بطاقة تعريف: شهید اول، محمدبن مکی، ق 786 - 734
عنوان واسم المؤلف: ذکري الشیعة فی احکام الشریعة/ تالیف الشهید الاول محمدبن جمال الدین مکی العاملی الجزینی؛ بحث مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث
تفاصيل المنشور: قم: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث، . 14ق. = 1419 - 13ق. = 1377.
مواصفات المظهر:ج 4
الصقيع:(موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث 202)
ISBN:964-319-102-8(الفترة) ؛ 964-319-106-07500ریال:(ج.4)
ملاحظة: عربي
ملاحظة: القائمة على أساس المجلد الرابع: 1419ق. = 1377
ملاحظة:ج. 1 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 1) :ISBN 964-319-103-6
ملاحظة:ج. 2 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 2) :ISBN 964-319-104-4
ملاحظة:ج. 3 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 3) :ISBN 964-319-105-2
ملاحظة:فهرس
الموضوع: الفقه الجعفري - القرن ق 5
المعرف المضاف:موسسه آل البیت(علیهم السلام) لاحیاآ التراث
المعرف المضاف:عنوان
ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ذ8 1377
تصنيف ديوي:297/342
رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 78-3065
ص: 1
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
أجمع العلماء على وجوب ستر العورة في الصلاة،و عندنا و عند الأكثر انّه شرط في الصحة؛لقوله تعالى يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (1)قيل:اتفق المفسرون على انّ الزينة هنا ما توارى به العورة للصلاة و الطواف لأنهما المعبر عنهما بالمسجد،و الأمر للوجوب.
و يؤيده قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ (2).أمر تعالى باللباس المواري للسوأة،و هي:ما يسوء الإنسان انكشافه،و يقبح في الشاهد إظهاره،و ترك القبيح واجب.
قيل:و أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان انكشاف العورة،و لهذا ذكره تعالى في سياق قصة آدم عليه السلام.
و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يقبل اللّه صلاة حائض إلا بخمار» (3)و هي البالغ،فغيرها كذلك إذ لا قائل بالفرق.
و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يصلي في
ص: 5
قميص واحد:«إذا كان كثيفا فلا بأس به» (1)،و مفهوم الشرط حجة.
و روى زرارة عن الباقر عليه السلام فيمن يخرج من سفينة عريانا و لم يجد شيئا يصلي فيه،فقال:«يصلي إيماء،و ان كانت امرأة جعلت يديها على فرجها،و ان كان رجلا وضع يده على سوأته،ثم يجلسان فيومئان إيماء،و لا يركعان و لا يسجدان» (2).
و عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في العريان:«إن أصاب حشيشا يستر منه عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود،و ان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم» (3).
فترك أعظم أركان الصلاة صريح في شرطية الستر في الصحة.
يجب الستر في غير الصلاة و الطواف عن الناظر إجماعا؛لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لعن اللّه الناظر و المنظور اليه» (4).
و عن زين العابدين عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:عورة المؤمن على المؤمن حرام» (5).
اما في الخلوة فلا يجب؛لقضية الأصل،و لانه لا ناظر فلا يتناوله اللعن.
و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«لا تكشف فخذك،و لا تنظر الى فخذ حي و لا ميت» (6)محمول على الناظر.
ص: 6
قالوا:الجن و الملائكة ناظرون،و اللّه أحقّ أن يستحيي منه (1).
قلنا:الستر هاهنا غير ممكن،على انّ الفخذ ليس من العورة-كما يأتي إن شاء اللّه-فيحمل على الاستحباب.
اختلف الأصحاب في العورة،فالمشهور انها السوأتان،فالقبل:
القضيب و الأنثيان،و الدبر:نفس المخرج،و ليست الأليتان و الفخذ منها.هذا في الرجل،و اما في المرأة الحرة فجميع بدنها و رأسها،إلاّ الوجه و ظاهر الكفين و القدمين؛اقتصارا على المتفق عليه فيهما بين جميع العلماء،و أصالة البراءة من وجوب غيره،و لأنّ أنسا روى:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حسر الإزار عن فخذه يوم خيبر،حتى اني لأنظر إلى بياض فخذه عليه السلام (2).
و عن عائشة:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كاشفا عن فخذيه و أذن للشيخين في الدخول (3).
و روى الصدوق:ان الباقر عليه السلام كان يطلي عانته و يلف الإزار على الإحليل،فيطلي غيره سائر بدنه (4).
و عن الصادق عليه السلام:«الفخذ ليس من العورة» (5).
و روى الميثمي،عن محمد بن حكيم:ان الصادق عليه السلام رئي و هو متجرّد و على عورته ثوب،فقال:«ان الركبة ليست من العورة» (6).
ص: 7
و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:أدنى ما تصلي فيه المرأة:«درع و ملحفة فتنشرها على رأسها و تجلّل بها» (1).
و اجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها-إلا أبا بكر بن هشام (2)- و على عدم وجوب ستر الكفين-إلا أحمد و داود (3)-لقوله تعالى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها (4)،قال ابن عباس:هي الوجه و الكفان (5).
و اما القدمان فالمشهور عندنا انهما ليستا من العورة؛لبدوهما غالبا، و لقضية الأصل.و يظهر من كلام الشيخ-في الاقتصار-و كلام أبي الصلاح منع كشف اليدين و القدمين (6)لعموم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«المرأة عورة» (7).
قلنا:خرج ذلك بدليل،و لأنّ الباقر عليه السلام جوّز الصلاة للمرأة في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا (8)و هما لا يستران القدمين غالبا.
و لا فرق بين ظاهر الكفين و باطنهما،و كذا القدمان،لبروز ذلك كلّه غالبا،و حدّ اليدين الزند،و القدم مفصل الساق.نعم،يجب ستر شيء من اليد و القدم؛لتوقف الواجب عليه.
و هنا أقوال نادرة للأصحاب:1.
ص: 8
أحدها:قول ابن البراج:انّ العورة من السرة إلى الركبة (1).
و الثاني:قول أبي الصلاح:إنّها من السرة الى نصف الساق (2).
و الثالث:قول ابن الجنيد:انّ الرجل و المرأة سواء في ان العورة هي القبل و الدبر (3).
لرواية أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«أسفل السرة،و فوق الركبة،من العورة» (4).
و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«الركبة من العورة» (5).
و روى ابن بكير منا:«لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة مكشوفة الرأس» (6).
و الجواب:يحمل الخبران الأول على الندب توفيقا،و الخبر الآخر ضعيف السند،مخالف للمشهور و لما هو أصحّ (7)سندا،و تأوّله الشيخ بالحمل على الضرورة أو الصغيرة (8).
و روى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام:«ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة» (1).
و هل يستحب للأمة القناع؟أثبته في المعتبر و نقله عن عطاء،و عن عمر انّه نهى عن ذلك،و ضرب أمة لآل أنس رآها بمقنعة.
قال:لنا:انّه أنسب بالخفر و الحياء،و هما مرادان من الأمة كالحرة، و فعل عمر جاز أن يكون رأيا (2).
قلت:روى البزنطي بإسناده إلى حماد اللحام عن الصادق عليه السلام في المملوكة تقنع رأسها إذا صلت،قال:«لا،قد كان أبي إذا رأى الخادمة تصلّي مقنّعة ضربها،لتعرف الحرة من المملوكة» (3).
و روى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه عن أبي خالد القماط،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأمة،أتقنّع رأسها؟فقال:«إن شاءت فعلت، و ان شاءت لم تفعل.سمعت أبي يقول:كن يضربن،فيقال لهن:لا تشبّهن بالحرائر».
و أوجب الحسن البصري الخمار على الأمة المتزوجة و السرية (4)و هو مدفوع بالإجماع.
المعتق بعضها كالحرة في وجوب الستر؛
تغليبا للحرية،ذكره الشيخ
ص: 10
و الفاضل (1).
و قد روى الصدوق عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«ليس على الأمة قناع في الصلاة،و لا على المدبرة،و المكاتبة إذا اشترط عليها مولاها حتى يؤدي جميع مكاتبتها» (2)و هو يشعر بما قالوه؛للتخصيص بالمشروطة.
و الأقرب إلحاق الخنثى بالمرأة في وجوب الستر،أخذا بالمبرئ للذمة.
و لو اعتقت الأمة في الأثناء وجب عليها الستر،فان افتقرت الى فعل كثير استأنفت مع سعة الوقت،و أتممت لا معه؛لتعذّر الشرط حينئذ فتصلي بحسب المكنة.
و في الخلاف:تستمر المعتقة و أطلق (3)؛لأن دخولها كان مشروعا و الصلاة على ما افتتحت عليه.
لنا:ان الستر شرط و قد أمكن فتجب مراعاته.
أما الصبية فتستأنف لو بلغت في الأثناء؛لان النفل لا يجزئ عن الفرض.و لو ضاق الوقت عن الركعة و الطهارة أتمّت مستترة إن أمكن.
و المشروطة إذا لم تؤد شيئا كالقن،و ان أدّت سترت.
و يجب على الأمة ستر ما عدا الرأس؛عملا بالدليل،و اقتصارا على موضع الرخصة.و في المعتبر لما حكى هذا عن الشيخ،قال:و يقرب عندي جواز كشف وجهها و يديها و قدميها؛لما قلناه في الحرة (4).
قلت:ليس هذا موضع التوقّف؛لانه من باب كون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به،و لا نزاع في مثله.
و الأقرب وجوب ستر الأذنين و الشعر من المرأة؛لرواية الفضيل عن الباقر8.
ص: 11
عليه السلام،قال:«صلت فاطمة عليها السلام و خمارها على رأسها،ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها» (1).
و في الصدغين و ما لم يجب غسله من الوجه نظر،من تعارض العرف اللغوي و الشرعي.أما العنق فلا شك في وجوب ستره من الحرة،و اما الأمة فالأقرب تبعيته للرأس؛لعسر ستره من دون الرأس.
الأفضل للحرة الصلاة في ثلاثة أثواب:درع و خمار و ملحفة؛ لخبر جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2)،و خبر ابن أبي يعفور عنه عليه السلام بلفظة«الإزار»مكان«الملحفة» (3).
و الأفضل للرجل ستر ما بين السرة و الركبة و إدخالهما في الستر؛للخروج من الخلاف،و لأنّه ممّا يستحيى منه.و ستر جميع البدن أفضل،و الرداء أكمل، و التعمّم و التسرول أتمّ؛لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه،فان اللّه أحقّ أن يتزيّن له» (4).
و روي:«ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره»و كذا روي في العمامة.
و التحنّك بالعمامة مستحب على الأصح.و قال ابن بابويه-رحمه اللّه-:
لا يجوز تركه (5)لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام:«من تعمّم فلم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له،فلا يلومنّ الا نفسه» (6)و مثله رواية عيسى بن حمزة عنه عليه السلام (7).
ص: 12
و جوابه:منع الدلالة.
و يجزئ مسمى الرداء،روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«أدنى ما يجزئك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي خطاف» (1).
و روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام في رجل ليس معه الا سراويل قال:«يحل التكة منه و يطرحها على عاتقه و يصلي،و ان كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلد السيف» (2).
و روى الكليني عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام:«إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا و لو حبلا» (3).
و روى عن جميل،قال:سأل مرازم أبا عبد اللّه عليه السلام-و انا معه حاضر-عن الرجل يصلي في إزار مرتديا به؟قال:«يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يتردّى به» (4).
و قال عليه السلام:«اني لأعجب ممّن يأخذ في حاجة و هو على وضوء كيف لا تقضى حاجته،و اني لأعجب ممّن يأخذ في حاجة و هو معتم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته» (1).
و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الفرق بين المسلمين و المشركين التلحي» (2).
و روى العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه أمر بالتلحي،و نهى عن الاقتعاط (3).
قال صاحب الغريبين:يقال:جاء الرجل مقتعطا،إذا جاء معتما طابقيا لا يجعلها تحت ذقنه.
و في الصحاح:الاقتعاط:شدّ العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك.و التلحي:تطويق العمامة تحت الحنك (4).
الأقرب تأدّي هذه السنّة بكون جزء من العمامة تحت الحنك،
سواء كان بالذؤابة أو بالطرف أو بالوسط؛لصدق التحنك،و ان كان المعهود أفضل.
و في الاكتفاء بالتلحي بغيرها بحيث يضمها نظر،من مخالفة المعهود، و من إمكان كون الغرض حفظ العمامة من السقوط و هو حاصل.و لكن خبر الفرق بين المسلمين و المشركين مشعر باعتبار التحنّك المعهود.
هل الستر شرط في الصحة مع الإمكان على الإطلاق،أو انّ شرطيته مقيّدة بالعمد؟
ص: 14
قال ابن الجنيد:لو صلّى و عورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت فقط (1).
و قال الشيخ في المبسوط:فان انكشفت عورتاه في الصلاة وجب عليه سترهما و لا تبطل صلاته،سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا،بعضه أو كله (2).
و قال المحقق في المعتبر:لو انكشفت العورة و لم يعلم،سترها و لم تبطل صلاته،تطاولت المدة قبل علمه أو لم تطل،كثيرا كان الكشف أو قليلا؛ لسقوط التكليف مع عدم العلم (3).
و الذي رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في الرجل يصلي و فرجه خارج لا يعلم به،هل عليه إعادة؟قال:«لا إعادة عليه و قد تمّت صلاته» (4).
و الفاضل-رحمه اللّه-في المختلف مال الى كلام الشيخ و حمله على عدم العلم مع انه مطلق،و احتجّ بالرواية.و احتجّ لابن الجنيد:بانّ الستر شرط إجماعا و قد انتفى،فينتفي المشروط،و أجاب:بمنع كون الستر شرطا مطلقا، انّما هو شرط مع الذكر (5).
و كلام الشيخ و المحقّق ليس فيهما تصريح بأن الإخلال بالستر غير مبطل مع النسيان على الإطلاق؛لأنّه يتضمن انّ الستر حصل في بعض الصلاة،فلو انتفى في جميع الصلاة لم يعرضا له،بخلاف كلام ابن الجنيد،فإنّه صريح في الأمرين.3.
ص: 15
و الرواية تضمّنت الفرج و جاز كونه للجنس-فيشمل الفرجين-و للوحدة، فإن كان للجنس ففيه مخالفة في الظاهر لكلام ابن الجنيد،و ان كان للوحدة ففيه موافقة في الظاهر لكلام الجماعة.
و ليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية،و بينها مع عدمه ببعض الاعتبارات،تلازم.بل جاز أن يكون المقتضي للبطلان انكشاف جميع العورة في جميع الصلاة،فلا يحصل البطلان بدونه.و جاز أن يكون المقتضي للصحة ستر جميعها في جميعها،فتبطل بدونه.
و اما تخصيص ابن الجنيد بالإعادة في الوقت فوجهه:انّ القضاء انّما يجب بأمر جديد،و لم يوجد هنا.و لقائل أن يقول:إذا كان الستر شرطا على الإطلاق فهو كالطهارة التي لا يفترق الحال فيها بين الوقت و خارجه.
و لو قيل:بأن المصلي عاريا مع التمكّن من الساتر يعيد مطلقا، و المصلي مستورا و يعرض له التكشّف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا،كان قويا.نعم،يجب عليه عند الذكر الستر قطعا،فلو أخلّ به بطلت حينئذ لا قبله.
لو وجد ساتر إحداهما وجب؛لعموم:«فأتوا منه ما استطعتم» (1)و لأصالة عدم اشتراط إحداهما بالأخرى.و حينئذ فالأولى صرفه الى القبل لبروزه و استقبال القبلة به،و الآخر مستور بالأليتين،الاّ انّه يومئ؛لبقاء العورة.
و لو صرفه الى الآخر فالأولى البطلان؛لتحقّق المخالفة.
و الشيخ قال:ان وجد ما يستر بعض عورته وجب عليه ستر ما قدر عليه (2)و أطلق.
أما الخنثى المشكل،فإن أمكنه ستر القبلين وجب و قدّم على الدبر،و الاّ
ص: 16
فالأقرب ستر الذكر لبروزه.و قال بعض العامة:يستر ما ليس للمطّلع،فان كان عنده رجل ستر آلة النساء،و ان كان عنده امرأة ستر آلة الرجل؛ لزيادة الفحش (1).
و لو كان في الثوب خرق،فان لم يحاذ العورة فلا بحث،و ان حاذاها بطل.و لو جمعه بيده بحيث يتحقّق الستر بالثوب صحّ.
و لو وضع يده عليه فالأقرب البطلان؛لعدم فهم الستر ببعض البدن من إطلاق اللفظ.
و لو وضع غير المصلي يده عليه في موضع يجوز له الوضع أمكن الصحة، لحصول الستر و خروجه عن المصلّي.و الوجه البطلان أيضا؛لمخالفة الستر المعهود،و الاّ لجاز ستر جميع العورة ببدن الغير.
و يلحق بذلك الاحكام،و هي مسائل:
لا تسقط الصلاة بعدم الساتر إجماعا.و يكفي في الستر مسمّاه و لو بورق الشجر أو الحشيش؛لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام:«إن أصاب حشيشا يستر منه عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود» (2).
و لو لم يجده،و أمكن وضع طين بحيث يستر الحجم و اللون،وجب.
و الأقرب انّه لا يجزئ مع إمكان الستر بغيره؛لعدم انصراف اللفظ اليه.و وجه الإجزاء حصول مقصود الستر.نعم،لو خاف تناثره لجفافه لم يجز مع وجود الثوب قطعا.
و لو ستر اللون فقط لا مع إمكان ستر الحجم وجب؛لما روى ابن بابويه عن عبيد اللّه الرافقي،عن قيّم حمام الباقر عليه السلام،انه قال:«النورة سترة» (3).و في سقوط الإيماء هنا نظر،من حيث إطلاق الستر عليه،و من إباء
ص: 17
العرف.
و لو كان الثوب رفيقا يبدو منه الحجم لا اللون فالاكتفاء به أقوى؛لأنه يعدّ ساترا،و في رواية تأتي انه إذا وصف لم يجز (1).
و لو وجد وحلا و لا ضرر فيه تلطّخ به.و لو لم يجد الاّ ماء كدرا استتر به مع إمكانه،و في المعتبر:لا يجبان؛للمشقة و الضرر (2).
و لو وجد حفيرة ولجها،و الأقرب:انّه يصلي قائما؛لإمكانه مع استتار العورة،و به أفتى الشيخ (3).
و هل يركع و يسجد؟قطع به المحقق؛لحصول الستر،و لم يثبت شرطية التصاقه بالبدن (4)فيجب إتمام الأركان.و في مرسل أيوب بن نوح عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فسجد فيها و ركع» (5).
و الشيخ لم يصرّح بالركوع و السجود.
و أولى بالجواز الفسطاط الضيق إذا لم يمكن لبسه،اما الحب و التابوت فمرتب على الفسطاط و الحفيرة؛لعدم التمكّن من الركوع و السجود فيه،الاّ أن تكون صلاة الجنازة و الخوف.
لا يجب زرّ الثوب إذا كان لا تبدو العورة منه حينا ما،أفتى به الشيخ (6)و هو في رواية زياد بن سوقة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«لا بأس بان يصلي أحدكم في الثوب الواحد و أزراره محلولة،انّ دين محمد صلّى
ص: 18
اللّه عليه و آله حنيف» (1).و اشترطنا عدم بدو العورة و لو في حين ما لاختلال الشرط.و في رواية محمد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا كان القميص صفيقا،أو القباء ليس بطويل الفرج،فلا بأس» (2).
و لو برزت العورة حين الركوع للناظرين بطلت الصلاة حينئذ.و قال بعض العامة:تبطل من أصلها إذ لم يصلّ في ساتر العورة (3).و يترتّب:ما لو استدرك الستر،أو اقتدى به عالم قبل الركوع ثم نوى الانفراد،فعلى ما قلناه يصحّ، و على ما قاله لا يصحّ.
و لو برزت للمصلّي لا لغيره،فالأقرب البطلان إذا قدّر رؤية الغير لو حاذى الموضع،و أطلق في المعتبر الصحة إذا بانت له حالة الركوع (4)،و الأقرب الاجتزاء بكثافة اللحية المانعة من الرؤية،و وجه المنع انّه غير معهود في الستر كما مرّ.
فان قلت:روى غياث بن إبراهيم،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه، انه قال:«لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار» (5).
قلت:حملها الشيخ على الاستحباب،مع إمكان حملها على ما تبدو معه العورة.و يؤيد حمل الشيخ ما رواه إبراهيم الأحمري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلي و أزراره محلولة؟قال:«لا ينبغي ذلك» (6).
و اما ما رواه العامة عن سلمة بن الأكوع،قلت:يا رسول اللّه اني أصيد،6.
ص: 19
فأصلي في القميص الواحد؟قال:«نعم،و ازرره بشوكة» (1)فان صحّ فيحمل على الحملين المذكورين.
يجب شراء الساتر بثمن مثله مع المكنة،أو استئجاره.و لو زاد عن المثل و تمكن منه،فالأقرب أنّه كماء الطهارة.
و لو أعير وجب القبول إذ لا كثير منّة فيه.
و لو وهب منه قطع الشيخ بوجوب القبول أيضا (2)و هو قوي لتمكّنه من الستر.و الفاضل يمنعه للمنّة (3)،و هو بناء على انّه ليس للموهوب ردّه بعد الصلاة إلا بعقد جديد،لاتصال الهبة بالتصرف.و لو قلنا بجواز الرد فهو كالعارية.
و لو وجد الساتر في أثناء الصلاة فكما مر في المعتقة.و لو طال زمان حمله اليه و لم يخرج عن كونه مصليا انتظر،و ان خرج بطلت،و حينئذ ليس له الاشتغال بشيء من أفعال الصلاة.و يحتمل البطلان؛لانّه مصل أمكنه الستر و لم يفعل،و فيه منع ظاهر.
الستر يراعى من الجوانب و من فوق،و لا يراعى من تحت.فلو كان على طرف سطح ترى عورته من تحته أمكن الاكتفاء؛لأنّ الستر انما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها.و عدمه-و هو الذي اختاره الفاضل (4)- لأنّ الستر من تحت انما لا يراعى إذا كان على وجه الأرض؛لعسر التطلع حينئذ،اما صورة الفرض فالأعين تبتدر لإدراك العورة.
و لو قام على مخرم لا يتوقع ناظر تحته،فالأقرب أنه كالأرض؛لعدم
ص: 20
ابتدار الأعين.
الثوب؛
لأنّ للماء بدلا.و تخصّ المرأة بالثوب الموصى به لأولى الناس به في موضع معين،أو المنذور و شبهه؛لان عورتها أفحش،ثم الخنثى،ثم الرجل.
و مع التساوي يمكن تقديم الصالح للإمامة منهم،ثم الأفضل بخصال دينية؛ ثم القرعة.و لو أمكن التناوب فعل،و يقدّم بالقرعة.
لو فقد الساتر صلّى عاريا مع سعة الوقت عند الشيخ (1).و عند المرتضى و سلار يجب التأخير (2)بناء على أصلهما في أصحاب الأعذار.
و مال في المعتبر الى تفصيل التيمم بالرجاء المظنون و عدمه (3)و هو قريب،امّا مجرد الرجاء فلا؛لعموم الأمر بالصلاة عند الوقت.
قال الأكثر:و يصلي قائما إن لم يره أحد و الاّ فجالسا (4)لمرسل ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام (5)قالوا:و يومئ بالركوع و السجود في الحالين (6).
و المرتضى:يصلّي جالسا مومئا مطلقا (7)؛لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في العاري:«ان كان امرأة جعلت يدها على فرجها،و ان كان رجلا وضع يده على سوأته،يجلسان فيومئان إيماء،و لا يركعان و لا يسجدان فيبدو ما
ص: 21
خلفهما،تكون صلاتهما إيماء برءوسهما» (1).و رواه العامة عن عبد اللّه بن عمر،قالوا:و لم يخالفه أحد (2).
و في رواية علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام إطلاق القيام و الإيماء (3)و اختارها ابن إدريس (4).
و في المعتبر احتمل التخيير بين القيام و القعود؛لتعارض الروايتين، و ضعّف المفصّلة بالإرسال،و نقل التخيير عن ابن جريج من العامّة (5).
قلت:و هو مذهب أبي حنيفة قال:و القعود أولى؛لأنّ الإيماء خلف عن الأركان،و لا خلف عن ستر العورة (6).
و اما المراسيل فإذا تأيّدت بالشهرة صارت في قوة المسانيد،و خصوصا مع ثقة المرسل،و عبد اللّه بن مسكان من أجلّ الثقات من أصحاب الكاظم عليه السلام،و روى قليلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
قال الشيخ الجليل أبو النضر محمد بن مسعود العياشي-قدس اللّه روحه-:كان ابن مسكان لا يدخل على أبي عبد اللّه عليه السلام شفقة أن لا يوفيه حق إجلاله،و كان يسمع من أصحابه و يأبى أن يدخل عليه (7).
قلت:لعلّه انما دخل على الكاظم عليه السلام مع امتناعه عن الدخول على أبيه عليه السلام؛لترقيه في قوتي العلم و العمل،حتى صار في زمن الكاظم عليه السلام أهلا للدخول عليه.6.
ص: 22
فروع:
هل يومئ القائم للسجود قائما أم قاعدا؟أطلق الأصحاب و الرواية.و كان شيخنا عميد الدين-نضّر اللّه وجهه-يقوّي جلوسه؛لأنه أقرب الى هيئة الساجد فيدخل تحت:«فاتوا منه ما استطعتم» (1).
و يشكل:بأنّه تقييد للنص،و مستلزم للتعريض لكشف العورة في القيام و القعود،فان الركوع و السجود انّما سقطا لذلك،فليسقط الجلوس الذي هو ذريعة إلى السجود،و لانّه يلزم القول:بقيام المصلي جالسا ليومئ للركوع لمثل ما ذكره،و لا أعلم به قائلا،فالتمسّك بالإطلاق أولى.
و يجب الإيماء هنا بالرأس لخبر زرارة (2)لما فيه من قرب الشبه بالراكع و الساجد.و قد قال الفاضلان-في المعتبر و التذكرة و النهاية-:يومئ المريض برأسه فإن تعذّر فبالعينين (3)فهذا أولى.
قال الأصحاب:و ليكن السجود أخفض هنا و في المريض (4)بمعنى زيادة الانخفاض في السجود الايمائي عن الانخفاض في الركوع الايمائي، كما كان الانخفاض في السجود الحقيقي أزيد.و الظاهر انّ ذلك واجب؛ ليفترقا،و ليقرب من الأصل.
و هل يجب أن يبلغ في الإيماء إلى حدّ لو زاد عليه لبدت العورة؟الأقرب ذلك؛استصحابا للأصل.و يمكن الاجتزاء بمسمى الإيماء بالرأس،لظاهر3.
ص: 23
الرواية.
و هل يجب في الإيماء للسجود وضع اليدين و الركبتين و إبهامي الرجلين على المعهود؟يحتمل ذلك،لما قلناه.و عدمه؛لصدق مسمّى الإيماء.
و كذا،هل يجب وضع شيء يسجد عليه بجبهته مع الإيماء؟لم يعرض له الأصحاب هنا.فان قلنا به،و أمكن تقريب مرتفع اليه،وجب و سجد عليه.
و ان لم يمكن،و كان هناك من يقرب إليه شيئا،فعل.و ان تعذّر الا بيده،سقط السجود عليها و قرّب المسجد بها؛لأنّ الجبهة أشرف أعضاء السجود.
و لم أظفر في هذه كلها بكلام سابق في هذا الباب.نعم،ما ذكره الشيخ في المبسوط-في المريض-انّه لو عجز عن كمال الركوع حتى رأسه و ظهره، فان لم يقدر عليه أومأ برأسه و ظهره.و ان عجز عن كمال السجود وضع شيئا ثم سجد عليه (1)قال:و ان رفع إليه شيئا و سجد عليه كان أيضا جائزا (2).
و في التذكرة-في المريض-:يدني جبهته من الأرض إلى أقصى ما يقدر عليه،و لو افتقر الى نصب مخدّة و شبهها جاز (3).
و في المعتبر-في المريض أيضا-:لو عجز عن السجود جاز أن يرفع اليه ما يسجد عليه و لم يجز الإيماء؛لانه أتم.
قال:و به روايات،منها:رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟فقال:«لا،الاّ ان يكون مضطرا ليس عنده غيرها،و ليس شيء ممّا حرّم اللّه الاّ و قد أحلّه لمن اضطر اليه» (4).7.
ص: 24
قلت:و روى سماعة،قال:سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس؟ قال:«فليصل و هو مضطجع،و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزئ عنه» (1).و هذا يدلّ على انّ وضع المسجد معتبر في غير هذه الصورة بطريق الأولى.
يستحبّ للعراة الصلاة جماعة-رجالا كانوا أو نساء-إجماعا لعموم شرعية الجماعة و أفضليتها.و منع بعض العامة من الجماعة إلاّ في الظلمة حذرا من بدو العورة (2)ساقط،لأنّا نتكلم على تقدير عدمه.
ثم الذي دلّ عليه خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوم قطع عليهم الطريق و أخذت ثيابهم،فبقوا عراة و حضرت الصلاة كيف يصنعون؟فقال:«يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه،فيومئ الامام بالركوع و السجود و يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم» (3).و بها عمل الشيخ في النهاية (4).
و قال المرتضى و المفيد:يومئ الجميع كالصلاة فرادى (5)و هو اختيار ابن إدريس مدعيا للإجماع (6).
و في المعتبر رجّح مضمون الرواية؛لجودة سندها (7).
و يشكل بانّ فيه تفرقة بين المنفرد و الجامع،و قد نهي المنفرد عن الركوع و السجود-كما تقدم-لئلا تبدو العورة.و قد روى عبد اللّه بن سنان عن أبي
ص: 25
عبد اللّه عليه السلام:«يتقدمهم الامام بركبتيه و يصلي بهم جلوسا و هو جالس» (1)و أطلق.
و بالجملة يلزم من العمل برواية إسحاق أحد أمرين:اما اختصاص المأمومين بهذا الحكم،و اما وجوب الركوع و السجود على كل عار إذا أمن المطلع،و الأمر الثاني لا سبيل اليه،و الأمر الأول بعيد.
فروع:
الأول: الظاهر انّ هذا الحكم مخصوص بأمنهم المطّلع؛لأنّ فحوى إيماء الإمام يشعر به،فلو كان المطلع فالإيماء لا غير،و اطلاع بعضهم على بعض غير ضائر؛لأنّهم في حيّز التستر باعتبار التضام و استواء الصف.
و لكن يشكل بانّ المطلع هنا ان صدق وجب الإيماء و الاّ وجب القيام.
و يجاب بانّ التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار الاطلاع بخلاف القيام، فكأنّ المطلع موجود حالة القيام،و غير معتدّ به حالة الجلوس.
الثاني: لو احتاجوا الى صفّين فالصف الأول كالإمام،و الصف الثاني يركعون و يسجدون،و كذا لو تعدّدت الصفوف.نعم،لو كانوا في مكان مظلم أمكن وجوب الركوع و السجود على الجميع.
الثالث: لو جامعهم ذو ثوب و هو أهل للإمامة أمّهم متما و الاّ صلّى فيه، و استحبّ إعارته غيره؛لانّه تعاون على البر و التقوى.و لو أمكن إعارته الجميع فعل،و وجب عليهم القبول.و ليعر من يصلح للإمامة مع ضيق الوقت،و مع سعته ليس لهم الائتمام مع إمكان استعارة الثوب،و لا يجوز تأخّر الصلاة عن الوقت انتظارا لهذا الساتر،و ليس لصاحب الثوب الائتمام بأحدهم؛لأنّ القائم لا يأتم بالقاعد.
الرابع: لو اجتمعت النساء و الرجال تعذّرت الإمامة للجميع ان قلنا4.
ص: 26
بتحريم المحاذاة،فليصلّ كلّ على حدته جماعة،و الاّ جاز.و لو كان هناك حائل صح،و كذا مع الظلمة أو الآفة المانعة من الرؤية.
الخامس: يجب عليهم غضّ البصر مع إمكان الرؤية،فلو تركوه أثموا.
و في بطلان صلاة المنظور وجه بعيد؛لأنّ الرؤية ليس من فعله.و لا تبطل صلاة الناظر؛لانّه نهي عن خارج من الصلاة.
ص: 27
تجوز الصلاة في كل ما يستر العورة عدا أمور:
و لو دبغ بإجماعنا-الا من شذ (1)-لما مرّ،و لما رووه عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«لا تنتفعوا من الميتة بشيء» (2).
و عنه عليه الصلاة و السلام:«لا تنتفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب» (3).
و هو شامل لحالتي الدباغ و عدمه.
و روينا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:«لا،و لو دبغ سبعين مرة» (4).
و في مرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام:«لا تصل في شيء منه و لا شسع» (5).
و لأنّ الميتة نجسة،و الدباغ غير مطهر.
و المبطل للصلاة فيه علم كونه ميتة،أو الشك إذا وجد مطروحا لأصالة عدم التذكية،أو في يد كافر عملا بالظاهر من حاله،أو في سوق الكفر.
ص: 28
و لو وجد في يد مستحل بالدبغ ففيه صور ثلاث:
أ:ان يخبر بأنّه ميتة،فليجتنب؛لاعتضاده بالأصل من عدم الذكاة.
ب:أن يخبر بأنّه مذكّى،فالأقرب القبول؛لأنّه الأغلب،و لكونه ذا يد عليه فيقبل قوله فيه،كما يقبل في تطهير الثوب النجس.و يمكن المنع؛ لعموم:«فتثبّتوا» (1)و لأنّ الصلاة في الذمة بيقين فلا تزول بدونه.
ج:أن يسكت،ففي الحمل على الأغلب من التذكية،أو على الأصل من عدمها،الوجهان.
و قد روى في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:اني أدخل سوق المسلمين-أعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام-فاشتري منها الفراء للتجارة،فأقول لصاحبها:أ ليس هي ذكية؟ فيقول:بلى،فهل يصلح لي أن أبيعها على انّها ذكية؟فقال:«لا،و لكن لا بأس أن تبيعها،و تقول:قد شرط الذي اشتريتها منه انّها ذكية».قلت:و ما أفسد ذلك؟قال:«استحلال أهل العراق للميتة،و زعموا انّ دباغ جلد الميت ذكاته،ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك الاّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).
و في هذا الخبر إشارة إلى انّه لو أخبر المستحلّ بالذكاة لا يقبل منه؛لان المسئول في الخبر إن كان مستحلا فذاك،و الا فبطريق الأولى.
و عن أبي بصير عنه عليه السلام:«كان علي بن الحسين عليه السلام رجلا صردا فلا يدفئه فراء الحجاز،لان دباغها بالقرظ.و كان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه،فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي8.
ص: 29
يليه،و كان يسأل عن ذلك،فيقول:انّ أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة،و يزعمون انّ دباغه ذكاته» (1).
قلت:الصّرد-بفتح الصاد و كسر الراء-:من يجد البرد سريعا.يقال:
صرد الرجل يصرد صردا،فهو صرد و مصراد.
و في هذا دلالة على جواز لبسه في غير الصلاة،و كذا في مفهوم خبر محمد بن مسلم السالف؛لأنّ فيه:سألته عن الجلد الميت،أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ (2).و يمكن حمل هذا على ما لم يعلم كونه ميتة،و يكون فعل الامام احتياط للدين،و المفهوم في السالف ضعيف؛لان تحريم الميتة يستلزم تحريم وجوه الانتفاع.
هذه الصور الثلاث آتية في غير المستحل،
و القبول إذا أخبر بالذكاة أقوى منه في الأول و ان كان فاسقا،و إذا سكت فأولى أيضا.
اما ما يشترى من سوق الإسلام،فيحكم عليه بالذكاة إذا لم يعلم كون البائع مستحلا؛عملا بالظاهر،و نفيا للحرج.
و يكفي في سوق الإسلام أغلبية المسلمين؛لرواية إسحاق بن عمار، عن العبد الصالح عليه السلام،قال:«لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام».قلت له:فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟قال:«إن كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» (3).
و عن البزنطي،قال:سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أ ذكية هي أم لا،أ يصلي فيها؟فقال:«نعم،ليس عليكم المسألة انّ أبا
ص: 30
جعفر عليه السلام كان يقول:انّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم،انّ الدين أوسع عليهم من ذلك» (1).و رواه في الفقيه عن سليمان بن جعفر الجعفري،عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السلام:عن الرجل يأتي السوق،الحديث (2).
قال ابن بابويه:و سأل إسماعيل بن عيسى أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الجلود و الفراء تشترى،أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال:«عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك،و إذا رأيتموهم يصلون فلا تسألوهم» (3).
و عن علي بن أبي حمزة،انّ رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السلام-و انا عنده-عن الرجل يتقلد السيف يصلّي فيه،قال:«نعم».فقال الرجل:انّ فيه الكيمخت.فقال:«و ما الكيمخت؟»فقال:جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة.فقال:«ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» (4).و فيه دلالة على تغليب الذكاة عند الشك،و هو يشمل المستحلّ و غيره.
و عن البزنطي،عن الرضا عليه السلام:سألته عن الخفاف تأتي السوق فيشترى الخفّ لا يدرى أ ذكي هو أم لا،ما تقول في الصلاة فيه أ يصلّي فيه؟ قال:«نعم،أنا أشتري الخف من السوق و يصنع لي فأصلّي فيه،و ليس عليكم المسألة» (5).
قلت:و هذا يدلّ على الأخذ بظاهر الحال على الإطلاق،و هو شامل للأخذ من المستحلّ و غيره.5.
ص: 31
و يؤيده انّ أكثر العامة لا يراعي في الذبيحة الشروط التي اعتبرناها (1)، مع الحكم بحل ما يذكّونه،بناء على الغالب من القيام بتلك الشرائط.و أيضا فهم مجمعون على استحلال ذبائح أهل الكتاب و استعمال جلودها (2)،و لم يعتبر الأصحاب ذلك (3)؛أخذا بالأغلب في بلاد الإسلام من استعمال ما ذكّاه المسلمون.
عدا الخز و السنجاب- ذكّي أو لا،دبغ أو لا؛لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله بطريق المقدام ابن معديكرب:انّه نهى عن جلود السباع و الركوب عليها (4)و هو شامل لغير الصلاة لكنه خرج بدليل آخر.
و روينا عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه أخرج كتابا زعم انّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«انّ الصلاة في كل شيء حرم أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شيء منه فاسد،لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلى في غيره» (5).
قال في المعتبر:و لأنّ خروج الروح من الحي سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد،و لا تنهض الذباحة مبيحة ما لم يمكن المحل قابلا.و اعترض على نفسه بجواز استعماله في غير الصلاة،و أجاب:
بإمكان استعداده بالذبح لذلك دون الصلاة،لعدم تمامية الاستعداد له (6).
قلت:هذا تحكّم محض؛لأنّ الذكاة إن صدقت فيه أخرجته عن الميتة
ص: 32
و الاّ لم يجز الانتفاع،و لأنّ تمامية الاستعداد عنده بكونه مأكول اللحم فيتخلف عند انتفاء أكل لحمه،فليسند المنع من الصلاة فيه الى عدم أكل لحمه من غير توسط نقص الذكاة فيه.
هذا كله فيما يقع عليه الذكاة-كالسباع-و ان اختلف فيها،اما الذي لا يقع عليه الذكاة-كالكلب و الخنزير-فبطريق الأولى،لأنّه ميتة و دباغه لا يطهره عند أكثر العامة؛لنجاسة عينه (1).و اما الحشرات فقد جزم كثير من الأصحاب بعدم وقوع الذكاة عليها (2)فهي من هذا القبيل،و على وقوع الذكاة هي من قبيل الأول.
و اختلفوا أيضا في المسوخ،و قد بينّا في شرح الإرشاد وقوع الذكاة عليها (3)فالمانع إذن عدم أكل اللحم.
و قد روى محمد بن الحسن الأشعري عن الرضا عليه السلام،قال:
«الفيل كان ملكا زنا،و الذئب كان أعرابيا ديوثا،و الأرنب كانت امرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها،و الوطواط كان يسرق تمور الناس،و القردة و الخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت،و الجريث و الضب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى عليه السلام لم يؤمنوا فتاهوا، فوقعت فرقة في البحر و فرقة في البر،و الفأرة هي الفويسقة،و العقرب كان نمّاما،و الدب و الوزغ و الزنبور كان لحاما يسرق في الميزان» (4).
و روى الصدوق في الخصال بإسناده إلى مغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام،عن أبيه،عن جده:«المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا:القردة، و الخنازير،و الخفاش،و الضب،و الدب،و الفيل،و الدعموص،و الجريث6.
ص: 33
و العقرب،و سهيل،و الزهرة،و العنكبوت،و القنفذ»و ذكر في القرد و الخنزير ما مر«و الخفاش امرأة سحرت ظئرها،و الضب أعرابي يقتل كل من مرّ به،و الفيل ناكح البهائم،و الدعموص زان»و هو دويبة تغوص في الماء و جمعه دعاميص، «و الجريث نمّام،و العقرب همّاز،و الدب سارق الحاج،و سهيل عشار صاحب مكس،و الزهرة امرأة افتتن بها الملكان (1)،و العنكبوت امرأة سيئة الخلق عاصية لزوجها،و القنفذ رجل سيئ الخلق» (2).
و ذكر بسند آخر إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ الفيل لوطي لا يدع رطبا و لا يابسا،و الدب مخنّث،و الجريث ديوث يدعو الى زوجته،و الضبّ أعرابي يسرق الحاج بمحجنه،و الوطواط سارق الثمار من رءوس النخل، و الدعموص نمام يفرق بين الأحبة،و العقرب لدّاغ (3)لا يسلم على لسانه أحد،و العنكبوت امرأة خانت زوجها،و الأرنب امرأة لا تتطهر من حيض و لا غيره،و سهيل عشار باليمن و الزهرة نصرانية افتتن بها الملكان و اسمها ناهيل» (4).
قال الصدوق:الزهرة و سهيل دابتان في البحر و ليسا نجمين،و لكن سمي بهما النجمان كالحمل و الثور.
قال:و المسوخ جميعها لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتت و لم تتوالد، و هذه الحيوانات على صورها سميت مسوخا استعارة (5).4.
ص: 34
أجمع الأصحاب على جواز الصلاة في وبر الخز الخالص.و قد روى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام،انّه سأله عن الصلاة في الخز، فقال:«صل فيه» (1).
و عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا بأس به» (2).
و روى سليمان بن جعفر الجعفري:انّه رأى الرضا عليه السلام يصلي في جبّة خز (3).
و الظاهر انّ ذكاته إخراجه حيا؛لما رواه ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه كان عنده و دخل عليه رجل من الخزازين،فقال له:جعلت فداك،ما تقول في الصلاة في الخز؟فقال:«لا بأس بالصلاة فيه».فقال له الرجل:جعلت فداك انّه ميت و هو علاجي و أنا أعرفه فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام:«أنا أعرف به منك».فقال له الرجل:انّه علاجي و ليس أحد أعرف به مني!فتبسّم أبو عبد اللّه عليه السلام،ثم قال:«تقول انّه دابة تخرج من الماء، أو تصاد من الماء،فإذا فقد الماء مات».فقال الرجل:صدقت جعلت فداك هكذا هو!فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«فإنك تقول:انّه دابة تمشي على أربع و ليس هو في حدّ الحيتان،فتكون ذكاته خروجه من الماء».فقال الرجل:
أي و اللّه هكذا أقول!فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«فان اللّه تعالى أحلّه، و جعل ذكاته موته،كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» (4).
ص: 35
قال في المعتبر:عندي في هذه الرواية توقّف؛لأنّ في طريقها محمد ابن سليمان الديلمي و هو ضعيف.و لتضمّنها حلّه،مع اتفاق الأصحاب على انّه لا يحلّ من حيوان البحر الا ماله فلس من السمك،مع إجماعنا على جواز الصلاة فيه،مذكّى كان أو ميتا،لانّه طاهر في حال الحياة و لم ينجس بالموت (1).
قلت:مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضرّ ضعف الطريق.
و الحكم بحلّه جاز ان يستند الى حلّ استعماله في الصلاة و ان لم يذك،كما أحل الحيتان بخروجها من الماء حية،فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس الحلال.
و كأنّ المحقق-رحمه اللّه-يرى انّه لا نفس له سائلة،فلذلك حكم بطهارته لا باعتبار الرواية،قال:حدثني جماعة من التجار انه القندس و لم أتحققه (2).
قلت:لعلّه ما يسمى في زماننا بمصر:وبر السمك،و هو مشهور هناك.
و من الناس من زعم انّه كلب الماء،و على هذا يشكل ذكاته بدون الذبح؛لأنّ الظاهر انّه ذو نفس سائلة،و اللّه أعلم.
اما جلده فالأصح جواز الصلاة فيه؛لقول الرضا عليه السلام في خبر سعد بن سعد:«إذا حلّ وبره حلّ جلده» (3).و أنكره ابن إدريس (4)و لا وجه له؛ لعدم افتراق الأوبار و الجلود في الحكم غالبا.
و اما المغشوش منه بالحرير فجائز،إذ الحرام انما هو الحرير المحض، و هو مروي عن الباقر عليه السلام في الحرير المخلوط بالخز،و لحمته أو سداه6.
ص: 36
خز أو كتان،أو قطن،جائز (1).
و لا يجوز ما غش بوبر الأرانب و الثعالب على الأشهر،و ادعى فيه بعض الأصحاب الإجماع (2)و هو مروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام بطريقين الا انّ فيهما انقطاعا (3).
و لا تعارضهما رواية داود الصرمي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام بجوازه (4)لاشتهارهما دونها،و إمكان حملها على التقية.
قال الشيخ في المبسوط:لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب و الحواصل (5).
و قيدها ابن حمزة و بعضهم بالخوارزمية (6)تبعا لما ذكره في التهذيب عن بشير بن بشار،قال سألته عن الصلاة في الفنك و السنجاب،الى قوله عليه السلام:«صل في السنجاب و الحواصل الخوارزمية» (7).
و منع منه في النهاية (8)و رواية زرارة السالفة تدلّ على المنع من حيث عدم أكل لحمه (9)-و هو ظاهر الأكثر (10)-و لأن في صدر الرواية انه سأله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب.
و يعارضها صحيحة أبي علي بن راشد،عن أبي جعفر عليه السلام:
ص: 37
«صل في الفنك و السنجاب،فامّا السمور فلا تصل فيه» (1).و رواية مقاتل عن أبي الحسن عليه السلام في الصلاة في السمور و السنجاب و الثعالب:«لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب،فإنّه دابة لا تأكل اللحم» (2).
قال المحقق:الخاص مقدم على العام. (3).
قلت:يدفع عمومه و يجعله خاصا معارضا ما في صدره.نعم،هو أسلم سندا؛لأنّ في طريق الأول ابن بكير (4)و هو فاسد العقيدة و ان كان ثقة.
و الأقرب الجواز،و الخبر الأول لعلّه محمول على الكراهية في السنجاب و ان حرم الباقي،و يجوز استعمال المشترك في معنييه بقرينة.
فرع:
انما يجوز الصلاة فيه مع تذكيته؛لانّه ذو نفس قطعا،و الدباغ غير مطهر عندنا.و قد اشتهر بين التجار و المسافرين انّه غير مذكّى،و لا عبرة بذلك؛حملا لتصرف المسلمين على ما هو الأغلب.نعم،لو علم ذلك حرم استعماله.
لا تجوز الصلاة في جلد الثعلب و الأرنب و الفنك و السمور،و لا في وبره،على الأشهر في الروايات و الفتاوى،لعدم حل اللحم،و لتضمّن خبر زرارة ذلك (5)و رواية ابن أبي زيد عن الرضا عليه السلام في الثعالب:«لا تصل فيها» (6)و رواية علي بن مهزيار عن أبي الحسن الماضي كذلك (7).
و روى سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام:النهي عن
ص: 38
الصلاة في السمور،و ذكر السائل انّه يأخذ الدجاج و الحمام (1).
و يعارضها خبر عمار عن الحلبي،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،سألته عن الفراء السمور و السنجاب و الثعلب و أشباهه؟قال:«لا بأس بالصلاة فيه» (2).و خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود؟قال:«لا بأس بذلك» (3).
و أذعن بهذين الخبرين المحقق لوضوح سندهما،و قال:لو عمل بهما عامل جاز،و ان كان الاحتياط للعبادة المنع (4).
قلت:هذان الخبران مصرحان بالتقية؛لقوله في الأول:(و أشباهه)، و في الثاني:و(جميع الجلود)،و هذا العموم لا يقول به الأصحاب.
و هذه الاخبار لم تتضمن الأرنب،لكن رواية الخز المغشوش دالة عليها (5).و قد روى علي بن مهزيار قال:كتب إليه إبراهيم بن عقبة:
عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب،فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟فكتب:«لا تجوز الصلاة فيها» (6).
و في المقنع:لا بأس بالصلاة في السنجاب و السمور و الفنك (7)لما روي في ذلك من الرخص.
لا تجوز الصلاة في قلنسوة أو تكة متخذين من جلد غير المأكول
ص: 39
لتناول الأدلة لهما.
و في التهذيب حمل رواية جميل بجواز الصلاة في جلود الثعالب الذكية على القلنسوة و التكة و شبههما مما لا تتم به الصلاة (1).فقضية كلامه الجواز،و الأشبه المنع،و استثناء ذلك انما ثبت في النجاسة و هي مانع عرضي، و مثل ذلك ما لو اتخذتا من وبر غير المأكول؛لما قلناه من العموم.
و في رواية محمد بن عبد الجبار انّه كتب الى أبي محمد عليه السلام يسأله:هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه،أو تكة حرير،أو تكة من وبر الأرانب؟فكتب:«لا تحل الصلاة في الحرير المحض،و ان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه» (2).
و أجيب بضعف المكاتبة،و لأنّها تضمّنت قلنسوة عليها وبر فلا يلزم منه جوازها من الوبر.
و عليه إجماع علماء الإسلام.و تبطل الصلاة فيه عندنا؛للنهي الدالّ على فساد العبادة،سواء كان هو الساتر للعورة أو غيره.
و الأخبار بتحريم لبسه متظافرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام.و عن أبي الحرث عن الرضا عليه السلام النهي عن الصلاة فيه (3)و قد تقدّمت المكاتبة (4).
و اما رواية محمد بن بزيع،عن الرضا عليه السلام في الصلاة في ثوب ديباج:«لا بأس ما لم يكن فيه التماثيل» (5)فحملها الشيخ على الحرب،أو
ص: 40
على غير المحض.
و اما رواية يوسف بن إبراهيم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا بأس بالثوب ان يكون سداه و زرّه و علمه حريرا،و انما كره الحرير المبهم للرجال» (1)فمن باب إطلاق المكروه على الحرام.
و كذا رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء» (2)و فيه ما مرّ من استعمال المشترك في معنييه.
و كذا رواية جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه كان يكره القميص المكفوف بالديباج،و يكره لباس الحرير (3).
و اما القلنسوة و التكة فقد دلّت الرواية السابقة على المنع،و قد روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الثوب علمه ديباج:«لا تصل فيه» (4).
و يمكن الحمل على الكراهية؛لما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«كل شيء لا تتم الصلاة فيه وحده،فلا بأس بالصلاة فيه،مثل:تكة الإبريسم،و القلنسوة،و الخف،و الزنار يكون في السراويل و يصلّى فيه» (5)و لانّه لا يزيد عن الكف بالحرير كما يجعل في الذيل و رءوس الأكمام،و قد رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:انه نهى عن الحرير،الا موضع إصبعين،أو ثلاث، أو أربع (6)و روينا عن جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج (7)،و الأصل في الكراهية استعمالها3.
ص: 41
في بابها.و به أفتى الأصحاب (1).
و وردت أسماء-في الصحاح-:انه كان للنبي صلّى اللّه عليه و آله جبّة كسروانية لها لبنة ديباج،و فرجاها مكفوفان بالديباج،و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يلبسها،قالت أسماء:فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها (2).
قلت:اللبنة:الجيب.
ثم هنا مسائل:
لرواية علي بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام:«تفترشه و تقوم عليه،و لا تسجد عليه»في سؤال علي له أ يصلح للرجل النوم عليه و التكأة (3)؟و ظاهر الكلام شمول الجواب.
و تردد فيه المحقق،قال:لعموم تحريمه على الرجال (4).
قلت:الخاص مقدم على العام مع اشتهار الرواية،مع انّ أكثر الأحاديث تتضمن اللبس.
لما تقدم من تخصيص الرجال،و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«حرام على ذكور أمتي» (5).
ص: 42
و في صحيح مسلم عن علي عليه السلام،قال:«أهديت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حلة سيراء فبعث بها اليّ و أمرني فاطرتها بين نسائي» (1).
و في خبر آخر عن علي عليه السلام:«انّ أكيدر دومة أهدى الى النبي صلّى اللّه عليه و آله ثوب حرير،فقال:شققه خمرا بين الفواطم» (2).
قلت:السّيراء-بالسين المهملة المكسورة،و الياء المثناة تحت المفتوحة-هي الحلة فيها خطوط صفر.و معنى أطرتها:شققتها؛لما في العبارة الأخرى،امّا من قولهم:أطرت المال بين القوم فطار لفلان كذا،أي:قدر،و اما من أطرت الشيء أطره إذا عطفته.و دومة:موضع بالشام قرب تبوك،و المشهور فيها ضمّ الدال و أجاز جماعة فتحها،و أنكره ابن دريد و نسبه الى خطأ المحدثين (3).
و اما صلاتهن فيه فالمشهور الجواز؛لجواز اللبس لهن،و الأمر بالصلاة مطلق فلا يتقيد الا بدليل.
و منعه محمد بن بابويه (4)لأنّ زرارة سمع الباقر عليه السلام:ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء،الا ما كان من خز مخلوط في لحمته أو سداه، أو كتان أو قطن،و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء (5).قال:و ورد الرخصة لهن يلبسه لا يلزم منها جواز الصلاة فيه،فيبقى النهي العام بحاله (6).
قلنا:طريق الخبر فيه موسى بن بكر و هو واقفي،مع معارضته بأشهر منه1.
ص: 43
و أصح طريقا (1)و فتوى الأصحاب (2).و لو صحّ أوّل بحمل النهي على معنييه لقرينة،و تحمل الكراهية كذلك.
قال المحقق:هذه الرواية لا تبلغ حجة في تقييد إطلاق الأوامر القرآنية (3).و في المبسوط؛تنزههن عنه أفضل (4).
و لا فرق بين كون الحرير أكثر أو أقل-و لو كان الخليط عشرا،قاله المحقق (5)لما رووه عن ابن عباس ان النبي صلّى اللّه عليه و آله انما نهى عن الثوب الحرير المصمت (6)و لأصالة الحل،الا مع صدق الثوب من الحرير،و هو غير صادق مع المزج.
نعم،لو استهلك الحرير الخليط حتى أطلق عليه الحرير حرم،و لذا لو خيط الحرير بغيره لم يخرج عن التحريم،و أظهر في المنع ما لو كانت البطانة حريرا وحدها أو الظهارة.
أما الحشو بالحرير فقد قطع المحقق بمنعه؛لعموم النهي،و للسرف (7)و هو ظاهر ابن بابويه (8).و بعض العامة جوّزه؛لانّه لا خيلاء فيه (9).
و قد قال الحسين بن سعيد:قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم الى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز،فكتب اليه
ص: 44
-و قرأته-:«لا بأس بالصلاة فيه»،أورده الشيخ في التهذيب (1)و اوله ابن بابويه بقز الماعز دون قز الإبريسم (2).
قال المحقق:و لأنّ الراوي لم يسمعه من محدّث و انما وجده في كتاب (3).
قلت:يضعف الأول بأنه خلاف الحقيقة الظاهرة،و الثاني بان إخبار الراوي بصيغة الجزم،و المكاتبة المجزوم بها في قوة المشافهة،مع انّ الخاص مقدم على العام،فلو قيل بالعمل برواية الحسين لم يكن بعيدا.
و يؤيده ما ذكره الصدوق في الفقيه:انه كتب إبراهيم بن مهزيار الى أبي محمد عليه السلام في الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزا،هل يصلي فيه؟ فكتب:«نعم،لا بأس به» (4)أورده الصدوق بصيغة الجزم أيضا.
و قد رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و ان كان فيه تماثيل» (5).
و روى العامة:انه كان لعروة يلمق من ديباج بطانته من سندس محشو قزا،و كان يلبسه في الحرب (6)بمحضر التابعين،و لم ينكر عليه ذلك.
قلت:اليلمق:القباء،فارسي معرب.
قالوا:و لأنّ لبسه انما منع للخيلاء،و هو سائغ في الحرب؛لما روي انّ
ص: 45
النبي صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا من أصحابه يختال في مشيته بين الصفّين، فقال عليه السلام:«انها لمشية يبعضها اللّه الا في هذه المواطن» (1).
قال المحقق:و لانّه تحصل به قوة القلب،و منع لضرر الزرد عند حركته، فجرى مجرى الضرورة (2).
كالبرد الشديد المانع من نزعه،أو الحر مع عدم غيره،و كدفع القمل.
و في صحيح مسلم عن أنس:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رخّص لعبد الرحمن بن عوف و الزبير بن العوام في القمص الحرير في السفر من حكّة كانت بهما،أو وجع كان بهما (3)،و في رواية أخرى عنه عنه و لم يذكر السفر (4).
و في رواية أخرى عنه عنه صلّى اللّه عليه و آله:انهما شكوا القمل،فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما (5).و الظاهر تعدّي هذه الرخصة؛لأن مناطها الضرورة.
الكراهية؛لعدم تناول التكليف الصبي،و فعل جابر و الصحابة تورّع (1)،و تبعه الفاضل في التذكرة (2)و لعله الأقرب؛تمسكا بالأصل،و عدم قاطع يخرج عنه.
لو لم يجد المصلّي إلاّ الحرير،و لا ضرورة (3)في التعري، صلّى عاريا عندنا؛لأنّ وجوده كعدمه مع تحقق النهي عنه.و جوّزه العامة بل أوجبوه؛لأنّ ذلك من الضرورات (4).
و لو وجد النجس و الحرير،و اضطر إلى أحدهما للبرد أو الحر،فالأقرب لبس النجس؛لأنّ مانعة عرضي.
و الصلاة فيه حرام على الرجال،فلو موّه به ثوبا و صلّى فيه بطل،بل لو لبس خاتما منه و صلّى فيه بطلت صلاته،قاله الفاضل؛لقول الصادق عليه السلام:«جعل اللّه الذهب حلية لأهل الجنة،فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه»،رواه موسى بن أكيل النميري (5)عنه.و فعل المنهي عنه مفسد للعبادة.
و قوّى في المعتبر عدم الابطال بلبس خاتم من ذهب؛لإجرائه مجرى لبس خاتم مغصوب (6)و النهي ليس عن فعل من أفعال الصلاة،و لا عن شرط من شروطها.
فرع:
لوموه الخاتم بذهب فالظاهر تحريمه؛لصدق اسم الذهب عليه.نعم، لو تقادم عهده حتى اندرس و زال مسماه جاز.و مثله الاعلام على الثياب من
ص: 47
الذهب،أو المموه به،في المنع من لبسه و الصلاة فيه.
قال أبو الصلاح:تكره الصلاة في الثوب المصبوغ،و آكده كراهية الأسود،ثم الأحمر المشبع،و المذهب،و الموشّح،و الملحم بالحرير و الذهب (1).
قال:و أفضل الثياب البياض من القطن و الكتان (2).
فتبطل الصلاة فيه مع العلم بالغصب عند جميع الأصحاب؛لتحقق النهي المفسد للعبادة،و لاشتمال العبادة على قبيح فلا تكون مأمورا بها.
و في المعتبر أسند التحريم الى جميع الأصحاب،و البطلان إلى الأكثر، و اختار البطلان إن ستر العورة به أو سجد عليه أو قام فوقه؛لأنّه منهي عن تلك الحركة المخصوصة مع انّها جزء من الصلاة،و لو لم يكن كذلك لم تبطل كما لو لبس خاتما مغصوبا (3).
قال:لأني لم أقف على نصّ عن أهل البيت عليهم السلام بإبطال الصلاة (4).
و التزم الفاضل البطلان بالخاتم المغصوب و غيره مما يستصحب في الصلاة،لتحقق النهي عن ذلك.و لو لم يستصحب صحت صلاته في آخر الوقت (5).
و هذا كله بناء على ان الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده،و ان النهي في العبادة مفسد،سواء كان عن أجزائها أو عن وصف لا تنفك منه.و لا تخلو
ص: 48
هذه المقدمات من نظر،فقول المحقق لا يخلو من قوة،و ان كان الاحتياط للدين الابطال كيف كان.
اما لو جهل الغصبية فلا تحريم و لا إبطال؛لعدم توجّه النهي هنا.
و لو جهل الحكم لم يعذر؛لانّه جمع بين الجهل و التقصير في التعليم.
و لو نسي الحكم فكذلك؛لاستناده الى تقصيره في التحفظ.
و لو نسي الغصب فوجهان،من رفع القلم عن الناسي،و اختاره ابن إدريس،و استناده الى عدم التكرار المتضمّن للتذكار (1).و يمكن القول بالإعادة في الوقت؛لقيام السبب و عدم تيقن الخروج عن العهدة،بخلاف ما بعد الوقت لزوال السبب،و القضاء انما يجب بأمر جديد و هو غير معلوم التوجه هنا.و هو خيرة المختلف (2).
و قد مرّ حكمه.
أن لا يصلي في نعل ساتر ظهر القدم ليس له ساق، كالشمشك و النعل السندي.و أسنده في المعتبر الى الشيخين،استنادا الى فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و عمل الصحابة و التابعين و الأئمة الصالحين (3).
و المعتمد ضعيف،فإنه شهادة على النفي غير المحصور،و من الذي أحاط علما بأنّهم كانوا لا يصلون فيما هو كذلك.
و منع سلار من الصلاة في الشمشك و النعل السندي إلا صلاة الجنازة (4).
و كرهه الشيخ-في المبسوط-و ابن حمزة،و جوزوا ذا الساق كالخفين و الجرموقين (5)-و الجرموق خف واسع قصير يلبس فوق الخف-استنادا إلى
ص: 49
فعل من ذكرناه.
و قد روى البزنطي-فيما سلف-عن الرضا عليه السلام جواز الصلاة في الخف (1)و مثله روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2)و رواية الحسن بن الجهم عنه عليه السلام أيضا (3)و رواية إبراهيم بن مهزيار قال:سألته عن الصلاة في جرموق و بعثت اليه به،فقال:«يصلّى فيه» (4).
فلو حكاها لم يكف في الستر؛ لعدم صدق اسمه.و في مرفوع أحمد بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:«لا تصل فيما شف أو وصف»يعني الثوب المصقل (5).
قلت:معنى شف:لاحت منه البشرة،و وصف:حكى الحجم،و في خط الشيخ أبي جعفر في التهذيب«أو صف»بواو واحدة،و المعروف بواوين من الوصف.
أن لا يكون ثقيلا يمنع بعض الأفعال مع القدرة على غيره الاّ لضرورة؛لمنافاته الواجب المقصود بالذات.فلو لم يجد سواه صلّى عاريا و لو قلنا بجواز الصلاة في النجس اختيارا؛إذ النجس يمكن معه استيفاء الافعال مع الفوز بالستر بخلاف الثقيل.و كذا لو كان صلبا كالحديد المانع من بعض الافعال.
ص: 50
و فيه
سواء كان فوقه أو تحته؛لاستبعاد تخلصه منهما،و قد قيل بنجاستهما (1)فلا أقل من الكراهية.
و عليه يحمل ما رواه أبو علي بن راشد عن أبي جعفر عليه السلام:و سألته عن الصلاة في الثوب الذي يلي الثعالب،فقال:«لا» (2).
و كذا ما رواه في التهذيب عن علي بن مهزيار،عن رجل سأله الماضي عليه السلام عن الصلاة في الثعالب،فنهى عن الصلاة فيها و في الثوب الذي يليه،فلم أدر أي الثوبين:الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟فوقّع بخطه:«الذي يلصق بالجلد»،و ذكر أبو الحسن (3)انّه سأله عن هذه المسألة، فقال:«لا تصل في الذي فوقه،و لا في الذي تحته» (4)كما حمله الشيخ في المبسوط،قال:الا أن يكون أحدهما رطبا؛لان ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة إلى غيره (5).
قلت:هذا بناء على نجاسة الثعلب،أو على عدم وقوع الذكاة عليه، و كلام الشيخ صريح في انّ نجاسة الميتة لا تتعدى الا بالرطوبة،الا ان يريد به نفس الوبر،لكن الرواية مصرّحة بالجلد.
ص: 51
و قول ابن بابويه:إياك أن تصلي في ثعلب،و لا في الثوب الذي يليه من تحته و فوقه (1)يحمل أيضا على الكراهية.و يمكن أيضا حمل كلام الشيخ في النهاية:لا يجوز (2)على ذلك.
و لو وجد على الثوب وبر،فالظاهر عدم وجوب الإزالة؛لطهارته على الأصح،و كذا شعر ما لا يؤكل لحمه.
و في التهذيب انّ علي بن الريان كتب الى أبي الحسن عليه السلام:هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل ان ينفضه و يلقيه عنه؟فوقّع:«يجوز» (3).
و في مكاتبة محمد بن عبد الجبار الى أبي محمد عليه السلام في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه:«ان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه ان شاء اللّه» (4).
تباعدا من حكاية الحجم، و تحصيلا لكمال الستر.نعم،لو كان تحته ثوب آخر لم يكره إذا كان الأسفل ساترا للعورة.
أما الثوب الواحد الصفيق،فظاهر الأصحاب عدم الكراهية للرجل،لما رواه البخاري عن جابر،قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي في ثوب واحد متوشحا به (5).
و قد روى الأصحاب عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه:انّه رآه
ص: 52
يصلي في إزار واحد قد عقده على عنقه (1).
و روى محمد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلي في ثوب واحد:«إذا كان صفيقا فلا بأس» (2).
و الشيخ في المبسوط:يجوز إذا كان صفيقا،و يكره إذا كان رقيقا (3).
و في الخلاف:يجوز في القميص و ان لم يزرّه و لا يشدّ وسطه،سواء كان واسع الجيب أو ضيّقه (4).
و روى زياد بن سوقة عن أبي جعفر عليه السلام:«لا بأس ان يصلّي في الثوب الواحد و أزراره محلولة،ان دين محمد حنيف»،و قد مرّ (5).
و لا يعارضه رواية غياث بن إبراهيم،عن جعفر عن أبيه،قال:«لا يصلّي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار» (6)للحمل على الكراهية.
و بعض العامة:الفضل في ثوبين (7)لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما» (8)و لا بأس به،و الاخبار الأول لا تنافيه لدلالتها على الجواز.و يؤيده عموم قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (9)،و دلالة الاخبار:«انّ اللّه أحق أن يتزيّن له» (10)و أورد هذا في التذكرة6.
ص: 53
عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و افتى به (1).
فيكون مع القميص إزار أو سراويل مع الاتفاق على انّ الامام يكره له ترك الرداء،و قد رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا ينبغي الا ان يكون عليه رداء،أو عمامة يرتدي بها» (2).
و الظاهر انّ القائل بثوب واحد من الأصحاب انما يريد به الجواز المطلق،و يريد به أيضا على البدن،و الاّ فالعمامة مستحبة مطلقا،و كذا السراويل،و قد روي تعدّد الصلاة الواحدة بالتعمّم و التسرول.
أما المرأة فلا بد من ثوبين:درع و خمار،الا ان يكون الثوب يشمل الرأس و الجسد،و عليه حمل الشيخ رواية عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في جواز صلاة المسلمة بغير قناع (3).
و يستحب ثلاث للمرأة،لرواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام:درع،و خمار،و ملحفة (4).و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور عنه عليه السلام:«إزار،و درع،و خمار».قال:«فان لم تجد فثوبين تأتزر بأحدهما و تقنّع بالآخر».قلت:فان كان درعا و ملحفة ليس عليها مقنعة؟قال:«لا بأس إذا تقنّعت بالملحفة» (5).
لما رواه الكليني عمن رفعه الى أبي عبد اللّه عليه السلام:«يكره السواد إلا في ثلاثة:الخف،و العمامة، و الكساء» (6).
ص: 54
و في مرفوع آخر اليه عليه السلام في القلنسوة السوداء:«لا تصل فيها، فإنها لباس أهل النار» (1).
و قال ابن بابويه:و لا تصل في السواد (2)،فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تلبسوا لباس أعدائي،و لا تسلكوا مسالك أعدائي،فتكونوا أعدائي» (3).
و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«البسوا من ثيابكم البياض،فإنّها من خير ثيابكم» (4).و فيه دلالة على أفضلية البيض للمصلحة،فالمضاد لا يشاركها في المصلحة.
و يكره للرجال-خاصة-المزعفر و المعصفر،قال المحقق:لما روي عن عبد اللّه بن عمرو،قال:رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله عليّ ثوبين معصفرين، قال:«هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها»،و رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه نهى الرجال عن المزعفر (5).
قلت:الأول أورده مسلم (6)و روى أيضا عن علي عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن لبس القسّي،و المعصفر،و عن تختم7.
ص: 55
الذهب،و عن قراءة القرآن في الركوع» (1).
قلت:القسّي-بفتح القاف و تشديد السين المهملة-منسوب الى القس موضع،و هي من ثياب مصر فيها حرير.
و عن أنس:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى ان يتزعفر الرجل (2).
و روينا عن يزيد بن خليفة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه كره الصلاة في المشبع بالعصفر(و المصفر) (3)بالزعفران (4).
قال المحقق:و تكره في الأحمر،لرواية حماد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انه قال:«تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم».
قال:و المفدم-بسكون الفاء-:المصبوغ المشبع بالحمرة (5).
قلت:اللمّة-بكسر اللام و تشديد الميم-الشعر يجاوز شحمة الاذن.
و كان عليه السلام يخطب،فرأى الحسن و الحسين عليهم السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران،فنزل إليهما صلّى اللّه عليه و آله و لم ينكر لباسهما.و قال:و روى الجمهور انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته بالصفرة،و لبس صلّى اللّه عليه و آله بردين أخضرين،و دخل مكة و عليه عمامة سوداء (1).
و في المبسوط:و لبس الثياب المفدمة بلون من الألوان،و التختّم بالحديد،مكروه في الصلاة (2).فظاهره كراهية المشبع مطلقا،و اختاره أبو الصلاح (3)و ابن الجنيد (4)و ابن إدريس (5)و الاولى حمل رواية حماد عليه، و التخصيص بالحمرة أخذه المحقق من ظاهر كلام الجوهري (6).
سواء الرجل
ص: 57
و المرأة.
و يظهر من كلام الشيخ و ابن البراج التحريم في الثوب و الخاتم مع التماثيل (1).و رواية ابن بزيع عن الرضا عليه السلام:انه سأله عن الثوب،فكره ما فيه التماثيل (2).و روى عمار:انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة في ثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك،قال:«لا»،و في الخاتم فيه مثال الطير أو غير ذلك«لا تجوز الصلاة فيه» (3).و يمكن حملهما على الكراهية توفيقا،و لأصالة الصحة.
و ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من طريقي العامة و الخاصة:«انّ الملك لا يدخل بيتا فيه كلب،و لا تمثال جسد» (4)لا يدل على التحريم،لان الملك ينفر من المكروه كما ينفر من الحرام.
خصّ ابن إدريس الكراهية بتماثيل الحيوان لا غيرها كالأشجار (5)،
و لعلّه نظر الى تفسير قوله تعالى يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ (6)فعن أهل البيت عليهم السلام انها كصور الأشجار (7).
و قد روى العامة في الصحاح انّ رجلا قال لابن عباس:إني أصوّر هذه الصور فأفتني فيها؟فقال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«كل مصوّر في النار،يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا،فتعذبه في جهنم»،و قال:
ص: 58
إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر و ما لا نفس له (1).
و في مرسل ابن أبي عمير،عن الصادق عليه السلام في التماثيل في البساط لها عينان و أنت تصلي،فقال:«ان كان لها عين واحدة فلا بأس،و ان كان لها عينان فلا» (2).و عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام:«لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه» (3).و أكثر هذه يشعر بما قاله ابن إدريس،و ان أطلقه كثير من الأصحاب.
تكره الصلاة الى الوسائد الممثلة إذا كانت تجاه القبلة الا أن تغطي،
و يكره وضع الدراهم السود الممثلة بين يدي المصلي و لتكن خلفه،روى ذلك كله ليث المرادي عن الصادق عليه السلام (4).
و لو كانت التماثيل تحته فلا بأس بالصلاة عليها،روى ذلك محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (5).
و روى أيضا عنه:لا بأس بالصلاة و في ثوبه دراهم ممثلة (6)و قيّده في خبر حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام بان تكون مواراة (7).
و في رواية سعد بن إسماعيل عن أبيه عن الرضا عليه السلام في المصلي
ص: 59
و البساط عليه تماثيل،أ يصلي عليه؟فقال:«و اللّه اني لأكرهه» (1)و الخبر السالف لا ينافيه بحمله على الجواز.
و فسره في المبسوط و النهاية بأن يلتحف بالإزار و يدخل طرفيه تحت يديه،و يجمعهما على منكب واحد، كفعل اليهود (2).
و في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«إياك و التحاف الصماء، بان تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد» (3).
و عن علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في طرفي الرداء:«لا يصلح جمعهما على اليسار،و لكن اجمعهما على اليمين» (4).
و في صحاح العامة عن جابر:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى ان يأكل الرجل بشماله،أو يمشي في نعل واحدة،و ان يشتمل الصماء،و ان يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه (5).
و رووا عن أبي سعيد الخدري:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن اشتمال الصماء،و هو:ان يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن،و يرد طرفيه تحت منكبه الأيسر (6).
و عن ابن مسعود:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى ان يلبس الرجل
ص: 60
ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه عن منكبيه،تدعى تلك الصماء (1).
و قال ابن فارس:ان يلتحف بالثوب،ثم يلقى الجانب الأيسر على الأيمن (2).
و قال الجوهري:أن تجلّل جسدك بثوبك،نحو شملة الأعراب بأكسيتهم،و هو ان يردّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى و عاتقه الأيسر، ثم يردّه ثانية من خلفه على يده اليمين و عاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا (3).
قال:و ذكر أبو عبيد ان الفقهاء يقولون:هو ان يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره،ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه (4).
و قال الهروي:هو ان يتجلّل الرجل بثوبه و لا يرفع منه جانبا (5).
قال القتيبي:و انما قيل صماء لأنّه إذا اشتمل به سد على يديه و رجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء.
و قال الأصمعي:ان يشتمل بالثوب حتى يجلّل به جسده،و لا يرفع منه جانبا،فيكون فيه فرجة يخرج منها يده.
قال في الغريبين:من فسره بما قاله أبو عبيد فلكراهية التكشف و إبداء العورة،و من فسره تفسير أهل اللغة فإنه كره ان يتزمل به شاملا جسده،مخافة ان يدفع منها الى حالة سادة لمتنفسه فيهلك.7.
ص: 61
على ما فسرناه به لا فرق بين ان يكون تحته ثوب آخر أولا،
كما قال في المعتبر (1)و على تفسير الفقهاء انما يكره إذا لم يكن ثوب ساتر للفرج.
للصلاة،
و كذا من لا يتوقّى المحرمات في الملابس.
و لا يحرم،للأصل،و لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:
أنّ سنانا أتاه سأله في الذمي يعيره الثوب،و هو يعلم انّه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير،فيردّه عليه،أ يغسله؟قال عليه السلام:«صل فيه و لا تغسله، فإنك أعرته و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجّسه،فلا بأس ان تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه» (2).
و عن المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه السلام:«لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس و النصارى و اليهود» (3).
و عن معاوية بن عمار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم يشربون الخمر،ألبسها و لا أغسلها و أصلي فيها؟ قال:«نعم».قال معاوية:فقطعت له قميصا،و خطته و فتلت له أزرارا و رداء من السابري،ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار،فكأنّه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة (4).
و انما قلنا بالكراهية،لما روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام
ص: 62
في الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجري و يشرب الخمر فيردّه،أ فيصلي فيه قبل ان يغسله؟قال:«لا يصل فيه حتى يغسله» (1).و التوفيق بالاستحباب، قال الشيخ:لأنّ الأصل في الأشياء كلها الطهارة،فلا يجب الغسل الا بعد العلم بالنجاسة (2).و روى الحلبي عن الصادق عليه السلام في ثوب المجوسي:«يرش بالماء» (3).
قلت:في هذه الاخبار إشارة الى انّ غلبة ظن النجاسة لا تقوم مقام العلم و ان استند الى سبب،و كذا فتوى الشيخ-رحمه اللّه-في النهاية و التهذيب (4)، و قال في المبسوط:لا تصل في ثوب عمله كافر،و لا في ثوب أخذ ممن يستحلّ شيئا من النجاسات أو المسكرات (5).
و ان منع شيئا من الأذكار الواجبة حرم.و المفيد أطلق المنع من اللثام (6).
و في مضمر سماعة في الرجل يصلي و يتلو القرآن و هو متلثم:«لا بأس به،و ان كشف عن فيه فهو أفضل» (7).
و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يقرأ في صلاته و ثوبه على فيه،فقال:«لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة» (8).
و كذا يكره النقاب للمرأة ما لم يمنع من الأذكار،و هو في خبر سماعة
ص: 63
المذكور:و المرأة المتنقبة«إذا كشفت عن موضع السجود لا بأس به،و ان سفرت فهو أفضل» (1).
و تكره لها الصلاة في خلخال ذي صوت،قالوا:لاشتغالها به.
و لا بأس بالمستور.
و قد روى موسى بن أكيل عن الصادق عليه السلام:«لا بأس بالسكين و المنطقة للمسافر في وقت ضرورة،و لا بأس بالسيف و كل آلة سلاح في الحرب،و في غير ذلك لا يجوز في شيء من الحديد،فإنه مسخ نجس» (2).
و روى عمار:«إذا كان الحديد في غلاف فلا بأس به» (3).فالجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد.
و عن الصادق عليه السلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا يصلّي الرجل و في يده خاتم حديد» (4).
قال المحقق:قد بيّنا ان الحديد ليس بنجس باتفاق الطوائف،فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه،فإن النجاسة قد تطلق على ما يستحب تجنّبه،و تسقط الكراهية مع ستره،وقوفا بالكراهية على موضع الاتفاق ممن كرهه (5).
ذكر كثير من الأصحاب كراهة الصلاة في قباء مشدود،إلاّ في الحرب (6).
