مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: اصفهاني، محمدتقي، 1308 - 1262

عنوان و نام پديدآور : مکیال المکارم في فوائد الدعاآ للقائم علیه السلام المجلد 2/ تالیف محمدتقي الموسوي الإصفهاني؛ التحقیق و النشر موسسة الامام المهدي علیه السلام

مشخصات نشر : قم: موسسة الإمام المهدي (عج): حبل المتین، 1422ق. = - 1380.

ISBN : 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-5-2(ج.1)

ملاحظة: عربي

ملاحظة: الإصدار السابق: بدر، 1374

بطاقة تعريف: الإصفهاني، محمد تقي، 1308 - 1262

عنوان و نام پديدآور : مکیال المکارم في فوائد الدعاآ للقائم علیه السلام المجلد 2/ تالیف محمدتقي الموسوي الاصفهاني «فَقيهَ أحمَدَ آبَادي»؛ التحقیق و النشر موسسة الامام المهدي علیه السلام

مشخصات نشر : قم: موسسة الامام المهدي (عج): حبل المتین، 1422ق. = - 1380.

ISBN : 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-5-2(ج.1)

ملاحظة: عربي

ملاحظة: الإصدار السابق: بدر، 1374

ملاحظة : ج. 1422 2ق. = 40000 :1380 ریال

ملحوظة: فهرس

الموضوع: مهدويت - انتظار

صلاة

محمدبن حسن (عج)، الإمام الثاني عشر، 255ق. - .

المعرف المضاف: المدرسة الامام المهدي (عج). موسسة الامام المهدي

ترتيب الكونجرس: BP224/الف6م7 1380

تصنيف ديوي: 297/462

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 80-24881

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرّر: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

اشارة

مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام

تأليف العلامة آية اللّه الحاج میرزا محمد تقي الموسوي الإصفهاني

«الفقيه الأحمدآبادي»

ص: 2

الصورة

تمثال المؤلف

الكتاب: مكیال المكارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام.

المؤلف : السيد محمد تقي الموسوي الإصفهاني «الفقيه الأحمدآبادي» .

التحقيق والنشر: مؤسسة الإمام المهدي علیه السلام - قم .

الطبعة الخامسة : سنة 1422 ه تمتاز بتحقیق جدید .

المطبعة: أنصار المهدي عجل اللّه فرجه الشريف .

الكمية:2000 نسخة .

الناشر: مؤسسة الإمام المهدي .

شابك (الدورة): 4 - 4 - 93692 - 996.

شابك (ج2): 5-9-93692 - 996.

حقوق الطبع كلها محفوظة لمؤسسة الإمام المهدي علیه السلام - قم المقدسة

خيرانديش ديجيتال: مركز خدمة مدرسة اصفهان

محرّر: محمّد علي ملك محمّد

ص: 3

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ

ص: 4

بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

ص: 5

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين

وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين

ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 6

الباب السادس: في ذكر الأوقات والحالات التي يتاكد فيها الدعاء لمولانا الغائب عن الأبصار ومسالة تعجیل فرجه من خالق الليل والنهار وما يشهد لذلك من الآيات، والأخبار، ودليل العقل والإعتبار

اشارة

«من كتاب مكیال المكارم»

في ذكر الأوقات والحالات التي يتاكد فيها الدعاء لمولانا الغائب عن الأبصار ومسألة تعجیل فرجه من خالق الليل والنهار، وما يشهد لذلك من الآيات والأخبار ودليل العقل والإعتبار :

1- بعد كلّ فريضة

فمنها : بعد كل فريضة، ويشهد لذلك ذكر الدعاء لذلك الأمر في أدعية عديدة مأثورة عن الأئمة الطاهرين: .

1042- منها: ما روي في أصول الكافي مرسلا عن أبي جعفر الثاني علیه السلام ، قال : إذا انصرفت من صلاة مكتوبة، فقل:

«رَضِیتُ بِاللَّهِ رَبّاً، وَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ نَبِیّاً، وَ بِالْإِسْلاَمِ دِیناً، وَ بِالْقُرْآنِ كِتَاباً، وَ بِ«فُلَانٍ وَفُلَانٍ»(1) أَئِمَّهً، اَللَّهُمَّ وَلِیُّكَ «فُلاَنٌ» فَاحْفَظْهُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ، وَ عَنْ یَمِینِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَ مِنْ فَوْقِهِ وَ مِنْ تَحْتِهِ وَ اُمْدُدْ لَهُ فِی عُمُرِهِ وَ اِجْعَلْهُ اَلْقَائِمَ بِأَمْرِكَ، وَ اَلْمُنْتَصِرَ لِدِینِكَ وَ أَرِهِ مَا یُحِبُّ وَ تَقَرُّ بِهِ عَیْنُهُ فِی نَفْسِهِ

ص: 7


1- أقول: «فلان وفلان» كناية عن الأئمّة الماضين علیهم السلام .

وَ ذُرِّیَّتِهِ وَ فِی أَهْلِهِ وَ مَالِهِ، وَ فِی شِیعَتِهِ وَ فِی عَدُوِّهِ، وَ أَرِهِمْ مِنْهُ مَا یَحْذَرُونَ، وَ أَرِهِ فِیهِمْ مَا یُحِبُّ وَ تَقَرُّ بِهِ عَیْنُهُ، وَ اِشْفِ صُدُورَنَا، وَ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ».الكافي : 2/ 548 ضمن ح6، عنه البحار : 186/86 ح48.

1043- ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه: عنه علیه السلام مرسلا وهذا لفظه :

وقال علیه السلام : إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل :

«رَضیتُ بِاللّهِ رَبّاً،وبِالإِسلامِ دیناً،وبِالقُرآنِ كِتاباً،وبِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللّهُ عَلَیهِ وآلِهِ نَبِیّاً،وبِعَلِیٍّ وَلِیّاً ، والْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَليِّ بْنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالحُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، أَئِمَّةً.

اللّهُمَّ وَلِیَّكَ الحُجَّهَ فَاحْفَظْهُ مِنْ بَینِ یَدَیهِ، وَمِنْ خَلفِهِ، وَعَنْ یَمِینِهِ، وَعَنْ شِمالِهِ، وَمِنْ فَوقِهِ، وَمِنْ تَحتِهِ. وَامْدُدْ لَهُ فی عُمرِهِ، وَاجْعَلْهُ القائِمَ بِأمرِكَ، المُنتَصِرَ لِدِینِكَ. وَأرِهِ ما یُحِبُّ وَتَقِرُّ بِهِ عَینُهُ فی نَفسِهِ، وَفی ذُرِّیَّتِهِ وَأهلِهِ وَمالِهِ، وَفی شِیعَتِهِ، وَفی عَدُوِّهِ؛ وَأرِهِمْ مِنهُ ما یَحذَرُونَ، وَأرِهِ فِیهِم ما یُحِبُّ وَتَقِرُّ بِهِ عَینُهُ، وَاشْفِ بِهِ صُدورَنا وَصُدورَ قَومٍ مُؤمِنینَ».

(1)

وقوله : اللّهمّ وليّك فلان كناية عن مولانا صاحب الزمان،

وقد صرح الصدوق (رحمة اللّه علیه) بأسمائهم الشريفة في روايته، وهذا الحديث يدلّ على تأكّد الدعاء الفرج مولانا الحجّة، بعد كلّ صلاة مكتوبة .

1044- ويشهد لذلك أيضاً : ما روي في البحار، نقلاً من كتاب الإختيار للسيّد بن الباقي : عن الصادق علیه السلام أنّه قال :

من قرأ بعد كلّ فريضة هذا الدعاء فإنّه يرى الإمام «م ح م د» بن الحسن، عليه وعلى آبائه السلام، في اليقظة أو في المنام :

ص: 8


1- الفقيه : 327/1 ح 960، وأوردناه في الصحيفة الرضويّة الجامعة : 156 د: 39.

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، اَللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا صَاحِبَ الزَّمَانِ أَيْنَمَا كَانَ وَحَيْثُمَا كَانَ، مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا، عَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ، وَعَنْ وُلْدِي وَإِخْوَانِي التَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَ، عَدَدَ خَلْقِ اللَّهِ وَزِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ، وَمَا أَحْصَاهُ كِتَابُهُ، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ

اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ هَذَا الْيَوْمِ وَمَا عِشْتُ فِيهِ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لَا أَحُولُ عَنْهَا وَلَا أَزُولُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَنُصَّارِهِ الذَّابِّينَ عَنْهُ، وَالْمُمْتَثِلِينَ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ فِي أَيَّامِهِ، وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ

اللَّهُمَّ فَإِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي، شَاهِراً سَيْفِي، مُجَرِّداً قَنَاتِي، مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الْحَاضِرِ وَالْبَادِي، اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ، وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ بَصَرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ، وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ

اللَّهُمَّ اشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ ظَهْرَهُ، وَطَوِّلْ عُمُرَهُ، اللَّهُمَّ اعْمُرْ بِهِ بِلَادَكَ، وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ، وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ، الْمُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَا يَظْفَرَ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْبَاطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ، وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيُحَقِّقُهُ،

اللَّهُمَّ اكْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِظُهُورِهِ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ».(1)

أقول: سيأتي نظير هذا الدعاء في الباب الثامن إن شاء اللّه تعالی .

ص: 9


1- الإختيار للسيّد بن الباقي : مخطوط، رواه عنه البحار : 61/86 ح69 وأوردناه في الصحيفة الصادقيّة الجامعة : ص703 د: 1069.

1045- وممّا يشهد لتأكّد الدعاء لفرجه علیه السلام بعد كلِّ من الفرائض اليوميّة أيضاً ما روي في مكارم الأخلاق قال :

روي أنّ من دعا بهذا الدعاء عقيب كلّ فريضة، وواظب على ذلك، عاش حتّى يملّ الحياة، ويتشرّف بلقاء صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه وهو :

«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، اَللَّهُمَّ إِنَّ رَسُولَكَ الصّادِقَ المُصَدَّقَ صَلَواتُكَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قالَ: إِنَّكَ قُلْتَ: «مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَي ءٍ أَنَا فاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِيَ المُؤْمِنِ یَكْرَهُ المَوْتَ وَ أَنَا أَكْرَهُ مَسآئَتَهُ.

اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَ عَجِّلْ لِأَولِیَائِكَ الفَرَجَ، وَ النَّصْرَ وَ العافِیَةَ، وَ لا تَسُؤْنِی فِی نَفْسِی، وَلَا فِي ««فلان»، و تذكر من شئت»(1).

أقول: وروى العلّامة المجلسي (رحمة اللّه علیه) في صلاة البحار نقلاً عن كتاب فلاح السائل، للعالم الربّاني السيّد عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) قال :

ومن المهمّات لمن يريد طول البقاء، أن يكون من تعقيبه بعد كلّ صلاة :

1046- ما رواه أبو محمد هارون بن موسی (رحمة اللّه علیه)، عن أبي الحسن عليّ بن محمّد بن يعقوب العجليّ الكسائيّ، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن جعفر ابن محمّد بن حكیم، عن جميل بن درّاج، قال :

دخل رجل إلى أبي عبداللّه علیه السلام ، فقال له: يا سيّدي، عَلَت سنّي ومات أقاربي، وأنا خائف أن يدركني الموت وليس لي من آنس به، وأرجع إليه .

فقال علیه السلام له: إنّ من إخوانك المؤمنين من هو أقرب نسباً أو سبباً وأنسك به خير من اُنسك بقريب، ومع هذا فعليك بالدعاء، وأن تقول عقيب كلّ صلاة :

«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ إِنَّ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: إِنَّكَ قُلْتَ:

ص: 10


1- مكارم الاخلاق : 298، عنه البحار : 8/86 ذح7، وفيه شرح مبسوط ذيل الحديث في معنى التردد الوارد في الخبر، فراجع.

«مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْ ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي فَوْتِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَ أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ»

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ لِوَليِّكَ الْفَرَجَ، وَالْعافِیَةَ وَالنَّصْرَ، وَلا تَسُؤْني في نَفْسي، وَلا في اَحَدٍ مِنْ اَحِبَّتي، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُسَمِّیَهُمْ وَاحِداً وَاحِداً فَافْعَلْ وَ إِنْ شِئْتَ مُتَفَرِّقِینَ وَ إِنْ شِئْتَ مُجْتَمِعِینَ».(1)

قال الرجل : واللّه لقد عشت حتّی سئمت الحياة .

قال أبو محمّد هارون بن موسی (رحمة اللّه علیه) : إنّ محمّد بن الحسن بن شمّون البصري كان يدعو بهذا الدعاء ، فعاش مائة وثمان وعشرين سنة في خفض، إلى أن ملّ الحياة، فتركه فمات رحمه اللّه تعالى . (2)

1047- وروى المجلسي أيضاً نقلاً عن دعوات الراونديّ والمكارم ومصباح الشيخ وجنّة الأمان والبلد الأمين، بهذا اللفظ : روي أنّه من دعا بهذا الدعاء عقيب كلّ فريضة، وواظب على ذلك عاش حتّى يملّ الحياة . (3)

أقول: قد ذكرنا في المكرمة الثامنة والعشرين من الباب السابق وجه كون هذا الدعاء سؤالاً لتعجيل فرج مولانا الحجة علیه السلام ، وبيّنّا ما سنح بالبال من الحجّة .(4)

إيضاح : قوله: ما ترددت في شيء أنا فاعله ... (إلخ).

فقد ورد مثله في روايات عديدة مروية في أصول الكافي وغيره .(5)

قال الشيخ البهائيّ (رحمة اللّه علیه) في شرح الأربعين : ما تضمّنه هذا الحديث من نسبة التردّد إليه سبحانه يحتاج إلى التأويل، وفيه وجوه:

ص: 11


1- فلاح السائل : 303 ح 36، عنه البحار : 7/86 ح7، والمستدرك : 5/ 74 ح9 أوردناه في الصحيفة الصادقيّة الجامعة: ص 557 د: 759.
2- فلاح السائل : 303 ح 36، عنه البحار : 7/86 ح7، والمستدرك : 5/ 74 ح9 أوردناه في الصحيفة الصادقيّة الجامعة: ص 557 د: 759.
3- الجنّة الواقية : 34، مصباح المتهجّد: 51، الدعوات: ح329، البلد الأمين : 69، عنهما البحار : 8/86 س5.
4- تقدم ج1/ 500 ح837.
5- الكافي : 2/ 246 ح و 352 ح 7و8 و 354 ح 11.

الأوّل : أنّ في الكلام إضماراً، والتقدير : لو جاز علىَّ التردّد ما تردّدت في شيء كتردّدي في وفاة المؤمن.

الثاني : أنّه لمّا جرت العادة بأن يتردّد الشخص في مساءة من يحترمه ، ويوقره كالصديق الوفيّ، والخلّ الصفيّ، وأن لا يتردّد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة، كالعدوّ، والحيّة، والعقرب، بل إذا خطر بالبال مساءته أوقعها من غير تردّد ولاتأمّل، صحّ أن يعبّر بالتردّد والتأمّل في مساءة الشخص عن توقيره واحترامه، وبعد مهما عن إذلاله واحتقاره.

قوله سبحانه: ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في وفاة المؤمن المراد به . واللّه أعلم - ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيليّة .

الثالث : أنّه قد ورد في الحديث من طرق الخاصّة(1) والعامّة :

أنّ اللّه سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الإحتضار من اللطف، والكرامة ، والبشارة بالجنّة ما يزيل عنه كراهة الموت، ويوجب رغبته في الإنتقال إلى دار القرار، فيقلّ تأذّیه به، ويصير راضياً بنزوله، راغباً في حصوله، فأشبهت هذه

المعاملة ، معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألماً يتعقّبه نفع عظيم، فهو يتردّد في أنّه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقلّ تأذّيه به، فلا يزال يظهر له ما يرغّبه فيما يتعقّبه من اللذّة الجسميّة، والراحة العظيمة، إلى أن يتلقّاه بالقبول، ويعدّه

من الغنائم المؤدّية إلى إدراك المأمول. إنتهى كلامه رفع مقامه .(2)

1048- ويدل على المقصود أيضاً ماروي في كتاب جمال الصحالين عن مولانا الصادق علیه السلام أنّه قال :

إنّ من حقوقنا على شيعتنا أن يضعوا بعد كلّ فريضة أيديهم على أذقانهم ويقولوا ثلاث مرّات:

ص: 12


1- البحار : 207/8 ح205.
2- البحار : 8/86 س11.

«یَا رَبَّ مُحَمَّدٍ، عَجِّلْ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ، یَا رَبَّ مُحَمَّدٍ، حْفِظْ غَیْبَةَ مُحَمَّدٍ، یا رَبّ مُحَمَّدٍ، إنْتَقِمْ لإبْنَةِ مُحَمَّدٍ علیها السلام».(1)

واعلم أنّه قد ذكر فضل الدعاء المذكور بالفارسيّة وقد نقلته إلى العربيّة.

تتميم نفعه عميم: إذا عرفت ما يدلّ على المقصود من الأخبار المرويّة عن الأئمة الأطهار علیهم السلام فاعلم أنّ السرّ في ذلك أنّ حقيقة العبادة وأصلها وشرط قبولها هو معرفة الإمام، والتولّي له، فينبغي للمؤمن أن يظهر حقيقة إيمانه، وصدق ولايته لمولاه، بعد كلّ صلاة بالدعاء له، ومسألة فرجه من اللّه عزّ وجلّ حتّى تقترن صلاته بما يكون سبباً لقبوله، ويدلّ على ذلك ما رويناه في الباب الأوّل والخامس، ويأتي في الباب الثامن، مضافاً إلى الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(2) .

وفي قوله تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)(3) وغيرهما ممّا يتعسّر أو يتعذّر جمعها، وضبطها من الأخبار الكثيرة،

وكذا الحال في الصوم، والحجّ، وسائر العبادات، ولذا وردت الصلاة على محمد وآله علیهم السلام ، والدعاء لفرج مولانا علیه السلام في أيّام شهر رمضان ولياليه .(4)

1049- ويعجبني هنا ذكر حدیث شریف مروي في تفسير البرهان، في تفسير قوله تعالى : ((أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)

بإسناده عن أبي جعفر الباقر علیهم السلام ، قال : نحن جنب اللّه، ونحن صفوة اللّه، ونحن خيرة اللّه، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أمناء اللّه عزّ وجلّ، ونحن حجج اللّه، ونحن حبل اللّه، ونحن رحمة اللّه على خلقه، ونحن الّذين

بنا يفتح اللّه ربنا يختم، ونحن أئمّة الهدى، ونحن مصابيح الدجى، ونحن منار الهدى، ونحن العلم المعروف(5) لاهل الدنيا، ونحن السابقون، ونحن

ص: 13


1- 142، أوردناه في الصحيفة الصادقيّة : د: 1077.
2- المائدة : 3.
3- الزمر: 56.
4- راجع إقبال الأعمال : 1/ 138، دعاء الافتتاح و ص 191.
5- المرفوع، خ.

الآخرون، من تمسّك بنا لحق، ومن تخلّف عنّا غرق.

ونحن قادة الغرّ المحجّلين، ونحن حرم اللّه، ونحن الطريق والصراط المستقيم إلى اللّه عزّوجلّ، ونحن من نعم اللّه على خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوّة، ونحن موضع الرسالة .

ونحن أصول الدين، وإلينا تختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنّة، ونحن عری الإسلام، ونحن الجسور، ونحن القناطر، من مضى علينا سبق، ومن تخلّف عنّا محق، ونحن السنام الأعظم، ونحن الّذين بنا تنزل الرحمة، وبنا تسقون الغيث، ونحن الّذين بنا يصرف اللّه عزّ وجلّ عنكم العذاب،

فمن أبصرنا وعرفنا، وعرف حقّنا، وأخذ بأمرنا، فهو منّا وإلينا.(1)

تكمیل :

وقد اختلج بالبال سرّ آخر، لتأكّد الدعاء في حقّه في تلك الحال وهو أنّه :

1050- قد ورد في عدّة من الروايات : أنّ لكلّ مؤمن بعد كلّ صلاة فريضة دعوة مستجابة - وهي مذكورة في الوسائل، وغيره -(2)

فينبغي للمؤمن الكامل الّذي يكون مولاه في نظره أعزّ من نفسه، ومن أعزّ أهله، أن يجعل ذلك الدعاء في حقّه.

2- بعد خصوص صلاة الظهر

ومن الأوقات الّتي يتأكّد فيها الدعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه ، بعد خصوص صلاة الظهر، ويدلّ على ذلك ويشهد له:

1051- ما روي في البحار، والمستدرك، وجمال الصالحين، عن الصادق علیه السلام : أنّ من قال بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة الظهر :

اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم، لم يمت حتّى يدرك

ص: 14


1- أمالي الطوسي : 654 ح ، عنه البرهان : 4/ 720 ح 11.
2- الوسائل : 4/ 1013 باب 1 وفيه خمسة عشر أحاديث.

القائم من آل محمد علیهم السلام وقد مرّ في الباب السابق أيضاً .(1)

ويدلّ على ذلك أيضاً ما روي في صلاة البحار، نقلاً عن كتاب فلاح السائل للسيد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه)؛

قال السيد (رحمة اللّه علیه): من المهمّات عقيب صلاة الظهر الإقتداء بالصادق علیه السلام في الدعاء للمهدي علیه السلام الّذي بشّر به محمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم أمّته في صحيح الروايات ووعدهم أنّه يظهر في أواخر الأوقات.

1052- كما رواه محمّد بن وهبان الدبيلي، عن أبي عليّ محمّد بن الحسن ابن محمّد بن جمهور العميّ، عن أبيه، عن أبيه محمّد بن جمهور، عن أحمد ابن الحسين السكّري، عن عباد بن محمّد المدائني ، قال :

دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول:

«أَيْ سَامِعَ كُلِّ صَوْتٍ، أَيْ جَامِعَ كُلِّ فَوْتٍ، أَيْ بَارِئَ كُلِّ نَفْسٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَيْ بَاعِثُ، أَيْ وَارِثُ، أَيْ سَيِّدَ السَّادَاتِ، أَيْ إِلَهَ الْآلِهَةِ، أَيْ جَبَّارَ الْجَبَابِرَةِ، أَيْ مَلِكَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، أَيْ رَبَّ الْأَرْبَابِ، أَيْ مَلِكَ الْمُلُوكِ، أَيْ بَطَّاشُ، أَيْ ذَا الْبَطْشِ الشَّدِيدِ، أَيْ فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ، أَيْ مُحْصِيَ عَدَدِ الْأَنْفَاسِ وَ نَقْلِ الْأَقْدَامِ، أَيْ مَنِ السِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ، أَيْ مُبْدِئُ، أَيْ مُعِيدُ

أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ عَلَى خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَ بِحَقِّهِمُ الَّذِي أَوْجَبْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ السَّاعَةَ بِفَكَاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، وَ أَنْجِزْ - لِوَلِيِّكَ وَ ابْنِ نَبِيِّكَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ بِإِذْنِكَ، وَ أَمِينِكَ فِي خَلْقِكَ وَ عَيْنِكَ فِي عِبَادِكَ، وَ حُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، عَلَيْهِ صَلَوَاتُكَ وَ بَرَكَاتُكَ - وَعْدَهُ

ص: 15


1- الجنّة الواقيّة : 65 هامش 3، عنه البحار : 77/86 ح11، والمستدرك : 96/5 ح 5، أوردناه في الصحيفة الصادقية : د: 483، وتقدّم ج1/ ٤57 ح 77٤.

اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِنَصْرِكَ، وَ انْصُرْ عَبْدَكَ، وَ قَوِّ أَصْحَابَهُ، وَ صَبِّرْهُمْ، وَ افْتَحْ لَهُمْ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَ عَجِّلْ فَرَجَهُ، وَ أَمْكِنْهُ مِنْ أَعْدَائِكَ وَ أَعْدَاءِ رَسُولِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1)

قلت : أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟

قال : قد دعوت لنور آل محمّد، وسابقهم، والمنتقم بأمر اللّه من أعدائهم.

قلت : متى يكون خروجه، جعلني اللّه فداك؟

قال علیه السلام : إذا شاء من له الخلق والأمر.

قلت : فله علامة قبل ذلك؟

قال علیه السلام : نعم، علامات شتّى، قلت: مثل ماذا؟ قال : خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظلّ أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمّي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت، ويفعل اللّه ما يشاء، إنتهی .(1)

قال العلامة المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في البحار : نقلاً عن مصباح الشيخ، والبلد الأمين، وجنّة الأمان، والإختيار : ممّا يختصّ عقيب الظهر : يا سامع كلّ صوت، «إلى آخر الدعاء»، وفي الجميع «یا» مكان «أي» في المواضع كلّها.

إنتهى كلامه، رفع في الخلد مقامه .(2)

أقول: سند الحديث وإن كان ضعيفة بحسب الإصطلاح، لكن لا بأس به بمقتضى قاعدة التسامح، المقرّرة المثبتة في أُصول الفقه ، ولذلك عوّل عليه مشایخ علمائنا الّذين عرفت أسماءهم الشريفة ، رحمهم اللّه تعالى .

وكيف كان، فيستفاد منه ومن الدعاء المذكور أمور : الأوّل : استحباب الدعاء في حقّ الحجّة علیه السلام ، ومسألة تعجیل فرجه بعد صلاة الظهر .

ص: 16


1- فلاح السائل : 309 ح 209، عنه البحار : 62/86 ح 1، والمستدرك : 5/ 93 ، أوردناه في الصحيفة الصادقيّة : د: 783.
2- المتهجّد: 60، الجنّة الواقية : 32، البلد الأمين : 27، عنهما البحار : 63/86 ذح 1 .

الثاني: استحباب رفع اليدين حال الدعاء علیه السلام .

الثالث : استحباب الإستشفاع بهم، والمسألة بحقّهم، قبل طلب الحاجة .

الرابع : استحباب تقديم التحميد والثناء على اللّه عزّ وجلّ.

الخامس: استحباب تقديم الصلاة على محمّد وآله علیهم السلام على طلب الحاجة

السادس : تطهير النفس من الذنوب بالإستغفار ونحوه، ليكون نقيّاً مستعدّاً للإجابة ، يدلّ على ذلك طلبه المغفرة، وفكاك الرقبة من النار .

وأمّا توجيه طلبهم علیهم السلام ذلك، مع أنّهم مطهّرون معصومون إجماعاً، وعقلاً ونقلاً ، فقد قيل فيه وجوه ليس هنا محلّ ذكرها .(1)

السابع : أنّ المراد بالوليّ المطلق في ألسنتهم ودعواتهم هو مولانا صاحب الزمان علیه السلام ، وقد مرّ في الباب الخامس ما يدلّ عليه، ويأتي ما يدلّ عليه أيضاً.

الثامن : استحباب الدعاء في حقّ أصحابه وأنصاره.

التاسع : كون الإمام شاهداً على أعمال العباد، مبصراً لهم ولافعالهم، في كلّ حال، يدلّ عليه قوله : وعينك في عبادك ، وقد مرّ ما يدلّ عليه أيضاً.

العاشر : أن من ألقاب مولانا الحجّة علیه السلام : نور آل محمّد،

وقد ورد في الروايات ما يشهد لذلك، وقد ذكر المحقّق النوري (رحمة اللّه علیه) بعضها في كتابه المسمّى بالنجم الثاقب (2).

الحادي عشر: كونه أفضل من سائر الأئمّة علیهم السلام بعد أمير المؤمنین، والحسنین صلوات اللّه عليهم أجمعين، ويؤيّده بعض الروايات أيضاً.(3)

الثاني عشر : أنّ اللّه عزّ اسمه قد ادّخره واخّره للإنتقام من أعدائه واعداء رسوله، والروايات بذلك متواترة.

الثالث عشر: أنّ زمان ظهوره من الأمور الخفيّة الّتي اقتضت المصلحة

ص: 17


1- راجع إلى البحار : 191/25 باب عصمتهم ولزوم عصمة الإمام علیه السلام.
2- 76.
3- راجع إلى البحار: 36/ 373 وفيه : تاسعهم قائمهم وهو أفضلهم.

الإلهيّة إخفاءَها، وقد تواترت الروايات في ذلك أيضاً.

الرابع عشر : أنّ تلك العلامات المذكورة ليست من العلائم المحتومة، لقوله علیه السلام في آخر الكلام ويفعل اللّه ما يشاء.

3- بعد صلاة العصر

ومن الأوقات المؤكّدة لذلك بالخصوص بعد صلاة العصر ويدلّ على ذلك :

1053- ما روي في فلاح السائل للسيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) قال :

ومن المهمّات بعد صلاة العصر الإقتداء بمولانا موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام في الدعاء لمولانا المهدي صلوات اللّه عليه كما رواه محمّد بن بشير الأزدي عن أحمد بن عمر الكاتب، عن الحسن بن محمّد بن جمهور العمّي، عن أبيه محمّد ابن جمهور، عن يحيى بن الفضل النوفلي، قال:

دخلت على أبي الحسن موسی بن جعفر علیه السلام ببغداد، حين فرغ من صلاة العصر فرفع يديه إلى السماء، وسمعته يقول:

«أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، اِلَيْكَ زِيَادَةُ الْأَشْيَاءِ وَنُقْصَانُهَا، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَ الْخَلْقَ بِغَيْرِ مَعُونَةٍ مِن غَيرِكَ، وَلَاحَاجَةٍ إِلَيْهِمْ ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، مِنكَ الْمَشِيَّةُ، وَإِلَيْكَ الْبَدْءُ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ قَبْلَ الْقَبْلِ وَخَالِقُ الْقَبْلِ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ بَعْدَ البَعْدِ وَخَالِقُ البَعْدِ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، غَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ وَوَارِثُهُ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، لَايَعْزُبُ عَنْكَ الدَّقيقُ وَلَاالْجَلِيلُ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، لَاتَخْفَى عَلَيْكَ اللُّغَاتُ، وَلَا تَتَشَابَهُ عَلَيْكَ الْأَصْواتُ، كُلُّ يَوْمٍ أَنْتَ فِي شَأْنٍ، لَا يَشْغَلُكَ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَأَخْفَي، دَيَّانُ يَوْمِ الدِّينِ، مُدَبِّرُ الْأُمُورِ، بَاعِثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، مُحْيِ الْعِظَامِ وَهِيَ رَمِيمٌ

ص: 18

اَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَكْنُونِ الْمَخْزُونِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، الَّذِي لَايَخِيبُ مِنْ سَأَلَكَ بِهِ: أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ الْمُنْتَقِمِ لَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ، وَأَنْجِزْ لَهُ مَا وَعَدْتَهُ، يَاذَا الْجَلَالِ وَالْاِكْرَامِ».(1)

قال : قلت : من المدعوّ له؟ قال علیه السلام : ذاك المهديّ من آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم .

ثمّ قال علیه السلام : بأبي المنتدح البطن، المقرون الحاجبين، أحمش الساقين ، بعيد ما بين المنكبين، أسمر اللون، يعتاره مع سمرته صفرة من سهر الليل،

بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً وراكعاً،

بأبي من لايأخذه في اللّه لومة لائم، مصباح الدجی، بأبي القائم بأمر اللّه .

قلت : متى خروجه؟ قال : إذا رأيت العساكر بالأنبار على شاطئ الفرات والصراة، ودجلة، وهدم قنطرة الكوفة، وإحراق بعض بيوتات الكوفة، فإذا رأيت ذلك فإنّ اللّه يفعل ما يشاء، لا غالب لأمر اللّه، ولا معقّب لحكمه . (2)

4- بعد صلاة الصبح

ومنها : بعد صلاة الصبح ويدلّ على ذلك مضافاً إلى ما مرّ بعد صلاة الظهر :

1054- ما رواه المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في المقباس في تعقيب صلاة الصبح :

أن يقول مائة مرة قبل أن يتكلّم: يَارَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَعَجِّلْ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ.6، وأخرجه في البحار : 86/ 133 ح10 (نحوه)، وذكره في تعقيبات العامّة : ج 45/86 س9.

وتقول: سبع مرّات وأنت آخذ بلحيتك بيدك اليمنى، ويدك اليسرى مبسوطة باطنها فيما يلي السماء : یا ربّ محمّد وآل محمّد صلّ على محمّد وآل محمّد، وعجّل فرج آل محمّد، وسبع مرّات مثل ذلك : یا ربّ محمّد و آل محمّد صلّ على محمّد وآل محمّد أعتق رقبتي من النار .

5- بعد كلّ ركعتين من صلاة الليل

ومنها : بعد كل ركعتين من صلاة الليل، ويشهد لذلك وروده بالخصوص في الدعاء المأثور، الّذي ذكره علماؤنا رحمهم اللّه تعالى، في عدّةٍ من الكتب

ص: 19


1- فلاح السائل : 353 حة، عنه المستدرك : 5/ 120ح 2، والبحار : 80/86 ح8، الجنّة الواقية : 33، أوردناه في الصحيفة الكاظميّة : 131 د: 119.
2- فلاح السائل: 353 ح6، عنه المستدرك: 120/5 ح2، والبحار 80/86 ح8، الجنّة الواقیة : 33، أوردناه في الصحیفة الكاظميّة: 131 د: 119.

المعتبرة.

1055- وقد ذكره بعض الاصحاب في الأدعية الواردة بعد الركعتين الأوليين من صلاة الليل وهو هذا: -

اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَ لَمْ يُسْأَلْ مِثْلُكَ، أَنْتَ مَوْضِعُ مَسْأَلَهِ اَلسَّائِلِينَ، وَ مُنْتَهَی رَغْبَهِ اَلرَّاغِبِينَ، أَدْعُوكَ وَ لَمْ يُدْعَ مِثْلُكَ، وَ أَرْغَبُ إِلَيْكَ وَ لَمْ يُرْغَبْ إِلَی مِثْلِكَ، أَنْتَ مُجِيبُ دَعْوَةِ اَلْمُضْطَرِّينَ وَ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِینَ

أَسْأَلُكَ بِأَفْضَلِ الْمَسَائِلِ وَ أَنْجَحِهَا وَاَعْظَمِهَا يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ، وَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى، وَ أَمْثَالِكَ الْعُلْيَا، وَ نِعْمَتِكَ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَ بِأَكْرَمِ أَسْمَائِكَ عَلَيْكَ، وَ أَحَبِّهَا إِلَيْكَ، وَ أَشْرَفِهَا عِنْدَكَ مَنْزِلَةً، وَ أَجْزَلِهَا لَدَيْكَ ثَوَاباً وَ أَسْرَعِهَا فِي الأُمُورِ إِجَابَةً

وَ بِاسْمِكَ الْمَكْنُونِ الْأَكْبَرِ ، الأثر الْأَجَلِّ الْأَعْظَمِ الْأَكْرَمِ، الَّذِي تُحِبُّهُ وَ تَهْوَاهُ وَ تَرْضَى بِهِ عَمَّنْ دَعَاكَ بِهِ، فَاسْتَجَبْتَ لَهُ دُعَاءَهُ، وَ حَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَحْرِمَ سَائِلَكَ وَ أَسْأَلُكَ، بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ فِي التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ، وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِكُلِّ اِسْمٍ دَعَاكَ بِهِ حَمَلَةُ عَرشِكَ، وَمَلَائِكَتُكَ وَاَنْبِيَاؤُكَ وَرُسُلُكَ، وَأَهْلُ طَاعَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ وَلِيِّكَ ، وَتُعَجِّلَ خِزْيَ اَعْدَائِهِ.(1)

أقول: وجدت في كتاب جمال الصالحين زيادة في هذا الدعاء، وهي هذه وَتَجْعَلَنَا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاَنْصَارِهِ، وَتَرْزُقَنَا بِهِ رَجَائَنَا، وَتَسْتَجِیبَ بِهِ دُعَائَنَا.(2)

6- في قنوت الصلوات

ومنها: في قنوت الصلوات. ويشهد لذلك دعاؤهم علیهم السلام لهذا الأمر في جملة من القنوتات المأثورة عنهم، ونحن نذكر منها ما وصل إلينا واللّه الموفّق :

ص: 20


1- المتهجّد: 139، الجنّة الواقية : 75.
2- 173.

1056- أحدها: ما ذكره السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في مهج الدعوات في حديث تركنا ذكره في هذا الكتاب، حذراً عن الإطناب، عن مولانا زین العابدین علیه السلام :

اللَّهُمَّ إِنَّ جِبِلَّةَ الْبَشَرِیَّةِ، وَ طِبَاعَ الْإِنْسَانِیَّةِ، وَ مَا جَرَتْ عَلَیْهِ تَرْكِیبَاتُ النَّفْسِیَّةِ، وَ انْعَقَدَتْ بِهِ عُقُودُ النَّشْئِیَّةِ، تَعْجِزُ عَنْ حَمْلِ وَارِدَاتِ الْأَقْضِیَةِ، إِلَّا مَا وَفَّقْتَ لَهُ أَهْلَ الِاصْطِفَاءِ، وَ أَعَنْتَ عَلَیْهِ ذَوِی الِاجْتِبَاءِ

اَللَّهُمَّ وَاِنَّ الْقُلُوبَ فِي قَبْضَتِكَ، وَالْمَشِيَّةَ لَكَ فِي مُلْكِكَ، وَ قَدْ تَعْلَمُ اَيْ رَبِّ مَا الرَّغْبَةُ اِلَيْكَ فِي كَشْفِهِ وَاقِعَةٌ لِاَوْقَاتِهَا بِقُدْرَتِكَ، وَاقِفَةٌ بَحَدِّكَ مَنْ اِرَادَتِكَ وَاِنِّي لَأَعْلَمُ اَنَّ لَكَ دَارَ جَزَاءٍ مِنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَثُوبَةً وَعُقُوبَةً، وَأَنَّ لَكَ يَوْماً تَأْخُذُ

فِيهِ بِالْحَقِّ، وَأَنَّ اَنَاتَكَ اَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِكَرَمِكَ، وَاَلْيَقُهَا بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ فِي عَطْفِكَ وَتَرَؤُّفِكَ، وَاَنْتَ بِالْمِرصَادِ لِكُلِّ ظَالِمٍ فِي وَخِیمِ عُقبَاهُ، وَسُوءِ مَثْوَاهُ

اَللَّهُمَّ وَاِنَّكَ قَدْ أَوْسَعْتَ خَلْقَكَ رَحْمَةً وَ حِلْماً، وَقَدْ بُدِّلَتْ أَحْكَامُكَ، وَغُيِّرَتْ سُنَنُ نَبِيِّكَ صلی اللّه علیه وآله وسلم، وَتَمَرَّدَ الظَّالِمُونَ عَلَى خُلَصَائِكَ، وَاسْتَبَاحُوا حَرِیمَكَ وَرَكِبُوا مَرَاكِبَ الإِستِمْرَارِ عَلَى الْجُرْاَةِ عَلَيْكَ

اَللَّهُمَّ فَبَادِرْ هُمْ بِقَوَاصِفِ سَخَطِكَ، وَعوَاصِفِ تَنْكِيلَاتِكَ وَاجْتِثَاثِ غَضَبِكَ، وَطَهِّرِ الْبِلَادِ مِنْهُمْ، وَاعْفُ عَنْهَا آثَارَهُمْ، وَاحْطُطْ مِنْ قَاعَاتِهَا وَمَظَانِّهَا مَنَارَهُمْ، وَاصْطَلِمْهُمْ بِبَوَارِكَ حَتَّى لَاتُبْقِي مِنْهُمْ دِعَامَةً لِنَاجِمٍ، وَلَاعَلَماً لِآمٍّ، وَلَا مَنَاصاً لِقَاصِدٍ وَلَا رَائِداً لِمُرْتَادٍ

اَللَّهُمَّ امْحُ آثَارَهُمْ، وَاطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ وَدِيَارِهِمْ ، وَامْحَقْ أَعْقَابَهُمْ وَافْكِكْ أَصْلَابِهُمْ، وَعَجِّلْ إِلَى عَذَابِكَ السَّرْمَدِ انْقِلَابِهُمْ، وَأَقِمْ لِلْحَقِّ مَنَاصِبَهُ، وَاقْدَحْ لِلرَّشَادِ زِنَادَهُ، وَاَثِرْ لِلثَّارِ مُثِيرَهُ، وَاَيِّدْ بَالْعَوْنِ مُرْتَادَهُ ، وَوَفِّر مِنَ النَّصْرِ

ص: 21

زَادَهُ، حَتَّى يَعُودَ الْحَقُّ بِحِدَّتِهِ ، وَيُنِيرَ مَعَالِمَ مَقَاصِدِهِ، وَيَسْلُكَهُ أَهْلُهُ بِالْأَمْنَةِ حَقَّ سُلُوكِهِ ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1).

أقول : غير خفّي على المتتبّع البصير العارف المستأنس بكلمات الائمّة الأطهار أنّ هذا دعاء لظهور مولانا الغائب عن الأبصار، وطلب فرجه من خالق الليل والنهار، وفيه قرائن عديدة قطعيّة يعرفها أهل الإعتبار .

فإن قلت: إنّ المراد بمن يثير الثار لعلّه المختار .

قلت : لا ريب في أنّ المراد به هو صاحب الدار، ويدلّ على ذلك عدّة من الأدعية والأخبار، وسيأتي ذكره في القنوت المرويّ عنه عجل اللّه تعالی فرجه .

1057 - الثاني : القنوت المرويّ في الحديث المذكور عن مولانا أبي جعفر الباقر علیه السلام وهو هذا:

يَا مَنْ يَعْلَمُ هَوَاجِسَ السَّرَائِرِ، وَمَكَامِنَ الضَّمَائِرِ، وَحَقَائِقَ الْخَوَاطِرِ، یَا مَنْ هُوَ لَكُلِّ غَيْبٍ حَاضِرٌ، وَلِكُلِّ مَنْسيٍّ ذَاكِرٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَادِرٌ، وَإِلَى الْكُلِّ نَاظِرٌ، بَعُدَ الْمَهَلُ، وَقَرُبَ الْاَجَلُ، وَضَعُفَ العَمَلُ، وَأَرْاَبَ (2) الْاَمَلُ، وَانَ الْمُنْتَقَلُ، وَأَنْتَ يَا اَللَّهُ الْآخِرُ كَمَا أَنْتَ الْأَوَّلُ، مُبِیدُ مَا أَنْشَأْتَ، وَمُصَيِّرُهُمْ إِلَى البِلَى، وَ مُقَلِّدُهُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَمُحَمِّلُهَا ظُهُورَهُمْ إِلَى وَقْتِ نُشُورِهِمْ مِنْ بَعْثَةِ قُبُورِهِمْ، عِنْدَ نَفْخَةِ الصُّورِ وَانْشِقَاقِ السَّمَاءِ بِالنُّورِ، وَالْخُرُوجِ بِالْمَنْشَرِ إِلَى سَاحَةِ الْمَحْشَرِ، لَاتَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ، مُتَرَاطِمِينَ فِي غُمَّةٍ مِمَّا اَسْلَفُوا، وَمُطَالَبينَ بِمَا احْتَقَبُوا وَ مُحَاسَبِينَ هُنَاكَ عَلَى مَا ارْتَكَبُوا.

الصَّحَائِفُ فِي الْأَعْناقِ مَنْشُورَةٌ، وَالْأَوزَارُ عَلَى الظُّهُورِ مَأْزُورَةٌ، لَا انْفِكَاكَ وَلاَمَنَاصَ وَلَا مَحِيصَ عَنِ الْقِصَاصِ، قَدْ أَفْحَمَتْهُمُ الْحُجَّةُ، وَحَلُّوا فِي حَيْرَةِ

ص: 22


1- 69، البلد الأمين : 650، عنه البحار : 85 / 215 ، أوردناه في الصحيفة السجاديّة : 529 د223.

الْمَحَجَّةِ، وَهَمْسِ الضَّجَّةِ، مَعْدُولٌ بِهِم عَنِ الْمَحَجَّةِ إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَی، فَنَجَا مِنْ هَوْلِ الْمَشْهَدِ وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ، وَلَم يَكُنْ مِمَّنْ فِي الدُّنْيَا تَمَرَّدَ، وَلَا عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَنَّدَ، وَلَهُمُ اسْتعْبَدَ، وَ عَنْهُمْ بِحُقُوقِهِمْ تَفَرَّدَ

اَللَّهُمَّ فَاِنَّ الْقُلُوبَ قَدْ بَلَغَتِ الْحَنَاجِرَ، وَالنُّفُوسَ قَدْ عَلَي التَّرَاقِيَ، وَالأَعْمَارَ قَدْ نَفَدَتْ بِالْاِنْتِظَارِ، لَا عَنْ نَقْصِ اسْتِبْصَارٍ، وَلَا عَنِ اتِّهَامِ مِقْدَارٍ، وَلَكِنْ لِمَا تُعَانِي مِنْ رُكُوبِ مَعَاصِيكَ، وَالْخِلَافِ عَلَيْكَ فِي أَوَامِرِكَ وَنَوَاهِيكَ، وَالتَّلَعُبَ بَأَوْلِيَائِكَ، وَمُظَاهَرَةِ أَعْدَائِكَ، اَللَّهُمَّ فَقَرِّبْ مَا قَدْ قَرُبَ، وَأَوْرِدْ مَا قَدْ دَنَی، وَحَقِّقْ ظُنُونَ المُوقِنِینَ، وَبَلِّغِ المُؤْمِنِينَ تَأْمِيلَهُم، مِنْ إِقَامَةِ

حَقِّكَ، وَنَصْرِ دِینِكَ، وَإِظْهَارِ حُجَّتِكَ، وَالْاِنْتِقَامِ مِنْ اَعْدَائِكَ(1).

1058 - الثالث : القنوت المرويّ في الحديث الّذي أشرنا إليه، عن مولانا أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد صلوات اللّه عليه وعلى آبائه وأولاده الأمجاد :

اَللَّهُمَّ مَنَائِحُكَ مُتَتَابِعَةٌ، وَأَيَادِيكَ مُتَوالِيَةٌ، وَنِعَمُكَ سَابِغَةٌ، وَشُكْرُنَا قَصِيرٌ، وَحَمْدُنَا یَسِیرُ، وَاَنْتَ بِالتَّعَطُّفِ عَلَى مَن اعْتَرَفَ جَدِیرٌ

اَللَّهُمَّ وَقَدْ غَصَّ أَهْلُ الْحَقِّ بِالرِّيقِ، وَارْتَبَكَ أَهْلُ الصِّدْقِ فِي الْمَضِيقِ، وَأَنْتَ اللَّهُمَّ بِعِبَادِكَ وَذَوِى الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ شَفِيقٌ، وِبِإِجَابَةِ دُعَائِهِمْ وَتَعْجِيلِ الْفَرَجِ عَنْهُمْ حَقِيقٌ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَبَادِرْنَا مِنْكَ بِالْعَوْنِ الَّذِي لَا خِذْلَانَ بَعدَهُ، وَالنَّصْرِ الَّذِي لَا بَاطِلَ يَتَكَأَّدُهُ، وَأَتِحْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ مَتَاحاً فَيَّاحاً يَأْمَنُ فِيهِ وَلِيُّكَ، وَيَخِيبُ فِيهِ عَدُوُّكَ، وَتُقَامُ فِيهِ مَعَالِمُكَ، وَتَظْهَرُ فِيهِ اَوَامِرُكَ، وَتَنْكَفُّ فِيهِ عَوَادِي عِدَاتِكَ.

اَللَّهُمَّ بَادِرْنَا مِنْكَ بِدَارِ الرَّحْمَةِ، وَبَادِرْ أَعْدَاءَكَ مِنْ بَأْسِكَ بِدَارِ النَّقِمَةِ

ص: 23


1- مهج الدعوات : 72، البلد الأمين : 651، أوردناه في الصحيفة الباقريّة : د: 180 .

اَللَّهُمَّ أَعِنَّا وَأَغِثْنَا، وَارْفَعْ نَقِمَتَكَ عَنَّا، وَأَحِلَّهَا بِالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.(1)

أقول: إنّ الشاهد على ما ذكرناه من كون هذا الدعاء دعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان ، صلوات اللّه عليه وآله، أنّ الأمور المذكورة لا تصير میسورة بمقتضی الأخبار الماثورة إلّا بظهوره، وتجلّي نوره، فبه ترفع التقيّة، ويأمن الأولياء، ويخيب الأعداء، وتقام معالم دين اللّه، وتظهر أوامره.

1059 - الرابع : قنوت آخر مروي عنه علیه السلام في الحديث المشار إليه، وهو مشتمل على الدعاء لمنتظري ظهور صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره وأوليائه ، والدّاعين له علیه السلام ، وهو هذا:

اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ بِلَا أَوَّلِیَّةٍ مَعْدُودَةٍ وَ الْآخِرُ بِلَا آخِرِیَّةٍ مَحْدُودَةٍ، أَنْشَأْتَنَا لَا لِعِلَّةٍ اقْتِسَاراً، وَ اخْتَرَعْتَنَا لَا لِحَاجَةٍ اقْتِدَاراً، وَ ابْتَدَعْتَنَا بِحِكْمَتِكَ اخْتِیَاراً، وَ بَلَوْتَنَا بِأَمْرِكَ وَ نَهْیِكَ اخْتِبَاراً، وَ أَیَّدْتَنَا بِالْآلَاتِ، وَ مَنَحْتَنَا بِالْأَدَوَاتِ، وَ كَفَلْتَنَا الطَّاقَةَ، وَ جَشَمْتَنَا الطَّاعَةَ، فَأَمَرْتَ تَخْیِیراً، وَ نَهَیْتَ تَحْذِیراً، وَ خَوَّلْتَ كَثِیراً، وَ سَأَلْتَ یَسِیراً، فَعُصِيَ أَمْرُكَ فَحَلَمْتَ، وَ جُهِلَ قَدْرُكَ فَتَكَرَّمْتَ، فَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ وَ الْبَهَاءِ، وَ الْعَظَمَةِ وَ الْكِبْرِیَاءِ، وَ الْإِحْسَانِ وَ النَّعْمَاءِ، وَ الْمَنِّ وَ الْآلَاءِ، وَ الْمِنَحِ وَ الْعَطَاءِ، وَ الْإِنْجَازِ وَ الْوَفَاءِ، لَا تُحِيطُ الْقُلُوبُ لَكَ بِكُنْهٍ، وَ لَا تُدْرِكُ الْأَوْهَامُ لَكَ صِفَةً، وَ لَا یُشْبِهُكَ شَيْ ءٌ مِنْ خَلْقِكَ، وَ لَا یُمَثَّلُ بِكَ شَيْ ءٌ مِنْ صَنْعَتِكَ، تَبَارَكْتَ أَنْ تُحَسَّ أَوْ تُمَسَّ، أَوْ تُدْرِكَكَ الْحَوَاسُّ الْخَمْسُ، وَ أَنَّی یُدْرِكُ مَخْلُوقٌ خَالِقَهُ، وَ تَعَالَیْتَ یَا إِلَهِی عَمَّا یَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِیراً.

اللَّهُمَّ أَدِلْ (2) لِأَوْلِیَائِكَ مِنْ أَعْدَائِكِ الظَّالِمِینَ الْبَاغِینَ النَّاكِثِینَ الْقَاسِطِینَ

ص: 24


1- مهج الدعوات: 80، البلد الامین: 656، عنه البحار : 85 / 225، أوردناه في الصحيفة الرضويّة : 152 د: 34.
2- مهج الدعوات: 80، البلد الامین: 656، عنه البحار : 85 / 225، أوردناه في الصحيفة الرضويّة : 152 د: 34.

الْمَارِقِینَ الَّذِینَ أَضَلُّوا عِبَادَكَ وَ حَرَّفُوا كِتَابَكَ وَ بَدَّلُوا أَحْكَامَكَ وَ جَحَدُوا حَقَّكَ وَ جَلَسُوا مَجَالِسَ أَوْلِیَائِكَ جُرْأَةً مِنْهُمْ عَلَیْكَ وَ ظُلْماً مِنْهُمْ لِأَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّكَ عَلَیْهِمْ سَلَامُكَ وَ صَلَوَاتُكَ وَ رَحْمَتُكَ وَ بَرَكَاتُكَ فَضَلُّوا وَ أَضَلُّوا خَلْقَكَ وَ هَتَكُوا حِجَابَ سِرِّكَ عَنْ عِبَادِكَ وَ اتَّخَذُوا اللَّهُمَّ مَالَكَ دُوَلًا وَ عِبَادَكَ خَوَلًا وَ تَرَكُوا اللَّهُمَّ عَالِمَ أَرْضِكَ فِی بَكْمَاءَ عَمْیَاءَ ظَلْمَاءَ مُدْلَهِمَّةً فَأَعْیُنُهُمْ مَفْتُوحَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ عَمِیَّةٌ وَ لَمْ تَبْقَ لَهُمُ اللَّهُمَّ عَلَیْكَ مِنْ حُجَّةٍ لَقَدْ حَذَّرْتَ اللَّهُمَّ عَذَابَكَ وَ بَیَّنْتَ نَكَالَكَ وَ وَعَدْتَ الْمُطِیعِینَ إِحْسَانَكَ وَ قَدَّمْتَ إِلَیْهِمْ بِالنُّذُرِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ وَ أَیَّدْتَ اللَّهُمَّ الَّذِینَ آمَنُوا عَلَی عَدُوِّكَ وَ عَدُوِّ أَوْلِیَائِكَ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِینَ وَ إِلَی الْحَقِّ دَاعِینَ وَ لِلْإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ الْقَائِمِ بِالْقِسْطِ تَابِعِینَ وَ جَدِّدِ اللَّهُمَّ عَلَی أَعْدَائِكَ وَ أَعْدَائِهِمْ نَارَكَ وَ عَذَابَكَ الَّذِی لَا تَدْفَعُهُ عَنِ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ قَوِّ ضَعْفَ الْمُخْلِصِینَ لَكَ بِالْمَحَبَّةِ الْمُشَایِعِینَ لَنَا بِالْمُوَالاةِ الْمُتَّبِعِینَ لَنَا بِالتَّصْدِیقِ وَ الْعَمَلِ الْمُؤَازِرِینَ لَنَا بِالْمُوَاسَاةِ فِینَا الْمُحْیِینَ ذِكْرَنَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ

وَ شَدِّدِ اللَّهُمَّ رُكْنَهُمْ وَ سَدِّدْ لَهُمُ اللَّهُمَّ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَیْتَهُ لَهُمْ وَ أَتْمِمْ عَلَیْهِمْ نِعْمَتَكَ وَ خَلِّصْهُمْ وَ اسْتَخْلِصْهُمْ وَ سُدَّ اللَّهُمَّ فَقْرَهُمْ وَ الْمُمِ اللَّهُمَّ شَعَثَ فَاقَتِهِمْ وَ اغْفِرِ اللَّهُمَّ ذُنُوبَهُمْ وَ خَطَایَاهُمْ وَ لَا تُزِغْ قُلُوبُهُمْ بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَهُمْ وَ لَا تُخَلِّهِمْ أَیْ رَبِّ بِمَعْصِیَتِهِمْ وَ احْفَظْ لَهُمْ مَا مَنَحْتَهُمْ بِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ بِوَلَایَةِ أَوْلِیَائِكَ وَ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكَ إِنَّكَ سَمِیعٌ مُجِیبٌ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِینَ أَجْمَعِینَ.(1)

ص: 25


1- مهج الدعوات: 80، البلد الامین: 656، عنه البحار: 85 / 225، أوردناه في الصحيفة الرضوية : 153 د: 25.

1060 - الخامس : قنوت مولانا أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي، المروي في الحديث المذكور وهو هذا:

یَا مَنْ تَفَرَّدَ بِالرُّبُوبِیَّةِ، وَ تَوَحَّدَ بِالْوَحْدَانِیَّةِ، یَا مَنْ أَضَاءَ بِاسْمِهِ النَّهَارُ وَ أَشْرَقَتْ بِهِ الْأَنْوَارُ، وَ أَظْلَمَ بِأَمْرِهِ حِنْدِسُ اللَّیْلِ، وَ هَطَلَ بِغَیْثِهِ وَابِلُ السَّیْلِ، یَا مَنْ دَعَاهُ الْمُضْطَرُّونَ فَأَجَابَهُمْ، وَ لَجَأَ إِلَیْهِ الْخَائِفُونَ فَآمَنَهُمْ، وَ عَبَدَهُ الطَّائِعُونَ فَشَكَرَهُمْ، وَ حَمِدَهُ الشَّاكِرُونَ فَأَثَابَهُمْ، مَا أَجَلَّ شَأْنَكَ، وَ أَعْلَی سُلْطَانَكَ، وَ أَنْفَذَ أَحْكَامَكَ، أَنْتَ الْخَالِقُ بِغَیْرِ تَكَلُّفٍ، وَ الْقَاضِی بِغَیْرِ تَحَیُّفٍ، حُجَّتُكَ الْبَالِغَةُ، وَ كَلِمَةُ الدَّامِغَةُ، بِكَ اعْتَصَمْتُ وَ تَعَوَّذْتُ مِنْ نَفَثَاتِ الْعَنَدَةِ، وَ رَصَدَاتِ

الْمُلْحِدَةِ الَّذِینَ أَلْحَدُوا فِي أَسْمَائِكَ، وَ رَصَدُوا بِالْمَكَارِهِ لِأَوْلِیَائِكَ، وَ أَعَانُوا عَلَی قَتْلِ أَنْبِیَائِكَ وَ أَصْفِیَائِكَ، وَ قَصَدُوا لِإِطْفَاءِ نُورِكَ بِإِذَاعَةِ سِرِّكَ، وَ كَذَّبُوا رُسُلَكَ، وَ صَدُّوا عَنْ آیَاتِكَ، وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِكَ وَ دُونِ رَسُولِكَ وَ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً رَغْبَةً عَنْكَ، وَ عَبَدُوا طَوَاغِیتَهُمْ وَ جَوَابِیتَهُمْ بَدَلًا مِنْكَ، فَمَنَنْتَ عَلَی أَوْلِیَائِكَ بِعَظِیمِ نَعْمَائِكَ، وَ جُدْتَ عَلَیْهِمْ بِكَرِیمِ آلَائِكَ، وَ أَتْمَمْتَ لَهُمْ مَا أَوْلَیْتَهُمْ بِحُسْنِ جَزَائِكَ، حِفْظاً لَهُمْ مِنْ مُعَانَدَةِ الرُّسُلِ وَ ضَلَالِ السُّبُلِ، وَ صَدَقَتْ لَهُمْ بِالْعُهُودِ أَلْسِنَةُ الْإِجَابَةِ، وَ خَشَعَتْ لَكَ بِالْعُقُودِ قُلُوبُ الْإِنَابَةِ

أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ الَّذِي خَشَعَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ وَ أَحْیَیْتَ بِهِ مَوَاتَ الْأَشْیَاءِ وَ أَمَتَّ بِهِ جَمِیعَ الْأَحْیَاءِ وَ جَمَعْتَ بِهِ كُلَّ مُتَفَرِّقٍ وَ فَرَّقْتَ بِهِ كُلَّ مُجْتَمِعٍ وَ أَتْمَمْتَ بِهِ الْكَلِمَاتِ وَ رَأَیْتَ بِهِ كُبْرَی الْآیَاتِ وَ تُبْتَ بِهِ عَلَی التَّوَّابِینَ وَ أَخْسَرْتَ بِهِ عَمَلَ الْمُفْسِدِینَ فَجَعَلْتَ عَمَلَهُمْ هَبَاءً مَنْثُوراً وَ تَبَّرْتَهُمْ تَتْبِیراً أَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَجْعَلَ شِیعَتِي مِنَ

ص: 26

الَّذِینَ حُمِّلُوا فَصَدَّقُوا وَ اسْتُنْطِقُوا فَنَطَقُوا آمِنِينَ مَأْمُونِينَ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ لَهُمْ تَوْفِیقَ أَهْلِ الْهُدَی، وَ أَعْمَالَ أَهْلِ الْیَقِینِ وَ مُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ، وَ عَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ، وَ تَقِیَّةَ أَهْلِ الْوَرَعِ، وَ كِتْمَانَ الصِّدِّیقِینَ حَتَّی یَخَافُوكَ -اللَّهُمَّ - مَخَافَةً تَحْجِزُهُمْ عَنْ مَعَاصِیكَ، وَ حَتَّی یَعْمَلُوا بِطَاعَتِكَ لِیَنَالُوا كَرَامَتَكَ، وَ حَتَّی یُنَاصِحُوا لَكَ وَ فِیكَ خَوْفاً مِنْكَ، وَ حَتَّی یُخْلِصُوا لَكَ النَّصِیحَةَ فِی التَّوْبَةِ حُبّاً لَكَ، فَتُوجِبَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ الَّتِی أَوْجَبْتَهَا لِلتَّوَّابِینَ، وَ حَتَّی یَتَوَكَّلُوا عَلَیْكَ فِی أُمُورِهِمْ كُلِّهَا حُسْنَ ظَنٍّ بِكَ، وَ حَتَّی یُفَوِّضُوا إِلَیْكَ أُمُورَهُمْ ثِقَةً بِكَ اللَّهُمَّ لَا تُنَالُ طَاعَتُكَ إِلَّا بِتَوْفِیقِكَ، وَ لَا تُنَالُ دَرَجَةٌ مِنْ دَرَجَاتِ الْخَیْرِ إِلَّا بِكَ، اللَّهُمَّ یَا مَالِكَ یَوْمِ الدِّینِ، الْعَالِمَ بِخَفَایَا صُدُورِ الْعَالَمِینَ، طَهِّرِ الْأَرْضَ مِنْ نَجَسِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَ أَخْرِسِ الْخَرَّاصِینَ عَنْ تَقَوُّلِهِمْ عَلَی رَسُولِكَ الْإِفْكَ، اللَّهُمَّ اقْصِمِ الْجَبَّارِینَ، وَ أَبِرِ الْمُفْتَرِینَ وَ أَبِدِ الْأَفَّاكِینَ، الَّذِینَ إِذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُ الرَّحْمَنِ قَالُوا أَسَاطِیرُ الْأَوَّلِینَ، وَ أَنْجِزْ لِی وَعْدَكَ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِیعادَ، وَ عَجِّلْ فَرَجَ كُلِّ طَالِبٍ مُرْتَادٍ إِنَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ لِلْعِبَادِ

وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ لَبْسٍ مَلْبُوسٍ، وَ مِنْ كُلِّ قَلْبٍ عَنْ مَعْرِفَتِكَ مَحْبُوسٍ، وَ مِنْ نَفْسٍ تَكْفُرُ إِذَا أَصَابَهَا بُؤْسٍ، وَ مِنْ وَاصِفِ عَدْلٍ عَمَلُهُ عَنِ الْعَدْلِ مَعْكُوسٍ، وَ مِنْ طَالِبٍ لِلْحَقِّ وَ هُوَ عَنْ صِفَاتِ الْحَقِّ مَنْكُوسٍ، وَ مِنْ مُكْتَسِبِ إِثْمٍ بِإِثْمِهِ مَرْكُوسٍ، وَ مِنْ وَجْهٍ عِنْدَ تَتَابُعِ النِّعَمِ عَلَیْهِ عَبُوسٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَ مِنْ نَظِیرِهِ وَ أَشْكَالِهِ وَ أَمْثَالِهِ، إِنَّكَ عَلِیمٌ حَكِیمٌ(1).

ص: 27


1- مهج الدعوات : 83، البلد الأمين : 658، عنه البحار : 227/85 ، أوردناه في الصحيفة الرضوية : 164 د: 8.

السادس : قنوت مولانا أبي محمد الحسن العسكري علیه السلام، المرويّ في الحديث المذكور، وقد ذكره الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) فيما يستحبّ أن يزاد في قنوت الوتر، ويظهر من الرواية كونه من الدعوات المطلقة، الّتي لا تختصّ بوقت من

الأوقات، وحال من الحالات،

قال السيّد في مهج الدعوات: ودعا علیه السلام في قنوته، وأمر اهل قم بذلك لمّا شكوا من موسی بن بغا، إنتهى .(1)

وسنذكره في الباب الآتي إن شاء اللّه تعالی شانه .

1061- السابع: قنوت مولانا الحجّة، عجّل اللّه تعالی فرجه المروي في الحديث المذكور:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَكْرِمْ أَوْلِیَاءَكَ بِإِنْجَازِ وَعْدِكَ، وَبَلِّغْهُمْ دَرْكَ مَا یَأْمُلُونَ مِنْ نَصْرِكَ، وَاكْفُفْ عَنْهُمْ بَأْسَ مَنْ نَصَبَ الْخِلَافَ عَلَیْكَ، وَتَمَرَّدَ بِمَنْعِكَ عَلَی رُكُوبِ مُخَالَفَتِكَ، وَاسْتَعَانَ بِرِفْدِكَ عَلَی فَلِّ حَدِّكَ، وَقَصَدَ لِكَیْدِكَ بِأَیْدِكَ، وَوَسِعْتَهُ حِلْماً لِتَأْخُذَهُ عَلَی جَهْرَةٍ، أَوْ تَسْتَأْصِلَهُ عَلَی غِرَّةٍ، فَإِنَّكَ اللَّهُمَّ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

وَقُلْتَ: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) وَاِنَّ الْغایَةَ عِنْدَنا قَدْ تَناهَتْ، وَاِنّا لِغَضَبِكَ غاضِبُونَ، وَاِنّا عَلَی نَصْرِ الْحَقِّ مُتَعاصِبُونَ، وَاِلی وُرُودِ اَمْرِكَ مُشْتاقُونَ، وَلِاِنْجازِ وَعْدِكَ مُرْتَقِبُونَ، وَلِحُلُولِ وَعیدِكَ بِاَعْدائِكَ مُتَوَقِّعُونَ

اَللّهُمَّ فَأْذَنْ بِذلِكَ، وَافْتَحْ طُرُقاتِه، وَسَهِّلْ خُرُوجَهُ، وَوَطِّئْ مَسالِكَهُ،

ص: 28


1- مهج الدعوات : 85.

وَاشْرَعْ شَرایِعَهُ، وَاَیِّدْ جُنْدَهُ وَاَعْوانَهْ، وَبادِرْ بَأْسَكَ الْقَوْمَ الظّالِمینَ، وَابْسُطْ سَیْفَ نَقِمَتِكَ عَلَی اَعْدائِكَ الْمُعانِدینَ، وخُذْ بِالثّارِ اِنَّكَ جَوادٌ مَكّارٌ.(1)

1062 - الثامن: قنوت آخر مروي عنه علیه السلام في الحديث المشار إليه :

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) یا ماجِدُ یا جَوادُ، یا ذَا الْجَلالِ وَالْاِكْرامِ، یا بَطّاشُ، یاذَا الْبَطْشِ الشَّدیدِ، یا فَعّالاً لِما یُریدُ، یا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتینِ، یارَؤُوفُ يا رَحیمُ، یا لَطیفُ، یا حَيُّ حینَ لا حَيَّ

اَللّهُمَّ اَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ، الْحَيِّ الْقَیُّومِ، الَّذِي اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَیْبِ عِنْدَكَ، وَلَمْ یَطَّلِعْ عَلَیْهِ اَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ

وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي تُصَوِّرُ بِه خَلْقَكَ فِي الْاَرْحامِ كَیْفَ تَشاءُ وَبِه تَسُوقُ اِلَیْهِمْ اَرْزاقَهُمْ في اَطْباقِ الظُّلُماتِ مِنْ بَیْنِ الْعُرُوقِ وَالْعِظامِ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي اَلَّفْتَ بِه بَیْنَ قُلُوبِ اَوْلِیائِكَ، وَاَلَّفْتَ بَیْنَ الثَّلْجِ وَالنّارِ، لا هذا یُذیبُ هذا، وَلا هذا یُطْفِئُ هذا

وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي كَوَّنْتَ بِه طَعْمَ الْمِیاهِ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي اَجْرَیْتَ بِهِ الْماءَ في عُرُوقِ النَّباتِ بَیْنَ اَطْباقِ الثَّری، وَسُقْتَ الْماءَ اِلی عُرُوقِ الْاَشْجارِ بَیْنَ الصَّخْرَةِ الصَّمّاءِ وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي كَوَّنْتَ بِه طَعْمَ الثِّمارِ وَاَلْوانَها

وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي بِه تُبْدِئُ وَتُعیدُ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الْفَرْدِ الْواحِدِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْوَحْدانِیَّةِ، الْمُتَوَحِّدِ بِالصَّمَدانِیَّةِ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي فَجَّرْتَ بِهِ الْماءَ مِنَ الصَّخْرَةِ الصَّمّاءِ، وَسُقْتَهُ مِنْ حَیْثُ شِئْتَ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي

ص: 29


1- مهج الدعوات: 90 ، البلد الأمين : 664، عنه البحار : 85/ 232، أوردناه في الصحيفة الرضويّة : 328 د: 33.

خَلَقْتَ بِه خَلْقَكَ، وَرَزَقْتَهُمْ كَیْفَ شِئْتَ، وَكَیْفَ شاؤُوا

یا مَنْ لا تُغَیِّرُهُ الْاَیّامُ وَاللَّیالی، اَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه نُوحٌ حینَ ناداكَ فَاَنْجَیْتَهُ وَمَنْ مَعَهُ، وَاَهْلَكْتَ قَوْمَهُ، وَاَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه اِبْراهیمُ خَلیلُكَ حینَ ناداكَ فَاَ نْجَیْتَهُ، وَجَعَلْتَ النّارَ عَلَیْهِ بَرْدا وسَلاما

وَاَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه مُوسی كَلیمُكَ حینَ ناداكَ، فَفَلَقْتَ لَهُ الْبَحْرَ فَاَ نْجَیْتَهُ وَبَنی اِسْرائیلَ، وَاَغْرَقْتَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِی الْیَمِّ

وَاَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه عیسی رُوحُكَ حینَ ناداكَ، فَنَجَّیْتَهُ مِنْ اَعْدائِه، واِلَیْكَ رَفَعْتَهُ، وَاَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه حَبیبُكَ وَصَفِیُّكَ وَنَبِیُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللّه ُ عَلَیْهِ وَالِه، فَاسْتَجَبْتَ لَهُ، وَمِنَ الْاَحْزابِ نَجَّیْتَهُ، وَعَلَی اَعْدائِكَ نَصَرْتَهُ

وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذی اِذا دُعیتَ بِه اَجَبْتَ ،یا مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْاَمْرُ یا مَنْ اَحاطَ بِكُلِّ شَیْءٍ عِلْما، وَاَحْصی كُلَّ شَیْءٍ عَدَدا یا مَنْ لا تُغَیِّرُهُ الْاَیّامُ وَاللَّیالی، وَلا تَتَشابَهُ عَلَیْهِ الْاَصْواتُ وَلا تَخْفی عَلَیْهِ اللُّغاتُ،وَلا یُبْرِمُهُ اِلْحاحُ الْمُلِحّینَ،

اَسْاَ لُكَ اَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ، خِیَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، فَصَلِّ عَلَیْهِمْ بِاَفْضَلِ صَلَواتِكَ وَصَلِّ عَلَی جَمیعِ النَّبِیّینَ وَالْمُرْسَلینَ، الَّذینَ بَلَّغُوا عَنْكَ الْهُدی وَعَقَدُوا لَكَ الْمَواثیقَ بِالطّاعَةِ، وَصَلِّ عَلَی عِبادِكَ الصّالِحینَ.

یا مَنْ لا یُخْلِفُ الْمیعادَ، اَنْجِزْ لی ما وَعَدْتَنی، وَاجْمَعْ لی اَصْحابی، وَ صَبِّرْهُمْ، وَانْصُرْنی عَلَی اَعْدائِكَ وَاَعْداءِ رَسُولِكَ، وَلا تُخَیِّبْ دَعْوَتی فَاِنّی عَبْدُكَ، اِبْنُ عَبْدِكَ، اِبْنُ اَمَتِكَ، اَسیرٌ بَیْنَ یَدَیْكَ، سَیِّدی اَ نْتَ الَّذی مَنَنْتَ عَلَیَّ بِهذَا الْمَقامِ، وَتَفَضَّلْتَ بِه عَلَیَّ دُونَ كَثیرٍ مِنْ خَلْقِكَ

اَسْاَلُكَ اَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ، وَاَنْ تُنْجِزَ لی ما وَعَدْتَني اِنَّكَ

ص: 30

اَنْتَ الصّادِقُ، وَلا تُخْلِفُ الْمیعادَ، وَاَ نْتَ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ قَدیرٌ.(1)

1063 - التاسع: ما نقله صاحب المستدرك من كتاب الذكرى للشيخ الشهيد، قال :

واختار ابن أبي عقيل الدعاء بما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام في القنوت :

اللَّهُمَّ إِلَيْكَ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ، وَ نُقِلَتِ الْأَقْدَامُ، وَ رُفِعَتِ الْأَيْدِي، وَ مُدَّتِ الْأَعْنَاقُ، وَ أَنْتَ دُعِيتَ بِالْأَلْسُنِ، وَ إِلَيْكَ سِرُّهُمْ وَ نَجْوَاهُمْ فِي الْأَعْمَالِ،

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)

اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا، وَ غَيْبَةَ إِمَامِنَا، وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا، وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَ تَظَاهُرَ الْأَعْدَاءِ عَلَيْنَا، وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ بِنَا، فَفَرِّجْ ذَلِكَ اللَّهُمَّ بِعَدْلٍ تُظْهِرُهُ، وَ إِمَامِ حَقٍّ تُعْرِفُهُ، إِلَهَ الْحَقِّ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (2)

قال : وبلغني أن الصادق علیه السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج .(3)

1064 - العاشر : ما نقل في الكتاب المذكور، عن الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) في المصباح، قال : ويستحب أن يقنت في الفجر بعد القراءة وقبل الركوع، فيقول :

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، وَ سَاقَ كَلِمَاتِ الْفَرَجِ إِلَى قَوْلِهِ: رَبِّ الْعَالَمِينَ .

يَا اللَّهُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَهُمْ

اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ وَ ثِقَتُهُ وَ رَجَاؤُهُ غَيْرُكَ، فَأَنْتَ ثِقَتِي وَ رَجَائِي فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، يَا أَجْوَدَ مَنْ سُئِلَ وَ يَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ، ارْحَمْ ضَعْفِي وَ قِلَّةَ حِيلَتِي،

ص: 31


1- مهج الدعوات: 91، البلد الأمين : 665، عنه البحار : 85/ 234، أوردناه في الصحيفة الرضويّة : 328 د: 33.
2- الذكرى : 184، عنه المستدرك: 404/4 ح7، البحار :207/85 ، أوردناه في الصحيفة العلويّة : 484د: 311.
3- الذكرى : 184، عنه المستدرك: 404/4 ح7، البحار :207/85 ، أوردناه في الصحيفة العلويّة : 484د: 311.

وَ امْنُنْ عَلَيَّ بِالْجَنَّةِ طَوْلًا مِنْكَ وَ فُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ وَ عَافِنِي فِي نَفْسِي وَ فِي جَمِيعِ أُمُورِي كُلِّهَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ(1)

1065 - الحادي عشر : ما ذكره الصدوق في الفقيه : قال أبو جعفر علیه السلام :

القنوت في يوم الجمعة: تمجيد اللّه والصلاة على نبيّ اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وكلمات الفرج، ثمّ هذا الدعاء(2)

والقنوت في الوتر كقنوتك يوم الجمعة، ثمّ تقول قبل دعائك لنفسك :

1066- ورواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام ، في قنوت يوم الجمعة، تقول قبل دعائك لنفسك:

اَللَّهُمَّ تَمَّ نُورُكَ فَهَدَیْتَ، فَلَكَ اَلْحَمْدُ رَبَّنَا وَ عَظُمَ حِلْمُكَ فَعَفَوْتَ، فَلَكَ اَلْحَمْدُ، وَ بَسَطْتَ یَدَكَ فَأَعْطَیْتَ، فَلَكَ اَلْحَمْدُ رَبَّنَا، وَجْهُكَ أَكْرَمُ اَلْوُجُوهِ وَ جَاهُكَ خَیْرُ اَلْجَاهِ، وَجِهَتُكَ خَيْرَ الجِهَاتِ، وَ عَطِیَّتُكَ أَفْضَلُ اَلْعَطِیَّاتِ، تُطَاعُ رَبَّنَا فَتَشْكُرُ وَ تُعْصَی رَبَّنَا فَتَغْفِرُ لِمَنْ شِئْتَ،فَلَكَ الْحَمْدُ، تُجِیبُ اَلْمُضْطَرَّ، وَ تَكْشِفُ اَلضُّرَّ وَ تُنْجِی مِنَ اَلْكَرْبِ اَلْعَظِیمِ وَ تَقْبَلُ اَلتَّوْبَهَ وَ تَشْفِي السَّقِیمَ، وَتَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ، لَا یَجْزِي بِالآئِكَ اَحَدٌ، وَ لاَ یَبْلُغُ مِدْحَتَكَ قَوْلُ قَائِلٍ .

اَللَّهُمَّ إِلَیْكَ رُفِعَتِ الأَصْوَاتُ، وَ نُقِلَتِ اَلْأَقْدَامُ، وَ مُدَّتِ اَلْأَعْنَاقُ، وَ رُفِعَتِ اَلْأَیْدِی، وَ دُعِیتَ بِالْأَلْسُنِ، وَتُقُرِّبَ إِلَيكَ بِالْأَعْمَالِ، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَ اِرْحَمْنَا،

(وَافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ(3).

اَللَّهُمَّ اِنَّا نَشْكُو إِلَیْكَ فَقَدْ غَیْبَهَ نَبِیِّنَا، وَ شِدَّهَ اَلزَّمَانِ عَلَیْنَا، وَ وُقُوعَ

ص: 32


1- المتهجّد: 200، عنه المستدرك : 405/5 ح9.
2- اشارة إلى الدعاء المنقول عن النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم:. .: اللّهمّ اهدني فيمن هديت ... (الفقيه: 487/1 ح1402
3- الأعراف: 89.

اَلْفِتَنِ، وَ تَظَاهُرَ اَلْأَعْدَاءِ، وَ كَثْرَهَ عَدُوِّنَا، وَ قِلَّهَ عَدَدِنَا فَافْرِجْ ذَلِكَ یَا رَبِّ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَ نَصْرٍ مِنْكَ تُعِزُّهُ، وَ إِمَامِ عَدْلٍ تُظْهِرُهُ، إِلَهَ اَلْحَقِّ آمِينَ.

ثمَّ تقول: أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ وَ أَتُوبُ إِلَیْهِ سَبْعِینَ مَرَّهً وَ تَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ اَلنَّارِ كَثِیراً(1).

أقول: قد ذكرنا الدعاء برواية السيد الأجل لكونه أتمّ واكمل.

1067- الثاني عشر : ما رواه السيّد الأجلّ في كتاب جمال الاسبوع بكمال العمل المشروع، عن مقاتل بن مقاتل(2)، قال أبو الحسن الرضا علیه السلام :

أيّ شيء تقولون في قنوت صلاة الجمعة؟ قال : قلت : ما يقول الناس، فقال علیه السلام لي : لاتقل كما يقولون، ولكن قل :

اَللّهُمَّ اَصْلِحْ عَبْدَكَ وَخَلیفَتَكَ، بِما اَصْلَحْتَ بِه اَنْبِیاءَكَ وَرُسُلَكَ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَاَیِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ مِنْ عِنْدِكَ، وَاسْلُكْهُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِه رَصَدا، یَحْفَظُونَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَاَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِه اَمْنا، یَعْبُدُكَ لایُشْرِكُ بِكَ شَیْئا، وَلا تَجْعَلْ لاِحَدٍ خَلْقِكَ عَلَی وَلِیِّكَ سُلْطانا، وَأْذَنْ لَهُ قی جِهادِ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّه وَاجْعَلْنی مِنْ اَنْصارِه، اِنَّكَ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ قَدیرٌ.(3).

أقول: قد ظهر من الروايات المذكورة تأكد الدعاء لمولانا صاحب الزمان علیه السلام في مطلق القنوتات، لكونها من الحالات الّتي يرجى فيها استجابة الدعوات، ولاسيّما قنوت الجمعة، والوتر، والفجر.

وفّقنا اللّه تعالی لذلك ورزقنا به عظيم الأجر.

ص: 33


1- الفقيه: 487/1 ح 1404، جمال الأسبوع: 257، عنهما البحار : 191/89 ،أوردناه في الصحيفة الصادقيّة : د: 142.
2- يستفاد من هذا الحديث أنّ مقاتل لم يكن واقفيّاً وقتئذ، ويدلُّ عليه أيضاً رواية أخرى مذكورة في كتاب الرجال الكبير ، راجع معجم الرجال : 311/18 -313.
3- جمال الأسبوع: 256، مصباح المتهجّد: 326، الصحيفة الرضويّة : 77 و 100.

7- في حال السجود للخالق المعبود

ومن الحالات الّتي يتأكّد فيها ذلك أيضاً، حال السجود للخالق المعبود، لانّها أقرب الحالات إلى قاضي الحاجات، كما نطقت به الروایات، عن الأئمّة السادات، فينبغي للعبد أن يسأل فيها أهمّ المهمّات،

وينبغي الإهتمام بذلك في سجدة الشكر بالخصوص إلتفاتاً إلى ما أنعم اللّه به علينا ببركة مولانا صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين ، ونظراً إلى أنّ الدعاء لوليّ النعم، والواسطة فيها، من أهمّ أصناف الشكر، كما بيّنّا في الباب السابق،

ويشهد لما قلناه ورود ذلك في خصوص سجدة الشكر :

1068- فقد ذكر في تحفة الأبرار، نقلا عن المقنعة للشيخ المفيد رحمه اللّه عند ذكر ما يقال فيها(1) هذا الدعاء :

أَللّهُمَّ إِلَیْكَ تَوَجَّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ، وَعَلَیْكَ تَوَكَّلْتُ؛ أَللّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِی وَرَجائِی، فَاكْفِنِی مَا أَهَمَّنِی وَمَا لاَ یُهِمُّنِی وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّی ، عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ، وَلاَإِلهَ غَیْرُكَ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَقَرِّبْ فَرَجَهُمْ(2).

هذا مضافاً إلى التّأسي به صلوات اللّه وسلامه عليه ، فقد ورد في صریح الأخبار أنّ مولانا الغائب عن الأبصار، دعا لهذا الأمر في حال السجود، حين ولادته، وهذا ممّا يدلّ على أهمّيته، وتعليم لمحبّيه وشیعته :

1069- روی رئیس المحدّثين في كتاب إكمال الدين : بإسناده عن حكيمة - في حديث طويل - إلى أن قالت :

وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشی بصري، وإذا أنا بالصبيّ علیه السلام ساجداً لوجهه ، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه، وهو يقول:

أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ جَدِّي مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ أَبِي أَمِير الْمُؤْمِنِینَ

ص: 34


1- أي في السجدة .
2- المقنعة : 17.

- ثمّ عدّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه - ثمّ قال: اَللَّهُمَّ أَنْجِزْلِي وَعْدِي، وَ اَتْمِمْ لِي اَمْرِي، وَثَبِّتْ وَطْاَتِی، وَامْلَأِ الْأَرْضَ بِي عَدْلاً وَقِسْطاً، الخبر(1).

8- في سجدة الشكر

ومنها : في سجدة الشكر، بعد الركعة الرابعة من صلاة الليل :

1070- فقد ذكر بعض علمائنا في كتاب آداب صلاة الليل : من آدابها أن يقال في السجدة بعد الركعة الرابعة : «ما شاء اللّه مائة مرّة»، ثم يقال :

يَا رَبِّ أَنْتَ اللَّهُ مَا شِئْتَ مِنْ أَمْرٍ يَكُونُ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْعَلْ لِي فِيمَا تَشَاءُ أَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ وَ تَجْعَلَ فَرَجِي وَ فَرَجَ إِخْوَانِي مَقْرُوناً بِفَرَجِهِمْ وَ تَفْعَلَ بِي «كَذَا وَ كَذَا»(2)

9- في كلّ صباح و مساء

ومنها : كلّ صباح ومساء، ويشهد لذلك العقل، والنقل،

أمّا الأوّل : فلا ريب عند العاقل العارف في حسن الإهتمام بذلك أداءً لبعض ما يجب مراعاته من حقوقه عليه الصلاة والسلام، ولیزیّن به صحيفة أعمال يومه وليلته الحفظة الكرام، ألا ترى العبيد والخدّام كيف يحضرون عند مواليهم وساداتهم، في كلّ صبيحة وعشيّة إظهاراً للخدمة، وشكراً للنعمة، فنحن أحقّ بذلك، لأنّا نعلم أنّ جميع ما أنعم اللّه عزّ وجلّ به علينا من أصناف النعم، وصنوف الإحسان، إنّما هو ببركة مولانا صاحب الزمان ، كما أثبتنا لك ذلك بواضح البرهان، فينبغي لك أن تحضر نفسك بجميع أركان وجودك في كلّ صباح ومساء بحضرته، وتعلم أنّك بمرأى منه ومسمع، وهو يراك، وإن لم تكن تراه، ويهتمّ بأمر من يحبّه ويهواه،

1071- كما نطق بذلك كتابه إلى الشيخ المفيد (رحمة اللّه علیه) حيث قال في جملة كلام له علیه السلام : «إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل

ص: 35


1- كمال الدين : 428/2 ضمن ح2، عنه البحار : 12/51 ضمن ح14، أوردناه في الصحيفة الرضويّة : 242 د: 83، والصحيفة الصادقيّه : د: 411.
2- المتهجّد: 145، عنه البحار : 250/87 .

بكم اللأواء، واصطلمكم الاعداء ... إلخ(1) فافتح مسامع قلبك تهيّأً لخدمته ، وأطع أمره الذي أمرك به إجابة لدعوته، فقد أمر أولياءه بذلك، فيما قدّمناه من الباب السابق بقوله علیه السلام : «وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم ... »

إلخ، وفيما ذكرناه كفاية واللّه تعالى وليّ الهداية .

1072- وأمّا الثاني: فلورود ذلك في دعاء مخصوص بكل صباح ومساء، عن مولانا الصادق علیه السلام ، فقد روى ثقة الإسلام الكليني رحمه اللّه في أصول الكافي بإسناده عن فرات بن الأحنف، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

مهما تركت من شيء فلا تترك أن تقول في كلّ صباح ومساء:

اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أَسْتَغْفِرُكَ فِي هَذَا الصَّبَاحِ، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ لِأَهْلِ رَحْمَتِكَ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ أَهْلِ لَعْنَتِكَ

اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أَبْرَأُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِي هَذَا الصَّبَاحِ مِمَّنْ نَحْنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ

اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ بَرَكَةً عَلَى أَوْلِيَائِكَ وَعَذَاباً عَلَى أَعْدَائِكَ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاكَ وَعَادِ مَنْ عَادَاكَ اللَّهُمَّ اخْتِمْ لِي بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ كُلَّمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ أَوْ غَرَبَتْ

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ،

اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَهُمْ وَ مَثْوَاهُمْ، اللَّهُمَّ احْفَظْ إمَامَ الْمُسْلِمِینَ بِحِفْظِ الْإیمَانِ، وَ انْصُرْهُ نَصْراً عَزِیزاً، وَ افْتَحْ لَهُ فَتْحاً یَسِیراً، وَ اجْعَلْ لَهُ وَ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِیراً

اللَّهُمَّ الْعَنْ «فُلَاناً وَ فُلَاناً» وَ الْفِرَقَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَی رَسُولِكَ وَ وُلَاةِ الْأمْرِ بَعْدَ

ص: 36


1- الإحتجاج: 2/ 323.

رَسُولِكَ وَ الْأئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ وَ شِیعَتِهِمْ وَ أسْألُكَ الزِّیَادَةَ مِنْ فَضْلِكَ وَ الْإقْرَارَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ وَ التَّسْلِیمَ لِأمْرِكَ وَ الْمُحَافَظَةَ عَلَی مَا أمَرْتَ بِهِ لَا أبْتَغِي بِهِ بَدَلًا وَ لَا أشْتَرِي بِهِ ثَمَناً قَلِیلًا، اللَّهُمَّ اهْدِنِی فِیمَنْ هَدَیْتَ وَ قِنِی شَرَّ مَا قَضَیْتَ إنَّكَ تَقْضِي وَ لَا یُقْضَي عَلَیْكَ وَ لَا یَذِلُّ مَنْ وَالَیْتَ، تَبَارَكْتَ وَ تَعَالَیْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَیْتِ تَقَبَّلْ مِنِّی دُعَائِي وَ مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إلَیْكَ مِنْ خَیْرٍ فَضَاعِفْهُ لِي أضْعَافاً مُضَاعَفَةً كَثِیرَةً وَ آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ أجْراً عَظِیماً

رَبِّ مَا أحْسَنَ مَا ابْتَلَیْتَنِی وَ أعْظَمَ مَا أعْطَیْتَنِي وَ أطْوَلَ مَا عَافَیْتَنِي وَ أكْثَرَ مَا سَتَرْتَ عَلَیَّ فَلَكَ الْحَمْدُ یَا إلَهِي كَثِیراً طَیِّباً مُبَارَكاً عَلَیْهِ مِلْ ءَ السَّمَاوَاتِ وَ مِلْ ءَ الْأرْضِ وَ مِلْ ءَ مَا شَاءَ رَبِّي كَمَا یُحِبُّ وَ یَرْضَی وَ كَمَا یَنْبَغِي لِوَجْهِ رَبِّي ذِي الْجَلَالِ وَ الْإكْرَام.(1)

أقول: ويشهد لما ذكرنا أيضاً دعاء العهد، الّذي يأتي إن شاء اللّه تعالى في الباب الثامن من هذا الكتاب، ويؤيّده أيضاً ما مرّ من الدعاء للفرج بعد صلاة الصبح، فتدبّر، ويؤيّده أيضاً ما ورد من عرض الأعمال كلّ صباح ومساء على

الأئمة علیه السلام ، ودعائهم لشيعتهم في هذا الحال ، فينبغي للمؤمن أيضاً الإشتغال بالدعاء في حقّ الإمام، والروايات كثيرة، مذكورة في الكافي والبصائر والبرهان، وغيرها من كتب علمائنا الاعلام.(2)

ويؤيّده أيضاً ما ورد من الحثّ على الذكر والدعاء، عند الإصباح والإمساء فإنّ ذلك الدعاء، من أفضل أصناف الدعاء،

لما نبّهنا عليه فيما مضى من هذا الكتاب واللّه الهادي إلى نهج الصواب .

ص: 37


1- الكافي : 529/2 ح 23، عنه البحار : 151/86 ح 14، أوردناه في الصحيفة الصادقيّة : د: 411
2- الكافي : 219/1 باب عرض الأعمال، بصائر الدرجات : 424، البرهان : 838/2 ، ذيل الآية : 105 من التوبة .

10- في الساعة الاخيرة من كلّ يوم

ومنها : الساعة الأخيرة من كلّ يوم، فإنّ النهار ينقسم إلى إثنتي عشر قسمة ، وكلّ قسمة تسمّى ساعة، وكلّ ساعة منها منسوب إلى واحد من الأئمّة علیهم السلام

وفيه دعاء مختصّ بها، في التوسّل والإستشفاع بالإمام الذي تنسب تلك الساعة إليه، وقد ذكرها علماؤنا الأخبار في كتبهم الموضوعة لذكر أعمال الليل والنهار، وذكروا أنّ الساعة الاخيرة مختصّة بالإمام الغائب عن الأبصار .

1073- وذكروا لتلك الساعة هذا الدعاء:

یَا مَنْ تَوَحَّدَ بِنَفْسِهِ عَنْ خَلْقِهِ، یَا مَنْ غَنِیَ عَنْ خَلْقِهِ بِصُنْعِهِ، یَا مَنْ عَرَّفَ نَفْسَهُ خَلْقَهُ بِلُطْفِهِ، یَا مَنْ سَلَكَ بِأَهْلِ طَاعَتِهِ مَرْضَاتَهُ، یَا مَنْ أَعَانَ أَهْلَ مَحَبَّتِهِ عَلَی شُكْرِهِ، یَا مَنْ مَنَّ عَلَیْهِمْ بِدِینِهِ وَ لَطُفَ لَهُمْ بِنَائِلِهِ

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ وَلِيِّكَ الْخَلَفِ الصَّالِحِ بَقِيَّتِكَ فِي اَرْضِكَ، الْمُنْتَقِمِ لَكَ مِنْ اَعْدَائِكَ وَاَعْدَاءِ رَسُولِكَ، وَبَقِيَّةِ آبَائِهِ الصَّالِحِينَ ، مُحَمَّدٍ بْنِ الحَسَنِ، وَاَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ بِهِ، وَأُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيْ حَوَائِجِي وَرَغْبَتِي إِلَيْكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ

مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَفْعَلَ بِي «كَذَا وَكَذَا، وَأَنْ تُدَارِكَنِي بِهِ وَتُنْجِيَنِي مِمَّا أَخَافُهُ وَاَحْذَرُهُ وَاَلْبِسْنِي بِهِ عَافِيَتَكَ وَعَفْوَكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،

وَكُنْ لَهُ وَلِيّاً وَحَافِظاً وَ نَاصِراً وَقَائِداً وَكَالِياً وَسَاتِراً، حَتَّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً، وَتُمتِّعَهُ فِيهَا طَوِيلاً، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، الَّذِينَ اَمَرْتَ بِطَاعَتِهِمْ، وَأُولِی الْأَرْحَامِ الَّذِينَ اَمَرْتَ بِصِلَتِهِمْ، وَذَوِي الْقُرْبَي الَّذِينَ اَمَرْتَ بِمَوَدَّتِهِمْ وَالْمَوَالِي الَّذِينَ اَمَرْتَ بِعِرْفَانِ حَقِّهِمْ، وَأَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً،

ص: 38

اَسْاَلَكَ بِهِمْ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَفْعَلَ بِي «كذا وكذا»(1).

11- يوم الخميس

ومنها : يوم الخميس :

1074- ويشهد على الإهتمام فيه بالدعاء لتعجيل فرج مولانا عليه الصلاة والسلام ما رواه السيّد في جمال الأُسبوع قال : ومن وظائف يوم الخميس، أنّه يستحبّ أن يصلّي فيه الإنسان على النبيّ صلوات اللّه عليه وعلى آله ، الف مرّة،

ويستحبّ أن يقول : للّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم . قال :

1075- وفي رواية أخرى يقول : مائة مرّة وفيه فضل كثير :

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ، وَأَهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.(2)

ويشهد لما قلناه أيضاً ما ورد في الأخبار من أنّه يوم عرض الأعمال على النبيّ المختار، والأئمّة الأظهار، وفي بعضها أنّ الإمام يدعو لمواليه.

أقول: فينبغي للمؤمن أن يكافئ مولاه، ويساعده في الدعاء تأسّياً به ، وموافقة له صلوات اللّه عليه وأخبار عرض الأعمال كثيرة، مذكورة في أصول الكافي والبصائر وتفسير البرهان وغيرها، تركنا ذكرها حذراً من الإطالة .(3)

12- ليلة الجمعة

ومنها : ليلة الجمعة :

يستفاد التأكيد والإهتمام بالدعاء فيها للخلف المنتظر علیه السلام من أمور :

أحدها : اختصاص يوم الجمعة به، لوجوه نشير إليها إن شاء اللّه تعالى، فينبغي في ليلتها الدعاء له صلوات اللّه عليه .

الثاني : أنّها ليلة عرض الأعمال، بناءً على رواية رواها صاحب كتاب الطائف المعارف.

ص: 39


1- البلد الأمين: 211، المتهجّد: 517، عنهما البحار : 354/86 ، أوردناه في الصحيفة الرضوية : 354 د: 162.
2- جمال الأسبوع: 121، المتهجّد: 257، عنهما البحار : 341/90 ح 57.
3- تقدّم ص 37 هامش 2.

1076 - الثالث : ما ورد في بعض الكتب المعتبرة الإماميّة، أنّ من أعمال ليلة الجمعة أن يقال مائة مرّة:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ، وَأَهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ، مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.(1)

1077- وقال الشيخ أبوجعفر الطوسيّ رحمة اللّه عليه في كتاب مختصر المصباح، عند ذكر وظائف ليلة الجمعة : وتقول في الصلاة على النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم :

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ، وَأَهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.. إمّا مائة مرة، أو ما تمكّن منه.1(2)

الرابع : ما نقله صاحب النجم الثاقب من استحباب قراءة دعاء الندبة في ليلة الجمعة، كاستحباب قراءته في يوم الجمعة .(3)

الخامس: الأخبار الواردة بالحثّ والترغيب في الدعاء ليلة الجمعة(4) بضميمة ما يدلّ على استحباب تقديم المؤمن الدعاء في حقّ مولاه على الدعاء في حقّه.

السادس: فحوى ما ورد من الأمر بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات في تلك الليلة، فإنّه علیه السلام أحقّ بذلك من جميع المؤمنین .

13 - يوم الجمعة في جميع الساعات والأحوال

ومنها : يوم الجمعة في جميع ساعاته عموماً، وخصوصاً بعد صلاة الغداة وعند الزوال، وعند الرواح إلى المسجد، وبعد صلاة العصر، وفي قنوت صلاة الظهر منه، وفي قنوت صلاة الجمعة، وفي خطبة صلاة الجمعة، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة،

ويشهد لما ذكرناه ورود الدعاء في حقه في تلك الأوقات عن الأئمّة الهداة :

1078- امّا بعد صلاة الغداة ، فقد روى في البحار دعاءً طويلاً قد ذكرناه في

ص: 40


1- المتهجّد: 265، عنه البحار: 89/ 289 ضمن ح3.
2- المتهجّد: 265، عنه البحار: 89/ 289 ضمن ح3.
3- 551.
4- روى السيّد (رحمة اللّه علیه) في جمال الأسبوع: 123 باسناده عن الصادق علیه السلام ، قال : إنّ ليلة الجمعة مثل يومها فان استطعت أن تحييها بالصلاة والدعاء فافعل.

كتابنا المسمّى بأبواب الجنّات في آداب الجمعات،

وهو دعاء شريف ينبغي المداومة عليه، ومحلّ الشاهد منه قوله :

اَللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيَّكَ فِي خَلْقِكَ وَلِيّاً وَحَافِظاً وَقَائِداً وَنَاصِراً حَتَّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فِیهَا طَوِيلاً، وَتَجْعَلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ فِيهَا الْأَئِمَّةَ الْوَارِثِينَ، وَاجْمَعْ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَكْمِلْ لَهُ أَمْرَهُ، وَأَصْلِحْ لَهُ رَعْيَّتَهُ، وَثَبِّتْ رُكْنَهُ، وَأَفْرِغِ الصَّبْرَ مِنْكَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَنْتَقِمَ فَيَشْتَفِي، وَيَشْفِي حَزَازَاتِ قُلُوبٍ نَغِلَةٍ، وَحَرَارَاتِ صُدُورِ وَغْرَةٍ، وَحَسَرَاتِ اَنْفُسٍ تَرِحَةٍ مِنْ دِمَاءٍ مَسْفُوكَةٍ، وَاَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ، وَطَاعَةٍ مَجْهُولَةٍ، قَدْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ الْبَلَاءَ، وَوَسَّعْتَ عَلَيْهِ الْآلَاءَ، وَأَتْمَمْتَ عَلَيْهِ النَّعَمَاءَ فِي حُسْنِ الْحِفْظِ مِنْكَ لَهُ

اللَّهُمَّ اكْفِهِ هَوْلَ عَدُوِّهِ وَ أَنْسِهِمْ ذِكْرَهُ وَ أَرِدْ مَنْ أَرَادَهُ وَ كِدْ مَنْ كَادَهُ وَ امْكُرْ بِمَنْ مَكَرَ بِهِ وَ اجْعَلْ دَائِرَهَ السَّوْءِ عَلَیْهِمْ - إلى آخر الدعاء، وفي آخره: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ، تقول ذلك ألف مرة إن استطعت.(1)

أقول: قد قدّمنا بشهادة الروايات، أنّ فرجهم علیهم السلام ، بل فرج جميع أولياء اللّه إنّما يكون بفرجه وظهوره، صلوات اللّه عليه ، فيتمّ المطلوب، مضافاً إلى ماقدّمنا من استحباب أن يقال بعد صلاتي الصبح والظهر في كلّ يوم:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ.

وأمّا عند الزوال : فيشهد له ما روينا في المكرمة الثالثة والعشرين وهو حدیث شریف، يشتمل على دعاء خاتم النبيّين والأئمّة المعصومين علیهم السلام .

وأمّا عند الرواح إلى المسجد ، فورد فيه ما يستحبّ أن يقال في العيدين عند الرواح، وهو مشتمل على الدعاء لمولانا القائم صلوات اللّه عليه ،

وسنذكره في محله إن شاء اللّه تعالى في هذا الباب .

ص: 41


1- البحار : 314/102 ، عنه ابواب الجنّات: 219.

1079- وأمّا بعد صلاة العصر، فقد روي في كتاب جمال الأسبوع:

بإسناده عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : إذا كان يوم القيامة، بعث اللّه تعالى الأيّام، ويبعث الجمعة أمامها كالعروس، ذات كمال وجمال، تهدى إلى ذي دین ومال، فتقف على باب الجنّة، والايّام خلفها، فيشفع لكلّ مَن أكثر الصلاة فيها على محمّد وآل محمّد علیهم السلام ، قال ابن سنان :

فقلت : كم الكثير في هذا؟ وفي أيّ زمان أوقات الجمعة أفضل؟

قال علیهم السلام : مائة مرّة، وليكن ذلك بعد العصر .

قال : وكيف أقولها؟ قال علیهم السلام : تقول:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ - مائة مرّة.(1)

ويدلّ على ذلك أيضاً كلام السيّد الأجل عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في جمال الأسبوع عند ذكر الدعاء المرويّ عن الشيخ الجليل - المتقدّم عثمان بن سعید(رحمة اللّه علیه)

وسنذكره إن شاء اللّه تعالى في الباب الآتي واللّه المستعان، وهو الهادي .

وأمّا في قنوت الظهر والجمعة فقد مرّ ما يدلّ عليه في تأكيد ذلك في القنوت

وأمّا في خطبة صلاة الجمعة، فتشهد لتأكّده رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر المرويّة في الكافي والوافي(2)، فراجع وتدبّر .

وأمّا آخر ساعة من يوم الجمعة، فيدلّ ورود ذلك بالخصوص في بعض الدعوات المذكورة بعد دعاء السمات، وهو ممّا يرجى فيه إجابة الدعوات:

1080- ففي جمال الصالحين ذكر هذا الدعاء :

اَللّهُمَّ اِنّی اَسْأَلُكَ بِحُرْمَهِ هذَا الدُّعآءِ، وَبِمافاتَ مِنْهُ مِنَ الْاَسْمآءِ، وَبِما یَشْتَمِلُ عَلَیْهِ مِنَ التَّفْسیرِ وَالتَّدْبیرِ الَّذی لایُحیطُ بِهِ اِلاّ اَنْتَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى

ص: 42


1- جمال الأسبوع: 277، عنه البحار: 91/90 ضمن ح4 .
2- الكافي : 3/ 432 ح6، عنه الوافي : 1150/8 ح12.

مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَهُمْ فِي عَافيَةٍ، وَتُهْلِكَ أَعْدَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ تَرْزُقَنَا بِهِم خَيْرَ مَانَرْجُو، وَخَيْرَ مَا لَا نَرْجُو، وَتَصْرِفَ بِهِمْ عَنَّا شَرَّمَانَحْذَرُ، وَشَرَّ مَا لَانَحْذَرُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ(1)

1081- وذكر في بعض الكتب المعتبرة دعاء آخر، يدعی به بعد دعاء السمات آخر يوم الجمعة، فيه دلالة على المطلوب، وهو هذا :

اللّهُمَّ بِحَقِّ هذَا الدُّعاءِ، وَبِحَقِّ هذِهِ الْأَسْماءِ الَّتی لا یَعْلَمُ تَفْسیرَها، وَلا یَعْلَمُ باطِنَها غَیْرُكَ، صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْعَلْ بی ما أَنْتَ أَهْلُهُ، وَلا تَفْعَلْ بی ما أَنَا أَهْلُهُ، وَاغْفِرْ لی مِنْ ذُ نُوبی ما تَقَدَّمَ مِنْها وَما تَأَخَّرَ، وَوَسِّعْ عَلَیَّ مِنْ حَلالِ رِزْقِكَ، وَاكْفِنی مَؤُونَهَ إِنْسانِ سَوْءٍ، وَجارِ سَوْءٍ، وَقَرینِ سَوْءٍ، وَسُلْطانِ سَوْءٍ، إِنَّكَ عَلَی ما تَشاءُ قَدیرٌ، وَبِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلَیمٌ، آمینَ رَبَّ الْعالَمینَ (2)

ويدلّ على تأكّد الدعاء علیه السلام و في يوم الجمعة ورود دعاء الندبة فيه، وفي العيدين، ونذكره إن شاء اللّه تعالى، في الباب الآتي(3)،

ولعلّ المتتبّع في كتب الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطياب، يطّلع على شواهد أخر لهذا الباب ، واللّه الهادي إلى نهج الصواب.

تكمیل : إعلم أنّ ليوم الجمعة اختصاصاً وانتساباً إلى مولانا الحجّة علیه السلام ، من وجوه عديدة، تقتضي الإهتمام فيه بالدعاء له علیه السلام ، قد ذكرناها في كتاب أبواب الجنّات في آداب الجمعات ، ونشير إليها في هذا الكتاب، تذكرة لأولي الألباب :

الأوّل: وقوع ولادته فيه .

الثاني : فيه انتقال الإمامة إليه .

الثالث : وقوع ظهوره فيه.

ص: 43


1- 171، عدّة الداعي: 76، عنه البحار : 99/90 .
2- البلد الأمين : 140، المتهجّد: 420.
3- يأتي ص110.

الرابع : استيلاؤه فيه على أعدائه .

الخامس: أنّه يوم أخذ العهد والميثاق له ولآبائه الاطهار .

السادس: أنّه يوم خصه اللّه تعالی بلقب القائم علیه السلام .

السابع : أنّه من جملة القابه الشريفة،

وقد ذكرنا هناك وجوهة أخرى، من أرادها فليرجع إلى ذلك الكتاب . (1)

14- يوم النيروز

ومن الأوقات : الّتي يتأكّد فيها الدعاء له علیه السلام ، وطلب ظهوره وفرجه صلوات اللّه عليه يوم النيروز، ويدلّ عليه رواية المعلّی بن خنيس، المذكورة في البحار وزاد المعاد، ويستفاد تاكّد ذلك فيه من مواقع عديدة من الرواية المذكورة يعرفها المتفطّن إن شاء اللّه تعالی، فراجع وتدبّر .(2)

15 - يوم عرفة

ومنها : يوم عرفة، ويشهد لذلك دعاء سیّد الساجدين علیه السلام ، المذكور في الصحيفة(3)، ودعاء مولانا الصادق علیه السلام ، المرويّ في الإقبال وزاد المعاد .(4)

16- يوم الفطر

ومنها : يوم الفطر، ويشهد لتأكّد هذا الدعاء فيه وروده في الدعاء المذكور في كتاب الإقبال عند إرادة الخروج إلى صلاة الفطر، أو الأضحى وسنذكره .(5)

1082- والدعاء الّذي يدعى به في الطريق عند الخروج إلى صلاة الفطر

قال رحمه اللّه تعالى: فصل: فيما نذكره من الدعاء في الطريق،

قال : استفتح خروجك بهذا الدعاء، إلى أن تدخل مع الإمام في الصلاة ، فإن فاتك منه شيء فاقضه بعد الصلاة :

اَللّهُمَّ اِلَیْكَ وَجَّهْتُ وَجْهي - وساق الدعاء إلى قوله - اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَی وَلیِّكَ الْمُنْتَظِرِ اَمْرَكَ، الْمُنْتَظَرِ لِفَرَجِ اَوْلِیائِكَ، اَللّهُمَّ اشْعَبْ بِهِ الصَّدعَ، وَارْتُقْ بِهِ الْفَتْقَ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ، وَزَیِّنْ بِطُولِ بَقآئِهِ الْأَرْضَ، وَأَیِّدْهُ بِالنَّصْرِكَ،

ص: 44


1- أبواب الجنّات : 341.
2- البحار : 308/53 ح 84، زاد المعاد : 523.
3- الصحيفة السجاديّة الجامعة : 323 ضمن الدعاء : 147.
4- الإقبال : 126/2 ، زاد المعاد : 275.
5- الإقبال : 476/1 .

وَانْصُرْهُ بِالرُّعْبِ، وَقَوِّ نَاصِرَهُم، وَاخْذُلْ خَاذِلَهُمْ، وَدَمْدِمْ عَلَى مَنْ نَصَبَ لَهُمْ، وَ دَمَّرْ عَلَى مَنْ غَشَّهُمْ - إلى آخر الدعاء ۔(1)

واستحباب دعاء الندبة فيه أيضا، واشتمال الدعاء الوارد حين الخروج إلى صلاة العيد عليه.

1083- وما ورد عن الصادق علیه السلام ، أنّه ما من يوم عيد فطر ولا أضحى إلّا ويتجدّد للأئمّة علیهم السلام حزن، لأنّهم يرون حقّهم في ايدي الغاصبين .(2)

أقول: فينبغي للمؤمن أن يلحّ في طلب ظهور مولاه ونصرته لرفع حزن أئمّته

17- يوم الأضحی

ومنها : يوم الأضحى، ويدلّ عليه تمام ما ذكرناه في عيد الفطر.

1084- وأمّا الدعاء المأثور الّذي يقال حين الخروج إلى صلاة العيد، فهو ما روي في كتاب الإقبال، بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : ادع في الجمعة والعيدين، إذا تهيّات للخروج، فقل:

اَللّهُمَّ مَنْ تَهَیَّا فی هذَا الْیَوْمِ، اَوْ تَعَبَّاَ، اَوْ اَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ، لِوِفادَةٍ اِلی مَخْلُوقٍ رَجاءَ رِفْدِه وَجائِزَتِه وَنَوافِلِه، فَاِلَیْكَ یاسَیِّدی كانَتْ وِفادَتی وَتَهْیِئَتی، واِعْدادی، وَاسْتِعْدادی، رَجاءَ رِفْدِكَ وَجَوائِزِكَ، وَنَوافِلِكَ

اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَخِیَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَعَلَی اَمیرِ الْمُؤْمِنینَ، وَوَصِيِّ رَسُولِكَ، وَصَلِّ یا رَبِّ عَلَی اَئِمَّةِ الْمُؤْمِنینَ: الْحَسَنِ وَالْحُسَیْنِ، وَعَلِيٍّ، وَمُحَمَّدٍ «وتسمّيهم إلى آخرهم حتّى تنتهي إلى صاحب الزمان علیه السلام»

وقل: اَللّهُمَّ افْتَحْ لَهُ فَتْحا یَسیرا، وَانْصُرْهُ نَصْرا عَزیزا، اَللّهُمَّ اَظْهِرْ بِه دینَكَ، وَسُنَّةَ رَسُولِكَ حَتّی لا یَسْتَخْفِیَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخافَةَ اَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ.

اَللّهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَیْكَ فی دَوْلَةٍ كَریمَةٍ، تُعِزُّ بِهَا الْاِسْلامَ وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فیها مِنَ الدُّعاةِ اِلی طاعَتِكَ وَالْقادَةِ اِلی سَبیلِكَ،

ص: 45


1- الإقبال : 476/1 .
2- الكافي: 169/4 ح2.

وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْیا وَالاْخِرَةِ، اَللّهُمَّ ما اَنْكَرْنا مِنْ حَقٍّ فَعَرِّفْناهُ، وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ، وتدعو اللّه له، وعلى عدوّه، وتسأل حاجتك، ويكون أخر كلامك:

اَللّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنا، اَللّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ تَذَكَّرَ فَیُذَكَّرُ.

اَللّهُمَّ مَا أَنْكَرْنَا(1) مِنْ حَقِّ فَعَرِّفْنَاهُ وَمَا قَصَرْنَا عَنْهُ فَبَلِّغْنَاهُ

وتدعو اللّه تعالی له، وعلى عدوّه، وتسأل حاجتك، ويكون آخر كلامك :

اَللّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنا، اَللّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ تَذَكَّرَ فَیُذَكَّرُ.(2)

18- یوم دحو الأرض

ومنها : يوم دحو الأرض، وهو اليوم الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة ويدلّ على الإهتمام بالدعاء فيه لمولانا صاحب الزمان،

ومسألة تعجیل فرجه من الخالق المنّان، الدعاء المنقول في الإقبال، وزاد المعاد .(3)

وقد اختلج بالفؤاد نكت شريفة لهذا الارتياد نذكرها تشويقاً للعباد :

منها: أنّه اليوم الّذي وعد في مثله ظهوره صلوات اللّه عليه، فإذا رأى المؤمن أنّ هذا اليوم من هذه السنة قد أتي، ولمّا يظهر إمامه علیه السلام تجدّد حزنه ، وعظم غمّه ، وبعثه عقله وإيمانه على الدعاء له، وطلب تعجیل فرجه.

ومنها : أنّ في هذا اليوم تنشر الرحمة، وتستجاب الدعوة، كما ورد في الرواية ، فالمؤمن الّذي يكون إمامه أعزّ عليه من نفسه، وأهله وولده، وعشيرته يجعل خالص دعائه لكشف الكرب عن وجه مولاه.

ومنها : أنّ هذا يوم أنعم اللّه عليه، بأن دحى الأرض لتعيّشه، وسكناه، وتلذّذه، وانتفاعه بما يهواه من صنوف مايخرج من الأرض، وما ينزل إليها،

ص: 46


1- أي ما جهلناه ولم نعرفه، ونظير هذا الكلام كثير ، منه رحمه اللّه .
2- الإقبال : 476/1 ، عنه البحار : 6/91، أوردناه في الصحيفة الباقرية : د: 137.
3- الإقبال : 29/2 ، مصباح المتهجّد: 670، زاد المعاد : 236.

ويعيش فيها(1) وإذا علم أنّ جميع ذلك إنّما هو ببركة مولاه كما نبّهنا عليه في الباب الثالث، حتم على نفسه التشكّر له بالدعاء، لأنّه الواسطة في تنعّمه بهذه النعماء، ولم يتسامح في ذلك.

ومنها : أنّه قد ورد الحثّ والترغيب في هذا اليوم على الإشتغال بذكر اللّه عزّ وجلّ، ولا ريب أنّ الاشتغال بالدعاء في حقّ مولانا صاحب الزمان من أفضل مصاديق ذلك العنوان.

19 - يوم عاشوراء

ومن الأوقات التي يتأكد فيها ذلك، يوم عاشوراء :

1085- ويدلّ عليه الدعاء المروي في الإقبال، والمزار، وزاد المعاد، عن الصادق علیه السلام رواه عبداللّه بن سنان (رحمة اللّه علیه) وأوّله:

اللّهمّ عذّب الّذين حاربوا رسلك وشاقّوك ... إلخ(2)،

والسرّ في ذلك : أنّ في مثل هذا اليوم ورد ما ورد من المصائب والبلاء على مولانا سیّد الشهداء، وقد وعد اللّه عزّ وجلّ أن ينتقم من ظالميه بمولانا القائم عجّل اللّه فرجه، كما نطقت به الروايات(3).

فإذا تذكّر المؤمن في هذا اليوم لمصائب الإمام المظلوم، وعلم أنّ اللّه تعالى قد قدّر لذلك منتقماً، بعثه إيمانه ووُدّه على الدعاء، وطلب ظهور ذلك المنتقم من سلطان السماء،

ولذا ورد هذا السؤال في الدعاء المذكور بهذا المنوال .

ومن هنا قلنا في الباب السابق : أن الداعي لهذا الامر الجليل يدرك به ما لايحصي ثوابه إلّا اللّه تعالى، وهو طلب ثار مولانا المظلوم الشهيد علیه السلام .

ص: 47


1- أقول: ولمّا كان هذا اليوم دحي اللّه الأرض بيُمنه ويُمن آبائه علیهم السلام لإكمال المادّيات كذلك في هذا اليوم بظهوره علیه السلام يكمل المادّيات والمعنويّات، فللمؤمن أن يسأل في هذا اليوم تعجيل ظهوره علیه السلام من صاحب العنايات، ويجعله من الفائزين بأنواع السعادات، منه (رحمة اللّه علیه) .
2- أوردناه في الصحيفة الصادقيّة : د: 1088.
3- أمالي الطوسي : 418 ح89، عنه البحار : 68/11 .

20- ليلة النصف من شعبان

ومنها : ليلة النصف من شعبان، لانها مولد صاحب الزمان علیه السلام ، فينبغي أن يشتغل بالدعاء له أهل الإيمان، وقد ورد في الروايات أنّ هذه الليلة تستجاب فيها الدعوات . قلت :

قد بيّنا سابقاً أنّ ذلك الدعاء أهم الدعوات عند ذوي العقول، فينبغي لهم أن يقدّموه في أوقات الإجابة على كلّ مأمول، ويؤيّد ما قلناه أنّ صاحب جمال الصالحين ذكر في أدعية هذه الليلة الدعاء المأثور عن مولانا الحجّة، أوله:

اللّهمّ صلّ على محمّد سيّد المرسلين، وخاتم النبيّين ... إلخ(1)، وهو دعاء شریف، سنذكره في صدر الباب السابع، ونبيّن الإهتمام به في جميع المواقع.

1086- ويشهد لما ذكرناه أيضاً الدعاء المذكور في الإقبال، وزاد المعاد أوّله : اللّهمّ بحقّ ليلتنا هذه ومولودها ... إلخ(2)،

ومن هذه العبارة تقدر على استفادة عظمة شأن تلك الليلة، فإيّاك أن يذهب عمرك فيها بالغفلة، وتترك فيها الخدمة، والدعوة للّذي حصل ببركة ولادته ذاك الشان لتلك الليلة.

1087- وينبغي لك أن تذكر قول مولانا الصادق علیه السلام في حقّه :

ولو أدركته لخدمته أيام حياتي، مضافة إلى أن ذلك من أقسام الشكر لتلك النعمة السنيّة، أعني ولادة مولانا الحجّة، ومضافاً إلى أنّها ليلة عرض الأعمال، على ما ورد في بعض الروايات، وهو ما روي في مستدرك الوسائل .(3)

21- يوم النصف من شعبان

ومنها : يوم النصف من شعبان، ويشهد للإهتمام فيه بذلك الدعاء جميع ما ذكرناه آنفاً، مضافاً إلى أنّ الإشتغال في هذا اليوم وتلك الليلة، أُسوة به صلوات اللّه عليه ، فإنّه قد دعا لذلك الأمر حين ولادته وهو ساجد، فقال:

ص: 48


1- أوردناه في الصحيفة الرضوية : 251 د: 2.
2- الإقبال : 3/ 330، المتهجّد: 842، الجنّة الواقية : 724.
3- بصائر الدرجات : 424 ح1، عنه البحار : 343/23 ح 29.

اَللَّهُمَّ اَنْجِزْلِي وَعْدي، وَأَتْمِمْ لِي اَمْرِي، وَثَبِّتْ وَطْاَتِی، وَامْلَأِ الْأَرْضَ بِي عَدْلاً وَقِسْطاً.(1)

22- جميع شهر رمضان خصوصاً لياليه

ومنها : جميع شهر رمضان، خصوصاً لياليه، لانّه شهر الدعاء وهذا الدعاء من أفضل الدعوات، ولذلك ورد الأمر والإهتمام. منه، عجّل اللّه تعالی فرجه بدعاء الإفتتاح، في ليالي هذا الشهر، فلا تغفل منه،

فإنّه دعاء نفیس شریف جدّاً، جامع لمطالب الدنيا والآخرة .(2)

1088- ويؤيّد ذلك أيضاً ما رواه رئيس المحدّثين شيخنا الصدوق رحمة اللّه تعالى عليه، في كتاب فضائل شهر رمضان : بإسناده عن الرضا علیه السلام - في ذكر فضائل شهر رمضان - قال : الحسنات في شهر رمضان : مقبولة، والسيّئات فيه مغفورة، من قرأ في شهر رمضان آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ كان كمن ختم القرآن في غيره من الشهور، ومن ضحك فيه في وجه أخيه المؤمن لم يلقه يوم القيامة إلّا ضحك في وجهه وبشّره بالجنّة، ومن أعان فيه مؤمناً، أعانه اللّه تعالى على الجواز على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام ، ومن كفّ فيه غضبه كفّ اللّه عنه غضبه يوم القيامة، ومن أغاث فيه ملهوفاً، آمنه اللّه من الفزع الأكبر يوم القيامة، ومن نصر فيه مظلوماً نصره اللّه على كلّ من عاداه في الدنيا، ونصره يوم القيامة عند ، الحساب والميزان.

شهر رمضان : شهر البركة، وشهر الرحمة، وشهر المغفرة، وشهر التوبة والإنابة، ومن لم يغفر له في شهر رمضان ففي أيّ شيء يغفر له، فاسألوا اللّه أن يتقبّل منكم فيه الصيام، ولا يجعله آخر العهد منكم، وأن يوفّقكم فيه لطاعته،

ويعصمكم من معصيته، إنّه خير مسؤول .(3)

أقول: قد بيّنا في الباب الخامس: أنّ الدعاء بتعجیل فرج مولانا الحجّة

ص: 49


1- أوردناه في الصحيفة الرضويّة : 342 د: 83، وص300 د: 26.
2- أوردناه في الصحيفة الرضويّة : 342 د: 83، وص300 د: 26.
3- 97، عنه البحار : 341/96 ح5 .

عجل اللّه تعالی فرجه ، من أقسام الإعانة والنصرة،

وقد حثّ على ذلك في هذا الحديث الشريف، أن يعمل به في هذا الشهر المكرّم، وإعانة الإمام علیه السلام أفضل من سائر أصنافه، وأتمّ.

1089- ويشهد لما ذكرنا من الإهتمام بذلك الدعاء في شهر الصيام أيضاً الدعاء المروي في الإقبال، وزاد المعاد، عن سيّد العابدين، وابنه أبي جعفر الباقر علیه السلام، أوّله : اَللَّهُمَّ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ،- وفيه : اَساَلُكَ ... أَنْ تَنْصُرَ خَلِيفَةَ مُحَمَّدٍ، وَوَصِيَّ مُحَمَّدٍ، وَالْقَائِمَ بِالْقِسْطِ مِنْ أَوْصِيَاءِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، إِعْطِفْ عَلَيْهِمْ نَصْرَكَ... إلخ.(1)

1090- ويشهد لذلك أيضاً ما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه) في كتاب الصوم من فروع الكافي، عن محمّد بن عيسى بإسناده عن الصالحين علیهم السلام قال : يكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً، وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك ، ومتی حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد اللّه تبارك وتعالى والصلاة على النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم :

اَللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ «فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَلِيّاً وَحَافِظاً وَنَاصِراً وَدَلِيلاً وَقَائِداً وَعَيْنَا، حَتَّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً، وَتُمَتِّعَهُ فِيهَا طَوِيلاً(2)

أقول: دلّ هذا الحديث الشريف على أنّ الدعاء لذاك الأمر المنيف في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان أهمّ، وآكد من سائر الأزمان، كما أنّه في شهر الصيام أهمّ، وآكد من سائر شهور العام،

ووجهه : اجتماع جهات الإجابة، والإنابة والإثابة في الليلة المزبورة ، ونزول الملائكة والروح وانفتاح ما لا يفتح في غيرها من أبواب الفتوح بل يظهر

ص: 50


1- الإقبال : 202 - 208، عنه البحار : 101/08 - 105، الصحيفة السجادية الجامعة : د: 117.
2- الكافي : 162/4 ح4، التهذيب : 103/3 .

من صریح بعض الروايات أنّها ليلة القدر، الّتي هي خير من ألف شهر :

1091- وهو ما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في أصول الكافي، في باب النوادر - آخر أبواب كتاب فضل القرآن - بإسناده عن الصادق علیه السلام، عن النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم إنّه قال : أُنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان .(1)

فهذا الحديث بضميمة قوله عزّ وجلّ: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)

يدلّ على أنّها ليلة ثلاث وعشرين، وهذا واضح لأهل التبيين .

1092- وذكر المحقق النوري رحمة اللّه تعالى عليه في كتاب النجم الثاقب الدعاء المذكور بوجه أبسط نقلاً عن كتاب المضمار، تألیف سیّد العلماء الأبرار الّذي ينبغي أن يقتدي به عامّة أولي الأبصار، السيّد عليّ بن طاووس رحمة اللّه تعالى عليه وهو هذا:

اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِیِّكَ الْقَائِمِ بِأَمرِكَ، الحُجَّةِ بنِ الحَسَنِ المَهديِّ عَلَیْهِ وَ عَلَی آبَائِه أَفْضَلُ الصَّلَاهِ وَ السَّلَامِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلیّاً وَوَ حَافِظاً وَ قَائِداً وَ نَاصِراً وَ دَلِیلاً وَ مُؤَیِّداً حَتَّی تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَ تُمَتِّعَهُ فِیهَا طُولاً وَ عَرْضاً وَ تَجْعَلَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ مِنَ اَلْأَئِمَّهِ اَلْوَارِثِینَ اَللَّهُمَّ اُنْصُرْهُ وَ اِنْتَصِرْ بِهِ وَ اِجْعَلِ اَلنَّصْرَ [مِنْكَ] لَهُ وَ عَلَی یَدِهِ وَ اَلْفَتْحَ عَلَی وَجْهِهِ وَ لاَ تُوَجِّهِ اَلْأَمْرَ إِلَی غَیْرِهِ اَللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِینَكَ وَ سُنَّهَ نَبِیِّكَ حَتَّی لاَ یَسْتَخْفِیَ بِشَیْءٍ مِنَ اَلْحَقِّ مَخَافَهَ أَحَدٍ مِنَ اَلْخَلْقِ اَللَّهُمَّ إِنِّی أَرْغَبُ إِلَیْكَ فِی دَوْلَهٍ كَرِیمَهٍ تُعِزُّ بِهَا اَلْإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ وَ تُذِلُّ بِهَا اَلنِّفَاقَ وَ أَهْلَهُ وَ تَجْعَلُنَا فِیهَا مِنَ اَلدُّعَاهِ إِلَی طَاعَتِكَ وَ اَلْقَادَهِ إِلَی سَبِیلِكَ وَ آتِنا فِی اَلدُّنْیا حَسَنَهً وَ فِی اَلْآخِرَهِ حَسَنَهً وَ قِنا عَذابَ اَلنّارِ، وَ اِجْمَعْ لَنَا خَیْرَ اَلدَّارَیْنِ وَ اِقْضِ عَنَّا جَمِیعَ مَا تُحِبُّ فِیهِمَا وَ اِجْعَلْ لَنَا فِی ذَلِكَ اَلْخِیَرَهَ بِرَحْمَتِكَ وَ مَنِّكَ فِی عَافِیَهٍ آمِینَ رَبَّ اَلْعَالَمِینَ وَ زِدْنَا مِنْ فَضْلِكَ،

ص: 51


1- الكافي : 629/2 ح6.

وَ یَدِكَ اَلْمَلْأَی فَإِنَّ كُلَّ مُعْطٍ یَنْقُصُ مِنْ مِلْكِهِ وَ عَطَاؤُكَ یَزِیدُ فِی مُلْكِكَ.(1)

23- ليلة السادسة من شهر رمضان

ومنها : الليلة السادسة من شهر الصيام،

1093- ويستفاد ذلك من الدعاء المنقول في الإقبال من كتاب محمّد بن أبي قرّة :

اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَلْوَاحِدُ اَلْقَدِیمُ وَ اَلْآخِرُ اَلدَّائِمُ وَ اَلرَّبُّ اَلْخَالِقُ وَ اَلدَّیَّانُ یَوْمَ اَلدِّینِ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ بِلاَ مُغَالَبَةٍ وَ تُعْطِی مَنْ تَشَاءُ بِلاَ مَنٍّ وَ تَمْنَعُ مَا تَشَاءُ بِلاَ ظُلْمٍ وَ تُدَاوِلُ اَلْأَیَّامَ بَیْنَ اَلنَّاسِ یَرْكَبُونَ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أَسْأَلُكَ یَا ذَا اَلْجَلاَلِ وَ اَلْإِكْرَامِ وَ اَلْعِزَّةِ اَلَّتِي لاَ تُرَامُ

وَ أَسْأَلُكَ یَا اَللَّهُ وَ أَسْأَلُكَ يَا رَحْمَانُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ فَرَجَنَا بِفَرَجِهِمْ وَ تَقَبَّلَ صَوْمِي

وَ أَسْأَلُكَ خَیْرَ مَا أَرْجُو وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَحْذَرُ إِنْ أَنْتَ خَذَلْتَ فَبَعْدَ اَلْحُجَّهِ وَ إِنْ أَنْتَ عَصَمْتَ فَبِتَمَامِ اَلنِّعْمَهِ یَا صَاحِبَ مُحَمَّدٍ یَوْمَ حُنَیْنٍ وَ صَاحِبَهُ وَ مُؤَیِّدَهُ یَوْمَ بَدْرٍ وَ خَیْبَرَ وَ اَلْمَوَاطِنِ اَلَّتِی نَصَرْتَ فِیهَا نَبِیَّكَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ اَلسَّلاَمُ یَا مُبِیرَ اَلْجَبَّارِینَ وَ یَا عَاصِمَ اَلنَّبِیِّینَ

أَسْأَلُكَ وَ أُقْسِمُ عَلَیْكَ بِحَقِّ یس `وَ اَلْقُرْآنِ اَلْحَكِیمِ وَ بِحَقِّ طه وَ سَائِرِ اَلْقُرْآنِ اَلْعَظِیمِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَحْصُرَنِي عَنِ اَلذُّنُوبِ وَ اَلْخَطَایَا وَ أَنْ تَزِیدَنِي فِی هَذَا اَلشَّهْرِ اَلْعَظِیمِ تَأْیِیداً تَرْبِطُ بِهِ عَلَی جَأْشِي وَ تَسُدُّ بِهِ عَلَی خَلَّتِي اَللَّهُمَّ إِنِّي أَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِ أَعْدَائِي لاَ أَجِدُ لِي غَیْرَكَ هَا أَنَا بَیْنَ یَدَیْكَ فَاصْنَعْ بِي مَا شِئْتَ - لاَ یُصِیبُنِي إِلاَّ مَا كَتَبْتَ لِي أَنْتَ حَسْبِي وَ نِعْمَ اَلْوَكِیلُ(2)

ص: 52


1- 510، أورده السيّد (رحمة اللّه علیه) في الإقبال : 191/1 ، عنه البحار : 349/97.
2- الإقبال : 261/1 ، عنه البحار : 24/98 .

24 - اليوم الثامن من شهر رمضان

ومنها : اليوم الثامن من شهر الصيام

1094- ويستفاد الإهتمام بذلك من الدعاء المروي في الإقبال :

اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ مِنْ أَعْمَالِي عَمَلًا أَعْتَمِدُ عَلَیْهِ وَ أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَیْكَ أَفْضَلَ مِنْ وَلَایَتِكَ وَ وَلَایَةِ رَسُولِكَ وَ آلِ رَسُولِكَ الطَّیِّبِینَ صَلَوَاتُكَ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمْ أَجْمَعِینَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَیْكَ بِمُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَتَوَجَّهُ بِهِمْ إِلَیْكَ فَاجْعَلْنِي عِنْدَكَ یَا إِلَهِي بِكَ وَ بِهِمْ وَجِیهاً فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَهِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِینَ فَإِنِّي قَدْ رَضِیتُ بِذَلِكَ مِنْكَ تُحْفَةً وَ كَرَامَةً فَإِنَّهُ لَا تُحْفَةَ وَ لَا كَرَامَةَ أَفْضَلُ مِنْ رِضْوَانِكَ وَ التَّنَعُّمِ فِي دَارِكَ مَعَ أَوْلِیَائِكَ وَ أَهْلِ طَاعَتِكَ

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنِي بِوَلَایَتِكَ وَ احْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ أَهْلِ وَلَایَتِكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي وَدَائِعِكَ الَّتِي لَا تَضِیعُ وَ لَا تَرُدَّنِي خَائِباً بِحَقِّكَ وَ حَقِّ مَنْ أَوْجَبْتَ حَقَّهُ عَلَیْكَ وَ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ تُعَجِّلَ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ فَرَجِي مَعَهُمْ وَ فَرَجَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَهٍ بِرَحْمَتِكَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ.(1)

25- الليلة الثانية عشرة من شهر رمضان

ومنها : الليلة الثانية عشرة منه

1095- ويشهد للإهتمام به الدعاء المذكور في الكتاب المزبور :

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ، وَ مُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ، وَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ، وَ كَلِمَاتِكَ التَّامَّةَ الَّتِي لایُجاوِزُهُنَّ بِرٌّ وَلافاجِرٌ، فَإِنَّكَ لَاتَبِيدُ وَلَاتَنْفَدُ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَتَقَبَّلْ مِنِّي وَمِنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانِ وَقِيَامَهُ، وَتَفُكَّ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ.

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْ قَلْبِي بَارّاً، وَعَمَلِي سَارّاً وَرِزْقِي دَارّاً، وَحَوْضَ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ لِي قَرَاراً وَ مُسْتَقَرّاً، وَتُعَجِّلْ

ص: 53


1- الإقبال : 1/ 269، عنه البحار : 28/98 .

فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي عَافِيَةٍ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.(1)

26- اليوم الثالث عشر من شهر رمضان

ومنها : اليوم الثالث عشر منه ، وهذا دعاؤه:

1096- اَللَّهُمَّ إِنِّي أَدِینُكَ بِطاعَتِكَ وَوِلایَتِكَ، وَوِلایَةِ مُحَمَّدٍ نَبِیِّكَ، وَوِلایَةِ أَمِیرِ المُؤْمِنِینَ حَبِیبِ نَبِیّكَ، وَوِلایَهِ الحَسَنِ وَالحُسَیْنِ سِبْطَيْ نَبِیِّكَ وَسَیِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ جَنَّتِكَ، وَأَدِینُكَ یا رَبِّ بِوِلایَهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَیْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ وَعَلِيِّ بْنِ مُوسی وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَسَیِّدِي وَمَوْلايَ صاحِبِ الزَّمانِ

أَدِینُكَ یا رَبِّ بِطاعَتِهِمْ وَوِلایَتِهِمْ وَبِالتَّسْلِیمِ بِما فَضَّلْتَهُمْ رَاضِیاً غَیْرَ مُنْكِرٍ وَلا مُسْتَكْبِرٍ عَلَی (مَعْنی) ما أَنْزَلْتَ فِي كِتابِكَ.

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَادْفَعْ عَنْ وَلِیِّكَ وَخَلِیفَتِكَ وَلِسانِكَ، وَالقآئِمِ بِقِسْطِكَ، وَالمُعَظِّمِ لِحُرْمَتِكَ، وَالمُعَبِّرِ عَنْكَ، وَالنّاطِقِ بِحُكْمِكَ، وَعَیْنِكَ النّاظِرَةِ، وَأُذُنِكَ السّامِعَةِ، وَشاهِدِ عِبادِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَی خَلْقِكَ، وَالُمجاهِدِ فِي سَبِیلِكَ، وَالُمجْتَهِدِ فِي طاعَتِكَ، وَاجْعَلْنِي وَوالِدَيَّ وَما وَلَدا وَوُلْدِي مِنَ الَّذِینَ یَنْصُرُونَهُ وَیَنْتَصِرُونَ بِهِ فِي الدُّنْیا وَالآخِرَةِ، اِشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنا، اَللَّهُمَّ أَمِتْ بِهِ الجَوْرَ وَدَمْدِمْ بِمَنْ نَصَبَ لَهُ وَاقْصِمْ رُؤُوسَ الضَّلالَهِ حَتّی لا تَدَعَ عَلَی الأَرْضِ مِنْهُمْ دَیّاراً(2)

27- اليوم الثامن عشر، والليلة التاسعة عشر منه

ومنها : اليوم الثامن عشر، والليلة التاسعة عشر منه، ويستفاد الإهتمام به من ملاحظة الدعوات الواردة المنقولة في الإقبال(3) واللّه المستعان في كلّ حال .

ص: 54


1- الإقبال : 1/ 282، عنه البحار: 98/ 34.
2- الإقبال : 1/ 287، عنه البحار : 37/98 .
3- الإقبال : 1/ 310، عنه البحار : 48/98 .

28- اليوم الحادي والعشرون منه

ومنها : اليوم الحادي والعشرون منه، خصوصاً بعد أداء فريضة الصبح؛

1097- ويدلّ على ذلك ما رواه السيد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في الإقبال بالإسناد عن حمّاد بن عثمان، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، فقال لي: يا حمّاد، اغتسلت؟ قلت: نعم،

جعلت فداك، فدعا بحصير ، ثمّ قال : إلى لزقي(1)، فصل، فلم يزل يصلّي، وأنا أصلّي إلى لزقه، حتّى فرغنا من جميع صلاتنا، ثمّ أخذ يدعو، وأنا أُؤمّن على دعائه ، إلى أن اعترض الفجر، فأذّن وأقام، ودعا بعض غلمانه، فقمنا خلفه ،

فتقدّم، وصلّى بنا الغداة ، فقرأ بفاتحة الكتاب، و«إنّا أنزلناه في ليلة القدر» في الأولى، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب، و «قل هو اللّه أحد».

فلمّا فرغنا من التسبيح والتحميد والتقديس والثناء على اللّه تعالى والصلاة على رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم ، والدعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمین والمسلمات، الأوّلين والآخرین، خرّ ساجداً، لا أسمع منه إلّا النفس، ساعة طويلة، ثمّ سمعته يقول:

لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ خَالِقُ الْخَلْقِ بِلَا حَاجَةٍ فِيكَ إِلَيْهِمْ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُبْدِئُ الْخَلْقِ، لَايَنْقُصُ مِنْ مُلْكِكَ شَيْءٌ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ بَاعِثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، مُدَبِّرُ الْأُمُورِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ دَيَّانُ الدِّينِ

وَجَبَّارُ الْجَبَابِرَةِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُجْرِى الْمَاءِ فِي الصَّخْرَةِ الْصَّمَاءِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُجْرِى الْمَاءِ فِي النَّبَاتِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُكَوِّنُ طَعْمِ الثَّمَارِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُحْصِيَ عَدَدِ الْقَطْرِ وَمَا تَحْمِلُهُ السَّحَابُ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُحْصِي عَدَدَ مَا تَجْرِى بِهِ الرِّيَاحُ فِي الْهَوَاءِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُحْصِيَ مَا فِي الْبِحَارِ مِنْ رَطْبٍ وَیَابِسٍ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُحْصِيَ مَا يَدُبُّ فِي ظُلُمَاتِ البِحَاِر، وَفِي أَطْبَاقِ الثَّرَی.

ص: 55


1- أي جانبي .

اَسْاَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوِ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّاكَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلِقَكَ، مِنْ نَبِيٍّ أَوْ صِدِّيقٍ، أَوْ شَهِیدٍ أَوْ أَحَدٍ مِنْ مَلَائِكَتِكَ

وَأَسْاَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلَتْ بِهِ اَعْطَيْتَ، وَأَسْاَلُكَ بِحَقِّكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمْ وَبَرَكَاتُكَ، وَبِحَقِّهِمُ الَّذِي أَوْجَبْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ، وَاَنَلْتَهُمْ بِهِ فَضْلَكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ بِاِذْنِكَ، وَسِرَاجِكَ السَّاطِعِ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي اَرْضِكَ وَسَمَائِكَ، وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَميِنَ، وَنُوراً إِسْتَضَاءَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، فَبَشَّرَنَا بِجَزِيلِ ثَوَابِكَ، وَاَنْذَرَنَا الْأَلِيمَ مِنْ عَذَابِكَ، أَشْهَدُ اَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ، وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ، أَشْهَدُ أَنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ ذَائِقُوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ

أَسْاَلُكَ يَا اَللَّهُ يَا اَللَّهُ يَا اَللَّهُ ، يَا رَبَّاهُ يَا رَبَّاهُ یَا رَبَّاهُ، یَا سَیِّدِي یَا سَیِّدِي یَا سَیِّدِي، يَا مَوْلَايَ يَا مَوْلَايَ يَا مَوْلَايَ، اَسْاَلُكَ فِي هَذِهِ الْغَدَاةِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ أَوْفَرِ عِبَادِكَ وَسَائِلِيكَ نَصِيبًا، وَأَن تَمُنَّ عَلَيَّ بِفِكَاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، یَا اَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

وَأَسْاَلُكَ بِجَمِيعِ مَا سَاَلْتُكَ وَمَالَمْ اَسْاَلُكَ، مِنْ عَظِيمِ جَلَالِكَ، مَا لَوْ عَلِمْتُهُ لَسَاَلْتُكَ بِهِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، وَأَنْ تَأْذَنَ لِفَرَجِ مَنْ بِفَرَجِهِ فَرَجُ أَوْلِيَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَبِهِ تُبِيدُ الظَّالِمِينَ وَتُهْلِكُهُمْ، عَجِّلْ ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاَعْطِنِي سُؤْلِي يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فِي جَمِيعِ مَا سَاَلْتُكَ ، لِعَاجِلِ الدُّنْيَا وَ آجِلِ الْآخِرَةِ

يَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، أَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَأَقِلْنِي بِقَضَاءِ حَوَائِجِي، يَا خَالِقِي وَیَا رَازِقِي وَیَا بَاعِثِي، وَیَا مُحْیِي عِظَامِي وَهِيَ رَمِيمٌ، صَلِّ

ص: 56

عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَاسْتَجِبْ لِي دُعَائِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

فلمّا فرغ رفع رأسه، قلت: جعلت فداك ، سمعتك وأنت تدعو بفرج من بفرجه فرج اصفياء اللّه وأوليائه، أو لست أنت هو؟

قال علیه السلام : لا، ذاك قائم آل محمّد علیهم السلام ، قلت: فهل لخروجه علامة؟ قال :نعم، كسوف الشمس عند طلوعها ثلثي ساعة من النهار، وخسوف القمر ثلاث وعشرين، وفتنة تظلّ(1) أهل مصر البلاء، وقطع النيل(2) إكتف بما بيَّنت لك، وتوقع أمر صاحبك ليلك ونهارك، فإنّ اللّه كلّ يوم في شأن، لا يشغله شأن عن شان، ذلك اللّه ربّ العالمين، وبه تحصين أوليائه وهم له خائفون.(3)

29- بعد ذكر مصيبة سيّد الشهداء علیه السلام

ومنها : بعد ذكر مصيبة سيّد الشهداء ، لانّه قسم من الإنتصار له علیه السلام، كما ذكرنا في الباب السابق في المكرمة السابعة والاربعين(4)،

ويؤيّد ذلك ما ذكر بعض أصدقائي الصالحين، أنّه رأی مولانا الحجّة علیه السلام في المنام، فقال ما معناه : إنّي لادعو لمؤمن يذكر مصيبة جدي الشهيد، ثمّ يدعو لي بتعجيل الفرج والتأیید.

30- بعد زيارة مولانا صاحب الزمان علیه السلام

ومنها : بعد زيارته، أي زيارة مولانا صاحب الزمان علیه السلام ،

وقد صرّح بذلك الشهيد في الدروس.

أقول: ويشهد لذلك ورود الدعاء له بالخصوص بعد الزيارات المأثورة، المنقولة في الكتب المعمولة، وسنذكرها أو بعضها في الباب الثامن، إن شاء اللّه تعالى، ويشهد لذلك العقل والعرف أيضاً، فإن المتعارف بين الناس الدعاء

للاكابر والاعاظم حين الحضور بين أيديهم، فينبغي للمؤمن العارف بما هو المتعارف أن لا يغفل عن ذلك حين يجعل نفسه حاضر بين يدي مولاه لزيارته ، خصوصا إذا علم أن ذلك موافق لميل قلبه وإرادته بمقتضى ما قدمنا رواية من التوقيع المأثور عن ناحيته حيث قال علیه السلام :

ص: 57


1- يصل، خ.
2- السبيل، خ.
3- الإقبال : 366/1 .
4- تقدّم ج 549/1 .

«وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ...» إلخ.(1)

31- عند البكاء من خشية الله تعالى

ومنها: عند البكاء من خشية اللّه تعالى، لأنّه أقرب الحالات، ومظّنّة استجابة الدعوات، فينبغي للمؤمن أن يذكر مولاه بالدعاء له أداءٌ لبعض ما يجب عليه من حقوقه صلوات اللّه عليه .

1098- ويشهد لذلك ما روي في الوسائل، في أبواب قواطع الصلاة ، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، يعني الصدوق (رحمة اللّه علیه)، بإسناده عن منصور بن يونس بزرج أنّه سأل الصادق علیه السلام عن الرجل يتباكي في الصلاة المفروضة حتّى يبكي،

فقال علیه السلام : قرّة عين واللّه ، وقال علیه السلام: إذا كان ذلك فاذكرني عنده .(2)

أقول: لا يخفى أنّ الأمر بذلك لكونه إمام زمانه ، و صاحب حقّ عليه، فينبغي لكلّ مؤمن ومؤمنه العمل بذلك بالنسبة إلى إمام زمانه، أداءً لحقّه بجنانه ولسانه .

