ذکری الشیعه فی احکام الشریعه المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: شهید اول، محمدبن مکی، ق 786 - 734

عنوان واسم المؤلف: ذکري الشیعة فی احکام الشریعة/ تالیف الشهید الاول محمدبن جمال الدین مکی العاملی الجزینی؛ بحث مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث

تفاصيل المنشور: قم: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث، . 14ق. = 1419 - 13ق. = 1377.

مواصفات المظهر:ج 4

الصقيع:(موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث 202)

ISBN:964-319-102-8(الفترة) ؛ 964-319-106-07500ریال:(ج.4)

ملاحظة: عربي

ملاحظة: القائمة على أساس المجلد الرابع: 1419ق. = 1377

ملاحظة:ج. 1 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 1) :ISBN 964-319-103-6

ملاحظة:ج. 2 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 2) :ISBN 964-319-104-4

ملاحظة:ج. 3 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 3) :ISBN 964-319-105-2

ملاحظة:فهرس

الموضوع: الفقه الجعفري - القرن ق 5

المعرف المضاف:موسسه آل البیت(علیهم السلام) لاحیاآ التراث

المعرف المضاف:عنوان

ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ذ8 1377

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 78-3065

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

ادامة الاقطاب الأربعة

ادامة القطب الأول في العبادات

ادامة كتاب الصلاة

ادامة البحث في شروط الصلاة
ادامة الباب الأول فى الطهارة
ادامة الفصل الثالث
ادامة المطلب الثاني
تتمة القسم الثالث
ادامة المقام الخامس في أحكام الميت
اشارة

ص: 5

ص: 6

الحكم الخامس:الدفن.و
مطالبه ثلاثة:
المطلب الأول:في المدفن،و
فيه مسائل:
المسألة الأولى:الواجب حفرة يوجّه الميت فيها إلى القبلة مضطجعا على جانبه

الأيمن،

ليستر عن الإنس ريحه و عن السباع بدنه بحيث يعسر نبشها غالبا.

و هاتان الصفتان متلازمتان في الغالب،و لو قدّر وجود إحداهما بدون الأخرى وجب مراعاة الأخرى،للإجماع على وجوب الدّفن و لا تتم فائدته إلاّ بهما،و أمر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)به (1).

و امّا كيفيّته،فلأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)دفن كذلك،و فعله (2)و عليه الصحابة و التابعون.و قد ذكر هذه الكيفية:الصدوقان (3)و الشيخان (4)و ابن البراج (5).

و في رواية معاوية بن عمار عن الصادق(عليه السلام)،قال:«مات البراء ابن معرور الأنصاري بالمدينة و رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بمكة،فأوصى أنّه إذا دفن يجعل وجهه الى وجه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إلى القبلة،فجرت به السّنة،و كانت الصلاة حينئذ إلى بيت المقدس» (6).

و ابن حمزة جعل استقبال القبلة بالميت في الدفن مستحبّا (7)لأصالة البراءة،

ص: 7


1- مسند أحمد 4:19،سنن أبي داود 3:214 ح 3215،سنن النسائي 4:80،السنن الكبرى 4:34.
2- الإرشاد للشيخ المفيد:101.
3- الفقيه 1:108،الهداية:27.
4- المقنعة:18،المبسوط 1:186.
5- المهذب 1:63.
6- علل الشرائع:1:301.
7- الوسيلة:68.

و يعارض بما تقدّم.

و يجب كون الحفرة في مكان مملوك للمتصرّف أو مباح،خالية عن ميت طمّ بها،لتحريم التصرّف في ملك الغير،و تحريم نبش القبور لأدائه إلى المثلة و الهتك، و على تحريمه إجماع المسلمين،و قول الشيخ في المبسوط:يكره (1)الظاهر أنّه أراد التحريم،لأنّه قال بعد:و لو حفر فوجد عظاما ردّ التراب و لم يدفن فيه شيئا (2)، قال المحقق:لأن القبر صار حقّا للأول بدفنه فيه،فلم يجز مزاحمته بالثاني (3).

أمّا دفن ميتين فصاعدا في قبر ابتداء فيكره،قال في المبسوط:لقولهم (عليهم السلام):«لا يدفن في قبر واحد اثنان» (4)و لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله) أفرد كلّ واحد بقبر (5)و مع الضرورة تزول الكراهية،بأن تكثر الموتى و يعسر الإفراد،لما روي أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال للأنصار يوم أحد:«احفروا، و أوسعوا،و عمّقوا،و اجعلوا الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد و قدّموا أكثرهم قرآنا» (6).

فرعان:

الأول: المراد بالتقديم جعله في قبلة اللحد،فالرجل،ثم الصبي، ثم الخنثى،ثم المرأة،كذا قاله الشيخ (7).

و لو تساوت الطبقة قدّم الأفضل كما تضمّنه الخبر،إلاّ في الأب و ابنه،فإن الأب مقدّم مطلقا لحرمة الأبوة.و كذا تقدّم الام على البنت،و لا تقدّم على الابن.4.

ص: 8


1- المبسوط 1:187.
2- المبسوط 1:188.
3- المعتبر 1:306.
4- المبسوط 1:155.
5- قال في تلخيص الحبير 5:245.لم أره هكذا لكنه معروف بالاستقراء.
6- مسند أحمد 4:19،سنن أبي داود 3:214 ح 3215،السنن الكبرى 3:413،4:34.
7- المبسوط 1:184.

و ينبغي ان لا يجمع بين الرجال و النساء إلاّ مع شدّة الحاجة،و لتراع المحرميّة إن أمكن.قال في المعتبر:يجعل بين كل اثنين حاجز ليكون كالمنفرد (1).

و اعتبر ابن البرّاج الحاجز بين الرجل و الخنثى و بين الخنثى و المرأة (2)و الظاهر أنّه أراد غير المحارم.و ليكن الحاجز من تراب أو غيره.

الثاني: لو اتخذ سرب للدفن جاز الجمع فيه ابتداء على كراهية،و استدامة كذلك على الأقوى،لأنّه لا يعد نبشا و لا يحصل به هتك.

المسألة الثانية:يسقط الاستقبال عند التباس القبلة،

و عند تعذّره،كمن مات في بئر و تعذّر إخراجه و صرفه إليها،كما مر (3).

و في الذميّة الحامل من مسلم،إذ يستدبر بها لما قيل:أنّ وجه الولد الى ظهر امه،و المقصود بالذات دفنه و هي كالتابوت له،و لهذا دفنت في مقبرة المسلمين إكراما للولد،لأنّه لو سقط لم يدفن إلاّ في مقابر المسلمين،قال في التذكرة:و هو وفاق (4)يعني:استدبارها.

و قد روى أحمد بن أشيم عن يونس،عن الرضا(عليه السلام)،في الأمة الكتابيّة تحمل من المسلم ثم تموت مع ولدها،أ يدفن معها على النصرانيّة،أو يخرج منها و يدفن على فطرة الإسلام؟فكتب:«يدفن معها» (5).

قال في المعتبر:و لا حجّة فيها،لضعفها بابن أشيم،و عدم تضمّنها الدفن في مقبرة المسلمين (6).قال:و الوجه انّ الولد لمّا حكم بإسلامه لم يجز دفنه بين الكفّار،و إخراجه مع موتها غير جائز فتدفن تبعا له،و لأنّ عمر أمر به و لم ينكر

ص: 9


1- المعتبر 1:338.
2- المهذب 1:65.
3- تقدم في ص 416،التنبيه 9.
4- تذكرة الفقهاء 1:54.
5- التهذيب 1:334 ح 980.
6- المعتبر 1:292.

عليه (1).

المسألة الثالثة:من مات في البحر وجب نقله الى البر،

فان تعذّر لم يتربّص به،بل يوضع في خابية.و يوكى رأسها و تطرح في الماء،لخبر أيوب بن الحر عن الصادق (عليه السلام) (2)أو يثقل،لمرسلة أبان عنه(عليه السلام) (3)و هو في مرفوع سهل بن زياد اليه(عليه السلام):«يكفّن،و يحنّط،في ثوب و يلقى في الماء» (4).

و الأقرب وجوب استقبال القبلة به حالة الإلقاء-كما قاله ابن الجنيد-لأنّه دفن،لحصول مقصود الدفن به.

و لا يجعل بين لوحين رجاء لوصوله البر فيدفنه المسلمون،لأنّ فيه تعريضا لهتك معلوم بإزاء أمر موهوم.

المسألة الرابعة:يراعى في موضع الدفن الأقرب-

استحبابا-لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«عجّلوهم الى مضاجعهم» (5).

و يكره نقله إلى غير مشهد إجماعا و لو كان بقرب أحد المشاهد استحبّ نقله إليها ما لم يخف هتكه،لإجماع الإمامية عليه من عهد الأئمة الى ما بعده،قال في المعتبر:و لأنه يقصد بذلك التمسّك بمن له أهلية الشفاعة،و هو حسن بين الأحياء توصّلا إلى فوائد الدنيا،فالتوصّل إلى فوائد الآخرة أولى (6).

قلت:و روى الصدوق عن مولانا الصادق(عليه السلام):انّ موسى (عليه السلام)استخرج عظام يوسف(عليه السلام)من شاطئ النيل،و حمله الى

ص: 10


1- المعتبر 1:292.
2- الكافي 3:213 ح 1،الفقيه 1:96 ح 442،التهذيب 1:340 ح 996،الاستبصار 1:215 ح 762.
3- الكافي 3:214 ح 2،التهذيب 1:339 ح 993،الاستبصار 1:215 ح 759.
4- الكافي 3:214 ح 3،التهذيب 1:339 ح 994،الاستبصار 1:215 ح 760.
5- الكافي 3:137 ح 1،التهذيب 1:427 ح 1359.
6- المعتبر 1:307.

الشام (1).

قال في التذكرة:و لأنّ موسى(عليه السلام)لمّا حضرته الوفاة سأل اللّه عزّ و جلّ ان يدنيه إلى الأرض المقدّسة رمية حجر،قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):

لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر (2).

قال المفيد في العزّية:و قد جاء حديث يدلّ على رخصة في نقل الميت الى بعض مشاهد آل الرسول(عليهم السلام)إن وصّى الميت بذلك.

و قال صاحب الجامع:لو مات بعرفة فالأفضل نقله الى الحرم (3).و الظاهر أنّه وقف على نصّ فيه.

و لو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء،استحبّ الحمل إليها، لتناله بركتهم و بركة زيارتهم.

و لو كان بمكة أو بالمدينة فبمقبرتيهما.

أمّا الشهيد،فالأولى:دفنه حيث قتل،لما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«ادفنوا القتلى في مصارعهم» (4).

و يستحبّ جمع الأقارب في مقبرة،لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لمّا دفن عثمان بن مظعون،قال:«أدفن إليه من مات من أهله» (5)و لأنّه أسهل لزيارتهم.

فيقدّم الأب ثم من يليه في الفضل،و الذكر على الأنثى.2.

ص: 11


1- الفقيه 1:123 ح 594،علل الشرائع:296.
2- تذكرة الفقهاء:1:53. و الرواية في مسند أحمد 2:269،صحيح البخاري 2:113،سنن النسائي 4:119.
3- الجامع للشرائع:56.
4- سنن ابن ماجة 1:486 ح 1516،سنن النسائي 4:79،السنن الكبرى 4:57.
5- سنن أبي داود 3:212 ح 3206،السنن الكبرى 3:412.

فروع خمسة:

الأول:الدفن في المقبرة أفضل من البيت، لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله) أمر بالدفن في البقيع (1)،و لإطباق النّاس عليه،و لأنّه أجلب للترحّم و الدعاء، و أشبه بمساكن الآخرة،و أقلّ ضررا على ورثته.و دفن النبي في بيته من خصوصيّاته أو خصوصيّات الأنبياء،أو لأنّه قبض في أشرف البقاع فدفن فيها، و نقل ذلك عن علي(عليه السلام) (2)فاتّبعه الصحابة.

الثاني: لو أوصى بدفنه في بيته أو ملكه اعتبر الإجازة أو الثلث،و لا يخالف بالدفن في المسبّلة،لعموم إنفاذ وصيّة الميت بالمعروف.

الثالث: لو اختلف الوراث في الدفن في ملكه أو المسبّلة،قدّم اختيار المسبّلة،إذ لا ضرر فيه على الورثة.

و لو أراد أحدهما دفنه في ملك نفسه و أراد الآخر المسبّلة،فإن كان فيها قوم صالحون أو ترجّحت ببعض الأسباب أجيب،و إلاّ ففي الترجيح نظر،لاشتماله على منّة على الوارث أو لأنّه يضرّ بوارثه،و من إمكان تعلّق غرض الوارث به لدوام زيارته و شبههه،فيقدم.و يمكن مراعاة الأقرب،و مع التساوي يقرع.

الرابع: لو سبق وليّان بميتين الى مباح و تعذّر الجمع،فالقرعة.و لو سبق أحدهما فهو أولى،كمقاعد الأسواق و المساجد.

الخامس:لو دفن لم يجز نقله مطلقا، لتحريم النبش.و سمع الشيخ مذاكرة جوازه (3)،و قد مرّ فعل موسى(عليه السلام)إيّاه (4).و جعله ابن حمزةة.

ص: 12


1- المغني لابن قدامة:2:383.
2- أخرجه السيوطي في الخصائص الكبرى 2:278 عن أبي يعلى.
3- المبسوط 1:187.
4- انظر صحيفة:10،المسألة الرابعة.

مكروها (1)و ابن الجنيد جوّز النقل،لصلاح يراد بالميت (2).و قطع المفيد-في العزية-و ابن إدريس بتحريم نقله (3)و اختاره الفاضل (4).

المسألة الخامسة:اللّحد أفضل من الشقّ-

عندنا-في غير الأرض الرّخوة، لما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«اللّحد لنا،و الشقّ لغيرنا» (5).

و لرواية الحلبي عن الصادق(عليه السلام):«انّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لحد له أبو طلحة الأنصاري» (6).

و في رواية إسماعيل بن همام عن الرّضا(عليه السلام)،قال:«قال أبو جعفر(عليه السلام)احفروا لي شقّا،فإن قيل لكم:إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لحد له،فصدقوا» (7).

و ليكن اللّحد ممّا يلي القبلة واسعا مقدار ما يجلس فيه.

أمّا في الرخوة،فالشقّ أفضل خوفا من انهدامه.و لو عمل شبه اللّحد من بناء في قبلته كان أفضل،قاله في المعتبر (8)،و يظهر من كلام ابن الجنيد.

و في حفر القبور ثواب عظيم،قال الصادق(عليه السلام):«من حفر لميت قبرا كان كمن بوّأه بيتا موافقا الى يوم القيامة»،رواه سعد بن طريف (9).

ص: 13


1- الوسيلة:69.
2- مختلف الشيعة:123.
3- السرائر:34.
4- تذكرة الفقهاء 1:56،نهاية الإحكام 2:283.
5- مسند أحمد 4:359،سنن ابن ماجة 1:496 ح 1554،سنن أبي داود 3:213 ح 3208، الجامع الصحيح 3:363 ج 1045.
6- الكافي 3:166 ح 3،التهذيب 1:451 ح 1467.
7- الكافي 3:166 ح 2،التهذيب 1:451 ح 1468.
8- المعتبر 1:296.
9- في الكافي 3:165 ح 1،و التهذيب 1:450 ح 1462،عن الباقر(عليه السلام)،و في الفقيه 1:92 ح 419 مرسلا عن الصادق(عليه السلام).
المسألة السادسة:يستحبّ تعميقه قامة أو الى الترقوة،

لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«و أوسعوا و عمّقوا» (1).

و عن الصادق(عليه السلام):«حدّ القبر إلى الترقوة»أرسله الصدوق (2).

و عن ابن أبي عمير عنه(عليه السلام):«حدّ القبر إلى الترقوة»،و قال بعضهم:الى الثديين،و قال بعضهم:قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر (3)و الظاهر أنّ هذا من محكي ابن أبي عمير،لأنّ الإمام لا يحكي قول أحد.

و في الكليني أسنده إلى سهل بن زياد،قال:روى أصحابنا أنّ حدّ القبر..الى آخره (4).

و روى السكوني عن الصادق(عليه السلام):«أنّ النبي نهى أن يعمّق القبر فوق ثلاث أذرع» (5).و الظاهر أنّه نهي كراهة.

و في خبر ابن أبي عمير المرسل عن الصادق(عليه السلام):«انّ زين العابدين قال:احفروا لي حتى تبلغوا الرّشح» (6).و يمكن حمله على الثلاث،لأنّها قد تبلغ الرّشح في البقيع.

المسألة السابعة:لو تعذّر الحفر لصلابة الأرض أو تحجّرها،

و أمكن نقله إلى ما يمكن حفره،وجب.و ان تعذّر أجزأ البناء عليه بما يحصل الغرضين المذكورين،لأنّه في معنى الدفن.و لو فعل ذلك اختيارا،فالأقرب المنع،لأنّه

ص: 14


1- مسند أحمد 4:19،سنن أبي داود 3:214 ح 3215،السنن الكبرى 3:413،4:34.
2- الفقيه 1:107 ح 498.
3- التهذيب 1:451 ح 1469.
4- الكافي 3:165 ح 1.
5- الكافي 3:166 ح 4،التهذيب 1:451 ح 1466.
6- التهذيب 1:451 ح 1469. و الرشح:عرق الأرض و نداوتها.مجمع البحرين-مادة رشح.

مخالف لما أمر به النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من الحفر.

و كذا لا يجزئ جعله في تابوت من صخر أو غيره،مكشوفا أو مغطى،و ان حصل الغرضان،لعدم مسمّى الدفن،و يجزئ مع التعذّر.نعم،لو دفن بالتابوت في الأرض جاز،لكنه مكروه إجماعا،نقله في المبسوط (1)و لا فرق في الكراهية بين أنواع التابوت.7.

ص: 15


1- المبسوط 1:187.
المطلب الثاني:في الكيفية،
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى:يستحبّ إذا قرّب الرجل من القبر وضعه عند رجليه،

و الصبر هنيئة،ثم نقله في ثلاث دفعات يصبر فيها عليه،و ينزّل في الثالثة سابقا برأسه- قال المفيد:كما سبق الى الدّنيا في خروجه من بطن امه (1)-لخبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق(عليه السلام):«ينبغي أن يوضع دون القبر هنيئة،ثمّ واره» (2).

و عن محمد بن عجلان عنه(عليه السلام):«لا تفدحه بقبره،و لكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة،و دعه حتى يتأهّب للقبر» (3).

و تؤخذ المرأة عرضا في دفعة واحدة.

و يسلّ الميت سلاّ في إنزاله القبر،لما روي أنّ النبي سلّ من قبل رأسه سلاّ (4)، و ليكن رفيقا،لخبر الحلبي و ابن عجلان عن الصادق(عليه السلام) (5).

و لم يزد ابن الجنيد في وضعه على مرة،و هو ظاهر المعتبر،عملا بمدلول الحديث (6).

الثانية:يستحبّ لملحده حلّ أزراره،

و كشف رأسه،و حفاؤه،إلاّ لضرورة،لخبر أبي بكر الحضرمي عن الصادق(عليه السلام):«لا تنزل القبر و عليك عمامة،و لا قلنسوة،و لا رداء،و لا حذاء،و حلّ أزرارك».قلت:فالخف؟ قال:«لا بأس بالخف في وقت الضرورة و التقية،و ليجتهد في ذلك جهده» (7).

ص: 16


1- المقنعة:12.
2- التهذيب 1:313 ح 908.
3- التهذيب 1:313 ح 909.
4- السنن الكبرى 4:54.
5- الكافي 3:194 ح 1،195 ح 4،علل الشرائع:306،التهذيب 1:315 ح 915،317 ح 922.
6- المعتبر 1:298.
7- الكافي 3:192 ح 3،التهذيب 1:313 ح 911،الاستبصار 1:213 ح 751.

و يقرب منه خبر سيف بن عميرة عنه(عليه السلام)،و قال:«لا بأس بالخفّ، فإنّ في خلعه شناعة» (1).

و في خبر ابن أبي يعفور عنه(عليه السلام):«لا ينبغي دخول القبر في نعلين،و لا خفين،و لا رداء،و لا قلنسوة» (2).

و ليس ذلك واجبا،إجماعا،و لخبر محمد بن بزيع:رأيت أبا الحسن(عليه السلام)دخل القبر،و لم يحلّ أزراره (3).

قال الفاضلان:يستحبّ أن يكون متطهّرا،لقول الصادق(عليه السلام):«توضّأ إذا دخلت القبر»،و هو في سياق خبر محمد بن مسلم و الحلبي عنه(عليه السلام) (4).

و ابن الجنيد أطلق نفي البأس عن الخفين (5).و الأقرب تقييده كما ذكر، و عليه الأكثر (6).

ثمّ إن استقلّ الواحد بحمله لصغره و شبهه و إلاّ ضمّ إليه غيره،و لا يعتبر الوتر عندنا-كثلاثة،أو خمسة-لخبر زرارة عن الصادق(عليه السلام):و سأله عن القبر كم يدخله؟قال:«ذاك إلى الولي،إن شاء أدخل وترا،و ان شاء شفعا» (7).

الثالثة:يستحبّ الدعاء باتّفاق العلماء.

فعند معاينة القبر:اللّهم اجعلها روضة من رياض الجنة،و لا تجعلها حفرة

ص: 17


1- التهذيب 1:313 ح 910.
2- الكافي 3:192 ح 1،التهذيب 1:314 ح 913.
3- التهذيب 1:314 ح 912،الاستبصار 1:213 ح 752.
4- المعتبر 1:302،تذكرة الفقهاء 1:52. و الخبر في التهذيب 1:321 ح 934.
5- مختلف الشيعة:121.
6- راجع:المبسوط 1:186،مختلف الشيعة 1:121.
7- الكافي 3:193 ح 4،التهذيب 1:314 ح 914.

من حفر النّار.

و عند تناوله:بسم اللّه و باللّه،و على ملة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله).

اللهم إيمانا بك،و تصديقا بكتابك،هذا ما وعد اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله.

اللّهم زدنا إيمانا و تسليما.

و بعد وضعه في اللحد يستحبّ قراءة الفاتحة و الإخلاص و المعوذتين و آية الكرسي،لخبر محمد بن عجلان عن الصادق(عليه السلام) (1).

و ليقل أيضا بعد وضعه ما رواه الحلبي عنه(عليه السلام):«بسم اللّه،و في سبيل اللّه،و على ملّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله).(اللهم عبدك نزل بك، و أنت خير منزول به) (2).اللّهم افسح له في قبره،و ألحقه بنبيّه(صلّى اللّه عليه و آله).اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته،و ان كان مسيئا فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه.و ليستغفر له ما استطاع» (3).قال-و الظاهر أنّه الصادق(عليه السلام)-:

«و كان علي بن الحسين(عليه السلام)إذا دخل القبر،قال:اللهم جاف الأرض عن جنبيه،و صاعد عمله،و لقّه منك رضوانا» (4).

أو ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام):«إذا وضعه في لحده،فقل:بسم اللّه،و في سبيل اللّه،و على ملّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (5).اللهم إنّا لا نعلم منه (6)إلاّ خيرا و أنت أعلم به،فإذا وضعت اللبن فقل:اللهم صل وحدته،و آنس وحشته،و أسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك.فإذا خرجت من قبره،فقل: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،س.

ص: 18


1- الكافي 3:195 ح 4،علل الشرائع:306،التهذيب 1:317 ح 922.
2- العبارة ليست في المصدرين.
3- الكافي 3:194 ح 1،التهذيب 1:315 ح 915.
4- الكافي 3:194 ح 1،التهذيب 1:315 ح 915.
5- في المصدرين زيادة:«اللهم عبدك نزل بك،و أنت خير منزول به،اللّهم افسح له في قبره،و الحقه بنبيّه».
6- ليست في م،س.

و الحمد للّه ربّ العالمين.اللهم ارفع درجته في أعلى عليّين،و اخلف على عقبه في الغابرين،و عندك نحتسبه يا ربّ العالمين» (1).

و في رواية ابن عجلان عن الصادق(عليه السلام):«ليكن أولى الناس به مما يلي رأسه،ليذكر اسم اللّه،و يصلّي على النبي و آله،و يتعوّذ من الشيطان، و ليقرأ:فاتحة الكتاب،و المعوذتين،و التوحيد،و آية الكرسي» (2).

و روى ابن عمر:أنّه سمع من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه يقال عند الوضع:«بسم اللّه،و في سبيل اللّه،و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم».و عند تسوية اللبن:«اللهم أجره من الشّيطان و من عذاب القبر.اللّهم جاف الأرض عن جنبيه،و صعّد روحه،و لقّه منك رضوانا» (3).

الرابعة:يستحبّ أن يلقّنه الشهادتين و أسماء الأئمة(عليهم السلام)،

و به أخبار تكاد تبلغ التواتر.

كخبر ابن عجلان هذا عن الصادق(عليه السلام):«يلقّنه الشهادتين، و يذكر له ما يعلم واحدا واحدا» (4).

و خبر محفوظ الإسكاف عن الصادق(عليه السلام):«ليكن أعقل من ينزل في قبره عند رأسه،و ليكشف عن خدّه الأيمن حتى يفضي به الى الأرض،و يدني فاه الى سمعه،و يقول:اسمع افهم-ثلاثا-اللّه ربك،و محمد نبيك،و الإسلام دينك،و فلان (5)اسمع افهم،و أعدها عليه ثلاثا» (6).

و خبر أبي بصير عنه(عليه السلام):«ضع فاك على أذنه،فقل:اللّه ربّك،

ص: 19


1- الكافي 3:196 ح 6،التهذيب 1:316 ح 920.
2- الكافي 3:195 ح 4،علل الشرائع:306،التهذيب 1:317 ح 922.
3- سنن ابن ماجة 1:495 ح 1553،السنن الكبرى 4:55.باختلاف يسير.
4- التهذيب 1:313 ح 909.
5- في المصدرين زيادة:«امامك».
6- الكافي 3:195 ح 5،التهذيب 1:317 ح 923.

و الإسلام دينك،و محمّد نبيك،و القرآن كتابك،و عليّ إمامك» (1).

و خبر إسحاق بن عمار عنه(عليه السلام):«تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر،و تحرّك تحريكا شديدا،ثمّ تقول:يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل:اللّه ربّي،و محمد نبيّي،و الإسلام ديني،و القرآن كتابي،و عليّ إمامي،حتى تستوفي الأئمة.ثم تعيد القول،ثم تقول:افهم (2)يا فلان،فإنّه يقول:نعم.ثم تقول:

ثبّتك اللّه بالقول الثابت،هداك اللّه الى صراط مستقيم،عرّف اللّه بينك (3)و بين أوليائك في مستقر من رحمته» (4).

و أورد الصدوق فيه وضع يده اليمنى تحت منكبه الأيمن،و يحرّكه تحريكا شديدا،و يقول:«يا فلان اللّه ربك،و محمد نبيك»..الى آخره (5).

و خبر زرارة عن الباقر(عليه السلام):«اضرب بيدك على منكبه الأيمن، ثم قل:يا فلان قل رضيت باللّه ربّا،و بالإسلام دينا،و بعلي إماما،و يسمي إمام زمانه» (6).

الخامسة:يستحبّ أن يجعل له وسادة من تراب،

و يجعل خلف ظهره مدرة و شبهها لئلا يستلقي،رواه سالم بن مكرم عن الصادق(عليه السلام) (7).و حل عقد الأكفان،و رواه إسحاق بن عمار،و أبو بصير عنه(عليه السلام) (8)و أبو حمزة عن أحدهما(عليهما السلام)،و زاد:«و يبرز وجهه» (9).

ص: 20


1- الكافي 3:195 ح 2،التهذيب 1:318 ح 924.
2- في المصدر:«أ فهمت».
3- في س زيادة:«و بين نبيك»،و هي ليست في المصدر.
4- التهذيب 1:457 ح 1492.
5- الفقيه 1:108 ح 500.
6- الكافي 3:196 ح 7،التهذيب 1:457 ح 1490.
7- الفقيه 1:108 ح 500.
8- التهذيب 1:450 ح 1463،457 ح 1492.
9- التهذيب 1:457 ح 1491.

و في خبر حفص بن البختري،و ابن أبي عمير عن غير واحد،عن الصادق (عليه السلام):«يشقّ الكفن من عند رأسه» (1).قال في المعتبر:هذا مخالف لما عليه الأصحاب،و لأنّ فيه إفسادا للمال على وجه لم يتحقّق شرعه،و الصّواب:

الاقتصار على حلّ عقده (2).

قلت:يمكن أن يراد بالشقّ:الفتح،ليبدو وجهه فان الكفن كان منضمّا، فلا مخالفة و لا إفساد.

السادسة:يستحبّ وضع التربة معه،

قاله الشيخان (3)و لم نعلم مأخذه، و التبرّك بها كاف في ذلك.

و الأحسن جعلها تحت خدّه،كما قاله المفيد في المقنعة (4).و في العزيّة:في وجهه،و كذا في اقتصاد الشيخ (5).و قيل:تلقاء وجهه (6)و قيل:في الكفن.و في المختلف:الكل جائز (7).

و قد نقل أنّ امرأة قذفها القبر مرارا لفاحشة كانت تصنع،فأمر بعض الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها فاستقرت،قال الشيخ نجيب الدين يحيى ابن سعيد في درسه:يصلح أن يكون هذا متمسكا.و نقل الفاضل أنّها كانت تزني و تحرق أولادها،و إنّ أمها أخبرت الصادق(عليه السلام)،فقال:«إنّها كانت تعذّب خلق اللّه بعذاب اللّه،اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين(عليه السلام)

ص: 21


1- الكافي 3:196 ح 9،التهذيب 1:317 ح 921،458 ح 1493.
2- المعتبر 1:301.
3- المبسوط 1:186،و عن المفيد في السرائر:33،مختلف الشيعة:121.
4- قال في مفتاح الكرامة-بعد نقله ما في المقنعة عن الذكرى-1:498:و لم أجده فيها،و يؤيد عدم وجوده اني لم أجد أحدا سواه نسبه إليها،و في السرائر:33،و المعتبر 1:301 نسباه إلى المفيد من دون ذكر المقنعة.
5- الاقتصاد:250.
6- نسبه في السرائر:33 إلى الشيخ الطوسي.
7- مختلف الشيعة:121.

فاستقرّت» (1).

السابعة:ينبغي تشريج اللّحد،

أي:تنضيده باللبن و شبهه،و إن سوّاه بالطّين كان ندبا،لما روي أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)رأى في قبر ابنه خللا فسوّاه بيده،ثم قال:«إذا عمل أحدكم عملا فليتقن» (2).و هو في رواية إسحاق بن عمار عن الصادق(عليه السلام):«تضع الطين و اللبن،و تقول ما دمت تضعه:اللّهم صل وحدته،و آنس وحشته،و آمن روعته،و أسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك،فإنّما رحمتك للظالمين» (3).

قال الراوندي:عمل العارفين من الطائفة على ابتداء التشريج من الرأس، ثم يخرج من القبر و يقول: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،اللّهم ارفع درجته في علّيين، و اخلف على أهله في الغابرين،عندك نحتسبه يا ربّ العالمين (4)،و قد تقدّم هذا برواية أخرى (5).

الثامنة:يستحبّ في المرأة نزول الزوج أو المحارم،

و في الرجل:الأجانب، لخبر السكوني عن الصادق(عليه السلام):«قال علي(عليه السلام):مضت السّنة من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)انّ المرأة لا يدخل قبرها إلاّ من كان يراها في حال حياتها» (6).

و خبر عبد اللّه بن محمد بن خالد،عن الصادق(عليه السلام):«الوالد لا ينزل في قبر ولده،و الولد لا ينزل في قبر والده» (7).

ص: 22


1- تذكرة الفقهاء 1:53،منتهى المطلب 1:461.
2- الكافي 3:262 ح 45.
3- التهذيب 1:457 ح 1492.
4- الدعوات:266.
5- تقدم في ص 19 الهامش 1.
6- الكافي 3:193 ح 5،التهذيب 1:325 ح 948.
7- و كذا نقله المصنف في روض الجنان:318،و لكن في التهذيب 1:320 ح 929 بلفظ:(و الولد ينزل). قال في مفتاح الكرامة-بعد ذكره لصيغة الرواية عند المصنف-1:495:و في التهذيب و كثير من كتب الاستدلال تركها-أي لفظة:لا-في الشق الأخير.

و لا ينافيه خبر عبد اللّه العنبري عنه(عليه السلام):«لا يدفن ابنه،و لا بأس بدفن الابن أباه» (1)لأنّ المكروه لا بأس به،و هو مشعر بأنّ الكراهة في جانب الأب الدافن أشدّ.

و علّل الأصحاب كراهة نزول الرحم بالقسوة.و قد روى عبيد بن زرارة أنّ الصادق(عليه السلام)رأى والدا يطرح على ابنه التراب،فأخذ بكفّيه و قال:«لا تطرح عليه التراب،و من كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب».ثمّ قال:«أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام،فإنّ ذلك يورث القسوة في القلب،و من قسا قلبه بعد من ربّه» (2).

فرع:

الزوج أولى من المحرم بالمرأة،لما تقدم في الصلاة.و لو تعذّر فامرأة صالحة،ثم أجنبي صالح،و إن كان شيخا فهو أولى،قاله في التذكرة (3).يدخل يده من قبل كتفيها،و آخر يدخل يده تحت حقويها،قاله ابن حمزة (4).

التاسعة:يكره فرش القبر بساج أو غيره،

إلاّ لضرورة كنداوة القبر،لمكاتبة علي بن بلال إليه:ربّما مات عندنا الميت فتكون الأرض ندية،فنفرش القبر بالساج،أو نطيّن عليه؟فكتب:«ذلك جائز» (5)و الظاهر أنّه الإمام مع الاعتضاد بفتوى الأصحاب (6).

ص: 23


1- الكافي 3:194 ح 8،التهذيب 1:320 ح 930.
2- الكافي 1:199 ح 5،علل الشرائع:304،التهذيب 1:319 ح 928.
3- تذكرة الفقهاء 1:52.
4- الوسيلة:68.
5- الكافي 3:197 ح 1،التهذيب 1:456 ح 1488.
6- راجع:المبسوط 1:187،المهذب 1:65،الوسيلة:69،المعتبر 1:304،نهاية الإحكام 2:283.

أمّا وضع الفرش عليه و المخدة فلا نصّ فيه.نعم،روى ابن عبّاس من طريقهم أنّه جعل في قبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قطيفة حمراء (1).و الترك أولى، لأنّه إتلاف للمال فيتوقّف على اذن،و لم يثبت.

و قال ابن الجنيد:لا بأس بالوطاء في القبر،و إطباق اللحد بالساج.

العاشرة:اختلفت عبارة الأصحاب في تغشية القبر بثوب عند إنزال الميت.

ففي الخلاف:نعم،محتجّا بالإجماع على جوازه،و الاحتياط على استعماله (2)و لرواية جعفر بن كلاب عن الصادق(عليه السلام):«يغشّى قبر المرأة بالثوب،و لا يغشّى قبر الرجل»،قال:«و قد مدّ على قبر سعد بن معاذ ثوب، و النبي(عليه السلام)شاهد فلم ينكر ذلك» (3).و هو يدل على أهمّية تغطية الثوب للمرأة و على إباحته للرجل،و لما ذكر في خبر ابن أبي عمير السالف:حتى يمدّ الثوب على رأس من في القبر (4).فإنّه كما يجوز حمله على الإمكان يجوز حمله على الوقوع،و لأنّه أنسب بستر الميت لما يخشى من حدوث حادث فيه،و أقلّه بدو شيء ممّا ينبغي ستره عند حلّ العقد.

و قال المفيد-في أحكام النساء-و ابن الجنيد:يجلّل قبر المرأة الى أن يغشى باللبن دون الرّجل (5)لمناسبته للستر،و لما روي أنّ عليا(عليه السلام)مرّ بقوم دفنوا ميتا و بسطوا على قبره الثوب،فجذبه و قال:«إنّما يصنع هذا بالنساء» (6)،و هو الذي ارتضاه في المعتبر (7).

ص: 24


1- مسند أحمد 1:328،صحيح مسلم 2:665 ح 967،الجامع الصحيح 3:365 ح 1048، سنن النسائي 4:81.
2- الخلاف 1:728 المسألة:552.
3- التهذيب 1:464 ح 1519.
4- تقدم في ص 14 الهامش 3.
5- حكاه عن المفيد ابن إدريس في السرائر:34،و العلامة في مختلف الشيعة:121 عن بعض نسخ احكام النساء،و النسخة التي تحت أيدينا خالية منه.
6- السنن الكبرى 4:54.
7- المعتبر 1:335.

و ابن إدريس أنكر استحباب التغشية في الرّجل،و أحال المرأة على ثبوت ذلك بنص (1).

قلنا:ما ذكر كاف في هذا المطلوب.

الحادية عشر:يستحبّ الخروج من قبل الرجلين،

لخبر عمار عن الصادق (عليه السلام):«لكل شيء باب،و باب القبر ممّا يلي الرجلين» (2).و مثله رواية الأصحاب عن جبير بن نفير الحضرمي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (3).

و روى السكوني عن الباقر(عليه السلام)عن أبيه:«من دخل القبر، فلا يخرج منه إلاّ من قبل الرّجلين» (4).

و الظاهر انّ هذا النهي أو النفي للكراهية.

و وافق ابن الجنيد-رحمه اللّه-في الرجل،و قال في المرأة:يخرج من عند رأسها (5)لإنزالها عرضا،أو للبعد عن العورة،و الأحاديث مطلقة.

الثانية عشرة:يستحبّ إهالة الحاضرين عليه التراب بظهور الأكف،

لخبر محمد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا،قال:رأيت أبا الحسن(عليه السلام).

و هو في جنازة فحثى التراب على القبر بظهور كفيه (6).

و أقلّه ثلاث حثيات باليدين جميعا،لفعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله) ذلك (7)،و في خبر محمد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام):انه حثا على ميت ممّا

ص: 25


1- السرائر:34.
2- التهذيب 1:316 ح 919.
3- التهذيب 1:316 ح 918.
4- الكافي 3:193 ح 4 عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،و في التهذيب 1:316 ح 917 عن جعفر عن أبيه عليهما السلام.
5- مختلف الشيعة:121.
6- التهذيب 1:318 ح 925،عن احمد بن محمد الأصبغ.
7- السنن الكبرى 3:410.

يلي رأسه ثلاثا بكفّيه (1).

و ليدع بما دعا به الباقر(عليه السلام)-في هذه الرواية-باسطا كفّيه على القبر:«اللّهم جاف الأرض عن جنبه،و صعّد إليك روحه،و لقّه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك» (2).

أو يدعو بما رواه السكوني بسند الخبر الأول الى علي(عليه السلام):

«سمعت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يقول:من حثا على ميت و قال:إيمانا بك،و تصديقا بنبيّك،هذا ما وعد اللّه و رسوله(صلّى اللّه عليه و آله)أعطاه اللّه بكل ذرّة حسنة» (3).

و ليقولوا: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ .

قال الأصحاب:و لا يهيل ذو الرّحم (4)لما مرّ.

و يرفع القبر عن الأرض مقدار أربع أصابع مفرجات لا أكثر من ذلك،قاله المفيد (5).و ابن زهرة خيّر بينها و بين شبر (6).

و في خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:«و يلزق القبر بالأرض،إلاّ قدر أربع أصابع مفرجات،و يربّع قبره» (7).

و في خبر سماعة عن الصادق(عليه السلام):«يرفع من الأرض قدر أربع أصابع مضمومة،و ينضح عليه الماء» (8).و عليها ابن أبي عقيل.

و في خبر حماد بن عثمان عنه(عليه السلام):انّ أباه(عليه السلام)أمر أن2.

ص: 26


1- الكافي 3:198 ح 3،التهذيب 1:319 ح 927.
2- الكافي 3:198 ح 3،التهذيب 1:319 ح 927.
3- الكافي 3:198 ح 2،التهذيب 1:319 ح 926.
4- راجع:المقنعة:12،المبسوط 1:187،المعتبر 1:300.
5- المقنعة:12.
6- الغنية:502.
7- الكافي 3:195 ح 3،التهذيب 1:315 ح 916،458 ح 1494.
8- الكافي 3:199 ح 2،التهذيب 1:320 ح 932.

يرفع قبره أربع أصابع،و أن يرشّه بالماء (1).

و في خبر عبيد اللّه الحلبي و محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام):

«أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات،و ذكر أنّ الرشّ بالماء حسن» (2).

قلت:اختلاف الرواية دليل التخيير.و ما رووه عن جابر:أنّ قبر النبي (صلّى اللّه عليه و آله)رفع قدر شبر (3)و رويناه عن إبراهيم بن علي عن الصادق (عليه السلام)أيضا (4)يقارب التفريج.و لما كان المقصود من رفع القبر أن يعرف ليزار و يحترم كان مسمّى الرفع كافيا،و ابن البراج:شبر أو أربع أصابع (5).

و رشّ الماء عليه مستحب،لما مر.و صورته ما رواه موسى بن أكيل-بضم الهمزة و فتح الكاف-عن الصادق(عليه السلام):«السنّة في رشّ الماء على القبر أن تستقبل القبلة و تبدأ من عند الرأس إلى الرجلين،ثمّ تدور على القبر من الجانب الآخر،ثمّ ترشّ على وسط القبر» (6).و ليكن متصلا الى أن يرجع الى الرأس،قاله الصّدوق (7).

الثالثة عشرة:يستحبّ تربيع القبر،

لما سلف من خبر محمد بن مسلم (8).

و ليكن مسطّحا بإجماعنا-نقله الشيخ (9)-لأنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) سطح قبر ابنه إبراهيم (10)و قال القاسم بن محمد:رأيت قبر النبي(صلّى اللّه عليه

ص: 27


1- الكافي 3:200 ح 5،التهذيب 1:320 ح 933.
2- التهذيب 1:321 ح 934.
3- السنن الكبرى 3:410.
4- التهذيب 1:496 ح 1538.
5- المهذب 1:63.
6- التهذيب 1:320 ح 931.
7- الفقيه 1:109،الهداية:28.
8- تقدم في ص 26 الهامش 7.
9- الخلاف 1:706 المسألة:505.
10- الام 1:273،مختصر المزني:37،الخلاف 1:706،المعتبر 1:302.

و آله)و القبرين عنده مسطّحة لا مشرفة،و لا لاطئة،مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء (1)و لأنّ التربيع يدلّ على التسطيح،و لأنّ قبور المهاجرين و الأنصار بالمدينة مسطحة و هو يدلّ على أنّه أمر متعارف.

و احتجّ الشيخ أيضا في الخلاف بما رواه أبو الهياج،قال قال علي(عليه السلام):«أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):لا ترى قبرا مشرفا إلاّ سوّيته،و لا تمثالا إلاّ طمسته» (2)و فيه أيضا دلالة على عدم رفعه كثيرا.

و في خبر زرارة و جابر عن الباقر(عليه السلام):«و سوّي قبره» (3).«و سوّي عليه» (4)دليل على التسطيح.

الرابعة عشرة:لا يطرح في القبر من غير ترابه،

و نقل فيه في التذكرة الإجماع (5)لنهي النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أن يزاد في القبر على حفيرته،و قال:

«لا يجعل في القبر من التراب أكثر ممّا خرج منه»رواه عقبة بن عامر (6)رويناه عن السكوني عن الصادق(عليه السلام):«أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه» (7).

و في الفقيه:قال الصادق(عليه السلام):«كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر،فهو ثقل على الميت» (8).

ص: 28


1- سنن أبي داود 3:215 ح 3220،مسند أبي يعلى 8:53 ح 4571،المستدرك على الصحيحين 1:369،السنن الكبرى 4:3.
2- الخلاف 1:707 المسألة:505. و الرواية في:صحيح مسلم 2:666 ح 969،سنن أبي داود 3:215 ح 3218،الجامع الصحيح 3:366 ح 1049،السنن الكبرى 4:3.
3- التهذيب 1:457 ح 1490.
4- التهذيب 1:459 ح 1496.
5- تذكرة الفقهاء 1:53.
6- السنن الكبرى 3:410.
7- الكافي 3:202 ح 4،التهذيب 1:460 ح 1500.
8- الفقيه 1:120 ح 576.

و ابن الجنيد:لا يزاد من غير ترابه وقت الدفن،و لا بأس بذلك بعد الدفن.

و عن السكوني عن الصادق(عليه السلام):«لا تطيّنوا القبر من غير طينه» (1).

و يستحبّ كثرة الدعاء له و الاستغفار في كلّ حال،و يسأل اللّه تثبيته عند الفراغ من دفنه.

الخامسة عشرة:يستحبّ أن يوضع عند رأسه حجر أو خشبة علامة،

ليزار و يترحّم عليه،كما فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،حيث أمر رجلا بحمل صخرة ليعلم بها قبر عثمان بن مظعون،فعجز الرجل فحسر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن ذراعيه،فوضعها عند رأسه،و قال:«اعلم بها قبر أخي،و أدفن اليه من مات من أهله» (2).

و روينا عن يونس بن يعقوب،قال:لما رجع الكاظم(عليه السلام)من بغداد إلى المدينة ماتت ابنة له في رجوعه بفيد (3)فأمر بعض مواليه أن يجصّص قبرها،و يكتب على لوح اسمها و يجعله في القبر (4).

و قال ابن الجنيد:لا بأس أن يوضع عليه الحصا و الصندوق و العلامة.

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام):«لا يصلح البناء على القبر،و لا الجلوس،و لا تجصيصه،و لا تطيينه» (5).

فيمكن الجمع بحمل المطلق هنا على المقيّد في خبر السكوني،و حمل التجصيص المكروه على ما كان بعد اندراسه لا ما وقع ابتداء،كما قاله الشيخ

ص: 29


1- الكافي 3:201 ح 1،التهذيب 1:460 ح 1499.
2- سنن أبي داود 3:212 ح 3206،السنن الكبرى 3:412.
3- فيد:بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة،معجم البلدان 1:282.
4- الكافي 3:202 ح 3،التهذيب 1:461 ح 1501،الاستبصار 1:217 ح 767.
5- التهذيب 1:461 ح 1503،الاستبصار 1:217 ح 767.

-رحمه اللّه- (1).

و في المعتبر قوى الكراهية مطلقا،و حمل خبر يونس على الجواز (2).

و روى العامة:«ان الميت لا يزال يسمع الأذان ما لم يطيّن قبره» (3)و فيه دلالة على إباحة الكتابة على القبر،و قد روي فيه نهي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من طريق العامة (4)و لو صحّ حمل على الكراهة لأنّه من زينة الدنيا.

السادسة عشرة:يستحب وضع الحصباء عليه،لما مرّ،و لما روي أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله)فعله بقبر إبراهيم ولده (5)و لخبر ابان عن بعض أصحابه،عن الصادق(عليه السلام)،قال:«قبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)محصب حصباء حمراء» (6).

السابعة عشرة:يستحب ما رواه زرارة عن الباقر(عليه السلام):«فإذا

حثي عليه التراب و سوّي قبره،فضع كفك على قبره عند رأسه،و فرّج أصابعك،

و اغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء»

(7) و ليقل ما مرّ في خبر محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) (8).

و قال الصدوق:متى زار قبره دعا به مستقبل القبلة (9)و على ذلك عمل الأصحاب

ص: 30


1- المبسوط 1:187.
2- المعتبر 1:305.
3- الفردوس بمأثور الخطاب 5:98 ح 7587،الدعوات للراوندي:276 ح 797.
4- سنن ابن ماجة 1:498 ح 1563،سنن النسائي 4:86،المستدرك على الصحيحين 1: 370.
5- السنن الكبرى 3:411.
6- الكافي 3:201 ح 2،التهذيب 1:461 ح 1502.
7- التهذيب 1:457 ح 1490.
8- تقدم في ص 26 الهامش 2.
9- الهداية:28.لم نعثر عليه في كتبه ما عدا الهداية،و فيها:«من يزور القبر يستقبل القبلة».

و قد روى إسحاق بن عمار،قلت لأبي الحسن الأول(عليه السلام):انّ أصحابنا يصنعون شيئا إذا حضروا الجنازة و دفن الميت،لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر،أ فسنّة ذلك أم بدعة؟فقال:«ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه» (1)و بسند آخر عن محمد بن إسحاق عن الصادق(عليه السلام):

«إنّما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه،فامّا من أدرك الصلاة فلا» (2).

و روى زرارة-في الحسن-عن الباقر(عليه السلام):«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين،كان إذا صلّى على الهاشمي و نضح قبره بالماء،وضع(صلّى اللّه عليه و آله)كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين،فكان الغريب يقدم أو المسافر فيرى القبر الجديد عليه أثر كفّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فيقول:من مات من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله» (3).

و ليس في هاتين مخالفة للأول،لأنّ الوجوب على من لم يحضر الصلاة لا ينافي الاستحباب لغيره،و المراد به انّه يستحبّ مؤكدا لغير الحاضر للصلاة،و لهذا لم يذكر الوجوب في الخبر الآخر،فهو و ان كان مستحبا للحاضر لكنه غير مؤكد، و إخبار الراوي عن عمل الأصحاب حجّة في نفسه،و تقرير الإمام عليه يؤكّده، و فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)حجّة فليتأس به،و تخصيص بني هاشم لكرامتهم عليه.

و قد روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،قال:سألت الصادق(عليه السلام) كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟فأشار بيده الى الأرض فوضعها عليه و هو مقابل القبلة (4)و هذا يشمل حالة الدفن و غيره.8.

ص: 31


1- التهذيب 1:462 ح 1506.
2- التهذيب 1:467 ح 1532،عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام).
3- الكافي 3:200 ح 4،التهذيب 1:460 ح 1498.
4- الكافي 3:200 ح 3،التهذيب 1:462 ح 1508.
الثامنة عشرة:أجمع الأصحاب على تلقين الولي أو من يأمره الميت (1)بعد

الثامنة عشرة:أجمع الأصحاب على تلقين الولي أو من يأمره الميت(1) بعد انصراف الناس عنه.

و قد رواه العامة عن أبي أمامة الباهلي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،قال:«إذا مات أحدكم و سوّيتم عليه التراب،فليقم أحدكم عند رأس قبره،ثم ليقل:يا فلان بن فلانة،فإنه يسمع و لا يجيب.ثم يقول:يا فلان بن فلانة،فيستوي قاعدا فإنّه يقول:أرشدنا يرحمك اللّه.فيقول:اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا إله إلاّ اللّه،و انّ محمدا عبده و رسوله،و انك رضيت باللّه ربا،و بالإسلام دينا،و بمحمد نبيا،و بالقرآن إماما،فإن منكرا و نكيرا يتأخر كل واحد منهما،فيقول:انطلق فما يقعدنا عند هذا و قد لقّن حجّته»:

قال يا رسول اللّه:فان لم نعرف اسم امّه؟قال:«انسبه الى حواء» (2).

و روينا عن يحيى بن عبد اللّه-بعدّة طرق-قال:سمعت الصادق(عليه السلام)يقول:«ما على أهل الميت منكم أن يدرءوا عن ميتهم لقاء منكر و نكير».

قلت:كيف نصنع؟قال:«إذا أفرد الميت،فليتخلّف عنده أولى الناس به، فيضع فمه عند رأسه،و ينادي بأعلى صوته،يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه،من شهادة ان لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّ محمدا عبده و رسوله سيد النبيين،و انّ عليا أمير المؤمنين و سيد الوصيين،و ان ما جاء به محمد حق،و ان الموت حق،و البعث حق،و ان اللّه يبعث من في القبور.قال:فيقول منكر لنكير:انصرف بنا عن هذا فقد لقّن حجّته» (3).

و عن جابر عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام):«ما على أحدكم إذا دفن ميّته،و سوّى عليه و انصرف عن قبره أن يتخلّف عند قبره،ثمّ يقول:يا فلان ابن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به،من شهادة انّ لا إله إلاّ اللّه،و ان

ص: 32


1- في س،ط:الولي.
2- مجمع الزوائد 2:324،تلخيص الحبير 5:243،كنز العمال 15:604 عن الطبراني و ابن عساكر و الديلمي.
3- الكافي 3:201 ح 11،الفقيه 1:109 ح 501،التهذيب 1:321 ح 935.

محمدا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و ان عليا أمير المؤمنين إمامك،و فلان و فلان حتى تأتي على آخرهم،فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه:قد كفينا الدخول عليه و مسألتنا إيّاه فإنّه قد لقّن،فينصرفان عنه و لا يدخلان عليه» (1).

فرع:

لم يتعرض الشيخان و الخبران لكيفية الوقوف.

و قد قال ابن إدريس:انّ الملقّن يستقبل القبلة و القبر (2).

و قال ابن البراج (3).و ابن إدريس (4)و الشيخ يحيى (5):يستدبر القبلة و القبر أمامه.

و كلاهما جائز،لإطلاق الخبر الشامل لذلك،و لمطلق النداء عند الرأس على أي وضع كان المنادي.

قال ابن البراج:و مع التقيّة يقول ذلك سرا (6).

تنبيه:

نقل الشيخ المحقق عن الفقهاء الأربعة إنكار التلقين (7).و قال الشيخ3.

ص: 33


1- التهذيب 1:459 ح 1496.
2- السرائر:33.
3- المهذب 1:64.
4- تقدم قول ابن إدريس في الهامش 2 بما يخالف هذا،و الظاهر ان ذكره هنا سهو،و المراد منه أبو الصلاح الحلبي كما في كتابه الكافي في الفقه:239،و كما نسبه اليه ابن إدريس في السرائر:33. راجع:الحدائق الناضرة 4:129،مفتاح الكرامة 1:501.
5- الجامع للشرائع:55.
6- المهذب 1:64.
7- المعتبر 1:303.

الفاضل:خلافا للجمهور (1).

و قد قال الرافعي-من الشافعية-:يستحبّ أن يلقّن الميت بعد الدفن، فيقال:يا عبد اللّه بن أمة اللّه،اذكر ما خرجت عليه من الدنيا،شهادة ان لا إله إلاّ اللّه،و ان محمدا رسول اللّه،و ان الجنّة حق،و انّ النار حق،و ان الساعة آتية لا ريب فيها،و ان اللّه يبعث من في القبور،و أنك رضيت باللّه ربا،و بالإسلام دينا،و بمحمد نبيا،و بالقرآن إماما،و بالكعبة قبلة،و بالمؤمنين إخوانا.قال:ورد الخبر به عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم) (2).

و قال صاحب الروضة (3):هذا التلقين استحبه جماعة من أصحابنا،منهم:

القاضي حسين،و صاحب التتمة،و نصر المقدسي في كتابه التهذيب و غيرهم، و نقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا.و الحديث الوارد فيه ضعيف،لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم،و قد اعتضد بشواهد من الأحاديث الصحيحة،كحديث:«اسألوا اللّه له التثبيت»،و وصية عمرو بن العاص:أقيموا عند قبري قدر ما ينحر جزور.قال:و لم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين من العصر الأول و في زمن من يقتدى به.قال:قال أصحابنا:

و يقعد الملقّن عند رأس القبر،و الطفل لا يلقّن (4).

قلت:و لا ينافي هذا صحة نقل الفاضلين،لأنّ المنقول انّما هو عن أصحاب الشافعي لا عن نفسه.

و اما الطفل،فظاهر التعليل يشعر بعدم تلقينه،و يمكن أن يقال يلقّن، إقامة للشعار و خصوصا المميز،و كما في الجريدتين.1.

ص: 34


1- تذكرة الفقهاء 1:53.
2- فتح العزيز 5:242.
3- الروضة في الفروع-روضة الطالبين و عمدة المتقين-لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي،المتوفّى سنة 676،و قد اختصره من شرح الوجيز للرافعي-لاحظ.كشف الظنون 1:929.
4- أورده-و باختلاف يسير-النووي في مصنف آخر،هو المجموع 5:304.و الحديث النبوي في: سنن أبي داود 3:315 ح 3221،المستدرك على الصحيحين 1:370 و وصية عمرو في صحيح مسلم 1:112 ح 121.
المطلب الثالث:في التوابع،و
فيه ثمانية مباحث.
البحث الأول:في الأحكام،و
فيه مسائل:
الأولى:لو اجتمع أموات،و لم يمكن الجمع بين تجهيزهم في وقت واحد،

بدئ بمن يخشى فساده.فلو تساووا في ذلك،أو في عدم الفساد،قال الشيخ:يقدّم الأب،ثم الابن و ابن الابن،ثم الجد.و ان كان أخوان في درجة واحدة قدم أسنهما،و ان تساويا أقرع بينهما،و ان كان أحدهما أقوى سببا قدّم.و الزوجتان تقدّم أسنّهما،فان تساوتا أقرع بينهما (1).

قال المحقق:لست أعرف وجه ما ذكره مع التساوي،إذ ليس هنا إشكال فيخرج بالقرعة،و الأقرب:تخيير الولي في البدأة (2).

قلت:لا ريب ان التعجيل مستحب(كما مر،فالمعجّل مرجّح في هذا الاستحباب) (3)فيحتاج الى مرجّح.و تخيير الولي لا شك في جوازه،و انما الكلام في تخصيص الولي أحد المتساويين بالاستحباب،هل هو مستند الى اختياره أو هو مرجّح بما جعله الشارع مرجّحا؟فيمكن الترجيح بخصال دينية أو بالذكورية،كما سبق.و يمكن القرعة،لإطلاق الأخبار في استعمالها عند الاشتباه.و مع التساوي في المرجحات فالقرعة،لأن ترجيح اللّه تعالى أولى من ترجيح الولي.

و الظاهر:ان هذا كلّه على سبيل الاستحباب إلاّ مع خشية الفساد،لأنّ الغرض التجهيز و هو يحصل،و لم يفت الا التعجيل و هو مستحب.

الثانية:المشهور كراهة البناء على القبر و اتخاذه مسجدا،

و كذا يكره القعود على القبر.و في المبسوط نقل الإجماع على كراهة البناء عليه (4).و في النهاية:يكره

ص: 35


1- المبسوط 1:176.
2- المعتبر 1:346.
3- العبارة ساقطة من س.
4- المبسوط 1:187.

تجصيص القبور و تظليلها (1).

و كذا يكره المقام عندها،لما فيه من إظهار السخط لقضاء اللّه،أو الاشتغال عن مصالح المعاد و المعاش،أو لسقوط الاتعاظ بها.

و قد روى يونس بن ظبيان عن الصادق(عليه السلام)عن أبيه،قال:

«نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ان يصلّى على قبر،أو يقعد عليه،أو يبنى عليه» (2).

و في صحاح العامة عن جابر:نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ان يجصّص القبر،أو أن يبنى عليه،و أن يقعد عليه (3).

و قال(صلّى اللّه عليه و آله):«لا تجلسوا على القبور،و لا تصلّوا إليها» (4).

و خبر علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام):«لا يصلح البناء عليه،و لا الجلوس» (5)و ظاهره الكراهية،فيحمل النهي الأول و غيره عليها،كما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«لا تبنوا على القبور،و لا تصوّروا سقوف البيوت»،رواه جراح المدائني،عن الصادق(عليه السلام)عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (6).

و عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لان يجلس أحدكم على جمر،فتحرق ثيابه فتصل النار الى بدنه،أحبّ إليّ من أن يجلس على قبر» (7)و هو في صحيح مسلم بنحو هذه العبارة (8).و هذا مبالغة في الزجر عن ذلك لاحترام القبر،«فإنّ1.

ص: 36


1- النهاية:44.
2- المقنع:21،التهذيب 1:461 ح 1504 و 3:201 ح 469،الاستبصار 1:482 ح 1869.
3- صحيح مسلم 2:667 ح 970،الجامع الصحيح 3:368 ح 1052،سنن النسائي 4:87.
4- صحيح مسلم 2:668 ح 972،سنن أبي داود 3:217 ح 3229،السنن الكبرى 4:79.
5- التهذيب 1:461 ح 1503،الاستبصار 1:217 ح 767.
6- المحاسن 612،التهذيب 1:461 ح 1505.
7- مسند أحمد 4:79،سنن ابن ماجة 1:499 ح 1566،سنن أبي داود 3:217 ح 3228، سنن النسائي 4:95،السنن الكبرى 4:79.
8- صحيح مسلم 2:667 ح 971.

حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا» (1)كما سبق.

و زاد الشيخ في الخلاف:كراهة الاتكاء عليه و المشي (2)،و نقله في المعتبر عن العلماء (3).و قد نقل الصدوق في الفقيه عن الكاظم(عليه السلام):«إذا دخلت المقابر فطأ القبور،فمن كان مؤمنا استروح الى ذلك،و من كان منافقا وجد ألمه» (4).و يمكن حمله على القاصد زيارتهم بحيث لا يتوصل الى قبر إلاّ بالمشي على آخر،أو يقال:تختصّ الكراهية بالقعود لما فيه من اللبث المنافي للتعظيم.

و روى الصدوق عن سماعة،انّه سأله(عليه السلام)عن زيارة القبور و بناء المساجد فيها،قال:«زيارة القبور لا بأس بها،و لا يبنى عندها مساجد» (5).

قال الصدوق:و قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لا تتخذوا قبري قبلة، و لا مسجدا،فان اللّه تعالى لعن اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (6).

قلت:هذه الأخبار رواها الصدوق و الشيخان و جماعة المتأخّرين في كتبهم، و لم يستثنوا قبرا،و لا ريب انّ الإمامية مطبقة على مخالفة قضيتين من هذه:إحداهما البناء،و الأخرى الصلاة،و تانك ما في المشاهد المقدسة.فيمكن القدح في هذه الأخبار لأنها آحاد،و بعضها ضعيف الاسناد،و قد عارضها أخبار أشهر منها،و قال ابن الجنيد:لا بأس بالبناء عليه،و ضرب الفسطاط يصونه و من يزوره (7).أو تخصّص هذه العمومات بإجماعهم في عهود كانت الأئمة ظاهرة فيهم و بعدهم من غير نكير،و بالأخبار الدالة على تعظيم قبورهم و عمارتها و أفضلية الصلاة عندها،و هي كثيرة منها:2.

ص: 37


1- التهذيب 1:419 ح 1324،465 ح 1522.
2- الخلاف 1:707 المسألة 507،المبسوط 1:188.
3- المعتبر 1:305.
4- الفقيه 1:115 ح 539.
5- الكافي 3:288 ح 2،الفقيه 1:114 ح 531.
6- الفقيه 1:114 ح 532.
7- مختلف الشيعة:122.

ما رواه الشيخ في التهذيب عن عامر البناني،عن الصادق(عليه السلام)، عن آبائه،عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،انه قال لعلي(عليه السلام):«يا أبا الحسن انّ اللّه جعل قبرك و قبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة،و عرصة من عرصاتها.

و انّ اللّه جعل قلوب نجباء من خلقه،و صفوة من عباده تحنّ إليكم،و تحتمل المذلّة و الأذى فيكم،فيعمرون قبوركم و يكثرون زيارتها،تقرّبا منهم الى اللّه،و مودّة منهم لرسوله،أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي،و الواردون حوضي،و هم زوّاري (1)غدا في الجنة.

يا علي،من عمر قبوركم و تعاهدها فكأنّما أعان سليمان على بناء بيت المقدس،و من زار قبوركم عدل له ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام،و خرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمّه،فأبشر و بشّر أوليائك و محبيك من النعيم و قرّة العين بما لا عين رأت،و لا اذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر.

و لكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا تنالهم شفاعتي و لا يردون حوضي» (2).و قد روى كثيرا من أهل (3)الحديث،و ذكر تعيير الحثالة الحافظ ابن عساكر من علماء العامة (4).

قال المفيد-رحمه اللّه-:و قد روي انّه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام،و يصلّي الزائر ممّا يلي رأس الامام،و هو أفضل (5).

و قال الشيخ:و قد روي جواز الصلاة الى قبور الأئمة(عليهم السلام)، خاصة في النوافل (6).5.

ص: 38


1- في المصدر زيادة:«و جيراني».
2- التهذيب 6:107 ح 189.
3- في«م»و«س»:أهل.
4- انظر:111-112 من هذا الجزء.
5- المقنعة:25.
6- المبسوط 1:85.

قلت:الذي رواه في التهذيب بإسناده الى محمد بن عبد اللّه الحميري، قال:كتبت الى الفقيه أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة،هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟و هل يجوز للمصلّي أن يقوم وراء القبر و يجعله قبلة؟فأجاب:«أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة،و لا فريضة،و لا زيارة،و لكن يضع خدّه الأيمن على القبر.و أمّا الصلاة فإنّها خلفه،و لا يجوز أن يصلّي بين يديه،لأنّ الإمام لا يتقدّم،و يصلّى عن يمينه و شماله» (1).

و قد روى المفيد عن ابن قولويه،بسنده الى ابن أبي عمير،عمن روى عن الباقر(عليه السلام):«انّ الصلاة الفريضة عند قبر الحسين تعدل عمرة» (2).

و بسنده الى أبي علي الحراني،عن الصادق(عليه السلام):«من أتاه وزارة، و صلّى عنده ركعتين أو أربع ركعات،كتبت له حجّة و عمرة».قال:و كذلك لكلّ من أتى قبر إمام مفترض الطاعة،قال:«نعم» (3).

و بسنده الى شعيب العقرقوفي،عن الصادق(عليه السلام):«ما صلّى عنده أحد صلاة إلاّ قبلها اللّه منه،و لا دعا عنده أحد دعوة إلاّ استجيبت له عاجلة و آجلة» (4).

و الأخبار في ذلك كثيرة،و مع ذلك فقبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)مبنيّ عليه في أكثر الأعصار،و لم ينقل عن أحد من السلف إنكاره بل جعلوه أنسب لتعظيمه.و أمّا اتخاذ القبور مسجدا،فقد قيل هو لمن يصلّي فيه جماعة،أمّا فرادى فلا.

الثالثة:روى الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين(عليه السلام):«من حدّد

قبرا،أو مثّل مثالا،فقد خرج من الإسلام

» (5).

ص: 39


1- التهذيب 2:228 ح 898.
2- المزار للمفيد 116 ح 1.
3- المزار للمفيد 117 ح 3.
4- المزار للمفيد 118 ح 4.
5- المحاسن:612،الفقيه 1:120 ح 579،التهذيب 1:459 ح 1497.

و قد نقل الصدوق في الفقيه اختلافا في لفظه:فعن محمد بن الحسن الصفار:جدد-بالجيم-فحكى ابن الوليد عنه:عدم جواز تجديده و تطيين جميعه بعد مرور الأيام عليه،و يجوز ابتداء،و يجوز الرم من غير تجديد.و عن سعد بن عبد اللّه:حدّد-بالحاء المهملة-أي سنّم قبرا.و عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي:

جدّث-بالثاء المثلثة أخيرا.قال الصدوق رحمه اللّه:الجدث:القبر،و لا ندري ما عني به.

و الذي أذهب اليه أنّه جدّد-بالجيم-و معناه:نبش قبرا،لأنّ من نبش قبرا فقد جدّده،أو أحوج إلى تجديده.و أقول:انّ المعاني الثلاثة في الحديث،و انّ من خالف الإمام في التجديد و التسنيم و النبش و استحلّ شيئا من ذلك فقد خرج من الإسلام (1).

قال:و معنى مثّل مثالا:أبدع بدعة دعا إليها،و وضع دينا.ثم قال:فإن أصبت فمن اللّه على ألسنتهم،و ان أخطأت فمن عند نفسي (2).

و نقل الشيخ في التهذيب عن شيخه المفيد:خدّد-بالخاء المعجمة و الدالين- من قوله تعالى قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ .و الخدّ هو:الشق،فالمعنى:شقّ القبر ليدفن فيه،أو على جهة النبش.قال:و يمكن أنّ معنى جدث:جعل القبر دفعة اخرى قبرا لآخر،لأنّ الجدث:القبر،فيؤخذ الفعل منه،و الكلّ محتمل، و اللّه أعلم بالمراد و الذي صدر الخبر عنه(عليه السلام) (3).

قلت:اشتغال هؤلاء الأفاضل بتحقيق هذه اللفظة،مؤذّن بصحة الحديث عندهم و ان كان طريقه ضعيفا،كما في أحاديث كثيرة اشتهرت و علم موردها و ان ضعف اسنادها،فلا يرد ما ذكره في المعتبر من ضعف محمد بن سنان و أبي الجارود9.

ص: 40


1- الفقيه 1:121.
2- الفقيه 1:121.
3- التهذيب 1:459.

راوييه (1).

على انه قد ورد نحوه من طريق أبي الهياج السالف (2)و قد نقله الشيخ في الخلاف (3)و هو من صحاح العامة،و هو يعطي صحة الرواية بالحاء المهملة لدلالة الاشراف و التسوية عليه،و يعطي انّ المثال هنا هو التمثال هناك،و هو:الصورة، و قد ورد في النهي عن التصوير و في إزالة التصاوير أخبار مشهورة (4).

و اما الخروج من الإسلام بهذين،فاما على طريقة المبالغة زجرا عن الاقتحام على ذلك،و اما لأنّه فعل ذلك مخالفة للإمام(عليه السلام).

الرابعة:يكره الحدث بين القبور،

لتأذى المترحمين به،و لما روي ان النبي (صلّى اللّه عليه و آله)قال:«لا أبالي،أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق» (5).

و يكره الضحك بينها،قال الصدوق:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«انّ اللّه تعالى كره لي ست خصال،فكرهتهن للأوصياء من بعدي و اتباعهم:العبث في الصلاة،و الرفث في الصوم،و المنّ بعد الصدقة،و إتيان المساجد جنبا،و التطلّع في الدور،و الضحك بين القبور» (6).

الخامسة:يجوز الدفن ليلا،

لما مرّ في الصلاة (7)،و قد فعله النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بذي النجادين (8)و علي(عليه السلام)بفاطمة (9)و الحسنان بعلي(عليه

ص: 41


1- المعتبر 1:304.
2- تقدم في 28 الهامش 2.
3- الخلاف 1:707 المسألة 505.
4- لاحظ:صحيح مسلم 2:666 ح 969،سنن السنائي 4:89،السنن الكبرى 4:3.
5- سنن ابن ماجة 1:499 ح 1568.
6- الفقيه 1:120 ح 575،أمالي الصدوق:60.
7- تقدم في ص 413 الهامش 3.
8- أخرجه ابن قدامة في المغني 2:417 عن الخلال في الجامع.
9- المصنف لعبد الرزاق 3:521 ح 6553-655،المصنف لابن أبي شيبة 3:346.

السلام) (1)و الصحابة بالأولين (2)و بعائشة (3).و ما روي انّه(صلّى اللّه عليه و آله) زجر عن الدفن ليلا إلاّ لضرورة (4)لا يمنع الجواز،و غايته انّ النهار أفضل تكثيرا للمصلين و المترحّمين،و للتمكّن من اتباع السّنة في وظائفه نهارا.

السادسة:أجمع العلماء على أنّه لا يجوز أن يدفن في مقبرة المسلمين كافر،

لئلاّ يتأذّى المسلمون بعذابهم،و لأنّها إن كانت وقفا ففيه إخراج له عن شرطه، و لأنّه أنسب بتعظيم المسلم،و قد سبق استثناء الحامل من مسلم (5).

فعلى هذا،لو دفن نبش ان كان في الوقف،و لا يبالي بالمثلة فإنه لا حرمة له.و لو كان في غيره،أمكن صرفا للأذى عن المسلمين،و لأنّه كالمدفون في الأرض المغصوبة.

ص: 42


1- ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر 3:312 ح 1416،1417.
2- المصنف لعبد الرزاق 3:510 ح 6553،المصنف لابن أبي شيبة:3:346،صحيح البخاري 2:113.
3- مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر 2:278،أسد الغابة 6:192،تذكرة الفقهاء 1:54.
4- صحيح مسلم 2:651 ح 943،سنن ابن ماجة 1:487 ح 1521،سنن النسائي 4:82.
5- تقدم في ص:9،المسألة الثانية.
البحث الثاني:في التعزية.

و هي تفعلة من العزاء،أي:الصبر،يقال:عزّيته فتعزّى،أي:صبّرته فتصبّر.و المراد بها طلب التسلّي عن المصاب،و التصبّر عن الحزن و الاكتئاب، بإسناد الأمر الى اللّه عزّ و جلّ و نسبته الى عدله و حكمته،و ذكر لقاء وعد اللّه على الصبر،مع الدعاء للميت و المصاب لتسليته عن مصيبته.و هي مستحبّة إجماعا، و لا كراهة فيها بعد الدفن عندنا،و الدفن خاتمة أمره لا أمر أهله.

و قد روى إسحاق بن عمار عن الصادق(عليه السلام)،قال:«ليس التعزية إلاّ عند القبر ثم ينصرفون،لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت» (1)،و يظهر من كلام ابن البراج.

لنا:عموم قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«من عزّى مصابا فله مثل أجره»،رواه العامّة (2)و رواه الكليني بزيادة:«من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيء»عن وهب،عن الصادق(عليه السلام)،عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (3).

و عنه(صلّى اللّه عليه و آله):«ما من مؤمن يعزّي أخاه بمصيبته إلاّ كساه اللّه من حلل الكرامة» (4)رواه عمرو بن حزم،عن أبيه،عن جده.

و روى الكليني،عن إسماعيل الجزري،عن الصادق(عليه السلام)،عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«من عزّى حزينا كسي في الموقف حلّة يحبى بها» (5)و روي:«يحبر بها» (6)أي:يسر.

ص: 43


1- الكافي 3:203 ح 1،التهذيب 1:463 ح 1511.
2- سنن ابن ماجة 1:511 ح 1602،الجامع الصحيح 3:385 ح 1073.
3- قرب الاسناد:25،الكافي 3:205 ح 2،ثواب الأعمال:236.
4- سنن ابن ماجة 1:511 ح 1601،السنن الكبرى 4:59.
5- الكافي 3:226 ح 2،و فيه:عن إسماعيل الجوزي.
6- الكافي 3:205،ح 1،ثواب الأعمال:235.

و قال(صلّى اللّه عليه و آله):«التعزية تورث الجنة» (1).

و قال هشام بن الحكم:رأيت الكاظم(عليه السلام)يعزّي قبل الدفن و بعده (2).

و خبر إسحاق ليس بصريح في كونه قبل الدفن،و لو سلّم حمل على تعزية خاصّة كأقلّ التعزية،كما قال الصادق(عليه السلام):«كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة» (3)،و لا تحمل على الأفضل،لأنّ ابن أبي عمير أرسل عن الصادق(عليه السلام):«التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن» (4)و ظاهره:أنها الكاملة،و لأن ابن بابويه روى عنه(عليه السلام):«التعزية الواجبة بعد الدفن» (5).و من ثم حكم الشيخ بأفضليتها بعد الدفن (6)و تبعه الفاضلان (7)، لاشتغال المعزّى قبل دفنه بتجهيزه،و اشتداد جزعهم بعده بمفارقته.

و لا حدّ لزمانها،عملا بالعموم.نعم،لو أدّت التعزية إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى.و يمكن القول بثلاثة أيام،لنقل الصدوق عن أبي جعفر (عليه السلام):«يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات» (8).و نقل عن الصادق(عليه السلام):«انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أمر فاطمة عليها السلام أن تأتي أسماء بنت عميس و نساؤها،و ان تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام،فجرت بذلك السنّة» (9).9.

ص: 44


1- ثواب الأعمال:235.
2- الكافي 3:205 ح 9،الفقيه 1:110 ح 503،التهذيب 1:463 ح 1516،الاستبصار 1: 217 ح 769.
3- الفقيه 1:110 ح 505.
4- الكافي 3:204 ح 2 التهذيب 1:463 ح 1512،الاستبصار 1:217 ح 770.
5- الفقيه 1:110 ح 504.
6- الخلاف 1:729 المسألة 556.
7- المعتبر 1:342،تذكرة الفقهاء:1:58.
8- الكافي 3:217 ح 2،الفقيه 1:116 ح 545.
9- المحاسن:149،الكافي 3:217 ح 1،الفقيه 1:116 ح 549.

قال:و قال الصادق(عليه السلام):«ليس لأحد ان يحدّ أكثر من ثلاثة أيام،إلاّ المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها» (1).قال:و اوصى أبو جعفر(عليه السلام)بثمانمائة درهم لمأتمه،و كان يرى ذلك (2)السنة،لأنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أمر باتخاذ طعام لآل جعفر(عليه السلام) (3).

و في كلّ هذه إيماء الى ذلك،و الشيخ أبو الصلاح قال:من السنّة تعزية أهله ثلاثة أيام،و حمل الطعام إليهم (4).

و الشيخ في المبسوط نقل الإجماع على كراهية الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة (5).و ردّه ابن إدريس بأنّه اجتماع و تزاور (6).و انتصر المحقّق بأنّه لم ينقل عن أحد من الصحابة و الأئمة الجلوس لذلك،فاتخاذه مخالف لسنّة السلف،و لا يبلغ التحريم (7).

قلت:الأخبار المذكورة مشعرة به،فلا معنى لاغترام حجّة التزاور، و شهادة الإثبات مقدّمة،إلاّ أن يقال:لا يلزم من عمل المأتم الجلوس للتعزية بل هو مقصور على الاهتمام بأمور أهل الميت لاشتغالهم بحزنهم،لكن اللغة و العرف بخلافه،قال الجوهري:المأتم:النساء يجتمعن،قال:و عند العامّة:

المصيبة (8)،و قال غيره:المأتم:المناحة (9)و هما مشعران بالاجتماع.م.

ص: 45


1- الفقيه 1:116 ح 550.
2- في المصدرين زيادة:«من».
3- الفقيه 1:116 ح 546،الكافي 3:217 ح 4.
4- الكافي في الفقه:240.
5- المبسوط 1:189.
6- السرائر:34.
7- المعتبر 1:344.
8- الصحاح 5:1857.
9- قاله ابن بري كما في لسان العرب-مادة أتم.

تنبيه

الإجماع على استحباب إطعام أهل الميت،لما سبق.و يكره الأكل عندهم،لقول الصادق(عليه السلام):«الأكل عند أهل المصيبة من عمل الجاهلية» (1).نعم،لو أوصى الميت بذلك نفّذت وصيته،لأنّه نوع من أنواع البرّ يلحقه ثوابه بعد موته،و لكن لو فوّض الى غير أهله لكان أنسب،لاشتغالهم بمصابهم عن ذلك كما دلّ عليه الخبر.

و ليقل المعزّي ما قاله الصادق(عليه السلام)لقوم:«جبر اللّه وهنكم، و أحسن عزاكم،و رحم متوفاكم» (2).

و عزّى(عليه السلام)آخر بابن له،فقال:«اللّه خير لابنك منك،و ثواب اللّه خير لك منه»،فلمّا بلغه شدّة جزعه عاد اليه،فقال له:«قد مات رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)أ فما لك به أسوة».فقال:انه كان مرهقا،أي:يظن به السوء.قال:«انّ أمامه ثلاث خصال:شهادة ألاّ إله إلاّ اللّه،و رحمة اللّه، و شفاعة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فلن تفوته واحدة منهنّ ان شاء اللّه» (3).

و عن زين العابدين:«لمّا توفّي رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)سمعوا قائلا يقول:انّ في اللّه عزاء من كلّ مصيبة،و خلفا من كلّ هالك،و دركا ممّا فات،فباللّه فثقوا،و إيّاه فارجوا،فان المصاب من حرم الثواب» (4).2.

ص: 46


1- الفقيه 1:116 ح 548.
2- الفقه 1:110 ح 506.
3- الكافي 3:204 ح 7،الفقيه 1:110 ح 508،ثواب الأعمال:235،التهذيب 1:468 ح 1537.
4- كمال الدين:392.
البحث الثالث:في البكاء و توابعه.

و هو جائز إجماعا،قبل خروج الروح و بعده،لما روي انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله):قبّل عثمان بن مظعون و هو ميت،و رفع رأسه و عيناه تهرقان (1).

و في البخاري و مسلم عن أنس:دخلنا على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) و إبراهيم يجود بنفسه،فجعلت عينا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)تذرفان.فقال له عبد الرحمن بن عوف:و أنت يا رسول اللّه.فقال:«يا بن عوف انّها رحمة» ثم أتبعها بأخرى.فقال:«انّ العين تدمع،و القلب يحزن،و لا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا،و انّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» (2).

و في الكليني:عن ابن القداح عن الصادق(عليه السلام):«لما مات إبراهيم هملت عينا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بالدموع،ثم قال(صلّى اللّه عليه و آله):تدمع العين،و يحزن القلب،و لا نقول ما يسخط الرب،و انّا بك يا إبراهيم لمحزونون» (3).

و عن ابن عمر:عاد النبي(صلّى اللّه عليه و آله)سعد بن عبادة فوجده في غشيته،فبكى النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا.فقال:

«الا تسمعون انّ اللّه لا يعذّب بدمع العين،و لا بحزن القلب،و لكن يعذّب بهذا»و أشار الى لسانه«أو يرحم» (4).

و روينا عن الحارث بن يعلى بن مرّة،عن أبيه،عن جده،قال:قبض

ص: 47


1- المصنف لعبد الرزاق 3:596 ح 6775،مسند أحمد 6:43،سنن ابن ماجة 1:468 ح 1456،سنن أبي داود 3:201 ح 3163،الجامع الصحيح 3:314 ح 989،المستدرك على الصحيحين 1:361.
2- صحيح البخاري 2:105،صحيح مسلم 4:1807 ح 2315.
3- الكافي 3:262 ح 45.
4- صحيح البخاري 2:106،صحيح مسلم 2:636 ح 924.

رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فستر بثوب و عليّ عند طرف ثوبه،و قد وضع خدّيه على راحتيه،و الريح تضرب طرف الثوب على وجه عليّ،و الناس على الباب و في المسجد ينتحبون و يبكون (1).

قال الصدوق:لما انصرف رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)من وقعة أحد إلى المدينة،سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا و بكاء،و لم يسمع من دار حمزة عمّه،فقال(صلّى اللّه عليه و آله):«لكنّ حمزة لا بواكي له».فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت و لا يبكوه،حتى يبدءوا بحمزة فينوحوا عليه و يبكوه،فهم الى اليوم على ذلك (2).

و لما مرّ من بكاء أمير المؤمنين(عليه السلام)على فاطمة (3).

و عن الصادق(عليه السلام):«من خاف على نفسه من وجد بمصيبة، فليفض من دموعه،فإنّه يسكّن عنه» (4).

و عنه(عليه السلام):«انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب(عليه السلام)و زيد بن حارثة رضي اللّه عنه كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا،و يقول:كانا يحدّثاني و يؤنساني فذهبا جميعا» (5).

و روى الشيخ في التهذيب بالسند الى محمد بن الحسن الواسطي،عن الصادق(عليه السلام):«ان إبراهيم خليل الرحمن سأل ربّه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته» (6).

و لا يكره عندنا البكاء بعد الموت.و قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«فإذا4.

ص: 48


1- التهذيب 1:468 ح 1535.
2- الفقيه 1:116 ح 553،السنن الكبرى 4:70.
3- مصادرة كثيرة للمثال انظر:الكافي 1:459،روضة الواعظين:151،كشف الغمة 1: 501،البحار 43:178.
4- الفقيه 1:119 ح 568.
5- الفقيه 1:113 ح 527.
6- التهذيب 1:465 ح 1524.

وجبت فلا تبكينّ باكية» (1)يحمل على رفع الصوت بالبكاء،لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لما بكى و قال عبد الرحمن:أو لم تكن نهيت عن البكاء،قال:«لا، و لكن نهيت عن صوتين فاجرين:صوت عند مصيبة،خمش وجوه،و شق جيوب.

و رنّة شيطان» (2)و في صحيح مسلم:ان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)زار قبر امّه، فبكى و أبكى من حوله (3).

و يستحبّ الاسترجاع عند المصيبة،للآية (4)و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«أربع من كنّ فيه كان في نور اللّه الأعظم:من كان عصمة أمره شهادة أنّ لا إله إلاّ اللّه و أنّي رسول اللّه،و من إذا أصابته مصيبة قال إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و من إذا أصاب خيرا قال:الحمد للّه،و من إذا أصاب خطيئة قال استغفر اللّه و أتوب اليه» (5).

و قال الباقر(عليه السلام):«ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا، فيسترجع عند المصيبة،و يصبر حين تفجؤه المصيبة،إلاّ غفر اللّه ما مضى من ذنوبه إلاّ الكبائر التي أوجب اللّه عليها النار.و كلّما ذكر مصيبته فيما يستقبل من عمره،فاسترجع عندها و حمد اللّه عزّ و جلّ،إلاّ غفر اللّه له كل ذنب اكتسبه فيما بين الاسترجاع الأول إلى الاسترجاع الأخير،إلاّ الكبائر من الذنوب» (6).

رواهما ابن بابويه،و أسند الكليني الثاني إلى معروف بن خربوذ عن الباقر (عليه السلام)و لم يستثن منه الكبائر.

و روى الكليني بالإسناد الى داود بن زربي-بكسر الزاء ثم الراء الساكنة-4.

ص: 49


1- الموطأ 1:108 ح 302،سنن النسائي 4:13.
2- الجامع الصحيح 3:328 ح 1005.
3- صحيح مسلم 2:671 ح 976،سنن ابن ماجة 1:501 ح 1572،سنن أبي داود 3:218 ح 3234،سنن النسائي 4:90.
4- سورة البقرة:156.
5- المحاسن:7،الفقيه 1:111 ح 514 الخصال:222،ثواب الأعمال:198.
6- الكافي 3:224 ح 5،الفقيه 1:111 ح 515،ثواب الأعمال:234.

عن الصادق(عليه السلام):«من ذكر مصيبته و لو بعد حين،فقال: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،و اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .اللّهم أجرني على مصيبتي،و اخلف عليّ أفضل منها،كان له من الأجر مثلما كان عند أول صدمة» (1).

و روى مسلم عن أم سلمة رضي اللّه عنها:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«ما من مسلم تصيبه مصيبة،فيقول ما أمره اللّه به:انّا للّه و انّا إليه راجعون.اللّهم آجرني في مصيبتي،و اخلف لي خيرا منها،إلاّ أخلف اللّه له خيرا منها».فلمّا مات أبو سلمة،قلت:أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر الى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)؟ثم اني قلتها فاخلف لي رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (2).

و في الترمذي عن أبي موسى عبد اللّه بن قيس:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)«إذا مات ولد العبد قال اللّه تعالى لملائكته:أقبضتم ولد عبدي.

فيقولون:نعم.فيقول:قبضتم ثمرة فؤاده.فيقولون:نعم.فيقول:ما ذا قال عبدي.فيقولون:حمدك و استرجع.فيقول اللّه:ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، و سموه:بيت الحمد» (3).

و نحوه رواه الكليني بسنده إلى السكوني،عن الصادق(عليه السلام)،عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (4).و كذا رواه ابن بابويه (5).

و في البخاري:«فيقول اللّه عزّ و جلّ:ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيّة من أهل الدنيا ثم احتسبه إلاّ الجنة» (6).

و عن ابن عباس:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«من كان له فرطان2.

ص: 50


1- الكافي 3:224 ح 6.
2- صحيح مسلم 2:631 ح 918.
3- الجامع الصحيح 3:241 ح 1021.
4- الكافي 3:218 ح 4.
5- الفقيه 1:112 ح 523.
6- صحيح البخاري 8:112.

من أمتي أدخله اللّه بهما الجنة».فقيل:فمن كان له فرط؟قال:«و من كان له فرط».فقيل:فمن لم يكن له فرط؟فقال:«فانا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي» (1).

و روى ابن بابويه عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،انه قال:«لا يدخل الجنة رجل ليس له فرط».فقال له رجل:فمن لم يولد له و لم يقدم ولدا؟فقال:

«إنّ من فرط الرجل أخاه في اللّه» (2)و عن الصادق(عليه السلام):«الصبر صبران:صبر عند المصيبة حسن جميل،و أفضل من ذلك الصبر عند ما حرّم اللّه عزّ و جلّ عليك فيكون لك حاجزا» (3).

و عن الصادق(عليه السلام):«من قدّم ولدا،كان خيرا له من سبعين يخلفونه من بعده،كلّهم قد ركب الخيل و قاتل في سبيل اللّه» (4).

قال:و عنه(عليه السلام):«ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة،صبر أو لم يصبر» (5).

و عنه(عليه السلام):«من أصيب بمصيبة،جزع عليها أو لم يجزع،صبر عليها أو لم يصبر،كان ثوابه من اللّه الجنة» (6).

و يلحق بذلك فوائد شتى أوردت في الكافي و غيره:

منها:عن سليمان النخعي عن الصادق(عليه السلام):«من أصيب بمصيبة،فليذكر مصابه بالنبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فإنّها من أعظم المصائب» (7).

و منها:عن عمرو بن سعيد الثقفي عن الباقر(عليه السلام):«فاذكر1.

ص: 51


1- مسند أحمد 1:334،الجامع الصحيح 3:376 ح 1062.
2- الفقيه 1:112 ح 520.
3- الفقيه 1:118 ح 565،و في الكافي 2:174 ح 11.
4- الفقيه 1:112 ح 519،و في الكافي 3:218 ح 1.
5- الفقيه 1:112،518،و في الكافي 3:219 ح 8.
6- الفقيه 1:111،ح 517.
7- الكافي 3:220 ح 1.

مصابك برسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثله» (1).

و منها:عن عبد اللّه بن الوليد بإسناده:لما أصيب علي(عليه السلام)بعثني الحسن الى الحسين(عليهما السلام)و هو بالمدائن:فلمّا قرأ الكتاب قال:«يا لها من مصيبة ما أعظمها،مع انّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابي،فإنّه لن يصاب بمصيبة أعظم منها» (2).

و منها:عن هشام بن سالم عن الصادق(عليه السلام)،قال:«لما مات النبي(صلّى اللّه عليه و آله)سمعوا صوتا و لم يروا شخصا،يقول:«كلّ نفس ذائقة الموت»إلى قوله:«فقد فاز».و قال:انّ في اللّه خلفا من كلّ هالك،و عزاء من كلّ مصيبة،و دركا ممّا فات،فباللّه فثقوا و إياه فارجوا،فإنّما المحروم من حرم الثواب» (3).

و منها:عن الحسين بن مختار،عنه(عليه السلام):«لما قبض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)جاء جبرئيل(عليه السلام)و النبي مسجّى،و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين(صلّى اللّه عليهم)،فقال:السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ .الآية،انّ في اللّه جلّ و عزّ عزاء من كل مصيبة،و خلفا من كلّ هالك،و دركا لمن فات،فباللّه عزّ و جلّ فثقوا و إياه فارجوا،فانّ المصاب من حرم الثواب.هذا آخر وطئي من الدنيا» (4).

و منها:عن زيد الشحام عنه(عليه السلام):«لما قبض رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أتاهم آت،يسمعون حسّه و لا يرون شخصه،فقال:السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ الآية،في اللّه عزاء من كلّ مصيبة،و خلف من كل هالك،و دركا لما فات،فباللّه فثقوا و إياه9.

ص: 52


1- الكافي 3:220 ح 2.
2- الكافي 3:220 ح 3.
3- الكافي 3:221 ح 4،تفسير العياشي:210.
4- الكافي 3:221 ح 5،تفسير العياشي:209.

فارجوا،فانّ المحروم من حرم الثواب،و السلام عليكم» (1).

و منها:عن عبيد بن الوليد عن الباقر(عليه السلام)مثله،و في آخره:

«و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.فقال بعضهم:هذا ملك من السماء بعثه اللّه عزّ و جلّ ليعزيكم.و قال بعضهم:هذا الخضر» (2).

و منها:عن جابر عن الباقر(عليه السلام):«أشدّ الجزع:الصراخ بالويل و العويل،و لطم الوجه و الصدر،و جزّ الشعر.و من اقام النواحة فقد ترك الصبر، و من صبر و استرجع و حمد اللّه جلّ ذكره،فقد رضي بما صنع اللّه و وقع أجره على اللّه جلّ و عزّ،و من لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء و هو ذميم،و أحبط اللّه عزّ و جلّ أجره» (3).

و منها:عن ربعي بن عبد اللّه عن الصادق(عليه السلام)،قال:«ان الصبر و البلاء يستبقان إلى المؤمن،يأتيه البلاء و هو صبور.و انّ الجزع و البلاء يستبقان الى الكافر،فيأتيه البلاء و هو جزوع» (4).

و منها:عن السكوني عنه(عليه السلام):«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):ضرب المسلم يده على فخذه عند المصيبة إحباط لأجره» (5).

و منها:عن موسى بن بكر عن الكاظم(عليه السلام)،قال:«ضرب الرجل يده على فخذه عند المصيبة إحباط أجره» (6).

و منها:عن إسحاق بن عمار عن الصادق(عليه السلام):«يا إسحاق:لا تعدّن مصيبة أعطيت عليها الصبر و استوجبت عليها من اللّه عزّ و جلّ الثواب،انّما9.

ص: 53


1- الكافي 3:221 ح 6،تفسير العياشي:210.
2- الكافي 3:222 ح 8،عن عبد اللّه بن الوليد عن الباقر(عليه السلام).
3- الكافي 222 ح 1.
4- الكافي 3:223 ح 3،الفقيه 1:113 ح 528.
5- الكافي 3:224 ح 4.
6- الكافي 3:225 ح 9.

المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها و ثوابها إذا لم يصبر عند نزولها» (1).

و منها:عن(أبي ميسرة) (2)،قال:كنا عند أبي عبد اللّه(عليه السلام)، فجاءه رجل و شكا إليه مصيبة،فقال له:«اما انّك ان تصبر تؤجر،و إلاّ تصبر يمضي عليك قدر اللّه عزّ و جلّ الذي قدّر عليك» (3).

تتمة:

يستحبّ تعزية جميع أهل الميت،و يتأكّد في النساء،لضعف صبرهنّ.

و روى أبو الجارود عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:«فيما ناجى به موسى(عليه السلام)ربه تعالى:يا رب ما لمن عزّى الثكلى؟فقال:أظلّه في ظلّي يوم لا ظلّ إلا ظلّي» (4).

و عن عبد اللّه العمري عن علي(عليه السلام):«من عزّى الثكلى أظلّه اللّه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ الا ظلّه» (5).

و روى أبو داود عن أبي برزة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«من عزّى ثكلى كسي بردا في الجنة» (6).

نعم،لا تعزّى الشابة الأجنبية خوف الفتنة.

و يعزّى الصغير،للعموم.

و قال ابن بابويه:إن كان المعزى يتيما مسح يده على رأسه،فقد روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«من مسح يده على رأس يتيم ترحما له،كتب اللّه له6.

ص: 54


1- الكافي 3:224 ح 7.
2- في المصدر:فضيل بن ميسر.
3- الكافي 3:225 ح 10،و تمامه:«و أنت مأزور».
4- الكافي 3:226 ح 1،ثواب الأعمال:231.
5- الكافي 3:227 ح 3،عن عيسى بن عبد اللّه العمري،عن أبيه،عن جده،عن أبيه،قال:قال أمير المؤمنين(عليه السلام)..
6- الجامع الصحيح 3:387 ح 1076.

بعدد كل شعرة مرّت عليها حسنة».قال:و ان وجد باكيا سكّت بلطف،فعن العالم(عليه السلام):«إذا بكى اليتيم اهتزّ له العرش،فيقول اللّه تبارك و تعالى:

من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه،فو عزّتي و جلالي و ارتفاع مكاني لا يسكته عبد إلاّ وجبت له الجنة» (1).

و يعزّى المسلم بقريبه الذمي،و الدعاء للمسلم.و اختلف في تعزية الذمي،فمنعه في المعتبر،لأنّه موادّة منهي عنها (2)و لقوله(صلّى اللّه عليه و آله):

«لا تبدءوهم بالسلام» (3)و هذا في معناه.و جوزه في التذكرة،لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عاد يهوديا في مرضه و قال له:«أسلم»،فنظر الى أبيه فقال له أبوه:

أطع أبا القاسم فأسلم،فقال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«الحمد للّه الذي أنقذه من النار»،و التعزية في معنى العيادة (4).و أجيب:لعلّه لرجاء إسلامه.

و بالغ ابن إدريس-رحمه اللّه-فمنع من تعزية المخالف للحق مطلقا إلاّ لضرورة،فيدعو له بإلهام الصبر لا بالأجر،و يجوز الدعاء لهم بالبقاء،لما ثبت من جواز الدعاء لهم به في أخبار الأئمة(عليهم السلام).قال:و ليقل لأخيه في الدين:ألهمك اللّه صبرا و احتسابا،و وفّر لك الأجر،و رحم المتوفّى و أحسن الخلف على مخلّفيه،أو يقول:أحسن اللّه لك العزاء،و ربط على قلبك بالصبر،و لا حرمك الأجر.و يكفي:آجرك اللّه (5).

قال:و ليس في تعزية النساء سنّة (6).و يدفعه ما سبق.4.

ص: 55


1- بنصه في الفقه المنسوب للإمام الرضا(عليه السلام):172،و هو ينسب-فيما ينسب إليه-لعلي بن بابويه.راجع مقدّمة الكتاب ص 37-42.
2- المعتبر 1:343.
3- صحيح مسلم 4:1707 ح 21670،سنن أبي داود 4:352 ح 5205،الجامع الصحيح 4: 154 ح 1602.
4- تذكرة الفقهاء 1:58. و الرواية في مسند أحمد 3:280،صحيح البخاري 2:118،سنن أبي داود 3:185 ح 3095.
5- السرائر:34.
6- السرائر:34.
البحث الرابع:في النياحة.
اشارة

يحرم اللطم و الخدش و جزّ الشعر،إجماعا-قاله في المبسوط (1)-و لما فيه من السخط لقضاء اللّه،و لرواية خالد بن سدير عن الصادق(عليه السلام):«لا شيء في لطم الخدود،سوى الاستغفار و التوبة» (2).

و روى العامة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)في صحاحهم:«أنا بريء ممّن حلق و صلق» (3)أي:حلق الشعر،و رفع صوته.

و في الفقيه:قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لفاطمة حين قتل جعفر بن أبي طالب:«لا تدعينّ بويل (4)،و لا ثكل،و لا حرب،و ما قلت فيه فقد صدقت» (5).

و روى مسلم:«أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن:الفخر بالأحساب،و الطعن في الأنساب،و الاستسقاء بالنجوم،و النياحة» (6).و المراد به المشتملة على ذلك،لما يأتي من إباحة النوح الخالي من ذلك.

و استثنى الأصحاب-إلاّ ابن إدريس (7)-شقّ الثوب على موت الأب و الأخ لفعل العسكري على الهادي (8)،و فعل الفاطميات على الحسين(عليه السلام).

روى فعل الفاطميات أحمد بن محمد بن داود،عن خالف بن سدير،عن الصادق

ص: 56


1- المبسوط 1:189.
2- التهذيب 8:325 ح 1207.
3- المصنف لعبد الرزاق 3:558 ح 6684،صحيح مسلم 1:100 ح 104،سنن ابن ماجة 1: 505 ح 1586،سنن أبي داود 3:194 ح 3130،سنن النسائي 4:20،السنن الكبرى 4: 64.
4- في المصدر:«بذل»،و زيادة:«و لا حزن».
5- الفقيه 1:112 ح 521.
6- صحيح مسلم 2:644 ح 934.
7- السرائر:34.
8- الفقيه 1:111 ح 511.

(عليه السلام)،و سأله عن شقّ الرجل ثوبه على أبيه و أمّه و أخيه،أو على قريب له؟فقال:«لا بأس بشق الجيوب،قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون، و لا يشق الوالد على ولده،و لا زوج على امرأته،و تشق المرأة على زوجها» (1).

و في نهاية الفاضل:يجوز شق النساء الثوب مطلقا (2)و في الخبر إيماء اليه.

و روى الحسن الصفار عن الصادق(عليه السلام):«لا ينبغي الصياح على الميت،و لا شقّ الثياب» (3)و ظاهره الكراهة.و في المبسوط:روي جواز تخريق الثوب على الأب و الأخ،و لا يجوز على غيرهما (4).

و يجوز النوح بالكلام الحسن و تعداد فضائله باعتماد الصدق،لأنّ فاطمة عليها السلام فعلته في قولها:«يا أبتاه من ربه ما أدناه،يا أبتاه إلى جبريل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه» (5)،و روي انها أخذت قبضة من تراب قبره(صلّى اللّه عليه و آله)فوضعتها على عينيها و أنشدت:

ما ذا على المشتم تربة أحمد *** أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها صبت على الأيام عدن لياليا (6)

و لما سبق من النوح على حمزة (7).

و روى ابن بابويه:ان الباقر(عليه السلام)أوصى أن يندب في المواسم2.

ص: 57


1- التهذيب 8:325 ح 1207.
2- نهاية الإحكام 2:290.
3- الكافي 3:225 ح 8،عن امرأة حسن الصيقل عن الصادق(عليه السلام).
4- المبسوط 1:189.
5- صحيح البخاري 6:18،سنن ابن ماجة 1:522،1630،سنن النسائي 4:13،المستدرك على الصحيحين 1:382،باختلاف يسير.
6- المغني لابن قدامة 2:411،المعتبر 1:345،إرشاد الساري 2:407،وفاء الوفا 4:1405، الوفا بأحوال المصطفى 2:803.
7- تقدّم في ص 48 الهامش 2.

عشر سنين (1).

و سئل الصادق(عليه السلام)عن أجر النائحة،فقال:«لا بأس،قد نيح على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)» (2).

و في خبر أخر عنه:«لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا» (3).

و في خبر أبي بصير عنه(عليه السلام):«لا بأس بأجر النائحة» (4).

و روى حنان بن سدير عنه(عليه السلام):«لا تشارط،و تقبل كلّ ما أعطيت» (5).

و روى أبو حمزة عن الباقر(عليه السلام):«مات ابن المغيرة،فسألت أم سلمة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فاذن لها،و كان ابن عمها،فقالت:

أنعى الوليد بن الوليد *** أبا الوليد فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجدا يسمو الى طلب الوتيرة

قد كان غيثا للسنين و جعفرا غدقا و ميرة

و في تمام الحديث:فما عاب عليها النبي ذلك و لا قال شيئا» (6).

مسائل ثلاث:
الأولى:يجوز الوقف على النوائح،

لأنّه فعل مباح فجاز صرف المال اليه، و لخبر يونس بن يعقوب عن الصادق(عليه السلام)،قال:«قال لي أبي:يا جعفر

ص: 58


1- الفقيه 1:116 ح 547.
2- الفقيه 1:116 ح 551.
3- الفقيه 1:116 ح 552.
4- التهذيب 6:359 ح 1028،الاستبصار 3:60 ح 199.
5- قرب الاسناد:58،الكافي 5:117 ح 3،التهذيب 6:358 ح 1026،الاستبصار 3:60 ح 200.
6- الكافي 5:117 ح 2،التهذيب 6:358 ح 1027.

قف من مالي كذا و كذا،لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى» (1).و المراد بذلك تنبيه الناس على فضائله و إظهارها ليقتدى بها،و يعلم ما كان عليه أهل هذا البيت لتقتفى آثارهم،لزوال التقية بعد الموت.

و الشيخ-في المبسوط-و ابن حمزة حرّما النوح،و ادّعى الشيخ الإجماع (2).

و الظاهر:انّهما أرادا النوح بالباطل،أو المشتمل على المحرّم كما قيّده في النهاية (3).

و في التهذيب جعل كسبها مكروها بعد روايته أحاديث النوح (4).

و احتجّ المانع بما سبق (5)،و بما رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله):«النائحة إذا لم تتب،تقام يوم القيامة و عليها سربال من قطران» (6).

و في السنن عن أبي سعيد الخدري:لعن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) النائحة و المستمعة (7).

و روى مسلم عنه(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«ليس منا من ضرب الخدود،و شقّ الجيوب»،رواه ابن مسعود (8).

و عن أم عطية:اتخذ علينا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عند البيعة ألاّ ننوح (9).

و جوابه:الحمل على ما ذكرناه،جمعا بين الأخبار،و لأنّ نياحة الجاهلية6.

