّى أبي أبيه واُمّه فضلاً عن غيرهما ، كما أ نّه لو ماتت الاُمّ في زمن حضانتها كان الأب أحقّ بها من وصيّها ومن أبيها واُمّها فضلاً عن باقي أقاربها . وإذا فقد الأبوان فالحضانة لأبي الأب ، وإذا عدم ولم يكن وصيّ له ولا للأب كانت الحضانة لأقارب الولد على ترتيب مراتب الإرث الأقرب منهم يمنع الأبعد ، ومع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاحّ اُقرع بينهم . وإذا وجد وصيّ لأحدهما ففي كون الأمر كذلك أو كون الحضانة للوصيّ ثمّ إلى الأقارب وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان والأحوط(4) التصالح والتسالم .

ص: 477


1- - إذا كانت حرّة مسلمة عاقلة .
2- - وإن فطمته على الأحوط .
3- - عن الذكر في مدّة الرضاع ، وعن الاُنثى كذلك إلى أن تبلغ سبعاً .
4- - لا يترك .

(مسألة 18) : تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً ، فإذا بلغ الرشد ليس لأحد حقّ الحضانة عليه ؛ حتّى الأبوين فضلاً عن غيرهما ، بل هو مالك لنفسه وكان إليه الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما ؛ ذكراً كان أم اُنثى .

فصل : في النفقات

إنّما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة : الزوجية والقرابة والملك .

(مسألة 1) : إنّما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمة ، فلا نفقة للمنقطعة ، وأن تكون مطيعة للزوج فيما يجب إطاعتها له ، فلا نفقة للناشزة وقد مرّ بيان ما يتحقّق به النشوز سابقاً ، ولا فرق بين أن تكون مسلمة أو ذمّية ، وأن تكون حرّة أو أمة .

(مسألة 2) : لو نشزت ثمّ عادت إلى الطاعة لم تستحقّ النفقة حتّى تظهرها وعلم بها وانقضى زمان أمكن الوصول إليها .

(مسألة 3) : لو ارتدّت سقطت النفقة ، وإن عادت(1) عادت .

(مسألة 4) : الظاهر أ نّه لا نفقة للزوجة الصغيرة الغير القابلة للاستمتاع منها على زوجها ، خصوصاً إذا كان صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ ، وكذا للزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها . نعم لو كانت الزوجة مراهقة وكان الزوج مراهقاً أو كبيراً ، أو كان الزوج مراهقاً وكانت الزوجة كبيرة لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذّذ والاستمتاع منها .

ص: 478


1- - في العدّة .

(مسألة 5) : لا تسقط نفقتها بعدم تمكينه من نفسها لعذر شرعي أو عقلي ؛ من حيض أو إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض أو غير ذلك ، وكذا لا تسقط إذا سافرت بإذن الزوج ؛ سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح ، وكذا لو سافرت في واجب مضيّق كالحجّ الواجب بغير إذنه ، بل ولو مع منعه ونهيه ، بخلاف ما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح فإنّه تسقط نفقتها ، بل الأمر كذلك لو خرجت من بيته بغير إذنه ولو لغير سفر ، فضلاً عمّا كان له لتحقّق النشوز المسقط للنفقة .

(مسألة 6) : تثبت النفقة والسكنى لذات العدّة الرجعية ما دامت في العدّة ، كما تثبت للزوجة ؛ من غير فرق بين كونها حائلاً أو حاملاً . ولو كانت ناشزة وطلّقت في حال نشوزها لم تثبت(1) لها النفقة كالزوجة الناشزة ، وأمّا ذات العدّة البائنة فتسقط نفقتها وسكناها ؛ سواء كانت عن طلاق أو فسخ ، إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملاً ، فإنّها تستحقّ النفقة والسكنى حتّى تضع حملها . ولا تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدّتها ، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها ، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها ؛ لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى .

(مسألة 7) : لو ادّعت المطلّقة بائناً أ نّها حامل مستندة إلى وجود الأمارات التي يستدلّ بها على الحمل عند النسوان صدّقت(2) وأنفق عليها يوماً فيوماً إلى

ص: 479


1- - ما دامت ناشزة ، وإن رجعت إلى التمكين وجبت النفقة على الأقرب .
2- - تصديقها بمجرّد دعواها محلّ إشكال ، نعم لا يبعد قبول قول الثقة الخبيرة من القوابل قبل ظهور الحمل ، من غير احتياج إلى شهادة أربع منهنّ أو اثنين من الرجال المحارم .

أن يتبيّن الحال ، فإن تبيّن الحمل وإلاّ استعيد منها ما صرف إليها ، وفي جواز مطالبتها بكفيل قبل تبيّن الحال وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان(1) .

(مسألة 8) : لا تقدير للنفقة شرعاً ، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه المرأة ؛ من طعام وإدام وكسوة وفراش وغطاء وإسكان وإخدام وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك .

فأمّا الطعام : فكمّيته بمقدار ما يكفيها لشبعها ، وفي جنسه يرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها والموالم لمزاجها وما تعوّدت به بحيث تتضرّر بتركه .

وأمّا الإدام : فقدراً وجنساً كالطعام يراعى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها وما يوالم مزاجها وما هو معتاد لها ، حتّى أ نّه لو كانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللحم - مثلاً - لوجب ، وكذا لو اعتادت بشيء خاصّ من الإدام بحيث تتضرّر بتركه . بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من غير الطعام والإدام كالچاي والتنباك والقهوة ونحوها . وأولى بذلك المقدار اللازم من الفواكه الصيفية التي تناولها كاللازم في الأهوية الحارّة . وكذلك الحال في الكسوة ، فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها وبلد سكناها والفصول التي تحتاج إليها شتاءً وصيفاً ؛ ضرورة شدّة الاختلاف في الكمّ والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك ، بل لو كانت من ذوات التجمّل وجب لها زيادة على ثياب البدن ثياب له على حسب أمثالها . وهكذا الفراش والغطاء فإنّ لها ما يفرشها على الأرض وما تحتاج إليها للنوم ؛ من لحاف ومخدّة وما تنام عليها ، ويرجع في قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذكر في غيرها .

ص: 480


1- - بل الرجحان للثاني مع وجوب تصديقها ، وكذلك مع عدمه وإخبار الثقة من أهل الخبرة .

وتستحقّ في الإسكان أن يسكنها داراً يليق بها بحسب عادة أمثالها ، وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها . ولها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرّة أو غيرها ؛ من دار أو حجرة منفردة المرافق ؛ إمّا بعارية أو إجارة أو ملك . ولو كانت من أهل البادية كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها .

وأمّا الإخدام : فإنّما يجب إن كانت ذات حشمة وشأن ومن ذوي الإخدام وإلاّ خدمت نفسها ، وإذا وجبت الخدمة فالزوج بالخيار بين أن يبتاع خادمة لها أو يستأجرها أو يستعيرها لها أو يأمر مملوكته(1) بأن تخدمها أو يخدمها بنفسه ، على إشكال في الأخير . وأمّا الآلات والأدوات المحتاج إليها : فهي أيضاً تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التي تسكن وتتعيّش بها ؛ ضرورة اختلافها بحسبها اختلافاً فاحشاً .

(مسألة 9) : الظاهر أ نّه من الإنفاق الذي تستحقّه الزوجة اُجرة الحمّام عند الحاجة ؛ سواء كان للاغتسال أو للتنظيف إذا كانت في بلدها لم يتعارف الغسل والاغتسال في البيت ، أو يتعذّر أو يتعسّر ذلك لها لبرد أو غيره ، ومنه أيضاً الفحم والحطب في زمان الاحتياج إليهما . وكذا الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام التي قلّما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام . نعم الظاهر أ نّه ليس من الدواء وما يصرف في المعالجات الصعبة التي يكون

ص: 481


1- - إن كانت من ذوات الحشمة بحيث يتعارف من مثلها أن يكون لها خادم مخصوص ، لا يكتفى بأمره مملوكته أن يخدمها ، بل لا بدّ من اختصاصها بها ، وكذا لا يكتفى أن يخدمها بنفسه ولو بلغت حشمتها إلى حيث يتعارف من مثلها تعدّد الخادم لا يبعد وجوبه ، والأولى إيكال الأمر إلى العرف والعادة في جميع ما ذكر .

الاحتياج إليها من باب الاتّفاق ، خصوصاً فيما إذا احتاج إلى بذل مال خطير .

وهل يكون منه اُجرة الفصد والحجامة عند الاحتياج إليهما ؟ فيه تأمّل وإشكال .

(مسألة 10) : تملك(1) الزوجة على الزوج نفقة كلّ يوم - من الطعام والإدام وغيرهما ممّا يصرف ولا يبقى عينه - في صبيحته ، فلها أن تطالبه بها عندها ، فلو منعها وانقضى اليوم استقرّت في ذمّته وكانت ديناً عليه وليست لها مطالبة نفقة الأيّام الآتية . ولو مضت أيّام ولم ينفق عليها فيها اشتغلت ذمّته بنفقة تلك المدّة ؛ سواء طالبته بها أو سكتت عنها ، وسواء قدّرها الحاكم وحكم بها أم لا ، وسواء كان موسراً أو معسراً ، غاية الأمر أ نّه مع الإعسار ينظر في المطالبة إلى اليسار .

(مسألة 11) : لو دفعت إليها نفقة أيّام - كاُسبوع أو شهر مثلاً - وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها ؛ إمّا بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق عليها أحد ، كانت ملكاً لها وليس للزوج استردادها ، وكذا لو استفضلت منها شيئاً بالتقتير على نفسها كانت الزيادة ملكاً لها فليس له استردادها . نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائناً ، يوزّع المدفوع على الأيّام الماضية والآتية ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، بل الظاهر ذلك أيضاً فيما إذا دفع لها نفقة يوم وعرضت أحد تلك العوارض في أثناء اليوم ، فيستردّ الباقي من نفقة ذلك اليوم .

(مسألة 12) : كيفية الإنفاق بالطعام والإدام : إمّا بمؤاكلتها مع الزوج في بيته على العادة كسائر عياله وإمّا بتسليم النفقة لها ، وليس له إلزامها بالنحو الأوّل ،

ص: 482


1- - ملكاً متزلزلاً مراعىً بحصول تمام التمكين منها ، وإلاّ فبمقداره ، وتستردّ البقيّة كما يأتي ، وكذا يشترط في الاستقرار مع انقضاء اليوم والأيّام ذلك ، فيستقرّ بمقدار التمكين .

فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه وتطالبه بكون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء ، إلاّ أ نّه إذا أكلت وشربت معه على العادة سقط ما على الزوج من النفقة ، فليس لها أن تطالبه بها بعد ذلك .

(مسألة 13) : ما يدفع لها للطعام والإدام : إمّا عين المأكول كالخبز والتمر والطبيخ واللحم المطبوخ ممّا لا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومزاولة ومؤونة وكلفة ، وإمّا عين يحتاج في ذلك إلى ذلك كالحبّ والأرز والدقيق ونحو ذلك . والظاهر أنّ الزوج بالخيار(1) بين النحوين وليس للزوجة الامتناع وإلزامه بالنحو الأوّل ، نعم لو اختار النحو الثاني واحتاج إعداد المدفوع للأكل إلى اُجرة أو إلى مؤونة كالحطب وغيره كان عليه .

(مسألة 14) : إذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام وتسلّمت ، ملكته وسقط ما هو الواجب على الزوج ، وليس لكلّ منهما إلزام الآخر به .

(مسألة 15) : إنّما تستحقّ في الكسوة على الزوج أن يكسوها بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره ، ولا تستحقّ عليه أن يدفع إليها بعنوان التمليك . ولو دفع إليها كسوة لمدّة جرت العادة ببقائها إليها ، فكستها فخلقت قبل تلك المدّة أو سرقت ، وجب عليه دفع كسوة اُخرى إليها ، ولو انقضت المدّة والكسوة باقية(2) ليس لها مطالبة كسوة اُخرى ، ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق - لموت أو نشوز أو طلاق - تستردّ إذا كانت باقية . وكذلك الكلام في الفراش والغطاء واللحاف والآلات التي دفعها إليها من جهة الإنفاق ممّا ينتفع بها مع بقاء

ص: 483


1- - إن لم يكن خلاف المتعارف ، وإلاّ فيتّبع ما هو المتعارف .
2- - على نحو يليق بحالها .

عينها ، فإنّها كلّها باقية على ملك الزوج تنتفع بها الزوجة ، فله استردادها إذا زال استحقاقها إلاّ مع التصريح بإنشاء التمليك لها .

(مسألة 16) : إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتّفاقهما على الاستحقاق ، فإن كان الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه ، فالقول قولها بيمينها إذا لم تكن له بيّنة ، وإن كانت في بيته داخلة في عيالاته ، فالظاهر أنّ القول قول الزوج بيمينه إذا لم تكن لها بيّنة .

(مسألة 17) : إذا كانت الزوجة حاملاً ووضعت ، وقد طلّقت رجعياً واختلفا في زمان وقوع الطلاق ، فادّعى الزوج أ نّه قبل الوضع ، وقد انقضت عدّتها بالوضع فلا نفقة لها الآن ، وادّعت هي أ نّه بعده ؛ لتثبت لها النفقة ولم تكن بيّنة ، فالقول قولها مع اليمين ، فإن حلفت ثبت لها استحقاق النفقة ، لكن يحكم عليه بالبينونة وعدم جواز الرجوع ؛ من جهة اعترافه بأ نّها قد خرجت من العدّة بالوضع .

(مسألة 18) : إذا طالبته بالإنفاق وادّعى الإعسار وعدم الاقتدار ، ولم تصدّقه بل ادّعت عليه اليسار ، فالقول قوله بيمينه إذا لم يكن لها بيّنة ، إلاّ إذا كان مسبوقاً باليسار وادّعى تلف أمواله وصيرورته معسراً وأنكرته ، فإنّ القول قولها بيمين إذا لم يكن بيّنة .

(مسألة 19) : لا يشترط في استحقاق الزوجة النفقة فقرها واحتياجها ، فلها على زوجها الإنفاق وبذل مقدار النفقة وإن كانت من أغنى الناس .

(مسألة 20) : إذا لم يكن له مال يفي بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه الواجبي

ص: 484

النفقة ، فهو مقدّم على زوجته ، وهي على أقاربه ، فما فضل من قوته صرفه إليها ولا يدفع إلى الأقارب إلاّ ما يفضل من نفقتها .

القول : في نفقة الأقارب

(مسألة 1) : يجب(1) الإنفاق على الأبوين وآبائهما واُمّهاتهما وإن علوا ، وعلى الأولاد وأولادهم وإن نزلوا ؛ ذكوراً وإناثاً ، صغيراً كانوا أو كبيراً ، مسلماً كانوا أو كافراً . ولا تجب على غير العمودين من الأقارب كالإخوة والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات وغيرهم وإن استحبّ ، خصوصاً الوارث منهم .

(مسألة 2) : يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره واحتياجه ؛ بمعنى عدم وجدانه لما يتقوّت به فعلاً ، فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته فعلاً وإن كان فقيراً لا يملك قوت سنته وجاز له أخذ الزكاة ونحوها . وأمّا الغير الواجد لها فعلاً القادر على تحصيلها ، فإن كان ذلك بغير الاكتساب كالاقتراض والاستعطاء والسؤال لم يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال ، فإذا لم يكن للأب - مثلاً - ما ينفق على نفسه لكن يمكن له الاقتراض أو السؤال وكان بحيث لو اقترض يقرضونه ولو سأل يعطونه وقد تركهما ، فالواجب على ولده الموسر نفقته ، وإن كان ذلك بالاكتساب ، فإن كان ذلك بالاقتدار على تعلّم صنعة بها إمرار معاشه ، كالبنت تقدر على تعلّم الخياطة المكفية عن معيشتها ، والابن يقدر على تعلّم الكتابة أو الصياغة أو النجارة المكفية عن نفقته وقد تركا التعلّم فبقيا

ص: 485


1- - على التفصيل الآتي .

بلا نفقة ، فلا إشكال في وجوب الإنفاق عليه ، وكذا الحال لو أمكن له التكسّب بما يشقّ عليه تحمّله كحمل الأثقال ، أو لا يناسب شأنه كبعض الأشغال لبعض الأشخاص ولم يتكسّب لذلك ، فإنّه يجب على قريبه الإنفاق عليه ، وإن كان قادراً على التكسّب بما يناسب حاله وشأنه كالقويّ القادر على حمل الأثقال ، والوضيع اللائق بشأنه بعض الأشغال ، ومن كان كسوباً وله بعض الأشغال والصنائع ، وقد ترك ذلك طلباً للراحة ، فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه . نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجاً فعلاً بالنسبة إلى يوم وأيّام غير قادر على تحصيل نفقتها وجب الإنفاق عليه . وإن كان ذلك العجز قد حصل باختياره كما أ نّه قد ترك التشاغل بالاكتساب لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيوي أو ديني مهمّ كطلب العلم الواجب ، لم يسقط بذلك التكليف بوجوب الإنفاق عليه .

(مسألة 3) : إذا أمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو منقطعاً ، فهل تكون بحكم القادر ، فلا يجب على أبيها أو ابنها الإنفاق عليها أم لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني .

(مسألة 4) : يشترط في وجوب الإنفاق على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد نفقة نفسه ونفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة ، فلو حصل له قدر كفاية نفسه خاصّة اقتصر على نفسه ، ولو فرض أ نّه فضل منه شيء وكانت له زوجة فلزوجته ، فلو فضل منه شيء فللأبوين والأولاد .

(مسألة 5) : المراد بنفقة نفسه - المقدّمة على نفقة زوجته - مقدار قوت يومه وليلته وكسوته اللائقة بحاله وكلّ ما اضطرّ إليه من الآلات للطعام والشراب ،

ص: 486

والفراش والغطاء وغيرها فإن زاد على ذلك شيء صرفه إلى زوجته ثمّ إلى قرابته .