32- عند تجدّد كلّ نعمة، وزوال كلّ محنة

ومنها : عند تجدّد كلّ نعمة وزوال كلّ محنة، لانّه واسطة كلّ نعمة، وببركته يدفع عنّا كلّ محنة، وقد ذكرنا سابقاً أن الدعاء في حقّ واسطة النعم من أقسام الشكر المرغوب إليه، ومن هنا نقول برجحان الصلاة على محمّد وآل محمّد علیهم السلام عند تجدّد كلّ نعمة أيضاً ، فإنّهم أولياء النعم، كما في الزيارة الجامعة(3) والروايات المستفيضة، بل المتواترة .

33- عند عروض الهمّ والغمّ

ومنها : عند عروض الهمّ والغمّ، لأنّ من آثار الدعاء له علیه السلام دعاؤه في حقّ الداعي كما مرّ، فيكون دعاؤه سبباً لزوال غمّ الداعي، ولما تقدّم في عدّة روایات أنّ الإمام علیه السلام يحزن لحزن أوليائه(4) ولا ريب في دعائه لهم عند ذلك، كما أُشير إليه في الرواية أيضاً(5).

ص: 58


1- الإحتجاج : 281/2 ، عنه البحار : 181/53 ح10.
2- التهذيب : 2/ 323 ح 175، عنه الوسائل : 4/ 1250 ح1.
3- الفقيه : 609/2 ح3213، عیون أخبار الرضا علیه السلام : 2/ 277 ح1، عنه البحار : 127/102 ح4 .
4- بصائر الدرجات : 260 ح 2، عنه البحار : 140/26 ح12.
5- بصائر الدرجات : 260 ح 2، عنه البحار : 140/26 ح12.

فينبغي لأوليائه التأسّيّ به في الدعاء لكشف همّه وغمّه، مضافاً إلى أنّه قد يكون همّه سبباً لهمّ أوليائه، كما في بعض الروايات، فيتأكّد لهم الدعاء له حينئذ

ويمكن التأييد لما ذكرناه علیه السلام بقوله لا في التوقيع الّذي قدّمناه : « وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم»، بناء على احتمال رجوع إسم الإشارة إلى الدعاء ، يعني أن هذا الدعاء يكون سبباً لفرجكم، واستراحتكم عن كلّ شدّة وغمّ إن شاء اللّه تعالی.

34- عند الشدائد والبليّات

ومنها : في الشدائد والبليّات :

فينبغي الإكثار من الدعاء بتعجیل فرجه عند ذلك لوجوه :

الأول : أنّه باعث لدعائه كما مّر.

الثاني : دعاء الملائكة، فإنّهم يدعون لمن يدعو في حقّ المؤمن الغائب ، كما مرّ، ودعاؤهم مستجاب إن شاء اللّه تعالی .

الثالث : قوله علیه السلام : وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم، بناء على ما ذكرناه آنفا.

الرابع : أنّ الدعاء له نحو من التوسّل به صلوات اللّه عليه ، وهو وسيلة النجاة من الشدائد والبليّات.

35- بعد صلاة التسبيح «صلاة جعفر الطيّار»

ومنها : بعد صلاة التسبيح : يعني صلاة جعفر بن أبي طالب، خصوصاً إذا صلّيتها يوم الجمعة، ويشهد لذلك الدعاء المأثور عن مولانا الكاظم علیه السلام المرويّ في كتاب جمال الأسبوع وغيره (1).

وفّقنا اللّه وسائر المؤمنين إن شاء اللّه تعالی.

36- قبل الدعاء لنفسك وأهلك

ومنها : قبل الدعاء لنفسك وأهلك، ويدّل على ذلك ما ذكرناه في المكرمة الرابعة عشرة فراجع، مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى حقيقة الإيمان .

ص: 59


1- جمال الأسبوع: 186، عنه البحار : 197/91 ، وأورده الشيخ (رحمة اللّه علیه) في المتهجد: 310.

1099- فقد ورد في الحديث النبويّ ما حاصله: أنّ المؤمن لا يكون مؤمناً حتى يكون رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم أعزّ عليه من نفسه، وأهله أعزّ عليه من أهله، وما أهمّه أهمّ عنده من مهمّه(1)، ولا ريب في أنّ الدعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان من مهامّ الأمور. وبه يحصل شفاء الصدور، فينبغي للمؤمن أن يبتدئ به قبل الدعاء لنفسة، وأهله، رعاية لحقّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وأهله.

37 - يوم الغدير

ومنها : يوم الغدير ، لانّه اليوم الّذي خصّ اللّه فيه أمير المؤمنين والائمّة الطاهرين بالولاية على المؤمنين، وبخلافة خاتم النبيّين صلی اللّه علیه وآله وسلم،

وهي الولاية الّتي يرثها مولانا صاحب الزمان عن آبائه المعصومین علیهم السلام ،

فإذا رأى المؤمن في هذا اليوم تسلّط الغاصبين، وتغلّب الظالمين، واختفاء حافظ الدين، بعثه إيمانه ووداده على الدعاء بتعجیل فرجه، ومسألة ظهوره، وسهولة مخرجه، ولانّه يوم تجديد العهد المأخوذ، والميثاق المشهود،

والدعاء الفرج صاحب الزمان مما يصدق ذلك العنوان،

1100- ويشهد لتأكّد ذلك الدعاء في هذا اليوم لاهل الوداد، وروده بالخصوص في الدعاء المذكور في الإقبال، وزاد المعاد .

أوّله : اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد نبيّك، وعليّ وليّك، والشأن والقدر الّذي خصصتهما به دون خلقك ... .

وآخره: اللّهمّ فرّج عن أهل بيت محمّد نبيّك، واكشف عنهم، وبهم عن المؤمنين الكربات، اللّهمّ املأ الارض بهم عدلاٌ كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنجز لهم ما وعدتهم إنّك لا تخلف الميعاد .(2)

ويستحبّ أيضاً في هذا اليوم أن تسأل اللّه تعالى أن يجعلك من أنصاره عجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره.

ص: 60


1- أمالي الصدوق : 414 ح 542، عنه البحار : : 75/27 ح4.
2- الإقبال : 2/ 305، عنه البحار : 320/98 ، زاد المعاد : 342.

1101- فقد ورد ذلك في دعاء شريف طويل مذكور في كتاب الإقبال وهذه العبارة آخر الدعاء:

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالْحَقِّ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ، وَبِالَّذِي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ جَمِيعاً، أَنْ تُبَارِكَ لَنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا الَّذِي أَكْرَمْتَنَا فِيهِ بِالْوَفَاءِ لِعَهْدِكَ، الَّذِي عَهِدْتَ إِلَيْنَا وَالْمِيثَاقِ الَّذِي وَاثَقْتَنَا بِهِ مِنْ مُوَالاَةِ أَوْلِيَائِكَ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكَ، وَتَمُنَّ عَلَيْنَا بِنِعْمَتِكَ، وَتَجْعَلَهُ عِنْدَنَا مُسْتَقَرّاً ثَابِتاً وَلاَ تَسْلُبْنَاهُ أَبَداً، وَلاَ تَجْعَلْهُ عِنْدَنَا مُسْتَوْدَعاً فَإِنَّكَ قُلْتَ: «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ»(1) فَاجْعَلْهُ مُسْتَقَرّاً ثَابِتاً، وَارْزُقْنَا نَصْرَ دِينِكَ مَعَ وَلِيٍّ هَادٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ قَائِماً رَشِيداً هَادِياً مَهْدِيّاً مِنَ الضَّلاَلَةِ إِلَى الْهُدَى، وَاجْعَلْنَا تَحْتَ رَايَتِهِ وَفِي زُمْرَتِهِ شُهَدَاءَ صَادِقِينَ، مَقْتُولِينَ فِي سَبِيلِكَ وَعَلَى نُصْرَةِ دِينِكَ، انتهى.(2)

وقد ورد قريب من هذه العبارة في الدعاء المذكور في زاد المعاد، وفيما ذكرناه كفاية لأهل البصيرة والإرتياد.

38- في مطلق الأوقات الشريفة، والليالي والأيّام المتبرّكة

ومنها: مطلق الأوقات الشريفة، والليالي والأيام المتبرّكة،

1102- ويدلّ على ذلك ما في مزار البحار بإسناده عن عليّ بن محمّد بن فيض بن مختار، عن أبيه عن سادس الائمّة الاطهار، عليهم صلوات الملك العفّار أنّه سئل عن زيارة أبي عبداللّه الحسین علیه السلام فقيل : هل في ذلك وقت هو أفضل من وقت؟ فقال علیه السلام : زوروه صلّى اللّه عليه في كلّ وقت، وفي كلّ حين،

فإنّ زيارته علیه السلام خير موضوع، فمن أكثر منها فقد استكثر من الخير، ومن قلّل قلّل له، وتحرّوا بزيارتكم الأوقات الشريفة، فإنّ الاعمال الصالحة فيها مضاعفة، وهي اوقات مهبط الملائكة لزيارته، الحديث.(3)

ص: 61


1- الأنعام: 98.
2- الإقبال: 288/2 و 289، عنه البحار : 307/98 .
3- الإقبال : 45/1 ، عنه البحار : 98/101 ح29.

أقول: محل الشاهد قوله علیه السلام : فإن الأعمال الصالحة فيها مضاعفة، إذ لا ريب في أنّ الدعاء من أفضل العبادات، ولا سيّما الدعاء المذكور، أعني مسألة تعجيل الفرج والظهور لإمامنا المظلوم المستور،

وما ذكرناه واضح كالنور، على شاهق الطور.

39- في مجالس المخالفين وغاصبي حقوق الأئمّة الطاهرين

ومنها : إذا حضرت مجالس المخالفين، وغاصبي حقوق الأئمّة الطاهرين،

1103- لما روي في كامل الزيارات - في باب زيارات الحسين علیه السلام -:

أنّ يونس بن ظبيان قال لأبي عبداللّه علیه السلام: جعلت فداك ، إنّي أحضر مجالس هؤلاء القوم - يعني ولد س اب ع(1) . فما أقول؟

قال علیه السلام: إذا حضرتهم وذكرتنا فقل :

اللّهمّ أرنا الرخاء والسرور فإنّك تأتي على كلّ ما تريد ... إلخ(2)

إذ لا يخفى أنّ هذا دعاء لحصول الفرج، وظهور الدولة الحقّة،

وهو دعاء جامع، كما نبّه عليه بقوله علیه السلام : فإنّك تأتي على كلّ ما تريد .

ثمّ لا يخفى أن الدعاء بهذه العبارة لمكان التقيّة، فلا خصوصيّة لها، بل يستفاد منها محبوبيّة الدعاء لفرجهم، والإهتمام به عند حضور مجالس المخالفين بكلّ ما تيسّر للمؤمن من كيفيّات الدعاء لحصول فرجهم، وظهور دولتهم الّتي وعدها اللّه عزّ وجلّ بمنّه وكرمه إنّه قريب مجيب.

40- في أربعين يوماً مداوماً

ومنها : أن يداوم بالدعاء للفرج أربعين يوماً، فإنّ للمداومة بكلّ عبادة أربعين يوماً أثراً خاصّاً، وفوائد مخصوصة، ولذلك ورد الترغيب بذلك في الأخبار المأثورة عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام عموماً وخصوصاً :

1104- أمّا الأوّل : فالحديث النبويّ المعروف، المروي في عدّة من الكتب المعتبرة : ما أخلص عبد للّه عزّ وجلّ أربعين صباحاً إلّا جرت ينابيع الحكمة من

ص: 62


1- هو مقلوب عبّاس، هكذا عبّر تقيّة.
2- كامل الزيارات : 3/ 362ح2، عنه البحار : 152/101 .

قلبه على لسانه ، إنتهی .(1)

وورد بهذا المضمون أو قريب منه روایات عديدة .

1105- وأما الثاني : فهو ما روي في البحار عن تفسير العيّاشيّ، عن فضل ابن أبي قرة، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: أوحى اللّه إلى إبراهيم :

إنّه سيولد لك، فقال لسارة، فقالت : ألد وأنا عجوز؟! فأوحى اللّه إليه :

إنها ستلد، ويعذّب أولادها أربعمائة سنة بردّها الكلام عليَّ، قال : فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى اللّه أربعين صباحاً، فأوحى اللّه إلى موسى وهارون أن يخلّصهم من فرعون، فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة .

قال : وقال أبو عبداللّه علیه السلام : وهكذا أنتم ، لو فعلتم لفرّج اللّه عنّا ،

فأمّا إذا لم تكونوا، فإنّ الأمر ينتهي إلى منتهاه .(2)

أقول: قد مرّ ما يتعلّق بشرح هذا الحديث في الباب السابق(3)

ويدلّ على المقصود أيضاً الترغيب بقراءة دعاء العهد، المروي عن الصادق علیه السلام أربعين صباحاً، فلا تغفل .(4)

41- في شهر المحرّم ، وكلّ يوم وقع فيه ظلم على الأئمّة علیهم السلام

ومنها : شهر المحرّم، وكلّ يوم وقع فيه ظلم من الاعداء على الأئمّة النقباء ، فإنّ إيمان المؤمن وودّه لهم، وحزنه عليهم، يبعثه على المطالبة بذحولهم، وأوتارهم، وظلامتهم، وذلك لايتيسّر في مثل هذه الأزمان إلّا بمسألة تعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان ، كما لا يخفى .

الأمكنة الّتي يتأكد فيها الدعاء له علیه السلام :

اشارة

تتميم نفعه عميم: إعلم أنه كما يتأكّد الدعاء بتعجیل فرج مولانا الحجّة علیه السلام في أزمنة مخصوصة كذلك يتأكّد في أمكنة مخصوصة، إمّا للتأسّي به علیه السلام ، أو الرواية ذلك عن الأئمّة الكرام، أو لاعتبارات عقليّة مقبولة عند أولي الأفهام.

ص: 63


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 68/2 ح 321، عنه البحار : 242/70 ح 10.
2- العياشي : 2/ 315 ح 49، عنه البحار : 140/13 ح 57 وج 131/52 ح34.
3- تقدّم ج 467/1 .
4- مصباح الزائر : 546، عنه البحار : 111/102 .

1- المسجد الحرام

فمنها : المسجد الحرام، ويشهد لذلك . مضافاً إلى أنّه من مظانّ الإجابة فينبغي الإهتمام فيه بما علم أهمّيته عند اللّه عزّ وجلّ وعند أوليائه، وعرف أعمّيّة نفعه لاحبّائه - دعاؤه (عجل اللّه تعالی فرجه) لذلك في ذاك المقام :

1106- فقد روى الشيخ الصدوق في إكمال الدين قال : حدّثنا محمّد بن موسی بن المتوكّل قال : حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري (رحمة اللّه علیه) قال: سألت محمّد بن عثمان العمري (رحمة اللّه علیه) فقلت له : أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال : نعم، وآخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام، وهو يقول: اللّهمّ انجز لي ما وعدتني.(1)

1107۔ وقال الصدوق أيضاً : حدّثنا محمّد بن موسی بن المتوكّل قال :

حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري قال : سمعت محمّد بن عثمان العمري (رحمة اللّه علیه)

يقول: رأيته صلوات اللّه عليه متعلقة بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول:

اللّهم انتقم لي من أعدائي .(2)

2- العرفات في محلّ الوقوف

ومنها : العرفات، في محلّ الوقوف :

ويدلّ على ذلك وروده في الدعاء المرويّ عن الصادق علیه السلام ، في ذلك المقام، والدعاء مذكور في زاد المعاد ، فليرجع إليه أخبار العباد .(3)

٣- السرداب : «سرداب الغيبة»

ومنها : السرداب، يعني سرداب الغيبة في سامرّاء،

ويشهد للإهتمام بالدعاء هناك ما ورد في كتب الزیارات،

ولعلّنا نذكر بعضها في الباب الثامن إن شاء اللّه تعالی

4- المقامات المنسوبة إليه علیه السلام و مشاهده ومواقفه

ومنها : المقامات المنسوبة إليه، ومشاهده ، ومواقفه المباركة بيمن وقوفه علیه السلام فيها، كمسجد الكوفة، ومسجد السهلة، ومسجد صعصعة، ومسجد جمكران

ص: 64


1- إكمال الدين : 2/ 440 ح 9 و 10، عنه البحار : 30 /52 ح23 ، أوردناه في الصحيفة الرضويّة :342 د: 84 و 85.
2- إكمال الدين : 2/ 440 ح 9 و 10، عنه البحار : 30 /52 ح23 ، أوردناه في الصحيفة الرضويّة :342 د: 84 و 85.
3- الإقبال : 2/ 117 اوّل الدعاء : لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، وآخره: اللّهمّ يا ربّ نشكو غيبة نبيّنا عنّا، وقلّة ناصرنا، وكثرة عدوّنا ...، عنه البحار : 18/ 238 - 255 ح4، زاد المعاد : 277، وأوردناه في الصحيفة الصادقيّة الجامعة.

وغيرها، لأنّ عادة أهل المودّة جارية على أنّهم إذا شهدوا موقفاً من مواقف محبوبهم تذكّروا لأخلاقه، وتألّموا لفراقه، ودعوا في حقّه، بل يانسون بمواقفه، ومنزله حبّاً له، كما قيل:

أمّر على الديار دیار ليلى***أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

فما حبّ الدیار شغفن قلبي***ولكن حبّ من سكن الديارا

وقيل أيضاً في هذا المعنی:

ومن مذهبي حبّ الدیار لاهلها***وللناس فيما يعشقون مذاهب

فينبغي للمؤمن المخلص إذا دخل السرداب المباركة أوشهد موقفاً من مواقفه الكريمة المشرّفة، أن يتذكّر صفات مولاه، من صفات الجمال والجلال، والكمال وما هو فيه من بغي أهل العناد والضلال، ويتفجّع غاية التفجّع من تصوّر تلك الأحوال، ويسأل من القادر المتعال أن يسهّل فرج مولاه، ويعطيه ما يتمنّاه ، من دفع الأعداء ونصر الأولياء.

هذا، مضافاً إلى أنّ المقامات المذكورة مواقف عبادته ودعائه علیه السلام.

فينبغي للمؤمن المحبّ التأسّي به في ذلك، فإنّ الدعاء بتعجیل فرجه، وكشف الكرب عن وجهه، من أفضل العبادات، وأهمّ الدعوات.

5- حرم مولانا الشهيد المظلوم أبي عبدالله الحسين علیه السلام

ومنها : حرم مولانا الشهيد المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام لانّ المؤمن إذاتصوّر في حرمه الشريف ما وقع عليه وعلى أهله، من أنواع الظلم والمصائب وعلم أنّ الطالب بدمه والمنتقم من أعدائه وظالمية، مولانا الصاحب، بعثه عقله وحبّه إلى الدعاء بتعجيل فرجه وظهوره، دعاء المحبّ الراغب،

1108- ويشهد لذلك ما في رواية أبي حمزة الثماليّ، المروية في كامل الزيارات، في الباب التاسع والسبعين، عن الصادق علیه السلام ، حيث قال في موضع من تلك الزيارة بعد الصلاة على الحسين صلوات اللّه عليه :

وتصلّي على الأئمّة علیهم السلام كلهم، كما صلّيت على الحسن والحسين علیهماالسلام ،

ص: 65

وتقول : اللّهمّ أتمم بهم كلماتك، وأنجز بهم وعدك ... إلخ .(1)

وفي موضع آخر منها قال علیه السلام : ثمّ ضع خدّك عليه وتقول :

اللّهمّ ربّ الحسین، اشف صدر الحسين،

اللّهمّ ربّ الحسين، أُطلب بدم الحسين علیه السلام ، إلخ.(2)

ووجه الدلالة واضح، لانّ مولانا الحجّة علیه السلام هو الّذي يطلب بدم الحسين ، ويشفي صدره بالإنتقام من أعدائه .

6- حرم مولانا أبي الحسن الرضا علیه السلام

ومنها: حرم مولانا الرضا علیه السلام لورود ذلك في الزيارة المرويّة في كامل الزيارات:

1109- ففيها : بعد الصلاة على كلّ واحد من الأئمّة علیهم السلام :

اللّهمّ صلّ على حجّتك ووليك ، والقائم في خلقك، صلاة نامية باقية ، تعجلّ بها فرجه، وتنصره بها ... إلخ.(3)

7- حرم الإمامين العسكريّين علیهماالسلام

ومنها : حرم العسكريّين علیهماالسلام بسرّ من رأى،

1110- ويشهد له ما ورد في زيارة مذكورة لهما في الكتاب المذكور : اللّهمّ عجّل فرج وليّك وابن وليّك، واجعل فرجنا مع فرجهم، يا أرحم الراحمين .

8- مشهد كلّ واحد من الأئمّة المعصومين علیهم السلام

ومنها : مشهد كلّ واحد من الأئمّة علیهم السلام

لأنّه من أفضل ما يتقرّب به إليهم ويسرّهم، ويزلف لديهم، ويشهد لذلك ما ورد في كامل الزيارات(4) في باب الزيارة لجميع الأئمة علیهم السلام ، فراجع،

بل يمكن أن يقال : إنّ هذا الدعاء من أهمّ وظائف الأنام، في كلّ مكان له خصوصيّة واحترام قال اللّه تعالى شأنه : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... ) الآية(5)، فإنّ ذلك الدعاء من أفضل الأذكار، وأحبّها عند أُولي الأبصار وأهمّها عند أهل الإعتبار، فينبغي الإهتمام به في آناء الليل وأطراف النهار .

ص: 66


1- كامل الزيارات: 405، 414، عنه البحار : 101/ 180، 185.
2- كامل الزيارات: 405، 414، عنه البحار : 101/ 180، 185.
3- كامل الزيارات : 517، 521، عنه البحار : 46/102 ، 63.
4- كامل الزيارات : 517، 521، عنه البحار : 46/102 ، 63.
5- النور: 36.

الباب السابع: يشتمل على ثلاثة مقاصد

اشارة

«من الكتاب»

يشتمل على ثلاثة مقاصد:

المقصد الأوّل :

المقصد الأوّل : في أُمور ينبغي التنبيه عليها قبل الشروع

في ذكر مطالب ينبغي التنبيه عليها قبل الشروع في المقصود وهي أمور:

الأوّل: إعلم أنّ الفوز بجميع الفوائد والمثوبات المذكورة في الباب الخامس يتوقّف على المداومة والإكثار من الدعاء بتعجیل فرج مولانا الغائب عن الأبصار، لأنّ جملة من الفوائد المذكورة إنّما يترتّب على امتثال أمره المطاع الأعلى في التوقيع الشريف الّذي مرّ ذكره:

«وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ... » إلخ، فراجع وتدبّر .

الثاني: ينبغي ويؤكّد للداعي تهذيب النفس عمّا يمنع عن قبول العبادة من الصفات الرديّة، والملكات المُردية، والأعمال الموبقة،

كحبّ الدنيا الدنيّة، والكبر ، والحسد، والغيبة، والنميمة وغيرها، لانّ الدعاء من أفضل العبادات الشرعيّة، خصوصاً الدعاء لمولانا الحجّة بالفرج والظهور والعافية، ويجب أن تكون نيّته في الدعاء خالصة عن جميع الشوائب النفسانيّة، والأهوية الشيطانيّة ،

ص: 67

فإنّ تخليص القصد من أهمّ مايجب على الإنسان مراعاته، كما دلّت على ذلك من القرآن آیاته(1) وتواتر عليه من قول النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم روایاته(2)

وفّقنا اللّه وسائر المؤمنين إن شاء اللّه تعالی.

الثالث : يتوقّف كمال المثوبات والمكارم المذكورة على تحصيل التقوى، لقوله تعالى : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(3)، فكما أنّ للتقوی درجات، فللقبول ايضاً درجات، فمن كانت التقوى فيه أقوى، فالمكارم الحاصلة له من ذلك الدعاء أكمل، وأجلى، وكذا الحال في سائر العبادات الشرعيّة، من أقسامها الفرضيّة، والنفليّة،

وإنّما قلنا: يتوقّف كمال المثوبات على ذلك، لأنّ الظاهر من جملة من الآيات كقوله تعالى : (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)(4)

وقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(5)

وقوله تعالى : (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ)(6)

وقوله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)(7) ونحوها۔

ترتّب الثواب على الأعمال الصالحة، وإن كان العامل مذنباً،

فمقتضى الجمع، بشهادة الروايات الكثيرة ترتّب كمال الثواب على التقوى،

ولبسط الكلام مقام آخر.

الرابع : قد ظهر من مطاوي كلماتنا فيماسبق، ترتّب المثوبات والمكارم المذكورة على إكثار الدعاء له علیه السلام بتعجيل الفرج والظهور، سواء كان بالفارسيّة

ص: 68


1- الأعراف : 7، (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)، وفي سورة البيّنة: 5، (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).
2- قال صلی اللّه علیه وآله وسلم - في حديث -: فعليكم بالدعاء وأخلصوا النيّة - البحار : 288/93 ذح1.
3- المائدة : 27.
4- الكهف: 30.
5- التوبة : 120.
6- آل عمران: 195.
7- الاحقاف: 16.

أم بالعربيّة، أم غيرها من اللغات والألسنة، لإطلاق الأدلّة والروايات المأثورة المذكورة، كقوله علیه السلام : «واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج»، وقول العسكري علیه السلام :«ووفّقه للدعاء بتعجیل فرجه(1)» وغيرها.

الخامس: أنّه لا فرق في ذلك بين النظم والنثر، وكذا لا فرق بين أن يكون عبارة الدعاء من منشآت الداعي أو غيره، لعين ما مرّ في الرابع آنفاً .

السادس: يجوز تأليف الدعاء باللغة العربية للعارف باللسان وبكيفيّة الدعاء للأصل، وللعمومات، والإطلاقات الآمرة بالدعاء، من غير تخصیص بلغة من اللغات، أو نحو من الأنحاء.

1111- ويؤيّد ذلك ما روي في البحار، نقلاً عن خطّ الشهيد (رحمة اللّه علیه) : عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّ الدعاء يردّ البلاء وقد أُبرم إبراماً

قال الوشّاء : فقلت لعبد اللّه بن سنان : هل في ذلك دعاء موقّت؟

فقال : أما إنّي سالت الصادق علیه السلام ، فقال علیه السلام: نعم،

أمّا دعاء الشيعة المستضعفين ففي كلّ علّة من العلل دعاء موقّت،

وأمّا المستبصرون البالغون، فدعاؤهم لايحجب (إنتهى).(2)

1112- ويشهد لما ذكرنا أيضاً ما روي في الكافي، والتهذيب والوسائل، مسنداً عن إسماعيل بن الفضل، قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن القنوت وما يقال فيه ، قال : ما قضى اللّه على لسانك، ولا أعلم فيه شيئاً موقّتاً.(3)

إذ لا فرق بين القنوت وغيره، ويشهد لذلك روايات أخر تركناها اختصارة .

1113- فإن قلت : قد روي في الكافي والفقيه، عن عبدالرحيم القصير ، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فقلت : جعلت فداك ، إنّي اخترعت دعاء،

ص: 69


1- كمال الدين : 384 ح 1، عنه البحار : 24/52 ح16.
2- مجموعة الشهيد: مخطوط، عنه البحار : 89/94 ح ا ، والمستدرك : 264/5 ح 1 .
3- الكافي : 3/ 340 ح8، التهذيب : 2/ 314ح137، الوسائل : 908/4 ح1.

قال علیه السلام: دعني من اختراعك، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ... الحديث(1).

فقد أمر الصادق علیه السلام بترك الدعاء المخترع .

قلت : إنّ هذا الأمر ليس على سبيل الحتم والإلزام، بقرينة ما تقدّم من الأدلة على جواز الدعاء بكلّ نحو من الكلام، بل المراد بيان الأفضل، وهو ما أخذ عن الأئمّة المعصومين علیه السلام ، فإنّ أفضليّة الدعوات المأثورة عنهم ممّا لاریب فيه، ولاكلام، لانّهم العارفون بصفات الخالق المتعال، وكيفيّة المسألة ، والمناجاة والتذلّل له عزّ وجلّ، وما ورد عنهم أكد تأثيراً، وأسرع إجابة البتّة ،

ومنهم تعلّمت الملائكة التسبيح والتقديس، كما ورد في الحديث.(2)

السابع : هل يكفي إخطار الدعاء بالجنان من دون إظهار باللسان؟

الظاهر عدم الكفاية، لعدم صدق العنوان عند أهل العرف واللسان .

1114- فإن قلت: قد روي في أصول الكافي بسند صحيح، عن زرارة، عن أحدهما علیهماالسلام قال : لايكتب الملك إلّا ما سمع،

وقال اللّه عزّ وجلّ: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً)(3) فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير اللّه عزّ وجلّ لعظمته، إنتهی .(4)

فكما أنّ الذكر بالقلب يكون ذكراً ويثاب عليه ، فكذلك الدعاء، لانّه من أقسام الذكر .

قلت : الدعاء أخصّ من الذكر، ولمّا كان الذكر مقابلاً للغفلة والذهول، صدق على الذاكر بالقلب، أنّه ذاكر للّه تعالى، والدعاء مقابل للسكوت،

فلا يصدق إلّا بإجرائه على اللسان، كما نبّهنا عليه في أوّل العنوان .

ص: 70


1- الكافي : 476/3 ح1، الفقيه: 559/1 ح1548، عنهما الوسائل : 958/2 ح1.
2- البحار : 24/ 88 ح وج 21/25 ح 34 وج 325/26 و346.
3- الأعراف : 205.
4- الكافي : 502/2 ح، عنه الوسائل : 1188/4 ح 1.

الثامن : قال الشيخ الكبير في كشف الغطاء:

الدعاء قائماً أفضل من الجلوس، والجلوس من الإضطجاع.

التاسع : قد تقدّم أنّ الدعاء بما روي عن الأئمّة المعصومين أفضل وأولی، لما سبق في الأمر السادس، مضافاً إلى ما ورد في الآيات والروايات من الأمر باتّباعهم، وأخذ العلم وكيفيّة الطاعة والعبادة عنهم،

كقول اللّه تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)(1)،

وقوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)(2) لانّ الذكر هو رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، لقوله تعالى شأنه : (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ...)(3) إلخ.

فأهل بيته المعصومون هم أهل الذكر، كما ورد تفسيره بهم صلوات اللّه عليهم أجمعين ، في روايات عديدة، مذكورة في محلّها(4)

ومضافاً إلى الأمر بقراءة الأدعية المرويّة عنهم، والمثوبات الموعودة المترتّبة عليها المضبوطة في كتب الدعوات،

ومضافاً إلى ذكرهم، ونقلهم الأدعية الواردة عن كلّ واحد، ليعرف المؤمنون، ويعملوا عليها، وغير ذلك من الشواهد الّتي توجب القطع بأفضليّة الدعوات المأثورة عنهم على غيرها ، مضافاً إلى أنّ شرف الكلام بقدر شرف المتكلّم، ولهذا قيل : إنّ كلام الملوك ملوك الكلام.

والحاصل : أنّ تقدّم إختيار ما ورد عنهم من الأدعية على الدعاء الّذي يؤلّفه الشخص بسليقته ولسانه ممّا لاريب فيه، ولا شبهة تعتريه ،

لكن قد ورد حديثان يوهم ظاهرهما خلاف ذلك، فلا بدّ من توجيههما، رواهما المحدّث العاملي في الوسائل :

1115- أحدهما عن زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام علّمني دعاءً،

ص: 71


1- آل عمران : 31.
2- النحل : 43.
3- المزمّل : 15.
4- البحار : 23/ 173 باب أنهم علیهم السلام الذكر وأهل الذكر .

فقال علیه السلام : إنّ افضل الدعاء ما جرى على لسانك .(1)

1116۔ والثاني من كتاب عبداللّه بن حمّاد الأنصاري: بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام انّه سال سائل أن يعلّمه دعاءً، فقال : (مثله).(2)

أقول: يحتمل أن يكون ذلك السائل زرارة، وهذا الراوي نقل سؤاله،

وعلى كلّ حال يحتمل كلّ منهما وجوهاً:

أحدها : أن يكون المراد بما جرى على اللسان ذكر فضائل الأئمّة، ورواية احادیثهم، ونشر أحكام الشريعة عنهم، ومجادلة أعدائهم والإحتجاج عليهم، فإنّها أفضل من الدعاء، لما فيه من إبقاء آثار الدين وإعلاء أعلام اليقين، ودعوة الناس إلى اتّباع سيّد المرسلين، ومنافع ذلك عامّة بالنسبة إلى سائر الخلق .

1117- ويشهد لذلك ما روي في أصول الكافي : بإسناده عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل راوية لحديثكم، يبثّ ذلك في الناس، ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ، ولعلّ عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيّهما أفضل؟ قال علیه السلام :

الراوية لحديثنا، يشدّ به في قلوب شيعتنا، أفضل من ألف عابد، إنتهی .(3)

ولمّا كان زرارة أهلاً لذلك أمره به، وبيّن أنّه أفضل ممّا سأله،

والحاصل أنّ الدعاء بالمعنى اللغوي قسمان :

أحدهما : نداء اللّه تعالى للسؤال منه عزّ وجلّ .

والثاني : نداء الخلق لدعوتهم، وهدايتهم إلى اللّه عزّ وجلّ، فهما فردان للدعاء، والراوي لمّا سأله علیه السلام من القسم الأول، وكان من أهل القسم الثاني، حثّه عليه، وبيّن له أنّه أفضل بقوله علیه السلام: أفضل الدعاء ما جرى على لسانك،

وهذا وجه لطيف يظهر للمتدرّب المأنوس بكلماتهم عليهم الصلاة والسلام

ص: 72


1- الأمان : 19، عنه الوسائل : 1171/4 ح 1، 2.
2- الأمان : 19، عنه الوسائل : 1171/4 ح 1، 2.
3- الكافي: 1/ 33 ح 9، عنه الوافي : 1/ 144 ح5، والبحار : 2/ 145 ح 8.

الوجه الثاني: أن يكون المراد بالدعاء ما هو المتداول المعهود، المروي عنهم علیهم السلام ، يعني أنّ الأفضل إختيار ما جرى على لسانك من الدعوات الماثورة، لأنّ ذلك إنّما يكون بسبب أمر قلبي زمامه بيد اللّه عزّ وجلّ.

الوجه الثالث : أن يكون المراد بما جرى من الدعاء على اللسان ما يكون مقترناً بالخضوع، وحضور القلب، فإنّه أفضل من الدعاء بغير هذا الحال، وإن كان مأثوراً عنهم علیهم السلام.

فالغرض من هذا الكلام : التنبيه على أنّ المهمّ حضور القلب، والتوجّه التامّ إلى الملك العلّام، فإنّه المقصود الاصلي من الدعاء،

ولمّا كان الجريان على اللسان ناشياً عمّا في الجنان، بیّن المطلب بهذا العنوان، والحاصل أنّ النسبة بين الدعاء وحضور القلب عموم من وجه، فقد يجتمعان وقد يفترقان، والمطلوب هو الإجتماع، سواء كان في الدعاء بالمأثور أم بغير المأثور.

وهذا لا يدلّ على أفضليّة الدعاء بغير المأثور، بل يدلّ على أفضليّة الدعاء المقرون بالخضوع، وحضور القلب بأيّ لفظ كان.

الوجه الرابع : أنّه لمّا كان زرارة من خواصّهم - والعالم برموز أقوالهم وأحاديثهم ولا يجري على لسانه إلّا بمقتضی مرادهم و مفهوم كلامهم-

خصّه علیه السلام بهذه الخصوصيّة وفضّله بتلك الفضيلة .

العاشر: يجب الترتيب في الأدعية المنقولة عنهم علیهم السلام ، لأنّها توقيفيّة كسائر العبادات، فمخالفة الترتيب المأثور عنهم بقصد الورود بدعة بلا شبهة ،

لكن قراءة بعض فقراتها بقصد مطلق الدعاء لا ضير فيه،

للأصل، ولعمومات الأمر بالدعاء كما لا يخفی.

الحادي عشر : قد ظهر ممّا ذكرنا آنفاً أنّه لا يجوز الزيادة في الدعوات المرويّة بقصد الورود لانّها تشريع، وأمّا الزيادة بقصد مطلق الذكر ففيها وجهان :

ص: 73

أحدهما: الجواز، لما ورد في روايات عديدة أنّ ذكر اللّه حسن في كلّ حال وقد جوّزوا ذلك في الصلاة أيضاً نظراً إلى ذلك، فالأمر في الدعاء أسهل.

والثاني : المنع، لما روي في أصول الكافي مسنداً :

1118- بسند معتبر كالصحيح عن العلاء بن كامل قال :

سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: («وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)(1) عند المساء، لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، قال: قلت: بيده الخير، قال علیه السلام : إن اللّه بيده الخير ولكن قل كما أقول لك عشر مرّات، «وَأُعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْشُ، وَحِينَ تَغْرُبُ» عشر مرات.(2)

فإنّ ترك الاستفصال في هذا الحديث - خصوصاً بملاحظة ورود كلمة بيده الخير في ذلك التهليل في عدّة روایات مرويّة في الكتاب المذكور - يدلّ على لزوم متابعتهم علیهم السلام في الدعوات، والأذكار المأثورة عنهم، من غير زيادة ونقصان، فإنّهم أهل الذكر ، الّذين أُمرنا بالسؤال عنهم، واقتفاء آثارهم،

وهو علیه السلام لم يستفصل بين أن يقوله بقصد الورود أو بقصد مطلق الذكر .

1119- ويدلّ على ذلك أيضاً ما روي في إكمال الدين : عن عبداللّه بن سنان، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : ستصيبكم شبهة، فتبقون بلا علم يُری ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق،

قلت : كيف دعاء الغريق؟ قال : يقول:

یَا اَللَّهُ يَا رَحْمنُ يَا رَحِيمُ، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت : يا اللّه يا رحمان، يا رحيم، يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك»، قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك :

ص: 74


1- الأعراف: 205.
2- الكافي : 527/2 ح 17، عنه البحار : 261/86 ح 30، والوسائل : 1236/4 ح6 .

یَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ،(1)

1120- وفي الوسائل، عن الخصال : بإسناده عن إسماعيل بن الفضل، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ:

(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)(2)

فقال علیه السلام : فريضة على كلّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرّات ، وقبل غروبها عشر مرّات : لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، قال: فقلت : لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، فقال علیه السلام : يا هذا، لا شكّ في أن اللّه يحيي ويميت، ویمیت ويحيى، ولكن قل كما أقول.(3)

أقول: يمكن الجمع بين الوجهين بأن يقال : إنّ لكلّ دعاء وذكر أثراً خاصّاً كالأدوية والعقاقير، لكن لا يحصل الأثر المقصود منها إلّا بالترتيب والتركيب المأخوذ عن الطبيب الحاذق، وإن كان لها أثر أيضاً بغير ذلك الترتيب،

فكذلك الدعوات والأذكار، لا يحصل الأثر الخاصّ منها إلّا بمراعاة الكيفيّة الخاصّة، المأثورة عن الأئمّة الطاهرين، الّذين هم أطبّاء النفوس،

ولذلك قال علیه السلام: إنّ اللّه مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك

وعلى هذا يكون الأمر إرشادياً، فلا ينافي أدلّة الجواز فتدبّر، أو يحمل على الأفضل، كما هو المقرّر في أدلّة المندوبات لو قلنا بكون الأمر مولويّاً.

الثاني عشر : يجوز التكلّم في أثناء الدعوات المأثورة للأصل، وهل ينافي ذلك الأثر المطلوب أم لا؟ الظاهر أنّه إذا كان بمقدار لا ينافي صدق الإشتغال عرفاً لم يضرّ بالمقصود، وإلّا فالوجه الاستئناف، لأنّ الأوامر الواردة بالدعوات

ص: 75


1- كمال الدين : 351/2 ح 50، عنه البحار : 148/52 ح 73.
2- طه : 130.
3- الخصال : 452/2 ح58، عنه الوسائل : 4/ 1235 ح4.

المنقولة غير مقيّدة بالسكوت، وعدم التكلّم في أثنائها، فتحمل على ما هو المتعارف، لكن لا ريب في منافاته للكمال،

فينبغي مراعاة ما يقتضيه في كلّ حال، ومن هنا ظهر أنّه لو نذر ترك التكلّم في أثناء الدعاء انعقد نذره لرجحان ذلك، كما لايخفی.

الثالث عشر: يجوز قطع الدعاء للأصل.

وإن قلت: إنّ قوله تعالى : (لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)(1) يدلّ على عدم الجواز ،

قلنا : يحتمل أن يكون المراد النهي عن إبطال العمل التامّ، بأن يأتي العامل بعد إتمام فعله بما یوجب فساده ، كالعجب، والإيذاء، والشرك، وسائر ما يحبط أثر العبادة، ومن هذا القبيل قوله تعالى : (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)(2)

(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(3).

ويحتمل : أن يكون المراد النهي عن إيجاد العمل على وجه باطل، من قبيل : ضيِّق فم الركيّة ، يعني أوجده ضيّقاً، وأجلسته أي جعلته جالساً، وأوسعت الدار أي بنيتها واسعة، ويحتمل أن يكون المراد : لا تقطعوا أعمالكم،

والظاهر كما ذكره بعض الأساطين هو الإحتمال الأوّل، وإن أبيت عن ذلك، وقلت بتساوي الإحتمالات سقط الإستدلال أيضاً، وبقي الأصل سليماً، فتدبّر .

الرابع عشر : يستحبّ رفع الصوت بالدعاء لتعجيل فرج خاتم الاوصياء علیه السلام ولا سيّما في المجالس المعدّة للدعاء، لانّ ذلك من تعظيم شعائر اللّه، وشعائر اللّه معالمه، وعلامات دينه، (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(4).

1121- ولقول الإمام علیه السلام في دعاء الندبة : إلى متى أجأر فيك يا مولاي، وإلى متى، في القاموس : جأر - كمنع - جأراً وجؤراً: رفع صوته بالدعاء، وتضرّع واستغاث.

ص: 76


1- محمد صلی اللّه علیه وآله وسلم : 32.
2- البقرة: ٢64.
3- الزمر : 65.
4- الحجّ: 32.

وفي المجمع: قوله تعالى في (فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)(1): أي ترفعون أصواتكم بالدعاء يقال : جأر القوم إلى اللّه جؤراً : إذا دعوا إليه، وعجّوا برفع أصواتهم.(2)

1122- ومنه الحديث : كأنّي أنظر إلى موسی علیه السلام له جؤار إلى ربّه بالتلبية (3) يريد الاستغاثة ورفع الصوت .

1123 - الخامس عشر : يستحبّ الإجتماع في الدعاء، لما روي في أصول الكافي بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال : ما من رهط أربعين رجلاً، اجتمعوا فدعوا اللّه عزّ وجلّ في الأمر إلّا استجاب اللّه لهم، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون اللّه عزّ وجلّ عشر مرّات إلّا استجاب اللّه لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو اللّه أربعين مرّة، فيستجيب اللّه العزيز الجبّار له .(4)

1124- وفيه : عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : كان أبي إذا أحزنه أمر جمع النساء والصبيان ثمّ دعا و أمّنوا .(5)

السادس عشر : يجوز بل يستحبّ إهداء ثواب الدعاء له علیه السلام إلى الأموات لعموم ما ورد في الإهداء إليهم، كما أنّه يجوز، بل يستحبّ النيابة عنهم في ذلك، كسائر الأعمال المندوبة، بأن يدعو المؤمن في حق مولاه صاحب الزمان علیه السلام ، ويسأل من اللّه عزّ اسمه تعجیل فرجه وظهوره، بقصد النيابة عن والديه ، أو سائر أمواته، بل أموات المؤمنين والمؤمنات .

ويدلّ على المقصود عموماً وخصوصاً عدّة روايات :

1125۔ منها ما في الوسائل عن حمّاد بن عثمان، في كتابه قال :

قال أبو عبداللّه علیه السلام: من عمل من المؤمنين عن ميّت عملاً أضعف اللّه له أجره، وينعم به الميّت.(6)

ص: 77


1- النحل : 53.
2- مجمع البحرین: 263/1 باب الجيم.
3- النهاية : 1/ 232.
4- الكافي : 487/2 ح1، عنه الوسائل : 1143/4 ح1 .
5- الكافي : 487/2 ج3، عنه البحار: 297/46 ح 28.
6- قبس من كتاب غياث سلطان الوری : ص9، عنه الوسائل : 369/5 ح 23 .

1126- وعن عمر بن يزيد قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : من عمل من المؤمنين عن ميّت عملاً صالحاً أضعف اللّه أجره، وينعم به الميّت.(1)

1127- وعن حمّاد بن عثمان، عن الصادق علیه السلام ، قال :

إنّ الصلاة والصوم والصدقة، والحجّ والعمرة، وكلّ عمل صالح ينفع الميّت، حتّى أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسّع عليه، ويقال : هذا بعمل ابنك فلان، وبعمل أخيك فلان، أخوك في الدين .(2)

1128- وعن هشام بن سالم في أصله - وهو من رجال الصادق والكاظم علیهماالسلام - قال : قلت له : يصل إلى الميّت الدعاء والصدقة والصوم ونحوها؟

قال: نعم، قلت : ويعلم من يصنع ذلك به؟ قال: نعم، ثمّ قال : یكون مسخوطاً عليه فرضي عنه .(3)

1129- وعن العلاء بن رزين، عن الصادق علیه السلام قال :

يقضي عن الميّت الحجّ والصوم والعتق، وفعال الخير .(4)

1130- وعن البزنطي، عن الرضا علیه السلام قال :

يقضي عن الميّت الصوم، والحجّ، والعتق، وفعله الحسن.(5)

1131- وعن صاحب الفاخرة، قال : ممّا أُجمع عليه، وصحّ من قول الأئمّة علیهم السلام يقضى عن الميّت أعماله الحسنة كلّها (6).

إلى غير ذلك من الأخبار الّتي تركنا ذكرها للإختصار .

1132- ويشهد لذلك أيضا ما ورد في الدعاء :

«اللّهمّ بلغ مولاي صاحب الزمان علیه السلام عن جميع المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها» إلى آخره .(7)

ص: 78


1- قبس من كتاب غياث سلطان الوری : ص 9، عنه الوسائل : 369/5 ح 24 .
2- المصدر السابق : ص5و6 ، عنه الوسائل : 368/5 ح 15 و366 ح7.
3- المصدر السابق : ص5و6 ، عنه الوسائل : 368/5 ح 15 و366 ح7.
4- المصدر السابق : ص9، عنه الوسائل : 369/5 ح20 و 21 و 22.
5- المصدر السابق : ص9، عنه الوسائل : 369/5 ح20 و 21 و 22.
6- المصدر السابق : ص9، عنه الوسائل : 369/5 ح20 و 21 و 22.
7- مصباح الزائر : 546، عنه البحار : 11/102 .

السابع عشر : يجوز بل يستحب النيابة في ذلك العمل المبارك عن الأحياء أيضاً، خصوصاً الوالدين، وذوي القرابة ،

ويدلّ على ذلك تصريحاً أو تلویحاً روایات :

1133- منها ما في الوسائل: عن عليّ بن أبي حمزة، قال : قلت لابي إبراهيم علیه السلام: أحجّ، وأُصلّي، وأتصدّق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال: نعم، تصدّق عنه وصلّ عنه، ولك أجر بصلتك إيّاه،

قال ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) فيما حكي عنه بعد نقل الحديث -:

يحمل في الحيّ على ما يصحّ فيه النيابة، إنتهى .(1)

1134- وعن محمّد بن مروان، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام :

ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين؟ يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الّذي صنع لهما، وله مثل ذلك ، فيزيده اللّه عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيراً كثيراً، قال في الوسائل :

الصلاة عن الحيّ مخصوص بصلاة الطواف والزيارة لما يأتي .(2)

1135- أقول : الظاهر أنّ غرضه ممّا يأتي خبر عبداللّه بن جندب ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من البرّ والصلاة والخير أثلاثاً، ثلثاً له، وثلثين لأبويه، أويفردهما من أعماله بشيء ممّا يتطوّع به، وإن كان أحدهما حيّاً والآخر ميّتاً، فكتب إليَّ:

أمّا الميّت فحسن جائز، وأمّا الحيّ فلا، إلّا البرّ والصلة، إنتهى .(3)

وليس غرضنا الآن بیان جواز النيابة عن الأحياء في الصلوات المندوبة وعدمه، فإنّ لتحقيقه محلاً آخر، بل غرضنا الآن بيان رجحان النيابة عن أحياء

ص: 79


1- المصدر السابق : ص5، عنه الوسائل : 367/5 ح9، والبحار : 310/88 .
2- الكافي : 2/ 159ح7، عنه الوسائل : 365/5 ح 1، والبحار : 313/88 .
3- قرب الإسناد : 129، عنه الوسائل : 368/5 ح16.

المؤمنين وأمواتهم في الدعاء في حقّ مولاناصاحب الزمان، وبتعجیل فرجه وظهوره، والحديث المذكور دالّ على ذلك، لانّ الدعاء في حقّ مولانا علیه السلام من افضل أفراد البرّ بلا كلام، وقد دلّ الخبر على حُسن النيابة ولو عن الحيّ في البرّ والصّلة، وكذا خبر محمّد بن مروان دلّ عل حسن برّ الوالدين حيّين أو ميّتين.

والظاهر أنّ ذكر الصلاة والتصدّق والحجّ من باب المثال،

فمن ملاحظة جميع ماذكرناه - بضميمة قوله في دعاء العهد:

«اللّهمّ بلّغ مولاي صاحب الزمان علیه السلام عن جميع المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وسهلها وجبلها حيّهم وميّتهم، وعن والديّ، وولدي، وعنّي من الصلوات، والتحيّات» إلى آخره، بضميمة ما ورد

من النيابة عن الأحياء في الزيارات، ودعواتها، والحجّ، والطواف، ونحوها۔

تحصّل حسن النيابة في الدعاء لمولانا صاحب الزمان علیه السلام وقراءة الدعوات الماثورة في حقّه، بل سائر أصناف الدعوات عن أحياء المؤمنين والمؤمنات ، ولا سيّما ذوي الحقوق والقرابات، كما ثبت رجحان النيابة في ذلك كلّه عن الأموات، وبذلك يدرك الحيّ والميّت والنائب، والمنوب عنه أزواجاً من الفوائد والمثوبات.

فإن قلت: إنّ حديث عبداللّه بن جندب ليس صريحاً في النيابة، بل يحتمل أن يكون المراد فيه إهداء ثواب البرّ، والصلة، والصلاة.

قلت : الظاهر أنّ صدر السؤال كان سؤالاً عن الإهداء ، وقوله : أو يفردهما «إلخ» كان سؤالاً عن النيابة، وهذا واضح بأدنی تأمّل إن شاء اللّه تعالی.

الثامن عشر : قد تبيّن ممّا ذكرنا في الامرين السابقين :

أنّ الدعاء في حقّ مولانا صاحب الزمان، ومسألة تعجیل فرجه وظهوره نيابةً عن أهل الإيمان، يوجب فوائد زائدة على ما قدّمناه(1) من صنوف الفائدة ،

ص: 80


1- تقدّم ج382/1 - 386.

منها : تضاعف المكارم والفوائد المذكورة بمقتضى ما سمعت من الروايات المأثورة.

ومنها : أنّه إحسان إليهم، ووسيلة لرفع العذاب عن موتاهم، أو زيادة الثواب لهم، كما عرفت.

ومنها : أنّه آكد في استباق زمان فرجه وظهوره صلوات اللّه عليه ،

لانّه بمنزلة اتّفاقهم في الدعاء لذلك، وقد تبيّن لك ممّا أسلفناه أنّ الإتفاق في ذلك الدعاء ممّا يوجب استباق الفرج والظهور إن شاء اللّه تعالی.

التاسع عشر : يستحبّ الدعاء لأوليائه وأنصاره، لعموم ما ورد في الحثّ والترغيب إلى الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، ولانّه إعانة على البرّ والتقوى، ولورود ذلك في الدعوات المأثورة عنهم علیهم السلام كما مرّ،

وسنذكر شطراً منها في المقصد الثالث إن شاء اللّه تعالى .(1)

المتمّم للعشرين : الدعاء لهلاك أعدائه، وطلب خذلانهم، كما ورد في الأدعية المرويّة، واللعن عليهم لانّه مقتضى التبرّي منهم، وللتأسّي باللّه تعالى، وبرسوله، وبالائمّة، ولما ورد في الروايات من الحثّ والترغيب إلى ذلك :

1136۔ منها : ما في البحار: نقلاً عن تفسير الإمام العسكري علیه السلام : عن الصادق علیه السلام - في حديث - أنّه قال حدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت، ولعن في خلواته أعداءنا، بلّغ اللّه صوته إلى جميع الأملاك من الثرى إلى العرش، فكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا لعناً ساعدوه، ولعنوا من يلعنه ثمّ ثنوّا فقالوا: اللّهمّ صلّ على عبدك هذا ، الّذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر على أكثر منه لفعل، فإذا النداء من قبل اللّه عزّوجلّ: قد أجبت دعاء كم هذا وسمعت نداءكم، وصلّيت على روحه في الأرواح، وجعلته عندي من المصطفين الأخيار .(2)

ص: 81


1- يأتي ص 84.
2- تفسير الإمام العسكري علیه السلام : 15-16، عنه البحار : 223/27 ضمن ح 11 رخ 254/92 .

المقصد الثانی: في كيفيّة الدعاء بتعجيل فرجه وظهوره علیه السلام تصریحاً وتلويحاً .

إعلم أنّ هذا المقصد الأسني والمطلب الأعلى يحصل بأنحاء نشير إليها ليكون الناظر فيها على بصيرة ، ويقدر على استخراج أمثالها بلطيف النظر، وحسن السريرة:

الأوّل : أن يسأل اللّه تعالى ذلك مصرّحاً بالفارسيّة ، أو العربيّة ، أو غيرهما، مثل أن يقول : اللّهمّ عجّل فرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام ، وعجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره.

الثاني : أن يسأل من اللّه عزّ اسمه تعجیل فرج آل محمّد علیهم السلام لأنّ فرجه فرجهم، كما ورد في الدعوات والروايات .(1)

الثالث : أن يسأل تعجيل الفرج لجميع المؤمنين والمؤمنات أو لأولياء اللّه تعالى، فإنّ بفرجه فرج أولياء اللّه ، كما في الرواية .(2)

الرابع : أن يؤمّن على دعاء من دعا لذلك، لأنّ «آمین» بمعنی استجب، وهو دعاء أيضاً، ولأنّ الداعي والمؤمّن شريكان في الدعاء ، كما ورد في الرواية .(3)

الخامس: أن يسأل من اللّه عزّ وجلّ استجابة دعاء من يدعو بتعجیل فرج مولانا علیه السلام والفرق بين هذا وسابقه، أنّ التأمين لا يكون إلّا بمحضر من يدعو وهذا ليس من شرطه الحضور .

السادس : أن يسأل تهيئة أسباب توجب تعجیل فرجه.

السابع : أن يسأل رفع ما يمنع من ظهوره علیه السلام .

الثامن : أن يسأل مغفرة الذنوب الباعثة لتأخير فرجه، الصادرة من الداعي

ص: 82


1- أوردناه في الصحيفة الرضوية : 352 د: 142 - 147.
2- الإقبال : 368/1 ، الدعاء المختصّ بيوم الحادي والعشرين من شهر رمضان، وفيه : وأن تأذن لفرج من بفرجه فرج أوليائك وأصفيائك من خلقك .
3- مكارم الاخلاق : 287، عنه البحار : 316/93 س8.

وغيره من أهل الإيمان .

التاسع : أن يسأل اللّه تعالى العصمة والحفظ من أمثال تلك الذنوب فيما يأتي من الزمان.

العاشر : أن يطلب هلاك أعدائه الّذين يمنع وجودهم عن التعجيل في فرج أوليائه .

الحادي عشر : أن يسأل من اللّه رفع الظالمين عن جميع المؤمنين،

فإنّ ذلك يحصل ببركة ظهور إمامهم المنتظر .

الثاني عشر : أن يسأل بسط العدل في مشارق الأرض ومغاربها، فإنّه لا يحصل إلّا بظهوره علیه السلام ، على حسب وعد اللّه عزّ وجلّ وأنبيائه وأوليائه علیهم السلام .

الثالث عشر: أن يقول: اللّهمّ أرنا الرخاء والسرور ناوياً حصوله بذاك الظهور ، فإنّ الرخاء والسرور الكامل التامّ لا يحصل للمؤمن إلّا بظهور الإمام الغائب عن أبصار الأنام، وقد مرّ ما يدلّ على ورود الدعاء بهذا اللفظ بالخصوص في الباب السادس في أواخره، فراجع ولا تغفل .(1)

الرابع عشر : أن يسأل من اللّه عزّ وجلّ أن يجعل أجر عباداته وأعماله التعجيل في أمر فرج مولاه وظهوره علیه السلام على نحو يرضاه .

الخامس عشر : أن يطلب توفيق هذا الدعاء أي الدعاء لمولانا علیه السلام ، ومسألة التعجيل في أمر فرجه لجميع المؤمنين والمؤمنات، لأنّا قد بيّنّا سابقاً أنّ في إتّفاق المؤمنين في ذلك تأثيراً خاصّاً، كما ورد في الرواية(2) فإذا سأل المؤمن تسهیل مقدّمات مطلوبه فقد سعى في تحصيل المطلوب بنحو مرغوب.

السادس عشر : أن يسأل من اللّه عزّ وجلّ أن يظهر دين الحقّ وأهل الإيمان على جميع الملل والأديان، فإنّ ذلك لا يحصل بحسب وعده إلّا بظهور مولانا صاحب الزمان، كما وردت به الروايات في كتاب البرهان(3).

ص: 83


1- تقدّم ص 62ح1103.
2- الكافي : 487/2 .
3- البرهان : 2/ 770 ذيل الآية 33 من سورة التوبة .

السابع عشر : أن يسأل اللّه عزّ اسمه الإنتقام من أعداء الدين وظالمي أهل بيت سيّد المرسلين، لما ورد في الأخبار أنّه يحصل بظهور الإمام الغائب عن الأبصار وخاتم الأئمّة الأطهار .

الثامن عشر : أن يصلّي عليه، ويريد بذلك طلب رحمة خاصّة إلهيّة يتيسّر بها استباق فرجه وظهوره.

ويستفاد هذا من العبارة المرويّة في الصلوات عليه وعلى آبائه علیهم السلام المذكورة في كامل الزيارات وغيره في باب زيارة مولانا الرضا علیه السلام.

1137- ففيها بعد الصلاة على كلّ واحد منهم :

اللّهمّ صلّ على حجّتك، ووليّك، والقائم في خلقك، صلاة نامية باقية تعجّل بها فرجه، وتنصره بها ... إلخ.(1)

التاسع عشر : أن يسأل التعجيل في كشف الكرب عن وجهه، وتفريج الهمّ والغم عن قلبه علیه السلام، لأنّ هذا من لوازم إستيلائه وهلاك أعدائه .

المكمّل للعشرين: أن يسأل اللّه تعالى التعجيل في طلب ثار مولانا الشهيد المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام، فإنّ هذا في الحقيقة دعاء بتعجيل ظهور ولده الحجّة، لانّه الطالب بثاره، والمنتقم من قتلته .

المقصد الثالث : في ذكر بعض الدعوات المأثورة عنهم علیهم السلام :

اشارة

المقصد الثالث : في ذكر بعض الدعوات المرويّة عن الأئمّة الطاهرين علیهم السلام في هذا الباب غير ما تقدّم في الباب السادس من هذا الكتاب .

1- دعاء الصلوات

1138- فمنها : دعاء الصلوات المرويّ في كتاب الغيبة للشيخ الأجل أبي جعفر الطوسي (رحمة اللّه علیه) عن صاحب الامر علیه السلام

وله حكاية طويلة تركنا ذكرها روماً للإختصار :

ص: 84


1- كامل الزيارات : 517، وأوردنا في الصحيفة الرضويّة الجامعة : 350 د: 132 (نحوه) .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ سَیِّدِ المُرْسَلِینَ وَخاتَمِ النَّبِیِّینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، المُنْتَجَبِ فِي المِیثاقِ، المُصَطَفی فِي الظِّلالِ، المُطَهَّرِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، البَرِی ءِ مِنْ كُلِّ عَیْبٍ، المُؤَمَّلِ لِلنَّجاةِ، المُرْتَجی لِلشَّفاعَةِ، المُفَوَّضِ إِلَیْهِ دِینُ اللَّهِ. اَللَّهُمَّ شَرِّفْ بُنْیانَهُ وَعَظِّمْ بُرْهانَهُ وَأَفْلِجْ حُجَّتَهُ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ وَأَضِئْ نُورَهُ وَبَیِّضْ وَجْهَهُ وَاعْطِهِ الفَضْلَ وَالفَضِیلَةَ وَالدَّرَجةَ الرَّفِیعَةَ وَابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً یَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ.

وَصَلِّ عَلَی أَمِیرِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَقآئِدِ الغُرِّ الُمحَجَّلِینَ وَسَیِّدِ الوَصِیِّینَ وَحُجِّةِ رَبِّ العالَمِینَ.

وَصَلِّ عَلَی الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، وَصَلِّ عَلَی الحُسَیْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.

وَصَلِّ عَلَی عَلِيِّ بْنِ الحُسَیْنِ وَإِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، وَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.

وَصَلِّ عَلَی جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، وَصَلِّ عَلَی مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.

وَصَلِّ عَلَی عَلِيِّ بْنِ مُوسی إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، وَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.

ص: 85

وَصَلِّ عَلَی عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ،

وَصَلِّ عَلَی الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.

وَصَلِّ عَلَی الخَلَفِ الصّالِحِ الهادِی المَهْدِيِّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَیْتِهِ الأَئِمَّةِ الهادِینَ المَهْدِیِّینَ، العُلَمآءِ الصّادِقِینَ، الأَبْرارِ المُتَّقِینَ، دَعآئِمِ دِینِكَ وَأَرْكانِ تَوْحِیدِكَ (وَتَراجِمَةِ وَحْیِكَ)، وَحُجَجِكَ عَلَی خَلْقِكَ وَخُلَفآئِكَ فِي أَرْضِكَ ،

الَّذِینَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَاصْطَفَیْتَهُمْ عَلَی عِبادِكَ، وَارْتَضَیْتَهُمْ لِدِینِكَ، وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرامَتِكَ، وَغَشَّیْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَرَبَّیْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّیْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَأَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِی مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِمَلآئِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ بِنَبِیِّكَ صَلَواتُكَ عَلَیهِ وَآلِهِ.

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَیهِ وَعَلَیْهِمْ صَلوةً كَثِیرَةً دآئِمَةً طَیِّبَةً لا یُحِیطُ بِها إِلّا أَنْتَ وَلا یَسَعُها إِلّا عِلْمُكَ وَلا یُحْصِیها أَحَدٌ غَیْرُكَ.

اَللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَی وَلِیِّكَ الُمحْیِی سُنَّتَكَ القآئِمِ بِأَمْرِكَ الدّاعِیِ إِلَیْكَ الدَّلِیلِ عَلَیْكَ وَحُجَّتِكَ عَلَی خَلْقِكَ وَخَلِیفَتكَ فِي أَرْضِكَ وَشاهِدِكَ عَلَی عِبادِكَ

اَللَّهُمَّ أَعِزَّ نَصْرَهُ وَمُدَّ فِی عُمُرِهِ وَزَیِّنِ الأَرْضَ بِطُولِ بَقآئِهِ،

اَللَّهُمَّ اكْفِهِ بَغْيَ الحاسِدِینَ وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ الكآئِدِینَ وَازْجُرْ عَنْهُ إِرادَةَ الظّالِمِینَ وَخَلِّصْهُ مِنْ أَیْدِی الجَبّارِینَ.

ص: 86

اَللَّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَذُرِّیَّتِهِ وَشِیعَتِهِ وَرَعِیَّتِهِ وَخآصَّتِهِ وَعآمَّتِهِ وَعَدُوِّهِ وَجَمِیعِ أَهْلِ الدُّنْیا ما تَقِرُّ بِهِ عَیْنُهُ وَتَسُرُّ بِهِ نَفسُهُ وَبَلِّغْهُ أَفْضَلَ مَا أَمَّلتَهُ فِي الدُّنْیا وَالآخِرَةِ إِنَّكَ عَلَی كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِیرٌ.

اَللَّهُمَّ جَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحی مِنْ دِینِكَ وَأَحْيِ بِهِ ما بُدِّلَ مِنْ كِتابِكَ وَأَظْهِرْ بِهِ ما غُیِّرَ مِنْ حُكْمِكَ حَتّی یَعُودَ دِینُكَ بِهِ وَعَلَی یَدَیْهِ غَضّاً جَدِیداً خالِصاً مُخْلَصاً لا شَكَّ فِیهِ وَلا شُبْهَةَ مَعَهُ وَلا باطِلَ عِنْدَهُ وَلا بِدْعَةَ لَدَیْهِ.

اَللَّهُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ وَاهْدِمْ بِعِزَّتِهِ كُلَّ ضَلالةٍ وَاقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبّارٍ وَأَخْمِدْ بِسَیْفِهِ كُلَّ نارٍ وَأَهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلَّ جَائِرٍ وَأَجْرِ حُكْمَهُ عَلَی كُلِّ حُكْمٍ وَأَذِلَّ بِسُلْطانِهِ كُلَّ سُلْطانٍ.

اَللَّهُمَّ أَذِلَّ كُلَّ مَنْ ناواهُ وَأَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عاداهُ وَامْكُرْ بِمَنْ كادَهُ وَاسْتَأْصِلْ مَنْ حَجَدَ حَقَّهُ وَاسْتَهانَ بِأَمْرِهِ وَسَعی فِی إِطْفآءِ نُورِهِ وَأَرادَ إِخْمادَ ذِكْرِهِ

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ المُصْطَفی وَعَلِیٍّ المُرْتَضی وَفاطِمَةَ الزَّهْرآءِ وَالحَسَنِ الرِّضا وَالحُسَیْنِ المُصَفّی وَجَمِیعِ الأَوْصِیآءِ مَصابِیحِ الدُّجی وَأَعْلامِ الهُدی وَمَنارِ التُّقی وَالعُرْوَةِ الوُثْقی وَالحَبْلِ المَتِینِ وَالصِّراطِ المُسْتَقِیمِ، وَصَلِّ عَلَی وَلِیِّكَ وَوُلاةِ عَهْدِهِ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ وَمُدَّ فِی أَعْمارِهِمْ وَزِدْ فِی آجالِهِمْ وَبَلِّغْهُمْ أَقْصی آمالِهِمْ دِیناً وَدُنْیاً وَآخِرَةً، إِنَّكَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ.(1)

ص: 87


1- الصحيفة الرضويّة الجامعة : ص 251 د 2.

أقول: هذا الدعاء الشريف من الدعوات الجليلة التي ينبغي أن يداوم بها، ويواظب عليها في كلّ وقت من الأوقات وكلّ حين من الأحيان، خصوصاً الأوقات الّتي لها مزید اختصاص بمولانا صاحب الزمان عليه صلوات اللّه الملك المنّان كليلة النصف من شعبان ويومه، وليلة الجمعة ويومها،

ولعلّه لهذا ذكره صاحب جمال الصالحين في أعمال تلك الليلة، مع أنّ الظاهر من الرواية الّتي نبهنا عليها عدم اختصاصه بوقت من الأوقات، بل وروده المطلق الأوقات،

وذكره السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كتاب جمال الأُسبوع، في أعمال يوم الجمعة عند ذكر ما يدعی به بعد صلاة العصر من ذلك اليوم

فقال (رحمة اللّه علیه) : ذكر صلوات على النبيّ وآله صلوات اللّه عليه وعليهم، مرويّة عن مولانا المهدي صلوات اللّه عليه، وهي ما إذا تركت تعقیب عصر يوم الجمعة لعذر فلا تتركها أبداً، لامر أطلعنا اللّه جلّ جلاله عليه،

ثمّ ذكر إسناده بطوله مع ذكر الحكاية التي تركنا ذكرها حذراً عن الإطالة ،

ويستفاد من قوله (رحمة اللّه علیه) : فلا تتركها أبداً لامر أطلعنا اللّه جلّ جلاله عليه : صدور أمر إليه من مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه في ذلك،

فهو دليل لصحّة الرواية، واللّه وليّ النعمة. والهداية .(1)

2- دعاء السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس عن الرضا علیه السلام

1139- ومن الدعوات المرويّة في هذا الباب ما رواه جمع من الأصحاب منهم : السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس في ذلك الكتاب قال (رحمة اللّه علیه):

ذكر الدعاء لصاحب الأمر علیه السلام المرويّ عن الرضا علیه السلام : حدّثني الجماعة «الّذين قدّمت ذكرهم في عدّة مواضع من هذا الكتاب» بإسنادهم إلى جدّي أبي جعفر الطوسىّ تلقّاه اللّهّ جلّ جلاله بالامان والرضوان يوم الحساب ، قال : أخبرنا ابن أبي

ص: 88


1- غيبة الطوسي: 277 -280، عنه البحار : 17/52 ح 14، ورواه السيّد (رحمة اللّه علیه) في جمال الاسبوع :304، عنه البحار : 81/94 ، وذكره الكفعمي في البلد: 79، والطبري في دلائل الإمامة : 302.

الجيد، عن محمّد بن الحسن بن سعيد بن عبداللّه، والحميري، وعليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن الحسن الصفّار، كلّهم، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مولد، وصالح بن السندي، عن يونس بن عبدالرحمان .

قال السيّد (رحمة اللّه علیه): ورواه جدي أبو جعفر الطوسي فيما يرويه عن يونس بن عبدالرحمان بعدّة طرق، تركت ذكرها كراهية للاطالة في هذا المكان، يروي عن یونس بن عبدالرحمان، أنّ الرضا علیه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر علیه السلام بهذا :

اَللّهُمَّ ادْفَعْ عَنْ وَلِيِّكَ وَخَلِيفَتِكَ وَحُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَ لِسانِكَ الْمُعَبِّرِ عَنْكَ، النَّاطِقِ بِحِكْمَتِكَ، وَعَيْنِكَ النَّاظِرَةِ بِإِذْنِكَ، وَشاهِدِكَ عَلَى عِبادِكَ، الْجَحْجاحِ الْمُجاهِدِ الْعائِذِ بِكَ الْعابِدِ عِنْدَكَ، وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنْشَأْتَ وَصَوَّرْتَ

وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ، وَمِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِكَ الَّذِي لَايَضِيعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَآباءَهُ أَئِمَّتَكَ وَدَعائِمَ دِينِكَ، وَاجْعَلْهُ فِي وَدِيعَتِكَ الَّتِي لَا تَضِيعُ، وَفِي جِوارِكَ الَّذِي لَايُخْفَرُ، وَفِي مَنْعِكَ وَعِزِّكَ الَّذِي لَايُقْهَرُ

وَآمِنْهُ بِأَمانِكَ الْوَثِيقِ الَّذِي لَايُخْذَلُ مَنْ آمَنْتَهُ بِهِ، وَاجْعَلْهُ فِي كَنَفِكَ الَّذِي لاَ ٰ يُرامُ مَنْ كانَ فِيهِ، وَانْصُرْهُ بِنَصْرِكَ، وَأَيِّدْهُ بِجُنْدِكَ الْغالِبِ، وَقَوِّهِ بِقُوَّتِكَ، وَأَرْدِفْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَوالِ مَنْ والاهُ، وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَأَلْبِسْهُ دِرْعَكَ الْحَصِينَةَ، وَحُفَّهُ بِالْمَلائِكَةِ حَفّاً،

اَللَّهُمَّ وَبَلِّغْهُ أَفْضَلَ مَا بَلَّغْتَ الْقَائِمِينَ بِقِسْطِكَ مِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّينَ،

اللّهُمَّ اشْعَبْ بِهِ الصَّدْعَ، وَارْتُقْ بِهِ الْفَتْقَ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ، وَزَيِّنْ بِطُولِ بَقائِهِ الْأَرْضَ، وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْهُ بِالرُّعْبِ، وَقَوِّ ناصِرِيهِ،

ص: 89

وَاخْذُلْ خاذِلِيهِ، وَدَمْدِمْ مَنْ نَصَبَ لَهُ، وَدَمِّرْ مَنْ غَشَّهُ، وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ وَعُمُدَهَ وَدَعائِمَهُ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَشارِعَةَ الْبِدَعِ، وَمُمِيتَةَ السُّنَّةِ، وَمُقَوِّيَةَ الْباطِلِ، وَذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ، وَأبِرْ بِهِ الْكافِرِينَ وَجَمِيعَ الْمُلْحِدِينَ فِي مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَتَّى لَاتَدَعَ مِنْهُمْ دَيَّاراً، وَلَا تُبْقِيَ لَهُمْ آثاراً.

اللّهُمَّ طَهِّرْ مِنْهُمْ بِلادَكَ، وَاشْفِ مِنْهُمْ عِبادَكَ، وَأَعِزَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحْيِ بِهِ سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ، وَدارِسَ حُكْمِ النَّبِيِّينَ، وَجَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحَى مِنْ دِينِكَ، وَبُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّى تُعِيدَ دِينَكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ جَدِيداً غَضّاً مَحْضاً صَحِيحاً لَاعِوَجَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ مَعَهُ، وَحَتَّى تُنِيرَ بِعَدْلِهِ ظُلَمَ الْجَوْرِ؛ وَتُطْفِئَ بِهِ نِيرانَ الْكُفْرِ، وَتُوضِحَ بِهِ مَعاقِدَ الْحَقِّ وَمَجْهُولَ الْعَدْلِ، فَإِنَّهُ عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ،وَاصْطَفَيْتَهُ مِنْ خَلْقِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُ عَلَى غَيْبِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ، وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ، وَسَلَّمْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ

اللّهُمَّ فَإِنَّا نَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَوْمَ حُلُولِ الطَّامَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُذْنِبْ ذَنْباً، وَلَا أَتَى حُوباً، وَلَمْ يَرْتَكِبْ مَعْصِيَةً، وَلَمْ يُضَيِّعْ لَكَ طاعَةً، وَلَمْ يَهْتِكْ لَكَ حُرْمَةً، وَلَمْ يُبَدِّلْ لَكَ فَرِيضَةً، وَلَمْ يُغَيِّرْ لَكَ شَرِيعَةً، وَأَنَّهُ الْهادِي الْمُهْتَدِي الطَّاهِرُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ

اللّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ وَجَمِيعِ رَعِيَّتِهِ مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَتَجْمَعُ لَهُ مُلْكَ الْمُمْلَكاتِ كُلِّها، قَرِيبِها وَبَعِيدِها، وَعَزِيزِها وَذَلِيلِها، حَتَّى تُجْرِيَ حُكْمَهُ عَلَى كُلِّ حُكْمٍ، وَتَغْلِبَ بِحَقِّهِ كُلَّ باطِلٍ

ص: 90

اللّهُمَّ اسْلُكْ بِنا عَلَى يَدَيْهِ مِنْهاجَ الْهُدَى، وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَى، وَالطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا الْغالِي، وَيَلْحَقُ بِها التَّالِي، وَقَوِّنا عَلَى طاعَتِهِ، وَثَبِّتْنا عَلَى مُشايَعَتِهِ، وَامْنُنْ عَلَيْنا بِمُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا فِي حِزْبِهِ الْقَوَّامِينَ بِأَمْرِهِ، الصَّابِرِينَ مَعَهُ، الطَّالِبِينَ رِضاكَ بِمُناصَحَتِهِ، حَتَّى تَحْشُرَنا يَوْمَ الْقِيامَةِ فِي أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ وَمُقَوِّيَةِ سُلْطانِهِ

اللّهُمَّ وَاجْعَلْ ذلِكَ لَنا خالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ وَرِياءٍ وَسُمْعَةٍ، حَتَّى لَا نَعْتَمِدَ بِهِ غَيْرَكَ، وَلَا نَطْلُبَ بِهِ إِلّا وَجْهَكَ وَحَتَّى تُحِلَّنا مَحَلَّهُ، وَتَجْعَلَنا فِي الْجَنَّةِ مَعَهُ؛ وَأَعِذْنا مِنَ السَّأْمَةِ وَالْكَسَلِ وَالْفَتْرَةِ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ، وَتُعِزُّ بِهِ نَصْرَ وَلِيِّكَ، وَلَا تَسْتَبْدِلْ بِنا غَيْرَنا، فَإِنَّ اسْتِبْدالَكَ بِنا غَيْرَنا عَلَيْكَ يَسِيرٌ، وَهُوَ عَلَيْنا عَسِيرٌ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وُلاةِ عَهْدِهِ، وَالأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَبَلِّغْهُمْ آمالَهُمْ، وَزِدْ فِي آجالِهِمْ، وَأعِزَّ نَصْرَهُمْ، وَتَمِّمْ لَهُمْ مَا أَسْنَدْتَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِكَ لَهُمْ، وَثَبِّتْ دَعائِمَهُمْ، وَاجْعَلْنا لَهُمْ أَعْواناً، وَعَلَى دِينِكَ أَنْصاراً، فَإِنَّهُمْ مَعادِنُ كَلِماتِكَ، وَخُزَّانُ عِلْمِكَ، وَأَرْكانُ تَوْحِيدِكَ، وَدَعَائِمُ دِينِكَ، وَوُلاةُ أَمْرِكَ، وَخالِصَتُكَ مِنْ عِبادِكَ، وَصَفْوَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَأَوْلِياؤُكَ وَسَلائِلُ أَوْلِيائِكَ، وَصَفْوَةُ أَوْلادِ نَبِيِّكَ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ.(1)

ثم قال السيّد رضي اللّه تعالی عنه : قد تضمّن هذا الدعاء قوله علیه السلام : «اللّهمّ صلّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده» ولعلّ المراد بذلك : أنّ الصلاة على الأئمّة الّذين يرتّبهم في أيّامه للصلاة بالعباد في البلاد، والأئمّة في الأحكام في تلك

ص: 91


1- جمال الأسبوع: 307، ورواه برواية أخرى ص311، عنه البحار : 330/95 ح 4،أوردناه في الصحيفة الرضويّة الجامعة : 73 د: 99.

الأيّام، وأنّ الصلاة عليهم تكون بعد ذكر الصلاة عليه «صلوات اللّه عليه» بدليل قوله : ولاة عهده، لأنّ ولاة العهود يكونون في الحياة،

فكأنّ المراد : اللّهمّ صلّ - بعد الصلاة عليه - على ولاة عهده والأئمّة من بعده وقد تقدم في الرواية عن مولانا الرضا علیه السلام «والأئمّة من ولده»

ولعلّ هذه قد كانت : صلّ على ولاة عهده والأئمّة من ولده ، فقد وجدت ذلك كما ذكرناه في نسخة غير ما رويناه، وقد روي أنّهم من أبرار العباد في حياته ووجدت رواية متّصلة الإسناد بأنّ للمهدي صلوات اللّه عليه أولاد جماعةٍ ولاة في أطراف بلاد البحار، على غاية عظيمة من صفات الابرار،

وروي تأويل غير ذلك مذكور في الأخبار .

1140- ثمّ قال السيّد (رحمة اللّه علیه): ووجدت هذا الدعاء برواية تغني عن هذا التأويل وما ذكرها، لأنّها أتمّ في التفصيل، وهي ما حدّث به الشريف الجليل، أبو الحسین زید بن جعفر العلويّ المحمّديّ، قال : حدّثنا أبو الحسين إسحاق بن الحسن العفراني، قال: حدّثنا محمّد بن همام بن سهيل الكاتب، ومحمّد بن شعیب بن أحمد المالكي جميعاً - عمّ شعيب بن أحمد المالكي - عن يونس بن عبدالرحمان، عن مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا علیهماالسلام ، أنّه كان يأمر

بالدعاء للحجّة صاحب الزمان علیه السلام . فكان من دعائه له صلوات اللّه عليهما :

أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَادْفَعْ عَنْ وَلِيِّكَ وَخَليفَتِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَي خَلْقِكَ، وَلِسانِكَ المُعَبِّرِ عَنكَ بِإذنِكَ، النَّاطِقِ بِحِكْمَتِكَ، وَعَيْنِكَ النَّاظِرَةِ في بَرِيَّتِكَ، وَشاهِداً عَلَی عِبادِكَ، الجَحجاحِ المُجاهِدِ المُجتَهِدِ، عَبدِكَ العائِذِ بِكَ.اللّهُمَّ وَأعِذْهُ مِنْ شَرِّ ما خَلَقْتَ وَذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنشَأْتَ وَصَوَّرْتَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَینِ یَدَیهِ وَمِنْ خَلفِهِ، وَعَنْ یَمِینِهِ وَعَنْ شِمالِهِ، وَمِنْ فَوقِهِ وَمِنْ تَحتِهِ، بِحِفْظِكَ الَّذِي لَا یَضِیعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِیهِ رَسُولَكَ وَوَصِيَّ

ص: 92

رَسُولِكَ، وَآباءَ أئِمَّتَكَ وَدَعائِمَ دِینِكَ، صَلَواتُكَ عَلَیهِم أجمَعِینَ.

وَاجْعَلْهُ فِي وَدِیعَتِكَ الَّتي لا تَضِیعُ، وَفِي جِوارِكَ الَّذِي لا یُخْفَرُ ، وَفِي مَنْعِكَ وَعِزِّكَ الَّذي لَا یُقهَرُ

اللّهُمَّ وَآمِنْهُ بِأمانِكَ الوَثِیقِ الَّذي لا یُخذَلُ مَنْ آمَنْتَهُ بِهِ، وَاجْعَلْهُ في كَنَفِكَ الَّذي لا یُضامُ مَنْ كانَ فِیهِ، وَانْصُرْهُ بِنَصْرِكَ العَزِیزِ، وَأیِّدْهُ بِجُندِكَ الغالِبِ، وَقَوِّهِ بِقُوَّتِكَ، وَأرْدِفْهُ بِمَلآئِكَتِكَ. اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ، وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَألبِسْهُ دِرعَكَ الحَصِینَهَ، وحُفَّهُ بِمَلآئِكَتِكَ حَفّاً

اللّهُمَّ وَبَلِّغْهُ أفضَلَ ما بَلَّغْتَ القائِمِینَ بِقِسْطِكَ مِنْ أتباعِ النَّبِیِّینَ. اللّهُمَّ اشْعَبْ بِهِ الصَّدْعَ، وَارْتُقْ بِهِ الفَتْقَ، وَأمِتْ بِهِ الجَورَ، وَأظهِرْ بِهِ العَدْلَ، وَزَیِّنْ بِطُولِ بَقائِهِ الأرضَ، وَأیِّدْهُ بِالنَّصرِ، وَانْصُرْهُ بِالرُّعبِ، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً یَسِیراً، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ عَلَی عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِ سُلْطاناً نَصِیراً

اللّهُمَّ اجْعَلْهُ القائِمَ المُنتَظَرَ، وَالإمامَ الَّذي بِهِ تَنتَصِرُ، وَأیِّدْهُ بِنَصْرٍ عَزِیزٍ، وَفَتْحٍ قَرِیبٍ، وَوَرِّثْهُ مَشارِقَ الأرضِ وَمَغارِبَها اللّاتي بارَكْتَ فِیها، وَأحْيِ بِهِ سُنَّةَ نَبِیِّكَ صَلَواتُكَ عَلَیهِ وَآلِهِ، حَتّی لا یَستَخْفِيَ بِشَیْءٍ مِنَ الحَقِّ مَخافَةَ أحَدٍ مِنَ الخَلْقِ، وَقَوِّ ناصِرَهُ، وَاخْذُلْ خاذِلَهُ، وَدَمْدِمْ عَلَی مَنْ نَصَبَ لَهُ، وَدَمِّرْ عَلَی مَنْ غَشَّهُ

اللّهُمَّ وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الكُفْرِ، وَعُمُدَهُ وَدَعائِمَهُ، وَالقُوّامَ بِهِ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤوسَ الضَّلالَةِ، وَشارِعَةَ البِدْعَةِ، وَمُمِیتَةَ السُّنَّةِ، وَمُقَوِّیَةَ الباطِلِ، وَأذْلِلْ بِهِ الجَبّارِینَ، وَأبِرْ بِهِ الكافِرِینَ وَالمُنافِقِینَ وَجَمِیعَ المُلحِدِینَ، حَیثُ كانوا وَأینَ كانوا، مِنْ مَشارِقِ الأرضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحرِها، وَسَهلِها وَجَبَلِها، حَتّی لا تَدَعَ مِنْهُمْ دَیّاراً، وَلا تُبقِيَ لَهُم آثاراً

ص: 93

اللّهُمَّ وَطَهِّرْ مِنْهُمْ بِلَادَكَ، وَاشْفِ مِنْهُمْ عِبادَكَ، وَأعِزَّ بِهِ المُؤمنین، وَأحْيِ بِهِ سُنَنَ المُرسَلِینَ، وَدارِسَ حُكمِ النَّبِیِّینَ، وَجَدِّدْ بِهِ ما مُحِيَ مِنْ دِینِكَ، وَبُدِّلَ مِنْ حُكمِكَ، حَتّی تُعِیدَ دِینَكَ بِهِ وَعَلَی یَدَیهِ غَضّاً جَدیداً صَحِیحاً مَحضاً، لا عِوَجَ فِیهِ وَلا بِدْعَةَ مَعَهُ، حَتّی تُنِیرَ بِعَدْلِهِ ظُلَمَ الجَورِ، وَتُطْفِئَ بِهِ نِیرانَ الكُفرِ، وَتُظْهِرَ بِهِ مَعاقِدَ الحَقِّ وَمَجهولَ العَدلِ، وَتُوضِحَ بِهِ مُشكِلاتِ الحُكمِ

اللّهُمَّ فَإنَّهُ عَبدُكَ الَّذي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَیْتَهُ مِنْ خَلقِكَ،وَاصْطَفَیْتَهُ عَلَی عِبادِكَ، وَائْتَمَنْتَهُ عَلَی غَیبِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنوبِ. وَبَرَّأتَهُ مِنَ العُیوبِ، وَطَهَّرْتَهُ ، وَصَرَفْتَهُ عَنِ الدَّنَسِ، وَسَلَّمْتَهُ مِنَ الرَّیبِ. اللّهُمَّ فَإنّا نَشهَدُ لَهُ یَومَ القِیامَةِ وَیَومَ حُلولِ الطّامَّةِ أنَّهُ لَمْ یُذنِبْ، وَلَمْ یَأتِ حُوباً، وَلَمْ یَرتَكِبْ (لَكَ) مَعصِیَةً، وَلَمْ یُضَیِّعْ لَكَ طاعَةً، وَلَمْ یَهتِكْ لَكَ حُرمَةً، وَلَمْ یُبَدِّلْ لَكَ فَرِیضَةً، وَلَمْ یُغَیِّرْ لَكَ شَرِیعَةً، وَأنَّهُ الإمامُ التَّقِيُّ الهادي المهديّ، الطّاهِرُ النَّقِیُّ، الوَفِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِیُّ

اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَیهِ وَعَلَی آبائِهِ، وَأعْطِهِ فِي نَفسِهِ وَوَلدِهِ وَأهلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ وَجَمِیعِ رَعِيَّتِهِ مَا تُقِرُّ بِهِ عَینَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفسَهُ، وَتَجمَعُ لَهُ مُلكَ المُمَلَّكاتِ كُلِّها، قَریبِها وَبَعیدِها، وَعَزیزِها وَذَلیلِها، حَتّی یَجرِيَ حُكمُهُ عَلَی كُلِّ حُكمٍ، وَیَغلِبَ بِحَقِّهِ عَلَی كُلِّ باطِلٍ

اللّهُمَّ وَاسْلُكْ بِنا عَلَی یَدَیْهِ مِنهاجَ الهُدی، وَالمَحَجَّةَ العُظمی، وَالطَّرِیقَةَ الوُسْطَی، الَّتي یَرجِعُ إلَیهَا الغَالِی، وَیَلحَقُ بِهَا التَّالِی

اللّهُمَّ وَقَوِّنا عَلَی طاعَتِهِ، وَثَبِّتْنا عَلَی مُشایَعَتِهِ، وَامْنُنْ عَلَینا بِمُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا في حِزْبِهِ، القَوّامِینَ بِأمرِهِ، الصّابِرِینَ مَعَهُ، الطّالِبِینَ رِضاكَ

ص: 94

بِمُناصَحَتِهِ، حَتّی تَحشُرَنا یَومَ القِیامَهِ في أنصارِهِ وَأعوانِهِ،وَمُقَوِّیَةِ سُلطانِهِ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْ ذلِكَ كُلَّهُ مِنّا لَكَ خالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبهَهٍ، وَرِیاءٍ وَسُمعَةٍ، حَتّی لا نَعتَمِدَ بِهِ غَیرَكَ، وَلا نَطلُبَ بِهِ إلّاوَجهَكَ، وَحَتّی تُحِلَّنا مَحِلَّهُ، وَتَجعَلَنا في الجَنَّةِ مَعَهُ، وَلا تَبتَلِنا في أمْرِهِ بِالسّأمَةِ وَالكَسَلِ، وَالفَترَةِ وَالفَشَلِ. وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَنتَصِرُ بِهِ لِدِینِكَ، وَتُعِزُّ بِهِ نَصْرَ وَلِیِّكَ، وَلا تَستَبْدِلْ بِنا غَیرَنا؛ فَإنَّ اسْتِبْدالَكَ بِنا غَیرَنا عَلَیكَ یَسِیرٌ، وَهُوَ عَلَینا كَبِیرٌ، إنَّكَ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ.

اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلَی وُلاة عُهودِهِ، وَبَلِّغْهُم آمالَهُم، وَزِدْ في آجالِهِم، وَانْصُرْهُم، وَتَمِّمْ لَهُم ما أسنَدْتَ إلَیهِم مِنْ أمْرِ دِینِكَ، وَاجْعَلْنا لَهُم أعواناً، وَعَلَی دِینِكَ أنصاراً، وَصَلِّ عَلَی آبائِهِ الطّاهِرِینَ، الأئِمَّة الرّاشِدِینَ.

اللّهُمَّ فَإنَّهُم مَعادِنُ كَلِماتِكَ، وَخُزّانُ عِلْمِكَ، وَوُلاةُ أمرِكَ، وَخالِصَتُكَ مِنْ عِبادِكَ،وَخِیرَتُكَ مِنْ خَلقِكَ، وَأولِیاؤكَ وَسَلائِلُ أولِیائِكَ، وَصَفوَتُكَ وَأولادُ أصفِیائِكَ، صَلَواتُكَ وَرَحمَتُكَ وَبَرَكاتُكَ عَلَیهِم أجمَعِینَ.

اللّهُمَّ وَشُرَكاؤهُ في أمْرِهِ، وَمُعاوِنُوهُ عَلَی طاعَتِكَ، الَّذِینَ جَعَلْتَهُم حِصْنَهُ وَسِلاحَهُ وَمَفْزَعَهُ وَأُنسَهُ، الَّذِینَ سَلَوا عَنِ الأهلِ وَالأولادِ، وَتَجافَوا الوَطَنَ، وَعَطَّلُوا الوَثِیرَ مِنَ المِهادِ، قَد رَفَضُوا تِجاراتِهِم، وَأضَرُّوا بِمَعایِشِهِم، وَفُقِدوا في أندِیَتِهِم بِغَیرِ غَیبَةٍ عَنْ مِصرِهِم، وَحالَفوا البَعِیدَ مِمَّنْ عاضَدَهُم عَلَی أمْرِهِم، وَخالَفُوا القَرِیبَ مِمَّنْ صَدَّ عَنْ وُجْهَتِهِم، وَائْتَلَفُوا بَعدَ التَّدابُرِ وَالتَّقاطُعِ في دَهرِهِم، وَقَطَعُوا الأسبابَ المُتَّصِلَةَ بِعاجِلِ حُطامٍ مِنَ الدُّنیا

فَاجْعَلْهُمُ اللّهُمَّ في حِرزِكَ، وَفي ظِلِّ كَنَفِكَ، وَرُدَّ عَنْهُم بَأسَ مَنْ قَصَدَ

ص: 95

إلَیهِم بِالعَداوَهِ مِنْ خَلقِكَ، وَأجْزِلْ لَهُمْ مِنْ دَعوَتِكَ مِنْ كِفایَتِكَ وَمَعُونَتِكَ لَهُم، وَتَأیِیدِكَ وَنَصرِكَ إیّاهُم، ما تُعینُهُم بِهِ عَلَی طاعَتِكَ، وَأزهِقْ بِحَقِّهِم باطِلَ مَنْ أرادَ إطفاءَ نُورِكَ

وَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَامْلَأْ بِهِمْ كُلَّ أُفُقٍ مِنَ الآفاقِ، وَقُطْرٍ مِنَ الأقطارِ، قِسْطاً وَعَدْلاً وَرَحمَةً وَفَضلاً، وَاشْكُرْ لَهُم عَلَی حَسَبِ كَرَمِكَ وَجُودِكَ، وَما مَنَنْتَ بِهِ عَلَی القائمینَ بِالقِسْطِ مِنْ عِبادِكَ، وَاذْخَرْ لَهُم مِنْ ثَوابِكَ ما تَرفَعُ لَهُم بِهِ الدَّرَجاتِ،

إنَّكَ تَفعَلُ ما تَشاءُ وَتَحكُمُ ما تُرِیدُ، آمِینَ رَبَّ العالَمِینَ.(1)

1141- ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن أبي محمّد الحسين بن أحمد المكتّب قال : حدّثنا أبو عليّ بن همام بهذا الدعاء، وذكر أنّ الشيخ العمري قدّس اللّه روحه أملاه عليه، وأمره أن يدعو به ، وهو الدعاء في غيبة القائم علیه السلام.

ورواه السيّد الاجلّ عليّ بن طاووس في جمال الأُسبوع بإسناده، عن الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه)، عن جماعة، عن أبي هارون بن موسى التلعكبري (رحمة اللّه علیه).

أنّ أبا عليّ محمّد بن همام (رحمة اللّه علیه) أخبره بهذا الدعاء، وذكر أنّ الشيخ أبا عمرو العمريّ قدّس اللّه روحه أملاه عليه، وأمره أن يدعو به

وهو الدعاء في غيبة القائم من آل محمّد عليه وعلیهم السلام :

اللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَك فَاِنَّك انْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَك لَمْ اعْرِفْ نَبِيَّك،

اللّهُمَّ عَرِّفِني نَبِيَّك فَاِنَّك إنْ لَم تُعَرِّفني رَسُولَك لَمْ اعْرِفْ حُجَّتَك،

اللّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَك فَاِنَّك انْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَك ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي

ص: 96


1- أوردناه في الصحيفة الرضويّة الجامعة مع الرواية السابقة ضمن رواية واحدة (ص 72 د: 99)، وذكرنا مواضع الاختلاف في الهامش.

اَللّهُمَّ لا تُمِتْنِي مِيتَةً جاهِلِيَّةً، وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي

اَللّهُمَّ فَكَما هَدَيْتَنِي لِوِلايَةِ مَنْ فَرَضْتَ طاعَتَهُ عَلَيَّ مِنْ وُلاةِ أَمْرِكَ بَعْدَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، حَتّى والَيْتُ وُلاةَ أَمْرِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَجَعْفَراً وَمُوسى وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَالْحَسَنَ وَالْحُجَّةَ الْقآئِمَ الْمَهْدِيَّ صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ

اللَّهُمَّ فَثَبِّتْنِي عَلَى دِينِكَ وَ اسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ وَ لَيِّنْ قَلْبِي لِوَلِيِّ أَمْرِكَ وَ عَافِنِي مِمَّا امْتَحَنْتَ بِهِ خَلْقَكَ وَ ثَبِّتْنِي عَلَى طَاعَةِ وَلِيِّ أَمْرِكَ الَّذِي سَتَرْتَهُ عَنْ خَلْقِكَ فَبِإِذْنِكَ غَابَ عَنْ بَرِيَّتِكَ وَ أَمْرَكَ يَنْتَظِرُ وَ أَنْتَ الْعَالِمُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ بِالْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ أَمْرِ وَلِيِّكَ فِي الْإِذْنِ لَهُ بِإِظْهَارِ أَمْرِهِ وَ كَشْفِ سِتْرِهِ وَ صَبِّرْنِي عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَ لَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ وَ لَا أَكْشِفَ عَمَّا سَتَرْتَهُ وَ لَا أَبْحَثَ عَمَّا كَتَمْتَهُ وَ لَا أُنَازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ وَ لَا أَقُولَ لِمَ وَ كَيْفَ وَ مَا بَالُ وَلِيِّ أَمْرِ اللَّهِ لَا يَظْهَرُ وَ قَدِ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْجَوْرِ وَ أُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّهَا إِلَيْكَ

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُرِيَنِي وَلِيَّ أَمْرِكَ ظَاهِراً نَافِذاً لِأَمْرِكَ مَعَ عِلْمِي بِأَنَّ لَكَ السُّلْطَانَ وَ الْقُدْرَةَ وَ الْبُرْهَانَ وَ الْحُجَّةَ وَ الْمَشِيَّةَ وَ الْإِرَادَةَ وَ الْحَوْلَ وَ الْقُوَّةَ فَافْعَلْ ذَلِكَ بِي وَ بِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى وَلِيِّكَ ظَاهِرَ الْمَقَالَةِ وَاضِحَ الدَّلَالَةِ هَادِياً مِنَ الضَّلَالَةِ شَافِياً مِنَ الْجَهَالَةِ

أَبْرِزْ يَا رَبِّ مَشَاهِدَهُ وَ ثَبِّتْ قَوَاعِدَهُ وَ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تَقَرُّ عَيْنُنَا بِرُؤْيَتِهِ وَ أَقِمْنَا بِخِدْمَتِهِ وَ تَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ وَ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ.

اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقْتَ وَ بَرَأْتَ وَ ذَرَأْتَ وَ أَنْشَأْتَ وَ صَوَّرْتَ،

ص: 97

وَ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَ مِنْ فَوْقِهِ وَ مِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِكَ الَّذِي لَا يَضِيعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ وَ احْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَ وَصِيَّ رَسُولِكَ علیهماالسلام

اللَّهُمَّ وَ مُدَّ فِي عُمُرِهِ وَ زِدْ فِي أَجَلِهِ وَ أَعِنْهُ عَلَى مَا أَوْلَيْتَهُ وَ اسْتَرْعَيْتَهُ وَ زِدْ فِي كَرَامَتِكَ لَهُ فَإِنَّهُ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ الْقَائِمُ الْمُهْتَدِي الطَّاهِرُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الزَّكِيُّ الرَّضِيُّ الْمَرْضِيُّ الصَّابِرُ الشَّكُورُ الْمُجْتَهِدُ.

اللَّهُمَّ وَ لَا تَسْلُبْنَا الْيَقِينَ لِطُولِ الْأَمَدِ فِي غَيْبَتِهِ وَ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ عَنَّا وَ لَا تُنْسِنَا ذِكْرَهُ وَ انْتِظَارَهُ وَ الْإِيمَانَ بِهِ وَ قُوَّةَ الْيَقِينِ فِي ظُهُورِهِ وَ الدُّعَاءَ لَهُ وَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُقَنِّطَنَا طُولُ غَيْبَتِهِ مِنْ ظُهُورِهِ وَ قِيَامِهِ وَ يَكُونَ يَقِينُنَا فِي ذَلِكَ كَيَقِينِنَا فِي قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه وآله وَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِكَ وَ تَنْزِيلِكَ

وَقَوِّ قُلُوبَنَا عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ حَتَّى تَسْلُكَ بِنَا عَلَى يَدِهِ مِنْهَاجَ الْهُدَى وَ الْمَحَجَّةَ الْعُظْمَى وَ الطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى وَ قَوِّنَا عَلَى طَاعَتِهِ وَ ثَبِّتْنَا عَلَى مُشَايَعَتِهِ وَ اجْعَلْنَا فِي حِزْبِهِ وَ أَعْوَانِهِ وَ أَنْصَارِهِ وَ الرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ.

وَ لَا تَسْلُبْنَا ذَلِكَ فِي حَيَاتِنَا وَ لَا عِنْدَ وَفَاتِنَا حَتَّى تَوَفَّانَا وَ نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ شَاكِّينَ وَ لَا نَاكِثِينَ وَ لَا مُرْتَابِينَ وَ لَا مُكَذِّبِينَ.

اللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَ أَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ وَ انْصُرْ نَاصِرِيهِ وَ اخْذُلْ خَاذِلِيهِ وَ دَمْدِمْ عَلَى مَنْ نَصَبَ لَهُ وَ كَذَّبَ بِهِ وَ أَظْهِرْ بِهِ الْحَقَّ وَ أَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ وَ اسْتَنْقِذْ بِهِ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الذُّلِّ وَ أَنْعِشْ بِهِ الْبِلَادَ وَ اقْتُلْ بِهِ الْجَبَابِرَةَ الْكَفَرَةَ وَ اقْصِمْ بِهِ رُءُوسَ الضَّلَالَةِ وَ ذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ وَ الْكَافِرِينَ وَ أَبِرْ بِهِ الْمُنَافِقِينَ وَ النَّاكِثِينَ وَ جَمِيعَ الْمُخَالِفِينَ وَ الْمُلْحِدِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا وَ بَحْرِهَا وَ بَرِّهَا وَ سَهْلِهَا وَ جَبَلِهَا حَتَّى لَا تَدَعَ مِنْهُمْ دَيَّاراً وَ لَا تُبْقِيَ لَهُمْ آثَاراً،

ص: 98

وَ طَهِّرَ مِنْهُمْ بِلَادَكَ وَ اشْفِ مِنْهُمْ صُدُورَ عِبَادِكَ.

وَ جَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحَى مِنْ دِينِكَ وَ أَصْلِحْ بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ وَ غُيِّرَ مِنْ سُنَّتِكَ حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَ عَلَى يَدِهِ غَضّاً جَدِيداً صَحِيحاً لَا عِوَجَ فِيهِ وَ لَا بِدْعَةَ مَعَهُ حَتَّى تُطْفِئَ بِعَدْلِهِ نِيرَانَ الْكَافِرِينَ فَإِنَّهُ عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ وَ ارْتَضَيْتَهُ لِنُصْرَةِ دِينِكَ وَ اصْطَفَيْتَهُ بِعِلْمِكَ وَ عَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَ بَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ وَ أَطْلَعْتَهُ عَلَى الْغُيُوبِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ وَ طَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ وَ نَقَّيْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ.

اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ وَ عَلَى شِيعَتِهِمُ الْمُنْتَجَبِينَ وَ بَلِّغْهُمْ مِنْ آمَالِهِمْ أَفْضَلَ مَا يَأْمُلُونَ وَ اجْعَلْ ذَلِكَ مِنَّا خَالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَ شُبْهَةٍ وَ رِيَاءٍ وَ سُمْعَةٍ حَتَّى لَا نُرِيدَ بِهِ غَيْرَكَ وَ لَا نَطْلُبَ بِهِ إِلَّا وَجْهَكَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا وَ غَيْبَةَ وَلِيِّنَا وَ شِدَّةَ الزَّمَانِ عَلَيْنَا وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ بِنَا وَ تَظَاهُرَ الْأَعْدَاءِ وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا اللَّهُمَّ فَافْرُجْ ذَلِكَ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ وَ بِصَبْرٍ مِنْكَ تُيَسِّرُهُ وَ إِمَامِ عَدْلٍ تُظْهِرُهُ إِلَهَ الْحَقِّ رَبَّ الْعَالَمِينَ

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّكَ فِي إِظْهَارِ عَدْلِكَ فِي عِبَادِكَ وَ قَتْلِ أَعْدَائِكَ فِي بِلَادِكَ حَتَّى لَا تَدَعَ لِلْجَوْرِ دِعَامَةً إِلَّا قَصَمْتَهَا وَ لَا بِنْيَةً إِلَّا أَفْنَيْتَهَا وَ لَا قُوَّةً إِلَّا أَوْهَنْتَهَا وَ لَا رُكْناً إِلَّا هَدَدْتَهُ وَ لَا حَدّاً إِلَّا فَلَلْتَهُ وَ لَا سِلَاحاً إِلَّا كَلَلْتَهُ وَ لَا رَايَةً إِلَّا نَكَّسْتَهَا وَ لَا شُجَاعاً إِلَّا قَتَلْتَهُ وَ لَا حُبّاً إِلَّا خَذَلْتَهُ

وارْمِهِمْ يَا رَبِّ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ وَ اضْرِبْهُمْ بِسَيْفِكَ الْقَاطِعِ وَ بِبَأْسِكَ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ وَ عَذِّبْ أَعْدَاءَكَ وَ أَعْدَاءَ دِينِكَ وَ أَعْدَاءَ رَسُولِكَ بِيَدِ وَلِيِّكَ وَ أَيْدِي عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ.

اللَّهُمَّ اكْفِ وَلِيَّكَ وَ حُجَّتَكَ فِي أَرْضِكَ هَوْلَ عَدُوِّهِ وَ كِدْ مَنْ كَادَهُ وَ امْكُرْ

ص: 99

بِمَنْ مَكَرَ بِهِ وَ اجْعَلْ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَى مَنْ أَرَادَ بِهِ سُوءاً وَ اقْطَعْ عَنْهُ مَادَّتَهُمْ وَ أَرْعِبْ بِهِ قُلُوبَهُمْ وَ زَلْزِلْ لَهُ أَقْدَامَهُمْ وَ خُذْهُمْ جَهْرَةً وَ بَغْتَةً شَدِّدْ عَلَيْهِمْ عِقَابَكَ وَ أَخْزِهِمْ فِي عِبَادِكَ وَ الْعَنْهُمْ فِي بِلَادِكَ وَ أَسْكِنْهُمْ أَسْفَلَ نَارِكَ وَ أَحِطْ بِهِمْ أَشَدَّ عَذَابِكَ وَ أَصْلِهِمْ نَاراً وَ احْشُ قُبُورَ مَوْتَاهُمْ نَاراً وَ أَصْلِهِمْ حَرَّ نَارِكَ فَإِنَّهُمْ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ وَ أَضَلُّوا عِبَادَكَ

اللَّهُمَّ وَ أَحْيِ بِوَلِيِّكَ الْقُرْآنَ وَ أَرِنَا نُورَهُ سَرْمَداً لَا ظُلْمَةَ فِيهِ وَ أَحْيِ بِهِ الْقُلُوبَ الْمَيِّتَةَ وَ اشْفِ بِهِ الصُّدُورَ الْوَغِرَةَ وَ اجْمَعْ بِهِ الْأَهْوَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَى الْحَقِّ وَ أَقِمْ بِهِ الْحُدُودَالْمُعَطَّلَةَ وَ الْأَحْكَامَ الْمُهْمَلَةَ حَتَّى لَا يَبْقَى حَقٌّ إِلَّا ظَهَرَ وَ لَا عَدْلٌ إِلَّا زَهَرَ وَ اجْعَلْنَا يَا رَبِّ مِنْ أَعْوَانِهِ وَ مِمَّنْ يَقْوَى بِسُلْطَانِهِ وَ الْمُؤْتَمِرِينَ لِأَمْرِهِ وَ الرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ وَ الْمُسَلِّمِينَ لِأَحْكَامِهِ وَ مِمَّنْ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى التَّقِيَّةِ مِنْ خَلْقِكَ.

أَنْتَ يَا رَبِّ الَّذِي تَكْشِفُ السُّوءَ وَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاكَ وَ تُنَجِّي مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ فَاكْشِفِ الضُّرَّ عَنْ وَلِيِّكَ وَ اجْعَلْهُ خَلِيفَةً فِي أَرْضِكَ كَمَا ضَمِنْتَ لَهُ.

اللَّهُمَّ وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنْ خُصَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنْ أَعْدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ وَ لَا تَجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الْحَنَقِ وَ الْغَيْظِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ذَلِكَ فَأَعِذْنِي وَ أَسْتَجِيرُ بِكَ فَأَجِرْنِي

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ اجْعَلْنِي بِهِمْ فَائِزاً عِنْدَكَ فِي الدُّنْيَا وَ الآْخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، آمِينَ رَبَّ العَالَمِينَ.(1)

ص: 100


1- كمال الدين : 512/2 ح 43، ورواه السيّد (رحمة اللّه علیه) في مصباح الزائر : 220، وجمال الأسبوع:315، عنه البحار : 187/53 ، وأوردناه في الصحيفة الرضويّة الجامعة : 320 د: 29.

تنبيه : قال السيّد الأجل عليّ بن طاووس في كتاب جمال الأسبوع عند ذكر الدعاء المذكور، وبيان الحضّ والترغيب عليه في يوم الجمعة بعد صلاة العصر ما هذا لفظه: «وهو ممّا ينبغي إذا كان لك عذر عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة، فإيّاك أن تهمل الدعاء به، فإنّنا عرفنا ذلك من فضل اللّه جلّ جلاله الّذي خصّنا به فاعتمد عليه».

ثمّ ذكر الدعاء المذكور، بالإسناد الّذي قدّمنا ذكره،

وهذا الكلام يدل على صدور أمر في ذلك عن مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه إليه، وهذا غير بعيد من مقامات السيّد وكراماته أفاض اللّه عليه من سنيّ بركاته

3- دعاء القنوت المرويّ عن العسكريّ علیه السلام وصلاة المظلوم

ومن الدعوات الماثورة في طلب الفرج لمولانا القائم المهديّ عجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره دعاء القنوت المرويّ عن مولانا الزكيّ الرضيّ، الحسن بن عليّ العسكريّ عليهما الصلاة والسلام، الّذي ذكره الشيخ الطوسيّ (رحمة اللّه علیه) في المصباح و مختصر المصباح، في باب ادعيه قنوت صلاة الوتر، وذكره السيّد بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في مهج الدعوات، في باب قنوتات الأئمّة الأطهار علیهم السلام ،

لكنّ الظاهر من بعض الروايات عدم اختصاصه بوقت من الأوقات، وإن كان الأفضل أن يدعى به في افضل الأوقات والحالات.

ويظهر من رواية السيّد وغيره، أنّ لهذا الدعاء تأثيراً تامّاً في دفع الظالم، والانتصار منه للمظلوم، بل يمكن أن يستفاد من ذلك أنّ من جملة فوائد الدعاء في فرج صاحب الزمان علیه السلام وطلب ظهوره ونصرته دفع الظالم، والخلاص من بأسه وسطوته، قال السيّد عند ذكر الدعاء المشار إليه :

ودعا علیه السلام يعني الإمام الزكيّ الحسن بن عليّ العسكريّ في قنوته ، وأمر أهل قم بذلك، لمّا شكوا من موسی بن بغا، إنتهى كلامه رفع مقامه.

1142- وحكی صاحب كتاب منح البركات، وهو شرح لمهج الدعوات، عن كتاب إعلام الوری في تسمية القرى، تأليف أبي سعيد إسماعيل بن عليّ

ص: 101

السمعاني الحنفيّ: أنّ موسی بن بغا بن كلیب بن شمر بن مروان بن عمرو بن غطّه كان من أصحاب المتوكّل العبّاسي «لع» وأمرائه ، وكان عاملاً له على بلدة قم، وهو الخبيث الّذي كان يحرّض المتوكّل على تخریب قبر مولانا المظلوم أبي عبداللّه الحسين عليه الصلاة والسلام، وحرثه، وكان ظالماً سفّاكاً هتّاكاً، وكان عاملاً على قم، حاكماً على أهله أكثر من عشر سنين، وكان أهل قم خائفين منه، لأنّه كان شديد العناد للأئمّة الأمجاد، وكان يلقي الفساد بينهم، ويهدّدهم بالقتل، وعزم عليهم، فشكوا ذلك إلى مولانا الحسن بن عليّ العسكري علیه السلام ،

فأمرهم بأن يصلّوا صلاة المظلوم، ويدعوا عليه بهذا الدعاء ، فلمّا فعلوا ذلك أخذه اللّه في الحال أخذ عزيز مقتدر ولم يمهله طرفة عين .

أقول: هذا كلام صاحب كتاب منح البركات، قد نقلته بالمعنی، لانّه كان باللغة الفارسيّة، ولم يذكر صفة صلاة المظلوم، ونحن نذكر ما وجدناه في كتاب مكارم الأخلاق عند ذكر جملة من الصلوات :

1143- ففي موضع منه: عن الصادق علیه السلام في حديث قال : إذا ظلمت فاغتسل، وصلّ ركعتين في موضع لا يحجبك عن السماء، ثمّ قل:

اللَّهُمَّ إنَّ «فلانَ بنَ فلانٍ» قَد ظَلَمَنِي وَ لَیْسَ لي أحَدٌ أصُولُ بِهِ غَیْرَكَ فاسْتَوْفِ لِي ظُلَامتي السَّاعَهَ بالإسمِ الَّذِی سَأَلَكَ بِهِ المُضْطَرُّ فَكَشَفْتَ ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ مكَّنْتَ لَهُ في الأرْضِ وَ جَعَلْتَهُ خَلِیفتَكَ عَلَی خَلْقِكَ فَأسئَلُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أنْ تَسْتَوْفِيَ لي ظُلامتي السَّاعَةَ السَّاعَةَ.

قال علیه السلام : فإنّك لا تلبث حتّى ترى ما تحبّ.(1)

1144- وقال في المكارم في موضع آخر: صلاة المظلوم: تصلّي ركعتين بما شئت من القرآن، وتصلّي على محمّد وآله ما قدرت عليه، ثمّ تقول :

ص: 102


1- المكارم: 2/ 121 ح 1، عنه الوسائل : 246/5 ح 1، الصحيفة الصادقيّة : د 335.

اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ يَوْماً تَنْتَقِمُ فِيهِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ لكِنْ هَلَعِي وَ جَزَعِي لَا يُبْلِغَانِ بِيَ الصَّبْرَ عَلَى أَنَاتِكَ وَ حِلْمِكَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ «فُلَاناً» ظَلَمَنِي وَ اعْتَدَى عَلَيَّ بِقُوَّتِهِ عَلَى ضَعْفِي فَأَسْأَلُكَ يَا رَبَّ الْعِزَّةِ وَ قَاصِمَ الْجَبَّارِينَ وَ نَاصِرَ الْمَظْلُومِينَ أَنْ تُرِيَهُ قُدْرَتَكَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبَّ الْعِزَّةِ السَّاعَةَ السَّاعَةَ(1)

صلاة أخرى :

1145- محمد بن الحسن الصفّار - يرفعه - قال : قلت له :

إن «فلاناً» ظالم لي، فقال : أسبغ الوضوء، وصلّ ركعتين، وأثن على اللّه تعالى، وصلّ على محمّد وآله، ثمّ قل:

اللّهمّ إنّ «فلاناً» ظلمني، وبغى عليَّ فأبله بفقر لا تجبره، وبسوء لاتستره.

قال : ففعلت، فأصابه الوضح .(2)

1146- وفي رواية أخرى، قال :

ما من مؤمن ظلم، فتوضّأ وصلّى ركعتين، ثمّ قال :

«اللّهمّ إنّي مظلوم فانتصر» وسكت . إلّا عجّل اللّه تعالى له النصر، إنتهی .(3)

1147- وفي موضع آخر منه : عن يونس بن عمّار، قال : شكوت إلى أبي عبداللّه علیه السلام رجلاً كان يؤذيني فقال علیه السلام : أُدع عليه، قلت : دعوت عليه، قال : ليس هكذا ولكن أقلع عن الذنوب، وصم، وصلّ، وتصدّق، فإذا كان آخر الليل

فأسبغ الوضوء، ثمّ قم فصلّ ركعتين، ثمّ قل: وأنت ساجد:

اَللَّهُمَّ إِنَّ «فُلانَ بْنَ فُلَانٍ» قَدْ آذَانِي، اَللَّهُمَّ اسْقُمْ بَدَنَهُ، وَاقْطَعْ أَثَرَهُ، وَانْقُصْ أَجَلَهُ، وَ عَجِّلْ لَهُ ذَلِكَ فِي عَامِهِ هَذَا.(4)

قال : ففعلت، فما لبث أن هلك .(5)

ص: 103


1- المكارم: 2/ 131 ح 4، عنه المستدرك : 6/ 323 ح 3 ، البحار : 362/91 ح 22، الصادقيّة : د335
2- المكارم: 2/ 132 ح 1 و 2، عنه المستدرك : 6/ 323 ح 1 و 2.
3- المكارم: 2/ 132 ح 1 و 2، عنه المستدرك : 6/ 323 ح 1 و 2.
4- المكارم: 2/ 132 ح 1 و 2، عنه المستدرك : 6/ 323 ح 1 و 2.
5- المكارم: 2/ 121 ح 1، عنه الوسائل : 265/5 ح 1، الصحيفة الصادقيّة : د 335.

1148- وفي موضع آخر قال : اغتسل وصلّ ركعتين، واكشف عن ركبتيك، واجعلهما ممّا يلي المصلّي، وقل مائة مرّة :

يَا حَيُّ يَا قَيُومُ، يَا حَيُّ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاَغِثْنِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ، فإذا فرغت من ذلك فقل:

أَسْاَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَلْطُفَ لِي، وَأَنْ تَغْلِبَ لِي، وَأَنْ تَمْكُرَ لِي، وَأَنْ تَخْدَعَ لِي، وَأَنْ تَكِیدَلِي، وَأَنْ تَكْفِيَنِي مَؤُونَةَ «فلان بن فلان»(1)

قال : فإنّ هذا كان دعاء النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم يوم أحد.(2)

1149- أمّا الدعاء المشار إليه(3) فهو هذا:

الْحَمْدُ لِلَّهِ شُكْراً لِنَعْمَائِهِ وَ اسْتِدْعَاءً لِمَزِيدِهِ وَ اسْتِجَلاباً لِرِزْقِهِ وَ اسْتِخْلاَصاً لَهُ وَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَ عِيَاذاً بِهِ مِنْ كُفْرَانِهِ وَ الْإِلْحَادِ فِي عَظَمَتِهِ وَ كِبْرِيَائِهِ حَمْدَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ مَا بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ عِنْدِ رَبِّهِ وَ مَا مَسَّهُ مِنْ عُقُوبَةٍ فَبِسُوءِ جِنَايَةِ يَدِهِ،

وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَ رَسُولِهِ وَ خِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ وَ ذَرِيعَةِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى رَحْمَتِهِ وَ عَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ، وُلَاةِ أَمْرِهِ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ نَدَبْتَ إِلَى فَضْلِكَ وَ أَمَرْتَ بِدُعَائِكَ وَ ضَمِنْتَ الْإِجَابَةَ لِعِبَادِكَ وَ لَمْ تُخَيِّبْ مَنْ فَزِعَ إِلَيْكَ بِرَغْبَتِهِ وَ قَصَدَ إِلَيْكَ بِحَاجَتِهِ وَ لَمْ تَرْجِعْ يَدُ طَالِبِهِ صِفْراً مِنْ عَطَائِكَ وَ لاَ خَائِبَةً مِنْ نِحَلِ هِبَاتِكَ.

وَ أَيُّ رَاحِلٍ رَحَلَ إِلَيْكَ فَلَمْ يَجِدْكَ قَرِيباً؟ أَوْ أَيُّ وَافِدٍ وَفَدَ عَلَيْكَ فَاقْتَطَعَتْهُ عَوَائِقُ الرَّدِّ دُونَكَ؟ بَلْ أَيُّ مُحْتَفِرٍ مِنْ فَضْلِكَ لَمْ يُمْهِهِ فَيْضُ

ص: 104


1- المكارم: 2/ 134 ح 1، عنه المستدرك : 6/ 322 ج2، الصحيفة الصادقيّة : د 337.
2- المكارم: 2/ 134 ح 1، عنه المستدرك : 6/ 322 ج2، الصحيفة الصادقيّة : د 337.
3- دعاء القنوت المرويّ عن الإمام العسكري علیه السلام .

جُودِكَ؟ وَ أَيُّ مُسْتَنْبِطٍ لِمَزِيدِكَ أَكْدَى دُونَ اسْتِمَاحَةِ سِجَالِ عَطِيَّتِكَ؟

وَ قَدْ قَصَدْتُ إِلَيْكَ بِرَغْبَتِي، وَ قَرَعَتْ بَابَ فَضْلِكَ يَدُ مَسْأَلَتِي وَ نَاجَاكَ بِخُشُوعِ الاِسْتِكَانَةِ قَلْبِي وَ وَجَدْتُكَ خَيْرَ شَفِيعٍ لِي إِلَيْكَ وَ قَدْ عَلِمْتُ يَا إِلَهِي مَا يَحْدُثُ مِنْ طَلِبَتِي قَبْلَ أَنْ يَخْطُرَ بِفِكْرِي أَوْ يَقَعَ فِي خَلَدِي فَصِلِ اللَّهُمَّ دُعَائِي إِيَّاكَ بِإِجَابَتِي وَ اشْفَعْ مَسْأَلَتِي بِنُجْحِ طَلِبَتِي

اللَّهُمَّ وَ قَدْ شَمِلَنَا زَيْغُ الْفِتَنِ وَ اسْتَوْلَتْ عَلَيْنَا عَشْوَةُ الْحِيرَةِ وَ قَارَعَنَا الذُّلُّ وَ الصَّغَارُ وَ حُكِّمَ عَلَيْنَا غَيْرُ الْمَأْمُونِينَ فِي دِينِكَ وَ ابْتَزَّ أُمُورَنَا مَعَادِنُ الْأُبَنِ مِمَّنْ عَطَّلَ حُكْمَكَ وَ سَعَى فِي إِتْلاَفِ عِبَادِكَ وَ إِفْسَادِ بِلاَدِكَ

اللَّهُمَّ وَ قَدْ عَادَ فَيْئُنَا دَوْلَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَ إِمَارَتُنَا غَلَبَةً بَعْدَ الْمَشُورَةِ وَ عُدْنَا مِيرَاثاً بَعْدَ الاِخْتِيَارِ لِلْأَمَةِ وَ اشْتُرِيَتِ الْمَلاَهِي وَ الْمَعَازِفُ بِسَهْمِ الْيَتِيمِ وَ الْأَرْمَلَةِ وَ رَعَى فِي مَالِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَرْعَى لَهُ حُرْمَةً وَ حَكَمَ فِي أَبْشَارِ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَ وُلِّيَ الْقِيَامَ بِأُمُورِهِمْ فَاسِقُ كُلِّ قَبِيلَةٍ،

فَلاَ ذَائِدٌ يَذُودُهُمْ عَنْ هَلَكَةٍ وَ لاَ رَاعٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَ لاَ ذُو شَفَقَةٍ يُشْبِعُ الْكَبِدَ الْحَرَّى مِنْ مَسْغَبَةٍ فَهُمْ أُولُو ضَرْعٍ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ وَ أُسَرَاءُ مَسْكَنَةٍ، وَ خُلَفَاءُ كَآبَةٍ وَ ذِلَّةٍ

اللَّهُمَّ وَ قَدِ اسْتُحْصِدَ زَرْعُ الْبَاطِلِ وَ بَلَغَ نِهَايَتَهُ وَ اسْتُحْكِمَ عَمُودُهُ وَ اسْتُجْمِعَ طَرِيدُهُ وَ خَذْرَفَ وَلِيدُهُ وَ بَسَقَ بِطُولِهِ وَ ضَرَبَ بِجِرَانِهِ،

اللَّهُمَّ فَأَتِحْ لَهُ مِنَ الْحَقِّ يَداً حَاصِدَةً تَصْرَعُ قَائِمَهُ وَ تَهْشِمُ سُوقَهُ وَ تَجُذُّ سَنَامَهُ وَ تَجْدَعُ مَرَاغِمَهُ لِيَسْتَخْفِيَ الْبَاطِلُ بِقُبْحِ حِلْيَتِهِ.

ص: 105

اللَّهُمَّ وَلاَ تَدَعْ لِلْجَوْرِ دِعَامَةً إِلاَّ قَصَمْتَهَا وَ لاَ جُنَّةً إِلاَّ أَهْلَكْتَهَا وَ لاَ كَلِمَةً مُجْتَمِعَةً إِلاَّ فَرَّقْتَهَا وَ لاَ سَرِيَّةَ ثِقْلٍ إِلاَّ خَفَّفْتَهَا وَلَا قَائِمَةَ عُلُوٌّ اِلَّا حَطَطْتَهَا وَلَا رَافِعَةَ عَلَم اِلَّا نَكَّسْتَهَا وَ لاَ خَضْرَاءَ إِلاَّ أَبَدْتَهَا.

اَللَّهُمَّ فَكَوِّرْ شَمْسَهُ وَ حُطَّ نُورَهُ وَاَطْمِسْ ذِكْرَهُ وَارْمِ بِالحَقِّ رَأسَهُ أُمَّ بِالْحَقِّ رَأْسَهُ وَ فُضَّ جُيُوشَهُ وَ أَوْغِرْ قُلُوبَ أَهْلِهِ.

اَللَّهُمَّ وَلَا تَدَعْ مِنْهُ بَقِيَّةً إِلاَّ أَفْنَيْتَ وَ لاَ بَنِيَّةً إِلاَّ سَوَّيْتَ وَ لاَ حَلْقَةً إِلاَّ فَصَمْتَ وَ لاَ سِلاَحاً إِلاَّ أَفْلَلْتَ وَلاَ وَ لاَ كُرَاعاً إِلاَّ اجْتَحْتَ وَ لاَ حَامِلَةَ عَلَمٍ إِلاَّ نَكَّسْتَ.

اللّهُمَّ وَأَرِنَا أَنصَارَهُ عَبَادِیدَ بَعدَ الأُلفَهِ ، وَشَتَّی بَعدَ اجتِمَاعِ الكَلِمَهِ ، وَمُقنِعِی الرُّؤُوسِ بَعدَ الظُّهُورِ عَلَی الأُمَّهِ ، وَأَسفِر لَنَا عَن نَهَارِ العَدلِ ، وَأَرِنَاهُ سَرمَداً لا ظُلمَهَ فِیهِ ، وَنُوراً لا شَوبَ مَعَهُ ، وَأَهطِل عَلَینَا نَاشِئَتَهُ ، وَأَنزِل عَلَینَا بَرَكَتَهُ ، وَأَدِل لَهُ مِمَّن نَاوَاهُ وَانصُرهُ عَلَی مَن عَادَاهُ.

اللّهُمَّ وَأَظهِر بِهِ الحَقَّ ، وَأَصبِح بِهِ فِی غَسَقِ الظُّلَمِ وَبُهَمِ الحَیرَهِ . اللّهُمَّ وَأَحیِ بِهِ القُلُوبَ المَیِّتَهَ ، وَاجمَع بِهِ الأَهوَاءَ المُتَفَرِّقَهَ وَالآرَاءَ المُختَلِفَهَ ، وَأَقِم بِهِ الحُدُودَ المُعَطَّلَهَ وَالأَحكَامَ المُهمَلَهَ ، وَأَشبِع بِهِ الخِمَاصَ السَّاغِبَهَ ، وَأَرِح بِهِ الأَبدَانَ اللّاغِبَهَ المُتعَبَهَ ، كَمَا أَلهَجتَنَا بِذِكرِهِ ، وَأَخطَرتَ بِبَالِنَا دُعَاءَكَ لَهُ ، وَوَفَّقتَنَا لِلدُّعَاءِ إِلَیهِ وَحِیَاشَهِ أَهلِ الغَفلَهِ عنه ، وَأَسكَنتَ فِی قُلُوبِنَا مَحَبَّتَهُ وَالطَّمَعَ فِیهِ وَحُسنَ الظَّنِّ بِكَ لإِقَامَهِ مَرَاسِمِهِ.

اللّهُمَّ فَأتِ لَنَا مِنهُ عَلَی أَحسَنِ یَقِینٍ ، یَا مُحَقِّقَ الظَّنُونِ الحَسَنَهِ ، وَیَا مُصَدِّقَ الآمَالِ المُبطِئَهِ،

اللّهُمَّ وَأَكذِب بِهِ المُتَأَلِّینَ عَلَیكَ فِیهِ ، وَأَخلِف بِهِ ظُنُونَ القَانِطِینَ مِن

ص: 106

رَحمَتِكَ وَالآیِسِینَ مِنهُ

اللّهُمَّ اجعَلنَا سَبَباً مِن أَسبَابِهِ ، وَعَلَماً مِن أَعلامِهِ ، وَمَعقِلاً مِن مَعَاقِلِهِ ، وَنَضِّر وُجُوهَنَا بِتَحلِیَتِهِ ، وَأَكرِمنَا بِنُصرَتِهِ ، وَاجعَل فِینَا خَیراً تُظهِرُنَا لَهُ وَبِهِ ، وَلا تُشمِت بِنَا حَاسِدِی النِّعَمِ وَالمُتَرَبِّصِینَ بِنَا حُلُولَ النَّدَمِ وَنُزُولَ المُثَلِ.

فَقَد تَرَی یَا رَبِّ بَرَاءَهَ سَاحَتِنَا وَخُلُوَّ ذَرعِنَا مِنَ الإِضمَارِ لَهُم عَلَی إِحنَةٍ ، وَالتَّمَنِّی لَهُم وُقُوعَ جَائِحَةٍ وَمَا تَنَازَلَ مِن تَحصِینِهِم بِالعَافِیَةِ وَمَا أَضبَؤُوا لَنَا مِنِ انتِهَازِ الفُرصَهِ وَطَلَبِ الوُثُوبِ بِنَا عِندَ الغَفلَةِ.

اللّهُمَّ وَقَد عَرَّفتَنَا مِن أَنفُسِنَا وَبَصَّرتَنَا مِن عُیُوبِنَا خِلالاً نَخشَی أَن تَقعُدَ بِنَا عَنِ استِیهَالِ إِجَابَتِكَ،

وَأَنتَ المُتَفَضِّلُ عَلَی غَیرِ المُستَحِقِّینَ ، وَالمُبتَدِئُ بِالإِحسَانِ غَیرَ السَّائِلِینَ ، فَآتِ لَنَا مِن أَمرِنَا عَلَی حَسَبِ كَرَمِكَ وَجُودِكَ وَفَضلِكَ وَامتِنَانِكَ ، إِنَّكَ تَفعَلُ مَا تَشَاءُ ، وَتَحكُمُ مَا تُرِیدُ ، إِنَّا إِلَیكَ رَاغِبُونَ وَمِن جَمِیعِ ذُنُوبِنَا تَائِبُونَ.

اللّهُمَّ وَالدَّاعِي إِلَیكَ وَالقَائِمُ بِالقِسطِ مِن عِبَادِكَ ، الفَقِیرُ إِلَی رَحمَتِكَ ، المُحتَاجُ إِلَی مَعُونَتِكَ عَلَی طَاعَتِكَ إِذِ ابتَدَأتَهُ بِنِعمَتِكَ وَأَلبَستَهُ أَثوَابَ كَرَامَتِكَ ، وَأَلقَیتَ عَلَیهِ مَحَبَّهَ طَاعَتِكَ وَثَبَّتَّ وَطأَتَهُ فِي القُلُوبِ مِن مَحَبَّتِكَ ، وَوَفَّقتَهُ لِلقِیَامِ بِمَا أَغمَضَ فِیهِ أَهلُ زَمَانِهِ مِن أَمرِكَ ، وَجَعَلتَهُ مَفزَعاً لِمَظلُومِ عِبَادِكَ وَنَاصِراً لِمَن لا یَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَیرَكَ ، وَمُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِن أَحكَامِ كِتَابِكَ ، وَمُشَیِّداً لِمَا وَرَدَ مِن أَعلامِ سُنَنِ نَبِیِّكَ عَلَیهِ وَآلِهِ سَلامُكَ وَصَلَوَاتُكَ وَرَحمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ.

ص: 107

فَاجعَلهُ اللّهُمَّ فِی حَصَانَهٍ مِن بَأسِ المُعتَدِینَ ، وَأَشرِق بِهِ القُلُوبَ المُختَلِفَهَ مِن بُغَاهِ الدِّینِ ، وَبَلِّغ بِهِ أَفضَلَ مَا بَلَّغتَ بِهِ القَائِمِینَ بِقِسطِكَ مِن أَتبَاعِ النَّبِیِّینَ .

اللّهُمَّ وَأَذلِل بِهِ مَن لَم تُسهِم لَهُ فِی الرُّجُوعِ إِلَی مَحَبَّتِكَ وَمَن نَصَبَ لَهُ العَدَاوَهَ ، وَارمِ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ مَن أَرَادَ التَّألِیبَ عَلی دِینِكَ بِإِذلالِهِ وَتَشتِیتِ أمرِه وَاغضَب لِمَن لا تِرَهَ لَهُ وَلا طَائِلَهَ ، وَعَادَی الأَقرَبِینَ وَالأَبعَدِینَ فِیكَ ، مَنّاً مِنكَ عَلَیهِ لا مَنّاً مِنهُ عَلَیكَ

اللّهُمَّ فَكَمَا نَصَبَ نَفسَهُ غَرَضاً فِیكَ لِلأَبعَدِینَ ، وَجَادَ بِبَذلِ مُهجَتِهِ لَكَ فِی الذَّبِّ عَن حَرِیمِ المُؤمِنِینَ ، وَرَدَّ شَرَّ بُغَاهِ المُرتَدِّینَ المُرِیبِینَ ، حَتَّی أُخفِیَ مَا كَانَ جُهِرَ بِهِ مِنَ المَعَاصِی ، وَابدَی مَا كَانَ نَبَذَهُ العُلَمَاءُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم مِمَّا أَخَذتَ مِیثَاقَهُم عَلی أَن یُبَیِّنُوهُ لِلنَّاسِ وَلا یَكتُمُوهُ ، وَدَعَا إِلَی إِفرَادِكَ بِالطَّاعَهِ ، وَأَلاّ یَجعَلَ لَكَ شَرِیكاً مِن خَلقِكَ یَعلُو أَمرُهُ عَلی أَمرِكَ مَعَ مَا یَتَجَرَّعُهُ فِیكَ مِن مَرَارَاتِ الغَیظِ الجَارِحَهِ بِحَوَاسِّ القُلُوبِ وَمَا یَعتَوِرُهُ مِنَ الغُمُومِ ، وَیَفرُغُ عَلَیهِ مِن أَحدَاثِ الخُطُوبِ ، وَیَشرَقُ بِهِ مِنَ الغُصَصِ الَّتِی لا تَبتَلِعُهَا الحُلُوقُ وَلا تَحنُو عَلَیهَا الضُّلُوعُ مِن نَظرَهٍ إِلَی أَمرٍ مِن أَمرِكَ ، وَلا تَنَالُهُ یَدُهُ بِتَغیِیرِهِ وَرَدِّهِ إِلَی مَحَبَّتِكَ.

فَاشدُدِ اللّهُمَّ أَزرَهُ بِنَصرِكَ وَأَطِل بَاعَهُ فِیمَا قَصُرَ عَنهُ مِن إِطرَادِ الرَّاتِعِینَ في حِمَاكَ ، وَزِدهُ فِي قُوَّتِهِ بَسطَهً مِن تَأیِیدِكَ ، وَلا تُوحِشنَا مِن أُنسِهِ ، وَلا تَختَرِمهُ دُونَ أَمَلِهِ مِنَ الصَّلاحِ الفَاشِی فِي أَهلِ مِلَّتِهِ وَالعَدلِ الظَّاهِرِ فِي أُمَّتِهِ.

اللّهُمَّ وَشَرِّف - بِمَا استَقبَلَ بِهِ مِنَ القِیَامِ بِأَمرِكَ لَدَي مَوقِفِ الحِسَابِ مُقَامَهُ ، وَسُرَّ نَبِیَّكَ مُحَمَّداً صَلَوَاتُكَ عَلَیهِ وَآلِهِ بِرُؤیَتِهِ وَمَن تَبِعَهُ عَلَی

ص: 108

دَعوَتِهِ ، وَأَجزِل لَهُ عَلَی مَا رَأَیتَهُ قَائِماً بِهِ مِن أَمرِكَ ثَوَابَهُ ، وَابنِ قُربَ دُنُوِّهِ مِنكَ فِی حَیَاتِهِ

وَارحَمِ استِكَانَتَنَا مِن بَعدِهِ وَاستِخذَاءَنَا لِمَن كُنَّا نَقمَعُهُ بِهِ ، إِذ أَفقَدتَنَا وَجهَهُ وَبَسَطتَ أَیدِیَ مَن كُنَّا نَبسُطُ أَیدِیَنَا عَلَیهِ لِنَرُدَّهُ عَن مَعصِیَتِهِ ، وَافتَراقَنا بَعدَ الأُلفَهِ وَالاجتِمَاعِ تَحتَ ظِلِّ كَنَفِهِ ، وَتَلَهَّفنَا عِندَ الفَوتِ عَلَی مَا أَقعَدتَنَا عَنهُ مِن نُصرَتِهِ وَطَلَبنَا مِنَ القِیَامِ بِحَقِّ مَا لا سَبِیلَ لَنَا إِلَی رَجعَتِهِ.

وَاجعَلهُ اللّهُمَّ فِي أَمنٍ مِمَّا یُشفَقُ عَلَیهِ مِنهُ ، وَرُدَّ عَنهُ مِن سِهَامِ المَكَائِدِ مَا یُوَجِّهُهُ أَهلُ الشَّنَآنِ إِلَیهِ وَإِلَی شُرَكَائِهِ فِي أَمرِهِ وَمُعَاوِنِیهِ عَلَی طَاعَهِ رَبِّهِ ، الَّذِینَ جَعَلتَهُم سِلاحَهُ وَحِصنَهُ وَمَفزَعَهُ وَأُنسَهُ ، الَّذِینَ سَلَوا عَنِ الأَهلِ وَالأَولادِ ، وَجَفَوُا الوَطَنَ،

وَعَطَّلُوا الوَثِیرَ مِنَ المِهَادِ ، وَرَفَضُوا تِجَارَاتِهِم ، وَأَضَرُّوا بِمَعَایِشِهِم ، وَفُقِدُوا فِي أَندِیَتِهِم بِغَیرِ غَیبَهٍ عَن مِصرِهِم ، وَحَالَلُوا البَعِیدَ مِمَّن عَاضَدَهُم عَلَی أَمرِهِم ، وَقَلَوُا القَرِیبَ مِمَّن صَدَّ عَنهُم وَعَن جِهَتِهِم ، فَائتَلَفُوا بَعدَ التَّدَابُرِ وَالتَّقَاطُعِ فِي دَهرِهِم ، وَقَلَعُوا الأَسبَابَ المُتَّصِلَهَ بِعَاجِلِ حُطَامِ الدُّنیَا.

واجعَلهُمُ اللّهُمَّ فِی أَمنِ حِرزِكَ وَظِلِّ كَنَفِكَ ، وَرُدَّ عَنهُم بَأسَ مَن قَصَدَ إِلَیهِم بِالعَدَاوَهِ مِن عِبَادِكَ ، وَأَجزِل لَهُم عَلی دَعوَتِهِم مِن كِفَایَتِكَ وَمَعُونَتِكَ ، وَأَیِّدهُم بِتَأیِیدِكَ وَنَصرِكَ ، وَأَزهِق بِحَقِّهِم بَاطِلَ مَن أَرَادَ إِطفَاءَ نُورِكَ

اللّهُمَّ وَاملأ بِهِم كُلَّ أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ وَقُطرٍ مِنَ الأَقطَارِ ، قِسطاً وَعَدلاً وَمَرحَمَهً وَفَضلاً ، وَاشكُرهُم عَلی حَسَبِ كَرَمِكَ وَجُودِكَ ، مَا مَنَنتَ بِهِ عَلَی القَائِمِینَ بِالقِسطِ مِن عِبَادِكَ ، وَادَّخَرتَ لَهُم مِن ثَوَابِكَ مَا تَرفَعُ لَهُم بِهِ

ص: 109

الدَّرَجَاتِ ، إِنَّكَ تَفعَلُ مَا تَشَاءُ وَتَحكُمُ مَا تُرِیدُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خِيَرَتِهِ مِن خَلقِهِ مُحَمِّدٍ وَآلِهِ الأَطهَارِ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَجِدُ هَذِهِ النُّدْبَةَ امْتَحَتْ دَلاَلَتُهَا وَ دَرَسَتْ أَعْلاَمُهَا وَ عَفَتْ إِلاَّ ذِكْرَهَا وَ تِلاَوَةَ الْحُجَّةِ بِهَا

اللَّهُمَّ إِنِّي أَجِدُ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ مُشْتَبِهَاتٍ تَقْطَعُنِي دُونَكَ وَ مُثَبَّطَاتٍ تُقْعِدُنِي عَنْ إِجَابَتِكَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدَكَ لاَ يَرْحَلُ إِلَيْكَ إِلاَّ بِزَادٍ وَ أَنَّكَ لاَ تُحْجَبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلاَّ أَنْ تَحْجُبَهُمُ الْأَعْمَالُ دُونَكَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ زَادَ الرَّاحِلِ إِلَيْكَ عَزْمُ إِرَادَةٍ يَخْتَارُكَ بِهَا وَ يَصِيرُ بِهَا إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْكَ،

اللَّهُمَّ وَ قَدْ نَادَاكَ بِعَزْمِ الْإِرَادَةِ قَلْبِي وَ اسْتَبْقَى نِعْمَتَكَ بِفَهْمِ حُجَّتِكَ لِسَانِي وَ مَا تَيَسَّرَ لِي مِنْ إِرَادَتِكَ

اللَّهُمَّ فَلاَ أُخْتَزَلَنَّ عَنْكَ وَ أَنَا أَؤُمُّكَ وَ لاَ أُخْتَلَجَنَّ عَنْكَ وَ أَنَا أَتَحَرَّاكَ

اللَّهُمَّ وَ أَيِّدْنَا بِمَا تُسْتَخْرَجُ بِهِ فَاقَةُ الدُّنْيَا مِنْ قُلُوبِنَا وَ تُنْعِشُنَا مِنْ مَصَارِعِ هَوَانِهَا وَ تَهْدِمُ بِهَا عَنَّا مَا شُيِّدَ مِنْ بُنْيَانِهَا وَ تَسْقِينَا بِكَأْسِ السَّلْوَةِ عَنْهَا حَتَّى تُخَلِّصَنَا بِعِبَادَتِك وَ تُورِثَنَا مِيرَاثَ أَوْلِيَائِكَ الَّذِينَ ضَرَبْتَ لَهُمُ الْمَنَازِلَ إِلَى قَصْدِكَ وَ آنَسْتَ وَحْشَتَهُمْ حَتَّى وَصَلُوا إِلَيْكَ

اللَّهُمَّ وَ إِنْ كَانَ هَوًى مِنْ هَوَى الدُّنْيَا أَوْ فِتْنَةٌ مِنْ فِتْنَتِهَا عَلِقَ بِقُلُوبِنَا حَتَّى قَطَعَنَا عَنْكَ أَوْ حَجَبَنَا عَنْ رِضْوَانِكَ وَ قَعَدَ بِنَا عَنْ إِجَابَتِكَ،

فَاقْطَعِ اللَّهُمَّ كُلَّ حَبْلٍ مِنْ حِبَالِهَا جَذَبَنَا عَنْ طَاعَتِكَ وَ أَعْرَضَ بِقُلُوبِنَا عَنْ أَدَاءِ فَرَائِضِكَ وَ اسْقِنَا عَنْ ذَلِكَ سَلْوَةً وَ صَبْراً يُورِدُنا عَلَى عَفْوِكَ وَ يُقْدِمُنَا عَلَى مَرْضَاتِكَ إِنَّكَ وَلِيُّ ذَلِكَ

ص: 110

اللَّهُمَّ وَ اجْعَلْنَا قَائِمِينَ عَلَى أَنْفُسِنَا بِأَحْكَامِكَ حَتَّى تُسْقِطَ عَنَّا مُؤَنَ الْمَعَاصِي، وَ اقْمَعِ الْأَهْوَاءَ أَنْ تَكُونَ مُشَاوَرَةً وَ هَبْ لَنَا وَطْءَ آثَارِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ وَ اللُّحُوقَ بِهِمْ حَتَّى يَرْفَعَ الدِّينُ أَعْلاَمَهُ ابْتِغَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي عِنْدَكَ

اللَّهُمَّ فَمُنَّ عَلَيْنَا بِوَطْءِ آثَارِ سَلَفِنَا وَ اجْعَلْنَا خَيْرَ فَرَطٍ لِمَنِ ائْتَمَّ بِنَا فَإِنَّكَ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرٌ وَ ذَلِكَ عَلَيْكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَ آلِهِ الْأَبْرَارِ، وَسَلَّمَ.(1)

4- دعاء الندبة ، وتوضيح مقال لدفع إشكال فيه

ومن الأدعية الشريفة المرويّة في هذا الباب دعاء الندبة ، المرويّ في زاد المعاد بحذف الإسناد عن سادس الائمّة الأمجاد المؤكّد في أربعة أعياد، أعني الجمعة، والفطر، والأضحى، والغدير :

1150- ورواه في مزار البحار نقلاً عن السيّد بن طاووس، عن بعض أصحابنا قال : قال محمّد بن عليّ بن أبي قرّة:

نقلت من كتاب محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري رضي اللّه تعالی عنه دعاء الندبة، وذكر أنّه الدعاء لصاحب الزمان، صلوات اللّه عليه ويستحبّ أن يدعى به في الأعياد الأربعة،

ورواه العالم الاجلّ النوري (رحمة اللّه علیه) في تحيّة الزائر من مصباح الزائر للسيّد بن طاووس، ومزار محمّد بن المشهدي، عن محمّد بن عليّ بن أبي قرّة، نقلاً عن كتاب البزوفري (رحمة اللّه علیه)، ورواه النوري (رحمة اللّه علیه) أيضاً عن كتاب المزار القديم،

وزاد استحبابه في ليلة الجمعة كاستحبابه في الأعياد الأربعة :

ص: 111


1- مهج الدعوات : 85، عنه البحار : 229/85 ، والصحيفة المباركة المهدية : 516، أوردناه في الصحيفة الرضويّة : 229 د: 25.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَ آلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً، اللّهم لك الحمد على ما جرى به اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ قَضَاؤُكَ فِي أَوْلِيَائِكَ الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَ دِينِكَ إِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزِيلَ مَا عِنْدَكَ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ الَّذِي لا زَوَالَ لَهُ وَ لا اضْمِحْلالَ بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ فِي دَرَجَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَ زُخْرُفِهَا وَ زِبْرِجِهَا فَشَرَطُوا لَكَ ذَلِكَ وَ عَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ فَقَبِلْتَهُمْ وَ قَرَّبْتَهُمْ وَ قَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَ الثَّنَاءَ الْجَلِيَّ، وَ أَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ وَ كَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ وَ رَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ وَ جَعَلْتَهُمُ الذَّرِيعَةَ إِلَيْكَ وَ الْوَسِيلَةَ إِلَي رِضْوَانِكَ

فَبَعْضٌ أَسْكَنْتَهُ جَنَّتَكَ إِلَي أَنْ أَخْرَجْتَهُ مِنْهَا وَ بَعْضٌ حَمَلْتَهُ فِي فُلْكِكَ وَ نَجَّيْتَهُ وَ مَنْ آمَنَ مَعَهُ مِنَ الْهَلَكَةِ بِرَحْمَتِكَ وَ بَعْضٌ اتَّخَذْتَهُ لِنَفْسِكَ خَلِيلا وَ سَأَلَكَ لِسَانَ صِدْق فِي الاْخِرِينَ فَأَجَبْتَهُ وَ جَعَلْتَ ذَلِكَ عَلِيّا وَ بَعْضٌ كَلَّمْتَهُ مِنْ شَجَرَة تَكْلِيما وَ جَعَلْتَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ رِدْءا وَ وَزِيرا وَ بَعْضٌ أَوْلَدْتَهُ مِنْ غَيْرِ أَب وَ آتَيْتَهُ الْبَيِّنَاتِ وَ أَيَّدْتَهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ

وَ كُلٌّ شَرَعْتَ لَهُ شَرِيعَةً وَ نَهَجْتَ لَهُ مِنْهَاجا وَ تَخَيَّرْتَ لَهُ أَوْصِيَاءَ مُسْتَحْفِظا بَعْدَ مُسْتَحْفِظ مُسْتَحْفَظا بَعْدَ مُسْتَحْفَظ مِنْ مُدَّة إِلَي مُدَّة إِقَامَةً لِدِينِكَ وَ حُجَّةً عَلَي عِبَادِكَ وَ لِئَلا يَزُولَ الْحَقُّ عَنْ مَقَرِّهِ وَ يَغْلِبَ الْبَاطِلُ عَلَي أَهْلِهِ وَ لا لِئَلا يَقُولَ أَحَدٌ لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا مُنْذِرا وَ أَقَمْتَ لَنَا عَلَما هَادِيا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزَي إِلَي أَنِ انْتَهَيْتَ بِالْاَمْرِ إِلَي حَبِيبِكَ وَ نَجِيبِكَ مُحَمَّد صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَكَانَ كَمَا انْتَجَبْتَهُ سَيِّدَ مَنْ خَلَقْتَهُ وَ صَفْوَةَ مَنِ اصْطَفَيْتَهُ وَ أَفْضَلَ مَنِ

ص: 112

اجْتَبَيْتَهُ وَ أَكْرَمَ مَنِ اعْتَمَدْتَهُ قَدَّمْتَهُ عَلَي أَنْبِيَائِكَ وَ بَعَثْتَهُ إِلَي الثَّقَلَيْنِ مِنْ عِبَادِكَ وَ أَوْطَأْتَهُ مَشَارِقَكَ وَ مَغَارِبَكَ

وَ سَخَّرْتَ لَهُ الْبُرَاقَ وَ عَرَجْتَ بِرُوحِهِ بِهِ إِلَي سَمَائِكَ وَ أَوْدَعْتَهُ عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ إِلَي انْقِضَاءِ خَلْقِكَ ثُمَّ نَصَرْتَهُ بِالرُّعْبِ وَ حَفَفْتَهُ بِجَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ الْمُسَوِّمِينَ مِنْ مَلائِكَتِكَ وَ وَعَدْتَهُ أَنْ تُظْهِرَ دِينَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَوَّأْتَهُ مُبَوَّأَ صِدْق مِنْ أَهْلِهِ وَ جَعَلْتَ لَهُ وَ لَهُمْ (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)(1) وَقَلْتَ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(2)

جَعَلْتَ أَجْرَ مُحَمَّد صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَوَدَّتَهُمْ فِي كِتَابِكَ، وَقُلْتَ: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(3) وَقُلْتَ: (مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ)(4) وَقُلْتَ: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)(5) فَكَانُوا هُمُ السَّبِيلَ إِلَيْكَ، وَالمَسْلَكَ إِلَى رِضْوَانِكَ

فَلَمَّا انْقَضَتْ أَيَّامُهُ أَقَامَ وَلِيَّهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمَا وَ آلِهِمَا هَادِيا إِذْ كَانَ هُوَ الْمُنْذِرَ وَ لِكُلِّ قَوْم هَاد فَقَالَ وَ الْمَلَأُ أَمَامَهُ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَ قَالَ مَنْ كُنْتُ أَنَا نَبِيَّهُ فَعَلِيٌّ أَمِيرُهُ وَ قَالَ أَنَا وَ عَلِيٌّ مِنْ شَجَرَة وَاحِدَة وَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْ شَجَر شَتَّي وَ أَحَلَّهُ مَحَلَّ هَارُونَ مِنْ مُوسَي فَقَالَ:

ص: 113


1- آل عمران: 96.
2- الأحزاب: 33.
3- الشوری : 33.
4- سبأ: 47.
5- الفرقان : 57.

أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي إِلا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي وَ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ أَحَلَّ لَهُ مِنْ مَسْجِدِهِ مَا حَلَّ لَهُ وَ سَدَّ الْاَبْوَابَ إِلا بَابَهُ

ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِلْمَهُ وَ حِكْمَتَهُ فَقَالَ أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِيٌّ بَابُهَا فَمَنْ أَرَادَ الْمَدِينَةَ وَ الْحِكْمَةَ فَلْيَأْتِهَا مِنْ بَابِهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْتَ أَخِي وَ وَصِيِّي وَ وَارِثِي لَحْمُكَ مِنْ لَحْمِي وَ دَمُكَ مِنْ دَمِي وَ سِلْمُكَ سِلْمِي وَ حَرْبُكَ حَرْبِي وَ الاِْيمَانُ مُخَالِطٌ لَحْمَكَ وَ دَمَكَ كَمَا خَالَطَ لَحْمِي وَ دَمِي وَ أَنْتَ غَدا عَلَي الْحَوْضِ خَلِيفَتِي وَ أَنْتَ تَقْضِي دَيْنِي وَ تُنْجِزُ عِدَاتِي وَ شِيعَتُكَ عَلَي مَنَابِرَ مِنْ نُور مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلِي فِي الْجَنَّةِ وَ هُمْ جِيرَانِي

وَ لَوْ لا أَنْتَ يَا عَلِيٌّ لَمْ يُعْرَفِ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدِي وَ كَانَ بَعْدَهُ هُدًي مِنَ الضَّلالِ وَ نُورا مِنَ الْعَمَي وَ حَبْلَ اللّهِ الْمَتِينَ وَ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ لا يُسْبَقُ بِقَرَابَة فِي رَحِم وَ لا بِسَابِقَة فِي دِين وَ لا يُلْحَقُ فِي مَنْقَبَة مِنْ مَنَاقِبِهِ يَحْذُو حَذْوَ الرَّسُولِ صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِمَا وَ آلِهِمَا وَ يُقَاتِلُ عَلَي التَّأْوِيلِ وَ لا تَأْخُذُهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لائِم قَدْ وَتَرَ فِيهِ صَنَادِيدَ الْعَرَبِ وَ قَتَلَ أَبْطَالَهُمْ وَ نَاوَشَ ذُؤْبَانَهُمْ فَأَوْدَعَ قُلُوبَهُمْ أَحْقَادا بَدْرِيَّةً وَ خَيْبَرِيَّةً وَ حُنَيْنِيَّةً وَ غَيْرَهُنَّ فَأَضَبَّتْ عَلَي عَدَاوَتِهِ وَ أَكَبَّتْ عَلَي مُنَابَذَتِهِ حَتَّي قَتَلَ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ

وَ لَمَّا قَضَي نَحْبَهُ وَ قَتَلَهُ أَشْقَي الاْخِرِينَ يَتْبَعُ أَشْقَي الْاَوَّلِينَ لَمْ يُمْتَثَلْ أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي الْهَادِينَ بَعْدَ الْهَادِينَ وَ الْاُمَّةُ مُصِرَّةٌ عَلَي مَقْتِهِ مُجْتَمِعَةٌ عَلَي قَطِيعَةِ رَحِمِهِ وَ إِقْصَاءِ وَلَدِهِ إِلا الْقَلِيلَ مِمَّنْ وَفَي لِرِعَايَةِ الْحَقِّ فِيهِمْ

فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ وَ سُبِيَ مَنْ سُبِيَ وَ أُقْصِيَ مَنْ أُقْصِيَ وَ جَرَي الْقَضَاءُ لَهُمْ بِمَا

ص: 114

يُرْجَي لَهُ حُسْنُ الْمَثُوبَةِ إِذْ كَانَتِ الْاَرْضُ للَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (وَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً)(1) وَ لَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

فَعَلَي الْاَطَائِبِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد وَ عَلِيٍّ صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِمَا وَ آلِهِمَا فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ وَ إِيَّاهُمْ فَلْيَنْدُبِ النَّادِبُونَ وَ لِمِثْلِهِمْ فَلْتُذْرَفِ الدُّمُوعُ وَ لْيَصْرُخِ الصَّارِخُونَ وَ يَضِجُّ الضَّاجُّونَ وَ يَعِجَّ الْعَاجُّونَ

أَيْنَ الْحَسَنُ أَيْنَ الْحُسَيْنُ أَيْنَ أَبْنَاءُ الْحُسَيْنِ صَالِحٌ بَعْدَ صَالِح وَ صَادِقٌ بَعْدَ صَادِق أَيْنَ السَّبِيلُ بَعْدَ السَّبِيلِ أَيْنَ الْخِيَرَةُ بَعْدَ الْخِيَرَةِ أَيْنَ الشُّمُوسُ الطَّالِعَةُ أَيْنَ الْاَقْمَارُ الْمُنِيرَةُ أَيْنَ الْاَنْجُمُ الزَّاهِرَةُ أَيْنَ أَعْلامُ الدِّينِ وَ قَوَاعِدُ الْعِلْمِ أَيْنَ بَقِيَّةُ اللّهِ الَّتِي لا تَخْلُو مِنَ الْعِتْرَةِ الْهَادِيَةِ أَيْنَ الْمُعَدُّ لِقَطْعِ دَابِرِ الظَّلَمَةِ أَيْنَ الْمُنْتَظَرُ لِاِقَامَةِ الْاَمْتِ وَ الْعِوَجِ أَيْنَ الْمُرْتَجَي لِاِزَالَةِ الْجَوْرِ وَ الْعُدْوَانِ أَيْنَ الْمُدَّخَرُ لِتَجْدِيدِ الْفَرَائِضِ وَ السُّنَنِ؟

أَيْنَ الْمُتَخَيَّرُ لِاِعَادَةِ الْمِلَّةِ وَ الشَّرِيعَةِ أَيْنَ الْمُؤَمَّلُ لِاِحْيَاءِ الْكِتَابِ وَ حُدُودِهِ أَيْنَ مُحْيِي مَعَالِمِ الدِّينِ وَ أَهْلِهِ أَيْنَ قَاصِمُ شَوْكَةِ الْمُعْتَدِينَ أَيْنَ هَادِمُ أَبْنِيَةِ الشِّرْكِ وَ النِّفَاقِ أَيْنَ مُبِيدُ أَهْلِ الْفُسُوقِ وَ الْعِصْيَانِ وَ الطُّغْيَانِ أَيْنَ حَاصِدُ فُرُوعِ الْغَيِّ وَ الشِّقَاقِ؟

أَيْنَ طَامِسُ آثَارِ الزَّيْغِ وَ الْاَهْوَاءِ أَيْنَ قَاطِعُ حَبَائِلِ الْكِذْبِ وَ الافْتِرَاءِ أَيْنَ مُبِيدُ الْعُتَاةِ وَ الْمَرَدَةِ أَيْنَ مُسْتَأْصِلُ أَهْلِ الْعِنَادِ وَ التَّضْلِيلِ وَ الْاِلْحَادِ أَيْنَ مُعِزُّ الْاَوْلِيَاءِ وَ مُذِلُّ الْاَعْدَاءِ أَيْنَ جَامِعُ الْكَلِمَةِ عَلَي التَّقْوَي أَيْنَ بَابُ اللّهِ الَّذِي مِنْهُ يُؤْتَي أَيْنَ وَجْهُ اللّهِ الَّذِي إِلَيْهِ يَتَوَجَّهُ الْاَوْلِيَاءُ؟

ص: 115


1- الإسراء : 108

أَيْنَ السَّبَبُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الْاَرْضِ وَ السَّمَاءِ أَيْنَ صَاحِبُ يَوْمِ الْفَتْحِ وَ نَاشِرُ رَايَةِ الْهُدَي أَيْنَ مُؤَلِّفُ شَمْلِ الصَّلاحِ وَ الرِّضَا؟

أَيْنَ الطَّالِبُ بِذُحُولِ الْاَنْبِيَاءِ وَ أَبْنَاءِ الْاَنْبِيَاءِ؟ أَيْنَ الطَّالِبُ بِدَمِ الْمَقْتُولِ بِكَرْبَلاءَ؟ أَيْنَ الْمَنْصُورُ عَلَي مَنِ اعْتَدَي عَلَيْهِ وَ افْتَرَي؟ أَيْنَ الْمُضْطَرُّ الَّذِي يُجَابُ إِذَا دَعَا؟ أَيْنَ صَدْرُ الْخَلائِقِ ذُو الْبِرِّ وَ التَّقْوَي؟ أَيْنَ ابْنُ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَي وَ ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَي وَ ابْنُ خَدِيجَةَ الْغَرَّاءِ وَ ابْنُ فَاطِمَةَ الْكُبْرَی؟

بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي وَ نَفْسِي لَكَ الْوِقَاءُ وَ الْحِمَي يَا ابْنَ السَّادَةِ الْمُقَرَّبِينَ يَا ابْنَ النُّجَبَاءِ الْاَكْرَمِينَ يَا ابْنَ الْهُدَاةِ الْمَهْدِيِّينَ يَا ابْنَ الْخِيَرَةِ الْمُهَذَّبِينَ يَا ابْنَ الْغَطَارِفَةِ الْاَنْجَبِينَ يَا ابْنَ الْاَطَائبِ الْمُطَهَّرِينَ يَا ابْنَ الْخَضَارِمَةِ الْمُنْتَجَبِينَ يَا ابْنَ الْقَمَاقِمَةِ الْاَكْرَمِينَ يَا ابْنَ الْبُدُورِ الْمُنِيرَةِ يَا ابْنَ السُّرُجِ الْمُضِيئَةِ يَا ابْنَ الشُّهُبِ الثَّاقِبَةِ يَا ابْنَ الْاَنْجُمِ الزَّاهِرَةِ يَا ابْنَ السُّبُلِ الْوَاضِحَةِ يَا ابْنَ الْاَعْلامِ اللائِحَةِ يَا ابْنَ الْعُلُومِ الْكَامِلَةِ يَا ابْنَ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ يَا ابْنَ الْمَعَالِمِ الْمَأْثُورَةِ يَا ابْنَ الْمُعْجِزَاتِ الْمَوْجُودَةِ يَا ابْنَ الدَّلائِلِ الْمَشْهُودَةِ يَا ابْنَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَا ابْنَ النَّبَإِ الْعَظِيمِ يَا ابْنَ مَنْ هُوَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَي اللّهِ عَلِيٌّ حَكِيمٌ

يَا ابْنَ الْايَاتِ وَ الْبَيِّنَاتِ يَا ابْنَ الدَّلائِلِ الظَّاهِرَاتِ يَا ابْنَ الْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَاتِ الْبَاهِرَاتِ يَا ابْنَ الْحُجَجِ الْبَالِغَاتِ يَا ابْنَ النِّعَمِ السَّابِغَاتِ يَا ابْنَ طه وَ الْمُحْكَمَاتِ يَا ابْنَ يس وَ الذَّارِيَاتِ يَا ابْنَ الطُّورِ وَ الْعَادِيَاتِ يَا ابْنَ مَنْ دَنَا فَتَدَلَّي فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي دُنُوّا وَ اقْتِرَابا مِنَ الْعَلِيِّ الْاَعْلَي

لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوَي؟ بَلْ أَيُّ أَرْض تُقِلُّكَ أَوْ ثَرَي؟ أَ بِرَضْوَي أَوْ غَيْرِهَا أَمْ ذِي طُوًي؟ عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَي الْخَلْقَ وَ لا تُرَي وَ لا أَسْمَعَ

ص: 116

لَكَ حَسِيساً وَ لا نَجْوَی عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ تُحِيطَ بِكَ دُونِي الْبَلْوَي وَ لا يَنَالَكَ مِنِّي ضَجِيجٌ وَ لا شَكْوَی

بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّب لَمْ يَخْلُ مِنَّا بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَازِح مَا نَزَحَ يَنْزَحُ عَنَّا بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شَائِق يَتَمَنَّي مِنْ مُؤْمِن وَ مُؤْمِنَة ذَكَرا فَحَنَّا بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ عَقِيدِ عِزّ لا يُسَامَی بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ أَثِيلِ مَجْد لا يُجَارَي يُحَاذَی بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَم لا تُضَاهَی بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَصِيفِ شَرَف لا يُسَاوَی.

إِلَي مَتَی أَحَارُ فِيكَ يَا مَوْلايَ؟ وَ إِلَي مَتَی وَ أَيَّ خِطَاب أَصِفُ فِيكَ وَ أَيَّ نَجْوَی؟ عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أُجَابَ دُونَكَ وَ أُنَاغَی، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْكِيَكَ وَ يَخْذُلَكَ الْوَرَی، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ مَا جَرَی

هَلْ مِنْ مُعِين فَأُطِيلَ مَعَهُ الْعَوِيلَ وَ الْبُكَاءَ هَلْ مِنْ جَزُوع فَأُسَاعِدَ جَزَعَهُ إِذَا خَلا هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَسَاعَدَتْهَا عَيْنِي عَلَي الْقَذَي هَلْ إِلَيْكَ يَا ابْنَ أَحْمَدَ سَبِيلٌ فَتُلْقَي هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنَا مِنْكَ بِغَدِهِ فَنَحْظَي؟

مَتَي نَرِدُ مَنَاهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَرْوَي؟ مَتَي نَنْتَقِعُ مِنْ عَذْبِ مَائِكَ فَقَدْ طَالَ الصَّدَي؟ مَتَي نُغَادِيكَ وَ نُرَاوِحُكَ فَنَقِرَّ عَيْنا؟ مَتَي تَرَانَا وَ نَرَاكَ وَ قَدْ نَشَرْتَ لِوَاءَ النَّصْرِ تُرَي؟ أَ تَرَانَا نَحُفُّ بِكَ وَ أَنْتَ تَؤُمُّ الْمَلَاَ، وَ قَدْ مَلَاْتَ الْاَرْضَ عَدْلاً، وَ أَذَقْتَ أَعْدَاءَكَ هَوَاناً وَ عِقَاباً، وَ أَبَرْتَ الْعُتَاةَ وَ جَحَدَةَ الْحَقِّ، وَ قَطَعْتَ دَابِرَ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَ اجْتَثَثْتَ أُصُولَ الظَّالِمِينَ، وَ نَحْنُ نَقُولُ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ كَشَّافُ الْكُرَبِ وَ الْبَلْوَی وَ إِلَيْكَ أَسْتَعْدِي فَعِنْدَكَ الْعَدْوَی وَ أَنْتَ رَبُّ الاْخِرَةِ وَ الْاُولَی فَأَغِثْ يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ عُبَيْدَكَ الْمُبْتَلَی وَ أَرِهِ سَيِّدَهُ يَا شَدِيدَ الْقُوَي وَ أَزِلْ عَنْهُ بِهِ الْاَسَی وَ الْجَوَی وَ بَرِّدْ غَلِيلَهُ يَا مَنْ

ص: 117

عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي وَ مَنْ إِلَيْهِ الرُّجْعَي وَ الْمُنْتَهَي

اللَّهُمَّ وَ نَحْنُ عَبِيدُكَ التَّائِقُونَ إِلَي وَلِيِّكَ الْمُذَكِّرِ بِكَ وَ بِنَبِيِّكَ خَلَقْتَهُ لَنَا عِصْمَةً وَ مَلاذا وَ أَقَمْتَهُ لَنَا قِوَاما وَ مَعَاذا، وَ جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَّا إِمَاما فَبَلِّغْهُ مِنَّا تَحِيَّةً وَ سَلاما وَ زِدْنَا بِذَلِكَ يَا رَبِّ إِكْرَاما وَ اجْعَلْ مُسْتَقَرَّهُ لَنَا مُسْتَقَرّا وَ مُقَاما وَ أَتْمِمْ نِعْمَتَكَ بِتَقْدِيمِكَ إِيَّاهُ أَمَامَنَا حَتَّي تُورِدَنَا جِنَانَكَ وَ مُرَافَقَةَ الشُّهَدَاءِ مِنْ خُلَصَائِكَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّد وَ آلِ مُحَمَّد وَ صَلِّ عَلَي مُحَمَّد جَدِّهِ رَسُولِكَ السَّيِّدِ الْاَكْبَرِ وَ عَلَي أَبِيهِ السَّيِّدِ الْاَصْغَرِ وَ جَدَّتِهِ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَي فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّد وَ عَلَي مَنِ اصْطَفَيْتَ مِنْ آبَائِهِ الْبَرَرَةِ وَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ وَ أَكْمَلَ وَ أَتَمَّ وَ أَدْوَمَ وَ أَكْثَرَ وَ أَوْفَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَي أَحَد مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَ صَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً لا غَايَةَ لِعَدَدِهَا وَ لا نِهَايَةَ لِمَدَدِهَا وَ لا نَفَادَ لاَِمَدِهَا اللَّهُمَّ وَ أَقِمْ بِهِ الْحَقَّ وَ أَدْحِضْ بِهِ الْبَاطِلَ وَ أَدِلْ بِهِ أَوْلِيَاءَكَ وَ أَذْلِلْ بِهِ أَعْدَاءَكَ وَ صِلِ اللَّهُمَّ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدِّي إِلَي مُرَافَقَةِ سَلَفِهِ وَ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَأْخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ وَ يَمْكُثُ فِي ظِلِّهِمْ وَ أَعِنَّا عَلَي تَأْدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ وَ الاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ وَ اجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ وَ امْنُنْ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ وَ هَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَ رَحْمَتَهُ وَ دُعَاءَهُ وَ خَيْرَهُ مَا نَنَالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَ فَوْزا عِنْدَكَ وَ اجْعَلْ صَلاتَنَا بِهِ مَقْبُولَةً وَ ذُنُوبَنَا بِهِ مَغْفُورَةً وَ دُعَاءَنَا بِهِ مُسْتَجَابا وَ اجْعَلْ أَرْزَاقَنَا بِهِ مَبْسُوطَةً وَ هُمُومَنَا بِهِ مَكْفِيَّةً وَ حَوَائِجَنَا بِهِ مَقْضِيَّةً وَ أَقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَ اقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ وَ انْظُرْ إِلَيْنَا نَظْرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلْ بِهَا الْكَرَامَةَ عِنْدَكَ

ص: 118

وَاجْعَلْ صَلاتَنا بِهِ مَقبُولَةً، وَذُنُوبَنا بِهِ مَغْفُورَةً، وَدُعاءَنا بِهِ مُسْتَجاباً،

وَاجْعَلْ أَرْزاقَنا بِهِ مَبْسُوطَةً، وَهُمُومَنا بِهِ مَكْفِيَّةً، وَحَوَائِجَنا بِهِ مَقْضِيَّةً،

وَأَقْبِلْ إِلَيْنا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنا إِلَيْكَ،

وَانْظُرْ إِلَيْنا نَظْرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرامَةَ عِنْدَكَ ثُمَّ لَاتَصْرِفْها عَنَّا بِجُودِكَ،

وَاسْقِنا مِنْ حَوْضِ جَدِّهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِكَأْسِهِ وَبِيَدِهِ رَيّاً رَوِيّاً هَنِيئاً سائِغاً لَاظَمَأَ بَعْدَهُ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.(1)

توضیح مقال لدفع إشكال : إعلم أنّ قوله : وعرجت به إليك، موافق للنسخة الّتي نقلها العالم الرّباني الحاج میرزا حسین النوري (رحمة اللّه علیه) في كتاب تحيّة الزائر عن كتاب المزار القديم، ومزار الشيخ محمّد بن المشهدي (رحمة اللّه علیه)، ومصباح الزائر للسيّد بن طاووس (رحمة اللّه علیه)، ومأخذ الكلّ كتاب محمّد بن عليّ بن أبي قرّة، لكن قد وقعت في زاد المعاد : وعرجت بروحه إليك ، والظاهر أنه تصحيف وقع في المصباح الّذي نقل منه المجلسي (رحمة اللّه علیه) ثمّ اشتهر وصار سبباً لشبهة بعض القاصرين والمعاندین، مع أنّ المعراج الجسماني من ضروريّات المذهب بل الدين، وتواترت به الروايات عن الأئمّة الطاهرين، ونطق به القرآن المبين .

تنبیه نبیه : قد ألهمت عند تأمّلي في تلك العبارة أنّ هذا الدعاء بنفسه يشهد ويدلّ على أنّ الأصل الصحيح هو ما نقلناه وذكرناه ، وأنّ في عبارة زاد المعاد تصحيفاً، لعلّه وقع من بعض أهل العناد، وجه الدلالة والاستشهاد أنّ اقتران كلمة « وسخّرت له البراق» بقوله : وعرجت به إليك، يظهر منه بالتأمّل التامّ لأولي الأفهام، صحّة ماقلنا لانّ عروج الروح لا حاجة به إلى البراق، ولا يخفى

ص: 119


1- المزار الكبير : 573 ، عنه البحار : 102 / 110، رواه السيّد في مصباح الزائر : 446، والإقبال :504/1 ، وأورده المجلسي في البحار : 102/ 104، ذكرناه في الصحيفة الرضويّة : 311 د: 28

ذلك على من سلم قلبه من الشرك والنفاق.

وإن قيل : إن المقام مقام تعداد فضائل سیّد المرسلين، والعطف بالواو لا يقتضي كون العروج إلى السماء بتوسّط البراق.

قلنا: فالعبارة على فرض كونها «بروحه» لا تدلّ على نفي المعراج الجسمانيّ لانّه فضيلة لا ينافي ثبوتها ثبوت فضيلة أخرى لسيّد الوری .

ويمكن أن يقال بعدم منافاة هذه العبارة لمادلّ على كون العروج ببدنه الشريف لوجه آخر، وهو أنّ إطلاق الروح على البدن وارد في لغات العرب والعجم.

أمّا الأول: فكما ورد في الزيارة : وعلى الأرواح الّتي حلّت بفنائك(1) إذ الظاهر أن أبدان الشهداء حلت بفنائه وسكنت في جواره.

وأمّا الثاني : فكقول أملح الشعراء وأفصحهم العارف السعدي .

جانا هزاران آفرین بر جانت از سر تا قدم***صانع خدائی كاین وجود آورد بیرون از عدم

5- ذكر بعض الأدعية

1151- ومن الدعوات الّتي تصلح لزمان الغيبة ما ذكره السيّد بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في مهج الدعوات قال : رأيت أنا في المنام من يعلّمني دعاء يصلح لأيّام الغيبة

وهذه ألفاظه :

يَامَنْ فَضَّلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ إِسْرَائِيلَ عَلَى الْعَالَمِينَ بِاخْتِيَارِهِ وَأَظْهَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِزَّةَ اقْتِدَارِهِ، وَأَوْدَعَ مُحَمَّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم وَأَهْلَ بَيْتِهِ غَرَائِبَ اَسْرَارِهِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَعْوَانِ حُجَّتِكَ عَلَى عِبَادِكَ وَاَنْصَارِهِ(2)

وقال السيّد(رحمة اللّه علیه) : حدّثني صديقنا الملك مسعود ختم اللّه جلّ جلاله له بإنجاز الوعود : أنّه رأى في منامه شخصاً يكلّمه من وراء حائط، ولم ير وجهه، ويقول :

یَا صَاحِبَ الْقَدْرِ وَالْاَقْدارِ، وَالْهِمَمِ والْمَهامِّ، عَجِّلْ فَرَجَ عَبْدِكَ وَوَلِیِّكَ

ص: 120


1- المزار الكبير : 481ح7، المتهجّد: 774 ، عنه البحار: 101 و 293.
2- مهج الدعوات: 396.

وَالْحُجَّةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِكَ فِي خَلْقِكَ، وَاجْعَلْ لَنَا فِي ذَلِكَ الْخِيَرَةَ.(1)

1152- ومن الدعوات الماثورة ما رواه السيّد في الكتاب المذكور، في حدیث ذكر فيه غيبة المهدي علیه السلام قلت : كيف تصنع شيعتك؟ قال: علیكم بالدعاء، وانتظار الفرج - إلى أن قال : قلت : فما ندعو به، قال : تقول:

أَللَّهُمَّ أَنْتَ عَرَّفْتَني نَفْسَكَ، وَعَرَّفْتَني رَسُولَكَ، وَعَرَّفْتَني مَلائِكَتَكَ وَعَرَّفْتَني نَبِيَّكَ، وَعَرَّفْتَني وُلاةَ أَمْرِكَ. أَللَّهُمَّ لا آخِذَإِلّا ما أَعْطَيْتَ، وَلا واقِيَ إِلّا ما وَقَيْتَ. أَللَّهُمَّ لاتُغَيِّبْني عَنْ مَنازِلِ أَوْلِيائِكَ، وَلاتُزِغْ قَلْبي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَني. أَللَّهُمَّ اهْدِني لِوِلايَةِ مَنِ افْتَرَضْتَ طاعَتَهُ.(2)

1153- ومن الدعوات الّتي ينبغي المواظبة عليها ما ذكره المحقّق المحدّث النوري (رحمة اللّه علیه) في تحيّة الزائر، نقلاً عن كتاب مصباح الزائر للسيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) و هو هذا:

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّ الْحَسَنِ، وَوَصِیِّهِ وَوَارِثِهِ، الْقَائِمِ بِأَمْرِكَ ، الْغَائِبِ فِي خَلْقِكَ، وَالْمُنْتَظَرِ لِاِذْنِكَ

اللّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، وَقَرِّبْ بُعْدَهُ، وَأَنْجِزْ وَعْدَهُ، وَأَوْفِ عَهْدَهُ، وَاكْشِفْ عَنْ بَأْسِهِ حِجابَ الْغَيْبَةِ، وَأَظْهِرْ بِظُهُورِهِ صَحائِفَ الْمِحْنَةِ، وَقَدِّمْ أَمامَهُ الرُّعْبَ، وَثَبِّتْ بِهِ الْقَلْبَ، وَأَقِمْ بِهِ الْحَرْبَ، وَأَيِّدْهُ بِجُنْدٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَسَلِّطْهُ عَلَى أَعْداءِ دِينِكَ أَجْمَعِينَ، وَأَلْهِمْهُ أَنْ لَايَدَعَ مِنْهُمْ رُكْناً إِلّا هَدَّهُ، وَلَا هاماً إِلّا قَدَّهُ ، وَلَا كَيْداً إِلّا رَدَّهُ، وَلَا فاسِقاً إِلّا حَدَّهُ؛ وَلَا فِرْعَوْن إِلّا أَهْلَكَهُ، وَلَا سِتْراً إِلّا هَتَكَهُ، وَلَا عَلَماً إِلّا نَكَّسَهُ، وَلَا سُلْطاناً إِلّا كَسَبَهُ، وَلَا رُمْحاً إِلّا قَصَفَهُ، وَلَا مِطْرَداً إِلّا خَرَقَهُ، وَلَا جُنْداً إِلّا فَرَّقَهُ، وَلَا مِنْبَراً إِلّا أَحْرَقَهُ، وَلَا سَيْفاً إِلّا كَسَرَهُ، وَلَا صَنَماً إِلّا رَضَّهُ، وَلَا دَماً إِلّا أَراقَهُ، وَلَا جَوْراً إِلّا

ص: 121


1- مهج الدعوات: 397 و396.
2- مهج الدعوات: 397 و396.

أَبادَهُ، وَلَا حِصْناً إِلّا هَدَمَهُ، وَلَا باباً إِلّا رَدَمَهُ، وَلَا قَصْراً إِلّا خَرَّبَهُ ، وَلَا مَسْكَناً إِلّا فَتَّشَهُ، وَلَا سَهْلاً إِلّا أَوْطَأَهُ، وَلَا جَبَلاً إِلّا صَعِدَهُ، وَلَا كَنْزاً إِلّا أَخْرَجَهُ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ(1)

1154. ومن الأدعية المهمّة المرويّة لقضاء الحاجة، المشتملة على الدعاء التعجيل فرج خاتم الأئمة علیهم السلام ، والتوسّل به لدفع كلّ ملمّة، ما في كتاب جنّة المأوی نقلاً عن كتاب كنوز النجاح للشيخ الطبرسي الفضل ابن الحسن صاحب

التفسير ، قال : دعاء علمه صاحب الزمان علیه السلام الملك المنّان، أبا الحسن محمّد بن أحمد ابن أبي اللّيث - رحمه اللّه تعالى - في بلدة بغداد، في مقابر قريش، وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش، والتجأ إليه من خوف القتل، فنجّي منه ببركة هذا الدعاء.

قال أبو الحسن المذكور: إنّه علّمني أنّ أقول :

اللّهُمَّ عَظُمَ الْبَلاءُ، وَبَرِحَ الْخَفاءُ، وَانْكَشَفَ الْغِطاءُ، وَضاقَتِ الْأَرْضُ، وَمَنَعَتِ السَّماءُ، وَ إِلَيْكَ يَا رَبِّ الْمُشْتَكى، وَعَلَيْكَ الْمُعَوَّلُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ،

اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الَّذِينَ فَرَضْتَ عَلَيْنا طاعَتَهُمْ، فَعَرَّفْتَنا بِذلِكَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَرِّجْ عَنَّا بِحَقِّهِمْ فَرَجاً عاجِلاً كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذلِكَ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، انْصُرانِي فَإِنَّكُما ناصِرايَ، وَاكْفِيانِي فَإِنَّكُما كافِيايَ، يَا مَوْلايَ يَا صاحِبَ الزَّمانِ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ، أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي

قال الراوي :

إنّه علیه السلام - عند قوله : يا صاحب الزمان - كان يشير إلى صدره الشريف .(2)

ص: 122


1- مصباح الزائر : 442، عنه تحفة الزائر : 6.
2- رواه الكفعمي (رحمة اللّه علیه) في البلد: 607، والجنّة :235 باختلاف يسير ، وأخرجه المجلسي (رحمة اللّه علیه) في البحار : 275/53 عن كتاب جنّة المأوی .

الباب الثامن: في سائر ما يتقرّب به إليه ويسرّه ويزلف لديه من تكاليف العباد بالنسبة إليه صلوات اللّه و سلامه عليه وهي أُمور:

1- تحصیل معرفة صفاته وآدابه وخصائصه، وعلائم ظهوره

الأوّل :

تحصیل معرفة صفاته، وآدابه، وخصائص جنابه، والمحتومات من علائم ظهوره، وهذا لازم بالعقل والنقل:

أمّا الأوّل : فلأنّه إمام يفترض طاعته، وكلّ من يفترض طاعته يجب معرفة صفاته لئلا يشتبه بغيره ممن يدعي مقامه كذباً وبغياً، فمولانا الحجّة علیه السلام يجب معرفة صفاته ، وليعلم أنّ اللازم من تحصيل المعرفة بصفاته الخاصة ما يمتاز به عن غيره، بحيث يفرّق به بين المحق والمبطل في دعواه ، كما لا يخفى، وسيجيء لهذا الدليل مزید توضیح و تبيين في طي الكلام إن شاء اللّه تعالی .

1155- وأمّا الثاني : فلما رواه الصدوق عن أبي الحسن موسى علیه السلام ، قال : من شكّ في أربعة فقد كفر بجميع ما أنزل اللّه تبارك وتعالى، أحدها: معرفة الإمام في كلّ زمان وأوان بشخصه ونعته .(1)

ص: 123


1- كمال الدين : 413/2 ح14، عنه البحار : 130/720 ح15.

1156- ويؤيّده ما رواه أيضاً في كمال الدين : بإسناده عن الصادق، عن آبائه، عن عليّ علیه السلام ، قال في خطبة له على منبر الكوفة :

اللّهمّ إنّه لابد لارضك من حجّة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك يعلّمهم علمك، لئلّا تبطل حجّتك ولا يضلّ أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إمّا ظاهر ليس بالمطاع، أو مكتتم مترقّب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإنّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة ، فهم بها عاملون.(1)

أقول: الآداب : جمع أدب، وهو كما في القاموس : الشأن والعادة ، فالمعنى إمّا أن يكون ثبوت عاداته وأوصافه الرضيّة في قلوبهم سبباً لعملهم بما يرضيه، بناء على كون اللام تعليليّة، أو أنّ آدابه مثبتة في قلوبهم، وهم يعملون أعمالاً تماثل آدابه وأعماله الشريفة، فيكون «اللام» بمعنى الباء ، كما في بعض الروايات، وأنّهم يعملون الأعمال الصالحة في زمان غیبته لكي يتأدّبوا بآدابه ، ويتّصفوا بصفاته، فيكون اللام للغاية، وأيّاً ما كان فيثبت المطلوب، وهو كون ثبوت آدابه وأخلاقه في القلب من صفات المؤمنين، ولوازم الإيمان .

ويشهد لما ذكرنا أيضاً شدّة اهتمام النبيّ والأئمة علیهم السلام في كلّ زمان ببيان صفاته وخصائصه المميّزة له عن غيره من الأئمّة، فضلاً عن سائر الناس، كما لا يخفى على المتتبّع، وليس ذلك إلّا للزوم معرفة صفاته، وخصائصه صلوات اللّه عليه على جميع الناس، والوجه فيه ظاهر، وهو توفّر دواعي طالبي الرئاسة على ادّعاء منصبه كذباً ، وأدّل شيء على ذلك وقوعه،

فوجب على كلّ مؤمن أن يعرف إمام زمانه بصفاته الخاصّة وآدابه المخصوصة حتّى لا يختلج في قلبه شبهة بدعوی ملحد ما ليس أهلاً له، هذا.

وقد ذكرنا في هذا الكتاب ما فيه كفاية لأولي الألباب، في هذا الباب ، فعليك بالنظر فيه باباً بعد باب، واللّه الهادي إلى نهج الصواب .

ص: 124


1- كمال الدين : 302/1 ح 11، عنه البحار : 49/23 ح 94.

تنبيه : قد عقدنا في صدر هذا الكتاب باباً في وجوب معرفته، والغرض ثمّة وجوب معرفة شخصه باسمه ونسبه، وأنّ الأعمال لا تتمّ إلّا بمعرفة الإمام علیه السلام ، والغرض هنا إثبات وجوب معرفة صفاته وآدابه الخاصّة في الجملة فلا تغفل هذا

ويدلّ على وجوب معرفة مولانا صلوات اللّه عليه بكلا الوجهين، مضافاً إلى ما مرّ أخبار كثيرة، منها:

1157- ما روي في أصول الكافي : بسند صحيح عن زرارة، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

اعرف إمامك، فإنّك إذا عرفت لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر .(1)

1158- وفيه : بإسناده عن فضيل بن يسار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه تبارك وتعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)(2)، فقال :

یا فضیل اعرف إمامك ، فإنّك إذا عرفت إمامك لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر، ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا، بل بمنزلة من قعد تحت لوائه ، قال :

وقال بعض أصحابه : بمنزلة من استشهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم .(3)

1159- وفيه : بسند صحيح عن فضيل بن يسار قال :

سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ،

ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه تقدم هذا الأمر أو تأخّر،

ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه .(4)

1160- وفيه : في الصحيح، عن عمر بن أبان، قال :

سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: اعرف العلامة، فإذا عرفته لم يضرّك تقدّم

ص: 125


1- الكافي : 371/1 ح 1 ، عنه البحار : 141/52 ح 52، والوافي : 2/435 ح 1.
2- الإسراء: 71.
3- الكافي : 371/1 ح 2، والوافي : 2/435 ح 2، عنه البحار : 141/52 ح 53.
4- الكافي : 371/1 ح5، عنه الوافي : 436/2 ح4، والبحار : 142/52 ح56.

هذا الأمر أو تأخر، إن اللّه عز وجل يقول : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)

فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتظر علیه السلام .(1)

أقول: قوله : اعرف العلامة، كلمة جامعة في معرفة الإمام، وكلام الملوك ملوك الكلام، بيان ذلك : أنّ المراد بالعلامة ما يمتاز به صاحبها عن غيره، بحيث لا يشتبه على من عرف علامته، وعلامة الإمام إمّا راجعة إلى نسبه، أو إلى بدنه، أو إلى علمه وأخلاقه، أو إلى خصائصه في حال ظهوره، والعلامات المحتومة الّتي أخبر بها الأئمّة الأطهار، ومن علامات الإمام أيضاً ظهور المعجزة على يده، والشخص الطالب السالك في طريق المعرفة إذا عرف علامة الإمام لم

يشتبه عليه إمامه، وإن كثر من يدّعي ذاك المقام، ولهذا قالوا:

1161- إنّ أمرنا أبين من هذه الشمس(2)، وإنّه كالصبح ليس به خفاء(3).

فقد اتّضح بحمد اللّه وجوب معرفة صفاته و علائمه، وأخلاقه ودلائله، لأنّ معرفته تحصل بذلك، إذا عرفت هذا ، فنقول:

لا ريب أنّ المقصود من المعرفة الّتي أمرنا أئمّتنا صلوات اللّه وسلامه عليم أجمعين بتحصيلها بالنسبة إلى إمام زماننا هو أن نعرفه على ما هو عليه،

بحيث يكون سبباً لسلامتنا من شبهات الملحدين، ونجاة لنا من إضلال المفترين المضلّين وذلك لا يحصل إلّا بأمرين :

أحدهما: معرفة شخص الإمام باسمه ونسبه .

والثاني : معرفة صفاته وخصائصه، وتحصيل هاتين المعرفتين من أهمّ الواجبات،

أمّا الأولى : فواضح، ويدلّ على وجوب تحصيلها ،

مضافاً إلى ما مرّ في الباب الأوّل :

ص: 126


1- الكافي: 1/ 372 ح7، عنه الوافي : 435/2 ، ح 3، والبحار: 142/52 ح 57.
2- البحار : 282/52 ضمن ح 9 و 140 ضمن ح 49.
3- البحار : 282/52 ضمن ح 9 و 140 ضمن ح 49.

1162- ما رواه الشيخ الأجلّ محمّد بن إبراهيم النعماني: بإسناده عن عبداللّه ابن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل يتولّاكم ويبرأ من عدوّكم، ويحلّ حلالكم ويحرّم حرامكم، ويزعم أنّ الأمر فيكم لم يخرج منكم إلى غيركم، إلّا أنّه يقول : إنّهم قد اختلفوا فيما بينهم، وهم الأئمّة القادة ، فإذا اجتمعوا على رجل، فقالوا: هذا، قلنا: هذا،

فقال علیه السلام : إن مات على هذا فقد مات ميتة جاهليّة .(1)

وروي من طريق آخر، عن سماعة بن مهران، عن الصادق علیه السلام (2)

ومن طريق آخر، عن حمران بن أعين، عن الصادق علیه السلام مثل هذا الكلام (3)،

فانظر كيف أوجب معرفة شخص الإمام باسمه ونسبه ولم يكتف بما دون ذلك، وما ذكرنا كاف للمرتاد السالك.

وأمّا الثانية : فلأنّنا لاجل عدم تشرّفنا بلقاء مولانا وإمام زماننا، حرمنا عن معرفته بصورته، فلو ادّعي مدّع في هذا الزمان : إنّني صاحب الزمان، لم يعرف صدقه وكذبه إلا بأمرين: أحدهما ظهور المعجزة على يده، والثاني ظهور العلامات الّتي بيّنها الأئمّة الطاهرون للإمام المنتظر القائم فيه،

فإذا عرف المؤمن تلك العلائم وفهم تلك المكارم لم يصغ إلى كلّ ناعق، وميّز بين الكاذب والصادق، ولهذا قال مولانا الصادق علیه السلام لعمر بن أبان - وهو من أجلّاء صحبه الكرام - : اعرف العلامة ... إلخ.

لأنّه إذا عرف العلامة لم يضلّ بعد الهداية ولم يجنح إلى أهل الغواية .

والعجب : من بعض شرّاح الكافي حيث قال في معنى الحديث:

المراد بالعلامة «الإمام»، لانّه علامة يعرف به أحوال المبدأ والمعاد، والقوانين الشرعيّة، وليت شعري أيّ شيء دعاه إلى هذا التوجيه، وصرف اللفظ

ص: 127


1- غيبة النعماني: 133 ح16، عنه البحار : 79/23 ح12.
2- المصدر السابق : 134 ح 17 و 135 ح19 .
3- المصدر السابق : 134 ح 17 و 135 ح19 .

عمّا هو حقيقة فيه .

ولمّا كان أمر القائم علیه السلام من أعظم الأمور واعجبها، ومقامه من أرفع المقامات وأمنعها، بحيث افتخر النبيّ وأوصياؤه علیهم السلام في كثير من الروايات بقولهم: « منّا مهديّ هذه الأُمّة»، وجب أن تكون خصائصه وعلائم ظهوره من أفضل الصفات وأبين العلامات، بحيث لا تخفى على أحد من الرجال والنساء وأهل البوادي والأمصار، وأن تكون تلك العلائم والصفات خارقة لما جرت عليه العادات، مائزة بذلك بين الصادقة والكاذبة من الدعويات، مبيّنة في كلام الأئمّة السادة الهداة، وهذه الجملة الّتي بيّناها واضحة بحكم العقل والنقل، غير خفيّة على أُولي النهى والفضل.

وحسبك شاهداً لما ادّعيناه، وموضّحاً لما دريناه، ما ورد عنهم علیهم السلام . في ذكر تلك العلائم، وبيان صفات القائم، من إشراق نوره في زمان ظهوره، والنداءات العامّة البيّنة، والصيحة الموحشة المعلنة، والغمامة المظلّة على رأسه، المعلنة بأنّ هذا المهديّ خليفة اللّه فاتّبعوه، وإجابة الشمس والقمر لدعوته، وكشف الآلام والأمراض عن المؤمنين ببركته، وظهور حجر موسی وعصاه على يده ، وغيرها ممّا ذكرنا جلاً منه في الباب الرابع من هذا الكتاب ، ورواه الأصحاب في كتبهم جزاهم اللّه عن الإسلام وأهله أفضل الجزاء .(1)

1163- وإلى ما ذكرنا نبّه مولانا أبو جعفر الباقر علیه السلام في الحديث المرويّ في البحار، عن النعمانيّ أنّه قال : اسكنوا ما سكنت السماوات والأرض - أي لا تخرجوا على أحد . فإنّ أمركم ليس به خفاء، الا إنّها آية من اللّه عزّ وجلّ، ليست من الناس، إلا إنّها أضوء من الشمس لا تخفى على برّ ولا فاجر، أتعرفون الصبح؟ فإنّه كالصبح ليس به خفاء(2) إلى غير ذلك من الأخبار المرويّة عن الأئمة الأخيار، وممّا يدلّ صريحة على وجوب تحصيل هاتين المعرفتین :

ص: 128


1- تقدّم ج226/1 .
2- غيبة النعماني : 200ح17، عنه البحار : 52/ 139 ح49.

1164- ما روي في البرهان عن معاوية بن وهب، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : إنّ أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الربّ، والإقرار له بالعبوديّة، وحدّ المعرفة أن يعرف أنّه لا إله غيره، ولا شبه له ولا نظير ، وأن يعرف أنّه قدیم مثبت موجود غیر فقید، موصوف من غير شبيه له ولا نظير له، ولا مبطل، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير .

وبعده معرفة الرسول، والشهادة له بالنبوّة، وأدنى معرفة الرسول الإقرار بنبوّته وأنّ ما أتی به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك عن اللّه عز وجل، وبعده معرفة الإمام الّذي به يأتمّ، بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر.

وأدني معرفة الإمام أنّه عدل النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم إلّا درجة النبوّة، ووارثه، وأنّ طاعته طاعة اللّه وطاعة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم، والتسليم له في كلّ أمر، والردّ إليه، والأخذ بقوله، ويعلم أنّ الإمام بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم عليّ بن أبي طالب، وبعده الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسی بن جعفر بعده، ثمّ عليّ بن موسی بعده، ثمّ محمّد بن عليّ، وبعده عليّ ابن محمّد ابنه، وبعد عليّ الحسن ابنه، والحجّة من ولد الحسن،

ثمّ قال علیه السلام : يا معاوية جعلت لك في هذا أصلاً فاعمل عليه، الخبر(1)

2- رعاية الأدب بالنسبة إلى ذكره، وأن لا يسمّونه باسمه الخاصّ

الأمر الثاني:

رعاية الأدب بالنسبة إلى ذكره، بأن لايذكره المؤمن إلّا بألقابه الشريفة المباركة، مثل الحجّة، والقائم، والمهديّ، وصاحب الامر، وصاحب الزمان ، وغيرها، وترك التصريح باسمه الشريف الأصلي، وهو اسم رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم

واختلف أصحابنا رحمهم اللّه تعالى في حكم تسمية مولانا المهديّ علیه السلام باسمه الاصلي:

ص: 129


1- كفاية الأثر: 258، عنه البحار : 4/ 55 ضمن ح 34، والبرهان : 2/ 582 ضمن ح 3.

فمنهم من جوّزه مطلقاً إلّا في حال التقيّة، كالمحدّث العاملي في الوسائل(1)

ومنهم من منعه مطلقاً، وهو ظاهر المحكي عن الشيخين الأقدمين : المفيد والطبرسي (رحمة اللّه علیه).(2)

ومنهم من قال بالحرمة مطلقاً إلّا في الأدعية الواردة عن المعصومين علیهم السلام وهو إسماعيل بن أحمد العلوي العقيلي الطبرسي (رحمة اللّه علیه) في كفاية الموحّدین .(3)

ومنهم من جوّزه على كراهة ، كالشيخ المحقّق الانصاري (رحمة اللّه علیه)

ومنهم من خصّ الحرمة بذكره في المحافل والمجامع دون غيرها، كالسيّد المحقّق الداماد، والعالم المدقّق النوري (رحمة اللّه علیه) .(4)

ومنهم من خصّ الحرمة بزمان الغيبة الصغرى دون غيره، ولا أعرف القائل بهذا القول، إلّا أنّ الظاهر من كلام الفاضل المجلسي (رحمة اللّه علیه) في البحار(5) وجود قائل له، واللّه العالم.

ويمكن إرجاع هذا القول إلى القول الأوّل لأجل شدّة التقيّة في زمان الغيبة الصغرى كما لايخفی.

وكيف كان فتحقيق القول في هذا المقام :

أنّ ذكر اسمه الشريف المعهود علیه السلام يتصوّر على أقسام :

أحدها : ذكره في الكتب، ولا ريب في جوازه للأصل، ولعدم شمول أدلّة المنع لذلك، ولما نشاهده من استقرار سيرة سلفنا الصالحين، وعلمائنا الراشدین رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين ، من زمن الكليني (رحمة اللّه علیه) إلى زماننا هذا على ذكر اسمه علیه السلام في كتبهم من غير نكیر.

ثانيها : ذكره بالإشارة والكناية، كأن يقال : اسمه اسم رسول اللّه، وكنيته كنیته، وهذا جائز لما مرّ في القسم الأوّل.

ص: 130


1- ج 487/11 ذح7.
2- إعلام الوری : 213/2 .
3- ج3/345.
4- المستدرك: 279/12 باب 31.
5- ج 32/51.

1165- مضافاً إلى روايات عديدة من طرق الخاصّة والعامّة : عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم قد صرّح بأنّ المهديّ من ولدي، إسمه اسمي، وكنيته كنيتي.

وليعلم أنّ الجواز في هذا القسم والقسم الأوّل مخصوص بغير حال الخوف فإنّه من العناوين الطارية، الّتي توجب حرمة كلّ جائز، كما لا يخفی.

ثالثها : ذكره في الدعاء والمناجاة، بنحو لايصدق عليه التسمية في المحافل والمجامع، والظاهر هنا الجواز أيضاً، لجريان ما تسمعه من الأدلّة للجواز في القسم السابع في هذا القسم،

مضافاً إلى ورود ذلك في بعض الأدعيّة والتعقيبات، لكنّ الأحوط الترك، إلّا أن يكون في رواية صحيحة، فتأمّل جيّداً.

رابعها: ذكره في المجامع أو غيرها في نفسه سرّاً، والحقّ فيه الجواز أيضاً، لانصراف أدلّة المنع عن هذا القسم، فيبقى الأصل وأدلّة الجواز سليمة عن المعارض ، مضافاً إلى :

1166- ما روي في المستدرك مسنداً عن حذيفة بن اليمان، عن رسول اللّه في خبر في صفة المهديّ علیه السلام ، قال : وهو الّذي لا يسمّيه باسمه ظاهراً قبل قيامه إلّا كافر به(1) ، ويؤيّده أيضاً تخصيص الحرمة في عقد الإجماع الّذي نقله المحقّق الداماد (رحمة اللّه علیه) بقوله معلناً مجاهراً، وسيأتي كلامه.

خامسها: ذكر هذا الإسم الشريف في مواضع الخوف، كمحافل أعداء الدين ومجامعهم، الّذين يجب التقيّة عنهم، ولا خلاف في حرمة ذلك من أحد المتقدّمين والمتأخّرين،

ويدلّ عليه أيضاً جميع أدلّة التقيّة، وأحاديث المنع عن التسمية إتفاقاً .

سادسها : ذكره في سائر المحافل والمجامع الّتي لا خوف فيها ولا تقيّة ، وهذا القسم قد صار معركة للآراء،

ص: 131


1- المستدرك : 12/ 285 ح 14، عن الهداية الكبرى لحسين بن حمدان : 363.

والمختار عندي هو القول بالحرمة، وفاقاً للشيخ الصدوق، والمفيد، والطبرسي، والمحقّق الداماد، والعلّامة المجلسي، والعالم المحقّق النوري، بل حكي الإجماع في ذلك في كلام المحقّق الداماد، والشهرة في كلام بعض آخر للأخبار الصحيحة والمعتبرة المستفيضة، بل المتواترة معنیً:

1167- منها ما رواه الشيخ الصدوق بسند صحيح: عن أبي هاشم الجعفري (رحمة اللّه علیه)، قال : سمعت أبا الحسن صاحب العسكر علیه السلام يقول:

الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف قلت: ولِمَ، جعلني اللّه فداك؟ قال : لأنّكم لا ترون شخصه، ولايحلّ لكم ذكره باسمه، قلت : فكيف نذكره؟ قال علیه السلام : قولوا: الحجّة من آل محمّد علیه السلام .(1)

ورواه ثقة الإسلام الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في الكافي مرسلاً .(2)

1168- ومنها: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : صاحب هذا الأمر رجل لايسمّيه باسمه إلّا رجل كافر .(3)

1169- ورواه الشيخ الكليني بسند صحيح أيضاً هكذا:

صاحب هذا الامر لايسمّيه باسمه إلّا كافر .(4)

1170- ومنها: ما في الكافي وكمال الدين : بسند معتبر عن الرّيان بن الصلت، قال : سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام يقول: وسُئل عن القائم علیه السلام ،فقال : لا يُرى جسمه، ولايسمّى باسمه.(5)

ص: 132


1- كمال الدين : 2/ 381 ح 5، عنه البحار: 158/51 ح 1، إثبات الوصيّة : 254، عنه المستدرك :284/12 ح9، ورواه الحضيني في الهداية الكبرى: 360.
2- الكافي: 1/ 332 ح 1، عنه الوافي : 403/2 ح1.
3- كمال الدين : 648/2 ح1، عنه البحار : 33/51 ح 11.
4- الكافي : 1/ 333 ح ، عنه الوافي : 2/ 404 ح4.
5- الكافي : 1/ 333 ح 3، عنه الوافي : 2/ 404 ح3، ورواه الصدوق (رحمة اللّه علیه) في الإكمال : 648/2 ح2

1171- ورواه في المستدرك : مسنداً عن الريّان بن الصلت، قال : سمعت الرضا عليّ بن موسى علیه السلام يقول:

القائم المهديّ علیه السلام ابن ابني الحسن، لا يرى جسمه، ولا يسمّى باسمه بعد غيبته أحد حتّى يراه ويعلن باسمه، فليسمّيه كلّ خلق، الخبر .(1)

1172- ومنها: ما في المستدرك مسنداً عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في خبر في صفة المهديّ علیه السلام ، قال : وهو الّذي لايسمّيه بإسمه ظاهراً قبل قيامه إلّا كافر به .(2)

1173- ومنها: ما فيه أيضاً، عن الحسين بن علوان، عن الصادق علیه السلام ، في عدد الائمّة، قال: هم إثنا عشر من آل محمّد علیهم السلام : عليّ، والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ ، ومن شاء اللّه، قلت: جعلت فداك ، إنّما اسألك لتفتيني بالحقّ، قال علیه السلام : أنا وإبني هذا - وأومأ إلى إبنه موسی ۔، والخامس من ولده، يَغيب شخصه ولايَحلّ ذكره بإسمه .(3)

1174- ومنها : التوقيع الشريف: ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس.(4)

1175- ومنها : توقيع آخر: من سمّاني في مجمع من الناس بإسمي فعليه لعنة اللّه، رواهما الصدوق في كمال الدين . (5)

1176- ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال :

سأل عمر أمير المؤمنين علیه السلام عن المهديّ، فقال : يا بن أبي طالب ، أخبرني عن المهديّ، ما اسمه؟

قال علیه السلام: أمّا إسمه فلا، إنّ حبيبي وخليلي عهد إليَّ أن لا أُحدّث باسمه

ص: 133


1- الهداية الكبرى : 364، 363، عنه المستدرك : 12/ 285 ح 15، 14.
2- الهداية الكبرى : 364، 363، عنه المستدرك : 12/ 285 ح 15، 14.
3- مقتضب الأثر : 41، عنه المستدرك: 286/12 ح17.
4- كمال الدين : 482/2 ح 1، عنه البحار : 32/51 ح9 و 184/53 ح13.
5- كمال الدين : 2/ 483 ح 3، عنه البحار: 33/51 ح10 و 184/53 ح 14.

حتّى يبعثه اللّه عزّ وجلّ، وهو ممّا استودع اللّه عزّ وجلّ رسوله في علمه .(1)

1177- ومنها : حديث الخضر، الّذي رويناه في الباب الثاني، بسند صحيح وفيه : وأشهد على رجل من ولد الحسين لایكنّى ولايسمّى حتّى يظهر أمره، ... الخبر .(2)

1178- ومنها: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن الصادق علیه السلام قال :

الخامس من ولد السابع، يَغيب عنكم شخصه، ولا يحلّ لكم تَسميته .(3)

1179- ومنها: ما رواه بسند صحيح عن أبي جعفر الثاني علیه السلام قال في وصفه : هو الّذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، الخبر .(4)

وقد مرّ بطوله في الباب الرابع في حرف الغين، في إخبار الإمام الجواد علیه السلام بغيبته .(5)

1180- ومنها : ما رواه الصدوق عن عبدالعظیم الحسني في حديث عرض دينه على أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ علیه السلام ، فعدّ الائمّة إلى أبي الحسن علیه السلام

فقال علیه السلام : ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخَلف من بعده ! قال : فقلت : وكيف ذاك يامولاي ؟! قال علیه السلام : لأنّه لا يرى شخصه، ولا يحل ذكره باسمه ، حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ... الخبر .(6)

1181- ومنها ما رواه أيضاً في الصحيح، عن محمّد بن زياد الأزدي ، قال : سألتُ سيّدي موسى بن جعفر علیهماالسلام عن قول اللّه عزّ وجلّ :

ص: 134


1- كمال الدين : 648/2 ح3، عنه البحار : 51/ 33 ح13.
2- كمال الدين : 648/2 ح 3، عنه البحار : 33/51 ح13، غيبة الطوسي : 470 ح487، عنه البحار : 36/51 ح6، الإرشاد : 382/2 ، عن كشف الغمّة : 2/ 464، اعلام الوری : 2/ 294.
3- علل الشرائع: 96/1 ح6 ، العيون: 1/ 53 ح 35، الاحتجاج:395/1 ، عنهما البحار : 39/ 414ح1 و 36/61 ح 8.
4- كمال الدين : 2/ 333 ح 1 ، عنه البحار : 32/51 ح4.
5- تقدّم ج178/1 ح300.
6- كمال الدين : 379/2 ح 1، عنه البحار : 239/50 ح 3.

(وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)(1)

فقال علیه السلام : النعمة الظاهرة : الإمام الظاهر، والباطنة : الإمام الغائب

فقلت له : ويكون في الأئمّة من يغيب؟

قال علیه السلام : نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منّا، يسهّل اللّه له كلّ عسير، ويذلّل له كلّ صعب، ويظهر له كنوز الارض، ويقرّب له كلّ بعيد، ويبير به كلّ جبّارٍ عنيد ، ويهلك على يده كلّ شيطان مريد، ذلك ابن سيّدة الإماء، الّذي تخفى على الناس ولادته، ولا يحلّ لهم تسميته، حتّى يظهره اللّه عزّ وجلّ فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً .(2)

1182- ومنها: ما رواه الشيخ الجليل عليّ بن محمّد الخزّاز الرّازي أو القمّيّ في كتاب كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الإثني عشر علیهم السلام بإسناده عن جابر بن عبداللّه الأنصاري، قال : دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، فقال : يا محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم

أخبرني عمّا ليس للّه، وعمّا ليس عند اللّه، وعمّا لا يعلمه اللّه.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم: أمّا ما ليس للّه، فليس للّه شريك، وأمّا ما ليس عند اللّه فليس عند اللّه ظلم للعباد، وأمّا ما لا يعلمه اللّه، فذلك قولكم يا مَعشر اليهود: عزير ابن اللّه، واللّه لا يعلم أنّ له ولداً،

فقال جندل : أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّك رسول اللّه حقّاً.

ثمّ قال : يا رسول اللّه، إنّي رأيت البارحة في النوم موسی بن عمران علیه السلام ، فقال لي: يا جندل، أسلم على يد محمّد، واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت ورزقني اللّه ذلك، فأخبرني بالأوصياء بعدك لأتمسّك بهم.

فقال : ياجندل، أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل،

ص: 135


1- لقمان : 20.
2- كمال الدين : 368/2 ح6، عنه البحار : 53/24 ح8 و 150/51 ح 2 .

فقال : يا رسول اللّه، إنّهم كانوا إثني عشر، هكذا وجدناهم في التوراة ،

قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : نعم، الائمّة بعدي إثنا عشر،

فقال : يا رسول اللّه، كلّهم في زمن واحد؟

قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : لا، ولكنّهم خَلف بعد خَلف، فإنّك لن تدرك منهم إلّا ثلاثة .

قال : فسمّهم لي يا رسول اللّه، قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : نعم، إنّك تدرك سيّد الأوصياء ووارث الأنبياء، وأبا الأئمّة عليّ بن أبي طالب علیه السلام بعدي، ثمّ ابنه الحسن، ثمّ الحسين، فاستمسك بهم من بعدي، ولايغرّنّك جهل الجاهلين، فإذا كانت وقت ولادة ابنه عليّ بن الحسین، سیّد العابدین ، يقضي اللّه عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن.

فقال : يا رسول اللّه ، هكذا وجدت في التوراة : «أليا يقطو شبّراً وشبيراً»

فلم أعرف أساميهم، فكم بعد الحسين من الأوصياء؟ وما اساميهم؟

فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : تسعة من صلب الحسين علیه السلام والمهديّ منهم،

فإذا انقضت مدّة الحسين قام بالأمر بعده عليّ ابنه ويلقّب بزین العابدین،

فإذا انقضت مدّة عليّ، قام بالامر بعده محمّد ابنه يدعى بالباقر علیه السلام

فإذا انقضت مدّة محمّد، قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق علیه السلام ،

فإذا انقضت مدّة جعفر، قام بالامر بعده ابنه موسی ويدعى بالكاظم علیه السلام

ثمّ إذا انتهت مدّة موسى علیه السلام قام بالأمر بعده ابنه عليّ، ويُدعى بالرضا علیه السلام

فإذا انقضت مدّة عليّ علیه السلام قام بالامر بعده ابنه محمّد علیه السلام يُدعى بالزكيّ،

فإذا انقضت مدّة محمّد علیه السلام ، قام بالأمر بعده عليّ ابنه، ويدعى النقي،

فإذا انقضت مدّة عليّ، قام بالامر بعده الحسن ابنه، يدعى بالأمین،

ثمّ يغيب عنهم إمامهم، قال : يا رسول اللّه، هو الحسن يغيب عنهم،

قال : لا ، ولكن ابنه الحجّة ، قال : يا رسول اللّه، فما اسمه؟

قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : لا يسمّى حتّى يظهره اللّه، قال جندل : یا رسول اللّه، قد وجدنا

ص: 136

ذكرهم في التوراة، وقد بشّرنا موسی بن عمران بك، وبالاوصياء بعدك من ذرّيّتك ثمّ تلا رسول اللّه : («وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ...)(1)

فقال جندل : یا رسول اللّه، فما خوفهم؟

قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : يا جندل، في زمن كلّ واحد منهم مَن (2) يعتريه ويؤذيه ، فإذا عجّل اللّه خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً،

ثمّ قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجّتهم، أولئك وصفهم اللّه في كتابه ، وقال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(3)

وقال : (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(4).

قال ابن الأسقع : ثمّ عاش جندل بن جنادة إلى أيّام الحسين بن عليّ علیهماالسلام ، ثمّ خرج إلى الطائف، فحدّثني نعيم بن أبي قيس، قال : دخلت عليه بالطائف وهو عليل، ثمّ إنّه دعا بشربة من لبن فشربه ، وقال :

هكذا عهد إليَّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : أنّه يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن ثمّ مات رحمه اللّه تعالی ودفن بالطائف في الموضع المعروف بالكوراء .(5)

1183- ومنها: ما رواه الفاضل المتبحّر النوري في مستدرك الوسائل عن كتاب الغيبة للشيخ الثقة الجليل فضل بن شاذان، عن محمّد بن عبدالجبّار قال : قلت لسيّدي الحسن بن عليّ علیهماالسلام : يا بن رسول اللّه جعلت فداك، أحبّ أن أعلم مَن الإمام وحجّة اللّه على عباده من بعدك؟

قال علیه السلام : إنّ الإمام والحجّة بعدي إبني ، سمّي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم و كنیّه ، الّذي هو خاتم حجج اللّه وخلفائه - إلى أن قال علیه السلام: فلا يحلّ لأحد أن يُسمّيه أو

ص: 137


1- النور: 55.
2- جبّار، ب.
3- البقرة : 3.
4- المجادلة : 22 .
5- كفاية الأثر : 56، عنه البحار : 304/36 ح 144، والعوالم : 3/15 ص120 ح 47.

يكنّيه باسمه وكنيته قبل خروجه صلوات اللّه عليه .(1)

1184- ومنها ما في المستدرك عن الكتاب المذكور، قال : حدّثنا إبراهيم ابن محمّد بن فارس النيسابوري، قال : لمّا همّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي، وهو رجل شديد، وكان مولعاً بقتل الشيعة، فأخبرت بذلك، وغلب عليَّ خوف عظیم، فودّعت أهلي وأحبّائي، وتوجّهت إلى دار أبي محمّد علیه السلام لأودّعه ، وكنت أردت الهرب، فلّما دخلت عليه رأیت غلاماً جالساً في جنبه، كان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيّرت من نوره وضيائه ، وكاد أن أنسى ما كنت فيه من الخوف والهرب ، فقال : يا إبراهيم، لا تهرب، فإنّ اللّه تبارك وتعالی سيَكفيك شرّه فازداد تحيّري، فقلت لابي محمّد علیه السلام : يا سيّدي - جعلني اللّه فداك - من هو؟ وقد أخبرني بما كان في ضميري!

فقال : هو ابني وخليفتي من بعدي، وهو الّذي يغيب غيبة طويلة، ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً.

فسألته عن إسمه؟ فقال علیه السلام : هو سميّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وكنيّه، ولا يحلّ لأحد أن يسمّيه أو يكنّيه بكنيته إلى أن يظهر اللّه دولته وسلطنته، فاكتم يا إبراهيم ما رأيت وسمعت منّا اليوم إلّا عن أهله ، فصلّيت عليهما وآبائهما وخرجت مستظهراً (2)بفضل اللّه تعالى، واثقاً بما سمعت من الصاحب علیه السلام ، الخبر .(3)

أقول : هذه جملة من الأخبار الدالّة على حرمة ذكر اسمه الشريف، وقد تركنا جملة منها حذراً عن الإطناب، وهذه الأخبار كما سمعت طائفتان :

فطائفة منها تدلّ على حرمة ذكر الاسم المعهود في المجامع وغيرها، سواء كان في حال التقيّة والخوف أم غير ذلك، وسواء كان في زمان الغيبة الصغرى أم الكبرى، والطائفة الأُخرى خصّت الحرمة بالمجامع، وذكر اسمه الشريف

ص: 138


1- الغيبة للفضل بن شاذان ... ، عنه المستدرك : 12/ 280 ح 3، و281 ح 4.
2- مستعيناً .
3- الغيبة للفضل بن شاذان ... ، عنه المستدرك : 12/ 280 ح 3، و281 ح 4.

المعهود ظاهراً مجاهراً، وهذه الطائفة مبيّنة للمراد من الطائفة السابقة، مقيّدة لإطلاقاتها،

ويشهد لذلك القرائن الآتية الّتي منها انعقاد الإجماع المنقول في كلام المحقّق الداماد (رحمة اللّه علیه) على التحريم، في خصوص المجامع ظاهراً مجاهراً، فتدبّر .

فإن قلت: يمكن أن تكون هذه الأخبار ناظرة إلى حال التقيّة والخوف بقرينة بعض الأخبار الأخر، فلا يجوز التعدّي إلى غيرها،

1185- مثل ما روي في أصول الكافي : عن عليّ بن محمّد، عن أبي عبداللّه الصالحي، قال : سألني أصحابنا بعد مضيّ أبي محمّد علیه السلام ، أن أسأل عن الإسم والمكان، فخرج الجواب: إن دللتهم على الإسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلّوا عليه .(1)

1186. وفي كمال الدين(2) عن عبداللّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عثمان العمري - في حديث - أنّه قال له : أنت رأيت الخلف من أبي محمّد علیه السلام؟

قال : إي واللّه - إلى أن قال : قلت : فالإسم؟ قال : محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أُحلّل وأحرّم، ولكن عنه علیه السلام فإنّ الأمر عند السلطان أنّ أبا محمّد علیه السلام مضى ولم يخلف ولداً، إلى أن قال :

وإذا وقع الإسم وقع الطلب ، فاتّقوا اللّه وأمسكوا عن ذلك .(3)

قلت : إنّ ما ذكر في هذين الخبرين ونحوهما وجه التشريع الحكم وحكمة للنهي عن التسمية، كما أنّ غسل الجمعة شرّع لئلّا يتأذّى الناس بأرياح آباط الأنصار، كما روي في الفقيه وغيره(4)

فكما لا يرتفع حكم غسل الجمعة بسبب انتفاء تلك الحكمة، كذلك

ص: 139


1- الكافي : 1/ 333 ح 2، عنه الوافي : 403/2 ح2.
2- بل الكافي، ولا يوجد في الإكمال.
3- الكافي : 329/1 ح 1، عنه الوافي : 397/2 ح1 .
4- الفقيه : 112/1 ح230، عنه الوسائل : 2/ 945 ح15.

لايرتفع حكم التسمية بسبب انتفاء الحكمة المذكورة .

فإن قلت: الظاهر من التعليل في الرواية الثانية، كون الخوف علّة للتحريم فإذا ارتفع الخوف، ارتفع الحكم.

قلت : لا يجوز حمل ذلك على العلة الحقيقيّة، لوجوه :

الأوّل: أنّ نظير هذه العبارة وقع في مواضع متعدّدة، وحملها الأصحاب على حكمة التشريع، فلا ظهور لها في المدّعي.

نعم، لو ورد النصّ بانحصار علّة تحريم شيء في امر مخصوص، جاز رفع اليد عن عموم التحريم، وهذا في المقام غير معلوم، لعدم الصراحة وعدم العلم بانحصار العلّة في ملاحظة الخوف، والتقيّة، لما ستعرف إن شاء اللّه تعالی.

الثاني : أنّ ذلك لو كان علّة، لما أبي النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم عن ذكر اسمه لجندل الخيبري، ولما نهى الصادق علیه السلام اصحابه عن ذكر اسمه الشريف، إذ لم يكن تقيّة في هذا الأمر في زمانهم، لعدم ولاية المهديّ عجل اللّه تعالی فرجه .

وما قد يتخيّل من أنّ ما ورد عنهم في النهي عنه، والحكم بحرمته، وعدم حلّيته، إخبار عن حال الموجودين في زمان الحجّة علیه السلام - بأنّه يحرم عليهم تسميته للتقيّة والخوف - فبعيد في الغاية، وضعيف في النهاية ،

لأنّ الظاهر كونهم في مقام بيان الحكم، مضافاً إلى امتناع هذا التخيّل في بعض النصوص المذكورة، كقوله علیه السلام : لا يسمّيه باسمه إلّا كافر.

الثالث: أنّه لو كانت التقيّة علّة لهذا الحكم، لما جاز إظهار اسمه الشريف لهم أصلاً، مع أنّ الأخبار المتكثّرة من طرق الفريقين دلّت على تنصيص النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم بأنّ اسمه اسمي، وكنیته كنيتي، فقد عرفوا بذلك اسمه الشریف.

الرابع : أنّه لو كانت علّة النهي عن الإسم التقيّه والخوف لاغير، لوجب أن لا يذكر باسم ولالقب أصلاً، إذ يجب اطّراد العلّة، ولئلّا يعرفه الأعداء،

مع أنّه علیه السلام كان معروفاً بألقابه أكثر من اسمه، خصوصاً لقبه المهدي علیه السلام ،

ص: 140

والعامّة كانوا يعرفونه بلقبه ونسبه، ولم ينقل خبر في النهي عن ذكر ما سوى هذا الإسم الشريف من ألقابه بل خصّ المنع في التوقيع الآتي، وغيره بذكر اسمه بخصوصه، فهذا دليل على أنّ العلّة في التحريم أمر خفيّ علينا، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين علیه السلام في الخبر المروي عن كتاب كمال الدين .(1)

الخامس: أنّه لو كانت الحرمة دائرة مدار الخوف والتقيّة، لما صحّ جعل ظهوره غاية لذلك، لانّ التقيّة قد تكون، وقد لا تكون.

السادس : ما عرفت من ترك الخضر علیه السلام ذكر اسمه الشريف، مع أنّه لم يكن في ذلك المجلس خوف اصلاً.

السابع : ما ذكره المحقّق النوري، من أنّ في جملة من أخبار المنع، ومالم يذكر فيه اسمه، تصریحاً بأنّه سمّي النبيّ، فالسامع الراوي عرف اسمه، فإن كانت التقيّة منه فقد عرفه، وإن كان من غيره، فلا وجه لعدم ذكره في هذا المجلس، بل اللازم تنبيه الراوي بأن لا يسمّيه في مجلس آخر.(2)

الثامن : أنّ المسمّى باسم محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم يكن منحصراً في القائم علیه السلام حتّى يكون ذكره به منهيّاً عنه لكي لا يعرفه الأعداء، بل لو كان العلّة الخوف، لوجب النهي عن ذكره بالحجّة، وصاحب الغيبة، ونحوهما، فإنّها ممّا لم يعهد تسمية غیره به، بل كان اللازم أن لا يعبّر عنه بابن العسكريّ أيضاً، لكونه صريحاً في حياته وبقائه علیه السلام ، فيطلبه الأعداء، ومن هنا ظهر ضعف القول باختصاص التحريم بزمان الغيبة الصغرى، إذ لو كان الخوف، والتقيّة هي العلّة، لزم النهي عن ذكر ألقابه المخصوصة أيضاً.

والحاصل : أنّ حرمة ذكر هذا الإسم الشريف ليست دائرة مدار الخوف وعدمه ، بخلاف سائر أسمائه وألقابه، فإنّ جواز ذكرها وعدمه دائر مدار الخوف والتقيّة، فيحرم عند التقيّة، ويجوز عند عدمها،

ص: 141


1- ج648/2 ح.
2- المستدرك : 288/12 س7.

وكذا الحال في ذكر سائر الأئمّة علیهم السلام، فهم في هذا الحكم سواء، كما دلّت عليه الراويات، وهذا الوجه ممّا اختلج بالبال في هذا المقال، وسيجيء له زيادة تبیین و توضيح إن شاء اللّه تعالى، فانتظر لتمام الكلام.

والوجوه السابقة قد ذكر بعضها المحقّق النوري (رحمة اللّه علیه) فمن ملاحظة ذلك كلّه يحصل الجزم للفقيه الماهر، بكون الخوف المشار إليه في الخبرين المرقومين حكمة في جعل هذا الحكم لا علّة له.

مضافاً إلى أنّ حمل الكلام على التقيّة خلاف الأصل، لأنّ الظاهر من طريقة العقلاء وأهل اللسان، كونهم في محاورتهم في بيان مقام الحكم الواقعي، فصرف الكلام إلى غيره يحتاج إلى دليل صريح، يوجب رفع اليد عن العمومات الكثيرة، وهو مفقود في المقام.

وأيضاً القول بالتحريم مطلقاً هو مقتضى ظهور العام كما عرفت فتخصیص الحرمة ببعض الأفراد إخراج للعامّ عن ظاهره من غير دليل، فتدبّر .

وأيضاً تخصيص الحرمة بحال الخوف والتقيّه يوجب إخراج الأكثر عن تحت العموم، وهو غير جائز كما لا يخفى على من تدبّر .

إذا عرفت ذلك ، فنقول: إنّ ما اخترناه من القول بحرمة ذكر اسمه الشريف المعهود في المحافل والمجامع مؤيّد بأمور :

أحدها : أنّه لم ينقل في أحاديث المعراج خبر واحد صرّح فيه الربّ جلّ جلاله باسم المهديّ روحي فداه، كما لا يخفى على المتتبّع.

الثاني : أنّه لم ينقل في الأحاديث النبويّة مع كثرتها وتضافرها حديث صرّح النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم باسمه الشريف، بل كان يذكره بألقابه ، أو يقول صلی اللّه علیه وآله وسلم : إسمه إسمي، وكنيته كنیتي، وهذان الوجهان ذكرهما المحدّث النوري (رحمة اللّه علیه)، وفي كليهما نظر.

الثالث : الإجماع المنقول في كلام السيّد المحقّق الداماد، ولا بأس بنقل كلامه على ما حكاه بعض الأوتاد، للتأييد والاستشهاد، قال رحمه اللّه تعالى في

ص: 142

كتابه «شرعة التسمية في زمان الغيبة»:

إنّ شرعة الدين، وسبيل المذهب، أنّه لا يحلّ لأحد من الناس في زمننا هذا - وأعني به زمان الغيبة - إلى أن يحين حين الفرج، ويأذن اللّه سبحانه لوليّه وحجّته على خلقه، القائم بأمره، والراصد لحكمه، بسطوع الظهور، وشروق المخرج، أن يسمّيه ويكنّيه صلوات اللّه عليه ، وفي محفل مجمع، مجاهراً باسمه الكريم، معلناً بكنيته الكريمة، وإنّما الشريعة المشروعة المتلقّاة عن ساداتنا الشارعين صلوات اللّه عليهم أجمعين، في ذكرنا إيّاه ما دامت غيبته، الكناية عن ذاته القدسيّة بألقابه المقدّسة : كالخلف الصالح، والإمام القائم، والمهدي المنتظر، والحجّة من آل محمّد علیهم السلام وغاية ما يجوز من ذكر الاسم والكنية أن يقال : سمّي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وكنّيه .

وعلى ذلك إطباق أصحابنا السالفين وأشياخنا السابقين، الّذين سبقونا بضبط مآثر الشرع، وحفظ شعائر الدين، رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين والروايات الناصّة متضافرة بذلك عن أئمّتنا المعصومين صلواته عليهم أجمعين، وليس يستنكره إلّا ضعفاء التبصّر بالاحكام والأخبار، وأطِفّاء(1) الإطّلاع على الدقائق والاسرار، وإلّا القاصرون الّذين درجتهم في الفقه و مبلغهم من العلم أن لا يكون لهم قسط من الخبرة بخفیّات مراسم الشريعة ومعالم السنّة، ولا نصيب من البصيرة في حقائق القرآن الحكيم، ولاحظّ من تعرّف الاسرار الخفيّة، الّتي مستودعها أحاديث مهابط الوحي، ومعادن الحكمة، ومواطن النور، وحفظة الدين، وحملة السرّ، وعيبة علم اللّه العزيز، إنتهى كلامه رفع مقامه .(2)

الرابع : استقرار سيرة قاطبة أهل الإيمان في جميع الأمصار والبلدان، في كلّ زمان من الأزمان، على ترك التصريح باسم مولانا صاحب الزمان علیه السلام ، بحيث لم يعهد من أحد منهم، ولم يسمع التصريح باسمه الشريف في محفل من

ص: 143


1- الاطفاء جمع الطفيف: وهو القليل.
2- شرعة التسمية : 23 و 24.

المحافل، ومجمع من المجامع، وهذه الأمور بعد ضمّها إلى النصوص المذكورة الصحيحة توجب الإطمئنان بحرمة التصريح باسمه الشريف في مجمع من مجامع الناس، واللّه العالم وهو العاصم.

سابعها : ذكر اسمه الشريف في غير المجامع للخواصّ، أعني الشيعة رضوان اللّه عليهم ، والأقرب هنا الجو از، لورود اخبار عديدة متعاضدة بذكر هذا الإسم الشريف فعلاً وتقريراً عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام :

منها : حديث اللوح، المرويّ بسند معتبر في أُصول الكافي وكمال الدين وغيرهما من الكتب المعتبرة:

1187- ونحن نذكر ما رواه ثقة الإسلام في أُصول الكافي : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قال أبي علیه السلام لجابر بن عبداللّه الأنصاري:

إنّ لي إليك حاجة فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك، فأسالك عنها؟

فقال له جابر : أيّ الأوقات أحببته، فخلا به في بعض الأيّام،

فقال له: يا جابر، أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أُمّي فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وما أخبرتك به أمّي أنّه في ذلك اللوح مكتوب.

فقال جابر : اشهد باللّه التي دخلت على أمّك فاطمة علیها السلام . في حياة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم أُهنّئها بولادة الحسين علیه السلام ، فرأيت في يديها لوحاً اخضر، ظننت أنّه من زمرّد، ورايت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها:

بأبي وأمّي يا بنت رسول اللّه ، ما هذا اللوح؟

فقالت: هذا لوح أهداه اللّه إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني، واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك،

قال جابر: فاعطتنيه أمّك فاطمة علیها السلام، فقرأته واستنسخته .

فقال له ابي علیه السلام : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ ؟

قال : نعم، فمشى معه ابي إلى منزل جابر فاخرج صحيفة من رقّ(1)

ص: 144


1- الرقّ- بالفتح والكسر - : الجلد الرقيق الّذي يكتب عليه .

فقال : يا جابر، أُنظر في كتابك لاقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته ، فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً، فقال جابر :

فاشهد باللّه أنّي هكذا رايته في اللوح مكتوباً :

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمّد نبيّه ، ونوره وسفيره، وحجابه ودليله، ونزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمین :

عظّم یا محمّد اسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، أنا اللّه لا إله إلّا أنا قاصم الجبّارين، ومديل المظلومين، وديّان الدين، إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا، فمن رجا غير فضلي، أو خاف غير عدلي، عذّبته عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكل.

إنّي لم أبعث نبيّاً، فأكملت أيّامه، وانقضت مدّته ، إلّا جعلت له وصيّاً، وإنّي فضّلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك (حسن وحسین» ، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة،

فهو أفضل من استشهد، وارفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامّة معه ، وحجّتي البالغة عنده ، بعترته أُثيب وأُعاقب ، أوّلهم:

عليّ سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جدّه المحمود محمّد ، الباقر لعلمي (1) والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقّ القول منّي: لأُكرمنّ مثوی جعفر، ولأُسرّنّه فِي أشياعه وأنصاره وأوليائه، انتجبت بعده موسی فتنة عمياء حندس لأنّ خيط فرضي لاينقطع، وحجّتي لا تُخفى، وأنّ أوليائي يسقون بالكاس الأوفي، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ.

ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة موسی عبدي وحبيبي وخبرتي في

ص: 145


1- علمي، م.

عليّ، وليّي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوّة، وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفریت مستكبر، يدفن في المدينة الّتي بناها العبد الصالح، إلى جنب شرّ خلقي، حقّ القول منّي: لأُسرّنّه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي و موضع سرّي، وحجّتي على خلقي، لا يؤمن عبد به إلّا جعلت الجنّة مثواه، وشفّعته في سبعين من أهل بيته، كلّهم قد استوجبوا النار .

وأختم بالسعادة لابنه عليّ وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أُخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي، الحسن،

وأكمل ذلك بابنه «م ح م د» رحمة للعالمين .

عليه كمال موسى، وبهاء عیسی، وصبر أيّوب، فيذّل أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم، كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيُقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشوا الويل والرنّة في نسائهم، أولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون،

قال عبدالرحمان بن سالم : قال أبو بصير :

لو لم تسمع في دهرك إلّا هذا الحديث لكفاك ، فَصُنه إلّا عن أهله .(1)

1188- ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق في كمال الدين : عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رحمة اللّه علیه) قال : حدّثنا الحسن بن إسماعيل قال : حدّثنا أبو عمرو سعيد بن محمّد بن نصر القطّان قال : حدّثنا عبداللّه بن محمّد السلمي قال : حدّثنا محمّد بن عبدالرحمان قال : حدّثنا محمّد بن سعيد قال : حدّثنا

ص: 146


1- الكافي : 527/1 ح3، عنه الوافي : 296/2 ح 1، كمال الدين: 308/1 ح 1، العيون: 1/ 34ح2، الاحتجاج: 84/1 ، الاختصاص : 300، غيبة الطوسي : 143 ح108، عنهما البحار :195/36 ح 3.

العبّاس بن أبي عمرو، عن صدقة بن أبي موسى، عن أبي نضرة، قال :

لمّا احتضر أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیهماالسلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیه السلام فعهد إليه عهداً، فقال له أخوه زید بن عليّ بن الحسین: لو امتثلت فيَّ تمثال الحسن والحسين علیهماالسلام ، لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً،

فقال : يا أبا الحسن، إنّ الأمانات ليست بالتمثال، ولا العهود بالرسوم، وإنّما هي أُمور سابقة عن حجج اللّه تبارك وتعالی.

ثمّ دعا بجابر بن عبداللّه، فقال له: يا جابر، حدّثنا بما عاينت في الصحيفة، فقال له جابر : نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة علیها السلام لأهنّئها بمولود الحسن علیه السلام ، فإذا هي بصحيفة بيدها من درّة بيضاء،

فقلت : يا سيّدة النسوان، ما هذه الصحيفة الّتي أراها معك؟ قالت :

فيها أسماء الأئمّة من ولدي، فقلت لها: ناوليني لأنظر فيها، قالت :

يا جابر، لولا النهي لكنت أفعل، لكنّه نهي أن يمسّها إلّا نبيّ أو وصي، أو أهل بیت نبیّ، ولكنّه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.

قال جابر : فقرأت، فإذا فيها : أبو القاسم محمّد بن عبداللّه المصطفى، أُمّه آمنة بنت وهب، أبو الحسن عليّ بن أبي طالب المرتضى، أُمّه فاطمة بنت أسد ابن هاشم بن عبد مناف، أبو محمّد الحسن بن عليّ البرّ، أبو عبداللّه الحسين بن عليّ التقيّ، أُمّهما فاطمة بنت محمّدصلی اللّه علیه وآله وسلم ، أبو محمّد عليّ بن الحسين العدل ، أُمّه شهربانويه بنت يزدجرد بن شاهنشاه، أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر، أمّه أمّ عبداللّه بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب،

أبو عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق، أُمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، أبو إبراهيم موسی بن جعفر الثقة، أُمّه جارية، إسمها حميدة، أبو الحسن عليّ بن موسی الرضا، أُمّه جارية، إسمها نجمة ، أبو جعفر محمّد بن عليّ الزكي، أُمّه جارية ، إسمها خيزران، أبو الحسن عليّ بن محمّد الأمين، أُمّه

ص: 147

جارية ، إسمها سوسن، أبو محمّد الحسن بن عليّ الرفيق، أُمّه جارية، إسمها سمانة، وتكنّى بأُمّ الحسن، أبو القاسم محمّد بن الحسن، هو حجّة اللّه تعالی على خلقه، القائم، أُمّه جارية اسمها نرجس، صلوات اللّه عليهم أجمعين .(1)

قال الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه): جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم علیه السلام ،

والّذي أذهب إليه ما روي في النهي من تسميته .

1189- ومنها : ما في تاسع البحار، عن كتاب الروضة، وكتاب الفضائل بإسناده يرفعه إلى عبداللّه بن أبي أوفي، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، أنّه قال :

لمّا خلق اللّه إبراهيم الخليل علیه السلام كشف اللّه عن بصره، فنظر إلى جانب العرش، فرأى نوراً، فقال : إلهي وسيّدي، ما هذا النور؟

قال : يا إبراهيم، هذا محمّد صفيّي، فقال : إلهي وسيّدي، أری جانبه نوراً آخر! فقال : يا إبراهيم، هذا عليّ ناصر دیني، فقال : إلهي وسيّدي، أرى إلى جانبهما نوراً ثالثاً ! قال : يا إبراهيم هذه فاطمة، تلي أبيها وبعلها، فطمت محبّيها من النار .

قال : إلهي وسيّدي، أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار !

قال : يا إبراهيم، هذا الحسن والحسين يليان أباهما وجدّهما وأمّهما .

فقال : إلهي وسيّدي، أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار! قال : يا إبراهيم هؤلاء الأئمّة من ولدهم، فقال : إلهي وسيّدي، فبمن يعرَّفون؟ قال : يا إبراهيم، أوّلهم عليّ بن الحسين، ومحمّد ولد عليّ، وجعفر ولد محمّد، و موسی ولد جعفر، وعليّ ولد موسى، ومحمّد ولد عليّ، وعليّ ولد محمّد، والحسن ولد عليّ، ومحمّد ولد الحسن، القائم المهدي.

قال : إلهي وسيّدي، أرى عدّة أنوار حولهم، لا يحصي عدتهم إلّا أنت! قال : يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم، ومحبّوهم ، قال : إلهي، وبما يعرفون شيعتهم

ص: 148


1- كمال الدين : 1/ 305 ح 1 ، عنه البحار : 36/ 193 ح2.

ومحبّوهم؟ قال: بصلاة الإحدي والخمسين، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، وسجدة الشكر، والتختمّ باليمين،

قال إبراهيم: اللّهمّ اجعلني من شيعتهم ومحبّيهم، قال : قد جعلتك، فأنزل اللّه فيه : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ «إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(1). (2)

1190- ومنها: ما في تاسع البحار أيضاً ، عن غيبة الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم مسنداً، في حديث الوصيّة الّتي كتبها أمير المؤمنین علیه السلام بإملاء رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وأمر بأن يسلّمها كلّ إمام إلى الإمام الّذي يكون بعده - إلى أن قال :

فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن، البرّ الوصول (3)،

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين، الشهيد الزكيّ المقتول،

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد العابدین ذي الثفنات عليّ،

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد باقر العلم،

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق،

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم،

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه عليّ الرضا،

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي .

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه عليّ الناصح،

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل،

فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد، الخبر(4)

1191- ومنها: ما في كفاية الأثر في النصوص على الائمّة الإثني عشر بإسناده عن أبي هريرة قال: قلت لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم:

إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً وسبطين، فمن وصيّك وسبطاك؟ فسكت، ولم يردّ عليَّ

ص: 149


1- الصافّات: 83.
2- الفضائل : 215، الروضة : 33، عنهما البحار: 213/36 ح 81.
3- كثير الاعطاء.
4- غيبة الطوسي: 150 ح 111، عنه البحار : 36/ 260 ح 81.

الجواب، فانصرفت حزيناً، فلمّا حان الظهر قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : أدن یا أبا هريرة، فجعلت أدنو ، وأقول: أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم.

ثمّ قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّ اللّه بعث أربعة الآف نبيّ، وكان لهم أربعة الآف وصيّ، وثمانية الآف سبط، فوالّذي نفسي بيده لأنا خير النبيّين، ووصيّي خير الوصيّين، وأنّ سبطيّ خير الأسباط .

ثم قال علیه السلام : سبطاي خير الأسباط، الحسن والحسين سبطا هذه الأُمّة، وإنّ الأسباط كانوا من ولد یعقوب علیه السلام ، وكانوا اثني عشر رجلاً، وإنّ الأئمّة بعدي اثنا عشر رجلاً من أهل بيتي، عليّ علیه السلام أوّلهم، وأوسطهم محمّد، وآخرهم محمّد، ومهديُّ هذه الأمّة، الّذي يصلّي عیسی خلفه، ألا إنّ من تمسّك بهم بعدي فقد تمسّك بحبل اللّه، ومن تخلّى منهم فقد تخلّى من حبل اللّه .(1)

1192- ومنها : ما في كفاية الأثر أيضاً: بإسناده عن مفضّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين علیهماالسلام عن أبيه، عن أمير المؤمنين علیه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :

لمّا أسري بي إلى السماء أوحي إليَّ ربّي جلّ جلاله ، فقال :

یا محمّد، إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها، وجعلتك نبيّاً وشققت لك من اسمي إسماً، فأنا المحمود، وأنت محمّد، ثمّ اطّلعت ثانية فاخترت منها عليّاً، وجعلته وصيّك وخليفتك، وزوج ابنتك، وشققت له إسماً من أسمائي، فأنا العليّ الأعلى وهو عليّ، وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان عندي من المقرّبين .

یا محمّد، لو أنّ عبداً عبدني حتّى ينقطع كالشنّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم، ما أسكنته جنّتي، ولا أظللته تحت عرشي .

یامحمّد، أتحبّ أن تراهم؟ قلت : نعم يا ربّي، فقال عزّ وجلّ: ارفع رأسك

ص: 150


1- كفاية الأثر : 79، عنه البحار : 312/36 ح 157، والعوالم : 3/15 ص 160 ح119.

فرفعت رأسي، فإذا بأنوار عليّ وفاطمة، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن علي، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، و«م ح م د» بن الحسن، القائم في وسطهم كأنّه كوكب درّيّ يوقد.

فقلت : يا ربّ، من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم الّذي يحلّ حلالي، ويحرّم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الّذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين .(1)

1193- ومنها : ما رواه الصدوق (رحمة اللّه علیه) في كمال الدين بسند معتبر، بل صحيح : أنّ أبا محمّد علیه السلام بعث إلى بعض من سمّاه لي بشاة مذبوحة، وقال : هذه من عقيقة ابني محمّد.(2)

1194- ومنها: ما رواه المحدّث العاملي (رحمة اللّه علیه) في الوسائل : بإسناده عن الصدوق، عن محمّد بن محمّد بن عصام، عن محمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه) عن علّان الرازي، عن بعض أصحابنا، أنّه لمّا حملت جارية أبي محمّد علیه السلام قال : ستحملين ولداً واسمه محمّد، وهو القائم من بعدي .(3)

1195- ومنها: ما رواه أيضاً في الوسائل : بإسناده عن ابن بابویه، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رحمة اللّه علیه)، عن أبي عليّ محمّد بن همام، عن محمّد بن عثمان العمري، عن أبيه، عن أبي محمّد الحسن بن عليّ علیه السلام

- في الخبر الّذي روى عن آبائه - أنّ الأرض لا تخلو من حجّة اللّه على خلقه ، وأنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة .

فقال : إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ،

ص: 151


1- كفاية الأثر: 152، عنه البحار : 36/ 245 ح 58 .
2- كمال الدين : 2/ 432 ح 10، عنه البحار : 15/51 ح17 .
3- كمال الدين : 408/2 ح4، عنه البحار : 2/51 ح 2، والوسائل : 490/11 ح17.

فقيل : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال : ابني محمّد هو الإمام والحجّة بعدي، فمن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهليّة .(1)

1196- ومنها : ما رواه المجلسي في باب ولادته عجّل اللّه تعالی فرجه ، عن كشف الغمّة، قال : قال ابن الخشّاب : حدّثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي، عن أبيه، عن جدّه ، قال :

قال سيّدي جعفر بن محمّد: الخلف الصالح من ولدي، وهو المهدي، اسمه «م ح م د» وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان، الخبر .(2)

إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول: إنّ مقتضى الجمع بين الدليلين أعني أخبار الحرمة والاخبار المجوّزة، هو ما اخترناه من التفصيل بين مجامع الناس وغيرها فيقال : بالحرمة في المجامع، وبالجواز في غيرها، لانّ أخبار الجواز كما ترى إمّا نقل فعل أو تقرير، وليس لها عموم، أو إطلاق يوجب رفع اليد عن الاخبار الناهية، فوجب الأخذ بالقدر المتيقّن، وتخصيص أدلّة الحرمة بهذا المقدار، وهو غير المجامع من الناس ويبقى ذكر اسمه الشريف في المجامع تحت عموم أدلة الحرمة.

1197- ويؤيّد ما ذكرنا ويؤكّده، التوقيعان المرويّان في كمال الدين،

أحدهما : ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس .(3)

1198- والثاني : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه اللّه قال : سمعت أبا عليّ محمّد بن همام، يقول: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه يقول : خرج توقيع بخطّ أعرفه:

من سمّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة اللّه .(4)

ص: 152


1- كمال الدين : 409/2 ح9، عنه البحار: 16/05 ح7، والوسائل : 492/11 ح23 .
2- كشف الغمة : 2/ 475، عنه البحار : 26/51 ح 37.
3- كمال الدين : 2/ 482 و 483، عنه البحار : 33/51 ح 9 و10.
4- كمال الدين : 2/ 482 و 483، عنه البحار : 33/51 ح 9 و10.

ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً ما سمعته في كلام السيّد المحقّق الداماد رحمه اللّه، من إطباق العلماء السابقين على حرمة التصريح باسمه المبارك في مجمع من الناس.

ويؤيّده أيضاً، الإعتبار العقليّ والعرفي لأنّ في التعبير عن شخص جليل بألقابه في المجامع والمحافل وترك التصريح باسمه نوعاً من التعظيم والإحترام لا يخفى على أحد من العوامّ، فضلاً عن الخواصّ والاعلام، واللّه العالم بحقائق الأحكام.

ويؤيّده أيضا ما عرفت في حديث اللوح، أنّ أبا جعفر علیه السلام طلب من جابر أن يلقاه في الخلوة فكان ذكر اسمه منهما في غير مجمع من الناس

ويؤيّده أيضا لزوم تخصيص الاكثر لو قلنا بخروج غیر مورد الخوف والتقيّة مطلقاً عن العمومات المذكورة، فتدبّر.

ويؤيّده أيضاً حديث حذيفة بن اليمان الّذي ذكرناه في القسم الرابع من ذلك العنوان.

فإن قلت : يمكن أن يقال بخروج غير موضع الخوف والتقيّة عن العمومات المذكورة السابقة مطلقاً، سواء كان في المجامع أم غيرها،

1199- لما رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه) في كمال الدين عن أبي جعفر علیه السلام ، عن آبائه ، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان وذكر صفة القائم - إلى أن قال : له إسمان : إسم يخفی واسم يعلن، فأمّا الّذي يخفي فأحمد، وأمّا الّذي يعلن فمحمّد، الحديث .(1)

فإنّ هذا الحديث يدلّ على جواز التصريح بهذا الإسم الشريف، في مجامع الناس فعلاً وقولاً، لتصريح أمير المؤمنين علیه السلام به على المنبر،

وقوله : وأمّا الّذي يعلن فمحمّد ، ومن هنا يمكن أن يقال بأنّ اسمه الذي

ص: 153


1- كمال الدين : 653/2 ح17، عنه البحار : 35/51 ح 4.

لا يجوز التصريح به هو أحمد.

قلت: لا يجوز تخصیص عمومات الحرمة بمجرّد هذا الحديث لوجوه:

الأوّل: أنّه ضعيف السند لا شتماله على إسماعيل بن مالك المجهول، وأبي الجارود رئيس الزيديّة الجاروديّة، الّذي نقل عن ابن طاووس أنّه قال في حقه: زیاد بن المنذر أبوالجارود الاعمى السرحوب، مذموم لا شبهة في ذمّه، سمّي سرحوباً باسم شيطان أعمى يسكن البحر.(1)

وفي نقد الرجال ومنتهى المقال عن الكشّي (رحمة اللّه علیه) في أبي الجارود الأعمى السرحوب : نسب إليه السرحوبيّة من الزيديّة، وسمّاه بذلك الباقر علیه السلام .

وذكر أنّ سرحوباً إسم شیطان أعمى يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفاً أعمى، أعمى القلب، ثمّ ذكر روایات متعدّدة في ذمّه ولعنه وكذبه .(2)

وقال السيّد التفرشي (رحمة اللّه علیه) في النقد: ثمّ فيه رواية تدلّ على كذبه وكفره إنتهى .(3)

الثاني : أنّ تصريح أمير المؤمنين علیه السلام باسمه على المنبر لا يكون دليلاً على الجواز لغيره، لإمكان اختصاص هذا الحكم به علیه السلام ، ونظير ذلك كثير ، لا يخفی على الخبير ، مثل جواز دخوله في مسجد النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم جنبة ، واختصاص لقب أمير المؤمنين به، وجواز الإيثار مع كون أهل بيته في حال الإضطرار، وغيرها ممّا لا يخفى على المتتبّع في أخبار الأئمّة الأطهار .

الثالث : أن قوله علیه السلام وأمّا الّذي يعلن فمحمّد، يحتمل أمرين:

أحدهما : أن يكون المراد أن له إسمين يعرف الناس واحداً منهما وهو محمّد ولا يعرفون الآخر وهو أحمد، وهذا أمر نشاهده بالعيان.

ص: 154


1- تنقیح المقال : 1/ 460.
2- الكشي : 229 ح413، نقد الرجال: 2/ 279، منتهى المقال : 152.
3- الكشي : 230 ح416.

وثانيهما: أن يكون المراد الإعلان بهذا الإسم المبارك في حين ظهوره، فقد وردت أخبار بأنّه ينادي باسمه واسم أبيه في ذلك الزمان، وقد مرّ ما يدلّ على ذلك في الباب الرابع في حرف النون و غیره .(1)

وأمّا احتمال كون المراد بالإسم الّذي لا يجوز التصريح به هو إسمه «أحمد» فلم يقل به أحد، بل لم يحتمله أحد من علمائنا، رضوان اللّه عليهم من الصدر الأوّل إلى زماننا ، ولا حملة الأحاديث ورواتها، الّذين منهم وصلت إلينا، كما لا يخفى على المتتبّع . فإن قلت : يمكن أن يكون المراد بالناس في التوقيعين المذكورين خصوص العامّة فتكون قرينة على كون الحرمة مخصوصة بمورد الخوف والتقيّة، كما ذكره صاحب الوسائل مستشهداً بإطلاق الناس على خصوص العامّة في الروايات كثيراً .(2)

قلت : قد أطلق الناس عليهم في الأخبار مع القرينة، وهي في المقام مفقودة، فلا يجوز رفع اليد عن الأخبار الصحيحة الصريحة بمجرّد الإحتمال.

فإن قلت : قد روي في المستدرك عن حسين بن حمدان في كتابه رواية رضويّة، مصرّحة بجواز ذكر اسمه الشريف المعهود وغيره عند الأمن من الخوف، وأنّ العلّة في النهي ليست إلّا الخوف والتقيّة،

1200- وهي ما رواه عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الريّان بن الصلت، قال : سمعت الرضا عليّ بن موسى علیه السلام يقول: القائم المهدي علیه السلام ابن ابني الحسن لا يرى جسمه ولا يسمّي باسمه بعد غيبته أحد، حتّى يراه ويعلن باسمه ، فليسمّيه كلّ الخلق، فقلنا له: يا سيّدنا فإن قلنا: صاحب الغيبة، وصاحب الزمان، والمهدي، قال : هو كلّه جائز مطلقاً ، وإنّما نهيتكم عن التصريح باسمه الخفي عن أعدائنا فلا يعرفوه.(3)

ص: 155


1- تقدّم ج352/1 ح 606.
2- الوسائل : 489/11 ذح 12 .
3- الهداية الكبرى : 364، عنه المستدرك : 12/ 285.

قلت: لا يجوز التعويل على ذلك لوجوه :

إحدها : أنّ حسین بن حمدان ضعيف، كما في الوجيزة، وفي نقد الرجال عن النجاشي : حسین بن حمدان الحضيني الجنبلاني أبو عبداللّه، كان فاسد المذهب، له كتب، وكذا في منتهى المقال .(1)

وفيه عن الخلاصة : الحسين بن حمدان الجنبلاني - بالجيم المضمومة ، والنون الساكنة والموحّدة - الحضيني بالمهملة المضمومة والمعجمة، والنون بعد الياء - أبو عبداللّه، كان فاسد المذهب، كذّاب، صاحب مقالة، ملعون، لا يلتفت إليه (2)، ومثله عن رجال ابن داود (رحمة اللّه علیه) لكن ضبط الخصيبي بالمعجمة والمهملة والمثنّاة تحت والمفردة .(3)

وممّا يدلّ على عدم صحّة الإعتماد عليه، أنّ المحقّق العالم النوري (رحمة اللّه علیه) لم يعتمد عليه في هذا المقام، مع أنّه رواه في باب القاب الحجّة عجل اللّه تعالى فرجه وهذا العالم الجليل من أجلّاء العارفين بأحوال الرواة، كما لا يخفى على من نظر في كتبه جزاه اللّه تعالى عن الإسلام وأهله خير الجزاء، فكيف يجوز التمسّك بمثل هذا الحديث في صرف عمومات ادلّة التحريم عن ظواهرها.

والوجه الثاني: أنّ هذا الحديث على فرض صدوره ليس صريحاً في المدّعى فراجع، وتدّبر .

الثالث : أنّه على فرض دلالته لا يدلّ على انحصار علّة التحريم في ذلك كي يقتصر على مورد وجود العلّة، بل لا يمكن أن يكون ذلك علّة حقيقيّة لأنّ الضمير في قوله : «فلا يعرفوه» إن كان راجعاً إلى الإسم، يعني لا يجوز ذكر هذا الإسم لئلّا يعرفه الأعداء كان هذا خُلفاً، لأنّهم عرفوه بالأخبار الكثيرة المرويّة عن النبيّ والأئمّة المصرّحة بأنّ اسمه إسم رسول اللّه فقد عرفوا أنّ اسمه محمّد،

ص: 156


1- النجاشي : 159/67 ، نقد الرجال: 87/2 رقم 39، مجمع الرجال : 2/ 172، الفهرست :211/57.
2- الخلاصة : 217.
3- رجال ابن داود : 444 رقم 139.

وإن كان الضمير راجعاً إلى القائم، يعني لا يجوز ذكر هذا الإسم لئلّا يعرفوا المقصود بهذا الإسم، فهذا غير سديد أيضاً لوجهين :

الأول: أن المسمّين بمحمد كثيرون في كلّ زمان، فلو قال شيعيّ لشيعيّ آخر في مجلس الأعداء مثلاً : قال محمّد، أو رأيت محمّداً، وأراد به إمامه لم يعرف الأعداء من المراد عن الإسم، ولم يكن خوف ولا تقيّة كما لا يخفى.

الوجه الثاني: أنّ هذا لو كان هو السبب الحقيقي للتحريم لوجب النهي عن ذكره علیه السلام بالقابه المخصوصة به، كصاحب الغيبة، وصاحب الزمان، والحجّة من آل محمد، إذ لو قال شيعيّ لمثله في محفل الاعداء : رأيت صاحب الغيبة، أو الحجّة من آل محمّد لعرف الأعداء أنّ مراده الشخص الخاصّ، إذ لم يعهد تسمية أحد بهذه الاسماء حتّى يكون الذاكر لها في فسحة ومجال لأن يقول: أردت به احداً من الناس، بل لنهض العدوّ للفحص والتفتيش عن المسمّى بالإسم الخاصّ ، فيجب حمل الخبر على الحكمة أو حمله على نحو من التأويل.

فإن قلت: يمكن الجمع بين أدلّة الطرفين بوجه آخر، وهو حمل أخبار الحرمة على الكراهة، كما صنعه بعض المشايخ، وهذا الجمع كثير النظير في أبواب الفقه . قلت : إن هذا الجمع ليس مرضيا في هذا المقام، لوجوه:

الأوّل: أنّ أدلّة الحرمة كما عرفت آبية عن الحمل على الكراهة، وهذا واضح.

والثاني: أنّ الأمر دائر بين التخصيص والمجاز،

وقد تقرّر في محلّه أنّ التخصيص أولى منه .

والثالث: أنّ أدلّة الجواز لم يثبت بها إلّا الجواز في غير المجامع كما أوضحناه ، فكيف تقدّم على أدلّة الحرمة مطلقاً.

والرابع : أنّه مخالف للإجماع المنقول والشهرة المتقدّمة .

والخامس : أنّ حمل مثل هذه الأخبار على الكراهة إنّما يكون إذا كان دلیل

ص: 157

معتبر بخلافها، فلا بدّ من تقديمه على ظواهر أدلّة المنع، وأمّا ما نحن فيه فلا سبيل لصرف أدلّة المنع عن ظواهرها، إذ لاحجّة في قبالها، كما لا يخفى على من راعي الإنصاف وجانب الاعتساف، فقد اتّضح - بعون اللّه تعالى وبركة أوليائه سلام اللّه عليهم أجمعين - تماميّة ما ادّعيناه، والحمد للّه أوّلاً وآخراً.

تنبيهات:

الأوّل : قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا الوجه في سائر الأقوال، والجواب عنها فلا نطيل الكتاب بالإعادة.

الثاني : لا ريب في أنّ الأولى والأحوط في غير المجامع أيضاً ذكره علیه السلام ، بألقابه الشريفة وترك التصريح باسمه المبارك المعهود خروجاً عن شبهة الخلاف ولما فيه من التعظيم والإحترام للإمام علیه السلام بل هو المعهود المتعارف في كلام الأئمّة وأتباعهم علیهم السلام .

الثالث : قد ظهر من بعض الروايات السابقة أنّ من جملة أسمائه الشريفة ،«أحمد»، فهل يحرم ذكره بهذا الإسم الشريف في المجامع أيضاً أم يختصّ المنع باسمه المعروف وهو محمّد؟ صرّح صاحب كفاية الموحّدين بعدم الفرق بينهما في الحرمة، ونسبه إلى المشهور، وفيه تأمّل، لانصراف الإسم إلى ما هو الشائع المعروف أعني محمداً، وكلام القائلين بالحرمة ليس نصّاً، ولا ظاهراً في حرمة تسميته بغير «م ح م د» من الاسماء ، بل لم أعرف أحداً منهم ذكر القول بمنع ذكر هذا الإسم أعني أحمداً ولو احتمالاً، لكن الإحتياط خير سبيل، واللّه تعالی خیر دليل.

الرابع : هل يلحق بالإسم الشريف كنيته المباركة الّتي هو كنية جدّه رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم موضوعاً، أو حكماً؟ الأحوط : نعم، والأقوى : العدم، لانصراف التسمية إلى غير اللقب والكنية، كما هو الظاهر من ملاحظة العرف العامّ الّذي هو مبنی موضوعات الأحكام.

ص: 158

وما في حديث الخضر أنّه قال: «لا يسمّى ولايكنّي» لا يكتفي بمجرّده في إثبات التكليف، لتطرّق الاحتمالات فيه، فأصل البراءة سالم عمّا ينافيه ،

وكذا الحال في الإجماع المنقول، فإنّه لا يكفي وحده عند الفحول، كما تبيّن في علم الأصول، ولذا خصّ مولانا المحقّق النوري قدّس اللّه تعالى نفسه، وطيّب رمسه، المنع بخصوص ذكر اسمه المبارك المعهود،

ومع ذلك كلّه فليس بناكب عن الصراط، من سلك سبيل الاحتياط ، والخروج عن شبهة الخلاف مطلوب في كلّ حال، واللّه الهادي إلى أصوب الأقوال.

3- محبّته علیه السلام بالخصوص

الأمر الثالث:

من الأمور المتعلّقة به صلوات اللّه عليه من تكاليف العباد بالنسبة إليه ، محبّته بالخصوص، ولازم ذلك شدّة الإهتمام فيما هو مقتضى الحبّ بالنسبة إليه

إعلم أنّه لا ريب في وجوب محبّة جميع الأئمّة الطاهرين، سلام اللّه عليهم أجمعين، وأنّ حبّهم جزء الإيمان، وشرط قبول الأعمال، والأخبار في ذلك متواترة وقد مرّ بعض منها في الباب الأوّل من هذا الكتاب، وبعضها في الأمر الثاني من هذا الباب(1)، لكنّ في الإهتمام بمحبّة مولانا الحجّة علیه السلام خصوصيّة اقتضت الأمر به بالخصوص من وجهين :

الأوّل : العقل، بیانه : إنّ الطبائع مجبولة بحبّ من يحسن إليها، ومن يكون واسطة في الإحسان إليها .

1201- ولذلك ورد في الحديث عن تفسير الإمام : إنّ اللّه تعالى أوحي إلى موسى: حبّبني إلى خلقي، وحبّب خلقي إليَّ، قال : يا ربّ، كيف أفعل؟ قال : ذكّرهم آلائي ونعمائي ليحبّوني .(2)

ص: 159


1- تقدّم ج364/1 - 368.
2- تفسير الإمام العسكريعلیه السلام : 116.

1202- وفي حديث آخر في دار السلام، عن قصص الانبياء : بإسناده عن النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : قال اللّه عزّ وجلّ لداود علیه السلام: أحببني، وحبّبني إلى خلقي، قال :

یا ربّ أنا أُحبّك، فكيف أُحبّبك إلى خلقك؟

قال : أُذكر أيادي عندهم، فإنّك إذا ذكرت ذلك لهم أحبّوني .(1)

1203- وفي مجالس الصدوق (رحمة اللّه علیه) : بإسناده عن ابن عبّاس قال :

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : أحبّوا اللّه لمايغذوكم به من نعمه، وأحبّوني لحبّ اللّه عزّ وجلّ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي .(2)

وإذ قد عرفت ممّا قدّمنا في أبواب هذا الكتاب نبذاً من إحسان مولانا الحجّة علیه السلام إلينا، وحقوقه علينا، وأنّ جميع ما نتقلّب فيه من نعم اللّه المتكاثرة، وآلائه المتواترة، إنّما هو ببركة مولانا علیه السلام وبواسطته ،

فالعقل يحكم بحبّه، بل طبائعنا مجبولة على ذلك.

1204- الوجه الثاني : النقل، فقد روى السيّد المحدّث البحرانيّ (رحمة اللّه علیه) في غاية المرام عن النعماني : بإسناده عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : إنّ اللّه أوحى إلي ليلة أُسري بي : يا محمّد ، من خلّفت في الأرض على أمّتك؟ وهو أعلم بذلك، قلت : يا ربّ، أخي، قال : يا محمّد، عليّ بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا ربّ، قال : يا محمّد، إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها، فلا أُذكر حتّى تذكر معي، أنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة أُخرى

فاخترت منها عليّ بن أبي طالب، فجعلته وصيّك، فأنت سيّد الأنبياء و عليّ سيّد الأوصياء، ثمّ شققت له إسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علىّ.

یا محمّد، إنّي خلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من نور واحد، ثمّ عرضت ولايتكم على الملائكة، فمن قبلها كان من المؤمنين، ومن

ص: 160


1- قصص الأنبياء: 129، عنه دار السلام : 3/ 250.
2- امالي الصدوق : 446 ح7، أمالي الطوسي : 278 ح 531، عنه البحار : 76/27 ح5 .

جحدها كان من الكافرين.

یا محمّد، لو أنّ عبداً من عبادي عبدني حتّى ينقطع، ثمّ يلقاني جاحداً لولايتكم أدخلته النار، ثمّ قال: يا محمّد أتحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم، فقال : قم أمامك، فتقدّمت أمامي، فإذا عليّ بن أبي طالب، والحسن بن عليّ، والحسين بن عليّ، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، و موسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والحجّة القائم، كأنّه الكوكب الدرّي في وسطهم.

فقلت : يا ربّ، ومن هؤلاء؟

قال : هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم يحلّ حلالي ويحرّم حرامي، وينتقم من أعدائي، يا محمّد أحبّه، فإنّي أحبّه، وأحبّ من يحبّه .(1)

أقول: إنّ هذا الحديث يدلّ على أنّ في حبّه علیه السلام خصوصيّة اقتضت الأمر به بالخصوص من اللّه تعالى مع أنّ حبّ جميع الأئمّة علیه السلام واجب،

والسرّ في ذلك أمور :

منها : أنّ حبّه ومعرفته لا تنفكّان عن حبّ سائر الأئمّة ومعرفتهم، ولا عكس فإذا عرفه وأحبّه الإنسان كمل فيه حقيقة الإيمان .

1205- ويشهد لهذا ما في تاسع البحار، عن الفضائل:

بالإسناد عن الرضا علیه السلام عن آبائه، عن عليّ علیه السلام عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم - في حدیث ذكر فيه أسماء الأئمّة علیهم السلام إلى أن قال علیه السلام : ومَن أحبّ أن يلقى اللّه وقد كمل إيمانه، وحسن إسلامه، فليتولّ الحجّة ، صاحب الزمان، المنتظر، فهؤلاء مصابيح الدجى، وأئمّة الهدى، وأعلام التقى، من احبّهم وتولّاهم كنت ضامناً له على اللّه بالجنّة.(2)

ص: 161


1- غيبة النعماني : 94 ح 24، عنه غاية المرام: 2/ 240 ح 105.
2- الفضائل : 179، عنه البحار : 296/36 ح 125 .

ومنها : إنّ ظهور الدين وغلبة المسلمين على الكافرين يجري على يده ويتكمّل بظهوره كما مرّ في الباب الرابع،

وهذا أمر يوجب حبه بخصوصه عقلاً و شرعاً كما لا يخفى .

ومنها: ما ورد في بعض الروايات أنّه أفضل من سائر الأئمّة علیهم السلام، بعد أمير المؤمنين والسبطين علیهماالسلام :

1206- وهو ما رواه السيّد البحراني في غاية المرام في الباب الثالث والعشرين عن النعماني باسناده عن أبي عبداللّه عن آبائه علیهم السلام قال :

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّ اللّه اختار من الايّام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختارني من الرسل، واختار منّي عليّاً، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء ينفون من التنزيل تأويل القائلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، تاسعهم باطنهم ظاهرهم، وهو أفضلهم .(1)

1207- ويؤيّده ما في البحار : عن الصادق علیه السلام أنّه سئل هل ولد القائم؟

قال علیه السلام : لا، ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي .(2)

ومرّ في حرف النون قول الصادق علیه السلام في حديث عبّاد بن محمّد المدائني : دعوت لنور آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم و سابقهم.

ويأتي في فضل البكاء في فراقه علیه السلام ما يؤيّد ذلك أيضاً .(3)

1208- فإن قلت: ينافي ذلك ما روي في تاسع البحار، عن النعماني : بإسناده عن زيد الشحّام، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أيّما أفضل، الحسن أم الحسين ؟ قال : إنّ فضل أوّلنا يلحق فضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق فضل أوّلنا،

ص: 162


1- غيبة النعماني : 67 ح7، عنه غاية المرام: 2/ 239 ح 101.
2- غيبة النعماني : 245 ح46، عنه البحار : 148/01 ح 22.
3- يأتي ص 202.

فكلّ له فضل، قال : فقلت له :

جعلت فداك، وسّع عليَّ في الجواب، واللّه ما أسألك إلّا مرتاداً؟

فقال علیه السلام : نحن من شجرة برأنا اللّه من طينة واحدة، فضلنا من اللّه، وعلمنا من عند اللّه، ونحن أُمناء اللّه على خلقه، والدعاة إلى دينه، والحجّاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدك یا زید؟ قلت: نعم، فقال علیه السلام :

خلقنا واحد، وعلمنا واحد، وفضلنا واحد، وكلّنا واحد عند اللّه عزّوجلّ.

فقلت : أخبرني بعدّتكم؟ فقال : نحن إثنا عشر، هكذا حول عرش ربّنا جلّ وعزّ في مبتدأ خلقنا، أوّلنا محمّد، وأوسطنا محمّد، وآخرنا محمّد .(1)

قلت: لا تنافي بين هذا الحديث وبين ما سبق، لانّ هذا في بيان اتّحاد طینتهم وكونهم مخلوقين من نور واحد، وأنّهم في العلم والفضل سواء، كما وردت به أخبار أُخر أيضاً، وهذا لا ينافي كون بعضهم أفضل من بعض، بملاحظة بعض الخصوصيّات، كما وردت روايات في أفضليّة مولانا أمير المؤمنين من سائر الأئمّة المعصومين علیهم السلام ومع ذلك كلّه فعلم هذا وأمثاله موكول إليهم، وليس علينا البحث عنه، واللّه تعالى العالم، وهو العاصم.

4- تحبيبه علیه السلام إلى الناس

الأمر الرابع : تحبيبه إلى الناس

ويدلّ عليه جميع ما ذكرنا في الأمر الثالث، لدلالة العقل على أنّ من يحبّ ويحسن حبّه يرجّح تحبيبه، ويدلّ عليه أيضاً فحوى قوله تعالى في حديث موسی: حبّبني إلى خلقي، إلخ.

1209- ويدلّ عليه صریحاً ما روي في روضة الكافي : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : رحم اللّه عبداً حبّبنا إلى الناس، ولم يبغّضنا إليهم، أما واللّه

ص: 163


1- غيبة النعماني : 85 ح 16، عنه البحار : 399/36 ح9 .

لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعزّ، وما استطاع أحد أن يتعلّق عليهم بشيء ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحطّ إليها عشراً.(1)

1210- وفي مجالس الصدوق (رحمة اللّه علیه) : بإسناده عن الصادق علیه السلام قال: رحم اللّه عبداً اجترّ مودّة الناس إلينا، فحدّثهم بما يعرفون، وترك ما ينكرون .(2)

5- انتظار فرجه وظهوره علیه السلام ، وفيه مقامات :

اشارة

الأمر الخامس: إنتظار فرجه وظهوره صلوات اللّه عليه ،

الأوّل : في فضل الإنتظار، وثواب المنتظرين، وانتظار الأنبياء

والكلام فيه في مقامات :

أحدها: فضل ذلك، وثواب المنتظر، وانتظار الانبياء والائمّة لذلك ويكفي في ذلك صلوات سیّد الساجدين في دعاء عرفة على المنتظرين، ودعاؤه لهم بعد الدعاء لمولاهم صلوات اللّه عليه(3)،

ويدلّ على المقصود مضافاً إلى ذلك الروايات المتضافرة:

1211- ففي إكمال الدين : عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم علیه السلام .(4)

1212- وعن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج!

أما سمعت قول اللّه عزّوجلّ (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)(5)

(فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(6) فعليكم بالصبر، فإنّه إنما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم .(7)

ص: 164


1- الكافي : 229/8 ح293.
2- امالي الصدوق: 159 ح7 ، عنه البحار: 65/2 ح4، وعن الخصال: 1/ 25 ح 89.
3- الإقبال : 93/2 س4، أوردناه في الصحيفة السجّادية الجامعة : 323 ضمن الدعاء : 147.
4- كمال الدين : 2/ 644 ح 1، عنه البحار : 125/52 ح 15 .
5- هود: 93.
6- الأعراف : 71.
7- كمال الدين : 2/ 645 ح5، العيّاشي: 2/ 150 ح52 بنقيصة، عنهما البحار : 129/52 ح 23 .

1213- وفي بصائر الدرجات : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

خرج أمير المؤمنین علیه السلام بالناس يريد صفّين حتّى عبر الفرات، فكان قريباً من الجبل بصفيّن إذ حضرت صلاة المغرب، فأمعن بعيداً ثمّ توضّأ، وأذّن، فلمّا فرغ من الأذان، انفلق الجبل عن هامّة بيضاء بلحية بيضاء، ووجه أبيض، فقال :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته، مرحباً بوصيّ خاتم النبيّين، وقائد الغرّ المحجّلين، والاعزّ الماثور، والفاضل والفائق بثواب الصدّيقين، وسيّد الوصيّين، قال له:

وعليك السلام يا أخي شمعون بن حمون وصيّ عیسی بن مریم روح القدس، كيف حالك؟

قال : بخير، يرحمك اللّه، أنا منتظر روح اللّه ينزل فلا أعلم أحداً أعظم في اللّه بلاء ولا أحسن غداً ثواباً ولا أرفع مكاناً منك ، الخبر .(1)

أقول: وجه الإستشهاد بهذا الحديث، أنّه يدلّ على كون شمعون منتظراً لهذا الظهور المبارك الميمون، والتشبّه بأولياء اللّه والإقتداء بهم أمر محبوب عند اللّه عزّ وجلّ ، مضافاً إلى سائر ما ورد في فضيلة الإنتظار .

1214- وفي كمال الدين : عن أبي عبداللّه، عن آبائه علیهم السلام عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : المنتظر لامرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه .(2)

1215- وعن الصادق أيضاً قال :

طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء اللّه الّذين لاخوف عليهم ولا هم لا يحزنون .(3)

ص: 165


1- بصائر الدرجات : 280 ح16، عنه البحار: 39/ 134 ح 7.
2- كمال الدين : 2/ 645 ح6، وفي الحديث الأربعمائة المروي في الخصال : 610 ح10، عن أمير المؤمنين علیه السلام (مثله)، عنه البحار : 123/52 ح 7، وتمامه في ج 89/10 ح 1.
3- كمال الدين : 357/2 ح 54، عنه البحار : 149/52 ح76.

1216- وعن سيّد العابدین علیه السلام قال : إنتظار الفرج من أعظم الفرج .(1)

1217- وعن أبي خالد الكابليّ قال : دخلت على سيّدي عليّ بن الحسين زین العابدین علیه السلام فقلت له: يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم، أخبرني بالّذين فرض اللّه عزّ وجلّ طاعتهم ومودّتهم، وأوجب على عباده الإقتداء بهم بعد رسول اللّه .

فقال لي : یا كنكر، إنّ أُولي الأمر الّذين جعلهم اللّه عزّ وجلّ أئمّة للناس، وأوجب عليهم طاعتهم، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، إبنا عليّ بن أبي طالب، ثمّ انتهى الأمر إلينا، ثمّ سكت .

فقلت : يا سيّدي روي لنا عن أمير المؤمنين علیه السلام : أنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه جلّ وعزّ على عباده ، فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال علیه السلام:

إبني محمّد، واسمه في التوراة «باقر»، يبقر العلم بقراً، هو الحجّة والإمام بعدي، ومن بعد محمّد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء «الصادق».

فقلت له : يا سيّدي، فكيف صار اسمه «الصادق» وكلّكم صادقون؟

فقال : حدّثني أبي ، عن أبيه علیه السلام ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام فسمّوه «الصادق»، فإنّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر، يدّعي الإمامة اجتراءً على اللّه عزّ وجلّ وكذباً عليه، فهو عند اللّه جعفر الكذّاب، المفتري على اللّه عزّ وجلّ، والمدّعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه ، والحاسد لاخيه،

ذلك الّذي يروم كشف ستر اللّه عند غيبة وليّ اللّه عزّوجلّ.

ثمّ بكى عليّ بن الحسين علیهماالسلام بكاءً شديداً، ثمّ قال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللّه، والمغيّب في حفظ اللّه ، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته، وحرصاً منه على قتله إن ظفر به، طمعاً في ميراثه حتّى يأخذه بغير حقّه.

ص: 166


1- كمال الدين : 2/ 320 ضمن ح2.

قال أبو خالد: فقلت له: يا بن رسول اللّه، وإنّ ذلك لكائن،

فقال : إي وربّي، إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة الّتي فيها ذكر المحن الّتي تجري علينا بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم.

قال أبو خالد : فقلت : يا بن رسول اللّه، ثمّ يكون ماذا؟

قال علیه السلام : ثمّ تمتدّ الغيبة بوليّ اللّه عزّ وجلّ، الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، والأئمّة بعده.

يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنّ اللّه تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ماصارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين اللّه عزّ وجلّ سرّاً وجهراً .(1)

1218- وفي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) عن كتاب الغيبة لفضل بن شاذان (رحمة اللّه علیه): بإسناده عن المفضّل بن عمر قال :

ذكرنا القائم علیه السلام ، ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبداللّه :

إذا قام أتي المؤمن في قبره، فيقال له: يا هذا إنّه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربّك فأقم.(2)

1219- وفي كمال الدين بإسناده عن الصقر بن أبي دلف، قال :

سمعت أباجعفر محمّد بن عليّ الرضا علیه السلام يقول : إنّ الإمام بعدي إبني عليّ، أمره أمري وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه ، ثمّ سكت.

فقلت له : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فمن الإمام بعد الحسن، فبكى علیه السلام بكاءً شديداً

ص: 167


1- الاحتجاج : 48/2 ، عنه البحار : 387/36 ح 1 و52 / 122 ح4 (قطعة) .
2- غيبة الطوسي : 4558 ح 470، عنه البحار : 91/53 ح98.

ثمّ قال : إنّ من بعد الحسن إبنه القائم بالحقّ المنتظر .

فقلت له : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ولم سمّي القائم؟

قال : لانّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته .

فقلت له : ولم سمّي المنتظر؟ قال : لأنّ له غيبة تكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذّب فيه الوقّاتون، ويهلك فيه المستعجلون، وينجو فيه المسلّمون .(1)

1220- وعن عليّ بن مهزیار، قال :

كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر علیه السلام أسأله عن الفرج،

فكتب إليَّ: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقَّعوا الفرج .(2)

1221- وفي أُصول الكافي : عن أبي بصير، قال:

قلت لأبي عبداللّه علیه السلام جعلت فداك، متى الفرج؟ فقال : يا أبا بصير، وأنت ممّن يريد الدنيا، من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره .(3)

أقول: الظاهر أنّه لمّا كان المقصود من الفرج النصرة للإمام، والجهاد بين يديه، بيّن علیه السلام أنّ هذا المقصد حاصل للشيعة بانتظارهم للفرج، ونبّه على أنّ الحقیق عليهم أن يكون غرضهم من الإنتظار هذا المقصد الاسنی، لا الأصول من الشهوات النفسانيّة، واللذّات الجسمانيّة، كما هو دأب الأكثرين.

وسياتي ما يؤيّد ذلك في المقام الرابع.

1222- وفي البحار: عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : إنتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح اللّه، فإنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ انتظار الفرج .(4)

ص: 168


1- كمال الدين : 378/2 ح 3، عنه البحار : 30/51 ح4.
2- كمال الدين : 2/ 380ح 2، عنه البحار : 159/51 ح2.
3- الكافي : 371/1 ح 2، عنه الوافي : 437/2 ح 7، غيبة النعماني : 330 ح 2، عنه البحار : 142/52 ح 54.
4- الخصال: 616/2-625 الحديث الأربعمائة، عنه البحار: 123/52 ح7.

1223- وعنه علیه السلام قال : الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس،

والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه .(1)

1224. و عن الفيض بن المختار، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه،

قال : ثمّ مكث هنيئة ، ثمّ قال : لا بل كمن قارع معه بسيفه ،

ثمّ قال علیه السلام: لا واللّه كمن استشهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم .(2)

1225- وعن أبي عبداللّه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علیه السلام ، قال :

أفضل عبادة المؤمن إنتظار فرج اللّه .(3)

1226- وفي الكافي: بسند صحيح عن عبداللّه بن المغيرة، قال :

قال محمّد بن عبداللّه للرضا علیه السلام وأنا أسمع : حدّثني أبي، عن أهل بيته ، عن آبائه علیهم السلام، أنّه قيل لبعضهم : إنّ في بلادنا موضع رباط يقال له : قزوین، وعدوّاً يقال له : الديلم، فهل من جهاد أو هل من رباط؟

فقال علیه السلام: عليكم بهذا البيت فحجّوه . فأعاد عليه الحديث،

فقال علیه السلام : عليكم بهذا البيت فحجّوه، أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته ، ينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بدراً، وإن مات منتظراً لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا علیه السلام هكذا في فسطاطه - وجمع بين السبّابتين - ولا أقول هكذا - وجمع بين السبّابة والوسطى - فإنّ هذه أطول من هذه، فقال أبو الحسن علیه السلام: صدق .(4)

أقول: لا تنافي هذه الرواية ما ورد في الأخبار من استحباب المرابطة حتّى في زمان الغيبة، فإنّ الظاهر أنّ غرض السائل الفوز بثواب الرباط والجهاد،

ص: 169


1- الخصال: 2 /616-625 الحديث الأربعمائة ، عنه البحار : 123/52 ح7 .
2- المحاسن: 1/ 174 ح 151، عنه البحار : 126/52 ح18.
3- المحاسن: 291/1 ح 440، عنه البحار : 131/52 ح 33.
4- الكافي : 22/5 ح2 .

فدلّه علیه السلام على الحجّ والإنتظار، فيحصل له ثواب الجهاد والرباط والحجّ، جميعاً، وأمّا الرباط فلا يدرك به ثواب الحجّ.

ويؤيّد ما ذكرناه أنّه علیه السلام قال : عليكم بهذا البيت، إلخ، ولم يقل :

لا ترابطوا، أو لا يجوز، أو لا يحلّ، ونحوها، واللّه العالم(1).

1227- وفي تفسير النعمانيّ (رحمة اللّه علیه): عن أمير المؤمنين علیه السلام قال :

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : يا أبا الحسن، حقيق على اللّه أن يدخل أهل الضلال الجنّة، وإنّما عنى بهذا المؤمنين الّذين قاموا في زمن الفتنة على الائتمام بالإمام، الخفيّ المكان، المستور عن الأعيان، فهم بإمامته مقرّون، وبعروته مستمسكون، ولخروجه منتظرون، موقنون، غیر شاكّین، صابرون مسلّمون، وإنّما ضلّوا عن مكان إمامهم وعن معرفة شخصه.

يدلّ على ذلك أن اللّه تعالى إذا حجب عن عباده عين الشمس الّتي جعلها دليلاً على أوقات الصلاة، فموسّع عليهم تأخير الموقّت، ليتبيّن لهم الوقت بظهورها، ويستيقنوا أنّها قد زالت، فكذلك المنتظر لخروج الإمام، المتمسّك بإمامته موسّع عليه جميع فرائض اللّه الواجبة عليه، مقبولة منه بحدودها، غير خارج عن معنی ما فرض عليه ، فهو صاير محتسب، لا تضرّه غيبة إمامه .(2)

1228- وفي كمال الدين : عن محمّد بن النعمان، قال :

قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : أقرب ما يكون العبد إلى اللّه عزّ وجلّ، وأرضى ما يكون عنه ، إذا افتقدوا حجّة اللّه، فلم يظهر لهم، وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لا تبطل حجج اللّه ولا بيّناته،

فعندها فليتوقّعوا الفرج صباحاً ومساءً، فإنّ أشدّ ما يكون غضباً على أعدائه إذا أفقدهم حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما أفقدهم حجّته طرفة عين .(3)

ص: 170


1- الكافي : 22/5 ح2.
2- تفسير النعماني : 20، عنه البحار : 143/52 ح 61.
3- كمال الدين : 2/ 339 ح 17، عنه البحار : 94/52 ح9.

1229- و عنه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(1) ، فقال : المتّقون شيعة عليّ علیه السلام ، والغيب هو الحجّة الغائب، وشاهد ذلك قول اللّه عزّ وجلّ : (وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(2).(3)

1230- وفي أصول الكافي: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : ما ضرّ من مات منتظراً لأمرنا أن لا يموت في وسط فسطاط المهديّ وعسكره .(4)

1231- وفي رواية عمّار الساباطيّ الآتية إن شاء اللّه تعالى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : أما واللّه يا عمّار لا يموت منكم ميّت على الحال الّتي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند اللّه من كثير من شهداء بدر وأُحد، فابشروا .(5)

1232- وفيه : عن أبي جعفر علیه السلام - في حديث - قال :

واعلموا أنّ المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم، ومن أدرك قائمنا فخرج معه ، فقتل عدوّنا كان له مثل أجر عشرين شهيداً، ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيداً .(6)

1233- وفي مجمع البيان : عن الحارث بن المغيرة، قال :

كنّا عند أبي جعفر علیه السلام ، فقال : العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير ، كمن جاهد واللّه مع قائم آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم بسيفه،

ثمّ قال : بل واللّه كمن جاهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بسيفه،

ثمّ قال الثالثة : بل واللّه كمن استشهد مع رسول اللّه في فسطاطه .(7)

ص: 171


1- البقرة: 1-3.
2- يونس: 20.
3- كمال الدين : 2/ 340 ح20، عنه البحار : 52/51 ح29 وج 124/52 ح10.
4- الكافي : 1/ 372 ح6 ، عنه الوافي : 2/ 436 ح5.
5- الكافي: 1/ 334 ح2 .
6- الكافي : 2/ 222 ضمن ح4، عنه الوافي : 698/5 ح4، والبحار : 73/75 ح 21.
7- مجمع البيان : 238/9 ، عنه البحار : 141/68 ح 85، تقدم ج1 / 601 ح1015.

1234- وفي تفسير البرهان : عن الحسن بن أبي حمزة، عن أبيه قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، قد كبر سنّي، ودقّ عظمي، واقترب أجلي، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت؟ قال : فقال لي:

يا أبا حمزة، من آمن بنا، وصدّق حديثنا، وانتظر أمرنا، كان كمن قتل تحت راية القائم، بل واللّه تحت راية رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم.(1)

1235- وفي كمال الدين : عن المفضّل بن عمر قال :

سمعت الصادق علیه السلام يقول: من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لا بل كان كالضارب بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بالسيف.(2)

1236- وفي البرهان : بإسناده عن مسعدة قال :

كنت عند الصادق علیه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنی، متّكئاً على عصاه، فسلّم فردّ عليه أبو عبداللّه علیه السلام الجواب .

ثمّ قال : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ناولني يدك لأُقبّلها، فأعطاه، فقبّلها ثمّ بكی، ثمّ قال أبو عبداللّه : ما يبكيك يا شيخ؟ فقال : جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر، وهذه السنة، وقد كبر سنّي، ورقّ جلدي، ودقّ عظمي، واقترب أجلي، ولا أرى فيكم ما أحبّ، أراكم مقتولین مشرّدين، وأری أعداءكم يطيرون بالاجنحة، وكيف لا أبكي؟!

فدمعت عينا أبي عبداللّه علیه السلام ، ثمّ قال: يا شيخ إن أبقاك اللّه حتّى تری قائمنا، كنت في السنام الأعلى، وإن حلّت بك المنّية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلی اللّه علیه وآله وسلم، ونحن ثقله،

فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّي مخلف فيكم الثقلين، فتمسّكوا بهما لن تضلّوا: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فقال الشيخ: لا أُبالي بعدما سمعت هذا الخبر .

ص: 172


1- تاويل الآيات: 2/ 665 ح 21، عنه البرهان : 291/5 ح 9، والبحار : 141/68 ح 86.
2- كمال الدين : 238/2 ح 11، عنه البحار : 146/52 ح69.

ثمّ قال علیه السلام : يا شيخ! إعلم أنّ قائمنا يخرج من صلب الحسن العسكري، والحسن يخرج من صلب عليّ، وعليّ يخرج من صلب محمّد، ومحمّد يخرج من صلب عليّ، وعليّ يخرج من صلب موسى إبني هذا - وأشار إلى ابنه موسی - وهذا خرج من صلبي، نحن إثنا عشر كلّنا معصومون مطهّرون، الخبر .(1)

1237- وفي روضة الكافي : بإسناده عن إسحاق بن عمّار قال : حدّثني رجل من أصحابنا، عن الحكم بن عتيبة ، قال : بينا أنا مع أبي جعفر علیه السلام والبيت غاصّ بأهله إذ أقبل شيخ يتوكّا على عنزة (2) له، حتّى وقف على باب البيت،

فقال : السلام عليك يا بن رسول اللّه ورحمة وبركاته، ثمّ سكت،

فقال أبو جعفر علیه السلام : وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته،

ثمّ أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت، وقال : السلام علیكم، ثمّ سكت حتّى أجابه القوم جميعاً، وردّوا علیه السلام.

ثمّ أقبل بوجهه على أبي جعفر علیه السلام ، ثمّ قال : يا بن رسول اللّه، أُدنني منك جعلني اللّه فداك ، فواللّه إنّي لأُحبّكم وأحبّ من يحبّكم، فواللّه ما أحبّكم وأحبّ من يحبّكم لطمع في دنيا، وإنّي لأبغض عدوّكم وأبرأ منه، وواللّه ما أبغضه وابرأ منه لوتر كان بيني وبينه، واللّه إني لأُحلّ حلالكم، وأُحرّم حرامكم، وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني اللّه فداك .

فقال أبو جعفر علیه السلام : إليَّ، إليَّ، حتّى أقعده إلى جنبه، ثمّ قال : أيّها الشيخ، إنّ أبي عليّ بن الحسين علیهماالسلام أتاه رجل فسأله عن مثل الّذي سألتني عنه،

فقال له أبي علیه السلام : إن تمت ترد على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وعلى عليّ، والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ويثلج قلبك، ويبرد فؤادك، وتقرّ عينك ، وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسك هاهنا - وأهوى. بیده إلى حلقه - وإن تعش ترى ما يقرّ اللّه به عينك، وتكون معنا في السنام الأعلى .

ص: 173


1- كفاية الاثر: 264، عنه البرهان : 226/3 ح 1 والبحار: 408/36.
2- عصا في راسها حدید .

قال الشيخ: كيف قلت يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام،

فقال الشيخ: اللّه أكبر يا أباجعفر، إن أنا متّ أرد على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وعلى عليّ، والحسن، والحسين وعليّ بن الحسين، وتقرّ عيني، ويثلج قلبي، ویبرد فؤادي، وأُستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى هاهنا، وإن أعشّ أرى ما يقرّ اللّه به عيني، فأكون معكم في السنام الأعلى .

ثمّ أقبل الشيخ ينتحب، وينشج ها ها ها، حتّى لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون وینشجون لما يرون من حال الشيخ،

وأقبل أبو جعفر علیه السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه (1) وينفضها .

ثمّ رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر علیه السلام : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ناولني يدك جعلني اللّه فداك، فناوله يده فقّبلها، ووضعها على عينيه وخدّه ، ثمّ حسر عن بطنه وصدره، فوضع يده على بطنه وصدره.

ثمّ قام فقال : السلام عليكم، وأقبل أبو جعفر علیه السلام ينظر في قفاه وهو مدبر ثمّ أقبل بوجهه على القوم، فقال : من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا، فقال الحكم بن عتيبة : لم أر مأتماً قطّ يشبه ذلك المجلس .(2)

الثاني: في وجوب انتظار القائم علیه السلام على كلّ أحد

المقام الثاني : في وجوب انتظار القائم علیه السلام على كلّ أحد:

1238- ويدلّ على ذلك، مضافاً إلى بعض ما مرّ، ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمة اللّه علیه) في أصول الكافي : بإسناده عن إسماعيل الجعفي، قال :

دخل رجل على أبي جعفر علیه السلام ومعه صحيفة، فقال له أبو جعفر علیه السلام :

هذه صحيفة مخاصم سأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل، فقال : رحمك اللّه، هذا الّذي أُريد، فقال أبو جعفر علیه السلام : شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وتقرّ بما جاء من عند اللّه، والولاية لنا أهل

ص: 174


1- حملاق العين : باطن أجفانها الّذي يسودها الكحل وجمعه حماليق .
2- الكافي : 76/8 ح30، عنه البحار : 361/46 ح3.