ص: 64
قال الشيخ:ذكره علي بن الحسين بن بابويه،و سمعناه من الشيوخ مذاكرة،و لم أجد به خبرا مسندا (1).
قلت:قد روى العامة انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يصلّي أحدكم الا و هو محزّم» (2)و هو كناية عن شدّ الوسط،و كرهه في المبسوط (3).
قال في التذكرة يكره التصليب في الثوب،لأنّ عائشة قالت:
انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا يترك شيئا فيه تصليب إلا قضية يعني:
قطعه،و لما فيه من التشبّه بالنصارى (4).
حكى في التذكرة كراهة السدل،و هو:أن يلقى طرف الرداء من الجانبين،و لا يردّ أحد طرفيه على الكتف الأخرى،و لا يضمّ طرفيه بيده،لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عنه (5).
و به قطع ابن إدريس،و نسبه الى اليهود،ذكر انه هو اشتمال الصماء عند أهل اللغة،و انه قول المرتضى رحمه اللّه (6).و جزم ابن الجنيد أيضا بكراهة السدل،و نسبه الى اليهود.
و للعامة فيه خلاف،قال ابن المنذر:و لا أعلم فيه حديثا[يثبت] (7).
ص: 65
لقول الصادق عليه السلام في رواية أبي بصير:«لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص (1)إذا صلّيت،فإنّه من زي الجاهلية» (2)،و«لا ينبغي»ظاهره الكراهية،و لأنّ موسى بن بزيع سأل الرضا عليه السلام أشدّ الإزار و المنديل فوق قميصي في الصلاة،فقال:«لا بأس به» (3).
و قد قيل:ان في الائتزار فوق القميص تشبها بأهل الكتاب،و قد نهينا عن التشبّه بهم (4).
و روى موسى بن القاسم البجلي،قال:رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام يصلّي في قميص قد ائتزر فوقه بمنديل (5).
قال في المعتبر:الوجه ان التوشح فوق القميص مكروه،و اما شدّ المئزر فوقه فليس بمكروه (6)مع انّ علي بن يقطين روى عن العبد الصالح،هل يصلي الرجل و عليه إزار متوشح به فوق القميص؟فكتب:«نعم» (7).
و قال في التهذيب عقيب الأخبار المذكورة:لا تناقض،لأنّ المراد بالاخبار المتقدمة هو أن لا يلتحف الإنسان بالإزار و يشتمل به كما يلتحف اليهود،و اما التوشح بالإزار فهو ليغطي ما قد كشف منه،و يستر ما تعرّى من بدنه،لما رواه سماعة قال:سألته عن رجل يشتمل في صلاته بثوب واحد،
ص: 66
قال:«لا يشتمل بثوب واحد،فاما ان يتوشح فيغطي منكبيه فلا بأس» (1).
قلت:روى الشيخ في التهذيب عن محمد بن إسماعيل،عن بعض أصحابنا،عن أحدهم عليهم السلام،قال:«الارتداء فوق التوشح في الصلاة مكروه،و التوشح فوق القميص مكروه» (2).
فقد تحصّلنا من هذه على ما قاله في المعتبر،و لا بأس به،لإمساس الحاجة إليه في الثوب الشاف،و ان كان جعله تحت القميص أولى،حتى ادّعى الفاضل الإجماع على عدم كراهيته (3)مع انه قد روى زياد بن المنذر عن أبي جعفر عليه السلام في الذي يتوشح و يلبس قميصه فوق الإزار،قال:«هذا عمل قوم لوط».قلت:فإنه يتوشح فوق القميص.قال:«هذا من التجبر» (4).
و قال ابن الجنيد:لا بأس ان يتّزر فوق القميص إذا كان يصف ما تحته، ليستر عورته.
،لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا صلّيت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة،فإنه يقال ذلك من السنة» (5).
و عن معاوية بن عمار:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يصلّي في نعليه غير مرّة،و لم أره ينزعهما (6).
و عن علي بن مهزيار:رأيت أبا جعفر عليه السلام صلّى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام و عليه نعلاه لم ينزعهما (7).
ص: 67
و يستحب زرّ الثوب الذي له أزرار،لأنه أصون للعورة،و لما رواه غياث ابن إبراهيم،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام:«لا يصل الرجل محلول الأزرار» (1)جمعا بينه و بين رواية زياد بن سوقه السالفة (2).
و روى إبراهيم الأحمري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلي و أزراره محلولة،قال:«لا ينبغي ذلك» (3)و هو ظاهر في الكراهية.
و روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلى فيدخل يده في ثوبه،قال:«ان كان عليه ثوب آخر-إزار أو سراويل-فلا بأس،و ان لم يكن فلا يجوز له ذلك،و ان أدخل يدا واحدة و لم يدخل الأخرى فلا بأس» (4).
و منع الجواز هنا يراد به الكراهية،لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يصلي و لا يخرج يديه من ثوبه،فقال:«إن اخرج يديه فحسن،و ان لم يخرج فلا بأس» (5).
و روى أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المصلي رجلا أو امرأة و عليه خضابه:لا يصلّي و هو عليه،لكن ينزعه و ان كانت خرقته نظيفة (6).و حملها الشيخ على الندب لروايات،منها:رواية رفاعة انّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن المختضب إذا تمكن من السجود و القراءة،أ يصلي في حنائه؟قال:«نعم إذا كانت خرقته طاهرة و كان متوضئا» (7).
و يستحب لمن صلّى في سراويل وحده ان يجعل على عاتقه شيئا و لو7.
ص: 68
نكته،و لو كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلد السيف،روى ذينك عبد اللّه ابن سنان عن الصادق عليه السلام (1).
و روى محمد بن الحسين بن كثير،عن أبيه،قال:رأيت على أبي عبد اللّه عليه السلام جبة صوف بين ثوبين غليظين،فقلت له في ذلك،فقال:
«رأيت أبي يلبسها،انا إذا أردنا أن نصلي لبسنا أخشن ثيابنا» (2).
قلت:أما للمبالغة في الستر و عدم الشف و الوصف،و اما للتواضع للّه تعالى،مع انّه قد روي استحباب التجمّل في الصلاة (3)و ذكره ابن الجنيد و ابن البراج و أبو الصلاح و ابن إدريس (4).
و روى غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام:«لا تصلي المرأة عطلا» (5)-و هي:بضم العين و الطاء و التنوين-و هي:التي خلا جيدها من القلائد.
و سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام في الرجل يصلّي و معه دبّة من جلد حمار،و عليه نعل من جلد حمار:«لا يصلح ان يصلي و هي معه،الا ان يتخوف عليها ذهابا فلا بأس» (6).
قلت:الدبة-بفتح الدال و التشديد-وعاء الذهن.
و تستحب الصدقة بثمن الثوب الذي يصلي فيه لو باعه،تأسيا بزين العابدين عليه السلام فيما رواه الشيخ عن الحلبي:انّ علي بن الحسين عليه السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء،فإذا جاء الصيف باعه،و تصدّق بثمنه،3.
ص: 69
و يقول:«اني لأستحيي من ربي ان آكل ثمن ثوب عبدت اللّه فيه» (1).
لقول الصادق عليه السلام:
لا«يضره» (2).
و لو استعار ثوبا و صلّى فيه،فأخبره المعير انّه كان نجسا،لم يعد و ان كان في الوقت،لعدم افادة قوله العلم.و لو أفاد بني على الخلاف في إعادة مثله في الوقت،اما مع الخروج فلا إشكال في عدم الإعادة،و سأل العيص أبا عبد اللّه عليه السلام في ذلك،فقال:«لا يعيد شيئا من صلاته» (3).
و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام فيمن يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلي،قال:«لا يؤذنه حتى ينصرف» (4)و فيه دلالة على عدم الإعادة في الوقت.و الرواية صحيحة،و أوردها الفاضل في التذكرة و لم يعرض لها (5).
و تجوز الصلاة مستصحبا للمسك،لطهارته،و رواه علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (6).و في مكاتبة إلى العسكري عليه السلام:«لا بأس به إذا كان ذكيا» (7).
قلت:المراد به ان يكون طاهرا،و يحتمل أمرين:
أحدهما:التحرز من نجاسة عارضة له.
و الثاني:التحرّز ممّا يؤخذ من الظبي في حال الحياة بجلده،لأنّ السؤال
ص: 70
عن فأرة المسك.
و يجوز لبس ما يتمندل به في الصلاة،كما روي في مرفوعة محمد بن يحيى عن الصادق عليه السلام:«صل في منديلك الذي تتمندل به،و لا تصل في منديل يتمندل به غيرك» (1).
و يلحق بذلك آداب في اللباس منقولة من أخبار الكافي و غيره.
يستحب إظهار النعمة،و نظافة الثوب،فبئس العبد القاذورة (2).
قلت:الظاهر انه هنا الذي لا يتنزّه عن الأقذار.و في اللغة:يقال على المبالغ في التنزه (3)و على الذي لا يخالّ الناس لسوء خلقه (4).
و يستحب التزين للصاحب كالغريب،و إكثار الثياب و اجادتها،فلا سرف في ثلاثين قميصا و لا في نفاسة الثوب،فقد لبس زين العابدين عليه السلام ثوبين للصيف بخمسمائة درهم (5)و أصيب الحسين عليه السلام و عليه الخز (6)، و لبس الصادق عليه السلام الخز (7).و ما نقل عن الصحابة من ضد ذلك، للاقتار،و تبعا للزمان.نعم،يستحب استشعار الغليظ،و تجنب الثوب الذي فيه شهرة.
و الأفضل القطن،فإنّه لباس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (8)و الأبيض.
و لا بأس بالمعصفر و الأحمر و المصبوغ-و ان كرهت الصلاة فيه-و الوشي:و هو -بفتح الواو و سكون الشين-ضرب من الثياب معروف،و يقال:هو الذي نسج2.
ص: 71
على لونين.
و النهي عن لبس الصوف و الشعر للتنزيه،أو بحسب الزمان،لان الصادق عليه السلام فعله،و روى عن أبيه وجده فعله (1).
و يستحب قصر الثوب،فالقميص الى فوق الكعب،و الإزار الى نصف الساق،و الرداء الى الأليين.و ليرفع الثوب الطويل و لا يجر.و لا يتجاوز بالكم أطراف الأصابع،نصّ عليه في القميص (2).و لا يبتذل ثوب الصون (3).
و يستحب رقع الثوب،و الدوام على التحنك.و روي سدل طرف العمامة من قدم و أخر و التحنك للإمام،و الخارج الى سفر آكد (4).و يجوز لبس القلنسوة ذات الأذنين و المضرّبة (5).
و يستحب استجادة الحذاء.و في صحاح العامة عن جابر،قال:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول في غزوة غزوناها:«استكثروا من النعال،فان الرجل لا يزال راكبا ما انتعل» (6).
و يستحب ابتداء اللبس باليمين،و الخلع باليسار،لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (7)و رويناه (8).
و يكره المشي في نعل واحدة،و به أخبار كثيرة في الصحاح (9)و من طرق4.
ص: 72
الأصحاب (1)و في بعضها:«الا لا صلاح الآخر»مع الرواية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الآخر حتى يصلحها» (2).
و تكره النعال الملس و الممسوحة بل ينبغي المخصّرة،و لا يترك تعقيب النعل.
و يكره عقد الشراك فينبغي القبالان،تأسيا بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (3).
و يستحب الخلع عند الجلوس،و اختيار الصفراء لا السوداء.
و يستحب لبس الخف،و يكره الأبيض المقشور.
و يستحب التختم بالورق،و ليكن في اليمين،و يكره في اليسار،و في رواية رخّص في اليسار (4)و قد روى العامة عن أنس انّه رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله تختم في خنصر يساره (5)و المشهور من روايات الأصحاب انّ معاوية سنّ ذلك (6).
و في صحاح العامة:كراهة التختم في الوسطى و البنصر،عن علي عليه السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (7).
و يستحب جعل الفص مما يلي الكف،و رووه في الصحاح (8).3.
ص: 73
و رويناه (1).
و يكره التختم بالحديد (2).و روي انّ التختم بالعقيق ينفي الفقر و النفاق،و يقضى له بالحسنى،و يأمن في سفره (3)و بالياقوت ينفي الفقر (4)و بالزمرد يسر لا عسر فيه (5).
و روي استحباب التختم بالفيروزج،و يسمى:الظفر،و بالجزع اليماني،و فص البلور (6).
و رووا انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان له خاتم ورق فصه حبشي (7).
قلت:الجزع-بسكون الزاي بعد الجيم المفتوحة-خرز،و اليماني:
خرز فيها بياض و سواد.
و يستحب نقش الخاتم،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة بعده (8).
و يجوز تحلية الصبيان و النساء بالذهب.
و يستحب القناع بالليل،و يكره بالنهار (9).
و يكره لبس البرطلة (10).و الزيادة على فراش له،و آخر لأهله،و آخر لضيفه،فإن الزائد للشيطان (11).6.
ص: 74
ص: 76
لا خلاف في جواز الصلاة في المكان المملوك،أو المأذون فيه صريحا أو فحوى،كالمساجد،و الربط،و الصحاري،و الأماكن المأذون في غشيانها و الاستقرار فيها.
اما المغصوب،فتحريم الصلاة فيه مجمع عليه،و اما بطلانها فقول الأصحاب (1)،و عليه بعض العامة (2)لتحقق النهي المفسد في العبادة.
قالوا:النهي عن أمر خارج عن الصلاة،كرؤية غريق يحتاج إلى إنقاذه، و ليس هناك غير هذا المصلي (3).
قلنا:الحركات و السكنات أجزاء حقيقية من الصلاة و هي منهي عنها، و إنقاذ الغريق أمر خارج.على انّ لملتزم ان يلتزم بطلان صلاته،لتضيّق الإنقاذ،فينهى عن الصلاة و لو في ضيق الوقت،لأنّ لها بدلا.
و لا فرق بين الغاصب و غيره ممن علم الغصب و ان جهل الحكم.و في الصلاة في الصحاري المغصوبة وجه للمرتضى-رحمه اللّه-استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب.
و لو صلّى في المغصوب اضطرارا-كالمحبوس،و من يخاف على نفسه
ص: 77
التلف بخروجه منه-صحت صلاته،لعموم:«و ما استكرهوا عليه» (1)و اشتراط ضيق الوقت يعلم مما سلف،و الأقرب عدمه.و لو صلى فيه ناسيا فكالثوب المغصوب.
و لا فرق في البطلان بين غصب العين و المنفعة،كادّعاء الوصية بها،أو استيجارها كذبا،و كإخراج روشن أو ساباط في موضع يمنع منه.و لو غصب دابة و صلّى عليها فرضا للضرورة،أو نفلا مطلقا،بطل أيضا بل أبلغ،و كذا السفينة،و لو لوحا واحدا مما له مدخل في استقرار المصلي.
و لا فرق بين جميع الصلوات حتى الجمعة و العيد و الجنازة.و الفرق ركيك،و الاعتذار بلزوم فوات هذه إذا امتنع منها أرك (2).و التشبيه بالصلاة خلف الخوارج و المبتدعة (3)سهو في سهو.
و لو صلّى المالك في المغصوب صحت صلاته إجماعا،الا من الزيدية (4).و لو أذن للغاصب أو لغيره صحت الصلاة مع بقاء الغصبية.
و قال الشيخ في المبسوط:فان صلّى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه،و لا فرق بين ان يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة فيه،لأنّه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه (5).
و اختلف في معناه،ففي المعتبر:انّ الآذن:المالك،لانه قال:الوجه الجواز لمن أذن له المالك (6).9.
ص: 78
و قال الفاضل:الآذن:الغاصب (1).
و كلاهما مشكل.
أما الأول:فلما قاله في المعتبر.و أما الثاني:فلأنّه لا يذهب الوهم الى احتمال جواز اذن الغاصب،فكيف ينفيه الشيخ معللا له بما لا يطابق هذا الحكم.و يمكن توجيه الأول:بأنّ المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة،كما لو باعه فإنه باطل لا يبيح المشتري التصرف فيه.
و يجوز ان تقرأ(إذن)بصيغة المجهول،و يراد به الاذن المطلق المستند الى شاهد الحال،فانّ طريان الغصب يمنع من استصحابه كما صرّح به ابن إدريس (2)و يكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى-رحمه اللّه-و تعليل الشيخ مشعر بهذا.
ثم هنا مسائل:
لو علم الكراهية من صاحب الصحراء و شبهها امتنعت الصلاة، لأنّه كالغاصب حينئذ.و لو جهل بني على شاهد الحال.
و لو علم انّها لمولى عليه،فالظاهر الجواز،لإطلاق الأصحاب،و عدم تخيّل ضرر لاحق به فهو كالاستظلال بحائطه،و لو فرض ضرر امتنع منه و من غيره.و وجه المنع:ان الاستناد الى انّ المالك أذن بشاهد الحال،و المالك هنا ليس أهلا للإذن،الا ان يقال:انّ الولي أذن هنا،و الطفل لا بدّ له من ولي.
لم يصل،فان نهى في الأثناء فالإتمام قوي استصحابا،و لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه.و يمكن القطع مع سعة الوقت ترجيحا لحق الآدمي،و الخروج مصليا جمعا بين الحقين،و هو ضعيف،لأنّ فيه تغيير هيئة الصلاة فقد أسقط حق اللّه تعالى.
ص: 79
و لو كان إيقاع الصلاة بإذنه ثم رجع ففيه الأوجه،و لكن يترجّح الإتمام هنا،لأنّ العارية قد تلزم في بعض الصور،و هذا اذن صريح و إعارة محضة.
و على كل تقدير لو ضاق الوقت لم يحتمل القطع،بل الخروج مصليا حتى في المكان المغصوب.
و كذا الطهارة،و في المعتبر:لا تبطل في المكان المغصوب،لان الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها (1).
و يشكل:بأن الأفعال المخصوصة من ضرورتها المكان،فالأمر بها أمر بالكون مع انّه منهي عنه،و هو الذي قطع به الفاضل،قال:و كذا لو أدّى الزكاة أو قرأ القرآن المنذور في المكان المغصوب لا يجزئان.اما الصوم في المكان المغصوب فجزم بصحته،لانه لا مدخل للكون فيه (2).
بمعنى:أنّ النجس إذا تعدّى الى ثوبه أو بدنه بطلت الصلاة.و لو كان يابسا لم تبطل عدا مسقط الجبهة.
و المرتضى اشترط طهارة جميع المصلّى مطلقا (3).
و اشترط أبو الصلاح طهارة مساقط السبعة (4).
لنا قضية الأصل،و عموم:«جعلت لي الأرض مسجدا» (5)و قول الصادق عليه السلام في خبر زرارة في الشاذ كونة تكون عليها الجنابة،أ يصلي عليها في المحمل؟فقال:«لا بأس» (6).
ص: 80
و روى عمار عن الصادق عليه السلام في الأرض النجسة إذا أصابتها الشمس:«فلا تجوز الصلاة على القذر حتى ييبس» (1).
و بإزائها خبر عبد اللّه بن بكير عن الصادق عليه السلام في الشاذكونة يصيبها الاحتلام أ يصلي عليها؟قال:«لا» (2).و طريق الجمع الحمل على الكراهية،أو على تعدّي النجاسة،مع انّ الصحة هي المشهورة بين الأصحاب.
و احتج العامة بنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الصلاة في المزبلة و المجزرة،و لا علة سوى النجاسة (3).
قلنا:هي متعدّية غالبا،مع إمكان كونه نهي تنزيه.
و على قول المرتضى،الأقرب انّ المكان ما لا يصدق أعضاء المصلي و ثيابه لا ما أحاط به في الجهات الأخر،لأنّه المفهوم من المكان.
و لو كان المكان نجسا بما عفي عنه-كدون الدرهم دما-و يتعدّى، فالظاهر انّه عفو،لانه لا يزيد على ما هو على المصلي.
و على قول المرتضى،لو كان على المكان و لا يتعدّى فالأقرب انّه كذلك،لما قلناه.و يمكن البطلان،لعدم ثبوت العفو هنا.
و على قول المرتضى،الظاهر انه لا يشترط طهارة كل ما تحته،فلو كان المكان نجسا ففرش عليه طاهر صحت الصلاة،و قد رواه عامر القمي عن الصادق عليه السلام (4).
و لو سقط طرف ثوبه أو عمامته على نجاسة،أمكن على قوله بطلان6.
ص: 81
الصلاة،اعتدادا بانّ ذلك مكان الصلاة.
اختلفت الروايات في صلاة المرأة أمام الرجل أو إلى جانبيه،فروى جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام جوازها بحذائه (1).
و روى العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما السلام:«لا ينبغي ذلك» (2).
و السؤال عن حذائه أيضا.
و روى عمار عن الصادق عليه السلام:«لا يصلي حتى يجعل بينه و بينها أكثر من عشر أذرع،و ان كانت عن يمينه أو يساره فكذلك،فان صلت خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب ثوبه،و ان كانت قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس» (3)و روى مثل ذلك جماعة عن الباقر و الصادق عليهما السلام (4).
و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«أخروهن من حيث أخرهن اللّه» (5).
و على الأول المرتضى-رحمه اللّه-و الحليون (6).و على الثاني الشيخان و أتباعهما (7)و أضافوا إليه دعوى الإجماع (8).و الأول اثبت،لأنّ الأمر بالصلاة مطلق فلا يتقيد بغير ثبت،و الاخبار متعارضة،و الجمع بالكراهية متوجّه.
و قال الجعفي:و من صلى و حياله امرأة ليس بينهما قدر عظم الذراع فسدت صلاته.
و روى جميل عن الصادق عليه السلام:«إذا كان سجودها مع ركوعه فلا
ص: 82
بأس» (1).
و عن زرارة عن الباقر عليه السلام:«لا تصلي قدّامه،الا ان يكون قدامها و لو بصدره» (2).
لا فرق بين المحرم و الأجنبية،و المقتدية به و المنفردة،
لشمول اللفظ.
نعم،يشترط كون الصلاتين صحيحتين،فلا يتعلق بالفاسد هنا حكم المنع و لا الكراهية.
و يزول التحريم أو الكراهية بالحائل،أو بعد عشر أذرع فصاعدا.و لو لم يمكن التباعد بذلك،قدّم الرجل في الصلاة وجوبا أو استحبابا،الا مع ضيق الوقت،لما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في المرأة تزامل الرجل في المحمل،أ يصليان جميعا؟قال:«لا،و لكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة» (3).
و لو اقترنت الصلاتان بطلتا.و لو سبقت إحداهما،أمكن بطلان الثانية لا غير،لسبق انعقاد الاولى فيمنع من انعقاد الثانية.و يحتمل بطلانهما معا، لتحقق الاجتماع في الموقف المنهي عنه.
و لو اقتدت بإمام بطلت صلاة أهل الجانبين و الوراء.و لو حاذت الامام، قال الشيخ:تبطل صلاتهما دون المأمومين (4)و هو بناء على انّ الطارئة تدافع السابقة فتبطلان.و مع هذا،فعلى مذهبه ينبغي بطلان صلاة من خلفها أيضا بدون الحائل أو البعد،ثم صحة صلاتهم مشكلة مع علمهم ببطلان صلاة الامام،اما مع الجهل فلا بحث.
ص: 83
و في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام:إذا صلت حيال الامام و كان في الصلاة قبلها أعادت وحدها (1)و فيه دلالة على فساد الطارئ.3.
ص: 84
تكره الصلاة في مواضع:
أحدها:الفريضة جوف الكعبة عند الأكثر(1). و حرّمها في الخلاف (2)و تبعه ابن البراج (3).
و احتج الشيخ بالإجماع.و لقول اللّه تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أي:نحوه،و انما يصدق ذلك إذا كان خارجا منه.و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله في رواية أسامة دخل البيت و دعا،و خرج فوقف على بابه و صلّى ركعتين و قال:«هذه القبلة،هذه القبلة»و أشار إليها،فإذا صلّي في جوفها لم يصل الى ما أشار إليه بأنّه هو القبلة.و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:«لا تصلّ المكتوبة في جوف الكعبة» (4).و لاستلزامه الاستدبار بصلاة الفريضة،و هو قبيح.
و أجيب بمنع الإجماع،كيف و هو في أكثر كتبه قائل بالكراهية (5)! و النحو:الجهة،و يكفي استقبال أي جزء كان منه خارجا فكذا داخلا و إذا استقبل جزءا منها فقد استقبل الكعبة،فيخرج الجواب عن رواية أسامة.و النهي في رواية ابن مسلم للكراهية كما عليه الأصحاب.و الاستدبار القبيح هو
ص: 85
المشتمل على ترك الاستقبال لا مطلق الاستدبار.
فإن قلت:فما وجه الكراهية إذن؟ قلت:التقصي من الخلاف أولا،و جواز الائتمام في الفريضة فيكثر المستدبرون،و لأنّ صورة الاستدبار واقعة في الجملة.
و كذا يكره على سطحها إذا أبرز شيئا منها،لأنّها قبلة الى أعنان السماء، فيتحقق الاستدبار أيضا،و لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الصلاة على ظهر بيت اللّه (1)فيحمل على الكراهية.
قالوا:إذا صلّى جوفها أو على سطحها،فقد صلّى فيها و عليها لا إليها، و الواجب الصلاة إليها (2).
قلنا:قد بيّنا انّ المراد بالصلاة إليها إلى جزء من جهتها.و لا يفتقر إلى سترة بين يديه مثبتة أو غير مثبتة.
قال الكليني-رحمه اللّه-عقيب إيراد رواية محمد بن مسلم المذكورة:
و روي في حديث آخر:«يصلي في أربع جوانبها إذا اضطر الى ذلك» (3).
قلت:هذا إشارة إلى أنّ القبلة إنّما هي جميع الكعبة،فعند الضرورة إذا صلى في الأربع فكأنّه استقبل جميع الكعبة،و انما جازت النوافل لانه لا يشترط فيها الاستقبال عند كثير من الأصحاب (4).
و في التهذيب:لا تجوز صلاة الفريضة في الكعبة مع الاختيار،و تجوز مع الضرورة و خوف الوقت،لرواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تصل المكتوبة في الكعبة».5.
ص: 86
و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:«لا تصلح المكتوبة جوف الكعبة»،و اما إذا خاف فوت الصلاة فلا بأس ان يصليها جوف الكعبة.
و عن يونس بن يعقوب قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:حضرت الصلاة المكتوبة و انا في الكعبة،أ فأصلي فيها؟قال:«صل» (1).
قلت:الأصح الكراهية لا غير و تنتفي بضيق الوقت،و هو أحرى في الجمع بين الأخبار و عموم الكتاب و السنة.
و روى الأصحاب عن عبد السلام بن صالح عن الرضا عليه السلام في الذي تدركه الصلاة فوق الكعبة،فقال:«ان قام لم يكن له قبلة،و لكن يستلقي على قفاه و يفتح عينيه الى السماء،و يقصد بقلبه القبلة في السماء الى البيت المعمور و يقرأ،فإذا أراد أن يركع غمض عينيه،و إذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه،و السجود على نحو ذلك» (2).و ادعى الشيخ عليه الإجماع (3)و فيه إشارة إلى اعتبار البنية (4)و الى امتناع الفريضة أيضا جوفها.
و ردّه المتأخرون باستلزامه سقوط القيام و معظم أركان الصلاة اختيارا، و الرواية لم يثبت صحة سندها،فكيف تعارض الاحكام المقطوع بوجوبها (5).
و قال المفيد:لا تجوز إلاّ بحائل و لو عنزة،أو قدر لبنة،أو ثوب موضوع،و لو كان قبر امام (6).و العموم يدفع هذا،و قد روى علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في الصلاة بين القبور
ص: 87
قال:«لا بأس» (1).
و روى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام:«لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة» (2)و كأنّ هذا حجة المفيد،لأنّ المطلق يحمل على المقيد.
قلنا:يدل على ثبوت البأس مع اتخاذه قبلة،و البأس أعمّ من المحرّم.
و الشيخ كره الصلاة بين القبور الا مع الساتر و لو عنزة،أو بعد عشر أذرع قدّامه و عن جانبيه،و لا بأس ان يكون ذلك خلفه (3)لرواية عمار عن الصادق عليه السلام:«لا يجوز»،و شرط في الخلف عشرا أيضا (4).
فرع:
لو صلّى على ظهر القبر كره أيضا.و لو تكرّر الدفن فيه و النبش،و علم نجاسة التراب بالصديد و تعدّى الى المصلى،امتنع و الا فلا.
لأنها مظنة النجاسة.و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«رش وصل» (1)أي:في بيوت المجوس.
قال الأصحاب:و لا بأس ببيت فيه يهودي أو نصراني لا مجوسي (2)، لرواية أبي جميلة عنه عليه السلام (3).
لرواية الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام:«تنح عنها ما استطعت،و لا تصل على الجواد» (4).
و كذا إلى حائط ينز من بالوعة البول،لمرسلة أحمد بن أبي نصر عن الصادق عليه السلام (5).
و كذا في بيوت الغائط،للمظنة،و فحوى الخبر (6).
لما مر،و لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله:نهى عن الصلاة بمحجة الطريق (7)و لرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا بأس ان تصلي في الظواهر التي بين الجواد،فاما على الجواد فلا» (8).
لكراهية فضلاتها،و بعد انفكاك الموضع منها،و لمضمر سماعة:«فاما مرابض الخيل و البغال فلا» (9)
ص: 89
و زاد الكليني في روايته عن سماعة:الحمير (1).
و لا بأس بمرابض الغنم إذا نضحه بالماء و قد كان يابسا،لما في هذه الرواية (2).
لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا أدركتك الصلاة و أنت في مراح الغنم فصل فيه فإنها سكينة و بركة، و إذا أدركت الصلاة و أنت في معاطن الإبل فاخرج منها وصل فإنها جن من جن خلقت» (3).
و قيل:ان عطفها مواطن الجن،و لانّه لا يؤمن نفورها فتشغل المصلي.
و لا تمنع فضلاتها من الصلاة فيها عندنا،لطهارتها.
و هي ذات الجيش،
و ذات الصلاصل،و ضجنان» (4).
و في رواية البزنطي عن الرضا عليه السلام:«لا تصل في البيداء».فسأله عن حدها،فقال:«كان جعفر عليه السلام إذا بلغ ذات الجيش جدّ في المسير،و لا يصلّي حتى يأتي معرس النبي صلّى اللّه عليه و آله».قلت:و اين ذات الجيش؟فقال:«دون الحفيرة بثلاثة أميال» (5).
قلت:قال بعض العلماء:هي الشرف الذي أمام ذي الحليفة مما يلي مكة،و كل أرض ملساء تسمى البيداء.
لرواية عمار عن الصادق عليه
ص: 90
السلام (1).
السلام،قال:«عشرة مواضع لا يصلي فيها:
الطين،و الماء،و الحمام، و القبور،و مسان الطرق،و قرى النمل،و معاطن الإبل،و مجرى الماء، و السبخ،و الثلج» (2).
و في رواية سماعة،قال:سألته عن الصلاة في السباخ،قال:«لا بأس به» (3).قال في التهذيب:المراد به مع استواء موضع السجود،لتصريح رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام بهذا التفصيل (4)،و في حكمها في الكراهية الرمل المنهال اما الملبّد فلا بأس.
قبلته مصحف مفتوح،
أو نار،أو حديد،و لو كانت في مجمرة،أو قنديل معلق (5).
و في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في السراج في القبلة:
«لا يصلح ان يستقبل النار» (6).
و هذه المناهي للكراهية عند أكثر الأصحاب،و لما رفعه عمرو بن إبراهيم
ص: 91
الهمداني إلى الصادق عليه السلام:«لا بأس بالصلاة إلى النار و السراج و الصورة،انّ الذي يصلّي له أقرب إليه من الذي بين يديه» (1)،و نسبها الصدوق -في الفقيه-و الشيخ الى الشذوذ و الإرسال،فلا يعمل بها إلاّ رخصة،و هو مخالف لعادة الشيخ في التأويل فإنه هنا ممكن.
قال الأصحاب:و تكره في بيوت النيران،لئلا يشبه عابد النار (2).
و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«انه يطرح على التماثيل قدّامه ثوبا،و ان كانت خلفه أو عن جانبيه فلا بأس» (3).
و ثالث عشرها:وادي الشقرة-بضمّ الشين،و إسكان القاف-لمرسلة ابن فضال عن الصادق عليه السلام:«لا تصل فيه» (4).
و قيل:بفتح الشين و كسر القاف،و انّه موضع مخصوص.
و قيل:ما فيه شقائق النعمان.
و قيل:انّها و البيداء و ضجنان و ذات الصلاصل مواضع خسف.
قال في التذكرة:و كذا كل موضع خسف به (5).
لكونه مجرى الماء فجاز ان يهجم عليه.
لأنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله لما مرّ بالحجر قال:«لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين،الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما أصابهم» (6).و ليس في هذا دلالة على كراهية الصلاة فيها.
ص: 92
نعم،روي انّ عليّا عليه السلام ترك الصلاة في أرض بابل لذلك حتى عبر، و صلّى في الموضع المشهور بعد ما ردّت له الشمس الى وقت الفضيلة (1).
انه نهي عن الصلاة في سبعة مواطن،
و قد تقدم أكثرها بأدلة أخرى،و هي:ظهر بيت اللّه،و المقبرة،و المزبلة،و المجزرة،و الحمام،و عطن الإبل،و محجة الطريق (2).
قاله أبو الصلاح (3).
و قال في التذكرة:لاستحباب السترة بينه و بين ممر الطريق (4).
و قال في المعتبر:لا بأس باتباع فتواه،لأنّه أحد الأعيان (5).
فروع:
لا بأس بالنافلة جوف الكعبة بل يستحب،لما ذكره الأصحاب في المناسك (6)و رواه العامة عن بلال،قال:ترك صلّى اللّه عليه و آله عمودا عن يمينه،و عمودا عن يساره،و ثلاثة أعمدة من ورائه،و كان البيت على ستة أعمدة إذ ذاك و صلّى (7).و كذا على ظهرها.
ص: 93
و في اشتراط إذن أهل الذمة في البيعة و الكنيسة احتمال،تبعا لغرض الواقف،و عملا بالقرينة،و لإطلاق الأخبار بالصلاة فيها.
و الظاهر انّ الكراهية في بيت فيه مجوسي شاملة لبيت المصلّي،و يمكن تعدّيها الى اجتماعه معه في الصحراء.
و لا فرق بين كون الطريق مشغولا بالمارة أولا،للعموم.نعم،لو عطّل المارّة بصلاته فالأقرب فسادها،لتحقق النهي.
و الأقرب انّه لا فرق في المعطن و المربض بين كون الدابة حاضرة فيه أو لا.و لا فرق بين ان يعلم طهارة الحمام أو لا.اما المسلخ فالظاهر عدم الكراهية،و قال في التذكرة:ان علّلناه بالنجاسة لم يكره،و ان علّلناه بكشف العورة أو بكونه مأوى الشياطين كره (1).
و لو اضطر إلى الصلاة على الثلج لبده و سجد على غيره،فان تعذّر قال الشيخ:دقّ الثلج و سجد عليه (2)و المراد ان يجتمع فتتمكن منه الجبهة.و روى داود الصرمي قال:سألت أبا الحسن عليه السلام،الى قوله:«ان أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه،و ان لم يمكن فسوّه و اسجد عليه» (3).
و في التعدّي إلى بيت فيه فقاع احتمال،أقربه ذلك،لما روي:«انّه خمر مجهول» (4).
و لو كان في البيت إناء فيه بول و شبهه احتمل ذلك،لما روي:«انّ الملك لا يدخل بيتا فيه كلب،و لا تمثال جسد،و لا إناء يبال فيه» (5)و حينئذ0.
ص: 94
يمكن كراهة الصلاة في بيت فيه أحد هذه،إذ القرب من الملك محبوب و خصوصا في الصلاة.
قال أبو الصلاح:لا يحل للمصلي الوقوف في معاطن الإبل،
و مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر،و مرابض الغنم،و بيوت النار،و المزابل،و مذابح الانعام،و الحمامات،و على البسط المصورة،و في البيت المصور،و لنا في فسادها في هذه المحال نظر (1).
ثم قال:لا يجوز التوجه الى النار،و السلاح المشهور،و النجاسة الظاهرة،و المصحف المنشور،و القبور،و لنا في فساد الصلاة مع التوجه إلى شيء من ذلك نظر (2).
و كأنّه نظر الى صيغ النهي في الاخبار،و تردّد في الفساد،من الامتثال و النهي عن وصف خارجي،و من إجرائه مجرى النهي عن المكان المغصوب.
و الأصح الكراهية،لما قاله الأكثر.
قال:و يكره التوجه الى الطريق،و الحديد،و السلاح المتواري،و المرأة النائمة بين يديه أشدّ كراهية.و كأنّه نظر الى انّ في ذلك نقصا في أعمال الصلاة (3).
و قال الصدوق و المفيد-رحمهما اللّه-:لا تجوز الصلاة على جواد الطرق (4)حملا للنهي على ذلك.و يعارض برواية محمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام:«كل طريق يوطأ و يتطرق،و كانت فيه جادة أو لم تكن،فلا ينبغي
ص: 95
الصلاة فيه» (1)و برواية الحلبي عن الصادق عليه السلام في الصلاة على ظهر الطريق:«لا بأس» (2).
و منع الصدوق من الصلاة في بيت فيه خمر محصور في آنية (3).و قال المفيد:لا تجوز الصلاة في بيوت الخمور (4)لظاهر النهي.و شهرة الكراهة مع قضية الأصل تدفعه.
و قال ابن الجنيد:و لا أختار ان تصلّى الفريضة في الكعبة و قضاؤها لغير ضرورة،و لو صلاها و قضاها أو النوافل فيها جازت.فظاهره كراهة النافلة أيضا.
قال:و كل أرض اختلطت بها نجاسة فلا يلقى المصلّي بمساجده إياها، و ان جعل بينهما حائلا جاز.و كأنّه يرى وجوب طهارة المصلّي،الا ان يريد الاستحباب.
قال:و كذلك منازل أهل الذمة،و بيعهم و كنائسهم،و بيوت نيرانهم، و كذا بيوت من يرى طهارة بعض الأنجاس.
و ظاهره تعليل كراهة الصلاة على الطريق بأنّها مظنة النجاسة-و به علل الفاضل (5)-قال:و لا تستحب الصلاة على الأرض الرطبة،لأن الجبهة تغوص فيها،و لإمكان نجاسة الماء الذي بلها.قال:و قد روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى راكبا بالإيماء من أجل مطر.
و ذكر ابن الجنيد ان التماثيل و النيران مشعلة في قناديل،أو سرج أو شمع أو جمر،معلقة أو غير معلقة،سنة المجوس و أهل الكتاب.
قال:و يكره ان يكون في القبلة مصحف منشور و ان لم يقرأ فيه،أو سيف8.
ص: 96
مسلول،أو مرآة يرى المصلّي نفسه أو ما وراءه.
و قال في المبسوط و النهاية في بيوت المجوس:انّه يرش الموضع بالماء، فإذا جفّ صلى فيه (1)و التقييد بالجفاف حسن.
قال في المبسوط:و لا يصلي و في قبلته أو يمينه أو شماله صورة و تماثيل الا ان يغطيها،فان كانت تحت رجله فلا بأس (2).
و قال في السيف المشهور:لا بأس بكونه في القبلة عند الخوف من العدو (3).
و قال:تكره الصلاة في موضع ينز حائط قبلته من بول أو قذر (4)،فزاد ذكر القذر.
و ألحق الشيء المكتوب بالمصحف،لانّه يشغله عن الصلاة (5)و به علل في النهاية (6).
و قال الصدوق:و سأل علي بن جعفر أخاه عليه السلام عن المصلي و أمامه شيء من الطير،أو نخلة حاملة،أو يصلي في كرم حامل،فقال:«لا بأس».و عن المصلّي و أمامه حمار واقف،قال:«يضع بينه و بينه قصبة أو عودا، أو شيئا يقيمه بينهما،ثم يصلي» (7).
قال الصدوق:و سأل عمار الصادق عليه السلام في المصلّي و بين يديه تور فيه نضوح،قال:«نعم».و عن الرجل يلبس الخاتم و فيه مثال طائر أو غيرن.
ص: 97
ذلك،قال:«لا تجوز الصلاة» (1).
قال:و سأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام في الصلاة متلثما، فقال:«امّا على الدابة فنعم،و امّا على الأرض فلا» (2).
و عن عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام:كراهة حمل الدراهم الممثلة،و كراهة جعلها في قبلته (3).
و علل الصدوق كراهة السيف في القبلة لأنّها أمن،رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام (4).
قال:و سأل علي بن جعفر أخاه عليه السلام في المصلّي و أمامه مشجب عليه ثياب،قال:«لا بأس» (5)،و كذا من أمامه ثوم أو بصل (6)،و كذا على الرطبة النابتة إذا ألصق جبهته بالأرض،أو الحشيش النابت المبتل و ان أصاب أرضا جددا (7).
و قال الشيخ أبو جعفر الكليني في روايته عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه رآه في المنازل بطريق مكة يرش أحيانا موضع جبهته،ثم يسجد عليه رطبا كما هو،و ربما لم يرشّ الذي يرى أنّه رطب (8).
قلت:لعله لدفع الغبار عنه و الشين.
قال الحلبي:و سألته عن الرجل يخوض الماء فتدركه الصلاة،فقال:0.
ص: 98
«ان كان في حرب فإنّه يجزئه الإيماء،و ان كان تاجرا فليقم و لا يدخله حتى يصلّي» (1).
قلت:هذا محمول على سعة الوقت و إمكان الأرض.
و روى الكليني عن أيوب بن نوح عن أبي الحسن الأخير عليه السلام فيمن تحضره الصلاة و هو بالبيداء،فقال:«يتنحّى عن الجواد يمنة و يسرة و يصلي» (2).
قلت:هذا بيان للجواز،و ما تقدم للكراهة،و يمكن حمله على غير البيداء المعهودة.
و قال الجعفي:لا تصل خلف نيام،و لا متحدثين.و لا بأس بالصلاة في مكان كان حشا،ينظف و يطرح عليه ما يواريه و يكون مسجدا.و لا بأس بالصلاة على الأرض الرطبة،الا ان تكون رطوبتها من بالوعة.
و قال في التماثيل:إذا كانت في القبلة فألق عليها ثوبا،و لا بأس بما كان خلفه أو الى جوانبه.
و في التهذيب عن محمد بن إبراهيم:سألته عن الصلاة على السرير مع القدرة على الأرض،فكتب:«لا بأس» (3).
و عن محمد بن مصادف عن الصادق عليه السلام:النهي عن الصلاة فوق الكدس من الحنطة المطيّن و ان كان مسطّحا (4)و هو للكراهية تعظيما لها -و الكدس بضم الكاف و سكون الدال واحد الاكداس-لرواية عمر بن حنظلةم.
ص: 99
عنه عليه السلام:«صل عليه» (1).
و عن عمرو بن جميع عنه عليه السلام انّه كره الصلاة في المساجد المصورة،قال:«لا يضرّكم ذلك اليوم،و لو قام العدل رأيتم كيف يصنع في ذلك» (2).6.
ص: 100
و تنتظمها
فإن كان في مسجد أو بيت فحائطه أو سارية،و ان كان في فضاء أو طريق جعل شاخصا بين يديه.
و هنا
فقد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله تركز له الحربة فيصلي إليها (1)و يعرض البعير فيصلي اليه (2)و ركزت له العنزة فصلّى الظهر يمر بين يديه الحمار و الكلب لا يمنع (3).
و العنزة:العصا في أسفلها حديد.و الأولى بلوغها ذراع،قاله الجعفي، و الفاضل و زاد:فما زاد (4).
و قد روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كان طول رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذراعا،و كان إذا صلّى وضعه بين يديه،يستتر به ممن يمرّ بين يديه» (5).
و روى أيضا عنه عليه السلام:«ان كان بين يديك قدر ذراع رافع من
ص: 101
الأرض فقد استترت» (1).
و يجوز الاستتار بالسهم و الخشبة،و كل ما كان أعرض فهو أفضل.و روى معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام،قال:«كان رسول صلّى اللّه عليه و آله يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى» (2).
و روى السكوني عن الصادق عليه السلام بإسناده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة،فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل فان لم يجد فحجرا،فان لم يجد فسهما،فان لم يجد فيخطّ في الأرض بين يديه» (3).
و عن أبي عبد اللّه عليه السلام برواية غياث:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله وضع قلنسوة و صلّى إليها» (4).
و عن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام:«تكون بين يديه كومة من تراب،أو يخط بين يديه بخط» (5).
و روى العامة الخط عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (6)و أنكره بعض العامة (7).ثم هو عرضا،و بعض العامة طولا،أو مدوّرا،أو كالهلال (8).
ص: 102
و لا يسارا،قاله في التذكرة (1).
و قال ابن الجنيد:يجعله على جانبه الأيمن و لا يتوسطها فيجعلها مقصده تمثيلا بالكعبة.
و قال بعض العامة:لتكن على الأيمن أو الأيسر (2).
لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا صلى أحدكم إلى سترة،فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته» (3).
و قدّره ابن الجنيد بمربض الشاة-لما صحّ من خبر سهل بن سعد الساعدي،قال:«كان بين مصلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله و بين الجدار ممر الشاة» (4)-و بعض العامة بثلاث أذرع (5).
و يجوز الاستتار بالحيوان،لما مر.و يجزئ إلقاء العصا عرضا إذا لم يمكن (6)نصبها،لأنّه أولى من الخط.
لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يأمر المؤتمين بسترة و لان ظهر كل واحد منهم سترة لصاحبه.
و لو كانت السترة مغصوبة،لم يحصل الامتثال عند الفاضل،لعدم الإتيان بالمأمور به شرعا (7).
و يشكل:بأنّ المأمور به الصلاة الى سترة و قد حصل،و نصبها أمر خارج
ص: 103
عن الصلاة،كالوضوء من الإناء المغصوب.
اما لو كانت نجسة لم تضرّ،الا مع نجاسة ظاهرة.
لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلى هناك و ليس بينه و بين الطّواف سترة،و لأنّ الناس يكثرون هناك لأجل المناسك و يزدحمون،و به سميت بكة لتباك الناس فيها،فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس (1).
قال:و حكم الحرم كله كذلك،لأنّ ابن عباس قال:أقبلت راكبا على حمار أتان و النبي صلّى اللّه عليه و آله يصلي بالناس بمنى الى غير جدار،و لأنّ الحرم محل المشاعر و المناسك (2).
قلت:و قد روي في الصحاح:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى بالأبطح فركزت له عنزة،رواه أنس و أبو جحيفة (3)و لو قيل:السترة مستحبة مطلقا،و لكن لا يمنع المار في مثل هذه الأماكن لما ذكر،كان وجها.
و عن أبي بصير عنه عليه السلام:«لا يقطع الصلاة شيء:كلب و لا حمار و لا امرأة،و لكن استتروا بشيء» (1).
و روى سفيان بن خالد عنه عليه السلام:«انّ الذي أصلي له أقرب اليّ من الذي قدّامي» (2).
و في الكليني عن محمد بن مسلم:دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السلام،فقال له:رأيت ابنك موسى يصلّي و الناس يمرون بين يديه،فلا ينهاهم و فيه ما فيه.فقال:«ادعوه لي»،فقال له في ذلك،فقال:«ان الذي كنت أصلي له كان أقرب إليّ منهم،يقول اللّه عز و جل وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ »فضمّه الى نفسه ثم قال:«بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار» (3).
و لا يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود و المرأة و الحمار،لما مرّ.و رواية أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك (4)منسوخة ان صحت.و روت عائشة:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي صلاة الليل كلها و انا معترضة بينه و بين القبلة (5).
سواء كان له سترة أم لا،لما فيه من شغل قلبه،و تعريضه للدفع.
و حرّمه بعض العامة (6)لما صحّ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في رواية أبي جهيم الأنصاري:«لو يعلم المار بين يدي المصلي ما ذا عليه،لكان أن
ص: 105
يقف أربعين،خيرا له من ان يمرّ بين يديه»،شك أحد الرواة بين اليوم أو الشهر أو السنة (1).و هو محمول على التغليظ،لانّه صحّ في خبر ابن عباس انّه مرّ بين يدي الصف راكبا و لم ينكر عليه ذلك (2).
فإن قلت:في الرواية و انا يومئذ قد ناهزت الاحتلام،فترك الإنكار لعدم البلوغ (3).
قلت:الصبي ينكر عليه المحرمات و المكروهات على سبيل التأديب.
و رواية أبي سعيد الخدري و غيره عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«فان أبي فليقاتله،فإنما هو شيطان» (4)للتغليظ أيضا،أو تحمل على دفاع مغلظ لا يؤدي إلى جرح و لا ضرر.
ان يقال بحمل المطلق على المقيد.
و لو بعد عن السترة فهو كفاقدها.و لو كان في الصف الأول فرجة،جاز التخطي بين الصف الثاني،لتقصيرهم بإهمالها.و لو لم يجد المار سبيلا سوى ذلك لم يدفع،لامتناع التكليف بالمحال،أو الحكم بعطلة الناس عن حاجاتهم.
و غلا بعض العامة في ذلك و جوز الدفع مطلقا،لحديث أبي سعيد الخدري،و دفعه الشاب مرتين و لم يكن له مساغ (1).
قلنا:ان صح النقل فهو رأي رآه،و الحديث الذي رواه:«إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس،فأراد أحد أن يجتاز بين يديه،فليدفع في نحره.و ان أبى فليقاتله،فإنما هو شيطان» (2)ليس فيه تصريح بعدم المساغ، فيحمل على وجود المساغ.
و لا يجب نصب السترة إجماعا،لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله تركها في بعض الأحيان،كما روى الفضل بن عباس:أتانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن في بادية لنا،فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة،و حمارة لنا و كلبة تعبثان بين يديه فما بالي بذلك (3).
و ليست شرطا في صحة الصلاة أيضا بالإجماع،و انما هي من كمال الصلاة.
الشريفة،و قد ورد فيها فضائل جمّة سبق بعض ما روي في المشاهد.
و روى الشيخ في التهذيب-في باب المزار-في الصحيح عن معاوية ابن عمار،عن الصادق عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
الصلاة في مسجدي كألف في غيره الا المسجد الحرام،فإنّ صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي» (1).
و عن خالد القلانسي عن الصادق عليه السلام،قال:«مكة حرم اللّه و حرم رسوله و حرم عليّ بن أبي طالب عليهما السلام،الصلاة فيها بمائة ألف صلاة،و الدرهم فيها بمائة ألف درهم.و المدينة حرم اللّه و حرم رسوله و حرم عليّ ابن أبي طالب عليهما السلام،الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة،و الدرهم فيها بعشرة آلاف درهم.و الكوفة حرم اللّه و حرم رسوله و حرم عليّ بن أبي طالب، الصلاة فيها بألف صلاة» (2).
و عن نجم بن حطيم عن الباقر عليه السلام:«لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لأعدّوا له الزاد و الرواحل من مكان بعيد،ان صلاة فريضة فيه تعدل حجة،و صلاة نافلة تعدل عمرة» (3).
و عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام،قال:«النافلة في هذا المسجد تعدل عمرة مع النبي صلّى اللّه عليه و آله،و الفريضة تعدل حجة مع النبي صلّى اللّه عليه و آله،و قد صلى فيه ألف نبي و ألف وصي» (4).
و عن هارون بن خارجة عن الصادق عليه السلام:«ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى في مسجد الكوفة ليلة الإسراء ركعتين،و ان المكتوبة1.
ص: 108
فيه بألف صلاة،و النافلة بخمسمائة،و ان الجلوس فيه بغير تلاوة و لا ذكر لعبادة» (1).
و عن إسماعيل بن زيد عن الصادق عليه السلام:ان أمير المؤمنين عليه السلام منع رجلا من السفر الى المسجد الأقصى،و امره بلزوم مسجد الكوفة و الصلاة فيه،فان المكتوبة فيه حجة مبرورة،و النافلة عمرة مبرورة (2).
و روى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال:«صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة،و صلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة،و صلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا و عشرين،و صلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة،و صلاة الرجل في منزله صلاة واحدة» (3).
و روى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:اني لأكره الصلاة في مساجدهم،قال:«لا تكره،فما من مسجد بني الاّ على قبر نبي أو وصي نبي،قتل فأصاب تلك البقعة رشة من دمه،فأحب اللّه ان يذكر فيها،فأدّ فيها الفريضة و النوافل و اقض ما فاتك» (4).
و عن الحلبي عن الصادق عليه السلام:المسجد الذي أسّس على التقوى مسجد قباء (5).
و روى العامة في الصحاح بعدة أسانيد ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:
«صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه،الا المسجد6.
ص: 109
الحرام» (1).
و معناه عند الأكثر:انّ استثناء المسجد الحرام يدل على أفضليته على مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و عند الأقل:ان الاستثناء من التضعيف،اي ان المسجد الحرام لا يزيد عليه مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بألف بل بأقل من ذلك (2)،و هو خلاف الظاهر.و بناه على معتقده من أفضلية المدينة و مسجدها على مكة و مسجدها،و قد بيّنا في القواعد ضعفه (3).
و عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تشدّ الرحال الا إلى ثلاثة مساجد:مسجدي هذا،و مسجد الحرام،و مسجد الأقصى» (4).و في لفظ آخر عن أبي هريرة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«انما يسافر إلى ثلاثة مساجد:مسجد الكعبة،و مسجدي،و مسجد إيلياء» (5).
و عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تشدّ الرحال الا إلى ثلاثة مساجد:مسجد الحرام،و مسجدي،و مسجد الأقصى» (6).
قلت:أجمع العلماء-الا من شذ-على انّ المراد بهذا النفي بالنسبة إلى المساجد،أي:لا يصلح ذلك الى مسجد غير هذه الثلاثة؛لتقارب0.
ص: 110
المساجد سواها في الفضل،فليس سفره الى مسجد بلد آخر ليصلي فيه بأولى من مقامه عند مسجد بلده و الصلاة فيه.و هذا النهي يراد به نهي التنزيه؛لانعقاد الإجماع على عدم تحريم السفر الى غير المساجد المذكورة لتجارة أو قربة من القرب.
و قال بعضهم:المراد:لا يستحب شدّ الرحال الا الى هذه،و لا يلزم من نفي الاستحباب نفي الجواز (1).
و ارتكب واحد من العامة تحريم زيارة الأنبياء و الأئمة و الصالحين عليهم السلام،متمسّكا بهذا الخبر على مطلوبه،ذاهبا إلى أنّه لا بدّ من إضمار شيء هنا و لتكن العبادة،لأنّ الاسفار المطلقة ليست حراما (2).
و هو تحكّم محض؛لأنّ إباحة الشدّ للأسفار المطلقة يستلزم أولوية إباحته لما هو عبادة،إذ العبادة أرجح في نظر الشرع من السفر المباح،و يلزمهظ.
ص: 111
عدم الشدّ لزيارة احياء العلماء و طلب العلم و صلة الرحم،و قد جاء:«من زار عالما فكمن زار بيت المقدس» (1)و ورد:«اطلبوا العلم و لو بالصين» (2)،و«سر سنتين برّ و الديك» (3)،و لا يخالف أحد في إباحة هذا مع انه عبادة،فتعيّن ان المراد بالحديث:لا يستحق،أو لا يتأكد،أو لا أولى بالشد،من هذه الثلاثة، أو يضمر المساجد،كما سبق ذكره.
و هذا القائل كلامه صريح في نفي مطلق زيارة قبور الأنبياء و الصلحاء، لانّه احتج بأنه لم يثبت في الزيارة خبر صحيح،بل كل ما ورد فيها موضوع بزعمه (4).و كل هذا مراغمة للفرقة المحقّة و الطائفة الناجية،الذين يرون تعظيمع.
ص: 112
الزيارات و المزارات،و يهاجرون إليها و يجاورون،و في رضى اللّه تعالى لأهلهم و ديارهم يفارقون،انعقد إجماع سلفهم و خلفهم على ذلك،و فيهم أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.و يروون في ذلك أخبارا تفوت العدّ،و تتجاوز الإحصاء،بالغة حد التواتر،و قد روى منها الحافظ ابن عساكر من العامة طرفا صالحا،منها حديث:«و ستكون حثالة من العامة يعيّرون شيعتكم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها» (1)و غيره.؟!
ص: 113
ص: 114
مع ان جميع المسلمين مجمعون على زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله منذ نقله اللّه الى دار عفوه و محل كرامته الى هذا الزمان،ففي كل سنة يعملون المطي و يشدون الرحال و لا ينصرفون الا بعد السلام عليه،و انعقاد الإجماع في هذه الأعصار قبل ظهور صاحب هذه المقالة الشنيعة و بعده حجة قاطعة على هذا المقام،و أي حجة أقوى من إجماع جميع أهل الإسلام على زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله،باعمال المطي و شدّ الرحال في كل عام.
و اما الاخبار الواردة في زيارته فهي كثيرة جدا،قد ضمّنها العلماء في كتبهم المأثورة و سننهم المشهورة،مثل ما رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة:
انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«ما من رجل يسلم عليّ،الاّ رد اللّه عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام» (1).
و لم يزل الصحابة و التابعون كلما دخلوا المسجد يسلمون على النبي صلّى اللّه عليه و آله،و لا حاجة الى الاستدلال بالاخبار في هذا المقام المجمع عليه،فإنه عدول من يقين الى شك،و من علم الى ظن.
روى العامة في صحاحهم عن أبي ذر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:
«أول مسجد وضع على الأرض المسجد الحرام،ثم،المسجد الأقصى بعده
بأربعين سنة،
و أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد» (2).
و عن جابر بن عبد اللّه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي:كان كل نبي يبعث الى قومه خاصة
ص: 115
و بعثت الى كل أحمر و أسود،و أحلت لي الغنائم و لم تحلّ لأحد قبلي،و جعلت لي الأرض طيبة طهورا و مسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلّى حيث كان، و نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر،و أعطيت الشفاعة» (1).
و عن حذيفة قال الرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«فضلنا على الناس بثلاث:جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة،و جعلت لنا الأرض كلها مسجدا، و جعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء» (2).
و عن أنس:قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة،فنزل في علو المدينة في بني عمرو بن عوف،فأقام فيهم أربع عشرة ليلة،ثم أرسل الى ملأ بني النجار فجاؤا متقلدين بسيوفهم،فجاء معهم حتى القى بفناء أبي أيوب.
و كان يصلّي حيث أدركته الصلاة،و يصلي في مرابض الغنم،ثم قال:«يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا».و قالوا:لا و اللّه ما نطلب ثمنه الاّ الى اللّه.و كان فيه نخل و قبول المشركين،فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالنخل فقطع، و بقبور المشركين فنبشت،و بالخرب فسويت.قال:فصفوا النخل قبلة و جعلوا عضادتيه حجارة (3).
و الخرب:جمع خربة،و هي:النقب في الأرض،كأنّه أراد تسوية الحفر.
و روى الأصحاب بالإسناد إلى عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام انّه قال:«الأرض كلها مسجد،إلا بئر غائط أو مقبرة» (4).9.
ص: 116
و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام انّه قال:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بنى مسجده بالسميط،ثم ان المسلمين كثروا،فقالوا:
يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فزيد فيه.فقال:«نعم»فأمر به فزيد فيه و بناه بالسعيدة.
ثم ان المسلمين كثروا،فقالوا:يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فزيد فيه.فقال:«نعم»فأمر به فزيد فيه و بنى جداره بالأنثى و الذكر.ثم اشتد عليهم الحر فقالوا:يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فظلّل.قال:«نعم»فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض و الخصف و الإذخر.
فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم،فقالوا:
يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فطيّن.فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
لا،عريش كعريش موسى صلّى اللّه عليه و آله،فلم يزل كذلك حتى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و كان جداره قبل ان يظلل قامة،فكان إذا كان الفيء ذراعا-و هو قدر مربض عنز-صلى الظهر،و إذا كان ضعف ذلك صلّى العصر».و قال:
السميط:لبنة لبنة،و السعيدة:لبنة و نصف،و الأنثى و الذكر:لبنتان متخالفتان (1).
و عن عبد الأعلى مولى آل سام قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:
كم كان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟قال:«كان ثلاثة آلاف و ستمائة ذراع تكسيرا» (2).
من المساجد الشريفة مسجد الغدير،و هو يقرب الجحفة،
جدرانه باقية
ص: 117
الى اليوم،و هو مشهور بيّن،و قد كان طريق الحج عليه غالبا.
و روى حسان الجمال،قال:حملت أبا عبد اللّه عليه السلام من المدينة إلى مكة،فلما انتهينا الى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد،فقال:«ذلك موضع قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث قال:من كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه.ثم نظر في الجانب الآخر فقال:
«ذلك موضع فسطاط أبي فلان و فلان و سالم مولى أبي حذيفة و أبي عبيدة بن الجراح،فلما أن رأوه رافعا يده قال بعضهم:انظروا الى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون،فنزل جبرئيل بقوله تعالى وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ إلى آخر السورة (1).
و منها:مسجد براثا في غربي بغداد،و هو باق الى الآن،رأيته و صليت فيه.
روى الجماعة عن جابر الأنصاري،قال:صلّى بنا علي عليه السلام ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة و نحن زهاء مائة ألف رجل،فنزل نصراني من صومعته فقال:اين عميد هذا الجيش؟فقلنا:هذا.فاقبل عليه و سلم عليه ثم قال:يا سيدي أنت نبي؟قال:«لا،النبي سيدي قد مات».قال:أ فأنت وصي نبي؟قال:«نعم».فقال:انما بنيت الصومعة من أجل هذا الموضع و هو براثا، و قرأت في الكتب المنزلة انه لا يصلي في هذا الموضع بذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي،ثم أسلم.فقال له علي عليه السلام:«من صلى ها هنا؟».قال:
صلى بن عيسى بن مريم و امه.فقال له علي عليه السلام:«و الخليل عليه السلام» (2).
و منها:مسجد السهلة.روى عبد الرحمن بن سعيد الخزاز،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«بالكوفة مسجد يقال له:مسجد السهلة،لو انّ عمّي7.
ص: 118
زيدا أتاه فصلّى فيه و استجار اللّه جار اللّه له عشرين سنة.فيه مناخ الراكب، و بيت إدريس النبي.و ما أتاه مكروب قط،فصلّى فيه ما بين العشاءين فدعا اللّه عز و جل،الا فرّج اللّه كربته» (1).
و عن صالح بن أبي الأسود،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«اما انّه منزل صاحبنا إذا أقام بأهله» (2).
و روى حبة العرني،قال:خرج أمير المؤمنين عليه السلام الى الحيرة، فقال:«لتتصلن هذه بهذه»،و أومأ بيده الى الكوفة و الحيرة:«حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير،و ليبنينّ بالحيرة مسجد له خمسمائة باب،يصلي فيه خليفة القائم لأنّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم،و ليصلينّ فيه اثنا عشر اماما عدلا».
قلت:يا أمير المؤمنين:و يسع مسجد الكوفة الناس يومئذ؟قال:«تبنى له أربع مساجد:مسجد الكوفة أصغرها،و هذا،و مسجدان في طرف الكوفة من هذا الجانب و هذا الجانب» (3).
و منها:مسجد غني،و مسجد الحمراء،و مسجد جعفي،الثلاثة بالكوفة.جعلها أبو جعفر الباقر عليه السلام مباركة،رواه محمد بن مسلم، و ذكر فيها مساجد ملعونة:مسجد ثقيف،و مسجد الأشعث،و مسجد جرير بن عبد اللّه البجلي،و مسجد سماك،و مسجد شبث بن ربعي (4).و ان هذه الأربعة الأخيرة جدّدت بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام،رواه هشام بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام (5).7.
ص: 119
قال اللّه تعالى إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ (1).
و قال تعالى وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ (2).
و روى أبو عبيدة الحذاء قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:
«من بنى مسجدا بنى اللّه له بيتا في الجنة»-و في بعض الأخبار:«كمفحص قطاة» (3)-قال أبو عبيدة:فمر بي أبو عبد اللّه عليه السلام في طريق مكة و قد سويت أحجارا لمسجد،فقلت:جعلت فداك نرجوا ان يكون هذا من ذاك فقال:«نعم» (4).
و روى العامة في الصحاح عن عثمان،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«من بني مسجدا بنى اللّه له في الجنة مثله» (5).
روى الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام:«من اختلف الى المسجد أصاب إحدى الثمان:أخا مستفادا في اللّه،أو علما مستطرفا،أو آية محكمة،أو يسمع كلمة تدلّه على هدى،أو كلمة تردّه عن ردى،أو رحمة منتظرة،أو يترك ذنبا خشية أو حياء» (6).
ص: 120
قلت:كأنّ الثامنة:«ترك الذنب حياء»يعني من اللّه،أو من الملائكة، أو من الناس،كما انّ الخشية كذلك.و يجوز ان تكون الخشية من اللّه، و الحياء من الناس.
و عن إسماعيل بن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الاتكاء في المسجد رهبانية العرب،المؤمن مجلسه مسجده،و صومعته بيته» (1).
و في مرسل علي بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«من مشى الى المسجد لم يضع رجلا على رطب و لا يابس الا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة» (2).
و عن السكوني،عن جعفر عليه السلام،عن أبيه،قال:«قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:من كان القرآن حديثه،و المسجد بيته،بنى اللّه له بيتا في الجنة» (3).
و بالإسناد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من سمع النداء في المسجد، فخرج منه من غير علة،فهو منافق الا ان يريد الرجوع اليه» (4).
و عن طلحة بن زيد،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام،قال:«لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا» (5).
لما رواه الأصحاب
ص: 121
عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)،و ترك دخول من أكل شيئا من المؤذي ريحه، لما رووه عن عليّ عليه السلام (2).
الدخول،
و هو:«بسم اللّه،و السلام على رسول اللّه،صلى اللّه و ملائكته على محمد و آل محمد،و السلام عليهم و رحمة اللّه و بركاته.اللهم اغفر لي ذنوبي، و افتح لي أبواب رحمتك،و اجعلني من عمّار مساجدك جل ثناء وجهك».و عند الخروج:«اللهم اغفر لي،و افتح لي أبواب فضلك». (3)
فإذا دخل فليصل ركعتين تحية المسجد،لما رواه أبو قتادة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع» (4)و ليدع اللّه عقيبهما،و ليصل على النبي صلّى اللّه عليه و آله.و ان لم يصل جلس مستقبل القبلة،و حمد اللّه،و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله،و دعا اللّه و سأله حاجته.
و ترك كشف السرة و الفخذ و الركبة،و في النهاية:لا يجوز (1).
و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سلّ السيف فيه و بري النبل (2)و إنشاد الشعر و قال:«من سمعتموه ينشد الشعر في المسجد فقولوا:فض اللّه فاك،و انما نصبت المساجد للقرآن» (3).
و ترك تصوير المساجد،لقول أبي عبد اللّه عليه السلام و قد سأله عمرو ابن جميع عن الصلاة في المساجد المصورة،فقال:«أكره ذلك،و لكن لا يضركم اليوم،و لو قام العدل رأيتم كيف يصنع في ذلك» (4).
و ترك زخرفتها،و الظاهر انه حرام،و كذا نقشها،لأنّ ذلك لم يفعل في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و عهد الصحابة فيكون بدعة،كذا قاله في المعتبر (5).و حرّم بعض الأصحاب الصور أيضا (6).
و ترك الشرف،لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام:«انّه رأى مسجدا بالكوفة قد شرّف،فقال:«كأنّه بيعة»،و قال:«ان المساجد تبنى جمّا لا تشرّف» (7).
و ترك المحاريب،لما في هذه الرواية:«انّ عليا عليه السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد،و يقول:كأنّها مذابح اليهود» (8)قال الأصحاب:المراد بها المحاريب الداخلة (9).2.
ص: 123
و ترك البيع،و الشراء،و المجانين،و الصبيان،و الاحكام،و الضالة، و الحدود،و رفع الصوت،رواه علي بن أسباط مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام (1).
و روينا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:«جنبوا مساجدكم صبيانكم،و مجانينكم،و شراءكم،و بيعكم،و اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم» (2).
و روى لا بأس بإنشاد الضالة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام،و كذا قال:«لا بأس بإنشاد الشعر (3)و هما مشعران بالبأس،أو لنفي التحريم.و ليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على ما يقلّ منه و تكثير منفعته،كبيت حكمة،أو شاهد على لغة في كتاب اللّه،أو سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله،و شبهه،لانه من المعلوم انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان ينشد بين يديه البيت و الأبيات من الشعر في المسجد و لم ينكر ذلك (4).
و ترك تظليلها،لما رواه الحلبي قال:سألته عن المساجد المظللة،يكره القيام فيها؟قال:«نعم،و لكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم» (5).و قد سلف انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ظلل مسجده (6).و لعل المراد به تظليل جميع المسجد،أو تظليل خاص،أو في بعض البلدان،و الاّ فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع،الحر و القر.
و ترك تعليق السلاح في المسجد الأكبر (7).5.
ص: 124
و ترك تطويل المنارة،لما روى السكوني عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام:«انه مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها،ثم قال:لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد» (1).و كذا يكره جعل المنارة وسطها،و في النهاية:لا يجوز وسطها (2).
و ترك إخراج الحصى منها،لرواية وهب بن وهب،عن جعفر،عن أبيه، قال:«إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها،أو في مسجد آخر،فإنها تسبّح» (3).و عدّه بعض الأصحاب من المحرّم (4)،لظاهر الأمر بالرد.
و ترك البصاق فيه،لرواية غياث بن إبراهيم،عن الصادق عليه السلام، عن أبيه:«انّ عليا عليه السلام قال:البزاق في المسجد خطيئة،و كفارته دفنه» (5).
و عن إسماعيل بن مسلم،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن آبائه عليهم السلام،قال:«من وقّر بنخامته المسجد لقي اللّه يوم القيامة ضاحكا قد أعطي كتابه بيمينه» (6).
و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من تنخع في المسجد،ثم ردّها في جوفه،لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته» (7).
و قد روى في التهذيب عن عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام،قلت له:4.
ص: 125
الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد ان يبصق،فقال:«عن يساره،و ان كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة،و يبزق عن يمينه و عن شماله» (1).
و عن طلحة بن زيد،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه:«لا يبصقن أحدكم في الصلاة قبل وجهه،و لا عن يمينه،و ليبزق عن يساره و تحت قدمه اليسرى» (2).
و عن محمد بن مهزيار،قال:رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام تفل في المسجد الحرام فيما بين الركن اليماني و الحجر الأسود و لم يدفنه (3).
ثم قال الشيخ:في هذه الاخبار دلالة على نفي الإثم فلا تنافي (4).ثم روى عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ان أبا جعفر عليه السلام كان يصلي في المسجد،فيبصق أمامه و عن يمينه و عن شماله و خلفه، على الحصى،و لا يغطيه» (5).
قلت:يجوز ان يفعل الامام المكروه في بعض الأحيان،لبيان جوازه، أو لضرورة،فلا يكون للضرورة مكروها.
و ترك الوضوء فيها من الغائط و البول،لما رواه رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام من الكراهية (6).
و ترك النوم فيها،و خصوصا في المسجدين،قاله الجماعة (7).و قد روى3.
ص: 126
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في النوم في المساجد:«لا بأس إلا في المسجدين:مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله،و المسجد الحرام».قال:و كان يأخذ بيدي في بعض الليل،فيتنحى ناحية ثم يجلس،فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام،فقلت له في ذلك،فقال:«انما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فاما في هذا الموضع فليس به بأس» (1).
و روي عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في النوم في المسجد و مسجد الرسول،قال:«نعم،أين ينام الناس!» (2).
و ربما استدل على كراهية النوم مطلقا بقوله تعالى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى ،فعن زيد الشحام عن الصادق عليه السلام:«سكر النوم» (3).
و ترك قصع القمل،قاله الجماعة رحمهم اللّه (4).
و ترك التكلم بالعجمية،لرواية السكوني،عن الصادق عليه السلام، بإسناده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«انّه نهى عن رطانة الأعاجم في المساجد» (5).
و ترك تعلية المساجد،اتباعا لسنة النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّه نهى عن رطانة الأعاجم في المساجد» (6).
و ترك تعلية المساجد،اتباعا لسنة النبي صلّى اللّه عليه و آله فان مسجده كان قامة،كما مر (7).
و ترك إقامة الحدود،لخوف تلويث بحادث في المحدود.1.
ص: 127
و ترك عمل الصنائع مطلقا،قاله الأصحاب (1)،و عليه نبّه حديث بري النبل:«انما بنى لغير ذلك» (2)و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انما نصبت المساجد للقرآن» (3).
و خصوصا يوم الخميس و ليلة الجمعة،لرواية عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من كنس المسجد يوم الخميس و ليلة الجمعة،فاخرج من التراب ما يذر في العين،غفر له» (4).
لما رواه في التهذيب بإسناده إلى أنس، قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من أسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجا،لم تزل الملائكة و حملة العرش يستغفرون له،ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج» (5)و لان فيه إعانة المتهجدين فيه على مآربهم،و ترغيبا للمترددين اليه فيؤمن الخراب عليه.
و لم أقف على اسناد هذا الحديث النبوي،و الظاهر انّ المسألة إجماعية،و لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتطهير مكان البول (1)،و لظاهر:«فلا يقربوا المسجد» (2)،و للأمر بتعاهد النعل (3).
نعم،الأقرب عدم تحريم إدخال النجاسة غير ملوثة للمسجد و فرشه، للإجماع على جواز دخول الصبيان و الحيّض من النساء جوازا مع عدم انفكاكهم من نجاسة غالبا،و قد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح و السلس و المستحاضة مع أمن التلويث،و جواز القصاص في المساجد للمصلحة مع فرش ما يمنع من التلويث.
لو كان في المساجد نجاسة ملوثة وجب إخراجها كفاية.
و لو أدخلها مكلّف تعيّن عليه الإخراج،فلو أخرجها و صلى صحّت قطعا،و كذا لو اشتغل بالصلاة عن الإخراج مع ضيق الوقت.
و لو كان مع السعة،خرّج من انّ الأمر بالمضيق يقدّم امتثاله على الموسّع،و ان الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده،و انّ النهي مفسد،فساد الصلاة.و ليس بشيء،بل الأقرب الصحة على كل حال للإتيان بالعبادة موافقة لأمر الشارع،و لم يثبت كون ذلك مانعا،و قضية الأصل تنفيه.
و المقدمات في بعضها منع،و هي القائلة:إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده،فإنه ان أريد به الضد العام-أعني:الترك المطلق-فمسلّم،و لا يلزم منه النهي عن فعل آخر،و ان أريد به الخاص فممنوع،و الا لزم وجوب المباح،و تحقيقه في الأصول.
ص: 129
لأنّ الوقف للتأبيد،و قد اتخذ للعبادة فلا يتصرف الى غيرها،فلو أخذ وجب إعادته.و لا تزول المسجدية بزوال الآثار قطعا،لأنّ العرصة داخلة في الوقف.
و كذا لا يجوز استعمال آلته في غيره إلا لمسجد (1)آخر،لمكان الوقف.و انما يجوز في غيره من المساجد عند تعذّر وضعها فيه،أو لكون المسجد الآخر أحوج إليها منه،لكثرة المصلين أو لاستيلاء الخراب عليه.
نعم،لا يجوز نقضها على حال و لو كان لبناء مسجد آخر أعظم أو أفضل،لقوله تعالى وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها (2).
لو أريد توسعة المسجد ففي جواز النقض وجهان:
من عموم المنع،و من انّ فيه إحداث مسجد،و لاستقرار قول الصحابة على توسعة مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد إنكارهم،و لم يبلغنا إنكار علي عليه السلام ذلك،و قد أوسع السلف المسجد الحرام و لم يبلغنا إنكار علماء ذلك العصر.
نعم،الأقرب ان لا تنقض الاّ بعد الظن الغالب بوجود العمارة.و لو أخّر النقض إلى إتمامها كان أولى،إلاّ مع الاحتياج الى الآلات.
و لو أريد إحداث باب فيه لمصلحة عامة-كازدحام المصلين في الخروج أو الدخول فتوسع عليهم-فالأقرب جوازه،و تصرف آلاته في المسجد أو غيره.
و لو كان لمصلحة خاصة-كقرب المسافة على بعض المصلين-احتمل جوازه أيضا،لما فيه من الإعانة على القربة و فعل الخير.
ص: 130
و كذا يجوز فتح روزنة أو شباك للمصلحة العامة،و في جوازه للمصلحة الخاصة الوجهان.
و لا في الطرق المسلوكة المضرّة بالمارة.و لو كان الطريق أزيد من سبع أذرع فاتخذت فيه،و لا يضرّ بالمارة،فالظاهر الجواز.
و يجوز اتخاذها على الحش،لقول الباقر عليه السلام في المكان يكون حشّا ثم ينظف و يجعل مسجدا:«يطرح عليه من التراب حتى يواريه»،رواه عنه أبو الجارود (1)و مثله رواه مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام،و زاد:
«و يقطع ريحه» (2).
و يجوز اتخاذها في البيع و الكنائس،لرواية العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في البيع و الكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال:«نعم» (3).
المراد بنقضها نقض ما لا بدّ منه في تحقّق المسجدية كالمحراب
و شبهه،
و يحرم نقض الزائد،لابتنائها للعبادة.و يحرم أيضا اتخاذها في ملك أو طريق،لما فيه من تغيير الوقف المأمور بإقراره.و انما يجوز اتخاذها مساجد إذا باد أهلها،أو كانوا أهل حرب،فلو كانوا أهل ذمة حرم التعرّض لها.
و قد رووه في صحاحهم (4).نعم،الأقرب انّ البيت أفضل لهن،لما فيه من الاستتار،و عدم
ص: 131
التعرّض للفتنة،و قول الصادق عليه السلام:«خير مساجد نسائكم البيوت» (1).
لما فيه من شغله بما لم يوضع له.و دفن فاطمة عليها السلام في الروضة (2)ان صحّ فهو من خصوصياتها بما تقدم من نصّ النبي صلّى اللّه عليه و آله،و قد روى البزنطي قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن قبر فاطمة فقال:«دفنت في بيتها،فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد» (3).
لا يجوز لأحد من المشركين دخول المساجد على الإطلاق،و لا عبرة بإذن مسلم له،لأنّ المانع نجاسته،للآية (4).
فإن قلت:لا تلويث هنا.
قلت:معرّض له غالبا،و جاز اختصاص هذا التغليظ بالكافر.و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من دخل المسجد فهو آمن» (5)منسوخ بالآية،و كذا ربط ثمامة في المسجد (6)ان صحّ.