(مسألة 6) : لو زاد عن نفقته شيء ولم تكن عنده زوجة ، فإن اضطرّ إلى التزويج بحيث يكون في تركه عسر وحرج شديد أو مظنّة فساد ديني ، فله أن يصرفه في التزويج وإن لم يبق لقريبه شيء ، وإن لم يكن كذلك ففي جواز صرفه في الزواج وترك إنفاق القريب تأمّل(1) وإشكال .

(مسألة 7) : لو لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه ، وجب عليه التوسّل إلى تحصيله بأيّ وسيلة حتّى بالاستعطاء والسؤال ، فضلاً عن الاكتساب اللائق بالحال ، وأمّا لو لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه ، فلا ينبغي الإشكال في أ نّه يجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه وحاله ولا يجب عليه التوسّل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال . نعم لا يبعد وجوب الاقتراض إذا أمكن من دون مشقّة وكان له محلّ الإيفاء فيما بعد ، وكذا الشراء نسيئة بالشرطين المذكورين .

(مسألة 8) : لا تقدير في نفقة الأقارب ، بل الواجب قدر الكفاية من الطعام والإدام والكسوة والمسكن ، مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان حسب ما مرّ في نفقة الزوجة .

(مسألة 9) : لا يجب إعفاف من وجبت نفقته - ولداً كان أو والداً - بتزويج أو إعطاء مهر له أو تمليك أمة أو تحليلها عليه ، وإن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح وعدم قدرته على التزويج وبذل الصداق ، خصوصاً في الأب .

ص: 487


1- - الأحوط صرفه في إنفاق القريب ، بل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 10) : يجب على الولد نفقة والده دون أولاده ؛ لأ نّهم إخوته ودون زوجته . ويجب على الوالد نفقة ولده دون زوجته ، نعم يجب عليه نفقة أولاده أيضاً لأ نّهم أولاده .

(مسألة 11) : لا تقضى نفقة الأقارب ولا يتداركه لو فات في وقته وزمانه ولو بتقصير من المنفق ولا يستقرّ في ذمّته ، بخلاف الزوجة كما مرّ . نعم لو لم ينفق عليه لغيبته أو امتنع عن إنفاقه مع يساره ورفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم فأمره بالاستدانة عليه ، فاستدان عليه اشتغلت ذمّته بما استدانه ووجب عليه قضاؤه ، وإن تعذّر الحاكم ، فالظاهر أ نّه يجتزئ بنيّته(1) ؛ بمعنى أ نّه لو استدان بقصد كونه على المنفق وجب عليه قضاؤه .

(مسألة 12) : قد ظهر ممّا مرّ : أنّ وجوب الإنفاق ثابت بشروطه في عمودي النسب - أعني بين الاُصول والفروع - دون الحواشي كالإخوة والأعمام والأخوال . فليعلم أنّ لوجوب الإنفاق ترتيباً من جهتين : من جهة المنفق ، ومن جهة المنفق عليه :

أمّا من جهة الاُولى : فتجب نفقة الولد - ذكراً كان أو اُنثى - على أبيه ، ومع عدمه أو فقره فعلى جدّه للأب ، ومع عدمه أو إعساره فعلى جدّ الأب وهكذا متعالياً الأقرب فالأقرب . ولو عدمت الآباء أو كانوا معسرين فعلى اُمّ الولد ، ومع عدمها أو إعسارها فعلى أبيها واُمّها وأبي أبيها واُمّ أبيها وأبي اُمّها واُمّ اُمّها وهكذا الأقرب فالأقرب ، ومع التساوي في الدرجة يشتركون في الإنفاق بالسويّة ؛ وإن اختلفوا في الذكورة والاُنوثة . وفي حكم آباء الاُمّ واُمّهاتها اُمّ الأب وكلّ من

ص: 488


1- - محلّ إشكال .

تقرّب إلى الأب بالاُمّ كأبي اُمّ الأب واُمّ اُمّ الأب واُمّ أبي الأب وهكذا ، فإنّه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه واُمّه مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد ، فإذا كان له أب وجدّ موسران كانت نفقته على الأب ، وإذا كان له أب مع اُمّ كانت نفقته على الأب ، وإذا كان له جدّ الأب مع اُمّ كانت نفقته على الجدّ ، وإذا كان له جدّ لاُمّ مع اُمّ كانت نفقته على الاُمّ ، وإذا كان له جدّ وجدّة لاُمّ تشاركا في الإنفاق عليه بالسويّة ، وإذا كانت له جدّة لأب مع جدّ وجدّة لاُمّ تشاركوا فيه ثلاثاً ، هذا كلّه في الاُصول ؛ أعني الآباء والاُمّهات .

وأمّا الفروع - أعني الأولاد - فتجب نفقة الأب والاُمّ عند الإعسار على الولد مع اليسار ذكراً كان أم اُنثى ، ومع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد ؛ أعني ابن ابن أو بنت وبنت ابن أو بنت وهكذا الأقرب فالأقرب ، ومع التعدّد والتساوي في الدرجة يشتركون بالسويّة ، فلو كان له ابن أو بنت مع ابن ابن - مثلاً - كانت نفقته على الابن أو البنت ، ولو كان له ابنان أو بنتان أو ابن وبنت اشتركا في الإنفاق بالسويّة ، وإذا اجتمع الاُصول مع الفروع يراعى الأقرب فالأقرب ، ومع التساوي يتشاركون ، فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسويّة ، وإذا كان له أب مع ابن ابن أو ابن بنت كانت نفقته على الأب ، وإذا كان له ابن وجدّ لأب كانت على الابن ، وإذا كان له ابن ابن مع جدّ لأب تشاركا بالسويّة ، وإذا كانت له اُمّ مع ابن ابن أو ابن بنت - مثلاً - كانت نفقته على الاُمّ ، ويشكل الأمر فيما إذا اجتمعت الاُمّ مع الابن أو البنت ، والأحوط التراضي والتصالح على الاشتراك بالتسوية .

وأمّا من الجهة الثانية : فإذا كان عنده زائداً على نفقته ونفقة زوجته ما يكفي لإنفاق جميع أقاربه المحتاجين وجب عليه نفقة الجميع ، وإذا لم يكف إلاّ لإنفاق بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم ، فإذا كان عنده ابن أو بنت مع

ص: 489

ابن ابن وكان عنده ما يكفي أحدهما ينفق على الابن أو البنت دون ابن ابن ، وإذا كان عنده أبواه مع ابن ابن وابن بنت أو مع جدّ وجدّة لأب أو لاُمّ أو بالاختلاف وكان عنده ما يكفي اثنين ، أنفق على الأبوين وهكذا ، وأمّا إذا كان عنده قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة وكان عنده ما لا يكفي الجميع فالأقرب أ نّه يقسّم بينهم(1) بالسويّة .

(مسألة 13) : لو كان له ولدان ولم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما وكان له أب موسر ، فإن اختلفا في قدر النفقة وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه - كالأقلّ نفقة - اختصّ به ، وكان نفقة الآخر على أبيه جدّ الولدين ، وإن اتّفقا في مقدار النفقة ، فإن توافق مع الجدّ في أن يشتركا في إنفاقهما أو تراضيا على أن يكون أحدهما المعيّن في نفقة أحدهما والآخر في نفقة آخر فهو ، وإلاّ رجعا إلى القرعة .

(مسألة 14) : لو امتنع من وجبت عليه النفقة عن الإنفاق ، أجبره الحاكم ومع عدمه فعدول(2) المؤمنين . وإن لم يمكن إجباره ، فإن كان له مال أمكن للمنفق عليه أن يقتصّ منه مقدار نفقته جاز له(3) ، وإلاّ أمره الحاكم بالاستدانة عليه ، ومع تعذّر الحاكم جاز له ذلك(4) كما مرّ .

ص: 490


1- - مع إمكانه وإمكان انتفاعهم به ، وإلاّ فيقرع بينهم .
2- - ومع فقدهم ففسّاقهم .
3- - في غير الزوجة محلّ إشكال بل منع ، إلاّ بإذن الحاكم فمعه جاز له الأخذ وإن لم يكن اقتصاصاً .
4- - مرّ الإشكال فيه .

(مسألة 15) : تجب نفقة المملوك ؛ رقيقاً كان أو غيره ، حتّى النحل ودود القزّ على مالكه ، ومولى الرقيق بالخيار بين الإنفاق عليه من خالص ماله أو من كسبه ؛ بأن يرخّصه في أن يكتسب ويصرف ما حصّله في نفقته وما زاد لسيّده ، فلو قصر كسبه عن نفقته كان على المولى إتمامه ، ولا تقدير لنفقته ، بل الواجب قدر الكفاية من طعام وإدام وكسوة ، ويرجع في جنس ذلك إلى عادة مماليك أمثال السيّد من أهل بلده ، كما أ نّه لا تقدير لنفقة البهيمة ، بل الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل وسقي ومكان رحل ونحو ذلك ، وأمّا مالكها بالخيار بين علفها وإطعامها وبين تخليتها ترعى في خصب الأرض فإن اجتزأت بالرعي ، وإلاّ علّفها بمقدار كفايتها .

(مسألة 16) : لو امتنع المولى من الإنفاق على رقيقه اُجبر على بيعه أو غيره ممّا يزيل ملكه عنه أو الإنفاق عليه ، كما أ نّه لو امتنع المالك من الإنفاق على البهيمة ولو بتخليتها للرعي الكافي لها اُجبر على بيعها أو الإنفاق عليها أو ذبحها إن كانت ممّا يقصد بذبحها اللحم .

ص: 491

كتاب الطلاق

اشارة

وله شروط وأقسام ولواحق وأحكام :

القول : في شروطه

(مسألة 1) : يشترط في الزوج المطلّق : البلوغ(1) والعقل ، فلا يصحّ طلاق الصبيّ لا بالمباشرة ولا بتوكيل الغير وإن كان مميّزاً وله عشر سنين ؛ وإن كان الاحتياط في الطلاق الواقع ممّن بلغ العشر لا ينبغي تركه(2) ؛ لمكان بعض الأخبار وفتوى جماعة من الفقهاء بصحّته ، ولا طلاق المجنون مطبقاً أو أدواراً حال جنونه ، ويلحق به السكران ونحوه ممّن زال عقله .

(مسألة 2) : كما لا يصحّ طلاق الصبيّ بالمباشرة والتوكيل ، كذلك لا يصحّ طلاق وليّه عنه كأبيه وجدّه فضلاً عن الوصيّ والحاكم . نعم لو بلغ فاسد العقل ، أو طرأ عليه الجنون بعد البلوغ طلّق عنه وليّه مع مراعاة الغبطة والصلاح ، فإن

ص: 492


1- - على الأحوط .
2- - بل لا يترك .

لم يكن له أب وجدّ فالأمر إلى الحاكم ، وإن كان أحدهما معه فالأحوط(1) أن يكون الطلاق منه مع الحاكم .

(مسألة 3) : ويشترط في الزوج المطلّق : القصد والاختيار ؛ بمعنى عدم الإكراه والإجبار ، فلا يصحّ طلاق غير القاصد كالنائم والساهي والغالط ، بل الهازل الذي لا يريد وقوع الطلاق جدّاً ، بل يتكلّم بلفظه هزلاً ، وكذا لا يصحّ طلاق المكره الذي قد اُلزم على إيقاعه مع التوعيد والتهديد على تركه .

(مسألة 4) : الإكراه هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده ، مع التوعيد على تركه بإيقاع ما يضرّ بحاله عليه(2) ؛ نفساً أو عرضاً أو مالاً ، بشرط كون الحامل قادراً على إيقاع ما توعّد به مع العلم أو الظنّ(3) بإيقاعه على تقدير عدم امتثاله . ويلحق به موضوعاً أو حكماً ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور به من عقوبته والإضرار عليه لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد أو تهديد ، ولا يلحق به موضوعاً ولا حكماً ما لو أوقع الفعل مخافة إضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه ، فلو تزوّج على امرأة ثمّ رأى أ نّه لو بقيت في حباله لوقعت عليه وقيعة من بعض متعلّقيها - كأبيها أو أخيها - فالتجأ إلى طلاقها فطلّقها ، فإنّه يصحّ طلاقها .

(مسألة 5) : لو قدر المأمور على دفع ضرر الآمر ببعض التفصّيات ممّا ليس فيه ضرر عليه - كالفرار والاستعانة بالغير - لم يتحقّق الإكراه ، فلو أوقع الطلاق

ص: 493


1- - وإن كان الأقوى نفوذ طلاقه ولا يلزم ضمّ الحاكم إليه .
2- - أو على من يجري مجرى نفسه كأبيه وولده .
3- - أو خوف إيقاعه وإن لم يكن مظنوناً .

- مثلاً - حينئذٍ وقع صحيحاً . نعم لو قدر على التورية وأوقع الطلاق من دون تورية فالظاهر وقوعه مكرهاً عليه وباطلاً .

(مسألة 6) : لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلّق إحداهما المعيّنة وقع مكرهاً عليه ، ولو طلّقهما معاً ففي وقوع طلاق إحداهما مكرهاً عليه فيعيّن بالقرعة أو صحّة كليهما وجهان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان . وأمّا لو أكرهه على طلاق كلتيهما فطلّق إحداهما ، فالظاهر أ نّه وقع مكرهاً عليه .

(مسألة 7) : لو أكرهه على أن يطلّق زوجته ثلاث طلقات بينهما رجعتان فطلّقها واحدة أو اثنتين ، ففي وقوع ما أوقعه مكرهاً عليه إشكال ، إلاّ إذا(1) كان ذلك بقصد احتمال التخلّص عن المكروه وأ نّه لعلّ المكره اقتنع بما أوقعه وأغمض عمّا لم يوقعه .

(مسألة 8) : لو أوقع الطلاق عن إكراه ثمّ تعقّبه الرضا ، لم يفد ذلك في صحّته وليس كالعقد المكره عليه الذي تعقّبه الرضا .

(مسألة 9) : لا يعتبر في الطلاق إطلاع الزوجة عليه فضلاً عن رضاها به .

(مسألة 10) : يشترط في المطلّقة أن تكون زوجة دائمة فلا يقع الطلاق على المتمتّع بها ، وأن تكون طاهرةً من الحيض والنفاس فلا يصحّ طلاقي الحائض والنفساء ، والمراد بهما ذات الدمين فعلاً أو حكماً كالنقاء المتخلّل في البين ، فلو نقتا من الدمين ولمّا تغتسلا من الحدث صحّ طلاقهما ، وأن لا تكون في طهر واقعها فيه زوجها .

ص: 494


1- - وكذا إذا كان بقصد تحمّل ما أوعده عليه في ترك البقيّة .

(مسألة 11) : إنّما يشترط خلوّ المطلّقة من الحيض في المدخول بها الحائل ، دون الغير المدخول بها ، ودون الحامل بناءً على مجامعة الحيض للحمل كما هو الأقوى ، فإنّه يصحّ طلاقهما في حال الحيض . وكذا يشترط ذلك فيما إذا كان الزوج حاضراً ؛ بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق ، وامّا إذا كان غائباً فيصحّ طلاقها وإن وقع في حال الحيض ، لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر والحيض وتعذّر أو تعسّر عليه استعلامها ، فإذا علم أ نّها في حال الحيض ولو من جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر ، أو تمكّن من استعلام حالها وطلّقها فتبيّن وقوعه في حال الحيض ، بطل الطلاق .

(مسألة 12) : إذا غاب الزوج ، فإن خرج في حال حيضها لم يجز طلاقها إلاّ بعد مضيّ مدّة قطع(1) بانقطاع ذلك الحيض ، فإن طلّقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضاً في ذلك الزمان صحّ طلاقها وإن تبيّن وقوعه في حال الحيض ، وإن خرج في حال الطهر الذي لم يواقعها فيه طلّقها في أيّ زمان لم يعلم(2) بكونها حائضاً وصحّ طلاقها وإن صادف زمان الحيض ، وأمّا إن خرج في الطهر الذي واقعها فيه ينتظر مضيّ زمان انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر إلى طهر آخر ، ويكفي تربّص شهر(3) ، والأحوط أن لا ينقص عن ذلك ، والأولى تربّص ثلاثة أشهر ، فإذا أوقع الطلاق بعد التربّص لم يضرّ مصادفة الحيض في الواقع ، بل الظاهر أ نّه لا يضرّ مصادفته للطهر الذي واقعها فيه ؛ بأن طلّقها بعد

ص: 495


1- - أو كانت ذات عادة ومضت عادتها .
2- - ولو بحسب عادتها ، فلو طلّقها في زمان علم أنّ عادتها التحيّض فيه بطل إن صادف الحيض .
3- - مع الجهل بعادتها وإلاّ فيتبع العادة على الأقوى .

شهر(1) - مثلاً - ثمّ تبيّن أ نّها لم تخرج من الطهر الأوّل إلى ذاك الزمان .

(مسألة 13) : الحاضر الذي يتعذّر أو يتعسّر عليه معرفة حال المرأة - من حيث الطهر والحيض - كالغائب ، كما أنّ الغائب لو فرض إمكان علمه(2) بحالها كان كالحاضر .

(مسألة 14) : يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة والصغيرة وفي الحامل والمسترابة ؛ وهي المرأة التي كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض ؛ لخلقة أو عارض ، لكن يشترط في الأخيرة - يعني المسترابة - مضيّ ثلاثة أشهر من زمان المواقعة ، فإذا أراد تطليق هذه المرأة اعتزلها ثلاثة أشهر ثمّ طلّقها ، فلو طلّقها قبل مضيّ ثلاثة أشهر من حين المواقعة لم يقع الطلاق .

(مسألة 15) : لا يشترط في تربّص ثلاثة أشهر في المسترابة أن يكون اعتزاله عنها لأجل ذلك وبقصد أن يطلّقها بعد ذلك ، فلو واقعها ثمّ لم يتّفق له المواقعة بسبب من الأسباب إلى أن مضى ثلاثة أشهر ، ثمّ بدا له أن يطلّقها ، صحّ طلاقها في الحال ولم يحتج إلى تجديد الاعتزال .