البيت، والبراءة من عدّونا، والتسليم لأمرنا، والورع، والتواضع وانتظار قائمنا، فإنّ لنا دولة، إذا شاء اللّه جاء بها .(1)

1239- وفيه : عن أبي الجارود، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : يا بن رسول اللّه هل تعرف مودّتي لكم، وانقطاعي إليكم، وموالاتي إيّاكم؟ قال : فقال : نعم، قال: فقلت: فانّي أسألك مسألة تجيبني فيها، فإنّي مكفوف البصر، قليل المشي، ولا أستطيع زيارتكم كلّ حين، قال : هات حاجتك ، قلت : أخبرني بدينك الذي تدين اللّه عزّ وجلّ به أنت وأهل بيتك لادين اللّه عزّ وجلّ به .

قال علیه السلام : إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة ، واللّه لأعطينّك دینی ودين آبائي الّذي ندين اللّه عزّ وجلّ به : شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه، والولاية لوليّنا، والبراءة من عدوّنا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والإجتهاد والورع.(2)

1240- وفي النعماني : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، أنّه قال ذات يوم : ألا أخبركم بما لا يقبل اللّه عزّ وجلّ من العباد عملاً إلّا به؟

فقلت: بلى، فقال : شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّداً عبده، والإقرار بما أمر اللّه، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا - يعني الائمّة خاصّة - والتسليم لهم، والورع، والإجتهاد، والطمأنينة، والإنتظار للقائم علیه السلام .

ثمّ قال علیه السلام: إنّ لنا دولة يجيء اللّه بها إذا شاء، ثمّ قال :

من سرّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة .(3)

ص: 175


1- الكافي : 22/2 ح 13، عنه البحار : 2/69 ح 2، وعن أمالي الطوسي : 179 ح 299 .
2- الكافي : 21/2 ح10، عنه البحار : 14/69 ح15.
3- غيبة النعماني : 200 ح16، عنه البحار : 140/52 ح 50، منتخب الاثر : 497 ح9.

أقول: قوله: «يعني الائمّة خاصّة» يحتمل أن يكون من كلام الإمام علیه السلام ويحتمل أن يكون من أبي بصير، ولمّا كان المراد بالولاية جعل الإمام وليّاً له في أُموره، مفروضاً عليه اتّباعه، في وروده و صدوره، بيّن أنّ من تجب ولايته هو الّذي خصّه اللّه عزّ وجلّ بالعصمة والإمامة، لا كلّ من ينتمي برسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وينتسب إليه، وتجب المعاداة لمعاند الإمام سواء كان المعاند من ذرّيّة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أم غيرهم.

1241- وممّا يدلّ على وجوب الإنتظار، ما رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه) في كمال الدين : بإسناده عن عبدالعظیم الحسني ، قال :

دخلت على سيّدي محمّد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، وأنا أُريد أن أسأله عن القائم، هو المهديّ أو غيره، فابتدأني فقال لي: يا أبا القاسم، إنّ القائم منّا هو المهديّ الّذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي .(1)

1442- وفيه : بسندين صحيحين عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

أقرب ما يكون العباد من اللّه عزّ وجلّ، وأرضي ما يكون عنهم إذا فقدوا حجّة اللّه ، فلم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجج اللّه عزّ وجلّ ولا بيّناته ، فعندها فتوقّعوا الفرج صباحاً ومساءً،

وإنّ أشدّ مایكون غضب اللّه على أعدائه إذا افتقدوا حجّته ، فلم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين، ولا يكون ذلك إلّا على رأس شرار الناس .(2)

الثالث: في معنى الإنتظار

المقام الثالث : في معنى الإنتظار المأمور به في تلك الأخبار :

وهو كيفيّة نفسانيّة، ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدّه اليأس، فكلّما كان

ص: 176


1- كمال الدين : 377/2 ح 1، عنه البحار : 156/51 ح1.
2- كمال الدين : 2/ 339 ح16 و17، عنه البحار: 145/52 ح6 وص94 ح9.

الإنتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد، ألا ترى أنّه إذا كان لك مسافر تتوقّع قدومه إزداد تهيؤك لقدومه كلّما قرب حينه، بل ربّما تبدّل رقادك بالسهاد لشدّة الإنتظار، وكما تتفاوت مراتب الإنتظار من هذه الجهة، كذلك تتفاوت مراتبه من حيث حبّك لمن تنتظره، فكلّما اشتدّ الحبّ ازداد التهيّؤ للحبيب، وأوجع فراقه، بحيث يغفل المنتظر عن جميع ما يتعلّق بحفظ نفسه، ولا يشعر بما يصيبه من الآلام الموجعة والشدائد المفظعة.

فالمؤمن المنتظر لقدوم مولاه كلّما اشتدّ انتظاره ازداد جهده في التهيّؤ لذلك بالورع والإجتهاد، وتهذیب نفسه عن الأخلاق الرذيلة، واقتناء الأخلاق الحميدة حتّى يفوز بزيارة مولاه ومشاهدة جماله في زمن غيبته، كما اتّفق ذلك لجمع كثیر من الصالحين الأخبار، ولذلك أمر الأئمّة الطاهرون علیهم السلام فيما سمعت من الروايات وغيرها بتهذيب الصفات، وملازمة الطاعات.

بل رواية أبي بصير السابقة مشعرة أو دالّة على توقّف الفوز بذلك الأجر على العمل بالورع ومحاسن الأخلاق، حيث قال علیه السلام: من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل من أدركه، إلخ. ولا ريب أنّه كلّما اشتد الإنتظار ازداد صاحبه مقاماً وثواباً عند اللّه عزّ وجلّ، جعلنا اللّه تعالی من المخلصين المنتظرين لمولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه .

الرابع : هل يعتبر في الإنتظار قصد القربة أم لا؟ وبيان مایعتبر فيه

المقام الرابع : هل يعتبر في الإنتظار قصد القرية أم لا؟

وتوضيح الحال في المقال موقوف على مقدّمتين:

الأولى: في بيان ما يعتبر فيه النيّة

فنقول: إنّ الأوامر الصادرة من الشارع على ثلاثة أقسام: أحدها :

ما علم انحصار المصلحة فيها في الإتيان بها على وجه التعبّد كالصلاة .

وثانيها : ما علم عدم انحصار المصلحة فيها في الإتيان بها على وجه التعبّد، بل المقصود حصول المأمور به على أيّ وجه اتّفق،

ص: 177

1243- كقوله علیه السلام : اغسل ثوبك من أبوال ما لايؤكل لحمه(1)

إذ نعلم أنّ الغرض انغسال الثوب فقط من دون نظر إلى قصد الغاسل .

وثالثها : ما لم يعلم انحصار المصلحة فيها في الإتيان بها على وجه التعبّد، كزيارة المؤمن، ونحوها.

ولاريب في اعتبار النيّة في القسم الأوّل، لو أخلّ بها لم يسقط عنه التكليف كما أنّه لا ريب في عدم اعتبارها في القسم الثاني،

وأمّا القسم الثالث فإن أتي المكلّف بها بقصد التعبّد استحقّ الثواب، وإن أتى بها من دون قصد التعبّد لم يستوجب الثواب، ولم يستوجب العقاب،

والفرق بين هذا وبين المباحات الّتي يترتب عليها الثواب إذا صدر من المكلّف بقصد الطاعة، أنّ هذا تعلّق به الأمر رأساً، والمباحات الّتي يترتّب عليها الثواب لا يتعلّق بها الأمر رأساً، لأنّ المفروض كونها مباحة، بل يتعلّق بها الأمر لكونها وصلة إلى أمر راجح في الشرع.

المقدّمة الثانية : في بيان المراد من قصد القرية المعتبر في العبادات

فنقول: المراد منها الإتيان بالمأمور به بقصد الإطاعة للّه جلّ شأنه، وامتثال أمره عزّ اسمه ، سواء كان الداعي له إلى قصد الإطاعة أنّه وجده أهلاً لذلك، أم كان الداعي حبّه للّه ، أو الشكر له، أو التقرّب إليه ، أو رجاء الثواب، أو خوف العقاب درجات بعضها فوق بعض، و(كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)(2) ، والدليل على اعتبار النيّة على النحو المذكور في العبادات مذكور في كتب الفقه من الإجماع ، والآيات كقوله تعالى : (لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(3) وغيرها.

1244- والأحاديث منها الصحيح المروي في أصول الكافي : عن سيّد العابدین علیه السلام قال : لأعمل إلّا بنيّة .(4)

ص: 178


1- الكافي : 3/ 75 ح 2.
2- الإسراء : 84.
3- البيّنة: 5.
4- الكافي : 2/ 84 ح 1، عنه البحار : 185/7 ح1، والوسائل : 1/ 33 ح 1.

1245- ومنها : ماروي في الوسائل: بإسناده عن موسی بن جعفر ، عن آبائه علیهم السلام عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في حديث قال : إنّما الأعمال بالنّيات، ولكلّ امرئٍ ما نوى، فمن غزی ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه عزّوجلّ، ومن غزی يرید عرض الدنيا أو نوی عقالاً، لم يكن له إلّا ما نوى .(1)

1246- وفيه: عن الصادق علیه السلام : قال اللّه عزّ وجلّ: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله، إلّا ما كان لي خالصاً،

إلى غير ذلك من الأحاديث المدوّنة في كتب علمائنا رحمهم اللّه .(2)

إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أنّ الأقرب كون الإنتظار المأمور به في الأخبار من القسم الثالث، فحينئذ يتصوّر فيه أقسام :

الأوّل: أن يكون غرض المنتظر إطاعة أمر اللّه، سواء كان الباعث له على الإطاعة رجاء الثواب الموعود أم لا.

الثاني : أن يكون الباعث له على الإنتظار إطاعة الأمر، والفوز بالثواب الدنيوي، أو الأخروي، ويكون قصد الثواب تبعاً، وقصد الإطاعة مستقلاً،

وهذان القسمان يوجبان الفوز بجميع ما ورد في الروايات من المثوبات والعطيّات، وينبغي للمؤمن أن يختار القسم الأوّل،

بل يختار أعلى أصنافه الّتي أشرنا إليها.

والقسم الثالث : أن يكون الإنتظار بقصد الفوز بالمثوبات، والمواهب الأخرويّة أو الدنيويّة، لعلمه باجتماع لوازم التعيّش، وطول العمر، وسعة الرزق وازدياد النعم وانكشاف الهمّ والغمّ والالم، في زمان ظهور مولانا صلوات اللّه عليه بحيث لايريد بانتظاره سوى ذلك،

ولا يكون له نظر إلّا الإطاعة لأمر اللّه.

ص: 179


1- أمالي الطوسي :. 618 ح10، عنه البحار : 212/70 ح38، والوسائل: 1/ 34 ح10.
2- الكافي : 2/ 295 ح 9، عنه البحار : 243/70 ح 15، والوسائل: 1/ 44 ح9.

القسم الرابع: عكس القسم الثاني، والظاهر أنّه لا يستحقّ الثواب الموعود في الروايات - في هذين القسمين - لأنّ استحقاق الثواب بالعبادة موقوف على قصد الإطاعة، كما سمعت في صريح الرواية .

والمفروض أنّه لم يأت بالمأمور به تعبّداً، فليس انتظاره عبادة، وكما لا يستحقّ الثواب ، كذلك لا يستحقّ العقاب أيضاً، لأنّا لم نعلم إنحصار المصلحة فيه في الإتيان به بقصد التعبّد فقط، بل الظاهر من الممارسة في أخبار المقام أنّ الغرض أن لا ييأس المؤمن من ظهور الإمام عليه الصلاة والسلام.

ولذلك قال أمير المؤمنین علیه السلام في الحديث الّذي قدّمناه في المقام الأوّل :

انتظروا الفرج، ولاتيأسوا من روح اللّه ... إلخ،

فإنّ الظاهر أنّ قوله : لا تيأسوا، بیان لأوّل درجات الإنتظار،

ويومئ إلى ذلك أيضاً كلام مولانا الصادق علیه السلام في رواية أبي بصير السابقة : يا أبا بصير، وأنت ممّن يريد الدنيا ... إلخ (1)، معترضاً عليه بهذا القول، يعني إنّ الحقيقة على مثلك أن يكون منصرفاً عن إرادة النيل باللذات الدنيويّة بانتظار الفرج، وهذا البيان يدلّ على ما ذكرنا من عدم استحقاق العقاب لو كان همّه مقصوراً على نيل الثواب ، ونظير ذلك كثير في الأعمال، كزيارة المؤمن، وعيادة المريض، وتشييع الجنائز، وقضاء حوائج الإخوان وغيرها، إذ لم يقل أحد بأنّ المؤمن إذا قضى حاجة لاخيه المؤمن لم يقصد بذلك التعبّد يستوجب عقاباً بهذا العمل، نعم، استحقاق الثواب في هذا ونحوه موقوف على قصد التعبّد، كما نبّهنا عليه ، فتدبّر .

فإن قلت : يمكن القول بوجوب قصد التقرّب في الإنتظار وحرمة خلافه ،

1247- نظراً إلى الحديث المرويّ في تحف العقول عن المفضّل بن عمر (رحمة اللّه علیه) عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : إفترق الناس فينا على ثلاث فرق:

ص: 180


1- تقدّم ص168 ح 1221.

فرقة احبّونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا، فقالوا، وحفظوا كلامنا، وقصّروا عن فعلنا فسيحشرهم اللّه إلى النار، الخبر . (1)

قلت : هذه صفة المنافقين، الّذين أظهروا حبّ أهل البيت بألسنتهم، وتأبی قلوبهم، وما ذكرناه ظاهر من قوله علیه السلام : فقالوا إلى آخره، فالمقصود واللّه العالم، أنّ هؤلاء المنافقين أظهروا حبّنا بألسنتهم، ليصيبوا أغراضهم الدنيّة الدنيويّة إذا ظهر القائم بالسيف من أهل البيت، وفعلهم مخالف لقولهم، وهذا دلیل نفاقهم، ومصيرهم إلى النار.

1248- وهم الّذين ورد في بعض الروايات، أنّ القائم عجّل اللّه تعالی فرجه يأمر بضرب أعناقهم حال كونهم واقفين عنده، واللّه العالم.

الخامس: في بيان حكم ضدّ الإنتظار، وأقسام اليأس

المقام الخامس: في بيان حكم ضدّ الإنتظار وهو اليأس،

فنقول: إنّه يتصوّر على أقسام :

الأوّل: اليأس من أصل ظهور القائم بالكليّة، ولا شبهة في حرمة ذلك اتّفاقاً، لأنّ ظهور القائم وقيامه من ضروریّات مذهب الإماميّة بأجمعهم، بل يحتمل أن يكون أصل ظهور القائم من ضروریّات دین الإسلام،

لأنّ الأحاديث فيه متواترة عن خير الأنام من طرق الخاصّ والعامّ، بل اعتراف علمائهم بهذا المرام، وإنّما الخلاف في تعيين شخصه ووجوده فعلاً، في قبال العامّة القائلين بأنّه سيوجد، فإنكاره بالكليّة تكذيب للنبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم

ويشهد لما ذكرنا ما حكاه المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) عن ابن أبي الحديد الّذي هو من أعيان علماء العامّة، أنّه قال : قد وقع اتّفاق الفرق من المسلمين على أنّ الدنيا والتكليف لا ينقضي إلّا على المهديّ، إنتهی .(2)

القسم الثاني: اليأس من ظهور القائم علیه السلام في مدّة معيّنة بحسب الحدسیّات

ص: 181


1- تحف العقول: 514، عنه البحار : 382/78 ضمن ح1 .
2- شرح النهج: 96/10 ، عنه البحار : 114/51 .

والوهميّات، بأن يقال مثلاً: إنّ القائم صلوات اللّه عليه لايظهر إلى خمسين سنة، ولازم ذلك عدم الانتظار في تلك المدّة، والظاهر من ملاحظة الأحاديث الآمرة بالإنتظار في كلّ صباح ومساء حرمة هذا القسم من اليأس،

لظهور الأمر في الوجوب، وترك الواحب محرّم قطعاً.

وأمّا الأحاديث الدالّة على المطلوب فقد مرّ جملة منها.

ومنها : رواية حمّاد بن عثمان المرويّة في الإقبال، عن الصادق علیه السلام قال :

وتوقّع أمر صاحبك ليلك ونهارك، فإنّ اللّه كلّ يوم في شأن، لا يشغله شأن عن شان، الخبر (1) وقد مرّ في الباب السادس(2).

1249- ومنها أيضاً : ما في البحار في حديث عن المفضّل، عن الصادق علیه السلام قال : أقرب ما يكون العباد إلى اللّه عزّ وجلّ، وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة اللّه فلم يظهر لهم، ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة اللّه ، فعندها فتوقّعوا الفرج كلّ صباح ومساء، الخبر .(3)

1250- ومنها : ماروي فيه أيضاً عن القمّيّ - في حديث - رواه عن أبيه، عن محمّد بن الفضيل، عن أبيه، عن أبي جعفر علیه السلام، إلى أن قال :

قلت : جعلت فداك، فمتى يكون ذلك؟

قال : أما إنّه لم يوقّت لنا فيه وقت، ولكن إذا حدّثناكم بشيء فكان كما نقول فقولوا: صدق اللّه ورسوله، وإن كان بخلاف ذلك، فقولوا: صدق اللّه ورسوله تؤجروا مرّتين، ولكن إذا اشتدّت الحاجة والفاقة، وأنكر الناس بعضهم بعضاً، فعند ذلك توقّعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً.

قلت : جُعلت فداك، والحاجة والفاقة قد عرفناها، فما إنكار الناس بعضهم بعضاً؟ قال: يأتي الرجل أخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الّذي كان يلقاه فيه ،

ص: 182


1- الإقبال : 368/1 .
2- تقدّم ص 57 ح1097.
3- كمال الدين : 2/ 339 ح16، عنه البحار : 145/51 ح67 .

ويكلّمه بغير الكلام الّذي كان يكلّمه .(1)

أقول: المقصود من توقّع الفرج صباحاً ومساءً، هو الإنتظار للفرج الموعود في كلّ وقت يمكن فيه وقوع هذا الأمر المسعود، ولا ريب في إمكان وقوع ذلك في جميع الشهور والأعوام، بمقتضى أمر المدبّر العلّام، فيجب الإنتظار له على الخاصّ والعامّ، ومنها الأحاديث المستفيضة الناهية عن التوقيت للظهور ، وسنذكرها في طيّ تلك الأمور، لأنّ مقتضى نفي الظهور في مدّة معيّنة من الأعوام والشهور هو التوقيت بمضيّ هذا المقدار من الدهور،

وهو محرّم بنصّ الأخبار الواردة عن الأئمّة الصدور، ويشهد لما ذكرناه ويؤيّده، طوائف من الأخبار المرويّة عن الصادقين الأطهار .

منها: ما دلّ على كون وقت ظهوره من الأمور البدائيّة القابلة للتقديم والتأخير بمقتضى حكمة العالم الخبير، كما أشار إليه مولانا الصادق علیه السلام في رواية حمّاد بن عثمان السابقة

وقد مرّ ما يدل على ذلك من الأحاديث اللائقة .

ومنها : الأحاديث الآمرة بإعداد السلاح، والمرابطة الدائمة، بحسب الحكمة اللازمة ، إذ الأمر بذلك مع اليأس عن الظهور في مدّة معيّنة لغو، لانّ ذلك ونحوه من آثار الإنتظار المأمور به في الأخبار .

1251- ومنها ما في أصول الكافي بإسناده في حديث أنّه قال يقطين لابنه عليّ بن يقطين : ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟! قال :

فقال له عليّ : إنّ الّذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد، غير أنّ أمركم حضر فأُعطيتم محضه فكان كما قيل لكم، وإنّ أمرنا لم يحضر، فعلّلنا بالأماني، فلو قيل لنا: إنّ هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة، أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجع عامّة الناس عن الإسلام، ولكن قالوا ما أسرعه، وما

ص: 183


1- تفسير القمّيّ: 311/1 ، عنه البحار : 52/ 184 ح 9.

أقربه! تألّفاً لقلوب الناس، وتقريباً للفرج.

وروي في البحار عن غيبتي النعماني والطوسي مثله .(1)

1252- وعن العلل بإسناده - يرفعه - إلى عليّ بن يقطين، قال: قلت لابي الحسن موسى علیه السلام : ما بال ماروي فيكم من الملاحم ليس كما روي، وما روي في أعادیكم قد صحّ؟ فقال علیه السلام : إنّ الّذي خرج في أعدائنا كان من الحقّ، فكان كما قيل، وأنتم علّلتم بالأمانيّ، فخرج إليكم كما خرج .(2)

1253- ومنها ما في غيبة النعماني (رحمة اللّه علیه) مسنداً عن أبي المرهف، عن الصادق علیه السلام قال : هلكت المحاضر ، قال: قلت: وما المحاضير؟

قال علیه السلام : المستعجلون، ونجا المقرّبون، الخبر .(3)

1254- وفيه أيضاً : مسنداً عن أبي جعفر الباقر علیه السلام

قال علیه السلام : هلك أصحاب المحاضير ، ونجا المقرّبون، إلخ.

لانّ الظاهر كون «المقرّبون»- بكسر الراء - يعني المؤمنون المنتظرين، الّذين يرون ظهوره علیه السلام قريباً وينتظرونه دائماً . (4)

1255- ويؤيّده ما رود في دعاء العهد المرويّ عن الصادق علیه السلام :

«إنّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً» .(5)

ومنها : أنّ من جملة حكم إخفاء وقت ظهوره علیه السلام أن يكون المؤمنون منتظرين له في عامّة أوقاتهم، وجميع سنواتهم، كما أُشير إليه في حديث ابن يقطين، فتدبّر .

ص: 184


1- الكافي : 369/1 ح6، غيبة النعماني : 295 ، غيبة الطوسي: 341 ح292، عنهما البحار : 102/52
2- علل الشرائع: 581، عنه البحار : 111/52 ح18.
3- غيبة النعماني : 196 ح5، عنه البحار : 138/52 ح 43.
4- غيبة النعماني : 198 ح10، عنه البحار : 52/ 139 ح47.
5- مصباح الزائر : 455، عنه البحار : 111/102 س 3.

ومنها: ما دلّ على كون ظهوره صلوات اللّه عليه هو الساعة الّتي يختصّ العلم بوقتها باللّه جلّ جلاله، كما مرّ.

1256- ومنها: ما دلّ على كون ظهوره علیه السلام بغتة، كقوله علیه السلام في التوقيع المرويّ في الإحتجاج: فإنّ أمرنا يبعثه فجأة حين لا تنفعه توبة، إلخ.(1)

1257- والنبويّ : المهديّ منّا أهل البيت يصلح اللّه له أمره في ليلة .(2)

1258- والنبويّ الآخر: إنّه يقبل كالشهاب الثاقب.(3)

1259- والنبويّ الآخر المرويّ - في حديث عن الرضا علیه السلام في كمال الدين :

أنّ النبيّ علیه السلام قيل له : يا رسول اللّه، متى يخرج القائم من ذرّيّتك؟

فقال علیه السلام : مثله مثل الساعة الّتي (لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً)(4).(5)

1260- وفي أصول الكافي : عن أبي الحسن الثالث علیه السلام قال :

إذا رفع علمكم من بين أظهركم، فتوقعّوا الفرج من تحت أقدامكم.(6)

أقول: الظاهر أنّ قوله علیه السلام: فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم، كناية عن ظهوره بغتة، فيجب انتظاره زمان غیبته في كلّ حال يحتمل ظهوره بالنصر والإقبال، فإن قلت: إن ظهوره علیه السلام بغتة ينافي ما ورد في الأحاديث المستفيضة ، بل المتواترة (معنی) من أنّ له علامات محتومة لجميع الناس معلومة كالسفيانيّ والصيحة السماويّة وقتل النفس الزكيّة . قلت : أوّلاً : إنّ إنتظار لوازم ظهوره إنتظار له في الحقيقة، فإذا علمت صدقاً أنّ ظهوره يقع بعد ظهور علاماته ، لاجرم تكون منتظراً لظهور تلك العلائم لكونها آية ظهور القائم.

ص: 185


1- الاحتجاج: 324/2 .
2- كمال الدين : 152/1 ح15، عنه البحار : 280/52 ح 7.
3- كمال الدين : 287 ح4، عنه البحار : 72/51 ح16.
4- الأعراف: 187.
5- كمال الدين : 373 ح6، عنه البحار : 154/51 ح4.
6- الكافي : 341/1 ح 24،عنه الوافي : 2/ 465 ح 21، غيبة النعماني: 187 ح 39، عنه البحار : 155/51 ح8.

والحاصل، أنّ الإنتظار المأمور به في الأخبار هو انتظار مولاك بما يكون له من العلائم والآثار، وهذا واضح على أهل الإعتبار،

ونضرب لك مثلاً في هذا المقام حتّى يتضح المرام، فنقول: إذا وعدك سلطان مقتدر بنزول منزلك في يوم من الأُسبوع، ألست تتوقّع نزوله بإعداد تشریف مجموع، وتزیین مطبوع و فرش مرفوع وأثاث موضوع من ابتداء ذلك الأُسبوع، بحيث لو نزل بك في كلّ من تلك الأيّام كنت عاملاً بموجبات الإحترام، غير معدود في أهل الآثام؟! مع أنّك تعلم قطعاً بأنّ لنزوله امارات معلنة وعلامات مبيّنة، لكن لمّا كان ظهور تلك العلامات غیر منفكّ عن نزوله ، كنت منتظراً له بجميع ما يتقدّمه من اللوازم على حصوله.

وثانياً : أنّ الظاهر من عدّة من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام وقوع تلك الآثار بأجمعها في سنة واحدة، فيجب أن يكون المؤمن المنتظر مستعدّاً لظهور مولاه في كلّ سنة، لاحتمال وقوع هذا الأمر في تلك السنة، بل الظاهر من روايات عديدة كون ظهوره ووقوع تلك العلائم متقاربة.

1261- أمّا السفيانيّ، ففي البحار : عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين علیهماالسلام أنّه قال في بيان علامات ظهور القائم : يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له : «عوف السلميّ»، بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكریت، وقتله بمسجد دمشق، ثمّ يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند.

ثمّ يخرج السفيانيّ الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفيانيّ اختفى المهديّ علیه السلام ثمّ يخرج بعد ذلك .(1)

أقول: يستفاد من هذا الحديث كون ظهور القائم علیه السلام مقارناً لخروج السفيانيّ أو قريباً منه، وذلك لا ينافي ما ورد في روايات عديدة من كون مدّة ملك السفيانيّ ثمانية أشهر، وكون خروج السفياني قبل قيام القائم علیه السلام لأنّ

ص: 186


1- غيبة الطوسي : 443 ح 437، عنه البحار 213/53 ح 65.

المراد بقيام القائم علیه السلام فيها خروجه جهاراً علناً في بيت اللّه الحرام، وظهوره للخاصّ والعامّ، إذ قد وردت روایات دالّة بأنّ له ظهورات متعدّدة قبل هذا الظهور التامّ، الكاشف للظلام، المنكشف لجميع الأنام، كما أشرنا إليه سابقاً في غير هذا المقام.

1262- وأمّا قتل النفس الزكيّة، ففي كمال الدين عن الصادق علیه السلام أنّه قال : ليس بين قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلّا خمسة عشر ليلة .(1)

وأمّا الصيحة السماويّة فهي من العلائم المقارنات، كما يظهر من ملاحظة الروايات(2) وما ذكرنا كافٍ لأهل الدرايات.

القسم الثالث : اليأس من قرب زمان فرجه وظهوره عليه الصلاة والسلام بمعنی نفي احتمال قرب ذلك كما هو حال بعض أهل زماننا، أولئك الّذين يبنون عقائدهم على الحدس والتخمين، والظاهر من الأدلّة حرمة هذا أيضاً، لِعين ما سمعت من الأدلّة الّتي ذكرناها في القسم الثاني،

فإنّ المستفاد من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، أنّه إنّما أُخفي عن المؤمنين وقت الظهور ليكونوا منتظرين له في جميع الأزمنة والدهور، وإن كان لذلك حكم آخر أيضاً، واللّه هو العالم بحقائق الأمور.

6- إظهار الشوق إلى لقائه علیه السلام

الأمر السادس : إظهار الشوق إلى لقائه

وهو من علائم أحبّائه وأهل ولائه، ولا ريب في رجحانه واستحبابه، لورود ذلك في الأدعية المرويّة لجنابه، ونعم ما قيل:

قلبي إليك من الأشواق محترق *** ودمع عيني من الآماق مندفق

الشوق يحرقني والدمع يغرقني *** فهل رأيت غريقاً وهو محترق

ص: 187


1- كمال الدين : 649/2 ح2، عنه البحار : 203/52 ح 30.
2- كمال الدين : 331/1 ح16، عنه البحار : 192/52 ح 24.

ويدلّ على المقصود أنّ مولانا أمير المؤمنين علیه السلام كان يظهر الشوق إلى رؤيته كما عرفت في الحديث المرويّ عنه في وصف المهديّ علیه السلام في حرف العين المهملة ، حيث قال - بعد أن بيّن جملة من صفاته وعلاماته، وأمر ببيعته وإجابة دعوته -: «هاه» وأومی بيده إلى صدره - شوقاً إلى رؤيته -

وقد مرّ الخبر بطوله في علمه صلوات اللّه عليه .(1)

1263- ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً ما روي في البحار، عن كتاب المزار الكبير، بإسناده عن أحمد بن إبراهيم، قال : شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان شوقي إلى رؤية مولانا علیه السلام ، فقال لي: مع الشوق تشتهي أن تراه؟ فقلت له: نعم، فقال لي : شكر اللّه لك شوقك، وأراك وجهه في يسر وعافية، لا تلتمس يا أبا عبد اللّه أن تراه ، فإنّ أيّام الغيبة تشتاق إليه، ولا تسال الإجتماع معه ، إنّها عزائم اللّه، والتسليم لها أولی، ولكن توجّه إليه بالزيارة، الخبر .(2)

أقول : حسن الشوق إليه أمر واضح لا سترة فيه، لأن ذلك من لوازم المحبّة الّتي لا تنفكّ عن الأحبّة، وقوله : شكر اللّه لك شوقك، فيه إيماء إلى ما يترتّب على ذلك من الثواب الجميل، كما يدلّ عليه قول الصادق علیه السلام في الحديث الآتي مع ما فيه من التبجيل والتجليل.

وأمّا قوله : لاتلتمس يا أبا عبداللّه أن تراه ، إلخ، فالمراد رؤيته بنحو الأئمّة السابقين صلوات اللّه عليهم أجمعين، يعني رؤيته في كلّ وقت يراد لنيل هذا المراد،

وأمّا طلب رؤيته مطلقاً فهو أمر غير ممنوع، بل هو من وطائف أهل العمل المشروع، وفوزهم بذلك ليس بنادر الوقوع.

ويشهد لما دللنا عليه قوله : فإنّ أیّام الغيبة تشتاق إليه، ولا تسأل الإجتماع معه ، إنّه عزائم اللّه، إلخ، إذ لو كانت رؤيته والإجتماع معه ولو في بعض الأحيان من عزائم اللّه في صاحب الزمان لم يتّفق ذلك لاحد من أهل الإيمان وهذا

ص: 188


1- تقدّم ج165/1 ح 266.
2- المزار الكبير : 585 ح3، عنه البحار : 97/102 .

مخالف للعيان، لأنّ الروايات والحكايات في الفائزين بهذا المرام من المؤمنين يوجب اليقين لأهل اليقين . ثمّ لا يخفى أنّ قوله: تشتاق إليه ، جملة خبريّة في مقام الإنشاء، مفادها الأمر بالشوق إليه صلوات اللّه وسلامه عليه .

1264- ويدلّ على فضل الشوق إليه لأهل الإخلاص ما روي في البحار، عن الإختصاص: بإسناده عن محمّد بن مسلم قال :

خرجت إلى المدينة وأنا وجع، ثقيل، فقيل له : محمّد بن مسلم وجع فأرسل إلىَّ أبو جعفر بشراب مع الغلام مغطّى بمنديل، فناولنيه الغلام، وقال لي: اشربه، فإنّه قد أمرني أن لا أرجع حتّى تشربه ، فتناولت فإذا رائحة المسك منه وإذا شراب طيّب الطعم بارد، فلمّا شربته قال لي الغلام: يقول لك إذا شربت فتعال، ففكّرت فيما قال لي، ولا أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي فلمّا استقرّ الشراب في جوفي فكأنّما أُنشطت من عقال، فأتيت بابه ، فاستأذنت عليه فصوّت بي: صحيح الجسم أُدخل، فدخلت، وأنا باك ، فسلّمت وقبّلت يده ورأسه ، فقال لي: وما يبكيك يا محمّد، فقلت: جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقّة وقلّة المقدرة على المقام عندك، والنظر إليك.

فقال علیه السلام لي: أمّا قلّة المقدرة فكذلك جعل اللّه أولياءنا واهل مودّتنا، وجعل البلاء إليهم سريعاً، وأمّا ماذكرت من الغربة فلك بأبي عبداللّه أُسوة بأرض ناء عنّا بالفرات، وأمّا ما ذكرت من بعد الشقّة فإنّ المؤمن في هذه الدنيا غریب، وفي هذا الخلق منكوس، حتّى يخرج من هذه الدار إلى رحمة اللّه،

وأمّا ما ذكرت من حبّك قربنا والنظر إلينا وأنّك لاتقدر على ذلك، فاللّه يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه .(1)

أقول: رواه في المزار عن كامل الزيارة، مع زيادات فيه متعلّقة بفضل التربة المباركة الحسينيّة صلوات اللّه وسلامه عليه .(2)

ص: 189


1- الاختصاص: 52، عنه البحار : 46/ 333 ح18.
2- كامل الزيارات : 462 ح7.

7- ذكر فضائله ومناقبه علیه السلام

الأمر السابع: ذكر فضائله ومناقبه

ويدلّ على استحباب ذلك جميع الأخبار الواردة في الحثّ على ذكر فضائل الأئمّة الطاهرين علیهم السلام .

1265- فمنها ما روي في أُصول الكافي : عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

إنّ من الملائكة الّذين في السماء ليطّلعون إلى الواحد والاثنين والثلاثة ، وهم يذكرون فضل آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، قال : فتقول: أما ترون إلى هؤلاء في قلّتهم وكثرة عدوّهم يصفون فضل آل محمّد؟ قال : فتقول الطائفة الأُخرى من الملائكة : (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(1).(2)

1266- وفيه : بإسناده عن ميسر، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال لي:

أتخلون وتتحدّثون وتقولون ماشئتم؟

فقلت : إي واللّه، إنّا لنخلو ونتحدّث ونقول ماشئنا، فقال علیه السلام: أما واللّه لوددت أنّي معكم في بعض تلك المواطن، أما واللّه إنّي لأُحبّ ریحكم وأرواحكم، وإنّكم على دين اللّه ودين ملائكته، فأعينوا بورع واجتهاد.(3)

1267- وفيه : عن أبي الحسن - يعني موسى علیه السلام - يقول : ليس شيء أنكی(4) لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في اللّه بعضهم لبعض.

قال : وإنّ المؤمنين يلتقيان فيذكران اللّه، ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت، فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلّا تخدّد (5) حتّى أن روحه تستغيث من شدّة ما يجد من الألم، فتحسّ ملائكة السماء وخزّان الجنان فيلعنونه، حتّى لا يبقى ملك مقرّب إلّا لعنه ، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً .(6)

ص: 190


1- الحديد: 21.
2- الكافي : 187/2 ح4، عنه البحار : 260/74 ح 58 ، والوافي : 650/5 ح4.
3- الكافي : 187/2 ح5، عنه البحار : 260/74 ح 59.
4- أي أوجع وأضرّ.
5- أي تشقّق، يقال : تخدّد لحمه أي هزل ونقص.
6- الكافي : 2/ 188ح7.

1268- ويدلّ على المقصود أيضاً ما ورد في مكافأة من أحسن إليك بالذكر الجميل، كقول مولانا سیّد العابدين في رسالة الحقوق المرويّة في المكارم وتحف العقول وغيرهما، قال :

وأمّا حقّ ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتنشر له المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين اللّه سبحانه، فإنّك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانية، ثمّ إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته، وإلّا كنت مرصداً له، موطناً نفسك عليها .(1)

هذا وقد أسمعناك نبذة من حقوقه علينا ومراحمه إلينا، في الباب الثالث والرابع من هذا الكتاب المبارك، فإن أردتها فاطلبها هنالك، لشرح صدرك وإصلاح حالك،

ويدلّ على المقصود أيضاً ماذكرناه في شواهد الحثّ على التحبيب،

وما يأتي إن شاء اللّه في فضل دعوة الناس إلى هذا الحبيب .

ويشهد لذلك أيضاً ما يأتي من الروايات الآمرة بإظهار العالم علمه عند ظهور البدع، ويشهد له أيضاً جميع ما ورد في الترغيب والحثّ على ذكر اللّه تعالى، فإنّ ذكرهم من ذكر اللّه، كما ورد في الرواية،

وسيأتي في الأمر التاسع إن شاء اللّه .(2)

8- الحزن في فراقه

الأمر الثامن : أن يكون المؤمن محزوناً مهموماً لفراقه

وهذا من علائم حبه واشتياقه، وفي الديوان المنسوب إلى سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في بيان دلائل المحبّة الصادقة :

ومن الدلائل أن يرى من شوقه *** مثل السقيم وفي الفؤاد غلائل

ص: 191


1- تحف العقول : 265 ح 27، المكارم: 302/2 .
2- يأتي ح 1275.

ومن الدلائل أن يرى من أُنسه *** مستوحشاً من كلّ ما هو شاغل

ومن الدلائل ضحكه بين الورى *** والقلب محزون كقلب الثاكل

والدليل على أنّ ذلك من علامات أهل الإيمان، وكونه في أعلى مراتب الحسن والرجحان، كثير من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار :

فمنها: ما ورد أنّ من علامات الشيعة أن يكون محزوناً في حزن الأئمّة علیهم السلام

ولا ريب في أنّ غيبة مولانا الحجّة، وما يرد عليه وعلى شيعته من أسباب الحزن والمحنة، من أعظم ما يكون سبباً لحزن الأئمّة كما يتبيّن لك بالحديث الآتي في فضل البكاء لفرقته وطول غيبته إن شاء اللّه تعالى .(1)

1269- ومنها : ما في كمال الدين : بإسناده عن مولانا أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : كم من حرّى(2) مؤمنة، وكم من مؤمن متأسّف حيران حزين، عند فقدان الماء المعين، الخبر .(3)

1270- ومنها ما روي في الكافي : عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال :

نَفَسُ المهموم لنا، المغتمّ لظلمنا تسبیح، وهمّه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرّنا جهاد في سبيل اللّه، قال لي محمّد بن سعيد «أحد رواة الحديث»:

اكتب هذا بالذهب، فما كتبت شيئاً أحسن منه .(4)

ومنها : ما مرّ في صدر الباب الرابع في حديث ابن أبي يعفور (5) الظاهر منه أنّ أحد حقوق المؤمن على المؤمن أن يحزن لحزنه، إذ لا ريب في ثبوت هذا الحقّ لمولانا صاحب الزمان على جميع أهل الإيمان بالاولويّة القطعيّة.

1271- ومنها ما في ثالث البحار : عن مسمع بن كردین ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

ص: 192


1- يأتي ص203 ح 1301.
2- الحرة : العطش، فالرجل: حران، والمرءة : حرّي .
3- كمال الدين : 2/ 371ح3، عیون أخبار الرضا: 6/2 ح14، عنهما البحار: 152/51 ح 3.
4- الكافي : 226/2 ح 16، عنه الوافي : 704/5 ح16، والبحار : 75/ 83 ح 32.
5- تقدّم ج88/1 ح 56.

قال : وإنّ الموجع قلبه لنا، ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لاتزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه .

یا مسمع، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستق بعدها أبداً، وهو في برد الكافور، وريح المسك، وطعم زنجبیل، أحلى من العسل، والين من الزبد ، وأصفى من الدمع، وأزكى من العنبر، يخرج من تسنيم ويمرّ بأنهار الجنان تجري على رضراض (1) الدرّ والياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذهب والفضّة ، والوان الجوهر، يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتّى يقول الشارب منه : ليتني تركت هاهنا، لا أبغي بهذا بدلاً ولا عنه تحويلاً،

أما إنّك يابن كردین ممّن تروی منه.

وما من عين بكت لنا إلّا نعمت بالنظر إلى الكوثر، وسقيت منه من أحبّنا، وأنّ الشارب منه ليعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا، إلى آخر الخبر .(2)

9- الحضور في مجالس ذكر فضائله علیه السلام

الأمر التاسع : الحضور والجلوس في المجالس الّتي تذكر فيها فضائله ومناقبه وما يتعلّق به

ويدلّ على ذلك - مضافاً إلى أنّه من لوازم المحبّة وعلائمها، وأنّه من الخيرات الّتي أمرنا بالإستباق إليها، قال اللّه : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (3) -

1272- قول مولانا الرضا علیه السلام في الحديث المرويّ في عاشر البحار :

من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .(4)

ص: 193


1- الحصا أو صغارها .
2- كامل الزيارات : 204ح7، عنه البحار : 22/8 ح 17 و 289/44 ح31
3- البقرة : 148.
4- أمالي الصدوق : 131 ح ، عنه البحار : 44/ 278 ح 1.

1273- ويدلّ عليه أيضاً قول الصادق علیه السلام لفضيل - في الحديث المرويّ في البحار وغيره -: أتجلسون وتحدّثون؟ قال فضيل : نعم جعلت فداك،

قال علیه السلام : إنّ تلك المجالس أُحبّها، فأحيوا أمرنا یا فضیل، فرحم اللّه من أحيی أمرنا .(1)

1274- ويشهد لما ذكرنا أيضاً جميع ما ورد في الحثّ والترغيب على الحضور في مجالس الذكر ، كقول النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : إرتعوا في رياض الجنّة ، قالوا: يا رسول اللّه، وما ریاض الجنّة؟ قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : مجالس الذكر، الخبر .(2)

1275۔ وقوله في حديث آخر : إنّ اللّه يغفر لمن يجلس في مجلس الذاكرین ويؤمنه ممّا يخافه، فتقول الملائكة : إنّ فيهم فلاناً وإنّه لم يذكرك، فيقول اللّه : قد غفرت له بمجالسته لهم، فإنّ الذاكرين من لا يشقى بهم جليسهم.(3)

ووجه الإستشهاد، أنّ ذكره وذكر آبائه علیهم السلام ذكر اللّه عزّ وجلّ:

1276- لما رواه الشيخ محمّد بن یعقوب (رحمة اللّه علیه) في الكافي : عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا اللّه عزّوجلّ ولم يذكرونا إلّا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة ، ثمّ قال أبو جعفر علیه السلام :

إنّ ذكرنا من ذكر اللّه، وذكر عدوّنا من ذكر الشيطان .(4)

1277 - ويدلّ على المقصود أيضاً ما روي في الوسائل وغيره: عن عبّاد بن كثير ، قال : قلت لأبي عبداللّه : إنّي مررت بقاصّ يقصّ وهو يقول:

هذا المجلس لا يشقى به جلیس، قال : فقال أبو عبداللّه علیه السلام :

هيهات هيهات، أخطأت أُستاهم الحفرة (5) إنّ للّه ملائكة سيّاحين، سوی الكرام الكاتبين، فإذا مرّوا بقوم يذكرون محمّد وآل محمّد، قالوا:

ص: 194


1- قرب الاسناد : 18، عنه البحار : 282/44 ح 14.
2- عدّة الداعي : 291 ح 17 و 294 س10
3- عدّة الداعي : 291 ح 17 و 294 س10
4- الكافي : 496/2 ح2، عدّة الداعي : 294.
5- هذا كناية عن الخطأ في الكلام كما يخطئ المتغوّط على جانب الحفرة لا في داخلها، وفيه تشبيه لكلامهم بأقذر الأشياء.

قفوا فيجلسون فيتفقّهون معهم، فإذا قاموا عادوا مرضاهم وشهدوا جنائزهم وتعاهدوا غائبهم، فذلك المجلس الّذي لا يشقی به جلیس، إنتهى .(1)

هذا مضافاً إلى أنّ الجلوس في تلك المجالس تكثير لسواد المحبّين والأنصار، وهو محبوب عند الخالق الجبّار والأئمّة الأبرار،

كما أنّ تكثير سواد المعاندين والأشرار، مبغوض عندهم .

1278- يدلّ عليه ما في البحار من المناقب : سأل عبداللّه بن رباح القاضي الأعمى عن عمائه؟ فقال : كنت حضرت كربلاء وما قاتلت، فنمت، فرأيت شخصاً هائلاً قال لي : أجب رسول اللّه، فقلت : لا أُطيق،

فجرّني إلى رسول اللّه فوجدته حزيناً، وفي يده حربة، وبسط قدّامه نطع، وملك قبله قائم في يده سيف من النار، يضرب أعناق القوم وتقع النار فيهم فتحرقهم، ثمّ يحيون ويقتلهم أيضاً هكذا، فقلت : السلام عليك يا رسول اللّه ، واللّه ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولارمیت سهماً.

فقال النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : ألست كثّرت السواد؟ فسلّمني وأخذ من طست فيه دم فكحّلني من ذلك الدم فاحترقت عيناي ، فلمّا انتبهت كنت أعمى .(2)

10- إقامة المجالس الّتي يذكر فيها صاحب الزمان علیه السلام

الأمر العاشر : إقامة المجالس الّتي يذكر فيها مولانا صاحب الزمان علیه السلام

وينشر فيها مناقبه وفضائله، ويدعى له فيها وتبذل النفس والمال في ذلك ، لانّه ترویج لدين اللّه، وإعلاء كلمة اللّه وإعانة على البرّ والتقوى، وتعظیم شعائر اللّه ونصرة وليّ اللّه .

1279- ويدلّ على ذلك مضافاً إلى اجتماع العناوين المذكورة وغيرها فيه، قول الصادق علیه السلام في حديث مرويّ في الوسائل و غیره :

ص: 195


1- الكافي : 186/2 ح3 ، عنه الوسائل : 566/11 ح2.
2- المناقب : 4/ 58، عنه البحار : 303/45 ذح٣.

تزاوروا، فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكراً لاحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتهم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم ، وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم .(1)

وجه الدلالة : تعليله الأمر بالتزاور بكونه سبباً ووسيلة لإحياء أمرهم، وذكر أحاديثهم، فإقامة مجالس التزاور التي يذكر فيها الإمام علیه السلام ومناقبه، وما يتعلّق بأمره ممّا لا ريب في رجحانها واستحبابها عندهم .

1280- ويدلّ على المقصود أيضاً : قول أمير المؤمنين علیه السلام في حديث الأربعمائة : إنّ اللّه تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منّا وإلينا، الخبر .(2)

مسألة فقهيّة :

الظاهر من الأدلّة : جواز صرف الزكاة الواجبة في هذه الجهة الراجحة، فإنّها من سبيل اللّه الّذي جعله اللّه تعالى أحد مصارف الزكاة في آية (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ...)(3) إلخ، وبسط الكلام موكول إلى الفقه.

إيقاظ وتنبيه :

يمكن القول بوجوب إقامة تلك المجالس في بعض الأحيان، كأن يكون الناس في معرض الإنحراف والضلال وتكون إقامة تلك المجالس سبباً لردعهم عن الردى و إرشاداً لهم إلى سبيل الهدی، نظراً إلى أدلّة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وإرشاد الضالّ، وردع أهل البدعة والضلال واللّه تعالى هو العاصم في كلّ حال .

ص: 196


1- الكافي : 186/2 ح 2، عنه البحار : 74/ 258 ح56، والوسائل : 567/11 ح3.
2- الخصال : 2/635 س20.
3- التوبة : 60.

12-11 - إنشاء الشعر، وإنشاده في فضائله علیه السلام

الأمر الحادي عشر والثاني عشر : إنشاء الشعر، وإنشاده في فضائله ومناقبه عليه الصلاة والسلام

لانّهما من أقسام النصرة للإمام.

1281- ويدلّ على ذلك ما في الوسائل، في آخر كتاب المزار: مسنداً عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : من قال فينا بيت شعر بنى اللّه له بيتاً في الجنّة .(1)

1282- وعنه علیه السلام : ما قال فينا قائل بيت شعر حتّى يؤيّد بروح القدس .(2)

1283- وعن الرضا علیه السلام . قال : ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به إلّا بنى اللّه له [مدينة] في الجنّة ، أوسع من الدنيا سبع مرّات، يزوره فيها كلّ ملك مقرّب، وكلّ نبيّ مرسل .(3)

أقول: لعلّ الإختلاف في الثواب من جهة اختلاف مراتبهم في المعرفة والإيمان .

1284- وعن زرارة قال : دخل الكميت بن زيد على أبي جعفر علیه السلام وأنا عنده ، فأنشده : من لقلب متّيم مستهام. فلمّا فرغ منها قال علیه السلام للكميت :

لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما دمت تقول فينا .(4)

1285- وفي روضة الكافي : بإسناده عن الكميت بن زيد الأسدي، قال :

دخلت على أبي جعفر علیه السلام، فقال : واللّه یاكمیت، لو كان عندنا مالاً لاعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لحسّان بن ثابت :

لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا، الخبر.(5)

ويدلّ على المقصود أيضاً جميع ما ورد من إنشاء الشعراء في مدائحهم علیهم السلام وإنشادهم بمحضرهم، وإعطائهم العطايا الجزيلة، والمواهب الجسيمة، وهذه الوقائع كثيرة مذكورة في أبواب أخلاقهم وأحوالهم، صلوات اللّه عليهم أجمعين وفيما أشرنا إليه كفاية للمؤمنين.

ص: 197


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 4/1 ح 1 و 2، عنه الوسائل : 467/10 ح 1 -3.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 4/1 ح 1 و 2، عنه الوسائل : 467/10 ح 1-3.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 4/1 ح 1 و 2، عنه الوسائل : 467/10 ح 1-3.
4- الكشّي : 207 ح 366، عنه الوسائل : 467/10 ح4.
5- الكافي : 102/8 ح 75.

13- القيام عند ذكر إسمه وألقابه علیه السلام

الأمر الثالث عشر: القيام عند ذكر اسمه أو ألقابه الشريفة

واستقرّ على ذلك سيرة الإماميّة الإثني عشريّة، ويشهد لذلك مضافاً إلى مافيه من التعظيم والإحترام المطلوب في كلّ مقام، ما رواه بعض الأعلام في النجم الثاقب، عن السيّد عبداللّه سبط السيّد نعمة اللّه الجزائري (رحمة اللّه علیه) أنّه وجد في بعض الروايات أنّه ذكر الصاحب علیه السلام يوماً في مجلس الصادق علیه السلام فقام علیه السلام تعظيماً واحتراماً لإسمه الشريف .(1)

أقول: أمّا الإستحباب، فيكفي في إثباته هذا المقدار، نظراً إلى قاعدة التسامح المقررّة عند العلماء الأخيار، ويمكن القول بالوجوب في بعض الأوقات، بملاحظة بعض الجهات، مثل أن يذكر اسمه الشريف أو بعض ألقابه المباركة في مجلس فيه جماعة فيقوم الجميع إحتراماً له، ففي تلك الحالة، إن لم يقم بعض أهل المجلس من غير عذر كان عدم قيامه توهيناً وهتكاً لاحترامه علیه السلام ولاشكّ في حرمته، لأنّه توهين للّه عزّ شأنه، كما لا يخفى.

14- 16- البكاء والإبكاء والتباكي على فراقه علیه السلام

الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر : البكاء والإبكاء والتباكي على فراقه

وما ورد عليه من المصائب والمحن والأحزان، ويدلّ على ذلك بالعموم والخصوص عدّة من النصوص :

1286- منها: في عاشر البحار وغيره، عن الرضا علیه السلام قال :

من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة ،

ص: 198


1- النجم الثاقب : 523، الزام الناصب: 271/1 ، وفيه : سئل الصادق علیه السلام عن سبب القيام عندذكر لفظ القائم من ألقاب الحجّة، قال علیه السلام : لأنّ له غيبة طولانيّة، ومن شدّة الرأفة إلى أحبّته ينظرإلى كلّ من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته والحسرة بغربته، ومن تعظيمه أن يقوم العبد الخاضع لصاحبه عند نظر المولى الجليل إليه بعينه الشريفة ، فليقم وليطلب من اللّه جلّ ذكره تعجیل فرجه .

ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكي، لم تبك عينه يوم تبكي العيون.(1)

1287- وفيه : عن الصادق علیه السلام، قال : من ذكرنا، أو ذكرنا عنده، فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة، غفر اللّه له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر .(2)

ومرّ في حديث مسمع عنه علیه السلام أنّه قال : ما من عين بكت لنا إلّا نعمت بالنظر إلى الكوثر، وسقي منه من أحبّنا، إلخ.(3)

1288- وفي حديث مسمع أيضاً أنّ الصادق علیه السلام ، قال :

وما بكى أحد رحمة لنا، ولما لقينا، إلّا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه، فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها، حتّى لا يوجد لها حرّ.(4)

1289- وفي البحار عنه علیه السلام قال :

من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حقّ لنا أنقصناه، أو عرض انتهك لنا، أو لأحد من شيعتنا، بوّأه اللّه تعالى بها في الجنّة حقباً .(5)

1290- وفيه، عن كتابي الأمالي للشيخ الطوسيّ وابنه : بالإسناد عن مولانا الحسين بن عليّ علیهماالسلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة، أو دمعت عيناه فينا دمعة إلّا بوّأه اللّه تعالى بها في الجنّة حقباً.

قال أحمد بن يحيى الأودي: فرأيت الحسين بن عليّ علیه السلام في المنام،

فقلت : حدّثني مخول بن إبراهيم، عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عنك ، أنّك قلت : ما من عبد قطرت عيناه قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلّا بوّأه اللّه تعالى بها في الجنّة حقباً، قال علیه السلام : نعم، قلت : سقط الإسناد بيني وبينك .(6)

ص: 199


1- أمالي الصدوق : 131 ح4، عنه البحار : 278/44 ح 1، وعن عيون أخبار الرضا : 1/ 294ح48
2- تفسير القمّيّ: 266/2 ، عنه البحار : 44/ 281 ح 14.
3- تقدّم ص192ح 1271.
4- كامل الزيارات : 206ح7، عنه البحار : 290/44 ح 31.
5- أمالي الطوسي : 194 ح 32، أمالي المفيد: 174 ح5، عنهما البحار : 44/ 279 ح 7.
6- أمالي الطوسي : 117 ح35، أمالي المفيد : 340 ح6، عنهما البحار : 279/44 ح 8.

1291- وفي كامل الزيارات والبحار : عن عليّ بن الحسین زین العابدین علیهماالسلام قال : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ علیه السلام دمعة، حتّى تسيل على خدّه، بوّأه اللّه بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً،

وأيّما مؤمن دمعت عيناه [دمعاً] حتّى تسيل على خدّه لاذىّ مسّنا من عدوّنا في الدنيا، بوّأه اللّه مبوَّأ صدق في الجنّة، وأيّما مؤمن مسّه أذىً فينا، فدمعت عيناه حتّى يسيل دمعه على خدّه من مضاضة ما أُوذي فينا، صرف اللّه عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار .(1)

1292- وفي البحار : عن الصادق علیه السلام أنّه قال لفضيل:

یا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر .(2)

1293- وفي حديث آخر، عنه علیه السلام قال :

من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم اللّه وجهه على النار .(3)

1294- وقال السيّد ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) في اللّهوف:

روي عن آل رسول اللّه و أنّهم قالوا: من بكى وأبكي فينا مائة فله الجنّة ،

ومن بكى وأبكی خمسين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنّة ، ومن بكى وأبكی عشرین فله الجنّة، ومن بكى وأبكی عشرة فله الجنّة ،

ومن بكی وأبكی واحداً فله الجنّة، ومن تباكی فله الجنّة .(4)

1295- وفي كتاب الروضة من الكافي : بإسناده عن عبدالحميد الوابشي، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : قلت له : إنّ لنا جاراً ينتهك المحارم كلّها، حتّى أنّه

ص: 200


1- تفسير القمّيّ: 2/ 265 ، كامل الزيارات : 201 ح 1، ثواب الاعمال : 108، عنها البحار :44/ 281 ح 14.
2- قرب الإسناد : 18، عنه البحار : 44/ 282 ح 14.
3- كامل الزيارات : 207 ج12، عنه البحار : 44/ 285 ح 22 .
4- اللّهوف: 5، عنه البحار : 288/44 س4 .

ليترك الصلاة فضلاً عن غيرها، فقال : سبحان اللّه، وأعظم ذلك، الا أُخبركم بمن هو شرّ منه؟ قلت: بلى، قال علیه السلام : الناصب لنا شرّ منه،

أما إنّه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرقّ لذكرنا إلّا مسحت الملائكة ظهره، وغفر له ذنوبه كلّها، إلّا أن يجيء بذنب يخرجه من الإيمان، وإنّ الشفاعة لمقبولة، وما تقبّل في ناصب، وإنّ المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة ، فيقول : يا ربّ، جاري كان يكفّ عنّي الأذى، فيشفع فيه،

فيقول اللّه تبارك وتعالى: أنا ربّك، وأنا أحقّ من كافی عنك، فيدخله الجنّة وماله من حسنة، وإنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً،

فعند ذلك يقول أهل النار : (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(1).(2)

1296- وفي كامل الزيارات و غيره، في حديث معاوية بن وهب، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، أنّه دعا في سجوده - إلى أن قال علیه السلام- :

وارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب الّتي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة الّتي كانت لنا .(3)

وأمّا ما يدلّ على فضل البكاء في فراقه، وما يجري عليه من المحن بالخصوص، فمنه ما روي في الكافي والنعماني وكمال الدين عن المفضّل، عن أبي عبداللّه علیه السلام :

1297- ففي الكافي: بإسناده عن المفضّل بن عمر، قال :

سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول:

إيّاكم والتنويه (4) أما واللّه ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحّصنّ حتّى

ص: 201


1- الشعراء : 100 و 101.
2- الكافي : 101/8 ح 72، عنه الوافي : 2/ 231 ح4.
3- كامل الزيارات : 229 ح 2، عنه البحار : 51/101 ، و المستدرك : 232/10 .
4- التشهير ، أي لا تشهروا أنفسكم، أو لا تدعوا الناس إلى دينكم، او لا تشهروا ما نقول لكم من أمر القائم و غيره ممّا يلزم اخفاؤه عن المخالفين .

يقال : مات، هلك، بأيّ واد سلك؟ ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر ؛ فلا ينجو إلّا من أخذ اللّه میثاقه وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه ، وليرفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أيّ

قال : فبكيت، ثمّ قلت : فكيف نصنع؟ فنظر إلى شمس داخلة في الصفّة ، فقال : يا أبا عبداللّه، ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم،

فقال علیه السلام : واللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس .(1)

1298- وفي النعماني : عن المفضّل، قال :

سمعت الشيخ - يعني أبا عبداللّه علیه السلام - يقول : إيّاكم والتنويه، أما واللّه، ليغيبنّ سبتاً(2) من دهركم، وليخملن(3) حتّى يقال : مات، هلك، بأيّ وادٍ سلك؟

ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، الخبر .(4)

1299- وفي كمال الدين : بإسناده عن المفضّل، عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال : سمعته يقول: إيّاكم والتنويه، أما واللّه ليغيبنّ إمامكم سنیناً من دهركم، وليمحّصنّ حتّى يقال : مات أوهلك بأيّ وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، ولا ينجو إلّا من أخذ میثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه، الخبر . (5)

1300- وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة : بإسناده عن المفضّل، قال :

سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : إيّاكم والتنويه، أما واللّه ليغيبنّ إمامكم سنین من دهركم، وليمحّصنّ حتّى يقال : مات، قتل، ( هلك) بأيّ وادٍ سلك؟ ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن بأمواج البحر، فلا ينجو إلّا من أخذ اللّه میثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه ، الخبر .(6)

ص: 202


1- الكافي: 1/ 336 ح 3، غيبة النعماني : 152ح10، كمال الدين : 347 ح 36، عنها البحار : 281/52 ح9.
2- أي زماناً.
3- خمل ذكره: أي خفي.
4- متحّد ما مع قبله .
5- متحّد ما مع قبله .
6- غيبة الطوسي: 337 ح 285 .

أقول : أنظر وتأمّل كيف جعل علیه السلام البكاء عليه علامة الإيمان، أو دلّ على أمر لا ينكره الوجدان، بل يشهد له بالعيان، فإنّ البكاء عليه دليل المعرفة ، والمحبّة الثابتة في الجنان، وهما جزء الإيمان، بل حقيقة لاهل الإيقان، فيبعثان صاحبه على البكاء في فراق مولانا صاحب الزمان، وما يرد عليه من المحن والأحزان. ولنعم ماقيل بالعربيّة :

قلبي إليك من الاشواق محترق *** ودمع عيني من الأماق مندفق

الشوق يحرقني والدمع يغرقني *** فهل رأيت غريقاً وهو محترق

وبالفارسيّة : (گواه عاشق صادق در آستین باشد) ولهذا ترى المحبّ الصادق كلّما كانت معرفته وحبّه لمحبوبه أكثر وأعظم، كان بكاؤه أوفر وأدوم.

1301- وقد روی رئیس المحدّثين (رحمة اللّه علیه) في كتاب كمال الدين : بإسناده عن سدير الصيرفي، قال : دخلت أنا والمفضّل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب، على مولانا أبي عبداللّه الصادق علیه السلام ، فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مِسح (1) خيبري مطوّق بلا جيب، مقصرّ الكمّين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرّي، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلی الدموع محجريه (2) وهو يقول : سيّدي غيبتك نفت رُقادي(3) وضيّقت عليَّ مهادي، وابتزّت (4) منّي راحة فؤادي، سيّدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد، يفنى الجمع والعدد، فما أحسّ بدمعة ترقي(5) من عینی، وأنين يفتر(6) من صدري عن دوارج الرزايا، وسوالف البلايا إلّا مثّل بعيني، عن غوابر أعظمها، وأفظعها، وبواقي (7) أشدّها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك،

ص: 203


1- المسح - بكسر الميم -: الكساء من الشعر.
2- محجر - كمَجلس - ما يبدو من النقاب .
3- الرقاد - بالضم -: النوم.
4- استلبت .
5- انقطع بعد جریانه .
6- أي يخرج بفتور و ضعف .
7- في البحار هكذا: إلّا مثّل لعيني عن عوایر أعظمها و أفظعها و تراقی.

ونوازل معجونة بسخطك .

قال سدير : فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل(1) وظنّنا أنّه سمت(2) لمكروهة قارعة، أو حلّت به من الدهر بائقة، فقلنا : لا أبكي اللّه يا بن خير الورى عينيك، من أيّة حادثة تستنزف (3) دمعتك، وتستمطر عبرتك، وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟

قال : فزفر الصادق علیه السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتدّ عنها خوفه ، وقال :

ویلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الّذي خصّ اللّه به محمّداً والأئمّة من بعده علیه السلام ، وتأمّلت مولد قائمنا وغيبته، وإبطاءه و طول عمره، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم الّتي قال اللّه جلّ ذكره: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)(4) يعني الولاية،

فأخذتني الرقّة، واستولت عليَّ الأحزان.

فقلنا: يا بن رسول اللّه ، كرّمنا وفضّلنا بإشراكك إيّانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك، قال علیه السلام : إنّ اللّه تبارك وتعالى أدار للقائم منّا ثلاثة أدارها لثلاثة(5) من الرسل : قدّر مولده تقدیر مولد موسى علیه السلام ، وقدّر غيبته تقدير غيبة عیسی علیه السلام ، وقدّر إبطاءه تقدير إبطاء نوح علیه السلام وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح - أعني الخضر علیه السلام - دليلاً على عمره.

فقلنا له : اكشف لنا يا بن رسول اللّه عن وجوه هذه المعاني.

قال علیه السلام: أمّا مولد موسى فإنّ فرعون لمّا وقف على أنّ زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة، فدلّوه على نسبه، وأنّه يكون من بني إسرائيل، فلم يزل يأمر

ص: 204


1- الغائل: المهلك، والغوائل: الدواهي .
2- سمت : هيّا.
3- تستذرف، خ.
4- الأسراء : 13.
5- في ثلاثة ، خ.

أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل، حتّى قتل في طلبه نیّفاً وعشرين ألف مولود، وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسى علیه السلام بحفظ اللّه تبارك وتعالى إيّاه وكذلك بنو أُميّة وبنو العبّاس لمّا وقفوا على أنّ زوال ملكهم وملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منّا ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول صلی اللّه علیه وآله وسلم وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم، ويأبى اللّه عزّ وجلّ أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلّا أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.

وأما غيبة عيسى علیه السلام فإنّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنّه قتل فكذّبهم اللّه جلّ ذكره بقوله: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(1)

كذلك غيبة القائم، فإنّ الأَمّة ستنكرها لطولها، فمن قائل يقول:

إنّه (2) لم يولد، وقائل يقول (3) : إنّه ولد ومات، وقائل يكفر بقوله : إنّ حادي عشرنا كان عقيماً، وقائل يمرق بقوله: إنّه يتعدّى إلى ثالث عشر فصاعداً ، وقائل يعصي اللّه عزّ وجلّ بقوله: إنّ روح القائم ينطق في هيكل غيره .

وأمّا إبطاء نوح علیه السلام : فإنّه لمّا استنزل العقوبة على قومه من السماء بعث اللّه تبارك وتعالى الروح الأمين(4) معه سبع نوايات، فقال : يانبيّ اللّه، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول لك: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي لست أُبيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإنّي مثيبك عليه، وأغرس هذا النوى، فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشّر بذلك من اتّبعك من المؤمنين.

فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرت وتسوّقت وأغصنت(5) و زها الثمر عليها بعد زمان طویل استنجز من اللّه العِدة، فأمره اللّه تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار، ويعاود الصبر والإجتهاد ، ويؤكّد الحجّة على قومه،

ص: 205


1- النساء : 157.
2- في الاكمال : ضمن قائل بهذي بأنّه ، في البحار: قائل بغير هدى بأنّه .
3- في غيبة الطوسي: و قائل يفتري بقوله.
4- جبرئیل، خ.
5- في المصدر : تغصّنت و اثمرت

فأخبر بذلك الطوائف الّتي آمنت به، فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل، وقالوا : لو كان ما يدعيه نوح حقّاً لما وقع في وعد ربّه خلف .

ثمّ إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد أُخرى إلى أن غرسها سبع مرّات، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنین ترتدّ منه طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلاً، فأوحى اللّه تبارك وتعالی عند ذلك إليه وقال : يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرّح الحق عن محضه وصفي [الامر و] الإيمان من الكدر، بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة،

فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف الّتي كانت آمنت بك، لما كنت صدّقت وعدي السابق للمؤمنين، الّذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوّتك بأن أستخلفهم في الأرض وأُمكّن لهم دينهم، وأُبدّل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشكّ من قلوبهم.

وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الّذين ارتدّوا وخبث طيتنهم، وسوء سرائرهم الّتي كانت نتائج النفاق، وسنوح الضلالة(1)، فلو أنّهم تنسّموا منّي(2) الملك الّذي أوتي المؤمنين وقت الإستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته ، ولاستحكمت سرائر نفاقهم، وتأبّد خبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرّد بالأمر والنهي.

وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب، كلّا (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)(3)

قال الصادق علیه السلام : وكذلك القائم علیه السلام ، فإنّه تمتدّ أيّام غيبته ليصرّح الحقّ عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من

ص: 206


1- أي ظهورها، وشيوعها. و في نسخة : شيوخ، وفي أخرى : شبوح، و لحلّ الصواب .
2- تسنّموا من، خ.
3- هود: 37.

الشيعة الّذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالإستخلاف، والتمكين، والأمر المنتشر في عهد القائم علیه السلام .

قال المفضّل : فقلت: يا بن رسول اللّه، إنّ [هذه] النواصب تزعم أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر، وعثمان، وعليّ فقال علیه السلام : لاهدى اللّه قلوب الناصبة، متى كان الدين الّذي ارتضاه اللّه ورسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم متمكّناً بانتشار الأمن في الأُمّة، وذهاب الخوف من قلوبها ، وارتفاع الشكّ من صدورها في عهد أحد من هؤلاء! وفي عهد عليّ علیه السلام مع ارتداد المسلمين، والفتن الّتي كانت تثور في أيّامهم والحروب الّتي كانت تنشب بين الكفّار وبينهم، ثمّ تلا الصادق علیه السلام :

(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا)(1).

وأمّا العبد الصالح الخضر علیه السلام ، فإنّ اللّه تبارك وتعالى ما طوّل عمره لنبوّة قدّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء علیهم السلام ، ولا لإمامة يلزم عباده الإقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى إنّ اللّه تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم في أيّام غيبته ما يقدّره(2) وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول طوّل عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلّا لعلّة الإستدلال به على عمر القائم، وليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلّا يكون للناس على اللّه الحجّة(3) . إنتهى الحديث الشريف . وقد أوردناه بطوله لاشتماله على فوائد جمّة وأمور مهمّة، فتدبّر فيه .

17- طلب معرفته علیه السلام من الله عزّ وجلّ

الأمر السابع عشر: طلب معرفته من اللّه عزّ وجلّ

فإنّه ليس العلم بكثرة التعليم والتعلّم، بل هو نور يقذفه اللّه في قلب من

ص: 207


1- يوسف : 110.
2- ما قدّر - خ ل.
3- كمال الدين : 352/2 ح.5، عنه البحار : 219/51 ح 9.

يريد أن يهديه(1) (وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) (2).

1302- وفي الكافي : عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)(3)

فقال : طاعة اللّه ومعرفة الإمام .(4)

1303- وفيه : عن أبي بصير ، قال : قال لي أبو جعفر علیه السلام : هل عرفت إمامك؟

قال: قلت: إي واللّه، قبل أن أخرج من الكوفة، فقال علیه السلام : حسبك إذاً .(5)

1304- وفيه : في الصحيح عن أبي جعفر علیه السلام قال :

ذروة الأمر وسنامه و مفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى : الطاعة للإمام بعد معرفته .(6)

1305- وفيه: عن أبي خالد الكابليّ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا)(7) فقال :

يا أبا خالد النور واللّه الأئمّة من آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم إلى يوم القيامة، وهم واللّه نور اللّه الّذي أنزل، وهم واللّه نور اللّه في السماوات وفي الأرض،

واللّه يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم واللّه ينوّرون قلوب المؤمنين، ويحجب اللّه عزّ وجلّ نورهم عمّن يشاء، فتظلم قلوبهم، واللّه يا أبا خالد، لا يحبّنا عبد ويتولّانا حتّى يطهّر اللبه قلبه، ولا يطهّر اللّه قلب عبد حتّى يسلّم لنا، ويكون سلماً لنا، فإذا كان سلماً لناسلّمه اللّه من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر .(8)

تبیین و توضیح : قد عرفت فيما سبق أنّ أهمّ الأمور وأوجبها بعد معرفة اللّه

ص: 208


1- رواه الشهيد في منية المريد: ص67 عن الصادق علیه السلام .
2- الاسراء : 97.
3- البقرة : 269.
4- الكافي: 1/ 185 ح 11، عنه البحار : 86/24 .
5- الكافي : 1/ 185 ح 12، 1، عنه الوافي : 88/2 ح 11، 90 ح1.
6- الكافي : 1/ 185 ح 12، 1، عنه الوافي : 88/2 ح 11، 90 ح1.
7- التغابن : 8.
8- الكافي: 194/1 ح 1، عنه البحار : 308/23 ح5، و الوافي : 509/3 ح1.

ورسوله، معرفة وليّ الأمر، وصاحب الزمان، لانّه ركن من أركان الإيمان، ومن مات ولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة، ومعرفته مفتاح جميع أبواب الخير والسعادة والرحمة، وقد أمر اللّه عباده بتحصیل معرفته، والدعاء من الأبواب الّتي أمر اللّه تعالى أن يؤتي منها،

فقال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(1)، (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)(2)،

وقال تعالى أيضاً : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(3) .

1306- وفي الكافي : بإسناده عن محمّد بن حكيم، قال :

قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : المعرفة من صنع من هي؟

قال : من صنع اللّه، ليس للعباد فيها صنع.(4)

والآيات والروايات الدالّة على هذا المطلب كثيرة، فاللازم على العبد أن يسأل اللّه تعالى أن يرزقه ويكمل له معرفة إمام زمانه ، ويؤيّد ما ذكرنا، ويدلّ عليه أيضاً ورود الدعاء لذلك بالخصوص،

كما سيأتي في الأمر الآتي إن شاء اللّه .

وهذا لا ينافي كون العبد مختاراً ومأموراً بالطلب والنظر في وسائل المعرفة، لانّه نظير الرزق الّذي أمر العباد بطلبه، والدعاء له أيضاً، واللّه هو الرازق جلّ شأنه، فإنّ المجاهدة والسعي وظيفة العبد، والإيصال وظيفة الخالق المتعال، قال تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(5) الآية ،

كما أنّ الزرع والسقي ونحوهما وظيفة العباد لكونها تحت قدرتهم، والإنبات، والإنماء، والحفظ عن الآفات، إلى حصول النتيجة وبلوغ المراد، وظيفة اللّه لخروجها عن قدرة العباد، لكن عليهم الدعاء والمسألة لحصول النتيجة المقصودة .

ص: 209


1- غافر : 60.
2- النساء: 32.
3- القصص: 56.
4- الكافي : 163/1 ح2، عنه الوافي : 56/1 ح10.
5- العنكبوت : 69.

وكذلك معرفة الإمام لها وسائل وأسباب، رتّبها اللّه تعالى لعباده، وهي مقدورة لهم، مثل النظر في معجزاته، وأخلاقه، وإخبار الأئمّة السابقين به وبخصائصه، وبطول غيبته، وما يرد على المؤمنين في زمان غيبته ، وبالشؤون الّتي خصّه اللّه تعالى بها، والدلائل الّتي دلّ عليها، وغير ذلك ، فعليهم السعي في تحصيل معرفته بالاسباب المذكوة ونحوها،

ولكن لمّا كانت المعرفة من صنع اللّه عزّ وجلّ، وجب عليهم وتأكّد لهم بحكم العقل والنقل الدعاء، وطلب معرفته من اللّه تعالى، فإنّ :

(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ)(1).

18- المداومة بالدعاء الّذي رواه الكليني (رحمة الله علیه)

الأمر الثامن عشر :

1307- المداومة بالدعاء الذي رواه ثقة الإسلام الكليني والشيخ النعمانيّ والطوسي (رحمة اللّه علیه) بأسانيدهم عن زرارة، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال : قلت : ولِمَ؟ قال : يخاف - و أومأ بيده إلى بطنه - ثمّ قال : يا زرارة وهو المنتظر، وهو الّذي يشكّ في ولادته ، منهم من يقول : مات أبوه بلاخلف، ومنهم من يقول : حمل(2) ، ومنهم من يقول : إنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أنّ اللّه عزّ وجلّ يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون، یا زرارة، إذا أدركت ذلك الزمان فادع بهذا الدعاء :

«اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِی نَفسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِی نَفسَكَ لَمْ اَعْرِفْ نَبِيَّكَ، اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِی رَسُولَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ اَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِینِي»(3)

ص: 210


1- فاطر : 2.
2- جنین .
3- الكافي : 1/ 337 ح5، غيبة النعماني : 116 ح6، غيبة الطوسي : 334 ح 279 .

1308- ورواه رئيس المحدّثين في كتاب كمال الدين : بإسناده عن زرارة قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت له : ولِمَ؟

قال علیه السلام : يخاف . وأومأ بيده إلى بطنه - ثمّ قال : يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الّذي يشكّ الناس في ولادته، منهم من يقول : هو حمل، ومنهم من يقول : هو غائب ، ومنهم من يقول : ما ولد، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين غير أن اللّه تبارك وتعالى يحبّ أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

قال زرارة : فقلت: جعلت فداك ، فإن أدركت ذلك الزمان، فأيّ شيء أعمل؟ قال علیه السلام : يا زرارة، إن أدركت ذلك الزمان، فأدِمْ هذا الدعاء:

اللّهمّ عرّفني نفسك ... إلخ.(1)

19- ودعاء الغريق الّذي رواه الشيخ الصدوق (رحمة الله علیه)

الأمر التاسع عشر :

1309- الدعاء الّذي رواه الشيخ الصدوق : بإسناده عن عبداللّه بن سنان، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : ستصيبكم شبهة، فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلّا من دعا دعاء الغريق، قلت : كيف دعاء الغريق؟

قال علیه السلام : يقول : يَا اَللَّهُ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ، يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّت قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت : يا اللّه يا رحمان یا رحیم، یا مقلّب القلوب والأبصار، ثبّت قلبي على دينك.

قال علیه السلام : إنّ اللّه مقلّب القلوب والابصار، ولكن قل كما أقول لك : يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك .(2)

1310- وروى الشيخ النعمانيّ (رحمة اللّه علیه) في الغيبة : بإسناده عن حمّاد بن عیسی، عن عبداللّه بن سنان قال : دخلت أنا و أبي على أبي عبداللّه علیه السلام ، فقال علیه السلام:

كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى، ولاعلماً یری، فلا

ص: 211


1- كمال الدين : 2/ 342 ح 23، 351 ح50، عنه البحار : 146/52 ح70، 148 ح 73.
2- كمال الدين : 2/ 342 ح 23، 351 ح50، عنه البحار : 146/52 ح70، 148 ح 73.

ينجو من تلك الحيرة إلا من دعا بدعاء الغريق ؟(1)

فقال أبي : هذا واللّه البلاء فكيف نصنع جعلت فداك حينئذ ؟ قال علیه السلام : إذا كان ذلك - ولن تدركه - فتمسّكوا بما في أيديكم حتّى يتّضح لكم الامر.(2)

20- والدعاء الّذي ذكره ابن طاووس (رحمة الله علیه)

الأمر المتمّم للعشرين:

1311- الدعاء الّذي ذكره السيّد ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) في مهج الدعوات في حديث ذكر فيه غيبة المهدي عجل اللّه تعالی فرجه ، قال الراوي : قلت : كيف تصنع شيعتك؟

قال: عليكم بالدعاء وانتظار الفرج، إلى أن قال: قلت: فما ندعو به؟

قال علیه السلام : تقول:

اللَّهُمَّ أَنْتَ عَرَّفْتَنِي نَفْسَكَ وَ عَرَّفْتَنِي رَسُولَكَ وَ عَرَّفْتَنِي مَلَائِكَتَكَ، عَرَّفْتَنِي نَبِيَّكَ وَ عَرَّفْتَنِي وُلَاةَ أَمْرِكَ اللَّهُمَّ لَا آخُذُ إِلَّا مَا أَعْطَيْتَ وَ لَا وَاقِي إِلَّا مَا وَقَيْتَ، اللَّهُمَّ لَا تُغَيِّبْنِي عَنْ مَنَازِلِ أَوْلِيَائِكَ وَ لَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِوَلَايَةِ مَنِ افْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ.(3)

21- معرفة علامات ظهوره «ووقوع بعضها»

الأمر الواحد والعشرون : معرفة علامات ظهوره علیه السلام

ولا سيّما العلامات المحتومة الّتي أخبر بها الأئمّة الطاهرون علیه السلام ، والدليل على ذلك العقل والنقل:

أمّا الأوّل : فلأنّك قد عرفت وجوب معرفته سلام اللّه عليه بشخصه ومعرفة العلائم المحتومة الّتي تقع مقارنة لظهوره، أو قريباً منه مقدّمة لمعرفته .

وإن قلت : يمكن معرفته بغير تلك العلامات أيضاً، فلا يكون طريق المعرفة منحصراً في ذلك . قلنا : قد ورد في الروايات الأمر بالسعي إليه حين ظهوره.

ص: 212


1- الحريق، ب.
2- غيبة النعماني: 159 ح4 ، عنه البحار: 133/52 ذح37.
3- مهج الدعوات: 396.

1312- كما في رواية النعمانيّ : بإسناده عن الباقر علیه السلام بعد ذكر النداء والخسف بالبيداء : فاسعوا إليه ولو حبواً، واللّه كأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس ! ... إلخ .(1)

ولا ريب أنّ السعي إليه حين ظهوره من البلاد لا يمكن إلّا بعد العلم بظهوره بسبب ظهور العلامات المحتومة الموعودة،

وأمّا معرفته بالمعجزات الصادرة منه فإنّه يحصل للمشاهدين، كما لا يخفی

1313- وأمّا النقل: فقول الصادق علیه السلام في خبر عمر بن أبان المرويّ في الكافي في الصحيح: «أعرف العلامة، فإذا عرفته لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر» الخبر .(2)

مضافاً إلى أنّ الأئمّة الطاهرين قد بيّنوا العلامات الّتي جعلها اللّه تعالی لظهور القائم علیه السلام ليتميّز المحقّ من المبطل،

وقد ذكروا في جملة من الروايات وقوع بعض ما يفتتن به أهل الضلال، وأنّ الّذين رووا أحاديث الأئمّة والّذين استمعوا وعرفوا الوقائع الّتي أخبر الأئمّة علیهم السلام بوقوعها لا يفتتنون، ولا يضلّون، وذلك لأنّهم عرفوا المحقّ من المبطل بسبب معرفة العلامات على حسب الروايات المأثورة عن أئمّتهم علیهم السلام .

ألا ترى أنّ كثيرا من الّذين ارتدّوا عن الدين واتّبعوا المضلّين الملحدين في زماننا وما قبله إنّما ارتدوا وضلّوا ، بسبب جهلهم بعلامات ظهور صاحب الامر وخصائصه علیه السلام فضلّوا وأضلّوا. فلو أنّهم سعوا في طلب العلم وتحصيل المعرفة بما يجب عليهم من صفات صاحب الامر، وعلائمه ودلائله وعلامات ظهوره، كانوا من الناجين، ولم يرتدّوا عن الدين، نسأل اللّه عزّوجلّ أن يرزقنا العلم والعمل، ويعصمنا من الخطاء والزلل، إنّه سميع مجيب،

ص: 213


1- غيبة النعماني : 262 ح 22، عنه البحار : 235/52 ح 103.
2- الكافي : 1/ 372ح، عنه الوافي : 2/435، ح 3.

ويأتي في الأمر الآتي مزید توضیح و تبيين لذلك إن شاء اللّه تعالی.

ويدل على المقصود أيضا أن إطاعة أوامره واجبة لقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(1)وحينئذ يجب على المؤمن معرفة علامات ظهوره، ليطيع أوامره إذا ظهر، وليتميّز الحقّ من الباطل، ونحن نذكر هنا بعض ما رواه الشيخ الأجلّ محمّد بن إبراهيم النعمانيّ (رحمة اللّه علیه) في كتاب الغيبة :

1314- فمنها : بإسناده عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال :

للقائم علیه السلام خمس علامات : السفيانيّ ، واليمانيّ، والصيحة من السماء ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء .(2)

1315- وفي خبر آخر عنه علیه السلام أنّه قال : العام الّذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب ، قلت : وما هي؟ قال : وجه يطلع في القمر، ويد بارزة .(3)

1316- وعن عبداللّه بن سنان، عنه علیه السلام أنّه قال : النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم، وكفّ يطلع من السماء من المحتوم، قال : وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها .(4)

1317- وعن البزنطي (رحمة اللّه علیه)، عن الرضا علیه السلام أنّه قال : قبل هذا الأمر السفيانيّ، واليمانيّ، والمروانيّ، وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا وهذا .(5)

1318- وعن أبي بصير ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ علیه السلام أنّه قال :

إذا رأيتم ناراً من (قبل) المشرق شبه الهردي (6) العظيم، تطلع ثلاثة أيّام أو سبعة، فتوقّعوا فرج آل محمّد علیهم السلام إن شاء اللّه عزّ وجلّ، إنّ اللّه عزيز حكيم.

ص: 214


1- النساء : 59.
2- غيبة النعماني : 252 ح9، عنه البحار : 252/52 ح 9.
3- غيبة النعماني : 252 ح 10، 11، 253 ح 12، عنه البحار : 233/52 ح 97، 98، 99.
4- غيبة النعماني : 252 ح 10، 11، 253 ح 12، عنه البحار : 233/52 ح 97، 98، 99.
5- غيبة النعماني : 252 ح 10، 11، 253 ح 12، عنه البحار : 233/52 ح 97، 98، 99.
6- الهردي - بضم الهاء - ككرسي : المصبوغ بالهرد - بالضم - و هو الكركم الأصفر ، و طين أحمر ، و عروق يصبغ بها، يعني نار يشبه الهردي من حيث اللون تكون أصفر أو أحمر .

ثمّ قال علیه السلام : الصيحة لا تكون إلّا في شهر رمضان،لانّ شهر رمضان شهر اللّه والصيحة فيه هي صيحة جبرئیل علیه السلام إلى هذا الخلق.

ثمّ قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم علیه السلام فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلّا استيقظ، ولا قائم إلّا قعد، ولا قاعد إلّا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم اللّه من اعتبر بذلك الصوت فأجاب ، فإنّ الصوت الأوّل هو صوت جبرئيل الروح الأمين . ثمّ قال علیه السلام :

يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة، ليلة ثلاث وعشرین، فلا تشكوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي : ألا إنّ فلاناً قتل مظلوماً، ليشكّك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شاكّ متحيّر قد هوى في النار، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكّوا فيه، إنّه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنّه ينادي باسم القائم، واسم أبيه علیهماالسلام حتّى تسمعه العذراء في خدرها، فتحرّض أباها وأخاها على الخروج.

وقال علیه السلام : لا بدّ من هذين الصوتين قبل خروج القائم : صوت من السماء، وهو صوت جبرئیل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه، والصوت الثاني من الأرض هو صوت إبليس اللعين، ينادي باسم فلان أنّه قتل مظلوماً، يريد بذلك الفتنة فاتّبعوا الصوت الأوّل، وإيّاكم والأخير أن تفتنوا به .(1)

1319- وعن غير واحد من أصحابه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال :

قلنا له علیه السلام : السفياني من المحتوم؟ فقال علیه السلام : نعم، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم ، والقائم من المحتوم، وخسف البيداء من المحتوم، وكفّ تطلع من السماء من المحتوم، والنداء [من السماء من المحتوم]

فقلت : وأيّ شيء النداء؟ فقال علیه السلام : مناد ينادي باسم القائم واسم أبيه .(2)

ص: 215


1- غيبة النعماني : 253 ح13، عنه البحار : 235/52 ح96.
2- غيبة النعماني : 257 ح 15، إثبات الهداة : 736/3 ح102.

1320- وعن ابن أبي يعفور، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : أمسك بيدك هلاك الفلاني، وخروج السفيانيّ، وقتل النفس، وجيش الخسف، والصوت،

قلت : وما الصوت، أهو المنادي؟

فقال علیه السلام : نعم، وبه يعرف صاحب هذا الامر.(1)

1321- وعن زرارة قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : النداء حقّ؟

قال علیه السلام : إي واللّه، حتّى يسمعه كلّ قوم بلسانهم.(2)

1322- وعن عبداللّه بن سنان : قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إنّ هؤلاء العامّة يعيّرونا ويقولون لنا: إنّكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر،

وكان علیه السلام متّكئاً فغضب وجلس، ثمّ قال علیه السلام : لا ترووه عنّي وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أنّي قد سمعت أبي علیه السلام يقول: واللّه، إنّ ذلك في كتاب اللّه عزّ وجلّ لبيّن حيث يقول : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)(3) فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلّا خضع ، وذلّت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء:

ألا إنّ الحقّ في عليّ بن أبي طالب علیه السلام و شیعته، قال : فإذا كان من الغد، صعد إبليس في الهواء حتّى يتوارى عن أهل الأرض، ثمّ ينادي : الا إنّ الحقّ في عثمان بن عفّان و شیعته، فإنّه قتل مظلوماً، فاطلبوا بدمه .

قال علیه السلام : ف (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ)(4) على الحقّ، وهو النداء الأوّل، ویرتاب يومئذ الّذين في قلوبهم مرض، والمرض واللّه عداوتنا،

فعند ذلك يتبرّؤون منّا ويتناولونا، فيقولون :

ص: 216


1- غيبة النعماني : 257 ح16، عنه البحار : 52/ 234 ح 100.
2- غيبة النعماني : 274 ح 54، عنه البحار : 52/ 244 ح 120 .
3- الشعراء : 4.
4- إبراهيم: 27 .

إنّ المنادي الأوّل سحر من سحر أهل هذا البيت، ثمّ تلا أبو عبداللّه علیه السلام قول اللّه عزّ وجلّ: (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(1) .(2)

1323- وعن محمّد بن الصامت : قلت للصادق علیه السلام : ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال علیه السلام : بلی، قلت: وما هي؟ قال : هلاك العبّاسيّ، وخروج السفيانيّ، وقتل النفس الزكيّة، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء،

فقلت : جعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر،

فقال علیه السلام : لا، إنّما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً.(3)

1324- وعن حمران بن أعين، عن الصادق علیه السلام أنّه قال :

من المحتوم الّذي لا بدّ أن يكون من قبل قيام القائم علیه السلام خروج السفياني ، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكيّة، والمنادي من السماء .(4)

1325- وعن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : ينادي مناد من السماء : إنّ فلاناً هو الامير، وينادي مناد : إنّ عليّاً و شیعته هم الفائزون ،

قلت : فمن يقاتل المهديّ علیه السلام بعد هذا؟

فقال علیه السلام : إنّ الشيطان ينادي : إنّ فلاناً و شیعته هم الفائزون، يعني رجلاً من بني أُميّة، قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟

قال علیه السلام : يعرفه الّذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون : إنّه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنّهم هم المحقّون الصادقون. (5)

1326- وفي حديث آخر عن زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : عجبت اصلحك اللّه، وانّي لأعجب من القائم علیه السلام كيف يقاتل مع ما يرون من العجائب من خسف البيداء بالجيش، ومن النداء الّذي يكون من السماء، فقال علیه السلام :

ص: 217


1- القمر : 2.
2- غيبة النعماني : 260 ح 19، عنه البحار : 292/52 ح40.
3- غيبة النعماني : 262 ح 21، عنه البحار : 235/52 ح 102.
4- غيبة النعماني : 264 ح 26، 28، عنه البحار : 294/52 ح 44، ح 46.
5- غيبة النعماني : 264 ح 26، 28، عنه البحار : 294/52 ح 44، ح 46.

إنّ الشيطان لا يدعهم حتّى ينادي كما نادى برسول اللّه علیه السلام يوم العقبة .(1)

1327- وعن هشام بن سالم، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول :

هما صيحتان : صيحة في أوّل الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية، قال :

فقلت : كيف ذلك؟ قال : فقال : واحدة من السماء، وواحدة من إبليس،

فقلت : وكيف تعرف هذه من هذه؟

فقال : يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون .(2)

1328- وعن عبدالرحمان بن مسلمة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام :

إنّ الناس يوبّخونا، ويقولون : من أين يعرف المحقّ من المبطل إذا كانتا؟

فقال علیه السلام : ما تردّون عليهم؟ قلت : فما نردّ عليهم شيئاً، قال :

فقال علیه السلام : قولوا لهم يصدّق بها إذا كانت من كان مؤمناً يؤمن بها قبل أن تكون، قال اللّه عزّ وجلّ : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(3). (4)

1329- وعن عبداللّه بن سنان قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول:

لا يكون هذا الأمر الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّي ينادي مناد من السماء : ألا إنّ فلاناً صاحب الأمر، فعلی مَ القتال ؟ !(5)

1330- وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :

السفيانيّ، والقائم علیه السلام في سنة واحدة .(6)

1331- وعن بدر بن الخليل الأسديّ، قال :

كنت عند أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام فذكر آيتين تكونان قبل قيام

ص: 218


1- غيبة النعماني : 264 ح 29، عنه البحار : 295/52 ح 47 .
2- غيبة النعماني : 265 ح 21، عنه البحار : 2950/52 ح 49.
3- يونس : 35.
4- غيبة النعماني : 266 ح 32، ح 34، عنه البحار : 296/52 ح 50، ح52.
5- غيبة النعماني : 266 ح 32، ح 34، عنه البحار : 296/52 ح 50، ح52.
6- غيبة النعماني : 267 ح 36، عنه البحار : 239/52 ح 106.

القائم، لم تكونا منذ أهبط اللّه آدم علیه السلام أبداً، وذلك أنّ الشمس تنكسف في النصف من شهر رمضان، والقمر في آخره، فقال رجل: يا بن رسول اللّه،

لا، بل الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف، فقال له أبو جعفر علیه السلام :

إنّي لأعلم بالّذي أقول، إنّهما آیتان لم تكونا منذ هبط آدم.(1)

1332- وعن ورد أخي الكميت، عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال :

إنّ بين يدي هذا الأمر انكساف القمر لخمس تبقى والشمس لخمس عشرة، وذلك في شهر رمضان وعنده يسقط حساب المنجّمين .(2)

أقول: من هذا الحديث ظهر أنّ المراد بالآخر في الحديث السابق هو الآخر العرفي لا الحقيقي، فلا اختلاف بينهما، والحمد للّه.

1333- وعن عبدالملك بن أعين، قال : كنت عند أبي جعفر، فجری ذكر القائم، فقلت له : أرجو أن يكون عاجلاً ، ولا يكون سفيانيّ،

فقال : لا واللّه، إنّه لمن المحتوم الّذي لا بدّ منه .(3)

1334- وعن حمران بن أعين، عن أبي جعفر ، في قوله تعالى : (ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)(4) ، فقال : إنّهما أجلان : أجل محتوم، وأجل موقوف.

فقال له حمران : ما المحتوم؟ قال : الّذي لا يكون غيره،

قال : وما الموقوف؟ قال : الّذي للّه فيه المشيّة .

قال حمران : إنّي لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف،

فقال أبو جعفر علیه السلام : لا واللّه إنّه لمن المحتوم.(5)

1335- و عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام، قال : إنّ من الأُمور أُموراً موقوفة، وأُموراً محتومة، وإنّ السفيانيّ من المحتوم الّذي لا بدّ منه .(6)

ص: 219


1- غيبة النعماني : 271 ح 45 ، 46، عنه البحار : 214/52 ح67 ، 207 ح 41.
2- غيبة النعماني : 271 ح 45 ، 46، عنه البحار : 214/52 ح67 ، 207 ح 41.
3- غيبة النعماني : 301 ح 4 و 5 و 6، عنه البحار : 349/52 و 133 و 134 .
4- غيبة النعماني : 301 ح 4 و 5 و 6، عنه البحار : 349/52 و 133 و 134 .
5- غيبة النعماني : 301 ح 4 و 5 و 6، عنه البحار : 349/52 و 133 و 134 .
6- الأنعام : 2.

1336- وعن خلّاد الصائغ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال :

السفيانيّ لا بدّ منه، ولا يخرج إلّا في رجب، فقال له رجل:

یا ابا عبداللّه، إذا خرج فما حالنا؟ قال : إذا كان ذلك فإلينا(1).(2)

1337- وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام قال : السفياني أحمر، أشقر، أزرق، لم يعبد اللّه قطّ ، ولم ير مكّة ولا المدينة قطّ، يقول:

یا ربّ ثاري والنار، یا ربّ ثاري والنار .(3)

1338- وعن الصادق عليه الصلاة والسلام، قال: إذا قام القائم علیه السلام بعث في أقاليم الأرض، في كلّ إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفّك .

فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه، ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها، قال علیه السلام : ويبعث جنداً إلى القسطنطينيّة ، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا، ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا:

هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة ، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون .(4)

أقول: وجيش السفيانيّ الذين يخسف بهم الأرض في البيداء ما بين مكّة والمدينة قد ورد في حديث مفضّل أنّهم ثلاثمائة ألف، والحديث طویل مذكور في الأنوار النعمانية وبحار الانوار .(5)

1339- وقد ورد في بعض الروايات :

أنّهم إذا نزلوا بالبيداء نزل جبرئیل علیه السلام فصاح یا بیداء أبيدي القوم .(6)

ص: 220


1- أي اذهبوا إلى بلد يظهر منه القائم علیه السلام فإنّه لا يصل إليه، أو توسّلوا بنا .
2- غيبة النعماني : 302ح7، عنه البحار : 249/52 ح 135 .
3- غيبة النعماني : 306ح18، عنه البحار : 253/52 ح146.
4- غيبة النعماني : 319ح8، عنه البحار : 365/52 ح 144.
5- الانوار النعمانيّة : 2/ 84، البحار : 10/53 باب 25.
6- البحار : 238/52 .

ونكتفي هنا بهذا المقدار، وفيه كفاية وغنى لأهل الإعتبار .

وروى الصدوق (رحمة اللّه علیه) و غیره رحمهم اللّه كثيراً من تلك الأخبار .

1340- وروى الصدوق : بإسناده عن عبداللّه بن عجلان، قال : ذكرنا خروج القائم علیه السلام عند أبي عبداللّه علیه السلام فقلت له : كيف لنا أن نعلم ذلك ؟

فقال : يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: «طاعة معروفة».(1)

تصديق فيه تشویق:

1341- قد روي في كتاب نور العيون في جملة علائم الظهور :

أنّ الناس في آخر الزمان يتركون العمامة، ويبّدلونها بالقلنسوة .(2)

1342- وروي أيضاً فيها : أنّ الناس يفرحون بفقد الأولاد، ويتبشّر، ويتشكّر من لا ولد له.

أقول: قد ظهر صدق هاتين في هذه السنة وهي سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة بعد ألف من الهجرة النبويّة، فقد رأيت جمعاً من الناس تركوا العمامة، وبدّلوها بالقلنسوة، تشبّهاً بأهل الباطل، وتقرّباً إليهم، ورأيت الناس بفرحون بفقد الأولاد، ويتبشّر ويتشكّر من لا ولد له بسبب النظام الإجباري، وإلى اللّه تعالی نشكو غيبة وليّه، ونسأله أن يعجّل في فرجه ويجعلنا من أنصاره .

22- التسليم وترك الإستعجال في ظهوره علیه السلام ، وفيه مقامان:

اشارة

الأمر الثاني والعشرون : التسليم، وترك الإستعجال

والكلام هنا في مقامين:

الأوّل : في ذكر جملة من الروايات الواردة

الأوّل : في ذكر جملة من الروايات الواردة عن الأئمّة علیهم السلام :

1343- في الكافي : بإسناده عن عبدالرحمان بن كثير، قال :

كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه مهزم، فقال له:

ص: 221


1- كمال الدين : 654/2 ح22، عنه البحار : 324/52 ح 35.
2- نور العيون : ص140 .

جعلت فداك، أخبرني عن هذا الأمر الّذي نتظره متى هو؟ فقال علیه السلام :

یا مهزم، كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون .(1)

1344- وعن إبراهيم بن مهزم، عن أبيه، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

ذكرنا عنده ملوك آل فلان، فقال علیه السلام : إنّما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر، إنّ اللّه لا يعجل لعجلة العباد، إنّ لهذا الأمر غاية ينتهي إليها، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا .(2)

1345- وعن منصور، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام :

یا منصور، إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياس، ولا واللّه حتّى تميّزوا ، ولا واللّه حتى تمحّصوا، ولا واللّه حتّى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد.(3)

1346 - وعن محمّد بن منصور الصيقل، عن أبيه ، قال : كنت أنا والحارث ابن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوساً ، وأبو عبداللّه علیه السلام يسمع كلامنا،

فقال لنا: في أيّ شيء أنتم؟ هيهات هيهات، لا واللّه لا يكون ماتمدّون إليه أعينكم حتّى تغربلوا، لا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تمحّصوا، لا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تميّزوا، لا واللّه ما يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلّا بعد إياس، لا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى يشقی من يشقى، ويسعد من يسعد.(4)

1347- وفي حديث آخر، عن أبي جعفر علیه السلام قال :

إنّ حديثكم هذا لتشمئزّ منه قلوب الرجال، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، إنّه لا بدّ من أن تكون فتنة يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة، حتّى يسقط فيها من يشقّ الشعرة بشعرتين، حتّى لا يبقى إلّا نحن وشیعتنا.(5)

ص: 222


1- الكافي : 368/1 ح2، عنه البحار : 104/52 ملحق ح7.
2- الكافي : 1/ 369 ح7 ، عنه الوافي : 428/2 ح7، عنه البحار : 118/52 ح46.
3- الكافي: 370/1،ح3، 6، عنه الوافي : 2/433، ح 3، 4، و البحار : 111/52 ح20، 23 .
4- الكافي: 370/1،ح3، 6، عنه الوافي : 2/433، ح 3، 4، و البحار : 111/52 ح20، 23 .
5- الكافي : 1/ 370 ح5، عنه البحار : 115/52 ح 36، و الوافي : 2/ 434 ح46.

1348- وفي الوافي، عن الكافي : بإسناده عن أبي المرهف، عن أبي جعفر علیه السلام قال : الغبرة على من أثارها، هلك المحاضير،

قلت : جعلت فداك ، وما المحاضير ؟ قال علیه السلام : المستعجلون، الحديث .(1)

قال في الوافي : المحاضير، إمّا بالمهملات من الحصر، بمعنى ضيق الصدر، وإمّا بالمعجمة بين المهملتين من الحضر بمعنى العَدو.

وقال المجلسي (رحمة اللّه علیه) في البحار : المحاضير جمع المحضير : وهو الفرس الكثير العَدو.

1349- وفي غيبة النعمانيّ : بإسناده عن أبي المرهف، قال :

قال أبو عبداللّه علیه السلام: هلكت المحاضير ، قال : قلت : وما المحاضير؟

قال : المستعجلون، ونجا المقرّبون، وثبت الحصن على أوتادها، الخبر .(2)

1350- وبإسناده عن عبدالرحمان بن كثير، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام يوماً وعنده مهزم الأسدي، فقال :

جعلني اللّه فداك، متى هذا الأمر، فقد طال علينا؟ فقال :

كذب المتمنّون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون، وإلينا يصيرون .(3)

1351- و بإسناده عن أبي جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال :

هلك أصحاب المحاضير، ونجا المقرّبون، وثبت الحصن على أوتادها، إنّ بعد الغمّ فتحاً عجيباً.(4)

1352- وبإسناده عن إبراهيم بن هليل، قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام :

جعلت فداك ، مات أبي على هذا الأمر، وقد بلغت من السنين ما قد تری،

ص: 223


1- الكافي : 8/ 273 ح 411، عنه الوافي : 419/2 ح8، والبحار : 138/52 ح 43.
2- غيبة النعماني : 196 ح5، عنه البحار : 138/52 ح43.
3- غيبة النعماني : 197 ح8، غيبة الطوسي : 426ح413، عنه البحار : 103/52 ح7.
4- غيبة النعماني : 189 ح10، عنه البحار : 52/ 139 ح 47.

أموت ولا تخبرني بشيء؟ فقال : يا أبا إسحاق، أنت تعجل؟ فقلت:

إي واللّه أعجل، وما لي لا أعجل، وقد بلغت أنا من السنّ ما قد ترى؟!

فقال علیه السلام : أما واللّه يا أبا إسحاق، ما يكون ذلك حتّى تميّزوا وتمحّصوا، وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ.(1)

1353- و بإسناده عن عبدالرحمان بن كثير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، في قول اللّه عزّ وجلّ: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)(2)

قال علیه السلام : هو أمرنا أمر اللّه عزّ وجلّ ألّا يستعجل به، حتّى يؤيّده بثلاثة أجناد: الملائكة، والمؤمنون، والرعب، وخروجه علیه السلام كخروج رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وذلك قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ)(3).(4)

1354- وروي في البرهان والمحجّة(5) عن غيبة المفيد بإسناده (مثله).(6)

1355- وفيهما أيضاً عن مسند فاطمة، للشيخ أبي جعفر محمد بن جریر الطبري: بإسناده عن أبان، عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال :

إذا أراد اللّه قيام القائم علیه السلام بعث جبرئيل في صورة طائر أبيض، فيضع إحدى رجليه على الكعبة، والأُخرى على بيت المقدس .

ثمّ ينادي بأعلى صوته : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)

قال : فيحضر القائم فيصلّي عند مقام إبراهيم ركعتین .

ثمّ ينصرف وحواليه أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إنّ فيهم لمن يسرى عن فراشه ليلاً، فيخرج ومعه الحجر، فيلقيه فتعشب الأرض .(7)

ص: 224


1- غيبة النعماني : 208 ح 14، عنه البحار : 113/52 ح 29 .
2- النحل: 1.
3- الانفال : 5.
4- غيبة النعماني : 198 ح9، عنه البحار : 139/52 ح46.
5- البرهان : 403/3 ح1.
6- أخرجه في تأويل الآيات عن المفيد في الغيبة، والظاهر أنّ مراده من المفيد النعماني .
7- دلائل الامامة : 472 ح68، عنه البرهان : 403/3 ح 2، و المحجة : 115.

1356- وروی رئیس المحدّثين في كتاب كمال الدين: بإسناد صحيح عن الصادق علیه السلام ، قال : أوّل من يبايع القائم علیه السلام جبرئيل علیه السلام، ينزل في صورة طير أبيض، فيبايعه، ثمّ يضع رجلاً على بيت اللّه الحرام، ورجلاً على بيت المقدس ثمّ ينادي بصوت طلق، تسمعه الخلائق : «أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ» .(1)

أقول: هذان الحديثان يدلّان على أنّ المراد بأمر اللّه في الآية ظهور القائم عجل اللّه تعالی فرجه وقراءة جبرئيل في تلك الحالة للدلالة على ذلك ، وتعيير للمنكرین والمستعجلين، واللّه العالم.

1357- وفي البرهان ، عن العيّاشيّ: عن هشام بن سالم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته عن قول اللّه تعالى : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) ، قال علیه السلام : إذا أخبر اللّه النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم بشيءٍ إلى الوقت فهو قوله : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) حتّى يأتي ذلك الوقت،

وقال : إنّ اللّه إذا أخبر أنّ شيئاً كائن فكأنّه قد كان.(2)

1358- وفي كتاب حسین بن حمدان : بإسناده عن المفضّل ، عن الصادق علیه السلام في قوله تعالى في سورة حمعسق :

(وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)(3).

إنّ المراد بالساعة وقت ظهور القائم، قلت: يا مولاي، ما معنى يمارون؟

قال : يقولون متى ولد؟! ومَن رآه ؟! وأين هو؟! وأين يكون؟! ومتى يظهر ؟! كلّ ذلك استعجالاً لأمر اللّه، وشكّاً في قضائه ، «أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وإِنَّ لِلْكَافِرِينَ لَشَرّ مَآب».(4)

ص: 225


1- كمال : 671/2 ح18 (نحوه)، عنه البحار : 285/52 ح 18، و عن العيّاشي: 3/3ح3.
2- العياشي: 3/3 ح 2، عنه البرهان : 405/3 ح6، و البحار : 109/52 ح14.
3- الشوری : 17، 18.
4- الهداية الكبرى : 392، عنه البحار : 1/53 .

1359- وفي حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين علیه السلام ، قال :

مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجّل، واستعينوا باللّه واصبروا، ف (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1) لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم.(2)

1360- وفي اكمال الدين واتمام النعمة لابن بابویه: بإسناده إلى الصقر بن أبي دلف، قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا علیهماالسلام و يقول : إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثمّ سكت ، فقلت : یابن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكي علیه السلام بكاءً شديداً .

ثمّ قال : إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر،

فقلت له: يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ولم سمّي القائم؟

قال : لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته ،

فقلت له : ولم سمّى المنتظر؟

قال : لأنّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون.(3)

1361- و بإسناده عن سيّد العابدین علیه السلام قال : فينا أُنزلت هذه الآية (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(4) وفينا أُنزلت هذه الآية : (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)(5) والإمامة في عقب الحسين علیه السلام إلى يوم القيامة،

وإنّ للقائم منّا غيبتين إحداهما أطول من الأُخرى، أمّا الأُولى: فستّة أيام، أو ستّة أشهر، أو ستّ سنين، وأمّا الأخرى : فيطول أمدها حتّى يرجع عن هذا

ص: 226


1- الأعراف : 128.
2- الخصال : 2/ 622.
3- كمال الدین : 378/2 ح 3، عنه البحار : 30/51 ح4 .
4- الانفال : 70.
5- الزخرف : 28 .

الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلّا من قوي يقينه، وصحّت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجاً ممّا قضينا، وسلّم لنا أهل البيت .(1)

1362- وعنه علیه السلام قال : إنّ دين اللّه عزّ وجلّ لا يصاب بالعقول الناقصة ، والآراء الباطلة، والمقائیس الفاسدة، ولا يصاب إلّا بالتسليم،

فمن سلّم لنا سلم، ومن اقتدى بنا هدي، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك، ومن وجد في نفسه شيئاً ممّا نقوله أو نقضي به حرجاً كفر بالّذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم، وهو لا يعلم.(2)

1363- وفي كفاية الأثر للشيخ الاقدم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز الرازي، ويقال القمّيّ (رحمة اللّه علیه) بإسناده عن مولانا الحسن المجتبى علیه السلام ، قال :

خطب رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يوماً، فقال بعد ما حمد اللّه وأثنى عليه :

معاشر الناس، كأنّي أُدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، فتعلّموا منهم، ولاتعلّموهم، فإنّهم أعلم منكم، لا تخلوا الأرض منهم، ولو خلت إذاً لساخت بأهلها.

ثمّ قال علیه السلام : اللّهمّ إنّي أعلم أنّ العلم لا يبيد ولا ينقطع، وأنّك لا تُخلي أرضك من حجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور لكيلا تبطل حجّتك، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، أُولئك الأقلّون عدداً، الأعظمون قدراً عند اللّه، فلمّا نزل عن منبره،

قلت : يا رسول اللّه، أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم ؟ قال : يا حسن، إنّ اللّه يقول : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)(3) ، فأنا المنذر وعليّ الهادي .

قلت : يا رسول اللّه، فقولك: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟

قال : نعم ، هو الإمام والحجّة بعدي، وأنت الحجّة والإمام بعده ،

ص: 227


1- كمال الدين: 1/ 323 ح8، عنه البحار : 134/51 ح1 .
2- كمال الدين : 1/ 324 ح9، عنه البحار : 303/2 ح 41.
3- الرعد: 7.

والحسين الإمام والحجّة بعدك، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسين ولد يقال له : عليّ، سمّي جدّه عليّ، فإذا مضى الحسين قام بالأمر عليّ ابنه، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللّه من صلب عليّ ولداً سمييّ و أشبه الناس بي، علمه علمي و حكمه حكمي، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالی من صلبه مولوداً يقال له: جعفر، أصدق الناس قولاً وعملاً، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولوداً سمّي موسی بن عمران، أشدّ الناس تعبّداً، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب موسى ولداً، يقال له : عليّ، معدن علم اللّه وموضع حكمه فهو الإمام والحجّة بعد أبيه .

ويخرج اللّه من صلب علىّ مولوداً، يقال له : محمّد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب محمّد مولوداً يقال له : عليّ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب عليّ مولوداً يقال له : الحسن، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب الحسن الحجّة القائم، إمام زمانه، ومنقذ أوليائه ، يغيب حتّى لايرى، يرجع عن أمره قوم، ويثبت عليه آخرون: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(1)

ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّ وجلّ ذلك اليوم حتّى يخرج قائمنا، فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً،

فلا تخلو الارض منكم، أعطاكم اللّه علمي و فهمي، ولقد دعوت اللّه أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي، ومن زرعي وزرع زرعي .(2)

الثاني : في بيان أقسام العجلة المذمومة وما يترتّب عليها من الفساد

المقام الثاني : في بيان أقسام العجلة المذمومة، وما يترتّب عليها من الفساد، وسببيّتها للكفر والإلحاد.

الأوّل: أنّه قد توجب العجله في ذلك الأمر وعدم التحمّل والصبر، إتّباعَ

ص: 228


1- یونس: 48.
2- كفاية الأثر : 163، عنه البحار : 338/36 ح 201.

المضلّين، والملحدين، الّذين ادّعوا الظهور، وأضلّوا العارين الغافلين عن أخبار الأئمّة الصدور، فقد موّهوا بتسويلاتهم ودعوا العوام إلى خرافاتهم وضلالاتهم فبعثتهم العجلة في هذا الأمر إلى متابعتهم بلا بيّنة ولا برهان،

مع أن أئمّتنا علیه السلام ذكروا وبيّنوا لنا علامات صاحب الزمان، والعلائم الحتميّة الّتي تقع وتظهر عند ظهوره بأوضح بيان، وأمرونا بالتمسّك بالأمر الأوّل والثبات عليه، وترك النهوض إلى إجابة من يدّعي النيابة، أو الظهور قبل ظهور تلك العلامات، نسأل اللّه العصمة من تسويلات الشيطان .

الثاني: أنّه قد توجب العجلة في ذلك اليأس عن وقوعه، فيكون ثمرة تلك العجلة تكذيب النبيّ والأئمّة علیهم السلام فيما ورد عنهم من الاخبار المتواترة والآثار المتكاثرة من الوعد بوقوعه، والأمر بانتظاره،

وقد مرّ شطر ممّا يدلّ على ذلك فتدبّر .

الثالث : أنّه قد تكون العجلة في ذلك باعثة لإنكار صاحب الامر علیه السلام ، وهذا أشدّ من سابقه، إذ يمكن أن يكون الشخص معتقداً بإمامة الثاني عشر ، وبقائه ، ويكون آیساً من ظهوره بسبب طول الغيبة، وكونه مستعجلاً، فيكون من الهالكين، وهذا القسم الثاني من أقسام العجلة الّتي توجب الهلاك والخسران،

والقسم الثالث أنّ العجلة تجرّه وتفضيه إلى إنكاره من أصله، فيقول بزعمه الفاسد: لو كان لظهر إلى الآن.

والرابع : أنّ العجلة توقعه في الشكّ والإرتياب، وهذا كسابقه يوجب الخروج عن الإيمان، والدخول في زمرة أولياء الشيطان .

1364- وقد قال أئمّتنا في جملة من الروايات : إنّ اللّه تعالی لو علم أنّ اولياءه پرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين، والروايات مذكورة في كمال الدين، وغيبة النعمانيّ وغيرهما من كتب الأخبار .(1)

ص: 229


1- كمال الدين : 2/ 337 ح10، غيبة النعماني : 161 ح 1، غيبة الطوسي : 457 ح468، عنها البحار : 145/52 ح67.

والخامس: ما يوجب الإعتراض على اللّه تعالى في قضائه وقدره، والإعتراض على الإمام في تأخيره للظهور، فيقول : لِمَ لا يظهر؟ ونحو ذلك، فيكون المستعجل فيه بسبب اعتراضه تابعاً للشيطان، حيث اعترض على أمر اللّه له بالسجود لآدم، فقال : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا)(1)

وقد قال اللّه : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...)(2) الآية

1365- وروى الكليني: بإسناد صحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : لو أنّ قوماً عبدوا اللّه وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجّوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشيء صنعه اللّه أو صنعه النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم : ألّا صنع خلاف الّذي صنع؟، أو وجدوا ذلك في قلوبهم، لكانوا بذلك مشركین،

ثمّ تلا علیه السلام هذه الآية: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(3)

ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام : عليكم بالتسليم .(4)

والسادس: قد توجب العجلة نفي الحكمة عن الغيبة ، وهذا في الحقيقة إنكار لعدل اللّه تعالى، ونسبة للقبيح إليه، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً

وقد مرّ بعض حكم الغيبة وطولها في حرف الغين من الباب الرابع فراجع (5) وبعض أسرارها يظهر بظهوره صلوات اللّه عليه .

السابع : أنّه قد توجب العجلة وترك التسليم الإستخفاف بأحاديث الأئمّة الأبرار، الآمرة بالإنتظار، لظهور الإمام الغائب عن الأبصار،

فالعجول بسبب استعجاله يستخفّ بما ورد من الأخبار، فيدخل باستخفافه في زمرة الكفّار، لأنّ الإستخفاف بكلام الأئمّة استخفاف بهم، والإستخفاف

ص: 230


1- الاسراء : 61.
2- الأحزاب: 36.
3- النساء : 65.
4- الكافي : 2/ 398 ح6، المحاسن : 271/1 ح 36، عنه البحار : 2/ 205ح90.
5- تقدّم ج1/ 173.

بهم استخفاف باللّه عزّ وجلّ، والإستخفاف باللّه عزّ وجلّ كفر باللّه تعالى،

نعوذ باللّه تعالى من الغواية بعد الهداية .

1366- روي في كتاب تحف العقول عن الصادق علیه السلام في بيان الكفر والإيمان ، قال : وقد يخرج من الإيمان بخمس جهات من الفعل، كلّها متشابهات معروفات : الكفر، والشرك، والضلال، والفسق، وركوب الكبائر، فمعنی الكفر : كلّ معصية عصي اللّه بها بجهة الجحد، والإنكار، والإستخفاف ، والتهاون في كلّ ما دقّ وجلّ، وفاعله كافر، ومعناه معنی كفر. الحديث .(1)

الثامن : قد توجب العجلة ردّ الأخبار المشتملة على أمر الفرج، وظهور مولانا علیه السلام فإنّ العجول بسبب ضيق صدره وقلّة صبره لمّا طال عليه الأمد تسلّط عليه الشيطان ، فقال : لعلّ هذه الأخبار لم تكن صادرة عن الأئمّة الأطهار ، ولعلّ المنتحلين لهذا المذهب، أو بعض رواتها وضعوها لبعض المصالح الراجعة إليهم، فيقوي في باله هذا الخيال حتّى يؤول أمره إلى ردّ الأخبار، ویرد دار البوار، جهنّم يصلونها وبئس القرار،

مع أنّ ردّ ما يرويه ثقاتهم عنهم علیهم السلام ردّ عليهم وكفر بحقّهم.

1367- كما في رواية عمر بن یزید المرويّة في الوسائل وغيره، قال :

قلت لأبي عبداللّه : أرأيت من لم يقرّ بما يأتيكم في ليلة القدر كما ذكرت، ولم يجحده قال علیه السلام :

أمّا إذا قامت عليه الحجّة ممّن يثق به في علمنا، فلم يثق به، فهو كافر .(2)

التاسع : قد تكون العجلة في بعض الأشخاص سبباً لتأويل الأخبار الواردة عن الأئمّة علیهم السلام إلى ما يشتهيه ، ممّا هو خلاف صريح الأخبار، أو ظاهرها،

فيقع بذلك في وادي الضلال، لأنّه يؤدّي إلى نسبة الإضلال إلى حجج

ص: 231


1- تحف العقول : 330، عنه الوسائل: 24/1 ح 15.
2- بصائر الدرجات : 224 ح 15، عنه الوسائل : 26/1 ح 19، و البحار : 21/97 ح46.

الخالق المتعال، ألا ترى أنّ كثيراً من الضالّين المضلين من الأوّلين والآخرين قد ضلّوا وأضلّوا بسبب فتح باب التأويل في كلام الإله الجليل، ورسوله وخلفائه علیهم السلام ولم يدروا أنّ التكلّم بكلام له ظاهر، وإرادة غيره من غير نصب دلالة ظاهرة وقرينة واضحة، إضلال للناس وقبيح عند العقلاء! وقد قال اللّه تعالى في خصوص متشابهات القرآن : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(1).

وهؤلاء الحمقاء يؤوّلون ظواهر الأخبار ونصوصها إلى ما تهواه أنفسهم، بآرائهم الفاسدة، وتخيّلاتهم الكاسدة، من غير دليل يقتضيه ، ولاشاهد يرتضيه ، وذلك لضيق صدرهم، وقلّة صبرهم في طول الغيبة وشدّة المحنة.

اللّهمّ إنّا نعوذ بك من الضلالة بعد الهداية، فأعذنا يا ربّ بحقّ أوليائك المقرّبين آمين ربّ العالمين.

العاشر: قد يوجب قلّة الصبر والعجلة في الأمر العزم القلبي بأنّه لو لم يقع إلى الوقت الفلانيّ لانكره وكفر به وهذا يدخله في زمرة الشاكّين الهالكين، فإنّ هذا ناشئ من أحد أمرين : إمّا الشكّ في صدق أقوال الأئمّة علیهم السلام، نعوذ باللّه تعالى، وإمّا الشكّ في صدق الرواة الثقات، الّذين أمرنا الأئمّة علیهم السلام بتصديقهم فيما أدّوا عن الأئمّة علیهم السلام .

1368- وقد ورد في التوقيع الشريف الوارد عن القاسم بن العلا المرويّ في جملة من الكتب المعتبرة، كالوسائل وغيره ما هذا لفظه:

لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرّنا، ونحمّلهم إيّاه إليهم، الحديث، وفي معناه روایات كثيرة .(2)

الحادي عشر: قد يوجب ذلك الشكّ في صدق سائر الأخبار المرويّة عن الأئمّة علیه السلام أو ردّها، زعماً، من العجول الّذي لم يبن اعتقاده على اساس قویم،

ص: 232


1- آل عمران : 7.
2- الكشّي : 536 ج 1020، عنه الوسائل : 108/18 ح40.

وأصل ثابت، وأنّ الاخبار الصادرة في الوعد بالفرج والظهور غير صادقة ، من حيث الشكّ في الراوي أو المروي عنه، ومقایسة لسائر الأخبار المرويّة عنهم في سائر الأُمور من الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، وغيرها على تلك الأخبار، فيدخل بذلك في زمرة الضالّين والكفّار، نعوذ باللّه تعالی.

الثاني عشر : قد يستهزئ الشخص العجول بسبب عدم اعتقاده أوشكّه، المسبّب عن قلّة صبره، وضيق صدره بالمؤمنين الموقنين المنتظرين للفرج والظهور، فيكون بذلك مستهزئاً باللّه عزّ وجلّ، وبأوليائه علیهم السلام .

ولا ريب في كفر هذا المستعجل، وعناده للّه تعالی شانه ، (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(1)

وسبيله سبیل قوم نوحٍ الكافرين الّذين قال اللّه تعالى فيهم: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ)(2).

الثالث عشر: قد يوجب الإستعجال السخط على الخالق المتعال وعدم الرضا بقضائه، وهذه الصفة من الصفات الموبقة، والاخلاق المردية .

1369- ولهذا ورد في الدعاء المروي عن العمريّ رضي اللّه تعالى عنه، وهو مأخوذ عن صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه: «وأنت العالم غير معلّم بالوقت الّذي فيه صلاح أمر وليّك، في الإذن له بإظهار أمره، وكشف ستره، فصبّرني على ذلك حتّى لا أُحبّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت، ولا أكشف عمّا سترته، ولا أبحث عمّا كتمته، ولا أُنازعك في تدبيرك ... إلخ.(3)

الرابع عشر : قد يوجب التعجيل وعدم الصبر في بعض الاشخاص ترك الدعاء بتعجیل فرج صاحب الزمان سلام اللّه عليه فيحرم من المكارم والفوائد

ص: 233


1- البقرة : 15.
2- هود: 38، 39.
3- كمال الدين : 512/2 ح43، عنه البحار: 327/95 ح3.

المرتّبة عليه: أي على الدعاء بتعجیل فرجه ، وذلك بسبب أنّه يدعو لذلك الأمر مدّة من زمانه، وبرهة من أوانه، ويرى أهل الدعاء والولاء أيضاً مشتغلين بهذا الدعاء ، ثمّ يرى تأخّر الفرج والظهور، وعدم نيله بالفرح والسرور، فيزعم بسبب عدم صبره واستعجاله في أمره أنّ تلك الدعوات غير مؤثّرة في حصول مطلوبه فيصير هذا سبباً لتركه الدعاء بتعجيل الفرج، غافلاً عن كون الدعاء - كسائر الدعوات - مشروطاً بشروط وصفات، لا يظهر أثره إلّا بعد حصولها فيه.

وهذا لا ينافي الأمر به وترتّب الفوائد عليه ، كما أنّ الصلاة مثلاً مأمور بها، وتترتّب عليها آثار جليلة ومثوبات جزيلة، لكن إذا أتى شخص بصورة الصلاة من دون اجتماع الشرائط فيها لم يكن ممتثلاً لأمر مولاه، ولا يحصل له ما يتمنّاه من فوائد الصلاة، وآثارها، بل يكون معاقباً أيضاً، فاللازم على الداعي أن يجتهد في تحصيل شروط الدعاء حتّى يفوز بما يلتمسه ويتمنّاه .

فإن قلت : قد ورد في الروايات أنّ النبيّ والأئمّة علیهم السلام يدعون بتعجيل ظهور صاحب الأمر علیه السلام ، ولا ريب في أنّ دعاءهم جامع لجميع شرائط الصحّة والكمال، ومع ذلك لم يقع الظهور إلى الآن، مع أنّ استجابة دعواتهم ممّا لا ريب فيه عند أهل الإيمان . قلنا: الجواب عن ذلك من وجهين :

أحدهما : أنّ الأخبار ناطقة بأنّ ظهور صاحب الأمر علیه السلام من الأُمور البدائيّة الّتي تقبل التقديم والتأخير، وإن كان أصل وقوعه من الأُمور المحتومة الّتي وعد اللّه تعالی بوقوعها ألبتّة، وهو لا يخلف الميعاد،

فيمكن أن يقع في وقت أسرع بسبب دعائهم علیهم السلام ، وهذا الوقت لم يأن إلى الآن، ولولا دعاؤهم لتأخّر عنه أيضاً.

والثاني: أنّ الأخبار ناطقة أيضاً بأنّ لتعجيل ظهوره موانع عديدة، سوى ترك الدعاء، وترك الدعاء أيضاً أحد الموانع، فإذا اهتمّ المؤمنون به إرتفع ذلك وتقدّم وقت الفرج بسبب الدعاء، فيجب الإهتمام أيضاً في رفع سائر الموانع،

ص: 234

وقد تقدّم ذكر تلك الموانع في حرف الغين المعجمة من الباب الرابع،

فاغتنم وراجع، ولو ترك الدعاء لكان التأخير أكثر .

وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا منافاة بين الأمر بالدعاء في تعجيل الفرج والظهور والأخبار الناهية عن الاستعجال، وأنّ العجلة المذمومة ما كانت من قبيل الأقسام المذكورة التي فصلناها لك.

وأمّا الدعاء بتعجيل الفرج مع كون الداعي من أهل التسليم والرضا بما حتمه اللّه عزّ وجلّ في قضائه وقدره فهو ممّا أمر اللّه تعالى وأولياؤه به، وحثّوا عليه .

فالداعي يفوز بإحدى الحسنيين : إمّا ظهور مولاه في زمانه ، مع نيله بسائر فوائد الدعاء إن لم يكن التأخّر عن ذلك الزمان من المحتومات، الّتي لا أثر للوسائل في تبديلها، كما ورد في الدعاء عن سيّد الساجدين علیه السلام :

1370- «ويا من لا تبدّل حكمته الوسائل»(1) فيكون ذلك نظير طول العمر الموقوف على صلة الأرحام مثلاً إذا لم يكن غيره محتوماً، وإمّا فوزه بسائر الفوائد، ودخوله في زمرة الداعين والمنتظرين، فالدعاء بتعجيل الفرج على كلّ حال مأمور به، و مرغوب فيه، ولا تنافي بينه وبين النهي عن العجلة.

والحاصل : إنّ العجلة المذمومة ضدّ الصبر والتسليم، وجميع الأقسام الّتي فصّلناها يدخل تحت هذا العنوان، ولا ريب أنّ الدعاء ومسألة تعجیل فرج صاحب الزمان علیه السلام من الخالق المنّان خارج عن ذلك العنوان، بل هو إظهار يقين وإيمان بأنّ ظهوره وتهيئة أسباب فرجه خارج عن قدرة كلّ أحد إلّا اللّه تعالى، وامتثال لأمره بالدعاء، فلذلك يسأله العبد من اللّه تعالی.

وبتقرير آخر نقول : إنّ التعجيل من العبد إظهار للإختيار، وترك للتسليم ومعاجلة للأمر قبل بلوغه، وهو يوجب الندامة ،

كما سبق في كلام أمير المؤمنين علیه السلام ومسألة التعجيل من الملك الجليل

ص: 235


1- الصحيفة السجاديّة الجامعة : 84 د 39.

تعالی شأنه ، إعتراف بالعبوديّة، وإذعان للّه عزّ وجلّ بالقدرة والمشيّة، والحول والقوّة، ولنفسه بالعجز، وبأن لا حول ولا قوّة ولا حيلة .

فحقيقة الدعاء الإنقطاع بكلّيّة وجوده إلى اللّه تعالى، واستجابة لأمره عزّ وجلّ، واعتراف من العبد لنفسه بالعجز والإنكسار، وأن لا حول ولا قوّة له، ولا اختيار، ولهذا ورد أنّ الدعاء مخّ العبادة(1)، وفّقنا اللّه تعالی وسائر المؤمنين للإهتمام بالدعاء، مع الرضا والتسليم، إنّه مجیب كریم .

23- التصدّق عنه نيابة ودليل صحّة النيابة عن الحيّ

الأمر الثالث والعشرون : التصدّق عنه نيابة وهذا من علامات مودّته، وولايته

ويدلّ على حسنه ورجحانه ما ورد في مدح التصدّق عن سائر المؤمنين ، والصلاة عنهم، كما مرّ، فإنّ مولاهم أفضلهم، والصدقة عنه أفضل من الصدقة عنهم، مضافاً إلى فحوى ما ورد في الحجّ، بنيابة الإمام، والطواف، والزيارة ، وغيرها، فمن تتّبع ذلك ونحوه يعرف رجحان الإتيان بكلّ عمل صالح بنيابة عنه صلوات اللّه وسلامه عليه.

وقد أوصى السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس رضي اللّه تعالى عنه وأمر ولده في كتاب كشف المحجّة، في كيفيّة آدابه ووظائفه بالنسبة إلى مولانا صاحب الزمان علیه السلام بأُمور - إلى أن قال : فكن في موالاته، والوفاء له وتعلّق الخاطر به على قدر مراد اللّه ومراد رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ومراد آبائه ومراده علیه السلام منك، وقدم حوائجه على حوائجك، عند صلوات الحاجات، والصدقة عنه قبل الصدقة عنك وعمّن يعزّ عليك، والدعاء له قبل الدعاء لك، وقدّمه في كلّ خير يكون وفاء له، فإنّه يكون مقتضياً لإقباله عليك ، وإحسانه إليك إلى آخر ما قال « أعلى اللّه تعالی شانه و مقامه ، وزاد إكرامه» هذا مضافاً إلى أنّ ذلك من أقسام الصلة للإمام علیه السلام ،

ويأتي فضل الصلة إن شاء اللّه تعالی .

ص: 236


1- الدعوات: 18 ح8، عنه البحار : 300/93 ذح 37.

1371- ويدلّ على المقصود وعلى كون التصدّق ونحوه صلة، خبر عليّ ابن أبي حمزة، المرويّ في الوسائل، والبحار وغيرهما، قال :

قلت لابي إبراهيم علیه السلام : أحجّ وأُصلّي، وأتصدّق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟

قال علیه السلام: نعم، تصدّق عنه، وصلّ عنه، ولك أجر بصلتك إيّاه، إنتهى .(1)

أقول: لفظ السؤال وإن كان خصوص القرابة والأصحاب، لكن لا ريب في أنّ ذكرهما بالخصوص من جهة أنّ الغالب من حال الإنسان أنّه لا يحجّ ولا يتصدّق ولا يصلّي ولا يزور ولا يفعل فعلاً حسناً إلّا عمّن كان له خصوصيّة وارتباط بينه وبين هذا النائب، الّذي يفعل ذلك الفعل الحسن كما نرى بالعيان، من حال أفراد الإنسان، ولهذا ذكرهما في السؤال فتبيّن أنّ ذكرهما من باب المثال

والمراد هو السؤال عن جواز النيابة في الطاعات، والخيرات عن الأحياء والأموات، من المؤمنين والمؤمنات، فأجاب الإمام علیه السلام عن سؤاله بنحو أبلغ وأتمّ، حيث أنّه علیه السلام بيّن للسائل جواز ذلك، بقوله: نعم، ثمّ أراد بيان حسنه واستحبابه، فأمر بذلك بعد أن بيّن له جوازه بقوله تصدّق عنه، وصلّ عنه، ثمّ أراد حضّه وترغيبه إلى هذا العمل، بيان فضله وثوابه، فقال علیه السلام:

ولك أجر آخر، ثمّ أراد بيان وجه إستحقاقه الأجر والثواب فنبّه عليه بقوله : بصلتك إيّاه ، فجمع له في هذا الكلام الحكم بالجواز بالمعنى الأعمّ والإستحباب والترغيب إليه بذكر الأجر والثواب، وأنّه بسبب كونه صلة للقرابة والأصحاب.

فانظر وتدبّر أيّها العاقل المتفطّن، أنّه إذا كان الشخص يستحقّ الأجر لصلته أحداً من إخوانه المؤمنين بالتصدّق عنه، فكيف لا يستحقّ أعظم من ذلك بصلته صاحب الامر علیه السلام بالتصدّق عنه، بلى يستحقّ ويفوز بأفضل ثواب المتصدّقين لصدور هذه العبادة نيابة عنه عن افضل العالمين.

ص: 237


1- الوسائل : 367/5 ح9، البحار: 310/88 س22.

ولا ريب أنّه كلّما كان الإرتباط والخصوصيّة بينه وبين إمامه سلام اللّه عليه أكمل وأتمّ، كان ثوابه في التصدّق عنه أوفي وأتمّ، نسأل اللّه تعالى أن يمنّ علينا وعلى سائر المؤمنين بكمال مودّته وخدمته، إنّه قريب مجيب.

ويشهد له ما ذكرنا من كون التصدّق عن الإمام علیه السلام أفضل من الصدقة عن غيره، مضافاً إلى حكم العقل بذلك، ومضافاً إلى كونه من أقسام الصلة للإمام،

وسيأتي ما يدلّ على فضله ما في تفسير العسكري علیه السلام

وسنذكره هناك إن شاء اللّه تعالى، فانتظر .(1)

تنبيه وإرشاد للسالك المرتاد: إعلم أنّه يستفاد من خبر عليّ بن أبي حمزة المذكور(2) جواز النيابة في الأعمال البرّيّة من الصلوات والصدقات وغيرها عن أحياء المؤمنين والمؤمنات .

وجه الدلالة أنّ الظاهر من سؤال الراوي وجواب الإمام علیه السلام كون ذكر الحجّ والصلاة والصدقة من باب المثال، لا لخصوصيّة في المذكورات، والمراد السؤال عن جواز النيابة في جميع المندوبات والطاعات، وذلك من وجهين :

أحدهما: أنّ الإمام اقتصر في الجواب على ذكر الصدقة والصلاة وترك الحجّ، مع كون النيابة في الحجّ معروفاً ثابتاً بحسب الروايات والآثار، ولم ينقل الإشكال فيه عن العلماء الأخيار،

فيظهر من ذلك أنّ الإمام علیه السلام فهم المثاليّة أيضاً من ذكر الصدقة والصلاة والحجّ في سؤاله، وهذا لم تكن حاجة إلى ذكر جميع ما سئل عنه.

والثاني: تعليله علیه السلام الجواز بل الإستحباب بقوله: ولك أجر آخر بصلتك إيّاه ، دلّ على كون النيابة في الطاعات والعبادات عن المؤمنين والمؤمنات صلةً لهم وإحساناً إليهم، ولهذا استحقّ النائب أجراً آخر مضافاً إلى أجر أصل العبادة بسبب صلته لهم، وإحسانه إليهم.

ص: 238


1- يأتي ص312 ح 1458.
2- تقدّم ص 237 ح 1371.

أمّا العبادات الواجبة فقد ثبت بالدليل شرطيّة المباشرة فيها وعدم جواز النيابة عن الأحياء، إلّا الحجّ، وبيان ذلك موكول إلى محلّه.

والخبر المذكور وإن كان ضعيفاً بعليّ بن أبي حمزة الواقفي،

لكن قد ثبت في موضعه الإكتفاء في المستحبّات بالخبر الضعيف أيضاً.

1372- والدليل على ذلك عدّة روایات مستفيضة مذكورة في الكافي والوافي وغيرهما من كتب الأخبار والفقه والأُصول، دالّة على أن من بلغه ثواب على شيء من الخير فعمله رجاء ذلك الثواب أوتيه، وإن لم يكن الحديث على ما بلغه .(1)

فهاهنا أمران ثابتان : أحدهما كون مطلق العبادات خيراً،

والثاني كون النيابة فيها إلّا ما خرج عن الأحياء والأموات أمراً مرغوباً إليه، بمقتضى الخبر المذكور ولا مانع فيه سوى تخیّل كونه تشریعاً، يدفعه الإتيان بها رجاء، نظراً إلى الخبر المذكور، وأخبار من بلغه ثواب على عمل.

ويمكن الإستدلال للمطلوب بوجه آخر، وهو أن يقال : قد ثبت بالخبر المذكور جواز النيابة، بل استحبابها عن الأحياء في الصلوات المندوبة ، فيسري الحكم المذكور في سائر الطاعات والعبادات المرغوبة بعدم القول بالفصل، لأنّ من قال بالجواز في الصلاة قال في غيرها، ومن لم يقل فيها لم يقل في غيرها،

فالقول بالصلاة دون غيرها إحداث قول ثالث، وهو خرق للإجماع المركّب وهذا الوجه ذكره الشيخ المحقّق الأنصاري (رحمة اللّه علیه) في بعض رسائله، وفيه نظر للتأمّل في حجّيّة الإجماع المنقول كماتقرّر في محلّه لكنّه يصلح للتأييد .

ويمكن الإستدلال للمطلوب أيضا بالإستقراء، لأنّ عمدة العبادات المندوبة الصلاة والحجّ والصدقات والطواف والرباط والزيارات والأضحية،

وقد ثبت بالروايات جواز النيابة بل استحبابها فيها، فيتعدّى إلى غيرها .

ص: 239


1- الكافي : 87/2 ح 1 و 2، عنه الوافي : 299/1 ح 10، و البحار : 256/2 ح 3 و 4.

ويمكن الخدشة في ذلك أيضاً، لأنّه استقراء ظنّي وليس حجّة عندنا، ولكن يمكن أن يستظهر من التعليلات الواردة في أخبار النيابة في الحجّ والطواف وغيرهما بكونها صلة للّذي يفعلها نيابة عنه،

ولذلك يضاعف للنائب الأجر إن فعل العبادات المستحبّة نيابة عن المؤمنين مطلقاً، صلة لهم، وإحساناً إليهم، ورجحان الصلة والإحسان إلى أهل الإيمان غير خفيّ على مستقيمي الأذهان، فتدبّر .

1373- وقد يستدلّ لصحّة النيابة في الصلاة عن الحي بخبر محمّد بن مروان المرويّ في أُصول الكافي قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام:

ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين؟! أن يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما فيكون الّذي صنع لهما، وله مثل ذلك، فيزيده اللّه عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيراً كثيراً، إنتهى .(1)

وجه الإستدلال ظهور قوله علیه السلام يصلّي عنهما إلى آخره، في بيان كيفيّة برّ الوالدين في حياتهما ومماتهما فقد فهم ذلك جمع من فقهائنا رحمهم اللّه، وادّعوا ظهور هذا الكلام في ذلك المرام، لكن العلّامة المجلسي الثاني في مرآة العقول جعله بياناً لكيفيّة البرّ حال مماتهما(2)، فتأمّل.

ويمكن الاستدلال للمقصود بقوله عزّ وجلّ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)(3)، فإنّ التعاون قد يستعمل في التظاهر على أمر يريده المتعاونون، وقد يستعمل في تحمّل شخص عن آخر أمراً فيه صلاحه وانتفاعه، والنيابة عن المؤمن في الطاعات من هذا القبيل، كما لا يخفى على من سلك سواء السبيل

والحاصل أنّ المستفاد من جميع ما ذكرنا - دليلاً وتاییداً - إستحباب النيابة في الطاعات المندوبة عن الميّت والحيّ من المؤمنين والمؤمنات .

ص: 240


1- الكافي : 159/2 ح7، عنه الوافي : 494/5 ح2، و البحار: 46/74 ح7.
2- مرآة العقول: 416/8 .
3- المائدة : 2.

وممّن يظهر منه الميل إلى ذلك الشيخ المحقّق الأنصاري (رحمة اللّه علیه) في رسالة القضاء عن الميّت، حيث أنّه بعد نقل خبر عليّ بن أبي حمزة(1)

قال : وظاهر الصلاة عن الغير النيابة عنه لا فعلها وإهداء الثواب إليه .

فيدل على جواز النيابة عن الحيّ في الصلاة، وإطلاق الصلة والبرّ على ذلك يشعر بعموم رجحان النيابة عن الحيّ في كلّ فعل حسن.

ثمّ إذا جاز الصلاة عنه جاز غيرها، لعدم القول بالفصل - ظاهراً - بينها وبين غيرها، بل قد روي جواز الاستنابة في الصوم الواجب بالنذر عن الحيّ، فقد روي في الفقيه عن عبداللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار(2) بل يمكن استفادة عموم النيابة في كلّ الأعمال الواجبة عدا ما دلّ الإجماع على عدمه، من الأخبار الدالّة على مشروعيّة قضاء دين اللّه عمّن هو عليه تبرّعاً، ثمّ إثبات مشروعيّة النيابة في المستحبّات بعدم القول بالفصل، فتأمّل إنتهى كلامه، رفع مقامه.

وممّن يظهر منه القول بذلك الشيخ المحقّق صاحب الجواهر في كتاب الوكالة، أنه رضي اللّه تعالی عنه بعد التصريح بجواز النيابة في صلاة الطواف والزيارة

قال : وأمّا غيرهما من النوافل، ومطلق الصوم المندوب، ففي المسالك في جواز التوكيل فيه نظر، وإطلاق جماعة من الأصحاب المنع من الإستنابة في العبادات يشملها وإن تقيّد الإطلاق في غيرها.

قلت : يستفاد من النصوص مشروعيّة إهداء الثواب في جميع المندوبات للحيّ والميّت، بل قد يستفاد منها فعلها عنه على وجه يترتّب الثواب له، كما أشرنا إليه سابقاً في العبادات ، نعم، لا دليل على شرعيّة النيابة فيه على وجه يسقط خطاب الندب عن المكلّف، بل هو باق على ندبيّته له وإن ترتّب ثواب له على فعل الغير بنيّة النيابة عنه ، فلاحظ وتأمّل .

ص: 241


1- تقدّم ص 237 ح 1371.
2- الفقيه: 374/3 ح4314، عنه الوسائل: 195/16 ح1 .

ومن ذلك يعلم الحال في إطلاق عدم جواز النيابة في العبادات حتّى جعله في المسالك أصلاً وإن خرج منه ماخرج بالأدلّة الخاصّة، وفيه أنّه ليس في العبادات . إلّا الفعل بقصد القربة، وأنّ الشارع جعل ذلك سبباً لترتّب الثواب عليه، وهو غير مناف للنيابة فيه، فيندرج في عمومها، الّذي مقتضاه مشروعيّة جعل فعل الغير فعل الإنسان نفسه ، بالإذن والتوكيل من الطرفين، وهذا أمر شامل للعبادة وغيرها، فتأمّل، فإنّه دقیق نافع، وإنّه من ثمرات الأصل الّذي ذكرناه ، وخصوصاً بعد التأمّل، فما جاز من النيابة فيه حال الحياة، وبعد الموت وخصوصاً الماليّة منها، فتأمّل جيّداً، واللّه العالم . إنتهى كلامه رفع مقامه.

أقول: مراده بالأصل الّذي أشار إليه أصالة جواز النيابة والوكالة في جميع الأشياء إلّا ماعلم خروجه عن هذا الأصل بالدليل، وقد جعل (رحمة اللّه علیه) هذا الأصل مرجعاً في كلّ ما شكّ في كونه قابلاً للنيابة وعدمه، لكنّ في ثبوت هذا الأصل نظر، وما ذكره مستنداً لا ينهض دليلاً، وتفصيل القول في ذلك موكول إلى محلّه

وممّن يظهر منه جواز النيابة في الصلوات المندوبة عن الأحياء المحقّق (رحمة اللّه علیه) في الشرائع، فإنّه خصّ المنع من النيابة في حال الحياة بالصلوات الواجبة ، حيث قال : أمّا ما لا تدخله النيابة فضابطه ما تعلّق قصد الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرة كالطهارة مع القدرة، وإن جازت النيابة في غسل الأعضاء عند الضرورة، والصلاة الواجبة ما دام حيّاً، إلى آخر كلامه زيد في علوّ مقامه.