بل هو من أعظم المثوبات،لتوقّف بقاء عمارتها غالبا عليه التي هي من أعظم مراد الشارع.
و روى ابن بابويه ان الصادق عليه السلام سئل عن الوقف على المساجد،فقال:«لا يجوز،لأنّ المجوس وقفوا على بيت النار» (7).
ص: 132
و أجاب بعض الأصحاب بأن الرواية مرسلة،و بإمكان الحمل على ما هو محرّم فيها كالزخرفة و التصوير (1).
انما تصير البقعة مسجدا بالوقف،اما بصيغة(وقفت) و شبهها،و اما بقوله:«جعلته مسجدا)و يأذن في الصلاة فيه،فإذا صلّى فيه واحد تمّ الوقف.
و لو قبضه الحاكم،أو أذن في قبضه،فالأقرب انه كذلك،لأنّ له الولاية العامة.و لو صلّى فيه الواقف،فالأقرب الاكتفاء بعد العقد.
و لو بناه بنيّة المسجد لم يصر مسجدا.نعم،لو أذن للناس بالصلاة فيه بنية المسجدية ثم صلوا أمكن صيرورته مسجدا،لأنّ معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة.
و قال الشيخ في المبسوط:إذا بنى مسجدا خارج داره في ملكه،فان نوى به ان يكون مسجدا يصلّي فيه كل من أراده زال ملكه عنه،و ان لم ينو ذلك فملكه باق عليه،سواء صلّى فيه أو لم يصل (2).فظاهره الاكتفاء بالنية،و أولى منه إذا صلّي فيه،و ليس في كلامه دلالة على التلفظ،و لعلّه الأقرب.
و قال ابن إدريس:ان وقفه و نوى القربة،و صلّى فيه الناس و دخلوه،زال ملكه عنه (3).
و لو اتخذ في داره مسجدا له و لعياله،و لم يتلفظ بالوقف و لا نواه،جاز له تغييره و توسيعه و تضييقه،لما رواه أبو الجارود عن الباقر عليه السلام في المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت ان يتوسعوا بطائفة منه،أو يحولوه الى غير مكانه،قال:«لا بأس بذلك» (4).
ص: 133
روى الشيخ في التهذيب بإسناده إلى إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قلت له:ان رجلا يصلي بنا نقتدي به،فهو أحب إليك أو في المسجد؟قال:«المسجد أحبّ إليّ» (1).
قلت:هذا يحتمل أمرين:
أحدهما:ان صلاتهم في المسجد جماعة أفضل،و هذا لا اشكال فيه، لأنّ فيه جمعا بين الجماعة و المسجد.
و الثاني:ان تكون الصلاة في المسجد لا جماعة أفضل من الصلاة في غيره جماعة،كما هو ظاهر الحديث،لأنّ تضاعف الصلاة في المسجد أعظم غالبا من تضاعفها بالجماعة،إذ ورد في الجماعة خمس و عشرون و سبع و عشرون (2)و في المساجد ما مرّ (3).و يعارضه ما روي عن الرضا عليه السلام من أفضلية الصلاة جماعة على الصلاة في مسجد الكوفة فرادى (4).
و قال ابن الجنيد:روي عن الصادق عليه السلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا صلاة لمن لم يصل في المسجد مع المسلمين الا من علّة، و لا غيبة لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا،و من رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته و وجب هجرانه،و ان رفع الى امام المسلمين أنذره و حذّره.و من لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته،و ثبتت عدالته.و من
ص: 134
قربت داره من المسجد لزمه من حضور الجماعة ما لا يلزم من بعد منه» (1).
قال:و يستحب ان يقرأ في دخوله المسجد إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إلى قوله لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ تمام خمس آيات،و آية الكرسي،و المعوذتين،و آية السخرة.و يحمد اللّه،و يصلّي على محمد و آله و أنبياء اللّه و ملائكته و رسله،و يسأل اللّه الدخول في رحمته،و يسلّم على الحاضرين فيه و ان كانوا في صلاة،فإن كانوا ممن ينكر ذلك سلّم خفيا على الملائكة،و يصلي ركعتين قبل جلوسه.
و لا بأس بقتل الحية و العقرب فيه،و لا يتخذه متجرا،و لا مجلس حديث،و لا يتحدّث فيه بالهزل،و لا بمآثر الجاهلية،و لا يرفع فيه الصوت الا بذكر اللّه تعالى،و لا يشهر فيه السلاح.
قال:و يستحب ان يجعل الإنسان لنفسه حظا من صلاته النوافل في منزله،و لا يجعله كالقبر له.
و قال الشيخ في المبسوط:لا تجوز ان تكون مزخرفة،أو مذهّبة،أو فيها شيء من التصاوير.و إذا استهدم مسجد استحب نقضه و إعادته إذا أمكن و كان بحيث ينتابه الناس فيصلون فيه.و لا بأس باستعمال آلته في إعادته،أو في بناء غيره من المساجد،و لا يجوز بيع آلته بحال (2).
قلت:جوّزه في المختلف عند الحاجة الى عمارته،أو عمارة غيره مع عدم الانتفاع بها،و يتولاه الحاكم (3)و هو حسن.و كذا لو استغني عنها،و خيف عليها التلف مع البقاء،فالأقرب الجواز تحصيلا للمصلحة.
قال الشيخ:و يكره ان يتخذ المسجد طريقا،إلا لضرورة.و نصّ على1.
ص: 135
كراهية إخراج الحصى،و لا يتنعّل قائما بل جالسا.و قال:لا يقصع القمل،فان فعل دفنها في التراب (1).
و قال الجعفي:و يكره زخرفة المساجد،و تكره المقصورة و المنارة،الاّ ان تكون مع سطح المسجد.
و قال ابن إدريس:لا يجوز ان تكون مزخرفة و لا مذهّبة،أو فيها شيء من التصاوير،أو مشرّفة بل المستحب ان تبنى جمّا (2).و في كلامه هذا إجمال بين حمل عدم الجواز على الكراهية أو التحريم،لانّه جعل بإزائه المستحب.و في النهاية:لا يجوز ان تبنى مشرّفة (3).
قال ابن إدريس:و لا بأس بالأحكام فيها (4)كما قاله الشيخ في الخلاف (5)قال ابن إدريس:لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام حكم في جامع الكوفة و قضى فيه بين الناس بلا خلاف،و دكّة القضاء الى يومنا هذا معروفة (6).
قال الراوندي-رحمه اللّه-الحكم المنهي عنه في المساجد ما كان فيه جدل و خصومة (7).
و في المختلف:يحتمل ان يراد إنفاذ الأحكام-كالحبس على الحقوق- و الملازمة فيها عليها (8).
و ربما قيل:دوام الحكم فيها مكروه،و اما إذا اتفق في بعض الأحيان0.
ص: 136
فلا.
و قال الشيخ في النهاية-و تبعه ابن إدريس-:لا يجوز التوضؤ من الغائط و البول في المساجد،و لا بأس بالوضوء فيها من غير ذلك (1).
و سوّى ابن إدريس بين المنع من الوضوء عن البول و الغائط و المنع من إزالة النجاسة فيها (2).
و في المبسوط:لا يجوز إزالة النجاسة في المساجد،و لا الاستنجاء من البول و الغائط فيها،و غسل الأعضاء في الوضوء لا بأس به فيها (3).فكأنّه فسّر الرواية بالاستنجاء،و لعلّه مراده في النهاية (4)و هو حسن.
و منع ابن إدريس من جعل الميضاة وسطه (5)و هو حق ان لم تسبق المسجد.0.
ص: 137
و فيه مسائل:
أطبق الأصحاب على انّه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض، و لا ما ينبت منها-كالجلد،و الصوف،و الشعر،و الحرير-و اجمع العامة على جوازه.
لنا ما رووه في الصحاح عن أنس،قال:كنا نصلي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في شدّة الحرّ،فإذا لم يستطع أحدنا ان يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه (1).فدل على انهم كانوا يسجدون على الأرض، و انما يعدلون الى الثوب للضرورة.
و عن خباب،قال:شكونا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصلاة في الرمضاء فلم يشكنا (2).و في بعضها:شكونا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرّ الرمضاء في جباهنا و آنفنا فلم يشكنا (3).فلو كان السجود جائزا على غير الأرض-من ثوب و نحوه-لم يجنحوا الى الشكاية،و لكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يشكيهم.
و الآنف-بالمد-جمع أنف،و يجمع على أنوف و آناف.
و عن رافع بن أبي رافع عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضّأ كما أمر اللّه،ثم يسجد ممكنا جبهته من الأرض» (4)،
ص: 138
و الأرض حقيقة في المعهودة لا فيما أقل مطلقا.
و اما ما رواه الخاصة فكثير:
فعن هشام بن الحكم قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أخبرني عما يجوز السجود عليه و ما لا يجوز؟قال:«السجود لا يجوز الا على الأرض،أو على ما أنبتت الأرض» (1).
و عن الحلبي عنه عليه السلام:سألته عن الصلاة على البساط من الشعر و الطنافس،قال:«لا تسجد عليه،و ان بسطت عليه الحصير و سجدت على الحصير فلا بأس» (2).
و في التهذيب بإسناده إلى الرضا عليه السلام،قال:«لا تسجد على القفر،و لا على القير،و لا على الصاروج» (3).
لا يجوز السجود على ما خرج بالاستحالة عن اسم الأرض -كالمعادن-لزوال الاسم،و روى يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا تسجد على الذهب و الفضة» (4)و في مكاتبة أبي الحسن الماضي عليه السلام:«لا تصل على الزجاج،لانّه من الملح و الرمل،و هما ممسوخان» (5)و لان المعهود من صاحب الشرع مواظبة السجود على الأرض لا على شيء من المعادن.
لا يجوز السجود على المأكول عادة كالثمار،و لا على الملبوس عادة،لما روى هشام،و الفضل بن عبد الملك،و حماد بن عثمان،عن أبي
ص: 139
عبد اللّه عليه السلام:«لا يجوز السجود الا على الأرض،و ما أنبتته الأرض، الا ما أكل أو لبس» (1).
و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:«لا بأس بالصلاة على البورياء و الخصفة،و كلّ نبات،إلاّ الثمرة» (2).
قلت:البورياء-بضم الباء الموحدة و المدّ مع كسر الراء-فارسية،و هي:
الباري بالعربية،قاله ابن قتيبة.
و عن زرارة عنه عليه السلام في السجود على الزفت-يعني:القير- فقال:«لا،و لا على الثوب الكرسف،و لا على الصوف،و لا على شيء من الحيوان،و لا على طعام،و لا على شيء من ثمار الأرض،و لا على شيء من الرياش» (3).
نعم،روى داود الصرمي قال:سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام هل يجوز السجود على الكتان و القطن من غير تقية؟فقال:«جائز» (4)،و به روايات أخر (5)حملها الشيخ على الضرورة من حر أو برد و نحوهما،و على التقية (6).
و المرتضى-رحمه اللّه-في الموصلية أو المصرية الثانية عمل بها،و حمل رواية المنع على الكراهية (7)و حسّنه الشيخ المحقق في المعتبر (8).
و قال الفاضل في المختلف-في المنع من السجود على القطن9.
ص: 140
و الكتان-:انه قول علمائنا أجمع،فلا يعتد بخلاف المرتضى،مع فتواه بالموافقة في الجمل،و الانتصار،و المصرية الثالثة.و الأخبار محمولة على التقية حتى الأخبار المتضمنة لعدم التقية،أو على الضرورة،كما قاله الشيخ (1).و على هذا العمل إن شاء اللّه.
يجوز السجود على ما منع منه عند التقية و الضرورة.روى عيينة عن الصادق عليه السلام جواز السجود على الثوب لشدّة الحرّ (2).و مثله مكاتبة أبي الحسن عليه السلام في السجود على الثوب للحر أو البرد أو لترك ما يكره السجود عليه (3).
و عليه تحمل رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام بجواز السجود على القير و الصهروج (4)لمعارضة الرواية السالفة (5).
و عن أبي جعفر عليه السلام في خائف الرمضاء:يسجد على ثوبه،و مع عدم ثوب على ظهر كفه،قال:«فإنها أحد المساجد» (6).
و روى علي بن يقطين،عن أبي الحسن الأول عليه السلام في السجود على المسح-بكسر الميم-و هو:البلاس-بفتح الباء و كسرها-و البساط، فقال:«لا بأس في حال التقية» (7).
و لا إشكال في جواز السجود على النبات غير المأكول،لما مرّ،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يسجد على الخمرة (8)-بضم الخاء المعجمة
ص: 141
و سكون الميم-:شيء منسوج من السعف أصغر من المصلّى،قاله الفارابي (1).
و قال الهروي:هي سجادة،بقدر ما يضع عليه الرجل حرّ وجهه في سجوده،من حصير،أو نسيجة من خوص.
و روى حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام انّه قال:«كان أبي يصلي على الخمرة،فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» (2).
تنبيهان:
الأول: لو عملت الخمرة بخيوط من جنس ما يجوز السجود عليه،فلا إشكال في جواز السجود عليها.و لو عملت بسيور،فإن كانت مغطاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صحّ السجود أيضا،و لو وقعت على السيور لم يجز،و عليه دلّت رواية محمد بن علي بن الريان،قال:كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عن الصلاة على الخمرة المدنية،فكتب الجواز فيما كان معمولا بخيوط لا بسيور (3).
و أطلق في المبسوط جواز السجود على المعمولة بالخيوط (4).
الثاني: علم من ذلك عدم كراهة السجود على شيء ليس عليه سائر الجسد.و رواية غياث بن إبراهيم،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام بالكراهة (5)متروكة مع ضعف السند.1.
ص: 142
السجود عليه على الأصح،
لدخوله في العموم،و أصالة الجواز.فلو كانت قلنسوته نباتا غير القطن و الكتان،أو كان بين جبهته و بين العمامة ما يصحّ السجود عليه،صحّ.
و منع الشيخ من السجود على ما هو حامل له،ككور العمامة -بفتح الكاف-و طرف الرداء (1).فان قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق،و ان جعل المانع نفس الحمل-كمذهب بعض العامة (2)- طولب بدليل المنع،مع انّه قد روى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام في خائف الرمضاء:«يسجد على بعض ثوبه»،فقال:ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله (3).و روى أحمد بن عمر قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحر و البرد أو على ردائه،فقال:
«لا بأس به» (4).
و ان احتج برواية الأصحاب عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام في السجود على العمامة:«لا يجزئه حتى تصل جبهته إلى الأرض» (5).
قلنا:لا دلالة فيه على كون المانع الحمل،بل جاز لفقد كونه مما يسجد عليه،و كذا ما رواه طلحة بن زيد،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام:«انّه كان لا يسجد على الكمّ،و لا على العمامة» (6).
ص: 143
نعم،كونه منفصلا أفضل،عملا بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة بعده،بل السجود على الأرض أفضل منه على النبات-كالحصر و البواري-إلا مع المانع من الأرض،لرواية إسحاق بن الفضيل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في السجود على الحصر و البواري،فقال:«لا بأس،و ان تسجد على الأرض أحبّ إليّ،فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يحبّ ان يمكّن جبهته من الأرض،فأنا أحبّ لك ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحبه» (1).
لأنّها في معنى الخمرة.و قد روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام جوازه،و قال:«انما كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي تعبد من دون اللّه،و انّا لم نعبد غير اللّه قط،فاسجد على المروحة أو على عود أو سواك» (2).و الأصل في ذلك ما تقدم في جواز السجود على ما ليس عليه سائر الجسد.
من نحو القطن و الرمل المنهال و الوحل،لأن حقيقة الخضوع لا تتم الا بتمكين الجبهة، و لما مرّ من رواية رافع عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)،و لوجوب الطمأنينة و ذلك مانع منها.هذا مع الاختيار.
و روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد فيه،ما هو؟قال:«إذا عرفت الجبهة و لم تثبت على الأرض» (4).
و يستحب زيادة التمكّن،لما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:«قال علي عليه السلام:اني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها
ص: 144
أثر السجود» (1).
روى داود بن فرقد عن أبي الحسن عليه السلام جواز السجود على القراطيس و الكواغد المكتوب عليها (2).
و روى صفوان الجمال:انّه رأى أبا عبد اللّه عليه السلام في المحمل يسجد على قرطاس (3)و في رواية جميل بن دراج عنه عليه السلام:انه كره ان يسجد على قرطاس عليه كتاب (4)لاشتغاله بقراءته.
و لا يكره في حق الأميّ،و لا في القارئ إذا كان هناك مانع من البصر، كذا قاله الشيخ-في المبسوط-و ابن إدريس (5).
و في النفس من القرطاس شيء،من حيث اشتماله على النورة المستحيلة،الا ان نقول:الغالب جوهر القرطاس،أو نقول:جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض.
و يختص المكتوب بان أجرام الحبر مشتملة غالبا على شيء من المعادن،الا ان يكون هناك بياض يصدق عليه الاسم.و ربما تخيّل ان لون الحبر عرض،و السجود في الحقيقة انما هو على القرطاس.و ليس بشيء،لأنّ العرض لا يقوم بغير حامله،و المداد أجسام محسوسة مشتملة على اللون.
و ينسحب البحث في كل مصبوغ من النبات،و فيه نظر.
ص: 145
فرع:
الأكثر اتخاذ القرطاس من القنب،فلو اتخذ من الإبريسم فالظاهر المنع،الاّ ان يقال:ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوّز له،و فيه بعد، لاستحالتها عن اسم الأرض.
و لو اتخذ من القطن أو الكتان،أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما، و قد سلف.و أمكن انّ المانع اللبس،حملا للقطن و الكتان المطلقين على المقيّد،فحينئذ يجوز السجود على القرطاس و ان كان منهما،لعدم اعتياد لبسه،و عليه يخرج جواز السجود على ما لم يصلح للبس من القطن و الكتان.
لو وقعت الجبهة على ما لا يصحّ السجود عليه،فان كان أعلى من لبنة رفعها ثم سجد،لعدم صدق مسمّى السجود.و ان كان لبنة فما دون، فالأولى ان تجرّ و لا ترفع،لئلا يلزم تعدّد السجود.
و على ذلك دلت رواية الحسين بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في السجود على المكان المرتفع،قال:«ارفع رأسك ثم ضعه» (1).
و روى معاوية بن عمار عنه عليه السلام:«إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها،و لكن جرّها على الأرض» (2).النبكة-بالنون المفتوحة و الباء الموحدة المفتوحة و الكاف-:واحدة النبك،و هي اكمة حديدة الرأس.فيحمل على كونه لبنة فما دون،مع انّه قد روى الحسين بن حماد أيضا عنه عليه السلام في الرجل يسجد على الحصى:«يرفع رأسه حتى يستمكن» (3)،و يمكن حمله على المرتفع.
ص: 146
و يجوز تسوية موضع السجود في أثناء الصلاة،لأنّ ذلك من إعمال الصلاة مع انه ليس بكثير.و روى يونس بن يعقوب انه رأى الصادق عليه السلام يسوّي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين (1).و في رواية طلحة بن زيد، عنه عليه السلام،عن أبيه عليه السلام:«ان عليا عليه السلام كره تنظيم الحصى في الصلاة» (2).فيمكن الجواب من وجهين:
أحدهما:حمل التسوية على كونها طريقا الى تمكّن الجبهة،و التنظيم على مجرّد التحسين.
و ثانيهما:حمل التنظيم على ترتيب خاص زائد على التسوية،مع انّ طلحة بتري أو عامي.
و يجوز مسح الجبهة في الصلاة من التراب،كما رواه حماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام،و قال عليه السلام:انّ أباه كان يفعله (3).نعم، الأفضل تأخيره إلى الفراغ من الصلاة،و حينئذ المستحب إزالته،حذرا من النسبة إلى الرياء،و لما فيه من تشويه الخلق.
روى إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه السلام جواز الصلاة على سرير من ساج و السجود عليه (4)،و في رواية أخرى:لا بأس بالصلاة على سرير و ان قدر على الأرض (5).و الظاهر انّ الأرض أفضل،لما سلف،و لفظة«لا بأس»مشعرة بذلك.
و روى الحسن بن محبوب عن أبي الحسن عليه السلام في الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى و يجصص به المسجد،أ يسجد عليه؟فكتب إليّ
ص: 147
بخطه:«انّ الماء و النار قد طهراه» (1).
و فيه إشارة إلى جواز السجود على الجص،و في الفرق بينه و بين الصاروج تردّد،و قد سبق النهي عنه،و كذا في طهارته بالماء و النار،لأنّ الاستحالة إن حصلت بالنار لم يجز السجود و الا لم يطهر،و الماء ينجس بوقوعه عليه فكيف يطهّر؟إلاّ أن يقال:الماء مطهر مطلقا،سواء كان واردا أو مورودا عليه،و في الحديث إشارة اليه.و لعل إزالة النار الأجزاء المائية مطهر و ان لم تقع الاستحالة،و قد سبق.
و روى داود الصرمي عن أبي الحسن عليه السلام:«ان أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه،و ان لم يمكنك فسوّه و اسجد عليه» (2).و هذا يحتمل ان يضع فوقه ما يصح السجود عليه مع الإمكان،و مع التعذّر يسجد عليه.
و لو وجد ملبوسا من نبات الأرض فهو أولى من الثلج،لأنّ المانع هنا عرضي بخلاف الثلج.و قد روى ذلك منصور بن حازم،عن غير واحد من الأصحاب،عن أبي جعفر عليه السلام:انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج،أ فنسجد عليه؟فقال:«لا،و لكن اجعل بينك و بينه شيئا،قطنا أو كتانا» (3).
جميع ما ذكرناه انما هو في موضع الجبهة خاصة دون باقي المساجد.
و الواجب فيه مسماه،روى ذلك جماعة منهم:زرارة و بريد،عن الباقر عليه السلام،قال:«الجبهة إلى الأنف،أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود
ص: 148
أجزأك،و السجود عليه كله أفضل» (1).
و عورض برواية علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في المرأة تطول قصّتها و إذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطيه الشعر،هل يجوز ذلك؟قال:«لا،حتى تضع جبهتها على الأرض» (2).
قلت:القصّة-بضم القاف و تشديد الصاد المهملة-:شعر الناصية.
و قد يجاب بحمله على الاستحباب،أو على كون الواصل إلى الأرض ينقص عن المسمى،و مثله ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام في الرجل يسجد و عليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض:«لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض» (3)لأن المطلق يحمل على المقيد،فيراد به شيء من الجبهة.
و قدّره في الفقيه-في موضعين-بدرهم (4)و كذا في المقنع (5).و اختاره ابن إدريس رحمه اللّه،و صدّر المسألة بما إذا كان في جبهته علّة (6)فكأنّه يرى ان الاجتزاء بالدرهم مع تعذّر الأكثر.و قد روى في الكافي عن زرارة عن الباقر عليه السلام:«الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود،فأيما سقط من ذلك على الأرض أجزأك،مقدار الدرهم،و مقدار طرف الأنملة» (7).
لا يجوز ان يكون موضع سجوده أرفع من موقفه بما يزيد
ص: 149
عن لبنة،و يجوز قدر لبنة،قاله الأصحاب (1)و رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (2)،و مفهوم الشرط يدل على المنع من الزائد،و لانّه يخرج به عن مسمى الساجد.
و في رواية عمار عنه عليه السلام في المريض يقوم على فراشه و يسجد على الأرض،فقال:«إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له ان يقوم عليه و يسجد على الأرض،و ان كان أكثر من ذلك فلا» (3)و هو دليل على مساواة النزول العلو في موضع الجبهة.
و المستحب تساوي المساجد،لرواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ليكن مستويا»و قد سأله عن موضع الجبهة يرتفع عن مقامه (4).
و عن أبي بصير عنه عليه السلام:«اني أحبّ ان أضع وجهي في موضع قدمي»و كره ان يرفع موضع الجبهة (5).
فرع:
اللبنة و الآجرة هي المعتادة في بلد صاحب الشرع و أهل بيته،و المراد به ان تكون موضوعة على أكبر سطوحها،فسمكها جائز علوه و انخفاضه،و قدّرت بأربع أصابع تقريبا.
تشترط طهارة موضع الجبهة إجماعا،و في باقي المساجد خلاف سلف،و المشتبه بالنجس كالنجس إذا كان محصورا.و يشترط في الجميع كونه مملوكا أو مأذونا فيه،لحرمة التصرّف في مال الغير،فلو سجد على
ص: 150
النجس أو المغصوب فكالصلاة في النجس أو في المكان المغصوب في جميع الاحكام.
و لو سجد على غير الأرض و نباتها،أو على المأكول أو الملبوس متعمّدا، بطل و لو جهل الحكم.و لو ظنه غيره أو نسي،فالأقرب الصحة،و لا يجب التدارك و لو كان في محل السجود بل لا يجوز،و لو كان ساجدا جرّ الجبهة.
المشهور كراهة نفخ موضع السجود،و قد روى النهي محمد ابن مسلم عن الصادق عليه السلام (1)و هو محمول على الكراهية،لما رواه أبو بكر الحضرمي عنه عليه السلام:«لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا» (2).
و في مرسل إسحاق بن عمار عنه عليه السلام:لا بأس بنفخ موضع السجود (3)،فيحمل على نفي التحريم،أو على ما لم يؤذ.
و لو ادّى الى النطق بحرفين كان حراما قاطعا للصلاة.
لو كان في ظلمة،و خاف من السجود على الأرض حية أو عقربا أو مؤذيا،و لم يكن عنده شيء يسجد عليه غير الثوب،جاز السجود عليه،للرواية (4)و لوجوب التحرّز من الضرر المظنون كالمعلوم.
و لو تعذّر الثوب و خاف على بقية الأعضاء جاز الإيماء،و كذا في كل موضع يتعذّر ما يسجد عليه.و الأقرب وجوب الإيماء الى ما يقارب السجود الحقيقي،لأنّه أقرب اليه.
و روى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يومئ في المكتوبة إذا لم يجد ما يسجد عليه،و لم يكن له موضع يسجد فيه،قال:«إذا كان هكذا فليومئ
ص: 151
في الصلاة كلها» (1).
و روى أيضا عنه في الرجل يصيبه مطر و هو في موضع لا يقدر ان يسجد فيه من الطين،و لا يجد موضعا جافا،قال:«يفتتح الصلاة،فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى،فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ بالسجود إيماء و هو قائم،يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة» (2)و يحمل على عدم تمكنه من الجلوس.
و روى في التهذيب:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى في يوم و حل و مطر في المحمل» (3)رواه جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام.و في رواية أخرى عنه عليه السلام:«صلّى اللّه صلّى اللّه عليه و آله على راحلته الفريضة في يوم مطير» (4).و قيّده في مكاتبة أبي الحسن عليه السلام ب«الضرورة الشديدة» (5).
و روى أبو بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من كان في مكان لا يقدر على الأرض فليومئ إيماء» (6).و في مضمر سماعة في الأسير يمنع من الصلاة،قال:«يومئ إيماء» (7).
قال ابن بابويه في الفقيه:قال الصادق عليه السلام:
«السجود على الأرض فريضة،و على غير ذلك سنة» (8)و الظاهر انّ المراد بالسنة هنا الجائز لا انّه أفضل.
ص: 152
قال:و قال عليه السلام:«السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى الأرض السابعة،و من كانت معه سبحة من طين قبره عليه السلام كتب مسبحا و ان لم يكن يسبّح بها» (1).
قال:و روى عن علي بن يحيى انّه قال:رأيت جعفر بن محمد عليه السلام كلما سجد و رفع رأسه أخذ الحصى من جبهته فوضعه على الأرض (2).
قال:و قال هشام بن الحكم لأبي عبد اللّه عليه السلام:ما العلة في ذلك؟يعني المنع من السجود على ما أكل أو لبس،قال عليه السلام:«لأنّ السجود هو الخضوع للّه،و أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون،و الساجد في سجوده في عبادة اللّه تعالى لا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها،و السجود على الأرض أفضل،لأنّه أبلغ في التواضع و الخضوع للّه عز و جل» (3).
جوّز الفاضل السجود على الحنطة و الشعير قبل الطحن، لأنّ القشر حاجز بين المأكول و الجبهة (4).
و يشكل بجريان العادة بأكلها غير منخولة و خصوصا الحنطة،و خصوصا الصدر الأول،فالأقرب المنع.
و قوّى جواز السجود على الكتان قبل غزله و نسجه،و توقّف فيه بعد غزله (5).و جوّز السجود على القنب،لعدم اعتياد لبسه،و توقف فيما لو اتخذ منه ثوب.و الظاهر القطع بالمنع،لانّه معتاد اللبس في بعض البلدان.
و منع الشيخ في المبسوط من السجود على الرماد،و المنع من السجود
ص: 153
على الصاروج (1)يستلزم المنع من السجود على النورة بطريق الأولى.0.
ص: 154
في القبلة
و فصوله ثلاثة:
قال اللّه تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (1).
روى علي بن إبراهيم بإسناده إلى الصادق عليه السلام:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة،و بعد هجرته صلّى بالمدينة إليه سبعة أشهر،ثم وجّهه اللّه الى الكعبة،و ذلك ان اليهود كانوا يعيرون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يقولون له:أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا.فاغتمّ لذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و خرج في جوف الليل ينظر الى آفاق السماء ينتظر من اللّه تعالى في ذلك أمرا،فلما أصبح و حضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين،فنزل جبرئيل عليه السلام فأخذ بعضديه و حوله إلى الكعبة و انزل عليه قَدْ نَرى الآية، فكان صلى ركعتين الى بيت المقدس و ركعتين إلى الكعبة» (2).
و في الفقيه مثله،الا انّه قال:«صلّى بالمدينة تسعة عشر شهرا»،و زاد:
«انه بلغ قوما بمسجد المدينة و قد صلوا من العصر ركعتين فتحولوا»،قال:
و يسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين (3).
و روى الشيخ في التهذيب بإسناده إلى معاوية بن عمار،عن أبي عبد اللّه
ص: 155
عليه السلام:ان صرفه إلى الكعبة كان بعد رجوعه من بدر (1).
و عن الحلبي عنه عليه السلام:«ان بني عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة قد صلوا ركعتين الى بيت المقدس،فقيل لهم:انّ نبيكم قد صرف إلى الكعبة،فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء،و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة،فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين» (2).
و روى العامة ما يقرب من هذا،و ان النبي صلّى اللّه عليه و آله تحول في أثناء صلاته بمسجد بني سلمة،و قد صلى ركعتين بأصحابه من صلاة الظهر (3)و لكن في رواية أنس:تسعة أشهر أو عشرة أشهر (4)تقدير ما صلّى بالمدينة إلى بيت المقدس.و في رواية البراء بن عازب:ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا (5).و عن معاذ بن جبل:ثلاثة عشر شهرا (6).
و في مسند مسلم ان ابن عمر قال:بينما الناس في صلاة الصبح بقبا إذ جاءهم آت فقال:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد انزل عليه الليلة و قد أمر ان تستقبل الكعبة فاستقبلوها،و كانت وجوههم الى الشام فاستداروا إلى الكعبة (7).
و عن أنس:فمر رجل من بني سلمة و هم ركوع في صلاة الفجر و قد صلّوا3.
ص: 156
ركعتين (1)،فنادى:الا انّ القبلة قد حولت،فمالوا هم كما هم نحو القبلة (2).
و زعم بعض العامة ان ذلك كان في رجب بعد زوال الشمس قبل بدر بشهرين (3).
و روى المفسرون:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان بمكة إذا استقبل بيت المقدس جعل الكعبة امامه ليستقبلها أيضا،و أسندوه الى ابن عباس (4).
و نقلوا أيضا:انّ قبلته بمكة كانت الكعبة،فلما هاجر أمر باستقبال بيت المقدس،فكان صلّى اللّه عليه و آله يتوقع من ربّه أن يحوله إلى الكعبة،لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام و هي أسبق القبلتين،و لان ذلك أدعى للعرب الى الايمان،لأنّ الكعبة مفخرهم و مطافهم و مزارهم،و لمخالفة اليهود (5).
و المراد بالشطر:النحو،قال (6):
و أطعن بالقوم شطر الملوك *** حتى إذا حقق المجدح
ثم
و روى أسامة:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما صلى خرج من الكعبة، قال:«هذه القبلة» (1).
تختلف مقامات المصلّي،فالقائم في وسطها يستقبل أي جزء شاء منها،و كذا القائم على سطحها،و يبرز بين يديه شيئا منها.
و المصلّي ورائها مشاهدا يستقبل أي جدرانها شاء.
و المصلّي في سرداب يجب عليه استقبال جهتها،و كذا المصلّي على أعلى منها-كجبل أبي قبيس،و روى في التهذيب بإسناده إلى خالد عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة،فقال:
«لا بأس» (2).و روى عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام انه سئل عن الصلاة فوق أبي قبيس هل تجزئ؟فقال:«نعم،انها قبلة من موضعها الى السماء» (3)- و المصلي من غير مشاهدة و لا حكمها.
لتوقف الواجب عينا عليها، و كفاية في مواضع فروض الكفاية،و يستحب في مواضع الاستحباب،و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.
الأصح ان الجهة معتبرة لغير المشاهد و من بحكمه،لأنّ الشطر النحو كما مرّ،و لانّه لو اعتبرت العين مع البعد لزم بطلان صلاة الصف المستطيل الذي يخرج عن سمت الكعبة،و اعتبار المسجد لأهل الحرم يلزم منه بطلان صلاة صف في الحرم يزيد طوله على مساحة المسجد،و اعتبار الحرم للخارج يلزم منه ذلك،لأنّ قبلة كل إقليم واحدة،و معلوم خروج سعتهم عن سعة الحرم.
ص: 158
و أكثر الأصحاب على انّ الكعبة قبلة أهل المسجد الذي هو قبلة أهل الحرم الذي هو قبلة أهل الدنيا (1)،حتى ادّعى الشيخ فيه الإجماع (2).
و قد روي من طريق العامة عن مكحول بسنده انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«الكعبة قبلة لأهل المسجد،و المسجد قبلة لأهل الحرم،و الحرم قبلة لأهل الدنيا» (3).
و من طريق الخاصة رواه أبو الوليد الجعفي عن الصادق عليه السلام (4)و أرسله عبد اللّه بن محمد الحجال عنه عليه السلام (5)،و المفضل بن عمر (6)و سيأتي حديثه.
و أجاب في المعتبر:بأن الإجماع كيف يتحقق مع مخالفة جماعة من أعيان فضلائنا-يعني به كالمرتضى و ابن الجنيد،و تبعهما أبو الصلاح و ابن إدريس-و اما الاخبار فضعيفة الإسناد (7).
قلت:لعل ذكر المسجد و الحرم إشارة إلى الجهة فيرتفع الخلاف، و الاخبار إذا اشتهرت بين الأصحاب لا سبيل الى ردّها.
فإن قلت:عين الحرم غير كافية لما مر.
قلت:ذكره على سبيل التقريب الى إفهام المكلفين،و إظهار لسعة الجهة،و ان لم يكن ملتزما.و لأنّ كل مصل انما عليه سمته المخصوص،2.
ص: 159
و ليس عليه اعتبار طول الصف أو قصره،مع ان الجرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدا ازدادوا له محاذاة.
و قد روى معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا،قال:
«قد مضت صلاته،و ما بين المشرق و المغرب قبلة» (1).
و في الفقيه عن زرارة عن الباقر عليه السلام انّه قال:«لا صلاة الاّ الى القبلة».قلت:و اين حدّ القبلة؟فقال:«ما بين المشرق و المغرب كله قبلة» (2).
و هذا نص على الجهة.
فرع:
المراد بالجهة السمت الذي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قال بعض العامة:انّ الجنوب قبلة لأهل الشمال و بالعكس،و المشرق قبلة لأهل المغرب و بالعكس (3)لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة،و هو ممتنع.على انّ الخلاف هنا قليل الجدوى،لأنّه ان أريد به قصد المصلّي فالواجب عليه التوجه و ان لم يخطر قصد الجهة أو العين بباله،و ان أريد به تحقيق موقف المصلّي فلا يحصل بهذا الخلاف مغايرة فيه،و ان أريد به تحقيق التياسر الذي يأتي فسيأتي ما فيه.
العين انما تعتبر مع المشاهدة إذا كانت موجودة،فلو زالت -و العياذ باللّه-كفت جهتها أيضا،و تعتبر حينئذ الجهة التي تشتمل على العين لا أزيد منها.فلو لم يبق لها رسم،و لا من يعلم مقدارها،فطريق الاحتياط لا يخفى.
ص: 160
و لا يحتاج المصلي هنا إلى سترة،لبقاء القبلة حقيقة.و كذا لو صلّى داخلها الى الباب المفتوح لم يحتج الى ذلك،سواء كانت العتبة باقية أو لا، و كذا على سطحها،بل يبرز بين يديه في الموضعين قليلا منها،بحيث إذا سجد بقي أمامه جزء يسير.
و الشيخ في الخلاف يوجب على المصلّي في السطح الاستلقاء-كما سلف محتجا بالإجماع.و يشكل بمخالفته في المبسوط (1)،و بالرواية عن الرضا عليه السلام (2).و قد مرّ الجواب في المكان (3).
و الخلاف في السطح في الفريضة كالخلاف في جوفها،و مع الضرورة تجوز الفريضة (4)فيهما إجماعا.و إذا صلّى وسطها استقبل أي جدرانها شاء، قال في الفقيه:الأفضل ان يقف بين العمودين على البلاطة الحمراء،و يستقبل الحجر الأسود (5).
فرع:
لو استطال صف المأمومين مع المشاهدة حتى خرج عن الكعبة،بطلت صلاة الخارج،لعدم أجزاء الجهة هنا.و لو استداروا صحّ،للإجماع عليه عملا في كل الأعصار السالفة.نعم،يشترط ان لا يكون المأموم أقرب الى الكعبة من الامام.
و لكل علامات مشهورة،و المأمور عن أهل البيت عليهم السلام ذكر علامة أهل المشرق،
ص: 161
بحسب سؤال أهله إذ أكثر الرواة منهم.
روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام حيث سأله عن القبلة، فقال:«ضع الجدي في قفاك وصل» (1).
و قال في الفقيه:قال رجل للصادق عليه السلام:اني أكون في السفر و لا أهتدي للقبلة،فقال له:«أ تعرف الكوكب الذي يقال له الجدي».قال:نعم.
قال:«اجعله على يمينك،فإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين الكتفين» (2).
و من أمارات المشرق موازاة المنكب الأيسر للفجر،و الأيمن للشفق.
و منها كون عين الشمس عند الزوال على الحاجب الأيمن.
و اما غيرهم فقد ذكر الأصحاب و غيرهم (3)لهم أمارات أكثرها مأخوذ من علم الهيئة،و هي مفيدة للظن الغالب بالعين و للقطع بالجهة،و هي تارة بالكواكب و تارة بالرياح،و أضعفها الرياح لاضطراب هبوبها،و المعوّل عليه منها أربع:
الجنوب:و محلها ما بين مطلع سهيل الى مطلع الشمس في الاعتدالين،و الظاهر انّها في البلاد الشامية تستقبل بطن كتف المصلّي الأيسر مما يلي وجهه الى يمينه،و يجعلها اليمني على مرجع الكتف اليمنى.
و ثانيها:الصبا،و محلها ما بين مطلع الشمس الى الجدي،و هي قد تقع على ظهر المصلّي،و قد يقال ان مبدأ هبوبها من مطلع الشمس يجعله الشامي على الخد الأيسر.
و ثالثها:الشمال،و محلها من الجدي إلى مغرب الشمس في الاعتدال،و تمرّ الى مهب الجنوب كما ان الجنوب تمرّ الى مهب الشمال، و يجعلها الشامي على الكتف اليمني.1.
ص: 162
و رابعها:الدبور،و هي من مغرب الشمس الى سهيل،و هي مقابلة للصبا،و تكون على صفحة وجه المصلي اليمني.
و هذه العلامات يتقارب فيها أهل العراق و الشام،لاتساع زوايا الرياح.
و أما الكواكب فأوثق من الرياح،قال تعالى وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (1).فأقواها القطب الشمالي،و هو نقطة مخصوصة يدور عليها الفلك،و أقرب الكواكب إليها نجم خفي في بنات نعش الصغرى حوله أنجم دائرة،في أحد طرفيها الفرقدان و في الآخر الجدي،و بين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق و ثلاثة من أسفل،تدور حول القطب في كل يوم و ليلة دورة واحدة،فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبها.
و ذلك النجم الخفي لا يكاد يراه الا حديد النظر،و هو لا يتغير عن مكانه الا يسيرا لا يتبين للحس،إذا استدبر في الأرض الشامية حصل الاستقبال، و ينحرف في مشارق الشام-كدمشق و ما قاربها-الى اليسار قليلا،و كلما قرب الى المغرب كان انحرافه أكثر،و في حران و ما يواليها يكون القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف،و يجعله العراقي بحذاء ظهر اذنه اليمنى على علوها فيكون مستقبلا باب الكعبة.
و يخلف القطب الجدي-مكبرا،و أهل الهيئة يصغرونه ليتميز عن البرج- فيجعله العراقي إذا كان في موازاة القطب خلف منكبه الأيمن و الشامي خلف الكتف اليسرى و اليمني يجعله بين العينين،و المغربي على الخدّ الأيسر.
و تعلم استقامة الجدي إذا كان الى الأرض،و الفرقدان الى السماء، و بالعكس.اما إذا كان أحدهما في المشرق،أو فيما بين المشرق و المغرب، فالاعتبار بالقطب.
و القطب-كما مر-في أنجم دائرة حوله على هيئة السمكة،الجدي6.
ص: 163
رأسها و الفرقدان ذنبها،فمتى كانت السمكة منتصبة رأسها مما يلي السماء، و ذنبها مما يلي الأرض،أو بالعكس،فالجدي حينئذ علامة.و إذا استقبل الجدي في هذه الحالة،أو القطب في العراق و كان على مؤخر العين اليسرى، فذلك دبر القبلة.
و من العلامات:سهيل،و هو يكون وقت طلوعه بين عيني الشامي، و وقت غيبوبته على عينه اليمينى،و يجعله اليمني غائبا بين كتفيه.
و منها:بنات نعش،فيجعلها الشامي غائبة خلف الاذن اليمنى.
و منها:الثريّا و العيوق،فيجعلهما المغربي على اليمين و اليسار عند طلوعهما.
و منها:الشمس،و هي تكون متوسطة شتاء في قبلة المصلي تقريبا، وصيفا مسامتة لرأسه.
و منها:القمر،و هو يكون عند الغروب ليلة السابع من الشهر مقارنا للقبلة أو مائلا عنها يسيرا،و يكون عند طلوع الفجر قبلة أيضا تقريبا ليلة احدى و عشرين.
ذكر الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي-و هو من أجلاء فقهائنا- في كتاب(إزاحة العلة في معرفة القبلة):ان العراق و خراسان و ما كان في حدود -مثل:الكوفة،و بغداد،و حلوان،إلى الري،و مرو،و خوارزم-يستقبلون الباب و المقام.و يستدل عليها بجعل الجدي إذا طلع خلف المنكب الأيمن، و الهقعة (1)إذا طلعت بين الكتفين،و الدبور مقابلة الصبا على يمينه،و الجنوب على يساره.
ص: 164
و أهل سميساط (1)و الجزيرة الى باب الأبواب يتوجهون الى حيث يقابل ما بين الركن الشامي إلى نحو المقام.و علامتهم جعل بنات نعش خلف الاذن اليمنى،و العيوق إذا طلع خلف الاذن اليسرى،و سهيل إذا بدا للمغيب بين العينين،و الجدي إذا طلع بين الكتفين،و المشرق على يده اليسرى،و الصبا على مرجع الكتف اليسرى،و الشمال على صفحة الخد الأيمن،و الدبور على العين اليمنى،و الجنوب على العين اليسرى.
و أهل الشام الى منتهى حدوده،يستقبلون الميزاب الى الركن الشامي.
و علامتهم جعل بنات نعش غائبة خلف الاذن اليمنى،و الجدي طالعا خلف الكتف اليسرى،و مغيب سهيل على العين اليمنى،و طلوعه بين العينين، و المشرق على عينه اليسرى،و الصبا على الخد الأيسر،و الشمال على الكتف اليمنى،و الدبور على صفحة الخد الأيمن،و الجنوب مستقبل الوجه.
و أهل مصر و الإسكندرية و القيروان الى السوس الأقصى،من المغرب الى البحر الأسود،يستقبلون ما بين الركن الغربي إلى الميزاب.و علامتهم جعل الصليب إذا طلع بين العينين،و بنات نعش إذا غابت بين الكتفين، و الجدي إذا طلع خلف الاذن اليسرى،و الصبا على المنكب الأيسر،و الشمال بين العينين،و الدبور على اليمنى من اليدين،و الجنوب على اليسرى من العينين.
و أهل الحبشة و النوبة،يستقبلون ما بين الركن الغربي و اليماني، و علامتهم جعل الثريا و العيوق طالعين على اليمين و الشمال،و الشولة إذا غابت بين الكتفين،و الجدي على صفحة الخد الأيسر،و المشرق بين العينين، و الصبا على العين اليسرى،و الدبور على المنكب الأيمن،و الجنوب علىه.
ص: 165
العين اليمنى.
و أهل الصين و اليمن و التهائم الى صنعاء و عدن و حضرموت الى البحر الأسود،يستقبلون المستجار و الركن اليماني.و علامتهم جعل الجدي إذا طلع بين العينين،و سهيل إذا غاب بين الكتفين،و المشرق على الاذن اليمنى، و الصبا على صفحة الخد الأيمن،و الشمال على العين اليسرى،و الدبور على المنكب الأيسر،و الجنوب على مرجع الكتف اليمنى.
و أهل السند و الهند و الملتان،يستقبلون ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود.و علامتهم جعل بنات نعش طالعة على الخد الأيمن،و الجدي إذا طلع على الاذن اليمنى،و الثريا إذا غابت على العين اليسرى،و سهيل إذا طلع خلف الاذن اليسرى،و المشرق على اليد اليمنى،و الصبا على صفحة الخد الأيمن،و الشمال قبالة الوجه،و الدبور على المنكب الأيسر،و الجنوب بين الكتفين.
و أهل البصرة و الأهواز و فارس و سجستان الى التبت الى الصين، يستقبلون ما بين الباب و الحجر الأسود.و علامتهم جعل النسر الطائر إذا طلع بين الكتفين،و الجدي إذا طلع على الخد الأيمن،و الشولة إذا نزلت للمغيب بين عينيه،و المشرق على أصل المنكب الأيمن،و الصبا على الاذن اليمنى، و الشمال على العين اليمنى،و الدبور على الخد الأيسر،و الجنوب بين العينين.
العلامات (1).
و بلغني أن بها محرابا للإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام،فان صحّ النقل فلا عدول عنه،و الا فالأولى جواز الاجتهاد في التيامن و التياسر و ان كان الاستقبال الى الركن العراقي،و كلام الأصحاب لا ينافيه.
ص: 166
القبلة،
و لا في التيامن و التياسر،فإنّه منزّل منزلة الكعبة،و روي انّه لما أراد نصبه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب (1)،و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله معصوم لا يتصوّر منه الخطأ،و عند من جوز من العامة لا يقرّ عليه،فهو صواب قطعا،فيستقبله معاينة و تنصب المحاريب هناك عليه.و في معنى المدينة كل موضع تواتر انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى فيها إلى جهة معينة مضبوطة الآن.
و كذا لا اجتهاد في المسجد الأعظم بالكوفة في التيامن و لا في التياسر، لمثل ما قلناه في النبي صلّى اللّه عليه و آله،لوجوب عصمة الإمام كالنبي صلّى اللّه عليهما،و قد نصبه أمير المؤمنين و صلّى اليه هو و الحسن و الحسين عليهم السلام.
و اما محراب مسجد البصرة فنصبه عتبة بن غزوان،فهو كسائر محاريب الإسلام.و ربما قيل بمساواته مسجد الكوفة،لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى فيه و جمع من الصحابة،فكما لا اجتهاد في مسجد الكوفة فكذا في مسجد البصرة،و هو قوي.
و اما مسجد المدائن فصلّى فيه الحسن عليه السلام،فان كان المحراب مضبوطا فكذلك.
و بمشهد سرّ من رأى صلوات اللّه على مشرفيه مسجد منسوب الى الامام الهادي عليه السلام فلا اجتهاد في قبلته أيضا ان كانت مضبوطة.
و لو تخيّل الماهر في أدلّة القبلة تيامنا و تياسرا في محراب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و محراب أمير المؤمنين عليه السلام فخياله باطل،لا يجوز له و لا لغيره العمل به.
ص: 167
و في الطرق التي هي جادتهم،يتعيّن التوجّه إليها،و لا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعا.
و هل يجوز في التيامن و التياسر؟الأقرب جوازه،لأنّ الخطأ في الجهة مع استمرار الخلق و اتفاقهم ممتنع،أما الخطأ في التيامن و التياسر فغير بعيد،و عن عبد اللّه بن المبارك انّه أمر أهل مرو بالتياسر بعد رجوعه من الحج (1).و وجه المنع:انّ احتمال اصابة الخلق الكثير أقرب من احتمال اصابة الواحد،و قد وقع في زماننا اجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة مسجد دمشق و ان فيها تياسرا عن القبلة،مع انطواء الأعصار الماضية على عدم ذلك.
و جاز ترك الخلق الكثير الاجتهاد في ذلك لانّه غير واجب عليهم،فلا تدل مجرد صلاتهم على تحريم اجتهاد غيرهم،و انما يعارض اجتهاد العارف ان لو ثبت وجوب الاجتهاد على الكثير أو ثبت وقوعه،و كلاهما في حيز المنع، بل لا يجب الاجتهاد قطعا،بل لو كانت قرية صغيرة نشأ فيها قرون من المسلمين لم يجتهد في قبلتها.
نعم،يجب الاجتهاد في العلامات المنصوبة في الطرق النادر مرور المسلمين بها،أو يستوي فيها مرور المسلمين و الكفار،و كذا في قرية خربة لا يدرى انّها من بناء المسلمين أو الكفار.
في الطرق المسلوكة للمسلمين،و لو شك في القبر فلا تعويل،و هذا كله مع عدم علم الغلط في ذلك،فلو علمه وجب الاجتهاد في مواضعه.
و لا فرق بين محراب صلاة العيد و غيرها من الصلوات،إذ اجتماع المسلمين حاصل في الجميع.
لقدرته على
ص: 168
اليقين.و في حكم المعاينة إذا نصب محرابا بعد المعاينة،فإنه يصلي إليه دائما،لأنّه يتيقن الصواب.و كذا الذي نشأ بمكة و يتيقن الإصابة،و لو شك وجبت المعاينة بالترقي إلى سطح الدار.
و لا يكفي الاجتهاد هنا بالعلامات،لانّه عدول من يقين الى ظن مع قدرته على اليقين،و انه غير جائز.
نعم،لو تعذر عليه ذلك-كالمحبوس،أو خائف ضيق الوقت-جاز الاجتهاد،و كذا من هو في نواحي الحرم،فلا يكلف للصعود الى الجبال ليرى الكعبة،و لا الصلاة في المسجد ليراها،للحرج،بخلاف الصعود على السطح،و لان الغرض هنا المعاينة قبل حدوث الحائل فلا يتغير بما طرأ منه.
قالوا:فيه مشقة (1).
قلنا:مطلق المشقة ليست مانعة،و الا لارتفع التكليف.
و أوجب الشيخ و الفاضل صعود الجبل مع القدرة (2)و هو بعيد،و الاّ لم تجز الصلاة في الأبطح و شبهه من المنازل الا بعد مشاهدة الكعبة،لأنه متمكن و لعله أسهل من صعود الجبل.
السادس:ظاهر كلام الأصحاب انّ الحجر من الكعبة بأسره(3) و قد دل عليه النقل انه كان منها في زمن إبراهيم و إسماعيل الى أن بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه،و كان كذلك في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله،و نقل عنه صلّى اللّه عليه و آله الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة (4)و بذلك احتج ابن الزبير حيث أدخله فيها ثم أخرجه الحجاج بعده و رده الى ما
ص: 169
كان (1)و لأنّ الطواف يجب خارجه.
و للعامة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أو ليس منها (2)و في الطواف خارجه (3).و بعض الأصحاب له فيه كلام أيضا (4)مع إجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف.و انّما الفائدة في جواز استقباله في الصلاة بمجرده، فعلى القطع بأنّه من الكعبة يصح و الا امتنع،لانه عدول عن اليقين الى الظن.
فحاذاها ببعض بدنه و البعض الآخر خارج عن المحاذاة،فليس بمستقبل،لصدق انه انما استقبل ببعضه.و لبعض العامة وجه بالصحة اكتفاء باستقباله بوجهه (5)و هو ضعيف،لأنّ الوجه بعضه.
ص: 170
و فيه مسائل.
لانّه عدول عن اليقين.و لا يجوز للقادر على الاجتهاد التقليد،إذ الحجة أقوى من قول الغير،و لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (1)و الإجماع منعقد على انه يبني على غلبة ظنه،قاله في التذكرة (2).
و في مضمر سماعة-بطريقين في التهذيب-:«اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك» (3)و ظاهر الشيخ فيه ان الاجتهاد لا يكون الا عند الضرورة (4)،و كأنّه يريد بها عند تعذّر الصلاة الى أربع جهات،كما هو ظاهره في الخلاف (5).
و لو اجتهد و أخبر بخلافه،أمكن العمل على أقوى الظنّين،لانه راجح، و هو قريب.و وجه المنع انّه ليس من أهل التقليد.
و نعني بالمجتهد هنا العارف بأدلة القبلة المذكورة و غيرها.
و لو خاف فوت الوقت بالاجتهاد أمكن جواز التقليد،لانّه موضع ضرورة.
و ظاهر الأصحاب وجوب الصلاة الى أربع جهات مع الإمكان،و الاّ فإلى المحتمل (6)لمرسلة خداش عن الصادق عليه السلام،قلت:انّ هؤلاء المخالفين يقولون:إذا أطبقت علينا و أظلمت و لم نعرف السماء كنا و أنتم سواء
ص: 171
في الاجتهاد!فقال:«ليس كما يقولون،إذا كان كذلك فليصل لأربع وجوه» (1).
و الأول يلوح من المختلف (2).
و لو خفيت الأمارات على المجتهد للغيم و شبهه،أو تعارضت عنده فتحيّر،احتمل جواز التقليد أيضا،لعجزه عن تحصيل الجهة فهو كالعاجز عن الاجتهاد،و اختاره في المختلف (3).
و الظاهر:وجوب الأربع،لأنّ القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة، و العارض سريع الزوال.
و لو قلنا:بجواز تقليده غيره فلا قضاء عندنا،إذ هو في معنى العاجز عن الاجتهاد،و له الصلاة في أول الوقت و ان توقّع زوال العذر،كما مرّ في اولي الاعذار.
و يجيء على قول المرتضى وجوب التأخير (4)مع إمكان القطع هنا بوجوب التأخير،لأنّ العارض عرضة للزوال،فهو أبلغ من تأخير فاقد الماء لتوقعه، و حينئذ تؤخّر إلى قدر الجهات الأربع فيصلي إليها.و لو منع عن الصلاة الى بعض الجهات سقطت.
اما ان لا يمكنه التعلم-كالمكفوف- فالأقرب جواز التقليد له،إذ هو كالعامي في الأحكام الشرعية،إذ أدلة القبلة مرئية و لا طريق إلى الرؤية.
و في الخلاف:يصلي الى أربع،و قال فيه و في العامي:إذا كان الحال ضرورة جاز أن يرجعا الى غيرهما،و ان خالفاه كان لهما ذلك (5).
ص: 172
و ان قلنا بالتقليد-و هو الأصح-فليقلد المسلم العدل العارف بالأمارات،رجلا كان أو امرأة،حرا أو عبدا،لأنّ المعتبر بالمعرفة و العدالة و ليس من الشهادة في شيء.
فان تعذّر العدل فالمستور،فان تعذّر ففي جواز الركون الى الفاسق مع ظن صدقه تردد،من قوله تعالى فَتَبَيَّنُوا (1)و من أصالة صحة اخبار المسلم.اما لو لم يجد سوى الكافر،ففيه وجهان مرتبان،و اولى بالمنع،لأنّ قبول قوله ركون إليه و هو منهي عنه.و يقوى فيهما الجواز،إذ رجحان الظن يقوم مقام العلم في العبادات.و أطلق في المبسوط المنع من قبول الفاسق و الكافر (2).
ثم التقليد هو قبول قول الغير المستند الى الاجتهاد،فلو أخبر العدل عن يقين القبلة-كما في المواقف المفيدة لليقين في التيامن و التياسر-فهو من باب الاخبار،و يجوز التعويل عليه بطريق الاولى.و لو أخبر المكفوف بصير بمحل القطب منه و هو عالم بدلالته،فهو إخبار أيضا.
و لو وجد مجتهدين،فالأقرب الرجوع الى الأعلم و الأوثق عنده،فان تساويا تخيّر.و يحتمل وجوب الصلاة الى الجهتين،جمعا بين التقليدين.
و يحتمل التخيير مطلقا،لوجود الأهلية في كل منهما،و يضعف بأنه رجوع الى المرجوح مع وجود الراجح فامتنع كالفتاوى.و على القول:بسقوط التقليد من أصله،يصلي الى أربع.
و في معنى المكفوف:العامي الذي لا أهلية عنده لمعرفة الأدلة،لأنّ فقد البصيرة أشدّ من فقد البصر،و هو اختيار الشيخ في المبسوط (3).و في9.
ص: 173
الخلاف يصلي الى الأربع (1).و أطلق أبو الصلاح وجوب الأربع لمن لا يعلم الجهة و لا يظنها (2).
و ان أمكنه تعلّم الأدلة وجب عليه التعلم،و الأقرب انّه من فروض الأعيان لتوقّف صحة فرض العين عليه فهو كباقي شرائط الصلاة،سواء كان يريد السفر أو لا،لأنّ الحاجة إليه قد تعرض بمجرد مفارقة الوطن.و يحتمل كون ذلك من فروض الكفاية كالعلم بالأحكام الشرعية،و لندور الاحتياج إلى مراعاة العلامات فلا يكلف آحاد الناس بها،و لانّه لم ينقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة بعده إلزام آحاد الناس بذلك.
إذا تقرر ذلك،فان قلنا بأنّه من فروض الكفاية،فللعامي أن يقلد -كالمكفوف-و لا قضاء عليه.و ان قلنا بالأول،وجب تعلّم الأدلة ما دام الوقت،فإذا ضاق الوقت و لم يستوف المحتاج اليه صلّى إلى أربع،أو قلّد على الخلاف و لا قضاء.
و يحتمل قويا وجوب تعلم الأمارات عند عروض حاجته إليها عينا، بخلاف ما قبله،لأنّ توقع ذلك و ان كان حاصلا لكنه نادر.
و على كل حال فصلاة غير المتعلم عند عدم الحاجة صحيحة و لو قلنا بالوجوب العيني،لأنّه موسّع على الاحتمال القوي إلى عروض الحاجة، و يكفي في الحاجة إرادة السفر عن بلده و لو كان بقربه مما يخفى عليه فيه جهة القبلة أو التيامن و التياسر.و لو قلنا بأنه واجب مضيّق عينا،لم يقدح تركه في صحة الصلاة،لأنّه إخلال بواجب لم تثبت مشروطية الصلاة به.
لو وجد العاجز من يخبره عن علم و آخر عن اجتهاد،رجع الى الأول،لأنّه أوثق.
ص: 174
و لو وجد القادر على الاجتهاد مخبرا عن علم،ففي جواز الاجتهاد وجهان.و قطع بعض العامة بمنعه (1)،لأنّ مثار الاجتهاد زائل،لأنّ غايته الظن، و الاخبار هنا عن القطع.و وجه الجواز انّ قول الغير انما يفيد الظن إذ هو خبر محتمل للأمرين في نفسه،و الظن باعتبار القرينة،و ان الظاهر صدق مخبره، و ذلك الظن مثله يحصل باجتهاده.و الفرق بيّن،إذ الاجتهاد ظني في طريقه و غايته،و اخبار المتيقن ظني في طريقه لا في غايته.
و لو لم يجد المقلّد سوى صبي مميز أمكن الرجوع إليه،لإفادة قوله الظن،و خصوصا إذا أخبر عن قطع،و هو قول المبسوط (2).
و لو منعنا المتمكن من العوام من التقليد وجبت الصلاة عليه إلى أربع جهات،لأنّ القطع يحصل به،و هو الذي اختاره الشيخ في أحد القولين (3).
و حيث قلنا بجواز التقليد،لو عدم المخبر وجبت الصلاة الى أربع قطعا ان احتمل،و الاّ فإلى المحتمل.
فإن عرض شك وجب تجديد الاجتهاد،و الا فالأقرب البناء على الأول،إذ الأصل استمرار الظن السابق حتى يتبيّن خلافه.
و أوجب الشيخ التجديد دائما ما لم تحضره الأمارات (4)للسعي في إصابة الحق،و لأنّ الاجتهاد الثاني ان خالف الأول وجب المصير إليه،لأنّ تغير الاجتهاد لا يكون إلا لأمارة أقوى من الاولى،و أقوى الظنين أقرب الى اليقين، و ان وافقه تأكد الظن.
و هذان الاحتمالان جاريان في طلب المتيمم عند دخول وقت صلاة
ص: 175
اخرى،و في المجتهد إذا سئل عن واقعة اجتهد فيها.
فرع:
لا فرق بين تجديد الاجتهاد هنا بين صلاة الفريضة و النافلة،إلاّ عند من جوّزها من الأصحاب حضرا الى غير القبلة (1)فلا حاجة الى الاجتهاد.و لا فرق أيضا بين تغيّر المكان و عدمه،لأن أدلة القبلة لا تختلف بحسب الأمكنة، بخلاف مكان المتيمم.و لو ظهر خطأ الاجتهاد بالاجتهاد فلا إعادة للأول،قال الفاضل:و لا نعلم فيه خلافا (2).
فالأقرب عدم الاجزاء،لعدم إتيانه بالمأمور به.و في المبسوط يجزئه (3)لأن المأمور به هو التوجه إلى القبلة و قد أتى به.
و في التعويل على قبلة النصارى و اليهود نظر،من انّه ركون إليهم،و من الظن الغالب باستقبالهم الجهة المعينة.
لأن المأموم ان كان محقا في الجهة فسدت صلاة إمامه و الا فصلاته،فيقطع بفساد صلاة المأموم على التقديرين.
و احتمل الفاضل صحة الاقتداء كالمصلين حال شدة الخوف،و لأنهم كالقائمين حول الكعبة،يستقبل كل واحد منهم جهة غير الآخر مع صحة الصلاة جماعة (4).
و يمكن الجواب بمنع الاقتداء حالة الشدة مع اختلاف الجهة،و لو سلم فالاستقبال هنا ساقط بالكلية بخلاف المجتهدين،و الفرق بين المصلّين إلى نواحي
ص: 176
الكعبة و بين المجتهدين ظاهر،للقطع بان كل جهة قبلة هناك،و القطع بخطإ واحد هنا،و كذا نقول في صلاة الشدة ان كل جهة قبلة.
ثم تبين لهم تخالفهم في الجهة و لم يعلموا الى أي جهة صلّى الامام،رجّح الفاضل صحة صلاتهم،لانّه لا يعلم الخطأ في فعل امامه (1).
و الأقرب ان نقول:ان كانت تلك الصلاة مغنية عن القضاء كما لو كانت الجهات ليس فيها استدبارا،أو قلنا:ان الاستدبار لا يوجب القضاء،فصلاتهم صحيحة،و التخالف هنا في جهة الإمام غير ضائر،لأن غايته انّه صلّى خلف من صلاته غير صحيحة في نفس الأمر و هو لا يعلم بالفساد،و لا يقدح ذلك في صحة صلاة المأموم و ان وجب إعادة الصلاة،اما أداء مع بقاء الوقت أو قضاء مع خروجه.و كل من تعين له موجب الاستدراك وجب عليه،و كل من لم يتعين له لم يجب التدارك،سواء كان ذلك لمصادفته القبلة،أو التيامن و التياسر يسيرا،أو لأنه لم يدر هل جهته صحيحة أو فاسدة.
و لو اتفق جهلهم أجمع بفساد الجهة فلا إعادة.و لو علموا انّ فيهم من تجب عليه الإعادة أو القضاء و اشتبه،فالأقرب:انه لا اعادة و لا قضاء،لأصالة صحة صلاة كل واحد منهم و هو شاك في مفسدها،كالواجدين منيا على ثوب مشترك.و يحتمل إعادتهم أجمع،لتيقن الخروج عن العهدة.
فالأقرب:جواز الاقتداء،لأنّ صلاة كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء و الاختلاف هنا يسير، و لأنّ الواجب مع البعد الجهة و هي حاصلة هنا،و التكليف بالعين مع البعد ضعيف.
ص: 177
و قوّى في التذكرة عدم الجواز،و بناه على انّ الواجب اصابة العين (1)، مع انّه صدر باب القبلة بعدم وجوبه (2).
لو تغيّر اجتهاد أحد المأمومين انحرف و نوى الانفراد إذا كان ذلك غير يسير.و لو تغيّر اجتهاد الامام انحرف و أتمّ المأمومون منفردين،أو مؤتمين ببعضهم.
لو ضاق الوقت الا عن صلاة،و ادّى اجتهاد أحدهم إلى جهة، جاز للآخر الاقتداء به إذا قلّده و ان كان مجتهدا،لتعذّره حينئذ.
و هل يجب تقليده؟الأقرب:نعم،لعجزه،و ظن صدق الآخر.و وجه المنع ان الشرع جعل فرضه عند ضيق الوقت التخيير فليس عليه سواه،و فيه منع ظاهر،إذ التخيير انما يكون عند عدم المرجّح.
لو نصب مبصر للمكفوف علامة،جاز التعويل عليها وقت كل صلاة ما لم يغلب ظنه على تغيّرها.و لو مسّ الكعبة بيده أو محراب مسجد لا يشك فيه فكذلك.
و لو عوّل على رأيه المجرّد مع إمكان المقلّد أعاد إن أخطأ،و لو أصاب قال في المبسوط:أجزأه (3)و الأقرب المنع،لانّه دخل دخولا غير مشروع.
و أطلق في المبسوط الاجزاء مع ضيق الوقت (4)و هو بعيد مع كونه مخطئا،الا ان يكون المقلّد مفقودا،و لم يصلّ الى دبر القبلة عند الشيخ (5)و لو أصاب هنا فكالأول فيما قاله الشيخ و قلناه.نعم،لو فقد المقلّد صحّ هنا قطعا.
و لو صلى مقلّدا ثم أبصر في الأثناء،فإن كان عاميا استمر،و ان كان
ص: 178
مجتهدا اجتهد،فان وافق أو انحرف يسيرا صح فيستقيم حينئذ،و ان كان الى نفس اليمين أو اليسار أعاد،و أولى منه إذا كان مستدبرا.
و لو افتقر في اجتهاده الى زمان كثير لا يتسامح في الصلاة بمثله، فالأقرب:البناء و سقوط الاجتهاد،لأنّه في معنى العامي،لتحريم قطع الصلاة و الظاهر اصابة المخبر،و يقوى مع كونه مخبرا عن علم،بل يمكن هنا عدم الاجتهاد لما سلف.
و احتاط في المعتبر بالاستئناف مع افتقاره إلى تأمل كثير (1)و هو احتياط المبسوط،و قال:و ان قلنا له يمضي فيها لانّه لا دليل على انتقاله كان قويا (2).
و لو صلّى بصيرا فكف في الأثناء بنى،فان انحراف قصدا بطلت إن خرج عن السمت،و ان كان اتفاق و أمكنه علم الاستقامة استقام ما لم يكن قد خرج الى حد الابطال بالخروج عن الجهة،و ان لم يمكنه فان اتفق مسدّد عوّل عليه و ينتظره إن لم يخرج عن كونه مصليا،و الا فالأقرب البطلان إذا توقع مسدّدا بعد،و لو ضاق الزمان عن التوقع كان بقي مقدار أربع جهات صلّى إليها،و كذا يصلى الى الأربع مع السعة و عدم توقع المسدّد.
و هل يحتسب بتلك الصلاة منها؟نظر من حيث وقوعها في جهتين فلا تكون صحيحة،و من صحة ما سبق منها قطعا،و جواز ابتدائها الآن الى هذه الجهة بأجمعها فالبعض أولى.
و حينئذ هل له الانحراف إلى جهة أخرى غير ما هو قائم إليها؟يحتمل ذلك،تنزيلا للإتمام منزلة الابتداء.و الأقرب المنع،تقليلا للاختلاف و الاضطراب في الصلاة،و لتخيّل القرب إلى الجهة الأولى بهذا الموقف، بخلاف العدول إلى جهة أخرى.1.
ص: 179
لو صلى بالاجتهاد إلى جهة أو لضيق الوقت،ثم تبين الانحراف يسيرا استقام،بناء على انّ القبلة هي الجهة،و لقول الصادق عليه السلام:«ما بين المشرق و المغرب قبلة» (1).
و لو تبين الانحراف الكثير استأنف،و ظاهر كلام الأصحاب انّ الكثير ما كان الى سمت اليمين أو اليسار أو الاستدبار (2)لرواية عمار عن الصادق عليه السلام في رجل صلّى الى غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة:«ان كان متوجها ما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم،و ان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة» (3).
و عقل منه الشيخ إعادة المستدبر و ان خرج الوقت (4)و لعل المراد به مع بقاء الوقت،لأنّ ظاهر من(هو في الصلاة)ان الوقت باق.
و يمكن ان يحتج برواية معمر بن يحيى،عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن صلّى الى غير القبلة ثم تبين له القبلة و قد دخل وقت صلاة أخرى،قال:
«يصليها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها،الاّ ان يخاف فوت التي دخل وقتها» (5).فالجمع بينها و بين ما يأتي بالحمل على الاستدبار،و طريقها ضعيف،و حملت على من صلّى بغير اجتهاد و لا تقليد إلى جهة واحدة مع سعة الوقت (6).
و كذا الحكم لو تبيّن الحال بعد الفراغ من الصلاة،فيعيد في الوقت لا
ص: 180
خارجه،إذا تحقق الخروج عن الجهة و لو استدبر،لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام:«إذا استبان انك صليت و أنت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد،و ان فاتك فلا تعد» (1)و كذا رواية سليمان بن خالد عنه عليه السلام (2)و ظاهر رواية زرارة عن الباقر عليه السلام (3).
فروع:
لو تبين في أثناء الصلاة الاستدبار أو الجانبين و قد خرج الوقت،أمكن القول بالاستقامة و لا إعادة،لدلالة فحوى الأخبار عليه.و يمكن الإعادة،لأنه لم يأت بالصلاة في الوقت.
و هل المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام؟قطع به الشيخان (4)، لعموم:«رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» (5).و ضعّفه الفاضلان،لانّه مستند الى تقصيره (6)بخلاف الظان.و الأقرب المساواة،لشمول خبر عبد الرحمن للناسي (7).
اما جاهل الحكم،فالأقرب انّه يعيد مطلقا،الا ما كان بين المغرب و المشرق،لانه ضم جهلا الى تقصير.و وجه المساواة:«الناس في سعة مما1.
ص: 181
لم يعلموا».
ذهب ابن أبي عقيل و ابن بابويه-في ظاهر كلامه-إلى انّه عند خفاء القبلة يصلى حيث شاء،و لا اعادة عليه بعد خروج الوقت لو تبين الخطأ (1).
و الأكثر أوجبوا الصلاة إلى أربع (2)لرواية خداش السالفة،و هي بطريقين في التهذيب (3).
و يمكن ان يحتج بما تقدم من أحاديث التحري (4)و ان المراد به التخيير، و بان التكليف ساقط مع عدم العلم،و بعموم فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (5)و هو أولى من اعتقاد نسخ الآية،و مال في المختلف الى هذا القول (6).
و يمكن أن يطعن في رواية خداش بالإرسال و جهالته أيضا،فإنا لم نقف على توثيقه بعد،الا انها معتضدة بالعمل من عظماء الأصحاب و بالبعد من قول العامة،الا انه يلزم من العمل بها سقوط الاجتهاد بالكلية في القبلة لأنّها مصرحة به،و الأصحاب مفتون بالاجتهاد.
و يمكن ان يكون الاجتهاد الذي صار إليه الأصحاب هو ما أفاد القطع بالجهة-من نحو مطلع الشمس و مغربها،و دلالة الكواكب-دون الاجتهاد المفيد للظن كالرياح،أو ظن بعض الكواكب،الكوكب الذي هو العلامة مع عدم القطع به.
ص: 182
لو تغير اجتهاده مصليا،انحرف و بنى ان كان لا يبلغ موضع الإعادة،و الاّ أعاد.و لو شك مصليا في اجتهاده لم يلتفت،لأنّ الدخول شرعي بظن قوي فلا يزول بالشك.
و لو صلّى باجتهاده فكفّ في أثناء الصلاة استمر،لأنّ اجتهاده أقوى من اجتهاد غيره بالنسبة إليه،فإن انحرف استقام إن علم و الا قلّد في الأثناء،فإن تعذر أبطلها مع سعة الوقت و الا أتمّ بحاله.
و لو وجد المكفوف محرابا فهو أولى من التقليد.و كذا الركون الى المخبر عن علم أولى من الركون الى المجتهد.
و لو قلّد مجتهدا،فأخبره مجتهد آخر في الأثناء بخطئه و انّ الصواب كذا، فان كان أعلم أو أعدل عوّل على الثاني،و الاّ استمر.أما لو كان أخبار الثاني عن علم،فإنه يرجع إليه كيف كان إذا كان عدلا،لاستناده الى اليقين الذي هو أقوى من الاجتهاد.
و لو قيل للمكفوف أنت مستقبل الشمس أو مستدبرها،و هو يعلم انّ جهته ليست في صوبها وجب عليه العدول أيضا،لأنه كانتقال المجتهد الى اليقين.
و لو قال الثاني أنت على الخطأ قطعا،فالظاهر ترجيحه على الأول، تنزيلا لقطعه منزلة الاخبار عن الحس،و لا اعتبار بتجويز كونه مجتهدا،لأنّ الاجتهاد لا يحصل عنه القطع.
و لو اقتصر على إخباره بخطئه،و لما يتبيّن الصواب منه و لا من غيره،فإن أمكن تحصيل الصواب قبل الخروج عن اسم المصلي استمر الى وجود المخبر،و يكون حكمه ما سلف من تبيّن الخطأ.و ان عجز عن درك الصواب الاّ بالخروج عن اسم الصلاة بطلت،إذ لا سبيل الى الاستمرار على الخطأ و الصواب غير معلوم.
و لو كان أخبار الثاني بعد الفراغ من الصلاة لم يلتفت اليه،الاّ ان يخبر عن قطع فيراعى ما سلف.
ص: 183
اشتهر بين الأصحاب استحباب التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلا (1)،و يظهر من كلام الشيخ وجوبه (2)لما رواه المفضل بن عمر،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة و عن السبب فيه،فقال:«انّ الحجر الأسود لما أنزله اللّه سبحانه من الجنة و وضع في موضعه،جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال،و عن يسارها ثمانية أميال.فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم،و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة» (3).
و روى الكليني عن علي بن محمد رفعه،قال:قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام:لم صار الرجل ينحرف في الصلاة الى اليسار؟فقال:«لأنّ للكعبة ستة حدود:أربعة منها على يسارك،و اثنان منها على يمينك،فمن أجل ذلك وقع التحريف الى اليسار» (4).
و الروايتان ضعيفتان،لعدم اسناد الاولى إلى المفضل،مع انّ النجاشي ضعّفه (5)و قطع سند الثانية.و العمدة الشهرة بين الأصحاب،حتى انّ الشيخ ادعى عليه الإجماع (6).
و فيه إشارة الى انّ النائي يتوجّه الى الحرم.
و وجوبه بعيد،لان ظاهره ارادة الاستظهار و الاحتياط-كما صرح به المصنفون-فلا يكون واجبا.
ص: 184
و يرد عليه:انّ الانحراف اما الى القبلة فيجب،و اما عنها فيحرم،فلا معنى للاستحباب.
و يجاب:بانّ الانحراف في القبلة،و جاز ان تكون الجهة على ما مر، و اتساعها ظاهر فالميل الى اليسار تمكّن فيها،أو اصابة ما يقرب إلى الكعبة من الجهات.
فرع:
إذا قلنا بهذا التياسر فليس بمقدّر،بل مرجعه الى اجتهاد المصلّي،و من ثم جعلنا المسألة من مسائل الاجتهاد،و لا ريب في اختلاف ذلك بحسب اختلاف بلدان المشرق،و لعل البالغ في المشرق الى تخومه يسقط عنه هذا التياسر بل لا يجوز له،للقطع بأنه يخرج عن العلامات المنصوبة لهم، و الخبران لا يدلان على غير أهل العراق،لان المفضل كوفي و غالب الرواة عنهم عليهم السلام عراقيون.
و للمحقق-رحمه اللّه-في هذا مسألة حسنة،صدر إنشاؤها عن إيراد الإمام العلامة نصير الدين أبي جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي -رحمه اللّه-لما اجتمعا في بعض المجالس.
لو اجتهد إلى جهة فصلّى،ثم تبين الخطأ في الأثناء، فإن حصل الصواب بعده بما لا يخرجه عن اسم المصلي بنى على ما سلف من اعتبار التيامن و التياسر و غيرهما،و ان كان لا يمكن تحصيله في ذلك الزمان فالأجود البطلان،لامتناع الاستمرار على الخطأ،و عدم علم الجهة و ظنها.
و لو تحيّر الشامي أو اليمني فاجتهد و صلّى إلى جهة،فانكشف الغيم فإذا كوكب في الأفق،يقطع بأنه اما في المشرق أو في المغرب و هو بإزائه،فإنه يتبيّن الخطأ قطعا و يحكم هنا ببطلان الصلاة في الحال،فان رأى الكوكب ينحط علم به المغرب،و ان رآه يرتفع علم به المشرق،و ان أطبق الغيم في الحال فالتحيّر باق الا انّه في جهتين،فان انكشف فيما بعد و الا صلّى إليهما
ص: 185
لا غير.
و لو كان المصلّي مشرقيا أو مغربيا،لم يحكم ببطلان صلاته في الحال بظهور الكوكب الافقي،بل يتربص لينظر علوه و عدمه فيبني على ما علمه.و لو عاد الغيم في الحال لم يحكم هنا ببطلان الصلاة،لأصالة صحتها،و استناده الى اجتهاده الذي لم يعلم خطأه.و هل تجب عليه الصلاة الى الجهة الأخرى؟ يمكن ذلك ان لم يكن الاجتهاد الأول باقيا و لا تجدّد غيره،و ان كان باقيا فلا، و ان تجدّد غيره استأنف.