ص: 59


1- الكافي 5:117 ح 1،التهذيب 6:358 ح 1025.
2- المبسوط 1:189،الوسيلة 1:69.
3- النهاية:365.
4- التهذيب 6:359.
5- تقدّم في ص 56 الهامش 3.
6- صحيح مسلم 2:644 ح 934،و في:مسند أحمد 5:342،سنن ابن ماجة 1:504 ح 1582،المستدرك على الصحيحين 1:383.
7- مسند أحمد 3:65،سنن أبي داود 3:193 ح 3128.
8- صحيح مسلم 1:99 ح 103،و في:مسند أحمد 1:456،صحيح البخاري 4:223،سنن ابن ماجة 1:504 ح 1584،الجامع الصحيح 3:324 ح 999،سنن النسائي 4:20.
9- صحيح مسلم 2:645 ح 936.

كانت كذلك غالبا،و لأنّ أخبارنا خاصة و الخاص مقدّم.

الثانية:المراثي المنظومة جائزة عندنا،

لما مرّ،و لأنّها نوع من النوح و قد دللنا على جوازه،و قد سمع الأئمة(عليهم السلام)المراثي و لم ينكروها.

الثالثة:لا يعذّب الميت بالبكاء عليه،

سواء كان بكاء مباحا أو محرّما كالمشتمل على المحرّم،لقوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (1).

و ما في البخاري و مسلم في خبر عبد اللّه بن عمر-انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«انّ الميت ليعذّب ببكاء أهله» (2).و في رواية اخرى:«أنّ اللّه ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله» (3).و يروى أنّ حفصة بكت على عمر،فقال:مهلا يا بنية ألم تعلمي أنّ رسول اللّه قال:«انّ الميت يعذّب ببكاء أهله عليه» (4)-مأوّل.

قيل و أحسنه:أنّ الجاهلية كانوا ينوحون و يعدّون جرائمه كالقتل و شنّ الغارات، و هم يظنونها خصالا محمودة،فهو يعذّب بما يبكون به عليه (5).و يشكل:انّ الحديث ظاهر في المنع عن البكاء بسبب استلزامه عذاب الميت،بحيث ينتفي التعذيب بسبب انتفاء البكاء قضية للعلية،و التعذيب بجرائمه غير منتف بكى عليه أولا.

و قيل:لأنهم كانوا يوصون بالندب و النياحة،و ذلك حمل منهم على المعصية و هو ذنب،فإذا عمل بوصيتهم زيدوا عذابا (6).و ردّ:بأنّ ذنب الميت الحمل على الحرام و الأمر به،فلا يختلف عذابه بالامتثال و عدمه،و لو كان للامتثال أثر لبقي الإشكال بحاله.

و قيل:لأنّهم إذا ندبوه يقال له:أ كنت كما يقولون (7).و ردّ:بأنّ هذا توبيخ

ص: 60


1- سورة فاطر:18.
2- ،
3- صحيح البخاري 2:101،صحيح مسلم 2:640 ح 927،928.
4- صحيح مسلم 2:638 ح 927،المصنف لابن أبي شيبة 3:391.
5- المجموع 5:309،شرح صحيح مسلم للنووي 4:248،عمدة القارئ 8:79.
6- قاله المزني و جمهور العلماء،المجموع 5:308،عمدة القارئ 8:79.
7- فتح العزيز 5:266.

و تخويف له و هو نوع من العذاب،فليس في هذا سوى بيان نوع التعذيب،فلم يعذب بما يفعلون.

و عن عائشة:رحم اللّه ابن عمرو اللّه ما كذب،و لكنه أخطأ أو نسي،انّما مرّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على يهودية و هم يبكون عليها فقال:«انّهم يبكون و انّها لتعذب في قبرها» (1).و روي أنّها قالت:و هل،أنّما قال رسول اللّه:

«أنّ أهل الميت ليبكون عليه و أنّه ليعذّب بجرمه» (2).و هذا نسبة الراوي الى الخطأ،و هو علّة من العلل المخرجة للحديث عن شرط الصحة.

و لك أن تقول:انّ(الباء)بمعنى(مع)،أي:يعذب مع بكاء اهله عليه، يعني:انّ الميت يعذّب بأعماله و هم يبكون عليه فما ينفعه بكاؤهم،و يكون زجرا عن البكاء لعدم نفعه،و تطابق الحديث الآخر.ل.

ص: 61


1- صحيح مسلم 2:643 ح 932،سنن ابن ماجة 1:508 ح 1595،سنن النسائي 4:17.
2- المصنف لابن أبي شيبة:3:392 صحيح مسلم 2:643 ح 932. و هل:غلط و نسي،لسان العرب-مادة و هل.
البحث الخامس:في زيارة القبور.

و هي مستحبة للرجال إجماعا.

روى مسلم عن بريدة،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«كنت نهيتكم عن زيارة القبور،فزوروها فإنّها تذكّر الآخرة» (1).

و عنه(صلّى اللّه عليه و آله):«زوروا القبور فإنها تذكّر الموت» (2).

و روى الكليني عن محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام)،قال:

«قال أمير المؤمنين(عليه السلام):زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم، و ليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه و عند قبر امّه،بعد ما يدعو لهما» (3).

و روينا عن علي بن بلال و قد زار قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع بفيد-في طريق مكة شرّفها اللّه-قال:قال صاحب هذا القبر عن الرضا(عليه السلام):

«من أتى قبر أخيه المؤمن من أي ناحية كان،فوضع يده و قرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر أمن الفزع الأكبر» (4).

و عن هشام بن سالم عن الصادق(عليه السلام)،قال:«عاشت فاطمة (عليها السلام)بعد أبيها خمسة و سبعين يوما،لم تر كاشرة و لا ضاحكة،تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرتين:الاثنين،و الخميس» (5).و عن يونس عنه(عليه السلام):«انّ فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كلّ غداة سبت،فتأتي قبر حمزة

ص: 62


1- المصنف لعبد الرزاق 3:569 ح 6708 صحيح مسلم 2:672 ح 977،سنن ابن ماجة 1: 501 ح 1571،الجامع الصحيح 3:370 ح 1054،سنن النسائي 4:89.
2- صحيح مسلم 2:671 ح 976،سنن النسائي 4:90.
3- الكافي 3:229 ح 10،الخصال:582.
4- الكافي 3:229 ح 9،كامل الزيارات:319،التهذيب 6:104 ح 182،و في الجميع:«قرأ إنا أنزلناه سبع مرات».و لاحظ:رجال الكشي:564 رقم 1066.
5- الكافي 3:228 ح 3.

فتترحّم عليه و تستغفر له» (1).

و فيه دليل على جوازه للنساء،لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«فاطمة بضعة مني» (2).و لأنّ عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن،فقيل لها:قد نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن زيارة القبور فقالت:نهى ثم أمر بزيارتها (3)و ان النساء داخلات في الرخصة.

و كرهه في المعتبر لهنّ،لمنافاته الستر و الصيانة (4).و هو حسن إلاّ مع الأمن و الصون،لفعل فاطمة(عليها السلام).و لو كانت زيارتهنّ مؤدّية إلى الجزع و التسخّط لقضاء اللّه لضعفهن عن الصبر منعن منها،و عليه يحمل ما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لعن اللّه زوّارات القبور» (5).

و ليقل الزائر ما رواه أبو المقدام عن الباقر(عليه السلام)،أنّه قال على قبر رجل من الشيعة بالبقيع واقفا عليه:«اللّهم ارحم غربته،و صل وحدته،و آنس وحشته،و اسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك،و ألحقه بمن كان يتولاّه»،ثم قرأ القدر سبعا (6).

و سأل جرّاح الصادق(عليه السلام)عن كيفية التسليم على أهل القبور؟ قال:«يقول:السلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين،رحم اللّه3.

ص: 63


1- الفقيه 1:114 ح 537،التهذيب 1:465 ح 1523.
2- مسند أحمد 4:328،صحيح البخاري 5:26،صحيح مسلم 4:1903 ح 2499،حلية الأولياء 2:40.
3- مسند أبي يعلى 8:284 ح 4871،المستدرك على الصحيحين 1:376،السنن الكبرى 4: 78.
4- المعتبر 1:340.
5- المصنف لعبد الرزاق 3:569 ح 6704،الجامع الصحيح 3:371 ح 1056،السنن الكبرى 4:78.
6- التهذيب 6:105 ح 183.

المستقدمين (1)و المستأخرين،و انا إن شاء اللّه بكم لاحقون» (2).

و روى في الفقيه عن محمد بن مسلم،قلت للصادق(عليه السلام):

الموتى نزورهم،قال:«نعم».قلت:أ فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟قال:«أي و اللّه انّهم ليعلمون بكم،و يفرحون بكم،و يستأنسون إليكم».قال:فأي شيء نقول إذا أتيناهم؟قال:قل:«اللّهم جاف الأرض عن جنوبهم،و صاعد إليك أرواحهم،و لقّهم منك رضوانا،و اسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم، و تؤنس به وحشتهم،انك على كلّ شيء قدير» (3).

و روى إسحاق بن عمار عن الكاظم(عليه السلام):أنّه يعلم بزائره، و يأنس به،و يستوحش لانصرافه (4).

و قال فيه:قال الرضا(عليه السلام):«من أتى قبر مؤمن،يقرأ عنده إنّا أنزلناه سبع مرات،غفر اللّه له و لصاحب القبر» (5).

قال:و كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إذا مرّ على القبور قال:«السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين،و انّا إن شاء اللّه بكم لاحقون» (6).

و عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق(عليه السلام)يقول:«السلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين،أنتم لنا فرط،و نحن إن شاء اللّه بكم لاحقون» (7).

و روى مسلم عن بريدة:كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يعلّمهم إذا خرجوا الى المقابر:«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين و المسلمين،و انّا إن5.

ص: 64


1- في المصدرين زيادة:«منا».
2- الكافي 3:229 ح 8،الفقيه 1:114 ح 533.
3- الفقيه 1:115 ح 540.
4- الكافي 3:228 ح 4.
5- الفقيه 1:115 ح 541،باختلاف يسير.
6- الفقيه 1:114 ح 534،و في الكافي 3:229 ح 7 مضمرا.
7- الكافي 3:229 ح 5.

شاء اللّه بكم لاحقون» (1).

و في الترمذي عن ابن عباس:مرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقبور بالمدينة فأقبل عليهم بوجهه،فقال:«السلام عليكم يا أهل القبور،يغفر اللّه لنا و لكم، أنتم سلفنا و نحن بالأثر» (2).

تنبيه

ظهر من ذلك استحباب قراءة القرآن عند زيارة الميت،للخبرين السالفين،و لما روي انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«من دخل المقابر فقرأ سورة يس،خفّف عنهم يومئذ،و كان له بعدد ما فيها حسنات» (3)و لأنّا سنبيّن أنّ الميت يلحقه أعمال الخير،و لأنّ الدعاء عقيب القراءة أقرب الى الإجابة و الدعاء ينفع الميت.

تتمة:

لا يستحبّ لمن دخل المقبرة خلع نعله،للأصل،و عدم ثبت.

قالوا:رأى النبي(صلّى اللّه عليه و آله)رجلا يمشي في المقبرة و عليه نعلان، فقال:«يا صاحب السّبتين ألق سبتيك فرمى بهما» (4).

قلنا:حكاية حال،فلعلّه لما في هذا النوع من الخيلاء لأنّه لباس أهل التنعم،لا لأجل المقبرة.

و السبت-بكسر السين و سكون الباء-:جلود البقر المدبوغة بالقرظ،لأنّ شعرها سبت عنها،أي:حلق.و قيل:لأنّها انسبتت بالدباغ،أي:لأنت.6.

ص: 65


1- المصنف لابن أبي شيبة 3:340 صحيح مسلم 2:671 ح 975،سنن ابن ماجة 1:494 ح 1547.
2- الجامع الصحيح 3:369 ح 1053.
3- مجمع البيان 8:413.
4- سنن أبي داود 3:217 ح 3230،سنن النسائي 4:96.
البحث السادس:فيما يلحق الميت من الأفعال بعد موته.

قال الفاضل:اما الدعاء،و الاستغفار،و الصدقة،و أداء الواجبات التي تدخلها النيابة،فإجماع (1).

قال اللّه تعالى وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ (2).

و قال تعالى وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ (3).

و قد سبق في الدعاء للميت عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«اللهم اغفر لحينا و ميتنا» (4).و عن الأئمة(عليهم السلام)نحو ذلك (5).

و في الفقيه عن الصادق(عليه السلام):«انّ الميت يفرح بالترحم عليه و الاستغفار له،كما يفرح الحي بالهدية تهدى اليه» (6).

و روي أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال لعمرو بن العاص:«لو كان أبوك مسلما،فاعتقتم عنه أو تصدّقتم عنه أو حججتم،بلغه ذلك» (7).

و في البخاري و غيره عن ابن عباس،قال رجل:انّ أختي نذرت أن تحجّ و انها ماتت.فقال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لو كان عليها دين،أ كنت قاضيه؟»قال:نعم.قال:«فاقض دين اللّه فهو أحقّ بالقضاء» (8).

و أمّا ما عداها فعندنا انّه يصل اليه.روى ابن بابويه عن الصادق(عليه

ص: 66


1- تذكرة الفقهاء 1:58.
2- سورة الحشر:10.
3- سورة محمد:19.
4- تقدم في ج 1 ص 440،الهامش 3.
5- فلاح السائل:250،إقبال الأعمال:70،376.
6- الفقيه 1:117 ح 554.
7- سنن أبي داود 3:118 ح 2883.
8- صحيح البخاري 8:177،سنن النسائي 5:117،السنن الكبرى 5:179.

السلام):«ستة تلحق المؤمن بعد وفاته:ولد يستغفر له،و مصحف يخلفه، و غرس يغرسه،و صدقة ماء يجريه،و قليب يحفره،و سنّة يؤخذ بها من بعده» (1).

قلت:هذا الحديث يتضمّن المهم من ذلك،إذ قد روى ابن بابويه أيضا عن الصادق(عليه السلام):«من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا، أضعف له أجره،و نفع اللّه عز و جلّ به الميت» (2).

قال:و قال(عليه السلام):«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم، و الحج،و الصدقة،و البرّ،و الدعاء.و يكتب أجره للذي فعله و للميت» (3).

و لنذكر هنا أحاديث من هذا الباب،ضمنها السعيد المرتضى رضي الدين أبو القاسم علي بن الطاوس الحسني-طيب اللّه سره-في كتابه المسمى«غياث سلطان الورى لسكان الثرى»و قصد به بيان قضاء الصلوات عن الأموات.

الحديث الأول:رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه-و قد ضمن صحّة ما اشتمل عليه،و انّه حجّة بينه و بين ربّه-انّ الصادق(عليه السلام) سأله عمر بن يزيد،أ نصلّي عن الميت؟فقال:«نعم،حتى أنّه ليكون في ضيق فيوسع[اللّه]عليه ذلك الضيق،ثم يؤتى فيقال له:خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك») (4).

الثاني:ما رواه علي بن جعفر في مسائله عن أخيه موسى(عليه السلام)، قال:حدّثني أخي موسى بن جعفر،قال:«سألت أبي جعفر بن محمد عن الرجل،هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟قال:نعم،فيصلي ما أحب،و يجعل تلك للميت،فهو للميت إذا جعل ذلك له» (5).

و لفظ«ما أحب»للعموم،و جعلها نفسها للميت دون ثوابها ينفي أن تكون9.

ص: 67


1- الفقيه 1:117 ح 555،و في الكافي 7:57 ح 5.
2- الفقيه 1:117 ح 556،.
3- الفقيه 1:117 ح 557.
4- الفقيه 1:117 ح 554،و منه ما أثبتناه بين المعقوفين.
5- مسائل علي بن جعفر:199 ح 429.

هدية صلاة مندوبة.

الثالث:من مسائله أيضا عن أخيه موسى(عليه السلام):و سأله عن الرجل هل يصلح أن يصلّي و يصوم عن بعض أهله بعد موته،فقال:«نعم، يصلّي ما أحبّ،و يجعل ذلك للميت،فهو للميت إذا جعله له» (1).

الرابع:ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده الى محمد بن عمر بن يزيد،قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):يصلّى عن الميت؟قال:«نعم، حتى أنّه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك،ثم يؤتى فيقال له:خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك» (2).

الخامس:ما رواه بإسناده إلى عمار بن موسى الساباطي-من كتاب أصله المروي عن الصادق(عليه السلام)-:و عن الرجل تكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم،هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟قال:«لا يقضيه الاّ مسلم عارف» (3).

السادس:ما رواه الشيخ أيضا بإسناده الى محمد بن أبي عمير،عن رجاله، عن الصادق(عليه السلام)،في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام،قال:

«يقضيه أولى الناس به» (4)السابع:ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في الكافي بإسناده الى ابن أبي عمير،عن حفص بن البختري،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام،قال:«يقضي عنه أولى الناس به (5).

الثامن:هذا الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر الى كتابه الذي هو من».

ص: 68


1- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 3،و فيه:«يصوم».
2- الفقيه 1:117-554،و فيه:أخيك عنك،و لعل نسبته للشيخ من سهو القلم لاتحادهما في الكنية.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 5.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 6.
5- الكافي 4:123 ح 1،و فيه:«بميراثه».

الأصول (1)التاسع:ما روي في أصل هشام بن سالم،من رجال الصادق و الكاظم (عليهما السلام)،و يروي عنه ابن أبي عمير.قال هشام في كتابه:و عنه(عليه السلام)،قال:قلت:يصل الى الميت الدعاء و الصدقة و الصلاة و نحو هذا؟ قال:«نعم».قلت:أو يعلم من صنع ذلك به؟قال:«نعم».ثم قال:«يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه» (2)و ظاهره أنّه من الصلاة الواجبة التي تركها سبب في السخط.

العاشر:ما رواه علي بن أبي حمزة في أصله،و هو من رجال الصادق و الكاظم أيضا(عليهما السلام).قال:و سألت عن الرجل يحجّ و يعتمر و يصلّي و يصوم و يتصدّق عن والديه و ذوي قرابته؟قال:«لا بأس به؟يؤجر فيما يصنع، و له أجر آخر بصلته قرابته».قلت:و ان كان لا يرى ما أرى و هو ناصب؟قال:

«يخفّف عنه بعض ما هو فيه» (3)أقول:و هذا أيضا ذكره ابن بابويه في كتابه. (4)

الحادي عشر:ما رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي-في كتاب المنسك-بإسناده الى علي بن أبي حمزة،قال:قلت:لأبي إبراهيم(عليه السلام):

أحجّ و أصلّي و أتصدّق عن الاحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟قال:«نعم، صدّق عنه،و صلّ عنه،و لك أجر آخر بصلتك إياه» (5).

قال ابن طاوس-رحمة اللّه عليه-يحمل في الحيّ على ما تصحّ فيه النيابة من الصلوات،و يبقى الميت على عمومه.9.

ص: 69


1- مخطوط.
2- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 7.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 8.
4- لم نجده بلفظه و لكن انظر الفقيه 1:117 ذيل الحديث 554.
5- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 9.

الثاني عشر:ما رواه الحسن بن محبوب-في كتاب المشيخة-عن الصادق (عليه السلام)،انه قال:«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم،و الحج، و الصدقة،و البرّ،و الدعاء».قال:«و يكتب أجره للذي يفعله و للميت» (1).

و هذا الحسن بن محبوب يروي عن ستين رجلا من أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السلام).و روى عن الرضا(عليه السلام)،و قد دعا له الرضا(عليه السلام)و اثنى عليه،فقال-فيما كتبه-:«أنّ اللّه قد أيّدك بحكمة و أنطقها على لسانك،قد أحسنت و أصبت،أصاب اللّه بك الرشاد،و يسرّك للخير،و وفّقك لطاعته» (2)الثالث عشر:ما رواه محمد بن أبي عمير-بطريق آخر-عن الامام(عليه السلام):«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم،و الحج،و الصدقة، و البرّ،و الدعاء».قال:«و يكتب أجره للذي يفعله و للميت» (3).

قال السيد:هذا عمّن أدركه محمد بن أبي عمير من الأئمة،و لعله عن مولانا الرضا(عليه السلام).

الرابع عشر:ما رواه إسحاق بن عمار،قال:سمعت أبا عبد اللّه(عليه السلام)يقول:«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم،و الحج و الصدقة، و البرّ،و الدعاء».قال:«و يكتب أجره للذي يفعله و للميت» (4).

الخامس عشر:روى ابن بابويه عن الصادق(عليه السلام):«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم،و الحج،و الصدقة،و العتق» (5).

السادس عشر:ما رواه عمر بن محمد بن يزيد،قال:قال أبو عبد اللّه9.

ص: 70


1- رواه الصدوق في الفقيه 1:117 ح 557 مرسلا.
2- عنه بحار الأنوار 88:311.
3- انظر:الصدوق في الفقيه 1:117 ح 557 مرسلا.
4- انظر:الصدوق في الفقيه 1:117 ح 557 مرسلا.
5- الفقيه 2:279 ح 1369.

(عليه السلام):«انّ الصلاة و الصوم و الصدقة و الحج و العمرة،و كلّ عمل صالح،ينفع الميت حتى أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسّع عليه،و يقال:انّ هذا بعمل ابنك فلان و بعمل أخيك فلان-أخوه في الدين-». (1)

قال السيد:قوله(عليه السلام):«أخوه في الدين»إيضاح لكلّ ما يدخل تحت عمومه من الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالإجارات.

السابع عشر:ما رواه علي بن يقطين،و كان عظيم القدر عند أبي الحسن موسى(عليه السلام)،له كتاب المسائل عنه.قال:و عن الرجل يتصدّق على الميت و يصوم و يعتق و يصلّي؟قال:«كلّ ذلك حسن تدخل منفعته على الميت» (2)الثامن عشر:ما رواه علي بن إسماعيل الميثمي-في أصل كتابه-قال:

حدثني كردين،قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):الصدقة و الحجّ و الصوم تلحق بالميت؟فقال:«نعم».قال:فقال:«هذا القاضي خلفي و هو لا يرى ذلك».قال:قلت:و ما أنا و ذا،فو اللّه لو أمرتني أن أضرب عنقه لضربت عنقه، قال:فضحك (3).

قال:و سألت أبا الحسن(عليه السلام):عن الصلاة على الميت أ تلحق به؟ قال:«نعم» (4).

قال:و سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)،فقلت:اني لم أتصدّق بصدقة منذ ماتت أميّ إلاّ عنها.قال:«نعم».قلت:أ فترى غير ذلك؟قال:«نعم نصف عنك،و نصف عنها».قلت:أ تلحق بها؟قال:«نعم» (5).

قال السيد:قوله(الصلاة على الميت)،أي:التي كانت على الميت أيام4.

ص: 71


1- عنه بحار الأنوار 88:311.
2- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 11.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 12.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 13.
5- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 14.

حياته،و لو كانت ندبا كان الذي يلحقه ثوابها دون الصلاة نفسها.

التاسع عشر:ما رواه حماد بن عثمان-في كتابه-قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«انّ الصلاة و الصوم و الصدقة و الحج و العمرة،و كلّ عمل صالح،ينفع الميت حتى أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسّع عليه،و يقال:هذا بعمل ابنك فلان،و بعمل أخيك فلان-أخوه في الدين-» (1).

العشرون:ما رواه عبد اللّه بن جندب،قال:كتبت الى أبي الحسن(عليه السلام)اسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة و البرّ و الخير أثلاثا:ثلثا له و ثلثين لأبويه،أو يفردهما من أعماله بشيء ممّا يتطوّع به،و ان كان أحدهما حيا و الآخر ميتا؟فكتب إليّ:«أمّا الميت فحسن جائز،و أمّا الحي فلا إلاّ البرّ و الصلة» (2).

قال السيد:لا يراد بهذا الصلاة المندوبة،لأنّ الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات و الحج و غيرهما.

الحادي و العشرون:ما رواه محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري:أنّه كتب الى الكاظم(عليه السلام)مثله،و اجابه بمثله (3).

الثاني و العشرون:ما رواه ابان بن عثمان،عن علي بن مسمع،قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):انّ أمّي هلكت و لم أتصدّق بصدقة..كما تقدّم الى قوله:أ فيلحق ذلك بها؟قال:«نعم».قلت:و الحج؟قال:«نعم».قلت:

و الصلاة؟قال:«نعم».قال:ثم سألت أبا الحسن(عليه السلام)بعد ذلك أيضا عن الصوم فقال:«نعم» (4).

الثالث و العشرون:ما رواه الكليني بإسناده الى محمد بن مروان،قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيين و ميتين،7.

ص: 72


1- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 15.
2- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 16.
3- قرب الإسناد:129.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 17.

يصلّي عنهما،و يتصدّق عنهما،و يحجّ عنهما،و يصوم عنهما،فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك،فيزيده اللّه ببرّه و صلاته خيرا كثيرا» (1).

الرابع و العشرون:عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق(عليه السلام)، قال:«الصلاة التي حصل وقتها،قبل أن يموت الميت،يقضي عنه أولى الناس به» (2).

ثم ذكر-رحمه اللّه-عشرة أحاديث تدلّ بطريق العموم:

الحديث الأول:ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق(عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحجّ،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (3).

الثاني:ما رواه صفوان بن يحيى،و كان من خواص الرضا و الجواد(عليهما السلام)،و روى عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق(عليه السلام)،قال:

«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (4)الثالث:ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:

«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (5)الرابع:ما رواه العلاء بن رزين في كتابه،و هو أحد رجال الصادق(عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (6).

الخامس:ما رواه البزنطي رحمه اللّه،و كان من رجال الرضا(عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم،و العتق،و فعله الحسن» (7).1.

ص: 73


1- الكافي 2:127 ح 7.
2- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 18.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 19.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 19.
5- عنه بحار الأنوار 88:313.
6- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 20.
7- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 21.

السادس:ما ذكره صاحب الفاخر-مما اجمع عليه و صحّ من قول الأئمة عليهم السلام-قال:و يقضى عن الميت أعماله الحسنة كلّها (1).

السابع:ما رواه ابن بابويه-رحمه اللّه-عن الصادق(عليه السلام)،قال:

«من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميت،أضعف اللّه أجره،و نفع اللّه به الميت» (2).

الثامن:ما رواه عمر بن يزيد،قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا،أضعف اللّه أجره،و ينعم بذلك الميت» (3).

التاسع:ما رواه العلاء بن رزين،عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحجّ،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (4).

العاشر:ما رواه حماد بن عثمان-في كتابه-قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا،أضعف اللّه أجره، و ينعم له بذلك الميت» (5).

قلت:و روى يونس،عن العلاء بن رزين،عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن الصادق(عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم، و العتق،و الفعل الحسن» (6).و مما يصلح هنا ما أورده في التهذيب بإسناده عن عمر ابن يزيد،قال:كان أبو عبد اللّه يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين،و عن والديه7.

ص: 74


1- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 22.
2- الفقيه 1:117 ح 556.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 25.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 23.
5- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 24.
6- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 27.

في كل يوم ركعتين.قلت:جعلت فداك،كيف صار للولد الليل؟قال:«لأن الفراش للولد».

قال:و كان يقرأ فيهما القدر و الكوثر (1).فان هذا الحديث يدل على وقوع الصلاة عن الميت من غير الولد كالأب،و هو حجّة على من ينفي الوقوع أصلا، أو ينفيه الاّ من الولد.

ثم ذكر-رحمه اللّه-ان الصلاة دين،و كل دين يقضى عن الميت.اما ان الصلاة تسمى دينا ففيه أربعة أحاديث:

الأول:ما رواه حماد عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام)في اخباره عن لقمان عليه السلام:«و إذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشيء،صلّها و استرح منها، فإنها دين» (2).

الثاني:ما ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر:إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء،صلّها و استرح منها،فإنها دين (3).

الثالث:ما رواه ابن بابويه-في كتاب معاني الأخبار-بإسناده الى محمد بن الحنفية في حديث الأذان:لمّا اسري بالنبي(صلّى اللّه عليه و آله)..الى قوله:

ثمّ قال:«حيّ على الصلاة،قال اللّه جلّ جلاله:فرضتها على عبادي،و جعلتها لي دينا» (4)إذا روي بفتح الدال.

الرابع:ما رواه حريز بن عبد اللّه،عن زرارة،عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:قلت له:رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه،فخاف أن يدركه الصّبح،و لم يصلّ صلاة ليلته تلك،قال:«يؤخّر القضاء،و يصلّي صلاة ليلته2.

ص: 75


1- التهذيب 1:467-1533. و في«س»:والدته بدل و الدية.
2- روضة الكافي:349-547،الفقيه 2:195-884،المحاسن:375-145،الأمان:99.
3- الفقيه 2:195-884.
4- معاني الأخبار:42.

تلك» (1).

و أمّا قضاء الدّين عن الميت،فلقضية الخثعمية لما سألت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فقالت:يا رسول اللّه إنّ أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج،إن حججت عنه أ ينفعه ذلك؟فقال لها:«أ رأيت لو كان على أبيك دين فقضيته،أ كان ينفعه ذلك؟».قالت:نعم.قال:«فدين اللّه أحقّ بالقضاء» (2).

إذا تقرّر ذلك،فلو أوصى الميت بالصلاة عنه وجب العمل بوصيّته، لعموم قوله تعالى فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (3).

و لأنّه لو أوصى ليهوديّ أو نصراني وجب إنفاذ وصيّته فكيف الصّلاة المشروعة، لرواية الحسين بن سعيد بسنده الى محمد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)عن رجل أوصى بماله في سبيل اللّه،قال:«أعطه لمن أوصى له و ان كان يهوديّا أو نصرانيا،ان اللّه عزّ و جلّ يقول فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (4).

و ذكر الحسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق(عليه السلام):«لو أنّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهود و نصارى لوضعت فيهم،إنّ اللّه يقول:

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ الآية (5).

قال السيّد بعد هذا الكلام:و يدلّ على أنّ الصلاة عن الميت أمر مشروع تعاقد صفوان بن يحيى و عبد اللّه بن جندب و علي بن النعمان في بيت اللّه الحرام:5.

ص: 76


1- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب المواقيت،الباب 61 ح 5178.
2- انظر:صحيح البخاري 5:222،صحيح مسلم 2:973 ح 1334،سنن النسائي 5: 116،السنن الكبرى 5:179.
3- سورة البقرة:181.
4- بسند آخر في:الكافي 7:14 ح 1،2،الفقيه 4:148 ح 514،التهذيب 9:201 ح 804، الاستبصار 4:128 ح 485.
5- بسند آخر في:الكافي 7:201 ح 4،الفقيه 4:148 ح 515،التهذيب 9:202 ح 805.

أنّ من مات منهم يصلّي من بقي صلاته،و يصوم عنه،و يحجّ عنه ما دام حيّا، فمات صاحباه و بقي صفوان،فكان يفي لهما بذلك فيصلّي كل يوم و ليلة خمسين و مائة ركعة (1).و هؤلاء من أعيان مشايخ الأصحاب و الرواة (2)عن الأئمة عليهم السلام.

قال السيد رحمه اللّه-و حسنا قال-:انك إذا اعتبرت كثيرا من الأحكام الشرعيّة وجدت الأخبار فيها مختلفة،حتى صنف لأجلها كتب و لم تستوعب الخلاف،و الصّلاة عن الأموات قد ورد فيها مجموع هذه الأخبار،و لم نجد خبرا واحدا يخالفها.و من المعلوم انّ هذا المهم في الدين لا يخلو عن شرع:بقضاء أو ترك،فإذا وجد المقتضي و لم يوجد المانع،علم موافقة ذلك للحكمة الإلهيّة،و قد ذكر ذلك الأصحاب لأنّهم مفتون بلزوم قضاء الصلاة على الولي.

و قد حكى ابن حمزة-في كتابه في قضاء الصلاة-عن الشيخ أبي جعفر محمد ابن الحسين الشوهاني:أنّه كان يجوّز الاستئجار عن الميت.

و استدلّ ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالإجماع:أنها تجري مجرى الصّوم و الحج.و قد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام،حيث قال:و العليل إذا وجبت عليه الصلاة،و أخّرها عن وقتها الى أن فاتت،قضاها عنه وليّه كما يقضي حجة الإسلام و الصيام.قال:و كذلك روى أبو يحيى عن إبراهيم بن سام عن أبي عبد اللّه(عليه السلام).فقد سوّيا بين الصّلاة و بين الحج،و لا ريب في جواز الاستئجار على الحج.

قلت:هذه المسألة-أعني الاستئجار على فعل الصّلاة الواجبة بعد الوفاة -مبنيّة على مقدمتين:

إحداهما:جواز الصلاة عن الميت،و هذه إجماعيّة و الأخبار الصحيحة ناطقة بها كما تلوناه.ة.

ص: 77


1- الاختصاص:85،فهرست الطوسي:83 رقم 346،رجال النجاشي:197 ح 524.
2- في س:و الرواية.

و الثانية:انّه كلّما جازت الصلاة عن الميت جاز الاستئجار عنه.

و هذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر،و لا يخالف فيها أحد من الإمامية بل و لا من غيرهم لأنّ المخالف من العامة إنّما منع لزعمه أنّه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه.اما من يقول بإمكان وقوعها له-و هم جميع الإمامية-فلا يمكنه القول بمنع الاستئجار،إلاّ أن يخرق الإجماع في إحدى المقدمتين على أنّ هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع من الإمامية -الخلف و السّلف-من عهد المصنّف و ما قبله الى زماننا هذا،و قد تقرّر أنّ إجماعهم حجّة قطعية.

فإن قلت:فهلاّ اشتهر الاستئجار على ذلك و العمل به عن النبي و الأئمة (عليهم السلام)،كما اشتهر الاستئجار على الحج حتى علم من المذهب ضرورة؟ قلت:ليس كلّ واقع يجب اشتهاره،و لا كلّ مشهور يجب الجزم بصحته، فربّ مشهور لا أصل له،و ربّ متأصّل لم يشتهر،إمّا لعدم الحاجة إليه في بعض الأحيان[أو] (1)لندور وقوعه.

و الأمر في الصلاة كذلك،فإنّ سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة و النافلة،على حدّ لا يقع من أحد منهم إخلال بها إلاّ لعذر بعيد،كمرض موت أو غيره.و إذا اتفق فوات فريضة بادروا الى فعلها لأنّ أكثر قدمائهم على المضايقة المحضة،فلم يفتقروا الى هذه المسألة،و اكتفوا بذكر قضاء الوليّ لما فات الميت من ذلك على طريقة الندور.يعرف هذه الدعاوي من طالع كتب الحديث و الفقه و سيرة السلف معرفة لا يرتاب فيها.

فخلف من بعدهم قوم تطرّق إليهم التقصير،و استولى عليهم فتور الهمم، حتّى آل الحال إلى أنّه لا يوجد من يقوم بكمال السنن إلاّ أوحديّهم،و لا مبادر بقضاء الفائت إلاّ أقلّهم،فاحتاجوا الى استدراك ذلك بعد الموت لظنّهم عجزل.

ص: 78


1- من دونها في النسخ،و يحتمل سقوطها في الشق الثاني.و لعل العدم صحيح فهي علّة لما قبلها،و قد أعرض المصنّف عن الشق الثاني ل«امّا»،و الظاهر هو الأوّل.

الولي عن القيام به،فوجب ردّ ذلك الى الأصول المقرّرة و القواعد الممهّدة.و فيما ذكرناه كفاية.

على انّ قضاء الصلاة عن الميت غير متروك ذكره بين أرباب المذاهب المباينة للشيعة على طرف النقيض،و لا مهمل روايته (1)عند نقلة حديثهم.

فإنّ شارح صحيح مسلم-من الشافعيّة-قال فيه ما هذا لفظه:و ذهب جماعة من العلماء إلى أنّه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات من الصّلاة و الصّوم و القراءة و غير ذلك.

و حكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح و إسحاق بن راهويه أنّهما قالا بجواز الصّلاة عن الميت.و مال الشيخ أبو سعد عبد اللّه بن محمّد بن هبة اللّه بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخرين في كتابه الانتصار الى اختيار هذا.

و دليلهم القياس على الدعاء و الصّدقة و الحج فإنّها ممّا تصل بالإجماع.و اختلف أصحاب الشافعي في ركعتي الطّواف:هل تقع عن الأجير أو عن المستأجر؟ قلت:و هو قد حكى في الكتاب المذكور أنّ أبا إسحاق الطالقاني-بفتح اللام -ذكر أنّ شهاب بن خراش حدّث عن الحجّاج بن دينار-و هما ثقتان-عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،قال:«إنّ من البرّ بعد البرّ أن تصلّي لأبويك مع صلاتك،و تصوم لهما مع صومك»،ثمّ ضعّف الحديث بالإرسال مع اعترافه بثقتهما نقلا عن الحافظ الكبير عبد اللّه بن المبارك.و جماعة من العلماء يعتمدون مراسيل الثقات (2).

فهذه أربعون حديثا خالية عن معارض.

و في البخاري-في باب من مات و عليه نذر-:(أنّ ابن عمر أمر من ماتت3.

ص: 79


1- في س:روايتهم.
2- صحيح مسلم بشرح النووي 1:88-90 بتصرف.و انظر 8:25-26 عنه،و الحاوي الكبير 15:313.

أمها و عليها صلاة أن تصلّي عنها) (1)،و مذهب الصّحابي عند كثير من العلماء أنّه حجّة (2)،و خصوصا فيما خالف القياس،أو لم ينقل مخالفة غيره،و الأمران حاصلان هنا.

و احتجّ مانع لحوق ما عدا الدعاء و الصدقة و الحج عن الميت بقوله تعالى:

وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى (3) و بقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث:صدقة جارية،أو علم ينتفع به،أو ولد صالح يدعو له» (4).و على هذين اعتمد النووي و غيره (5).

و الجواب:انّهما عام مخصوص بمحل الوفاق،فمهما أجيب عنه فهو جوابنا.

و هذا كاف في الجواب،ثم نقول:الأعمال الواقعة نيابة عنه بعد موته،نتيجة سعيه في تحصيل الإيمان و أصول العقائد المسوّغة للنيابة عنه،فهي مسنده إليه،و أمّا الخبر فدالّ على انقطاع عمله و هذا يصل إليه من عمل غيره.ثم نقول:عمل صالح اهدي الى الميت فيقع عنه كمحل الوفاق،و لا خلاص عن ذلك إلاّ بالتزام المدّعى،أو عدم دلالة الآية و الخبر على ما ادّعوه.8.

ص: 80


1- صحيح البخاري 8:177.
2- انظر:مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف.
3- سورة النجم:39.
4- مسند أحمد 2:372،صحيح مسلم 3:1255 ح 1631،سنن أبي داود 3:117 ح 2880، الجامع الصحيح 3:66 ح 1376،سنن النسائي 6:251،مسند أبي يعلى 11:343 ح 6457.
5- شرح صحيح مسلم 7:89-90،و لاحظ المغني 2:428.
البحث السابع:في نبش القبور.
اشارة

و هو حرام،إجماعا-كما سلف-إلاّ في مواضع:

أحدها:أن يصير الميت رميما-

فلو ظنّه فظهر بقاؤه وجب إعادته إلى ما كان عليه-و يختلف ذلك بحسب الترب و الأهوية.و لو علم صيرورته رميما،لم يجز تصويره بصورة المقابر في الأرض المسبّلة،لأنه يمنع من الهجوم على الدفن فيه.

و ثانيها:لو دفن في الأرض المغصوبة،

لتحريم شغل مال الغير،و يكفي غصب جزء منها في جواز القلع و لو أدّى الى الهتك،لأن حرمة الحي أولى بالمراعاة.

و الأفضل لمالكها تركه-امّا بعوض أو غير عوض-لئلاّ يهتك حرمته،و خصوصا لو كان الشريك وارثا أو رحما.

و لو اتفق الورّاث على دفنه في ملكهم حرم النبش،و كذا لو دفن في ملك الغير بإذنه،لأنّ ذلك يقتضي التأبيد الى بلى الميت عرفا،حذرا من المثلة و الهتك نعم،لو رجع المعير قبل الطمّ،جاز لعدم المانع.

و ثالثها:لو كفّن في ثوب مغصوب جاز نبشه لأخذ الثوب،

لبقائه على ملك صاحبه فينزعه و لا يجب عليه أخذ القيمة عندنا،لأنّها تجارة فيشترط فيها التراضي.

نعم،يستحبّ.

و الفرق:بانّ تقويم المدفن غير ممكن بخلاف الثوب،ضعيف،لإمكانه بإجارة البقعة زمانا يعلم بلى الميت فيه.و أضعف منه:الفرق باشراف الثوب على الهلاك بالتكفين بخلاف الأرض،لأنّ الفرض قيام الثوب.

و ربما احتمل انّه إن أدّى نبشه الى هتك الميت بظهور ما ينفّر منه لم ينبش- و الا نبش-لما في الخبر السالف:«أنّ حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا» (1).و لكن هذا الاحتمال قائم في مواضع النبش الى البلى.

ص: 81


1- التهذيب 1:419 ح 1324،465 ح 1522.
و رابعها:إذا وقع في القبر ما له قيمة،

جاز نبشه و أخذه،للنهي عن إضاعة المال.و روي أنّ المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول اللّه ثم طلبه،ففتح موضع منه فأخذه،و كان يقول:أنا آخركم عهدا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).

و لو دفع الى صاحب المال قيمته،فكالثوب في عدم الوجوب بل أولى.

و خامسها:للشهادة على عينه،

ليضمن المال المتلف،أو لقسمة ميراثه، و اعتداد زوجته،فإنّه موضع ضرورة.و هذا يتمّ إذا كان النبش محصّلا للعين،و لو علم تغيّر الصورة حرم.

و توقّف في مواضع:

منها:إذا دفن في أرض ثم بيعت،قال في المبسوط:جاز للمشتري نقل الميت منها،و الأفضل تركه (2).و ردّه الفاضلان بتحريم النبش،إلاّ أن تكون الأرض مغصوبة فيبيعها المالك (3).

و منها:إذا دفن بغير غسل،أو كفن،أو صلاة،أو الى غير القبلة.

و قطع الشيخ-في الخلاف-بعدم النبش للغسل،لانه مثلة (4).و رجّحه في المعتبر (5).

و مال في التذكرة إلى نبشه إذا لم يؤد الى إفساده،لأنّه واجب فلا يسقط بذلك،و كذا في الدفن الى غير القبلة.و اما الكفن،فوافق على عدم نبشه لأجله، لحصول الستر بغيره،فالاكتفاء به أولى من هتك حرمته بنبشه،و أولى بعدم النبش:الصلاة،لإمكان فعلها مدفونا (6).

ص: 82


1- الطبقات الكبرى لابن سعد 2:303،دلائل النبوة للبيهقي 7:257.
2- المبسوط 1:118.
3- المعتبر 1:337،تذكرة الفقهاء 1:54.
4- الخلاف 1:730 المسألة 560.
5- المعتبر 1:309.
6- تذكرة الفقهاء 1:54.

و منها:لو كفّن في حرير،فهو كالمغصوب و أولى بعدم النبش،لأن الحق فيه للّه تعالى و حقوق الآدمي أشدّ تضيّقا.

و منها:لو ابتلع حيا جوهرا أو ما له قيمة ثم مات،فهل يشق جوفه؟ وجهان:

أحدهما-و هو الذي رجّحه في الخلاف (1)-:لا،سواء كان له أو لغيره، لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا» (2).

و الثاني:نعم،توصلا الى استيفاء المال،و مراعاة حرمة الحي.

و يحتمل تقييده بعدم ضمان الوارث،جمعا بين الحرمتين لو ضمنه،و عليه يتفرع النبش.و يمكن الفرق بين ماله و مال غيره،لأنه استهلك مال نفسه بابتلاعه فهو كما لو أتلفه في حياته.

و مهما قلنا بعدم النبش يؤخذ من تركته إذا كان لغيره،لأنّه أتلفه في حياته.

أمّا لو بلي و انتفت المثلة،جاز النبش لإخراجه،لزوال المانع.فإن كان الوارث لم يغرم لصاحبه عاد إليه،و إن غرم فالأجود الترادّ لما يأتي في باب الغصب إن شاء اللّه تعالى.

فروع:

الأول:لو كان في يد الميت خاتم ،أو في أذنه حلقة،و تعذّر إخراجها توصّل اليه بالكسر أو البرد،لأنّ في تركه إضاعة المال المنهي عنه.

و لو أوصى بدفن خاتم معه-و شبهه-ممّا يتبرّك به،ففي إجابته وجهان:

من إضاعة المال المنهي عنها،و من تسلّطه على ماله فيجري مجرى الوصية به لغيره، و حينئذ يعتبر الثلث أو الإجازة.أمّا لو كان لا غرض فيه لم يجز قطعا،لأنّه إتلاف محض.2.

ص: 83


1- الخلاف 1:730 المسألة 559.
2- التهذيب 1:419 ح 1324،465 ح 1522.

الثاني:لو وجد جزء من الميت بعد دفنه لم ينبش، بل يدفن الى جانبه،لأنّ نبشه مثلة و ليس في تفرقة أجزائه ذلك.و لو أمكن إيصاله بفتح موضع من القبر لا يؤدي الى ظهور الميت أمكن الجواز،لأنّ فيه جمعا بين أجزائه و عدم هتكه.

الثالث:لا يختن الأغلف بعد موته ،قال في المعتبر:و عليه فتوى العلماء، لأن الختان تكليف في حال الحياة و قد زالت،و لأنّ فيه إبانة جزء من أعضاء الميت و هو حرام (1).

و لو ختن وجب دفن الجلدة معه،و في ضمان المباشر وجهان:من أنّه عاد، و من استحقاق قطعها من الحي فكأنّها منفصلة عنه.و لو قلنا بالضمان،ففيه عشر الأرش لو كان حيّا،و هو عسر الثبوت،لأنّه إذا قدّر قطعها حيّا فلا أرش.و يمكن ثبوته إذا كان القطع بغير إذنه مع كونه غير ممتنع من الختان،فإنّه لا يجوز ختنه حينئذ بغير إذنه،فان قدّر تفاوت في القيمة بحال خروج الدم نسب أرش الميت إليه.7.

ص: 84


1- المعتبر 1:337.
البحث الثامن:في البرزخ

و هو لغة الحاجز،و المراد هنا ما بين الموت و البعث.

قال اللّه تعالى وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (1).روى ابن بابويه عن الصادق(عليه السلام):

«إنّ بين الدنيا و الآخرة ألف عقبة،أهونها و أيسرها الموت» (2).

و هنا مسائل:

الأولى:سؤال القبر عليه الإجماع ،إلاّ لمن لقّن على ما سلف من الأخبار، و روى الكليني بعدة أسانيد عن الصادق(عليه السلام):«إنّما يسأل في قبره من محض الإيمان و الكفر محضا،و أمّا ما سوى ذلك فيلهى عنه»رواه محمد بن مسلم (3)،و عبد اللّه بن سنان (4).و عن الباقر(عليه السلام)مثله،بطريق أبي بكر الحضرمي (5)و ابن بكير (6).و يجوز أن يأوّل بسؤال خاص لا مطلق السؤال.

و عن بشير الدّهان عن الصادق(عليه السلام):«يجيء الملكان:منكر و نكير،فيسألان الميت:من ربك؟و ما دينك؟فإذا كان مؤمنا قال:اللّه ربّي،و ديني الإسلام:فيقولان له:ما تقول في هذا الرّجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول:أشهد أنّه رسول اللّه.فيقولان له:نم نومة لا حلم فيها،و يفسح له في قبره تسع أذرع،و يفتح له باب إلى الجنّة فيرى مقعده فيها.و إذا كان كافرا دخلا عليه،و أقيم الشيطان بين يديه،عيناه من نحاس،فيقولان:من ربّك؟و ما دينك؟ و ما تقول في هذا الرّجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟فيقول:لا أدري.فيخلّيان

ص: 85


1- سورة المؤمنون:100.
2- الفقيه 1:80 ح 362.
3- الكافي 3:236 ح 4.
4- الكافي 3:435 ح 2.
5- الكافي 3:237 ح 8.
6- الكافي 3:235 ح 3.

بينه و بين الشيطان،و يفتح له باب الى النّار،و يرى مقعده فيها» (1).

و عن أبي بكر الحضرمي:«يسألون عن الحجة القائم بين أظهرهم، فيقول:ما تقول في فلان بن فلان؟فيقول:ذاك إمامي.فيقال له:نم أنام اللّه عينك،و يفتح له باب إلى الجنة.فما يزال ينفحه (2)من روحها الى يوم القيامة.

و يقال للكافر:ما تقول في فلان؟فيقول:قد سمعت به،و ما أدري ما هو!فيقال له:لا دريت،و يفتح له باب من النّار،فلا يزال ينفحه (3)من حرّها الى يوم القيامة» (4).

و رووا في الصّحاح عن أنس عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إنّ هذه الأمة تمتلئ في قبورها،فإنّ المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول:ما كنت تعبد؟ فان اللّه هداه بقول:كنت أعبد اللّه.فيقول:ما كنت تقول في هذا؟فيقول:هو عبد اللّه و رسوله.قال:فما يسأل عن شيء غيرها،فينطلق به الى بيته الذي كان في النّار،فيقال:هذا بيتك في النّار،و لكنّ اللّه عصمك و رحمك و أبدلك به بيتا في الجنّة،فيقول:دعوني حتى أذهب فأبشّر أهلي،فيقال له:اسكن.

و إنّ الكافر إذ وضع في قبره أتاه ملك فينتهزه،فيقول:ما كنت تعبد؟ فيقول:لا أدري!فيقال له:لا دريت و لا تليت.فيقول:ما كنت تقول في هذا الرجل؟فيقول:كنت أقول مثل ما يقول النّاس!قال:فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلائق غير الثقلين» (5).

و معنى تليت:قرأت،أتي بالياء لمجانسة دريت.و يروى:أتليت،من7.

ص: 86


1- الكافي 3:236 ح 7،باختلاف يسير.
2- في المصدر:«يتحفه».
3- في المصدر:«يتحفه».
4- الكافي 3:237 ح 8.
5- مسند أحمد 3:233،صحيح البخاري 2:113،سنن أبي داود 4:238 ح النسائي 4:97.

أتلت الإبل إذا ولدت و تلاها أولادها.

و في رواية أخرى:«و الكافر يرى مقعده من الجنة،فيقال:هذا مقعدك من الجنّة،و لكنّك عصيت اللّه و أطعت عدوه» (1).

و عن البراء بن عازب عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)في قوله تعالى يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ (2).قال:هذا في القبر إذا سئل عن ذلك (3).

و روى الكليني عن أبي بصير،عن الصادق(عليه السلام)في المؤمن إذا أجاب:«يقولان له:نم نومة لا حلم فيها.و يفسح له في قبره تسع أذرع،و يرى مقعده من الجنّة،و هو قول اللّه تعالى يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ الآية (4).

الثانية:تظافرت الأخبار بعذاب القبر -نعوذ باللّه منه-و قد مرّ طرف منها، و قوله تعالى اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا،وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ (5)يدلّ عليه.

و قد روى ابن مسعود:أنّ أرواحهم في أجواف طير سود،يعرضون على النّار بكرة و عشيّا الى يوم القيامة (6).

و روى الكليني عن جابر،عن الباقر(عليه السلام):«قال النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله):ليس من نبيّ إلاّ و قد رعى الغنم.كنت أنظر الى الغنم و الإبل و أنا9.

ص: 87


1- أورد نحوها ابن ماجة في سننه 2:1426 ح 4268.
2- سورة إبراهيم:27.
3- بمضمونه في:صحيح مسلم 4:2201 ح 2871،سنن ابن ماجة 2:1427 ح 4269،سنن أبي داود 4:238 ح 4750،سنن النسائي 4:101.
4- الكافي 3:238 ح 10.
5- سورة المؤمن:46.
6- انظر:الجامع لأحكام القرآن 15:369.

أرعاها قبل النبوّة،و هي متمكنة (1)ما حولها شيء يهيجها حتّى تذعر فتطير، فأقول:ما هذا؟فأعجب،حتى حدّثني جبرئيل(عليه السلام)انّ الكافر يضرب ضربة ما خلق اللّه جلّ و عزّ شيئا إلاّ يسمعها و يذعر لها إلاّ الثقلين،فنعوذ باللّه من عذاب القبر» (2).

و عن أبي بصير عن الصادق(عليه السلام):«إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)خرج في جنازة سعد و قد شيّعه سبعون ألف ملك،فرفع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)رأسه الى السماء ثم قال:أو مثل سعد يضمّ؟فقالت أم سعد:هنيئا لك يا سعد.فقال لها النبي(صلّى اللّه عليه و آله):يا أمّ سعد لا تحتمي على اللّه عزّ و جلّ» (3).

و عن بشير الدّهان عن الصادق(عليه السلام)،انّه قال:«إنّما القبر روضة من رياض الجنّة،أو حفرة من حفر النّار» (4).

و عن أبي بصير عنه(عليه السلام)في الكافر:«ينادي مناد من السماء:

افرشوا له في قبره من النار،و ألبسوه ثياب النار،و افتحوا له بابا الى النار حتى يأتينا و ما عندنا شيء له،فيضر بأنه بمرزبة ثلاث ضربات ليس فيها ضربة إلاّ يتطاير قبره،لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميما» (5).

و عن الصادق(عليه السلام)في المصلوب يصيبه عذاب القبر:«يوحي اللّه عزّ و جلّ الى الهواء فيضغطه ضغطة أشدّ من ضغطة القبر» (6).

و عن أبي بصير عن أحدهما(عليهما السلام):«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)-لما ماتت رقيّة ابنته-:إني لأعرف ضعفها،و سألت اللّه عزّ و جلّ أن7.

ص: 88


1- في م،س:متكئة.
2- الكافي 3:233 ح 1.
3- الكافي 3:236 ح 6.
4- الكافي 3:242 ح 2.
5- الكافي 3:240 ح 12.
6- الكافي 3:241 ح 17.

يجيرها من عذاب القبر» (1).

و عن أبي بصير عن الصادق(عليه السلام):«ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر» (2).

و في البخاري و مسلم عن أنس:أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)دخل نخلا لبني النجّار،فسمع صوتا ففزع،فقال:«من أصحاب هذه القبور؟».فقالوا:يا رسول اللّه ناس ماتوا في الجاهليّة.فقال:«نعوذ باللّه من عذاب القبر» (3).

و في رواية أخرى في المنافق و الكافر:«ليضيق عليه قبره حتّى تختلف فيه أضلاعه،فتعوّذوا باللّه من عذابه و نقمته» (4).

و عن ابن عمر أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة و العشي،و إن كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة،و إن كان من أهل النّار فمن أهل النّار.فيقال له:هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه إليه يوم القيامة» (5).

الثالثة:دلّ القرآن العزيز -بقوله تعالى وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ (6)،و قوله تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (7)،و غير ذلك-على بقاء النّفس بعد الموت بناء على تجرّدها-و عليه كثير من الأصحاب و من المسلمين-أو على تعلّقها بأبدان،و هو مروي بأسانيد متكثّرة من الجانبين،فمنها:9.

ص: 89


1- الكافي 3:241 ح 18.
2- الكافي 3:236 ح 6.
3- لاحظناه في:مسند أحمد 3:233،سنن أبي داود 4:238 ح 4751،و فيهما:«تعوذوا».
4- مسند أحمد 4:288،سنن أبي داود 4:240 ح 4754.و ليس فيهما:«فتعوذوا..».
5- مسند أحمد 2:113،صحيح البخاري 2:124،صحيح مسلم 4:2199 ح 2866،سنن ابن ماجة 2:1427 ح 4270،الجامع الصحيح 3:384 ح 1072،سنن النسائي 4:107.
6- سورة البقرة:154.
7- سورة آل عمران:169.

ما روى ابن عبّاس عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،أنّه قال:«أرواح الشّهداء في جوف طير خضر،ترد أنهار الجنّة،و تأكل من ثمارها،و تأوي الى قناديل في ظلّ العرش» (1).

و منها ما روي من الطريقين عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«حياتي خير لكم،و مماتي خير لكم».قالوا:يا رسول اللّه و كيف ذلك؟قال:«أمّا حياتي فإنّ اللّه تعالى يقول وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ .و أمّا مفارقتي إيّاكم، فإن أعمالكم تعرض عليّ كلّ يوم،فما كان من حسن استزدت اللّه لكم،و ما كان من قبيح،استغفرت اللّه لكم».قالوا:و قد رممت؟فقال:«كلاّ،إنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئا» (2).

و روى الأصحاب في تفسير قوله تعالى وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (3):انّ أعمال العباد تعرض على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و على الأئمة(عليهم السلام)كلّ يوم،أبرارها و فجّارها (4).

و في التهذيب:عن مروان بن مسلم،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)، قلت له:إنّ أخي ببغداد،و أخاف أن يموت بها.قال:«ما تبالي حيثما مات،أنّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض و غربها إلاّ حشر اللّه روحه إلى وادي السّلام».

قال:«و هو ظهر الكوفة،كأنّي بهم حلق حلق قعودا يتحدّثون» (5)،و رواه في5.

ص: 90


1- مسند أحمد 1:266،سنن أبي داود 3:15 ح 2520،مسند أبي يعلى 4:219 ح 2331، المستدرك على الصحيحين 2:88،السنن الكبرى 9:163.
2- الفقيه 1:121 ح 582،أمالي الطوسي 2:23،و راجع:سنن ابن ماجة 1:524 ح 1636، سنن أبي داود 1:275 ح 1047،سنن النسائي 3:91. و الآية في سورة الأنفال:33.
3- سورة التوبة:105.
4- مجمع البيان 3:69.
5- التهذيب 1:466 ح 1525.

الكافي أيضا (1).

و في التّهذيب:عن يونس بن ظبيان،قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«ما يقول الناس في أرواح المؤمنين»؟قلت:يقولون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش.فقال أبو عبد اللّه:«سبحان اللّه المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر.يا يونس:المؤمن إذا قبضه اللّه تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا،فيأكلون و يشربون،و إذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي في الدّنيا» (2).

و روى في التهذيب أيضا عن علي،عن ابن أبي عمير،عن حماد،عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)عن أرواح المؤمنين؟فقال:«في الجنّة على صور أبدانهم،لو رأيته لقلت فلان» (3).و مثله رواه في الكافي بسنده الى أبي ولاّد الحنّاط،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) (4).

و عن أبي بصير عنه(عليه السلام):«أنّ أرواح المؤمنين لفي شجرة في الجنة،يأكلون من طعامها،و يشربون من شرابها،و يقولون ربّنا أقم لنا السّاعة، و أنجز لنا ما وعدتنا،و ألحق آخرنا بأوّلنا» (5).

و عن أبي بصير عنه(عليه السلام):انّ الأرواح في صفة الأجساد في شجر في الجنّة تتعارف و تتساءل،فإذا قدمت الرّوح عليهم يقولون:دعوها فإنّها قد أفلتت من هول عظيم.ثم يسألونها:ما فعل فلان؟و ما فعل فلان؟فإن قالت لهم:

تركته حيّا ارتجوه،و إن قالت لهم:قد هلك،قالوا:قد هوى» (6).و يقرب منه3.

ص: 91


1- الكافي 3:243 ح 2.
2- التهذيب 1:466 ح 1526.و نحوه في الكافي 3:245 ح 6.
3- التهذيب 1:466 ح 1527 عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير.
4- الكافي 3:244 ح 1.
5- الكافي 3:244 ح 2.
6- الكافي 3:244 ح 3.

رواية يونس بن يعقوب عنه(عليه السلام) (1).

و في الكافي بإسناده إلى حبّة العرني،قال:خرجت مع أمير المؤمنين(عليه السلام)الى الظهر،فوقف بوادي السّلام كأنّه مخاطب لأقوام،فقمت لقيامة حتى أعييت،ثم جلست حتى مللت-فعل ذلك غير مرّة-ثمّ عرض عليّ أمير المؤمنين الجلوس،فقال«يا حبّة إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته،و لو كشفت لك لرأيتهم حلقا حلقا يتحادثون».فقلت:أجسام أو أرواح؟فقال:«أرواح،و ما من مؤمن يموت في بقعة في بقاع الأرض إلاّ قيل لروحه الحقي بوادي السّلام،و إنّها لبقعة من جنة عدن» (2).

و في الكافي عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في أرواح المشركين:«في النّار يعذّبون،يقولون:ربّنا لا تقم لنا السّاعة،و لا تنجز لنا ما وعدتنا،و لا تلحق آخرنا بأوّلنا» (3).

و عن القدّاح عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«قال أمير المؤمنين(عليه السلام):شرّ ماء على وجه الأرض ماء برهوت،و هو بحضرموت،ترده هام الكفار» (4).و أكثر من الأخبار في ذلك.

و ممّا يدلّ على بقاء النّفس مدركة بعد الموت أحاديث الزيارة،و هي كثيرة منها:

رواية حفص بن البختري،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«إنّ المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب،و يستر عنه ما يكره.و إنّ الكافر يزور أهله فيرى ما يكره،و يستر عنه ما يجب»،قال:«و منهم من يزور كلّ جمعة و من يزور على قدر4.

ص: 92


1- الكافي 3:244 ح 1،2،3،5.
2- الكافي 3:243 ح 1.
3- الكافي 3:245 ح 1.
4- الكافي 3:246 ح 4.

عمله» (1).

و في رواية إسحاق بن عمار،عن الكاظم(عليه السلام):«يزورون على قدر فضائلهم،منهم من يزور في كل يوم،و منهم في كل يومين،و منهم في كلّ ثلاثة،و إنّ زيارتهم عند الزّوال» (2).

و في رواية أبي بصير،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«ما من مؤمن و لا كافر إلاّ و هو يأتي أهله كل يوم عند زوال الشمس،فإذا رأى أهله يعملون الصّالحات حمد اللّه على ذلك،و إذا رأى الكافر أهله يعملون الصّالحات كانت عليه حسرة» (3).

و في رواية إسحاق عن الكاظم(عليه السلام):«فيبعث اللّه ملكا فيريه ما يسرّه،و يستر عنه ما يكره،فيرى ما يسرّه و يرجع الى قرة عين» (4).5.

ص: 93


1- الكافي 3:230 ح 1.
2- الكافي 3:231 ح 5.
3- الكافي 3:230 ح 2.
4- الكافي 3:231 ح 5.
المقام السادس:غسل مسّ الميت.
اشارة

و هو واجب-على الأصحّ-لما رواه أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر،عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«من غسّل ميتا اغتسل،و من حمله فليتوضّأ» (1).

و روي:«و من مسّه فليتوضّأ» (2).

و في خبر آخر عنه(صلّى اللّه عليه و آله):«الغسل من غسل الميت،و الوضوء من مسّه» (3).

و روي:أنّ أبا طالب-رضي اللّه عنه-لما مات أمر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عليا(عليه السلام)بتغسيله،فلما فرغ منه قال له:«اذهب فاغتسل» (4).

و روينا عن حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«من غسّل ميتا فليغتسل»قلت:فإنّ مسّه؟قال:«فليغتسل».قلت:إنّ أدخله القبر؟قال:«لا غسل عليه» (5).

و عن معاوية بن عمار عنه(عليه السلام)إذا مسّه و هو سخن:«فلا غسل عليه،فإذا برد فعليه الغسل».قلت:البهائم و الطير إذا مسّها أ عليه غسل؟قال:

«لا،ليس هذا كالإنسان» (6).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)في رجل مسّ ميتة أ عليه

ص: 94


1- المصنف لابن أبي شيبة 3:269،مسند الطيالسي:305 ح 2314،سنن أبي داود 3:201 ح 3161،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:239 ح 1158.
2- فتح العزيز 2:131.
3- انظر الخلاف للشيخ الطوسي 1:223 المسألة 193.
4- السنن الكبرى 1:305.
5- المعتبر 1:352،و لاحظ:الكافي 3:160 ح 1،التهذيب 1:108 ح 283،الاستبصار 1: 99 ح 321.
6- التهذيب 1:429 ح 1367.

غسل؟قال:«لا،إنّما ذلك من الإنسان» (1)،و مثله روى الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (2).

و عن محمد بن الحسن الصفّار كتبت اليه:رجل أصاب ثوبه أو بدنه ثوب الميت،فوقّع:«إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسّل فقد يجب عليك الغسل» (3).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام):«إذا مسّه بحرارته فلا، و إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل».قلت:فالذي يغسّله أ يغتسل؟فقال:«نعم» (4).

و عن سماعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«غسل من غسّل ميتا واجب» (5).

و عن يونس عن بعض رجاله عنه(عليه السلام):«الفرض:غسل الجنابة،و غسل من غسّل ميتا» (6).

و عن عبد اللّه بن سنان عنه(عليه السلام):يغتسل الذي غسّل الميت.

و إن(غسّل) (7)الميت إنسان بعد موته و هو حار فليس عليه غسل،و لكن إذا مسّه و قبّله و قد برد فعليه الغسل،و لا بأس أن يمسّه بعد الغسل و يقبّله» (8).

و ظاهر هذه كلّها الوجوب،و في بعضها مصرّح به،و قد قيّد بكونه بعد برده.

و مفهوم خبرين أنّه لا غسل عليه لو مسّه بعد الغسل،و لطهارته به،و فتوى2.

ص: 95


1- التهذيب 1:430 ح 1374.
2- التهذيب 1:431 ح 1375.
3- التهذيب 1:429 ح 1368.
4- الكافي 3:160 ح 2،التهذيب 1:428 ح 1364.
5- الفقيه 1:45 ح 176،التهذيب 1:104 ح 270،الاستبصار 1:97 ح 315.
6- التهذيب 1:105 ح 271،الاستبصار 1:98 ح 316.
7- في المصادر:«قبّل».
8- الكافي 3:160 ح 3،التهذيب 1:108 ح 284،الاستبصار 1:99 ح 322.

الأصحاب.

و عن محمد الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)«و لا تغتسل من مسّه إذا أدخلته القبر» (1).

و رواية (2)عمار عن الصادق(عليه السلام):«كلّ من(غسّل) (3)ميتا فعليه الغسل،و إن كان الميت قد غسّل» (4)مطرّحة،و حملها في التهذيب على الندب (5)كما سبق.و كذا مفهوم رواية حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)فيمن أدخل القبر:«لا غسل عليه،إنّما يمسّ الثياب» (6)تحمل على الندب،لو استفيد من مفهوم المخالفة غسل.

تنبيه:

و يجب الغسل أيضا بمسّ قطعة فيها عظم،

سواء أبينت من حيّ أو ميت، لرواية أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)قال:

«إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة،فإذا مسّه إنسان فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل،و إن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» (7).و نقل الشيخ-في الخلاف-الإجماع في ذلك (8).

قال في المعتبر:الذي أراه التوقّف في ذلك،فإنّ الرواية مقطوعة،و العمل بها قليل،و دعوى الشيخ الإجماع لم تثبت،و غايته الاستحباب تفصّيا من اطّراح

ص: 96


1- التهذيب 1:105 ح 273.
2- في م:و رواه.
3- في المصادر:«مسّ».
4- التهذيب 1:430 ح 1373،الاستبصار 1:100 ح 328.
5- راجع الهامش السابق.
6- الكافي 3:160 ح 1،التهذيب 1:108 ح 283،الاستبصار 1:99 ح 321.
7- الكافي 3:212 ح 4،التهذيب 1:429 ح 1369،الاستبصار 1:100 ح 325.
8- الخلاف 1:701 المسألة 490.

قول الشيخ و الرواية (1).

قلت:هذه القطعة نجسة قطعا لوجوب غسلها كما مرّ،و هي بعض من جملة يجب الغسل بمسّها و خصوصا في الميت،فكل دليل دلّ على وجوب الغسل بمسّ الميت فهو دالّ عليها.و لأنّ الغسل يجب بمسّها متصلة،فما الذي أخرجه عن الوجوب بانفصالها؟و لأنّه يلزم عدم الغسل لو مسّ جميع الميت ممزّعا.و الخبر المقبول (2)عنده-رحمه اللّه-حجّة،و كذا المقترن بالقرينة،و الأمران حاصلان في الخبر،و الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة عند كثير،و ابن الجنيد سابق على الشيخ و قد أفتى بوجوبه في مسّ القطعة،إلاّ أنّه قيّدها ما بينه و بين سنة و فرضها في القطعة من الحي (3).فالتوقف في هذه بخصوصيتها لا وجه له،لأنّ الأصحاب منحصرون في:موجب غسل الميت على الإطلاق و هم الأكثر،و في:نافيه على الإطلاق و هو المرتضى (4)و من أخذ أخذه،فالقول بوجوبه في موضع دون موضع لم يعهد.

ثم إنّا لم نقف للمرتضى-رحمه اللّه-على حجّة نقليّة،سوى ما يظهر من حديث سعد بن أبي خلف،قال سمعت أبا عبد اللّه(عليه السلام)يقول:

«الغسل في أربعة عشر موطنا،واحد فريضة،و الباقي سنّة» (5).

و ما يلوح من مكاتبة القاسم الصيقل:كتبت إليه:جعلت فداك هل اغتسل أمير المؤمنين(عليه السلام)حين غسّل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) عند موته؟فأجابه:«النبي طاهر مطهّر،و لكنّ أمير المؤمنين فعل و جرت به السنّة»، أورده في الاستبصار و التهذيب في باب الأغسال (6).3.

ص: 97


1- المعتبر 1:352.
2- في س،ط:المنقول.
3- مختلف الشيعة:28.
4- تذكرة الفقهاء 1:57،مختلف الشيعة:28،المعتبر 1:352.
5- التهذيب 1:110 ح 289،الاستبصار 1:98 ح 319.
6- التهذيب 1:107 ح 281،الاستبصار 1:99 ح 323.

و أورد في التهذيب بسند آخر الى الحسين بن عبيد،قال:كتبت الى الصادق هل اغتسل أمير المؤمنين(عليه السلام)حين غسّل رسول اللّه عند موته؟قال:

«كان رسول اللّه طاهرا مطهّرا،و لكن فعل أمير المؤمنين ذلك و جرت به السّنة» (1).

نعم،هناك رواية تضمّنت أنّ غسل الميت سنّة-و حملها على ظاهرها يقتضي الحكم بطهارته،و مسّ الطاهر لا يوجب غسلا و لا غسلا،إلاّ أنّ هذا يخالف إجماع المسلمين فضلا عن الإمامية-و هي ما مرّ في مرسل عبد الرحمن عن أبي الحسن(عليه السلام)في اجتماع الجنب و الميت و المحدث،حيث قال:«و غسل الميت سنة» (2).و كذا بطريق التفليسي عن أبي الحسن(عليه السلام)في ميت و جنب:«إذا اجتمعت سنّة و فريضة بدئ بالفرض» (3).و بطريق الأرمني-و قيل هو التفليسي أيضا-عن الرضا(عليه السلام):«يترك الميت،لأنّ هذا فريضة و هذا سنّة» (4).

و كلّ هذا تكلّف،لوضوح روايات الوجوب دلالة،و شهرتها عملا.و الشيخ حمل لفظ«السنّة»على الثابت بالسنّة،و هو حسن (5).و أمّا اغتسال أمير المؤمنين (عليه السلام)و جري السنّة به،فهو ظاهر الدلالة على الوجوب.و سلاّر عدّ الأغسال الواجبة،و قال:و غسل من مسّ الميت على إحدى الروايتين (6)و لم نر رواية مصرّحة بذلك.

و في التهذيب-الذي هو شرح المقنعة-لم يذكر سوى ما ذكرناه.نعم، كلامه في الخلاف يشعر بوجود مخالف غير المرتضى،حيث قال:و عند بعضهم أنّه مستحبّ و هو اختيار المرتضى.ثم استدّل على الوجوب بالاحتياط و الأخبار،و لم0.

ص: 98


1- التهذيب 1:469 ح 1541.
2- الفقيه 1:59 ح 222،التهذيب 1:109 ح 285،الاستبصار 1:101 ح 329.
3- التهذيب 1:109 ح 286،الاستبصار 1:101 ح 330.
4- التهذيب 1:110 ح 287،الاستبصار 1:102 ح 331.
5- التهذيب 1:109،الاستبصار 1:101.
6- المراسم:40.

يذكر الإجماع هنا (1)،ثمّ ذكره في كتاب الجنائز،قال:و من شذّ منهم لا يعتد بقوله،و نقل الوجوب عن:علي(عليه السلام)،و أبي هريرة،و عن الشافعي في البويطي (2).

و هذا الغسل يجامعه الوضوء وجوبا،لما سلف.و لو أحدث بعد الوضوء المقدّم أعاده.و بعد الغسل المقدّم الوضوء لا غير.و في أثناء الغسل،الأقرب:أنّ حكمه حكم المحدث في أثناء غسل الجنابة.

و قطع في التذكرة بأنّه لو أحدث في أثناء غسله أتمّ و توضأ،تقدّم أو تأخّر (3).

و لعله يرى أنّ الحدث الأكبر يرفعه الغسل،و الأصغر يرفعه الوضوء بالتوزيع.و فيه بعد،لظهور أنّ الغسل و الوضوء علّة لرفع الحدث مطلقا،و هذا ينسحب في جميع الأغسال سوى الجنابة.

تفريع:

لو مسّه قبل برده فلا غسل،

لما مرّ.

و هل يجب غسل ما مسّه؟الأقرب:المنع،لعدم القطع بنجاسته حينئذ، و أصالة البراءة،و لأنّ نجاسته و وجوب الغسل متلازمان إذ الغسل لمسّ النجس.

و إن قلنا:أنّ وجوبه تعبّد محض،فبطريق الأولى سقوط غسل اليد،و يلوح ذلك من كلام ابن أبي عقيل رحمه اللّه،إلاّ أنّه مخالف للجماعة،و لدعوى الشيخ الإجماع عليه (4).

و الفاضل أوجب غسل يده بمسّه قبل البرد،محتجّا بأنّ الميت نجس (5)

ص: 99


1- الخلاف 1:222 المسألة 193.
2- الخلاف 1:700 المسألة 489.
3- تذكرة الفقهاء 1:57.
4- الخلاف 1:700 المسألة 488.
5- تذكرة الفقهاء 1:57.

و جوابه:إنّما يقطع بالموت بعد البرد.

و لو مسّ ما تمّ غسله منه،فالأقرب:سقوط الغسل،للحكم بطهارته.و لو غلّبنا النجاسة الحكمية،و قلنا:أنّ زوالها عن جزء مشروط بزوالها عن آخر،أمكن الوجوب،و لأنّه يصدق عليه أنّه ميت لم يغسّل.أمّا على القول بالنجاسة العينية- كما هو ظاهر الأصحاب (1)-فلا إشكال في عدم الوجوب.

و لا فرق بين مسّ المسلم و الكافر،لشمول اللفظ.و لا دخل لقيد الغسل هنا في إجراء الكافر مجرى البهيمة،لأنّه قيد لعدم وجوب الغسل لو مسّ بعده، و لا يلزم منه كون صحته شرطا لوجوب الغسل بمسّه قبله،لأصالة عدم الاشتراط.نعم،لا فرق في مسّ الكافر بين مسّه قبل الغسل أو بعده،لأنّ غسله لم يفده طهارة.

و هل يجب الغسل بمسّ العظم المجرّد متصلا أو منفصلا؟الأقرب:نعم، لدوران الغسل معه وجودا و عدما.و يمكن الالتفات الى طهارته فلا يفيد غيره نجاسة،و نحن نمنع طهارته قبل الغسل الشرعي لأنّه ينجس بالاتصال.نعم، لو أوضح العظم في حال الحياة و طهر،ثمّ مات فمسّه،فالإشكال أقوى لأنّه لا يحكم بنجاسة هذا العظم حينئذ.و لو غلبنا جانب الحكم توجّه وجوب الغسل، و هو أقرب:امّا على هذا فظاهر،و امّا على النجاسة العينية يمكن القول بنجاسته تبعا للميت عينا،و يطهر بالغسل.

أمّا السن و الضرس،فالأولى:القطع بعدم وجوب الغسل بمسّهما،لأنّهما في حكم الشعر و الظفر.هذا مع الانفصال،و مع الاتصال يمكن المساواة،لعدم نجاستها بالموت.و الوجوب،لأنّها من جملة يجب الغسل بمسّها.7.

ص: 100


1- راجع:المقنعة:12،المبسوط 1:179،النهاية:35،المعتبر 1:420،تذكرة الفقهاء 1: 57.

الطهور

ص: 101

ص: 102

الفصل الرابع:في الاستعمال.
اشارة

و هو البحث عن كيفية الطهارة،

و

مطالبه ثلاثة
المطلب الأول:في كيفية الوضوء،
اشارة

و فيه

ثلاثة أبحاث:
البحث الأول:في واجباته
اشارة

،و الذي استفيد من نص الكتاب ثمانية:

أولها:النية،

و قد تقدّم تحقيقها.و يجب القصد بها الى القربة،أعني:

موافقة إرادة اللّه تعالى.و ظاهر كلام المتكلّمين:أنّ القربة و التقرّب طلب الرفعة عند اللّه تعالى بواسطة نيل الثواب،تشبيها بالقرب المكاني.

و ينبّه على الأول قوله تعالى وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (1)،و قوله تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ (2)أي:إرادة لطاعته،و قول أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام:«و لكن وجدتك أهلا للعبادة» بعد نفي الطمع في الثواب،و الخوف من العقاب (3).

و ينبّه على الثاني قوله تعالى وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً (4)،و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (5)أي:راجين الفلاح،أو:لكي تفلحوا.و الفلاح هو الفوز بالثواب، قاله الشيخ أبو علي الطبرسي-رحمه اللّه- (6)،و قال بعض المفسرين:هو الفوز بالأمنية،و منه قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (7).و قوله تعالى:

ص: 103


1- سورة الليل:19-20.
2- سورة البقرة:165.
3- شرح نهج البلاغة للبحراني 5:361.
4- سورة الأنبياء:90.
5- سورة الحج:77.
6- مجمع البيان 7:98.
7- سورة المؤمنون:1.

أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ (1) صريح في ذلك،لقوله تعالى من قبل وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللّهِ (2).

و اما قوله تعالى وَ اقْتَرَبَ (3)إن جعل مترتبا على السجود أفاد المعنى الثاني،و منه الحديث عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«أقرب ما يكون العبد الى ربّه إذا سجد» (4).و إن جعل مستقلا أمكن أن يكون معناه وافق إرادة اللّه تعالى، أو افعل ما يقرّبك من ثوابه،قال الشيخ أبو علي-رحمه اللّه-:و اقترب من ثوابه، قال:و قيل معناه و تقرّب اليه بطاعته (5).

و الظاهر أنّ كلاّ منهما محصّل للإخلاص.و قد توهم قوم ان قصد الثواب يخرج عنه،لأنّه جعله واسطة بينه و بين اللّه.و ليس بذاك،لدلالة الآي و الأخبار عليه،و ترغيبات القرآن و السنّة مشعرة به،و لا نسلّم أن قصد الثواب مخرج عن ابتغاء اللّه بالعمل،لأنّ الثواب لما كان من عند اللّه فمبتغيه مبتغ وجه اللّه.نعم، قصد الطاعة التي هي موافقة الإرادة أولى،لأنّه وصول بغير واسطة.

و لو قصد المكلف في تقربه الطاعة للّه أو ابتغاء وجه اللّه كان كافيا،و يكفي عن الجميع قصد اللّه سبحانه الذي هو غاية كل مقصد.

و هذه القربة معتبرة في كل عبادة،لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (6)، قُلِ اللّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (7).

و دلالة الكتاب و الأخبار على النية-مع أنها مركوزة في قلب كل عاقل يقصد4.

ص: 104


1- سورة التوبة:99.
2- سورة التوبة:99.
3- سورة العلق:19.
4- مسند أحمد 2:421،صحيح مسلم 1:350 ح 482،سنن أبي داود 1:231 ح 875،سنن النسائي 2:226،السنن الكبرى 2:110.
5- مجمع البيان 10:516.
6- سورة البينة:5.
7- سورة الزمر:14.

الى فعل-أغنى الأولين عن ذكر نيّات العبادات و تعلمها،حتى أنّ الأخبار خالية عن تشخص (1)نيّة،إلاّ ما سنذكر في الحج و العتق إن شاء اللّه.

لكن قال في التهذيب في تأويل خبر إعادة الوضوء بترك التسمية:أنّ المراد بها النية (2).و في الخلاف و المختلف نقل الإجماع على وجوبها (3).و في المعتبر أسنده إلى الثلاثة و ابن الجنيد،و قال:لم أعرف لقدمائنا فيه نصّا على التعيين (4).و لم يحتجّ في الخلاف بغير الأخبار العامة في النية (5).و من ثم لم يذكرها قدماء الأصحاب في مصنفاتهم كالصدوقين.

و الجعفي قال:لا عمل إلاّ بنيّة،و لا بأس إن تقدمت النية العمل أو كانت معه.و ابن الجنيد عطف على المستحب قوله:و أن يعتقد عند إرادة طهارته أنّه يؤدّي فرض اللّه فيها لصلاته،قال:و لو عزبت النية عنه قبل ابتداء الطهارة،ثمّ اعتقد ذلك و هو في عملها،أجزأه ذلك.

و هذان القولان مع غرابتهما مشكلان،لأنّ المتقدمة عزم لا نية،و الواقعة في الأثناء أشكل،لخلو بعضه عن نية.و حمله على الصوم قياس محض،مع الفرق بأن ماهية الصوم واحدة بخلاف الوضوء المتعدّد الأفعال،و استحبابها لا أعلمه قولا لأحد من علمائنا.

فإن احتجّ ابن الجنيد على الاستحباب بأنّه تعالى قال إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (6)وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (7)و لم يذكر النية،و بأن الماء مطهّر مطلقا فإذا استعمل في مواضعه وقع موقعه.6.

ص: 105


1- في س:مشخص.
2- التهذيب 1:358،الاستبصار 1:68.
3- الخلاف 1:71 المسألة 18،مختلف الشيعة:20.
4- المعتبر 1:138.
5- راجع الهامش 3.
6- سورة المائدة:6.
7- سورة المائدة:6.

أجيب:بأنّ الآية حجة لنا،لأنّ المفهوم منه فاغسلوا لأجل الصلاة،و منه قولهم إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك،و إذا قابلت العدو فخذ سلاحك،فإن المفهوم منه للقاء الأمير و مقاتلة العدو.و طهورية الماء مسلّمة،و لكنّ الجمع بينه و بين قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إنّما الأعمال بالنّيات» (1)واجب.على أنّه يمكن العمل بطهورية الماء على الإطلاق في رفع الخبث لأنه كترك القبيح،و لأن المقصود زوال عينه بالماء و قد حصل،بخلاف الطهارة فإن الغرض بها العبادة.

و محل النية القلب،لأنّها إرادة.و لا يستحبّ الجمع عندنا بينه و بين القول، للأصل،و لعدم ذكر السلف إياه.و صار اليه بعض الأصحاب،لأنّ اللفظ أشدّ عونا على إخلاص القصد (2)،و فيه منع ظاهر.و الشيخ في الخلاف قال-في نية الصلاة-محلها القلب دون اللسان،و لا يستحب الجمع بينهما،محتجا بأنّ النية إرادة قلبية مؤثرة في تخصيص الفعل بوجهه،و لا دليل شرعي على التلفظ بها (3).

القول في كيفيتها: و للأصحاب فيها عبارات.

أولها:القربة و ابتغاء وجه اللّه .و هو في:النهاية (4)،و المقنعة (5)،و اختيار البصروي-رحمه اللّه-لما مرّ.

و ثانيها:أنّ ينوي رفع الحدث ،أو استباحة فعل مشروط صحته بالطهارة.

و هو قول المبسوط،و لم يذكر القربة (6)،و الظاهر أنّه تركها لظهورها لا لما قاله9.

ص: 106


1- التهذيب 4:186 ح 519،مسند أحمد 1:25،صحيح البخاري 1:2،صحيح مسلم 3:1515 ح 155،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:1079 ح 2147، السنن الكبرى 7:341.
2- كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1:14.
3- الخلاف 1:308 المسألة 56.
4- النهاية:15.
5- المقنعة:15.
6- المبسوط 1:19.

العامة:أنّ العبادة لا تكون إلاّ قربة،لأنّه مدخول (1)إذ صيرورتها قربة بغير قصد ترجيح بلا مرجح.

و ثالثها: التصريح بالقربة و أحد الأمرين،و لا يشترط الوجوب و لا الندب.

و هو مختار المعتبر (2).

و رابعها:الاستباحة .و يلوح من كلام المرتضى رضي اللّه عنه (3).

و خامسها:الجمع بين:القربة،و الوجه،و الرفع،و الاستباحة. و هو قول:

أبي الصلاح (4)و ابن البراج (5)و ابن حمزة (6)و الراوندي،لوجوب الرفع و الاستباحة، و وجوب نية كل واجب،و لأنّ الرفع يوجد بدون الاستباحة في غسل الحائض إن قلنا برفعه الأكبر،و الاستباحة بدون الرفع في المتيمّم و الطهارة الضرورية،فإذا لم يتلازما لم يكف أحدهما.

و سادسها:الجمع بين الأربعة و بين الطاعة للّه. و هو قول ابن زهرة،قال:

و اعتبرنا تعلّق الإرادة برفع الحدث،لأنّه مانع من الدخول.و بالاستباحة،لأنه الوجه الذي لأجله أمر برفع الحدث،فما لم ينوه لا يكون ممتثلا للوجه الذي أمر به لأجله.و تعلقها بالطاعة للّه تعالى،لأنّ بذلك يكون الفعل عبادة.و القربة و مرادنا بها:طلب المنزلة الرفيعة عنده بنيل ثوابه،لأنّه الغرض المطلوب بطاعته.

و الوجوب،للامتياز عن الندب،و لوقوعه على الوجه الذي كلّف بإيقاعه (7).

و سابعها:اعتبار الوجوب أو وجهه إن كان واجبا،أو الندب،للامتياز، و لوقوعه على الوجه الذي كلّف به،و الرفع أو الاستباحة.و هو مستفاد من جمعة.

ص: 107


1- راجع:المغني 1:122،المجموع 1:313.
2- المعتبر 1:319.
3- مختلف الشيعة:20.
4- الكافي في الفقه:132.
5- المهذب 1:45.
6- الوسيلة:40.
7- الغنية:491 ضمن الجوامع الفقهية.

ما تفرّق من كلام ابن إدريس رحمه اللّه،و لم يذكر القربة،و ادّعى الإجماع على اعتبار الرفع أو الاستباحة (1).

و ثامنها:إطلاق النية. و هو قول:الجعفي،و سلاّر (2).

قلت:و الذي دلّ عليه الكتاب و السنّة هو القربة و الاستباحة،و الباقي (3)مستفاد من اعتبار المشخّص للفعل لإيقاعه على الوجه المأمور به شرعا،و لكنه بعيد من حال الأولين،و لو كان معتبرا لم يهمل ذكره.

و لو ضويقنا:فالوجه لا بأس به.و أحد الأمرين من الرفع و الاستباحة كاف في غير المعذور،لتلازمهما بل تساويهما فلا معنى لجمعهما.و اعتبار الطاعة مع القربة بعيد،فإنّهما سيان على ما يظهر ممّا مرّ أو متلازمان.

قال في البشرى:لم أعرف نقلا متواترا و لا آحادا يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة،لكن علمنا يقينا أنّه لا بد من نية القربة،قال:و إلاّ كان هذا من باب:اسكتوا عمّا سكت اللّه عنه.

و يجب فيها المقارنة لابتداء الوضوء،ليقع التأثير،و لدلالة(الأعمال بالنيات) عليه.و المشهور:جواز فعلها عند غسل اليدين،لأنّه من الوضوء الكامل.و أولى منه المضمضة و الاستنشاق،لقربهما الى الواجب.

و صاحب البشرى-رحمه اللّه-توقّف فيهما،نظرا الى أن مسمى الوضوء الحقيقي غيرهما،و للقطع بالصحة إذا قارن عند غسل الوجه.

و ابن إدريس:في الغسل ينوي عند غسل اليدين،و في الوضوء عند المضمضة و الاستنشاق،محتجا بأنهما من جملة العبادة (4).و الفرق تحكم.

و انما تجوز عند غسل اليدين إذا كان مستحبا،و له شرطان:7.

ص: 108


1- السرائر 17،19.
2- المراسم:37.
3- في س:و الثاني.
4- السرائر:17.

أن يكون الوضوء من حدث النوم أو البول أو الغائط لا من الريح،أو يكون الغسل من الجنابة،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا استيقظ أحدكم من نومه،فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثا،فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» (1).

و لرواية حريز عن الباقر(عليه السلام):«يغسل الرجل يده من النوم مرة، و من الغائط و البول مرتين،و من الجنابة ثلاثا» (2).

و لمضمرة عبيد اللّه الحلبي:«واحدة من حدث البول،و اثنتان من الغائط، و ثلاث من الجنابة» (3).

و اختلاف الروايات في البول مشعر بالاستحباب،و عليه يحمل الأمر النبوي،مع ان التعليل فيه مشعر به أيضا،و يدل على انه غير واجب منطوق آية الوضوء و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يبول و لم تمسّ يده شيئا،أ يغمسها في الماء؟قال:«نعم،و ان كان جنبا» (4).

الشرط الثاني:ان يكون من إناء يمكن الاغتراف منه،فلو توضأ من نهر أو مصنع أو من إناء لا يمكن الاغتراف منه لم يستحب الغسل،كذا قاله الفاضل (5)-رحمه اللّه-و يمكن القول بالاستحباب لأن النجاسة الموهومة تزول به بالنسبة إلى غسل باقي الأعضاء ان لم يكن لأجل الماء.

فرع:يتصور في غسل اليدين الأحكام الخمسة،و ظاهر انتفاء النية عند9.

ص: 109


1- مسند أحمد 2:403،صحيح البخاري 1:52،صحيح مسلم 1:233 ح 278،سنن ابن ماجة 1:138 ح 393،سنن أبي داود 1:25 ح 103،الجامع الصحيح 1:36 ح 24.
2- التهذيب 1:36 ح 97،الاستبصار 1:50 ح 142.
3- التهذيب 1:36 ح 96،الاستبصار 1:50 ح 141.و في الكافي 3:12 ح 5 مسندة عن الصادق عليه السلام.
4- الكافي 3:12 ح 4،التهذيب 1:37 ح 98،الاستبصار 1:50-141.
5- منتهى المطلب 1:49.

غير الوجوب و الندب و جوازها عند الندب بالشرطين،و في جوازها عند الواجب كإزالة النجاسة المعلومة وجه،لأنه أولى من الندب بالمراعاة،و الأقرب المنع،لأنه لا يعد من أفعال الوضوء،و أولى بالمنع غسلهما مستحبا مع عدم الشرطين،كما إذا باشر مائعا من يتهم بالنجاسة.

و يجب استدامة النية بمعنى البقاء على حكمها و العزم على مقتضاها،لأن الاستدامة فعلا مما يمتنع أو يعسر،فاكتفي بالحكم دفعا للحرج،و فسّر كثير من الأصحاب الاستمرار على النية بما قاله في المبسوط،و هو أن لا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها،و كأنه بناء منهم على أن الباقي مستغن عن المؤثر.

و هنا مسائل:

الأولى: ذو الحدث الدائم-كالمبطون،و السلس،و المستحاضة-ينوي الاستباحة.فلو ضمّ إليها رفع الحدث لغا،إلاّ أن يقصد رفع ما مضى فحسن.

و لو اقتصر عليه،فإن نوى رفع ما مضى صح لأنه في معنى الاستباحة،و إن نوى رفعه مع ما هو حاصل أو سيحصل فقد نوى ما بعضه ممتنع،فيمكن الصحة لتضمن النية رفع مانع الصلاة،و البطلان لعدم إمكان ما نواه فكيف يحصل له؟ و لو نوى رفع الحدث مطلقا،فالأقرب:صرفه إلى الصحة،حملا على ما مضى.

و هل يشترط مع نية الاستباحة نية رفع الماضي؟الوجه:انّه يبني على العبارات السالفة.

الثانية: لو نوى رفع حدث معيّن واقع ارتفع الجميع،لتوقف رفع الخصوصية على رفع الجميع،لأنّ النوم و البول لا ترتفع حقيقتهما و إنما يرتفع حكمهما،و هو شيء واحد تعددت أسبابه.و لا يشترط التعرّض لها،فإذا تعرّض لها مضافا الى سبب واحد،لغت الإضافة إلى السبب و ارتفع.

و لو جمع بين نية رفعه،و نية بقاء غيره من الأحداث الواقعة،ففيه وجهان:

البطلان،لتناقض القصد.و الصحة،لأنه نوى أمرا فيحصل له عملا

ص: 110

بالحديث (1)،و هو يستلزم ارتفاع غيره،و لا فرق بين كون المعيّن آخر الأحداث أو لا لأن الخصوصية ملغاة،و المرتفع إنّما هو القدر المشترك المانع من الصلاة.

و الأقرب:الأول،و عليه يتخرّج استباحة صلاة معيّنة نفي غيرها أولا.

هذا في وضوء الرفاهية،و اما وضوء المضطر فإنّه ينوي استباحة الصلاة مطلقا أو الصلاة الواحدة،فلو زاد على الواحدة لغت نيته و استباح الواحدة.و لو نوى استباحة النافلة هنا لم يستبح الفريضة به،لأن وضوءه لا يبيح أزيد من واحدة على ما مر.

و لو نوى استباحة صلاة و عدم استباحتها،فالوجه:البطلان،لتلاعبه مع التناقض-و به يعرف وجه الأقرب السالف-،و المنوي إنّما يحصل إذا كان ممكنا، و هنا قد نوى المتنافيين فلو حصلا اجتمعا،و حصول أحدهما ترجيح بغير مرجح.

و لو نوى رفع حدث غير واقع،أو استباحة صلاة قد فعلها متعمدا،بطل قطعا،لأنّه كلا نيّة.و ان كان غلطا في اللفظ،لم يضر مع وجود القصد الصحيح.

و إن كان غلطا في القصد،فالأقرب:البطلان،لعدم النية المعتبرة،و كذا لو ظنه واقعا فبان غير واقع.

الثالثة: لو نوى وضوء مطلقا لم يكف،لاشتراكه بين الواجب و الندب، و المبيح و غيره.و لو نوى الكون على الطهارة،فالأقرب:الصحة،لأن الطهارة تمتنع بدون رفع الحدث.

و لو نوى استباحة ما الطهارة مكملة له-كقراءة القرآن،و دخول المساجد- فالأقرب:الصحة إن نوى إيقاعها على الوجه الأفضل،لتوقّفه على رفع الحدث.

و في نية الوضوء للنوم نظر،لأنه نوى وضوء الحدث.و ألحقه في المعتبر بالصحيح،لأنّه قصد النوم على أفضل أحواله (2)و لما في الحديث من استحباب النوم على طهارة و هو مشعر بحصولها.و لك أن تقول:لا يلزم من استحباب النوم0.

ص: 111


1- تقدم في ص 106 الهامش 1.
2- المعتبر 1:140.

على الطهارة صحة الطهارة للنوم،إذ الموصل الى ذلك وضوء رافع للحدث فلينو رفعه،أو استباحة مشروط،به لا مناف له.

و التحقيق:انّ جعل النوم غاية مجاز،إذ الغاية هي الطهارة في آن قبل النوم بحيث يقع النوم عليها،فيكون من باب الكون على طهارة و هي غاية صحيحة.

و قطع في المبسوط بأن ينوي استباحة ما يشترط فيه الطهارة،فلا يصحّ الوضوء بنية غيره،لأنّه مباح من دونه (1).

قلنا:الإباحة لا كلام فيها،و إنّما الكلام في وقوع ذلك المنوي على الوجه الأفضل و ذلك غير حاصل من دون الطهارة،و لأنّهم جعلوا العلّة في فضيلة تلك الأفعال الطهارة،فكيف لا تحصل؟و لك أن تجيب بما مرّ.و من هذا يعلم ما لو نوى الجنب قراءة القرآن أو الجواز في المسجد.

و لو نوت الحائض بعد طهرها إباحة الوطء،فالأقرب:الصحة،لما قلناه و خصوصا على القول بحرمته قبل الوطء.و يحتمل البطلان،لأنّ الطهارة لحقّ اللّه و لحقّ الزوج فلا تبعض،بل تكلّف طهارة صالحة لهما.و يجاب:بأن القربة حاصلة،و أباحة الوطء على الكمال أو الصحة موقوف على رفع الحدث،فهما منويّان.

الرابعة: لو جدّد طهارة،فتبيّن فساد الأولى أو سبق الحدث،ففي ارتفاعه وجهان،من حيث عدم نيته،و من أن شرعية المجدد لتدارك الخلل و كمالية الطهارة،و هو قضية كلام الشيخ رحمه اللّه في المبسوط،مع أنّه شرط في الوضوء الواجب الاستباحة أو الرفع (2).

و اولى بالصحة لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطا،لنية الاستباحة هنا.و يمكن المساواة،لعدم الجزم بالمنوي.و علّله في التذكرة بعدم نية5.

ص: 112


1- المبسوط 1:19.
2- المبسوط 1:19،25.

الوجوب (1).و يشكل:بانا نتكلم على تقديرها.

أما عكسه،أو الشاك في المتأخر من الطهارة و الحدث،ثمّ يتطهران،فإنّ طهارتهما صحيحة قطعا و إن تيقنا الحدث بعد،لأنّهما مخاطبان بالجزم و قد فعلاه.

و لو ذهل عن الطهارة فأتى بها جازما،ثم تبيّن أنّه كان قد فعلها على نوع خلل،فالصحة قوية لمطابقة الجزم الواقع.و أولى بالصحة ما لو شك بعد هذه فيما وقع فيه الخلل من الطهارتين.

الخامسة: لو ضم إلى النية منافيا،فالأقرب:البطلان،كالرياء،و الندب في الواجب،لأن تنافي المرادات يستلزم تنافي الإرادات.

و ظاهر المرتضى:الصحة،بمعنى:عدم الإعادة لا بمعنى حصول الثواب،ذكر ذلك في الصلاة المنوي بها الرياء (2)،و هو يستلزم الصحة فيها و في غيرها مع ضمّ الرياء الى التقرّب.

و لو ضمّ اللازم كالتبرّد،قطع الشيخ و صاحب المعتبر بالصحة،لأنّه فعل الواجب و زيادة غير منافية (3).و يمكن البطلان،لعدم الإخلاص الذي هو شرط الصحة.و كذا التسخّن و النظافة.

السادسة: العاجز عن مباشرة الأفعال ينوي و ان كان المباشر غيره،لأنّه المكلّف و المباشر آلة.و لو نوى المباشر معه كان حسنا،لأنّه الفاعل حقيقة كذبح الهدي.و لا تجزئ نية المباشر وحده قطعا،لعدم جواز الاستنابة في النية،إذ هي مقدورة تعلّق مراد الشارع بها من المكلّف بعينه.

و لو زال عذره فطهارته باقية،لعدم ثبوت كون مثله حدثا،خرج الوقت أو لا،صلّى بها أو لا.

السابعة: اشتراط القربة يمنع صحة الطهارة من الكافر،و تقرّبه بمعتقده0.

ص: 113


1- تذكرة الفقهاء 1:15.
2- الانتصار:17.
3- المبسوط 1:19،المعتبر 1:140.

لا عبرة به،لأن التقرب إنّما يعتبر على الوجه الشرعي.

أما غسل الكافرة الطاهرة من الحيض تحت المسلم ليغشاها فقد جوزه قوم للضرورة (1)،و أورده الشيخ في الإيلاء من المبسوط (2)،و لو قيل بتسويغ الوطء من غير غسل للضرورة كان قويا،و ارتكاب هذه الضرورة أولى من ارتكاب شرع غسل بغير نية صحيحة،و لأنهم منعوا من طهارة المرتد مع تحرّمه بالإسلام على الإطلاق (3)،فالكافر الأصلي أولى.

و العامة لما لم تكن القربة معتبرة عندهم حكموا بالصحة،و أبعد من الصحة غسل المجنونة من الحيض بتولي الزوج،إذ لا تكليف في حقها،و جوز الأمرين الفاضل (4)،و لم أره لغير العامة،و فرع عليه ما فرعوه من وجوب الإعادة بعد الإسلام و الإفاقة (5).

و لو ارتد المسلم في الأثناء بطل،لعدم البقاء على حكم النية،فإن عاد في موضع صحة العود بنى بنيّة مستأنفة أن بقي البلل و إلاّ أعاد،و لو ارتد بعده لم يبطل لسبق ارتفاع حدثه قيل ابتداء الوضوء في الردة باطل فكذا دوام حكمه.

قلنا:الفرق اشتراط النية الممتنعة من الكافر في الابتداء بخلاف الدوام، و لأنه بعد الفراغ من الوضوء مستديم حكمه لا فعله فلا يتأثر بالردة السابقة و يعارض بالردة بعد الصلاة و الصوم،و كذا لا يبطل التيمم عندنا بالردة بعده لما قلناه،قالوا خرج بكفره عن الاستباحة،قلنا ما دام الكفر.

الثامنة: لو نوى قطع الطهارة في الأثناء،أو المنافي للنية،بطلت حينئذ.

فلو عاد استأنف النية و الوضوء إن جف،و إلاّ فالنية.و لو كان في أثناء الغسل كفاهة.

ص: 114


1- المغني لابن قدامة 8:129،الشرح الكبير 8:135.
2- المبسوط 5:140.
3- انظر:الخلاف 1:127،المسألة 69.
4- تذكرة الفقهاء 2:646.
5- المغني لابن قدامة 1:239.و انظر الخلاف 1:127،المسألة.

النية للباقي،لعدم شرط الموالاة فيه،و لو قدّر اشتراط الموالاة فيه-كغسل الاستحاضة-استأنفه.

و لو اشتغل عن الأفعال بغيرها مع استمرار حكم النية،لم يضر ما لم يجف البلل،و لا يحتاج إلى نية مستأنفة،و كذا الغسل،إلاّ مع طول الزمان،و يمكن عدم احتياجه فيه مطلقا مع بقاء الاستمرار الحكمي.

التاسعة: لو عزبت الاستدامة في الأثناء،و لمّا يحصل المنافي،لم يقدح و ان تقدمت عند السنن،لأنها من الوضوء.

قالوا:المقصود من العبادة واجباتها،و الندب تابع،فلا بدّ من بقاء النية إلى أول الواجبات.

قلنا:ذلك يسدّ باب تقدمها،لعدم فائدته،و لعسر البقاء.

و لو نوى المنافي حال الذهول،فهو كالمنافي حال النية بل أولى،لضعف الاستدامة الحكمية،و قوة الابتداء الحقيقي.

العاشرة: من عليه موجب ينوي الوجوب في طهارته ما دام كذلك.

فلو نوى الندب عمدا أو غلطا بني على اعتبار الوجه،و الحدث يرتفع و إن لم يقصد فعل ما عليه من الواجب،لأنّ وجوب الوضوء مستقرّ هنا عند سببه.

و لو كان خاليا عن الموجب،و نوى الندب أو الاستباحة أو الرفع،صحّ.

و لو نوى الوجوب بني على ما قلناه،و أولى بالصحة هنا،لدخول المندوب تحت الواجب،لاشتراكهما في ترجيح الفعل،و نية المنع من الترك مؤكدة.

و من قال بوجوب الوضوء لمجرد الحدث-كما قلنا فيما سلف-فالنية للوجوب أبدا،و قد احتمله الفاضل في النهاية (1)،و إنّما البحث على قول من جعل الموجب هو دخول الوقت،أو أحدهما بشرط الآخر،و هو معنى قولنا:انه يجب لغيره.

و وجه البطلان:عدم الإتيان به على وجهه.فعلى هذا لو صلّى به صلوات2.

ص: 115


1- نهاية الإحكام 1:32.

أعاد ما وقع بالطهارة الأولى،لأنّه صار مشغول الذمة بالواجب.هذا إن قلنا بصحة وضوء المحتاط به إذا صادف الوجوب،بشرط تخلّل الحدث،أو الذهول عن كونه متطهّرا،و الضابط أن يكون جازما بموجب نية الطهارة الثانية.

و لو شك في دخول وقت الموجب،بنى على الأصل و نوى الندب.فلو تبيّن الدخول ففيه الوجهان،و لو كان له طريق الى العلم فالبطلان أقوى.

و لو شك في اشتغال ذمته بالموجب،فالأصل:البراءة،فينوي الندب.و لو علم الاشتغال و شك في الخلو،فالأصل:البقاء،فينوي الوجوب.و لو ردد نيّته بين الواجب و الندب عند الشك،إمّا مطلقا أو على تقديرين،فالوجه:البطلان إن اعتبرنا نية الوجه،لعدم الجزم مع إمكان جزمه هنا.

و لو ظن الموجب في ذمته فتطهّر،ثم بان عدمه،فالصحة أقوى،عملا بامتثاله ما كلّف به.و يمكن البطلان،لعدم مطابقته الواقع.