1374- وربّما يتوهّم التعارض بين خبر عليّ بن أبي حمزة السابق، وما روي عن عبداللّه بن جندب ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام أسأله عن الرجل یرید أن يجعل أعماله من البرّ والصلاة والخير أثلاثاً: ثلثاً له وثلثين لابويه، أو يفردهما من أعماله بشيءٍ ممّا يتطوّع به وإن كان أحدهما حيّاً والآخر ميّتاً، فكتب إلىَّ: أمّا الميّت فحسن جائز، وأمّا الحيّ فلا ، إلّا البرّ والصلة، إنتهى .(1)

ص: 242


1- قرب الاسناد: 311 ح 1212، عنه الوسائل : 368/5 ح16، و البحار : 67/74 ح 39 .

أقول: لامعارضة بينهما، لأنّ الظاهر من هذه المكاتبة السؤال عن الإهداء ، لا النيابة، فيقع التعارض بينها وبين الأخبار الدالّة على جواز إهداء الأعمال وثوابها ، المذكورة في محلّها، ولو سلّم كون المراد منها النيابة، فالجمع بينها وبين الخبر السابق المويّد بماعرفت : ماحكي عن السيّد بن طاووس رضي اللّه عنه من حمل الصلاة في المكاتبة على الصلاة الواجبة .(1)

قال بعد نقل المكاتبة : لا يراد بهذه الصلاة المندوبة، لأنّ الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات والحجّ وغيرهما، إنتهى كلامه رفع مقامه.

٢4- التصدّق بقصد سلامته علیه السلام

الأمر الرابع والعشرون : التصدق بقصد سلامته

ولا ريب في رجحان ذلك واستحبابه، نظراً إلى أنّه من أقسام المودّة في القربي الّتي أمر اللّه بها عباده في كتابه ، ألا ترى أنّك إذا أحببت ولدك أو أحداً يعزّ عليك، وتحذر عليه، تتصدّق بقصد سلامته، فمولاك أحقّ من كلّ أحدٍ بذلك، مضافاً إلى أنّه من أقسام الصلة للإمام، وهذا واضح لأولي الأفهام، كما أنّ الفرق بين هذا و سابقه واضح بأدنی تأمّل إن شاء اللّه.

1375- وممّا يشهد لما ذكرناه من الإهتمام في التصدّق بنیابته أو بقصد سلامته ما رواه الصدوق (رحمة اللّه علیه) في مجالسه بإسناده عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ، قال :

لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذاتي أحبّ إليه من ذاته .(2)

وقد مرّ هذا الخبر بطريق آخر ومقتضاه محبوبيّة إظهار المحبّة بالنسبة إليهم سلام اللّه عليهم بنحو ما يعمل المؤمن لنفسه، وأهله، وأولاده ، وعترته،

وهذا باب واسع، يستفاد منه فوائد كثيرة، كما لا يخفى على أهل البصيرة، وسنشير إلى أصناف صلة الإمام علیه السلام إن شاء اللّه تعالی.

ص: 243


1- راجع إلى البحار : 313/88.
2- أمالي الصدوق : 414 ح9، عنه البحار : 75/27 ح4.

25 و 26 - الحجّ نيابة عنه علیه السلام ، وبعث النائب ليحجّ عنه علیه السلام

الأمر الخامس والعشرون، والسادس والعشرون : الحجّ نيابة عنه صلوات اللّه عليه، وبعث النائب ليحجّ عنه

وهذا كان أمراً متداولاً ومعتاداً في الشيعة في قديم الأزمان ويدلّ على حسنه ورجحانه، مضافاً إلى أنّه صلّة وبرّ ومودّة من المؤمن إلى إمام زمانه علیه السلام عدّة روایات مرويّة في كتب أصحابنا رضي اللّه تعالى عنهم،

منها : ما ورد في استحباب الحجّ نيابة عن المؤمنين مطلقاً وفضل ذلك .(1)

1376- كرواية ابن مسكان المرويّة في الكافي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

قلت له علیه السلام : الرجل يحجّ عن آخر، ماله من الأجر والثواب؟

قال علیه السلام : للّذي يحجّ عن رجل أجر وثواب عشر حجج .(2)

1377- وروى الصدوق في الفقيه، عن الصادق علیه السلام : سئل عن الرجل يحجّ عن آخر أله من الأجر والثواب شيء؟ فقال علیه السلام : للّذي يحجّ عن الرجل أجر وثواب عشر حجج، ويغفر له، ولابيه، ولأُمّه، ولابنه، ولابنته، ولاخيه، ولأُخته، ولعمّه، ولعمّته، ولخاله، ولخالته ، إنّ اللّه تعالى واسع كریم .(3)

1378- وفي الكافي: بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

من حجّ فجعل حجّته عن ذي قرابته يصله بها، كانت حجّته كاملة، وكان للّذي حجّ عنه مثل أجره، إنّ اللّه عزّ وجلّ واسع لذلك .(4)

أقول: دلّ هذان الحديثان وغيرهما ممّا لم نذكره طلباً للإختصار على استحباب النيابة في الحجّ عن المؤمنين والمؤمنات، الاحياء منهم والاموات خصوصاً إذا كان من ذوي القرابات، فالنيابة فيه عن مولانا صاحب الزمان ، أعظم قدراً، وأفضل أجراً، لانّه أعظم أهل الإيمان قدراً، وأفضلهم شأناً وأجراً

ص: 244


1- الوسائل : 138/8 باب 25.
2- الكافي : 312/4 ح 2، عنه الوسائل : 115/8 ح 3.
3- الفقيه : 2/ 222 ح 2239.
4- الكافي : 316/4 ذح7، عنه الوسائل : 8/ 133 ح2، وج461/9 ح2.

خصوصاً بملاحظة ما قدّمناه من الروايات المصرّحة بأنّ رعاية قرابة الرسول صلی اللّه علیه وآله وسلم أهمّ وأفضل، وأعظم.

1379- ومنها : الروايات الدالّة على فضل تشريك المؤمنين مطلقاً في الحجّ المندوب، فإنّها تدلّ بفحاويها على استحباب الحجّ التامّ عن كلّ مؤمن، بطریق أولي، فيظهر منها استحباب الحجّ عن إمام المؤمنین، بنحو أولى فأولی،

كرواية محمّد بن الحسن المرويّة في الكافي وغيره : عن أبي الحسن علیه السلام ،

قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : لو اشركت ألفاً في حجّتك، لكان لكلّ واحد حجّة، من غير أن تنقص حجّتك شيئاً.(1)

1380- وفيه: بإسناده عن محمّد بن إسماعيل قال :

سألت أبا الحسن علیه السلام كم أُشرك في حجّتي؟ قال : كم شئت .(2)

1381- وفيه : عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له علیه السلام : أُشرك أبويّ في حجّتي؟ قال: نعم، قلت: أشرك إخوتي في حجّتي؟ قال: نعم، إنّ اللّه عزّ وجلّ جاعل لك حجّاً ولهم حجّاً، ولك أجر بصلتك إيّاهم،

قلت : فأطوف عن الرجل والمرأة وهم بالكوفة؟ فقال علیه السلام : نعم،

تقول حين تفتتح الطواف : «اللّهمّ تقبّل من فلان» الّذي تطوف عنه .(3)

أقول: ذيل الحديث مصرّح بأنّ المراد التشريك في الفعل من أوّل الأمر، لا التشريك في الثواب بعد فعله لنفسه ، فتدبّر .

ومنها: ما دلّ على بعثهم علیهم السلام النائب إلى مكّة ليحجّ عنهم، وإعطائهم الأُجرة، فيظهر من ذلك حسن النيابة فيه عن الإمام الحيّ سلام اللّه عليه ، للجزم بعدم الخصوصيّة في بعضهم علیهم السلام في هذا الحكم، وعدم خصوصيّته في كون النيابة بأُجرة، بل المتبرّع بذلك أفضل قدراً وأعظم أجراً، كما لا يخفی :

ص: 245


1- الكافي : 317/4 ح10، 9، عنه الوسائل: 143/8 ح4، 142 ح1.
2- الكافي : 317/4 ح10، 9، عنه الوسائل: 143/8 ح4، 142 ح1.
3- الكافي : 4/ 315 ح 1، عنه الوسائل : 132/7 ح1.

1382- روي في الوسائل : عن تهذيب الشيخ بإسناده عن محمّد بن عیسی اليقطيني، قال: بعث إليَّ أبو الحسن الرضا علیه السلام رزم ثياب، وغلماناً، وحجّة لي، وحجّة لاخي موسى بن عبيد، وحجّة ليونس بن عبدالرحمان، وأمرنا أنّ نحجّ عنه، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثاً فيما بيننا، الحديث .(1)

1383- ومنها ما في الكافي: بإسناده عن موسى بن القاسم البجلي، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : يا سيّدي إنّي أرجو أن أصوم في المدينة شهر رمضان، فقال : تصوم بها إن شاء اللّه، قلت: وأرجو أن يكون خروجنا في عشر من شوّال، وقد عوّد اللّه زيارة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وأهل بيته ، وزيارتك، فربّما حججت عن أبيك، وربما حججت عن أبي، وربّما حججت عن الرجل من إخواني، وربّما حججت عن نفسي، فكيف أصنع؟ فقال علیه السلام : تمتّع،

فقلت : إنّي مقيم بمكّة منذ عشر سنين؟ فقال علیه السلام : تمتع .(2)

أقول: محلّ الإستشهاد للمطلوب بهذا الحديث في موضعين:

أحدهما : قول الراوي : ربّما حججت عن أبيك، وتقرير الإمام له على ذلك بضميمة الإطلاقات الدالّة على عدم الفرق في النيابة عن الحيّ والميّت،

فإذا تحقّق رجحان النيابة في الحجّ عن الإمام الماضي، ثبت الرجحان للنيابة عن الإمام الحيّ صلوات اللّه عليه .

والثاني: تقرير الإمام لقول الراوي: ربّما حججت عن الرجل من إخواني، فإنّه يدلّ على رجحان هذا العمل إذا كان عن إمام زمانه بنحو أوفي، وطريق أولى

1384- ومنها: ما ذكره القطب الراوندي رحمه اللّه في الخرائج والجرائح قال :

إنّ أبا محمّد الدعلجي كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن وكان

ص: 246


1- التهذيب : 8/ 40 ح40، عنه الوسائل : 147/8 ح1 .
2- الكافي : 314/4 ح 1 ، عنه الوسائل: 138/8 ح1.

يغسّل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام، وكان قد دفع إلى أبي محمّد حجّة يحجّ بها عن صاحب الزمان علیه السلام، وكان ذلك عادة الشيعة يومئذ، فدفع إلى ولده المذكور بالفساد شيئاً منها وخرج إلى الحجّ، فلمّا

عاد حكى أنّه كان واقفاً بالموقف فرأى إلى جانبه شابّاً حسن الوجه أسمر اللون بذؤابتين، مقبلاً على شأنه في الإبتهال، والدعاء، والتضرّع وحسن العمل.

فلمّا قرب نفر الناس التفت إليَّ، وقال : يا شيخ أما تستحيي؟!

فقلت : من أيّ شيء يا سيّدي؟ قال: يدفع إليك حجّة عمّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر، يوشك أن تذهب عينك هذه، وأومأ إلى عيني، وأنا من ذلك اليوم إلى الآن على وجل ومخافة ، وسمع منه أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان ذلك ، قال : فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتّى خرج في عينه الّتي أومأ إليها قرحة، فذهبت .(1)

أقول: ينبغي التدبّر في هذا الحديث من أوّله إلى آخره ففيه فوائد جمّة ومطالب مهمّة، منها: إخباره علیه السلام بالغيب .

ومنها : الإهتمام في الوجوه الراجعة إلى الإمام، بأن لا يعطيها إلّا الصالحين من الأنام، فإنّ الظاهر من الحديث المذكور من بدئه إلى الختام، أنّ أبا محمّد أعطى من وجه الحجّة المذكورة شيئاً إلى ولده المقارف للآثام، لا أنّه أعطاه الحجّة، كما زعمه بعض الأعلام، فتدبّر فيه حتّى يتّضح لك المرام.

ومنها: سرعة عقوبة المؤمن على فعله ما لا ينبغي من الأعمال، وإنّ هذا لطف إليه من الخالق المتعال.

ومنها : تقريره عليه الصلاة والسلام نيابة عنه علیه السلام، وكذا بعث النائب ليحجّ عنه عليه الصلاة والسلام كما لا يخفى . وممّا يستأنس منه استحباب النيابة في الحجّ عن الإمام علیه السلام ، وبعث النائب ليحجّ عنه الروايات الدالّة على استحباب الطواف عنهم علیهم السلام فاستمع لمايتلى عليك، أحسن اللّه تعالى إلينا وإليك .

ص: 247


1- الخرائج: 1/ 480 ح 21، عنه الوسائل : 147/8 ح 2، و البحار : 59/52 ح42.

27 و 28- طواف بیت الله الحرام نيابة عنه علیه السلام، وبعث النائب ليطوف عنه علیه السلام

الأمر السابع والعشرون، والثامن والعشرون: طواف بیت اللّه الحرام نيابة عن الإمام علیه السلام وبعث النائب ليطوف عنه

بعد ما أثبتنا استحباب الطواف نيابة عنه ، فاستحباب بعث النائب ليطوف عنه واضح، لانّه مودّة وإحسان، مضافاً إلى أنّه مقدّمة للطواف بنیابته علیه السلام فيحكم العقل بحسنه، ورجحانه للأنام، ويدلّ عليه أيضاً فحوى ما دلّ على استحباب بعث النائب ليحجّ عنه صلوات اللّه عليه ، بل يمكن أن يقال : لمّا ثبتت رجحان أصل العمل، فشرطيّة المباشرة منفيّة بالأصل وإن كان لو باشره المؤمن بنفسه أدرك مرتبة عالية من الفضل.

1385- وأمّا ما يدلّ على استحباب الطواف عن الإمام الحيّ خصوصاً، فما رواه ثقة الإسلام الكليني في الكافي : بإسناده عن موسى بن القاسم، قال : قلت لأبي جعفر الثاني علیه السلام : قد أردت أن أطوف عنك، وعن أبيك، فقيل لي:

إنّ الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال علیه السلام لي: بل طف ما أمكنك فإنّه جائز.

ثمّ قلت له بعد ذلك بثلاث سنين : إنّي كنت استاذنتك في الطواف عنك وعن أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء اللّه، ثمّ وقع في قلبي شيء، فعملت به ، قال : وما هو؟ قلت: طفت يوماً عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ،

فقال علیه السلام : ثلاث مرّات: صلّى اللّه على رسول اللّه.

ثمّ اليوم الثاني عن أمير المؤمنين علیه السلام ، ثمّ طفت اليوم الثالث عن الحسن، والرابع عن الحسين، والخامس عن عليّ بن الحسين، والسادس عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، واليوم السابع عن جعفر بن محمّد، واليوم الثامن عن أبيك موسی، واليوم التاسع عن أبيك عليّ، واليوم العاشر عنك يا سيّدي، وهؤلاء الّذين أدين اللّه بولايتهم، فقال : إذاً واللّه تدين اللّه بالدين الّذي لا يقبل من العباد غيره . قلت : وربّما طفت عن أُمّك فاطمة، وربّما لم أطف، فقال علیه السلام :

إستكثر من هذا، فإنّه أفضل ما أنت عامله إن شاء اللّه .(1)

ص: 248


1- الكافي : 314/4 ح2، عنه الوسائل : 141/8 ح1.

1386- وأمّا ما يدلّ على استحباب الطواف عن عموم المؤمنین :

فمنه ما روي في الكافي : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

من وصل أباه أو ذا قرابة له، فطاف عنه، كان له أجره كاملاً، وللّذي طاف عنه مثل أجره، ويفضل هو بصلته إيّاه بطواف آخر .(1)

29- زيارة مشاهد رسول الله والأئمّة المعصومين نيابة عنه علیه السلام

الأمر التاسع والعشرون : زيارة مشاهد رسول اللّه والأئمّة المعصومين علیهم السلام نيابة عن مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه

ويمكن الإستناد في ذلك - مضافاً إلى أنّه من أقسام صلة الإمام وسيأتي ما يدلّ على أنّه من مهمّات أعمال الأنام - بما سبق في استحباب التصدّق عنه وبفحاوي ما دلّ على استحباب الحجّ، وطواف البيت الحرام نيابة عن الإمام علیه السلام وبما ورد في زيارة المشاهد نيابة عن عامّة أهل الإيمان .

1387 - كما روي في الكافي : عن علي بن إبراهيم الحضرمي، عن أبيه ، عن أبي الحسن موسی علیه السلام - في حديث إلى أن قال علیه السلام -: فإذا أتيت قبر النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم فقضيت ما يجب عليك، فصلّ ركعتين، ثمّ قف عند رأس النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ثمّ قل:

السلام عليك يا نبيّ اللّه من أبي وأُمّي وزوجتي وولدي، وجميع حامّتي، ومن جميع أهل بلدي، حرّهم وعبدهم، وأبيضهم وأسودهم، فلا تشاء أن تقول للرجل : إنّي أقرأت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم عنك السلام إلّا كنت صادقاً، إنتهى .(2)

وبأنّ من الأُمور المتداولة المتعارفة في خواصّ الشيعة وعوامّهم في الأزمنة السالفة إلى زماننا هذا، النيابة في زيارة المشاهد الشريفة،

وقد ذكر أصحابنا رضي اللّه تعالى عنهم عنوانها وكيفيّتها في كتبهم المعدّة للزيارات وغيرها، والفرق في ذلك بين الإمام وسائر المؤمنين ممّا لا يرتضيه قلوب أهل

ص: 249


1- الكافي : 316/4 ح 7، عنه الوسائل: 8/ 133 ح2.
2- الكافي: 316/4 ح8، عنه الوسائل: 8/ 144 ح1، والبحار : 255/102 ح 1 .

الدين، وأهل البصيرة واليقين .

وبأنا لما علمنا رجحان النيابة عنه علیه السلام في الحجّ والطواف، بسبب ما مرّ و نظرنا إلى ما ورد في أفضليّة زيارة مشاهدهم من الحجّ والعمرة والطواف ، وإلى سرورهم بنيابة شيعتهم عنهم في الحجّ والطواف، جزمنا بأته أعظم سروراً إذا زار المؤمن مشاهد آبائه بنیابته، وهذا الوجه، وإن كان لا يتمّ على قواعد علم الأصول لكنّه قطعيّ عند أرباب العقول.

1388 - وبما حكاه العلامة المجلسي (رحمة اللّه علیه) في مزار البحار عن مؤلّف المزار الكبير ، وهذه عبارته المحكيّة عنه ، قال : وقد أنفذ أبو الحسن العسكري علیه السلام زائراً عنه إلى مشهد أبي عبداللّه علیه السلام، فقال : إنّ للّه مواطن يحبّ أن يدعى فيها فيجيب ، وإنّ حائر الحسين علیه السلام من تلك المواطن، إنتهى .(1)

أقول : إذا ثبت استحباب النيابة عنه في زيارة بعض مشاهدهم فلا شبهة في عدم الفرق بينه وبين سائر مشاهدهم صلوات اللّه عليهم أجمعين .

تنبيه : إعلم أنّه ممّن قد صرّح باستحباب زیارة مشاهد النبيّ والأئمّة المعصومين علیهم السلام نيابة عن المعصومين علیهم السلام وعن المؤمنين العالم المحدّث العاملي (رحمة اللّه علیه) في كتاب الوسائل حيث قال :

باب استحباب الزيارة عن المؤمنين وعن المعصومين علیهم السلام .

1389- ثمّ ذكر رواية داود الصرميّ عن أبي الحسن العسكري علیه السلام ، قال : قلت له : إنّي زرت أباك وجعلت ذلك لك؛

فقال علیه السلام : لك بذلك من اللّه ثواب و أجر عظيم، ومنّا المحمدة .(2)

أقول: لا دلالة في هذا الحديث على المطلوب، لأنّ الظاهر منه إهداء الزيارة لا النيابة، وإن أبيت عن ذلك فلا أقلّ من الإحتمال وبه يسقط الإستدلال

ص: 250


1- المزار الكبير : 595ح2، عنه البحار : 257/102 .
2- التهذيب : 6/ 110 ح5، عنه الوسائل : 10/ 464 ح1 .

30- بعث النائب لیزور عنه علیه السلام

الأمر المتمم للثلاثين : بعث النائب لیزور عنه علیه السلام

ورجحان ذلك ظاهر بعد ثبوت استحباب النيابة لانّه إعانة على البرّ والتقوى، ومودّة لذوي القربى، وصلةً للإمام،

بل يمكن الإستناد في رجحان ذلك بجميع ما مرّ في الحجّ والطواف، وبعث النائب ليحجّ وليطوف عنه، فتدبّر .

31- السعي في خدمته بما تيسّر، وذكر ما يوجب السعي في خدمته علیه السلام

الأمر الواحد والثلاثون : السعي في خدمته

بما تيسّر لك في أيّام حياتك الّتي تبيّن بمقتضى الروايات أنّها ببركته تأسّياً بملائكة اللّه المأمورين بخدمته، والروايات - في أنّ الملائكة خدّامهم وأنّهم مؤتمرون بأوامرهم، وأنّهم لا يجلسون في محضرهم إلّا بإذنهم - كثيرة لا نطوّل الكتاب بذكرها، وهي مذكورة في مظانّها، وحسبك شاهداً على ما دللنا عليه ، وداعياً إلى ما دعونا إليه، قول الصادق علیه السلام في الحديث الّذي تقدّم في ذكر شرفه(1)، حيث قال : ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي .(2)

أقول: تدبّر أيّها المحبّ اللّبيب في هذا الكلام أتزعم فيه إغراقاً أو خلاف واقع؟ حاشا، وكلّا، بل هو عين الحقيقة، ودلالة إلى نكات دقيقة، منها : بیان فضل القائم علیه السلام وشرفه .

ومنها : الإشارة إلى أنّ خدمته أفضل العبادات، وأقرب الطاعات، لأنّ الإمام الصادق الّذي لم يصرف عمره الشريف إلّا في صنوف طاعة اللّه وعبادته في يومه وليلته بيّن أنّه لو أدرك القائم لصرف أيّام حياته في خدمته.

فظهر من هذا الكلام أنّ السعي في خدمة القائم علیه السلام أفضل الطاعات، وأشرف القربات، لترجيحه واختياره، خدمته على سائر أصناف الطاعة، وأقسام

ص: 251


1- غيبة النعماني : 245 ح 46، عنه البحار : 148/51 ح 23.
2- تقدم ج 158/1 ح247.

العبادة، ومنها : الإيماء إلى أن أتباعه أفضل الأتباع، ورعيّته أفضل من غيرهم، وأصحابه أشرف الأصحاب، كما أنّ أُمّة خاتم النبيّين صلی اللّه علیه وآله وسلم افضل الأُمم، وأشرفهم، لأنّ مرتبة أهل كلّ شخص واتباعه تتفاوت بحسب شرافة هذا الشخص وعلوّ قدره، فإذا تبيّن علوّ مقام مولانا صاحب الزمان ظهر علوّ مرتبة رعيّته، وأتباعه والمؤمنين الثابتين على ولايته، جعلنا اللّه تعالى منهم،

وهذا ظاهر لا سترة عليه، وله شواهد كثيرة من الروايات :

1390 - أحدها: التعبير عنهم في النبوي، بإخوان النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ففيه أنّه قال ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه : اللّهمّ لقّني إخواني- مرّتين - فقال من حوله من أصحابه : أما نحن [من] إخوانك يا رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ؟

فقال: لا، إنّكم أصحابي، وإخواني قوم في آخر الزمان، آمنوا ولم يروني ، لقد عرّفنيهم اللّه بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أُمّهاتهم، لأحدهم أشدّ بقيّة على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا (1)، أُولئك مصابيح الدجى، ينجّيهم اللّه من كلّ فتنة غبراء مظلمة .(2)

1391 - الثاني: أنّهم أفضل أهل كلّ زمان، ففي حديث أبي خالد، عن سيّد العابدين، قال : يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته المنتظرین لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنّ اللّه تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ماصارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بالسيف، أُولئك المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين اللّه سرّاً أو جهراً .(3)

ص: 252


1- الغضا: شجر عظيم وجمره يبقى زماناً طويلاً لا ينطفئ.
2- بصائر الدرجات : 84 ح4 ، عنه البحار: 123/52 ح8.
3- كمال الدين : 320 ح2، الاحتجاج: 48/2 ، عنه البحار: 123/52 ح4.

1392 - الثالث : تضاعف ثواب عبادتهم، كما في رواية عمّار، عن الصادق علیه السلام ، قال : يا عمّار، الصدقة في السرّ واللّه أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السرّ مع إمامك المستتر في دولة الباطل أفضل، لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة، ممّن يعبد اللّه في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحقّ، وليس العبادة مع الخوف وفي دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ،

إعلموا أنّ من صلّی منكم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمّها كتب اللّه عزّوجلّ له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانيّة ، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها كتب اللّه عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب اللّه له بها عشرین حسنة، ويضاعف اللّه تعالی حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان اللّه بالتقيّة على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه ، أضعافاً مضاعفة كثيرة، إنّ اللّه عزّ وجلّ كريم، إلى آخر الحديث، وهو مذكور في الكافي وكمال الدين

والبحار، وغيرها من كتب الأخبار.(1)

1393 - الرابع : أنّهم أعظم يقيناً وأعجب إيماناً، ففي كمال الدين : بإسناده عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّه قال - في حديث طويل في وصيّته لأمير المؤمنين علیه السلام - : يا عليّ، و اعلم أنّ أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبيّ وحجبتهم(2) الحجّة ، فآمنوا بسواد على بياض .(3)

1394- الخامس: أنّهم رفقاء النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم وأكرم أُمّته يوم القيامة، ففي كمال الدين: بإسناده عن النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتمّ به

ص: 253


1- الكافي: 1/ 332 ح ، عنه الوافي: 438/2 ح 1 ، كمال الدين : 2/ 645 ح7، عنه البحار :127/52 ح20.
2- حجب عنهم، خ.
3- كمال الدين : 288/1 ح8، عنه البحار : 125/52 ح12.

في غيبته قبل قيامه، ويتولّى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودّتي، وأكرم أُمّتي عليَّ يوم القيامة .(1)

1395- السادس : ما في غيبة الشيخ الطوسي، نقلاً من كتاب الفضل بن شاذان : بإسناد صحيح عال عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :

سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم،

قالوا: يا رسول اللّه، نحن كنّا معك ببدر وأُحد وحنين، ونزل فينا القرآن ، فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّكم لو تحمّلون لما حُمّلوا لم تصبروا صبرهم .(2)

1396- السابع : ما في غيبة الشيخ الطوسي وغيره من علمائنا، بأسانيدهم عن الصادق علیه السلام قال : أقرب ما يكون العباد من اللّه، وأرضى ما يكون عنهم، إذا افتقدوا حجّة اللّه ، فلم يظهر لهم، ولم يعلموا بمكانه ، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة اللّه ولا ميثاقه، فعندها توقّعوا الفرج صباحاً ومساء،

فإنّ أشدّ ما يكون غضب اللّه على أعدائه إذا افتقدوا حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون، ولوعلم أنّهم يرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين، ولا يكون ذلك إلّا على رأس أشرار الناس .(3)

1397- الثامن: أنّ بهم يدفع البلاء، وينزل المطر من السماء،

ففي البحار وغيره، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجلّ:

عبادي آمنتم بسرّي، وصدّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً، منكم أتقبّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أُسفي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لانزلت عليهم عذابي الخبر .(4)

ص: 254


1- كمال الدين : 286/1 ح 2، عنه البحار : 72/51 ح 14.
2- غيبة الطوسي: 456 ح467، ص457 ح468، عنه البحار : 130/52 ح 26، ص 145 ح67 .
3- غيبة الطوسي: 456 ح467، ص457 ح468، عنه البحار : 130/52 ح 26، ص 145 ح67 .
4- كمال الدين : 1/ 330 ح 15، عنه البحار : 52/ 145 ح66.

أقول: يا إخواني، إذا عرفتم بما ذكرت لكم بعض ما فضّل اللّه به أتباع مولانا، والساعين في خدماته، فعليكم بالسعي والإجتهاد في طاعته، وخدمته، واشكروا تلك النعمة العظمى، والموهبة الكبرى، واستدیموها بجدّكم واجتهادكم، ولا تنسوا ذكره بطول الأمد، واعملوا لتحصيل السعادة، وتكمیل الراحة إلى الأبد، ولا تركنوا إلى الدنيا وأهلها، واصبروا على المحن في المدّة القليلة لتفوزوا براحة طويلة، جعلنا اللّه تعالى وإيّاكم من أهل ذلك بفضله وكرمه إنّه قريب مجيب.

وهاهنا أُمور ينبغي التنبيه عليها والإشارة إليها: الأوّل : أنّه قد تجمّعت وتكمّلت في سيّدنا ومولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه أُمور ، كلّ واحد منها سبب مستقل يقتضي السعي في خدمته، والإجتهاد في طاعته.

منها : ولايته المطلقة، وخلافته لله ولرسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم .

ومنها : حقّ العالم، فقد دلّ العقل والنقل على أنّه ينبغي خدمة العالم :

1398- ففي الكافي : بإسناده عن محمّد بن سنان، رفعه ، قال : قال عيسی ابن مريم علیه السلام : يا معشر الحواريّين لي إليكم حاجة، أقضوها لي، قالوا: قضيت حاجتك يا روح اللّه، فقام، فقبّل(1) أقدامهم فقالوا: كنّا نحن أحقّ بهذا يا روح اللّه، فقال : إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم، إنّما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم، ثمّ قال عيسى علیه السلام : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبّر وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل .(2)

ومنها : حقّ الأُبوّة، فإنّه الوالد الشفيق، كما في الرواية (3)، ومرّ في الباب الثالث ما فيه غنية وكفاية إن شاء اللّه تعالى.(4)

1399- ومنها: حقّ الإيمان والإسلام، ففي أُصول الكافي في حديث

ص: 255


1- فغسل، خ.
2- الكافي : 37/1 ح6، عنه الوافي : 1/ 165 ح6، و البحار : 62/2 ح5 .
3- الكافي : 1/ 200.
4- تقدّم: ج1/ 83.

مرفوع عن أبي المعتمر، قال : سمعت أمير المؤمنين علیه السلام يقول:

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : أيّما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلّا أعطاه اللّه تعالی مثل عددهم خدّاماً في الجنّة .(1)

أقول: لا ريب في أنّه لو وزن إيمان جميع المسلمين مع إيمان مولانا صلوات اللّه عليه لرجح إيمانه على إيمانهم،

وعلى هذا فقس فضل خدمته على خدمتهم، مضافاً إلى ما لا أقدر على وصفه من فضائله، فإنّ إحصاء ذلك خارج عن الطاقة البشريّة .

ومنها : أنّ منزلتنا بالنسبة إليه منزلة العبد بالنسبة إلى مولاه، فإنّ الناس عبيد الأئمّة في الطاعة، كما دلّت عليه الرواية(2) وشهدت به الدراية .

ومنها : قرابته من رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وقد نبّهنا على ما ينفعك هنا في الباب الخامس عند ذكر المكرمة الثانية عشرة (3) ، وإن شئت أن أذكر جميع الأُمور المقتضية للسعي في خدمته علیه السلام خرج عن طاقتي، ولم تسعه كتابتي، لأنّها أكثر من أن تحصى، وأوسع من أن تستقصي، ولما سبق ذكره من أنّ جميع ما نتقلّب فيه من نعم اللّه الظاهرة والباطنة ليس إلّا ببركة وجوده علیه السلام ، ففي كلّ نعمة أحسن اللّه بها إلينا حقّ ثابت له علينا، فيحقّ علينا أداء شكره، كما يحقّ علينا شكر باریه تعالی شأنه، وعظمت آلاؤه،

فثبت أنّ الأُمور المقتضية للسعي في خدمته أكثر من أن تحصى قوله تعالی : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)(4).

الأمر الثاني : إعلم أنّ الخدمة أخصّ من النصرة من جهتين :

إحداهما : أنّ الخدمة تحصل بالمباشرة، أعني مباشرة الخادم لما يفعله ، والنصرة تحصل بغير المباشرة أيضاً.

ص: 256


1- الكافي : 207/2 ح 1، عنه الوافي : 148/5 ح9، و البحار : 357/74 ح3 .
2- البحار : 279/25 .
3- تقدّم: ج1/ 423.
4- إبراهيم : 34.

وثانيهما: أنّ الخدمة تشتمل على التواضع والتذلّل للمخدوم، بخلاف النصرة فكلّ خدمة نصرة، ولا عكس، كما لا يخفى.

الأمر الثالث : أنّ خدمة مولاناصاحب الزمان صلوات اللّه عليه تحصل بمباشرة فعل أمر به علیه السلام أو فعل فيه توقیر وتجليل، أو نصرة له أو إحسان إليه سلام اللّه عليه ، وإن لم يأمر به بالخصوص، وقد تجتمع هذه العناوين في بعض الأعمال الحسنة، كالدعاء بتعجیل فرجه، وإقامة المجالس المعدّة لذكره، وتأليف الكتب

الراجعة إليه، ونشرها، ومدارستها، والصلاة والتسليم عليه، والإحسان إلى مواليه وشیعته إذا صدر بقصد خدمته، فإنّ الروايات تدلّ على أنّ الإحسان إلى شیعتهم ومواليهم، إحسان إليهم، وصلتهم بمنزلة صلتهم، والاستخفاف بهم، استخفاف بهم، والعقل أيضاً قاضٍ بذلك.

1400- فمن الأخبار الدالّة على ما ذكرنا ما في كامل الزيارة : بإسناده عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام ، قال : من لم يقدر أن يزورنا فلیزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب زیارتنا، ومن لم يقدر على صلتنا فليصل على صالحي موالينا، يكتب له ثواب صلتنا .(1)

1401- ومنها : ما في روضة الكافي : بإسناده عن أبي هارون، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قال علیه السلام لنفر عنده، وأنا حاضر : مالكم تستخفّون بنا؟ !

قال : فقام إليه رجل من خراسان ، فقال : معاذ لوجه اللّه أن نستخفّ بك، أو بشيءٍ من أمرك ، فقال علیه السلام: بلى، إنّك أحد من استخفّ بي،

فقال : معاذ لوجه اللّه أن أستخفّ بك، فقال علیه السلام له: ويحك أو لم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة، وهو يقول لك: احملني قدر میل، فقد واللّه أعييت، واللّه ما رفعت به رأساً، ولقد استخففت به، ومن استخفّ بمؤمن فبنا استخفّ، وضيّع حرمة اللّه عزّ وجلّ .(2)

ص: 257


1- كامل الزيارات : 528 ح1، عنه البحار : 295/102 .
2- الكافی: 8/ 102 ح 73، عنه الوافي: 988/5 ح6، و الوسائل: 592/8 ح1.

32- الإهتمام في نصرته علیه السلام ، وذكر ما يقتضي الاهتمام في نصرته علیه السلام

الأمر الثاني والثلاثون : الإهتمام في نصرته

فإنّ من نصره فقد نصر اللّه عزّ وجلّ،

قال اللّه تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(1)

وقال عزّ وجلّ: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(2)،

والكلام في هذا المقام يقع في ثلاثة مطالب :

أحدها : أنّه لا ريب في عدم حاجة القادر المتعال إلى نصرة أحد، فإنّه تعالی بوجوب وجوده غنيّ بالذات، والخلق محتاجون إليه، كما قال تعالى شأنه : (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ)(3)، فالمراد بنصرته كما ذكره المفسّرون، ودلّت عليه الأخبار : هو نصرة دينه، ونصرة النبيّ، والأئمّة الأطهار، والأولياء الأبرار ،

وبعبارة أُخرى : كلّ من يكون في نصرته أرضى اللّه تعالى، فنصرته نصرة اللّه، وهذا المطلب من غاية الوضوح بمكان لا يحتاج إلى شاهد و برهان .

المطلب الثاني: إعلم أنّ المراد بنصرته هو الإقدام والمساعدة في كلّ أمر علم تعلّق غرضه بوقوعه، ولهذا تتفاوت كيفيّة النصرة بحسب تفاوت الأزمان والأحوال والأمكنة، فالنصرة في زمان حضوره تحصل بوجه، وفي زمان غيبته بوجه آخر، فقد تكون النصرة بالتقيّة، وقد تكون بالدعوة إليه، وقد تكون بالجهاد بين يديه ، وقد تكون بالدعاء في تعجیل فرجه، وقد تكون بذكر فضائله ، وصفاته ، ودلائله، وعلاماته، وقد تكون بنصرة أوليائه وأحبّائه، وقد تكون بتأليف الكتب ونشرها،

إلى غير ذلك من أصناف النصرة، وهي كثيرة لا يخفى على أهل البصيرة .

المطلب الثالث: في كيفيّة النصرة الإلهيّة، الّتي جعلها جزاء لنصرة العبد أولياء اللّه تعالی ودینه ورسله بحسب ما استفدناه من الروايات.

ص: 258


1- الحج: 40.
2- محمد: 7، 38.
3- محمد: 7، 38.

فنقول : يمكن أن يكون المراد بهذه النصرة أن ينصر اللّه تعالى عبده في اليسر والعسر والسرّاء والضرّاء بأن يحفظه ممّا يبعده عن رحمته من الأشر، والبطر والطغيان، ونحوها من المهلكات والموبقات، الّتي تعرض للعبد في حال الرخاء، ومن الجزع والهلع والكسل والفشل، ونحوها ممّا يعرض للعبد في حال البلاء.

وأمّا النصرة على الأعداء في دار الفناء فهي تابعة للمصالح، والحِكَمِ الإلهيّة فإنّها تتفاوت بحسب المقتضيات والأزمنة، فقد يكون أولياؤه في الدنيا غالبين، وقد يكونون مغلوبين، وذلك لحكمٍ و عللٍ، قد ذكر بعضها في الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار، وذكرها ينافي الإختصار .

وأمّا قوله تعالى: (وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) فيمكن أن يكون في الآخرة على الصراط، كما هو الظاهر من قضيّة ظهور العطف بالحروف في تغابر المعطوف عليه والمعطوف، ويحتمل بعيداً أن يكون عطف تفسير للأوّل،

فيكون المعنى تثبيت الأقدام في الدنيا وحفظها في مزالّ الأقدام، ممّا يكون سبباً لزللها من الموبقات والآثام.

تنبيه : إعلم أنّه قد اجتمع فيه صلوات اللّه عليه أُمور، كلّ واحد منها يقتضي الإهتمام في نصرته، فإن نصرته نصرة المظلوم، ونصرة الغريب، ونصرة العالم، ونصرة ذوي القربى، ونصرة وليّ النعمة، ونصرة واسطة النعم، ونصرة من ينصر اللّه، ونصرة الكريم، ونصرة الشريف، ونصرة الطريد، ونصرة الموتور، ونصرة المهجور، إلى غير ذلك من الأُمور الّتي تتّضح للمتدبّر الأنيس بمولاه،

جعلنا اللّه تعالى من كلّ سوء وقاه . والعقل أدلّ شاهد على ما نبّهنا عليه .

ولو أردنا ذكر الشواهد النقليّة لصار كتاباً مستقلّاً، ولمّا بلغ الكلام إلى هذا المقام، عزمت على أن أستخير اللّه تعالى شأنه في ذكر بعض ما ورد في الأخبار المرويّة عن أئمّة الأنام علیهم السلام ، من شواهد هذا المرام،

ص: 259

ففتحت المصحف الكريم، فرأيت هذه الآية الشريفة :

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)(1).

33- العزم القلبيّ على نصرته في زمان ظهوره

الأمر الثالث والثلاثون: العزم القلبيّ الجزمي على نصرته في زمان حضوره وظهور نوره

ويدلّ على ذلك مضافاً إلى أنّه من لوازم الإيمان وعلائم الإيقان، ما ورد في فضل نيّة الخير والعزم على العمل الصالح، وأنّ لكلّ إمرئ ما نوى(2) وغير ذلك ممّا لا يخفى على المحبة السالك.

1402- ويدلّ على المرام كلام مولى الأنام أمير المؤمنين علي علیه السلام المرويّ في نهج البلاغة: إلزموا الأرض، واصبروا على البلاء، ولاتحرّكوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجّله اللّه لكم،

فإنّه من مات منكم على فراشه، وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم واهل بيته، مات شهيداً، ووقع أجره على اللّه، واستوجب ثواب مانوی من صالح عمله، وقامت النيّة مقام إصلاته بسيفه، وإنّ لكلّ شيءٍ مدّة وأجلاً .(3)

1403- ويدلّ عليه أيضاً ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في روضة الكافي: بإسناده عن عبدالحميد الواسطي، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :

قلت له : أصلحك اللّه لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر، حتّى ليوشك الرجل منّا أن يسأل في يده.

فقال علیه السلام : يا عبدالحميد، أترى من حبس نفسه على اللّه لا يجعل اللّه له مخرجاً؟ بلى واللّه، ليجعلنّ اللّه له مخرجاً، رحم اللّه عبداً أحيا أمرنا.

قلت : أصلحك اللّه، إنّ هؤلاء المرجئة يقولون: ما علينا أن نكون على الّذي نحن عليه، حتّى إذا جاء ماتقولون كنّا نحن وأنتم سواء،

ص: 260


1- الحج: 41.
2- البحار : 210/70 ح 32.
3- نهج البلاغة : 282 خطبة : 190 .

فقال : يا عبدالحمید، صدقوا، من تاب تاب اللّه عليه، ومن أسرّ نفاقاً فلا يرغم اللّه إلّا بأنفه، ومن أظهر أمرنا أهرق اللّه دمه، يذبحهم اللّه على الإسلام، كما يذبح القصّاب شاته . قال : قلت : فنحن يومئذ والناس فيه سواء؟

قال علیه السلام: لا، أنتم يومئذٍ سنام الأرض وحكّامها، لا يسعنا في ديننا إلّا ذلك، قلت: فإن متّ قبل أن أدرك القائم علیه السلام؟

قال علیه السلام : إنّ القائل منكم إذا قال : إن أدركت قائم آل محمّد علیه السلام نصرته كالمقارع معه بسيفه، والشهادة معه شهادتان(1) .(2)

1404- ويدلّ على المقصود أيضاً ما رواه السيّد نعمة اللّه الجزائري (رحمة اللّه علیه) في شرح الصحيفة المباركة السجّاديّة مرسلاً، وهذه عبارته : قال :

قال الصادق علیه السلام : إنّي لا أُخرج نفسي من شهداء الطفوف، ولا أعدّ ثوابي أقلّ منهم، لأنّ من نیّتي النصرة لو شهدت ذلك اليوم، وكذلك شيعتنا هم الشهداء، وإن ماتوا على فرشهم.

وكان علیه السلام ينهى الشيعة على إلحاحهم (3) بظهور صاحب الزمان واستكشاف أحواله، وكان يقول: إنّ لكم ثواب من استشهد معه بنيّاتكم وإن متمّ على فرشكم، إنتهى كلامه ، رفع في الخلد مقامه.

ص: 261


1- أقول: هذا الكلام يحتمل معنيين، أحدهما : أنّ الشهيد معه يعطيه اللّه تعالی ثواب شهیدین، أحدهما ثواب الشهادة و الآخر ثواب العزم على نصرته. و الثاني : أنّ الشهيد معه أفضل من الشهيد مع غيره فيعطي اللّه الشهيد معه ثواب شهادتين مع غيره من الأئمة لحِكَمٍ خفيّة و اللّه العالم، ولا ينا في ذلك ماسیاتي في رواية أبي جعفر إذ يمكن أن يكون ما ذكر في هذا الحديث ثواب من شهد معه في معركة القتال، و إن لم يقتل ولم يقتل فتأمّل - لمؤلّفه.
2- الكافي : 80/8 ح 37، عنه الوافي : 5/ 833 ح 1.
3- أقول : يمكن أن يكون نهيه نظراً إلى كون إلحاحهم قبل بلوغ وقت الدعاء و الإلحاح لعدم ولادة الصاحب علیه السلام في زمان الصادق علیه السلام و يمكن أن يكون المراد بإلحاحهم الّذي نهاهم عنه إلحاحهم على الأئمّة بالخروج بسبب عدم علمهم بأنّ الإمام الّذي أمره اللّه بالخروج هو الثاني عشر علیه السلام . منه

1405- وممّا يشهد لما ذكرناه ، ويؤكّده ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي : بسند صحيح عن الصادق علیه السلام ، قال :

إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول : يا ربّ ارزقني حتّى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير ، فإذا علم اللّه عزّ وجلّ ذلك منه بصدق نيّة، كتب اللّه له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إنّ اللّه واسع كریم .(1)

يقول مصنّف هذا الكتاب محمّد تقي الموسويّ الإصفهانيّ جعله اللّه تعالی شأنه بفضله ومنّه من أنصار صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه :

لا ريب أنّ المؤمن المخلص إذا سأل اللّه تعالى أن يعجّل فرج مولاه ليجاهد الكفّار بين يديه، وكان عازماً على ذلك، بصدق نیّته، أعطاه اللّه تعالی ثواب الجهاد بين يديه بمدلول تلك الروايات، وجعله من أهل العنایات ،

وهذا واضح عند أهل الدرايات . وأمّا فضل الجهاد بين يديه :

1406- ففي أُصول الكافي : عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :

ومن أدرك قائمنا فخرج معه، فقتل عدوّنا كان له مثل أجر عشرين شهيداً،

ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيداً .(2)

أقول: إذا كان من عزم المؤمن ونيّته ذلك، فاز بهذا الثواب الجزيل في زمن غيبة إمامه صلوات اللّه عليه ، على حسب ما تقدّم من الروايات عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام .

34- تجديد البيعة له بعد كلّ فريضة من الفرائض اليوميّة، وفيه بحثان :

اشارة

الأمر الرابع والثلاثون : تجديد البيعة له

بعد كلّ فريضة من الفرائض الخمس اليوميّة، أو في كلّ يوم، أو في كلّ جمعة، والكلام هنا تارة في معنى البيعة، وأُخرى في حكمها

الأوّل: في معنى البيعة لغة وشرعاً

فهاهنا بحثان ، الأوّل : في معنى البيعة لغة وشرعاً،

ص: 262


1- الكافي : 2/ 85 ح 3، عنه البحار : 199/70 ح4.
2- الكافي : 222/2 ح 4.

فنقول: قد يطلق البيعة والمبايعة على المعاهدة والمعاقدة،

قال في مجمع البحرين : المبايعة : المعاقدة والمعاهدة، كأنّ كلاً منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه، ودخيلة أمره .(1)

وقال الشيخ أبو الحسن الشريف تلميذ المجلسيّ الثاني صاحب البحار في كتاب مرآة الانوار ومشكاة الأسرار : البيعة عبارة عن المعاقدة والمعاهدة، كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه، إنتهى .(2)

أقول: الحاصل من معنى المبايعة هو التزام المبايع، وعهده المؤكّد، ومیثاقه المسدّد، بأن ينصر من يبايعه بنفسه وماله، ولا يبخل عنه بشيء من ذات يده، وما يتعلّق به في نصرته، ويجعل نفسه وماله فداء ووقاء له.

والبيعة بهذا المعنى مذكورة في دعاء العهد المروي لكلّ يوم، وفي دعاء العهد المروي لأربعين صباحاً، وسنذكرهما إن شاء اللّه تعالى .(3)

وقد أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم جميع الأُمّة بمبايعة الأئمّة علیهم السلام بهذه البيعة، الشاهد منهم والغائب، في خطبة الغدير المرويّة في الإحتجاج (4) ولا شكّ أنّ المبايعة بهذا المعنى من لوازم الإيمان و علائمه بل لا يتحقّق الإيمان بدونه، فالمبایع هو المؤمن والمشتري هو اللّه عزّو جلّ، ولذلك قال عزّ من قائل:

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) إلى آخر الآية .(5)

وقد بعث اللّه تعالى أنبياءه ورسله لتجديد تلك المبايعة وتأكيدها، فمن بایعهم فقد بايع اللّه، ومن تولّى عنهم فقد تولّى عن اللّه، ولهذا قال جلّ شأنه:

(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)(6).

ص: 263


1- مجمع البحرین: 1/ 210 س5.
2- مرآة الأنوار : ص99.
3- يأتي ص267 ح 1412، و268ح1413.
4- الاحتجاج: 1/ 74 حديث احتجاج النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم يوم الغدير .
5- التوبة : 111.
6- الفتح : 10.

وفي هذه الآية الشريفة أيضاً دلالة على كون المراد بالبيعة والمبايعة هو العهد المؤكّد، والميثاق المسدّد مع اللّه ورسوله، ووعد الموفين بتلك المعاهدة الأجر العظيم ، وهذه البيعة إنّما تتمّ بأمرين:

أحدهما: العزم القلبيّ الثابت الراسخ على إطاعة أمر الإمام ونصرته ببذل النفس والمال، كما نبّه عليه في الآية الشريفة بقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) الآية (1)، فإنّ الواجب على البائع تسليم مايبيعه إلى المشتري إذا طلب منه من دون تأمّل وتأخير، وتصديق ما عقد عليه الضمير .

والثاني : إظهار ما قصده وعزم عليه قلباً بلسانه مقترناً لهما عند إرادة البيعة فإذاً تمّت البيعة، كما أنّ عقد البيع لا يتحقّق في سائر الأُمور إلّا بشيئين :

أحدهما: قصد إنشاء البيع بمقتضى ما بني عليه المتبايعان، والآخر: التلفّظ باللسان بما عقدا عليه ضميرهما، وبهما يتمّ البيع، وقد تطلق البيعة والمبايعة على المصافقة باليد، كما كان متداولاً بين العرب في بعض الأحيان، عند تماميّة البيع أو المبايعة، ويستفاد هذا الإطلاق من قوله تعالى : («إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) الآية(2)، لدلالة لفظة يد على ذلك،

مضافاً إلى ما ورد من أنّهم كانوا يبايعون رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بأيديهم، فراجع .(3)

1407- وفي الإحتجاج في قضيّة إكراه مولانا أمير المؤمنین علیه السلام على مبايعة الغاصب اللّعين الأوّل، قال : ثمّ مدّوا يده وهو يقبضها حتّى وضعوها فوق يد أبي بكر وقالوا : بايع بایع، وصيح في المسجد بايع أبو الحسن، الخبر .

1408- وفي الإحتجاج أيضاً: في الرواية عن مولانا الباقر علیه السلام أنّ أُسامة حين ورد المدينة لمّا رأى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، فقال : ما هذا؟

قال له عليّ علیه السلام : هذا ما ترى، قال له أُسامة : فهل بايعته؟ فقال : نعم ، یا

ص: 264


1- التوبة : 111.
2- الفتح : 10.
3- راجع إلى البحار : 217/37 .

أُسامة ، فقال : طائعاً أو كارهاً، فقال علیه السلام : لا ، بل كارهاً، الخبر .(1)

فظهر ممّا ذكرنا وغيره أنّ إطلاق المبايعة والبيعة على المصافقة والصفقة كان متداولاً معروفاً، وكذا تطلق الصفقة على البيعة أيضاً، كما ذكره أهل اللغة ، يقال : صفقة رابحة أو خاسرة أي : بيعة.

1409- وفي الحديث : بارك اللّه في صفقة يمينك(2) وقال الشاعر:

الدهر ساومني عمري فقلت له *** مابعت عمري بالدنيا وما فيها

ثم اشتراه بتدریج بلا ثمن *** تبت يدا صفقة قد خاب شاريها

1410- وفي الكافي: عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الإمام جاء إلى اللّه عزّ وجلّ أجذماً ، إنتهی .(3)

هذا، ولكن لا يخفى عليك أنّ نفس المصافقة ليست بيعة حقيقة، بل هي علامة لوقوع البيعة و تماميّتها، والظاهر أنّ إطلاق المبايعة والبيعة على المصافقة من باب تسمية المسبّب باسم السبب، وأصل البيعة وحافّها كما حقّقنا: هو العهد، والميثاق المؤكّد، وبه يدخل الإنسان حقيقةً في زمرة أهل الإيمان، المشترين للجنان، وإن لم يبايع الرسول أو الإمام بالمصافقة باليد، كما هو الحال في أكثر المؤمنين الحاضرين في زمن الأئمّة علیهم السلام ، وسننبّهك على ما يشهد لهذا المرام، بعون الملك العلّام، فانتظر لتمام الكلام، فإنّ هنا من مزالّ الأقدام، نسأل اللّه تعالى العصمة ببركة أهل بيت العصمة عليهم الصلاة والسلام.

الثاني : في حكم البيعة والالتزام والميثاق بنصرة الإمام، ويتبعها فصول:

اشارة

البحث الثاني: في حكم البيعة، فنقول : إنّ البيعة بالمعنى الأوّل واجبة على كلّ أحد من ذكر وأنثى، وحرّ ومملوك، بل لا يتحقّق الإيمان بدونه لأنّ حاقّ الإيمان هو الإلتزام قلباً ولساناً بإطاعة أمر النبيّ والإمام، والتسليم لهما،

ص: 265


1- الاحتجاج: 1/ 115، عنه البحار : 93/29 .
2- سنن البيهقي: 112/6 ، و مسند احمد: 376/4 .
3- الكافي : 405/1 ح5، عنه الوافي : 103/2 ح5، و البحار: 72/27 ح 9 .

والنصرة لهما ببذل النفس والمال، قال اللّه عزّوجلّ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(1) الآية، وقال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(2) فالتسليم لأمر النبيّ والإمام فيما يتعلّق بالنفس والأهل والمال علامة تحقّق الإيمان .

وممّا يدلّ على وجوب المبايعة لجميع الأئمّة علیهم السلام ما روي في الإحتجاج في خطبة يوم الغدير من أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم أمر معاشر الناس بمبايعة أمير المؤمنين والحسن والحسين والأَئمّة من ولد الحسين علیهم السلام ولقّنهم العهد والميثاق بإطاعتهم، مع أنّهم علیهم السلام لم يكونوا معاصرین لاهل ذلك الزمان، وما هذا إلّا لوجوب التزام الناس قلباً ولساناً وتعهّدهم بالعهد المؤكّد والميثاق المسدّد بموالاتهم ونصرهم وبذل أنفسهم وأموالهم دونهم ولإطاعة أمرهم علیهم السلام .

وإلى جميع ما نبّهنا عليه يرشد قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(3)

وهذا لكمال وضوحه لا يكاد يحتاج إلى إقامة دليل وبرهان.

1411- ويدلّ عليه من طرق العامّة ما عن صحیح مسلم، والبخاري، وربيع الأبرار للزمخشري، عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّه قال :

من مات وليس في عنقه لإمام المسلمين بيعة، فميتته ميتة جاهليّةً.(4)

أ: تجديد البيعة في كلّ يوم بدعاء العهد

فصل : إذا عرفت ما ذكرناه فنقول:

يستحبّ تجديد تلك البيعة في كلّ يوم، بما ذكره السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس في كتاب مصباح الزائر، وذكره غيره أيضاً من علمائنا في كتبهم، حيث

ص: 266


1- الأحزاب : 33.
2- النساء : 65.
3- التوبة : 24.
4- صحيح المسلم : 1478/3 ، ربيع الأبرار : 4/ 221.

أنّهم ذكروا فيما يستحبّ قراءته كلّ يوم بعد صلاة الفجر أن يقال :

1412- اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَايَ صَاحِبَ الزَّمَانِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا وَ بَرِّهَا وَ بَحْرِهَا وَ سَهْلِهَا وَ جَبَلِهَا، حَيِّهِمْ وَ مَيِّتِهِمْ، وَ عَنْ وَالِدَيَّ وَ وُلْدِي وَ عَنِّي مِنَ الصَّلَوَاتِ وَ التَّحِيَّاتِ، زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ وَ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَ مُنْتَهَى رِضَاهُ، وَ عَدَدَ مَا أَحْصَاهُ كِتَابُهُ، وَ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ

اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَهْدًا وَ عَقْدًا وَ بَيْعَةً لَهُ فِي رَقَبَتِي، اللَّهُمَّ كَمَا شَرَّفْتَنِي بِهَذَا التَّشْرِيفِ وَ فَضَّلْتَنِي بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ وَ خَصَصْتَنِي بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، فَصَلِّ عَلَى مَوْلَايَ وَ سَيِّدِي صَاحِبِ الزَّمَانِ، وَ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَ أَشْيَاعِهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْهُ، وَ اجْعَلْنِي مِنَ الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فِي الصَّفِّ الَّذِي نَعَتَّ أَهْلَهُ فِي كِتَابِكَ، فَقُلْتَ (صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) عَلَى طَاعَتِكَ وَ طَاعَةِ رَسُولِكَ وَ آلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

اللَّهُمَّ هَذِهِ بَيْعَةٌ لَهُ فِي عُنُقِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.(1)

قال المولى المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في مزار البحار بعد ذكر هذا العهد :

وجدت في بعض الكتب القديمة بعد ذلك (ويصفق بيده اليمنى على اليسرى) إنتهى كلامه ورفع مقامه.

ب: تجديد البيعة بعد كلّ فريضة بما روي عن الصادق علیه السلام

فصل: ويستحبّ أيضاً تجدید هذه البيعة بعد كلّ فريضة بما روي عن الصادق علیه السلام والرواية منقولة في صلاة البحار عن كتاب الإختيار للسيّد ابن الباقيّ (رحمة اللّه علیه) وقد ذكرنا الرواية والدعاء في أوّل الباب السادس من هذا الكتاب .(2)

ص: 267


1- مصباح الزائر : 545، عنه البحار : 110/102 ، المزار الكبير : 662.
2- تقدّم ص 9ح1045.
ج : الدعاء المأثور المشتمل على تجديد البيعة

فصل:

1413- ومن الأدعية المأثورة المشتملة على تجديد البيعة لصاحب الامر علیه السلام ما رواه السيّد وغيره بأسانيدهم إلى مولانا الصادق علیه السلام أنّه قال :

من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحاً كان من أنصار القائم علیه السلام ، وإن مات قبل ظهوره أحياه اللّه تعالى، حتّى يجاهد معه، ويكتب له بعدد كلّ كلمة منه ألف حسنة، ويمحى عنه الف سيّئة، وهو هذا :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظيمِ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ، وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ، اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْكَرِيمِ، وِبِنُورِ وَجْهِكَ الْمُنِيرِ وَمُلْكِكَ الْقَدِيمِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ،

أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي اشْرَقَتْ بِهِ السَّماواتُ وَالأَرَضُونَ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي يَصْلُحُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، يا حَيّاً قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيا حَيّاً بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، وَيا حَيّاً حِينَ لا حَيَّ، يا مُحْيِيَ الْمَوْتي وَمُمِيتَ الْأَحْياءِ، يا حَيُّ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَاالْإِمامَ الْهادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقائِمَ بِأَمْرِكَ، صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلي آبائِهِ الطّاهِرينَ، عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فِي مَشارِقِ الأَرْضِ وَمَغارِبِها، سَهْلِها وَجَبَلِها وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَعَنِّي وَعَنْ والِدَيَّ مِنَ الصَّلَواتِ زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ وَمِدادَ كَلِماتِهِ وَما أَحاطَ بِهِ أَحْصاهُ عِلْمُهُ وَأَحْصاهُ كِتابُهُ.

اللَّهُمَّ إِنّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لا أَحُولُ عَنْها وَلا أَزُولُ أَبَداً، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ، وَالذّابِّينَ عَنْهُ، وَالْمُسارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضاءِ حَوائِجِهِ،

ص: 268

وَالْمُمْتَثِلِينَ لِأَوامِرِهِ، وَالْمُحامِينَ عَنْهُ، والسَّابِقِينَ إِلي إِرادَتِهِ، وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ

اللَّهُمَّ فَإِنْ حالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلي عِبادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً، فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي، مُؤْتَزِراً كَفَنِي، شاهِراً سَيْفِي، مُجَرِّداً قَناتِي، مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدّاعِي فِي الْحاضِرِ وَالْبادِي

اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ، والْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحَلْ ناظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ، وَانْفِذْ أَمْرَهُ وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلادَكَ، وَأَحْيِ بِهِ عِبادَكَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ)، فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ الْمُسَمّي بِاسْمِ رَسُولِكَ حَتّي لا يَظْفَرَ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْباطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ، ويُحِقَّ الْحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ

وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبادِكَ، وَناصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ ناصِراً غَيْرَكَ، وَمُجَدِّداً لِما عُطِّلَ مِنْ أَحْكامِ كِتابِكَ، وَمُشَيِّداً لِما وَرَدَ مِنْ أَعْلامِ دِينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مِمَّن حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ الْمُعْتَدِينَ

اللَّهُمَّ وَسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِرُؤْيَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلي دَعْوَتِهِ، وَارْحَمِ اسْتِكانَتَنا بَعْدَهُ، اللَّهُمَّ اكْشِفْ هذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هذِهِ الْأُمَّةِ بِحُضُورِهِ، وَعَجِّلْ لَنا ظُهُورَهُ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ ، ثمّ تضرب على فخذك الأيمن بيدك ثلاث مرات وتقول: الْعَجَلَ الْعَجَلَ الْعَجَلَ يا مَوْلايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ.(1)

ص: 269


1- مصباح الزائر : 546، عنه البحار : 111/102 ، المزار الكبير : 663، الصحيفة الرضويّة الجامعة: 346 د103.
د: تجديد العهد والبيعة له في كلّ جمعة

فصل: ويستحبّ تجديد العهد والبيعة له في كلّ جمعة،

نظراً إلى ما قدّمنا من الرواية، أنّ الملائكة يجتمعون في كلّ جمعة في البيت المعمور، ويجدّدون عهد ولاية الأئمة علیهم السلام ، مضافاً إلى الدعاء المروي عن سيّد الساجدين علیه السلام المشتمل على ذلك الذي ذكرناه في كتاب «أبواب الجنات في آداب الجمعات»، ومضافاً إلى أنّ يوم الجمعة يوم أخذ اللّه العهد والميثاق بولايتهم علیهم السلام من العالمين، كما ذكرنا الرواية في ذلك الكتاب المذكور(1)

ومضافاً إلى مزيد اختصاص ذلك اليوم به صلوات اللّه وسلامه عليه من وجوه قدّمنا ذكرها في الباب السادس من هذا الكتاب .(2)

وينبغي مزيد الإهتمام بذلك في الجمعة أيضاً بسبب ما ورد من الروايات من تضاعف الحسنات في ذلك اليوم، ولاريب في أنّ هذه المبايعة من أفضل الحسنات وأهمّها، وأكمل العبادات وأتمّها كما لا يخفى على السالك في مسالك الإيمان، وأهل الرشد والإيقان.

ه: حكم البيعة بمعنى المصافقة باليد في الحضور والغيبة

فصل: وأمّا حكم البيعة بالمعنى الثاني، أعني المصافقة باليد،

فالكلام فيه تارة في حكم زمان حضور المعصوم، وأُخرى في زمان غيبته .

أمّا في زمان حضوره، فلا ريب في وجوب البيعة بالمعنى المذكور، عند استدعاء الإمام وطلبه ذلك على من طلبه منه ، ودعاه إليه، لأنّ أمره علیه السلام يقتضي الوجوب، فإن أمر أحداً بمبايعته بنفسه أو مبايعة غيره النائب عنه بخصوصه وجب إجابته في ذلك، ولهذا لمّا دعا النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم المسلمين إلى بيعته بالمعنی المذكور في يوم الغدير ، وغيره،

كانوا يتسابقون ويتبادرون إلى إجابته صلوات اللّه عليه وهذا ممّا لا شبهة فيه .

وأمّا لو دعا في زمن حضور المعصوم غير المعصوم إلى بيعته فهل يجوز إجابته إلى ذلك أم لا؟ فنقول: إن كان ذلك الداعي منصوباً بخصوصه من قبل

ص: 270


1- أبواب الجنّات : ص 72.
2- تقدّم ص43 ذ ح 1081.

الإمام، وأمر الإمام بمبايعته، فيجب إجابته ومبايعته، لأنّ مبايعته مبايعة الإمام، وأمره علیه السلام يقتضي الوجوب، وإن لم يكن منصوباً بخصوصه، ولم يأمر الإمام بمبايعته فمبايعته غير جائزة، سواء دعا الناس إلى بيعة نفسه لنفسه أم دعاهم إلى بيعته نفسه بعنوان النيابة عن الإمام، وأنّ مبايعته مبايعة الإمام.

والدليل على عدم الجواز مضافاً إلى أنّ أُمور الشرع توقيفيّة، يجب تلقّيها من الشارع، وأنّه لم يعهد في زمانهم مبايعة المؤمنين غير الأئمّة، نيابة عنهم، والنهي عن اتّباع غيرهم ممّن كان يدعو الناس إلى البيعة أنّ تلك البيعة قد كانت من لوازم الرئاسة العامّة، وآثار السلطنة الكلّيّة، إذ قد عرفت أنّ حاقّ معناها التعهّد والإلتزام برئاسته، ولزوم مبايعته، ومحكوميّة المبايع ومرؤوسيّته ، والإنقياد لأوامر الرئيس، وبذل المال والنفس في نصرته، ولا شبهة عندنا في أنّ الرئاسة العامّة والولاية المطلقة، والسلطنة الكلّيّة، مخصوصة من اللّه عزّ وجلّ

بمحمّد رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم والأئمّة الإثني عشر خلفائه صلوات اللّه عليهم أجمعين .

قال اللّه عزّ وجلّ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(1) وقال تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(2)،

وقال عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(3) والروايات الدالّة على هذا المدّعى أكثر من أن تحصى، بعضها مذكور في أصول الكافي وبصائر الدرجات .(4)

1414- وفي دعاء سیّد الساجدين علیه السلام ليوم الجمعة والعیدین :

اللّهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك، ومواضع أُمنائك، في الدرجة الرفيعة، الّتي اختصصتهم بها، قد ابتزّوها، إلخ.(5)

ص: 271


1- الأحزاب: 6.
2- المائدة : 55.
3- النساء: 59.
4- الكافي: 1/ 185 ح7، و بصائر الدرجات : 35 باب17.
5- الصحيفة السجادية الجامعة : 351 د150.

وعلى ما بيّنّا ظهر أنّه لا يجوز مبايعة غير النبيّ والإمام، إذ لو بایع غيره جعل له شريكاً في المنصب الّذي اختصّه اللّه تعالى به، ونازع اللّه في خيرته وسلطانه، قال اللّه عزّ وجلّ : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)(1).

1415- وقد ورد في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(2) روايات بأنّ المراد: لئن أشركت في الولاية غير عليّ معه، والروايات مذكورة في البرهان وغيره .(3)

و: هذه البيعة من خصائص النبيّ والإمام لا لغيرهما

فصل: وقد تبيّن ممّا ذكرنا عدم جواز مبايعة احد من الناس، من العلماء وغيرهم، لا بالإستقلال، ولا بعنوان نیابتهم عن الإمام علیه السلام في زمان غيبته، لما قدّمناه آنفا من أنّ ذلك من خصائصه ولوازم رئاسته العامّة وولايته المطلقة وسلطنته الكلّيّة، فإنّ بيعته بيعة اللّه:

1416- كما ورد في خطبة الغدير ، وغيرها:(4)

فمن بایعه فقد بايع اللّه تعالى، ومن تولّى عنه فقد تولّى عن اللّه .

1417- ويدلّ على عدم جوازه - مضافاً إلى ما عرفت من كونه من خصائص الإمام، وكون أُمور الشرع توقيفيّة - ما روي في البحار، ومرآة الأنوار :

عن المفضّل بن عمر، عن الصادق علیه السلام، أنّه قال :

یا مفضّل، كلّ بيعة قبل ظهور القائم علیه السلام فبيعة كفر ونفاق وخديعة، لعن اللّه المبايع بها(5) والمبايع له، الحديث .(6)

وهذا كما ترى صريح في عدم جواز مبايعة غير الإمام، من غير فرق بين كون المبايع له فقيهاً أو غير فقيه، ومن غير فرق بين أن تكون البيعة لنفسه أو

ص: 272


1- الأحزاب : 36.
2- الزمر : 65.
3- تفسير القمّي: 2/ 222، عنه البرهان : 4/ 725 ح2.
4- الإحتجاج: 83/1 .
5- لها، خ.
6- مرآة الأنوار: 361، البحار : 8/53.

بعنوان النيابة عن الإمام علیه السلام.

ويؤيّد ما ذكرنا من كون المباعة بالمعنى المذكور من خصائص الإمام، ولوازم رئاسته العامّة وولايته المطلقة وعدم جوازه لغيره أُمور:

منها : أنّه لم يعهد ولم ينقل في زمان أحد من الأئمّة علیهم السلام تداول المبايعة بين أصحابهم، وكذا سائر المؤمنين الموجودين في زمانهم.

ومنها : أنّه لم يرد منهم علیهم السلام إذن في مبايعة غيرهم من أصحابهم بنيابتهم.

ومنها: عدم معهوديّة ذلك في ألسنة العلماء، ولا في كتبهم، ولم ينقل في آدابهم، وأحوالهم، وأفعالهم، بل لم يكن معهوداً في سائر المؤمنين من زمن الأئمة علیهم السلام إلى زماننا أن يبايعوا أحداً بعنوان أنّ بيعته بيعة الإمام علیه السلام .

ومنها : أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لمّا أراد أن يأخذ البيعة لأمير المؤمنين علیه السلام ورأى أنّه يعسر على جميع المؤمنين أن يصافقوه بیده امرهم بإظهار العهد والبيعة بألسنتهم ولم يأمرهم بأن يصافقوا غيره من صالحي أصحابه وخواصّهم نيابة عنه، مع أنّه كان ذلك ممكناً، والحديث مذكور في كتاب الإحتجاج للشيخ الطبرسي (رحمة اللّه علیه) من أراده فليطلبه هناك .(1)

ومنها : أنّه لمّا فتح رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في مكّة، وبايع الرجال جاءته المؤمنات لمبايعته، فقال : إنّي لا أُصافح النساء، فدعا بقدحٍ من ماء، فأدخل يده، ثمّ أخرجها، فقال : أدخلن أيديكنّ في هذا الماء، فهي البيعة، وهذا الحديث وغيره بمضمونه مذكور في الكافي، والبرهان، وغيرهما(2)

ووجه التأييد والإستشهاد أنّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لم يأذن لهنّ في مصافقة امرأة من المؤمنات الصالحات، ولا في مصافقة محارمهنّ من المؤمنين بعنوان أنّ مصافقة امرأة مصافقة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم نيابة عنه.

ص: 273


1- الاحتجاج: 66/1 ، عنه البحار : 102/37 ج86، و غاية المرام: 1/ 325 ح40.
2- الكافي : 527/5 ح5، عنه البرهان : 357/5 ح1.

ومنها : ما تقدّم من المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في البحار، بعد ذكر دعاء تجديد العهد والبيعة في زمان الغيبة : أنّه قال : وجدت في بعض الكتب القديمة بعد ذلك (ويصفق بيده اليمنى على اليسرى)، إنتهی .(1)

فانظر كيف جوّزوا أن يصفق بيده على يده ولم يجوّزوا مصافقة الغير .

1418- ومنها : ما في الاحتجاج عن مولانا الباقر علیه السلام بعد ذكر وقعة الغدير ، وخطبة البشير النذير ، وأخذ البيعة للأمير علیه السلام ، قال : وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً ورسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول كلّما بایع قوم: الحمد لله الّذي فضّلنا على جميع العالمين ، قال علیه السلام : وصارت المصافقة سنّةً ورسماً، وربّما يستعملها من ليس له حقّ فيه، إنتهی .(2)

أقول: فمن جميع ما ذكرنا وغيره يحصل الجزم بأنّ المبايعة من خصائص النبيّ والإمام، ولا يجوز لأحد التصدّي لذلك، إلّا من جعله النبيّ أو الإمام نائباً له في ذلك، فيكون وكيلاً في هذا الأمر، مثل الوكالة في سائر الأُمور .

فإن قلت : بناء على القول بثبوت الولاية العامّة للفقيه، يمكن أن يقال بأنّ الفقهاء خلفاء الإمام علیه السلام ونوّابه ، فيجوز لهم أخذ البيعة من الناس نيابة عن الإمام ويجوز للناس مبايعتهم.

قلت : أمّا أوّلاً : فالولاية العامّة غير ثابتة للفقيه .

وأمّا ثانياً : فعلى فرض ثبوت الولاية العامّة إنّما هي فيما لم يكن مختصّاً بالنبيّ والإمام، وقد ظهر من الروايات دليلاً تأييداً كما ذكرنا اختصاص المبايعة بهما، فليس للنائب العامّ نيابة في هذا المقام، وهذا نظير الجهاد، حيث أنّه لا يجوز إلا في زمان حضور الإمام وبإذنه، ونظير وجوب إقامة صلاة العيدين على الإمام، ونظیر كون سلوكهم في أكلهم، وشربهم، ومعاشهم، ولباسهم، عند بسط أيديهم، وظهور رئاستهم، بسيرة أمير المؤمنين علیه السلام ، كما في عدّة روایات

ص: 274


1- تقدّم ص 267 ح 1412.
2- الإحتجاج: 84/1.

يوجب ذكرها التطويل، ونظير جواز الإيثار مع كون الأهل والأولاد في حال الإحتياج، والإضطرار، ونظير عدم كراهة الأكل باليسار ونحوها ممّا يختصّ بالنبيّ والإمام علیهماالسلام .

وأمّا ثالثاً : فعلى فرض عدم ثبوت الإختصاص نقول :

إنّما يجوز تصدّي الفقيه لما ثبت شرعيّته، وشرعيّة مبايعة غير المعصوم، أو نائبه الخاصّ المأمور بأخذ البيعة من الناس للمعصوم غير ثابتة .

فإن قلت : يمكن إثبات شرعيّة ذلك بالآيات الدالّة على رجحان المتابعة والتأسّي بالنبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم كقوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)(1)

وقوله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)(2) ونحوها،

وجه الإستدلال أنّ الآيات دلّت على حسن اتّباع النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في أفعاله، ومن أفعاله الّتي صدرت منه بشهادة الآيات والروايات مبايعة المؤمنين والمؤمنات ، فيستحبّ لهم التأسّي به في المبايعة والمصافقة.

قلت : أوّلاً إنّ دلالة الآيات المذكورة على وجوب التأسّي والإتّباع في تمام الأفعال الصادرة عنه، أو استحبابه، غير ظاهرة ، كما حقّقناه في محلّه، بل هي ظاهرة في وجوب الإيمان به، وامتثال أمره ونهيه،

وتفصيل الكلام في هذا المقام يوجب الخروج عمّا هو المقصود والمرام .

وثانياً : لو فرض ثبوت دلالتها على رجحان المتابعة مطلقاً، قلنا: إنّها إنّما تدلّ على رجحان الإتيان بالفعل الصادر عنه على النحو الّذي صدر عنه،

وذلك ممتنع فيما نحن فيه، لأنّ البيعة الصادرة في زمانه كانت مقيّدة بمصافقة يده الشريفة، أو كانت بأمره، كما أنّ مبايعة مسلم بن عقیل كانت بأمر مولانا الحسين علیه السلام .

ص: 275


1- آل عمران : 31.
2- الأحزاب: 21.

أمّا في مثل زماننا هذا فجواز المبايعة على وجه المصافقة ممّا لا دليل له، فهي من البدع المحرّمة الّتي توجب اللّعنة والندامة،

وبهذا يتبيّن لك وجه قول مولانا الصادق علیه السلام في حديث مفضّل السابق :

كل بيعة قبل ظهور القائم ... إلخ .(1)

وممّا ذكرنا لك يظهر فساد ما زعمه بعض العلماء الزنجانيّين في كتابه المعمول لصيغ العقود، حيث أنّه جزم باستحباب مبايعة الفقهاء، واخترع صيغة العقد المبايعة وتكلّم في أنّه من العقود الجائزة، أو اللّازمة،

وممّا يدلّ على فساد زعمه ما اعترف به في أوّل كلامه من أنّ عقد البيعة وصيغته ليس مذكوراً في كتب أحدٍ من العلماء من المتقدّمين والمتأخّرين.

أقول: أُنظر أيّها الفطن العاقل، هل يتصوّر عادة أن يغفل جميع العلماء من زمن الأئمّة المعصومين إلى زماننا هذا عن أمر شائع اسمه في القرآن المجيد، والأخبار العديدة، ويكون هذا الأمر ممّا یكلّف به الناس عموماً وجوباً أو استحباباً ولا يتعرّض أحد منهم لذكره، ولا يسمع منهم في محاوراتهم و مكالماتهم، ولا يعنون في محافلهم ومجالسهم؟!

أليس ذلك إلّا لوضوح عدم مشروعيّة المصافقة بعنوان المبايعة إلّا مع المعصوم أو نائبه الخاصّ، وتوافقهم على ذلك بحيث لم يذكر ذلك أحد منهم على سبيل الإحتمال كما هو دأبهم في كثير من المسائل الفقهيّة،

نسأل اللّه تعالى العصمة من الخطاء والخطل في القول والعمل.

ولمّا كان كتاب هذا الشخص فارسيّاً رأينا أن نذكر حاصل كلامه هنا بالعربيّة فنقول: إنّه قد استدلّ لاستحباب البيعة في هذا الزمان و نحوه بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)

ص: 276


1- تقدّم ص 272 ح 1417.

فقال : معلوم أنّ ما وعد اللّه عليه أجراً عظيماً ويكون بمنزلة الوفاء بعهد اللّه فهو مستحبّ مؤكّد إن لم يكن واجباً.

ثمّ قال: إنّ الأصل في كلّ فعل وترك يكون مقدّمة لإطاعة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في رسالته الرجحان، ثمّ قال بعد كلام له : إذا ثبت الرجحان، فيكون راجحاً للإمام ونوّابه بدليل أصالة الإشتراك، هذا محصّل كلامه في إثبات مرامه ، وانت خبير بأنّ مثل هذا الكلام لا ينبغي أن يصدر من العلماء الاعلام، لأنّ الآية الشريفة إنّما دلّت على وجوب الوفاء بالمبايعة الّتي صدرت ممّن بايع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وإنّ من وفي فله أجر عظيم، ومن نكث فقد أضرّ بنفسه، وحاق به سوء علمه ، وفساد ضميره، وخبث سريرته، ولادلالة لها على رجحان مبايعة غير النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ، فإثبات مقصود هذا المستدلّ بهذه الآية دونه خرط القتاد .

وأمّا الأصل الّذي ذكره ففيه أوّلاً :

أنّ رجحان ما يتوقّف عليه إطاعة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أمر عقلي، لا يوصف بالإستحباب الشرعي الّذي له أجر وثواب زائد على أصل العمل الّذي أمر به النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم فهو من قبيل طلب الماء لتحصيل الطهارة، فإثبات الإستحباب الشرعي بذلك ممّا يأباه أصاغر الطلبة فضلاً عن أكابر العلماء. وثانياً:

أنّه لا تتوقّف إطاعة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في رسالته وأحكامه على المبايعة بالمعنی المذكور أصلاً، بل هي كسائر الأفعال ، ممّا يجب أخذ حكمها عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ففي كلّ مقام ثبت أمره ونهيه وجب امتثاله وإطاعته فعلاً أو تركاً، وفي كلّ مقام لم يثبت عنه أمر ولا نهي، فإن كان من الأُمور العاديّة كالأكل والشرب وغيرهما من الأفعال والعاديّات، فإن أتي به المكلّف بغیر عنوان التشريع، كان قد فعل مباحاً، وإن أتی به بعنوان أنّه من الشرع وجوباً أو استحباباً فهو بدعة محرّمة، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنّ مبايعة غير النبيّ والإمام على نحو المصافقة ممّا لم يرد فيه عنهم علیهم السلام أمر أصلاً، بل ورد عنهم النهي، كما عرفت، فهي بدعة محرّمة

ص: 277

فإن قلت : يمكن أن يأتي بهذا الفعل رجاء كي يتخلّص من حرمة التشريع.

قلت : أوّلاً : بعد ما أثبتنا كون ذلك من خصائص النبيّ والإمام، وبيّنّا ورود النهي عن هذا الفعل عنهم علیهم السلام فلا مجال لرجاء المطلوبيّة واحتمال المحبوبيّة .

وثانياً : لو أغمضنا عن ذلك كلّه، وفرضنا عدم الاختصاص، وعدم ورود النهي قلنا: إنّ موضوع أخبار من بلغه ثواب على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب هو أن يرد في فعل من الأفعال حديث عنهم في فضله وثوابه بحسب الطرق المتعارفة، ويأتي به المؤمن رجاء ذلك الثواب ، نظراً إلى بلوغ الخبر عنهم، فإن كان في الواقع غير صادر عنهم، وأتي به المؤمن رجاءً، آتاه اللّه تعالى ذلك الثواب فضلاً وإحساناً .

فنقول لهذا القائل : أيّ خبر ضعیف دلّ على رجحان مبايعة غير الإمام علیه السلام ؟ أم أيّ فقيه أفتى باستحبابه؟ أم أيّ عالم احتمل رجحان ذلك رجاء ثوابه مع أنّ هذا القائل اعترف في أوّل كلامه ، كما عرفت، بأنّه لم يقف على أحد من العلماء المتقدّمين منهم والمتأخّرين ذكر ذلك،

نسأل اللّه تعالى العصمة من الزلّة بمنّه وكرمه .

وأمّا مسألة إصالة الإشتراك في التكليف فنقول بعون اللّه تعالى وتأييده :

إنّ مقتضى الأدلّة ، بل هو من الضروريّات الّتي يعرفها أهل الملّة المحمّدية صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّ شريعته باقية إلى يوم القيامة، وجميع الناس من زمن بعثته إلى يوم القيامة مكلّفون باتّباع شریعته، وموافقة أوامره ونواهيه وأحكامه ،

وهذا مقتضی خاتميّته، وصریح كتاب اللّه العزيز في آيات عديدة، لكن لا ريب ولاخفاء في أنّ الأحكام تتفاوت موضوعاتها وشروطها، وفي كلّ واقعة حكم من اللّه عزّ وجلّ.

وملخّص القول في ذلك :

أنّ الأحكام والأفعال الصادرة عنه صلی اللّه علیه وآله وسلم على أربعة أقسام:

ص: 278

الأول : ما دلّ الدليل على اختصاصه بنفسه الشريفة كوجوب صلاة الوتر وما ذكره الفقهاء في كتاب النكاح من خصائصه صلی اللّه علیه وآله وسلم .

الثاني : ما دلّ الدليل على اشتراك الحاضرين والغائبين والموجودين في زمانه، والّذين يأتون بعده فيه، كوجوب الصلوات المفروضات، واستحباب الصلوات المسنونات، ووجوب الزكاة، والحجّ، وغيرها من الواجبات والسنن، وحرمة المحرّمات، وكثير من الأحكام الّتي دلّ الدليل على اشتراك الجميع فيها

الثالث : ما دلّ الدليل على اختصاصه بالحاضرين في زمانهم كوجوب الجهاد ، ووجوب صلاة العيدين، ووجوب صلاة الجمعة عيناً، وغيرها.

الرابع : ما أُمر به في واقعة، أو مورد يحتمل اختصاص ذلك الحكم بخصوص ذلك المورد، وتعلّق التكليف بخصوص الحاضرين في ذاك الزمان، لعدم قيام دليل على شموله للغائبين، وتعدية الحكم إلى غير ذاك المورد، كما في جملة من الأحكام الّتي وردت للرجل مثلاً، فتعديتها إلى غيره ممّا لا دليل له، وكما في مسألة البيعة الّتي أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بها الحاضرين، لو فرضنا عدم الدليل على اختصاصها بالحاضرين، وأغمضنا عمّا ذكرنا من الدليل على الإختصاص، والمرجع في هذه المسألة وأمثالها أصل البراءة، لا أصل الإشتراك في التكليف، لأنّ التكليف المشكوك منفيّ بالاصل عقلاً و شرعاً.

فالتمسّك بأصالة الإشتراك في التكليف - كما صدر من هذا القائل - لا حجّة له، كما لا يخفى على أهل التحقيق، بل يمكن أن يقال : لو سلّمنا أصالة الإشتراك حتّى في مثل هذا المقام لم يكن ناهضاً لإثبات استحباب البيعة بنحو المصافقة في زمان الغيبة، لأنّ جميع ماله دخل في توجّه الخطاب يجب أن يكون موجوداً في غير الحاضر وقت الخطاب حتّى يثبت توجّهه إليه أيضاً بإصالة الإشتراك، على مذاق هذا القائل، وهذا غير ممكن فيما نحن فيه، لأنّ المفروض وجوب مبايعة الحاضرين مع النبيّ والوصي علیهماالسلام .

ص: 279

وذلك في حقّ الغائبين مثل أهل الزمان مثلاً - سالبة بانتفاء الموضوع - فلا يمكن تكليفهم بذلك، وأيضاً لايثبت تكليفهم بذلك لوجه آخر، وهو أنّ النبيّ قد أمر الحاضرين في زمانه بالمصافقة في وقائع خاصّة، وزمان مخصوص، فلا يثبت تكليف الحاضرين بذلك الأمر بعد خروج ذاك الوقت، ومضيّ تلك الواقعة، فضلاً عن المعدومين في زمانه .

وذلك لأنّا قد أثبتنا في محلّه أنّ القضاء بامر جديد، وأنّ الأمر بشيء في وقت معيّن لا يقتضي وجوبه بعد انقضاء ذلك الوقت، إلّا أن يقوم دليل آخر عليه، والمفروض هنا العدم.

ويرد على هذا القائل نقض آخر على مذهبه، وهو أنّ مقتضى ما أقام من الدليل على مختاره لو تمّ لزوم القول بوجوب المبايعة بالمصافقة على جميع الناس في جميع الأزمنة، لأنّ أمر النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم كان على وجه الإيجاب على الحاضرين، فمقتضى أصالة الإشتراك في التكليف بزعمه يوجب القول بالوجوب على الغائبين والمعدومين في زمانه صلی اللّه علیه وآله وسلم

وهذا القائل غير ملتزم به كما عرفت كلامه.

ز: ردّ قول بعض الصوفيّة بأنّ مبايعة الشيخ واجبة

تبصرة : قد اتّضح بما ذكرناه فساد ما تداول في ألسنة بعض الصوفيّة، وتعارف بينهم من وجوب البيعة مع الشيخ، ومصافقة يده، وزعموا أنّ مبايعة الشيخ واجبة، وأنّها جزء الإيمان، والإيمان لا يتحقّق بدونه، وسمّوا هذه البيعة بالبيعة الولويّة، وبالبيعة الخاصّة الإيمانيّة، وجعلوا الأخذ بالبيعة من خصائص مشايخ الصوفيّة ومناصبهم، وقالوا : إنّ الأخذ بالبيعة لا يجوز إلّا لمن كان له إجازة ذلك من مشايخهم بطرقهم المقرّرة المثبتة عندهم، وهذا من أُصولهم الّتي اتّخذوها أساساً للرئاسة، وشبكةً لاصطياد العوامّ، الّذين هم كالأنعام،

وقد تكرّر ذكر هذه البيعة، ووجوبها وعدم تحقّق الإيمان بدونها في كلام بعض رؤسائهم في تفسيره المسمّى ببيان السعادة ،

ص: 280

ولابأس بنقل بعض كلماته ، ثمّ التكلّم عليه بما سنح لنا بتأييد اللّه عزّوجلّ، ليكون الناظر على بصيرة من أمرهم:

قال في تفسير سورة يونس في عدم جواز أخذ البيعة من غير إجازة من المشايخ، قال : كما اجترأ المتشبّهة المبطلة بالصوفيّة ، فدخلوا في ذلك من غير إذنٍ من مشايخ المعصومين - إلى أن قال : وكذا الصوفيّة المحقّة، لا يدخلون في الأمر والنهي، وبيان الاحكام والإستغفار للخلق واخذ البيعة منهم، إلّا إذا أُجيزوا، وسلاسل إجازاتهم مضبوطة عندهم.

وقال في تفسير سورة التوبة بعد كلام له في وجوب البيعة في كلّ زمان من الأزمنة، ولزوم التعلّق بيد الشيخ : إنّ تلك البيعة كانت سنّة قائمة من لدن آدم إلى زمان ظهور دولة الخاتم صلی اللّه علیه وآله وسلم، بحيث كان أهل كلّ دين لا يعدّون من أهل الدين أحداً إلّا بالبيعة مع صاحب ذلك الدين، أو مع من نصبه لأخذ البيعة من الناس، ولتلك كانت شرائط وآداب مقرّرة، مكتومة عندهم، ولشرافة تلك البيعة ، والضنّة بابتذالها عند من ليس لها بأهل، كانت تختفي في كلّ دين بعد قوّته ، ورحلة صاحبه ، إنتهی ما اردت نقله.

أقول: إنّ ما ذكر ادّعاء بلا دليل، ولا شاهد له من عقلٍ ولا نقل، ولو كان له وجه ضعيف لذكره لحرصه على إثبات لزوم البيعة مع الشيخ، لأنّ ذلك مدار رئاستهم، كما أشرنا إلى ذلك، ويرد عليه مضافاً إلى ما ذكرنا سابقاً، أوّلاً :

أنّه لو كانت المبايعة بنحو المصافقة واجبة في الإسلام، أو الإيمان، لوجب على النبيّ والإمام وعلى أصحابهما بل على كلّ مؤمن، أن يأمروا من يدخل في الإسلام أو التشيّع بتلك البيعة، بل كان اللازم عليهم الأمر بذلك قبل الامر بالصلاة وسائر الفرائض، لأنّها جزء الإيمان بزعم هذا القائل، وللزومها في كلّ حين، وعدم توقيتها بوقت من الأوقات.

ونحن مع ما تيسّر لنا من التصفّح والتتبّع في الأخبار والروايات، لم نظفر

ص: 281

بذلك، بل من الواضح أن هذا المدعي أيضاً لم يظفر به، ولو ظفر به لذكره في طيّ كلامه حرصاً على إثبات مرامه .

وثانياً : أنّه يلزم على طريقة هذا المدّعي أن يكون جميع المؤمنين من زمن المعصومين علیهم السلام إلى زماننا، علماؤهم وعوامّهم، خارجين عن زمرة أهل الإيمان، لعدم تداول تلك البيعة بينهم في زمن من الأزمان.

وثالثاً : أنّه قد ورد في عدّة من الأخبار، أنّ جمعاً من الأبرار من أصحاب الأئمة الأطهار علیهم السلام عرضوا إيمانهم، وما يجب عليهم في حقيقة إيمانهم على الأئمّة، وقرّرهم الأئمّة على ذلك، وقالوا بتماميّة إيمانهم، ولم يكن في كلام السائل ولا الإمام ذكر للبيعة أصلاً، ولو كان للبيعة دخل في تحقّق الإيمان أو كماله لنبّهوا عليه، كما لا يخفى،

وبعض تلك الروايات مذكور في أُصول الكافي .(1)

ورابعاً : أنّه قد وردت أخبار كثيرة عن أئمّتنا علیهم السلام في بيان صفات المؤمنین وآدابهم، وأخلاقهم، وبيان علامات الإيمان، وذكر علامات تحقّقه وكماله ، ولم يذكر في واحدٍ منها اسم البيعة تصريحاً ولا تلويحاً.

وخامساً: أنّ قوله «لشرافة تلك البيعة»، الخ، نعترض عليه فنقول:

أيّ مفسدة كانت تترتّب على إظهار المؤمنين بعضهم لبعض مصافقة رئيسهم للبيعة معه؟ وأيّ مفسدة كانت تترتّب على تلك المبايعة؟

ولا شكّ أنّ التعلّق باليد أهون وأسهل على الطباع البشريّة من بذل المال ، وإنّا نرى بالعيان عدم مضايقة صالحي أهل الإيمان من بذل سهم الإمام روحي فداه في زمان غيبته للعلماء والأعلام، فكيف يتضايقون من مصافقة أيديهم لو علموا من شرعهم وجوب البيعة بهذه الكيفيّة أو استحبابها؟! وليس هذا إلّا مثل المصافحة الشائعة المتداولة بينهم، ولا فرق إلا في القصد والعنوان.

ص: 282


1- الكافي : 188/1 ح13.

وسادساً : أنّ إظهار خلافة أمير المؤمنين علیه السلام كان أعظم خطباً، وأشدّ خوفاً وخطراً، كما يظهر من الآية والروايات والتواريخ، ومع ذلك أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بالإظهار، لكونه جزءاً للإيمان، ولو كان بيعة غيره جزءاً كما زعمه هذا المدّعي لبيّنه النبيّ وخلفاؤه علیهم السلام.

وسابعاً : كيف خفي هذا العمل الواجب العظيم الّذي يدّعي أن أحداً لا يكون من أهل الدين إلّا به، على جميع المؤمنين و قاطبة أهل هذا الدين، إلّا على طائفة الصوفيّة، إن هذا إلّا إفك مبين، نسألهم فنقول:

هذا التقصير كان من النبيّ وخلفائه ! العياذ باللّه، حيث حرّموا جميع الخلق من بيان هذا الحكم، أو كان من جميع المؤمنين حيث ستروا حكم اللّه من الظالمين ! مع كمال اهتمامهم بنشر الأحكام وبيانها ، نعوذ باللّه تعالی من مضلّات الفتن، والإبتلاء بالبلايا والمحن.

وثامناً : لو كان هذا الأمر واجباً، وكان له دخل في تحقّق الإيمان، لوجب أن ينقل، ويذكر في كتب العلماء، ويعنون بينهم، فكيف يدّعي ذلك مع عدم ذكر له في شيء من الأخبار والآثار، ولو قال هذا المدّعي بوجوده في كتاب من كتب أهل العلم فعليه البيان.

وتاسعاً: أنتم تدّعون أنّ هذا الأمر من الأسرار الخفيّة الّتي كان الإهتمام بإخفائها، فكيف تخالفون السابقين بزعمكم، وتفشون هذا السرّ المكتوم، وتعمدون بإظهاره في كتبكم وألسنتكم،

وإن قلتم بزعمكم أنّكم أصحاب الأسرار، والأسرار لا تكتم عن أهلها .

قلنا: أما كان في جميع المؤمنين وأصحاب النبيّ والأئمّة الراشدين صاحب سرّ ليبيّن له هذا السرّ مع وجود الخواصّ فيهم؟ بحيث كان لكلّ واحد منهم جمع من أهل السرّ والستر، ولم يذكر في حالاتهم وأقوالهم وأفعالهم هذا الأمر، فبأيّ وسيلة ، ومن أيّ طريق وصل هذا الأمر إلى الصوفيّة، واختصّوا

ص: 283

بهذا الحكم من بين جميع الأُمّة؟!

وعاشراً: مع غمض العين عن جميع ما ذكرنا نقول:

إنّ ما تدّعونه من وجوب كون البيعة بيد الشيخ، وتخصّون شخصاً معيّناً لأخذ البيعة، هذا التعيّن، هل هو من باب النيابة الخاصّة أو العامّة؟

فإن قلتم: إنّه بسبب النيابة الخاصّة، قلنا: لا خلاف بين الإماميّة في انقطاع النيابة الخاصّة في زمن الغيبة الكبرى، مع أنّه دعوی بلا دلیل كسائر مقالته،

وإن قلتم: بالنيابة العامّة، فالتخصيص بشخص خاصّ لماذا؟

وإن قلت: إن تعين الشخص الخاص بتعيين الشيخ وإجازته له.

قلنا: يرد كلامنا على الشيخ فنقول:

أوّلاً : تعيّن الشيخ لماذا؟ وثانياً : تعيينه الشخص الخاصّ لماذا؟

لأنّه لا حجّيّة في قول غير المعصوم إلّا أن ينتهي إلى المعصوم،

ومقایسة الإجازة المتداولة بينهم بالإجازة المتداولة بين الفقهاء، وحملة الاخبار فاسدة، لأنّ الإجازة المتداولة بين الفقهاء إنّما هي لاتّصال سند الحديث إلى المعصوم، واحتفاظه من الارسال، وهذه لا تثبت منصباً خاصّاً لأحد، ولهذا لا اختصاص لتلك الإجازة بخصوص المجتهدين.

وأمّا تصديق الإجتهاد، فهو أمر لا ملازمة بينه وبين إجازة الرواية، وفائدته جواز رجوع غير المجتهد إليه في مسائله، وهذا بخلاف الإجازة المتداولة بين الصوفيّة كما عرفت في كلامه.

ثمّ إنّه يرد على قوله : وكذا الصوفيّة المحقّة لا يدخلون في الأمر والنهي وبيان الأحكام، والإستغفار للخلق، وأخذ البيعة منهم إلّا إذا أُجيزوا، إلخ، إنّ ذلك خلاف مقتضى الآيات والروايات المرويّة عن الأئمّة السادات علیهم السلام ، لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان الأحكام، وظيفة كلّ مسلم عارف بالحكم والأمر والنهي مع الأمن من المفسدة، ولا اختصاص لها بشخص دون

ص: 284

آخر، وكذا الإستغفار فإنّه من أقسام الدعاء.

وقد ورد الترغيب والأمر بالدعاء لعموم المؤمنين والمؤمنات، والدعاء للإخوان بظهر الغيب، والإستغفار للمؤمنين والمؤمنات، والدعاء والاستغفار لأهل الإيمان من وظائف جميع المؤمنين والمؤمنات،

وما ذكرنا واضح للمتتبّع في الآيات والروايات، ولو ذكرناها لطال الكتاب

وأمّا أخذ البيعة فهو من خصائص النبيّ، والإمام، أو المنصوب من قبلهما بنصب خاصّ، ولا يجوز لغيرهما، وفيما ذكرناه كفاية وغنى لأهل الخلاص.

35- صلته علیه السلام بالمال، وفيه أمران :

اشارة

الأمر الخامس والثلاثون : صلته بالمال

بأن يجعل المؤمن بعض ماله هديّة الإمام زمانه سلام اللّه عليه ، وأن يداوم بذلك العمل في كلّ سنة، ويستوي في هذا العمل الشريف الغنيّ والفقير، والوضيع والشريف والرجل والمرأة، إلّا أنّ الغنيّ يكلّف بحسب استطاعته ، والفقير بحسب استطاعته، قال اللّه عزّ وجلّ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)(1)، وقال تعالى شأنه : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)(2) ولم يبيّن في الروايات مقدار خاصّ لصرف المال في تلك الجهة الشريفة، لأنّ الظاهر كون ذلك من المستحبّات المؤكّدة، الّتي يعبّر عنها في لسانهم بالفريضة.

1419- ويدلّ على ما ذكرناه ما رواه الشيخ الكليني رضي اللّه تعالى عنه في الكافي : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال : ما من شيء أحبّ إلى اللّه من إخراج الدراهم إلى الإمام، وإنّ اللّه ليجعل له الدرهم في الجنّة مثل جبل أُحد،

ثمّ قال : إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)(3)، قال : هو واللّه في صلة الإمام خاصّة .(4)

ص: 285


1- البقرة : 286.
2- الطلاق : 7.
3- البقرة : 245.
4- الكافي : 537/1 ح2، عنه البحار : 279/24 ح7، والوافي : 361/10 ح 1 .

1420- وعنه في حديث آخر، قال : إنّ اللّه لم يسأل خلقه ما في أيديهم قرضاً من حاجة به إلى ذلك، وما كان للّه من حقّ فإنّما هو لوليّه .(1)

1421- وفيه : في الصحيح عن إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم علیه السلام ، قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)(2)، قال علیه السلام : نزلت في صلة الإمام .(3)

1422- وبإسناده عن الحسن بن ميّاح، عن أبيه قال : قال لي أبوعبداللّه علیه السلام :

یا میّاح، درهم يوصل به الإمام أعظم وزناً من أُحد.(4)

1423- وفيه : في المرسل كالصحيح، عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال : درهم يوصل به الإمام أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من وجوه البرّ.(5)

1424- وفي الصحيح، عن أبي عبداللّه علیه السلام في قوله تعالى:

(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(6)، قال :

نزلت في رحم آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وقد يكون في قرابتك،

ثمّ قال علیه السلام : فلا تكوننّ ممّن يقول للشيء إنّه في شيءٍ واحد.(7)

1425- وفي الموثّق عنه علیه السلام قال : إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالا ما أُريد بذلك إلّا أن تطهّروا .(8)

1426- وفيه : في حديث مرفوع قال :

قال أبو عبداللّه علیه السلام : من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنّما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام،

ص: 286


1- الكافي : 537/1 ح 3.
2- الحديد : 11.
3- الكافي : 537/1 ح4، عنه البرهان: 5/ 283 ح 1.
4- الكافي : 6537/1 ح5، عنه البرهان: 5/ 284 ح6، والوافي : 361/10 ح 2.
5- الكافي : 538/1 ح6، عنه البرهان : 284/5 ح 7، والوافي : 362/10 ح 3.
6- الرعد: 21.
7- الكافي : 156/2 ح28، عنه البحار : 130/74 ح95.
8- الكافي : 538/1 ح 7.

قال اللّه عزّ وجلّ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)(1).(2)

1427- وفي الفقيه في باب صلة الإمام علیه السلام : سئل الصادق علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجل : («مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) قال علیه السلام : نزلت في صلة الإمام،

وقال علیه السلام: درهم يوصل به الإمام أفضل من ألف ألف درهم في غيره في سبيل اللّه .(3)

1428- وفيه في باب فضائل الحجّ، روي أنّ درهماً في الحجّ خير من ألف ألف درهم في غيره، ودرهم يصل إلى الإمام مثل ألف ألف درهم في حجّ.(4)

1429- وقال : روي أنّ درهماً في الحجّ أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه في سبيل اللّه عزّ وجلّ .(5)

1430- وفي المجلّد العشرين من البحار، عن ثواب الأعمال : بإسناده عن إسحاق بن عمّار، قال : قلت للصادق علیه السلام : ما معنى قوله تبارك وتعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) ، قال علیه السلام : صلة الإمام .(6)

1431- وفيه، عن بشارة المصطفی : بإسناده عن الصادق علیه السلام، قال : لا تدَعوا صلة آل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين من أموالكم، من كان غنيّاً فعلى قدر غناه، ومن كان فقيراً فعلى قدر فقره، ومن أراد أن يقضي اللّه أهمّ الحوائج إليه فليصل آل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين وشيعتهم بأحوج ما يكون إليه من ماله . (7)

1432- وفي البحار والبرهان، عن تفسير العيّاشي: بإسناده عن مفضّل بن عمر، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام يوماً، ومعي شيء فوضعته بين يديه ،

فقال : ما هذا؟ فقلت : هذه صلة مواليك وعبيدك ، قال :

ص: 287


1- التوبة : :103.
2- الكافي : 537/1 ح1، عنه البرهان : 2/ 836 ح 2 .
3- الفقيه : 2/ 72 ح1763.
4- الفقيه: 2/ 225 ح2248، 2249.
5- الفقيه: 2/ 225 ح2248، 2249.
6- ثواب الأعمال : 124 ح 1، عنه البحار : 96/ 215 ح 3.
7- بشارة المصطفي : ص 7، عنه البحار : 216/96 ح6، والمستدرك : 254/7 ح 2.

فقال علیه السلام لي : يا مفضّل، إنّي لا أقبل(1) ذلك، وما أقبل من حاجة بي إليه، وما أقبله إلّا ليزكّوا به ، ثمّ قال علیه السلام : سمعت أبي يقول: من مضت له سنة لم يصلنا من ماله، قلّ أو كثر، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة إلّا أن يعفو اللّه عنه . ثمّ قال :

یا مفضّل ، إنّها فريضة فرضها اللّه تعالى على شيعتنا في كتابه : إذ يقول: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )(2) فنحن البرّ والتقوى، وسبيل الهدی، وباب التقوى، لا يحجب دعاؤنا عن اللّه، اقتصروا على حلالكم وحرامكم فاسألوا عنه ، وإيّاكم أن تسألوا أحداً من الفقهاء عمّا لا يعنيكم وعمّا ستر اللّه عنكم.(3)

1433- وعنه أيضاً عن الحسن بن موسى، قال :

روى أصحابنا : أنّه سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(4)، قال علیه السلام : هو صلة الإمام في كلّ سنة ممّا قلّ أو كثر،

ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام : وما أُريد بذلك إلا تزكیتكم .(5)

1434- وعن أمالي الشيخ الصدوق : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام ، عن آبائه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : من وصل أحداً من أهل بيتي في دار هذه الدنيا بقيراط كافيته يوم القيامة بقنطار .(6)

توضیح: قال في المجمع: القيراط نصف دانق،

وعن بعض أهل الحساب : القيراط في لغة اليونان حبّة خرنون، وأصله قرّاط بالتشديد، لأنّ جمعه قراريط فأُبدل(7).

وفي القاموس: القيراط والقرّاط بكسرهما يختلف وزنه بحسب البلاد

ص: 288


1- لاقبل، (البحار)، وفي البرهان : لا أقبله.
2- آل عمران: 92.
3- العياشي : 321/1 ح 85، عنه البحار : 216/96 ح4، والبرهان: 1/ 653 ح4.
4- الرعد: 21.
5- العيّاشي: 317/2 ح 33، عنه البحار : 216/96 ح5 .
6- أمالي الصدوق: 483 ح 14، أمالي الطوسي: 439 ح984، عنهما البحار: 215/96 ح1 .
7- مجمع البحرین: 467/2 (قرط).

فبمكّة ربع سدس دینار، وبالعراق نصف عشره .

وعن النهاية: القيراط جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عُشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعةٍ وعشرين .(1)

وفي القاموس : القنطار : وزن أربعين أُوقيّة من ذهب، أو ألف ومائتا دینار، أو ألف ومائتا أُوقيّة، أو سبعون ألف دينار، أو ثمانون ألف درهم، أو مائة رطلٍ من ذهبٍ أو فضّة، أو ألف دينار، أو ملاء مسك ثورٍ ذهباً أو فضّة.

وفي المجمع: قيل في تفسيره: هو ألف ومائتا أُوقيّة، وقيل : مائة وعشرون رطلاً ، وقيل : هو ملء مسك الثور، وقيل: ليس له وزن عند العرب.

وعن تغلب : المعمول عليه عند العرب الأكثر أنّه أربعة الاف دينار، فإذا قالوا: قناطير مقنطرة، فهي إثنا عشر ألف دينار، وقيل: ثمانون ألفاً، والمقنطرة المكمّلة ، كما تقول : بدرة مبدّرة، وألف مؤلّف أي تامّ.

وعن الفرّاء : المقنطرة : المضعّفة، ككون القناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة .

وفي الحديث : القنطار : خمسة (عشر)(2) ألف مثقال من الذهب،

والمثقال : أربعة وعشرون قيراطاً، أصغرها مثل جبل أُحد، وأكبرها ما بين السماء والأرض .(3)

وفي معاني الأخبار : فسّر القنطار من الحسنات بألفٍ ومائتي أُوقيّة، والأُوقيّة أعظم من جبل أُحد، إنتهى .(4)

1435- وفي الإحتجاج للشيخ الطبرسي (رحمة اللّه علیه) : عن محمّد بن يعقوب ، والظاهر أنّه نقل من كتاب الرسائل لمحمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه)، عن إسحاق ابن يعقوب ، قال : سألت محمّد بن عثمان العمري (رحمة اللّه علیه) أن يوصل لي كتاباً، قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان - إلى أن قال - : وأمّا أموالكم فما نقبلها إلّا لتطهّروا، فمن شاء فليصل، ومن شاء

ص: 289


1- النهاية : ٤2/4 .
2- ليس في المعاني.
3- معاني الأخبار : 147 ح 1 و 2.
4- معاني الأخبار : 147 ح 1 و 2.

فليقطع، فما آتانا اللّه خير ممّا آتاكم ... إلخ(1)، وفيما رويناه كفاية إن شاء اللّه.

أ: أفضليّة صلة الإمام علیه السلام في مثل هذا الزمان من العلّة في زمان ظهوره

وينبغي التنبيه على أمرين: أحدهما : أنّ صلة الإمام علیه السلام في مثل هذا الزمان أفضل من الصلة في زمان ظهور الدولة الحقّة وبسط يده .

1436- ويشهد لذلك ما روي في الكافي وغيره : بالإسناد عن عمّار الساباطيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أيّما أفضل: العبادة في السرّ مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال : يا عمّار، الصدقة في السرّ أفضل من الصدقة في العلانيّة، وكذلك واللّه عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل، وتخوُّفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة، أفضل ممّن يعبد اللّه عزّوجلّ ذكره في ظهور الحقّ مع إمام الحقّ الظاهر في دولة الحقّ، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحقّ.

واعلموا أنّ من صلّى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعةٍ مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمّها، كتب اللّه عزّوجلّ له خمسين صلاة فريضة في جماعة،

ومن صلّى منكم صلاة فريضة وحده، مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمّها، كتب اللّه عزّ وجلّ بها له خمساً وعشرين صلاه فريضة وحدانيّة،

ومن صلّى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمّها، كتب اللّه له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة ، كتب اللّه له بها عشرين حسنة، ويضاعف اللّه عزّ وجلّ حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقيّة على دينه وإمامه ونفسه ، وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة، إنّ اللّه عزّ وجلّ كريم، الحديث.

ومن المؤيّدات لما ذكرنا: أنّي رأيت في المنام في بعض تلك الأعوام شخصاً جليلاً من الكرام، فقال : إنّ المؤمن إذا بذل شيئاً من ماله لإمامه في زمان غيبته كان ثوابه كواحد وألف مثله، يبذله له في زمان حضوره.

ص: 290


1- الاحتجاج: 281/2 ، عنه البحار : 53/ 180.

أقول: يشهد لصدق تلك الرؤيا وحقّيّة هذه المقالة قوله علیه السلام في خبر عمّار : ويضاعف اللّه حسنات المؤمن منكم - إلى قوله -: أضعافاً مضاعفةً،

ثمّ دفع الإستبعاد في ذلك بقوله علیه السلام : إنّ اللّه عزّ وجلّ كریم.

ب: حصول صلة الإمام علیه السلام في هذا الزمان بصرف المال فيما يرضاه

الأمر الثاني: أنّ صلة الإمام علیه السلام في زمان الغيبة تحصل بصرف المال في المصارف الّتي يعلم رضاه بها، وحبّه لها، وبقصد صلته، مثل طبع الكتب المتعلّقة به، وإقامة مجالس ذكره، والدعوة إليه، وصلة شيعته ومحبّيه ، خصوصاً الذرّيّة العلويّة، والعلماء المروّجين، ورواة أحاديث الأئمّة الطاهرين، ونحوها ممّا لا يخفى على أهله، وأسأل اللّه تعالى التوفيق لي ولسائر المؤمنين .

36- صلة الصالحين من شيعتهم ومواليهم بالمال

الأمر السادس والثلاثون : صلة الصالحين من شيعتهم ومواليهم بالمال

وإنّما أفردنا هذا العمل بالخصوص لوروده والترغيب إليه في بعض النصوص :

1437- ففي الفقيه: قال الصادق علیه السلام :

من لم يقدر على صلتنا فلیصل صالحي شيعتنا(1) يكتب له ثواب صلتنا، ومن لم يقدر على زيارتنا فلیزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زیارتنا .(2)

1438 - وفي كامل الزيارات : بإسناده عن أبي الحسن الأول علیه السلام قال :

من لم يقدر أن يزورنا فلیزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب زیارتنا، ومن لم يقدر على صلتنا فلیصل صالحي موالينا، يكتب له ثواب صلتنا .(3)

1439 - وفي التهذيب:بإسناده عنه علیه السلام ، قال :

من لم يقدر على زيارتنا فلیزر صالح (4) إخوانه، يكتب له ثواب زیارتنا، ومن لم يقدر أن يصلنا فليصل صالح إخوانه ، يكتب له ثواب صلتنا .(5)

ص: 291


1- موالينا، خ.
2- الفقيه : 2/ 73 ح 1765، عنه الوسائل : 6/ 333 ح 3 و 456/10 ح5 (نحوه) .
3- كامل الزيارات : 538، ح 1، عنه البحار : 295/102 .
4- صالحي، خ، وكذا ما بعده .
5- التهذيب : 104/6 حا، عنه الوسائل : 458/10 ح10.

37- إدخال السرور على أهل الإيمان

الأمر السابع والثلاثون : إدخال السرور على أهل الإيمان

فإنّه يوجب سرور مولانا صاحب الزمان، وإدخال السرور قد يكون بالإعانة بالمال، وقد يكون بإعانتهم بالأبدان، وقد يكون بقضاء حوائجهم، وتنفيس كربتهم، وقد يكون بالشفاعة، وقد يكون بالدعاء في حقّهم، وقد يكون بتبجيلهم والإحترام لهم، وقد يكون بإعانة أهلهم وذراريهم، وقد يكون بإقراضهم، أو التأخير في مطالبة ديونهم، وقد يكون بغير ذلك ممّا لا يخفى على السالك في تلك المسالك، فإذا قصد المؤمن المحبّ بهذه الأُمور إدخال السرور على صاحب الامر علیه السلام فاز بثواب ذلك،

مضافاً إلى سائر المثوبات الجليلة المعدّة لإدخال السرور على المؤمنین .

1440- ويدلّ على ما نبّهنا عليه ما روي في الكافي: عن الصادق علیه السلام ، قال : لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً أنّه عليه أدخله فقط، بل واللّه علينا ، بل واللّه على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم .(1)

1441- وفيه : بإسناده عن الصادق علیه السلام قال : من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ومن أدخله على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فقد وصل ذلك إلى اللّه، وكذلك من أدخل عليه كرباً .(2)

1442- وفيه : في الصحيح عنه علیه السلام قال : أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى داود علیه السلام :

أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأُبيحه جنّتي، فقال داود:

یا ربّ، وما تلك الحسنة؟ قال : يدخل على عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة، قال داود: یا ربّ، حقّ لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك(3).

والروايات في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية لأهل البصيرة .

ص: 292


1- الكافي : 189/2 ح6، عنه الوافي : 654/5 ح6، والبحار: 290/74 ح 19 .
2- الكافي : 2/ 192 ح14، عنه الوافي : 657/5 ح13، والبحار : 297/74 ح 27 .
3- الكافي : 189/2 ح5، عنه الوافي : 654/5 ح5، والبحار : 289/74 ح 18.

38- النصيحة له علیه السلام

الأمر الثامن والثلاثون : النصيحة له علیه السلام

1443- ففي الكافي: بسند صحيح عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : ما نظر اللّه عزّ وجلّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه والنصيحة، إلّا كان معنا في الرفيق الأعلى .(1)

1444- وفيه : بإسناده الصحيح او الموثّق كالصحيح، عن أبي عبداللّه علیه السلام أن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم خطب الناس في مسجد الخيف، فقال :

نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها، وحفظها وبلّغها من لم يسمعها،

فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه،

ثلاث لا يغلّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم،

المسلمون إخوة، تتكافی دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم.(2)

1445- وفيه : في حديث مرسل عن رجلٍ من قريش، قال : قال سفيان الثوري : اذهب بنا إلى جعفر بن محمّد علیهماالسلام ، قال : فذهبت معه إليه، فوجدناه قد ركب دابّته، فقال له سفيان :

یا ابا عبداللّه ، حدّثنا بحديث خطبة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في مسجد الخيف،

قال علیه السلام : دعني حتّى أذهب في حاجتي، فإنّي قد ركبت، فإذا جئت حدّثتك، فقال : أسالك بقرابتك من رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لمّا حدّثتني، قال : فنزل، فقال له سفيان : مر لي بدواة وقرطاس حتى أُثبته فدعا به.

ثمّ قال : أكتب: «بسم اللّه الرحمن الرحیم» خطبة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في مسجد الخيف: نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلّغها من لم تبلغه ،

ص: 293


1- الكافي : 1/ 404 ح 3، عنه الوافي : 101/2 ح 3، والبحار : 72/27 ح7.
2- الكافي : 403/1 ح1، عنه الوافي : 98/2 ح1، والوسائل : 63/18 ح 43.

يا أيّها الناس ليبلّغ الشاهد الغائب، فربّ حامل فقه ليس بفقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم:

إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة، تتكافی دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم.

فكتبه سفيان، ثمّ عرضه عليه ، وركب أبو عبداللّه علیه السلام ، وجئت أنا وسفيان فلما كنا في بعض الطريق قال لي : كما أنت، حتّى أنظر في هذا الحديث،

فقلت له : قد واللّه ألزم أبو عبداللّه رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً، فقال : أيّ شيء ذلك؟ فقلت له : ثلاث لايغلّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، قد عرفناه، والنصيحة لائمّة المسلمين، مَن هؤلاء الأئمّة الّذين يجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان، ویزید بن معاوية، ومروان بن الحكم؟ وكلّ من لا يجوز شهادته عندنا، ولا يجوز الصلاة خلفهم.

وقوله : واللزوم لجماعتهم، فأيّ الجماعة؟ مرجئ يقول: من لم يصلّ ولم يصم ولم يغتسل من جنابة، وهدم الكعبة، ونكح أُمّه، فهو على إيمان جبرئیل و میكائیل، أو قدري، يقول: لا يكون ما شاء اللّه عزّ وجلّ، ويكون ما شاء إبليس؟! أو حروريّ يتبرّأ من علي بن أبي طالب علیه السلام ، وشهد عليه بالكفر ؟! أو جهمي يقول : إنّما هي معرفة اللّه وحده، ليس الإيمان شيء غيرها؟!

قال : ويحك، وأيّ شيء يقولون؟ فقلت : يقولون: إنّ عليّ بن أبي طالب واللّه الإمام الّذي يجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم، أهل بيته ، قال :

فأخذ الكتاب، فخرقه، ثمّ قال : لا تخبر بها أحداً .(1)

تذكرة : قد مرّ في المكرمة المكمّلة للأربعين، وفي المكرمة التاسعة

ص: 294


1- الكافي : ٤03/1 ح 2، عنه الوافي : 99/2 ح2، والبحار : 365/47 ح 82.

توضيح وتبيين : قوله علیه السلام : «ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم» إلخ،

يحتمل أن يكون يغلّ بفتح الياء من الغلول بمعنى الخيانة، وهو الظاهر، كما في قوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(1).

ويحتمل أن يكون من الغلّ بمعنى الحقد والشحناء، كما في قوله تعالی :

(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ)(2) وعلى التقديرين يمكن أن يكون إخباراً ، ويمكن أن يكون إنشاءً . ويحتمل أن يقرأ يغلّ بضمّ الياء من الغلّ، كما في قوله تعالى : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)(3) فيكون ضد الإنشراح، وموافقاً لقوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ)(4)

وعلى التقادير يمكن أن يكون «على» في عليهنّ للإستعلاء المعنويّ، ويمكن أن يكون بمعنى «في» كقوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا)(5) ويمكن أن يكون بمعنی «مع» كقوله تعالى: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ)(6) أي مع حبّه ، وأن يكون للسببيّة ، كقوله تعالى : (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)(7).

والمسلم : يحتمل أن يراد به الأعمّ من المؤمن، وأن يراد به الأخصّ، أي المؤمن الكامل.

والنصيحة : من النصح، وهو في الأصل الخلوص، وإنّما سمّيت النصيحة نصيحة للخلوص من شوائب الاغراض النفسانيّة، ثمّ إنّ النصيحة قد تستعمل في إرادة الخير للمنصوح له، وقد يستعمل في كلّ فعل أو قول يراد به الخير للمنصوح له،

واللزوم لجماعتهم: الظاهر أنّ المراد جماعة الأئمّة علیهم السلام ، بمعنى أنّ المؤمن من يعتقد ويقرّ بتمامهم، وأنّ من أنكر واحداً منهم كمن أنكر الجميع.

فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم: الظاهر أنّ الضمير الأوّل راجع إلى الأئمّة

ص: 295


1- آل عمران: 161.
2- الأعراف: 43.
3- المائدة : 64.
4- البقرة : 88.
5- القصص : 15.
6- البقرة : 177، 188 .
7- البقرة : 177، 188 .

والثاني راجع إلى المسلمين.

والدعوة : يحتمل أن تكون بمعنى الدعاء، ويحتمل أن يكون المراد دعوة الخلق إلى الإيمان، والمعرفة بدلائلهم الظاهرة، وآثارهم الباهرة، فإنّهم الدعاة للخلق إلى اللّه، والأدلّاء على اللّه بألسنتهم، وأفعالهم، وأخلاقهم، وصفاتهم، ومعجزاتهم وكراماتهم.

والحاصل من الاحتمالات المذكورة في معنى الحديث وجوه :

أحدها : أنّ هذه الأُمور الثلاثة أُمور يجب أن لا يكون قلب مسلم خائناً فيها وهذا الوجه مبنيّ على كون الجملة إنشائيّة، وتكون «علی» بمعنى في، وأن تكون النصيحة بمعنى إرادة الخير للمنصوح.

وعلى هذا تكون الأمور الثلاثة أُموراً قلبيّة، ويترتّب عليها وينبعث منها الأعمال القالبيّة، ويكون الحديث الشريف بصدد بيان التكاليف القلبيّة المتعلّقة بالمكلّف الراجعة إلى اللّه تعالى وإلى أوليائه علیهم السلام ،

فالإخلاص في العمل راجع إلى اللّه عزّ وجلّ، وإرادة الخير لأوليائه ، واللزوم لجميعهم، راجعان إلى رسوله وخلفائه ، وهما يحصلان بأن يكون قلب المؤمن مهتمّاً بإرادة الخير لهم، والملازمة لهم بأجمعهم، ولا يقصد التوجّه والتشبّث بغيرهم، ممّن يدّعي مقامهم، وذلك تكليف إسلامي، متوجّه إلى الخلق كافّة، من غير فرق بين المسلم و الكافر، لأنّ الكفار أيضاً مكلّفون بذلك وبغيره من التكاليف الشرعية الإلهيّة .

وتخصيص المسلم بالذكر في هذا المقام وفي غيره من الأحكام، تشریف له بتوجيه الحكم والخطاب إليه بسبب توجّهه إلى الحقّ، وأخذ معالم الدين، وخذلان للكافر، وإعراض عنه بسب إعراضه عن الحقّ، قال اللّه عزّ وجلّ :(نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)(1)، وقال تعالى : (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ)(2)، وقال عزّ اسمه :

ص: 296


1- التوبة : 67.
2- إبراهيم : 27 .

(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)(1).

الوجه الثاني: أنّ الأُمور المذكورة أي الإخلاص، والنصيحة للأئمّة، والملازمة لهم، وسيلة وأسباب لحفظ القلب من الخيانة،

وهذا الوجه مبنيّ على كون الجملة خبريّة، ويكون «علی» بمعني مع، أو للسببيّة والنصيحة على هذا الوجه يمكن أن يراد بها النصيحة القلبيّة، وهي إرادة الخير للمنصوح في جميع ما يتعلّق به، أو النصيحة في الأعمال البدنيّة، والمصارف الماليّة، وهي كلّ فعل أو قول يراد به الخير للمنصوح، فتدبّر .

الوجه الثالث : أن تكون الجملة خبريّة، ويكون الحديث بصدد بیان علائم المؤمن وهو المسلم الواقعي المنعوت في القرآن المجيد بقوله عزّ وجلّ:

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)(2)

فإنّ حقيقة الإيمان معرفة اللّه عزّ وجلّ، وإخلاص العمل له، ومعرفة ولاة الأمر: رسول اللّه والائمّة الطاهرين علیهم السلام وملازمتهم، والنصيحة لهم،

وهذه أُمور لا يغلّ عليهنّ قلب المسلم الواقعي، وهذا الوجه يلائم كون يغلّ من الغلول بمعنى الخيانة، وكونه من الغلّ ضدّ الإنشراح كما لايخفی.

الوجه الرابع : أن تكون الجملة خبريّة، ويقرأ «يغلّ» بضمّ الياء مبنيّاً للمفعول ویكون «علی» بمعنی مع، أو للسببيّة، ويكون المسلم بمعناه المعروف، وهو أعمّ من المؤمن، ويراد بأئمّة المسلمين أمير المؤمنين والائمّة

المعصومين من ولده علیهم السلام .

وحاصل المعنى: أنّ كلّ مسلم اجتمع فيه تلك الأُمور، وهي إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، انشرح قلبه وسلم من طبع القلب، وكان ممّن شرح اللّه صدره للإسلام، فهو على نور من ربّه، وإذا لم تجتمع فيه تلك الأُمور طبع اللّه على قلبه ، وكان مصداقاً لقوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ

ص: 297


1- النجم: 29.
2- البقرة : 256 .

قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ... )(1) إلخ،

فإنّ للكفر مراتب ودرجات بعضها فوق بعض، ولكلّ مرتبة آثار خاصّة، نعوذ باللّه تعالى، كما أنّ للإيمان أيضاً مراتب ودرجات بعضها فوق بعض، ولكلّ مرتبة آثار خاصّة، نسأل اللّه تعالى أن يوفّقنا لتكمیل مراتب الإيمان،

والنصيحة لمولانا صاحب الزمان علیه السلام .

تتميم فيه تنبيه : إعلم أنّ الناصح الإمام زمانه علیه السلام على ما ذكرنا وبيّنّا في هذا المقام: من يراقب حاله، ويواظب أعماله، بحيث تكون أفعاله ونيّاته الراجعة إلى إمامه خالصة عمّا يسوء إمامه، ويهتك احترامه، ويلاحظ في كلّ مقام ما هو الخير لمولاه علیه السلام وذلك المقصود لا يحصل للسالك إلّا بمراقبة تامّة، ومواظبة مستدامة، وبصيرة في دين، ومجالسة لأهل التقوى واليقين، ومجانبة عن المرتابين والفاسقين، وإن لم يجد من يجالسه ممّن وصفناه اختفى في البيوت ولازَم السكوت، وإن لم يجد بدّاً من مجالسة من لا ينبغي مجالسته اكتفى بقدر الضرورة، وسنذكر ما يدل على هذه الجملة إن شاء اللّه.

39- زيارته علیه السلام بالتوجّه إليه والتسليم عليه في كلّ مكان وزمان

الأمر التاسع والثلاثون: زیارته بالتوجّه إليه، والتسليم عليه

في كلّ مكان، وفي كلّ زمان عموماً وفي بعض الأمكنة والأزمنة خصوصاً وسنذكر فضل ذلك، وكيفيّته في خاتمة الكتاب إن شاء اللّه تعالى شأنه .

40- زيارة المؤمنين الصالحين بقصد الفوز بفضل زيارته علیه السلام

الأمر المتمّم للأربعين : زيارة المؤمنين الصالحين، والتسليم عليهم بقصد الفوز بفضل زيارته والتسليم عليه صلوات اللّه وسلامه عليه

وقد مرّ ما يدلّ على ذلك في الأمر السادس والثلاثين(2)، وفيه بشارة وقرّة عين لأهل الإخلاص واليقين.

ص: 298


1- النساء : 155.
2- تقدّم ص 291.

وقد مرّ ما يدلّ على ذلك في الأمر السادس والثلاثين222، وفيه بشارة وقرّة عين لأهل الإخلاص واليقين.

41- ذكر الصلاة عليه، والدليل على فضله وتأكيده

الأمر الواحد والأربعون : الصلاة عليه

والّذي يدلّ على فضل ذلك وتأكيده أُمور :

منها : أنّه من أقسام الدعاء، فيشمله جميع ما ورد في فضل الدعاء له، فإنّ الصلاة منّا طلب الرحمة من اللّه عزّوجلّ، وبرحمته يصلح أُمور الدنيا والآخرة ، فإذا صلّينا على إمام زماننا علیه السلام بقولنا : اللّهمّ صلّ علی مولانا وسيّدنا صاحب الزمان و نحو ذلك كان ذلك طلب الرحمة له علیه السلام في جميع ما يتعلّق به في الدارین، فسؤالنا هذا من اللّه عزّ اسمه يندرج فيه طلب حفظه وحفظ أنصاره وأوليائه، من جميع ما يسوؤه، وطلب كشف كلّ همّ وغمّ عن قلبه وقلوب أوليائه ، ومسألة تعجیل فرجه وظهوره وموجبات سروره، من الغلبة على أعداء الدين، وإقامة المعروف، وبسط العدل في الأرضين، وفوز أتباعه والمؤمنین به بجنّات النعيم، إلى غير ذلك من أقسام الرحمة الواسعة الإلهيّة الّتي خصّ بها أوليائه، الّتي لايحصيها غيره،

نسأل اللّه تعالى أن يجعلنا من أنصار مولانا صاحب الزمان علیه السلام وأوليائه المخصوصین بكرامته في الدنيا والآخرة، إنّه قريب مجيب.

ومنها : جميع ما ورد في فضل الصلاة على أهل بيت النبوّة علیهم السلام،

وما ورد من عدم تماميّة الصلاة على النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم إلّا بالصلاة عليهم، وهو كثير مذكور في كتب الروايات . ومنها: ورود الصلاة عليه بالخصوص في كثير من الدعوات المأثورة عنهم علیهم السلام ، وذلك غير خفيّ على من حام حول هذا المقام.

ومنها : ورود طلب التوفيق للصلاة عليه بخصوصه في الدعاء المرويّ عن ناحيته الشريفة، بتوسّط الشيخ الأجلّ أبي عمرو العمري قدّس اللّه سرّه،

ص: 299

ومحلّ الشاهد منه هذه العبارة : ولا تنسنا ذكره، وانتظاره، والإيمان به، وقوّة اليقين في ظهوره، والدعاء له، والصلاة عليه، إلى آخر الدعاء.

ومنها : الأمر بالصلاة عليه بخصوصه في عدّةٍ من الأخبار، ومن جملتها ما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كتاب جمال الأُسبوع.(1)

1446- ورواه غيره أيضاً مسنداً إلى مولانا الحسن بن عليّ العسكريّ علیهماالسلام من ذكر الصلاة على كلّ واحد من الأئمّة علیهم السلام بالخصوص،

وفيها : الصلاة على وليّ الأمر المنتظر، الحجّة بن الحسن علیه السلام :

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلي وَلِيِّكَ وَابْنِ أَوْلِيائِكَ، الَّذِينَ فَرَضْتَ طاعَتَهُمْ، وَأَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ، وَأَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً. اللَّهُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ لِدِينِكَ، وَانْصُرْ بِهِ أَوْلِياءَكَ وَأَوْلِياءَهُ وَشِيعَتَهُ وَأَنْصارَهُ، وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ

اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ باغٍ وَطاغٍ، وَمِنْ شَرِّ جَميعِ خَلْقِكَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ، وَاحْرُسْهُ وَامْنَعْهُ مِنْ أَنْ يُوصَلَ إِلَيْهِ بِسُوءٍ، وَاحْفَظْ فيهِ رَسُولَكَ وَآلَ رَسُولِكَ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ، وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِريهِ، وَاخْذُلْ خاذِليهِ، وَاقْصِمْ قاصِميهِ، وَاقْصِمْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ، وَاقْتُلْ بِهِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقينَ وَجَمِيعَ الْمُلْحِدينَ حَيْثُ كانُوا مِنْ مَشارِقِ الأَرْضِ وَمَغارِبِها، بَرِّها وَبَحْرِها، وَامْلَأْ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلًا، وَأَظْهِرْ بِهِ دينَ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلَامُ

وَاجْعَلْنِي اللَّهُمَّ مِنْ أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ وَأَتْباعِهِ وَشيعَتِهِ

وَأَرِنِي في آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ما يَأْمُلُونَ وَفي عَدُوِّهِمْ ما يَحْذَرُونَ، إِلهَ الْحَقِّ رَبَّ الْعَالَمِينَ آمِينَ(2).

ص: 300


1- جمال الأسبوع: 300.
2- الصحيفة الرضويّة الجامعة : 219 د4 .

يأملون وفي عدوّهم ما يحذرون إله الحقّ ربّ العالمين آمين .(1)

تذكرة : قد ذكرنا في آخر الباب السابع صلاة مشتملة على الدعاء له، مرويّة عن مصباح الزائر، فاغتنم وراجع.(1)

42- إهداء ثواب الصلاة إليه علیه السلام

الثاني والأربعون : إهداء ثواب الصلاة إليه سلام اللّه عليه

1447- والدليل على ذلك : ما رواه السيّد ابن طاووس في جمال الأُسبوع قال (رحمة اللّه علیه): حدّث أبو محمّد الصيمريّ، قال: حدّثنا أبو عبداللّه أحمد بن عبداللّه البجلي بإسناد رفعه إليهم صلوات اللّه عليهم، قال:

من جعل ثواب صلاته لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وأمير المؤمنين والاوصياء من بعده صلوات اللّه عليهم أجمعين وسلّم اضعف اللّه له ثواب صلاته أضعافاً مضاعفة حتّى ينقطع النفس، ويقال له قبل أن تخرج روحه من جسده : يا فلان، هديّتك إلينا، وألطافك لنا، فهذا يوم مجازاتك ومكافاتك فطب نفساً، وقرّ عيناً، بما أعدّ اللّه لك، وهنيئاً لك بما صرت إليه . قال : قلت : كيف يهدي صلاته ويقول؟

قال : ينوي ثواب صلاته لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم إلخ.(2)

يقول مصنّف هذا الكتاب محمّد تقيّ الموسويّ عفا اللّه تعالی عنه : مقتضى هذا الحديث الشريف استحباب إهداء ثواب الصلوات مطلقاً، واجبة كانت أم مندوبة، إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، أو صاحب الدار(3)، أو سائر الأئمّة الأطهار علیهم السلام ويشهد لذلك ما بعد هذا الكلام المذكور في الحديث المسطون .

43- إهداء صلاة مخصوصة إلى الإمام علیه السلام ، وذكر ما يهديه إلى عليّ وفاطمة والائمّة

الأمر الثالث والأربعون :

ص: 301


1- تقدّم ص111 ح1150.
2- جمال الأسبوع: 29.
3- صاحب الدار من ألقاب مولانا المهدي عجل اللّه تعالی فرجه ، منه (رحمة اللّه علیه).

1448- والدليل على ما ذكرنا ما رواه في الحديث المزبور(1) بعد الكلام المذكور سابقاً قال : ولو أمكنه أن يزيد على صلاة الخمسين شيئاً، ولو ركعتین في كلّ يوم ويهديها إلى واحد منهم، يفتتح الصلاة في الركعة الأُولى مثل افتتاح صلاة الفريضة بسبع تكبيرات أو ثلاث مرّات أو مرّة في كلّ ركعة،

ويقول بعد تسبيح الركوع والسجود ثلاث مرّات : صلّى اللّه على محمّد وآله الطّيبين الطاهرين في كلّ ركعة، فإذا شهد وسلّم قال :

اَللّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ يا ذَا الْجَلالِ وَالاْءِكْرامِ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرينَ الاْءَخْيارِ، وَاَبلِغْهُمْ مِنّي أَفْضَلَ التَّحِيَّهِ وَالسَّلامِ،

اَللّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ الرَّكَعاتِ هَدِیَّهٌ مِنِّي إِلی عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللّه ِ خاتَمِ النَّبِيّينَ وَسَيِّدِ الْمُرسَلِينَ، اَللّهُمَّ فَتَقَبَّلْها مِنّي وَاَبْلِغْهُ إِیّاها عَنِّي، وَأَثِبْنِي عَلَيْها أَفْضَلَ أَمَلِي وَرَجائِي فِيكَ وَفِي نَبِیِّكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَوَصِيِّ نَبِيِّكَ، وَفاطِمَهَ الزَّهْراءِ اِبْنَهِ نَبِيِّكَ، وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْن سِبْطَی نَبِيِّكَ وَاَوْلِيائِكَ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ ، يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ ، يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ.

ما يهديه إلى أمير المؤمنين عليّ علیه السلام يدعى بالدعاء إلى قولك:

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ عَمِّ نَبِيِّكَ وَ وَصِيِّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَ أَبْلِغْهُ إِيَّاهُمَا عَنِّي وَ أَثِبْنِي عَلَيْهِمَا أَفْضَلَ أَمَلِي وَ رَجَائِي فِيكَ وَ فِي نَبِيِّكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَ وَصِيِّ نَبِيِّكَ وَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ ابْنَةِ نَبِيِّكَ وَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ سِبْطَيْ نَبِيِّكَ وَ أَوْلِيَائِكَ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ عَلَیْهِمُ السَّلامُ يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ ، يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ ، يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ.

ما يهديه إلى فاطمة علیها السلام يقول:

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي الطَّاهِرَةِ الْمُطَهَّرَةِ الطَّيِّبَةِ الزَّكِيَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَ أَبْلِغْهَا إِيَّاهُمَا عَنِّي وَ أَثِبْنِي عَلَيْهِمَا أَفْضَلَ

ص: 302


1- تحت الرقم: 1447.

أَمَلِي وَ رَجَائِي فِيكَ وَ فِي نَبِيِّكَ صَلَّی اللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ وَصِيِّ نَبِيِّكَ وَ الطَّيِّبَةِ الطَّاهِرَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ سِبْطَيْ نَبِيِّكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ .

ما يهديه إلى الحسن علیه السلام :

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ [الرِّضَا]عَلَيْهِمَا السَّلامُ، اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي وَ أَبْلِغْهُ إِيَّاهُمَا وَ أَثِبْنِي عَلَيْهِمَا أَفْضَلَ أَمَلِي وَ رَجَائِي فِيكَ وَ فِي نَبِيِّكَ صَلَّی اللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ .

ما يهديه إلى الحسين علیه السلام :

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الزَّكِيِّ الرَّضِيِّ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُجْتَبَي عَلَيْهِمَا السَّلامُ،- وَ يَأْتِي بِالدُّعَاءِ إِلَي آخِرِهِ - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ،- ثلاثا - ما يهديه إلى عليّ بن الحسین علیهماالسلام :

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ - وَ يَأْتِي بِالدُّعَاءِ إِلَي آخِرِهِ - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ -ثَلاَثاً-.

ما يهديه إلى محمّد بن عليّ علیهماالسلام:

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عِلْمَكَ، - وَ يَأْتِي بِالدُّعَاءِ إِلَي آخِرِهِ - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، - ثَلاَثاً -.

ما يهديه إلى جعفر بن محمّد علیهماالسلام :

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ

ص: 303

وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ،- ويأتي بالدعاء إلى آخره - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، -ثلاثا-.

ما يهديه إلى موسی بن جعفر علیهماالسلام :

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ مُوسَي بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، وَارِثِ عِلْمِ النَّبِيِّينَ - ويأتي بالدعاء إلى آخره - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، - ثلاثاً -

ما يهديه إلى الرضا عليّ بن موسی علیهماالسلام :

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَي الرِّضَا ابْنِ الْمَرْضِيِّينَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، - ویأتی بالدعاء إلى آخره - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، - ثلاثا -.

مایهديه إلى محمد بن عليّ وعليّ بن محمد و حسن بن عليّ علیهم السلام مثل ذلك حتّى يصل إلى صاحب الزمان علیه السلام ، فادع بالدعاء إلى قولك:

اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ فِي أَرْضِكَ وَ حُجَّتِكَ عَلَي خَلْقِكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ - ثَلاَثاً

قال السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس في جمال الأسبوع:

لعلّك لا تنشط لهذه الهدايا إمّا أنّك تقول : إنّ الهداة مستغنون عنها، أو لعلّك تستكثرها لتكرارها في كلّ يوم، فيميل طبعك إلى التفرّغ منها،

واعلم أنّ القوم صلوات اللّه عليهم مستغنون عن هديّتك، ولكن أنت غير مستغن عن الهديّة إليهم، وقرب مقولتك لديهم، كما أنّ اللّه جلّ جلاله مستغن عن هذه الأحوال، فيكن في نيّتك وسريرتك عند ابتدائه الهديّة لهذه الأعمال، أنّ المنّة للّه جلّ جلاله، ولهم صلوات اللّه عليهم، كيف هداك اللّه جلّ جلاله، وهدوك به

ص: 304

جلّ جلاله إلى السعادة، والأمان، والخلود في كمال إحسان، دیار الرضوان :

(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)(1). وأنت كما قال بعض أهل البيان :

أُهدى لمجلسه الكريم وإنّما *** أُهدى له ما حزت من نعمائه

كالبحر يمطره السحاب وماله *** منّ عليه لأنّه من مائه

وأمّا استكثارك لهديّتك، أو ميلك إلى تفرّغك من الصلاة التحصيل سعادتك فاعلم أنّ هذه الهداية إلى الهديّة إنّما حصلت لك بطریق عناية اللّه جلّ جلاله، بأُولئك الصفوة المرضيّة، وإخلاصهم في معاملة الجلالة الإلهيّة، وخاصّة، فإنّك تقول: لولا حجج اللّه جلّ جلاله على العباد ما خلق اللّه جلّ جلاله أرضاً، ولا سماء، ولا أحداً في البلاد، ولا ناراً ولاجنّة للمعاد، ولا شيئاً من النعيم والإرفاد، فهل ترى أعمالك جميعها إلّا في ميزان مآبهم، ودیار رضوان ثوابهم، لأنّ إخلاصهم في العبادة كان بفضل اللّه جلّ جلاله عليهم سبب ما يبلغ إليه من السعادة ، فإذا كان في الحساب ولو دار على مال، ولا كنت تبلغه لولا عموم الكرم والإفضال، ولو كنت عارفاً بمقدار حقّ اللّه تعالی جلّ جلاله بهم، وحقّهم عليك باللّه جلّ جلاله، ومايضيع من حقوقهم بالليل والنهار، كنت قد رأيت ما تهديه يحتاج إلى اعتذار، وكنت قلت كقول بعض أهل الإعتبار :

فَإن يقبلوا منّي هَديّةَ قاصرٍ *** عدّدتُ لكم ذاك القَبولَ مِنَ الفضلِ

وكانَ قبولٌ عِندكم فَضلَ رَحمةٍ *** يَعزّ بِها قلبُ الوليّ مِنَ الذلّ

ويُوجِبُ شُكراً عِندَه لِمقامِكُم *** وفَرضَ حُقوقٍ لا يقومُ لها مِثلي

وقال لي بعض أصحابنا : إنّي أستصغر نفسي وعملي، أن أُهدي إليهم،

فقلت له : إذا كنت لا تستصغر نفسك عن خدمة اللّه جلّ جلاله ، بحمده وشكره وسائر خدمته وهو أعظم من كلّ عظيم، فلا معنى لاستصغار نفسك عن

ص: 305


1- الحجرات : 17 .

خدمة نوّابه، لا سيّما وقد رضوا هم خدمتك لهم، إنتهى كلامه رفع مقامه .(1)

44- إهداء صلاة الهديّة بنحو خاصّ في وقت خاصّ

الأمر الرابع والأربعون : صلاة الهديّة إليه بنحو خاصّ في وقت خاصّ

1449- وقد روي ذلك في كتاب جمال الأُسبوع أنّه قد يصلّي العبد في يوم الجمعة ثماني ركعات، أربعاً يهدي إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وأربعاً يهدي إلى فاطمة علیها السلام ، ويوم السبت أربع ركعات يهدي إلى أمير المؤمنين علیه السلام ،

ثمّ كذلك كلّ يوم إلى واحد من الائمّه علیهم السلام ، إلى يوم الخميس، أربع ركعات يهدي إلى جعفر بن محمّد الصادق علیهماالسلام ،

ثمّ الجمعة أيضاً ثماني ركعات، أربعاً يهدي إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وأربع ركعات يهدي إلى فاطمة علیها السلام ، ثمّ يوم السبت أربع ركعات يهدي إلى موسی بن جعفر علیه السلام كذلك إلى يوم الخميس، أربع ركعات يهدي إلى صاحب الزمان علیه السلام

الدعاء بين كلّ ركعتين منها:

1450- اَللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ وَإِلَيْكَ يَعُودُ السَّلَامُ، حَيِّنا رَبَّنَا مِنْكَ بِالسَّلامِ اَللَّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ الرَّكعات هَدِيَّةٌ مِنَّا إِلَى «فلان بن فلان» فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ بَلِّغْهُ اِيَاهَا وَ أَعْطِنِي أَفْضَلَ أَمَلِي وَ رَجائِي فِيكَ وَ فِي رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وتدعو بما أحببت إن شاء اللّه.(2)

45- إهداء قراءة القرآن إليه علیه السلام

الأمر الخامس والأربعون : إهداء قراءة القرآن إليه علیه السلام

1451- ويدلّ على فضل ذلك واستحبابه ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في الكافي : عن عليّ بن المغيرة، عن أبي الحسن علیه السلام ، قال :

ص: 306


1- جمال الأسبوع: 30-33، عنه البحار : 215/91 -217.
2- جمال الأسبوع: 34، عنه البحار : 217/91 و 218.

قلت له : إنّ أبي سأل جدّك عن ختم القرآن في كلّ ليلة، فقال له جدّك : في كلّ ليلة؟ فقال له : في شهر رمضان، فقال له جدّك : في شهر رمضان؟ فقال له أبي : نعم، ما استطعت . فكان أبي يختمه أربعين ختمة في شهر رمضان .