و لو كان المصلي من إحدى الزوايا التي بين الجهات الأربع،فظهور الكوكب الافقي لا يبطل استمراره أيضا في الحال،بل بعد اعتبار العلو و الانخفاض يراعي ما سلف،فيستمر مع إصابة القبلة أو ما في حكمها، و يستأنف مع عدمهما ان بقي الوقت،أو مطلقا لو كان مستدبرا على القول به.
و لو دعا الغيم،فان قطع على مخالفة قبلته أو ما في حكمها أعاد إلى الجهات التي يعلم معها إصابة القبلة،و ان لم يقطع على المخالفة فالبناء متعيّن.و في الصلاة الى جهة أخرى الاحتمال،فيراعى جهتين ليس فيهما محض المشرق و المغرب.
لو صلّى أربع صلوات بأربع اجتهادات إلى أربع جهات، فعلى ما قلناه:ان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد،لا إعادة عليه.
و يحتمل إعادة الكل،لتيقن الخطأ في ثلاث منها على احتمال اعتبار العين ان كانت مختلفة العدد،أو اعادة ثلاث مردّدة إن اتفق العدد.
و يحتمل اعادة ما صلاّه أولا و صحة الأخيرة،و يجعل هذا الاجتهاد ناسخا لما سبق.
و يضعف الأول:بأنه لو وجبت الإعادة لم يؤمر بالصلاة مع تغيّر الاجتهاد،و الثاني:بأنه تحكم إذ الاجتهادات متعاقبة متنافية.
و يحتمل قويا انه مع تغيّر الاجتهاد يؤمر بالصلاة إلى أربع،لأن الاجتهاد
ص: 186
عارضه الاجتهاد فتساقطا فتحيّر.و لا يجب إعادة ما صلاّه أولا،لإمكان صحته و دخوله مشروعا.
ص: 187
و بالميت في أحواله السابقة،و عند الذبح على ما يأتي ان شاء اللّه،كل ذلك مع الاختيار.
و يحرم الاستقبال فيما مر.
و يستحب للجلوس للقضاء،و الدعاء مؤكدا،و الجلوس مطلقا إلى القبلة أفضل،لقولهم عليهم السلام:«أفضل المجالس ما استقبل به القبلة» (1).
و يكره الاستقبال في الجماع.
و لا تكاد الإباحة بالمعنى الأخص تتحقق هنا.
كالمصلوب،و المريض الذي لا يجد من يوجّهه إلى القبلة مع عجزه عنها، و كالمضطر إلى الصلاة ماشيا مع عدم إمكان الاستقبال،و كما في حال شدة الخوف و ان قدر على الاستقبال لو لا القتال.
و يسقط في الميت أيضا عند التعذّر،و في الذبح في الصائلة و المتردية إذا لم يمكن فيها الاستقبال.
لا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا إجماعا لاختلال الاستقبال و ان كانت منذورة،سواء نذرها راكبا أو مستقرا على الأرض،لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب.و كذا صلاة الجنازة،لأنّ أظهر أركانها القيام، و أقوى شروطها الاستقبال.
و قد روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:أ يصلي الرجل شيئا
ص: 188
من الفرائض راكبا من غير ضرورة؟فقال:«لا» (1).
و روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عنه عليه السلام:«لا يصلّي الفريضة على الدابة إلا مريض» (2).
و(شيء)نكرة في سياق نفي فيعم،«و الفريضة»محلى بلام الجنس إذ لا معهود فيعم.
و يدلان على جواز ذلك عند الضرورة،و عليه دلّ قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (3)و هو يدل بفحواه على مطلق الضرورة،و قد تقدم ذكر صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله على الراحلة في المطر (4).
و العامة منعوا من الفريضة على الراحلة عند الضرورة،الاّ ان يخاف الانقطاع عن الرفقة بالنزول،أو يخاف على نفسه أو ماله بالنزول،فيصلي ثم يعيد إذا نزل عنها (5).و يبطله:ان الامتثال يقتضي الإجزاء.
لو تمكن الراكب من الاستقبال و استيفاء الافعال،كالراكب في الكنيسة (6)،أو على بعير معقول،ففي صحة صلاته وجهان،أصحهما المنع.
اما الأول فلعدم الاستقرار،و لهذا لا يصح صلاة الماشي مستقبلا مستوفيا للأفعال،لأنّ المشي أفعال كثيرة خارجة عن الصلاة فتبطلها،و انما خرجت النافلة بدليل آخر مع المسامحة فيها.
ص: 189
و اما البعير المعقول فلأنّ إطلاق الأمر بالصلاة ينصرف الى القرار المعهود،و هو ما كان على الأرض و ما في معناها،كالزورق المشدود على الساحل،لأنّه بمثابة السرير و الماء بمثابة الأرض،و تحركه سفلا و صعدا كتحرك السرير على وجه الأرض،و ليست الدابة للقرار عليها.
و من هذا يظهر عدم صحة الصلاة في الأرجوحة المعلقة بالحبال،فإنها لا تعدّ عرفا مكان القرار.و يمكن الفرق بينهما بانّ البعير المعقول معرّض لعدم الاستقرار بخلاف الأرجوحة،و قد روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام جواز الصلاة على الرفّ المعلق بين نخلتين (1)و هو يعطي جواز الصلاة في الأرجوحة.
و لو احتمل قوم سريرا عليه مصل فكالبعير المعقول،بل أولى بالصحة، لأنه قد يؤمن منهم أسباب الاختلال.
و لو كانت الدابة واقفة و أمكن استيفاء الأفعال،فهي مرتبة على المعقولة، و أولى بالبطلان هنا،لأنّ الحركة إليها أقرب.
جوّز الفاضل الصلاة في السفينة فرضا و نفلا،مختارا-في ظاهر كلامه-و ان كانت سائرة (2)و هو قول ابن بابويه و ابن حمزة (3).و كثير من الأصحاب جوزه،و لم يذكروا الاختيار (4).
و روى حماد بن عيسى عن الصادق عليه السلام:«ان استطعتم ان تخرجوا الى الجدد فاخرجوا،فان لم تقدروا فصلوا قياما،فان لم تستطيعوا فصلوا قعودا و تحرّوا القبلة» (5).و عن علي بن إبراهيم قال:سألته عن الصلاة
ص: 190
في السفينة،قال:«لا يصلى فيها و هو قادر على الشط» (1).
و بإزاء هذه روايات ظاهرها الجواز مع الاختيار،مثل رواية عبيد اللّه الحلبي عن الصادق عليه السلام (2).و قال له جميل بن دراج:تكون السفينة قريبة من الجدد،فأخرج فأصلي؟فقال:«صلّ فيها اما ترضى بصلاة نوح عليه السلام» (3).
و الأقرب المنع إلا لضرورة،لأن القرار ركن في القيام و حركة السفينة تمنع من ذلك،و لأنّ الصلاة فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة.
و أجاب الفاضل:بأنّها بالنسبة إلى المصلّي حركة عرضية و هو ساكن (4).
و بما قلناه قال أبو الصلاح (5)و ابن إدريس-في باب صلاة المسافر- حيث قال:و من اضطر إلى الصلاة في سفينة فأمكنه ان يصلى قائما لم يجزه غير ذلك،و ان خاف الغرق و انقلاب السفينة جاز ان يصلي جالسا (6).
و العامة يجوّزون لراكب البحر الصلاة في السفينة و ان كانت جارية تتحرك بما فيها من دواب و غيرها،لمساس الحاجة الى ركوب البحر،فجعل الماء على الأرض كالأرض،و جعلت السفينة كالصفا على وجه الأرض (7).و تردّدوا في جوازها في نحو دجلة للمقيم ببغداد اختيارا (8)لقدرته على الشط،و اقامة الأركان2.
ص: 191
و الشرائط.
إذا اضطر الى الفريضة على الراحلة أو ماشيا أو الى السفينة، وجب مراعاة الشرائط و الأركان مهما أمكن،امتثالا لأمر الشارع،فان تعذّر أتى بما يمكن.فلو أمكن الاستقبال في حال دون حال وجب بحسب مكنته، لعموم:«و حيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره» (1)و لو لم يتمكن إلا بالتحريمة وجب،فان تعذّر سقط.
في وجوب تحري الأقرب الى القبلة من الجهات فالأقرب نظر،
من الخروج عن الجهة فتتساوى الجهات،و من انّ للقرب أثرا،و لهذا افترقت الجهات في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد.و لو قيل:يجب تحري ما بين المشرق و المغرب دون باقي الجهات الثلاث،لتساويها في الاستدراك لو ظهر الخطأ في الاجتهاد،كان قويا.و حينئذ يترجّح المشرق و المغرب على الاستدبار،على القول بالقضاء فيه مع خروج الوقت.
اما النوافل فتجوز على الراحلة اختيارا باتفاقنا إذا كان مسافرا،طال سفره أو قصر،لما رووه من انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلي سبحته حيث توجهت به ناقته (2)و أوتر على راحلته (3)و فعله علي عليه السلام (4)و ابن عباس و لقول الصادق عليه السلام في صلاة المريض في المحمل:«أما النافلة فنعم» (5).
ص: 192
و يستقبل بالتكبير،لقوله عليه السلام:«استقبل القبلة و كبّر،و صلّ حيث ذهب بك بعيرك» (1)و لا يحتاج الى غيره،لقوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (2)و لقوله عليه السلام للكرخي لما قال:اني أتحرى على ان أتوجه في المحمل إلى القبلة:«ما هذا الضيق،اما لك برسول اللّه أسوة» (3).
و لو صلى على الراحلة حاضرا جاز أيضا،قاله الشيخ (4)لقول الكاظم عليه السلام في صلاة النافلة على الدابة في الأمصار:«لا بأس» (5)و منعه ابن أبي عقيل (6).و كذا الماشي،لقول الصادق عليه السلام في المصلي تطوعا و هو يمشي:«نعم» (7).
و في الفريضة عند الضرورة،لقوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (8)و غير الخوف مساو له في الضرورة.
و يومئ الراكب و الماشي للركوع و السجود،و يجعل السجود أخفض.و لو حرف الدابة عن القبلة في الفريضة عمدا بطلت،و لو كان بفعلها أو جماحها لم تبطل،لعدم الاستطاعة،طال الانحراف أو لا.
و راكب التعاسيف-و هو:الهائم الذي لا مقصد له بل يستقبل تارة و يستدبر اخرى-له التنفل كغيره،و لا يتعيّن طريق الراكب لقبلته،بل لو أمكنه التوجّه إلى القبلة وجب-و ان كان بالركوب منحرفا أو مقلوبا-في الفريضة.
نعم،في النافلة إذا لم يمكن القبلة فقبلته طريقه استحبابا.9.
ص: 193
لو أمكن الركوب و المشي في الفريضة مع عدم إمكان الاستقرار فظاهر
الآية التخيير.
و يمكن ترجيح المشي،لحصول ركن القيام.
و يعارضه:انّ حركته ذاتية و حركة الراكب عرضية فهو مستقر بالذات، و مع ذلك فلا يجوز ان يكون لبيان شرعية الأمرين و ان كان بينهما ترتيب،كآية كفارة الصيد.
نعم،لو أمكن الركوع و السجود للماشي دون الراكب،أو بالعكس، وجب الأكمل منهما.
و لو أمكن الراكب النزول للركوع و السجود وجب،و لا يكون ذلك منافيا للصلاة،لأنّه من أفعالها كما سيأتي إن شاء اللّه في صلاة الخوف.
و كذا لو أمكن أحدهما الاستقبال دون الآخر وجب تحصيل ما به الاستقبال،و كذا باقي الشرائط.
ص: 194
في الأذان و الإقامة:
و هما وحي من اللّه تعالى عندنا كسائر العبادات على لسان جبرئيل عليه الصلاة و السلام.فروى الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام:«انه لما اسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فبلغ البيت المعمور،حضرت الصلاة فأذن جبرئيل و اقام،فتقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى خلفه الملائكة و النبيون عليهم السلام (1).
و روى منصور عن الصادق عليه السلام،قال:«لما هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان رأسه في حجر علي، فأذّن جبرئيل و اقام،فلما انتبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:يا علي أسمعت؟قال:نعم.قال:احفظت؟قال:نعم.قال:ادع بلالا فعلّمه» (2).
و نسبه العامة إلى رؤيا عبد اللّه بن زيد في منامه (3)و هو بعيد عن أحوال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تلقيه العبادة بالوحي،و لقوله تعالى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (4).
قال ابن أبي عقيل:أجمعت الشيعة عن الصادق عليه السلام انّه لعن قوما زعموا انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أخذ الأذان من عبد اللّه بن زيد،فقال:
«ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون انّه أخذ الأذان من عبد اللّه بن زيد.
ص: 195
و ثوابه عظيم،فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«المؤذّنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» (1).
«من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة» (2).
«للمؤذن فيما بين الأذان و الإقامة مثل أجر المتشحط بدمه في سبيل اللّه».فقال علي عليه السلام:«يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انهم يجتلدون على الأذان».قال:«كلا انّه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم و تلك لحوم حرمها اللّه على النار» (3).
و عن الباقر عليه السلام:«من أذّن سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة و لا ذنب له» (4).
«من أذّن عشر سنين محتسبا يغفر اللّه له مدّ بصره و صوته في السماء، و يصدقه كل رطب و يابس سمعه،و له من كل من يصلي معه في المسجد سهم،و له من كل من يصلّي بصوته حسنة» (5).
و عن الصادق عليه السلام:«ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر:مؤذن أذّن احتسابا،و امام أمّ قوما و هم به راضون،و مملوك يطيع اللّه و يطيع مواليه» (6).
«إذا أذّنت في أرض فلاة و أقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة،و ان أقمت قبل ان تؤذّن صلّى خلفك صف واحد» (7)و في رواية أخرى:«حدّ الصف ما بين المشرق و المغرب»و لم يذكر الفلاة فيها (8).7.
ص: 196
و عن أبي الحسن عليه السلام:«من صلّى بأذان و اقامة صلّى وراءه صفان من الملائكة،و ان أقام بغير أذان صلّى واحد عن يمينه و آخر عن يساره» (1).
و عن محمد بن مسلم،قال لي الصادق عليه السلام:«إذا أذّنت و أقمت صلّى خلفك صفان من الملائكة،و ان أقمت بغير أذان صلى خلفك صف واحد» (2).في اخبار كثيرة من طرق الأصحاب و غيرها.
ثم الأذان لغة:الإعلام،و يقال:إيذان و أذين و فعله أذن يأذن،ثم آذن بالمد للتعدية،و يقال للمؤذن:أذين.و قول عدي بن زيد (3).
و سماع يأذن الشيخ له *** و حديث مثل ماذي مشار
يريد به استمع،لان الاستماع سبب في العلم،فيرجع الى إذن بمعنى علم،و منه قوله تعالى فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (4)أي:اعلموا،و من قرأ بالمد فمعناه:أعلموا من ورائكم بالحرب.
و شرعا الأذكار المعهودة للإعلام بأوقات الصلوات.
و الإقامة لغة:مصدر أقام بالمكان،و التاء عوض من عين الفعل لأن أصله إقوام،أو مصدر أقام الشيء بمعنى ادامه،و منه يُقِيمُونَ الصَّلاةَ (5).
و شرعا الأذكار المعهودة عند إقامة الصلاة،أي:فعلها.
و في الباب فصول:4.
ص: 197
و فيه مسائل.
إجماعا،لأنّه إعلام بدخول الوقت.
و تجويز تقديم الأذان في الصبح رخصة،ليتأهب الناس للصلاة،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ ابن أم مكتوم يؤذن بليل،فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا أذان بلال» (1).
قال الصدوق:فغيّرته العامة،و قالوا:انّ بلالا يؤذن بليل (2).
قلت:و يؤيده ما رووه انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لبلال:«لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا»و مدّ يده عرضا (3)و كأنه قد جعل له وظيفة الأذان المؤخّر،و لان المبصر يراعي الصبح فيفوّض اليه،بخلاف الأعمى.
و لا يشترط في التقديم مؤذنان،فلو كان واحدا جاز له تقديمه.نعم، يستحب إعادته بعده،ليعلم بالأول قرب الوقت و بالثاني دخوله،لئلا يتوهّم طلوع الفجر بالأول.و روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام قلت له:انّ لنا مؤذّنا يؤذن بليل،فقال:«انّ ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة،و اما السنّة فإنّه ينادي من طلوع الفجر» (4).
فروع:
لا حدّ لهذا التقديم عندنا بل ما قارب الفجر،و تقديره بسدس الليل أو
ص: 198
نصفه تحكّم (1)و روي انّه كان بين اذاني بلال و ابن أم مكتوم نزول هذا و صعود هذا (2).
و ينبغي ان يجعل ضابطا في التقديم،ليعتمد عليه الناس.
و لا فرق بين رمضان و غيره في التقديم،و سيجيء مزيد بحث في هذه المسألة ان شاء اللّه تعالى.
في أشهر الروايات (3)،و عليه عمل الأصحاب.فالأذان ثمانية عشر:
اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر.
اشهد ان لا إله إلا اللّه،اشهد ان لا إله إلا اللّه.
اشهد انّ محمدا رسول اللّه،اشهد انّ محمدا رسول اللّه.
حي على الصلاة،حي على الصلاة.
حي على الفلاح،حي على الفلاح.
حي على خير العمل،حي على خير العمل.
اللّه أكبر،اللّه أكبر.
لا إله إلا اللّه،لا إله إلا اللّه.
و الإقامة سبعة عشر،الا انّ التكبير في أولها مثنى،و التهليل في آخرها مرة،و تزيد:(قد قامت الصلاة)مثنى بعد(حي على خير العمل).
و في رواية الفضيل بن يسار و زرارة عن الباقر،و عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليهما السلام:التكبير في أول الأذان(اللّه أكبر اللّه أكبر) (4)و في هذه
ص: 199
الرواية عن الباقر عليه السلام:الإقامة مثله بزيادة(قد قامت الصلاة)،فعلى هذا الأذان ستة عشر و الإقامة ثمانية عشر.
و روى أبو بكر الحضرمي و كليب الأسدي عن الصادق عليه السلام:
تربيع التكبير في أول الأذان-كما هو المشهور-و عدّ باقي الفصول المشهورة، و جعل الإقامة مثله (1)فعلى هذه الرواية للإقامة عشرون فصلا.
و حمل الشيخ رواية تثنية التكبير في الأذان على انّه ترك التربيع في الأذان اعتمادا على فهم السامع ذلك،لأنّ زرارة روى عن الباقر عليه السلام:«تفتتح الأذان بأربع تكبيرات» (2).
و روى معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام:«الأذان مثنى مثنى، و الإقامة واحدة» (3)فعلى هذه الأذان ستة عشر فصلا و الإقامة تسع كلمات.
و روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«الإقامة مرة مرة،إلا قوله:
اللّه أكبر،اللّه أكبر،فإنه مرتان» (4).
و حملهما الشيخ على التقية أو العجلة،لما روى أبو عبيدة عن الباقر عليه السلام:انه كبّر واحدة في الأذان و قال:«لا بأس به إذا كنت مستعجلا».و روى صفوان عن الصادق عليه السلام:«الأذان مثنى مثنى،و الإقامة مثنى» (5).
و قد حكى الشيخ رواية أربع تكبيرات في آخر الأذان و تربيع التكبير في أول الإقامة،و روى تربيعه أيضا في آخرها و تثنية التهليل آخرها،قال:و ان عمل».
ص: 200
عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوما (1).و المعتمد المشهور.
نعم،يجوز النقص في السفر.روى بريد بن معاوية عن الباقر عليه السلام،قال:«الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة،الأذان واحدا واحدا،و الإقامة واحدة» (2)و لكن الإقامة التامة وحدها أفضل منهما مفردين، لمرسلة عن الصادق عليه السلام مشهورة (3).
و قال ابن الجنيد:إذا أفرد الإقامة عن الأذان ثنّى(لا إله إلاّ اللّه)في آخرها،و ان أتى بها معه فواحدة (4).
قال:و لا بأس للمسافر أن يفرد كلمات الإقامة مرة مرة،إلا التكبير في أولها فإنّه مرتان.
تنبيه:
معنى(حي):هلمّ و أقبل،تعدّى بعلى و إلى.و الفلاح:الفوز و البقاء، أي:انّ الصلاة سبب في الفوز بالثواب،أو سبب البقاء و الدوام في الجنة.
أجمعنا على ترك التثويب في الأذان،سواء فسّر ب:الصلاة خير من النوم،أو بما يقال بين الأذان و الإقامة من الحيعلتين مثنى في أذان الصبح أو غيرها،الا ما قاله ابن الجنيد من انه لا بأس بالتثويب في أذان الفجر خاصة و تكرير ذلك،و ما يأتي من قول الجعفي.و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام بالنداء و التثويب في الإقامة (5)محمولة على التقية،و كذا غيرها (6).
و اما الترجيع-و هو:تكرير الفصل زيادة على الموظف-فقد روى زرارة
ص: 201
عن الباقر عليه السلام:«و ان شئت زدت على التثويب:حي على الفلاح، مكان:الصلاة خير من النوم» (1).
و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«لو ان مؤذّنا أعاد في الشهادة، و في حي على الصلاة،و في حي على الفلاح،المرتين و الثلاث و أكثر،إذا كان إماما يريد جماعة القوم لم يكن به بأس» (2).
و في المبسوط:الترجيع غير مسنون،و هو:تكرار التكبير و الشهادتين في أول الأذان،فإن أراد تنبيه غيره جاز تكرار الشهادتين (3).
قال في المعتبر:و يشهد لقوله رواية أبي بصير (4)و عنى به ما تلوناه عنه.
و من العامة من سنّ الترجيع،و هو ان يذكر كلمتي الشهادتين مرتين على خفض في الصوت،ثم يعود الى الترتيب و يرفع الصوت (5).و منهم من قال:لا يزيد في كلمات الأذان بل يخفض بها مرة،و يجهر بها مرة (6).و مستندهم ضعيف.
و قال ابن بابويه:و المفوضة رووا اخبارا وضعوها في الأذان:محمد و آل محمد خير البرية،و اشهد ان عليا ولي اللّه و انّه أمير المؤمنين حقا حقا،و لا شك انّ عليا ولي اللّه و ان آل محمد خير البرية،و ليس ذلك من أصل الأذان (1).
قال:و انما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيارة المتهمون المدلسون أنفسهم في جملتنا (2).
يستحب الحكاية للسامع إجماعا لما روى أبو سعيد الخدري انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذن» (3).
و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول في كل شيء» (4).
و قال الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم:«لا تدعن ذكر اللّه على كل حال،و لو سمعت المنادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر اللّه تعالى،و قل كما يقول» (5).
و روى ابن بابويه ان حكايته تزيد في الرزق (6).
و ليقل الحاكي:اشهد ان لا إله إلا اللّه و ان محمدا رسول اللّه،أكفي بها عن كلّ من أبي و جحد،و أعين بها من أقرّ و شهد،ليكون له من الأجر عدد
ص: 203
الفريقين،روي ذلك عن الصادق عليه السلام (1).
فروع:
الحكاية بجميع ألفاظ الأذان حتى الحيعلات،للخبر (2).
و قال في المبسوط:روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«يقول إذا قال:حي على الصلاة:لا حول و لا قوة إلا باللّه» (3).
و لو كان في الصلاة لم يحيعل فتبطل به،و لو قال بدلها في الصلاة:(لا حول و لا قوة إلا باللّه)فلا بأس.و لو كان يقرأ القرآن،قطعه و حكى الأذان،و غيره من الكلام بطريق الاولى.
و ظاهر الشيخ انه لا يستحب حكايته في الصلاة و ان كانت الحكاية فيها جائزة،و صرّح بذلك في الخلاف (4).
و لو فرغ من الصلاة و لم يحكه،فالظاهر سقوط الحكاية،قال الشيخ:
يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا (5).
و قال الفاضل في مقصد الجمعة من تذكرته:الأقرب انه لا يستحب حكاية الأذان الثاني يوم الجمعة،و أذان عصر عرفة،و عشاء المزدلفة،و كل أذان مكروه،و أذان المرأة.اما الأذان المقدم قبل الفجر،فالوجه استحباب حكايته، و كذا أذان من أخذ عليه أجرا و ان حرم دون أذان المجنون و الكافر (6).
و يستحب ان يأتي بما نقصه المؤذن،و في الرواية عن الصادق عليه6.
ص: 204
السلام:«إذا نقص المؤذن،و أنت تريد ان تصلي بأذانه،فأتمّ ما نقص» (1).
و ليقل عند سماع الشهادتين:و انا اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و ان محمدا عبده و رسوله،رضيت باللّه ربا،و بالإسلام دينا،و بمحمد رسولا،و بالأئمة الطاهرين أئمة.اللهم صلى على محمد و آل محمد.اللهم رب هذه الدعوة التامة،و الصلاة القائمة،آت محمدا الوسيلة و الفضيلة،و ابعثه المقام المحمود الذي وعدته،و ارزقني شفاعته يوم القيامة.
و عن الصادق عليه السلام:«من قال حين يسمع أذان الصبح:اللهم إني أسألك بإقبال نهارك،و ادبار ليلك،و حضور صلواتك و أصوات دعاتك،ان تتوب عليّ انك أنت التواب الرحيم،و قال مثله حين يسمع أذان المغرب(الا انه يقول موضع نهارك ليلك و بالعكس) (2)ثم مات من يومه أو ليلته مات تائبا» (3).
آكد،و لقول الصادق عليه السلام:«و لا تقم الاّ و أنت على وضوء» (1)و من ثم جعل المرتضى الطهارة شرطا في الإقامة (2).
و لو أحدث خلال الإقامة استحب له الاستئناف بعد الطهارة،و في أثناء الأذان يتطهر و يبني.
و يستحب الاستقبال فيهما إجماعا،تأسيا بمؤذني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3)،و في الإقامة آكد،و أوجبه فيها المرتضى و المفيد (4).
و يكره الالتفات يمينا و شمالا،سواء كان على المنارة أو لا،و لا يلوي عنقه عند الحيعلتين،و لا يستدير بجميع بدنه إن كان في المنارة.
و يستحب ان يضع إصبعيه في أذنيه،لأنّ الصادق عليه السلام جعله من السنّة (5).
و استحب سلار ذكر اللّه تعالى بين الفصول بصفات مدحه و تسبيحه (6).
و يستحب ان يكون قائما مع القدرة،لأنه أبلغ لصوته،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«يا بلال قم فناد بالصلاة» (7)و قال الباقر عليه السلام:«لا يؤذن جالسا الا راكب أو مريض» (8)و قيامه على مرتفع،لقول الصادق عليه السلام:«كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قامة،فيقول لبلال:0.
ص: 206
اعل فوق الجدار،و ارفع صوتك بالأذان» (1).
و يجوز الأذان قاعدا،لرواية محمد بن مسلم (2)و القيام في الإقامة آكد، للنص عن العبد الصالح (3).
و يجوز الأذان راكبا و ماشيا،و تركه أفضل،و في الإقامة آكد،لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«لا بأس ان تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء،و لا تقيم و أنت راكب أو جالس،الا من علة أو تكون في أرض ملصّة» (4).
و ينبغي للمؤذن راكبا أو ماشيا استقبال القبلة بالتشهد،للنص عن أحدهما عليهما السلام (5).
و لو أقام ماشيا إلى الصلاة فلا بأس،للنص عن الصادق عليه السلام لما قال له يونس الشيباني:أ أقيم و انا ماش؟قال:«نعم».و قال:«إذا أقمت فأقم مترسلا،فإنك في الصلاة».فقال له:أ فيجوز المشي في الصلاة؟فقال:«نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت و أنت مع إمام عادل،ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك» (6).
و قال ابن بابويه:لا بأس بالأذان قائما و قاعدا،و مستقبلا و مستدبرا، و ذاهبا و جائيا،و على غير وضوء.و الإقامة على وضوء مستقبلا.و ان كان اماما فلا يؤذن إلاّ قائما (7).8.
ص: 207
لقول الصادق عليه السلام:
في رواية خالد بن نجيح:«الأذان و الإقامة مجزومان» (1)و في خبر آخر:
«موقوفان» (2).
و يستحب التأني في الأذان،و الحدر في الإقامة،لقول الباقر عليه السلام:«الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء،و الإقامة حدر» (3).
قلت:الظاهر انّه ألف(اللّه)الأخيرة غير المكتوبة و هاؤه في آخر الشهادتين،و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يؤذن لكم من يدغم الهاء» (4).
و كذا الألف و الهاء في الصلاة من(حي على الصلاة).
و قال ابن إدريس:المراد بالهاء هاء(إله)لا هاء(اشهد)و لا هاء(اللّه)، لأنهما مبنيتان (5).
و لا ينافي حدر الإقامة قوله:«فأقم مترسّلا»لإمكان حمله على ترسل لا يبلغ ترسل الأذان،أو على ترسل لا حركة فيه و لا ميلا عن القبلة،كما في حديث سليمان بن صالح عن الصادق عليه السلام:«و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» (6).
تنبيه:
الحدر في الإقامة مستحب مع مراعاة الوقوف على الفصول،فيكره الاعراب فيها-كما يكره في الأذان-للحديث (7).
ص: 208
و يستحب رفع الصوت بالأذان،لرواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام:«ارفع به صوتك،و إذا أقمت فدون ذلك» (1).و لأنّ الغرض الإبلاغ و لا يتمّ الاّ برفع الصوت،و ليس عليه ان يجهد نفسه،و المؤذن لنفسه و الحاضرين يكفيه الجهر،و ان رفع كان أفضل.و لقول الصادق عليه السلام:«إذا أذّنت فلا تخفين صوتك،فانّ اللّه يأجرك على مدّ صوتك فيه» (2).و عن الباقر عليه السلام:«لا يجزئك من الأذان و الإقامة إلا ما أسمعت نفسك و افهمته» (3)» (4).
و يجوز للمريض الاسرار،لقوله عليه السلام:«لا بد للمريض أن يؤذن و يقيم إذا أراد الصلاة،و لو في نفسه ان لم يقدر على ان يتكلم به» (5).و كلّ من أسرّ بهما فلا بد من إسماع نفسه.
و ينبغي رفع الصوت بالأذان في المنزل،ليولد له،و يزول سقمه،رواه هشام بن إبراهيم عن الرضا عليه السلام،قال:ففعلت ذلك فاذهب اللّه عني سقمي و كثر ولدي.قال محمد بن راشد:و كنت دائم العلة ما انفك منها في نفسي و جماعة خدمي،فلما سمعت ذلك من هشام عملت به،فاذهب اللّه عني و عن عيالي العلل (6).
و في الإقامة آكد،لقول الصادق عليه
ص: 209
السلام لأبي هارون المكفوف:«إذا أقمت فلا تتكلم،و لا يومئ بيدك» (1).
و الروايات الدالة على جواز الكلام فيهما (2)لا تنافي الكراهية.
و تزيد الكراهية بعد قوله:(قد قامت الصلاة)،و بعد فراغ الإقامة،لقوله عليه السلام:«إذا قال المؤذن:قد قامت الصلاة،فقد حرم الكلام على أهل المسجد،الا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى،و ليس لهم امام،فلا بأس ان يقول بعضهم لبعض:تقدم يا فلان» (3).
و يستحب إعادة الإقامة لو تكلّم،لقوله عليه السلام:«لا تكلم إذا أقمت الصلاة،فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة» (4).
و عمل الشيخان و المرتضى بظاهر خبر تحريم الكلام و أفتوا بالتحريم،الا بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف (5).
و المفيد و المرتضى حرما الكلام في الإقامة أيضا (6).
فرع:
لو طال الكلام في خلال الأذان أو السكوت أو النوم أو الجنون أو الإغماء،بحيث لا يذكر انّ الثاني مبني على الأول،استأنفه ليحصل ما يسمى أذانا.
و كذا لو ارتدّ ثم عاد،و قال الشيخ في المبسوط:يستأنف (7)و أطلق،مع6.
ص: 210
قوله:انه لو أتمّ الأذان ثم ارتدّ اعتدّ به،و انه وقع صحيحا أولا فلا يبطل الا بدليل (1)قال في المعتبر:ما ذكره من الحجة يلزم في الموضعين (2).
و أطلق أيضا البناء مع الإغماء إذا أفاق،و جعل استئنافه أفضل (3).
حذرا من احالة المعني-كما لو نصب رسول اللّه-و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«يؤمّكم أقرؤكم، و يؤذن لكم أفصحكم» (4).
و في حديث آخر:«و يؤذن لكم خياركم» (5).
و لو كان فيه لثغة فلا بأس،لما روي ان بلالا كان يبدل الشين سينا (6).
يستحب الفصل بينهما بركعتين في الظهر و العصر محسوبتين من سنّتيهما،لما روي عن الصادق و الكاظم عليهما السلام:«يؤذن للظهر عند ست ركعات،و يؤذن للعصر على ست ركعات» (7).
و يجوز بجلسة،و في المغرب بنفس،لقول الصادق عليه السلام:«بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فان بينهما نفسا» (8).
و روي استحباب الجلسة في المغرب عن الصادق عليه السلام:«و انه
ص: 211
كالمتشحط بدمه في سبيل اللّه» (1).
و عنه عليه السلام:«أفضل بين الأذان و الإقامة بقعود،أو كلام،أو تسبيح»،و قال:«يجزئه الحمد للّه» (2).
و عنه عليه السلام:«لا بد من قعود بين الأذان و الإقامة» (3).
و في مضمر الجعفري:«أفرق بينهما بجلوس أو ركعتين» (4).
و ذكر الأصحاب الفصل بسجدة،أو خطوة،أو سكتة (5).
و عن الصادق عليه السلام:انه أذّن و أقام و لم يفصل بينهما بجلوس (6)و لعلّه فصل بينهما بسكوت،أو خطوة،أو تسبيحة.
و قد روى العامة عن جابر،عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،انه قال لبلال:
«اجعل بين أذانك و إقامتك بقدر ما يفرغ الآكل من أكله،و الشارب من شربه، و المعتصر إذا دخل لقضاء حاجة» (7)يراد به المتخلّي.
و عن أبي هريرة عنه صلّى اللّه عليه و آله:«جلوس المؤذن بين الأذان و الإقامة سنّة» (8).
و يستحب ان يقول في جلوسه ما روي عنهم عليهم السلام:«اللهم اجعل قلبي بارا،و عيشي قارا،و رزقي دارا،و اجعل لي عند قبر رسول اللّهه.
ص: 212
صلّى اللّه عليه و آله قرارا و مستقرا» (1)و يستحب قوله ساجدا (2).
و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الدعاء بين الأذان و الإقامة لا يردّ» (3).
للمؤذن و السامع،
في الأذان و غيره،لعموم قوله تعالى صَلُّوا عَلَيْهِ (4)صلّى اللّه عليه و آله،و لقول الباقر عليه السلام:«و أفصح بالألف و الهاء،و صل على النبي صلّى اللّه عليه و آله كلما ذكرته،أو ذكره ذاكر عندك،في أذان أو غيره» (5).
و قال ابن بابويه:قال الصادق عليه السلام:«كان اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله يكرر في الأذان،و أول من حذفه ابن أروى» (6).
ذكر الفضل بن شاذان في العلل عن الرضا عليه السلام انه قال:«إنما أمر الناس بالأذان تذكيرا للناسي،و تنبيها للغافل،و تعريفا لجاهل الوقت،و ليكون المؤذن داعيا الى عبادة الخالق (7)بالتوحيد،مجاهرا بالايمان، معلنا بالإسلام.و انما بدئ فيه بالتكبير و ختم بالتهليل لأنّ اللّه تعالى أراد ان يكون الابتداء بذكره و الانتهاء بذكره،و انما ثني ليتكرر في آذان المستمعين، فان سها عن الأول لم يسه عن الثاني،و لأنّ الصلاة ركعتان.
و جعل التكبير في أول الأذان أربعا لأنّ أول الأذان يبدو في غفلة،و جعل
ص: 213
بعد التكبير التشهد لأنّ أول الإيمان هو الإقرار بالوحدانية،و الثاني الإقرار بالرسالة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و ان طاعتهما و معرفتهما مقرونتان، و جعل شهادتين كما جعل في سائر(الكتب) (1)شهادتين.
و جعل بعدهما الدعاء إلى الصلاة لأن الأذان انما هو نداء للصلاة، فجعل وسط الأذان الدعاء إليها و الى الفلاح و الى خير العمل،و ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه» (2).
ثبت من طريق الأصحاب(حيّ على خير العمل)في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله،و ان بلالا لما قال:لا أؤذن لأحد بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لما تركت:(حي على خير العمل) (3)و ان الثاني أمر بتركها لئلا يتخاذل الناس عن الجهاد (4)و كان ابن النباح مؤذن علي عليه السلام يقولها، فإذا رآه علي عليه السلام:«مرحبا بالقائلين عدلا،و بالصلاة مرحبا و أهلا» (5).
و قال ابن الجنيد:روي عن سهل بن حنيف،و عبد اللّه بن عمر،و الباقر و الصادق عليهما السلام:انهم كانوا يؤذنون ب(حي على خير العمل)و في حديث ابن عمرا انه سمع أبا محذورة ينادي:ب(حي على خير العمل)،في أذانه عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و عليه شاهدنا آل الرسول.و عليه العمل بطبرستان،و اليمن،و الكوفة و نواحيها،و بعض بغداد (6).
ص: 214
و قال ابن أبي عبيد:إنّما أسقط(حي على خير العمل)من نهى عن المتعتين و عن بيع أمهات الأولاد،خشية ان يتكل الناس بزعمه على الصلاة و يدعوا الجهاد.قال:و قد روي انه نهى عن ذلك كله في مقام واحد (1).
و ثبت أيضا انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اذّن و كان يقول:«اشهد اني رسول اللّه»،و تارة يقول:«اشهد ان محمدا رسول اللّه»،و أنكر العامة أذانه عليه السلام.
نعم،كان اشتغاله بالإمامة الدائمة تمنعه من ذلك،فإنها أفضل من الأذان،لقوله عليه السلام:«الأئمة ضمناء،و المؤذنون أمناء» (2)فبدأ بالأئمة، و الضامن أكثر عملا من الأمين فيكون أكثر ثوابا،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يكن ليترك الأفضل إلى غيره.و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«فأرشد اللّه الأئمة، و غفر للمؤذنين»لا يدل على أفضلية الأذان،لأن دعاء النبي صلّى اللّه عليه و آله لهم مستجاب،و من أرشد فهو مستحق للمغفرة،فقد جمع له بين الأمرين.
و اما الإقامة،فقال الشيخ:هي أفضل من الأذان (3)لقربها من الصلاة و لقول الصادق عليه السلام:«إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» (4)و لشدة تأكيدها باعتبار الطهارة و القيام و شدة كراهة الكلام.7.
ص: 215
بينهما و بين كلماتهما،تأسيا بمؤذني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و بما علمه جبرئيل عليه السلام (1)و لقول الصادق عليه السلام:«من سها في الأذان فقدّم أو أخّر،أعاد على الأول الذي أخّره حتى يمضي الى آخره» (2).
فعلى هذا لو أخلّ بالترتيب لم تحصيل له فضيلة الأذان،و لم يعتدّ به في الجماعة،و لم يكتف به أهل البلد.و ان تعمّد ذلك معتقدا أنّه أذان أثم باعتقاده،و ان أسمع غيره أمكن إثمه بفعله أيضا،لجواز اعتقاد بعض الجهال تصويبه.
و قد أطلق عليه بعض الأصحاب الوجوب بهذا المعنى (3)و هذا هو الوجوب غير المستقر.
ص: 216
و فيه مسائل.
لرفع القلم عن المجنون فلا حكم لعبارته،و لأنّ المؤذن أمين و لا يتصور فيه الامانة.
و في حكمه الصبي غير المميز،اما المميز فيعتد بأذانه إجماعا منا.
و روى العامة:انّ بعض ولد أنس كان يؤذن لعمومته و يصلون جماعة،و انس شاهد لا ينكره (1).و روينا عن علي عليه السلام:«لا بأس ان يؤذّن الغلام قبل ان يحتلم» (2).
و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«يؤذّن لكم خياركم» (3)حث على صفة الكمال،إذ الإجماع واقع على جواز أذان غير الخيار.نعم،بلوغ المؤذن أفضل،لهذا الخبر،و لانّه يقلده أولو العذر،و لأنّ مؤذني النبي صلّى اللّه عليه و آله كانوا بالغين.
و في حكم المجنون السكران الذي لا تحصيل له،لعدم انتظام كلامه غالبا،و عدم قصده.
عارف» (1)و لانّه داع إلى الصلاة و ليس من أهلها،و لانّه لا يعتقد مضمون الكلمات و لا الصلاة التي دعا إليها فهو كالمستهزئ.
فان قلت:التلفظ بالشهادتين إسلام فلا يتصور أذان الكافر.
قلت:قد يتلفظ بهما غير عارف بمعناهما-كالأعجمي،أو مستهزئا،أو حاكيا،أو غافلا،أو متأولا عدم عموم النبوة كالعيسوية من اليهود-فلا يوجب تلفظه بهما الحكم بالإسلام.و لئن خلا عن العارض و حكم بإسلامه،لم يعتد بأذانه،لوقوع أوله في الكفر.
لا تشترط الحرية،فيجوز أذان العبد إجماعا،لعموم الألفاظ الدالة على شرعية الأذان بالنسبة إلى المكلفين،و لانّه تصح إمامته-على ما يأتي ان شاء اللّه-فالأذان أولى.
الأذان مشروع للنساء،فيعتد بأذان المرأة لهن عند علمائنا.
و روى العامة عن عائشة انها كانت تؤذن و تقيم (2)و ان النبي صلّى اللّه عليه و آله اذن لأم ورقة أن تؤذّن و تقيم و تؤم نساءها (3)و لقول الصادق عليه السلام في المرأة تؤذّن:«حسن ان فعلت» (4).نعم،لا يتأكد في حقهن،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ليس على النساء أذان،و لا اقامة» (5)و مثله عن الصادق عليه السلام،رواه جميل بن دراج (6).
ص: 218
و تجزئها الشهادتان،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا شهدت الشهادتين فحسبها» (1).و روى عبد اللّه عن الصادق عليه السلام:«يجزئها ان تكبّر و تشهد الشهادتين» (2).
و لو أذّنت للمحارم،فكالأذان للنساء في الاعتداد.اما للأجانب،فظاهر المبسوط الاعتداد به،لانّه لا مانع منه،مع انّه نهى ان يرفعن أصواتهن بحيث يسمعن الرجال (3).فإن أراد به مع الاسرار،فبعيد الاجتزاء بما لم يسمع،لأنّ المقصود بالأذان الإبلاغ،و عليه دلّ قوله صلّى اللّه عليه و آله:«ألقه على بلال، فإنه أندى منك صوتا» (4).و ان أراد مع الجهر فأبعد،للنهي عن سماع صوت الأجنبية،الا ان يقال:ما كان من قبيل الأذكار و تلاوة القرآن مستثنى،كما استثني الاستفتاء من الرجال،و تعلمهنّ منهم،و المحاورات الضرورية.
و في حكم المرأة الخنثى،فتؤذّن للمحارم من الرجال و النساء،و لأجانب النساء لا لأجانب الرجال.
و لعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه،فان صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة.
ذوي الأعذار يقلدونه،و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«المؤذنون أمناء» (1).
فروع:
لو أراد الإمام أو الحاكم نصب مؤذن يرزق من بيت المال،فالأقرب اعتبار عدالته،لأنّ كمال المصلحة يتوقف عليه.و كذا لو تشاح العدل و الفاسق قدّم العدل.
و لو تشاح العدول أو الفاسقون قدّم الأعلم بالأوقات،لأمن الغلط معه و لتقليد أرباب الأعذار له،و منه يعلم تقديم المبصر على المكفوف،ثم الأشدّ محافظة على الأذان في الوقت،ثم الأندى صوتا،ثم من ترتضيه الجماعة و الجيران.و مع التساوي فالقرعة،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لو يعلم الناس ما في الأذان و الصف الأول،ثم لم يجدوا الا ان يستهموا عليه، لفعلوا» (2)و لقولهم عليهم السلام:«كل أمر مجهول فيه القرعة» (3).
و لا يترجح في الأذان نسل أبي محذورة-بحاء مهملة و ذال معجمة- و سعد القرظ-بفتح القاف و الراء و الظاء المعجمة-و لا نسل الصحابة بعد نسلهما (4)لإطلاق الأوامر بالأذان،و البعث عليه و التقييد خلاف الأصل.قال في المعتبر:و هو مذهب علمائنا (5).
يستحب ان يكون مبصرا،لمكان المعرفة بالأوقات.و لو أذّن الأعمى جاز و اعتدّ به،كما كان ابن أم مكتوم رضي اللّه عنه (6)و كرهه بغير مسدّد
ص: 220
الشيخ و ابن إدريس (1)و ينبغي أن يتقدمه بصير.
و ان يكون المؤذن عالما بالأوقات ليأمن الغلط،و لو أذّن الجاهل في وقته صح و اعتدّ به.
و ان يكون صيّتا،ليعم النفع به،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله لعبد اللّه ابن زيد:«ألقه على بلال،فإنه أندى منك صوتا» (2)أي:أرفع.
و ان يكون حسن الصوت،لتقبل القلوب على سماعة.
يجوز تعدّد المؤذن و ان زاد على اثنين.
و قال الشيخ أبو علي-في شرح نهاية والده-:الزائد على الاثنين بدعة بإجماع أصحابنا.
و قال والده في الخلاف:لا ينبغي الزيادة على اثنين،و استدلّ بإجماع الفرقة على ما رووه من انّ الأذان الثالث بدعة (3).
و في المبسوط:يجوز ان يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذّنوا في موضع واحد فإنه أذان واحد،فاما إذا أذّن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون و لا مستحب.و لا بأس ان يؤذّن جماعة كل واحد منهم في زاوية من المسجد،لانّه لا مانع منه (4).
و فسّر كلامه:إذا أذّن واحد بعد الآخر،بان يبني أحدهما على فصول الآخر (5)و هو التراسل.
و قيل:بل يكره أذان الثاني بعد الأول إذا كان الوقت ضيقا،اما حقيقة
ص: 221
و اما حكما باجتماع الامام و المأمومين،اما مع الاتساع فلا كراهة فيه (1).
و هل يستحب ترتيب مؤذنين للمسجد؟الأقرب نعم،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله في بلال و ابن أم مكتوم (2)و من أظهر فوائده أذان أحدهما قبل الصبح و الآخر بعده.
يجوز ان يتولّى الأذان و الإقامة واحد،و ان يؤذن واحد و يقيم غيره.
و هل يستحب اتحاد المؤذّن و المقيم؟لم يثبت عندنا ذلك،و كذا لم يثبت استحباب اختصاص المؤذّن الأول بالإقامة.و قد روى العامة:ان رجلا من بني صداء أذّن في غيبة بلال،فلما جاء بلال همّ بالإقامة،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ان أخا صداء قد أذّن،و من أذّن فليقم» (3).
فرع:
لا ينبغي أن يسبق المؤذن الراتب في المسجد بالأذان،فلو سبقه سابق اعتدّ به.
و هل تبقى وظيفة الإقامة للراتب؟أوجه:عدمها،لقضية بلال.و ثبوتها مطلقا،لأنّ الظاهر انّ الصدائي أذن بإذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصار كالراتب.و التفصيل بالتفريط من الراتب فتزول وظيفة الإقامة منه،و عدمه
ص: 222
فتبقى.
الظاهر ان الإقامة منوطة بإذن الإمام صريحا،أو بشاهد الحال كحضوره عند كمال الصفوف.و روى العامة عن علي عليه السلام:«المؤذن أملك بالأذان،و الامام أملك بالإقامة» (1).
بيت المال،
لحصول الغرض بالمتطوع.
و لو لم يوجد متطوع جاز رزقه من بيت المال،قال الشيخ:من سهم المصالح،و لا يكون من الصدقات،و لا الأخماس،لأن لذلك أقواما مخصوصين،و يجوز ان يعطيه الامام من ماله (2).
و لا يكون ذلك اجرة،لتحريم الأجرة عليه عند أكثر الأصحاب (3)لما روينا عن علي عليه السلام انه قال:«آخر ما فارقت حبيبي انه قال:يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك،و لا تتخذن مؤذّنا يأخذ على أذانه أجرا» (4).
و قال المرتضى في المصباح:تكره الأجرة (5)تسوية بينها و بين الرزق، و هو متجه،و يحمل الحديث عليه.
فرع:
لو احتيج إلى الزيادة على واحد و لم يوجد متطوع،جاز ان يرزق الزائد، تحصيلا للمصلحة.و كذا لو كان غير المتطوع أكمل بأحد المرجحات جاز رزقه.
ص: 223
و فيه مسائل.
الجماعة،
للأصل،و لعدم علم ذلك من الشرع مع عموم البلوى به،و لقول الباقر عليه السلام:«إنما الأذان سنّة» (1).
و اختلف الأصحاب في وجوبه في مواضع.
أحدها:للصبح و المغرب، فأوجبه ابن أبي عقيل فيهما،و أوجب الإقامة في جميع الخمس (2)لرواية سماعة عن الصادق عليه السلام:«لا تصل الغداة و المغرب إلا بأذان و اقامة،و رخص في سائر الصلوات بإقامة،و الأذان أفضل» (3).
الثاني: أوجبهما المرتضى-في الجمل-على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر،و أوجبهما عليهم في سفر و حضر في الصبح و المغرب و صلاة الجمعة،و أوجب الإقامة خاصة على الرجال في كل فريضة (4).
و قال ابن الجنيد:يجبان على الرجال جماعة و فرادى،سفرا و حضرا،في الصبح و المغرب و الجمعة،و تجب الإقامة في باقي المكتوبات (5).
ص: 224
قال:و على النساء التكبير و الشهادتان فقط (1).
و قد روى أبو بصير عن أحدهما عليهما السلام:«ان صليت الجماعة لم يجز إلاّ أذان و اقامة،و ان كنت وحدك تبادر أمرا تخاف ان يفوتك تجزئك اقامة، إلاّ في الفجر و المغرب فإنّه ينبغي ان تؤذّن فيهما و تقيم،من أجل انّه لا يقصر فيهما» (2).
الثالث: أوجبهما الشيخان،و ابن البراج،و ابن حمزة،في صلاة الجماعة (3).
قال في المبسوط:و متى صلّى جماعة بغير أذان و اقامة لم يحصّل فضيلة الجماعة،و الصلاة ماضية (4).
و قال أبو الصلاح:هما شرط في الجماعة (5)،لرواية أبي بصير هذه.
لنا:الأصل،و قول الباقر عليه السلام:«إنما الأذان سنّة» (6)و هو صحيح السند.و خبر أبي بصير في طريقه علي بن أبي حمزة و هو واقفي،مع إمكان حمله على الندب.
و روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام في الإقامة وحدها في المغرب،فقال:«لا بأس» (7).
و روى عبيد اللّه الحلبي عنه عليه السلام في الاجتزاء بالإقامة سفرا بغير8.
ص: 225
أذان،فقال:«نعم» (1).
و روى زرارة عنه عليه السلام في ناسي الأذان و الإقامة حتى يكبّر،قال:
«يمضى و لا يعيد» (2).
إذا ظهر ذلك علم ان الجماعة يتأكد الأذان فيها على الانفراد،و الصبح و المغرب آكد من باقي الفرائض،و الجهرية آكد من الإخفاتية،و الإقامة آكد من الأذان.
و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«أدنى ما يجزئ من الأذان:ان تفتتح الليل بأذان و اقامة،و تفتتح النهار بأذان و اقامة،و يجزئك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان» (3).
يسقط الأذان و الإقامة في غير الخمس و الجمعة بإجماع العلماء، بل يقول المؤذن:الصلاة،ثلاثا،بنصب الصلاة و رفعها.
و قال ابن بابويه:أذان العيدين طلوع الشمس (4).
و يسقطان عند ضيق الوقت،بحيث يلزم من فعلهما خروج وقت الصلاة أو بعضها،لأنّ الندب لا يعارض الفرض.
و عن الجماعة الثانية إذا لم تتفرق الاولى،لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام في الرجل يدخل المسجد و قد صلى القوم،أ يؤذن و يقيم؟قال:
«ان كان دخل و لم يتفرّق الصف صلّى بأذانهم و إقامتهم،و ان كان قد تفرّق الصفّ أذّن و اقام» (5).
و عن علي عليه السلام انّه قال لرجلين دخلا المسجد و قد صلى الناس:
ص: 226
«ان شئتما فليؤم أحدكما صاحبه،و لا يؤذن و لا يقيم» (1).و هذا و ان لم يذكر فيه التفرّق الا انه يحمل على المقيّد به.
و عن الصادق عليه السلام إذ قال له أبو علي:صلينا الفجر،فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح،فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه، فقال الصادق عليه السلام:«أحسنت،ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع».
فقلت:فان دخلوا و أرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟قال:«يقومون في ناحية المسجد و لا يبدر بهم إمام» (2).و هذه تدل على كراهة الأذان للمنفرد أيضا -خلافا لابن حمزة (3)-و على ان تفرّق البعض غير كاف في زوال المنع.
و في المبسوط:إذا أذّن في مسجد دفعة لصلاة بعينها،كان ذلك كافيا لمن يصلّي تلك الصلاة في ذلك المسجد،و يجوز له ان يؤذن فيما بينه و بين نفسه،و ان لم يفعل فلا شيء عليه (4).و كلامه مؤذن باستحباب الأذان سرا،و ان الكراهية عامة،لقوله:لكل من يصلّي تلك الصلاة،و هو يشمل التفرّق و غيره.
فرع:
الأقرب انّه لا فرق بين المسجد و غيره،و ذكره في الرواية بناء على الأغلب.
من صلّى خلف من لا يقتدى به أذّن لنفسه و اقام،لرواية محمد
ص: 227
ابن عذافر عن الصادق عليه السلام:«أذّن خلف من قرأت خلفه» (1)في اخبار كثيرة (2)يعلم منها انه لا يعتدّ بأذان المخالف،اما لنقصه من فصوله غالبا،و اما لغير ذلك.
و قد روى عمار عنه عليه السلام انه قال:«لا يستقيم الأذان،و لا يجوز أن يؤذن به،الا رجل مسلم عارف.فان علم الأذان فأذّن به و لم يكن عارفا،لم يجز أذانه،و لا إقامته،و لا يقتدى به» (3).
و لو خشي الداخل معهم فوت الصلاة بالاشتغال بهما،اجتزأ بقوله:(قد قامت الصلاة)الى آخر الإقامة،لرواية معاذ بن كثير عنه عليه السلام (4).
قال الشيخ في المبسوط:و روي انه يقول:(حي على خير العمل)مرتين، لانه لم يقل ذلك (5).
و قد روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام:«إذا أذّن مؤذن فنقص الأذان،و أنت تريد ان تصلي بأذانه،فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (6).و هذا كما يدل على التعميل يدل على التهليل أيضا،و كذا ما نقصه سهوا.
يجوز للإمام و المصلين خلفه الاجتزاء بأذان مؤذن المسجد،أو المؤذن في المصر إذا سمعوه،إذ كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و من بعده يفعلون ذلك،و لرواية عمرو بن خالد عن الباقر عليه السلام،قال:كنا معه فسمع اقامة جار له بالصلاة،فقال:«قوموا»،فقمنا فصلينا معه بغير أذان و لا
ص: 228
إقامة،قال:«يجزئكم أذان جاركم» (1).
و الطريق و ان كان رجاله زيدية الا انّه معتضد بعمل السلف،و برواية أبي مريم الأنصاري،قال:صلى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار و لا رداء،و لا أذان و لا إقامة،فلما انصرف قلت له في ذلك:فقال:«ان قميصي كثيف،فهو يجزئ ان لا يكون عليّ إزار و لا رداء.و اني مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم،فلم أتكلم،فأجزأني ذلك» (2).
فرع:
يعلم من هذا انّه لا يشترط كون المؤذن قاصدا الجماعة،و ان سماعة معتبر،و ان الكلام يقدح في الاجتزاء بالإقامة،كما علم مما سلف.
و في اجتزاء المنفرد بهذا الأذان نظر،أقربه ذلك،لانّه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
و هل يستحب تكرار الأذان و الإقامة للإمام السامع،أو لمؤذنه،أو للمنفرد؟يحتمل ذلك،و خصوصا مع اتساع الوقت.اما المؤذّن للجماعة و المقيم لهم فلا يستحب معه الأذان و الإقامة لهم قطعا.
ذلك الاقتداء به جماعة]
روى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يؤذن و يقيم ليصلي وحده،فيجيء رجل آخر فيقول له:نصلي جماعة،هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان و الإقامة؟قال:«لا،و لكن يؤذّن و يقيم» (3).
و بها أفتى الأصحاب (4)و لم أر لها رادا سوى الشيخ نجم الدين،فإنه ضعّف سندها بأنّهم فطحية،و قرّب الاجتزاء بالأذان و الإقامة أولا،لأنّه قد ثبت
ص: 229
جواز اجتزائه بأذان غيره فبأذان نفسه أولى (1).
قلت:ضعف السند لا يضرّ مع الشهرة في العمل و التلقي بالقبول، و الاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نيّة السامع للجماعة فكأنّه أذّن للجماعة، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.
كما يستحب الأذان للأداء يستحب للقضاء،لعموم:
«فليقضها كما فاته» (2).
و لو أذّن و أقام لأول ورده،ثم أقام للبواقي،جاز و ان كان أقل فضلا.
و ربما قيل:بأنّه الأفضل (3)لما روي:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله شغل يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء اللّه،فأمر بلالا فأذّن و أقام فصلّى الظهر،ثم أمره فأقام فصلّى العصر،ثم أمره فأقام فصلى المغرب،ثم أمره فأقام فصلّى العشاء» (4)و لا ينافي العصمة لوجهين:
أحدهما:ما روي من انّ الصلاة كانت تسقط أداء مع الخوف ثم تقضى،حتى نسخ ذلك بقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية (5).
الثاني:جاز ان يكون ذلك لعدم تمكّنه من استيفاء أفعال الصلاة،و لم يكن قصر الكيفية مشروعا،و هو عائد إلى الأول،و عليه المعوّل.
و لو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين،فالمشهور ان الأذان يسقط
ص: 230
في الثانية،قاله ابن أبي عقيل و الشيخ (1)و جماعة (2)سواء جمع بينهما في وقت الأولى أو الثانية،لأنّ الأذان إعلام بدخول الوقت و قد حصل بالأذان الأول.
و ليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الاولى،و ان جمع بينهما في وقت الثانية أذّن للثانية،ثم أقام و صلّى الاولى-لمكان الترتيب-ثم أقام للثانية.
و قد روى الأصحاب عن الباقر عليه السلام:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين،و بين المغرب و العشاء بأذان و إقامتين» (3).
و على هذا يكون الجمع بين ظهري عرفة و عشاءي المزدلفة مندرجا في هذا،لا لخصوصية البقعة بل لمكان الجمع.و قد روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام،قال:«السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن و يقيم للظهر ثم يصلي، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان،و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة» (4).
و هل يكره الأذان هنا؟لم أقف فيه على نصّ و لا فتوى،و لا ريب في استحباب ذكر اللّه على كل حال،فلو أذّن من حيث انه ذكر فلا كراهية.
و الأصل فيه:انّ سقوط الأذان هنا هل هو رخصة و تخفيف،أو هو لتحصيل حقيقة الجمع؟فعلى الأول لا يكره،و على الثاني يكره.
أما الأذان للعصر يوم الجمعة،فقال الشيخ في النهاية:لا يجوز (5)و في المبسوط:[يكره] (6).
و قال ابن إدريس:إنما يسقط أذان العصر عمن صلّى الجمعة،اما1.
ص: 231
المصلّي ظهرا فلا،و نقله عن المفيد و ابن البراج (1).
و قد روى حفص بن غياث عن الباقر و الصادق عليهما السلام:«الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» (2)و الطريق ضعيف،مع إمكان أن يراد به المسمّى بالأذان الثاني و يكون ثالثا بالنسبة إلى الإقامة.
و احتج الشيخ على الكراهية بما ذكرناه من جمع النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)،و ظاهر انه لا تصريح فيه بالكراهة،و الأقرب الجزم بانتفاء التحريم، و أنه يكره في مواضع استحباب الجمع.
اما لو اتفق الجمع مع عدم استحبابه،فإنّه يسقط أذان الإعلام،و يبقى أذان الذكر و الإعظام.
الناسي للأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة يتداركهما ما لم يركع،رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام (4)و علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام،لكن أطلق العود إذا لم يفرغ من الصلاة (5)و المطلق يحمل على المقيّد.
و لا تنافيهما رواية زرارة و أبي الصباح عن الصادق عليه السلام بعدم إعادة الناسي (6)لأن الثابت الاستحباب،و هو لا ينافي جواز الترك.
و أطلق في المبسوط استحباب الرجوع (7).
ص: 232
و في النهاية خصّ العامد بالرجوع (1)و اختاره ابن إدريس،و منع من جواز الرجوع للناسي (2).
و ابن أبي عقيل جوّز الرجوع للإقامة أيضا (3).
و ابن الجنيد:يرجع للإقامة ما لم يقرأ عامة السورة،و ان خاف ضيق الوقت كبّر و تشهد الشهادتين مرة مرة (4).
و روى زكريا بن آدم عن الرضا عليه السلام ان ذكر ترك الإقامة في الركعة الثانية و هو في القراءة:سكت و قال:(قد قامت الصلاة)مرتين،ثم مضى في قراءته (5)و هو يشكل بأنّه كلام ليس من الصلاة،و لا من الأذكار.
و روى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في ناسي الأذان و الإقامة و ذكر قبل ان يقرأ:«فليصل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و ليقم،و ان كان قد قرأ فليتمّ صلاته» (6).
و روى حسين بن أبي العلاء عنه عليه السلام:«إن ذكر انّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلّى اللّه عليه و آله،ثم يقيم و يصلّي» (7).
قلت:أشار بالصلاة على النبي أولا و بالسلام في هذه الرواية إلى قطع الصلاة،فيمكن ان يكون السلام على النبي قاطعا لها،و يكون المراد بالصلاة هناك:السلام،و ان يراد الجمع بين الصلاة و السلام،فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع،لانّه قد روي ان التسليم على النبي آخر الصلاة9.
ص: 233
ليس بانصراف (1).و يمكن ان يراد القطع بما ينافي الصلاة،اما استدبار أو كلام،و يكون التسليم على النبي مبيحا لذلك.و على القول بوجوب التسليم، يمكن ان يقال يفعل هنا ليقطع به الصلاة.
و روى نعمان الرازي عنه عليه السلام في ناسيهما حتى كبّر:«ان كان دخل المسجد،و من نيّته أن يؤذن و يقيم،فليمض في صلاته» (2)قيّد المضي بأن يكون من نية الناسي ذلك،فيعلم انه لو لم يكن من نيّته فعلهما قطع الصلاة،و هو يحتمل أمرين:
أحدهما:انه يكون قد تعمّد تركهما.
الثاني:ان لا يخطرا بباله.فإن أريد الأول أمكن جعله حجة للشيخ في النهاية (3)فإنا لم نقف له على حجّة هنا.
قال ابن الجنيد:لا يستحب الأذان جالسا إلا في حال تباح فيها الصلاة كذلك،و كذلك الراكب إذا كان محاربا أو في أرض ملصّة،و إذا أراد ان يؤذّن أخرج رجليه جميعا من الركاب،و كذا إذا أراد الصلاة راكبا،و يجوز للماشي و يستقبل القبلة في التشهد مع الإمكان،فأما الإقامة فلا تجوز الا و هو قائم على الأرض مع عدم المانع.
قال:و لا بأس ان يستدبر المؤذّن في أذانه إذا اتى بالتكبير و التهليل و الشهادة تجاه القبلة،و لا يستدبر في إقامته.و لا بأس ان يؤذّن الرجل و يقيم غيره.و لا بالأذان على غير طهارة،و الإقامة لا تكون الاّ على طهارة،و بما يجوز ان يكون داخلا به في الصلاة،فإن ذكر انّ إقامته كانت على غير ذلك رجع فتطهر و ابتدأ بها من أولها.
ص: 234
و لا يجوز الكلام بعد(قد قامت الصلاة)للمؤذّن،و لا للتابعين،الا بواجب لا يجوز لهم الإمساك عنه.
لو عرض قطع الصلاة بحدث أو غيره أعادها،و لا يعيد الأذان مطلقا و لا الإقامة الا ان يتكلم،لما سلف من إعادة الإقامة مع الكلام.
و روى عمار عن الصادق عليه السلام فيمن نسي حرفا من الأذان و الإقامة،قال:يرجع الى الحرف الذي نسيه فيستقبله و ما بعده (1)ذكر ذلك ابن بابويه.
و في التهذيب روى عن عمار عنه عليه السلام:في الإقامة البناء،و فيمن نسي حرفا من الأذان حتى تأخر (2)في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شيء (3).
و روى عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام:«يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة بغير أذان» (4).و روى الحلبي عنه عليه السلام عن أبيه:«انّه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة و لم يؤذن» (5).قال في التهذيب:هذا انما يكون للمنفرد غير المصلي جماعة (6).
قلت:في هذين الخبرين دلالة على انّه لا يتأكد الأذان للخالي وحده، إذ الغرض الأهم من الأذان الاعلام و هو منفي هنا،اما أصل الاستحباب فإنّه قائم،لعموم شرعية الأذان،و يكون الأذان هنا لذكر اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله.
ص: 235
فان قلت:«كان»يدلّ على الدوام،و الامام لا يداوم على ترك المستحب،فدلّ على سقوط أصل الاستحباب.
قلت:يكفي في الدوام التكرار،و لا محذور في إخلال الإمام بالمستحب أحيانا،إذ المحذور انما هو الهجران للمستحب.
منها:في الفلوات الموحشة.روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام:
«إذا تغولت بكم الغول فأذّنوا» (1).
و في الجعفريات عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا تغولت بكم الغيلان،فأذنوا بأذان الصلاة» (2)و رواه العامة (3).
و فسره الهروي:بانّ العرب تقول ان الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغوّل تغوّلا،أي:تتلون تلونا،فتضلهم عن الطريق و تهلكهم (4).و روي في الحديث:«لا غول» (5)و فيه إبطال لكلام العرب،فيمكن ان يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات و ان لم يكن له حقيقة.
و منها:الأذان في اذن المولود اليمنى،و الإقامة في اليسرى،نص عليه الصادق عليه السلام (6).
و منها:من ساء خلقه يؤذن في اذنه،فعن الصادق عليه السلام:«من لم يكن يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه،و من ساء خلقه فأذنوا في اذنه» (7).
ص: 236
و في مضمر سليمان الجعفري:سمعته يقول:«أذن في بيتك فإنّه يطرد الشيطان،و يستحب من أجل الصبيان» (1)،و هذا يمكن حمله على أذان الصلاة.
و منها:الأذان المقدّم على الصبح،لما مرّ.
و منعه المرتضى-في ظاهر كلامه-و ابن إدريس (2).
و قال ابن الجنيد:لا يؤذن لصلاة إلا بعد دخول وقتها،و كذا أبو الصلاح -رحمه اللّه-في الكافي (3).و صرح الجعفي بأنّه لا يؤذّن للفجر قبل وقتها كغيرها.
و احتج المرتضى:بأن الأذان دعاء إلى الصلاة،و علم على حضورها، ففعله قبل وقتها وضع للشيء في غير موضعه،و بأنّه روي ان بلالا أذّن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يعيد الأذان (4).
و أجيب:بجواز تقدّم الامارة على الحضور،للتأهب للصلاة بالطهارة من الخبث و الحدث،و بانّ فيه فائدة امتناع الصائم من الجماع و احتياطه بعدم الأكل الى غير ذلك من الفوائد،و اما إعادة الأذان فنقول به.و روى عمران بن علي عن الصادق عليه السلام في الأذان قبل الفجر:«إذا كان في جماعة فلا، و ان كان وحده فلا بأس» (5).
يجوز التثويب للتقية-و هو قول:الصلاة خير من النوم- في أذان الصبح أو العشاء الآخرة،و مع عدم التقية الأشهر الكراهية.
ص: 237
و قال في الخلاف:التثويب في أذان العشاء بدعة (1).
و قال في المبسوط:يكره التثويب،و لا يستحب الترجيع (2).
و قال المرتضى في الانتصار و الناصرية بكراهة التثويب (3).
و روى معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في التثويب الذي بين الأذان و الإقامة،قال:«ما نعرفه» (4).
و قد سبق تجويز ابن الجنيد التثويب في أذان الفجر (5).
و قال الجعفي:تقول في صلاة الصبح بعد قولك(حي على خير العمل):(الصلاة خير من النوم)مرتين،و ليستا من أصل الأذان.و قد رواه البزنطي عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام (6)و حمله الشيخ على التقية (7).
قال في المعتبر:لست أرى هذا التأويل شيئا،فإن في جملة الأذان(حي على خير العمل)و هو انفراد الأصحاب،لكن الأوجه ان يقال:فيه روايتان عن أهل البيت أشهرهما تركه (8).
قلت:و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام،انه قال:«كان أبي5.
ص: 238
ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم» (1)قال الشيخ:أجمعت الطائفة على ترك العمل بهذه (2).
و في النهاية:التثويب:تكرير الشهادتين دفعتين،و تبعه ابن إدريس،و لم يجوّزاه (3)و كذلك لم يجوّزا قول:(الصلاة خير من النوم) (4).
و جوّز الشيخ تكرير الشهادتين للإشعار (5).
و نقل الشيخ:انّه لا خلاف في نفي التثويب في غير الصبح و العشاء (6)، يعني به بين العامة.
و في قديم الشافعي ثبوته في الصبح خاصة و عليه أصحابه (7)و في الجديد:لا تثويب،و فسّره:بالصلاة خير من النوم (8).
و أبو حنيفة روي عنه انّ التثويب هو:ان تقول بعد الأذان و مكث قدر عشرين آية:(حي على الصلاة،حي على الفلاح) (9).
و اما العشاء الآخرة فلم يقل أحد باستحباب التثويب فيها الا الحسن بن صالح بن حي (10).و نقل عن الجعفي:انّه مستحب في جميع الصلوات.
و اشتقاق التثويب من ثاب إذا رجع الى الدعاء،أي:الصلاة،بعد ما دعا إليها بالحيعلتين.8.
ص: 239
قال ابن إدريس:يستحب للإمام ان يلي الأذان و الإقامة ليحصل له ثواب الجميع،الا ان يكون أمير جيش أو سرية،فالمستحب أن يلي الأذان و الإقامة غيره.و نقله عن الشيخ المفيد في رسالته الى ولده (1).
قلت:في استحباب هذا الجمع نظر،لانّه لم يفعله النبي صلّى اللّه عليه و آله الا نادرا،و لا واظب عليه أمير المؤمنين عليه السلام،و لا الصحابة و الأئمة بعدهم غالبا،الا ان نقول:هؤلاء أمراء جيوش أو في معناهم.
قال في المبسوط:لا فرق بين ان يكون الأذان في المنارة أو على الأرض،و المنارة لا يجوز ان تعلّى على حائط المسجد،و يكره الأذان في الصومعة (2)،مع انه استحب ان يكون المؤذّن على موضع مرتفع (3).و يمكن الجمع بين كلامية:بانّ المرتفع مخصوص بما ليس منارة عالية عن سطح المسجد،و لا صومعة.
و روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام و سأله عن الأذان في المنارة، أسنة هو؟فقال:«انما كان يؤذن للنبي صلّى اللّه عليه و آله في الأرض،و لم يكن يومئذ منارة» (4).
و روى السكوني:«ان عليا عليه السلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثم قال:لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد» (5).
و الفاضلان استحبا فعله في المنارة،لأنه قد ثبت وضعها في الجملة، و لو لا الأذان فيها لكانت عبثا» (6).
ص: 240
و قال ابن حمزة:يستحب في المأذنة،و يكره في الصومعة (1).
قال ابن البراج-رحمه اللّه-:يستحب لمن أذن أو أقام أن يقول في نفسه عند(حي على خير العمل):آل محمد خير البرية،مرتين.
و يقول أيضا في نفسه إذا فرغ من قوله(حي على الصلاة):لا حول و لا قوة إلا باللّه،و كذلك يقول عند قوله:(حي على الفلاح).و إذا قال:(قد قامت الصلاة)،قال:اللهم أقمها و أدمها،و اجعلني من خير صالحي أهلها عملا.
و إذا فرغ من قوله:(قد قامت الصلاة)قال في نفسه:اللهم رب (2)الدعوة التامة،و الصلاة القائمة،أعط محمدا صلواتك عليه و آله سؤله يوم القيامة، و بلغه الدرجة و الوسيلة من الجنة،و تقبل شفاعته في أمته (3).
و روى السكوني عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن آبائه،عن علي عليه السلام:«انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان إذا دخل المسجد و بلال يقيم الصلاة جلس» (4).
و روى عمران الحلبي انّه سأل الصادق عليه السلام عن الأذان في الفجر،قبل الركعتين أو بعدهما؟فقال:«إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما،و ان كنت وحدك فلا يضرك أقبلهما أذّنت أو بعدهما» (5).
ذكر معظم الأصحاب الفصل بخطوة بين الأذان و الإقامة (6)و لم أجد به حديثا.
ص: 241
و ذكروا تأكيد استحباب الأذان في الجهرية (1)و لم أجد سوى أخبار الغداة و المغرب.و علّله بعضهم:بان الجهر فيها يؤذن بعناية الشرع بالتنبيه عليها، و في الأذان زيادة تنبيه (2).و علل الصادق عليه السلام الغداة و المغرب بعدم التقصير فيهما (3).
و المفيد-رحمه اللّه-جعل العشاء الآخرة مع الظهرين في الاجتزاء بالإقامة للمنفرد (4).
قال الشيخ:ليس من السنّة ان يلتفت الامام بعد الفراغ من الإقامة يمينا و شمالا،و لا ان يقول:استووا رحمكم اللّه،لعدم الدليل عليه (5).
قلت:قد ثبت استواء الصفوف-لما يأتي إن شاء اللّه-و قد استثنى الأصحاب من الكلام بعد الإقامة تسوية الصفوف و الامام أحق الجماعة بذلك،فإذا استشعر عدم استواء استحب له الأمر بالاستواء.
و لما تقضّت أبواب المقدمات فحري ان نشرع في الصلاة،و ينحصر النظر فيها في أربعة أركان:
ص: 242
في أفعال الصلاة و توابعها
و فصوله أربعة:
و هي إمّا واجبة أو مندوبة.
النية،و التكبير،و القيام،و القراءة،و الركوع، و السجود،و التشهد،و التسليم.و المندوبة تذكر في تضاعيف هذه ان شاء اللّه تعالى.
و قد سبق بيان حقيقتها و وجوبها،و لنذكر هنا مسائل:
لأنّ الشرط ما يتوقف عليه تأثير المؤثر أو ما يقف عليه صحة الفعل و المعنيان موجودان في النيّة،و لأنّ«أول الصلاة التكبير»و النيّة مقارنة أو سابقة فلا تكون جزء،و لأنها لو كانت جزء لافتقرت إلى نيّة أخرى و يتسلسل،و لأن النيّة تتعلق بالصلاة فلو كانت جزء منها لتعلق الشيء بنفسه،و لان قوله صلّى اللّه عليه و آله:«الاعمال بالنيات» (1)يدل على مغايرة العمل للنية.
و تحقيق الحال فيه:انّ الجزء و الشرط يشتركان في انّه لا بدّ منهما إذا كان الجزء ركنا،و يفترقان بان الشرط ما يتقدم على الماهية-كالطهارة و ستر العورة- و الجزء ما تلتئم منه الماهية-كالركوع و السجود.
ص: 243
و قيل:الجزء ما تشتمل عليه الماهية.
و نقض بترك الكلام و الفعل الكثير و سائر المفسدات،فإنها مما تشتمل ماهية الصلاة على وجوب تركها،مع انها لا تعدّ جزء و انما يعدّها بعضهم شروطا.
و أجيب:بأن المراد ب(ما تشتمل عليه الماهية)من الأمور الوجودية المتلاحقة التي افتتاحها التكبير و اختتامها التسليم،و ظاهر انّ التروك أمور عدمية ليس فيها تلاحق،و هذا فيه تفسير آخر للأجزاء،و حينئذ الشروط ما عداها.
و قيل:انّ الشرط ما يساوق جميع ما يعتبر في الصلاة،و الركن ما يكون معتبرا فيها لا بمساوقة،فإن الطهارة و الاستقبال تساوق الركوع و السجود و سائر أفعال الصلاة،بخلاف الركوع فإنه لا يصاحب جميع الأفعال،و لا ريب انّ حقيقة الصلاة انما تلتئم من هذه الأفعال المخصوصة،فما لم يشرع فيها ليس بمصل و ان وجد منه سائر المقدمات.
و ظاهر ان النية مقارنة للتكبيرة الذي هو جزء و ركن،فلا يبعد انتظامها في الاجزاء،و خصوصا عند من أوجب بسط النية على التكبير،أو حضورها من أوله الى آخره (1)و لأنّ قوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2)مشعر باعتبار العبادة حال الإخلاص،و هو المراد بالنية،و لا نعني بالجزء الاّ ما كان منتظما مع الشيء بحيث يشمل الكل حقيقة واحدة.
و حينئذ نجيب عن تمسك القائلين بالشرطية.
اما عن الأول:فلأنّ النية و ان توقّف عليها تأثير المصلي في جعل الافعال متعبّدا بها،أو توقّف عليها صحة الفعل بمعنى:استتباع غايته من الثواب فلا ينافي ذلك جزئيّتها،لأن سائر الأجزاء التي هي كذلك تتوقّف5.
ص: 244
عليها الصلاة في صحتها،و في جعل أفعالها متعبدا بها شرعا-توقّف معيّة، فلم لا تكون النيّة كذلك؟.
و عن الثاني:انه مصادرة على المطلوب.
و عن الثالث:منع الملازمة،و سند المنع ان قولنا:الجزء من العبادة يفتقر إلى نيّة ليست القضية فيه كلية،فإنه يخرج عنها النية و النظر الأول المعرف،لوجوب النظر و المعرفة.
و عن الرابع:انه لما كانت النيّة لا تحتاج إلى نيّة كان متعلقها بقية أجزاء الصلاة فلا تتعلق بنفسها،فقول المصلي أو قصده(أصلي)عبارة عن الإتيان بمعظم أفعال الصلاة،تسمية للشيء باسم أكثره.
و عن الخامس:ان المغايرة حاصلة بين جزء الماهية و كلّها ضرورة،و لا يلزم منه الشرطية.