(مسألة 16) : لو واقعها في حال الحيض لم يصحّ طلاقها في الطهر الذي بعد تلك الحيضة ، بل لا بدّ من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر ؛ لأنّ ما هو شرط في الحقيقة هو كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة ، لا مجرّد وقوع الطلاق في طهر غير طهر المواقعة .

ص: 496


1- - أو بعد مضيّ مدّة علم بحسب عادتها خروجها عن الطهر الأوّل والحيض الذي بعده .
2- - بسهولة بلا تعسّر .

(مسألة 17) : يشترط في صحّة الطلاق تعيّن المطلّقة ؛ بأن يقول : «فلانة طالق» أو يشير إليها بما يرفع الإبهام والإجمال ، فلو كانت له زوجة واحدة فقال : «زوجتي طالق» صحّ ، بخلاف ما إذا كانت له زوجتان أو أكثر وقال : «زوجتي طالق» فإنّه لا يصحّ إلاّ إذا نوى في نفسه معيّنة ، ويقبل تفسيره بمعيّنة من غير يمين(1) .

القول : في الصيغة

(مسألة 1) : لا يقع الطلاق إلاّ بصيغة خاصّة ، وهي قوله : «أنتِ طالق» أو «فلانة . . .» أو «هذه . . .» أو ما شاكلها من الألفاظ الدالّة على تعيين المطلّقة ، فلا يقع بقوله : «أنتِ - أو هي - مطلّقة»(2) أو «طلّقت فلانة» فضلاً عن بعض الكنايات كقوله : «أنت خليّة أو بريّة» أو «حبلك على غاربك» أو «الحقي بأهلك» وغير ذلك ، فإنّه لا يقع بها الطلاق وإن نواه ، حتّى قوله : «اعتدّي» المنويّ به الطلاق على الأقوى .

(مسألة 2) : يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة ، فلو كانت عنده زوجتان أو ثلاث فقال : «زوجتاي طالقان» أو «زوجاتي طوالق» صحّ طلاق الجميع .

(مسألة 3) : لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من لغة غير عربية مع القدرة على إيقاعه بتلك الصيغة ، وأمّا مع العجز عنها فيجزي إيقاعه بما يرادفها

ص: 497


1- - محلّ تأمّل .
2- - بل ولا بقوله : «أنت الطالق» .

بأيّ لغة كان ، وكذا لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع القدرة على النطق ، وأمّا مع العجز عنه كما في الأخرس فيصحّ منه إيقاعه بهما ، والأحوط تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة .

(مسألة 4) : يجوز للزوج أن يوكّل غيره في تطليق زوجته بنفسه ؛ بالمباشرة أو بتوكيل غيره ؛ سواء كان الزوج غائباً أو حاضراً ، بل وكذا له أن يوكّل نفس الزوجة(1) في تطليق نفسها بنفسها أو بتوكيل غيرها .

(مسألة 5) : يجوز أن يوكّلها على أ نّه لو طال سفره أزيد من ثلاثة شهور - مثلاً - أو سامح في إنفاقها أزيد من شهر - مثلاً - طلّقت نفسها ، لكن بشرط أن يكون الشرط قيداً للموكّل فيه لا تعليقاً في الوكالة ، فتبطل كما مرّ في كتاب الوكالة .

(مسألة 6) : يشترط في صيغة الطلاق التنجيز ، فلو علّقه بشرط بطل ؛ سواء كان ممّا يحتمل وقوعه كما إذا قال : «أنتِ طالق إن جاء زيد» أو ممّا يتيقّن حصوله كما إذا قال : « . . . إذا طلعت الشمس» . نعم لا يبعد جواز تعليقه بما يكون معلّقاً عليه في الواقع كما إذا قال : «إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق» سواء كان عالماً بأ نّها زوجته أو جاهلاً به .

(مسألة 7) : لو كرّر صيغة الطلاق ثلاثاً فقال : «هي طالق هي طالق هي طالق» من دون تخلّل رجعة في البين قاصداً تعدّد الطلاق تقع واحدة ولغت الاُخريان ، ولو قال : «هي طالق ثلاثاً» لم تقع الثلاث قطعاً ، وهل تقع واحدة

ص: 498


1- - لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم توكيلها .

كالصورة السابقة أو يبطل الطلاق ولغت الصيغة بالمرّة ؟ قولان ، أقواهما الثاني ، وإن كان الأشهر هو الأوّل(1) وعند العامّة وقوع الثلاث في الصورتين ، فتبين منه وحرمت عليه حتّى تنكح زوجاً غيره .

(مسألة 8) : لو كان الزوج من العامّة ممّن يعتقد وقوع الثلاث بثلاث مرسلة أو مكرّرة وأوقع الطلاق ثلاثاً بأحد النحوين اُلزم بذلك ؛ سواء كانت المرأة شيعية أو مخالفة ونرتّب نحن عليها آثار المطلّقة ثلاثاً ، فلو رجع إليها نحكم ببطلانه(2) فنتزوّج بها بعد انقضاء العدّة . وكذلك الزوجة إذا كانت شيعية جاز لها التزويج بالغير ، ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثاً وغيره ؛ ممّا هو صحيح عندهم فاسد عندنا ؛ كالطلاق المعلّق والحلف بالطلاق والطلاق في طهر المواقعة والحيض وبغير شاهدين ، فإنّ المذكورات وإن كانت فاسدة عندنا ، فإذا وقعت من رجل منّا لا نرتّب على زوجته آثار المطلّقة ، ولكن إذا وقعت من أحد من المخالفين القائلين بصحّتها ، نرتّب على طلاقه بالنسبة إلى زوجته آثار الطلاق الصحيح ، فنتزوّج بها بعد انقضاء العدّة ، وهذا الحكم جارٍ في غير الطلاق أيضاً ، فنأخذ بالعول والتعصيب منهم الميراث - مثلاً - مع أ نّهما باطلان عندنا ، والتفصيل لا يسع هذا المختصر .

(مسألة 9) : يشترط في صحّة الطلاق - زائداً على ما مرّ - الإشهاد ؛ بمعنى إيقاعه بحضور عدلين ذكرين يسمعان الإنشاء ؛ سواء قال لهما : «اشهدا» أو لم يقل . ويعتبر اجتماعهما حين سماع الإنشاء ، فلو شهد أحدهما وسمع في

ص: 499


1- - وهو الأقوى .
2- - إلاّ إذا كانت الرجعة في مورد صحيحة عندهم .

مجلس ثمّ كرّر اللفظ وسمع الآخر في مجلس آخر بانفراده لم يقع الطلاق . نعم لو شهدا بإقراره بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما ؛ لا في تحمّل الشهادة ولا في أدائها . ولا اعتبار بشهادة النساء وسماعهنّ ؛ لا منفردات ولا منضمّات بالرجال .

(مسألة 10) : لو طلّق الوكيل عن الزوج لا يكتفى به مع عدل آخر في الشاهدين ، كما أ نّه لا يكتفى بالموكّل مع عدل آخر .

(مسألة 11) : المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غير المقام ممّا رتّب عليه بعض الأحكام ؛ وهو من كانت له حالة رادعة عن ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر ، وهي التي تسمّى بالملكة . والكاشف عنها حسن الظاهر ؛ بمعنى كونه عند الناس حسن الأفعال بحيث لو سئلوا عن حاله قالوا في حقّه : «هو رجل خير لم نرَ منه إلاّ خيراً» ومثل هذا الشخص ليس عزيز المنال .

(مسألة 12) : لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلّق - أصيلاً كان أو وكيلاً - فاسقين في الواقع ، يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطّلع على فسقهما ، وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكّل ، فإنّه يشكل جواز ترتيب آثار الطلاق على طلاقه ، بل الأمر فيه أشكل من سابقه .

القول : في أقسام الطلاق

الطلاق نوعان : بدعي وسنّي فالأوّل : هو الغير الجامع للشرائط المتقدّمة ، وهو على أقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا ، فالبحث عنها لا يهمّنا .

والثاني : ما جمع الشرائط في مذهبنا ، وهو قسمان : بائن ورجعي ، فالبائن ما

ص: 500

ليس للزوج الرجوع إليها بعده ؛ سواء كانت لها عدّة أم لا وهو ستّة : الأوّل : الطلاق قبل الدخول . الثاني : طلاق الصغيرة ؛ أعني من لم تبلغ التسع وإن دخل بها . الثالث : طلاق اليائسة ، وهذه الثلاث ليست لها عدّة كما يأتي . الرابع والخامس : طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت ، وإلاّ كانت له الرجعة . السادس : الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوعان(1) في البين بين الأوّل والثاني وبين الثاني والثالث ، وأمّا إذا وقع الثلاث متوالية بلا رجعة صحّت ووقعت واحدة كما مرّ .

(مسألة 1) : إذا طلّقها ثلاثاً مع تخلّل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد جديد ، ولا تحلّ له إلاّ بعد أن تنكح زوجاً غيره ، فإذا نكحها غيره ثمّ فارقها بموت أو طلاق وانقضت عدّتها جاز للأوّل نكاحها .

(مسألة 2) : كلّ امرأة حرّة - وإن كانت تحت عبد - إذا استكملت الطلاق ثلاثاً مع تخلّل رجعتين في البين ، حرمت على المطلّق حتّى تنكح زوجاً غيره ؛ سواء واقعها بعد كلّ رجعة وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة - وهذا يقال له طلاق العدّة - أو لم يواقعها ؛ سواء وقع كلّ طلاق في طهر أو وقع الجميع في طهر واحد ، فلو طلّقها مع الشرائط ثمّ راجعها ثمّ طلّقها ثمّ راجعها في مجلس واحد حرمت عليه ، فضلاً عمّا إذا طلّقها ثمّ راجعها ثمّ تركها حتّى حاضت وطهرت ثمّ طلّقها وراجعها ثمّ تركها حتّى حاضت وطهرت ثمّ طلّقها . هذا في الحرّة ، وأمّا الأمة فإذا طلّقت طلاقين بينهما رجعة حرمت على زوجها حتّى تنكح زوجاً غيره وإن كانت تحت حرّ .

ص: 501


1- - إلى الزوجية ولو بعقد جديد بعد الخروج من العدّة .

(مسألة 3) : العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق ، فلو طلّقها ثلاثاً بينها عقدان مستأنفان ، حرمت عليه حتّى تنكح زوجاً غيره ؛ سواء لم تكن لها عدّة كما إذا طلّقها قبل الدخول ثمّ عقد عليها ثمّ طلّقها ثمّ عقد عليها ثمّ طلّقها ، أو كانت ذات عدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة .

(مسألة 4) : المطلّقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً آخر وفارقها بموت أو طلاق حلّت للزوج الأوّل وجاز له العقد عليها بعد انقضاء العدّة من الزوج الثاني ، فإذا طلّقها ثلاثاً حرمت عليه - أيضاً - حتّى تنكح زوجاً آخر وإن كان ذاك الزوج الثاني في الثلاثة الاُولى ، فإذا فارقها حلّت للأوّل ، فإذا عقد عليها وطلّقها ثلاثاً حرمت عليه حتّى تنكح زوجاً غيره ، وهكذا تحرم عليه بعد كلّ طلاق ثالث وتحلّ له بنكاح الغير بعده وإن طلّقت مائة مرّة . نعم لو طلّقت تسعاً طلاق العدّة بالتفسير الذي أشرنا إليه حرمت عليه أبداً ؛ وذلك بأن طلّقها ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر ، وهذا هو طلاق العدّة ، فإذا حلّت للمطلّق بنكاح زوج آخر ، وعقد عليها ثمّ طلّقها ثلاثاً - كالثلاثة الاُولى - ثمّ حلّت له بمحلّل آخر ثمّ عقد عليها ثمّ طلّقها ثلاثاً - كالاُوليين - حرمت عليه أبداً .

وبالجملة : إنّما توجب تسع طلقات الحرمة المؤبّدة إذا وقع طلاق العدّة ثلاث مرّات ، ويعتبر فيه أمران : أحدهما تخلّل رجعتين ، فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا وقوع رجعة وعقد مستأنف في البين . الثاني وقوع المواقعة بعد كلّ رجعة ، فطلاق العدّة مركّب من ثلاث طلقات ؛ اثنتان منها رجعية وواحدة منها بائنة ، فإذا وقعت ثلاثة منه حتّى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبداً . هذا ، والأحوط الاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً وإن لم تكن الجميع طلاق العدّة .

ص: 502

(مسألة 5) : إنّما يوجب التحريم الطلقات الثلاث إذا لم تنكح في البين زوجاً آخر ، وأمّا إن تزوّجت للغير انهدم حكم ما سبق وتكون كأ نّها غير مطلّقة ، ويتوقّف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة .

(مسألة 6) : قد مرّ : أنّ المطلّقة ثلاثاً تحرم على المطلّق حتّى تنكح زوجاً غيره . ويعتبر في زوال التحريم به اُمور ثلاثة : الأوّل : أن يكون الزوج المحلّل بالغاً ، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن كان مراهقاً . الثاني : أن يطأها قبلاً وطئاً موجباً للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها(1) من مقطوعها ، وهل يعتبر الإنزال ؟ فيه إشكال ، الأحوط اعتباره . الثالث : أن يكون العقد دائماً لا متعة .

(مسألة 7) : لو طلّقها ثلاثاً وانقضت مدّة ، فادّعت أ نّها تزوّجت وفارقها الزوج الثاني ومضت العدّة واحتمل صدقها ، صدّقت ويقبل قولها بلا يمين ، فللزوج الأوّل أن ينكحها بعقد جديد وليس عليه الفحص والتفتيش ، والأحوط الاقتصار على ما إذا كانت ثقة أمينة .

(مسألة 8) : إذا دخل المحلّل ، فادّعت الدخول ولم يكذّبها ، صدّقت وحلّت للزوج الأوّل ، وإن كذّبها لا يبعد قبول قولها أيضاً ، لكنّ الأحوط(2) الاقتصار على صورة حصول الاطمئنان بصدقها . ولو ادّعت الإصابة ثمّ رجعت عن قولها ، فإن كان قبل أن يعقد الأوّل عليها لم تحلّ له ، وإن كان بعد العقد عليها لم يقبل رجوعها .

(مسألة 9) : لا فرق في الوط ء المعتبر في المحلّل بين المحرّم والمحلّل ، فلو

ص: 503


1- - كفاية المسمّى في مقطوعها لا تخلو من قوّة .
2- - لا يترك .

وطئها محرّماً - كالوط ء في الإحرام أو في الصوم الواجب أو في الحيض ونحو ذلك - كفى في حصول التحليل للزوج الأوّل .

(مسألة 10) : لو شكّ الزوج في إيقاع أصل الطلاق على زوجته ، لم يلزمه الطلاق ، بل يحكم ظاهراً ببقاء علقة النكاح ، ولو علم بأصل الطلاق وشكّ في عدده بنى على الأقلّ ؛ سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع ، فلا يحكم مع الشكّ بالحرمة الغير المؤبّدة في الأوّل وبالحرمة الأبدية في الثاني . نعم لو شكّ بين الثلاث والتسع يشكل(1) البناء على الأوّل ؛ بحيث تحلّ له بالمحلّل .

القول : في العدد

إنّما يجب الاعتداد باُمور ثلاثة : الفراق بين الزوج والزوجة بطلاق أو فسخ أو انفساخ في العقد الدائم وانقضاء مدّة أو بذلها في المتعة ، وموت الزوج ، ووط ء الشبهة .

فصل : في عدّة الفراق ؛ طلاقاً كان أو غيره

(مسألة 1) : لا عدّة على من لم يدخل بها ولا على الصغيرة - وهي من لم تكمل التسع ، وإن دخل بها - ولا على اليائسة ؛ سواء بانت في ذلك كلّه بطلاق أو فسخ أو هبة مدّة أو انقضائها .

(مسألة 2) : يتحقّق الدخول بإيلاج تمام الحشفة قبلاً أو دبراً وإن لم ينزل ، بل وإن كان مقطوع الاُنثيين .

ص: 504


1- - بل تحلّ بالمحلّل على الأشبه .

(مسألة 3) : يتحقّق اليأس ببلوغ ستّين في القرشية وخمسين في غيرها ، والأحوط مراعاة الستّين مطلقاً بالنسبة إلى التزويج بالغير وخمسين كذلك بالنسبة إلى الرجوع إليها .

(مسألة 4) : لو طلّقت ذات الأقراء قبل بلوغ سنّ اليأس ورأت الدم مرّة أو مرّتين ثمّ يئست ، أكملت العدّة بشهر أو شهرين ، وكذلك ذات الشهور إذا اعتدّت شهراً أو شهرين ثمّ يئست ، أتمّت ثلاثة .

(مسألة 5) : المطلّقة ومن اُلحقت بها إن كانت حاملاً فعدّتها مدّة حملها ، وتنقضي بأن تضع حملها ولو بعد الطلاق بلا فصل ؛ سواء كان تامّاً أو غير تامّ ولو كان مضغة أو علقة إن تحقّق أ نّه حمل .

(مسألة 6) : إنّما تنقضي العدّة بالوضع إذا كان الحمل ملحقاً بمن له العدّة ، فلا عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدّته ، فلو كانت حاملاً من زناً قبل الطلاق أو بعده لم تخرج من العدّة بالوضع ، بل يكون انقضاؤها بالأقراء والشهور كغير الحامل ، فوضع هذا الحمل لا أثر له أصلاً لا بالنسبة إلى الزاني ؛ لأ نّه لا عدّة له ، ولا بالنسبة إلى المطلّق ؛ لأنّ الولد ليس له . نعم إذا حملت من وط ء الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطئ لا بالزوج ، فوضعه سبب لانقضاء العدّة ، لكن بالنسبة إلى الواطئ لا بالنسبة إلى الزوج المطلّق .

(مسألة 7) : لو كانت حاملاً باثنين - مثلاً - بانت(1) بوضع الأوّل ، فلا رجعة

ص: 505


1- - الأقوى عدم البينونة إلاّ بوضعهما ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

للزوج بعده ، ولا تنكح زوجاً إلاّ بعد وضع الأخير على الأحوط فيهما .