و لو ظن براءة ذمته فنوى الندب،ثم ظهر الموجب،فهو كالمجدّد يظهر مصادفته الحدث.و مال في التذكرة إلى الصحة (1)و هو مشكل على أصله من اعتبار الوجه،و عدم الاجتزاء بالمجّدد.

و لو شرع في الطهارة قبل الموجب،ثم حصل في أثنائها،فالأقرب:

الاستيناف،لأنّها عبادة واحدة،و لو لم نعتبر الوجه لم نوجب الاستئناف.

الحادية عشرة:لتفريق النية صور:

الأولى: أن يفرد كلّ عضو أو بعضه بنية تامة،فيمكن الصحة،لأنّ إجزاء العامة يستلزم إجزاء الخاصة،لأنّها أقوى دلالة.و وجه المنع:انه عبادة واحدة متصلة فلا يفرد بعضها عن بعض،و للقطع بانّ صاحب الشرع لم يفعل ذلك.

الثانية: أن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عن ذلك العضو،أو عنه و عن عضو آخر،فالبطلان هنا أولى،لأن حكم الحدث يرجع الى الجملة،فارتفاعه6.

ص: 116


1- تذكرة الفقهاء 1:16.

عنها مقصود و هو غير منوي.و يحتمل الصحة،لتوهم السريان إليها.

الثالثة: لو نوى في ابتداء الوضوء رفع الحدث عن الأعضاء الأربعة،ففيه الوجهان،و الأقرب:البطلان لما قلناه،و على السريان يصحّ.و ينسحب البحث لو نوى استباحة الصلاة لعضو عضو.

الثانية عشرة: لو أخلّ بلمعة،فغسلها في الثانية بنية الندب عمدا، بطلت.و لو كان جاهلا بها،ففيه الوجهان:الصحة،لاقتضاء النية الأولى وجوب الغسل فالطارئ لا يؤثر،و لأنّ شرعية المندوب إنّما هو بعد الفراغ من الواجب فقبله لا يشرع،فقصده ممتنع فيبقى على القصد الأول.و البطلان،لاختلاف الوجه و النية.و يؤيّد الأول:أنّ شرع الثانية للتدارك،فيحصل.

قال ابن الجنيد:و إنّما استحبت الثانية ليكمل بها ما لعلّه نقص في الأولى (1).و ينبّه عليه حسن زرارة و بكير عن الباقر(عليه السلام)في الغرفة الواحدة أ تجزي؟فقال:«نعم،إذا بالغت فيها،و الثنتان يأتيان على ذلك كلّه» (2).

و ربّما بني على أنّ نية المنافي بعد عزوب النية هل تؤثر أم لا؟و على ان الوضوء المنوي به ما يستحبّ له الطهارة يصحّ أم لا؟و قد سبقا.و قد ينازع في تصوّر البناء على الأصل الثاني،بناء على عدم صحة الوضوء المندوب قبل الواجب لمن عليه واجب.

الثالثة عشرة:طهارة الصبي تمرينا هل هي معتبرة؟ فيه وجهان-و كذا جميع عبادته-:نعم،لأمر الولي بأن يأمره و هو معنى الشرعي،و لأنه يستبيح الصلاة التي هي حرام على المحدث.و لا،لعدم التكليف في حقه،و صحة الصلاة الواقعة منه كطهارته.6.

ص: 117


1- مختلف الشيعة:22.
2- الكافي 3:25 ح 5،التهذيب 1:81 ح 211،الاستبصار 1:71 ح 216.

و هل ينوي الوجوب أو الندب؟الأجود الأول،ليقع التمرين موقعه، و يكون المراد بالوجوب في حقه ما لا بدّ منه،إذ المراد به الوضوء الواجب على المكلّف.و يمكن الثاني،لعدم وجه الوجوب في حقه،و هذا مطّرد في نياته كلّها.

و تظهر فائدة الحكم بالصحة فيما لو بلغ و طهارته باقية.و الشيخ قطع في المبسوط بأن الصبي و الصبية إذا بلغا في أثناء الصلاة بما لا يبطل الطهارة أتمّا (1)، و هو يستلزم كون عبادتهما معتبرة شرعا.

و في الخلاف أوجب إعادة الصلاة مع بقاء الوقت،محتجّا بأن الندب لا يجزي عن الواجب،و لم يذكر إعادة الطهارة (2).

و في المعتبر موافقة المبسوط في الصبية (3).

و الفاضل يوجب إعادة الطهارة و الصلاة،بناء على عدم كونهما شرعيين (4).

الرابعة عشرة:يجب مقارنتها لأعلى الوجه، لما سيأتي إن شاء اللّه من وجوب البدأة بالأعلى.و لو قلنا بعدمه،جازت المقارنة لأي جزء اتفق،حتى لو غسل مع المضمضة أو الاستنشاق جزءا من الوجه مع النية كان مجزئا.

الخامسة عشرة: لا ريب أن غسل اليدين المستحب من سنن الوضوء، و أبلغ منه المضمضة و الاستنشاق،فلو نوى عندها الوضوء أثيب عليها،و إلاّ فإن نواها خاصة أثيب و إلاّ فلا.

و هل السواك و التسمية من سننه حتى تقع عندهما النية؟ظاهر الأصحاب و الأحاديث أنّها من سننه،و لكن لم يذكر الأصحاب إيقاع النية عندهما،و لعلّه لسلب اسم الغسل المعتبر في الوضوء عنهما.

السادسة عشرة:ذو الجبيرة ينوي رفع الحدث، لانتقال الفرض إليها،و كذا الماسح على الخف حيث يجوز.و يتخرّج على قول من قال بإعادة الوضوء لو زال5.

ص: 118


1- المبسوط 1:73.
2- الخلاف 1:306 المسألة 53.
3- المعتبر 2:103.
4- تذكرة الفقهاء 1:15.

العذر،أنّه ينوي الاستباحة كالمتيمّم و المستحاضة.

السابعة عشرة: لو نوى استباحة السجدة المنسية أو المرغمتين صح قطعا.

و لو نوى استباحة سجدة العزيمة أو مسّ المصحف،بني على اشتراط الطهارة فيهما،فإن قلنا به ارتفع حدثه،و إلاّ بني على الأكمل.

و لو نوى سجدة الشكر بني على الأكمل قطعا،لاتفاقنا على عدم اشتراط الطهارة فيها.

الثامنة عشرة: لو نوى فرض الوضوء للقربة،فعلى القول بالاكتفاء بها و بالوجه تجزئ قطعا،و على اعتبار الرفع أو الاستباحة يمكن الإجزاء لأنّا نعلّل الفرضية بهما،فقد نوى موجب الرفع أو الاستباحة فهو كنيتهما،و الأقرب:المنع، لأنّه لا تلازم بينهما في التصور.و لو قدّر حضور أحدهما عند حضور الفريضة زال الإشكال.

الواجب الثاني:غسل الوجه.

و هو أول الأركان الظاهرة،و وجوبه بالنص و الإجماع،قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (1)و الإجماع على وجوبه.

و يجب استيعابه،للآية.و حدّه طولا:من قصاص مستوي الخلقة إلى طرف الذقن-بالذال المعجمة المفتوحة و فتح القاف-،و عرضا:ما اشتملت عليه الإبهام و الوسطى،لأنّه القدر الذي غسله النبي صلّى اللّه عليه و آله بنقل أهل البيت (عليهم السلام) (2)و القدر الذي رواه المسلمون،و قد رواه الأصحاب:

فقال ابن الجنيد:كذلك الرواية عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام).

و في الكافي و التهذيب عن حريز عن زرارة،قلت له:أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي له أن يوضّأ الذي قال اللّه تعالى؟فقال:«الوجه الذي أمر اللّه عزّ و جلّ بغسله،الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه،إن زاد عليه لم

ص: 119


1- سورة المائدة:6.
2- انظر الوسائل،كتاب الطهارة،أبواب الوضوء،الباب 15.

يؤجر،و ان نقص منه أثم،ما دارت عليه (1)السبابة و الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن،و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه،و ما سوى ذلك فليس من الوجه».قلت:الصدغ ليس من الوجه؟ قال:«لا» (2).

و في الفقيه:قال زرارة لأبي جعفر(عليه السلام):أخبرني عن حدّ الوجه؟..

الحديث بعينه (3)،و هو الدليل انّ المضمر هناك هو الباقر(عليه السلام)،مع ما رواه ابن الجنيد.و الشيخ في الخلاف أسنده عن حريز عن أحدهما(عليهما السلام) (4)،و تبعه في المعتبر (5).

و عن إسماعيل بن مهران:كتبت الى الرضا(عليه السلام)أسأله عن حدّ الوجه؟فكتب إليّ:«من أول الشعر الى آخر الوجه» (6).

و عن زرارة سألت أبا جعفر(عليه السلام):انّ أناسا يقولون إنّ الأذنين من الوجه و ظهرهما من الرأس!فقال:«ليس عليهما غسل،و لا مسح» (7).

قال في التهذيب:و ليس الوجه ما يواجه به،و إلاّ كان الأذنان و الصدر بل كلّ ما يواجه به منه،و هو فاسد (8).

قلت:و لو سلّم هذا لم يدلّ على الزائد،لأنّ آخر الصدغين و البياض الذي عند الأذنين لا تحصل بهما حقيقة المواجهة،و انما لم يحدّ اللّه الوجه كما حدّ اليدين و الرجلين،لاتحاد مسمّاه و وجوب إيعاب جميعه بخلافهما.4.

ص: 120


1- ليست في م،س.
2- الكافي 3:27 ح 1،التهذيب 1:54 ح 154.
3- الفقيه 1:28 ح 88.
4- الخلاف 1:76 المسألة 23.
5- المعتبر 1:141.
6- الكافي 3:28 ح 4،التهذيب 1:55 ح 155.
7- الكافي 3:29 ح 10،التهذيب 1:55 ح 156،الاستبصار 1:63 ح 187.
8- التهذيب 1:54.

و يجب البدأة بأعلى الوجه الى آخر الذقن-في الأصح-فلو نكس بطل، لصحيح زرارة بن أعين،قال:حكى لنا (1)أبو جعفر(عليه السلام)وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فدعا بقدح و ماء،فادخل يده اليمنى و أخذ كفّا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه،ثم مسح بيده الحاجبين جميعا،ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على اليمنى،ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى في الإناء،ثمّ صبّها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى،ثم مسح ببقيّة ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدها في الماء (2).

و لأن الوضوء الذي وقع من النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بيانا و قال:«هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به» (3)-اي:بمثله-يمتنع ان يكون البدأة فيه بغير الأعلى،و إلاّ لما جازت البدأة بالأعلى.

و المرتضى و ابن إدريس:يستحبّ،فيصح النكس (4)،للعموم،و لصحيح حماد بن عثمان عن الصادق(عليه السلام):«لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» (5).

قلنا:العموم يخصّ بدليل،و المسح غير الغسل.

و هنا مباحث:

الأول: هذا التقدير للأغلب من الناس،فغيره-كالأنزع (6)و الأغم (7)و طويل الأصابع و قصيرها-يرجع الى الأغلب،حملا للّفظ على الحقيقة العرفية، مع التمسّك بأصل البراءة في الزائد،و بشغل الذمة في الناقص.م.

ص: 121


1- في م،س:لي.
2- التهذيب 1:55 ح 157،الاستبصار 1:58 ح 171،و في الكافي 3:24 ح 1 بتفاوت.
3- السنن الكبرى 1:80.
4- الانتصار:16،المسائل الموصلية 1:213،السرائر:17.
5- التهذيب 1:58 ح 161،الاستبصار 1:57 ح 169.
6- الأنزع:هو الذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته،الصحاح-مادة نزع.
7- الأغم:من الغمم،و هو أن يسيل الشعر حتى تضيق الجبهة أو القفا،الصحاح-مادة غمم.

الثاني: قال الفاضلان:لا يجب غسل العذار،لعدم تناول اللّفظ له، و للأصل:و أولى منه البياض الذي بين الاذن و العذار (1).

و في المبسوط:و اهداب العينين و العذار و الشارب و العنفقة إذا غسلها أجزأه،و لا يجب عليه إيصال الماء الى ما تحتها (2).

و في الخلاف:لا يجب إيصال الماء إلى أصل شيء من شعر الوجه،مثل:

شعر الحاجبين،و الأهداب،و العذار،و الشارب،بالإجماع (3).

و ابن أبي عقيل-لما ذكر حدّ الوجه-قال:و ما سوى ذلك من الصدغين و الأذنين فليس من الوجه،و لم يذكر العذار فإطلاقه قد يشمله.

و قال ابن الجنيد:و كلّ ما أحاط به الشعر و ستره من بشرة الوجه،اعني:

شعر العارضين و الشارب و العنفقة و الذقن،فليس على الإنسان إيصال الماء اليه بالتخليل،و انّما عليه إجراء الماء على الوجه و الساتر له من الشعر.

و ظاهر هذه العبارات وجوب غسل العذار.

قلت:العذار:ما حاذى الاذن يتّصل أعلاه بالصدغ،و أسفله بالعارض.

و العارض:الشعر المنحطّ عن القدر المحاذي للأذن نابتا على اللحية،و الذقن تحته:و هو مجمع اللحيين.و العنفقة:الشعر الذي على الشفة السفلى بين بياضين غالبا.و الصدغ:ما حاذى العذار فوقه.

و قد تضمّنت الرواية المشهورة سقوط غسله (4)و فيها إيماء إلى سقوط غسل العذار (5)مع أنّ الإبهام و الوسطى لا يصلان اليه غالبا،و مع ذلك فغسل العذار أولى أخذا بالاحتياط،و لأنّ العارض يجب غسله قطعا و هو متّصل بالعذار و قريب2.

ص: 122


1- المعتبر 1:141،منتهى المطلب 1:57،نهاية الإحكام 1:36.
2- المبسوط 1:20.
3- الخلاف 1:77 المسألة 25.و فيه زيادة:و العنفقة.
4- اي الصدغ.
5- تقدّمت في ص 121 الهامش 2.

من محاذاته.و كذا شعر الخدّين يجب غسله مع اتصال العذار به،و لعدم مفصل يقف الغسل عليه دون العذار.

و ظاهر الراوندي-في الأحكام-غسل الصدغين (1)و الرواية تنفيه.

الثالث: لا يجب غسل النزعتين-و هما:البياضان المكتنفان للناصية أعلى الجبينين-كما لا يجب غسل الناصية،و لأنّ القصاص غالبا في حدّ التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس،لأن ميل الرأس إلى التدوير و النزعتان و الناصية في محل التدوير.

أما مواضع التحذيف-بالذال المعجمة،و هو الذي ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار و النزعة،أو ما بين الصدغ و النزعة،و تحذف النساء و المترفون الشعر منه-فالأحوط انّها من الوجه،لاشتمال الإصبعين على طرفها غالبا، و لوقوعها في التسطيح و المواجهة.و قطع في التذكرة بعدمه،لنبات الشعر عليه متّصلا بشعر الرأس (2)و لقضية الأصل،و ما أشبهها بالعذار فلتكن بحكمه.

و العجب أنّ العامة مجمعة على إدخال العذارين في الوجه،و مختلفون في مواضع التحذيف،قال كثير منهم بعدم دخولها (3)مع محاذاتها العذارين و دخولها في التسطيح،و هذا يضعف التحديد بالتسطيح.و على كل حال يجب عندنا غسل ما ناله الإصبعان منها غالبا.

و لا يرد على تحديد الوجه:داخل العين و الفم و الأنف،لعدم وجوب غسلها قطعا،لأنّ المراد ظاهر ما بين القصاص و منتهى الذقن،و لهذا ينتقل الفرض الى الشعر النابت على الوجه.

و بالتحديد يخرج المسترسل من اللحية طولا و عرضا،فلا يجب غسله،و لا إفاضة الماء على ظاهره،لعدم اتصاف فاقد اللّحية بنقص الوجه.و الخبر عن النبي6.

ص: 123


1- فقه القرآن 1:13.
2- تذكرة الفقهاء 1:16.
3- راجع:المجموع 1:371،المغني 1:128،المبسوط للسرخسي 1:6.

(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه رأى رجلا غطّى لحيته و هو في الصلاة،فقال:«اكشف لحيتك،فإنّها من الوجه» (1)ضعّفه العامة،و لو سلّم حمل على غير المسترسل منها.

الرابع: المشهور عدم وجوب تخليل الشعر النابت على الوجه،خفّ كلّه أو كثف كلّه أو تبعّض،لرجل كان أو لامرأة،حتى لا يجب تخليل لحية المرأة،نصّ على ذلك كلّه (2):الشيخ في المبسوط (3)و صاحب المعتبر،لأنّ الوجه اسم لما يواجه به ظاهرا فلا يتتبع (4)غيره.

و لصحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)-رواه الصدوق-:«كلّ ما أحاط به الشعر،فليس على العباد أن يطلبوه،و لا أن يبحثوا عنه،لكن يجرى عليه الماء»،و هو شامل للمدعى (5).

و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)في الرجل يتوضأ أ يبطّن لحيته؟قال:«لا» (6).

و لما يأتي إن شاء اللّه من حديث المرّة في الوضوء.

و ما رووه:ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)توضأ فغرف غرفة غسل بها وجهه (7)و لا يبلغ ماء الغسلة الواحدة أصول الشعر و خصوصا مع الكثافة،مع أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان كثّ اللحية كما وصفه به علي(عليه السلام) (8).8.

ص: 124


1- تلخيص الحبير 1:318.
2- ليست في س.
3- المبسوط 1:20،22.
4- في س،ط:يتبع.
5- المعتبر 1:142. و صحيح زرارة في الفقيه 1:28 ح 88.
6- الكافي 3:28 ح 2،التهذيب 1:360 ح 1084.
7- صحيح البخاري 1:47-48،سنن أبي داود 1:34 ح 137،سنن النسائي 1:74.
8- أمالي الطوسي 1:350،و نحوه في مسند أحمد 1:116،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8:74 ح 6278.

و لان كل شعرة تستر ما تحتها ضرورة فلا يجب غسله كالساتر للجميع لقيام المواجهة فيه.

و ابن الجنيد ذكر ما مضى،ثم قال:و متى فرجت اللحية،فلم تكن تتوارى بنباتها البشرة من الوجه،فعلى المتوضّئ غسل الوجه كما كان قبل أن ينبت الشعر،حتى يستيقن وصول الماء الى بشرته التي يقع عليها حسّ البصر إمّا بالتخليل أو غيره،لأنّ الشعر إذا ستر البشرة قام مقامها فإذا لم يسترها كان على المتطهّر إيصال الماء إليها (1).

و قال المرتضى:و من كان ذا لحية كثيفة تغطّي بشرة وجهه،فالواجب عليه غسل ما ظهر من بشرة وجهه،و ما لا يظهر ممّا تغطيه اللحية لا يلزم إيصال الماء اليه،و يجزئه إجراء الماء على اللحية من غير إيصال إلى البشرة المستورة.ثم حكى عن الناصر وجوب غسل العذار بعد نبات اللّحية كوجوبه قبل نباتها،قال-رحمه اللّه-:هذا غير صحيح،و الكلام فيه قد بينّاه في تخليل اللحية،و الكلام في المسألتين واحد،لأنّا قد بينّا انّ الشعر إذا علا البشرة انتقل الفرض اليه (2).

فحمل الفاضل-رحمه اللّه-كلامهما في التذكرة على وجوب تخليل الشعر الخفيف،سواء كان الغالب فيه الخفة و الكثافة نادرة كما عدا اللحية أو لا كاللّحية.و أوجب غسل الشعر الساتر و منبته،و حكم بأنّ غسل أحدهما لا يجزئ عن الآخر (3).

و كلامهما يحتمل قصر الوجوب على غسل البشرة التي لا شعر عليها،كقول ابن الجنيد:التي يقع عليها حسّ البصر،و كلام السيد أظهر في المراد،و ذلك غير التخليل بالتفسير الذي ذكره،و لا يخالف الشيخ (4)و الجماعة فيه.و في المختلف0.

ص: 125


1- مختلف الشيعة:21.
2- الناصريات:220.
3- تذكرة الفقهاء 1:16.
4- المبسوط 1:20.

ظاهره ما فسرنا كلامهما به،لأنّه احتجّ عليه بوجوب غسل الوجه،و إنّما ينتقل الفرض إلى اللحية مع الستر لأنّه يواجه بها حينئذ،أمّا مع رؤية الوجه فإنّ المواجهة به دون اللحية (1).و هذا غير صريح في وجوب غسل ما تحت الشعر الساتر،إنّما هو صريح في وجوب غسل ما لا شعر فيه من الوجه.

و ما في التذكرة مع مخالفته ظاهر الأصحاب يخالف مشهور العامة أيضا (2)، لأنّ الضابط عندهم أنّ ما عدا شعر اللحية يجب تخليله و إن كثف،فيجب غسل بشرته و شعره لندور الكثافة فيه فيلحق بالغالب،و لأنّ بياض الوجه محيط به،إمّا من كلّ جانب-كالحاجبين و الأهداب-أو من جانبين-كالعذارين و الشاربين-، فيجعل موضعها تبعا لما تحيط به.

و شعر اللحية يجب تخليله مع الخفّة لا مع الكثافة.و نعني بالخفيف:ما تتراءى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب،أو ما يصل الماء الى منبته من غير مبالغة،و قد يؤثّر الشعر في أحد الأمرين دون الآخر بحسب السبوطة و الجعودة.

و الكثيف يقابله في الأمرين.

و لو كان بعض الشعر خفيفا و بعضه كثيفا وفّي مقتضى كلّ عليه،على القول بالتخليل.

الخامس: إذا لم نقل بوجوب التخليل،فالأولى:استحبابه استظهارا و لو مع الكثافة،لما رووه ان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)فعله (3).

و روينا في الجعفريات انّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«أمرني جبرئيل عن ربي أن اغسل فنيكيّ عند الوضوء» (4).و هما جانبا العنفقة،أو طرف اللحيين عندها.و في الغريبين:مجمع اللحيين و وسط الذقن.و قيل:هما العظمان8.

ص: 126


1- مختلف الشيعة:22.
2- راجع:الام 1:25،المغني 1:128،مغني المحتاج 1:51،بدائع الصنائع 1:3.
3- السنن الكبرى 1:54.
4- الجعفريات:18.

الناشزان أسفل من الأذنين.و قيل:هما ما يتحركان من الماضغ دون الصدغين (1).

و عنه(صلّى اللّه عليه و آله):انّه كان ينضح غابته (2).و هي:الشعر تحت الذقن.و انّ عليا(عليه السلام)كان يخلّل لحيته (3).

و ما مر ممّا يدل على نفي التخليل يحمل على نفي الوجوب جمعا بين الأخبار.

و حينئذ بطريق الأولى استحباب إفاضة الماء على ظاهر اللحية طولا و عرضا، و صرح به ابن الجنيد.

و في خبر زرارة الصحيح عن الباقر(عليه السلام)في حكاية وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«ثم غمس كفه في الماء،ثم وضعه على جبينه و سيّله على أطراف لحيته،ثم أمرّ يده على وجهه و ظاهر جبينه مرة واحدة» (4).و في الكافي:«و سدله على أطراف لحيته» (5).و الأول رواية ابن بابويه.

و في التذكرة اختار استحباب تخليل اللحية الكثيفة،و استحباب إكثار الماء للوجه،عملا بما رووه عن علي(عليه السلام)من فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله).

و استحباب مسح المأقين بالإصبعين لإزالة الرّمص،لفعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (6).قلت:رواه من فعله أبو امامة،و لم أره من طريقنا و لكنه حسن6.

ص: 127


1- لاحظ:لسان العرب و تاج العروس مادة-فنك-و الغريبين:مخطوط.
2- الجعفريات:18.
3- الجعفريات:18.
4- الفقيه 1:24 ح 74.
5- الكافي 3:25 ح 4.
6- تذكرة الفقهاء 1:16. و رواية علي(عليه السلام)في سنن أبي داود 1:29 ح 117. و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله رواه أحمد في مسنده 5:258،أبو داود في سننه 1:33 ح 134، البيهقي في سننه 1:66.

للاستظهار،و لو حال الرمص بين الماء و البشرة الظاهرة وجب.

و المأق:طرف العين الذي يلي الأنف،يهمز و لا يهمز،و يقال.

و غيره،و ست لغات أخر.و الطرف الأخر للعين اللّحاظ.

و لا يستحب غسل باطن العين للأصل،بل ربّما كره للأذى.و فعل ابن عمر ليس بحجّة،مع انه روي أنّه عمي منه (1).

السادس: لا يستحب غسل الأذنين و لا مسحهما،بل هو بدعة،قاله المفيد (2).

و قد روى زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،قلت:انّ أناسا يقولون أنّ بطن الأذنين من الوجه،و ظهرهما من الرأس!فقال:«ليس عليهما غسل،و لا مسح» (3).

و في رواية محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام):«الأذنان ليستا من الوجه،و لا من الرأس» (4).

و ما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«الأذنان من الرأس» (5)لم يثبت، و لو صحّ لم يدلّ على مسحهما،لاختصاص المسح بالمقدّم كما يأتي إن شاء اللّه و اما رواية عليّ بن رئاب عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)من كونهما من الرأس فتمسحان (6)فهي تقية في النقل و الفعل،إذ قد علم ضرورة من مذهب أهل البيت خلاف ذلك.

و قوله(صلّى اللّه عليه و آله):«سجد وجهي للذي خلقه و شقّ سمعه8.

ص: 128


1- احكام القرآن للجصاص 2:366،بدائع الصنائع 1:4،المبسوط للسرخسي 1:6.
2- المقنعة:5.
3- الكافي 3:29 ح 10،التهذيب 1:55 ح 156،94 ح 249،الاستبصار 1:63 ح 187.
4- الكافي 3:29 ح 2.
5- المصنف لابن أبي شيبة 1:17،مسند أحمد 5:258،268،سنن ابن ماجة 1:152 ح 444، سنن أبي داود 1:33 ح 134،سنن الدار قطني 1:97.
6- التهذيب 1:62 ح 169،الاستبصار 1:63 ح 188.

و بصره» (1)لا يدلّ على أنّهما من الوجه الذي يجب غسله،لأنّ الإضافة تصدق بالمجاورة.

السابع: لو غسل الشعر ثم زال لم يفسد الوضوء،فإذا أحدث عاد الفرض إلى البشرة.و الأقرب:وجوب غسل جزء من كل حدّ الوجه،لتوقّف الواجب عليه.

الثامن: لا بدّ في الغسل من الجريان،لتبعيّة الاسم له.و عليه تحمل روايات الدهن:

كرواية يعقوب بن عمار عن الصادق(عليه السلام)عن أبيه:«انّ عليا (عليه السلام)كان يقول:الغسل من الجنابة و الوضوء يجزئ منه ما أجزأ من الدّهن الذي يبلّ الجسد» (2).

و رواية زرارة عن الباقر(عليه السلام)في غسل الجنابة:«إنّما يكفيك مثل الدّهن» (3).

و رواية زرارة و محمد بن مسلم عنه(عليه السلام):«انما الوضوء حدّ من حدود اللّه،ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه،فإنّ المؤمن لا ينجسه شيء إنّما يكفيه مثل الدّهن» (4).

و انما حملنا الدّهن على الجريان توفيقا بينه و بين مفهوم الغسل،و لأنّ أهل اللغة يقولون:دهن المطر الأرض إذا بلّها بلا يسيرا.

و قيّد الشيخان-رحمهما اللّه-إجزاء الدّهن بالضرورة من برد أو عوز الماء (5)5.

ص: 129


1- صحيح مسلم 1:534 ح 771،سنن ابن ماجة 1:335 ح 1054،سنن أبي داود 2:60 ح 1414،الجامع الصحيح 2:474 ح 580،سنن النسائي 2:222.
2- التهذيب 1:138 ح 385،الاستبصار 1:122 ح 414،عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام).
3- التهذيب 1:137 ح 384.
4- الكافي 3:21 ح 2،التهذيب 1:138 ح 387.
5- المقنعة:6،النهاية:15.

لرواية محمّد الحلبي عن الصادق(عليه السلام):«أسبغ الوضوء إن وجدت ماء، و إلاّ فإنّه يكفيك اليسير» (1).و لعلّهما أرادا به ما لا جريان فيه أو الأفضلية كمنطوق الرواية.

التاسع: قال المرتضى-رحمه اللّه-:لا يجب الدّلك في غسل الأعضاء، لصدق الغسل بدونه (2).

و يلوح من كلام ابن الجنيد وجوب إمرار اليد على الوجه (3)لحكاية وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (4)و لأنّه المعهود في الغسل.

قلنا:لا ريب أنّه الغالب في الاستعمال،و لا يلزم منه الوجوب،مع أنّه قال في موضع آخر:يوصل الماء الى العضو بالصب أو الغمس،قاله في الجبائر.

تنبيه:

قال في البشرى:لو غمس العضو في الماء لم يمسح بمائه،لما يتضمن من بقاء آن بعد الغسل يلزم منه استئناف،قال:و لو نوى الغسل بعد خروجه من الماء أجزأ،إذ على العضو ماء جار فيحصل به الغسل.

و يمكن أن يقال:المراد بماء الوضوء الممسوح به ما تخلّف بعد الحكم بالغسل،و العضو الخارج من الماء محكوم بغسله،و أجزاء الغسل بعد الإخراج بعيد،لعدم صدق اسم الغسل عليه،و مع ذلك منعه من المسح قوي.

الواجب الثالث:غسل اليدين.
اشارة

و هو بالنص و الإجماع.و يجب غسل المرفقين إجماعا-الاّ من شذّ من

ص: 130


1- التهذيب 1:138 ح 388،الاستبصار 1:123 ح 418.
2- الناصريات 221 المسألة 32.
3- مختلف الشيعة:23.
4- الكافي 3:24 ح 1-5،الفقيه 1:24 ح 74،التهذيب 1:75 ح 190.

العامة (1)-لقوله تعالى إِلَى الْمَرافِقِ (2)و مجيء«إلى»بمعنى:(مع)كثير، فيحمل عليه توفيقا بينه و بين فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و الأئمة عليهم السلام،و لأن الغاية حيث لا مفصل محسوس تدخل في المغيا،و لدخول الحدّ المجانس في الابتداء و الانتهاء،مثل:بعت الثوب من هذا الطرف الى هذا، و لرواية جابر:كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه (3).

و روي:أنّه أدار الماء على مرفقيه،ثم قال:«هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به» (4).

و روينا عن بكير و زرارة ابني أعين أنّهما سألا الباقر(عليه السلام)عن وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فدعا بطست أو بتور فيه ماء فغسل كفّيه،ثم غمس كفه اليمنى في التور،فغسل وجهه و استعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه،ثم غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء،فغسل به اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يرد الماء إلى المرفقين،ثم غمس يده اليمنى فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق الى الكف لا يرد الماء الى المرفق كما صنع باليمنى،ثم مسح رأسه و قدميه الى الكعبين بفضل كفيه و لم يجدّد ماء (5).

و عن الهيثم بن عروة عن الصادق(عليه السلام):ثم أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه،و قال:تنزيل الآية:«من المرافق» (6)عنى به(عليه السلام)معناها.

و تجب البدأة بالمرفق للتأسّي،و لو نكس فالخلاف فيه كالوجه.9.

ص: 131


1- كابن داود و زخر و الطبري و بعض أصحاب مالك،راجع:المجموع 1:385،احكام القرآن للجصاص 2:341،التفسير الكبير 11:159،بداية المجتهد 1:10.
2- سورة المائدة:6.
3- سنن الدار قطني 1:83،السنن الكبرى 1:56.
4- لاحظ السنن الكبرى 1:80 و هامش 6 ص 127.
5- الكافي 3:25 ح 5،التهذيب 1:56 ح 158،الاستبصار 1:57 ح 168.
6- الكافي 3:28 ح 5،التهذيب 1:57 ح 159.

لنا:انّ الوضوء المحكي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لم ينكس فيه (1)و الا لما أجزأ غيره.و لأنّه في وصف الباقر(عليه السلام)وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بطريق زرارة و أخيه:فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يردّ الماء الى المرفق.و كذا في غسل يده اليسرى (2)،و كذا في خبر الهيثم عن الصادق (عليه السلام)،و«الى»في الآية كما مرّ (3)و لو كانت لانتهاء الغاية لم يضر لجواز إرادة غاية المغسول،لأنّ اليد تصدق على غير المغيا فهي مسمّى اليد،فتبقى كيفية الغسل مثبتة بالسنّة.

و يجب تحريك الخاتم و السوار و الدملج (4)أو نزعه إذا لم يعلم جري الماء تحته،لصحيح علي بن جعفر عن أخيه الكاظم(عليهما السلام)في الثلاثة (5).

و حكم غيرها حكمها،و لو كان واسعا استحبّ تحريكه استظهارا.

فروع:
الأول:الأقرب:وجوب تخليل الشعر لو كان على اليد و ان كثف،

لتوقّف غسل اليد عليه.و هل يجب غسله؟الأقرب ذلك،لأنّه من توابع اليد.

و يجب غسل الظفر و ان خرج عن حدّ اليد،لأنّه من أجزائها.و الفرق بينه و بين فاضل اللحية اتصاله بمتّصل دائما.و لو كان تحته وسخ لا يمنع من وصول الماء استحبّ إزالته،و لو منع وجب إلاّ مع المشقة،لنفي الحرج.

الثاني:لو ثقبت يده وجب إدخال الماء الثقب لأنّه صار ظاهرا،

فلو التحم سقط.و لو كان في يده سلعة (6)وجب غسلها و تخليل غضونها (7)و ما تحتها،لشمول

ص: 132


1- تقدم في الصفحة السابقة.
2- راجع الهامش 5،في الصفحة السابقة.
3- راجع الهامش 6،في الصفحة السابقة.
4- الدملج:شيء كالسوار تلبسه المرأة في عضدها.مجمع البحرين-مادة دملج.
5- قرب الاسناد:83،الكافي 3:144 ح 6،التهذيب 1:85،ح 221،222.
6- السلعة:زيادة في الجسد كالغدة و تتحرك إذا حركت،مجمع البحرين-مادة سلع.
7- الغضن:مكاسر الجلد و الدرع و غيرهما،الصحاح-مادة غضن.

الاسم لها.

الثالث:يجب غسل الكفّ و الإصبع و الذراع الزوائد تحت المرفق،

لتبعية اليد.

و لو كانت له يد زائدة غير متميزة عن الأصلية وجب غسلهما من باب مقدمة الواجب،و لو تميّزت غسلت الأصلية خاصة دون الزائدة.و عليه يحمل إطلاق المبسوط:بعدم وجوب غسل الزائدة فوق المرفق،إلاّ أن تكون تحت المرفق فتغسل أيضا للتبعية (1).

و يمكن وجوب غسل اليد الزائدة مطلقا،كما هو ظاهر الشرائع و المختلف (2)،للعموم.و ان يغسل من الزائدة ما حاذى مرفق الأصلية إلى آخرها، تنزيلا له منزلة ما خلق تحت المرفق.و يضعف بتبعيته لأصله الذي هو في غير محل الفرض.

و تعلم الزائدة (3)بالقصر الفاحش،و نقص الأصابع،و فقد البطش و ضعفه.

و لو تدلّى جزء من غير المحل الى المحل،أو من المحل الى المحل،وجب غسله.و لو تدلّى من المحل الى غير المحل سقط غسله،لخروجه عن المسمى.

و يمكن الوجوب،كالظّفر الطويل.

و لو انفصل من أحد المحلّين،فالتحم رأسه في الآخر،و تجافى الوسط،فهو كالنابت في المحلين:يغسل ما حاذى محل الفرض ظاهره و باطنه.

الرابع:لو قطعت اليد من تحت المرفق وجب غسل الباقي،

لأنّ«الميسور لا يسقط بالمعسور» (4).و لو قطعت من فوق المرفق سقط الفرض.نعم،يستحبّ

ص: 133


1- المبسوط 1:21.
2- شرائع الإسلام 1:21،مختلف الشيعة:23.
3- في م:الزيادة.
4- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.

غسل الباقي من العضد،لقول أبي الحسن الكاظم(عليه السلام)في مقطوع اليد من المرفق:«يغسل ما بقي»،رواه عنه علي أخوه في الصحيح (1).

و في قوله(عليه السلام)إشارة إلى استحباب غسل العضد مع اليد،كما روى العامة استحباب تطويل الغرّة و التحجيل (2)و به استدلوا على مسح المقطوع باقي العضد (3).

و ابن الجنيد أطلق غسل الباقي من عضده (4)و لعلّه أراد الندب إذ لا قائل بالوجوب.

و لو قطعت من مفصل المرفق،فالأقرب:وجوب غسل الباقي،لأنّ المرفق مجموع عظم العضد و عظم الذراع،فإذا فقد بعضه غسل الباقي.

و في المعتبر:لو قطعت من المرفق استحبّ مسح موضع القطع بالماء (5).فإن أراد دخول المرفق في القطع كما في المبسوط (6)فذاك،و إلاّ فالأقرب الوجوب،إلاّ أن يبنى على أنّ غسل الجزء الأعلى إنّما وجب لأنه من باب المقدّمة فلم يجب بالأصالة.و هذا يتم إذا جعلت«الى»لانتهاء الغاية،و لو جعلت بمعنى«مع» فغسله مقصود،إلاّ أن يقال:المرفق طرف عظم الساعد لا مجموع العظمين.

و روى رفاعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الأقطع اليد أو الرجل كيف يتوضأ؟قال:«يغسل ذلك المكان الذي قطع منه» (7)و هو مطلق.

و لو قطعت يده (8)أو بعضها بعد الوضوء لم يجب غسل ما ظهر منها-كما لوه.

ص: 134


1- الكافي 3:29 ح 9،الفقيه 1:30 ح 99،التهذيب 1:360 ح 1086.
2- صحيح مسلم 1:216 ح 246،معرفة السنن 1:244،السنن الكبرى 1:77.
3- راجع:المجموع 1:428،فتح العزيز 1:422.
4- مختلف الشيعة:23.
5- المعتبر 1:144.
6- المبسوط 1:21.
7- التهذيب 1:359 ح 1078.
8- في س:يداه.

قلّم ظفره أو جزّ شعره-و يجب في طهارة أخرى.

الخامس:لو احتاج المريض أو الأقطع إلى معين وجب تحصيله،

و لو بأجرة و إن زادت عن المثل-على الأقرب-مع القدرة،لوجوب المقدمة.و يمكن منع وجوب الزائد عن اجرة المثل،للضرر.و لو تعذّر،تيمّم إن أمكن،و إلاّ فهو فاقد للطهور،و قد سبق.

الواجب الرابع:مسح الرأس.
اشارة

للنص،و الإجماع،و

فيه مسائل:
الأولى:يختص المقدّم بإجماعنا،

لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)مسح بناصيته في الوضوء البياني-رواه المغيرة بن شعبة (1)-و حكى عثمان وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):فمسح رأسه مرة واحدة و لم يستأنف له ماء جديدا (2)و لما في وصف الباقر(عليه السلام) (3).

و عن محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام):«مسح الرأس على مقدّمه» (4).

و تحمل رواية الحسين بن أبي العلاء عنه(عليه السلام)بمسح مقدّم الرأس و مؤخّره (5)على التقية،إذ هي خلاف إجماع الإمامية.

الثانية:الواجب في المقدّم مسمّى المسح،

لإطلاق الأمر بالمسح الكلّي فلا يتقيد بجزء بعينه،لأن«الباء»هنا للتبعيض لغة و نقلا عن أهل البيت(عليهم السلام)،و غيرهم.

ص: 135


1- صحيح مسلم 1:230 ح 81،سنن أبي داود 1:38 ح 150.
2- صحيح البخاري 1:52،صحيح مسلم 1:204 ح 226،سنن أبي داود 1:26 ح 106، سنن النسائي 1:64،سنن الدار قطني 1:83.
3- تقدم في ص 130 الهامش 4.
4- التهذيب 1:62 ح 171،الاستبصار 1:60 ح 176.
5- التهذيب 1:63 ح 170.

أمّا اللغة،فكقوله تعالى يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ (1)،و قول الشاعر (2):

شربن بماء البحر ثم ترفعت *** متى لجج خضر لهنّ نئيج

و هو كثير الشواهد،و لأنّها دخلت على المتعدّي بنفسه فلا بدّ لها من فائدة، و إنكار سيبويه و ابن جنّي شهادة على النفي،و معارض:بإقرار الأصمعي و أبي علي -في التذكرة-و ابن كيسان و القتيبي،قيل:و الكوفيون.و الظاهر:أنّهما نفياه عن أصحابهما البصريّين لا غير،صرّح به ابن جني.

و أما النقل،فلصحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:«انّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء» (3)و هو قول الشافعي أيضا (4).

الثالثة:لا يجزئ أقلّ من إصبع،

قاله الراوندي في أحكام القرآن (5).و في المختلف:المشهور الاكتفاء به (6).

و في المقنعة:يجزئ إصبع يضعها عليه عرضا،و الثلاث أسبغ (7).

و في النهاية:يجزئ إصبع عند الخوف من كشف الرأس،و لا يجوز أقل من ثلاث أصابع مضمومة للمختار (8).

و الصدوق:حدّه أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة (9).و أوجبها المرتضى

ص: 136


1- سورة الإنسان:6.
2- أبو ذؤيب الهذلي،راجع:شرح ابن عقيل 2:6،أوضح المسالك 2:117.
3- الكافي 3:30 ح 4،الفقيه 1:56 ح 212،علل الشرائع:279،التهذيب 1:61 ح 168، الاستبصار 1:62 ح 186.
4- الام 1:24،المجموع 1:398.
5- فقه القرآن 1:29.
6- مختلف الشيعة:23.
7- المقنعة:5.
8- النهاية:14.
9- الفقيه 1:28.

في الخلاف (1)،و في المصباح:يستحبّ (2).

و في صحيح زرارة و بكير عن الباقر(عليه السلام):«فإذا مسحت بشيء من رأسك،أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع،فقد أجزأك» (3).و هذا مع خبر التبعيض يدلّ على الإطلاق.

و يشهد للإصبع رواية حمّاد عن الحسين،قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):رجل توضأ و هو معتمّ و ثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟فقال:

«ليدخل إصبعه» (4).

و في المبسوط:لا يتحدد بحدّ (5).

و في الخلاف:الأفضل مقدار ثلاث أصابع مضمومة (6).

و ابن الجنيد:يجزئ في المقدّم إصبع،و المرأة ثلاث أصابع.

و قد روى معمر بن عمر عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:«يجزئ من مسح الرأس موضع ثلاث أصابع،و كذلك الرجل» (7)و لعلّ المراد به أجزاء الأفضلية،أو التقدير لمحل المسح لا إمرار الأصابع.

الرابعة:لو استقبل الشعر أجزأ عند المبسوط (8)،

الرابعة:لو استقبل الشعر أجزأ عند المبسوط(8)،لإطلاق الآية و الأخبار، و لصحيح حماد بن عثمان عن الصادق(عليه السلام)،و قد سبق (9).

ص: 137


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر 1:145.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر 1:145.
3- التهذيب 1:90 ح 237،الاستبصار 1:61 ح 182.
4- الكافي 3:30 ح 3،التهذيب 1:90 ح 239،الاستبصار 1:61 ح 183.
5- المبسوط 1:21.
6- الخلاف 1:81 المسألة 29.
7- الكافي 3:29 ح 1،التهذيب 1:60 ح 167،الاستبصار 1:60 ح 177.
8- المبسوط 1:21.
9- تقدم في ص 121 الهامش 5.

و اختاره في المعتبر،و حكم بالكراهية تفصيا من الخلاف (1).

و الأكثر على عدمه (2)حتى المرتضى رحمه اللّه-مع تجويزه الاستقبال في الوجه و اليدين-محتجّا بتوقف القطع برفع الحدث عليه (3).

الخامسة:لا يجزئ المسح على حائل و لو كان عمامة بإجماعنا،

أو حنّاء على الأشهر،لعدم الامتثال،و لرواية حماد السابقة (4)و خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عن المسح على الخفين و على العمامة؟فقال:«لا يمسح عليهما» (5).

و مرفوع محمد بن يحيى عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء،قال:«لا يجوز،حتى يصيب بشعر رأسه الماء» (6).

و قد روى عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في المتوضئ:

«يمسح فوق الحناء» (7).و محمد بن مسلم عنه(عليه السلام)في الحالق يطلي رأسه بالحناء و يتوضّأ:«لا بأس بمسح رأسه و الحناء عليه» (8).و حملهما الشيخ على المشقة بإزالة الحناء (9)،و ربّما يؤوّلان بأثر الحناء و هو اللون المجرّد.

السادسة:يجب المسح بفضل نداوة الوضوء،

فيبطل بالماء الجديد و لو لضرورة-في الأشهر.و استقر عليه إجماعنا بعد ابن الجنيد،إذ جوّز أخذ الماء

ص: 138


1- المعتبر 1:145.
2- راجع:الفقيه 1:28،الخلاف 1:83 المسألة 31،النهاية:14،الوسيلة:50.
3- الانتصار:19.
4- راجع الهامش 4،من الصفحة السابقة.
5- التهذيب 1:361 ح 1090.
6- الكافي 3:31 ح 12،التهذيب 1:359 ح 1080،الاستبصار 1:76 ح 234،و في الجميع:«بشرة رأسه».
7- التهذيب 1:359 ح 1079،الاستبصار 1:75 ح 32.
8- التهذيب 1:359 ح 1081،الاستبصار 1:75 ح 234.
9- التهذيب 1:359 ح 1080،الاستبصار 1:75 ح 234.

الجديد عند عدم بلّة الوضوء،قال:و كذلك استحب إذا كان وضّأ وجهه مرّتين مرتين (1).

لنا:وصف عثمان (2)و الأخوين (3)و صحيح أبي عبيدة الحذاء،قال:وضأت أبا جعفر(عليه السلام)بجمع و قد بال فناولته ماء فاستنجى،ثم صببت عليه كفا فغسل وجهه،و كفّا غسل به ذراعه الأيمن،و كفا غسل ذراعه الأيسر،ثم مسح بفضل الندى رأسه و رجليه (4).و لحسن زرارة،قال أبو جعفر(عليه السلام):«انّ اللّه وتر يحبّ الوتر،فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرف:واحدة للوجه،و اثنتان للذراعين،و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك،و ما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى،و تمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى» (5).

و ضرورة ابن الجنيد يدفعها مشهور خلف بن حماد المرسل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)،قلت له:الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة؟قال:«إن كان في لحيته بلل فليمسح به».قلت:فان لم يكن له لحية؟قال:«يمسح من حاجبيه أو من أشفار عينيه» (6)مع أنّ ابن الجنيد حكم بالمسح ببلل اللحية أيضا.

و للاستئناف:صحيح أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام) عن مسح الرأس،أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟قال:«لا،بل تضع يدك في الماء ثم تمسح» (7).

و صحيحة معمّر بن خلاد-بتشديد الميم و اللام-قال:سألت أبا الحسن (عليه السلام)أ يجزئ الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟فقال برأسه:لا.4.

ص: 139


1- المعتبر 1:147،مختلف الشيعة:24.
2- تقدّم في ص 135 الهامش 2.
3- تقدّم في ص 131 الهامش 5.
4- التهذيب 1:58 ح 162،79 ح 204،الاستبصار 1:58 ح 172،69 ح 209.
5- التهذيب 1:360 ح 1083.
6- التهذيب 1:59 ح 165،الاستبصار 1:59 ح 175.
7- التهذيب 1:59 ح 164،الاستبصار 1:59 ح 174.

فقلت:أ بماء جديد؟فقال-برأسه-:نعم (1).

و خبر علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام)في الرجل لا يكون على وضوء،فيصيبه المطر حتى يبتلّ رأسه و لحيته و جسده و يداه و رجلاه،هل يجزئه ذلك من الوضوء؟قال:«إن غسله فانّ ذلك يجزئه» (2).

و خبر عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الرجل يتوضأ الوضوء كله إلاّ رجليه ثم يخوض الماء بهما خوضا؟قال:«أجزأه ذلك» (3).

و خبر أيوب بن نوح،قال:كتبت الى أبي الحسن(عليه السلام)أسأله عن المسح على القدمين؟فقال:«الوضوء بالمسح و لا يجب فيه الا ذلك،و من غسل فلا بأس» (4).

قلنا:هي معارضة بأشهر منها و بعمل الأصحاب،فتؤوّل بالتقيّة.و خبر علي مأوّل بأن المراد بالغسل استئناف الغسل بعد المطر.و المكاتبة ضعيفة،و لو صحّت حملت على التقية أو على ان يراد بالغسل التنظيف،كما في رواية أبي همام عن أبي الحسن(عليه السلام):الفريضة في كتاب اللّه المسح و الغسل في الوضوء للتنظيف (5).

السابعة:لا يجزئ الغسل عن المسح عندنا،

لمخالفة الأمر،و عدم صدق أحدهما على الآخر،و لتحريم الماء الجديد.و روى محمد بن مروان،قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«يأتي على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل اللّه منه صلاة».قلت:فكيف!قال:«لأنّه يغسل ما أمر اللّه بمسحه» (6).

ص: 140


1- التهذيب 1:58،ح 163،الاستبصار 1:58 ح 173.
2- قرب الاسناد:84،التهذيب 1:359 ح 1082،الاستبصار 1:75 ح 231.
3- التهذيب 1:66 ح 187،الاستبصار 1:65 ح 194.
4- التهذيب 1:64 ح 180،الاستبصار 1:65 ح 195.
5- التهذيب 1:64 ح 181،الاستبصار 1:64 ح 192.
6- الكافي 3:31 ح 9،علل الشرائع:289،التهذيب 1:65 ح 184،الاستبصار 1:64 ح 191.
الثامنة:يستحب للمرأة وضع القناع في وضوء الغداة و المغرب،

لأنه مظنّة التبذل،و تمسح بثلاث أصابع.

و يجوز في غيرهما إدخال الإصبع تحت القناع،و تجزئ الأنملة،قاله الصدوق و المفيد-رحمهما اللّه (1).و الذي في رواية زرارة عن الباقر(عليه السلام):«يجزئها ان تمسح قدر ثلاث أصابع،و لا تلقي خمارها» (2).

نعم،في رواية الحسين بن زيد عن الصادق(عليه السلام):«لا تمسح المرأة كما يمسح الرجال،إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت برأسها و تضع الخمار عنها، و في الأربع الباقية تمسح بناصيتها» (3).

فروع:
الأول:الفرض بالمسح عندنا وصول البلّة بواسطة اليد،

و لا يكفي وصول البلّة وحدها.فلو قطر على المحل(ماء الوضوء) (4)أو مسح بآلة غير اليد،لم يجز لمخالفته المعهود.

و لو مسح على حائل غير مانع من وصول الماء إلى البشرة لم يجز،لاقتضاء «الباء»الإلصاق مع التبعيض.نعم،لو أدخل يده تحت الجبهة و مسح بشرة الرأس،أو أصل شعر الناصية،أجزأ.و لو وضع يده بالبلّة على المحل و لم يمسح، فالأقرب:عدم الاجزاء،لعدم مسمّى المسح.

و الظاهر:أنّ باطن اليد أولى.نعم،لو اختص البلل بالظاهر و عسر نقله أجزأ.و لو تعذّر المسح بالكفّ،فالأقرب جوازه بالذّراع.

الثاني:يجوز المسح على كل من البشرة و الشعر المختص بالمقدّم،

لصدق الناصية عليهما.و لو مسح على شعر خارج عن المقدّم،لم يصح و لو جمعه على

ص: 141


1- المقنعة:5،و في الفقيه 1:30،و المقنع:6،و الهداية:17 بلفظ:تدخل إصبعها.
2- الكافي 3:30 ح 5،التهذيب 1:77 ح 195.
3- التهذيب 1:77 ح 194،باختصار في الألفاظ.
4- ليست في س.

المقدّم.و لو كان شعر المقدّم يخرج بمدّه عن حدّ الناصية،لم يجز.

و كذا لا يجزئ المسح على الجمّة،و هي:مجتمع شعر الناصية عند عقصه.

نعم،لو أدخل يده تحت الجمّة،و مسح بشرة الرأس،أو أصل شعر الناصية، أجزأ.و للأغم و الأصلع يمسح مكان ناصية مستوي الخلقة.

الثالث:لا يستحبّ مسح جميع الرأس عندنا،

لعدم توظيف الشرع، و الأقرب:كراهيته،لأنه تكلّف ما لا يحتاج اليه.

و حرّمه ابن حمزة (1)لمخالفة الشرع.

و في الخلاف:أجمعنا على أنّه بدعة فيجب نفيه (2).

و قال ابن الجنيد:لو مسح من مقدّم رأسه الى مؤخّره أجزأه إذا كان غير معتقد فرضه،و لو اعتقد فرضه لم يجزه إلاّ أن يعود الى مسحه (3).و يضعف باشتماله على الواجب،فلا يؤثّر الاعتقاد في الزائد.

و أبو الصلاح أبطل الوضوء لو تديّن بالزيادة في العسل أو المسح (4)و هو كالأول في الردّ.نعم،يأثم باعتقاده.

الرابع:لو مسح بثلاث أصابع،

فالأقرب:ان الزائد موصوف بالاستحباب،لجواز تركه.و يمكن الوجوب،لأنه أحد جزئيات الكلّي.هذا إذا أوقعه دفعة،و لو أوقعه تدريجا فالزائد مستحبّ قطعا.

الخامس:يجوز كون البلل من الغسلة الثانية،

لما يأتي من استحبابها،و من منعه ينبغي ان لا يجزئ عنده.أمّا الثالثة فإن قلنا بتحريمها لم يجز،و ان قلنا بأنها كلفة أمكن الاجزاء،و الأقرب:عدمه،لأنّها لا تعدّ من الوضوء و وجه الاجزاء في الجميع اختلاطه بماء الوضوء،و هو الذي نصره في المعتبر (5).

ص: 142


1- الوسيلة:50.
2- الخلاف 1:83 المسألة 30.
3- مختلف الشيعة:24.
4- الكافي في الفقه:132.
5- المعتبر 1:147،160.
السادس:لو جفّ ماء الوضوء عن يديه أخذ من مظانه-

كما مر-و لو من مسترسل اللحية طولا و عرضا،لما بيّنا من استحباب غسله.و لو تعذّر-لإفراط الحر و شبهه-أبقى جزء من اليسرى أو كلّها ثم تغمس في الماء،أو يكثر الصب و يمسح به.و لا يقدح قصد إكثار الماء لأجل المسح،لأنّه من بلل الوضوء،و كذا لو مسح بماء جار على العضو و ان أفرط الجريان،لصدق الامتثال،و لأنّ الغسل غير مقصود.

السابع:لو مسح على الحائل لضرورة ثم زال السبب،

فالأقرب:عدم الإعادة،للامتثال،و قيامه مقام المحل.

و وجه الإعادة:تقدّر الطهارة بقدر الضرورة.

قلنا:ايّ دليل قام على ذلك،و حمله على المتيمم و المستحاضة قياس.

الواجب الخامس:مسح الرجلين،
اشارة

بإجماعنا،لدلالة الكتاب و السنة عليه.

أمّا الكتاب،فلقوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1)،عطف الأرجل على الرأس الممسوح إمّا لفظا أو محلا،و هو أولى من عطف المنصوب على الأيدي،للقرب و للفصل و للإخلال بالفصاحة من الانتقال عن جملة إلى أخرى أجنبية قبل تمام الغرض.و لأنّ العمل بالقراءتين واجب و هو بالعطف على الموضع.

و لو عطف على الأيدي لزم وجوب المسح بقراءة الجر،و الغسل بقراءة النصب،فان جمع بينهما فهو خلاف الإجماع الاّ من الناصر الزيدي (2).و ان خيّر بينهما فلم يقل به غير الحسن و الجبائي و ابن جرير (3).و قد استقر الإجماع بعدهم على خلافهم،و تعيين أحدهما ترجيح من غير مرجّح.

لا يقال:الغسل مسح و زيادة فنكون عاملين بهما.

ص: 143


1- سورة المائدة:6.
2- التفسير الكبير 11:161.
3- جامع البيان 6:83،احكام القرآن لابن عربي 2:577،التفسير الكبير 11:161،المبسوط للسرخسي 1:8.

فنقول:ظاهر أنهما حقيقتان مختلفتان لغة و شرعا،و التداخل خلاف الأصل،و لأنّه لو كان الاشتمال يجوّز التسمية باسم المشتمل-و هو اختيار البصريّين في إعمال الثاني-لتهافتت اللغة،إذ الغسل مثلا يشتمل على اعتماد و حركة فليسم بهما.

لا يقال:الجر بالمجاورة لا بالعطف،مثل:جحر ضب خرب.

و كبير أناس في بجاد مزمل (1) ***

وَ حُورٌ عِينٌ (2) فيمن قرأ بالجر لمجاورتها«لحم طير»لأنهن يطفن و لا يطاف بهن.

و قول الشاعر (3).

لم يبق إلا أسير غير منفلت *** و موثق في عقال الأسر مكبول

بجر موثق بالمجاورة لمنفلت و من حقه الرفع بالعطف على أسير.

فنقول:المثالان الأولان ظاهر مخالفتهما الآية لعدم حرف العطف،و محقّقو النحو نفوا الجر بالمجاورة أصلا و رأسا،و قالوا:المراد خرب جحرة و مزمّل كبيرهم، فحذف المضاف ثم استكن المضاف إليه في خرب و مزمّل.

«و حور عين»فمن جرّها بالعطف على جَنّاتِ النَّعِيمِ (4)كأنّه قال:هم في جنّات و فاكهة و لحم و مقارنة حور،أو على(أكواب)لأن معناه ينعمون بأكواب، و لا يلزم ان يطاف بهنّ و لو طيف بهنّ فلا امتناع فيه.

و اما البيت،فموثق معطوف على التوهم لأن معنى(إلاّ أسير غير أسير، و مثله في العطف على التوهم قول زهير (5):8.

ص: 144


1- البيت لإمرئ القيس من قصيدته المعلقة.و صدره: كأن ثبيرا في عرانين وبله
2- سورة الواقعة:22.
3- مع التتبع الكثير لمظانه لم نعثر على قائله و قد استشهد به الشيخ الطوسي في التبيان 3: 453.
4- سورة الواقعة:12.
5- شرح شعر زهير بن أبي سلمى:208.

بدا لي اني لست مدرك ما مضى *** و لا سابق شيئا إذا كان جائيا

على توهّم دخول الباء في الخبر،لكثرة دخولها فيه فجرّ(سابق).

و قال سيبويه:يجوز في قولهم:قام القوم غير زيد و عمرو،نصب عمرو على التوهم لأن غير زيد في موضع إلاّ زيدا:و هذا عكس البيت فلم يحتج إلى المجاورة.

و لضعف هذا التمسك،و ظهور العطف على الرءوس مع جرّ الأرجل، جنح متخذ لقولهم الى ان المسح انما عبر به عن الغسل تنبيها على وجوب الاقتصاد في صب الماء،لأنّ الأرجل تغسل بالصبّ من بين الأعضاء فهي مظنّة الإسراف، ثم جيء بقوله إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1)إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة،لأن المسح لم يضرب له غاية في الشرع.

قلت:هؤلاء فرّوا من مخالفة القواعد النحوية فوقعوا في مخالفة الوضع اللغوي و الشرعي،لأن المعلوم من الوضع اختلاف حقيقتي المسح و الغسل،فما الذي بعث على التعبير بأحدهما عن الآخر،و جعله مضلة للإفهام و عرضة للأوهام؟و من ذا الذي قال بالاقتصاد في صب الماء على الرجلين من العلماء؟و من أين أن الاقتصاد مدلول المسح؟و اي محذور يلزم من عطف المحدود على غير المحدود؟ بل هو في هذا المقام حسن،لأنّه تعالى قال فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ (2)فعطف في الغسل المحدود على غير المحدود،فالتناسب ان يعطف في المسح كذلك لتأخذ الجملة الثانية بحجزة الاولى.

و آخرون حملوا الجر على طهارة ذي الخفين،فالتزموا التعبير عن الخف بالرجل،و هو أشنع من الأول.

و قد روى علماء أهل البيت عن علي(عليه السلام)ان هذه الآية ناسخة6.

ص: 145


1- سورة المائدة:6.
2- سورة المائدة:6.

للمسح على الخفين (1).

و أمّا السنّة،فمن طريق العامة ما رواه أوس بن أوس الثقفي،قال:رأيت النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أتى كظامة قوم بالطائف أو بالمدينة،فتوضأ و مسح على قدميه (2).و الكظامة-بكسر الكاف-:بئر إلى جنبها بئر،و بينهما مجرى في بطن الوادي.

و روى حذيفة:انه رأى النبي(صلّى اللّه عليه و آله)توضأ و مسح على نعليه (3).

و وصف ابن عباس وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و انه مسح على رجليه،و قال:ان في كتاب اللّه المسح و يأبى الناس الا الغسل (4).

و قال أيضا:الوضوء غسلتان و مسحتان (5).

و روى حبة العرني:رأيت عليا(عليه السلام)يشرب في الرحبة قائما،ثم توضّأ و مسح على نعليه (6).

و روى ابن عليّة عن موسى بن أنس:إنه قيل لأنس:أن الحجّاج خطبنا بالأهواز فذكر التطهير،و قال:اغسلوا وجوهكم و أيديكم و امسحوا برءوسكم، و انه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه،فاغسلوا بطونهما و ظهورهما و عراقيبهما!فقال أنس:صدق اللّه و كذب الحجاج،قال اللّه سبحانه و تعالى:ر.

ص: 146


1- التهذيب 1:361 ح 1091.
2- مسند أحمد 4:8،سنن أبي داود 1:41 ح 160،السنن الكبرى 1:286.
3- جامع البيان 6:86.
4- التهذيب 1:63 ح 173،174،مجمع البيان 2:164،المصنف لابن أبي شيبة 1:20،سنن ابن ماجة 1:156 ح 458.
5- جامع البيان 6:82،سنن الدار قطني 1:96،السنن الكبرى 1:72،المجموع 1:418، الجامع الأحكام القرآن 6:92،شرح معاني الآثار 1:34،الدر المنثور 2:262.
6- جامع البيان 6:82،المغني 1:150،كنز العمال 9:435 ح 26856 عن سنن سعيد بن منصور.

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ (1) .

و قال الشعبي:نزل جبرئيل بالمسح (2).

و قال أيضا الوضوء مغسولان و ممسوحان،و في التيمم يمسح ما كان غسلا،و يلغى ما كان مسحا (3).

و قال يونس:حدثني من صحب عكرمة الى واسط،قال:ما رأيته غسل رجليه انما كان يمسح عليها (4).

و اما الخاصة،فاخبارهم بذلك متواترة كما أن إجماعهم عليه واقع،مثل:

ما تقدّم من وصف وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (5).

و قول أمير المؤمنين(عليه السلام):«ما نزل القرآن إلاّ بالمسح،و يأبى الناس الا الغسل» (6).

و عن غالب بن هذيل،قال:سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن المسح على الرجلين؟فقال:«هو الذي نزل به جبرئيل» (7).

و عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«انّ عليّا(عليه السلام)مسح النعلين و لم يستبطن الشراكين» (8).

و خبر محمد بن مروان السالف عن الصادق(عليه السلام) (9).6.

ص: 147


1- جامع البيان 6:82،السنن الكبرى 1:71،المغني 1:150،الشرح الكبير 1:147 المجموع 1:418،الجامع لأحكام القرآن 6:92.
2- جامع البيان 6:82،المصنف لابن أبي شيبة:1:19،الجامع لأحكام القرآن 6:92.
3- جامع البيان 6:82،المغني 1:151،الشرح الكبير 1:147،الجامع لأحكام القرآن 6:92.
4- جامع البيان 6:82.
5- تقدّم في ص 127 الهامش 6.
6- لاحظ:التهذيب 1:63 ح 174،175.
7- التهذيب 1:63 ح 177،الاستبصار 1:64 ح 189.
8- الفقيه 1:27 ح 86،التهذيب 1:64 ح 182.
9- تقدّم في ص 140 الهامش 6.

و عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و امسح على القدمين» (1).

و عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)في قوله تعالى وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ :«فعرفنا حين وصلها بالرأس ان المسح على بعضها،ثمّ فسّر ذلك رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)للنّاس فضيعوه» (2).

و عن جعفر بن سليمان عن الكاظم(عليه السلام):جواز إدخال اليد في الخلف المخرّق و مسح ظهر القدم (3).

و اعتمدوا على وصف عبد اللّه بن زيد بن عاصم وضوء النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و غسل رجليه (4).و خبر عبد اللّه بن عمر:انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)رأى قوما و أقدامهم تلوح لم يمسها الماء،فقال:«ويل للأعقاب من النار،أسبغوا الوضوء» (5).و يقرب منهما خبر أبي هريرة (6).و روي أنّ عثمان حكاه أيضا،و قال:

رأيت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يوما توضّأ نحو وضوئي هذا (7).

و الجواب:هذه معارضة بطرق أهل البيت عليهم السلام الذين هم أعرف به و أكثر اطّلاعا عليه،مع اعتضادها بالكتاب.على أنّ قول عثمان يشعر بعدم دوامه على ذلك،فجاز أن يكون قد غسل رجليه ذلك اليوم للتنظيف،و كذا3.

ص: 148


1- الكافي 3:29 ح 2.
2- الكافي 3:30 ح 4،الفقيه 1:56 ح 212.
3- الكافي 3:31 ح 10،التهذيب 1:65 ح 185.
4- الموطأ 1:18،صحيح البخاري 1:58،صحيح مسلم 1:210 ح 235،سنن أبي داود 1: 29 ح 118،الجامع الصحيح 1:66 ح 47،سنن النسائي 1:71،سنن الدار قطني 1:81.
5- صحيح البخاري 1:52،صحيح مسلم 1:214 ح 241،سنن ابن ماجة 1:55 ح 450، السنن الكبرى 1:69.
6- صحيح مسلم 1:214 ح 241،سنن ابن ماجة 1:154 ح 453،الجامع الصحيح 1:58 ح 41،السنن الكبرى 1:69.
7- صحيح البخاري 1:52،صحيح مسلم 1:204 ح 226،سنن أبي داود 1:26 ح 106، سنن النسائي 1:64،سنن الدار قطني 1:83.

حكاية الراويين الآخرين يمكن حملها على ذلك،و اما المسح فلا محمل له و لا اشتباه فيه،و بتقدير تعارض الروايات تتساقط،فنرجع الى كتاب اللّه تعالى الصريح في المسح.

مسائل:
الأولى:الكعبان عندنا معقد الشراك وقبتا القدم.و عليه إجماعنا،

و هو مذهب الحنفية (1).و بعض الشافعية (2).و أكثر الأصحاب عبر عنهما بالناتئين في وسط القدم أو ظهر القدم.

و قال المفيد:هما قبتا القدمين امام الساقين ما بين المفصل و المشط (3).

و قال ابن أبي عقيل:الكعبان ظهر القدم (4).

و ابن الجنيد:الكعب في ظهر القدم دون عظم السّاق (5)لاشتقاقه من قولهم كعب إذا ارتفع،و منه كعب ثدي الجارية إذا علا،قال (6):

قد كعب الثدي على نحرها *** في مشرق ذي صبح نائر

قال العلاّمة اللغوي عميد الرؤساء في كتاب الكعب:هاتان العقدتان في أسفل الساقين اللتان تسميان كعبين عند العامّة،فهما عند العرب الفصحاء و غيرهم جاهلييهم و اسلاميّيهم تسميان المنجمين-بفتح الجيم و الميم-و الرهرهتين -بضم الرائين.و أكثر في الشواهد على أنّ الكعب هو الناشز في سواء ظهر القدم

ص: 149


1- احكام القرآن للجصاص 2:347،بدائع الصنائع 1:7،اللباب 1:6.
2- المجموع 1:422،السراج الوهاج:17.
3- المقنعة:5.
4- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:24.
5- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:24.
6- ديوان الأعشى 93(ط المكتبة الثقافية بيروت)ص 93 و فيه: قد نهد الثدي على صدرها في مشرق ذي صبح نائر .

امام الساق حيث يقع معقد الشراك من النعل.

و لثبوت المسح المستلزم لذلك لامتناع خرق الإجماع،و لقوله تعالى:

إِلَى الْكَعْبَيْنِ و لو أراد الظّنبوبين لقال:إلى الكعاب.

و للنقل المتواتر عن أهل البيت(عليهم السلام)،كما رواه زرارة و بكير عن أبي جعفر(عليه السلام)و سألاه عن الكعبين؟فقال:هاهنا.يعني:المفصل دون عظم الساق (1).

و عن ميسر عن أبي جعفر(عليه السلام):انّه وصف الكعب في ظهر القدم (2).

و عنه(عليه السلام)في وصف وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):

ثم مسح رأسه و قدميه ثم وضع يده على ظهر القدم،و قال:«هذا هو الكعب» و أومأ بيده الى أسفل العرقوب،و قال:«هذا هو الظنبوب» (3).

تنبيه: تفرّد الفاضل بأنّ الكعب هو المفصل بين الساق و القدم،و صبّ عبارات الأصحاب كلها عليه،و جعله مدلول كلام الباقر(عليه السلام)،محتجّا برواية زرارة عن الباقر(عليه السلام)المتضمّنة لمسح ظهر القدمين،و هو يعطي الاستيعاب،و بأنه أقرب الى حدّ أهل اللغة (4).

و جوابه:انّ الظهر المطلق هنا يحمل على المقيد،لأن استيعاب الظهر لم يقل به أحد منّا،و قد تقدّم قول الباقر(عليه السلام):«إذا مسحت بشيء من رأسك،4.

ص: 150


1- الكافي 3:25 ح 5،التهذيب 1:76 ح 191.
2- الكافي 3:26 ح 7،التهذيب 1:75 ح 189،الاستبصار 1:69 ح 210.
3- التهذيب 1:75 ح 190. و الظنبوب:حرف الساق اليابس من قدم،و قيل:هو ظاهر الساق،لسان العرب مادة-ظنب.
4- مختلف الشيعة:24. و رواية زرارة في الكافي 3:25 ح 4،و الفقيه 1:24 ح 74.

أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع،فقد أجزأك»في رواية زرارة و أخيه بكير (1).

و قال في المعتبر:لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح،بل يكفي المسح من (رءوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع واحدة،و هو إجماع فقهاء أهل البيت (عليهم السلام)،و لأنّ الرجلين معطوفة على الرأس الذي يمسح بعضه فيعطيان حكمه (2).

و قال في موضع آخر:تجزئ الأنملة (3)و قد تبع المفيد في ذلك حيث قال:

يجزئه ان يمسح على كل واحدة منهما برأس مسبّحته من أصابعها إلى الكعبين (4).

و أهل اللغة إن أراد بهم العامة فهم مختلفون و ان أراد به لغوية الخاصة فهم متفقون على ما ذكرناه حسب ما مر.و لأنّه إحداث قول ثالث مستلزم رفع ما أجمع عليه الأمة،لأن الخاصّة على ما ذكر،و العامة على أنّ الكعبين ما نتأ عن يمين الرجل و شمالها،مع استيعاب الرجل ظهرا و بطنا،و مع إدخال الكعبين في الغسل كالمرفقين.

و من أحسن ما ورد في ذلك ما ذكره أبو عمر الزاهد في كتاب فائت الجمهرة،قال:اختلف الناس في الكعب.فأخبرني أبو نصر،عن الأصمعي:

أنه الناتئ في أسفل الساق عن يمين و شمال.و أخبرني سلمة،عن الفرّاء،قال:

هو في مشط الرجل،و قال هكذا برجله.قال أبو العباس:فهذا الذي يسمّيه الأصمعي الكعب هو عند العرب المنجم.قال:و أخبرني سلمة،عن الفراء،عن الكسائي،قال:قعد محمد بن علي بن الحسين(عليهم السلام)في مجلس كان له و قال:«ها هنا الكعبان».قال:فقالوا هكذا.فقال:«ليس هو هكذا و لكنّه5.

ص: 151


1- تقدّم في ص 5 الهامش 131.
2- المعتبر 1:150.
3- المعتبر 1:152.
4- المقنعة:5.

هكذا»و أشار الى مشط رجله.فقالوا له:ان الناس يقولون هكذا!فقال:«لا،هذا قول الخاصة،و ذاك قول العامة».

نعم،لو قيل بوجوب إدخال الكعبين في المسح،إما لجعل«الى»بمعنى (مع)،و اما لإدخال الغاية في المغيّا لعدم المفصل المحسوس،قرب مما قاله و ان لم يكن إياه،إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب و الأخبار بخلافه.و يؤيّده النص على المسح على النعلين من غير استبطان الشّراك كما تقدّم (1).و رواه الأحول عن الباقر(عليه السلام)قال:«و لا يدخل أصابعه تحت الشراك» (2)و صرّح في المعتبر بعدم دخولهما محتجا برواية زرارة المذكورة (3).

و لك ان تقول:إن كان هذا تحديدا للمسح وجب إدخال الكعبين فيه كالمرافق،و ان كان تحديدا للممسوح فلا يجب البلوغ الى الكعبين فضلا عن دخولهما،لأنّه لا يراد به الاستيعاب قطعا،بل المراد به بيان (4)محل المسح، و بالجملة دخولهما أحوط.

الثانية:يجب المسح بالبلّة كما قلناه في الرأس،

و أحكامه أحكامه.و لو غسل موضع المسح اختيارا بطل،لما سلف و لو كان لتقية،صحّ.

و لو أراد التنظيف قدّم غسل الرجلين على الوضوء،و لو غسلهما بعد الوضوء لنجاسة مسح بعد ذلك،و كذا لو غسلهما لتنظيف.

و في خبر زرارة قال:قال:«إن بدا لك فغسلت فامسح بعده،ليكون آخر ذلك المفترض» (5).

و قال المفيد:يجعل بين الغسل و المسح مهلة،و لا يتابع بينهما،ليفصل

ص: 152


1- تقدّم في 147 الهامش 8.
2- الكافي 3:25 ح 5 عن زرارة و بكير.
3- المعتبر 1:151. و رواية زرارة تقدمت في ص 147 الهامش 8.
4- ليست في س.
5- الكافي 3:31 ح 8،التهذيب 1:65 ح 186،93 ح 247،الاستبصار 1:65 ح 193.

الوضوء من غيره (1).

و هل يشترط جفاف الرجل من الماء؟نصّ ابن الجنيد و ابن إدريس و المحقق على جواز المسح عليهما رطبتين (2).و بالغ ابن الجنيد فجوّز إدخال اليد في الماء و المسح فيه عند الضرورة (3).قال ابن إدريس:لأنه ماسح إجماعا،و الظواهر (4)من الآي و الأخبار تتناوله (5).و قال المحقق:لأن يديه لا تنفكّ عن ماء الوضوء (6).

و اما ابن الجنيد فيمكن بناؤه على أصله من جواز الاستئناف.

و قوّى الفاضل المنع،محتجا بأنّه مسح بماء جديد (7)،و هو بإزاء قول المحقق.و له أن يقول:الواجب في المسح مسماه،و الجري فيه غير معتبر،و هذا صادق مع هذا الماء الجديد،لأنّه و ان قلّ فلا يقصر عن المسمى.

نعم،لو غلب ماء المسح رطوبة الرجلين ارتفع الاشكال.و بالجملة ما ذكروه قويّ،و ما ذكره أحوط.

الثالثة:هل ظهر القدم محل للمسح كالمقدّم في الرأس،

بحيث لو وقع المسح على جزء منه يجزئ كالرأس،و يكون التحديد للقدم الممسوح لا للمسح؟ يحتمل ذلك،تسوية بين المعطوف و المعطوف عليه،و لحديث الأخوين عن الباقر (عليه السلام) (8).و منعه في المعتبر بعد التردّد،محتجّا بأنّه لا بدّ من الإتيان بالغاية (9)و لا ريب انه أحوط،و عليه عمل الأصحاب.

الرابعة:هل يجزئ النكس؟

المشهور:نعم،لخبر حماد بن عثمان

ص: 153


1- المقنعة:5.
2- السرائر:18،المعتبر 1:160،مختلف الشيعة:26.
3- مختلف الشيعة:26.
4- في س،ط:و الظاهر.
5- السرائر:18.
6- المعتبر 1:160.
7- مختلف الشيعة:26.
8- تقدم في 131 الهامش 5.
9- المعتبر 1:152.

السالف (1).

و في عبارة أخرى لحماد عن الصادق(عليه السلام):«لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا» (2).

و روى يونس عمن رأى أبا الحسن(عليه السلام)بمنى:يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم الى الكعب،و من الكعب إلى أعلى القدم (3).

و زاد في الكافي:و يقول:(الأمر في مسح الرجلين موسّع،من شاء مسح مقبلا،و من شاء مسح مدبرا) (4)و هو إمّا من كلام الإمام أو من كلام الراوي، و على التقديرين فظاهره انه جمع بينهما(عليه السلام)،فيمكن أن يقال باستحبابه،و يكون إسباغا للمسح كما يستحبّ إسباغ الغسل.

و يؤيده مرفوع أحمد بن محمد بن عيسى الى أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في مسح القدمين و مسح الرأس،قال:«مسح الرأس واحدة من مقدّم الرأس و مؤخّره،و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما» (5).

و لصحيحة البزنطي عن الرضا(عليه السلام)،و سأله عن المسح على القدمين،فوضع كفّه على الأصابع فمسحهما الى الكعبين،فقلت:لو انّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا الى الكعبين كلها؟قال:«لا،إلاّ بكفّه» (6)و أقلّ أحواله الاستحباب،إلاّ أنّ هذا لا دلالة فيه على تعاكس المسح.

و يؤيد عدم استحباب العكس فتوى الأصحاب بأنه لا تكرار في المسح (7)0.

ص: 154


1- تقدم في ص 121 الهامش 5.
2- التهذيب 1:83 ح 217،الاستبصار 1:57 ح 169.
3- قرب الاسناد:126،التهذيب 1:57 ح 160،65 ح 183،83 ح 216،الاستبصار 1: 58 ح 170.
4- الكافي 3:31 ح 7.
5- التهذيب 1:82 ح 215،الاستبصار 1:61 ح 181.
6- الكافي 3:30 ح 6،التهذيب 1:91 ح 243،الاستبصار 1:62 ح 184.
7- راجع:المقنعة:5،المبسوط 1:23،السرائر:17،المعتبر 1:160.

و لخلوّ الآية و أكثر الأخبار منه.

و يظهر من كلام ابن بابويه (1)و المرتضى (2)،و به قطع ابن إدريس (3):انه يجب الابتداء من رءوس الأصابع إلى الكعبين،جعلا ل«الى»على ما بها من الانتهاء.و لأنّ في وصف الباقر(عليه السلام):«مسح قدميه إلى الكعبين بفضل كفه» (4).و يلوح منه دخول الكعبين في المسح،لأنّه لبيان غاية المسح هنا و هو من جنس المغيّا،و كذا في خبر البزنطي عن الرضا(عليه السلام) (5).

و لأن الوضوء البياني من الرسول لم ينكس فيه قطعا،و إلاّ لما أجزأ خلافه، مع أنّه مجزئ بالإجماع.و هذا القول أولى،لحصول اليقين بالخروج عن العهدة بفعله.

الخامسة:هل يجب البدأة باليمنى من الرجلين؟

المشهور:العدم، لإطلاق الآية و الأخبار.و ظاهر ابني بابويه و ابن أبي عقيل وجوبه (6)و به أفتى ابن الجنيد و سلار (7)عملا بالوضوء البياني،و أخذا بالاحتياط.

و في كلام بعضهم:يجوز مسحهما معا لا تقديم اليسرى.و العمل بالترتيب أحوط.

السادسة:إذا قطع بعض القدم مسح على ما بقي.

و لو أوعب موضع المسح سقط،لامتناع التكليف بالمحال.و لم نقف على نصّ في مسح موضع القطع كما جاء في اليدين،غير أنّ الصدوق لما روى عن الكاظم(عليه السلام)غسل

ص: 155


1- الفقيه 1:28،الهداية:17.
2- الانتصار:29.
3- السرائر:17.
4- التهذيب 1:56 ح 158،الاستبصار 1:57 ح 168.
5- راجع الهامش 6،المتقدّم.
6- الفقيه 1:28،مختلف الشيعة:25.
7- المراسم:38،مختلف الشيعة:25.

الأقطع عضده،قال:و كذلك روي في أقطع الرجلين (1).

و القول في مسح الرجل الزائدة كما قلناه في اليد،بحسب الأصالة و الزيادة.و لو كانت تحت الكعب،فالأقرب:المسح عليهما،للعموم.و يمكن الاجتزاء بالتامّة منهما،فان استويا تخيّر،لأنّ المسح لا يجب فيه الاستيعاب طولا و عرضا.

السابعة:لا يجوز المسح على حائل من خفّ و غيره،

إلاّ لضرورة أو تقية إجماعا منا-قال ابن الجنيد:روى يحيى بن الحسين:انّ آل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله أجمعين)أجمعوا على ذلك،و قال به خلق كثير من الصحابة و التابعين- لعدم مسمّى الرجل فيه،و لإفادة الباء الإلصاق،و لحمله على الوجه و اليدين في عدم إجزاء غسل الحائل،و لأن الوضوء البياني الذي حكم فيه النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بأنّه لا تقبل الصلاة إلاّ به لم يمسح فيه على الخفّين إجماعا.

قال الفاضل:و العجب تسويغهم المسح على الخفّين لرفع الحدث عن الرجلين،و منعه عن البشرة (2).

و اشتهر ذلك من قول علي(عليه السلام)و مناظراته،كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«جمع عمر أصحاب النبي(صلّى اللّه عليه و آله) و فيهم علي(عليه السلام)،فقال:ما تقولون في المسح على الخفين؟فقام المغيرة ابن شعبة،فقال:رأيت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يمسح على الخفين.فقال علي(عليه السلام):أقبل المائدة أو بعدها؟فقال:لا أدري.فقال علي(عليه السلام):سبق الكتاب الخفّين،إنما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة» (3).

و سمع أبا مسعود البدري يروي ذلك عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)

ص: 156


1- الفقيه 1:30.
2- تذكرة الفقهاء 1:18.
3- التهذيب 1:361 ح 1091.

فقال:«أقبل نزول المائدة أو بعده»؟فسكت أبو مسعود (1).

و عن علي(عليه السلام):«ما أبالي أمسح على الخفين،أو على ظهر عير بالفلاة» (2)-بالياء المثناة تحت بعد العين المهملة و قبل الراء-و مثله عن أبي هريرة (3)و عن عائشة أيضا (4).

و عنها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،أنّه قال:«أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره» (5).

و عنها:لأن تقطع رجلاي بالمواسي أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفين (6).

و إنكار هؤلاء يدلّ على عدم فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)إيّاه.و رواية سعد و غيره انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)مسح على الخفين (7)معارضة بما تلوناه، و الترجيح معنا لشهادة الكتاب به،و إمكان حملها على الضرورة-كالبرد الشديد، و العدو المرهق-أو على أنّه كان ثم نسخ،لما روي عن علي(عليه السلام)انه قال:«نسخ الكتاب المسح على الخفين» (8)و مناظراته تدلّ على أنّه كان مشروعا ثم نسخ،و هذا جواب حسن حاسم للشبهة.

و أما الروايات عن أهل البيت عليهم السلام فكثيرة،منها:

ما رواه رقبة بن مصقلة،قال:دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)فسألته1.

ص: 157


1- أخرجه العلامة في تذكرة الفقهاء 1:18.
2- أخرجه العلامة في تذكرة الفقهاء 1:18،و روى نحوه ابن أبي شيبة في المصنف 1:186 عن ابن عباس،و احمد في مسنده 1:323.
3- مصنف ابن أبي شيبة ج 1 ح 186.
4- الفقيه 1:30 ح 97،أمالي الصدوق:515.
5- الفقيه 1:30 ح 96،أمالي الصدوق:515.
6- المصنف لعبد الرزاق 1:221 ح 860،التفسير الكبير للرازي 11:163.
7- الموطأ 1:18،صحيح البخاري 1:58،صحيح مسلم 1:228 ح 272،سنن أبي داود 1: 29 ح 118.
8- التهذيب 1:361 ح 1091.

عن أشياء،فقال:«إني أراك ممن يفتي في مسجد العراق».فقلت:نعم.فقال:

«ممن أنت».فقلت ابن أعم لصعصعة.فقال:«مرحبا بك يا ابن عم صعصعة».فقلت له:ما تقول في المسح على الخفين؟فقال:«كان عثمان يراه ثلاثا للمسافر،و يوما و ليلة للمقيم،و كان أبي لا يراه في سفر و لا حضر».فلما خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب،فقال لي:«أقبل يا ابن عمّ صعصعة».

فأقبلت عليه فقال لي:«القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون و يصيبون و كان أبي لا يقول برأيه» (1).و هذا تصريح منه(عليه السلام)بعدم النص في المسح على الخفين،و انّما هو رأي رأوه.

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما انه سأل عن المسح على الخفّين و على العمامة،فقال:«لا تمسح عليهما» (2).

و عن أبي الورد،قلت لأبي جعفر(عليه السلام):إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليا(عليه السلام)أراق الماء ثم مسح على الخفّين!فقال:«كذب أبو ظبيان أما بلغك قول علي(عليه السلام)فيكم:سبق الكتاب الخفّين».فقلت:فهل فيهما رخصة؟فقال:«لا،إلاّ من(عذر أو تقية) (3)أو ثلج تخاف على رجليك» (4).

تنبيهات:
الأول:قال المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية:من مسح على الخفين

مقلّدا أو مجتهدا،

ثم وقف على خطئه أعاد الصلاة لأنه ما ادّى الفرض (5).

و يشكل:بحسن زرارة و بكير و الفضيل،و محمد بن مسلم و بريد العجلي،

ص: 158


1- التهذيب 1:361 ح 1089،و فيه«كان عمر يراه».
2- التهذيب 1:361 ح 1090.
3- في المصدرين:«عدو تتقيه».
4- التهذيب 1:362 ح 1092،الاستبصار 1:76 ح 236.
5- الناصريات:221 المسألة 34.

عن الباقر و الصادق(عليهما السلام)،قالا:في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة و المرجئة و العثمانية و القدرية،ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه،أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو صدقة أو حج،أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟قال:«ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة لا بدّ أن يؤديها،لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها،انّما موضعها أهل الولاية» (1)قال في المعتبر:اتفقوا على انه لا يعيد شيئا من عبادته التي فعلها سوى الزكاة،و الرواية عامة للماسح على الخفين سواء كان مجتهدا أو مقلّدا (2).

الثاني:قد مرّ جواز المسح على العربي و ان لم يدخل يده تحت الشّراك.

قال ابن الجنيد-في النعال-:و ما كان منها غير مانع لوصول الراحة و الأصابع أو بعضها إلى مماسّة القدمين،فلا بأس بالمسح عليهما.

قال:و قد روي المسح عليهما عن أمير المؤمنين(عليه السلام)،و الباقر و الصادق عليهما السلام،و انّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)توضّأ و مسح على نعليه،فقال له المغيرة:أ نسيت يا رسول اللّه؟قال:«بل أنت نسيت هكذا أمرني ربي».

قال:و روى الطبريّ و السّاجيّ و غيرهما أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) مسح عليهما،عن أمير المؤمنين(عليه السلام)،و عبد اللّه بن عباس،و عبد اللّه بن عمر،و أوس بن أوس.و روي عن أبي ظبيان و زيد الجهني أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)توضأ و مسح عليهما.

فرع:

ظاهر كلام ابن الجنيد عدم اختصاص ذلك بالعربي،فيجوز على كل ما لا يمنع.فحينئذ يجوز في السير المركب على الخشب إذا كان في عرض الشّراك

ص: 159


1- الكافي 3:545 ح 1،علل الشرائع:373،التهذيب 4:54 ح 143.
2- المعتبر 2:766.

تقريبا.و توقّف فيه في التذكرة،قال و كذا لو ربط رجله بسير للحاجة بل عبثا (1).

قلت:أمّا السير للحاجة فهو ملحق بالجبائر،و أما العبث فان منع فالأقرب الفساد إن أوجبنا المسح الى الكعبين-و هو الأقرب كما مرّ-لأنّه قد تخلّف شيء خارج عن النص.

الثالث:قال الصدوقان:عن العالم(عليه السلام):«ثلاثة لا أتّقي فيهن

أحدا:شرب المسكر،و المسح على الخفين،و متعة الحج»

(2) .و هو في الكافي و التهذيب بسند صحيح عن زرارة،قال:قلت له:أ في مسح الخفين تقيّة؟فقال:

«ثلاث لا أتقي فيهن أحدا:شرب المسكر،و مسح الخفين،و متعة الحج» (3).

و تأوّله زرارة-رحمه اللّه-بنسبته الى نفسه،و لم يقل:الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهنّ أحدا (4).و تأوّله الشيخ بالتقيّة،لأجل مشقة يسيرة لا تبلغ الى الخوف على النفس أو المال (5)،لما مرّ من جواز ذلك للتقية.

قلت:و يمكن أن يقال:انّ هذه الثلاث لا يقع الإنكار فيها من العامة غالبا،لأنهم لا ينكرون متعة الحج،و أكثرهم يحرّم المسكر،و من خلع خفّه و غسل رجليه فلا إنكار عليه،و الغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما.و على هذا يكون نسبته الى غيره كنسبته الى نفسه في أنّه لا ينبغي التقيّة فيه،و إذا قدّر خوف ضرر نادر جازت التقية.

الرابع:المقتضى للمسح على الخفين عينا هو الضرورة و التقية،

فيدوم بدوامهما و لا يتقدّر بما قدّروه.فإذا زالت الضرورة و لم يحدث،فهل يعيد لصلاة

ص: 160


1- تذكرة الفقهاء 1:18.
2- الفقيه 1:30 ح 95،المقنع:6،الهداية:17.
3- الكافي 3:32 ح 2،التهذيب 1:362 ح 1093،الاستبصار 1:76 ح 237.
4- راجع الهامش السابق.
5- التهذيب 1:362،الإستبصار 1:76.

أخرى؟قطع به في المعتبر (1).و قرّبه في التذكرة،لزوال المشروط بزوال شرطه (2).

و الأقرب:بقاء الطهارة،لأنها طهارة شرعيّة و لم يثبت كون هذا ناقضا،و المشروط انّما هو فعل الطهارة لا بقاء حكمها،و أحدهما غير الآخر.

الخامس:لا فرق عندنا مع الضرورة بين كون الخفّ بشرج أو غيره،

و لا بين الجورب و الخف،و لا بين الجورب المنعّل و غيره،و لا بين الجرموق فوق الخفّ و غيره،و لا بين اللبس على طهارة أو حدث،و لا بين كونه ساترا قويا حلالا أو لا..الى غير ذلك مما فرّعوه.

الواجب السادس:الترتيب،
اشارة

عند علمائنا،لأنّه تعالى غيّا الغسل بالمرافق و المسح بالكعبين و هو يعطي الترتيب.

و لأنّ«الفاء»في فَاغْسِلُوا تفيد الترتيب قطعا بين إرادة القيام و بين غسل الوجه،فيجب البدأة بغسل الوجه قضية للفاء،و كلّ من قال بوجوب البدأة به قال بالترتيب بين باقي الأعضاء.

و ما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«لا يقبل اللّه صلاة امرئ حتى يضع الطّهور مواضعه:فيغسل وجهه،ثم يغسل يديه،ثم يمسح رأسه،ثم رجليه» (3).

و لعموم قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«ابدءوا بما بدأ اللّه به» (4)و لأنّ الوضوء البياني وقع مرتّبا.و لأنّ«الواو»للترتيب،عند الفراء و ثعلب و قطرب و الربعيّ،و نقله في التهذيب عن أبي عبيد القاسم بن

ص: 161


1- المعتبر 1:154.
2- تذكرة الفقهاء 1:18.
3- تلخيص الحبير 1:358.
4- مسند أحمد 3:294،سنن النسائي 5:236،سنن الدار قطني 2:254.و نحوه في:الموطأ 1:372،صحيح مسلم 2:886 ح 1212،سنن أبي داود 2:182 ح 1905،الجامع الصحيح 3:216 ح 862.

سلام (1).

و لرواية زرارة عن الباقر(عليه السلام):«تابع كما قال اللّه تعالى:ابدأ بالوجه،ثم باليدين،ثم امسح الرأس و الرجلين.و لا تقدّمن شيئا بين يدي شيء،ابدأ بما بدأ اللّه به،فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه ثم أعد على الذراع،و ان مسحت الرجلين قبل الرأس فامسح على الرأس ثم أعد على الرجلين» (2).

و في هذه الرواية دلالة من عدّة أوجه على الترتيب،إلاّ أنّه لم يبيّن فيها وجوب تقديم غسل اليمنى على اليسرى،لاستفادته من الوضوء البياني و من أخبار أخر:

كرواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في البادي بالشمال قبل اليمين:يعيد اليمين و يعيد الشمال (3).

و كبيان الباقر(عليه السلام)وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):ثم غمس كفه فغسل يده اليمنى،ثم غمس يده فغسل اليسرى (4).

و أمّا رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام)فيمن نسي غسل يساره:«يغسل يساره وحدها،و لا يعيد وضوء شيء غيرها» (5)فالمراد بالوحدة من بين المغسولات،و بنفي الإعادة لما سبق عليها،توفيقا بينها و بين غيرها:

كرواية زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و ان نسي شيئا من الوضوء المفروض،فعليه أن يبدأ بما نسي،و يعيد ما بقي لتمام الوضوء» (6).9.

ص: 162


1- التهذيب 1:95.
2- الكافي 3:34 ح 5،الفقيه 1:28 ح 89،التهذيب 1:97 ح 251،الاستبصار 1:73 ح 223.
3- التهذيب 1:97 ح 253،الاستبصار 1:73 ح 225.
4- التهذيب 1:56 ح 158،الاستبصار 1:57 ح 168.
5- قرب الاسناد:83،التهذيب 1:98 ح 257،الاستبصار 1:73 ح 226.
6- التهذيب 1:89 ح 235،99 ح 260،الاستبصار 1:74 ح 229.

و لمطابقة تأويلها رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و ان كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال،و لا يعيد على ما كان وضّأه» (1).

و ما رواه العامّة عن علي(عليه السلام)و ابن مسعود:«ما أبالي بأي أعضائي بدأت» (2)معارض بما رووه عن عليّ(عليه السلام)أنّه سئل،فقيل:

أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيء؟فقال:«لا،حتى يكون كما أمر اللّه تعالى» (3).

مسائل ثلاث:
الأولى:اختلف الأصحاب في وجوب الترتيب بين الرجلين.

فابن الجنيد و ابن أبي عقيل و سلار عليه (4)للاحتياط،و الوضوء البياني.

و الأكثر لا (5)للأصل،و لقوله تعالى وَ أَرْجُلَكُمْ ،مع عدم قيام مناف له كما قام في اليدين.

قال ابن إدريس في الفتاوى:لا أظنّ أحدا منا يخالف في ذلك.نعم،هو مستحب لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«انّ اللّه يحب التيامن» (6)و عليه قول الصدوقين (7).

الثانية:لا يكفي في الترتيب عدم تقديم المؤخر بل يعتبر تقديم المقدّم،

إذ هو المفهوم منه،و للأخبار.فلو غسل الأعضاء معا بطل،لفقد المعنى الثاني و ان وجد الأول،فحينئذ يحصل الوجه،فإن أعاد الغسل الدفعيّ فاليمنى،فان أعاده

ص: 163


1- الكافي 3:34 ح 4،التهذيب 1:99 ح 259،الاستبصار 1:74 ح 228.
2- سنن الدار قطني 1:88،السنن الكبرى 1:87،معرفة السنن:248.
3- المغني 1:157،الشرح الكبير 1:149.
4- المراسم:38،مختلف الشيعة:25.
5- منهم المفيد في المقنعة:4،العلاّمة في المختلف:25،المحقّق في الشرائع 1:22.
6- نصب الراية 1:34.
7- الفقيه 1:28،مختلف الشيعة:25.

فاليسرى و يمسح بمائها.

و لو ارتمس ناويا صحّ الوجه،فإن أخرج اليدين مرتّبا صحتا،و لو أخرجهما معا فاليمنى إذا قصد بالإخراج الغسل.

و لو كان في جار،و تعاقبت الجريات ناويا،صحّت الأعضاء الثلاثة.

و الأقرب:انّ هذه النية كافية في الواقف أيضا،لحصول مسمّى الغسل مع الترتيب الحكمي،و يمسح بماء الاولى.

و لو غسل عضوا قبل الوجه لم يعتدّ به،فإذا غسل الوجه صح.و لو نكس مرارا،ترتب الوضوء مهما أمكن و صحّ إن نوى عنده،أو كان قد تقدمت النية في موضع استحباب التقدّم.و الأقرب:انه لا يضر عزوبها بعد،لتحقق الامتثال فيخرج عن العهدة.و يحتمل الإعادة مع العزوب،لوجود الفصل بأجنبي، بخلاف ما إذا أتى بأفعال الوضوء مرتّبة.

الثالثة:الترتيب ركن في الوضوء فيبطل بتركه و لو نسيانا،

لعدم الإتيان بالجزء الصوري،و تحقّق الماهية موقوف عليه فلا يعدّ ممتثلا.

و انما يتحقّق البطلان إذا لم يستدرك في محلّه،فلو راعاه بعد صحّ ما دام البلل،و لو كان عمدا فكذلك الاّ انّه يأثم هنا.و جاهل الحكم غير معذور و ان استند الى شبهة،لأنّه مخاطب بالعلم.نعم،لا يعيد ذو الشبهة ما صلاّه بهذا الوضوء،للخبر المتقدم في عدم إعادة ما عدا الزّكاة (1).

الواجب السابع:
اشارة

الموالاة،

إجماعا.و قد حكى المتأخرون فيها خلافا بين المتابعة و مراعاة الجفاف،و عند التأمل يمكن حمل كلام الأكثر على اعتبار الجفاف،فلنورد عباراتهم هنا تحصيلا للمراد،و نفيا للشبهة.

قال علي بن بابويه:و تابع بينه كما قال اللّه عزّ و جلّ:ابدأ بالوجه،ثم باليدين،ثم امسح بالرأس و القدمين.فان فرغت من بعض وضوئك،فانقطع

ص: 164


1- تقدم في 159 الهامش 1.

بك الماء من قبل أن تتمّه و أوتيت بالماء،فأتمّ وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا،و ان كان قد جفّ فأعد الوضوء.و ان جفّ بعض وضوءك قبل أن تتمّ الوضوء،من غير أن ينقطع عنك الماء،فاغسل ما بقي،جفّ وضوؤك أو لم يجف (1).

و لعله عوّل على ما رواه حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)-كما أسنده ولده في كتاب مدينة العلم،و في التهذيب وقفه على حريز-قال:قلت:إن جفّ الأول من الوضوء قبل أن أغسل الذي يليه؟قال:«إذا جفّ أو لم يجف،فاغسل ما بقي» (2).و حمله في التهذيب على جفافه بالرّيح الشديد،أو الحرّ العظيم،أو على التقية.

قلت:التقيّة هنا أنسب،لأنّ في تمام الحديث:قلت:و كذلك غسل الجنابة؟قال:«هو بتلك المنزلة،و ابدأ بالرأس،ثم أفض على سائر جسدك».

قلت:فان كان بعض يوم؟قال:«نعم».و ظاهر هذه المساواة بين الوضوء و الغسل فكما ان الغسل لا يعتبر فيه الريح الشديدة و الحر،كذلك الوضوء.

و في من لا يحضره الفقيه اقتصر على حكاية كلام والده (3)و ظاهره اعتقاده.

و هذا فيه تصريح بأن المتابعة الترتيب،و ان الموالاة ما أتي بعدها.و في المقنع ذكر ذلك و لم يذكر المتابعة (4).

و قال المفيد:و لا يجوز التفريق بين الوضوء،فيغسل وجهه ثم يصبر هنيهة ثم يغسل يده،بل يتابع ذلك و يصل غسل يده بغسل وجهه،و مسح رأسه بغسل يديه،و مسح رجليه بمسح رأسه،و لا يجعل بين ذلك مهلة إلا لضرورة.ثم اعتبر الجفاف عند الضرورة (5).

و احتج له في التهذيب بخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:5.

ص: 165


1- الفقيه 1:35.
2- التهذيب 1:88 ح 232،الاستبصار 1:72 ح 222.
3- الفقيه 1:35.
4- المقنع:6.
5- المقنعة:5.

«إذا توضأت بعض وضوئك،فعرضت بك حاجة حتى يبس وضوؤك،فأعد فإنّ الوضوء لا يبعّض» (1).

و بخبر معاوية بن عمار،قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):ربما توضأت فنفذ الماء،فدعوت بالجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي؟قال:

«أعد» (2).

و ليس في هذين الخبرين تصريح بوجوب المتابعة.

و قال الجعفي:و الوضوء على الولاء..الى قوله:و من فرّق وضوءه حتى يبس أعاده.و هو أيضا ظاهر في أنّ الولاء مراعاة الجفاف.

و قال المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية:الموالاة عندنا واجبة بين الوضوء و لا يجوز التفريق،و من فرّق بين الوضوء بمقدار ما يجفّ مع (3)غسل العضو الذي انتهى اليه،و قطع الموالاة منه في الهواء المعتدل،وجب عليه إعادة الوضوء (4).

و قال في المصباح-حسب ما نقله عنه في المعتبر-:هي أن يتابع بين غسل الأعضاء و لا يفرّق إلاّ لعذر و تمّمه بنحو من كلامه في الناصرية (5).و هو أيضا غير صريح في المطلوب،لانصباب قوله:و من فرّق..الى آخره على تفسير الموالاة،فكأنّها المرادة بعدم التفريق.

و قال تلميذه سلاّر:و الموالاة واجبة،و هي:أن يغسل اليدين و الوجه رطب، و يمسح الرأس و الرجلين و اليدان و رطبتان،في الزمان و الهواء المعتدل (6).و هو تصريح بمراعاة الجفاف.8.

ص: 166


1- الكافي 3:35 ح 7،علل الشرائع:289،التهذيب 1:87 ح 230،98 ح 255،الاستبصار 1:72 ح 220.
2- التهذيب 1:87 ح 231،98 ح 256،الاستبصار 1:72 ح 221.
3- كذا في النسخ الثلاث،و في المصدر:معه.
4- الناصريات:221 المسألة 33.
5- المعتبر 1:157.
6- المراسم:38.

و ابن الجنيد اعتبر الجفاف،و اشترط بقاء البلل على جميع الأعضاء،إلاّ لضرورة فلا يضرّ الجفاف.

و قال الشيخ في النهاية:و الموالاة أيضا واجبة في الطهارة،و لا يجوز تبعّضها إلاّ لعذر،فإن بعّض لعذر أو انقطاع الماء جاز،إلاّ أنّه يعتبر ذلك بجفاف ما وضّأه من الأعضاء،فإن كان قد جفّ وجب استئناف الوضوء،و إن لم يكن قد جف بنى عليه (1).ثم قال في غسل الرجلين:و لا يحلّ غسلهما بين أعضاء الطهارة (2).

و قال في المبسوط:و الموالاة واجبة في الوضوء،و هي أن يتابع بين الأعضاء مع الاختيار،فإن خالف لم يجزه.و إن انقطع عنه الماء انتظره،فإذا وصل إليه و كان ما غسله عليه نداوة بنى عليه،و إن لم يبق فيه نداوة مع اعتدال الهواء أعاد الوضوء من أوله (3).

و قال في الخلاف:عندنا أن الموالاة واجبة،و هي أن يتابع بين أعضاء الطهارة،و لا يفرق بينهما إلاّ لعذر بانقطاع الماء،ثم يعتبر إذا وصل إليه الماء،فإن جفّت أعضاء طهارته أعاد الوضوء،و إن بقي في يده نداوة بنى عليه (4).

و في التهذيب احتجّ للمتابعة:باقتضاء الأمر الفور،فيجب فعل الوضوء عقيب توجه الأمر إليه،و كذلك جميع الأعضاء الأربعة،لأنّه إذا غسل وجهه فهو مأمور بعد ذلك بغسل اليدين،فلا يجوز له تأخيره (5).

و كلام الشيخين ظاهر في وجوب المتابعة،و ظاهر المبسوط عدم الإجزاء بالمخالفة ففيه وفاء بحق الواجب،إلاّ أنّه في الجمل وافق الأصحاب في اعتبار الجفاف (6)،فانحصرت المتابعة في المفيد-رحمه اللّه-و لو حمل قوله:(لا يجوز)على9.