و هذه المسألة لا جدوى لها فيما يتعلق بالعمل الا فيما ندر-كالنذر لمن كان مصليا في وقت كذا،أو ابتدأ الصلاة في وقت كذا-فان جعلناها جزء استحق و برّ،و الاّ فلا.و الاتفاق واقع على اعتبارها في الصلاة بحيث تبطل الصلاة بفواتها و لو نسيانا،سواء جعلناها شرطا أو جزء،و قد اختار في المعتبر انها شرط و احتج بالوجهين الأولين (1).
و اما ما يتخيّل من أن القول بالشرطية يستلزم جواز إيقاعها قاعدا و غير مستقبل بل و غير متطهر و لا مستور العورة فليس بسديد،إذ المقارنة المعتبرة للجزء تنفي هذه الاحتمالات و لو جعلناها شرطا.
فلا بد من كونه معلوما،فيجب إحضار ذات الصلاة و صفاتها الواجبة من التعيين و الأداء أو القضاء و الوجوب للتقريب الى اللّه تعالى،ثم يقصد الى هذا المعلوم.
ص: 245
و تحقيقه:انه إذا أريد نيّة الظهر مثلا،فالطريق إليها إحضار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن،فإذا حضر قصد المكلّف إلى إيقاعه تقربا الى اللّه و ليس فيه ترتيب بحسب التصور،و ان وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير عنه بالألفاظ،إذ من ضروراتها ذلك.فلو انّ مكلّفا أحضر في ذهنه الظهر الواجبة المؤداة،ثم استحضر قصد فعلها تقربا و كبّر،كان ناويا.و لو جعل القربة مميزا،كأن يستحضر الظهر الواجبة المؤداة المتقرّب بها و يكبّر مع إرادة التقرّب منه،صحّت النية.و لكنه يكفي إرادة التقرّب منه عن استحضاره أولا و عن جعله مشخصا رابعا،و لا يكفي تشخيصه عن جعله غاية،فمن ثم جعل إحضار الذات و الصفات مشخصات،و لم يجعل القربة مشخصا بل جعلت غاية،فاتي بلام التعليل في قوله:(للتقرب الى اللّه تعالى).
فان قلت:بيّن لي انطباق هذه العبارة على النيّة المعهودة،و هي:
(أصلي فرض الظهر)الى آخره،فان مفهوم هذه العبارة المذكورة في الكتاب يقتضي ان قوله:(أصلي)الى آخره بعد ذلك الإحضار،فيلزم تكرر النيّة،أو نيّة النيّة،و هما محالان.
قلت:إذا عبّر المكلف بهذه الألفاظ،فقوله:(فرض الظهر)إشارة إلى الفرض و التعيين،و(أداء)إلى الأداء،و(لوجوبه)الى ما يقوله المتكلمون من انه ينبغي فعل الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه،و قوله(قربة الى اللّه)هي غاية الفعل المتعبّد به.و في هذا إحضار الذات و الصفات كما ذكر،فقوله:(أصلي) هو عبارة عن القصد المتعلق بها و هو و ان كان متقدما لفظا فإنّه متأخر معنى.
و في قولنا(للتقرب الى اللّه)إشارة إلى فائدة،هي:ان الغاية ليست متعدّدة بل هي متحدة،أعني التقريب الى اللّه تعالى الذي هو غاية كل عبادة.
و على ترتيب النية المعهودة بتلك الألفاظ المخصوصة و انتصابها على المفعول له،أو الإتيان فيها بلام التعليل،يشكل إعرابه من حيث عدم تعدّد المفعول لأجله إذا كان المغيّا واحدا الاّ بالواو.
ص: 246
و اعتذر بعض النحاة من الأصحاب بأن الوجوب مثلا في هذه النيّة غاية لما قبله،و التقرب غاية للوجوب،فتعدد الغاية بحسب تعدد المغيّا،فاستغني عن الواو.فإذا صورت النيّة على الوجه الذي ذكرناه لم يكن إلاّ غاية واحدة و يزول ذلك الإيراد من أصله،مع انّه ليس له تعلق بالنيّة الشرعية،بل متعلقه الألفاظ التي لا مدخل لها في المقصود.فإن أريد التعبير بنيّة تطابق ما ذكرنا ملفوظة فليقل أصلي فرض الظهر الواجب المؤدي أو المقضي قربة الى اللّه و هذه العبارة كافية في هذا المقام و نحوها من العبارات و الغرض بها إيصال المعاني إلى فهم المكلفين لا التلفظ بها.
و من الأصحاب من جعل إحضار ذات الصلاة و صفاتها هي المقصودة، و الأمور الأربعة مشخصات للمقصود،أي:يقصد الذات و الصفات مع التعيين و الوجوب و الأداء و القربة،و كانت نيته هكذا:(أصلّي فرض الظهر)بأن أوجد النية و تكبيرة الإحرام مقارنة لها،ثم اقرأ،و يعدّد أفعال الصلاة الى آخرها،ثم يعيد(أصلي فرض الظهر)على هذه الصفات أداء الى آخره (1).و هذا و ان كان مجزيا،الاّ ان الاعراض عنه من أوجه ثلاثة.
أحدها:انه لم يعهد عن السلف فعله.
و ثانيها:انه زيادة تكليف و الأصل عدمه.
و ثالثها:انه عند فراغه من التعدّد و شروعه في النيّة،لا تبقي تلك الاعداد في التخيّل مفصّلة،فإن كان الغرض التفصيل فقد فات،و ان اكتفى بالتصور الإجمالي فهو حاصل ب(صلاة الظهر)إذ مسماها تلك الافعال.
على ان جميع ما عدّده انما يفيد التصوّر الإجمالي،إذ واجب كل واحد من تلك الافعال لم يعرض له،مع أنها أجزاء،منها مادية أو صورية.
إذا عرفت ذلك،فاعلم انه يجب عند إحضار الذات و الصفات و القصد8.
ص: 247
إليها ان يجعل قصده مقارنا لأول التكبير،و يبقى على استحضاره الى انتهاء التكبير،فلو عزبت قبل تمام التكبير ففي الاعتداد بها وجهان:
أحدهما:نعم،لعسر هذه الاستدامة الفعلية،و لان ما بعد أول التكبير في حكم الاستدامة،و الاستمرار الحكمي كاف فيها.
و الثاني:عدم الاعتداد بها،لان الغرض بها انعقاد الصلاة و هو لا يحصل الا بتمام التكبير.و من ثم لو رأى المتيمم الماء في أثناء التكبير بطل تيممه.
و الوجه وجوبه الاّ أن يؤدي الى الحرج.
و من الأصحاب من جعل النية بأسرها بين الالف و الراء (1)و هو مع العسر مقتض لحصول أول التكبير بغير نيّة.
و من العامة من جوّز تقديم النيّة على التكبير بشيء يسير كنيّة الصوم (2)و هو غير مستقيم،لأنه إن وقعت المقارنة بعده فهي المعتبرة و الا لم تجز،و انما جاز التقدّم في الصوم لعسر المقارنة.
لأنّ جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلا بالنيّة،و هي ما ذكرناه آنفا.
و هل يجب تعيين الفرضية؟أوجبه في المعتبر،ليتميز عن الظهر المعادة مثلا (3).و الظاهر ان الوجوب كاف عنه،و به تخرج المعادة إن أتى به في النيّة، و لو جعله معللا كقوله(لوجوبه)فان فيه دلالة على انّ الفعل واجب في نفسه، و المتكلمون لما أوجبوا إيقاع الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه جمعوا بين الأمرين، فينوي الظهر المفروض أو الواجب لكونه واجبا.و هذا يطرد في جميع نيّات العبادات،و ان كانت ندبا نوى الندب لندبه،لكن معظم الأصحاب لم يتعرضوا
ص: 248
له في غير الصلاة.
و لو نوى فريضة الوقت أجزأ عن نيّة الظهر أو العصر مثلا،لحصول التعيين به إذ لا مشارك لها.هذا إذا كان في الوقت المختص،اما في المشترك فيحتمل المنع لاشتراك الوقت بين الفريضتين،و وجه الاجزاء انّ قضية الترتيب يجعل هذا الوقت للأولى.
و لو صلّى الظهر،ثم نوى بعدها فريضة الوقت،أجزأ و ان كان في المشترك.و يجزئ أن ينوي فرض الظهر،لانّه قد صار علما على الصلاة،و ان كان في الأصل أسماء لوقت الظهيرة،و لا يفتقر إلى نيّة فرض صلاة الظهر على الأقرب.
و لا تفاصيل الافعال،بل يكفي الإجمال في إحضار ذات الصلاة.و لو تعرّض للعدد،لم يضر.و لو أخطأ في العدد،فالأقرب البطلان،الاّ ان يكون الخطأ في التلفظ فلا عبرة به.
و لو تخيّر المسافر بين المقام و القصر-كما في أحد الأماكن الأربعة، و كما لو قصد أربعة فراسخ و لم يرد الرجوع ليومه على قول (1)أو خرج من منزلة بعد وجوب الصلاة و صلاها مسافرا على قول (2)-جزم كثير من الأصحاب بأنّه لا يشترط التعيين،بل يكفي القصد الى مطلق الصلاة (3)و لهذا يجوز عدول المسافر الى التمام لو نوى في أثناء الصلاة الإقامة.و يحتمل وجوبه،لأنّ الفرضين مختلفان،فلا يتخصّص أحدهما إلاّ بالنية.
و على الأول لو نوى أحدهما فله العدول الى الآخر.و على الثاني يحتمل ذلك،لأصالة بقاء التخيير.و يحتمل جواز العدول من التمام الى القصر دون
ص: 249
العكس،كي لا يقع الزائد بغير نيّة.
و لا يشترط تعيين الاستقبال،لحصوله و ان لم ينوه،كما لا يشترط أن ينوي:و انا طاهر.
و لا تعيين اليوم.فلو نوى ظهر الجمعة و كان الخميس،فان كان متعمدا فالأقرب البطلان،و ان كان ظانا لم يضر،لأنّ الوقت تعيّن شرعا.اما لو نوى القاضي ظهر يوم الخميس و كان عليه ظهر الجمعة لظنه الجمعة لم يجز،لأنّ الوقت غير متعيّن له شرعا-اعني وقت الفعل-و انما يقضي ما وجب في ذمته و لم ينو ما وجب.و يحتمل الاجزاء،لانّه قصد الى ما في ذمته،و انما أخطأ في نسبته الى زمان لا يضر ترك نسبته اليه.
و لا تشترط نيّة القيام أو القعود.و لو نوى الفرض قاعدا و هو مخاطب بالقيام،أو بالعكس،فالأولى البطلان لتلاعبه.
تنبيه:
قال أبو الصلاح:من حق المصلي ان يكون طائعا بإيقاع الصلاة على الوجه المشروع،متكاملة الاحكام و الشروط و الكيفيات،عامدا في حال فعلها بكونه معترفا بنعمة سبحانه خاضعا له (1).
قال:و يستحب ان يرجو بفعلها مزيد الثواب،و النجاة من العقاب، و ليقتدى به و يرغم الضالون (2).
كالاستسقاء،و العيد المندوب.
و الرواتب الأقرب اعتبار إضافتها إلى الفرائض للتميز،و في الليلة يضيفها الى الليل.و الفاضل اكتفى بنية الفعل في الرواتب،و هو بعيد؟لاشتراكه.
و لا بدّ من نيّة النفل أيضا.و لو نوى في النفل عددا،و قلنا بجواز الزيادة على ركعتين،فله الزيادة و النقص.
ص: 250
و لا يشترط في النافلة المطلقة سوى النفل و القربة.
بطلت النية،
الا ان يكون مستحضرا لها بالفعل حال التلفظ.
و لا يستحب الجمع بين اللفظ و القلب في النية،لأنّ النية من أفعال القلوب،و لم يثبت استعمال اللسان فيها.و لو جمع لم يضر.
إجماعا،و لا يجب الاستحضار الفعلي،لعسره،و لا يستحب،لتحقق انعقاد الصلاة.
و معنى الحكم:أن لا ينوي المنافي في باقي الصلاة.فلو نوى الخروج في الحال،أو تردّد فيه،أو شك هل يخرج أم لا،بطل.اما خواطر النفس بالوسوسة فعفو.
و لو نوى الخروج في الثانية،أو علّقه على أمر ممكن،أو نوى ببعض الأفعال غير الصلاة،أو نوى بواجبها الندب،أو بأدائها القضاء،أو بأفعال الظهر العصر،أو الرياء و لو كان بالذكر المندوب،بطلت،لعدم الاستمرار الواجب.
اما لو نوى بالزيادة على الواجب من الافعال الوجوب،أو الرياء،أو غير الصلاة،فإنّه يلتحق بالفعل الخارج عن الصلاة فتبطل إن كثير،و الاّ فلا.
و لو نوى فعل المنافي-كالحدث،و الكلام،و الاستدبار-ففي الإبطال وجهان،أقربهما:نعم،للتنافي بين إرادتي الضدين.
و يجوز النقل من الفريضة إلى غيرها في الفوائت المترتبة،و من الحاضرة إلى الفائتة و بالعكس،و من الفرض الى النفل لطالب الجماعة،و ناسي قراءة الجمعة فيها.
و لا يجوز النقل من النفل الى الفرض،لأنّ القوي لا يبني على الضعيف.و للشيخ قول بجوازه في الصبي يبلغ في أثناء الصلاة (1).
ص: 251
و لو نوى النفل حينئذ ببعض الافعال أو بجميع الصلاة خطأ،فالأقرب الإجزاء،لاستتباع نية الفريضة باقي الأفعال فلا يضر خطوة في النيّة،و لما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام في رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة و هو يرى أنها نافلة،فقال:«هي التي قمت فيها و لها»،و قال:«إذا قمت في فريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة،و انما يحسب للعبد من صلاته التي ابتداء في أول صلاته» (1).
و روى يونس عن معاوية،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة أو كان في النافلة فظن أنها مكتوبة،قال:«هي على ما افتتح الصلاة عليه» (2).
لانتقاله عن محله.
و لو شك و هو لم يكبّر أعاد.
و لو شك في أثناء التكبير فالأقرب الإعادة،و خصوصا إذا أوجبنا استحضارها الى آخر التكبير.
و لو شك هل نوى ظهرا أو عصرا،أو نفلا أو فرضا،بنى على ما قام إليه، فان لم يعلمه بطلت صلاته،لعدم الترجيح.
و لو شك بعد صلاة أربع هل صلى الظهر أو العصر،فالأقرب البناء على الظهر،لأنّ الظاهر انّه بدأ بالواجب أولا.و يحتمل أن يصلّي رباعية مرددة بين الظهر و العصر،لحصول البراءة به إذا كانت الاولى صادفت الوقت المشترك.
خلالها إتمامها،
فإنه يجب عليه إتمامها،قال:لأنّ عندنا النذر ينعقد بالقلب.
ص: 252
كما ينعقد بالقول.نعم،لو تلفظ بالنذر بطلت صلاته (1)،و سيأتي ان شاء اللّه تحقيق ذلك.4.
ص: 253
و فيها مسائل:
بمعنى:بطلان الصلاة بتركها عمدا و سهوا إجماعا-و كذا باقي أركان الصلاة التي هي:النية،و القيام،و الركوع، و السجدتان معا-لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يقبل اللّه صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه،ثم يستقبل القبلة فيقول:اللّه أكبر» (1)و لانه كان يفتتح الصلاة بالتكبير دائما.
و سأل زرارة الباقر و الصادق عليهما السلام في ناسي تكبيرة الإحرام، فقال:«يعيد» (2)و رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (3).
و بإزاء هذه الروايات:ان الناسي لا يعيد،كرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام (4).
و روى ذريح عنه عليه السلام (5)و زرارة عن الباقر عليه السلام:ان الناسي يكبّر قبل القراءة أو بعدها (6).
و روى البزنطي عن الرضا عليه السلام في ناسي تكبيرة الافتتاح حتى كبّر للركوع:«يجزئه» (7).
و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام فيمن نسي أن يكبّر فبدأ
ص: 254
بالقراءة،فقال:«ان ذكر و هو قائم كبر،و ان ركع فليمض في صلاته» (1).
و هذه الروايات تخالف إجماع الأصحاب-بل إجماع الأمة،إلا الزهري و الأوزاعي فإنهما لم يبطلا الصلاة بتركها سهوا (2)-و حملها الشيخ على الشك. (3).
عندنا و عند الأكثر،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انما هي:التكبير،و التسبيح،و قراءة القرآن» (4).
و قال شاذ من العامة:ليس التكبير من الصلاة،بل الصلاة ما بعده،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«تحريمها الكبير»و المضاف مغاير للمضاف اليه (5).
قلنا:كل جزء يغاير كله و يصح إضافته إليه،كما يقال:ركوع الصلاة، و سجود الصلاة،و وجه زيد.
و اما رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام:«انّ أمير المؤمنين عليه السلام قال:أول صلاة أحدكم الركوع» (6)فالمراد انّ أول ما يعلم به كون الإنسان مصليا الركوع لان ما قبله محتمل للصلاة و غيرها،أو انّ الركوع أفضل مما سبق فكأنّه أول بالنسبة إلى الفضل.
و يؤيده رواية زرارة عن الباقر عليه السلام في فرائض الصلاة:«أنها:
الوقت،و الطهور،و الركوع،و السجود،و القبلة،و الدعاء» (7).
ص: 255
فلو عكس الترتيب،أو عرّف أكبر أو نكّره،أو قال:اللّه الأكبر،بطلت،لأن الذي وقع بيانا من النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)هو الصيغة المخصوصة فلا يجوز العدول عنها.و أبعد من الاجزاء قوله:
اللّه العظيم أو الجليل.
و قال ابن الجنيد:ينعقد بقوله:اللّه الأكبر،و ان كان فعله مكروها (2).
و لا تجزئ الترجمة للقادر،تأسيا بما فعله صاحب الشرع.فلو لم يعلمه وجب عليه التعلم،و لا يصلّي الاّ مع ضيق الوقت فيحرم بلغته،لأنّ المعنى معتبر مع اللفظ،فإذا تعذّر اللفظ وجب اعتبار المعنى.
اما الأخرس،فيجب عليه النطق بما يمكن،فان تعذّر حرك لسانه و أشار بإصبعه،و يكون ذلك بدلا من اللفظ،تحصيلا للمعنى مهما أمكن.
و لو أخلّ المصلي بحرف منها،بطلت.و حينئذ لو وصل همزة(اللّه) فالأقرب البطلان،لأنّ التكبير الوارد من صاحب الشرع انما كان بقطع الهمزة، و لا يلزم من كونها همزة وصل،سقوطها،إذ سقوط همزة الوصل من خواص الدرج بكلام متصل و لا كلام قبل تكبيرة الإحرام،فلو تكلفه فقد تكلف ما لا يحتاج اليه،فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعا.
من الاستقبال و القيام و غيرهما،تحقيقا للجزئية.فلو كبّر و هو آخذ في القيام،أو و هو هاو الى الركوع كما يتفق للمأموم،فالأقرب البطلان،لان الانحناء ليس قياما حقيقيا.
و هل تنعقد نافلة؟الأقرب المنع،لعدم نيّتها.و وجه الصحة حصول التقرب،و القصد إلى الصلاة،و التحريم بتكبيرة لا قيام فيها،و هي في خصائص النافلة.
ص: 256
و جوّز الشيخ أن يأتي ببعض التكبير منحنيا (1)و لم نقف على مأخذه.
و يشترط فيها الموالاة.فلو فصل بين الجلالة و أكبر بكلمة-كقوله اللّه الجليل،أو تعالى أكبر-أو سكت بينهما بما يعدّ فصلا،أو جعلهما على هيئة التلفظ بأسماء العدد،بطلت،لأنّ كل ذلك تغيير للهيئة المتلقاة من صاحب الشرع.
فلو قصد به تكبير الركوع،أو لم يقصد أحدهما،بطل.
و لو قصدهما معا-كما في المأموم-فالإجزاء مذهب ابن الجنيد و الشيخ في الخلاف،محتجا بإجماعنا (2)و رواه معاوية بن شريح عن الصادق عليه السلام:«إذا جاء الرجل مبادرا و الامام راكع،أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع» (3).و يمكن حمل كلام الشيخ و الرواية على انّ المراد سقوط تكبير الركوع هنا و يكون له ثوابه لإتيانه بصورة التكبير عند الركوع،لا على انّ المصلّي قصدهما معا،لان الفعل الواحد لا يكون له جهتا وجوب و ندب.
و لو قلنا بوجوب تكبيرة الركوع-كما يجيء،و قد صرح به الشيخ هنا في الخلاف (4)-لم تجز الواحدة،لأن تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب خلاف الأصل،و كذا لو نذر تكبيرة الركوع لم تجز الواحدة.و حينئذ لو قصدهما معا،فالأقرب عدم تحرّمه بالصلاة،لعدم تمحض القصد إليها.و لا تنعقد صلاته نفلا أيضا،لعدم نيته،أو لأن المسبب الواحد لا يجزئ عن السببين، فعلى هذا لو نوى المتنفل بالتكبيرة الواحدة تكبيرتي الإحرام و الركوع لم يحصلا و لا أحدهما.
ص: 257
و عندي في هذه المسألة نظر،لأنّ الأسباب قد تتداخل وجوبا-كما في إجزاء الغسل الواحد للجنب و ماس الميت-و ندبا-كما في إجزاء الغسل المندوب عن أسباب كثيرة-و الفعل الواحد قد يحصل به الواجب و الندب كما في الجمع بين الصلاة على البالغ ستا و الناقص عنها.
فرع:
لو كبّر للافتتاح،ثم كبّر ثانيا له مصاحبا للنية و لم ينو بطلان الاولى بطلت الثانية،لأنه زيادة ركن،فلو كبر ثالثا صحت.
و لو نوى بطلان الاولى،و قلنا:بأن النية كافية،صحت الثانية.
و لو نوى بالثانية الافتتاح غير مصاحب نية الصلاة فالأقرب،البطلان،اما إذا لم ينو بالأول الافتتاح فظاهر،لعدم المقارنة،و اما إذا نوى به فلزيادة الركن، ان قلنا:بنيّة الافتتاح المجردة عن نيّة الصلاة تحصل ركنيّته،و الاّ فلا إبطال.
فلو بالغ في مدّ الألف المتخلل بين الهاء و اللام كره،و لو أسقطه بالكلية بطل،و لا عبرة بالكتابة و لا باللغة الضعيفة فيه بالسقوط.
و لو مدّ همزة(اللّه)صار بصورة الاستفهام،فان قصده بطلت الصلاة، و الاّ ففيه وجهان:البطلان،لخروجه عن صيغة الاخبار.و الصحة،لأن ذلك كاشباع الحركة.و الأول أولى.
و يأتي بلفظ أكبر على زنة افعل،فلو أشبع فتحة الباء صار جمع كبر -بفتح الكاف و الباء-و هو:الطبل له وجه واحد،فان قصده بطلت و الاّ فالوجهان.اما لو كان الإشباع يسيرا لا يتولد منه ألف لم يضر.
و أوجبه المرتضى (1)لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام
ص: 258
فعلوه (1)و للأمر به قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (2)و روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام في النحر:«رفع اليدين حذاء الوجه» (3).
قلنا:الفعل أعمّ من الواجب و الندب،و كذا الأمر.
و حدّ الرفع محاذاة الأذنين و الوجه،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (4)و الصادق عليه السلام (5).
و قال الشيخ:يحاذي بهما شحمتي الاذن (6).
و قال ابن أبي عقيل:يرفعهما حذو منكبيه،أو حيال خدّيه،لا يجاوز بهما أذنيه.
و قال ابن بابويه:يرفعهما الى النحر،و لا يجاوز بهما الأذنين حيال الخدّين (7).
و ليكونا مبسوطتين،و يستقبل بباطن كفيه القبلة.و لتكن الأصابع مضمومة،و في الإبهام قولان،و فرقه أولى،و اختاره ابن إدريس (8)تبعا للمفيد (9)6.
ص: 259
و ابن البراج (1)و كل ذلك منصوص (2).
و لو كانت يداه تحت ثيابه و لم يخرجهما،رفعهما تحت الثياب.و لو كان بهما عذر يمنع من كمال الرفع،رفع المقدور.و لو كان بإحداهما عذر،رفع الأخرى.و مقطوع اليدين يرفع الذراعين،و لو قطع الذراعان رفع العضدان.و لو قدر على الرفع فوق المنكبين،أو دون الأذنين،و لم يقدر على محاذاة الأذنين، اختار الأول،لاشتماله على المستحب.
و يكره ان يتجاوز بهما رأسه و أذنيه اختيارا،لما رواه العامة من نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)و رواه ابن أبي عقيل فقال:قد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله مر برجل يصلّي و قد رفع يديه فوق رأسه،فقال:ما لي أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رءوسهم كأنّها آذان خيل شمس؟!» (4).
و عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا افتتحت الصلاة فكبرت، فلا تتجاوز أذنيك،و لا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك» (5).3.
ص: 260
و الأصح انّ التكبير يبتدأ به في ابتداء الرفع،و ينتهي عند انتهاء الرفع-لا في حال القرار مرفوعتين و لا حال إرسالهما،كما قاله بعض الأصحاب (1)-لقول عمار:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (2).و لا فرق بين الرجل و المرأة في ذلك،و لا بين صلاة الفرض و النفل.
و يتأكد استحباب الرفع في تكبيرة الإحرام،و كذا يتأكد استحباب الرفع في التكبير كلّه للإمام.
لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«التكبير جزم» (3).
و يستحب الجهر بها للإمام ليعلم من خلفه افتتاحه،و الاسرار للمأموم، أما المنفرد فله الخيرة في ذلك.و أطلق الجعفي رفع الصوت بها.
و التوجّه بست غيرها أو أربع أو اثنتين،لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا افتتحت الصلاة فكبّر،إن شئت واحدة،و ان شئت ثلاثا،و ان شئت خمسا،و ان شئت سبعا،كل ذلك مجزئ غير انك إذا كنت إماما لم تجهر إلاّ بتكبيرة واحدة» (4).
و ليدع عقيب الثالثة بما روى الحلبي عن الصادق عليه السلام:«اللهم أنت الملك الحق،لا إله إلاّ أنت سبحانك،اني ظلمت نفسي فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت.ثم يكبر تكبيرتين و يقول:لبيك و سعديك،و الخير في يديك،و الشر ليس إليك،و المهدي من هديت،لا ملجأ منك إلاّ إليك، سبحانك و حنانيك تباركت و تعاليت سبحانك رب البيت.ثم يكبر اثنتين
ص: 261
و يقول:وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض،عالم الغيب و الشهادة، حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين» (1).
و روى زرارة عن الباقر عليه السلام في التوجّه:« وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ على ملة إبراهيم، حَنِيفاً مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ،وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين» (2).
و قد ورد الدعاء عقيب السادسة بقوله:«يا محسن قد أتاك المسيء،و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء،و أنت المحسن و أنا المسيء،فصل على محمد و آله،و تجاوز عن قبيح ما تعلم مني» (3).
و ورد أيضا انه يقول:«رب اجعلني مقيم الصلاة و من ذريتي» (4)الآية.
و كل حسن.
قال الأصحاب:و يتخيّر المصلّي في تعيين تكبيرة الإحرام من هذه، و الأفضل جعلها الأخيرة (5).
و الأقرب عموم استحباب السبع في جميع الصلوات.و قال علي بن بابويه:تختص بالمواضع الستة:أول كل فريضة،و أول صلاة الليل،و الوتر، و أول نافلة الزوال،و أول نافلة المغرب،و أول ركعتي الإحرام (6)و زاد الشيخان:7.
ص: 262
الوتيرة (1).
لنا:انه ذكر اللّه تعالى،و الأخبار مطلقة فالتخصيص يحتاج الى دليل.
و يجوز الولاء،بينهما،لما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام«استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء» (2).
و زاد ابن الجنيد بعد التوجّه:استحباب تكبيرات سبع،و(سبحان اللّه) سبعا،و(الحمد للّه)سبعا،و(لا إله إلاّ اللّه)سبعا،من غير رفع يديه،و نسبه الى الأئمة عليهم السلام (3).
و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا كبرت في أول الصلاة بعد الاستفتاح احدى و عشرين تكبيرة،ثم نسيت التكبير،أجزأك» (4).
فرع:
لو لحق المأموم الإمام حال القراءة استحب له التوجّه بالسبع،ثم يقرأ مستحبا في الإخفاتية-كما يأتي إن شاء اللّه-و لو خاف فوت القراءة ترك التوجّه، قاله في المبسوط (5).
فائدة:
روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«ان الحسين عليه السلام أبطأ عن الكلام،فخرج به النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى الصلاة فأقامه عن يمينه،و افتتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكبّر الحسين عليه السلام،فأعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التكبير فأعاد الحسين عليه السلام،و هكذا سبعا،فجرت4.
ص: 263
السنّة بذلك» (1).
و روى هشام بن الحكم عن الكاظم عليه السلام علّة أخرى،و هي:«انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما اسري به الى السماء قطع سبعة حجب،فكبّر عند كل حجاب تكبيرة،حتى وصل الى منتهى الكرامة» (2).
و روى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام:«انما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا،لأن أصل الصلاة ركعتان و استفتاحهما بسبع تكبيرات:
للافتتاح و الركوع و تكبيرتين للسجود،فإذا كبّر سبعا أولا لم يضره السهو عن بعض التكبيرات» (3).
قال ابن بابويه:لا تناقض في هذه العلل،بل كثرتها مؤكدة (4).
قال:و سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى رفع اليدين في التكبيرة الأولى،فقال:«معناه اللّه أكبر الواحد الأحد ليس كمثله شيء،لا يلمس بالأخماس،و لا يدرك بالحواس» (5).
تنبيهات:
الأول: روى الحلبي عن الصادق عليه السلام:انّ الامام يسرّ في الستّ الزائدة،و يجهر بالواجبة (6).
الثاني: لا يستحب رفع اليدين بالدعاء بين التكبيرات،و لا بعدها،قاله ابن الجنيد:و ظاهر الأصحاب انه لا يرفع يديه بدعاء في الصلاة،إلاّ دعاء القنوت.1.
ص: 264
الثالث: لا فرق في استحباب التكبيرات بين المنفرد و الامام و المأموم.
و ظاهر ابن الجنيد اختصاص المنفرد بالاستحباب،و هو شاذ.
تحقيقا للقدوة.فلو كبّر معه قطع الشيخ بالصحة في المبسوط (1)كما يجوز أن يساوقه في بقية الافعال،و ان كان تأخره في التكبير أفضل.
و منع منه في الخلاف،لأنّ معنى الاقتداء أن يفعل الفعل كما فعله الامام،و ذلك لا يكون الا بعد فراغ الامام،و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إنما الامام مؤتم به،فإذا كبّر فكبّروا»و هو نص (2).فان كبّر قبله لم يصح،و وجب قطعها بتسليمة و يستأنف بعده.
قال:و كذا لو كان قد صلّى شيئا من الصلاة و أراد ان يدخل مع الامام قطعها و استأنف معه (3)(4).
و الظاهر انّ هذا القطع في الموضعين مستحب،تحصيلا لفضيلة الجماعة.و اما وجوب كونه بتسليمة كما ذكره الشيخ فمشكل على مذهبه من ندبية التسليم (5)و يمكن أن يراد به الوجوب التخييري بينه و بين فعل باقي المنافيات و ان كان التسليم أفضل،أما وجوبه عينا فلا،و خصوصا عند القائلين بندبيّة التسليم.
و انما أخّر عن النية و التكبير ليتمحض جزءا من
ص: 265
الصلاة،إذ هو قبلهما شرط محض،و في أثنائهما متردد بين الشرط و الجزء.و لو قدم البحث فيه عليهما جاز،كما فعله جماعة منهم:الشيخ في المبسوط.
و الكلام إما في واجباته،أو في مستحبّاته،
و قوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (1)أي:مطيعين.
و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال لعمران بن الحصين:«صل قائما،فان لم تستطع فقاعدا،فان لم تستطع فعلى جنب» (2).
و روى أبو حمزة عن الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ :«الصحيح يصلّي قائما،و المريض يصلّي جالسا،و الأضعف من المريض يصلّي على جنبه» (3).
و لا يخلّ بالانتصاب اطراق الرأس،إذ المعتبر نصب الفقار.و يخلّ به الميل الى اليمين أو اليسار اختيارا بحيث يزول عن سنن القيام،و كذا إذا انحنى و لو لم يبلغ حدّ الراكع لم يجزئه.
اما من تقوس ظهره لكبر أو زمانة فإنه يجزئه تلك الحالة،بل يجب عليه القيام كذلك،و لا يجوز له القعود عندنا.
و المراد بالإقلال ان يكون غير مستند إلى شيء،بحيث لو رفع السناد سقط.
و روى علي بن جعفر،عن أخيه عليه السلام في الاستناد إلى حائط المسجد،و وضع اليد عليه من غير مرض و لا علّة،فقال:«لا بأس»و كذا لو
ص: 266
استعان على القيام بتناول جانب المسجد من غير علّة (1).
و أخذ أبو الصلاح بظاهر الخبر،و عدّ الاعتماد على ما يجاور المصلّي من الأبنية مكروها (2)و الخبر لا يدل على الاعتماد صريحا،إذ الاستناد يغايره و ليس بمستلزم له،اما مع الضرورة فلا شك في جواز الاعتماد.
و لو عجز عن الركوع و السجود و قدر على القيام،لم يسقط بعجزه عنهما، و وجب القيام ثم الإتيان بما قدر منهما،فان تعذّرا أومأ بالرأس،فإن تعذّر فبطرفه.و لو قدر على القيام في بعض القراءة وجب.
و لا عبرة بقدرته على المشي مقدار صلاته إذا كان يتعذّر عليه القيام للصلاة،لقول الباقر عليه السلام:«ذاك اليه، هو أعلم بنفسه» (3).و روى جميل عن الصادق عليه السلام:«هو أعلم بنفسه، إذا قوي فليقم» (4).
و في رواية سليمان المروزي عن الفقيه:«المريض انما يصلي قاعدا إذا صار الى الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته» (5).و تحمل على من يتمكن من القيام إذا قدر على المشي،للتلازم بينهما غالبا،فلا يرد جواز انفكاكهما.
فرع:
لو قدر على القيام،و لما يقدر على المشي،وجب.
و لو عجز عن القيام مستقرا،و قدر على القيام ماشيا أو مضطربا من غير
ص: 267
معاون،ففي ترجيحه على القيام ساكنا بمعاون،أو على القعود لو تعذر المعاون،نظر،أقربه ترجيحهما عليه،لأنّ الاستقرار ركن في القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع.
و قال الفاضل:يجب المشي،و لا يصلّي قاعدا (1).
و الأفضل أن يتربع قارئا،و يثني رجليه راكعا،و يتورك بين السجدتين و متشهدا.فقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه لما صلّى جالسا تربع (2).
و روى حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام،قال:«كان أبي عليه السلام إذا صلّى جالسا تربع،فإذا ركع ثنى رجليه» (3)و هو شامل للفريضة و النافلة.
و انما حملناه على الندب،لما رواه معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه السلام في المصلّي جالسا يتربع أو يبسط رجله:«لا بأس بذلك» (4).
نعم،يكره الإقعاء،لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تقع إقعاء الكلاب» (5).
و فسره الأصحاب:بأن يفرش رجليه،و يضع أليتيه على عقبيه (6).
و فسره أبو عبيد:بان يجلس على وركيه،و ينصب فخذيه و ركبتيه،و يضع يديه على الأرض،لأن الكلب كذا يصنع (7).
و قال بعض الأصحاب:ان يقعد على عقبيه،و يجعل يديه على
ص: 268
الأرض (1).
و المراد بثني الرجلين:أن يفترشهما تحته،و يقعد على صدورهما بغير إقعاء.
ذكرهما العامة،
و هما متقاربان.
الأول:أن ينحني حتى يصير بالإضافة إلى القاعد المنتصب،كالراكع قائما بالإضافة إلى القائم المنتصب،فتعرف النسبة بين حالة الانتصاب و بين الركوع قائما،و يقدر كأن الماثل من شخصه عند القعود هو قدر قامته،فينحني بمثل تلك النسبة.
الثاني:أن ينحني إلى حد تكون النسبة بينه و بين السجود،كالنسبة بينهما في حال القيام.و معناه:انّ أكمل الركوع عند القيام ان ينحني بحيث يستوي ظهره و عنقه و يمدهما،و حينئذ تحاذي جبهته موضع سجوده.و أقله:أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه،و حينئذ يقابل وجهه أو بعض الوجه ما وراء ركبتيه من الأرض،و تبقى بين الموضع المقابل و موضع السجود مسافة، فيراعي هذه النسبة في حال القعود.
فأكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده، و أقله أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض.
فروع:
الأول: قدر القاعد على الانحناء إلى أقل ركوع مثله،و لم يقدر على الزيادة عليه،فيجب عليه الإتيان به للركوع مرة و للسجود اخرى،و ليس له أن ينقص منه للركوع ليصير السجود أخفض،لانّه يستلزم ترك الركوع للقادر عليه، و هو غير جائز.
ص: 269
الثاني:قدر على أكمل ركوع القاعد من غير زيادة، فالأقرب المساواة للأول و ان أتى به مرتين.لكن يجوز هنا الاقتصار في الركوع على الأقل و إيثار السجود بالزائد،و الظاهر انه لا يجب ذلك،لبعد المنع من الركوع الكامل للقادر عليه.
الثالث:قدر على أكمل الركوع و زيادة، فيجب هنا إيثار السجود بالزائد قطعا،لأنّ الفرق بينهما واجب مع الإمكان و قد أمكن،و هو معنى قولهم:يجب ان يكون السجود أخفض.
الرابع: قدر على زيادة الخفض في السجود،و لا ريب في وجوبه،حتى لو امكنه السجود على أحد الجبينين أو الصدغين أو الذقن أو عظم الرأس وجب،و الاّ وجب إدناء رأسه من الأرض بحسب الطاقة-و لو افتقر الى رفع ما يسجد عليه وجب-لما سبق في باب ما يسجد عليه من رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام (1).
الخامس: ركع أكمل الركوع،فلما رفع تعذّر ذلك للسجود،اقتصر على المقدور،لأنّ الأخفضية انما تجب مع الإمكان.و لو علم من نفسه انّه إذا ركع أكمل الركوع عجز عن أخفضية السجود،اقتصر على أقل الركوع.
القيام،
أو زيادة المرض،أو العدو،أو المشقة الشديدة،أو قصر السقف.و لو أمكن الانحناء قدّم على القعود.و لو أمكن في البعض حالة أكمل،وجبت بحسب المكنة.
و لا تجزئ الواحدة مع القدرة،لعدم الاستقرار،و للتأسي بصاحب الشرع.و لا يجوز تباعدهما بما يخرجه عن حدّ القيام.
ص: 270
و لو تردّد الأمر بين الانحناء و بين تفريق الرجلين تعارض القول بقيام النصف الأعلى و الأسفل،ففي ترجيح أحدهما نظر،أقربه ترجيح قيام الأعلى، لأن به يتحقق الفرق بين الركوع و القيام،و لبقاء مسمّى القيام معه،و لانه كقصر القامة.
فالأقرب الإيماء للسجود قائما،و كذا يجعل مكان جلوسه بين السجدتين قيامه،و لا يجعل سجوده و جلوسه مضطجعا،لأنّ القيام أكمل،و يجب[زيادة]انخفاضه في السجود عن الانخفاض في الركوع ان أمكن.
فان عجز صلّى مضطجعا على جانبه الأيمن-كالملحود-مستقبلا بوجهه القبلة،لما مر، و لقول الصادق عليه السلام في رواية حماد:«المريض إذا لم يقدر ان يصلّي قاعدا يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده،و ينام على جنبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة،فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه جائز،و يستقبل بوجهه القبلة (1).و فيها دلالة على ان الجانب الأيمن مقدّم على الأيسر،و على
ص: 271
انّه لو عجز عن الأيمن أجزأه الأيسر،و من الأصحاب من خيّر بين الجنبين.
و يومئ برأسه للركوع و السجود.و لو أمكن تقريب مسجد اليه ليضع عليه جبهته و يكون بصورة الساجد،وجب.
و قد روى الشيخ-في باب صلاة المضطر-عن سماعة،قال:سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس،قال:«فليصل و هو مضطجع،و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنّه يجزئ عنه،و لن يكلفه اللّه ما لا طاقة له به» (1).
قلت:يمكن أن يراد به مع اعتماده على ذلك الشيء،و هذا لا ريب في وجوبه.و يمكن أن يراد به على الإطلاق،اما مع الاعتماد فظاهر،و اما مع عدمه فلأنّ السجود عبارة عن الانحناء و ملاقاة الجبهة ما يصح السجود عليه باعتماد، فإذا تعذّر ذانك و ملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله،لان«الميسور لا يسقط بالمعسور» (2)فان قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي.
اما المومئ قائما،فيجب اعتماد جبهته على ما يصح السجود عليه مع إمكانه قطعا،و ان عجز صلّى مستلقيا،لمرسلة محمد بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام:«المريض إذا لم يقدر على الصلاة جالسا صلّى مستلقيا يكبّر ثم يقرأ،فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبّح،فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتحه عينيه رفع رأسه من الركوع،فإذا أراد ان يسجد غمض عينيه ثم سبّح،فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتحه عينيه رفع رأسه من السجود،ثم يتشهد و ينصرف» (3).
و الجمع بين الروايتين بالحمل على التقية،أو بأنّه ترك ذكر الجنب لعلمه بفهم المخاطب.هذا مع انّ الأولى أجود سندا،و معتضدة بقوله تعالى:3.
ص: 272
اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ (1) و بعمل الأصحاب،و بما رواه في الفقيه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«المريض يصلّي قائما، فان لم يستطع صلّى جالسا،فان لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن،فان لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر،فان لم يستطع استلقى و أومأ إيماء،و جعل وجهه نحو القبلة،و جعل سجوده أخفض من ركوعه» (2).
و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سأله مريض من الأنصار و قد دخل عليه كيف يصلي،فقال:ان استطعتم ان تجلسوه،و الاّ فوجهوه إلى القبلة،و مروه فليومئ برأسه إيماء،و يجعل السجود أخفض من الركوع،و ان كان لا يستطيع أن يقرأ فاقرؤا عنده و أسمعوه» (3).
فروع:
المستلقي كالمحتضر في استقباله بوجهه و أخمصيه القبلة.و الأقرب انّ الإيماء بالطرف انما يكون مع العجز عن الرأس،لأنّه أقرب الى السجود.
و يجوز الاستلقاء للعلاج و إيقاع الصلاة فيه و ان قدر على القيام،سواء كان العلاج للعين أو غيرها،إذا حكم الطبيب باحتياجه اليه،لقول الصادق عليه السلام و سأله سماعة بن مهران:عن الرجل يكون في عينيه الماء فينزع الماء منها،فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر،فيمتنع من الصلاة إلا إيماء و هو على حاله،فقال:«لا بأس بذلك» (4).
و سأله بزيع المؤذن فقال له:اني أريد أن أقدح عيني،فقال:«افعل».
فقلت:انهم يزعمون انه يلقى على قفاه كذا و كذا يوما لا يصلّي قاعدا!قال:5.
ص: 273
«افعل» (1)و مثله رواه محمد بن مسلم عنه عليه السلام (2).و لقول الصادق عليه السلام:«ليس من شيء حرم اللّه الاّ و قد أباحه لمن اضطر اليه» (3).
قالوا:لم يرخّص الصحابة لابن عباس في الاستلقاء لعلاج العين،و كان قد قال له الأطباء:ان مكثت سبعا عالجناك،و كان فيمن أفتاه بالمنع أم سلمة و عائشة و أبو هريرة،فترك العلاج فكفّ بصره (4).
قلنا لعلّه لم يكن البرء مظنونا.
و لو تمكّن من حالة عليا منفردا،و إذا اقتدى لم يتمكن،صلى منفردا، كمن يتمكن من القيام وحده و لا يتمكن مع الامام لتطويله.و يحتمل جواز القدوة،فيجلس إذا عجز إذا كان الجلوس بعد استيفاء واجب القراءة و لم يستلزم الإخلال بركن من الأركان،لأنّه ليس فيه أكثر من التخلف عن الامام لعذر، و هو جائز إذا فاجأه العذر،كالمزاحم عن السجود.
و العاجز إذا تجدّدت قدرته،الى ما يقدر عليه مستمرا و لا يستأنف،لأصالة الصحة، و للامتثال المقتضي للإجزاء.
فالقائم إذا عجز اعتمد،ثم قعد،ثم اضطجع،ثم استلقى،و لا يعدّ هذا فعلا كثيرا.و كذا لو قدر المستلقي اضطجع،ثم قعد،ثم اعتمد،ثم قام مستقبلا.و لو قدر المستلقي على القيام التام وجب من غير توسط غيره،و كذا لو عجز القائم عن الوسائط استلقى.
قال الأصحاب:و يقرأ في انتقاله الى ما هو أدنى،لأنّ تلك الحالة أقرب
ص: 274
الى ما كان عليه (1).
و يشكل بانّ الاستقرار شرط مع القدرة و لم يحصل،و تنبّه عليه رواية السكوني عن الصادق عليه السلام في المصلي يريد التقدّم،قال:«يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم ثم يقرأ» (2)،و قد عمل الأصحاب بمضمون الرواية (3).
و لا يقرأ المنتقل إلى الأعلى قطعا،لأنّ فرضه انتقل إلى الحالة العليا، فلو كان قد قرأ بعضا بنى،و يجوز الاستئناف بل هو أفضل،لتقع جميع القراءة متتالية في الحال الأعلى.
و لو خفّ بعد القراءة وجب القيام للركوع.و له تجب الطمأنينة في هذا القيام قبل الهوي؟قال الفاضل:لا تجب (4)بناء على انّ القيام انما تجب الطمأنينة فيه لأجل القراءة و قد سقطت.و يحتمل الوجوب:
اما أولا:فلضرورة كون الحركتين المتضادتين في الصعود و الهبوط بينهما سكون،فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما.
و اما ثانيا:فلأنّ ركوع القائم يجب ان يكون عن طمأنينة،و هذا ركوع قائم.
و اما ثالثا:فلأنّ معه يتيقن الخروج عن العهدة.و لا تستحب إعادة القراءة هنا،لعدم الأمر بتكرارها في الركعة الواحدة وجوبا و لا ندبا.2.
ص: 275
و لو خفّ في ركوعه قاعدا قبل الطمأنينة وجب إكماله،بأن يرتفع منحنيا الى حدّ الراكع،و ليس له الانتصاب لئلا يزيد ركوعا،ثم يأتي بالذكر قائما لأنّه لم يكن أكمله،فإن اجتزأنا بالتسبيحة الواحدة لم يجز البناء،لعدم سبق كلام تام الا ان نقول:هذا الفصل لا يقدح في الموالاة،و ان أوجبنا التعدد أتى بما بقي قطعا.
و لو خفّ بعد الطمأنينة،قام للاعتدال من الركوع،و وجبت الطمأنينة في الاعتدال.
و لو خفّ بعد الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فيه،قام ليطمئن.
و لو خفّ بعد الطمأنينة في الاعتدال،فالأقرب وجوب القيام،ليسجد عن قيام كسجود القائم.و في وجوب الطمأنينة في هذا القيام بعد،إلا إذا عللنا بتحصيل الفصل الظاهر بين الحركتين،فتجب الطمأنينة.
و لو ركع القائم فعجز عن الطمأنينة،فالأقرب الاجتزاء به،و يأتي بالذكر فيه و بعده،و ليس له الجلوس ليركع ركوع الجالس مطمئنا.و حينئذ ان تمكّن من الاعتدال و الطمأنينة وجب،و ان تمكن من مجرد الاعتدال فالظاهر وجوبه و تسقط الطمأنينة،مع احتمال جلوسه للاعتدال و الطمأنينة فيه.
و الأقرب عدم جواز الاضطجاع و الاستلقاء مع القدرة على القعود و القيام، لعدم ثبوت النقل فيه،مع أصالة عدم التشريع.و الاعتذار بأنّ الكيفية تابعة للأصل فلا تجب كالأصل مردود،لأنّ الوجوب هنا بمعنى الشرط،كالطهارة في النافلة و ترتيب الافعال فيها.
و هي أمور:
منها:ان يقول ما قاله الصادق عليه السلام في خبر ابان،قال:«إذا قمت إلى الصلاة فقل:اللهم إني أقدّم إليك محمدا بين يدي حاجتي،و أتوجّه به إليك فاجعلني به وجيها في الدنيا و الآخرة،و من المقربين،و اجعل صلاتي به متقبلة،
ص: 276
و ذنبي به مغفورا،و دعائي به مستجابا،انك أنت الغفور الرحيم» (1).
و منها:ما قاله ابن بابويه،قال:إذا قمت إلى الصلاة فلا تأتها متكاسلا و لا متناعسا و لا مستعجلا،و لكن على سكون و وقار،فإذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشع و الإقبال على صلاتك،و اخشع ببصرك(الى اللّه عز و جل) (2)و لا ترفعه الى السماء،و ليكن نظرك الى موضع سجودك،و أشغل قلبك بصلاتك،فإنّه لا يقبل من صلاتك الا ما أقبلت عليه منها بقلبك،حتى انّه ربما قبل من صلاة العبد ربعها و ثلثها و نصفها (3).
قلت:روى زرارة عن الباقر عليه السلام،و روى محمد بن مسلم في الصحيح عنه عليه السلام:«ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها و ثلثها و ربعها و خمسها،فما يرفع له الاّ ما اقبل عليه منها بقلبه،و انما أمروا بالنوافل ليتمّم لهم ما نقصوا من الفريضة» (4).
و في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن الباقر و الصادق عليهما السلام:
«انما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها،فإن أوهمها كلها أو غفل عن أدائها لفّت فضرب بها وجه صاحبها» (5).
و قال:ليكن قيامك في الصلاة قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل،و لا تقدّم رجلا على رجل،و راوح بين قدميك و اجعل بينهما قدر ثلاث أصابع إلى شبر (6).و في المبسوط:أربع أصابع إلى شبر (7).1.
ص: 277
و أكثر هذه مسند عنهم عليهم السلام في التهذيب،مع ان ابن بابويه ضمن في كتابه الحكم بصحة ما يورده (1).
و منها:الاعتدال في القيام و اقامة النحر،لمرسلة حريز عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال:«النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه و نحره» (2).
و قال أبو الصلاح:يرخي ذقنه على صدره (3).
و منها:أن يثبت على قدميه،و لا يطأ مرّة على هذه و مرّة على هذه،و لا يتقدم مرة و يتأخّر اخرى،قالهما الجعفي.
و لنورد هنا حديثين مشهورين معتبري الاسناد يشتملان على معظم أفعال الصلاة.
أحدهما:رواه زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى،دع بينهما إصبعا أقل ذلك الى شبر أكثره.و اسدل منكبيك،و أرسل يديك،و لا تشبك أصابعك،و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك،و ليكن نظرك موضع سجودك.
فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك،تجعل بينهما قدر شبر، و تمكّن راحتيك من ركبتيك،و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى،و بلّغ بأطراف أصابعك في ركوعك عين الركبة،و فرّج أصابعك إذا وضعتهما على ركبتيك،فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الى ركبتيك أجزأك ذلك،و أحب إليّ ان تمكّن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة و تفرج بينهما،و أقم صلبك،و مدّ عنقك،و ليكن نظرك الى ما بين2.
ص: 278
قدميك.
فإذا أردت أن تسجد،فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجدا،و ابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك و تضعهما معا،و لا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعه،و لا تضعن ذراعيك على ركبتيك و فخذيك و لكن تجنح بمرفقيك، و لا تلزق كفيك بركبتيك و لا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك،و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك و لكن تحرفهما عن ذلك شيئا،و ابسطهما على الأرض بسطا و اقبضهما إليك قبضا،و ان كان تحتهما ثوب فلا يضرك،و ان أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل،و لا تفرجنّ بين أصابعك في سجودك و لكن ضمهن جميعا.
قال:و إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئا، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض،و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى،و ألياك على الأرض،و طرف إبهامك اليمنى على الأرض.
و إياك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك،و لا تكون قاعدا على الأرض انما قعد بعضك على بعض،فلا تصبر للتشهد و الدعاء» (1).
الثاني:رواه حماد بن عيسى،قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام يوما:
«يا حماد أ تحسن أن تصلي».قال:فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة.قال:«لا عليك يا حماد قم فصل».قال:فقمت بين يديه متوجها الى القبلة فاستفتحت الصلاة،فركعت و سجدت.فقال:«يا حماد لا تحسن أن تصلي،ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون أو سبعون سنة،فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة! قال حماد:فأصابني في نفسي الذل،فقلت:جعلت فداك فعلّمني الصلاة.فقام أبو عبد اللّه عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا،فأرسل يديه جميعا8.
ص: 279
على فخذيه،قد ضمّ أصابعه و قرّب بين قدميه،حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات،و استقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحرفهما عن القبلة، و قال بخشوع:«اللّه أكبر»ثم قرأ الحمد-بترتيل-و قل هو اللّه أحد.
ثم صبر هنيئة بقدر ما يتنفس و هو قائم،ثم رفع يديه حيال وجهه و قال:
«اللّه أكبر»و هو قائم،ثم ركع و ملأ كفيه من ركبتيه متفرجات،و ردّ ركبتيه الى خلفه حتى استوى ظهره،حتى لو صبّ عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره،و مدّ عنقه و غمّض عينيه ثم سبّح ثلاثا بترتيل،فقال:«سبحان ربي العظيم و بحمده».
ثم استوى قائما،فلما استمكن من القيام قال:«سمع اللّه لمن حمده» ثم كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه،ثم سجد و بسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه،فقال:«سبحان ربي الأعلى و بحمده» ثلاث مرات،و لم يضع شيئا من جسده على شيء منه،و سجد على ثمانية أعظم:الكفين،و الركبتين،و أنامل إبهامي الرجلين،و الجبهة،و الأنف، و قال:«سبعة منها فرض يسجد عليها،و هي التي ذكرها اللّه في كتابه فقال:
وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً (1) و هي:الجبهة،و الكفان، و الركبتان (2)،و الإبهامان،و وضع الأنف على الأرض سنّة».
ثم رفع رأسه من السجود،فلما استوى جالسا قال:«اللّه أكبر»ثم قعد على فخذه الأيسر،قد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر،فقال:
«استغفر (3)ربي و أتوب إليه»ثم كبّر و هو جالس و سجد السجدة الثانية،و قال كما قال في الاولى،و لم يضع شيئا من بدنه على شيء منه في ركوع و لا سجود، و كان مجنّحا و لم يضع ذراعيه على الأرض.فصلى ركعتين على هذا،و يداه».
ص: 280
مضمومتا الأصابع و هو جالس في التشهد،فلما فرغ من التشهد سلّم فقال:«يا حماد هكذا صل» (1).
قلت:الظاهر ان صلاة حماد كانت مسقطة للقضاء و الاّ لأمره بقضائها، و لكنه عدل به الى الصلاة التامة كما قال:«فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة».
و قوله:(و غمّض عينيه)لا ينافيه ما اشتهر بين الأصحاب من استحباب نظره الى ما بين قدميه (2)كما دلّ حديث زرارة (3)لأنّ الناظر الى ما بين قدميه تقرب صورته من صورة المغمّض،و الشيخ قال في النهاية:و غمّض عينيك فان لم تفعل فليكن نظرك الى ما بين رجليك (4)،فأراد بالتغميض معناه الحقيقي، مع انّ مسمعا روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة» (5).
قال في المعتبر:خبر حماد خاص فيقدّم (6).
و منها:القنوت،و هو مستحب في قيام كل ثانية قبل الركوع،فريضة أو نافلة،و فيه مباحث.
أ:في استحبابه في الجملة،و عليه الأكثر.
و ظاهر ابن أبي عقيل وجوبه في الجهرية (7)و ابن بابويه وجوبه مطلقا،و ان6.
ص: 281
الإخلال به عمدا يبطل الصلاة (1).
لنا:الأصل،و صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام:«ان شئت فاقنت،و ان شئت لا تقنت» (2).
و خبر يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السلام:«لا تقنت إلاّ في الفجر» (3)و خبر سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام:«ليس القنوت إلا في الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب» (4)،نفي القنوت في غيرها،و هذان الشيخان لا ينفيانه.
و خبر عبد الملك عن الصادق عليه السلام،و سأله هل القنوت قبل الركوع أو بعده،فقال:«لا قبله،و لا بعده» (5)نفى الوجوب،لثبوت الاستحباب بأخبار تكاد تبلغ التواتر،و بإجماع الإمامية.
روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«القنوت في كل ركعتين في التطوع أو الفريضة» (6).
و عن زرارة عنه عليه السلام:«القنوت في كل الصلوات» (7).
لهما:خبر وهب عن الصادق عليه السلام:«من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (8).و خبر عمار عنه عليه السلام:«ليس له ان يدعه متعمّدا» (9).
و في صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام و سأله عن الفرض في الصلاة،5.
ص: 282
فقال:«الوقت،و الطهور،و القبلة،و التوجّه،و الركوع،و السجود،و الدعاء»و ما سوى ذلك؟«سنّة في فريضة» (1)و لا ريب انّ القنوت دعاء،و لا قائل بوجوب دعاء في الصلاة غيره.
و الجواب:انّ المنفي كمال الصلاة،و الرغبة عنه أخصّ من الدعوى، إذ تركه متعمدا قد يكون رغبة و قد لا يكون.و قوله:«ليس له ان يدعه»مبالغة في تأكده.و الدعاء جاز حمله على القراءة و باقي الأذكار الواجبة،فإن معنى الدعاء فيها.
و احتجا بقوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (2).
و جوابه:ان معنى قانِتِينَ مطيعين،سلمنا انه بمعنى القنوت،و لكن لا دلالة فيه على الوجوب،لأنّه أمر مطلق،و لو دلّ لم يدلّ على التكرار،و لأنّ الصلاة مشتملة على القراءة و الأذكار و فيها معنى الدعاء،فيتحقق الامتثال بدون القنوت.
ب:يتأكد في الجهرية،لما مر،و لرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام:«أمّا ما جهرت فيه فلا تشك» (3).و كذا يتأكد في الوتر،لرواية ابن سنان عنه عليه السلام:«القنوت في:المغرب،و العشاء،و الغداة،و الوتر» (4).
ج:محلّه قبل الركوع إجماعا منا،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:
«القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» (5).و رواية معمر بن يحيى عنه عليه السلام:«ان شئت بعد الركوع» (6)حملت على القضاء أو التقية (7).ق.
ص: 283
و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة،فإن الركعة الأولى فيها قبل الركوع،و في الأخيرة بعد الركوع» (1).
و عليه في الجمعة معظم الأصحاب (2).
و ابن أبي عقيل ظاهره ان القنوت متعدّد،و انه قبل الركوع في الركعتين (3).
و ظاهر ابن بابويه ان القنوت فيها واحد،و انه بعد الركوع (4).
و ظاهر المفيد أيضا الوحدة،الا انّه قبل الركوع في الركعة الاولى (5)و عليه دل صحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام مع الامام يقنت في الركعة الاولى، و في الظهر في الركعة الثانية قبل الركوع (6).
و ابن إدريس أنكر تعدّد القنوت في الجمعة (7)و ظاهره انه في الثانية قبل الركوع.
قال في المعتبر:و يظهر لي انّ الامام يقنت قنوتين إذا صلّى جمعة،و من عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا،و احتج بروايتي معاوية بن عمار و أبي بصير (8).
و مال في المعتبر الى جواز القنوت مطلقا بعد الركوع،للخبر السالف1.
ص: 284
المحمول على التقية أو القضاء،و قال:ليس في الاخبار ما يدل على ان الإتيان به بعد الركوع قضاء (1).
د:يقنت في مفردة الوتر،لما مر.
و لا فرق بينه و بين غيره في كونه قبل الركوع،لرواية عمار عن الصادق عليه السلام في ناسي القنوت في الوتر أو غير الوتر،قال:«ليس عليه شيء».
قال:«ان ذكره و قد أهوى إلى الركوع،قبل ان يضع يده على الركبتين،فليرجع قائما فليقنت ثم ليركع.و ان وضع يده على ركبتيه،فليمض في صلاته» (2).
نعم،الظاهر استحباب الدعاء في الوتر بعد الركوع أيضا،لما روي عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام:انه كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر، قال:«هذا مقام من حسناته نعمة منك»الى آخر الدعاء (3)و سماه في المعتبر:
قنوتا (4).
و لا فرق في قنوت الوتر بين أيام السنة كلها،و قول بعض العامة باختصاص النصف الأخير من شهر رمضان (5)تحكّم.
ه:لو نسي القنوت،قال الشيخ و من تبعه:يقضيه بعد الركوع.فلو لم يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ (6)رواه أبو بصير قال:سمعته يذكر عند أبي عبد اللّه عليه السلام في الساهي عن القنوت:يقنت بعد ما ينصرف و هو جالس. (7).8.
ص: 285
و روى ان قنوت الناسي بعد الركوع محمد بن مسلم و زرارة،عن الباقر و الصادق عليهما السلام (1).
و لا ينافيه رواية معاوية بن عمار،قال:سألته عن ناسي القنوت حتى يركع،أيقنت؟قال:«لا» (2)،لاحتمال ان ينفي الوجوب،أي:لا يجب.و كذا ما رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام،انّه قال له:في قنوت الوتر إذا نسي أيقنت بعد الركوع؟قال:«لا» (3).
قال الصدوق:و انما منع الصادق عليه السلام ذلك في الوتر و الغداة خلافا للعامة،لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع،و انما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأنّ جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (4).
و روى قضاءه في الطريق زرارة عن الباقر عليه السلام في ناسي القنوت و هو في الطريق،قال:«يستقبل القبلة ثم ليقله،أبي لأكره للرجل أن يرغب عن سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو يدعها» (5).
و:يستحب الجهر فيه في الجهرية و الإخفاتية،لرواية الصحيحة عن زرارة،عن الباقر عليه السلام:«القنوت كله جهار» (6).
و لا ينافيه رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام:
«ان شاء جهر،و ان شاء لم يجهر»و كان السؤال عن التشهد و ذكر الركوع0.
ص: 286
و السجود و القنوت (1)،لجواز ان يكون ذلك التخيير لرفع توهّم تعيين أحدهما.
و قال المرتضى و الجعفي-رحمه اللّه-:انه تابع للصلاة في الجهر و الاخفاف (2)،لعموم:«صلاة النهار عجماء،و صلاة الليل جهرا» (3).
قلنا:الخاص مقدّم.
و قال ابن الجنيد:يستحب ان يجهر به الإمام ليؤمّن من خلفه على دعائه.فإن أراد لفظ(آمين)فسيأتي ان شاء اللّه تعالى انه مبطل،و ان أراد الدعاء بالاستجابة فلا بأس.
و هل يسرّ به المأموم؟الأقرب:نعم،لعموم قول الصادق عليه السلام في رواية أبي بصير:«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول،و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول» (4)و مثله رواية حفص بن البختري عن علي عليه السلام (5).
ز:يستحب التكبير له قائما رافعا يديه-كما سلف-لحسن معاوية بن عمار عنه عليه السلام:«التكبير في صلاة الفرض في الخمس خمس و تسعون تكبيرة،منها:تكبيرة القنوت خمس» (6)و مثله رواية الصباح المزني عن أمير المؤمنين عليه السلام (7).6.
ص: 287
و المفيد-رحمه اللّه-:لا تكبير للقنوت،و يكبّر عنده للقيام من التشهد، فالتكبير عنده أربع و تسعون (1).
و الروايات تخالفه،مع انه قد روي مشهورا بعدة طرق منها:رواية محمد ابن مسلم عن الصادق عليه السلام في القائم من التشهد يقول:«بحول اللّه و قوته أقوم و اقعد» (2)و في بعضها:«بحولك و قوتك أقوم و اقعد» (3)و في بعضها:
«و اركع و اسجد» (4)و لم يذكر في شيء منها التكبير،فالأقرب سقوطه للقيام و ثبوته للقنوت،و به كان يفتي المفيد و في آخر عمره رجع عنه الى المذكور أولا.
قال الشيخ:و لست أعرف بقوله هذا حديثا أصلا (5).
ح:يستحب رفع اليدين به تلقاء وجهه مبسوطتين،يستقبل ببطونهما السماء و ظهورهما الأرض،قاله الأصحاب (6).
و روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«و ترفع يديك حيال وجهك،و ان شئت تحت ثوبك (7)،و تتلقى بباطنهما السماء».
و قال المفيد:يرفع يديه حيال صدره (8).6.
ص: 288
و حكى في المعتبر قولا بجعل باطنهما إلى الأرض (1).
و يفرق الإبهام عن الأصابع،قاله ابن إدريس (2).
و يستحب نظره الى بطونهما،ذكره الجماعة (3).
و يجوز ترك الرفع للتقية،لرواية علي بن محمد انّه كتب الى الفقيه يسأله عن القنوت،فكتب:«إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين،و قل ثلاث مرات:بسم اللّه الرحمن الرحيم» (4).
و يمسح وجهه بيديه،و يمرهما على لحيته و صدره،قاله الجعفي،و هو مذهب بعض العامة (5).
ط:أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج،قال ابن إدريس:و روي انها أفضله (6)،و قد ذكرها الأصحاب (7)،و في المبسوط و المصباح:هي أفضل (8).
و روى سعد بن أبي خلف عن الصادق عليه السلام،قال:«يجزئك في القنوت:اللهم اغفر لنا و ارحمنا و عافنا و اعف عنا في الدنيا و الآخرة،انك على كل شيء قدير» (9).
و في النهاية:أدناه:رب اغفر و ارحم،و تجاوز عما تعلم،انك أنت الأعز الأكرم (10).2.
ص: 289
و عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أدنى القنوت، فقال:«خمس تسبيحات» (1).
و قال ابن أبي عقيل،و الجعفي،و الشيخ:أقله ثلاث تسبيحات (2).
و اختار ابن أبي عقيل الدعاء بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في القنوت:«اللهم إليك شخصت الابصار،و نقلت الاقدام،و رفعت الأيدي، و مدت الأعناق،و أنت دعيت بالألسن،و إليك سرهم و نجواهم في الأعمال، ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق،و أنت خير الفاتحين.اللهم انا نشكو إليك غيبة نبينا،و قلة عددنا،و كثرة عدونا،و تظاهر الاعداء علينا،و وقوع الفتن بنا، ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره،و امام حق نعرفه،إله الحق آمين رب العالمين».
قال:و بلغني ان الصادق عليه السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج.
قال ابن الجنيد:و أدناه:رب اغفر و ارحم،و تجاوز عما تعلم.
و قال:و الذي استحب فيه ما يكون فيه حمد اللّه و ثناء عليه،و الصلاة على رسول اللّه و الأئمة صلى اللّه عليهم،و ان يتخيّر لنفسه من الدعاء و للمسلمين ما هو مباح له.
ي:يجوز الدعاء فيه بما سنح للدين و الدنيا.روى إسماعيل بن الفضل، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت و ما يقال فيه،فقال:«ما قضى اللّه على لسانك،و لا أعلم فيه شيئا موقتا» (3).
يا:يجوز الدعاء فيه للمؤمنين بأسمائهم،و الدعاء على الكفرة و المنافقين،لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دعا في قنوته لقوم بأعيانهم و على1.
ص: 290
آخرين بأعيانهم،كما روي انه قال:«اللهم انج الوليد بن الوليد،و سلمة بن هشام،و عياش بن ربيعة،و المستضعفين من المؤمنين،و اشدد وطأتك على مضر و رعل و ذكوان» (1).
و قنت أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى، و عمرو بن العاص،و معاوية،و أبي الأعور و أشياعهم (2).قاله ابن أبي عقيل.
و روى عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«تدعو في الوتر على العدو،و ان شئت سميتهم» (3).
و روى العامة عن أبي الدرداء انه قال:إنّي لأدعو لسبعين أخا من إخواني بأسمائهم و أنسابهم،و لم ينكر ذلك أحد من الصحابة (4).
يب:يستحب اطالة القنوت،فقد ورد عنهم عليهم السلام:«أفضل الصلاة ما طال قنوتها».
و روى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه بإسناده إلى الصادق عليه السلام:«صل يوم الجمعة الغداة بالجمعة و الإخلاص،و اقنت في الثانية بقدر ما قمت (5)في الركعة الأولى».
تنبيهات:
الأول: يجوز الدعاء في سائر أحوال الصلاة،للأصل،و عموم اُدْعُوا رَبَّكُمْ (6)و ما سلف من خبر:انّ الدعاء فرض (7).و روى عبد الرحمن بن سيابة1.
ص: 291
قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أدعو و انا ساجد؟قال:«نعم،ادع للدنيا و الآخرة،فإنّه رب الدنيا و رب الآخرة» (1).
الثاني: منع سعد بن عبد اللّه من جواز الدعاء في القنوت بالفارسية، حسب ما رواه الشيخ محمد بن بابويه عن شيخه محمد بن الحسن،عنه و نقل عن محمد بن الحسن الصفار جوازه،و اختاره ابن بابويه،لقول أبي جعفر الثاني عليه السلام:«لا بأس ان يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي ربه عز و جل» (2).
قال:و لو لم يرد هذا الخبر،لكنت أجيزه بالخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام انه قال:«كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»،و النهي عن الدعاء بالفارسية غير موجود.و قال الصادق عليه السلام:«كل شيء ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام» (3).
و اختاره الشيخ في النهاية:بأي لغة كانت (4)و الفاضلان:لصدق اسم الدعاء عليه (5).
اما الأذكار الواجبة فلا يجوز مع الاختيار.
الثالث: قد تقدّمت كلمات الفرج في أحكام الأموات،و يجوز ان يقول فيها هنا:(و سلام على المرسلين)،ذكر ذلك هنا جماعة من الأصحاب، منهم:المفيد (6)و ابن البراج (7)و ابن زهرة (8).7.
ص: 292
و سئل عنه الشيخ نجم الدين في الفتاوي فجوّزه،لانّه بلفظ القرآن،مع ورود النقل.
الرابع: روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن الصادق عليه السلام في الرجل يدرك الركعة الأخيرة مع الامام فيقنت الامام،أيقنت معه؟قال:«نعم، و يجزئه من القنوت لنفسه» (1).
قد بيّنا استحباب وضع اليدين على الفخذين بإزاء الركبتين حال القيام،
فلو وضعهما على غير ذلك جاز،غير انّه لا يجوز للمصلّي وضع اليمين على الشمال و لا بالعكس،فوق السرة و لا تحتها،فتبطل لو تعمّد فعله.
و نقل الشيخ و المرتضى فيه الإجماع (2).و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:قلت له:الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى،فقال:«ذلك التكفير لا تفعله» (3).و في مرسلة حريز عن الصادق عليه السلام:«لا تكفّر،انما يصنع ذلك المجوس» (4).و لأنّ أفعال الصلاة متلقاة من الشرع،و لا شرع هنا.و للاحتياط.و لانّه فعل كثير خارج عن الصلاة.
و خالف في ذلك ابن الجنيد حيث جعل تركه مستحبا (5)و أبو الصلاح حيث جعل فعله مكروها (6)و من الأصحاب من لم يتعرض له كابن أبي عقيل و سلار.
و قال الشيخ نجم الدين في المعتبر:الوجه عندي الكراهية،لمخالفته ما
ص: 293
دلت عليه الأحاديث من استحباب وضعهما على الفخذين.و الإجماع غير معلوم لنا،و خصوصا مع وجود المخالف من أكابر الفضلاء.و التمسك بأنّه فعل كثير في غاية الضعف،لأنّ وضع اليدين على الفخذين ليس بواجب،و لم يتناول النهي وضعهما في موضع معين،فكان للمكلف وضعهما كيف شاء.
و تلقي أفعال الصلاة من الشرع حق،لكن كما لم يثبت تشريع وضع اليمين على الشمال لم يثبت تحريمه،فصار للمكلف وضعهما كيف شاء، و عدم تشريعه لا يدل على تحريمه.و الاحتياط معارض بأنّ الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع،أو نقول:متى يحتاط إذا علم ضعف مستند المانع،أم إذا لم يعلم؟و مستند المانع هنا معلوم الضعف.
و اما الرواية فظاهرها الكراهية،لما تضمنته من التشبيه بالمجوس.و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بمخالفتهم ليس على الوجوب،لأنهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية و انه فاعل الخير،فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره (1).
قال:فإذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهية أولى،و يؤيد ما ذكرناه انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يأمر به الأعرابي،و كذا رواية أبي حميد حكاية صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2).
قال:و احتجاج العامة على شرعيته برواية وائل بن حجر،قال:رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله وضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى،و برواية4.
ص: 294
سهل بن سعد قال:كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة،قال أبو حازم:لا أعلمه إلا ينهى ذلك الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و عن ابن مسعود:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله مرّ به و هو واضع شماله على يمينه فوضعها على شماله،مردود،بمخالفتهم لمضمون رواية وائل،لأنّ منهم من يضعها فوق السرة،و منهم من يضعها تحتها،و رواية سهل لم يبيّن فيها الأمر،و قول أبي حازم مشعر بشكه في ذلك،و خبر ابن مسعود حكاية في واقعة مخصوصة (1).
قلت:في بعض كلامه-رحمه اللّه-مناقشة،و ذلك لأنّه قائل في كتبه بتحريمه و إبطاله الصلاة (2).و الإجماع و ان لم يعلمه فهو إذا نقل بخبر الواحد حجة عند جماعة من الأصوليين (3).و اما الروايتان،فالنهي فيهما صريح و هو التحريم على ما اختاره معظم الأصوليين،و خلاف المعيّن لا يقدح في الإجماع.و التشبّه بالمجوس فيما لم يدل دليل على شرعه حرام،و اين الدليل الدالّ على شرعية هذا الفعل؟و الأمر بالصلاة مقيّد بعدم التكفير الثابت في الخبرين المعتبري،الاسناد اللذين عمل بهما معظم الأصحاب.فحينئذ الحق ما صار إليه الأكثر و ان لم يكن إجماعا.7.
ص: 295
لا ريب في جوازه عند التقية،
و لا فرق بين كون اليد على الأخرى بحائل أو غيره.و لو وضع اليسرى على اليمنى عند التقية احتمل البطلان،لانه لم يأت بالتقية على وجهها فيكون المحذور سليما من المعارض،و الصحة إذا تأدّت بها التقية.
و لو ترك الوضع عند التقية،فكترك الغسل في مسح الوضوء و قد سلف، و أولى هنا بالصحة،لأنه خارج عن الصلاة،بخلاف الغسل و المسح،فإن الجزئية محققة فيهما فيتحقق النهي عن العبادة في الجملة،و الأقرب هنا الجزم بعدم البطلان.
ص: 296
القراءة و النظر في واجباتها و سننها و لواحقها.
و فيه مسائل.
الصلوات الباقية إجماعا منا،
لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام و الصحابة و التابعين،و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب»رواه عبادة بن الصامت (1).
و روينا عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام،انه قال:«من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة،و من نسي القراءة فقد تمت صلاته» (2).
و عن محمد بن مسلم،عن الباقر عليه السلام في الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب:«لا صلاة له الا ان يقرأ بها في جهر أو إخفات» (3).
و الخبر الأول صريح في عدم ركنيتها،لعدم بطلان الصلاة بتركها نسيانا،و به صرح خبر منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام (4)و خبر معاوية ابن عمار عنه أيضا (5)في أخبار كثيرة (6).
و احتجاج بعض العامة بقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ،و بانّ النبي
ص: 297
صلّى اللّه عليه و آله لما علّم الأعرابي قال له:«ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن»،و بتساوي الفاتحة و سائر القرآن في الأحكام فكذا في الصلاة (1)ضعيف،لأنّ قوله عليه السلام:«لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب»أخص من قوله تعالى ما تَيَسَّرَ مِنْهُ فيبني العام عليه،و عدم تعليم الأعرابي الفاتحة ممنوع،فإنّه نقل:«ثم اقرأ بأم القرآن و ما شاء اللّه تعالى» (2)و القياس عندنا باطل،مع منع التساوي في جميع الأحكام فإنّه محل النزاع.
و من كل سورة-خلا براءة-إجماعا منا.و رواه العامة من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله عن أم سلمة (3)،و انه قال:«إذا قرأتم الفاتحة فاقرؤا:بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنها أم القرآن و السبع المثاني،و ان بسم اللّه الرحمن الرحيم آية منها» (4).
و روي:انه قرأ الفاتحة فقرأ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و عدّها آية (5).
و روينا عن الأئمة عليهم السلام ذلك بطريق كثيرة،منها:رواية معاوية ابن عمار عن الصادق عليه السلام:«انها آية في الفاتحة و السورة» (6).و رواية صفوان:انه صلّى خلفه عليه السلام أياما،و كان يقرؤها و يجهر بها في الإخفاتية (7).
ص: 298
و قد روي ما يعارض ذلك:كرواية محمد بن مسلم عنه عليه السلام في الرجل يكون إماما يستفتح بالحمد و لا يقرأ«بسم اللّه الرحمن الرحيم»فقال:
«لا يضر» (1).و رواية محمد بن علي الحلبي عنه عليه السلام:انه لا يقرؤها في السورة (2)في أخبار أخرى (3).و حملها الأصحاب على التقية،أو النسيان،أو النافلة (4).
و ابن الجنيد يرى أنّ البسملة في الفاتحة بعضها،و في غيرها افتتاح لها، و لعله يحتجّ بهذه الرواية،و هو متروك.
أجمع المسلمون على وجوب القراءة في الصلاة،
إلا الحسن بن صالح ابن حي و ابن عليّة و الأصم،و يروى عن أنس و عكرمة،و عن عمر فيمن نسي القراءة:لا بأس (5).
لنا:الإجماع،و انقراض المذكورين،و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:
«لا صلاة إلاّ بقراءة» (6)و قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (7)،و النسيان عذر
ص: 299
لعموم:«رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» (1).
و هل الفاتحة متعينة في النافلة؟الأقرب ذلك،لعموم الأدلة.
و قال الفاضل:لا تجب فيها،للأصل (2).فان أراد الوجوب بالمعنى المصطلح عليه فهو حق،لأنّ الأصل إذا لم يكن واجبا لا تجب أجزاؤه.و ان أراد به الوجوب المطلق ليدخل فيه الوجوب بمعنى الشرط،بحيث تنعقد النافلة من دون الحمد،فممنوع.
و اما حمل الشيخ في التهذيب أخبار سقوط البسملة على النافلة،فالمراد به سقوطها من السورة،صرح بذلك (3).
على المشهور بين الأصحاب.