(مسألة 8) : لو وطئت شبهة فحملت واُلحق الولد بالواطئ لبعد الزوج عنها أو لغير ذلك ثمّ طلّقها الزوج أو طلّقها ثمّ وطئت شبهة على نحو اُلحق الولد بالواطئ كانت عليها عدّتان : عدّة لوط ء الشبهة تنقضي بالوضع ، وعدّة للطلاق تستأنفها فيما بعده ، وكان مدّتها بعد انقضاء نفاسها(1) .

(مسألة 9) : إذا ادّعت المطلّقة الحامل : أ نّها وضعت فانقضت عدّتها وأنكر الزوج ، أو انعكس فادّعى الوضع وأنكرت هي ، أو ادّعت الحمل وأنكر ، أو ادّعت الحمل والوضع معاً ، وأنكرهما يقدّم قولها في الجميع(2) بيمينها .

(مسألة 10) : لو اتّفق الزوجان على إيقاع الطلاق ووضع الحمل واختلفا في المتقدّم والمتأخّر فقال الزوج مثلاً : «وضعت بعد الطلاق فانقضت عدّتك» وقالت الزوجة : «وضعت قبل الطلاق والطلاق وقع وأنا حائل فبعدُ أنا في العدّة» أو انعكس فقال الزوج : «وضعت قبل الطلاق فأنت في العدّة» ويريد الرجوع إليها وادّعت الزوجة خلافه ، فالظاهر أ نّه يقدّم قول من يدّعي(3) بقاء العدّة ؛ سواء كان هو الزوج أو الزوجة ؛ من غير فرق بين ما لم يتّفقا على زمان أحدهما ، كما إذا ادّعى أحدهما أنّ الطلاق كان في شعبان والوضع في رمضان وادّعى الآخر العكس ، أو اتّفقا على زمان أحدهما ، كما إذا اتّفقا على أنّ الطلاق وقع في

ص: 506


1- - إذا اتّصل نفاسها بالوضع ، ولو تأخّر دم النفاس يحسب النقاء المتخلّل بين الوضع والدم قرءاً من العدّة الثانية ولو كان بلحظة .
2- - الظاهر قبول قولها بالنسبة إلى بقاء العدّة ، والخروج منها لا بالنسبة إلى آثار الحمل غير ما ذكر .
3- - لا يبعد تقدّم قولها في بقاء العدّة والخروج منها مطلقاً .

رمضان واختلفا في زمان الوضع فقال أحدهما : «أ نّه كان في شوّال» وادّعى الآخر : «أ نّه كان في شعبان» أو اتّفقا في أنّ الوضع كان في رمضان واختلفا في أنّ الطلاق كان في شوّال أو شعبان .

(مسألة 11) : إذا طلّقت الحائل أو انفسخ نكاحها ، فإن كانت مستقيمة الحيض ؛ بأن تحيض في كلّ شهر مرّة - كما هو المتعارف في الأغلب - كانت عدّتها ثلاثة قروء ، وكذا إذا تحيض في كلّ شهر أزيد من مرّة أو ترى الدم في كلّ شهرين مرّة . وبالجملة : كان الطهر الفاصل بين حيضتين منها أقلّ من ثلاثة أشهر . وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض - إمّا لكونها صغيرة السنّ لم تبلغ الحدّ الذي ترى الحيض غالب النساء ، وإمّا لانقطاع حيضها لمرض أو حمل أو رضاع - كانت عدّتها ثلاثة أشهر ، وتلحق بها من تحيض لكنّ الطهر الفاصل بين حيض وحيض منها ثلاثة أشهر أو أزيد . هذا في الحرّة وإن كانت تحت عبد ، وأمّا الأمة وإن كانت تحت حرّ فعدّتها قرءان في الأوّل ، وخمسة وأربعون يوماً في الثاني .

(مسألة 12) : المراد بالقروء والقرءين : الأطهار والطهرين ، ويكفي في الطهر الأوّل مسمّاه ولو قليلاً ، فلو طلّقها وقد بقيت من طهرها لحظة يحسب ذلك طهراً ، فإذا رأت طهرين آخرين تامّين بتخلّل حيضة بينهما في الحرّة ، وطهر آخر تامّ بين حيضتين في الأمة ، انقضت العدّة ، فانقضاؤها برؤية الدم الثالث أو الثاني .

نعم لو اتّصل آخر صيغة الطلاق بأوّل زمان الحيض صحّ الطلاق ، لكن لا بدّ في انقضاء العدّة من أطهار تامّة ، فتنقضي برؤية الدم الرابع في الحرّة ورؤية الدم الثالث في الأمة .

ص: 507

(مسألة 13) : بناءً على كفاية مسمّى الطهر في الطهر الأوّل ولو لحظة ، وإمكان أن تحيض المرأة في شهر واحد أزيد من مرّة ، فأقلّ زمان يمكن أن تنقضي عدّة الحرّة ستّة وعشرون يوماً ولحظتان ؛ بأن كان طهرها الأوّل لحظة ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيّام ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيّام ثمّ تحيض ، فبمجرّد رؤية الدم الأخير لحظة من أوّله انقضت العدّة ، وهذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدّة وإنّما يتوقّف عليها تمامية الطهر الثالث ، هذا في الحرّة ، وأمّا في الأمة فأقلّ ما يمكن انقضاء عدّتها لحظتان وثلاثة عشر يوماً .

(مسألة 14) : عدّة المتعة في الحامل وضع حملها ، وفي الحائل إذا كانت تحيض قرءان ، والمراد بهما هنا حيضتان على الأقوى ، وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض فخمسة وأربعون يوماً ، ولا فرق بين كون المتمتّع بها حرّة أو أمة . والمراد من الحيضتين الكاملتان ، فلو وهبت مدّتها أو انقضت في أثناء الحيض لم تحسب بقيّة تلك الحيضة من الحيضتين .

(مسألة 15) : المدار في الشهور على الهلالي ، فإن وقع الطلاق في أوّل رؤية الهلال فلا إشكال ، وأمّا إن وقع في أثناء الشهر ففيه خلاف وإشكال ، ولعلّ الأقوى في النظر جعل الشهرين الوسطين هلاليين وإكمال الأوّل من الرابع بمقدار ما فات منه .

(مسألة 16) : لو اختلفا في انقضاء العدّة وعدمه قدّم قولها بيمينها ؛ سواء ادّعت الانقضاء أو عدمه ، وسواء كانت عدّتها بالأقراء أو الأشهر .

ص: 508

القول : في عدّة الوفاة

(مسألة 1) : عدّة الحرّة المتوفّى عنها زوجها - وإن كانت تحت عبد - أربعة أشهر وعشرة أيّام إذا كانت حائلاً ؛ صغيرة كانت أو كبيرة ، يائسة كانت أو غيرها ، وسواء كانت مدخولاً بها أو غيرها ، ودائمة كانت أو منقطعة ، وكانت من ذوات الأقراء أو غيرها . وأمّا إن كانت حاملاً فعدّتها أبعد الأجلين ؛ من وضع الحمل والمدّة المزبورة ، فلو وضعت قبل تلك المدّة لم تنقض العدّة ، وكذا لو تمّت المدّة ولمّا وضعت بعد . هذا في الحرّة ، وأمّا الأمة - وإن كانت تحت حرّ - ففيها خلاف ، والأحوط(1) مساواتها للحرّة ، فتعتدّ بأربعة أشهر وعشراً إن كانت حائلاً ، وبأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل إن كانت حاملاً كالحرّة .

(مسألة 2) : المراد بالأشهر هي الهلالية ، فإن مات عند رؤية الهلال اعتدّت بأربعة أشهر هلاليات وضمّت إليها من الشهر الخامس عشرة أيّام ، وإن مات في أثناء الشهر فالأظهر أ نّها تجعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط وأكملت الأوّل بمقدار ما مضى منه من الشهر الخامس حتّى صارت ثلاثة أشهر هلاليات وشهراً ملفّقاً ، وتضيف إليها من الشهر الخامس عشرة أيّام .

(مسألة 3) : لو طلّقها ثمّ مات قبل انقضاء العدّة ، فإن كان رجعياً بطلت(2) عدّة

ص: 509


1- - بل لا يخلو من قوّة .
2- - في المسترابة بالحمل محلّ تأمّل ، فالأحوط لها الاعتداد بأبعد الأجلين ؛ من عدّة الوفاة ووظيفة المسترابة ، فإذا مات الزوج بعد الطلاق بشهر مثلاً ، تعتدّ عدّة الوفاة وتتمّ عدّة المسترابة إلى رفع الريبة وظهور التكليف ، وإذا مات بعد سبعة أشهر - مثلاً - مع بقاء الريبة تعتدّ عدّة الوفاة إلى أن يتّضح الحال .

الطلاق واعتدّت من حين موته عدّة الوفاة ، فإن كانت حائلاً اعتدّت أربعة أشهر وعشراً ، وإن كانت حاملاً اعتدّت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كغير المطلّقة ، وإن كانت بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق ولا عدّة عليها بسبب الوفاة .

(مسألة 4) : يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدّة ، والمراد به ترك الزينة في البدن بمثل التكحيل والتطيّب والخضاب وتحمير الوجه والخطاط ونحوها ، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحلي ونحوها . وبالجملة : ترك كلّ ما يعدّ زينة يتزيّن به للزوج في الأوقات المناسبة له في العادة كالأعياد والأعراس ونحوها ، ويختلف ذلك بحسب الأشخاص والأزمان والبلاد ، فيلاحظ في كلّ بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزيّن . نعم لا بأس بتنظيف البدن واللباس وتسريح الشعر وتقليم الأظفار ودخول الحمّام والافتراش بالفراش الفاخر والسكنى في المساكن المزيّنة وتزيين أولادها وخدمها .

(مسألة 5) : الأقوى أنّ الحداد ليس شرطاً في صحّة العدّة ، بل هو تكليف على حدة في زمانها ، فلو تركته عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في تمام المدّة أو بعضها لم يجب عليها استئنافها أو تدارك مقدار ما اعتدّت بدونه .

(مسألة 6) : لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذمّية ، كما أ نّه لا فرق - على الظاهر - بين الدائمة والمنقطعة . نعم لا يبعد عدم وجوبه على من قصرت مدّة تمتّعها كيوم أو يومين أو ساعة أو ساعتين . وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا ؟ قولان ، أشهرهما الوجوب ؛ بمعنى وجوبه على وليّهما فيجنّبهما عن التزيين ما دامتا في العدّة ، وفيه تأمّل وإن كان أحوط .

ص: 510

(مسألة 7) : لا حداد على الأمة ؛ لا من موت سيّدها ولا من موت زوجها إذا كانت مزوّجة .

(مسألة 8) : يجوز للمعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها والتردّد في حوائجها ، خصوصاً إذا كانت ضرورية ، أو كان خروجها لاُمور راجحة كالحجّ والزيارة وعيادة المرضى وزيارة أرحامها ولا سيّما والديها ، نعم ينبغي بل الأحوط أن لا تبيت إلاّ في بيتها الذي كانت تسكنه(1) في حياة زوجها ؛ بأن تخرج بعد الزوال وترجع عند العشيّ ، أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحاً .

(مسألة 9) : لا إشكال في أنّ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه ؛ حاضراً كان الزوج أو غائباً ، بلغ الزوجة الخبر أم لا ، فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلاّ بعد مدّة - ولو كانت سنة أو أكثر - فقد انقضت عدّتها وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر إليها . ومثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ والانفساخ على الظاهر ، وكذا عدّة وط ء الشبهة وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة ، بل هذا الاحتياط لا يترك . وأمّا عدّة الوفاة ، فإذا مات غائباً ، فعدّتها من حين بلوغ الخبر إليها ، ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة الزوج ، بل يعمّ صورة حضوره - أيضاً - إذا خفي عليها موته لمرض أو حبس أو غير ذلك ، فتعتدّ من حين إخبارها بموته .

(مسألة 10) : لا يعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه ، كونه حجّة شرعية ، فلا يعتبر أن يكون من عدلين بل ولا عدل واحد . نعم لا يجوز لها

ص: 511


1- - أو تنتقل منه إليه للاعتداد .

التزويج بالغير ما لم تقم حجّة شرعية على موته ، ولا تكتفي بمجرّد بلوغ الخبر . وفائدته - إذا لم يكن حجّة - : أ نّه بعد ما ثبت موته شرعاً يكتفي بالاعتداد من حين البلوغ ولا يحتاج إلى الاعتداد من حين الثبوت .

(مسألة 11) : لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتّى تحسب العدّة من ذلك الوقت ، اعتدّت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخّره عنه ، والأحوط أن تعتدّ من حين بلوغ الخبر إليها ، بل هذا الاحتياط لا يترك .

(مسألة 12) : إذا فقد الرجل وغاب غيبة منقطعة ولم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه أثر ولم يعلم موته ولا حياته ، فإن بقي له مال تنفق به زوجته أو كان له وليّ يتولّى اُموره ويتصدّى لإنفاقها أو متبرّع للإنفاق عليها ، وجب عليها الصبر والانتظار ، ولا يجوز لها أن تتزوّج أبداً حتّى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه ، وإن لم يكن له مال ولا من ينفق عليها ، فإن صبرت فلها ذلك ، وإن لم تصبر وأرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فيؤجّلها أربع سنين من حين رفع الأمر إليه ، ثمّ يتفحّص عنه في تلك المدّة ، فإن لم يتبيّن لا موته ولا حياته ، فإن كان للغائب وليّ - أعني من كان يتولّى اُموره بتفويضه أو توكيله - يأمره الحاكم بطلاق المرأة ، وإن لم يقدم على الطلاق أجبره الحاكم عليه ، فإن لم يكن له وليّ أو كان ولم يقدم على الطلاق ولم يمكن إجباره عليه طلّقها الحاكم ، ثمّ تعتدّ أربعة أشهر وعشراً عدّة الوفاة ، فإذا تمّت هذه الاُمور جاز لها التزويج بلا إشكال ، وإن كان اعتبار بعضها محلّ التأمّل والنظر ، إلاّ أنّ الجميع هو الأحوط .

(مسألة 13) : ليست للفحص والطلب كيفية خاصّة ، بل المدار ما يعدّ طلباً وفحصاً وتفتيشاً ، ويتحقّق ذلك ببعث من يعرف المفقود رعاية باسمه وشخصه أو

ص: 512

بحليته إلى مظانّ وجوده للظفر به ، وبالكتابة ونحوها كالتلغراف المتداول في هذه الأعصار إلى من يعرفه ليتفقّد عنه في بلده ، وبالالتماس من المسافرين كالزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم ؛ بأن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم وبالاستخبار منهم إذا رجعوا من أسفارهم .

(مسألة 14) : لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبرين منهم من المسافرين العدالة ، بل تكفي الوثاقة .

(مسألة 15) : لا يعتبر أن يكون الفحص بالبعث أو الكتابة ونحوها من الحاكم، بل يكفي كونه من كلّ أحد حتّى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الأمر إليه ، فإذا رفعت أمرها إليه فقال : «تفحّصوا عنه إلى أن تمضي أربع سنين» ثمّ تصدّت الزوجة أو تصدّى بعض أقاربها للفحص والطلب حتّى مضت المدّة كفى .

(مسألة 16) : مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام ، ولا يعتبر فيه الاتّصال التامّ بل هو - على الظاهر - نظير تعريف اللقطة سنة كاملة ؛ يكفي فيه تصدّي الطلب عنه ؛ بحيث يصدق عرفاً أ نّه قد تفحّص عنه في تلك المدّة .

(مسألة 17) : المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد ، فلا يعتبر استقصاء الممالك والبلاد ، ولا يعتنى بمجرّد إمكان وصوله إلى مكان ولا بالاحتمالات البعيدة ، بل إنّما يتفحّص عنه في مظانّ وجوده فيه ووصوله إليه ، وما احتمل فيه ذلك احتمالاً قريباً .

(مسألة 18) : إذا علم أ نّه قد كان في بلد معيّن في زمان ثمّ انقطع أثره ، يتفحّص عنه أوّلاً في ذلك البلد على المعتاد ، فيكتفي التفقّد عنه في جوامعه

ص: 513

ومجامعه وأسواقه ومتنزّهاته ومستشفياته وخاناته المعدّة لنزول الغرباء ونحوها . ولا يلزم استقصاء تلك المحالّ بالتفتيش أو السؤال ، بل يكفي الاكتفاء بالبعض المعتدّ به من مشتهراتها . وينبغي ملاحظة زيّ المفقود وصنعته وحرفته فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ويسأل عنه من أبناء صنفه وحرفته ؛ مثلاً إذا كان من طلبة العلم فالمحلّ المناسب له المدارس ومجامع العلم وينبغي أن يسأل عنه من العلماء والطلبة ، بخلاف ما إذا كان من غيرهم كما إذا كان جندياً مثلاً ، فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر ولم يعلم موته ولا حياته ، فإن لم يحتمل انتقاله منه إلى محلّ آخر بقرائن الأحوال ، سقط الفحص والسؤال ، واكتفى بانقضاء مدّة التربّص أربع سنين ، وإن احتمل الانتقال ، فإن تساوت الجهات في احتمال انتقاله منه إليها تفحّص عنه في تلك الجهات ولا يلزم الاستقصاء بالتفتيش في كلّ قرية قرية ولا في كلّ بلدة بلدة ، بل يكفي الاكتفاء ببعض المحالّ المهمّة والمشتهرة في كلّ جهة ؛ مراعياً للأقرب ثمّ الأبعد إلى البلد الأوّل ، وإن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز جعل محلّ الفحص ذلك البعض والاكتفاء به ، خصوصاً إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره . وإذا علم أ نّه قد كان في مملكة كالهند أو إيران أو العراق أو سافر إليها ثمّ انقطع أثره كفى أن يتفحّص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة التي تشدّ إليها الرحال . وإن سافر إلى بلد معيّن من مملكة كالعراقي سافر إلى خراسان ، يكفي الفحص عنه في البلاد والمنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس ذلك البلد ، ولا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق ، فضلاً عن البلاد الواقعة في أطراف المملكة . وإذا خرج من منزله مريداً للسفر أو هرب ولا يدري إلى أين توجّه وانقطع أثره ، تفحّص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب ممّا يحتمل قريباً

ص: 514

وصوله إليه ، ولا ينظر إلى ما بعد احتمال توجّهه إليه .