ص: 167


1- النهاية:15.
2- النهاية:15.
3- المبسوط 1:23.
4- الخلاف 1:93 المسألة 41.
5- التهذيب 1:87.
6- الجمل و العقود:159.

الكراهية انعقد الإجماع.

و قال ابن البرّاج-رحمه اللّه-في المهذّب:و الترتيب و الموالاة يجبان في الوضوء،فإن توضّأ على خلاف الترتيب المقدّم ذكره لم يكن مجزئا،و إن ترك الموالاة حتى يجفّ الوضوء المتقدّم لم يجزه أيضا،اللّهم إلاّ أن يكون الحرّ شديدا أو الريح يجف منهما العضو المتقدّم بينه و بين طهارة العضو الثاني من غير إمهال لذلك،فإنّه يكون مجزئا (1).

و في الكامل:و الموالاة،و هي:متابعة بعض الأعضاء ببعض،فلا يؤخّر المؤخر عما يتقدّمه بمقدار ما يجفّ المتقدم في الزمان المعتدل.و هاتان العبارتان ظاهرتان في مراعاة الجفاف.

و قال أبو الصلاح:و الموالاة،و هي:أن تصل توضئة الأعضاء بعضا ببعض،فإن جعل بينها مهلة حتى جفّ الأول بطل الوضوء (2).و ليس فيه تصريح بوجوب المتابعة،بل ظاهره اعتبار الجفاف.

و قال السيد ابن زهرة-رحمه اللّه-:الموالاة،و هي:ان لا يؤخّر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجفّ ما تقدم في الهواء المعتدل (3).

و قال ابن حمزة:و الموالاة،و هي:ان يوالي بين غسل الأعضاء،و لا يؤخّر بعضه عن بعض بمقدار ما يجفّ ما تقدم (4).و هو ظاهر في مراعاة الجفاف.

و قال الكيدري-في سياق الواجب-:و أن لا يؤخّر غسل عضو عن عضو الى أن يجفّ ما تقدم مع اعتدال الهواء (5).

و قال ابن إدريس:و الموالاة واجبة في الصغرى فحسب،و حدّها المعتبر عندنا على الصحيح من أقوال أصحابنا المحصّلين هو:ان لا يجفّ غسل العضو9.

ص: 168


1- المهذب 1:45.
2- الكافي في الفقه:133.
3- الغنية:492.
4- الوسيلة 38.
5- إصباح الشيعة:29.

المتقدّم في الهواء المعتدل.و لا يجوز التفريق بين الوضوء،بمقدار ما يجف غسل العضو الذي انتهى إليه و قطع الموالاة منه في الهواء المعتدل.و بعض أصحابنا يذهب الى أنّ اعتبار الجفاف عند الضرورة،و انقطاع الماء و غيره من الأعذار (1)و فيه تصريح باعتبار الجفاف،و مصير الى ما قاله السيد من اعتبار جفاف العضو السابق على ما يبتدئ منه،و لا يكفيه بقاء البلل على غيره في ظاهر كلامهما.

و قال الشيخ نجيب الدين ابن سعيد في الجامع:و المتابعة بين أعضاء الطهارة،فإن فرّق و جفّ ما سبق استأنف الوضوء،و إن لم يجف بنى عليه (2).

و ليس فيه تصريح بأحدهما.

و أمّا الفاضلان فتبعا الشيخ المفيد في كتبهما،و احتجّا بحجته،و بأنّ الوضوء البياني وقع متابعا تفسيرا للأمر الإجمالي،فتجب المتابعة كوجوب المفسّر (3).و في المختلف احتج بخبر الحلبي عن الصادق(عليه السلام):«أتبع وضوءك بعضه بعضا» (4).

و المختار:المراعاة،و الأخبار لا تدلّ على أكثر منها.

و الجواب عن تمسّك الشيخ:بأنّ الفورية لا ينافيها هذا القدر من التأخير، خصوصا مع كونه مبيّنا في الأخبار بالجفاف.

و متابعة الوضوء البياني مسلمة،و لكن لم قلتم بمنافاة هذا اليسير من التأخير لها؟و إلاّ لوجب مراعاة القدر الذي تابع فيه من الزمان و مطابقته له،مع اعتضاده بأحاديث الجفاف.

و أمّا خبر الحلبي فهو في سياق وجوب الترتيب في الوضوء،و المراد بالمتابعة اتباع كل عضو سابقه بحيث لا يقدّمه عليه،لأنّه قال فيه:«إذا نسي الرجل أن8.

ص: 169


1- السرائر:17.
2- الجامع للشرائع:36.
3- المعتبر 1:156،تذكرة الفقهاء:1:20،منتهى المطلب 1:70.
4- مختلف الشيعة:25. و خبر الحلي في الكافي 3:34 ح 4،التهذيب 1:99 ح 259،الاستبصار 1:74 ح 228.

يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه،فذكر بعد ذلك،غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه.و إن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال،و لا يعد على ما كان توضّأ»،و قال:«أتبع وضوءك بعضه بعضا» (1).

و مثله ما رواه الصدوق عن الباقر(عليه السلام)،قال:«تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جلّ:ابدأ بالوجه،ثم باليدين،ثم امسح الرأس و الرجلين،و لا تقدّمن شيئا بين يدي شيء تخالف ما أمرت به» (2)،و أسنده الكليني-رحمه اللّه-عن زرارة عن الباقر(عليه السلام) (3).

و لأن المتابعة بهذا المعنى لو وجبت لبطل الوضوء بالإخلال بها قضية لعدم الإتيان به على الوجه،و هما لا يقولان به.

و لأن ضبط الموالاة بالجفاف أولى من الاتباع،لاختلافه باختلاف حركات المكلّفين.

و إنّما أوردنا عبارة الأصحاب هنا،لأنّ بعض الأفاضل نسب كثيرا منهم إلى القول بالمتابعة.

فروع:
الأول:ظاهر ابني بابويه أن الجفاف لا يضرّ مع الولاء،

و الأخبار الكثيرة بخلافه،مع إمكان حمله على الضرورة.

الثاني:ظاهر المرتضى و ابن إدريس اعتبار العضو السابق.

و ابن الجنيد مصرّح باشتراط البلل على الجميع الى مسح الرجلين إلاّ لضرورة.

و ظاهر الباقين:انّ المبطل هو جفاف الجميع لا جفاف البعض،قال في

ص: 170


1- راجع ص 169 الهامس 4.
2- الفقيه 1:28 ح 89.
3- الكافي 3:34 ح 5،التهذيب 1:97 ح 251،الاستبصار 1:73 ح 223.

المعتبر:لإطباقهم على الأخذ من اللحية و الأشفار للمسح،و لا بلل هنا على اليدين (1).و به يشهد خبر زرارة و الحلبي عن الصادق(عليه السلام)في الأخذ من اللحية (2)،و رواه الكليني عن زرارة عن الباقر(عليه السلام) (3)و رواه ابن بابويه عن الصادق(عليه السلام)،ثم قال فيه:«و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك» (4).و في التهذيب من مراسيل حمّاد عن الصادق(عليه السلام)ذكر الحاجبين و الأشفار أيضا (5).

قلت:هذا يلزم منه أحد أمور ثلاثة:إمّا أنّ الجفاف للضرورة غير مبطل كما قاله ابن الجنيد،و إمّا تخصيص هذا الحكم بالناسي،و إمّا أنّ المبطل جفاف الجميع.

الثالث:لو كان الهواء رطبا جدا،

بحيث لو اعتدل جفّ البلل،لم يضر لوجود البلل حسّا.و تقييد الأصحاب بالهواء المعتدل،ليخرج طرف الإفراط في الحرارة.و كذا لو أسبغ الماء،بحيث لو اعتدل لجفّ،لم يضر.

الرابع:لو تعذّر بقاء بلل للمسح جاز الاستئناف،

للضرورة،و نفي الحرج.و لو أمكن غمس العضو،أو إسباغ العضو المتأخر،وجب و لم يستأنف.

الخامس:لو نذر المتابعة في الوضوء وجبت،

أمّا على المشهور فظاهر لأنّها مستحبة،و أمّا على الوجوب فللتأكيد.فلو أخلّ بها و لما يجف،ففي صحة الوضوء وجهان مبنيان على اعتبار حال الفعل أو أصله.فعلى الأول لا يصح،و على الثاني يصحّ.

أمّا الكفارة،فلازمة مع تشخّص الزمان قطعا،لتحقق المخالفة.و هذا مطّرد في كل مستحب أوجب بأمر عارض.

ص: 171


1- المعتبر 1:157.
2- الكافي 3:24 ح 3،التهذيب 1:99 ح 260،101 ح 263،الاستبصار 1:74 ح 229.
3- الكافي 3:33 ح 2.
4- الفقيه 1:36 ح 134.
5- التهذيب 1:59 ح 165،الاستبصار 1:59 ح 175.
الواجب الثامن:المباشرة بنفسه،

فيبطل لو ولاّه غيره اختيارا-تفرد به الإمامية على ما نقله المرتضى في الانتصار (1)و في المعتبر:هو مذهب الأصحاب (2)-لقوله تعالى فَاغْسِلُوا (3)، وَ امْسَحُوا (4).و اسناد الفعل الى فاعله هو الحقيقة،و لتوقف اليقين بزوال الحدث عليه.

و قال ابن الجنيد:يستحب ان لا يشرك الإنسان في وضوئه غيره،بأن يوضئه أو يعينه عليه (5).و الدليل و الإجماع يدفعه.

و يجوز مع العذر تولية الغير،لأنّ المجاز يصار إليه مع تعذّر الحقيقة، فحينئذ يتولّى المكلّف النية،إذ لا يتصوّر العجز عنها مع بقاء التكليف.فلو أمكن غمس العضو في الماء لم تجز التولية،و لو أمكن في البعض تبعّض.

و لو احتاج الى أجرة وجبت،قضية لوجوب مقدمة الواجب،و لو زادت عن أجرة المثل مع القدرة،إلاّ مع الإجحاف بماله دفعا للحرج.فلو تعذّر و أمكن التيمّم وجب،و لو تعذرا فهو فاقد الطهارة.و لو قدر بعد التولية،فالأقرب:بقاء الطهارة،لأنّها مشروعة،و لم يثبت كون ذلك ناقضا،و يتخرّج وجها ذي الجبيرة و التقية هنا.

ص: 172


1- الانتصار:29.
2- المعتبر 1:162.
3- سورة المائدة:6.
4- سورة المائدة:6.
5- مختلف الشيعة:25.
البحث الثاني:في مستحباته:و
هي ستة عشر:
الأول:وضع الإناء على اليمين إن توضّأ منه،

و كان مما يغترف منه باليد.

قاله الأصحاب،لما روي:ان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يحبّ التيامن في طهوره،و تنعّله،و شأنه كلّه (1).

الثاني:الاغتراف باليمين،

لما قلناه،و لأنّ الباقر(عليه السلام)فعل ذلك لمّا وصف وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (2).

و ليدره بها الى اليسار،قاله الأصحاب (3).و في خبر زرارة عن الباقر(عليه السلام):«أنّه أخذ باليسرى فغسل اليمنى» (4).و روي أيضا عنه(عليه السلام) الأخذ باليمنى (5).

الثالث:التسمية إجماعا.

و هي ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«إذا وضعت يدك في الماء فقل:بسم اللّه و باللّه،اللّهم اجعلني من التوابين،و اجعلني من المتطهرين» (6).

و قال الصدوق:كان أمير المؤمنين(عليه السلام)إذا توضأ قال:«بسم اللّه و باللّه،و خير الأسماء و أكبر الأسماء للّه (7)و قاهر لمن في السماوات قاهر لمن في الأرض

ص: 173


1- صحيح البخاري 1:53،صحيح مسلم 1:226 ح 268،سنن ابن ماجة 1:141 ح 401،سنن النسائي 1:205.
2- الكافي 3:25 ح 4 الفقيه 1:24 ح 74.
3- راجع:المراسم:39،الوسيلة:51،المهذب 1:43،المعتبر 1:164،نهاية الإحكام 1: 53.
4- الكافي 3:24 ح 1،التهذيب 1:55 ح 157،الاستبصار 1:58 ح 171.
5- الكافي 3:24 ح 3.
6- التهذيب 1:76 ح 192 عن أبي جعفر(عليه السلام).
7- ليست في م،س.

اللّه (1).الحمد للّه الذي جعل من الماء كل شيء حي،و أحيا قلبي بالإيمان.اللّهم تب عليّ،و طهرني،و اقض لي بالحسنى،و أرني كل الذي أحب،و افتح لي الخيرات من عندك،يا سميع الدعاء» (2)،و هذا أكمل.

و لو اقتصر على(بسم اللّه)أجزأ،لإطلاق قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):

«إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله،و إذا لم تسم لم يطهر إلاّ ما أصابه الماء» (3)و عن الصادق(عليه السلام):«من ذكر اسم اللّه على وضوئه فكأنّما اغتسل» (4)و المراد:ثواب الغسل.و فيه إشارة الى عدم وجوبها و الاّ لم يطهر من جسده شيء، مع عدم دلالة آية الوضوء عليها.

و ما رووه من قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه» (5)لم يثبت عندهم،و لو سلّم حمل على نفي الكمال.و في مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):أمر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من توضّأ بإعادة وضوئه ثلاثا حتى سمّى (6)دلالة على تأكّد الاستحباب،أو يحمل على النية كما مرّ (7).

و لو نسيها في الابتداء،فالأقرب:التدارك في الأثناء،إذ لا يسقط الميسور بالمعسور،و كما في الأكل.و لو تعمّد تركها،فالأقرب انه كذلك،لما فيه من القرب الى المشروع.2.

ص: 174


1- ليست في المصدر.
2- الفقيه 1:27 ح 87.
3- سنن الدار قطني 1:74،السنن الكبرى 1:44.
4- الفقيه 1:31 ح 101،التهذيب 1:358 ح 1073،الاستبصار 1:67 ح 203.
5- مسند أحمد 2:418،سنن ابن ماجة 1:140 ح 399،سنن أبي داود 1:25 ح 101،الجامع الصحيح 1:38 ح 25،مسند أبي يعلى 11:293 ح 6409،سنن الدار قطني 1:73، المستدرك على الصحيحين 1:46.
6- التهذيب 1:358 ح 1075،الاستبصار 1:68 ح 206.
7- تقدم في ص 105 الهامش 2.

و يستحبّ الدعاء بعد التسمية بقوله:«الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا، و لم يجعله نجسا» (1)لما يأتي.و يقرأ الحمد و القدر،قاله المفيد (2).

الرابع:غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء،

مرة من النوم و البول،و من الغائط مرتين،و قد تقدّم (3).

و لا يجب،لعدم تحقق النجاسة،و لقول أحدهما(عليهما السلام):«نعم»في جواب محمد بن مسلم في الرجل يبول و لم يمسّ يده شيئا،أ يغمسها في الماء؟ (4).

و ما روى أبو هريرة من قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إذا استيقظ أحدكم من نومه،فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثا،فإنّ أحدكم لا يدري أين باتت يده» (5)لم يثبت عندنا،مع إنكار بعض الصحابة على الراوي،و قالوا:

فما نصنع بالمهراس؟ (6).و لو سلم حمل على الندب،فانّ ظاهر التعليل يدلّ عليه.

و ما رويناه عن عبد الكريم بن عتبة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):من نهيه عن إدخال يده بعد البول حتى يغسلها،و كذا بعد النوم لأنّه لا يدري حيث كانت يده (7)محمول على الكراهية توفيقا.

و لا فرق بين نوم الليل و النهار،و لا بين كون اليد مطلقة أو مشدودة،و كون النائم مسرولا أو غيره.و المعتبر مطلق النوم،فلا يشترط فيه الزيادة على نصف الليل.و اليد هنا من الزند اقتصارا على المتيقن،و لا فرق بين غمس بعضها

ص: 175


1- الكافي 3:70 ح 6،الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153.
2- انظر المقنعة:43 من دون:و يقرأ الحمد و القدر.
3- تقدم في ص 108-109.
4- الكافي 3:12 ح 4،التهذيب 1:37 ح 98،الاستبصار 1:50 ح 143.
5- تقدم في ص 109 الهامش 4.
6- السنن الكبرى 1:48. المهراس:حجر منقور يدق فيه،و يتوضأ منه.الصحاح-مادة هرس.
7- الكافي 3:11 ح 2،علل الشرائع:282،التهذيب 1:39 ح 106،الاستبصار 1:51 ح 145.

و جميعها في الكراهية.

ثمّ إن نوى للضوء عند الغسل،و إلاّ نوى له لأنه عبادة يعدّ من أفعال الوضوء.و للفاضل وجه بعدم النية،بناء على أنّ الغسل لتوهم النجاسة (1).

قلنا:لا ينافي كونه عبادة باعتبار اشتمال الوضوء عليه.

الخامس:المضمضة و الاستنشاق،

لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):

«عشر من الفطرة»و عدّهما (2).و لأنّ أبا عبد اللّه(عليه السلام)حكى وضوء أمير المؤمنين(عليه السلام)،قال:«ثم تمضمض،فقال:اللّهم لقّني حجتي يوم ألقاك،و أطلق لساني بذكرك،ثم استنشق»رواه عبد الرحمن بن كثير (3).

و عن أبي بصير عن الصادق(عليه السلام):«هما من الوضوء،فإن نسيتهما فلا تعد» (4).

و قول الصادق(عليه السلام):«المضمضة و الاستنشاق ممّا سنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)»رواه عبد اللّه بن سنان (5).

و قوله(عليه السلام)في رواية أبي بكر الحضرمي:«ليس عليك استنشاق، و لا مضمضة،إنّهما من الجوف» (6)نفي للوجوب،لدلالة لفظ«عليك».

و قول الباقر(عليه السلام)في رواية زرارة:«ليسا من الوضوء» (7)يعني من واجباته.

و روى زرارة أيضا عنه(عليه السلام):«ليس المضمضة و الاستنشاق

ص: 176


1- تذكرة الفقهاء:1:20،نهاية الإحكام 1:54.
2- صحيح مسلم 1:223 ح 261،سنن أبي داود 1:14 ح 53،سنن النسائي 8:126،السنن الكبرى 1:52.
3- الكافي 3:70 ح 6،الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153.
4- التهذيب 1:78 ح 200،الاستبصار 1:67 ح 200.
5- التهذيب 1:79 ح 203،الاستبصار 1:67 ح 202.
6- الكافي 3:24 ح 3،التهذيب 1:78 ح 201،الاستبصار 1:117 ح 395.
7- التهذيب 1:78 ح 199،الاستبصار 1:66 ح 199.

فريضة،و لا سنة،إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (1)،يحمل على نفي سنة خاصة، أي:ممّا سنّة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)حتما،فانّ ذلك قد يسمى سنة لثبوته بالسنّة و إن كان واجبا.و يمكن تأويل كلام ابن أبي عقيل:ليسا بفرض و لا سنة (2)بهذا أيضا فيرتفع الخلاف في استحبابهما.

و ما روي عن عائشة انّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«هما من الوضوء الذي لا بدّ منه» (3)طعن فيه الدار قطني بإرساله،و وهّم من وصله (4).و لو سلّم حمل على الندب.

و كيفيتهما:أن يبدأ بالمضمضة ثلاثا بثلاث أكفّ من ماء،و مع الإعواز بكف واحدة،فيدير الماء في جميع فيه ثم يمجّه،ثم يستنشق.و ليبالغ فيهما بإيصال الماء إلى أقصى الحنك،و وجهي الأسنان،و اللّثات،ممرّا إصبعيه (5)عليهما،و إزالة ما هناك (6)من الأذى،و يجذب الماء الى خياشيمه إلاّ أن يكون صائما،لما رووه عن لقيط بن صبرة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)انّه قال:«أسبغ الوضوء،و خلّل بين الأصابع،و بالغ في الاستنشاق الاّ أن تكون صائما» (7)، و روينا عن يونس:«انّ الأفضل للصائم أن لا يتمضمض» (8)و هو محمول على المبالغة.و الاستنشاق أيضا بثلاث أكفّ أو كف.

و يدعو عندهما بما رواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)4.

ص: 177


1- التهذيب 1:78 ح 202،الاستبصار 1:67 ح 201.
2- مختلف الشيعة:21.
3- سنن الدار قطني 1:84،السنن الكبرى 1:52.
4- سنن الدار قطني 1:84.
5- في س:إصبعه.
6- في س:هنا.
7- مسند أحمد 4:211،سنن ابن ماجة 1:142 ح 407،سنن أبي داود 1:36 ح 142،الجامع الصحيح 3:155 ح 788 سن النسائي 1:66،المستدرك على الصحيحين 1:148.
8- الكافي 4:107 ح 4،التهذيب 4:205 ح 593،الاستبصار 2:94 ح 304.

عن علي(عليه السلام)كما مرّ،و انه قال عند استنشاقه:«اللّهم لا تحرّم عليّ ريح الجنة،و اجعلني ممّن يشمّ ريحها و روحها و طيبها» (1)هكذا في التهذيب و من لا يحضره الفقيه.و الذي في المقنعة و المصباح«و ريحانها»بدل«و طيبها»،و أوّله«اللّهم لا تحرمني طيبات الجنان» (2).و في الكافي بسنده:«اللّهم لا تحرم علي ريح الجنة، و اجعلني ممّن يشمّ ريحها و طيبها و ريحانها» (3).و الكل حسن.

السادس:السواك.

و الظاهر أنّه مقدّم على غسل اليدين،لرواية المعلّى بن خنيس عن الصادق(عليه السلام):«الاستياك قبل أن تتوضأ» (4).و لو فعله عند المضمضة جاز،و كذا لو تداركه بعد الوضوء،لقول الصادق(عليه السلام)في ناسية قبل الوضوء:«يستاك،ثم يتمضمض ثلاثا» (5).

و استحبابه في الجملة مجمع عليه،و خصوصا عند القيام من النوم، و خصوصا لقيام صلاة الليل،لرواية أبي بكر بن سماك عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«إذا قمت بالليل فاستك،فإنّ الملك يأتيك فيضع فاه على فيك،و ليس من حرف تتلوه إلا صعد به الى السماء فليكن فوك طيّب الريح» (6).

و لنذكر أحاديث أوردها الصدوق:

فعن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«ما زال جبرئيل(عليه السلام)يوصيني بالسواك،حتى خشيت أن أحفي أو أدرد» (7)و هما رقة الأسنان و تساقطها.

و قال(صلّى اللّه عليه و آله)في وصيته لعلي(عليه السلام):«عليك بالسواك

ص: 178


1- الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153.و تقدم صدره في ص 176 الهامش 3.
2- المقنعة:4،مصباح المتهجد:7.
3- الكافي 3:70 ح 6.
4- الكافي 3:23 ح 6.
5- الكافي 3:23 ح 6.
6- الكافي 3:23 ح 7،علل الشرائع:293،و فيهما:أبي بكير بن أبي سماك.
7- الفقيه 1:32 ح 108،و في الكافي 3:23 ح 3.

عند كل وضوء صلاة» (1).

و قال(عليه السلام):«السواك شطر الصلاة» (2).

و قال(عليه السلام):«لكلّ شيء طهور،و طهور الفم السواك» (3).

و قال(صلّى اللّه عليه و آله):«لو لا أن أشقّ على أمتي،لأمرتهم بالسواك عند وضوء كلّ صلاة» (4).

قال الصدوق:و روي«أنّ الكعبة شكت الى اللّه ما تلقى من أنفاس المشركين،فأوحى اللّه تعالى إليها:قرّي كعبة،فإنّي مبدلك منهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر.فلما بعث اللّه نبيّه(صلّى اللّه عليه و آله)نزل عليه الروح الأمين (عليه السلام)بالسّواك» (5).

و قال أمير المؤمنين(عليه السلام):«إنّ أفواهكم طرق القرآن،فطهّروها بالسّواك» (6).

و قال الباقر و الصادق عليهما السلام:«صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك» (7).

و قال الصادق(عليه السلام):«في السواك اثنتا عشرة خصلة:هو من السنّة،و مطهرة للفم،و مجلاة للبصر،و يرضي الرحمن،و يبيّض الأسنان، و يذهب الحفر،و يشد اللّثة،و يشهي الطعام،و يذهب بالبلغم،و يزيد في الحفظ،و يضاعف الحسنات،و تفرح به الملائكة» (8)إلى أخبار كثيرة أوردها1.

ص: 179


1- الفقيه 1:32 ح 113.
2- الفقيه 1:32 ح 114،و فيه:«شطر الوضوء».
3- الفقيه 1:33 ح 116.
4- الفقيه 1:34 ح 123،و في الكافي 3:22 ح 1.
5- الفقيه 1:34 ح 125،و في المحاسن:558،و الكافي 4:546 ح 32.
6- الفقيه 1:32 ح 112،المقنع:8.
7- الفقيه 1:33 ح 118،و في الكافي 3:22 ح 1.
8- الفقيه 1:34 ح 126،و في المحاسن:526،الكافي 6:495 ح 6،ثواب الأعمال:34، و الخصال:481.

هو و غيره.

و روى العامة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» (1)،و أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان إذا استيقظ استاك (2).

و هنا مسائل:

الأولى:استحبابه يعمّ الصائم و المحرم، أمّا الصائم فلرواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«يستاك الصائم أيّ النهار شاء،و لا يستاك بعود رطب» (3)،و فيها دلالة على أصل السواك،و على كراهيته بالرطب للصائم، كما أفتى به ابن أبي عقيل،و الشيخ في الاستبصار (4).

و في ورائه الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):أ يستاك الصائم بالعود الرطب يجد طعمه؟قال:«لا بأس به» (5).و في رواية موسى الرازي عن الرضا(عليه السلام):«الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب»،و أشار إلى أن المضمضة إذا كانت للسنة فكذلك السواك (6).

قال في التهذيب:الكراهية لمن لم يضبط نفسه عن استرسال رطوبته،أمّا من تمكن من ذلك فلا بأس به (7).

أمّا المحرم،فلرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):أنّه سأله عن3.

ص: 180


1- مسند أحمد 6:146،سنن الدارمي 1:174،صحيح البخاري 3:40،سنن النسائي 1: 10،السنن الكبرى 1:34.
2- مسند أحمد 1:373،صحيح مسلم 1:221 ح 255،سنن أبي داود 1:15 ح 55،السنن الكبرى 1:38.
3- التهذيب 4:262 ح 785،الاستبصار 2:91 ح 292.
4- الاستبصار 1:92،مختلف الشيعة:233.
5- التهذيب 4:323 ح 993،الاستبصار 2:91 ح 291.
6- التهذيب 4:263 ح 788،الاستبصار 2:92 ح 295.
7- التهذيب 4:263.

المحرم يستاك؟قال:«نعم،و لا يدمي» (1).

الثانية:يكره في الخلاء، لما مر.و كذا في الحمّام،لأنّه يورث و باء الأسنان، قاله الصدوق (2).

الثالثة:ينبغي أن يكون عرضا، لما رواه عن الباقر(عليه السلام)أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله)قال:«اكتحلوا وترا،و استاكوا عرضا» (3).

الرابعة:يجوز الاعتياض عن السواك بالمسبّحة و الإبهام عند عدمه أو ضيق الوقت،لما رواه علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام)،في الرجل يستاك بيده إذا قام إلى الصلاة،و هو يقدر على السواك،قال:«إذا خاف الصبح فلا بأس به» (4).

و روى الكليني مرسلا:«أدنى السواك أن تدلك بإصبعك» (5).و قد أسنده في التهذيب إلى السكوني عن الصادق(عليه السلام):«أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:التسوّك بالإبهام و المسبحة عند الوضوء سواك» (6).

الخامسة: لو ضعفت الأسنان عنه بحيث يتضرّر به جاز تركه،لما روي:

ان الصادق(عليه السلام)تركه قبل أن يقبض بسنتين لضعف أسنانه (7).

السادسة: ليكن بقضبان الأشجار على الأفضل،و أفضلها الأراك،لفعل السلف.و ليكن ليّنا لئلا يقرح اللّثة،فإن كان يابسا ليّن بالماء.

و تتأدّى أصل السنة بالخرقة الخشنة و بالإصبع،كما قلناه.

السابعة: لا بأس بإمراره على سقف الفم و ظهور الأضراس،لما فيه من التنظيف.5.

ص: 181


1- التهذيب 5:313 ح 1078.
2- الفقيه 1:33،64.
3- الفقيه 1:33 ح 120.
4- قرب الاسناد 1:95،الفقيه 1:34 ح 122.
5- الكافي 3:23 ح 5.
6- التهذيب 1:357 ح 1070.
7- الفقيه 1:33 ح 121،علل الشرائع:295.

و الظاهر:عدم كراهية استياكه بسواك غيره بإذنه،للأصل.

الثامنة: أورد العامة في الصحيح عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)استحباب السّواك لدخول الإنسان بيته (1)،و لا بأس به لما فيه من الاستطابة.

التاسعة: يستحبّ تمرين الصبي عليه كالبالغ،ليألفه،و كسائر العبادات.

العاشرة: تغيّر النكهة له أسباب منها:النوم،و طول السكوت،و ترك الأكل،و أكل كريه الرائحة،و قلح (2)الأسنان،و أبخرة المعدة،و في جميعها يستحب.

و يستحب غسل السواك بعد الفراغ ليزول عنه الأذى،و أمام الاستياك ليلينّه إلاّ في الصوم،و تجفيفه بعد الغسل.

السابع:روى ابن بابويه عن الصادق(عليه السلام):«إذا توضأ الرجل

صفق وجهه بالماء،

فإنّه إن كان ناعسا استيقظ،و إن كان يجد البرد فزع فلم يجد البرد» (3)و افتى به والده في الرسالة.

و هو في التهذيب من مراسيل ابن المغيرة عنه(عليه السلام) (4)،و عارضه بخبر السكوني عنه(عليه السلام):«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):لا تضربوا وجوهكم بالماء إذا توضأتم»و جمع بينهما بحمل هذا على الأولى،و الأول على الإباحة (5).

الثامن:تخليل شعر الوجه،

حسب ما مرّ.

التاسع:تثنية الغسلات في الأعضاء الثلاثة بعد تمام الغسل

بالأولى في أظهر الأقوال-و نقل فيه ابن إدريس الإجماع (6)بناء على عدم الاعتداد بخلاف

ص: 182


1- صحيح مسلم 1:220 ح 253،سنن النسائي 1:13،السنن الكبرى 1:34.
2- القلح:صفرة الأسنان.الصحاح-مادة قلح.
3- الفقيه 1:31 ح 106،علل الشرائع:281.
4- التهذيب 1:357 ح 1071،الاستبصار 1:69 ح 207،باختلاف يسير.
5- التهذيب 1:357 ح 1072،الاستبصار 1:69 ح 208.
6- السرائر:17.

المعيّن-لما رووه عن أبي هريرة:انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)توضأ مرتين مرتين (1).و روينا عن معاوية بن وهب و صفوان و زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«الوضوء مثنى مثنى» (2).

و لا يراد به الوجوب،للامتثال بالمرة،و لما رووه عن ابن عباس:انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله)توضأ مرة مرة (3).و روينا عن عبد الكريم،عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):«ما كان وضوء علي(عليه السلام)إلاّ مرة مرة» (4).و روى يونس بن عمّار عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«مرة مرة» (5).

و قال الصدوق في المقنع،و من لا يحضره الفقيه:الوضوء مرة،و اثنتان لا يؤجر،و ثلاث بدعة.و طعن في أخبار المرتين بانقطاع السند،و بالحمل على التجديد (6).

قلت:الأخبار التي رويناها بالمرتين في التهذيب متصلة صحيحة الإسناد، فلا عبرة بانقطاع غيرها،و الحمل على التجديد خلاف الظاهر.

تنبيه:

المشهور تحريم الثالثة،لأنّها إحداث في الدين ما ليس منه و هو معنى البدعة-قال بعضهم:و لمنعها عن الموالاة الواجبة،و هو بناء على المتابعة-و لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق(عليه السلام):«الوضوء واحدة فرض،و اثنتان لا6.

ص: 183


1- سنن أبي داود 1:34 ح 136،الجامع الصحيح 1:62 ح 43،المستدرك على الصحيحين 1: 150،السنن الكبرى 1:79.
2- التهذيب 1:80 ح 208-210،الاستبصار 1:70 ح 213-215.
3- صحيح البخاري 1:51،سنن أبي داود 1:34 ح 138،الجامع الصحيح 1:60 ح 42، سنن النسائي 1:62،المستدرك على الصحيحين 1:150.
4- الكافي 3:27 ح 9،التهذيب 1:80 ح 207.
5- الكافي 3:26 ح 6،التهذيب 1:80 ح 206،الاستبصار 1:69 ح 211.
6- الفقيه 1:26،29،المقنع:4،الهداية:16.

يؤجر،و الثالثة بدعة» (1).

و قال ابن الجنيد و ابن أبي عقيل بعدم التحريم (2)لقول الصادق(عليه السلام)في رواية زرارة:«الوضوء مثنى مثنى،من زاد لم يؤجر عليه» (3).

قلنا:هو أعم من الدعوى مع معارضة الشهرة.

ثم المفيد جعل الزائد على الثلاث بدعة يؤزر فاعلها (4).

و ابن أبي عقيل:إن تعدّى المرتين لا يؤجر على ذلك (5).

و ابن الجنيد:الثالثة زيادة غير محتاج إليها (6).

و بالغ أبو الصلاح فأبطل الوضوء بالثالثة (7)و هو حسن إن مسح بمائها.

و قال الكليني-رحمه اللّه-لمّا روى:«ما كان وضوء علي(عليه السلام)إلاّ مرة مرة»:هذا دليل على أن الوضوء مرة مرة،لأنه(عليه السلام)كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة للّه تعالى أخذ بأحوطهما و أشدّهما على بدنه.و إن الذي جاء عنهم أنه قال:«الوضوء مرتان»انّه هو لمن لم يقنعه مرة فاستزاده،فقال:«مرتان» ثم قال:«و من زاد على مرتين لم يؤجر».و هو أقصى غاية الحدّ في الوضوء الذي من تجاوزه أثم و لم يكن له وضوء،و كان كمن صلّى الظهر خمسا.و لو لم يطلق(عليه السلام)في المرتين لكان سبيلهما سبيل الثلاث (8).

قلت:هذا نحو كلام ابن بابويه،و التأويل مردود بإطلاق الأحاديث.

هذا كلّه إذا لم يتّق،فلو ثلّث للتقية فلا تحريم هنا و لا كراهية قطعا،7.

ص: 184


1- التهذيب 1:81 ح 212،الاستبصار 1:71 ح 217.
2- مختلف الشيعة:22.
3- التهذيب 1:80 ح 210،الاستبصار 1:70 ح 215.
4- المقنعة:5.
5- مختلف الشيعة:22.
6- مختلف الشيعة:22.
7- الكافي في الفقه:133.
8- الكافي 3:27.

لوجوب دفع الضرر،و ما رواه داود بن زربي-بكسر الزاء ثم الراء الساكنة ثم الباء الموحدة-قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)عن الوضوء،فقال:«توضّأ ثلاثا ثلاثا»،ثم قال:«أ ليس تشهد بغداد و عساكرهم»؟قلت:بلى.قال:«فكنت يوما أتوضأ في دار المهدي،فرآني بعضهم و لا أعلم به،فقال:كذب من زعم أنّك فلاني و أنت تتوضأ هذا الوضوء!فقلت:لهذا و اللّه أمرني» (1).

العاشر:بدأة الرجل بظاهر ذراعه في الاولى،

و بالباطن في الثانية،و المرأة تعكس،لرواية محمّد بن بزيع عن الرضا(عليه السلام):«فرض على النساء في الوضوء أن يبد أن بباطن أذرعهن،و في الرجال بظاهر الذراع» (2).و حمل على التقدير و التبيين،للاتفاق على عدم وجوبه (3).

و هذه الرواية مطلقة في الغسلتين،و أكثر الأصحاب لم يفرقوا بين الأولى و الثانية بين الرجل و المرأة (4)و الفرق شيء ذكره في المبسوط (5)و تبعه:ابن زهرة (6)و الكيدري،و ابن إدريس (7)و الفاضلان (8).و باقي كتب الشيخ على الإطلاق (9)كباقي الأصحاب.

الحادي عشر:الدعاء عند كل فعل،

و قد مرّ بعضه (10)و دلّ على الباقي الرواية المشهورة عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)، قال:«بينا أمير المؤمنين ذات يوم جالسا و معه ابن الحنفية،و قال له:يا محمد ائتني

ص: 185


1- التهذيب 1:82 ح 214،الاستبصار 1:71 ح 219.
2- الكافي 3:28 ح 6،التهذيب 1:76 ح 193.
3- المعتبر 1:167.
4- راجع:المقنعة:5،المراسم:39،الوسيلة:51،المعتبر 1:167.
5- المبسوط 1:20.
6- الغنية:492.
7- السرائر:17.
8- شرائع الإسلام 1:24،تذكرة الفقهاء 1:21،نهاية الإحكام 1:57.
9- راجع:النهاية:13،الجمل و العقود:159.
10- تقدّم في 175 الهامش 1،17 الهامش 1،2،3 و غيرها في مواردها.

بإناء من ماء أتوضأ للصلاة،فأتاه فأكفاه بيده اليسرى على يده اليمنى،ثم قال:

بسم اللّه،و الحمد للّه..الى قوله:ثم غسل وجهه،فقال:اللّهم بيّض وجهي يوم تسودّ الوجوه،و لا تسوّد وجهي يوم تبيضّ الوجوه.

ثم غسل يده اليمنى،فقال:اللّهم أعطني كتابي بيميني،و الخلد في الجنان بيساري،و حاسبني حسابا يسيرا.ثم غسل يده اليسرى فقال:اللّهم لا تعطني كتابي بشمالي،و لا تجعلها مغلولة إلى عنقي،و أعوذ بك من مقطّعات النيران.

ثم مسح رأسه،فقال:اللّهم غشّني رحمتك و بركاتك.ثم مسح رجليه، فقال:اللّهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام،و اجعل سعيي فيما يرضيك عني.

ثم رفع رأسه فنظر الى محمّد،فقال:يا محمد من توضّأ مثل وضوئي،و قال مثل قولي،خلق اللّه من كل قطرة ملكا يقدّسه و يسبّحه،و يكبّره،فيكتب اللّه له ثواب ذلك الى يوم القيامة» (1).و الرواية و إن كان قد ضعّف،إلا أنّ الشهرة و عمل الأصحاب يؤيدها.

و زاد المفيد في دعاء الرجلين:يا ذا الجلال و الإكرام (2).

و إذا فرغ المتوضي يستحبّ له أن يقول:«الحمد للّه ربّ العالمين»،لما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) (3).و زاد المفيد:اللّهم اجعلني من التوّابين، و اجعلني من المتطهّرين (4).

و قال ابن بابويه:زكاة الوضوء أن يقول:اللّهم إنّي أسألك تمام الوضوء، و تمام الصلاة،و تمام رضوانك،و الجنة (5).2.

ص: 186


1- الكافي 3:70 ح 6،الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153.
2- المقنعة:5.
3- التهذيب 1:76 ح 192 عن أبي جعفر(عليه السلام).
4- المقنعة:5.
5- الفقيه 1:32.
الثاني عشر:فتح العينين عند الوضوء،

قاله ابن بابويه راويا أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«افتحوا عيونكم عند الوضوء،لعلّها لا ترى نار جهنم» (1).

و لا ينافيه حكم الشيخ في الخلاف بنفي استحباب إيصال الماء الى داخل العينين محتجّا بالإجماع (2)و كذا في المبسوط (3)لعدم التلازم بين الفتح و بينه.

الثالث عشر:الوضوء بمدّ

لرواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):

«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يتوضّأ بمدّ،و يغتسل بصاع.و المدّ:رطل و نصف،و الصاع ستة أرطال» (4)يعني بالمدني.

و قال ابن بابويه:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«للوضوء مدّ، و للغسل صاع.و سيأتي أقوام يستقلّون ذلك،فأولئك على خلاف سنتي،و الثابت على سنتي معي في حظيرة القدس» (5).

و روى حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«إنّ للّه ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه» (6).

و قدّر ابن بابويه المدّ-في سياق كلام الكاظم(عليه السلام)-بوزن مائتين و ثمانين درهما،و الدرهم ستة دوانيق،و الدانق وزن ست حبّات،و الحبّة وزن حبتين من أوسط حب الشعير،قال:و صاع النبي(صلّى اللّه عليه و آله)خمسة أمداد (7).و لم أر له موافقا على ذلك مع حكمه في باب الزكاة بأن الصاع أربعة

ص: 187


1- الفقيه 1:31 ح 104،علل الشرائع:280،ثواب الأعمال:33.
2- الخلاف 1:85 المسألة 35.
3- المبسوط 1:20.
4- التهذيب 1:136 ح 378،الاستبصار 1:121 ح 409.
5- الفقيه 1:23 ح 70.
6- الكافي 3:22 ح 9.
7- الفقيه 1:23.

أمداد،و المدّ وزن مائتين و اثنتين و تسعين درهما و نصف (1)كما قاله الأصحاب (2).

و الشيخ روى الأول بسند يأتي،و لم يتعرض له بحكم (3).

فرع:

هذا المدّ لا يكاد يبلغه الوضوء،فيمكن أن يدخل فيه ماء الاستنجاء،لما تضمنه رواية ابن كثير عن أمير المؤمنين(عليه السلام)حيث قال«أتوضأ للصلاة»ثم ذكر الاستنجاء (4)و لما يأتي في حديث الحذّاء أنّه وضّأ الباقر(عليه السلام) (5).

و المفيد رحمه اللّه قال-في الأركان-باستحباب المدّ و الصاع و أنّه إسباغ، ثم قال في موضع آخر:من توضأ بثلاث أكف مقدارها مدّ أسبغ،و من توضأ بكف أجزأه،و هو بعيد الفرض.

و يجزئ مسمّى الغسل،لرواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)في الوضوء:«إذا مسّ الماء جلدك فحسبك» (6).

و عن محمد بن مسلم عنه(عليه السلام)«يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده،و الماء أوسع من ذلك» (7).

و رويا (8)عنه(عليه السلام):«إنّما الوضوء حدّ من حدود اللّه،ليعلم اللّها.

ص: 188


1- المقنع:48،الهداية:41.
2- راجع:النهاية:191،الغنية:505،السرائر:109،المعتبر 2:533.
3- التهذيب 1:135 ح 374،الاستبصار 1:121 ح 410.و سيأتي في ص 633 الهامش 3.
4- الكافي 3:70 ح 6،الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153،عن عبد الرحمن بن عثير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)عن أمير المؤمنين(عليه السلام)،كما مر،راجع: ص 185 الهامش 10.
5- سيأتي في ص 190 الهامش 6.
6- الكافي 3:22 ح 7،التهذيب 1:137 ح 381،الاستبصار 1:123 ح 417.
7- الكافي 3:24 ح 3.
8- في س،ط:و روينا.

من يطيعه و من يعصيه،و إن المؤمن لا ينجّسه شيء،إنّما يكفيه مثل الدهن» (1).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام):«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يغتسل بخمسة أمداد بينه و بين صاحبته،و يغتسلان جميعا من إناء واحد» (2).

الرابع عشر:ترك التمندل،

لما رواه الكليني عن إبراهيم بن محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«من توضّأ فتمندل كانت له حسنة،و إن توضّأ و لم يتمندل حتى يجفّ و ضوؤه كانت له ثلاثون حسنة» (3).

و لا ينافيه:ما رواه محمد بن مسلم عنه(عليه السلام)في المسح بالمنديل قبل أن يجفّ،قال:«لا بأس» (4).

و رواية أبي بكر الحضرمي عنه(عليه السلام):«لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب» (5).

و رواية إسماعيل بن الفضل،قال:رأيت أبا عبد اللّه(عليه السلام)توضأ للصلاة ثم مسح وجهه بأسفل قميصه،ثم قال:«يا إسماعيل افعل هكذا فإني هكذا أفعل» (6).

لأنّ نفي البأس أعم من نفي التحريم أو الكراهية،فيحمل على نفي التحريم.و فعل الامام و أمره جاز أن يكون لعارض.و قول الترمذي:لم يصح في هذا الباب شيء (7)شهادة على النفي.

و ظاهر المرتضى-في شرح الرسالة-عدم كراهية التمندل،و هو أحد قولي

ص: 189


1- الكافي 3:21 ح 2،علل الشرائع:279،التهذيب 1:138 ح 387.
2- الكافي 3:22 ح 5،التهذيب 1:137 ح 382،الاستبصار 1:122 ح 412.
3- المحاسن:429،الكافي 3:70 ح 4،الفقيه 1:31 ح 105،ثواب الأعمال:32.
4- التهذيب 1:364 ح 1101.
5- التهذيب 1:364 ح 1102.
6- التهذيب 1:357 ح 1069.
7- الجامع الصحيح 1:74.

الشيخ-رحمهما اللّه تعالى- (1).

الخامس عشر:ترك الاستعانة،

لما روي أنّ عليا(عليه السلام)كان لا يدعهم يصبون الماء عليه،يقول:«لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا» (2).

و روى الحسن بن علي الوشّاء انه أراد الصبّ على الرضا(عليه السلام)، فقال:«مه يا حسن»فقلت له:أ تكره أن اؤجر؟قال:«تؤجر أنت و أوزر أنا»و تلا قوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ،و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة-و هي العبادة-فأكره أن يشركني فيها أحد» (3).

و الطريق و إن كان فيها إبراهيم الأحمر إلاّ أن العمل على القبول،و عدّه الكليني في النوادر (4).

فإن قلت:قد روى في التهذيب بطريق صحيح عن أبي عبيدة الحذّاء، قال:وضّأت أبا جعفر(عليه السلام)بجمع،و قد بال فناولته ماء فاستنجى،ثم صببت عليه كفّا فغسل وجهه،و كفّا غسل به ذراعه الأيمن،و كفّا غسل ذراعه الأيسر،ثم مسح بفضل الندى رأسه و رجليه (5).

قلت:يحمل على الضرورة،و قد يترك الإمام الأولى لبيان جوازه.

السادس عشر:يكره الوضوء في المسجد لمن بال أو تغوّط،

لرواية رفاعة قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)عن الوضوء في المسجد؟فكرهه من البول و الغائط (6).

و لا ينافيه رواية بكير بن أعين عن أحدهما(عليهما السلام):«إن كان

ص: 190


1- المبسوط 1:23،الخلاف 1:9 المسألة 44.
2- الفقيه 1:27 ح 85،علل الشرائع:278،التهذيب 1:354 ح 1057.
3- التهذيب 1:365 ح 1107. و الآية في سورة الكهف:110.
4- الكافي 3:69 ح 1.
5- التهذيب 1:58 ح 162،79 ح 204،الاستبصار 1:58 ح 172،69 ح 209.
6- الكافي 3:369 ح 9،التهذيب 3:257 ح 719.

الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد» (1)بحمله على غيرهما.

مسائل سبع:

الأولى: لو كان الإناء لا يغترف منه وضع على اليسار للصبّ في اليمين.

و لو استعان لضرورة أو مطلقا،فالظاهر:كون المعون على اليمين،كالإناء المغترف منه.

الثانية:تقديم المضمضة على الاستنشاق مستحبّ. و في المبسوط:لا يجوز العكس (2).

و المأخذ أنّ تغيير هيئة المستحب هل توصف بالحرمة لما فيه من تغيير الشرع، أو بترك المستحبّ تبعا لأصلها؟هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير،أمّا معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة،أمّا الفعل فالظاهر لا.و تظهر الفائدة في التأثيم،و نقص الثواب،و إيقاع النية.

و كذا لو فعل الغسلات المسنونة على غير هيئة الغسلات الواجبة،فإنّه خالف المستحب.

و لو اعتقد وجوب الغسلة الثانية مع الإسباغ بالأولى،فإنّه يخطئ،و في تحريم الفعل الوجهان،و يتفرّع المسح بماء هذه الغسلات.

الثالثة:يجوز التثنية في بعض الأعضاء دون بعض، لاستحباب أصلها.

و لو قلّ الماء استأثر الوجه،ثم اليمنى.و لو لم يمكن الجمع بين استعمال الماء في المقدمات و استعماله في الغسلات،ففي تقديم أيّهما وجهان،مأخذهما:

اختصاص المقدمات بالأولية المقتضية للأهمية و ابلغية النظافة بها،و أن المقصود بالذات أولى من الوسيلة إليه.

الرابعة:لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل، لأنّه المتيقن.0.

ص: 191


1- التهذيب 1:353 ح 1049.
2- المبسوط 1:20.

و في الغسلات المقارنة وجهان:من التعرّض للثالثة،و قضية الأصل،و هو أقوى.

الخامسة:لا يستحب التكرار في المسح، لأنه مبني على التخفيف،و لأنه يخرج عن مسمّاه،و لأنّ عليا لما وصف وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)، قال:«و مسح رأسه مرة واحدة» (1)،و كذا رواه الباقر و الصادق(عليهما السلام) (2).

و الظاهر:أنّه ليس بحرام،للأصل.نعم،يكره ذلك لأنّه تكلّف ما لا حاجة إليه.و لو اعتقد المكلّف شرعيته أثم،و الوضوء صحيح،لخروجه عنه.

و ظاهر الشيخين-في المقنعة،و المبسوط،و الخلاف-:التحريم (3).و في السرائر:من كرّر المسح أبدع،و لا يبطل وضوؤه بغير خلاف (4).و عدّه ابن حمزة من التروك المحرمة (5).و يمكن حمل كلامهم على المعتقد شرعيته.

السادسة: ذكر ابن الجنيد في كيفية غسل الوجه:أن يضع الماء من يمينه على وسط الجبهة،بحيث يعلم انّ الماء قد ماس القصاص،و تكون راحته مبسوطة الأصابع،حتى تأخذ الراحة جبهته و يجرى الماء من العضو الأعلى إلى الذي يليه، و الراحة تتبع جريان الماء على الوجه إلى أن يلتقي الإبهام و السبابة أسفل الذقن، و تمرّ اليد قابضة عليه أو على اللحية إلى أطرافها.

و في غسل اليدين:أن يملأ يده اليمنى ماء،ثم يضعه في اليسرى-و قد رفع مرفقة الأيمن،و حدر ذراعه و كفّه،و بسط أصابعها و فرّقها-فيضع الماء من كفّه اليسرى على أعلى مرفقه الأيمن ليستوعب الغسل المرفق،ثم يسكب الماء بها ينقله بيساره،و قد قبض بها على مرفقه الأيمن من المرفق إلى أطراف أصابعه تبعا للماء،حتى يعلم أنه لم يبق من ظاهرها و باطنها ممّا يلي الأرض شيء إلاّ و قد جرى1.

ص: 192


1- مسند أحمد 1:125،سنن ابن ماجة 1:150 ح 436،سنن أبي داود 1:28 ح 115،سنن الدار قطني 1:90.
2- راجع:الكافي 3:25 ح 1-5،485 ح 1،التهذيب 1:81 ح 210.
3- المقنعة:5،المبسوط 1:23،الخلاف 1:79 المسألة 27.
4- السرائر:16.
5- الوسيلة:51.

عليه الماء.و يكون ظاهر اليسرى مما يلي السماء من ذراعه اليمنى،ثم يرفع يده اليسرى من آخر يده اليمنى بعد مرورها على أصابع كفّه اليمنى إلى أعلى مرفقه الأيمن،فليقم بطن راحته اليسرى و ظهرها مما يلي بطن ذراعه اليمنى حتى يسكب الماء إلى أطراف أصابعه اليمنى.و لو أخذ لظهر ذراعه غرفة و لبطنها أخرى كان أحوط.ثم ذكر غسل اليسرى كذلك.

و قال في مسح رجليه:يبسط كفه اليمنى على قدمه الأيمن،و يجذبها من أصابع رجله الى الكعب،ثم يردّ يده من الكعب إلى أطراف أصابعه،فمهما أصابه المسح من ذلك أجزأه و إن لم يقع على جميعه.ثم يفعل ذلك بيده اليسرى على رجله اليسرى.

و هذه الهيئات لم يذكرها الأصحاب،و لكنها حسنة إلاّ المسح،فإن فيه تكرارا نفاه الأصحاب.

السابعة: قال أيضا:لو بقي موضع لم يبتل،فإن كان دون الدرهم بلّها و صلّى،و إن كانت أوسع أعاد على العضو و ما بعده،و إن جف ما قبله استأنف.

و ذكر أنّه حديث أبي أمامة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،و زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)،و ابن منصور عن زيد بن علي(عليه السلام) (1).

و لم يعتبر الأصحاب ذلك،بل قضية كلامهم غسله و غسل ما بعده مطلقا، و إن جف البلل فالاستئناف مطلقا،لوجوب الترتيب بين غسل الأعضاء، و الأخبار لم تثبت عندهم.

و في المختلف:ان أوجبنا الابتداء من موضع بعينه،وجب غسل العضو من الموضع المتروك الى آخره،و ان لم نوجب اكتفي بغسله (2)،و هو إشارة إلى الخلاف في كيفية غسل الوجه و اليدين.

و لك أن تقول:هب أنّ الابتداء واجب من موضع بعينه،و لا يلزم غسله7.

ص: 193


1- مختلف الشيعة:27.
2- مختلف الشيعة:27.

و غسل ما بعده إذا كان قد حصل الابتداء،للزوم ترتب أجزاء العضو في الغسل، فلا يغسل لا حقا قبل سابقه.و فيه عسر منفي بالآية.

و قال ابن بابويه:سئل أبو الحسن موسى(عليه السلام)عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء،فقال:«يجزئه أن يبلّه من بعض جسده» (1).فإن أريد به بلّه ثم الإتيان بالباقي فلا بحث،و إن أريد الاقتصار عليه أشبه قول ابن الجنيد.

الثامنة: لم أقف على نص للأصحاب في استحباب الاستقبال بالوضوء، و لا في كراهية الكلام بغير الدعاء في أثنائه.و لو أخذ الأول من قولهم(عليهم السلام):«أفضل المجالس ما استقبل به القبلة» (2)،و الثاني من منافاته الدعوات و الأذكار،أمكن.

و كذا لم يذكروا كراهة نفض المتوضئ يده،و قد كرهه العامة،لما رووه عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم،فإنها مراوح الشيطان» (3).

و كذا أهملوا استحباب الجلوس في مكان لا يرجع رشاش الماء إليه، و الظاهر:أنّ هذا بناء منهم على تأثير الاستعمال،و هو ساقط عندنا.نعم،لو كانت الأرض نجسة وجب،و إن كانت مظنة النجاسة استحبّ.

و أمّا إمرار اليد على الأعضاء،فواجب في المسح،و الأصحّ استحبابه في الغسل،تأسّيا بما فعله صاحب الشرع و أهل بيته صلّى اللّه عليهم أجمعين.9.

ص: 194


1- الفقيه 1:36 ح 133،عيون أخبار الرضا 2:22.
2- الغايات:87،الكامل لابن عدي 2:785،مجمع الزوائد 8:59 عن الطبراني.
3- علل الحديث للرازي 1:36،الفردوس بمأثور الخطاب:1:265 ح 1029.
البحث الثالث:في أحكام الوضوء.و
فيه مسائل:
المسألة الأولى:يستباح بالوضوء ما شاء المكلف من غاياته ما لم يحدث.

نعم، يستحب تجديده بحسب الصلوات،فرضا كانت أو نفلا،لما روي من فعل النبي (صلّى اللّه عليه و آله) (1).

و روي:«الوضوء على الوضوء نور على نور» (2).

و روي:«من جدّد وضوء من غير حدث،جدّد اللّه توبته من غير استغفار» (3).

و عن سعدان،عن بعض أصحابه،عن الصادق(عليه السلام):«الطهر على الطهر عشر حسنات» (4).

و عن سماعة قال:كنت عند أبي الحسن(عليه السلام)،فحضرت المغرب،فدعا بوضوء فتوضّأ،ثم قال لي:«توضّأ».فقلت:أنا على وضوء.

فقال:«و إن كنت على وضوء،إنّ من توضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلاّ الكبائر،و من توضّأ للصبح كان و ضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلاّ الكبائر» (5).

فروع:

الأول:هل يستحب تجديده لمن لم يصلّ بالأول؟ يمكن ذلك،للعموم.

ص: 195


1- الفقيه 1:25 ح 80.
2- الفقيه 1:26 ح 82.
3- الفقيه 1:26 ح 82،ثواب الأعمال:33.
4- الكافي 3:72 ح 10.
5- الكافي 3:72 ح 9.

و العدم،لعدم نقل مثله.و قطع في التذكرة بالأول (1).

الثاني:هل يستحب تجديده لصلاة واحدة أكثر من مرة؟ الظاهر:لا، للأصل من عدم الشرعية،و لأدائه إلى الكثرة المفرطة.و ربما فهم عدم تجديده لذلك من كلام ابن بابويه (2).و توقّف في المختلف،لعدم النص إثباتا و نفيا (3).

الثالث: الأقرب:انّه لا يستحب تجديده لسجود التلاوة و الشكر،و لما الوضوء شرط في كماله،للأصل.و في الطواف احتمال،للحكم بمساواته الصلاة.

المسألة الثانية:في الجبائر.
اشارة

و فيها نكت:

الأولى:الجبيرة إن أمكن نزعها أو إيصال الماء إلى البشرة وجب،

تحصيلا لمسمّى الغسل و المسح.و إن تعذّرا مسح عليها و لو في موضع الغسل،سواء وضعها على طهر أو لا،قاله في المبسوط (4)قال في المعتبر:و هو مذهب الأصحاب (5).

قلت:فيه تنبيه على قول بعض الشافعية بوجوب إعادة الصلاة لو وضعها على غير طهر (6)بل قال بعضهم بوجوب الإعادة مطلقا (7).

أمّا عدم المسح عليها و الحالة هذه فلا قائل به،قال في التذكرة:و لا نعلم فيه مخالفا،لأنّ العامة رووا أن عليا(عليه السلام)قال:«انكسر إحدى زنديّ،

ص: 196


1- تذكرة الفقهاء 1:20.
2- الفقيه 1:26.
3- مختلف الشيعة:27.
4- المبسوط 1:23.
5- المعتبر 1:161.
6- المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 1:44،المجموع 2:329.
7- قاله البغوي،لاحظ:المجموع 2:329.

فسألت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فأمرني أن أمسح على الجبائر» (1).

و الزند:عظم الذراع،و تأنيثه بتأويل الذراع.

و روينا عن كليب الأسدي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الكسير:«إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره،و ليصلّ» (2)،و لأن التكليف بنزعها حرج و عسر،كما أشار الصادق(عليه السلام)إليه فيما يأتي.

الثانية:في حكم الكسر القرح و الجرح،

لرواية الحلبي عنه(عليه السلام):

في الرجل يكون به القرحة فيعصبها بخرقة،أ يمسح عليها إذا توضأ؟فقال:«إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة،و إن كان لا يؤذيه نزع الخرقة ثم ليغسلها» (3).

الثالثة:لو لم يكن على الجرح خرقة غسل ما حوله،

لما في هذه الرواية:

و سألته عن الجرح،كيف يصنع به في غسله؟قال:«اغسل ما حوله» (4)،و مثله في الجرح رواية عبد اللّه بن سنان،عنه(عليه السلام) (5).

و لا فرق بين الخرقة و غيرها مما يتعذّر نزعه،و لا بين مواضع الغسل و المسح، لرواية عبد الأعلى،قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):عثرت فانقطع ظفري،فجعلت على إصبعي مرارة،فكيف أصنع بالوضوء؟قال:«يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّه عزّ و جلّ،قال اللّه تعالى وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ،امسح عليه» (6).

قلت:قد نبّه(عليه السلام)على جواز استنباط الأحكام الشرعية من

ص: 197


1- تذكرة الفقهاء 1:20. و رواية الامام علي(عليه السلام)في المصنف لعبد الرزاق 1:161 ح 623،سنن ابن ماجة 1: 215 ح 657،سنن الدار قطني 1:226،السنن الكبرى 1:228.
2- التهذيب 1:363 ح 1100.
3- الكافي 3:33 ح 3،التهذيب 1:362 ح 1095،الاستبصار 1:77 ح 239.
4- الكافي 3:33 ح 3،التهذيب 1:362 ح 1095،الاستبصار 1:77 ح 239.
5- الكافي 3:32 ح 2،التهذيب 1:363 ح 1096.
6- الكافي 3:33 ح 4،التهذيب 1:363 ح 1097،الاستبصار 1:77 ح 240. و الآية في سورة الحج:22.

أدلتها التفصيلية.

و أما رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم(عليه السلام)في الكسير عليه الجبائر،كيف يصنع بالوضوء و غسل الجنابة و غسل الجمعة؟قال:«يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ليس عليه الجبائر،و يدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطاع غسله،و لا ينزع الجبائر،و لا يعبث بجراحته (1)فلا تنافي أخبار المسح عليها، بحمل قوله:«و يدع ما سوى ذلك»على أنّه يدع غسله،و لا يلزم منه ترك مسحه، فيحمل المطلق على المقيّد.

الرابعة:حكم الطلاء الحائل حكم الجبيرة أيضا،

لرواية الوشّاء عن أبي الحسن(عليه السلام)في الدواء إذا كان على يدي الرجل،أ يمسح على طلي الدواء؟فقال:«نعم» (2)و هو محمول على عدم إمكان إزالته.

و لو طلى رأسه بالحنّاء،ففي رواية محمّد بن مسلم:يجوز المسح على الحنّاء (3)و هو في الحمل كالأوّل.

الخامسة:لو عمّت الجبائر أو الدواء الأعضاء مسح على الجميع،

و لو تضرّر بالمسح تيمّم.و لا ينسحب على خائف البرد فيؤمر بوضع حائل،بل يتيمّم،لأنّه عذر نادر و زواله سريع.

السادسة:لو كانت الخرقة نجسة،و لم يمكن تطهيرها،

فالأقرب:وضع طاهر عليها،تحصيلا للمسح.و يمكن إجراؤها مجرى الجرح في غسل ما حولها.

و قطع الفاضل بالأول (4).

السابعة:ما قارب الجبيرة ممّا لا يمكن إيصال الماء إليه بحكمها،

و كذا لو احتاج الى استيعاب عضو صحيح فحكمه حكم الكسير.

ص: 198


1- التهذيب 1:362 ح 1094،الاستبصار 1:77 ح 238،و في الكافي 3:32 ح 1 عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام).
2- التهذيب 1:363 ح 1098.
3- التهذيب 1:359 ح 1081،الاستبصار 1:75 ح 233.
4- تذكرة الفقهاء 1:21.

و لو وضع على غير محل الحاجة وجب نزعه،فإن تعذّر مسح عليه.و في الإعادة نظر،من تفريطه،و امتثاله.و قوّى في التذكرة الأوّل (1)،و لا إشكال عندنا في عدم إعادة ما صلاّه بالجبائر في غير هذا الموضع.

الثامنة:لو كانت الجبيرة على مواضع التيمم و احتيج إليه،

فكالوضوء و الغسل.و لا يجب مع التيمم مسحها بالماء،كما لا يجب على (2)ماسح الجبيرة في الطهارة المائية التيمم،لأنّ البدل لا يجامع المبدل.

و ما رووه عن جابر أن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال في المشجوج لما اغتسل من احتلامه فمات لدخول الماء شجّته:«إنّما كان يكفيه أن يتيمّم،و يعصب على رأسه خرقة،ثمّ يمسح عليها،و يغسل سائر جسده» (3)يحمل على القصد إلى ذلك،أو على إنابة الواو مناب أو،و يكون في معنى لزوم أحد الأمرين على الترتيب.

التاسعة:قطع الفاضلان بوجوب استيعاب الجبيرة بالمسح،

عملا بظاهر «عليها» (4)و لأنّها بدل مما يجب ايعابه (5).

و يشكل:بصدق المسح عليها بالمسح على جزء منها،كصدق المسح على الرجلين و الخفين عند الضرورة.و يفرّق بينهما بوجوب استيعاب الأصل في الجبيرة بخلاف المسحين المذكورين.

و في المبسوط:الأحوط استغراق الجميع (6)،و هو حسن.نعم،لا يجب جريان الماء عليها لأنّه لم يتعبّد بغسلها إذا كان الماء لا يصل إلى أصلها،(أو يصل) (7)بغير غسلها.

ص: 199


1- تذكرة الفقهاء 1:21.
2- في س:غسل.
3- سنن أبي داود 1:93 ح 336،سنن الدار قطني 1:189،السنن الكبرى 1:228.
4- إشارة الى الحديث المتقدم.
5- المعتبر 1:409،تذكرة الفقهاء 1:21.
6- المبسوط 1:23.
7- ليست في س.
العاشرة:لا فرق بين كون أصلها طاهرا،

أو نجسا مع تعذّر تطهيره، للعموم.و لا يتقدّر المسح عليها بغير مدة التعذّر،لأنه المقتضي للمسح،فيدور معه وجودا و عدما.و الحمل على الخف (1)وهم في وهم.

الحادية عشرة:لو لم يكن على محل الكسر جبيرة،

و تضرّر بإيصال الماء إليه، فكالجرح في غسل ما حوله.و ليتلطّف بوضع خرقة مبلولة حوله،لئلاّ يسري إليه الماء فيستضرّ أو ينجس.و لو احتاج إلى معين وجب و لو بأجرة ممكنة.

و لو لصق بالجرح خرقة و قطنة و نحوهما،و أمكن النزع و إيصال الماء حال الطهارة،وجب-كما في الجبيرة-و إلاّ مسح عليه.و لو استفاد بالنزع غسل بعض الصحيح،فالأقرب:الوجوب،لأنّ«الميسور لا يسقط بالمعسور» (2)،هذا مع عدم الضرر بنزعه.

الثانية عشرة:لو أمكن المسح على محل (3)الجرح المجرّد بغير خوف تلف،

الثانية عشرة:لو أمكن المسح على محل(3) الجرح المجرّد بغير خوف تلف،و لا زيادة فيه،ففي وجوب المسح عليه احتمال،مال إليه في المعتبر (4)،و تبعه في التذكرة،تحصيلا لشبه الغسل عند تعذّر حقيقته (5)،و كأنّه يحمل الرواية:«يغسل ما حوله»على ما إذا خاف ضررا بمسحه،مع أنّه ليس فيها نفي لمسحه،فيجوز استفادته من دليل آخر.

فإن قلنا به و تعذّر،ففي وجوب وضع لصوق و المسح عليه احتمال أيضا، لأن المسح بدل عن الغسل،فينسب إليه بقدر الإمكان.

و إن قلنا:بعدم المسح على الجرح مع إمكانه،أمكن وجوب هذا الوضع، ليحاذي الجبيرة و ما عليه لصوق ابتداء،و الرواية مسلّطة على فهم عدم الوجوب.

ص: 200


1- راجع:المجموع 2:330.
2- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.
3- ليست في س.
4- المعتبر 1:408.
5- تذكرة الفقهاء 1:21.

أمّا الجواز،فإن لم يستلزم ستر شيء من الصحيح فلا إشكال فيه.و إن استلزم أمكن المنع لأنّه ترك للغسل الواجب،و الجواز عملا بتكميل الطهارة بالمسح.

الثالثة عشرة:لو زال العذر،

قطع الشيخ بوجوب إعادة الطهارة (1)لأنها طهارة ضرورية فتتقدّر بقدرها،و لأن الفرض متعلق بالبشرة و لمّا تغسل.و قضية الأصل عدمه،للامتثال المخرج عن العهدة،و الحمل على التيمّم قياس باطل، و لعدم ذكره في الروايات مع عموم البلوى به.

فعلى قوله،لو توهم البرء فكشف فظهر عدمه،أمكن إعادة الطهارة، لظهور ما يجب غسله.و وجه العدم:ظهور بطلان ظنه.

المسألة الثالثة:السلس يجدّد الوضوء بحسب الصلوات في الأقرب،

لأن الأصل في الحدث الطارئ بعد الطهارة إيجابها،فعفي عنه في قدر الضرورة و هو الصلاة الواحدة،و لاقتضاء القيام إلى الصلاة الطهارة لكلّ محدث،عملا بالآية و هذا محدث.

و جوّز في المبسوط ان يصلي بوضوء واحد صلوات كثيرة،لأنه لا دليل على تجديد الوضوء عليه،و حمله على الاستحاضة قياس لا نقول به.ثم ذكر وجوب التحفّظ بقدر الإمكان (2)،كما مر.فكأنه لا يجعل البول حدثا و يحصر الحدث في غيره.

و في الخلاف جعله كالمستحاضة في وجوب التجديد،ثم ذكر الإجماع (3)، و الظاهر أنّه على المستحاضة لا غير.

و كلامه في المبسوط يشعر بانتفاء النص فيه،مع انّ ابن بابويه و الشيخ رويا عن حريز،عن الصادق(عليه السلام)،في الرجل يقطر منه البول و الدم:«إذا

ص: 201


1- المبسوط 1:23.
2- المبسوط 1:68.
3- الخلاف 1:249 المسألة 221.

كان حين الصلاة اتخذ كيسا و جعل فيه قطنا،ثمّ علّقه عليه و أدخل ذكره فيه،ثمّ صلّى يجمع بين الصلاتين الظهر و العصر-يؤخّر الظهر و يعجل العصر-بأذان و إقامتين،و يؤخّر المغرب و يعجّل العشاء بأذان و إقامتين،و يفعل ذلك في الصبح» (1).

قلت:كأنّه لا يرى فيه دلالة على المطلوب،إذ لا ينفي جواز الزيادة على الصلاتين،و لا ينافي تخلل الوضوء للثانية.

و الفاضل استشعر ذلك،فذهب في المنتهى الى جواز الجمع المذكور لا غيره (2).مع ان في التهذيب بالإسناد إلى سماعة:سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه إمّا دم أو غيره،قال:«فليضع خريطة،و ليتوضّأ،و ليصل،فإنّما ذلك بلاء ابتلي به،فلا يعيدن إلاّ من الحدث الذي يتوضّأ منه» (3)و هو يشعر بفتوى المبسوط (4).

المسألة الرابعة:الظاهر:ان المبطون يجدّد أيضا لكلّ صلاة،

لمثل ما قلناه.و لم أرهم صرّحوا به،إلاّ ان فتواهم بالوضوء للحدث الطارئ في أثناء الصلاة يشعر به.

و قد رواه محمد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام):«صاحب البطن الغالب يتوضّأ،و يبني على صلاته» (5)،و عبارة رواية التهذيب:«يتوضّأ،ثم يرجع في صلاته فيتمّم ما بقي» (6).

و في رواية الفضيل بن يسار-بالياء المثناة تحت،و السين المهملة المخففة- قلت للباقر(عليه السلام):أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو ضربانا،

ص: 202


1- الفقيه 1:38 ح 146،التهذيب 1:348 ح 1021.
2- منتهى المطلب 1:73.
3- التهذيب 1:349 ح 1027.
4- في ط:الأصحاب.
5- الفقيه 1:237 ح 1043.
6- التهذيب 1:350 ح 1036.

فقال:«انصرف،ثم توضّأ،و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا»،و لم يبطلها باستدبار القبلة (1).

و روايات بناء المحدث في أثناء الصلاة بالتيمّم يشعر به أيضا (2).

و في المختلف ألغى الرواية مع صحتها،و أوجب استئناف الطهارة و الصلاة مع إمكان التحفظ بقدر زمانهما،و إلاّ بنى بغير طهارة كالسلس،محتجّا بأنّ الحدث لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة،لانتفاء شرط الصحة،أعني:استمرار الطهارة (3).و هو مصادرة،و تشبيهه بالسلس ينفي ما أثبته من وجوب (4)إعادة الصلاة للمتمكن،إلاّ أن يرتكب مثله في السلس،فالأولى:العمل بموجب الرواية،و فتوى الجماعة.

فرع: هل ينسحب مضمون الرواية في السلس؟يمكن ذلك،لاستوائهما في الموجب،و إشارة الروايات إلى البناء بالحدث مطلقا.و الوجه:العدم،لأن أحاديث التحفّظ بالكيس و القطن مشعرة باستمرار الحدث،و أنّه لا مبالاة به.

و الظاهر:أنه لو كان في السلس فترات،و في البطن تواتر،أمكن نقل حكم كل منهما إلى الآخر.

المسألة الخامسة:لو شك في الوضوء و هو على حاله،

تلافى المشكوك فيه مراعيا للترتيب و الولاء،لأصالة عدم فعله،و لرواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):

«إذا كنت قاعدا على وضوئك،فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا،فأعد عليها و على جميع ما شككت فيه.فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه،و صرت الى حالة أخرى في الصلاة أو غيرها،و شككت في شيء ممّا سمى اللّه عليك وضوءه،فلا شيء

ص: 203


1- الفقيه 1:240 ح 1060،التهذيب 2:332 ح 1370.
2- الفقيه 1:58 ح 214،التهذيب 1:204 ح 594،الاستبصار 1:167 ح 580.
3- مختلف الشيعة:28.
4- في س:جواز.

عليك فيه» (1).

و هذه كما تدل على المطلوب تدل على عدم اعتبار الشك بعد الانصراف، و ذكر القعود و القيام يبيّن الحال.نعم،لو طال القعود فالظاهر التحاقه بالقيام، لمفهوم قوله:«و فرغت منه و صرت الى حالة اخرى»،و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور عنه(عليه السلام):«إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره،فليس شكك بشيء،إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه» (2)،و المراد:انما الشك الذي يلتفت إليه.و ما أحسن رواية بكير بن أعين،قال:قلت له:الرجل يشك بعد ما يتوضأ،قال:«هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك» (3)إلى أخبار كثيرة.

و لأنه لو شرع التلافي للشك بعد الفراغ أدى الى الحرج المنفي،لعسر الانفكاك من ذلك الشك،و عسر ضبط الإنسان الأمور السالفة.

فرع:

لو كثر شكّه،فالأقرب:إلحاقه بحكم الشك الكثير في الصّلاة،دفعا للعسر و الحرج.و الأقرب:إلحاق الشك في النية بالشك في أفعال الوضوء في الموضعين،إذ هي من الأفعال،و الأصل عدم فعلها إذا كان الحال باقيا.

أمّا مع اليقين بترك شيء،فلا فرق بين الحالين في وجوب التلافي مرتبا مواليا.و لو كان في الصلاة قطعها،و به أخبار كثيرة،منها:خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«إذا ذكرت و أنت في صلاتك أنّك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض،فانصرف و أتمّ الّذي نسيته» (4).

المسألة السادسة:لو شك في الطهارة بعد يقين الحدث تطهّر،

و بالعكس لا

ص: 204


1- الكافي 3:33 ح 2،التهذيب 1:100 ح 261.
2- التهذيب 1:101 ح 262،السرائر:473.
3- التهذيب 1:101 ح 265.
4- الكافي 3:34 ح 3،التهذيب 1:101 ح 263.

يلتفت،لأنّ اليقين لا يرفعه الشك،إذ الضعيف لا يرفع القوي.

و قد روى عبد اللّه بن بكير عن أبيه،قال:قال لي أبو عبد اللّه(عليه السلام):«إذا استيقنت أنّك توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنّك قد أحدثت» (1).و هو صريح في مسألة يقين الطهارة،و ظاهر في مسألة يقين الحدث،عملا بمفهوم:«إذا استيقنت أنّك توضّأت»،فإنّه يدلّ على اعتبار اليقين في الوضوء.

و لو تيقن الطهارة و الحدث،و شك في السابق،قال المفيد:وجب عليه الوضوء،ليزول الشك عنه و يدخل في صلاته على يقين من الطهارة (2).

قال الشيخ:لأنه مأخوذ على الإنسان ألاّ يدخل في الصلاة إلاّ بطهارة، فينبغي أن يكون متيقّنا بحصول الطهارة قبله،ليسوغ له الدخول بها في الصلاة (3).

و لم يذكر في هذه المسائل الثلاث رواية غير ما تلوناه،و كذا ابن بابويه في(من لا يحضره الفقيه)أوردها مجرّدة عن خبر (4)،و حكمها ظاهر.

غير أنّ المحقّق في المعتبر قال:عندي في ذلك تردّد-يعني مسألة يقين الطهارة و الحدث-و يمكن أن يقال:ينظر الى حاله قبل تصادم الاحتمالين،فإن كان حدثا بنى على الطهارة،لأنّه بتيقّن (5)انتقاله عن تلك الحالة إلى الطهارة و لم يعلم تجدّد الانتقاض(صار متيقّنا) (6)للطهارة و شاكّا في الحدث،فيبني على الطهارة و إن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهّرا بنى على الحدث،لعين ما ذكرناه من التنزيل (7).هذا لفظه.0.

ص: 205


1- الكافي 3:33 ح 1،التهذيب 1:102 ح 268.
2- المقنعة:6.
3- التهذيب 1:102.
4- الفقيه 1:37.
5- في س:متيقن،و في ط:تيقن.
6- في س،ط:فصار مستيقنا.
7- المعتبر 1:170.

و الفاضل عكس،و عبارته هذه في المختلف:مثاله:إذا تيقّن عند الزوال انّه نقض طهارة و توضّأ عن حدث و شك في السابق،فإنّه يستصحب حال السابق على الزوال.فإن كان في تلك الحال متطهّرا فهو على طهارته،لأنّه تيقّن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ،و لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة، و نقض الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك.و ان كان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث،لأنّه تيقن انه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها، و الطهارة بعد نقضها مشكوك فيها (1).

قلت:هذان لو سلما فليس فيهما منافاة لقول الأصحاب،إذ مرجعهما الى تيقّن أحدهما و الشك في الآخر،و الأصحاب لا ينازعون في ذلك.

و يرد توجيه كل منهما نقضا على الآخر.و أيضا يمكن تعقّب الطهارة للطهارة في التجديد،و تعقب الحدث الحدث،و لما استشعر في غير المختلف ذلك قيّدهما بكونهما متّحدين متعاقبين،و حكم باستصحاب السابق (2).

و هو إذا تم ليس من الشك في شيء الذي هو موضوع المسألة،لأنّها أمور مترتبة علم ترتيبها،غايته انه يلتبس السابق لعدم لحظ الذهن الترتيب فهو كالشاك في المبدإ في السعي و هو يعلم الزوجية و الفردية،فإنّه متى لحظه الذهن علم المبدأ،و لا يسمّى استصحابا عند العلماء،و قد نقل عنه أنه أراد به لازم الاستصحاب،و هو:البناء على السابق.

و إذا لم يعلم الحال قبل تصادم الاحتمالين،فلا شك فيما قاله الأصحاب و في التذكرة حكى الوجوه الثلاثة عن العامة،و علّل وجه البناء على الضد باحتمال تجديد الطهارة في صورة سبق الطهارة،و باحتمال تعقب الحدث في صورة سبق الحدث على زمان تصادم الاحتمالين،قال:و لو لم يكن من عادته التجديد، فالظاهر:أنه متطهّر بعد الحدث،فتباح له الصلاة.و علّل الاستصحاب بسقوط0.

ص: 206


1- مختلف الشيعة:27.
2- منتهى المطلب 1:72،تحرير الأحكام 1:10.

حكم الحدث و الطهارة الموجودين بعد التيقن،لتساوي الاحتمالين فيهما فتساقطا، و يرجع الى المعلوم أولا (1).

و يضعّف بتيقّنه الخروج عن ذلك السابق الى ضدّه،فكيف يبني على ما علم الخروج منه؟!.

و بالجملة فإطلاق الإعادة لا ينافيه هذان الفرضان،لأن مورد كلامهم الشك،و هما إن تمّا أفادا ظنّا،و أمّا الاتحاد و التعاقب فمن باب اليقين.

تنبيه:

قولنا:اليقين لا يرفعه الشك،لا نعني به اجتماع اليقين و الشك في الزمان الواحد،لامتناع ذلك ضرورة أنّ الشك في أحد النقيضين يرفع يقين الأخر،بل المعني به أنّ اليقين الذي كان في الزمن الأوّل لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمن الثاني،لأصالة بقاء ما كان،فيؤول الى اجتماع الظن و الشك في الزمان الواحد، فيرجح الظنّ عليه كما هو مطّرد في العبادات.

المسألة السابعة:حكم في المبسوط بأنّه لو صلّى الظهر بطهارة،

ثمّ صلّى العصر بطهارة أخرى،ثم ذكر الحدث عقيب إحداهما قبل الصلاة،تطهّر و أعاد الصلاتين،و كذا يعيدهما لو توضّأ و صلّى الظهر،ثمّ أحدث و توضأ و صلّى العصر، ثمّ علم ترك عضو من إحدى الطهارتين و لم يعلمها،معلّلا بأنه لم يؤدّ إحداهما بيقين (2).

و هو بناء على وجوب تعيين المقضي مع الاشتباه،تحصيلا لليقين،و لهذا أوجب إعادة الخمس لو صلاها بخمس طهارات،ثم ذكر تخلّل الحدث بين طهارة و صلاة.و كذا أوجب الخمس لو توضّأ خمسا كلّ مرة عقيب الحدث،ثم ذكر ترك

ص: 207


1- تذكرة الفقهاء 1:21.
2- المبسوط 1:24.

عضو (1).

و لو قلنا:بسقوط التعيين هنا،أجزأه أربع مطلقة بينهما.و أجزأه في الخمس هذه مع زيادة الإطلاق في العشاء،و مع صبح و مغرب،و لو اختلفت الصلاتان فلا شك في إعادتهما.

و العجب أنّ الشيخ أفتى في المبسوط بأنّ من فاتته صلاة لا يعلمها بعينها يجزئه ثلاث صلوات (2)،مع إيجابه الخمس هنا،و لا فرق.و عوّل على ما رواه علي ابن أسباط،عن غير واحد من أصحابنا،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:

«من نسي صلاة من صلاة يومه،و لم يدر أي صلاة هي،صلّى ركعتين و ثلاثا و أربعا» (3).

قال:و لو صلّى الظهر بطهارة،ثمّ جدّد للعصر بغير حدث،ثمّ ذكر إخلال عضو،أعاد الظهر بعد الطهارة دون العصر،لوقوعها بعد طهارتين.قال:و كذا لو صلّى الخمس على هذا الوجه،و ذكر إخلال العضو أعاد الوضوء و الاولى لا غير.

قال:و لو ذكر ترك عضو من طهارتين أعاد الأوليين،و من ثلاث يعيد الثلاث الأول،و من أربع يعيدها لا غير،و من خمس يعيد المجموع (4).

و لم يذكر اعادة الوضوء هنا،و هو بناء على أجزاء المجدّد عن الواجب إذا ظهر فساده،إمّا للاجتزاء بالقربة،و إمّا لأنّ غاية المجدّد تدارك الخلل في الأوّل.

و التعليل الثاني يناسب فتوى المبسوط بوجوب نية الرفع أو الاستباحة (5)مع حكمه بصحة الصلاة هنا.

و في المعتبر:إن قصد بالطهارة الثانية الصلاة فكما قال الشيخ (6)،لأنّه قصد3.

ص: 208


1- المبسوط 1:25.
2- المبسوط 1:127.
3- التهذيب 2:197 ح 774.
4- المبسوط 1:24-25.
5- المبسوط 1:19.
6- المعتبر 1:173.

زيادة على رفع الحدث فقد تضمّن نيته رفع الحدث،مع أنّه صرّح في موضع آخر باجزاء المجدّد لو فسد الأوّل (1).

و أمّا الطهارة لإعادة الأولى،فعلى قوله-رحمه اللّه-لا حاجة إليها،لأنّه الآن متطهّر و إلاّ لم تصح الثانية و ما بعدها،إلاّ أن نقول:المجدّد إنّما يجتزأ به إذا فعل ما ترتب عليه قبل ذكر الخلل.و هو بعيد،لأنّه أحال صحة الثانية على أنّه كان من الأوّل،فطهارته الثانية صحيحة.و يؤيّده حكمه بأنّه لو جدّد من غير صلاة ثمّ صلى بهما صحّت الصلاة،لأنّ كمال إحدى الطهارتين مصحّح للصلاة،سواء كانت الأولى أو الثانية.و لو ذكر تخلّل حدث في هذه الصورة أعاد الصلاة، لإمكان كونه عقيب المجدّد فيفسد الوضوءان.

المسألة الثامنة:لو كان الوضوء المجدّد منذورا فكالندب،

إلاّ عند من اجتزأ بالوجه و القربة.

و لو كان الوضوءان مندوبين أو واجبين نوى فيهما رفع الحدث أو الاستباحة للذهول عن الأول،فالأقرب:الاجتزاء بأحدهما لو ظهر خلل في الآخر.

و لو نوى بالثاني تأكيد الاستباحة أو الرفع،فيجيء على قول المعتبر أولوية الإجزاء،إلاّ أنّ نية الوجوب مشكلة لعدم اعتقاده.و يمكن ان يقال:ان التقوية (2)لا تحصل إلاّ بإيقاعه على وجهه،فإذا نوى الوجوب و صادف اشتغال الذمة كان مجزئا،كما لو نوى الرفع و صادف الحدث.

تنبيه:

فرق المعتبر بين الوضوء المجدّد مطلقا و بين المنوي به الصلاة (3)يشعر بأنّ

ص: 209


1- المعتبر 1:140.
2- في ط:اليقين به،و ما أثبتناه من(س)و(م).
3- المعتبر 1:140.

التجديد قسمان.و ظاهر الأصحاب و الأخبار:أنّ شرعية التجديد للتدارك،فهو منوي به تلك الغاية.و على تقدير عدم نيّتها لا يكون مشروعا.

المسألة التاسعة:لو كان الترك من طهارتين في يوم بخمس حقيقية فسد صلاتان

مبهمتان.

فعلى قول الشيخ هنا،و أبي الصلاح،و ابن زهرة في كل فائتة مبهمة تجب الخمس،لوجوب التعيين (1).و الوجه:الاجتزاء بأربع:صبح،ثم رباعيّة مردّدة بين الظهرين،ثم مغرب،ثم رباعية مردّدة بين العصر و العشاء،لإتيانه على الواجب،و لعدم تعقّل الفرق بينه و بين النص على الثلاث.

و لو ردّد بين الرباعيّات الثلاث في الرباعية بعد الصبح لم يضر،لإمكان كون الفائت العشاء مع الصبح،و لكن يجوز إسقاطه اكتفاء بالترديد الثنائي في الرباعيّة الكائنة بعد المغرب.

و لو ذكر الظهر في الرباعية بعد المغرب فلغو،لأنّ الظهر إن كانت في الذمة فقد صلاّها فلا فائدة في ذكرها.و الظاهر:أنّه غير ضائر،لأنّه أتى بالواجب فتلغو الزيادة.و يحتمل البطلان،لأنّه ضمّ ما يعلم انتفاءه من البين،فهو كالترديد بين النافلة و الفريضة بل أبلغ،لأن الظهر في حكم صلاة غير مشروعة للنهي المشهور عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من أنّه:«لا تصلّى صلاة واحدة في اليوم مرتين» (2).

فروع:

الأوّل:لو عيّن الرباعيات، فعلى مذهب التعيين لا شك في الاجزاء.

و على غيره يمكن العدم،لأنّه تعيين ما لا يعلمه و لا يظنه،بخلاف الترديد فإنه آت في الجملة على ما يظن،و بخلاف الصبح و المغرب لعدم إمكان الإتيان

ص: 210


1- المبسوط 1:25،الكافي في الفقه:150،الغنية:562.
2- مسند أحمد 2:41،سنن أبي داود 1:158 ح 579،سنن النسائي 2:114،سنن الدار قطني 1:415،السنن الكبرى 2:303.

بالواجب من دونهما.

و الأصل فيه:أنّ العدول الى الترديد عن التعيين،هل هو رخصه و تخفيف على المكلف،أو هو المصادفة النية أقوى الظنين؟فعلى الأول يجزئ التعيين بطريق الأولى.و على الثاني لا يجزئ.و الخبر محتمل للأمرين (1).

الثاني:لو جمع بين التعيين و الترديد أمكن البطلان، لعدم استفادته رخصة به،و عدم انتقاله إلى أقوى الظنّين.

و الصحة،لبراءة الذمة بكلّ منهما منفردا،فكذا منضما.فحينئذ ان عيّن الظهر،ردّد ثنائيا بين العصر و العشاء مرتين،إحداهما قبل المغرب و الأخرى بعدها.و ان عين العصر،ردّد ثنائيا بين الظهر و العشاء مرتين،إحداهما قبل العصر و الأخرى بعد المغرب.و ان عيّن العشاء،ردّد ثنائيا مرتين متواليتين بين الصبح و المغرب.و الحق انه تكلّف محض لا فائدة فيه،بل لا ينبغي فعله.

الثالث:لو ذكر بعد التعيين ما إنسية أجزأ قطعا. و ان ذكر بعد الترديد، فان كان في أثناء الصلاة عدل الى الجزم بالتعيين.و ان كان بعد الفراغ،فالأقرب:

الإجزاء،لإتيانه بالمأمور فخرج عن العهدة.و يمكن الإعادة،لوجوب التعيين عند ذكره،و ما وقع أولا كان مراعى.و يضعف بالاحتياط لو ذكر الحاجة إليه بعده فإنه لا يعيد فهنا اولى،لعدم الفصل و الزوائد هنا.

المسألة العاشرة:لو كان الترك من طهارتين في يومين،

و علم تفريقهما،صلّى عن كل يوم ثلاثا يرتب بينهما لا فيهما.

و ان علم جمعهما في يوم و اشتبه،جمع بين حكمي اليومين حيث يختلفان في التمام و القصر،فيصلّي خمسا ثنائيّة مردّدة بين الثلاث السابقة على المغرب،ثم رباعية مردّدة بين الظهرين،ثم مغربا،ثم ثنائية مرددة بين ما عدا الصبح، و رباعيّة مردّدة بين العصر و العشاء.

و لا مبالاة بتقديم الثنائيّة هنا على الرباعيّة و تأخيرها بخلاف ما قبل

ص: 211


1- تقدم في ص 208 الهامش 3.

المغرب،فإنه يجب تقديم الثنائية على الرباعية لمكان الصبح.و البحث في التعيين هنا،و الجمع بينه و بين الإطلاق كما مرّ.

و لو ردد رباعيا هنا في الثنائية الأولى،فقد ضمّ ما لا يصحّ الى ما يمكن صحته،إذ العشاء غير صحيحة هنا قطعا،لأنّها ان كانت فائتة فلا بد من فوات اخرى قبلها،فيمتنع صحة العشاء حينئذ.

فإن قلت:لم لا يسقط الترتيب هنا،لعدم العلم به و امتناع التكليف لا مع العلم،فحينئذ يجزئ كيف اتفق؟ قلت:لما كان له طريق الى الترتيب،جرى مجرى المعلوم،فوجبت مراعاته.

فان قلت:كل ترتيب منسي يمكن تحصيله فليجب مطلقا.

قلت:قد قيل بوجوب تحصيله،كما يأتي ان شاء اللّه في قضاء الصلوات، و ان منعناه هنالك فلاستلزام زيادة التكليف المنفيّ بالأصل،بخلاف هذه الصور،لان التكليف بالعدد المخصوص لا يتغير،رتب أو لا،فافترقا.

فان قلت:إذا كان الترتيب معتبرا،فليعد الخمس مطلقا،لإمكان كون الفائت الصبح،فيكون قد صلّى ما بعدها مع اشتغال ذمّته بها،فيبطل الجميع:

اما الصبح فلفواتها،و اما غيرها فلترتبه عليها.

قلت:لا نسلم بطلان المرتب هنا لفساد المرتب عليه،لامتناع تكليف الغافل-و ان كان قد توهّمه قوم-لأنا كالمجمعين على صحة صلاة من فاته صلاة قبلها و لم يعلمه،و قد صرح به الأصحاب في مواضع العدول (1).و لو اشتبه عليه الجمع و التفريق،فكالعلم بالتفريق أخذا باليقين.

المسألة الحادية عشر:لو كان الفوات في صلاة السفر،

فالأقرب:الاجزاء في إبهام الواحدة بالثنائية و المغرب،و في إبهام الاثنتين بالثنائية المردّدة ثلاثيا قبل المغرب و بعدها،أخذا من مفهوم الخبر في صلاة الحضر،و به أفتى ابن البراج.

ص: 212


1- راجع:المبسوط 1:126،مختلف الشيعة:147.

و أوجب ابن إدريس هنا الخمس (1)لعدم النص عليه،و أصالة وجوب التعيين.

و لو كان في صلاة التخيير-كما في الأماكن الشريفة الأربعة،و كما في قاصد نصف مسافة غير مريد للرجوع ليومه على قول يأتي ان شاء اللّه-و قلنا:بقضائه تخييرا كأدائه،تبع اختيار المكلف.و ان حتمنا القصر في القضاء فظاهر.

المسألة الثانية عشر:لو تبين فساد ثلاث طهارات من يوم وجبت الخمس في التمام،

لان من الاحتمالات فساد الرباعيات،و في القصر اربع يردد فيما عدا المغرب.و لو كان الفاسد أربعا تساويا في إعادة الخمس.

تنبيه:

خرّج ابن طاوس رحمه اللّه وجها في ترك عضو متردد بين طهارة مجزئة و غير مجزئة انه لا التفات فيه،لاندراجه تحت الشك في الوضوء بعد الفراغ.و هو متجه،الا ان يقال:اليقين هنا حاصل بالترك و ان كان شاكا في موضوعه، بخلاف الشكّ بعد الفراغ فإنه لا يقين فيه بوجه،و اللّه الموفق.

ص: 213


1- السرائر:59.

ص: 214

المطلب الثالث:في التيمم.و
فيه الأبحاث الثلاثة.
فالأول في واجبه:
الواجب الأول و هو إيقاعه في وقت الصلاة،

فلا يجوز تقديمه عليه إجماعا منا،للآية الدالة على وجوبه بإرادة الصلاة (1)و نفي الجواز علم من حيث أنّه بدل عن الطهارة المائية فموضعه الضرورة،و لا ضرورة قبل دخول الوقت.

و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت» (2)علّق التيمم على إدراك الوقت،و هو كالآية في الدلالة.

فلو تيمم قبل الوقت لم ينعقد فرضا و لا نفلا،لعدم شرعيته.نعم،لو تيمم لاستباحة نافلة صح نفلا و ذلك وقتها.و من عليه فائتة فالأوقات كلها صالحة لتيممه.

و لا يشترط التذكر في دخول الوقت.نعم،هو شرط في نية الوجوب.و قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«فليصلها إذا ذكرها،فان ذلك وقتها» (3)لا ينفي ما عداه.

فروع:

الأول: لو تيمم لفائتة ضحى صح التيمم،و يؤديها به و غيرها ما لم ينتقض تيممه عندنا،لما يأتي من استباحة ما يستباح بالمائية عند التيمم،فإذا دخل الوقت ربما بني على السعة و الضيق في التيمم.

الثاني: يتمم للآية-كالكسوف-بحصولها.

و للجنازة بحضورها،لانه وقت الخطاب بالصلاة.و يمكن دخول وقتها

ص: 251


1- سورة النساء:43.
2- مسند أحمد 2:222،السنن الكبرى 1:222.
3- سنن الدار قطني 1:423،السنن الكبرى 2:219،و راجع تلخيص الحبير 2:349.

بتغسيله،لإباحتها حينئذ و ان لم يهيأ للصلاة.بل يمكن دخول وقتها بموته،لانه الموجب للصلاة و غيرها من أحكام الميت.

الثالث:يتيمم للاستسقاء باجتماع الناس في المصلى،و لا يتوقف على اصطفافهم.و الأقرب:جوازه بإرادة الخروج الى الصحراء،لأنه كالشروع في المقدمات.بل يمكن بطلوع الشمس في اليوم الثالث،لان السبب الاستسقاء و هذا وقت الخروج فيه.اما النوافل الرواتب فلأوقاتها،و غير الرواتب فلارادة فعلها.

فلو تيمم قبل هذه الأسباب لم يعتد به،لعدم الحاجة إليه.

الرابع:لو شك في دخول الوقت لم يتيمم، لأصالة عدم الدخول.و لو ظن الدخول،و لا طريق إلى العلم،تيمم.فلو ظهر عدمه،فالأقرب:البطلان، لظهور خطأ الظن.

الخامس: لو تيمم في الأوقات المكروهة لابتداء النوافل إرادة التنفل، فالظاهر:الصحة،لأن الكراهة لا تنفي الانعقاد.

و قطع في المعتبر بعدم التيمم في أوقات النهي (1)و تبعه في التذكرة (2)و هو مذهب العامّة (3).

و اختلف الأصحاب في صحته مع سعة وقت الصلاة،فصار اليه الصدوق (4)و الجعفي-في ظاهر كلامه-لعموم فَلَمْ تَجِدُوا (5)«و أينما أدركتني» (6).و لدلالة الأخبار على عدم إعادة واجد الماء في الوقت،فهو مستلزم2.

ص: 252


1- المعتبر 1:383.
2- تذكرة الفقهاء 1:66.
3- المجموع 2:241.
4- الفقيه 1:58،المقنع:8،الهداية:19.
5- سورة النساء:43.
6- مسند أحمد 2:222،السنن الكبرى 1:222.

للتيمم مع السعة،كخبر زرارة الصحيح عن الباقر(عليه السلام)،قلت:إن أصاب الماء و قد صلّى بتيمم و هو في وقت،قال:«تمت صلاته و لا اعادة عليه» (1).و عن معاوية بن ميسرة عن الصادق(عليه السلام):ثم أتي بالماء و عليه شيء من الوقت:«يمضي على صلاته،فانّ ربّ الماء ربّ التراب» (2).و لأنّه بدل فصحّ مع السعة كالمبدل منه.

و الأكثر على مراعاة ضيق الوقت صرّحوا به.و قال البزنطي في الجامع:لا ينبغي لأحد ان يتيمم إلا في آخر وقت الصلاة (3)و هو غير صريح في ذلك.و قد نقل السيد الإجماع-في الناصرية و الانتصار-على اعتبار التضيق (4)و الشيخ في الخلاف لم يحتج به هنا (5)،و لعلّه نظر الى خلاف الصدوق،و عدم تصريح المفيد -في المقنعة-به،و في الأركان لم يذكره،و كذا ابن بابويه في الرسالة.

و اعتبر ابن الجنيد في التأخّر الطمع في التمكّن من الماء،فان تيقّن أو ظن فوته الى آخر الوقت فالأحبّ التيمم في أوّله (6).و ابن أبي عقيل في كلامه إلمام به، حيث قال:لا يجوز لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت،رجاء أن يصيب الماء قبل خروج الوقت (7).

و الفاضلان صوبا هذا التفصيل،لان فيه جمعا بين الأدلة (8)و الشيخ في الخلاف نفاه صريحا (9).4.

ص: 253


1- التهذيب 1:194 ح 562،الاستبصار 1:160 ح 552.
2- الفقيه 1:59 ح 220،التهذيب 1:195 ح 564،الاستبصار 1:160 ح 554.
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر 1:383.
4- الانتصار:31،الناصريات:225 المسألة 51.
5- لاحظ:الخلاف 1:146 المسألة 94.
6- حكاه عنهما:المحقق في المعتبر 1:383،و العلامة في مختلف الشيعة:47.
7- حكاه عنهما:المحقق في المعتبر 1:383،و العلامة في مختلف الشيعة:54.
8- المعتبر 1:392،مختلف الشيعة:47.
9- الخلاف 1:163 المسألة 114.

فإن قلنا به،تيمّم المريض و الكسير-الذي لا يمكنه استعمال الماء،و لا يظن زوال عذره وقت الصلاة-في أوّل الوقت،لعدم الطمع في استعمال الماء.

و اعتمد في التهذيب على:

رواية زرارة عن أحدهما(عليهما السلام):«إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت،فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ في آخر الوقت» (1).

و رواية محمد بن مسلم،قال:سمعته يقول:«إذا لم تجد الماء و أردت التيمم فأخّر التيمم الى آخر الوقت،فان فاتك الماء لم تفتك الأرض» (2).

و رواية عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت،فان فاته الماء فلن تفوته الأرض» (3).

و هذه مع سلامة سندها و دلالتها ظاهرها توقّع الماء،لأنّ الطلب يؤذن بإمكان الظفر و الاّ كان عبثا.

و أكثر الأخبار مطلقة فإن ثبت تقييد حملت عليه،و قد تقدم حجة الصدوق،و يضاف إليها أيضا رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في رجل تيمم و صلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت،فقال:«ليس عليه إعادة الصلاة» (4).و تأوّلها الشيخ بان المراد من الصلاة دخوله فيها لا فراغه،أو أنّ المراد أنّ تيممه و صلاته كانا في الوقت لا أنّه أصاب الماء في الوقت (5).و هو من التأويلات البعيدة،و لو حملها على ظن ضيق الوقت فيظهر خلافه كان قريبا.

و على كل حال،فاعتبار الضيق قوي من حيث الشهرة،و نقل الإجماع، و تيقن الخروج عن العهدة.5.

ص: 254


1- الكافي 3:63 ح 2،التهذيب 1:192 ح 555،203 ح 589،الاستبصار 1:159 ح 548، 165 ح 574.
2- الكافي 3:63 ح 1،التهذيب 1:203 ح 588،الاستبصار 1:165 ح 573.
3- التهذيب 1:404 ح 1265.
4- التهذيب 1:195 ح 565،الاستبصار 1:160 ح 555.
5- التهذيب 1:195.

فرعان:

الأول:المعتبر في الضيق الظن. فلو انكشف خلافه،فالأقرب الإجزاء، عملا بمفهوم تلك الروايات،و لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها،و الامتثال يقتضي الاجزاء.

و نقل في المعتبر أنّ ظاهر الشيخ في كتابي الحديث وجوب الإعادة لظهور خطأ ظنه (1).

و قد روى منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في رجل تيمم فصلّى ثم أصاب الماء،فقال:«أمّا أنا فكنت فاعلا،إنّي أتوضّأ و أعيد» (2).

قال الشيخ:معناه إذا كان قد صلّى في أوّل الوقت تجب عليه الإعادة، لرواية يعقوب بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن(عليه السلام)عن رجل تيمم و صلّى فأصاب بعد صلاته ماء،أ يتوضأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟قال:«إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد،فان مضى الوقت فلا إعادة عليه» (3).

قلت:فحوى هذين الخبرين صحة التيمم في أوّل الوقت.أمّا الأول، فلأنّه(عليه السلام)أسند الإعادة إلى نفسه،و لو كان ذلك واجبا لكان المكلّف به عاما.و أمّا الثاني،فلأنّه علّق الإعادة على وجدان الماء في الوقت،و قضيته انّه لو لم يجد الماء لم يعد،لمفهوم الشرط المستفاد من لفظة«إذا».و حينئذ يمكن حملهما على استحباب الإعادة،توفيقا بينهما و بين الأخبار الدالة على عدم الإعادة بالوجدان في الوقت.

الفرع الثاني: حكم في المبسوط بأنّه لو دخل عليه وقت صلاة و هو متيمم1.

ص: 255


1- المعتبر 1:384.
2- التهذيب 1:193 ح 558،الاستبصار 1:159 ح 550.
3- التهذيب 1:193،الاستبصار 1:159،و الرواية فيهما برقم 559،551.

لنافلة أو لفائتة جاز أن يصلي الحاضرة به (1)و لم يعتبر ضيق الوقت هنا مع أنّه قال بالضيق،فلعلّه نظر الى أنّ التأخير انما هو لغير المتيمم،و لهذا احتج عليه بعموم الأخبار الدالة على جواز الصلوات الكثيرة بتيمم واحد (2).

و يمكن اعتبار الضيق كما أومأ إليه الفاضلان (3)لقيام علة التأخير.

و يضعّف:بأنّه متطهر،و الوقت سبب فلا معنى للتأخير،و هذا الواجب شرط للتيمم.

الواجب الثاني:النية،
اشارة

إجماعا منا و من الأكثر،لما مر،و لدلالة«تيمّموا»على القصد،و لأنّه المفهوم من ارادة القيام إلى الصلاة،كما قلناه في الوضوء.و يعتبر

فيها أربعة أمور:
الأوّل:القربة،

كما سلف.

الثاني:قصد الاستباحة،

لأنّها الغاية،فلو ضم الرفع لغا.و لو اقتصر على نية الرفع،فكما قلناه في وضوء دائم الحدث،إذ التيمم لا يرفع الحدث،لانتقاضه بالتمكّن من الماء،و لأن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال لعمرو بن العاص و قد تيمم عن الجنابة من شدة البرد:«صليت بأصحابك و أنت جنب» (4)فسماه جنبا بعد التيمم،فإذا نوى رفع الحدث فقد نوى ما لا يمكن حصوله.نعم،لو نوى رفع المانع من الصلاة صح و كان في معنى نية الاستباحة.