و خالف فيه:ابن الجنيد،و سلار،و الشيخ في النهاية،و المحقق في المعتبر،فإنّهم ذهبوا الى استحبابها (4)فعندهم يجوز التبعيض كما يجوز تركها بالكلية.
لنا:فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و قول الصادق عليه السلام:«لا تقرأ في المكتوبة أقل من سورة و لا أكثر»رواه منصور بن حازم (5).و في مكاتبة يحيى بن عمران الى أبي جعفر عليه السلام في تارك
ص: 300
البسملة في السورة بعد الحمد:يعيد الصلاة (1)و هو يستلزم وجوب السورة.
و عورضا بخبري الحلبي و علي بن رئاب عن الصادق عليه السلام:
«فاتحة الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة» (2)و هما من الصحيح.و روى عمر ابن يزيد-في الصحيح أيضا-عنه عليه السلام:أجزاء السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة إذا كانت أكثر من ثلاث آيات (3).
و حمل الشيخ الخبرين الأولين في التهذيب على الضرورة،لما رواه الحلبي في الصحيح عنه عليه السلام:«لا بأس ان يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين،إذا ما عجلت به حاجة أو تخوّف شيئا» (4).
و حمل الخبر الثالث على انّ المراد تكررها في الركعة الثانية دون ان يفرقها في الركعتين،هذا إذا لم يحسن غيرها،فاما مع التمكّن من غيرها فإنّه يكره ذلك،لما رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة و هو يحسن غيرها،قال:«إذا أحسن غيرها فلا يفعل،و ان لم يحسن غيرها فلا بأس» (5).
قلت:الحمل الأول حسن،و اما الثاني فمشكل،لانه لو أراد تكرارها لم يكن في التقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة،إذ يكره تكرار ما زاد و ما لم يزد،و لو حملت على الضرورة كما حمل الخبران الأولان عليها كان أحسن، أي:انّه إذا لم يتمكن من قراءة سورة كاملة في الركعة،و يتمكن من قراءة سورة في الركعتين،وجب إذا أصاب كل ركعة آيتين فصاعدا.4.
ص: 301
و فيه إشارة الى انّ البسملة ليست معدودة في الآي،أو انّها مع الآية التي بعدها آية كاملة،لأنّ أقل السور عددا لا تنقص بالبسملة عن أربع.
قال في المعتبر:حمل الرواية بالسورة على الاستحباب،و حمل الرواية بعدمها على الجواز أقرب.
و أورد رواية حريز عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام في السورة تصلّى في الركعتين من الفريضة،فقال:«نعم،إذا كانت ست آيات،نصفها في الركعة الاولى،و النصف الآخر في الركعة الثانية».
و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام في رجل قرأ سورة فغلط،أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته،أو يدع تلك السورة و يتحول عنها الى غيرها؟فقال:«كل ذلك لا بأس به،و ان قرأ آية واحدة فشاء ان يركع بها ركع».
و رواية إسماعيل بن الفضل،قال.صلّى بنا أبو عبد اللّه أو أبو جعفر فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر المائدة،فلما التفت إلينا فقال:«إنما أردت أن أعلمكم» (1).
قلت:يمكن حمل هذه الروايات على التقية،إذ عمل أكثر الأصحاب على خلافها يشعر باعراضهم عنها لعلّة من العلل،أو تحمل على العذر.
لقوله تعالى إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (2)و لفوات الاعجاز إذ هو باعتبار لفظه و نظمه،
ص: 302
و لأنّ الترجمة مغايرة للمترجم و الاّ لكانت ترجمة الشعر شعرا،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يفعله و لا نقل عن أحد من الأئمة و الصحابة.
قالوا:قال اللّه تعالى إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (1).
قلنا:الإشارة إلى معنى قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى الآيات (2)أو الى معنى قوله وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى (3).سلمنا،لكن معناه انّ معاني القرآن في الصحف و لا يلزم منه كونها قرآنا،و كذا قوله تعالى:
وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (4) ،و لانّه لو كان القرآن سابقا في الكتب المنزلة لم يكن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمته اختصاص،لكنّه مختص به كما نطق القرآن العزيز بذلك في آي كثيرة،كقوله تعالى بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ (5)وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ (6)و قوله تعالى ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ (7).
قالوا:قال:سبحانه لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ و إنذار العجم بالعجمية (8)قلنا:ذلك تفسير لألفاظ القرآن.
فرع:
لو ضاق الوقت و لا يعلم غير الترجمة،ففي تقديمها على الذكر الذي هو9.
ص: 303
بدل عن القراءة تردّد.
و الذي اختاره الشيخ في الخلاف انه يذكر اللّه و يكبّره،و لا يقرأ المعنى بغير العربية بأي لغة كانت،فان فعل ذلك بطلت صلاته.قال:و روى عبد اللّه ابن أبي أوفى:ان رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:اني لا استطيع أن أحفظ شيئا من القرآن،فما ذا أصنع؟فقال له:«قل:سبحان اللّه و الحمد للّه»،فلو كان معناه قرآنا لقال له:احفظ بأي لغة سهلت عليك،فلما عدل به الى التسبيح و التحميد دلّ على انه لا يكون قرآنا بغير هذه العبارة (1).
و يحتمل تقديم الترجمة على الذكر،لقربه إلى القرآن،و لجواز التكبير بالعجمية عند الضرورة.و لعلّ النبي صلّى اللّه عليه و آله انما لم يأمر الأعرابي بحفظه بغير العربية (2)لعلمه بتعذّرها عليه.
و يمكن الفرق بين التكبير و بين القراءة،بانّ المقصود في التكبير لا يتغير بالترجمة،إذ الغرض الأهم معناه فالترجمة أقرب إليه،بخلاف القرآن فإن الإعجاز يفوت،إذ نظم القرآن معجز،و هو الغرض الأقصى،و هذا هو الأصح.
و لا من السورة بعدها،لعدم صدق الامتثال.و كذا يجب الترتيب بين كلماتها و آيها على الوجه المنقول بالتواتر،لأنّ ذلك هو القرآن الذي أمر بقراءته في الصلاة.و كذا التشديد،لأنّ الإخلال به إخلال بحرف.و كذا حركات الاعراب و البناء،سواء
ص: 304
تغير المعنى بالإخلال بها أو لا،تأسيا بصاحب الشرع و أهل بيته.
و يجب مراعاة مخارج الحروف حتى الضاد و الظاء و ان عسر ما لم يتعذر -و ليس في الحمد ظاء-لأنّ إخراج الحرف من غير مخرجه إخلال بحقيقة ذلك الحرف الذي هو إخلال بماهية القراءة.
فرع:
تجوز القراءة بالمتواتر،و لا تجوز بالشواذ.و منع بعض الأصحاب من قراءة أبي جعفر و يعقوب و خلف (1)و هي كمال العشر،و الأصح جوازها،لثبوت تواترها كثبوت قراءة القرّاء السبعة.
إجماعا من كل من أوجب القراءة،لتوقف الواجب عليه.
فان ضاق الوقت،قرأ ما يحسن منها إجماعا.
فان لم يحسن منها شيئا،قرأ ما يحسن من غيرها بقدرها،لعموم:
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (2) ،و يقرأ سورة غيرها إذ السورة ممكنة فلا تسقط بفوات الحمد.
فان لم يحسن شيئا من غيرها،سبّح اللّه و حمده و هلّله و كبّره بقدر القراءة، لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله الأعرابي ان يحمد اللّه و يكبّره و يهلّله (3).
و روى العامة:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما قال له رجل:يا رسول اللّه لا استطيع شيئا من القرآن،فعلمني ما يجزئ؟فقال:«قل:سبحان اللّه، و الحمد للّه،و لا إله إلا اللّه،و اللّه أكبر،و لا حول و لا قوة إلا باللّه»قال:هذا للّه
ص: 305
فما لي؟قال قل (1):«اللّهم اغفر لي،و ارحمني و اهدني،و ارزقني و عافني» (2).
فروع:
هل يشترط مساواة الذكر للفاتحة قدرا حتى في الحروف؟ قال في المعتبر:لا،لأنّ الخبر الأول دلّ على مطلق الحمد و التكبير و التهليل.نعم،الأفضل ان لا يقصر عن حروفها (3).
و لو قيل:يتعيّن ما يجزئ في الأخيرتين من التسبيح-على ما يأتي إن شاء اللّه-كان وجها،لانّه قد ثبت بدليته عن الحمد في الأخيرتين،فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين عنهما.و روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:
«انّ اللّه فرض من الصلاة الركوع و السجود،الا ترى لو انّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن يقرأ القرآن أجزأه ان يكبّر و يسبح و يصلي» (4).و ما قلناه مختار ابن الجنيد و الجعفي (5).
و لو لم يحسن شيئا،و ضاق الوقت عن التعلّم،و أمكن الائتمام وجب، لانّه يسقط القراءة.و ان تعذّر احتمل وجوب قيام بقدر الحمد،لعموم:«فاتوا منه ما استطعتم» (6)و هو مختار الفاضل-رحمه اللّه- (7).
و لو أمكنه القراءة من المصحف وجبت و قدّمه على الذكر،لحصول حقيقة القراءة،و لكنه لا يكفي مع إمكان التعلم،لأنّ المأمور به القراءة عن ظهر5.
ص: 306
القلب إذ هو المتبادر إلى الأفهام،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف (1).
و روى الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام في المصلي يقرأ في المصحف يضع السراج قريبا منه،قال:«لا بأس» (2).
و في المبسوط و الخلاف:يجوز أن يقرأ في الصلاة من المصحف إذا لم يحسن ظاهرا (3).و قضية كلامه انه إذا أحسن لم يجز،و التمكن من الحفظ في قوة من يحسنه ظاهرا.
و اجتزأ الفاضلان به و ان أمكنه الحفظ،معللين بان الواجب مطلق القراءة (4)،و هو محل النزاع.و على قولهما يتخيّر المكلف بين الحفظ و القراءة في المصحف،و حينئذ يجب تحصيل المصحف اما بشراء أو استئجار أو استعارة.
و لو احتاج الى مصباح في الظلمة،وجب تحصيله مع القدرة،فإن ترك ذلك بطلت صلاته و لو تلا فيها غير الفاتحة من القرآن.
و لو تتبع قارئا أجزأ عند الضرورة،و على قولهما يجزئ اختيارا.و في ترجيحه على المصحف احتمال لاستظهاره في الحال،و لو كان يستظهر في المصحف استويا.و في وجوبه عند إمكانه احتمال،لأنه أقرب الى الاستظهار الدائم.
و إذا عدل الى القرآن عن الفاتحة لعجزه عنها،فالأقرب وجوب كونه بقدرها فزائدا،و حينئذ يمكن اعتبار الحروف،و لو أمكن سبع آيات فهو أولى، و يجب التتالي فيها إن حفظ المتتالي و الا أجزأ التفريق،و يجزئ و لو آية إذا3.
ص: 307
ساوت حروفها.
و في المبسوط:إذا لم يحسنها و أحسن غيرها قرأ ما يحسنه عند ضيق الوقت،سواء كان بعدد آيها أو دونها أو أكثر (1).و ظاهره قراءة ما شاء،الاّ ان يحمل(قراءة دونها)على من لا يحسن سواه.و في المعتبر صرّح بعدم وجوب كون المقروء بقدرها (2).
و لو علم شيئا من الفاتحة اقتصر عليه،و هل يجب تكراره بقدرها؟نفاه في المعتبر (3).
و لو كان يحسن غيره من القرآن،ففي تكراره أو ضمّ ما يحسن من القرآن اليه نظر،من ان بعضها أقرب إليها من غيرها فيكرره،كما لو أحسن غيرها من القرآن فإنه لا يعدل الى الذكر.و من ان الشيء الواحد لا يكون أصلا و بدلا عن غيره،فيأتي بما يحسن منها و يضمّ اليه بقدر الباقي.و يدلّ عليه أيضا ان النبي صلّى اللّه عليه و آله علّم السائل«الحمد للّه» (4)و هي من جملة الفاتحة و لم يأمره بتكررها،و يضعف بان هذا القدر لا يسمى قرآنا،و لانه لو سمى قرآنا لكان مراعاته أولى من الذكر.
و لو أحسن النصف الأول منها قرأه،فإن أحسن غيره قرأ بقدر النصف الثاني و يقدّم ما يحفظ منها.و لو أحسن النصف الأخير قرأ من غيرها أولا ثم أتى بالنصف الأخير.و على القول بالتكرار يكرر.
و لو لم يحفظ غيره،و قلنا بعدم التكرار،عوّض عن النصف الفائت بالذكر،فان كان المحفوظ هو الأول قدمه على الذكر و الاّ قدم الذكر عليه.
و على قول الشيخ و من تبعه يراعى قدر النصف،امّا وجوبا أو استحبابا.و على1.
ص: 308
ما قلناه يراعي نصف المجزئ عن الجميع تقريبا.
و لو أحسن وسطها عوّض عن الطرفين من غيرها،فان لم يحسنه عوّض عنهما بالذكر قبل و بعد.
و لو أحسن بعض آية،فإن كان يسمى قرآنا قرأة و الاّ فالذكر.و لو كان لا يحسن الذكر إلا بالعجمية و ضاق الوقت أتى به.
و لو كان يحسن قرآنا مترجما،ففي ترجيح الذكر المترجم عليه أو العكس نظر،من حيث انّ ترجمة القرآن أقرب إليه من الذكر،و من ان الغرض الأقصى من القرآن نظمه المعجز و هو يفوت بالترجمة،بخلاف الأذكار كما سلف.و قوّى الفاضل تقديم القرآن هنا (1).
و لو تعلّم في الأثناء،فإن كان قبل شروعه في البدل قرأ المبدل،و ان كان في أثناء البدل قال في التذكرة:قرأ ما لم يأت ببدله،لانه امتثل (2).و لو قيل بوجوب المبدل كلّه كان وجها،لأنه في محل القراءة بعد و هو متمكن منها، سواء كان قد شرع في الذكر فتعلم بعض القرآن أو تعلم الفاتحة،أو كان قد شرع في غيرها من القراءة فتعلم الفاتحة.
نعم،لو كان قد ركع مضت الركعة و استأنف القراءة فيما بقي.و احتمل الفاضل استحباب العدول الى النفل،لثبوته في استدراك قراءة الجمعة مع استحبابه،ففي استدراك الواجب أولى (3).
و لقائل أن يمنع انه استدراك واجب،لأنّ إتمام هذه الصلاة الآن مجزئ، و إذا نقل نيته الى النفل ثم أعادها فقد أتى بصلاة أكمل منها،فهو في معنى قراءة الجمعة في انه صفة كمال بالنسبة الى هذه الصلاة،و لما كان القياس عندنا5.
ص: 309
باطلا بقي الدليل الدال على إبطال العمل خليا عن المعارض،و من هذا يظهر ضعف القول بان المتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة يعدل إلى النافلة (1)، و قد سبق.
فلو تعلم بعضها و ضاق الوقت أتى به.و لو لم يحسن شيئا منها لم يعوّض عنها بالذكر،اقتصارا على موضع النقل.و لو كان يحفظ قرآنا غير الفاتحة،وجب عليه أن يقرأ منه بدل الفاتحة،ثم يقرأ سورة كاملة.و لو لم يحفظ سوى سورة،قرأ منها بدل الفاتحة،و كررها عن السورة بعد الحمد.
فإن خالف عمدا أعاد،و ان كان ناسيا أعاد السورة بعد الحمد،و الجاهل لا يعذر هنا.و لو لم نوجب السورة،لم يضر التقديم على الأقرب،لانه أتى بالواجب،و ما سبق قرآن لا يبطل الصلاة.نعم،لا يحصل له ثواب قراءة السورة بعد الحمد،و لا يكون مؤديا للمستحب.
و كذا يجب تقديم كل آية سابقة على لاحقتها في الحمد و السورة،لأن الأمر بالقراءة ينصرف الى المنزل على ترتيبه،فلو خالف عمدا بطلت الصلاة، و لو كان نسيانا استأنف القراءة،و لا يجزئه البناء على ما يحصل به الترتيب، للإخلال بالموالاة،نعم،لو قرأ النصف الثاني من الحمد ناسيا،ثم قرأ الأول مع استمرار النسيان ثم تذكر،بني.
فلو قرأ خلالها من غيرها عمدا بطلت الصلاة،لتحقق المخالفة المنهي عنها.و في المبسوط:يستأنف القراءة و لا تبطل الصلاة (2).
ص: 310
و لو كان ناسيا استأنف القراءة.و في المبسوط:يبني على الأول (1).
و لو سكت في أثنائها بما يزيد على العادة،فإن كان لانه ارتج عليه فطلب التذكر لم يضرّ الاّ ان يخرج عن كونه مصليا،و إن سكت متعمدا لا لحاجة حتى خرج عن كونه قارئا استأنف القراءة.
و لو خرج بالسكوت عن كونه مصليا بطلت.
و لو نوى قطع القراءة و سكت،قال في المبسوط:يعيد الصلاة،بخلاف ما لو سكت لا بنية القطع،أو نوى القطع و لم يسكت (2)مع انه يقول:إنّ الصلاة لا تبطل بنيّة فعل المنافي (3).
و ربما يجاب:بان المبطل هنا نيّة القطع مع القطع،فهو نيّة المنافي مع فعل المنافي.
و يشكل:بان قواطع الصلاة محصورة،و نيّة قطع القراءة لا تؤثر،و قطع القراءة بمجرده لا يؤثر كما ذكره الشيخ.اما لو نوى قطع القراءة لا بعزم العود إليها،فهو كنيّة قطع الصلاة بفعل المنافي،ان ثبت ان هذا القطع مناف للصلاة من حيث انه لا شغل له الآن سوى القراءة،فإذا نوى قطع القراءة و ترك القراءة فهو قطع للصلاة بالفعل،لانه ترك واجبا في الصلاة متعمدا.
و لقائل أن يقول:امّا ان نقول نيّة المنافي تؤثر أو لا،فان قلنا بتأثيرها بطلت،سواء قطع القراءة أو لا.و ان قلنا لا تؤثر حتى يفعل المنافي،فلا نسلم انّ مطلق ترك القراءة مناف،و انما تتحقق المنافاة إذا أتى بعده بالركوع فيكون قد أخل بواجب،أو لبث بعد القطع زمانا يخرج به عن كونه مصليا،فتتحقق المنافاة لا بمجرد ترك القراءة بل بهذا المنافي.2.
ص: 311
فروع:
لما كان الركن الأعظم في القرآن نظمه لم تجز القراءة بما يخل بالنظم، كما لو قرئ مقطّعا كأسماء العدد و أسماء الحروف.اما لو وقف في موضع لا يقف القرّاء عليه و يعدونه من القبيح فإنه لا يبطل،لحصول مسمى القرآن.
و لو كرّر آية من الحمد أو السورة لإصلاح،لم يقدح في الموالاة و ان لم يأت بالآية التي قبلها،و بعض العامة قال:يأتي بما قبلها ثم يكررها (1).و لو كررها عمدا فكذلك،و كذا الآيتان فصاعدا.
و لو شك في كلمة،أتى بها،و الأجود إعادة ما يسمى قرآنا،و أولى منه عدم جواز الإتيان بمجرد الحرف الذي شك فيه أو تيقّن فساده،لانه لا يعدّ بعض الكلمة كلمة فضلا عن كونه قرآنا.
و لو كرر الفاتحة عمدا،فالأقرب عدم البطلان،لان الكل قرآن،و لان تكرار الآية جائز.و احتمل الفاضل بطلان الصلاة،لمخالفة المأمور به (2).و كذا لو كرر السورة،و الخطب فيه أسهل لان القران بين السورتين قيل بجوازه،و هو في قوة القرآن.
اما لو اعتقد المكرّر استحباب التكرار توجّه الإبطال،لأنه ليس بمشروع على هذا الوجه،فيكون الآتي به آتيا بغير المشروع،و أولى بالبطلان ما لو اعتقد وجوبه.و لو كرّر شيئا من ذلك نسيانا فلا شيء عليه.
و لا يقدح في الموالاة سؤال الرحمة و الاستعاذة من النقمة عند آيتيهما، لاستحباب ذلك لما روى حذيفة من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك و قد قرأ سورة البقرة،و كان مقتديا به (3).و روى سماعة قال:قال عليه السلام:«ينبغي7.
ص: 312
لمن قرأ القرآن،إذا مرّ بآية فيها مسألة أو تخويف،أن يسأل اللّه عند ذلك خير ما يرجو،و يسأل العافية من النار و من العذاب» (1).و كذا لا بأس بالحمد عند العطسة في أثناء القراءة،و تسميت العاطس.
و لو أخلّ المصلي بالموالاة ساهيا لم تبطل،الاّ ان يخرج عن كونه مصلّيا.
و يعقد قلبه بمعناها،لان«الميسور لا يسقط بالمعسور» (2).
و روى الكليني عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«تلبية الأخرس،و تشهّده،و قراءته للقرآن،في الصلاة،تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» (3).و هذا يدل على اعتبار الإشارة بالإصبع في القراءة كما مرّ في التكبير.
و لو تعذّر إفهامه جميع معانيها،افهم البعض و حرك لسانه به،و أمر بتحريك اللسان بقدر الباقي تقريبا و ان لم يفهم معناه مفصّلا.و هذه لم أر فيها نصا.
و التمتام و الفأفاء و الألثغ و الأليغ يجب عليهم السعي في إصلاح اللسان، و لا يجوز لهم الصلاة مع سعة الوقت مهما أمكن التعلم،فان تعذّر ذلك صحت القراءة بما يقدرون عليه.و الأقرب عدم وجوب الائتمام عليهم،لان صلاتهم مشروعة.
في الثالثة من المغرب و الأخيرتين من الظهرين و العشاء،التسبيح عند علمائنا أجمع.
ص: 313
و روى العامة عن علي عليه السلام انه قال:«اقرأ في الأوليين،و سبّح في الأخيرتين (1)».
و روينا في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام تجزئ في الركعتين الأخيرتين ان تقول:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه،و اللّه أكبر،و تكبّر (2)و تركع.
و المفيد-رحمه اللّه-اقتصر على منطوق هذه الرواية (3).
و الشيخ في النهاية و الاقتصاد كرّر ذلك ثلاثا،فتكون اثني عشرة (4).و في المبسوط-و تبعه جماعة-عشر،و هي:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه، ثلاث مرات،ثم يقول في الثالثة:و اللّه أكبر (5).
و في كتاب حريز تسع:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه،ثلاثا (6)، و اختاره ابن بابويه (7)و أبو الصلاح (8).
و هذه الأقوال لم نجد بها شاهدا صريحا،الا ما رواه حريز عن زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«ان كنت إماما (9)فقل:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه ثلاث مرات،ثم تكبّر و تركع» (10).
قال ابن إدريس:يجزئ المستعجل أربع،و غيره عشر (11).6.
ص: 314
و قال ابن الجنيد:و الذي يقال مكان القراءة تحميد و تسبيح و تكبير،يقدّم ما شاء (1).و يشهد له صحيح عبيد اللّه الحلبي عن الصادق عليه السلام:«إذا كنت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما،و قل:الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر» (2).
و في صحيح عبيد بن زرارة عنه عليه السلام في الركعتين الأخيرتين من الظهر:«تسبّح و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك،و ان شئت فاتحة الكتاب» (3).
و روى علي بن حنظلة عنه عليه السلام:«إن شئت الفاتحة،و ان شئت فاذكر اللّه» (4).
و مال صاحب البشرى جمال الدين ابن طاوس العلوي-رحمه اللّه-الى أجزاء الجميع،لعدم الترجيح.و أورد على نفسه التخيير بين الوجود و العدم و هو غير معهود،و أجاب بالتزامه كالمسافر في مواضع التخيير.
و في المعتبر:الوجه جواز الكل،و ان كانت رواية الأربع أولى،و الأكثر أحوط و لكنه لا يلزم (5).و هو قول قوي،لكن العمل بالأكثر أولى،مع اعتقاد الوجوب.
الظاهر نعم، أخذا بالمتيقن.و نفاه في المعتبر،للأصل،مع اختلاف الرواية (6).
ص: 315
الأقرب نعم،تسوية بينه و بين البدل و نفاه ابن إدريس (1)للأصل،و عدم النص.
قلنا:عموم الإخفات في الفريضة كالنص،مع اعتضاده بالاحتياط.
المشهور لا، لعموم شرعيته.
و قال في المبسوط:ان نسي القراءة في الأوليين لم يبطل تخييره،و انما الأولى له القراءة لئلا تخلو الصلاة منها،و قد روي«،انه إذا نسي في الأوليين القراءة تعيّن في الأخيرتين» (2).
و لن نظفر بحديث صريح في ذلك،لكن روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في ناسي الفاتحة:«لا صلاة له» (3).
و روى الحسين بن حماد عن الصادق عليه السلام،قال:قلت له:أسهو عن القراءة في الركعة الأولى،قال:«اقرأ في الثانية»قلت:أسهو في الثانية، قال:«اقرأ في الثالثة»قلت:أسهو في صلاتي كلها،قال:«إذا حفظت الركوع و السجود تمت صلاتك» (4).
و هذه يظهر منها تعيّن القراءة للناسي لكنه غير مصرّح به،إذ الأمر بالقراءة و ان كان للوجوب الا انه لا ينافي التخيير بينها و بين التسبيح،فان كل واحدة من خصال التخيير توصف بالوجوب.
و قال في الخلاف:ان نسي القراءة في الأوليين قرأ في الأخيرتين، و احتجّ بهذه الرواية،و أورد رواية معاوية بن عمار الآتية دليلا على بقاء التخيير،
ص: 316
ثم جعل القراءة أحوط (1).
فقال ابن أبي عقيل:
التسبيح أفضل و لو نسي القراءة في الأوليين،لرواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في ناسي القراءة في الأوليين فتذكر في الأخيرتين،قال:«اني اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها» (2).
و ظاهر ابني بابويه أفضلية التسبيح للإمام و المأموم (3)و هو مختار ابن إدريس (4).
و في الاستبصار:الامام الأفضل له القراءة (5).
و ابن الجنيد:يستحب للإمام التسبيح إذا تيقّن انه ليس معه مسبوق،و ان علم دخول المسبوق أو جوّزه قرأ،ليكون ابتداء الصلاة للداخل بقراءة و المأموم يقرأ فيهما،و المنفرد يجزئه مهما فعل (6).
و ظاهر الشيخ في أكثر كتبه المساواة (7).
و الذي رواه محمد بن حكيم،عن أبي الحسن عليه السلام أفضلية القراءة (8)و أطلق.
و روى منصور بن حازم،عن الصادق عليه السلام:يقرأ الامام،و يتخيّر المأموم (9).
ص: 317
و روى معاوية بن عمار،عنه عليه السلام:قراءة الامام،و تخيّر المنفرد (1).
و روى علي بن حنظلة،عنه عليه السلام:«هما و اللّه سواء،ان شئت سبّحت،و ان شئت قرأت»و سأله عن الأفضل (2).
و روى الحلبي عنه عليه السلام:«إذا قمت في الركعتين لا تقرأ فيهما» (3).
و هو في رواية جميل بن دراج،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة؟فقال:«بفاتحة الكتاب،و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل فيهما إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب» (4)و غيرها من الروايات (5).
و يسبّح في الأخرى، لأن التخيير في الركعتين تخيير في كل واحدة منهما،و في رواية الحسين بن حماد اشعار به،لان قوله:«اقرأ في الثالثة» (6)مشعر ببقاء التخيير في الرابعة.
لأنها جزء من القراءة لا من التسبيح.
و الأقرب:انها غير مسنونة هنا،و لو أتى بها لم يكن به بأس.
فالأقرب انه ليس له العدول الى الآخر،لأنه إبطال للعمل و لو كان العدول إلى الأفضل،مع احتمال جوازه -كخصال الكفارة-و خصوصا إلى الأفضل.
ص: 318
و لو شرع في أحدهما بغير قصد اليه،فالظاهر الاستمرار عليه،لاقتضاء نيّة الصلاة فعل أيهما.و لو كان قاصدا إلى أحدهما،فسبق لسانه الى الآخر، فالأقرب ان التخيير باق،فان تخيّر غيره أتى به،و ان تخيّر ما سبق اليه لسانه فالأجود استئنافه،لأنه عمل بغير نية.
لأنه المتيقن.و لو ظهر له الزيادة فلا بأس.
و مراعاة اللفظ المخصوص به باللسان العربي،فلا تجزئ ترجمته.نعم،لو اضطر اليه و لم يمكنه العربية فالأقرب جوازه،لما سبق في التكبير و الأذكار في الأوليين.
و قال ابن أبي عقيل:يقول:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر،سبعا،أو خمسا،و أدناه ثلاث في كل ركعة (1).و لا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب تكرار ذكر اللّه تعالى.
فتبطل الصلاة بتعمّد تركه لا بنسيانه.
المغرب و العشاء الآخرة،
و وجوب الإخفات في البواقي،فتبطل الصلاة بمخالفة ذلك عمدا.
و نقل الشيخ فيه الإجماع،و احتج بخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه،أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال:«ان فعل ذلك متعمدا،فقد نقض صلاته و عليه الإعادة.و ان فعل ذلك ناسيا،أو ساهيا،أو لا يدري،فلا شيء عليه و قد تمت صلاته» (2).
ص: 319
و قال ابن الجنيد:لو جهر بالقراءة فيما يخافت بها،أو خافت فيما يجهر بها،جاز ذلك،و الاستحباب ان لا يفعل ذلك في انفراده (1)،و هو منقول عن المرتضى رحمه اللّه (2).
و قد روى علي بن جعفر،عن أخيه عليه السلام في الرجل يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة،هل عليه أن لا يجهر؟قال:«ان شاء جهر،و ان شاء لم يفعل» (3)،و حمل على الجهر العالي (4).
و الشيخ يقول:هذا يوافق العامة،و العمل على السابق (5)،يعني خبر زرارة.قال في المعتبر:هذا تحكّم من الشيخ،فان بعض الأصحاب لا يرى وجوب الجهر بل يستحبّه (6).
قلت:لم يعتد الشيخ بخلافه،و من القواعد المقررة ان من يعرف اسمه و نسبه لم يعتدّ بخلافه.
و يمكن الاستدلال على وجوب الجهر و الإخفات بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله،و التأسي به واجب،و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«صلّوا كما رأيتموني أصلي» (7).
فإن قلت:ما تصنع بقوله تعالى:0.
ص: 320
وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها (1) فان ظاهره التخيير،و به استدل العامة.
قلت:الحقيقة هنا غير مرادة،لامتناع الانفكاك عن الجهر و الإخفات، بل المراد نفي الجهر الزائد عن المعتاد،و نفي المخافتة التي تقصر عن الاسماع،لرواية سماعة عن الصادق عليه السلام في تفسيرها:«الجهر ان ترفع صوتك شديدا،و المخافتة ما دون سمعك» (2).
فان قلت:ففي رواية علي بن فضال،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«السنّة في صلاة النهار بالإخفاء،و السنّة في صلاة الليل بالإجهار» (3)و السنّة ترادف الندب.
قلت:حملها الشيخ على النافلة (4).و لو سلّم إرادة الفريضة فالسنة تطلق على الفرض كثيرا،بمعنى:انه ثابت بالسنة.
تنبيه:
أقل الجهر ان يسمع من قرب منه إذا كان يسمع،و حدّ الإخفات إسماع نفسه ان كان يسمع و الاّ تقديرا،قال في المعتبر:و هو إجماع العلماء،و لان ما لا يسمع لا يعد كلاما و لا قراءة (5)،و لرواية سماعة السابقة (6).
و روى زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«لا يكتب من القراءة و الدعاء الاّ ما اسمع نفسه» (7).4.
ص: 321
و روى الحلبي عن الصادق عليه السلام في الرجل يقرأ في الصلاة و ثوبه على فيه،فقال:«لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة» (1).
فإن قلت:فقد روى علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليهما السلام:«لا بأس ان لا يحرّك لسانه يتوهّم توهّما» (2).
قلت:حمله الشيخ على من كان في موضع تقية،لمرسلة محمد بن أبي حمزة عنه عليه السلام:«يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس» (3).
و لا جهر على المرأة إجماعا من الكل،فيكفيها إسماع نفسها تحقيقا أو تقديرا.و لو جهرت و سمعها الأجنبي،فالأقرب الفساد مع علمها،لتحقق النهي في العبادة.و لو سمعها المحرم،أو النساء،أو لم يسمعها أحد،فالظاهر الجواز،للأصل،و ان عدم وجوب الجهر عليها معلّل بكون صوتها عورة.
فرع:
الخنثى تتخيّر في الجهر و الإخفات،و ان جهرت في مواضع الجهر فهو أولى،إذا لم يستلزم سماع من يحرم سماعة.
امّا باقي أذكار الصلاة فقد سبق ما يدل على استحباب الجهر للإمام، و الاسرار للمأموم،و اما المنفرد فالظاهر تخييره،لرواية علي عن أخيه عليه السلام،قال:سألته عن التشهد،و القول في الركوع و السجود و القنوت،للرجل ان يجهر به؟قال:«ان شاء جهر،و ان شاء لم يجهر» (4)و قد سبق.
للزوم أحد الأمرين:اما الإخلال بالواجب ان نهيناه عن السجود،و اما زيادة سجدة
ص: 322
في الصلاة متعمّدا إن أمرناه به،و كلاهما ممنوع منه.و لرواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام:«لا يقرأ في المكتوبة شيء من العزائم،فإن السجود زيادة في المكتوبة» (1).
و في رواية سماعة:«لا تقرأ في الفريضة،اقرأ في التطوع» (2)يعني:سورة العلق.
و قد روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم،فقال:«إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها،و إن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها»الحديث (3).
و الأشهر بين الأصحاب العمل على الخبرين الأولين-و ان كان في سندهما كلام-إلاّ ابن الجنيد،حيث يقول:إن كان في فريضة أومأ،فإذا فرغ قرأها و سجد (4)و لكنه لا يرى وجوب سورة بعد الحمد،و رواية عمار دالة عليه أيضا.
و من ثم قال في المعتبر:إن قلنا بوجوب السورة و حرمنا الزيادة لزم المنع من قراءة العزيمة،و ان أجزنا أحدهما لم نمنع إذا ترك موضع السجود (5).
قلت:و كذا لو لم نوجب السجود في الحال لمانع يمنع منه-و هو التلبس بالصلاة التي ينافيها زيادة السجود-لم نحكم بالبطلان كما قاله ابن الجنيد، و في بعض الروايات إيماء إليه،مثل رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:
«ان صليت مع قوم فقرأ الامام اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أو شيئا من العزائم،و فرغ من قراءته و لم يسجد،فأومى إيماء» (6).2.
ص: 323
و هناك أخبار مطلقة في إباحة قراءة العزائم في الصلاة،و هي محمولة على النافلة-كرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام (1)و رواية عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام (2)و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (3)- للجمع بين الروايات،و زيادة السجود في النافلة مغتفر.
و قد دلت رواية الحلبي على ان السجود إذا كان في آخرها،سجد و قام فقرأ الحمد ثم ركع (4).
و روى وهب بن وهب،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام:«إذا كان السجود آخرها أجزأ الركوع بها» (5).و حمله الشيخ على من يصلي مع قوم لا يمكنه ان يسجد و يقوم و يقرأ الحمد،مستشهدا بمقطوعة سماعة:«إذا قام منفردا فليقرأ الفاتحة ثم يركع،و ان كان مع إمام لا يسجد أومأ بها و ركع» (6).
و في المبسوط:يقرأ إذا قام من السجود الحمد و سورة أخرى أو آية (7).
فرع:
لو قرأ العزيمة سهوا في الفريضة،ففي وجوب الرجوع عنها ما لم يتجاوز النصف وجهان،يلتفتان على انّ الدوام كالابتداء أو لا؟و الأقرب:الأول.
و ان تجاوز،ففي جواز الرجوع وجهان أيضا،و من تعارض عمومين أحدهما:المنع من الرجوع هنا مطلقا.و الثاني:المنع من زيادة سجدة،و هو4.
ص: 324
أقرب.و ان منعناه أومأ بالسجود ثم يقضيها.
و يحتمل وجوب الرجوع ما لم يتجاوز السجدة،و هو قريب أيضا،مع قوة العدول مطلقا ما دام قائما.
و ابن إدريس قال:ان قرأها ناسيا مضى في صلاته،ثم قضى السجود بعدها (1)و أطلق.
لاستلزامه تأخير الصلاة عن وقتها عمدا و هو حرام.و قد روى في التهذيب عن عامر بن عبد اللّه عن الصادق عليه السلام،قال:«من قرأ شيئا من ال حم في صلاة الفجر فاته الوقت» (2).
و لو ظن التضيّق بعد شروعه فيها،وجب العدول إلى أقصر منها-و ان تجاوز نصف الأولى-إذا ضاق الوقت عن تمامها.
مع الفاتحة.
فروى منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام:«لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا أكثر» (3).
و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يقرأ السورتين في الركعة،فقال:«لا لكل سورة ركعة» (4).
و روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام،قلت له:أقرأ سورتين في ركعة؟قال:«نعم».قلت:أ ليس يقال:أعط كل سورة حقها من الركوع
ص: 325
و السجود؟فقال:«ذاك في الفريضة،فأما في النافلة فلا بأس» (1).
و ظاهر هذه كلها التحريم،و عليه الشيخ في النهاية،و جعله مفسدا للصلاة (2)و كذا لم يجوّزه في التهذيب (3)و في الخلاف جعله الأظهر من المذهب و لم يذكر الفساد (4).و قال في المبسوط:قراءة سورة بعد الحمد واجبة،غير انه ان قرأ بعض السورة أو قرن بين سورتين بعد الحمد لا يحكم ببطلان الصلاة (5).
و المرتضى-رحمه اللّه-جعله أيضا مفسدا للصلاة (6).
و روى علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في القران بين السورتين في المكتوبة و النافلة،قال:«لا بأس» (7).و روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«انما يكره ان يجمع بين السورتين في الفريضة،فاما النافلة فلا بأس» (8).و عليه الشيخ في الاستبصار (9)و ابن إدريس (10)و الشيخ نجم الدين (11)و هو أقرب،حملا للروايات الأول على الكراهة توفيقا،و لقضية الأصل.
و ربما احتجّ بان فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يكن القران،و الا4.
ص: 326
لوجب أو استحبّ و لم يقل به أحد،فتعيّن الافراد،فيجب التأسي به.
فنقول:وجوب التأسي به معناه ان يفعل مثل فعله لانّه فعله،فإذا فعله على وجه الندب فالتأسّي به فعله على وجه الندب،و نحن نقول المستحب الافراد و يكره القران،و منصب النبوة مرفوع عن المكروه.أما النافلة فلا كراهة في القران فيها،لما سلف،و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام:«لا بأس ان تجمع في النافلة من السور ما شئت» (1).
و روى محمد بن القاسم انه سأل عبدا صالحا:هل يجوز ان يقرأ في صلاة الليل بالسورتين و الثلاث؟فقال:«ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين و الثلاث،و ما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلاّ سورة سورة» (2)و في هذه الرواية دلالة على ترك القران في نافلة النهار.
و المراد ب(الفريضة)ما عدا الكسوف،لما يأتي ان شاء اللّه من تعدّد السورة في الركعة الواحدة و من جعل كل ركوع ركعة،فالفريضة على إطلاقها.
الفيل و لإيلاف (3)و مستندهم النقل،
و ارتباط كل منهما بصاحبتها معنى.و حينئذ لو قرأ إحداهما في ركعة،وجب قراءة الأخرى على ترتيب المصحف على القول بوجوب السورة.
و قد روى زيد الشحام،قال:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام الفجر، فقرأ الضحى و ألم نشرح في ركعة الواحدة (4).
و روى أيضا:صلى أبو عبد اللّه عليه السلام فقرأ في الاولى و الضحى،
ص: 327
و في الثانية ألم نشرح (1)و حمل الشيخ هذه على النافلة (2).
و روى المفضل عنه عليه السلام،سمعته يقول:«لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة،إلا الضحى و أ لم نشرح،و سورة الفيل و لِإِيلافِ قُرَيْشٍ » (3).
فتوى الأكثر على الوحدة،و رواية المفضل تدلّ على انهما سورتان،و يؤيده الإجماع على وضعهما في المصحف سورتين،و هو متواتر.
أفتى به الأصحاب،بناء على وجوب السورة الكاملة و على انهما سورة،و الروايتان تدلان على الوقوع من الامام،و هو أعمّ من الوجوب.
فإن قلت:لو كانا سورتين لم يقرن بينهما الإمام،لأنه لا يفعل المحرّم و لا المكروه،فدلّ على انهما سورة،و كل سورة لا يجوز تبعيضها في الفريضة.
قلت:لم لا يستثنيان من الحرام أو المكروه،لتناسبهما في الاتصال، و قد أومأ في المعتبر الى هذا (4).
و قال في المعتبر:ان كانتا سورتين وجبت البسملة،و ان كانت واحدة فلا بسملة،للاتفاق على انها ليست آيتين من سورة واحدة (1)سوى النمل.8.
ص: 329
فمنها:الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى خاصة من كل صلاة،
لعموم فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (1)أي:أردت القراءة،و لما روى أبو سعيد الخدري:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول قبل القراءة:«أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم» (2).و عن الصادق عليه السلام:
«ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب» (3)رواه الحلبي.
و يستحب الاسرار بها و لو في الجهرية،قاله الأكثر،و نقل الشيخ فيه الإجماع منا (4).و روى حنان بن سدير،قال:صليت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام،فتعوّذ بإجهار،ثم جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم (5)و يحمل على الجواز.
و صورته ما روى الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (6).و روي:«أعوذ بالسميع (7)العليم من الشيطان الرجيم»رواه البزنطي عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام،و اختاره المفيد في المقنعة (8).
و روى سماعة،قال:سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة
ص: 330
الكتاب،قال:«فليقل:أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم،إنّ اللّه هو السميع العليم،ثم ليقرأ ما دام لم يركع» (1).
و قال ابن البراج:يقول أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم ان اللّه هو السميع العليم.
و للشيخ أبي علي بن الشيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي قول بوجوب التعوذ للأمر به،و هو غريب،لأن الأمر هنا للندب بالاتفاق،و قد نقل فيه والده في الخلاف الإجماع منا (2).
و قد روى الكليني بإسناده إلى فرات بن أحنف،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«مفتاح (3)كل كتاب نزل من السماء بسم اللّه الرحمن الرحيم، فإذا قرأت بسم اللّه الرحمن الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ،فإذا قرأت بسم اللّه الرحمن الرحيم سترتك فيما بين السماء و الأرض» (4).
فرع:
لا تتكرر الاستعاذة عندنا و عند الأكثر،و لو نسيها في الأولى لم يأت بها في الثانية.
و منها:الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات جمع، لرواية حنان (5)و رواية صفوان،قال:صليت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام أياما،فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم،و أخفى ما سوى ذلك (6)و زاد الكليني في روايته:و كان يجهر في السورتين جميعا (7).0.
ص: 331
و قد صرّح باستحبابه في جميع الصلوات ابن بابويه (1)و المرتضى في الجمل (2)و الشيخ في النهاية (3)و الخلاف (4)و المبسوط (5).
و تفرّد ابن إدريس باختصاص الاستحباب بأوليي الظهرين لا الأواخر، لعدم تعيّن القراءة فيها،و للاحتياط،و لقول الشيخ في الجمل:و الجهر بها في الموضعين،أي:الأوليين (6).
و هو قول مرغوب عنه:
أمّا أولا:فلأنه لم يسبق اليه،و هو بإزاء إطلاق الروايات و الأصحاب بل بإزاء تصريحهم بالعموم.
و أمّا ثانيا:فلأنّ المشهور من شعار الشيعة الجهر بالبسملة،و ذلك لكونها بسملة في مواضع الإخفات،فلا يتفاوت الحال في ذلك اقامة للشعار.
و الجواب عن تمسكه بتعيّن القراءة انّ ذلك عين المتنازع فيه،و نحن لا نقول بالبسملة حال عدم القراءة فضلا عن الجهر بها،اما حال وجود القراءة فهي مساوية لسائر القرآن.و اما الاحتياط فمعارض بأصل البراءة من وجوب الإخفات بها.و اما الموضعان فلم لا يكونان أول الحمد حيث كانت و أول السورة.
قال المحقق-رحمه اللّه-:هذا تخصيص لما نص عليه الأصحاب و دلت عليه الروايات،فان تمسّك بوجوب الإخفات نقضنا عليه بما تتعيّن فيه القراءة من الإخفاتية،و ان تمسّك بنص الأصحاب و المنقول لزمه العمل بالإخفات في كل موضع يقرأ فيه تعيّن أو لم يتعيّن (7).1.
ص: 332
و قال ابن أبي عقيل:تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام ان لا تقية في الجهر بالبسملة.
و هاهنا أقوال أخر:
أحدها:قول ابن الجنيد-رحمه اللّه-و هو:ان الجهر بها انما هو للإمام،أما المنفرد فلا،و صرّح بان الامام يجهر بالبسملة في الأخيرتين (1).
و ثانيها:قول ابن البراج:انه يجب الجهر بها في الإخفاتية على الإطلاق (2).
و ثالثها:قول أبي الصلاح:انه يجب الجهر بها في أوليي الظهر و العصر في الحمد و السورة (3).
و ربّما احتج ابن الجنيد بالروايتين الأوليين،فإن المذكور فيهما الامام.
و جوابه ان التأسي اقتضى الاستحباب لغير الإمام،إماما كان أو منفردا.نعم، في حق الإمام يتأكد استحباب الجهر بالبسملة.و لعلّ ابن البراج يحتج بمداومة الامام على ذلك،فيجب التأسي به.و كل ذلك تدفعه الشهرة بين الأصحاب.
و قد روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد و لا يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم،قال:«لا يضره» (4)و المراد به الإخفات بها عند الشيخ في أحد تأويليه (5)و التأويل الآخر انه ترك البسملة ناسيا (6).
و روى محمد بن علي الحلبي عنه عليه السلام فيمن يقرأ بسم اللّه8.
ص: 333
الرحمن الرحيم،قال:«ان شاء سرا،و ان شاء جهرا» (1)و هذا صريح في عدم الوجوب،مع إمكان حمل كلام الموجب على الوجوب التخييري،إذ القراءة الواجبة لا تنفك عن صفتي الجهر و الإخفات فيجب كل منهما على البدل، و هذا يتم ان قلنا بتباين الصفتين،و ان قلنا بأن الإخفات جزء من الجهر فلا.
و منها:تعمّد الإعراب، أي:إظهار حركاته،بحيث يتميز بعضها عن بعض بالقدر الذي لا يخرج الى الحروف التي منها حركات الاعراب.و يجوز ان يراد بتعمّد الاعراب ان لا يكثر الوقف،و خصوصا على ما لا ينبغي الوقف عليه.
و منها:الوقوف على مواضعه، و أجودها التام،ثم الحسن،ثم الجائز، و ذلك معروف عند القراء و قد الف فيه كتب جمة.
و يجوز الوقف على ما شاء و الوصل.روي علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام في الرجل يقرأ بفاتحة الكتاب و سورة أخرى في النفس الواحد، قال:«ان شاء قرأ في نفس،أو شاء غيره» (2).نعم،يكره قراءة التوحيد بنفس واحد،لما رواه محمد بن يحيى بسنده الى الصادق عليه السلام (3).
و منها:الترتيل،و هو حفظ الوقوف و أداء الحروف، لقوله تعالى وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4).
و قال في المعتبر:الترتيل تبيين الحروف من غير مبالغة،و ربما وجب إذا أريد به النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يدمج بعضها في بعض،و يمكن حمل الآية عليه،لأن الأمر عند الإطلاق للوجوب.و روى عبد اللّه البرقي مرسلا عن الصادق عليه السلام:«ينبغي للعبد إذا صلّى ان يرتل قراءته،و إذا مرّ بآية3.
ص: 334
فيها ذكر الجنة و النار سأل اللّه الجنة و تعوذ باللّه من النار،و إذا مرّ بيا أيها الناس، أو يا ايها الذين آمنوا،قال:لبيك ربنا» (1).
قلت:هذه الرواية تدل على جواز التلبية في الصلاة،و مثلها رواية أبي جرير عن الكاظم عليه السلام،قال:«ان الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبّح،فإذا دعته الوالدة فليقل لبيك» (2).
و منها: انه«إذا ختم وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها فليقل:صدق اللّه و صدق رسوله.و إذا قرأ آللّهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ قال:اللّه خير اللّه أكبر.و إذا قرأ:
ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ قال:كذب العادلون باللّه.و إذا قرأ:
اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ الآية قال:اللّه أكبر ثلاثا»روى ذلك عمار،عن الصادق عليه السلام (3).
و منها:السكوت إذا فرغ من الحمد و السورة،فهما سكتتان،لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام عن أبيه:«ان رجلين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اختلفا في صلاة رسوله اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فكتب الى أبي بن كعب:كم كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سكتة؟ قال:كانت له سكتتان:إذا فرغ من أم القرآن،و إذا فرغ من السورة» (4).
و في رواية حماد تقدير السكتة بعد السورة بنفس (5).
و قال ابن الجنيد:روى سمرة و أبي بن كعب عن النبي صلّى اللّه عليه1.
ص: 335
و آله:ان السكتة الأولى بعد تكبيرة الافتتاح،و الثانية بعد الحمد (1).
فرع:
الظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين قبل الركوع، و كذا عقيب التسبيح.
و منها:استحباب قراءة ما رواه محمد بن مسلم: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:القراءة في الصلاة منها شيء موقت،فقال:«لا،إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة و المنافقين».قلت له:فأي السور أقرأ في الصلوات؟قال:«اما الظهر و العشاء فتقرأ فيهما سواء،و العصر و المغرب سواء،و اما الغداة فأطول.ففي الظهور و العشاء بسبح باسم ربك الأعلى و الشمس و ضحاها و نحوها، و العصر و المغرب:إذا جاء نصر اللّه و ألهاكم التكاثر و نحوها،و الغداة بعم يتساءلون و الغاشية و القيامة و هل أتى» (2).
و رواية عيسى بن عبد اللّه القمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:
«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الغداة بعم يتساءلون و هل أتاك حديث الغاشية و لا اقسم بيوم القيامة و شبهها.و يصلي الظهر بسبح و الشمس و ضحاها (3).و يصلي المغرب بقل هو اللّه أحد و إذا جاء نصر اللّه و إذا زلزلت.و يصلي العشاء الآخرة بنحو مما يصلي الظهر،و يصلي العصر بنحو من المغرب» (4).
و قال الصدوق-رحمه اللّه-:أفضل ما يقرأ في الصلاة في اليوم و الليلة في الركعة الأولى الحمد و انا أنزلناه و في الثانية الحمد و قل هو اللّه أحد5.
ص: 336
إلاّ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة فالجمعة و الأعلى،و في صبحها و ظهريها بالجمعة و المنافقين (1).
و قال ان نسيهما أو إحداهما في الظهر يوم الجمعة رجع ما لم يقرأ النصف،فإن قرأ النصف أتمها ركعتين ندبا،ثم أعاد الظهر بالسورتين (2).
قال:و من قرأ في الغداة يوم الاثنين و الخميس بهل أتى و الغاشية وقاه اللّه شر اليومين (3).
قال:و حكى من صحب الرضا عليه السلام الى خراسان انه كان يقرأ في صلاته السور التي ذكرناها،فلذلك اخترناها (4).
قلت:روى الكليني عن أبي علي بن راشد،قلت لأبي الحسن عليه السلام:جعلت فداك انك كتبت الى محمد بن الفرج تعلمه ان أفضل ما يقرأ في الفرائض بأنا أنزلناه و قل هو اللّه أحد و ان صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر،فقال عليه السلام:«لا يضيقن صدرك بقراءتهما،فان الفضل و اللّه فيهما» (5).
قال ابن بابويه:و انما يستحب قراءة القدر في الاولى و التوحيد في الثانية، لأن القدر سورة النبي صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته،فيجعلهم المصلي وسيلة الى اللّه تعالى،لانه بهم وصل الى معرفته.و اما التوحيد فالدعاء على أثرها مستحبات،و هو القنوت (6).
و منها:استحباب ما تضمّنته رواية معاذ بن مسلم عن الصادق عليه7.
ص: 337
السلام:«لا تدع أن تقرأ بقل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون في سبعة مواطن:في الركعتين قبل الفجر،و ركعتي الزوال،و ركعتين بعد المغرب،و ركعتين في أول صلاة الليل،و ركعتي الإحرام،و الفجر إذا أصبحت فيهما،و ركعتي الطواف» (1).
قال الشيخ:و في رواية اخرى:انه يقرأ في هذا كله بقل هو اللّه أحد و في الثانية بقل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر،فإنه يبدأ بقل يا ايها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو اللّه أحد (2)،و هذا حكاية لكلام الشيخ أبي جعفر الكليني-رحمه اللّه-و لم يذكرا سند الرواية.
قال الشيخ:و يستحب ان يقرأ التوحيد في كل ركعة من الركعتين الأوليين من صلاة الليل ثلاثين مرة (3)مع قوله بالمواضع السبعة (4).
و روى الكليني عن محمد بن مسلم:ليس في القراءة شيء موقت،إلاّ الجمعة يقرأ فيها الجمعة و المنافقين (5).
تنبيهات:
الأول: قال ابن بابويه:قد رويت رخص في القراءة في ظهر الجمعة بغير سورة الجمعة و المنافقين لا استعملها،و لا افتي بها،إلاّ في حال السفر و المرض و خيفة فوت حاجة (6)لما رواه عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«لا بأس ان تقرأ في صلاة الجمعة بغير الجمعة و المنافقين إذا كنت1.
ص: 338
مستعجلا» (1).فظاهره وجوب السورتين فيها و في الجمعة،و هو اختيار أبي الصلاح (2).
و أوجب السورتين المرتضى في الجمعة و قال:قد روي ان المنفرد أيضا يلزمه قراءتهما (3).
و روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام:«من صلّى بغير الجمعة و المنافقين أعاد الصلاة» (4).
و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام،قال:«ان اللّه تعالى أكرم بالجمعة المؤمنين،فسنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشارة لهم،و المنافقين توبيخا للمنافقين،و لا ينبغي تركهما،فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له» (5).
و الجواب:المعارضة برواية علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا،قال:«لا بأس بذلك» (6).و جوازه في الجمعة يستلزم أولوية جوازه في الظهر،فتحمل الرواية على تأكد الندبية،و ان يكون قوله:«لا صلاة له»أي كاملة،بقرينة قوله«لا ينبغي تركهما»و للتوفيق بين الروايات.
و اعلم انّ الشيخ نجم الدين نقل في المعتبر ان ابن بابويه أوجبهما في الظهر و العصر في كتابه الكبير،و حكى كلامه متضمنا العصر (7)و لم نر في النسخ9.
ص: 339
التي وصلت إلينا سوى الظهر،و هو الذي نقله الفاضل في المختلف (1).
الثاني: وافق المرتضى الصدوق في قراءة المنافقين في صبح الجمعة (2)و رواه الشيخ في المبسوط (3)و هو في خبر ربعي و حريز رفعاه الى أبي جعفر عليه السلام،قال:«إذا كانت ليلة الجمعة يستحب ان يقرأ في العتمة سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون،و في صلاة الصبح مثل ذلك» (4).
و خيّر ابن أبي عقيل بين المنافقين و بين الإخلاص (5).
و قال الشيخان:بل يقرأ في الثانية قل هو اللّه أحد (6)و هو موجود في رواية أبي الصباح الكناني (7)و أبي بصير (8)عن الصادق عليه السلام،و الطريق رجال الواقفة و لكنه مشهور.
الثالث: يستحب قراءة الجمعة في اولى المغرب ليلة الجمعة،و الأعلى في الثانية،لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام (9).
و قال في المصباح و الاقتصاد:يقرأ في الثانية التوحيد (10)لرواية أبي الصباح عنه عليه السلام (11).7.
ص: 340
الرابع:يستحب قراءة الجمعة و الأعلى في عشاء ليلة الجمعة، لرواية أبي الصباح أيضا عنه عليه السلام (1)و رواه أبو بصير عنه أيضا (2).
و قال ابن أبي عقيل:يقرأ في الثانية المنافقين،و أوفق في الأولى على الجمعة (3)لرواية حريز السالفة (4).و الأول أشهر و أظهر في الفتوى.
الخامس: اختلف الأصحاب-رضي اللّه عنهم-في الجهر بالظهر يوم الجمعة،مع اتفاقهم على استحباب الجهر في صلاة الجمعة.فاستحب الجهر في الظهر الشيخ-رحمه اللّه- (5)و رواه الحلبي عن الصادق (6)و محمد ابن مروان عنه (7)و عمران الحلبي عنه (8)و محمد بن مسلم عنه (9).
و قال ابن بابويه:الجهر فيها رخصة يجوز الأخذ بها،و الأصل انه انما يجهر فيها إذا كانت خطبة،فإذا صلاها وحده فهي كصلاة الظهر في سائر الأيام يخفى فيها القراءة.و كذلك في السفر من صلّى الجمعة جماعة بغير خطبة جهر بالقراءة و ان أنكر ذلك عليه.و كذلك إذا صلّى ركعتين بخطبة في السفر جهر فيها (10).
و المرتضى-رحمه اللّه-قال:و المنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة روي انه يجهر بالقراءة استحبابا.و روي ان الجهر انما يستحب ان صليت مقصورة بخطبة،أو صليت ظهرا أربعا في جماعة،و لا جهر على المنفرد (11).و قوّى ابن5.
ص: 341
إدريس هذا الأخير،محتجا بعدم الدليل و الاحتياط (1).
و قد روى جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجماعة يوم الجمعة في السفر،قال:«يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر،و لا يجهر الإمام إنما يجهر إذا كانت خطبة» (2).و روى محمد بن مسلم،قال:
سألته عن صلاة الجمعة في السفر،قال:«يصنعون كما يصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام بالقراءة إنما يجهر إذا كانت خطبة» (3).و حملهما الشيخ على التقية (4).
و في كلام ابن بابويه-رحمه اللّه-إشارة الى ان الجمعة تصلّى سفرا بغير خطبة،و انها يجهر بها.فإن أراد به الجمعة الحقيقية أشكلت بعدم انعقادها سفرا و بغير خطبة،و كلامه يدل على انعقادها سفرا بخطبة و غيرها.و ان أراد الظهر المقصورة أشعر بأن الجهر تابع لصلاتها جماعة،و هو ينافي قوله:(انما يجهر فيها إذا كانت خطبة)،و في بعض النسخ:(انما يجهر إذا كانت جماعة)، و حينئذ لا تنافي.
و قد دل على تسمية ما في السفر جمعة رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام،انه قال:«صلوا في السفر جمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة» (5).و الظاهر انه أراد ان الجهر تابع للجماعة،سواء صليت ظهرا أو جمعة،كما حكاه المرتضى و اختاره ابن إدريس (6).1.
ص: 342
و قال في المعتبر:من الأصحاب من منع الجهر إلاّ في الجمعة خاصة.
ثم ذكر روايتي جميل و محمد بن مسلم،و قال:هما أولى و أشبه بالمذهب، و استضعف تأويل الشيخ إياهما بالتقية (1).
فحصل من هذا ثلاثة أقوال:
الأول:عدم استحباب الجهر في الظهر مطلقا،و هو اختياره في المعتبر، و لعله الأقرب.
الثاني:استحبابه فيها مطلقا،و هو قول الشيخ و من تبعه،و منهم الفاضل في المختلف (2).
الثالث:استحبابه فيها إذا صليت جماعة لا انفرادا،و هو ظاهر الصدوق،و مختار ابن إدريس.
و منها:استحباب تطويل قراءة الركعة الأولى على الثانية،قاله في المعتبر،لما روى أبو قتادة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في الأوليين من الظهر فاتحة الكتاب و سورتين،يطول في الاولى و يقصر في الأخرى،و كذا في العصر و الصبح.قال:و هو منقول عن الأئمة عليهم السلام (3).
قلت:لم أر هذا القول لغيره-رحمه اللّه-و هذا الحديث من طرق العامة،و قد رووا أيضا عن أبي سعيد الخدري:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، و في العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية (4).4.
ص: 343
و قال الشيخ في الخلاف:لا ترجيح بين الركعتين،محتجا بعدم الدليل، و عموم الاخبار في قراءة سورة مع الحمد.و العامة مختلفون في ذلك (1).
و منها:استحباب مغايرة السورة في الركعتين،و كراهة تكرار الواحدة في الركعتين إذا أحسن غيرها،فان لم يحسن غيرها فلا بأس،روى ذلك علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام (2).
و اما كون السورة الثانية بعد الاولى على ترتيب المصحف فلا تعرفه الأصحاب،فلا يكره عندهم التقديم و التأخير.نعم،الروايات المتضمنة للتعيين غالبها على ترتيب القرآن،و قد روي تقديم التوحيد على الجحد في المواضع السبعة كما مر (3).
و منها:ما رواه محسن الميثمي عن الصادق عليه السلام،قال:«يقرأ في صلاة الزوال في الركعة الأولى التوحيد،و في الثانية الجحد،و في الثالثة التوحيد و آية الكرسي،و في الرابعة التوحيد و آمَنَ الرَّسُولُ الى آخر البقرة، و في الخامسة التوحيد و الخمس من آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ الى اَلْمِيعادَ ،و في السادسة التوحيد و ثلاث آيات السخرة إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ إلى اَلْمُحْسِنِينَ ،و في السابعة التوحيد و الآيات من سورة الانعام وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ الى اَللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ،و في الثامنة التوحيد و آخر سورة الحشر لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ الى آخرها» (4).
و منها:استحباب قول المأموم عند فراغ الامام من الحمد اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ،روى ذلك جميل عن الصادق عليه السلام (5).5.
ص: 344
و فيه مسائل:
المشهور بين الأصحاب تحريم قول آمين عقيب الحمد،حتى انه تبطل بعمده الصلاة لغير تقية.
و ادعى بعضهم الإجماع عليه،فقال الشيخ-رحمه اللّه-في الخلاف:
قول آمين يقطع الصلاة،سواء كان ذلك سرا أو جهرا،آخر الحمد أو قبلها، للإمام و المأموم،و على كل حال.و احتج بإجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في انّ ذلك يبطل الصلاة،و بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين»و قول آمين من كلام الآدميين،و برواية الحلبي عن الصادق عليه السلام انه سأله أقول آمين إذا فرغت من فاتحة الكتاب؟قال:«لا» (1).
و قال ابن بابويه:و لا يجوز ان يقال بعد فاتحة الكتاب آمين،لان ذلك كان يقوله النصارى (2).
و قال المفيد و المرتضى-رحمهما اللّه-:يحرم قول آمين آخر الحمد، و يقولان:تبطل الصلاة به (3)و تبعهما جمهور الأصحاب (4).
ص: 345
قال ابن زهرة-رحمه اللّه-:يحرم بالإجماع و الاحتياط،و بأنها عمل كثير خارج عن الصلاة،و بأنها انما تكون على دعاء تقدمها و القارئ لا يجب عليه قصد الدعاء مع القراءة فلا معنى لها حينئذ،و إذا انتفى جوازها عند عدم القصد انتفى عند قصد القراءة و الدعاء،لأن أحدا لم يفرق بينهما (1).
و الشيخ في التبيان يمنع من قصد القراءة و الدعاء،للزوم استعمال المشترك في معنييه،و هو غير جائز (2).
و في المعتبر صدّر كلامه بالمنع منها،محتجا بحديث الآدميين،و بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انما هي التسبيح،و التكبير،و قراءة القرآن»و«انما» للحصر و ليس التأمين أحدها،لأن معناها:اللّهمّ استجب،و لو نطق بذلك أبطل صلاته فكذا ما قام مقامه.
و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله علم الصلاة جماعة و لم يذكر التأمين، و بان أبا حميد الساعدي لما وصف صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يذكره،و كذا أبو قتادة.
و لانه لو كان النطق بها تأمينا لم تجز الا لمن قصد الدعاء،لكن ذلك ليس شرطا بالإجماع،اما عندنا فللمنع مطلقا،و اما عند الجمهور فللاستحباب مطلقا.
و لأنّ التأمين يستدعي سبق دعاء،و لا يتحقق الدعاء الاّ مع قصده،فعلى تقدير عدم القصد يخرج التأمين عن حقيقته فيكون لغوا (3).5.
ص: 346
ثم ذكر تمسك العامة برواية أبي هريرة:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:«إذا قال الامام غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ فقولوا:
آمين،فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر اللّه له»،و برواية وائل بن حجر قال:
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قال وَ لاَ الضّالِّينَ قال:آمين،و رفع صوته بها،و بقوله صلّى اللّه عليه و آله لبلال:«لا تسبقني» (1).
و أجاب:بأنّ أبا هريرة شهد عليه عمر بأنّه عدو اللّه و عدو المسلمين، و حكم عليه بالخيانة في مال البحرين،و أوجب عليه عشرة آلاف دينار،فكيف يسكن الى نقله!و لان ذلك لو قاله النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يختص به أبو هريرة و وائل،و خصوصا إذا كان يرفع صوته بها،و لان مالكا أنكر التأمين في رواية عنه فلو كان مشهورا لم يخف عليه (2).
ثم قال في المعتبر:و يمكن ان يقال بالكراهية،و يحتج بما رواه ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين،قال:«ما أحسنها،و اخفض الصوت بها».و طعن في الرواية بالمنع بأن في طريقها في التهذيب محمد بن6.
ص: 347
سنان و هو مطعون فيه،و في طريقها في جامع البزنطي عبد الكريم و ليس كابن أبي عمير (1).
قلت:استدلاله على الكراهة بهذه الرواية غير متّجه،لان استحسانها على سبيل التعجب ينفي كراهيتها،و الحق ان هذه الرواية تنادي على نفسها بالتقية،لأن الأخبار مصرحة بالنهي عنها،و لو حملت هذه على استحبابها كان تناقضا ظاهرا فلم تبق التقية.
و كذا ما روى معاوية بن وهب قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أقول آمين إذا قال الامام غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ ؟قال:«هم اليهود و النصارى» (2)مؤذن بالتقية،لأنه عدل عن الجواب عن المسئول عنه الى غيره، و هذا صريح في التقية،كذا قاله الشيخ (3).و قد يتوهّم ان قوله:«هم اليهود و النصارى»جواب،أي:هم القائلون آمين،كما قاله ابن بابويه-رحمه اللّه- (4).
و العجب كيف لم يستشهد المحقق بكلام ابن الجنيد هنا،إذ يقول في كتاب الإمامة:و لا يصل الإمام و لا غيره قراءة وَ لاَ الضّالِّينَ بآمين،لأنّ ذلك يجري مجرى الزيادة في القرآن مما ليس منه،و ربما سمعها الجاهل قرأها من التنزيل،و قد روى سمرة و أبي بن كعب السكتتين،و لم يذكرا فيها آمين (5).1.
ص: 348
ثم قال:و لو قال المأموم في نفسه:اللّهم اهدنا إلى صراطك المستقيم،كان أحب إليّ،لأن ذلك ابتداء دعاء منه.و إذا قال:آمين تأمينا على ما تلاه الامام، صرف القراءة إلى الدعاء الذي يؤمن عليه سامعه.
و قال-في حدود الصلاة-:و يستحب ان يجهر به الإمام-يعني القنوت- في جميع الصلاة،ليؤمن من خلفه على دعائه.فظاهره جواز التأمين عقيب الحمد و غيرها.
قلت:المعتمد تحريمها و إبطال الصلاة بفعلها،عملا بقول الأكثر، و دعوى الإجماع من أكابر الأصحاب (1).و رواية جميل المذكورة محمولة على التقية،لأنه نفسه روى عن الصادق عليه السلام بطريق آخر:«إذا كنت خلف الإمام،فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها،فقل أنت:الحمد للّه رب العالمين،و لا تقل:آمين» (2)و هو نهي و الأصل فيه التحريم،و هذه الرواية صحيحة السند،لا يرد عليها ما ذكره في المعتبر في حديث الحلبي من الطعن.
و أمّا ما جرى في تضاعيف الحجة من قول الشيخ:ان قصد الدعاء و القراءة غير جائز لأنه استعمال للمشترك في المعنيين،فضعيف،فان المعنى هنا متحد و هو الدعاء المنزّل قرآنا،و من المعلوم ان اللّه تعالى انما كلف المكلفين بهذه الصيغة لإرادة الدعاء،فيكف تبطل الصلاة بقصده! و من قول المحقق«انما هي التسبيح»الى آخره،فان الحصر غير مراد منه،لخروج معظم أفعال الصلاة منه،كالركوع و السجود و التشهد و الدعاء.
و كذا قوله ببطلان الصلاة بقوله:اللهم استجب،ضعيف،فان الدعاء بالمباح جائز في الصلاة بإجماعنا،و هذا دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى به.و قد تابعه على هذا الفاضل في التذكرة (3)و ليس بذاك.8.
ص: 349
و كثير من الأصحاب لم أقف له على التأمين بنفي و لا إثبات،كابن أبي عقيل،و الجعفي في الفاخر،و أبي الصلاح-رحمهم اللّه.
تستحب السورة في النافلة عقيب الحمد بالإجماع،و لتكن من طوال السور في نوافل الليل-كالأنعام و الكهف و الحم-و من قصارها في نوافل النهار.
قال في المبسوط:و الاقتصار على سورة الإخلاص أفضل،يعني:في نوافل النهار (1).و يستحب الإخفات فيها،و الجهر في نوافل الليل عند علمائنا أجمع،لما تقدم من قول الصادق عليه السلام:«السنة في صلاة النهار بالإخفات،و السنّة في صلاة الليل بالإجهار» (2).
و روى العامة عن أبي هريرة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في الصلاة النهار،فارجموه بالبعر» (3).
و ذكر بعض العامة ضابطا للجهر و الإخفات-و تبعهم عليه بعض الأصحاب (4)-و هو:انّ كل صلاة تختص بالنهار،و لا نظير لها بالليل،فجهر كالصبح.و كل صلاة تختص بالليل،و لا نظير لها بالنهار،فجهر أيضا كالمغرب.و كل صلاة تفعل نهارا،و لها نظير بالليل،فما تفعل بالنهار فسّر كالظهرين،و ما تفعل ليلا فجهر كالعشاء.
فعلى هذا صلاة الجمعة و العيد يسنّ الإجهار بهما،لأنهما تفعلان نهارا،و لا نظير لهما ليلا.و الكسوف يستحب فيها الإسرار،لأنها تفعل نهارا، و لها نظير بالليل و هي الخسوف،فيجهر فيه.و الأصل فيه قوله صلّى اللّه عليه
ص: 350
و آله:«صلاة النهار عجماء» (1).
و هذا قياس محض لا أصل له عندنا،و قد نصّ الأصحاب على الجهر بصلاة الكسوف كالخسوف (2).و يلزم ان صلاة الاستسقاء سر،و قد نص الجماعة على انها كالعيد،و العيد جهر (3).و يلزم أيضا أن يكون القضاء تابعا لليل و النهار،و الإجماع واقع من الأصحاب على انّه يقضى كما فات،لعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله:«فليقضها كما فاتته» (4)و كذا قضاء النوافل يجهر فيه و يسرّ على ما كان،نصّ عليه الشيخ في الخلاف،و لم يحتج بالإجماع بل بالحديث (5).
فرع:
إذا قلنا بأن المأموم يقرأ ندبا،فلا جهر عليه في الجهرية،لما مر في رواية إسماع الإمام الأذكار للمأموم دون العكس (6)،و لان بعض الصحابة جهر خلف النبي صلّى اللّه عليه و آله فلما فرغ من الصلاة قال:«ما بالي أنازع القرآن» (7)و فيه إشارة الى انّ الجهر فيه تشويش قراءة الإمام.7.
ص: 351
تنبيه:
قال ابن أبي عقيل:يجهر في صلوات السنن التي تكون في الجماعة، و أطلق.
القراءة ليست ركنا على الصحيح من المذهب،و نقل فيه الشيخ الإجماع في الخلاف (1)لان المعني به:ما تبطل الصلاة بالإخلال به نسيانا و القراءة ليست كذلك،لما روي ان منصور بن حازم سأل الصادق عليه السلام:
اني صليت المكتوبة و نسيت ان أقرأ في صلاتي كلها،فقال:«أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟»قلت:بلى.فقال:«تمت صلاتك» (2)و يقرب منه رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام (3).
و نقل في المبسوط عن بعض الأصحاب ركنيتها (4)و هو أيضا قول جماعة من العامة (5)لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» (6)و لرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في الذي لا يقرأ الفاتحة:«لا صلاة له،الاّ ان يقرأ بها في جهر أو إخفات» (7).
ص: 352
و الجواب:المراد نفي الكمال،توفيقا بين الروايات.
و يحتج على العامة بما روي:ان عمر صلّى المغرب فلم يقرأ،فلما فرغ قيل له في ذلك فقال:كيف كان الركوع و السجود.قالوا:حسنا.فقال:فلا بأس،و لم ينكر عليه أحد من الصحابة (1)فدل على اشتهاره بينهم.
يجوز العدول من سورة إلى أخرى في الفريضة و النافلة ما لم يتجاوز نصفها،فلا يجوز في الفريضة-قاله الشيخان (2)-إلا في سورتي التوحيد و الجحد،فلا عدول عنهما بالشروع،لرواية عمرو بن أبي نصر عن أبي عبد اللّه عليه السلام:يرجع من كل سورة الا من قل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون (3)و مثله روى الحلبي عنه عليه السلام (4).
و لم أقف الآن على اعتبار النصف،لكن روى عبيد بن زرارة عنه عليه السلام في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ غيرها،فقال:«له ان يرجع ما بينه و بين ان يقرأ ثلثيها» (5).
و الشيخ في التهذيب لما حكى كلام المفيد بتجاوز النصف،لم يذكر له شاهدا سوى ما رواه أبو بصير عنه في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة، ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها،ثم يذكر قبل أن يركع،قال:«يركع و لا يضره» (6).و هذا لا دلالة فيه على اعتبار النصف،إذ مفهوم الاسم ليس فيه حجة.نعم،يظهر منه على بعد استحباب قراءة السورة.
ص: 353
و في المعتبر نقل عن المرتضى تحريم الرجوع عن التوحيد و الجحد،ثم قال:و الوجه الكراهية،لقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ .قال:و لا تبلغ الرواية قوة في تخصيص الآية (1).
و قال ابن بابويه في الفقيه:فان نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر -يعني به الجمعة و المنافقين-ثم ذكرت،فارجع إليهما ما لم تقرأ نصف السورة،فإن قرأت نصف السورة فتممها و اجعلها ركعتي نافلة (2).و لم يشترط هنا تجاوز النصف،بل اكتفى بقراءة النصف.
و قال ابن بابويه أيضا:من أراد أن يقرأ في صلاته بسورة فقرأ غيرها فليرجع منها الى غيرها،الا ان تكون السورة قل هو اللّه أحد فلا يرجع منها الى غيرها،الا يوم الجمعة في صلاة الظهر،فإنه يرجع منها إلى سورة الجمعة و المنافقين (3).و كأنّه بناه على مذهبه من وجوب السورتين،فلذلك عدل عن التوحيد و لم يذكر الجحد.
و قد روى الكليني عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يريد ان يقرأ سورة الجمعة فيقرأ قل هو اللّه أحد،قال:«يرجع الى سورة الجمعة» (4)قال:و روي أيضا:«يتمها ركعتين ثم يستأنف» (5).
و قال الشيخ-رحمه اللّه-:يجوز الانتقال من سورة إلى غيرها ما لم يتجاوز نصفها إلاّ سورة الكافرين و الإخلاص،فإنّه لا ينتقل عنهما إلا في الظهر يوم الجمعة،فإنّه يجوز له الانتقال عنهما إلى الجمعة و المنافقين (6).7.
ص: 354
و قال الجعفي-رحمه اللّه-:و ان أخذت في سورة و بدا لك في غيرها، فاقطعها ما لم تقرأ نصفها الاّ قل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون،فان كنت في صلاة الجمعة و الصبح يومئذ أو العشاء ليلة الجمعة فاقطعهما و خذ في سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون.فعمّم الحكم في الصلوات الثلاث.
و قال ابن إدريس-في باب القراءة:للمصلي إذا بدأ بسورة ان يرجع عنها ما لم يبلغ نصفها،الاّ التوحيد و الجحد فإنه لا يرجع عنهما (1)و أطلق،و كذا قال المحقق في الشرائع-رحمهما اللّه (2).
و قال ابن إدريس-في باب الجمعة-بجواز الرجوع من الجحد و الإخلاص إلى الجمعة و المنافقين في ظهر الجمعة ما لم يبلغ النصف (3).
و قال ابن الجنيد:لا يستحب للمصلي أن يرجع عن قل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون إذا بدأ بهما،و له ان يرجع عن غيرهما إليهما ما لم يبلغ النصف.
فتبيّن ان الأكثر اعتبروا النصف،و الشيخ اعتبر مجاوزة النصف،و لعل مراده بلوغ النصف.
فرع:
متى انتقل وجب إعادة البسملة،تحقيقا للجزئية.و لو بسمل بقصد الإطلاق،أو لا بقصد سورة،لم يجز بل تجب البسملة عند القصد.اما لو جرى لسانه على بسملة و سورة،فالأقرب الإجزاء،لرواية أبي بصير السالفة (4)و لصدق الامتثال.6.
ص: 355
و روى البزنطي عن أبي العباس في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ في أخرى،قال:«يرجع الى التي يريد و ان بلغ النصف» (1).
قلت:هذا حسن،و يحمل كلام الأصحاب و الروايات على من لم يكن مريدا غير هذه السورة،لأنه إذا قرأ غير ما اراده لم يعتد به،و لهذا قال:«يرجع» فظاهره تعيين الرجوع.
قال ابن أبي عقيل-رحمه اللّه-:لا يقرأ في الفريضة ببعض السورة،و لا بسورة فيها سجدة،مع قوله بأنّ السورة غير واجبة (2).
و قال أيضا:من قرأ في صلوات السنن في الركعة الأولى ببعض السورة، و قام في الركعة الأخرى،ابتدأ من حيث بلغ و لم يقرأ بالفاتحة (3)و هو غريب، و المشهور قراءة الحمد.
و قد روى سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام فيمن قرأ الحمد و نصف سورة،هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟فقال:
«يقرأ الحمد،و يقرأ ما بقي من السورة» (4)و الظاهر انّه في النافلة.
أجمع علماؤنا و أكثر العامة على انّ المعوذتين-بكسر الواو- من القرآن العزيز،و انه يجوز القراءة بهما في فرض الصلاة و نفلها.