(مسألة 19) : قد عرفت أنّ الأحوط أن يكون الفحص والطلاق بعد رفع أمرها إلى الحاكم ، فإذا لم يمكن الوصول إليه ، فإن كان للحاكم وكيل ومأذون في التصدّي للاُمور الحسبية فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الأمر ومع عدمه فالظاهر قيام عدول(1) المؤمنين مقامه .

(مسألة 20) : إذا علم أنّ الفحص لا ينفع ولا يترتّب عليه أثر ، فالظاهر سقوط وجوبه ، وكذا لو حصل اليأس من الاطّلاع على حاله في أثناء المدّة ، فيكفي مضيّ المدّة في جواز طلاقها وزواجها .

(مسألة 21) : يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلّق ولو بعد تحقّق الفحص وانقضاء الأجل ، فليست هي ملزَمة باختيار الطلاق ، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق ، وحينئذٍ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص بل يكتفى بالأوّل .

(مسألة 22) : الظاهر أنّ العدّة الواقعة بعد الطلاق عدّة طلاق ؛ وإن كانت بقدر عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ويكون الطلاق رجعياً ، فتستحقّ النفقة في أيّامها وإذا ماتت يرثها لو كان في الواقع حيّاً ، وإذا تبيّن موته فيها ترثه وليس عليها حداد بعد الطلاق .

(مسألة 23) : إذا تبيّن موته قبل انقضاء المدّة أو بعده قبل الطلاق ، وجب عليها عدّة الوفاة . وإذا تبيّن بعد انقضاء العدّة اكتفي بها ؛ سواء كان التبيّن قبل

ص: 515


1- - محلّ إشكال .

التزويج أو بعده ، وسواء كان موته المتبيّن وقع قبل العدّة أو بعدها أو في أثنائها أو بعد التزويج ، وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة ، فهل يكتفي بإتمامها أو تستأنف عدّة الوفاة من حين التبيّن ؟ وجهان بل قولان ، أحوطهما الثاني لو لم يكن الأقوى .

(مسألة 24) : إذا جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل ، فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته ، وإن كان بعد ما تزوّجت بالغير فلا سبيل له عليها ، وإن كان في أثناء العدّة فله الرجوع إليها كما أنّ له إبقاؤها على حالها حتّى تنقضي عدّتها وتبين عنه ، وأمّا إن كان بعد انقضاء العدّة وقبل التزويج ففي جواز رجوعها إليها وعدمه قولان ، أقواهما الثاني .

(مسألة 25) : إذا حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته ، جاز لها بينها وبين اللّه أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم ، وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم . نعم في جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد تزويجها ، وكذا لمن يصير وكيلاً عنها في إيقاع العقد عليها إشكال . والأحوط أن تتزوّج ممّن لم يطّلع بالحال ولم يدر أنّ زوجها قد فقد ، ولم يكن في البين إلاّ دعواها بأ نّها عالمة بموته ، بل يقدم على تزويجها مستنداً إلى دعواها أ نّها خليّة وبلا مانع ، وكذلك توكّل من كان كذلك .

القول : في عدّة وط ء الشبهة

والمراد به وط ء الأجنبيّة بشبهة أ نّها حليلته ؛ إمّا لشبهة في الموضوع كما إذا وطئ مرأة باعتقاد أ نّها زوجته فتبيّن أ نّها أجنبيّة ، وإمّا لشبهة في الحكم كما إذا عقد على اُخت الموطوء معتقداً صحّته ودخل بها .

ص: 516

(مسألة 1) : لا عدّة على المزني بها ؛ سواء حملت من الزنا أم لا على الأقوى ، وأمّا الموطوءة شبهة فعليها العدّة ؛ سواء كانت ذات بعل أو خليّة ، وسواء كانت الشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ خاصّة ، وأمّا إن كانت من طرف الموطوءة خاصّة ففيه قولان ، أحوطهما لزوم العدّة ، بل لا يخلو من قوّة(1) .

(مسألة 2) : عدّة وط ء الشبهة كعدّة الطلاق بالأقراء والشهور ، وبوضع الحمل لو حملت من هذا الوط ء على التفصيل المتقدّم ، ومن لم يكن عليها عدّة الطلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدّة أيضاً .

(مسألة 3) : إذا كانت الموطوءة شبهة ذات بعل ، لا يجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدّتها ، وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا ؟ قولان ، أحوطهما الثاني وأقواهما الأوّل . والظاهر أ نّه لا تسقط نفقتها في أيّام العدّة وإن قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات عليه .

(مسألة 4) : إذا كانت خليّة ، يجوز لواطئها أن يتزوّج بها في زمن عدّتها ، بخلاف غيره فإنّه لا يجوز له ذلك على الأقوى .

(مسألة 5) : لا فرق في حكم وط ء الشبهة - من حيث العدّة وغيرها - بين أن يكون مجرّداً أو يكون بعد العقد ؛ بأن وطئ المعقود عليها بشبهة صحّة العقد مع فساده واقعاً .

(مسألة 6) : إذا كانت معتدّة بعدّة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهة ، أو وطئت ثمّ طلّقها ، أو مات عنها زوجها ، فعليها عدّتان عند المشهور ، وهو الأحوط لو

ص: 517


1- - القوّة محلّ إشكال .

لم يكن الأقوى ، فإن كانت حاملاً من أحدهما تقدّم عدّة الحمل ، فبعد وضعه تستأنف العدّة الاُخرى أو تستكمل الاُولى ، وإن كانت حائلاً يقدّم الأسبق منهما ، وبعد تمامها استقبلت عدّة اُخرى من الآخر .

(مسألة 7) : إذا طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شبهة ، اعتدّت(1) عدّة اُخرى على التفصيل المتقدّم في المسألة السابقة .

(مسألة 8) : الموجب للعدّة اُمور : الوفاة ، والطلاق بأقسامه ، والفسخ بالعيوب ، والانفساخ بمثل الارتداد أو الإسلام أو الرضاع ، والوط ء بالشبهة مجرّداً عن العقد أو معه ، وانقضاء المدّة أو هبتها ، ويشترط في الجميع كونها مدخولاً بها عدا الأوّل والوط ء بالشبهة.

(مسألة 9) : قد مرّ سابقاً : أ نّه لا عدّة على من لم يدخل بها ، فليعلم أ نّه إذا طلّقها رجعياً بعد الدخول ثمّ رجع ثمّ طلّقها قبل الدخول ، لا يجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتّى لا يحتاج إلى العدّة ؛ من غير فرق بين كون الطلاق الثاني رجعياً أو بائناً . وأمّا إذا طلّقها بائناً ثمّ جدّد نكاحها في أثناء العدّة ثمّ طلّقها قبل الدخول ففي جريان حكم الطلاق قبل الدخول عليه وعدمه وجهان بل قولان ، أحوطهما(2) الثاني . وبحكمه ما إذا عقد عليها بالعقد المنقطع ثمّ وهب مدّتها بعد الدخول ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها قبل الدخول ، فيشكل(3) ما ربّما يحتال في نكاح جماعة في يوم واحد بل في مجلس واحد امرأة شابّة ذات عدّة مع

ص: 518


1- - على الأحوط .
2- - بل أقواهما .
3- - بل لا يجوز .

دخول الجميع بها ، وذلك بأن يتمتّع بها أحدهم ثمّ يهب مدّتها بعد الدخول ثمّ يعقد عليها ثمّ يطلّقها قبل الدخول ، ثمّ يفعل بها الثاني ما فعل بها الأوّل وهكذا ، بزعمهم أ نّه لا عدّة عليها ؛ أمّا من العقد الأوّل فبسبب وقوع العقد الثاني ، وأمّا من العقد الثاني فلأنّه طلّقها قبل الدخول .

(مسألة 10) : المطلّقة بالطلاق الرجعي زوجة(1) أو بحكم الزوجة ، ما دامت في العدّة ، فيترتّب عليها آثار الزوجية ؛ من استحقاق النفقة والسكنى والكسوة إذا لم تكن ولم تصر ناشزة ، ومن التوارث بينهما لو مات أحدهما في العدّة ، وعدم جواز نكاح اُختها والخامسة ، وكون كفنها وفطرتها عليه . وأمّا البائنة كالمختلعة والمباراة والمطلّقة ثلاثاً ، فلا يترتّب عليها آثار الزوجية أصلاً لا في زمن العدّة ولا بعده ؛ لانقطاع العصمة بينهما بالمرّة . نعم إذا كانت حاملاً من زوجها استحقّت النفقة والكسوة والسكنى عليه حتّى تضع حملها ، كما مرّ في باب النفقات من كتاب النكاح .

(مسألة 11) : قد عرفت أ نّه لا توارث بين الزوجين في الطلاق البائن مطلقاً ، وفي الرجعي بعد انقضاء العدّة ، لكنّه إذا طلّقها مريضاً ترثه الزوجة ما بين الطلاق وبين سنة ؛ بمعنى أ نّه إن مات الزوج(2) بعد ما طلّقها في حال المرض ، فإن كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو يوماً أو أقلّ لا ترثه ، وإن كان بمقدار سنة وما دونها ترثه ؛ سواء كان الطلاق رجعياً أو بائناً . وذلك بشروط ثلاثة : الأوّل : أن لا تتزوّج المرأة ، فلو طلّقها في حال المرض وتزوّجت بعد انقضاء العدّة ثمّ مات

ص: 519


1- - بل بحكمها في الأحكام ، فما لم يدلّ دليل على الاستثناء يترتّب عليها حكمها .
2- - بالمرض المزبور ، لا بسبب آخر على الأقرب .

الزوج قبل انقضاء سنة لم ترثه . الثاني : أن لا يبرأ الزوج من المرض الذي طلّقها فيه ، فلو برئ من ذلك المرض ثمّ مرض ثمّ مات في أثناء السنة لم ترثه ، إلاّ إذا كان موته في أثناء العدّة الرجعية . الثالث : أن لا يكون الطلاق بالتماس منها ، فلا ترث المختلعة والمباراة ؛ لأنّ الطلاق إنّما هو بالتماس منهما .

(مسألة 12) : لا يجوز لمن طلّق رجعياً أن يخرج المطلّقة من بيته حتّى تنقضي عدّتها ، إلاّ أن تأتي بفاحشة ؛ أعلاها ما أوجب الحدّ ، وأدناها(1) أن تؤذي أهل البيت بالشتم وبذائة اللسان . وكذا لا يجوز لها الخروج بدون إذن الزوج إلاّ لضرورة أو لأداء واجب مضيّق .

القول : في الرجعة

وهي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى نكاحها السابق ، فلا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء العدّة .

(مسألة 1) : الرجعة إمّا بالقول ، وهو كلّ لفظ دلّ على إنشاء الرجوع كقوله : «راجعتكِ» أو «رجّعتك» أو «ارتجعتك إلى نكاحي» ، أو دلّ على الإمساك بزوجيتها كقوله : «رددتك إلى نكاحي» أو «أمسكتك في نكاحي» . ويجوز في الجميع إسقاط قوله «إلى نكاحي» و«في نكاحي» . ولا يعتبر فيه العربية ، بل يقع بكلّ لغة إذا كان بلفظ أفاد المعنى المقصود في تلك اللغة ، وإمّا بالفعل ؛ بأن يفعل

ص: 520


1- - لم يكن كلّ معصية موجباً لجواز إخراجها ، بل الموجب له إمّا ما يوجب الحدّ ، أو ما يوجب النشوز على الأظهر ، وأمّا البذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا لم ينته إلى النشوز ففيه إشكال وتأمّل ، ولا يبعد أن يكون ما يوجب الحدّ موجباً لسقوط حقّها مطلقاً ، وما يوجب النشوز لسقوطه ما دام بقائها عليه وإذا رجعت رجع حقّها .

بها ما لا يحلّ إلاّ للزوج بحليلته ، كالوط ء والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها .

(مسألة 2) : لا تتوقّف حلّية الوط ء وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ، ولا على قصد الرجوع به ؛ لما عرفت سابقاً من أنّ المطلّقة الرجعية زوجة أو بحكم الزوجة فيستباح منها للزوج ما يستباح منها . وهل يعتبر في كونه رجوعاً أن يقصد به الرجوع ؟ قولان ، أقواهما العدم ، بل يحتمل قويّاً كونه رجوعاً وإن قصد العدم(1) . نعم لا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ونحوها ممّا لا قصد فيه للفعل ، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلّقة ، كما لو واقعها باعتقاد أ نّها غيرها .

(مسألة 3) : لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدّة ، كان ذلك رجوعاً وإن علم كذبه .

(مسألة 4) : لا يعتبر الإشهاد في الرجعة ، وإن استحبّ دفعاً لوقوع التخاصم والنزاع ، وكذا لا يعتبر فيها اطّلاع الزوجة عليها ، فإن راجعها عند نفسه من دون اطّلاع أحد صحّت الرجعة وعادت إلى النكاح السابق واقعاً ، لكن لو ادّعاها بعد انقضاء المدّة ولم تصدّقه الزوجة لم تسمع دعواه ، غاية الأمر له عليها يمين نفي العلم لو ادّعى عليها العلم بذلك ، كما أ نّه لو ادّعى الرجوع الفعلي كالوط ء وأنكرته كان القول قولها بيمينها ، لكنّه على البتّ لا على نفي العلم .

(مسألة 5) : إذا اتّفقا على الرجوع وانقضاء العدّة واختلفا في المتقدّم منهما فادّعى الزوج أنّ المتقدّم هو الرجوع ، وادّعت هي أنّ المتقدّم انقضاء العدّة ، فإن

ص: 521


1- - إذا قصد عدم الرجوع وعدم التمسّك بالزوجية ففيه تأمّل ، نعم في خصوص الغشيان غير بعيد .

تعيّن زمان الانقضاء ، وادّعى الزوج أنّ رجوعه كان قبله فوقع في محلّه ، وادّعت هي وقوعه بعده فوقع في غير محلّه ، فالأقرب أنّ القول قوله(1) بيمينه ، وإن كان بالعكس ؛ بأن تعيّن زمان الرجوع وأ نّه يوم الجمعة - مثلاً - وادّعى الزوج أنّ انقضاء العدّة كان في يوم السبت ، وادّعت هي أ نّه كان في يوم الخميس ، فالقول قولها بيمينها .

(مسألة 6) : لو طلّق وراجع ، فأنكرت هي الدخول بها قبل الطلاق ؛ لئلاّ تكون عليها عدّة ولا تكون له الرجعة ، وادّعى هو الدخول ، كان القول قولها مع يمينها .

(مسألة 7) : الظاهر أنّ جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير قابل للإسقاط ، وليس حقّاً قابلاً للإسقاط كالخيار في البيع الخياري ، فلو قال الزوج : «أسقطت ما كان لي من حقّ الرجوع» لم يسقط ، وكان له الرجوع بعد ذلك ، وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو بغير عوض .

ص: 522


1- - بل قولها بيمينها ، وفي العكس قوله بيمينه ، والظاهر وقوع الاشتباه من قلم النسّاخ أو من قلمه الشريف .

كتاب الخلع والمباراة

(مسألة 1) : الخلع هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها ، فهو قسم من الطلاق ويعتبر فيه جميع شروط الطلاق المتقدّمة ، ويزيد عليها بأ نّه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصّة ، فإن كانت الكراهة من الطرفين كان مباراة ، وإن كان من طرف الزوج خاصّة لم يكن خلعاً ولا مباراة .

(مسألة 2) : الظاهر(1) وقوع الخلع بكلّ من لفظي الخلع والطلاق مجرّداً كلّ منهما عن الآخر أو منضمّاً ، فبعد ما أنشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها - مثلاً - يجوز أن يقول : «خلعتكِ على كذا» أو «أنت مختلعة على كذا» ويكتفي به ، أو يتبعه بقوله : «فأنت طالق على كذا» أو يقول : «أنت طالق على كذا» ويكتفي به ، أو يتبعه بقوله : «فأنت مختلعة على كذا» .

(مسألة 3) : الخلع وإن كان قسماً من الطلاق وهو من الإيقاعات ، إلاّ أ نّه يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشاءين : بذل شيء من طرف الزوجة ليطلّقها الزوج ، وإنشاء الطلاق من طرف الزوج بما بذلت ، ويقع ذلك

ص: 523


1- - لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينهما ، بل لا يترك .

على نحوين : الأوّل : أن يقدّم البذل من طرفها على أن يطلّقها ، فيطلّقها على ما بذلت . الثاني : أن يبتدئ الزوج بالطلاق مصرّحاً بذكر العوض فتقبّل الزوجة بعده ، والأحوط أن يكون الترتيب على النحو الأوّل ، بل هذا الاحتياط لا يترك(1) .

(مسألة 4) : يعتبر في صحّة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما لا يخلّ بالفورية العرفية ، فلو أخلّ بها بطل الخلع ولم يستحقّ الزوج العوض ، ولكن لم يبطل الطلاق ووقع رجعياً مع فرض اجتماع شرائطه(2) ، وإلاّ كان بائناً .

(مسألة 5) : يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بالاختلاف ، ويجوز أن يوكّلا شخصاً واحداً ليبذل عنها ويطلّق عنه ، بل الظاهر أ نّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر فيما هو من طرفه ، فيكون أصيلاً فيما يرجع إليه ووكيلاً فيما يرجع إلى الآخر .

(مسألة 6) : يصحّ التوكيل في الخلع في جميع ما يتعلّق به ؛ من شرط العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق ، ومن المرأة في جميع ما يتعلّق بها ؛ من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه .

(مسألة 7) : إذا وقع الخلع بمباشرة الزوجين : فإمّا أن تبدأ الزوجة وتقول : «بذلت لك - أو أعطيتك - ما عليك من المهر - أو الشيء الفلاني - لتطلّقني» فيقول

ص: 524


1- - وإن كان الأقوى خلافه ، لكن لا ينبغي تركه .
2- - إذا أوقعه بلفظ الطلاق أو أتبعه بذلك .