فروع:

الأول: لو نوى استباحة فريضة،مطلقة أو معينة،فرضا أو نفلا، استباحها و غيرها،لأنّه كالطهارة المائية في الاستباحة،لما يأتي ان شاء اللّه.

ص: 256


1- المبسوط 1:34.
2- المبسوط 1:34.
3- المعتبر 1:384،تذكرة الفقهاء 1:66،نهاية الإحكام 1:185.
4- مسند أحمد 4:203،سنن أبي داود 1:92 ح 334،سنن الدار قطني 1:178،المستدرك على الصحيحين 1:177،السنن الكبرى 1:225.

الثاني:الأقرب:اشتراط نية البدلية عن الأكبر أو الأصغر، لاختلاف حقيقتيهما فيتميزان بالنية.و به صرح الشيخ في الخلاف،و عليه بنى ما لو نسي الجنابة فتيمم للحدث انه لا يجزئ،لعدم شرطه (1).و هذا بناء على اختلاف الهيئتين.

و لو اجتزأنا بالضربة فيهما،أو قلنا فيهما بالضربتين،أمكن الاجزاء.و به أفتى في المعتبر (2)،مع أنّ الشيخ في الخلاف قال في المسألة:فإن قلنا انه متى نوى بتيممه استباحة الصلاة من حدث جاز له الدخول في الصلاة كان قويا،قال:

و الأحوط الأوّل،يعني:عدم الاجزاء.و ذكر ان لا نص للأصحاب فيها أي:في مسألة النسيان (3).

الثالث:لو تيمم الصبي ثم بلغ، قال في المعتبر:يستبيح الفريضة (4)و هو بناء على أنّ طهارته شرعية،و قد سلف.

الرابع:لو نوى التيمم وحده لم يصح قطعا. و لو نوى فريضة التيمم أو إقامة التيمم المفروض أمكن الاجزاء،لأنّ ذلك يتضمن الاستباحة.و الأقرب المنع، لأنّ الاستلزام غير بيّن لجواز الغفلة عنه،و لأنّ التيمم ليس مطلوبا لنفسه و انما يطلب عند الضرورة فلا يصلح متعلقا أوّليا للقصد،و من ثم لا يستحب تجديده بخلاف الوضوء.

الأمر الثالث:المقارنة للضرب على الأرض،

لأنّه أوّل أفعاله.فلو تقدمت عليه لم يجز.و لو أخّرها إلى مسح الجبهة،فالأقرب:عدم الاجزاء،لخلو بعض الأفعال عن النية.و جزم الفاضل بالاجزاء (5)تنزيلا للضرب منزلة أخذ الماء للطهارة المائية.و فيه منع ظاهر،لأنّ الأخذ غير معتبر لنفسه،و لهذا لو غمس

ص: 257


1- الخلاف 1:140 المسألة 87.
2- المعتبر 1:391.
3- الخلاف 1:140 المسألة 87.
4- المعتبر 1:391.
5- تذكرة الفقهاء 1:65،نهاية الإحكام 1:204.

الأعضاء في الماء أجزأ بخلاف الضرب،و لأنّه لو أحدث بعد أخذ الماء لم يضر بخلاف الحدث بعد الضرب.

الأمر الرابع:استدامة حكمها الى آخره،

لما سلف.و لو عزبت بعد الضرب لم يضر عندنا،كعزوبها بعد غسل اليدين و بل أولى،لما قلناه من كون الضرب جزءا حقيقيا من التيمم.

الواجب الثالث:الضرب على الأرض بيديه معا،
اشارة

و هو مذهب الأصحاب و رواياتهم به كثيرة،مثل:

رواية داود بن النعمان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:ان عمارا أصابته جنابة فتمعّك،فقال له رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):تمعكت كما تتمعك الدابة!أ فلا صنعت كذا،ثم أهوى بيديه على الأرض فوضعهما على الصعيد (1).

و رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«فضرب بيديه الأرض» (2).

و رواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«تضرب بكفيك على الأرض» (3).

و رواية ابن مسلم عنه(عليه السلام):فضرب بكفيه الأرض (4).

فروع أربعة:
الأول:لا يكفي التعرّض لمهب الريح ليصير التراب ضاربا يديه،

لأنّه تعالى أوجب القصد الى الصعيد،و الصعيد هنا بصورة القاصد.و من أوقع النية عند المسح (5)يمكن على قوله الجواز،لأن الضرب غير مقصود لنفسه،فيصير كما

ص: 258


1- التهذيب 1:207 ح 598،الاستبصار 1:170 ح 591.
2- الكافي 3:61 ح 1،التهذيب 1:207 ح 601،الاستبصار 1:170 ح 590.
3- التهذيب 1:209 ح 608،الاستبصار 1:171 ح 596.
4- التهذيب 1:210 ح 612،الاستبصار 1:172 ح 600.
5- قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1:65،و نهاية الإحكام 1:204.

لو استقبل بأعضاء وضوئه الميزاب أو المطر.

و أولى بعدم الجواز ما لو نقل الغير التراب الى المكلف القادر على الضرب بإذنه،لأنه لم يقصد الصعيد،و قصد نائبه كقصد ما اثارته الريح في عدم الاعتبار.

الثاني:نقل التراب عندنا غير شرط،

لاستحباب النفض-على ما يجيء ان شاء اللّه تعالى-بل الواجب المسح بيديه اللّتين أصابتاه،و لا فرق بين كونه على الأرض و غيرها،بل لو كان التراب على بدنه أو بدن غيره و ضرب عليه أجزأ.و لو كان على وجهه تراب صالح للضرب و ضرب عليه،أجزأ في الضرب لا في مسح الوجه،فيمسح الوجه بعد الضرب.

و كلام ابن الجنيد يقتضي المسح بالتراب،حيث قال:و إذا حصل الصعيد براحتيه مسح بيمينه وجهه (1)و في أنحاء كلامه ما يدلّ على ذلك.

الثالث:لا يجزئ معك الأعضاء في التراب،

كما دلّ عليه الخبر.نعم،لو تعذر الضرب و استنابة الغير أجزأ،لأنّ«الميسور لا يسقط بالمعسور» (2).بل يمكن تقديم المعك على نيابة الغير،و هو يجيء عند من لم يعتبر الضرب من الأفعال.

الرابع:معظم الروايات و كلام الأصحاب بعبارة«الضرب» (3)و في بعضها

الرابع:معظم الروايات و كلام الأصحاب بعبارة«الضرب»(3) و في بعضها «الوضع»

(4) و الشيخ في النهاية و المبسوط عبّر بالأمرين (5).و تظهر الفائدة في وجوب مسمى الضرب باعتماد،و الظاهر:انّه غير شرط،لأنّ الغرض قصد الصعيد و هو

ص: 259


1- مختلف الشيعة:50.
2- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.
3- لاحظ:الكافي 3:61-62 ح 1-3،التهذيب 1:270 ح 600-602،210 ح 608- 814. و لاحظ:المقنعة:8،المهذب 1:47،المراسم:54،السرائر:26،نهاية الإحكام 1:204.
4- لاحظ:الكافي 3:62 ح 4،التهذيب 1:207 ح 598. و لاحظ:المبسوط 1:32،النهاية:49،شرائع الإسلام 1:48،قواعد الاحكام 1:23.
5- المبسوط 1:32،النهاية:49.

حاصل بالوضع.نعم،لا بدّ من ملاقاة باطن اليدين،لأنّه المعهود من الوضع، و المعلوم من عمل صاحب الشرع.

و اختلف الأصحاب في عدد الضرب،فاجتزأ ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد-في العزية-و المرتضى بالضربة الواحدة في الوضوء و الغسل (1)محتجا بحديث عمار،فإنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بيّنه بضربة واحدة و كان عمار جنبا (2)،و به احتج ابن أبي عقيل،قال المرتضى:و لأنّ المجمع عليه ضربة واحدة و الزائد لا دليل عليه،أو يتمسك بأصل البراءة.

و في الاحتجاج بالإجماع هنا كلام في الأصول،و هو المعبر عنه:بالأخذ بأقل ما قيل،و التمسك بالأصل انما يتمّ مع عدم المخرج.

و نقل الفاضلان عن علي بن بابويه الضربتين فيهما (3)و الذي في الرسالة:

فإذا أردت ذلك،فاضرب بيديك على الأرض مرة واحدة،و انفضهما و امسح بهما وجهك،ثم اضرب بيسارك الأرض فامسح بها يمينك من المرفق إلى أطراف الأصابع،ثم اضرب بيمينك الأرض فامسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع،قال:و قد روي أن يمسح جبينه و حاجبيه،و يمسح على ظهر كفيه،و لم يفرق بين الوضوء و الغسل.

و هذا فيه اعتبار ثلاث ضربات،و رواه ابنه في المقنع (4)،و هو في التهذيب -صحيح السند-عن ابن مسلم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):فضرب بكفّيه الأرض ثم مسح بهما وجهه،ثم ضرب بشماله الأرض مسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع،واحدة على ظهرها و واحدة على بطنها،ثم ضرب بيمينه الأرض ثم9.

ص: 260


1- المرتضى في الناصريات:224 المسألة 47،و جمل العلم و العمل 3:25،و حكاه عن الآخرين العلامة في مختلف الشيعة:50.
2- التهذيب 1:207 ح 598،الاستبصار 1:170 ح 591.
3- المعتبر 1:388،مختلف الشيعة:50.
4- المقنع:9.

صنع بشماله كما صنع بيمينه (1).

نعم،قال المفيد في كتاب الأركان في ظاهر كلامه بالضربتين مطلقا،و هو مروي-صحيحا-عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،قلت:كيف التيمّم؟ قال:«هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة،تضرب بكفيك مرتين،ثم تنفضهما نفضة للوجه،و مرة لليدين» (2).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)سألته عن التيمم، فقال:«مرتين مرتين للوجه و اليدين» (3).

و روي-حسنا-عن إسماعيل بن همام عن الرضا(عليه السلام)،قال:

«التيمم ضربة للوجه،و ضربة للكفين» (4).

و أوّل الأوّل:بتمام الكلام عند قوله:«ضرب واحد للوضوء»،و يبتدأ بقوله:«و الغسل من الجنابة تضرب بكفيك مرتين»،و على هذا يقرأ الغسل بالرفع،و هو الذي لحظه الشيخ (5)و تبعه في المعتبر (6)فلا يخلو عن تكلف.

و الآخران:بان لا عموم للمصدر المحلى بلام الجنسية مع إمكان أن تكون عهدية أيضا.

و الأكثر على ان الضربة للوضوء و الضربتين للغسل (7)،جمعا بين هذين و بين أخبار مطلقة في الضربة-كخبر زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) (8)و خبر عمرو4.

ص: 261


1- التهذيب 1:210 ح 612،الاستبصار 1:172 ح 600.
2- التهذيب 1:210 ح 611،الاستبصار 1:172 ح 599.
3- التهذيب 1:210 ح 610،الاستبصار 1:172 ح 598.
4- التهذيب 1:210 ح 609،الاستبصار 1:172 ح 597.
5- التهذيب 1:211.
6- المعتبر 1:388.
7- راجع:المقنعة:8،الفقيه 1:57،المبسوط 1:33،المعتبر 1:338.
8- التهذيب 1:212 ح 614،الاستبصار 1:171 ح 594.

ابن أبي المقدام عن الصادق(عليه السلام) (1)-و الاعتضاد بعمل الأصحاب،و لا بأس به.

و ليس التخيير بذاك البعيد ان لم يكن فيه إحداث قول،أو يحمل المرتان على الندب،كما قاله المرتضى في شرح الرسالة (2)و استحسنه في المعتبر،قال:و لا نمنع جواز ثلاث ضربات كما دلت عليه الرواية السالفة (3).

مسألتان:

الأولى:لا يشترط علوق الغبار باليدين، لما روي:ان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نفض يديه (4)و في رواية:نفخ فيهما (5)و هو موجود في رواياتنا كثيرا (6).

و لأنّ الصعيد وجه الأرض لا التراب،و لما بيناه من جواز التيمم بالحجر.

و لا يجب النفض و النفخ،للأصل،و ظاهر الآية.و فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و الأئمة(عليهم السلام)لبيان الندب.

فان احتج ابن الجنيد لاعتبار الغبار بظاهر قوله تعالى منه و من للتبعيض (7)منعناه بجواز كونها لابتداء الغاية،مع أنّه في رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام):«ان المراد من ذلك التيمم»،قال:«لأنّه علم أنّ ذلك اجمع لم يجر على الوجه،لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها» (8)2.

ص: 262


1- التهذيب 1:212 ح 615،الاستبصار 1:171 ح 595.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر 1:388.
3- المعتبر 1:388. و تقدمت الرواية في ص 261 الهامش 2.
4- صحيح البخاري 1:96،صحيح مسلم 1:280 ح 368،سنن أبي داود 1:87 ح 321، سنن النسائي 1:17.
5- مسند أحمد 4:319،صحيح البخاري 1:92،سنن ابن ماجة 1:188 ح 569،سنن أبي داود 1:88 ح 322،سنن النسائي 1:168،سنن أبي يعلى 3:181 ح 1606.
6- لاحظ:الكافي 3:61 ح 1،التهذيب 1:212 ح 614،615.
7- مختلف الشيعة:50.
8- تفسير العياشي 1:299 ح 52.

و في هذا إشارة الى أنّ العلوق غير معتبر.

الثانية: ظاهر الأصحاب أنّ الأغسال سواء في كيفية التيمم،قال في المقنعة:و كذلك تصنع الحائض و النفساء و المستحاضة بدلا من الغسل (1).

و روى أبو بصير،قال:سألته عن تيمم الحائض و الجنب،أسواء إذا لم يجدا ماء؟قال:«نعم» (2)،و عن عمار بن موسى عن الصادق(عليه السلام)مثله (3).

و خرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب،بناء على وجوب الوضوء هنالك (4).و لا بأس به،و الخبران غير مانعين منه،لجواز التسوية في الكيفية لا في الكميّة.

الواجب الرابع:مسح الجبهة من قصاص الشعر الى طرف الأنف الأعلى،

و هذا القدر متفق عليه بين الأصحاب.و أوجب الصدوق مسح الحاجبين أيضا (5)و لا بأس به.

و لا يجب استيعاب الوجه،لإفادة الباء التبعيض كما سلف،و لأصل البراءة،و لبناء التيمم على التخفيف،و نقل المرتضى في الناصرية إجماع الأصحاب عليه (6).

و قد روي من طرق شتى:كصحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)في قضية عمار:«ثم مسح جبينه بأصابعه و كفيه إحداهما بالأخرى» (7).و موثق زرارة عنه(عليه السلام):«ثم مسح بهما جبهته و كفّيه مرة واحدة» (8).و مثله رواية عمرو

ص: 263


1- المقنعة:8.
2- الكافي 3:65 ح 10،التهذيب 1:212 ح 616.
3- الفقيه 1:58،ح 215،التهذيب 1:162 ح 465.
4- قاله العلامة في نهاية الإحكام 1:208.
5- الفقيه 1:57،المقنع:9،الهداية:18.
6- الناصريات:224 المسألة 46.
7- الفقيه 1:57 ح 212.
8- الكافي 3:61 ح 1،التهذيب 1:207 ح 601،211 ح 613،الاستبصار 1:170 ح 590.

ابن أبي المقدام (1).

و كلام علي بن بابويه يعطي استيعاب الوجه (2)،و في كلام الجعفي إشعار به، للخبر السالف (3).و لمضمر سماعة:«فمسح بهما وجهه و ذراعيه الى المرفقين» (4).

و برواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» (5).و برواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«ثم تنفضهما و تمسح وجهك و يديك» (6).

و أجاب المرتضى و الشيخ:بان المراد به الحكم لا الفعل (7)،و كأنّه إذا مسح الجبهة و ظاهري الكف غسل الوجه و الذراعين.

قال في المعتبر:و هو تأويل بعيد،ثم أجاب بالطعن في السند،و ذكر الطعن في خبر ليث المرادي بأنّ راويه الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان،و هو ضعيف (8).

قلت:قد أوردنا غيره مما لا طعن فيه،و الذي في التهذيب عن ابن سنان، و لعله عبد اللّه و هو ثقة.بل لو حمل ذلك على الاستحباب،و الباقي على الوجوب كان حسنا.و قد حكم بالتخيير في المعتبر (9)و هو ظاهر ابن أبي عقيل (10).

و في رواية عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في المجنب0.

ص: 264


1- التهذيب 1:212 ح 614،الاستبصار 1:171 ح 594.
2- مختلف الشيعة:50.
3- راجع:صفحة 653 الهامش 2.
4- التهذيب 1:208 ح 602،الاستبصار 1:170 ح 592.
5- التهذيب 1:209 ح 608،الاستبصار 1:171 ح 596.
6- التهذيب 1:212 ح 615،الاستبصار 1:171 ح 595.
7- التهذيب 1:208،و حكاه عن المرتضى:المحقق في المعتبر 1:386.
8- المعتبر 1:386.
9- المعتبر 1:386.
10- المعتبر 1:386،مختلف الشيعة:50.

معه ما يكفيه للوضوء،أ يتوضأ به أو يتيمم؟قال:«لا،بل يتيمم،الا ترى انما جعل عليه نصف الوضوء» (1).و في رواية الحسين بن أبي العلاء عنه(عليه السلام)مثله،الا انه قال:«جعل عليه نصف الطهور» (2)فيمكن ان يفهم منهما عدم استيعاب الوجه و الذراعين،و يمكن ان يراد بهما سقوط مسح الرأس و الرجلين.

فروع ثلاثة:

الأول: يجب ان يبدأ في مسح الجبهة بالأعلى إلى الأسفل.فلو نكس، فالأقرب المنع،اما لمساواة الوضوء،و اما تبعا للتيمم البياني.

الثاني:يجب المسح بالكفين معا. فلو مسح بأحدهما لم يجز،لما قلناه، و للاقتصار على المتيقن.و اجتزأ ابن الجنيد باليد اليمنى،لصدق المسح (3)و يعارض بالشهرة.

الثالث: الأقرب:وجوب ملاقاة بطن الكفين للجبهة،لما قلناه من البيان.

الواجب الخامس:مسح ظهر الكفين من الزند إلى أطراف الأصابع عند

الأكثر،

لإفادة(الباء)التبعيض،و مساواة المعطوف فيه للمعطوف عليه،و لأنّ اليد حقيقة في ذلك و ان كانت تقال على غيره فليقتصر على المتيقن،و روى حماد بن عيسى عن بعض الأصحاب،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،انه سئل عن التيمم فتلا هذه الآية وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (4)،ثم قال:

«و امسح على كفيك من حيث موضع القطع» (5)و لما سبق.

ص: 265


1- الفقيه 1:57 ح 213.
2- التهذيب 1:404 ح 1266.
3- مختلف الشيعة:51.
4- سورة المائدة:38.
5- الكافي 3:62 ح 2،التهذيب 1:207 ح 599،الاستبصار 1:170 ح 588.

و ابن بابويه كما حكيناه عنه لما احتج به.و يردّ:بعمل الأكثر،و بالحمل على الجواز كما قاله في المعتبر (1).

و يجب تقديم اليمنى على اليسرى كما قاله الأصحاب،و لأنّه بدل مما يجب فيه التقديم.

و نقل ابن إدريس-رحمه اللّه-عن بعض الأصحاب ان المسح على اليدين من أصول الأصابع إلى رءوسها (2)،و لعل هذا القائل اعتبر رواية القطع فإنه مخصوص بذلك عند الأصحاب،و في كلام الجعفي ما يوهم هذا القول.

قلنا:معارض بما رواه في التهذيب صحيحا عن داود بن النعمان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في قضية عمار:«فمسح وجهه[و يديه]فوق الكف قليلا» (3)و عليه الأكثر،و ربما فهم وجوب تجاوز الرّسغ بعض الأصحاب (4).

و تؤوّل«قليلا»بأنّه لا يجب إيصال الغبار الى جميع العضو و ان وجب استيعابه بالمسح.أو يكون الراوي قد رأى الامام(عليه السلام)ماسحا من أصل الكف،فتوهّم المسح من بعض الذراع.و هو تكلّف،فإنّ الأصحاب لما أوجبوا المسح من الزند أوجبوا إدخاله،و ذلك يستلزم المسح فوق الكف بقليل صريحا.

و يجب البدأة بالزند الى آخر اليد،فلو نكس بطل كما قلناه في الوجه.

و يجب إمرار البطن أيضا على الظهر.نعم،لو تعذّر المسح بالبطن،لعارض من نجاسة أو غيرها،فالأقرب:الاجتزاء بالظهر في المسحين،لصدق المسح.

و لو كان له يد زائدة فكما سلف في الوضوء.و لو مسح باليد الزائدة التي لا يجب مسحها،فالأقرب:عدم الإجزاء.اما لو مسح بغير اليد-كالآلة-لم يجز قطعا.و لو قطع من الزند،فالظاهر:عدم وجوب مسح الرّسغ،لأنّه غير محل9.

ص: 266


1- المعتبر 1:387.
2- السرائر:26.
3- التهذيب 1:207 ح 598،الاستبصار 1:170 ح 591،و منهما ما أثبتناه بين المعقوفين.
4- انظر:الفقيه 1:57 ذيل الحديث 212،المقنع:9.

الوجوب.

الواجب السادس:الترتيب-

كما ذكرناه-بين الضرب فالجبهة فاليدين، لتصريح الأخبار به و الأصحاب،و فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و الأئمّة (عليهم السلام).

قال في التذكرة:ذهب إليه علماء أهل البيت(عليهم السلام) (1).و في الخلاف احتج عليه بما دلّ على ترتيب الوضوء و بالاحتياط (2).

فلو أخلّ به استدرك ما يحصل معه الترتيب.

الواجب السابع:الموالاة،

ذكره الأصحاب.و يتوجّه على القول بالتضيق و على غيره،لتعقب إرادة القيام إلى الصلاة به،و الإتيان بالفاء في:«فتيمموا»، «فامسحوا»و هي دالة على التعقيب بالوضع اللغوي،و لأنّ التيمم البياني عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و أهل بيته توبع فيه فيجب التأسّي.

و في المعتبر نقل عن الشيخ وجوب الموالاة،و احتج له بالبناء على آخر الوقت (3).

و لو أخل بها بما لا يعدّ تفريقا لم يضر،لعسر الانفكاك منه.و ان طال الفصل أمكن البطلان،وفاء لحق الواجب.و يحتمل الصحة و ان أثم،لصدق التيمم مع عدمها.

الواجب الثامن:يشترط طهارة مواضع المسح من النجاسة،

لأنّ التراب ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيبا،و لمساواته أعضاء الطهارة المائية.نعم، لو تعذرت الإزالة و لم تكن النجاسة حائلة و لا متعدية،فالأقرب:جواز التيمم، دفعا للحرج،و عموم شرعيته،و لأنّ الأصحاب نصوا على جواز تيمم الجريح مع تعذّر الماء.

ص: 267


1- تذكرة الفقهاء 1:66.
2- الخلاف 1:138 المسألة 82.
3- المعتبر 1:394،و لاحظ:الخلاف 1:138 المسألة 83.

أمّا غير الأعضاء،فهل يشترط خلوها من النجاسة؟فيه وجهان حكاهما في المعتبر:

أحدهما:نعم،نقله عن النهاية في قوله بناء على تضيق الوقت.

الثاني:لا-و نسبه الى الخلاف-كالوضوء (1).

و الذي في النهاية و المبسوط:وجوب تقديم الاستنجاء على التيمم و لو بالتنشيف بالخرق و غيرها و ان كان مخرج البول أو المني (2)،يعني:مع تعذر الماء، و لم يذكر شرطيته في صحة التيمم.

و في الخلاف:يجوز تقديم التيمم (3).و لعله أراد به اجزاءه لو قدمه،و لهذا احتج بأن الأمرين واجبان فكيف وقعا تحقق الامتثال.

قال:و كل ظاهر يتضمن الأمر بالوضوء و الاستنجاء يدل على ذلك (4).

قلت:هذا أقوى،و ما ذكره في تضيق الوقت مسلم،لكن الاستنجاء و ازالة النجاسة من مقدمات الصلاة فلا بد لهما من وقت مضروب،و كما لا يجب تحصيل القبلة و الساتر قبل التيمم فكذا هنا.

هذا كله مع إمكان الإزالة،اما مع تعذره فلا إشكال في الجواز.و على ما نقلناه عن الشيخ ليس في كلامه اختلاف صريح،مع ان المفيد-رحمه اللّه-ذكر أيضا تقديم الاستنجاء على التيمم (5)و كذا ذكر ابن البراج (6)و ما هو الا كذكر تقديم الاستنجاء على الوضوء،مع انه لو قدم الوضوء كان صحيحا معتدا به في الأظهر من المذهب.8.

ص: 268


1- المعتبر 1:394.
2- النهاية:50،المبسوط 1:34.
3- الخلاف 1:98 المسألة 45.
4- الخلاف 1:99 المسألة 45.
5- المقنعة:8.
6- المهذب 1:48.
الواجب التاسع:المباشرة بنفسه،

لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا (1)و الأمر حقيقة في طلب الفعل من المأمور.

و يجوز عند الضرورة الاستنابة في الأفعال لا في النية.و هل يضرب المعين بيدي نفسه أو بيدي المؤمّم؟ قال ابن الجنيد:يضرب الصحيح بيديه،ثم يضرب بهما يدي العليل.و لم نقف على مأخذه،و الأقرب:أنه يضرب بيدي العليل إن أمكن و الا فبيدي نفسه،و لا يحتاج الى ان يضرب بهما يدي العليل.

ص: 269


1- سورة النساء:43.
البحث الثاني:في مستحباته.
اشارة

و هي تسعة:

الأول:السواك،

اما لأجل الصلاة،أو لأجل التيمم الذي هو بدل مما يستحب فيه السواك.

الثاني:الأقرب:استحباب التسمية كما في المبدل منه،

لعموم البدأة باسم اللّه أمام كل أمر ذي بال،و أوجبها الظاهرية.

الثالث:قصد الرّبى و العوالي،

و قد مر.

الرابع:تفريج الأصابع عند الضرب،

نص عليه الأصحاب (1)لتتمكن اليد من الصعيد.و لا يستحب تخليلها في المسح،للأصل.

الخامس:نفض اليدين،

لما مر،و لما فيه من إزالة تشويه الخلقة،و قال الشيخ:ينفضهما و يمسح إحداهما بالأخرى (2).

السادس:استيعاب الأعضاء بالمسح كما تقدم،

و لكنه غير مشهور في العمل فتركه أولى.

السابع:مسح الأقطع الباقي،

ذكره في المبسوط بهذه العبارة:و إذا كان مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم،و يستحب ان يمسح ما بقي (3).مع إمكان حمل(ما بقي)على الجبهة،و فيه إشكال،إذ الأقرب:وجوب مسحها،لأنّ«الميسور لا يسقط بالمعسور» (4).فلا يتم هذا التفسير،و لا قوله:

بسقوط فرض التيمم،الا ان يريد فرض التيمم بالنسبة إلى الذراعين،و نحوه قال

ص: 270


1- راجع:النهاية:49،نهاية الإحكام 1:204.
2- المبسوط 1:33.
3- المبسوط 1:33.
4- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.

في الخلاف (1).

الثامن:أن لا يكرر المسح،

لما فيه من التشويه،و من ثم لم يستحب تجديده لصلاة واحدة.

التاسع:الأقرب استحباب أن لا يرفع يده عن العضو حتى يكمل

مسحه،

لما فيه من المبالغة في الموالاة.و يمكن تقدير لموالاة بزمان جفاف الماء لو كان وضوءا،فيستحب نقص زمان التيمم عن ذلك،و لو بلغه فالأقرب:

البطلان.

ص: 271


1- الخلاف 1:17 المسألة 84.
البحث الثالث:في أحكامه و
هي تسع مسائل:
المسألة الأولى:يستباح بالتيمم كل ما يستباح بالطهارة المائية،

من صلاة و طواف واجبين أو ندبين،و دخول مسجد و لو كان الكعبة،و قراءة عزيمة،و غير ذلك من واجب و مستحب،قاله الشيخ-في المبسوط و الخلاف بعبارة تشمل ذلك (1)- و الفاضلان (2)لقوله تعالى وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ (3).

و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«و طهورا» (4).

و لقوله لأبي ذر:«يكفيك الصعيد عشر سنين» (5).

و لرواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (6).

المسألة الثانية:يستباح بالتيمم ما لم ينتقض بحدث أو وجود الماء،

عند علمائنا أجمع،سواء خرج الوقت أولا،و سواء كانت التالية فريضة أو نافلة،لما قلناه.

و روي عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،أ يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلها؟قال:«نعم،ما لم يحدث أو يصب ماء» (7)،و مثله روى السكوني عن الصادق(عليه السلام) (8).

ص: 272


1- المبسوط 1:34،الخلاف 1:138،المسألة 84.
2- المعتبر 1:391،نهاية الإحكام 1:212.
3- سورة المائدة:6.
4- الفقيه 1:155 ح 724،أمالي الصدوق:179 مسند أحمد 5:148،سنن ابن ماجة 1:188 ح 567،سنن النسائي 1:210.
5- الفقيه 1:59 ح 221،التهذيب 1:199 ح 578.
6- الكافي 3:66 ح 3،الفقيه 1:60 ح 223،التهذيب 1:404 ح 1264.
7- الكافي 3:63 ح 4،التهذيب 1:200 ح 580،الاستبصار 1:164 ح 570.
8- التهذيب 1:201 ح 582،الاستبصار 1:163 ح 567.

و عن حماد بن عثمان عنه(عليه السلام)،أ يتيمم لكل صلاة؟قال:«لا، هو بمنزلة الماء» (1).

و أمّا رواية أبي همام عن الرضا(عليه السلام):«يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء» (2).و رواية السكوني عن الصادق(عليه السلام)عن آبائه قال:«لا تستبح بالتيمم أكثر من صلاة واحدة» (3)فمحمولان على التقية أو على الندب، قال الشيخ:أو على رؤية الماء بين الصلاتين،و بانّ أبا همام تارة يرويها عن الرضا (عليه السلام)،و تارة بإسناده إلى السكوني،و هو اضطراب يضعف الخبر،و لأنّ السكوني روى خلاف هذا (4)كما ذكرناه.

المسألة الثالثة:لا إعادة فيما صلى بالتيمم المشروع،

لأنّ امتثال المأمور به يقتضي الاجزاء،و لما مر في المسألة السالفة،و لقول أبي الحسن(عليه السلام)فيما رواه عنه عبد اللّه بن سنان:«قد أجزأته صلاته» (5).

و استثني من ذلك مواضع:

أحدها:من صبّ الماء في الوقت،و قد سلف.

و ثانيها:من تيمم في أوّل الوقت-إذا قلنا به-ثم وجد الماء في الوقت، فأوجب ابن الجنيد و ابن أبي عقيل الإعادة (6)،لرواية يعقوب بن يقطين السالفة (7).

لنا:ما روي عن أبي سعيد الخدري،أن رجلين تيمما فوجدا الماء و صليا في

ص: 273


1- التهذيب 1:200 ح 581،الاستبصار 1:163 ح 566.
2- التهذيب 1:201 ح 583،الاستبصار 1:163 ح 568.
3- التهذيب 1:201 ح 584،الاستبصار 1:164 ح 569.
4- التهذيب 1:201.
5- التهذيب 1:193 ح 556،الاستبصار 1:159 ح 549،161 ح 558،عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام).
6- مختلف الشيعة:54.
7- تقدّمت في ص 255 الهامش 3.

الوقت،فأعاد أحدهما،و سألا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فقال لمن لم يعد:

«أصبت السنة،و أجزأتك صلاتك»،و للآخر:«لك الأجر مرتين» (1).

و رواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)..الى قوله:ثمّ أتى الماء و عليه شيء من الوقت،أ يمضي على صلاته أم يتوضأ و يعيد الصلاة؟ قال:«يمضي على صلاته،فان رب الماء رب التراب» (2).

و الجواب عن خبر ابن يقطين:بحمل الإعادة على بطلان التيمم مع سعة الوقت،و حمل عدم الإعادة على كون التيمم وقع آخر الوقت.هكذا أجاب الفاضل (3)و فيه نوع من التحكّم،و الحمل على الاستحباب حسن كما دل عليه الخبر النبوي.

و ثالثها:إعادة متعمّد الجنابة.

و رابعها:ذو الثوب النجس.

و خامسها:الممنوع بزحام الجمعة و عرفة.

و سادسها:إعادة ما صلاه بالتيمم في الحضر،و قد سلفت في الفصل الثاني.

المسألة الرابعة:الردة لا تبطل التيمم،

فلو عاد إلى الإسلام صلّى به، للاستصحاب،و لعدم ثبوت كونه ناقضا.

و كذا لا يبطله نزع العمامة و الخف،و لا بظن الماء أو شكّه،عملا بأصالة البقاء،و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لأبي ذر:«الصعيد الطيب وضوء المسلم و لو لم يجد الماء عشر حجج،فإذا وجده فليمسه بشرته» (4)،علّق ذلك على الوجود

ص: 274


1- المصنف لعبد الرزاق 1:230 ح 890،سنن الدارمي 1:190،سنن أبي داود 1:93 ح 338، سنن النسائي 1:213،سنن الدار قطني 1:189،المستدرك على الصحيحين 1:178.
2- الفقيه 1:59 ح 220،التهذيب 1:195 ح 564،الاستبصار 1:160 ح 554.
3- مختلف الشيعة:54.
4- مسند أحمد 5:155،180،سنن أبي داود 1:91 ح 332،الجامع الصحيح 1:212 ح 124،سنن الدار قطني 1:187،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:302 ح 1308،المستدرك على الصحيحين 1:176.

و الظنّ لا يحصّله،و وجوب الطلب عند الظن أو الشك لا يلزم منه الانتقاض،و لا يكفي في الانتقاض وجود الماء إذا لم يتمكن من استعماله لأنّه كلا وجود.

المسألة الخامسة:إذا وجد المتيمم الماء و تمكّن من استعماله،
اشارة

ففيه صور:

أحديها:ان يجده قبل الصلاة، فينتقض تيممه إجماعا و يجب استعمال الماء، فلو فقده بعد أعاد التيمم.

الثانية: ان يجده بعد الصلاة،و قد سلف.

الثالثة:ان يجده في أثناء الصلاة، و الروايات فيه مختلفة.

إحداها:رواية محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في المتيمم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة،قال:«يمضي في الصلاة» (1).و عليها المفيد (2)و الشيخ في أحد قوليه (3)و المرتضى في مسائل الخلاف (4)و ابن البراج (5)و ابن إدريس (6)و الفاضلان (7).

و اجتزءوا بتكبيرة الإحرام،حتى قال في الخلاف:لأصحابنا فيه روايتان:

إحداها-و هي الأظهر-:أنّه إذا كبر تكبيرة الإحرام مضى في صلاته (8)فكأنه جعل حين يدخل مبدأ الدخول.

و يؤيّدها وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (9)و الاستصحاب.

ص: 275


1- التهذيب 1:203 ح 590،الاستبصار 1:166 ح 575.
2- المقنعة:8.
3- المبسوط 1:33.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة:51.
5- المهذب 1:48.
6- السرائر:27.
7- المعتبر 1:400،نهاية الإحكام 1:210.
8- الخلاف 1:141 المسألة 89.
9- سورة محمد صلّى اللّه عليه و آله:33.

و ثانيتها:رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،فيمن صلّى بتيمم ركعة (1)فأصاب الماء،قال:«يخرج و يتوضأ و يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم» (2)،و في الرواية:إذا كان قد صلى ركعتين ثم وجد الماء لم يقطعها (3).

و ابن الجنيد يقرب كلامه من هذه في بعض الأحكام،حيث قال:و إذا وجد المتيمم الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية،فإن ركعها مضى في صلاته.فان وجده بعد الركعة الاولى،و خاف من ضيق الوقت ان يخرج ان قطع،رجوت أن يجزئه ان لا يقطع صلاته،فاما قبله فلا بدّ من قطعها مع وجود الماء (4).

و ثالثتها:رواية عبد اللّه بن عاصم-رواها في التهذيب بثلاث طرق عنه عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)-في الرجل يتيمم و يقوم في الصلاة فيجد الماء:«إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ،و ان كان قد ركع فليمض» (5).و عليها عمل:ابن أبي عقيل (6)و الجعفي،و الصدوق (7)و المرتضى في القول الآخر (8).

و الشيخ في النهاية و في التهذيب قيّد الرجوع قبل الركوع بسعة الوقت للوضوء و الصلاة إذا انصرف،لأنّه يكون قد تيمم قبل آخر الوقت (9).و هو بعيد،3.

ص: 276


1- في المصادر بزيادة:(و أحدث)و ستأتي الإشارة إليها في المسألة السادسة.
2- الفقيه 1:58 ذيل ح 214،التهذيب 1:205 ذيل ح 595،الاستبصار 1:167 ذيل ح 580.
3- و هي رواية عمر بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)و هي صدر الرواية المتقدمة.
4- مختلف الشيعة:51.
5- التهذيب 1:204 ح 591-593،و في الكافي 3:64 ح 5،الاستبصار 1:166 ح 576- 578.
6- مختلف الشيعة:51.
7- الفقيه 1:58.
8- جمل العلم و العمل 3:26.
9- النهاية:48،التهذيب 1:203.

لأنّه لو كان المقتضي للإعادة تيممه مع سعة الوقت لم يفرق الامام بين الراكع و غيره من غير استفصال.

قال في المعتبر:رواية ابن حمران أرجح من وجوه:

منها:انّه أشهر في العلم و العدالة من عبد اللّه بن عاصم،و الأعدل مقدّم.

و منها:انّها أخفّ و أيسر و اليسر مراد للّه تعالى.

و منها:أنّ مع العمل برواية محمد يمكن العمل برواية عبد اللّه بالتنزيل على الاستحباب،و لو عمل بروايته لم يكن لرواية محمد محمل (1).

قلت:و يؤيدها ما سلف،و ظاهر قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«فلا ينصرف أحدكم من الصلاة،حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» (2).

و في التذكرة-بعد ذكر نقض هذه-أجاب عن رواية ابن عاصم:بان المراد بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها كالأذان،و بقوله:«ما لم يركع»ما لم يتلبس بالصلاة،و بقوله:«و ان كان قد ركع»دخوله عليها،إطلاقا لاسم الجزء على الكل (3).

و هذا الحمل شديد المخالفة للظاهر،مع انّ لمانع ان يمنع تعارض الروايتين،إذ المطلق يحمل على المقيد،و رواية محمد بن حمران مطلقة،فتحمل على ما إذا ركع.و ليس في قوله:حتى يدخل،تصريح بأول وقت الدخول حتى يتعارضا،و حينئذ لا يحتاج إلى الترجيح بما ذكر.».

ص: 277


1- المعتبر 1:400.
2- صحيح مسلم 1:276 ح 362،سنن ابن ماجة 1:171 ح 514،الجامع الصحيح 1:109 ح 75،سنن النسائي 1:98.
3- تذكرة الفقهاء 1:65. و الظاهر ان العلامة أجاب عن رواية زرارة عن الباقر(عليه السلام)الشبيهة برواية ابن عاصم، و هي في الكافي 3:63 ح 4،و لفظها:..قلت:فإن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة،قال: «فلينصرف و ليتوضأ..»و تمامها كما في رواية ابن عاصم بزيادة:«فإن التيمم أحد الطهورين».

و قال سلار:يرجع ما لم يقرأ (1).كأنّه اعتبر مسمى الصلاة الذي يحصل بهذا القدر،أو اعتبر أكثر الأركان و هو:القيام و النيّة و التكبير،و أكبر الأفعال و هي:القراءة.

و لابن حمزة في الواسطة قول غريب،و هو:أنه إذا وجد الماء بعد الشروع، و غلب ظنه على أنّه ان قطعها و تطهر بالماء لم تفته الصلاة،وجب عليه قطعها و التطهر بالماء،و ان لم يمكنه ذلك لم يقطعها إذا كبر،و قيل:قطع ما لم يركع،و هو محمول على الاستحباب.فاشتمل على وجوب القطع على الإطلاق مع سعة الوقت،و لا أعلم به قائلا منا الا ما نقلناه عن ابن أبي عقيل،و اختاره ابن الجنيد (2)فإنه قريب من هذا،الا ان حكم ابن حمزة باستحباب القطع و الفرض ضيق الوقت مشكل.

فروع:
الفرع الأول:إذا حكمنا بإتمام الصلاة مع وجود الماء:

اما لكونه قد تجاوز محل القطع،أو قلنا بالاكتفاء بالشروع،فهل يعيد التيمم لو فقد الماء بعد الصلاة؟ ظاهر المبسوط نعم،حيث قال:ان فقده استأنف التيمم لما يستأنف من الصلاة،لأن تيممه قد انتقض في حق الصلوات المستقبلة،و هو الأحوط (3).

و الفاضل:مال إليه تارة،لأنه تمكن عقلا من استعمال الماء،و منع الشرع من إبطال الصلاة لا يخرجه عن التمكن،فان التمكن صفة حقيقية لا تتغير بالأمر الشرعي أو النهي،و الحكم معلق على التمكن.

و اعرض عنه اخرى بالمنع الشرعي من قطع الصلاة و الحكم بصحتها،و لو انتقض لبطلت (4).

و كذا قال الشيخ:لو كان في نافلة ثم وجد الماء (5).

ص: 278


1- المراسم:54.
2- مختلف الشيعة:54،المعتبر 1:400.
3- المبسوط 1:33.
4- مختلف الشيعة:54.
5- المبسوط 1:33.

و ربما كان هذا لعدم تحريم قطع النافلة فليس لها حرمة الفريضة،و الشيخ حكم بصحة النافلة و التيمم بعدها.

و فرّع بعضهم على قول الشيخ:انه لا يجوز العدول إلى فائتة سابقة، لانتقاض التيمم بالنسبة إلى كلّ صلاة غير هذه (1).

و الأقرب:الجزم بعدم انتقاضة في صورتي الفريضة أو النافلة.اما بالنسبة إلى ما هو فيها فظاهر،لأنا بنينا على إتمام الصلاة.و اما بالنسبة إلى غيرها، فلاستصحاب الحكم بصحة التيمم إلى الفراغ،و عند الفراغ لا تمكّن من استعمال الماء-لأنه المقدر-فنقول:هذا تيمم صحيح،و كل تيمم صحيح لا ينقضه الا الحدث،أو التمكن من استعمال الماء،و المقدمتان ظاهرتان،و هو مختار المعتبر (2).

و اما قضية العدول فأبلغ في الصحة،لأن العدول ان كان واجبا فالمعدول اليه بدل مما هو فيها بجعل الشرع،فكيف يحكم ببطلانها؟و ان كان مستحبا -كمن عدل عن الحاضرة إلى الفائتة عند من لم يقل بالترتيب بين الفوائت و الحاضرة-فهو أيضا انتقال الى واجب من واجب،غايته ان الانتقال غير متعين و ان كان واجبا مخيرا.و بالجملة المحكوم عليه بالصحة هو نوع الصلاة التي شرع فيها لا هذا الشخص بعينه،و الشيخ انما قال في حق الصلوات المستقبلة.

الفرع الثاني:حيث قلنا لا يرجع فهو للتحريم،

للنهي عن إبطال العمل، و لحرمة الصلاة فلا يجوز انتهاكها.

و تفرد الفاضل بجواز العدول الى النفل،لأن فيه الجمع بين صيانة الفريضة عن الابطال،و أداء الفريضة بأكمل الطهارتين (3).

ص: 279


1- تعرض إلى ذكر ذلك المدارك 2:248 و الحدائق 4:385 و الذخيرة:109 و من غير نسبة.
2- المعتبر 1:401.
3- تذكرة الفقهاء 1:65.

و الأصح المنع،لأن العدول الى النفل إبطال للعمل قطعا،فيحافظ على حرمة الفريضة.و الحمل على ناسي الأذان و الجمعة (1)قياس باطل.و لأنه لو جاز العدول الى النفل لجاز الابطال بغير واسطة،و هو لا يقول به.و لو ضاق الوقت حرم ذلك قطعا.

الفرع الثالث:لو كان في صلاة غير مغنية عن القضاء-

كبعض الصور السالفة عند من أوجب القضاء،و كمن ترك شراء الماء لغلائه-فإنه يتيمم و يصلي ثم يقضي عند ابن الجنيد (2)-فالأجود البطلان،لوجوب الإعادة بوجود الماء بعد الفراغ،ففي أثناء الصلاة أولى.و يمكن المنع،لعموم النهي عن الابطال، و المحافظة على حرمة الصلاة.

المسألة السادسة:لو أحدث المتيمم في الصلاة و وجد الماء،

قال المفيد:ان كان الحدث عمدا أعاد،و ان كان نسيانا تطهر و بنى (3).و تبعه الشيخ في النهاية (4)و ابن حمزة في الواسطة.

و ابن أبي عقيل حكم بالبناء في المتيمم و لم يشرط النسيان في الحدث (5)- و شرطوا عدم تعمد الكلام،و عدم استدبار القبلة،و عولوا على صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)،قال:قلت له:رجل دخل في الصلاة و هو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء،قال:«يخرج و يتوضأ، ثم يبني على ما بقي من صلاته التي صلى بالتيمم» (6).

و روى زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)القطع و البناء إذا وجد الماء و لم

ص: 280


1- نفس المصدر السابق.
2- المعتبر 1:369.
3- المقنعة:8.
4- النهاية:48.
5- مختلف الشيعة:53.
6- التهذيب 1:204 ح 594،و فيه:«على ما مضى».

يذكر الحدث-و قد سبقت (1)-و هي دالة على إطلاق ابن أبي عقيل (2)،و قد سبق في المبطون حكم يقرب من هذا.

و الصدوق أورد الرواية الصحيحة (3)،فكأنه عامل بها لما ذكر في ديباجة كتابه (4).

و في التهذيب احتج بالرواية للمفيد،و أورد لزوم بناء المتوضئ لو أحدث في أثناء الصلاة،و أجاب بأن الإجماع أخرجه و الأخبار.

كرواية الحسن بن الجهم عن أبي الحسن(عليه السلام)فيمن صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة:«ان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد».

و رواية عمار عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع متلطخا بالعذرة:يعيد الوضوء و الصلاة (5).

و في المعتبر حسّن ما قاله الشيخان،قال:لأن الإجماع على أنّ الحدث عمدا يبطل الصلاة فيخرج من إطلاق الرواية،و يتعيّن حملها على غير صورة العمد، لأن الإجماع لا يصادمه (6).

قال:و لا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكراه فإنها مشهورة،و يؤيدها ان الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء الحدث فلا يبطل بزوال الاستباحة- كصلاة المبطون إذا فجأه الحدث-بخلاف المصلي بالطهارة المائية،لأن حدثه7.

ص: 281


1- تقدّمت في صفحة 276 هامش 2.
2- مختلف الشيعة:53.
3- الفقيه 1:58 ح 214.
4- إشارة إلى قوله:(.بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به و أحكم بصحته و اعتقد فيه انه حجة فيما بيني و بين ربي تقدس ذكره..)
5- التهذيب 1:205-206 و الحديثين فيه برقم 596،597.
6- المعتبر 1:407.

مرتفع،فالحدث المتجدد رافع لطهارته فتبطل (1).

و ابن إدريس ردّ الرواية للتسوية بين نواقض الطهارتين،و ان التروك متى كانت من النواقض لم يفترق العامد فيها و الساهي.قال:و انما ورد هذا الخبر فأوّله بعض أصحابنا بصلاة المتيمم (2).

قلت:الأول محل النزاع،و الرواية مصرحة بالمتيمم،فكيف يجعل تأويلا؟ و في المختلف ردّها أيضا لاشتراط صحة الصلاة بدوام الطهارة،و لما قاله ابن إدريس.و قال:الطهارة المتخللة فعل كثير،و كل ذلك مصادرة.ثم أوّل الرواية بحمل الركعة على الصلاة تسمية للكل بالجزء،و بان المراد ب:«ما مضى من صلاته»ما سبق من الصلوات السابقة على وجدان الماء،أو يرجع إذا صلى ركعة استحبابا و يبني على ما مضى من الصلوات السابقة على التيمم (3).

قلت:لفظ الرواية:«يبني على ما بقي من صلاته»و ليس فيها«ما مضى» فيضعف التأويل مع أنه خلاف منطوق الرواية صريحا.

المسألة السابعة:يجب استيعاب مواضع المسح،

فلو ترك منه شيء بطل و ان قل، عمدا كان أو سهوا،ما لم يتداركه في محل الموالاة لعدم امتثال أمر الشارع.و لا فرق بين طول الزمان و قصره إذا خرج عن الموالاة.و لا بين قدر الدرهم و لا ما دونه.

المسألة الثامنة:التيمم لا يرفع الحدث،

لما مر.

و حكاه في الخلاف عن كافة الفقهاء الا داود و بعض المالكية (4).

و قال في المعتبر:هو مذهب العلماء كافّة،و قيل:يرفع،و اختلف في قائله، قيل:هو أبو حنيفة و مالك،مع ان ابن عبد البر منهم نقل الإجماع عليه.و لأن

ص: 282


1- المعتبر 1:407.
2- السرائر:27.
3- مختلف الشيعة:53.
4- الخلاف 1:144 المسألة 92.

المتيمم يجب عليه استعمال الماء عند التمكن منه بحسب الحدث السابق،فلا يكون وجود الماء حدثا و الا لاستوى المحدث و الجنب فيه،لكن المحدث لا يغتسل و الجنب لا يتوضأ قطعا.و لما مرّ من قضية عمرو (1).

و قال المرتضى في شرح الرسالة:ان المجنب إذا تيمم ثم أحدث أصغر، و وجد ماء يكفيه للوضوء توضأ به،لأن حدثه الأول قد ارتفع و جاء ما يوجب الصغرى و قد وجد من الماء ما يكفيه لها،فيجب عليه استعماله و لا يجزئه تيممه (2).

و يمكن ان يريد بارتفاع حدثه استباحة الصلاة،و ان الجنابة لم تبق مانعة منها،فلا ينسب الى مخالفة الإجماع.

و الشيخ في الخلاف حكم في هذه الصورة بوجوب إعادة التيمم بدلا من الجنابة،و ان لا حكم لحدث الوضوء فلا يستعمل الماء فيه،و استدل بان حدث الجنابة باق (3).

و على مذهب المرتضى لو لم يجد ماء للوضوء ينبغي الإعادة بدلا من الوضوء.

و نقل في المختلف:ان الأكثر على خلافه،و احتج له بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)في رجل أجنب في سفر و معه ماء بقدر ما يتوضأ به،قال:«يتيمم و لا يتوضأ» (4)و للمرتضى أن يحمله على ما قبل التيمم عن الجنابة،فلا يلزم مثله فيما بعده.2.

ص: 283


1- المعتبر 1:394-395.و قضية عمرو تقدمت في ص.
2- انظر المهذب لابن فهد 1:217.
3- الخلاف 1:144 المسألة 92.
4- مختلف الشيعة:55. و صحيحة محمد بن مسلم في التهذيب 1:405 ح 1272.
المسألة التاسعة:فاقد الماء لو كان على محاله جبائر،

و تعذر نزعها،مسح عليها كما يمسح بالماء بل أولى.فلو زالت بعد التيمم انسحب الوجهان في الطهارة المائية.

و اللّه الموفق.

ص: 284

كتاب الصلاة معرفة أعداد الصلاة

ص: 285

ص: 286

الباب الثاني:معرفة أعداد الصلاة
اشارة

و نذكر هنا اليومية و سننها و الباقي يأتي إن شاء اللّه تعالى.و قد تضمّنت الأخبار من طريقي الخاصة و العامة:«إنّ اللّه تعالى أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بخمسين صلاة ليلة المعراج،فمرّ على النبيين صلّى اللّه عليهم لا يسألونه عن شيء،حتى مرّ على موسى على نبينا و عليه الصلاة و السلام فسأله فأجابه،فقال:

سل ربّك التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك،فسأل ربّه فحطّ عشرا.ثم عاد ثانية فقال له:سل ربّك التخفيف،فحطّ عشرا.و هكذا خمس مرات حتى صارت خمسا» (1)فعن زين العابدين عليه السلام:خمس بخمسين لآية المضاعفة (2).

فالمفروض خمس:الظهر،و العصر،و العشاء الآخرة.و كلّ واحدة أربع ركعات بتشهدين و تسليم حضرا،و ركعتان بتشهد و تسليم سفرا.و المغرب ثلاث ركعات،بتشهدين و تسليم حضرا و سفرا.و الصبح ركعتان حضرا و سفرا.

و اما الوتر،فمن خصائص النبي صلّى اللّه عليه و آله،لما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«ثلاث كتبت عليّ و لم تكتب عليكم:الوتر،و النحر، و ركعتا الفجر» (3).

ص: 287


1- تفسير القمي 2:12،الفقيه 1:125 ح 602،صحيح البخاري 1:98،الجامع الصحيح 1:417 ح 213،سنن النسائي 1:200.
2- الفقيه 1:126 ح 603،أمالي الصدوق:371،التوحيد:176،علل الشرائع: 132.
3- سنن الدار قطني 2:21،المستدرك على الصحيحين 1:300.

و عن علي عليه السلام:«الوتر ليس بحتم،و انما هو سنّة» (1).

و روى الأصحاب عن الصادق عليه السلام بطريق محمد الحلبي:«إنما كتب اللّه الخمس،و ليست الوتر مكتوبة» (2).

و روى عنه أبو أسامة:«الوتر سنّة لا فريضة» (3).

و هذا كله إجماع و ان خالف بعض العامة في الوتر،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ اللّه زادكم صلاة،و هي:الوتر» (4)،و التمسك به ضعيف،لأنّ الزيادة أعمّ من الوجوب.و روى الأصحاب عن عبيد،عن أبيه،عن الباقر عليه السلام:«الوتر في كتاب علي عليه السلام واجب» (5)و أوّل بالتأكيد.و من الحجّة على عدم وجوب الوتر:الإجماع على تحقّق الصلاة الوسطى،و لو كان واجبا لانتفت.

و الصلاة الوسطى هي الظهر،و نقل الشيخ-في الخلاف-فيه إجماع الفرقة (6)و قال ابن الجنيد:عندنا هي الظهر (7)و رواية البزنطي عن الصادق عليه السلام و زرارة عن الباقر عليه السلام،قال حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى «هي صلاة الظهر،و هي أول صلاة صلاّها رسول اللّه صلى اللّه عليه3.

ص: 288


1- المصنف لعبد الرزاق 3:3 ح 4569،المصنف لابن أبي شيبة 2:296،مسند احمد 1: 86،سنن الدارمي 2:371،سنن ابن ماجة 1:370 ح 1169،الجامع الصحيح 2:316 ح 453.
2- التهذيب 2:11 ح 22،عن الحلبي عن الصادق عليه السلام.
3- التهذيب 2:243 ح 961.
4- المصنف لعبد الرزاق 3:7 ح 4582،المصنف لابن أبي شيبة 2:297،مسند أحمد 2: 206،سنن الدار قطني 2:31،السنن الكبرى 2:469.
5- التهذيب 2:243 ح 962.
6- الخلاف 1:294 المسألة 40.
7- مختلف الشيعة:123.

و آله،و هي وسط بين صلاتين بالنهار:صلاة الغداة،و العصر» (1)و لأنّها وسط بين نافلتين متساويتين،و به علّل ابن الجنيد (2).

و نقل المرتضى إجماع الشيعة على انّها العصر (3)و بما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«شغلونا عن الصلاة الوسطى:صلاة العصر» (4)و لأنّها وسط بين صلاتي نهار و صلاتي ليل.

و أمّا المستحب في اليوم و الليلة من النوافل الراتبة،فالمشهور أربع و ثلاثون ركعة:ثمان قبل الظهر،و ثمان قبل العصر،و أربع بعد المغرب، و ركعتان تصليان جلوسا بعد العشاء الآخرة،و ثمان في الليل،و ركعتا الشفع، و ركعة الوتر،و ركعتا الصبح قبلها.و لا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب،و نقل فيه الشيخ الإجماع منا (5).

و نقل الراوندي انّ بعض الأصحاب يجعل الست عشرة للظهر،و صحّح المشهور.

و ابن الجنيد جعل قبل العصر ثماني ركعات،للعصر منها ركعتان (6)، و فيه إشارة إلى انّ الزائد ليس لها،و لم يخالف في العدد،و يشهد لقوله رواية عمار الآتية في التنبيه السابع (7).و معظم الأخبار و المصنفات خالية من التعيين6.

ص: 289


1- رواية زرارة في الكافي 3:271 ح 1،الفقيه 1:124 ح 600،التهذيب 2:241 ح 954 و الآية في سورة البقرة:238.
2- مختلف الشيعة:123.
3- المسائل الميافارقيات 1:275.
4- مسند احمد 1:113،صحيح مسلم 1:437 ح 205،سنن أبي داود 1:112 ح 409، مسند أبي يعلى 1:314 ح 390،السنن الكبرى 1:460.
5- الخلاف 1:525 المسألة 266.
6- مختلف الشيعة:123.
7- ستأتي في ص 301 الهامش 6.

للعصر و غيرها.

و على ما فصلناه دل ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده إلى إسماعيل بن سعد عن الرضا عليه السلام:«الصلاة احدى و خمسون ركعة» (1)و مثله روى الفضيل بن يسار و الفضل بن عبد الملك و بكير عن الصادق عليه السلام (2).

و سأل عمرو بن حريث أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:«كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يصلي ثماني ركعات الزوال،و أربعا الأولى،و ثماني بعدها،و أربعا العصر،و ثلاثا المغرب،و أربعا بعد المغرب،و العشاء الآخرة أربعا،و ثماني صلاة الليل،و ثلاثا الوتر،و ركعتي الفجر،و صلاة الغداة ركعتين» (3).

و هذا الخبر لم يتضمن نافلة العشاء الآخرة،و هو مذكور في خبر الفضيل ابن يسار (4)و الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه السلام (5).و في رواية الحارث:

«كان أبي يصليهما و هو قاعد،و أنا أصليهما و أنا قائم» (6).و في خبر سليمان بن خالد عنه عليه السلام:«ركعتان بعد العشاء الآخرة،تقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا،و القيام أفضل» (7).و روى البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام مثله (8)و قال:«و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّ بركعة» (9).و الجمع بينهما بجوازها من قعود و من قيام.4.

ص: 290


1- الكافي 3:446 ح 16،التهذيب 2:3 ح 1،الاستبصار 1:218 ح 771.
2- الكافي 3:443 ح 3،التهذيب 2:4 ح 3،الاستبصار 1:218 ح 773.
3- الكافي 3:443 ح 5،التهذيب 2:4 ح 4،الاستبصار 1:218 ح 774.
4- الكافي 3:443 ح 2.
5- التهذيب 2:4 ح 5.
6- التهذيب 2:4 ح 5.
7- التهذيب 2:5 ح 8.
8- اي:مثل الحديث المتقدّم في الهامش 3.
9- الكافي 3:444 ح 8،التهذيب 2:8 ح 14.

و قد روي في غير المشهور عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«الذي يستحب أن لا ينقص منه:ثمان للزوال،و بعد الظهر ركعتان،و قبل العصر ركعتان،و بعد المغرب ركعتان،و قبل العتمة ركعتان»،ثم ذكر الليلية و نافلة الصبح (1)و مثله روى ابن بابويه عن الباقر عليه السلام في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2)و مثله روى عن يحيى بن حبيب عن الرضا عليه السلام (3)فذلك تسع و عشرون ركعة.

و روى زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انها سبع و عشرون،اقتصر بعد المغرب على ركعتين (4).

و كلّه محمول على المؤكّد من المستحب،و لا ينافي مطلق الاستحباب.2.

ص: 291


1- التهذيب 2:6 ح 11،الاستبصار 1:219 ح 777.
2- الفقيه 1:146 ح 678.
3- التهذيب 2:6 ح 10،الاستبصار 1:219 ح 776.
4- التهذيب 2:7 ح 12.
تنبيهات
الأول:قال ابن بابويه:أفضل هذه الرواتب:ركعتا الفجر،

ثم ركعة الوتر،ثم ركعتا الزوال،ثم نافلة المغرب،ثم تمام صلاة الليل،ثم تمام نوافل النهار (1).

و قال ابن أبي عقيل لما عدّ النوافل:و ثماني عشرة ركعة بالليل،منها نافلة المغرب و العشاء.ثم قال:بعضها أوكد من بعض،فأوكدها الصلوات التي تكون بالليل،لا رخصة في تركها في سفر و لا حضر (2).و لعله لكثرة ما ورد في صلاة الليل من الثواب:فروى في(من لا يحضره الفقيه):«إن جبرائيل عليه السلام قال للنبي صلّى اللّه عليه و آله:شرف المؤمن صلاته بالليل» (3).

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام:«عليك بصلاة الليل -ثلاثا-» (4)و لأبي ذر:«من ختم له بقيام الليل،ثم مات،فله الجنة» (5).

و عن بحر السقاء عن الصادق عليه السلام:«انّ من روح اللّه التهجد بالليل» (6).

و روى عنه الفضيل بن يسار:انّ البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن،تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض» (7).

و مدح اللّه عز و جل عليا عليه السلام بقيام الليل بقوله تعالى:

ص: 292


1- الفقيه 1:314.
2- مختلف الشيعة:123.
3- الفقيه 1:298 ح 1363،الخصال 1:7.
4- الفقيه 1:307 ح 1402،و في المحاسن:17،و الكافي 8:79 ح 33.
5- الفقيه 1:300 ح 1376،التهذيب 2:122 ح 465.
6- الفقيه 1:298 ح 1364،أمالي الطوسي 1:175.
7- الفقيه 1:299 ح 1370،ثواب الاعمال:66،التهذيب 2:122 ح 464.

أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً (1) في أخبار كثيرة رواها هو و غيره.

و في الخلاف:ركعتا الفجر أفضل من الوتر،بإجماعنا،و روت عائشة انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«ركعتا الفجر خير من الدنيا و ما فيها» (2).

و في المعتبر:ركعتا الفجر أفضل من الوتر،لما رووه عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«صلوهما و لو طردتكم الخيل».و عن عائشة:لم يكن النبي صلّى اللّه عليه و آله على شيء من النوافل أشدّ معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح.و روينا عن علي عليه السلام في قوله تعالى إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً قال:«ركعتا الفجر تشهدهما ملائكة الليل و النهار».و عن الصادق عليه السلام:«من كان يؤمن باللّه فلا يبيتن الا بوتر» (3).

قلت:و فيه دلالة على رجحانها على غيرها خرج منه ركعتا الفجر.

قال فيه أيضا:ثم نافلة المغرب،لرواية الحارث ابن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في سفر و لا حضر و ان طلبتك الخيل» (4).و خبر الخفاف الآتي يدل عليه.7.

ص: 293


1- الفقيه 1:299 ح 1371. و الآية في سورة الزمر:9.
2- الخلاف 1:523 المسألة 264. و الرواية في:مسند أحمد 6:265،صحيح مسلم 1:501 ح 725،الجامع الصحيح 2:275 ح 416،سنن النسائي 3:252،السنن الكبرى 2:470.
3- المعتبر 2:16-17. و رواية أبي هريرة في السنن الكبرى 2:471. و رواية عائشة في:مسند أحمد 6:54،صحيح مسلم 1:501 ح 724،سنن أبي داود 2:19 ح 1254. و نحو رواية علي عليه السلام في:الكافي 8:338 ح 536،و الفقيه 1:291 ح 1321، و علل الشرائع:324،عن علي بن الحسين عليه السلام. و مثل رواية الصادق في:علل الشرائع:330 عن الباقر عليه السلام.
4- المعتبر 2:17. و رواية الحارث في:التهذيب 2:113 ح 423. و رواية أبي بصير في:المحاسن:53،الخصال:610،التهذيب 2:121 ح 457.

قال أيضا:ثم صلاة الليل،لرواية أبي بصير عنه عليه السلام عن آبائه عن علي عليه السلام،قال:«قيام الليل مصحة للبدن،و رضى الرب،و تمسك بأخلاق النبيين،و تعرض لرحمته».

قلت:هذه التمسكات غايتها الفضيلة،اما الأفضلية فلا دلالة فيها عليها.و تظهر الفائدة في الترغيب في الأفضل و نذره،و غير ذلك.

الثاني:يكره الكلام بين المغرب و نافلتها،

لرواية أبي الفوارس:نهاني أبو عبد اللّه عليه السلام أن أتكلم بين الأربع التي بعد المغرب (1).

و عن أبي العلاء الخفاف عنه عليه السلام:«من صلّى المغرب ثم عقّب و لم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين،فان صلّى أربعا كتبت له حجة مبرورة» (2).و نقله ابن بابويه عن الصادق عليه السلام (3)مع ضمانه صحة ما يورده في كتابه.

الثالث:في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب

روايتان يجوز العمل بهما،إحداهما:

رواية حفص الجوهري عن الهادي عليه السلام انها بعد السبع (4).

و الثانية:رواية جهم،قال:رأيت أبا الحسن الكاظم عليه السلام و قد سجد بعد الثلاث،و قال:«لا تدعها،فان الدعاء فيها مستجاب» (5).مع إمكان حمل هذه على سجدة مطلقة و ان كان بعيدا.

و قد روى استجابة الدعاء عقيب المغرب و بعد الفجر،و بعد الظهر و في

ص: 294


1- الكافي 3:443 ح 7،التهذيب 2:114 ح 425.
2- التهذيب 2:113 ح 422.
3- الفقيه 1:143 ح 664.
4- التهذيب 2:114 ح 426،الاستبصار 1:347 ح 1308.
5- الفقيه 1:217 ح 967،التهذيب 2:114 ح 427،الاستبصار 1:347 ح 1309.

الوتر:الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام (1).

و يستحب أن يقال في السجدة بعد السبع ليلة الجمعة سبع مرات:

«اللّهم إني أسألك بوجهك الكريم،و اسمك العظيم،أن تصلي على محمد و آل محمد،و ان تغفر لي ذنبي العظيم» (2).

الرابع:كل النوافل يسلم فيها بعد الركعتين،الا الوتر

فإنه بعد الركعة، لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«مفتاح الصلاة الطهور،و بين كل ركعتين تسليمة» (3).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«صلاة الليل و النهار مثنى مثنى»،رواه ابن عمر (4).

و منع في المبسوط من الزيادة على ركعتين (5)اقتصارا على ما نقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته.و قال في الخلاف:إن فعل خالف السنّة، و احتج بإجماعنا،و بما رواه ابن عمر:انّ رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن صلاة الليل،فقال:«صلاة الليل مثنى مثنى،فإذا خشي أحدكم الصبح،صلّى ركعة واحدة توتر له ما قد صلّى»،ثم ذكر الخبر السابق عن ابن عمر،و قال:فدلّ على انّ ما زاد على مثنى لا يجوز (6).و ظاهر كلامه في الكتابين عدم شرعيته و انعقاده.

ص: 295


1- الكافي 3:343 ح 17،التهذيب 2:114 ح 428.
2- الكافي 3:428 ح 1،الفقيه 1:273 ح 1249،التهذيب 2:115 ح 431.
3- السنن الكبرى 2:380.
4- سنن ابن ماجة 1:419 ح 1322،سنن أبي داود 2:29 ح 1295،الجامع الصحيح 2: 491 ح 597،سنن النسائي 3:227،سنن الدار قطني 1:417.
5- المبسوط 1:71.
6- الخلاف 1:527 المسألة 267. و رواية ابن عمر في:الموطأ 1:123،صحيح البخاري 2:30،صحيح مسلم 1:516 ح 749،سنن أبي داود 2:36 ح 1326،الجامع الصحيح 2:300 ح 437.

و هل تجوز الركعة الواحدة في غير الوتر؟منع منه في الخلاف و المعتبر (1)اقتصارا على المتفق عليه من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (2)،و لرواية ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه نهى عن البتيراء (3)،يعني:الركعة الواحدة.

و قد ذكر الشيخ في المصباح عن زيد بن ثابت صلاة الأعرابي عند ارتفاع نهار الجمعة عشر ركعات:يقرأ في الركعتين الأوليين الحمد مرة و الفلق سبعا، و في الثانية بعد الحمد الناس سبعا،و يسلم و يقرأ آية الكرسي سبعا،ثم يصلي ثماني ركعات بتسليمتين،يقرأ في كل ركعة الحمد مرة،و النصر مرة، و الإخلاص خمسا و عشرين مرة.ثم يدعو بالمرسوم (4).و لم يذكر سندها،و لا وقفت لها على سند من طرق الأصحاب.

قال ابن إدريس:قد روي رواية في صلاة الأعرابي،فإن صحّت لا تعدّي،لأنّ الإجماع على انّ الركعتين بتسليمة (5).

الخامس:تسقط في السفر نوافل الظهرين عند علمائنا،

لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«الصلاة في السفر ركعتان،ليس قبلهما و لا بعدهما شيء،إلا المغرب فان بعدها أربع ركعات،لا تدعهن في حضر و لا سفر» (6).

و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:«لا تصل قبل الركعتين و لا بعدهما شيئا نهارا» (7).

ص: 296


1- الخلاف 1:119 المسألة 221،المعتبر 2:18.
2- راجع:صحيح مسلم 1:508 ح 736،سنن ابن ماجة 1:418 ح 1318،السنن الكبرى 2:486.
3- النهاية لابن الأثير 1:93،الفائق 1:72،و راجع:كشف الخفاء 1:330 ح 877.
4- مصباح المتهجد:281.
5- السرائر:39.
6- الكافي 3:349 ح 3،التهذيب 2:14 ح 36.
7- التهذيب 2:14 ح 32.

رواية أبي يحيى الحناط عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انّه قال له:«يا بنيّ:لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة»و قد سأله عن نافلة النهار سفرا (1).

و رواية صفوان بن يحيى عن الرضا عليه السلام (2).

و روى معاوية بن عمار و حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قضاءها للمسافر ليلا (3).و حمله الشيخ على الجواز،لقوله عليه السلام:«أكره أن أقول لهم لا تصلوا،و اللّه ما ذلك عليهم»رواه عمر بن حنظلة عنه،حيث سأله عن قضائها ليلا فنهاه،فقال:سألك أصحابنا فقلت:أقضوا (4).

و تثبت الليلية سفرا،لرواية الحارث بن المغيرة عنه عليه السلام:«كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر و لا في حضر» (5)و هو شامل لنافلة الصبح،و تختص بقول الرضا عليه السلام:«صل ركعتي الفجر في المحمل» (6).

و اختلف في الوتيرة،فالمشهور سقوطها،و ادّعى فيه ابن إدريس الإجماع (7)لروايتي أبي بصير و أبي يحيى السابقتين (8).

و في النهاية:يجوز فعلها (9)لرواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام:«انما صارت العشاء مقصورة و ليست تترك ركعتاها لأنها زيادة في5.

ص: 297


1- الفقيه 1:285 ح 1293،التهذيب 2:16 ح 44،الاستبصار 1:221 ح 780.
2- التهذيب 2:16 ح 45،46،48،الاستبصار 1:221 ح 781-783.
3- التهذيب 2:16 ح 45،46،48،الاستبصار 1:221 ح 781-783.
4- التهذيب 2:17 ح 47،الاستبصار 1:222 ح 784.
5- التهذيب 2:15 ح 39.
6- الكافي 3:441 ح 12،التهذيب 2:15 ح 38.
7- السرائر:39.
8- تقدمتا في ص 296 الهامش 6 و الهامش 1 من هذه الصفحة.
9- النهاية:125.

الخمسين تطوعا،ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع» (1).

قلت:هذا قوي،لأنه خاص و معلّل و ما تقدّم خال منهما،الاّ ان ينعقد الإجماع على خلافه.

السادس:تستحب الضجعة بعد نافلة الفجر على الجانب الأيمن،

رواه أبو هريرة و عائشة عن أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله (2)و فعله (3).

و روينا عن سليمان بن خالد،قال:سألته-يعني أبا عبد اللّه عليه السلام-عمّا أقول إذا اضطجعت على يميني بعد ركعتي الفجر،فقال عليه السلام:«اقرأ الخمس التي في آخر آل عمران الى«الميعاد»،و قل:

استمسكت بعروة اللّه الوثقى التي لا انفصام لها،و اعتصمت بحبل اللّه المتين، و أعوذ باللّه من شر فسقة العرب و العجم.آمنت باللّه،و توكلت على اللّه،ألجأت ظهري الى اللّه،فوضت أمري الى اللّه، مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ،إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ،قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ،حسبي اللّه و نعم الوكيل.اللهم من أصبحت حاجته الى مخلوق فإنّ حاجتي و رغبتي إليك.الحمد لرب الصباح، الحمد لفالق الإصباح-ثلاثا-» (4).

و هذه الضجعة ذكرها الأصحاب (5)و كثير من العامة (6)قال الأصحاب:

و يجوز بدلها السجدة و المشي و الكلام،الا انّ الضجعة أفضل (7).

روى إبراهيم بن أبي البلاد،قال:صليت خلف الرضا عليه السلام في

ص: 298


1- الفقيه 1:290 ح 1320،علل الشرائع:267،عيون أخبار الرضا 2:113.
2- مسند أحمد 2:415،سنن أبي داود 2:21 ح 1261،الجامع الصحيح 2:281 ح 420.
3- صحيح البخاري 2:31،صحيح مسلم 1:508 ح 736،الجامع الصحيح 2:282 ح 420.
4- التهذيب 2:136 ح 530.
5- راجع:المقنعة:22،المبسوط 1:132،السرائر:68،المعتبر 2:19.
6- المجموع 4:27،المغني 1:799.
7- راجع الهامش 5.

المسجد الحرام صلاة الليل،فلما فرغ جعل مكان الضجعة سجدة (1).

قلت:في هذا إيماء إلى الاقتداء بالنافلة،و تصريح بصلاة النافلة في المسجد،مع إمكان حمل قوله(خلف)على المكان.

و في مرسلة الحسين بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«يجزئك من الاضطجاع بعد ركعتي الفجر القيام و القعود و الكلام» (2)و نحوه رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (3).

و روى سليمان بن حفص،قال:قال أبو الحسن الأخير:«إياك و النوم بين صلاة الليل و الفجر،و لكن ضجعة بلا نوم،فان صاحبه لا يحمد على ما قدّم من صلاته» (4).

و روى عمر بن يزيد،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«ان خفت الشهرة في التكأة،أجزأك أن تضع يديك على الأرض و لا تضطجع»و أومأ بأطراف أصابعه من كفه اليمنى فوضعها في الأرض قليلا (5).

و روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام،فيمن نسي أن يضطجع على يمينه بعد ركعتي الفجر فذكر حين أخذ في الإقامة،كيف يصنع؟قال:

«يتمم و يصلي و يدع ذلك فلا بأس» (6).

و كل هذه متضافرة في استحباب الضجعة و رجحانها على غيرها.

و يستحب ان يصلّي على النبي و آله مائة مرة بين ركعتي الفجر و فريضتها، ليقي اللّه وجهه من النار،رواه الصدوق (7).6.

ص: 299


1- الكافي 3:448 ح 26،التهذيب 2:137 ح 531.
2- التهذيب 2:137 ح 532.
3- التهذيب 2:137 ح 533،339 ح 1400،الاستبصار 1:349 ح 1320.
4- التهذيب 2:137 ح 534.
5- التهذيب 2:338 ح 1398.
6- التهذيب 2:338 ح 1399،و فيه:«يقيم و يصلي».
7- الفقيه 1:314 ح 1426.
السابع:قال في المعتبر:لا يجوز التنفّل قبل المغرب،

لأنّه إضرار بالفريضة،و لما رواه أبو بكر عن جعفر عليه السلام:«إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوع»،و نحوه رواية أديم بن الحر عنه عليه السلام (1).

قال:و ذهب إليه قوم من أصحاب الحديث من الجمهور (2).

قلت:احتجّوا بما روي في الصحيحين عن عبد اللّه بن مغفل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«صلّوا قبل المغرب ركعتين»قاله ثلاثا،و في الثالثة:«لمن شاء»كراهة أن يتخذها الناس سنة (3).و روي عن أنس،قال:

صليت ركعتين قبل المغرب على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (4).

و عورضوا:بما روي عن ابن عمر،قال:ما رأيت أحدا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصليهما (5).و عن عمر:انّه كان يضرب عليهما (6).

الا انّ الإثبات أصح إسنادا،و شهادة ابن عمر على النفي.و فعل عمر جاز ان يستند الى اجتهاده.و احتجاج المحقق على المنع بالإضرار ممنوع كما في الرواتب قبل الفرائض.و نفي التطوع في الخبر جاز أن يكون لنفي الأفضلية لا لنفي الصحة،و لانه مخصوص بالرواتب الباقية،و يمكن حمله على التطوع بقضاء النافلة،مع انّه معارض بما روي في التهذيب:

عن سماعة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله،أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟فقال:«إن كان في وقت

ص: 300


1- المعتبر 2:20. و الروايتان في التهذيب 2:167 ح 660،663،الاستبصار 1:292 ح 1071.
2- المعتبر 2:20.
3- صحيح البخاري 2:74،سنن أبي داود 2:26 ح 1281،السنن الكبرى 2:474.
4- صحيح مسلم 1:573 ح 836،مسند أبي يعلى 7:43 ح 3956،السنن الكبرى 2:475.
5- السنن الكبرى 2:476.
6- صحيح مسلم 1:573 ح 836.

حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة،و ان خاف فوت الوقت فليبدأ بالفريضة» (1).

و عن إسحاق بن عمار،قال:قلت:أصلي في وقت فريضة نافلة،قال:

«نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به،فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة» (2).

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس،فقال:«يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة» (3).

و عن عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس،فركع ركعتين ثم صلّى الصبح» (4).

قال في التهذيب:انما يجوز التطوع بركعتين ليجتمع الناس ليصلوا جماعة كما فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله،فامّا إذا كان الإنسان وحده فلا يجوز ان يبدأ بشيء من التطوع (5).

و عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لكل صلاة مكتوبة ركعتان نافلة،إلا العصر فإنه يقدّم نافلتها،و هي الركعتان التي تمت بهما الثماني بعد الظهر.فإذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا، حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها،ثم اقض ما شئت» (6).6.

ص: 301


1- الكافي 3:288 ح 3،الفقيه 1:257 ح 1165،التهذيب 2:264 ح 1051.
2- الكافي 3:289 ح 4،التهذيب 2:264 ح 1052.
3- التهذيب 2:265 ح 1057،الاستبصار 1:286 ح 1048.
4- التهذيب 2:265 ح 1058،الاستبصار 1:286 ح 1049.
5- التهذيب 2:265.
6- التهذيب 2:273 ح 1086.

و هذه الاخبار يستفاد منها جواز النافلة في وقت الفريضة،و خصوصا إذا كانت الجماعة منتظرة.نعم،قد قال ابن أبي عقيل انّه قد تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام انّهم قالوا:«ثلاث صلوات إذا دخل وقتهن لا يصلى بين أيديهن نافلة:الصبح،و المغرب،و الجمعة إذا زالت الشمس» (1)فان صحّ هذا صلح للحجّة،و مثله أورده الجعفي.

و قد اشتملت تلك الأحاديث على جواز التطوع أداء و قضاء لمن عليه فريضة،و قد عارضها نحو رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انه قال:«لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة» (2)مع إمكان حمله على الكراهية.فعلى هذا تجوز نافلة الطواف و الزيارة و شبهها لمن عليه فريضة إذا كان لا يضرّ بها.

الثامن:قال ابن الجنيد:يستحب الإتيان بصلاة الليل في ثلاثة أوقات،

لقوله تعالى وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ ،و قد رواه أهل البيت عليهم السلام (3).

قلت:أشار الى ما رواه معاوية بن وهب،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول و ذكر صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«كان يأتي بطهور فيخمر عند رأسه،و يوضع سواكه تحت فراشه،ثم ينام ما شاء اللّه.فإذا استيقظ جلس،ثم قلّب بصره في السماء،ثم تلا الآيات من آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ثم يستنّ و يتطهّر،ثم يقوم الى المسجد فيركع أربع ركعات،على قدر قراءته ركوعه،و سجوده على قدر ركوعه،يركع حتى يقال متى يرفع رأسه،و يسجد حتى يقال متى يرفع رأسه،ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء اللّه.

ص: 302


1- الحديث في أمالي الطوسي 2:306.
2- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:266 ح 1059،الاستبصار 1:286 ح 1046.
3- مختلف الشيعة:124. و الآية في سورة طه:130.

ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السماء، ثم يستن و يتطهر و يقوم الى المسجد،فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك، ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء اللّه.ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السماء،ثم يستن و يتطهر و يقوم الى المسجد،فيوتر و يصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة» (1).و معنى يستن:يستاك.

و دلّت رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام على جواز الجمع،قال:

«انما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة» (2).

و روايات على فعلها آخر الليل:

كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و من السحر ثماني ركعات» (3).

و رواية زرارة:«و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل» (4).

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة» (5).

و رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل» (6).

و رواية سليمان بن حفص عن العسكري عليه السلام،قال:«إذا بقي3.

ص: 303


1- التهذيب 2:334 ح 1377. و الآية في سورة آل عمران:164.
2- التهذيب 2:137 ح 533،الاستبصار 1:349 ح 1320.
3- التهذيب 2:6 ح 11،الاستبصار 1:219 ح 777.
4- التهذيب 2:7 ح 12.
5- التهذيب 2:7 ح 13.
6- التهذيب 2:118 ح 443.

ثلث الليل الأخير،ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا،فيكون ساعة ثم يذهب و هو وقت صلاة الليل،ثم يظلم قبل الفجر،ثم يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق» (1).

و كل هذه الروايات ليس بينها تناف،لإمكان كون التفريق بعد الانتصاف،و كون التفريق من خصوصياته عليه السلام.

التاسع:الشفع مفصول عن الوتر بالتسليم في أشهر الروايات،

كما رواه سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام،قال:سألته عن الوتر أ فصل أم وصل؟ قال:«فصل» (2)،و غيرها من الروايات.

و قد روى يعقوب بن شعيب و معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:التخيير بين التسليم و تركه (3).و روى كردويه الهمداني،قال:سألت العبد الصالح عن الوتر،فقال:«صله» (4).

و أشار في المعتبر الى ترك هذه الروايات عندنا (5).

و الشيخ أجاب عنها تارة بالحمل على التقية.و تارة بأن التسليم المخيّر فيه هو(السلام عليكم)الأخيرة،و لا ينفي(السلام علينا)الى آخره.و اخرى ان المراد بالتسليم ما يستباح به من الكلام و غيره،تسمية للمسبب باسم السبب، مثلما روى منصور عن مولى لأبي جعفر عليه السلام قال:«ركعتا الفجر (6)ان شاء تكلم بينهما و بين الثالثة،و ان شاء لم يفعل» (7)و كل هذا محافظة على

ص: 304


1- الكافي 3:283 ح 6،التهذيب 2:118 ح 445.
2- التهذيب 2:128 ح 492،الاستبصار 1:348 ح 1314.
3- التهذيب 2:129 ح 494،495،الاستبصار 1:348 ح 1315،1316.
4- التهذيب 2:129 ح 496،الاستبصار 1:349 ح 1317.
5- المعتبر 2:15.
6- كذا،و في المصدر:«الوتر».
7- التهذيب 2:129 و الحديث فيه برقم 497،و في الاستبصار 1:349 ح 1318.

المشهور من الفصل.

العاشر:يستحب الاستغفار في قنوت الوتر سبعين مرة،

رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام (1).

و عن أبي بصير،قلت له اَلْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ،فقال:«استغفر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في وتره سبعين مرة» (2).

و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«القنوت في الوتر الاستغفار،و في الفريضة الدعاء» (3).

و يجوز الدعاء فيه على العدو،رواه عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام،قال:«و ان شئت سميتهم و تستغفر» (4)و رواه العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (5).

و يجوز في القنوت ما شاء.روى حماد،عن الحلبي،عنه عليه السلام في قنوت الوتر شيء مؤقت يتبع؟فقال:«لا،أثن على اللّه عز و جل،و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله،و استغفر لذنبك العظيم»،ثم قال:«كل ذنب عظيم» (6).

قلت:فيه إشارة إلى تقوية من قال:كل الذنوب كبائر (7).و انما كان كل ذنب عظيما،لاشتراك الذنوب في الاقدام على مخالفة أمر اللّه و نهيه،فهي بالنسبة إليه واحدة،و بالنسبة إلى جلاله عظيمة.

ص: 305


1- التهذيب 2:130 ح 498.
2- التهذيب 1:130 ح 501.
3- الكافي 3:340 ح 9،الفقيه 1:311 ح 1414،التهذيب 2:131 ح 503.
4- الفقيه 1:309 ح 1410،التهذيب 2:131 ح 504.
5- صحيح مسلم 1:466 ح 675،شرح معاني الآثار 1:241،السنن الكبرى 2:197.
6- الكافي 3:450 ح 31،التهذيب 2:130 ح 502.
7- راجع:التبيان 3:182،مجمع البيان 2:38،التفسير الكبير 10:73،تفسير القرطبي 5:159 في تفسير آية إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ..النساء:31.

و استحب العامة أن يقال فيه ما رواه الحسن بن علي عليه السلام،قال:

«علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلمات أقولهن في قنوت الوتر:اللهم اهدني فيمن هديت،و عافني فيمن عافيت،و تولني فيمن توليت،و بارك لي فيما أعطيت،و قني شر ما قضيت فإنك تقضي و لا يقضى عليك،و انه لا يذلّ من واليت،تباركت ربنا و تعاليت» (1).و استحبه فيه الصدوق (2)و ذكره المفيد-رحمه اللّه-أيضا في قنوت الوتر (3).

و يستحب الدعاء فيه بما ذكره في المقنعة (4)و بما ذكره الشيخ في المصباح (5).و الدعاء فيه لإخوانه بأسمائهم و أقلّهم أربعون،ليستجاب دعاؤه، و ذكر ابن حمزة و بعض المصريين من الشيعة أنه يذكرهم من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و يزيد عليهم ما شاء (6).

الحادي عشر:يجوز الجلوس في النافلة مع الاختيار،

قال في المعتبر:

و هو أطباق العلماء (7).و ينبّه عليه جواز الاحتياط المعرّض للنافلة من جلوس فالنافلة المحقّقة أولى،و لما رواه مسلم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة» (8).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى قائما فهو أفضل،و من صلّى قاعدا

ص: 306


1- المصنف لعبد الرزاق 3:117 ح 4984،سنن الدارمي 1:373،سنن ابن ماجة 1:372 ح 1178،سنن أبي داود 2:63 ح 1420،الجامع الصحيح 2:328 ح 464.
2- الفقيه 1:308 ح 1405.
3- المقنعة:128.
4- المقنعة:128.
5- مصباح المتهجد:133.
6- الوسيلة:116.
7- المعتبر 2:23.
8- المصنف لعبد الرزاق 2:472 ح 4123،صحيح مسلم 1:507 ح 735،سنن أبي داود 1: 250 ح 950.

فله نصف أجر القائم» (1).

و عن عائشة:لم يمت النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى كان كثيرا من صلاته و هو جالس (2).

و روى الأصحاب عن محمد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا،قال:«يضعّف ركعتين بركعة» (3).

و روى سدير عن أبي جعفر عليه السلام:«ما أصلّي النوافل الا قاعدا منذ حملت هذا اللحم» (4).

و عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام،و سأله عمن صلّى جالسا من غير عذر،أ تكون صلاته ركعتين بركعة؟فقال:«هي تامة لكم» (5).و قد تضمّنت الأخبار الأول احتساب ركعتين بركعة،فيحمل على الاستحباب و هذا على الجواز.

و يستحب القيام بعد القراءة،ليركع قائما و تحسب له بصلاة القائم،رواه حماد بن عثمان عن أبي الحسن عليه السلام (6)و زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (7).

و ابن إدريس منع من جواز النافلة جالسا مع الاختيار إلا الوتيرة،و نسب الجواز الى الشيخ في النهاية،و الى رواية شاذة.و اعترض على نفسه بجواز5.

ص: 307


1- مسند أحمد 4:442،صحيح البخاري 2:59،سنن ابن ماجة 1:388 ح 1231،سنن أبي داود 1:250 ح 951،الجامع الصحيح 1:231 ح 369،سنن النسائي 3:224.
2- صحيح مسلم 1:506 ح 732،السنن الكبرى 2:490.
3- التهذيب 2:166 ح 655،الاستبصار 1:293 ح 1080.
4- الكافي 3:410 ح 1،التهذيب 2:169 ح 674،باختلاف يسير.
5- الكافي 3:410 ح 2،الفقيه 1:238 ح 1048،التهذيب 2:170 ح 677.
6- التهذيب 2:170 ح 676.
7- الكافي 3:411 ح 8،التهذيب 2:170 ح 675.

النافلة على الراحلة مختارا سفرا و حضرا،و أجاب:بأنّ ذلك خرج بالإجماع (1).

قلت:دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار عجيبة.و المجوّزون للنافلة على الراحلة هم المجوّزون لفعلها جالسا.و ذكر النهاية هنا و الشيخ يشعر بالخصوصية،مع انّه قال في المبسوط:يجوز أن يصلّي النوافل جالسا مع القدرة على القيام،و قد روي انه يصلّي بدل كل ركعة ركعتين،و روي انه ركعة بركعة،و هما جميعا جائزان (2).

و قد ذكره أيضا المفيد-رحمه اللّه-فإنّه قال:و كذلك من أتعبه القيام في النوافل كلها،و أحبّ أن يصليها جالسا للترفّه،فليفعل ذلك و ليجعل كل ركعتين بركعة (3).

الثاني عشر:روى في التهذيب عن الحجال،عن أبي عبد اللّه عليه

السلام:انه كان يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب

بهما،

و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بالتوحيد و الجحد.فان استيقظ في الليل صلّى و أوتر،و ان لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلّى ركعة (4)و احتسب بالركعتين اللتين صلاهما بعد العشاء وترا (5).

و فيه إيماء إلى جواز تقديم الشفع في أول الليل،و هو خلاف المشهور.

نعم،في خبر زرارة عنه عليه السلام:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر،فلا يبيتن حتى يوتر» (6)و هذا يمكن حمله على الضرورة.

ص: 308


1- السرائر:68،و لاحظ:النهاية:121.
2- المبسوط 1:132.
3- المقنعة:23.
4- في المصدر:«ركعتين فصارت شفعا». و أورد الحديث الفيض الكاشاني في الوافي 2:57،و البحراني في الحدائق الناضرة 6: 33،و فيهما«ركعة»و قالا:و في بعض نسخ الحديث«ركعتين».
5- التهذيب 2:341 ح 1410.
6- التهذيب 2:341 ح 1412.

و في المصباح استحب أن يصلّي بعد ركعتي الوتيرة ركعتين من قيام (1).

و أنكرهما ابن إدريس استسلافا لأنّ الوتيرة خاتمة النوافل (2)كما صرح به الشيخان-في المقنعة و النهاية-حتى في نافلة شهر رمضان (3)و هو مشهور بين الأصحاب.

و الذي في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«و ليكن آخر صلاتك وتر ليلتك» (4)و لكنه في سياق الوتر لا الوتيرة.

و نسب ابن إدريس الرواية بالركعتين الى الشذوذ (5).

و في المختلف:لا مشاحة في التقديم و التأخير،لصلاحية الوقت للنافلة (6).

الثالث عشر:قد مرّ قراءة مائة آية في الوتيرة.

و روى ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام:انّه كان يقرأ فيهما الواقعة و التوحيد (7).

و تظاهرت الرواية بقراءة التوحيد ثلاثا في الشفع و الوتر،كرواية الحارث:

ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يفعله (8)و رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام:«انّ أباه كان يفعله» (9).

و روى أبو الجارود عن الصادق عليه السلام:«ان عليا عليه السلام كان

ص: 309


1- مصباح المتهجد:105.
2- السرائر:67.
3- المقنعة:13،النهاية:119.
4- الكافي 3:453 ح 12،التهذيب 2:274 ح 1087.
5- السرائر:67.
6- مختلف الشيعة:124.
7- التهذيب 2:116 ح 433.
8- التهذيب 2:124 ح 469.
9- التهذيب 2:126 ح 481.

يوتر بتسع سور» (1).و روى يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح،انه سأله عن القراءة في الوتر،و انّ بعضا يروي التوحيد في الثلاث،و بعضا يروي المعوذتين و في الثالثة التوحيد،فقال:«اعمل بالمعوذتين و قل هو اللّه أحد» (2).و البحث هنا في الأفضلية فالمشهور أولى.

و اما القراءة في الثماني فبطوال السور-قاله الأصحاب-مع سعة الوقت.

و في رواية محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انه قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرأ في كل ركعة خمس عشرة آية،و يكون ركوعه مثل قيامه،و سجوده مثل ركوعه،و رفع رأسه من الركوع و السجود سواء» (3).

و عن أبي مسعود الطائي عنه عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في أخيرة صلاة الليل هل أتى» (4).

قال في التهذيب:و روي:«انّ من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل في كل ركعة الحمد مرة و قل هو اللّه أحد ثلاثين مرة،انفتل و ليس بينه و بين اللّه ذنب الا غفر له» (5)،و كذا ذكر ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه بصيغة:

(و روي) (6).

و اختلف كلام الأصحاب هنا:

ففي الرسالة و النهاية:يقرأ في أوليي صلاة الليل في الأولى التوحيد و في الثانية الجحد (7)و في موضع آخر منها قدّم الجحد،و روى العكس (8).و كذا في9.

ص: 310


1- التهذيب 2:337 ح 1390.
2- التهذيب 2:127 ح 483.
3- التهذيب 2:123 ح 468.
4- التهذيب 2:124 ح 469.
5- التهذيب 1:124 ح 470.
6- الفقيه 1:307 ح 1403.
7- النهاية:120.
8- النهاية:79.

المبسوط (1).

و قال المفيد و ابن البراج:في أولاهما ثلاثون مرة التوحيد،و في الثانية ثلاثون مرة الجحد (2).

و ابن إدريس:في كل ركعة منهما بعد الحمد ثلاثون مرة التوحيد،قال:

و قد روي انّ في الثانية الجحد،و الأول أظهر (3).

قلت:الكل حسن،و البحث في الأفضلية،و ينبغي للمتهجد ان يعمل بجميع الأقوال في مختلف الأحوال.

و يستحب الجهر.روى يعقوب بن سالم،انّه سأل الصادق عليه السلام في الرجل يقوم آخر الليل و يرفع صوته بالقرآن،فقال:«ينبغي للرجل إذا صلّى في الليل ان يسمع أهله،لكي يقوم القائم و يتحرك المتحرك» (4).

و مع ضيق الوقت يخفّف و يقتصر على الحمد،لقول الصادق عليه السلام لخائف الصبح:«اقرأ الحمد و اعجل» (5).

و روى محسن الميثمي عنه عليه السلام:«يقرأ في صلاة الزوال في الأولى الحمد و التوحيد،و في الثانية الحمد و الجحد،و في الثالثة الحمد و التوحيد و آية الكرسي،و في الرابعة الحمد و التوحيد و آمَنَ الرَّسُولُ ..إلى آخر البقرة،و في الخامسة الحمد و التوحيد و إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ إلى اَلْمِيعادَ ،،و في السادسة الحمد و التوحيد و إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الى اَلْمُحْسِنِينَ ،و في السابعة الحمد و التوحيد وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ الى اَلْخَبِيرُ ،و في الثامنة الحمد و التوحيد و لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ الى آخر9.

ص: 311


1- المبسوط 1:108،131.
2- المقنعة:19،المهذب 1:135.
3- السرائر:67.
4- علل الشرائع:364،التهذيب 2:124 ح 472.
5- الكافي 3:449 ح 27،التهذيب 2:124 ح 473،الاستبصار 1:280 ح 1019.

الحشر (1).

و روى معاذ بن مسلم عنه عليه السلام:«لا تدع أن تقرأ بقل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون في سبع:في الركعتين قبل الفجر،و ركعتي الزوال، و ركعتين بعد المغرب،و ركعتين في أول صلاة الليل،و ركعتي الإحرام، و الفجر إذا أصبحت بهما،و ركعتي الطواف (2).

قال في التهذيب:و في رواية اخرى:«انه يقرأ في هذا كله بقل هو اللّه أحد،و في الثانية بقل يا أيّها الكافرون،إلا في الركعتين قبل الفجر فإنّه يبدأ بقل يا أيّها الكافرون،ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو اللّه أحد» (3).

الرابع عشر:ذكر ابن بابويه-و نقله عنه في التهذيب-:انّ الصادق عليه

السلام قال:«انّ اللّه تعالى انزل على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله كل صلاة

ركعتين،

فأضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاة ركعتين في الحضر، و قصر فيها في السفر الا المغرب و الغداة.فلما صلّى المغرب بلغه مولد فاطمة عليها السلام فأضاف إليها ركعة شكرا للّه عز و جل،فلما ولد الحسن عليه السلام أضاف إليها ركعتين شكرا،فلما ولد الحسين عليه السلام أضاف ركعتين إليها،فقال لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ،فتركها على حالها في الحضر و السفر» (4).

الخامس عشر:روى الفضيل:سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله عز

و جل وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ

؟قال:«هي الفريضة».قلت:

ص: 312


1- التهذيب 2:73 ح 272.
2- الكافي 3:316 ح 22،الخصال:347،التهذيب 2:74 ح 273.
3- التهذيب 2:74 ح 274.
4- الفقيه 1:289 ح 1319،علل الشرائع:324،التهذيب 2:113 ح 424. و الآية في سورة النساء:11.

اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ؟قال:«هي النافلة» (1).

السادس عشر:يستحب ركعتان ساعة الغفلة،

و قد رواها الشيخ بسنده عن الصادق عليه السلام،عن آبائه عليهم السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:تنفّلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين،فإنهما يورثان دار الكرامة.قيل:يا رسول اللّه و ما ساعة الغفلة؟قال:ما بين المغرب و العشاء» (2).

و يستحب أيضا بين المغرب و العشاء:ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد وَ ذَا النُّونِ ..إلى اَلْمُؤْمِنِينَ (3)و في الثانية بعدها وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ الآية (4)،و يدعو و يسأل اللّه حاجته،فعن الصادق عليه السلام:«انّ اللّه يعطيه ما يشاء» (5).

السابع عشر:من فاتته صلاة الليل،

فقام قبل الفجر فصلّى الشفع و الوتر و سنة الفجر،كتبت له صلاة الليل،رواه معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام (6).

و يستحب الدعاء بالمأثور في هذه السنن و بعدها.

الثامن عشر:قد تترك النافلة لعذر،

و منه:الهم و الغم،لرواية علي بن أسباط عن عدة منا:ان الكاظم عليه السلام كان إذا اهتمّ ترك النافلة (7)و عن

ص: 313


1- الكافي 3:269 ح 12،التهذيب 2:240 ح 951. و الآيتان في سورة المؤمنين:9،و سورة المعارج:23.
2- الفقيه 1:357 ح 1564،ثواب الأعمال:68،معاني الأخبار:265،علل الشرائع:343، التهذيب 2:243 ح 963.
3- سورة الأنبياء:87،88.
4- سورة الانعام:59.
5- مصباح المتهجد:94.
6- التهذيب 2:337 ح 1391،341 ح 1411.
7- الكافي 3:454 ح 15،التهذيب 2:11 ح 24.

معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام،مثله إذا اغتم (1)و الفرق بينهما ان الغم لما مضى،و الهم لما يأتي.و في الصحاح:الاهتمام الاغتمام (2).

التاسع عشر:ذكر ابن بابويه انّ نافلة الظهر تسمى:صلاة الأوّابين (3)و هو

التاسع عشر:ذكر ابن بابويه انّ نافلة الظهر تسمى:صلاة الأوّابين(3) و هو في خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و ربما أخرت الظهر

ذراعا من أجل صلاة الأوابين»(4) .

فائدة:

يشترط في وجوب الصلاة البلوغ و العقل إجماعا،

و لحديث:«رفع القلم» (5).و الخلو في النساء من الحيض و النفاس،لما مرّ.و اما الإسلام فشرط الصحة لا الوجوب،و تسقط بإسلامه لما سلف.

و يستحب تمرين الصبي لست،رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام (6)و محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (7)بلفظ(الوجوب)في الخبرين تأكيدا للاستحباب.

و عن الباقر عليه السلام:في صبيانهم خمس،و غيرهم سبع (8).

و يضرب عليها لعشر،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،انّه قال:

ص: 314


1- التهذيب 2:11 ح 23.
2- الصحاح 5:2061 مادة-همم.
3- الفقيه 1:146.
4- الكافي 3:289 ح 5.
5- مسند أحمد 6:100،صحيح البخاري 7:59،سنن ابن ماجة 1:658 ح 2041،سنن أبي داود 4:139 ح 4398،الجامع الصحيح 4:32 ح 1423.
6- التهذيب 2:381 ح 1589،1591،الاستبصار 1:408 ح 1561،1562.
7- التهذيب 2:381 ح 1589،1591،الاستبصار 1:408 ح 1561،1562.
8- الكافي 3:409 ح 1،الفقيه 1:182 ح 861،التهذيب 2:380 ح 1584،الاستبصار 1:409 ح 1564.

«مروهم بالصلاة و هم أبناء سبع،و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر» (1).

قال بعض الأصحاب:إنما يضرب لإمكان الاحتلام (2)،و يضعف:

بأصالة العدم و ندوره،بل استصلاحا،ليتمرن على فعلها فيسهل عليه إذا بلغ، كما يضرب للتأديب.

و قال ابن الجنيد:يستحب ان يعلم السجود لخمس،و يوجّه وجهه إلى القبلة.و إذا تمّ له ست علّم الركوع و السجود و أخذ بالصلاة،فإذا تمت له سبع علّم غسل وجهه و ان يصلي،فإذا تم له تسع علّم الوضوء و ضرب عليه،و أمر بالصلاة و ضرب عليها.

قال:و كذلك روي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام.ثم روى الضرب عند العشر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و روى الصدوق عن عبد اللّه بن فضال عن الباقرين عليهما السلام:«إذا بلغ الغلام ثلاث سنين،قيل له:لا إله إلا اللّه،سبع مرات.ثم يترك حتى يتم له أربع (3)سنين و سبعة أشهر و عشرون يوما،فيقال له:قل:محمد رسول اللّه، سبعا.فإذا أتمّ أربع سنين قيل له:قل (4)صلّى اللّه عليه و آله و سلم.فإذا أتمّ خمسا و عرف يمينه من شماله أمر بالسجود إلى القبلة.فإذا أتم سبعا أمر بغسل الوجه و الكفين و الصلاة.فإذا أتم تسعا علم الوضوء و الصلاة و ضرب عليهما.

فإذا تعلم الوضوء و الصلاة غفر اللّه تعالى لوالديه» (5).

و لو صلّى ثم بلغ في الوقت أعاد،لأنّه تعلق به الخطاب حينئذ،و ما فعله3.

ص: 315


1- مسند أحمد 2:180،سنن أبي داود 1:133 ح 494،سنن الدار قطني 1:123، المستدرك على الصحيحين 1:197.
2- قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1:79.
3- كذا،و في المصدر:«ثلاث».
4- في المصدر زيادة:«سبع مرات».
5- الفقيه 1:182 ح 863.

لم يكن واجبا فلا يؤدّى به الواجب.

فروع:

لو صلى الظهر يوم الجمعة ثم بلغ وجبت الجمعة،

لعين ما ذكرناه.

و لو بلغ في أثناء الصلاة بغير المبطل،فالأصح الاستئناف إن بقي قدر الطهارة و ركعة،و الا استحب البناء،و يتخير بين نية الوجوب أو الندب كما مر في الوضوء.و قطع الشيخ-في الخلاف-بان صلاته شرعية،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«مروهم بالصلاة لسبع»،و بنى عليه جواز إمامته في الفريضة (1).

و رخص لهم في الجمع بين العشاءين،عن زين العابدين عليه السلام (2).

و يستحب تفريقهم في صلاة الجماعة عن الباقر عليه السلام (3)و روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:بلوغ الغلام و الجارية بثلاث عشرة (4)و السند ضعيف.