و روى منصور بن حازم قال:أمرني أبو عبد اللّه عليه السلام ان اقرأ المعوذتين في المكتوبة (5).
و عن مولى سام قال:أمّنا أبو عبد اللّه عليه السلام في صلاة المغرب فقرأ
ص: 356
المعوذتين (1).
و عن ابن مسعود:انهما ليستا من القرآن،و انما أنزلتا لتعويذ الحسن و الحسين عليهما السلام (2)و خلافه انقرض،و استقر الإجماع الآن من العامة و الخاصة على ذلك.
لا قراءة عندنا في الأخيرتين زائدا على الحمد فرضا،و لا نفلا، و عليه الإجماع منا.
و في الجعفريات عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:انه كان يقرأ في ثالثة المغرب رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا،وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ (3)و هو محمول على إيرادها دعاء،لا انها جزء من الصلاة.
جعل القراءة في الركعتين الأوليين و التسبيح في الأخيرتين
للفرق بين ما فرضه اللّه تعالى من عنده،و بين ما فرضه من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (4).
و سأل محمد بن حمران أبا عبد اللّه عليه السلام عن علة الجهر فيما يجهر فيه و الإخفات في غيره،و عن علة أفضلية التسبيح في الأخيرتين.فقال:«لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله لما اسري به الى السماء كان أول صلاة افترض اللّه جل اسمه عليه الظهر يوم الجمعة،فأضاف اللّه تعالى إليه الملائكة تصلي خلفه،و أمر نبيه ليجهر لهم بالقراءة ليبين لهم فضله.ثم افترض عليه العصر و لم يضف إليه أحدا من الملائكة،و أمره أن يخفى القراءة،لأنه لم يكن وراءه أحد.ثم افترض عليه المغرب و أضاف إليه الملائكة و أمره بالإجهار،و كذلك
ص: 357
العشاء الآخرة و الفجر.و صار التسبيح أفضل،لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما كان في الأخيرتين ذكر ما كان فيه من عظمة اللّه تعالى،فدهش و قال:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه» (1).
قال:و سأل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن عليه السلام عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار،فقال:«لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يغلّس بها» (2).
و في علل ابن شاذان عن الرضا عليه السلام انّه قال:«أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا،و ليكون محفوظا مدروسا.و انما بدأ بالحمد لانّه ليس شيء من القرآن و الكلام جمع فيه جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد،و ذلك انّ قوله تبارك و تعالى:
اَلْحَمْدُ لِلّهِ انما هو أداء لما أوجب اللّه على خلقه من الشكر،و شكر لما وفق عبده من الخير.
رَبِّ الْعالَمِينَ توحيد له و تحميد و إقرار بأنّه الخالق المالك لا غيره.
اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ استعطاف و ذكر آلائه و نعمائه على جميع خلقه.
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إقرار بالبعث و الحساب و المجازاة،و إيجاب ملك الآخرة له كإيجاب ملك الدنيا.
إِيّاكَ نَعْبُدُ رغبة و تقرب الى اللّه تعالى،و إخلاص له بالعمل دون غيره.
وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ استزادة من توفيقه و عبادته و استدامة لما أنعم عليه.
اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ استرشاد (3)و اعتصام بحبله،و استزادة في».
ص: 358
المعرفة لربه عز و جل و لعظمته و كبريائه.
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ توكيد في السؤال و الرغبة،و ذكر لما تقدم من نعمه على أوليائه،و رغبة في مثل تلك النعم.
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به و بأمره و نهيه.
وَ لاَ الضّالِّينَ اعتصام من أن يكون من الذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة فهم يحسبون انهم يحسنون صنعا» (1).
و ذكر العلة في الجهر:«انّ الصلوات التي يجهر فيها في أوقات مظلمة، فجهر فيها ليعلم المارّ ان هناك جماعة فيصلي معهم،و التي يخافت فيها يكفي فيها مشاهدة المصلي لأنها بالنهار» (2).
تتمّة:
روى في التهذيب عن زرارة قلت لأبي جعفر عليه السلام:أصلي بقل هو اللّه أحد؟فقال:«نعم،قد صلّى رسول اللّه عليه و آله في كلتا الركعتين بقل هو اللّه أحد لم يصل قبلها و لا بعدها بقل هو اللّه أحد أتم منها» (3).
قلت:تقدم كراهة ان يقرأ بالسورة الواحدة في الركعتين،فيمكن ان تستثنى من ذلك قل هو اللّه أحد لهذا الحديث،و لاختصاصها بمزيد الشرف،أو فعله النبي صلّى اللّه عليه و آله لبيان جوازه.
و روى الكليني عن محمد بن يحيى بإسناده إلى الصادق عليه السلام،9.
ص: 359
قال:«يكره أن يقرأ قل هو اللّه أحد بنفس واحد» (1).
و روى أبو حمزة الثمالي عن زين العابدين عليه السلام،انه قال له:«انّ الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان الى قرين الامام فيقول:هل ذكر ربه؟فان قال نعم تركه،و ان قال لا ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا».قال:
فقلت:جعلت فداك أ ليس يقرءون القرآن،قال:«بلى،ليس حيث تذهب يا ثمالي انما هو الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم» (2).
قلت:لعل الموجب للجهر بها يحتج بهذا الحديث.
و روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في الرجل يصلي في موضع يريد أن يتقدّم،قال:«يكفّ عن القراءة في مشيه،حتى يتقدم الى الموضع الذي يريد ثمّ يقرأ» (3).
قلت:هذا الحكم مشهور بين الأصحاب (4).و هل الكف واجب؟توقّف فيه بعض المتأخرين (5)،و الأقرب وجوبه،لظاهر الرواية،و ان القرار شرط في القيام.
و روى حريز بن عبد اللّه قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:رجل قرأ سورة في ركعة فغلط،يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قرائته،أو يدع تلك السورة و يتحول منها الى غيرها؟فقال:«كل ذلك لا بأس به،و ان قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع» (6).
قلت:و هو محمول على النافلة،لما مر،قاله الشيخ-رحمه اللّه- (7)4.
ص: 360
و كذا ما ورد في هذا الباب،مع ان الأشهر في الأخبار أن السورة مستحبة في الفريضة،و ان كان العمل من الأصحاب غالبا على الوجوب (1).
و روى محمد بن حمزة مرسلا عن الصادق عليه السلام،قال:«يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس» (2).
و عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في المصلي خلف من لا يقتدى بصلاته و الامام يجهر بالقراءة،قال:«اقرأ لنفسك،و ان لم تسمع نفسك فلا بأس» (3).
قلت:هذا يدل على الاجتزاء بالإخفات عن الجهر للضرورة،و على الاجتزاء بما لا يسمعه عما يجب إسماعه نفسه للضرورة أيضا،و لم يلزم فيها سقوط القراءة،لأن«الميسور لا يسقط بالمعسور» (4).
و جوّز الشيخ في المبسوط الصلاة باللحن عند تعذّر الإصلاح و المشقة (5).
و قال:إذا جهر فلا يرفع صوته عاليا بل يجهر متوسطا،و لا يخافت دون إسماع نفسه (6).
قال:و على الامام أن يسمع من خلفه القراءة ما لم يبلغ صوته حدّ العلو، فان احتاج الى ذلك لم يلزمه بل يقرأ قراءة وسطا (7).
قال:و يكره اللثام إذا منع من سماع القراءة،و ان لم يمنع من سماعها9.
ص: 361
فلا بأس،و إذا غلط الامام ردّ عليه من خلفه (1).
و قال ابن الجنيد:و لا يقرأ و في فيه ما يمنعه عن إقامة الحروف على حقها،فان لم يمنعه ذلك فلا بأس إذا لم يكن يلوكه و يمضغه و لا كان محرّما.
و لا يرجّع بالقرآن في صلاة،و لا غيرها،ترجيع الغناء و الألحان.و المصلي وحده يقرأ ما يسمع نفسه من غير إجهار،و لا إخفات،و لا إعجال،و لا حذف، بل بترتيل و تبيين لحروف ما يقرؤه.9.
ص: 362
و فيه مسائل:
يجب الركوع بالإجماع،و لقوله تعالى اِرْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (1)و لقوله تعالى وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ (2)و لما روى:انّ رجلا دخل المسجد و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس في ناحية المسجد،فصلّى ثم جاء فسلم عليه،فقال صلّى اللّه عليه و آله:«و عليك السلام،ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ».فرجع فصلّى ثم جاء فقال له مثل ذلك،فقال له الرجل في الثالثة:
علمني يا رسول اللّه؟فقال:«إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء،ثم استقبل القبلة فكبّر،ثم اقرأ بما تيسّر معك من القرآن،ثم اركع حتى تطمئن راكعا،ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما،ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا،ثم ارفع حتى تستوي قائما،ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» (3).
و عن علي عليه السلام:«أول الصلاة الركوع» (4).
و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«انّ اللّه تعالى فرض من الصلاة:الركوع،و السجود» (5).في أخبار كثيرة (6).
ص: 363
و يدل على ركنيته عدم تحقّق اسم الصلاة بدونه،إذ هي مجموع ركعات و لا يتقوّم المجموع إلا باجزائه،و لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«لا تعاد الصلاة الا من خمسة:الطهور،و الوقت،و القبلة،و الركوع،و السجود» (1).
و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا أيقن انه ترك ركعة من الصلاة،و قد سجد سجدتين و ترك الركوع،استأنف الصلاة» (2).و رواية رفاعة عنه عليه السلام في الرجل ينسى الركوع حتى يسجد و يقوم،قال:
«يستقبل» (3).الى غير ذلك من الأخبار.
و هو ركن في جميع الركعات،و يجب في كل ركعة مرة،و في صلاة الآيات في كل ركعة خمس كل واحد منها ركن.
و قال في المبسوط:هو ركن في الأوليين من كل صلاة،و في الثالثة من المغرب،و اما في الأخيرتين من الرباعيات فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا،بل يحذف السجدتين أو إحداهما و يعود اليه (4).
و في التهذيب أورد رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:فيمن تيقن ترك الركوع حتى سجد«يلقي السجدتين و يبني،و ان تيقن بعد الفراغ صلّى ركعة و سجدتين و لا شيء عليه».و رواية العيص عن الصادق عليه السلام فيمن نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم يركع،قال:«يقوم فيركع و يسجد سجدتي السهو»ثم حملهما على الأخيرتين (5).و فيهما دلالة على قضاء الركوع بعد الصلاة،و هو غريب،و سيأتي ان شاء اللّه تعالى تمام المسألة.6.
ص: 364
لا يتحقق مسمى الركوع شرعا الا بانحناء الظهر الى ان تبلغ اليدان عيني الركبتين إجماعا،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله لما روي انه كان يمسك راحتيه على ركبتيه في الركوع كالقابض عليهما و يفرج بين أصابعه (1).
و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«و تمكّن راحتيك من ركبتيك» (2).
و هو دليل على الانحناء هذا القدر،لأن الإجماع على عدم وجوب وضع الراحتين.
و اعتبرنا الانحناء للتحرز من ان ينخنس،و يخرج ركبتيه و هو مائل منتصب،فإنه لا يجزئه.و كذا لو جمع بين الانحناء و الانخناس،بحيث لو لا الانخناس لم تبلغ الراحتان،لم يجز.
و الراكع خلقة أو لعارض،يستحب أن يزيد انحناء يسيرا،ليفرق بين قيامه و ركوعه،قاله الشيخ (3)و اختاره في المعتبر،لان ذلك حدّ الركوع فلا يلزم الزيادة عليه (4).و في الشرائع و أكثر كتب الفاضل:يجب ان يزيد انحناء،ليكون فارقا بين حالة القيام و حالة الركوع،فان المعهود افتراقهما (5).
و لو أمكنه أن ينقص من انحنائه حال قيامه-باعتماد أو غيره-وجب ذلك قطعا،و لا يجب الزيادة حال الركوع قطعا،لحصول الفرق.
يجب أن يقصد بهويه الركوع.فلو هوى لسجدة العزيمة أو غيرها في النافلة،أو هوي لقتل حية أو لقضاء حاجة،فلما انتهى الى حدّ الراكع أراد ان يجعله ركوعا،لم يجزه،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«إنما الأعمال بالنيات،
ص: 365
و انما لكل امرئ ما نوى» (1)فيجب عليه الانتصاب ثم الهوي للركوع،و لا يكون ذلك زيادة ركوع.
و لو تعذر الانحناء للركوع،أتى بالمقدور.و لو أمكنه إيصال إحدى اليدين دون الأخرى،لعارض في أحد الشقين،وجب.و لو أمكنه الانحناء الى أحد الجانبين،فظاهر المبسوط الوجوب (2).و لو افتقر الى ما يعتمد عليه في انحنائه وجب.و لو تعذّر ذلك كله،أجزأه الإيماء برأسه و وجب عليه فعله،لانه بعض الواجب المقدور،و قد رواه إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه السلام (3).
فرع:
لو لم يضع يديه على ركبتيه،و شك بعد انتصابه هل أكمل الانحناء، احتمل العود،لعموم رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام في رجل شك و هو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع،قال:«يركع» (4)،و كذا رواية عمران الحلبي (5).و يحتمل عدمه،لان الظاهر منه إكمال الركوع،و لأنه في المعنى شك بعد الانتقال.و الوجهان ذكرهما الفاضل (6).
تجب الطمأنينة في الركوع،بمعنى:استقرار الأعضاء و سكونها حتى يرجع كل عضو إلى مستقره،لما سبق في حديث الأعرابي (7).
ص: 366
و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع و السجود» (1).
و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«و أقم صلبك،و مدّ عنقك» (2).
و يجب كونها بقدر الذكر الواجب،لتوقف الواجب عليها.
و لا يجزئ عن الطمأنينة مجاوزة الانحناء القدر الواجب،ثم العود الى الرفع مع اتصال الحركات،لعدم صدقها حينئذ.نعم،لو تعذّرت أجزأ زيادة الهويّ.و يبتدئ بالذكر عند الانتهاء الى حدّ الراكع،و ينتهي بانتهاء الهويّ.
و هل يجب هذا الهويّ لتحصيل الذكر في حدّ الراكع؟الأقرب لا،للأصل، فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه.
و عدّ الشيخ في الخلاف الطمأنينة ركنا (3).و يضعف بقضية الأصل، و بصدق مسمى الركوع بالانحناء الذي هو ركن،و بأن الطمأنينة وجبت للذكر الذي هو غير ركن.و كأنّ الشيخ يقصر الركن فيها على استقرار الأعضاء و سكونها،و الحديث دالّ عليه،و لان مسمّى الركوع لا يتحقق يقينا الاّ به.اما الزيادة التي توازي الذكر الواجب فلا إشكال في عدم ركنيتها.
تعالى-و في المبسوط إشارة اليه (1).
لنا:ما رواه عقبة بن عامر،قال:لما نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اجعلوها في ركوعكم».و لما نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«اجعلوها في سجودكم»و رواه الشيخ في التهذيب مسندا (2)و رواه العامة (3).
و رواية هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام:«يقول في الركوع:
سبحان ربي العظيم،و في السجود:سبحان ربي الأعلى.الفريضة من ذلك تسبيحة،و السنّة ثلاث،و الفضل سبع» (4).
و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام،قلت له:ما يجزئ من القول في الركوع و السجود،فقال:«ثلاث تسبيحات في ترسل،و واحدة تامة تجزئ» (5).
و رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام،قال:سألته أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة؟قال:«ثلاث تسبيحات ترسلا،تقول:سبحان اللّه،سبحان اللّه،سبحان اللّه» (6).
و ليقين البراءة به.
احتجوا:برواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام،قلت له:
يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود:لا إله إلا اللّه و الحمد للّه2.
ص: 368
و اللّه أكبر؟فقال:«نعم،كل هذا ذكر اللّه» (1)و كذا رواه هشام بن سالم عنه (2).
و برواية مسمع عنه:«لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات،أو قدرهن مترسلا،و ليس له أن يقول-و لا كرامة-:سبّح سبّح سبّح» (3).
و أكثر هذه الأخبار صحيح من الجانبين،فالحمل على الأفضل في الاخبار الأول متوجه،الا انّ العمل بما عليه أكثر الأصحاب أولى.
فروع:
ظاهر ابني بابويه تخيّره بين واحدة كبرى أو ثلاث صغرى (4)أعني:
(سبحان ربي العظيم و بحمده)أو(سبحان اللّه)ثلاثا.
و قال أبو الصلاح:يجب الثلاث على المختار،و الواحدة على المضطر.
ثم قال:أفضله(سبحان ربي العظيم و بحمده)،و يجوز(سبحان اللّه) (5).
فظاهره ان المختار لو قال:(سبحان ربي العظيم و بحمده)ثلاثا كانت واجبة.
و أكثر الروايات خالية من لفظ(و بحمده)،و الأولى وجوبها،لثبوتها في خبر حماد في الركوع و السجود،و كرّر الكبرى فيه ثلاثا (6)و كذا رواه زرارة و أبو بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام:ثلاثا (7)و لعله حجة أبي الصلاح،و هو3.
ص: 369
محمول على الندب (1).
و قد روى علي بن يقطين عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال:
سألته عن الركوع و السجود،كم يجزئ فيه من التسبيح؟فقال:«ثلاثة،و تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» (2).
و قد تقدم في رواية هشام ان الفريضة واحدة (3).
و قد روى العامة عن حذيفة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول في ركوعه:«سبحان ربي العظيم و بحمده»،و في سجوده:«سبحان ربي الأعلى و بحمده» (4).
يجب رفع الرأس من الركوع إجماعا،و تجب الطمأنينة فيه، لما تقدم في حديث الأعرابي (5)و حديث حماد (6).و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك،فإنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه» (7).
و لا حد لهذه الطمأنينة سوى الاستقرار و السكون،بحيث يرجع العضو إلى مستقره.و جعلها الشيخ ركنا في الخلاف (8)لظاهر الاخبار،و الأكثرون على عدم بطلان الصلاة بتركها نسيانا (9).
ص: 370
يستحب في الركوع زيادة الانحناء،بحيث يستوي الظهر و الرأس و العنق،و هو يحصل بالمبالغة في ذلك،و بردّ الركبتين الى خلفه و مدّ العنق،و قد سبق في خبر حماد ذلك (1).
و روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يستوي في الركوع،بحيث لو صبّ الماء على ظهره لاستمسك (2)و مثله رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام:«انّ عليا عليه السلام كان يعتدل في الركوع مستويا،حتى يقال لو صبّ الماء على ظهره لاستمسك» (3).
و يكره فيه خمسة أشياء:
أ:التبازخ، و هو:تسريج الظهر و إخراج الصدر،و هو بالزاء و الخاء المعجمتين.
ب:التدبيخ -بالخاء و الحاء-و هو:أن يقبب الظهر و يطأطئ الرأس، روي ذلك في نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله (4).و روي أيضا بالذال المعجمة (5)،و الدال المهملة أعرف.و النهي للكراهة هنا.
و عن علي عليه السلام بطريق إسحاق المذكور:«ان عليا كان يكره ان يحدر رأسه و منكبيه في الركوع و لكن يعتدل».
ج:الانخناس الذي يكون معه تمام الانحناء للواجب،و هو:تقويس الركبتين و التراجع الى الوراء،و لو لم يحصل معه تمام الانحناء أبطل كما سبق.
ص: 371
د:التطبيق -و هو:جعل احدى الكفين على الأخرى ثم إدخالهما بين ركبتيه-لما روي ان سعد بن أبي وقاص قال:كنا نفعل ذلك فأمرنا بضرب الأكف على الركب (1)،و هو يدل على شرعيته ثم نسخه،و لعلّ ذلك خفي على ابن مسعود صاحبه،و الأسود بن يزيد،و عبد الرحمن بن الأسود،فقالوا باستحبابه (2).
و لا يحرم على الأقرب،إذ ليس فيه أكثر من ترك وضعهما على الركبتين الذي هو مستحب و هو قول أبي الصلاح (3)و الفاضلين (4).
و ظاهر الخلاف و ابن الجنيد التحريم (5)،و حينئذ يمكن البطلان،للنهي عن العبادة كالكتف،و يمكن الصحة،لأن النهي عن وصف خارج.
ه:الركوع و يداه تحت ثيابه،بل تكونان بارزتين أو في كمّية،قاله الأصحاب (6).و روى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه،قال:«ان كان عليه ثوب آخر فلا بأس،و ان لم يكن فلا يجوز ذلك،و ان أدخل يدا و اخرج أخرى فلا بأس» (7).
و قال ابن الجنيد:و لو ركع و يداه تحت ثيابه،جاز ذلك إذا كان عليه مئزر أو سراويل.4.
ص: 372
و قال أبو الصلاح:يكره إدخال اليدين في الكمين أو تحت الثياب (1)و أطلق.
و ألحق الشيخ بالكراهية القراءة في الركوع،و كذا يكره عنده في السجود و التشهد (2).و قد روى العامة عن علي عليه السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،انه قال:«الا اني نهيت ان اقرأ راكعا،أو ساجدا» (3)و لعله ثبت طريقه عند الشيخ رحمه اللّه.
و قد روى في التهذيب قراءة المسبوق مع التقية في ركوعه (4)،و روى عن عمار عن الصادق عليه السلام في الناسي حرفا من القراءة:لا يقرؤه راكعا بل ساجدا (5).
يستحب أن يجعل بين القدمين و الركبتين قدر شبر كما كان في القيام.و رواية زرارة متضمنة التفريج بين الركبتين،و الشبر بين القدمين (6)و الظاهر انهما كالمتلازمين،و صرح ابن الجنيد بمراعاة ذلك بين الركبتين.
و يستحب ان يجنح بمرفقيه،مخرجا ذراعيه عن ملاصقة جنبيه،فاتحا إبطيه،لما سبق في خبر حماد (7).و ان ينظر الى ما بين قدميه،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام (8)و في رواية غياث عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي
ص: 373
عليهما السلام:«لا تجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك» (1)و من ثم قال ابن بابويه:ينظر الراكع ما بين قدميه الى موضع سجوده (2).
و يستحب وضع اليدين على عيني الركبتين مفرّجات الأصابع،لما سبق عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)و عن الصادق عليه السلام في خبر حماد:«و ملأ كفّيه من ركبتيه» (4).
و يستحب البدأة بوضع اليد اليمنى،لخبر زرارة عن الباقر عليه السلام (5)و يسقط مع التعذر،و لو قدر بإحداهما وضعها.
يستحب التكبير للركوع قائما رافعا يديه كما سبق،لما سبق في خبر حماد (6).
و روى الحسن بن سعيد في كتابه عن علي عليه السلام بإسناده:«رفع اليدين في التكبير هو العبودية».و روى زرارة عن الصادق عليه السلام:
«رفعك يدك في الصلاة زينتها» (7).
و نقل المرتضى في الانتصار انفراد الإمامية بإيجاب رفع اليدين بالتكبير (8)،قال في المعتبر:و لا أعرف ما حكاه-رحمه اللّه- (9).
و قال ابن الجنيد:إذا أراد ان يكبر للركوع و السجود رفع يديه مع نفس لفظه بالتكبير،و لو لم يفعل أجزأه ذلك إلاّ في تكبيرة الإحرام.و ظاهره وجوب
ص: 374
الرفع فيها خاصة.
و قال الشيخ في الخلال:يجوز ان يهوي بالتكبير (1)و هو حق الاّ ان التكبير في القيام أفضل.
و أوجب ابن أبي عقيل تكبير الركوع و السجود (2)و أوجب سلار ذلك و تكبير القيام (3)عملا بظاهر الاخبار،كما في رواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب:اللّه أكبر» (4)و رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام:«إذا سجدت فكبّر» (5).
و يعارض بخبر أبي بصير عنه عليه السلام:أدنى ما يجزئ في التكبير في الصلاة واحدة (6)مع استقرار الإجماع على خلاف قوليهما.
يستحب الذكر أمام التسبيح إجماعا.قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اما الركوع فعظموا الرب،و اما السجود فاجتهدوا في الدعاء،فقمن ان يستجاب لكم» (7).
و ليكن رواه زرارة عن الباقر عليه السلام:«رب لك ركعت،و لك أسلمت، و بك آمنت،و عليك توكلت،و أنت ربي خشع لك سمعي و بصري،و شعري و بشري،و لحمي و دمي،و مخي و عصبي،و عظامي و ما أقلته قدماي،غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر» (8).
ص: 375
ثم يسبّح ثلاثا كبريات أو خمسا أو سبعا،و ظاهر الشيخ و ابن الجنيد و كثير أنه نهاية الكمال (1)،و في رواية هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام إشارة اليه حيث قال:«الفريضة تسبيحة،و السنّة ثلاث،و الفضل في سبع» (2).
و لكن روى حمزة بن حمران و الحسن بن زياد:انهما صليا مع الصادق عليه السلام فعدّدا عليه في الركوع(سبحان ربي العظيم)أربعا أو ثلاثا و ثلاثين مرة،و قال أحدهما في حديثه(و بحمده)في الركوع و السجود (3).و روى ابان ابن تغلب:انه عدّ على الصادق عليه السلام في الركوع و السجود ستين تسبيحة (4).
قال في المعتبر:الوجه استحباب ما لا يحصل معه السأم الاّ ان يكون إماما (5)،و هو حسن.و لو علم من المأمومين حب الإطالة استحب له أيضا التكرار.
و لا ينبغي ان ينقص المصلي من الثلاث شيئا،لرواية أبي بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام:«يقول:سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاثا في الركوع، و سبحان ربي الأعلى و بحمده ثلاثا في السجود،فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته،و من نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته،و من لم يسبّح فلا صلاة له» (6)و المراد به نقص الكمال و الفضيلة.
فروع:
الظاهر استحباب الوتر،لظاهر الأحاديث،و عدّ الستين لا ينافي الزيادة3.
ص: 376
عليه.و لو شك في العدد بني على الأقل.و الأقرب ان الواجبة هي الأولى،لأنه مخاطب بذلك حال الركوع،و لا يفتقر الى قصد ذلك.نعم،لو نوى وجوب غيرها فالأقرب الجواز،لعدم يقين التضيّق.
و الطمأنينة للمستحبات لا ريب في استحبابها،لان جواز تركها ينفي وجوبها إلا إذا قدّم المستحب،فان الظاهر وجوب الطمأنينة تخييرا،لانه لم يأت بالواجب بعد.و كذا الكلام في طمأنينة السجود،و زيادة القيام للقنوت، و الدعاء بعد فراغ واجب القراءة.
أما القيام في القراءة الواجبة فموصوف بالوجوب و ان كان بسورة طويلة، غاية ما في الباب انه من قبيل الواجب المخيّر.
اما لو أدخل التكبيرات الزائدة على الاستفتاح في الصلاة،أو سأل الجنة و استعاذ من النار في أثناء القراءة،ففي وجوب هذا القيام نظر،أقربه الوجوب، لما سبق،و كذا القيام للوقف المستحب في أثناء القراءة.
اما القيام الذي يقع فيه السكوت للتنفس فلا إشكال في وجوبه،لانه من ضرورات القراءة.
يستحب ان يقول بعد رفع رأسه من الركوع:(سمع اللّه لمن حمده)إماما كان أو مأموما،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تتم صلاة أحدكم»إلى قوله«ثم يقول:سمع اللّه لمن حمده» (1).و استدل بعض العامة بهذا على وجوبها (2)،و هو غير دال،لأنّ الأفضلية تمام أيضا.
و محلّها بعد تمكّنه من الانتصاب،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:
«قل:سمع اللّه لمن حمده-و أنت منتصب قائم-الحمد للّه رب العالمين،أهل
ص: 377
الجبروت و الكبرياء و العظمة (1)رب العالمين.تجهر بها صوتك» (2).و فيه دليل على الجهر بهذه،و لعله لغير المأموم،إذ يستحب الإخفات له في جميع أذكاره.
و روى الحسين بن سعيد بإسناده الى أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«سمع اللّه لمن حمده،الحمد للّه رب العالمين الرحمن الرحيم، بحول اللّه و قوته أقوم و اقعد،أهل الكبرياء و العظمة و الجبروت».
و بإسناده الى محمد بن مسلم،عنه عليه السلام:«إذا قال الامام:سمع اللّه لمن حمده،قال من خلفه:ربنا لك الحمد.و ان كان وحده إماما أو غيره قال:سمع اللّه لمن حمده،الحمد للّه رب العالمين».
و نقل في المعتبر عن الخلاف:ان الامام و المأموم يقولان:الحمد للّه رب العالمين أهل الكبرياء و العظمة،ثم قال:و هو مذهب علمائنا (3).
و أنكر في المعتبر:(ربنا لك الحمد)و ذكر ان المروي ما ذكره الشيخ، قال في المبسوط:و ان قال:(ربنا و لك الحمد)لم تفسد صلاته (4).
و روايتنا لا واو فيها،و العامة مختلفون في ثبوتها و سقوطها،لأنها زيادة لا معنى لها (5)و زعم بعضهم ان الواو قد تكون مقحمة في كلام العرب و هذه منها (6)لورود اللفظين في الصحاح و الاخبار عندهم (7).
قال ابن أبي عقيل:و روي«اللهم لك الحمد،ملء السماوات و ملء9.
ص: 378
الأرض،و ملء ما شئت من شيء بعد» (1).
و الذي أنكره في المعتبر تدفعه قضية الأصل،و الخبر حجة عليه و طريقه صحيح،و اليه ذهب صاحب الفاخر،و اختاره ابن الجنيد و لم يقيّده بالمأموم.
و استحب أيضا في الذكر هنا:باللّه أقوم و اقعد.
و ذهب ابن أبي عقيل-في ظاهر كلامه-و ابن إدريس،و صرّح به أبو الصلاح و ابن زهرة،إلى انه يقول:(سمع اللّه لمن حمده)في حال ارتفاعه، و باقي الأذكار بعد انتصابه (2).و هو مردود بالأخبار المصرحة بأن الجميع بعد انتصابه،و هو قول الأكثر (3).
و يستحب الترتيل في أذكار الركوع و الرفع،و الخبر عن حماد يتضمّن الترتيل في التسبيح في الركوع و السجود (4).
روى معاوية بن عمار،قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يرفع يديه إذا ركع و إذا رفع رأسه من الركوع،و إذا سجد و إذا رفع رأسه من السجود،و إذا أراد ان يسجد الثانية (5).
و رواية ابن مسكان عنه عليه السلام قال في الرجل يرفع يده كلما أهوى إلى الركوع و السجود،و كلما رفع رأسه من ركوع أو سجود (6).
و ظاهرهما مقارنة الرفع للرفع،و عدم تقييد الرفع بالتكبير،فلو ترك التكبير فظاهرهما استحباب الرفع.
ص: 379
و الحديثان أوردهما في التهذيب و لم ينكر منهما شيئا،و هما يتضمّنان رفع اليدين عند رفع الرأس من الركوع،و لم أقف على قائل باستحبابه إلاّ ابني بابويه (1)و صاحب الفاخر،و نفاه ابن أبي عقيل و الفاضل (2)،و هو ظاهر ابن الجنيد.
و الأقرب استحبابه،لصحة سند الحديثين و أصالة الجواز و عموم أن الرفع زينة الصلاة،و استكانة من المصلي» (3)،و حينئذ يبتدئ بالرفع عند ابتداء رفع الرأس،و ينتهي بانتهائه،و عليه جماعة من العامة (4).
يستحب للإمام رفع صوته بالذكر في الركوع و الرفع ليعلم المأموم،لما سبق من استحباب إسماع الإمام المأمومين،اما المأموم فسر،و اما المنفرد فمخيّر إلاّ التسميع،فإنه جهر على إطلاق الرواية السالفة (5).
و تجوز الصلاة على النبي و آله في الركوع و السجود بل تستحب،ففي الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو في الصلاة المكتوبة إما راكعا أو ساجدا، فيصلّي عليه و هو على تلك الحال؟فقال:«نعم،انّ الصلاة على نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله كهيئة التكبير و التسبيح،و هي عشر حسنات،يبتدرها ثمانية عشر ملكا،أيهم يبلّغه إياها» (6).
و عن الحلبي عنه عليه السلام:«كل ما ذكرت اللّه عز و جل به،و النبي
ص: 380
صلّى اللّه عليه و آله،فهو من الصلاة» (1).
و يلحق بذلك أحكام.
يرجع طويل اليدين و قصيرهما في قدر الانحناء الى مستوي الخلقة، و كذا فاقدهما.
و يجب أن يأتي بالذكر الواجب حال طمأنينته.فلو شرع فيه قبل الطمأنينة،أو أتمّه بعدها عامدا،بطلت صلاته الاّ ان يعيده حيث يمكن العود.
و لا ينبغي مدّ التكبير قصدا لبقائه ذاكرا الى تمام الهوي،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«التكبير جزم» (2).
و رفع اليدين ثابت في حق القاعد و المضطجع و المستلقي.
و قال الكراجكي في الروضة:محل التكبير عند إرسال اليدين بعد الرفع.
و لو قال في الرفع:من حمد اللّه سمع،لم يأت بالمستحب،و في بطلان الصلاة نظر،من الشك في كونه ثناء على اللّه تعالى.
و لو نوى بالتحميد الوظيفة و شكر نعمة يتذكرها،أو نوى العاطس به الوظيفتين،فلا بأس،لعدم تغير الغرض بهذه النية،و أصالة الحصة.
و لو سقط رفع الرأس لعارض،سقط الذكر فيه.
و لو زال العذر بعد السجود،أو الشروع بوضع الجبهة،لم يلتفت.
و لو كان قبل وضع الجبهة،استدركه عند الفاضل (3)و هو قوي،لوجوب الانتصاب و الطمأنينة مع الإمكان و قد أمكن،و به علل في المعتبر و لم يرجّح شيئا (4).و في المبسوط:يمضي في صلاته (5)للحكم بسقوطه و قد خرج عن2.
ص: 381
محله،و الأصل عدم وجوب العود إلا بأمر جديد و لم يثبت.
و كذا لو ركع و اطمأن فسقط إلى الأرض،لم يحتج الى القيام عند الشيخ (1)لان محله قد فات.
و لو سقط قبل ركوعا،وجب العود له قطعا.
و لو سقط بعد الركوع قبل الطمأنينة،فالأقرب عند المحقق انه لا يعيد، لان الركوع المشروع قد حصل،فلو أعاد لزاد ركوعا (2)و هو جيد على مذهبه إذ الطمأنينة ليست عنده ركنا (3)و يجيء على قول الشيخ في الخلاف وجوب العود (4).
و لو ترك الطمأنينة في الركوع عمدا في صلاة النافلة،فإن قلنا بركنيّته بطلت قطعا كما لو ترك الركوع،و ان قلنا بعدمها فالأقرب البطلان.
و قطع الفاضل بأنّه لو ترك الاعتدال من الركوع و السجود في النافلة صحت و كان تاركا للأفضل (5)و فيه بعد،لأن حقيقة الصلاة انما تتمّ باجزائها، فهو كترك سجدة أو ترك الفاتحة فيها.
و في المبسوط:لو شك في الرفع من الركوع بعد هويّه الى السجود لم يلتفت (6).و كذا لو شك في أصل الركوع،قاله في الخلاف،محتجا بإجماعنا على انّ الشك بعد الانتقال لا حكم له (7).و المحقق اقتصر على حكاية الأخيرر.
ص: 382
فكأنّه متوقف فيه (1)و الوجه القطع بما افتى به الشيخ في الموضعين.
و قال في المبسوط:لو رفع رأسه من الركوع و بقي يدعو و يقرأ ساهيا، مضى في صلاته و لا شيء عليه (2).و مفهومه انه لا يتعمّده،و انه لو تعمّده تغير الحكم.
و بعض المتأخرين اختار قول بعض العامة،من انّه لو طوّل عمدا بذكر أو قراءة بطلت صلاته،لانه واجب قصير فلا يشرع فيه التطويل (3).
و يرده ما تقدم من حديث الحلبي (4).و قد روى معاوية بن عمار،قال:
قلت للصادق عليه السلام:رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة،فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه،و دعا الآخر أكثر من تلاوته،ثم انصرفا في ساعة واحدة،أيهما أفضل؟قال:«كل فيه فضل،كل حسن».قلت:اني قد علمت انّ كلا حسن و ان كلا فيه فضل.فقال:«الدعاء أفضل،أما سمعت قول اللّه عز و جل:
وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي الآية،هي و اللّه العبادة،هي و اللّه أفضل،هي و اللّه أفضل،أ ليست هي العبادة!؟هي و اللّه العبادة هي و اللّه العبادة،أ ليست هي أشدّهن!؟هي و اللّه أشدّهن،هي و اللّه أشدّهن،هي و اللّه أشدّهن» (5).و هذا يشمل الدعاء في جميع أحوال الصلاة و تطويله.نعم،لو خرج بذلك عن كونه مصليا بطلت صلاته.
و من فروع ابن الجنيد:لو كان أقطع الزند،أوصل مكان القطع إلى الركبة و وضعه عليها.فإن أراد به الاستحباب فلا بأس،و ان أراد الوجوب في0.
ص: 383
الإيصال،فممنوع إذا الواجب انحناء يصل معه الكفان لا رءوس الزندين.
قال:و لو كانت مشدودة فعل بها كذلك،و كذا لو كانت له يد بغير ذراع.
قال:و لا بأس بالدعاء فيهما-يعني الركوع و السجود-لأمر الدين و الدنيا،من غير أن يرفع يديه في الركوع عن ركبتيه،و لا عن الأرض في سجوده.
و لو عدّ التسبيح في ركوعه و سجوده،و حفظ على نفسه صلاته،لم أر بذلك بأسا.
و لو نسي التسبيح،الاّ انّه قد لبث راكعا و ساجدا بمقدار تسبيحة واحدة، أجزأه.و مفهومه انه لو لم يلبث لم يجزه،فيكون إشارة الى انّ الطمأنينة ركن كقول الشيخ،و اللّه تعالى أعلم.
ص: 384
و فيه مسائل.
أجمع العلماء على وجوب السجود في الصلاة،لنصّ القرآن، و نصّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قولا-كما في تعليم المسيء في صلاته (1)-و فعلا -في سائر صلواته-و لخبري حماد و زرارة (2).
و تجب في كل ركعة سجدتان،فهما معا ركن تبطل الصلاة بالإخلال بهما معا،عمدا و سهوا و جهلا.و لو أخلّ بواحدة منهما سهوا لم تبطل،سواء كان في الأوليين أو في الأخيرتين،و هنا خلاف في موضعين:
أحدهما:ان الإخلال بالسجدتين معا مبطل في الأخيرتين كالأوليين، و الخلاف فيه مع الشيخ كما تقدم في الركوع (3).
لنا:رواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«لا تعاد الصلاة الا من خمسة:
الطهور،و الوقت،و القبلة،و الركوع،و السجود» (4).و روى الحلبي عن الصادق عليه السلام:«الصلاة ثلاثة أثلاث:ثلث طهور،و ثلث ركوع،و ثلث سجود» (5).
و احتج الشيخ في التهذيب برواية البزنطي عن الرضا عليه السلام فيمن ذكر في الثانية و هو راكع انه ترك سجدة في الأولى،قال:«كان أبو الحسن عليه السلام يقول:إذا تركت السجدة في الركعة الأولى،فلم تدر أو واحدة أو اثنتين، استقبلت حتى يصح لك ثنتان.فإذا كان في الثالثة و الرابعة،فتركت سجدة بعد
ص: 385
ان تكون قد حفظت الركوع،أعدت السجود» (1).
و يعارض بما يأتي،مع قصوره عن الدلالة على محل النزاع،إذ ظاهره انه شك في السجود،و يكون(الترك)بمعنى توهّم الترك،و قرينته«فلم تدر أ واحدة أو اثنتين»،و يكون فيه دلالة على انّ الشك في أفعال الأوليين يبطل دون الأخيرتين.و معنى قوله:«بعد ان تكون قد حفظت الركوع»ان يتعلق الشك بالسجود لا غير،لانه لو تعلّق بالركوع و السجود كان شكّا في ركعة،فيصير شكّا في العدد و له حكم آخر.
و هذا التأويل لا غبار عليه،الا انّ في إعادة الصلاة بالشك في أفعال الأوليين بعدا و مخالفة للمشهور،و ليس ببعيد حمل(الاستقبال)على الاستحباب.
و يظهر من كلام الشيخ في المبسوط انّ الأوليين أيضا يلفق فيهما السجود و الركوع (2)لما مرّ،و هو متروك.
الثاني:ان الإخلال بالسجدة الواحدة غير مبطل إذا كان سهوا،و عليه معظم الأصحاب بل هو إجماع.
و في كلام ابن أبي عقيل إيماء الى أنّ الإخلال بالواحدة مبطل و ان كان سهوا (3)لصدق الإخلال بالركن إذ الماهية المركّبة تفوت بفوات جزء منها، و تمسّكا برواية المعلى بن خنيس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في رجل نسي السجدة من صلاته،قال:«إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته ثم يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه،و ان ذكرها بعد ركوعه أعاد1.
ص: 386
الصلاة،و نسيان السجدة في الأوليين و الأخيرتين سواء» (1).
و الجواب:انّ انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا،و الاّ لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلا و لم يقل به أحد،بل المؤثر هو انتفاؤها بالكلية.
و لعل الركن مسمّى السجود،و لا يتحقق الإخلال به الاّ بترك السجدتين معا.
و اما الحديث ففي سنده إرسال،و في المعلى كلام.
و يعارض بما رواه إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام:«إذا ذكر بعد ركوعه انّه لم يسجد،فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها،فإنها قضاء» (2)،و يقرب منه رواية حكم بن حكيم عنه عليه السلام (3).
و روى أبو بصير،قال:سألته عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم،قال:«يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع،فان كان قد ركع فليمض على صلاته،فإذا انصرف قضاها» (4).
و في رواية عمار عن الصادق عليه السلام في ناسي سجدة فذكرها بعد ركوعه:«يمضي،فإذا سلم سجد»قلت:فإنّه لم يذكر الاّ بعد ذلك.قال:
«يقضي ما فاته إذا ذكره» (5).
يجب السجود على الأعضاء السبعة،و هي:الجبهة،و الكفان، و الركبتان،و إبهاما الرجلين،إجماعا منا-و ان كان المرتضى يجتزئ عن الكفين بمفصلهما عند الزندين (6)-لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله بطريق ابن عباس:«أمرت بالسجود على سبعة أعظم:اليدين،و الركبتين،و أطراف
ص: 387
القدمين،و الجبهة» (1)،و ما مر في خبر حماد،و فيه:«أنامل إبهامي الرجلين» (2).
فهو مشعر بتعيّنها،و الرواية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله مشعرة بإطلاق الأصابع.
و في المبسوط:إن وضع بعض أصابع رجليه أجزأ (3).
و ابن زهرة:يسجد على أطراف القدمين (4).
و أبو الصلاح:أطراف أصابع الرجلين (5).
و في النهاية ذكر الإبهامين هنا،و في باب التحنيط الأصابع (6)و جمع بينهما،قال في النكت:لما كانت المساجد لا تنفك أن يجامعها في السجود غيرها مسح عليه و ان لم يجب السجود عليه،و تسمى مساجد لاتفاق السجود عليها لا لوجوبه (7).
و الوجه تعيّن الإبهامين.نعم،لو تعذر السجود عليهما،لعدمهما أو قصرهما،أجزأ على بقية الأصابع.
و يجب الانحناء إلى ما يساوي موقفه،أو يزيد عليه بقدر لبنة موضوعة على أكبر سطوحها،كما سلف.
و هل يجب كون الأسافل (8)أعلى من الأعالي؟الظاهر لا،لقضية5.
ص: 388
الأصل،و لان الارتفاع بقدر اللبنة يشعر بعدم وجوب هذا التنكس.نعم،هو مستحب لما فيه من زيادة الخضوع،و التجافي المستحب.
و لو تعذّر الانحناء،رفع ما يسجد عليه كما مر.
فروع:
مسمّى السجود يتحقق بالاعتماد على هذه السبعة،و يرتفع بعدم وضع الجبهة في الظاهر لا بعدم باقي الأعضاء،فلو نسي بعضها فهو ساجد،و لو نسي الجبهة فليس بساجد،و لا ريب في البطلان بتعمّد ترك ايها كان.
و الواجب في كل منها مسمّاه كما سلف في باب المكان،و الأقرب ان لا ينقص في الجبهة عن درهم،لتصريح الخبر (1)و كثير من الأصحاب به (2)فيحمل المطلق من الاخبار (3)و كلام الأصحاب على المقيد.
و يستحب الاستيعاب لها،لما فيه من المبالغة في الخضوع،و لا يقوم غير الأعضاء مقامها،إلاّ الجبهة يقوم مقامها أحد الجبينين،لأنه أقرب إليها من الذقن،فان تعذرا فعلى الذقن.و لو أمكن إيصال الجبهة بحفرة وجب.
و قال في المبسوط:ان كان هناك دمل أو جراح،و لم يتمكن من السجود عليه،سجد على أحد جانبيه،فان لم يتمكن سجد على ذقنه.و ان جعل لموضع الدمل حفيرة يجعلها فيها كان جائزا (4)،و هو تصريح بعدم الوجوب،و قال في النهاية نحو ذلك (5).2.
ص: 389
و قال ابن حمزة:يسجد على أحد جانبيها،فان لم يتمكن فالحفيرة،فان لم يتمكن فعلى ذقنه (1).و قال علي بن بابويه:يحفر حفيرة ذو الدمل،و ان كان بجبهته علة تمنعه من السجود سجد على قرنه الأيمن من جبهته،فان عجز فعلى قرنه الأيسر من جبهته،فان عجز فعلى ظهر كفّه،فان عجز فعلى ذقنه (2)، و تبعه ولده-رحمه اللّه- (3).
و الذي في رواية مصادف:انّه خرج به دمل،فرآه الصادق عليه السلام يسجد على جانب،فأمره بحفيرة ليقع سالم الجبهة على الأرض (4).
و عن الصادق عليه السلام-في رواية مرسلة-فيمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها،فقال:«يضع ذقنه على الأرض،لقوله تعالى يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (5).
و لو تعذر ذلك كله أومأ،كما سلف.
يجب التسبيح فيه عينا على الأقوى،و صورته:سبحان ربي الأعلى و بحمده،لما مرّ،و الخلاف فيه كما في الركوع.
و تجب الطمأنينة بقدره الاّ مع الضرورة المانعة،و ليست ركنا خلافا للشيخ في الخلاف (6).
و يجب رفع الرأس من السجود الأول،و الاعتدال جالسا،و الطمأنينة في الاعتدال،و العود الى السجود كالأول.و دليل ذلك ما سبق في الركوع.
ص: 390
و ذهب الشيخ إلى ركنية الطمأنينة بين السجدتين (1)،و لعلّه في هذه المواضع يريد بالركن مطلق الواجب،لانه حصر الأركان بالمعنى المصطلح عليه في الخمسة المشهورة (2).
يجب الهوي للسجود.فلو هوى لأخذ شيء،أو قتل حية أو عقرب،لم يجز الاّ ان يعود الى القيام و الهوى.و لو صار بصورة الساجد و الحالة هذه،احتمل البطلان،لزيادة صورة السجود.
و لو قصد السجود،فسقط بغير اختياره،فالأقرب الإجزاء عملا بالقصد السابق،و لا يجب تجديد النية لكل فعل.
و لو سقط على جنبه،استدرك السجود،و الأقرب أنه يقعد ثم يسجد.
و لو أمكن صيرورته ساجدا بانقلابه من غير قعود،فالأقرب اجزاؤه، لصدق مسمى السجود مع إرادته السابقة.
و لو سجد،فعرض له ألم ألقاه على جنبه،فالأقرب الاجزاء إن حصلت الطمأنينة،و الا وجب التدارك إن قصر الزمان،و ان طال بحيث يخرج عن اسم المصلي بطلت صلاته.
يجب الاعتماد على مواضع الأعضاء بإلقاء ثقلها عليها،فلو تحامل عنها لم يجز،لعدم حصول تمام المراد من الخشوع،و لأن الطمأنينة لا تحصل بهذا القدر،و لرواية علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام:«تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» (3)يعني تسبيحة.
و روى علي بن جعفر عن أخيه في الرجل يسجد على الحصى و لا يمكّن جبهته من الأرض،قال:«يحرّك جبهته حتى يتمكّن،فينحّي الحصى عن
ص: 391
جبهته و لا يرفع رأسه (1).
و لو سجد على مثل القطن و الصوف،وجب أن يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء و يحصل مسمّى الطمأنينة إن أمكن،و الا لم يصلّ عليه مع إمكان غيره.
و لا تجب المبالغة في الاعتماد،بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء.و لو وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحا،لم يجز-لعدم مسمّى السجود- إلاّ لضرورة.
و يجب ان يلقى ببطن كفّيه ما يسجد عليه،فلو لقي بظهريهما لم يجز، الاّ مع الضرورة.و لو لقي بمفصل الكفين من عند الزندين،أجزأ عند المرتضى (2)و ابن الجنيد،لصدق السجود على الدين.و أكثر الأصحاب على وجوب ملاقاة الكفين بباطنهما (3)تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته.
و لا يجب الجمع بين الأصابع و الكف و ان كان مستحبا،بل يكفي أحدهما إذا صدق مسمّى اليد.
و قال ابن الجنيد:يكره السجود على نفس قصاص الشعر دون الجبهة، و يجزئ منها قدر الدرهم إذا كان بها علّة.فظاهره الزيادة على ذلك مع الاختيار،و الروايات تدفعه.
كما مر-و الهوي بعد إكماله،لما
ص: 392
روي من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)و أمر به الباقر عليه السلام (2)و وصفه حماد عن الصادق عليه السلام (3).
و لو كبّر في هويه جاز و ترك الأفضل.قيل:و لا يستحب مدّه ليطابق الهوي،لما ورد:«ان التكبير جزم» (4).
و قال ابن أبي عقيل:يبدأ بالتكبير قائما،و يكون انقضاء التكبير مع مستقره ساجدا.و خيّر الشيخ في الخلاف بين هذا و بين التكبير قائما (5).
و في الكافي للكليني بإسناده إلى معلى بن خنيس،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان علي بن الحسين عليه السلام إذا أهوى ساجدا انكبّ و هو يكبّر» (6).
يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه» (1)و لا يدل على نفي استحباب البدأة باليدين.و يستحب ان يكونا معا،و روي:«السبق باليمنى» (2)و هو اختيار الجعفي.
لقول الصادق عليه السلام:
«اني أحب ان أضع وجهي موضع قدمي»و كره رفع الجبهة عن الموقف (3).و لو كان موضع الجبهة أخفض من القدم جاز،و الأفضل التساوي.
قال ابن الجنيد:و لا يختار ان يكون موضع السجود الا مساويا لمقام المصلي من غير رفع و لا هبوط،فان كان بينهما قدر أربع أصابع مقبوضة جاز ذلك مع الضرورة لا الاختيار.و لو كان علو مكان السجود كانحدار التل و مسيل الماء،جاز ما لم يكن في ذلك تحرّف و تدريج،و ان تجاوز أربع أصابع لضرورة.و ظاهره ان الأرض المنحدرة كغيرها في اعتبار الضرورة.
و روى الكليني عن عبد اللّه بن سنان،عن الصادق عليه السلام في موضع جبهة الساجد يكون أرفع من قيامه،قال:«لا،و لكن يكون مستويا» (4).
«اللهم لك سجدت،و بك آمنت (5)،و عليك توكلت و أنت ربي،سجد وجهي للذي خلقه و شقّ سمعه و بصره،و الحمد للّه رب العالمين،تبارك اللّه أحسن الخالقين» (6)و ان قال:(خلقه و صوّره)كان حسنا.
لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«و اما
ص: 394
السجود فاجتهدوا في الدعاء،فقمن ان يستجاب لكم» (1).و قال الصادق عليه السلام فيه:«ادع اللّه للدنيا و الآخرة» (2).
كما مرّ في الركوع-و الإيتار.
بأن يسبق بيديه ثم يهوي بركبتيه،لرواية حفص عن الصادق عليه السلام،قال:«كان علي عليه السلام إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر»يعني:بروكه (3).
و قال ابن أبي عقيل:يكون أول ما يقع منه على الأرض يداه،ثم ركبتاه، ثم جبهته،ثم انفه و الإرغام به سنّة.
و التجافي في السجود،و يسمى تخوية أيضا،لأنّه إلقاء الخواء بين الأعضاء،لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله فرج يديه على جنبيه (4)و فرج بين رجليه (5)و جنح بعضديه (6)و نهى عن افتراش الذراعين كما يفترش الكلب (7)و لما سبق في حديث حماد (8)،و قول الباقر عليه السلام:«لا تفترش ذراعيك افتراش السبع» (9).
و نقل الفاضل عن العامة كراهة ان يجمع ثيابه و شعره في سجوده،لنهي
ص: 395
النبي صلّى اللّه عليه و آله،معللا بأنها تركع بركوعه و تسجد بسجوده،ثم قال:
و لعل النهي لما فيه من الفعل الذي ليس من الصلاة (1).
قلت:قد روى مصادف عن الصادق عليه السلام:النهي عن عقص الشعر في الصلاة (2).و روى الشيخ في التهذيب بطريق طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام:«ان عليا عليه السلام كان يكره ان يصلي على قصاص شعره حتى يرسله إرسالا» (3).
ثم التكبير للسجدة الثانية معتدلا أيضا،ثم التكبير لها بعد رفعه و اعتداله،لما سبق في خبر حماد (4).
و ابن الجنيد:إذا أراد أن يدخل في فعل من فرائض الصلاة،ابتدأ بالتكبير مع حال ابتدائه،و هو منتصب القامة لافظ به رافع يديه الى نحو صدره.
و إذا أراد أن يخرج من ذلك الفعل،كان تكبيره بعد الخروج منه،و حصوله فيما يليه من انتصاب ظهره في القيام و تمكّنه من الجلوس.و يقرب منه كلام المرتضى (5).و ليس في هذا مخالفة للتكبير في الاعتدال،بل هو نصّ عليه.
و في المعتبر أشار الى مخالفة كلام المرتضى،لانه لم يذكر في المصباح الاعتدال،و ضعّفه برواية حماد (6).
لما
ص: 396
مر في خبر حماد (1)،و لقول الباقر عليه السلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:السجود على سبعة أعظم..و يرغم بالأنف إرغاما،و الفرض السبعة، و الإرغام سنّة من النبي صلّى اللّه عليه و آله» (2).
و اما ما روي في التهذيب عن علي عليه السلام:«لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين» (3)محمول على نفي الاجزاء الكامل،و كذا ما رواه العامة من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن لم يصب أنفه من الأرض ما يصيب الجبهة» (4)لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«أمرت أن اسجد على سبعة أعظم» (5).
و تجزئ إصابة الأرض بما حصل من الأنف.
و اعتبر المرتضى-رحمه اللّه-اصابة الطرف الذي يلي الحاجبين (6).
و قال ابن الجنيد:يماس الأرض بطرف الأنف و حدبته إذا أمكن ذلك للرجل و المرأة.
و قال الصدوق-في المقنع و الفقيه-:الإرغام بالأنف سنة،و من لم يرغم بأنفه فلا صلاة له (7).
و منها:الدعاء بين السجدتين بما مرّ في خبر حماد(8).و روي عن النبي
ص: 397
صلّى اللّه عليه و آله انه كان يقول بينهما:«اللهم اغفر لي،و ارحمني،و عافني، و ارزقني» (1).
و عن الصادق عليه السلام:«اللهم اغفر لي،و ارحمني،و اجبرني، و عافني،إني لما أنزلت اليّ من خير فقير،تبارك اللّه رب العالمين» (2).و أسقط ابن الجنيد«تبارك».الى آخرها،و زاد:«سمعت و أطعت،و غفرانك ربنا و إليك المصير».
بان يجلس على وركه الأيسر،و يخرج رجليه جميعا من تحته،و يجعل رجله اليسرى على الأرض،و ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى،و يفضي بمقعدته إلى الأرض،كما في خبر حماد (3).
و روى ابن مسعود التورك عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (4).
و لا يستحب عندنا الافتراش،و هو:ان يثني رجله اليسرى فيبسطها و يجلس عليها،و ينصب رجله اليمنى و يخرجها من تحته،و يجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطرافها إلى القبلة.و يظهر من خبر زرارة عن الباقر عليه السلام كراهيته،حيث قال:«و إياك و القعود على قدميك.
فتتأذى بذلك.و لا تكون قاعدا على الأرض،انما قعد بعضك على بعض» (5).
و قال ابن الجنيد-في الجلوس بين السجدتين-:يضع ألييه على بطن قدميه،و لا يقعد على مقدم رجليه و أصابعهما،و لا يقعي إقعاء الكلب.
و قال-في تورك التشهد-:يلزق ألييه جميعا و وركه الأيسر و ظاهر فخذه الأيسر بالأرض،فلا يجزئه غير ذلك و لو كان في طين.و يجعل بطن ساقه
ص: 398
الأيمن على رجله اليسرى،و باطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر،و يلزق حرف إبهام رجله اليمنى مما يلي حرفها الأيسر بالأرض و باقي أصابعها عاليا عليها،(و لا يستقبل) (1)بركبتيه جميعا القبلة.و يقرب منه قول المرتضى (2).
لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:
«إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم،فاستو جالسا ثم قم» (3).
و روى الأصبغ:ان عليا عليه السلام كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم.فقيل له:كان أبو بكر و عمر إذا رفعا من السجود نهضا على صدور إقدامهما كما تنهض الإبل.فقال:«انما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس،انّ هذا من توقير الصلاة» (4).
و صفة الجلوس فيها كالجلوس بين السجدتين.
و أوجبها المرتضى رحمه اللّه،لما روي من انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يفعلها (5)و لصورة الأمر في رواية أبي بصير.
و يدفعه انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يواظب على المستحب و يعارض بما رواه أبو هريرة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان ينهض على صدور قدميه (6)و بما رواه زرارة:انّه رأى الباقر و الصادق عليهما السلام إذا رفعا
ص: 399
رءوسهما من الثانية نهضا و لم يجلسا (1).و روى رحيم عن الرضا عليه السلام:
انّه كان يجلس في الرفع من الركعة الاولى و الثالثة،فقال له:أ فنصنع كما تصنع؟فقال:«لا تنظروا الى ما أصنع أنا،انظروا الى ما تؤمرون» (2).و هو صريح في عدم الوجوب.
و قال ابن أبي عقيل:إذا أراد النهوض ألزم ألييه الأرض،ثم نهض معتمدا على يديه.
و قال ابن الجنيد:إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الاولى و الثالثة،حتى تماس ألياه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم،جاز ذلك.
و قال علي بن بابويه:لا بأس ان لا يقعد في النافلة.
و يكره الإقعاء فيها،و في الجلوس بين السجدتين على الأشهر،قال في المعتبر:و به قال معاوية بن عمار و محمد بن مسلم (3).
و روى العامة عن علي عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:لا تقع بين السجدتين» (4).
و عن أنس،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب» (5).
و روينا عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تقع بين6.
ص: 400
السجدتين» (1).
و قال الصدوق-رحمه اللّه-:لا بأس بالإقعاء بين السجدتين،و لا بأس به بين الاولى و الثانية،و بين الثالثة و الرابعة،و لا يجوز الإقعاء في التشهدين (2).
و تبعه ابن إدريس إلا في التشهد،قال:و تركه أفضل،و في التشهد آكد (3).
و في المبسوط:الأفضل التورك بين السجدتين و بعد الثانية،و ان أقعى جاز (4)،لرواية عبيد اللّه الحلبي عن الصادق عليه السلام:«لا بأس بالإقعاء بين السجدتين» (5).
قلنا:لا ينافي الكراهة،و نقل في الخلاف الإجماع على كراهته (6)،و في مرسلة حريز عن الباقر عليه السلام:«لا تكفّر،و لا تلثّم،و لا تحتفر،و لا تقع على قدميك،و لا تفترش ذراعيك» (7).
و صورة الإقعاء:أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه،قاله في المعتبر،و نقل عن بعض أهل اللغة انه الجلوس على ألييه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب،قال:و المعتمد الأول (8).
و اركع و اسجد)،
قاله في المعتبر (9).
و الذي ذكره علي بن بابويه و ولده،و الجعفي و ابن الجنيد،و المفيد،
ص: 401
و سلار،و أبو الصلاح،و ابن حمزة،و هو ظاهر الشيخ رحمه اللّه،انّ هذا القول يقوله عند الأخذ في القيام (1)و هو الأصح،لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«إذا قمت من السجود قلت:اللهم بحولك و قوتك أقوم و اقعد، و ان شئت قلت:و اركع و اسجد» (2).
و في رواية محمد بن مسلم عنه:«إذا قام الرجل من السجود قال:بحول اللّه و قوته أقوم و اقعد» (3).
و عنه عنه:«إذا تشهدت ثم قمت فقل:بحول اللّه أقوم و أقعد» (4).
و عن رفاعة عنه عليه السلام:«كان علي إذا نهض من الأوليين قال:
بحولك و قوتك أقوم و اقعد» (5).
لما في خبر زرارة الطويل (6).
و قال ابن الجنيد:يفرق الإبهام عنها،و يستقبل بأصابعها القبلة،و قال:
لو لم يجنح الرجل كان أحب اليّ.
و الشيخان وافقا على استقباله بالأصابع القبلة،و لم يصرّحا بالتجنيح بل قالا:يجافي مرفقيه عن جنبيه،و يقل بطنه و لا يلصقه بفخذيه،و لا يحط صدره،و لا يرفع ظهره محدودبا،و يفرج بين فخذيه (7)و هذا الآخر قاله في
ص: 402
المبسوط (1)و التجنيح مذكور في رواية حماد (2).
لما رووه عن مالك بن الحويرث في صفة صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:لما رفع رأسه استوى قاعدا ثم اعتمد بيديه على الأرض (3).و روينا عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام:انه رآه يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد،و إذا أراد القيام رفع ركبتيه قبل يديه (4).و لأنه أيسر من السبق برفع اليدين،فيكون مرادا للّه تعالى،لقوله تعالى يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ (5).و لأنه أشبه بالتواضع.
لما في خبر حماد (6).
و يكره نفخ موضع السجود،جمعا بين رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام و سأله عنه فقال:«لا» (7)و بين رواية إسحاق بن عمار عن رجل من بني عجل عنه عليه السلام:«لا بأس» (8).و يمكن حمل النهي على نفخ يؤذي غيره،لرواية أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه السلام،قال:«لا بأس بالنفخ في الصلاة من موضع السجود ما لم يؤذ أحدا» (9).
و يجوز أن يمسح جبهته إذا لصق بها التراب،لرواية عبيد اللّه الحلبي:
ان الصادق عليه السلام قال:«كان أبو جعفر عليه السلام يمسح جبهته في
ص: 403
الصلاة إذا لصق بها التراب» (1).و في الفقيه:يكره ذلك في الصلاة،و يكره ان تركه بعد ما صلّى (2).
لتحصيل أثره الذي مدح اللّه تعالى عليه بقوله سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (3).
و روى السكوني عن الصادق عليه السلام،قال:«قال علي عليه السلام:اني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود» (4).
و روى إسحاق بن الفضل عن الصادق عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يجب ان يمكّن جبهته من الأرض» (5).
و ان كان تصيب الأرض بعضها-لزيادة التمكين،لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال:سألته عن المرأة تطول قصّتها،فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطيه الشعر،هل يجوز ذلك؟قال:«لا،حتى تضع جبهتها على الأرض» (6).
و الظاهر انه على الكراهة،لما روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«ما بين قصاص الشعر الى موضع الحاجب،ما وضعت منه أجزأك» (7).
و ابن الجنيد قال:لا يستحب للمرأة ان تطول قصّتها،حتى يستر شعرها بعض جبهتها عن الأرض،أو ما تسجد عليه.
ص: 404
قاله في المبسوط،و اما الجبهة فكشفها واجب.و قال-بعد الحكم بإجزاء بعض من كل عضو-:و الكمال ان يضع العضو بكماله (1).
و سمّاه في المبسوط:جلسة الاستراحة،و كذا سمّى الجلوس بعد الثانية (2).
قاله جماعة من الأصحاب (3).
و ذكره علي بن بابويه-:انه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه اليه قبضا،فإذا تمكّن من الجلوس رفعهما بالتكبير (4).
بسطهما و لا يعجن بهما،ذكره الجعفي،و رواه الشيخ في التهذيب،و الكليني في الكافي،عن الحلبي عن الصادق عليه السلام:«إذا سجد الرجل ثم أراد أن ينهض،فلا يعجن بيديه في الأرض،لكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض» (5).
و فيه مسائل.
هو واجب في الثنائية مرة،و فيما عداها مرتين،بإجماع علمائنا، لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.و عن ابن مسعود:علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التشهد وسط الصلاة (1).و كان صلّى اللّه عليه و آله يعلمهم التشهد آخر الصلاة (2).و روى يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«التشهد في كتاب علي شفع» (3).
و يجب الجلوس بقدره،تأسيا بفعله صلّى اللّه عليه و آله.
و عبارته مروية في أحاديث كثيرة،منها:رواية محمد بن مسلم،عن الصادق عليه السلام:«التشهد في الصلاة مرتان:إذا استويت جالسا فقل:
اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و اشهد ان محمدا عبده و رسوله،ثم تنصرف».قلت:قول العبد:التحيات للّه و الصلوات الطيبات.قال:«ذلك اللطف يلطف العبد به ربّه» (4).
و تجب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله فيه بإجماعنا،و جعلها الشيخ في الخلاف ركنا (5).
و رووا عن عائشة:أنها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«لا
ص: 406
تقبل صلاة إلا بطهور و بالصلاة عليّ» (1).
و روى كعب بن عجزة،قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول في الصلاة:«اللهم صلّ على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (2).
و عن أبي مسعود الأنصاري،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«من صلّى صلاة،و لم يصلّ فيها عليّ و على أهل بيتي،لم تقبل» (3).
و روى الشيخ عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السلام:
«التشهد في الركعتين الأوليين:الحمد للّه،اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و اشهد انّ محمدا عبده و رسوله،اللهم صل على محمد و آل محمد،و تقبل شفاعته (4)و ارفع درجته» (5).
و روى البزنطي عن الرضا عليه السلام:انه يجزئ التشهد الذي في الثانية في الرابعة (6).
و من مضمرات سماعة في المصلي خلف غير العدل:«يجلس قدر ما يقول:اشهد ان لا إله اللّه،وحده لا شريك له،و اشهد ان محمدا عبده7.
ص: 407
و رسوله صلّى اللّه عليه و آله» (1).و هذه الرواية عبارة المقنعة (2).
يستحب التورك فيه،و رواه العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)و قد تقدم في خبري حماد و زرارة (4).
و صفته كما تقدم.و قال ابن أبي عقيل:ينصب طرف إبهامه اليمنى على الأرض.
و يكره الإقعاء.و قال ابن بابويه و الشيخ-في النهاية-:لا يجوز (5).و علّله ابن بابويه بأن المقعي ليس بجالس،انما يكون بعضه قد جلس على بعض، فلا يصبر للدعاء و التشهد (6).
و يكون نظره حال التشهد الى حجره،قاله الأصحاب (7).
و يضع يديه على فخذيه،مبسوطة الأصابع مضمومة عند علمائنا (8)،لما رووه و رويناه من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (9).و تفرّد ابن الجنيد بأنه يشير
ص: 408
بالسبابة في تعظيمه للّه عز و جل،كما تقوله العامة (1).
و يسمع الامام من خلفه،و يسرّ المأموم-لما سلف-و يتخيّر المنفرد، و قد مر.
أفضله ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إذا جلست في الركعة الثانية فقل:بسم اللّه و باللّه،و الحمد للّه،و خير الأسماء للّه، اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له(و ان) (2)محمدا عبده و رسوله،أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة،أشهد انك نعم الرب،و ان محمدا نعم الرسول،اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و تقبّل شفاعته في أمته و ارفع درجته.ثم تحمد اللّه مرتين أو ثلاثا ثم تقوم.
فإذا جلست في الرابعة قلت:بسم اللّه و باللّه،و الحمد للّه،و خير الأسماء للّه،اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و اشهد ان محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة،أشهد انك نعم الرب و ان محمدا نعم الرسول،التحيات للّه،الصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات للّه،ما طاب و زكى و ظهر و خلص-بفتح اللام- و صفا فللّه،اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و اشهد ان محمدا عبده و رسوله،أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة،أشهد ان ربي نعم الرب، و ان محمدا نعم الرسول و اشهد ان الساعة آتية لا ريب فيها و ان اللّه يبعث من في القبور،الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا اللّه الحمد للّه رب العالمين.
اللهم صلّ على محمد و آل محمد (3)و ترحّم على محمد و آل محمد،كما
ص: 409
صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم صلّ على محمد و آل محمد،و اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالايمان،و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا،ربنا انك رءوف رحيم.اللهم صل على محمد و آل محمد و امنن عليّ بالجنة،و عافني من النار.
اللهم صلّ على محمد و آل محمد،و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات،و لا تزد الظالمين الا تبارا.
ثم قل السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته،السلام على أنبياء اللّه و رسله،السلام على جبرئيل و ميكائيل و الملائكة المقربين،السلام على محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين لا نبي بعده،السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» (1).
و أكثر الأصحاب افتتحوه بقولهم:بسم اللّه و باللّه،و الأسماء الحسنى كلها للّه (2).
روى حبيب الخثعمي عن أبي جعفر عليه السلام،انه قال:
«إذا جلس الرجل للتشهد فحمد اللّه أجزأه» (3).
و روى بكر بن حبيب عنه عليه السلام:«إذا حمدت اللّه أجزأك،لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا،انما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون» (4).
و روى زرارة عنه عليه السلام:يجزئ في الركعتين الأوليين ان تقول:
اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و يجزئ في الأخيرتين الشهادتان (5).
و الخبران الأولان ينفيان وجوب التشهد أصلا و رأسا،و الخبر الأخير ينفي
ص: 410
وجوب الشهادة بالرسالة في التشهد الأول،و وجوب الصلاة عن النبي و آله في التشهد الأخير.
و روى سورة بن كليب عنه عليه السلام:أدنى ما يجزئ من التشهد الشهادتان (1)،و هذا أيضا ليس فيه ذكر الصلاة على النبي و آله.
و روى زرارة عنه عليه السلام في المحدث قبل التشهد.يتوضأ،و يأتي به حيث كان (2).و روى زرارة عن الصادق عليه السلام كذلك،و قال«انما التشهد سنّة» (3).
و أجاب الشيخ بأن الاخبار انما تنفي وجوب ما زاد على الشهادتين، و نقول به،و كذا قوله:«انما التشهد سنة»أي ما زاد على الواجب،و الحديث محمول على انه لم يكمل التشهد لا أنّه لم يأت به (4).
قلت:و لو حملت على التقية كان أنسب،لأنه مذهب كثير من العامة- كالشافعي،و أهل العراق،و الأوزاعي و مالك-إذ يقولون بعدم وجوب التشهد الأول (5)،و قال بعدم وجوب الثاني أيضا مالك و أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي (6)و رووه عن علي عليه السلام (7)و سعيد بن المسيب و النخعي و الزهري و قد أشار الشيخ أيضا إلى ذلك (8).
و الصدوق في المقنع اقتصر في التشهدين على الشهادتين و لم يذكر0.
ص: 411
الصلاة على النبي و آله،ثم قال:و ادنى ما يجزئ في التشهد ان يقول الشهادتين،أو يقول:بسم اللّه و باللّه،ثم يسلم (1).
و والده في الرسالة لم يذكر الصلاة على النبي و آله في التشهد الأول.
و القولان شاذان لا يعدان،و يعارضهما إجماع الإمامية على الوجوب.
و اما الصلاة على النبي و آله فعلمت من دليل آخر،فلا ذكرها هنا،فعن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما الصلاة على النبي و آله من تمام الصلاة،و من صام و لم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمدا،و من صلّى و لم يصلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و ترك ذلك متعمدا فلا صلاة له» (2).
على انّ ابن الجنيد قال:تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمد و آله في أحد التشهدين،مع انه روي عن كعب بن عجرة انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول ذلك (3)،و عن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا تشهد أحدكم في صلاته،فليقل:اللّهم صلّ على محمد و آل محمد» (4).
فروع:
ظاهر الأصحاب و خلاصة الاخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا.فعلى هذا لا يضر ترك(وحده لا شريك له)،و لا لفظ(عبده)و في رواية أبي بصير«و ان محمدا» (5)بغير لفظ اشهد.نعم،لو بدّل الألفاظ المخصوصة،بمرادفها من».
ص: 412
العربية أو غيرها من اللغات،لم يجز.نعم،تجزئ الترجمة لو ضاق الوقت عن التعلم.و الأقرب وجوب التحميد عند تعذّر الترجمة،للروايتين السابقتين (1).
اما لو أضاف(الآل)أو(الرسول)من غير لفظ(عبده)الى المضمر،أو أسقط(واو)العطف في الثاني،فظاهر الأخبار المنع،و يمكن استناد الجواز إلى رواية حبيب (2)فإنها تدل بفحواها على ذلك،و الأولى المنع.
و عبارة الصلاة في الأشهر:(اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد).و سبق في رواية سماعة«صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (3)فيمكن اختصاصه بحال الضرورة كما تضمنت الرواية،و يمكن اجزاؤه،لحصول مسمّى الصلاة.
و لا تحيات في التشهد الأول بإجماع الأصحاب،غير انّ أبا الصلاح قال فيه:(بسم اللّه و باللّه،و الحمد للّه،و الأسماء الحسنى كلها للّه،للّه ما طاب و زكا و نما و خلص،و ما خبث فلغير اللّه) (4)و تبعه ابن زهرة (5).
و لو أتى بالتحيات في الأول معتقدا لشرعيتها مستحبا أثم،و احتمل البطلان.و لو لم يعتقد استحبابها خلا عن إثم الاعتقاد،و في البطلان وجهان عندي.و لم أقف للأصحاب على هذا الفرع.
و روى عنه صلّى اللّه عليه و آله«فليتخيّر من الدعاء ما شاء» (1)و قد تقدم في رواية أبي بصير (2)طرف منه.
و يستحب ان يقوم بالتكبير من التشهد الأول عند المفيد-رحمه اللّه- (3)، و لا نعلم له مأخذا،و المشهور انه يقوم بقوله:(بحول اللّه و قوته أقوم و اقعد) لرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام (4)و لا يحتاج الى تكبير،و قد تقدم في تكبير القنوت بيان ذلك.7.
ص: 414
تجب صيغة(السلام عليكم)عند أكثر من أوجبه،
و هم:ابن أبي عقيل (1)و المرتضى (2)و أبو الصلاح (3)و ابن زهرة (4).
قال ابن أبي عقيل:فإذا فرغ من التشهد،و أراد أن يسلم على مذهب آل الرسول عليهم السلام،فان كان إماما أو منفردا سلم تسليمة واحدة مستقبل القبلة يقول:(السلام عليكم)،و ان كان خلف إمام يقتدى بصلاته فتسليمتين:
تسليمة يردّ على من على يمينه،و الأخرى على من على يساره ان كان يساره أحد.و من ترك التسليم ساهيا فلا شيء عليه،و من تركه متعمدا فصلاته باطلة و عليه الإعادة.
و قال-في سياق التشهد-:اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد،و اغفر لي و لوالدي،و ارحمهما كما ربياني صغيرا،و امنن عليّ بالجنّة طولا منك،و فكّ رقبتي من النار،السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته،السلام على محمّد بن عبد اللّه خاتم النبيّين لا نبي بعده،السلام على محمّد بن عبد اللّه و رسول رب العالمين،و صلّ على جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل،اللّهم صلّ على ملائكتك المقرّبين،السلام على أنبياء اللّه المرسلين و على أئمة المؤمنين أولهم و آخرهم،السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين.و من لم يقل شيئا من هذا فان الشهادتين تجزئه،و من أتى به كان أفضل من تركه،و من تركه لم تفسد عليه صلاته،إلا في الشهادتين ان تركهما ساهيا فلا شيء عليه،و ان تركهما متعمدا
ص: 415
بطلت صلاته و عليه الإعادة.
فهذا تصريح منه بوجوب(السلام عليكم)،و بندب(السلام علينا)، و بتقدّمها على(السلام عليكم).
و المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية،لما قال الناصر:تكبيرة الافتتاح من الصلاة و التسليم ليس منها،قال:لم أجد الى هذه الغاية لأصحابنا نصا في هاتين المسألتين،و يقوى في نفسي انّ تكبير الافتتاح من الصلاة،و ان التسليم أيضا من جملة الصلاة و هو ركن من أركانها،و هو مذهب الشافعي.و وجدت بعض أصحابنا يقول في كتاب له:ان السلام سنة غير مفروض و من تركه متعمدا لا شيء عليه.و قال أبو حنيفة:تكبير الافتتاح ليس من الصلاة،و التسليم ليس بواجب و لا هو من الصلاة،و إذا قعد عنده قدر التشهد خرج من الصلاة بالسلام و الكلام و غيرهما (1).
ثم استدل على الأول بما خلاصته:انّ النية تقارن التكبير أو تتقدم عليه فلا فصل،و ذلك دليل انها من جملة الصلاة،و لان استقبال القبلة و الطهارة شرط فيه فتكون من الصلاة.
لا يقال:انما شرط فيه الوضوء لأن الصلاة عقيبه بلا فصل،فلو أوقع بغير وضوء لدخل في أول جزء من الصلاة بغير وضوء.
لأنا نقول:نفرض رجلا مستقبلا و على يمينه حوض عال فتوضأ مادا للتكبير،ففرغ من الوضوء و قد بقي منه حرف مع أن ذلك لا يجوز،فعلم ان الوضوء شرط في التكبير نفسه (2).
قلت (3)و أسهل في تصويره أن يتطهر حتى يبقى له مسح شيء من رجلهف.
ص: 416
اليسرى،ثم يكبر فيقع التكبير قبل كمال الوضوء و يصادف الكمال أول الصلاة.
لا يقال:قوله تعالى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى عقّب(الذكر)بالصلاة، فلو كان التكبير منها لكان مصليا معه لا عقيبه.
لأنّا نقول:لا نسلم ان المراد ب(الذكر)التكبير،لم لا يكون ما يؤتى به قبل الصلاة من الأذان أو التكبيرات الست التي يستحبها الأصحاب (1).
قلت:و لئن سلّمنا ان المراد ب(ذكر ربه)التكبير لا يلزم منه انتفاء جزئيته،لجواز ان يكون المراد بقوله صلّى أكمل الصلاة،فإنه كثيرا ما يعبّر عن الإكمال بأصل الفعل،أو يكون التعقيب بالفاء في الاخبار لا في الوقوع.و قال المفسرون:المراد ذكر اسم ربه بقلبه،أو به و بلسانه،فقام إلى الصلاة،كقوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ،أو أراد تكبير يوم العيد فصلّى صلاة العيد (2).