ثمّ ختمته بعد أبي، فربّما زدت، وربّما نقصت على قدر فراغي و شغلي، ونشاطي وكسلي ، فإذا كان في يوم الفطر جعلت لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ختمةً، ولعليّ علیه السلام أُخرى، ولفاطمة علیها السلام أُخرى، ثمّ للأئمّة علیهم السلام ، حتّى انتهيت إليك، فصيّرت لك واحدة منذ صرت في هذا الحال، فأيّ شيء لي بذلك ،

قال علیه السلام : لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة، قلت : اللّه أكبر، فلي بذلك؟! قال : نعم، ثلاث مرّات، إنتهى .(1)

أقول: وجه الإستدلال : أنّ الظاهر من كلام الإمام ترتّب الثواب على ذلك العمل لكونه إهداء إلى النبيّ والإمام وتقرّباً إليهم علیهم السلام ولا خصوصيّة للمذكورين منهم، بل الظاهر من كلام الراوي أنّه جعل ختمة لأبي الحسن علیه السلام لكونه إمام زمانه، ولهذا قال : منذ صرت في هذا الحال، وقرّره الإمام على فعله واستحسنه

والحاصل من ملاحظة الحديث، والتأمّل فيه، إستحباب إهداء قراءة القرآن مطلقاً إلى النبيّ، والصدّيقة، وكلّ واحد من الأئمّة سلام اللّه عليهم أجمعين .

ويؤيّده إهداء الصلاة إليهم كما سبق آنفاً، وله شواهد أُخرى تظهر للمتتبّع في رواياتهم، نسأل اللّه عزّ وجلّ أن يوفّقنا وجميع المؤمنين لذلك، إن شاء اللّه بمحمّد وآله الطاهرين.

46- التوسّل والاستشفاع به إلى الله عزّ وجلّ

الأمر السادس والأربعون : التوسّل والإستشفاع به إلى اللّه عزّ وجلّ

فإنّه باب اللّه المأتيّ منه، والسبيل والمسلك إلى رضوانه ،

وهو الشفيع إلى اللّه تعالى، وهو اسم اللّه الّذي أمر عباده بالتوسّل إليه .

ص: 307


1- الكافي : 618/2 ح4، عنه الوسائل : 4/ 864 ح1.

1452- كما ورد في الروايات، عنهم علیهم السلام في قوله تعالی :

(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)(1): نحن واللّه الأسماء الحسني الّتي أمر اللّه عباده أن يدعوه بها(2)

والشواهد لهذا المطلب كثيرة، وهي واضحة لأهل البصيرة،

فلنكتف بهذا المقدار، روماً للإختصار .

1453- وفي البحار، عن مولانا الرضا عليه السلام ، قال :

إذا نزلت بكم شدّة فاستعينوا بنا على اللّه عزّ وجلّ، وهو قوله عزّ وجلّ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) .(3)

1454- وفيه : عن قبس المصباح في ذكر ادعية التوسل إلى اللّه تعالی بالائمّة علیهم السلام ذكر التوسّل بمولانا صاحب الزمان بهذا العنوان :

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ وَلِيِّكَ وَ حُجَّتِكَ صَاحِبِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلاَّ أَعَنْتَنِي بِهِ عَلَى جَمِيعِ أُمُورِي وَ كَفَيْتَنِي بِهِ مَئُونَةَ كُلِّ مُوذٍ وَ طَاغٍ وَ بَاغٍ وَ أَعَنْتَنِي بِهِ فَقَدْ بَلَغَ مَجْهُودِي وَ كَفَيْتَنِي بِهِ كُلَّ عَدُوٍّ وَ هَمٍّ وَ غَمٍّ وَ دَيْنٍ وَ عَنِّي وَ عَنْ وَلَدِي وَ جَمِيعَ أَهْلِي وَ إِخْوَانِي وَ مَنْ يَعْنِينِي أَمْرُهُ وَ خَاصَّتِي آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِين.(4)

1655- وفي البحار، عن عدّة الداعي: عن سلمان الفارسي، قال :

سمعت محمّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول : إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: يا عبادي، أوليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلّا أن يتحمّل عليكم بأحبّ الخلق إليكم، تقضونها كرامة لشفيعهم؟ ألا فاعلموا أنّ أكرم الخلق عليَّ، وأفضلهم لديّ محمد صلی اللّه علیه وآله وسلم وأخوه عليّ، ومن بعده الأئمّة الّذين هم الوسائل إليّ (5)،

ص: 308


1- الأعراف: 180.
2- الكافي: 143/1 ح4، عنه البرهان : 617/2 ح2.
3- الاختصاص: 246، عنه البحار : 22/93 ح17.
4- البحار : 35/94 .
5- عدّة الداعي : 197، عنه البحار : 94/ 22 ح20.

ألا فليدعني من همّته حاجة يريد نجحها، أودهته داهية يريد كشف ضررها، بمحمّد وآله الطيّبين الطاهرين،

أقضها له أحسن ما يقضيها من تستشفعون بأعزّ الخلق عليه .(1)

47- الاستغاثة به والتوجّه إليه علیه السلام وعرض الحاجة عليه

الأمر السابع والأربعون : الإستغاثة به، والتوجّه إليه، وعرض الحاجة عليه

فإنّه الغوث، كما في الزيارة المرويّة عنه(2) وغياث لمن استغاث به، كما في قضيّة أبي الوفاء المذكورة في البحار وغيره(3) وهو الكهف الحصين، وغياث المضطرّ المستكين، وملجأ الهاربين، ومنجي الخائفين وعصمة المعتصمين، كما ورد في حقّه وفي حقّ آبائه الطاهرين في الدعاء المرويّ عن زین العابدین، في أيّام شهر شعبان المعظّم(4)

وفي الزيارة الجامعة: «فاز من تمسّك بكم، وأمن من لجأ إليكم»(5) إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة للمطلوب، بل يمكن أن يقال :

إنّ وظيفة الرعيّة، كما نشاهده في أحوال الناس عامّة ، الرجوع في مهمّاتهم ودفع أعدائهم إلى رئيسهم، في كلّ زمان، كما كان ذلك عادة أهل الولاية والعرفان في جميع الأحيان، حيث كانوا يبثّون شكواهم ويرفعون حوائجهم إلى أئمّتهم علیهم السلام كما هو واضح للمتتبّع في أخبارهم والعارف بآثارهم.

بل يمكن أن يقال: إنّ من جملة فوائد وجود الإمام ووظائفه وعاداته ومناصبه على ما يظهر من الروايات إعانة الملهوفين، وإغاثة المستغيثين، بل لا ريب في أنّ أحداً من الناس إذا كان من رعيّة رئيس قادر مطاع وبُغي عليه دلّه أحبّته إلى التظلّم لدى ذلك الرئيس، ولو ترك، ذمّه العقلاء بتركه عرض حاجته عليه .

ص: 309


1- إلى اللّه، خ.
2- البحار : 93/102 .
3- الدعوات: 191 ح 530، عنه البحار: 36/94 ذح 22.
4- الإقبال : 3/ 300.
5- البحار : 102 / 130 .

ومن هنا يمكن أن يقال : لو تركنا الإقبال على صاحبنا ومولانا علیه السلام في مهمّاتنا وحوائجنا، لم نأمن من الخذلان، لانّا تركنا وظيفتنا الّتي أمرنا اللّه تعالی بها كما يظهر ممّا ورد في قوله تعالى : («فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)(1) المفسّر في حديث جابر بالأوصياء علیهم السلام (2)

فوظيفة كلّ أحد أن لا يلتجئ في أُموره إلّا إلى إمام زمانه، وإن ترك ذلك وأصابه ما أصابه كان من الملومين الخاسرين، المخاطبين بقوله تعالی :

(أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)(3)

وأمرنا أيضاً بأن نأتي البيوت من أبوابها وجعل الإمام والحجّة في كلّ زمانه بابه الّذي يؤتي منه، وأمرنا بالتضرّع إليه بوسيلته ،

فإذا عرفت ذلك ، فنقول: لا فرق بين حضور الإمام وغيبته، فإنّه صاحب المرأى والمسمع، كما في زيارته المأثورة عنه، ولا يخفى على الإمام شيء من أحوال الأنام، كما هو المصرح به في الروايات المستفيضة، بل المتواترة معنىً، بل هو من القطعيّات عندنا، وليست الجدران والجبال والستور حائلة بينه وبين أحد من الخلق، كما ورد في الأخبار .

1456- ويشهد لذلك مضافاً إلى ما ذكرنا ما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كشف المحجّة، نقلاً عن كتاب الرسائل للشيخ الأقدم محمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه) عمّن سماّه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام :

أنّ الرجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه ما يحبّ أن يفضي إلى ربّه، قال :

فكتب علیه السلام : إن كانت لك حاجة فحرّك شفتيك، فإنّ الجواب يأتيك .(4)

يقول مصنّف هذا الكتاب محمّد تقيّ الموسويّ الإصفهانيّ ثبته اللّه تعالی بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة : قد كثرت عليَّ الديون، وضاقت بي الأحوال في بعض من السنين الماضية، فدخل شهر رمضان، فتوجهت إليه، وعرضت

ص: 310


1- الجمعة : 10.
2- الإختصاص : 124.
3- النساء :97.
4- كشف المحجّة : 153.

حاجتي عليه صلوات اللّه وسلامه عليه في وقت السحر من بعض الليالي، فلمّا صلّيت الفجر في المسجد، ورجعت إلى منزلي نمت، فتشرّفت بلقائه علیه السلام في المنام، فقال لي بالفارسيّة : «قدری باید صبر كنی، تا از مال خاص دوستان خاص خود بگیریم و بتو برسانیم»

فانتبهت من رقدتي، فوجدت الهواء طيّبة، وقد زال عنّي الهمّ والكرب، فما مضت إلّا أشهر قليلة إذ جاءني بعض المتديّنين بوجوه قد أدّيت بها ديوني، وقال لي : هذا من سهم الإمام علیه السلام ، والحمد لله ربّ العالمين وليّ الأنعام .

تنبيه : إعلم أنّ الإستغاثة به وعرض الحاجة عليه ليست مقيّدة بلسان خاصّ، وكيفيّة خاصّة، ووقت مخصوص، بل المهمّ في ذلك إصلاح القلب، والتوجّه التامّ، والتوبة عن الآثام، واليقين الثابت، والإعتقاد الراسخ،

ولكن قد ورد للإستغاثة وعرض الحاجة كيفيّات ودعوات ورقعات ينبغي استعمالها، منضمّة إلى مانبّهنا عليه، ليكون أبلغ في التقرّب إليه ، وآكد في التحبّب لديه ، سنذكرها في خاتمة الكتاب إن شاء اللّه تعالی .

48- دعوة الناس إليه علیه السلام فإنّه علیه السلام سبيل الله الأعظم لقوله عزّوجلّ:

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ...) وهو السبيل الأعظم

الأمر الثامن والأربعون : دعوة الناس إليه، ودلالتهم عليه

وهذا من أعظم الطاعات، وأوجب العبادات، ويدلّ على فضله تمام ما ورد في فضل الأمر بالمعروف من الآيات والروايات، وجميع ما ورد في فضل هداية العباد، وإرشادهم إلى سبيل الرشاد، مضافاً إلى أنّ أفضل الخلق بعدهم من أحبّهم، ودعا الناس إليهم، كما في الرواية .

وأنّ العالم الّذي يعلّم الناس معالم دينهم ويدعوهم إلى إمامهم ، أفضل من سبعين ألف عابد .(1)

ص: 311


1- بصائر الدرجات : 7، عنه البحار : 18/2 ح 45.

1457- وروى الكليني (رحمة اللّه علیه) : بسند صحيح، عن سليمان بن خالد، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّ لي أهل بيت وهم يسمعون منّي، أفأدعوهم إلى هذا الأمر، فقال علیه السلام : نعم، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(1) ، إنتهى .(2)

1458- وكفاك في هذا المقام ما في تفسير الإمام علیه السلام في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى)(3) قال : وأمّا قوله عزّ وجلّ: (وَالْيَتَامَى) فإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال :

حثّ اللّه عزّ وجلّ على برّ اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم، فمن صانهم صانه اللّه، ومن أكرمهم أكرمه اللّه، ومن مسح يده برأس يتيم رفقاً به، جعل اللّه له في الجنّة بكلّ شعرة مرّت تحت يده قصراً أوسع من الدنيا بما فيها، وفيها ما تشتهي الأنفس، وتلذّ الأعين، وهم فيها خالدون.

وقال الإمام : وأشدّ من يتم هذا اليتيم يتيم ينقطع عن إمامه، لا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه .

ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا، وهدى الجاهل بشريعتنا، المنقطع عن مشاهدتنا، يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى، حدّثني بذلك أبي، عن آبائه، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم.

وقال علي بن أبي طالب علیه السلام : من كان من شيعتنا، عالماً بشريعتنا، وأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الّذي حبوناه به ، جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضيء لاهل جميع تلك العرصات، وحلّة لايقوم لأقلّ سلك منها الدنيا بحذافيرها.

ص: 312


1- التحریم: 6.
2- الكافي : 2/ 211 ح1، عنه الوافي : 5/ 683 ح8، والبحار : 86/74 ح 101.
3- البقرة : 893.

ثمّ ينادي مناد : يا عباد اللّه، هذا عالم من تلامذة بعض آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله، فليتشبّث بنوره، ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزه الجنان، فيخرج كلّ من كان علّمه في الدنيا خيراً، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلاً، أو أوضح له عن شبهة .

قال علیه السلام: وحضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء علیها السلام ، فقالت لها :

إنّ لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيءٍ، وقد بعثتني إليك أسالك فأجابتها فاطمة علیها السلام عن ذلك فثنّيت، فأجابتها، ثمّ ثلّثت فأجابتها إلى أن عشّرت، فأجابت، ثمّ خجلت من الكثرة،

فقالت: لا أشقّ عليك يا بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم

قالت فاطمة علیها السلام : هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكتری یوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراؤه مائة الف دينار أيثقل عليه؟ فقالت : لا.

فقالت : اكتريت أنا لكلّ مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليَّ، سمعت أبي صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول : إنّ علماء شیعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، وجدّهم في إرشاد عباد اللّه، حتّى يخلع على الواحد منهم الف الف حلّة من نور.

ثمّ ينادي منادي ربّنا عزّ وجلّ: أيّها الكافلون لأیتام آل محمّد، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الّذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم، والأيتام الّذين كفّلتموهم ونعشتموهم(1) فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا ، فيخلعون على كلّ واحد من أُولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم، حتّى أنّ فيهم - يعني في الايتام - لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة(2)، وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلّم منهم.

ثمّ إنّ اللّه تعالى يقول : أعيدوا على هؤلاء العلماء، الكافلين للأيتام، حتّى

ص: 313


1- نعشه : رفعه.
2- حلّة، خ.

تتمّوا لهم خلعهم، وتضعّفوها، فيتمّ لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من برتبتهم، ممّن يخلع عليه على مرتبتهم.

وقالت فاطمة علیها السلام : يا أمة اللّه، إنّ سلكاً من تلك الخلع لأفضل ممّا طلعت عليه الشمس ألف ألف مرّة، وأفضل، فإنّه مشوب بالتنغيص(1) والكدر .(2)

وقال الحسن بن عليّ علیه السلام : فضل كافل يتيم آل محمّد، المنقطع عن مواليه، الناشب في تيه الجهل، يخرجه من جهله، ويوضّح له ما اشتبه عليه، على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه، كفضل الشمس على السهى .(3)

وقال الحسين بن عليّ علیه السلام : من كفل لنا يتيماً قطعته عنّا محنتنا باستتارنا فواساه من علومنا، الّتي سقطت إليه ، حتّى أرشده وهداه، إلّا قال اللّه تعالی له : يا أيّها العبد الكريم المواسي، أنا أولى بهذا الكرم، اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر، وضمّوا إليها مايليق من سائر النعم

وقال عليّ بن الحسين علیهماالسلام : أوحى اللّه تعالى إلى موسى: حبّبني إلى خلقي، وحبّب خلقي إليَّ، قال : يا ربّ، كيف أفعل؟

قال : ذكّرهم الآئي ونعمائي ليحبّوني فلئن تردّنّ آبقاً عن بابي، أو ضالاً عن فنائي، أفضل لك من عبادة مائة (4) سنة، بصيام نهارها وقيام ليلها.

قال موسی: ومن هذا العبد الآبق منك ؟ قال : العاصي المتمرّد، قال : فمن الضالّ عن فنائك؟ قال : الجاهل بإمام زمانه يعرّفه، والغائب عنه بعد ما عرّفه ، الجاهل بشريعة دينه يعرّفه شريعته، وما يعبد به ربّه، ويتوسّل به إلى مرضاته،

قال عليّ بن الحسين عليه الصلاة والسلام : فأبشروا معاشر علماء شيعتنا بالثواب الأعظم، والجزاء الأوفر.(5)

ص: 314


1- يقال : ينغّص اللّه عليه العيش تنغيصاً : أي كدّره .
2- تفسير الإمام العسكري علیه السلام : 340 ح 216، عنه البحار: 3/2 ح 3.
3- هي كوكب خفي من بنات نعش الصغرى.
4- مائة ألف، خ.
5- تفسير الإمام علیه السلام : 242 ح 219، عنه البحار : 2/ 4 ح6 .

وقال محمّد بن عليّ علیه السلام : العالم كمن معه شمعة تضيء للناس، فكلّ من أبصر بشمعته دعا له بخير، وكذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة، فكلّ من أضاءت له، فخرج بها من حيرة، أونجا بها من جهل، فهو من عتقائه من النار، واللّه يعوّضه عن ذلك بكلّ شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل له من الصدقة بمائة ألف قنطار على غير الوجه الّذي أمر اللّه عزّ وجلّ به، بل تلك الصدقة وبال على صاحبها ، لكن يعطيه اللّه ما هو أفضل من مائة ألف ركعة بين يدي الكعبة .(1)

وقال جعفر بن محمّد علیه السلام : علماء شیعتنا مرابطون(2) في الثغر(3) الّذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يسلّط عليهم إبليس وشيعته النواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممّن جاهد الروم والترك، والخزر(4) ألف ألف مرّة، لأنّه يدفع عن أديان محبّينا وذلك يدفع عن أبدانهم .(5)

وقال موسی بن جعفر علیه السلام : فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنّا، وعن مشاهدتنا، بتعليم ما هو محتاج إليه ، أشدّ على إبليس من ألف عابد، لأنّ العابد همّه ذات نفسه فقط، وهذا همّه مع ذات نفسه ذات عباد اللّه وإمائه ، لينقذهم من يد إبليس ومردته، فذلك هو أفضل عند اللّه من ألف ألف عابد.(6)

وقال عليّ بن موسی الرضا علیهماالسلام : يقال للعابد يوم القيامة :

نعم الرجل كنت همّتك ذات نفسك وكفيت الناس مؤونتك، فادخل الجنّة .

ص: 315


1- تفسير الإمام علیه السلام : 242 ح 220، الإحتجاج: 8/1، عنهما البحار : 4/2 ح7.
2- المرابطة : ملازمة ثغر العدوّ.
3- ما یلی دار الحرب وموضع المخافة من فروج البلدان .
4- اسم جبل، خزر العيون أي ضيّقها.
5- تفسير الإمام علیه السلام : 343 ح 221، الإحتجاج: 8/1 س 14، عنهما البحار: 2/ 5 ح8.
6- تفسير الإمام علیه السلام : 343ح 222، الإحتجاج: 8/1 س19، عنهما البحار: 2/ 5 ح9.

ألا إنّ الفقيه من أفاض على الناس خيره، وأنقذهم من أعدائهم، ووفّر عليهم نعم جنان اللّه، وحصّل لهم رضوان اللّه تعالی.

ويقال للفقيه : يا أيّها الكافل لايتام آل محمّد، الهادي لضعفاء محبّيه ومواليه ، قف حتّى تشفع لكلّ من أخذ عنك، أو تعلّم منك، فيقف فيدخل الجنّة، ومعه فئام وفئام(1) حتّى قال عشراً، وهم الّذين أخذوا عنه علومه، وأخذوا عمّن أخذ عنه إلى يوم القيامة ، فانظروا كم فرق ما بين المنزلتين .(2)

وقال محمّد بن علي علیهماالسلام: إنّ من تكفّل بأيتام آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، المنقطعين عن إمامهم المتحيّرين في جهلهم، الأُسراء في أيدي شياطينهم، وفي أيدي النواصب من أعدائنا، فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين بردّ وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربّهم، ودليل أئمّتهم، ليفضّلون عند اللّه على العباد بأفضل المواقع، بأكثر من فضل السماء على الأرض، والعرش والكرسي والحجب (على السماء) و فضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفی كوكب في السماء .(3)

وقال عليّ بن محمد علیهماالسلام : لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (4) من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج اللّه، والمنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ(5)النواصب، لما بقي أحد إلّا ارتدّ عن دين اللّه، ولكنّهم الّذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكّانها ، أُولئك هم الأفضلون عند اللّه عزّ وجلّ.(6)

ص: 316


1- الفئام : الجماعة من الناس، وفسّر من خطبة أمير المؤمنين علیه السلام في يوم الغدير بمائة ألف .
2- تفسير الإمام علیه السلام : 344 ح 223، الإحتجاج : 9/1، عنهما البحار: 5/2 ح10 و 225/7 ح143.
3- تفسير الإمام علیه السلام : 344 ح 224، الإحتجاج: 9/1، عنهما البحار: 6/2 ح11.
4- قائمنا، ب.
5- الفخ: المصيده .
6- تفسير الإمام علیه السلام : 344 ح225، الإحتجاج : 9/1، عنهما البحار: 6/2ح 12.

وقال الحسن بن عليّ علیه السلام : يأتي علماء شیعتنا القوّامون بضعفاء محبّينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كلّ واحد منهم تاج بهاء قد انبثّت(1)تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة الف سنة، فشعاع تيجانهم ينبثّ فيها كلّها،

فلا يبقى هناك يتيم قد كفّلوه، ومن ظلمة الجهل أنقذوه، ومن حيرة التيه أخرجوه، إلّا تعلّق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلى العلوّ، حتّی تحاذي بهم فوق الجنان، ثمّ تنزلهم على منازلهم المعدّة في جوار أساتیذهم ومعلّميهم، وبحضرة أئمّتهم، الّذين كانوا يدعون إليهم، ولايبقى ناصب من النواصب يصيبه

من شعاع تلك التيجان إلّا عميت عينه، واصمّت أُذناه، وأُخرس لسانه، وتحوّل عليه أشدّ من لهب النيران، فيحملهم حتّى يدفعهم إلى الزبانية ، فيدعوهم إلى سواء الجحيم، إنتهى الحديث الشريف بطوله.(2)

ويدلّ على المقصود قول اللّه عزّ وجلّ في سورة النحل : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية(3).

والكلام في الإستشهاد بالآية الشريفة مبنيّ على ثلاثة أُمور:

الأوّل: أنّ ظاهر الخطاب وإن كان متوجّهاً إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ولكن مفاده تكلیف عامّ لسائر أهل المعرفة والديانة، بشهادة الآيات والروايات الدالّة على لزوم الدعوة والدلالة كقوله تعالى: («إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)(4)

وقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ... )(5)

وقد ورد أنّ القرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة، مضافاً إلى دلالة

ص: 317


1- انتشرت.
2- 345 ح 226، الإحتجاج: 10/1 ، عنهما البحار: 6/2 ح 13 و 225/7 ضمن ح 143 .
3- النحل: 125.
4- البقرة: 159.
5- آل عمران : 104.

العقل، من حيث أنّ الغرض من بعث الأنبياء ونصب الأوصياء وجعل العلماء، وحثّهم على بثّ العلم ورواية الأحاديث، وترغيب الناس إليهم وأمرهم بسؤال أهل الذكر، إنّما هو لمعرفة سبيل اللّه، والوصول إلى طريق النجاة والسعادة ،

فظهر أنّ الدعوة إلى سبيل الربّ وظيفة كلّ مسلم عارف.

الأمر الثاني : لا ريب في أنّ المراد بسبيل الربّ هو السبيل الّذي يحصل بسلوكه رضي اللّه تعالى، كما أنّه لا ريب في كون ذلك السبيل معرفة الأئمّة، وأتباعهم، فهي العلّة التامّة الّتي لا يحصل رضى اللّه تعالى عن العبد بدونها، وإن كان معتقداً بالتوحيد والنبوّة، كما أنّ معرفة مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه وأتباعه، هي العلّة التامّة لرضى اللّه تعالى عن العبد، الّتي لا يحصل رضى اللّه تعالی عنه، ونجاته بدونها، وإن كان مقرّاً معتقداً بسائر الأئمّة.

ولهذا ورد في الرواية الّتي قدّمناها في بعض مواضع هذا الكتاب عن الصادق علیه السلام : أنّ من أقرّ بسائر الأئمّة، وأنكر الثاني عشر، كمن أقرّ بسائر الأنبياء، وأنكر محمّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم . (1)

ولذلك اختصّ منصب الشفاعة بمولانا الحجّة في الحديث الّذي قدّمناه أيضاض عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في وصف الأئمّة وذكر مناصبهم في يوم القيامة - إلى أن قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : - والمهديّ شفيعهم، إلخ(2) مع أنّ الأئمّة والانبياء أيضاً شفعاء يوم القيامة.

وقد ورد في الزيارة الجامعة : أنتم السبيل الأعظم، والصراط الأقوم(3) وهذا لا ينافي تفسير السبيل بدين اللّه، ونحوه، لما ذكرنا من أنّ كمال الدين ليس إلّا بمعرفة الإمام علیه السلام ولهذا نزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...)(4)، بعد أن نصب النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أمير المؤمنين علیه السلام للخلافة، ودلّ على معرفته ومعرفة الأئمّة من بعده علیه السلام فتحصل ممّا ذكرنا حرمة الكتمان، ووجوب الدعوة إلى معرفة مولانا صاحب الزمان علیه السلام، وإطاعته بحكم الآية الشريفة.

ص: 318


1- تقدّم ج156/1 ح 242 و 241.
2- تقدّم ج156/1 ح 242 و 241.
3- البحار: 151/102 .
4- المائدة : 3.

الأمر الثالث : أنّ للدعوة إليه كيفيّات ثلاث، بحسب اقتضاء الحال وتفاوت مراتب المدعوّين في النقص والكمال، فقد يجب إعمال جميع مراتب الدعوة ، وقد يحصل الفرض بإعمال بعضها، فأوّل مراتب الدعوة بحسب الشأن والرتبة : الدعوة بالحكمة، ولهذا قدّم ذكرها على الموعظة والمجادلة .

وقد فُسّرت الحكمة في بعض الروايات بطاعة اللّه ومعرفة الإمام، وفي بعضها بمعرفة الإمام واجتناب الكبائر الّتي أوجب اللّه عليها النار والعقاب ،

وفي بعضها بالمعرفة والتفقّه في الدين، وقد روي غير ذلك أيضاً.

والكلمة الجامعة لمعنى جميع ما ذكر في ذلك : العلم والعمل، وهو المناسب للمعنى اللغوي أيضاً، فإنّها مستعارة من الحكمة بفتحتين : ما أحاط بحنكي الدابّة من لجامه، يمنعها من الخروج، وكذلك العلم والعمل يمنعان صاحبهما من الخروج عن طاعة اللّه عزّ وجلّ، والدخول في طاعة الشيطان، والورود في المزلّات، والإقتحام في الهلكات ، كما قال اللّه تعالی :

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)(1)

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)(2) ولذلك قال عزّ من قائل :

(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(3)

فمن وفّق للعلم والعمل فاز حقيقة بمعرفة الأئمّة علیهم السلام وهي الخير الكثير .

1459- ومن هنا يظهر لك معنى ما ورد من تفسير الخير الكثير بمعرفة أمير المؤمنين والأئمّة (4) معنى قول الصادق علیه السلام : نحن أصل الخير، وفروعه طاعة اللّه وعدوّنا أصل الشرّ، وفروعه معصية اللّه، الخبر(5) فتدبّر في هذا المقام، ليتّضح لك المرام وقد ظهر لك بما بيّناه، أنّ طرق الدعوة إليه أربعة :

ص: 319


1- الطلاق : 2.
2- الأعراف: 201.
3- البقرة : 269.
4- تفسير القمي: 92/1 ، عنه البرهان : 549/2 ح8.
5- الكافي : 8/ 242 ح 336، عنه الوسائل : ٤7/18 ح 2٤ ، والوافي : 1067/5 ح 1 .

الأولى: الدعوة إليه، باستعانة الحكمة العلميّة .

والثانية : الدعوة بالحكمة العمليّة .

والثالثة : الدعوة بالموعظة الحسنة .

والرابعة : الدعوة بطريق المجادلة بالّتي هي أحسن. إذا عرفت ما ذكرناه

فنقول: إنّ الدعوة بالحكمة العلميّة تحصل ببيان وجوب معرفة المدعوّ إليه وكيفيّة المعرفة، ووسائل المعرفة، وبيان صفاته وخصائصه وفضائله ودلالاته ، وبیان وظائف الناس بالنسبة إليه، وذكر ما يوجب الزلفة لديه ونحو ذلك.

والدعوة بطريق الحكمة العمليّة : تحصل بمواظبة الداعي، فيما هو وظيفته في كلّ مرتبة من المراتب المذكورة، واهتمامه فيما يبعث الناس على الرغبة في مراقبة حقوق الإمام، وتكمیل معرفته ليتأسّى العارف به في الأعمال، ويتنبّه الجاهل للسؤال، ولهذا القسم من الدعوة تأثير خاصّ في القلوب، وامتیاز تامّ لحصول المطلوب .

1460- ولذا قال الصادق علیه السلام : «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم» الحديث .(1)

وأمّا الدعوة بالموعظة الحسنة: فهي تحصل بالنصح، والترغيب، والترهيب، وبيان ما يترتّب على معرفة الحجّة، ومراقبة حقوقه من الثواب، وما يترتّب على الجهل به، وترك اتّباعه، والمسامحة في أداء حقوقه، من النكال والعذاب، على حسب ما يقتضيه الحال، ويبعث على الإجابة والإمتتال.

1461- وأمّا المجادلة بالّتي هي أحسن فعن الصادق علیه السلام : يعني بالقرآن .(2)

1462- وعن العسكريّ علیه السلام ما حاصله:

أنّها المجادلة بالحجّة والبرهان، من غير أن تردّ حقّاً أو تدّعي باطلاً .(3)

ص: 320


1- الكافي : 78/2 ح 14، عنه البحار : 303/70 ح13، والوسائل: 194/11 ح13 .
2- تفسير القمّيّ: 392/1 ، عنه البرهان: 3/ 463 ح1.
3- تفسير الإمام علیه السلام : 527ح322، عنه البرهان: 463/3 ح3، والبحار: 2/ 125 ح2.

أقول: ولتفصيل الكلام في كلّ من الأقسام مقام آخر،

وفيما ذكرناه كفاية لأُولي الأفهام، ويأتي في الأمر الثاني والخمسين ما ينفعك في هذا الباب، إن شاء اللّه تعالی.

49- مراقبة حقوقه والمواظبة على أدائها

الأمر التاسع والأربعون : مراقبة حقوقه سلام اللّه عليه والمواظبة على أدائها

ومراعاة الوظائف بالنسبة إليه ، فإنّ الإمام أعظم حقّاً بعد اللّه ورسوله على جميع أهل العالم، نظراً إلى المراتب الّتي خصّه اللّه تعالی بها دون سائر الخلق، وأنّه الواسطة في وصول كلّ فيض إليهم، ويرشد إلى ذلك أيضاً ما مرّ في الباب الخامس من أهميّة حقّ قرابة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ، من القربی النسبي.(1)

1463- وقد روي عنهم علیهم السلام : أنّ ما كان لله تعالى من حقّ فهو لنا.

1464- وقد روي أيضاً ما حاصله: إنّ قدر المؤمن عند الإمام بحسب قدر الإمام عنده ، والشواهد لما ذكرناه كثيرة، وهي غير خفيّة على أهل البصيرة، وإذ قد تبيّن أنّ رعاية حقّ اللّه تعالی تحصل برعاية حقّه علیه السلام فرعاية حقّه توجب القرب إلى اللّه والزلفي لديه، والاستخفاف بحقّه توجب البعد عن اللّه والتبغّض إليه .

1465- كما قال مولانا السجّاد علیه السلام في دعاء أبي حمزة الثمالي: «أو لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك فأقصيتني» إلخ .(2)

50- خشوع القلب لذكره، والاهتمام بما يوجبه

الأمر المتمّم للخمسين : خشوع القلب لذكره

والإهتمام فيما يوجب الخشوع، بالمراقبة والحضور في مجالس أحبّائه ، وتذكّر حقوقه ومصائبة، والإجتناب عمّا يوجب القسوة والتجافي عن المجالس الموجبة للحسرة والندامة في قوله تعالی :

ص: 321


1- تقدّم ج1/ 450 ح 763 - 768.
2- الصحيفة السجاديّة الجامعة : 222 دعاء 116.

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)(1)

إنّها نزلت في القائم علیه السلام وتأويلها جار في زمان الغيبة، والأمد أمد الغيبة .

51- إظهار العالم علمه عند ظهور البدع

الأمر الواحد والخمسون : أن يظهر العالم علمه

1466- ففي الكافي : قال النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : إذا ظهرت البدع في أُمّتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه .(2)

1467- وفيه : بسند صحيح عن الصادق علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :

إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي ، فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلّمون من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة .(3)

أقول : هذا عند الأمن من الضرر، وإلّا كان التكليف التقيّة، كما يظهر لك ممّا يتلى عليك، فتدبّر .

52 - التقيّة عن الأشرار، وكتمان الاسرار عن الأغيار

الأمر الثاني والخمسون : التقيّة عن الأشرار : وكتمان الأسرار عن الأغيار:

1468- ففي الكافي بإسناد صحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ :

(أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا)(4) قال : بما صبروا على التقيّة ، (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) ، قال : الحسنة التقيّة، والسيّئة الإذاعة .(5)

ص: 322


1- الحديد : 16.
2- الكافي : 54/1 ح 2، عنه الوافي : 244/1 ح 2، والبحار : 2/ 72 ح35.
3- الكافي : 2/ 375 ح 4، عنه الوافي : 1/ 245 ح5، والبحار : 202/74 ح 41.
4- القصص : 54.
5- الكافي : 2/ 217 ح 1، عنه البحار : ٤22/75 ح 81.

1469- وفيه : في الصحيح عنه علیه السلام ، قال :

التقيّة ترس المؤمن، والتقيّة حرز المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فیدین اللّه عزّوجلّ به فيما بينه وبينه، فيكون له عزّاً في الدنيا ونوراً في الآخرة، وإنّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه، فيكون له ذلاً في الدنيا وينزع اللّه عزّ وجلّ ذلك النور منه .(1)

1470- وفيه في الصحيح، عن هشام الكندي، قال :

سمعت أبا عبداللّه عليه الصلاة والسلام يقول: إيّاكم أن تعملوا عملاً يعيّرونا به، فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً، ولا تكونوا عليه شيناً صلّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير ، فأنتم أولی به منهم واللّه ما عبد اللّه بشيء أحبّ إليه من الخباء، قلت : وما الخباء؟ قال : التقيّة .(2)

1471- وفيه : في حديث آخر، عنه علیه السلام قال : نفس المهموم لنا، المغتمّ لظلمنا تسبيح، وهمّه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرِّنا جهاد في سبيل اللّه.

قال محمّد بن سعيد أحد رواة هذا الحديث:

أكتب هذا بالذهب، فما كتبت شيئاً أحسن منه .(3)

1472- وفي الإكمال عن الصادق علیه السلام - وقد سئل عن أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان، يعني زمان غيبة الإمام -

قال علیه السلام : حفظ اللسان، ولزوم البيت .(4)

1473- وفي تفسير النيسابوري : أنّه قرئ عند ابن مسعود قوله تعالی :

ص: 323


1- الكافي : 2/ 221 ح 23، عنه الوافي : 694/5 ح 21، والبحار : 437/75 ، ح 103.
2- الكافي : 2/ 219ح 11، عنه الوافي : 689/5 ح 11، والبحار : 431/75 ، ح 91.
3- الكافي : 226/2 ح16، عنه الوافي : 704/5 ح16، والبحار : 75/ 83 ح 33.
4- كمال الدين : 1/ 330 ح 15، عنه البحار : 145/52 ح66.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(1).

فقال : إنّ هذا في آخر الزمان(2).

أقول: والروايات في هذا الباب كثيرة، تركنا ذكرها حذراً عن الإطالة ، والمهمّ في هذا المقام دفع ما ربما يسبق إلى بعض الأوهام، من وقوع الاختلاف في الأخبار المروية عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام وهذا لمن لم يمعن النظر فيها، ولم يتدبّر حقّ التدبّر فيوهمه في بادئ النظر تطرق التهافت بين الروايات، من حيث أمرهم في بعضها بالدعوة والاظهار، وفي بعضها بالكتمان والإستتار .

وتوضيح ذلك بحسب ما استفدنا من الأخبار ببركة الأئمّة الأبرار علیهم السلام :

أنّ الناس على قسمين: إمّا عالم عارف بالحقّ، أو غير عالم،

والقسم الثاني منهم على ثمانية أصناف :

الصنف الأوّل: العوام الجاهلون الّذين لا يأبون عن قبول الحقّ إذا عرفوه.

الصنف الثاني: أهل الشبهة والحيرة، الّذين هم بصدد تحقيق الحقّ، ولكن وقعوا في الشبهة والحيرة بسبب من الأسباب.

الثالث : أهل الضلال، الّذين وقعوا في ذلك من جهة مجالسة المضلّين، أو خطائهم في طريق تحصيل العلم والمعرفة أو نحوهما، وهؤلاء الثلاثة يجب على العالم إرشادهم، وهدايتهم ودعوتهم عقلاً ونقلاً .

1474- وقد روي عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ما حاصله:

«لأن يهدي اللّه بك أحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس».(3)

الصنف الرابع: الجاحدون المعاندون للحقّ، الّذين إذا ذكر الحقّ عندهم استهزؤا به، وسخروا بالإمام، وبالداعي إلى الحقّ.

الصنف الخامس : الجاحدون المعاندون الّذين يصير إظهار الحقّ عندهم سبباً للضرر على النفس أو العرض أو المال، وهذان الصنفان يجب التقيّة عنهم، وكف اللسان عندهم عقلا ونقلا، كما لا يخفى على البصير.

ص: 324


1- المائدة : 105.
2- تفسير النيسابوري: 49/2 س6.
3- البحار: 167/19 ح14 .

1475- ففي الكافي : بإسناد صحيح عن عبدالأعلى، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: إنّه ليس من احتمال أمرنا التصديق له والقبول فقط، من إحتمال أمرنا ستره وصيانته من غير أهله، فاقرأهم السلام وقل لهم:

رحم اللّه عبداً اجترّ مودّة الناس إلى نفسه، حدّثوهم بما يعرفون، واستروا عنهم ما ينكرون، ثمّ قال علیه السلام : واللّه ما الناصب لنا حرباً بأشدّ علينا مؤنة من الناطق علينا بما نكره، الخبر.(1)

1476- وفيه: في حديث آخر عنه علیه السلام ، قال : المذيع لأمرنا كالجاحد له .(2)

1477- وفي آخر عنه أيضاً ، قال : إنّ تسعة أعشار الدين في التقيّة، ولا دین لمن لا تقيّة له، الخبر .(3) وفي هذا المعنی روایات كثيرة .

الصنف السادس : ضعفاء العقول والمعرفة من أهل الإيمان الّذين لا طاقة لهم بتحمّل الأسرار وقبولها أو بحفظها وسترها، وهذا الصنف أيضاً يجب كتمان الاسرار عنهم عقلاً ونقلاً، كما ذكر في الأحاديث السابقة.

1478- وفي الكافي: في الصحيح، عن أبي جعفر علیه السلام قال :

واللّه إنّ أحبّ أصحابي إليَّ أورعهم وأفقههم واكتمهم لحديثنا، وإنّ أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم الّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنّا فلم يقبله، اشمأزّ منه وجحده، وكفّر من دان به، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج، وإلينا أُسند، فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا .(4)

1479- وفي بصائر الدرجات : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : خالطوا الناس بما يعرفون، ودعوهم ممّا ينكرون، ولاتحملوا على أنفسكم وعلينا، إنّ

ص: 325


1- الكافي : 222/2 ح56، عنه الوافي : 698/5 ح5، والبحار : 75/ 74 ح22.
2- الكافي : 2/ 224 ضمن ح8، عنه الوافي : 700/5 ح8، والوسائل : 11/ 485 ح6.
3- الكافي : 217/2 ج2، عبد الوافي : 686/5 ح 3، والبحار : 423/75 ح82.
4- الكافي : 2/ 223 ح 7، عنه الوافي : 699/5 ح 7، والبحار : 76/75 ح 24.

أمرنا صعب مستصعب، لايحتمله إلّا ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان .(1)

1480- وبإسناده إلى الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام قال : ذكرت التقيّة يوماً عند عليّ بن الحسين علیهماالسلام ، فقال : واللّه لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخی رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بينهما، فما ظنّكم بسائر الخلق،

إنّ علم العالم صعب مستصعب، لا يحتمله إلّا نبيّ مرسل، أو ملك مقرّب، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان ، قال : وإنّما صار سلمان من العلماء لأنّه امرؤ منّا أهل البيت علیهم السلام فلذلك نسبه إلينا .(2)

1481- و بإسناده عن الباقر علیه السلام قال : حديثنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلّا ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل أو مؤمن ممتحن، أو مدينة حصينة، فإذا وقع أمرنا وجاء مهديّنا كان الرجل من شيعتنا أجري من ليث، وأمضى من سنان، يطأ عدوّنا برجليه ويضرب بكفّيه، وذلك عند نزول رحمة اللّه وفرجه على العباد .(3)

الصنف السابع : هم الّذين ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم، بسبب إعراضهم عن الحقّ، واختيارهم الباطل فلا يؤثّر فيهم الدعوة، ولا ينفعهم الموعظة وان كان ضررهم مأموناً، لكن لا رجحان في دعوتهم، وإظهار الحقّ عندهم، بل الراجح ترك دعائهم، وإظهار الحقّ لديهم لأنّه لا فائدة فيه :

(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(4)

ولذلك ورد الأمر في الروايات بترك دعائهم.

1482- ففي الكافي : بإسناده عن ثابت أبي سعيد ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : یاثابت، مالكم وللناس، كفّوا عن الناس، ولا تدعوا أحداً إلى أمركم فواللّه لو

ص: 326


1- بصائر الدرجات : 26 ح 2، عنه البحار : 71/2 ح 30.
2- بصائر الدرجات : 25 ح 21، عنه البحار : 2/ 190 ح5 .
3- بصائر الدرجات : 24 ح 17، عنه البحار : 318/52 ح 17.
4- البقرة : 6.

أنّ أهل السماء والأرض اجتمعوا على أن يضلّوا عبداً يريد اللّه هداه ما استطاعوا، كفّوا عن الناس ولا يقول أحدكم: أخي وابن عمّي وجاري، فإنّ اللّه عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً طيّب روحه، فلا يسمع بمعروف إلّا عرفه، ولا بمنكر إلّا أنكره، ثمّ يقذف اللّه في قلبه كلمة يجمع بها أمره .(1)

1483- وفي تحف العقول في وصايا الصادق علیه السلام لمؤمن الطاق مثل ذلك الكلام.(2)

1484- وفي الكافي أيضاً : في الصحيح، عن الفضيل قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ندعو الناس إلى هذا الأمر؟ فقال : يا فضيل، إنّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً أمر ملكاً فأخذ بعنقه حتّى أدخله في هذا الأمر طائعاً أوكارهاً .(3)

1485- وفيه : في حديث آخر، عن الصادق علیه السلام قال : لا تخاصموا بدینكم الناس فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب، إنّ اللّه عزّ وجلّ قال لنبيّه صلی اللّه علیه وآله وسلم:

(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(4)

وقال : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(5). (6)

الصنف الثامن : مجهول الحال، والمراد به من لا تَعرف أنّه من أهل الدعوة والقبول أو ليس كذلك، ووظيفة العالم بالنسبة إلى هذا الشخص :

1486- ما رواه الشيخ الأقدم محمّد بن الحسن الصفّار (رحمة اللّه علیه) في البصائر : بإسناده عن الاصبع بن نباتة ، عن أمير المؤمنين علیه السلام، قال : سمعته يقول:

إنّ حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش، فانبذوا إلى الناس نبذاً ،

فمن عرف فزيدوه، ومن أنكر فأمسكوا، لا يحتمله إلّا ثلاث:

ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان .(7)

ص: 327


1- الكافي : 213/2 ح2، المحاسن : 201/1 ذح39 .
2- تحف العقول : 312.
3- الكافي : 213/2 ح 3، عنه البحار : 208/68 ح13.
4- القصص : 56.
5- يونس: 99.
6- الكافي : 213/2 ح 4، عنه الوافي : 1/ 564 ح7 .
7- بصائر الدرجات : 21 ح5، عنه البحار : 2/ 192 ح 35.

1487- وبإسناده عن فرات بن أحمد قال : قال عليّ علیه السلام :

إنّ حديثنا تشمئزّ منه القلوب، فمن عرف فزيدوهم، ومن أنكر فذروهم.(1)

1488- وفيه في حديث مرفوع عن أبي جعفر علیه السلام قال : إنّ حديثنا هذا تشمئزّ منه قلوب الرجال، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، أنّه لا بدّ من أن تكون فتنة يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة، حتّى يسقط فيها من كان يشقّ الشعر بشعرتين حتّى لا يبقى إلّا نحن وشيعتنا(2)

ورواه النعماني في كتاب الغيبة، وفيه بعد قوله : «قلوب الرجال»

فانبذوه إليهم نبذاً، من أقرّ به فزيدوه ومن أنكر فذروه .(3)

53- الصبر على الاذي، والتكذيب، وسائر المحن

الأمر الثالث والخمسون: الصبر على الأذى والتكذيب وسائر المحن

إعلم يا أخي أنّ اللّه تبارك وتعالی شأنه قد امتحن عباده في زمان غيبة وليّه سلام اللّه عليه بأنواع المحن والبلايا ليميز الخبيث من الطيّب، فيرفع درجات الطيّبين ويجعل الخبيث بعضه على بعض فیركمه جميعاً في جهنّم وقد قال اللّه عزّ وجلّ : (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) الآية(4) .

وهذه سنّة اللّه في الماضين والتالين، كما قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ «وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية(5) .

1489- وقال أمير المؤمنين علیه السلام : أيّها الناس إنّ اللّه تعالى قد أعاذكم من أن يجوز عليكم، ولم يعذكم من أن يبتليكم وقد قال جلّ من قائل:

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) (6). (7)

ص: 328


1- بصائر الدرجات : 23ح 12، 14، عنه البحار: 193/2 ح37، 39.
2- بصائر الدرجات : 23ح 12، 14، عنه البحار: 193/2 ح37، 39.
3- غيبة النعماني : 202 ح 2، عنه البحار: 115/52 ح 36.
4- آل عمران: 179.
5- العنكبوت: 2 و 3.
6- المؤمنون: 30.
7- نهج البلاغة : 150، عنه البحار : 5/ 220 ح16.

أقول: ومن جملة تلك المحن والبلايا أنّك ترى كثيراً من أهل الباطل يعيشون في سعة وثروة، وهم أصحاب شوكة وقوّة، وترى كثيراً من أهل الحقّ يعيشون في ضيقٍ ومسكنة ولا يعتني بهم، ولايقبل قولهم ويؤذيهم أهل الباطل قولاً وفعلاً ويستهزؤون بهم، ويكذّبون ما يعتقدونه في أمر إمامهم، وغيبته وظهور دولته، وفي هذا المقام يتنازع النفس والعقل،

فالنفس تأمر باتّباع أهل الباطل لتعيش في سعتهم وتلتذّ من دنياهم الفانية ، والعقل يأمر بالصبر على أذاهم، وتكذيبهم ويرغّب في اتّباع أهل الحقّ، وانتظار الدولة الحقّة للفوز بالنعم الأُخرويّة الباقية،

فالطيّب الفطن من اختار العقبی و صبر على ذلك التكذيب والأذى.

1490- أُنظر إلى ما قال أبو عبداللّه الصادق علیه السلام في صحيح طويل مرويّ في روضة الكافي لحمران لمّا سأله إلى متى هؤلاء يملكون؟ أو متى الراحة منهم؟ فقلت: أليس تعلم أنّ لكلّ شيء مدّة؟ قال : بلی،

فقلت: هل ينفعك علمك أن هذا الأمر إذا جاء كان اسرع من طرفة عين؟ إنّك لو تعلم حالهم عند اللّه عزّ وجلّ، وكيف هي كنت لهم أشدّ بغضاً، ولو جهدت وجهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشدّ ممّا هم فيه من الإثم لم يقدروا، فلا يستفزّنّك الشيطان، فإنّ العزّة لله ولرسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم وللمؤمنين، ولكنّ المنافقين لا يعلمون، ألا تعلم أنّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غداً في زمرتنا، الحديث .(1)

1491- وفي تحف العقول: في وصايا الصادق علیه السلام لمؤمن الطاق:

یا بن النعمان، لا يكون العبد مؤمناً حتّى تكون فيه ثلاث سنن: سنّة من اللّه وسنّة من رسوله، وسنّة من الإمام، فأمّا الّتي من اللّه جلّ وعزّ فهو أن يكون كتوماً للأسرار يقول اللّه جلّ ذكره : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ...)(2)

ص: 329


1- الكافي : 37/8 ح7، عنه البحار: 254/52 ح147.
2- الجن: 26.

وأمّا السنّة من رسول اللّه فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفيّة وأمّا الّتي من الإمام فالصبر في البأساء والضرّاء حتّى يأتيه اللّه بالفرج .(1)

1492- وفي روضة الكافي أيضاً : بإسناده عن الحسن بن شاذان الواسطي، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا أشكو جفاء أهل واسط وحملهم عليَّ، وكانت عصابة من العثمانيّة تؤذيني،

فوقع بخطّه : إنّ اللّه تبارك وتعالى ذكره أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل، فاصبر لحكم ربّك، فلو قد قام سيّد الخلق (2) لقالوا:

(يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(3).(4)

أقول: قوله علیه السلام: لقالوا: هذا ما وعد الرحمن «إلخ» إشارة إلى أنّه يحييهم بإذن اللّه تعالى وينتقم منهم كما في الروايات .

1493- وفي أُصول الكافي : عن الصادق علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :

سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلّا بالقتل والتجبّر، ولا الغنى إلّا بالغصب والبخل، ولا المحبّة إلّا باستخراج الدين واتّباع الهوى،

فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبّة، وصبر على الذلّ وهو يقدر على العزّ آتاه اللّه ثواب خمسين صدّيقاً ممّن صدّق بي .(5)

1494- وفي الخرائج : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :

سيأتي قوم من بعدكم الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا:

یا رسول اللّه، نحن كنّا معك ببدر وأُحد وحنين، ونزل فينا القرآن ،

قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّكم لن تحملوا ما حملوا، ولن تصبروا صبرهم(6).

ص: 330


1- تحف العقول : 312.
2- المراد منه المهديّ علیه السلام.
3- يس : 52.
4- الكافي : 247/8 ح 346، عنه الوافي : 761/5 ح18 ، والبحار : 89/53 ح 87.
5- الكافي : 91/2 ح 12، عنه البحار : 75/71 ح9 .
6- الخرائج : 1149/3 ، غيبة الطوسي: 456 ح 467، عنه البحار : 130/52 ح26

أقول: هذا إشارة إلى حال المؤمنين الصابرين في زمان غيبة الإمام المنتظر، كما يشهد له سائر الأخبار .

1495- وفي البرهان : في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا)(1) عن الصادق علیه السلام قال : اصبروا على الأذى فينا،

قلت : فصابروا قال علیه السلام : على عدوّكم مع وليّكم،

ورابطوا؟ قال علیه السلام : المقام مع إمامكم، الخبر .(2)

وفي هذا المعنی روایات كثيرة لانطيل الكتاب بذكرها، هذا كلّه مضافاً إلى سائر ما ورد من الآيات والروايات في فضل الصبر، والأمر به، فإنّ الصبر على النوائب في زمان غيبة الإمام علیه السلام من أعظم أقسام الصبر وأوضحها كما لا يخفى .

1496- روی ثقة الإسلام الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي أخباراً عديدة فيها الصحاح والحسان، عن الصادق علیه السلام أنّه قال :

الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وكذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان .(3)

1497- وفيه : في حديث آخر، عن حفص بن غیاث قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام: إنّ من صبر صبر قليلاً، وإنّ من جزع جزع قليلاً، ثمّ قال : عليك بالصبر في جميع أُمورك، فإنّ اللّه بعث محمّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم فأمره بالصبر والرفق، فقال : (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ)(4)

وقال تبارك وتعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ - السيّئة - فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(5)

فصبر رسول اللّه، حتّى نالوه بالعظائم، ورموه بها، فضاق صدره،

فأنزل اللّه عزّوجلّ: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ

ص: 331


1- آل عمران : :20.
2- العيّاشي: 213/1 ح20، عنه البرهان : 732/1 ح13.
3- الكافي : 2/ 87 ح 2، عنه البحار : 81/71 ح 17 .
4- المزمّل: 10 و 11 .
5- فصّلت : 34 و 30

بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)(1) ثمّ كذّبوه ورموه فحزن لذلك، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا)(2) فألزم النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم نفسه الصبر ، فتعدّوا فذكر اللّه تبارك وتعالى وكذّبوه،

فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)(3) فصبر صلی اللّه علیه وآله وسلم في جميع أحواله، ثمّ بشّر في عترته بالأئمّة، ووصفوا بالصبر، فقال جلّ ثناؤه:

(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)(4)

فعند ذلك قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فشكر اللّه عزّ وجلّ ذلك له، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)(5)

فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّه بشری وانتقام، فأباح اللّه عزّ وجلّ قتال المشركين، فأنزل :

(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)(6) (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)(7) فقتلهم اللّه على يدي رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم وأحبّائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر له في الآخرة، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتّى يقرّ اللّه له عينه في أعدائه مع ما يدّخر له في الآخرة .(8)الكافي : 88/2 ح 3، عنه الوافي : 67/3 ، والبحار : 62/71 ح1.(9)

1498- وفيه : في الصحيح، عن أبي الصباح الكناني قال :

كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام فدخل عليه شيخ، فقال : يا أبا عبداللّه، أشكو إليك ولدي وعقوقهم، وإخواني وجفاهم، عند كبر سنّي؛

ص: 332


1- الحجر : 97 و 98.
2- الأنعام : 32 و 33.
3- ق : 37 و 38.
4- السجدة : 24.
5- الأعراف : 137.
6- التوبة : 5.
7- البقرة: 191 .
8-
9-

فقال أبو عبداللّه علیه السلام : يا هذا، إنّ للحقّ دولة وللباطل دولة، وكلّ واحدٍ منهما في دولة صاحبه ذليل، وإنّ أدني ما يصيب المؤمن في دولة الباطل العقوق من ولده، والجفا من إخوانه،

وما من مؤمن يصيب شيئاً من الرفاهيّة في دولة الباطل إلّا ابتلي قبل موته ، إمّا في بدنه وإمّا في ولده وإمّا في ماله، حتّى يخلّصه اللّه ممّا اكتسب في دولة الباطل، ويوفّر له حظّه في دولة الحقّ، فاصبر وابشر .(1)

1499- وفيه: عن أبي جعفر علیه السلام قال : لمّا حضرت أبي علي بن الحسين الوفاة ضمّني إلى صدره، وقال : يا بنيّ أُوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به، يا بنيّ اصبر على الحقّ وإن كان مرّاً.(2)

1500- وفي اكمال الدين : بإسناده عن البزنطي قال : قال الرضا علیه السلام : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)(3) وقوله عزّ وجلّ: (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(4) فعليكم بالصبر فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس وقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم .(5)

1501- وفيه : بإسناده عن محمّد بن مسلم قال :

سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: إنّ قدّام(6) القائم عليه الصلاة والسلام علامات تكون من اللّه عزّ وجلّ للمؤمنين، قلت: وما هي جعلني اللّه فداك؟

قال : ذلك قول اللّه عزّ وجلّ:

(«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ - يعني المؤمنين قبل خروج القائم علیه السلام - بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(7)

ص: 333


1- الكافي : 2/ 337 ح12، عنه الوافي : 1036/5 ح 12.
2- الكافي : 91/2 ح13، عنه البحار : 76/71 ح10.
3- هود : 93.
4- الأعراف: 71.
5- كمال الدين : 2/ 645 ح5، عنه البحار: 129/52 ح 23.
6- لقيام القائم، ب.
7- البقرة : 155.

قال : يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم، ونقص من الأموال، قال : كساد التجارات، وقلّة الفضل، ونقص من الأنفس، قال : موت ذريع، ونقص من الثمرات، قال :

قلّة ريع ما يزرع، وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم علیه السلام ،

ثمّ قال علیه السلام لي: يا محمّد، هذا تأويله، إنّ اللّه تعالى يقول:

(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(1).(2)

1502- وفي تفسير النيسابوري : عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّه قال :

ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا ما رأيت شحّاً مطاعاً، وهوىً متّبعاً، ودنياً مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك نفسك، ودع أمر العوامّ، وإنّ من ورائكم أيّاماً، الصبر فيهنّ كقبض الجمر، للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله.

1503- وفي النعماني : بإسناده عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام أنّه قال :

المؤمنون يبتلون، ثمّ يميّزهم اللّه عنده إنّ اللّه لم يؤمن المؤمنين من بلاء الدنيا و مرائرها، ولكن آمنهم فيها من العمى والشقاء في الآخرة، ثمّ قال :

كان عليّ بن الحسين بن علي علیهم السلام يضع قتلاه بعضهم إلى بعض، ثمّ يقول : قتلانا قتلى النبيّين .(3)

1504- وفيه : بإسناده عن زین العابدین علیه السلام ، قال :

لوددت أنّي تركت(4)في العياشي: لوددت أنّه أُذن لي.(5) فكلّمت الناس ثلاثاً، ثمّ قضى اللّه فيَّ ما أحبّ، ولكن عزمة من اللّه أن نصبر، ثمّ تلى هذه الآية : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(6)

ثمّ تلا أيضاً قوله تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ

ص: 334


1- آل عمران : 71.
2- كمال الدين : 649/2 ح 3، عنه البحار : 202/52 ح 28.
3- غيبة النعماني : 211 ح 19، عنه البحار : 80/45 ح5 وج 117/52 ح 39.
4-
5-
6- سورة ص : 88.

الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(1).(2)

1505- وفيه : عنه علیه السلام في حديث يأتي في المرابطة إن شاء اللّه - إلى أن قال :

ويرابط الّذين آمنوا ويصبرون ويصابرون حتّى يحكم اللّه وهو خير الحاكمين(3) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة، المذكورة في محلّها،

وبالجملة فحال المؤمن في البليّات ما ذكر في الديوان المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين علیه السلام :

إذا زید شرّاً آزاد صبراً كأنّما *** هو المسك ما بين الصلابة والفهر

لإن فتّيت المسك يزداد طيبةً على *** السحق والحرّ إصطباراً على الشرّ

تنبيه : قد تبيّن ممّا ذكرنا أنّ الصبر في زمان غيبة الإمام علیه السلام على أقسام،

فمنها : الصبر على طول الغيبة بأن لا يكون من المستعجلين، الّذين يقسو قلوبهم بسبب طول الغيبة فيرتابون في أمر الإمام علیه السلام ،

وقد مرّ هذا العنوان في الأمر الثاني والعشرين فراجع.

ومنها: الصبر على ما يصيب المؤمن من أذى المخالفين واستهزائهم وتكذيبهم ونحوها.

ومنها : الصبر على أقسام البلايا والمحن الواردة الّتي ذكر بعضها في الآية الشريفة في قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) الآية .(4)

ومنها : الصبر على ما يرى من ابتلاء المؤمنين بالمعاندين وإيذاء المعاندین لهم إذا لم يتمكّن من استخلاصهم والمدافعة عنهم،

فإنّ وظيفته حينئذ الصبر والدعاء إلى غير ذلك من الأقسام الّتي يقف عليها المؤمن عند ابتلائه .

ص: 335


1- آل عمران : 186.
2- غيبة النعماني : 198 ح 11، ورواه في العيّاشي: 211/1 ح 171، عنه البحار 223/68 ح 17.
3- غيبة النعماني : 199 ح12، عنه البحار : 219/24 ح15.
4- البقرة : 155 .

54- طلب الصبر من الله في زمان الغيبة

الأمر الرابع والخمسون : طلب الصبر من اللّه تعالی

يعني من وظائف المؤمن في زمان الغيبة أن يسأل ربّه عزّ وجلّ ليوفّقه للصبر في مواقع يكون وظيفته ذلك، وذلك لوجوه :

منها : أنه قد ورد في الأدعية المأثورة عنهم علیهم السلام :

1506- ففي دعاء العمري (رحمة اللّه علیه) : وصبّرني على ذلك ... إلخ .(1)

ومنها: ما ورد من الأمر بمسالة كلّ شيء يحتاج إليه المؤمن لاستصلاح آخرته ودنياه من اللّه عزّ وجلّ، فإنّ بيده مفاتيح كلّ شيء،

ويشهد للمرام قوله تعالى مخاطباً لنبيّه صلی اللّه علیه وآله وسلم: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) الآية .(2) والباء للسببيّة، أو الاستعانة، وعلى كليهما يشهد للمقصود،

فالمؤمن ينبغي أن يطلب الصبر من اللّه عزّ وجلّ، ويجوز أن يكون الباء بمعنی من، وإن لم يذكره صاحب المغني، إذ لا عبرة بإنكاره شيئاً يوجد له شاهد في فصيح الكلام، كما أنّ جمعاً منهم أنكروا كون الباء للتبعيض، مع ورود النصّ به عن الأئمّة علیهم السلام ، فتدبّر .

1507- وعن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : سلوا اللّه عزّ وجلّ ما بدالكم من حوائجكم، حتّى شسع النعل، فإنّه إن لم ييسّره لم يتيسّر .(3)

1508- وقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : ليسأل أحدكم ربّه حاجته كلّها، حتّى يسأله شسع نعله إذا انقطع444 ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة،

ويدلّ على المقصود أيضاً إطلاق ما ورد في الآيات القرآنيّة من الأمر بالدعاء، فينبغي للمؤمن الدعاء لإعطائه الصبر في مواقعه، فإنّه شيء يستصلح به أمر آخرته ودنياه، ويستجلب به محبّة مولاه وطاعته ورضاه .

ص: 336


1- جمال الأسبوع: 316، الصحيفة الرضويّة الجامعة : 321 دعاء29.
2- النحل : 127 .
3- مكارم الأخلاق : 10/2 ج22 و 23، عنه المستدرك : 5/ 172 ح 2 و3، والبحار : 295/93 .

ومنها : أنّه كثيراً ما يشتبه على الإنسان موارد الصبر بغيرها، فيصبر في غير مورد الصبر، ويتكلّم في موقع الصمت، ويصمت في موقع الكلام، والتوفيق لوضع كلّ شيء في موضعه إنّما هو من اللّه عزّ وجلّ، فوظيفة المؤمن الطالب لسلوك سبيل الهدى الدعاء والتضرّع إلى اللّه تعالی ليوفّقه للصبر في مواقع الصبر، والدعوة في مواقع الدعوة، والطيش في موارد الطيش، والبطش في مواقع البطش، والغضب في مواقع الغضب، وقس على ما ذكرنا غيره .

ومنها : أنّه قد ورد في الروايات الأمر بمسألة الصبر من اللّه عزّ وجلّ:

1509- فقد روي في الكافي : عن الصادق عليه الصلاة والسلام أنّه قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ خصّ رسله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم، فاحمدوا اللّه، واعلموا أنّ ذلك من خير، وإن لا تكن فيكم، فاسألوا اللّه، وارغبوا إليه فيها، قال : فذكر [ها] عشرة : اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروّة، قال :

وروى بعضهم بعد هذه الخصال العشرة، وزاد فيها الصدق وأداء الأمانة .(1)

1510- وفيه في حديث آخر، عنه علیه السلام قال : إنّا لنحبّ من كان عاقلاً، فهماً، فقيهاً، حليماً، مدارياً، صبوراً، صدوقاً، وفيّاً، إنّ اللّه عزّ وجلّ خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد اللّه على ذلك، ومن لم تكن فيه فليتضرّع إلى اللّه عزّ وجلّ، وليسأله إيّاها، قال: قلت: جعلت فداك، وما هنّ؟ قال : هن الورع، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، والحياء، والسخاء، والشجاعة، والغيرة، والبرّ، وصدق الحديث، وأداء الأمانة .(2)

55- التواصي بالصبر في زمن غيبة القائم علیه السلام

الأمر الخامس والخمسون : التواصي بالصبر في زمن غيبة القائم علیه السلام

وهذا من الأُمور المهمّة الّتي بنبغي الإهتمام بها، والمواظبة عليها، ويدلّ

ص: 337


1- الكافي : 56/2 ح 2 و3، عنه البحار : 70/ 371 ح 18 و 19.
2- الكافي : 56/2 ح 2 و3، عنه البحار : 70/ 371 ح 18 و 19.

عليه وجوه : الأوّل : جميع أدلّة الأمر بالمعروف.

الثاني : التأسّي بالنبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم والأئمّة الأطهار كما يظهر لك من تتّبع الأخبار .

1511 - الثالث: خصوص ما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كتاب الإقبال عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في خطبة يوم الغدير أنّه قال :

وفي عليّ نزلت «والعصر»، وتفسرها: وربّ عصر القيامة إنّ الإنسان لفي خسر - أعداء آل محمّد - إلّا الّذين آمنوا بولايتهم، وعملوا الصالحات - بمواساة إخوانهم - وتواصوا بالصبر في غيبة غائبهم، إلخ.(1)

أقول : المراد بالتواصي بالصبر : أن يوصي ويأمر المؤمن أولاده وأحفاده وأهله، وعياله، وعشيرته، وإخوانه، وأحبّاءه، وسائر المؤمنين بأمر القائم علیه السلام والصبر في غيبته على طول الغيبة، وعلى مايصيبهم من الفتن، والبليّات، والمحن والاذيّات، وما يرون من الأعداء، وجفاء الأخلّاء، وغيرها، بأن يذكر لهم فضائل الصبر وتعقّبه بالظفر والفرج، حتّى لا ييأسوا بسبب طول الغيبة، ولا يرتابوا لمايرون أعداءهم في الراحة والسعة والنعمة، ويعلموا أنّ ذلك ممّا أخبر به الصادقون، فكما ظهر صدق ما قالوه من ابتلاء أهل الإيمان، وغلبة الأعداء ، كذلك يظهر صدقهم في ظهور الفرج والرخاء لهم إن شاء اللّه تعالی.

وليعلموا أنّ من صبر وانتظر فاز بالفرج والظفر، إمّا بالفرج الأعظم، أو بما دونه من أقسام الفرج، بل نفس الإنتظار من أقسام الفرج،

ألا ترى أنّه لو كان شخص مبتلى بديون كثيرة، لكن يعلم أنّه يأتيه السعة بعد مدّة من بعض النواحي، تسلّت نفسه بانتظار تلك السعة، وانقضاء تلك المدّة ، ليستريح من مشقّة تحمل دیونه، أو كان شخص مريضاً مبتلى بأمراض عديدةٍ لكنّه يعلم أنّ في بعض النواحي طبيباً حاذقاً يأتيه بعد مدّة فيعالجه، ويستريح من تلك الأمراض، كان انتظاره لا نقضاء هذا الأمد، ومجيء ذلك الطبيب المعتمد

ص: 338


1- الاقبال : 246/2 .

تسليةً لنفسه، وتقويةً لقلبه ، وتفريجاً لهمّه، وتسكيناً لغمّه.

1512- ولذلك قال الصادق علیه السلام لأبي بصير - لمّا قال له :

جعلت فداك ، متى الفرج؟! - يا أبا بصير ، أنت ممّن يريد الدنيا، من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه بانتظاره . (1)

1513- وعن محمّد بن الفضيل، عن الرضا علیه السلام قال :

سألته عن شيءٍ من الفرج، فقال علیه السلام : أليس أنتظار الفرج من الفرج؟

إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(2). (3)

1514- وعن الحسن بن جهم، قال : سألت أبا الحسن عن شيءٍ من الفرج، فقال : أو لست تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج؟

قلت: لا أدري إلّا أن تعلّمني، فقال علیه السلام : نعم، إنتظار الفرج من الفرج .(4)

1515- وفي النعماني: عن أبي جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال :

هلك أصحاب المحاضير، ونجا المقرّبون، وثبت الحصن على أوتادها، إنّ بعد الغمّ فتحاً عجيباً.(5)

1516- وعن عليّ بن يقطين قال : قال لي أبو الحسن علیه السلام :

إنّ الشيعة تربّي بالأمانيّ، منذ مائتي سنة، وقال يقطين لابنه عليّ: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟ فقال عليّ : إنّ الّذي قيل لكم ولنا من مخرج واحدٍ، غير أنّ أمركم حضر وقته، فأُعطيتم محضه، وكان كما قيل لكم، وإنّ أمرناً لم يحضر ، فعلّلنا بالأمانيّ، ولو قيل لنا: إنّ هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة ، أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجعت عامّة النان عن الإسلام، ولكن

ص: 339


1- غيبة النعماني : 330 ح 3، ورواه في الكافي : 371/1 ح 3، عنه الوافي : 427/2 ، ح 7.
2- الأعراف : 71.
3- كمال الدين : 2/ 645 ح4، عنه البحار : 128/52 ح 22 .
4- غيبة الطوسي: 276 ح 471، عنه البحار : 52/ 130 ح 29 .
5- غيبة النعماني : 198 ح10، عنه البحار : 2/ 139 ح 47.

قالوا ما أسرعه، وما أقربه، تألّفاً للقلوب وتقريباً للفرج.(1)

56- الاحتراز والتجافي عن مجالس المستهزئين بذكر الإمام علیه السلام

الأمر السادس والخمسون : الإحتراز والتجاني عن مجالس أهل البطالة والضلالة

الّذين يستهزؤون بذكر الإمام، أو يذكرونه بسوءٍ ، أو يعيبون عليه، أو ينكرونه، أو يعرضون عن ذكره، أويستهزؤون بالمؤمنين المنتظرين له،

قال اللّه عزّ وجلّ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)(2).

1517- وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ (رحمة اللّه علیه) قال :

آیات اللّه هم الأئمة علیهم السلام .(3)

1518- وفي أُصول الكافي بسند صحيح عن شعيب العقرقوفي، قال :

سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا)) إلى آخر الآية فقال :

إنّما عنى بهذا إذا سمعتم الرجل الّذي يجحد الحقّ، ويكذّب به، ويقع في الأئمة علیهم السلام فقم من عنده، ولا تقاعده كائناً من كان .(4)

1519- وفيه: في الصحيح عنه علیه السلام ، قال : من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يجلس مجلساً ينتقص فيه إمام ، أو يعاب فيه مؤمن .(5)

1520- وفيه عنه علیه السلام قال : ثلاثة مجالس يمقتها اللّه ويرسل نقمته على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم: مجلساً فيه من يصف لسانه كذباً في فتياه ،

ص: 340


1- غيبة النعماني : 295 ح4 ، عنه البحار : 102/52 ح4.
2- النساء: 140.
3- تفسير القمّيّ: 1/ 163.
4- الكافي : 377/2 ح8، عنه الوافي : 1046/5 ح5 ، والبحار : 212/74 ح45، والبرهان : 189/2
5- الكافي : 377/2 ح9، عنه الوافي : 1048/5 ح7، والبحار : 213/74 ح46

ومجلساً ذكر أعدائنا فيه جديد، وذكرنا فيه رث(1) ومجلساً فيه من يصدعنا وأنت

تعلم ، قال : ثمّ تلا ابو عبداللّه علیه السلام ثلاث آيات من كتاب اللّه كأنّما كنّ في فيه ،

أو قال : في كفّه :

(وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)(2) (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(3) (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ)(4) . (5)

1521- وفيه : عنه علیه السلام قال : إذا ابتليت باهل النصب ومجالستهم فكن كأنّك على الرضف (6)حتّى تقوم، فإنّ اللّه يمقتهم ويلعنهم ، فإذا رايتهم يخوضون في ذكر إمام من الأئمّة فقم، فإنّ سخط اللّه ينزل هناك عليهم.(7)

1522- وفيه : في الصحيح عنه علیه السلام قال :

من قعد عند سبّاب لأولياء اللّه فقد عصى اللّه .(8)

1523- وفيه : عنه علیه السلام ، قال : من قعد في مجلس يسبّ فيه إمام من الائمّة

يقدر على الإنتصاف(9) فلم يفعل، البسه اللّه الذلّ في الدنيا، وعذّبه في الآخرة، وسلبه صالح ما منّ به عليه من معرفتنا.(10)

1524- وفي البرهان، عن الكشّي: بإسناده عن محمّد بن عاصم، قال : سمعت الرضا علیه السلام يقول: يا محمّد بن عاصم، بلغني أنّك تجالس الواقفيّة(11)

ص: 341


1- الرثّ: الشيء البالي.
2- الأنعام: 108، 68.
3- الأنعام: 108، 68.
4- النحل : 116.
5- الكافي : 378/2 ح12، عنه البحار : 215/74 ح 49.
6- الرضف : الحجارة المحماة على النار .
7- الكافي : 379/2 ح13 و 14، عنه الوافي : 2/ 232 ح6و7، والبحار: 219/74 ح50 و 51.
8- الكافي : 379/2 ح13 و 14، عنه الوافي : 2/ 232 ح6و7، والبحار: 219/74 ح50 و 51.
9- الانتقام، وفي القاموس: انتصف منه : استوفی منه كاملاً حتّى صار كلّ على النصف سواء. وفي بعض النسخ: الإنصراف، وفي بعضها: الإنتصاب .
10- الكافي : 2/ 379ح15، عنه الوافي : 2/ 233 ح9، والبحار : 230/74 ح 53.
11- في البرهان : : الواقفة، وكذا ما بعده .

قلت : نعم جعلت فداك، أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال علیه السلام :

لا تجالسهم، قال اللّه عزّ وجلّ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) يعني بالآيات : الأوصياء، والّذين كفروا: يعني الواقفيّة .(1)

أقول: ذكر الواقفيّة من باب ذكر أحد المصادیق ، كما أنّ ذكر الأوصياء من باب ذكر أحد مصادیق آيات اللّه كما لا يخفى .

تنبيه : المستفاد من الآية الشريفة بضميمة ما ورد في تفسيرها، وبضميمة سائر الروايات حرمة الجلوس في مجالس أهل الضلالة الّذين أشرنا إلى ذكر بعض أصنافهم في صدر العنوان للنهي الظاهر في التحريم، بل المستفاد من الآية الشريفة عدّه في الكبائر لقوله عزّ وجلّ: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) الدالّ على كون من يجالسهم مثلهم بل عبّر عمّن يجالسهم بالمنافقين، ووعدهم نار جهنّم، فقال :

(إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) فقد ظهر عظم ذلك ، وكونه من جملة المعاصي الكبيرة، نسأل اللّه عزّ وجلّ أن يوفّقنا لمرضاته ، ويحفظنا من موجبات سخطه ونقماته،

وفي الدعاء : أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني .

أقول: وكفى بذلك حسرة ونقمة ، نعوذ باللّه من ذلك ،

وسيأتي في الأمر الثامن والخمسين مايدلّ على المقصود إن شاء اللّه تعالی .

57- مصانعة أهل الجور والباطل باللسان، والفرار منهم بالقلب

الأمر السابع والخمسون : مصانعة أهل الجور والباطل

1525- ففي البحار، عن كشف الغمّة : من طريق العامّة عن حذيفة قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول: ويح هذه الأُمّة من ملوكٍ جبابرةٍ كيف يقتلون،

ص: 342


1- الكشّي : 457، عنه البرهان : 2/ 190 ح4.

ويخيفون المطيعين إلّا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقيّ يصانعهم بلسانه ، ويفرّ منهم بقلبه ، فإذا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يعيد الإسلام عزيزاً اقصم كلّ جبار عنيد وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أُمّة بعد فساد.

فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : يا حذيفة ، لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يملك رجل من أهل بيتي، يجري الملاحم على يديه ، ويظهر الإسلام، لا يخلف وعده وهو سريع الحساب .(1)

1526- وفي تحف العقول - في وصايا الصادق لمؤمن الطاق - قال علیه السلام :

يابن النعمان، إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتّقيه بالتحيّة، فإنّ المتعرّض للدولة قاتل نفسه وموبقها، إنّ اللّه يقول:

(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(2). (3)

1527- وفي النعماني : بإسناده عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال :

كونوا كالنحل في الطير، ليس شيء من الطير إلّا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم.

فوالّذي نفسي بيده ماترون ما تحبّون حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتّى يسمّي بعضكم بعضاً كذّابين، وحتّى لا يبقى منكم - أو قال : من شيعتي - كالكحل في العين، أو كالملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً، وهو مثل رجل كان له طعام فنقّاه وطيّبه ، ثمّ أدخله بيتاً، وتركه فيه ما شاء اللّه، ثمّ عاد إليه فإذا هو أصابه السوس، فأخرجه ونقّاه وطيّبه ، ثمّ أعاده إلى البيت، فتركه ما شاء اللّه ثمّ عاد إليه، فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس، فأخرجه ونقّاه وطيّبه ، وأعاده، ولم يزل كذلك حتّى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر، لا يضرّه السوس

ص: 343


1- كشف الغمة : 2/ 472 ح28، عنه البحار : 1/ 83 ح 28 .
2- البقرة : 195.
3- ص: 309.

شيئاً، وكذلك انتم تميّزون، حتّى لا يبقى منكم إلّا عصابة لا يضرّها الفتنة شيئاً.(1)

58۔ الاختفاء والتجافي عن الاشتهار

الأمر الثامن والخمسون : الإختفاء والتجاني عن الإشتهار

فإنّ الشهرة آفة، والخمول راحة.

1528- وفي الكافي : عن الصادق علیه السلام - في حديث - قال :

إن استطعت أن لا يعرفك أحد فافعل(2)،

1529- وفي كمال الدين: بسند صحيح عن الباقر علیه السلام أنّه قال :

يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، یا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنی مایكون لهم من الثواب أن يناد بهم الباري جلّ جلاله فيقول:

عبادي وإمائي آمنتم بسرّي، وصدّقتم بغيبي، فابشروا بحسن الثواب منّي، أي عبيدي وإمائي، حقّاً منكم اتقبّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء ، لولاكم لانزلت عليهم عذابي.

قال جابر: فقلت: يابن رسول اللّه، ما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟

قال علیه السلام : حفظ اللسان ولزوم البيت.(3)

1530- وفي نهج البلاغة: عن أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه :

وذلك زمان لا ينجو فيه إلّا كلّ مؤمن نُوَمَة، إن شهد لم يعرف، وإن غاب لم يفتقد، أُولئك مصابيح الهدى، وأعلام السُّرى، ليسوا بالمسابيح ولا المذاييع البذر، أُولئك يفتح اللّه لهم أبواب رحمته ويكشف عنهم ضرّاء نقمته ،

أيّها الناس سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الإسلام، كما يكفا الإناء بما فيه .

ص: 344


1- غيبة النعماني : 209ح17، عنه البحار : 115/52 ح 37.
2- الكافي : 456/2 ح15 و128/8 ح98.
3- كمال الدين : 330/2 ح 15، عنه البحار : 145/52 ح66.

قال السيّد الرضيّ : قوله علیه السلام : كلّ مؤمن نُوَمَة، فإنّما أراد الخامل الذكر القليل الشرّ، والمساييح جمع مسياح، وهو الّذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها، ونوّه بها، والبذر جمع بذور، وهو الّذي يكثر سفهه، ويلغو منطقه .(1)

1531- وفي النعماني : عن الصادق علیه السلام أنّه قال : خبر تدریه خير من عشر ترويه، إنّ لكلّ حقّ حقيقة ، ولكلّ صواب نوراً، ثمّ قال : إنّا واللّه لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتّى يلحن له، فيعرف اللحن، إنّ أمير المؤمنین علیه السلام قال على منبر الكوفة: إنّ من ورائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة، لا ينجو منها إلّا النومة ، قيل: يا أمير المؤمنين علیه السلام وما النومة؟ قال علیه السلام : الّذي يعرف الناس ولا يعرفونه

واعلموا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله عزّ وجلّ، ولكنّ اللّه سيعمي خلقه عنها، بظلمهم وجورهم، وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجّة لله لساخت بأهلها، ولكن الحجّة يعرف الناس ولا يعرفونه ، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون.(2)

1532- وفيه أيضاً : بإسناده أنّه دخل على الصادق علیه السلام بعض أصحابه ،

فقال له : جعلت فداك ، إنّي واللّه أُحبّك وأُحبّ من يحبّك يا سيّدي، ما أكثر شيعتكم، فقال علیه السلام له: أُذكرهم، فقال : كثير ، فقال علیه السلام : تحصيهم؟

فقال : هم أكثر من ذلك،

فقال أبو عبداللّه علیه السلام : أما لو كملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الّذي يريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، وشحناؤه بدنه(3) ولا يمدح بنا معلناً(4) ولا يخاصم بنا قالياً(5)، ولا يجالس لنا عائباً ،

ص: 345


1- نهج البلاغة : ص149 خطبة 103.
2- غيبة النعماني : :141 ح 2، عنه البحار : 112/51 ح8، وعوالم العلوم: 526/3 ح56 .
3- الشحناء : الحقد، أي لا يضرّ شحناؤه غيره، ولا يتجاوز نفسه .
4- غالياً، خ.
5- أي مبغضاً، وفي بعض النسخ: والياً .

ولا يحدّث لنا ثالباً(1) ولا يحبّ لنا مبغضاً، ولا يبغض لنا محبّاً.

فقلت : فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الّذين يقولون إنّهم يتشيّعون؟

فقال علیه السلام : فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم وسيف يقتلهم، واختلاف يبدّدهم، إنّما شیعتنا من لا يهرّ هرير(2) الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفّه وإن مات جوعاً.

قلت: جعلت فداك ، فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟

فقال علیه السلام : أطلبهم في أطراف الأرض، أُولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة دارهم، الّذين إذا شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا وإن خطبوا لم يزوّجوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، أُولئك الّذين في أموالهم يتواسون وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان .

ورواه بطريق آخر، وزاد فيه: وإن رأوا مؤمناً أكرموه، وإن رأوا منافقاً هجروه ، وعند الموت لا يجزعون، وفي قبورهم يتزاورون، تمام الحديث .(3)

أقول: محلّ الشاهد قوله علیه السلام : الّذين إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا. إلخ، فإنّه عليه الصلاة والسلام دلّ بهذا الكلام على حسن الإختفاء من الناس، وذمّ الإشتهار بينهم، وإنّما ذكرت الحديث بطوله لكثرة فوائده ،

وممّا يناسب ذلك الزمان هذه الأبيات :

خفيت عن العيون فأنكرتني *** فكان به ظهوري للقلوب

وأوحشني الأنيس فغبت عنه *** لتأنيسي بعلّام الغيوب

وكيف يروعني التفريد يوماً *** ومن أهوى لدي بلا رقیب

إذا ما استوحش الثقلان منّي *** آنست بخلوتي ومعي حبيبي

ص: 346


1- أي لا يتحدّث مع السابّ لنا.
2- الهريرة : صوت الكلب بسبب قلّة صبره على البرد، والظاهر أنّ مراده هنا توصيف الشيعة بالصبر على النوائب والشدائد والاحتراز عن الجزع عند الناس .
3- غيبة النعماني : 203 ح 4 و 5، عنه البحار : 164/68 ح16.

59- تهذيب النفس وتحليتها لمن يريد أن يكون من أصحاب القائم

الأمر التاسع والخمسون : تهذيب النفس من الصفات الخبيثة وتحليتها بالأخلاق الحميدة

وهذا الأمر واجب في كلّ زمان، لكنّ تخصيصه بالذكر في وظائف زمن غيبة وليّ العصر عجّل اللّه تعالی فرجه لأجل أنّ درك فضيلة صحبته والكون في جملة أصحابه منوط بذلك،

1533- لما رواه النعماني (رحمة اللّه علیه): بإسناده عن الصادق علیه السلام أنّه قال : .

من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم علیه السلام بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة .(1)

أقول: في هذا الحديث دلالة على اشتراط الفوز بثواب الإنتظار بملازمة الورع و محاسن الأخلاق، وقد مرّ في ما مضى ما يؤيّده .

60- الاتفاق والاجتماع على نصرته

الأمر المكمّل للستّين: الإتفاق والإجتماع على نصرته

فإنّ في الإجتماع تأثيراً لا يكون في الإنفراد وإن كانت النصرة وظيفة لكلّ من الأفراد، قال اللّه عزّ وجلّ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)(2) الآية، فإنّ الإمام هو حبل اللّه المتين بين عباده في كلّ زمان من الأزمنة ، والإعتصام به لا يحصل إلّا بموالاته ونصرته.

1534- وقال أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه : أيّها الناس، لو لم تخاذلوا عن نصر الحقّ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقو من قوى علیكم، لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل، ولعمري ليضعَّفنّ لكم التيه من بعدي أضعافاً بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم، إلخ .(3)

ص: 347


1- غيبة النعماني : 200 ضمن ح16، عنه البحار : 140/52 ح50.
2- آل عمران: 103.
3- نهج البلاغة : 241 خطبة 166 .

1535- وفي التوقيع الرفيع الصادر إلى الشيخ المفيد رحمه اللّه تعالى من الناحية المقدّسة : ولو أنّ أشياعنا وفّقهم اللّه لطاعته، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، إلخ.(1)

61- الاتفاق على التوبة الواقعيّة، وردّ الحقوق إلى أصحابها

الأمر الواحد والستّون : الإتّفاق على التوبة الواقعيّة، وردّ الحقوق إلى أصحابها

إذ قد تقدّم سابقاً، أنّ من أسباب طول غيبة الإمام عليه وعلى آبائه التحيّة والسلام، ما يراه من آثام الأنام، كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في التوقيع المشار إليه بعد العبارة المذكورة : فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتّصل بنا ممّا نكرهه، ولا نؤثره منهم، واللّه المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

62 و 63- مداومة ذكره علیه السلام والعمل بآدابه وذكر درجات الذاكرین له

الأمر الثاني والستون، والثالث والستّون : مداومة ذكره، والعمل بآدابه

بيان ذلك ، أنّه لا ريب بدلالة الاخبار الكثيرة القطعيّة المرويّة عنهم علیهم السلام في أنّ الإمام علیه السلام ناظر إلينا، وشاهد علينا، ومطّلع على حالاتنا، في حركاتنا وسكناتنا، فأنت في كلّ حال وفي كلّ مكان نصب عينيه ، فإنّه عين اللّه الناظرة، وأُذنه السامعة، فإذا علمت ذلك، وأيقنت أنّك نصب عينه، وحذاء وجهه، لا جرم جعلته نصب عينك، ونظرت إليه بعين قلبك، بل كونه نصب عينك لازم كونك نصب عينه، وغير متوقّف على جعلك،

وهذا ظاهر لا يخفى لمن لا تكون عين قلبه عمياء، (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )(2) وإذا علمت أنّه نصب عينك ، فلا جرم كان همّك في رعاية آدابه، ومراقبة الأدب، والإتيان بما هو وظيفتك بالنسبة إليه ،

ص: 348


1- الاحتجاج: 2/ 324، عنه البحار : 177/53 ح8.
2- الحجّ: 46.

بحسب مراتب معرفتك، وإن لم تره بعين رأسك.

مثال ذلك: أنّه لو حضر رجل أعمى في مجلس السلطان، وقام بين يديه ، لرعي جميع الآداب الّتي ينبغي رعايتها بحضرة السلطان، كما يرعاها المبصرون، الناظرون إليه، القائمون بين يديه، مع أنّ الأعمى لا يراه، ولا يمكنه النظر إليه، وليس ذلك إلّا بسبب علمه بكونه نصب عين السلطان، وكون السلطان نصب عينه وإن كان لا يبصره بعينه ، وهذا حال المؤمن في زمان غيبة الإمام علیه السلام عن أعين الأنام، لأنّه لأجل إيمانه ويقينه يعلم علماً قطعياً بأنّه في جميع أحواله نصب لعين إمامه، فإمامه نصب لعينه، وإن كان لا يراه بعينه ، فيجعل همّه في رعاية آدابه، ومراقبة وظائفه بالنسبة إلى جنابه .

1536- وتبيّن ذلك كلّه في كلام مولانا أمير المؤمنين في حديث رواه رئیس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب إكمال الدين: بإسناده عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام عن آبائه، عن عليّ علیه السلام ، قال - في خطبة له على منبر الكوفة -: اللّهمّ إنّه لا بدّ لأرضك من حجّةٍ لك على خلقك، يهديهم إلى دينك، يعلّمهم علمك لئلّا تبطل حجّتك، ولا يضلّ أتباع أُولئك بعد إذ هديتهم، إمّا ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم مترقّب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإنّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون .(1)

أقول: هذا الحديث مشهور مرويّ عنه علیه السلام في الكافي، والنعماني، وغيرهما بتفاوت يسير (2)، وفي هذا الكلام المبارك فنون من العلم، والمعرفة، والتنبيه والتذكرة، فعليك بالتأمّل التامّ، ليتّضح لك المرام إن شاء اللّه تعالی.

تذكرة وإرشاد للطالب المرتاد:

إعلم أنّ المؤمنين في ذكر مولاهم علیه السلام بمقتضی تفاوت درجات إيمانهم

ص: 349


1- كمال الدين : 302/1 ح 11.
2- الكافي : 1/ 339ح13، غيبة النعماني : 136 ح2، عنه البحار ؛ 54/23 ح 116.

و مراتب معرفتهم ويقينهم على درجات متفاوتة، ومراتب مختلفة :

فمنهم من يكون حاله في ذكر مولاه كما قال الشاعر :

اللّه يعلم أنّي لست أذكركم *** فكيف أذكركم إذ لست أنساكم

أو كما قيل :

أما والّذي لو شاء لم يخلق النوى *** لئن غبت عن عيني فماغبت عن قلبي

فهو غير غافل عن مولاه، ولا ذاهل عمّا ينبغي مراعاته من آدابه في جميع أوقاته وحالاته، فهنيئاً لهؤلاء القوم، ثم هنيئاً لهم على ما أُوتوا من الحكمة ، ورزقوا من العلم والعمل والمعرفة، أسأل اللّه تعالى أن يجعلني منهم بمنّه

وجُوده وكرمه ، فإنّي كما قال الشاعر :

أُحبّ الصالحين ولست منهم *** لعلّ اللّه يرزقني صلاحاً

غير أنّي أذكر نبذاً ممّا ينبغي تذكّره، تذكرة لنفسي ولغيري من المؤمنين بحسب ما عرفته ببركة مولاي صلوات اللّه عليه،

فاعلم أنّه يجب أن تستيقن أنّك بمرأى ومسمع من مولاك علیه السلام يرى مكانك، ويعرف أحوالك، فإن كنت ممّن يواظب على مراعاة الآداب الّتي ينبغي لك مراعاتها بالنسبة إليه نلت بذلك كمال محبته لك، ونظره إليك .

وإن كنت من أهل الغفلة والإعراض عنه، فوا أسفاً عليك،

قال اللّه عز وجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى)(1) فأيّ ضنك وضيق أشدّ من ظلمة الغفلة والجهالة أم أيّ حسرة أعظم من العمى في يوم القيامة؟! أم أيّ فزع أفجع وأفظع من تلك الندامة ، يالها من مصيبة ما أعظمها وأفجعها، فالبدار البدار في استخلاص نفسك وفكاك رقبتك، وهذا لا يحصل لك إلّا بذكر مولاك، ليأخذ بيدك في أولاك

ص: 350


1- طه : 126-124.

وأُخراك، فإنّ اللّه تبارك وتعالى شأنه يقول : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)(1)

فكن وفّقك اللّه تعالی ممّن يذكر إمامه ليذكره.

فإذا أصبحت فاعلم أنّ حياتك الّتي أعطاك اللّه ببركته فاشكره، واشكر اللّه على نعمته، وراقب نفسك لئلّا تصرف هذه النعمة في غير مرضاته، فتكون لك نكالاً وعليك وبالاً، فإن عرضت لك معصية فتذكّر أنّ مولاك يراك في هذه الحالة القبيحة والهيئة المنكرة فاتركها إجلالاً له، وإن عرضت لك حسنة فاستبق إليها، واعلم أنّها نعمة إلهيّة، أنعم اللّه تعالى عليك ببركة مولاك، فاشكر اللّه على ذلك، واجعلها هديّة إلى مولاك، وصاحب زمانك، وقل بلسان حالك، ومقالك : (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)(2)

وكن في جميع أحوالك خاضعاً خاشعاً، كالعبد الذليل الواقف بين يدي مولاه الجليل، وسلّم عليه كلّ صباح ومساء، سلام عبدٍ شائق للقائه، متألّم بفراقه، سلام مخلص يجري دموعه على خدّيه ، موقن بأنّه واقف بين يديه.

وإذا حان وقت صلاتك فتذكّر حال مولاك حين وقوفه بين يدي اللّه جلّ جلاله وتأسّ به في إحضار قلبك، وخشوع أطرافك، وغمض العين عمّا سوى اللّه تعالى، واعلم أنّ توفيقك لها ليس إلّا ببركة مولاك، وأنّها لاتقبل منك إلّا بموالاته ومعرفته، وكلّما ازددت موالاة له، ومعرفة به وانقياداً لأمره، زادك اللّه تعالى درجة وأجراً وكرامةً وفخراً، وإذا فرغت من صلاتك فاجعله وسيلة إلى اللّه عزّ وجلّ، وشفيعاً في قبولها منك، وابدأ بالدعاء له قبل الدعاء لكلّ أحد، لعظمة حقّه عليك وكثرة إحسانه إليك.

وإذا عرضت لك حاجة، أو دهتك شديدة فأعرضها عليه، وتضرّع إليه ليشفع إلى اللّه تعالى في كشفها عنك، فإنّه الوسيلة إلى اللّه عزّ وجلّ، والباب

ص: 351


1- الاسراء : 71.
2- يوسف: 88.

الّذي يؤتي منه، وقد قال اللّه عزّ شأنه : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)(1).

ويشهد لذلك أخبار كثيرة، وقد ألمّ بي في بعض ما مضى من الأعوام أمرٌ مهمّ، شغل قلبي وأطال فكري، وسلبني بعض لبّي،

فرأيت في بعض الليالي في المنام جدّي من طرف أُمّي، وكان من السادات الصلحاء رضي اللّه تعالی عنه فرأيته في بستان من أحسن ما يوصف من البساتين، على ما كان يتمنّاه في زمان حياته، وهو في احسن حال وأجمل هيئة، فسلّمت عليه فأجابني، ووقع بيننا مكالمات : منها : أنّي قلت له:

أُدع اللّه عزّ وجلّ في المهمّ الفلانيّ ليكفنيه، ويكشف عنّي همّه، فقال (رحمة اللّه علیه) بالفارسيّة ما معناه بالعربيّة : إنّا لا ندعوا لشيءٍ فوق دعاء إمام الزمان، فكلّما وقع أمر عرضناه عليه فإن أذن وأمضى دعونا لإصلاح ذلك، وإلّا فلا، إلخ.

فقد تبيّن أنّه المفزع والمرجع في جميع الأُمور فوظيفتك الرجوع إليه، والاستغاثة والإستشفاع به، فاجعله شفيعاً إلى اللّه عزّ وجلّ ليدعو لك، ويجعلك في همّه، فإنّ من وظائف الإمام ومراحمه في كلّ زمان بمقتضى ما ورد من الأخبار الدعاء للمؤمنين، كما أنّ من وظائف المؤمنين في كلّ زمان الدعاء لإمامهم، كما بيّنّا لك في هذا الكتاب، بدلائل العقل والنقل.

وإذا عرضك غفلة أو نسيان عن ذكره علیه السلام في بعض الأحيان - كما هو الغالب في غالب أهل الزمان - فاعلم أنّه لمّة الشيطان، فابتهل وتضرّع إلى اللّه جلّ شأنه في صرف كيده عنك، واستغفر اللّه تعالى، وتب إليه توبةً نصوحاً، ليكفّر عنك سيّئاتك، ويوفّقك لذكر مولاك في كلّ حال، إنّه جلّ ثناؤه لما يشاء فعّال، وعليك بإمعان النظر، وإجالته فيما ذكرناه ، ونذكره من وظائفك وآدابك لمولاك، أسأل اللّه تعالى أن يوفّقنا وإيّاك للعلم والعمل، ويعصمنا من الخطأ والزلل، إنّه قريب مجيب.

ص: 352


1- البقرة : 189.

64- طلب من الله تعالی دوام ذكرك إيّاه علیه السلام وعدم نسيانه

الأمر الرابع والستّون : أنّ تسال اللّه عزّ وجلّ ليحفظك من نسيان ذكره

والدليل على ذلك مضافاً إلى ما بيّنّا لك آنفاً من أنّ اللّه عزّ وجلّ جعل لك بالنسبة إليه وظائف، وآداباً لا تتأتّي منك إلّا بدوام ذكره:

1537- ما ورد عنه علیه السلام في الدعاء المرويّ عن الشيخ العمريّ رضي اللّه تعالی عنه في حديث عال صحیح مرويّ، في اكمال الدين، وهو قوله:

ولا تنسنا ذكره (إلخ)(1) فتدبّر كيف جعل ذلك من الأدعية المهمّة، الّتي أمر بها الشيعة في تلك المكالمات الشريفة، فلا تغفل عن ذلك، وتضرّع إلى اللّه تعالی في كلّ حين، لا سيّما مواقع الإستجابة، لئلّا تبتلي بنسيان ذكره علیه السلام ولاتؤخّر الدعاء إلى حين الإبتلاء، فإنّه قد ورد في الروايات المأثورة عنهم في آداب الدعاء : أن يبادر المؤمن بالدعاء قبل نزول البلاء

وأسال اللّه عزّ وجلّ أن يعصمك ويحفظك من الذنوب، الّتي تورث الإبتلاء بنسيان ذكر إمامك فإنّ هذا من أشدّ النقم واعظمها.

1538- وقد ورد في بعض ما روي عنهم من الدعوات:

«اللّهمّ اغفر لي الذنوب الّتي تنزل النقم» ولا ريب أنّ نسيان ذكر الإمام والغفلة عنه علیه السلام نقمة شديدة، تترتّب عليها نقمات الدنيا والآخرة .(2)

65- خشوعك ببدنك له علیه السلام

الأمر الخامس والستّون : أن يكون بدنك خاشعة له

1539- والدليل على ذلك : ما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في جمال الأُسبوع بإسناده عن محمّد بن سنان، عن الصادق علیه السلام في دعاء يوم الجمعة، وقد ذكرناه في كتاب أبواب الجنات في آداب الجمعات :

ص: 353


1- كمال الدين : 513/2 ضمن ح43.
2- مصباح المتهجّد: 187 .

اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بقلب خاضع، وإلى وليّك ببدن خاشع، وإلى الأئمّة الراشدين بفؤاد متواضع ... إلخ .(1)

فقد دلّ على حصول التقرّب إلى اللّه عزّ وجلّ بخشوع البدن لوليّه علیه السلام ، والمراد بالوليّ هنا بقرينة ذكر الأئمّة، وبقرينة التعبير بهذا اللفظ عن مولانا الحجّة علیه السلام في عدة من الدعوات والروايات الشريفة : هو الإمام المنتظر علیه السلام .

وإن قلت : يحتمل أن يكون المراد بالوليّ إمام كلّ زمان، أو المؤمن الكامل، قلنا: وإن كان هذا الإحتمال بعيداً لكن يثبت المقصود علی كلا هذين التقديرين أيضاً، لأنّ المؤمن الكامل الحقيقي منحصر فيه ، كما لا يخفى .

والمراد بخشوع البدن على ما يستفاد من التأمّل في كتب اللغة و موارد الإستعمال، ويستأنس به المتتبّع المتدبّر في الآيات والأخبار : أن تستعمل جوارحك في خدمة مولاك، وإقامة أمره وأنت مسكين متذلّل، تعرف عظمته

واستعلاءه عليك، وترى في نفسك التذلّل له، ووجوب حقّه وإطاعته عليك، على ما هو حال العبد بالنسبة إلى مولاه.

فإنّ العبد العارف بمعنى العبوديّة والمولويّة يعلم أنّ من لوازم عبدیّته استعمال جوارحه في خدمة مولاه وإطاعته وهو في ذلك لا يتصوّر أنّ له منّة أو يداً على مولاه، بل يعلم أنّه لو تهاون في خدمته أو إطاعة أوامره كان مقصّراً، ولو استطال عليه أو استنكف كان عند العقلاء مذموماً مطروداً،

فإذا كان هذا حال العبد الّذي اشتراه أحد من الناس بدراهم معدودة، وكان لذلك المولى عليه هذا المقدار من الحقّ والمولويّة، فكيف حال المولى الّذي جعل اللّه تعالى له المولويّة التامّة؟ وقد أفصح عنه في كتابه العزيز بقوله تعالی : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(2) وجعل هذا المقام بعد النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم للإمام علیه السلام ومن كان من أهل التتبّع والتدبّر في أخبار فضلهم ومآثرهم لا يرتاب في شيء ممّا

ص: 354


1- أبواب الجنّات : 212.
2- الأحزاب : 6.

ذكرناه، ولو ذكرناها لطال الكتاب، وفيما ذكرناه عبرة وكفاية لأولي الألباب .

هر كس كه زشهر آشنائی است *** داند كه متاع ما كجائی است

66- ایثارك هواه علیه السلام على هواك

الأمر السادس والستون : أن تؤثر هواه علیه السلام على هواك

بأن تفكّر في كلّ أمر يرد عليك، وتريد الإقدام عليه، هل هو موافق لرضاه ، أو مخالف له ، فإن كان موافقاً لرضاه، أتيت به وأقدمت عليه، لا لهوى نفسك، بل لموافقته لرضاه، وإن كان مخالفاً لرضاه تركته وخالفت هوى نفسك، طلباً لمرضاته سلام اللّه عليه فإذا كنت كذلك كنت محبوباً له، محموداً على لسانه وعلى ألسنة آبائه الأئمّة البررة سلام اللّه عليهم أجمعين .

1540- ويشهد لما ذكرنا ما رواه الفاضل المحدّث النوري (رحمة اللّه علیه) في كتاب نفس الرحمان عن أمالي الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) : بإسناده عن منصور بزرج(1) قال :

قلت لأبي عبداللّه الصادق علیه السلام : ما أكثر ما أسمع منك ياسيّدي ذكر سلمان الفارسيّ؟ فقال علیه السلام : لاتقل سلمان الفارسيّ، ولكن قل : سلمان المحمّدي، أتدري ما كثرة ذكري له؟ قلت: لا، قال علیه السلام : لثلاث خصال(2) :

إحداها : إيثاره هوى أمير المؤمنين علیه السلام على هوى نفسه .

والثانية : حبّه للفقراء، واختياره إيّاهم على أهل الثروة والعدد .

والثالثة : حبّ العلم والعلماء ، إنّ سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً ، وما كان من المشركين .(3)

أقول: تأمّل في هذه الصفات وما يترتّب عليها من الآثار الحسنة، ومن

ص: 355


1- أقول هو منصور بن يونس، وبزرج معرّب بزرگ، والمحكيّ عن الشيخ والكشّي كونه واقفيّاً جحد النصّ على الرضا علیه السلام ، ولكن رواية الأجلّاء عنه كابن أبي عمير وغيره ممّا يشهد بوثاقته ، ولذا عدّه بعض أهل الرجال من الثقات، واللّه تعالى هو العالم (لمؤلّفه عني اللّه عنه) .
2- خلال، خ.
3- أمالي الطوسي : 133 ح 27، عنه نفس الرحمان : ص 41.

جملتها محبّة الأئمة علیهم السلام لصاحبها، ومدحهم وتمجيدهم له، واعمل بهذا الحديث الشريف حتّى تفوز بسعادة الدارين، وفّقنا اللّه وإيّاكم يا إخواني المؤمنين، إنّه قريب مجيب . (يأتي ص 484 رؤيا ما يناسب لهذا الباب)

67 - تعظيم من يتقرّب به وينتسب إليه بقرابة جسمانيّة أو روحانيّة

الأمر السابع والستّون : تعظيم من يتقرّب به، وينتسب إليه

بقرابة جسمانيّه أو روحانيّة، كالسادة العلويّة، والعلماء الدينيّة، والإخوة الإيمانيّة، فإنّ توقيرهم وتبجيلهم تعظیم وتوقیر له سلام اللّه عليه وهذا أمر مشاهد بالوجدان نراه من معاشرة العقلاء وآدابهم، فقد جرى ديدنهم على توقیر أبناء العظماء وإخوانهم ومن يتقرّب بهم وينتسب إليهم، تعظيماً لهؤلاء، وتفاوت مراتب تعظيمهم وتوقيرهم بحسب تفاوت مراتب المنتسبين، ويرون التعظيم والتوقير لهم تعظيماً وتوقيراً لهؤلاء العظماء، ويرون ترك التعظيم والتوقير لهم استخفافاً بشأن هؤلاء وهذا ممّا لايرتاب فيه احد من العقلاء، وقد دلّ ائمّتنا الطاهرين علیهم السلام على هذا الأمر في عدّة أحاديث مرويّة عنهم ، وقد ذكرنا بعضها في الأمر الواحد والثلاثين، والسابع والثلاثين، والثامن والأربعين وغيرها،

هذا مضافاً إلى ما ستسمع في الأمر الثامن والستّين، فإنّه يدلّ على هذا الأمر أيضاً فحوىً أو منطوقاً، فعليك بالرجوع، والتدبّر، والمراقبة على تعظيم المنسوبين إليه من السادات والعلماء والمؤمنين، وتوقيرهم وتبجيلهم على حسب شؤونهم ومراتبهم في العلم والتقوى والورع، وما يوجب الزلفي والتقرّب والتحبّب إلى مولاك صلوات اللّه عليه لكي تفوز بقربه، وتسعد بحبّه، أسال اللّه تعالی أن يوفّقني وجميع المحبّين بمنّه وكرمه.

68- تعظيم مواقفه و مشاهده كمسجد السهلة وسرداب الغيبة، و مسجد جمكران

اشارة

الأمر الثامن والستّون : تعظيم مواقفه و مشاهده

كمسجد السهلة والمسجد الأعظم بالكوفة، والسرداب المبارك بسامر

ص: 356

ومسجد جمكران، وغيرها، من المواضع الّتي رآه فيها بعض الصالحين، أو ورد في الروايات وقوفه فيها كالمسجد الحرام، وتعظیم سائر ما يختصّ به وينتسب إليه، كأسمائه والقابه ، وكلماته وتوقيعاته، وملابسه، والكتب المذكورة فيها أحواله، وما يتعلّق به ، ونحو ذلك.

والكلام أوّلاً في استحباب ذلك ورجحانه،

وثانياً : في بيان كيفيّة تعظيم تلك المشاهد وما يحصل التعظیم به .

أمّا المقام الأوّل : فنقول - وباللّه التوفيق -: إنّ الّذي يدلّ عليه أو يؤيّده أمور :

منها: قوله عزّ وجلّ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(1)

وتقرير ذلك من وجهين :

أحدهما : أنّ المراد بشعائر اللّه تعالى بحسب ما استفدناه من التدبّر في الآيات والروايات وملاحظة معنى الشعار والاشعار، وتتبّع موارد الاستعمال : كلّ شيء له انتساب خاصّ وإضافة خاصّة إلى اللّه عزّ وجلّ، سواء كان بلا

واسطة ام بواسطة، بحيث يعدّ تعظيمه تعظيماً لله، وتوهينه وتحقيره توهیناً وتحقيراً لله عزّ وجلّ، بحسب الشرع والعرف، كأسمائه وكتبه وأنبيائه وملائكته ومساجده وأوليائه وأهل الإيمان به، والأزمنة المخصوصة الّتي أوجب احترامها والبيوت الّتي أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ومواقف أوليائه ومشاهدهم ومعابدهم، وأحكام اللّه تعالى من الفرائض، وغيرها، وحدوده، والحجّ ومناسكه، وأعماله، قال اللّه عزّ وجلّ: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)(2)

وفي هذه الآية دلالة على عدم انحصار الشعائر في البُدن - كما توهّمه بعض إلى غير ذلك من المصاديق الكثيرة الّتي يتعذّر أو يتحسّر إحصاؤها،

ولا يخفى أنّ مواقف الائمّة ومشاهدهم ومعابدهم وملابسهم وذراريهم من تلك المصادیق، فإنّها منتسبة إلى اللّه تعالی بالواسطة، أو بوسائط عديدة، ألا

ص: 357


1- الحجّ: 32، 36.
2- الحجّ: 32، 36.

ترى أنّ اللّه تعالى قد جعل البدن من شعائر اللّه، مع أنّها تساق إلى البيت الحرام، الّذي نسبه اللّه تعالى إليه، فأيّ فرق بينها وبين مشاهد الأئمّة علیهم السلام ومواقفهم، وذراريهم وما ينتسب إليهم،

فإنّهم حجج اللّه وبيّناته ، وهم أعزّ وأشرف من البيت الحرام.

1541- بل ورد في بعض الروايات : أنّ المؤمن أعزّ من الكعبة المشرّفة .(1)

ووجهه أنّ الإيمان باللّه تعالى أعزّ الأمور وأشرفها، ولهذا قال اللّه تعالی : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) في مقام بيان فضل تعظيم الشعائر ، تنبيهاً على أنّ تقوى القلوب أعظم الأُمور وأشرفها، وأنّها ممّا يستغني عن ذكر فضله وبيان علوّ مقامه وشرف منزلته عند اللّه عزّ وجلّ.

وبيان ذلك: أنّ اللّه تعالى بعد ما بيّن جملة من الأحكام في سورة الحجّ أمر بالتوحيد والإخلاص والتبرّي عن الشرك بقوله : (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ)(2)

ثمّ نبّه على نتيجة الإشراك وعاقبته بقوله : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)(3).

ثمّ نبه على علامة التوحيد والإيمان بقوله:

(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) تنبيهاً على أنّ علامة من خلص قلبه من الشرك، وتحلّى بزينة الإيمان واستنار بنور التوحيد، تعظیم شعائر اللّه ، وذلك لأنّ من أحبّ شيئاً أحبّ كلّما يختصّ به وينتسب إليه ، وهذا أمر مشاهد بالوجدان، مؤيّد بالعقل والنقل، فالمؤمن بسبب معرفته باللّه تعالى وحبّه له، يحبّ كلّ شيء يضاف وينتسب إليه تعالی، بخصوصيّة يمتاز بها عمّا سواه، ولهذا يتفاوت مراتب التعظيم والتوقير بتفاوت مراتب إيمان المؤمن وحبّه وإخلاصه لله عزّ وجلّ، وتفاوت مراتب الشيء المنتسب إلى اللّه تعالى في الخصوصيّات والأسباب الّتي أوجبت انتسابه إلى اللّه واختصاصه به .

ص: 358


1- مشكاة الأنوار : 78، عنه البحار : 71/67 ح 39.
2- الحجّ: 31.
3- الحجّ: 31.

فتحصّل ممّا ذكرناه أنّ كلّ ما كان له انتساب خاصّ إلى اللّه تعالى أوجب شرفاً له، وكان من جملة شعائر اللّه، وكان تعظيمه تعظیم شعائر اللّه ، سواء كان انتسابه بلا واسطة أو مع الواسطة، ومواقف الإمام و مشاهده من جملتها،

فهي نظير المساجد الّتي تنتسب إلى اللّه تعالى بسبب وضعها لعبادة اللّه عزّوجلّ لكنّ هذا لا يستلزم المشاركة مع المساجد في جميع الأحكام، لأنّ الأحكام الخاصّة التي وردت في الشرع لمكان خاصّ مخصوصة به، لا يتعدّى فيها إلى غيره إلّا بدليل خاصّ، نعم يشتركان في كلّ ما يعدّ في العرف تعظيماً وتوقيراً للمكان، وسيأتي بيان ذلك في المقام الثاني إن شاء اللّه .(1)

ثمّ إنّه لا ينافي ما ذكرناه في بيان معنى الشعائر لماذكره بعض من التفسير بدين اللّه كلّه، وبعض آخر بمعالم دين اللّه، وبعض آخر بالأعلام الّتي نصبها لطاعته ، وبعض بحرمات اللّه ، وبعض بمناسك الحجّ، وما سيأتي في قول أمير المؤمنین علیه السلام: «نحن الشعائر»،

لأنّ الظاهر من ملاحظة الأشباه والنظائر أنّ كلاً منها ذكر لبعض المصادیق أو أظهرها، والكلّ يرجع إلى ما ذكرنا وبيّنّاه بتأييد اللّه وبركة أوليائه .

1542 - الوجه الثاني : أنّه قد روي في مرآة الأنوار، عن أمير المؤمنين مرسلاً أنّه قال : «نحن الشعائر، والأصحاب»(2) ولا يخفى أنّ المراد بقوله : «نحن» إمّا رسول اللّه والأئمّة، أو الأئمّة، فإنّهم أعظم شعائر اللّه وأفضلها، ولا ريب في أنّ تعظيم ما ينتسب إليهم تعظيم لهم وهم شعائر اللّه، فتعظيم ما يختصّ بهم وينتسب إليهم تعظيم لهم وهم شعائر اللّه، وهذا واضح لاسترة فيه ،

فقد ظهر بحمد اللّه رجحان تعظیم وتوقير كلّ ما ينتسب إلى مولانا الحجّة ،وهكذا سائر الأئمّة ويضاف إليهم بإضافة خاصّة، من مواقفهم ومشاهدهم وضرائحهم، وخطوطهم وكتبهم، وملابسهم وأحاديثهم وكلماتهم وذراريهم

ص: 359


1- يأتي ص 371.
2- مرآة الأنوار : 198 .

وشيعتهم، وغير ذلك، واستحباب ذلك ممّا لا مجال للتأمّل فيه.

تنبیه وتحقيق في معنى قوله علیه السلام : «نحن الشعائر والأصحاب»

الأوّل : فضل هذا التعظيم لأنّه تعظیم شعائر الله عزّ وجلّ : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ) وقول عليّ علیه السلام «نحن الشعائر والأصحاب» مع ذكر وجوه أربعة فيه

إعلم أنّ هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : أن يكون إشارة إلى ما ورد في دعاء ليلة النصف من شعبان «أنّهم أصحاب الحشر والنشر».(1)

1543- وروي عنه علیه السلام في حديث محكيّ عن البصائر : أنا الحاشر إلى اللّه ، الخبر(2)، ومرّ في شفاعته في الباب الرابع حديث يدلّ على ذلك أيضاً(3)،

ولا استبعاد فيه لأنّهم محالّ مشيّة اللّه وأنّهم مناة وأذواد، كما ورد في دعاء رجب عن الحجّة علیه السلام(4)، وقد قال اللّه تعالی لعيسى : (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي)(5)

ولا شكّ أنّهم أفضل من عیسی و من إسرافيل وصاحب الصور، وقد صدر منهم إحياء الموتى بإذن اللّه في دار الدنيا كراراً، بحيث بلغ حدّ التواتر،

ولهذا المطلب مؤيّدات لايسع المقام ذكرها، ويحتمل أن يكون المراد بكونهم أصحاب الحشر والنشر في زمان الرجعة، واللّه العالم.

الوجه الثاني : أن يكون المراد بقوله «والأصحاب» أنّهم أصحاب السرّ والنجوی،

1544- ويؤيّده ما ورد في الروايات : أنّ اللّه تعالی ناجي عليّاً يوم الطائف ويوم خيبر ويوم حنين وتبوك ، وهي مذكورة في البرهان وكتب عديدة معتبرة .(6)

1545- ويؤيّده أيضاً: ما روي عنهم في البصائر وغيره: إنّ أمرنا سرّ في سرّ، وسرّ مستسرّ، وسرّ لا يفيد إلّا سرّ، وسرّ على سرّ، وسرّ مقنّع بسرّ.(7)

1546- وفي حديث آخر: إنّ أمرنا هو الحقّ وحقّ الحقّ، وهو الظاهر،

ص: 360


1- الاقبال : 3/ 330 س 14.
2- مختصر البصائر : 33.
3- تقدّم ج156/1 ح241.
4- الاقبال : 3/ 214 س14.
5- المائدة : 110.
6- بصائر الدرجات : 411 ح5، عنه البحار: 154/39 ح11، نور الثقلين : 4/ 373 ح 94.
7- بصائر الدرجات : 28 ح 1، عنه البحار : 71/2 ح 31.

وباطن الظاهر، وباطن الباطن، وهو السرّ، وسرّ السرّ، وسرّ المستسرّ، وسرّ مقنّع بالسرّ(1) وشرح هذا الكلام ممّا لا يتحمّله كثير من الأفهام،

1547- كما روي عنهم علیهم السلام في كثير من الروايات: إنّ حديثنا صعب مستصعب، لايحتمله إلّا ملك مقرّب، أونبيّ مرسل، أو مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان(2) فلهذا رأينا الإجمال أولى، وطوينا عنه كشحاً.

ويؤيّد ماذكرنا أيضاً ما ورد في أبواب علومهم أنّ منها النقر في الآذان، وفيه روايات عديدة معتبرة مذكورة في الكافي والبصائر، وغيرهما .(3)

1548- ومنه ما روي في البصائر في وصف الإمام وبعض شؤونه عن مولانا الباقر علیه السلام يسمع في بطن أُمّه، فإذا وصل إلى الأرض كان على منكبه الأيمن مكتوباً : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(4)

ثمّ يبعث أيضاً له عموداً من نور تحت بطنان العرش إلى الأرض، يرى فيه اعمال الخلائق كلّها، ثمّ يتشعّب له عموداً آخر من عند اللّه إلى أُذن الإمام، كلّما احتاج إلى مزيد أُفرغ فيه إفراغاً.(5)

1549- الوجه الثالث : أن يكون قوله علیه السلام «والأصحاب» إشارة إلى ما روي عنهم: لنا مع اللّه حالات: هو فيها نحن، ونحن هو، وهو هو، ونحن نحن.

1550- وفي الدعاء المرويّ في الإقبال عن صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه بتوسّط الشيخ الكبير أبي جعفر محمّد بن عثمان (رحمة اللّه علیه) لكلّ يوم من شهر رجب:

لا فرق بينك وبينهم إلّا أنّهم عبادك وخلقك، فتقها ورتقها بيدك، بدؤها منك، وعودها إليك . إلخ.(6)

ص: 361


1- بصائر الدرجات : 28 ح4 ، عنه البحار : 71/2 ح 33.
2- بصائر الدرجات : 28 ح9، عنه البحار : 2/ 183 ح1.
3- الكافي : 1/ 264 ح 1-3، بصائر الدرجات : 316.
4- الأنعام: 115.
5- بصائر الدرجات : 442 ح6، عنه البحار : 26/ 135 ح12.
6- الاقبال : 214/3 ، عنه البحار: 393/98 .

وهذه المرتبة أعلى المراتب ، وهي مرتبة لايمكن للممكن أعلى منها ، وهي مرتبة محمّد والأئمّة الطاهرين ويسمّى بعالم الهاهوت، أي هاهو، وهو عالم الوجه الأعلى من الفؤاد الّذي هو الطرف الأعلى من الحقيقة المحمّدية مع قطع النظر إلى ما تحته، وليس فوق هذا المقام مقام، إلّا عالم الأزل الأصليّ، أي عالم الذات البحت، الباري الّذي لا إسم له ولا رسم، وهو غيب الغيوب، وهو عالم الربوبيّة، وهو في العالم وليس في العالم، ليس في مكان ولا يخلو منه مكان، لا يجري عليه الزمان ، ولا يخلو منه زمان،

وإن شئت توضیح مقام الهاهوت فانظر إلى الحديدة المحماة ، كيف صارت بمصاحبة النار ناراً وليست بنار، فهي هي وليست هي، والنار نار، والحديدة المحماة حديدة ، فقوله : هو فيها نحن، ونحن هو، لظهور جميع آثار الواجب تعالى شأنه منهم وفيهم، وهو الواجب المنزّه عن شبه المخلوقين ، فهو هو، ونحن عبيد مربوبون محتاجون إليه، فنحن نحن .

1551- وممّا ذكرناه ظهر معنی ما روي عنه :

یا سلمان ، نزّلونا عن الربوبيّة وادفعوا عنّا حظوظ البشريّة ، فإنّا عنها مبعدون وعمّا يجوز عليكم منزّهون، ثمّ قولوا فينا ما شئتم (إلخ).(1)

1552۔ وقوله في زيارة أمير المؤمنين علیه السلام : السلام على نفس اللّه تعالی القائمة فيه بالسنن .(2)

1553- وفي زیارة أُخرى له : السلام على نفس اللّه العليا .

1554- وما روي في تأويل (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)(3)

أنّ المراد بنفس اللّه أمير المؤمنين .

1555- ومنه يظهر معنى قوله علیه السلام في خطبته: «ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليَّ الطير» إلخ .(4)

ص: 362


1- مشارق الأنوار : 69، عنه القطرة: 1/ 156 ح40.
2- البحار : 331/100 .
3- المائدة : 116.
4- نهج البلاغة : ص 48 الخطبة : 3.

1556- ومعنی ماروي عنهم : أنّ أحداً لا يقدر أن يصفهم، إلى غير ذلك،

ومن هنا يظهر أنّه لا استبعاد في كون أمير المؤمنین حاشراً إلى اللّه ومقلّب الأحوال كما في زيارته ، ولا تنافي بين كونه حاشراً ومحشوراً ومحشوراً إليه ، ومحاسباً و مجازياً، كما ورد في روايات عديدة في معنى قوله تعالی :

(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)(1) فارجع إلى الكافي والبرهان وغيرهما(2) وهذه الوجوه الثلاثة ممّا اختلج بالبال في معنى هذا الكلام الشريف .

والوجه الرابع : ما احتمله صديقنا المسمّى باسم خامس الأئمّة علیهم السلام (3)

وهو أن يكون المراد بقوله علیه السلام: «نحن الشعائر والأصحاب» هم الأئمّة علیهم السلام ويكون معنى قوله : «والأصحاب» إشارة إلى ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم :

أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتدیتم اهتديتم، يعني أنّ مراده صلی اللّه علیه وآله وسلم بالأصحاب هم الأئمّة الأطياب وشفعاء يوم الحساب، لا كلّ من صاحب النبيّ أيّاماً، واقترف في عمره آثاماً ، كما يزعمه العامّة العمياء، وقد ذكر صديقنا المذكور ورود حديث في تفسير قوله صلی اللّه علیه وآله وسلم : أصحابي كالنجوم بما ذكر، واللّه العالم.

1557- والحديث ما رواه الصدوق في معاني الأخبار : بإسناده عن إسحاق ابن عمّار، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :

ما وجدتم في كتاب اللّه عزّ وجلّ فالعمل لكم به لا عذر لكم في تركه ، ومالم يكن في كتاب اللّه عزّ وجلّ وكانت فيه سنّة منّي فلاعذر لكم في ترك سنّتي، وماليس لكم فيه سنّة منّي، فما قال أصحابي فقولوا به، فإنّما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم، بأيّها أُخذ اهتدي، وبأيّ أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة،

ص: 363


1- الغاشية : 26.
2- الكافي : 151/8 ، تأويل الآيات : 2/ 788ح 4، عنه البرهان : 646/5 ح9.
3- المراد منه الاغا میرزا محمّد باقر الأصفهاني كما صرّح باسمه في ج1/ 529 عند نقل رؤياه للامام المجتبی علیه السلام .

فقيل : یا رسول اللّه من أصحابك؟ قال علیه السلام : أهل بيتي .(1)

ولنرجع إلى أصل المطلب فنقول: وممّا يدلّ على ذلك :

1558- ما روي في رجال الكشّي، والبحار ، بإسناد صحيح عن سليمان بن جعفر، قال : قال لي عليّ بن عبیداللّه بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب علیه السلام (2): أشتهي أن أدخل على أبي الحسن الرضا علیه السلام أُسلّم عليه،

قلت: فما يمنعك من ذلك؟ قال: الإجلال والهيبة له، واتّقي عليه،

قال : فاعتلّ أبو الحسن علیه السلام علّة خفيفة، وقد عاده الناس فلقيت عليّ بن عبيداللّه، فقلت: قد جاءك ما تريد، قد اعتلّ أبو الحسن علیه السلام علّة خفيفة، وقد عاده الناس، فإن أردت الدخول عليه فاليوم،

قال : فجاء إلى أبي الحسن علیه السلام عائداً، فلقيه أبو الحسن بكلّ ما يحبّ من التكرمة والتعظيم، ففرح بذلك عليّ بن عبیداللّه فرحاً شديداً.

ثمّ مرض عليّ بن عبیداللّه فعاده أبو الحسن علیه السلام وأنا معه، فجلس حتّى خرج من كان في البيت، فلمّا خرجنا أخبرتني مولاة لنا، أنّ أمّ سلمة إمرأة عليّ ابن عبيداللّه كانت من وراء الستر تنظر إليه، فلمّا خرج علیه السلام خرجت، وانكبّت على الموضع الّذي كان أبو الحسن علیه السلام فيه جالساً، تقبّله وتتمسّح به،

قال سليمان : ثمّ دخلت على عليّ بن عبیداللّه فأخبرني بما فعلت أُمّ سلمة ، فخبّرت به أبا الحسن علیه السلام ، قال : يا سليمان، إنّ عليّ بن عبيداللّه وامرأته وولده من أهل الجنّة، يا سليمان، إنّ ولد عليّ وفاطمة علیهماالسلام إذا عرّفهم اللّه هذا الأمر لم يكونوا كالناس.(3)

أقول: الدليل على المطلوب تقريره علیه السلام لفعلها، ثمّ التمجيد والمدح

ص: 364


1- المعاني : 156 ح 1، عنه البحار: 307/22 ح 8.
2- لم يكن للإمام الحسين علیه السلام ولد ولا عقب من غير عليّ زين العابدین علیه السلام.
3- الكشّي : 593 ح 1109، عنه البحار: 49/ 222 ح 15.

لذلك بقوله : «إنّها من أهل الجنة»، وبقوله إنّ ولد عليّ وفاطمة (إلخ) يعني أنّ تقبيلها موضع جلوسه علیه السلام والتمسّح به من جهة معرفتها بحقّ الإمام وشانه بخلاف أكثر الناس.

ومنها : قوله عزّ وجلّ: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(1) بضميمة ما ورد في تفسيره وتبيين المراد منه،

1559- ففي غاية المرام والبرهان وغيرهما من كتب الأعيان بأسانيدهم المعتبرة من طرق العامّة والخاصّة : أنّ رسول اللّه قرأ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) الآية ، فقام إليه رجل، فقال : أيّ بيوت هذه یا رسول اللّه؟

قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر، فقال : يا رسول اللّه، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت عليّ وفاطمة علیهماالسلام ؟ قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : نعم، من أفضلها.(2)

1560- وعن عيسى بن داود ، عن موسی بن جعفر، عن أبيه علیهم السلام في قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) الآية.

قال : بيوت آل محمّد، بيت عليّ وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر صلوات اللّه عليهم أجمعين (إلخ).(3)

وفي هذا المعنی روایات عديدة تركناها اختصاراً.

وتقريب الإستدلال أنّ الأذن في هذا المقام، إمّا بمعنى الأمر كقوله تعالی : (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ)(4) أو بمعنى الإرادة كقوله تعالى : (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي)(5)

وعلى كلا التقديرين ينتج أنّ بيوت آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم بيوت يحبّ اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، ولو فرض كون الإذن بمعنى الإرادة التشريعيّة بقرينة قوله تعالی :

ص: 365


1- النور: 36.
2- غاية المرام : 268/3 ح6 ، تأويل الآيات: 362/1 ح8، عنه البحار : 325/23 ح 1.
3- غاية المرام : 269/3 ح8، تأويل الآيات: 363/1 ح 1، عنه البحار : 326/23 ح 4.
4- الأحزاب: 46.
5- المائدة : 110.

(وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ولا يجوز أن يكون الإذن هنا بمعنى الرخصة،

إذ لا ريب في رجحان ذكر اللّه واستحبابه، وإذا كان الإذن بمعنى الرخصة كان منافياً لذلك فتعيّن أن يكون الإذن بمعنى الأمر، فحاصل المعنى : «في بيوتٍ أمر اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه» لا شتراك المعطوف عليه في الحكم، ومعنی الرفع التعظيم والإحترام ، لا الرفع الحسيّ كما لا يخفى،

ولافرق في صدق البيوت بين ما يسكنه الشخص في بعض الأوقات و ما يسكنه في جميع الأوقات، بحسب الصدق العرفيّ، فكلّ ما يصدق عليه أنّه من بيوت آل محمّد علیهم السلام دخل في رجحان التعظيم والإحترام، نعم كلّ ما كان وقوفهم فيه واختصاصهم به أكثر وأتمّ، كان تعظيمه واحترامه أحسن وأهمّ.

وممّا يعضد ما ذكرناه واقعة شريفة نذكرها في المقام الثاني إن شاء اللّه تعالی وإن نازع مكابر غیر منصف، وجادل فقال : لا نسلّم صدق البيت على كلّ ما كان موقفاً للشخص في بعض الأحيان.

قلنا : أوّلاً : إنّ صدق ماقلناه مشاهد بالعيان .

وثانياً : لو لم تقبل ذلك حكمنا بتساويهما في ذلك بالفحوى، لأنّ الّذي صار سبباً لاحترام البيوت الّتي سكنها آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، إنتساب تلك البيوت إليهم لوقوفهم فيها، وهذا موجود في كلّ مقام كان انتسابه بوقوفهم فيه كما لا يخفى .

ومنها : قوله عزّ وجلّ : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)(1)

فإنّ التوصيف بالمقدّس مشعر برجحان التعظيم والإحترام في كلّ مكان مقدّس، وقد اشتهر أنّ التقييد بالوصف مشعر بالعليّة ، كما لا يخفى .

ومنها : ما دلّ على حسن تعظيم الإمام، ورجحان ماتيسّر له من التبجيل والإحترام، فإنّ من مصادیق تعظيمه وتكریمه تكریم ما ينتسب إليه، بسبب انتسابه إليه، وهذا أمر واضح لا غبار عليه، وهذا الوجه إنّما يدلّ على تعظیم

ص: 366


1- طه : 12.

مقاماته، وما ينتسب إليه بعنوان أنّه تعظيم الإمام وتكریمه، وتعظيمها بعنوان تعظیم شعائر اللّه عنوان آخر كما لا يخفى ، فلا اتّحاد ولا تكرار في ما بيّنّاه .

1561- ومنها : ما في كتب المزار كمصباح السيّد والبحار في آداب ورود مسجد الكوفة : فإذا أتيته فقف على الباب المعروف بباب الفيل، وقل :

السلام على سيّدنا رسول اللّه محمّد بن عبداللّه وآله الطاهرين، السلام على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ورحمة اللّه وبركاته، وعلى مجالسه و مشاهده ، ومقام حكمته ، وآثار آبائه آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل، إلخ.(1)

وجه الإستشهاد: أنّ السلام على مشاهده ومواقفه يدلّ على أنّ كلّ مكان كان مشهداً و موقفاً لهعلیه السلام يحصل له بذلك شرف ومزيّة يوجب التعظيم والإحترام، ولذلك يختصّ بالتحيّة والسلام.

وإذا ثبت ذلك لمواقف مولانا أمير المؤمنين علیه السلام و مشاهده ومجالسه، ثبت لمواقف مولانا الحجّة وسائر الائمّة البررة عليهم الصلاة والسلام، لاشتراكهم في تلك الفضائل وأمثالها، الّتي اختصهم اللّه عزّ وجلّ بها من بين خلقه كما لا يخفی.

ومن هنا يمكن أن يقال برجحان السلام والتحيّة لكلّ موقف ومشهد من مواقف الأئمّة ومشاهدهم، وإن لم يرد في كلّ واحد منها نصّ خاصّ، نظراً إلى ما ثبت من رجحان تعظیم مشاهدهم و مجالسهم، ودلالة ما نقلناه من التحيّة والسلام على مواقف أمير المؤمنين علیه السلام ومجالسه، على كون ذلك من أقسام التعظيم والإحترام، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

ومنها: ما دلّ على استحباب إظهار المحبّة لمن يحبّه المؤمن من أهل الإيمان، وكذا مادلّ على فضيلة التوادد والتحابب فإنّه غير المحبّة، لأنّ الحبّ

ص: 367


1- المزار الكبير : 161، ورواه السيّد في مصباح الزائر : 39، والشهيد في مزارة: 231، عنهما البحار : 409/100 .

والودّ أمر قلبيّ، وهو حقيقة الإيمان، والتوادد والتحابب إظهار الحبّ القلبي بوسيلة الأعمال، وهذا علامة الحبّ القلبيّ ومن ثمراته .

وإلى هذا ينظر ما ورد من الأمر بحبّ الأئمة علیهم السلام باليد واللسان، فإنّ معنی الحبّ باليد واللسان إظهار الحبّ القلبيّ بهما وبسائر الجوارح والاعمال والأموال وتخصيص اليد واللسان بالذكر، بملاحظة أنّ مايظهر من آثار الحبّ

كلاً اوجلاً، عملاً أو مالاً، إنّما يظهر بهما دون سائر الأعضاء، فباليد واللسان يبذل الأموال، ويوجد الأعمال، وينصر الإخوان، ويدفع عنهم أهل البغي والعدوان، وقس هكذا.

ومن جملة أقسام التوادد وإظهار المحبّة تعظيم ما ينتسب إلى المحبوب من مجالسه ومواقفه وألبسته وكتابته، وما يختصّ به وينتسب إليه، كما نرى من ملاحظة أحوال المحبّين وأعمالهم بالنسبة إلى حبيبهم كما قيل:

أمرّ على الديار دیار ليلى *** أُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

فما حبّ الدیار شغفن قلبي *** ولكن حبّ من سكن الديارا

ومنها قوله عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ)(1) إلخ، فإنّ ذلك تعظیم واحترام له صلی اللّه علیه وآله وسلم ولبيوته المنتسبة إليه، ومواقف الأئمّة ومشاهدهم ملحقة ببيوت النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم موضوعاً أو حكماً، وتقرير الاستدلال كما مرّ في الإستدلال بقوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) الآية .(2)

1562- ومنها: ما في مزار البحار وغيره عن الأزدي، قال :

خرجنا من المدينة نريد منزل أبي عبداللّه علیه السلام ، فلحقنا أبو بصير خارجاً من زقاق من أزقّة المدينة، وهو جنب، ونحن لا علم لنا حتّى دخلنا على أبي عبداللّه، فسلّمنا عليه، فرفع رأسه إلى أبي بصير، فقال : يا أبا بصير، أما تعلم أنّه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء ، فرجع أبو بصير، ودخلنا .(3)

ص: 368


1- الأحزاب : 53.
2- النور: 36.
3- قرب الاسناد: 43 ح140، عنه البحار : 255/27 ح 3 و 126/100 ح2، ورواه الصفّار في بصائر الدرجات: 261 ح 23.

أقول: وقد ورد في هذا المعنی روایات أخر أيضاً، وتخصيص المنع بصورة حضور الإمام في ذاك المكان ممنوع، لأنّ المورد لا يكون مخصّصاً، بل هو من افراد العامّ، مضافاً إلى أنّ عموم العامّ افراديّ، وصورة حضور الإمام حال من الأحوال، فلا يجوز تنزيل العامّ على تلك الحال فقط، ودعوی انصراف العامّ إلى حال حضور الإمام لو ادّعاه مدّع ممنوعة بالدليل، فتدبّر .

1563- ومنها : ما في البحار وغيره: عن عدّة من أصحابنا قال :

لمّا قبض أبو جعفر علیه السلام أمر أبو عبداللّه علیه السلام بالسراج في البيت الّذي كان يسكنه، حتّى قبض أبو عبداللّه علیه السلام ، ثمّ أمر أبو الحسن علیه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبداللّه علیه السلام حتّى خرج به إلى العراق ثمّ لا أدري ما كان .(1)

أقول: دلّ هذا الحديث على استحباب تعظيم مواقف الائمّة ومساكنهم، وعلى أن الإسراج فيها من أقسام التعظيم والإحترام، فبهذا يمكن أن يستدلّ لاستحباب الإسراج في كلّ مكان يكون تعظيمه مصداقاً لتعظيم شعائر اللّه بلا واسطة، أو مع الواسطة، وإن لم يكن في ذلك المكان من ينتفع بالسراج، لأنّ الإحترام لمن ينتسب إليه المكان، وتعظيمه يحصل بالإسراج في المكان المنسوب إليه عرفاً، وإن لم يكن فيه من ينتفع به، أو كان فيه سُرج متعدّدة بحيث لا يحتاج إلى الإسراج، لأنّ التعظيم والإحترام في نفسه غرض صحيح مرغوب إليه، والإنتفاع غرض آخر، فإذا اجتمع الغرضان ضوعف الأجر والثواب .

ومن هنا يتّجه القول باستحباب إيقاد السرج الكثيرة في المواضع الشريفة ، كالمساجد والمنابر، ومجالس تعزية الأئمّة، والمشاهد والمعابد، ومقابر العلماء والصالحين وأولاد الأئمّة الراشدين، وفي الأزمنة المنتسبة إليهم، كلیالي ولادتهم، وهذا أصل شريف يتفرّع عليه فروع كثيرة، وقد خفي على جمع ممّن يدّعي العلم والبصيرة.

ص: 369


1- الكافي : 251/3 ح5، عنه البحار : 7/47 ح22 و 100/ 132 ح18.

ومنها : فحوى ما دلّ على فضيلة الأرض الّتي دفن فيها الإمام وتجليلها، إذ لا ريب في أنّ تلك الفضيلة إنّما هي بواسطة كون الأرض موقفاً ومقرّاً لجسده الشريف بعد موته، وهذا السبب جار في كلّ مكان كان موقفاً، له في زمان حياته كما لايخفی.

ومنه فحوى ما دلّ على فضل ليلة ولادته عجّل اللّه تعالی فرجه، وما ورد في تعظيمها وتشريفها، لوضوح أنّ ذلك بسبب انتسابها إليه، لوقوع ولادته فيها، وهذا السبب أعني الإنتساب إليه موجود في مواقفه و مشاهده وسائر ما ينتسب إليه

وممّا يؤيّد جميع ما ذكرناه ويؤكّده أنّه لا ريب في تساوي جميع الامكنة والأراضي بحسب الخلقة الأصليّة، ولا فضل لبعضها على بعض، إلّا بسبب عروض شيء أوجب شرفه وفضله على غيره ، ولا شبهة في أنّ من أعظم الأسباب الموجبة لذلك أن يكون موقفاً لأحد من الأئمّة أو مدفناً له، ولا ريب أيضاً في أن لأبدانهم الشريفة آثاراً في كلّ ما له قابلية لظهور الآثار فيه.

ولهذا لم تؤثر النار في منديل مسح رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يده به إجلالاً له صلی اللّه علیه وآله وسلم ولا خفاء أيضاً في أنّ من تبرّك بذلك المنديل لانتسابه إليه صلی اللّه علیه وآله وسلم عدّ فعله في انظار المؤمنين تعظيماً لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وإن استشفى بالتمسّح به من بعض الأوجاع كان شفاءً له ألبتّة، كما أنّ من أساء الأدب إليه عدّ مسيئاً لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم

وهذا جار في كلّ شيء ينتسب إليه، أو إلى أحد من الأئمّة الطاهرين.

ومن المؤيّدات والمقرّبات للمطلب أيضاً، ما ظهر في بعض الأراضي من تأثير أيديهم علیهم السلام بحيث صار ذهباً أو فضّة، وفي بعض المياه بحيث انقلب یاقوتاً وزبرجداً، وأمثال ذلك كثيرة مذكورة في حالاتهم ومعجزاتهم،

وقد ورد اهتزاز الأرض بسبب أقدام الرمكة(1) الّتي ركبها جبرئيل علیه السلام يوم غرق فرعون، ولذلك قال السامري :

ص: 370


1- الرمك والرمكة - بالتحريك فيهما - الأنثى من البراذين .

(بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا) الآية .(1)

وفيما ذكرناه كفاية لاهل الدراية، واللّه تعالى وليّ التوفيق والهداية .

الثاني : بيان كيفيّة تعظيم تلك المواقف والمشاهد، وما به يعظّم

المقام الثاني : في بيان كيفيّة تعظيم تلك المواقف، والمشاهد، والإشارة إلى ما يحصل التعظيم به ، فنقول: الضابطة في ذلك، أنّ ما صدق عليه تعظيم تلك المواقف والمشاهد ودخل تحت عنوان التجليل والتوقير والتكريم لصاحبها، كان راجحاً محبوباً شرعاً، بالأدلّة الّتي ذكرناها وبيّنّاها في المقام الأوّل، سواء علمنا كون ذلك الأمر مصداقاً للتعظيم بحسب الشرع أم العرف.

فالأوّل: كالصلاة والذكر والدعاء ، فإنّ الآيات والأخبار الدالّة على استحباب صلاة التحتيّة، والذكر في المساجد يفهم منها حصول تعظيم المسجد بها وبأمثالها فتدلّ على استحبابها (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(2).

والثاني : كتزيينها وتقبيلها، والدخول فيها حافياً ونحوها، وظهر بما ذكرنا أنّه لو نذر شخص واحداً ممّا يصدق عليه تعظيم تلك المشاهد والمواقف، صحّ نذره، لثبوت رجحانه بما بيّنّاه لك، وحرم مخالفته، ووجب عليه الكفّارة إن تخلّف عنه، فلا مجال للتأمّل في انعقاد نذر الإسراج في مواقفهم، والمجالس المنتسبة إليهم وعند المنابر الّتي يذكر عليها مناقبهم ومصائبهم، ونحو ذلك ، كما صدر عن بعض الموسوسين أو القاصرين عن درجات التحصيل واللّه تعالی يقول الحقّ ، وهو يهدي السبيل ، إذا عرفت ذلك،

فلنذكر بعض أفراد التعظيم والتجليل، تذكرة لنفسي ولإخواني المؤمنين :

فمنها : عمارتها والبناء عليها، وتزيينها وتقبيلها، وبسط الفرش والإسراج فيها، وتعاهدها، والإختلاف إليها، والدخول فيها حافياً متطهّراً متطيّباً، مقدّماً للرجل اليمني بسكينة ووقار، والإشتغال بذكر اللّه تعالى وقراءة القرآن والدعاء والصلاة فيها، والسلام عليه وعلى آبائه وعلى مواقفه، والإحتراز عن تنجيسها،

ص: 371


1- طه : 96.
2- النور: 36.

وتطهيرها لو تنجّست، وكنسها، وأن لا يدخلها جنباً، ولا يدخل فيها نجساً ولا متنجّساً، ولا يبصق، ولا يتنخّع فيها، ولا يشتغل بأُمور الدنيا، ولا يتكلّم بها، ولا تدخلها المرأة حائضاً ولا نفساء، وأن لا يكشف فيه العورة، ولا يدخلها إذا كان في فيه رائحة بصل أو ثوم ونحوهما، ولا ينشد فيها الشعر، وأن يجتنب فيها المحرّمات والمكروهات، ويجتنب المزاح والضحك والعبث والجدال والمراء ورفع الصوت ونحوها، ممّا ينافي التعظيم والتوقير .

هذا ما حضرني من الأمور الّتي يحصل بها تعظيم تلك المواقف والمشاهد بحسب التأمّل والتدبّر في الأُمور العرفيّة، والآداب الواردة لتعظيم المساجد وغيرها، ولأنّها إنّما وردت بسبب كونها تعظيماً وتكريماً كما نبّهنا عليه، ولعلّك بالتأمّل والتتبّع تطّلع على أزيد ممّا ذكرناه وأشرنا إليه، وهاهنا فروع:

الأوّل: الظاهر نظراً إلى رواية أبي بصير السابقة كراهة الدخول والمكث في مواقفهم ومشاهدهم جنباً، وذهب بعض الفقهاء إلى الحرمة، تمسّكاً بروایات لا دلالة لها على مطلوبهم، وإلحاقاً بالمساجد، وهو قياس لا نقول به، وتعظيماً لها

وفيه تفصيل سنذكره في الفرع الآتي.

الثاني: لو فعل ماينافي التعظيم، فإن كان الفعل بمجرّده ممّا يحصل به الهتك كإدخال العذرة مثلاً فيها، كان حراماً بلا شبهة، وأمّا إن لم يكن كذلك فإن فعله بقصد التهتّك والإهانة كان حراماً أيضاً، وإلّا فلا.

الثالث : لو رأی من يفعل فيها ما ينافي التعظيم، فإن كان من القسم الأوّل أو الثاني وجب نهيه وردعه، وإن كان من القسم الثالث استحبّ نهيه.

الرابع : من سبق إلى مكان من تلك المواقف لاستيفاء المنفعة المقصودة المعدّة لها تلك المواقف والمشاهد كان أولی من غيره، وثبت له حقّ الأولويّة طول يومه أو ليلته ما لم يعرض عنه، سواء ارتحل عنه لحاجة ام لا وسواء بقي له رحل في ذلك الموضع أم لا، وسواء طال غيبته عنه أم لا.