ص: 316


1- الخلاف 1:123 المسألة 17. و قوله صلّى اللّه عليه و آله في:مسند أحمد 2:180،سنن أبي داود 1:133 ح 494، المستدرك على الصحيحين 1:197.
2- الكافي 3:409 ح 2،التهذيب 2:380 ح 1585.
3- الكافي 3:409 ح 3،التهذيب 2:380 ح 1586.
4- التهذيب 2:380 ح 1588.

مواقيت الصلاة

ص: 317

ص: 318

المطلب الثاني:في الغسل.
فيه الأبحاث الثلاثة،
فالأول في واجبه،
اشارة

و هو أربعة:

الأول:إزالة النجاسة عن بدنه،

ليقع الماء على محل طاهر،فيرفع الحدث عنه لبقائه على الطهارة،و لو كان البدن نجسا لنجس الماء.

و لو كان الماء كثيرا أو جاريا لا ينفعل،فالأقرب:عدم أجزاء غسلها عن رفع الحدث،لأنهما سببان فيتعدّد حكمهما.

و في المبسوط:إن كان على بدنه نجاسة أزالها ثم اغتسل،فان خالف و اغتسل أوّلا فقد ارتفع حدث الجنابة،و عليه ان يزيل النجاسة إن كانت لم تزل بالغسل،و ان زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها (1).

و يشكل:بأنّ الماء ينجس فكيف يرفع الحدث؟و الاجتزاء بغسلها عن الأمرين مشكل أيضا.

و وجهه:صدق مسمّى الغسل،و زوال العين،فيكفي عنهما.و هذا في الحقيقة شرط في الغسل.

الثاني:النية،

و هي القصد إلى إيقاعه بالغاية المذكورة في الوضوء و مباحثها آتية هنا.

و المستحاضة الدائمة الدم تنوي الاستباحة،و لا تقتصر على رفع الحدث، كما مرّ.

أمّا المبطون و السلس فكالصحيح هنا،لأن ارتفاع حكم الجنابة لا ينافيه دوام هذا الحدث للضرورة.و ربما احتمل مساواته الاستحاضة،لأنّ رفع الحدث لا يتبعض.

و كذلك المستحاضة ذات الدم القليل بعد الكثير،إذا قلنا بوجوب الغسل

ص: 215


1- المبسوط 1:29.

عليها من الاستحاضة أو وجب عليها غسل آخر،فإنها تنوي رفع الحدث بالنسبة إلى الكثير أو السبب الجديد،و على الاحتمال تقتصر على الاستباحة.

و صاحب الجبيرة ينوي الرفع،و يتخرّج ما ذكر في الوضوء.

و يجوز تقديم النيّة في مواضع التقديم في الوضوء.و يكفي استدامة حكمها،لعسر الاستدامة الفعلية.

و تجوز نية رفع الحدث الواقع لا غيره.و تجوز نيّة الرفع مطلقا،لإتيانه على الواقع.و كذا لو نوى رفع الحدث الأكبر،و لو نوى رفع الأصغر لم يجزه،عامدا كان أو ساهيا.و لا يرتفع الحدث عن أعضاء الوضوء،لعدم قصد الوضوء،و عدم تبعّض الرفع.و لا يجزئ عن الوضوء لو كان مع الغسل وضوء،لعدم القصد اليه، و لعدم كماله.

و لو نوت الحائض و النفساء استباحة الوطء،و حرمناه،أجزأ.و ان قلنا بالكراهية،فالأقرب:الاجزاء،لما مرّ في الوضوء.

الثالث:إجراء الماء على جميع البشرة،

تحقيقا لمسمّى الغسل في قوله تعالى:

وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (1) و للإجماع على ذلك.و لا يكفي الإمساس من دون الجريان،لأنه يسمّى مسحا لا غسلا.

و رواية إسحاق بن عمار،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،عن أبيه:«إنّ عليا(عليه السلام)كان يقول:الغسل من الجنابة و الوضوء يجزئ منه ما(اجرى مثل) (2)الدهن الذي يبلّ الجسد» (3)محمولة على الجريان،لخبر زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:«الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيرة

ص: 216


1- سورة النساء:43.
2- في المصدرين:«أجزأ من».
3- التهذيب 1:138 ح 385،الاستبصار 1:122 ح 414. و سيأتي في ص 242 الهامش 2.

أجزأه» (1)و عليها يحمل ما رواه عنه(عليه السلام):«إذا مسّ جلدك الماء فحسبك» (2)و غيرها من الروايات.

و يجب تخليل الشعر بحيث يصل الماء إلى أصوله،خفّ أو كثف،لما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«تحت كل شعرة جنابة،فبلّوا الشعر،و أنقوا البشرة» (3).و روى حجر-بضم الحاء و إسكان الجيم و الراء-ابن زائدة-بالزاي المعجمة-عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار» (4).و سقوط التخليل في الوضوء أخذا من المواجهة،و رفعا للحرج بتكرّره.

و لو كان الشعر خفيفا لا يمنع،استحبّ تخليله استظهارا.

و لا يجب غسل الشعر إذا وصل الماء إلى أصوله،قاله الأصحاب (5)لقضيّة الأصل،و خروجه عن مسمّى البدن.و الحديث ببلّ الشعر و التوعّد على تركه، يحمل على توقّف التخليل عليه،أو على الندب.و في مرسل الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة» (6)و ظاهره عدم وجوب غسله.

و كذا يجب تخليل كل ما لا يصل اليه الماء الاّ به،لتوقف الواجب عليه، كالخاتم،و السير،و الدملج،و معاطف الأذنين.

و لا يجب غسل باطن الفم و الأنف و العين،لقول أبي عبد اللّه(عليه السلام) في رواية عبد اللّه بن سنان:«لا يجنب الأنف و الفم» (7)و في معناه رواية أبي بكر4.

ص: 217


1- الكافي 3:21 ح 4،التهذيب 1:137 ح 380،الاستبصار 1:123 ح 416.
2- الكافي 3:22 ح 7،التهذيب 1:137 ح 381،الاستبصار 1:123 ح 417.
3- سنن ابن ماجة 1:196 ح 597،الجامع الصحيح 1:178 ح 106،السنن الكبرى 1: 179.
4- عقاب الأعمال:272،أمالي الصدوق:391،التهذيب 1:135 ح 373.
5- راجع:السرائر:21،المعتبر 1:182،تذكرة الفقهاء:1:23.
6- الكافي 3:45 ح 16،التهذيب 1:147 ح 416.
7- التهذيب 1:131 ح 358،الاستبصار 1:117 ح 394.

الحضرمي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) (1).

الرابع:الترتيب:
اشارة

و هو أن يبدأ بغسل الرأس مع الرقبة-نص عليه المفيد (2)و الجماعة (3)-ثم بالجانب الأيمن ثم بالأيسر،و هو من تفرّداتنا.

و قد رووا عن عائشة:أنّ النّبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه..الى قولها:ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده (4)و عن ميمون نحوه (5)و هما من الصحاح.

و نقل الشيخ إجماعنا على وجوب الترتيب،و احتجّ باخبار منها:رواية زرارة قلت:له كيف يغتسل الجنب؟فقال:«إن لم يكن أصاب كفّه شيء غمسها في الماء،ثم بدأ بفرجه فأنقاه،ثم صبّ على رأسه ثلاث أكف،ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرتين،و على منكبه الأيسر مرتين،فما جرى عليه الماء فقد أجزأه» (6).

و الظاهر أنّ المراد به الإمام(عليه السلام)،و في المعتبر أسنده زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (7).

و في التهذيب في موضع آخر،عن زرارة قال:سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن غسل الجنابة؟فقال:«أفض على رأسك ثلاث أكفّ،و عن يمينك، و عن يسارك،انما يكفيك مثل الدّهن» (8).

ص: 218


1- الكافي 3:24 ح 3،التهذيب 1:78 ح 201،131 ح 359،الاستبصار 1:117 ح 395.
2- المقنعة:6.
3- راجع:الانتصار 30،المعتبر 1:182،تذكرة الفقهاء 1:23.
4- ترتيب مسند الشافعي 1:39 ح 111،مسند أحمد 6:52،سنن الدارمي 1:191 صحيح البخاري 1:72،صحيح مسلم 1:253 ح 316،سنن ابن ماجة 1:190 ح 573.
5- سنن الدارمي 1:191،صحيح البخاري 1:72،صحيح مسلم 1:254 ح 317،سنن ابن ماجة 1:190 ح 573،الجامع الصحيح 1:173 ح 103،السنن الكبرى 1:177.
6- الخلاف 1:132 المسألة 75. و رواية زرارة في الكافي 3:43 ح 3،التهذيب 1:133 ح 368.
7- المعتبر 1:183.
8- التهذيب 1:137 ح 384.

و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:«تبدأ بكفّيك فتغسلهما،ثم تغسل فرجك،ثم تصبّ على رأسك ثلاثا،ثمّ تصبّ على سائر جسدك مرتين،فما جرى عليه الماء فقد طهر» (1)و المطلق يحمل على المقيد.

و قد روي:أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان إذا اغتسل بدأ بميامنه (2).

و لأن الغسل البياني لو بدأ فيه بمياسره لوجب البدأة بها،و لو أسبغ على الجميع من غير مراعاة جانب لوجب ذانك،و لم يقل أحد بوجوبهما.

و لأنّ الاتفاق على ان الميامن أفضل،و النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لا يخلّ به،فيكون الغسل البياني مشتملا على تقديم الميامن،فيجب التأسّي به.

و في المعتبر:الروايات دلّت على تقديم الرأس على الجسد،اما اليمين على الشمال فلا تصريح فيها به،و رواية زرارة وردت بالواو و لا دلالة فيه على الترتيب.

قال:لكن أفتى به الثلاثة و اتباعهم،و فقهاؤنا الآن بأجمعهم يفتون به و يجعلونه شرطا في صحة الغسل (3).

قلت:لا قائل بوجوب الترتيب في الرأس خاصة،فالفرق إحداث قول ثالث.و أيضا فقد تقدم نقل الشيخ الإجماع عليه (4)،فيتوقف اليقين برفع الحدث على الترتيب،و لأن الصلاة واجبة في ذمّته فلا تسقط إلاّ بيقين الغسل،و لا يقين إلاّ مع ترتب الغسل.و بان الترتيب قد ثبت في الطهارة الصغرى على الوجه المخصوص،و لا أحد قائل بالترتيب فيها إلاّ و هو قائل بوجوب الترتيب في غسل الجنابة،فالقول بخلافه خروج عن الإجماع،و نقله ابن زهرة و ابن إدريس أيضا (5).7.

ص: 219


1- الكافي 3:43 ح 1،التهذيب 1:132 ح 365،الاستبصار 1:123 ح 420.
2- صحيح مسلم 1:256 ح 321،السنن الكبرى 1:172.
3- المعتبر 1:183.
4- تقدّم في ص 218 الهامش 6.
5- الغنية:554،السرائر:17.

نعم،لم يصرّح الصدوقان بالترتيب في البدن و لا بنفيه (1).

و ابن الجنيد اجتزأ مع قلّة الماء بالصب على الرأس،و إمرار اليد على البدن تبعا للماء المنحدر من الرأس على الجسد،قال:و يضرب كفين من الماء على صدره و سائر بطنه و عكنة،و هي جمع عكنة-بضم العين و سكون الكاف-و هي:الطيّ الذي في البطن من السمن،و تجمع أيضا على أعكان،ثم يفعل مثل ذلك على كتفه الأيمن،و يتبع يديه في كلّ مرة جريان الماء حتى يصل الى أطراف رجله اليمنى ماسحا على شقه الأيمن كله ظهرا و بطنا،و يمرّ يده اليسرى على عضده الأيمن إلى أطراف أصابع اليمنى و تحت إبطيه و أرفاغه،و لا ضرر في نكس غسل اليد هنا-و الأرفاغ:المغابن من الآباط و أصول الفخذين،واحدها رفغ بفتح الراء و ضمها و سكون الفاء.و يفعل مثل ذلك بشقّه الأيسر،حتى يكون غسله من الجنابة كغسله للميت المجمع على فعل ذلك به.فان كان بقي من الماء بقية أفاضها على جسده،و أتبع يديه جريانه على سائر جسده.و لو لم يضرب صدره و بين كتفيه بالماء،الاّ أنّه أفاض ببقية مائه-بعد الذي غسل به رأسه و لحيته-ثلاثا على جسده،أو صبّ على جسده من الماء ما يعلم أنّه قد مرّ على سائر جسده،أجزأه.

و نقل رجليه حتى يعلم أنّ الماء الطاهر من النجاسة قد وصل الى أسفلهما.و هذا الكلام ظاهره سقوط الترتيب في البدن.

و الجعفي أمر بالبدأة بالميامن.و ابن أبي عقيل عطف الأيسر بالواو.فحينئذ قول ابن الجنيد نادر،مسبوق و ملحوق بخلافه.

و أبو الصلاح أوجب الترتيب،ثم قال-بعد غسل الأيسر-:و يختم بغسل الرجلين،فان ظنّ بقاء شيء من صدره أو ظهره لم يصل اليه الماء،فليسبغ بإراقة الماء على صدره و ظهره. (2)و كذا قاله بعض الأصحاب (3).4.

ص: 220


1- لاحظ:المقنع:12،الهداية:20،الفقيه 1:46.
2- الكافي في الفقه:133.
3- كابن زهرة في الغنية:554.

و في رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)إيماء إليه،حيث قال:«اغتسل (1)من الجنابة،فقيل له:قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء.

فقال له:ما كان عليك لو سكتّ،ثم مسح تلك اللمعة بيده»،رواه الكليني بسنده (2)و رواه العامّة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (3)و بموجبه قال الجعفي.

و العصمة تنفيه،إلاّ أن يحمل على الترك للتعليم،و يكون من الجانب الأيسر.

فإن قلت:قد روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«تصبّ الماء على رأسك ثلاثا،و تفيض على جسدك بالماء» (4).

و روى أحمد بن محمد عن أبي الحسن(عليه السلام):«ثمّ أفض على رأسك و جسدك» (5).

و روى سماعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«ليصبّ على رأسه ثلاثا»، قال:«ليصبّه،ثم يضرب بكف من ماء على صدره،و كف بين كتفيه،و يفيض الماء على جسده كله» (6).

و روى العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما السلام:«تصب على رأسك ثلاثا،ثم تصب على سائر جسدك مرتين» (7).

و روى بكر بن حرب عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في المغتسل من الجنابة أ يغسل رجليه بعد الغسل؟فقال:«إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه فلا عليه أن لا يغسلهما،و ان كان يغتسل في مكان تستنقع رجلاه في الماء2.

ص: 221


1- في المصدرين زيادة:«أبي».
2- الكافي 3:45 ح 15.و في التهذيب 1:365 ح 1108 عن أبي بصير.
3- المصنف لعبد الرزاق 1:265 ح 1015 و 1017،المصنف لابن أبي شيبة 1:41 و 42،سنن الدار قطني 1:112.
4- التهذيب 1:131 ح 362،الاستبصار 1:118 ح 398.
5- قرب الاسناد:162،التهذيب 1:131 ح 363،الاستبصار 1:123 ح 419.
6- التهذيب 1:132 ح 364.
7- الكافي 3:43 ح 1،التهذيب 1:132 ح 365،الاستبصار 1:122 ح 412.

فليغسلهما» (1).

و روى هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):أنّه أصاب من جارية له بين مكة و المدينة،فأمرها فغسلت جسدها و تركت رأسها،و قال:«إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك».فعلمت بذلك أم إسماعيل فحلقت رأس الجارية،فلما كان من قابل انتهى أبو عبد اللّه(عليه السلام)الى ذلك المكان،فقالت له أم إسماعيل:أي موضع هذا؟قال لها:«هذا الموضع الذي أحبط اللّه فيه حجّك عام أوّل» (2).

و روى حكم بن حكيم-بضم الحاء-عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):

«و أفض على رأسك و جسدك،و ان كنت في مكان نظيف فلا يضرك ان (3)تغسل رجليك،و ان كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك» (4).

و روى يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن(عليه السلام):«ثم يصبّ على رأسه،و على وجهه،و على جسده كله،ثم قد قضى الغسل» (5).و يقرب منه رواية زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) (6).

و هذه الأخبار كلها ظاهرة في عدم الترتيب في البدن،و بعضها في عدمه في الرأس أيضا.

قلت:المطلق يحمل على المقيّد و لو اتحد المقيد و تعدّد المطلق.و يدلّ على وجوب الترتيب في الرأس بعد الإجماع:رواية حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«من اغتسل من جنابة و لم يغسل رأسه ثم بدا له ان يغسل رأسه،1.

ص: 222


1- الكافي 3:44 ح 10،التهذيب 1:132 ح 366،عن بكر بن كرب عن أبي عبد اللّه(عليه السلام).
2- التهذيب 1:134 ح 370،الاستبصار 1:124 ح 422.
3- في المصدر:(ألا).
4- التهذيب 1:139 ح 392.
5- التهذيب 1:142 ح 402.
6- التهذيب 1:370 ح 1131.

لم يجد بدّا من اعادة الغسل» (1).

و أمّا حديث غسل الرجلين،فلعلّه أراد به التنظيف،و هو ظاهر في ذلك.

و أمّا خبر هشام،فحمله الشيخ على توهّم الراوي،لأنّ هشاما ثقة روى عن محمد بن مسلم،قال:دخلت على أبي عبد اللّه(عليه السلام)فسطاطه و هو يكلّم امرأة فأبطأت عليه.قال:«ادنه،هذه أم إسماعيل جاءت و أنا أزعم أنّ هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّها عام أوّل،حيث أردت الإحرام فقلت:ضعوا لي الماء في الخباء،فذهبت الجارية بالماء فوضعته،فاستخففتها فأصبت منها.

فقلت:اغسلي رأسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك،فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك و لا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا،فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء،فحلقت رأسها و ضربتها.فقلت لها:هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجك» (2).

مسائل:
المسألة الأولى:يسقط الترتيب بالارتماس قطعا.

و روى زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و لو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة،أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده» (3).و روى الحلبي عنه(عليه السلام):«إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة،أجزأه ذلك من غسله» (4).

و الخبران وردا في غسل الجنابة،و لكن لم يفرّق أحد بينه و بين غيره من الأغسال.

و نقل الشيخ في المبسوط عن بعض الأصحاب:أنّه يترتب حكما (5).و قال سلار:و ارتماسة واحدة تجزئه عن الغسل و ترتيبه (6).و ما نقله الشيخ يحتمل أمرين:

ص: 223


1- الكافي 3:44 ح 9،التهذيب 1:133 ح 369،الاستبصار 1:124 ح 421.
2- التهذيب 1:134 ح 371،الاستبصار 1:124 ح 423.
3- التهذيب 1:370 ح 1131.
4- الكافي 3:43 ح 5،التهذيب 1:148 ح 423،الاستبصار 1:125 ح 424.
5- المبسوط 1:29.
6- المراسم:42.

أحدهما-و هو الذي عقله عنه الفاضل (1)-:انه يعتقد الترتيب حال الارتماس.و يظهر ذلك من المعتبر،حيث قال:و قال بعض الأصحاب:يرتب حكما،فذكره بصيغة الفعل المتعدي و فيه ضمير يعود إلى المغتسل،ثمّ احتجّ بأنّ إطلاق الأمر لا يستلزم الترتيب،و الأصل عدم وجوبه،فيثبت في موضع الدلالة (2).فالحجة تناسب ما ذكره الفاضل.

الأمر الثاني:ان الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتب بغير الارتماس.

و تظهر الفائدة لو وجد لمعة مغفلة فإنه يأتي بها و بما بعدها-و لو قيل:بسقوط الترتيب بالمرة،أعاد الغسل من رأس،لعدم الوحدة المذكورة في الحديث-و فيما لو نذر الاغتسال مرتبا فإنّه يبرأ بالارتماس،لا على معنى الاعتقاد المذكور،لأنه ذكره بصورة اللازم المسند الى الغسل،أي:يترتب الغسل في نفسه حكما و ان لم يكن فعلا.

و قد صرّح في الاستبصار بذلك-لمّا أورد وجوب الترتيب في الغسل،و أورد إجزاء الارتماس-فقال:لا ينافي ما قدمناه من وجوب الترتيب،لأن المرتمس يترتب حكما و ان لم يترتب فعلا،لأنه إذا خرج من الماء حكم له أولا بطهارة رأسه،ثم جانبه الأيمن،ثم جانبه الأيسر،فيكون على هذا التقدير مرتبا.

قال:و يجوز ان يكون عند الارتماس يسقط مراعاة الترتيب،كما يسقط عند غسل الجنابة فرض الوضوء (3).

قلت:هذا محافظة على وجوب الترتيب المنصوص عليه،بحيث إذا ورد ما يخالفه ظاهرا أوّل بما لا يخرج عن الترتيب.

و لو قال الشيخ:إذا ارتمس حكم له أولا بطهارة رأسه ثم الأيمن ثم الأيسر و يكون مرتبا،كان أظهر في المراد لأنه إذا خرج من الماء لا يسمى مغتسلا،و كأنّه5.

ص: 224


1- مختلف الشيعة:33.
2- المعتبر 1:184.
3- الاستبصار 1:125.

نظر إلى أنّه ما دام في الماء ليس الحكم بتقدم بعض على الأخر بأولى من عكسه، و لكن هذا يرد في الجانبين عند خروجه إذ لا يخرج جانب قبل آخر.

و أمّا كلام سلار فليس صريحا في إيجاب اعتقاد و لا ظاهرا،انّما حكم بإجزاء الارتماس عن الغسل و عن ترتيب الغسل.و يجوز أن يكون من قبيل العطف التفسيري،مثل:أعجبني زيد و علمه،أي:يجزئ عن ترتيب الغسل،و يكون ذلك موافقا لكلام المعظم.

المسألة الثانية:أجري في المبسوط مجرى الارتماس القعود تحت المجرى و الوقوف

تحت المطر في سقوط الترتيب،

نظرا الى وحدة شمول الماء (1)و إلى رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام)،سألته عن الرجل يجنب هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في القطر (2)حتى يغسل رأسه و جسده و هو يقدر على سوى ذلك؟قال:«إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك» (3).

قال في المعتبر:هذا الخبر مطلق،و ينبغي أن يقيّد بالترتيب في الغسل (4).

و في المختلف قرّر به الترتيب الحكمي عند من قال به،فقال:علّق الإجزاء على مساواة غسله عند تقاطر المطر لغسله عند غيره،و انما يتساويان لو اعتقد الترتيب كما أنّه في الأصل مرتب (5).

و هذا الكلام يعطي الاكتفاء بالاعتقاد،و كلام المعتبر يعطي فعل الترتيب.

ثمّ أجاب في المختلف:بأن المساواة للاغتسال المطلق الشامل للارتماس و غيره، فلا تختص المساواة بالغسل المرتب.

و ابن إدريس بالغ في إنكار إجراء غير الارتماس مجراه،اقتصارا على محل

ص: 225


1- المبسوط 1:29.
2- في ط،و المصادر:المطر.
3- قرب الاسناد:85،الفقيه 1:14 ح 27،التهذيب 1:149 ح 424،الاستبصار 1:125 ح 425.
4- المعتبر 1:185.
5- مختلف الشيعة:33.

الوفاق،و تحصيلا لليقين (1)،و لا ريب أنّه أحوط.

و في التذكرة طرد الحكم في ماء الميزاب،و شبهه (2).

و بعض الأصحاب ألحق صبّ الإناء الشامل للبدن،و هو لازم للشيخ رحمه اللّه.

و في النهاية:يجزئ الغسل بالمطر (3).

و في الاقتصاد:و ان ارتمس ارتماسة،أو وقف تحت الميزاب،أو النزال،أو المطر،أجزأه (4).

و ابن الجنيد ألحق المطر أيضا بالارتماس،قال:و لو أمرّ يديه عقيب ذلك على سائر بدنه كان أحوط.و قد روى الكليني بإسناده عن محمد بن أبي حمزة،عن رجل،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده،أ يجزئه ذلك من الغسل؟قال:«نعم» (5).

و في الاستبصار لما أورد خبر علي عن أخيه أوّله بالترتيب الفعلي عند نزول المطر (6)كما قاله صاحب المعتبر (7).و أوّله الشيخ أيضا بالترتيب الحكمي،كما ذكره في الارتماس (8).

المسألة الثالثة:قال المفيد:لا ينبغي الارتماس في الماء الراكد،فإنّه إن كان قليلا

أفسده،

و ان كان كثيرا خالف السنة بالاغتسال فيه (9).

ص: 226


1- السرائر:25.
2- تذكرة الفقهاء 1:23.
3- النهاية:22.
4- الاقتصاد:245.
5- الكافي 3:44 ح 7.
6- الاستبصار 1:125.
7- المعتبر 1:185.
8- الاستبصار 1:125.
9- المقنعة:6.

و جعله ابن حمزة مكروها و لو في الكثير (1).

و خرّج في التهذيب كلام المفيد على أنّ الجنب حكمه حكم النجس الى أن يغتسل،فمتى لاقى الماء الذي يصحّ فيه قبول النجاسة فسد.ثم ذكر خبر محمد بن الميسّر-بالسّين المهملة،و ضمّ الميم،و فتح الياء المثناة تحت-عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)،الدالّ على أنّ الجنب إذا انتهى الى الماء القليل و ليس معه إناء يغترف به و يداه قذرتان يضع يده و يغتسل،دفعا للحرج.و نزّله على أخذ الماء بيده لا أنّه ينزله بنفسه،و يغتسل بصبّه على البدن (2)و حمل القذر على وسخ غير نجس (3).

و لو تمسك بقضية صيرورة الماء مستعملا،و حمل الفساد عليه،كان أليق بمذهبهما.و في الرواية:الارتماس في الجاري أو فيما زاد على الكر من الواقف لا فيما قلّ،و هو يشعر بما قلناه من العلّة.

و احتج على كراهية النزول بمكاتبة محمد بن إسماعيل بن بزيع الى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء و يستقى فيه من بئر فيستنجي فيه،أو يغتسل فيه الجنب،ما حدّه الذي لا يجوز؟فكتب:«لا تتوضّأ من مثل هذا إلاّ من ضرورة» (4)و لا يخفى ضعف هذا التمسك إسنادا و دلالة.

نعم،روى العامّة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم،و لا يغتسل فيه من جنابة» (5)و تمسّك به على سلب الطهورية،و حمله في المعتبر على الكراهية تنزيها عما تعافه النفس (6)،أو على التعبّد5.

ص: 227


1- الوسيلة:55.
2- التهذيب 1:149. و خبر ابن الميسر في الكافي 3:4 ح 2،التهذيب 1:49 ح 425،الاستبصار 1:128 ح 436.
3- الاستبصار 1:128.
4- التهذيب 1:150 ح 427،الاستبصار 1:9 ح 11.
5- مسند أحمد 2:346،صحيح البخاري 1:68،صحيح مسلم 1:235 ح 282،سنن أبي داود 1:18 ح 69،سنن النسائي 1:197،السن الكبرى 1:238.
6- المعتبر 1:45.

المحض لما رووه عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)انّه قال:«الماء لا يجنب» (1)و بعبارة أخرى:«الماء ليس عليه جنابة» (2).

المسألة الرابعة:لو أخلّ بالترتيب أعاد على ما يحصل معه الترتيب.

فان كان قد قدم النية على غسل الرأس،ففي جميع صوره يراعي الترتيب.و ان كان قد نوى عند غسل الرأس،فتصور المخالفة في الجانبين،فيعيد على الوجه المشروع.

و لو غسل بعض الرأس مقارنا للنية،ثم انتقل الى الجانبين،فسد غسلهما، و أتمّ من حيث قطع على الرأس.و لو كرّر النكس فكما مر في الوضوء.

المسألة الخامسة:لا مفصل محسوس في الجانبين،

فالأولى:غسل الحدّ المشترك معهما.و كذا العورة،و لو غسلها مع أحدهما،فالظاهر:الإجزاء،لعدم المفصل المحسوس،و امتناع إيجاب غسلها مرتين.

المسألة السادسة:لا يجب الدلك في الغسل عندنا،

بل الواجب إمرار الماء، للأصل،و لصدق مسمّى الغسل به،و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لأم سلمة:«إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات،ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين» (3).

المسألة السابعة:لا تجب الموالاة هنا بمعنييها.

قاله علي بن بابويه،و حكاه عنه ولده (4)،و ذكره المفيد في الأركان.

و قال الشيخ في التهذيب:عندنا أنّ الموالاة لا تجب في الغسل (5).و كذا

ص: 228


1- سنن ابن ماجة 1:132 ح 370،سنن أبي داود 1:18 ح 68،الجامع الصحيح 1:94 ح 65،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان:2:273 ح 1245،السنن الكبرى 1:189.
2- سنن الدار قطني 1:52.
3- مسند أحمد 6:314،صحيح مسلم 1:259 ح 330،سنن ابن ماجة:1:198 ح 603، سنن أبي داود 1:65 ح 251.الجامع الصحيح 1:175 ح 105،سنن النسائي 1:131.
4- الفقيه 1:49.
5- التهذيب 1:135.

نفى وجوبها في النهاية (1)و المبسوط (2)و كذا سلار (3)و ابن البراج (4)و أبو الصلاح (5)و ابن زهرة (6)و الكيدري،و ابن إدريس (7)و صاحب الجامع (8)و الفاضل (9).و لم يتعرض لها المحقّق على ما اعتبرته،و هي من المهمات مع عدم الخلاف فيها حسب ما نقلناه عنهم.

و روى إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«انّ عليا(عليه السلام)لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة،و يغسل سائر جسده عند الصلاة»،روى ذلك في الكافي و التهذيب (10)،و قصة أم إسماعيل تدلّ على ذلك (11).

نعم،لو خيف فجأة الحدث،فالأجود:فعلها،كالسلس و المبطون و المستحاضة.و تكون مقدّرة بزمان لا يلحقه فيه حدث مع إمكانه،أو يراعي قلة الحدث.

المسألة الثامنة:قال المفيد-رحمه اللّه-:إذا عزم الجنب على التطهير بالغسل،

فليستبرئ بالبول.فان لم يتيسر له ذلك،فليجتهد في الاستبراء،بمسح تحت الأنثيين إلى أصل القضيب،و غمزه الى رأس الحشفة (12).

ص: 229


1- النهاية:22.
2- المبسوط 1:19.
3- المراسم:42.
4- المهذب 1:46.
5- الكافي في الفقه:134.
6- الغنية:554.
7- السرائر:21.
8- الجامع للشرائع:35.
9- تذكرة الفقهاء 1:25.
10- الكافي 3:44 ح 8،التهذيب 1:134 ح 372.
11- تقدمت في ص 223 الهامش 2.
12- المقنعة:6.

و صرح الشيخ-في المبسوط-و ابن حمزة،و ابن زهرة،و الكيدري بوجوبه (1)و كذا ابن البراج في الكامل.

و أبو الصلاح:يلزم الاستبراء (2).

و قال الجعفي:و الغسل من الجنابة أن يبول،و يجتهد فينتر إحليله.و قال ابنا بابويه:فاجهد أن تبول (3).

و في من لا يحضره الفقيه:من ترك البول على أثر الجنابة،و شك يردد بقيّة الماء في بدنه،فيورثه الداء الذي لا دواء له (4).و هو مروي في الجعفريّات عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) (5).

و ابن البراج:يزيل النجاسة،ثم يجتهد في الاستبراء بالبول،فان لم يأت اجتهد (6).

و قال ابن الجنيد:يتعرض الجنب للبول،و إذا بال تخرّط و نتر.

و ظاهر صاحب الجامع الوجوب (7).

و الأخبار إنّما دلّت على وجوب الإعادة لو رأى بللا و لم يستبرئ،فلذلك نفى وجوبها المرتضى و ابن إدريس و الفاضلان،مع قضية الأصل و موافقتهم على وجوب الإعادة (8)فيما يذكر.

و لا بأس بالوجوب،محافظة على الغسل من طريان مزيله،و مصيرا الى قول معظم الأصحاب،و أخذا بالاحتياط.3.

ص: 230


1- المبسوط 1:29،الوسيلة:55،الغنية:492.
2- الكافي في الفقه:133.
3- الفقيه 1:46،الهداية:20.
4- الفقيه 1:46.
5- الجعفريات:21.
6- المهذب 1:45.
7- الجامع للشرائع:35.
8- السرائر:20،شرائع الإسلام 1:28،المعتبر 1:185،مختلف الشيعة:32،تذكرة الفقهاء 1:23.
المسألة التاسعة:لو اغتسل،ثم رأى بللا علمه منيّا،اغتسل ثانيا،

للعموم.

و لو شك فيه،فان كان لم يبل أعاد الغسل،لأنّ الغالب تخلّف أجزاء من المني في مخرجه،و ان كان قد بال لم يعد الغسل،لأنّ الغالب خروجه مع البول و ما بقي من الحبائل،و لان اليقين لا يرتفع بالشك،و لما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيء، قال:«يعيد الغسل».قلت:المرأة يخرج منها بعد الغسل.قال:«لا تعيد».

قلت:فما الفرق؟قال:«لان ما يخرج من المرأة انما هو من ماء الرجل» (1).

و نحوه رواية الحلبي عنه(عليه السلام)،بلفظ:البلل (2)،و رواية حريز عن محمد عنه(عليه السلام):عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء، قال:«يغتسل و يعيد الصلاة،الاّ أن يكون بال قبل أن يغتسل،فإنه لا يعد غسله»،قال محمد:قال أبو جعفر(عليه السلام):«من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا (3)فليس ينتقض غسله و لكن عليه الوضوء (4)،و رواه الصدوق بعد رواية إعادة الغسل مع ترك البول،ثم قال:إعادة الغسل أصل، و الخبر الثاني رخصة (5)،يعني:إعادة الوضوء.

و دلّ على إجزاء الاجتهاد رواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل،ثم يرى بعد

ص: 231


1- الكافي 3:49 ح 1،علل الشرائع:287،التهذيب 1:143 ح 404،148 ح 420، الاستبصار 1:118 ح 399.
2- الفقيه 1:47 ح 186،التهذيب 1:143 ح 405،الاستبصار 1:118 ح 400.
3- الرواية وردت في التهذيب و الاستبصار بزيادة لفظها:«فقد انتقض غسله،و ان كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا». و الصدوق رواها كما في المتن،أي:من دون زيادة. هذا و لعل نسخة مصدر المصنف كانت كما في المتن.
4- التهذيب 1:144 ح 407،الاستبصار 1:199 ح 402.
5- الفقيه 1:47 ح 186،187.

الغسل شيئا أ يغتسل أيضا؟قال:«لا،قد تعصّرت و نزل من الحبائل» (1).

و الشيخ حمله على أمرين:أحدهما-أن يكون ذلك الشيء مذيا.و الثاني- أن الناسي يعذر،لدلالة مضمر أحمد بن هلال عليه أيضا (2).

و يشكل:بان الخارج إذا حكم بأنه منيّ مع عدم البول،فكيف يعذر فيه الناسي؟إذ الأسباب لا يفترق فيها الناسي و العامد.نعم،روى عبد اللّه بن هلال و زيد الشحام عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):ان تارك البول لا يعيد الغسل برؤية شيء بعده،و في خبر ابن هلال:أنّ ذلك مما وضعه اللّه عنه (3)و هذان ليس فيهما للناسي ذكر فان صح عذره حملا عليه،و حملهما الأصحاب على من لم يتأتّ له البول فاجتهد.

فخرج من هذا انّ في الأخبار دلالة على أربعة أوجه:

أحدها:إعادة الغسل على كلّ من لم يبل و لم يجتهد،و عليه الأصحاب (4).

و نقل فيه ابن إدريس و الفاضل الإجماع (5).

و الثاني:ترك الإعادة على الإطلاق.

و الثالث:إعادة الوضوء لا غير،و هو مفهوم كلام الصدوق (6).

و الرابع:إعادة العامد الغسل بناء على أنّ الإعادة عقوبة على تعمّد الإخلال بالواجب مع اشتباه الخارج،فمع النسيان يزول أحد جزئي السبب فلا يؤثر في الإعادة،و هذا يؤيد وجوب الاستبراء،هذا في تارك البول.

المسألة العاشرة:لو بال و لم يستبرئ و رأى بللا توضّأ،

لأنّ الغالب أنّ البول يدفع

ص: 232


1- التهذيب1:145ح 409،الاستبصار 1:120 ح 406.
2- التهذيب 1:145،الاستبصار 1:120،و مضمر بن هلال فيهما برقم 410،407.
3- التهذيب 1:145 ح 411،412،الاستبصار 1:119 ح 404،405.
4- راجع:المقنعة:6،النهاية:22،المهذب 1:45،شرائع الإسلام 1:28.
5- السرائر 22،أما المحقق ففي الشرائع 1:28،و مختصر النافع:9،و المعتبر 1:193 و لكن لم ينقل الإجماع و كذا العلامة في التحرير 1:13 و سائر كتبه.
6- المقنع:13،الفقيه 1:47 ح 187.

أجزاء المني فيزول احتماله،و لم يحصل الاستبراء المزيل لبقية البول فيبقى احتماله، و لرواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،أنّه سمعه يقول في رجل رأى بعد الغسل شيئا:«إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضّأ،و ان لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل» (1).

و الشيخ تارة حمله على أن يكون ما خرج منه بولا،و تارة على استحباب الوضوء.

قلت:هذان الحملان ظاهرهما أنّه لا يجب مع الاشتباه شيء.

و قد روى-في باب الاستنجاء-عن عبد الملك بن عمرو-بفتح العين- عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا،قال:«إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرّات،و غمز ما بينهما، ثم استنجى،فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» (2).

و كذا حديث حفص بن البختري-بالباء الموحدة تحت،و الخاء المعجمة- عنه(عليه السلام) (3).

و حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام).بعد الاستبراء:«و ان خرج بعد ذلك شيء،فليس من البول،و لكنه من الحبائل» (4).

و مفهوم هذه الاخبار أنّه لو لم يستبرئ حكم بالنقض،بل قد روي إعادة الوضوء بالخارج بعد الاستبراء،رواه الصفار عن محمد بن عيسى،قال:كتب اليه رجل،هل يجب الوضوء مما يخرج من الذكر بعد الاستبراء؟فكتب:«نعم» (5)و حملها الشيخ على الندب،فكيف ينتفي الوجوب مع الاشتباه و عدم الاستبراء؟8.

ص: 233


1- التهذيب 1:144 ح 408،الاستبصار 1:119 ح 403.
2- الفقيه 1:39 ح 148،التهذيب 1:20 ح 50،الاستبصار 1:94 ح 303.
3- التهذيب 1:27 ح 70،الاستبصار 1:48 ح 136.
4- الكافي 3:19 ح 1،التهذيب 1:28 ح 71،356 ح 1063،الاستبصار 1:49 ح 137.
5- التهذيب 1:28 ح 72،الاستبصار 1:49 ح 138.

مع ان الشيخ و الجماعة مفتون بانتقاض الوضوء بالبلل إذا لم يستبرئ،صرّح بذلك في المبسوط في باب الاستنجاء (1)،و نقل ابن إدريس فيه الإجماع (2)،و كذا نقل الإجماع على عدم انتقاض الوضوء لو استبرأ ثم رأى البلل (3).

المسألة الحادية عشر:لو بال الجنب و استبرأ،

ثم رأى بللا بعد الغسل،فلا إعادة لغسل و لا وضوء،لحصول الاستظهار بطرفيه،و قد دلّت الاخبار عليه (4).

فروع:

الأول: لا يكفي الاجتهاد الاّ مع عدم إمكان البول،و قد دل عليه ما سلف.

الثاني: انّما يجب الاستبراء أو يستحبّ و تتعلّق به الأحكام للمنزل،أمّا المولج بغير إنزال فلا،لعدم سببه.هذا مع تيقن عدم الانزال،و لو جوّزه أمكن استحباب الاستبراء أخذا بالاحتياط،أمّا وجوب الغسل بالبلل فلا،لأن اليقين لا يرفع بالشك.

الثالث:اختلف الأصحاب في استبراء المرأة.

فظاهر:المبسوط و الجمل و ابن البراج-في الكامل-انه لا استبراء عليها (5)و أطلق أبو الصلاح الاستبراء (6).

و ابنا بابويه و الجعفي لم يذكروا المرأة.

و الفاضل:لا استبراء عليها،لعدم غايته،لتغاير مخرجي البول و المني

ص: 234


1- المبسوط 1:18.
2- السرائر:16.
3- السرائر:17.
4- راجع:الفقيه 1:39 ح 148،التهذيب 1:20 ح 50،الاستبصار 1:48 ح 136.
5- المبسوط 1:29،الجمل و القعود:161.
6- الكافي في الفقه:133.

منها (1)،و كذا علّل به الراوندي في الرائع.

و في المقنعة:تستبرئ المرأة بالبول،فان لم يتيسّر لها ذلك فلا شيء عليها (2).

و في النهاية سوّى بين الرجل و المرأة في الاستبراء بالبول أو الاجتهاد (3).

و ابن الجنيد:إذا بالت تنحنحت بعد بولها،ذكره في سياق غسل الجنابة.

و لعلّ المخرجين و ان تغايرا،يؤثر خروج البول في خروج ما تخلف في المخرج الآخر ان كان،و خصوصا مع الاجتهاد.

فظاهر الأخبار تشهد للقول الأول،مع قضيّة الأصل.فحينئذ لو رأت بللا بعد الغسل أمكن تنزيله على استبراء الرجل لو قلنا باستبرائها،و لو قلنا بالعدم أمكن أن تكون كرجل لم يستبرئ فتعيد حيث يعيد،و ان تكون كمن استبرأ لأن اليقين لا يرفع بالشك و لم يصدر منها تفريط.هذا إذا لم يعلم ان الخارج منيّ.

و لو علم انه مني فقد دخل الخبر السابق على ان الذي يخرج منها انما هو مني الرجل (4).و قطع ابن إدريس بوجوب الغسل إذا علمت ان الخارج مني،و لم يعتد بالرواية،لعموم:«الماء من الماء»،قال:و لو لم تعلمه منيا فلا غسل عليها و ان لم تستبرئ (5)و كأنه نظر إلى اختلاط المنيّين غالبا.

أما لو اشتبه المنيّان فالوجوب قويّ،أخذا بعموم:«إنّما الماء من الماء» (6)و شبهه،و قد مر.و على قول ابن إدريس لا إشكال في وجوب الغسل.6.

ص: 235


1- مختلف الشيعة:32.
2- المقنعة:6.
3- النهاية:21.
4- تقدم في ص 231 الهامش 1.
5- السرائر:22. و الرواية في:مسند أحمد 3:29،سنن ابن ماجة 1:199 ح 607،سنن أبي داود 1:56 ح 217،الجامع الصحيح 1:186 ح 112،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:249 ح 1183،شرح معاني الآثار 1:54.
6- مسند أحمد 3:47،صحيح مسلم 1:269 ح 343،مسند أبي يعلى 2:432 ح 1236.

الرابع: هذا المني الخارج أو المشتبه مع عدم الاستبراء حدث جديد، فالعبادة الواقعة قبله صحيحة لاستجماعها للشرائط.و نقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب إعادة الصلاة،و ردّه (1)و لعلّ المستند الحديث المتقدم عن محمد (2)-و هو ابن مسلم-و يمكن حمله على الاستحباب،أو على من صلّى بعد أن وجد بللا حصل بعد الغسل.

و ربما تخيل فساد الغسل الأول،لأنّ المني باق بحاله في مخرجه لا في مقره، كما قاله بعض العامة.و هو خيال ضعيف،لان المتعبد به هو الغسل مما خرج لا مما بقي،و لهذا لو حبسه لم يجب به الغسل الا بعد خروجه عندنا (3)و عند أكثرهم (4).

المسألة الثانية عشرة:لا يجب إيصال الماء الى باطن الفم و الأنف-

بالمضمضة و الاستنشاق-عندنا،للحديث السالف (5)،و لا يستحب إعادة الغسل لتاركهما.نعم،مقطوع الأنف و الشفتين يجب أن يغسل ما ظهر بالقطع،لالتحاقه بالظاهر،و لا عبرة بكونه باطنا بالأصالة.

و يجب غسل ما ظهر من صماخ الإذن،لأنّه من البشرة،و عليه نبّه الشيخان و الصدوق بقولهم:و يخلّل أذنيه بإصبعيه (6)و لا يجب تتبع الباطن من الصماخين.

و يجب غسل ما يبدو من الشقوق في البدن،و ما تحت القلفة (7)-بضم

ص: 236


1- السرائر:22.
2- تقدم في ص 231 الهامش 4.
3- المعتبر 1:178،نهاية الإحكام 1:100.
4- المجموع 2:140،المغني 1:231،الشرح الكبير 1:233.
5- تقدم في صفحة 217 الهامش 7.
6- المقنعة:6،النهاية:21،الفقيه 1:49.
7- القلفة:الجلدة التي تقطع في الختان،مجمع البحرين-مادة قلف.

القاف و سكون اللام-و نفس القلفة،الا ان يكون مرتتقا فيغسل الظاهر.

المسألة الثالثة عشرة:المرأة كالرجل في جميع ما ذكر.

نعم،ينبغي لها المبالغة في تخليل الشعر.و لو توقف الوصول إلى البشرة إلى حلّ الضفائر وجب و إلاّ فلا،و قد سلفت الرواية (1).

و قال المفيد:إن كان الشعر مشدودا حلّته (2).و حمله في التهذيب على توقّف وصول الماء عليه،لأن الواجب غسل البشرة و الشعر لا يسمى بشرة (3).

و لا يجب عليها إيصال الماء الى باطن الفرج،بكرا كانت أو ثيبا،للأصل، و لانه من البواطن.و يمكن وجوب غسل ما يبدو من الفرج عند الجلوس لقضاء الحاجة،لأنه في حكم الظاهر كالشقوق.

و لا فرق بين الجنب و الحائض،في عدم وجوب نقض الضفائر إذا وصل الماء إلى البشرة،لأن الواجب في الغسلين متعلق بالبشرة لا بالشعر.

ص: 237


1- تقدمت في ص 228 الهامش 3.
2- المقنعة:6.
3- التهذيب 1:147.
البحث الثاني:في مستحباته.
اشارة

و هي ثلاثة عشر.

الأول:التسمية،

ذكرها الجعفي.

و قال المفيد:يسمي اللّه عزّ و جل عند اغتساله و يمجّده و يسبّحه (1)و نحوه قال ابن البراج في المهذب (2).

و الأكثر لم يذكروها في الغسل،و الظاهر:انّهم اكتفوا بذكرها في الوضوء، تنبيها بالأدنى على الأعلى.و خبر زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«إذا وضعت يدك في الماء فقل:باسم اللّه و باللّه،اللّهم اجعلني من التوابين،و اجعلني من المتطهّرين» (3)يشمل ذلك.

و منع منها بعض العامّة بناء على أنّها قرآن،و ان القرآن على الإطلاق يمنع منه ذو الحدث الأكبر (4)و المقدّمتان ممنوعتان.

الثاني:غسل اليدين ثلاثا من الزّندين،

للخبر المذكور في الوضوء،فإنه تضمن ثلاثا من الجنابة (5).

و قال الجعفي:يغسلهما الى المرفقين أو الى نصفهما،لما فيه من المبالغة في التنظيف،و الأخذ بالاحتياط،و لخبر أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن(عليه السلام)عن غسل الجنابة،فقال:«تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك» (6).

ص: 238


1- المقنعة:6.
2- المهذب 1:46.
3- التهذيب 1:76 ح 192.
4- الأذكار للنووي:39،المجموع 2:181.
5- تقدم في ص 109 الهامش 2،3.
6- التهذيب 1:131 ح 363،الاستبصار 1:123 ح 419.

و روى سماعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«إذا أصاب الرجل جنابة، فأراد أن يغتسل،فليفرغ على كفيه فليغسلهما دون المرفق» (1).

و صرّح الفاضل هنا باستحباب غسل اليدين و ان كان مرتمسا،أو تحت المطر،أو مغتسلا من إناء يصبّه عليه من غير إدخال،محتجّا بأنه من سنن الغسل، و لقول أحدهما(عليهما السلام)في غسل الجنابة:«تبدأ بكفيك» (2).

الثالث:المضمضة و الاستنشاق ثلاثا ثلاثا،

لخبر زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):«تبدأ فتغسل كفّيك،ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك،ثم تتمضمض و تستنشق» (3).و في رواية أبي بصير عنه(عليه السلام):

«تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك،ثمّ تدخل يدك فتغسل فرجك،ثم تتمضمض و تستنشق» (4).و فيهما دلالة على الاجتزاء بالغسل الى الزند،لأنّه حدّ الكف.

و امّا خبر أبي بكر الحضرمي عنه(عليه السلام):«ليس عليك مضمضة و لا استنشاق،لأنهما من الجوف» (5).

و خبر أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عنه(عليه السلام)في الجنب يتمضمض قال:«لا،ان الجنب الظاهر» (6).

و خبر الحسن بن راشد قال:قال الفقيه العسكري(عليه السلام):«ليس في الغسل،و لا في الوضوء،مضمضة و لا استنشاق» (7).

ص: 239


1- التهذيب 1:132 ح 364.
2- نهاية الإحكام 1:110. و الخبر في الكافي 3:43 ح 1،التهذيب 1:132 ح 365،الاستبصار 1:123 ح 420.
3- التهذيب 1:370 ح 1131.
4- التهذيب 1:131 ح 362،الاستبصار 1:118 ح 398.
5- الكافي 3:24 ح 3،التهذيب 1:78 ح 201،131 ح 359،الاستبصار 1:117 ح 395.
6- التهذيب 1:131 ح 360،الاستبصار 1:118 ح 396،بلفظ:«انما يجنب».
7- التهذيب 1:131 ح 361،الاستبصار 1:118 ح 397.

فالمراد نفي الوجوب-الذي يقوله كثير من العامة (1)-توفيقا بين الأخبار.

الرابع:الدّلك باليدين،

لما فيه من المبالغة في الإيصال.

الخامس:تخليل ما يصل اليه الماء بدون التخليل استظهارا،

كالشعر الخفيف،و معاطف الآذان،و الإبطين،و السرّة،و عكن البطن في السمين،و ما تحت ثديي المرأة.

و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام):«فأمّا النساء اليوم فقد ينبغي أن يبالغن في الماء» (2).و منه يعلم استحباب نقض المرأة الضفائر،و كذا في خبر جميل عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«يبالغن في الغسل» (3).

و أمّا ما رواه إسماعيل بن أبي زياد،عن جعفر،عن أبيه(عليهما السلام)، قال:«كنّ نساء النبي(صلّى اللّه عليه و آله)إذا اغتسلن من الجنابة،يبقين صفرة الطيب على أجسادهن،و ذلك أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أمرهنّ أن يصببن الماء صبّا على أجسادهن» (4).

و ما رواه إبراهيم بن أبي محمود،قال:قلت للرضا(عليه السلام):الرجل يختضب فيصيب جسده و رأسه الخلوق و الطيب و الشيء اللّكد مثل علك الروم و ما أشبهه فيغتسل،فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق و الطيّب و غير ذلك،فقال:«لا بأس» (5).

قلت:الخلوق-بفتح الخاء و ضم اللام-ضرب من الطيب.و اللّكد اللاصق بعضه ببعض،يقال لكد عليه لكدا-بفتح الكاف في المصدر و كسرها في الفعل-إذا لصق به،و تلكّد الشيء لزم بعضه بعضا.

ص: 240


1- المجموع 1:356،فتح العزيز 1:396،الوجيز 1:13،المغني 1:132.
2- التهذيب 1:147 ح 418.
3- الكافي 3:45 ح 17،التهذيب 1:147 ح 418.
4- علل الشرائع:293،التهذيب 1:369 ح 1123.
5- الكافي 3:51 ح 7،التهذيب 1:130 ح 356.

و هذان الحديثان لا يدلاّن على نفي استحباب التخليل،فان غايتهما انّ ذلك غير قادح في صحة الغسل و نحن نقول به.

السادس:الغسل بصاع،

لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)،انه قال:«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يغتسل بصاع من ماء، و يتوضأ بمد» (1).و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)مثله (2).

و عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يتوضأ بمد،و يغتسل بصاع.و المد:رطل و نصف،و الصاع:ستّة أرطال» (3)،يعني:أرطال المدينة فيكون تسعة أرطال بالعراقي،كذا ذكره الشيخ في التهذيب،و أسند ما تقدم في الوضوء من تقدير ابن بابويه الصاع بخمسة أمداد (4)عن سليمان بن حفص المروزي،قال:قال أبو الحسن(عليه السلام):«الغسل بصاع من ماء،و الوضوء بمد من ماء.و صاع النبي صلّى اللّه عليه و آله خمسة أمداد»..الى آخره (5)،ذكره بسندين عن سليمان.

و روى عن سماعة،قال:سألته عن الذي يجزئ من الماء للغسل،فقال:

«اغتسل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بصاع،و توضّأ بمد.و كان الصاع على عهده خمسة أرطال،و كان المد قدر رطل و ثلاث أواق» (6).

و قال البزنطي:و يجزئ من الغسل صاع و هو خمسة أرطال،و بعض أصحابنا ينقل ستة أرطال برطل الكوفة،و للوضوء مدّ من ماء،و المدّ رطل و ربع.

قال:و الطامث تغتسل بتسعة أرطال.و هذا يخالف المشهور في تقدير الصاع.

و لا ريب أنّ الواجب مسمى الغسل-فقد روى هارون بن حمزة الغنوي

ص: 241


1- التهذيب 1:136 ح 377.
2- التهذيب 1:136 ح 378،الاستبصار 1:120 ح 408.
3- التهذيب 1:136 ح 378،الاستبصار 1:121 ح 409.
4- تقدم في ص 187 الهامش 1.
5- التهذيب 1:135 ح 374،375،الاستبصار 1:121 ح 410.
6- التهذيب 1:136 ح 376،الاستبصار 1:121 ح 411.

عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«يجزئك من الغسل و الاستنجاء ما بللت يدك» (1).

و عن إسحاق بن عمار عن الصادق(عليه السلام)عن أبيه:«أنّ عليا (عليه السلام)كان يقول:الغسل من الجنابة و الوضوء يجزئ منه ما أجزأ من الدهن الذي يبلّ الجسد»،و قد تقدم (2)-فلا يتقدر بقدر،فالقليل كاف مع الرفق،و لا يكفي الكثير مع الخرق.

و قيّد المفيد الدّهن بالضرورة،كشدة البرد و عوز الماء (3).و الظاهر أنّه أراد:

أنّه مع عدم الضرورة يكون تاركا للأفضل بالاقتصار على الدهن،أو أراد به دهنا لا يجري على العضو،فيكون التقييد بالضرورة حقيقة في موضوعه.

و قد تظافرت الأخبار بالأكفّ،كخبر سماعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات ملأ كفّيه (4)يضرب بكف من ماء على صدره،و كف بين كتفيه» (5).

و في خبر زرارة:ثلاث أكف للرأس،و للأيمن مرّتين،و للأيسر مرتين (6).

و قال المفيد:يأخذ كفا من الماء بيمينه،فيضعه على أمّ رأسه و يغسله به، و يميّز الشعر حتى يصل الى أصوله،و ان أخذ بكفّيه كان أسبغ،فان أتى على غسل رأسه و لحيته و عنقه إلى أصل كتفه و الاّ غسل بكفّ آخر.ثمّ يغسل جانبه الأيمن من أصل عنقه الى تحت قدمه اليمنى بمقدار ثلاث أكفّ الى ما زاد،ثمّ3.

ص: 242


1- الكافي 3:22 ح 6،التهذيب 1:138 ح 386،الاستبصار 1:122 ح 415.
2- التهذيب 1:138 ح 385،الاستبصار 1:122 ح 414. و قد تقدم في ص 216 الهامش 3.
3- المقنعة:6.
4- في المصدر زيادة:«ثم».
5- التهذيب 1:132 ح 364.
6- الكافي 3:43 ح 3.

الأيسر كذلك (1).

و الشيخ و جماعة ذكروا استحباب صاع فما زاد (2)،و الظاهر:أنّه مقيّد بعدم أدائه إلى السرف المنهي عنه.

السابع:تكرار الغسل ثلاثا في كل عضو،

قاله جماعة من الأصحاب،لما فيه من الإسباغ،و لدلالة الصّاع عليه،و كذا ثلاث الأكف.و لا ينافيه ذكر المرتين،لإمكان إرادة المستحب غير المؤكّد في المرّتين.

و ابن الجنيد حكم بغسل رأسه ثلاثا،و اجتزأ بالدّهن في البدن،قال:و لا أختار إيثار ذلك مع إمكان الماء.و استحب ابن الجنيد أيضا للمرتمس ثلاث غوصات،يخلّل شعره و يمسح سائر جسده بيديه عقيب كل غوصة.و لا بأس به، لما فيه من صورة التكرار ثلاثا حقيقة و ان كان الارتماس يأتي على ذلك.

الثامن:الموالاة،

لما فيه من المبادرة إلى الواجب،و التحفّظ من طريان المفسد في الغسل،و قد عدّها جماعة من الأصحاب في المستحب،و لان المعلوم من صاحب الشرع و ذريّته المعصومين فعل ذلك.

التاسع:الدعاء،

لما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):

«تقول في غسل الجمعة:اللهم طهّر قلبي من كل آفة تمحق ديني،و تبطل عملي.

و تقول في غسل الجنابة:اللهم طهر قلبي،و زك عملي (3)،و اجعل ما عندك خيرا لي.اللّهم اجعلني من التوابين،و اجعلني من المتطهرين» (4).

و في المصباح،تقول عند الغسل:اللّهم طهرني و طهر قلبي،و اشرح لي صدري،و أجر على لساني مدحتك و الثناء عليك.اللّهم اجعله لي طهورا و شفاء

ص: 243


1- المقنعة:6.
2- الجمل و العقود:161،مصباح المتهجد:9،الوسيلة:56،المعتبر 1:186،منتهى المطلب 1:86.
3- في المصدرين زيادة:«و تقبّل سعيي».
4- التهذيب 1:146 ح 414،415،و قطعة منه في الكافي 3:43 ح 4،باختلاف يسير.

و نورا،إنّك على كلّ شيء قدير (1).

و قال المفيد:إذا فرغ من غسله فليقل:اللّهم طهر قلبي..إلى آخر ما مرّ (2).و لعلّ استحباب الدعاء (3)شامل حال الاغتسال و بعده.

و قال ابن بابويه:قال الصادق(عليه السلام):«من اغتسل للجمعة فقال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد انّ محمدا عبده و رسوله.اللّهم صلّ على محمد و آل محمّد،و اجعلني من التوابين،و اجعلني من المتطهرين،كان طهرا من الجمعة إلى الجمعة» (4).

العاشر:الأقرب:استحباب غسل المسترسل من الشعر،

لدلالة فحوى خبر:«من ترك شعرة من الجنابة» (5)عليه.

الحادي عشر:ترك الاستعانة،

لما ذكر في الوضوء.

و قول ابن الجنيد هنا يناسب قوله في الوضوء،حيث قال:و ان كان غيره يصبّ عليه الماء من إناء متصل الصب،أو كان تحت أنبوب،قطع ذلك ثلاث مرات،يفصل بينهن بتخليل الشعر بكلا يديه.فظاهره جواز مباشرة الغير.

و يردّه:قوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا و إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (6)و الاخبار الظاهرة في تولّي المكلف ذلك.

الثاني عشر:حكم الفاضل-رحمه اللّه-باستحباب تخليل المعاطف

و الغضون،

و منابت الشعر و الخاتم و السير قبل إفاضة الماء للغسل،ليكون أبعد من الإسراف،و أقرب إلى ظنّ وصول الماء (7)،و قد نبّه عليه قدماء الأصحاب.

ص: 244


1- مصباح المتهجد:9.
2- المقنعة:6.
3- في م:الغسل.
4- الفقيه 1:61 ح 228.
5- تقدم في ص 217 الهامش 4.
6- المائدة:6.
7- نهاية الإحكام 1:109.

و عدّ البدأة بغسل ما على جسده من الأذى و النجاسة من المستحب (1).

و يشكل بما مر.

فان احتجّ برواية حكم بن حكيم،قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام) عن غسل الجنابة،فقال:«أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها،ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى،ثمّ اغسل فرجك،و أفض على رأسك و جسدك» (2)حيث عطفه على المستحب و جعله مقدمة للغسل.

فالجواب:أنّه بصيغة الأمر،و الأصل فيها الوجوب،فإذا خرج بعضها بدليل بقي الباقي على أصله.

و قطع بحصول الرفع و الإزالة لو كان في ماء كثير،بخلاف القليل لانفعاله بالنجاسة،و استثنى كون النجاسة في آخر العضو فإنّها تطهره و ترفع الحدث (3).

نعم،لو كان أذى غير النجاسة استحبّ تقديمه على الغسل.

الثالث عشر:لا يجب الترتيب في نفس العضو و ان وجب بين الأعضاء،

لقضيّة الأصل.و به قطع الفاضل (4)و هو ظاهر الأخبار حيث لم يذكر فيها تحديد و لا غاية.

و هل يستحب غسل الأعلى فالأعلى؟الظاهر:نعم،لأنّه أقرب الى التحفّظ من النسيان،و لأنّ الظاهر من صاحب الشرع فعل ذلك.

تتمة:

لا يستحب تجديد الغسل،للأصل،و الاقتصار على مورد النص في تجديد الوضوء،و لأنّ موجب الوضوء أسباب شتّى و بعضها قد يخفى فيحتاط فيه

ص: 245


1- تذكرة الفقهاء 1:23،نهاية الإحكام 1:109.
2- التهذيب 1:139 ح 392.
3- نهاية الإحكام 1:109.
4- تذكرة الفقهاء 1:25.

بالتجديد،بخلاف الغسل فإنه يبعد فيه ذلك،و لانتفاء المشقة فيه بخلاف الغسل،فحينئذ لو نذر تجديد الغسل بنى على انعقاد نذر المباحات،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

ص: 246

البحث الثالث:في أحكامه.و
هي تظهر بمسائل:
الأولى:لا وضوء واجبا مع غسل الجنابة بخلاف غيره من الأغسال،

كما سلف.

و هل يستحبّ؟أثبته في التهذيب،لخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام)،قال:سألته كيف أصنع إذا أجنبت،قال:«اغسل كفّيك و فرجك،و توضّأ وضوء الصلاة،ثمّ اغتسل» (1)فحمله على الندب،لمعارضة أخبار كثيرة له كمرسل ابن أبي عمير عن الصادق(عليه السلام):«كل غسل قبله وضوء،إلاّ غسل الجنابة» (2)و قوله(عليه السلام)في خبر حكم:«و أي وضوء أنقى من الغسل و أبلغ»لمّا قال له:ان الناس يقولون:يتوضّأ للصلاة (3).

قلت:الأولى حمله على التقيّة،لأنّ الأصحاب على خلافه.

و قد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)أنّ أهل الكوفة يروون عن علي(عليه السلام)الوضوء قبل الغسل من الجنابة،قال:«كذبوا على عليّ(عليه السلام)،ما وجد ذلك في كتاب علي(عليه السلام)،قال اللّه تعالى:

وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (4) .

و قد أرسل محمد بن أحمد بن يحيى:أنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة (5).و الشيخ ضعّفه بالإرسال و القطع،ثمّ حمله على اعتقاد فرضه قبل الغسل.

ص: 247


1- التهذيب 1:140 ح 393،الاستبصار 1:126 ح 429.
2- الكافي 3:45 ح 13،التهذيب 1:139 ح 391،الاستبصار 1:126 ح 430.
3- التهذيب 1:139 ح 392.
4- التهذيب 1:139 ح 389،142 ح 400،الاستبصار 1:125 ح 426.
5- التهذيب 1:140 ح 394،الاستبصار 1:126 ح 430.

و في رواية عبد اللّه بن سليمان،قال:سمعت أبا عبد اللّه(عليه السلام) يقول:«الوضوء بعد الغسل بدعة» (1).و مثله خبر سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) (2).

الثانية:لو أحدث المجنب في أثناء غسله حدثا أصغر فلا نصّ مشهورا

فيه،

و اختلف في كلام الأصحاب:

فأوجب ابنا بابويه و الشيخ-في النهاية-الإعادة (3).و قد قيل انّه مروي عن الصادق(عليه السلام)في كتاب عرض المجالس للصدوق،و لأن الحدث ناقض للطهارة بعد الكمال فقبله أولى،و انتقاضها يبقيه على حكم الجنابة الموجبة للغسل.

و يشكل:بأنه بعد الكمال أثره إيجاب الوضوء لا غير،فليكن كذلك قبله.

و بقاؤه على حكم الجنابة بعد الحدث محل النزاع،فلذلك أوجب المرتضى الوضوء بعد الغسل (4).

و خرّج ابن البراج الاقتصار على إتمام الغسل،لأنه لا أثر للأصغر مع الأكبر (5).

و في المبسوط أفتى بالإعادة،ثمّ نقل الوضوء (6)،و هو يشعر بتوقّفه.

و الأقرب الأوّل،لامتناع الوضوء في غسل الجنابة عملا بالأخبار المطلقة، و امتناع خلوّ الحدث عن أثر هنا مع تأثيره بعد الكمال.

ص: 248


1- الكافي 3:45 ح 12،التهذيب 1:140 ح 395.
2- التهذيب 1:140 ح 396.
3- الفقيه 1:49،الهداية 21،النهاية:22.
4- مختلف الشيعة:32.
5- جواهر الفقه:473.
6- المبسوط 1:30.

فروع ثلاثة:

الأوّل:لو كان الحدث من المرتمس، فان قلنا بسقوط الترتيب حكما،فان وقع بعد ملاقاة الماء جميع البدن أوجب الوضوء لا غير،و الاّ فليس له اثر.و ان قلنا بوجوب الترتيب الحكمي القصدي،فهو كالمرتّب و ان قلنا بحصوله في نفسه و فسّرناه بتفسير الإستبصار (1)أمكن انسحاب البحث فيه.

الثاني:لو تخلل الحدث الغسل المكمل بالوضوء، أمكن المساواة في طرد الخلاف،و أولويّة الاجتزاء بالوضوء هنا،لأن له مدخلا في إكمال الرفع أو الاستباحة،و به قطع الفاضل في النهاية مع حكمه بالإعادة في غسل الجنابة (2).

الثالث: لو أحدث غير المجنب بعد غسله فلا شيء سوى الوضوء.و تخيّل:

بقاء الحدث الأكبر فتنسحب الأقوال،ضعيف،لمنعه أوّلا،و حكم الشارع بإكماله بالوضوء ثانيا بتقدير بقائه،و لزوم وضوئين على قول الوضوء هناك ثالثا.

و لو قدّم الوضوء فأحدث بعده قبل الغسل،انتقض الوضوء فيعيده قبل الغسل أو بعده،لعدم تأثيره بعد الحدث.

الثالثة:ماء الغسل على الزوج-

في الأقرب-لأنّه من جملة النفقة،فعليه نقله إليها و لو بالثمن،أو يمكّنها (3)من الانتقال اليه،فلو احتاج الى عوض كالحمام فالأقرب:وجوبه عليه أيضا مع تعذّر غيره،دفعا لضرر.

و وجه العدم:ان ذلك مئونة التمكين الواجب عليها.و ربّما فرق بين ماء غسل الجنابة و غيره إذا كان سبب الجنابة من الزوج.

و أمّا الأمة،فالأقرب:أنّها كالزوجة،لأنه مئونة محضة،و انتقالها الى التيمم

ص: 249


1- تقدم في ص:224،هامش 3.
2- نهاية الإحكام 1:114.
3- في س:تمكينها.

مع وجود الماء بعيد،و حمله على دم التمتع قياس من غير جامع،و يعارض بوجوب فطرتها فكذا ماء طهارتها.

و لو عجزتا عن المباشرة،فالأقرب:وجوب الإعانة عليه،لمثل ما قلناه.

الرابعة:لو توضأ المجنب غير معتقد للشرعية فلا إثم،

و لو اعتقدها بني على ما مر.

و لو اعتقد تكميل الغسل بالوضوء أبدع و لم يخرج عن الاجزاء،قاله جماعة من الأصحاب (1)لحصول الرافع بكماله.و يمكن البطلان،لقصور نيّته في الغسل بحسب معتقده،و الفرق بين تقدم الوضوء و تأخيره،لأن النية جازمة باستباحة الصلاة إذا تقدمه الوضوء بخلاف ما إذا تأخّر.

الخامسة:المرتد يجب عليه الغسل عند سببه كالكافر بل أولى،لالتزامه بحكم الإسلام،و لا يصح منه مرتدا،لعدم التقرب.

و لو ارتد في أثناء الغسل لم يبطل فيما مضى،فلو عاد بنى بنيّة مستأنفه، و الظاهر:أنه لا يجب عليه طهارة بدنه،كالكافر إذا أسلم.و لو ارتد بعد الغسل لم يؤثر في إبطاله على الأصح،و تحقيقه في الكلام.

ص: 250


1- لاحظ:النهاية:23،نهاية الإحكام 1:112،تذكرة الفقهاء 1:24.
الباب الثالث:في المواقيت و
فصوله أربعة:
الفصل الأول:
اشارة

في مواقيت الفرائض الخمس.

يجب معرفة الوقت لئلا يصلّي في غيره،و لا يجوز تقديم الصلاة على وقتها إجماعا.

و ما روي عن ابن عباس و الشعبي من جواز استفتاح المسافر الظهر قبل الزوال بقليل (1)متروك،لسبق الإجماع و لحاقه.و قد روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا صلّيت شيئا من الصلوات في السفر في غير وقتها لا يضر» (2)و حمله الشيخ على خروج الوقت لعذر (3)،مع معارضتها بخبر أبي بصير عنه عليه السلام:«من صلّى في غير وقت فلا صلاة له» (4).

و الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا عند الأكثر.و قد يظهر من كلام المفيد التضيّق،حيث حكم بأنه لو مات قبل أدائها في الوقت كان مضيّعا،و إن بقي حتى يؤديها عفي عن ذنبه (5).

لنا:ما روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«أحب الوقت الى اللّه حين يدخل وقت الصلاة،فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب

ص: 319


1- انظر:المغني لابن قدامة 1:441،بداية المجتهد 1:92.
2- الفقيه 1:358 ح 1574،التهذيب 2:141 ح 551،الاستبصار 1:244 ح 869.
3- التهذيب 2:141.
4- الكافي 3:285 ح 6،التهذيب 2:140 ح 547،الاستبصار 1:244 ح 868.
5- المقنعة:14.

الشمس» (1).

و روى محمد بن مسلم:ربما دخلت على أبي جعفر عليه السلام و قد صلّيت الظهرين،فيقول:«أصليت الظهر؟»فأقول:نعم،و العصر.فيقول:

«ما صليت العصر» (2)،فيقوم مسترسلا غير مستعجل فيتوضأ أو يغتسل،ثم يصلّي الظهر،ثم يصلّي العصر (3).

و يقرب منه رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في قوم بعضهم يصلّي الظهر و بعضهم يصلي العصر،فقال:«كل واسع» (4).في أخبار كثيرة.

و احتج في التهذيب للمفيد برواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام،إنه قال:«لكل صلاة وقتان،فأول الوقت أفضله.و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا،إلاّ في عذر من غير علة»،و عن ربعي عنه عليه السلام:«إنّا لنقدّم و نؤخّر و ليس كما يقال:من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك، و إنما الرخصة للناسي و المريض و المدنف و المسافر و النائم في تأخيرها»،و لأن الأمر على الفور.ثم قال:و لم نرد بالوجوب هنا ما يستحق به العقاب،بل ما يستحق به اللوم و العتب و الأولى فعله (5).

قلت:ظاهر انتفاء دلالة هذه على العصيان،و قد اعترف به الشيخ.

و يمكن أن يحتج بما رواه الصدوق عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«أول9.

ص: 320


1- التهذيب 2:24 ح 69،الاستبصار 3:87 ح 5.
2- كذا،و في المصدرين:«الظهر».
3- التهذيب 2:252 ح 999،الاستبصار 1:256 ح 920.
4- التهذيب 2:251 ح 997،الاستبصار 1:256 ح 918،و فيهما:«كل ذلك واسع».
5- التهذيب 2:41. و رواية ابن سنان فيه برقم 124،و في الكافي 3:274 ح 3،و الاستبصار 1:244 ح 870. و رواية ربعي فيه برقم 132،و في:الاستبصار 1:262 ح 939.

الوقت رضوان اللّه،و آخره عفو اللّه»قال:و العفو لا يكون إلاّ عن ذنب (1)و جوابه:بجواز توجه العفو بترك الأولى،مثل:عفى اللّه عنك.

و يتهذب الباب برسم

مسائل:
المسألة الأولى:لكل صلاة وقتان،أحدهما:للفضيلة،و الآخر:للإجزاء.

و قال جماعة من الأصحاب:أحدهما للمختار،و الآخر للمعذور و المضطر (2).و أكثر الروايات على الأول،و تمسك الآخرون بالأخبار الآتية الدالة على القامة و شبهها،مع الأخبار الدالة على الغروب،و سنجيب عنه.

قال في المبسوط:و العذر أربعة:السفر،و المطر،و المرض و شغل يضر تركه بدينه أو دنياه.و الضرورة خمسة:الكافر يسلم،و الصبي يبلغ، و الحائض تطهر،و المجنون يفيق،و المغمى عليه يفيق (3).

و رواية ربعي تتضمن الحصر فيما ذكر فيها (4)و الظاهر انّه على سبيل الغالب.

إذا تقرر ذلك،فوقت الظهر زوال الشمس إجماعا.و يعلم بزيادة الظل بعد نقصه،أو حدوثه بعد عدمه،كما في مكة و صنعاء في أطول يوم من السنة.

و قيل:باستمرار ذلك فيهما ستة و عشرين يوما قبل انتهاء الطول،و مثلها بعد انتهائه.

و قد يعلم بميل الشمس الى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة العراق، ذكره في المبسوط بصيغة:(و روي) (5).

ص: 321


1- الفقيه 1:140 ح 651،و ليس فيه«قال»،و العبارة التي بعدها يمكن أن تكون من كلام الصدوق.
2- راجع:المقنعة:14،المبسوط 1:72،الخلاف 1:271 المسألة 13،الوسيلة:81.
3- المبسوط 1:72.
4- تقدمت في ص 320 ضمن الهامش 5.
5- المبسوط 1:73.

و ما روى سماعة عن الصادق عليه السلام:انه أخذ عودا فنصبه حيال الشمس ثم قال:«إنّ الشمس إذا طلعت كان الفيء طويلا،ثم لا يزال ينقص حتى تزول،فإذا زالت زاد،فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر» (1).و نحوه رواية علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام (2)،و قد ذكر الأصحاب الدائرة الهندية كالمفيد (3)و غيره.

و قد دل على الوقت الكتاب و السنّة،قال اللّه تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (4).و اللام للتأقيت،مثل:لثلاث خلون.و الدلوك:الزوال،عند الأكثر،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين زالت،فصلّى بي الظهر» (5)،و هو من الدلك الذي هو الانتقال و عدم الاستقرار،و منه الدلك باليد،و قيل:لأن الناظر إليها عند الزوال يدلك عينه ليدفع شعاعها.

و روى ابن عباس:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«أمّني جبرئيل عليه السلام عند باب البيت مرتين،فصلّى بي الظهر حين زالت الشمس» (6).

و روى يزيد بن خليفة:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إن عمر بن حنظلة أنبأنا عنك بوقت،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«إذا لا يكذب علينا».

قلت:ذكر انك قلت:«إن أول صلاة افترضها اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه و آله3.

ص: 322


1- التهذيب 2:27 ح 75.
2- التهذيب 2:27 ح 76.
3- المقنعة:13.
4- سورة الإسراء:78.
5- جامع البيان 15:93.
6- المصنف لعبد الرزاق 1:531 ح 2028،مسند أحمد 1:333،سنن أبي داود 1:107 ح 393،الجامع الصحيح 1:279 ح 149،سنن الدار قطني 1:258،المستدرك على الصحيحين 1:193.

الظهر،و هو قول اللّه عز و جل أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ فإذا زالت الشمس لم تمنعك إلاّ سبحتك».قال:«صدق» (1).

و عن عبيد بن زرارة عنه عليه السلام:«إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر جميعا،إلاّ أنّ هذه قبل هذه،ثم أنت في وقت منهما حتى تغيب الشمس» (2).

و عن الصباح بن سيابة عنه عليه السلام:«إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين» (3)و مثله عن سفيان بن السمط (4)،[و]عن مالك الجهني (5)و كذا رواه منصور بن يونس عن العبد الصالح عليه السلام (6).

و رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام،و زاد فيه:«فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة» (7).

و فهم بعض من هذه الأخبار اشتراك الوقتين،و بمضمونها عبّر ابنا بابويه (8)و نقله المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية عن الأصحاب،حيث قال:

يختص أصحابنا بأنهم يقولون:إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر معا، إلاّ أنّ الظهر قبل العصر.قال:و تحقيقه انّه إذا زالت دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات،فإذا خرج هذا المقدار اشتراك الوقتان.و معنى ذلك:أنه يصح أن يؤدى في هذا الوقت المشترك الظهر و العصر بطوله،و الظهر مقدمة،9.

ص: 323


1- الكافي 3:275 ح 10،التهذيب 2:20 ح 56،الاستبصار 1:260 ح 932. و الآية في سورة الإسراء:78.
2- الفقيه 1:139 ح 647،التهذيب 2:26 ح 73،الاستبصار 1:246 ح 881.
3- التهذيب 2:243 ح 964،الاستبصار 1:245 ح 874.
4- التهذيب 2:244 ح 965،الاستبصار 1:246 ح 875.
5- التهذيب 2:244 ح 967،الاستبصار 1:246 ح 877.
6- التهذيب 2:244 ح 966،الاستبصار 1:246 ح 876.
7- الفقيه 1:140 ح 648،التهذيب 2:19 ح 54.
8- المقنع:27،الهداية:29.

ثم إذا بقي للغروب مقدار أربع خرج وقت الظهر و خلص للعصر (1).

قال الفاضل:و على هذا يزول الخلاف (2).

و قال المحقق:يؤوّل بأن المراد بالاشتراك ما بعد الاختصاص،لتضمن الخبر:«إلاّ أن هذه قبل هذه»،و لأنه لما لم يتحصل للظهر وقت مقدّر-لأنها قد تصلّى بتسبيحتين،و قد يدخل عليه الوقت في آخرها ظانا فيصلي العصر بعدها-عبّر بما في الرواية،و هو من ألخص العبارات (3).

قلت:و لأنه يطابق مدلول الآية في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (4)،و ضرورة الترتيب تقتضي الاختصاص،مع دلالة رواية داود بن فرقد المرسلة عن الصادق عليه السلام،حيث قال:«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات،فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات،فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر» (5).

فرع:

لو أوقع العصر في المختص،لظن،أو نسيان،عدل.و لو ذكر بعد فراغه أعادهما.و ربما دل عليه خبر ابن مسكان عن الحلبي،قال:سألته عن رجل نسي الأولى حتى صلّى العصر،قال:«فليجعل صلاته التي صلّى الاولى،ثم ليستأنف العصر» (6).2.

ص: 324


1- الناصريات:229.
2- مختلف الشيعة:66.
3- المعتبر 2:35.
4- سورة الإسراء:78.
5- التهذيب 2:25 ح 70،الاستبصار 1:261 ح 936.
6- التهذيب 2:269 ح 1074،الاستبصار 1:287 ح 1052.

و نحمله على انه فيها،لرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام:فذكر و هو يصلي أنه لم يكن صلّى الاولى:«فليجعلها الاولى» (1).

و في خبر الصيقل عنه عليه السلام:و قد صلّى ركعتين من العصر (2).

و كذا يحمل خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«أو بعد فراغك من العصر فانوها الأولى،فإنما هي أربع مكان أربع» (3).

و يجيء على الاشتراك بغير تفسير المرتضى صحتها.

المسألة الثانية:يمتد وقت الفضيلة للظهر،أو الاختيار،

الى أن يصير الظل الحادث بعد الزوال مماثلا للشخص،في المشهور.و الخلاف في موضعين:

أحدهما: تقدير الامتداد بما قلناه،أما الزيادة عليه فمنفيّة،كما ذكره الشيخ-في الخلاف-من الإجماع على كونه وقتا،و لا دلالة على الزائد (4).

و أما اختصاصه بالمثل،فلقول الصادق عليه السلام لعمر بن سعيد:«قل له-يعني لزرارة-:إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر،و إذا كان ظلك مثليك فصل العصر» (5)و كان زرارة سأله عن وقت الظهر في القيظ.

و يقرب منه رواية أحمد بن عمر عن أبي الحسن عليه السلام:«وقت الظهر إذا زاغت الشمس الى أن يذهب الظل قامة،و وقت العصر قامة و نصف الى قامتين» (6)إذا اعتبرنا قامة الإنسان.

و لرواية معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«أتى جبرئيل النبي صلّى اللّه عليه و آله بمواقيت الصلاة،فأتاه حين زالت الشمس

ص: 325


1- الكافي 3:294 ح 7،التهذيب 2:269 ح 1072.
2- التهذيب 2:270 ح 1075.
3- الكافي 3:291 ح 1،التهذيب 3:158 ح 340.
4- الخلاف 1:46 مسألة 4.
5- التهذيب 2:22 ح 62،الاستبصار 1:248 ح 891.
6- التهذيب 2:19 ح 52،الاستبصار 1:247 ح 883.

فأمره أن يصلّي الظهر،ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلّى العصر،ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب،ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء،ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح،ثم أتاه من الغد حين زاد الظل قامة فأمره فصلّى الظهر،ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلّى العصر،ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب،ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء،ثم أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح،ثم قال:ما بينهما وقت» (1).

و قدّر بالأقدام الأربعة،و هي:الأسباع لرواية إبراهيم الكرخي عن الكاظم عليه السلام:يخرج وقت الظهر بعد ما يمضي من زوالها أربع أقدام،و إن وقت العصر يدخل بآخرها،و انه لو صلّى الظهر بعد الأربع تعمدا ليخالف السنة لم تقبل منه،و انه لو أخّر العصر الى أن تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم تقبل (2).و فيه دلالة للتوقيت بالعذر،و يحمل على الفضيلة تغليظا،لتحصيل المحافظة عليها.

و قدّر بسبعي الشخص،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام و سأله عن وقت الظهر،فقال:«ذراع من زوال الشمس،و وقت العصر ذراع من وقت الظهر،فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس» (3).

قلت:في هذا تقدير الذراع بالقدمين،اللّذين هما سبعا الشخص الماثل،و الظاهر انه بالنسبة إلى الإنسان إذ هو الأصل في الاقدام.و روي بعدة أسانيد صحيحة عن الباقر و الصادق عليهما السلام:«وقت الظهر بعد الزوال قدمان،و وقت العصر بعد ذلك قدمان» (4).2.

ص: 326


1- التهذيب 2:252 ح 1001،الاستبصار 1:257 ح 922.
2- التهذيب 2:26 ح 74،الاستبصار 1:258 ح 926.
3- الفقيه 1:140 ح 653،التهذيب 2:19 ح 55،الاستبصار 1:248 ح 888.
4- الكافي 3:227 ح 7،الفقيه 1:140 ح 649،التهذيب 2:24 ح 67،255 ح 1012، الاستبصار 1:248 ح 892.

و قدّر بالذراع،لما مر،و لرواية محمد بن حكيم عن العبد الصالح:«آخر وقت الظهر قامة من الزوال» (1)مع رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان:«القامة هي الذراع» (2).

و لرواية معاوية بن ميسرة عنه عليه السلام قال:«أتى جبرئيل عليه السلام»و ذكر مثل الحديث السالف إلاّ أنه قال بدل القامة و القامتين:ذراع و ذراعان (3).

و لرواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان فيء الجدار ذراعا صلّى الظهر،و إذا كان ذراعين صلّى العصر».قال الراوي:الجدران تختلف في الطول و القصر.قال:«إنّ جدار مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يومئذ قامة» (4).

قلت:معظم هذه الأخبار و نحوها تدل دلالة أولية على توقيت النافلة، بمعنى:أن النافلة لا تصلّى عند خروج هذه المقادير،و إنما اختلفت المقادير بحسب حال المصلين في السرعة و البطء،و التخفيف و التطويل،لما رواه الحارث بن المغيرة و عمر بن حنظلة و منصور بن حازم،قالوا:كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع،فقال لنا أبو عبد اللّه عليه السلام:«ألا أنبئكم بأبين من هذا».قلنا:بلى.قال:«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر،إلاّ أن بين يديها سبحة و ذلك إليك،فإن أنت خفّفت فحين تفرغ من سبحتك،و إن أنت طوّلت فحين تفرغ من سبحتك» (5).8.

ص: 327


1- التهذيب 2:251 ح 994،الاستبصار 1:256 ح 917.
2- التهذيب 2:23 ح 65،الاستبصار 1:251 ح 901.
3- التهذيب 2:253 ح 1002،الاستبصار 1:257 ح 923.
4- التهذيب 2:250 ح 993،الاستبصار 1:255 ح 916.
5- الكافي 3:276 ح 4،التهذيب 2:22 ح 63،الاستبصار 1:250 ح 898.

و لما رواه محمد بن أحمد بن يحيى،قال:كتب بعض أصحابنا الى أبي الحسن عليه السلام:روي عن آبائك القدم و القدمان و الأربع،و القامة و القامتان،و ظل مثلك،و الذراع و الذراعان،فكتب عليه السلام:«لا القدم و لا القدمين،إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة،و بين يديها سبحة و هي ثمان ركعات،فإن شئت طوّلت و إن شئت قصرت،ثم صل الظهر.فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة،و هي ثمان ركعات،إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت،ثم صل العصر» (1).

قال الشيخ:إنما نفى القدم و القدمين لئلا يظن أن ذلك لا يجوز غيره (2).

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟»قلت:لم؟قال:«لمكان الفريضة،فإن لك أن تتنفل من زوال الشمس الى أن يمضي الفيء ذراعا،فإذا بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة» (3).

و على هذا من يصلي النافلة يستحب له تأخير الفريضة إلى فراغها، و بعض الأخبار كالصريح في ذلك.

و قد روى سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«وقت الظهر بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك،إلاّ في السفر أو يوم الجمعة،فإن وقتها إذا زالت» (4).

و مثله روى عنه إسماعيل بن عبد الخالق (5)فيحمل أيضا على مصلّي النافلة.

و روى بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:إني صليت الظهر في يوم5.

ص: 328


1- التهذيب 2:249 ح 990،الاستبصار 1:454 ح 913.
2- الهامش السابق.
3- الكافي 3:288 ح 1،التهذيب 2:245 ح 974،الاستبصار 1:249 ح 893.
4- التهذيب 2:244 ح 970،الاستبصار 1:247 ح 884.
5- التهذيب 2:21 ح 59،الاستبصار 1:247 ح 885.

غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار،فقال:«لا تعد،و لا تعد» (1).

و حمله الشيخ على النهي عن ملزوم هذا و هو ترك النافلة،لأن معاوية بن ميسرة سأل الصادق عليه السلام:أ يصلي الظهر إذا زالت الشمس في طول النهار؟ قال:«نعم،و ما أحب أن يفعل ذلك كل يوم» (2).

و في خبر عمر بن سعيد السابق:الأمر بصلاة الظهر إذا صار الظل مثله (3)،إشارة إلى استحباب تأخيرها لمصلي النافلة أيضا،و قد يستفاد من دلالتها الالتزامية توقيت الفريضة،و من بعضها يستفاد ذلك بالمطابقة.

ثم لما عارضها أخبار أخر تدل على امتداد الوقت جمع بينهما،إما بالحمل على الاختيار و العذر،أو على الأفضلية و عدمها،مع اعتضاد كل واحد من الحملين بما يصرح به.

و قد روى زرارة:قلت لأبي جعفر عليه السلام:أبين الظهر و العصر حد معروف؟فقال:«لا» (4)،و هذا يؤيد أن التوقيت للنافلة.

الموضع الثاني: ذهب الشيخ في التهذيب الى اعتبار المماثلة بين الفيء الحادث بعد الزوال و الظل السابق عليه،تعويلا على مرسلة يونس عن الصادق عليه السلام (5)و هي ضعيفة السند و الدلالة،و معارضة برواية عمر بن سعيد فإنها صريحة في اعتبار المماثلة بين الشخص و الظل،و كذا رواية يزيد بن خليفة (6)و قد ذكرتا،و لأنه لو اعتبر الظل لزم اختلاف الوقت بالطول و القصر بحسب الأزمنة و الأمكنة بخلاف الشخص.1.

ص: 329


1- التهذيب 2:246 ح 979،الاستبصار 1:252 ح 903.
2- التهذيب 2:247 ح 980،الاستبصار 1:252 ح 904.
3- تقدم في ص 325 الهامش 5.
4- التهذيب 2:255 ح 1013.
5- التهذيب 2:24،و مرسلة يونس فيه برقم 67،و في الكافي 3:277 ح 7.
6- تقدمتا في ص 325 الهامش 5،و ص 323 الهامش 1.
المسألة الثالثة:يمتد إجزاء الظهر الى أن يبقى للغروب قدر أدائها مع العصر

لضرورة الترتيب،

و الغسق يدل عليه لأنه الظلمة،و لخبري عبيد و داود السابقين (1)و لما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام:«أحب الوقت الى اللّه أوله حين يدخل وقت الصلاة،فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس» (2).

و قد مر قول الشيخ في التهذيب بخروج وقت الظهر بمضي أربعة أقدام.

المسألة الرابعة:أول وقت العصر عند مضي قدر أداء الظهر،

و يمتد الفضيلة إلى المثلين،و الإجزاء الى أربع ركعات للغروب،و قد تقرر ذلك.

و روى معمر بن يحيى عن الباقر عليه السلام:«وقت العصر الى غروب الشمس» (3).

و في الخلاف:لا خلاف ان صاحب الضرورة إذا أدرك قبل غروب الشمس ركعة تجب عليه العصر (4).و عند المفيد ذلك للمضطر و الناسي،و أما غيرهما فإلى اصفرار الشمس (5)لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«وقت العصر ما لم تصفر الشمس» (6)-و هو من صحاح العامة-و لما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في تضييع صلاة العصر:«أن يدعها حتى تصفر و تغيب» (7).

ص: 330


1- تقدما في ص 323 الهامش 2،و ص 324 الهامش 5.
2- التهذيب 2:24 ح 69،الاستبصار 1:260 ح 935.
3- التهذيب 2:25 ح 71،الاستبصار 1:261 ح 937.
4- الخلاف 1:49 مسألة 13.
5- المقنعة:14.
6- صحيح مسلم 1:427 ح 612،سنن أبي داود 1:109 ح 396،سنن النسائي 1:260.
7- التهذيب 2:256 ح 1018،الاستبصار 1:259 ح 930.

و روى سليمان بن خالد عنه عليه السلام:«من تركها حتى يصير على ستة أقدام فذلك المضيّع» (1).و روى سليمان بن جعفر:قال الفقيه:«آخر وقت العصر ستة أقدام و نصف» (2).

و كل ذلك ليس بصريح في خروج الوقت و لا في النهي،فلو سلم حمل على الكراهية.

المسألة الخامسة:لا خلاف عندنا في جواز الجمع بين الظهر و العصر،

حضرا و سفرا،للمختار و غيره.و رواه العامة عن:علي عليه السلام (3)و ابن عباس (4)و ابن عمر (5)و أبو موسى (6)و جابر (7)و سعد بن أبي وقاص (8)و عائشة (9).

و روى ابن عباس:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهرين و العشاءين من غير خوف و لا سفر (10)و في لفظ آخر:من غير خوف و لا مطر (11)

ص: 331


1- التهذيب 2:256 ح 1016،الاستبصار 1:259 ح 928.
2- التهذيب 2:256 ح 1014،الاستبصار 1:259 ح 927.
3- المصنف لابن أبي شيبة 1:458،سنن الدار قطني 1:391.
4- المصنف لعبد الرزاق 2:555 ح 4436،المصنف لابن أبي شيبة 2:456،صحيح مسلم 1:491 ح 706،سنن أبي داود 2:6 ح 1214،سنن النسائي 1:286،السنن الكبرى 3: 166. و راجع الهامش 10،11.
5- الموطأ 1:144،صحيح مسلم 1:488 ح 703،سنن النسائي 1:289،سنن الدار قطني 1:392،السنن الكبرى 3:159.
6- المغني 2:113.
7- سنن أبي داود 2:7 ح 1215،سنن النسائي 1:287،السنن الكبرى 3:164.
8- المغني 2:113.
9- المصنف لابن أبي شيبة 1:457.
10- الموطأ 1:144،المصنف لعبد الرزاق 2:555 ح 4435،مسند أحمد 1:283،صحيح مسلم 1:489 ح 705،سنن أبي داود 2:6 ح 1210،سنن النسائي 1:290.
11- صحيح مسلم 1:493 ح 706،سنن أبي داود 2:6 ح 1211،الجامع الصحيح 1:354 ح 187،سنن النسائي 1:290،مسند أبي عوانة 2:353،السنن الكبرى 3:168.

و كلاهما في الصحاح.

و فيها عن عبد اللّه بن شقيق العقيلي،قال:قال رجل لابن عباس:

الصلاة.فسكت،ثلاثا.ثم قال في الثالثة:لا أم لك!أ تعلمنا بالصلاة،كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).

و روينا عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهرين حين زالت الشمس في جماعة من غير علة».قال:

«و انما فعل ذلك ليتوسع الوقت على أمته» (2).

نعم،الأقرب استحباب تأخير العصر الى ان يخرج وقت فضيلة الظهر، اما المقدر بالنافلتين و الظهر،و اما المقدر بما سلف من المثل و الاقدام و غيرهما،لانه معلوم من حال النبي صلّى اللّه عليه و آله،حتى ان رواية الجمع بين الصلاتين تشهد بذلك.

و قد صرح به المفيد-رحمه اللّه-في باب عمل الجمعة،قال:و الفرق بين الصلاتين في سائر الأيام،مع الاختيار و عدم العوارض،أفضل قد ثبتت السنة به،الا في يوم الجمعة فإن الجمع فيهما أفضل،و كذا في ظهري عرفة و عشائي المزدلفة (3).

و ابن الجنيد حيث قال:لا يختار أن يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر التي صلاها مع الزوال،الا مسافرا أو عليلا أو خائفا ما يقطعه عنها،بل الاستحباب للحاضر أن يقدم بعد الزوال و قبل فريضة الظهر شيئا من التطوع الى ان تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها،ثم يأتي بالظهر و يعقبها بالتطوع من التسبيح أو الصلاة حتى يصير الفيء أربعة اقدام أو ذراعين ثم7.

ص: 332


1- المصنف لابن أبي شيبة 2:456،صحيح مسلم 1:492 ح 706،السنن الكبرى 3: 168.
2- الكافي 3:286 ح 1،التهذيب 2:263 ح 1046،الاستبصار 1:247 ح 882.
3- المقنعة:27.

يصلي العصر،و لمن أراد الجمع بينهما من غير صلاة ان يفصل بينهما بمائة تسبيحة (1).

و الأصحاب في المعنى قائلون باستحباب التأخير،و انما لم يصرح بعضهم به اعتمادا على صلاة النافلة بين الفريضتين.و قد رووا ذلك في أحاديثهم كثيرا،مثل:

حديث إتيان جبرئيل بمواقيت الصلاة،رواه معاوية بن وهب (2)و معاوية ابن ميسرة (3)و أبو خديجة (4)و المفضل بن عمر (5)و ذريح (6)عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الظهر على ذراع،و العصر على نحو ذلك» (7)يعني:على ذراع آخر،لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«كان حائط مسجد رسول اللّه قامة،فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر،فإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر» (8)و مثله رواية إسماعيل الجعفي عنه عليه السلام (9).

و عن عبد اللّه بن سنان:شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فحين كان قريبا من الشفق نادوا و أقاموا الصلاة فصلوا المغرب،ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين،ثم قام المنادي في مكانه في6.

ص: 333


1- لاحظ:مختلف الشيعة:71.
2- التهذيب 2:252 ح 1001،الاستبصار 1:257 ح 922.
3- التهذيب 2:253 ح 1002،الاستبصار 1:257 ح 923.
4- راجع:التهذيب 2:253 ح 1002.
5- التهذيب 2:253 ح 1003،الاستبصار 1:257 ح 924.
6- التهذيب 2:253 ح 1004،الاستبصار 1:258 ح 925.
7- التهذيب 2:248 ح 987،الاستبصار 1:253 ح 910.
8- التهذيب 2:250 ح 992،الاستبصار 1:255 ح 915.
9- التهذيب 2:21 ح 58،الاستبصار 1:255 ح 916.

المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء،فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك،فقال:«نعم،قد عمله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (1).

و عن صفوان الجمال،قال:صلى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام الظهر و العصر عند ما زالت الشمس بأذان و إقامتين،و قال:«اني على حاجة فتنفلوا» (2).و في هذا الخبر فوائد:

منها:جواز الجمع.

و منها:انه لحاجة.

و منها:سقوط الأذان و النافلة مع الجمع،كما روى محمد بن حكيم عن أبي الحسن عليه السلام:«إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما» (3).

و منها:أفضلية القدوة على التأخير.

و روى عبد اللّه بن سنان في كتابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان في السفر يجمع بين المغرب و العشاء، و الظهر و العصر،انما يفعل ذلك إذا كان مستعجلا».قال عليه السلام:

«و تفريقهما أفضل».و هذا نص في الباب.

و لم أقف على ما ينافي استحباب التفريق من رواية الأصحاب،سوى ما رواه عباس الناقد،قال:تفرّق ما كان في يدي و تفرّق عني حرفائي،فشكوت ذلك الى أبي عبد اللّه عليه السلام،فقال:«اجمع بين الصلاتين الظهر و العصر ترى ما تحب» (4).و في الكافي:فشكوت ذلك الى أبي محمد عليه السلام (5)، و الذي هنا بخط الشيخ و قد نسبه الى الكافي.و هو إن صح أمكن تأويله بجمع6.

ص: 334


1- الكافي 3:286 ح 2.
2- الكافي 3:287 ح 5،التهذيب 2:263 ح 1048.
3- الكافي 3:287 ح 3،التهذيب 2:263 ح 1050.
4- التهذيب 2:263 ح 1049.
5- الكافي 3:287 ح 6.

لا يقتضي طول التفريق،لامتناع ان يكون ترك النافلة بينهما مستحبا،أو يحمل على ظهري يوم الجمعة.

و اما باقي الأخبار فمقصورة على جواز الجمع،و هو لا ينافي استحباب التفريق.

قال الشيخ:كل خبر دل على أفضلية أول الوقت محمول على الوقت الذي يلي وقت النافلة (1).

و بالجملة كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا،علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص و المصنفات بذلك.

و أورد على المحقق نجم الدين تلميذه جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري-و كان أيضا تلميذ السيد ابن طاوس-ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ان كان يجمع بين الصلاتين،فلا حاجة الى الأذان للثانية إذ هو الاعلام،و للخبر المتضمن انه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان،و ان كان يفرق فلم ندبتم الى الجمع و جعلتموه أفضل؟ فأجابه المحقق:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يجمع تارة و يفرق اخرى.ثم ذكر الروايات كما ذكرنا،و قال:انما استحببنا الجمع في الوقت الواحد إذا اتى بالنوافل و الفرضين فيه،لأنّه مبادرة إلى تفريغ الذمة من الفرض حيث ثبت دخول وقت الصلاتين.ثم ذكر خبر عمرو بن حريث عن الصادق عليه السلام،و سأله عن صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:«كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يصلي ثماني ركعات الزوال،ثم يصلي أربعا الاولى و ثماني بعدها،و أربعا العصر،و ثلاثا المغرب و أربعا بعدها،و العشاء أربعا،و ثماني الليل،و ثلاثا الوتر،و ركعتي الفجر،و الغداة ركعتين» (2).4.

ص: 335


1- التهذيب 2:248،الإستبصار 1:253.
2- الكافي 3:443 ح 5،التهذيب 2:4 ح 4،الاستبصار 1:218 ح 774.

تنبيهات:

الأول: معظم العامة على عدم جواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر، محتجين بان المواقيت ثبتت تواترا من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و فعله (1).

و جوابهم:أنتم قائلون بجواز الجمع في السفر و العذر،فلو كان الوقت غير مضروب للفريضة الثانية لاستحال فعلها فيه،كما استحال جمع الصبح و الظهر و العصر و المغرب في وقت أحدهما.

و يعارضون بما رووه عن ابن عباس:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر،و المغرب و العشاء،من غير خوف و لا سفر (2)و في لفظ آخر:

من غير خوف و لا مطر (3).

و روى البخاري عن أبي امامة،قال:صلينا مع عمر بن عبد العزيز،ثم دخلنا على أنس و هو يصلي العصر!فقلنا:ما هذه الصلاة؟فقال:العصر، و هذه صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التي كنا نصلي معه (4)و التعجب يدل على انّه قدمها على الوقت.

و روى مالك:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين في السفر (5).و هو دليل الجواز،و لا يحمل على انّه صلّى الاولى آخر وقتها و الثانية أوله،لأنّ ذلك لا يسمى جمعا-و ابن المنذر من أئمة العامة لما صحّ عنده5.

ص: 336


1- لاحظ:المغني 2:113،الشرح الكبير 2:110،بداية المجتهد 1:171.
2- تقدم في ص 331 الهامش 10.
3- تقدم في ص 331 الهامش 11.
4- صحيح البخاري 1:144،صحيح مسلم 1:434 ح 623،سنن النسائي 1:253.
5- الموطأ 1:143،صحيح مسلم 4:1784 ح 706،سنن أبي داود 2:4 ح 1206،سنن ابن ماجة 1:340 ح 1070،سنن النسائي 1:285.

أحاديث الجمع ذهب الى جوازه كما قاله الإمامية (1)-و هو قول ابن إدريس (2).

الثاني: روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،لما ذكر عليه السلام أفضلية الوقت،فقلت:و كيف أصنع بالثماني؟قال:«خفف ما استطعت» (3)و هذا يعطي استحباب تخفيف الثماني قبل الظهر،و لا يدل على سواها.

الثالث: روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:أفضل الأعمال الصلاة لأوّل وقتها (4).

و روى قتيبة الأعشى عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«انّ فضل أول الوقت على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا» (5).

و عن محمد بن مسلم عنه عليه السلام:«إذا دخل وقت صلاة فتحت أبواب السماء لصعود الاعمال،فما أحب أن يصعد عمل أول من عملي،و لا يكتب في الصحيفة أحد أول مني» (6).

و عن زرارة عن الباقر عليه السلام،و قد سأله عن أفضلية الأول أو الوسط أو الأخير،فقال:«أوله،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان اللّه يحب من الخير ما يعجّل» (7).

ثم قال الباقر عليه السلام:«ان أول الوقت أبدا أفضل،فتعجّل الخير7.

ص: 337


1- المغني 2:113،الشرح الكبير 2:116.
2- السرائر:40.
3- التهذيب 2:257 ح 1019.
4- الجامع الصحيح 1:319 ح 170،سنن الدار قطني 1:246،المستدرك على الصحيحين 1:189،السنن الكبرى 1:434.
5- الكافي 3:274 ح 6،ثواب الاعمال:58،التهذيب 2:40 ح 129.
6- التهذيب 2:41 ح 131.
7- الكافي 3:274 ح 5،التهذيب 2:40 ح 127.

ما استطعت» (1).

و عن سعد بن أبي خلف عن الكاظم عليه السلام،قال الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها،أطيب ريحا من قضيب الآس يؤخذ من شجره في طيبه و ريحه و طراوته،فعليكم بالوقت الأول» (2).

إذا ظهر ذلك،فبم تحصل فضيلة الأوليّة؟الظاهر انه بالاشتغال بمقدمات الصلاة كما يدخل الوقت،فإنه لا يعد حينئذ متوانيا و لا متأخرا.و في الاخبار ما يدل على ان الفضيلة بتقديم ما يمكن تقديمه من الشروط،لينطبق الفعل على أول الوقت،مثل ما روي:«ما وقّر الصلاة من أخّر الطهارة لها حتى يدخل وقتها» (3).

و تظهر الفائدة أيضا في ناذر الصلاة لوقتها الأول.