فوراً : «أنت طالق - أو مختلعة بكسر اللام - على ما بذلت» أو « . . . على ما أعطيت» . وإمّا أن يبتدئ الزوج بعد ما تواطئا على الطلاق بعوض ، فيقول : «أنت طالق - أو مختلعة - بكذا» أو « . . . على كذا» فتقول فوراً : «قبلت» أو «رضيت» . وإن وقع من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطباً لوكيل الزوج : «عن قبل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلك ما عليه من المهر - أو المبلغ الفلاني - ليخلعها وليطلّقها» ، فيقول وكيل الزوج فوراً : «زوجة موكّلي طالق على ما بذلت» ، أو يقول : «عن قبل موكّلي خلعت موكّلتك على ما بذلت» . وإن وقع من وكيل أحدهما مع الآخر كوكيل الزوجة مع الزوج يقول وكيلها مخاطباً للزوج : «عن قبل موكّلتي فلانة - أو زوجتك - بذلت لك ما عليك من المهر - أو الشيء الفلاني - على أن تطلّقها» فيقول الزوج فوراً : «هي - أو زوجتي - طالق على ما بذلت» . أو يبتدئ الزوج مخاطباً لوكيلها : «موكّلتك - أو زوجتي فلانة - طالق على كذا» فيقول : «عن قبل موكّلتي قبلت ذلك» ، وإن وقع ممّن كان وكيلاً عن الطرفين يقول : «عن قبل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلي فلان الشيء الفلاني ليطلّقها» ثمّ يقول فوراً : «زوجة موكّلي طالق على ما بذلت» ، أو يبتدئ من طرف الزوج ويقول : «زوجة موكّلي طالق على الشيء الفلاني» ثمّ يقول من طرف الزوجة : «عن قبل موكّلتي قبلت» ، ولو فرض أنّ الزوجة وكّلت الزوج في البذل يقول : «عن قبل موكّلتي زوجتي بذلت لنفسي كذا لاُطلّقها» ثمّ يقول فوراً : «هي طالق على ما بذلت» .

(مسألة 8) : يجوز أن يكون البذل من طرف الزوجة ؛ باستدعائها الطلاق من الزوج بعوض معلوم ؛ بأن تقول له : «طلّقني - أو اخلعني - بكذا» فيقول فوراً :

ص: 525

«أنت طالق - أو مختلعة - بكذا» فيتمّ الخلع ، والأحوط(1) إتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك : «قبلت» .

(مسألة 9) : يشترط في تحقّق الخلع بذل الفداء عوضاً عن الطلاق ، ويجوز الفداء بكلّ متموّل ؛ من عين أو دين أو منفعة ، قلّ أو كثر وإن زاد عن المهر المسمّى ، فإن كان عيناً حاضراً يكفي(2) فيه المشاهدة ، وإن كان كلّياً في الذمّة أو غائباً ذكر جنسه ووصفه وقدره ، فلو جعل الفداء ألفاً ولم يذكر المراد فسد الخلع . ويصحّ جعل الفداء إرضاع ولده لكن مشروطاً بتعيين(3) المدّة . وإذا جعل كلّياً في ذمّتها يجوز جعله حالاًّ ومؤجّلاً ، مع تعيين الأجل بما لا إجمال فيه .

(مسألة 10) : يصحّ بذل الفداء منها ومن وكيلها ؛ بأن يبذل وكالة عنها من مالها الموجود أو بمال في ذمّتها . وهل يصحّ ممّن يضمنه في ذمّته بإذنها فيرجع إليها بعد البذل ؛ بأن تقول لشخص : «اطلب من زوجي أن يطلّقني بألف درهم - مثلاً - عليك ، وبعد ما دفعتها إليه ارجع إليّ» ففعل ذلك وطلّقها الزوج على ذلك ؟ وجهان ، بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان(4) . نعم الظاهر أ نّه لا يصحّ من المتبرّع الذي يبذل من ماله من دون رجوع إليها ، فلو قالت الزوجة

ص: 526


1- - لا يترك .
2- - لا يبعد أن يكون الأمر فيه أوسع من ذلك ، فيصحّ بما يؤول إلى العلم ، كما لو بذلت ما في الصندوق مع العلم بكونه متموّلاً ، ويصحّ بما في ذمّة الزوج من المهر ولو لم يعلما به فعلاً ، بل في مثله لو لم يعلما بعد أيضاً صحّ على الأقوى .
3- - لا تبعد صحّته مع التعيين بمثل قدوم الحاجّ وبلوغ الثمرة ، وكذا في تعيين الأجل في الكلّي المؤجّل .
4- - محلّ إشكال ، بل الثاني لا يخلو من رجحان .

لزوجها : «طلّقني على دار زيد ، أو ألف في ذمّته» فطلّقها على ذلك وقد أذن زيد في ذلك ، أو أجاز بعد ذلك لم يصحّ الخلع(1) ، وكذا لو وكّلت زيداً على أن يطلب من زوجها أن يطلّقها على ذلك فطلّقها على ذلك .

(مسألة 11) : إذا قال أبوها : «طلّقها وأنت بريء من صداقها» وكانت بالغة رشيدة فطلّقها صحّ الطلاق(2) وكان رجعياً ، ولم تبرأ ذمّته بذلك ما لم تبرئ ، ولم يلزم عليها الإبراء ولا يضمنه الأب .

(مسألة 12) : لو جعلت الفداء مال الغير أو ما لا يملكه المسلم كالخمر مع العلم بذلك بطل البذل ، فبطل الخلع وكان الطلاق رجعياً(3) ، وأمّا لو جعلته مال الغير مع الجهل بأ نّه مال الغير ، فالمشهور صحّة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة وفيه تأمّل .

(مسألة 13) : يشترط في الخلع أن تكون الزوجة كارهة للزوج من دون عكس كما مرّ ، والأحوط أن تكون الكراهة شديدة ؛ بحيث يخاف من قولها أو فعلها أو غيرهما الخروج عن الطاعة والوقوع في المعصية .

(مسألة 14) : الظاهر أ نّه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في الخلع ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج ، كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك ، وبين أن تكون ناشئة من بعض العوارض ، مثل وجود الضرّة وعدم إيفاء الزوج بعض الحقوق المستحبّة أو الواجبة كالقسم والنفقة . نعم إن كانت الكراهة وطلب

ص: 527


1- - ولا الطلاق الرجعي ولا غيره ، إلاّ إذا أوقع بلفظ الطلاق أو أتبعه بصيغته .
2- - مع وقوعه بصيغة الطلاق ، أو إتباعه بها .
3- - مع الشرط المتقدّم .

المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها بالسبّ والشتم والضرب ونحوها ، فتريد تخليص نفسها منه ، فبذلت شيئاً ليطلّقها فطلّقها ، لم يتحقّق الخلع وحرم عليه ما يأخذه منها ، ولكن الطلاق صحّ رجعياً(1) .

(مسألة 15) : لو طلّقها بعوض مع عدم الكراهة وكون الأخلاق ملتئمة لم يصحّ الخلع ولم يملك العوض ، ولكن صحّ(2) الطلاق ، فإن كان مورداً للطلاق الرجعي كان رجعياً ، وإلاّ كان بائناً .

(مسألة 16) : طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة فيما بذلت ، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدّة ، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها .

(مسألة 17) : الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها ، فلو لم يجز له الرجوع ، كالمطلّقة ثلاثاً وكما إذا كانت المختلعة ممّن ليست لها عدّة كاليائسة وغير المدخول بها ، لم يكن لها الرجوع في البذل ، بل لا يبعد عدم صحّة رجوعها فيما بذلت مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محلّ رجوعه ، فلو رجعت عند نفسها ولم يطّلع عليه الزوج حتّى انقضت العدّة لا أثر لرجوعها .

(مسألة 18) : المباراة قسم من الطلاق ، فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة ، ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة ، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة ، وتقع بلفظ الطلاق مجرّداً ؛ بأن يقول الزوج بعد ما بذلت المرأة له شيئاً ليطلّقها : «أنت طالق على ما بذلت» وبلفظ «بارأتك»

ص: 528


1- - مع الشرط المتقدّم .
2- - مع الشرط المتقدّم .

متبعاً(1) بلفظ «الطلاق» بأن يقول الزوج : «بارأتك على كذا فأنت طالق» ولا يقع بلفظ «بارأتك» مجرّداً .

(مسألة 19) : المباراة وإن كانت كالخلع لكنّها تفارقه باُمور ثلاثة : أحدها : أ نّها تترتّب على كراهة كلّ من الزوجين لصاحبه ، بخلاف الخلع فإنّه يترتّب على كراهة الزوجة خاصّة كما مرّ . ثانيها : أ نّه يشترط فيها أن لا تكون الفداء أكثر من مهرها ، بل الأحوط أن يكون أقلّ منه ، بخلاف الخلع فإنّه فيه على ما تراضيا به ؛ ساوى المهر أو زاد عليه أو نقص عنه . ثالثها : أ نّه إذا أوقعت بلفظ «بارأت» يجب فيه إتباعه بالطلاق بقوله : «فأنت - أو هي - طالق» بخلاف الخلع ؛ إذ يجوز أن يوقعه بلفظ الخلع مجرّداً كما مرّ ، وإن قيل فيه أيضاً بوجوب إتباعه بالطلاق ، لكنّ الأقوى(2) خلافه كما مرّ .

(مسألة 20) : طلاق المباراة بائن كالخلع ، ليس للزوج فيه رجوع إلاّ أن ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدّة ، فله الرجوع حينئذٍ إليها كما تقدّم في الخلع .

ص: 529


1- - بل ما يقع به الفراق لفظ الطلاق من غير دخل للفظ «بارأتك» .
2- - مرّ أ نّه لا يترك الاحتياط بالجمع بين الصيغتين .

كتاب الظهار والإيلاء واللعان

القول : في الظهار

الذي كان طلاقاً في الجاهلية وموجباً للحرمة الأبدية ، وقد غيّر شرع الإسلام حكمه وجعله موجباً لتحريم الزوجة المظاهرة ، ولزوم الكفّارة بالعود كما ستعرف تفصيله .

(مسألة 1) : صيغة الظهار أن يقول الزوج مخاطباً للزوجة : «أنت عليّ كظهر اُمّي» أو يقول بدل «أنت» : «هذه» مشيراً إليها أو «زوجتي» أو «فلانة» ويجوز تبديل «عليّ» بقوله : «منّي» أو «عندي» أو «لديّ» ، بل الظاهر عدم اعتبار ذكر لفظة «عليّ» وأشباهها أصلاً ؛ بأن يقول : «أنت كظهر اُمّي» . ولو شبّهها بجزء آخر من أجزاء الاُمّ غير الظهر كرأسها أو يدها أو بطنها ففي وقوع الظهار قولان ، أحوطهما ذلك ، بل لا يخلو من قوّة(1) . ولو قال : «أنت كاُمّي» أو « . . . اُمّي» قاصداً به التحريم لا علوّ المنزلة والتعظيم أو كبر السنّ وغير ذلك لم يقع ، وإن كان الأحوط خلافه ، بل لا يترك الاحتياط .

ص: 530


1- - القوّة محلّ تأمّل ، لكن لا يترك الاحتياط .

(مسألة 2) : لو شبّهها بإحدى المحارم النسبية غير الاُمّ كالبنت والاُخت فمع ذكر الظهر ؛ بأن قال مثلاً : «أنت عليّ كظهر اُختي» يقع الظهار على الأقوى ، وبدونه كما إذا قال : « . . . كاُختي» أو « . . . كرأس اُختي» لم يقع على إشكال .

(مسألة 3) : الظهار الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل ، فلو قالت المرأة لزوجها : «أنت عليّ كظهر أبي أو أخي» لم يؤثّر شيئاً .

(مسألة 4) : يشترط في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهر كالطلاق وفي المظاهر : البلوغ والعقل والاختيار(1) ، فلا يقع من الصبيّ ولا المجنون ولا المكره ولا الساهي ، بل ولا مع الغضب السالب(2) للقصد ، وفي المظاهرة : خلوّها عن الحيض والنفاس ، وكونها في طهر لم يواقعها فيه على التفصيل المذكور في الطلاق ، وفي اشتراط كونها مدخولاً بها قولان ، أصحّهما ذلك .

(مسألة 5) : الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجية في المظاهرة ، بل يقع على المتمتّع بها ، بل وعلى المملوكة .

(مسألة 6) : إذا تحقّق الظهار بشرائطه حرم(3) على المظاهر وط ء المظاهرة ، ولا يحلّ له حتّى يكفّر ، فإذا كفّر حلّ له وطؤها ولا تلزم كفّارة اُخرى بعد وطئها ، ولو وطئها قبل أن يكفّر كانت عليه كفّارتان . وهل يحرم

ص: 531


1- - والقصد ، فلا يقع من الهازل والسكران .
2- - بل مطلقاً على الأقوى .
3- - في المطلق مطلقاً ، وفي المشروط بعد تحقّق شرطه ، ولو علّقه على الوط ء لم يحرم الوط ء الذي جعله شرطاً ولا تتعلّق به الكفّارة .

عليه قبل التكفير غير الوط ء من سائر الاستمتاعات كالقبلة والملامسة ؟ فيه إشكال(1) .

(مسألة 7) : إذا طلّقها رجعياً ثمّ راجعها ، لم يحلّ له وطؤها حتّى يكفّر ، بخلاف ما إذا تزوّجها جديداً بعد انقضاء العدّة أو في العدّة إذا كان الطلاق بائناً ، فإنّه يسقط حكم الظهار ويجوز له وطؤها بلا تكفير .

(مسألة 8) : كفّارة الظهار - كما مرّ في كتاب الكفّارات - أحد اُمور ثلاثة مرتّبة : عتق رقبة ، وإذا عجز عنه فصيام شهرين متتابعين ، وإذا عجز عنه فإطعام ستّين مسكيناً .

(مسألة 9) : إذا صبرت المظاهرة على ترك وطئها فلا اعتراض ، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم ، فيحضره ويخيّره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاقها ، فإن اختار أحدهما ، وإلاّ أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة ، فإن انقضت المدّة ولم يختر أحد الأمرين حبسه وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يختار أحدهما ، ولا يجبره على خصوص أحدهما ولا يطلّق عنه .

القول : في الإيلاء

وهو الحلف على ترك وط ء الزوجة الدائمة المدخول بها ؛ أبداً أو مدّة تزيد عن أربعة أشهر للإضرار بها ، فلا يتحقّق الإيلاء بالحلف على ترك وط ء المملوكة ولا المتمتّع بها ولا لغير المدخول بها ولا بالحلف على ترك وطئها مدّة لا تزيد عن أربعة أشهر ، ولا فيما إذا كان لملاحظة مصلحة كإصلاح لبنها أو كونها

ص: 532


1- - وإن كان الأشبه عدم الحرمة .

مريضة أو غير ذلك ؛ وإن انعقد اليمين في جميع ذلك ويترتّب عليه آثاره إذا اجتمع شروطه .

(مسألة 1) : لا ينعقد الإيلاء كمطلق اليمين إلاّ باسم اللّه تعالى المختصّ به أو الغالب إطلاقه عليه . ولا يعتبر فيه العربية ، ولا اللفظ الصريح في كون المحلوف عليه ترك الجماع في القبل كإدخال الفرج في الفرج ، بل المعتبر صدق كونه حالفاً على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور في ذلك فيكفي قوله : «لا أطأك» أو«لا اُجامعك» أو«لا أمسّك» بل وقوله : «لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة» إذا قصد بذلك ترك الجماع .

(مسألة 2) : إذا تمّ الإيلاء بشرائطه ، فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن المواقعة فلا كلام ، وإلاّ فلها المرافعة إلى الحاكم ، فيحضره وينظره أربعة أشهر ، فإن رجع وواقعها في هذه المدّة فهو ، وإلاّ أجبره على أحد الأمرين : إمّا الرجوع أو الطلاق ، فإن فعل أحدهما ، وإلاّ ضيّق عليه وحبسه حتّى يختار أحدهما ، ولا يجبره على أحدهما معيّناً .

(مسألة 3) : المشهور(1) : أنّ الأربعة التي ينظر فيها ثمّ يجبر على أحد الأمرين بعدها هي من حين الترافع ، وقيل: من حين الإيلاء ، فعلى هذا لو لم ترافع حتّى انقضت المدّة ألزمه بأحد الأمرين من دون إمهال وانتظار مدّة ، وفيه تأمّل .

(مسألة 4) : يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن ، فلو عقد عليها جديداً في العدّة أو بعدها كانت كأن لم يؤل عليها ، بخلاف ما إذا طلّقها رجعياً فإنّه وإن

ص: 533


1- - وهو الأقوى .

خرج بذلك من حقّها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم ، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلاّ بانقضاء العدّة ، فلو راجعها في العدّة عاد إلى الحكم الأوّل ، فلها المطالبة بحقّها والمرافعة .

(مسألة 5) : متى وطئها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفّارة ؛ سواء كان في مدّة التربّص أو بعدها أو قبلها لو جعلناها من حين المرافعة ، لأ نّه قد حنث اليمين على كلّ حال ؛ وإن جاز له هذا الحنث ، بل وجب بعد انقضاء المدّة ومطالبتها وأمر الحاكم به تخييراً ، وبهذا يمتاز هذا اليمين عن سائر الأيمان ، كما أ نّه يمتاز عن غيره بأ نّه لا يعتبر فيه ما يعتبر في غيره ؛ من كون متعلّقه مباحاً تساوى طرفاه أو كان راجحاً ديناً أو دنياً .

القول : في اللعان

وهي مباهلة خاصّة بين الزوجين ، أثرها دفع حدّ أو نفي ولد كما تعرف تفصيله .

(مسألة 1) : إنّما يشرع اللعان في مقامين : أحدهما : فيما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا . الثاني : فيما إذا نفى ولدية من وُلد في فراشه مع إمكان لحوقه به .