لا يقال:الإجماع على انه ما لم يتم التكبير لا يدخل في الصلاة،فيكون ابتداؤه وقع خارج الصلاة فكيف يصير بعد ذلك منها؟ لأنّا نقول:إذا فرغ من التكبير تبين ان جميع التكبير من الصلاة،و له نظائر:
منها:ان السلام ليس من الصلاة،و لو ابتدأ بالسلام فإنه لا يخرج بذلك من الصلاة،فإذا فرغ منه تبيّن عندهم انّ جميعه وقع خارج الصلاة.
و منها:إذا قال بعتك هذا الثوب لم يكن ذلك بيعا،فإذا قال المشتري قبلت صار الإيجاب و القبول بمجموعهما بيعا (3).
قلت:و لمانع ان يمنع توقّف الدخول في الصلاة على تمام التكبير،و لم2.
ص: 417
لا يكون داخلا في الصلاة عقيب النية!للإجماع على وجوب مقارنة النية لأول العبادة،و هذا الإجماع يصادم الإجماع المدعى.نعم،لو قيل ببسط النية على التكبير توجّه ما قاله المرتضى رضي اللّه عنه.
و اما (1)الدلالة على وجوب السلام فهو ما روى عنه عليه السلام من قوله:
«مفتاح الصلاة الطهور،و تحريمها التكبير،و تحليلها التسليم»،دلّ على ان غير التسليم ليس بمحلل.و روى سهل بن سعد الساعدي:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يسلّم في الصلاة عن يمينه و شماله،و قد قال صلّى اللّه عليه و آله:
«صلوا كما رأيتموني أصلي».
و أيضا فكل من قال التكبير من الصلاة ذهب الى ان السلام واجب و انه منها.
و أيضا روى عبد اللّه بن مسعود،قال:ما نسيت من الأشياء فلم انس تسليم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الصلاة عن يمينه و شماله:«السلام عليكم و رحمة اللّه،السلام عليكم و رحمة اللّه»و روت عائشة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يسلّم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه (2).0.
ص: 418
لا يقال:روى ابن مسعود انه عليه السلام علمه التشهد،ثم قال:«إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك».و روى أبو هريرة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله علم الأعرابي الصلاة و لم يذكر السلام (1).
فنقول:خبر ابن مسعود متروك الظاهر بالإجماع لأنه يقتضي تمام الصلاة بالشهادة،و بالإجماع انه قد بقي عليه شيء و هو الخروج،لأنّ الخروج عندهم يقع بكل مناف للصلاة و قد قيل إنّ القائل:«إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك» هو ابن مسعود لا النبي صلّى اللّه عليه و آله،و الأعرابي كان يحسن السلام،أو كان ذلك قبل فرض السلام (2).
و يستدل على أصحابنا بأنه قد ثبت بلا خلاف وجوب الخروج من الصلاة كما ثبت الدخول فيها،فان لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة،و أصحابنا لا يجيزون ذلك فثبت وجوب السلام (3).
فكلام السيد مصرح بركنيته،و ان المعتبر(السلام عليكم).و لعلّه يريد بالركن مرادف الواجب.2.
ص: 419
و أبو الصلاح-رحمه اللّه-عدّ(السلام علينا)في المستحب و(السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته)،و جعل بعد(السلام علينا):(السلام على محمد و آله المصطفين)،قال:ثم يسلم التسليم الواجب (1).
و عبارته هذه:و الفرض الحادي عشر:(السلام عليكم و رحمة اللّه) يعني:محمدا و آله صلوات اللّه عليهم و الحفظة عليهم السلام،و ان كان منفردا فتسليمة واحدة تجاه القبلة و يشير بها ذات اليمين،و ان كان إماما فواحدة تجاه القبلة و عن اليمين،و ان كان مأموما فواحدة ذات اليمين و أخرى ذات الشمال (2).
و نحوه قال ابن زهرة في الغنية (3).
و أما سلاّر فعدّ من واجبات الصلاة التسليم،و ذكر في موضع عبارته:
(السلام عليكم و رحمة اللّه) (4).و في موضع:(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)و ينحرف بعينه الى يمينه و قد قضى صلاته.و ذكر انّه إذا قال:
(السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته)أومأ بوجهه إلى القبلة (5).و تبع في هذا الإيماء المفيد-رحمه اللّه- (6).
و صاحب الفاخر قال:أقل المجزئ من عمل الصلاة في الفريضة:
تكبيرة الافتتاح،و قراءة الفاتحة في الركعتين أو ثلاث تسبيحات،و الركوع، و السجود،و تكبيرة واحدة بين السجدتين،و الشهادة في الجلسة الاولى،و في الأخيرة:الشهادتان،و الصلاة على النبي و آله،و التسليم،و السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته.8.
ص: 420
و كلامه هذا يشتمل على أشياء لا تعدّ من المذهب.منها:التكبيرة الواحدة بين السجدتين.و منها:القصر على الشهادة في الجلسة الأولى.و منها:وجوب التسليم على النبي.و اما البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار،صرّح بذلك في غير هذا الموضع.
و قال في موضع آخر:من شهد الشهادتين و أحدث أو أعجلته حاجة، فانصرف قبل أن يسلم إمامه،أو قبل ان يسلّم هو ان كان وحده،فقد تمت صلاته.
ثم قال:يسلّم إن كان إماما بواحدة تلقاء وجهه في القبلة(السلام عليكم)يرفع بها صوته،و إذا كانوا صفوفا خلف امام سلّم القوم على ايمانهم و على شمائلهم،و من كان في آخر الصفّ فعليه ان يسلّم على يمينه فقط،و من كان وحده أجزأ عنه السلام الذي في آخر التشهد،و يزيد في آخره(السلام عليكم)يميل انفه عن يمينه قليلا.
و عنى بالذي في آخر التشهد قوله:السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على أهل بيته،السلام على نبي اللّه السلام على محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين و رسول رب العالمين،السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السلام على الأئمة المهديين الراشدين،السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين.
فظاهره الخروج بقوله(السلام عليكم)و انه واجب،الا انّ حكمه بصحة صلاة المحدث قبله ينافيه،الاّ ان يكون مصيرا الى مثل قول أبي حنيفة.
و قال الراوندي-رحمه اللّه-في الرائع-و رام الجمع بين قولي من قال بوجوب التسليم و ندبه-:إذا قال(السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه)و نحو ذلك،فالتسليم الذي يخرج به من الصلاة حينئذ مسنون،و قام هذا التسليم المندوب مقام قول المصلي إذا خرج من صلاته:(السلام عليكم و رحمة اللّه)،
ص: 421
و ان لم يكن ذكر ذلك في التشهد يكون التسليم فرضا.و سيأتي ان السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله لا يخرج من الصلاة،فلا يتمّ كلامه.
و أمّا مشايخنا الحلّيون-رحمهم اللّه-:
فقال ابن إدريس بندبه مصرّحا بذلك (1).
و قال سبطه الشيخ يحيى بن سعيد في الجامع:و التسليم الواجب الذي يخرج به من الصلاة(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) (2).و قال في موضع آخر:ينوي الخروج به من الصلاة (3).و ظاهره حصر الواجب في هذه الصيغة-و لا أعلم له موافقا-و وجوب نيّة الخروج،و سيأتي البحث فيها ان شاء اللّه تعالى.
و قال الشيخ المحقق نجم الدين بن سعيد في المعتبر ما خلاصته مع حسنه بأجمعه:لنا:على وجوبه مواظبة النبي صلّى اللّه عليه و آله و اقتصاره في الخروج من الصلاة عليه،و ذلك امتثال للأمر المطلق فيكون بيانا.و كذا فعل الصحابة و التابعين،و لم ينقل عن أحدهم الخروج من الصلاة بغيره.و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«تحريمها التكبير،و تحليلها التسليم»حصر التحلل فيه لوجهين:
أحدهما:انه مصدر مضاف إلى الصلاة،فيعمّ كل تحلل يضاف عليها.
و ثانيهما:ان التسليم وقع خبرا عن التحليل،لان هذا من المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر،و إذا كان خبرا وجب ان يكون مساويا للمبتدإ أو أعم منه،فلو تحلل بغيره كان المبتدأ أعم من الخبر،و لان الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ،بمعنى تساويهما في الصدق لا المفهوم (4).2.
ص: 422
قال:و يلزم من الخروج بما ينافيها وقوع الحدث في الصلاة،لانه قبله اما ان يخرج من الصلاة أو لا،و يلزم من الأول الخروج بغير المنافي،و من الثاني وقوع الحدث في الصلاة بتقدير ان يحدث (1).
قال:و اما الأصحاب،فظاهر كلام المفيد ان آخر الصلاة الصلاة على النبي و آله عليهم السلام،فلو أحدث بعد ذلك لم تبطل.و الشيخ في المبسوط يوجب(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)و يجعله آخر الصلاة، و يشير بالاستحباب الى قوله(السلام عليكم و رحمة اللّه)و منهم من عيّن (السلام عليكم و رحمة اللّه)للخروج و هو المرتضى و أبو الصلاح (2).
قال:و الذي نراه نحن انه لا يخرج من الصلاة إلا بأحد التسليمين،اما (السلام عليكم)أو(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)و بأيهما بدأ كان خارجا من الصلاة،لقوله صلّى اللّه عليه و آله«و تحليلها التسليم»و هو صادق عليهما.و يؤيد ذلك رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلّم على النبي عليه السلام،و تقول:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة،ثم تؤذن القوم و أنت مستقبل القبلة فتقول:السلام عليكم» (3).
لا يقال:إن اعتبر مسمّى التسليم خرج بالسلام على النبي.7.
ص: 423
فنقول:هذا من جملة أذكار الصلاة جار مجرى الدعاء و الثناء على اللّه سبحانه،لرواية أبي كهمس عن الصادق عليه السلام و سأله عن(السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته)انصراف هو؟قال:«لا،و لكن إذا قلت:(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)فهو انصراف».و عن الحلبي عنه عليه السلام:«فان قلت:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،فقد انصرفت من الصلاة» (1).
قال:و اما انّه لو قال(السلام عليكم و رحمة اللّه)خرج به فعليه علماء الإسلام كافة لا يختلفون فيه،و انما الخلاف في تعيّنه للخروج.
لا يقال:ما ذكرتم من(السلام علينا)خروج عن الإجماع،لانحصاره بين(السلام عليكم)و فعل المنافي.
قلنا:لا نسلم ذلك،و المنقول عن أهل البيت ما ذكرناه،و قد صرح الشيخ بما ذكرناه في التهذيب،فإنه قال:عندنا من قال(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)فقد انقطعت صلاته،فان قال بعد ذلك(السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته)جاز،و لو لم يقل جاز أيضا.
لا يقال:احتججتم بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله،و لم يخرج الا بقوله «السلام عليكم و رحمة اللّه»فيجب الاقتصار عليه.
فنقول:دل على الجواز قوله صلّى اللّه عليه و آله:«و تحليلها التسليم»، و هو صادق على كل ما يسمى تسليما،عدا ما يقصد به الدعاء للنبي و الأئمة عليهم الصلاة و السلام.ثم يبطل قول من قال باستحباب التسليم بالنقل و الفتوى ببطلان صلاة المسافر إذا أتمّ،لأنه لو خرج بآخر التشهد لم تضر الزيادة،و كذا من زاد في الصلاة سهوا أو عمدا (2).1.
ص: 424
قال:فان اقتصر على(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)فلا يجزئ ترجمتها و لا نكسها،فتبطل صلاته لو تعمّده،لانه كلام في الصلاة غير مشروع،و ان بدأ ب(السلام عليكم)أجزأت.و قال أبو الصلاح:الفرض ان يقول:(السلام عليكم و رحمة اللّه) (1).
و بما قلناه قال ابن بابويه و ابن أبي عقيل.و ابن الجنيد قال:يقول:
(السلام عليكم)،فان قال:(السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته)كان حسنا (2).
لنا:ما روي ان عليا عليه السلام كان يسلم عن يمينه و شماله(السلام عليكم،السلام عليكم).و من طريق الخاصة ما رواه البزنطي عن عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام في تسليم الامام و هو مستقبل القبلة،قال:
«يقول:السلام عليكم».و ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«فتقول السلام عليكم» (3).
قال:و التحقيق انه ان بدأ ب(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) كان التسليم الآخر مستحبا فيأتي بأحسن ما قيل،و ان بدأ ب(السلام عليكم) أجزأه هذا اللفظ و كان قوله(و رحمة اللّه و بركاته)مستحبا يأتي منه بما شاء.و لو قال(سلام عليكم)و نوى به الخروج،فالأشبه الاجزاء،لصدق التسليم عليه، و لأنها كلمة ورد القرآن بصورتها فتكون مجزئة.و لو نكس لم يجز،لانه خلاف المنقول،و خلاف تحية القرآن،و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لرجل:«لا7.
ص: 425
تقل:عليك السلام» (1).
قلت:هذا الكلام مع متانته فيه مناقشات:
منها:المطالبة بصحة حديث«و تحليلها التسليم»،فانا لم نره مسندا في أخبار الأصحاب و انما هو من طريق العامة.
فإن قال:ذكره المرتضى و الشيخ (2).
قلنا:المطالبة أيضا متوجهة إليهما.
و اما مواظبة النبي صلّى اللّه عليه و آله فهي أعمّ من الوجوب،و العام لا يستلزم الخاص.
و منها:انّ المفيد-رحمه اللّه-مع ما نقل عنه المحقق و تصريحه بان التسليم سنة-قال في المقنعة بعد التسليم المعهود(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين):و ينحرف بعينه الى يمينه،فإذا فعل ذلك فقد فرغ من صلاته و خرج منها بهذا السلام (3)و لما عدّ واجبات الصلاة جعل آخرها الصلاة على النبي و آله (4)،و كان قد ذكر في سياق النوافل(السلام عليكم و رحمة اللّه)و قال:
فإذا سلّم فقد خرج من الركعتين (5).و هذا الكلام ظاهره توقف الخروج على التسليم و ان كان سنّة.
و منها:نقله عن الشيخ في المبسوط الوجوب،فإنه منظور فيه،لأن عبارة7.
ص: 426
الشيخ هذه:و السادس:التسليم-فمن أصحابنا من جعله فرضا،و منهم من جعله نفلا.ثم قال:و من قال من أصحابنا ان التسليم سنّة يقول:إذا قال:
(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)فقد خرج من الصلاة،و لا يجوز التلفظ بذلك في التشهد الأول.و من قال انه فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة، و ينبغي ان ينوي بها ذلك،و الثانية ينوي بها السلام على الملائكة أو على من في يساره (1).و هذا تصريح منه بما نقلناه عن المفيد ان(السلام علينا)سنّة و مخرج، و هو ظاهر الروايات و ظاهر كل من قال بندب التسليم.
و منها:إلزامه بوجوب صيغة(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) تخييرا،و هذا قول حدث في زمانه فيما أظنه أو قبله بيسير،لان بعض شراح رسالة سلار أومأ اليه.و احتجاجه عليه بصدق اسم التسليم عليه محل النزاع.
و لأن راوي هذا الخبر-مسندا من العامة أو مرسلا من الخاصة-يزعم ان اللام في التسليم للعهد و هو التسليم المعروف المخرج من الصلاة عندهم لا غيره.
و لأن عبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصة و العامة في(السلام عليكم)، يعلم ذلك بتتبع الأخبار و التصانيف،حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة ثم يقال بعدها و بعد(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين):ثم يسلم،و هذا تصريح منهم بان اسم التسليم الشرعي مختص بصيغة(السلام عليكم).
و من القواطع في ذلك كلام الشيخ في الخلاف،و هذا لفظه:الأظهر من مذهب أصحابنا أنّ التسليم في الصلاة مسنون و ليس بركن و لا واجب،و منهم من قال هو واجب.دليلنا على المذهب الأول:ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلّم على النبي عليه السلام و تقول:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة،ثم تؤذن القوم و أنت مستقبل القبلة:السلام عليكم».و من6.
ص: 427
نصر الأخير استدل بما رواه أمير المؤمنين عليه السلام:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:مفتاح الصلاة الطهور،و تحريمها التكبير،و تحليلها التسليم» (1).
و هذا تصريح بان التسليم الذي هو خبر التحليل هو(السلام عليكم)، و تصريح بان(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)يقطع الصلاة،و ظاهر انه ليس بواجب و لا يسمّى تسليما.و قد صرّح بذلك في كتبه كلها،فإنه يذكر صيغة (السلام علينا)في سياق التسليم المندوب و الخروج بها من الصلاة،ثم يحكم بعد ذلك بأن الواجب الشهادتان لا غير (2)،و كذا غيره ممن تبعه (3).
و منه يظهر الجواب عن نقله ما في التهذيب،فان الشيخ قائل بأنه قاطع مع انّه مستحب.
و بالجملة انّ هنا مقدمتين:
إحداهما:ان(السلام علينا)يقطع الصلاة،و هذه دل عليها الاخبار و كلام الأصحاب.
و الثانية:انه واجب على هذا التقدير،و هذا لم يذهب إليه أحد من القدماء،فكيف نجعل قولهم دليلا على وجوبه! لا يقال:لا ريب في وجوب الخروج من الصلاة،و إذا كان هذا مخرجا منها كان واجبا في الجملة،فيكون الحق ما ذهب إليه القائل بوجوبه و لا يبالي بقول القدماء بندبه،لأنهم ليسوا جميع الإمامية حتى يتعيّن المصير إليهم.
لأنّا نقول:قد دلت الأخبار الصحيحة على ان الحديث قبله لا يبطل الصلاة،منها:خبر زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:قال سألته عن رجل يصلي4.
ص: 428
ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلّم،قال:«تمت صلاته» (1).و بهذا الحديث احتجّ في الاستبصار و التهذيب على ان التسليم ليس بفرض (2).
و منها:خبر زرارة أيضا عنه،قال:سألته عن رجل صلّى خمسا،فقال:
«ان كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته» (3).
و إذا كان كذلك امتنع كون(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)جزءا واجبا من الصلاة.
لا يقال:ما المانع من ان يكون الحدث مخرجا كما ان التسليم مخرج، و لا ينافي ذلك وجوبه تخييرا؟ لأنا نقول:لم يصر الى هذا أحد من الأصحاب،بل و لا من المسلمين غير أبي حنيفة،فيمتنع القول به،لاستلزامه الخروج عن إجماع الإمامية.
و هنا سؤال و هو:ان القائلين باستحباب الصيغتين يذهبون الى انّ آخر الصلاة الصلاة على النبي و آله،كما صرح به الشيخ في الاستبصار (4)و هو ظاهر الباقين،و به خبر صحيح رواه زرارة و محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، قال:«إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته،و ان كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم و انصرف أجزأ» (5)فما معنى انقطاع الصلاة بصيغة(السلام علينا) الى آخرها؟و قد انقطعت بانتهائها فلا تحتاج الى قاطع،و قد دلت الاخبار على انّ(السلام علينا)قاطع كما مر.
و يزيد عليه ما رواه في التهذيب عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام، قال:«إذا نسي الرجل ان يسلّم،فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال:السلام علينام.
ص: 429
و على عباد اللّه الصالحين،فقد فرغ من صلاته» (1).
و بهذا الخبر استدل في التهذيب على قول الشيخ المفيد-رحمه اللّه-:
و السلام في الصلاة سنّة،و ليس بفرض يفسد تركه الصلاة (2).و فيه تصريح بانّ السلام المتنازع فيه هو(السلام عليكم)،و بانّ الفراغ من الصلاة موقوف عليه، فقبلها يكون في الصلاة.
و استدل أيضا في التهذيب برواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:«إذا نسي أن يسلّم خلف الإمام أجزأه تسليم الامام» (3).
و روى الشيخ بإسناده إلى ميسر عن أبي جعفر عليه السلام،قال:
«شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم:قول الرجل:تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك،و انما هو شيء قاله الجن بجهالة فحكى اللّه عنهم.و قول الرجل:
السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» (4).و هذا يدلّ أيضا على انّ الصلاة موصوفة بالصحة قبل هذه الصيغة.
و لا جواب (5)عنه الا بالتزام انّ المصلي قبل هذه الصيغة يكون في مستحبات الصلاة و ان كانت الواجبات قد مضت،و بعد هذه الصيغة لا يبقى للصلاة أثر و يبقى ما بعدها تعقيبا لا صلاة.و قد أشعر به رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كل ما ذكرت اللّه و النبي فهو من الصلاة،فإذا قلت:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،فقد انصرفت» (6).
و بهذا يظهر عدم المنافاة بين القول بندبيته و انه مخرج من الصلاة،الاّ انه3.
ص: 430
يلزم منه بقاؤه في الصلاة بدون الصيغتين و ان طال،و لا استبعاد فيه حتى يخرج عن كونه مصليا أو يأتي بمناف.
فان قلت:البقاء في الصلاة يلزمه تحريم ما يجب تركه،و وجوب ما يجب فعله،و الأمران منفيان هنا،فينتفي ملزومهما و هو البقاء في الصلاة.
قلت:لا نسلم انحصار البقاء فيها في هذين اللازمين على الإطلاق، انما ذلك قبل فراغ الواجبات،اما مع فراغها فينتفي هذان اللازمان و تبقى باقي اللوازم من المحافظة على الشروط و ثواب المصلي و استجابة الدعاء.
و قال صاحب البشرى السيد جمال الدين بن طاوس رحمه اللّه-و هو مضطلع بعلم الحديث و طرقه و رجاله-:لا مانع ان يكون الخروج ب(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)،و ان يجب(السلام عليكم و رحمة اللّه و بركات)بعده،للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق عليه السلام في وصف صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله في السماء:انّه لما صلّى أمر أن يقول للملائكة:«السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» (1)الاّ ان يقال:هذا في الإمام دون غيره.
قال:و ممّا يؤكد وجوبه رواية زرارة و محمد بن مسلم،و أورد التي ذكرناها آنفا (2).قال:و حديث حماد الطويل (3).و روى ابن بابويه في عيون أخبار الرضا عليه السلام:انما جعل التسليم تحليلا و لم يجعل تكبيرا و تسبيحا،لأنّ الدخول في الصلاة يحرم الكلام فيكون التحليل في الكلام (4).و لان الخروج من الصلاة واجب اما لصلاة واجبة أو لغيرها،و لما كان التسليم وسيلة إلى الواجب كان واجبا.2.
ص: 431
ثم قال-رحمه اللّه-:و بعد هذا فالذي يظهر لي انّ القول بالندبية وجه.
أقول-و باللّه التوفيق-:هذه المسألة من مهمات الصلاة،و قد طال عبارة الكلام فيها،و لزم منه أمور ستة.
أحدها:القول بندبية التسليم بمعنييه،كما هو مذهب أكثر القدماء.
و ينافيه تواتر النقل عن النبي و أهل بيته بقولهم(السلام عليكم)من غير بيان ندبيته،مع انه امتثال للأمر بالواجب،و قد روى الشيخ بإسناده الى أبي بصير-بطريق موثق-قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في رجل صلّى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل ان يستشهد رعف،قال:«فليخرج فليغسل انفه ثم ليرجع فليتم صلاته،فان آخر الصلاة التسليم» (1).و مثله كثير،و حمله الشيخ على الأفضل (2)،حتى انّ قول سلف الأمة(السلام عليكم)عقيب الصلاة داخل في ضروريات الدين،و انما الشأن في الندبية أو الوجوب.
الثاني:وجوبه بمعنييه،اما(السلام عليكم)فلإجماع الأمة،و اما الصيغة الأخرى فلما مرّ من الأخبار التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها، لكنه لم يقل به أحد فيما علمته.
الثالث:وجوب(السلام علينا)عينا،و قد تقدم القائل به (3)و فيه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله.
الرابع:وجوب(السلام عليكم)عينا،لإجماع الأمة على فعله.و ينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة الأخرى مما لا سبيل الى ردّه،فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة! الخامس:وجوب الصيغتين تخييرا،جمعا بين ما دلّ عليه إجماع الأمة و اخبار الإمامية،و هو قوي متين الاّ انه لا قائل به من القدماء،و كيف يخفى2.
ص: 432
عليهم مثله لو كان حقا! السادس:وجوب(السلام عليكم)أو المنافي تخييرا،و هو قول شنيع، و أشنع منه وجوب احدى الصيغتين أو المنافي.
و بعد هذا كله،فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين،و ليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه،بادئا ب(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)لا بالعكس،فإنه لم يأت به خبر منقول و لا مصنّف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق-رحمه اللّه- (1).و يعتقد ندب(السلام علينا)و وجوب الصيغة الأخرى،و ان أبى المصلي إلاّ إحدى الصيغتين ف(السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته)مخرجة بالإجماع.
المصلّي حال التسليم اما منفرد،أو إمام،أو مؤتم.
فالمنفرد يسلّم واحدة بصيغة(السلام عليكم)و هو مستقبل القبلة،و يومئ بمؤخر عينه عن يمينه،لرواية عبد الحميد بن عوارض عن الصادق عليه السلام:
«و ان كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» (2).و روى البزنطي بإسناده إلى الصادق عليه السلام:«إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» (3).
و الامام كذلك الاّ انه يومئ بصفحة وجهه،لرواية عبد الحميد:«ان كنت إماما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك» (4).و يدل على انه يكون مستقبل القبلة رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«ثم تؤذن القوم و أنت مستقبل القبلة:
السلام عليكم» (5)ذكره في سياق الامام.و روى العامة عن عائشة:ان النبي
ص: 433
صلّى اللّه عليه و آله كان يسلّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه (1).
و قال ابن الجنيد:ان كان الإمام في صف سلم عن جانبيه.و روى علي ابن جعفر:انه رأى إخوته موسى و إسحاق و محمد يسلمون عن الجانبين (السلام عليكم و رحمة اللّه،السلام عليكم و رحمة اللّه) (2).و يبعد ان تختص الرؤية بهم مأمومين لا غير بل الظاهر الإطلاق،و خصوصا و فيهم الامام عليه السلام،ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للإمام و المنفرد أيضا،غير ان الأشهر الواحدة فيهما.
اما المأموم،فإن كان على يساره غيره سلّم مرتين بصيغة(السلام عليكم) أيضا عن جانبيه يمينا و شمالا،لما في رواية عبد الحميد:«و ان كنت مع امام فبتسليمتين» (3)و ان لم يكن على يساره أحد فواحدة،لما في هذه الرواية:«و ان لم يكن على يسارك أحد فسلم واحدة» (4).
و جعل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافيا في التسليمتين للمأموم (5)،فلا بأس باتباعهما لأنهما جليلان لا يقولان الاّ عن ثبت.
و في رواية معمر بن يحيى عن الباقر عليه السلام:«تسليمة واحدة إماما كان أو غيره» (6)،و هي محمولة على الواجب،أو على انّ المأموم ليس على يساره أحد،كما قاله الشيخ في التهذيب (7).3.
ص: 434
يستحب ان يقصد الامام التسليم على الأنبياء و الأئمة و الحفظة و المأمومين،لذكر أولئك و حضور هؤلاء،و الصيغة صيغة خطاب.
و المأموم يقصد بأولى التسليمتين الردّ على الامام،فيحتمل ان يكون على سبيل الوجوب،لعموم قوله تعالى وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (1).و يحتمل ان يكون على سبيل الاستحباب،لانه لا يقصد به التحية و انما الغرض بها الإيذان بالانصراف،من الصلاة،كما مرّ في خبر أبي بصير (2)و جاء في خبر عمار بن موسى،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التسليم ما هو؟فقال:«هو اذن» (3).و الوجهان ينسحبان في رد المأموم على مأموم آخر،و روى العامة عن سمرة قال:أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان نسلّم على أنفسنا،و ان يسلّم بعضها على بعض (4).
و على القول بوجوب الردّ يكفي في القيام به واحد،فيستحب للباقين.
و إذا اقترن تسليم المأموم و الامام أجزأ و لا ردّ هنا،و كذلك إذا اقترن تسليم و المأمومين،لتكافؤهم في التحية.
و يقصد المأموم بالثانية الأنبياء و الأئمة و الحفظة و المأمومين.
و اما المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك.و لو أضاف الجميع إلى ذلك،قصد الملائكة أجمعين و من على الجانبين من مسلمي الجن و الانس،كان حسنا.
و قال ابن بابويه:يردّ المأموم على الإمام بواحدة،ثم يسلّم عن جانبيه تسليمتين (5).و كأنه يرى ان التسليمتين ليستا للردّ بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة،و لما كان الردّ واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم الصلاة و انما
ص: 435
قدّم الردّ،لانه واجب مضيق إذ هو حق لآدمي.
و الأصحاب يقولون:ان التسليمة تؤدي وظيفتي الردّ و التعبّد به في الصلاة،كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة و عن وظيفة الصلاة.و هذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم،و اما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب ان الاولى من المأموم للردّ على الامام،و الثانية للإخراج من الصلاة،و لهذا احتاج الى تسليمتين.
و يمكن ان يقال ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الاولى ردّا و الثانية مخرجة،لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه و كانت محصّلة للردّ و الخروج من الصلاة،و انما شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين لأنه بصيغة الخطاب،فإذا وجّهه الى أحد الجانبين اختص به و بقي الجانب الآخر بغير تسليم،و لما كان الامام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة،و كذلك المنفرد،و لهذا حكم ابن الجنيد بما تقدم من تسليم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه.
فرع:
لا إيماء إلى القبلة بشيء من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس و لا بغيره إجماعا.و انما المنفرد و الامام يسلّمان تجاه القبلة بغير إيماء.و اما المأموم فالظاهر أنه يبتدأ به مستقبل القبلة،ثم يكمله بالإيماء إلى الجانب الأيمن أو الأيسر.و فيه دلالة ما على استحباب التسليم،أو على انّ التسليم و ان وجب لا يعد جزءا من الصلاة إذ يكره الالتفات في الصلاة عن الجانبين،و يحرم ان استلزم استدبارا.و يمكن ان يقال:التسليم و ان كان جزءا من الصلاة الاّ انّه خرج من حكم استقبال القبلة بدليل من خارج.
و يستحب عند ذكر النبي بالتسليم عليه الإيماء إلى القبلة بالرأس،قاله
ص: 436
المفيد و سلار (1)-كما مر-و هو حسن في البلاد التي يكون قبره صلّى اللّه عليه و آله في قبلة المصلي.
الجالس للتسليم كهيئة المتشهد في جميع ما تقدم من هيئات الجلوس للتشهد الواجبة و المستحبة و المكروهة-كالاقعاء-لدلالة فحوى الكلام عليه،و لأنه مأمور بتلك الهيئة حتى يفرغ من الصلاة فيدخل فيها التسليم.
و تجب الطمأنينة بقدره،و الإتيان بصيغته مراعيا فيها الألفاظ المخصوصة باللفظ العربي و الترتيب الشرعي،لأنه المتلقّى عن صاحب الشرع صلّى اللّه عليه و آله.و لو جهل العربية،وجب عليه التعلم،و مع ضيق الوقت تجزئ الترجمة كباقي الأذكار غير القراءة،ثم يجب التعلم لما يستقبل من الصلاة.
يستحب قبل التسليم ما ذكره جميع الأصحاب و عدوّه من المستحب،و رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انه إذا فرغ من التشهد الأخير-كما مرّ في روايته-من الواجب و المستحب يقول بعد قوله:
وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً :«السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السلام على أنبياء اللّه و رسله،السلام على جبرئيل و ميكائيل و الملائكة المقربين،السلام على محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين لا نبي بعده،السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» (2).
قال أكثر القدماء:ثم يسلم (3)و هو تصريح بان التسليم اسم لقولنا (السلام عليكم).
و روى العامة عن علي عليه السلام،قال:«كان النبي صلّى اللّه عليه و آله
ص: 437
يصلي قبل الظهر».الى قوله:«يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين و النبيين و من تبعهم من المؤمنين» (1).
قال في المبسوط:ينبغي ان ينوي بها ذلك (2)و ليس بصريح في الوجوب.
و وجه الوجوب ان نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميين،و من ثم تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا،و إذا لم تقترن به نية تصرفه الى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها.
و وجه عدم الوجوب قضية الأصل،و ان نيّة الصلاة اشتملت عليه و ان كان مخرجا منها،و لان جميع العبادات لا تتوقف على نيّة الخروج بل الانفصال منها كاف في الخروج،و لان مناط النيّة الإقدام على الافعال لا الترك لها.
و مبنى الوجوب على انه جزء من الصلاة-كما اختاره المرتضى (3)-أو خارج عنها.فعلى الأول يتوجّه عدم وجوب نيّة الخروج به.و على الثاني يتوجّه وجوب النيّة،و لأن الأصحاب-و خصوصا المتأخرين-يوجبون على المعتمر و الحاج نيّة التحلل بجميع المحللات فليكن التسليم كذلك،لانه محلل من الصلاة بالنص.
فروع:
الأول: إن قلنا بوجوب نيّة الخروج فهي بسيطة،لا يشترط فيها تعيين ما
ص: 438
وجب تعيينه في نيّة الصلاة،إذ الخروج انما هو عما نواه و تشخّص.و يحتمل ان ينوي الوجوب و القربة لا تعيين الصلاة و الأداء،لأن الأفعال تقع على وجوه و غايات،و اما تعيّن الصلاة و الأداء فيكفي فيه ما تقدم من نيّتها و ارادة الخروج عنها الآن.
الثاني: ان اعتبرنا نيّة الخروج،و عيّن الخروج عن صلاة ليس متلبسا بها،فان كان عمدا بطلت الصلاة،لفعل مناقضها.
و ان كان غلطا ففيه إشكال،منشؤه النظر الى قصده في الحال فتبطل الصلاة،و الى انه في حكم الساهي.و الأقرب صحة الصلاة ان قلنا بعدم وجوب نيّة الخروج،لأنها على ما افتتحت عليه.و ان قلنا بوجوب نيّة الخروج احتمل ذلك أيضا،صرفا للنية إلى الممكن،و ان الغالط كالقاصد الى ما هو بصدده.
و ان كان سهوا،فالأقرب أنه كالتسليم ناسيا في أثناء الصلاة،فتجب له سجدتا السهو،ثم يجب التسليم ثانيا بنيّة الخروج.
و لو قلنا:لا تجب نيّة الخروج،لم يضر الخطأ في التعيين نسيانا كالغلط،اما العمد فمبطل على تقديري القول بوجوب نية الخروج و القول بعدمه.
و كذا لو سلّم بنيّة عدم الخروج به،فإنّه يبطل على القولين.
الثالث:وقت النيّة، على القول بوجوبها،عند التسليم مقارنة له.فلو نوى الخروج قبل التسليم بطلت الصلاة،لوجوب استمرار حكم النيّة.و لو نوى قبله الخروج عنده لم تبطل،لأنه قضية الصلاة،الا انه لا تكفيه هذه النيّة بل تجب عليه النيّة مقارنة لأوله.
الرابع: هذه النيّة لا يجوز التلفظ بها قطعا،لاشتمالها على ألفاظ ليست من أذكار الصلاة،و كذا نية العدول في أثناء الفريضة إلى فريضة أخرى لا يجوز التلفظ بها،و ان جاز التلفظ بالنيّة في ابتداء الصلاة.
ص: 439
الخامس: لو تذكر في أثنائه صلاة سابقة،وجب العدول إليها،و الأقرب انه لا يجب فيه تجديد نيّة الخروج،و لا إحداث نيّة التعيين في الخروج لهذه الصلاة التي فرضه الخروج منها-كما لا يجب في الصلاة المبتدأة التعيين-لأن نيّة العدول صيّرت التسليم لها.و هذا العدول انما يتم لو قلنا بان التسليم جزء من الصلاة،و لو حكمنا بخروجه لم يجز قطعا.
قال في المعتبر:لو قال:(سلام عليكم)ناويا به الخروج،فالأشبه أنه يجزئ،لانه يقع عليه اسم التسليم،و لأنها كلمة ورد القرآن بصورتها (1).و فيه بعد،لانه مخالف للمنقول عن صاحب الشرع،و لا نسلم وقوع اسم التسليم الشرعي عليه،و لا يلزم من وروده في القرآن التعبّد به في الصلاة.
اما لو قال:(عليكم السلام)فإنه لا يجزئ قطعا،لمخالفته ما جاء في القرآن،و لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تقل:عليك السلام».
تتمّة:
قال أكثر الأصحاب المرأة كالرجل في الصلاة،إلاّ في مواضع تضمن خبر زرارة أكثرها،و هو ما رواه الكليني بإسناده إلى زرارة،قال:«إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها و لا تفرج بينهما،و تضمّ يديها الى صدرها لمكان ثدييها،فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تتطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها،فإذا جلست فعلى ألييها ليس كما يقعد الرجل،و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها و رفعت ركبتيها في الأرض،و إذا نهضت
ص: 440
انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا» (1)و هذه الرواية موقوفة على زرارة لكن عمل الأصحاب عليها (2).
و في التهذيب:«فعلى أليتيها كما يقعد الرجل» (3)بحذف لفظة«ليس» و هو سهو من الناسخين،لأن الرواية منقولة من الكافي للكليني و لفظة«ليس» موجودة فيه،و سرى هذا السهو في التصانيف كالنهاية للشيخ (4)و غيرها (5).و هو مع كونه لا يطابق المنقول في الكليني لا يطابق المعنى،إذ جلوس المرأة ليس كجلوس الرجل،لأنها في جلوسها تضمّ فخذيها و ترفع ركبتيها من الأرض، بخلاف الرجل فإنّه يتورك.
و قوله:«فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها»يشعر بان ركوعها أقل انحناء من ركوع الرجل.و يمكن ان يكون الانحناء مساويا و لكن تضع اليدين على الركبتين (6)،حذرا من ان تتطأطأ كثيرا بوضعها على الركبتين، و تكون بحالة يمكنها وضع اليدين على الركبتين.
و عن ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام،قال:«إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها» (7).
و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،قال:سألته عن جلوس المرأة في الصلاة،قال:«تضمّ فخذيها» (8).2.
ص: 441
و روى العامة عن علي عليه السلام:«ان المرأة تحتفز في الصلاة» (1).
-بالفاء و الزاي-اي تتضمّم،و قد سبق ان الرجل لا يحتفز اي لا يتضمّم بعضه الى بعض.و روى ابن بكير عن بعض أصحابنا،قال:«المرأة إذا سجدت تضممت،و الرجل إذا سجد تفتح» (2).
و لم يزد في التهذيب على هذه الاخبار،و هي غير واضحة الاتصال لكن الشهرة تؤيّدها.3.
ص: 442
بالتعقيب.
قال الجوهري:التعقيب في الصلاة:الجلوس بعد ان يقضيها لدعاء أو مسألة (1)و هو غير داخل تحت الضبط.
و لنذكر فيه
ورد في تفسير قوله تعالى فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (2):إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب الى ربك في الدعاء،و ارغب إليه في المسألة يعطك،روي عن الباقر و الصادق عليهما السلام (3)و عن مجاهد و قتادة و غيرهما (4).
و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من عقّب في صلاة فهو في صلاة» (5).
و روى الشيخ في التهذيب بإسناده الى عبد اللّه بن محمد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«ما عالج الناس شيئا أشدّ من التعقيب» (6).
و في مرسل منصور بن يونس عنه عليه السلام:«من صلّى صلاة فريضة و عقّب إلى أخرى،فهو ضيف اللّه،و حقّ على اللّه ان يكرم ضيفه» (7).
ص: 443
و عن زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا» (1).
و عن الوليد بن صبيح،عن الصادق عليه السلام:«التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد»يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلوات (2).
و عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام،قال:«الدعاء في دبر المكتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع،لفضل المكتوبة على التطوع» (3).
و عن معاوية بن عمار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام في رجلين افتتحا الصلاة في ساعة واحدة،فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، و دعا هذا فكان دعاؤه أكثر من تلاوته،ثم انصرفا في ساعة واحدة أيهما أفضل؟ قال:«كل فيه فضل،كل حسن».قلت:اني قد علمت ان كلاّ حسن و ان كلاّ فيه فضل.فقال«الدعاء أفضل،أما سمعت قول اللّه عز و جل وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ هي و اللّه العبادة،هي و اللّه أفضل هي و اللّه أفضل،أ ليست هي العبادة!؟هي و اللّه العبادة،أ ليست هي أشدّهن!؟هي و اللّه أشدّهن،هي و اللّه أشدّهن،هي و اللّه أشدّهن» (4).
و عن السكوني عنه عليه السلام،عن أبيه،عن الحسن بن علي عليهما السلام،قال:«من صلّى فجلس في مصلاّه الى طلوع الشمس كان له سترا من النار» (5).0.
ص: 444
و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ان أمير المؤمنين عليه السلام قال:إذا فرغ أحدكم من الصلاة،فليرفع يديه الى السماء،و لينصب في الدعاء».فقال ابن سبإ:يا أمير المؤمنين أ ليس اللّه في كل مكان؟قال:
«بلى».قال:فلم يرفع يديه الى السماء؟قال:«اما تقرأ وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ فمن أين يطلب الرزق الاّ من موضعه،و موضع الرزق و ما وعد اللّه السماء» (1).
و عن عاصم القارئ،عن ابن عمر،عن الحسن بن علي،قال:«سمعت أبي علي بن أبي طالب يقول:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أيما امرئ مسلم جلس في مصلاّه الذي صلّى فيه الفجر يذكر اللّه حتى تطلع الشمس، كان له من الأجر كحاج رسول اللّه،فان جلس فيه حتى تكون ساعة تحل فيها الصلاة فصلى ركعتين أو أربعا،غفر له ما سلف و كان له من الأجر كحاج بيت اللّه» (2).
و عن جابر عن الباقر عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:[قال اللّه تعالى]:يا ابن آدم اذكرني بعد الفجر ساعة،و اذكرني بعد العصر ساعة،أكفك ما أهمك» (3).
و في كتاب من لا يحضره الفقيه:قال زرارة:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا،و بذلك جرتن.
ص: 445
السنة» (1).
و قال هشام بن سالم لأبي عبد اللّه عليه السلام:اني اخرج و أحب ان أكون معقّبا،فقال:«ان كنت على وضوء فأنت معقّب» (2).3.
ص: 446
روى محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام:«ان الرزق يبسط تلك الساعة،فأنا أكره أن ينام الرجل تلك الساعة» (1).
و قال في التهذيب:قال الصادق عليه السلام:«نومة الغداة مشئومة تطرد الرزق،و تصفر اللون و تقبحه و تغيّره،و هو نوم كل مشئوم،ان اللّه تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس،و إياكم تلك النومة.و كان المن و السلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس،فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه،و كان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج الى السؤال و الطلب» (2).
و قال الصادق عليه السلام في قول اللّه عز و جل فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً ، قال:«الملائكة تقسم أرزاق بنى آدم ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، فمن نام فيما بينهما نام عن رزقه» (3).
و روى الرخصة في النوم بعد الصبح عن أبي عبد اللّه عليه السلام (4)و عن فعل الرضا عليه السلام (5)مع انه روى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام، قال:كان و هو بخراسان إذ صلّى الفجر جلس في مصلاّه حتى تطلع الشمس، ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك فيستاك بها واحدا بعد واحد،ثم يؤتى بكندر فيمضغه،ثم يؤتى بالمصحف فيقرأ فيه (6).
ص: 447
و روى الصدوق عن الباقر عليه السلام:«النوم أول النهار خرق-اي:ليس برفق-و القائلة نعمة،و النوم بعد العصر حمق،و النوم بين العشاءين يحرم الرزق.و النوم على أربعة أوجه:نوم الأنبياء عليهم السلام على أقفيتهم لمناجاة الوحي،و نوم المؤمنين على ايمانهم،و نوم الكفار على أيسارهم،و نوم الشياطين على وجوههم» (1).
و قال عليه السلام:«من رأيتموه نائما على وجهه فأنبهوه (2).
قال الصدوق:و أتى أعرابي النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:اني كنت ذكورا و اني صرت نسيا،فقال:«أ كنت تقيل؟»قال:نعم،و تركت ذلك.فقال:
«عد».فعاد فعاد اليه ذهنه (3).9.
ص: 448
قال الأصحاب:يكبّر بعد التسليم ثلاثا رافعا بها يديه (1)-كما تقدم- و يضعها في كل مرة الى أن تبلغ فخذيه أو قريبا منهما.
و قال المفيد-رحمه اللّه-:يرفعهما حيال وجهه مستقبلا بظاهرهما وجهه و بباطنهما القبلة،ثم يخفض يديه الى نحو فخذيه،و هكذا ثلاثا (2).
و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام:قل بعد التسليم:«اللّه أكبر، لا إله اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد،يحيي و يميت و هو حي لا يموت،بيده الخير و هو على كل شيء قدير،لا إله إلا اللّه وحده،صدق وعده، و نصر عبده،و هزم الأحزاب وحده،اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك،انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم» (3).
و منه تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام.روى ابن سنان عنه عليه السلام:«من سبح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل ان يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر اللّه له،و يبدأ بالتكبير» (4).
و عن أبي هارون المكفوف عنه عليه السلام:«إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة،فالزمه فإنّه لم يلزمه عبد فشقي» (5).
و عن صالح بن عقبة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«ما عبد اللّه
ص: 449
بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليهما السلام،و لو كان شيء أفضل منه لنحله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام» (1).
و عن أبي خالد القماط سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يوم دبر كل صلاة،أحب اليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم» (2).
و صورته عند أكثر الأصحاب ما رواه محمد بن عذافر،قال:دخلت مع أبي عبد اللّه عليه السلام فسأله أبي عن تسبيح فاطمة عليها السلام، فقال:«اللّه أكبر حتى أحصى أربعا و ثلاثين،ثم قال:الحمد للّه،حتى بلغ سبعا و ستين،ثم قال:سبحان اللّه،حتى بلغ مائة جملة واحدة» (3)و مثله رواه أبو بصير عنه عليه السلام (4).
و قال ابن بابويه-رحمه اللّه-:يقدّم التسبيح على التحميد (5).و الأول أشهر.
و في مرسلة ابن أبي نجران عن الصادق عليه السلام:«من سبح اللّه في دبر الفريضة تسبيح فاطمة المائة،و اتبعها بلا إله إلاّ اللّه،غفر له» (6).
و منه ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لأصحابه ذات يوم:أ رأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب و الآنية،ثم وضعتم بعضه على بعض،أ ترونه يبلغ السماء؟قالوا:لا يا رسول اللّه.فقال:يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته:سبحان اللّه،و الحمد للّه،6.
ص: 450
و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،ثلاثين مرة،و هنّ يدفعن الهدم و الغرق و الحرق، و التردي في البئر،و أكل السبع،و ميتة السوء،و البلية التي نزلت على العبد في ذلك اليوم» (1).
و منه ما رواه سلام المكي عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«أتى رجل الى النبي صلّى اللّه عليه و آله يقال له شيبة الهذلي،فقال:يا رسول اللّه اني شيخ قد كبر سني،و ضعفت قوتي عن عمل كنت عوّدته نفسي من صلاة و صيام و حج و جهاد،فعلمني يا رسول اللّه كلاما ينفعني اللّه به،و خفف عليّ يا رسول اللّه.
فقال:أعد،فأعاد ثلاث مرات.فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
ما حولك شجرة و لا مدرة الا و قد بكت من رحمتك،فإذا صليت الصبح فقل عشر مرات:سبحان اللّه العظيم و بحمده لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم، فان اللّه يعافيك بذلك من العمى و الجنون،و الجذام و الفقر و الهرم.
فقال يا رسول اللّه:هذا للدنيا فما للآخرة؟فقال:تقول في دبر كل صلاة:اللهم اهدني من عندك،و أفض عليّ من رحمتك،و انشر عليّ من رحمتك،و انزل عليّ من بركاتك.
قال:فقبض عليهن بيده ثم مضى،فقال رجل لابن عباس:شد ما قبض عليها خالك (2)!فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:اما انه ان وافى بها يوم القيامة، لم يدعها متعمدا،فتح اللّه ثمانية أبواب من أبواب الجنة يدخل من ايها شاء» (3).ل.
ص: 451
و منه ما رواه ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل:
اُذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً ،قال:«ان يسبّح في دبر المكتوبة ثلاثين مرة» (1).
و منه ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«أقل ما يجزئك من الدعاء بعد الفريضة ان تقول:اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك، و أعوذ بك من كل سوء (2)أحاط به علمك،اللهم إني أسألك عافيتك في أموري كلها،و أعوذ بك من خزي الدنيا و عذاب الآخرة» (3).
و روى زرارة عنه عليه السلام،انه قال:«لا تنسوا الموجبتين»أو قال:
«عليكم بالموجبتين في دبر كل صلاة».قلت:و ما الموجبتان؟قال:«تسأل اللّه الجنة،و تعوذ باللّه من النار» (4).
و منه انه إذ فرغ من التسليم،قال ابن بابويه:إذا فرغ من تسبيح فاطمة عليها السلام قال:اللهم أنت السلام،و منك السلام،و لك السلام،و إليك يعود السلام،سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين،السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته،السلام على جميع أنبياء اللّه (5)و ملائكته (6)السلام على الأئمة الهادين المهديين ثم تذكر (7)الأئمة واحدا واحدا (8).
و منه ما رواه محمد الواسطي،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام2.
ص: 452
يقول:«لا تدع في دبر كل صلاة:أعيذ نفسي و ما رزقني ربي باللّه الواحد الصمد حتى تختمها،و أعيذ نفسي و ما رزقني ربي برب الفلق حتى تختمها، و أعيذ نفسي و ما رزقني ربي برب الناس حتى تختمها» (1).
و منه ما روي في الفقيه و التهذيب مرسلا عن أمير المؤمنين عليه السلام، انه قال:«من أحب أن يخرج من الدنيا،و قد تخلّص من الذنوب كما يتخلّص الذهب الذي لا كدر فيه،و لا يطلبه أحد بمظلمة،فليقل في دبر كل صلاة نسبة الرب تبارك و تعالى اثنتي عشرة مرة،ثم يبسط يديه و يقول:اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك،و أسألك باسمك العظيم و سلطانك القديم ان تصلي على محمد و آل محمد.يا واهب العطايا،يا مطلق الأسارى،يا فاكّ،الرقاب من النار،أسألك ان تصلي على محمد و آل محمد، و ان تعتق رقبتي من النار،و تخرجني من الدنيا آمنا،و تدخلني الجنة سالما،و ان تجعل دعائي أوله فلاحا،و أوسطه نجاحا،و آخره صلاحا،انك أنت علام الغيوب».ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام:«هذا من المخبيّات مما علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أمرني أن اعلّم الحسن و الحسين عليهما السلام» (2).
قلت:المخبيّات من خبئ لما لم يسم فاعله،و لولاه لكان المخبوءات، و كلاهما صحيح.
و منه ما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول إذا فرغ من صلاته -ذكره الخاصة و العامة-:«اللهم اغفر لي ما قدّمت و ما أخّرت،و ما أسررت و ما أعلنت،و إسرافي على نفسي،و ما أنت أعلم به مني.اللهم أنت المقدّم و أنت المؤخّر،لا إله إلا أنت،بعلمك الغيب و بقدرتك على الخلق أجمعين ما0.
ص: 453
علمت الحياة خيرا لي فأحيني،و توفّني إذا علمت انّ الوفاة خيرا لي.
اللهم إني أسألك خشيتك في السرّ و العلانية،و كلمة الحق في الغضب و الرضا،و القصد في الفقر و الغنى.و أسألك نعيما لا ينفد،و قرة عين لا تنقطع.
و أسألك الرضا بالقضاء،و برد العيش بعد الموت،و لذة النظر الى وجهك، و شوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة و لا فتنة مضلّة.
اللهم زيّنا زينة الايمان و اجعلنا هداة مهتدين (1).اللهم اهدنا فيمن هديت.
اللهم إني أسألك عزيمة الرشاد،و الثبات في الأمر و الرشد.و أسألك شكر نعمتك،و حسن عاقبتك،و أداء حقك.و أسألك يا رب قلبا سليما،و لسانا صادقا،و أستغفرك لما تعلم.و أسألك خير ما تعلم،و أعوذ بك من شر ما تعلم و ما لا نعلم،و أنت علاّم الغيوب» (2).
و منها:ما رواه في التهذيب بإسناد قريب الأمر (3)عن الحسين بن ثوير و أبي سلمة السراج،انهما سمعا أبا عبد اللّه عليه السلام في دبر كل مكتوبة يلعن أعداء الإسلام (4).
و قال الصدوق:قال صفوان الجمال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام إذا صلّى ففرغ من صلاته رفع يديه فوق رأسه (5).
و قال أبو جعفر عليه السلام:«ما بسط عبد يده الى اللّه عز و جل الا أستحيي اللّه تعالى أن يردّها صفرا،حتى يجعل فيها من فضله و رحمته ما يشاء، فإذا دعي أحدكم فلا يردّ يده حتى يمسح بها على رأسه و وجهه».قال الصدوق:و في خبر آخر:«على وجهه و صدره» (6).3.
ص: 454
قلت:الحياء:انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم،فإذا نسب الى اللّه تعالى فالمراد به الترك اللازم للانقباض،كما انّ المراد من رحمته اصابة المعروف و من غضبه اصابة المكروه اللازمين لمعنييهما.
و منه قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ اللّه يستحيي من ذي الشيبة أن يعذبه» (1).
و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا ما يقرب من حديث الباقر عليه السلام:«انّ اللّه حيي كريم،يستحيي إذا رفع العبد يديه ان يردّهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا» (2).
و يستحبّ رفع اليدين في الدعاء كله؛لقول أمير المؤمنين عليه السلام:
«إذا فرغ أحدكم من الصلاة،فليرفع يديه الى السماء،و لينصب في الدعاء» (3).
و يستحب الختم بقوله تعالى سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (4)،فعن أمير المؤمنين عليه السلام:«من أراد ان يكتال بالمكيال الأوفى فليكن ذلك آخر قوله» (5).
و يستحب تعميم الدعاء؛لأنّه أقرب للإجابة،بذلك ورد الخبر عن النبي (6)و الأئمة عليهم السلام (7).9.
ص: 455
روى ابن بابويه:أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول بعد صلاة الزوال:«اللهم إني أتقرب إليك بجودك و كرمك،و أتقرب إليك بمحمد عبدك و رسولك،و أتقرب إليك بملائكتك المقربين و أنبيائك المرسلين و بك.اللهم (1).
الغني عني و بي الفاقة إليك،أنت الغني و أنا الفقير إليك،أقلني عثرتي،و استر عليّ ذنوبي،اقض اليوم حاجتي،و لا تعذبني اليوم بقبيح تعلم مني،بل عفوك يسعني وجودك».ثم يخرّ ساجدا و يقول:«يا أهل التقوى و أهل المغفرة،يا برّ يا رحيم،أنت أبرّ بي من أبي و أمي و من جميع الخلائق،اقلبني بقضاء حاجتي،مجابا دعائي،مرحوما صوتي،قد كشفت أنواع البلاء عني» (2).
و يستغفر اللّه عقيب العصر سبعين مرة (3)و في رواية:«سبعا و سبعين» (4)و في أخرى:«مائة» (5).و صورته(استغفر ربي و أتوب اليه).و يقول سبعا:
«اللهم صلّ على محمد و آل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك،و بارك عليهم بأفضل بركاتك،و السلام عليهم و على أرواحهم و أجسادهم و رحمة اللّه و بركاته» (6)و ان كانت عصر الجمعة يقولها عشرا و ثوابها عظيم (7).
و ليكن من دعائه بعد العصر:اللهم إني أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، و منتهى الرحمة من كتابك،و باسمك الأعظم،و كلماتك التامة التي تمت صدقا
ص: 456
و عدلا،ان تصلّي على محمد و آل محمد،و ان تفعل بي كذا و كذا (1).
و عن الصادق عليه السلام:«من قال إذا صلّى المغرب ثلاث مرات:
الحمد للّه الذي يفعل ما يشاء و لا يفعل ما يشاء غيره،اعطي خيرا كثيرا» (2).
و قال عليه السلام:«تقول بعد العشاءين:اللهم بيدك مقادير الليل و النهار،و مقادير الدنيا و الآخرة،و مقادير الموت و الحياة،و مقادير الشمس و القمر،و مقادير النصر و الخذلان،و مقادير الغنى و الفقر.اللهم ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس،و اجعل منقلبي إلى خير دائم و نعيم لا يزول» (3).
و عن محمد بن الفرج،قال:كتب اليّ أبو جعفر محمد بن الرضا عليهما السلام بهذا الدعاء و علمنيه،و قال:«من دعا به في دبر صلاة الفجر لم يلتمس حاجة الا يسّرت له،و كفاه اللّه ما أهمّه:بسم اللّه،و صلّى اللّه على محمد و آله، وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ، فَوَقاهُ اللّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا . لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ . حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ .ما شاء اللّه،لا حول و لا قوة إلا باللّه،ما شاء اللّه لا ما شاء الناس، ما شاء اللّه و ان كره الناس.حسبي الرب من المربوبين،حسبي الخالق من المخلوقين،حسبي الرازق من المرزوقين،حسبي الذي لم يزل حسبي، حسبي من كان منذ كنت حسبي، حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ،عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » (4).
و عن هلقام،قال:أتيت أبا إبراهيم عليه السلام فقلت له:جعلتر.
ص: 457
فداك،علمني دعاء جامعا للدنيا و الآخرة و أوجز،فقال:«قل في دبر صلاة الفجر الى ان تطلع الشمس:سبحان اللّه (1)و بحمده،و استغفر اللّه و اسأله من فضله».قال هلقام:و لقد كنت أسوأ أهل بيتي حالا و اني اليوم من أيسر أهل بيتي،و ما ذاك الا مما علمني مولاي عليه السلام (2).
و عن مسمع كردين،قال:صليت مع أبي عبد اللّه عليه السلام أربعين صباحا،و كان إذا انفتل رفع يديه الى السماء و قال:«أصبحنا و أصبح الملك للّه،اللهم(انا عبدك و ابن عبديك) (3)اللهم احفظنا من حيث نتحفظ و من حيث لا تنحفظ،اللهم احرسنا من حيث نحرس و من حيث لا نحرس،اللهم استرنا من حيث نستر و من حيث لا نستر،اللهم استرنا بالغنى و العافية،اللهم ارزقنا العافية (4)و ارزقنا الشكر عليها (5).
قلت:في هذا إشارة إلى أنه دعاء مستقبل القوم،و لعلّ هذا بعد الفراغ من التعقيب،فإنه قد ورد ان المعقّب يكون على هيئة المتشهد في استقبال القبلة و في التورك،و انّ ما يضرّ بالصلاة يضر بالتعقيب.أو يقال:هذا يختص بالصبح لا غير.أو يقال:المراد بانفتاله فراغه من الصلاة و ايماؤه بالتسليم.3.
ص: 458
و ثوابهما عظيم.روى مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«سجدة الشكر واجبة على كل مسلم،تتمّ بها صلاتك،و ترضي بها ربك،و تعجب الملائكة منك.و ان العبد إذا صلّى ثم سجد سجدة الشكر،فتح الرب تبارك و تعالى الحجاب بين العبد و الملائكة،فيقول:يا ملائكتي انظروا الى عبدي أدّى فرضي،و أتمّ عهدي،ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه،ملائكتي ما ذا له؟فتقول الملائكة:يا ربنا رحمتك.فيقول الرب تعالى:ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة:يا ربنا كفاية مهمّة.فيقول الرب تعالى:ثم ما ذا؟فلا يبقى شيء من الخير الا قالته الملائكة.ثم يقول اللّه تعالى:ثم ما ذا؟فتقول الملائكة:يا ربنا لا علم لنا.فيقول اللّه تعالى:اشكر له كما شكر لي،و اقبل إليه بفضلي،و أريه وجهي» (1)،أورده في الفقيه و التهذيب (2).
و روى أبو الحسين الأسدي-رحمه اللّه-:انّ الصادق عليه السلام قال:
«انما يسجد المصلي سجدة بعد الفريضة،ليشكر اللّه تعالى ذكره على ما منّ به عليه من أداء فرضه» (3).
و قال الباقر عليه السلام:«أوحى اللّه تعالى الى موسى عليه السلام:
أ تدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟قال موسى:لا يا رب.قال:يا موسى
ص: 459
اني قلبت عبادي ظهرا لبطن،فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي نفسا منك،يا موسى انك إذا صلّيت وضعت خديك على التراب» (1).
و أذكارها كثيرة،منها:ما رواه عبد اللّه بن جندب،عن موسى بن جعفر عليهما السلام انه كان يقول فيها:«اللهم إني أشهدك،و أشهد ملائكتك و أنبيائك و رسلك و جميع خلقك،انك اللّه ربي،و الإسلام ديني،و محمد نبيي،و علي و الحسن و الحسين-و يعدّ الأئمة-أئمتي،لهم أتولّى و من عدوهم أتبرأ.اللهم إني أنشدك دم المظلوم-ثلاثا-اللهم إني أسألك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا و أيدي المؤمنين،اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم على عدوك و عدوهم،اللهم إني أسألك ان تصلّي على محمد و على المستحفظين من آل محمد-ثلاثا-اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر.
ثم تضع خدك الأيمن على الأرض و تقول:يا كهفي حين تعييني المذاهب و تضيق عليّ الأرض بما رحبت،و يا بارئ خلقي رحمة لي و كنت عن خلقي غنيا،صلّ على محمد و آل محمد و على المستحفظين من آل محمد -ثلاثا.ثم تضع خدك الأيسر على الأرض و تقول:يا مذلّ كل جبار،و يا معز كل ذليل،قد و عزتك بلغ مجهودي (2).ثم تعود الى السجود و تقول مائة مرة شكرا شكرا ثم تسأل حاجتك» (3).
و قال ابن أبي عقيل:يقول في رأس كل عشر منها:شكرا للمنعم،ثم يعفّر خده الأيمن و يقول:أنشدك اليسر بعد العسر،سبعا،أنشدك نصرة المظلوم،سبعا.ثم يعفّر خده الأيسر و يقول ذلك.6.
ص: 460
و عن سليمان بن حفص المروزي،قال كتب اليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام:«قل في سجدة الشكر مائة مرة:شكرا شكرا،و ان شئت:عفوا عفوا» (1).
و عن محمد بن سليمان،عن أبيه،عن الكاظم عليه السلام:انّه أحصي له فيها ألف مرة:العفو العفو (2).
و روى الأصحاب:أدنى ما يجزئ فيها ان تقول:شكرا،ثلاثا (3).
و قال الصادق عليه السلام:«انّ العبد إذا سجد فقال:يا رب،حتى ينقطع نفسه،قال الرب عز و جل:لبيك ما حاجتك» (4).
و هنا فوائد سبع:
الأولى: يستحب ان تكون هذه السجدة عقيب تعقيبه،حيث تجعل خاتمته.و روى الصدوق انّ الكاظم عليه السلام كان يسجد بعد ما يصلّي فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار (5).
الثانية: يستحب فيها ان يفترش ذراعيه بالأرض،و يلصق جؤجؤه بالأرض،و هو صدره-بضم الجيمين و الهمز بعدهما-مأخوذ من جؤجؤ الطائر و السفينة.
روى في التهذيب بإسناده الى جعفر بن علي،قال:رأيت أبا الحسن عليه السلام و قد سجد بعد الصلاة،فبسط ذراعيه و ألصق جؤجؤه بالأرض في ثيابه (6).1.
ص: 461
و روى يحيى بن عبد الرحمن،قال:رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام سجد سجدة الشكر،فافترش ذراعيه و ألصق صدره و بطنه،فسألته عن ذلك،فقال:
«كذا يجب» (1)و المراد به شدّة الاستحباب.
الثالثة: يستحب فيها تعفير الجبين بين السجدتين؛لما مرّ،و كذا تعفير الخدين.و هو مأخوذ من العفر-بفتح العين و الفاء-و هو التراب،و فيه إشارة إلى استحباب وضع ذلك على التراب،و الظاهر تأدي السنّة بوضعها على ما اتفق، و ان كان الوضع على التراب أفضل.
الرابعة: يستحب المبالغة في الدعاء و طلب الحوائج فيها،و بذلك أخبار كثيرة.و مما يقال فيها ما رواه الشيخ أبو جعفر في أماليه:«اللهم إني أسألك بحق من رواه و روى عنه صلّ على جماعتهم،و افعل بي كذا» (2).
الخامسة: يستحب إذا رفع رأسه منها ان يمسح يده على موضع سجوده، ثم يمرّها على وجهه من جانب خدّه الأيسر،و على جبهته الى جانب خدّه الأيمن،و يقول:«بسم اللّه الذي لا إله الا هو،عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم،اللهم أذهب عني الغم و الحزن،ثلاثا»-رواه الصدوق عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق عليه السلام-فإنّه يدفع الهمّ (3).م.
ص: 462
و في مرفوع اليه عليه السلام:«إذا كان بك داء من سقم أو وجع،فإذا قضيت صلاتك فامسح بيدك على موضع سجودك من الأرض و ادع بهذا الدعاء،و أمرّ يدك على موضع وجعك سبع مرات تقول:يا من كبس الأرض على الماء،و سدّ الهواء بالسماء،و اختار لنفسه أحسن الأسماء،صلّ على محمد و آل محمد،و افعل بي كذا،و ارزقني كذا،و عافني من كذا» (1).
و يستحب إذا أراد الانصراف من الصلاة أن ينصرف عن يمينه،رواه سماعة عن الصادق عليه السلام (2).
السادسة: كما تستحب سجدة الشكر عقيب الصلاة تستحب عند هجوم نعمة أو دفع نقمة؛لما روي:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا جاءه شيء يسره خرّ ساجدا (3).و سجد صلّى اللّه عليه و آله فأطال،فسئل عنه فقال:
«أتاني جبرئيل فقال:من صلّى عليك مرة صلّى اللّه عليه عشرا،فخررت شكرا للّه» (4).
و روي:ان عليا عليه السلام سجد شكرا يوم النهروان لما وجدوا ذا الثدية (5).
و هذه حجة على من لا يرى شرعيتها من العامة،كمالك و أبي حنيفة (6).0.
ص: 463
و رووا أيضا ان أبا بكر لما بلغه فتح اليمامة و قتل مسيلمة سجد شكرا (1).
و روي ان النبي صلّى اللّه عليه و آله رأى نغاشيا-و هو القصير الزري- فسجد شكرا (2).
و قد روى في التهذيب بإسناده إلى سعد بن سعد،عن الرضا عليه السلام،قلت له:انّ أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة و يقولون:
هي سجدة الشكر،فقال:انما الشكر إذا أنعم اللّه على عبد النعمة أن يقول:
سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ - وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (3)و حمله الشيخ على التقية (4).
قلت:للإجماع على شرعية هذه السجدة من الإمامية.
و قد روى الصدوق عن عبد العزيز بن الحجاج،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«من سجد سجدة الشكر لنعمة و هو متوضئ،كتب اللّه له بها عشر صلوات،و محا عنه عشر خطايا عظاما» (5).
فرع:
هل يستحب عند تذكّر النعمة و ان لم تكن متجدّدة؟ الظاهر نعم إذا لم يكن قد سجد لها؛لأنّ الشكر على هذا الوجه مستحب فيؤتى به متى أمكن،و في رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليهم.
ص: 464
السلام إيماء إليه،حيث قال:«إذا ذكرت نعمة اللّه عليك،و كنت في موضع لا يراك أحد،فألصق خدك بالأرض.و إذا كنت في ملأ من الناس،فضع يدك.
على أسفل بطنك و احن ظهرك،و ليكن تواضعا للّه فان ذلك أحبّ،و ترى انّ ذلك غمز وجدته في أسفل بطنك» (1).
و يستحب إذا سجد لرؤية مبتلى ستره عنه،لئلا يتأذّى به.و لو كان لرؤية فاسق،و رجا بإظهاره توبته،فليظهره.
السابعة:ليس في سجود الشكر تكبيرة الافتتاح، و لا تكبيرة السجود،و لا رفع اليدين،و لا تشهد،و لا تسليم.
و هل يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود؟أثبته في المبسوط (2).
و هل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه في الصلاة؟في الأخبار السالفة إيماء اليه،و الظاهر انه غير شرط؛لقضية الأصل.اما وضع الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا؛ليتحقق مسمّى السجود.
و يجوز فعله على الراحلة اختيارا؛لأصالة الجواز.
الأولى: أجمع الأصحاب على انّ سجدات القرآن خمس عشرة:ثلاث في المفصّل،و هي في:النجم،و انشقت،و اقرأ.و اثنتا عشرة في باقي القرآن، و هي في:الأعراف،و الرعد،و النحل،و بني إسرائيل،و مريم،و الحج في موضعين،و الفرقان،و النمل،و الم تنزيل،و ص،و حم فصلت.
و قد رواه العامة عن عبد اللّه بن عمر:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله أقرأنا خمس عشرة سجدة:ثلاث في المفصل،و سجدتان في الحج (3).
ص: 465
و عن عقبة بن عامر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سئل أ في الحج سجدتان؟ فقال:«نعم،من لم يسجدهما فلا يقرأها» (1).
و روى ابن عباس:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سجد في ص،و قرأ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (2)يعني:هدى اللّه داود و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يقتدي به.
الثانية:يجب منها أربع -و هي في:الم تنزيل،و فصلت،و النجم، و اقرأ-لوجوه خمسة:
أحدها: إجماع العترة المرضية و إجماعهم حجّة.
الثاني:كونها بصيغة الأمر فيما عدا(الم)، و الأمر للوجوب.و اما فيها فلانّه تعالى حصر المؤمن بآياته في الذي إذا ذكّر بها سجد،و هو يقتضي سلب الايمان عند عدم السجود،و سلب الإيمان منهي عنه،فيجب السجود لئلا يخرج عن الايمان.
فإن قلت:المراد بالمؤمنين الكمّل،بدليل الإجماع على انّه لا يكفر تارك هذه السجدة متعمّدا،فهو كقوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الآية (3).
قلت:يكفينا انتفاء كمال الايمان عند انتفاء السجود و يلزم منه المطلوب؛لأنّ تكميل الايمان واجب.
فان قلت:لا نسلّم وجوب تكميل الايمان مطلقا،بل انما يجب تكميله2.
ص: 466
إذا كان بواجب،فلم قلتم انّ ذلك واجب فإنّه محل النزاع؟و اما تكميله بالمستحب فمستحب كما في و جل القلب.
قلت:الظاهر انّ فقد الكمال نقصان في حقيقة الايمان،و خروج غير الوجل منه بدليل من خارج لا يقتضي اطراد التكميل في المندوبات.
الثالث: ما روي عن علي عليه السلام انّه قال:«عزائم السجود أربع» و عدّها (1)و العزيمة ترادف الواجب،و لانّه لو لا كونها مرادفة للواجب لم يكن في التخصيص بهذه الأربع فائدة؛لأنّ البواقي مستحبة.
و قد نبّه على ذلك ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا قرئ شيء من العزائم الأربع و سمعتها فاسجد (2)و ان كنت جنبا،و ان كانت المرأة لا تصلي.و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت،و ان شئت لم تسجد» (3).
و روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها،فلا تكبّر قبل سجودك و لكن تكبّر حين ترفع رأسك،و العزائم أربع:حم السجدة،و تنزيل،و النجم،و اقرأ باسم ربك» (4).
الرابع:قوله تعالى وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (5) و هو ذم على ترك السجود فلا بد له من محمل،و لا أصرح من هذه الأربع فتحمل عليها.
فان قلت:السجدة الثانية في الحج بصيغة الأمر،فتكون واجبة لعين ما ذكرتم من الصراحة.
قلت:يأبى وجوبها الإجماع على نفيه،فإنّ أبا حنيفة الذي يوجب1.
ص: 467
السجدات على الإطلاق لا يوجب هذه (1)فلم يقل بوجوبها أحد،و لأنها مقرونة بالركوع فتجب حيث يجب الركوع.
الخامس: ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«السجدة على من سمعها» (2)و ظاهر«على»الوجوب.ترك العمل به في غير العزائم الأربع،فتبقى العزائم بحالها.
فان قلت:الحنفية يعملون به في جميع السجدات.
قلت:محجوجون بأصالة البراءة،و بما روي من ترك النبي صلّى اللّه عليه و آله بعض السجدات (3)و بما روي انّ عمر قرأ على المنبر سورة سجدة فنزل و سجد الناس معه،فلما كان في الجمعة الأخرى قرأها فتهيأ الناس للسجود،فقال:على رسلكم انّ اللّه لم يكتبها علينا الاّ ان نشاء (4).
المسألة الثالثة:موضع السجود عند التلفظ به في جميع الآيات و الفراغ من الآية، فعلى هذا يسجد في فصلت عند تَعْبُدُونَ ،و هو الذي ذكره في الخلاف و المبسوط و احتجّ عليه بالإجماع،و قال:قضية الأمر الفور (5).
و نقل في المعتبر عن الخلاف انّه عند قوله تعالى وَ اسْجُدُوا لِلّهِ و اختاره مذهبا (6).
و ليس كلام الشيخ صريحا فيه و لا ظاهرا بل ظاهره ما قلناه؛لانه ذكر في أول المسألة:انّ موضع السجود في«حم»عند قوله:3.
ص: 468
وَ اسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ،ثم قال:و أيضا قوله وَ اسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ أمر،و الأمر يقتضي الفور عندنا،و ذلك يقتضي السجود عقيب الآية (1)و من المعلوم ان آخر الآية تَعْبُدُونَ .
و لان تخلّل السجود في أثناء الآية يؤدي الى الوقوف على المشروط دون الشرط،و الى ابتداء القارئ بقوله إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ و هو مستهجن عند القرّاء.
و لانه لا خلاف فيه بين المسلمين انما الخلاف في تأخير السجود إلى يَسْأَمُونَ (2)فإن ابن عباس و الثوري و أهل الكوفة و الشافعي يذهبون اليه (3)و الأول هو المشهور عند الباقين (4).
فاذن ما اختاره في المعتبر لا قائل به،فان احتجّ بالفور،قلنا:هذا القدر لا يخلّ بالفور،و الاّ لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند صيغة الأمر، و حذف ما بعده من اللفظ،و لم يقل به أحد.
الرابعة:يجب السجود على القارئ و المستمع في العزائم إجماعا، و نعني بالمستمع المنصف للاستماع،و اما السامع بغير إنصات فنفى الوجوب عليه الشيخ في الخلاف (5).9.
ص: 469
و احتج على الوجوب على الأولين و عدم الوجوب على السامع بإجماع الفرقة،و بما رواه عبد اللّه بن سنان قال:سألت:أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يسمع السجدة تقرأ،قال:«لا يسجد الاّ ان يكون منصتا مستمعا لها أو يصلي بصلاته،و اما ان يكون يصلّي في ناحية و أنت في ناحية فلا تسجد لما سمعت» (1).
و قال ابن إدريس:يجب السجود على السامع.و ذكر انّه إجماع الأصحاب؛لإطلاقهم الوجوب على القارئ و من سمعه،و لرواية أبي بصير السالفة،و لعموم الأمر (2).و هو قول من أوجب سجود التلاوة من العامة (3).
و طريق الرواية التي ذكرها الشيخ فيه محمد بن عيسى عن يونس،مع انها تتضمن وجوب السجود إذا صلّى بصلاة التالي لها و هو غير مستقيم عندنا؛إذ لا يقرأ في الفريضة عزيمة على الأصح،و لا تجوز القدوة في النافلة غالبا،و قد نقل ابن بابويه-رحمه اللّه-عن ابن الوليد-رحمه اللّه-انه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس (4).
و روى العامة عدم سجود السامع عن ابن عباس (5)و عثمان (6).
و لا شك عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب،و اما غير العزائم فيستحب مطلقا،و يتأكّد في حق التالي و المستمع.4.
ص: 470
الخامسة:الأظهر انّ الطهارة غير شرط في هذا السجود؛ للأصل، و لرواية أبي بصير السالفة (1)،و روى أيضا عن الصادق عليه السلام:«الحائض تسجد» (2).
و في النهاية منع من سجود الحائض (3)لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عنه عليه السلام في الحائض:«تقرأ و لا تسجد» (4).و ابن الجنيد ظاهره اعتبار الطهارة.
اما ستر العورة و استقبال القبلة فغير شرط،و كذا لا يشترط خلو البدن و الثوب عن النجاسة؛لإطلاق الأمر بها فالتقييد خلاف الأصل.
و في اشتراط السجود على الأعضاء السبعة أو الاكتفاء بالجبهة نظر،من انّه السجود المعهود،و من صدقه بوضع الجبهة،و كذا في السجود على ما يصح السجود عليه في الصلاة،من التعليل هناك«بان الناس عبيد ما يأكلون و يلبسون» (5)و هو يشعر بالتعميم.
السادسة:لا يجب فيها ذكر،و لا تكبير فيها إلاّ في الرفع؛ لرواية محمد ابن مسلم عن الباقر عليه السلام:«لا يكبّر حين (6)يسجد و لكن يكبّر حين يرفع» (7).
و يستحب ان يأتي فيها بالذكر ففي رواية عمار:كذكر سجود الصلاة (8).
و روي:انه يقول في سجدة اقرأ:«الهي آمنا بما كفروا،و عرفنا منك ما
ص: 471
أنكروا،و أجبناك الى ما دعوا،الهى العفو العفو» (1).
و روي انه يقال في العزائم:«لا إله إلا اللّه حقا حقا،لا إله إلا اللّه ايمانا و تصديقا،لا إله إلا اللّه عبودية و رقا،سجدت لك يا رب تعبّدا و رقا» (2).
السابعة:يجب قضاء العزيمة مع الفوات، و يستحب قضاء غيرها،ذكره الشيخ في المبسوط و الخلاف؛لتعلّق الذمة بالواجب أو المستحب فتبقى على الشغل (3).
و هل ينوي القضاء؟ظاهره ذلك؛لصدق حدّ القضاء عليها.و في المعتبر:ينوى الأداء؛لعدم التوقيت (4).و فيه منع؛لأنها واجبة على الفور فوقتها وجود السبب،فإذا فات فقد فعلت في غير وقتها،و لا نعني بالقضاء الا ذلك.
و قد دل على وجوب القضاء رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الناسي للسجدة حتى يركع و يسجد،قال:«يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» (5).
الثامنة:تتعدّد السجدة بتعدّد السبب، سواء تخلل السجود أولا؛لقيام السبب،و أصالة عدم التداخل.و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام و سألته عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مرات في المقعد الواحد، قال:«عليه ان يسجد كلما سمعها،و على الذي يعلمه أيضا ان يسجد» (6).
ص: 472