و الظاهر ان وقت الفضيلة متفاوت فيها فكلما قرب من الأول فاز بالفضل، و ربما احتمل مساواته و صب الاخبار عليه،أو نقول النصف الأول منه متساو لان معظم الوقت باق.و لو شغل بشغل خفيف قبل المقدمات أو بعدها-كأكل لقمة أو كلام قصير،أو مشى على عادته-لم تفته الفضيلة،لعدم تأثير مثله في التواني.

و قد يكون التأخير أفضل في أماكن تأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة السادسة:للمغرب وقتان كباقي الصلوات،

لعموم الاخبار،كخبر معاوية و ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لكل صلاة وقتان» (4).

و خبر داود الصرمي-بكسر الصاد و إسكان الراء المهملتين-:كنت عند

ص: 338


1- الكافي 3:274 ح 8،التهذيب 2:41 ح 130.
2- التهذيب 2:40 ح 128،ثواب الأعمال:58.
3- تنتهي طرق الرواية إلى الشهيد في كتابه هذا،انظر الحدائق 2:140،جواهر الكلام 1:17، وسائل الشيعة 1:374 ح 5 باب 4 من أبواب الوضوء فلعل المصنف انفرد بها.
4- الكافي 3:274 ح 3،4،التهذيب 2:40 ح 124،125،الاستبصار 1:244 ح 870،871.

أبي الحسن الثالث عليه السلام فغربت الشمس،فجلس يتحدث حتى غاب الشفق قبل ان يصلي المغرب،ثم توضأ و صلى (1).

و عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في تأخير المغرب ساعة:«لا بأس،إذا كان صائما أفطر،و ان كانت له حاجة قضاها» (2).في أخبار كثيرة تدل على جواز تأخيرها.

و في مكاتبة إسماعيل بن مهران الى الرضا عليه السلام:ان أصحابنا يجعلون آخر وقت المغرب ربع الليل،فكتب:«كذلك الوقت،غير ان وقت المغرب ضيق،و آخر وقتها ذهاب الحمرة و مصيرها الى البياض في أفق المغرب» (3).و روى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في وقت المغرب،قال:«ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق» (4).و سيأتي الدليل على امتداد وقتها الى نصف الليل،و لا نعني بالوقتين الا هذا.

قال الشيخ:هذه الأخبار دالة على المعذور،لأنّ الأمر عندنا للفور،فلا يجوز تأخير المغرب عن غيبوبة الشمس الا عن عذر (5).

قلت:سبيل هذه كسبيل ما ذكر في أوقات الباقي من الحمل على العذر، و حمله آخرون على الفضيلة.

نعم،قد روى الشيخ بطريقين عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ان جبرئيل أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله فجعل لكل صلاة وقتين،الا المغرب فجعل لها وقتا واحدا» (6).3.

ص: 339


1- التهذيب 2:30 ح 90،الاستبصار 1:264 ح 955.
2- التهذيب 2:30 ح 93،الاستبصار 1:266 ح 963.
3- الكافي 3:281 ح 16،التهذيب 2:260 ح 1037،الاستبصار 1:270 ح 976.
4- التهذيب 2:258 ح 1029،الاستبصار 1:263 ح 950.
5- التهذيب 2:32.
6- الكافي 3:280 ح 8،التهذيب 2:260 ح 1035،1036،الاستبصار 1:245 ح 872، 873.

و يعارض بخبر ذريح عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّ جبرئيل عليه السلام أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله في الوقت الثاني من المغرب قبل سقوط الشفق» (1).و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«وقت المغرب من حيث تغيب الشمس الى ان تشتبك النجوم» (2).فتحمل أخبار التضيق على الأفضلية جمعا.

المسألة السابعة:أول وقت المغرب غروب الشمس بالإجماع،

و يمتد الفضيلة إلى غيبوبة الشفق المغربي،و الاجزاء الى ان يبقى لانتصاف الليل قدر أدائها مع العشاء،لخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:و اثنتان أول وقتهما غروب الشمس الى انتصاف الليل،الا انّ هذه قبل هذه (3).

و يختص المغرب من أول الوقت بقدر أدائها،ثم يشترك مع العشاء الى انتصاف الليل فيختص العشاء بأربع،كما قلناه في الظهرين،لخبر داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام (4).

و الشيخان و القاضي و أبو الصلاح:وقت المختار إلى غيبوبة المغربية، و المضطر الى ربع الليل (5)،لتقدير التأخير إلى المشعر به،و لخبر عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام:«فإنك في وقت الى ربع الليل» (6)و عنه بلفظ آخر:

«فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل» (7)،و يحمل على الفضيلة.

المسألة الثامنة:يعلم الغروب بذهاب الحمرة المشرقية في الأشهر،

قال في

ص: 340


1- التهذيب 2:257 ح 1022،الاستبصار 1:263 ح 949.
2- التهذيب 2:257 ح 1023،الاستبصار 1:263 ح 948.
3- التهذيب 2:27 ح 78،الاستبصار 1:262 ح 941.
4- التهذيب 2:28 ح 82،الاستبصار 1:263 ح 945.
5- المقنعة:93 و 95،المبسوط 1:75،النهاية:59،المهذب 1:69،الكافي في الفقه: 137.
6- التهذيب 2:30 ح 91.
7- التهذيب 2:31 ح 94،الاستبصار 1:267 ح 964.

المعتبر:عليه عمل الأصحاب (1)لما رواه بريد بن معاوية عن الباقر عليه السلام:«إذا غابت الحمرة من هذا الجانب-يعني:المشرق-فقد غابت الشمس من شرق الأرض و من غربها» (2).

و عن محمد بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في وقت المغرب:

«إذا تغيرت الحمرة في الأفق و ذهبت الصفرة» (3).

و يقرب منه ما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،انه قال:«إذا أقبل الظلام من هاهنا-و أشار الى المشرق-و أدبر النهار من هاهنا-و أشار الى المغرب-فقد أفطر الصائم» (4).

و للشيخ قول بسقوط القرص،لخبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها» (5).

و عن أبي أسامة أو غيره:صعدت جبل أبي قبيس و الناس يصلون المغرب،فرأيت الشمس لم تغب و انما توارت خلف الجبل،فأخبرت أبا عبد اللّه عليه السلام بذلك،فقال:«بئس ما صنعت،انما تصليها إذا لم ترها خلف جبل،غابت أو عادت،فإنما عليك مشرقك و مغربك و ليس على الناس أن يبحثوا» (6).و جزم في الفقيه انّ الراوي أبو أسامة زيد الشحام (7).

و عن سماعة عنه عليه السلام:«ليس عليك صعود الجبل»،و قد قال له:1.

ص: 341


1- المعتبر 2:51.
2- الكافي 3:278 ح 2،التهذيب 2:29 ح 84،الاستبصار 1:265 ح 956.
3- التهذيب 2:257 ح 1024.
4- المصنف لعبد الرزاق 4:227 ح 7595،مسند أحمد 1:28،صحيح البخاري 3:46، صحيح مسلم 2:772 ح 1100،سنن أبي داود 2:304 ح 2351،الجامع الصحيح 3:81 ح 698.
5- الكافي 3:279 ح 7،التهذيب 2:28 ح 81،الاستبصار 1:263 ح 944.
6- التهذيب 2:264 ح 1053،الاستبصار 1:266 ح 961.
7- الفقيه 1:142 ح 661.

ربما صلينا و نحن نخاف ان تكون الشمس خلف الجبل (1).

و الجواب:كل خبر فيه غيبوبة القرص محمول على ذهاب الحمرة، حملا للمطلق على المقيد،و النهي عن البحث في ذلك جاز ان يكون بعد ذهاب الحمرة و توهم الراوي بقاء الشمس.و قد روى الكليني عن ابن أبي عمير مرسلا عن الصادق عليه السلام،قال:«وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار أن يقوم بحذاء القبلة و يتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق،فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص» (2).و هذا صريح في انّ زوال الحمرة علامة سقوط القرص،و مراسيل ابن أبي عمير في قوة المسانيد.

و اما اعتبار رؤية النجوم-كما روى بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام و سئل عن وقت المغرب،فتلا فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ، و قال:«هذا أول الوقت» (3).و روى إسماعيل بن همام:رأيت الرضا عليه السلام صلّى بنا على باب ابن أبي محمود حين ظهرت النجوم (4)-فهي نادرة، و محمولة على وقت الاشتباه،أو لضرورة،أو على مدها حتى تظهر النجوم فيكون فراغه منها عند ذلك،كما قاله الشيخ (5).

و معارضة بخبر أبي أسامة الشحام:قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام.أؤخّر المغرب حتى تستبين النجوم؟فقال:«خطابية!ان جبرئيل نزل8.

ص: 342


1- الفقيه 1:141 ح 656،أمالي الصدوق:74،التهذيب 2:29 ح 87،الاستبصار 1:266 ح 962.
2- الكافي 3:279 ح 4،التهذيب 4:185 ح 516.
3- الفقيه 1:141 ح 657،التهذيب 2:30 ح 88،الاستبصار 1:264 ح 953. و الآية في سورة الانعام:76.
4- التهذيب 2:30 ح 89،الاستبصار 1:264 ح 954.
5- التهذيب 2:261،الاستبصار 1:268.

بها على محمد صلّى اللّه عليه و آله حين سقط القرص» (1).

و في مرسل محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انه قال:

«ملعون من أخّر المغرب طلب فضلها» (2).

و عن الرضا عليه السلام:«انّ أبا الخطاب قد كان أفسد عامة أهل الكوفة،و كانوا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق،و انما ذلك للمسافر و الخائف و صاحب الحاجة» (3).

و عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنما أمرت أبا الخطاب ان يصلي المغرب حين زالت الحمرة،فجعل هو الحمرة من قبل المغرب» (4).

و عن القاسم بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام:ذكر عنده أبو الخطاب فلعنه،ثم قال:«انه لم يكن يحفظ شيئا!حدثته ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غابت له الشمس في مكان كذا و صلى المغرب بالشجرة بينهما ستة أميال،فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر» (5).

المسألة التاسعة:أول وقت العشاء الآخرة عند الفراغ من المغرب-
اشارة

في الأقوى- لما سلف،لأخبار كثيرة كخبر زرارة عن الصادق عليه السلام:«قال:صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علة في جماعة،و انما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته» (6).

و روى زرارة أيضا عن الباقرين عليهما السلام في الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق:«لا بأس بذلك» (7)و مثله روى الحلبيان عن الصادق

ص: 343


1- علل الشرائع:350،التهذيب 2:28 ح 80،الاستبصار 1:262 ح 943.
2- الفقيه 1:142 ح 660،علل الشرائع:350،التهذيب 2:33 ح 100.
3- التهذيب 2:33 ح 99،الاستبصار 1:268 ح 968.
4- التهذيب 2:259 ح 1033،الاستبصار 1:265 ح 960.
5- التهذيب 2:258 ح 1028.
6- الكافي 3:286 ح 1،التهذيب 2:263 ح 1046،الاستبصار 1:271 ح 981.
7- التهذيب 2:34 ح 104.

عليه السلام (1).

و ذهب الشيخان الى ان وقتها غيبوبة المغربية (2)لما رواه يزيد بن خليفة عن الصادق عليه السلام:«أول وقت العشاء حين يغيب الشفق الى ثلث الليل» (3).و عن زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء» (4).

و يحمل على الفضيلة جمعا مع انّ أخبارنا أصح طريقا،و لأنّهما جوّزا ذلك عند الضرورة،و لو لا كونه وقتا لاستحال فعلها فيه،كما لا يجوز تقديم المغرب على الغروب.و الشيخ حمل أخبار الجواز على الضرورة،أو على مدّها حتى يذهب الشفق (5).

و يمتد وقت الفضيلة إلى ثلث الليل،و الاجزاء الى نصفه،لخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لو لا اني أخاف أن أشقّ على أمتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل،و أنت في رخصة الى نصف الليل،و هو غسق الليل» (6).

و لخبر نزول جبرئيل بالصلاة من طريقي الخاصة و العامة:انه صلّى العشاء في المرة الثانية حين ذهب ثلث الليل (7).

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«العتمة إلى ثلث7.

ص: 344


1- التهذيب 2:34 ح 105،الاستبصار 1:271 ح 979.
2- المقنعة:14،المبسوط 1:75،النهاية:59.
3- الكافي 3:279 ح 6،التهذيب 2:31 ح 95،الاستبصار 1:267 ح 965.
4- التهذيب 2:262 ح 1045،الاستبصار 1:269 ح 973.
5- التهذيب 2:34،الاستبصار 1:272.
6- التهذيب 2:261 ح 1041،الاستبصار 1:272 ح 986.
7- التهذيب 2:252 ح 1001،1004،الاستبصار 1:257 ح 922،925. و راجع ص 322 الهامش 7.

الليل،أو الى نصف الليل،و ذلك التضييع» (1).

و في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«و آخر وقت العشاء ثلث الليل» (2).

و عن المعلى بن خنيس،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«آخر وقت العتمة نصف الليل» (3).

و في هذه الاخبار دلالتان مع المدعى.

أحدهما:جواز تسمية العشاء الآخرة بالعتمة،

و قد كرهه الشيخ (4)لما روى انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم فإنها العشاء،و انهم يعتمون بالإبل،و يسمون الحلبة العتمة» (5).

قلنا:ان صحّ فلا دلالة فيه،غايته ان تسميتها بالعشاء أولى.

قال الشيخ:و كذلك تسمية الصبح بالفجر،بل كما قال اللّه تعالى:

وَ حِينَ تُصْبِحُونَ (6) .

و يعارض بخبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء» (7).

و زعم بعض العامة كراهة تسميتها الغداة،أما الفجر و الصبح فلا (8)لنطق

ص: 345


1- التهذيب 2:262 ح 1043،الاستبصار 1:273 ح 988.
2- راجع الهامش 4،من الصفحة السابقة.
3- التهذيب 2:262 ح 1042،الاستبصار 1:273 ح 987.
4- المبسوط 1:75.
5- المصنف لعبد الرزاق 1:566 ح 2153،مسند أحمد 2:10،صحيح مسلم 1:445 ح 644،سنن ابن ماجة 1:230 ح 704،سنن النسائي 1:270،مسند أبي يعلى 9:471 ح 5623.
6- المبسوط 1:75. و الآية في سورة الروم:17.
7- التهذيب 2:39 ح 123،الاستبصار 1:276 ح 1003.
8- كالشافعي،راجع:الام 1:76،المجموع 3:46.

القرآن بالفجر،و كذا النبي صلّى اللّه عليه و آله في حديث جبرئيل عليه السلام (1)،و بالصبح في قوله صلّى اللّه عليه و آله:«من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» (2).و يكرهون تسمية المغرب بالعشاء، لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم انها المغرب،و المغرب يسمونها العشاء» (3).و كل ذلك لم يثبت.

الثانية:استحباب تأخير العشاء عن ذهاب الشفق.

و قد روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام،قال:«أخّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلة العشاء الآخرة ما شاء اللّه،فجاء عمر فدق الباب فقال:يا رسول اللّه نام النساء نام الصبيان!فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«ليس لكم ان تؤذوني و لا تأمروني،إنما عليكم ان تسمعوا و تطيعوا» (4).

و روى العامة عن أبي سعيد قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«لو لا ضعف الضعيف و سقم السقيم،لأمرت بهذه الصلاة ان تؤخّر إلى شطر الليل» (5).

و ظاهر الأصحاب عدم هذا الاستحباب،لمعارضة أخبار أفضلية أول الوقت،و صرح به في المبسوط (6).

و قال المرتضى،لما قال الناصر:أفضل الأوقات أولها في الصلوات كلها:هذا صحيح،و هو مذهب أصحابنا.

ص: 346


1- راجع ص 322 الهامش 7.
2- سيأتي الحديث بتمامه في ص 57 الهامش 1.
3- صحيح البخاري 1:147،السنن الكبرى 1:372.
4- التهذيب 2:28 ح 81.
5- سنن ابن ماجة 1:226 ح 693،سنن أبي داود 1:114 ح 422،سنن النسائي 1:268، السنن الكبرى 1:375.
6- المبسوط 1:77.

و الدليل على صحته بعد الإجماع ما رواه ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سأله عن أفضل الأعمال،فقال:«الصلاة في أول وقتها»،و مثله رواية أم فروة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)،و لأنّ في تقديمها احتياطا للفرض و في التأخير تغريرا به لجواز المانع.

و حينئذ نقول ما اختاره النبي صلّى اللّه عليه و آله لأمته هو الأفضل، لاعتضاده بقوله تعالى يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ (2)و تأخير النبي صلّى اللّه عليه و آله جاز ان يكون لعذر،أو لبيان الجواز.

المسألة العاشرة:يخرج وقت العشاء بنصف الليل،

لما مر.

و في الخلاف بثلثه (3).

و في المعتبر:يمتد الى طلوع الفجر (4)و نقله في المبسوط عن بعض الأصحاب (5)و يظهر من الصدوق في الفقيه (6)لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«انما التفريط أن تؤخّر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى» (7)و لا تفوت صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى،و لما رويناه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تفوت صلاة الليل حتى يطلع الفجر» (8).

ص: 347


1- الناصريات:230 المسألة 75. و رواية ابن مسعود في:الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:19 ح 1477،سنن الدار قطني 1:246،المستدرك على الصحيحين 1:189،السنن الكبرى 1:434. و رواية أم فروة تقدمت في ص 337 الهامش 4.
2- سورة البقرة:185.
3- الخلاف 1:264 المسألة 8.
4- المعتبر 2:43.
5- المبسوط 1:75.
6- انظر الفقيه 1:232 ح 1030.
7- صحيح مسلم 1:473 ح 681،سنن أبي داود 1:121 ح 441،سنن النسائي 1:94، السنن الكبرى 1:376.
8- الفقيه 1:232 ح 1030،التهذيب 2:256 ح 1015،الاستبصار 1:273 ح 989، الامام الصادق عليه السلام.

و روى أبو بصير و ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إن نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء،ثم استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما، فليصلهما.و ان خشي ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة» (1).

و روى ابن سنان عنه عليه السلام:«إذا طهرت المرأة من آخر الليل فلتصل المغرب و العشاء» (2).

و قال الشيخ في موضع من الخلاف:لا خلاف بين أهل العلم في انّ أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة أنه تلزمه العشاء الآخرة (3).

و جوابه المعارضة بالأخبار السالفة،و الشهرة المرجحة،و يؤيدها مرفوع ابن مسكان الى أبي عبد اللّه عليه السلام،انه قال:«من نام قبل أن يصلي العتمة،فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل،فليقض صلاته و ليستغفر اللّه» (4)و كذا رواية النوم عن العشاء الى نصف الليل المتضمنة للقضاء و صوم الغد (5).

و يحمل الخبر الأول على دخول وقت صلاة الليل.و الثاني على فواتها، و في الاستبصار حمله على ذي العذر رخصة إذا دام عذره الى الفجر (6).و خبر الحائض يحمل على الندب.و اما الخبر الآخر (7)فسنده مستقيم و دلالته واضحة،الا انّه مطرح بين الأصحاب،و حمل الشيخ آت فيه،و فيه التزام ببقاء وقتها للمعذور،و حمل القبلية على انتصاف الليل بعيد،لانّه قال فيه:«و ان2.

ص: 348


1- التهذيب 2:270 ح 1076،1077،الاستبصار 1:288 ح 1053،1054.
2- التهذيب 1:390 ح 1204،الاستبصار 1:143 ح 490.
3- الخلاف 1:271 المسألة 13.
4- التهذيب 2:276 ح 1097.
5- الفقيه 1:142 ح 658.
6- الاستبصار 1:273.
7- راجع الهامش 2.

استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح،ثم المغرب،ثم العشاء قبل طلوع الشمس».و اعلم انّ في هذا الخبر دلالة على مذهب التوسعة في القضاء.

المسألة الحادية عشر:وقت الصبح طلوع الفجر الثاني،

إجماعا.و يسمى:

الصادق،لانه صدقك عن الصبح.و يسمى الأول:الكاذب و ذنب السّرحان، لخروجه مستدقا مستطيلا كذنب السرحان،و لأنّ الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل كما انّ الشعر في أعلى ذنبه أكثر من أسفله.

و سمي الصبح من قولهم:رجل أصبح،إذا جمع بياضا و حمرة.

و الصادق هو المستطير،أي:المنتشر الذي لا يزال في زيادة،بخلاف الأول لأنّه يمحى أثره،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يغرنكم الفجر المستطيل، كلوا و اشربوا حتى يطلع الفجر المستطير» (1).

و في مكاتبة ابن الحصين لأبي جعفر الثاني عليه السلام بخطه عليه السلام:«الفجر هو الخيط الأبيض المعترض،و ليس هو الأبيض صعدا» (2).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي ركعتي الصبح،و هي الصبح (3)،إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا (4).

و يمتد وقتها للإجزاء إلى طلوع الشمس،لخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«وقت الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس» (5)و الفضيلة إلى الاسفار و التنوير،لما تقدم في خبر جبرئيل عليه السلام-رواه معاوية بن وهب

ص: 349


1- نحوه في:صحيح مسلم 2:77 ح 1094،الجامع الصحيح 3:85 ح 705.و راجع تلخيص الحبير 3:34.
2- الكافي 3:282 ح 1،التهذيب 2:36 ح 115،الاستبصار 1:274 ح 994.
3- كذا،و في المصدرين:«الفجر».
4- التهذيب 2:36 ح 111،الاستبصار 1:273 ح 990.
5- التهذيب 2:36 ح 114،الاستبصار 1:275 ح 998.

بلفظ:«التنوير» (1)و رواه ذريح بلفظ:«الاسفار» (2)و به عبر الشيخ في الخلاف (3)-و لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«لكل صلاة وقتان،فأول الوقتين أفضلهما،وقت صلاة الفجر (4)الى ان يتجلل الصبح السماء،و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا،و لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها» (5)و نحوه خبر الحلبي عنه عليه السلام (6).

و عن أبي بصير عنه عليه السلام،قال:متى يحرم الطعام على الصائم؟ فقال:«إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء».قلت:فمتى تحلّ الصلاة؟قال:«إذا كان كذلك»فقلت:أ لست في وقت من تلك الساعة الى ان تطلع الشمس؟ فقال:«لا،انما نعدّها صلاة الصبيان» (7)و في ذلك إيماء إلى الجواز و كراهية التأخير.

و ابن أبي عقيل و الشيخ-في أحد قوليه-:طلوع الحمرة للمختار، و طلوع الشمس للمضطر (8)عملا بظاهر هذه الاخبار،و هي أدل على الفضيلة، و قد روى الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السلام:«من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة» (9).

تنبيه:

يستحب التعجيل في الصبح استحبابا مؤكدا،لما روي ان النبي صلّى9.

ص: 350


1- التهذيب 2:252 ح 1001،الاستبصار 1:257 ح 922.
2- التهذيب 2:253 ح 1004،الاستبصار 1:258 ح 925.
3- الخلاف 1:48 المسألة 10.
4- في المصدرين زيادة:«حين ينشق الفجر».
5- التهذيب 2:39 ح 123،الاستبصار 1:276 ح 1003.
6- الكافي 3:283 ح 5،التهذيب 2:38 ح 121،الاستبصار 1:276 ح 1001.
7- التهذيب 2:39 ح 122،الاستبصار 1:276 ح 1002.
8- المبسوط 1:75،الخلاف 1:267 المسألة 10،و حكاه عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة:70.
9- التهذيب 2:38 ح 119،الاستبصار 1:275 ح 999.

اللّه عليه و آله كان يصلّي الصبح،فينصرف النساء منها و هنّ متلفعات بمروطهن،لا يعرفن من الغلس (1).

و عن إسحاق بن عمار،قلت للصادق عليه السلام:أخبرني بأفضل المواقيت في صلاة الفجر؟فقال:«مع طلوع الفجر،انّ اللّه تبارك و تعالى يقول وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يعني:صلاة الصبح،فإذا صلاّها مع طلوع الفجر أثبتها له ملائكة الليل و ملائكة النهار» (2).

المسألة الثانية عشر:يستقر وجوب الصلاة بإدراك أول الوقت على صفة الكمال

و مضيّ مقدار أدائها تامة الشرائط و الافعال،

لامتناع أن يكلف اللّه تعالى بعبادة من غير وقت يسعها.

و في الخلاف:إذا أدرك من الظهر دون أربع،ثم جنّ أو أغمي عليه أو حاضت،لم يلزمه الظهر لإجماع الفرقة،فإنهم لا يختلفون في انّ من لم يدرك من أول الوقت مقدار ما يؤدي الفرض فيه لم يلزمه إعادته (3).

و قد مضى ان ظاهر الصدوق-رحمه اللّه-اعتبار إدراك الأكثر (4).

و قال ابن الجنيد:إن حاضت الطاهر،بعد ان كان يصح لها لو صلت في أول الوقت الصلاة أو أكثرها،وجب قضاء تلك الصلاة (5).مع انه قال:إذا طهرت الحائض أو أسلم الكافر أو بلغ الصبي و الصبية،قبل غروب الشمس في وقت يصح لهم أن يأتوا بالصلاتين قبل مغيب الشمس،صلوهما أو قضوهما

ص: 351


1- الموطأ 1:5،ترتيب مسند الشافعي 1:51 ح 147،مسند أحمد 6:3،سنن الدارمي 1: 277،صحيح البخاري 1:151،صحيح مسلم 1:446 ح 645.
2- الكافي 3:282 ح 2،ثواب الاعمال:57،التهذيب 2:37 ح 116،الاستبصار 1:275 ح 995. و الآية في سورة الإسراء:78.
3- الخلاف 1:274،المسألة 15.
4- انظر الحدائق الناظرة 3:249.و لم نجده في مظانه ممّا تقدم.
5- مختلف الشيعة:148.

إن أخروهما،و كذلك في المغرب و العشاء.

فظاهره هنا اعتبار إدراك جميع الصلاة،و هو ظاهر ابن إدريس،نظرا الى وجوب زمان يتسع للعبادة (1).

و اختار السيد مذهب ابن بابويه-رحمهما اللّه- (2)و المشهور:الاكتفاء في آخر الوقت بإدراك الطهارة و ركعة،لما سلف من رواية الأصبغ (3)و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (4).و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (5).

و الفرق بين أول الوقت و آخره واضح،إذ يمكنه البناء في آخر الوقت بغير مانع و إتمام الصلاة،بخلاف أول الوقت إذ لا سبيل الى ذلك.

فروع:

الأول: لا بدّ من اتساع أول الوقت للطهارة و باقي الشرائط،و لا عبرة بتمكّنه منها قبل الوقت لعدم مخاطبته حينئذ،و لا فرق بين تمكّنه من الطهارة أول الوقت و بين غيره كالمتيمم و المستحاضة.نعم،لو اتفق حصول الشرائط قبل الوقت كفى إدراك الصلاة،و كذا لو حصل البعض كفى إدراك الباقي مع الصلاة.

الثاني: المعتبر في ذلك أخف صلاة يقتصر فيها على الواجب.فلو طوّل في صلاته،ثم جن في أثنائها،وجب القضاء إذا كان ذلك القدر كافيا في أقل3.

ص: 352


1- السرائر:59.
2- جمل العلم و العمل 3:38.
3- راجع ص 350 الهامش 8.
4- الموطأ 1:10،المصنف لعبد الرزاق 2:281 ح 2369،مسند أحمد 2:241،سنن الدارمي 1:277،صحيح البخاري 1:151،صحيح مسلم 1:423 ح 607،سنن ابن ماجة 1:356 ح 1122.
5- انظر الخلاف 1:49،المسألة 3.

صلاة.و لو كان في أحد الأماكن الأربعة التي يتخيّر فيها بين التمام و القصر، اكتفي بإدراك القصر،لانّه لو قصر لأمكنه أداؤها.

الثالث: حكم أثناء الوقت حكم أوله في ذلك.فلو أفاق المجنون في أثناء الوقت،ثم جنّ أو غمي عليه في الوقت،اعتبر في قدر الإفاقة إدراك جميع الشرائط و الأركان،و كذا لو كانت مجنونة فأفاقت ثم حاضت.

الرابع: لا يكفي في آخر الوقت إدراك تكبيرة الإحرام،و لا ما دون ركعة، لمفهوم الشرط في الخبر.و حمله على انّ اقتداء المسافر بالحاضر في جزء يسير من الصلاة يوجب عليه التمام (1)ممنوع الأصل و الحمل.و قد نقل الشيخ في الخلاف عدم الخلاف عندنا فيما دون الركعة (2).

الخامس: لا فرق بين الكافر و غيره من المعذورين،لأنّ الكافر لا يؤاخذ بما تركه حال الكفر.و توهّم بعضهم كون الكافر غير معذور هنا،لمخاطبته بالإسلام المقدور فيجب القضاء متى أدرك الوقت (3).و هو ضعيف،لقوله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (4)،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الإسلام يهدم ما قبله» (5).

السادس: لو أدرك من آخر الوقت في الظهرين و العشاءين قدر أربع فما دون،لزمته الأخيرة منهما و لا تلزمان معا.و لو أدرك خمسا وجبتا أداء،و قدّم الظهر و المغرب.

و قد ذكر بعض العامة وجها بوجوب المغرب و العشاء بإدراك أربع،مخرّجا1.

ص: 353


1- ذهب إليه الشافعي و أحمد في أحد قوليهما،راجع:المجموع 3:64،مختصر المزني:12، المغني 1:420.
2- الخلاف 1:271 المسألة 13.
3- حلية العلماء 2:26،فتح العزيز 3:71.
4- سورة الأنفال:38.
5- صحيح مسلم 1:112 ح 121.

من انّه إذا أدرك من الظهرين خمسا تكون الأربع التي وقعت فيها الظهر لها، لاستئثارها بالسبق،و وجوب تقديمها عند الجمع.و لأنّه لو لم يدرك سوى ركعة لم تجب الظهر،فلما أدرك الأربع مع الركعة وجبت،فدلّ على أنّ الأربع في مقابلة الظهر.

و عارضوه:بأنّ الظهر هنا تابعة للعصر في الوقت و اللزوم،فإذا اقتضى الحال إدراك الصلاتين وجب أن يكون الأكثر في مقابلة المتبوع،و الأقلّ في مقابلة التابع،فتكون الأربع في مقابلة العصر (1).

و تبعهم بعض الأصحاب في هذين الوجهين،و هما عند التحقيق غير مرضيين عندنا،لأنّ المستقر في المذهب استئثار العصر بأربع للمتمّم من آخر الوقت،و يلزمه أن لا يخرج ذلك الوقت عن الوقتية باعتبار ما.فإذا أدرك المكلّف خمسا فقد أدرك ركعة من آخر وقت الظهر،فأوجبت الظهر و استتبعت ثلاثا من وقت العصر،كما استتبعت العصر ثلاثا من وقت المغرب.فلا يتصوّر كون الأربع في مقابلة الظهر محافظة على الوقت المضروب من قبل الشرع.

بل التحقيق:ان قدر الأربع الأخيرة-و إن كان للعصر-إلاّ انّ الظهر زاحمتها بثلاث منه فصار في حكم وقتها،كما ان قدر الثلاث-و إن كان للمغرب-إلاّ انّه لما أوقعت العصر فيه أداء كان بحكم وقتها،فحينئذ لا وجه لوجوب المغرب بإدراك أربع،هذا مع النصّ عن أهل البيت عليهم السلام بأنّه لو بقي أربع من آخر وقت العشاءين اختصت العشاء به (2).و هذا يصلح دليلا على اختصاص العصر بالأربع مع النص عليه أيضا (3).

السابع: نقل الشيخ خلافا بين الأصحاب فيما إذا أدرك ركعة من آخر الوقت،هل يكون مؤدّيا للجميع،أو قاضيا للجميع،أو بالتوزيع؟و الأظهر6.

ص: 354


1- فتح العزيز 3:75.
2- التهذيب 2:28 ح 82،الاستبصار 1:263 ح 945.
3- التهذيب 2:25 ح 70،الاستبصار 1:261 ح 936.

الأول (1)،لظاهر الأخبار السالفة.

و ظاهره-في الخلاف-دعوى الإجماع عليه،حيث قال عن الأصحاب:انهم لا يختلفون في انّ من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس يكون مؤديا في الوقت (2).

قال:و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح،و من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»،قال:و كذلك روي عن أئمتنا عليهم السلام (3).

و ينصر الثاني أنّ الركعة الأولى وقعت في آخر الوقت الذي كان للركعة الأخيرة،فقد وقعت في غير (4)وقتها،و أمّا الباقي فظاهر و أمّا التوزيع فأظهر.

و تظهر الفائدة في النية،و في الترتيب على الفائتة السابقة،و في سقوط فرع تنزيل الأربع للظهر أو العصر على المذهبين الآخرين بالكلية.

الثامن: لو أدرك من سبقه التكليف بالصلاة أقلّ من ركعة نوى القضاء حينئذ،قال الشيخ:بلا خلاف بيننا (5).و حينئذ يراعى الترتيب بين الفوائت.

و الظاهر:انّ المراد بالركعة التامة إلى رفع الرأس من السجدتين،لأنّه3.

ص: 355


1- المبسوط 1:72.
2- الخلاف 1:268 المسألة 11.
3- الخلاف 1:271 المسألة 13. و حديث النبي صلّى اللّه عليه و آله في:مسند أحمد 2:462،صحيح البخاري 1:151، صحيح مسلم 1:424 ح 608،سنن ابن ماجة 1:229 ح 669،سنن أبي داود 1:112 ح 412،الجامع الصحيح 1:353 ح 186. و ما روي عن الأئمة عليهم السلام في:التهذيب 2:38 ح 119،262 ح 1044، الاستبصار 1:275 ح 999،1000.
4- في م:آخر.
5- المبسوط 1:73.

المفهوم المتعارف،و به صرّح في التذكرة (1).و يمكن الاجتزاء بالركوع، للتسمية لغة و عرفا،و لأنّه المعظم.و على كلّ حال فالمعتبر قدر الواجب منها لا غير.

التاسع: لو أدرك ذو العذر المسقط للقضاء من آخر الوقت ركعة و الطهارة،ثم عرض عذر مسقط للقضاء،فالأقرب:عدم التكليف،لمساواته الأول في القصور عن الواجب،و زوال الفارق بالتمكّن من الباقي،فإنّه لا تمكن هنا.

العاشر: لو تمكّن من الأداء ثم مات،فإن خرج الوقت عامدا عصى،و ان كان ناسيا أو لم يخرج الوقت فلا عصيان،و يجيء على نقل المفيد تعصيته (2).

قال بعض الأصحاب:و يجب القضاء على الولي (3)و فيه كلام يأتي إن شاء اللّه تعالى.6.

ص: 356


1- تذكرة الفقهاء 1:78.
2- المقنعة:14.
3- تذكرة الفقهاء 1:86.
الفصل الثاني:
اشارة

في مواقيت الرواتب

و مسائله خمس:

المسائل
المسألة الاولى:وقت صلاة الأوّابين زوال الشمس
اشارة

إلى أن يصير الفيء على قدمين،و نافلة العصر الى أربع أقدام،و تسمّى:السبحة،قاله ابن أبي عقيل، لما رواه عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«للرجل أن يصلّي الزوال ما بين زوال الشمس الى أن يمضي قدمان،فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتمّ الصلاة حتى يصلّي تمام الركعات.و إن مضى زمان (1)قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى و لم يصلّ الزوال إلاّ بعد ذلك.

و للرجل أن يصلّي من نوافل الاولى ما بين الاولى إلى أن تمضي أربعة أقدام، فإن مضت أربعة أقدام و لم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّي النوافل.و إن كان قد صلّى ركعة فليتمّ النوافل حتى يفرغ منها،ثمّ يصلّي العصر» (2).

و هذا يدلّ على تسمية ما قبل الظهر بصلاة الزوال،كما سميت صلاة الأوّابين و ما بعد الظهر لها.

ثم قال في هذا الخبر:«و للرجل أن يصلّي إن بقي عليه شيء من صلاة الزوال الى أن يمضي بعد حضور الاولى نصف قدم.و إن كان قد صلّى من نوافل الأولى شيئا قبل أن تحضر العصر،فله أن يتمّم نوافل الاولى الى أن يمضي بعد حضور العصر قدم» (3).

قلت:لعلّه أراد بحضور الاولى و العصر ما تقدّم من الذراع و الذراعين،

ص: 357


1- في المصدر:«قدمان».
2- التهذيب 2:273 ح 1086.
3- المصدر السابق.

و المثل و المثلين و شبهه،و يكون للمتنفّل أن يزاحم الظهر و العصر بما بقي من النوافل ما لم يمض القدر المذكور.فيمكن أن يحمل لفظ ال«شيء»على عمومه،فيشمل الركعة و ما دونها و ما فوقها،فيكون فيه بعض مخالفة للتقدير بالركعة.و يمكن حمله على الركعة فما فوقها،و يكون مقيّدا لها بالقدم و النصف.

و يجوز ان يريد بحضور الاولى مضي نفس القدمين المذكورين في الخبر،و بحضور العصر الأقدام الأربع.و تكون المزاحمة المذكورة مشروطة بأن لا تزيد على نصف قدم في الظهر بعد القدمين،و لا على قدم في العصر بعد الأربع.و هذا تنبيه حسن لم يذكره المصنّفون.

و ذهب بعض الأصحاب إلى امتداد وقت النافلتين بامتداد وقت الاختيار المقدّر بالمثل و المثلين (1).و فيما مضى من الأخبار شاهد لذلك و للتقديرات الأخر،و إذا عمل بجميعها أمكن،لتنزيله على مختلف أحوال المصلّين.

و في المعتبر اعتمد على المثل و المثلين،محتجّا بقول الصادق عليه السلام في رواية زرارة و عبد اللّه بن سنان:«كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قامة،فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر،و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر.ثم قال:لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع،فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة،و إذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة».

قال:و هذا يدلّ على بلوغ المثل أو المثلين،لأن التقدير انّ الحائط ذراع»،لأنه روى ابن حنظلة عن الصادق عليه السلام:«انّ في كتاب علي القامة ذراع،و عنه عليه السلام:«انّ قامة رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كانت ذراعا» (2)2.

ص: 358


1- راجع:المبسوط 1:76،الغنية:494.
2- المعتبر 2:48. الرواية الأولى بلفظها في:الفقيه 1:140 ح 653،التهذيب 2:19 ح 55،الاستبصار 1: 250 ح 899،عن زرارة عن الامام الباقر عليه السلام. و الرواية الثانية و الثالثة في:التهذيب 2:23 ح 64،66،الاستبصار 1:251 ح 900، 902.

و قد أخذه من تأويلات الشيخ في التهذيب لما اختلف من الأخبار هنا (1)و تبعه في التذكرة (2).

و هو منظور فيه من وجهين:

أحدهما:منع الدلالة على المدّعى،لأنه بناه على أنّ القامة ذراع و استشهد بما ذكر،و من أين يعلم انّ هذه القامة مفسرة لتلك القامة!و الظاهر تغايرهما بدليل قوله:«فإذا مضى من فيئه ذراع..و ذراعان»،و لو كان الذراع نفس القامة لم يكن للفظ«من»هنا معنى،بل و لا للتقدير بالذراع و الذراعين.

و يؤيد أن المراد بالقامة قامة الإنسان قوله عليه السلام:«فإذا بلغ فيؤك ذراعا..و ذراعين»تطبيقا لبعض الكلام على بعض.و يدل عليه خبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان فيء الجدار ذراعا صلّى الظهر،و إذا كان ذراعين صلّى العصر».فقلت له:إنّ الجدر تختلف،بعضها قصير و بعضها طويل.فقال:

«كان جدار مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يومئذ قامة» (3)و هذا ينبو عن حمل القامة على الذراع.

الثاني:انّ دلالة هذه على الأقدام السالفة أنسب،كما عقله جماعة من الأصحاب (4)فإنّ الذراع قدمان غالبا.

و قد قال ابن الجنيد:يستحبّ للحاضر أن يقدّم بعد الزوال شيئا من0.

ص: 359


1- التهذيب 2:22-23.
2- تذكرة الفقهاء 1:77.
3- التهذيب 2:21 ح 58،الاستبصار 1:255 ح 916.
4- راجع:الوسيلة:80.

التطوّع الى أن تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها.قال:و في نافلة العصر الى أن يصير الفيء أربعة أقدام أو ذراعين (1).

و قد روى ابن بابويه:أنّ زرارة سأل أبا جعفر عليه السلام عن وقت الظهر،فقال:«ذراع من زوال الشمس،و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس».ثم قال:«إن حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قامة» (2)و ذكر تمام الخبر السابق،و هو مصرّح بما قلناه.

تنبيه:

ظاهره في المبسوط و الجمل استثناء قدر إيقاع الفريضتين من المثل و المثلين (3)و الأخبار لا تساعده،بل ظاهرها استئثار النافلة بجميع المثل و المثلين،و قد سبقت في بيان وقت الظهر.

ثم هنا روايات غير مشهورات في العمل:

كرواية القاسم بن الوليد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الست عشرة ركعة:«أي ساعات النهار شئت صليتها،إلاّ انّ مواقيتها أفضل» (4).

و مثله مرسلة علي بن الحكم عنه عليه السلام (5)و قد أسندها في موضع آخر عن سيف بن عبد الأعلى عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ست عشرة ركعة متى ما شئت (6).إن علي بن الحسين عليه السلام كانت له ساعات من النهار يصلّي فيها،فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها.إنّما النافلة مثل الهدية،متى ما أتي بها قبلت» (7).9.

ص: 360


1- مختلف الشيعة:71.
2- الفقيه 1:140 ح 653.
3- المبسوط 1:76،الجمل و العقود:174.
4- التهذيب 2:9 ح 17،267 ح 1063،الاستبصار 1:77 ح 1007.
5- التهذيب 2:8 ح 15،267 ح 1064،الاستبصار 1:278 ح 1008.
6- في المصدرين:«نشطت».
7- التهذيب 2:267 ح 1065،الاستبصار 1:278 ح 1009.

و عن محمد بن عذافر،قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«صلاة التطوّع بمنزلة الهدية متى ما أتي بها قبلت،فقدّم منها ما شئت،و أخّر منها ما شئت» (1).

قال الشيخ:هذه رخصة لمن علم انّه إن لم يقدّمها اشتغل عنها أداء و قضاء،فأمّا مع عدم العذر فلا يجوز تقديمها (2)لرواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يشتغل عن الزوال أ يتعجّل من أول النهار؟فقال:

«نعم،إذا علم انّه يشتغل،فيتعجّلها في صدر النهار كلّها» (3).

و عن إسماعيل بن جابر،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:اني أشتغل.

قال:«فاصنع كما نصنع،صلّ ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر و اعتدّ بها من الزوال» (4).

و اعتمد الشيخ في المنع من التقديم على أخبار التوقيت،و على ما رواه ابن أذينة عن عدّة انّهم سمعوا أبا جعفر عليه السلام قال:«كان علي عليه السلام لا يصلّي من النهار حتى تزول الشمس،و لا من الليل بعد ما يصلّي العشاء حتى ينتصف الليل» (5)،و مثله رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (6).

قلت:قد اعترف الشيخ بجواز تقديمها عند الضرورة،و لو قيل بجوازه مطلقا كما دلّت عليه الأخبار-غاية ما في الباب انّه مرجوح-كان وجها.

و حديث الاشتغال لا ينافيه،لإمكان إدراك ثواب فعلها في الوقت مع العذر لا مع عدمه.5.

ص: 361


1- التهذيب 2:267 ح 1066،الاستبصار 1:278 ح 1010.
2- راجع الهامش السابق.
3- الكافي 3:450 ح 1،التهذيب 2:268 ح 1067،الاستبصار 1:278 ح 1011.
4- التهذيب 2:267 ح 1062،الاستبصار 1:277 ح 1006.
5- الكافي 3:289 ح 7،التهذيب 2:266 ح 1060،الاستبصار 1:277 ح 1004.
6- التهذيب 2:266 ح 1061،الاستبصار 1:277 ح 1005.

و قد نقل المحقّق امتداد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة (1)و لعلّ القائل به اعتمد على الأخبار المذكورة،فإنّ بعضها يدلّ عليه.

فائدة:

هذا التوقيت لغير يوم الجمعة،أمّا يوم الجمعة فتزيد النافلة أربعا في المشهور،و يجوز تقديمها بأسرها على الزوال،لرواية علي بن يقطين،قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة،قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟قال:قبل الجمعة (2).

و روى سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام:«ست ركعات بكرة،و ست بعد ذلك،و ست بعد ذلك،و ركعتان بعد الزوال،و ركعتان بعد العصر،فهذه اثنتان و عشرون ركعة» (3).و بهذا الترتيب عمل المفيد في الأركان و المقنعة (4).

و روى يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام:«إذا أردت أن تتطوع يوم الجمعة في غير سفر صلّيت ست ركعات ارتفاع النهار،و ستّا قبل نصف النهار،و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة،و ستّا بعد الجمعة» (5).

و روى البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام:«ست في صدر النهار، و ست قبل الزوال،و ركعتان إذا زالت،و ست بعد الجمعة» (6).

و عبارة الأصحاب مختلفة بحسب اختلاف الرواية:

و قال المفيد:لا بأس بتأخيرها الى بعد العصر (7).7.

ص: 362


1- شرائع الإسلام 1:62.
2- التهذيب 3:12 ح 38،246 ح 672،الاستبصار 1:411 ح 1570.
3- التهذيب 3:246 ح 669،الاستبصار 1:411 ح 1571.
4- المقنعة:26.
5- التهذيب 3:11 ح 36،الاستبصار 1:410 ح 1567.
6- التهذيب 3:246 ح 668،الاستبصار 1:410 ح 1569.
7- المقنعة:27.

و قال الشيخ:يجوز تأخير جميع النوافل الى بعد العصر،و الأفضل التقديم.قال:و لو زالت الشمس و لم يكن صلّى منها شيئا أخّرها الى بعد العصر (1).

و قال ابن أبي عقيل:يصلّى إذا تعالت الشمس ما بينها و بين الزوال أربع عشرة ركعة،و بين الفريضتين ستا،كذلك فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فإن خاف الإمام بالتنفّل تأخير العصر عن وقت الظهر في سائر الأيام صلّى العصر بعد الفراغ من الجمعة،و تنفّل بعدها بست ركعات،كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام:انّه كان ربّما يجمع بين صلاة الجمعة و العصر (2).

و ابن الجنيد:ست ضحوة،و ست ما بينها و بين انتصاف النهار،و ركعتا الزوال،و ثمان بين الفرضين (3).و قد روى سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«النافلة يوم الجمعة:ست ركعات قبل زوال الشمس،و ركعتان عند زوالها،و بعد الفريضة ثماني ركعات» (4).

و قال الجعفي:ست عند طلوع الشمس،و ست قبل الزوال إذا تعالت الشمس،و ركعتان قبل الزوال،و ست بعد الظهر،و يجوز تأخيرها الى بعد العصر.

و ابنا بابويه:ست عند طلوع الشمس،و ست عند انبساطها،و قبل المكتوبة ركعتان،و بعدها ست.و إن قدمت كلّها قبل الزوال،أو أخّرت إلى بعد المكتوبة،فهي ست عشرة،و تأخيرها أفضل من تقديمها (5).

و قد روى عقبة بن مصعب عن الصادق عليه السلام،قلت:أيّما أفضل0.

ص: 363


1- المبسوط 1:150،النهاية:104.
2- مختلف الشيعة:110.
3- مختلف الشيعة:110.
4- التهذيب 3:11 ح 37،الاستبصار 1:410 ح 1568.
5- الفقيه 1:268،المقنع:45،مختلف الشيعة:110.

أقدّم الركعات يوم الجمعة،أو أصلّيها بعد الفريضة؟فقال:«لا بل تصلّيها بعد الفريضة» (1).

و روى سليمان بن خالد عنه عليه السلام،قلت له:أقدّم يوم الجمعة شيئا من الركعات؟قال:«نعم،ست ركعات».قلت فأيهما أفضل أقدّم الركعات يوم الجمعة،أو أصلّيها بعد الفريضة؟قال:«تصلّيها بعد الفريضة» (2).

و حملهما الشيخ على ما إذا زالت الشمس،فإنّ تأخير النافلة حينئذ أفضل (3).

تنبيهات:
الأول:المشهور صلاة ركعتين عند الزوال يستظهر بهما في تحقّق

الزوال،

قاله الأصحاب (4).و قد روى عبد الرحمن بن عجلان عن أبي جعفر عليه السلام:«إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ الركعتين،و إذا استيقنت الزوال فصلّ الفريضة» (5).

و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا صلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة» (6).و قال ابن أبي عقيل:إذا زالت الشمس فلا صلاة إلاّ الفريضة (7).و قد روى أبو عمر قال:حدثني انّه سأله عن الركعتين اللتين عند الزوال،فقال:«أمّا أنا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة» (8).و هاتان الروايتان

ص: 364


1- التهذيب 3:246 ح 670،الاستبصار 1:411 ح 1572.
2- التهذيب 3:14 ح 48،الاستبصار 1:11،ح 1573.
3- التهذيب 3:14.
4- راجع:المقنعة:26،المبسوط 1:150،المهذب 1:101،الكافي في الفقه:159.
5- التهذيب 3:12 ح 39،الاستبصار 1:412 ح 1574.
6- التهذيب 3:13 ح 44،الاستبصار 1:412 ح 1576.
7- مختلف الشيعة:110.
8- التهذيب 3:12 ح 40،الاستبصار 1:412 ح 1575.

غير متعارضتين،لحمل الأولى على الشك،و الثانية على اليقين.

الثاني:يلوح من كلام ابني بابويه انّ النافلة ست عشرة لا غير (1)كسائر

الثاني:يلوح من كلام ابني بابويه انّ النافلة ست عشرة لا غير(1)كسائر الأيام،

و تفصيلهما السالف ينافيه إذ هو عشرون.و يمكن حمله على انّ العشرين وظيفة من فرّق ذلك التفريق،و الست عشرة لمن قدّم الجميع قبل الزوال أو أخّر الجميع إلى ما بعده.

و قد روى سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في النافلة يوم الجمعة:«ست عشرة ركعة قبل العصر».قال عليه السلام:«و قال علي عليه السلام:ما زاد فهو خير».و قال:«إن شاء يجعل معها (2)ست ركعات في صدر النهار،و ست ركعات نصف النهار،و يصلّي الظهر،و يصلّي معها أربعا،ثم يصلي العصر» (3).و هذا يظهر منه زيادة ست عشرة أخرى،و يمكن كونه تفصيلا للست عشرة.

الثالث:تضمنت رواية عمار السابقة (4)مزاحمة نافلتي الظهرين بركعة،

الثالث:تضمنت رواية عمار السابقة (4)مزاحمة نافلتي الظهرين بركعة،و الكلام في موضعين:

أحدهما:إذا زاحم،هل يصلّيها أداء أو قضاء؟الأقرب الأول،تنزيلا لها منزلة الصلاة الواحدة و قد أدرك منها ركعة،و لظهور التوسعة في وقت النافلة من الأخبار.

الثاني:هل هذه المزاحمة حاصلة في يوم الجمعة؟الظاهر لا،لتضيّق الجمعة بمضمون أخبار كثيرة:

منها:خبر إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السلام في وقت الظهر:«بعد الزوال بقدم أو نحوه،إلاّ في يوم الجمعة أو في السفر،فإنّ

ص: 365


1- المقنع:45.
2- في المصدرين:منها.
3- التهذيب 3:245 ح 667،الاستبصار 1:413 ح 1580.
4- تقدمت في ص 357 الهامش 2.

وقتها حين تزول» (1).

و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«صلاة الجمعة من الأمر المضيّق،إنّما لها وقت واحد حين تزول،و وقت العصر يوم الجمعة وقت (الظهر) (2)في سائر الأيام» (3).

المسألة الثانية:وقت نافلة المغرب بعدها حتى يذهب الشفق المغربي،

فإذا ذهب و لم يكملها بدأ بالعشاء،قاله الشيخ في النهاية (4).و احتج في المعتبر على توقيتها بذلك بما روي في منع النافلة في وقت الفريضة،مثل:ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع» (5).

قلت:وقت الفريضة قد دخل عنده و عند الأكثر بالفراغ من المغرب،إلاّ أن يقال:ذلك وقت يستحب تأخير العشاء عنه،و عند ذهاب الشفق يتضيّق فعلها، فيحمل النصّ عليه.و في وصف الباقر عليه السلام صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«صلّى المغرب ثلاثا،و بعدها أربعا،ثم لا يصلّي شيئا حتى يسقط الشفق،فإذا سقط صلّى العشاء الآخرة» (6).و التأسّي يقتضي فعلها كما فعلها النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و قال المفيد:تفعل بعد التسبيح و قبل التعقيب،كما فعلها النبي صلّى اللّه عليه و آله لما بشّر بالحسن عليه السلام،فإنّه صلّى ركعتين شكرا،فلما بشّر

ص: 366


1- التهذيب 2:13 ح 45،الاستبصار 1:412 ح 1577.
2- في النسخ:العصر،و أثبتنا(الظهر)تبعا للمصدر،و كما يأتي في بحث صلاة الجمعة،الشرط السادس،المسألة الثانية.
3- التهذيب 3:13 ح 46.
4- النهاية:60.
5- المعتبر 2:54. و الرواية في التهذيب 2:167 ح 661،247 ح 982،الاستبصار 1:252 ح 906.
6- الفقيه 1:146 ح 678.

بالحسين عليه السلام صلّى ركعتين،و لم يعقّب حتى فرغ منها (1).

و ابن الجنيد:لا يستحبّ الكلام،و لا عمل شيء بينها و بين المغرب.

و بالجملة التوقيت بما ذكره الشيخ لم نقف عليه،و ربّما يتأتّى على مذهبه بتأخير دخول العشاء الى ذهاب الشفق،مع ورود الأخبار كثيرا بجواز التطوّع في أوقات الفرائض أداء و قضاء.

و لو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن،لأنها تابعة لها،و إن كان الأفضل المبادرة بها قبل كلّ شيء سوى التسبيح،و في الأركان:يقدّمها على التسبيح.

و لو قلنا بقول الشيخ،و كان قد شرع في ركعتين منها،ثم زالت الحمرة، أتمّهما سواء كانتا الأولتين أو الآخرتين،للنهي عن إبطال العمل،و لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه.و يظهر من كلام ابن إدريس أنّه إن كان قد شرع في الأربع أتمّها و إن ذهب الشفق (2).

المسألة الثالثة:وقت الوتيرة بعد العشاء الآخرة.

و يمتد كوقتها،لتبعيّتها الفريضة،و حينئذ لو انتصف الليل و لما يأت بها صارت قضاء.

و البزنطي لم يذكر استحباب الوتيرة،و اقتصر على خمسين ركعة،و هو مروي في الخبر السابق عن أبي جعفر عليه السلام في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:«فإذا سقط الشفق صلّى العشاء،ثم أوى إلى فراشه و لم يصلّ شيئا» (3).

المسألة الرابعة:وقت صلاة الليل بعد انتصافه،
اشارة

و كلّما قرب من الفجر كان أفضل،قال الشيخ-في الخلاف-و المحقق:عليه علماؤنا أجمع (4).و احتج

ص: 367


1- المقنعة:18.
2- السرائر:41.
3- الفقيه:146 ح 678.
4- الخلاف 1:533 المسألة 272،المعتبر 2:54.

في الخلاف بقوله تعالى وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ،مدحهم بذلك و هو دليل أفضلية الدعاء فيه،و الصلاة مشتملة على الدعاء و الاستغفار (1).

و قد روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه،ثم لا يصلّي شيئا إلا بعد انتصاف الليل» (2).

و مثله عن أبي جعفر عليه السلام،و قال:حتى يزول الليل،فإذا زال الليل صلّى ثماني ركعات،و أوتر في الركعة الأخيرة.ثم يصلّي ركعتي الفجر قبل الفجر،و عنده،و يعيده (3).

قلت:عبّر بزوال الليل عن انتصافه كزوال النهار.و في رواية عمر بن حنظلة انّه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام:زوال الشمس نعرفه بالنهار،كيف لنا بالليل؟فقال:«للّيل زوال كزوال الشمس».قال:فبأي شيء نعرفه؟قال:

«بالنجوم إذا انحدرت» (4).و الظاهر انّه عنى به انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس.

و الجعفي:اعتمد على منازل القمر الثمانية و العشرين المشهورة،فإنّه قال إنّها مقسومة على ثلاثمائة و أربعة و ستين يوما،لكل منزلة ثلاثة عشر يوما،فيكون الفجر مثلا بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوما،ثم ينتقل الى ما بعده،و هكذا.فإذا جعل القطب الشمالي بين الكتفين نظر ما على الرأس و بين العينين من المنازل،فيعدّ منها إلى منزله الفجر،ثم يؤخذ لكل منزلة نصف سبع.قال:

و القمر يغرب في ليلة الهلال على نصف سبع من الليل،ثم يتزايد كذلك الى7.

ص: 368


1- راجع الهامش السابق. و الآية في سورة آل عمران:17.
2- التهذيب 2:118 ح 443،3:69 ح 225،الاستبصار 1:279 ح 1013،467 ح 1806.
3- الفقيه 1:146-678.
4- الفقيه 1:146-677.

ليلة أربع عشرة،ثم يتأخر ليلة خمس عشرة نصف سبع،و على هذا الى آخره.

قال:و هذا تقريب.

و يدلّ أيضا على اختصاص آخره رواية عمر بن يزيد،انّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«إنّ في الليل لساعة،لا يوافقها عبد مسلم يصلّي و يدعو فيها إلاّ استجاب اللّه له في كلّ ليلة،و هي إذا مضى نصف الليل (الثاني) (1)» (2).

و روى عبدة النيسابوري،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّ الناس يروون عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّ في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلاّ استجيبت له،قال:«نعم».قلت:متى هي؟قال:«ما بين نصف الليل الى الثلث الباقي في كلّ ليلة» (3).

فإن قلت:فما نصنع بالروايات المتضمنة لجواز فعلها قبل نصف الليل:

كرواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في فعل صلاة الليل في الليالي القصار صيفا أول الليل،فقال:«نعم،نعم ما رأيت،و نعم ما صنعت» (4).

و قد تقدّم قول الصادق عليه السلام:«إنّما النافلة مثل الهدية،متى ما أتي بها قبلت» (5).

و روى سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا بأس بصلاة الليل من أول الليل الى آخره،إلاّ ان أفضل ذلك إذا انتصف الليل الى آخره» (6).ر.

ص: 369


1- في الكافي:«في السدس الأول من النصف الباقي»،و في التهذيب:«الى الثلث الباقي».
2- الكافي 3:447 ح 19،التهذيب 2:117 ح 441.
3- التهذيب 2:118 ح 444 و فيه:عبدة السابوري،أمالي الطوسي 1:148.
4- الفقيه 1:302 ح 1382،التهذيب 2:118 ح 446،الاستبصار 1:279 ح 1014.
5- تقدم في ص 360 الهامش 5.
6- التهذيب 2:337 ح 1394،3:233 ح 607،باختلاف يسير.

و قد روى ابن محبوب بسندين مكاتبة جواز ذلك،و الظاهر أنّ المجيب الإمام (1).

قلت:هي محمولة على العذر كغلبة النوم و السفر،لرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في صلاة الليل و الوتر أول الليل في السفر إذا تخوّفت البرد أو كانت علّة،فقال:«لا بأس أنا أفعل إذا تخوّفت» (2).

و عن علي بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في صلاة الليل و الوتر في السفر أول الليل،إذا لم يستطع أن يصلّي في آخره،قال:«نعم» (3)،و ليس ببعيد كون ذلك رخصة مرجوحة.

و من الروايات رواية يعقوب بن سالم عنه عليه السلام يقدّمها خائف الجنابة في السفر أو البرد (4)،و عن محمد بن حمران عنه عليه السلام للمسافر (5).

تنبيهات:
الأول:هذا التقديم جائز للعذر،

و القضاء أفضل في المشهور،لرواية معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الذي يغلبه النوم يقضي،و لم يرخّص له في الصلاة أول الليل،و في الشابّة يغلبها النوم تقدّم إن ضيّعت القضاء (6).

ص: 370


1- التهذيب 2:337 ح 1392،1393.
2- الكافي 3:1441 ح 10،التهذيب 2:168 ح 664،3:228 ح 580،الاستبصار 1:280 ح 1017.
3- الفقيه 1:289 ح 1316،التهذيب 2:169 ح 670،الاستبصار 1:280 ح 1018.
4- التهذيب 2:168 ح 665.
5- التهذيب 2:168 ح 666.
6- الكافي 3:447 ح 20،الفقيه 1:302 ح 1381،التهذيب 2:119 ح 447،الاستبصار 1:279 ح 1015.

و ربّما قيل بالمنع من تقديمها أصلا،فكان أبو علي زرارة يقول:كيف تقضى صلاة لمن لم يدخل وقتها؟!إنّما وقتها بعد نصف الليل (1).

و ابن أبي عقيل:يجوّز التقديم للمسافر خاصة (2).

و ابن إدريس منع من التقديم مطلقا بناء على التوقيت بالانتصاف،و منع الصلاة قبل الوقت (3)و اختاره الفاضل في المختلف (4).و الاخبار تدفعه مع الشهرة،و قد روى محمد بن أبي قرّة بإسناده إلى إبراهيم بن سيّابة،قال:كتب بعض أهل بيتي الى أبي محمد عليه السلام في صلاة المسافر أول الليل صلاة الليل،فكتب:«فضل صلاة المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل».

الثاني:قال المرتضى-رضى اللّه عنه-آخر وقت صلاة الليل طلوع

الفجر الأول (5).

و لعلّه نظر الى جواز ركعتي الفجر حينئذ،و الغالب انّ دخول وقت صلاة يكون بعد خروج اخرى،و يندفع بوجوه:

منها:الشهرة بالفجر الثاني بين الأصحاب.

و منها:انّ إسماعيل بن سعد الأشعري سأل أبا الحسن عليه السلام عن ساعات الليل،فقال:«الثلث الباقي» (6).

و منها:ما مرّ من الأخبار.

و أمّا ركعتا الفجر فيظهر جوابها ممّا يأتي من عدّهما من صلاة الليل.

الثالث:لو خاف ضيق الوقت خفّف بالحمد وحدها،

كما روي عن أبي

ص: 371


1- التهذيب 2:119،الاستبصار 1:280.
2- مختلف الشيعة:74.
3- السرائر:67.
4- مختلف الشيعة:74.
5- الناصريات:230 المسألة 76.
6- التهذيب 2:339 ح 1401.

عبد اللّه عليه السلام (1).

و لو ظن عدم اتساع الزمان لصلاة الليل،اقتصر على الوتر و قضى صلاة الليل،لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2).

و لو طلع الفجر و لمّا يتلبّس من صلاة الليل بشيء،فالمشهور في الفتوى تقديم الفريضة،لرواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المنع من الوتر بعد طلوع الفجر (3).

و روى عمر بن يزيد،و إسحاق بن عمّار عنه عليه السلام في تقديم صلاة الليل و الوتر على الفريضة و إن طلع الفجر (4).

قال الشيخ:هذه رخصة لمن أخّر لاشتغاله بشيء من العبادات (5).

قال في المعتبر:اختلاف الفتوى دليل التخيير (6)يعني بين فعلها قبل الفرض و بعده،و هو قريب من قول الشيخ.

و لو كان قد تلبّس بما دون الأربع،فالحكم كعدم التلبّس.و لو تلبّس بأربع قدّمها مخففة،لرواية محمّد بن النعمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر،فأتمّ الصلاة طلع أم لم يطلع» (7)مع انه قد روى يعقوب البزاز،قال:قلت له:أقوم قبل الفجر بقليل فأصلّي أربع ركعات ثم أتخوّف أن ينفجر الفجر،أ أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟قال:«لا،بل أوتر،و أخّر الركعات حتى تقضيها» (8)و يمكن حملها6.

ص: 372


1- الكافي 3:449 ح 27،التهذيب 2:124 ح 473،الاستبصار 1:280 ح 1019.
2- الكافي 3:449 ح 28،التهذيب 2:125 ح 474،الاستبصار 1:281 ح 1020.
3- التهذيب 2:126 ح 479،الاستبصار 1:281 ح 1021.
4- التهذيب 2:126 ح 477،478،الاستبصار 1:281 ح 1022،1023.
5- التهذيب 2:126.
6- المعتبر 2:60.
7- التهذيب 2:125 ح 475،الاستبصار 1:282 ح 1025.
8- التهذيب 2:125 ح 476،الاستبصار 1:282 ح 1026.

على الأفضل كما صرّح به الشيخ-رحمه اللّه- (1).

المسألة الخامسة:وقت الوتر آخر الليل بعد الثماني،

لفعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2).

و ليكن بين الصبحين،لما روى ابن أبي قرّة عن زرارة انّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن الوتر أول الليل،فلم يجبه،فلمّا كان بين الصبحين خرج أمير المؤمنين عليه السلام الى المسجد فنادى:«أين السائل عن الوتر -ثلاث مرات-نعم ساعة الوتر هذه».ثمّ قام فأوتر.

و عن عبد اللّه بن سنان،عن أبيه سنان،عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبارَ النُّجُومِ :«هو الوتر آخر الليل» (3).

و روى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أ أوتر بعد ما يطلع الفجر؟قال:«لا» (4).

و قد روى عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:فعل صلاة الليل و الوتر بعد الفجر،و لا تجعله عادة (5)و هو محمول على الضرورة كما قاله الشيخ.

و يجوز تقديم الوتر أول الليل حيث يجوز تقديم صلاة الليل،لما سلف، و قد سلفت رواية الحجّال عن الصادق عليه السلام في تقديم ركعتين من أول الليل،فإن استيقظ صلّى صلاة الليل و أوتر،و إلاّ صلّى ركعة (6)و احتسب

ص: 373


1- راجع الهامش السابق.
2- الفقيه 1:146 ح 678.
3- رواه القاضي التميمي في دعائم الإسلام 1:204 مرسلا. و الآية في سورة الطور:49.
4- التهذيب 2:126 ح 479،الاستبصار 1:281 ح 1021.
5- التهذيب 2:126 ح 477،الاستبصار 1:281 ح 1022.
6- في المصدر:«ركعتين».

بالركعتين شفعا (1).

و عليه تحمل رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يتبين إلاّ بوتر» (2).و يجوز حملها على التقيّة،لأنّ عندهم وقت للوتر ما بين العشاء الى الفجر،و يروون عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:

«الوتر جعلها اللّه لكم ما بين صلاة العشاء الى طلوع الفجر» (3).

و جوابه،يحمل على آخر وقت العشاء،و يعارض بما روي عن عائشة:

أوتر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أول الليل و آخره،و لكن انتهى وتره حين مات الى السحر (4).

و أفضل أوقاته بعد الفجر الأول،لمّا مرّ،و لرواية إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام في ساعة الوتر:«أحبّها إليّ الفجر الأول».

و قال:«كان أبي ربّما أوتر بعد ما انفجر الصبح» (5).

و لو ظن الضيق فشفع و أوتر و صلّى ركعتي الفجر،ثم تبيّن بقاء الليل،بنى ستّا على الشفع،و أعاد الوتر مفردة و ركعتي الفجر،قاله المفيد-رحمه اللّه- (6).4.

ص: 374


1- كذا،و في المصدر:«وترا». و قد تقدمت في ص 308 الهامش 5.
2- التهذيب 2:341 ح 1412.
3- سنن ابن ماجة 1:369 ح 1168،سنن أبي داود 2:61 ح 1418،الجامع الصحيح 2: 314 ح 452،سنن الدار قطني 2:30،المستدرك على الصحيحين 1:306،السنن الكبرى 3:23.
4- ترتيب مسند الشافعي 1:195 ح 549،المصنف لعبد الرزاق 3:17 ح 4624،مسند أحمد 6:107،سنن الدارمي 1:372،صحيح البخاري 2:31،صحيح مسلم 1:512 ح 745،سنن ابن ماجة 1:374 ح 1185،سنن أبي داود 2:66 ح 1435،الجامع الصحيح 2:318 ح 459.
5- التهذيب 2:339 ح 1401.
6- المقنعة:24.

و قال علي بن بابويه:يعيد ركعتي الفجر لا غير (1).

و قال في المبسوط:لو نسي ركعتين من صلاة الليل،ثمّ ذكر بعد أن أوتر، قضاهما و أعاد الوتر (2).

و كأنّ الشيخين نظرا الى أنّ الوتر خاتمة النوافل ليوترها.و قد روى إبراهيم ابن عبد الحميد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن ظن الفجر فأوتر ثمّ تبين الليل:«انّه يضيف للوتر ركعة،ثم يستقبل صلاة الليل، ثم يعيد الوتر» (3).

و روى علي بن عبد اللّه عن الرّضا عليه السلام،قال:«إذا كنت في صلاة الفجر فخرجت و رأيت الصبح،فزد ركعتين الى الركعتين اللتين صلّيتهما قبل،و اجعله وترا» (4).و فيه تصريح بجواز العدول من النفل الى النفل،لكن ظاهره انّه بعد الفراغ (5)،كما ذكر مثله في الفريضة (6).و يمكن حمل الخروج على رؤية الفجر في أثناء الصلاة كما حمل الشيخ الفراغ في الفريضة على مقاربة الفراغ (7).

المسألة السادسة:وقت ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الليل

و لو قبل طلوع الفجر في الأشهر من الأخبار.

و قال المرتضى و الشيخ-في المبسوط-:بعد طلوع الفجر الأول (8).

ص: 375


1- مختلف الشيعة:124.
2- المبسوط 1:131.
3- التهذيب 2:338 ح 1396.
4- التهذيب 2:338 ح 1397.
5- في س:الركوع.
6- التهذيب 2:158 ح 340.
7- الخلاف 1:382 المسألة 139.
8- المبسوط 1:76،و حكاه عن المرتضى:المحقق في المعتبر 2:56،و العلامة في مختلف الشيعة:71.

و قال ابن الجنيد:و لا استحبّ صلاتهما قبل سدس الليل الأخير (1).

لنا رواية زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام:«انّهما قبل الفجر، إنهما من صلاة الليل،أ تريد أن تقايس:لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟!فابدأ بالفريضة» (2).

و عن سليمان بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّهما قبل الغداة» (3).

و عن البزنطي،قال أبو الحسن عليه السلام:«قال أبو جعفر عليه السلام احش بهما صلاة الليل،و صلّهما قبل الفجر» (4).

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في ركعتي الفجر:هما من صلاة الليل (5).في أخبار كثيرة.

و تسميان الدّسّاستين لدسّهما في صلاة الليل.و روى أبو الفرج بن أبي قرّة بإسناده إلى سعد الإسكاف،عن الصادق عليه السلام في ركعتي الفجر:

«دسّهما في صلاة الليل دسّا».

و يظهر من ذلك انّه لو طلع الفجر بدأ بالفريضة،لكن جاءت روايات أخر بجوازهما بعد الفجر:

كرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام:

«صلّهما مع الفجر و قبله،و بعده» (6).

و عن يعقوب بن سالم،قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«صلّهما بعد7.

ص: 376


1- مختلف الشيعة:71.
2- التهذيب 2:133 ح 513،الاستبصار 1:283 ح 1031.
3- التهذيب 2:133 ح 514،الاستبصار 1:283 ح 1032.
4- التهذيب 2:133 ح 516،الاستبصار 1:283 ح 1034.
5- التهذيب 2:133 ح 512،الاستبصار 1:283 ح 1030.
6- التهذيب 2:134 ح 520،الاستبصار 1:284 ح 1037.

الفجر،و اقرأ في الأولى الجحد،و في الثانية التوحيد» (1)،و مثله رواية عبد الرحمن بن الحجّاج عنه عليه السلام (2).

و في مرسلة إسحاق بن عمار عنه عليه السلام،قال:«صلّ الركعتين ما بينك و بين أن يكون الضوء حذاء رأسك» (3).و عن الحسين بن أبي العلاء عنه عليه السلام في الرجل يقوم و قد نوّر بالغداة:«ليصلّ السجدتين اللتين قبلها ثم ليصل الغداة» (4).

و حمل الشيخ هذين الخبرين على الفجر الأول.و فيه بعد،لظهورهما في الثاني و انتشاره،و دلالتهما على امتداد وقتهما الى ذلك.و قد روى التصريح بجوازهما بعد الفجر الثاني أبو بكر الحضرمي،عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قلت متى أصلّي ركعتي الفجر؟قال:«حين يعترض الفجر،و هو الذي تسميه العرب الصديع» (5).

و أما كلام ابن الجنيد،فيشهد له رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:أول وقتهما سدس الليل الباقي (6).

و ظاهر كلام التهذيب و الاستبصار عدم جواز فعلهما بعد طلوع الفجر الثاني،و حمل الأخبار على الفجر الأول،أو على صلاتهما أول ما يبدو الفجر الثاني استظهارا لتيقّنه،أو على التقية (7)،لرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام و قد أمره بفعلهما بعد طلوع الفجر،فقال أبو بصير:إنّ أبا جعفر عليه السلام أمرني أن أصلّيهما قبل طلوع الفجر.فقال:«يا أبا محمد إنّ الشيعة أتوا4.

ص: 377


1- التهذيب 2:134 ح 521،الاستبصار 1:284 ح 1038.
2- التهذيب 2:134 ح 523،الاستبصار 1:284 ح 1040.
3- التهذيب 2:134 ح 524،الاستبصار 1:284 ح 1041.
4- التهذيب 2:135 ح 525،الاستبصار 1:285 ح 1042.
5- التهذيب 2:133 ح 517.
6- التهذيب 2:133 ح 515،الاستبصار 1:283 ح 1033.
7- التهذيب 2:125،الإستبصار 1:284.

أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحق،و أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقيّة» (1).و هذا الخبر يدلّ على انّ تقديمهما أفضل،لا على انّ ذلك هو الوقت المخصوص.

على انّه قد روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انّه قال:«إنّي لأصلي صلاة الليل،و أفرغ من صلاتي و أصلّي الركعتين،و أنام ما شاء اللّه قبل أن يطلع الفجر،فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما» (2)،و نحوه رواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام (3).و حملهما الشيخ على فعلهما قبل الفجر الأول فتعادان بعده (4).

قلت:الظاهر انّ فعلهما جائز قبل الفجرين و بينهما و بعدهما الى التنوير،و أما الأفضل فالظاهر انّه بين الفجرين حسب ما دلّت عليه الأخبار.

قال كثير من الأصحاب:و يمتد وقتهما الى طلوع الحمرة (5).و احتجّ له في المعتبر بأنّه وقت تتضيّق فيه الفريضة للمتأد (6)غالبا فتمتنع النافلة،و بما رواه إسحاق بن عمار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الركعتين قبل الفجر، متى أدعهما حتى أقضيهما؟قال:«إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة».و عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر و تظهر الحمرة،و لم يركع ركعتي الفجر،أ يركعهما أو يؤخرهما؟قال:

«يؤخرهما» (7).9.

ص: 378


1- التهذيب 2:135 ح 526،الاستبصار 1:285 ح 1043.
2- التهذيب 2:135 ح 528،الاستبصار 1:285 ح 1045.
3- التهذيب 2:135 ح 527،الاستبصار 1:285 ح 1044.
4- التهذيب 2:135،الاستبصار 1:285.
5- راجع:الوسيلة:80،الغنية:494،المهذب 1:70،المعتبر 2:55.
6- في النسخ:للمتأيد،و لعل الصحيح ما أثبتناه و هو افتعال من التؤدة بمعنى التأني.
7- المعتبر 2:57. و الروايتان في التهذيب 2:340 ح 1408،1409.

قلت:قد روى سليمان بن خالد،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الركعتين قبل الفجر؟قال:«تتركهما-و في خط الشيخ:تركعهما-حين تترك الغداة،انّهما قبل الغداة» (1)و هذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها،و ليس ببعيد.و قد تقدم رواية فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله إياهما قبل الغداة في قضاء الغداة (2)فالأداء أولى.و الأمر بتأخيرهما عن الإقامة أو عن الإسفار (3)جاز كونه لمجرّد الفضيلة لا توقيتا.م.

ص: 379


1- التهذيب 2:133 ح 514،الاستبصار 1:283 ح 1032.
2- تقدم في ص 301 الهامش 4.
3- راجع روايتي التهذيب في الهامش 7،المتقدم.

ص: 380

الفصل الثالث
اشارة

في الأحكام:

و فيه

مسائل:
المسألة الأولى:تكره النافلة المبتدأة في أوقات خمسة:
اشارة

عند طلوع الشمس حتى تذهب الحمرة،قاله المفيد (1)و في الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«حتى ترتفع» (2).و غروبها حتى يذهب الشفق المشرقي،و يراد به ميلها للغروب و هو الاصفرار حتى يكمل الغروب.و قيامها في الاستواء حتى تزول،إلاّ في يوم الجمعة فإنّه يجوز عند القيام.و بعد صلاتي الصبح إلى طلوع الشمس، و العصر الى غروبها.

و احترزنا بالنافلة عن الفريضة،و بالمبتدأة عن ذات السبب-كقضاء النافلة،و التحية،و الاستسقاء،و صلاتي الطواف،و الإحرام-فإنّ ذلك لا يكره في المشهور.

و الأصل فيه ما رواه عقبة بن عامر،قال:نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ثلاث أن نصلّي بهن،أو نقبر فيهن موتانا:إذا طلعت الشمس حتى ترتفع،و حين تقوم،و إذا تضيّفت للغروب (3)أي:مالت.

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ الشمس تطلع و معها قرن الشيطان،فإذا ارتفعت فارقها،ثم إذا استوت قارنها،فإذا زالت فارقها،و إذا

ص: 381


1- المقنعة:23.
2- مسند أحمد 4:152،سنن الدارمي 1:333،صحيح مسلم 1:568 ح 831،سنن ابن ماجة 1:486 ح 1519،سنن أبي داود 3:208 ح 3192،الجامع الصحيح 3:348 ح 1030،سنن النسائي 1:275،مسند أبي يعلى 3:291 ح 1755.
3- مسند أحمد 4:152،سنن الدارمي 1:333،صحيح مسلم 1:568 ح 831،سنن ابن ماجة 1:486 ح 1519،سنن أبي داود 3:208 ح 3192،الجامع الصحيح 3:348 ح 1030،سنن النسائي 1:277،مسند أبي يعلى 3:291 ح 1755.

دنت للغروب قارنها،فإذا غربت فارقها»و نهى عن الصلاة في هذه الأوقات (1)و نحوه روينا عن أبي الحسن الثاني عليه السلام (2).

فقيل:قرن الشيطان حزبه،و هم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات.

و قال بعض العامة:إنّ الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات،ليكون الساجد للشمس ساجدا له (3).

و في التهذيب في خبر مرفوع الى أبي عبد اللّه عليه السلام،انّ رجلا قال له عليه السلام:إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان،قال:«نعم،إنّ إبليس اتّخذ عريشا بين السّماء و الأرض،فإذا طلعت الشّمس و سجد في ذلك الوقت الناس،قال إبليس لشياطينه:إنّ بني آدم يصلّون لي» (4).

و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:انّ الشمس تطلع بين قرني شيطان،و تغرب بين قرني شيطان»،و قال:«لا صلاة بعد العصر حتى تصلّى المغرب» (5).

و إنّما اختص يوم الجمعة لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:انه نهى عن الصلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة (6).و عن أبي قتادة عنه صلّى اللّه عليه و آله:انّه كره الصلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة و قال:«إنّ جهنم تسجر إلاّ يوم4.

ص: 382


1- الموطأ 1:29،ترتيب مسند الشافعي 1:55 ح 163،المصنف لعبد الرزاق 2:425 ح 3950،مسند أحمد 4:438،سنن ابن ماجة 1:397 ح 1253،سنن النسائي 1:275، مسند أبي يعلى 3:37 ح 1451،السنن الكبرى 2:454.
2- علل الشرائع:343.
3- فتح العزيز 3:105.
4- الكافي 3:290 ح 8،التهذيب 2:268 ح 1068.
5- التهذيب 2:174 ح 694،الاستبصار 1:290 ح 1065.
6- ترتيب مسند الشافعي 1:139 ح 408،السنن الكبرى 2:464.

الجمعة» (1).و عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«لا صلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة» (2).

و إنّما قيّدنا المبتدأة:لتظافر الروايات بقضاء النافلة فيها،منها:

رواية عبد اللّه بن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:لا بأس بقضاء صلاة الليل و الوتر بعد صلاتي الفجر و العصر (3).

و عن جميل بن درّاج عن أبي الحسن عليه السلام نحوه،قال:«و هو من سرّ آل محمد المخزون» (4).

و عن سليمان بن هارون عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّما هي النوافل،فاقضها متى ما شئت» (5).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام بطريقين:«اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت» (6).

و قد روى ابن بابويه بإسناده عن أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من جواب مسائله من محمد بن عثمان العمري-رضي اللّه عنهما-:و أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها،فإن كان كما يقول الناس:

انّ الشمس تطلع بين قرني شيطان و تغرب بين قرني شيطان،فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة فصلّها،و أرغم الشيطان (7)و أورده الشيخ في التهذيب أيضا عن ابن بابويه (8).و هذا يعطي عدم الكراهية مطلقا.

و بإزاء هذا ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إن نام7.

ص: 383


1- سنن أبي داود 1:284 ح 1083،السنن الكبرى 2:464،3:193.
2- التهذيب 3:13 ح 44،الاستبصار 1:412 ح 1576.
3- التهذيب 2:173 ح 687،الاستبصار 1:289 ح 1058.
4- التهذيب 2:173 ح 689،الاستبصار 1:290 ح 1060.
5- التهذيب 2:173 ح 690،و في الاستبصار 1:290 ح 1061 عن أبي الحسن عليه السلام.
6- التهذيب 2:173 ح 691،692،الاستبصار 1:290 ح 1062،1063.
7- الفقيه 1:315 ح 1431،إكمال الدين:520.
8- التهذيب 2:175 ح 697،الاستبصار 1:691 ح 1067.

رجل و لم يصلّ المغرب و العشاء أو نسي،فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما،و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة.و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ (1)المغرب،و يدع العشاء حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها،ثمّ ليصلّها» (2)و في هذا الخبر دلالة على امتداد وقت العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر،كما مر.

و روى الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّ الذاكر ظهرا منسية في أثناء العصر يعدل،و لو ذكر مغربا في أثناء العشاء صلّى المغرب بعدها و لا يعدل،لأنّ العصر ليس بعدها صلاة (3).

و في خبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«فليصلّ الصبح،ثم المغرب،ثم العشاء،قبل طلوع الشمس» (4).

و حملها الشيخ على التقية،لتظافر الأخبار بقضاء الفرائض في أي وقت شاء (5).

قلت:هذه الروايات لا دلالة فيها على نفي كراهية ماله سبب.و قد قال المرتضى في الناصرية:يجوز أن يصلّى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها كلّ صلاة لها سبب متقدم،و إنّما لا يجوز أن يبتدأ فيها بالنوافل (6)،و عنى:

الطلوع،و الغروب،و الاستواء.

و الشيخ في الخلاف قال:فيما بعد الصبح و العصر لا يكره ما له سبب، كالأمثلة الماضية.و قال:فيما نهي عنه لأجل الوقت-و هي المتعلقة7.

ص: 384


1- في المصدرين زيادة:«الفجر،ثم المغرب،ثم العشاء الآخرة،قبل طلوع الشمس.فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين،فليصل».
2- التهذيب 2:270 ح 1077،الاستبصار 1:288 ح 1054.
3- التهذيب 2:270 ح 1075.
4- التهذيب 2:270 ح 1076،و في الاستبصار 1:288 ح 1053 عن ابن مسكان.
5- التهذيب 2:271.
6- الناصريات:230 المسألة 77.

بالشمس-:لا فرق فيه بين الصلوات و البلاد و الأيام،إلاّ يوم الجمعة فإنّه يصلّى عند قيامها النوافل.قال:و في أصحابنا من قال التي لها سبب مثل ذلك (1).

و في المبسوط:عمّم الأوقات الخمسة بالكراهية،إلاّ فيما له سبب (2).

و قال المفيد-رحمه اللّه-:تقضى النوافل بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس،و بعد العصر الى اصفرارها،و لا يجوز قضاؤها و لا ابتداؤها عند طلوع الشمس و لا غروبها.و لو زار بعض المشاهد عند طلوعها أو غروبها أخّر الصلاة،حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها،أو صفرتها عند غروبها (3).

و حكم الشيخ في النهاية بكراهة صلاة النوافل أداء و قضاء عند الطلوع و الغروب،و لم يعيّن شيئا (4).

و قال ابن أبي عقيل:لا نافلة بعد طلوع الشمس الى الزوال،و بعد العصر الى أن تغيب الشمس،إلاّ قضاء السنة فإنّه جائز فيهما،و إلاّ يوم الجمعة (5).

و قال ابن الجنيد:ورد النهي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس،و غروبها،و قيامها نصف النهار،إلاّ يوم الجمعة في قيامها (6).

و قال الجعفي:و كان يكره-يعني الصادق عليه السلام-أن يصلّى من طلوع الشمس حتى ترتفع،و نصف النهار حتى تزول،و بعد العصر حتى تغرب،و حين يقوم الإمام يوم الجمعة إلاّ لمن عليه قضاء فريضة أو نافلة من6.

ص: 385


1- الخلاف 1:520 المسألة 263.
2- المبسوط 1:76.
3- المقنعة:23،35.
4- النهاية:62.
5- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:76.
6- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:76.

يوم الجمعة.

و قال المرتضى في الانتصار:يحرم التنفّل بالصلاة بعد طلوع الشمس الى الزوال (1).و كأنّه عنى به صلاة الضحى لذكرها من قبل.

و الأقرب على القول بالكراهية استثناء ماله سبب،لأن شرعيته عامة.و إذا تعارض العمومان وجب الجمع،و الحمل على غير ذوات الأسباب وجه جمع، فإنّ مثل قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا دخل أحدكم المسجد،فلا يجلس حتى يصلّي ركعتين» (2)يشمل جميع الأوقات،و كذا كلّ ذي سبب،فإنّ النصّ عليه شامل.و قد ظهر استثناء القضاء من ذلك بالأخبار الصريحة،فإذا جاز إخراجه بدليل جاز إخراج غيره.

فروع:
الأول:النهي عن الصلاة بعد الصبح و العصر لمن صلاّهما،

سواء صلاهما غيره أولا.و لو لم يصلّ الصبح أو العصر فلا كراهية في سنّتهما،و أما غيرها فمبني على إيقاع النافلة في وقت الفريضة و قد سبق.

و بعض العامة يجعل النهي معلّقا على طلوع الفجر (3)،لما روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلّوا بعد الفجر إلاّ سجدتين» (4)،و لعموم قوله عليه السلام:«لا صلاة بعد الفجر» (5).

و الحديث الأول لم نستثبته،و أمّا الثاني فنقول بموجبه،و يراد به صلاة

ص: 386


1- الانتصار:50.
2- صحيح البخاري 1:120،صحيح مسلم 1:495 ح 714،سنن ابن ماجة 1:324 ح 1013،سنن أبي داود 1:127 ح 467،الجامع الصحيح 2:129 ح 316،سنن النسائي 2:53،السنن الكبرى 3:53.
3- المغني 1:790،الشرح الكبير 1:832.
4- مسند أحمد 2:104،سنن أبي داود 2:25 ح 1278،مسند أبي يعلى 9:460 ح 5608، سنن الدار قطني 1:419،السنن الكبرى 2:465.
5- سنن الدارمي 1:335،سنن الترمذي 1:343 ح 183،سنن النسائي 1:278.

الفجر توفيقا بينه و بين الأخبار.

الثاني:لو أوقع النافلة المكروهة في هذه الأوقات،

فالظاهر:انعقادها إن لم نقل بالتحريم،إذ الكراهية لا تنافي الصحة كالصلاة في الأمكنة المكروهة.

و توقّف فيه الفاضل من حيث النهي (1).

قلنا:ليس بنهي تحريم عندكم.و عليه يبنى نذر الصلاة في هذه الأوقات.فعلى قولنا ينعقد،و على المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده (2)لأنّه مرجوح.

و لقائل أن يقول بالصحة أيضا،لأنّه لا يقصر عن نافلة لها سبب،و هو عنده جائز،و لأنّه جوّز إيقاع الصلاة المنذورة مطلقا في هذه الأوقات (3).

الثالث:يجوز اعادة الصبح و العصر في جماعة،

لأنّ لها سببا،و لأنّه روي انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى الصبح،فلما انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد،فقال:«لم لم تصليا معنا»؟فقالا:كنا قد صلّينا في رحالنا، فقال صلّى اللّه عليه و آله:«إذا جئتما فصليا معنا،و إن كنتما قد صلّيتما في رحالكما تكن لكما سبحة» (4).

الرابع:لو تعرّض للسبب في هذه الأوقات-

كأن أراد الإحرام،أو دخل المسجد،أو زار مشهدا-لم تكره الصلاة،لصيرورتها ذات سبب،و لأنّ شرعية هذه الأمور عامة.

و لو تطهّر في هذه الأوقات،جاز أن يصلّي ركعتين و لا يكون هذا ابتداء،

ص: 387


1- تذكرة الفقهاء 1:80.
2- تذكرة الفقهاء 1:80.
3- تذكرة الفقهاء 1:80.
4- سنن الدار قطني 1:414. و بلفظ:«فإنها لكم نافلة»في:مسند الطيالسي 175 ح 1247،مسند أحمد 4:161، سنن أبي داود 1:157 ح 575،الجامع الصحيح 1:424 ح 219،سنن النسائي 2:112، المستدرك على الصحيحين 1:244،السنن الكبرى 2:301.

للحث على الصلاة عقيب الطهارة،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله روي انّه قال لبلال:«حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام،فإني سمعت دقّ نعليك بين يديّ في الجنة».قال:ما عملت عملا أرجى عندي من أنّني لم أتطهّر طهورا في ساعة من ليل أو نهار،إلاّ صلّيت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلّي.و أقرّه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على ذلك (1).

الخامس:ليس سجود التلاوة صلاة،

فلا يكره في هذه الأوقات،و لا يكره التعرض لسبب وجوبه أو استحبابه.و لو سمّي جزءا أو شارك الصلاة في الشرائط فله سبب،و كذا سجود الشكر.اما سجود السهو،ففي رواية عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تسجد سجدتي السهو،حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» (2)،و فيه إشعار بكراهة مطلق السجدات.

السادس:الظاهر انّه لا فرق بين مكة و غيرها،

للعموم.

و أمّا قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلّى في أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار» (3)فلا يدلّ على الاستثناء،لأنّ الصلاة لها سبب.هذا إن حملت الصلاة على صلاة الطواف،و إن حملت على مطلق الصلاة فنحن نقول به،إذ لا تحريم هنا فلا منع،أو يراد به ماله سبب،أو نستثني الأوقات الخمسة بدليل آخر فيكون المراد ما عداها.

السابع:لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة الظهر،

تخيّر في جمع الظهر و العصر،أو الإتيان بالظهر في الركعتين الأوليين فيجعل الأخيرتين نافلة.و لو ائتم في العصر فالظاهر التخيير أيضا.

ص: 388


1- مسند أحمد 2:433،صحيح البخاري 2:67،صحيح مسلم 4:1910 ح 2458.
2- التهذيب 2:353 ح 1466.
3- مسند أحمد 4:80،سنن ابن ماجة 1:398 ح 1254،الجامع الصحيح 3:220 ح 868، سنن النسائي 1:284،الإحسان بترتيب صحيح ابن حيان 3:46-1550،سنن الدار قطني 1: 424،المستدرك على الصحيحين 1:448.

و يأتي على قول من عمّم كراهية النافلة ان تقدّم في الأوليين النافلة، و يجعل العصر في الأخيرتين،و قد روى ذلك محمد بن النعمان عن الصادق عليه السلام (1)،قال الشيخ:إنّما فعل ذلك لأنه تكره الصلاة بعد العصر (2).

المسألة الثانية:قال الجعفي:خمس صلوات يصلّين على كل حال و في

كل وقت:

فريضة نسيتها تقضيها،و ركعتا الإحرام،و ركعتا الطواف،و كسوف الشمس،و صلاة الجنازة.و الصلوات الفائتة تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة،فإذا دخل عليه وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها.

و قال الشيخ في المبسوط:خمس صلوات تصلّى في كل وقت ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة:الفائتة الواجبة إذا ذكرها و فائت النافلة ما لم يدخل وقت فريضة،و صلاة الكسوف،و صلاة الجنازة،و ركعتا الإحرام،و ركعتا الطواف (3).

و قد روى الكليني عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«خمس صلوات تصلّيهن في كل وقت:-صلاة الكسوف،و الصلاة على الميت،و صلاة الإحرام،و الصلاة التي تفوت،و صلاة الطواف-من الفجر الى طلوع الشمس و بعد العصر الى الليل» (4)و نحوه روى معاوية بن عمار عنه عليه السلام (5).

و هذا ظاهره انعقاد صلاتي الإحرام و الطواف لمن عليه قضاء فريضة أو نافلة.

و ظاهر الجعفي المواسعة في القضاء،و سيأتي إن شاء اللّه بسطه.و قد تقدّم ذكر التنفّل في أوقات الفرائض و اختلاف الروايات فيه.

ص: 389


1- التهذيب 3:165 ح 360،226 ح 573.
2- التهذيب 3:166.
3- المبسوط 1:76.
4- الكافي 3:287 ح 1،التهذيب 2:171 ح 682.
5- الكافي 3:277 ح 2،التهذيب 2:172 ح 683.

و ابن بابويه حكم بصلاة سنة الصبح قضاء،ثم قضاء الفريضة كما جاءت به الرواية (1).

و ابن الجنيد:إذا وسع الوقت القضاء و الحاضرة جاز قضاء التطوّع و الواجب مرتّبا كما كان حال الأداء،و جعل الأحبّ إليه البدأة بالفريضة (2).

و في خبر زرارة عن الباقر عليه السلام:«و لا تتطوّع بركعة حتى تقضي الفريضة» (3).

و في صحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام فيمن فاته الوتر و الصبح:«يبدأ بالفريضة» (4).

و رواية محمّد بن النعمان السابقة تدلّ على جواز النافلة في وقت الفريضة،و قد ذكرها الشيخ في باب القضاء من التهذيب (5).

المسألة الثالثة:لا يجوز التعويل في الوقت على الظن إلاّ مع تعذّر العلم،

فيبني على الأمارات المفيدة للظن الغالب،أو يصبر حتى يتيقّن.و قد روى الحسن العطار عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«لأن أصلّي الظهر في وقت العصر، أحبّ إليّ من ان أصلّي قبل أن تزول الشمس» (6).

و عن سماعة،قال:سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم ير الشمس و لا القمر و لا النجوم،قال:«اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك» (7)،و هذا يشمل

ص: 390


1- الفقيه 1:233،المقنع:33. و الرواية في الفقيه 1:233 ح 1031.
2- مختلف الشيعة:148.
3- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:172 ح 685،3:159 ح 341،الاستبصار 1:286 ح 1046.
4- التهذيب 2:265 ح 1056،الاستبصار 1:286 ح 1047.
5- التهذيب 3:165 ح 360،226 ح 573.
6- التهذيب 2:254 ح 1006.
7- الكافي 3:284 ح 1،الفقيه 1:143 ح 667،التهذيب 2:46 ح 147،الاستبصار 1: 295 ح 1088.

الاجتهاد في الوقت و القبلة.

و من الأمارات ما رواه الكليني و الشيخ عن عبد اللّه الفرّاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انّه سئل عن اشتباه الوقت بالغيم،فقال:«أ تعرف الدّيكة؟إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد زالت الشمس»أو قال:«فصلّ» (1).و رويا مرسل الحسين بن المختار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس،و دخل وقت الصلاة» (2)،و أورده أيضا ابن بابويه رحمه اللّه في الفقيه (3)،و ظاهره الاعتماد عليه.و صار إليه بعض العامة إذا علم من عادة الديك مصادفة الوقت (4).و نفى ذلك في التذكرة بالكلية (5)،و هو محجوج بالخبرين المشهورين.

و لو كان له أوراد من صلاة،أو درس علم،أو قراءة قرآن،أو صنعة استفاد بها الظن،عمل عليه.و لو ظهر فساد ظنه أعاد الصلاة،لوقوعها في غير وقتها،و لرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من صلّى في غير وقت فلا صلاة له» (6)و قد روى زرارة عن الباقر عليه السلام في رجل صلّى الغداة بليل،غرّه القمر فأخبر بذلك،قال:«يعيد» (7).

أمّا لو دخل عليه الوقت في أثنائها،فالأقرب:الإجزاء،لأنّه متعبّد بظنّه، خرج عنه ما إذا لم يدرك شيئا من الوقت.و قد روى إسماعيل بن رياح عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت-و لم يدخل8.

ص: 391


1- الكافي 3:284 ح 2،الفقيه 1:143 ح 668،التهذيب 2:255 ح 1010.
2- الكافي 3:285 ح 5،التهذيب 2:255 ح 1011.
3- الفقيه 1:144 ح 669.
4- المجموع 3:74.
5- تذكرة الفقهاء 1:85.
6- التهذيب 2:254 ح 1005.
7- الكافي 3:285 ح 4،التهذيب 2:140 ح 548،254 ح 1008.

الوقت-فدخل الوقت و أنت في الصلاة،فقد أجزأت عنك» (1).و هذه محمولة على الظان الذي لا طريق له الى العلم،قاله المفيد و الشيخ في المبسوط (2).

امّا المتعمّد،فالأجود الإعادة،لأنّه منهي عن الشروع مع العمد،و النهي مفسد.و الشيخ في النهاية طرد الحكم فيه،مع حكمه بعدم جواز الدخول في الصلاة قبل العلم بدخول وقتها،أو غلبة الظن (3).و يمكن حمل كلامه على الظان،فإنّه يسمّى متعمدا للصلاة،ليجمع بين كلامية.

و أمّا الناسي:إمّا لمراعاة الوقت،و إما لجريان الصلاة منه حال عدم خطور الوقت بالبال،فاختلف الأصحاب فيه:

ففي النهاية و الكافي لأبي الصلاح انّه كالظان (4)إذ المعتبر له إدراك وقت الصلاة و قد حصل،مع رفع الخطأ عن الناسي،و فحوى الخبر يدلّ عليه.

و قال المرتضى:لا بدّ من كون وقوع جميع الصلاة في الوقت،و متى صادف شيء من اجزائها خارج الوقت بطلت عند محقّقي الأصحاب و محصّليهم،و قد وردت روايات به (5).

و أطلق ابن أبي عقيل بطلان صلاة العامد و الساهي قبل الوقت (6).

و قال ابن الجنيد:ليس للشاكّ يوم الغيم و لا غيره ان يصلّي إلاّ عند تيقّنه بالوقت،و من صلّى أول صلاته أو جميعها قبل الوقت ثم أيقن ذلك استأنفها (7).

و ظاهر كلام هؤلاء إعادة الظانّ كالناسي.و الأقرب إعادة الناسي و إن دخل3.

ص: 392


1- الكافي 3:286 ح 11،الفقيه 1:143 ح 666،التهذيب 2:35 ح 110،141 ح 550.
2- المقنعة:14،المبسوط 1:74.
3- النهاية:62.
4- النهاية:62،الكافي في الفقه:138.
5- أجوبة المسائل الرسية الاولى 2:350.
6- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة:73.
7- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة:73.

الوقت عليه،لتفريطه بعدم التحفّظ مع قدرته عليه،و لأنّ المسبّب لا يثبت مع عدم سببه،و الوقت سبب الوجوب فلا يتقدّم الوجوب عليه،و الإجزاء تابع للوجوب،خرج عنه الظانّ للرواية و تعبّده باجتهاده،فيبقى الباقي على أصله.

و استدل في المختلف على بطلان صلاة الجميع بظاهر خبر أبي بصير السالف،فإنّه شامل للصلاة الكاملة و غيرها (1).و يدفعه بناء العام على الخاص إن سلم العموم.

و قال السيد:معنى ضرب الوقت:التنبيه على عدم الإجزاء في غيره، فالمصلّي قبله مخالف للمشروع فتفسد صلاته،و لأنّ القطع بالبراءة لا يتم إلاّ بفعل الجميع في الوقت (2).

و جوابه:لا مخالفة إذ هو مأمور بالعمل بظنّه،و القطع بالبراءة غير معتبر في العبادات غالبا،و إلاّ لكان تكليفا بالمحال أو الحرج.

و أمّا الجاهل،فقد صرّح المرتضى ببطلان صلاته (3)و ألحقه أبو الصلاح بالناسي (4).و يمكن تفسيره بجاهل دخول الوقت فيصلّي لأمارة على دخوله، أو لا لأمارة بل لتجويز الدخول،و بجاهل اعتبار الوقت في الصلاة،و بجاهل حكم الصلاة قبل الوقت.

فإن أريد الأول فهو معنى الظان،و قد مر.و إن أريد باقي التفسيرات، فالأجود البطلان،لعدم الدخول الشرعي في الصلاة،و توجّه الخطاب على المكلّف بالعلم بالتكليف فلا يكون جهله عذرا،و إلاّ لارتفع المؤاخذة على الجاهل.8.

ص: 393


1- مختلف الشيعة:74. و قد تقدم خبر أبي بصير في ص 391 الهامش 6.
2- أجوبة المسائل الرسية الأولى 2:350.
3- أجوبة المسائل الرسية الأولى 2:350.
4- الكافي في الفقه:138.

تنبيه:

لو صادف الوقت صلاة الناسي و الجاهل بدخول الوقت أو بالحكم،ففي الإجزاء نظر،من حيث عدم الدخول الشرعي،و من مطابقة العبادة ما في نفس الأمر،و الأول أقوى.و أولى بالبطلان تارك الاجتهاد مع القدرة عليه،أو تارك التقليد مع العجز عن الاجتهاد،لعصيانهما.و لو لم يتذكّر الاجتهاد و التقليد فكالأول.

المسألة الرابعة:الأعمى يقلّد العدل العارف بالوقت،

لظهور عذره،و قصوره عن العلم و الظن،و يكتفي بأذان العدل.و كذا العامي الذي لا يعرف الوقت،أو الممنوع من عرفانه بحبس أو غيره.

اما غيرهما،فلا يجوز له التقليد مع إمكان العلم،لأنّه مخاطب بعلم الوقت،و التقليد لا يفيد العلم.

و لو تعذّر العلم،فأخبره عدل عن علم بأذان أو غيره،فالظاهر انّه كالممنوع من عرفانه،فيكتفي بقوله.و يمكن المنع،لأنّ الاجتهاد في حقه ممكن،و هو أقوى من التقليد.اما لو أخبره عدل عن اجتهاد لم يعتد بقوله قطعا،لتساويهما في الاجتهاد،و زيادة اجتهاد الإنسان على غيره بالنسبة الى ما يجده من نفسه.

و لو قدّر رجحان اجتهاد غيره في نفسه على اجتهاد نفسه،أمكن العدول إلى الغير،لامتناع العمل بالمرجوح مع وجود الراجح.و يمكن التربص ليصير ظنه أقوى من قول الغير،و هو قوي،بخلاف القبلة،لأنّ التربّص فيها غير موثوق فيه باستفادة الظن،فيرجّح هناك ظن رجحان اجتهاد غيره.

بل يمكن وجوب التأخير للمشتبه عليه الوقت مطلقا حتى يتيقّن الدخول، و لا يكفيه الاجتهاد و لا التقليد،لأنّ اليقين أقوى و هو ممكن.أمّا لو كان الصبر لا يحصل منه اليقين،فلا إشكال في جواز الاجتهاد و التقليد،لأنّه معرض

ص: 394

بالتربّص لخروج الوقت.

و الوجه عدم وجوب التربّص مطلقا،لأنّ مبنى شروط العبادات و أفعالها على الظن في الأكثر،و البقاء غير موثوق به.و هذا الفرع جزئي من جزئيات صلاة أصحاب الأعذار مع التوسعة،أو مع الضيق،و سيأتي إن شاء اللّه.

المسألة الخامسة:قطع في المعتبر بجواز التعويل على أذان الثقة الذي يعرف

منه الاستظهار،

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«المؤذّنون أمناء»،و لأنّ الأذان مشروع للإعلام بالوقت،فلو لم يعوّل عليه لم تحصل الغاية من شرعه (1)، و ظاهره عموم ذلك للمتمكّن من العلم و غيره.و يمكن حمل أمانة المؤذّن و شرعية الأذان للإعلام على ذوي الأعذار،و لتنبيه المتمكن على الاعتبار.