(مسألة 2) : لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريبة ، ولا مع غلبة الظنّ ببعض الأسباب المريبة ، بل ولا بالشياع ، ولا بإخبار شخص ثقة . نعم يجوز مع اليقين ، لكن لا يصدّق إذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بيّنة ، بل يحدّ حدّ القذف مع مطالبتها إلاّ إذا أوقع اللعان الجامع للشروط الآتية ، فيدرأ عنه الحدّ .

(مسألة 3) : يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة ، فلا لعان

ص: 534

فيمن لم يدّعها ومن لم يتمكّن منها كالأعمى ، فيحدّان مع عدم البيّنة ، وأن لا يكون له بيّنة ، فإن كانت له بيّنة تتعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان .

(مسألة 4) : يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجة دائمة ، فلا لعان في قذف الأجنبيّة ، بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة ، وكذا في المنقطعة على الأقوى ، وأن تكون مدخولاً بها ، فلا لعان فيمن لم يدخل بها ، وأن تكون غير مشهورة بالزنا وإلاّ فلا لعان ، بل ولا حدّ حتّى يدفع باللعان ، بل عليه التعزير(1) لو لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة .

(مسألة 5) : لا يجوز للرجل أن ينكر ولدية من تولّد في فراشه مع إمكان لحوقه به ؛ بأن دخل باُمّه(2) وقد مضى منه إلى زمان وضعه ستّة أشهر فصاعداً ولم يتجاوز عن أقصى مدّة الحمل ، حتّى فيما إذا فجر أحد بها ، فضلاً عمّا إذا اتّهمها . بل يجب عليه الإقرار بولديته ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «أيّما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب اللّه منه وفضحه على رؤوس الخلائق» . نعم يجب عليه أن ينفيه ولو باللعان مع علمه بعدم تكوّنه منه من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به إذا كان بحسب ظاهر الشرع لحوقه به لولا نفيه ؛ لئلاّ يلحق بنسبه من ليس منه ، فيترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك .

ص: 535


1- - إذا كانت متجاهرة به لا يبعد عدم ثبوت التعزير أيضاً ، ويشترط فيه - زائداً على ما ذكر في المتن - كمال الملاعنة وسلامتها عن الصمم والخرس في اللعان بالقذف ، وأمّا في نفي الولد فاعتبار سلامتها منهما محلّ تأمّل .
2- - أو أمنى في فرجها أو حواليه ؛ بحيث أمكن جذب الرحم إيّاه .

(مسألة 6) : إذا نفى ولدية من ولد في فراشه ، فإن علم أ نّه دخل باُمّه دخولاً يمكن معه لحوق الولد به أو أقرّ هو بذلك ومع ذلك نفاه ، لا يسمع منه هذا النفي ولا ينتفي منه لا باللعان ولا بغيره ، وأمّا لو لم يعلم ذلك ولم يقرّ به وقد نفاه إمّا مجرّداً عن ذكر السبب ؛ بأن قال : «هذا ليس ولدي» ، أو مع ذكر السبب ؛ بأن قال : « . . . لأ نّي لم أدخل(1) باُمّه أصلاً» أو أنكر دخولاً يمكن تكوّنه منه ، فحينئذٍ وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه لكن باللعان ينتفي عنه .

(مسألة 7) : إنّما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحة بالعقد الدائم ، وأمّا ولد المتمتّع بها فينتفي بنفيه من دون لعان وإن لم يجز له نفيه لو لم يعلم بالانتفاء . نعم لو علم أ نّه قد دخل بها دخولاً يمكن تكوّن الولد منه أو أقرّ بذلك ومع ذلك قد نفاه ، لم ينتف عنه بنفيه ولم يسمع منه ذلك ، كما هو كذلك في الدائمة ، فالفرق بين الدائمة والمتمتّع بها إنّما هو فيما إذا كانت المرأة تحتها وولدت ولداً ، ولم يعلم دخول الرجل بها دخولاً يمكن تكوّن الولد منه ، ولم يقرّ الزوج بذلك وقد نفاه الزوج واحتمل صدقه وكذبه ، ففي ولد الدائمة لم ينتف عنه إلاّ باللعان ويشرع اللعان لنفيه ، وفي ولد المتمتّع بها ينتفي عنه بمجرّد نفيه بحسب ظاهر الشرع ولا يشرع فيه اللعان .

(مسألة 8) : لا فرق في مشروعية اللعان لنفي الولد بين كونه حملاً أو منفصلاً .

(مسألة 9) : من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد زناً ؛ لاحتمال تكوّنه عن وط ء شبهة أو غيره ، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به

ص: 536


1- - مع عدم ثبوت الدخول لم يشرع اللعان مطلقاً .

وإن جاز له بل وجب عليه نفيه عن نفسه ، لكن لا يجوز له أن يرميها بالزنا وينسب ولدها بكونه ولد زناً .

(مسألة 10) : لو أقرّ بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك ؛ سواء كان إقراره بالصريح أو بالكناية ، مثل أن يبشّر به ويقال له : «بارك اللّه لك في مولودك» فيقول : «آمين» أو «إن شاء اللّه تعالى» بل قيل(1) : إنّه إذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر لم يكن له إنكاره بعد ذلك ، بل نسب ذلك إلى المشهور .

(مسألة 11) : لا يقع اللعان إلاّ عند الحاكم الشرعي أو من نصبه(2) لذلك ، وصورته أن يبدأ الرجل ويقول بعد ما قذفها أو نفى ولدها : «أشهد باللّه إنّي لمن الصادقين فيما قلت من قذفها أو من نفي ولدها» ، يقول ذلك أربع مرّات ، ثمّ يقول مرّة واحدة : «لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين» ، ثمّ تقول المرأة بعد ذلك أربع مرّات : «أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا أو نفي الولد» ، ثمّ تقول مرّة واحدة : «إنّ غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين» .

(مسألة 12) : يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور ، فلو قال أو قالت : «أحلف» أو «أقسم» أو «شهدت» أو «أنا شاهد» أو أبدلا لفظ الجلالة بالرحمان أو بخالق البشر أو بصانع الموجودات أو قال الرجل : «إنّي صادق» أو «لصادق» أو « . . . من الصادقين» من غير ذكر «اللام» أو قالت المرأة : «إنّه لكاذب» أو « . . . كاذب» أو « . . . من الكاذبين» بدون «اللام» لم يقع ، وكذا

ص: 537


1- - والأقوى خلافه .
2- - الأحوط أن لا يقع إلاّ عند الحاكم فقط .

لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب ، والمرأة بالعكس .

(مسألة 13) : يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللعان بعد إلقاء الحاكم إيّاه عليه ، فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع .

(مسألة 14) : يجب أن يكون النطق بالعربية(1) مع القدرة ويجوز بغيرها مع التعذّر .

(مسألة 15) : يجب أن يكونا قائمين عند التلفّظ بألفاظهما الخمسة . وهل يعتبر أن يكونا قائمين معاً عند تلفّظ كلّ منهما أو يكفي قيام كلّ منهما عند تلفّظه بما يخصّه ؟ أحوطهما(2) الأوّل .

(مسألة 16) : إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة : الأوّل : انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما . الثاني : الحرمة الأبدية ، فلا تحلّ له أبداً ولو بعقد جديد . وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان ؛ سواء كان للقذف أو لنفي الولد . الثالث : سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها ، فلو قذفها ثمّ لاعن ونكلت هي عن اللعان تخلّص الرجل عن حدّ القذف وتحدّ المرأة حدّ الزانية ؛ لأنّ لعان الرجل بمنزلة البيّنة في إثبات زنا الزوجة . الرابع : انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه ؛ بمعنى أ نّه لو نفاه وادّعت الزوجة كون الولد له فتلاعنا ، لم يكن توارث بين الرجل والولد فلا يرث كلّ منهما عن الآخر ، وكذا بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالاُبوّة كالجدّ

ص: 538


1- - صحيحة مع القدرة عليها ، وإلاّ أتى بالميسور منها ، ومع التعذّر أتى بغيرها .
2- - بل لا يخلو من قوّة .

والجدّة والأخ والاُخت للأب ، وكذا الأعمام والعمّات ، بخلاف الاُمّ ومن انتسب إليه بها ، حتّى أنّ الإخوة للأب والاُمّ بحكم الإخوة للاُمّ .

(مسألة 17) : إذا كذّب نفسه بعد ما لاعن لنفي الولد ، لحق به الولد فيما عليه لا فيما له ، فيرثه الولد(1) ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به ، وسيجيء تفصيله في كتاب الميراث إن شاء اللّه تعالى .

ص: 539


1- - ولا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره .

كتاب الميراث

اشارة

وهو مشتمل على مقدّمة ومقاصد ولواحق :

أمّا المقدّمة فتشتمل على اُمور :

الأمر الأوّل : في موجبات الإرث وأسبابه على الإجمال ، وهي ثلاثة:

الأوّل : النسب ، وهو ثلاث طبقات مرتّبة ، لا يرث واحد من المرتبة اللاحقة مع وجود وارث من المرتبة السابقة : الطبقة الاُولى وهي صنفان : الأبوان من غير ارتفاع ، والأولاد ذكراً أو اُنثى بلا واسطة أو معها . الطبقة الثانية : وهي أيضاً صنفان : الأجداد والجدّات لأب أو اُمّ وإن علوا ، والإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا ؛ لأب كانوا أو لاُمّ أو لهما . الطبقة الثالثة : الأعمام والعمّات والأخوال والخالات وإن علوا وأولادهم وإن نزلوا(1) ، ويعدّ من في هذه الطبقة كلّهم صنفاً واحداً .

الثاني : الزوجية ، وبها يرث الزوجان كلّ من الآخر .

الثالث : الولاء ، وهو ثلاثة مرتبة : ولاء العتق ، ثمّ ولاء ضامن الجريرة ، ثمّ ولاء الإمامة .

ص: 540


1- - مع صدق الاسم عرفاً .

الأمر الثاني : الوارث إمّا يرث بالفرض وإمّا يرث بالقرابة . والمراد بالفرض هو السهم المقدّر والكسر المعيّن الذي سمّاه اللّه تعالى في كتابه الكريم . والفروض ستّة وأربابها ثلاثة عشر : النصف : لبنت واحدة إذا لم يكن معها ابن(1) ، واُخت واحدة لأبوين أو لأب إذا لم يكن معها أخ كذلك ، والزوج إذا لم يكن للزوجة ولد(2) . والربع : للزوج إذا كان للزوجة ولد ، وللزوجة إذا لم يكن للزوج ولد . والثمن : للزوجة إذا كان للزوج ولد . والثلث : للاُمّ مع عدم الولد للميّت ولا الإخوة بالشرائط الآتية ، وللأخ والاُخت من الاُمّ مع التعدّد . والثلثان : للبنتين فصاعداً مع عدم وجود الابن ، وللاُختين فصاعداً لأبوين أو لأب مع عدم وجود الأخ(3) . والسدس : للأب مع وجود الولد ، وللاُمّ مع الولد أو وجود الإخوة للميّت بالشروط الآتية ، وللأخ أو الاُخت للاُمّ مع عدم التعدّد .

(مسألة 1) : قد ظهر ممّا مرّ : أنّ أهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب لا فرض لهم وإنّما يكون إرثهم بالقرابة ، وأنّ الزوجين وراثتهما بالفرض مطلقاً . وأمّا الطبقة الاُولى والثانية فبعضهم لا فرض له أصلاً كالابن والأخ للأبوين أو لأب ، وبعضهم ذو فرض مطلقاً كالاُمّ ، وبعضهم ذو فرض على حال دون حال كالأب ، فإنّه ذو فرض مع وجود الولد للميّت وليس له فرض مع عدم الولد ، وكالبنت والبنتين ، وكذا الاُخت والاُختان لأب أو أبوين ، فإنّ لهنّ الفرض إذا لم يكن معهنّ ذكر وليس لهنّ فرض إذا كان معهنّ ذكر .

ص: 541


1- - غير ممنوع من الإرث ، وكذا يعتبر هذا الشرط في جميع الطبقات الآتية .
2- - مطلقاً وإن نزل ، وكذا في ولد الزوج في الفرض الآتي ، وكذا في وجود الولد لهما في الفرضين الآتيين .
3- - للأبوين في الفرض الأوّل ، وللأب في الثاني .

(مسألة 2) : ظهر ممّا ذكر : أنّ من كان له فرض على قسمين : أحدهما : من ليس له إلاّ فرض واحد ولا ينقص ولا يزيد فرضه بتبدّل الأحوال ، كالأب فإنّه يكون ذا فرض في صورة وجود الولد ، وفرضه ليس إلاّ السدس مطلقاً ، وكذلك البنت الواحدة والبنتان فصاعداً مع عدم الابن ، وكذا الاُخت والاُختان لأب أو أبوين مع عدم الأخ ، فإنّ فرضهنّ النصف أو الثلثان مطلقاً . وهؤلاء وإن كانوا ذوي فرض على حال دون حال ، إلاّ أنّ فرضهم لا يزيد ولا ينقص بتبدّل الأحوال . وقد يكون من كان له فرض على كلّ حال لا يتغيّر فرضه بتبدّل الأحوال ، وذلك كالأخ أو الاُخت للاُمّ ، فمع الوحدة كان فرضه السدس ، ومع التعدّد الثلث ، ولا يزيد على ذلك ولا ينقص في جميع الأحوال . الثاني : من كان فرضه يتغيّر بتبدّل الأحوال ، كالاُمّ ؛ فإنّ لها الثلث تارة والسدس اُخرى ، وكذا الزوجان فإنّ للزوج نصفاً مع عدم الولد والربع مع وجوده ، وللزوجة الثمن مع وجود الولد والربع مع عدمه .

الأمر الثالث : في موانع الإرث وهي ثلاثة(1) :

الأوّل : الكفر بأصنافه

أصلياً كان أو عن ارتداد ، فلا يرث الكافر من المسلم أصلاً وإن كان قريباً ، وإنّما يختصّ إرثه بالمسلم وإن كان بعيداً ، فلو كان له ابن كافر وللابن ابن مسلم ، يرثه ابن الابن لا الابن ، وكذا لو كان له ابن كافر وأخ أو عمّ أو ابن عمّ مسلم ، يرثه المسلم دونه ، بل وكذا لو لم يكن له وارث من ذوي الأنساب وكان له معتق أو ضامن جريرة مسلم ، يختصّ إرثه بهما دونه ، وإذا لم يكن له وارث مسلم في

ص: 542


1- - هذه هي المشهورة ، وإلاّ فالموانع أكثر منها .

جميع الطبقات من ذوي الأنساب وغيرهم كان ممّن لا وارث له ، واختصّ إرثه بالإمام علیه السلام ولم يرث ابنه الكافر منه شيئاً .

(مسألة 3) : إذا مات الكافر - أصلياً أو مرتدّاً عن فطرة أو ملّة - وله وارث مسلم وكافر ، ورثه المسلم وإن كان بعيداً كالمعتق وضامن الجريرة ، دون الكافر وإن كان قريباً كالأب والابن ، وإن لم يكن له وارث مسلم بل كان جميع ورثته كفّاراً يرثونه على قواعد الإرث ، إلاّ إذا كان مرتدّاً فطرياً أو ملّياً فإنّ ميراثه للإمام علیه السلام دون ورثته الكفّار .

(مسألة 4) : لو مات مسلم أو كافر وكان له وارث كافر ووارث مسلم غير الإمام وأسلم بعد موته وارثه الكافر ، فإن كان وارثه المسلم واحداً(1) اختصّ بالإرث ولم ينفع لمن أسلم إسلامه ، وكذا إن كان متعدّداً وكان إسلام من أسلم بعد قسمة الميراث بينهم ، وأمّا لو أسلم قبل القسمة شاركهم في الإرث إن ساواهم في المرتبة ، واختصّ بالإرث وحجبهم عنه إن تقدّم عليهم ، كما إذا كان ابناً للميّت وهم إخوته .

(مسألة 5) : لو أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض ، كان لكلّ منهما حكمه(2) ، فلم يرث فيما قسّم ، واختصّ بالإرث أو شارك فيما لم يقسّم .

(مسألة 6) : لو مات مسلم عن ورثة كفّار ليس بينهم مسلم فأسلم بعضهم بعد موته ، اختصّ هو بالإرث ولم يرثه الباقون ولم ينته الأمر إلى الإمام علیه السلام ، وكذا

ص: 543


1- - عدا الزوجة ، فإنّ إسلامه ينفع قبل قسمة التركة بين الزوجة والإمام أو نائبه .
2- - الأحوط التصالح .

الحال لو كان الميّت مرتدّاً وخلّف ورثة كفّاراً وأسلم بعضهم بعد موته ، فإنّ الإرث يختصّ به .

(مسألة 7) : لو مات كافر أصلي ولم يخلّف إلاّ ورثة كفّاراً ليس بينهم مسلم فأسلم بعضهم بعد موته ، فالظاهر أ نّه لا أثر لإسلامه وكان الحكم كما قبل إسلامه ، فإن تقدّمت طبقته على طبقة الباقين - كما إذا كان ابناً للميّت وهم إخوته - اختصّ الإرث به ، وإن ساواهم في الطبقة شاركهم ، وإن تأخّرت طبقته - كما إذا كان عمّاً للميّت وهم إخوته - اختصّ الإرث بهم . ويحتمل أن تكون مشاركته مع الباقين في صورة مساواته معهم في الطبقة إنّما هو فيما إذا كان إسلامه بعد قسمة التركة بينه وبينهم ، وأمّا إذا كان قبلها اختصّ الإرث به . وكذا اختصاص الطبقة السابقة بالإرث في صورة تأخّر طبقة من أسلم إنّما هو فيما إذا كان من في الطبقة السابقة واحداً أو متعدّداً وكان إسلام من أسلم بعد قسمة التركة بينهم ، وأمّا إذا كان إسلامه قبل القسمة اختصّ الإرث به .