ص: 372

1564- والدليل على ذلك صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزیع، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

قلت له : نكون بمكّة او بالمدينة ، أو بالحيرة، أو بالمواضع الّتي يرجى فيها الفضل، فربّما يخرج الرجل يتوضّأ ويجيء آخر فيصير مكانه،

قال علیه السلام : من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته .(1)

أقول: هذا الحديث وإن كان مرسلاً لكنّه مجبور بعمل الأصحاب (رحمة اللّه علیه) واعتمادهم عليه، وتایّده بالحديثين الآتيين،

مضافاً إلى كون المرسل من الأجلّاء والتعبير عن المرسل عنه ببعض أصحابه ، إذ فيه إشعار تامّ بالوثاقة ولا كذلك التعبير برجل ونحوه.

تنبيه :

1565- إحتمل بعض الأصحاب أن يكون الواو في الحديث المذكور بمعنی أو نظراً إلى رواية طلحة بن زيد، عن الصادق علیه السلام ، قال :

قال أمير المؤمنين علیه السلام : سوق المسلمین كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل .(2)

1566- وما روي مرسلاً عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم :

إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحقّ به إلى الليل .(3)

أقول: لا حاجة إلى جعل الواو بمعنى أو، بل الواو لبيان اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، كما هو الأصل في ذلك، وهذا ما يعبّر عنه الأُصوليّون بقولهم: الواو لمطلق الجمع، وفي هذا الحديث إن جعلنا مرجع الضمير السبق كان واضحاً، يعني من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يوم السبق، وكذلك إن جعلنا المرجع الشخص، فالمعنى أنّ من سبق إلى موضع فهو أحقّ به

ص: 373


1- الكافي : 546/4 ح 33، عنه الوسائل : 6/ 465 ح 1.
2- الكافي : 2/ 662ح7، عنه البحار : 36/83 س15.
3- البحار : 356/83 س20.

في اليوم الّذي سبق فيه إن كان السبق في اليوم، وفي الليلة الّتي سبق فيها إن كان ليلاً، فتدبّر حتّى يتّضح لك ما ذكرناه ،

وعلى ما ذكرناه لا تنافي بينه وبين الخبرين الآخرين، كما زعمه بعض فأوجب التكلّف للجمع بينهما ببعض الوجوه، واعلم أنّ كلمات القوم في هذه المسألة مختلفة، وأنا أُصنّف فيها تصنيفاً مفرداً إن شاء اللّه تعالی .

تذنيب:

1567- حكی العالم المحدّث النوري في جنّة المأوى، عن كتاب ریاض العلماء : أنّه رأيت في بعض المواضع نقلاً عن خطّ الشيخ زين الدين عليّ بن الحسن بن محمّد الخازن الحائري (رحمة اللّه علیه) تلميذ الشهيد (رحمة اللّه علیه) أنّه قد رأي ابن أبي جواد النعماني مولانا المهديّ علیه السلام، فقال له:

یا مولاي لك مقام بالنعمانيّة ومقام بالحلّة فأين تكون فيهما؟ فقال علیه السلام له:

أكون بالنعمانيّة ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلّة، ولكن أهل الحلّة ما يتأدّبون في مقامي،

وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلّم عليَّ وعلى الأئمّة علیهم السلام وصلّى عليَّ وعليهم اثني عشر مرّة،

ثمّ صلّى ركعتين بسورتین وناجي اللّه بهما المناجاة، إلّا أعطاه اللّه تعالی ما يسأله، أحدها المغفرة.

فقلت : يا مولاي علّمني ذلك ، فقال علیه السلام : قل:

اللّهمّ قد أخذ التأديب منّي حتّى مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين، وإن كان ما اقترفته من الذنوب أستحقّ به أضعاف ما أدّبتني به، وأنت حلیم، ذو أناة ، تعفو عن كثير ، حتّى يسبق عفوك ورحمتك عذابك،

وكرّرها علىَّ ثلاثاً حتّى فهمتها .(1)

ص: 374


1- البحار : 53/ص270 حكاية 34، عن جنّة المأوی .

69 و 70- ترك التوقيت وتكذيب الموقّتين، وفيه التنبيه على أُمور :

اشارة

الأمر التاسع والستون والمتمّم للسبعين : ترك التوقيت وتكذيب الموقّتين

إعلم وفّقك اللّه وإيّانا أنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت إخفاء وقت ظهور صاحب الأمر عن عباده، قبل ظهوره، لأُمور خفيت علينا، ويستفاد من أخبار الأئمّة الأطهار علیهم السلام بعضها - وسنشير إليه إن شاء اللّه تعالى - لأنّ العلم بذلك من أسرار اللّه الّتي سترها عن خلقه، كما ورد في الدعاء المرويّ عنه على يد الشيخ العمري (رحمة اللّه علیه) : وأنت العالم غير معلّم بالوقت الّذي فيه صلاح أمر وليّك في الإذن له بإظهار أمره، وكشف ستره، فصبّرني على ذلك حتّى لا أُحبّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت، ولا أكشف عمّا سترت ولا أبحث عمّا كتمت، ولا أُنازعك في تدبيرك ... إلى آخر الدعاء ،(1) وقد ذكرناه في الباب السابع.

1568- وفي كتاب الحسين بن حمدان : بإسناده عن المفضّل قال : سألت سيّدي أبا عبداللّه علیه السلام: هل للمأمول المنتظر المهديّ علیه السلام ، من وقت موقّت تعلّمه الناس؟ فقال علیه السلام : حاش اللّه أن يوقّت له وقتاً، [أو يوقّت له شیعتنا]

قال: قلت: يا مولاي ولم ذلك؟

قال : أنّه هو الساعة الّتي قال اللّه تعالی :

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)(2)

وقوله : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(3) ولم يقل عند أحد دونه. وقوله : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ)(4)

وقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)(5) وقوله : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ

ص: 375


1- الصحيفة الرضويّة الجامعة : 321 دعاء 29.
2- الأعراف: 187.
3- الزخرف: 85.
4- محمّد : 18.
5- القمر : 1.

قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)(1)

قلت : يا مولاي! ما معنى يمارون في الساعة؟

قال : يقولون متى ولد، ومن رآه، واین هو، وأين يكون، ومتى يظهر؟ كلّ ذلك استعجالاً لأمر اللّه، وشكّاً في قضائه وقدرته، وأُولئك الّذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة، وإنّ للكافرين لشرّ مآب.

قال المفضّل: قلت: يا مولاي، فلا يوقّت له وقتاً؟

قال : يا مفضّل، لا توقّت فإنّ من وقّت لمهديّنا وقتاً فقد شارك اللّه في علمه وادّعى أنّه أظهره [اللّه تعالى] على سرّه ، إنتهى موضع الحاجة والحديث طويل .(2)

1569- وفي النعماني : بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال :

قال أبو عبداللّه علیه السلام : يا محمّد من أخبرك عنّا توقيتاً بوقت فلاتهابنّ أن تكذّبه، فإنّا لا نوقّت لاحد وقتاً.(3)

1570- وعن أبي بكر الحضرمي قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول:

إنّا لا نوقّت هذا الأمر.(4)

1571- وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك ، متى خروج القائم علیه السلام ؟ فقال علیه السلام:

يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقد قال محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم : كذب الوقّاتون،

يا أبا محمّد، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات :

أُولاهنّ النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراسانيّ، وقتل النفس الزكيّة، وخسف بالبيداء .

ثمّ قال: يا أبا محمّد، إنّه لا بدّ أن يكون قدّام ذلك الطاعونان : الطاعون

ص: 376


1- الشوری : 17 و 18.
2- الهداية الكبرى : 392، عنه البحار : 1/53.
3- غيبة النعماني : 289 ح 3، 5، عنه البحار : 117/52 ح 41، 118 ح 47.
4- غيبة النعماني : 289 ح 3، 5، عنه البحار : 117/52 ح 41، 118 ح 47.

الأبيض، والطاعون الأحمر، قلت: جعلت فداك وأيّ شيءٍ هما؟

فقال علیه السلام : أمّا الطاعون الأبيض فالموت الجارف(1) وأمّا الطاعون الأحمر فالسيف، ولا يخرج القائم علیه السلام حتّى ينادي باسمه من جوف السماء، في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة،

قلت: بم بنادی؟ قال : باسمه واسم أبيه، «ألا إنّ فلان بن فلان قائم آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم فاسمعوا له وأطيعوه»، فلا يبقى شيء من خلق اللّه فيه الروح إلّا سمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم ممّا يسمع، وهي صيحة جبرئیل علیه السلام .(2)

1572- وفي الكافي، والنعماني : بإسنادهما أنّ مهزم قال للصادق علیه السلام :

جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الّذي ننتظره متى هو؟

فقال : يا مهزم، كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون .(3)

1573- وبإسنادهما عن أبي بصير، قال : سالته - يعني أبا عبداللّه - عن القائم علیه السلام ، فقال : كذب الوقّاتون، إنّا أهل بيت لا نوقّت.

1574- وزاد النعماني (رحمة اللّه علیه) في آخره:

ابى اللّه إلّا أن يخلف وقت الموقّتين .(4)

1575- وعن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :

قلت له : لهذا الأمر وقت؟ فقال : كذب الوقّانون ، كذب الوقّاتون .(5)

ص: 377


1- أي العامّ، وفي البحار : الجاذف، وقال : معناه الموت السريع.
2- غيبة النعماني : 289 ح6، عنه البحار : 119/52 ح48.
3- الكافي : 368/1 ح 2، عنه الوافي : 426/2 ح 2، وغيبة النعماني : 294 ح 11، ورواه الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) في الغيبة : 426ح413، عنه البحار : 103/52 ح7 .
4- الكافي : 368/1 ح3، عنه الوافي : 427/2 ح 3، وغيبة النعماني : 294 ح 12، عنه البحار :117/52 ح 44.
5- غيبة النعماني : 294 ح13، عنه البحار : 118/52 ح 45.

1576- وفي الكافي : عن أحمد، بإسناده قال : قال :

أبي اللّه إلّا أن يخالف وقت الموقّتين. (1)

1577- وفيه : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

سألته عن القائم علیه السلام ، فقال : كذب الوقّاتون، إنّا أهل بيت لا نوقّت. (2)

1578- وفي غيبة الشيخ الطوسي: بإسناده عن الفضل بن شاذان، بإسناده عن الفضيل، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام هل لهذا الأمر وقت؟

فقال : كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون.(2)

1579- وبإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

كذب الموقّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل .(3)

1580- وبإسناده عن عبدالرحمان بن كثير قال :

كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه مهزم الأسديّ، فقال : أخبرني جعلت فداك ، متى هذا الأمر الّذي تنتظرونه فقد طال؟

فقال علیه السلام : يامهزم، كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون، وإلينا يصيرون.(4)

1581- وبإسناده الصحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

من وقّت لك من الناس شيئاً فلا تهابن أن تكذّبه ، فلسنا نوقّت لأحد وقتاً.(5)

1582- وفي الإحتجاج للشيخ الطبرسي (رحمة اللّه علیه): عن محمّد بن يعقوب الكلينيّ، عن إسحاق بن يعقوب، قال : سألت محمّد بن عثمان العمريّ (رحمة اللّه علیه) أن يوصل لي كتاباً، قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ،

فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان علیه السلام - إلى أن قال:۔

ص: 378


1- الكافي: 368/1 ح4، 3، عنه الوافي : 427/2 ح4، 3.
2- غيبة الطوسي : 425 ح 411، عنه البحار: 103/52 ح 5 .
3- غيبة الطوسي : 426ح 412 - 414، عنه البحار : 103/52 ح 706 وص104ح8.
4- غيبة الطوسي : 426ح 412 - 414، عنه البحار : 103/52 ح 706 وص104ح8.
5- غيبة الطوسي : 426ح 412 - 414، عنه البحار : 103/52 ح 706 وص104ح8.

وأمّا ظهور الفرج، فإنّه إلى اللّه عزّ وجلّ، وكذب الوقّاتون ... إلخ.(1)

1583- ورواه الشيخ الطوسيّ (رحمة اللّه علیه): عن جماعة من مشايخه، عن جعفر بن محمّد بن قولویه، وأبي غالب الزراري، وغيرهما، عن محمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه)، عن إسحاق بن يعقوب، (مثله).(2)

أقول: إسحاق بن يعقوب لم أر توثيقه فيما عندي من كتب الرجال، لكن يكفي في وثاقته وجلالته رواية الكليني عنه معتمداً عليه،

مضافاً إلى قرائن أُخر كما لا يخفى على الفطن البصير ، فتدبّر .

تبيين : قد ظهر من جميع ما تلوناه عليك أنّ من الوظائف المهمّة ترك التوقيت، وتكذيب من وقّت ظهور حجّة الزمان كائناً من كان،

وينبغي التنبيه على أُمور:

الأوّل : أنّ نفي التوقيت لا ينافي الأخبار الموهمة

1584- أحدها: أنّه قد يتوهّم التنافي بين ما ذكر ومارواه المشايخ الثلاثة (رحمة اللّه علیه) بأسانيدهم عن أبي حمزة الثماليّ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام :

إنّ عليّاً علیه السلام كان يقول : إلى السبعين بلاء، وكان يقول : بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء، فقال أبو جعفر علیه السلام :

یا ثابت، إنّ اللّه تعالی كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلمّا قتل الحسين علیه السلام اشتدّ غضب اللّه على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السرّ فأخّره اللّه ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(3)

قال أبو حمزة : وقلت ذلك لأبي عبداللّه علیه السلام ، فقال : قد كان ذاك .(4)

ص: 379


1- الاحتجاج: 281/2 ، عنه البحار : 111/52 ح19.
2- غيبة الطوسي : 291 ح 247.
3- الرعد: 39.
4- غيبة الطوسي : 428ح417، عنه البحار : 114/4 ح 39، والمستدرك : 24/12 ح 39، ورواه الكليني في الكافي : 368/1 ح 1، عنه النعماني : 393 ح10.

1585- وروى الشيخ: بإسناده عن الفضل بن شاذان، بإسناده عن أبي بصير ، قال : قلت له : ألهذا الأمر أمد يريح أبداننا، وننتهي إليه؟ قال : بلی، ولكنّكم أذعتم فزاد اللّه فيه .(1)

1586- وبإسناده عن الصادق علیه السلام قال:

كان هذا الأمر فيَّ فاخّره اللّه تعالى، ويفعل بعد في ذرّيّتي ما يشاء .(2)

1587- وروى النعماني : بإسناده عن إسحاق بن عمّار الصيرفيّ قال :

سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: قد كان لهذا الأمر وقت، وكان في سنة أربعين ومائة فحدّثتهم به، وأذعتموه، فأخّره اللّه عزّوجلّ .(3)

1588- وفيه: في حديث آخر، عنه قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام:

يا أبا إسحاق، إنّ هذا الأمر قد أُخّر مرّتين .(4)

بقول مصنّف هذا الكتاب ، المعتصم بحبل اللّه المتين ولاية الأئمّة الطاهرين محمّد تقي الموسوي الإصفهانيّ عفي عنه :

لا تنافي بين هذه الأحاديث وما سبق، إذ لا صراحة ولا ظهور في هذه الأحاديث يكون المراد بهذا الأمر ظهور الإمام الثاني عشر عجّل اللّه تعالی فرجه بل لا يمكن أن يكون المراد به ظهوره علیه السلام ، لأنّ السبعين واربعين ومائة كانتا قبل ولادته وهكذا الحديث الثالث نصّ على ما ذكرناه .

فالمراد به استيلاء الأئمّة و وظهور دولة الحقّ، وغلبة المؤمنین علی المخالفين، وهذا غير مقيّد بظهوره علیه السلام بحسب هذه الروايات،

وليست منافية لترتيب الإمامة وكون عددهم إثني عشر.

والظاهر من هذه الأحاديث : أنّ ظهور دولة الحقّ وغلبة الأئمّة وشيعتهم،

ص: 380


1- غيبة الطوسي: 431 ح ٤22 ، عنه البحار : 113/4 ح38 و 105/52 ح10، والمستدرك : 300/12
2- غيبة الطوسي : 428 ح418، عنه البحار : 114/4 ح40 و 106/52 ح 12.
3- غيبة النعماني : 292 ح 8 و 9، عنه البحار : 117/52 ح 42 و 43.
4- غيبة النعماني : 292 ح 8 و 9، عنه البحار : 117/52 ح 42 و 43.

واستيلاءهم على أهل الباطل، وبسطهم العدل في الدنيا، كانت مقدّرة في السبعين بشرط اتّفاق الناس على نصرة الحسين علیه السلام فإنّ ذلك كان تكليفاً على عامّتهم، كما ورد في احادیث سنذكر بعضها إن شاء اللّه تعالى،

فلمّا فسقوا عن أمر ربّهم، وقعدوا عن نصرة وليّهم، اشتدّ غضب اللّه تعالی عليهم، فأخّر نجاتهم واستخلاصهم من أيدي أعدائهم، وبسط العدل فيهم، إلى أربعين ومائة سنة، وهذا يوافق زمن الصادق علیه السلام كما صرّح به في الرواية الثالثة .

فلمّا خالف الشيعة أمر الأئمّة في كتمان أسرارهم، وأذاعوا ما أُمروا بكتمانه وستره، وكان هذا كفراناً لما أنعم اللّه به عليهم، جازاهم اللّه تعالی بتأخير نجاتهم وخلاصهم كما نطق به الحديث قال اللّه عزّ وجلّ:

(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ).(1)

وأمّا الأحاديث الّتي وعدنا ذكرها:

1589- فمنها : ما في عاشر البحار من كتاب النوادر لعليّ بن أسباط : عن ثعلبة بن میمون، عن الحسن بن زیاد العطّار، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)(2)

قال علیه السلام: نزلت في الحسن بن عليّ علیهماالسلام أمره اللّه بالكفّ، قال :

قلت: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ)(3)، قال علیه السلام : نزلت في الحسين بن عليّ علیهماالسلام كتب اللّه عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه.

أقول: هؤلاء الثلاثة كلهم ثقات أُمناء إماميّون كما نصّ عليه علماء الفنّ

فالحديث في غاية الصحّة، وفي معناه روایات عديدة تركنا ذكرها اختصاراً .

وقد ظهر بما بيّنّا أنّه لا وجه لحمل الاخبار السابقة على كون النهي عن التوقيت على سبيل الحتم والصراحة، أو على تخصيص النهي بغير الائمّه، كما ارتكبه بعض العلماء، لأنّك قد عرفت عدم دلالة الأخبار الخمسة المذكورة على

ص: 381


1- سبأ: 17.
2- النساء: 77.
3- البقرة : 246.

توقيت زمان ظهور مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه أصلاً،

بل لا دلالة في الحديث الثاني والثالث على بيان وقت الفرج أيضاً، إذ لا يظهر منهما إلّا كون الأئمّة عالمين بوقته، إلّا أنّهم أعلموا غيرهم بذلك، هذا ، مضافاً إلى أنّ التوجيه الّذي ذكره ذلك البعض مخالف لصريح قولهم علیهم السلام:

إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقولهم: ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل وقولهم: لسنا نوقّت لأحد وقتاً، وغير ذلك، فالروايات السابقة على صحّتها وصراحتها لا معارض لها حتّى نحتاج إلى توجيهها وتأويلها.

1590- فإن قلت: قد يعارضها وينافيها ما في البحار، والبرهان، من العيّاشي: عن أبي لبيد المخزومي، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : يا أبا لبيد، إنّ في حروف القرآن المقطّعة لعلماً جمّاً، إنّ اللّه تعالى أنزل: (الم * «ذَلِكَ الْكِتَابُ)(1)

فقام محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم حتّى ظهر نوره، وثبتت كلمته، وولد يوم ولد، وقد مضى من الألف السابع مائة سنة وثلاث سنين . ثمّ قال :

وتبيانه في كتاب اللّه في الحروف المقطّعة، إذا عددتها من غير تكرار وليس من حروف مقطّعة حرف ينقضي إلّا وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه ،

ثمّ قال : الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فذلك مائة وإحدى وستّون، ثمّ كان بدو خروج الحسين بن عليّ علیهماالسلام (الم * اللّه)(2) فلمّا بلغت مدّته قام قائم ولد العبّاس عند «المص» ويقوم قائمنا عند

انقضائها ب «الر» فافهم ذلك وعه واكتمه .(3)

1591- وفي البحار، وشرح الأربعين للمجلسيّ الثاني من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان تلميذ الشهيد (رحمة اللّه علیه) قال : روي أنّه وجد بخطّ مولانا أبي محمّد العسكريّ علیه السلام ماصورته: قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوّة والولاية - وساقه

ص: 382


1- البقرة : 1، 2.
2- آل عمران: 1، 2.
3- العياشي: 2/ 136 ح 3، عنه البرهان : 518/2 ح6، والبحار : 106/52 ح 13 و 383/93 ح23

إلى أن قال :- وسيسفر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران، لتمام «الم»، «وطه»، « والطواسين» من السنين، إنتهی .(1)

قلت : إنّ هاتين الروايتين قاصرتان عن معارضة ما قدّمنا من الروايات سنداً ودلالة، لأنّ الرواية الأُولى مرسلة إلى خثيمة بن عبدالرحمان الراوي، عن أبي لبيد، وخثيمة غير مذكور في الرجال، وأبو لبيد لم يتعرّضوا له بمدح أو قدح، فالرواية ضعيفة سنداً لا يعتمد عليها .

والثانية : مضافاً إلى كونها مرسلة وجادةً، لا روايةً، وهما مع ذلك كلّه من متشابهات الأخبار، فيردّ علمها إليهم علیهم السلام هذا مضافاً إلى أنّ الثانية لم يذكر فيها ظهور القائم علیه السلام أصلاً ، واللّه العالم بالمراد من ظهور ينابيع الحيوان .

والأُولى لا صراحة فيها بأنّ المراد بقائمنا هو مولانا صاحب الزمان ، لإطلاق القائم في جملة من الروايات على من يقوم بأمر الحقّ أو يقوم لنصرتهم، كما لا يخفى على المتتبّع في رواياتهم سلام اللّه عليهم أجمعين .

1592- ومن جملة تلك الروايات ما رواه الشيخ النعمانيّ (رحمة اللّه علیه) : بإسناده عن الصادق علیه السلام : أنّ أمير المؤمنین صلوات اللّه عليه حدّث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم عجّل اللّه فرجه ،

فقال الحسين علیه السلام : يا أمير المؤمنین، متى يطهّر اللّه الأرض من الظالمين؟

فقال أمير المؤمنين علیه السلام : لا يطهّر اللّه الأرض من الظالمين حتّى يسفك الدم الحرام، ثمّ ذكر أمر بني أُميّة وبني العبّاس - في حديث طويل - ثمّ قال : إذا قام القائم بخراسان وغلب على أرض كوفان(2) والملّتان، وجاز جزیرة بني كاوان، وقام منّا قائم بجيلان، وأجابته الآبر والديلم، وظهرت لولدي رايات

ص: 383


1- رواه المجلسي (رحمة اللّه علیه) في البحار: 264/26 ح 50 و 121/52 ح50 عن كتاب المحتضر، وفي ج78/ 378 عن الدرّة الباهرة : ص 43، وأورده المستنبط (رحمة اللّه علیه) في كتابه «القطرة»: 1/ 444 ح499، وله بیان .
2- كرمان، خ.

الترك(1) متفرّقات في الأقطار والجنّات(2) وكانوا بین هنات وهنات،

إذا خربت البصرة وقام أمير الأمراء بمصر، فحكي علیه السلام حكاية طويلة .

ثمّ قال : إذا جهّزت الأُلوف، وصفّت الصفوف، وقتل الكبش الخروف، هناك يقوم الآخر، ويثور الثائر، ويهلك الكافر،

ثمّ يقوم القائم المأمول، والإمام المجهول له الشرف والفضل، وهو من ولدك يا حسين لا ابن مثله يظهر بين الركنين في دريسين باليين، يظهر على الثقلين ولا يترك في الأرض الأدنين،

طوبى لمن أدرك زمانه، ولحق أوانه، وشهد أيّامه، إنتهی .(3)

الثاني : أنّ العلم بوقت ظهوره علیه السلام من أسرار الله، وذكر أسباب خفائه ، الفقهاء مراجع الدين في زمان الغيبة، لا لتعيين وقت الظهور

الأمر الثاني : قد ظهر من جميع ما قدّمناه أنّ العلم بوقت ظهور مولانا صاحب الأمر علیه السلام من أسرار اللّه، الّتي سترها عن خلقه، ولم يظهرها لهم، وهو العالم بوجه ذلك ورسوله وحججه علیه السلام ،

لكنّ الّذي استفدناه من كلماتهم وجوه :

أحدها : أنّ العباد لا يقدرون على تحمّله والصبر على كتمانه،

وهذا الوجه يستفاد من روايتي أبي حمزة وأبي بصير السابقتين .

وبيان ذلك : أنّ المؤمنين على طبقات مختلفة :

فمنهم: من لا يقدر على تحمّل الأسرار لضعف إيمانه، فهو لا يحتمل العلم بها، بل لو ذكر له بعض الأسرار سبق إلى قلبه بعض الشكوك والشبهات، بسبب عدم طاقته ، وضعف إيمانه.

1593- كما ورد في بيان مراتب الإيمان : أنّه لو حمل على صاحب الإثنين الثلاثة، لانكسر كما تنكسر البيضة على الصفا.(4)

ص: 384


1- الأتراك، خ.
2- الحرامات، خ.
3- غيبة النعماني : 274 ح55، عنه البحار: 235/52 ح 104.
4- الكافي : 44/2 ح2، عنه البحار : 165/69 ح4.

1594- وورد: لو علم ابو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله، إلى غير ذلك .(1)

ومنهم: من يكون إيمانه قويّاً ويقينه ثابتاً، ويقدر على احتمال بعض الأسرار، ولا يدخله خلل في ذلك، لكن لا طاقة له بالصبر على طول الزمان، فلو عيّن له الوقت من أوّل الأمر، وقيل له: إنّ الحجّة علیه السلام يظهر مثلاً إلى الف

سنة، لمات حزناً على طول المدّة، أو عرضه المرض والشدّة،

فالمصلحة في إخفاء الوقت عن هذا أيضاً.

ومنهم : من يكون اقوى منه، ولكن لا صبر له على كتمانه، فإذا أُخبر بالسرّ أذاعه وأفشاه، فالمصلحة في إخفاء السرّ عنه أيضاً،

ولعلّه ينظر إلى ما ذكرناه بتأييد اللّه تعالى وبركة أوليائه علیهم السلام :

1595۔ ما روي في البصائر : باسناده عن أبي الصامت قال :

سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: إنّ من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا عبد مؤمن، قلت: فمن يحتمله؟ قال علیه السلام: نحن نحتمله .(2)

1596- وفيه : في حديث آخر، عنه علیه السلام قال :

إنّ حديثنا صعب مستصعب شريف كریم ذكوان زكيّ، وعر، لا يحتمله ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مؤمن ممتحن،

قلت: فمن يحتمله جعلت فداك؟ قال علیه السلام: من شئنا، يا أبا الصامت،

قال أبو الصامت: فظننت أنّ لله عباداً هم أفضل من هؤلاء الثلاثة .(3)

1597- وفي الكافي: عن بعض أصحابنا، قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر علیه السلام : جعلت فداك، ما معنى قول الصادق علیه السلام :

« حديثنا (صعب مستصعب)، لا يحتمله ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان، فجاء الجواب : إنّما معنى قول الصادق علیه السلام «أي

ص: 385


1- الكافي : 401/1 ح2، عنه البحار : 243/22 ح53، والوافي : 646/3 ح2.
2- بصائر الدرجات : 23 ح 11، 22ح10، عنه البحار: 193/2 ح 36، 34.
3- بصائر الدرجات : 23 ح 11، 22ح10، عنه البحار: 193/2 ح 36، 34.

لا يحتمله ملك ولا نبيّ ولا مؤمن إنّ الملك لا يحتمله حتّى يخرجه إلى ملك غيره، والنبيّ لا يحتمله حتّى يخرجه إلى نبيّ غيره، والمؤمن لا يحتمله حتّى يخرجه إلى مؤمن غيره، فهذا معنى قول جدّي علیه السلام .(1)

الوجه الثاني : أنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت أن يكون المؤمنون في جميع الأزمان منتظرين لظهور مولانا صاحب الزمان علیه السلام كما يرشد إليه قوله تعالی :

(فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(2).

ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة، الّتي قدّمناها في بحث الإنتظار، فلو علموا وقت ظهوره انتقض الغرض، ويئسوا عن ظهوره قبل بلوغ الأمد وحضور الوقت المعيّن، وفي ذلك تفويت لمصالح عديدة، فستر عنهم وقت ظهوره فبل حضور وقته ، رعاية لتلك المصالح.

1598- وهذا الوجه يستفاد ممّا روي في الكافي، وغيره من كتب الأخبار، عن عليّ بن يقطين، قال : قال أبو الحسن علیه السلام : الشيعة تربّي بالأمانيّ منذ مائة سنة ، قال : وقال يقطين لابنه عليّ: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟

قال : فقال له عليّ : إنّ الّذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد، غير أنّ أمركم حضر فأُعطيتم محضه، فكان كما قيل لكم، وإنّ أمرنا لم يحضر، فعلّلنا بالأمانيّ، فلو قيل لنا: إنّ هذا الأمر لا يكون إلّا إلى مائة سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجع عامّة الناس عن الإسلام،

ولكن قالوا ما أسرعه ، وما أقربه! تألّفاً لقلوب الناس، وتقريباً للفرج .(3)

تبيين : الّذي يقوى في نفسي لمعنى قوله علیه السلام : « إنّ الشيعة تربّي بالامانيّ منذ مائة سنة» أنّه لمّا عظم المصاب بشهادة الحسين علیه السلام واشتدّ جزع الأحباب لذلك، كان الأئمّة علیهم السلام يمنّونهم ويسلّونهم بظهور الفرج بظهور القائم عجّل اللّه

ص: 386


1- الكافي: 401/1 ح4، عنه الوافي : 3/ 645 ح4.
2- الأعراف: 71.
3- الكافي : 1/ 369 ح6، عنه الوافي : 2/ 428 ح6.

تعالی فرجه وكانت المدّة بين قتل مولانا المظلوم إلى إمامة القائم علیه السلام مائتي سنة،

وقيل في معناه وجوه لا تخلو عن بعد وتكلّف، واللّه تعالى هو العالم ويحتمل أن يكون ابتداء المدّة المذكورة من زمن البعثة، فتكون إلى وقت صدور هذا الحديث قريباً من مائتين .

قال بعض أصحابنا : ويمكن تأییده بأنّ المؤمنين كانوا من أوّل زمان البعثة في المحنة والشدّة، وكذا بعد وفاة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم وفي زمان أمير المؤمنین والحسن علیهماالسلام وكلّ منهم كانوا يسلّون شيعتهم بظهور الفرج، وسلطنة القائم علیه السلام ، واللّه العالم.

الوجه الثالث : في سرّ إخفاء العلم بوقت الظهور عن الناس، أنّه لمّا كان أحد الحِكم المقتضية للغيبة تمحيص الناس وامتحانهم، اقتضت هذه الحكمة إخفاء العلم بوقت ظهور الحجّة علیه السلام عنهم، وإلّالم يتمّ التمحيص والإمتحان لكثير ممّن يظهر الإيمان حتّى يتبيّن المستعجلون عن غيرهم،

وهذا الوجه يستفاد من الأخبار الكثيرة الّتي علّل فيها غيبة القائم بذلك،

وقد ذكرنا بعضها في هذا الكتاب، ومنها:

1599۔ ما في النعمانيّ: عن عبداللّه بن أبي يعفور، عن الصادق علیه السلام قال : قلت : جعلت فداك ، كم مع القائم علیه السلام من العرب؟

قال علیه السلام : شيء يسير ، فقلت : واللّه، إن من يصف هذا الأمر منهم الكثير ،

فقال علیه السلام : لا بدّ للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا، ويخرج من الغربال خلق كثير(1).

وفي حديث آخر عن أبي بصير مثله .(2)

1600- وفيه : عن الحسن (3) بن عليّ قال :

ص: 387


1- غيبة النعماني : 204 ح 7 و6، عنه البحار : 114/52 ح 31 وص348 ح98 .
2- غيبة النعماني : 204 ح 7 و6، عنه البحار : 114/52 ح 31 وص348 ح98 .
3- الحسین، خ.

لا يكون الأمر الّذي تنتظرونه حتّى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، فيشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً،

فقيل له : ما في ذلك الزمان من خير؟

قال علیه السلام : الخير كلّه في ذلك الزمان، يقوم قائمنا، ويدفع ذلك كلّه .(1)

1601- وفي حديث آخر ، عن أمير المؤمنين علیه السلام قال لمالك بن ضمرة : كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا - وشبّك اصابعه، وأدخل بعضها في بعض .

قال الراوي: فقلت: يا أمير المؤمنین، ما عند ذلك من خير؟

قال : الخير كلّه عند ذلك، يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا علیه السلام ، الخبر.(2)

1602- و عن الصادق علیه السلام قال :

واللّه لتكسّرنّ تكسّر الزجاج، وإنّ الزجاج ليعاد فيعود، واللّه لتكسّرنّ تكسّر الفخّار، وإنّ الفخّار ليتكسّر ولايعود كما كان، وواللّه لتغربلنّ، وواللّه لتميّزنّ، وواللّه لتمحّصنّ حتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ، وصعّر كفّه(3). (4)

1603- و عن موسی بن جعفر علیهماالسلام : أما واللّه، يا أبا إسحاق مایكون ذلك حتّى تميّزوا وتمحّصوا، وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ.(5)

1604- وعن الرضا علیه السلام: واللّه لايكون ماتمدّون إليه أعينكم حتّى تمحّصوا وتميّزوا، وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأندر فالأندر .(6)

1605- و عن الباقر علیه السلام قال : هيهات هيهات لا يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تمحّصوا، ولا يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تميّزوا، ولا

ص: 388


1- غيبة النعماني : 205 ح9، عنه البحار : 114/52 ح 33.
2- غيبة النعماني : 206 ح 11، عنه البحار : 115/52 ح34.
3- أي أمالها تهاوناً بالناس.
4- غيبة النعماني : 207ح13، ورواه الطوسي (رحمة اللّه علیه) في الغيبة : 340 ح 289 باختلاف في آخره، عنه البحار : 101/52 ح3.
5- غيبة النعماني : 208 ح 14، 15، عنه البحار : 113/52 ح29، 114 ح30.
6- غيبة النعماني : 208 ح 14، 15، عنه البحار : 113/52 ح29، 114 ح30.

يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تغربلوا، واللّه لا يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم إلّا بعد إياس، ولا يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى يشقی من شقي، ويسعد من سعد.(1)

وروي مثله عن محمّد بن يعقوب بإسناده(2).

وفيما ذكرناه غني وكفاية لاهل الهداية والدراية .

الوجه الرابع: أنّ ذلك تفضّل كامل وعناية خاصّة على أهل الإيمان الموجودين في زمان غيبة صاحب الزمان، وبيان ذلك:

أنّ الظاهر من الروايات كما مرّ سابقاً أنّ وقت ظهور الفرج من الأُمور البدائيّة، الّتي يمكن تقدّمها وتأخّرها بسبب بعض المصالح والحكم، وتحقّق بعض الشرائط او عدمها من الأمور الخفيّة عن العباد، فلو أخبرهم الأئمّة علیهم السلام بوقت ثمّ تأخّر لاجل بعض الأسباب والحكم ارتاب كثير من الخلق، لكون ذلك خلفاً لميعاد اللّه تعالى شأنه في أنظارهم، أو تطرّق الشكوك والشبهات في قلوبهم.

1606- وإلى هذا الوجه اشار مولانا ابو جعفر الباقر علیه السلام في الحديث المرويّ في الكافي وغيره، عن فضيل بن يسار، قال: قلت: لهذا الامر وقت؟

فقال علیه السلام: كذب الوقاتّون، كذب الوقاتّون، كذب الوقاتّون،

إنّ موسى علیه السلام لمّا خرج وافداً إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوماً، فلمّا زاده اللّه على الثلاثين عشراً، قال قومه: قد أخلفنا موسی، فصنعوا ماصنعوا، فإذا حدّثناكم الحديث فجاء على ما حدّثناكم به، فقولوا: صدق اللّه، وإذا حدّثناكم

ص: 389


1- غيبة النعماني: 208 ح16، عنه البحار : 112/52 ذح٣٣، ورواه الشيخ (رحمة اللّه علیه) في الغيبة : 335ح281، عن الصادق علیه السلام ، عنه البحار: 112/52 ح 23، ورواه الصدوق (رحمة اللّه علیه) في كمال الدين :3٤6/2 ح 32 باختلاف يسير ، عنه البحار : 111/52 ح20.
2- الكافي : 370/1 ح6، عنه الوافي : 2/ 433 ح 3.

الحديث فجاء على خلاف ماحدّثناكم به فقولوا: صدق اللّه، تؤجروا مرّتين .(1)

أقول : يحتمل أن يكونوا مأجورين مرّتين، مرّة لإيمانهم، وأُخرى لصبرهم وتحمّل غير ذلك، واللّه العالم.

تنبيه : المراد بالبداء ظهور تقدیر شيء على العباد بعد خفائه عنهم، لحكم إلهيّة ومصالح ربّانيّة، وهو عالم بما يخفي وما يبدو، وقد اشتبه معنى البداء على العامّة، فأنكروه، زعماً منهم لزوم الجهل على اللّه تعالى شأنه، وقد تقدّم منّا في ذكر المكرمة الثانية والعشرين من الباب الخامس ما ينفعك، فراجع .(2)

تتميم وتبيين : إعلم أنّ الوجوه الثلاثة الأول من الوجوه الّتي استفدناها من كلمات أئمّتنا الأبرار علیهم السلام قد أوضحت سرّ إخفاء العلم بوقت ظهوره علیه السلام مطلقاً، أعني الوقت الحتميّ والبدائي ، فإنّها حكم ومصالح تقتضي ستر كلا الوقتين عن الناس، كما لا يخفى على من له خبرة واستئناس .

وأمّا الوجه الرابع فهو ناظر إلى سرّ إخفاء الوقت البدائيّ عنهم فقط،

إذ لو أُخبروا به ثمّ اقتضت الحكمة التأخير عنه إلى وقت آخر لارتاب أكثر الناس، ودخل في صدورهم الوسواس، ووقعوا في الحيرة والشبهة، كما اتّفق لبني إسرائيل.

فإن قلت : فكيف أُخبروا ببعض الأُمور البدائيّة، ثمّ وقع خلافه لبعض المصالح، كما في قضيّة الشابّ الّذي أخبر داود بموته، والمرأة الّتي أخبر عیسی بموتها ، واليهودي الّذي أخبر نبيّنا صلی اللّه علیه وآله وسلم بموته، ثمّ لم يموتوا، وأخبروا بوقوع الفرج في زمان ولم يقع في ذلك الزمان، وتأخّر لبعض الحكم والأسباب كما ذكر في رواية أبي حمزة السابقة،

وكيف لم يوجب ذلك ضلالة المؤمنين، ولم يقعوا في الحيرة والشبهة؟

ص: 390


1- الكافي : 368/1 ح5، عنه الوافي : 2/ 427 ح4، غيبة النعماني : 294 ح 13، عنه البحار :118/52 ح 45.
2- تقدّم ج1/ 469.

قلت : إنّما كان ذلك بسبب حضور الحجج فيهم وتبيينهم سرّ البداء والتأخير لهم، وتيسّر السؤال عنهم ، والمؤمنون في زمان غيبة الإمام علیه السلام محجوبون عن رؤيته ، محرومون من لقائه واستكشاف المسائل عنه، فلو أُخبروا بوقوع الظهور في وقت بدائيّ، ثمّ تأخّر عنه لمصلحة إلهيّة، ولم يكن فيهم الإمام والحجّة ليردّهم عن الحيرة والشبهة، ويبيّن لهم صدق الأخبار ووجه المصلحة، وقعوا في الحيرة والشبهة، وتاهوا في وادي الضلالة، فلذلك لم يوقّتوا لهم وقتاً حتميّاً ولا بدائيّاً، أمّا الحتميّ فللوجوه السابقة، وأمّا البدائيّ فلهذا الوجه الّذي بيّنّاه

رأفة بهم وشفقة عليهم وحفظاً لهم من الزلّة والضلالة.

فإن قلت : إنّ المؤمنين إذا أيقنوا بصدق أئمّتهم، واعتقدوا وقوع البداء في المقدّرات الإلهيّة، والأخبارات الغيبيّة، لم يقعوا في الحيرة والضلالة ولم يتزلزلوا في عقائدهم الحقّة، سواء كان الإمام حاضراً فيهم أم غائباً عنهم.

قلت : هذا حال المؤمنين الكاملين، الّذين رسخ في قلوبهم الإيمان ببيّنة وبرهان، وأيّدهم اللّه تعالی بروح منه، وهم قليل بالنسبة إلى ما سواهم،

وأمّا الأكثرون فهم ضعفاء العقول والإيمان، كخامة الزرع يميل يميناً وشمالاً بهبوب الرياح، يسقط مرّة ويقوم أُخرى، فأرادوا رعايتهم ومحافظتهم حتّى تكمل قوّتهم، وتسلم عدّتهم ودفع ما يوجب السقوط والاضمحلال عنهم،

ولهذا كان الأئمّة علیهم السلام يسترون كثيراً من المطالب عن كثير من أصحابهم وشیعتهم، حفظاً لهم وشفقة عليهم، فإنّ الإمام هو الوالد الشفيق كما في حديث صفات الإمام وفضله المروي في الكافي وغيره .(1)

وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ إخبار موسی بني إسرائيل بالوقت البدائيّ لم يكن إضلالاً لهم، وتقصيراً في حقّهم، بل كان امتحاناً وتمحیصاً لهم بأمر اللّه عزّوجلّ لانّه استخلف عليم أخاه هارون حين أراد الغيبة عنهم، وجعله حجّة عليهم

ص: 391


1- الكافي : 1/ 200 ح 1، عنه البحار : 129/25 ، وغاية المرام : 3/ 332 ذح2.

فكانوا هم المقصّرين في إعراضهم عن الحجّة وتركهم الرجوع إليه في كشف الحيرة والشبهة، بل أرادوا قتله كما قال :

(يَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي)(1) وقال تبارك وتعالى :

(وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)(2).

1607- فإن قلت : قد ورد عن الحجّة علیه السلام : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وانا حجّة اللّه عليهم.(3)

فجعل العلماء في زمان غيبته حجّة على العباد ومرجعاً لهم، فكما أنّ المؤمنين الموجودين في زمن حضور الائمّة تمّت عليهم الحجّة، ووضح لهم السبيل في كشف الحيرة والشبهة، ورفع مایوجب الزلّة والضلالة بالسؤال عن الأئمّة، وكذلك المؤمنون الموجودون في زمن الغيبة تمّت عليهم الحجّة ، ووضح لهم السبيل بالرجوع إلى العلماء الأبرار، الناقلين لآثار الأئمّة الأطهار، الحاملين لعلومهم في كلّ ما يرد عليهم ممّا لا يفهمون وجهه، ويختلج في صدورهم من الشبهة، فلا ضير في إخبارهم بالوقت البدائيّ للظهور المحتمل تأخيره لوجه من الحكمة والمصلحة.

قلت: أمّا أوّلاً: فإنّه قد يكون في بعض أزمنة الغيبة زمان يختفي العلم، إمّا يفقد العلماء، أو باختفائهم لغلبة الباطل وأهله، ويسمّى ذلك الزمان في الأخبار بزمان الفترة والسبطة، وحينئذٍ لا يجد المؤمن من يدفع عنه الشبهة والحيرة، ويبيّن له وجه المصلحة والحكمة .

1608- ويدلّ على ما ذكرناه مارواه الشيخ النعمانيّ قدس اللّه تعالی سرّه في كتاب الغيبة : بإسناده عن أبان بن تغلب (رحمة اللّه علیه)، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، أنّه قال :

ص: 392


1- الأعراف: 150.
2- طه : 90.
3- كمال الدين : 483/2 ضمن ح4 ، عنه العوالم : 3/ 410 ح10.

يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة بارز العلم كما تأرز الحيّة في جحرها، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم نجم،

قلت : فما السبطة؟ قال : الفترة، قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟

فقال علیه السلام : كونوا على ما أنتم عليه، حتّى يطلع اللّه لكم نجمكم.(1)

توضیح: يأرز على وزن ينضر ويضرب ويعلم بتقديم الراء المهملة على المعجمة أي يختفي.

وأمّا ثانياً : فإنّ العلماء الأبرار وإن كانوا نوّاباً عن الإمام علیه السلام في زمان الغيبة ومراجع للعباد فيما يرد عليهم من القضايا والأحكام، وحجّة عليهم في مسائل الحلال والحرام، لكنّهم ليسوا عالمين بحكم التقديرات، ومصالح التغييرات، ووجوه البداء ، وأسباب القضاء، وكثيراً ما يكون أنّه لاترفع الحيرة ولا تندفع الشبهة إلّا ببيان وجه المصحلة، وتوضيح الحكمة، كما عرفت من حديث أبي حمزة حيث أنّه لم يتخلّص من الحيرة إلّا بعد أن يبيّن له الإمام علیه السلام وجه تأخير الفرج عن الوقت الّذي أخبر به امير المؤمنين علیه السلام وهكذا في نظائره وأشباهه ، كما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار والسير، وذكرها خارج عمّا نحن بصدده في هذا الكتاب واللّه تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب.

والحاصل أنّ كشف المعضلات و حلّ تلك المشكلات وأمثالها من وظائف الإمام وشؤونه، وعدم الكشف في زمان الغيبة مستند إلى الخلق، لأنّهم السبب في خفائه، من اللّه تعالى علينا بتعجیل فرجه ولقائه، مع تيسير العافية لنا بمنّه وكرمه، إنّه قريب مجيب.

وأمّا ثالثاً : فإنّ اللّه تعالی شأنه لطيف بعباده، والطافه على قسمين :

قسم يجب عليه بحكم العقل والنقل، وهو ما يكون خلافه قبيحاً، واللّه لا يفعل القبيح أصلاً ، فإنّه ممتنع على اللّه عزّ شأنه وهذا هو الّذي تداول واشتهر

ص: 393


1- غيبة النعماني : 159 ح6، عنه البحار : 5/ 134 38.

في الألسن، من أنّ اللطف واجب على اللّه تعالى، ولا تفاوت في هذا القسم بين الأزمان والأشخاص، مثل التكليف بغير المقدور، فإنّه قبيح ممتنع على اللّه تعالى والتكليف بما لا طريق للعباد إلى العلم به، ولهذا كان بعث الأنبياء واجباً بقاعدة اللطف، وإعطاؤهم المعجزة واجباً بقاعدة اللطف،

وفي هذا القسم يستوي جميع أهل العالم في جميع الأزمنة والأمكنة .

والقسم الثاني : ما لا يكون واجباً بحكم العقل، بل يكون تفضّلاً وإحساناً في حقّ من يشاء، لما يشاء، كيف يشاء، لا يُسئَل عمّا يفعل وهم يسئلون .

ومن هذا القسم، لطفه على الأُمّة المرحومة المحمّديّة صلی اللّه علیه وآله وسلم برفع التكليفات الشاقّة عنهم، كما في الآية الشريفة : ( وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)(1) ومن هذا القسم أيضاً ستر العلم بالوقت البدائي لظهور الإمام علیه السلام عن المؤمنين المحبّين له، فإنّه عزّ وجلّ وإن أتمّ عليهم الحجّة وأوضح لهم المحجّة بالعقل والنقل فبيّن لهم صدق أئمّتهم وتماميّة حجّتهم، بحيث لا يبقى لأحد عذر في تطرّق الشبهة والتورّط في الحيرة، لكنّه منّ عليهم نظراً إلى شأن أئمّتهم ورعاية أضعفهم وقلّة عدّتهم، فزوى عنهم الأخبار بوقت علم تأخير الظهور عنه، لحكمة ومصلحة لطفاً بهم وتفضّلاً وشفقة عليهم ومرحمة وإحساناً إليهم، كي لا يقعوا في الحيرة، ولا تختلج في صدورهم شبهة .

وممّا ذكرنا - ولله الحمد وله المنّة - تبيّن السرّ في كتمان العلم بوقت ظهور الإمام علیه السلام ، عن سائر الأنام من الخاصّ والعامّ، سواء كان حتميّاً أم بدائيّاً، وعليك بإمعان النظر فيما ذكرناه، والتأمّل التامّ ، فإنّه مأخوذ من كلمات الائمّة البررة الكرام، أسكننا اللّه تعالى في جوارهم في دار السلام.

الثالث : أنّ الإمام عالم بوقت الظهور ولكنّه غير مأذون لكشفه وإظهاره

الأمر الثالث: الظاهر من العمومات المتكثّرة الواردة في الروايات المتضافرة الدالّة على أنّ الأئمّة علیهم السلام عالمون بما كان وما يكون إلى يوم القيامة،

ص: 394


1- البقرة : 286.

وما ورد في وصف الإمام بأنّه عالم لا يجهل، وما ورد من أنّ علم كلّ شيء في القرآن لقوله تعالى فيه : (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)(1) وأنّ الإمام يستخرجه منه،

وقوله تعالى : (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(2).

وقوله عزّ وجلّ: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(3) وهم الأئمّة كما في الرواية وقوله عزّ وجلّ : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)(4) وهو أمير المؤمنين علیه السلام كما ورد عنهم بضميمة ما دلّ على أنّهم في العلم والشجاعة سواء وأنّ ما علمه أمير المؤمنين علیه السلام ، علمه من بعده من الأئمّة .

1609- وهكذا قول الصادق علیه السلام :

إنّ اللّه لا يجعل حجّة في أرضه يسأل عن شيء فيقول : لا أدري .(5)

1610- وقول أبي جعفر علیه السلام : إنّ من علم ما أُوتينا تفسير القرآن وأحكامه وعلم تغيير الزمان وحدثانه، إذا أراد اللّه بقوم خيراً أسمعهم، ولو أسمع من لم يسمع لولّي معرضاً كأن لم يسمع(6)، ثمّ أمسك هنيئة ، ثمّ قال :

ولو وجدنا أوعية أو مستراحاً لقلنا، واللّه المستعان .(7)

وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة المرويّة في البصائر والكافي وغيرهما : إنّ الإمام علیه السلام يعلم وقت ظهوره، لكنّه لم يؤذن بإظهاره، كما أنّ الأئمّة الماضين لم يؤذنوا بإظهاره، لأنّ الأئمّة علیهم السلام وإن كانوا عالمين بكلّ شيء، عدا ما استثني مثل الإسم الأعظم الّذي ادّخره اللّه عزّو جلّ لنفسه، لم يطلع عليه أحداً من خلقه،

لكنهم (عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)(8) ولا يخبرون العباد إلّا بما أمرهم اللّه تعالى بإظهاره لهم،

ص: 395


1- النمل : 89، 71.
2- النمل : 89، 71.
3- فاطر : 32.
4- یس: 12.
5- الكافي : 227/1 ضمن ح 1 ، عنه البحار : 114/48 ح25.
6- أي بمسامعهم الباطنيّة، ولو اسمع ظاهراً من لم يسمع باطناً لولّي معرضاً كان لم يسمع ظاهراً (في)
7- الكافي : 1/ 229 ح 3، عنه الوافي : 3/ 560 ح3، والبحار : 194/23 .
8- الأنبياء : 27.

كما ورد ذلك في روايات عديدة مذكورة في البصائر وغيره.(1)

وحاصلها أنّ اللّه تعالى أمر العباد بان يسألوا الأئمّة الأمجاد، فقال تعالى :

(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(2) فعليهم السؤال، وليس الإمام ملزماً بالجواب، بل هو موكول إلى مشيّته، بحسب ما يراه من المصلحة، فإن شاء أجاب ، وإن شاء أمسك ، كما قال اللّه عزّ وجلّ : («هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(3) فهو يعمل بمقتضى المصلحة من الجواب والتقيّة، والكتمان والتورية

ولو أردنا ذكر الروايات الواردة في كلّ باب من هذه الأبواب لطال الكتاب وخرج عمّا هو المقصود، وأوجب الإطناب، والعارف يكفيه الإشارة،

ولم أجد في الأخبار الماثورة ما يتوهّم منه المنافاة لما ذكرناه سوی حدیثین :

1611- أحدهما: ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال :

لولا آية في كتاب اللّه لأخبرتكم بما يكون إلى يوم القيامة (4)،

والآية قوله تعالى : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(5)

وروي نظيره عن غيره من الأئمّة علیهم السلام أيضاً.

والثاني: خبر أبي حمزة الثمالي المتقدّم في التنبيه الأوّل،

عن مولانا ابي جعفر علیه السلام حيث قال في ذيل كلامه: ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(6) ولا دلالة فيهما عند التأمّل التامّ على نفي علم الإمام بوقت ظهوره عليه الصلاة والسلام.

أمّا الأوّل فلأنّ معناه أنّ قوله تعالى : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ ...) مانع عن إخبار الناس بما يكون إلى يوم القيامة، لانّه علیه السلام لم يقل: لولا آية في كتاب اللّه لعلمت ما يكون، وإنّما قال لولا تلك الآية لأخبرتكم بما يكون، وكلمة لولا تدلّ على امتناع الجملة الفعليّة، بسبب وجود الجملة الاسميّة، الواقعة بعد لولا وتسمّى لولا الإمتناعيّة .

ص: 396


1- بصائر الدرجات: 38.
2- الأنبياء: 7.
3- ص: 39.
4- البحار: 97/4 ح4.
5- الرعد: 39.
6- تقدّم الحديث تحت الرقم: 1586.

وتحقيق الكلام في هذا المقام: أنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت إخفاء كثير من الأُمور عن العباد، وظهوره جملة منها لهم بعد خفائها عنهم، وجعل كثيراً من التقديرات موقوفة على وقوع أُمور أو عدم أُمور أُخرى، وفيها يكون المحو والإثبات، وهو عالم بما يمحو وما يثبت في أزل الآزال، وعنده أُمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ، الّذي جرى فيه القلم بأمره عزّ وجلّ، بجميع ما يكون كما يكون، وإنّما أخبر عباده بوقوع المحو والإثبات لحكم كثيرة، ومصالح عديدة :

منها : دلالتهم على عموم قدرته، ونفوذ مشيّتة لئلّا يقولوا كما قالت اليهود والزنادقة (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)(1).

ومنها : أن يتعبّدوا له ويتضرّعوا إليه، ويدعوه ، فيفوز بإحدى الحسنيين: أعني نیل مقاصدهم في الدار العاجلة، إن كانت من الأُمور الموقوفة، والفوز بثواب الدعاء والتعبّد والتضرّع في الدار الآخرة، إن كانت من الأُمور المحتومة .

ومنها: التمحيص لقوم والإمتحان لقوم آخرين، ليميز اللّه الخبيث من الطيّب، وهذا التمحيص والإمتحان قد يقع في أصل الإذعان للمحو والإثبات فيؤمن به قوم مؤمنون، وينكره قوم آخرون، كما زعمه قوم من الفلاسفة الزنادقة، وقد يقع في تصديق الأئمّة الطاهرين، وحجج اللّه على العالمين، فيما أخبروا بوقوع البداء فيه، لكونه من الأُمور الموقوفة، الّتي يجري فيها المحو والإثبات، فصدّقهم المؤمنون لاعتقادهم به وبصدق أئمّتهم، وإليه أشار مولانا الباقر علیه السلام في حديث فضيل بن يسار الّذي مرّ في الوجه الرابع، فاغتنمه وراجع(2)

وكذّبهم المعاندون ونسبوهم إلى الافتراء على اللّه جلّ شأنه في ذلك، وزعموا أنّ ذلك ممّا وضعه الأئمّة علیهم السلام ، ليكون مندوحة لهم فيما يخبرون به شیعتهم، ثمّ يقع على خلاف ما حدّثوهم به ، فقد دلّ جلّ وعزّ في كتابه الكريم على وقوع المحو والإثبات تصديقاً لما يحدّث به ويبيّنه حججه وبيّناته ، وينكره

ص: 397


1- المائدة : 64.
2- راجع إلى الحديث : 1608.

الجاهلون به وعصاته، تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً

وقد يقع التمحيص والإمتحان في الآثار المترتّبة على الإعتقاد بوقوع المحو والإثبات، في مرحلة التوكّل والتعبّد، والتصدّق، والتضرّع، والدعاء، والإهتمام في الأُمور الباعثة للتبديل والتغيير في التقديرات الموقوفة، القابلة للمحو والإثبات، وفي التمحيص والامتحان أيضاً، حكم كثيرة ومصالح خفيّة وجليّة، يظهر لأهلها بالتتبّع والتدبّر في الآيات القرآنيّة، والروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة علیهم السلام ، ولتحقيق القول فيها وبسطها مقام آخر.

والحاصل أنّ اللّه عزّ وجلّ قد أخبر بوقوع المحو والإثبات حفظاً لحكم كثيرة ومصالح خفيّة وجليّة قد أشرنا إلى بعضها، والمتدبّر في الآيات والروايات يطّلع على غير ما ذكرناه إن شاء اللّه تعالى فلو أخبر الإمام بما يؤول إليه أمر كلّ أحد، وبما يقع في العالم إلى الأبد لا نتقض الغرض وبطلت الحكم الكثيرة الموجبة لجعل المحو والإثبات،

ولذا قال علیه السلام : لولا تلك الآية لاخبرتكم بما يكون إلى يوم القيامة .

فتبيّن بما بيّناه أنّ آية المحو والإثبات إنّما تقتضي منعهم علیهم السلام عن الإخبار بما يكون إلى يوم القيامة لا نفي علمهم صلوات اللّه عليهم أجمعين .

تنبيه : إعلم أنّ الّذي يدلّ عليه الحديث المذكور وأمثاله أنّهم غير مأذونين في إخبار الناس بجميع ما يقع في العالم، وهو مقتضى الحكمة أيضاً،

ولكنّهم أُمروا بإظهار جملة ممّا يحدث في العالم لحكم كثيرة أيضاً :

منها : الدلالة على صدقهم في سایر ما يحدّثون به من الحوادث والقضايا والأحكام و مسائل الحلال والحرام وغيرها.

ومنها : تكميل إيمان المؤمنين، وإتمام الحجّة على الكافرين .

ومنها : تسلية قلوب أهل الإيمان وحثّهم وبعثهم على انتظار صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره،

ص: 398

ولذلك قد أخبروا بكثير ممّا يقع في آخر الزمان قبل ظهور الحجّة علیه السلام

وقد وقع منها أُمور، ومن جملة ما وقع في زماننا هذا من العلائم الّتي ورد الإخبار بها عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أمران:

أحدهما : تبديل العمائم بالقلانس في هذه السنة بأمر السلطان .

والثاني: سرور العباد وتشكّرهم لفقد الأولاد، والسبب في ذلك أمر السلطان «...» بأخذ الشبّان البالغين إحدى وعشرين سنة للنظام الإجباري منذ سنتين، وهذه السنة السابعة والأربعون بعد ألف وثلاثمائة من الهجرة النبويّة صلی اللّه علیه وآله وسلم

نسأل اللّه تعالى أن يعجّل في ظهور وليّه صاحب الزمان علیه السلام لهدم أساس الظلم والطغيان.

وقد روي في كتاب نور العيون المصنّف بمائة وسبعين سنة تقريباً قبل هذا الزمان وقوع هذين الأمرين في آخر الزمان قبل ظهور القائم علیه السلام عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم

وقد شاع في هذا الزمان أيضاً تشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، في الملابس والزينة والتجمّل وغيرها، وظهرت المنكرات وشاعت، ووضعت المعازف وآلات اللّهو والمزامير على الشوارع والطرق علانية، وشاع الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وترى الفاسق مكرّماً عزيزاً، والمؤمن موهوناً ذليلاً، ويرى الناس الزكاة مغرماً، والإثم مغنماً.

وكلّ هذه ممّا أخبر به الصادق المصدّق وأوصياؤه علیهم السلام ونسأل اللّه تعالی التعجيل في ظهور وليّه، المفرّج عن المؤمنين، في خير وعافية،

وقد وقع جملة من العلامات الّتي أُخبر بها في سنوات قبل هذا الزمان، ولا ريب أنّ مشاهدة تلك الأُمور توجب قوّة يقين المؤمنين، وإتمام الحجّة على الجاحدين والمرتابين والمكذّبين،

وأمّا الحديث الثاني وهو خبر أبي حمزة الثمالي فصدره وذيله يدلّان على أنّ غرض الإمام علیه السلام إخفاء المطلب عنه، والحديث ينادي بأعلى صوته بأنّه أراد

ص: 399

الستر والكتمان، وبيّن وجهه في جواب السؤال .

وتوضيح الكلام: أنّ اللّه عزّ وجلّ خلق اللوح المحفوظ في السماء، وأثبت فيه جميع العلوم والوقائع والحوادث والقضايا والاحكام كما قال تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(1)

وفي سورة طه: (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ)(2)

وفي سورة النمل : (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(3).

وفي سورة سبأ: (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(4)

وفي الفاطر: (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ)(5)

وفي سورة ق : (وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ)(6)

وفي سورة الحديد : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا)(7)

وفي الواقعة : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(8).

وخلق نظير اللوح المحفوظ السماوي في الأرض وهو الإمام علیه السلام فهو لوح عالم الملك، كما أنّ الأوّل لوح عالم الملكوت، وقد أثبت فيه وأودعه جميع ما أودع اللوح السماويّ وأثبت فيه، فقال تعالى:

(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)(9) وقال تعالى : (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ)(10)

فإنّه قد ورد في روايات عديدة أنّ أمير المؤمنين هو الإمام المبين .(11)

1612- وفي الكافي : عن الكاظم علیه السلام في حديث النصراني الّذي أسلم: أنّ «حم»: رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، والكتاب المبين: عليّ أمير المؤمنين(12)، والروايات في

ص: 400


1- هود: 6.
2- الآية : 52، 75، 3، 11 ، 4، 22، 78.
3- الآية : 52، 75، 3، 11 ، 4، 22، 78.
4- الآية : 52، 75، 3، 11 ، 4، 22، 78.
5- الآية : 52، 75، 3، 11 ، 4، 22، 78.
6- الآية : 52، 75، 3، 11 ، 4، 22، 78.
7- الآية : 52، 75، 3، 11 ، 4، 22، 78.
8- الآية : 52، 75، 3، 11 ، 4، 22، 78.
9- يس : 6.
10- حم: 1.
11- راجع البرهان : 4/ 569 ح17 و 18 و 21 و 22 .
12- الكافي : 479/1 ح4، عنه الوافي : 796/3 ح4، والبحار : 48/ 85 ح 106.

أبواب علوم الأئمّة وكيفيّاتها أكثر من أن تحصى، إذا أردت الإطّلاع على جملة منها فعليك بكتاب بصائر الدرجات(1)، جزى اللّه تعالی مصنّفه أحسن الجزاء.

وقد ورد في روايات مستفيضة أنّ جميع الأئمّة علیهم السلام في العلم سواء، وكذا في الشجاعة، وغيرهما من الصفات الحسنة،

وأنّ ما علمه أمير المؤمنین علمه الإمام بعده وهكذا،

إذا عرفت هذا فنقول: كما أنّ اللوح المحفوظ السماوي أثبت اللّه فيه علم كلّ شيء، لكن لا يظهر اللّه تعالى منه لاهل العالم، إلّا ما كان الصلاح في إظهاره، ويستر عنهم ما دون ذلك بحسب اقتضاء أحوال الأشخاص والأزمان،

كذلك اللوح المحفوظ الّذي جعله في الأرض، وأثبت فيه كلّ علم أودعه في اللوح السماويّ، لا يظهر منه لأهل العالم إلّا ما كان الصلاح في إظهاره، ويستر عنهم ما دون ذلك كما قال عزّ وجلّ: (وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ)(2)،

وقال تعالى : (مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) (3)

فإنّ الإمام هو الشجرة الطّيبة كما في روايات كثيرة، بل متواترة، وثمرها علمه ، يفيض منه ما يشاء بإذن ربه على من يشاء كيف يشاء،

كما يظهر من الروايات الكثيرة المتواترة، المرويّة عنهم علیهم السلام .

وملخّص الكلام أنّ الإمام أراد ستر المطلب عن الراوي بذلك البيان،

ويشهد لذلك صدر الكلام من السؤال والجواب .

1613- ويشهد لما ذكرناه أيضاً قول الصادق علیه السلام لأبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول في حديث طويل شریف، مرويّ في تحف العقول وغيره:

یا بن النعمان، إنّ العالم لا يقدر أن يخبرك بكلّ ما يعلم لأنّه سرّ اللّه الّذي أسرّه إلى جبرئيل وأسرّه جبرئيل إلى محمّد ، وأسرّه محمّد إلى عليّ علیه السلام ،

ص: 401


1- بصائر الدرجات : 127.
2- الشوری : 27.
3- إبراهيم: 24 - 25.

وأسرّه عليّ إلى الحسن علیه السلام ، وأسرّه الحسن إلى الحسين علیه السلام ، وأسرّه الحسین إلى عليّ علیه السلام ، وأسرّه عليّ إلى محمّد علیه السلام، وأسرّه محمّد علیه السلام إلى من أسرّه، فلا تعجلوا، فواللّه لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرّات فأذعتموه فأخّره اللّه، واللّه ما لكم سرّ إلّا وعدوّكم أعلم به منكم، الحديث.(1)

فانظر إلى هذا الكلام، وتأمّل فيه، فإنّه ينادي لمن له قلب بعلمهم علیهم السلام بوقت الفرج، ولكنّهم مأمورون من اللّه تعالى بكتمانه لعدم تحمّل الشيعة.

فإن قلت : يلزم على هذا أن يكون كلام الإمام في خبر أبي حمزة كذباً لأنّه علیه السلام قال : ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا.

1614- قلت : قد روى الشيخ الأجلّ محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات : بإسناده الصحيح، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

إنّي لاتكلّم بالكلمة بها سبعون وجهاً، لي من كلّها المخرج .(2)

1615- وبإسناده عن عليّ بن أبي حمزة، قال : دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبداللّه علیه السلام فبينا نحن قعود إذ تكلّم أبو عبداللّه علیه السلام بحرف،

فقلت أنا في نفسي: هذا ممّا أحمله إلى الشيعة، هذا واللّه حديث لم أسمع مثله قطّ، قال : فنظر علیه السلام في وجهي، ثمّ قال : إنّي لاتكلّم بالحرف الواحد لي فيه سبعون وجهاً، إن شئت أخذت كذا، وإن شئت أخذت كذا .(3)

1616- وبإسناده الصحيح عن أبي عبداللّه، قال : أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا، إنّ كلامنا لينصرف على سبعين وجهاً. (4)

وفي معنى هذه الروايات روایات مستفيضة ، بل متواترة، وهي تدلّ على أنّه

ص: 402


1- تحف العقول : 310، عنه البحار : 286/78 ح2.
2- بصائر الدرجات : 329 ح 4، عنه البحار : 118/2 ح 54.
3- بصائر الدرجات : 329 ح 3، عنه البحار : 198/2 ح 51.
4- بصائر الدرجات : 329 ح6، عنه البحار : 199/2 ح 57.

لو صدر عنهم علیهم السلام كلام يخالف بظاهره سائر أحاديثهم أو يتوهّم من ظاهره الكذب أو نحو ذلك، فإنّهم لم يريدوا ظاهره، ولهم المخرج منه،

فيجب علينا تصديقهم و إرجاع العلم به إليهم.

فربّما ينكرون شيئاً بحسب بعض الحكم والمصالح والتقيّة من بعض الحاضرين، وفي كلامهم تورية أو وجه من الوجوه لا نعرفها وهم العالمون بها،

وأنت إن كنت من أهل التتبّع والممارسة في كلماتهم وقفت على شواهد متكثّرة لصحّة ما ذكرناه بعون اللّه تعالى وبركة أوليائه .

1617- ومن جملة تلك الشواهد، ما في الكافي وغيره : عن سدير ، قال :

كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزّاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبداللّه علیه السلام إذ خرج إلينا وهو مغضب، فلمّا أخذ مجلسه ، قال :

یا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلّا اللّه عزّ وجلّ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي، فما علمت في أيّ بيوت الدار هي

قال سدير : فلمّا أن قام من مجلسه وصار في منزله، دخلت أنا وأبو بصير و میسر، وقلنا له: جعلنا فداك ، سمعناك وأنت تقول: «كذا وكذا» في أمر جاريتك ونحن نعلم أنّك تعلم علماً كثيراً، ولا ننسبك إلى علم الغيب،

قال : فقال : يا سدير، ألم تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال : فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّ وجلّ : (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(1) قال : قلت : جعلت فداك ، قد قرأته،

قال علیه السلام : فهل عرفت الرجل، وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب ؟

قال : قلت : أخبرني به ، قال علیه السلام : قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟ قال : قلت : جعلت فداك ، ما أقلّ هذا؟ !

فقال علیه السلام: يا سدير، ما أكثر هذا أن ينسبه اللّه عزّ وجلّ إلى العلم الّذي

ص: 403


1- النمل : 40.

أُخبرك به ، یا سدير ، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّ وجلّ أيضاً:

(قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)(1)؟

قال : قلت : قد قرأته جعلت فداك ، قال علیه السلام : أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهَمُ أم مَن عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت: لا بل من عنده علم الكتاب كلّه،

قال : فأومأ بيده إلى صدره، وقال :

علم الكتاب واللّه كلّه عندنا، علم الكتاب واللّه كلّه عندنا .(2)

تنبيه وتتميم: أُنظر إلى هذا الحديث الشريف، وتدبّر فيه من صدره إلى ذيله يظهر لك صحّة ما قلناه ، من أنّ ما صدر منهم علیهم السلام ممّا يشتمل على سلب العلم عن أنفسهم ليس على ظاهره، بل صدر عنهم لنوع من المصلحة

كما أنّه علیه السلام نفی عن نفسه العلم بمكان الجارية، إمّا لاشتمال المجلس على أهل النفاق أو الغلوّ، أو لغير ذلك من الجهات الّتي هوالعالم بها،

ثمّ لمّا ارتفع المانع أوضح علیه السلام وفور علمه، وأنّه عالم بكلّ شيء، وأنّه يعلم الغيب، حيث أنّه أقسم باسم اللّه جلّ جلاله بأنّ علم الكتاب كلّه عنده،

وهذا يدلّ على أنّه عالم بالغيب، وبما كان وما يكون، لما عرفت من الآيات الدالّة على أنّ اللّه عزّ وجلّ أثبت جميع ذلك في الكتاب، وهو اللوح المحفوظ،

وهذا الحديث كغيره دلّ على علمه بجميع ما في اللوح المحفوظ، ولذلك عبّر في عدّة من الزيارات والروايات عن الإمام علیه السلام بعيبة علم اللّه، وعليك بالتتبّع والتدبّر في كلماتهم علیهم السلام لتزداد إيماناً وتكمل يقيناً، ومن اللّه التوفيق .

تذييل فيه تایید : قال الحافظ البرسي رحمه اللّه تعالى في كتاب مشارق انوار اليقين : الإمام أفضل وأعلى من اللوح المحفوظ بوجوه :

الأول: أنّ اللوح وعاء الحفظ وظرف السطور، والإمام محيط بالسطور وأسرار السطور، فهو أفضل من اللوح.

ص: 404


1- الرعد: 43.
2- الكافي : 257/1 ح 2، عنه الوافي : 591/3 ح5، والبحار : 170/26 ح38.

الثاني: أنّ اللوح المحفوظ بوزن مفعول، والإمام المبين بوزن فعيل، وهو بمعنی فاعل، فهو عالم بأسرار اللوح، واسم الفاعل أشرف من اسم المفعول.

الثالث : أنّ الوليّ المطلق ولايته شاملة للكلّ، ومحيط بالكلّ، واللوح داخل فيها، فهو دالّ على اللوح، وعال عليه، وعالم بما فيه، إنتهى كلامه (رحمة اللّه علیه) .(1)

71- تكذيب من ادّعى الوكالة بعد انقطاع النيابة الخاصّة عنه علیه السلام

الأمر الواحد والسبعون : تكذیب من ادّعى الوكالة والنيابة الخاصّة عنه علیه السلام في زمان الغيبة الكبرى

إعلم أنّه اتّفقت الإماميّة على انقطاع الوكالة، واختتام النيابة الخاصّة، بوفاة الشيخ الجليل عليّ بن محمّد السمريّ (رضی اللّه عنه) وهو الرابع من النوّاب الأربعة، الّذي كانوا مرجعاً للشيعة في زمان الغيبة الصغرى،

وأنّه ليس بعد وفاة السمري إلى زمان ظهور الحجّة عجّل اللّه فرجه الشريف نائب مخصوص عنه في شيعته،

وأنّ المرجع في زمان غيبته الكبرى هم العلماء العاملون، الحافظون لحدود اللّه، وأنّ من ادّعى النيابة الخاصّة فهو كاذب مردود،

بل يعدّ ذلك من ضروریّات مذهب الإماميّة الّتي يعرفون بها، ولم يخالف في ذلك أحد من علمائنا، وكفى بهذا حجّة وبرهاناً .

1618- ويدلّ على المقصود أيضاً : ما رواه الشيخ الجليل رئيس المحدّثین المعروف بالصدوق الّذي بشّر بولادته سيّدنا ومولانا الحجة علیه السلام في كتاب كمال الدين، قال : حدّثنا أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتّب (رحمة اللّه علیه) قال : كنت بمدينة السلام في السنة الّتي توفّي فيها الشيخ عليّ بن محمّد السمريّ (رحمة اللّه علیه) فحضرته قبل

وفاته بأيّام، فاخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمريّ، أعظم اللّه أجر

ص: 405


1- مشارق الأنوار : ص125.

إخوانك فيك، فإنّك ميّت مابينك وبين ستّة أيّام، فأجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلّا بعد إذن اللّه عزّ وجلّ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب(1) مفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

قال : فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه، وهو يجود بنفسه، فقيل له من وصيّك من بعدك؟

فقال (رحمة اللّه علیه) : لله أمر هو بالغه، ومضى رضي اللّه تعالی عنه .

فهذا آخر كلام سمع منه [رحمة اللّه ورضوانه عليه].(2)

أقول: الكلام هنا في مقامين : أحدهما : في سند الحديث الشريف المذكور .

والثاني: في دلالته على المقصد المزبور.

أمّا الأوّل : فاعلم أنّ هذا حديث صحيح اصطلاحاً، لأنّه مرويّ عن مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه بتوسّط ثلاثة أشخاص :

الأوّل : الشيخ الأجلّ أبو الحسن عليّ بن محمّد السمريّ، وهو لجلالته واشتهاره غنيّ عن البيان .

والثاني : الشيخ الصدوق، محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسی بن بابویه القمّيّ، وهو أيضاً لاشتهاره واشتهار كتابه وجلالة قدره لايحتاج إلى التوضيح .

والثالث : أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتّب،

وهو كما ذكره الفاضل الألمعي المولى عناية اللّه في مجمع الرجال : أبو محمّد الحسن بن الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب(3) ،

ص: 406


1- كذاب ، خ.
2- كمال الدين : 516/2 ، ح 44، عنه البحار : 360/51 ح 7 و ج 151/53ح1، وأورده الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) في الغيبة : 395 ح 365.
3- مجمع الرجال : 190/7 .

ويروى عنه الصدوق مكرّراً مترضيّاً مترحّماً، وهذا من إمارات الصحّة والوثاقة(1)، كما نبّه على ذلك المولى المزبور في مجمعه، وذكر له شواهد عديدة ، ليس هنا موضع ذكرها، والمكتّب بكسر التاء المشدّدة من يعلّم الكتابة .

تنبيه : قد وقع هنا سهوان في كتابين من كتب علمائنا رحمهم اللّه تعالى ،

ينبغي التنبيه عليهما:

الأوّل : في كتاب الغيبة للشيخ الأجلّ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (رحمة اللّه علیه) ففيه في النسخة الّتي عندي هكذا: أخبرنا جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ ابن الحسين بن بابویه، قال :

حدّثني أبو محمّد أحمد بن الحسن(2) المكتّب، قال : كنت بمدينة السلام - وساق الحديث مثل ما نقلناه عن كمال الدين لابن بابویه (رحمة اللّه علیه)(3)

وقد عرفت أنّ الّذي روى عنه ابن بابویه حسن بن أحمد، والظاهر أنّ السهو في كتاب الشيخ الطوسي وقع من النسّاخ، ويؤيّد وقوع السهو فيه من بعض النسّاخ أنّ الحاج میرزا حسين النوري (رحمة اللّه علیه) نقل هذا الحديث في جنّة المأوى، من غيبة الشيخ : عن الحسن بن أحمد المكتّب(4) واللّه تعالى هو العالم.

والثاني: في كتاب مستدرك الوسائل للعالم المحدّث المتتبّع الحاج میرزا حسين النوري (رحمة اللّه علیه) فإنّه مع سعة باعه، وكثرة اطّلاعه، واهتمامه في استقصاء أسماء مشايخ الصدوق، غفل عن ذكر هذا الشخص الجليل، الّذي روى عنه الصدوق مكرّراً مترضيّاً مترحّماً، وأمثال هذه الأُمور ممّا يبعث العالم على الفحص

ص: 407


1- أي ذكر الصدوق أو غيره من الرواة أو علماء الرجال أحداً من الرواة معقباً بقوله : رحمه اللّه أورضي اللّه تعالی عنه من امارات الصحّة والوثاقة، قال المولى عناية اللّه (رحمة اللّه علیه) بعد قوله يروي عنه الصدوق مكرّراً مترضيّاً مترحّماً : فيدلّ على الوثاقة. (لمؤلّفه رحمه اللّه تعالی).
2- أقول: في النسخة الّتي عندنا : « الحسن بن أحمد» .
3- غيبة الطوسي: 395 ح 365.
4- البحار : 318/53 الفائدة الأولى .

والتتبّع، ويوجب له الظفر بما غفل عنه من قبله،

فعليكم يا إخواني بالسعي، والإجتهاد، فإنّ اللّه لا يحبّ كلّ طالب مرتاد.(1)

وممّا يدلّ أيضاً على وقوع السهو والإشتباه في كتاب الشيخ، وعلى غفلة صاحب المستدرك عن ذكر ذلك الشيخ (رحمة اللّه علیه) أنّ المولى عناية اللّه المذكور نقل الحديث المسطور، عن كتاب ربيع الشيعة لابن طاووس، حاكياً عن «الحسن بن أحمد المكتّب» فتبيّن بحمد اللّه تعالی وعونه، أنّ الراوي عن أبي الحسن السمريّ (رحمة اللّه علیه) هو الحسن بن أحمد الّذي روى عنه ابن بابویه (رحمة اللّه علیه).

وممّا يدلّ على صحّه : هذا الحديث و صدوره عن الإمام أيضاً، أنّ الشيخ الطبرسيّ (رحمة اللّه علیه) صاحب كتاب الإحتجاج ذكره مرسلاً، من دون ذكر السند، والتزم في أوّل الكتاب وصرّح بأنّه لا يذكر فيه سند الاحاديث الّتي لم يذكر اسانیدها، إمّا بسبب موافقتها للإجماع، أو اشتهارها بين المخالف والمؤالف، أو موافقتها لحكم العقل . فظهر أنّ الحديث المذكور ايضاً كان غنيّاً عن ذكر السند ، إمّا لموافقة الإجماع أو لاشتهاره، أو لكليهما جميعاً.

وممّا يدلّ أيضاً على صحّته ، أنّ علماءنا من زمن الصدوق (رحمة اللّه علیه) إلى زماننا هذا استندوا إليه، واعتمدوا عليه، ولم يناقش ولم يتأمّل أحد منهم في اعتباره ، كما لا يخفى على من له أُنس وتتبّع في كلماتهم ومصنّفاتهم، فتبيّن من جميع ما ذكرناه أنّ الحديث المذكور من الروايات القطعيّة التي لا ريب فيها، ولا شبهة تعتريها، وهو ممّا قال فيه الإمام علیه السلام فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه.

المقام الثاني: في دلالة الحديث المذكور على المطلب المزبور،

وتقرير ذلك أنّ قوله علیه السلام : فقد وقعت الغيبة الثانية، تعليل لقوله: ولا توص إلى أحد يقوم مقامك ، فيدلّ على أنّ الغيبة الكبرى هي الّتي انقطعت الوكالة والنيابة الخاصّة فيها، ثمّ أكّد ذلك بقوله علیه السلام :

ص: 408


1- الاحتجاج : 297/2 .

وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ... إلخ، ولا شبهة بقرينة صدر الكلام في أنّ المراد بدعوى المشاهدة هي المشاهدة على نحو ما وقع للسفراء الأربعة ، المحمودين المعروفين في زمان الغيبة الأُولى، وقد صرّح بأنّ من ادّعاها في الغيبة الكبرى فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العظيم.

والحاصل أنّ المراد بالمشاهدة هي المشاهدة المقيّدة بكونها بعنوان البابيّة والنيابة الخاصّة، مثل ما كان للسفراء الأربعة، الموجودين في زمان الغيبة الصغرى، لا مطلق المشاهدة، فهو من باب ذكر المطلق وإرادة المقيّد، أو ذكر العامّ وإرادة الخاصّ، وهذا النحو من الاستعمال كثیر شائع في العرف واللغة ، كما تقول: اشتريت اللحم أو اشتر اللحم وتريد لحم الغنم بخصوصه لا مطلق اللحم والقرينة في الكلام موجودة كما ذكرنا،

ومن هذا القبيل قوله عزّ وجلّ: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ)(1) فإنّ الأسباط لفظ عامّ أُريد به الخاصّ، لأنّ جميع الأسباط لم ينزل عليهم كتاب، ولا وحي ولا حكم، وإنّما نزل على بعض منهم، وكذلك في التوقيع الشريف أُريد بالمشاهدة نحو خاصّ، كما بيّنّا لك بعون اللّه تعالی.

وبهذا الوجه يتبيّن أنّه لا تنافي بين هذا التوقيع الشريف وبين الوقائع الكثيرة المذكورة في كتب عديدة : كالبحار، والنجم الثاقب، ودار السلام للشيخ العراقي، وغيرها، الدالّة على وقوع المشاهدة في زمان الغيبة. الكبرى لكثير من المؤمنين، الّذين فازوا بشرف لقائه عجّل اللّه فرجه ورزقنا اللّه تعالى الفوز بلقائه وشفاعته، إنّه قريب مجيب.

هذا، وقد قيل في الجمع بينهما وجوه بعيدة، لا حاجة لنا في التعرّض لها ، وردّها، وأنّ ما ذكرناه واضح لأهله كالنور على شاهق الطور، واللّه الموفّق.

ص: 409


1- البقرة : 136.

وممّا يدلّ على انقطاع البابيّة والنيابة الخاصّة في الغيبة الثانية، أنّ هذه المسألة مع عموم الإبتلاء بها لجميع أهل الإيمان، والإهتمام بشأنها، لم ينقل أحد من علمائنا من زمان الأئمّة علیهم السلام إلى هذا الزمان خبراً واحداً يدلّ تصريحاً أو تلویحاً أو إشعاراً على وقوع النيابة الخاصّة في زمان الغيبة الثانية ، مع كثرة تتبّع العلماء وحفظة الحديث، واهتمامهم بنقل الأحاديث، وتدوينها وروايتها حتّى ضبطوا الأخبار المشتملة على المطالب الجزئيّة، والآداب الّتي قلّما يتّفق ابتلاء الشخص بها مدّة عمره، والأخبار المشتملة على القصص والحكايات وغيرها، وحتّى ضبطوا الأخبار الضعيفة والمشتملة على المجاهيل، إلى غير ذلك ما لا يخفى على المتتبّع في كتب الأحاديث والآثار،

وبملاحظة ذلك كلّه يحصل الإطمئنان بعدم وقوع الوكالة والنيابة الخاصّة في زمان الغيبة الكبرى، بحيث لو لم يكن لنا دليل على هذا المدّعى، جاز لنا التعويل على هذا الوجه، وكفي.

والحاصل أنّ عدم الدليل فيما تعمّ به البلوي دليل على العدم،

وهذه قاعدة شريفة متينة، استند إليه وعوّل عليها جمع من الفحول من علماء الأُصول، وعليها بناء العقلاء في جميع أُمورهم، ممّا يتعلّق بدنياهم وعقباهم ومعايشهم ومعاشراتهم في تمام الأزمنة والأعصار، فإنّهم يحكمون في كلّ شيء يشكّون فيه بعدمه عند عدم الدليل عليه بعد الفحص والتفتيش عنه .

وبالجملة لايبقى - لذي مسكة بعد الفحص والتتبّع التامّ في أمر تعمّ به البلوى لجميع الأنام، وعدم الظفر بشيء يدلّ على المرام - تأمّل و تردید في الحكم بالعدم خصوصاً مع اهتمام الأئمّة علیهم السلام ببيان ما تحتاج إليه الأُمّة واجتهاد العلماء واهتمامهم بنقل ما وصل إليهم من أئمّتهم سلام اللّه عليهم أجمعين .

وبالتأمّل في هذا المطلب، والتدبّر في ذلك الأصل الأصيل يظهر لك فساد مايدّعيه الصوفيّة من وجوب البيعة مع الشيخ، والدخول في طاعة ذلك الشخص

ص: 410

بالخصوص، كما دلّلنا عليه سابقاً.(1)

وكذا فساد ما يدّعيه الشيخيّة من وجوب اتّباع شخص خاصّ في كلّ زمان، يسمّونه بالشيعة الخالص ويزعمون أنّه مرآة صفات الإمام، وأنّ معرفة ذلك الشخص هو الركن الرابع للإيمان، إذ لا دليل على هذه الأقاويل بل الدليل قائم على بطلانها، كما تبيّن في محلّه، نسأل اللّه تعالى أن يثبّتنا على حقيقة الإيمان ، ويحفظنا من هواجس الشيطان .

هذا، ويمكن الاستدلال والتأييد لما مرّ بروايات أخر:

1619- منها: ما رواه الشيخ الثقة الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني (رحمة اللّه علیه) في كتاب الغيبة بسند صحيح عال عن عبداللّه بن سنان(2)، قال :

دخلت أنا وأبي على أبي عبداللّه علیه السلام، فقال : كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً یری؟ فلا ينجو من تلك الحيرة إلّا من دعا بدعاء الغريق(3) فقال أبي : هذا واللّه البلاء ، فكيف نصنع جعلت فداك حينئذ؟ قال علیه السلام :

إذا كان ذلك ولن تدركه فتمسّكوا بما في أيديكم حتّى يصحّ لكم الأمر .(4)

ص: 411


1- تقدّم ص 285.
2- سند الحديث هكذا في غيبة الشيخ النعمانيّ : حدّثنا محمّد بن همام، قال : حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميريّ، عن محمّد بن عيسى والحسن بن ظریف جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى، عن عبداللّه بن سنان، أقول : هؤلاء الرواة كلّهم أجلاء ثقات ، فارجع إلى كتب الرجال ليتّضح لك حقيقة الحال (لمؤلّفه رحمه اللّه).
3- روى الصدوق (رحمة اللّه علیه) في الاكمال : 351/2 ح 50 عن عبداللّه بن سنان قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم پری ولا إمام هدى ولا ينجو. منها إلّا من دعا بدعاء الغريق، قلت : كيف دعاء الغريق؟ قال : يقول : يا اللّه يا رحمان یا رحیم یا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك ، فقلت : يا اللّه يا رحمان یا رحیم یا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك، قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل - كما أقول لك -: «یا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك»، انتهى (لمؤلّفه عفى عنه).
4- غيبة النعماني : 159 ح 4، عنه البحار : 133/52 ذح 37.

ورواه الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة أيضاً وفيه:

حتّى يتّضح لكم الأمر.(1)

أقول: تأمّل في هذا الحديث الشريف، وفي إخبار الصادق علیه السلام بغيبة الإمام وانقطاع السفير بينه وبين الأنام في الغيبة الكبرى، وأمر المؤمنين بالتمسّك بما في أيديهم إلى حين ظهور الإمام عجّل اللّه تعالی فرجه .

والمراد بما في أيديهم: هو ما أُمروا به من الأُصول، والفروع، والسنن، ومتابعة العلماء العاملين وحفظة أخبار الأئمة الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين

وقد نبّه على هذا المرام الشيخ النعمانيّ (رحمة اللّه علیه) فقال بعد كلام له في ذلك المقام ، وفي حديث عبداللّه بن سنان : كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً یری، دلالة على ما جرى، وشهادة بما حدث من أمر السفراء الّذين كانوا بين الإمام علیه السلام وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم، وانقطاع نظامهم، لأنّ السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم،

فلمّا تمّت المحنة على الخلق، ارتفعت الاعلام ولا ترى حتّى يظهر صاحب الحق علیه السلام ووقعت الحيرة الّتي ذكرت، وآذننا بها أولياء اللّه.

وصحّ أمر الغيبة الثانية الّتي يأتي شرحها وتأويلها فيما يأتي من الأحاديث بعد هذا الفصل، نسأل اللّه أن يزيدنا بصيرة وهدى ويوفّقنا لما يرضيه برحمته . إنتهى كلامه ، رفع في الخلد مقامه .(2)

1620- ومن الأحاديث الدالّة على المرام ما رواه الصدوق في كمال الدين بسند صحيح(3) عن زرارة، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

ص: 412


1- كمال الدين : 348 ح40.
2- غيبة النعماني : 161.
3- روى الصدوق (رحمة اللّه علیه) عن أبيه قال : حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميريّ ، عن أيّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زرارة، عن أبي عبداللّه علیه السلام وهؤلاء الرواة كلّهم أجلّاء ثقات (لمؤلفه رحمه اللّه تعالی).

يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال : يتمسّكون بالأمر الّذي هم عليه، حتّى يتبيّن لهم .(1)

أقول: الضمير المستتر في قوله علیه السلام : «حتّى يتبيّن لهم» راجع إلى الإمام، يعني أنّ تكليف الخلق في زمان الغيبة أن يكونوا على ماهم عليه، ولا يصدّقوا من يدّعي النيابة الخاصّة والوكالة عنه، حتّى يظهر إمامهم.

ومن هذا يعلم أنّ المراد بقوله في الحديث السابق : «حتّى يصحّ لكم الأمر» هو أمر ظهور الإمام، فالواجب على الناس أن لا يتّبعوا من يدّعي الإمامة أو النيابة الخاصّة عنه في زمان الغيبة الثانية إلى زمان يصحّ ويتبيّن أمر ظهوره بالدلائل والعلامات المرويّة عن آبائه علیهم السلام وبالآثار والمعجزات المشهودة منه ، مثل ما كان يظهر من آبائه الكرام .

1621- ويدلّ على ما ذكرناه أيضاً ما رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه):

بإسناده عن أبان بن تغلب ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام :

يأتي على الناس زمان يصيبهم فيه سبطة - إلى أن قال : قلت: وما السبطة؟

قال علیه السلام : الفترة والغيبة لإمامكم، قال: قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟

فقال : كونوا على ما أنتم عليه ، حتّى يطلع اللّه لكم نجمكم.(2)

أقول: المراد بطلوع النجم ظهور الإمام علیه السلام ، والدليل على هذا المرام :

1622- ما رواه الشيخ النعماني (رحمة اللّه علیه): بإسناده عن أبان بن تغلب، عن الصادق علیه السلام ، أنّه قال : يا أبان، يصيب العالم سبطة - إلى أن قال :

فقلت: جعلت فداك، فكيف نصنع وكيف يكون ما بين ذلك؟

قال : فقال علیه السلام لي : إلى ما أنتم عليه حتّى يأتيكم اللّه بصاحبها.(3)

ص: 413


1- كمال الدين : 2/ 350 ح 44، عنه البحار : 149/52 ح 75.
2- كمال الدين : 349/2 ح 41، والنعمانيّ (رحمة اللّه علیه) في الغيبة : 159 ح6، عنه البحار : 134/52 ح38
3- غيبة النعماني : 163 ح8.

1623- وما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه): بسند صحيح عن مولانا أبي جعفر الباقر علیه السلام قال :

إنّما نحن كنجوم السماء، كلّما غاب نجم طلع نجم، حتّى إذا أشرتم بأصابعكم، وملتم بأعناقكم، غيّب اللّه عنكم نجمكم، فاستوت بنو عبد المطلّب فلم يعرف أيّ من أيّ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربّكم.(1)

1624- ورواه النعماني هكذا:

إنّما نحن كنجوم السماء، كلّما غاب نجم طلع نجم، حتّى إذا أشرتم بأصابعكم، وملتم بحواجبكم، غيّب اللّه عنكم نجمكم فاستوت بنو عبدالمطّلب فلم يعرف أيّ من أيّ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربّكم .(2)

1625- وروى النعماني أيضاً : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : مثل أهل بيتي مثل نجوم السماء، كلّما غاب نجم طلع نجم، حتّى إذا نجم منها طلع، فرمقتموه بالأعين، وأشرتم إليه بالأصابع، أتاه ملك الموت فذهب به،

ثمّ لبثتم في ذلك سبتاً من دهركم، واستوت بنو عبدالمطّلب، ولم يدر أيّ من أيّ، فعند ذلك يبدو نجمكم، فاحمدوا اللّه واقبلوه، انتهى .(3)

وقد ظهر بعون اللّه وببركة أوليائه من هذه الروايات الصحيحة المعتبرة أنّه لا يجوز لأحد تصدیق من يدّعي النيابة الخاصّة في زمان الغيبة الكبرى.

1626- ويشهد لذلك أيضاً ما رواه الشيخ الأجلّ الكليني (رحمة اللّه علیه) بسند صحيح عن الصادق علیه السلام، قال : للقائم علیه السلام غيبتان، إحداهما قصيرة، والأُخرى طويلة ، الغيبة الأُولى لايعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة شيعته،

والأُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه .(4)

ص: 414


1- الكافي: 338/1 ح8، عنه البحار: 138/51 ح7.
2- غيبة النعماني : 156 ح 17 .
3- غيبة النعماني : 155 ح 15، عنه البحار : 22/51 ح 33.
4- الكافي : 1/ 340 ح 19.

قال صاحب الوافي (رحمة اللّه علیه) بعد نقل هذا الحديث : كأنّه يريد بخاصّة الموالي، الّذين يخدمونه ، أنّ ساير الشيعة ليس له فيها إليه سبيل، وأمّا الغيبة الأُولى فكان له علیه السلام فيها سفراء تخرج إلى شيعته بأيديهم توقيعات، وكان أوّلهم أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رضي اللّه عنه ، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري رضي اللّه عنه فلمّا حضرت السمريّ رضي اللّه عنه الوفاة ، سأل أن يوصي، فقال : لله أمر هو بالغه،

فالغيبة الكبرى هي الّتي وقعت بعد مضي السمريّ رضي اللّه عنه (انتھی).(1)

1627- ويدلّ على المقصود ما رواه الصدوق : بإسناده، عن عمر بن عبدالعزيز ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قال :

إذا أصبحت وأمسيت لا ترى إماماً تأتمّ به، فأحبب من كنت تحبّ، وأبغض من كنت تبغض، حتّى يظهره اللّه عزّ وجلّ .(2)

1628- وروى الكليني (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي : بإسناده عن منصور، عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : :

قلت : إذا أصبحت وأمسيت لا أرى إماماً أئتمّ به ما أصنع؟ قال علیه السلام : فأحبّ من كنت تحبّ، وأبغض من كنت تبغض حتّى يظهره اللّه عزّ وجلّ .(3)

1629- وروى النعمانيّ: بإسناده عن محمّد بن منصور الصيقل، عن أبيه منصور، قال : قال أبو عبداللّه : إذا أصبحت وأمسيت يوماً لاترى فيه إماماً من آل محمّد فأحبب من كنت تحبّ، وأبغض من كنت تبغيض، ووال من كنت توالي، وانتظر الفرج صباحاً ومساءً.(4)

ص: 415


1- الوافي : 2/ 414 ذح 14.
2- كمال الدين : 348/2 ذح 14.
3- الكافي: 3٤2/1 ح 28، عنه الوافي : 418/2 ، ح26.
4- غيبة النعماني : 158 ح 3، عنه البحار : 132/52 ذح 37.

أقول: هذه الروايات تأمرنا بأن لانتّبع في زمان الغيبة أحداً يدّعي الإمامة أو البابيّة، والنيابة الخاصّة، إلى أن يظهر اللّه تعالى وليّه المنتظر عجّل اللّه فرجه

فإنّ قوله علیه السلام «فأحبب من كنت تحبّ، إلى آخره » كناية عن وجوب ترك المحبّة والمتابعة لمن يدّعي لنفسه مرتبة خاصّة من الإمامة، والنيابة الخاصّة، في زمن الغيبة التامّة ، يعني إن ادّعی مدّع لنفسه مقاماً خاصاً فلا تواله ولاتجبه إلى شيء، ومعنى هذا تكذیب دعواه كما لا يخفى على ذوي الافهام العارفین بأساليب الكلام.

ومن الأحاديث الّتي فيها دلالة وإشارة إلى انقطاع السفارة في الغيبة التامّة

ما رواه النعماني (رحمة اللّه علیه): بإسناده عن المفضّل بن عمر الجعفي ، عن أبي عبداللّه الصادق علیه السلام ، قال : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم : مات، وبعضهم يقول : قتل، وبعضهم يقول : ذهب،

فلا يبقى على أمره من أصحابه إلّا نفر يسير لا يطّلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره إلّا المولى الّذي يلي أمره .(1)

قال النعماني رحمه اللّه تعالى : ولو لم يكن يروي في الغيبة إلّا هذا الحديث لكان فيه كفاية لمن تأمّله، إنتهی.

تتميم نفعه عميم : قد عرفت أنّ الأشخاص الأربعة المذكورين رضي اللّه تعالی عنهم كانوا نوّاباً بالخصوص عن الصاحب عجّل اللّه تعالی فرجه في الغيبة الأُولى ، وكانت الشيعة يرجعون إليهم في أُمورهم لما ثبت عندهم من نیابتهم بالخصوص عنه ووكالتهم، وقد ثبت ذلك بنصّ الإمام عليهم

كما وقع لعثمان بن سعيد، وابنه محمّد من نصّ العسكريّين عليهما، وبنصّ محمّد على أبي القاسم حسین بن روح بأمر الإمام علیه السلام ، ونصّ الحسين على أبي الحسن عليّ بن محمّد السمريّ بأمر الإمام، وقد ظهر المعجزات من هؤلاء

ص: 416


1- غيبة النعماني : 171 ح5، غيبة الطوسي: 161 ح120، عنه البحار : 152/52 ح5.

النوّاب رحمهم اللّه تعالى كثيراً، وهي مذكورة في كتب الغيبة(1).

1630 - وقد صرّح ابن طاووس في كتاب ربيع الشيعة على ما حكی عنه المولى عناية اللّه في مجمعه بظهور المعجزات منهم، وكذا غيره من علمائنا الأخیار رحمهم اللّه تعالی

ولا ريب أنّ الوكالة والنيابة الخاصّة لا تثبت إلّا بأحد من هذه الطرق الثلاثة : أعني نصّ الإمام، أو نائبه الخاصّ، أو ظهور المعجزة على يد من يدّعي النيابة الخاصّة، ولو لم يكن كذلك لادّعي ذلك المقام كثير من عبدة الدنيا،

كما اتّفق لجماعة ظهر كذبهم، وخرج التوقيع عن الإمام بلعنهم، والبراءة منهم، كالنصيري والنميري، وغيرهما

وأسماؤهم مذكورة في كتب الغيبة، من أرادها فليرجع إليها .

وأمّا الغيبة الكبرى فقد انسدّ فيها باب الوكالة، والنيابة الخاصّة،

ولكن ثبت النيابة العامّة بنصوص النبيّ والأئمّة علیهم السلام ، والإجماع، والسيرة المتّصلة القطعيّة للعلماء العاملين، والفقهاء الراشدين، حماة الدين، ورواة أحاديث الأئمّة الطاهرين، فيجب على كافّة المؤمنين الرجوع إليهم فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم.

1631- وأمّا الروايات الواردة في حقّهم فهي مذكورة في كتب الفقه والحديث ، كقول النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : اللّهمّ ارحم خلفائي - ثلاثاً - فقيل : یا رسول اللّه، ومن خلفاؤك؟ فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : الّذين يأتون من بعدي، ويروون حديثي وسنّتي .(2)

1632- وفي التوقيع الشريف : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه عليهم.(3)

ص: 417


1- غيبة الطوسي: 394 ح 364، عنه البحار : 360/51 ، وعن كمال الدين : 503ح32.
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام : 362/2 ح 94، عنه البحار : 2/ 144 ح4، معاني الأخبار : 374 ح 1،عنه البحار: 2/ 145 ح7.
3- اكمال الدين : 2/ 484 ح 4.

إلى غير ذلك من الأخبار المضبوطة في مظانّها.

وهاهنا أمران ينبغي التنبيه عليهما :

الأوّل : ذهب قوم من أصحابنا إلى ثبوت الولاية العامّة للفقهاء في زمان الغيبة ، بمعنى أنّ لهم ما للإمام من المناصب والتصرّفات، إلّا ما خرج بالدليل،

فالأصل عند هؤلاء ثبوت النيابة العامّة، عدا ما استثني بالأدلّة ،

ونفاه آخرون، وقالوا بثبوت النيابة لهم فيما دلّ عليه دلیل خاصّ كالإفتاء ، والحكم بين الناس في الترافع، وغيرها ممّا ذكر في محلّه،

وهو الحقّ، لضعف ما تمسّك به الأوّلون، كما بيّنّاه في الفقه .

الثاني : لو ادّعى أحد من أهل مذهبنا لنفسه أو لغيره النيابة الخاصّة عن الحجّة عجل اللّه فرجه في زمان غيبته الثانية، فإن علم بأنّ انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى من ضروريّات المذهب، ومع ذلك ادّعى النيابة الخاصّة حكم بكفره وارتداده لاستلزامه تكذيب الشارع في بعض أحكامه، وهو كفر بغیر خلاف وإشكال .

وكذا إن علم بذلك بدلیل خاصّ، كالإجماع والأخبار ومع كونه عالماً به ادّعى النيابة الخاصّة في هذه الغيبة، لاستلزامه أيضاً تكذيب النبيّ، وأمّا إذا لم يعلم بكونه من ضروريّات المذهب، ولم يقطع به بسائر الأدلّة، وحصلت له شبهة، فأنكر انقطاع النيابة الخاصّة في تلك الغيبة وادّعاها لنفسه ، أو لغيره، فلا ريب في ضلالته وغوايته ، كسائر أهل الضلال، لكن في ثبوت ارتداده وخروجه بمحض ذلك عن الإسلام إشكال،

إذ لم يثبت من الأدلّة الشرعيّة كون إنكار الضروري عند أهل الإسلام سبباً مستقلاً للكفر والإرتداد فضلاً عن إنكار ضروري المذهب، بل إنكار الضروريّ يكون سبباً للكفر إن استلزم عدم تصديق النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في بعض ما جاء به، ولذلك يحكم بإسلام أهل السنّة مع إنكارهم ما هو ضروريّ عندنا، من كون أمير

ص: 418

المؤمنين علیه السلام خليفة سيّد المرسلين بلا فصل.

وقد ذهب إلى هذا التفصيل الفقيه الكبير والمحقّق الجليل، مولانا المقدّس الأردبيلي على ما حكي عنه ، وتبعه جمع من الفقهاء، وذهب قوم إلى أنّ إنكار ضروريّ الإسلام سبب مستقلّ للكفر، مثل إنكار إحدى الشهادتين، مستندين إلى أخبار قاصرة الدلالة على مدّعاهم، وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى محلّه، واللّه تعالى هو العالم، وهو الموفّق والعاصم.

72- الدعاء للفوز بلقاء صاحب الزمان علیه السلام في زمان ظهوره مقترناً بالعافية

الأمر الثاني والسبعون : أن تسأل اللّه عزّ وجلّ أن يرزقك لقاء مولانا صاحب الزمان

مقترناً بالعافية والإيمان، فهاهنا مطلبان :

أحدهما : استحباب طلب الفوز بلقائه علیه السلام في زمان ظهوره من الخالق المنّان

والثاني : أن تسأله تعالى اقتران ذلك لك بالعافية والإيمان. ويدلّ على الأوّل ما ورد عنهم علیهم السلام في الأدعية الّتي علّموها الشيعة لزمن الغيبة .

1633- ففي دعاء العهد المروي عن الصادق علیه السلام : اللّهمّ أرني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة ... الحديث . (1)

1634- وفي دعاء العمريّ المرويّ عن صاحب الامر علیه السلام :

اللّهمّ إنّي أسألك أن تريني وليّ أمرك ظاهراً نافذ الأمر ... إلخ(2)

إلى غير ذلك ممّا يوجب ذكره طول الكلام، هذا مضافاً إلى أنّه من لوازم الحبّ والإيمان، لأنّ كلّ محبّ يشتاق إلى لقاء حبيبه في كلّ أوان، ويتوسّل في ذلك المقصد بما كان له في حيّز الإمكان، ومن جملة الوسائل الدعاء والمسألة ، فإنّه مفتاح كلّ خير وبركة، والوسيلة إلى نيل كلّ مهمّ وحاجة.

ويدلّ على المقصود أيضاً جميع الأدلّة الآمرة بالدعاء لتعجيل فرجه وظهوره

ص: 419


1- المزار الكبير : 664، ورواه السيّد في مصباح الزائر : 546، عنه البحار : 111/102 .
2- الصحيفة الرضويّة الجامعة : 321 د: 29.

لأنّ الدعاء بأن يرزقك اللّه الفوز بلقائه وأنت حيّ عند ظهوره يتضمّن الدعاء بتعجیل فرجه وظهوره فيشمله الأدّلة الدالّة على تأكّده ورجحانه .

1635- ويدلّ على الثاني ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) بإسناده عن الصادق علیه السلام، قال : إذا تمنّى أحدكم القائم علیه السلام فليتمنّه في عافية ، فإنّ اللّه بعث محمّداً رحمة ويبعث القائم نقمة .(1)

أقول: توضيح المرام، أنّ اللّه لم يأمر نبيّه بالإنتقام من الكافرين والظالمين إذا لم يبدؤا بالقتال، وإنّما بعثه رحمة للعالمين، وقال له: (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)(2) فأخّر الإنتقام إلى زمان ظهور القائم، وكلّما أتاه جبرئيل أمره بمداراة الناس، وأمر الإمام المنتظر بالإنتقام ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون، فكلّ من يلقاه ليس لقاؤه له رحمة وبشارة ، بل يكون لأكثر الناس نقمة وعذاباً كما قال اللّه عزّ وجلّ : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)(3)

والآيات والروايات في ذلك متضافرة، ولمّا كانت المحن والبليّات في آخر الزمان كثيرة متهاجمة، والناس بمعرض لها، ومزلّة منها، أمروا شيعتهم بأن يسألوا اللّه عزّ وجلّ العافية منها، والسلامة من مزالّها، ويفوزوا بلقاء إمامهم المنتظر، معافين سالمين مسلّمين، ليكونوا من المتنعّمين، المستبشرين بظهوره ولقائه، الآمنين في ظلّ كنفه، لا المنحرفين الشاكّين، ولا المغيّرين المبدّلين ، ولا المغضوب عليهم، ولا الضالّين، الّذين ينتقم القائم علیه السلام منهم، ويخبطهم بالسيف خبطاً، ويكون مصيرهم إلى دار البوار، جهنّم يصلونها وبئس القرار .

واعلم أنّ الفوز للسائلين والطالبين في زمان ظهوره، يمكن أن يقع على أحد وجهين : أحدهما : أن يقرّب اللّه تعالی ظهوره علیه السلام فيدرك السائل لقاءه.

والثاني : أن يموت السائل فيجيبه اللّه عزّوجلّ في زمن ظهور القائم علیه السلام ليفوز بلقائه إجابة لدعائه، وإثابة لرجائه، كما ورد في دعاء العهد المرويّ عن

ص: 420


1- الكافي : 8/ 233 ح 306.
2- الطارق : 17.
3- السجدة : 21.

الصادق علیه السلام وقد ذكرناه في الامر الرابع والثلاثين ، فراجع .(1)

تتميم نفعه عميم : كما أنّه يستحبّ طلب الفوز بلقائه في زمان ظهوره، يستحبّ أيضاً طلب الفوز بلقائه في زمان غيبته في حال نوم السائل وفي يقظته ،

ويدلّ على ذلك وجوه:

الأوّل : جميع ما دلّ على استحباب الدعاء لكلّ أمر مشروع،

كقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(2)

وقوله تعالى: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)(3)

(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)(4)

والروايات في ذلك متواترة:

1636- منها عن الصادق علیه السلام : الدعاء هو العبادة الّتي قال اللّه عزّ وجلّ :

(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(5).

1637- وعنه علیه السلام قال : الدعاء كهف الإجابة ، كما أنّ السحاب كهف المطر .(6)

1638- وعنه 2 قال : أكثروا من أن تدعوا اللّه، فإنّ اللّه يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين الإستجابة، واللّه مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم في الجنّة ، الخير .(7)

1639- وفي حديث آخر عنه علیه السلام قال : فأكثر من الدعاء، فإنّه مفتاح كلّ رحمة ونجاح كلّ حاجة ، ولا ينال ما عند اللّه عزّوجلّ إلّا بالدعاء،

وإنّه ليس [من] باب یكثر قرعه إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه .(8)

ص: 421


1- تقدّم ص229.
2- غافر : 60.
3- النساء : 32.
4- البقرة : 186.
5- الكافي : 467/2 ح7، عنه الوسائل : 1084/4 ح4.
6- الكافي : 471/2 ح1، عنه الوسائل : 4/ 1085 ح5.
7- الكافي : 8/ 134، عنه الوسائل : 1086/4 ح6.
8- الكافي: 470/2 ح7، عنه الوسائل: 1086/4 ح7.

1640- و عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : وما من مسلم دعا اللّه بدعوة ليست فيها قطيعة رحم، ولا استجلاب إثم إلّا أعطاه اللّه تعالى بها إحدى خصال ثلاث :

إمّا أن يعجّل له الدعوة، وإمّا أن يدّخرها في الآخرة،

وإمّا أن يرفع عنه مثلها من السوء .(1)

1641- و عنه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : الدعاء مخّ العبادة، وما من مؤمن يدعو اللّه إلّا استجاب فإمّا أن يعجّل له في الدنيا، أو يؤجّل له في الآخرة،

وإمّا أن يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بمأثم .(2)

1642- و عنه صلی اللّه علیه وآله وسلم : قال :

أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام.(3)

1643- وعن أمير المؤمنين علیه السلام، قال :

ما كان اللّه ليفتح باب الدعاء ويغلق عليه باب الإجابة .(4)

1644- و عن الصادق علیه السلام عليكم بالدعاء، فإنّكم لاتقرّبون إلى اللّه بمثله .(5)

1645- و عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ في الأرض الدعاء، وأفضل العبادة العفاف .(6)

1646- وعن فضيل بن عثمان، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: أوصني،

قال علیه السلام: أُوصيك بتقوى اللّه، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الصحابة لمن صحبك، وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء ، واجتهد، لا تمتنع من شيء تطلبه من ربّك، ولا تقول هذا ما لا أُعطاه ،

ص: 422


1- عدّة الداعي : 39، عنه البحار : 366/93 ح16، والوسائل : 1086/4 ح8.
2- عدّة الداعي : 51 ح8 و9 ، الوسائل : 1086/4 ح 9 و10.
3- عدّة الداعي : 51 ح8 و9 ، الوسائل : 1086/4 ح 9 و10.
4- عدّة الداعي : 38، عنه الوسائل : 1086/4 ح 12، والبحار : 366/93 .
5- عدّة الداعي : 166، الكافي : 467/2 ح6، الأمالي للمفيد : 20 ح9.
6- مكارم الأخلاق :9/2 ح 11، عدّة الداعي : 50، الكافي : 467/2 ح78، عنه الوسائل : 1089/4 ح4.

وادع فإنّ اللّه يفعل ما يشاء(1).

إلى غير ذلك من الأخبار المرويّة في كتب علمائنا الأخبار .

وحاصل الكلام أنّ التشرّف برؤية الإمام علیه السلام أمر ممكن مشروع، وكلّ أمر ممكن مشروع يستحبّ الدعاء له.

والنتيجة : استحباب الدعاء للتشرّف بلقائه سلام اللّه تعالى عليه .

أمّا الكبرى : فهي ثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل، ويكفي من الكتاب والسنّة ماتلونا عليك، والإجماع ظاهر على من له خبرة وأُنس بكتب العلماء، وسيرة المسلمين، بل يمكن ادّعاء كون استحباب الدعاء من ضروریّات الدين، والعقل حاكم بحسن سؤال العبد مطالبه من ربّ العالمين.

وأمّا الصغرى : أعني إمكان التشرّف برؤية الإمام المنتظر، عجّل اللّه تعالى فرجه و مشروعيّة طلبه، فهو ظاهر لأهل الإيمان واليقين، وأدلّ شيء على إمكانه ، وقوعه لكثير من الصالحين، ومن أراد اللّه به خيراً في الدنيا والدين، وقد ورد سؤاله في عدّة من الزيارات والأدعية الّتي نقلها سلفنا الصالحون في كتبهم.

1647- ففي الدعاء المروي عنه بتوسّط العمري:

واجعلنا ممّن تقرّ عينه برؤيته .(2)

1648- وفي دعاء العهد: واكحل ناظري بنظرة منّى إليه .(3)

1649- وفي دعاء الندبة : وأره سیّده یا شدید القوى .(4)

1650- وفي دعاء عقيب السلام عليه في السرداب المبارك «وأرنا وجهه»(5) إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه، وحمل ذلك كلّه على أنّ المراد طلب رؤيته في زمان ظهوره فقط ممّا لا شاهد له ولا داعي إليه.

ص: 423


1- الزهد : 19 ح 42، عنه البحار : 227/78 ح98.
2- الصحيفة الرضويّة الجامعة : 323 د: 29
3- مصباح الزائر : 546، عنه البحار : 111/102 .
4- الصحيفة الرضويّة الجامعة : 319 د: 28 .
5- البحار : 88/102 .

1651- وقد ورد في بعض الأخبار أنّه علیه السلام يتردّد بين الناس فيرونه، ولا يعرفونه، وقد اتّفق لي ولبعض الأخيار ما هو من الأسرار .

1652- ومن الأخبار الّتي أشرت إليها ما رواه الكليني (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي : بسند صحيح عال(1) عن سدير الصيرفي، قال :

سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: إنّ في صاحب هذا الأمر شبهاً من يوسف علیه السلام قال : قلت له : كأنّك تذكر حياته أو غيبته؟ قال : فقال عليه الصلاة والسلام لي:

و ماینكر من ذلك هذه الأُمّة أشباه الخنازير؟ إنّ إخوة يوسف علیه السلام كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء تاجروا يوسف، وبايعوه و خاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتّى قال : أنا يوسف وهذا أخي.

فما تنكر هذه الأُمّة الملعونة أن يفعل اللّه عزّ وجلّ بحجّته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف؟ إنّ يوسف علیه السلام كان إليه ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه القدر على ذلك، لقد سار يعقوب علیه السلام وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر .

فما تنكر هذه الأُمّة أن يفعل اللّه جلّ وعزّ بحجّته كما فعل بيوسف، أن يمشي في أسواقهم، ويطأ بسطهم، حتّى يأذن اللّه في ذلك له كما أذن ليوسف، قالوا: (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ)(2).(3)

1653- وروى النعمانيّ : بإسناده عن سدير الصيرفي، قال : سمعت أبا عبداللّه الصادق علیه السلام يقول : إنّ في صاحب هذا الأمر لسنّة من يوسف،

ص: 424


1- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفيّ . أقول: رواة الحديث كلّهم أجلّاء ثقاة ، ومحمّد بن الحسين هو محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب وابن أبي نجران هو عبدالرحمان ، وفضالة قيل: إنّه من أصحاب الإجماع، وسدير يروی فيه مدح جليل، وهو كثير الرواية وقالوا في حقّه : إنّه كان مخلصاً (لمؤلفه «ره»).
2- يوسف: 90.
3- الكافي : 336/1 ح4، كمال الدين : 1/ 144 ح 11 وص341 ح 21،علل الشرائع : 244، الوافي : 412/2 ، ح10.

فقلت : فكأنّك تخبرنا بغيبة أو حيرة؟ فقال علیه السلام :

ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك؟

إنّ إخوة يوسف كانوا عقلاء ألبّاء أسباطاً أولاد أنبياء، دخلوا عليه فكلّموه وخاطبوه وتاجروه وراودوه، وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتّى عرّفهم نفسه، وقال لهم : أنا يوسف، فعرفوه حينئذ.

فما تنكر هذه الأُمّة المتحيّرة أن يكون اللّه جلّ وعزّ يريد في وقت من الأوقات أن يستر حجّته عنهم؟ لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه بمكانه لقدر على ذلك،

واللّه لقد سار یعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر .

فما تنكر هذه الأُمّة أن يكون اللّه يفعل بحجّته مافعل بيوسف، وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتّى يأذن اللّه له أن يعرّفهم نفسه ، كما أذن ليوسف حين قال له إخوته : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ) !!(1)

أقول: تأمّل أيّها المؤمن المستيقن في هذا الحديث الشريف، وتدبّر في تعريض الإمام وإنكاره على من يزعم أنّ الإمام لا يتردّد بين الأنام، ولا يرونه، وانظر في تشبيهه من هذه الجهة بيوسف الصدّيق،

وفي هذا الحديث وما ذكرنا قبله كفاية وتصديق لاهل الإيمان والتحقيق، ولا أجد في الروايات ما يتوهّم منه المنافاة لما ذكرناه سوی حدیثین تبيّن عدم منافاتهما لما بيّنّاه لمن يأوي إلى ركن وثيق :

أحدهما: قوله في التوقيع الشريف المتقدّم:

فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب (إلخ).(2)

وقد بيّنّا في الأمر السابق عدم منافاته لما ذكرناه ، فراجع.

ص: 425


1- غيبة النعماني : 163 ح4 ، عنه البحار : 154/52 ح9.
2- تقدّم الحديث رقم : 1620.

1654- والثاني ما في مزار البحار عن بعض كتب المزار : بإسناده عن أحمد ابن إبراهيم، قال : شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان شوقي إلى رؤية مولانا علیه السلام ، فقال لي: مع الشوق تشتهي أن تراه، فقلت له: نعم،

فقال لي: شكر اللّه لك شوقك، وأراك وجهه في يسر وعافية، لاتلتمس یا أبا عبد اللّه أن تراه، فإنّ أيّام الغيبة تشتاق إليه ولا تسأل الإجتماع معه، إنّها عزائم اللّه والتسليم لها أولی، ولكن توجّه إليه بالزيارة .(1)

أقول: لا منافاة في هذا الحديث لما ذكرناه :

أمّا أوّلاً: فلأنّه دعا للسائل بقوله : أراك وجهه ، ولو كان هذا غير ممكن، أو طلبه غير مشروع لما كان يدعو له بذلك.

وأمّا ثانياً : فلأنّ هذا السؤال والجواب كان في زمان الغيبة الأُولى،

وفي ذلك الزمان قد وقع الفوز بلقائه علیه السلام لكثير من أهل الإيمان ، من السفراء وغيرهم كما يظهر من الأخبار

ولم نر في الروايات ما يدل على نفي المشاهدة مطلقاً في الغيبة الأولى.

وأمّا ثالثاً : فلأنّه يحتمل أن يكون في ذلك الوقت مانع بملاحظته ، لم يصلح التشرّف بلقائه لأحد، وقد ورد نظير ذلك في منع الوكلاء عن ذكره :

1655- ففي أُصول الكافي : عن الحسين بن الحسن العلوي، قال : كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه ، فقال له: هوذا يجبي الأموال، وله وكلاء، وسمّوا جميع الوكلاء في النواحي، وأنهى ذلك إلى عبيداللّه بن سليمان الوزير ، فهمّ الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان : أُطلبوا أين هذا الرجل، فإنّ هذا أمر غلیظ ، فقال عبيداللّه بن سليمان : نقبض على الوكلاء، فقال السلطان : لا ولكن دسّوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه.

قال : فخرج بأن يتقدّم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً، وأن

ص: 426


1- المزار الكبير : 585 ح3، عنه البحار : 97/102 .

يمتنعوا من ذلك، ويتجاهلوا الأمر، فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه ، وخلا به ، فقال : معي مال أُريد أن أُوصله، فقال له محمّد: غلطت،

أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطّفه ومحمّد يتجاهل عليه ، وبثّوا الجواسيس، وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدّم إليهم.(1)

وأمّا رابعاً : فبأنّه لا يمكن لأحد التشرّف برؤيته إلّا بإذنه ، ويمكن أن يكون منع أبي جعفر من ذلك بسبب عدم إذن الإمام له في تشرّف هذا الشخص بلقائه ، إمّا بسبب عدم تحمّله لهذا السرّ وضعف طاقته ونشر الخبر وإذاعته، أو لغير ذلك

1656- ويؤيّد هذا الوجه ما في أُصول الكافي : عن عليّ بن محمّد، عن أبي عبداللّه الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمّد علیه السلام ، أن أسأل عن الإسم والمكان، فخرج الجواب :

إن دللتهم على الإسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلّوا عليه .(2)

وأمّا خامساً : فلعلّ السائل أراد مصاحبته ، وملازمته على نحو أصحاب سائر الأئمّة علیهم السلام ، وذلك كان ممنوعاً في الغيبتين جميعاً، والشيخ أبو جعفر فهم منه ذلك أيضاً، ولهذا قال : لا تسأل الإجتماع معه.

1657- ويؤيّد هذا الوجه ما رواه الكليني رحمه اللّه تعالى في الصحيح عن الصادق علیه السلام قال : للقائم علیه السلام غیبتان : إحداهما قصيرة، والأُخرى طويلة،

الغيبة الأُولى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة شيعته،

والأُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه .(3)

هذا، وقد مرّ في الأمر السابق ما يؤيّده أيضاً، فتدبّر .

ص: 427


1- الكافي : 1/ 525 ح 30، عنه الوافي : 3/ 880 ح 27، والبحار : 310/51 ح30.
2- الكافي : 1/ 333 ح 2، عنه الوافي : 403/2 ح2، والوسائل : 487/11 ح 7.
3- الكافي : 1/ 340 ح19، عنه الوافي : 415/2 ح17، غيبة النعماني : 170 ح1، عنه البحار :155/52 ح10.

الوجه الثاني: إنّ النظر إلى وجهه المنير عبادة، وطلب التوفيق للعبادة عبادة، فطلب التوفيق له عبادة، وكلّ من المقدّمتين من الوضوح بمكان لا يحتاج إلى إقامة دليل وبرهان.

1908- بل يشهد للأُولى ما روي في مجالس الصدوق : عن مولانا الرضا علیه السلام : من أنّ النظر إلى ذرّيّة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم عبادة، إماماً كان أو غير إمام .(1)

وللثانية : الدعوات المأثورة عن الأئمّة علیهم السلام ، وأمرهم بطلب التوفيق للعبادة من اللّه عزّ وجلّ.

الوجه الثالث : قوله في دعاء العهد وغيره : اللّهمّ أرني الطلعة الرشيدة ، والغرّة الحميدة، واكحل ناظري بنظرةٍ منّي إليه ... إلخ، فإنّه يعمّ بإطلاقه زمان غيبته وحضوره ، كما لا يخفى على من استنار قلبه بنوره.

الوجه الرابع : فحوى ما ورد في فضل قراءة سورة بني إسرائيل في ليالي الجمعة :

1659- ففي تفسير البرهان عن العيّاشيّ والصدوق في كتابيهما: بإسنادهما عن الصادق علیه السلام قال : من قرأ سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة لم يمت حتّى يدرك القائم، ويكون من أصحابه .(2)

1660- وفحوى ما ورد في فضل قراءة دعاء العهد المرويّ في البحار عن كتاب الإختيار للسيّد ابن الباقي عن الصادق علیه السلام، أنّه قال: من قرأ بعد كلّ فريضة هذا الدعاء فإنّه يرى الإمام «م ح م د» بن الحسن عليه وعلى آبائه السلام في اليقظة أو في المنام(3) وقد ذكرناه في أوّل الباب السادس .(4)

ص: 428


1- أمالي الصدوق : 369 ح 2، عنه البحار : 218/96 ح 2، 3.
2- العيّاشي: 31/3 ح 1 ، ثواب الاعمال : 133 ح1 ، عنه البحار: 281/92 ح 1 ، والبرهان : 471/3ح1 و2.
3- البحار : 61/86 ح69.
4- تقدّم الحديث تحت الرقم: 1044.

1661- وفحوى ما روي في مكارم الأخلاق في فضل قراءة :

اللّهمّ إنّ رسولك الصادق المصدّق - إلى آخره بعد كلّ فريضة، والمواظبة على هذا الدعاء - أنّه يتشرّف بلقاء صاحب الأمر عجّل اللّه تعالی فرجه(1)

وقد ذكرناه في الباب السادس أيضاً.(2)

وجه الإستدلال أنّ الأخبار المذكورة تدلّ بدلالة التنبيه والإيماء على أنّ طلب التشرّف بلقائه في أمر محبوب عند اللّه تعالى،

وقد ندب إليه الأئمّة علیهم السلام ، حتّى أنّ الفوز بلقائه قد جعل ثواباً لمن تعبّد ببعض العبادات الّتي أمر الشارع بها، فتدبّر .

الوجه الخامس: ما نظمه العلّامة الطباطبائي السيّد مهدي النجفيّ المشتهر ببحر العلوم في الغايات الّتي يستحبّ لها الغسل، حيث قال في درّته :

ورؤية الإمام في المنام *** لدرك مايقصد من مرام

فلو لم يكن طلب رؤية الإمام أمراً مستحبّاً مرغوباً إليه لم يكن الإغتسال له مستحبّاً راجحاً، إذ لا يخفى أنّ استحباب الغسل إنّما هو لرجحان ما يغتسل له،

وهذا ظاهر بالنظر إلى سائر موارده، فتدبّر .

الوجه السادس: إنّ طلب لقائه إنّما هو لمحبّته، والإشتياق والتحبّب إليه ، ولا ريب أنّ التودّد والتحبّب إليه من أفضل العبادات وأهمّها لأنّه من آثار الولاية وعلائمها، فكلّما كان الحبّ أشدّ وأتمّ كان الإشتياق إلى لقاء المحبوب أكثر وأعظم، وقد مرّ في هذا الباب ما يدلّ على هذا المرام ويتذكّر به أُولو الألباب .(3)

الوجه السابع : ما روي في جنّة المأوى للعالم النوري رحمه اللّه تعالی عن كتاب الإختصاص للشيخ المفيد (رحمة اللّه علیه) عن أبي المغرا(4)، عن الإمام موسی بن

ص: 429


1- مكارم الاخلاق : 35/2 ح 1، عنه المستدرك : 77/5 ح 11، والبحار : 8/86 س6.
2- تقدّم الحديث تحت الرقم: 1046.
3- راجع إلى الأمر السادس في هذا الباب ص187.
4- حميد بن المثنّى، كوفي عربي عجليّ ، وثقة جليل له كتاب .

جعفر علیهماالسلام ، قال سمعته يقول : من كانت له إلى اللّه حاجة وأراد أن يرانا، وأن يعرف موضعه من اللّه، فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا،

فإنّه يرانا ويغفر له بنا، ولا يخفى عليه موضعه ، الخبر .(1)

قال المحدّث النوري بعد ذكر الحديث : قوله علیه السلام :

يناجي بنا أي يناجي اللّه تعالی بنا، ويعزم عليه ويتوسّل إليه بنا أن يرينا إيّاه، ويعرف موضعه عندنا، وقيل: أي يهتمّ برؤيتنا، ويحدّث نفسه بنا ورؤيتنا ومحبّتنا، فإنّه يراهم، أويسألنا ذلك ، إنتهى كلامه .

أقول : يحتمل قويّاً أن يكون المراد من قوله علیه السلام: «یناجي بنا» أن يناجي المؤمن إمام زمانه ويذكر له حاله ، ويبثّ إليه حزنه وشكواه، ويكلّمه ويعرض عليه حوائجه ومناه، ويسأله الإهتمام بما يحتاج إليه ويتمنّاه،

كما يناجي ربّه ومولاه، فإنّ إمامه يسمع كلامه ويراه، فإنّه الّذي جعله اللّه تعالی غوثاً لمن فزع إليه وهواه، ومفزعاً لمن التجأ إليه وناداه ، ومعيناً لمن استعان به وناجاه، فيكون معنى يناجي بنا : يناجينا، ونظيره ما سيأتي في الأمر الآتي في الحديث: «أن ينادي بهم الباري » ومعناه يناديهم.

1662- وفي دعاء يوم العاشور: وجعلنا اللّه وإيّاكم من الطالبين بثاره أي من طالبي ثاره، ونظيره كثير كما لا يخفى على الخبير .

1663- ويشهد لما ذكرناه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس في كشف المحجّة نقلاً عن كتاب الرسائل لمحمّد بن يعقوب الكليني، رحمه اللّه تعالى عمّن سمّاه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : إنّ الرجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه مايحبّ أن يفضي به إلى ربّه(2) قال : فكتب علیه السلام :

إن كانت لك حاجة فحرّك شفتيك، فإنّ الجواب يأتيك ، إنتهی .(3)

ص: 430


1- الاختصاص : 87، عنه البحار : 256/26 ح 32.
2- أي يعرض على إمامه في خلوة وسرّ من حوائجه و مطالبه ما يحبّ أن يعرض على ربّه في خلوة منه (رحمة اللّه علیه).
3- كشف المحجّة : 153.

وعلى ما ذكرناه فالباء في قوله علیه السلام : «یناجي بنا» زائدة تقوية وتأكيداً للكلام، أو للملابسة والإلصاق المجازيّ، فتدبّر .

الوجه الثامن : عمل الصالحين من العلماء وغيرهم، واستقرار سيرتهم على مسألة التشرّف بلقائه علیه السلام عن قديم الأيّام، بحيث كان جمع منهم يواظبون على البيتوتة، والتضرّع والعبادة أربعين ليلة جمعة في مسجد الكوفة، أو أربعين ليلة أربعاء في مسجد السهلة ، لينالوا بهذا الفوز العظيم.

وقد اتّفق الفوز بلقائه لكثير من الصالحين، ووقائعهم مذكورة في الكتب كالبحار والنجم الثاقب ودار السلام للشيخ محمود وغيرها .(1)

وقد سمعت من الثقاة وقائع غير مذكورة في تلك الكتب، لم يثبت في خاطري الآن كيفيّاتها لأُثبتها في هذا المقام، والحاصل أن التشرّف برؤيته في زمان غيبته أمر ممكن، قد وقع لكثير من الأنام من الخواصّ والعوامّ،

وبهذا يجاب عن بعض أهل الشبهة من العامّة وغيرهم الّذين يعترضون على الإماميّة بأنّه : أيّ فائدة في وجود الإمام الغائب عن الأبصار .

ويجاب عنهم أيضاً، بأنّ فوائد وجود الإمام ليست منحصرة في الفوائد الّتي تدرك بمشاهدته وظهوره بل فوائد وجوده المبارك كثيرة، تصل إلى جميع الممكنات وان كان غائباً عن أبصار البريّات،

ولذلك شبّه في عدّة من الروايات بالشمس، إذا كانت تحت السحاب .(2)

لمؤلّفه :

هو العلم الهادي بإشراق نوره *** وإن غاب عن عيني كحين ظهوره

ألم تر أنّ الشمس ينشر ضوءها *** إذا كان تحت الغيم حین عبوره

ص: 431


1- البحار : 1/52 ، النجم الثاقب : 241.
2- كمال الدين : 253/1 ح 3، عنه البحار :92/52 ح8، أمالي الصدوق : 253 ح 15، عنه البحار : 92/26 ح6 .

ونحن نذكر إن شاء اللّه تعالى شأنه في خاتمة الكتاب وجوهاً كثيرة ممّا ألهمنا اللّه تعالی ببركة أوليائه في تشبیه مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه في زمان غیبته بالشمس إذا كانت تحت السحاب .

هذا وقد صرّح جمع من علمائنا في كتبهم بأنّه لا يمتنع في زمان الغيبة التشرّف بلقاء الحجّة علیه السلام، وبوقوع ذلك لكثير من المؤمنين :

قال السيّد المرتضی رضي اللّه تعالی عنه في كتاب الغيبة

فإن قيل : فأيّ فرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحد ولا ينقطع به بشر، وبين عدمه، وإلّا جاز إعدامه إلى حين علم اللّه بتمكين الرعيّة له كما جاز أن يبيحه الإستتار حتّى يعلم التمكين له فيظهر؟ قيل له:

أوّلاً نحن نجوّز أن يصل إليه كثير من أوليائه والقائلون بإمامته فينتفعون به، ومن لا يصل إليه منهم ولا يلقاه من شيعته ، ومعتقدي إمامته فهم ينتفعون به في حال الغيبة، النفع الّذي نقول إنّه لا بدّ في التكليف منه، إلى آخر ما قال .(1)

وقال السيّد رضي الدين عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كشف المحجّة مخاطباً لولده (رحمة اللّه علیه): والطريق مفتوحة إلى إمامك علیه السلام لمن يريد اللّه جلّ شأنه عنايته به وتمام إحسانه إليه ، إنتهی .(2)

ومن العلماء المصرّحين بذلك العلّامة المجلسيّ، وبحر العلوم والمحقّق الكاظميّ والشيخ الطوسيّ وغيرهم من أجلّة العلماء الأبرار .(3)

فقد ظهر بما تلوناه عليك ببركة أوليائه علیهم السلام إمكان رؤيته في اليقظة والمنام

ص: 432


1- رسائل الشريف المرتضى : 297/2 ، المقنع في الغيبة : مخطوط، عنه ترائنا : 203/27 السنة السابعة.
2- كشف المحجّة : 154.
3- نقل العلّامة المجلسي (رحمة اللّه علیه) في البحار: 108/51 عن السيّد بن طاووس أنّه قال : لقد لقي المهدي علیه السلام كثير من الشيعة وغيرهم، وظهر لهم على يده من الدلائل ما ثبت عندهم أنّه هو، وإذا كان علیه السلام غير ظاهر لجميع شیعته، فلا يمتنع أن يكون جماعة منهم يلقونه وينتفعون بمقاله وفعاله، ويكتمونه .

في زمان الغيبة الكبرى، واستحباب مسالة هذا الشان من القادر المنّان، وهو الموفّق وعليه التكلان.

73- الإقتداء والتأسي بالإمام علیه السلام في أعماله وأخلاقه

الأمر الثالث والسبعون : الإقتداء والتاسّي بأخلاقه وأعماله

فيما يقدر عليه المؤمن بحسب حاله وهذا معنى التشيّع وحقيقة الائتمام، وبه يحصل كمال الإيمان وتمام موالاة الإمام معه يوم القيام ومجاورته في دار السلام :

1664- ففي كتاب أمير المؤمنين علیه السلام إلى عثمان بن حنیف عامله على البصرة

قال علیه السلام : ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، إلخ.(1)

1665- وفي روضة الكافي : عن زین العابدین علیه السلام ، قال : لا حسب لقرشيّ ولا لعربيّ إلّا بتواضع، ولا كرم إلّا بتقوى، ولاعمل إلّا بالنيّة، ولا عبادة إلّا بالتفقّه ، ألا وإنّ أبغض الناس إلى اللّه من يقتدي بسنّة الإمام ولا يقتدي بأعماله .(2)

توضیح:

1666- قد ورد في الروايات : أنّ اللّه تعالى قد يحب عبداً ويبغض عمله، وقد يبغض عبداً ويحبّ عمله(3)،

وهذا موافق للعقل والاعتبار، لأنّ المحبوبيّة والمبغوضيّة عند اللّه إنّما يكون بسبب أمر اللّه ونهيه، على حسب ما يريده اللّه من العبد في اعتقاده وعمله فيمكن أن يكون العبد محبوباً عند اللّه بحسب الإعتقاد لكونه مؤمناً، ومبغوضاً عنده بحسب العمل لكونه مخالفاً لأمره ونهيه ، وكذا العكس.

إذا عرفت هذا فنقول : الظاهر أنّ المراد من هذا الكلام أنّ أبغض الناس إلى اللّه من حيث العمل من يكون على طريقة الإمام أي يعتقد ويقرّ بإمامته وولايته

ص: 433


1- نهج البلاغة : ص416، عنه البحار : 340/40 ح 27 .
2- الكافي: 8/ 234 ح312، تنبيه الخواطر: 2/ 152.
3- نهج البلاغة: 216، عنه البحار :367/71 ضمن ح17، أمالي الطوسي: 411 ضمن ح 923، عنه البحار : 46/ 234 ضمن ح1.

وهو مع ذلك يخالفه في الأعمال والأخلاق، والسرّ في ذلك أنّ المؤمن إذا خالف إمامه في أعماله وأخلاقه كان شيناً وعاراً على الإمام، وسبباً لطعن الأعداء وإزرائهم عليه، وهذا ذنب عظيم، وإذا اقتدى بأعماله وأخلاقه كان سبباً لعظمة وليّ اللّه في أعينهم، ورغبة المخالفين إلى طريقتهم، واهتداء الناس بأعمالهم إلى إمامهم، فيحصل بذلك الغرض الإلهي من نصب الإمام بين الأنام .

1667- ولهذا قالوا: كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً.(1)

1668- وقالوا: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم .(2)

1669- وفي أُصول الكافي : في الصحيح العالي (3) عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

إنّا لا نعدّ الرجل مؤمناً حتّى يكون بجميع أمرنا متّبعاً ومريداً ،

ألا وإنّ من اتّباع أمرنا وارادته الورع، فتزيّنوا به يرحمكم اللّه، وكیدوا(4) أعداءنا به ينعشكم اللّه(5). (6)

1670- وفي روضة الكافي : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، قال : مررت أنا وأبو جعفر علیه السلام على الشيعة وهم ما بين القبر والمنبر ، فقلت لأبي جعفر علیه السلام:

ص: 434


1- روي في أصول الكافي (78/2 ح14): بإسناده الصحيح عن الصادق علیه السلام قال : كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والإجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية . وفيه ( 77/2 ح9): بإسناده الصحيح عنه علیه السلام قال : عليك بتقوى اللّه والورع والإجتهاد و صدق الحديث و أداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زينة ولا تكونوا شينا وعليكم بطول الركوع والسجود (لمؤلّفه ره) .
2- روي في أصول الكافي (78/2 ح14): بإسناده الصحيح عن الصادق علیه السلام قال : كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والإجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية . وفيه ( 77/2 ح9): بإسناده الصحيح عنه علیه السلام قال : عليك بتقوى اللّه والورع والإجتهاد و صدق الحديث و أداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زينة ولا تكونوا شينا وعليكم بطول الركوع والسجود (لمؤلّفه ره) .
3- رواه عن عليّ بن إبراهيم القمّيّ، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب كلّهم أجلّاء ثقاة إماميّون (لمؤلّفه).
4- في أكثر النسخ هكذا، أي حاربوهم بالورع التغلبوا أو ادفعوا به كیدهم، وفي بعض النسخ : بالباء الموحّدة المشدّدة ، من الكبد بمعنى الشدّة والمشقّة، أي أوقعوهم في الألم والمشقّة، لأنّه يصعب عليهم ورعكم.
5- أي يرفعكم اللّه في الدنيا والآخرة .
6- الكافي : 78/2 ح3، عنه الوافي : 327/4 ح 9، والبحار : 302/70 ح 12.

شيعتك ومواليك جعلني اللّه فداك ، قال : أين هم؟ قلت : أراهم ما بين القبر والمنبر ، فقال : اذهب بي إليهم فذهب فسلم عليهم، ثم قال :

واللّه إنّي لأُحبّ ریحكم وأوراحكم، فأعينوا مع هذا بورع واجتهاد، إنّه لا ينال ما عند اللّه إلّا بورع واجتهاد، وإذا ائتممتم بعبد فاقتدوا به، أما واللّه إنّكم لعلي ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل، وإن كان هؤلاء على دين أُولئك فأعينوا على هذا بورع واجتهاد .(1)

قال العلّامة المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في الشرح : إنّما خصّص من بين الآباء إبراهيم وإسماعيل لبيان أنّ جميع الأنبياء مشاركون لنا في الدين،

ولمّا كان هذا التخصيص يوهم إمّا الحصر أو كونهم أفضل من آبائه الأكرمين محمّد وأهل بيته صلوات اللّه وسلامه عليهم استدرك ذلك بأنّ النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم وأهل بيته هم الأصل في دين الحقّ وسائر الأنبياء علیهم السلام على دينهم ومن أتباعهم.

فقوله صلی اللّه علیه وآله وسلم: «هؤلاء» إشارة إلى إبراهيم وإسماعيل وغيرهما من الأنبياء الماضين علیهم السلام و «أُولئك» إشارة إلى آبائه الأقربين من النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم والأئمّة الطاهرين صلوات اللّه وسلامه عليهم، إنتهى كلامه .(2)

أقول: يحتمل أن يكون تخصيص إبراهيم وإسماعيل علیهماالسلام بالذكر نظراً إلى قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)(3)

وقوله : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)(4)

وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)555(5) وتنبيهاً على أنّ الطريقة الحنيفيّة الحقّة الّتي أمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلی اللّه علیه وآله وسلم طريقة الشيعة وإن كانوا هم الأقلّين عدداً الأخفّين عند الناس

قدراً، وهي شريعة إبراهيم وحقيقة التوحيد.

ص: 435


1- الكافي : 240/8 ح 328.
2- مرآة العقول : 354/4 ح 328.
3- النحل : 123.
4- الحجّ: 78.
5- النساء: 125 .

1671- والدليل على ما ذكرنا ما رواه ثقة الإسلام (رحمة اللّه علیه) أيضاً في روضة الكافي : عن أبي جعفر علیه السلام :

ما أحد من هذه الأُمّة يدين بدين إبراهيم علیه السلام إلّا نحن وشيعتنا، وما هدي من هدي من هذه الأُمّة إلّا بنا، ولا ضلّ من ضلّ من هذه الأُمّة إلّا بنا، إنتهى .)(1)

وهذا الكلام منه علیه السلام تسلية لقلوبهم وتشويق وتزكية لهم وتقریر وتثبيت لهم على طريقتهم، ولذلك أكّد كلامه بالقسم، وبحرف التحقيق، وبالجملة الإسميّة، ويكون قوله علیه السلام : «وإن كان هؤلاء» إشارة إلى العامّة العمياء وتعريضاً عليهم، و«أُولئك» إشارة إلى رؤسائهم أئمّة الضلال لعنهم اللّه تعالى ،

فإنّ الزمان كان زمان تقيّة والمكان مكان تقية .

والغرض من أوّل الكلام إلى آخره أن لا يحزنوا لما يرون في مخالفيهم من الكثرة والعزّة الظاهريّة، والتنعّم بالنعم الدنياويّة، والتقلّب في المشتهيات النفسانيّة من الأموال والزخارف والرئاسة، ويرون في أنفسهم أضدادها، ولا يتنافسوا في الأموال، ولا يرغبوا في الدنيا، وليفرحوا بما أنعم اللّه تعالى عليهم من دین الحقّ، الّذي أمر نبيّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وأئمّتهم عليه ،

قال اللّه عزّ وجلّ : («لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ)(2).

ويحتمل أن يكون «أُولئك» إشارة إلى المشركين، يعني أنّ العامّة العمياء وإن كانوا مسلمين موحّدين في الظاهر لكنّهم على دين المشركين باطناً، لأنّهم أشركوا رؤساءهم وطواغيتهم في الإمامة الّتي جعلها اللّه لأهلها، كما أنّ المشركين أشركوا أصنامهم في العبادة الّتي جعلها اللّه تعالی لنفسه فقال :

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)(3).

ص: 436


1- الكافي : 8/ 254 ح 359.
2- آل عمران: 196 - 198.
3- النساء: 36.

ولا ريب أنّ من جعل لوليّ اللّه تعالى شريكاً فهو مشرك في الواقع، فإنّه شارك اللّه في أمره، والتعبير عن المخالفين بالمشركين في الاخبار على حدّ التضافر والتواتر.

1672- وفي الزيارة الجامعة : ومن حاربكم مشرك .(1)

1673- وفي خطبة الغدير : من أشرك بيعة عليّ علیه السلام كان مشركاً .(2)

1674- وفي مرآة الأنوار عن معاني الاخبار - في حديث - عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم :

أيّها الناس من اختار منكم على عليّ إماماً فقد اختار عليَّ نبيّاً، ومن اختار عليَّ نبيّاً فقد اختار على اللّه عزّ وجلّ ربّاً .(3)

والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدّاً.

والحاصل أنّ غرض الإمام تشويق المؤمنين، وبيان أنّهم على دين الإسلام والتوحيد الّذي اختاره اللّه لعباده ، فقال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)(4)

وقال عزّ وجلّ: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(5) (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(6) .

وأنّ المخالفين لطريقة الأئمّة البررة الّذين جعلوا لأولياء اللّه تعالی شركاء على دين المشركين، الّذين اتّخذوا مع اللّه آلهة أُخرى . وأنت إذا أمعنت النظر في الكلام، وتتّبعت في الآيات الشريفة، وتفاسيرها وتأويلاتها، وشروحها المرويّة عن الأئمّة علیهم السلام أيقنت بصحّة المعنى الّذي ذكرته لكلام الإمام في هذا المقام.