و أطلق في المبسوط (2)جواز التعويل على الغير مع عدم المانع.

نعم لو قدّر حصول العلم بالأذان لتظاهر الأمارات جاز التعويل،و لا يكون ذلك لمجرّد الأذان.و لا فرق في المنع من تقليد المؤذّن بين الصحو و الغيم،لأنّه يصير الى الظن مع إمكان العلم،و لا اعتبار بقطعه في الصحو.

و قد روى ذريح،قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:«صلّ الجمعة بأذان هؤلاء،فإنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت» (3).و روى محمّد بن خالد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أخاف أن أصلّي الجمعة قبل أن تزول الشمس،فقال:«إنّما ذاك على المؤذّنين» (4).و في هذين إشعار بما قال المحقق رحمه اللّه.

ص: 395


1- المعتبر 2:63. و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في:ترتيب مسند الشافعي 1:58 ح 174،المصنف لعبد الرزاق 1:477 ح 1839،السنن الكبرى 1:43.
2- المبسوط 1:74.
3- الفقيه 1:189 ح 899،التهذيب 2:284 ح 1136.
4- التهذيب 2:284 ح 1137،3:244 ح 661.

و لكن روى ابن أبي قرّة بإسناده الى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر،و لا يدري أ طلع أم لا،غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه طلع؟قال:«لا يجزئه حتى يعلم أنّه قد طلع».

المسألة السادسة:لو صلّى المقلّد بالتقليد في الوقت فانكشف الفساد،

فالأقرب أنّه كالظّان،فتلحقه أحكامه،لتعبّده بذلك.و لو عارضه اخبار آخر بعدم الدخول،فإن تساويا أو كان الأول أرجح فلا التفات،و إن كان الثاني أرجح فحكمه حكم التعارض في القبلة،و سيأتي إن شاء اللّه.

المسألة السابعة:كلّ من انكشف فساد ظنّه في أثناء الصلاة و لمّا يدخل الوقت،

أو دخل و قلنا بعدم الإجزاء،ففي وقوع صلاته نافلة وجهان:

أحدهما -و اختاره الفاضل (1)-:لا،لعدم نيّته،«و لا عمل إلاّ بنيّة»، و لقول الصادق عليه السلام في خبر معاوية في رجل قام في المكتوبة فسها فظنّ أنّها نافلة،أو قام في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة،قال:«هي على ما افتتح عليه الصلاة» (2)،و في عبارة أخرى:«هي ما افتتح الصلاة عليه» (3)،و هذا افتتحها على الفريضة.

و في خبر عمار عنه عليه السلام في الرجل يريد أن يصلّي ثماني ركعات فيصلّي عشرا،أ يحتسب بالركعتين من صلاة عليه؟قال:«لا،إلاّ أن يصلّيها عمدا،فإن لم ينو ذلك فلا» (4).

و عن عبد اللّه بن أبي يعفور عنه عليه السلام:«إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته» (5).

ص: 396


1- تذكرة الفقهاء 1:85.
2- التهذيب 2:197 ح 776.
3- التهذيب 2:343 ح 1419.
4- التهذيب 2:343 ح 1421.
5- التهذيب 2:343 ح 1420.

و الثاني: نعم،لأنّ النفل يكفي فيه التقرّب مع القصد إلى الصلاة و قد وقع،و لفتوى الأصحاب بأنّ الاحتياط مع الغناء عنه نافلة،و قد رواه ابن أبي يعفور و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«فإن كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة» (1).

و يمكن الجواب بأنّ هذا مع تمام الصلاة،و لا يلزم منه الحكم بالنافلة لا مع التمام.و على القول بأنها لا تقع نافلة لا تصير بالعدول نافلة،لبطلانها من أصلها.

و يؤيّد الثاني عموم وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (2)فنعمل به مهما أمكن،و من الممكن جعلها نافلة.

و يقوى الإشكال لو ركع في الثالثة،و قلنا بأنّ النافلة لا تتجاوز الركعتين إلاّ أن يلتحق بإعادة اليومية في صورة الندب،و على التقديرين ففي جواز العدول بها الى القضاء احتمال.نعم،لو كان قد عدل بها قبل عرفان بطلانها صحّ قطعا.

المسألة الثامنة:لو اجتهد أو قلّد في موضعه،فصادفت الصلاة بأسرها خارج

الوقت،

أو صادف ما يخرجها عن الأداء،أجزأ لأنّ نيّة الأداء فرضه،و نية القضاء إنّما هي مع التذكّر.

و لو ظنّ الخروج نوى القضاء،فلو كذب ظنّه فالأداء باق،فإن كان في الأثناء فالوجه العدول إليه،لأنّه دخل دخولا مأمورا به فيقتضي الإجزاء،و الآن صار متعبّدا بالأداء.

و لو تبين بعد فراغه مصادفة الوقت.فالوجه الإجزاء،للامتثال.و يمكن الإعادة إن أمكن الأداء،لما قلناه.و يحتمل الإعادة مطلقا،بناء على انّ ما

ص: 397


1- الكافي 3:352 ح 4،التهذيب 2:186 ح 739،الاستبصار 1:372 ح 1415.
2- سورة محمد:33.

صلاّه لم يطابق نفس الأمر.

المسألة التاسعة:يستحبّ تأخير صلاة الظهر إذا اشتدّ الحرّ إلى وقوع الظلّ الذي

يمشي الساعي فيه إلى الجماعة،

لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة،فإنّ شدة الحرّ من فيح جهنم» (1).

و من طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان المؤذّن يأتي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في صلاة الظهر، فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أبرد أبرد» (2).

و في المبسوط قال:إذا كان الحرّ شديدا في بلاد حارّة،و أرادوا أن يصلّوا جماعة في مسجد،جاز أن يبردوا بصلاة الظهر قليلا،و لا تؤخّر إلى آخر الوقت (3).فقد اشتمل كلامه على قيود:

أحدها:شدة الحر،و هو مصرّح الخبر.

و ثانيها:في البلاد الحارّة،و يفهم من فحوى الخبر،لقلّة أذى الحرّ في البلاد المعتدلة.و لعلّ الأقرب عدم اعتباره،أخذا بالعموم،و قد يحصل التأذّي بإشراق الشمس مطلقا.

و ثالثها:التقييد بالجماعة،فلو صلّى منفردا في بيته فلا إبراد،لعدم المشقة المقتضية للإبراد.و لو أراد المنفرد الصلاة في المسجد حيث لا جماعة فالأقرب:الإبراد،لظاهر الخبر.

و رابعها:المسجد،فلو صلّوا في موضع هم فيه مجتمعون فلا إبراد.و لو اتفق اجتماعهم في المسجد و لا يأتيهم غيرهم،فعلى فحوى كلامه يجوز

ص: 398


1- الموطأ 1:16،ترتيب مسند الشافعي 1:52 ح 152،المصنف لعبد الرزاق 1:452 ح 2049،مسند أحمد 2:266،سنن الدارمي 1:274،صحيح البخاري 1:142، صحيح مسلم 1:432 ح 617،سنن ابن ماجة 1:222 ح 677،سنن أبي داود 1:110 ح 402،الجامع الصحيح 1:295 ح 157،سنن النسائي 1:348.
2- الفقيه 1:144 ح 671.
3- المبسوط 1:77.

الإبراد،و على اعتبار المشقة لا إبراد.و لو أمكنهم المشي الى المسجد في كنّ أو ظل فهو كاجتماعهم في المسجد.

و خامسها:التقييد بالظهر،و لا ريب في انتفاء الإبراد في الأربع الأخر.

أمّا الجمعة،فهل تنزّل منزلة الظهر؟فيه وجهان:نعم،لإطلاق الخبر.و لا، لشدة الخطر في فواتها،و عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله:«أول الوقت رضوان اللّه،و آخر الوقت عفو اللّه» (1)خرج عنه الظهر فبقي ما عداها،و يؤيّده قول الباقر عليه السلام:«وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول» (2).

و سادسها:قوله:جاز أن يبردوا،ظاهره أنّ الإبراد رخصة،فلو تحمّلوا المشقة و صلّوا في أول الوقت فهو أفضل،و لابن بابويه قول بأنّ المراد بالإبراد الإسراع في فعلها (3)،و هو غريب.و الأصح:الاستحباب،لأنّه أقلّ مراتب الأمر،و تكراره في الخبر مشعر بتأكّده.

و سابعها:تقييده بالقليل،و الظاهر انّه ما قدّرنا به،لدفع الأذى بهذا القدر.و في قوله:و لا تؤخّر إلى آخر الوقت،إيماء إلى جوازه الى آخر النصف الأول من الوقت-أعني:وقت الفضيلة،كما قاله بعض العامة (4)-و لا بأس به.

و قال في الخلاف:تقديم الظهر في أول وقتها أفضل،و إن كان الحرّ شديدا جاز تأخيرها قليلا رخصة (5).و هذا يشعر بعدم استحباب الإبراد، خصوصا و كان قد حكى الإبراد عن العامة (6).

المسألة العاشرة:في باقي الأسباب التي يستحبّ لها التأخير،

و قد مضى

ص: 399


1- الجامع الصحيح 1:321 ح 172،سنن الدار قطني 1:249،السنن الكبرى 1:435.
2- الفقيه 1:43 ح 665،267 ح 1220.
3- الفقيه 1:144.
4- حلية العلماء 2:21،المجموع 3:59.
5- الخلاف 1:293 المسألة 39.
6- الخلاف 1:292 المسألة 39.

استحباب تأخير التيمّم أو وجوبه،و استحباب تأخير المستحاضة الظهرين حتى تأتي بالسبحتين،و استحباب تفريقهما و تفريق العشاءين،و تأخير نافلة الليل.

و هنا أمور أخر:

منها:استحباب تأخير الحاج العشاءين-ليصلّيهما في المزدلفة-و لو الى ربع الليل.

و منها:المشتغل بقضاء الفرائض يستحبّ له تأخير الأداء الى ضيق وقته، لما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى،فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت، فابدأ بالتي فاتتك.و إن كنت تعلم انّك إذا صلّيت التي فاتتك،فاتتك التي بعدها،فابدأ بالتي أنت في وقتها» (1)و إنّما حملناه على الندب جمعا بين الأخبار.

و منها:الصائم إذا نازعته نفسه،أو كان من يتوقع إفطاره،و سيأتي مستند ذلك إن شاء اللّه.و قد روى عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المغرب تؤخّر ساعة:«لا بأس،إن كان صائما أفطر ثم صلّى،و إن كانت حاجة قضاها ثم صلّى» (2).

و روى الكليني عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الصلاة تحضر و قد وضع الطعام،قال:«إن كان أول الوقت فابدأ بالطعام،و إن خاف تأخير الوقت فليبدأ بالصلاة» (3).

و منها:جميع أصحاب الأعذار مع رجاء زوال العذر بالتأخير،لأنه مصير الى جعل الصلاة على الوجه الأكمل.3.

ص: 400


1- الكافي 3:294 ح 4،التهذيب 2:172 ح 686،268 ح 1070،الاستبصار 1:287 ح 1051.
2- التهذيب 2:31 ح 93،265 ح 1055،الاستبصار 1:266 ح 963.
3- المحاسن:423،الكافي 6:298 ح 9،التهذيب 9:100 ح 433.

و أوجبه المرتضى (1)و ابن الجنيد (2)و سلاّر (3)رضي اللّه عنهم،لوجوب تحصيل المعتبر في الماهية من الشرط و الجزء مهما أمكن.

لنا:عموم الأمر بالمخاطبة في الوقت،و إمكان الاخترام.

و قد روى جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن يفوته الظهران و المغرب و ذكر عند العشاء الآخرة،قال:«يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنّه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخل،ثم يقضي ما فاته الأول فالأول» (4).و في هذا الخبر دليل على ما قلنا من الاستحباب في القاضي،و على وجوب ترتيب الفوائت،و على ما ادّعيناه من عدم وجوب التأخير.

و قد روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك بين يدي اللّه:

أيّها الناس قوموا الى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم» (5).

و روى أبان بن تغلب،قال:صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام بالمزدلفة،فلما انصرف قال:«يا أبان الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهنّ،و حافظ على مواقيتهنّ،لقي اللّه يوم القيامة و له عند اللّه عهد يدخل به الجنة.و من لم يقم حدودهنّ،و يحافظ على مواقيتهن،لقي اللّه و لا عهد له، إن شاء عذّبه،و إن شاء غفر له» (6).و أخبار كثيرة شاملة للمعذور و غيره.5.

ص: 401


1- الناصريات:225 المسألة 51.
2- مختلف الشيعة:149.
3- المراسم:54،62.
4- التهذيب 2:352 ح 1462.
5- الفقيه 1:133 ح 624،أمالي الصدوق:401،ثواب الاعمال:57،التهذيب 2:238 ح 944.
6- الكافي 3:267 ح 1،ثواب الاعمال:48،التهذيب 2:239 ح 945.

و منها:إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كانتظار الجماعة،أو طول الصلاة و التمكّن من استيفائها.و قد حمل الشيخ خبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام في صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله ركعتين قبل الصبح التي قضاها و خبر أبي بصير عنه في مثل ذلك،على انتظار الجماعة،و إلاّ لم تجز النافلة في وقت الفريضة (1).

و روى عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المغرب:«إذا كان أرفق بك و أمكن لك في صلاتك،و كنت في حوائجك،فلك الى ربع الليل» (2).

المسألة الحادية عشرة:اشتهر بين متأخّري الأصحاب منع صلاة النافلة لمن

عليه فريضة (3)،

و قد قدمنا أخبارا تشهد بجواز ذلك منقولة من التهذيب (4)،و قد ذكر في الكافي ما يشهد بذلك،فمنه:

ما رواه سماعة،قال:سألته عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله، أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟فقال:«إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة،و إن خاف الفوت فليبدأ بالفريضة».ثم بعد كلام إمّا متّصل به، أو من كلام الكليني:الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة ليكون فضل أول الوقت للفريضة،و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت الى قريب من آخر الوقت (5).

و منه:ما رواه عن إسحاق بن عمّار،قال:قلت:أصلّي في وقت فريضة نافلة؟قال:«نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به،فإذا كنت وحدك

ص: 402


1- التهذيب 2:265،الاستبصار 1:286.و الخبرين فيهما برقم 1057،1058-1048، 1049.
2- التهذيب 2:31 ح 94،259 ح 1034،الاستبصار 1:267 ح 964.
3- مختلف الشيعة:148.
4- قد مرّت الاخبار في ص 301 و ما بعدها.
5- الكافي 3:288 ح 3،التهذيب 2:264 ح 1051،و صدره في الفقيه 1:257 ح 1165.

فابدأ بالمكتوبة» (1).

و عن محمّد بن مسلم،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إذا دخل وقت الفريضة،أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟فقال:«إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة» (2).

احتجّ المانعون بما تقدّم من رواية المنع،و برواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«لا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها» (3)،و ما روي عنهم عليهم السلام:«لا صلاة لمن عليه صلاة» (4).

و الجواب لمّا تعارضت الروايات وجب الجمع بالحمل على الكراهية في هذا النهي،و بنفي الصلاة الكاملة في الخبر الثاني،و قد ذكر فيما تقدّم التصريح بأنّ قاضي الفريضة يصلّي أمامها نافلة ركعتين (5)،و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك،قال الكليني و الصدوق:اللّه أنام النبي صلّى اللّه عليه و آله عن صلاة الصبح رحمة للأمة (6).

المسألة الثانية عشرة:لو شكّ في فعل الصلاة و وقتها باق وجبت،

لقيام السبب، و أصالة عدم الفعل،و إلاّ فلا،عملا بظاهر حال المسلم انّه لا يخلّ بالصلاة.

و به خبر حسن السند عن زرارة و الفضيل،عن أبي جعفر عليه السلام،انّه قال:

«متى استيقنت أو شككت في وقت صلاة انّك لم تصلّها،أو في وقت فوتها صلّيتها.و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت،فقد حال (7)حائل فلا إعادة

ص: 403


1- الكافي 3:289 ح 4،التهذيب 2:264 ح 1052.
2- الكافي 3:289 ح 6.
3- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:172،685،3:159 ح 341،الاستبصار 1:286 ح 1046.
4- رسالة جواب أهل الحائر عن سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله:11،المبسوط 1:127،الخلاف 1:78 المسألة 86.
5- تقدّم في ص 301 الهامش 4.
6- الكافي 3:294،الفقيه 1:234.
7- في المصدرين:«دخل».

عليك من شك»أورده الكليني و الشيخ في التهذيب (1).

المسألة الثالثة عشرة:مضى استحباب اعادة المنفرد جماعة و إن كان وقت نهي،

و تكون المعادة نفلا،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«تكن لكما سبحة» (2)و قد مرّ أن السبحة النافلة،و لبراءة الذمة بالأولى فيمتنع وجوب الثانية،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«أ تصلّى صلاة في يوم مرتين» (3)،أي:بنيّة الوجوب.و لا فرق بين إمام الحي و غيره.

و قد روي خبران يتضمّنان الوجوب:

أحدهما:من طريق العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا جئت الى الصلاة،فوجدت الناس فصلّ معهم،فإن كنت قد صلّيت تكن لك نافلة و هذه مكتوبة» (4).

و ثانيهما:من طريق الخاصة و هو في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام،في الرجل يصلّي وحده،ثم يجد جماعة،قال:

«يصلي معهم و يجعلها الفريضة» (5).

و أوّل الأول بأنّ له ثواب المكتوبة،و يمكن تأويل الثاني به،و الشيخ حمله على جعلها من قضاء سالف،أو على من كان في أثناء الصلاة فوجد الجماعة (6)،لأنّه قد روى عمّار عن الصادق عليه السلام عن الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد جماعة،أ يعيدها معهم؟قال:«نعم،هو أفضل»،قال«فإن

ص: 404


1- الكافي 3:294 ح 10،التهذيب 2:276 ح 1098.
2- تقدم في ص 83 الهامش 7.
3- مسند أحمد 2:41،سنن أبي داود 1:158 ح 579،سنن النسائي 2:114،سنن الدار قطني 1:415،السنن الكبرى 2:303.
4- سنن أبي داود 1:157 ح 577.
5- الكافي 3:379 ح 1،التهذيب 3:50 ح 176.
6- التهذيب 3:50.

لم يفعل ليس به بأس» (1).

فعلى ما قلناه ينوي النفل،و لو نوى الظهر المعادة جاز.

و قال بعض العامة:ينوي الفرض (2)إما للخبرين السالفين،و إمّا لأنّه لا جماعة في نافلة.

قلنا:قد أوّل الخبران،و الجماعة هنا في النفل جائزة.

فرع:

لو لم يدرك سوى ركعتين،فالأقرب إتمامها بحسب ما نواه،لأنّه المأمور به.و جوّز في التذكرة التسليم على اثنتين،لأنّها نافلة (3).و لو أدرك ركعة، فالوجهان.و لو أدرك ثلاثا،فالإتمام ليس إلاّ.

و لو كانت المعادة المغرب،اقتصر على الثلاث إذ هي المنوية.و بعض العامة:يأتي بأربع (4)لأنّه لم يتعبّد بنافلة وترا غير الوتر،و المفارقة للإمام محذورة فيتمها ركعتين،و عن حذيفة:يصلي ركعتين لا غير (5).و كلّ هذا بناء على الندب.

المسألة الرابعة عشرة:يأثم بتأخير الصلاة عن أول وقتها بعزم عدم التدارك،

و لو عزم على الفعل فلا إثم،و لو أهمل فالظاهر الإثم مع تذكّر الوجوب.و ليس العزم شرطا في جواز التأخير،خلافا للمرتضى (6)و تحقيقه في الأصول.

نعم،يحرم تأخيرها عن وقتها المضروب لها،و لا يخرج عن التحريم بإبقاء ركعة و إن حصل بها الأداء،لأنّ ذلك بحكم التغليب و لتحصيل البراءة، و إلاّ فالركعات الباقية خارجة عن الوقت مع وجوب فعلها فيه،و الإخلال

ص: 405


1- التهذيب 3:50 ح 175.
2- المجموع 4:224،فتح العزيز 4:303.
3- تذكرة الفقهاء 1:80.
4- حلية العلماء 2:160،المجموع 4:225.
5- انظر:المغني 1:788 و الشرح الكبير 2:7.
6- الذريعة 1:134.

بالواجب حرام.

و يكره تأخير الصبح عن الإسفار،و العصر الى الاصفرار،لما سلف، و يلزم منه كراهة تأخير الظهر الى حدّ يدخل العصر في الاصفرار.و كذا يكره تأخير كلّ صلاة عن وقت الفضيلة،لما تقدّم من الأخبار الدالة على المنع، فأقلّ أحواله الكراهية.فحينئذ تتعدّد أوقات الصلوات(بالأفضل و الفضيلة و الجواز و الكراهة و الإجزاء.

المسألة الخامسة عشرة:صلاة الصبح من صلاة النهار عند الكل،

إلاّ أبا محمد الأعمش إذ حكي عنه أنّها من صلاة الليل (1)بناء على انّ أول النهار طلوع الشمس،حتى للصوم فيجوز الأكل و الشرب الى طلوع الشمس عنده،قال في الخلاف:و روي ذلك عن حذيفة (2)لقوله تعالى وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (3)و آية النهار:الشمس،و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«صلاة النهار عجماء» (4).

و جوابه:منع انّ الآية الشمس،بل نفس الليل و النهار آيتان،و هو من اضافة التبيين كإضافة العدد الى المعدود.سلّمنا انّها الشمس،و لكنّ علامة الشيء قد تتأخر حتى تكون بعد دخوله.سلّمنا انّ الشمس علامة النهار،و أنّها متقدمة،لكنّ الضياء الحاصل من أول الفجر عن الشمس فكأنّ الشمس طالعة،و في الحقيقة هي طالعة،و إن تأخّر رؤية جرمها،و لهذا اختلفت أوقات المطالع بحسب الأقاليم.و أمّا الخبر فقد نسبه الدار قطني إلى الفقهاء،أو يحمل على معظم صلاة النهار.

و يعارض باستقرار الإجماع على خلافه،و بقوله تعالى:

ص: 406


1- المجموع 3:45.
2- الخلاف 1:226 المسألة 9.
3- سورة الإسراء:12.
4- عوالي اللئالي 1:421 ح 98.

وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ (1) ،قال الشيخ:و لم يختلفوا انّ المراد بذلك صلاة الصبح، و صلاة العصر (2).

المسألة السادسة عشرة:من ترك الصلاة الواجبة من المسلمين مستحلا فهو
اشارة

مرتدّ،

يقتل إجماعا إن ولد على الفطرة من غير استتابة،لعلم ثبوتها من الدين ضرورة،و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة» (3)،و به احتج في الخلاف،و قال:أجمعت الفرقة على روايته (4).و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من ترك الصلاة متعمدا،فقد برئت منه الذمة» (5).

و إذا قتل لم يصلّ عليه،و لم يدفن في مقبرة المسلمين،و ماله لوارثه المسلم.

و إن كان مسلما عن كفر استتيب،فإن تاب و إلاّ قتل،لقوله تعالى فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ الآية (6).

و لو ادعى المستحلّ الشبهة،و أمكنت في حقّه-بأن كان قريب العهد بالإسلام،أو ساكن بادية يمكن في حقه عدم علم وجوبها-قبل منه.

و لو تركها غير مستحلّ عزّر ثلاثا،و قتل في الرابعة.

قال في المبسوط:إذا خرج وقت الصلاة أمر بأن يقضيها،فان أبى عزّر.

و إن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات،و عزّر فيها ثلاث مرات قتل في الرابعة،لما روي عنهم عليهم السلام:«إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في

ص: 407


1- سورة هود:114.
2- الخلاف 1:267 المسألة 9.
3- صحيح مسلم 1:88 ح 134،سنن أبي داود 4:219 ح 4678،مسند أبي يعلى 3:318 ح 1783،مسند أبي عوانة 1:61،المعجم الصغير 1:134،سنن الدار قطني 2:53.
4- الخلاف 1:690 المسألة 6.
5- مسند أحمد 6:421.
6- سورة التوبة:5.

الرابعة»،و ذلك عام في جميع الكبائر (1).

مع انّه قال في الخلاف:روي عنهم:«انّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة» (2).

و قال في المبسوط:«و لا يقتل حتى يستتاب،فإن تاب و الاّ قتل،و كفّن و صلّي عليه،و دفن في مقابر المسلمين،و ميراثه لورثته المسلمين (3).

فقضية كلام الشيخ اشتراط ترك أربع صلوات حتى يخرج وقتها،و انّه لا يقتل حتى يعزّر ثلاثا،و يستتاب فيمتنع من التوبة.

و الذي رواه الأصحاب عن يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، انّه قال:«أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا في الثالثة» (4).

و روى أبو خديجة عنه عليه السلام في المرأتين في لحاف بلا حاجز:

تحدّان،ثم تقتلان في الثالثة (5).

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا حدّ شارب الخمر مرتين قتله في الثالثة (6)،و به عدة أخبار.قال الكليني:قال جميل:و روى بعض أصحابنا انّه يقتل في الرابعة (7).

و لم أقف في الرابعة على حديث عام،بل روى أبو خديجة عن الصادق4.

ص: 408


1- المبسوط 1:129.
2- الخلاف 1:690 المسألة 6. و الرواية في:الكافي 7:191 ح 2،الفقيه 4:51 ح 182،التهذيب 10:95 ح 369، الاستبصار 4:212 ح 792.
3- المبسوط 1:129.
4- الكافي 7:191 ح 2،الفقيه 4:51 ح 182،التهذيب 10:95 ح 369،الاستبصار 4: 212 ح 791.
5- الكافي 7:202 ح 4،التهذيب 10:59 ح 214،الاستبصار 4:217 ح 811.
6- الكافي 7:218 ح 1،التهذيب 10:95 ح 366.
7- الكافي 7:218 ح 4.

عليه السلام في المرأتين في لحاف:القتل في الرابعة (1)كما روى في الثالثة.

و روى زرارة أو بريد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا زنى الحرّ أربع مرات أقيم عليه الحد،قتل» (2).و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«الزاني إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة» (3).

مع انّ جميل بن درّاج قال:«روى أصحابنا:انّ الزاني يقتل في الثالثة (4).و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام«من أخذ في شهر رمضان و قد أفطر،فرفع الى الإمام،يقتل في الثالثة» (5).

و عن أبي بصير،قال قلت:آكل الربا بعد البيّنة؟قال:«يؤدّب،فإن عاد أدّب،فإن عاد قتل» (6).و في الخلاف:يقتل في الثالثة،لما رواه يونس عن الماضي عليه السلام (7).

و نقل المحقق الثالثة ثم احتاط بالرابعة (8)لما نقله الشيخ.و قد أوّل خبر أبي فروة عن الصادق عليه السلام:في آتي البهيمة الحد و روى جميل عنه عليه السلام القتل بالتكرر،قال:لأنّا قد روينا أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة أو الرابعة،ثم ذكر خبر يونس بالثالثة (9).6.

ص: 409


1- الكافي 7:202 ح 4،الفقيه 4:31 ح 88،التهذيب 10:44 ح 159،الاستبصار 4:217 ح 811.
2- الكافي 7:235 ح 7،الفقيه 4:31 ح 90،التهذيب 10:27 ح 86.
3- الكافي 7:191 ح 1،التهذيب 10:37 ح 129،الاستبصار 4:212 ح 790.
4- الكافي 7:256 ح 5.
5- الكافي 7:258 ح 12،التهذيب 10:141 ح 557.
6- الكافي 7:241 ح 9،الفقيه 4:50 ح 176،التهذيب 10:98 ح 380.
7- الخلاف 1:690 المسألة 6. و قد مرت الرواية في صفحة 408 الهامش 2.
8- شرائع الإسلام 1:122.
9- التهذيب 10:62،الاستبصار 4:225. و خبر أبي فروة في التهذيب 10:62 ح 227،الاستبصار 4:224 ح 840،عن أبي جعفر عليه السلام. و خبر جميل في التهذيب 10:61 ح 223،الاستبصار 4:224 ح 836.
فروع:
الأول:إذا كان ترك الصلاة مع الاستحلال ارتدادا فالمرأة لا تقتل

بتركها،

بل تحبس و تضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت،لما رواه ابن محبوب عن غير واحد من الأصحاب،عن الباقر و الصادق عليهما السلام:

«المرأة إذا ارتدّت استتيبت،فإن تابت و إلاّ خلّدت السجن،و ضيّق عليها في حبسها» (1).

و عن عبّاد بن صهيب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«المرتدّ يستتاب،فإن تاب و إلاّ قتل.و المرأة تستتاب،فإن تابت و إلاّ حبست في السجن و أضرّ بها» (2).

و لو تركتها لا مستحلّة و عزّرت ثلاثا فظاهر الأصحاب قتلها في الرابعة كالرّجل،و كذا في جميع مواضع تكرار الحدّ أو التعزير،و اللّه أعلم.

الثاني:لا فرق بين ترك الصلاة و ترك شرط أو جزء مجمع عليه-

كالطهارة و الركوع-أمّا المختلف فيه كإزالة النجاسة،و تعيين الفاتحة،و وجوب الطمأنينة،فلا يقتل مستحلّ تركه.

الثالث:لو ادّعى النسيان أو الغفلة في إخباره عن استحلال الترك،

أو أوّل الصلاة بالنافلة قبل منه،لقيام الشبهة الدارئة للحد.

و لو اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان،أو عدم المطهّر،قبل عذره و يؤمر بالقضاء.فإن امتنع منه عزّر إن أوجبنا الفور،و إن قلنا بالتراخي فلا،فلو تكرّر التعزير أمكن انسحاب حكم الأداء.

ص: 410


1- الكافي 7:256 ح 3،التهذيب 10:137 ح 543،الاستبصار 4:253 ح 959.
2- التهذيب 10:144 ح 569،الاستبصار 4:255 ح 967.

و لو استحلّ ترك القضاء،فالظاهر انّه كترك الأداء.و لو اعتذر عن الترك بالكسل أو المرض لم يقبل منه،و طولب المريض بالصّلاة بحسب حاله،فإن امتنعا عزّرا ثلاثا ثم القتل.

الرابعة:قال الفاضل في التذكرة:الظاهر من قول علمائنا انّه بعد التعزير

ثلاثا يقتل بالسيف إذا ترك الرابعة (1).

و قال في النهاية:يحتمل أن يضرب حتى يصلّي أو يموت (2)و هو منقول عن بعض العامة (3).

و وافق الفاضل الشيخ في انّه لا يقتل في الرابعة حتى يستتاب،و لا يسوغ قتله مع اعتقاده التحريم بالمرة الواحدة و لا بما زاد،ما لم يتخلل التعزير ثلاثا، لأصالة حقن الدم (4)و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث:كفر بعد إيمان،أو زنى بعد إحصان،أو قتل نفس بغير حقّ» (5).

الخامس:توبة تاركها مستحلا في موضع قبولها هو إخباره عن اعتقاد

وجوبها و فعلها،

فلو أخّر و لم يفعل عزّر،و لو فعل و لمّا يخبر لم تتحقّق التوبة.

و الظاهر انّه لا يكفي إقراره بالشهادتين هنا،لأنّ الكفر لم يقع بتركهما.

السادس:لو صلّى الكافر لم يحكم بإسلامه،سواء صلّى في دار

الإسلام أو دار الكفر،

لأن الإسلام هو الشهادتان.و لو سمع تشهّده فيها، فالظاهر انّه لا يكفي،لإمكان الاستهزاء،فلو أعرب عن نفسه الكفر بعده لم يكن مرتدّا.و كذا لو صلّى المرتدّ لم يحكم بعوده إلى الإسلام.و هذه المسألة

ص: 411


1- تذكرة الفقهاء 1:86.
2- نهاية الإحكام 1:339.
3- قاله أبو العباس،لاحظ:المجموع 3:13.
4- تذكرة الفقهاء 1:86.
5- مسند أحمد 1:61،سنن ابن ماجة 2:847 ح 2533،سنن أبي داود 4:170 ح 4502، الجامع الصحيح 4:460 ح 2158،المستدرك على الصحيحين 4:350.

و فروعها لم أقف فيها على نصّ معيّن من طريقنا،و لم يذكرها من الأصحاب إلاّ القليل.

ص: 412

الفصل الرابع:
اشارة

في مواقيت القضاء.

و الكلام فيه يشتمل على مسائل:

المسألة الأولى:وقت القضاء للفائتة الواجبة ذكرها ما لم تتضيّق الحاضرة،

لقوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (1)،أي:لذكر صلاتي،قال كثير من المفسرين:إنّها في الفائتة،لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من نام عن صلاة أو نسيها،فليقضها إذا ذكرها،إنّ اللّه تعالى يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي » (2).

و روى زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام:«إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى،فإن كنت تعلم انّك إذا صلّيت الفائتة كنت من الأخرى في وقت،فابدأ بالتي فاتتك،فإنّ اللّه تعالى يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي .و إن كنت تعلم انّك إذا صلّيت الفائتة،فاتتك التي بعدها،فابدأ بالتي أنت في وقتها» (3).و فيه دلالات ثلاث:التوقيت بالذكر،و وجوب القضاء،و تقديمه على الحاضرة مع السعة.

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلّها إذا ذكرها،فإنّ ذلك وقتها» (4).و فيه دلالتان:

إحداهما:توقيت قضاء الفائتة بالذكر.

و الثاني:وجوب القضاء مع الفوات،و وجوبه في حقّ المعذور يستلزم

ص: 413


1- سورة طه:14.
2- مجمع البيان 4:5،التفسير الكبير 22:20.
3- الكافي 3:293 ح 4،التهذيب 2:172 ح 686،الاستبصار 1:287 ح 1051.
4- سنن الدار قطني 1:423،السنن الكبرى 2:218،و راجع تلخيص الحبير 2:349.

أولويّته في حقّ غيره،و لما تقدّم في خبري:«خمس صلوات» (1).

و عن زرارة عن الباقر عليه السلام فيمن صلّى بغير طهور،أو نسي صلوات،أو نام،قال:«يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ليلا أو نهارا» (2)و تقريره كالسالف.

المسألة الثانية:ظاهر الأكثر وجوب الفور في القضاء،
اشارة

إما لأن الأمر المطلق للفور -كما قاله المرتضى و الشيخ (3)-و إمّا احتياطا للبراءة.

و هؤلاء يوجبون تقديمها على الحاضرة مع سعة الوقت،و يبطلون الحاضرة لو عكس متعمّدا.و بالغ المرتضى-رحمه اللّه-و أتباعه،فمنع-في المسائل الرسّيّة-من أكل يفضل عما يمسك الرمق،و من نوم يزيد على ما يحفظ الحياة،و من تعيّش يزيد على قدر الضرورة،و من الاشتغال بجميع المباحات و المندوبات و الواجبات الموسعة قبل القضاء (4).

و يحتجّون:تارة بالاحتياط المحصّل ليقين البراءة،و بتركه يتعرّض المكلّف للضرر المظنون الذي يجب التحرّز منه عقلا.

و تارة بقوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي .

و آونة بخبري الخمس،و خبري زرارة السابقين (5)و في عبارة أخرى لزرارة عن الباقر عليه السلام:«فإذا دخل وقت الصلاة،و لم يتم ما قد فاته،فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه التي حضرت» (6).

ص: 414


1- تقدما في ص 389 الهامش 4،5.
2- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:171 ح 681.
3- الذريعة 1:53،عدة الأصول-مخطوط-:85.
4- أجوبة المسائل الرسية 2:365،المهذب 1:125.
5- تقدما في ص 389 الهامش 4،ص 390 الهامش 3.
6- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:172 ح 685،266 ح 1059،الاستبصار 1:286 ح 1046.

و بما رواه أبو بصير،قال:سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر،قال:«يبدأ بالظهر،و كذلك الصلوات،و تبدأ بالتي نسيت إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة،فتبدأ بالتي أنت في وقتها» (1).

و بخبر عمرو بن يحيى عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن صلّى الى غير القبلة،ثم تبيّن له و قد دخل وقت صلاة أخرى،قال:يصلّيها (2)قبل أن يصلّي هذه التي دخل وقتها» (3).

و احتجّ السيد على بطلان الحاضرة مع السعة بالنهي عنها،إمّا لأنّ الأمر بالشي يستلزم النهي عن ضده،و إمّا بما روي من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن عليه صلاة» (4).

و احتج بعض المتأخرين على مذهب السيد-من المنع عن المنافي للقضاء-برواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام فيمن فاته نوافل لا يدري كم هو من كثرته،قال:«يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته».

قلت:لا يقدر على القضاء من شغله.قال:«ان كان شغله في طلب معيشة لا بد منها،أو حاجة لأخ مؤمن،فلا شيء عليه.و ان كان شغله للدنيا و تشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء،و الاّ لقي اللّه مستخفّا متهاونا مضيّعا للسنة» (5).

قال:و هو من باب التنبيه (6).8.

ص: 415


1- الكافي 3:292 ح 2،التهذيب 2:172 ح 684،268 ح 1069،الاستبصار 1:287 ح 1050.
2- في المصدرين:«يعيدها».
3- التهذيب 2:46 ح 149،الاستبصار 1:297 ح 1098.
4- جوابات المسائل الرسية الأولى 2:364.
5- جواب أهل الحائر عن سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله:11،المبسوط 1:127،الخلاف 1: 386 المسألة:139.
6- المحاسن:315،الكافي 3:453 ح 13،الفقيه 1:359 ح 1577،التهذيب 2:11 ح 25،198 ح 778.

و ابنا بابويه-رحمهما اللّه-على المواسعة المحضة،حتى انّهما يستحبان تقديم الحاضرة على الفائتة مع السعة (1)و تبعهما أكثر المتأخرين (2)قال الفاضل:هو مذهب والدي و أكثر من عاصرناه من المشايخ (3).

و يجيبون عن الاحتياط:بأنّه لو تم اقتضى الأولوية لا الوجوب،و نحن نقول باستحباب تقديم الفائتة،و بمعارضته بأصالة البراءة،و بتجويز الاخترام قبل فعل الحاضرة،فالاحتياط البدأة بها.

و عن الآية:انّ المفسرين ذكروا فيها وجوها منها هذا.

و منها:انّ الصلاة تذكّر بالمعبود،و تشغل القلب و اللسان بذكره.

و منها:انّ اللام للتعليل،أي:لأني ذكرتها في الكتب و أمرت بها.

و منها:انّ المراد لذكري خاصة،أي:لا تراء بها و لا تشبها بذكر غيري.

و منها:انّ المراد لأذكرك بالثناء.

و منها:ان المراد باللام التوقيت،فيشمل جميع مواقيت الصلاة.

و حينئذ لا يتعيّن ما ذكرتم للإرادة،إذ خبر الواحد لا ينهض حجة في مخالفة المشهور،مع معارضته بمثله.سلّمنا،لكن نمنع الوجوب المضيّق، فإن الأمر لا يدلّ على الفور،و قد تحقّق في الأصول.

و عن الأخبار:بأنّها تدلّ على مطلق الوجوب،امّا على الوجوب المضيّق فلا،فانّ في خبري الخمس:صلاة الكسوف و الجنازة و الإحرام (4)،و لا يقول أحد بوجوب تقدّمها على الحاضرة تضييقا،مع المعارضة بوجوه:

أحدها:قضية الأصل،فإنّه دليل قطعي حتى يثبت الخروج منه.5.

ص: 416


1- الفقيه 1:232،المقنع:32،مختلف الشيعة:144.
2- راجع:الوسيلة:84،المعتبر 2:405،قواعد الاحكام:44.
3- مختلف الشيعة:144.
4- تقدما في ص 389 الهامش 4،5.

و ثانيها:لزوم الحرج و العسر و الضرر المنفي بالكتاب و السنة.

و ثالثها:عموم آي الصلاة،مثل أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (1)أَقِيمُوا الصَّلاةَ (2)فإنه يشمل من عليه فائتة و غيره.

و رابعها:معارضة الأخبار بمثلها.فروى ابن سنان عن الصادق عليه السلام،قال:«إن نام رجل و نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة،فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما،و ان خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء.و ان استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح،ثم المغرب، ثم العشاء» (3).

و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام نحو ذلك (4).

و روى سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام:«إذا دخل الوقت عليك فصلّها،فإنّك لا تدري ما يكون» (5).

و خبر جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام-و قد مرّ في المسألة- صريح في تقديم الحاضرة (6).

و روى عمار الساباطي عن الصادق عليه السلام:«ان حضرت العتمة، و ذكر انّ عليه صلاة المغرب،فأحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ،و ان أحبّ بدأ بالعتمة،ثم صلّى المغرب بعد» (7).و هذا صريح في التخيير،فان كان مغرب يومه بني على خروج المغرب بربع الليل أو بغيره،و ان كان مغرب أمسه فأوضح في الدلالة.5.

ص: 417


1- سورة الإسراء:78.
2- سورة النور:56.
3- التهذيب 2:270 ح 1076.و في الاستبصار 1:288 ح 1053 عن ابن مسكان.
4- التهذيب 2:270 ح 1077،الاستبصار 1:288 ح 1054.
5- التهذيب 2:272 ح 1082.
6- تقدم في ص 383 الهامش 3.
7- التهذيب 2:271 ح 1079،الاستبصار 1:288 ح 1055.

و الأخبار الدالة على عدم القضاء في أوقات الكراهة،و على جواز النافلة لمن عليه قضاء،تدل على ذلك أيضا،و قد سلفت.

و خامسها:تسويغ الأصحاب الأذان و الإقامة للقاضي (1)مع استحبابهما، و قد رووه بطرق كثيرة.

منها:خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن صلى اليومين و الثلاثة جنبا:«يتطهر،و يؤذن و يقيم في أولهن،ثم يصلي و يقيم بعد ذلك في كل صلاة» (2).

و منها:خبر قضاء النبي صلّى اللّه عليه و آله الصبح،فإنه أمر بلالا بالأذان بل و صلّى نافلتها قبلها (3).

و منها:خبر زرارة عن الباقر عليه السلام (4)و سيأتي ان شاء اللّه تعالى.

و سادسها:في رواية الحسن بن زياد عن الصادق عليه السلام في عدم العدول في العشاء الى المغرب (5)و تقريره كما مر،و حمله هنا على مغرب أمسه أولى،لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الدالة على العدول عن العشاء الى المغرب إلى الركعة الثالثة (6).

و الأمر بالشيء على التضيّق يستلزم النهي عن ضده،فلم قلتم انّ الأمر هنا مضيّق؟ و أما حديث:«لا صلاة لمن عليه صلاة»فلم نستثبته من طرقنا،و انما أورده الشيخ في المبسوط و الخلاف مرسلا (7).و في التهذيب بطريق معتبر عن9.

ص: 418


1- راجع:المقنعة:35،المبسوط 1:95،المعتبر 2:135.
2- التهذيب 3:159 ح 342.
3- سيأتي مفصلا في ص 422.
4- سيأتي في ص 420 الهامش 1.
5- تقدمت في ص 384 الهامش 6.
6- الكافي 3:291 ح 1،التهذيب 3:158 ح 340.
7- المبسوط 1:127،الخلاف 1:386 المسألة 139.

علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام،قال:سألته عن صلاة الجنائز إذا احمرّت الشمس أ تصلح أولا؟قال:«لا صلاة في وقت صلاة»،و قال:«إذا وجبت الشمس فصلّ المغرب،ثم صل على الجنائز» (1).و يحملان على النافلة،أو على نفي الكمال.

و أما خبر النافلة،فهو من التغليظ في النافلة إذ لا يقول أحد بوجوبه،فإذا كان هذا المنبّه غير واجب،فكيف يستفاد الوجوب في المنبّه عليه؟

تنبيه:

صار بعض الأصحاب من المتأخرين إلى تعجل (2)قضاء الفائتة مع الوحدة

و السعة (3)

و بعضهم الى تعيّن ما ليومه و ان تعدّدت (4).و الحامل على ذلك روايتان صحيحتان:

رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام في ناسي الظهر حتى غربت الشمس،قال:«كان أبو جعفر أو كان أبي عليهما السلام يقول:إذا أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها،و الاّ صلى المغرب ثم صلاها» (5).

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء،و كان عليك قضاء صلوات،فابدأ بأولهن فأذن لها و أقم،ثم صل ما بعدها بإقامة،إقامة لكل صلاة».قال:و قال أبو جعفر عليه السلام:«و ان كنت قد صليت الظهر،و قد فاتتك الغداة فذكرتها،فصل أي ساعة ذكرتها و لو بعد العصر.و متى ذكرت صلاة فاتتك صليتها».

و قال:«ان نسيت الظهر حتى صليت العصر،فذكرتها و أنت في الصلاة

ص: 419


1- قرب الاسناد:99،التهذيب 3:320 ح 996.
2- في س:تعجيل.
3- كالمحقق في المعتبر 2:405.
4- كالعلامة في مختلف الشيعة:144.
5- الكافي 3:293 ح 6،التهذيب 2:269 ح 1073.

أو بعد فراغك،فأنوها الاولى ثم صل العصر،فإنما هي أربع مكان أربع.و ان ذكرت انك لم تصل الاولى،و أنت في صلاة العصر و قد صليت منها ركعتين، فصل الركعتين الباقيتين و قم فصل العصر.

و ان كنت ذكرت انك لم تصل العصر،حتى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها،فصل العصر ثم صل المغرب.و ان كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر.و ان كنت قد صليت من المغرب ركعتين،ثم ذكرت العصر، فانوها العصر ثم سلم،ثم صل المغرب.

و ان كنت قد صليت العشاء الآخرة و نسيت المغرب،فقم فصل المغرب.و ان كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء الآخرة ركعتين،أو قمت في الثالثة،فانوها المغرب ثم سلم،ثم قم فصل العشاء الآخرة.

و ان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر،فصل العشاء الآخرة.و ان كنت ذكرتها و أنت في ركعة أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء، ثم قم فصل الغداة و أذن و أقم.

و ان كانت المغرب و العشاء قد فاتتك جميعا،فابدأ بهما قبل ان تصلي، الغداة،ابدأ بالمغرب ثم بالعشاء.و ان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بهما، فابدأ بالمغرب،ثم بالغداة،ثم صل العشاء.و ان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة،ثم صل المغرب و العشاء،ابدأ بأولهما لأنهما جميعا قضاء،أيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس».قلت:فلم ذاك؟قال:«لأنك لست تخاف فوته» (1).

قال الشيخ في الخلاف:جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب كله،و حمل قوله:فليجعلها ظهرا بعد الفراغ،على مقاربة الفراغ (2).9.

ص: 420


1- الكافي 3:291 ح 1،التهذيب 3:158 ح 340.
2- الخلاف 1:386 المسألة 139.

قلت:قد اشتمل هذا الخبر على ما يدفع الاحتمالين،لأنّ المغرب و العشاء المذكورتين أخيرا متعددتان مع انهما من يوم سالف،فان عمل به كله زالا،و ان عمل ببعضه كان تحكّما.و فيه دلالة على انّ الترتيب مستحب لا مستحق،لانّه حكم بالتوسعة بعد صلاة الصبح،فلو صح القول بالمضايقة انتفى.

و التحقيق هنا:انّ الأخبار في حيز التعارض،و الجامع بينها الحمل على الاستحباب،فان القول بالمضايقة المحضة يلزم منه اطراح الأخبار الصحيحة على التوسعة،و القول باستحباب تقديم الحاضرة يلزم منه إطراح أخبار الترتيب،و التفصيل معرض لاطراح الجميع،و العمل الخبرين مهما أمكن أولى من اطراحهما،أو إطراح أحدهما.و بتقدير الاطّراح،تبقى قضية الأصل و عمومات القرآن سالمة عن المعارض.

و الشيخ من أصحاب المضايقة (1)مع حكمه في مواضع من التهذيب بعدمها،كحكمه فيمن أعاد صلاة مع الامام بجعلها نافلة أو قضاء فريضة سالفة (2)و كايراده خبر عمار السالف عن الصادق عليه السلام:«فإذا أردت ان تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها،فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها،ثم اقض ما شئت» (3)و لم يعرض له الشيخ،مع انّ عادته انّ الخبر إذا كان لا يرتضيه يعرض له.

و لم يصرّح في النهاية و الخلاف ببطلان الحاضرة لو أوقعها لا مع الضيق، و كذلك:المفيد،و ابن أبي عقيل،و ابن الجنيد.نعم،صرح به:المرتضى (4)4.

ص: 421


1- راجع:الخلاف 1:382 المسألة 139.
2- التهذيب 3:51،النهاية:125.
3- التهذيب 2:273 ح 1086.
4- أجوبة المسائل الرسية الاولى 2:364.

و ابن البراج (1)و أبو الصلاح (2)و الشيخ في المبسوط (3)و ابن إدريس (4)رحمهم اللّه.

تتمّة:

روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إذا دخل وقت صلاة مكتوبة،فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة».قال:فقدمت الكوفة،فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه فقبلوا ذلك مني،فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر عليه السلام،فحدثني:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عرّس في بعض أسفاره،فقال:«من يكلؤنا؟» فقال بلال:أنا.

فنام بلال و ناموا حتى طلعت الشمس،فقال:«يا بلال ما أرقدك؟»فقال:

يا رسول اللّه أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة»،و قال:«يا بلال أذّن»فأذّن فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركعتي الفجر،و أمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر،ثم قام فصلى بهم الصبح،ثم قال:«من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها،فان اللّه عز و جل يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي .

قال زرارة:فحملت الحديث الى الحكم و أصحابه،فقال:نقضت حديثك الأول!فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم، فقال:«يا زرارة إلا أخبرتهم انّه قد فات الوقتان جميعا،و ان ذلك كان قضاء من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و قد تقدم طرف من هذا الخبر،و فيه فوائد:

منها:استحباب ان يكون للقوم حافظ إذا ناموا،صيانة لهم عن هجوم ما8.

ص: 422


1- المهذب 1:126.
2- الكافي في الفقه:150.
3- المبسوط 1:127.
4- السرائر:58.

يخاف منه.

و منها:ما تقدم من انّ اللّه تعالى أنام نبيه لتعليم أمته،و لئلا يعيّر بعض الأمة بذلك،و لم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة به.

و منها:ان العبد ينبغي ان يتفأل بالمكان و الزمان بحسب ما يصيبه فيهما من خير و غيره،و لهذا تحوّل النبي صلّى اللّه عليه و آله الى مكان آخر (1).

و منها:استحباب الأذان للفائتة كما يستحب للحاضرة،و قد روى العامة عن أبي قتادة و جماعة من الصحابة في هذه الصورة:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بلالا فأذن فصلى ركعتي الفجر،ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر (2).

و منها:استحباب قضاء السنن.

و منها:جواز فعلها لمن عليه قضاء،و ان كان قد منع منه أكثر المتأخرين (3)و قد تقدم حديث آخر فيه (4).

و منها:شرعية الجماعة في القضاء كالأداء.

و منها:وجوب قضاء الفائتة،لفعله عليه السلام و وجوب التأسي به، و قوله:«فليصلها».

و منها:انّ وقت قضائها ذكرها.

و منها:ان المراد بالآية ذلك.

و منها:الإشارة إلى المواسعة في القضاء،لقول الباقر عليه السلام:«الا أخبرتهم انه قد فات الوقتان»إلى آخره،و هو نظير خبره السالف عنه عليه4.

ص: 423


1- لاحظ:دعائم الإسلام 1:141.
2- المصنف لعبد الرزاق 1:588 ح 2240،المصنف لابن أبي شيبة 2:82،سنن أبي داود 1: 121 ح 444،السنن الكبرى 1:403.
3- كالعلامة في مختلف الشيعة:148.
4- لعله إشارة الى ما تقدم في ص 301 الهامش 4.

السلام (1).

و قد روى زرارة أيضا في الصحيح ما يدل على عدم جواز النافلة لمن عليه فريضة،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:أصلي نافلة و عليّ فريضة أو في وقت فريضة؟قال:«لا،انّه لا تصلّى نافلة في وقت فريضة،أ رأيت لو كان عليك من شهر رمضان أ كان لك ان تتطوع حتى تقضيه؟قال:قلت:لا.قال:

«فكذلك الصلاة».قال:فقايسني و ما كان يقايسني.عنى زرارة تشبيهه عليه السلام الصلاة بالصيام و انه في صورة القياس،و ان الامام لم يكن من شأنه القياس، و لعله عليه السلام أراد به مجرد المثال،أو لتعليم زرارة فلج خصومه.

و الشيخ جمع بينهما بالحمل على انتظار الجماعة (2).

و ابن بابويه عمل بمضمون الخبر و أمر بقضاء النافلة ثم الفريضة (3).

و في المختلف اختار المنع،و أورد هذا الخبر و خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام فيمن نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس،فقال:«يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة»،و أورد حمل الشيخ إياهما على انتظار الجماعة،فيجوز الاشتغال بالنافلة (4).

و أشار بعض الأصحاب إلى إمكان ان يكون الخبر المروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في ذلك من المنسوخ،إذ النسخ جائز في السنّة.

و قد روى إبراهيم بن عمر اليماني،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت:انّ قوما يحدثونا غير متهمين و تحدثونا أنتم بغيره،قال:

«ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن» (5).م.

ص: 424


1- تقدم في ص 415 الهامش 1.
2- التهذيب 2:265،الاستبصار 1:287.
3- المقنع:33.
4- مختلف الشيعة:148. و خبر أبي بصير في التهذيب 2:265 ح 1057،الاستبصار 1:286 ح 1048.
5- رواه الكليني في الكافي 1:52 ح 2 بإسناده عن أبي أيوب الخراز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
المسألة الثالثة:أجمع العلماء على وجوب قضاء ما فات من المكتوبة،

مع بلوغ من فاته،و كمال عقله،و إسلامه،و سلامة المرأة من الحيض و النفاس، و قدرته على المطهر،عمدا فاتت أو سهوا،أو بنوم أو سكر،و قد دلت عليه الأخبار السالفة.

و دل على إخراج الصبي و المجنون حديث:«رفع القلم» (1).و على إخراج الكافر قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الآية (2)،و خبر:«الإسلام يجب-أو يهدم- ما قبله» (3).و على إخراج الحائض و النفساء ما سلف.و اما السكران،فلأنّه سبب عادي في زوال عقله فهو كالنوم.و اما فاقد الطهور،فقد تقدم الخلاف فيه.

المسألة الرابعة:لا يجب القضاء مع الإغماء المستوعب للوقت-
اشارة

في المشهور- لأنّ زوال العقل سبب لزوال التكليف و ليس مستندا إليه.

و لتبعية القضاء لوجوب الأداء.

و لرواية أبي أيوب عن الصادق عليه السلام:سألته عن الرجل أغمي عليه أياما لم يصل ثم أفاق،أ يصلي ما فاته؟قال:«لا شيء عليه» (4)-و عن حفص ابن البختري عنه عليه السلام،سمعته يقول في المغمى عليه:«ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر عنه» (5)-و نحوه رواية معمر بن عمرو عن الباقر عليه السلام (6)و مكاتبة محمد بن سليمان الهادي عليه السلام (7)و كذا مكاتبة أيوب

ص: 425


1- سيأتي بتمامه في ص 429 الهامش 5.
2- سورة الأنفال:38.
3- صحيح مسلم 1:112 ح 121.
4- الكافي 3:412 ح 3،التهذيب 3:302 ح 924،الاستبصار 1:457 ح 1771.
5- الكافي 3:413 ح 7،التهذيب 3:302 ح 923،الاستبصار 1:457 ح 1770.
6- الكافي 3:412 ح 2،التهذيب 3:303 ح 926،الاستبصار 1:457 ح 1773.و في المصادر الثلاثة:معمر بن عمر.
7- التهذيب 3:303 ح 927،الاستبصار 1:458 ح 1774،عن علي بن محمد بن سليمان عن الهادي عليه السلام.

ابن نوح إياه (1).

و لرواية أبي بصير و عبيد اللّه الحلبي،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يغمى عليه نهارا ثم يفيق قبل غروب الشمس،قال:«يصلي الظهر و العصر، و من الليل إذا أفاق قبل الصبح قضى صلاة الليل» (2).و على هذا عمل أكثر الأصحاب (3).

و بإزاء هذه روايات:كرواية حفص،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«يقضي صلاة يوم» (4).

و عن العلاء بن الفضيل عنه عليه السلام:«إن أفاق قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا،فإن أغمي عليه أياما قضى آخر أيامه» (5).

و رواية ابن سنان عنه عليه السلام:«كل ما تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه،فاقضه إذا أفقت عنه» (6).

و رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«يقضي ما فاته،يؤذّن في الاولى و يقيم في البقية» (7).

و رواية منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«يقضيها كلها،3.

ص: 426


1- الفقيه 1:237 ح 1041،التهذيب 3:303 ح 928،4:243 ح 711،الاستبصار 1:458 ح 1775.
2- هذه رواية أبي بصير،و هي في:التهذيب 3:305 ح 940،الاستبصار 1:460 ح 1787. و نحوها رواية الحلبي،و هي في:الفقيه 1:236 ح 1040،التهذيب 1:304 ح 933، الاستبصار 1:459 ح 1780.
3- راجع:المبسوط 1:125،المراسم:92،المعتبر 2:404.
4- التهذيب 3:303 ح 930،الاستبصار 1:458 ح 1777.
5- التهذيب 3:303 ح 931،الاستبصار 1:458 ح 1778.
6- التهذيب 3:304 ح 935،الاستبصار 1:459 ح 1782.
7- التهذيب 3:304 ح 936،الاستبصار 1:459 ح 1783.

انّ أمر الصلاة شديد» (1).

و في مقطوعة سماعة:«إذا جاز ثلاثة أيام فليس عليه قضاء،و إذا أغمي عليه ثلاثة أيام فعليه قضاء الصلاة» (2).

و رواية إسماعيل بن جابر،قال:سقطت من بعيري فانقلبت على أم رأسي،فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى عليّ،فسألته عن ذلك؟فقال:«اقض مع كل صلاة صلاة».و فيه تصريح بالتوسعة لو أوجبنا القضاء على المغمى عليه.

و هذه الروايات حملها ابن بابويه-في الفقيه-و الشيخ على الندب (3).

و قال ابن بابويه في المقنع:و اعلم انّ المغمى عليه يقضي جميع ما فاته من الصلوات.و روي:«انه ليس عليه ان يقضي الا صلاة اليوم الذي أفاق فيه، أو الليلة التي أفاق فيها».و روي:«انه يقضي صلاة ثلاثة أيام».و روي:

«يقضي ما أفاق في وقتها» (4).

و الجعفي-رحمه اللّه-في الفاخر أورد الروايات من الجانبين،و لم يجنح إلى شيء منها،فكأنّه متوقف.

و قال ابن الجنيد:و المغمى عليه أياما من علة سماوية،غير مدخل على نفسه ما لم يبح إدخاله عليها،إذا أفاق في آخر نهار إفاقة يستطيع معها الصلاة، قضى صلاته ذلك اليوم،و كذلك إن أفاق آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة.فان لم يكن مستطيعا لذلك كانت إفاقته كإغمائه،إذا لم يقدر على الصلاة بحال من الأحوال التي ذكرناها في صلاة العليل.فان كانت إفاقته في وقت لا يصح له7.

ص: 427


1- التهذيب 3:305 ح 938،الاستبصار 1:459 ح 1785،عن رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
2- التهذيب 4:244 ح 720،الاستبصار 1:458 ح 1776.
3- الفقيه 1:237،التهذيب 3:244.
4- المقنع:37.

إلا صلاة واحدة،صلى تلك الصلاة فقط.فان كانت (1)العلّة من محرم،أو فعل محظور،قضى جميع ما ترك من صلاته في إغمائه.

فظاهره وجوب قضاء صلاة يومه أو ليلته إن وسعها زمان الإفاقة،و الا فصلاة واحدة ان وسعها،و في روايتي حفص و العلاء دلالة ما عليه.و قد روى عبد اللّه بن محمد،قال كتبت إليه:جعلت فداك،روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المريض يغمى عليه أياما،فقال بعضهم:يقضي صلاة يومه الذي أفاق فيه،و قال بعضهم:يقضي صلاة ثلاثة أيام و يدع ما سوى ذلك،و قال بعضهم:انه لا قضاء عليه،فكتب:«يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه» (2).

و قال سلار-رحمه اللّه-:و قد روي:«انه إذا أفاق آخر النهار قضى صلاة ذلك اليوم،و ان أفاق آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة» (3)و ابن إدريس حكى هذا،و انه روي:«أنه يقضي صلاة شهر» (4).

و بعض العامة:يقضي خمس صلوات فما دون (5)لأنّ عليا عليه السلام أغمي عليه يوما و ليلة فقضى (6)و عمار أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن (7)و ابن عمر أغمي عليه أكثر من يوم و ليلة فلم يقض (8).

قلنا:الفعل أعم من الواجب،فيحمل على الندب.

و بعضهم:يقضي الجميع (9).و بعضهم كالاقوى عندنا،لأنه7.

ص: 428


1- في س زيادة:تلك.
2- التهذيب 3:305 ح 939،الاستبصار 1:459 ح 1786.
3- المراسم:92.
4- السرائر:59.
5- قاله أبو حنيفة،لاحظ:المجموع 3:6،بدائع الصنائع 1:246،المغني 1:446.
6- قال في مفتاح الكرامة 3:378:ما رووه عن علي[عليه السلام]غير صحيح كما ستسمع.
7- المصنف لعبد الرزاق 2:479 ح 4156،سنن الدار قطني 2:81،السنن الكبرى 1:387.
8- المصنف لعبد الرزاق 2:479 ح 4152،سنن الدار قطني 1:82،السنن الكبرى 1:388.
9- قاله أحمد بن حنبل،لاحظ:المغني 1:446،المجموع 3:7.

كالمجنون (1).

فروع:
الأول:لو زال عقل المكلف بشيء من قبله فصار مجنونا،

أو سكر فغطى عقله،أو أغمي عليه بفعل فعله،وجب القضاء لانه مسبب عن فعله، و افتى به الأصحاب (2)،و كذا النوم المستوعب و شرب المرقد.و لو كان النوم على خلاف العادة،فالظاهر إلحاقه بالإغماء،و قد نبه عليه في المبسوط (3).

فإن قلت:قد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» (4)و قال صلّى اللّه عليه و آله:«رفع القلم عن ثلاث:عن الصبي حتى يبلغ،و عن النائم حتى يستيقظ،و عن المجنون حتى يفيق» (5)و وجوب القضاء يتبع وجوب الأداء،فلم أوجب القضاء على الناسي و النائم؟ قلت:خرجا من العموم بخصوص قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها،فليصلها إذا ذكرها» (6).

الثاني:لو تناول المزيل للعقل غير عالم بذلك،

أو أكل غذاء مؤذيا لا يعلم به،أو سقي المسكر كرها أو لم يعلم كونه مسكرا،أو اضطر الى استعمال دواء فزال عقله،فهو في حكم الإغماء لظهور عذره.اما لو علم انّ جنسه مسكر و ظن انّ ذلك القدر لا يسكر،أو علم انّ متناوله يغمى عليه في وقت فتناوله في غيره مما يظن انه لا يغمى عليه فيه،لم يعذر لتعرضه للزوال.

ص: 429


1- قاله مالك و الشافعي،لاحظ:المغني 1:446.
2- راجع:المبسوط 1:126،المراسم:92،السرائر:59.
3- المبسوط 1:126.
4- الفقيه 1:36 ح 132،سنن ابن ماجة 1:659 ح 2045،السنن الكبرى 6:84.
5- مسند أحمد 6:100،صحيح البخاري 7:59،سنن ابن ماجة 1:658 ح 2041،سنن أبي داود 4:139 ح 4398،الجامع الصحيح 4:32 ح 1423،سنن النسائي 6:156.
6- مسند أحمد 3:100،سنن الدارمي 1:280،صحيح مسلم 1:471 ح 680،سنن ابن ماجة 1:228 ح 698،سنن أبي داود 1:119 ح 435،الجامع الصحيح 1:334 ح 177.

و لو وثب لحاجة فزال عقله أو أغمي عليه،فلا قضاء و لو كان عبثا، فالقضاء ان ظن كون مثله يؤثر ذلك و لو بقول عارف.

الثالث:لو شربت المرأة دواء لتحيض،

أو تسقط الولد فتصير نفساء، فالظاهر:عدم وجوب القضاء،لأنّ سقوط القضاء عن الحائض و النفساء ليس من باب الرخص و التخفيفات حتى يغلظ عليهما إذا حصلا بسبب منهما،انما هو عزيمة،لأمرهما بالترك،فإذا امتثلا الأمر فقضية الأصل عدم القضاء.

فإن قلت:هذا منقوض بقضاء الصوم مع أمرهما بتركه.

قلت:الصوم انما وجب بأمر جديد و نص من خارج على خلاف الأصل.

الرابع:المرتد الذي تقبل توبته يجب ان يقضي مدة ردته،

للعمومات خرج عنها الكافر الأصلي فيبقى ما عداه،و لانه التزم بالإسلام جميع الفرائض فلا يسقط عنه بالمعصية ما التزمه بالطاعة و كما في حقوق الآدميين،و لأنّا نجبره على الأداء حال ردته فيجبر على القضاء بعد توبته.

أما الذي لا يقبل رجوعه عندنا لكونه عن فطرة،فإن قتل فلا بحث إلا في حق وليّه.و ان فات السلطان و تاب،فهل تكون توبته مقبولة؟فيه نظر:

من حكم الشرع بعدم قبولها،و إجرائه مجرى الميت فيما يتعلق بنكاحه و إرثه.

و من عموم إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا (1)فأثبت لهم إيمانا بعد الكفر،و هو شامل لذي الفطرة و غيرها،و لأنّ كل دليل دلّ على قبول التوبة من العصاة آت فيه،و لامتناع تكليف اللّه تعالى العبد بما لا يقدر عليه،و لانه مخاطب بالايمان كغيره من الناس فيمتنع عدم قبوله،و الا لكان تكليفا بما لا يطاق.و وجوب قتله لوجهين:

أحدهما:حسم مادة الارتداد،و صيانة الإسلام و احترامه،فلا يدل ذلك

ص: 430


1- سورة النساء:137.

على عدم قبول توبته عند اللّه.

و الثاني:انّا لا نعلم مواطأة قلبه للسانه،و اللّه تعالى علام الغيوب.

فحينئذ يتوجه عليه القضاء و يصح منه،كالمرتد عن ملة.

و الشيخ-في الخلاف-قيّد المسألة بمن تقبل منه التوبة (1)فظاهره عدم تصوّرها في غيره.

الخامس:لو طرأ الجنون أو الإغماء على الردة،

فالأقرب عدم دخول أيامهما في القضاء،للعموم الدال على عدم قضاء المجنون و المغمى عليه، و هو شامل للمرتد و غيره.

قالوا:من جنّ في ردته فهو مرتد في جنونه حكما،و كل مرتد يقضي و لأنّ القضاء تغليظ عليه (2).

قلنا:نمنع مساواة المرتد حكما للمرتد حقيقة فإنّه أول المسألة،و نمنع شرع هذا التغليظ.

قالوا:ترك بسبب الردة فيسقط اعتبار الجنون،عملا بأسبق السببين (3).

قلنا:السبب الثاني أزال تكليفه،فمنع السبب الأول من التأثير.

و أولى في السقوط إذا طرأ الحيض على الردة،لأنها مأمورة بالترك بخلاف المجنون،فإنّه كما لا يخاطب بالفعل لا يخاطب بالترك.

و لو طرأ الجنون على السكر فكطريانه على الردة بل أقوى في السقوط، إذ لا يسمى حال جنونه سكران حقيقة و لا حكما.و لو اتصل السكر بالردة فلا ريب في قضاء أيامهما،و يستند قضاء كل فريضة إلى سبب فواتها و لا مدخل للآخر فيه.

و لو سكر بغير قصده،أو أغمي عليه بغير فعله،فالأقرب سقوط قضاء

ص: 431


1- الخلاف 1:442 المسألة 190.
2- فتح العزيز 3:99.
3- فتح العزيز 3:99.

أيامهما كما في غير المرتد،لاستناد الإسقاط إلى سبب بغير فعله.

المسألة الخامسة:لو استبصر مخالف الحق فلا إعادة لما صلاه صحيحا

عنده و ان كان فاسدا عندنا،

و لا لما هو صحيح عندنا و ان كان فاسدا عنده، و يحتمل الإعادة هنا،لعدم اعتقاده صحته.

و دلّ على الحكم الأول الخبر المشهور الذي رواه محمد بن مسلم و بريد و زرارة و الفضيل بن يسار،عن الباقر و الصادق عليهما السلام،قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء-كالحروريه،و المرجئة،و العثمانية،و القدرية- ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه،أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج،أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟قال:«ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة فإنه لا بد أن يؤديها،لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها،و انما موضعها أهل الولاية» (1).

و روى علي بن إسماعيل الميثمي،عن محمد بن حكيم،قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين،فقالا:جعلنا لك الفداء،كنا نقول بقول و ان اللّه منّ علينا بولايتك،فهل تقبل شيء من أعمالنا؟فقال:«اما الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة،فإن اللّه يتبعكما ذلك فيلحق بكما.و اما الزكاة فلا،لأنكما أبعدتما حق امرء مسلم و أعطيتماه غيره».

و لو ترك صلاة أو صلوات حال انحرافه،وجب قضاؤها بعد استقامته، للعمومات.و في كتاب الرحمة في الحديث مسند برجال الأصحاب إلى عمار الساباطي،قال:قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه عليه السلام و انا جالس:

اني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين،أقضي ما فاتني قبل معرفتي،قال:«لا تفعل،فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة» (2).

ص: 432


1- الكافي 3:545 ح 1،علل الشرائع:373،التهذيب 4:54 ح 143.
2- و رواه أيضا الكشي في اختيار معرفة الرجال:361 رقم 667.

و هذا الحديث مع ندوره و ضعف سنده لا ينهض مخصصا للعموم،مع قبوله التأويل:بأن يكون سليمان يقضي صلاته التي صلاها و سماها فائتة بحسب معتقده الآن،لانّه اعتقد انّه بحكم من لم يصل لمخالفتها في بعض الأمور،و يكون قول الامام:«من ترك ما تركت»من شرائطها و أفعالها،و حينئذ لا دلالة فيه على عدم قضاء الفائتة حقيقة في الحال الأول.

و قد تشكك بعض الأصحاب في سقوط القضاء عمن صلى منهم أو صام،لاختلال الشرائط و الأركان،فكيف يجزئ عن العبادة الصحيحة؟و هو ضعيف،لأنا كالمتفقين على عدم إعادتهم الحج الذي لا إخلال فيه بركن، مع انه لا يكاد ينفك من مخالفة في الصورة،و لأن الشبهة متمكنة فيعذر،و انما لم يعذر في الزكاة لأنها حق آدمي بني على التضيق.

لا يقال:انما لم يوجبا عليهما السلام الإعادة لهدم الايمان ما قبله،كما أشار إليه في خبر عمار.

فنقول:هذا خيال يبطل بإيجاب إعادة الزكاة،فلو كان الايمان هادما لم يفترق الحكم،و لانه لا يجب إعادة الحج،و لو كان هادما لوجب عند الاستطاعة.

المسألة السادسة:يجب ترتيب الفوائت في القضاء بحسب الفوات،

لما سبق، و لانه يتوقّف عليه يقين البراءة.هذا مع علم السابقة.

و مال بعض الأصحاب-ممن صنف في المضايقة و المواسعة-إلى انه لا يجب،و حمل الاخبار و كلام الأصحاب على الاستحباب و هو حمل بعيد، مردود بما اشتهر بين الجماعة.

فإن قيل:هي عبادات مستقلة،و الترتيب فيها من توابع الوقت و ضروراته فلا يعتبر في القضاء كالصيام.

قلنا:قياس في معارضة النص،و يعارض:بأنّها صلوات وجبت مرتبة، فلتقض مرتبة كالأداء.

ص: 433

و لو ذكر في الأثناء سابقة عدل ما أمكن.و لو أوجبنا الترتيب بين الفوائت و الحاضرة،فصلى الحاضرة ناسيا أو ظانا برائته،ثم ذكر في أثنائها،عدل إلى الفائتة.و كذا يعدل من أداء إلى أداء.

و نقل الشيخ في نقل النية من الحاضرة إلى الفائتة إجماع الأصحاب (1).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا ذكرت انك لم تصل الاولى و أنت في صلاة العصر (2)،فصل الركعتين الباقيتين.و قم فصل العصر» (3).

و لو لم يمكن العدول،أتم ما هو فيه و استأنف السابقة،و لم تجب الإعادة،لرفع النسيان (4).اما الجهل بالحكم فليس عذرا،لانّه ضم جهلا الى تقصير.

المسألة السابعة:لو جهل ترتيب الفوائت،

فالأقرب سقوطه،لامتناع التكليف بالمحال.و التزام التكرار يحصّله،لكن بحرج منفي و زيادة تكليف لم تثبت.

و كذا لو فاتته صلوات تمام و قصر،و جهل السابق،تخيّر.و قيل:يقضي الرباعية تماما و قصرا (5)و هو كالأول في الضعف.

و لو ظن سبق بعض،فالأقرب العمل بظنه،لانه راجح فلا يعمل بالمرجوح.

و لو شرع في نافلة فذكر انّ عليه فريضة أبطلها،لاختلاف الوجه فلا يعدل.و لو كانت مما يجوز تقديمه على القضاء-كما مر-أتمها إذ قلنا بجواز فعلها.و يجوز العدول من النفل الى النفل.و مسائل العدول ست عشرة،لأنّ كلا من الصلاتين اما فرض أو نفل،أداء أو قضاء،و مضروب الأربعة في مثلها

ص: 434


1- الخلاف 1:383 المسألة 139.
2- في المصدرين زيادة:«و قد صليت منها ركعتين».
3- الكافي 3:291 ح 1،التهذيب 3:158 ح 340.
4- الفقيه 1:36 ح 132،سنن ابن ماجة 1:659 ح 2045،السنن الكبرى 6:84.
5- المعتبر 2:410.

ستة عشر،تبطل منها أربعة النفل الى الفرض،و يصح الباقي.

المسألة الثامنة:الاعتبار في التمام و القصر بحال فوات الصلاة،

فإن فاتت في موضع وجوب قصرها قضاها قصرا و ان كان حاضرا،و ان كانت في موضع وجوب إتمامها قضاها تماما و ان كان مسافرا،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«فليقضها كما فاتته» (1).

و روى زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قلت:رجل فاتته صلاة في السفر فذكرها في الحضر،قال:«يقضيها كما فاتته،ان كانت صلاة سفر أدّاها في الحضر مثلها» (2).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا نسي الرجل صلاة صلاها بغير طهور و هو مقيم،فليقض أربعا مسافرا كان أو مقيما.و ان نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر،مسافرا كان أو مقيما» (3).

و لا خلاف بين المسلمين في وجوب إتمام ما فات في الحضر و ان فعل في السفر،الاّ ما نقل عن المزني من القصر اعتبارا بحالة الفعل،كالمريض إذا قضى فإنه يعتبر حاله،و المتيمم كذلك (4).

و ردّ:بسبق الإجماع،و المريض و المتيمم عاجزان عن القيام و استعمال الماء،و لا تكليف مع العجز.و لهذا لو شرع في الصلاة قائما ثم مرض قعد.

و لو شرع حاضرا ثم سارت به السفينة لم يقصر عنده و كذا عندنا،إذا كان قد مضى زمان يسعها تماما.

و اختلفوا في عكسه،لتخيّل انّ القصر رخصة في السفر و قد زال محلها،

ص: 435


1- المهذب البارع 1:460،عوالي اللئالي 3:107 ح 105.
2- الكافي 3:435 ح 7،التهذيب 3:162 ح 350.
3- الفقيه 1:282 ح 1283،التهذيب 3:225 ح 568.
4- حلية العلماء 2:202،المجموع 4:367.

و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا ذكرها» (1)فوجوبها عند الذكر و هو حاضر.

و جوابه:منع الرخصة بل هو عزيمة كما يأتي ان شاء اللّه.و وجوبها عند التذكر على حدّ الفوات جمعا بين الخبرين،إذ ليست واجبة ابتداء بل بسبب الفوات.

المسألة التاسعة:تقضى الجهرية و الإخفاتية كما كانت تؤدّى،

ليلا كان أو نهارا لتحقق المماثلة،و لنقل الشيخ فيه إجماعنا (2).و كذا يؤذن لها و يقام-كما يأتي إن شاء اللّه-و نقل أيضا فيه الإجماع (3).نعم،لو كانت مما لا أذان له-كعصر الجمعة،و عرفة-،اقتصر على الإقامة.

اما المساواة في كيفية الخوف فلا،بل يقضي الآمن مستوفيا للأفعال و ان فاتته حال الخوف.

و اما الكمية،فإن استوعب الخوف الوقت فقصر،و ان خلا منه قدر الطهارة و فعلها تامة فتمام،و ان أمن آخره فالأقرب الاكتفاء بركعة في التمام.

فلو فاتت فالأقرب قضاؤها تماما،إذ الأصل في الصلاة التمام و قد أدرك مصحح الصلاة،أعني:الركعة.

المسألة العاشرة:قال بعض المتأخرين بسقوط الترتيب بين اليومية و الفوائت

الأخر،

و كذا بين تلك الفوائت (4)اقتصارا بالوجوب على محل الوفاق.و بعض مشايخ الوزير السعيد مؤيد الدين ابن العلقمي-طاب ثراهما-أوجب الترتيب في الموضعين،لعموم:«فليقضها كما فاتته» (5)و جعله الفاضل في التذكرة احتمالا (6)و لا بأس به.

ص: 436


1- تقدم في ص 429 الهامش 6.
2- الخلاف 1:387 المسألة 140.
3- الخلاف 1:282 المسألة 26.
4- قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1:82.
5- المهذب البارع 1:460،عوالي اللئالي 3:107 ح 105.
6- تذكرة الفقهاء 1:82.

و لو فاتته صلوات الاحتياط،و قلنا بعدم تأثيرها في المحتاط لها، فالأقرب:وجوب ترتيب الاحتياط كالأصل،لأنه معرض للجزئية.و وجه عدم الوجوب:قضية الأصل،و انها صلوات مستقلة،و يضعف بشمول النص لها.

و عليه تنسحب الأجزاء المنسية في صلاة أو أكثر.

المسألة الحادية عشرة:لو علم في أثناء الفائتة ضيق الوقت عن الحاضرة عدل إلى

الحاضرة

لأنها صلاة صحيحة لو لا هذا المانع،فهي كالعدول من الحاضرة إليها.و لو لم يمكن العدول-بان يتجاوز محله-قطع الفائتة،إذ الوقت تعيّن لغيرها،فلو أتمها بطلت عمدا كان أو جهلا.

أما الناسي فمعذور،لارتفاع القلم عنه،و لان وقت الفائتة الذكر -و يمكن البطلان كما لو صلّى-فيتم الفريضة في مثل هذا الوقت.هذا إذا كان إتمام الفائتة هنا يستلزم خروج وقت الحاضرة بالكلية،أو بقاء (1)دون ركعة،اما لو كان الباقي قدر ركعة فما زاد مما لا يكمل به صلاة ففيه وجهان،من حيث انه ليس له ابتداء الفائتة هنا فكذا الاستدامة،و من عموم:«الصلاة على ما افتتحت عليه» (2)و النهي عن إبطال العمل.

و لو بقي قدر الصلاة بعد إتمامها لكن بالحمد وحدها،ففيه أيضا الوجهان.

المسألة الثانية عشرة:لو فاته ما لم يحصه،قضى حتى يغلب على الظن الوفاء،

تحصيلا للبراءة.فعلى هذا،لو شك بين عشر صلوات و عشرين قضى العشرين،إذ لا تحصل البراءة المقطوعة إلا به مع إمكانها.و للفاضل وجه بالبناء على الأقل،لأنه المتيقن،و لان الظاهر ان المسلم لا يترك الصلاة.

و كذا الحكم لو علم انّه فاتته صلاة معينة أو صلوات معينة و لم يعلم

ص: 437


1- في ط زيادة:ما.
2- التهذيب 2:197 ح 776.

كميتها،فإنه يقضي حتى يتحقق الوفاء،و لا يبنى على الأقل الا على ما قاله رحمه اللّه تعالى.

المسألة الثالثة عشرة:لو لم يعلم تعيين الفائتة،فقد مضى في الوضوء حكمها.

و لو لم يعلم العدد أيضا،كرر المردّد حتى يغلب الوفاء.

المسألة الرابعة عشرة:يستحب قضاء النوافل الموقتة،بإجماع علمائنا،

و قد روي في ذلك أخبار كثيرة،منها:

خبر عبد اللّه بن سنان و إبراهيم بن عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،في رجل فاته من النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع؟ قال:«يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته،فيكون قد قضى بقدر ما عليه».قلت:فإنّه ترك و لا يقدر على القضاء من شغله،قال:«إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها،أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه،و ان كان شغله للدنيا و تشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء،و الا لقي اللّه مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قلت:فإنه لا يقدر على القضاء فهل يصلح أن يتصدق؟فسكت مليا ثم قال:«نعم،ليتصدق بصدقة».قلت:«و ما يتصدق؟قال:«بقدر قوته،و أدنى ذلك مدّ لكل مسكين مكان كل صلاة».قلت:و كم الصلاة التي لها مدّ؟فقال:

«لكل ركعتين من صلاة الليل،و كل ركعتين من صلاة النهار».فقلت:لا يقدر، فقال:«مدّ لكل أربع ركعات».فقلت:لا يقدر،فقال:«مدّ لصلاة الليل،و مدّ لصلاة النهار،و الصلاة أفضل،و الصلاة أفضل،و الصلاة أفضل» (1).

و عن مرازم،قال:سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد اللّه عليه السلام:انّ عليّ نوافل كثيرة،فقال:«اقضها».فقلت:لا أحصيها.قال:«توخّ»فقال

ص: 438


1- تقدمت رواية ابن سنان في ص 415 الهامش 6. و اما رواية إبراهيم فقد أوردها المحقق في المعتبر 2:413.

مرازم:اني مرضت أربعة أشهر لم أصل نافلة،فقال:«ليس عليك قضاء ان المريض ليس كالصحيح،كل ما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر فيه» (1).

و بهذين الخبرين احتج الشيخ على ان من عليه فرائض لا يعلم كميتها، قال:يقضي حتى يغلب الوفاء (2)من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.

و عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّ الرب ليعجب ملائكته من العبد من عباده يراه يقضي النافلة،فيقول:عبدي يقضي ما لم أفترض عليه» (3).

و روى عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن اجتمع عليه صلاة من مرض،قال:«لا يقضي» (4).و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في مريض يترك النافلة،فقال:«إن قضاها فهو خير له،و ان لم يفعل فلا شيء عليه» (5).فالجمع بينها و بين ما سبق بالحمل على عدم تأكد القضاء في حق المريض،كما قاله الأصحاب (6).

و اما مرسلة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل تجتمع عليه الصلوات،قال:«ألقها و استأنف» (7)فلا تنافي الاستحباب،لأنّ المستحب جائز الترك.

فان قلت:أقل مراتب الأمر الاستحباب،فيستحب الإلقاء.

قلت:قد جاء للإباحة،و هو محمول على من يشقّ عليه القضاء.

المسألة الخامسة عشرة:يستحب تعجيل فائتة النهار بالليل و بالعكس،

قاله

ص: 439


1- الكافي 3:451 ح 4،علل الشرائع:362،التهذيب 2:12 ح 26،199 ح 779.
2- التهذيب 2:198.
3- الكافي 3:488 ح 8،التهذيب 2:164 ح 646.
4- الكافي 3:412 ح 6،التهذيب 3:306 ح 946.
5- الكافي 3:412 ح 5،التهذيب 3:306 ح 947.
6- راجع:المعتبر 2:413،شرائع الإسلام 1:121،تذكرة الفقهاء 1:83.
7- التهذيب 2:11 ح 21،276 ح 1095.

الأكثر (1)لعموم وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (2)و لقوله تعالى وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً (3).فعنهم عليهم السلام:«هو لمن جعل على نفسه شيئا من الخير من صلاة أو ذكر،فيفوته ذلك من الليل فيقضيه بالنهار،أو يشتغل بالنهار فيقضيه بالليل» (4).و عن عنبسة العابد في تفسيرها:«قضاء صلاة الليل بالنهار،و قضاء صلاة النهار بالليل» (5)و كان علي بن الحسين عليهما السلام يفعل ذلك (6).

و روى ابن أبي قرة-رحمه اللّه-بإسناده إلى إسحاق بن حماد،عن إسحاق بن عمار،قال:لقيت أبا عبد اللّه عليه السلام بالقادسية عند قدومه على أبي العباس،فاقبل حتى انتهينا الى طيزناباذ (7)فإذا نحن برجل على ساقية يصلي و ذلك ارتفاع النهار،فوقف عليه أبو عبد اللّه عليه السلام و قال:«يا عبد اللّه اي شيء تصلي؟»فقال:صلاة الليل فاتني أقضيها بالنهار.فقال:يا معتب حط رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل.فقلت:جعلت فداك تروي فيه شيئا؟فقال:«حدثني أبي،عن آبائه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:انّ اللّه يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار،يقول:يا ملائكتي انظروا الى عبدي كيف يقضي ما لم أفترض عليه،أشهدكم اني قد غفرت له».

و عن ابن أبي عقيل عنهم عليهم السلام في تفسير قوله تعالى اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (8)،اي:يدومون على أداء السنّة،فان فاتتهم بالليل3.

ص: 440


1- راجع:المبسوط 1:128،الوسيلة:84،شرائع الإسلام 1:64،مختلف الشيعة:149.
2- سورة آل عمران:133.
3- سورة الفرقان:62.
4- تفسير القمي 2:116،الفقيه 1:315 ح 1428.
5- التهذيب 2:275 ح 1093.
6- التهذيب 2:164 ح 644.
7- موضع بين الكوفة و القادسية على ميل منها.معجم البلدان 4:55.
8- سورة المعارج:23.

قضوها بالنهار،و ان فاتتهم بالنهار قضوها بالليل».

و عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام:«أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل،و صلاة النهار بالنهار» (1).و أمر الصادق عليه السلام معاوية بن عمار بقضاء الليلية في الليل،و النهارية في النهار (2).و عليه ابن الجنيد (3)و المفيد في الأركان.

و روى أبو بصير عنه عليه السلام:«إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل» (4).

و الجمع بالأفضل و الفضيلة،إذ عدم انتظار مثل الوقت فيه مسارعة إلى الخير.

و اما خبر عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس و هو في سفر،كيف يصنع أ يجوز له ان يقضي بالنهار؟قال:

«لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار،و لا يجوز له و لا يثبت له،و لكن يؤخرها فيقضيها بالليل» (5)فنسبه الشيخ الى الشذوذ،لمعارضة الأخبار الكثيرة له (6)، كخبر حسان بن مهران عنه عليه السلام في قضاء النوافل:«ما بين طلوع الشمس الى غروبها» (7).

المسألة السادسة عشرة:اختلفت الروايات في قضاء الوتر،

فالمشهور:انه يقضى وترا دائما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام (8)و زرارة عن

ص: 441


1- الكافي 3:452 ح 5،التهذيب 2:163 ح 643.
2- الكافي 3:451 ح 3،التهذيب 2:162 ح 637.
3- مختلف الشيعة:149.
4- التهذيب 2:163 ح 641.
5- التهذيب 2:272 ح 1081،الاستبصار 1:289 ح 1057.
6- المصدر السابق.
7- التهذيب 2:272 ح 1084،الاستبصار 1:290 ح 1064.
8- التهذيب 2:164 ح 648،الاستبصار 1:292 ح 1073.

الباقر عليه السلام (1)و عبد اللّه بن المغيرة عن الكاظم عليه السلام (2).

و في رواية الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام:«يقضيه من النهار ما لم تزل الشمس وترا،فإذا زالت فمثنى مثنى» (3).

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«الوتر ثلاث ركعات الى زوال الشمس،فإذا زالت الشمس فأربع ركعات» (4).

و عن كردويه الهمداني عن أبي الحسن عليه السلام:«ما كان بعد الزوال فهو شفع ركعتين ركعتين» (5).

و حمل الشيخ الأخبار الأخيرة تارة على من يصليه جالسا،و تارة بأنه على طريق العقوبة (6)،لما تضمنته مقطوعة زرارة،قال:«متى قضيته نهارا بعد ذلك اليوم قضيته شفعا».قلت:و لم؟قال:«عقوبة لتضييعه» (7).

المسألة السابعة عشرة:روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل تكون

عليه صلاة ليال كثيرة

،هل يجوز له أن يقضيها بأوتارها يتبع بعضها بعضا؟قال:

«نعم،كذلك له في أول الليل،و اما إذا انتصف الى أن يطلع الفجر فليس للرجل و لا للمرأة ان يوتر الا وتر صلاة تلك الليلة،فإن أحب أن يقضي صلّى ثماني ركعات و أخّر الوتر،ثم يقضي ما بدا له بلا وتر،ثم يوتر الوتر الذي لتلك الليلة خاصة» (8).فقد تضمن هذا الخبر أمرين:

أحدهما:عدم اجتماع وترين فصاعدا بعد نصف الليل:

ص: 442


1- التهذيب 2:165 ح 649،الاستبصار 1:292 ح 1074.
2- التهذيب 2:165 ح 650،الاستبصار 1:293 ح 1075.
3- التهذيب 2:165 ح 652،الاستبصار 1:293 ح 1077.
4- التهذيب 2:165 ح 653،الاستبصار 1:293 ح 1078.
5- التهذيب 2:165 ح 654،الاستبصار 1:293 ح 1079.
6- التهذيب 2:165،166،الاستبصار 1:293،294.
7- التهذيب 2:166 ح 658،الاستبصار 1:294 ح 1083.
8- التهذيب 2:273 ح 1086.

و الثاني:ان الأوتار تؤخّر إذا قضى نهارا،الا وتر ليلته.

و قد عارضها أشهر منها و أصح سندا،كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«إذا اجتمع عليك وتران و ثلاثة أو أكثر من ذلك،فاقض ذلك كما فاتك،تفصل بين كل وترين بصلاة،لا تقدمن شيئا قبل أوله،الأول فالأول.

تبدأ إذا أنت قضيت بصلاة ليلتك ثم الوتر».و قال عليه السلام:«لا وتران في ليلة الا و أحدهما قضاء».و قال:«إن أوترت من أول الليل و قمت في آخر الليل فوترك الأول قضاء،و ما صليت من صلاة في ليلتك كلها فلتكن قضاء الى آخر صلاتك فإنها لليلتك،و لتكن آخر صلاتك وتر ليلتك» (1).

و عن عيسى بن عبد اللّه القمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان أبو جعفر عليه السلام يقضي عشرين وترا في ليلة» (2).

و عن إسماعيل الجعفي عن الباقر عليه السلام،أ يكون وتران في ليلة؟ قال:«لا».فقلت:و لم تأمرني أوتر وترين في ليلة؟فقال عليه السلام:

«أحدهما قضاء» (3)،و نحوه عن (4)زرارة عنه عليه السلام (5).

قلت:لما كان الوتر يجعل الصلوات وترا،تخيل ان اجتماع وترين يخل بذلك،فالعمل على المشهور.

و قد روى الصدوق و الشيخ عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«لا تقض وتر ليلتك-يعني في العيدين-حتى تصلي الزوال في ذلك اليوم» (6)و هذا يشبه ما تقدم غير انه مختص بالعيدين.م.

ص: 443


1- الكافي 3:453 ح 11،التهذيب 2:274 ح 1087.
2- الكافي 3:453 ح 12،التهذيب 2:274 ح 1089.
3- الكافي 3:452 ح 5،التهذيب 2:163 ح 638.
4- في ط:حسنة.
5- التهذيب 2:164 ح 645.
6- الفقيه 1:322 ح 1474،عن حريز عن الصادق عليه السلام،و في التهذيب 2:274 ح 1088،بإسناده عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
خاتمة:
اشارة

فيها بحثان:

أحدهما:انه قد اشتهر بين متأخري الأصحاب-قولا و فعلا-الاحتياط

بقضاء صلاة يتخيل اشتمالها على خلل،

بل جميع العبادات الموهوم فيها ذلك،و ربما تداركوا ما لا مدخل للوهم في صحته و بطلانه في الحياة و بالوصية بعد الوفاة،و لم نظفر بنص في ذلك بالخصوص،و للبحث فيه مجال إذ يمكن أن يقال بشرعيته لوجوه،منها:قوله تعالى فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1)و اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ (2)و جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ (3)و اَلَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (4)وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (5)و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«دع ما يريبك الى ما لا يريبك» (6)و«انما الأعمال بالنيات» (7)و«من اتقى الشبهات استبرأ لدينه و عرضه» (8)و قوله صلّى اللّه عليه و آله للمتيمم لما أعاد صلاته لوجوده الماء في الوقت:«لك الأجر مرتين»و للذي لم

ص: 444


1- سورة التغابن:16.
2- سورة آل عمران:102.
3- سورة الحج:78.
4- سورة العنكبوت:69.
5- سورة المؤمنون:60.
6- مسند أحمد 3:153،الجامع الصحيح 4:668 ح 2518،سنن النسائي 8:327، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:52 ح 720،المستدرك على الصحيحين 2:13، السنن الكبرى 5:335.
7- مسند أحمد 1:25،صحيح البخاري 1:2،صحيح مسلم 3:1515 ح 1907،سنن ابن ماجة 2:1413 ح 4227،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:179 ح 1647.
8- عوالي اللئالي 1:394 ح 41.

يعد:«أصبت السنة» (1).

و قول الصادق عليه السلام في الخبر السالف:«انظروا الى عبدي يقضي ما لم أفترض عليه» (2).

و قول العبد الصالح في مكاتبة عبد اللّه بن وضاح:«ارى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة و تأخذ الحائطة لدينك» (3).

و ربما تخيل المنع لوجوه،منها:قوله تعالى يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ (4)يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ (5)و ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (6)و فتح باب الاحتياط يؤدي اليه.

و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«بعثت بالحنيفية السمحة السهلة» (7).

و روى حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ما أعاد الصلاة فقيه،يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها» (8).

و الأقرب الأول،لعموم قوله تعالى أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى (9)و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الصلاة خير موضوع،فمن شاء استقل،و من شاء استكثر» (10).و لان الاحتياط المشروع في الصلاة من هذا7.

ص: 445


1- المصنف لعبد الرزاق 1:230 ح 890،سنن الدارمي 1:190،سنن أبي داود 1:93 ح 338،سنن النسائي 1:213،سنن الدار قطني 1:189،المستدرك على الصحيحين 1: 178.
2- تقدم في ص 440.
3- التهذيب 2:259 ح 1031،الاستبصار 1:264 ح 952.
4- سورة البقرة:185.
5- سورة النساء:28.
6- سورة الحج:78.
7- تاريخ بغداد 7:209.
8- التهذيب 2:351 ح 1455.
9- سورة الفلق:9.
10- مسند أحمد 5:178،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1:287 ح 362،المستدرك على الصحيحين 2:597.

القبيل فان غايته التجويز،و لهذا قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«و ان كان صلّى أربعا كانت هاتان نافلة» (1).

و لأن إجماع شيعة عصرنا و ما راهقه عليه فإنهم لا يزالون يوصون بقضاء العبادات مع فعلهم إياها،و يعيدون كثيرا منها أداء و قضاء،و النهي عن إعادة الصلاة هو في الشك الذي يمكن فيه البناء.

البحث الثاني:في قضاء الصلوات عن الأموات.
اشارة

قد قدمنا شرعية ذلك بغير معارض له،و لنذكر هنا مسائل.

الاولى:في المقضي. و ظاهر الشيخين،و ابن أبي عقيل،و ابن البراج و ابن حمزة،و الفاضل في أكثر كتبه،انه جميع ما فات الميت (2)لما سلف من الأخبار.

و قال ابن الجنيد-رحمه اللّه-:و العليل إذا وجبت عليه صلاة فأخّرها عن وقتها الى أن مات قضاها عنه وليه،كما يقضي عنه حجة الإسلام و الصيام ببدنه،و ان جعل بدل ذلك مدا لكل ركعتين أجزأه،فان لم يقدر فلكل أربع، فان لم يقدر فمدّ لصلاة النهار و مدّ لصلاة الليل،و الصلاة أفضل (3)و كذا المرتضى أطاب اللّه ثراه و رضي عنه و أرضاه (4).

و قال ابن زهرة-قدس اللّه روحه-:و من مات و عليه صلاة وجب على وليه قضاؤها،و ان تصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه،فان لم يستطع فعن كل أربع بمدّ،فان لم يجد فمدّ لصلاة النهار و مدّ لصلاة الليل،و ذلك بدليل الإجماع

ص: 446


1- الكافي 3:353 ح 4.
2- المقنعة:56،103،المبسوط 1:127،النهاية:157،المهذب 1:196،الوسيلة: 150،تذكرة الفقهاء 1:276،مختلف الشيعة:241.
3- مختلف الشيعة:148.
4- جمل العلم و العمل 3:39.

و طريقة الاحتياط.

و أورد على نفسه قوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ،و ما روي من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا مات المؤمن انقطع عمله الا من ثلاث».

و أجاب:بأن الثواب للفاعل لا للميت،لأنّ اللّه تعالى تعبّد الولي بذلك و سمي قضاء عنه لحصوله عند تفريطه.

و معظم كلامه ككلام ابن الجنيد،و الإيراد و جوابه من كلام المرتضى في الانتصار (1).

و قد أجبنا عنه فيما مر.

و قال ابن إدريس-و تبعه سبطه نجيب الدين يحيى بن سعيد-و العليل إذا وجبت عليه فأخرها عن أوقاتها حتى مات قضاها عنه ولده الأكبر من الذكران،و يقضي عنه ما فاته من الصيام الذي فرّط فيه،و لا يقضي عنه الاّ الصلاة الفائتة في حال مرض موته فحسب،دون ما فاته من الصلوات في غير حال مرض الموت (2).

و قال الشيخ نجم الدين بن سعيد-رحمه اللّه-في كتابيه كقول الشيخين (3).

و في البغدادية له المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري -رحمه اللّه-:الذي ظهر انّ الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صيام و صلاة لعذر-كالمرض و السفر و الحيض-لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه.3.

ص: 447


1- الغنية:501. و الآية الكريمة في سورة النجم:39. و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في:صحيح مسلم 3:1255 ح 1631،الجامع الصحيح 3:660 ح 1376،السنن الكبرى 6:278.
2- السرائر:60،الجامع للشرائع:89.
3- المعتبر 2:701،شرائع الإسلام 1:203.

و قد كان شيخنا عميد-الدين قدّس اللّه لطيفه-ينصر هذا القول،و لا بأس به،فان الروايات تحمل على الغالب من الترك،و هو انما يكون على هذا الوجه،اما تعمد ترك الصلاة فإنه نادر.نعم،قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ للذمة، و الظاهر انه ملحق بالتعمّد للتفريط.

و رواية عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سمعته يقول:«الصلاة التي دخل وقتها قبل ان يموت الميت يقضي عنه أولى أهله به» وردت بطريقين،و ليس فيها نفي لما عداها،الا ان يقال:قضية الأصل تقتضي عدم القضاء الا ما وقع الاتفاق عليه،أو أنّ المعتمد مؤاخذ بذنبه فلا يناسب مؤاخذة الولي به،لقوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (1).

و اما الصدقة عن الصلاة فلم نرها في غير النافلة،كما سبق.و تخصيص ابن إدريس خال عن المأخذ.

الثانية:في القاضي. و صرح الأكثر بأنّه الولد الأكبر (2)-و كأنّهم جعلوه بإزاء حبوته لأنهم قرنوا بينها و بينه،و الأخبار خالية عن التخصيص،كما أطلقه ابن الجنيد و ابن زهرة (3)و لم نجد في أخبار الحبوة ذكر الصلاة.نعم،ذكرها المصنفون (4)-و لا بأس به اقتصارا على المتيقن،و ان كان القول بعموم كل وليّ ذكر أولى،حسب ما تضمنته الروايات.

الثالثة:في المقضي عنه. و ظاهرهم انّه الرجل،لذكرهم إياه في معرض الحبوة،و في بعض الروايات لفظ الرجل،و في بعضها الميت.و كلام المحقق يؤذن بالقضاء عن المرأة (5)و لا بأس به أخذا بظاهر الروايات،و لفظ الرجل3.

ص: 448


1- سورة الانعام:164.
2- راجع:المبسوط 1:286،الوسيلة:150،المعتبر 2:701،مختلف الشيعة:242.
3- راجع ص 446 الهامش 3،و 447 الهامش 1.
4- راجع:المقنعة:103،النهاية:633،الوسيلة:387.
5- لاحظ:المعتبر 2:703.

للتمثيل لا للتخصيص.

و الأقرب دخول العبد،لهذا الظاهر،مع إمكان عدمه إذ وليه وارثه و العبد لا يورث،و إلزام المولى بالقضاء أبعد.

فروع سبعة:
الأول:الأقرب اشتراط كمال الولي حالة الوفاة،

لرفع القلم عن الصبي و المجنون.و يمكن إلحاق الأمر به عند البلوغ،بناء على انه يحبى و انها تلازم القضاء.

اما السفيه و فاسد الرأي فعند الشيخ لا يحبى (1)فيمكن انتفاء القضاء عنه.و وجوبه أقرب أخذا بالعموم.و الشيخ نجم الدين لم يثبت عنده منع السفيه و الفاسد من الحبوة (2)فهو أولى بالحكم بوجوب القضاء عليهما.

الثاني:لا يشترط خلو ذمته من صلاة واجبة،

لتغاير السبب فيلزمان معا.

و الأقرب الترتيب بينهما،عملا بظاهر الأخبار و فحاويها.نعم،لو فاتته صلاة بعد التحمل أمكن القول بوجوب تقدمها،لأنّ زمان قضائها مستثنى كزمان أدائها.و أمكن تقديم المتحمل،لسبق سببه.

الثالث:الأقرب انه ليس له الاستئجار،

لمخاطبته بها و الصلاة لا تقبل التحمل عن الحي.و يمكن الجواز،لما يأتي إن شاء اللّه في الصوم،و لأنّ الغرض فعلها عن الميت.فان قلنا بجوازه،و تبرع بها متبرع،أجزأت أيضا.

الرابع:لو مات هذا الولي،

فالأقرب أنّ وليه لا يتحملها،لقضية الأصل،و الاقتصار على المتيقن،سواء تركها عمدا أو لعذر.

الخامس:لو أوصى الميت بقضائها عنه بأجرة من ماله،

أو أسندها إلى أحد أوليائه أو الى أجنبي و قبل،فالأقرب سقوطها عن الولي،لعموم وجوب العمل بما رسمه الموصي.

ص: 449


1- النهاية:634.
2- شرائع الإسلام 1:203.
السادس:لو قلنا بعدم قضاء الولي ما تركه الميت عمدا،

أو كان لا ولي له،فإن أوصى الميت بفعلها من ماله أنفذ،و ان ترك فظاهر المتأخرين من الأصحاب عدم وجوب إخراجها من ماله،لعدم تعلق الفرض بغير البدن، خالفناه مع وصية الميت لانعقاد الإجماع عليه،بقي ما عداه على أصله.

و بعض الأصحاب أوجب إخراجها كالحج،وصب الأخبار التي لا وليّ فيها عليه،و احتج أيضا بخبر زرارة،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:انّ أباك قال لي:«من فرّ بها فعليه أن يؤديها»،قال:«صدق أبي انّ عليه أن يؤدي ما وجب عليه،و ما لم يجب عليه فلا شيء عليه»،ثم قال:«أ رأيت لو انّ رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته،أ كان عليه و قد مات أن يؤديها؟فقلت:لا، قال:«الا ان يكون أفاق من يومه» (1).

فظاهره أنه يؤديها بعد موته،و هو انما يكون بوليه أو ماله،فحيث لا وليّ تحمل على المال،و هو شامل لحالة الإيصاء و عدمه.

السابع:لو أوصى بفعلها من ماله،

فان قلنا بوجوبه لو لا الإيصاء،كان من الأصل كسائر الواجبات.و ان قلنا بعدمه،فهو تبرع يخرج من الثلث الا ان يجيزه الوارث.

ص: 450


1- الكافي 3:525 ح 4،التهذيب 4:35 ح 92.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.