(مسألة 8) : المراد بالمسلم والكافر - وارثاً ومورّثاً وحاجباً ومحجوباً - أعمّ منهما حقيقة ومستقلاًّ أو حكماً وتبعاً ، فكلّ طفل كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته مسلم حكماً وتبعاً فيلحقه حكمه ، وإن ارتدّ بعد ذلك المتبوع فلا يتبعه الطفل في الارتداد الطارئ ، نعم يتبعه في الإسلام إذا أسلم أحد أبويه قبل بلوغه ، بعد ما كانا كافرين حين انعقاد نطفته . وكلّ طفل كان أبواه معاً كافرين - أصليين أو مرتدّين أو مختلفين - حين انعقاد نطفته بحكم الكافر حتّى يسلم أحدهما قبل بلوغه أو أظهر الإسلام هو بعد بلوغه . فعلى ما ذكرنا لو مات كافر

ص: 544

وله أولاد كفّار وله أطفال أخ مسلم أو اُخت مسلمة ، يرثه تلك الأطفال دون الأولاد ، ولو كان له ابن كافر وطفل ابن مسلم يرثه طفل ابنه دون ابنه ، ولو مات مسلم وله طفل ثمّ مات ذلك الطفل وليس له وارث مسلم في جميع الطبقات كان وارثه الإمام كما هو الحال في الميّت المسلم ، ولو مات طفل بين كافرين وله مال وكان ورثته كلّهم كفّاراً ليس بينهم مسلم ، ورثه الكفّار على ما فرض اللّه دون الإمام . هذا إذا كان أبواه كافرين أصليين ، وأمّا إذا كانا مرتدّين ، فهل لهذا الطفل حكم الكفر الارتدادي حتّى يكون وارثه الإمام ، أو حكم الكافر الأصلي حتّى يرثه ورثته الكفّار ؟ وجهان ، لا يخلو ثانيهما من قوّة .

(مسألة 9) : المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والاُصول والعقائد ، فيرث المحقّ منهم عن مبطلهم وبالعكس ومبطلهم عن مبطلهم . نعم الغلاة والخوارج والنواصب ومن أنكر ضرورياً من ضروريات الدين - كوجوب الصلاة وصوم شهر رمضان - كفّار(1) أو بحكمهم ، فيرث منهم المسلمون وهم لا يرثون منهم .

(مسألة 10) : الكفّار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل ، فيرث النصراني من اليهودي وبالعكس ، بل ويرث الذمّي من الحربي وبالعكس ، لكن يشترط في إرث الكافر من الكافر فقد الوارث المسلم ، فإن وجد - وإن كان بعيداً - يحجب الكافر وإن كان قريباً كما تقدّم تفصيله .

(مسألة 11) : المرتدّ - وهو من خرج عن الإسلام واختار الكفر بعد ما كان

ص: 545


1- - مرّ في كتاب الطهارة ميزان الكفر ، فعدم إرثهم من المسلمين فرع الحكم بكفرهم .

مسلماً - على قسمين : فطري وملّي . والأوّل : من كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته ثمّ أظهر الإسلام بعد بلوغه ثمّ خرج عنه ، والثاني : من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته ثمّ أظهر الكفر بعد البلوغ فصار كافراً أصلياً ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر ، كنصراني أسلم ثمّ عاد إلى نصرانيته .

فالفطري : إن كان رجلاً تبين منه زوجته وينفسخ نكاحها بغير طلاق وتعتدّ عدّة الوفاة ثمّ تتزوّج بالغير إن أرادت ، ويقسّم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميّت ولا ينتظر موته ، ولا تفيد توبته ورجوعه إلى الإسلام في رجوع زوجته وماله إليه . نعم تقبل توبته باطناً على الأقوى ، بل ظاهراً أيضاً بالنسبة إلى بعض الأحكام فيطهر بدنه وتصحّ عباداته ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختيارية كالتجارة والحيازة ، والقهرية كالإرث ، ويجوز له التزويج بالمسلمة ، بل له تجديد العقد على الزوجة السابقة . وإن كان امرأة بقيت أموالها على ملكها ولا تنتقل إلى ورثتها إلاّ بموتها ، وتبين من زوجها المسلم في الحال ، بلا اعتداد إن كانت غير مدخول بها ، ومع الدخول بها ينفسخ نكاحها لكن(1) عليها العدّة ؛ عدّة الطلاق ، فإن تابت وهي في العدّة عادت الزوجية ، وإن لم تتب حتّى انقضت العدّة بانت من زوجها .

وأمّا الملّي ؛ سواء كان رجلاً أو امرأة ، فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلاّ بالموت . وينفسخ النكاح بين المرتدّ وزوجته المسلمة ، وكذا بين المرتدّة وزوجها المسلم

ص: 546


1- - بل يقف الفسخ على انقضاء العدّة ، فإن رجعت قبله كانت زوجته ، وإلاّ انكشف أ نّها بانت من أوّل زمان الارتداد ، وكذا الحكم في ارتداد الزوج عن ملّة وقد مرّ ما ينافي منه في النكاح .

بمجرّد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول ، ومع الاعتداد(1) عدّة الطلاق مع الدخول ، فإن تاب أو تابت قبل انقضاء العدّة عادت الزوجية ، وإلاّ فلا كما عرفت في المرأة المرتدّة عن فطرة .

الثاني من موانع الإرث : القتل

(مسألة 12) : لا يرث القاتل من المقتول إذا كان القتل عمداً ظلماً ، ويرث منه إذا قتله بحقّ كما إذا كان قصاصاً أو حدّاً أو دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو ماله ، وكذا إذا كان خطأ محضاً ، كما إذا رمى إلى طائر فأخطأ وأصاب قريبه فإنّه يرثه ، نعم لا يرث من ديته التي تتحمّلها العاقلة على الأقوى . وأمّا شبه العمد ، وهو ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل ، وكان الفعل ممّا لا يترتّب عليه القتل في العادة - كما إذا ضربه ضرباً خفيفاً للتأديب فأدّى إلى قتله - ففي كونه كالعمد المحض مانعاً عن الإرث أو كالخطأ المحض قولان ، أقواهما أوّلهما(2) خصوصاً إذا كان إيقاع الفعل بغير حقّ ، كما إذا ضربه ضرباً خفيفاً لا للتأديب ، أو كان الضارب من ليس له ولاية التأديب فأدّى إلى قتله .

(مسألة 13) : لا فرق في القتل العمدي الظلمي في مانعيته من الإرث بين ما كان بالمباشرة كما إذا ذبحه أو رماه بالرصاص ، وبين ما كان بالتسبيب كما إذا رماه في مسبعة فافترسه السبع ، أو حبسه في مكان زماناً طويلاً بلا قوت فمات جوعاً ، أو أحضر عنده طعاماً مسموماً بدون علم منه فأكله ، إلى غير ذلك من التسبيبات التي ينسب ويسند معها القتل إلى المسبّب . نعم بعض التسبيبات التي

ص: 547


1- - مرّ حكمه آنفاً وفي كتاب النكاح .
2- - بل ثانيهما .

قد يترتّب عليها التلف ممّا لم ينسب ولم يسند التلف إلى المسبّب - كحفر البئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر وغير ذلك - وإن أوجب الضمان والدية على مسبّبها إذا تلف أحد بسببها - كما هو مذكور في كتابي الغصب والديات - إلاّ أ نّها غير مانعة من الإرث ، فيرث حافر البئر في الطريق عن قريبه الذي وقع ومات فيه .

(مسألة 14) : كما أنّ القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول ، كذلك لا يكون حاجباً عمّن هو دونه في الدرجة ومتأخّر عنه في الطبقة ، فوجوده كالعدم ، فلو قتل شخص أباه وكان له ابن ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل ، ورث ابن القاتل من جدّه ، وكذا إذا انحصر أولاد المقتول في ابنه القاتل وله إخوة كان ميراثه لإخوته دون ابنه ، بل لو لم يكن غير القاتل قريب وكان له معتق أو ضامن جريرة كان ميراثه لهما ، وإن لم يكونا له أيضاً ورثه الإمام .

(مسألة 15) : الدية في حكم مال المقتول يقضى منها ديونه ويخرج منها وصاياه أوّلاً قبل الإرث ، ثمّ يورث الباقي كسائر الأموال ؛ سواء كان القتل عمداً وصالحوا عن القصاص بالدية ، أو كان شبه عمد أو خطأً محضاً . ويرثها كلّ مناسب ومسابب حتّى الزوجين في القتل العمدي وإن لم يكن لهما حقّ القصاص ، لكن إذا وقع الصلح والتراضي بالدية ورثا نصيبهما منها ، نعم لا يرث المتقرّب بالاُمّ وحدها كالأخ والاُخت للاُمّ من الدية شيئاً .

الثالث من الموانع : الرقّ (مسألة 16) : الرقّية مانعة عن الإرث في الوارث والموروث ، فلا يرث الرقّ من الحرّ وكذا العكس ، وإن قلنا بقابلية الرقّ للملك ، فإنّ ملكه بعد موته لمولاه ،

ص: 548

فمن مات وله وارث حرّ ووارث مملوك فالميراث للحرّ وإن كان بعيداً كضامن الجريرة ، دون المملوك وإن كان قريباً كالوالد والولد . وليس يحجب الرقّ من كان تقرّبه بالميّت بسببه ، فلو كان الوارث رقّاً وله ولد حرّ لم يمنع الولد عن الإرث برقّ أبيه ، بل يكون هو الوارث دونه .

(مسألة 17) : لو مات شخص وله وارث مملوك ووارث حرّ فاُعتق المملوك بعد موته ، فإن تعدّد الحرّ وكان عتق المملوك قبل قسمة التركة بين الأحرار ، شاركهم إن ساواهم في المرتبة ، واختصّ بالإرث إن كان أولى وإن كان الحرّ واحداً(1) أو كان عتق المملوك بعد القسمة لم يكن له نصيب .

(مسألة 18) : لو لم يكن له وارث في جميع الطبقات سوى المملوك يشترى من مال الميّت ويعتق ، وإذا بقي شيء يعطى له بعنوان الإرث . وليس لمالكه الامتناع عن بيعه بل يقهر عليه لو امتنع ، بل ليس له الإجحاف والاقتراح في الثمن فيعطى له القيمة العادلة ويؤخذ منه المملوك ويعتق ، والمباشر لذلك هو الحاكم ومع عدمه عدول المؤمنين ، بل غيرهم - أيضاً - مع عدمهم على نحو الوجوب الكفائي .

(مسألة 19) : إذا كان المملوك أباً أو اُمّاً للميّت لا إشكال ولا خلاف في أ نّه يشترى ويعتق ، والظاهر جريان هذا الحكم في كلّ قريب له ، ولا سيّما الأولاد .

(مسألة 20) : إذا لم يفِ التركة بتمام ثمن المملوك ، فالظاهر(2) أ نّه يشترى بها

ص: 549


1- - عدا الزوجة كما مرّ في الإسلام قبل القسمة ، فمع انحصار الوارث بها يكون له نصيبه .
2- - بل لا يشترى ، ويكون المال للإمام عليه السلام .

شقص منه ويعتق ويسعى هو في الباقي . وهنا فروع اُخر لا جدوى في التعرّض بها لقلّة الابتلاء بها .

ويلحق بموانع الإرث اُمور ينبغي أن يذكر في ضمن مسائل:

(مسألة 21) : اللعان الجامع للشرائط إذا وقع بين الزوجين يقطع التوارث بينهما ، وإذا وقع في مقام نفي الولد يقطع التوارث بين الأب والولد ، وكذا التوارث بين الولد وكلّ من تقرّب إليه بواسطة الأب كالجدّ والجدّة للأب والأعمام والعمّات وأولادهم ، فينحصر التوارث بين الولد والاُمّ ، وبينه وبين من تقرّب إليه بالاُمّ كالأخ والاُخت للاُمّ والأخوال والخالات وأولادهم ، حتّى أ نّه لو كان له أخ للأب والاُمّ وأخ للاُمّ كان كمن له أخوان للاُمّ فيرثان بالسويّة . وإن اعترف الأب بعد اللعان بولديته يرثه الولد دون العكس .

(مسألة 22) : الحمل يرث ويورّث إذا انفصل حيّاً وإن مات من ساعته . ويعرف حياته بعد انفصاله قبل موته من ساعته بأن يتحرّك أو يصيح بعد سقوطه ، ولا يشترط ولوج الروح فيه حين موت المورّث ، بل يكفي انعقاد نطفته حينه . فإذا مات أحد وتبيّن الحمل في زوجته بعد موته وكان بحيث يلحق به شرعاً يرثه إذا انفصل حيّاً . ولا يعتبر في وارثيته ومورّثيته الصياح بعد السقوط ؛ بعد ما علم سقوطه حيّاً بالحركة البيّنة وغيرها .

(مسألة 23) : الحمل ما دام حملاً لا يرث ولكن يحجب من كان متأخّراً عنه في المرتبة أو في الطبقة ، فلو كان للميّت حمل وله أحفاد وإخوة يحجبون عن الإرث ، ولم يعطوا شيئاً حتّى يتبيّن الحال ، فإن سقط حيّاً اختصّ بالإرث وإن سقط ميّتاً يرثوا . ولو كان للميّت وارث آخر في مرتبة الحمل وطبقته - كما إذا

ص: 550

كان له أولاد أو أبوان(1) - يعزل للحمل نصيب ذكرين ويعطى الباقي للباقين ، ثمّ بعد تبيّن الحال ، إن سقط ميّتاً يعطى ما عزله للوارث الآخر ، ولو تعدّد وزّع بينهم على ما فرض اللّه ، فلو كان للميّت ابن واحد يعطى الثلث ويعزل للحمل الثلثان ، ولو كانت له بنت واحدة اُعطيت الخمس وعزل للحمل أربعة أخماس ، ولو كان له ابن وبنت تقسّم التركة سبع حصص ؛ تعطى البنت حصّة ويعطى الابن حصّتين وتعزل للحمل أربع حصص نصيب ذكرين .

ص: 551


1- - إذا كان معهما ولد يعطيان كمال نصيبهما ، وإلاّ فيعطيان أقلّه .والحمد للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً قد فرغ من تعليقة كتاب وسيلة النجاةللسيّد الفقيه والحجّة العلاّمة السيّد أبي الحسن الأصبهاني قدس سرهأقلّ الخليقة روح اللّه الموسويّ الخميني ليلة السبت 23 شهر ربيع الثاني1372 الهجرية القمرية

ص: 552

فهرس الموضوعات

كتاب العارية ... 5

كتاب الوديعة ... 11

خاتمة : في الأمانة المالكية والشرعية ... 22

كتاب المضاربة ... 24

كتاب الشركة ... 42

القول : في القسمة ... 49

كتاب المزارعة ... 59

كتاب المساقاة ... 67

كتاب الدين والقرض ... 73

القول : في أحكام الدين ... 73

القول : في القرض ... 79

كتاب الرهن ... 87

كتاب الحجر ... 98

القول : في الصغر ... 98

القول : في السفه ... 102

القول : في المفلّس ... 105

ص: 553

القول : في المرض ... 111

كتاب الضمان ... 115

كتاب الحوالة والكفالة ... 122

القول : في الكفالة ... 126

كتاب الوكالة ... 131

كتاب الإقرار ... 144

كتاب الهبة ... 153

كتاب الوقف وأخواته ... 160

خاتمة وهي تشتمل على أمرين : ... 191

القول : في الحبس وأخواته ... 191

القول : في الصدقة ... 194

كتاب الوصيّة ... 198

كتاب الأيمان والنذور ... 221

القول : في اليمين ... 221

القول : في النذر والعهد ... 229

القول : في العهد ... 238

كتاب الكفّارات ... 240

القول : في أقسام الكفّارات ... 240

القول : في أحكام الكفّارات ... 242

كتاب الصيد والذباحة ... 252

القول : في الصيد ... 252

القول : في الذباحة ... 265

ص: 554

كتاب الأطعمة والأشربة ... 276

القول : في الحيوان ... 276

القول : في غير الحيوان ... 285

خاتمة: في بعض الآداب المتعلّقة بالأكل والشرب ... 299

كتاب الغصب ... 304

كتاب إحياء الموات والمشتركات ... 333

القول : في إحياء الموات ... 333

القول : في المشتركات ... 349

كتاب اللقطة ... 364

القول : في لقطة الحيوان ... 364

القول : في لقطة غير الحيوان ... 367

خاتمة ... 379

كتاب النكاح ... 382

فصل : في عقد النكاح وأحكامه ... 393

فصل : في أولياء العقد ... 403

فصل : في أسباب التحريم ... 413

القول : في النسب ... 414

القول : في الرضاع ... 416

القول : في المصاهرة وما يلحق بها ... 428

القول : في النكاح في العدّة وتكميل العدد ... 435

القول : في الكفر ... 439

القول : في النكاح المنقطع ... 444

ص: 555

القول : في نكاح العبيد والإماء ... 448

القول : في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس ... 451

فصل : في المهر ... 457

خاتمة : في الشروط المذكورة في عقد النكاح ... 464

فصل : في القسم والنشوز والشقاق ... 465

القول : في النشوز ... 467

فصل : في أحكام الأولاد والولادة ... 470

القول : في أحكام الولادة وما يلحق بها ... 472

فصل : في النفقات ... 478

القول : في نفقة الأقارب ... 485

كتاب الطلاق ... 492

القول : في شروط الطلاق ... 492

القول : في الصيغة ... 497

القول : في أقسام الطلاق ... 500

القول : في العدد ... 504

فصل : في عدّة الفراق ... 504

القول : في عدّة الوفاة ... 509

القول : في عدّة وط ء الشبهة ... 516

القول : في الرجعة ... 520

كتاب الخلع والمباراة ... 523

كتاب الظهار والإيلاء واللعان ... 530

القول : في الظهار ... 530

ص: 556

القول : في الإيلاء ... 532

القول : في اللعان ... 534

كتاب الميراث ... 540

وهو مشتمل على مقدّمة ومقاصد ولواحق :

أمّا المقدّمة فتشتمل على اُمور : ... 540

الأمر الأوّل : في موجبات الإرث ... 540

الأمر الثاني : في أنّ الوارث إمّا يرث بالفرض وإمّا يرث بالقرابة ... 541

الأمر الثالث : في موانع الإرث ... 542

ص: 557

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.