وأعلم: أنّ «إن» في قوله علیه السلام «وإن كان هؤلاء» مخفّفة من المشدّدة أتى بها

ص: 437


1- المزار الكبير : 524، أورده الصدوق (رحمة اللّه علیه) في الفقيه : 609/2 ، عنه البحار : 127/102 .
2- الاحتجاج: 66/1 ، عنه البحار: 203/37 .
3- معاني الأخبار : 373، عنه مرآة الأنوار : 24.
4- آل عمران: 19، 85.
5- آل عمران: 19، 85.
6- البقرة : 132.

لتأكيد الكلام نحو قوله تعالى : (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ)(1) و (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا)(2) (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً)(3) (وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)(4)

إلى غير ذلك وعلى ما ذكره المجلسي رحمه اللّه تعالى تكون وصليّة ،

وهذا لا ينافي ما ذكرناه أيضاً، فتدبّر جيّداً.

ثمّ إنّ الإمام علیه السلام بعد أن شوّقهم ورغّبهم، أمرهم بالإقتداء بإمامهم،

ثمّ قال علیه السلام : فأعينوا على هذا بورع واجتهاد ،

لأنّ هذا إعانة لإمامهم من وجهين، وإعانة لأنفسهم من وجهين:

أمّا أنّه إعانة لإمامهم فلأنّ معنى الإعانة مساعدة الغير على أمر يريده ،

ولا ريب أنّ مقصد الإمام ومرامه هو ترویج دین اللّه، وحصول طاعة اللّه من كلّ أحد من خلق اللّه، فإذا اجتهد المؤمن في طاعة اللّه، وتورّع عن معصية اللّه، فقد ساعد إمامه في مرامه، فيكون معيناً له، فيعينه الإمام جزاءً له.

والوجه الثاني : أنّ اجتهاد المؤمن في الطاعة وورعه عن المعصية، يوجب رغبة الناس في اتباع طريقته، وعلمهم بحقّيّة إمامه(5)،

ص: 438


1- الاسراء: 73.
2- الفرقان : ٤2.
3- البقرة: 43.
4- الأعراف : 102.
5- في أصول الكافي (2/ 636 ح4 ): بإسناد صحيح عن زيد الشحّام قال : قال لي أبو عبداللّه : إقرأ - على من ترى أنّه يطيعني منهم فيأخذ بقولي - السلام، وأُوصيكم بتقوى اللّه عزّ وجلّ والورع في دینكم والإجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم : أدّوا الأمانة إلى مَن ائتمنكم عليها برّاً أو فاجراً فإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائر كم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدّوا حقوقهم فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا جعفريّ فيسرّني ذلك ويدخل عليَّ منه السرور وقيل هذا: أدب جعفر وإذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه و عاره قيل : هذا أدب جعفر . فواللّه لحدّثني أبي علیه السلام أنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ علیه السلام فيكون زينها آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث، وإليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنّه لآدانا للأمانة و أصدقنا للحديث . وفيه (2/ 636 ح5 ): في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممّن ليسوا على أمرنا؟ قال : تنظرون إلى أئمّتكم الّذين تقتدون بهم، فتصنعون ما يصنعون، فواللّه إنّهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم، إنتهى (لمؤلّفه رحمه اللّه تعالی) .

لأنّ ذلك دليل على أنّه أدّبه بذلك، فيصير سبباً لاتّباع الإمام، والإعتقاد والإقرار به، والإعراض عن أعدائه و مخالفيه، فبهذا يعين المؤمن إمامه، ويحارب به أعداءه كما قال علیه السلام في الحديث السابق : وكيدوا أعداءنا به .

وأمّا أنّه إعانة لأنفسهم، فلأنّ الإجتهاد في الطاعة والتورّع عن المعصية يكون سبباً لبقاء الإيمان وثباته ، كما أنّ الإقتحام والإصرار في السيّئات قد يكون سبباً لزوال الإيمان، قال اللّه عزّ وجلّ شأنه :

(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ)(1).

والوجه الآخر : أنّ الإجتهاد في الطاعة والورع عن الآثام والإقتداء بالإمام، يكون سبباً لمجاورته في دار السلام، فهذا إعانة المؤمنين لأنفسهم في الفوز بجوار الإمام في دار السلام ومقام الكرام، كما أنّ مخالفته في الأعمال يوجب الحرمان عن هذا الثواب، والبعد عن جوار الأئمّة الأطياب.

1675- ويشهد لذلك ما رواه ثقة الإسلام الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في روضة الكافي :

عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن حمّاد اللحّام، عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّ أباه قال : يا بنيّ إنّك إن خالفتني في العمل لم تنزل معي غداً في المنزل، ثمّ قال علیه السلام : أبي اللّه عزّ وجلّ أن يتولّى قوم قوماً يخالفونهم في أعمالهم، ينزلون معهم يوم القيامة كلّا وربّ الكعبة ، إنتهى .(2)

ولا بأس بأن نختم المقال في هذا المجال بتحقيق الحال في تعيين هؤلاء الرجال، والباعث لنا على هذا التنبيه خفاؤه على بعض الفحول،

فزعم في كتابه مرآة العقول(3) : أنّ هذا الحديث مجهول.

ص: 439


1- الروم : 10.
2- الكافي : 8/ 253 ح258.
3- مرآة العقول : 361/4 ح 358.

فأقول مستعيناً باللّه تعالی و مستمّداً من آل الرسول صلی اللّه علیه وآله وسلم : أنّ الحديث المذكور عندي معدود من الأحاديث الصحاح، وإن اردت الايضاح وهویت رفع الإجاح فاخفض الجناح، وأحضر قلبك لما قد ساح(1)

واعلم أنّ محمّد بن يحيى العطّار هو محمّد بن يحيى الثقة الجليل،

ونعطيك قاعدة كلّيّة أنّه كلّما وقع محمّد بن يحيى في أوّل سند الكافي فهو هذا الشخص الثقة الجليل.

وأمّا أحمد بن محمّد، الواقع في طريق هذا الحديث فهو أحمد بن محمّد ابن عيسى الأشعري، الثقة الجليل ، شیخ القمّيّين ووجههم وفقيههم.

وأمّا الحسن بن عليّ: فالّذي ظهر لنا من التتبّع في الأخبار وكتب الرجال، أنّه الحسن بن عليّ بن فضّال، وهو ثقة جليل، عابد ورع مفضال،

وقد ذكروا له مناقب جمّة، وعبادات مهمّة، ومقاماته عند الاسطوانة السابعة من مسجد الكوفة معروفة، وأيّامه بكثرة العبادة وطول السجود موصوفة،

وهو وإن كان في بعض عمره من الفطحيّة، ولكنّه رجع عن هذا الإعتقاد، وسلك سبيل الرشاد، ودان بدین الأئمّة الأمجاد «صلّى اللّه تعالى عليهم إلى يوم التناد ، وبعده أبداً لا أمد له ولا نفاد»

وأمّا حمّاد اللحّام فهو حمّاد بن واقد الكوفي اللحّام، وهو من الشيعة الكرام والثقات العارفين بأمر الأئمّة علیهم السلام وإنّي وإن لم أقف على توثيق صريح له فيما حضرني الآن من كتب الرجال، إلّا أنّ الّذي ظهر لي ويقوي في نفسي أنّه من أجلّاء الثقات وألبّاء الرواة، والّذي يشهد لذلك وجوه:

أحدها : اعتماد القمّيّين على روايته، خصوصاً أحمد بن محمّد بن عیسی المذكور مع تثبّته وجلالته ، فإنّ القمّيّين كانوا محترزین عمّن يروي عن الضعفاء، بل قيل : إنّ عيسى المذكور بعّد أحمد بن محمّد بن خالد البرقي عن قم لهذه الجهة .

ص: 440


1- ساح الماء : جرى على وجه الأرض وهذا من باب الاستعارة التمثيلية، استعير الماء للعلم لأنّ به حياة القلب كما أنّ الماء حياة البدن، ثمّ أتی بعض لوازم المستعار وهو الجريان (لمؤلّفه ره).

الوجه الثاني : رواية ابن فضّال عنه، مع كمال ورعه وتثبّته وتقواه،

فإنّ رواية الأجلّاء عن أحد من إمارات الوثوق ، كما تقرّر في محلّه .

1676 - الثالث : قول الإمام أبي محمّد العسكريّ علیه السلام لمّا سئل عن كتب بني فضّال : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا .(1)

الرابع : رواية جعفر بن بشير البجليّ الثقة الجليل عنه،

وقد ذكروا في ترجمته أنّه روي عن الثقات.(2)

1677- الخامس: ما رواه الشيخ الصدوق(3) محمّد بن يقعوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي في باب التقيّة : عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد بن واقد اللحّام،

قال : استقبلت أبا عبداللّه علیه السلام في طريق فأعرضت عنه بوجهي ومضيت ، فدخلت عليه بعد ذلك، فقلت : جعلت فداك ، إنّي لألقاك فأصرف وجهي كراهة أن أشقّ عليك، فقال علیه السلام لي: رحمك اللّه، ولكن رجلاً لقيني أمس في موضع كذا وكذا، فقال: عليك السلام يا أبا عبداللّه، ما أحسن ولا أجمل(4).(5)

وفي هذا الحديث الشريف دلالة على كون حمّاد من الشيعة الإماميّة، ومعرفته وبصيرته بموارد التقيّة، وكونه مهتمّاً بحفظ الإمام، وتحصيل رضاه بما يقتضيه المقام، ودعاء الإمام في حقّه بسبب رعاية هذا المرام.

وفيه أيضاً دلالة على وفور عقله وذكائه وفهمه،

وبما عيّنّاه ظهر لك حال حمّاد في دينه ووثاقته وجلالته، وخرج عمّا زعمه مولانا المجلسي(رحمة اللّه علیه) من الحكم بجهالته.

ص: 441


1- غيبة الطوسي : 390 ح 355، عنه البحار : 252/2 ح 72 و 358/51 .
2- راجع إلى معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي (رحمة اللّه علیه): 6/ 240.
3- إعلم أنّه قد يطلق الصدوق في كلامهم على الشيخ الجليل محمّد بن يعقوب الكلينيّ رحمه اللّه والأكثر إطلاقه على الشيخ الجليل محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسی بن بابويه القمّيّ منه (رحمة اللّه علیه) .
4- أي لم يفعل حسناً ولا جميلاً.
5- الكافي : 218/2 ح 9، عنه البحار : 429/75 ح 89.

74- حفظ اللسان ورجحان السكوت والصمت إلّا في حقّ

اشارة

الأمر الرابع والسبعون : حفظ اللسان عن غير ذكر الخالق المنّان

وما يقرب من هذا العنوان، وذلك وإن كان راجحاً في كلّ زمان إلّا أنّه لمّا كان الإنسان في زمان غيبة صاحب الزمان أكثر وقوعاً في معرض الخطر والخسران، والفتن والإمتحان ، كان اهتمامه بهذا الشأن آكد وأهمّ من سائر الأزمان

1678- روى الصدوق في كمال الدين : في الصحيح، عن جابر ، عن مولانا أبي جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم

فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جلّ جلاله فيقول: عبادي وإمائي آمنتم بسرّي، وصدّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً، منكم أتقبّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي.

قال جابر: فقلت : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟

قال علیه السلام : حفظ اللسان ولزوم البيت .(1)

1679- وفي مجالس الصدوق : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، عن آبائه ، قال :

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : من عرف اللّه تعالی وعظّمه منع فاه من الكلام، وبطنه من الطعام، وعنّى نفسه بالصيام والقيام، قالوا: بآبائنا وأُمّهاتنا يا رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم هؤلاء أولياء اللّه،

قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّ أولياء اللّه سكتوا فكان سكوتهم فكراً، وتكلّموا فكان كلامهم ذكراً، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان

ص: 442


1- كمال الدين: 1/ 330 ح 15، عنه البحار : 145/52 ح66، أمالي الصدوق : 379 ح 1وص647 ح6، عنه البحار : 288/69 ح 23.

مشيهم بين الناس بركة، لولا الآجال الّتي قد كتبت عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم خوفاً من العذاب وشوقاً إلى الثواب .(1)

توضیح: يستعمل السكوت غالباً في حفظ اللسان عن الكلام، إذا كان الإنسان في معرض التكلّم، والصمت أعمّ منه،

ويستعمل النطق غالباً في التكلّم في مقام المخاطبة والتكلّم، أعمّ منه .

1680- وفي أُصول الكافي : في الصحيح عن أبي جعفر علیه السلام قال :

إنّما شیعتنا الخُرس .(2)

1681- وفيه : عن الكاظم علیه السلام بسند موثّق حين قال له رجل: أوصني ،

فقال له : احفظ لسانك تعزّ، ولا تمكّن الناس من قيادك فتذلّ رقبتك .(3)

1682- وفيه : في الصحيح عن الرضا علیه السلام ، قال :

من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت، إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة، إنّ الصمت يكسب المحبّة ، إنّه دليل على كلّ خير .(4)

1683- وفيه : في الصحيح عن الصادق علیه السلام ، قال :

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لرجل أتاه: ألا أدلّك على أمر يدخلك اللّه به الجنّة؟

قال : بلى يا رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، قال : أنل ممّا أنالك اللّه(5)

قال : فإن كنت أحوج ممّن أُنيله ، قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : فانصر المظلوم، قال :

وإن كنت أضعف ممّن أنصره؟ قال : فاصنع للأخرق(6) يعني أشر عليه ،

ص: 443


1- أمالي الصدوق: 379 ح 7 و 647 ح6، الكافي : 186/2 ح 25، البحار : 288/69 ح 23.
2- الكافي : 2/ 113 ح2 ، عنه البحار: 295/71 ح 67، والوسائل : 527/8 ح3.
3- الكافي : 2/ 113 ح4، عنه البحار: 296/71 ح68، والوسائل : 8/ 533 ح3.
4- الكافي : 113/2 ح1، عنه البحار : 294/71 ح 65، والوسائل : 527/8 ح1.
5- أي أعط المحتاجين ممّا أعطاك اللّه تعالی .
6- الجاهل بما يجب أن يعلمه، ومن لا يحسن التصرّف في الأُمور، ولم يكن في يديه صنعة يكتسب بها (في).

قال : فإن كنت أخرق ممّن أصنع له؟ قال: فاصمت لسانك إلّا من خير،

أما يسرّك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرّك إلى الجنة ؟ !(1)

1684- وفي الكافي : عن الصادق علیه السلام ، قال : لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً ما دام ساكتاً فإذا تكلّم كتب محسناً أو مسيئاً.

وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين علیه السلام نحوه .(2)

وهذان الحديثان والّذي قبلهما وحديث المجالس، تدلّ على أن السكوت من حيث هو عبادة مندوبة، وإن لم يشتمل على أمر راجح، كالتفكّر والتقيّة ونحوهما، ويدلّ على ذلك روايات عديدة ، سنذكرها إن شاء اللّه .

كلام المجلسي (رحمة الله علیه) حول رواية الصادق علیه السلام : «لا يزال العبد...» واشكال المؤلّف، وذكر وجوه خامسة فيه

كلام المجلسي (رحمة الله علیه) حول رواية الصادق علیه السلام : «لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً ما دام ساكتاً ...» واشكال المؤلّف، وذكر وجوه خامسة فيه

وتأمّل المجلسي رحمه اللّه تعالى في دلالة الحديث الثاني،

حيث قال في شرح قوله : «یكتب محسناً» إمّا لإيمانه أو لسكوته، فإنّه من الأعمال الصالحة كما ذكره الناظرون في هذا الخبر ، ثمّ قال :

وأقول : الأوّل عندي أظهر، وان لم يتفطّن به الأكثر ، لقوله علیه السلام:

فإذا تكلّم كتب محسناً أو مسيئاً، لأنّه على الإحتمال الثاني يبطل الحصر، لأنّه يمكن أن يتكلّم بالمباح، فلا يكون محسناً ولا مسيئاً، إلّا أنّ يعمّ المسيء تجوّزاً بحيث يشتمل غير المحسن مطلقاً، وهو بعيد.

فإن قيل: يرد على ما اخترته أنّ في حال التكلّم بالحرام ثواب الإيمان حاصل له فيكتب محسناً و مسيئاً معاً، فلا يصحّ التردید .

قلت : يمكن أن يكون المراد بالمحسن المحسن من غير إساءة، كما هو الظاهر فتصحّ ثواب المقابلة، مع أنّ بقاء ثواب استمرار الإيمان مع فعل المعصية في محل المنع، ويؤمئ إلى عدمه قولهم علیه السلام :

ص: 444


1- الكافي : 113/2 ح5، عنه الوافي : 450/4 ح5، البحار : 296/71 ح69، والوسائل : 527/8
2- الكافي : 116/2 ح 21، الفقيه : 296/4 ح 5842، الوافي : 4/ 454 ح 24 ، الوسائل: 529/8ح9، البحار: 307/71 ح 85.

1685- «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»(1) وأمثاله، ممّا قد مرّ بعضها ، ويمكن أن يكون هذا أحد محامل هذه الأخبار، وأحد على ما ورد: أنّ نوم العالم عبادة ، أي هو في حال النوم في حكم العبادة لاستمرار ثواب علمه وإيمانه، وعدم صدور شيءٍ منه يبطله في تلك الحالة ، إنتهى كلامه رفع مقامه .(2)

وفيه نظر وإشكال من وجوه :

الأوّل : أنّ ما جعله أظهر غير ظاهر، وتقييد الثواب بكونه لإيمانه لا دليل عليه، ولا شاهد يرشد إليه، بل الظاهر ما فهمه الناظرون في الخبر وهم الأكثر كما اعترف به. وقوله: «على الإحتمال الثاني يبطل الحصر ... إلخ» خطأ ، لأنّ المتكلم بالمباح أيضاً مسيء إلى نفسه، لأنّه ضيّع رأس ماله وفوّته من غير عوض، إذ يمكنه أن يصرف هذا المقدار من عمره الّذي يصرفه في التكلّم بالمباح في ذكر أو دعاء أو قراءة أو نحوها، ويدرك به خيراً كثيراً، أوليس في ذلك تجوّز أصلاً، إذ لا يخفى أنّ كلّ شخص إمّا محسن إلى نفسه أو مسيء، والأوّل من يجلب إلى نفسه نفعاً، والثاني : من يفوّت النفع عن نفسه،

والمسيء على ضربين : أحدهما من يجرّ إلى نفسه عقاباً وصدمة أيضاً والآخر من يسيء إلى نفسه بتفويت النفع فقطّ ، وكلّ منهما مسيء إلى نفسه،

فإنّ البطّال المضيّع للعمر المتلف له في غير منفعة دنيويّة أو أُخرويّة مسيء إلى نفسه عقلاً وعرفاً، وهذا ممّا لا يرتاب فيه أحد من العقلاء.

وبما ذكرنا يتبيّن لك وجه التعميم والحصر في قول اللّه عزّ وجلّ:

(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...)(3)

لظهوره في أنّ كلّ فرد من أفراد الإنسان لا يصرف عمره في الأعمال الصالحة فهو من أهل الخسران وذلك بسبب أنّه ضيّع رأس ماله ، ولو كان آناً من

ص: 445


1- فقه الرضا علیه السلام : 275، عنه البحار : 28/79 ذح 36، والمستدرك : 330/14 ح 12.
2- مرآه العقول: 2/ 126.
3- العصر : 1-3.

آنات عمره ، فتدبّر فيما قلناه ، ففيه فوائد كثيرة إن شاء اللّه تعالى ونعم ما قيل :

الدهر ساومني عمري فقلت له *** مابعت عمري بالدنيا وما فيها

ثمّ اشتراه بتدریج بلا ثمن *** تبّت يدا صفقة قد خاب شاريها

الثاني : أنّ قوله - في جواب قوله : إن قيل -: «يمكن أن يكون المراد ... إلخ» لا أعرف له وجهاً، والظاهر من الرواية كون الساكت أو المتكلّم محسناً ومسيئاً بحسب عمله ، فإن كان ساكتاً كان عمله هذا إحساناً إلى نفسه، وإن تكلّم بالحسن كان عمله هذا أيضاً إحساناً إلى نفسه ، وإن تكلّم بالمباح كان عمله إساءة إلى نفسه بسبب تفويت ثواب السكوت عن نفسه، وإن تكلّم بالحرام كان عمله هذا إساءة إلى نفسه من وجهين: أحدهما تفويت نفع السكوت، والآخر استیجاب العقاب بسبب تكلّمه بالحرام .

الثالث : أنّ قوله: «مع أنّ بقاء ثواب استمرار الإيمان مع فعل المعصية في محلّ المنع» خطأ واضح، لأنّه ينافي العدل، إذ لا ريب بمقتضى الأدلّة القويمة المبيّنة في محلّها أنّ الإيمان مركّب من الإعتقاد و الإقرار .

وأمّا الأعمال : فلا دخل لها في تحقّق أصل الإيمان، وإن كان لها في كمال الإيمان، فلو فرض أنّ المؤمن الزاني مات في حال اشتغاله بالزنا، لما كان مخلّداً في النار قطعاً، وإن كان معاقباً بفعله إن لم تدركه الشفاعة،

ولا شبهة عند الإماميّة في أنّ الإيمان سبب لدخول الجنّة .

ومقتضى كلام هذا الفاضل أن يكون ذلك الشخص من المخلّدين في النار وليت شعري كيف صدر هذا الكلام من ذلك الفاضل العلّام، لكنّ الجواد قد يكبو، والصارم قد ينبو، والمعصوم من عصمه اللّه تعالی.

الرابع : أنّ قوله: «ويومئ إلى عدمه قولهم علیهم السلام : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» أيضاً كلام عليل، ودعوی بلا دلیل،

والحقّ أنّ للإيمان بحسب الكمال مراتب ودرجات متفاوتة، كما يظهر من

ص: 446

الروايات المتكاثرة، والمؤمن الكامل هو الّذي يصدّق عمله قوله، ولا شكّ أنّ العاصي في حال عصيانه عمله مخالف لاعتقاده و قوله، ومن ذلك يدخل النقص في إيمانه، لكنّ أصل الإيمان متحقّق موجود فيه، لأنّه الإعتقاد والإقرار كما

عرفت، وثوابه باق مستمرّ ما دام بقاء اعتقاده وإقراره،

وإلى ما ذكرنا يرشد كثير من الروايات والدعوات المرويّة عن الأئمّة علیهم السلام :

1686۔ منها: قوله في بعض الأدعية : اللّهمّ إن كنت عصيتك في أشياء أمرتني بها، وأشياء نهيتني عنها، فإنّي قد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك، وهو الإيمان بك منّاً منك به عليَّ، لا منّاَ به منّي عليك (إلخ).(1)

الخامس : أنّ قوله: «ويمكن أن يكون هذا أحد محامل هذه الأخبار وأحد علل ما ورد أنّ نوم العالم عبادة (إلخ)» أيضاً تأويل من غير دلیل،

بل الأولى أن يبقى قولهم : «نوم العالم عبادة»، ونحوه على ظاهره، ولا نحتاج إلى تكلّف وتأويل، لأنّ تحصيل العلوم الشرعيّة الّتي ندب الشارع إليها له مثوبات جليلة ، وفوائد كثيرة:

منها : أنّ اللّه تعالى يعطيه بنومه ثواب العبادة، والسرّ فيه أنّ طالب العلم أتعب نفسه في طلب مرضاة اللّه، وسلب الراحة عن بدنه لهداية عباد اللّه ، فجزاه اللّه عزّ وجلّ بأن عوّضه من نومه الّذي فيه راحة نفسه وسكون بدنه ، ثواب العبادة، الّتي هي استعمال البدن في مشقّة الطاعة، فبكلّ نوم جديد يحصل له يتحقّق له ثواب جدید، جزاء لما أتعب نفسه في تحصيل العلم.

1687 - وهذا نظير ما ورد في ثواب زيارة قبر مولانا الشهيد أبي عبداللّه الحسين عليه الصلاة والسلام، فإنّ الملائكة يعبدون اللّه تعالى وهو نائم، والثواب له، ويعبدون اللّه تعالى بعد موته، والثواب له .(2)

وقد تحصّل ممّا ذكرناه أنّ السكوت عن غير كلام يحصل به رضى اللّه تعالی

ص: 447


1- الصحيفة الرضويّة الجامعة : 263 د: 10.
2- البحار : 55/101 ح15، عن كامل الزيارات : 235 ح1.

أو يدعو إليه ضرورة ممّا يحتاج إليه المؤمن في تعيّشه في هذه الدار الفانية، وتقلّبه بين أهل النشأة العاجلة، من حيث هو عبادة مندوبة ، ولو مع قطع النظر عمّا يحصل فيه من التفكّر وغيره

ويشهد لذلك عدّة روایات مذكورة في اللئالي:

1688- منها: عن النبيّ أنّه قال : يا ربّ، ما أوّل العبادة؟

قال : الصمت والصوم. (1)

1689- وفي خبر آخر : أربعة لا يصيبهنّ إلّا مؤمن :

الصمت، وهو أوّل العبادة، الخبر .(2)

1690- وقال : يا أحمد! ليس شيء من العبادة أحبَّ إليَّ من الصمت والصوم .(3)

1691۔ وقال : علامات الفقه : العلم والحلم والصمت، إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة فاصمت لسانك إلّا من خير يجرّك إلى الجنّة .(4)

1692- وقيل لعيسى علیه السلام : دلّنا على عمل ندخل به الجنّة !

فقال علیه السلام : لا تنطقوا أبداً .(5)

1693- وقال النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم :

الرفق والإقتصاد والصمت جزء من ستّة وعشرين جزءً من النبوّة .(6)

1694- وقال لأبي ذرّ: ألا أُعلّمك عملاً ثقيلاً في الميزان خفيفاً على اللسان ؟ قال : بلی، یا رسول اللّه، قال صلی اللّه علیه وآله وسلم :

الصمت، وحسن الخلق، وترك ما لا يعنيك .(7)

1695۔ وقال عيسى علیه السلام: العبادة عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت،

ص: 448


1- لئالي الأخبار : 1/ 173.
2- لئالي الأخبار : 1/ 173.
3- لئالي الأخبار : 1/ 173.
4- الكافي : 113/2 ح1، عنه الوافي : 4/ 449ح1،والبحار : 294/71 ح 65 وص288 ح51 عن الاختصاص .
5- لئالی الأخبار : 1/ 174.
6- لئالی الأخبار : 1/ 174.
7- لئالی الأخبار : 1/ 174.

وجزء واحد في الفرار من الناس .(1)

1696- وقال النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : من كفّ لسانه ستر اللّه عوراته .(2)

1697- وفي الرواية : إنّ شابّاً من أصحاب الرسول صلی اللّه علیه وآله وسلم في غزوة أُحد قتل في حالة شدّ حجراً على بطنه من شدّة الجوع، فجاءت أُمّه على نعشه ترفع التراب عن وجهه ، وتقول: طيّباً لك الجنّة ياولدي، فقال لها رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :

من أين تعلمين أنّ الجنّة له طيّبة، لعلّه تكلّم بما لافائدة فيه .(3)

1698- وروي في القدسيّات: يا بن آدم، إذا وجدت قساوة في قلبك وحرماناً في رزقك، وسقماً في بدنك، فاعلم أنّك تكلّمت بما لا يعنيك.(4)

ونقل أنّ الخواجة ربيع لم يتكلّم للدنيا، ولا عبث عشرين سنة، حتّى قتل مولانا الحسين بن عليّ علیهماالسلام ، فقال جماعة: هو يتكلّم اليوم، فذهبوا إليه ، وأخبروه بقتله ، فقال : عظّم اللّه أُجورنا وأُجوركم بقتل الحسين علیه السلام ، ونظر إلى السماء وبكی، وقال : اللّهمّ فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون،

ثمّ رجع إلى معبده، ولم يتكلّم إلّا بالحقّ حتّى مات .(5)

1699- وفي تحف العقول - في وصايا الصادق علیه السلام لعبد اللّه بن جندب -:

وعليك بالصمت تعدّ حليماً، جاهلاً كنت أو عالماً،

فإنّ الصمت زين لك عند العلماء وستر لك عند الجهّال .(6)

أقول: وقد أجاد بعض الشعراء فقال :

الصمت زين والسكوت سلامة *** فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً

ما إن ندمت على سكوتي مرّة *** ولقد ندمت على الكلام مراراً

1700- وفي تحف العقول أيضاً: عن الصادق علیه السلام - في وصيّته لأبي جعفر

ص: 449


1- لئالي الأخبار : 1/ 174- 176
2- لئالي الأخبار : 1/ 174- 176
3- لئالي الأخبار : 1/ 174- 176
4- الجواهر السنيّة : 79.
5- لئالي الأخبار : 1/ 175، 176.
6- تحف العقول : 305.

محمّد بن النعمان - قال : إنّ من كان قبلكم كانوا يتعلّمون الصمت، وأنتم تتعلّمون الكلام، كان أحدهم إذا أراد التعبّد يتعلّم الصمت قبل ذلك بعشر سنين، فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبّد،

وإلّا قال : ما أنا لما أروم بأهل، إلى آخر الحديث .(1)

والأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، وكلمات الحكماء الأبرار في هذا المضمار كثيرة .

1701- ويجمعها ما رواه الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، قال : قال لقمان لابنه :

يا بنيّ إن كنت زعمت أنّ الكلام من فضّة، فإنّ السكوت من ذهب .(2)

أقول : هذا الحديث يدلّ على أنّ السكوت من حيث هو خير من الكلام من حيث هو، يعني إذا لوحظ السكوت لو خلّي وطبعه، مع قطع النظر عن الجهات الطارئة ولوحظ الكلام لو خلّي وطبعه، مع قطع النظر عن الجهات العارضة ، فالسكوت أفضل وأحسن، ووجهه ظاهر عند أهله،

لأنّ فيه راحة البدن والقلب، وصيانة للعمر عن صرفه فيما لا يعني.

وفيه فوائد أُخر أيضاً تظهر للمتدبّر، فالقضيّة قضيّة طبيعيّة، ولا معارضة بينها وبين ما دلّ على رجحان الكلام في مقام، ووجوبه في مقام،

كما أنّ السكوت قد يكون واجباً، وقد يكون حراماً، وقد يكون مكروهاً،

ولكن لا يكون مباحاً بالنظر إلى الأخبار الدالّة على استحبابه من حيث هو واختلاف حكم السكوت والكلام في كلّ مقام إنّما هو بسبب جهة طارئة عرضت لكلّ واحد منهما، فأوجبت تبدّل حكمه الذاتيّ الطبيعي .

والعجب من العلّامة المجلسيّ حيث قال في مرآة العقول بعد ذكر الحديث

ص: 450


1- تحف العقول : 309.
2- الكافي : 2/ 114 ح6، عنه الوافي : 450/4 ح6، والبحار : 297/71 ح 70.

بحث فقهي حول الإستماع والسكوت عند سماع قراءة القرآن في صلاة الجماعة، وحال اشتغال الإمام بخطبة صلاة الجمعة وفي سائر الأوقات

المنقول : يدلّ على أنّ السكوت أفضل من الكلام، وكأنّه مبنيّ على الغالب ، وإلّا فظاهر أنّ الكلام خير من السكوت في كثير من الموارد، بل يجب الكلام ويحرم السكوت عند إظهار أُصول الدين وفروعه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستحبّ في المواعظ والنصائح، وإرشاد الناس إلى مصالحهم، و ترویج العلوم الدينيّة، والشفاعة للمؤمنين، وقضاء حوائجهم، وأمثال ذلك ، فتلك الأخبار مخصوصة بغير تلك الموارد، أو بأحوال عامّة الخلق، فإنّ غالب كلامهم إنّما هو فيما لا يعنيهم، أو هو مقصور على المباحات، إلى آخر كلامه .(1)

أقول: وأنت بعد التأمّل فيما بيّنّاه تعرف أنّه لا حاجة إلى هذه التوجيهات ولا داعي إلى صرف الكلام عن ظاهره، ويتّضح لك ما في كلامه زيد في علوّ مقامه كأنّه لكثرة أشغاله لم يعط النظر في حديثٍ حقّه بكماله .

إيقاظ وإرشاد : قد عرفت أنّ مقتضى الأخبار المرويّة عن البررة الكرام، المؤيّدة بحكم العقل السالم عن شوائب الأوهام، رجحان السكوت من حيث هو على الكلام، ولكنّه قد يكون معروضاً لسائر الأحكام، بسبب ورود الأمر به، أو النهي عنه من الشارع، وكذا الكلام في حكم الكلام، بحسب توجّه الأمر به، أو النهي عنه في كلّ مقام، وهذا غير خفيّ على العلماء الكرام،

وإنّما الغرض هنا بیان مسألة يكثر بها ابتلاء الأنام ، ولم أر من تعرّض لها وحقّقها بما هو الحق الحقيق في هذا المقام ،

وهي أنّه هل يجب الإستماع والسكوت عند سماع قراءة القرآن أم لا؟

فنقول: إنّ في هذه المسألة مباحث ثلاثة :

الأوّل : في حكم المسألة في صلاة الجماعة .

الثاني : في حكمها حال اشتغال الإمام بخطبة صلاة الجمعة .

الثالث : في حكمها عند سماع قراءة القرآن في سائر الأوقات والحالات .

ص: 451


1- مرآة العقول : 214/8 .

أمّا الأوّل : فقيل: يجب على المأموم المقتدي بالإمام المرضيّ في الصلاة الجهريّة الإستماع والإنصات لقراءته، إذا سمع قراءته ، وقيل : بالإستحباب،

والّذي جاءت به الروايات هو النهي عن القراءة في تلك الحالة.

وأمّا وجوب السكوت حتّى عن التسبيح والذكر، فلم أعثر له على دليل بل الدليل على خلافه في الأخبار موجود، وتفصيل القول حقّقناه في الفقه .

وأمّا الثاني: فقيل : بوجوب الصمت والإستماع على الحاضرين،

وقيل على المؤتمّين ، وقيل : على العدد الّذين تنعقد بهم الجمعة،

وقيل : على السامعين من المؤتمّین ، وقيل بالاستحباب.

ثمّ الموجبون اختلفوا، فقال بعضهم: يجب الإنصات والإستماع للخطبتين من حين شروع الخطيب إلى فراغه منهما، وقال بعضهم: يجب الإنصات والإستماع لأقلّ الواجب من الخطبتين، وبعضهم: يجب الإستماع والإنصات لمواعظ الخطبتين، والقول بالاستحباب، وطريق الإحتياط واضح سويّ،

وتفصيل الكلام خارج عن المرام في هذا المقام.

وأمّا الثالث : أعني وجوب الإنصات أو استحبابه عند سماع قراءة الآيات في مطلق الأوقات والحالات، وهو المقصود بالذكر في هذا المقام، لكونه غير مشروح كما هو حقّه في كتب علمائنا الاعلام، فالمحكيّ عن كثير من فقهاء العامّة القول بوجوب الإنصات، والإستماع عند سماع القرآن مطلقاً،

وذهب الإماميّة إلى نفي الوجوب وإثبات الإستحباب .

وحكي في كلام جمع منهم الإجماع على ذلك ، وهو الحقّ، وتوقّف مولانا المجلسيّ رحمه اللّه في المسألة، حيث قال في صلاة البحار بعد ذكر قوله تعالی :

(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(1)

إنّ الآية بعمومها تدلّ على وجوب الإستماع، والسكوت عند قراءة كلّ

ص: 452


1- الأعراف: 204.

قارئ في الصلاة وغيرها، بناء على كون الأمر مطلقاً أو أوامر القرآن للوجوب

والمشهور الوجوب في قراءة الإمام، والإستحباب في غيره، مع أنّ ظاهر كثير من الأخبار المعتبرة الوجوب مطلقاً إلّا صحيحة زرارة :

1702۔ عن أبي جعفر علیه السلام قال : وإن كنت خلف إمام فلا تقرأنَّ شيئاً في الأوّلتين وأنصت لقراءته، ولاتقرأنَّ شيئاً في الأخيرتين(1)

فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول للمؤمنين : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ) يعني في الفريضة خلف الإمام (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) والأُخريان تبع للأُوليين(2)

ويمكن حمله على أنّها نزلت في ذلك فلا ينافي عمومها

لكن نقلوا الإجماع على عدم وجوب الإنصات في غير قراءة الإمام .

وربّما يؤيّد ذلك بلزوم الحرج، والأمر بالقراءة خلف من لا يقتدى به ،

ويمكن دفع الحرج، بأنّه إنّما يلزم بترك الجماعة الشائعة في هذا الزمان .

وأمّا النوافل فكانوا يصلّونها في البيوت، والأمر بها خلف من لا يقتدی به للضرورة، لا يوجب عدم وجوب الإنصات في غيرها، مع أنّه قد وردت الرواية فيها أيضاً بالإنصات، وبالجملة المسألة لا تخلو من إشكال، والأحوط رعاية الإنصات مهما أمكن إنتهى كلامه، رفع في الخلد مقامه.(3)

وستقف على ما يتوجّه عليه ، بالنظر فيما نبيّنه لما ذهبنا إليه ، فنقول :

ص: 453


1- محمول على القراءة خلف أئمّة العامّة، فإنّهم يقرؤون في كلّ الركعات بفاتحة الكتاب .
2- في بعض نسخ الفقيه تبعاً بالنصب وفي بعضها تبع بالرفع ، والتبع يكون واحد أو جماعة قال اللّه تعالی إنّا كنّا لكم تبعاً. واعلم أنّه يمكن الإستناد إلى هذه الصحيحة لحمل الأخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام على الكراهة لأنّ الظاهر من قوله علیه السلام والأُخريان تبع للأُوليّين اتّحاد حكمها مع الأُوليين في القراءة ولا ريب في جواز اختبار القراءة على التسبيح في الاخيرتين وإن كان التسبيح افضل فيجوز في الأوّلين أيضاً ولعلّ القائلين بكراهة القراءة خلف الإمام كالمحقّق والشهيد الثاني وغيرهما استندوا إلى هذا الوجه الّذي اختلج بالبال في هذا المجال وليس ببعيد عن الصواب، واللّه العالم وهو الهادي (لمؤلّفه رحمه اللّه).
3- البحار : 21/88 .

مستندنا لنفي الوجوب الأصل بل الأُصول، مؤيّداً بالاجماع المنقول، في كلام جمع من الفحول، والمراد بالأُصول أصل البراءة عن وجوب الصمت والإستماع، وأصالة إباحة الكلام، واستصحاب العدم السابق على حال سماع القراءة، مع ما في الحكم بالوجوب من الحرج على عامّة المكلّفين، المنفيّ في الدين بنصّ القرآن المبين .

هذا كلّه مضافاً إلى الروايات المصرّحة أو الظاهرة في الندبيّة، وعدم معلوميّة الوجوب وظهوره بين الشيعة الإماميّة، في المسألة الّتي تعمّ بها البليّة ، لكلّ عربيّة وعجميّة، في كلّ غداة وعشيّة، ويوم وليلة،

ولو كان ذلك واجباً لذكره العلماء في الرسائل العمليّة، ولانكروا على من يتكلّم حين قراءة غيره القرآن كإنكارهم على مرتكبي سائر المنكرات،

ولو كان كذلك لشاع وذاع، وقرع الأسماع وملأ الأصقاع .

ودليل الإستحباب مطلقاً الشهرة المحققة والإجماع المنقول، بل حكي عن التنقيح الإجماع على استحباب الإنصات، حتّى للمأموم في الصلاة الجهريّة خلف الإمام المرضيّ، وهذا لا ينافي ذهاب جمع من الأصحاب إلى حرمة القراءة حينئذ خلف الإمام، لأنّ القراءة أخصّ من الكلام، فعلى هذا يجوز أو يستحبّ التسبيح حينئذ دون القراءة، فالإعتراض على التنقيح بأنّ التتبّع يشهد بخلافه غير وارد، لأنّ التتبّع يشهد بوجود القائلين بحرمة القراءة.

وأمّا المصرّح بحرمة التسبيح فلم نعثر عليه، ولم يحكه المتعرّض، فتدبّر .

وتحقيق الكلام في الفقه ، وكفى بذلك دليلاً للاستحباب ، هذا مضافاً إلى كون السكوت والإستماع تعظيماً للقرآن، وتعظيمه تعظيم الخالق المنّان.

1703- وما رواه العالم النوري في مستدرك الوسائل عن كتاب العلاء عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال :

يستحبّ الإنصات والإستماع في الصلاة وغيرها للقرآن .(1)

ص: 454


1- كتاب العلاء بن رزین : ص 153، عنه المستدرك : 276/4 ح 4.

1704- وفي تفسير العسكريّ علیه السلام عن أمير المؤمنين علیه السلام، أنّه قال - في فضل سورة الفاتحة -: وإنّ فاتحة الكتاب أعظم وأشرف ما في كنوز العرش، وإنّ اللّه خصّ بها محمّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم وشرّفه، ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ، ما خلا سلیمان، فإنّه أعطاه منها بسم اللّه الرحمن الرحيم،

ألا تراه أنّه يحكي عن بلقيس حين قالت :

(إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(1)

ألا فمن قرأها معتقداً لموالاة محمّد وآله الطّيبين، منقاداً لأمرهم، مؤمناً بظاهرهم وباطنهم، أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكلّ حرف منها حسنة، كلّ حسنة منها أفضل له من الدنيا وما فيها، من أصناف أموالها وخيراتها(2).

ومن استمع قارئاً يقرأها كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض(3) لكم، فإنّه غنيمة لكم لا يذهبنّ أوانه، فتبقى في قلوبكم الحسرة .(4)

أقول: يظهر من قوله علیه السلام : «فليستكثر» إستحباب القراءة والإستماع لقراءة سورة الحمد، إذ لو كان واجباً لما كان موقع للأمر بالإكثار، لوضوح أنّ الواجب لابدّ من الإتيان به في كلّ حال، ولا فرق بين هذه السورة وغيرها في ذلك الحكم قطعاً.

1705- وفي كنز العرفان للفاضل المقداد في ذيل قوله تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(5)قال : قال الصادق علیه السلام:

المراد استحباب الإستماع في الصلاة وغيرها .(6)

1706- وفي الوافي والبرهان عن تهذيب الشيخ : في الصحيح، عن معاوية ابن وهب، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

ص: 455


1- النمل : 29، 30.
2- خزائنها، خ.
3- المتعرّض، خ.
4- تفسير الإمام العسكريّ علیه السلام : 29 ح 10.
5- الأعراف : 204.
6- كنز العرفان : ص92.

سألته عن الرجل يؤمّ القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها؟

فقال علیه السلام : إذا سمعت كتاب اللّه يتلى فأنصت له، فقلت: فإنّه يشهد عليَّ بالشرك، قال : إن عصى اللّه فاطع اللّه، فرددت عليه، فأبى أن يرخّص لي،

قال : فقلت له : أُصلّي إذاً في بيتي، ثمّ أخرج إليه فقال : أنت وذاك .

وقال : إنّ عليّاً علیه السلام كان في صلاة الصبح، فقرا ابن الكوّاء وهو خلفه :

(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(1) فأنصت عليّ علیه السلام تعظيماً للقرآن حتّى فرغ من الآية،

ثمّ عاد في قراءته ثمّ أعاد ابن الكوّاء الآية، فأنصت عليّ علیه السلام أيضاً

ثمّ قرا فأعاد ابن الكوّاء، وأنصت عليّ علیه السلام ، ثمّ قال له: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)(2) ثمّ أتمّ السورة ، ثمّ ركع .(3)

أقول: يظهر من هذا الحديث الصحيح خمسة أحكام :

أحدها: استحباب الإنصات لقراءة القرآن مطلقاً، ولو كان السامع في حال الصلاة ، ولو كان القارئ غير إمام.

الثاني: أنّ هذا المقدار من السكوت لاينافي الموالاة المعتبرة في الصلاة بين الآيات.

الثالث : جواز قراءة القرآن مطلقاً في حال الصلاة .

الرابع: جواز إعلام الغير ومخاطبته وإفهامه بقراءة القرآن .

الخامس: عدم منافاة هذا المقدار من القراءة الموالاة المعتبرة، وقد ظهر بما ذكرناه استحباب الإنصات والإستماع لقراءة القرآن في كلّ حال ومكان وزمان من غير فرق بین خطبة الجمعة وصلاة الجماعة وخطبة صلاة العيدين وغيرها.

وأمّا قوله في هذا الحديث: «فرددت عليه فأبى أن يرخّص لي القراءة الواجبة

ص: 456


1- الزمر : 65.
2- الروم: 60.
3- التهذيب : 3/ 35 ج29، عنه البرهان : 627/2 ح2.

في الصلاة» فإنّه كان اتّقاءً عليه، كما لا يخفى على من تتبّع في أخبار الباب، مع أنّا قد ذكرنا أنّ النهي عن القراءة لا يدلّ على حرمة التكلّم بالذكر والتسبيح، إذ لا دلالة للخاصّ على العامّ كما لا يخفى على ذوي الأفهام، وأمّا الروايات المصرّحة بوجوب الإنصات فهي إمّا محمولة على تأكّد الاستحباب - جمعاً بينها وبين الاخبار الدالّة على ذلك نظير الاخبار المصرّحة بوجوب غسل الجمعة - أو على التقيّة، لأنّ الوجوب مذهب العامّة والرشد في خلافهم.

1707- وأمّا ما وقفت عليه من الأخبار المشار إليها فهو ما حكاه المجلسي في البحار عن خطّ بعض الأفاضل، وهو عن جامع البزنطي، عن جمیل، عن زرارة، قال : سألت اباعبداللّه علیه السلام عن الرجل يقرأ القرآن، يجب على من يسمعه الإنصات له، والإستماع له؟ قال علیه السلام :

نعم إذا قرئ القرآن عندك فقد وجب عليك الإستماع والإنصات.(1)

1708- وما رواه المجلسي أيضاً، عن تفسير العيّاشيّ: عن زرارة، قال :

سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وفي غيرها وإذا قُرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والإستماع .

وروي في المستدرك والبرهان (مثله).(2)

1709- وفي مجمع البيان : عن عبداللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : قلت له: الرجل يقرا القرآن، أيجب على من سمعه الإنصات له، والإستماع؟ قال علیه السلام : نعم إذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والإستماع.(3)

هذا ما وقفت عليه من الروايات الدالّة على الوجوب ، وهي محمولة على التقيّة أو تأكّد الإستحباب، وبما ذكرنا يظهر لك تطرّق المناقشة فيما ذكره مولانا

ص: 457


1- البحار: 222/92 ح 7، عنه المستدرك : 4/ 275 ح2.
2- البحار : 179/2 ح133، عنهالبحار : 108/88 ذح8 و 221/92 ح5، والمستدرك : 478/6 ح3، والبرهان : 628/2 ح4.
3- مجمع البيان : 515/4 ، عنه البرهان : 628/2 ح6، والوسائل : 861/4 ح 1.

المجلسي (رحمة اللّه علیه) من وجوه :

الأوّل : قوله : إنّ ظاهر كثير من الأخبار المعتبرة الوجوب،

قلنا: أين هذه الأخبار الكثيرة؟ وهو لم يذكر في بحاره إلّا ما حكيناه .

الثاني: معارضتها بما عرفت، والمقام مقام الجمع والجمع العرفيّ المقبول هو الحمل على الإستحباب ولا ريب أنّ الجمع مهما أمكن أولی،

ولو غضّينا عن ذلك تعيّن الجمع بحمل الأخبار الموجبة على التقيّة، عملاً بالروايات العلاجيّة المذكورة في موقعها، وهذا يسمّى بالجمع في جهة الصدور، ولو غضضنا عن ذلك كلّه و فرضنا كون المقام مقام الترجيح،

فلا ريب أنّ الترجيح لأخبار الإستحباب، فيجب تقديمها لتأييدها واعتضادها بما عرفت، من الإجماع والشهرة وغيرهما، كما لا يخفی.

الثالث : أنّ الآية الشريفة مع قطع النظر عن الرواية الصحيحة الّتي ذكرها أيضاً لا تدلّ على وجوب السكوت عند سماع قراءة القرآن، ولو بناءً على كون الأمر للوجوب وكون الخطابات الشفاهيّة عامّة لسائر المكلّفين من حيث هي، أو بحسب أدلّة الإشتراك في التكليف،

لأنّ المراد بالإنصات في الآية الشريفة غير معلوم.

فقد حكى النيسابوري في تفسيره : عن الواحدي، أنّه قال : الإنصات هو ترك الجهر عند العرب، وإن كان يقرأ في نفسه إذا لم يسمع أحد(1)

وعلى هذا يكون الدليل مجملاً لتردّد المراد بين السكوت وترك الجهر، ولا شاهد لكون السكوت هو المعنى الحقيقيّ، كي يكون الأصل حمل اللفظ عليه،

فالمرجع حينئذ أصل البراءة عن الوجوب، ودعوی تبادر السكوت من الإنصات لو قيل دعوی بلا دلیل، ومن هنا يمكن منع وجوب السكوت على المأموم المقتدي بالإمام المرضي في الصلاة الجهريّة حال القراءة أيضاً،

ص: 458


1- تفسير النيسابوري : 2/ 200.

ويؤيّده الإجماع المحكي عن التنقيح، بل يدلّ على عدم الوجوب عدّة روایات :

1710۔ منها: صحيحة أبي المغرا، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام فسأله حفص الكلبي، فقال : أكون خلف الإمام وهو يجهر بالقراءة فأدعوا وأتعوّذ؟

قال : نعم فادع (1) والحمل على ما قبل شروع الإمام في القراءة أو على ما إذا لم يسمع المأموم قراءته غير سديد، لعدم معارض صالح يوجب حمل الصحيحة على خلاف الظاهر .

1711- ومنها : صحيحة زرارة، عن أحدهما، قال :

إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت، وسبّح في نفسك .(2)

وهذا يدلّ على أنّ المراد بالإنصات في الآية والصحيحة المذكورة في كلام المجلسي رحمه اللّه تعالی ترك الجهر وإلّا لم يأمر بالتسبيح في نفسه،

وحمله على الذكر القلبي فقط ، مضافاً إلى بعده لا داعي إليه ولا شاهد له .

1712- ومنها : رواية أبي خديجة سالم بن مكرّم، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين، وعلى الّذين خلفك أن يقولوا : سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر، وهم قیام، الخبر .(3)

والأخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام لا دلالة فيها على منع الكلام مطلقاً حتّى الذكر والتسبيح والدعاء،

ومن ذلك كلّه يظهر عدم وجوب السكوت على المؤتمّین حال خطبة الإمام يوم الجمعة، لأنّ عمدة أدلّة الموجبين تنزيل الخطبتين منزلة الركعتين من الصلاة في بعض الروايات، وإذا لم يثبت الوجوب في الصلاة لم يثبت فيهما، مضافاً

ص: 459


1- الفقيه : ٤07/1 ح 1209، عنه الوسائل : 5/ 425 ح2.
2- الكافي : 3/ 377 ح 3، عنه الوسائل : 5/ 423 ح6، والتهذيب : 32/3 ح 28 .
3- التهذيب : 275/3 ح 120 ، عنه البحار : 51/88 ، والوسائل : 793/4 ح 12 .

إلى ما يرد عليهم من المناقشات الّتي ليس هنا محلّ ذكرها

فتحصّل من جميع ماذكرناه عدم وجوب السكوت عند سماع قراءة القرآن في حال من الأحوال إلّا إذا كان ترك السكوت توهيناً له، ولو صدر ذلك من أحد بقصد التوهین «العياذ باللّه» فهو يوجب الكفر نعوذ باللّه.

والغرض في المقام بيان حكم الكلام من حيث هو لو خلّي وطبعه، مع قطع النظر عن الجهات الخارجيّة الطارئة، وقد علم ممّا ذكرنا إمكان المناقشة في دلالة الاخبار الموجبة من جهة التأمّل في معنى الإنصات لولا القرينة على إرادة السكوت منه، كما أنّ القرينة في الكلام دلّت على إرادة السكوت منه في صحيحة معاوية بن وهب، السابقة الحاكية لفعل أمير المؤمنين علیه السلام .

الرابع : أنّ قوله: «يمكن دفع الحرج بأنّه إنّما يلزم بترك الجماعة» إلخ، مدفوع بأنّ قراءة القرآن ليست منحصرة في الصلاة، ولا فرق بين المساجد والبيوت في تكليف المكلّف، عند سماع قراءة القرآن، وإقامة الجماعة في الصلوات اليوميّة سنّة عند الشيعة لا فريضة، وإلزام القارئين للقرآن في النوافل وغيرها بالإخفات في القراءة مع أنّه حرجيّ لم يقل به أحد، وإيجاب السكوت عند السماع في كلّ حال یوجب الحرج بلا شبهة ولا إشكال،

وقد تبيّن بما بيّنّاه لك حقيقة الحال في هذا المجال، وأنّ الحقّ استحباب السكوت عند سماع القراءة، وأمّا الإستماع، فهو أيضاً مستحبّ مؤكّد، وتقریر الدليل فيه كسابقه أصلاً ورواية فارجع إليها، وتدبّر فيها بل يمكن أن يقال :

إنّ السكوت إنّما أمر به ليحصل الإستماع فهو يلازم السكوت دائماً أو غالباً فالحكم بوجوب الإستماع واستحباب السكوت بعيد جدّاً.

هذا ويمكن أن يقال : لو فرضنا كون الإنصات في الآية الشريفة بمعنی السكوت كان الأمر به للاستحباب، وكذلك الأمر بالإستماع، بقرينة تعليل الإمام في صحيحة زرارة المرويّة في الفقيه الّتي حكاه المجلسي رحمه اللّه تعالى

ص: 460

في كلامه السابق فإنّه بعد النهي عن القراءة خلف الإمام في الأُوليين، والأمر بالإنصات والنهي عن القراءة في الأخيرتين أيضاً، علّل ذلك بقوله تعالی : (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)(1) ثمّ قال علیه السلام : والأُخريان تبع للأوّلتين.(2) .

ومنه ينقدح اتّحاد الحكم من حيث القراءة في الأُوليين والأُخريين، ولمّا تبيّن جواز القراءة في الأُخريين وإن كان الأفضل اختيار التسبيح ظهر جواز القراءة في الأُوليين خلف الإمام، لظهور اتّحادهما في الحكم من ذلك الكلام،

فيكون النهي عن القراءة في الأُوليين للكراهة، فلا جرم یكون الأمر بالإنصات للاستحباب، ويؤيّده الحديث الّذي حكيناه عن كنز العرفان.

ومن هنا يمكن القول بحمل الاخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام على الكراهة كما ذهب إليه المحقق وتبعه جماعة.

ويمكن الخدشة فيه بأنّ حمل النهي على الكراهة بقرينة الإستدلال بالآية وإن كان ممكناً ، ولكن رفع اليد عن ظواهر سائر الروايات الناهية غير جائز، إذ لا قرينة فيها، وانثلام الظهور في رواية لجهة من الجهات لا يوجب انیلام ظهور غيرها فتأمّل، وتفصيل الكلام في الفقه ، وقد أطنبنا الكلام في هذا المقام وإن كان خارجاً عن المرام ، لأنّ الكلام يجرّ الكلام ، كما قد شاع بين الخواصّ والعوام.

مسألة أُخرى في أنّ الملائكة الكرام الكاتبين هل يكتبون جميع ما يتلفّظون به أو يكتبون الألفاظ الّتي يترتّب عليها اثر

وهاهنا مسالة أُخرى مناسبة لأصل المقصد والعنوان، وهي أنّ الملائكة الكرام الكاتبين الّذين يكتبون أعمال المكلّفين وأقوالهم هل يكتبون جميع ما يتلفّظون به حتّى الكلام المباح؟ أويكتبون الألفاظ الّتي يترتّب عليها أثراً؟

أعني الألفاظ الواجبة والمحرّمة والمكروهة والمندوبة أصالة أو تسبيباً ولا يكتبون الألفاظ المباحة الّتي لا يترتّب عليها أثر شرعيّ، المسألة خلافيّة ؛

فذهب جمع إلى الأوّل و آخر إلى الثاني، واستند كلّ منهما إلى ما يوجب ذكره الطويل، ولا يشفي العليل، ولا يروي الغليل .

ص: 461


1- الأعراف : 204.
2- الزهد: 27 ج2، عنه البرهان : 134/5 ح6، والبحار : 322/5 ح5 .

1713- والمعتمد عند المصنّف الذليل ما ورد عن أهل بيت الوحي والتنزيل وهو ما روي في تفسير البرهان عن كتاب الحسين بن سعيد: بإسناد صحيح عن الصادق علیه السلام أنّه قال :

ما من عبد إلّا وله ملكان يكتبان ما يلفظ ثمّ يرفعان ذلك إلى ملكين فوقهما فيثبّتان ما كان من خير وشرّ، ويلغيان ما سوى ذلك، إنتهى .(1)

ولم أعثر إلى الآن على معارض له واللّه خير دليل وهو حسبي ونعم الوكيل

75- صلاته علیه السلام وكيفيّتها المطلقة (بأقسامها)

الأمر الخامس والسبعون : صلاته علیه السلام

وهي مرويّة في كتب متعدّدة بطرق معتبرة :

1714۔ منها : في آخر الفصل التاسع والعشرين من جمال الأُسبوع للسيّد ابن طاووس رحمه اللّه قال : صلاة الحجّة القائم صلوات اللّه عليه ركعتان ، تقرأ في كلّ ركعة الفاتحة إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ثمّ تقول مائة مرّة إياك نعبد : «وإيّاك نستعين»، ثمّ تتمّ قراءة الفاتحة، وتقرأ بعدها «الإخلاص» مرّة واحدة، وتدعو عقبيها فتقول:

اَللَّهُمَّ عَظُمَ البَلَاءُ، وَبَرِحَ الخَفَاءُ، وَانْكَشَفَ الغِطَاءُ، وَضَاقَتِ الأَرْضُ وَمُنِعَتِ السَّمَاءُ، وَإِلَيكَ يَارَبِّ المُشْتَكَى، وَعَلَيْكَ المُعَوَّلُ فِي الشِّدَةِ وَالرَّخَاءِ،

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، الَّذِينَ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِم، وَ عَجِّلِ اللَّهُمَّ فَرَجَهُم بِقَائِمِهِم، وَأَظهِر اِعْزَازَهُ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اِكْفِيَانِي فَاِنَّكُمَا كَافِيَايَ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ يَاعَلِيُّ يَامُحَمَّدُ، اُنْصُرانِی فَاِنَّكُمَا نَاصِرَايَ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، إِحْفَظَانِی فَاِنَّكُمَا حَافِظَايَ

ص: 462


1- تفسير البرهان : 4/ 220 ح6 ، عن كتاب الزهد : 27 ب8 ح2 .

يَا مَولَايَ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ (ثلاث مرّات) اَلغَوْثَ، اَلغَوْثَ، اَلغَوْثَ اَدْرِكنِي، اَدْرِكنِي، اَدْرِكنِي، اَلأَمَانَ، اَلأَمَانَ، اَلأَمَانَ.(1)

أقول: قد مرّ نحو هذا الدعاء بتغيير يسير في أواخر الباب السابع مرويّاً عنه سلام اللّه عليه .(2)

1715- ومنها : في مكارم الأخلاق للحسن بن الفضل الطبرسي : عن أبي عبداللّه الحسين بن محمّد البزوفري، مرفوعاً،

وفي النجم الثاقب، عن كنوز النجاح للفضل بن الحسن الطبرسي والد مصنّف المكارم، عن أحمد بن الدربي، قال : من الناحية المقدّسة :

من كانت له حاجة إلى اللّه تعالی يغتسل ليلة الجمعة بعد نصف الليل، ويأتي مصلّاه ويصلّي ركعتين، يقرأ في الركعة الأولى : «الحمد» فإذا بلغ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يكرّرها مائة مرّة، ويتمّ في المائة إلى آخرها، ويقرأ سورة التوحيد مرّة واحدة، ثمّ يركع ويسجد ويسبّح فيها سبعة سبعة، ويصلّي الركعة الثانية على هيئته ، ويدعو بهذا الدعاء، فإذا فعل ذلك قضى اللّه حاجته البتّة ، كائنة ما كانت، إلّا أن تكون في قطعة رحم . والدعاء:

اَللَّهُمَّ إِنْ أَطَعْتُكَ فَالْمَحْمَدَةُ لَكَ، وَإِنْ عَصَيْتُكَ فَالحُجَّةُ لَكَ، مِنْكَ الرَّوحُ، وَمِنْكَ الفَرَجُ، سُبحَانَ مَنْ اَنْعَمَ وَشَكَرَ، سُبْحَانَ مَنْ قَدَرَ وَغَفَرَ، اَللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ قَدْ عَصَيْتُكَ فَإِنِّي قَدْ اَطَعْتُكَ فِي أَحَبِّ الأَشيَاءِ إِلَيكَ، وَهُوَ الْاِيمَانُ بِكَ، لَمْ اَتَّخِذ لَكَ وَلَداً، وَلَمْ أَدْعُ لَكَ شَرِيكاً، مَنّاً مِنْكَ بِهِ عَلَيَّ، لَا مَنّاً مِنِّي بِهِ عَلَيكَ،

وَقَدْ عَصَيْتُكَ يَا إِلَهِي عَلَى غَيْرِ وَجْهِ المُكَابَرَةِ، وَلَا الخُرُوجِ عَنْ عُبُودِيَّتِكَ، وَلَا الجُحُودِ لِرُبُوبِيَّتِكَ، وَلَكِنْ اَطَعتُ هَوَايَ، وَاَزلَّنِى الشَّيطَانُ

ص: 463


1- جمال الأُسبوع: 181، عنه الصحيفة الرضويّة الجامعة : 291 د : 15.
2- تقدّم ص 320 ح 1145.

فَلَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ وَالبَيَانُ

فَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَبِذُنُوبِي غَیْرَ ظَالِمٍ، وَإِنْ تَغْفِر لِي وَتَرْحَمنِي فَاِنَّكَ جَوَادٌ كَرِیمٌ، یَا كَرِیمُ یَا كَرِیمُ - حَتَّى ينقطع النفس، ثمّ يقول:

يَا آمِناً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ خَائِفٌ حَذِرٌ، أَسْأَلُكَ بِاَمْنِكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَوْفِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاَنْ تُعْطِينِي اَمَاناً لِنَفْسِي وَأَهْلِي وَوُلْدِي، وَسَائِرِ مَا أَنْعَمتَ بِهِ عَلَيَّ، حَتَّى لَا أَخَافَ أَحَداً، وَلَا أَحْذَرَ مِن شَيْءٍ أَبَداً، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ، وَحسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ

یَا كَافِيَ إِبْرَاهِیمَ نَمْرُودَ، وَيَا كَافِيَ مُوسَی فِرْعَونَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَكفِيَنِي «فُلَانِ بنِ فُلَانٍ» وَيَسْتَكفِي شَرَّ مَنْ يَخَافُ شَرَّهُ،

فإنّه يكفي بإذن اللّه تعالی.

ثمّ يسجد ويسأل اللّه حاجته ويتضرّع إلى اللّه تعالى .(1)

1716- قال في المكارم : فإنّه روي أنّه ما من مؤمن ولا مؤمنة صلّى هذه الصلاة ودعا بهذا الدعاء خالصاً إلّا فتحت له أبواب السماء للإجابة،

ويجاب في وقته(2) كائناً ما كان وذلك من فضل اللّه علينا وعلى الناس ، إنتهی .

وذكر في النجم الثاقب مثله عن كنوز النجاح .(3)

يقول المصنّف الضعيف محمّد تقي الموسوي الإصفهاني عفي اللّه تعالی عنه :

قد وقع لي مكرّراً مهمّات ، فصلّيت هذه الصلاة بهذه الكيفيّة، فكفاها اللّه تعالی بمنّه وكرمه وببركة مولانا صلوات اللّه عليه .

ص: 464


1- مكارم الاخلاق : 2/ 135 ح1 ، كنوز النجاح: مخطوط، عنه المستدرك : 6/ 75 ح1، مهج الدعوات: 296، عنه البحار : 89/ 323 ح30، وفي الصحيفة الرضويّة الجامعة : 263 د:10.
2- في نسخة : أو ليلته.
3- النجم الثاقب: ص250 و251.

1717- ومنها : في النجم الثاقب حكى هذه الصلاة عن كتاب السيّد فضل اللّه الراوندي بعنوان صلاة مولانا المهديّ عجّل اللّه تعالی فرجه الشريف

وذكر بعد الفراغ الصلاة على محمّد وآل محمّد مائة مرّة،

ولم يذكر بعدها دعاء آخر ولم يذكر لها وقتاً مخصوصاً.(1)

1718- ومنها : في كتاب جنّة الماوی عن كتاب تاریخ قم، للشيخ الفاضل الحسن بن محمّد القمّيّ، عن كتاب مونس الحزين في معرفة الحقّ واليقين، للشيخ أبي جعفر محمّد بن بابویه (رحمة اللّه علیه) في باب بناء مسجد جمكران، وذكر له حكاية طويلة، وقال هناك : إنّ الإمام المهديّ عجّل اللّه تعالی فرجه أمر بهذه الصلاة بكيفيّة خاصّة، وهي أن يصلّي ركعتين، ويقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب ، فإذا وصل إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) كرّره مائة مرّة، ثمّ يقرأها إلى آخرها، وهكذا يصنع في الركعة الثانية، ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرّات، فإذا أتمّ الصلاه يهلّل، ويسبّح تسبيح فاطمة الزهراء علیها السلام

فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلّي على النبيّ وآله مائة مرّة . ثم قال :

ما هذه حكاية لفظه : «فمن صلّاها فكأنّما صلّي في البيت العتيق»، إنتهی .

قال العالم المحدّث النوري في الحاشية ، عند قوله: «فإذا أتمّ الصلاة يهلّل» الظاهر أن يقول : لا إله إلا اللّه وحده وحده «إنتهی».

أقول: الإحتياط في العبادة، والإهتمام في قضاء الحاجة، يقتضيان الجمع بين الكيفيّات المذكورة، بأن يغتسل بعد النصف من ليلة الجمعة، ويصلّي تلك الصلاة، ويكرّر التسبيحة الكبرى في الركوع والسجود سبع مرّات، ويهلّل بعد الفراغ بما هلّل به رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وقال : إنّه دعائي ودعاء الأنبياء قبلي:

«لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت ، وهو حيّ لا يموت بيده الخير ، وهو على كلّ شيء قدير .(2)

ص: 465


1- النجم الثاقب: ص 250 و251.
2- الاسم الاعظم : 196، البحار : 26/86 ح2 .

ثمّ يهلّل بما هلّل به رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يوم فتح مكّة ، فقال : لا إله إلّا اللّه وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم «غلب - خ ل» الأحزاب وحده ، فله الملك، وله الحمد، يحيي ويميت ، وهو على كلّ شيء قدير .(1)

ثمّ يسبّح تسبيحة الزهراء الواردة عقيب كلّ فريضة .

ثمّ يسبّح تسبيحها الوارد المعروف بعد صلاتها، وهو

سُبْحَانَ ذِي العِزِّ الشَّامِخِ المُنِيفِ، سُبْحَانَ ذِي الجَلَالِ البَاذِخِ العَظِيمِ، سُبْحَانَ ذِي المُلْكِ الفَاخِرِ القَدِيمِ، سُبْحَانَ مَنْ لَبِسَ البَهْجَةَ وَالجَمَالَ، سُبْحَانَ مَنْ تَرَدّی بِالنُّورِ وَالوَقَارِ، سُبْحَانَ مَنْ يَرَى أَثَرَ النَّملِ فِي الصَّفَا، سُبْحَانَ مَنْ يَرَی وَقْعَ الطَّيْرِ فِي الهَوَاءِ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هكَذَا، وَلَا هكَذَا غَيْرُهُ

ثمّ يصلّي على النبيّ وآله مائة مرّة، ثمّ يدعو بالدعاء المرويّ عن المكارم، ثمّ يدعو بالدعاء الّذي ذكره ابن طاووس، فإذا عمل بما ذكرناه فقد أتى بجميع الإحتمالات وكان أسرع في إجابة الدعوات وقضاء الحاجات إن شاء اللّه.

وينبغي أن يطيل فيها القنوت، ويقرأ فيه كلمات الفرج كما أمر بذلك مولانا أمير المؤمنين بعض الصالحين، إذ رآه في المنام، وهي:لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ العَلِيّ العَظِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ السَّبعِ، وَرَبِّ الأَرَضِينَ السَّبعَ، وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَينَهُنَّ وَرَبِّ العَرشِ العَظِيمِ. (4)

تنبيه وتتميم نفعه عميم: قد ذكر السيد ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) في صلوات الحوائج ليلة الجمعة صلاة تشبه تلك الصلاة ، فقال : صلاة الحاجة في ليلة الجمعة ، وليلة عيد الأضحى ركعتين، تقرأ فاتحة الكتاب إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وتكرّر ذلك مائة مرّة وتتمّ الحمد ثمّ تقرأ:

«قل هو اللّه أحد» مائتي مرّة في كلّ ركعة،

(2) الصحيفة الفاطميّة الجامعة : 17 د:1. (3) الصحيفة العلوية الجامعة : 267 د: 109.

ص: 466


1- البحار : 22/86 ح 21، المستدرك : 51/5 ح3.

ثمّ تسلّم وتقول: «لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم» سبعين مرّة

وتسجد وتقول مائتي مرّة : «یا ربّ یا ربّ» وتسأل كلّ حاجة، إنتهی .(1)

76- البكاء في مصائب الحسين الشهيد علیه السلام وهو ممّا يحصل به أداء حق الإمام

الأمر السادس والسبعون : البكاء في مصيبة مولانا الشهيد المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام

لأنّه ممّا يحصل به أداء حقّ الإمام، ولا ريب أنّ أداء حقّه من أعظم ما يتقرّب به إليه وأهمّه.

1719- وبيان ذلك : أنّه قد روى الشيخ الثقة الأجلّ جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي (رحمة اللّه علیه) في كتاب كامل الزيارات : بإسناده عن الصادق علیه السلام - في حديث طويل في فضل البكاء على الحسين علیه السلام - قال : وما من عين أحبّ إلى اللّه ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باك يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ، ووصل رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وأدّى حقّنا.

وما من عبد يحشر إلّا وعيناه باكية إلّا الباكين على جدّي الحسين، فإنّه يحشر وعينه قريرة، والبشارة تلقاه، والسرور بيّن على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين علیه السلام تحت العرش وفي ظلّ العرش، لا يخافون سوء يوم الحساب يقال لهم :

ادخلوا الجنة، فيأبون، ويختارون مجلسه وحديثه، وإنّ الحور لترسل إليهم: إنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين، فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة . الحديث .(2)

والدليل على ما ذكرناه أنّ قوله علیه السلام :

«وأدّى حقّنا» يفيد أنّ البكاء على الحسين علیه السلام أداء حقّ صاحب الامر وسائر الأئمّة سلام اللّه عليهم أجمعين ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ تسلية المؤمنين أخلاف من

ص: 467


1- جمال الأسبوع: 89، عنه البحار : 88/ 122 و 89/ 322.
2- كامل الزيارات : 168 ضمن ح8، عنه البحار : 207/45 ، والمستدرك : 10/ 313.

مضى منهم تكریم و تعظيم لهم، وتودّد إليهم، ومساعدة معهم بالشركة في مصیبتهم، وهذه الجملة من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض، فإنّ للمؤمن إذا مضى لسبیله آداباً، أمر الشرع بمراعاتها، وهي صنفان : صنف يؤدّی به حقّ الميّت وهو تشييعه، وزيارة قبره، والإستغفار له، والتصدّق عنه، والصلاة عليه وذكره بالخير، وأمثالها، وصنف يؤدّی به حقّ الأحياء الباقين بعده، وهو زیارتهم، وتعزيتهم، والدعاء لهم، وموافقتهم في الحزن والمصيبة، وبعث الطعام إليهم، وأمثالها ممّا هو صلة لهم وإحسان إليهم،

ولا ريب في أنّ حقّ الإمام في ذلك أعظم من سائر الأنام.

فإذا بكى المؤمن في مصيبة مولانا المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام أدّى حقّ الإمام الباقي بعده في تلك الواقعة الفاجعة، لأنّه موافقة له، ومساعدة معه ، وتقرّب إليه، وتسلية لقلبه، لا أنّه أدّی حقّ الإمام من جميع الجهات في كلّ مقام

فإنّ للإمام وكذا لسائر المؤمنین حقوقاً بحسب تفاوت مراتبهم وشؤونهم، يجب مراعاتها، والوفاء بها في كلّ مقام من المقامات، وفي كلّ حال من الحالات، وفي كلّ شيء من الأشياء، وقد نبّهوا عليها فيما روى عنهم، لو أردنا صرف العنان إليها صار كتاباً كبيراً،

وبهذا البيان ظهر معنى قوله علیه السلام : وأدّی حقّنا، وبه يظهر معنی نظائره في سائر الموارد والعبارات فكن على بصيرة وتذكّر إن شاء اللّه تعالی.

77- زيارة قبر الحسين علیه السلام وأنّها صلة بالإمام علیه السلام

الأمر السابع والسبعون : زيارة قبر مولانا الحسين علیه السلام

لأنّها صلة صاحب الزمان وبرّ به، وبسائر الأئمّة ويدخل السرور بها في قلب الإمام، ويدعو الإمام كسائر آبائه الكرام كلّ صباح و مساء لزوّار قبر الحسين علیه السلام

1720- وروى ابن قولویه (رحمة اللّه علیه) في كامل الزيارات بإسناده عن أبان، عن الصادق علیه السلام ، قال : من أتى قبر أبي فقد وصل رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ووصلنا،

ص: 468

وحرمت غیبته وحرم لحمه على النار، الخبر .(1)

1721- وفيه : بإسناده ، عن عبداللّه بن سنان، قال :

قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك، إنّ أباك كان يقول في الحجّ : يحسب له بكلّ درهم أنفقه ألف درهم، فما لمن ينفق في المسير إلى أبيك الحسين علیه السلام ؟ فقال : يا ابن سنان، يحسب له بالدرهم الف وألف حتّى عدّ عشرة، ويرفع له من الدرجات مثلها ، ورضا اللّه تعالی خير له، ودعاء محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ودعاء أمير المؤمنين والائمّة علیهم السلام خير له.(2)

1722- وفيه : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، قال : من أحبّ الأعمال إلى اللّه تعالی زیارة قبر الحسين علیه السلام وأفضل الأعمال عند اللّه إدخال السرور على المؤمن، وأقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد باك .(3)

1723- وبإسناده عن معاوية بن وهب أنّه سمع الصادق علیه السلام يدعو ويناجي اللّه ربّه، ويقول:

اِغْفِر لِي وَلِاِخْوَانِي وَلِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي الحُسَيْنِ علیه السلام الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ، وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا، وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا، وَسُرُوراً اَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَآلِهِ، وَإِجَابَةً مِنْهُم لِأَمْرِنَا، وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا، اَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ، فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ، وَاكْلَأْهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَاخْلُف عَلَى أَهَالِيهِمْ وَأَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ خَلَّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَفِ، وَأَصْحِبهُمْ، وَاكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَ كُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلقِكَ أَو شَدِیدٍ، وَشَرَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا اَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ، وَمَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَقَرَابَاتِهِمْ

ص: 469


1- كامل الزيارات : 245 ح 1، عنه المستدرك : 256/10 .
2- كامل الزيارات : 247 ح5، 277 ح4 ، عنه البحار : 50/101 ، 49.
3- كامل الزيارات : 247 ح5، 277 ح4 ، عنه البحار : 50/101 ، 49.

اَللَّهُمَّ اِنَّ اَعْدَاءَنَا غَابُوا عَلَيْهِم خُرُوجَهُمْ، فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الشُّخُوصِ إِلَيْنَا، وَخِلَافاً مِنْهُم عَلَى مَنْ خَالَفَنَا، فَارْحَم تِلْكَ الوُجُوهَ الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ، وَارْحَم تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَاَرْحَم تِلْكَ الْأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا، وَ ارْحَم تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزَعَتْ وَاحْتَرَقَتْ لَنَا، وَارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا،

اَللَّهُمَّ إِنِّي اَسْتَودِعُكَ تِلْكَ الْأَنْفُسَ وَتِلْكَ الْاَبْدَانَ حَتَّى نُوَافِيهِمْ عَلَى الْحَوْضِ يَوْمَ الْعطَشِ الْأَكْبَرِ، فما زال ساجدٌ يدعو بهذا الدعاء.

- الحديث - وهو طويل، أخذنا منه موضع الحاجة -.(1)

وهو دليل على حصول السرور لصاحب الامر، وسائر الأئمّة علیهم السلام بهذا العمل الشريف ، وأنّه صلة لهم، وإجابة لأمرهم، ومعاداة لاعدائهم.

1724- وفيه بإسناده إلى معاوية بن وهب (أيضاً) عن الصادق علیه السلام ، قال :

قال لي : يا معاوية ، لاتدع زيارة قبر الحسين علیه السلام لخوف، فإنّ من تركه رأي من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده ، أما تحبّ أن يرى اللّه شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول اللّه علیه السلام ، وعليّ، وفاطمة، والأئمّة علیهم السلام .(2)

1725 - وبإسناده عن الحلبي، عن أبي عبداللّه علیه السلام - في حديث طويل -:

قلت : جعلت فداك، ما تقول فيمن ترك زيارته وهو يقدر على ذلك ؟

قال علیه السلام : أقول : إنّه قد عقّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وعقّنا، واستخفّ بأمر هو له، ومن زاره كان اللّه له من وراء حوائجه، وكفي ما أهمّه من أمر دنياه، وإنّه ليجلب الرزق على العبد، ويخلف عليه ما أنفق، ويغفر له ذنوب خمسين سنة، ويرجع

ص: 470


1- كامل الزيارات : 228 ح 2، عنه المستدرك : 10/ 232، والبحار : 51/101 .
2- كامل الزيارات : 230 ح4 ، عنه المستدرك : 10/ 233، والبحار : 53/101 ، ورواه الكليني في الكافي : 582/4 ، والصدوق في ثواب الاعمال : 120 .

إلى أهله وما عليه وزر ولا خطيئة إلّا وقد محيت من صحيفته ،

فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسّلته، وفتح له باب إلى الجنّة(1) يدخل عليه روحها حتّى ينشر، وإن سلم فتح له الباب الّذي ينزل منه الرزق، ويجعل له بكلّ درهم أنفقه عشرة ألف درهم، وذخر ذلك له، فإذا حشر قيل له:

لك بكلّ درهم عشرة الآف درهم، وإنّ اللّه نظر لك وذخرها لك عنده .(2)

1726- وفي حديث عبداللّه بن حمّاد البصري، عن الصادق علیه السلام - يذكر فيه فضل زائر قبر الحسين علیه السلام إلى أن قال- :

وأمّا ما له عندنا فالترحّم عليه كلّ صباح ومساء ، الخبر .(3)

1727- وفي حديث صفوان الجمّال، عن الصادق علیه السلام : لو يعلم زائر الحسين ما يدخل على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وما يصل إليه من الفرح، وإلى أمير المؤمنين، وإلى فاطمة، و[إلى] الأئمّة علیهم السلام ، والشهداء منّا أهل البيت ، وماينقلب به من دعائهم له، وما له في ذلك من الثواب في العاجل والآجل، والمذخور له عند اللّه، لأحبّ أن يكون ما ثمّ داره ما بقي(4)، الخبر .(5)

78- إكثار اللعن على بني أُميّة، والدليل على أنّه ممّا يتقرّب به إليه علیه السلام ومعنى قوله علیه السلام : «لعن اللّه بني أُميّة قاطبة»

الأمر الثامن والسبعون : إكثار اللعن على بني أُميّة

سرّاً وعلانية في المجالس وعلى المنابر، ما لم يكن خوف وتقيّة، ويدلّ على كون ذلك ممّا يتقرّب به إلى مولانا علیه السلام مضافاً إلى أنّه من أفضل الأعمال وأحبّها وأهمّها:

ص: 471


1- فتحت له أبواب الجنّة، خ.
2- كامل الزيارات : 246ح 3، عنه البحار : 2/101 ح 5 .
3- كامل الزيارات : 538 ضمن ح 1، عنه البحار : 101/ 73 ح 21، والمستدرك : 251/10 .
4- أي يكون داره عنده علیه السلام لا يفارقه . وفي بعض النسخ بالتاء المثنّاة أي ما تمّ وما استقرّ في داره .
5- كامل الزيارات : 495 ح17، عنه البحار : 14/101 ح 14.

1728- ما رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه) في الخصال : عن أمير المؤمنين علیه السلام - في ذكر مناقبه السبعين . قال علیه السلام : وأمّا الرابعة والخمسون،

فإنّي سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول : يا عليّ، سيلعنك بنو أُميّة، ويردّ عليهم ملك بكلّ لعنة الف لعنة، فإذا قام القائم علیه السلام لعنهم أربعين سنة ، الخبر .(1)

أقول: لا يخفى عليك أنّ المراد باللعن أربعين سنة أمره علیه السلام شیعته وأتباعه بلعن بني أُميّة في جميع البلاد والقرى والأمصار على المنابر، وفي المجامع، وشيوع ذلك بين الناس في تلك المدّة، كما فعل ذلك بنو أُميّة لعنهم اللّه تعالى في زمن استيلائهم معاندة لامير المؤمنين علیه السلام ،

ففعل القائم جزاء بما كسبوا في هذه الدنيا ولو كان المراد لعنه بني أُميّة بنفسه فقط لما كان محدوداً بالمدّة المعيّنة، وما اختصّ بزمان ظهوره علیه السلام لأنّه يلعنهم في جميع عمره.

والحاصل : أنّ هذا الحديث الشريف يدلّ على فضل كثير في الإهتمام بلعن بني أُميّة وإكثاره وأنّه ممّا يتقرّب به إلى صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه و ظهوره

فينبغي للمؤمن الإهتمام والمواظبة عليه في سائر أوقاته وحالاته، خصوصاً في صباحه ومسائه، وأعقاب صلواته، ويشهد لما ذكرناه :

1729- ما رواه الشيخ : بإسناده عن أبي جعفر الباقر علیه السلام، قال :

إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة ، فلا تنحرف إلّا بإنصراف لعن بني أُميّة .(2)

وممّا يدلّ على أنّ اللعن عليهم وعلى سائر أعداء الأئمّة من أقسام نصرة الإمام باللسان ما في تفسير الإمام العسكريّ عليه الصلاة والسلام، أنّه قال رجل للصادق علیه السلام : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم إنّي عاجز ببدني عن نصرتكم، ولست أملك إلّا البراءة من أعدائكم واللعن عليهم، فكيف حالي؟

ص: 472


1- الخصال : 2/ 579 س3.
2- التهذيب : 109/2 ح 179، عنه الوسائل : 1038/4 ح2.

فقال له الصادق علیه السلام : حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت، ولعن في خلواته (1) أعداءنا، بلّغ اللّه صوته جميع الأملاك من الثرى إلى العرش، فكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا لعناً ساعدوه، فلعنوا من يلعنه، ثمّ ثنّوه، فقالوا: «اللّهمّ صلّ على عبدك هذا، الّذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر على أكثر منه لفعل».

فإذا النداء من قبل اللّه تعالی : قد أجبت دعاءكم وسمعت نداءكم، وصلّيت على روحه في الأرواح، وجعلته عندي من المصطفين الأخيار، إنتهى .(2)

هذا كلّه مضافاً إلى أنّ موالاة الأئمّة لا يتمّ إلّا بالبراءة من أعدائهم، واللعن عليهم، ولا ريب أنّ بني أُميّة من أعدائهم، وقد فعلوا بالائمّة وأوليائهم ما فعلوا من الظلم والقتل، وأنواع الإيذاء ، فلعنة اللّه عليهم ما دامت الأرض والسماء.

تنبيه : مقتضى ماعرفت ممّا ذكرنا، وما لم نذكر، كقوله علیه السلام : «ولعن اللّه بني أُميّة قاطبة » عموم اللعن على جميع بني أُميّة، مع أنّ علماءنا ذكروا في أولياء أمير المؤمنين والأئمّة وخواصّهم جماعة ينتهي نسبهم إليهم، ولا ريب في حرمة اللعن على المؤمنين الموالين للأئمّة الطاهرين،

وقد قال اللّه عزّ وجلّ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(3)

وقال تبارك وتعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)(4)

وقد قيل في توجيه ذلك والجمع بين الدليلين وجوه غير نقيّة عن المناقشة

والاظهر عندي في هذا المقام أن يقال : إنّ المراد من بني أُميّة من يسلك مسلكهم ويحذو حذوهم في معاداة أمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين وأوليائهم، سواء كان من هذا الحيّ، أم سائر الأحياء.

ص: 473


1- في المستدرك : في صلاته .
2- تفسير الإمام العسكريّ علیه السلام : 47، عنه المستدرك : 410/4 ح 3.
3- الأنعام: 164، فاطر : 18.
4- الطور : 21.

فإنّ من سلك مسلكهم يعدّ منهم، وطينته من طينتهم، وإن لم يكن في النسب الظاهريّ معدوداً منهم، ومن كان موالياً لأمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين فهو منهم، من أيّ حيّ كان،

والدليل على ما ذكرناه قوله عزّ وجلّ: («وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)(1).

1730- والنبوي صلی اللّه علیه وآله وسلم : سلمان منّا أهل البيت.(2)

1731۔ وقولهم علیهم السلام : شیعتنا منّا، وإلينا .(3)

1732- وفي البرهان وغيره: عن عمر بن يزيد الثقفي، قال :

قال أبو عبداللّه علیه السلام : يابن يزيد، أنت واللّه منّا أهل البيت،

قلت : جعلت فداك ، من آل محمّد؟ قال علیه السلام : إي واللّه،

قلت : من أنفسهم جعلت فداك ؟ قال : إي واللّه من أنفسهم، یا عمر ،

أما تقرأ كتاب اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(4) أما تقرأ قول اللّه عزّ اسمه :

(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ)(5)

وفي هذا المعنی روایات كثيرة وما ذكرناه كاف لأهل البصيرة .(6)

79- الإهتمام في أداء حقوق الإخوان فإنّه نصرة لصاحب الزمان علیه السلام

الأمر التاسع والسبعون : الإهتمام في أداء حقوق الاخوان

وممّا يتقرّب به إليه، ويسرّه، ويزلف لديه من الأُمور المنتسبة إليه، الإهتمام في أداء حقوق الإخوان، فإنّه نصرة له، وتمسّك بحبل ولايته، وإدخال السرور عليه ، وإحسان إليه، ويدلّ عليه طوائف من الأخبار :

ص: 474


1- هود: 45.
2- البحار : 326/22 ح 28 .
3- البحار : 18/68 .
4- آل عمران : 68.
5- إبراهيم: 36.
6- أمالي الطوسي: 45 ح 53، عنه البرهان : 640/1 ح4.

منها: ما مرّ من أنّ ترك ذلك استخفاف بالإمام علیه السلام .

ومنها: ما دلّ على أنّ الإمام بمنزلة الوالد للمؤمنين، وهم بمنزلة أولاده ، ولا ريب أنّ الإحسان والتودّد إلى الأولاد أحسان وتودّد إلى والدهم، ولا سيّما إذا كان للولد مزيّة من حيث العلم، والمعرفة، والزهد، والعبادة، والنسب .(1)

1733- ومنها : ما في أُصول الكافي - في حديث مرفوع -: عن معلّى بن خنیس ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام: عن حقّ المؤمن، فقال علیه السلام :

سبعون حقّاً لا أُخبرك إلّا بسبعة، فإنّي عليك مشفق أخشى أن لاتحتمل،

فقلت : بلى، إن شاء اللّه، فقال :

لا تشبع ويجوع، ولا تكتسي ويعرى، وتكون دليله وقميصه الّذي يلبسه(2) ولسانه الّذي يتكلّم به، وتحبّ له ما تحبّ لنفسك، وإن كانت لك جارية بعثتها لتمهّد فراشه، وتسعى في حوائجه بالليل والنهار ، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا وولايتنا بولاية اللّه عزّ وجلّ .(3)

1734- وفيه : بإسناده عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :

لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً أنّه عليه أدخله فقط، بل واللّه علينا، بل واللّه على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم.(4)

1735- وفيه : بإسناده عن أبي الحسن علیه السلام ، قال :

من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمة من اللّه تعالی ساقها إليه ، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصول بولاية اللّه، وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط اللّه عليه شجاعاً(5) من نار، ينهشه في قبره إلى يوم

ص: 475


1- البحار : 257/23 .
2- أي تكون محرم اسراره و مختصّاً به غاية الاختصاص، أو المعنى تكون ساتر عيوبه .
3- الكافي : 2/ 174 ح 14، عنه البحار : 255/74 ح 52، والوافي : 559/5 ح4.
4- الكافي : 189/2 ح6، عنه البحار : 255/74 ح52، والوافي : 559/5 ح4 .
5- الشجاع - كغراب وكتاب -: الحيّة .

القيامة ، مغفورة له أو معذّباً، فإن عذره الطالب كان أسوأ حالاً .(1)

1736- وفي البحار : عن الكاظم علیه السلام - في حديث - قال :

ومن قضى حاجة من أوليائنا، فكأنّما قضاها لجميعنا .(2)

1737- وفي كامل الزيارة عن الرضا علیه السلام قال :

من لم يقدر على زيارتنا فلیزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب زیارتنا .(3)

1738- و عن الكاظم نحوه بزيادة : ومن يقدر على صلتنا فليصل على صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا. (4)

أقول: الأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جدّاً، والغرض الإشارة .

1739- لكن يعجبني هنا ذكر رواية شريفة رواها زيد النرسي (5) في أصله لاشتمالها على فوائد جمّة وأُمور مهمّة ، قال :

قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : نخشى أن لانكون مؤمنين، قال علیه السلام : ولِمَ ذاك؟

فقلت : وذلك أنّا لانجد فينا من يكون أخوه آثر من در همه و دیناره، ونجد الدينار والدرهم آثر عنده من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنين علیه السلام .

قال علیه السلام : كلّا إنّكم مؤمنون، ولكن لا تكمّلون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع اللّه أحلامكم فتكونون مؤمنین كاملین، ولو لم يكن في الأرض

ص: 476


1- الكافي : 196/2 ح13، عنه البحار : 320/74 ح102، والوسائل: 578/11 ح9 .
2- البحار : 100/ 122 ضمن ح 26.
3- كامل الزيارات : 528ح2، 1، عنه البحار : 295/102 ح 2، 1.
4- كامل الزيارات : 528ح2، 1، عنه البحار : 295/102 ح 2، 1.
5- زید النرسي - بالنون المفتوحة - منسوب إلى نرس بلدة بالعراق، من أصحاب الصادق والكاظم واختلف في أصله فقيل : إنّه موضوع، والأقوى وفاقاً لجمع من الفحول الإعتماد والقبول لقول النجاشي فيما حكي عنه: له كتاب برو یه جماعة . ثمّ قال : أخبرنا عليّ بن أحمد بن عليّ بن نوح، قال : وحدّثنا محمّد بن أحمد الصفوانيّ رحمه اللّه تعالی قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زید النرسيّ بكتابه انتهى ولكتابه طرق غير هذا الطريق تنتهي إلى محمّد بن أبي عمير وغيره من الأجلۀة ، فتدبّر (لمؤلّفه).

مؤمنون كاملون إذاً لرفعنا اللّه إليه، وأنكرتم(1) الأرض وانكرتم السماء(2) بل والّذي نفسي بيده إنّ في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدنيا كلّها عندهم تعدل جناح بعوضة، ولو أنّ الدنيا بجميع ما فيها وعليها ذهبة حمراء على عنق أحدهم، ثمّ سقط عن عنقه ما شعر بها أيّ شيء كان على عنقه، ولا أيّ شيء سقط منه لهوانها عليهم، فهم الخفيّ عيشهم(3) المنتقلة ديارهم من أرض إلى أرض، الخميصة بطونهم من الصيام، الذيلة شفاههم من التسبيح، العمش العيون من البكاء، الصفر الوجوه من السهر، فذلك سيماهم مثلاً ضربه اللّه في الإنجيل لهم، وفي التوراة، والفرقان والزبور، والصحف الأُولى وصفهم فقال : (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ)(4)

عني بذلك صفرة وجوههم من سهر الليل، هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر ، المؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم اللّه فقال : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(5)، فازوا واللّه وأفلحوا؛ إن رأوا مؤمناً أكرموه، وإن رأوا منافقاً هجروه، وإذا جنّهم الليل اتّخذوا أرض اللّه فراشاً، والتراب وساداً، واستقبلوا بجباههم الأرض يتضرّعون إلى ربّهم في فكاك رقابهم من النار .

فإذا أصبحوا اختلطوا بالناس لم يشار إليهم بالأصابع، تنكّبوا الطرق(6) واتّخذوا الماء طيباً وطهوراً، أنفسهم متعوبة وأبدانهم مكدورة، والناس منهم في راحة، فهم عند الناس شرار الخلق، وعند اللّه خيار الخلق، إن حدّثوا لم

ص: 477


1- أنكرتكم، خ وكذا ما بعده .
2- انكار الأرض والسماء : أن يشاهدوا فيها آثاراً غريبة لم يروا فيها قبل ذلك .
3- أي يعيشون مختفين من الناس للخوف منهم، أو لعدم موافقة طريقتهم لهم .
4- الفتح: 29.
5- الحشر : 9.
6- أي عدلوا عن الطرق العامرة لئلّا يعرفهم الناس، أو عن طرقهم ومسالكهم وأطوارهم.

يصدّقوا، وإن خطبوا لم يزوّجوا، وإن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفقدوا،

قلوبهم خائفة وجلة من اللّه، ألسنتهم مسجونة، وصدورهم وعاء لسرّ اللّه،

إن وجدوا له أهلاً نبذوه إليه نبذاً ، وإن لم يجدوا له أهلاً ألقوا على ألسنتهم أقفالاً غيّبوا مفاتيحها، وجعلوا على أفواههم أوكية، صلب صلاب أصلب من الجبال، لا ينحت منهم شيء، خزّان العلم ومعدن الحلم والحكم وتباع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، أكياس يحسبهم المنافق خرساء وعمياء و بلهاء، وما بالقوم من خرس ولاعمى ولا بله؛

إنّهم لأكياس فصحاء، حلماء حكماء، أتقياء بررة، صفوة اللّه، أسكنتهم (1)الخشية لله، وأعيتهم ألسنتهم خوفاً من اللّه وكتماناً لسرّه.

فواشوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم، یاكرباه لفقدهم، ويا كشف كرباه لمجالستهم، أُطلبوهم فإن وجدتموهم واقتبستم من نورهم اهتديتم، وفزتم بهم في الدنيا والآخرة، هم أعزّ في الناس من الكبريت الأحمر ، حليتهم طول السكوت بكتمان(2) السرّ والصلاة والزكاة، والحجّ والصوم، والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر فذلك حليتهم ومحبّتهم، یا طوبى لهم وحسن مآب ، هم وارثوا الفردوس خالدين فيها، ومثلهم في أهل الجنان، مثل الفردوس في الجنان وهم المطلوبون في النار المحبورون في الجنان، فذلك قول أهل الناس:

(مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ )(3) فهم أشرار الخلق عندهم، فيرفع اللّه منازلهم حتّى يرونهم، فيكون ذلك حسرة لهم في النار . فيقولون :

(يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ)(4) فنكون مثلهم، فلقد كانوا هم الأخبار، وكنّا نحن الأشرار ، فذلك حسرة لأهل النار، إنتهى الحديث الشريف بطوله .(5)

1740- وفي البحار، عن أمالي الشيخ : بإسناده عن جابر الجعفي، قال :

ص: 478


1- أسكتهم، ب.
2- وكتمان، ب.
3- ص: 62.
4- الأنعام : 27.
5- زید الزرّاد: 6، عنه البحار : 350/69 ح 54.

دخلنا على أبي جعفر محمّد بن عليّ علیهماالسلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا، فودّعناه وقلنا له: أوصنا يا بن رسول اللّه ، فقال علیه السلام :

ليعن قويّكم ضعيفكم، وليعطف غنيّكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاء كم عنّا، فإن وجدتموه في القرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، فإذا كنتم كما أوصيناكم ولم تعدوا إلى غيره فمات منكم میّت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً، ومن أدرك قائمنا فقتل معه كان له أجر شهیدین، ومن قتل بين يديه عدوّاً لنا كان له أجر عشرين شهيداً .(1)

80- إعداد السلاح، ومرابطة الخيل انتظاراً لظهوره علیه السلام

الأمر المتمّم للثمانين : إعداد السلاح، ومرابطة الخيل انتظاراً لظهوره

لينصره ويتشرّف بحضوره، فهاهنا مطلبان :

الأوّل : ذكر مايدلّ على فضيلة الأوّل.

والثاني : بیان ما يدلّ على الثاني، وفيه ذكر معنى المرابطة وأقسامها .

1741- أمّا الأوّل : فيدلّ عليه ما رواه النعماني : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، قال : ليعدّن أحدكم لخروج القائم علیه السلام ولو سهماً، فإنّ اللّه تعالى إذا علم ذلك من نیّته رجوت لان ينسئ في عمره حتّى يدركه، ويكون من أعوانه وأنصاره .(2)

أقول: الّذي يختلج ببالي في معنى قوله علیه السلام : «لأن ينسئ في عمره» أنّ اللّه تعالى يطوّل عمره بسبب هذا العمل سواء طال عمره حتّى يدرك زمان ظهور القائم أم لا، والإنساء في اللغة التأخير .

وروى الكليني (رحمة اللّه علیه) في روضة الكافي : بإسناده عن أبي عبداللّه الجعفي ، قال :

ص: 479


1- أمالي الطوسي: 231 ح 410، عنه البحار : 122/52 ح5 .
2- غيبة النعماني : 320 ح10، عنه البحار : 366/52 ح 146.

قال لي أبو جعفر محمّد بن عليّ علیهماالسلام : كم الرباط(1) عندكم؟ قلت: أربعون

قال علیه السلام : لكن رباطنا رباط الدهر، ومن ارتبط فينا دابّة كان له وزنها و وزن وزنها ما كانت عنده، ومن ارتبط فينا سلاحاً كان له وزنه ما كان عنده، لا تجزعوا من مرّة ولا من مرّتين ولا من ثلاث ولا من أربع(2)

فإنّما مثلنا ومثلكم مثل نبيّ كان في بني إسرائيل، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه أن ادع قومك للقتال فإنّي سأنصرك، فجمعهم من رؤوس الجبال، ومن غير ذلك، ثمّ توجّه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتّى انهزموا؛

ثمّ أوحى اللّه إليه أن ادع قومك إلى القتال فإنّي سأنصرك فدعاهم، فقالوا : وعدتنا النصر فما نصرنا، فأوحى اللّه تعالى إليه: إمّا أن يختاروا القتال أو النار،

فقال : يا ربّ، القتال أحبّ إليَّ من النار .

فدعاهم فأجابه منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر عدّة أهل بدر، فتوجّه بهم، فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتّى فتح اللّه عزّ وجلّ لهم.(3)

قال المجلسي(رحمة اللّه علیه) في شرح قوله : «رباطنا رباط الدهر» أي يجب على الشيعة أن يربطوا أنفسهم على طاعة إمام الحقّ، وانتظار فرجه، ويتهيّأوا لنصرته.

وقال (رحمة اللّه علیه) في شرح قوله علیه السلام: «كان له وزنها ... إلخ» أي كان له ثواب التصدّق بضعفي وزنها ذهباً وفضّة كلّ يوم ، ويحتمل أن يكون من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس أي له من الثواب مثلي وزن الدابّة، إنتهی .

المطلب الثاني: في بيان معنى المرابطة وفضلها، قال اللّه عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(4).

ص: 480


1- ملازمة ثغر العدوّ.
2- أي لا تجزعوا من عدم نصرنا وغلبة العدوّ علينا مرّة او مرّتين .
3- الكافي : 381/8 ح 576، عنه البحار: 318/19 ح67، والوسائل: 106/11 ح 3.
4- آل عمران: 200.

إعلم أنّ المرابطة مأخوذة من الربط، بمعنى الشدّ، وأُريد بها في الكتاب والسنّة أمور:

أحدها: ما ذكره الفقهاء في كتاب الجهاد من الفقه، وهو أن يقيم المؤمن ويربط دابّته في ثغر من الثغور، لحفظ بلاد الإسلام من تهاجم الكفّار، فيدفعهم إذا هجموا على المسلمين، وأقلّ زمان هذه المرابطة ثلاثة أيّام، وأكثره أربعون يوماً، فإذا تجاوز الأربعين كان ثوابه ثواب المجاهدين، ولا فرق في استحباب هذه المرابطة بين زمان حضور الإمام علیه السلام وغيبته، وفيها فضل كثير؛

1742- ففي النبويّ المحكيّ في الجواهر، عن المنتهى: عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّه قال : رباط الخيل ليلة في سبيل اللّه خير من صيام شهر وقيامه، فإن مات جرى عليه عمله الّذي كان يعمل، وأُجري عليه رزقه(1) وأمن الفتان .(2)

1743- وفي نبويّ آخر : كلّ ميّت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل اللّه فانه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر.(3)

1744- وفي نبويّ ثالث: عينان لا تمسّهما النار :

عين بكت من خشية اللّه، وعين باتت تحرس في سبيل اللّه .(4)

وينبغي التنبيه لأمرين:

أحدهما : أنّ هذا القسم من المرابطة يقبل النيابة ،

لما قدّمناه في استحباب النيابة عن الاحياء والأموات في سائر الأعمال الخيريّة والمستحبّات ولغير ذلك، ممّا هو مذكور في الفقه .

ثانيهما: أنّ استحبابها إنّما هو مع عدم الضرورة، ومعها فهي من الواجبات الكفائيّة، وتفصيل الكلام يوجب الخروج عن المرام.

ص: 481


1- لعلّ المراد به في البرزخ، بقرينة بعض الأخبار وتفسير بعض الآيات كما لا يخفى على أهل العنايات وذوي الدرايات.
2- المنتهی: 2/ 902.
3- المنتهی: 2/ 902.
4- البحار : 328/93 ب19.

الثاني: أن يرابط المؤمن إمام زمانه، بأن يربط نفسه بحبل ولايته ويلتزم باتّباعه وإعانته ، وهذا القسم من المرابطة واجب عينيّ على كلّ أحد، ولا يقبل النيابة ، وهو ركن من أركان الإيمان، ولا يقبل اللّه تعالی عملاً بدونه .

ويدلّ على ذلك - مضافاً إلى مامرّ في وجوب الإنتظار وفي غير ذاك المقام -

1745- ما رواه عليّ بن إبراهيم القمّي: بإسناد صحيح في تفسير تلك الآية عن الصادق علیه السلام ، قال : اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا على الأئمّة .(1)

1746- وفي البرهان وغيره : عن الباقر علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا)(2) قال :

اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوّكم، ورابطوا إمامكم المنتظر .(3)

1747- و فيه : بإسناد صحيح عن الصادق علیه السلام قال :

اصبروا على الفرائض، وصابروا على المصائب، ورابطوا على الأئمّة.(4)

1748- و عن الكاظم علیه السلام قال : اصبروا على المصائب، وصابروهم على التقيّة، ورابطوا على ما تقتدون به (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .(5)

1749- و عن يعقوب السرّاج، عن أبي عبداللّه علیه السلام - في معنى الآية - قال : اصبروا على الأذى فينا، قلت: «فصابروا»؟

قال : على عدوّكم مع وليّكم، قلت: «ورابطوا»؟ قال : المقام مع إمامكم (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) قلت : تنزيل؟ قال علیه السلام : نعم.(6)

ص: 482


1- تفسير القمّيّ: 1/ 136، عنه البحار : 220/24 ح 20.
2- آل عمران: 200.
3- غيبة النعماني : 199 ح13، عنه البرهان : 1/ 730 ح4، والبحار : 219/24 ح 14.
4- الكافي : 66/2 ح3، عنه البرهان : 1/ 730 ح2، والبحار : 221/24 ح 22.
5- معاني الأخبار : 369 ح 1 ، عنه البرهان : 1/ 730 ح3، والبحار : 215/24 ح5 و 396/75 ح18
6- العياشي: 359/1 ح200، عنه البرهان : 1/ 732 ح13، والبحار : 217/24 ح 11.

1750- وفي حديث آخر قال : رابطوا إمامكم فيما أمركم وفرض عليكم.(1)

أقول: وجوب المرابطة بهذا المعنى من ضروريّات المذهب، فنحن في غنى عن إقامة الدليل لهذا المطلب، مع أنّ دلالة الآيات والأخبار عليه كالشمس في رابعة النهار، فهي غير خفيّة على أُولي الأسماع والأبصار.

الثالث: أن يرتبط فرساً أو نحوه، انتظاراً لظهور صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه ليركبه ويقاتل أعداءه، وهذا القسم من المرابطة من المندوبات المؤكّدة،

1751- ويدلّ على فضله - مضافاً إلى ما حكينا عن روضة الكافي - ما رواه في فروعه في كتاب الدواجن(2): بإسناده عن ابن طيفور المتطبّب قال :

سألني أبو الحسن علیه السلام : أيّ شيء تركب؟ قلت : حماراً،

فقال علیه السلام : بكم ابتعته ؟ قلت : بثلاث عشر دیناراً،

فقال علیه السلام : إنّ هذا هو السرف، أن تشتري حماراً بثلاثة عشر دیناراً وتدع برذوناً.

قلت : يا سيّدي إنّ مؤونة البرذون أكثر من مؤونة الحمار، قال :

فقال : إنّ الّذي يموّن الحمار يموّن البرذون،

أما علمت أنّ من ارتبط دابّة متوقّعاً به أمرنا ويغيظ به عدوّنا، وهو منسوب إلينا، أدرّ اللّه رزقه، وشرح صدره، وبلّغه أمله، وكان عوناً على حوائجه .(3)

1752- وفي البرهان وغيره ، عن العيّاشي: بسنده عن الصادق علیه السلام في معنی آية المرابطة : (اصْبِرُوا) يقول : عن المعاصي،

(وَصَابِرُوا) على الفرائض،

ص: 483


1- مختصر بصائر الدرجات : 8، عنه البرهان : 731/1 ح8.
2- الدواجن: جمع داجن، وهي الشاة الّتي يعلفها الناس في منازلهم وقد يطلق على غير الشاة من كلّ ما يألف البيوت، يقال : دجن بالمكان دجوناً أي أقام (لمؤلّفه رحمه اللّه).
3- الكافي : 6/ 535 ح1، عنه البحار : 160/64 ح 3، والوسائل : 340/8 ح4.

(وَاتَّقُوا اللَّهَ) يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر .

ثم قال : وأي منكر انكر من ظلم الأمة لنا ، وقتلهم إيانا؟

(وَرَابِطُوا) يقول: في سبيل اللّه، ونحن السبيل فيما بين اللّه وخلقه، ونحن الرباط الأدنى، فمن جاهد عنّا فقد جاهد عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم وماجاء به من عند اللّه، الخبر .(1)

1753. وفيه: عن أبي جعفر علیه السلام في هذه الآية قال : نزلت فينا، ولم يكن الرباط الّذي أمرنا به بعد، وسيكون ذلك من نسلنا المرابط .(2)

توضیح: المراد بالمرابط على ما ظهر لي من التأمّل في كلماتهم هو الإمام المنتظر عجّل اللّه تعالی فرجه ، ووجه تسميته بهذا واضح،

تنبيه : المقصود الأصليّ في هذا المقام ذكر القسم الثاني والثالث من المرابطة، وقد ذكرنا القسم الأوّل تكثيراً للفائدة، وتكميلاً للعائدة ؛

وقد عزمت في هذا الأوان وهو شهر جمادي الثانية من السنة الثامنة والأربعين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة المباركة النبويّة على السفر إلى العراق، لزيارة مشاهد الأئمّة الأطياب،

وأسأل اللّه تعالى أن يوفّقني لما أُريد على وجه الكمال، ويوفّقني بعد الإياب، لإتمام هذا الكتاب بمنّه وكرمه، إنّه عزیز وهاب .(3)

ص: 484


1- العيّاشي: 358/1 ح197 ، عنه البحار : 216/24 ح8، والبرهان : 1/ 732 ح10.
2- العياشي: 359/1 ح 201، عنه البحار : 218/24 ح12، والبرهان: 1/ 733 ح14.
3- أقول - وفاءً بما أشرنا سابقاً ووعدناكم -: إنّي قد رأيته علیه السلام في المنام، وقلت له بالفارسيّة ما ترجمته: ماذا أفعل حتّى أتقرّب إلى اللّه وإليكم فقال علیه السلام ما ترجمته : اجعل عملك عمل إمام زمانك، وأُلهمت بأنّه علیه السلام أراد أن اعمل طبق ما يعمل به هو في الوظائف، وهذا معنى التشيّع فقلت له علیه السلام بلا اختیار: بماذا أُوفق؟ فأجابني علیه السلام: بالإخلاص في العمل.

تمّ إلى هنا

بید مصنّفه الضعيف الجاني

محمّد تقي الموسوي الإصفهاني

عفا اللّه تعالی عنه، وجعله في كنف مولاه

الحجّة عجّل اللّه تعالی فرجه

حامداً، مستغفراً

يقول العبد محمّد الموسوي الإصفهاني:

وقد رجع والدي المصنّف رحمه اللّه تعالی من هذا السفر في أواخر شهر شعبان من تلك السنة، ومات مسموماً في ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان، وأسال اللّه تعالى أن يوفّقني لنشر مؤلّفاته وآثاره، كما وفّقني لنشر هذا الكتاب، والحمد لله كما هو أهله .

ص: 485

يقول العبد القاصر محمّد باقر بن السيّد مرتضى الموحّد الأبطحيّ عفى اللّه عنهما : إنّ المؤلّف الوافد إلى ربّه «في هذه الرحلة المؤسفة، الّتي حالت بينه وبين أن يأتي بما حتم على نفسه من خاتمة» قد جاد بنفسه، ولبّى دعوة ربّه، بعد رجوعه من المشاهد المشرّفة والأعتاب المقدّسة . فحقّ على الكريم أن يدخل عبده الوفيّ في رحمته الواسعة، في وجوه ناضرة، في عيشة راضية، في جنّة عالية، لها أبواب ثمانية (وفاءً بقوله) : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ).

وحقّ أن يقول المؤلّف الوافد إلى ربّه: (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) «وأنت غاية رجائي في المكيال».

وأمّا هو (رحمة اللّه علیه) في قصد تأليفه هذا الكتاب يقول للقرّاء الكرام «بلسان الحال» :

هذا كتابي إليكم ولكم وصلة ، فهاؤم اقرؤا كتابيه،

ها هو كجنّة الخلد واقية، لها أبواب ثمانية، لا ترون فيها خاتمة ولا باقية ،

موسوعة كبيرة في معرفة الحجّة عجّل اللّه فرجه الشريف

أو مكیال المكارم في فوائد الدعاء للقائم من ولد فاطمة

وأقول: أمّا بعد فقد دعت الضرورة «لكثرة الراغبين ونفاد نسخ الكتاب» في هذه الظروف القاسية إلى إعادة طبعه مع تحقيقه جديداً وإخراج مصادره بشكل أفضل تتميماً للفائدة . فعزمت «بعون اللّه» في مبتدأ مشاريعنا العلميّة الموسعة على إخراج هذا السفر القيّم ابتغاء الوسيلة إليه تعالى ،

وليقوم الناس يدعون لفرج إمامهم الغائب عارفين بحقوقه.

فالحمد لله على ما أنعم علينا بطبع هذا الكتاب ، وقد خرج على أحسن ممّا كان في صورة راقية، وشكر متواصل إلى هؤلاء الأفاضل الّذين وازرونا في إخراج هذا الأثر الدينيّ المبارك ، وأخصّ بالذكر «الشيخ محمّد الظريف»

وآخر دعوانا : أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله

ص: 486

الفهارس

اشارة

1- فهرس الآيات القرآنيّة .

٢- الفهرس الموضوعي للكتاب

٣- فهرس مصادر الكتاب .

ص: 487

ص: 488

1- فهرس الآيات القرانيّة

الآية رقم السورة رقم الصفحة

الفاتحة :1

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ... 5 ... 466،465،463،462

البقرة : 2

(الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) ... 1-3 ... 137، 171، 382

(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) ... 6 ... 326

(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ... 15 ... 233

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ)... 83 ... 312

(وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) ... 88 ... 295

(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى) ... 132 ... 437

(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) ... 136 ... 409

(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ... 137 ... 38

(وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً) ... 143 ... 438

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ) ... 155 ... 333

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) ... 159 ... 317

(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) ... 177 ... 295

(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) ... 186 ... 421

(وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) ... 189 ... 352

(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ... 191 ... 482،332

(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ... 195 ... 343

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) ... 245 ... 278،286

ص: 489

(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ) ... 246 ... 381

(لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) ... 264 ... 76

(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو) ... 269 ... 319،208

(وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) ... 286 ... 394،285

آل عمران : 3

(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) ... 7 ... 335،334،232

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) ... 19 ...437

(اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ) ... 26 ... 29

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) ... 31 ... 275،71

(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ... 68 ... 474

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ) ... 85 ... 437

(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ... 92 ... 288

(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) ... 96 ... 113

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ... 103 ... 347

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) ... 104 ... 317

(وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ... 130 ... 482

(وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ... 161 ... 295

(مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ) ... 179 ... 328

(فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ... 186 ...334

(إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) ... 194 ... 27

(أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ) ... 195 ... 68

(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ) ... 196-198 ... 436

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) ... 200 ... 482،480،331

النساء : 4

(وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) ... 32 ... 421،209

ص: 490

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) ... 36 ... 436

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ) ... 59 ... 271،214

(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا)... 65 ... 266،230

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) ... 77 ... 381

(أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) ... 97 ... 310

(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا) ... 140 ... 342،340

(وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) ... 155 ... 297

(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) ... 157 ... 205

المائدة : 5

(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ... 2 ... 240

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ... 3 ... 318،13

(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ... 27 ... 68

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) ... 55 ... 271

(يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) ... 64 ... 397،295

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا) ... 105 ... 324

(وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) ... 110 ... 365،360

(تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) ... 116 ... 362

الأنعام: 6

(ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) ... 2 ... 219

(يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ) ... 27 ... 478

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ) ... 33 ... 332

(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى) ... 68 ... 341

(فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) ... 98 ... 61

(وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ) ... 108 ... 341

(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ) ... 115 ... 361

ص: 491

(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ) ... 161 ... 435

(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ... 164 ... 473

الأعراف: 7

(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) ... 43 ... 295

(فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ... 71 ... 386،339،333،164

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) ... 89 ... 32،31

(وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) ... 102 ... 438

(إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ... 128 ... 226

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) ... 137 ... 332

(قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) ... 150 ... 392

(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) ... 180 ... 308

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) ... 187 ... 375،185

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ) ... 201 ... 319

(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ... 204 ... 461،455،453،452

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) ... 205 ... 74،70

الأنفال : 8

(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) ... 5 ... 224

(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) ... 75 ... 226

التوبة : 9

(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ) ... 5 ... 332

(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ)... 24 ... 266

(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ) ... 60 ... 196

(نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) ... 67 ... 296

(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) ... 103 ... 287

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ... 111 ... 264،263

ص: 492

(إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ... 120 ... 68

يونس: 10

(وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا) ... 20 ... 171

(حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ) ... 24 ... 28

(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى) ... 35 ... 218

(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ... 48 ... 228

(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ... 99 ... 327

هود : 11

(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا) ... 6 ... 400

(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) ... 37 ... 206

(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ) ... 38 ... 233

(فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ) ... 45 ... 474

(وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) ... 93 ... 333،164

يوسف : 12

(يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ) ... 88 ... 486،351

(أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ) ... 90 ... 425،424

(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) ... 110 ... 207

الرعد: 13

(إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) ... 7 ... 227

(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) ... 21 ... 288

(وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) ... 22 ... 322

(يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) ... 39 ... 396،379

(قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) ... 43 ... 404

إبراهيم: 14

(مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ... * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ) ... 24 و 25 ... 401

ص: 493

(وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) ... 27 ... 296،216

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) ... 34 ... 256

(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ) ... 36 ... 474

الحجر: 15

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ... 97 و 98 ... 331

النحل : 16

(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) ... 1 ... 225،224

(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ... 43 ... 71

(فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) ... 53 ... 77

(تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) ... 89 ... 395

(وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ) ... 116 ... 341

(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) ... 123 ... 435

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ) ... 125 ... 317

(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) ... 127 ... 336

الإسراء : 17

(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ... 13 ... 204

(أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) ... 61 ... 230

(يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) ... 71 ... 351،126،125

(وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) ... 73 ... 438

(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) ... 84 ... 486،178

(وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) ... 97 ... 208

(سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) ... 108 ... 115

الكهف : 18

(إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) ... 30 ... 68

ص: 494

طه : 20

(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) ... 12 ... 366

(قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ) ... 52 ... 400

(وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ) ... 90 ... 392

(قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) ... 96 ... 371

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ ... قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي) ... 124-126 ... 350

(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) ... 130 ... 75

الأنبياء : 21

(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ... 7 ... 396

(عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) ... 26 و 27 ... 395

الحجّ: 22

(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي) ... 31 ... 358

(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ... 32 ... 358،357،76

(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ... 36 ... 357

(لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) ... 37 ... 295

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ) ... 40 و 41 ... 260،258

(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ... 46 ... 348

(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) ... 78 ... 435

المؤمنون: 23

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) ... 30 ... 328

النور : 24 .

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ...) ... 36 ... 386،371،366،66

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) ... 55 ... 137

الفرقان : 25

(إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا) ... 42 ... 438

ص: 495

(مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)... 57 ... 113

الشعراء : 26

(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)... 4 ... 216

(فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) ... 100 و 101 ... 201

النمل : 27

(إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ) ... 29 و 30 ... 455

(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ) ... 40 ... 403

(وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) ... 75 ... 400،395

القصص: 28

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) ... 15 ... 295

(أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) ... 54 ... 322

(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) ... 56 ... 327،209

العنكبوت : 29

(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ) ... 2 و 3 ... 328

(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) ... 69 ... 209

الروم : 30

(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا) ... 10 ... 439

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ... 41 ... 269،9

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) ... 60 ... 456

لقمان : 31

(وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) ... 20 ... 135

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ) ... 22 ... 297

السجدة : 32

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ) ... 21 ... 420

(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ... 24 ... 332

ص: 496

الأحزاب: 33

(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ... 6 ... 354،271،266،113

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ) ... 21 ... 275

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا) ... 36 ... 272،230

(وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ) ... 46 ... 365

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) ... 53 ... 368

سبأ: 34

(لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ) ... 3 ... 400

(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) ... 17 ... 381

(مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) ... 47 ... 113

فاطر : 35

(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا) ... 2 ... 210

(وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ) ... 11 ... 400

(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ... 18 ... 473

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) ... 32 ... 395

يس: 36

(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) ... 12 ... 400،395

(يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ) ... 52 ... 330

الصافات: 37

(وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ... 83 و 84 ... 149

ص: 38

(هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ... 39 ... 396

(وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ) ... 62 ... 478

(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) ... 88 ... 334

الزمر : 39

(أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) ... 56 ... 13

ص: 497

(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ) ... 65 ... 456،272،76

غافر : 40

(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ... 60 ... 421،209

فصّلت : 41

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ ... * وَمَا يُلَقَّاهَا) ... 34 و 35 ... 331

الشوری : 42

(وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) ... 17 و 18 ... 376،225

(وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) ... 27 ... 401

(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ... 23 ... 113

الزخرف: 43

(وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) ... 28 ... 226

(فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) ... 55 ... 28

(وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ... 85 ... 375

الدخان : 44

(حم * والكتاب المبين) ... 1 و 2 ... 400

الأحقاف: 46

(أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) ... 16 ... 68

محمّد : 47

(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ... 7 ... 258،259

(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى) ... 18 ... 375

(وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) ... 33 ... 76

(وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) ... 38 ... 258

الفتح : 48

(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ) ... 10 ... 276،264،263

(سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ) ... 29 ... 477

ص: 498

الحجرات: 49

(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ) ... 17 ... 305

ق: 50

(وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) ... 4 ... 400

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا) ... 37 و 38 ... 332

الطور : 52

(كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) ... 21 ... 473

النجم : 53

(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ... 29 ... 297

القمر : 54

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ... 1 ... 375

(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) ... 2 ... 217

الواقعة : 56

(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) 77 و 78 و 79 ... 400

الحديد : 57

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) ... 11 ... 287،285

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ) ... 16 ... 322

(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ... 21 ... 190

(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ) ... 22 ... 400

المجادلة : 58

(أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ... 22 ... 137

الحشر : 59

(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ) ... 9 ... 477

الصف : 61

(صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) ... 4 ... 267

ص: 499

الجمعة: 62

(فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) ... 10 ... 310

التغابن : 64

(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) ... 8 ... 208

الطلاق : 65

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) ... 2 ... 319

(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) ... 7 ... 285

التحریم: 66

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ) ... 6 ... 312

الجن: 72

(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا...) ... 26 ... 329

المزمل: 73

(وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي) ... 10 و 11 ... 331

(إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ ...) ... 15 ... 71

الطارق: 86

(فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) ... 17 ... 420

الغاشية: 88

(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) ... 25 و 26 ... 363

القدر : 97

(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ... 1 ... 51

البيّنة: 98

(لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ... 5 ... 178

العصر : 103

(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) ... 1-3 ... 445

ص: 500

٢- الفهرس الموضوعي للكتاب

الفهرس الموضوعي

الباب السادس: في ذكر الأوقات والحالات التي يتاكد فيها الدعاء لمولانا الغائب عن الأبصار ومسالة تعجیل فرجه من خالق الليل والنهار وما يشهد لذلك من الآيات، والأخبار، ودليل العقل والإعتبار

١- بعد كلّ فريضة ... 7

2- بعد خصوص صلاة الظهر ... 14

٣- بعد صلاة العصر ... 18

4- بعد صلاة الصبح ... 19

5- بعد كلّ ركعتين من صلاة الليل ... 19

6- في قنوت الصلوات ... 20

7- في حال السجود للخالق المعبود ... 34

8- في سجدة الشكر ... 35

9- في كلّ صباح و مساء ... 35

10- في الساعة الاخيرة من كلّ يوم ... 38

11- يوم الخميس ... 39

12- ليلة الجمعة ... 39

13 - يوم الجمعة في جميع الساعات والأحوال ... 40

14- يوم النيروز ... 44

ص: 501

15 - يوم عرفة ... 44

16- يوم الفطر ... 44

17- يوم الأضحی ... 45

18- یوم دحو الأرض ... 46

19 - يوم عاشوراء ... 47

20- ليلة النصف من شعبان ... 48

21- يوم النصف من شعبان ... 48

22- جميع شهر رمضان خصوصاً لياليه ... 49

23- ليلة السادسة من شهر رمضان ... 52

24 - اليوم الثامن من شهر رمضان ... 53

25- الليلة الثانية عشرة من شهر رمضان ... 53

26- اليوم الثالث عشر من شهر رمضان ... 54

27 - اليوم الثامن عشر، والليلة التاسعة عشر منه ... 54

28 - اليوم الحادي والعشرون منه ... 55

29- بعد ذكر مصيبة سيّد الشهداء علیه السلام ... 57

30- بعد زيارة مولانا صاحب الزمان علیه السلام ... 57

31- عند البكاء من خشية اللّه تعالى ... 58

32- عند تجدّد كلّ نعمة، وزوال كلّ محنة ... 58

33- عند عروض الهمّ والغمّ ... 58

34- عند الشدائد والبليّات ... 59

35- بعد صلاة التسبيح «صلاة جعفر الطيّار» ... 59

36- قبل الدعاء لنفسك وأهلك ... 59

37 - يوم الغدير ... 60

38- في مطلق الأوقات الشريفة، والليالي والأيّام المتبرّكة ... 61

ص: 502

39- في مجالس المخالفين وغاصبي حقوق الأئمّة الطاهرين ... 62

40- في أربعين يوماً مداوماً ... 62

41- في شهر المحرّم ، وكلّ يوم وقع فيه ظلم على الأئمّة علیهم السلام ... 63

الأمكنة الّتي يتأكد فيها الدعاء له علیه السلام :

١- المسجد الحرام ... 64

٢- العرفات في محلّ الوقوف ... 64

٣- السرداب : «سرداب الغيبة» ... 64

4- المقامات المنسوبة إليه علیه السلام و مشاهده ومواقفه ... 64

5- حرم مولانا الشهيد المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام ... 65

6- حرم مولانا أبي الحسن الرضا علیه السلام ... 66

7- حرم الإمامين العسكريّين علیهماالسلام ... 66

8- مشهد كلّ واحد من الأئمّة المعصومين علیهم السلام ... 66

الباب السابع

فيه ثلاثة مقاصد:

المقصد الأوّل : في أُمور ينبغي التنبيه عليها قبل الشروع ... 67

المقصد الثاني : في كيفيّة الدعاء لتعجيل فرجه، تصريحاً وتلويحاً ... 82

المقصد الثالث : في ذكر بعض الدعوات المأثورة عنهم علیهم السلام :

١- دعاء الصلوات ... 84

2- دعاء السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس عن الرضا علیه السلام ... 88

3- دعاء القنوت المرويّ عن العسكريّ علیه السلام وصلاة المظلوم ... 101

4- دعاء الندبة ، وتوضيح مقال لدفع إشكال فيه ... 111

5- ذكر بعض الأدعية ... 120

ص: 503

الباب الثامن: في سائر ما يتقرّب به إليه ويسرّه ويزلف لديه من تكاليف العباد بالنسبة إليه علیه السلام وهي أُمور:

١- تحصیل معرفة صفاته وآدابه وخصائصه، وعلائم ظهوره ... 123

2- رعاية الأدب بالنسبة إلى ذكره، وأن لا يسمّونه باسمه الخاصّ ... 129

٣- محبّته علیه السلام بالخصوص ... 159

4- تحبيبه علیه السلام إلى الناس ... 163

5- انتظار فرجه وظهوره علیه السلام ، وفيه مقامات :

الأوّل : في فضل الإنتظار، وثواب المنتظرين، وانتظار الأنبياء ... 164

الثاني: في وجوب انتظار القائم علیه السلام على كلّ أحد ... 174

الثالث: في معنى الإنتظار ... 176

الرابع : هل يعتبر في الإنتظار قصد القربة أم لا؟ وبيان مایعتبر فيه ... 177

الخامس: في بيان حكم ضدّ الإنتظار، وأقسام اليأس ... 181

6- إظهار الشوق إلى لقائه علیه السلام ... 187

7- ذكر فضائله ومناقبه علیه السلام ... 190

8- الحزن في فراقه ... 191

9- الحضور في مجالس ذكر فضائله علیه السلام ... 193

10- إقامة المجالس الّتي يذكر فيها صاحب الزمان علیه السلام ... 195

12-11 - إنشاء الشعر، وإنشاده في فضائله علیه السلام ... 197

13- القيام عند ذكر إسمه وألقابه علیه السلام ... 198

14- 16- البكاء والإبكاء والتباكي على فراقه علیه السلام ... 198

17- طلب معرفته علیه السلام من اللّه عزّ وجلّ ... 207

18- المداومة بالدعاء الّذي رواه الكليني (رحمة اللّه علیه) ... 210

19- ودعاء الغريق الّذي رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه) ... 211

ص: 504

20- والدعاء الّذي ذكره ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) ... 212

21- معرفة علامات ظهوره «ووقوع بعضها» ... 212

22- التسليم وترك الإستعجال في ظهوره علیه السلام ، وفيه مقامان:

الأوّل : في ذكر جملة من الروايات الواردة ... 221

الثاني : في بيان أقسام العجلة المذمومة وما يترتّب عليها من الفساد ... 228

23- التصدّق عنه نيابة ودليل صحّة النيابة عن الحيّ ... 236

٢4- التصدّق بقصد سلامته علیه السلام ... 243

25 و 26 - الحجّ نيابة عنه علیه السلام ، وبعث النائب ليحجّ عنه علیه السلام ... 244

27 و 28- طواف بیت اللّه الحرام نيابة عنه علیه السلام، وبعث النائب ليطوف عنه علیه السلام ... 248

29- زيارة مشاهد رسول اللّه والأئمّة المعصومين نيابة عنه علیه السلام ... 249

30- بعث النائب لیزور عنه علیه السلام ... 251

31- السعي في خدمته بما تيسّر، وذكر ما يوجب السعي في خدمته علیه السلام ... 251

32- الإهتمام في نصرته علیه السلام ، وذكر ما يقتضي الاهتمام في نصرته علیه السلام ... 258

33- العزم القلبيّ على نصرته في زمان ظهوره ... 260

34- تجديد البيعة له بعد كلّ فريضة من الفرائض اليوميّة، وفيه بحثان :

الأوّل: في معنى البيعة لغة وشرعاً ... 262

الثاني : في حكم البيعة والالتزام والميثاق بنصرة الإمام، ويتبعها فصول:

أ: تجديد البيعة في كلّ يوم بدعاء العهد ... 266

ب: تجديد البيعة بعد كلّ فريضة بما روي عن الصادق علیه السلام ... 267

ج : الدعاء المأثور المشتمل على تجديد البيعة ... 268

د: تجديد العهد والبيعة له في كلّ جمعة ... 270

ه: حكم البيعة بمعنى المصافقة باليد في الحضور والغيبة ... 270

و: هذه البيعة من خصائص النبيّ والإمام لا لغيرهما ... 272

ز: ردّ قول بعض الصوفيّة بأنّ مبايعة الشيخ واجبة ... 280

ص: 505

35- صلته علیه السلام بالمال، وفيه أمران : ... 285

أ: أفضليّة صلة الإمام علیه السلام في مثل هذا الزمان من العلّة في زمان ظهوره ... 290

ب: حصول صلة الإمام علیه السلام في هذا الزمان بصرف المال فيما يرضاه ... 291

36- صلة الصالحين من شيعتهم ومواليهم بالمال ... 291

37- إدخال السرور على أهل الإيمان ... 292

38- النصيحة له علیه السلام ... 293

قوله صلی اللّه علیه وآله وسلم : ثلاث لا يغلّ عليهن قلب آمرء مسلم ...

وذكر وجوه أربعة في معنى الحديث .

39- زيارته علیه السلام بالتوجّه إليه والتسليم عليه في كلّ مكان وزمان ... 298

40- زيارة المؤمنين الصالحين بقصد الفوز بفضل زيارته علیه السلام ... 298

41- ذكر الصلاة عليه، والدليل على فضله وتأكيده ... 299

42- إهداء ثواب الصلاة إليه علیه السلام ... 301

43- إهداء صلاة مخصوصة إلى الإمام علیه السلام ، وذكر ما يهديه إلى عليّ وفاطمة والائمّة ... 301

44- إهداء صلاة الهديّة بنحو خاصّ في وقت خاصّ ... 306

45- إهداء قراءة القرآن إليه علیه السلام ... 306

46- التوسّل والاستشفاع به إلى اللّه عزّ وجلّ ... 307

47- الاستغاثة به والتوجّه إليه علیه السلام وعرض الحاجة عليه ... 309

48- دعوة الناس إليه علیه السلام فإنّه علیه السلام سبيل اللّه الأعظم لقوله عزّوجلّ:

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ...) وهو السبيل الأعظم ... 311

49- مراقبة حقوقه والمواظبة على أدائها ... 321

50- خشوع القلب لذكره، والاهتمام بما يوجبه ... 321

51- إظهار العالم علمه عند ظهور البدع ... 322

52 - التقيّة عن الأشرار، وكتمان الاسرار عن الاغيار ... 322

علماً بأنّ أصناف الناس - غير العالم - ثمانية

ص: 506

53- الصبر على الاذي، والتكذيب، وسائر المحن ... 328

54- طلب الصبر من اللّه في زمان الغيبة ... 336

55- التواصي بالصبر في زمن غيبة القائم علیه السلام ... 337

56- الاحتراز والتجافي عن مجالس المستهزئين بذكر الإمام علیه السلام ... 340

57- مصانعة أهل الجور والباطل باللسان، والفرار منهم بالقلب ... 342

58۔ الاختفاء والتجافي عن الاشتهار ... 344

59- تهذيب النفس وتحليتها لمن يريد أن يكون من أصحاب القائم ... 347

60- الاتفاق والاجتماع على نصرته ... 347

61- الاتفاق على التوبة الواقعيّة، وردّ الحقوق إلى أصحابها ... 348

62 و 63 مداومة ذكره علیه السلام والعمل بآدابه وذكر درجات الذاكرین له ... 348

64- طلب من اللّه تعالی دوام ذكرك إيّاه علیه السلام وعدم نسيانه ... 353

65- خشوعك ببدنك له علیه السلام ... 353

66- ایثارك هواه علیه السلام على هواك ... 355

67 - تعظيم من يتقرّب به وينتسب إليه بقرابة جسمانيّة أو روحانيّة ... 356

68- تعظيم مواقفه و مشاهده كمسجد السهلة وسرداب الغيبة، و مسجد جمكران ... 356

وفيه مقامان :

الأوّل : فضل هذا التعظيم لأنّه تعظیم شعائر اللّه عزّ وجلّ : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ) وقول عليّ علیه السلام «نحن الشعائر والأصحاب» مع ذكر وجوه أربعة فيه ... 360

الثاني : بيان كيفيّة تعظيم تلك المواقف والمشاهد، وما به يعظّم ... 371

69 و 70- ترك التوقيت وتكذيب الموقّتين، وفيه التنبيه على أُمور : ... 375

الأوّل : أنّ نفي التوقيت لا ينافي الأخبار الموهمة ... 379

الثاني : أنّ العلم بوقت ظهوره علیه السلام من أسرار اللّه، وذكر أسباب خفائه ، الفقهاء مراجع الدين في زمان الغيبة، لا لتعيين وقت الظهور ... 384

الثالث : أنّ الإمام عالم بوقت الظهور ولكنّه غير مأذون لكشفه وإظهاره ... 394

ص: 507

71- تكذيب من ادّعى الوكالة بعد انقطاع النيابة الخاصّة عنه علیه السلام ... 405

«بحث فقهي حول الولاية للفقهاء في زمان الغيبة، واختيار المؤلّف»

72- الدعاء للفوز بلقاء صاحب الزمان علیه السلام في زمان ظهوره مقترناً بالعافية ... 419

الفوز بلقائه في النوم واليقظة في زمان غیبته بوجوه ثمانية ...

73- الإقتداء والتأسي بالإمام علیه السلام في أعماله وأخلاقه ... 433

يأتي ص 484 ذكر رؤيا مناسبة لهذا الباب لسبط المؤلّف

74- حفظ اللسان ورجحان السكوت والصمت إلّا في حقّ ... 442

كلام المجلسي (رحمة اللّه علیه) حول رواية الصادق علیه السلام : «لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً ما دام ساكتاً ...» واشكال المؤلّف، وذكر وجوه خامسة فيه ... 444

بحث فقهي حول الإستماع والسكوت عند سماع قراءة القرآن في صلاة الجماعة، وحال اشتغال الإمام بخطبة صلاة الجمعة وفي سائر الأوقات ... 451

مسألة أُخرى في أنّ الملائكة الكرام الكاتبين هل يكتبون جميع ما يتلفّظون به أو يكتبون الألفاظ الّتي يترتّب عليها اثر ... 461

75۔ صلاته علیه السلام وكيفيّتها المطلقة (بأقسامها)

والخاصّة بليلة الجمعة، ومسجد جمكران ... 462

76- البكاء في مصائب الحسين الشهيد علیه السلام وهو ممّا يحصل به أداء حق الإمام ... 467

77- زيارة قبر الحسين علیه السلام وأنّها صلة بالإمام علیه السلام ... 468

78- إكثار اللعن على بني أُميّة، والدليل على أنّه ممّا يتقرّب به إليه علیه السلام

ومعنى قوله علیه السلام : «لعن اللّه بني أُميّة قاطبة» ...471

79- الإهتمام في أداء حقوق الإخوان فإنّه نصرة لصاحب الزمان علیه السلام ... 474

80- إعداد السلاح، ومرابطة الخيل انتظاراً لظهوره علیه السلام ... 480

ص: 508

3- فهرس مصادر الكتاب

« القران الكريم »

اسم الكتاب المؤلف الطبع

أبواب الجنّات - میرزا محمّد تقي الموسوي - قم، 1404 ه

إثبات الهداة - محمّد بن الحسن الحر العاملي - قم

إثبات الوصية - عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي - قم

الإحتجاج - أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي - النجف، 1966م

الإختصاص - محمّد بن محمّد بن النعمان، المفيد - النجف 1390 ه

الإرشاد - محمّد بن محمّد بن النعمان، المفيد - النجف ، 1392 ه

إرشاد القلوب - الحسن بن محمّد الديلمي - بیروت، 1398 ه

الأُصول الستّة عشر - تحقیق حسن مصطفوي - طهران، 1371 ه

اعلام الوری - الفضل بن الحسن الطبرسي - النجف ، 1390 ه

الإقبال - عليّ بن موسی بن طاووس - قم، 1418ه

الزام الناصب - شيخ عليّ اليزدي الحائري - بیروت، 1397 ه

الأمالي - محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ، الصدوق - طهران، 1417 ه

الأمالي - محمّد بن محمّد بن النعمان، المفيد - قم، 1403 ه

الأمالي - محمّد بن الحسن الطوسي - قم، 1414 ه

الإمامة والتبصرة - عليّ بن الحسین بابويه القمّيّ - قم، 1404 ه

الأنوار النعمانية - نعمة اللّه الموسوي الجزائري - تبريز

الايقاظ من الهجعة - محمّد بن الحسن العاملي - قم

بحار الأنوار - محمّد باقر المجلسي - طهران، 1391 ه

البرهان في تفسير القرآن - السيّد هاشم البحراني - قم، 1415 ه

بشارة المصطفى - محمّد بن عليّ الطبري - النجف، 1383 ه

بصائر الدرجات - محمّد بن الحسن الصفار - 1380 ه

ص: 509

البلد الأمين - إبراهيم بن علي بن الحسن الكفعمي- بيروت، 1418 ه

تأويل الآيات - شرف الدين علي الحسيني النجفي - قم، 1407 ه

تبصرة الولي - السيّد هاشم البحراني - قم، 1411 ه

تحف العقول - الحسن بن عليّ الحراني - طهران، 1376 ه

التفسير - المنسوب للإمام الحسن العسكري علیه السلام - قم، 1409 ه

التفسير - محمّد بن مسعود، العيّاشي - قم، 1409 ه

التفسير - فرات بن إبراهيم الكوفي - طهران، 1410 ه

التفسير - عليّ بن إبراهيم القمّيّ - بیروت، 1412 ه

تفسير النيسابوري - محمّد بن الحسن النيسابوري - طبعة حجريّة

تنبيه الخواطر - ورّام بن أبي فراس المالكي - بیروت

التوحيد - محمّد بن عليّ بن الحسين ، الصدوق -طهران، 1383 ه

ثاقب المناقب - محمّد بن عليّ الطوسي- بیروت، 1411 ه

ثواب الأعمال - محمّد بن عليّ بن الحسين

جمال الأُسبوع - عليّ بن موسی بن طاووس - طهران، 1371 ش

الجنّة الواقية - إبراهيم بن عليّ الكفعمي - بیروت، 1414 ه

الجواهر السنيّة - محمّد بن الحسن بن الحرّ العاملي - النجف ، 1384 ه

حلية الأبرار - السيّد هاشم الحسيني البحراني - قم، 1413 ه

الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - قم، 1409 ه

الخصال - محمّد بن عليّ بن الحسين، الصدوق - قم، 1403 ه

الدعوات - قطب الدين الراوندي - قم، 1407ه

دلائل الإمامة - محمّد بن جرير الطبري - قم، 1413 ها

الرجال - أحمد بن عليّ النجاشي - طهران، 1407 ه

الرجال - محمّد بن الحسن الطوسي - النجف، 1381 ه

الروضة في الفضائل - شاذان بن جبرئيل القمّيّ - مخطوط

الروضة من الكافي - محمّد بن يعقوب الكليني - طهران، 1377 ه

شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - مصر، 1378 ه

الصحيفة العلويّة الجامعة - السيّد محمّد باقر الأبطحي - قم، 1418ه

الصحيفة الفاطميّة الجامعة - السيّد محمّد باقر الأبطحي - قم، 1421 ه

ص: 510

الصحيفة السجّادية الجامعة - السيّد محمّد باقر الأبطحي - قم، 1418 ه

الصحيفة الباقريّة والصادقيّة - الجامعة السيّد محمّد باقر الأبطحي - مخطوط

الصحيفة الرضويّة الجامعة - السيّد محمّد باقر الأبطحي - قم، 1420

الصحيفة المباركة المهديّة - السيّد مرتضى المجتهدي - قم، 1419 ه

الطرائف - عليّ بن موسی بن طاووس - بیروت، 1420 ه

عدة الداعی - أحمد بن فهد الحلّي - قم، 1420 ه

العدد القويّة - علي بن يوسف بن المطهّر الحلّي - قم، 1408 ه

علل الشرائع - محمّد بن عليّ بن الحسين، الصدوق - النجف، 1385 ه

عوالم العلوم - عبداللّه البحراني الاصفهاني - قم

عوالي الليالي - ابن أبي جمهور - 1983 م

عيون أخبار الرضا علیه السلام - محمّد بن عليّ بن الحسين، الصدوق - النجف، 1390 ه

عيون المعجزات - الشيخ حسين بن عبدالوهّاب - قم

غاية المرام - السيّد هاشم البحراني - بیروت، 1422 ه

الغيبة - محمّد بن إبراهيم النعماني - طهران

الغيبة - محمّد بن الحسن الطوسي - قم، 1411 ه

الفضائل - سدیدالدين شاذان بن جبرئیل - النجف، 1381 ه

فلاح السائل - عليّ بن موسی بن طاووس - قم، 1419 ه

قبس من غياث سلطان الورى - عليّ بن محمّد بن طاووس - قم، 1408 ه

قرب الاسناد - عبداللّه بن جعفر الحميري - قم، 1413 ه

القطرة - السيد أحمد المستنبط - قم، 1421 ه

الكافي - محمد بن يعقوب الكليني - طهران، 1377 ه

كامل الزیارات - جعفر بن محمد بن قولویه - قم، 1417 ه

كشف الغمّة - عليّ بن عيسى الاربلي - تبریز، 1381 ه

كشف المحجّة - السيد علي بن موسی بن طاووس

كفاية الأثر - عليّ بن محمّد الخزاز القمّيّ - قم، 1401ه

كمال الدين - محمّد بن عليّ بن بابویه، الصدوق - طهران، 1390 ه

كنز الفوائد - محمّد بن عثمان الكراجكي - بیروت، 1405 ه

لئالي الأخبار - محمّد نبي التوسيركاني - قم

ص: 511

مائة منقبة - محمّد بن أحمد القمّيّ، ابن شاذان - قم، 1407 ه

مجمع البحرین - فخر الدين الطريحي - طهران، 1416 ه

مجمع البيان - الفضل بن الحسن الطبرسي - طهران، 1380 ه

المحاسن - احمد بن محمّد البرقي - طهران، 1370 ه

المحجّة - السيّد هاشم البحراني - بيروت، 1403 ه

مختصر بصائر الدرجات - حسن بن سليمان الحلي - النجف ، 1370 ه

مدينة المعاجز - السيّد هاسم البحراني - قم، 1413 ه

مرآة الانوار - أبو الحسن العاملي - طهران

مرآة العقول - محمّد باقر المجلسي - طهران

المزار - محمّد بن محمّد بن النعمان، المفيد - قم، 1409 ه

المزار الكبير - الشيخ محمّد بن جعفر المشهدي - قم، 1419 ه

مستدرك الوسائل - حسين النوري الطبرسي - قم، 1407 ه

مشارق أنوار اليقين - رجب البرسي - بیروت

مشكاة الأنوار - أبوالفضل عليّ الطبرسي - النجف ، 1385 ه

مصباح الزائر - السيّد عليّ بن موسی بن طاووس - قم، 1417 ه

مصباح المتهجّد - محمّد بن الحسن الطوسي، - بیروت، 1411 ه

معجم رجال الحديث - السيّد أبو القاسم الخوئي - النجف، 1370 ه

مكارم الاخلاق - الحسن بن فضل الطبرسي - قم، 1416 ه

مناقب آل أبي طالب - محمّد بن عليّ بن شهر آشوب - النجف ، 1965 م

منتخب الأنوار المضيئة - عليّ بن عبدالكريم النيلي النجفي - قم، 1420 ه

من لا يحضره الفقيه - محمّد بن عليّ بن الحسين، الصدوق - طهران، 1392 ه

مهج الدعوات - عليّ بن موسی بن طاووس - بیروت، 1414 ه

النهاية - ابن الأثير - بيروت

نهج البلاغة - صبحي الصالح - بیروت، 1967 ه

الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي - بیروت، 1406 ه

الوافي - محمّد محسن الكاشاني - اصفهان، 1406 ه

وسائل الشيعة - محمّد بن الحسن الحرّ العاملي - طهران، 1386 ه

اليقين في امرة أمير المؤمنين - عليّ بن موسی بن طاووس - النجف، 1369 ه

ص: 512

الصورة

ص: 513

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.